ِبسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

كتاب النكاح :

______________________________________________________

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)

الحمد لله ، والصلاة على رسوله محمد وآله الطاهرين.

قوله : ( كتاب النكاح ).

مقتضى كلام أهل اللغة أن استعمال لفظ النكاح في الوطء أغلب ، قال في الصحاح : النكاح الوطء وقد يقال العقد (٢) ، والشائع شرعا هو الثاني ، حتى صرح بعضهم بأن النكاح حقيقة في العقد مجاز في الوطء (٣) ، وقد يستدل له بأن استعمال النكاح في العقد في كلام الله تعالى أكثر ، بل قيل : لم يرد في الكتاب العزيز لفظ النكاح بمعنى الوطء خاصة ، إلاّ في قوله تعالى ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (٤) وأغلبية الاستعمال تشعر بالحقيقة ، وربما قيل : بأنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد ، استصحابا للوضع اللغوي ، إذ الأصل عدم النقل ، وقيل : بأنه مشترك بينهما ، لاستعماله فيهما ، ولظاهر قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٥) فإنه يتناول المعقود‌

__________________

(١) في « ش » : رب سهل ويسر ، وفي « ض » : وبه نستعين.

(٢) الصحاح ١ : ٤١٣ مادة ( نكح ).

(٣) قاله الراغب في المفردات : ٥٠٥ مادة ( نكح ).

(٤) البقرة : ٢٣٠.

(٥) النساء : ٢٢.


وفيه أبواب :

الأول : في المقدمات ، وهي سبعة مباحث :

أ : النكاح مستحب ، ويتأكد في القادر مع شدة طلبه.

وقد يجب إذا خشي الوقوع في الزنا ، سواء الرجل والمرأة.

والأقرب أنه أفضل من التخلي للعبادة لمن لم تثق نفسه إليه.

______________________________________________________

عليها والمنكوحة بالملك ، ويردّه : أن الاشتراك على خلاف الأصل ، والمجاز خير منه ، ولو أريد المعنيان في الآية ، فلا بد من كونه مجازا ، لأن المشترك لا يستعمل في المعنيين إلاّ مجازا على الأصح ، وحينئذ فلا أرجحية للاشتراك على استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه.

قوله : ( وفيه أبواب : الأول في المقدمات ، وهي سبعة مباحث ).

أراد : مقدمات البحث المقصود في النكاح.

قوله : ( أ : النكاح مستحب ، ويتأكد في القادر مع شدّة طلبه ، وقد يجب إذا خشي الوقوع في الزنا ، سواء الرجل والمرأة ، والأقرب أنه أفضل من التخلّي للعبادة لمن يثق من نفسه ).

هنا بحثان :

الأول : في بيان حكم النكاح ، هل هو مستحب مطلقا ، أم لمن تاقت نفسه إليه أي : اشتاقت؟ الأصح الأول ، لكثرة النصوص الدالة على طلبه :

مثل قوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (١) وقوله تعالى : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ) (٢).

__________________

(١) النساء : ٣.

(٢) النور : ٣٢.


______________________________________________________

وقول النبيّ 6 : « النكاح سنتي ، فمن رغب عن سنتي فليس مني » (١).

وقوله 7 : « أكثر أهل النار العزاب » (٢).

وقوله 7 : « أراذل موتاكم العزاب » (٣).

وقوله 7 : « من أحبّ فطرتي فليستنّ بسنتي ، ألا وهي النكاح » (٤).

وقوله 7 : « تزوّجوا فإنّي مكاثر بكم الأمم غدا يوم القيامة » (٥).

وقوله 7 : « من تزوج أحرز نصف دينه ، فليتق الله في النصف الآخر » (٦).

وقوله 7 : « الركعتان يصليهما متزوج ، أفضل من رجل عزب يقوم ليله ويصوم نهاره » (٧) وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة.

ولأن في النكاح تكثير النسل وبقاء النوع الإنساني ، وربما أثمر ولدا وليا صالحا ، وفيه دفع وسوسة الشيطان ، والخلاص من شر الوحدة ، والاستعانة بالزوجة الصالحة على أمور الدين.

ولا فرق في ذلك كلّه بين من تاقت نفسه إليه وغيره ، ولا بين الرجل والمرأة ،

__________________

(١) صحيح البخاري ٧ : ٢ ، صحيح مسلم ٢ : ١٠٢٠ حديث ١٤٠١ ، سنن النسائي ٦ : ٦٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٩٢ ، سنن البيهقي ٧ : ٧٧ ، جامع الاخبار : ١١٨ ، وغيرها.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٤٢ حديث ١١٤٩.

(٣) الكافي ٤ : ٣٢٩ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ٢٤٢ حديث ١١٤٨ ، التهذيب ٧ : ٢٣٩ حديث ١٩٤٥.

(٤) الكافي ٥ : ٤٩٦ حديث ٦ ، الجعفريات : ٨٩ ، نوادر الراوندي : ٣٥ ، الجامع الصغير ٢ : ٥٥٣ ، وغيرها.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٤٢ حديث ١١٤٤.

(٦) الكافي ٥ : ٣٢٨ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٤١ حديث ١١٤١ و ١١٤٢ ، أمالي الطوسي ٢ : ١٣٢. جامع الاخبار : ١١٨ ، وغيرها.

(٧) الكافي ٥ : ٣٢٩ حديث ٦.


______________________________________________________

ولا بين القادر على أهبه النكاح وغيره.

وقال الشيخ : المستحب لمن لا يشتهي النكاح أن لا يتزوج ، لقوله تعالى عن يحيى ( وَسَيِّداً وَحَصُوراً ) (١) مدحه على كونه حصورا ، وهو : الذي لا يشتهي النساء ، وقال قوم : هو الذي يمكنه أن يأتي النساء ولا يفعله (٢).

ولأن في النكاح تعريضا لتحمّل حقوق الزوجة ، والاشتغال عن كثير من المقاصد المهمّة الدينية ، وحصول الولد الصالح والزوجة الصالحة غير معلوم ، وللذم المتبادر من قوله تعالى ( زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ ) (٣).

وجوابه : إن مدح يحيى بذلك لعله لكونه كذلك في شرعه ، وشرعهم ليس شرعا لنا ، على أنه ربما كان مكلّفا بالسياحة وإرشاد أهل زمانه في بلادهم ، والنكاح ينافي ذلك ، وتحمل الحقوق يزيد في الأجر ، لأنه حينئذ من لوازم الطاعة ومقتضياتها.

ويكفي لأفضلية النكاح كونه مظنّة الولد الصالح والقرين الصالح ، والذم في الآية الأخيرة ـ على إرادة النكاح لمحض الشهوة البهيمية ، من دون إرادة الطاعة ، وكسر سورة الشهوة ، واكتساب الولد الصالح ـ لا ينافي المدّعى. ولا يخفى أن النكاح قد يجب ، إذا خشي المكلف الوقوع في الزنا بدونه ، ولو أمكن التسري فهو أحد الواجبين على التخيير ، وقد يحرم إذا أفضى إلى الإخلال بواجب كالحج.

وذهب ابن حمزة إلى أنه إذا اجتمعت القدرة على النكاح والشهوة ، استحب للرجل والمرأة ، وإن فقدا معا كره ، وإن افترقا لم يكره ولم يستحب (٤).

__________________

(١) آل عمران : ٣٩.

(٢) المبسوط ٤ : ١٦٠.

(٣) آل عمران : ١٤.

(٤) الوسيلة : ٣٣٩.


وينبغي أن يتخيّر الولود ، البكر العفيفة ، الكريمة الأصل.

______________________________________________________

الثاني : على القول بأن النكاح مستحب ، فهل هو أفضل من التخلي للعبادة أم لا؟ فيه قولان ، أصحهما ـ واختاره المصنف ـ الأول ، لعموم الأوامر بفعله ، مع التأكيدات البليغة.

مثل قوله تعالى ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (١).

وقول الصادق 7 : « ركعتان يصليهما متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب » (٢) ، والحديث المذكور أولا.

وما روي عن أبي عبد الله 7 عن آبائه ، قال : قال رسول الله 6 : « ما استفاد امرؤ فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة ، تسرّه إذا نظر إليها ، وتطيعه إذا أمرها ، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله » (٣).

ولأن النكاح من مقدمات العبادة ومكمّلاتها (٤) فهو بالنسبة إليها أصل ، مع أنه عبادة في نفسه.

ويحتمل العدم ، لما يتضمن من القواطع والشواغل وتحمّل الحقوق. وجوابه : أن زيادة المشقة أحرى بزيادة الأجر.

قوله : ( وينبغي ان يتخيّر الولود البكر العفيفة الكريمة الأصل ).

المراد : أنه يستحب ذلك.

روى الصدوق عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه : ، قال : قال رسول الله 6 : « أفضل نساء أمتي أصبحهنّ وجها وأقلهنّ‌

__________________

(١) النور : ٣٢.

(٢) الكافي ٥ : ٣٢٨ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٤٢ حديث ١١٤٦ ، التهذيب ٧ : ٢٣٩ حديث ١٠٤٤.

(٣) الكافي ٥ : ٣٢٧ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٤٦ حديث ١١٦٨ ، التهذيب ٧ : ٢٤٠ حديث ١٠٤٧.

(٤) في « ض » : من مكملات العبادة ومقدماتها.


______________________________________________________

مهرا » (١).

وقال الصادق 7 : « من بركة المرأة خفّة مؤنتها وتيسير ولادتها ، ومن شؤمها شدّة مؤنتها وتعسير ولادتها » (٢).

وقال أمير المؤمنين 7 : « تزوج (٣) سمراء عيناء عجزاء مربوعة ، فإن كرهتها فعليّ الصداق » (٤).

وقال رسول الله 6 : « ألا أخبركم بخير نسائكم؟ قالوا : بلى يا رسول الله فأخبرنا ، قال : إن من خير نسائكم الولود ، الودود ، الستيرة ، العفيفة ، العزيزة في أهلها ، الذليلة المتبرجة مع بعلها ، الحصان مع غيره ، التي تسمع قوله وتطيع أمره ، وإذا خلا بها تبذّلت له ما أراد منها ، ولم تبذّل له تبذّل الرجل.

ألا أخبركم بشرّ نسائكم؟ قالوا : بلى يا رسول الله فأخبرنا ، قال : من شر نسائكم الذليلة في أهلها ، العزيزة مع بعلها ، العقيم ، الحقود ، التي لا تتورع عن قبيح ، المتبرجة إذا غاب زوجها عنها ، الحصان معه إذا حضر ، التي لا تسمع قوله ولا تطيع أمره ، فإذا خلا بها تمنّعت تمنّع الصعبة عند ركوبها ، ولا تقبل له عذرا ، ولا تغفر له ذنبا » (٥) الحديث.

وقال 7 : « إيّاكم وخضراء الدّمن ، قيل : يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء » (٦).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٤٣ حديث ١١٥٦.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٤٥ حديث ١١٥٩ ، التهذيب ٧ : ٣٩٩ حديث ١٥٩٤.

(٣) في « ض » والكافي : تزوجوا ، والمثبت من « ش » والفقيه.

(٤) الكافي ٥ : ٣٣٥ حديث ٢ و ٨ ، الفقيه ٣ : ٢٤٥ حديث ١١٦٢.

(٥) الكافي ٥ : ٣٢٤ حديث ١ ، وفيه صدر الحديث ، وص ٣٢٥ حديث ١ ، وفيه ذيل الحديث ، الفقيه ٣ : ٢٤٦ حديث ١١٦٧ ، وفيه صدر الحديث ، التهذيب ٧ : ٤٠٠ حديث ١٥٩٧.

(٦) الكافي ٥ : ٣٣٢ حديث ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٤٨ حديث ١١٧٧ ، التهذيب ٧ : ٤٠٣ حديث ١٦٠٨.


وصلاة ركعتين ، وسؤال الله تعالى أن يرزقه من النساء ، أعفهن فرجا وأحفظهن له في نفسها وماله ، وأوسعهن رزقا ، وأعظمهن بركة ، وغيره من الأدعية والاشهاد ، والإعلان ،

______________________________________________________

وقال 7 : « تزوّجوا الأبكار ، فإنّهنّ أطيب شي‌ء أفواها ، وأدرّ شي‌ء أخلافا ، وأحسن شي‌ء أخلاقا ، وأفتح شي‌ء أرحاما » (١) ولأن البكر أحرى بالألفة وقبول ما تعلّم.

واعلم : ان المراد بـ ( الولود ) ما من شأنها ذلك ، بأن تكون في سنّ الولادة ، والغالب على قراباتها ذلك ، ولم تدلّ العلامات الظنية على عقمها.

قوله : ( وصلاة ركعتين ، وسؤال الله تعالى أن يرزقه من النساء : أعفهن فرجا ، وأحفظهنّ له في نفسها وماله ، وأوسعهنّ رزقا ، وأعظمهنّ بركة ، وغيره من الأدعية ).

روي عن الصادق 7 : « ان الرجل إذا همّ بالتزوج ، فليصلّ ركعتين ، وليحمد الله تعالى ، ويقول : اللهم إني أريد أن أتزوج ، اللهم فقدّر لي من النساء أعفهنّ فرجا ، وأحفظهنّ لي في نفسها ومالي ، وأوسعهنّ رزقا ، وأعظمهنّ بركة ، وقدّر لي منها ولدا طيبا تجعله خلفا صالحا في حياتي وبعد موتي » (٢) وغير ذلك من الأدعية.

قوله : ( والاشهاد والإعلان ).

يستحب الاشهاد على النكاح الدائم والإعلان به وإظهاره ، لأنه أنفي للتهمة وأبعد عن الخصومة ، ولا يشترط ذلك في صحة العقد.

وشرط ابن أبي عقيل (٣) ـ في النكاح الدائم ـ الإشهاد ، لأن في مكاتبة المهلب‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٣٤ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٤٠٠ حديث ١٥٩٨.

(٢) الكافي ٥ : ٥٠١ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ٢٤٩ حديث ١١٨٧.

(٣) نقله عنه العلامة في المختلف : ٥٣٥.


والخطبة قبل العقد ،

______________________________________________________

الدلال إلى ابي الحسن : « التزويج الدائم لا يكون إلاّ بوليّ وشاهدين » (١).

وهي مع ضعف سندها محمولة على الاستحباب ، لما روي عن الباقر والصادق 8 ، ان الاشهاد في النكاح لأجل الإرث والولد ، وأنه لا بأس به فيما بينه وبين الله تعالى لو تزوج بغير شهود (٢).

قوله : ( والخطبة قبل العقد ).

الخطبة بالضم ، هي ما اشتمل على : حمد الله تعالى ، والثناء عليه ، والشهادتين ، والصلاة على النبي 6 ، والوعظ ، والوصية بتقوى الله تعالى ، كذا فسّرها في التذكرة (٣) ، ومراده الخطبة الكاملة.

ولا ريب أنه يستحب فعلها أمام العقد ، ولا تجب خلافا لداود (٤) ، وقد روي أن النبي 6 خطب فقال :

« الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلله فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ، واتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ، اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ، وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٥٥ حديث ١١٠١ ، الاستبصار ٣ : ١٤٦ حديث ٥٢٩.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٤٨ حديث ١٠٧٦ ، وص ٢٤٩ حديث ١٠٧٧.

(٣) التذكرة ٢ : ٥٧٠.

(٤) المجموع ١٦ : ٢٠٧ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٤٣٣.

(٥) سنن الترمذي ٣ : ٤١٣ حديث ١١٠٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٠٩ حديث ١٨٩٢ و ١٨٩٣ ، سنن البيهقي ٧ : ١٤٦ ـ وفي هذه المصادر ذكر صدر الحديث فقط ـ سنن أبي داود ٢ : ٢٣٩ حديث ٢١١٨ ، سنن الدارمي ٢ : ١٤٢.


وإيقاعه ليلا.

ويكره والقمر في برج العقرب.

______________________________________________________

وذكر في التذكرة : أن الجواد 7 لما تزوج بنت المأمون خطب فقال : « الحمد لله متم النعم برحمته ، والهادي إلى شكره بمنّه ، وصلى الله على خير خلقه الذي جمع فيه من الفضل ما فرقه في الرسل ، وجعل ثوابه إلى من خصه بخلافته وسلم تسليما ، وهذا أمير المؤمنين زوجني ابنته على ما فرض الله عز وجل للمسلمات على المؤمنين (١) إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، وبذلت لها من الصداق ما بذله رسول الله 6 لأزواجه ، وهو اثنا عشر أوقية ونش ، على تمام الخمسمائة ، وقد نحلتها من مالي مائة ألف ، زوجتني يا أمير المؤمنين؟ قال : بلى ، قال : قبلت ورضيت » (٢).

إذا عرفت ذلك فالنش عشرون درهما ، والأوقية أربعون ، فبذلك تكمل الخمسمائة.

واعلم : أنه يكفي في الخطبة الحمد لله ، روي عن الصادق 7 ، عن علي بن الحسين 7 : « إذا حمد الله فقد خطب » (٣).

واعلم أيضا أن المصنف ذكر في التذكرة : أن من خطب امرأة يستحب أن يقدّم بين يدي خطبته خطبة ويخطب الولي كذلك ، ثم يقول : لست بمرغوب عنه أو ما في معناه ، فيكون للنكاح خطبتان : إحداهما للخطبة ـ بكسر الخاء ـ وهي طلب المرأة ، والأخرى أمام العقد (٤). ولا بأس به ، إذ ليس فيه إلا زيادة الثناء على الله ورسوله.

قوله : ( وإيقاعه ليلا ، ويكره والقمر في برج العقرب ).

أي : يستحب إيقاع العقد ليلا.

__________________

(١) في « ش » و « ض » : المؤمن ، والمثبت من المصدر وهو الأنسب.

(٢) تذكره الفقهاء ٢ : ٥٧١.

(٣) الكافي ٥ : ٣٦٨ حديث ٢.

(٤) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٧١.


ب : يستحب عند الدخول صلاة ركعتين ، والدعاء ، وأمر المرأة بذلك ، ووضع يده على ناصيتها والدعاء ، وطهارتهما ، والدخول ليلا ، والتسمية عند الجماع ، وسؤال الله تعالى الولد الصالح الذكر السوي ،

______________________________________________________

روى العامة عن النبي 6 أنه قال : « أمسوا بالأملاك فإنه أعظم للبركة » (١).

وقد روى الأصحاب عن الرضا 7 : « من السنة التزويج بالليل ، لأن الله عز وجل جعل الليل سكنا والنساء إنما هن سكن » (٢) ولأنه أقرب إلى مقصوده وأقل لانتظاره ، حيث يكون الاملاك ليلة الدخول.

وقال بعض العامة : يستحب العقد يوم الجمعة لشرفه وكونه يوم عيد وفيه خلق الله تعالى آدم 7 ، وليس بشي‌ء.

وأما كراهية التزويج والقمر في العقرب ، فلما رواه الشيخ والصدوق بإسنادهما عن الصادق 7 ، قال : « من تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى » (٣) والتزويج حقيقة في العقد.

قوله : « ب : يستحب عند الدخول صلاة ركعتين ، والدعاء ، وأمر المرأة بذلك ، ووضع يده على ناصيتها والدعاء ، وطهارتهما ، والدخول ليلا ، والتسمية عند الجماع ، وسؤال الله تعالى الولد الصالح الذكر السوي ).

يستحب لمن أراد الدخول بزوجته أن يصلي ركعتين ، ويدعو بعدهما بالمنقول ، وأن يأمر أهل المرأة أن يأمروها عند انتقالها إليه بصلاة ركعتين أيضا والدعاء.

روى أبو بصير قال : سمعت رجلا وهو يقول لأبي جعفر 7 : جعلت‌

__________________

(١) انظر : المغني لابن قدامة ٧ : ٤٣٥.

(٢) الكافي ٥ : ٣٦٦ حديث ١. التهذيب ٧ : ٤١٨ حديث ١٦٧٥.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٥٠ حديث ١١٨٨ ، التهذيب ٧ : ٤٠٧ حديث ١٦٢٨.


______________________________________________________

فداك إني رجل قد أسننت ، وقد تزوجت امرأة بكرا صغيرة ، ولم أدخل بها ، وأنا أخاف إذا دخلت على فراشي أن تكرهني ، لخضابي وكبري. قال الباقر 7 : « إذا دخلت عليك إن شاء الله ، فمرهم قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئة ، ثم لا تصل إليها أنت حتى تتوضأ وتصلّ ركعتين ، ثم مرهم يأمروها أن تصلي أيضا ركعتين ، ثم تحمد الله وتصلّ على محمد وآله ، ثم ادع الله ومر من معها أن يأمّنوا على دعائك ، ثم ادع الله وقل : اللهم ارزقني إلفها وودّها ورضاها بي وأرضني بها ، واجمع بيننا بأحسن اجتماع ، وآنس ائتلاف (١) ، فإنك تحب الحلال وتكره الحرام » (٢) الحديث.

وتدعو بما تقدّم أيضا ، وليكونا على طهارة عند الدخول ، لما يظهر من هذا الحديث.

ويستحب أن يكون الدخول ليلا ، محاذرة أن يحصل من الحياء ما يتعذر معه الجماع ، ولقول الصادق 7 : « زفوا عرائسكم ليلا ، وأطعموا ضحى » (٣).

ويستحب أن يسمّي عند الجماع ، قال الصادق 7 : « إذا أتى أحدكم أهله فليذكر الله عند الجماع ، فان لم يفعل وكان منه ولد ، كان شرك شيطان ، ويعرف ذلك بحبنا وبغضنا » (٤).

ويستحب أن يسأل الله تعالى أن يرزقه ولدا ذكرا سويا ، لقول الصادق 7 لبعض أصحابه : « إذا دخل عليك أهلك فخذ بناصيتها واستقبل بها القبلة ، وقل : اللهم بأمانتك أخذتها ، وبكلماتك استحللت فرجها ، فان قضيت لي ولدا ، فاجعله‌

__________________

(١) في « ش » : وانس وائتلاف. وفي الكافي : وأنفس ائتلاف.

(٢) الكافي ٥ : ٥٠٠ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٤٠٩ حديث ١٦٣٦.

(٣) الكافي ٥ : ٣٦٦ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٥٤ حديث ١٢٠٣ ، التهذيب ٧ : ٤١٨ حديث ١٦٧٦.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٥٦ حديث ١٢١٤.


والوليمة عند الزفاف يوما أو يومين واستدعاء المؤمنين.

ولا يجب الإجابة ، بل تستحب ، وكذا الأكل وإن كان صائما ندبا.

______________________________________________________

مباركا سويا ، ولا تجعل للشيطان فيه شركا ولا نصيبا » (١).

وفي لفظ آخر : « فان قضيت في رحمها شيئا ، فاجعله مسلما سويا ، ولا تجعله شرك شيطان » (٢).

قوله : ( والوليمة عند الزفاف يوما أو يومين ، واستدعاء المؤمنين ، ولا تجب الإجابة ، بل تستحب [ وكذا الأكل ] (٣) وإن كان صائما ندبا ).

الوليمة هي : طعام العرس ، قال ثغلب وغيره من أهل اللغة : إنه لا يقع على غيره ، قال في التذكرة : وإنّما سمّي طعام العرس الوليمة ، لاجتماع الزوجين ، لأن الأصل في الوليمة اجتماع الشي‌ء وتمامه (٤).

ويسمّى الطعام المتخذ عند الولادة : الخرس والخرسة ، وعند الختان : العذيرة ويسمّى الاعذار ، وعند احداث البناء : الوكيرة ، يقال : وكّر وخرّس بالتشديد ، وعند قدوم الغائب : النقيعة ، يقال : نقع بالتخفيف ، والذبح عند حلق رأس المولود في اليوم السابع : العقيقة ، وعند حذاق الصبي : الحذاق بفتح أوله ، وكسره : تعلّم الصبي القرآن أو العمل ، والمأدبة : اسم لما يتخذ من غير سبب.

وزفاف العروس إلى زوجها بكسر أوله : اهداؤها اليه.

ولا خلاف عندنا في استحباب الوليمة ، وللشافعية في استحبابها أو وجوبها‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥٠٠ حديث ٢.

(٢) الكافي ٥ : ١ ، حديث ٣.

(٣) ما بين المعقوفتين لم يرد في ( ش ) و ( ض ) وأثبتناه من خطية القواعد المعتمدة ، لشرح المصنف له ، وبه يتم سياق العبارة.

(٤) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٧٨.


______________________________________________________

قولان (١).

وليكن ذلك يوما أو يومين ، قال الباقر 7 : « الوليمة يوم ويومان مكرمة ، وثلاثة أيام رياء وسمعة » (٢).

ووقتها هل هو قبل الدخول ، أم بعده؟ لم أجد به تصريحا ، وروى السكوني عن الصادق 7 قال : « زفّوا عرائسكم ليلا ، وأطعموا ضحى » (٣) وظاهر هذه أنه بعد الدخول. وفي رواية الوشاء عن الرضا 7 قال : « إن النجاشي لمّا خطب لرسول الله 6 آمنة بنت أبي سفيان فزوجه ، دعا بطعام وقال : إن من سنن المرسلين الإطعام عند التزويج » (٤) وظاهر هذا أنه بعد العقد. ورواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله 7 قال : « إن رسول الله 6 حين تزوج ميمونة بنت الحارث أو لم عليها وأطعم الناس الحيس » (٥) وهذه محتملة ، ولعل الكل جائز.

ولا تجب الإجابة إلى الدعوة إلى وليمة العرس عند علمائنا أجمع ، بل تستحب ، وهو أشهر قولي الشافعي (٦) ، بناء على استحباب الوليمة ، وعلى الوجوب تجب الإجابة عنده قطعا.

ويستحب الأكل وإن كان صائما ندبا ، وقوّى في التذكرة استحباب إتمام الصوم‌

__________________

(١) انظر : كفاية الأخيار ٢ : ٤٢.

(٢) الكافي ٥ : ٣٦٨ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٤٠٩ حديث ١٦٣١.

(٣) الكافي ٥ : ٣٦٦ حديث ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٥٤ حديث ١٢٠٣ ، التهذيب ٧ : ٤١٨ حديث ١٦٧٦.

(٤) الكافي ٥ : ٣٦٧ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٤٠٩ حديث ١٦٣٣.

(٥) الكافي ٥ : ٣٦٧ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٤٠٩ حديث ١٦٣٢. والحيس المذكور في الرواية هو : تمر يخلط بسمن وأقط فيعجن شديدا ثم يندر منه نواه وربما جعل فيه سويق. القاموس ٢ : ٢٠٩ حيس.

(٦) انظر : الوجيز ٢ : ٣٦ ، كفاية الأخيار ٢ : ٤٣.


ويجوز أكل نثار العرس لا أخذه إلاّ بإذن أربابه نطقا أو بشاهد الحال ، ويملك حينئذ بالأخذ على اشكال.

______________________________________________________

إن لم يشق على صاحب الدعوة (١) ، والظاهر الاستحباب مطلقا ، لرواية داود الرقي عن أبي عبد الله 7 : « لإفطارك في منزل أخيك أفضل من صيامك سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا » (٢) وصحيحة جميل بن دراج عنه 7 قال : « من دخل على أخيه وهو صائم فأفطر عنده ولم يعلم بصومه فيمنّ عليه ، كتب الله له صوم سنة » (٣).

ولو كان الصوم واجبا معينا لم يجز الإفطار ، أو غير معيّن كالنذر المطلق والقضاء الموسع قبل الزوال ، فعدم الخروج منه أولى ، لأن ذمته مشغولة ، وقد يحصل له عائق عن إبراء ذمته وقضاء (٤) ما عليه ، وللشافعي وجه أنه لا يجوز الخروج منه ، لأنه لا يجوز إبطال الواجب بعد الشروع فيه (٥).

قوله : ( ويجوز أكل نثار العرس لا أخذه إلاّ بإذن أربابه ، نطقا أو بشاهد الحال ، ويملك حينئذ بالأخذ على إشكال ).

يجوز نثر السكر والجوز واللوز والقسب (٦) والتمر ونحو ذلك في الإملاكات ، للأصل ، وعند جمع من العامة أنه مكروه ، لأنه يؤخذ باختلاس وانتهاب ، وقد يؤدى إلى الوحشة والعداوة ، وقد يأخذه غير من يحب صاحب المنزل (٧) ، وللشافعية قول ثالث ،

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٨٠.

(٢) الكافي ٤ : ١٥١ حديث ٦.

(٣) الكافي ٤ : ١٥٠ حديث ٣.

(٤) في « ش » : وتدارك.

(٥) انظر : كفاية الاخبار ٢ : ٤٤.

(٦) وهو : تمر يابس يتفتت في الفم صلب النواة. الصحاح ١ : ٢٠١ قسب.

(٧) انظر : المجموع ١٦ : ٣٩٥ ، المغني لابن قدامة ٨ : ١١٩.


______________________________________________________

وهو : الاستحباب (١) ، ولا ريب أن الكراهة والاستحباب حكمان شرعيان ، فيقفان على النقل.

إذا تقرر ذلك ، فمتى نثر صاحب العرس أو غيره ممن يجوز فعله وعلم منه إباحة الانتهاب ، جاز (٢) أخذه انتهابا وإن لم يكن ذلك لائقا بذوي المروات ، وإن علم منه الكراهة حرم ، وإن جهل الأمران فاجتنابه أولى.

ويظهر من عبارة الكتاب أن بين الأكل والأخذ فرقا ، حيث حكم بجواز الأكل وأطلق ، ولم يجوّز الأخذ إلاّ إذا علم من أربابه الإذن فيه.

والظاهر أنه لا فرق بينهما ، فما دام لا يدل على الاذن في الأكل والأخذ دليل ـ مثل التصريح به نطقا ، أو شهادة العادات المستمرة بالإذن ـ لم يجز واحد منهما ، ومهما دل الدليل عليه لم يجز تجاوزه.

إذا عرفت ذلك ، فإذا حصل الاذن في الأخذ نطقا أو بشاهد الحال ، وهو المراد بقوله : « ويملك حينئذ » فهل يملك المأخوذ بمجرد الأخذ؟ فيه إشكال ، ينشأ : من أنه كان مملوكا لأربابه ، ولم يحصل سبب يقتضي نقل الملك ، فيتمسك بأصالة البقاء.

ومن أن الاذن في الأخذ صيّره مباحا ، فيملك بالحيازة كسائر المباحات.

ويضعّف هذا : بأن مباح الأصل لا ملك لأحد فيه ، فإثبات اليد عليه كاف في تملكه ، بخلاف المملوك إذا أبيح بالإذن فيه ، فان ذلك لا يخرجه عن الملك ولا يزيل ملك المالك ، ومجرد إثبات اليد ليس من الأسباب الناقلة للملك ، فيبقى على ملك مالكه إلى أن يتلفه الآخذ ، وهذا هو الأصح ، واختاره المصنف في المختلف (٣) ، واختار في‌

__________________

(١) المجموع ١٦ : ٣٩٦.

(٢) في « ض » : حل.

(٣) المختلف : ٥٣٤.


ج : يكره الجماع في ليلة الخسوف ، ويوم الكسوف ، وعند الزوال ، والغروب إلى ذهاب الشفق ، وفي المحاق وفيما بين طلوع الفجر والشمس ، وفي أول ليلة من كل شهر إلاّ رمضان ، وليلة النصف ، وسفرا مع عدم الماء ، وعند هبوب الريح السوداء أو الصفراء ، والزلزلة ، وعاريا ، ومحتلما قبل الغسل أو الوضوء ـ ويجوز مجامعا من غير تخلل غسل ـ ومع حضور ناظر إليه ، والنظر إلى فرج المرأة مجامعا ، واستقبال القبلة واستدبارها ، وفي السفينة ، والكلام بغير ذكر الله.

______________________________________________________

التذكرة (١) الثاني ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (٢).

قوله : ( ج : يكره الجماع في ليلة الخسوف ، ويوم الكسوف ، وعند الزوال ، والغروب إلى ذهاب الشفق ، وفي المحاق ، وفيما بين طلوع الفجر والشمس ، وفي أول ليلة كلّ شهر ـ إلاّ رمضان ـ وليلة النصف ، وسفرا مع عدم الماء ، وعند هبوب الريح السوداء والصفراء ، وعاريا ، ومحتلما قبل الغسل أو الوضوء ، ـ ويجوز مجامعا من غير تخلل غسل ـ ومع حضور ناظر إليه ، والنظر إلى فرج المرأة مجامعا ، واستقبال القبلة واستدبارها ، وفي السفينة ، والكلام بغير ذكر الله ) (٣).

روى الشيخ والصدوق بإسنادهما إلى عمرو بن عثمان عن الباقر 7 قال سألته أيكره الجماع في ساعة من الساعات؟ قال : « نعم يكره في ليلة ينكسف فيها القمر ، واليوم الذي تنكسف فيه الشمس ، وفيما بين غروب الشمس إلى أن يغيب‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٨١.

(٢) المبسوط ٤ : ٣٢٣.

(٣) في « ض » : والكلام إلاّ بذكر الله.


______________________________________________________

الشفق ، ومن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وفي الريح السوداء والحمراء والصفراء ، والزلزلة. ولقد بات رسول الله 6 عند بعض النساء ، فانكسف القمر في تلك الليلة ، فلم يكن منه شي‌ء ، فقالت له زوجته : يا رسول الله بأبي أنت وأمي أكلّ هذا للبغض؟ فقال : ويحك حدث هذا الحادث في السماء ، فكرهت أن أتلذذ وأدخل في شي‌ء ، ولقد عيّر الله تعالى قوما فقال( وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ ) (١) وأيم الله لا يجامع أحد في هذه الساعات التي وصفت فيرزق من جماعه ولدا وقد سمع بهذا الحديث فيرى ما يحب » (٢).

وزاد الكليني : « ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس » و « اليوم والليلة التي يكون فيها الريح السوداء والصفراء والحمراء واليوم والليلة التي يكون فيها الزلزلة » (٣).

وقال الصادق 7 : « لا تجامع في أول الشهر ولا في وسطه ولا في آخره ، فإنه من فعل ذلك فليسلّم لسقط الولد ، فان تمّ أو شك أن يكون مجنونا ، ألا ترى أنّ المجنون أكثر ما يصرع في أول الشهر ووسطه وآخره » (٤).

وعن الكاظم 7 عن أبيه عن جده قال : « إن فيما أوصى به رسول الله 6 عليا 7 قال : يا علي لا تجامع أهلك في أول ليلة من الهلال ولا في ليلة النصف ولا في آخر ليلة ، فإنه يتخوّف على الولد من فعل الخبل ،

__________________

(١) الطور : ٤٤.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٥٥ حديث ١٢٠٧ ، التهذيب ٧ : ٤١١ حديث ١٦٤٢ ، علما بأن في التهذيب : عن عمرو ابن عثمان عن أبي جعفر قال قلت لأبي عبد الله 7.

(٣) الكافي ٥ : ٤٩٨ حديث ١ ، علما بأن في الكافي :. وفي الليلة وفي اليوم اللذين يكون فيهما الريح السوداء والريح الحمراء والريح الصفراء واليوم والليلة اللذين يكون فيهما الزلزلة.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٥٥ حديث ١٢٠٨.


______________________________________________________

فقال علي 7 : ولم ذلك يا رسول الله؟ قال إن الجن يكثرون غشيان نسائهم في أول ليلة من الهلال وليلة النصف وفي آخره ، أما رأيت المجنون يصرع في أول الشهر وفي وسطه وفي آخره » (١).

وقال 7 : « تكره الجنابة حين تصفر الشمس ، وحين تطلع وهي صفراء » (٢).

وسأل محمد بن العيص الصادق 7 فقال : أجامع وأنا عريان؟ قال : « لا ، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها » (٣).

وقال 7 : « لا تجامع في السفينة » (٤).

وقال رسول الله 6 : « يكره أن يغشى الرجل المرأة وقد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى ، فان فعل ذلك وخرج الولد مجنونا فلا يلومنّ إلاّ نفسه » (٥) وتزول الكراهة بالغسل أو الوضوء.

ويجوز أن يكرر الجماع مرات من غير غسل يتخللها ، لأن النبي 6 كان يطوف على نسائه ثم يغتسل أخيرا (٦).

وكان علي 7 يستحب للرجل أن يأتي أهله أول ليلة من شهر رمضان ، لقول الله عز وجل( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) (٧)

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٩٩ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٤١٣ حديث ١٦٤٤.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٥٥ حديث ١٢٠٩.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٥٥ حديث ١٢١٠ ، التهذيب ٧ : ٤١٢ حديث ١٦٤٦.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٥٥ حديث ١٢١١ ، التهذيب ٧ : ٤١٢ حديث ١٦٤٦.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٥٦ حديث ١٢١٢ ، التهذيب ٧ : ٤١٢ حديث ١٦٤٦.

(٦) سنن البيهقي ٧ : ١٩٢.

(٧) البقرة : ١٨٧.


______________________________________________________

والرفث : المجامعة (١).

وروى الكليني بإسناده إلى الصادق 7 قال : « قال رسول الله 6 : والذي نفسي بيده ، لو أنّ رجلا غشي امرأته وفي البيت مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما ، ما أفلح أبدا إن كان غلاما كان زانيا ، أو كانت جارية كانت زانية » (٢) ولا يخفى ان هذا إنما يكون إذا كان الصبي أو الجارية مميزين.

ويكره الكلام بغيره ذكر الله تعالى ، لقول الصادق 7 : « اتقوا الكلام عند ملتقى الختانين ، فإنه يورث الخرس » (٣).

وفي وصية النبي لعلي صلوات الله عليهما : « يا علي لا تتكلم عند الجماع كثيرا ، فإنه إن قضي بينكما ولد لا يؤمن أن يكون أخرس ، ولا تنظر إلى فرج امرأتك وغضّ بصرك عند الجماع ، فان النظر إلى الفرج يورث العمى في الولد » (٤).

ويكره في السفر إذا لم يجد الماء ، لما رواه إسحاق بن عمار عن الكاظم 7 ، قال : قلت الرجل يكون معه أهله في السفر ولا يجد الماء أيأتي أهله؟ قال : « ما أحب أن يفعل ذلك ، إلاّ أن يخاف على نفسه » (٥).

وهل يكره في الحضر إذا لم يمكنه الغسل؟ يحتمل ذلك ، نظرا إلى المشاركة في العلة ، ولأن جمعا من الأصحاب لا يجوّزون لمتعمّد الجنابة التيمم ، إلاّ إذا خاف على نفسه الهلاك ، فيتيمم حينئذ ويقضي (٦).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٠٣ حديث ١٤٥٥.

(٢) الكافي ٥ : ٥٠٠ حديث ٢.

(٣) الكافي ٥ : ٤٩٨ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ٤١٣ حديث ١٦٥٣.

(٤) الفقيه ٣ : ٣٥٩ حديث ١٧١٢.

(٥) التهذيب ٧ : ٤١٨ حديث ١٦٧٧.

(٦) منهم الشيخ في المبسوط ١ ـ ٣٠.


د : يجوز النظر إلى وجه من يريد نكاحها وكفيها مكررا ، وإليها قائمة‌

______________________________________________________

وفي وصية النبي 6 لعلي 7 : « لا تجامع أهلك إذا خرج إلى سفر مسيرة ثلاثة أيام بلياليهن » (١).

وأما المحاق مثلث الميم ، فهو : آخر الشهر ، أو ثلاث ليال من آخره ، أو أن يستتر القمر فلا يرى غدوة لا عشية ، لأنه يطلع مع الشمس فتمحقه ، ذكره في القاموس (٢) وقد ذكر أن ليالي الشهر عشرة أسماء : غرر ، ثم نفل ، ثم تسع ، ثم عشر ، ثم بيض ، ثم درع ، ثم ظلم ، ثم حنادس ، ثم دآدئ واحدها دأدأة يقصر ويمد ، ثم المحاق.

وتسمّى ليلة ثمانية وعشرين الدعجاء ، وبعدها الدهماء ، وليلة الثلاثين (٣) الليلاء.

وإنما كره الجماع في المحاق ، للرواية عن الصادق 7 (٤) ، ولما روى عن الكاظم 7 : « من تزوج في محاق الشهر فليسلّم لسقط الولد » (٥) وهذه ظاهرة في الوطء ، فحينئذ يكره العقد أيضا في المحاق.

قوله : ( د : يجوز النظر إلى وجه من يريد نكاحها وكفيها مكررا )

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٦٠ حديث ١٧١٢.

(٢) القاموس ٣ : ٢٨٢ محق.

(٣) في « ض » : وبعدها.

(٤) الظاهر أن المراد من قوله : ( للرواية عن الصادق ) الرواية المتقدمة عن الصادق ، حيث قال 7 : « لا تجامع في أول الشهر ولا في وسطه ولا في أخره. » لأن أحد معاني المحاق هو آخر الشهر كما تقدم. ويحتمل أن يكون قد أشار بقوله : ( للرواية عن الصادق ) إلى ما ذكر في الفقيه ٣ ـ ٢٥٠ حديث ١١٨٩ : « وروي أنه يكره التزويج في محاق الشهر ». علما بان في « ش » : للرواية عن الباقر 7 ، فتأمل.

(٥) الكافي ٥ : ٤٩٩ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٥٤ حديث ١٢٠٦ ، التهذيب ٧ : ٤١١ حديث ٢. علما بان في المصادر كلها : « من أتى أهله في محاق الشهر. ».


وماشية وإن لم يستأذنها ، وبالعكس ، وروي إلى شعرها ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب

______________________________________________________

وإليها قائمة وماشية وإن لم يستأذنها ، وبالعكس ، وروي إلى شعرها ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب ، ).

لا خلاف بين علماء الإسلام في أن من أراد نكاح امرأة يجوز له النظر إليها في الجملة ، وقد رواه العامة (١) والخاصة (٢) ، وهل يستحب؟ فيه وجهان ، والنظر الوارد بلفظ الأمر عنه 7 من رواية العامة ، وليس فيما سنذكره إن شاء الله تعالى من الأخبار دلالة على الاستحباب (٣). وإنما يجوز النظر مع إرادة النكاح ، إذا كانت محلّلة خليّة من بعل ومن موانع النكاح كالعدة ، لامتناع النكاح حينئذ ، وأن تكون الإجابة ممكنة عادة.

ووقت النظر عند اجتماع هذه الشروط ، لا عند الاذن في عقد النكاح ، ولا عند ركون كلّ منهما إلى صاحبه ، وهو وقت تحريم الخطبة على الخطبة ، خلافا لبعض العامة (٤).

وينبغي أن يكون قبل الخطبة ، إذ لو كان بعدها وتركها لشقّ عليها وأوحشها.

ولو تعذر عليه النظر بعث امرأة تتأملها وتصفها له ، فإن النبي 6 بعث أم سليم إلى امرأة ، فقال : انظري إلى عرقوبيها وشمّي معاطفها (٥).

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ١٠٤٠ حديث ١٤٢٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٩٧ حديث ١٠٨٧ ، سنن البيهقي ٧ : ٨٤ ، مستدرك الحاكم النيسابوري ٢ : ١٦٤ ـ ١٦٥.

(٢) الكافي ٥ : ٣٦٥ حديث ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤ ، التهذيب ٧ : ٤٣٥ حديث ١٧٣٤ ـ ١٧٣٥ ، وللزيادة راجع الوسائل ٤ : ٥٩ باب ٣٦ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه.

(٣) في « ض » : استحباب النظر.

(٤) كفاية الأخبار ٢ : ٢٩.

(٥) مسند احمد ٣ : ٢٣١ ، وفيه : عن أنس أن : النبي صلّى الله عليه وسلم أرسل أم سليم تنظر إلى جارية ، فقال : « شمي عوارضها وانظري الى عرقوبها ».


______________________________________________________

إذا عرفت ذلك ، فالذي يجوز النظر اليه هو الوجه والكفان من مفصل الزند ظهرا وبطنا ، لأن المقصود من الرؤية يحصل بذلك ، فيبقى النظر إلى ما سوى ذلك على عموم التحريم.

ومنع بعض العامة من النظر إلى الكفين (١) ، وأضاف بعضهم إلى نظر الوجه والكفين القدمين وبعض الذراع (٢) ، وبعضهم جوز النظر إلى ما عدا الفرج (٣).

وأشار بقوله : ( وروي ) إلى ما رواه عبد الله بن سنان عن الصادق 7 ، قال : قلت له الرجل يريد أن يتزوج المرأة فينظر إلى شعرها؟ قال : « نعم ، إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن » (٤).

وما رواه غياث بن إبراهيم عن جعفر عن علي 7 أنه سئل عن رجل ينظر إلى محاسن امرأة يريد أن يتزوجها؟ قال : « لا بأس إنما هو مستام » (٥).

فمنصوص الاولى النظر إلى الشعر ، والثانية إلى المحاسن.

ولا ريب أن المحاسن هي مواضع الحسن والزينة ، فان أجريت على ظاهرها اقتضى جواز النظر إلى جميع مواضع الحسن من بدنها.

وهو بعيد مع قيام دلائل التحريم ، فيحمل على جواز النظر إليها من فوق‌

__________________

(١) انظر : المغني لابن قدامه ٧ : ٤٥٤.

(٢) المصدر السابق.

(٣) انظر : المجموع ١٦ : ١٣٨.

(٤) الكافي ٥ : ٣٦٥ حديث ٥ ، الفقيه ٣ : ٢٦٠ حديث ١٢٣٩ ، التهذيب ٧ : ٤٣٥ حديث ١٧٣٤.

(٥) التهذيب ٧ : ٤٣٥ حديث ١٧٣٥.


والى أمة يريد شراءها وإلى شعرها ومحاسنها ، دون العكس ،

______________________________________________________

الثياب ، وعليه تنزل عبارة الكتاب ( ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب ) وعلى هذا فيناسب أن يكون : ( وجسدها ) حينئذ عطفا تفسيريا لقوله : ( ومحاسنها ).

نعم ما يلزم من رؤية الشعر رؤيته غالبا ـ كالأذنين والعنق ـ ينبغي القول بجواز النظر إليه ، لاستدعاء إباحة النظر إلى الشعر إباحة. النظر إليه ، ويلوح من عبارة التذكرة (١) أن المحاسن الوجه والكفان ، حيث أن ذلك مجمع المحاسن ، وهو خلاف الظاهر.

ويجوز تكرار النظر إلى ذلك مرة بعد اخرى ، وإدامته ، والنظر إليها قائمة وماشية وجالسة ، لأن الغرض لا يتم إلا بذلك ، ولإطلاق النصوص بالنظر ، وهو يتناول ذلك ، ولقوله 7 : « إنما هو مستام » (٢). ولا يشترط استئذانها في النظر ـ خلافا لمالك (٣) ـ للعموم ، بل لا ينبغي ، لأنها ربما زينت نفسها وأخفت عيبها ، ففات مقصود النظر. وكما يجوز [ نظر الرجل إلى المرأة ] (٤) عند إرادة النكاح ، فكذا العكس ، لاشتراك مقصود النظر بينهما ، ولأن المرأة ربما رأت من الرجل ما يدعوها إلى إجابته (٥).

قوله : ( وإلى أمة يريد شراءها ، وإلى شعرها ومحاسنها ، دون العكس ).

يجوز النظر إلى امة يريد شراءها قطعا ، لرواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله 7 عن الرجل يعترض الأمة ليشتريها؟ قال : « لا بأس بأن ينظر إلى محاسنها ويمسّها ، ما لم ينظر إلى ما لا ينبغي له النظر إليه » (٦).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٧٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٣٥ حديث ١٧٣٥.

(٣) انظر : بلغة السالك ١ : ٣٧٧.

(٤) ما بين المعقوفتين أثبتناه من النسخة الحجرية لجامع المقاصد ، لاضطراب العبارة في « ش » و « ض ».

(٥) في « ض » : ما يدعو لاجابته.

(٦) الفقيه ٤ : ١٢ حديث ٩ ، التهذيب ٧ : ٧٥ حديث ٣٢١.


______________________________________________________

فظاهر الرواية عدم توقف حلّ النظر على تحليل المولى : وكذا يظهر من إطلاق عبارة الكتاب ، والمراد بما لا ينبغي النظر إليه في الرواية هو : العورة ، مع احتماله غير ذلك.

وصرح المصنف في التذكرة بجواز النظر إلى جسدها من فوق الثياب ومكشوفة ، للحاجة إلى التطلع إليها ، لئلاّ يكون فيها عيب ، فيحتاج إلى الاطلاع عليه (١). وقال شيخنا الشهيد في الدروس : يجوز النظر إلى وجهها ومحاسنها ، وهل يجوز إلى جسدها من تحت الثياب ، بل والى العورة؟ نظر ، أقربه مراعاة التحليل من المولى ، وحكى رواية أبي بصير السالفة ولم يفت بها (٢). ومختار الدروس أحوط ، إلاّ أن العمل بالرواية في النظر قويّ.

وهل يسوغ المس كما تضمنته؟ لم أجد به تصريحا ، لكنه مما تدعو الحاجة اليه ، والظاهر من عرض المالك الأمة عل البيع إذنه في مقتضيات السوم ، وهو : النظر واللمس ، والاحتياط التوقف على تحليل المولى.

اما العكس ، وهو : نظرها إلى ما لا يحل نظرها إليه ، من حيث أنه أجنبي ، فإن مجرد إرادته شراؤها لا تجوّزه ، إذ لا اختيار لها في الشراء ليكون النظر وسيلة إليه كما في النكاح ، ولانتفاء المجوز شرعا ، بخلاف النكاح.

ويمكن أن يراد بالعكس : شراء المرأة للمملوك الذكر ، فان النظر لا يجوز هاهنا من الجانبين ، والمقابلة بينهما وبين المسألة السابقة ثابتة ، والتفسير الأول ألصق بالمقام.

واعلم ان المصنف لم يتعرض هنا إلى النظر إلى أمة الغير إذا لم يرد شراءها ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٧٣.

(٢) الدروس : ٣٤٦.


وإلى أهل الذمة وشعورهن إلاّ للتلذذ أو ريبة ، وأن ينظر الرجل الى مثله إلاّ العورة وإن كان شابا حسن الصورة ، إلاّ لريبة أو تلذذ ، وكذا المرأة.

______________________________________________________

وصرح في التذكرة بجواز النظر إلى وجهها وكفيها وشعرها إذا لم يكن النظر لريبة وتلذذ مع أمن الفتنة (١). وهو قريب ، لأن المملوكة شأنها التردد في المهمات.

فلو حرم النظر إليها مطلقا لزم الحرج والمشقة ، ولإطباق الناس في كل عصر على ذلك ، لأن خروج الإماء مكشفات الوجوه أغلبيّ ، ولم ينقل إنكار ذلك والمنع منه ، ولو كان ذلك حراما لأنكروه كغيره من المحرمات ، وفي تعليل الشيخ في النهاية (٢) جواز النظر إلى أهل الذمة بأنهن بمنزلة الإماء ينبّه على ذلك.

قوله : ( وإلى أهل الذمة وشعورهن ، إلاّ لتلذذ (٣) أو ريبة ).

هذا قول المفيد (٤) والشيخ في النهاية (٥) وغيرهما (٦) ، لأنهن بمنزلة الإماء ، ولقول الصادق 7 : « لا بأس بالنظر إلى نساء أهل تهامة والأعراب وأهل البوادي من أهل الذمة والعلوج ، لأنهن إذا نهين لا ينتهين » (٧). ومنع ابن إدريس (٨) من ذلك ، تمسكا بعموم دلائل تحريم النظر ـ ومع التلذذ فلا بحث في التحريم ـ والأول أقوى.

قوله : ( وأن ينظر الرجل إلى مثله ـ إلاّ العورة ـ وإن كان شابا حسن الصورة ، إلاّ لريبة أو تلذذ ، وكذا المرأة ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٧٤.

(٢) النهاية : ٤٨٤.

(٣) في « ض » لا لتلذذ.

(٤) المقنعة : ٨٠.

(٥) النهاية : ٤٨٤.

(٦) وهو المحقق في الشرائع ٢ ـ ٢٦٩ ، وغيره.

(٧) الكافي ٥ : ٥٢٤ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٣٠٠ حديث ١٤٣٨.

(٨) السرائر : ٣٠٨.


والملك والنكاح يبيحان النظر إلى السوأتين من الجانبين على كراهية.

ويجوز النظر الى المحارم عدا العورة ، وكذا المرأة.

ولا يحل النظر إلى الأجنبية إلاّ لضرورة كالشهادة عليها ، ويجوز إلى وجهها وكفيها مرة لا أزيد ، وكذا المرأة.

وللطبيب النظر إلى ما يحتاج إليه للعلاج حتى العورة ، وكذا لشاهد الزنا النظر إلى الفرج لتحمل الشهادة عليه.

وليس للخصي النظر إلى المالكة ولا الأجنبية ، ولا للأعمى سماع صوت الأجنبية ، ولا للمرأة النظر إليه ، وللصبي النظر إلى الأجنبية.

______________________________________________________

والملك والنكاح يبيحان النظر إلى السوأتين من الجانبين على كراهية ، ويجوز النظر الى المحارم عدا العورة ، وكذا المرأة ، ولا يحل النظر إلى الأجنبية إلاّ لضرورة ، كالشهادة عليها ، ويجوز إلى وجهها وكفيها مرة لا أزيد ، وكذا المرأة ، وللطبيب النظر الى ما يحتاج إليه للعلاج ، حتى العورة ، وكذا لشاهد الزنا النظر إلى الفرج لتحمل الشهادة عليه ، وليس للخصي النظر إلى المالكة ولا الأجنبية ، ولا للأعمى سماع صوت الأجنبية ، ولا للمرأة النظر إليه ، وللصبي النظر إلى الأجنبية ).

تحقيق الكلام في النظر أن نقول : الناظر والمنظور إليه إما أن يكونا ذكرين أو أنثيين ، أو الناظر ذكرا والمنظور إليه أنثى ، أو بالعكس ، وعلى التقديرين الأخيرين إما أن يكون بينهما نكاح أو ملك أو محرمية ، أو لا ، وعلى التقدير الأخير إما أن يكون النظر محتاجا إليه للعلاج وتحمل الشهادة على الزاني ، أو مطلق تحمل الشهادة ومطلق الحاجة كالمعاملة ، أو لا ، وعلى الأخير إما أن يكون الذكر ممسوحا ، أو لا ، وعلى الثاني إما أن يكون بالغا ، أو لا ، والأنثى إما أن تكون بالغة ، أو لا ، والبالغة إما أن تكون عجوزا كبيرة ، أو لا ، فهنا مباحث :


______________________________________________________

أ : نظر الذكر إلى الذكر وهو جائز ما عدا العورة ، وقد سبق تحقيقها في كتاب الصلاة ، إلاّ لحاجة تجوّز النظر المحرم ، بشرط أن لا يكون هناك تلذذ وريبة ، فيحرم معها على البالغ العاقل ، ويناط التكليف بالولي مع عدمه.

ولا فرق في ذلك بين أن يكون المنظور إليه شابا أو لا ، حسن الصورة أو لا ، وقوى المصنف في التذكرة (١) تحريم النظر إلى الأمرد مع خوف الفتنة ، لوجوب التحرز عنها ، ونقّحه بأن من أحس في نفسه بالفتنة حرم عليه بينه وبين الله تعالى إعادة النظر ، ويجوز اللمس في هذا القسم كما يجوز النظر.

فرع : هل يحرم النظر إلى العورة في هذا القسم من وراء الثياب؟ الذي يفي بحكاية حجم العورة ، بحيث يظهر معه شكل القضيب والأنثيين ، فيه احتمال.

ب : نظر الأنثى إلى الأنثى ، والكلام في هذا القسم كالكلام في الذي قبله ، وهل يفرق بين المسلمة والذمية؟ للشيخ (٢) قول بأن الذمية لا تنظر إلى المسلمة ، حتى الوجه والكفين ، لقوله تعالى ( أَوْ نِسائِهِنَّ ) (٣) وليست الذمية منهن ، على ما روي عن ابن عباس (٤) والظاهر ان المراد بـ ( نسائهن ) على ما ذكره في الكشاف : من في خدمتهن من الحرائر والإماء (٥) ، وهو شامل للذمية ، فلا يفرق ، وهو الأصح.

ج : نظر الذكر إلى الأنثى ، فان لم تكن زوجة للناظر ولا مملوكة ولا محرما له ، فان كانت صبية صغيرة ، ولم تبلغ مبلغا تكون في مظنة الشهوة ، يجوز النظر إليها ، لانتفاء داعي الشهوة الذي هو مناط التحريم ، وتجويز تغسيل الأجنبي بنت ثلاث سنين‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٧٣.

(٢) تفسير التبيان ٧ : ٣٨٠.

(٣) النور : ٣١.

(٤) تفسير الكشاف ٣ : ٦٢ ، التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٣ : ٢٠٧.

(٥) تفسير الكشاف ٣ : ٦٢.


______________________________________________________

مجردة ينبّه لذلك.

قال في التذكرة : ولا فرق بين حد العورة وغيره ، لكن لا يجوز النظر إلى فرجها (١). قلت : من جوّز تغسيلها مكشوفة العورة ، يلزمه القول بالجواز هنا.

ولو كانت عجوزا ، فقد قيل (٢) : إنها كالشابة ، لأن الشهوات لا تنضبط ، وهي : محل الوطء ، وقد قال 7 : « لكلّ ساقطة لا قطة » والأقرب وفاقا للتذكرة (٣) أن المراد : إذا بلغت في السن إلى حيث تنتفي الفتنة غالبا بالنظر إليها يجوز نظرها ، لانتفاء المقتضي ، ولقوله تعالى ( وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً ) (٤). ومن عداهما يجوز النظر إليها عند الضرورة أو الحاجة ، كما إذا أريد علاجها ، فينظر إلى ما لا بدّ منه ، ولمسه أيضا ، حتى العورة ، وكذا الفصد والحجامة للضرورة ، وكذا القول في الرجل إذا احتاج إلى علاج المرأة إياه.

ولا يشترط في جواز النظر خوف فوات العضو ، ولا خوف شدة الضنا (٥) ، بل المشقة بترك العلاج كافية ، وينبغي أن يكون ذلك بحظور محرم ، قاله في التذكرة (٦).

وهل يشترط لجواز النظر واللمس هنا فقد الطبيب المماثل؟ فيه نظر ، ولا ريب في الجواز إذا اختص غير المماثل بمزية.

وكذا يجوز النظر إلى الأجنبية لمعاملتها ببيع وشبهه (٧) وكذا لتحمل الشهادة (٨)

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٧٤.

(٢) انظر أحكام القران للقرطبي ١٢ : ٣٠٩ ، كفاية الأخيار ٢ : ٢٧.

(٣) التذكرة ٢ : ٥٧٤.

(٤) النور : ٦٠.

(٥) الضنا : المرض ، الصحاح ٦ : ٢٤١٠ ضنا.

(٦) التذكرة ٢ : ٥٧٣.

(٧) في « ش » : وغيره.

(٨) في « ض » : التحمل للشهادة.


______________________________________________________

عليها ليعرفها عند الحاجة ، ولا ينظر الى غير الوجه ، لزوال الضرورة به ، وتكلّف كشف وجهها عند الأداء ، ليعرفها الشاهد.

وهل يجوز النظر إلى فرج الزانيين؟ فيه وجهان :

أحدهما : ـ واختاره في التذكرة (١) ـ المنع ، لأنه نظر إلى فرج محرم ، فكان حراما ، وليست الشهادة على الزنا عذرا ، لأنه مأمور بالستر.

والثاني : ـ واختاره هنا ـ الجواز ، لأنه وسيلة إلى إقامة حدّ من حدود الله تعالى ، ولما في المنع من عموم الفساد ، واجتراء النفوس على هذا المحرم ، ولو لا ذلك لأدّى إلى سدّ باب هذا الركن من أركان الشرع ، ولم تسمع الشهادة بالزنا أصلا ، لتوقف تحمّلها على الاقدام على النظر المحرّم وإدامته ، لاستعلام الحال ، بحيث يشاهد الميل في المكحلة ، وهو معلوم البطلان ، والجواز قويّ.

وهل يجوز النظر إلى فرج المرأة للشهادة على الولادة؟ وإلى ثدييها للشهادة على الرضاع؟ فيه الوجهان ، ووجه المنع : الاكتفاء في ذلك بشهادة النساء ، ووجه الجواز : دعاء الضرورة ، حيث لا يوجد من النساء من يكون أهلا للشهادة ، على ما في جمع النساء للشهادة ومعرفة عدالتهن ، من العسر المنفي بالنسبة إلى الرجال ، فالجواز لا يخلو من قوة.

ومع انتفاء الحاجة ، فإن كان الناظر صبيا غير مميّز ، لم يحرم على المرأة التكشف له ، وإنما هو بمنزلة سائر الحيوانات.

وإن كان مميزا ، فان كان فيه ثوران شهوة وتشوّق ، فهو كالبالغ في النظر ، فيجب على الولي منعه منه ، ويجب على الأجنبية التستر عنه ، وإلاّ ففي جواز نظره إلى الأجنبية ـ بمعنى : أنه لا يجب على الولي منعه منه ولا يجب عليها الاحتجاب منه ـ

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٧٣.


______________________________________________________

قولان :

أحدهما : الجواز كما ينظر الرجل إلى محارمه ، فان له الدخول من غير استئذان ، كما في الأوقات الثلاثة التي هي مظنّة التبذل والتكشف ، وذلك : قبل صلاة الفجر ، وعند الظهيرة ، وبعد صلاة العشاء ، قال سبحانه ( لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ ) (١).

والثاني : المنع لقوله تعالى ( أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ ) (٢) أي : لم يميّزوا بينها وبين غيرها ، أو لم يقووا على الوطء والأمر بالاستئذان في هذه الأوقات لا يقتضي جواز النظر. وهذا أصح ، واختاره في التذكرة (٣).

ولو كان شيخا كبيرا جدا هرما ، ففي جواز نظره احتمال ، ومثله العنّين ، والمخنّث ـ وهو : المتشبّه بالنساء ـ واختار في التذكرة (٤) أنهم كالفحل ، لعموم الآية (٥) ، وهو قويّ ، و ( غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ ) (٦) إنما يدل (٧) على الأبله الذي لا يحتاج إلى النساء ، ولا يعرف شيئا من امورهن.

والمجبوب : الذي بقي أنثياه ، والخصي : الذي بقي ذكره كالفحل ، وأما الخصي الممسوح ، ففي جواز نظره إلى مالكته لو كان مملوكا قولان :

__________________

(١) النور : ٥٨.

(٢) النور : ٣١.

(٣) التذكرة ٢ : ٥٧٤.

(٤) التذكرة ٢ : ٥٧٤.

(٥) النور : ٣٠.

(٦) النور : ٣١.

(٧) في « ش » : ربما نزل.


______________________________________________________

أحدهما : ـ واختاره بعض الأصحاب (١) ، والمصنف في المختلف (٢) ـ الجواز ، لقوله تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ) (٣) قال المصنف : والتخصيص بالإماء لا وجه له ، لاشتراك الإماء والحرائر في الجواز (٤) ، وقد قدمنا ما يقتضي اندراج الإماء في ( نِسائِهِنَّ ) (٥) إلاّ أن هذا يقتضي جواز نظر المملوك الفحل إلى مالكته وأن يخلو بها (٦) كالأمة ، وهو الذي قوّاه الشيخ في المبسوط (٧) في آخر كلامه ، وإن كان بحيث إذا نظر إلى أوله أشعر بالتردد ، بل حكى المصنف في المختلف عن ابن الجنيد أنه قال : وروي عن أبي عبد الله 7 وأبي الحسن موسى 7 كراهة رؤية الخصيان الحرة من النساء حرا أو مملوكا (٨) ، فان هذا (٩) الكلام يلوح منه الميل إلى الجواز مطلقا ، وقد روى محمد بن إسماعيل في الصحيح (١٠) عن الرضا 7 قال : سألته عن قناع النساء الحرائر من الخصيان؟ فقال : « كانوا يدخلون على بنات ابي الحسن 7 ولا يتقنعن » (١١) وروى إسحاق بن عمار أنه سأل الصادق 7 : أينظر المملوك الى شعر مولاته؟ قال : « نعم وإلى ساقها » (١٢).

__________________

(١) اختاره الشيخ في المبسوط ٤ : ١٦١.

(٢) المختلف : ٥٣٤.

(٣) النور : ٣١.

(٤) المختلف : ٥٣٤.

(٥) النور : ٣١.

(٦) في « ش » : ولا يخلو ، والمثبت من « ض » وهو الموافق للمبسوط.

(٧) المبسوط ٤ : ١٦١.

(٨) المختلف : ٥٣٤.

(٩) في « ض » : وان كان هذا.

(١٠) لفظ : في الصحيح ، لم يرد في « ض ».

(١١) الكافي ٥ : ٥٣٢ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٤٨٠ حديث ١٩٢٦ ، الاستبصار ٣ : ٢٥٢ حديث ٩٠٣.

(١٢) الكافي ٥ : ٥٣١ حديث ٣.


______________________________________________________

والثاني : ـ وهو مختار الشيخ في الخلاف (١) ، والمصنف في التذكرة (٢) ـ العدم ، لما رواه أحمد بن إسحاق عن الكاظم 7 ، قال قلت له : يكون للرجل الخصي يدخل على نسائه فيناولهن الوضوء ، فيرى شعورهن؟ فقال : « لا » (٣) وحمل الشيخ الرواية الأولى (٤) على التقية ، لما روي أنه 7 سئل عن ذلك ، فقال له : « أمسك عن هذا » ولم يجبه (٥) ، وهو يدل على التقية ، ومختار المختلف (٦) لا يخلو من قوة ، وعليه تدل (٧) الآية (٨).

وأما الأجنبية التي بلغت مبلغا صارت به مظنة الشهوة ولا حاجة إلى نظرها ، فإنه يحرم على البالغ نظر ما عدا وجهها وكفيها إجماعا ، وكذا من كان كالبالغ ، بمعنى : أنه يجب على الولي منع غير المكلف من النظر ، ويجب على المرأة الاحتجاب منه ، لا خلاف في ذلك بين أهل الإسلام. وأما الوجه والكفان ، فان كان في نظريهما خوف ريبة وحصول فتنة حزم أيضا إجماعا ، وإلاّ ففي الجواز قولان :

أحدهما : ـ واختاره الشيخ (٩) ـ الجواز على كراهية ، لقوله تعالى ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها ) (١٠) وهو مفسّر بالوجه والكفين ، ولأن ذلك مما يعم به‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٢٠٤ مسألة ٥ من كتاب النكاح.

(٢) التذكرة ٢ : ٥٧٤.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٨٠ حديث ١٩٢٥ ، الاستبصار ٣ : ٢٥٢ حديث ٩٠٢.

(٤) وهي رواية محمد بن إسماعيل عن الرضا 7 المتقدمة.

(٥) التهذيب ٧ : ٤٨٠ حديث ١٩٢٧.

(٦) المختلف : ٥٣٤ كما تقدم.

(٧) في « ش » : تنزل.

(٨) النور : ٣١.

(٩) المبسوط ٤ : ١٦٠.

(١٠) النور : ٣١.


______________________________________________________

البلوى ، ولإطباق الناس في كلّ عصر على خروج كثير من النساء باديات الوجوه والأكف من غير نكير ، خصوصا أهل القرى والبوادي ، ولانتفاء المقتضي ـ وهو : خوف الفتنة ـ إذ لا كلام في التحريم معه.

والثاني : التحريم ، وقوّاه المصنف في التذكرة (١) ، لعموم قوله تعالى ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ ) (٢) الآية ، ولاتفاق المسلمين على منع النساء من أن يخرجن سافرات ، ولو حل النظر لنزلن منزلة الرجل ، ولأن النظر إليهن مظنة الفتنة ، ولأنهن (٣) محل الشهوة ـ فاللائق بمحاسن الشرع حسم الباب والإعراض عن تفاصيل الأحوال ، كالخلوة بالأجنبية ـ ولحديث الخثعمية ، حيث أتت إلى النبي 7 بمنى في حجة الوداع لنستفتيه في الحج ، وكان الفضل بن العباس رديف رسول الله 6 ، فأخذ ينظر إليها وتنظر إليه ، فصرف النبي 6 وجه الفضل عنها ، وقال رجل شاب وامرأة شابة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان (٤).

وفي هذه الدلائل نظر ، لأن الوجه والكفين مستثنيان ، لقوله تعالى ( إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها ) (٥) وما ادعي من اتفاق المسلمين على منع النساء من أن يخرجن سافرات ، فالمعلوم خلافه ، ولو تم لم يلزم أن يحرم النظر مطلقا بسببه ، لأن هذا الفعل أليق بالمروءة ، وأحرى بالسلامة من الفتنة ، فربما كان على جهة الأفضلية ، على أنه لو علم إطباقهم على وجوبه لم يدل على المراد ، لأنه لم يتحقق الاحتجاب عن الناظر بشهوة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٧٣.

(٢) النور : ٣١.

(٣) في « ش » : وهو.

(٤) انظر : سنن الترمذي ٣ : ٢٣٣ حديث ٨٨٥ ، مسند أحمد ١ : ٧٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢٨.

(٥) النور : ٣١.


______________________________________________________

إلاّ بالاحتجاب مطلقا ، لأن القصود لا يطلع عليها.

وحديث الخثعمية أولا : لا دلالة فيه على التحريم ، وإلاّ لنهاهما 6 عن النظر حتى لا يعود إليه مرة أخرى ، وصرف وجه الفضل عنها غير دال على النهي ، خصوصا بالنسبة إليها.

وثانيا : أنه لا دلالة على أن صرف وجه الفضل كان على طريق الوجوب ، فربما كان ذلك على طريق الأولى ، ولو سلّم كونه للوجوب وإفادة ذلك التحريم ، لم يدل على المراد هنا ، لأنهما إداما النظر ، على وجه أشعر بالميل القلبي من كلّ منهما ، ولا بحث في التحريم حينئذ ، ولأنه 7 صرح بخوف الفتنة ، وهو غير محل النزاع.

قيل : إنه 7 علّل بشبابهما ، وهو مظنة الشهوة وخوف الشيطان.

قلنا : إنما علّل به عندما ما رأى شواهد الفتنة ، وهو إدامة النظر من كلّ منهما.

واختار المصنف في هذا الكتاب جواز النظر إلى الوجه والكفين خاصة ، مرة لا أزيد.

فتنقيحه : أن النظر الذي يدام ويتوالى مظنة الفتنة ـ لأن شأنه أن يحدث عنه الميل القلبي وتترتب عليه الفتنة ، مثل النظر الواقع من الفضل ـ دون النظرة الواحدة الناشئة لا عن داعي شهوة وميل قلبي ، ولا ريب أن التحريم مطلقا طريق السلامة.

وأما الزوجة والمملوكة التي لا زوج لها ، فيحل النظر من الجانبين ، حتى إلى العورة على كراهية ، وعد ابن حمزة النظر إلى فرج المرأة حالة الجماع محرما (١) ، والنصوص (٢) الواردة بحله حجة عليه.

والمملوكة المزوجة كالأجنبية ، وكذا المرتدة والوثنية والمجوسية ـ على قول ـ

__________________

(١) الوسيلة : ٣٧٠.

(٢) الكافي ٥ : ٤٩٧ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ٤١٣ حديث ١٦٥١ ، الوسائل ١٤ : ٨٤ باب ٥٩ من كتاب النكاح.


______________________________________________________

والمكاتبة والمشتركة ، بخلاف المرهونة والمؤجرة والمستبراة والمعتدة عن وطء شبهة على الأقرب ، فيجوز النظر إليهن.

وأما المحارم ـ والمراد بهن : من حرم نكاحه مؤبدا ، بنسب أو رضاع أو مصاهرة ، بعقد أو ملك يمين ، واحترزنا بالقيد الأخير عن نحو أم المزني بها والموطوءة بالشبهة ، على القول بأن الشبهة والزنا ينشر حرمة المصاهرة ـ فإن نظرهن من الجانبين جائز إلى البدن كلّه ، مستورا وغير مستور ، إلاّ السوأة إذا لم تكن هناك ريبة ، لقوله تعالى ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ ) (١) ، ومع الضرورة المجوّزة للنظر إلى عورة الأجنبية وبالعكس يجوز هنا بطريق أولى ، ولا فرق فيما عدا العورة بين الوجه والكفين والثدي حال الإرضاع وسائر البدن.

ومنع بعض الشافعية من النظر إلى ما عدا الوجه والكفين من المحارم (٢).

واستثنى بعض النظر إلى الثدي حال الإرضاع لشدة الحاجة (٣) ، وفرّق بعضهم بين المحارم بالنسب وبين المحارم بالمصاهرة والرضاع (٤).

والكل ضعيف ، لأن الرضاع لحمة كلحمة النسب ، ولأن المحرمية معنى يوجب قطع المناكحة ، وتحريمها على التأبيد ، فكانا كالرجلين والمرأتين ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في كلام المصنف في المطلب الثالث في الرضاع من هذا الكتاب ، تحريم النظر إلى جسد المحارم وبيان ردّه.

د : نظر الأنثى إلى الذكر ، وهو كنظر الذكر إليها ، فكل موضع حكمنا بالتحريم ثمة حكمنا به في نظيره هنا ، وما لا فلا.

__________________

(١) النور : ٣١.

(٢) المجموع ١٦ : ١٤٠ ، مغني المحتاج ٣ : ١٢٩.

(٣) مغني المحتاج ٣ : ١٣٠.

(٤) المغني لابن قدامة ٧ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٤٥.


______________________________________________________

وكما يحرم نظر الأجنبية الى البصير ، فكذا الأعمى ، لما روي أن أم سلمة قالت : كنت أنا وميمونة عند النبي 6 ، فاقبل ابن أم مكتوم ، فقال : « احتجبا » فقلنا : إنه أعمى ، فقال 7 « أفعمياوان أنتما؟ » (١).

فروع :

أ : قال المصنف في التذكرة (٢) : يجوز النظر الى شعر المجنونة المغلوبة وجسدها من غير تعمد لقول الصادق 7 : « والمجنونة المغلوبة لا بأس بالنظر إلى شعرها وجسدها ما لم يتعمد ذلك » (٣).

وظاهر هذا أن النظر إليه (٤) من تحت الثياب ، والمراد بالتعمد المذكور : القصد إلى رؤيته ، فإنه مظنة الريبة (٥) ، بخلاف النظر إليه اتفاقا.

ب : الخنثى المشكل بالنسبة إلى الرجل والخنثى كالمرأة ، وبالنسبة إلى المرأة كالرجل ، لتوقف يقين امتثال الأمر بغض البصر والستر على ذلك.

وبعض العامة جوّز نظر الرجل والمرأة إليها وبالعكس ، استصحابا لما كان ثابتا في الصغر من حلّ النظر ، حتى يظهر خلافه (٦). وليس بشي‌ء ، لوجود الناقل عن ذلك ، والاشتباه غير مخلّ بتعلق الحكم ، لكن لو شكّت المرأة في كون الناظر رجلا‌

__________________

(١) مكارم الأخلاق : ٢٣٣ ، سنن البيهقي ٧ : ٩٢.

(٢) التذكرة ٢ : ٥٧٤.

(٣) الكافي ٥ : ٥٢٤ حديث ١ الفقيه ٣ : ٣٠٠ حديث ١٤٣٨ ، علل الشرائع : ٥٦٥.

(٤) أي : إلى شعر المجنونة.

(٥) في « ض » : القصد إلى ما به مظنة الفتنة.

(٦) مغني المحتاج ٣ : ١٣٢.


______________________________________________________

أو شك الرجل في كون المنظور إليه امرأة يلزم القول بالتحريم ، وهو محل تأمل ، ويمكن الفرق بإمكان استعلام الحال هنا ، بخلاف الخنثى ، ومن ثم وجب الأخذ بالاحتياط في التكاليف المتعلقة به.

ج : كل موضع حكمنا فيه بتحريم النظر ، فتحريم المس فيه أولى ، ولو توقف العلاج على مس الأجنبية دون نظرها ، فتحريم النظر بحاله ، وجواز النظر إلى وجه الأجنبية وكفّيها لا يبيح مسهما ، لأن المس أدعى إلى الفتنة وأقوى في تحريك الشهوة ، ولهذا لا يبطل الصوم بالإنزال المستند إلى النظر ، ويبطل بالمستند إلى الملامسة.

ويحرم على الرجل ذلك سوأة الرجل ، وكذا المرأة ، ويجوز ذلك الفخذ من فوق الإزار ، إلاّ مع خوف الشهوة والفتنة.

ويجوز مسّ جسد المحارم من غير شهوة أو تلذذ ، خلافا لبعض العامة (١) ، لحصول النفرة طبعا ، وانتفاء المحرّم ، وبعد تحريم تغميز البنت والأخت رجل أبيها وأخيها ومن جرى مجراهما ، ولثبوت حلّ النظر في الصغر ولم يثبت الناقل شرعا ، وخوف الافتتان منتف.

د : صوت المرأة عورة يحرم استماعه مع خوف الفتنة لا بدونه ، صرح بذلك المصنف في التذكرة (٢) ، وينبغي لها أن تجيب المخاطب لها أو قارع الباب بصوت غليظ ولا ترخّم (٣) صوتها ، وقد روى الصدوق أن أمير المؤمنين 7 كان يسلّم على النساء ، وكان يكره أن يسلّم على الشابة منهن ، وقال : « أتخوّف أن يعجبني صوتها فيدخل من الإثم عليّ أكثر مما أطلب من الأجر » (٤).

__________________

(١) مغني المحتاج ٣ : ١٣٢ ـ ١٣٣.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٧٣.

(٣) اي : ولا ترقق ، أنظر الصحاح ٥ : ١٩٣٠ رخم.

(٤) الفقيه ٣ : ٣٠٠ حديث ١٤٣٦.


______________________________________________________

وفي الرواية إيماء إلى أن صوتها عورة ، وأن سماعة بدون خوف الفتنة لا يحرم.

قال الصدوق في الفقيه بعد أن أورد هذا الحديث : إنما قال 7 ذلك لغيره وإن عبر عن نفسه ، وأراد بذلك التخوّف من أن يظن ظان أنه يعجبه صوتها فيكفر ، ولكلام الأئمة صلوات الله عليهم مخارج ووجوه لا يعقلها إلاّ العالمون (١).

وذهب بعض الشافعية إلى أن صوتها ليس بعورة ، لكن يحرم استماعه (٢).

واعلم : أنه كما يحرم استماع صوتها ، يحرم عليها إسماعه الأجانب ، كما يحرم عليها التكشّف.

هـ : يكره للرجلين أن يضطجعا في ثوب واحد ، قال 6 : « لا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ، ولا المرأة إلى المرأة في ثوب واحد » (٣) ومع الريبة يمنعان ويؤدبهما الحاكم ، ومع كون كل واحد منهما في جانب من الفراش فلا بأس.

وإذا بلغ الصبي والصبية عشر سنين فرّق بينه وبين امه وأبيه وأخته وأخيه في المضجع ، لقوله 6 : « اضربوهم وهم أبناء عشر ، وفرّقوا بينهم في المضاجع » (٤) ولا يجب إلاّ مع خوف الفتنة.

و : يستحب مصافحة الرجل للرجل والمرأة للمرأة ، وأما مصافحة الرجل للمرأة ، فإن كانت أجنبية لم يجز إلاّ من وراء الثياب ، مع أمن الافتتان وعدم الشهوة ، روى أبو بصير أنه سأل الصادق 7 هل يصافح الرجل المرأة ليست له بذي محرم؟

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٠٠.

(٢) اعانة الطالبين ٣ : ٢٦٠.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٢٦٦ حديث ٣٣٨.

(٤) سنن أبي داود ١ : ١٣٣ حديث ٤٩٥ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٢٩.


والعضو المبان كالمتصل على اشكال ، واللمس في المحارم كالنظر.

______________________________________________________

قال : « لا إلاّ من وراء الثوب » (١).

وأما المعانقة والتقبيل بين الرجلين أو بين المرأتين فلا بأس ، مع عدم الشهوة وأمن الفتنة ، وروى الصدوق عن أمير المؤمنين 7 أنه قال : « مباشرة المرأة ابنتها إذا بلغت ست سنين شعبة من الزنا » (٢) وسأل أحمد بن النعمان الصادق 7 ، فقال له : جويرية ليس بيني وبينها رحم ولها ست سنين؟ قال : « لا تضعها في حجرك » (٣) وعنه 7 قال : إذا بلغت الجارية ست سنين فلا يقبّلها [ الغلام ] (٤) ، والغلام لا يقبل المرأة إذا جاز سبع سنين » (٥).

قوله : ( والعضو المبان كالمتصل على إشكال ، واللمس في المحارم كالنظر ).

أي : العضو (٦) المنفصل ممن يحرم النظر إليه كالمتصل في تحريم النظر إليه على إشكال ، ينشأ : من أن مناط تحريم النظر إلى الأجنبية خوف الفتنة وحصول الشهوة ، وذلك منتف في المبان (٧) ، لأنه صار كالحجر ، ومن أن ثبوت تحريم النظر قبل الانفصال يجب استصحابه ، لعدم الناقل. وفي وجه للشافعية (٨) : أن المنفصل إن تميّز بصورته وشكله عما للرجل حرم ، لبقاء المحذور ، وإلاّ لم يحرم ، كقلامة الظفر والشعر والجلد‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥٢٥ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ٣٠٠ حديث ١٤٣٧.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٧٥ حديث ١٣٠٦.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٧٥ حديث ١٣٠٧ ، وفيه : سأل محمد بن النعمان أبا عبد الله 7 فقال له : عندي جويرية.

(٤) زيادة من المصدر تقتضيها العبارة.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٧٦ حديث ١٣١١.

(٦) في « ض » : الجزء.

(٧) في « ض » : وذلك منتف في الميل القلبي.

(٨) مغني المحتاج ٣ : ١٣٤ ، كفاية الأخيار ٢ : ٢٨.


هـ : الخطبة مستحبة ، إما تعريضا كرب راغب فيك ، أو حريص عليك ، أو اني راغب فيك ، أو انك علي كريمة ، أو أن الله لسائق إليك خيرا أو رزقا.

ولو ذكر النكاح أبهم الخاطب ، كرب راغب في نكاحك.

______________________________________________________

المنكشطة.

والأصح التحريم مطلقا إذا كان مما يحرم النظر إليه متصلا ، وقوله : ( واللمس في المحارم كالنظر ) قد سبق بيانه في الفروع.

قوله : ( ه‍ : الخطبة مستحبة ، إما تعريضا كربّ راغب فيك ، أو حريص عليك ، أو إني راغب فيك ، أو إنك عليّ كريمة ، أو إن الله لسائق إليك خيرا أو رزقا ، ولو ذكر النكاح أبهم الخاطب ، كربّ راغب في نكاحك ).

الخطبة : ـ بالكسر ـ استدعاء نكاح المرأة ، ولا خلاف في جوازها في غير موضع النهي ، بل تستحب ، لأن النبي 6 فعل ذلك ، لأن النجاشي خطب لرسول الله 6 بنت أبي سفيان عن أمره (١) ، وخطب 6 أم سلمة ـ وقد توفي عنها ابن عمها ـ وهو متحامل على يده حتى أثّر الحصير في يده من شدة تحامله عليها (٢) ، وفعل الناس في الأزمنة المتعددة والبلاد المتباينة يدل عليه ، وليست شرطا للصحة قطعا.

ثم اعلم أن الخطبة أما تعريض أو تصريح ، والمخطوبة إما خليّة من زوج وعدة أو مشغولة بأحدهما ، والخاطب إما زوج أو أجنبي.

فالتصريح : الخطاب بما لا يحتمل إلاّ النكاح ، مثل : أريد أن أنكحك ، وإذا حللت فلا تفوّتي علي نفسك.

__________________

(١) في « ش » و « ض » : عن امرأة ، والمثبت من النسخة الحجرية ، وروى هذا الحديث الكليني في الكافي ٥ : ٣٦٧ حديث ١ ، والشيخ في التهذيب ٧ : ٤٠٩ حديث ١٦٣٣.

(٢) أي : متحامل على يده ، وروى هذا الحديث البيهقي في سننه ٧ : ١٧٨.


ونهى الله تعالى عن المواعدة سرا إلاّ بالمعروف ، كأن يقول : عندي جماع يرضيك ، وكذا ان أخرجه مخرج التعريض كأن يقول : رب جماع يرضيك ، لأنه من الفحش.

______________________________________________________

والتعريض هو : الإتيان بلفظ يحتمل الرغبة في النكاح وغيرها ، مثل : ربّ راغب فيك ، أو حريص عليك.

والفرق بينه وبين الكناية : أن الكناية عبارة عن أن يذكر الشي‌ء بغير لفظ الموضوع له ، كقولك : طويل النجاد والحمائل لطويل القامة ، وكثير الرماد للمضياف ، والتعريض أن يذكر شيئا يدل به على شي‌ء لم يذكره (١) ، كقول المحتاج للمحتاج إليه : جئتك لأسلّم عليك ، ففي الأول المعنى المطلوب باللفظ غير موضوع له اللفظ ، وفي الثاني اللفظ المذكور يلوح منه ما يدل على المراد ، وهو اللفظ الدال على الطلب.

واعلم أيضا أن من ألفاظ التعريض قول القائل : إني راغب فيك ، أو إنك عليّ كريمة ، لأن ذلك يحتمل الرغبة في النكاح وغيره ، أما لو صرح بالنكاح فلا بد من إبهام الخاطب ، ليكون اللفظ محتملا لإرادة نكاحه ونكاح غيره ، وإلاّ لكان تصريحا.

والحاصل أنه إن صرح برغبة نفسه أبهم النكاح ، ليحتمل اللفظ النكاح وغيره ، وإن صرح بالنكاح أبهم الراغب ، ليكون اللفظ تعريضا بالنسبة إليه ، وفي الذي قبله تعريض بالنسبة إلى النكاح ، وقد روى أن النبي 6 قال لفاطمة بنت قيس : « إذا حللت فأذنيني ولا تفوتيني نفسك » (٢).

قوله : ( ونهى الله تعالى عن المواعدة سرا إلاّ بالمعروف ، كأن يقول : عندي جماع يرضيك ، وكذا إن أخرجه مخرج التعريض ، كأن يقول : ربّ جماع يرضيك ، لأنه من الفحش ).

__________________

(١) في « ض » : يدل على شي‌ء لم يذكر.

(٢) انظر : سنن أبي داود ٢ : ٢٨٥ و ٢٨٦ حديث ٢٢٨٤ و ٢٢٨٧ ، سنن البيهقي ٧ : ١٧٨.


وإما تصريحا كأن يقول : إن انقضت عدتك تزوجت بك.

وكلاهما حرام لذات البعل ، وللمعتدة الرجعية وللمحرمة أبدا كالمطلقة تسعا للعدة ، وكالملاعنة ، وكالمرضعة ، وكبنت الزوجة ممن حرمت عليه. ويجوز التعريض لهؤلاء من غيره في العدة والتصريح بعدها.

______________________________________________________

قال الله تعالى‌ وتقدّس ( وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً ) (١) وتقدير الكلام : علم الله أنكم ستذكرونهن ولا تواعدوهن سرا ، والسر : وقع كناية عن الوطء ، ومعناه : لا تواعدوهن جماعا إلاّ بالتعريض ، بحيث لا يكون في الكلام لفظ يدل على الجماع صريحا ، لأن ذلك من الفحش وليس من المعروف.

فعلى هذا لو أتى بلفظ يدل على الوطء صريحا وأبهم الفاعل ـ مثل : ربّ جماع يرضيك ـ كان منهيا عنه ، لأن التصريح بالجماع فحش ، ولا يزول الفحش بإبهام الفاعل ، وقد صرح المصنف في التحرير (٢) والتذكرة (٣) بأن هذا النهي للكراهة.

قوله : ( وإما تصريحا ، كأن يقول : إذا انقضت عدتك تزوجت بك ).

هذا معطوف على قوله : ( إما تعريضا كربّ راغب فيك ... ) ، وقوله : ( ونهى الله تعالى ... ) معترض.

وهنا سؤال ، وهو : أن قوله : ( الخطبة مستحبة إما تعريضا كربّ راغب فيك. وإما تصريحا ) يقتضي استحباب كلّ من القسمين ، فكيف ينتظم مع قوله : ( وكلاهما حرام لذات البعل ... )؟

وجوابه : أن المراد أن الخطبة مستحبة إما تعريضا وإما تصريحا في الجملة ، لا في‌

__________________

(١) البقرة : ٢٣٥.

(٢) تحرير الأحكام ٢ : ٥.

(٣) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٧٠.


______________________________________________________

كل موضع ولا بالنسبة إلى كلّ امرأة ، بل في مواضع مخصوصة ، فربما حرمت مطلقا في بعض النساء ، وربما حرم التصريح دون التعريض.

وتنقيحه يحصل بقوله : ( وكلاهما حرام ـ لذات البعل ، وللمعتدة الرجعية ، والمحرّمة أبدا : كالمطلّقة تسعا للعدة ، وكالملاعنة ، وكالمرضعة ، وكبنت الزوجة ـ ممن حرمت عليه ، ويجوز التعريض لهؤلاء من غيره في العدة ، والتصريح بعدها ).

أراد بقوله : ( وكلاهما ) التعريض بالخطبة والتصريح بها.

ولا شبهة في تحريم خطبة ذات البعل تعريضا وتصريحا ، بواسطة وبغيرها ، ولا خلاف في ذلك بين العلماء ، ولما في ذلك من الفساد.

والمطلقة رجعيا زوجة ، فيحرم خطبتها.

والمحرّمة أبدا ـ كالمطلقة تسعا للعدة ، وكالملاعنة ، وكالمرضعة ، وكبنت الزوجة المدخول بها ، ومن جرى مجراهن ـ يحرم أيضا خطبتهن ممن حرمن عليه تصريحا وتعريضا ، لامتناع نكاحه لهنّ شرعا.

وأما غيره ، فإنه يجوز له التعريض لهنّ في العدة البائنة ، سواء كانت لمن حرمن عليه أم لغيره ، والتصريح مع الخلوّ عنها وعن الزوج ، لانتفاء المانع.

والمراد بالمرضعة في قوله : ( وكالمرضعة ) الأم من الرضاعة ، وهو المتبادر من سوق الكلام ، ويمكن تكلّف إدراج كلّ من حرمت بالرضاع على الشخص ، كمرضعة أبيه مثلا.

والجار في قوله : ( ممن حرمت عليه ) يتعلق بما دل عليه قوله : ( وكلاهما حرام ) أي : وصدور كليهما حرام ممن حرمت عليه إلى آخره.

والضمير المستتر في ( حرمت ) يعود إلى كل واحدة من المحرمات مؤبدا المذكورات ، وليس ببعيد عوده إلى جميع المذكورات ( ذات البعل ) ومن بعدها ، فان كل من حرم عليه المذكورات بشي‌ء من الأمور المذكورة يحرم عليه خطبتهن تعريضا‌


والمطلقة ثلاثا يجوز التعريض لها من الزوج وغيره.

ويحرم التصريح منهما في العدة ، ويجوز من غيره بعدها ، والمعتدة بائنة كالمختلعة.

والمفسوخ نكاحها يجوز التعريض لها من الزوج وغيره ، والتصريح من الزوج خاصة

______________________________________________________

وتصريحا.

قوله : ( والمطلّقة ثلاثا يجوز التعريض لها من الزوج وغيره ، ويحرم التصريح منهما في العدة ، ويجوز من غيره بعدها ).

لما كانت المطلّقة ثلاثا حراما على المطلّق إلى أن تنكح زوجا غيره ، كان التصريح من الزوج لها بالخطبة حراما في العدة وبعدها ، لأنها إذا تحققت رغبة الزوج فيها بالتصريح بالخطبة ، لم يؤمن أن يكذب في دعوى انقضاء العدة وحصول التحليل إن اكتفينا بقوله فيه ، بخلاف التعريض ، فإنه لا يتحقق به ذلك ، ويجوز التعريض منه في الحالين ، فان تحريمها غير مؤبد ، والمحذور مندفع.

وأما بالنسبة إلى غير المطلّق ، فان التصريح لها حرام في العدة خاصة ، فيجوز التعريض لها في العدة والتصريح بعدها ، لانتفاء المحذور حينئذ ، بخلاف ما إذا كانت في العدة ، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك.

قوله : ( والمعتدة بائنا ـ كالمختلعة ، والمفسوخ نكاحها ـ يجوز التعريض لها من الزوج وغيره والتصريح من الزوج خاصة ).

أما الزوج فإن العدة له ، ويجوز إنشاء النكاح حينئذ ورجوعها في عوض الخلع ليرجع ، فلا محذور في التصريح بالخطبة ، سواء كان الفسخ من قبله أم من قبلها.

وأما غيره ، فان المحذور بتصريحه بالخطبة لها قائم في العدة منتف بعدها ، فيمنع من التصريح فيها لا بعدها ، ويندرج في المعتدة بائنا المتوفى عنها زوجها ، ولا فرق في هذه المسائل بين أن تكون المخطوبة حاملا أم لا.


والإجابة تابعة.

ولو صرح في موضع المنع أو عرض في موضعه ، ثم انقضت العدة ، لم يحرم نكاحها. ولو أجابت خطبة زيد ففي تحريم خطبة غيره نظر ، إلاّ المسلم على الذمي في الذمية ، ولو عقد الغير صح.

______________________________________________________

قوله : ( والإجابة تابعة ).

أي : إجابة المرأة خطبة الخاطب تابعة للخطبة في الجواز والتحريم ، فيحرم التصريح في الجواب في كلّ موضع يحرم التصريح بالخطبة ، ويجوز في موضع جوازه ، وكذا التعريض.

قوله : ( ولو صرح في موضع المنع أو عرض في موضعه ، ثم انقضت العدة لم يحرم نكاحها ).

أي لو صرح بالخطبة في موضع المنع من التصريح ، أو عرض بها في موضع المنع من التعريض ، ثم زال المانع ـ وهو : العدة حيث يكون المانع العدة فقط ـ لم يحرم نكاحها ، لأن المعصية السابقة لا تؤثر في النكاح اللاحق ، كما لو نظر إليها في وقت يحرم النظر ، ثم أراد نكاحها.

قوله : ( ولو أجابت خطبة زيد ، ففي تحريم خطبة غيره نظر ، إلاّ المسلم على الذمي في الذمية ، ولو عقد الغير صح ).

إجابة خطبة الخاطب تتحقق بتصريحها بالإجابة ، مثل أن تقول : قد أجبتك إلى ذلك ، أو تأذن لوليّها أن يزوجها منه إن كانت ثيبا ، أو تسكت إذا استأذنها وليّها فيه إن كانت بكرا ، فان ذلك يجري مجرى الأذن ، أو تكون ممن تجبر فلا يجيزها وليّها ، فيصرح الولي بالإجابة.

ومنشأ النظر : من أن الأصل الإباحة ، وبالإجابة لا تصير زوجة ، وإنما أمرها بيدها أو بيد وليّها فيجوز.


و : خص رسول الله 6 بأشياء في النكاح وغيره ، وهي إيجاب السواك عليه ، والوتر ، والأضحية ، وإنكار المنكر وإظهاره ، ووجوب‌

______________________________________________________

ومن ظاهر قوله 7 : « لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه » (١) فإن النهي ظاهر في التحريم ، ولما في ذلك من إيذاء المؤمن وكسر خاطره وإثارة الشحناء والبغضاء ، وفي النهي عن الدخول في سوم المؤمن إيماء إلى ذلك وتنبيه عليه ، ولا يضرّ عدم ثبوت الحديث ، لأن الاجتناب طريق الاحتياط.

ولو لم يصرح بالإجابة ، بل أتى بما يشعر بالرضا ، مثل : لا رغبة عنك ، فوجهان :

أحدهما : ـ وهو مقرّب التذكرة ـ (٢) عدم التحريم ، لأن خطبة الثاني لم تبطل شيئا.

والثاني : التحريم ، لظاهر الحديث.

ولو لم توجد إجابة ولا رد أمكن طرد الوجهين ، نظرا إلى ظاهر الحديث ، وعدم التحريم في الموضعين قويّ ، تمسكا بالأصل ، إذ لا معارض يعتد به.

ويجوز الاقدام على خطبة من لا يعلم أخطبت أم لا ، أو لم يعلم أن الخاطب أجيب أم لا.

وهذا كلّه في الخاطب المسلم ، أما الذمي إذا خطب الذمية ، فإن الأصح أن إجابته لا تمنع جواز خطبة المسلم ، للأصل ، ولظاهر قوله 7 : « على خطبة أخيه ».

ولو أقدم الغير على الخطبة في موضع التحريم وعقد صح النكاح ، إذ لا منافاة بين تحريم الخطبة وصحة العقد.

قوله : ( وخصّ رسول الله 6 بأشياء في النكاح وغيره ، وهي : إيجاب السواك عليه ، والوتر ، والأضحية ، وإنكار المنكر وإظهاره ،

__________________

(١) سنن الترمذي ٢ : ١٣٥ ، سنن ابي داود ٢ : ٢٢٨ حديث ٢٠٨١ ، سنن النسائي ٦ : ٧٣ ، سنن البيهقي ٧ : ١٧٩.

(٢) التذكرة ٢ : ٥٧٠.


التخيير لنسائه بين إرادته ومفارقته بقوله ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا ) الآية ، وهذا التخيير كناية عن الطلاق إن اخترن الحياة الدنيا. وقيام الليل ، وتحريم الصدقة الواجبة والمندوبة على خلاف ، وخائنة الأعين وهو الغمز بها ، ونكاح الإماء بالعقد والكتابيات ، والاستبدال بنسائه ، والزيادة عليهن حتى نسخ بقوله تعالى ( إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ ) الآية ، والكتابة ، وقول الشعر ، ونزع لأمته إذا لبسها قبل لقاء العدو.

______________________________________________________

ووجوب التخيير لنسائه بين إرادته ومفارقته ـ لقوله تعالى ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها ) (١) الآية ، وهذا التخيير كناية عن الطلاق إن اخترن الحياة الدنيا ـ وقيام الليل ، وتحريم الصدقة الواجبة والمندوبة على خلاف ، وخائنة الأعين وهو : الغمز بها ، ونكاح الإماء بالعقد ، والكتابيات ، والاستبدال بنسائه والزيادة عليهن حتى نسخ بقوله تعالى ( إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ ) (٢) الآية ، والكتابة وقول الشعر ، ونزع لأمته إذا لبسها قبل لقاء العدوّ ).

قد جرت عادة الفقهاء بذكر خصائص النبي 6 هنا ، لأنهم ذكروا خصائصه في النكاح ، ثم سحبوا البحث إلى خصائصه في غيره ، وقد كان المناسب الابتداء بذكر خصائصه في النكاح ، لأن غيرها مذكور هنا استطرادا.

ولا يخفى أن خصائصه التي شرفه الله تعالى بها وميّزه عن سائر خلقه ، تنقسم إلى تغليظات وتخفيفات وكرامات ، وكلّ منها إما في النكاح أو في غيره ، والتغليظات إما واجبات أو محرمات ، وقد بدأ المصنف بها ، وذكر ثلاثة عشر أمرا :

أ : إيجاب السواك عليه.

__________________

(١) الأحزاب : ٢٨.

(٢) الأحزاب : ٥٠.


______________________________________________________

ب : الوتر.

ج : الأضحية ، روى عنه 6 أنه قال : « كتب عليّ ولم يكتب عليكم السواك والوتر والأضحية » (١) وفي حديث آخر : « كتب عليّ الوتر ولم يكتب عليكم ، وكتب عليّ السواك ولم يكتب عليكم ، وكتب عليّ الأضحية ولم يكتب عليكم » (٢).

د : إنكار المنكر إذا رآه وإظهار الإنكار ليعلم ، لأن إقراره 7 على فعل يقتضي جوازه ، وقد وعده الله تعالى بالعصمة من الناس وتكفّل له بالنصر ، فقال سبحانه ( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) (٣).

هـ : وجوب التخيير لنسائه بين مفارقته ومصاحبته ، لقوله تعالى ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً ) إلى قوله ( أَجْراً عَظِيماً ) (٤).

والأصل في ذلك : أنه 6 آثر لنفسه الفقر وصبر عليه ، فأمر بتخيير نسائه بين مفارقته واختيار زينة الحياة الدنيا ، وبين مصاحبته والصبر على مرارة الفقر ، لئلاّ يكون مكرها لهنّ على صبر الفقر (٥).

ثم إنهنّ لمّا اخترنه والدار الآخرة ، حرّم الله سبحانه عليه التزويج عليهنّ والتبدّل بهن ، ـ مكافأة لهنّ على حسن صنعهنّ ـ بقوله تعالى ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ) (٦).

__________________

(١) المجموع ١٦ : ١٤٢ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٩.

(٢) مسند أحمد ١ : ٣١٧ ، سنن الدار قطني ٤ : ٤٠ حديث ٤٢ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٦٤.

(٣) المائدة : ٦٧.

(٤) الأحزاب : ٢٨.

(٥) في « ض » : على ضر الفقر.

(٦) الأحزاب : ٥٢.


______________________________________________________

ثم نسخ ذلك ـ لتكون المنّة له 6 بترك التزوّج عليهنّ ـ بقوله تعالى ( إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاّتِي آتَيْتَ ) (١) الآية.

وروي أن بعض نساء النبي 6 طلبت منه حلقة من ذهب ، فصاغ لها حلقة من فضة وطلاها بالزعفران ، فقالت : لا أريد إلاّ من ذهب ، فاغتمّ النبي 6 لذلك ، فنزلت آية التخيير (٢).

وقيل : إنما خيرهن لأنه لم يمكنه التوسعة عليهن ، وربما يكون فيهنّ من تكره المقام معه على ذلك ، فنزّهه الله تعالى عن ذلك بالأمر بالتخير (٣).

إذا عرفت ذلك ، فهذا التخيير عند العامة كناية عن الطلاق ، يقع إذا اختارت نفسها ونويا معا ، فان لم ينويا أو لم ينو أحدهما لم يقع به شي‌ء (٤).

قال قوم : إنه صريح فيه ، وقال آخرون : إنه لا يكون طلاقا أصلا ، بل الطلاق اختيارها نفسها ، لقوله تعالى ( فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً ) (٥) ولو كان ذلك طلاقا لم يكن للتسريح بعده معنى ، وهذا الأخير هو الجاري على أصولنا ، فإن الطلاق لا يقع بالكنايات ، وليس في الآية ما يقتضي مخالفة حكمه لحكمنا في ذلك ، وقد نبّه المصنف على ذلك في التذكرة (٦) ، ومن هذا يعلم أن قوله هنا : ( وهذا التخير كناية عن الطلاق ) ليس بجيد.

و : قيام الليل ، لقوله تعالى ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ ) (٧) وإن أشعر‌

__________________

(١) الأحزاب : ٥٠.

(٢) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٤ : ١٦٢.

(٣) المصدر السابق.

(٤) انظر : أحكام القران للكيا الهراسي ٤ : ٣٤٥.

(٥) الأحزاب : ٢٨.

(٦) التذكرة ٢ : ٥٦٦.

(٧) الإسراء : ٧٩.


______________________________________________________

لفظ النافلة بالسنّة ، لكنها في اللغة الزيادة ، فلا ضرورة إلى التجوّز بلفظ الأمر.

ولقائل أن يقول : إيجاب قيام الليل يغني عن التعرّض لإيجاب الوتر ، لأن قيام الليل يتأدّى به.

ويمكن الجواب : بأن إيجاب قيام الليل لا يقتضي إيجاب الوتر بخصوصه ، فحيث كان واجبا بخصوصه تعيّن ذكره.

ز : تحريم الصدقة الواجبة ، صيانة لمنصبه العليّ عن أموال الناس التي تعطى على سبيل الترحم ، وينبئ ذلك عن ذلّ الآخذ ، وأبدل بالفي‌ء الذي يؤخذ على سبيل القهر والغلبة ، وينبئ عن عز الآخذ وذلّ المأخوذ منه.

ومشاركة أولي القربى إياه في تحريمها لا تقدح في كون ذلك من خصوصياته ، لأن التحريم عليهم بسببه ، فالخاصة عائدة إليه ، وقد قال 6 : ( إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة ) (١).

واما المندوبة ، فان في تحريمها عليه 6 خلاف ، والتحريم قويّ ، وقد بيّنا دليله في باب الصدقة.

ح : خائنة الأعين ، وهو : الغمز بها ، والمراد به : الإيماء إلى مباح ـ من نحو ضرب أو قتل ـ على خلاف ما يظهر ويشعر به الحال ، وإنما قيل له خائنة الأعين ، من حيث لأنه يشبه الخيانة من حيث انه يخفى ، ولا يحرم ذلك على غيره إلاّ في محظور.

قال في التذكرة : أن يظهر خلاف ما يضمر ، قال 6 : « ما كان لنبي أن يكون له خائنة الأعين » (٢) وطرد بعض ذلك في الحروب ، فمنع من الخدع فيها ، ورد بأنه 6 قد صح عنه أنه كان إذا أراد سفرا ورّى بغيره ، وبأن ذلك‌

__________________

(١) انظر : عيون أخبار الرضا 7 ٢ : ٢٩ حديث ٣٢ ، مسند أحمد ٢ : ٤٠٩ و ٣ : ٤٩٠.

(٢) سنن البيهقي ٧ : ٤٠ ، الخصائص الكبرى ٢ : ٢٣٨ ، وفيهما : لا ينبغي ان تكون لنبي خائنة الأعين.


______________________________________________________

من الحزم المطلوب (١).

ط : نكاح الإماء بالعقد ، لأن ذلك لا يليق بمنصبه 6 ، فان كون الزوجة مملوكة للغير محكوما عليها لغير الزوج مرذول ، ولأن نكاحها على الأصح مشروط بالخوف من العنت ، وهو 6 معصوم من أدناس البشر ، وبفقدان طول الحرة ، ونكاحه 6 مستغن عن المهر ابتداء وانتهاء.

أما وطؤها بملك اليمن فلا مانع منه.

ي : نكاح الكتابيات بالعقد ، لأن ذلك لا يليق بمنصبه العلي ، ولأن نساءه 6 أمهات المؤمنين ، والكتابية بعيدة عن ذلك ، وهذا إن جوّزنا لغيره 6 نكاحهنّ ، وإلاّ فالتحريم مشترك بينه وبين الأمة.

يا : الاستبدال بنسائه والزيادة عليهنّ ـ حتى نسخ بقوله تعالى ( إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ ) (٢) الآية مكافأة على حسن صنعهنّ ، كما نبّهنا عليه فيما سبق.

يب : الكتابة وقول الشعر ، تأكيدا لحجته وإظهارا لمعجزته ، قال سبحانه ( وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ) (٣) ( الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ) (٤) وقال تعالى ( وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ ) (٥) وفي ذلك دلالة على أنه ما كان يحسنهما.

والمصنف في التذكرة بعد أن حكى اختلاف قولي الشافعي (٦) ـ في أنه هل كان يحسنهما أم لا ـ قال : إنما يتّجه التحريم على الأول (٧) ، أي : على القول بأنه كان‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٦٦ ، باختلاف وتقديم وتأخير.

(٢) الأحزاب : ٥٠.

(٣) العنكبوت : ٤٨.

(٤) الأعراف : ١٥٧.

(٥) يس : ٦٩.

(٦) المجموع ١٦ : ١٤٣.

(٧) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٦٦.


وأبيح له أن يتزوج بغير عدد ، وأن يتزوج ويطأ بغير مهر وبلفظ الهبة ، وترك القسم بين زوجاته ، والاصطفاء ، والوصال ، وأخذ الماء من العطشان ، والحمى لنفسه.

وأبيح لنا وله الغنائم ، وجعل الأرض مسجدا وترابها طهورا.

وأبيح له دخول مكة بغير إحرام ، وإذا وقع بصره على امرأة ورغب فيها وجب على الزوج طلاقها.

______________________________________________________

يحسنهما ، وفيه بحث ، لأن تحريمهما إذا كان لا يحسنهما صحيح ، لأن فعلهما ممكن بالتعلّم ، فيحرم فعلهما والوسيلة إليه.

يج : نزع لأمته إذا لبسها قبل لقاء العدوّ ومقابلته ، قال 7 : « ما كان لنبي إذا لبس لأمته أن ينزعها حتى يلقى العدو » (١) واللامة : ـ مهموزة ـ الدرع ، وقيل : السلاح ، ولأمة الحرب أداته ، وقد يترك الهمز تخفيفا ، ذكره ابن الأثير في النهاية (٢).

قوله : ( وأبيح له أن يتزوّج بغير عدد ، وأن يتزوج ويطأ بغير مهر وبلفظ الهبة ، وترك القسم بين زوجاته ، والاصطفاء ، والوصال ، وأخذ الماء من العطشان ، والحمى لنفسه ، وأبيح لنا وله الغنائم ، وجعل الأرض مسجدا وترابها طهورا ).

وذكر في آخر المبحث أنه : ( أبيح له دخول مكة بغير إحرام ، وإذا وقع بصره على امرأة ورغب فيها وجب على الزوج طلاقها ).

قد ذكر المصنف من التخفيفات في النكاح وغيره أحد عشر نوعا :

أ : أبيح له 6 أن يتزوج بغير عدد على أصح الوجهين ، لامتناع الجور عليه ، ولظاهر قوله تعالى ( إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاّتِي ) (٣) الآية.

__________________

(١) صحيح البخاري ٩ : ١٣٨ ، سنن الدارمي ٢ : ١٣٠ ، مسند أحمد ٣ : ٣٥١.

(٢) النهاية ٤ : ٢٢٠ لأم.

(٣) الأحزاب : ٥٠.


______________________________________________________

وما روي عن عائشة قالت : إن النبي 6 لم يمت حتى أحل له النساء (١) ، يعني : اللاتي حظرن عليه ، ومن ذلك الزيادة على نسائه.

وقد مات النبي 6 عن تسع : عائشة ، وحفصة ، وأم سلمة بنت أبي أمية المخزومي ، وأم حبيبة رملة (٢) بنت أبي سفيان ، وميمونة بنت الحارث الهلالية ، وجويرية بنت الحارث الخزاعية ، وسودة بنت زمعة ، وصفية بنت حييّ بن أخطب الخيبرية ، وزينب بنت جحش.

أما طلاقه فكطلاق غيره ينحصر في الثلاث ، لعموم النص (٣) ، خلافا لبعض الشافعية (٤).

ب : أبيح له أن يتزوج ويطأ بغير مهر وبلفظ الهبة ، لقوله تعالى ( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ ) (٥) فعلى هذا لا يجب بالعقد مهر ولا بالدخول قضية للهبة ، ويجوز أن يعقد هو 6 بلفظ الهبة ، كما لا يشترط لفظ النكاح من الواهبة ، فإن الإيجاب والقبول يجب أن يكون مورداهما واحدا ، وأن يتطابقا.

وقال بعض الشافعية (٦) : إنه يشترط في جهته لفظ النكاح ، وإن كان من جهة المرأة الهبة ، لظاهر قوله تعالى ( أَنْ يَسْتَنْكِحَها ) (٧).

ولا دلالة له على اشتراط لفظ النكاح ، إنما يدل على النكاح ، وهو ثابت في حقّه 6 بالهبة.

__________________

(١) الخصائص الكبرى ٢ : ٢٣٢.

(٢) في « ش » و « ض » والنسخة الحجرية : وأم حبيبة ورملة ، وهو خطأ واضح ، لأن عدد نسائه 6 يكون عشرة ، ولأن اسم أم حبيبة رملة كما في السيرة النبوية لابن هشام ٤ : ٢٩٣ ـ ٢٩٤.

(٣) انظر : الوسائل ١٥ : ٣٥٠ باب ٣ من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه.

(٤) الخصائص الكبرى ٢ : ٢٤٨.

(٥) الأحزاب : ٥٠.

(٦) الخصائص الكبرى ٢ : ٢٤٧.

(٧) الأحزاب : ٥٠.


______________________________________________________

ولو جرد نكاحه عن ذكر المهر ، فهل يجب مهر بالدخول كغيره أم لا؟ ـ إذ ليس من لوازم نكاحه ـ فيه وجهان.

ج : أبيح له ترك القسم بين زوجاته ، فإذا كانت عند واحدة ليلة لم يلزمه أن يبيت عند كل واحدة مثلها ، لقوله تعالى ( تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ ) (١) اي تؤخر من تشاء وتترك مضاجعته ، وتضم إليك من تشاء وتضاجعه.

وأحد الوجهين للشافعية : أنه كغيره في وجوب القسم (٢) ، وبناؤهما على أن النكاح في حقه 6 هل هو كالتسري في حقنا ، فان قلنا : نعم ، لم ينحصر عدد منكوحاته ولإطلاقه ، وانعقد نكاحه بلفظ الهبة ومعناها ، وبغير وليّ وشهود ، وفي الإحرام ، ولم يجب عليه القسم ، وإلاّ انعكس الحكم.

وليس بشي‌ء ، بل المتّبع في ذلك النصوص الواردة (٣) ، والآية تنفي وجوب القسم فينتفي.

د : أبيح له اصطفاء ما يختاره من الغنيمة قبل القسمة ، كجارية حسناء ، وثوب مرتفع ، وفرس جواد وغير ذلك ، ويقال لما اختاره : الصفي والصفية والجمع الصفايا ومن صفاياه 6 : صفية بنت حييّ بن أخطب ـ اصطفاها وأعتقها وتزوجها ـ وذو الفقار ، وعندنا أن الامام 7 كالنبي في ذلك.

هـ : أبيح له الوصال ، وهو حرام على غيره ، قال في التذكرة : ومعناه أن يطوي الليل بلا أكل ولا شرب مع صيام النهار ، لا أن يكون صائما ، لأن الصوم في الليل لا ينعقد ، بل إذا دخل الليل صار الصائم مفطرا إجماعا ، فلما نهى النبي 6 أمته عن الوصال ، قيل له : إنك تواصل؟ فقال : إني لست كأحدكم ، إني أظل عند‌

__________________

(١) الأحزاب : ٥١.

(٢) كفاية الأخيار ٢ : ٤٧ ، الخصائص الكبرى ٢ : ٢٤٧.

(٣) انظر : التهذيب ٧ : ٤١٩ حديث ٦٧٩ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٢ حديث ٨٦٦.


______________________________________________________

ربي يطعمني ويسقيني (١) ، هذا كلامه.

وفيه نظر ، لأن الظاهر أن الأكل ليلا لا يجب ، وقد صرح هو بذلك في المنتهى ، فقال : لو أمسك عن الطعام يومين لا بنيّة الصيام بل بنية الإفطار وقته ، فالأقوى فيه عدم التحريم ، هذا كلامه (٢).

إن الصوم لا ينعقد في الليل ، لا محصّل له ، لأن الحرام لا ينعقد ، فان الصوم العيد حرام مع أنه لا ينعقد ، ولو انعقد لم يكن حراما ، لأن النهي في العبادات يدل على الفساد ، وإنما المراد أن الإمساك على قصد الصوم حرام.

وقد بينا فيما سبق : أن الأصح عندنا أن الوصال : تأخير العشاء إلى السحور.

واعلم : أن المراد بقوله 6 « أظل عند ربي يطعمني ويسقيني » أنه يقوّيه على الصوم ويغنيه عن الطعام والشراب ويغذيه بوحيه ، وليس المراد الأكل والشرب حقيقة ، وإلاّ لم يكن مواصلا.

و : أبيح له أن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما وإن كان مضطرا إليهما ، لأن حفظ نفسه المقدسة أحق من حفظ نفس غيره ، ويجب على المالك البذل ، وأن يفدي بمهجته مهجة رسول الله 6 ، فإنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، واقتصر المصنف على ذكر الماء ، ولا فرق بينه وبين سائر ما يطعم وما يشرب عند الضرورة إليه.

وينبغي أن يكون الامام 7 كذلك ، كما يرشد إليه التعليل ، ولم أقف على تصريح في ذلك.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٦٧ ، وروى الحديث الشيخ الصدوق في الفقيه ٢ : ١١١ حديث ٨.

(٢) منتهى المطلب ٢ : ٦١٧.


______________________________________________________

ز : وأبيح له 6 أن يحمي لنفسه الأرض لرعي ماشيته ، وكان حراما على من قبله من الأنبياء : ، وهذا عندنا مشترك بينه وبين الأئمة : كما سبق في (١) إحياء الموات ، وقول المصنف في التذكرة : والأئمة بعده ليس لهم أن يحموا لأنفسهم (٢) ، ليس جاريا على مذهبنا.

ح : أبيح لنا وله الغنائم ، وكانت حراما على من قبله من الأنبياء ، وكانوا مأمورين بجمعها ، فتنزل نار من السماء فتأكلها.

ط : أبيح لنا وله جعل الأرض مسجدا وترابها طهورا ، ولم يكن ذلك للأنبياء السالفة ، وإنما كان لعباداتهم مواضع مخصوصة لا يتعبدون في غيرها.

واعلم : أن قول المصنف : ( وجعل الأرض مسجدا ) يمكن أن يكون مصدرا معطوفا على فاعل ( أبيح ) ويمكن أن يجعل فعلا ماضيا على حد :

.................

ولا أرض أبقل إبقالها (٣).

ي : أبيح له دخول مكة بغير إحرام ، بخلاف أمته ، فإن غير المعذور منهم يتعيّن عليه الإحرام على خلاف.

يا : أبيح له إذا وقع بصره على امرأة ورغب في نكاحها أن ينكحها ، بحيث أنها إن كانت خليّة وجب عليها الإجابة وحرم على غيره خطبتها ، وإن كانت ذات زوج وجب على الزوج طلاقها لينكحها ، ودليل ذلك قضية زيد (٤).

__________________

(١) لفظ ( في ) لم يرد في « ش » و « ض » وأثبتناه من النسخة الحجرية.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٦٧.

(٣) نسب هذا البيت الجوهري في صحاحه ٤ : ١٦٣٧ بقل ، إلى عامر بن جوين الطائي ، وصدره : فلا مزنة ودقت ودقها

(٤) انظر تمام قضية زيد في أحكام القران للقرطبي ١٤ : ١٩٠.


وجعلت أزواجه أُمهات المؤمنين ، بمعنى تحريم نكاحهن على غيره ، سواء فارقهن بموت أو فسخ أو طلاق ، لا لتسميتهن أمهات ، ولا لتسميته 7 أبا ، وبعث الى الكافة وبقيت معجزته وهي القرآن الى يوم‌

______________________________________________________

ولعل السر فيه من جانب الزوج امتحان إيمانه (١) واعتقاده بتكليفه النزول عن أهله ، ومن جانبه 6 ابتلاؤه ببلية البشرية ومنعه من خائنة الأعين وإضمار ما يخالف الإظهار ، ولا شي‌ء أدعى إلى غض البصر وحفظه عن اللمحات الاتفاقية من هذا التكليف.

ولهذا قال بعضهم (٢) : إن هذا الحكم ليس من باب التخفيفات ـ وإن عده الفقهاء من جملتها ـ بل هو في حقه 6 غاية التشديد ، إذ لو كلّف بهذا آحاد الناس لما فتحوا أعينهم في الشوارع والطرق ، وقد روي أن عائشة قالت : لو كان 6 يخفى آية لأخفى هذه (٣).

وهاتان الخاصتان ذكرهما المصنف ; في آخر الباب ، وهما معدودتان من التخفيفات ، وكذا صنع في التذكرة (٤) ، لا كما هنا.

قوله : ( وجعلت أزواجه أمهات المؤمنين ـ بمعنى : تحريم نكاحهن على غيره ، سواء فارقهنّ بموت أو فسخ أو طلاق ، لا لتسميتهنّ أُمهات ، ولا لتسميته 7 أبا ـ وبعث إلى الكافة ، وبقيت معجزته وهي القرآن‌

__________________

(١) في « ض » : ولعل السر فيه من جانب الزوج ايمانه وامتحان قلبه.

(٢) المجموع ١٦ : ١٤٣.

(٣) وهي قوله تعالى ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً ) الأحزاب ٣٧ ، وروى هذا الحديث الطبري في تفسيره ٢٢ : ١١.

(٤) التذكرة ٢ : ٥٦٧.


القيامة.

وجعل خاتم النبيين ، ونصر بالرعب ، وكان العدو يرهبه من مسيرة شهر ، وجعلت أمته معصومة ، وخص بالشفاعة.

وكان ينظر من ورائه كما ينظر من قدامه ، بمعنى التحفظ والحس.

وكان تنام عينه ولا ينام قلبه كذلك.

وجعل ثواب نسائه مضاعفا ، وكذا عقابهن.

______________________________________________________

إلى يوم القيامة ، وجعل خاتم النبيين ، ونصر بالرعب وكان العدوّ يرهبه من مسيرة شهر ، وجعلت أمته معصومة ، وخصّ بالشفاعة ، وكان ينظر من ورائه كما ينظر من قدّامه ـ بمعنى : التحفظ والحس ـ وكان تنام عينه ولا ينام قلبه كذلك ، وجعل ثواب نسائه مضاعفا وكذا عقابهنّ ).

قد ذكر من الفضائل والكرامات في النكاح وغيره عشرة أمور :

أ : أنه قد جعلت أزواجه 6 أمهات المؤمنين ، سواء فيه من ماتت تحت النبي 6 ، ومن مات النبي 6 وهي تحته ، لعموم الآية.

وليست الأمومة هنا حقيقة ، بل المراد تحريم نكاحهنّ ووجوب احترامهنّ ، لا أنه يحل النظر إليهنّ ولا الخلوة بهنّ ولا المسافرة ، ولا يقال لبناتهن : أخوات المؤمنين ، فإنهن لا يحرمن عليهم ، فقد زوج رسول الله 6 فاطمة 3 بعلي 7.

وكذا لا يقال لآبائهنّ : وأمهاتهن : أجداد المؤمنين وجدّاتهم ، ولا لاخوانهنّ وأخواتهنّ : أخوال وخالات ـ ولبعض الشافعية (١) وجه في إطلاق ذلك لا يعتدّ به ـ وكذا هو 6 لا يسمّى أبا حقيقة ، بحيث تثبت أحكام الأبوّة بالنسبة‌

__________________

(١) مختصر المزني : ١٦٣.


______________________________________________________

إليه ، وإنما هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

وقول المصنف : ( لا لتسميتهنّ أمهات ... ) المراد : عدم التسمية حقيقة ، وإنما المراد من إطلاق هذا اللفظ معنى مجازي.

ب : أنه بعث إلى كافة العالمين بشيرا ونذيرا ، قال الله تعالى ( تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً ) (١).

ج : أنه بقيت معجزته ـ وهي القرآن ـ إلى يوم القيامة ، مصونا بعده عن التبديل والتغيير ، وأقيم بعده حجة على الناس ، ومعجزات غيره من الأنبياء انقرضت بانقراضهم.

د : أنه جعل خاتم النبيين صلّى الله عليه وعليهم بنص القرآن.

هـ : أنه نصر بالرعب من مسيرة شهر ، وكان العدوّ يرهبه من مسيرة شهر.

و : أنه جعلت أمته معصومة ، روى عنه 7 أنه قال : « لا تجتمع أمتي على ضلالة » (٢).

وفي عدّ هذا من الخصائص نظر ، لأن الحديث غير معلوم الثبوت ، وأمته 6 مع دخول المعصوم فيهم لا تجتمع على ضلالة ، لكن باعتبار المعصوم فقط ، ولا دخل لغيره في ذلك ، وبدونه هم كسائر الأمم ، على أن الأمم الماضين مع أوصياء أنبيائهم كهذه الأمة مع المعصوم ، فلا اختصاص.

ز : أنه 6 خصّ بالشفاعة العامة ، وبكونه أول شافع ، وقد روي عنه 6 أنه قال : « ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي » (٣).

__________________

(١) الفرقان : ١.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٠٣ حديث ٣٩٥٠.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٧٦ حديث ١٧٧٧.


ز : أقسام النكاح ثلاثة : دائم ، ومنقطع ، وملك يمين. ولنبدأ بالدائم ونتبعه بالآخرين إن شاء الله تعالى.

______________________________________________________

ح : أنه كان ينظر من ورائه كما ينظر من قدّامه ، بمعنى أنهما سواء في التحفظ والحس.

ط : أنه كان تنام عينه ولا ينام قلبه ، قال 6 : « تنام عيناي ولا ينام قلبي » (١) والمراد : استواؤهما في التحفظ والحس ، وهو معنى قول المصنف : ( كذلك ) أي : كونه ينام عينه ولا تنام قلبه ، ككونه ينظر من ورائه كما ينظر من قدّامه.

فعلى هذا لا ينتقض وضوءه بالنوم ، فيحصل باعتبار ذلك خاصية أخرى ، وقد عدّها المصنف في التذكرة في التخفيفات ، حيث أنه لا يجب عليه الوضوء بالنوم (٢).

ي : أنه جعل ثواب نسائه مضاعفا ، وكذا عقابهنّ جعل مضاعفا ، وفي ذلك تفضيل وتمييز راجع اليه 6 ، وقد نطق القرآن بذلك في قوله تعالى : ( يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) (٣) إلى آخر الآيتين.

قوله : ( ز : أقسام النكاح ثلاثة : دائم ، ومنقطع ، وملك يمين ، ولنبدأ بالدائم ونتبعه بالآخرين إن شاء الله تعالى ).

المبحث السابع : النكاح ينقسم إلى ثلاثة أقسام : دائم ، ومنقطع ، وملك يمين ، والانقسام إلى ذلك ظاهر.

ولقائل أن يقول : إنه قد سبق أن النكاح إما العقد أو الوطء ، وكلّ واحد منهما‌

__________________

(١) سنن البيهقي ١ : ١٢١ ، مسند أحمد ١ : ٢٢٠.

(٢) التذكرة ٢ : ٥٦٨.

(٣) الأحزاب : ٣٠.


الباب الثاني : في العقد ، وفيه فصلان :

الأول : في أركانه ، وهي ثلاثة :

الأول : الصيغة ، ولا بد فيه من إيجاب وقبول.

وألفاظ الإيجاب : زوجتك ، وأنكحتك ، ومتعتك. والقبول : قبلت‌

______________________________________________________

لا ينقسم إلى الأقسام الثلاثة.

أما العقد فظاهر ، لأن نفس ملك اليمين لا يعدّ عقدا ، وسببه إما بيع أو إرث أو ما جرى مجراهما من الأسباب المملّكة ، ولا يعدّ شي‌ء من ذلك نكاحا بواحد من المعنيين ، وربما لم يكن عقدا أصلا.

وأما الوطء ، فإنه بنفسه لا يكون دائما ومنقطعا وملك يمين ، نعم يكون وطأ عن عقد دائم ، ووطأ عن عقد منقطع ، ووطأ عن ملك يمين.

وتنزيل العبارة على ذلك يحتاج إلى تكلّف حذف كثير ، وارتكاب ما لا يدل عليه اللفظ بوجه ، فيكون التقدير : أقسام الوطء ثلاثة : وطء عن عقد دائم ، ووطء عن عقد منقطع ، ووطء عن ملك يمين.

هذا مع أن المقصود بالبحث إنما هو عقد النكاح بقسميه ونفس ملك اليمين ، وإن كان يجري في خلاله البحث عن الوطء ، فالعبارة لا تخلو من شي‌ء.

ثم إن النكاح الدائم هو أصل الباب وعمدته ، وهو المطلوب غالبا ، فبدأ المصنّفون ببيانه وبيان أحكامه ، وأتبعوه بالآخرين توفيرا على كلّ منهما مقتضاه ، وعلى ذلك جرى المصنف.

قوله : ( الباب الثاني : في العقد ، وفيه فصلان :

الأول : في أركانه ، وهي ثلاثة : الصيغة ، ولا بدّ فيه من إيجاب وقبول.

وألفاظ الإيجاب : زوجتك وأنكحتك ومتعتك ، والقبول : قبلت النكاح‌


النكاح ، أو التزويج أو المتعة.

ولو اقتصر على قبلت صح النكاح ، وكذا لو تغايرا ، مثل زوجتك ، فيقول : قبلت النكاح.

______________________________________________________

أو التزويج أو المتعة ، ولو اقتصر على قبلت صح ، وكذا لو تغايرا مثل : زوجتك فيقول قبلت النكاح ).

لا ريب أن الباب الثاني معقود للعقد الدائم والبحث عنه ، وهو المراد بقوله : ( الباب الثاني في العقد ) بدليل ما تقدم من قوله : ( ولنبدأ بالدائم ).

فالمراد بقوله : ( الأول في أركانه ) أركان هذا العقد ، وقد عدّ منها ( المحل ) و ( العاقد ) وفي عد كلّ واحد منهما ركنا للعقد توسع ، لأن الركن هو الجزء الأقوى ، وليس واحدا منهما جزءا ، وكأنه يريد بالركن هنا : ما لا بدّ منه في صحة العقد ، ولا ريب أنه الصيغة والمتعاقدان.

وقد خصّ المصنف الزوج بكونه عاقدا والمرأة بكونها محلا ، وفيه بحث ، فان كلّ واحد منهما عاقد بنفسه أو بوكيله ، وكل واحد منهما محل للعقد والزوجية ، وإن كانت المرأة محلّ الوطء ، إلاّ أنه غير مراد هنا.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أن صيغة النكاح هي العقد ، وهو الإيجاب والقبول ، وألفاظ الإيجاب ثلاثة : زوجتك ، وأنكحتك ـ ولا خلاف بين علماء الإسلام في الاكتفاء بالإيجاب بأحدهما وقد ورد القرآن بهما في قوله تعالى ( فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها ) (١) وقوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٢) ـ ومتعتك ، وفي الانعقاد به عندنا قولان :

__________________

(١) الأحزاب : ٣٧.

(٢) النساء : ٢٢.


______________________________________________________

أحدهما : ـ وهو قول الأكثر (١) ، واختاره المصنف في التذكرة (٢) والمختلف (٣) ـ أنه لا ينعقد به ، لأن حقيقته في النكاح المنقطع ، فيكون مجازا في الدائم ، والعقود اللازمة لا تقع بالألفاظ المجازية ، خصوصا النكاح ، فإنه نوع عبادة ، وألفاظ العبادات متلقاة من الشارع ، ولأن الأصل تحريم الفرج ، فيستصحب إلى أن يحصل سبب الحل ، وهو الثابت شرعا دون المختلف فيه.

والثاني : الانعقاد ، واختاره المصنف هنا وفي الإرشاد ، لأن لفظ المتعة من ألفاظ النكاح ، لكونه حقيقة في النكاح المنقطع ، فهو من الألفاظ الصريحة في النكاح ، وكون الأجل جزء مفهومه ـ فيكون استعماله في النكاح الدائم مجازا ـ غير قادح ، لأن هذا القدر من التفاوت لو نافي لم يصح الدائم بلفظ زوجتك ، لأن الزواج حقيقة في القدر المشترك بين الدائم والمنقطع ، فاستعماله في الدائم استعمال له في غير موضوعه.

فان قيل : الدائم لا يستفاد من زوجتك ، بل من تجريد العقد عن ذكر الأجل مع إرادة الدوام.

قلنا : فان كان هذا كافيا من دون اللفظ في إفادة الدائم ، فليكن مثله مع الإيقاع بلفظ متعتك ، هذا مع أن جمعا من الأصحاب يقولون : بأنه متى أخل في المتعة بذكر الأجل انقلب دائما (٤) ، وهو موجود في رواية أبان بن تغلب (٥) ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) منهم ابن الجنيد كما عنه في إيضاح الفوائد ٣ : ١٢ ، والسيد في الناصريات ضمن الجوامع الفقهية : ٢٤٦.

والشيخ في المبسوط ٤ : ١٩٣ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٩١ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٩٩.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٨١.

(٣) مختلف الشيعة : ٥٣٣.

(٤) منهم : التقي في الكافي : ٢٩٨ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ٢٧٣ والمختصر النافع ١ : ١٨٣.

(٥) الكافي ٥ : ٤٥٥ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٦٥ حديث ١١٤٥ ، الاستبصار ٣ : ١٥٠ حديث ٥٥١.


ولا بد من وقوعهما بلفظ الماضي.

ولو قصد بلفظ الأمر الإنشاء ، قيل : يصح ، كما في خبر سهل الساعدي.

______________________________________________________

وقد سبق في البيع أن الأصح وقوعه حالا بلفظ السلم ، وذكرنا توجيهه هناك ، وبيّنا أن عدم الصحة إنما هو مع استعمال الألفاظ المجازية الأجنبية ، وهذا قوي ، والأول أحوط.

واما القبول ـ وهو : اللفظ الدال على الرضا بالإيجاب ، مثل تزوجت وقبلت ـ فان أتى به مقرونا بالنكاح أو التزويج مضافا إليها ، أو باسم الإشارة ، كأن قال : قبلت نكاحها ، أو قبلت هذا النكاح ، صح إجماعا ، وان اقتصر على قوله : قبلت النكاح أو قبلت خاصة صح عندنا ، خلافا لبعض الشافعية (١).

ولو اختلف اللفظ من الموجب والقابل ـ كأن قال : زوجتك ، فقال : نكحت أو قبلت ، أو بالعكس ـ صح العقد إجماعا ، ذكره في التذكرة (٢).

قوله : ( ولا بد من وقوعهما بلفظ الماضي ، ولو قصد بلفظ الأمر الإنشاء قيل : يصح ، كما في خبر سهل الساعدي ).

يعتبر في العقود اللازمة وقوع كل من الإيجاب والقبول فيها بلفظ الماضي ، لأنه الصريح في إنشاء المقصود من النكاح وغيره ، فلا يقع بلفظ الأمر ، لأنه حقيقة في الطلب.

والقول المذكور هو قول الشيخ ; (٣).

والخبر هو ما رواه سهل الساعدي : أن امرأة أتت النبي 6 ، فقالت : يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك ، فقامت قياما طويلا ، فقام رجل فقال :

__________________

(١) الوجيز ٢ : ٧.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٨٢.

(٣) المبسوط ٤ : ١٩٤.


ولو قال : أتزوجك بلفظ المستقبل منشأ ، فقالت : زوجتك جاز على رأي.

______________________________________________________

يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك فيها حاجة ، فقال رسول الله 6 : هل عندك من شي‌ء تصدقها إياه؟ فقال : ما عندي إلاّ إزاري هذا ، فقال النبي 6 : إن أعطيتها إياه جلست ولا إزار لك ، فالتمس شيئا ، فقال : ما أجد شيئا ، فقال التمس ولو كان خاتما من حديد ، فلم يجد شيئا ، فقال له رسول الله 6 : هل معك من القرآن شي‌ء؟ فقال : نعم سورة كذا وسورة كذا وسماهما ، فقال رسول الله 6 : زوجتكها بما معك من القرآن (١).

وهذا الخبر كما يدل على جواز إيقاع النكاح بلفظ الأمر ، كذا يدل على جواز تقديم القبول ، إذ لم ينقل أنه بعد ذلك قبل.

وفيه نظر ، لأن عدم النقل لا يدل على العدم ، ومن الجائز أن الراوي اقتصر على حكاية ما عدا القبول ، لعدم الاحتياج إلى حكايته ، وليس في الخبر ما يدل على أنها صارت امرأته باللفظ المذكور ، ولأن عدم إعادة القبول يستلزم جواز تخلل الكلام الكثير الأجنبي بين الإيجاب والقبول ، وعدم اعتبار الرضى بالإيجاب في القبول فإنه من المعلوم أنه لم يرد بزوجتها الرضى بتزويجه إياها على ما معه من القرآن.

والأصح عدم الجواز ، لأن الأمر غير صريح في الإنشاء للنكاح ، وإنما هو حقيقة في طلب التزويج ، فلا يكفي لإنشائه تزوجتها.

والمراد بقول المصنف : ( ولو قصد بلفظ الأمر الإنشاء ) إنشاء النكاح ، أي : ولو قصد بلفظ الأمر إنشاء نكاحها ، أي : قبول نكاحها والرضا به.

قوله : ( ولو قال : أتزوجك بلفظ المستقبل ـ منشأ ـ فقالت : زوجتك ، جاز على رأي ).

__________________

(١) انظر : سنن النسائي ٥ : ١١٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٣٦ حديث ٢١١١ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٤٢.


ولو قال : زوجت بنتك من فلان ، فقال : نعم بقصد اعادة اللفظ للإنشاء ، فقال الزوج : قبلت ، صح على اشكال.

ولو قصد الاخبار كذبا لم ينعقد ،

______________________________________________________

لو قال الزوج : أتزوجك‌ أتزوجك بلفظ الاستقبال ، مريدا به الإنشاء للنكاح ، فقالت : زوجتك ، فقد حكى المصنف في المختلف قولا لبعض الأصحاب أنه يصح (١) ، احتجاجا برواية أبان بن تغلب في المتعة : « أتزوجك متعة. فإذا قالت نعم فهي امرأتك » (٢) ولا دلالة فيها ، لأنه إذا كان المراد صيرورتها امرأته بهذا اللفظ لزم صحة المتعة بدون إيجاب ، لأن نعم في جواب القبول لا يكون إيجابا ، وذلك باطل قطعا ، وان كان المراد بلفظ آخر وهذا حكاية عنه ، فلا دلالة على أن ذلك اللفظ بصيغة المستقبل ، واختار في المختلف عدم الصحة (٣) ، وهو اختيار ابن حمزة (٤) وأكثر الأصحاب (٥) ، وهو الأصح اقتصارا على محل اليقين.

قوله : ( ولو قال : زوجت بنتك من فلان؟ فقال : نعم ، بقصد إعادة اللفظ للإنشاء ، فقال الزوج : قبلت ، صح على إشكال ، ولو قصد الاخبار كذبا لم ينعقد ).

أي : لو قال المتوسط للولي : زوجت بنتك من فلان؟ فقال : نعم ، قاصدا كون اللفظ المفاد بنعم للإنشاء على أنه إيجاب ، فقال الزوج : قبلت ، ففي صحة النكاح إشكال ، ينشأ :

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٥٣٣ ، والمراد من بعض الأصحاب ظاهرا هو المحقق في الشرائع ٢ : ٢٧٣.

(٢) الكافي ٥ : ٤٥٥ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٦٥ حديث ١١٤٥ ، الاستبصار ٣ : ١٥٠ حديث ٥٥١ ، وفي المصادر كلها : «. فإذا قالت نعم فقد رضيت فهي امرأتك ».

(٣) المختلف : ٥٣٣.

(٤) الوسيلة : ٣٤٢.

(٥) منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٤٣٧ ، وفخر المحققين ٣ : ١٣.


ويصح مع تقديم القبول بأن يقول : تزوجتك ، فتقول : زوجتك.

______________________________________________________

من أن نعم من ألفاظ الجواب يحذف بعدها الجملة ، وهي جملة السؤال بعينها ، فإذا قصد الإنشاء فقد أوجب ، لأنه في قوة نعم زوجت بنتي من فلان ، فإذا قبل فقد كمل العقد ، فكان صحيحا.

ومن حيث إنّ جزء العقد غير مذكور ، وكونه في قوة المذكور ـ باعتبار وجود ما يدل عليه ويقوم مقامه ـ لا يصيّره مذكورا ، والعقود متلقاة من الشارع خصوصا النكاح ، لأن أمر الفروج مبني على الاحتياط التام ، فلا يكفي مطلق اللفظ الدال على المراد ، وإلاّ لم تنحصر ألفاظ العقود ، وهذا أصح.

ولو قصد الولي الاخبار كذبا لم ينعقد النكاح به ولو قال الزوج قبلت قطعا ، وينبغي على الصحة ان يقبل قول الولي في ذلك ، لأن اللفظ يحتمل كلاّ من الأمرين على حد سواء.

ولو صرح بإرادة الإقرار فلا زوجية في نفس الأمر إن لم يكن مطابقا للواقع ، وهل يحكم به ظاهرا بالنسبة إلى البنت؟ فيه احتمال ، وينبغي أن يكون القول قولها بيمينها ظاهرا إذا ادعت كذب الولي في إقراره ، وهل لها ذلك فيما بينها وبين الله تعالى إذا لم يعلم الحال فيه؟ نظر ، ينشأ : من أصالة العدم ، وأن الإقرار لا ينفذ في حق الغير ، ولو لا ذلك لنفذ دعواه الاستدانة له وإنشاء بيع أمواله ونحو ذلك.

ومن أن إنشاء النكاح في وقت ثبوت الولاية فعله ، وهو مسلط عليه ، فينفذ فيه إقراره ، وينبغي التأمل لذلك.

قوله : ( ويصح تقديم القبول ، بأن يقول : تزوجتك ، فتقول : زوجتك ).

صرح الشيخ في المبسوط بجواز تقديم القبول على الإيجاب في النكاح ، بأن يقول الزوج : زوجنيها ، فيقول الولي حينئذ زوجتكها ، وادعى على ذلك الإجماع ،


ولا يصح بغير العربية مع القدرة ، ويجوز مع العجز ، ولو عجز أحدهما تكلم كل بلغته.

______________________________________________________

وينبه عليه : أن العقد هو الإيجاب والقبول ، والتقديم والتأخير غير مخل بالمقصود.

وقد يفرق بين النكاح وسائر العقود : بأن الإيجاب يصح عندنا من المرأة ، وهي تستحي غالبا ، فيمنعها الحياء من الابتداء بالإيجاب ، فإذا ابتدأ الزوج بالقبول المتضمن لكلّ ما يطلب وقوع الإيجاب عليه من مهر وغيره ، خفت عليها المؤنة ، ولم يفت المطلوب ، ثم بقي جواز التقديم في العقد مع وكيل المرأة ووليها طردا للباب.

ويحتمل عدم الصحة ، لأن القبول إنما يكون للإيجاب ، فمتى وجد قبله لم يكن قبولا ، لعدم حصول (١) معناه ، إذ ليس ثم إيجاب يتقبل ، فيكون قبولا لما ليس بموجود ، والأسباب الشرعية إنما تستفاد بالتلقي من الشرع ، وهو قول أحمد (٢) من العامة ، وقد نفي المصنف في التذكرة (٣) البأس عن هذا القول ، وعدم الصحة لا يخلو من قوة.

قوله : ( ولا يصح بغير العربية مع القدرة ، ويجوز مع العجز ، ولو عجز أحدهما تكلم كلّ بلغته ).

لما كانت العقود أسبابا شرعية لأمور مطلوبة لا يحصل بدونها ، وجب الاقتصار فيها على ما علم شرعا كونه سببا ، والذي علم وقوعه من صاحب الشرع هو العقد بلفظ العربية ، فلا ينعقد النكاح وغيره من العقود اللازمة بغيرها من اللغات كالفارسية ، مع معرفة العاقد وتمكنه من النطق ، ذهب إلى ذلك أكثر الأصحاب (٤).

وقال ابن حمزة : إن قدر المتعاقدان على القبول والإيجاب بالعربية عقدا بها استحبابا (٥).

__________________

(١) لفظ : حصول ، لم يرد في « ض » و « ش » وأثبتناه من الحجري وهو الأنسب.

(٢) انظر : المغني لابن قدامة ٧ : ٤٣٠ ، الشرح الكبير على متن المقنع ٧ : ٣٧٥.

(٣) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٨٣.

(٤) منهم الشيخ في المبسوط ٤ : ١٩٣ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ٢٧٣.

(٥) الوسيلة : ٣٤٢.


______________________________________________________

والأصح الأول ، لما قلناه.

والاحتجاج له بأن غير العربية بالنسبة إلى العربية من قبيل المرادف ، فصح أن يقام مقامها ، كما يقام أحد المترادفين مقام الآخر ، والألفاظ غير مقصودة بالذات ، وإنما الغرض بها إيصال المعاني المقصودة إلى فهم الغير ، فأي لفظ أدّى المعنى حصل به الغرض.

ضعيف ، لتطرق المنع إليه ، ولأنه لو صح ذلك لم يختص النكاح بلفظ ، فينعقد بالمجازات والكنايات وإن بعدت ، بل بالإشارة والكتابة ، بل كل ما دل على الرضى كائنا ما كان ، وهو معلوم البطلان.

وكما يشترط كون اللفظ عربيا بمادته ، فكذا يعتبر كونه كذلك بصورته ، بعين ما ذكرناه ، فلا ينعقد بالمحرف والملحون.

هذا مع القدرة ، أما مع العجز عنها ، وعن التعلم (١) عادة : بأن يشق عليه كثيرا ـ لأن القادر على التعلّم بغير مشقة لا يعدّ عاجزا عرفا ويجب عليه ، كما صرح به في التذكرة (٢) ـ فإنه يجوز العقد بغير العربية إجماعا.

ولا يشترط العجز عن التوكيل على الظاهر للأصل ، ولو لزمه من التعلّم فوات الغرض أو بعضه سقط اعتباره ، وكذا نقول في جميع العقود اللازمة.

ولو عجز أحد المتعاقدين عن العربية دون الآخر ، تعيّن نطق القادر بالعربية ـ إذ لا يسقط الميسور بالمعسور ـ وتكلم الآخر بلغته أو بغيرها من اللغات ، لكن يشترط أن يفهم كل منهما كلام الآخر ، وإلاّ لم يكونا متخاطبين ، وبه صرح المصنف في التذكرة (٣) ، فان لم يفهم أحدهما كلام الآخر ، لكن أخبره ثقة عن معناه ، ففي الاكتفاء‌

__________________

(١) في « ش » : أما مع العجز عن التعلم.

(٢) التذكرة ٢ : ٥٨٢.

(٣) التذكرة ٢ : ٥٨٢.


ولو عجزا عن النطق أو أحدهما أشار بما يدل على القصد.

ولا ينعقد بلفظ البيع ، ولا الهبة ، ولا الصدقة ، ولا التمليك ، ولا الإجارة ، ذكر المهر أو لا ، ولا الإباحة ولا العارية.

ولو قال : أتزوجني بنتك؟ فقال : زوجتك ، لم ينعقد حتى يقبل ، وكذا إن زوجتني ابنتك ، وكذا جئتك خاطبا راغبا في بنتك ، فيقول : زوجتك.

______________________________________________________

بذلك وجهان ، للشك في صدق التخاطب على هذا الوجه.

قوله : ( ولو عجزا عن النطق أو أحدهما أشار بما يدل على القصد ).

لا فرق بين كون العجز لخرس أصلي أو لعارض طارئ ، وحينئذ فتكفي الإشارة كما تكفي في التكبير والأذكار وسائر التصرفات القولية ، وكأنه لا خلاف في ذلك ، ولا بدّ من كون الإشارة مفهمة للمراد دالة على القصد ، وإلاّ لم يعتد بها.

قوله : ( ولا تنعقد بلفظ البيع ولا الهبة ولا الصدقة ولا التمليك ولا الإجارة ـ ذكر المهر أولا ـ ولا الإباحة ولا العارية ).

لا خلاف في شي‌ء من ذلك عندنا ، وخالف بعض العامة (١) ، فجوّز إيقاع العقد بلفظ الهبة والبيع والتمليك والصدقة ، دون الإخلال والإباحة والعارية ، وفي الإجارة عن أبي حنيفة (٢) روايتان ، وكل ذلك ليس بشي‌ء.

قوله : ( ولو قال : أتزوجني بنتك؟ فقال : زوجتك لم ينعقد حتى يقبل ، وكذا : إن زوجتني ابنتك ، وكذا : جئتك خاطبا راغبا في بنتك ، فيقول : زوجتك ).

أي : لو أتى بلفظ يدل على الرضا بالتزويج ـ كما لو أتى بلفظ الاستفهام‌

__________________

(١) انظر : المبسوط للسرخسي ٥ : ٥٩ و ٦١ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٤٢٩ ، الشرح الكبير على متن المقنع ٧ : ٣٧١.

(٢) المبسوط ٥ : ٦١ ، المغني ٧ : ٤٢٩ ، الشرح الكبير على متن المقنع ٧ : ٣٧١.


ولا ينعقد بالكتابة للعاجز إلاّ أن تضم قرينة تدل على القصد.

ويشترط التنجيز ، فلو علّقه لم يصح. واتحاد المجلس ، فلو قالت : زوجت نفسي من فلان وهو غائب فبلغه فقبل لم ينعقد ، وكذا لو أخر القبول مع الحضور بحيث لا يعد مطابقا للإيجاب.

______________________________________________________

فقال : أتزوجني ابنتك؟ فقال الولي : زوجتك ـ أو أتى بالشرط فقال : إن زوجتني ابنتك ويكون الجزاء محذوفا مقدرا بقبلت ونحوه فقال : زوجتك ، أو قال الزوج : جئتك خاطبا راغبا في بنتك فقال الولي : زوجتك.

فإنه لا ينعقد النكاح في ذلك كلّه حتى يأتي الزوج بالقبول بعد الإيجاب ، لأن المتقدم لا يصلح للقبول وإن قصد به الإنشاء ، لبعده عن شبهه.

قوله : ( ولا ينعقد بالكتابة للعاجز إلاّ أن تنضم قرينة تدل على القصد ).

لا ريب عندنا في أن الكتابة لا تكفي في إيقاع عقد النكاح للمختار ، لأن الكتابة كناية والنكاح لا يقع بالكنايات ، وكذا لا يكفي في حق العاجز ، فلو كتب الولي صورة الإيجاب أو الزوج صورة القبول عند عجزه عن النطق لم يعتد ، بذلك ما لم تدل القرينة على القصد إلى إيقاع النكاح بذلك ، فإن الكتابة قد تصدر لا عن قصد النكاح.

قوله : ( ويشترط : التنجيز فلو علقه لم يصح ، واتحاد المجلس فلو قالت : زوجت نفسي من فلان وهو غائب فبلغه فقبل لم ينعقد ، وكذا لو أخّر القبول مع الحضور بحيث لا يعدّ مطابقا للإيجاب ).

يشترط في عقد النكاح التنجيز قطعا ، لانتفاء الجزم بدونه ، فيبطل ولو علقه بأمر (١) محتمل أو متوقع الحصول.

__________________

(١) في « ض » : فلا ينعقد لو علقه بفعل.


ولو أوجب ثم جن أو أغمي عليه قبل القبول بطل.

ولو زوجها الولي افتقر إلى تعيينها إما بالإشارة ، أو بالاسم ، أو بالوصف الرافع للاشتراك ، فلو زوجه إحدى بنتيه أو هذا الحمل لم يصح.

______________________________________________________

وكذا يشترط اتحاد مجلس الإيجاب والقبول ، فلو تعدد المجلس ـ كما لو قالت الزوجة : زوجت نفسي من فلان وهو غائب ، فبلغه فقبل ـ لم يصح قطعا ، لأن العقود اللازمة لا بد فيها من وقوع القبول على الفور عادة ، بحيث يعدّ جوابا للإيجاب.

وكذا لو تخلل بينهما كلام آخر أجنبي ، وجوّز الشافعي أن يخطب الزوج قبل القبول كما يخطب الولي قبل الإيجاب (١) ، و

قال الشيخ ; : لا نعرف لأصحابنا ذلك (٢) ، فالمذهب بطلان العقد بتخلل ذلك.

قوله : ( ولو أوجب ثم جنّ أو أغمي عليه قبل القبول بطل ).

وكذا القول في كل عقد لازم ، ووجهه : أن الإيجاب وحده لا يتحقق به اللزوم ، فإذا خرج الموجب عن أهلية التصرف امتنع إنشاء ما ينعقد به النكاح حينئذ ، كما لو وكل ثم جنّ أو وهب ثم جنّ قبل الإقباض.

وكذا القول في كل مانع من صحة التصرف ، أما النوم فإنه لا يبطل حكم الإيجاب إن لم يطل الزمان ، لأنه لا يبطل العقود الجائزة ، والإيجاب في العقد اللازم بمنزلتها ، ولو طال الزمان حتى عدّ فاصلا بين الإيجاب والقبول لم يصح ، كذا قال المصنف في التذكرة (٣) ، وهو يقتضي إلاّ يجوز الإتيان بالقبول بعد عروض النوم للموجب حتى يستيقظ ، وهو محتمل.

قوله : ( ولو زوجها الولي افتقر إلى تعيينها ، إما بالإشارة أو بالاسم أو بالوصف الرافع للاشتراك ، فلو زوجه إحدى ابنتيه أو هذا الحمل لم يصح ).

__________________

(١) المجموع ١٦ : ٢٠٨.

(٢) المبسوط ٤ : ١٩٥.

(٣) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٨٢.


______________________________________________________

يشترط في كل من الزوجين‌ أن يكون معينا إجماعا ، وينبّه عليه أن كل عاقد ومعقود عليه لا بد من تعيينهما كالمشتري والمبيع ، ولامتناع تعلق النكاح واستحقاق الاستمتاع بغير معيّن ، والتعيين إنما يحصل بأمور ثلاثة (١).

الإشارة المميزة ، كما لو كانت المرأة حاضرة فقال الولي : زوجتك هذه المرأة ، أو هذه وهذه فلانة ، فإن الإشارة كافية في التخصيص والزيادة تأكيد ، وكذا تكفي الإشارة في تعيين الزوج.

ولو لم تكن حاضرة افتقر إلى ذكر اسمها المميز لها أو وصفها المميز أيضا ، كأن يقول : زوجتك بنتي فاطمة إن كان له غيرها ، وإلاّ كفي قوله زوجتك بنتي.

ولو قال : زوجتك التي في الدار وليس فيها غيرها صح أيضا لحصول الوصف الخاص ، ولو تميزت بنات شخص باللون أو السن ، فقال : زوجتك بنتي البيضاء أو السمراء أو الكبرى أو الصغرى أو الوسطى مثلا صح ، إذا كان الوصف مختصا بواحدة.

ولو قال : زوجتك هذه فاطمة وأشار إليها وكان اسمها زينب ، ففي صحة العقد وجهان : أحدهما الصحة لوجود الإشارة فيلغى الاسم ، والعدم لانتفاء المسماة بفاطمة ، ومثله ما لو قال : بعتك فرسي هذا وهي بغل ، وزوجتك هذا الغلام وهو بنت.

ولو قال : زوجتك فاطمة ولم يعيّن ، فان نوى معينة وعرفها الزوج وقبل نكاحها صح عندنا ـ وإن لم يصر السامع شاهدا ، نعم لو تصادقا بعد العقد على قصدها أمكن القول بصيرورته شاهدا حينئذ ـ ولو لم ينو معينة على الوجه المذكور لم يصح.

إذا عرفت هذا فإذا زوجه إحدى ابنتيه لم يصح ، وكذا لو زوجه الحمل ، لأن الأحكام الشرعية لا تجري على الحمل إلاّ بعد تولده ، فلا يصح البيع له ولا الشراء‌

__________________

(١) وهي : الإشارة والاسم والوصف ، كما في المتن ، ولم يذكر الشارح هذه الأمور الثلاثة منفصلة.


ولو كان له عدة بنات فزوجه واحدة منهن ، ولم يذكر اسمها حين العقد ، فإن لم يقصد معينة بطل ، وإن قصد صح.

فإن اختلفا في المعقود عليها ، فإن كان الزوج قد رآهن كلهن فالقول قول الأب لأن الظاهر أنه وكل التعيين إليه ، وعليه أن يسلم إليه المنوية. فلو مات قبل البيان أقرع وإن لم يكن رآهن بطل العقد.

______________________________________________________

ولا غير ذلك.

قوله : ( ولو كان له عدة بنات فزوجه واحدة منهن ولم يذكر اسمها حين العقد ، فان لم يقصد معينة بطل ، وإن قصد صح ، فان اختلفا في المعقود عليها ، فان كان الزوج قد رآهن كلّهن فالقول قول الأب ، لأن الظاهر أنه وكل التعيين إليه ، وعليه أن يسلم إليه المنويّة ، ولو مات قبل البيان أقرع ، وإن لم يكن رآهن بطل ).

لو كان لرجل عدة بنات ، فزوج واحدة منهن ولم يسمّها عند العقد ، فان لم يقصد واحدة منهن بعينها بطل العقد قطعا ، وقد سبق تعريفه.

وإن قصد ، فقد أطلق المصنف الصحة ، وهو واضح إذا عرف الزوج ما نواه الأب وقبل نكاحها ، لتوارد الإيجاب والقبول حينئذ على شي‌ء واحد. أما إذا لم يعرف ما نواه ولم يقصد ما قصده فيبطل ، لاختلاف مورد الإيجاب والقبول.

ولو لم يعرف لكنه قبل نكاح من قصدها الأب ، فمقتضى ما سيأتي ، مضافا الى مفاد إطلاق قوله : ( وإن قصد صح ) الصحة ، وبه صرح في التذكرة (١) ، لكنه يشرط أن يكون الزوج قد رآهن.

فان اختلفا ـ أعني : الأب والزوج في المعقود عليها ـ فان كان الزوج قد رآهن كلهن ـ أي : جميع البنات ـ فالقول قول الأب ، لرواية أبي عبيدة عن الباقر 7 ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٨٤.


______________________________________________________

قال : سألته عن رجل كنّ له ثلاث بنات ، فزوج إحداهن رجلا ولم يسم التي زوج للزوج ولا للشهود وقد كان الزوج فرض لها صداقا ، فلما بلغ أن يدخل بها على الزوج ، وبلغ الزوج أنها الكبرى ، فقال الزوج : إنما تزوجت بنتك الصغيرة من بناتك ، فقال الباقر 7 : « إن كان الزوج رآهن ولم يسم له واحدة منهن ، فالقول في ذلك قول الأب ، وعلى الأب فيما بينه وبين الله تعالى أن يدفع إلى الزوج الجارية التي نوى أن يزوجها إياه عند عقد النكاح ، وإن كان الزوج لم يرهنّ كلهنّ ، ولم يسم له واحدة منهن عند عقدة النكاح ، فالنكاح باطل » (١).

قال المصنف في المختلف : والتخريج لهذه الرواية أن الزوج إذا كان قد رآهن كلهنّ ، فقد رضي بما يعقد عليه الأب منهنّ ورضي باختياره ووكل الأمر إليه ، وكان في الحقيقة وكيله ، وقد نوى الأب واحدة معينة ، فصرف العقد إليها ، وإن لم يكن قد رآهن ، كان العقد باطلا ، لعدم رضى الزوج بما يسمّيه الأب ويعينه في ضميره ، والأصل في ذلك أن نقول : إن كان الأب قد نوى واحدة بعينها ، وكانت رؤية الزوج لهنّ دليلا على الرضى بما يعيّنه صح العقد ، وكان القول قول الأب فيما يدعيه ، وإلاّ فلا (٢).

هذا كلامه ، وهو المراد بقوله هنا : ( لأن الظاهر أنه وكل التعيين إليه ).

ومحصّله يرجع إلى أن الزوج إذا قبل نكاح التي أوجب الأب نكاحها ، راضيا بتعيين الأب عن تعيينه ، صح مع رؤية الزوج إياهن لا بدونها ، لأنه مع الرؤية يتحقق رضاه بتعيين الأب لا بدونها ، وحينئذ فوجه تقديم قول الأب أن الاختلاف في فعله وتعيينه ، فالقول قوله في ذلك ، لأنه أعلم به.

لكن لا يخفى أن ما ادعاه غير واضح ، لأنه لا ملازمة بين الرؤية والرضا بتعيين‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤١٢ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٦٧ حديث ١٢٦٨ ، التهذيب ٢ : ٣٩٣ حديث ١٥٧٤.

(٢) المختلف : ٥٣٩.


______________________________________________________

الأب ، وبين عدمها وعدم الرضا بتعيينه.

ولو نزلت الرواية على أن الرؤية دلت على الرضا بمن يعيّنها الأب وعدمها على العدم ، كان تنزيلا للفظ الرواية على ما لا يحتمل ، وتخصيصا لها بما لم يصرح به أحد من الأصحاب ، لأن العاملين بها أجروها على ظاهرها.

والتنزيل المذكور يتضمن جواز قبول نكاح من قصد الولي أو الوكيل لعدة نساء أنكحها بالإيجاب ، من غير أن يعرف قصده ولو لم يكن قد رآهن ، وفيه خروج عن صريح الرواية.

وعبارة جمع من الأصحاب ، وارتكاب ما لا يدل عليه دليل ، وهو تجويز : النكاح في هذه الحالة مع عدم رؤية المعقود على إحداهن ، على أن التزام صحة قبول نكاح من ليست معينة عنده مع عدم نهوض دليل ، أخطر من ردّ الرواية.

وإنما قلنا إنه لم ينهض عليه دليل ، لأن الرواية لا تدل عليه ، إلاّ إذا نزّلت على ما ذكره المصنف ، وهو خلاف ظاهرها.

وذهب ابن إدريس إلى بطلان النكاح مع الرؤية وبدونها ، لأن العقد إنما يصح على معينة (١).

فإن قيل : هذا يقتضي ردّ الرواية.

قلنا : ظاهرها مخالف لأصول المذهب ، وتنزيلها قد عرفت ما فيه ، فقول ابن إدريس لا يخلو من قوة ، ولو عملنا بالرواية فلا ريب في أنه يجب على الأب فيما بينه وبين الله تعالى أن يسلّم إلى الزوج المعقود عليها.

ولو مات الأب قبل البيان فلا طريق إلاّ القرعة ، لأنه أمر مشكل. وعلى قبول قول الأب ـ على القول به بغير يمين أو مطلقا ـ الرواية ، وعبارات الأصحاب خالية‌

__________________

(١) السرائر : ٢٩٩.


الثاني : المحل : وهو كل امرأة يباح العقد عليها ، وسيأتي ذكر المحرمات إن شاء الله تعالى.

الثالث : العاقد : وهو الزوج أو وليه ، والمرأة أو وليها. وكما يجوز للمرأة أن تتولى عقدها ، فكذا لها أن تتولى عقد غيرها زوجا أو زوجة.

______________________________________________________

منه ، وعموم الدليل الدال على اعتبار حجة اليمين ممن قوي جانبه يقتضيه ، وهو محتمل.

قوله : ( الثاني : المحل ، وهو : كلّ امرأة يباح العقد عليها ، وسيأتي ذكر المحرمات إن شاء الله تعالى.

الثالث : العاقد ، وهو : الزوج أو وليه ، والمرأة أو وليها ، وكما يجوز للمرأة أن تتولى عقدها فكذا لها أن تتولى عقد غيرها ، زوجا أو زوجة ).

قد عدّ المرأة ركنا ثانيا حيث أنها محل ، وعدّها من جملة الركن الثالث حيث عدها أحد العاقدين ، ولا بعد في كون الشي‌ء ركنا باعتبار وركنا آخر باعتبار آخر.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أن المرأة يجوز لها أن تزوّج نفسها إذا كانت ثيبا جائزة التصرف باتفاق علمائنا ، وكذا إذا كانت بكرا وعضلها الولي ، واختلفوا في البكر إذا لم يعضلها الولي ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى ، وأن الأصح أنها مع بلوغها ورشدها لها الاستقلال بالعقد على نفسها.

وكما يجوز للمرأة أن تعقد على نفسها ، فكذا لها أن تتولّى عقد غيرها بالوكالة إيجابا وقبولا ، لأن عبارتها في النكاح كعبارتها في سائر العقود ، ومنع من ذلك الشافعي وجمع من العامة ، وقالوا : إن عبارتها في النكاح لا اعتبار بها إيجابا وقبولا لنفسها ولغيرها (١) ، وجوّزه أبو حنيفة وجماعة (٢).

__________________

(١) انظر : المجموع ١٦ : ١٥٤ ، كفاية الأخيار ٢ : ٣٠ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٣٣٧ ، المبسوط ٥ : ١٠.

(٢) انظر : المجموع ١٦ : ١٥٤ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٣٣٧ ، بداية المجتهد ٢ : ٨ ، المبسوط ٥ : ١٠.


ويشترط فيه : البلوغ ، والعقل ، والحرية. فلا يصح عقد الصبي ولا الصبية وإن أجاز الولي ، ولا المجنون رجلا أو امرأة ، ولا السكران وإن أفاق وأجاز وإن كان بعد الدخول.

ولا يشترط في نكاح الرشيدة الولي ، ولا الشهود في شي‌ء من الأنكحة ، ولو تآمرا الكتمان لم تبطل.

______________________________________________________

قوله : ( ويشترط فيه البلوغ والعقل والحرية ، فلا يصح عقد الصبي ولا الصبية وإن أجاز الولي ، ولا المجنون رجلا وامرأة ، ولا السكران وإن أفاق وأجاز وإن كان بعد الدخول ، ولا يشترط في نكاح الرشيدة الولي ولا الشهود في شي‌ء من الأنكحة ، ولو تآمرا الكتمان لم يبطل ).

لا شبهة في أن العاقد كائنا من كان ـ زوجا أو زوجة ، أو ولي أحدهما أو وكيله ـ يشترط فيه البلوغ والعقل والحرية ، فلو عقد الصبي لنفسه أو لغيره لم يعتد بعبارته وإن أجاز وليّه ، وكذا الصبية ، وكذا من به جنون ، ذكرا كان أو أنثى ، وفي حكمه المغمى عليه والسكران.

ولو أفاق السكران فأجاز العقد الواقع في السكر لم يصح وإن كان بعد الدخول.

وقال الشيخ في النهاية (١) إنه يصح ، لرواية محمد بن إسماعيل بن بزيع الصحيحة ، قال : سألت أبا الحسن 7 عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ ، فسكرت فزوّجت نفسها رجلا في سكرها ، ثم أفاقت فأنكرت ذلك ، ثم ظنت أنه يلزمها فورعت منه فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج ، إحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال : « إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فهو رضا‌

__________________

(١) النهاية : ٤٦٨.


ويصح اشتراط الخيار في الصداق لا النكاح.

______________________________________________________

منها » قلت ويجوز ذلك التزويج عليها؟ قال : « نعم » (١).

وحقق المصنف في المختلف : أن السكر إن بلغ حدا لا يبقى معه تحصيل كان العقد باطلا ، وإلاّ فلا (٢).

وما حققه حقّ ، إلاّ أنه قال : وإن لم يبلغ السكر إلى ذلك الحد صح العقد مع تقريرها إياه (٣).

وفي هذا القيد نظر ، لأنها حينئذ إن كانت جائزة التصرف لزمها ولم يكن لها بعد ذلك ردّه ، وإلاّ لم يصح أصلا ، فما حمل عليه الرواية غير مستقيم.

ولا يشترط في نكاح الرشيدة الولي ، بكرا كانت أو لا ، وسيأتي إن شاء الله تعالى حكاية الخلاف في ذلك وتحقيق الحق.

وكذا لا يشترط الشهود في شي‌ء من الأنكحة : المتعة والدائم ، خلافا لابن أبي عقيل (٤) ، حيث اعتبر في الدائم مع الولي شاهدي عدل ، لتضمن مكاتبة المهلب إلى أبي الحسن 7 : « أن النكاح الدائم لا بد فيه من ولي وشاهدي عدل » (٥) وهي مع ضعفها ـ بكونها مكاتبة ، وعدم العلم بصحة سندها ـ مخالفة لما عليه أكثر الأصحاب ، فيحمل على الاستحباب.

ولا يشترط عدم تآمرهما الكتمان ، أي : تواطئهما عليه ، وذهب مالك من العامة إلى أن الإشهاد غير شرط ، لكن يشترط عدم التواطؤ على الكتمان (٦) ، وليس بشي‌ء.

قوله : ( ويصح اشتراط الخيار في الصداق لا النكاح ).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٥٩ حديث ١٢٣٠ ، التهذيب ٧ : ٣٩٢ حديث ١٥٧١ ، عيون الاخبار ٢ : ١٨ حديث ٤٤.

(٢) المختلف : ٥٣٨.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المختلف : ٥٣٥.

(٥) التهذيب ٧ : ٢٥٥ حديث ١١٠١ ، الاستبصار ٣ : ١٤٦ حديث ٥٢٩.

(٦) انظر بداية المجتهد ٢ : ١٧ ، المجموع ١٦ : ١٩٩.


ولو ادعى كل منهما الزوجية فصدّقه الآخر حكم بالعقد وتوارثا.

ولو كذبه الآخر قضى على المعترف بأحكام العقد خاصة.

______________________________________________________

أما اشتراط الخيار‌ في الصداق فيدل على صحته : أن ذكر المهر في النكاح غير شرط في صحته ، ولذلك يجوز إخلاؤه عنه واشتراط عدمه ، فإذا اشترط أحدهما أو كلاهما خيارا لم يكن الشرط منافيا لمقتضى العقد ، فيندرج في عموم : « المسلمون عند شروطهم » (١).

وأما النكاح فإنه يكون ضربا من ضروب العبادات ـ وليس هو معاوضة لا يصح اشتراط الخيار فيه ـ فان شرط كان الشرط باطلا قطعا ، وهل يبطل به العقد؟ فيه قولان.

أصحهما : ـ واختاره الشيخ (٢) ، والمصنف في المختلف (٣) ـ نعم ، لأن التراضي إنما وقع على ذلك الوجه الفاسد ، فيكون ما وقع التراضي عليه منتفيا ، وغيره لم يحصل.

وقال ابن إدريس : يبطل الشرط دون العقد ، لأن الواقع شيئان ، فإذا بطل أحدهما بقي الآخر (٤).

ويضعف : بأن الواقع شي‌ء واحد ، وهو العقد على وجه الاشتراط ، فلا يتصور بطلان شي‌ء منه وبقاء ما سواه ، ( ولأنه قد اشترط فيه ما ينافيه ، ووجود أحد المتنافيين يقتضي رفع ذلك ) (٥).

قوله : ( ولو ادعى كلّ منهما الزوجية وصدقه الآخر حكم بالعقد وتوارثا ، ولو كذبه الآخر قضي على المعترف بأحكام العقد خاصة ).

__________________

(١) انظر : الكافي ٥ : ١٦٩ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٢ حديث ٩٤ ، دعائم الإسلام ٢ : ٤٤ حديث ١٠٦ ، صحيح البخاري ٣ : ١٢٠.

(٢) المبسوط ٤ : ١٩٤.

(٣) المختلف : ٥٣٩.

(٤) السرائر : ٢٩٩.

(٥) ما بين القوسين لم يرد في « ش » والنسخة الحجرية ، وأثبتناه من « ض ».


ولو ادعى زوجية امرأة وادعت أختها زوجيته وأقاما بينة ، حكم لبينتها إن كان تأريخها أسبق ، أو كان قد دخل بها ، وإلاّ حكم لبينته.

والأقرب الافتقار إلى اليمين على التقديرين ، إلاّ مع السبق ،

______________________________________________________

لو ادعى رجل أو امرأة‌ زوجية الآخر ، فان صدقه ثبت النكاح بينهما ولزمهما أحكامه حتى التوارث عندنا ، لعموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١) ومعلوم أن ذلك حيث يكون كلّ منهما نافذ الإقرار في غير النكاح ، ولا يعتبر عندنا كونهما غريبين ، خلافا للشافعي في أحد قوليه ، حيث حكم بمطالبة البلديين بالبينة وعدم ثبوت النكاح من دونها (٢).

ولو كذبه ، فإن أقام المدعي بينة أو حلف اليمين المردودة قضي بالنكاح ظاهرا كالإقرار ، وعليهما فيما بينهما وبين الله تعالى العمل بمقتضى الواقع في نفس الأمر ، وإن لم يحصل أحد الأمرين قضي على مدعي النكاح بأحكامه خاصة ـ أي : دون الآخر ـ سواء حلف المنكر أم لا ، فيمنع المدعي من التزويج إن كان امرأة ، وكذا كل ما تمنع منه الزوجة إلاّ بإذن الزوج ، وإن كان رجلا منع من الخامسة ، وبنت الزوجة وأمها وأختها وبنت أختها وبنت أخيها إذا لم تأذن ، والمهر الذي أقرّ به دين عليه ، لكن ليس لها مطالبته به ، ويجب عليها التوصل إلى خلاص ذمته إن كان صادقا ، ولا نفقة عليه ، لأنها في مقابلة التمكين ، ومن هذا يعلم أن إطلاق العبارة يحتاج إلى التقييد.

قوله : ( ولو ادعى زوجية امرأة وادعت أختها زوجيته وأقاما بينة ، حكم لبينتها إن كان تأريخها أسبق أو كان قد دخل بها ، وإلاّ حكم لبينته ، والأقرب الافتقار إلى اليمين على التقديرين ، إلاّ مع السبق ).

لو ادعى زوجية امرأة وادعت أختها زوجيته ، فاما أن لا يقيم أحدهما بينة ، أو‌

__________________

(١) انظر : عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٧ حديث ٥.

(٢) المجموع ١٦ : ١٨٧ ، الوجيز ٢ : ٢٦١.


______________________________________________________

يقيم كل منهما بينة ، أو يقيم أحدهما بينة دون الأخر ، وعلى هذا فاما أن يكون المقيم للبينة الرجل أو المرأة.

وإذا أقاما بينة ، فاما أن تكونا مطلقتين ، أو مؤرختين ، أو تكون أحدهما مطلقة والأخرى مؤرخة ، فاما بينة الرجل أو المرأة المؤرختان إما أن يتقدم منهما تاريخ بينته أو بينتها أو لا يتقدم واحد.

وعلى التقديرات فاما أن يدخل بها أو لا ، فهذه ثمانية عشر صوره.

فان لم يقم أحدهما بينة فالقول قوله بيمينه ، لأنه منكر لزوجيتها ، ودعواه زوجية أختها بينه وبين الأخت.

هذا إن لم يكن قد دخل بالمدعية ، فإن دخل بها ففي الاكتفاء بيمينه نظرا إلى أنه منكر ، أو بيمينها نظرا إلى أن فعله مكذب لدعواه تردد.

وإن أقام أحدهما البينة خاصة قضي له ، سواء الرجل والمرأة ، والدخول وعدمه ، إلاّ إذا كانت البينة للرجل وقد دخل بالمدعية ، فإنها لا تسمع ، لأن فعله كذبها ، فيكون كما لو لم يقم أحدهما بينة.

وإن أقام كل بينة ولم يؤرخا معا ، أو أرخت إحداهما خاصة ، فالترجيح لبينته ، لأن الأخرى لا ينافيها إلاّ مع الدخول لسقوط بينته بتكذيبه إياها ، فيحكم لبينتها.

وإن ارختا معا ، فان تقدم تاريخ بينتها قدمت به مطلقا ، لأنها تشهد بالنكاح في وقت لا تعارضها الأخرى فيه ، ومع التساوي وتأخر تاريخ بينتها ، فالتقديم لبينته إن لم يكن دخل بها ، لورود النص على ذلك (١) وإن كان مخالفا للأصل ، وهو قبول البينة للمدعي دون المنكر ، فان الزوج هو المنكر في هذه الصورة ، وكأن هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب.

__________________

(١) انظر : الكافي ٥ : ٥٦٢ حديث ٢٦ ، التهذيب ٧ : ٤٣٣ حديث ١٧٢٩.


______________________________________________________

وإن كان قد دخل بها قدمت بينتها في الصورتين ، لسقوط بينته بفعله.

[ واعلم أن في حواشي شيخنا الشهيد : أنه إذا تقدّم تاريخ بينته تقدم وإن كان قد دخل بها ، وهو خلاف ما هنا وخلاف المنصوص ] (١).

إذا عرفت ذلك فاعلم : أنه مع إقامة البينتين من طرف الرجل ومن طرف المرأة ، هل يفتقر الحكم ـ له على تقدير تقديم بينته ، أو لها على تقدير تقديم بينتها ، في جميع صور تأريخها أو أحدهما أو الإطلاق ـ إلى اليمين؟

الأقرب عند المصنف الافتقار إليها ممن قدمت بينته منه أو منها في جميع الصور ، إلاّ مع سبق تاريخ إحدى البينتين على الأخرى إذا ارختا ، فإنه لا احتياج إلى اليمين هنا.

ووجه هذا : انتفاء التعارض في صورة السبق ، فإن السابقة تشهد بالنكاح في وقت لا يعارضها فيه أحد ، فتعين الحكم بها.

وأما بدون السبق فوجه القرب : أن التعارض حاصل ، لأنه ظاهر مع اتفاق التاريخ.

وأما الإطلاق ، فأصالة عدم التقدم والتأخر صيرتهما كالمتفقتين ، والبينة في كل من الجانبين حجة.

أما من جانب الرجل فلورود النص على ذلك ، وينبه على ذلك أنه مدع لزوجية الأخت المتضمنة لكون المدعية غير زوجة ، فهو مدعي في معنى المنكر.

وأما من جانب المرأة فلوضوح كونها مدعية ، فمع إقامتها يتعارضان ، فلا بد من مرجح للحكم بأحدهما ، لأن القاعدة الكلية تساقط البينتين مع التعارض ، فمن قوي جانبه يستحلف ، ومع الدخول جانب المرأة أقوى ، ومع عدمه فالأقوى جانب‌

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ورد في النسخة الحجرية ، ولم يرد في « ش » و « ض ».


وفي انسحاب الحكم في مثل الام والبنت اشكال.

ولو ادعى زوجية امرأة لم يلتفت إليه إلاّ بالبينة ، سواء عقد عليها‌

______________________________________________________

الرجل (١).

فان قيل : مع الدخول تسقط بينته ، فتبقى بينتها بغير معارض.

قلنا : الدخول مرجّح لجانبها لا مسقط للبينة ، فيصير جانبها أقوى ، لمساعدة الظاهر إياها ، فإن الدخول ليس نصا في الزوجية ، بل يبقى معه الاحتمال.

ويحتمل (٢) العدم ، لأن النص ورد على تقديم بينته ، فلو توقف على اليمين لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ومع الدخول تسقط بينتها.

والجواب : أن النص الوارد غير مناف لثبوت اليمين بدليل آخر ، مع أن ذلك جار على خلاف الأصل ، فينبغي الأخذ باليقين في موضع المخالفة ، وقد ثبت ذلك مع التعارض ، والدخول يقوي جانبها على ما بيناه ، واعتبار اليمين أقوى.

قوله : ( وفي انسحاب الحكم في مثل الام والبنت إشكال ).

ينشأ : من أن النص إنما ورد على الاختلاف بين الرجل وأخت من يدعي زوجيتها ، والحكم فيهما ثبت على خلاف الأصل المقرر ، فيقتصر في المخالفة على صورة النص.

ومن أن المقتضي مشترك ، فان الزوج في هذه الصورة مدع وإن كان في قوة المنكر ، فتسمع بينته وتقدم.

وليس بشي‌ء ، بل المعتمد تقديم بينتها ، ومع عدمها يحلف ، ولا مقتضي في المسألة السابقة إلاّ النص ، فلا يتجاوز مورده.

قوله : ( ولو ادعى زوجية امرأة لم يلتفت اليه إلاّ بالبينة ، سواء عقد‌

__________________

(١) في « ض » : ومع عدمه جانب المرأة ، والصحيح ما أثبتناه وهو من « ش ».

(٢) عطف على قوله السابق : هل يفتقر الحكم. الى اليمين؟ الأقرب عند المصنف الافتقار.


غيره أو لا.

______________________________________________________

عليها غيره أو لا ).

ظاهر هذه العبارة أنه لا تسمع دعواه بدون البينة ، فلا يتوجه عليها اليمين.

ولا وجه له إذا لم يعقد عليها غيره ، لأنها لو أقرت لنفع إقرارها ، ولو نكلت عن اليمين فردت عليه فحلف ثبت النكاح قطعا.

نعم إذا عقد عليها غيره ، ففي سماع دعواه عليها قولان :

أحدهما : ـ وهو ظاهر اختيار التذكرة (١) ـ تسمع ، بناء على أنها لو أقرت في هذه الحالة لاغرمناها مهر المثل ، لحيلولتها بين الزوج ومنافع البضع بالعقد على الثاني ، كما لو باع شيئا على أنه له ثم أقر بأنه مال زيد ، فإنه يغرم لزيد عوضه.

والثاني : لا ، وهو اختيار التحرير ، لأن البضع ليس مالا للزوج ، وإنما حقه الانتفاع به ، ومنافع الجزء لا تضمن بالفوات ، لأنها لا تدخل تحت اليد ، على أن منافع البضع ليست كسائر المنافع ، لأن الزانية لا تستحق مهرا ولا زوجها ، ومع الوطء بالشبهة فالمهر لها دون الزوج ، وحيث كان كذلك لا تسمع الدعوى ، لأن غايتها إقرار الزوجة ، وهو غير مسموع ، أو ردّ اليمين ، والمردودة إن كانت كالإقرار فظاهر ، وإن كانت كالبينة ، فإنما هي كذلك بالنسبة إلى المتداعيين خاصة دون الزوج الثاني ، فلا تفيد ثبوت النكاح ، ولزوم مهر المثل لا دليل عليه ، فلا أثر لسماع هذه الدعوى أصلا.

لكن سيأتي في الرضاع إن شاء الله تعالى أن من انفسخ النكاح بإرضاعها تغرم المهر ، لأن حق الانتفاع بالبضع متقوم شرعا ، فمن أتلفه فعليه عوضه ، وهو المهر.

وينبه على ذلك وجوب دفع مهر المهاجرة إلى زوجها الكافر ، للحيلولة بينه وبينها بالإسلام ، وهذا بعينه قائم هنا ، فالغرم ليس ببعيد ، مع ما فيه من الزجر عن الاقدام على مثل ذلك ، والمحافظة على عموم : البينة على المدعي واليمين على من أنكر.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٩٨ ـ ٥٩٩.


الفصل الثاني : في الأولياء ، وفيه مطالب :

الأول : في أسبابها ، وهي في النكاح اما بالقرابة ، أو الملك ، أو الحكم.

أما القرابة فتثبت الولاية منها بالأبوة والجدودة منها لا غير ، فلا ولاية لأخ ولا عم ولا أم ولا جد لها ولا ولد ، ولا غيرهم من الأنساب قربوا أو بعدوا ،

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثاني : في الأولياء ، وفيه مطالب : الأول في أسبابها ، وهي في النكاح : إما القرابة ، أو الملك أو الحكم.

أما القرابة ، فتثبت الولاية فيها بالأبوة والجدودة منها لا غير ، فلا ولاية لأخ ولا عم ولا عم ولا جد لها ولا ولد ولا غيرهم من الأنساب ، قربوا أو بعدوا ).

أسباب الولاية في النكاح عندنا منحصرة في القرابة والملك والحكم وهو الإمامة والوصاية ، ولم يعد المصنف هنا الوصاية ، وصرح فيما بعد بأنه لا ولاية في النكاح بسببها ، وتردد في الوصايا في ذلك ، وقد جزم المصنف هنا بعد التردد ، وعلى ما اخترناه هناك من ثبوت الولاية بسببها يجب عدّها.

والولاية الثابتة بالقرابة منحصرة عندنا في قرابة الأبوة والجدودة من الأبوة. باتفاق علمائنا ، فلا تثبت للأخ ولاية ، من الأبوين كان أو من أحدهما ، انفرد أم كان مع الجد ، خلافا للعامة (١).

وكذا الولد وسائر العصبات قربوا أم بعدوا ، وكذا لا ولاية للأم ولا لمن يتقرب بها ، وهو قول الأصحاب وأكثر العامة (٢).

__________________

(١) انظر كفاية الأخيار ٢ : ٣٢.

(٢) انظر المبسوط للسرخسي ٥ : ١٠ ، اعانة الطالبين ٣ : ٣٠٧.


وإنما تثبت للأب والجد للأب وإن علا.

وهل يشترط في ولاية الجد بقاء الأب؟ الأقرب لا.

______________________________________________________

وقال ابن الجنيد : إن الأم وأباها يقومان مقام الأب في ذلك عند عدمه ، لأن رسول الله 6 أمر نعيم بن النجاح أن يستأمر أم ابنته في أمرها ، وقال : « فأمروهنّ في بناتهن » (١).

وفي رواية أبي بصير عن الصادق 7 : « إن الذي بيده عقدة النكاح هو الأب والأخ والرجل يوصى إليه والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ويشتري ، فأيّ هؤلاء عفى جاز » (٢).

وهو ضعيف ، ومثل هذه لا تنهض حجة على ثبوت الولاية والسلطنة.

قوله : ( وإنما تثبت للأب والجد للأب وإن علا ، وهل يشترط في ولاية الجد بقاء الأب؟ الأقرب لا ). (٣)

وقد عرفت إجماع الأصحاب على انتفاء الولاية في النكاح عمن عدا الأب والجد له ، ولا خلاف في ثبوتها للجد عندنا ، إلاّ من ابن ابي عقيل ، فإنه قال : الولي الذي هو أولى بنكاحهن هو الأب دون غيره من الأولياء (٤) ، وهو ظاهر في نفي الولاية عن الجد ، والأخبار الصحيحة حجة عليه ، مثل قول الصادق 7 في صحيحة عبد الله بن سنان : « الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ هو ولي أمرها » (٥) ولا خلاف في أن الجد ولي أمر الصغيرة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن ولاية الجد ثابتة في كل موضع للأب ولاية ، سواء كان‌

__________________

(١) انظر المختلف : ٥٣٦.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٩٣ حديث ١٥٧٣ ، علما بأن في « ض » : فأي هؤلاء عقد جاز.

(٣) في « ض » : الأقرب ذلك.

(٤) انظر المختلف : ٥٣٥.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٩٢ حديث ١٥٧٠.


وتثبت ولايتهما على الصغير ذكرا كان أو أنثى ، بكرا أو ثيبا ، وكذا على المجنون مطلقا وإن بلغ.

وأما الملك فيثبت للمولى ولاية النكاح على عبده وإن كان رشيدا ،

______________________________________________________

الأب حيا أو ميتا عند جمع من الأصحاب.

وقال الشيخ في النهاية : إن حياة الأب شرط في ولاية الجد في موضع الولاية (١) ، وبه قال ابن الجنيد (٢) وأبو الصلاح (٣) وابن البراج (٤) والصدوق (٥) ، احتجاجا برواية الفضل بن عبد الملك عن الصادق 7 أنه قال : « إن الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا جاز ، فإن هوى أبوها رجلا وجدها رجلا فالجد أولى بنكاحها » (٦).

وأجيب أولا : بالمنع من صحة السند ، وثانيا : بأن دلالة المفهوم ضعيفة ، والأصح الأول.

قوله : ( وتثبت ولايتهما على الصغير ، ذكرا كان أو أنثى بكرا أو ثيبا ، وكذا على المجنون مطلقا وإن بلغ ).

لا ريب في ثبوت ولاية الأب والجد له على الصغير ، ذكرا كان أو أنثى بكرا أو ثيبا ، سواء حصلت الثيبوبة بوطء وغيره ، لأن مناط الولاية الصغر وهو موجود ، وكذا تثبت ولايتهما على المجنون مطلقا ، ذكرا كان أو أنثى بكرا كانت الأنثى أو ثيبا وإن بلغ.

قوله : ( وأما الملك فيثبت للمولى ولاية النكاح على عبده وإن كان‌

__________________

(١) النهاية : ٤٦٦.

(٢) نقله عنه العلامة في المختلف : ٥٣٥.

(٣) الكافي في الفقه : ٢٩٢.

(٤) المهذب ٢ : ١٩٥.

(٥) الهداية : ٦٩.

(٦) الكافي ٥ : ٣٩٦ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ٣٩١ حديث ١٥٦٤.


وعلى مملوكته كذلك ، ولا خيار لهما معه وله إجبارهما عليه.

وليس له إجبار من تحرر بعضه ،

______________________________________________________

رشيدا ، وعلى مملوكته كذلك ، ولا خيار لهما معه ، وله إجبارهما عليه ، وليس له إجبار من تحرر بعضه ).

الولاية بالملك تثبت للمولى على العبد والأمة ، صغيرين كانا أم لا ، رشيدين أم لا ، سواء كان المولى ذكرا أم أنثى ، صغيرا أم كبيرا ، لقوله تعالى ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (١) وقوله تعالى ( لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٢) ومن الجملة النكاح ،

ولحسنة زرارة عن الباقر 7 ، قال : سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده؟ فقال : « ذلك إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما » (٣) الحديث ، وعلى ذلك إجماع الخاص والعام.

وللسيد إجبار مملوكته على النكاح وإن كانت كبيرة رشيدة ثيبا بغير خلاف بين العلماء ، لأن منافعها مملوكة له ، وكذا عبده الصغير عند جميع الأصحاب وأكثر العامة (٤) ، وللشافعية خلاف (٥) ، وكذا الكبير عندنا وعند الأكثر (٦) ، وفي قول للشافعي أنه لا يجبر البالغ العاقل (٧) ، وبه قال أحمد (٨) ، وهو مردود : بأنه مالك لرقبته ومنافعه كالأمة ، وربما تعلق غرضه بحصول النسل منه ، ولظاهر قوله تعالى ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ) (٩).

__________________

(١) النساء : ٢٥.

(٢) النحل : ٧٥.

(٣) الكافي ٥ : ٤٧٨ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٥١ حديث ١٤٣٢.

(٤) المغني لابن قدامة ٧ : ٤٠١ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٩٢.

(٥) المجموع ١٦ : ١٩٥ ، الوجيز ٢ : ١٠ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٤٠١ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٩٢.

(٦) المغني لابن قدامة ٧ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٩٣.

(٧) المجموع ١٦ : ١٩٥ ، الوجيز ٢ : ١٠ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٩٣.

(٨) المغني لابن قدامة ٧ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٩٣.

(٩) النور : ٣٢.


وللولي تزويج أمة المولى عليه ، ولا فسخ بعد الكمال.

وأما الحكم فإن ولاية الحاكم تختص في النكاح على البالغ فاسد العقل ، أو من تجدد جنونه بعد بلوغه ، ذكرا كان أو أنثى مع الغبطة.

فلا ولاية له على الصغيرين ، ولا على الرشيدين ، وتسقط ولايته مع وجود الأب أو الجد له.

______________________________________________________

ولو تحرر بعض العبد أو الأمة لم يملك إجبارهما قطعا ، لأن البعض غير مملوك له ، فلا يتسلط عليه ، نعم لا يصح نكاحه إلاّ بإذنه.

قوله : ( وللولي تزويج أمة المولى عليه ، ولا فسخ بعد الكمال ).

إذا اقتضت المصلحة تزويج أمة المولى عليه كالصبي والمجنون والسفيه جاز فعله عندنا ، لأن ذلك من جملة التصرفات التي هي متعلق الولاية ، فإذا كمل المولى عليه لم يكن له فسخ هذا النكاح كغيره من التصرفات.

قوله : ( وأما الحكم ، فإن ولاية الحاكم تختص في النكاح على البالغ فاسد العقل ومن تجدد جنونه بعد بلوغه ، ذكرا كان أو أنثى مع الغبطة ، ولا ولاية له على الصغيرين ولا على الرشيدين ، وتسقط ولايته مع وجود الأب أو الجد له ).

المراد بالحاكم عندنا هو : الامام العادل ، أو من أذن له الامام ، ويدخل فيه الفقيه المأمون الجامع لشرائط الإفتاء والحكم في زمان الغيبة ، ومأذون الحاكم في النكاح الذي ولايته إليه كالحاكم.

إذا تقرر ذلك فولاية الحاكم في النكاح إنما تثبت على من بلغ فاسد العقل وتجدد فساد عقله بعد البلوغ ، ذكرا كان أو أنثى ، إذا كان النكاح صلاحا له.

ووجه الثبوت : أن ولاية المال إليه إجماعا ، فيكون وليه في النكاح ، إذ هو من جملة ما تدعو الحاجة إليه ، وصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق 7 قال :


ولا ولاية للوصي وإن فوضت إليه ، إلاّ على من بلغ فاسد العقل مع الحاجة.

______________________________________________________

« الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ هو ولي أمرها » (١).

ولا ولاية للحاكم على الصغيرين ، لانتفاء حاجتهما الى النكاح ، وكذا لا ولاية له على البالغين الرشيدين ، بل أمرهما بيدهما ، وللحاكم الولاية على السفيه البالغ ، وسيأتي في كلام المصنف ، وكأنه إنما ترك ذكره هنا اعتمادا على اندراجه فيمن بلغ فاسد العقل ، وفي تناوله له تأمل.

واعلم أن قوله : ( وتسقط ولايته مع وجود الأب أو الجد له ) يقتضي أن لا يثبت للحاكم معهما ولاية على المجنون وإن تجدد جنونه بعد بلوغه ورشده ، وإطلاق قوله فيما بعد : ( المحجور عليه للسفه ) ( ومع الحاجة يأذن له الحاكم فيه ) يقتضي أنه لا ولاية للأب أو الجد عليه مطلقا وإن كان سفهه متصلا بزمان صغره.

وفي هذا الإطلاق الأخير نظر ، لأنه قد سبق في باب الحجر أن الحجر لا يزول عن الصغير إلاّ ببلوغه رشيدا ، وهذا يقتضي أن تكون الولاية عليه مع بلوغه سفيها للأب والجد ، ويبعد أن تكون الولاية لهما في ماله وللحاكم في نكاحه ، ولعله إنما أطلق هنا اعتمادا على ما سبق هناك ، فعلى هذا يستثني منه من بلغ سفيها.

وحينئذ فنقول : من تجدد جنونه بعد بلوغه ورشده ينبغي أن تكون الولاية عليه للحاكم ، لسقوط ولاية الأب والجد له ببلوغه رشيدا ، فعودها يحتاج إلى دليل كالذي تجدد سفهه ، ولا يحضرني الآن تصريح بذلك ، إلاّ أن النظر يقتضيه.

قوله : ( ولا ولاية للوصي وإن فوضت إليه ، إلاّ على من بلغ فاسد العقل مع الحاجة ).

اختلف كلام الأصحاب في أن وصي الأب أو الجد هل تثبت له ولاية‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٩٢ حديث ١٥٧٠.


______________________________________________________

التزويج؟

قال في التذكرة : إنما تثبت ولاية الوصي في صورة واحدة عند بعض علمائنا ، وهي : أن يبلغ الصبي فاسد العقل وتكون له حاجة إلى النكاح وضرورة إليه مع عدم الأب والجد له (١).

وهذه العبارة تقتضي أن يكون فيمن بلغ فاسد العقل خلاف ، وصرح بثبوت الخلاف في شرح الإرشاد ، إلاّ أن الأكثر على ثبوت الولاية في هذه الصورة ، وهو المختار.

ووجهه : ظهور الحاجة ، فإنه مع الداعي لا يؤمن وقوعه في الزنا أو حدوث مرض به ، وعلى هذا فمتى ظهرت أمارة الحاجة إلى النكاح زوجه مراعيا للغبطة.

وكذا القول في السفيه ، لما ذكر ، ولأنه لا يؤمن ذهاب دينه ، ويترتب الحد عليه بالزنا وفضيحته في الدارين ، وذلك من أشد (٢) أنواع الضرر ، إلاّ أنه لا يجوز إجباره على التزويج ، وإنما يتوقف على إذن الوصي إذا أراده ، وبه صرح في شرح الإرشاد ، وهذا في السفيه الذي تثبت عليه الولاية للأب والجد.

وأما الأنثى والذكر الصغير ، فاختار المصنف في التذكرة عدم ثبوت الولاية عليهما بالوصاية ، سواء أطلق الموصي الوصية أو نص على الإنكاح (٣) ، وهو اختياره هنا وفي التحرير (٤) ، وقول الشيخ في المبسوط (٥) ، لانتفاء الدليل الدال على ذلك ، وانتفاء الحاجة في الصغير والأنثى.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٩٢.

(٢) في « ش » : وذلك أشد من.

(٣) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٩٢.

(٤) تحرير الأحكام ٢ : ٦.

(٥) المبسوط ٤ : ٥٩.


والمحجور عليه للسفه لا يجوز أن يتزوج إلاّ مضطرا إليه ، فإن تزوج من غير حاجة كان العقد فاسدا ، ومع الحاجة يأذن له الحاكم فيه‌

______________________________________________________

وقال في المختلف (١) بالثبوت ، وهو قول الشيخ في الخلاف (٢) ، وقول آخر له في المبسوط (٣) ، واختاره شيخنا في شرح الإرشاد ، لأن تصرفات الوصي كلها منوطة بالغبطة ، وقد تتحقق الغبطة بنكاح الصغير ، ولعموم ( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) (٤) ولقول الصادق 7 في رواية أبي بصير السالفة : « ( الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) هو الأب والأخ والرجل يوصى اليه » (٥).

واعترض في المختلف بأن الأخ لا ولاية له عندنا ، ثم أجاب بالحمل على ما إذا أوصى إليه (٦) ، وهذا هو المختار.

إذا عرفت ذلك ، فهل تثبت ولاية الوصي في النكاح بتعميم الوصية ، أم لا بد من التصريح بالوصية في النكاح؟ يلوح من عبارة القائلين بالثبوت الثاني ، حيث فرضوا المسألة فيما إذا أوصى إليه بأن يزوج ولده الصغير ، وهذا هو الذي ينبغي ، لأن النكاح ليس من التصرفات التي ينتقل الذهن إليها عند الإطلاق ، فلا يكاد يعلم التفويض فيها من دون التصريح به.

قوله : ( والمحجور عليه للسفه لا يجوز له أن يتزوج إلاّ مضطرا إليه ، فإن تزوج من غير حاجة كان العقد فاسدا ، ومع الحاجة يأذن له الحاكم فيه‌

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٥٤١.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٠٥ مسألة ٩ من كتاب النكاح.

(٣) المبسوط ٤ : ٥٩.

(٤) البقرة : ١٨١.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٩٣ حديث ١٥٧٣.

(٦) المختلف : ٥٤١.


مع تعيين الزوجة وبدونه. وليس الاذن شرطا ،

______________________________________________________

مع تعيين الزوجة وبدونه ، وليس الاذن شرطا ).

لما كان المحجور عليه للسفه ممنوعا من التصرفات المالية لم يكن له الاستقلال بعقد النكاح ، وإنما يصح باذن وليه ، ولا يجوز للولي الإذن إلاّ إذا احتاج السفيه إلى التزويج ، لاشتمال النكاح على ضرر تحمل المهر والنفقة ، فلا يصار إليه إلاّ عند الحاجة ، لوجود داعي الشهوة إلى المرأة والحاجة إلى الخدمة ، وكون النكاح أغبط من شراء الأمة.

فإذا ظهرت أمارات الحاجة أذن له الولي ـ سواء كان هو الحاكم أو غيره ـ في تزويج امرأة واحدة ، إلاّ أن تدعو حاجة الخدمة إلى أزيد من امرأة وتقتضيه المصلحة ، وبه صرح في التذكرة (١) ، ويلوح من عبارته أن داعي الشهوة لو اقتضى الأزيد وكان مشتملا على المصلحة جاز ، ولا بأس به ، وإذا تحققت الحاجة المجوزة للإذن وجب على الولي أن يأذن له فيه.

وهل يشترط تعين الزوجة؟ فيه وجهان :

أحدهما : واختاره المصنف في كتبه (٢) ـ عدم الاشتراط ، فيصح الاذن المطلق ـ وينكح من شاء بمهر مثلها أو أقل ـ كما يجوز للسيد إطلاق الاذن ، فلو نكح في هذه الحالة شريفة يستغرق مهر مثلها ماله أو معظمه لم يصح ، لأنه على خلاف المصلحة.

والثاني : لا يصح الإطلاق ، بل لا بد من تعيين المرأة أو نساء قبيلة أو تقدير المهر ، لأن المقتضي للحجر عليه هو حفظ ماله وصيانته عن الإتلاف ، فلو جوزنا إطلاق الإذن له لم نأمن أن ينكح من يستغرق مهر مثلها ماله ، ولا يكفي لدفع المحذور كون النكاح فاسدا في هذه الحالة ، لأنه بالدخول يجب مهر المثل مع جهلها ، فيلزم الوقوع في المحذور ، نعم لو لم نوجب بالدخول في هذه الحالة مهرا انتفى المحذور.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦١٠.

(٢) قواعد الأحكام ٢ : ٦ ، تذكرة الفقهاء ٢ : ٦١٠ ـ ٦١١ ، تحرير الأحكام ٢ : ٦.


______________________________________________________

ولقائل أن يقول : إن هذا الحكم ثابت ، سواء جوزنا الاذن المطلق أم لا ، فان السفيه لو استقبل بالنكاح من دون إذن حيث لا حاجة ودخل وجب مهر المثل ، وليس هذا خاصا بحال إطلاق الاذن.

ويمكن أن يقال : الفرق قائم مع الاذن المطلق وبدونه ، فإن الإذن يقتضي جرأته على النكاح وقبول المرأة منه ، بخلاف ما إذا لم يكن ، فاعتبار الاذن أقوى (١).

إذا عرفت ذلك فارجع إلى العبارة ، واعلم أنه لو قال : ومع الحاجة يأذن له الولي ، لكان أشمل وأحسن مما إذا قال : يأذن له الحاكم.

واعلم ايضا أن ظاهر قوله : ( وليس الاذن شرطا ) مناف لقوله : ( ومع الحاجة يأذن له الحاكم ) لأن الظاهر أن المراد من قوله : ( يأذن له الحاكم ) اعتبار ذلك في صحة نكاحه وعدم الاعتداد به من دونه ، أي : ومع الحاجة يأذن له الحاكم فيه ولا يستقل به من دون إذنه ولو لا ذلك لم يكن للحجر معنى ، فإنه إذا استقل السفيه ببعض التصرفات وأحسن بإمضائها ، كان ذلك سببا في الاقدام على أي تصرف كان ووسيلة إلى إتلاف المال ، ومتى كان هذا هو المعنى المراد كان قوله : ( وليس الاذن شرطا ) منافيا له ، لأن مقتضاه جواز الاستقلال من دونه.

وسيأتي في كلامه في المطلب الثالث أنه لو تزوج من غير إذن فسد ، وهو صريح في المراد.

وطريق التأليف بين الكلامين أمران :

أحدهما : حمل قوله ( ومع الحاجة يأذن له الحاكم ) على أن المراد أن الحاكم لا يمنعه في هذه الحالة ولا يحجر عليه ، بل يخلّي بينه وبين النكاح ، وهذا هو المطابق‌

__________________

(١) في « ش » : بخلاف ما إذا لم يكن باعتبار أقوى.


فإن زاد عن مهر المثل بطل الزائد.

______________________________________________________

لكلامه في التحرير (١) ولعبارة (٢) صاحب الشرائع (٣) ، إلاّ أن ما سيأتي في كلامه في المطلب الثالث ـ من أنه لو تزوج بغير إذن فسد ـ ينافي هذا.

الثاني : حمل قوله ( وليس الاذن شرطا ) على أنه ليس شرطا على كل حال (٤) ، بل يصح النكاح إذا تعذر الاذن من الولي والحاكم استقلالا بمهر المثل لمن يليق بحاله ، وإن كان غير مطابق ، لما سيأتي من كلامه كمال المطابقة ، لأنه تردد في ذلك ثمة ، فجزمه هنا بخلاف ذلك.

وكيف كان فالثاني أولى ، وهو المفتي به ، فإن فائدة الحجر على السفيه تنتفي لو لم يشترط اذن الولي في نكاحه ، هو مختاره في التذكرة (٥).

وقوله : ( فان زاد عن مهر المثل بطل الزائد ).

تفريع على ما قبله.

وتحقيقه : أنه إذا أذن له الولي في التزويج ولم يعين له الزوجة ، أو عيّنها ولم يعيّن له لمهر ، أو استقل هو بالنكاح ابتداء لو لم نجعل الاذن شرطا فعقد على امرأة تليق به بأزيد من مهر مثلها لم يفسد النكاح ، لأن المهر غير شرط في صحته بل تبطل الزيادة لأنها تبرع ، وهو من السفيه ممتنع.

ويحتمل بطلان النكاح ، لأن التراضي إنما وقع على المسمّى وقد فات ، فلا نكاح حينئذ ، وأطلق المصنف القول بصحة النكاح وبطلان الزائد ، محتجا بأن الخلل في الصداق لا يقتضي فسخ النكاح ، وكذا غيره ، وهذا متجه إذا كانت المرأة عالمة بأنه سفيه ، أما مع جهلها فيشكل ثبوت النكاح في حقها بمهر المثل على وجه قوي.

__________________

(١) التحرير ٢ : ٦.

(٢) في « ض » : واختاره.

(٣) الشرائع ٢ : ٢٧٧.

(٤) في « ش » : على حال.

(٥) التذكرة ٢ : ٦١٠ ـ ٦١١.


وولاية القرابة مقدمة على ولاية الحاكم ، وولاية الملك مقدمة على الجميع.

ولو اجتمع الأب والجد واختلفا في الاختيار قدّم اختيار الجد ، فإن عقدا قدم السابق ، فإن اقترنا قدّم عقد الجد ، ولا ولاية عندنا بالتعصيب ولا بالعتق.

______________________________________________________

قوله : ( وولاية القرابة مقدمة على ولاية الحاكم ، وولاية الملك مقدمة على الجميع ).

وجهه : أن الولي بالقرابة ولي خاص ، فيقدم على الحاكم لأنه ولي عام ، والولاية الخاصة أقوى ، وللنصوص (١) الدالة على تقديم الأب والجد له على كل أحد ، وهذا في غير من تجدد سفهه ، وإن ثبت ما ذكرناه فيمن تجدد جنونه فهو كذلك.

وأما ولاية الملك فلأنها أقوى من الكل ، ولأن الناس مسلطون على أموالهم (٢).

واعلم : أن ولاية الوصي عن الأب والجد مقدمة على ولاية الحاكم أيضا ، لأنه نائب للولي الخاص.

قوله : ( ولو اجتمع الأب والجد واختلفا في الاختيار قدّم اختيار الجد ، فان عقدا قدّم السابق ، فان اقترنا قدم عقد الجد ).

يدل على ذلك ما رواه عبيد بن زرارة في الموثق قال : قلت لأبي عبد الله 7 الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ويريد جدها تزويجها من رجل ، قال : « الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا إن لم يكن زوّجها قبله » (٣).

قوله : ( ولا ولاية عندنا بالتعصيب ولا بالعتق ).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٩٥ حديث ٥٨ ، الفقيه ٣ : ٢٥٠ حديث ١١٩٢ و ١١٩٣ ، التهذيب ٧ : ٣٩٠ حديث ١٥٦٠ ـ الى ـ ١٥٦٥.

(٢) عوالي اللآلي ٢ : ١٣٨ حديث ٣٨٣.

(٣) الكافي ٥ : ٣٩٥ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٥٠ حديث ١١٩٢ ، التهذيب ٧ : ٣٩٠ حديث ١٥٦٠.


المطلب الثاني : في مسقطات الولاية وهي أربعة :

الأول : الرق ، فلا ولاية للمملوك على ولده ، حرا كان الولد أو عبدا للمولى أو لغيره.

ولو أذن له المولى صح ، وكذا المدبر والمكاتب وإن تحرر بعضه.

ولو وكله غيره في الإيجاب أو القبول صح باذن السيد وغيره.

______________________________________________________

قد نبهنا فيما سبق‌ على انتفاء الولاية في النكاح عن العصبة ، وهم : المتقربون بالأب ، وكذا عن كل من عدا الأب والجد له ، فانتفت ولاية المعتق ومن تقرب به ، خلافا لجمع من العامة (١).

قوله : ( المطلب الثاني : في مسقطات الولاية ، وهي أربعة :

الأول : الرق ، فلا ولاية لمملوك على ولده ، حرا كان الولد أو عبدا للمولى أو لغيره ، ولو أذن له المولى صح ، وكذا المدبّر والمكاتب وإن تحرر بعضه ، ولو وكله غيره في الإيجاب أو القبول صح باذن السيد وغيره ).

لا ريب أن الرق من الأسباب المسقطة للولاية ، فلو كان الأب أو الجد للأب رقيقا لم تكن له ولاية التزويج ولا غيره ، لأنه ليس أهلا لذلك ، لنقصه بالرق المقتضي لكونه لا يقدر على شي‌ء ، ولأنه لا يستطيع تزويج نفسه فغيره أولى ، ولأن الولاية تستدعي البحث والنظر ، والعبد مشغول بخدمة سيده لا يتفرغ لهما.

ولا فرق في سقوط ولايته عن ولده بين كونه حرا أو عبدا ملكا لسيده أو غيره ، هذا إذا لم يأذن له مولاه.

فان أذن له صح ، وينبغي أن يكون موضع الصحة ما إذا كان الولد مملوكا فأذن له مولاه أيضا في تزويجه ، أما لو كان حرا صغيرا ، فانّ ثبوت ولايته عليه باذن المولى‌

__________________

(١) انظر : المغني لابن قدامة ٧ : ٣٦٠ ، بداية المجتهد ٢ : ١٣.


الثاني : النقص عن كمال الرشد كالصبي والمجنون والمغمى عليه والسكران ، ولو زال المانع عادت الولاية.

______________________________________________________

له مشكل ، لأن المقتضي لسلب ولايته هو الرق ، ولا يزول بالاذن.

ولا فرق في المملوك بين كونه قنا أو مدبرا أو مكاتبا ، ولو تحرر بعضه فكالقن (١).

ويجوز أن يكون العبد وكيلا عن النكاح كغيره من العقود ، لأن عبارته صحيحة قطعا ، ولا فرق بين أن يأذن له المولى أو لا ، لأنه ( لا يمنع من التكلم بما يزيد ولا يتوقف جوازه على إذن المولى ، لكن يشترط أن لا يستضر المولى بذلك و) (٢) لا يمنع شيئا من حقوقه ، ولو نهاه المولى عن ذلك فالمتجه المنع (٣).

قوله : ( الثاني : النقص عن كمال الرشد ، كالصبي والمجنون والمغمى عليه والسكران ، ولو زال المانع عادت الولاية ).

لما كان تصرف الولي منوطا بالغبطة والمصلحة ـ وإنما يحصل بالبحث والنظر ممن له أهلية معرفة ذلك ـ اعتبر في الولي :

أن لا يكون صبيا ، لنقصه ، وعدم اعتبار أفعاله وأقواله التي من جملتها نظره وعبارته وإن كان مراهقا ، ومعلوم أنه يمتنع في الأب والجد أن يكونا صبيين.

وكذا المجنون إذا كان جنونه مطبقا ، لما قلناه في الصبي ، بل هنا أولى ، وإن كان منقطعا فولايته ثابتة ، لأنه كالإغماء ، ويحتمل سلب ولايته بذلك كالمطبق ، وهو ظاهر عبارة الكتاب ، والأول أقرب مع قصر زمانه.

__________________

(١) جاء في النسخة الحجرية بعد هذا الكلام : ويمكن أن يكون العبد وليا بالوصاية والحكم إن جوزنا له ولاية القضاء ، لكن بشرط إذن المولى.

(٢) ما بين القوسين لم يرد في « ش ».

(٣) جاء في « ش » بعد هذا الكلام : اختار المصنف في المختلف بقاء ولاية العبد على ولده الصغير بعد أن حكى عن ابن الجنيد زوال ولايته بالرق وردّه ، وهو الظاهر من عبارة الكتاب هنا ، فإنه لا ريب في اعتبار اذن المولى في نص ، فإنه لكن يشكل عليه جواز توكيله في العقد على الغير من دون اعتبار الاذن هنا.


الثالث : الكفر ، وهو يسلب الولاية عن ولده المسلم ، صغيرا أو مجنونا ، ذكرا أو أنثى ، ولا تسلب ولايته عن الكافر ، ولو كان الجد مسلما‌

______________________________________________________

والإغماء إن كان مما يدوم يوما ويومين وأكثر تزول الولاية به حال الإغماء ، لكن إذا زال عادت مع وجود مقتضيها كالأبوة والجدودة ، وإن قصر زمانها غالبا فهي كالنوم لا تزول بها الولاية.

والسكر إن بلغ حدا يزول معه التمييز فليس له أن يزوّج في هذه الحالة قطعا ، وإن بقي التمييز فقد قال المصنف في التذكرة : الوجه أنه لا يزول في الحال (١) ، وكأنه نظر إلى أن ذلك مانع من البحث عن الغبطة وتحصيل المصلحة.

والأمراض الشديدة (٢) ، والأسقام المغلقة الشاغلة عن النظر ، ومعرفة وجوه المصلحة كذلك ، فتزول الولاية بها وينتقل إلى الأبعد ، صرح به في التذكرة (٣).

والسفه مانع ، لأنه سبب في ثبوت الولاية على السفيه ، فوجب أن لا تكون له ولاية على غيره على الأقرب.

إذا عرفت ذلك فإذا زال المانع عادت الولاية ، وهذا في الأبوة والجدودة ظاهر ، أما في الوصاية فإنها إذا بطلت لا تعود الولاية إلاّ أن ينص الموصي على عودها بعد زوال المانع.

واعلم : أن الفسق غير قادح في بقاء الولاية إذا حافظ على مقتضياتها ، فلا يعتبر في الرشد ان يكون الشخص مصلحا لدينه ، لأن المعتبر في المعاملات هو الرشد الدنيوي لا الديني على الأصح.

قوله : ( الثالث : الكفر ، وهو يسلب الولاية عن ولده المسلم ، صغيرا أو مجنونا ذكرا أو أنثى ، ولا تسلب ولايته عن الكافر ، ولو كان الجد مسلما

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٠٠.

(٢) في « ض » : والأغراض الصحيحة.

(٣) التذكرة ٢ : ٦٠٠.


تعيّنت ولايته على الكافر والمسلم دون الأب الكافر ، وبالعكس.

______________________________________________________

تعينت ولايته على الكافر والمسلم دون الأب الكافر ، وبالعكس ).

لا خلاف عندنا في أن الكافر لا تثبت ولايته على المسلم قال الله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (١) وقال 7 : « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » (٢) فلو كان للكافر ولد مسلم صغير أو مجنون ذكر أو أنثى لم يكن له عليه ولاية.

ويتصور إسلام الولد في هذه الحالة بإسلام امه ، أو جدّه على القول بأن الولد يتبع الجد في الإسلام ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في أحكام الكفر من موانع الإرث ، وكذا يتصور إذا أسلم بعد بلوغه ثم جنّ ، أو كانت أنثى على القول بثبوت الولاية على البكر البالغ.

أما الولد الكافر ، فان ولايته عليه ثابتة ، كما تثبت ولاية الأب الفاسق على ولده الفاسق ، للعموم ، ولأن الاحتياط في إنكاحه مستند إلى الشفقة المسببة عن القرابة ، وهي حاصلة حين الكفر.

ولو كان الجد مسلما مع كون الأب كافرا تعينت ولايته على الولد الكافر والمسلم ، وينبه على ذلك قوله تعالى ( لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ ) (٣) حيث أن نفي الاستواء يفيد العموم ، وقوله 7 : « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ».

ويتصور كون الولد كافرا مع إسلام الجد : بأن يتجدد إسلام الجد بعد بلوغ الولد كافرا ثم يعرض له الجنون ـ على القول بعدم تبعية الصغير له مع كفر الأبوين ـ

__________________

(١) النساء : ١٤١.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٤٣ حديث ٧٧٨ ، عوالي اللآلي ١ : ٢٢٦ حديث ١١٨.

(٣) الحشر : ٢٠.


الرابع : الإحرام ، وهو يسلب عبارة العقد إيجابا وقبولا.

ولا يمنع من الانعقاد بشهادته ، إذ الشهادة عندنا ليست شرطا لكنه فعل محرما.

ولا يمنع من الرجعة وشراء الإماء والطلاق ، فإن زال المانع عادت ولايته.

ولا تنتقل الولاية عنه إلى الحاكم حالة الإحرام.

والعمى والمرض الشديد إذا بقي معه التحصيل ، والغيبة والفسق غير مانعة.

______________________________________________________

أو بأن يكون الولد الكافر أنثى ، بناء على ثبوت الولاية على البكر البالغ.

وينعكس الحكم لو انعكس الفرض ، فإذا كان الأب مسلما والجد كافرا ، تعينت الولاية للأب على الولد المسلم والكافر دون الجد وبقرينة ما سبق.

ويتصور كفر الولد بتجدد إسلام أبيه بعد بلوغه كافرا ثم يعرض له الجنون ، وفي البكر البالغ.

قوله : ( الرابع : الإحرام ، وهو يسلب عبارة العقد إيجابا وقبولا ، ولا يمنع من الانعقاد بشهادته ـ إذ الشهادة عندنا ليست شرطا ـ لكنه فعل محرّما ، ولا يمنع من الرجعة وشراء الإماء والطلاق ، فان زال المانع عادت ولايته ، ولا تنتقل الولاية عنه إلى الحاكم حالة الإحرام والعمى والمرض الشديد إذا بقي معه التحصيل والغيبة والفسق ).

لا خلاف عندنا في أن الإحرام يمنع صحة النكاح إيجابا وقبولا ، لسلب ولاية إيقاع النكاح حالة الإحرام ولو توكيلا ، لقول الصادق 7 : « ليس للمحرم أن يتزوج ولا يزوج محلا ، فان تزوج أو زوج فتزويجه باطل » (١).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٣٠ حديث ١٠٩٦ ، التهذيب ٥ : ٣٢٨ حديث ١١٢٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٣ حديث ٦٤٧.


______________________________________________________

ولا يقدح في صحة التزويج كون المحرم شاهدا عندنا ، لأن الشهادة غير شرط فيه ، ولا يمنع الإحرام من الرجعة ، لأنها استدامة للعقد لا ابتداء نكاح ، وكذا شراء الإماء ، إذ ثمرة الشراء انتقال الملك ، وليس بنكاح وإن اندرج في استحقاق المنافع جواز الوطء ، وكذا جميع أسباب الملك ، والطلاق قطع لعصمة (١) النكاح وليس بنكاح فلا يحرم.

ومن فاته الحج بعد الإحرام به لا يجوز له التزويج والتزويج ، لأنه محرم ، وتحلله بالعمرة عبارة عن عدوله بإحرام الحج إلى العمرة والإتيان بباقي أفعالها (٢).

إذا عرفت ذلك فاعلم : أن إحرام الولي لا يقتضي نقل الولاية عنه إلى الحاكم ، لأنه عارض سريع الزوال ، لكن لو اضطر المولّى عليه في هذه الحالة أمكن القول بأن الحاكم يزوجه للضرورة ، ولا أثر للإحرام الفاسد ، [ لأن ] (٣) منشأه محل.

فرع : لو كان المولّى عليه سفيها ، فاحتاج إلى إذن الولي له في النكاح ، فهل للولي الاذن إذا كان محرما بحيث يقع منه صحيحا؟ يحتمل ذلك ، لأنه ليس بنكاح.

واعلم : أن العمى لا يسلب ولاية النكاح عندنا ، سواء كان خلقة أو متجددا ، لأن الأعمى أهل البحث والنظر واستعلام حال الأصلح من الرجال ، خلافا لبعض العامة (٤).

وكذا الخرس مع وجود الإشارة المفهمة وما في معناها كالكتابة ـ خلافا لبعض العامة ـ وبدونها تزول ولايته قطعا ، سواء كان خلقة أو متجددا.

وكذا الصمم والمرض الشديد إذا لم يشغل عن مقصود الولاية لا يزيلها ،

__________________

(١) في « ض » : لسلطنة.

(٢) في « ض » : حينئذ فيحل.

(٣) في « ش » و « ض » : لا ، والمثبت من النسخة الحجرية وهو الصحيح.

(٤) المجموع ١٦ : ١٥٧ ـ ١٦٠.


المطلب الثالث : في المولى عليه ، لا ولاية في النكاح إلاّ على ناقص بصغر أو جنون أو سفه أو رق.

وللأب أن يزوج المجنون الكبير عند الحاجة ولا يزيد على واحدة ، وله أن يزوج من الصغير أربعا ، وأن يزوج المجنون الصغير وإن لم يكن ذلك للحاكم ، ويزوج المجنونة الصغيرة والبالغة ، وكذا الحاكم مع المصلحة بكرا كانت أو ثيبا.

ولا يفتقر الحاكم إلى مشاورة أقاربها ولا الحاجة ، بل يكفي المصلحة فيها.

______________________________________________________

بخلاف غيره.

وكذا الغيبة والفسق ، ولا تزول بهما الولاية عندنا فللفاسق أن يزوج ابنته الصغيرة والمجنونة ، سواء كان الفسق سابقا أو متجددا ، لأنه لا يسلب أهلية البحث والنظر عن الأصلح من الرجال ، ولو أراد تزويجها بمن لا مصلحة فيه منعه الحاكم ، وكذا القول في الغيبة ، لكن لو عرضت ضرورة إلى التزويج مع غيبة الولي تولاه الحاكم ، دفعا للضرورة.

قوله : ( المطلب الثالث : في المولّى عليه لا ولاية في النكاح إلاّ على ناقص بصغر أو جنون أو سفه أو رق ، وللأب أن يزوج المجنون الكبير عند الحاجة ولا يزيد على واحدة ، وله أن يزوج من الصغير أربعا وأن يزوج المجنون الصغير ـ وإن لم يكن ذلك للحاكم ـ ويزوج المجنونة الصغيرة والبالغة ، وكذا الحاكم مع المصلحة ، بكرا كانت أو ثيبا ، ولا يفتقر الحاكم إلى مشاورة أقاربها ولا الحاجة ، بل تكفي المصلحة فيها ).


______________________________________________________

قد علم أن مناط الولاية‌ في النكاح هذه الأمور ، فلا تثبت إلاّ بواحد منها ، لكن على القول بأن إذن الحاكم ليس شرطا في نكاح السفيه لا يكاد يتحقق للولاية عليه في النكاح معنى.

فان قيل : معنى الولاية عليه منعه في غير محل الحاجة.

قلنا : لكل أحد هذا المنع من باب الحسبة ، فلا معنى للولاية عليه حينئذ.

إذا عرفت ذلك فقد تقدم كثير من أحكام المولّى عليهم ، واستيفاء الباقي هنا.

فاعلم : أن للأب أن يزوج المجنون الكبير عند حاجته إلى النكاح لا بدونها ، لأن لوازم النكاح ـ من المهر والنفقة ـ تقتضي إتلاف ماله من غير حاجة ولا مصلحة في ذلك ، وحصول الولد غير منظور إليه هنا ، لأن الواجب على الولي حفظ المال وصيانته عن التلف ، فيقتصر في ذلك على موضع الحاجة.

وتتحقق الحاجة برغبته في النساء وتتبّعهنّ وتعلّقه بهنّ وطلب الفعل منهنّ وما أشبه ذلك ، وكذا تتحقق إذا احتاج إلى امرأة تخدمه وتتعهده بالقيام به ولا يوجد من يقوم بذلك ، وتكون مؤنة الزواج أخف من شراء أمة تخدمه ، أو لا تتفق أمة تقوم مقام الزوجة في خدمته ، فحينئذ تستأجر ، لئلا ترجع عن الوعد بالخدمة ، فإن ذلك ليس واجبا عليها ، ومثله ما لو ظن شفاؤه بذلك استنادا إلى قول عارف أو تجربة سابقة ، فحينئذ يزوجه الأب أو الجد له ، ومع عدمهما فالحاكم.

ولا يزيد على الواحدة ، لزوال الضرورة بها ، وهذا واضح إذا كان الداعي هو شهوة الجماع أو ظن الشفاء ، أما إذا كان الداعي هو الحاجة إلى الخدمة فإنه يقتضي التعدد ، فحينئذ يزوجه قدر ما تقتضيه الحاجة مراعيا للمصلحة ، وقد أومأ إليه المصنف في التذكرة في نكاح السفيه (١).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٦١٠.


______________________________________________________

وللأب والجد له ووصي أحدهما ـ على القول بثبوت ولايته في النكاح ـ تزويج الصغير بما فوق الواحدة إلى أربع ، للنص (١) والإجماع على أن للأب والجد له تزويجه وأن نكاحه منوط بالمصلحة لا بالحاجة ، وقد توجد المصلحة في الأربع ، وإطلاق النصوص صالح لتناول نكاح الأربع ، وهو مقرب التذكرة (٢).

ويحتمل المنع مما زاد على الواحدة لئلا تكثر المؤنة عليه ، وضعفه ظاهر ، لأن الحكم هنا دائر مع المصلحة.

وليس للحاكم ذلك ، لأن ولايته إنما تثبت في محل الضرورة اتفاقا ، ولا ضرورة في حال الصغر إلى النكاح.

ولقائل أن يقول : إن الحاجة إلى الخدمة قد تدعو إليه على وجه لا يندفع إلاّ به ، وكأنهم إنما أعرضوا عن ذلك لندور وقوعه.

ولو كان الصغير مجنونا فللأب ومن في حكمه تزويجه واحدة بالمصلحة ، وهل يجوز تزويجه أربعا؟ فيه وجهان :

أحدهما : ـ وهو المختار هنا ـ نعم ، لأن تصرفات الأب للصغير منوطة بالمصلحة ، والفرض وجودها في المتنازع ، ولو لا ذلك لم يجز تزويجه إياه واحدة أيضا ، لتناول إطلاق النصوص ـ الدالة على ثبوت الولاية للأب والجد له على الصغير المجنون ـ تزويجه الأربع.

والثاني : لا يجوز ما فوق الواحدة ، لئلا تلزم زيادة المؤنة ، ولأن الكبير كذلك فالصغير أولى.

ويمكن الفرق : بأن التصرف على الكبير منوط بالضرورة ، بخلاف الصغير ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٩٥ باب ٥٨ ، التهذيب ٧ : ٣٩٠ حديث ١٥٦٠ ـ إلى ـ ١٥٦٥.

(٢) التذكرة ٢ : ٦١٠.


______________________________________________________

فإن التصرف عليه منوط بالمصلحة ، وتردد المصنف في التحرير (١) ، ومختار الكتاب قويّ ، تمسكا بظاهر النصوص.

وأما المجنونة فيجوز تزويجها ـ صغيرة كانت أو كبيرة ، بكرا كانت أو ثيبا ـ للأب والجد له ثم الحاكم ، وليست كالمجنون ، لأنها تستفيد من النكاح المهر والنفقة (٢) ، والمجنون يغرمها ، ولا يجوز تزويجها إلا مع وجود المصلحة.

وصرح المصنف في التذكرة بأنه لا فرق بين من سبق بلوغها ورشدها ثم جنت ، وبين المجنونة الصغيرة إذا استمر جنونها ، في أن الولاية عليها للأب والجد له ، ومع فقدهما فللحاكم ، وحكى عن الشافعي (٣) وجها بأن التي تجدد جنونها بعد بلوغها تكون الولاية عليها للسلطان كالمال ، ثم رده بمنع الأصل (٤) ، وكذا صرح في التحرير (٥) في هذا الباب ، والمنقول عن شيخنا الشهيد (٦) من أن الولاية للحاكم ، وليس ببعيد.

وحكى المصنف (٧) عن أكثر الأصحاب أن المجنونة الصغيرة لا يزوجها الحاكم إذا فقد الأب والجد له ، لانتفاء حاجتها إلى النكاح في الحال ، وغير الأب والجد لا يملك الإجبار ، ولم يرجح شيئا.

ومختاره هنا الجواز ، لأن النكاح بالنسبة إلى الأنثى محض مصلحة ولا ضرر فيه ،

__________________

(١) التحرير ٢ : ٨.

(٢) في « ش » : لأنها تستفيد النفقة والمهر.

(٣) مغني المحتاج ٣ : ١٦٩.

(٤) تذكرة الفقهاء ٢ : ٦١٠.

(٥) التحرير ٢ : ٦.

(٦) لفظ ( الشهيد ) لم يرد في « ض ».

(٧) لفظ ( المصنف ) لم يرد في « ش ».


والسفيه لا يجبر ، لأنه بالغ ، ولا يستقل ، لأنه سفيه ، لكن يتزوج بإذن الولي مع الحاجة ، ولا يزيد على مهر المثل.

وإذا لم يعيّن له المرأة لم ينكح على خلاف المصلحة شريفة يستغرق مهر مثلها ماله.

______________________________________________________

والكفؤ قد لا يتفق بعد البلوغ.

ويشكل : بأن ثبوت ولايته هنا تقتضي ثبوت الولاية له على الصغيرة العاقلة بطريق أولى ، وولاية الإجبار لا تثبت لغير الأب والجد ، لانتفاء الدليل ، وقد سبق في كلامه في المطلب الأول أن الحاكم لا ولاية له على الصغيرين.

ويمكن أن يحمل قوله هنا : ( وكذا الحاكم مع المصلحة ) أن ذلك له في البالغة المجنونة ، فينتفي التنافي بين العبارتين ، إلاّ أنه خلاف الظاهر.

ومتى انتهى أمر الولاية إلى الحاكم لم يفتقر إلى مشاورة أقرباء المجنونة ، إذ لا حق لهم في الولاية عندنا ، وقد عرفت أن المصلحة حينئذ كافية ، فلا يتوقف على الحاجة.

قوله : ( والسفيه لا يجبر لأنه بالغ ، ولا يستقل لأنه سفيه ، لكن يتزوج بإذن الولي مع الحاجة ولا يزيد على مهر المثل ، وإذا لم يعين المرأة لم ينكح على خلاف المصلحة شريفة يستغرق مهر مثلها ماله ).

لا ريب أن السفيه لا يجبر على النكاح ، لأنه بالغ عاقل ، ولا يجوز له الاستقلال به ، لأنه لسفهه وتبذيره محجور عليه شرعا ممنوع من التصرفات المالية ، فلا بد من إذن الولي ، فإذا أذن له تولّى العقد بنفسه لصحة عبارته أو وكل من شاء ، وإنما يجوز للولي الإذن له مع الحاجة قطعا.

والحاجة إما شهوة النكاح ، أو الاحتياج إلى الخدمة على وجه لا تكون المصلحة إلاّ في النكاح ، وعلى هذا فلو احتاج إلى أزيد من واحدة جاز إنكاحه الزائد مع‌


ولو تزوج بغير اذن فسد ، فإن وطأ وجب مهر المثل على اشكال.

______________________________________________________

المصلحة على ما ذكرناه سابقا ، وبه صرح في التذكرة (١).

ومعلوم أنه إذا أذن له الولي في النكاح لا يجوز أن يأذن له فيما زاد على مهر المثل ، وقد أسلفنا أنه إذا لم يعيّن له المرأة ولا المهر لا يجوز له أن ينكح شريفة يستغرق مهر مثلها ماله على خلاف المصلحة ، وهذا بناء على جواز إطلاق الاذن من الولي ، أما على العدم ، فالإذن المطلق لاغ.

وقد يستفاد من قوله : ( على خلاف المصلحة ) أن المصلحة لو اقتضت نكاح الشريفة المذكورة كما لو كان شريفا ولم يتفق من تليق بحاله سواها جاز ، وهو محتمل.

قوله : ( ولو تزوج بغير اذن فسد ، فإن وطأ وجب مهر المثل على إشكال ).

قد حققنا أن الحجر على السفيه وثبوت الولاية عليه لا يكاد يتحصل له معنى ، إلاّ إذا توقف نكاحه ـ في موضع حاجته إلى النكاح ـ على إذن الولي ، وبدونه يقع العقد فاسدا ، وقد بينا منافاة هذا الكلام السابق وطريق التأليف ، فلا حاجة إلى إعادته.

وينبغي أن يراد بالفساد ما لا ينافي وقوعه موقوفا ، إذ ليس هو أسوأ حالا من عقد الفضولي ، فإذا عقد السفيه بدون الاذن ودخل ففي وجوب مهر المثل إشكال ينشأ :

من أن المقتضي للمنع من نكاحه هو المقتضي من لزوم المهر ، فلو أوجبناه بالوطء فات الغرض ، ولأن ذلك يجري مجرى ما إذا تلف المبيع في يد السفيه وقد اشتراه بعد الحجر ، فإنه يضيع على بائعه وإن كان جاهلا.

ومن أن استيفاء منفعة البضع إتلاف ، فيضمن قيمته في ماله كسائر المتلفات ،

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٦١٠.


______________________________________________________

وذلك مهر المثل ، ولأن الوطء المحترم لا يخلو من مهر.

واعلم ان للأصحاب في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

أ : وجوب مهر المثل ، لما قلناه ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (١).

ب : لا شي‌ء أصلا ، نقله الشيخ فيه عن قوم ، وقال : إنه قويّ (٢) ، لأنها المتلفة لمنفعة بضعها بتسليم نفسها (٣) ، وفيه نظر ، لأن التسليم ليس إتلافا ، وإنما المتلف من استوفى المنفعة.

ج : التفصيل بكونها عالمة بالحال فلا مهر لها ، وجاهلة فلها مهر المثل ، وهو اختيار ابن البراج (٤) ، واستحسنه المصنف في المختلف (٥) ، وزاد تفصيلا آخر وهو : جهلها بالحكم أيضا ، فلو علمت بالسفه وجهلت الحكم فكالجاهلة بالسفه ، وهذا أقوى.

ويحتمل أن يقال : إذا كان المسمّى مهر المثل فما دون يصح النكاح ، لأن إبطاله حينئذ يقتضي الضرر وفوات الحكمة المطلوبة من إبطاله.

وليس بشي‌ء ، لأن العقد إذا وقع غير صحيح كيف يصح بالدخول.

ويمكن أن يقال : إن النكاح لما كان موقوفا على إجازة الولي ، فالأغبط في هذه الصورة إجازته ، وحينئذ فيصح النكاح ولا يجب مهر المثل وإن كان المسمى زائدا على مهر المثل ، إذا لم تكن الزيادة زائدة على مهر آخر (٦) ، وهذا قوي ، ولم أجد به تصريحا لأحد ولا احتمال.

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٩٣.

(٢) في المبسوط : أقوى.

(٣) المبسوط ٤ : ٢٩٣.

(٤) المهذب ٢ : ٢١٠.

(٥) المختلف : ٥٥١.

(٦) في « ض » : المثل.


ولو لم يأذن له الولي مع الحاجة أذن له السلطان ، فإن تعذر ففي صحة استقلاله نظر ،

______________________________________________________

نعم لو لم تكن للسفيه حاجة إلى النكاح ، فهنا لا بد من القول بلزوم مهر المثل وبطلان العقد.

فرع : لو علم الولي حاجة السفيه إلى النكاح فهل يصح قبوله له من دون إذنه؟ فيه احتمالات ، وصرح الشيخ بعدم اشتراط الاذن (١).

قوله : ( ولو لم يأذن له الولي مع الحاجة أذن له السلطان ، فان تعذر ففي صحة استقلاله نظر ).

إذا لم يأذن الولي للسفيه في موضع الحاجة وأمكن الوصول إلى الحاكم استأذنه وسقط اعتبار الولي ، لأن الحاكم هو الولي العام عند عدم الولي الخاص ، ومع تعذر الاذن من الولي الخاص جرى مجرى المعدوم ، ولم يعتبر في التذكرة (٢) استئذان السلطان وكذا الشيخ (٣) ، وهو واضح بناء على أن الاذن ليس بشرط ، أما على اشتراطه فلا ، فما هنا أوجه.

فإن تعذر الوصول إلى الحاكم ، ففي صحة استقلال السفيه بالعقد نظر ، ينشأ : من أن حق النكاح قد تعين له ، فإذا تعذر أن يستوفيه بغيره جاز له أن يستوفيه بنفسه ، كمن له دين عند غيره فمنعه وتعذر الوصول إلى الحاكم ، فإنه يستقل بالاستيفاء بغير رضى المديون ، ولما فيه من الضرر العظيم المنفي بالآية (٤) والحديث (٥).

__________________

(١) المبسوط ٤ : ١٦٥.

(٢) التذكرة ٢ : ٦١١.

(٣) المبسوط ٤ : ١٦٦.

(٤) وهي قوله تعالى ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج : ٧٨.

(٥) وهي قوله 7 : « لا ضرر ولا ضرار » الكافي ٥ : ٢٨٠ حديث ٤ وصفحة ٢٩٤ حديث ٨ ، الفقيه ٣ : ٤٥ حديث ١٤٧ و ١٤٨ ، التهذيب ٧ : ١٤٦ حديث ٦٥١ و ٧٢٧ ، مسند أحمد ١ : ٣١٣.


ولا يدخل تحت الحجر طلاقه ولا طلاق العبد.

ولو طلب الرقيق النكاح لم يجب الإجابة ، وأمة المرأة تزوجها سيدتها ، ولا يحل نكاحها من دون اذنها ، سواء المتعة والدائم على رأي.

______________________________________________________

ومن أنه محجور عليه ، فلا يصح تصرفه أصلا كالمجنون والصبي.

والفرق قائم : فإن عبارته صحيحة ، بخلاف الصبي والمجنون ، وضرر التبذير يندفع بمراعاة مهر المثل ونكاح المرأة اللائقة بحاله ، وهذا أصح (١).

قوله : ( ولا يدخل تحت الحجر طلاقه ولا طلاق العبد ).

لا ريب أنه لا يدخل تحت الحجر طلاق السفيه ولا طلاق العبد ، لقوله 7 : « الطلاق بيد من أخذ بالساق » (٢) فيتولّى كل منهما الطلاق بمشيئته ، ولو كان السفيه مطلاقا اشتري له جارية.

ويجب أن يستثني من إطلاق الحكم في العبد ما إذا كانت زوجته أمة مولاه ، فإنّ أمر التفريق بينهما راجع إلى المولى ، أما أمة الغير والحرة فطلاقها بيده.

قوله : ( ولو طلب الرقيق النكاح لم تجب الإجابة ، وأمة المرأة تزوّجها سيدتها ، ولا يحل نكاحها من دون إذنها ، سواء المتعة والدائم على رأي ).

لا يجب على السيد إنكاح رقيقه وإن طلبه ، لما في ذلك من الضرر ، لأن كثيرا من مطالبه تتعطل ، وكثيرا من منافع العبد تفوت ، ويلزم المولى بسبب ذلك مهر ونفقة ، وذلك ضرر عظيم.

وقال جمع من العامة : إذا طلب العبد النكاح اجبر المولى عليه ، وليس بشي‌ء.

ولو خشي الرقيق ضررا بسبب عدم التزويج وظهرت أمارته ، فهل يجب بيعه أم تزويجه أم لا يجب شي‌ء منهما؟ كل محتمل ، والاستحباب مع الطلب لا بحث فيه.

__________________

(١) في « ش » : صرح في التذكرة آخرا : بأن من تجدد سفهه يزوجه الأب والجد ثم الحاكم.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٦٧٢ حديث ٢٠٨١ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٦٠.


______________________________________________________

وقد قدمنا أن للسيد إجباره على النكاح ، فله أن يتولّى القبول وأن يجبره على القبول ، ويقع صحيحا عندنا كإجبار الحاكم الولي على إنكاح المولّى عليه ، نعم لو ارتفع قصده أصلا لم يعتد بالقبول ، ويقبل إقرار السيد على العبد بالنكاح كإقرار الأب على ابنته ، صرح بذلك في التذكرة (١).

وكما أن رقيق الرجل لا يتزوج إلاّ بإذنه ، فكذا رقيق المرأة ، سواء العبد والأمة الدائم والمتعة ، ذهب إلى ذلك أكثر أصحابنا ، لقوله تعالى ( لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٢) وقوله تعالى ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (٣) ولأنه تصرف في ملك الغير بغير اذنه.

وجوز الشيخ في النهاية (٤) المتعة بأمة المرأة بغير إذنها ، قائلا : بأن الأفضل استئذانها ، احتجاجا بما رواه سيف بن عميرة عن علي بن المغيرة في الصحيح ، قال : سألت أبا عبد الله 7 عن الرجل يتمتع بأمة المرأة بغير إذنها؟ قال : « لا بأس به » (٥).

وهذه رواية شاذة مخالفة لأصول المذهب ، فان التصرف في مال الغير بغير إذنه قبيح عقلا منهيّ عنه شرعا ، خصوصا الفروج التي يطلب فيها كمال الاحتياط ، وقد يتعلق بذلك نسل ويجر إلى كثير من الأحكام كالإرث والمحرمية.

والاقدام على ذلك بمثل هذه الرواية ـ التي أعرض جميع الأصحاب عن العمل بها ، حتى أن الشيخ رجع عن قوله في النهاية إلى المنع (٦) ، مع كثرة الدلائل‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٩٠.

(٢) النحل : ٧٥.

(٣) النساء : ٢٥.

(٤) النهاية : ٤٩٠.

(٥) التهذيب ٧ : ٢٥٧ حديث ١١١٤.

(٦) رجع عن قوله في جواب المسائل الحائريات كما في السرائر : ٣٠٤.


ولا يكفي سكوت البكر في حق أمتها ، ويكفي في حقها.

______________________________________________________

الدالة على المنع ـ بعيد عن الاحتياط ومجانب لطريقة الورع ، والأصح الأول.

قوله : ( ولا يكفي سكوت البكر في حق أمتها ويكفي في حقها ).

الفرق بينهما : أنها تستحي في نكاح نفسها غالبا دون نكاح أمتها ، فاكتفي بسكوتها في نكاح نفسها في كونه إذنا دون أمتها ، فلا بد من التصريح بالاذن ، وقد أطبقوا على أن البكر يكفي في أذنها سكوتها.

وروي عن النبي 6 أنه قال : « لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، ولا تنكح البكر حتى تستأذن ، وإن سكوتها إذنها » (١).

ومن طريق الخاصة ما رواه داود بن سرحان عن الصادق 7 ، في رجل يريد أن يزوج أخته ، قال : « يؤامرها ، فإن سكتت فهو إقرارها » (٢).

وفي حكم البكر من زالت بكارتها : بطفرة ، أو وثبة ، أو سقطة ، أو بالإصبع ، أو حدّة الطمث ، أو طول التعنيس (٣) ، أو الدودة المسماة بالحرقوص على أرجح الوجهين ، وهو مقرب التذكرة (٤) ، لأن حكم الأبكار يزول بمخالطة الرجال ولم يحصل ، فهي على غباوتها وحيائها.

أما من زالت بكارتها بالجماع فإنها ثيب ، سواء كان الجماع بالعقد أو بالملك أو الشبهة أو الزنا ، صغيرة كانت حين الوطء أو كبيرة ، لصدق أنها ثيب ، ولزوال الحياء بممارسة الرجال.

نعم لو وطأت قبل سن التمييز فزالت بكارتها أمكن القول بأنها كالبكر ، وفي‌

__________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ١٢٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٥١ حديث ١١٩٦ ، التهذيب ٧ : ٣٨٦ حديث ٥٥٠ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٩ حديث ٨٥٦.

(٣) عنست الجارية تعنس بالضم عنوسا وعناسا فهي عانس ، وذلك إذا طال مكثها في منزل أهلها بعد إدراكها حتى خرجت من عداد الأبكار ، قاله الجوهري في الصحاح ٣ : ٩٥٣ عنس.

(٤) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٨٧.


والأقرب استقلال المعتقة في المرض بالتزويج ، فإن رجعت أو بعضها رقا بطل العقد إلاّ أن يجيز المولى.

______________________________________________________

الموطوءة في الدبر وجهان ، واعتبار النطق فيها قوي ، لزوال الحياء ، واختاره في التذكرة (١).

وهذا إنما [ يكون ] (٢) حيث لا يكون مع السكوت قرينة دالة على عدم الرضا ، فإنه لا يكون إذنا قطعا.

ولو ضحكت عند استئذانها فهو إذن ، لأنه أقوى من السكوت ، ولو بكت ففي كونه إذنا قول لابن البراج (٣) ، واستشكله المصنف في المختلف (٤).

قوله : ( والأقرب استقلال المعتقة في المرض بالتزويج ، فان رجعت أو بعضها رقا بطل العقد ، إلاّ أن يجيز المولى ).

أي لو أعتق المريض أمته جاز لها أن تستقل بتزويج نفسها وإن كان ثلث التركة لا يفي بقيمتها على الأقرب ، لأن العتق الصادر منه صحيح ظاهرا ، لأنه عتق صدر من أهله في محله.

إما أنه صدر من أهله فلأنه مالك مستقل بالتصرف ، والناس مسلطون على أموالهم ، وعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٥) يقتضي النفوذ ظاهرا.

وإما أنه في محلّه فلأن الفرض أن الأمة قابلة للعتق ، ولا مانع منه إلاّ حق الوارث ، وحقه بعد الموت لا قبله.

والمراد من الحجر على المريض فيما زاد على الثلث : المنع من نفوذ تصرفه فيه‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٨٧.

(٢) في « ش » و « ض » : هو ، والمثبت من النسخة الحجرية وهو الأولى.

(٣) المهذب ٢ : ١٩٤.

(٤) المختلف : ٥٣٨.

(٥) المائدة : ١.


ولا ولاية على البالغ الرشيد الحر إجماعا ، ولا على البالغة الرشيدة الحرة وإن كانت بكرا على الأصح في المنقطع والدائم.

______________________________________________________

ظاهرا وباطنا بحيث لا يبقى للوارث عند الموت حق فيما تصرف فيه أصلا ، لا بطلانه في الحال ، إذ لا دليل عليه ، ولأن تعلق حق الوارث بالأمة غير معلوم ، فإنه إنما يكون إذا مات المعتق في مرضه ذلك ، والأصل بقاء حياته.

وعلى تقدير الموت فلا بد من كون الثلث حينئذ أقل من قيمة الأمة ، ولا اعتبار بما قبله ، وهذا مشكوك فيه ، فلا يكون مجرد الاحتمال مانعا من نفوذ التصرف الصادر من المالك المستند إلى الدلائل السابقة.

فإذا ثبت نفوذ العتق ظاهرا أجريت عليه أحكامه : من صحة استقلالها بالنكاح وغيره من التصرفات ، وجواز عقد المعتق عليها.

ثم إذا رجعت ـ كلّها رقا لظهور دين مستغرق عند الموت ، أو بعضها إذا لم يف الثلث بقيمتها ـ تبيّنا بطلان العقد ، إلاّ أن يكون المولى قد أجاز عقد الغير عليها قبل موته أو يجيزه الوارث بعد الموت ، فإنه لا يبطل.

ويحتمل العدم ، لأن الاستقلال فرع الحرية بجميعها ، وحصولها وعدمه إنما يعلم عند الموت أو البرء من ذلك المرض ، وجهالة الأصل تقتضي جهالة فرعه.

ويضعّف بأن فرع الحرية ظاهرا لا باطنا ، والمجهول حصوله هو الحرية بحسب الواقع ، ومدار الأحكام الشرعية على الأمور الظاهرة ، فإن من اشترى مالا من مالك ظاهرا أو وكيله إنما يحكم بنفوذ البيع ظاهرا ، حتى لو تبيّن أن الملك لغيره أو أن مدعي الوكالة كان كاذبا أو طرأ العزل الشرعي على وكالته ، تبيّنا بطلان البيع وجميع التصرفات المترتبة عليه من نكاح وغيره ، وما نحن فيه كذلك من غير فرق.

قوله : ( ولا ولاية على البالغ الرشيد الحر إجماعا ، ولا على البالغة الرشيدة الحرة ـ وإن كانت بكرا على الأصح ـ في المنقطع والدائم ،


ولو زوجها أبوها أو جدها وقف على إجازتها كالأجنبي ، لكن يستحب لها أن لا تستقل من دونهما بالنكاح ، وأن توكل أخاها مع عدمهما ، وأن تخلد إلى أكبر الاخوة ، وأن تتخير خيرته لو اختلفوا.

______________________________________________________

ولو زوجها أبوها أو جدها وقف على إجازتها كالأجنبي ، لكن يستحب لها أن لا تستقل بالنكاح ، وأن توكل أخاها مع عدمهما ، وأن تخلد إلى أكبر الاخوة ، وأن تتخير خيرته لو اختلفوا ).

أجمع علماء الإسلام على أن الحر البالغ الرشيد لا ولاية لأحد عليه في نكاح ولا غيره ، كما أجمعوا على ثبوت الولاية على [ الصغيرة والبالغ غير الكامل وكذا الصغيرة والمجنونة ، واختلف أصحابنا في ثبوت الولاية على البكر ] (١) البالغة الرشيدة على أقوال خمسة : ـ بعد اتفاقهم على سقوطها عن الثيب البالغة الرشيدة ، إلاّ الحسن (٢).

أ : نفي الولاية عنها في الدائم والمنقطع ، اختاره المفيد في أحكام النساء (٣) وابن الجنيد (٤) والمرتضى (٥) وسلار (٦) والمصنف وأكثر المتأخرين (٧) ، وهو الأصح.

لنا : ظاهر قوله تعالى ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (٨) جعل النكاح إليها ، وهو على إطلاقه شامل للمدخول بها وغيرها ، كذا احتج المصنف.

وفيه نظر ، لأن المطلقة ثلاثا مرتبة لا يكون إلاّ مدخولا بها ، إلاّ أن يقال :

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لم يرد في « ش » و « ض » وأثبتناه من النسخة الحجرية ، لاختلال المعنى بدونه.

(٢) فإنه قال بثبوت الولاية عليها ، انظر : المغني لابن قدامة ٧ : ٣٨٥.

(٣) أحكام النساء ، ضمن رسائل الشيخ المفيد : ٢٠.

(٤) نقله عنه العلامة في المختلف : ٥٣٤.

(٥) الانتصار : ١٢٢ ، المسائل الموصلية ضمن رسائل الشريف المرتضى المجموعة الأولى : ٢٣٥.

(٦) المراسم : ١٤٨.

(٧) منهم فخر المحققين في الإيضاح ٣ : ٢١ ، والشهيد في اللمعة : ١٨٤.

(٨) البقرة : ٢٣٠.


______________________________________________________

الدخول قد يكون بالوطء في الدبر ، وهو غير مناف لبقاء البكارة.

وما روي أن فتاة جاءت إلى النبي 6 فقالت : إن أبي زوجني من ابن أخ له ليرفع خسيسته وأنا له كارهة ، فقال : « اجيزي ما صنع أبوك » فقالت : لا رغبة لي فيما صنع أبي ، قال : « فاذهبي فانكحي من شئت » فقالت : « لا رغبة لي عما صنع أبي ، وإنما أردت أن اعلم النساء أن ليس للآباء في أمور بناتهم شي‌ء » (١).

وما رواه في الحسن الفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم وزرارة ويزيد بن معاوية عن الباقر 7 قال : « المرأة التي ملكت نفسها غير السفيهة ولا المولّى عليها أن تزويجها بغير ولي جائز » (٢).

قيل : لا دلالة فيها ، لأنه إن ادعي خروج البكر من المولّى عليها فهو المتنازع ، وإلاّ لم يفد.

قلنا : إن المتبادر ان قوله المرأة مبتدأ ، وقوله غير المولّى عليها خبره ، والمراد بالمولّى عليها من ثبتت الولاية عليها في المال ، هذا هو المتبادر من اللفظ ، ولا شك أن ذلك لا يشمل البكر التي لا حجر عليها في مالها.

وما رواه زرارة عن الباقر 7 قال : « إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري وتعتق وتشهد وتعطي من مالها ما شاءت ، فإن أمرها جائز » (٣).

أورد عليه : عدم ما يدل على اندراج البكر في قوله مالكة أمرها.

وجوابه : أن المتبادر من قوله تبيع وتشتري إلى آخره تفسير المالكة أمرها.

وما رواه منصور بن حازم في الصحيح عن الصادق 7 قال : « تستأمر‌

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٦٠٢ حديث ١٨٧٤ ، سنن البيهقي ٧ : ١١٨.

(٢) الكافي ٥ : ٣٩١ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٥١ حديث ١١٩٧ ، التهذيب ٧ : ٣٧٧ حديث ١٥٢٥ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٧.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧٨ حديث ١٥٣٠ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٤ حديث ٨٤٢.


______________________________________________________

البكر وغيرها ولا تنكح إلاّ بأمرها » (١).

وهذه لا تنفي التشريك ، لكنه منتف بالأصل.

وما رواه سعدان بن مسلم عن أبي عبد الله 7 أنه قال : « لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن أبيها » (٢).

ب : قول الشيخ في النهاية أن الولاية عليها للأب والجد دونها (٣) ، وهو اختيار ابن بابويه (٤) وابن أبي عقيل (٥) وابن البراج (٦).

لما رواه ابن أبي يعفور في الصحيح عن الصادق 7 قال : « لا تزوج ذات الآباء من الأبكار إلاّ بإذن أبيها » (٧).

ولرواية إبراهيم بن ميمون عن الصادق 7 : « إذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر ، وإذا كانت قد تزوجت لم يزوجها إلاّ برضا منها » (٨).

ولصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما 8 قال : « لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ، ليس لها مع الأب أمر ، وقال : يستأمرها كل أحد ما عدا الأب » (٩).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٨٠ حديث ١٥٣٥.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٨٠ حديث ١٥٣٨ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٦ حديث ٨٥٠.

(٣) النهاية : ٤٦٥ ، وفي « ض » ذكر أن هذا القول للشيخ في المبسوط ، وهو خطأ ، لأن الشيخ في المبسوط ٤ : ١٦٢ ذهب إلى أن المرأة الحرة إذا بلغت رشيدة ملكت عقد النكاح.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٥٠.

(٥) المختلف : ٥٣٤.

(٦) المهذب ٢ : ١٩٣ ـ ١٩٥.

(٧) الكافي ٥ : ٣٩٣ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٥٠ حديث ١١٩٠ ، التهذيب ٧ : ٣٧٩ حديث ١٥٣١ ، وفي هذه المصادر : « لا تزوج ذوات الآباء من الأبكار إلا بإذن آبائهن » إلا أن في الفقيه : « لا تنكح ذوات. ».

(٨) التهذيب ٧ : ٣٨٠ حديث ١٥٣٦ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٥ حديث ٨٤٨.

(٩) الكافي ٥ : ٣٩٣ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٨٠ حديث ١٥٣٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٥ حديث ٨٤٩.


______________________________________________________

وفي هذه دلالة على أنها غير صغيرة ، وفيها ما ينفي القول بانفرادها والتشريك بينها وبين الأب ، ولأن الحكمة تقتضي ذلك ، فان البكر لا معرفة لها بأحوال الرجال ، فلو لم يجعل أمرها منوطا بنظر الأب لم يؤمن أن ترتكب ما يترتب عليه فساد وضرر.

وأجيب بحمل الروايات على كراهية التفرد وأولوية استئذان الأب جمعا بين الأدلة ، والتعليل الأخير ضعيف ، لأن الرشيدة تستعلم أحوال الزوج بالتفحص عنه ، كما تستعلم طرق المصلحة في التصرف في الأموال.

ج : التشريك بينها وبين الأب ، فليس لأحدهما الاستقلال بالعقد ، وبه قال المفيد في المقنعة (١) وأبو الصلاح (٢) ، إلاّ أنه زاد التشريك بينها وبين الجد.

والحجة موثقة صفوان قال : استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر 7 في تزويج ابنته لابن أخيه فقال : « افعل ويكون ذلك برضاها ، لأن لها في نفسها نصيبا ».

قال : واستشار خالد بن داود موسى بن جعفر 7 في تزويج ابنته علي ابن جعفر قال : « افعل ويكون ذلك برضاها ، فان لها في نفسها حظا » (٣).

وجوابه : أنّ قوله 7 : « لها في نفسها نصيبا ، لا يدل على أن للأب معها ولاية بمنطوق اللفظ ، بل بمفهومه ، ودلالة المفهوم ضعيفة ، فيكف تعارض دلالة المنطوق؟ فتحمل على الأولوية دفعا للتنافي.

د : إجازة تفردها بالمتعة دون الدوام ، واختاره الشيخ في كتابي الأخبار (٤) جمعا بين الأدلة.

وجوابه : أن بقاء الحجر على البكر إنما يكون لنقص رأيها ، فلا يفرق فيه بين‌

__________________

(١) المقنعة : ٧٨.

(٢) الكافي في الفقه : ٢٩٢.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧٩ حديث ١٥٣٤.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٨٠ ـ ٣٨١ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٦.


ولو عضلها الولي ـ وهو أن لا يزوجها بالأكفاء مع رغبتها ـ استقلت إجماعا.

______________________________________________________

الدائم والمتعة ، وكذا عدمه ، فالحمل على الأولوية أولى ، بل موقع الضرر والفضيحة في المتعة أشد.

هـ : عكسه ، وهو قول محكيّ لا يعرف قائله ، وقد يحتج له بالجمع بين الأدلة ، وضعفه معلوم مما قبله.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أنه على القول بسلب الولاية عن الحرة البالغة الرشيدة يستحب لها أن لا تستقل بالنكاح من دونهما ، لأنهما أبصر منها بأحوال الرجال ، ولما فيه من أمن حصول ما لا ينبغي ، فان لم يكن لها أب ولا جد استحب لها أن توكل أخاها ، وأن تعوّل على رأي أخيها الأكبر لو تعددت الاخوة ، لما سيأتي إن شاء الله تعالى من الرواية المتضمنة لتقديم عقد الأخ الأكبر (١).

وكذا يستحب له أن تخلد إلى أكبر الإخوة ـ أي : تركن إليه وتصير إلى رأيه ، والخلد محركا : القلب ـ وأن تتخير خيرته لو اختلفوا.

قوله : ( ولو عضلها الولي ـ وهو : أن لا يزوجها بالأكفاء مع رغبتها ـ استقلت إجماعا ).

العضل هو : المنع ، والمراد هنا : منعها من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما في صاحبه ، والمحدّث عنه هو البالغة الرشيدة ، والإجماع على استقلالها حينئذ من جميع (٢) علمائنا ، وفيه اعتراف بأن لها أهلية تولي النكاح ، والعامة يجعلون الولاية حينئذ إلى الحاكم (٣).

واعلم : أنه لا فرق في تحقق العضل ـ إذا منع الولي تزويجها من الكف‌ء ـ بين‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٨٧ حديث ١٥٥٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٩ حديث ٨٥٨.

(٢) لفظ جميع لم يرد في « ش ».

(٣) المجموع ١٦ : ١٨٥ و ١٨٦ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٣٦٨.


المطلب الرابع : الكفاءة معتبرة في النكاح ، فليس للمرأة ولا للولي التزويج بغير كف‌ء.

والمراد بها التساوي في الإسلام والايمان ، فلا يصح تزويج المسلمة المؤمنة إلاّ بمثلها.

ويجوز للمؤمن أن يتزوج بمن شاء من المسلمات ،

______________________________________________________

أن يكون النكاح بمهر المثل أو لا ، نعم لو منع من غير الكف‌ء لم يكن عضلا.

قوله : ( المطلب الرابع : الكفاءة معتبرة في النكاح ، فليس للمرأة ولا للولي التزويج بغير كف‌ء ، والمراد بها : التساوي في الإسلام والايمان ، فلا يصح تزويج المسلمة المؤمنة إلاّ بمثلها ، ويجوز للمؤمن أن يتزوج بمن شاء من المسلمات ).

الكفي‌ء على وزن فعيل : النظير ، وكذلك الكف‌ء على وزن فعل والكفوء على وزن فعول ، والمصدر الكفاءة بالفتح والمد.

ولا خلاف بين أهل (١) الإسلام في اعتبار الكفاءة في النكاح ، لكنهم اختلفوا في تفسيرها ، فذهب جمع من علمائنا إلى أنها عبارة عن الايمان والتمكن من النفقة ، واقتصر بعضهم على الأول ، وبعضهم لم يعتبر الايمان بل اكتفي بالإسلام عنه ، فحصل ثلاثة أقوال :

أ : اعتبار الأمرين معا ، اختاره الشيخ في المبسوط (٢) والمصنف في التذكرة (٣) ، لقول الصادق 7 : « الكف‌ء أن يكون عفيفا عنده يسار » (٤).

__________________

(١) في « ض » علماء.

(٢) المبسوط : ٤ : ١٧٨.

(٣) التذكرة : ٢ : ٦٠٣.

(٤) الكافي ٥ : ٣٤٧ حديث ١.


______________________________________________________

ب : الاكتفاء بالايمان ، اختاره جمع من الأصحاب (١) والمصنف هنا ، لقوله تعالى : ( إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (٢).

ولما روي عن الصادق 7 قال : « إن الله عز وجل لم يترك شيئا مما يحتاج إليه إلاّ علّمه نبيه 6 ، فكان من تعليمه إيّاه أن صعد المنبر ذات يوم فحمد الله واثنى عليه ثم قال : أيها الناس إنّ جبرئيل أتاني من اللطيف الخبير فقال :

إن الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر إذا أدرك ثمارها فلم يجن أفسدته الشمس ونثرته الرياح ، وكذلك الأبكار إذا أدركن ما يدرك النساء ، فليس لهنّ دواء إلاّ البعولة ، وإلاّ لم يؤمن عليهن الفساد ، لأنهن بشر.

قال : فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله فمن نزوج؟ قال : الأكفاء ، قال : يا رسول الله من الأكفاء؟ فقال : المؤمنون بعضهم أكفاء بعض » (٣).

ج : الاكتفاء بالإسلام ، اختاره المفيد (٤) والمحقق ابن سعيد (٥) ، إما لأن الإيمان هو الإسلام ، أو لعدم الدليل الدال على اشتراط الإيمان ، أما اشتراط الإسلام فإنه ثابت بالإجماع.

والأكثر على خلافه ، لمفهوم قوله 6 : « إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه ، ( إِلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ ) » ، ولما مرّ من قوله 6 في بيان الكف‌ء : « المؤمنون بعضهم أكفاء بعض » فلا يكون غير‌

__________________

(١) منهم الشيخ في النهاية : ٤٦٣ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ١٧٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٤٠ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٩٥.

(٢) النور : ٣٢.

(٣) الكافي ٥ : ٣٣٧ حديث ٢.

(٤) المقنعة : ٧٨.

(٥) الشرائع : ٢ : ٢٩٩.


______________________________________________________

المؤمن كفئا للمؤمنة ، وإلاّ لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ولأن المرأة تأخذ من دين بعلها ، فلا يؤمن على المؤمنة أن يخدعها المخالف ، لأن النساء ناقصات عقل ودين.

فان قيل : فعلى هذا إذا أمن على المرأة انخداعها لقوة دينها وعشيرتها مثلا جاز ، كما يجوز للرجل المؤمن نكاح المخالفة ، ويؤيده أن التحريم في المرأة لو كان بمجرد الخلاف لاستوى فيه الرجل والمرأة كالكفر.

قلنا : الحديث دال على أن المخالف ليس كفئا للمؤمنة ، ولا دلالة فيه على المنع من جانب الرجل ، فيتمسك فيه بالأصل ، والمرأة مظنّة الفتنة وإن كانت قوية الدين ، والأحوال لا تنضبط ، فلا بد من حسم المادة وسد الباب.

ولا يجب مساواة المخالف في الدين للكفر من جميع الوجوه مع قيام الدليل على خلافه ، فإن الإجماع على الجواز في الرجل ، وهذا في غير الناصب فإنه كافر.

قال الصادق 7 : « تزوّجوا في الشكاك ولا تزوجوهم ، لأن المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه » (١).

وفي الصحيح عن الفضيل بن يسار عن الصادق 7 قال قال له الفضيل : أزوج الناصب؟ قال : « لا ولا كرامة » الحديث (٢).

وعنه قال : قلت لأبي عبد الله 7 : إن لامرأتي أختا عارفة على رأينا وليس على رأينا بالبصرة إلاّ قليل ، فأزوجها ممن لا يرى رأيها؟ قال : « لا ولا نعمة إن الله عز وجل يقول( فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) » (٣).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٤٨ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٥٨ حديث ١٢٢٦ ، التهذيب ٧ : ٣٠٤ حديث ١٢٦٦ ، الاستبصار ٣ : ١٨٤ حديث ٦٧٠.

(٢) الكافي ٥ : ٣٤٨ حديث ٤ ، وفيه :. قال له الفضيل : أتزوج الناصبة؟ قال : « لا ولا كرامة ».

(٣) الكافي ٥ : ٣٤٩ حديث ٦ ، سورة الممتحنة : ١٠.


وليس له أن يتزوج بكافرة حربية إجماعا ، وفي الكتابية خلاف ، أقربه جواز المتعة خاصة.

______________________________________________________

وفي صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق 7 : النهي عن تزويج الناصب المؤمنة والمستضعفة المؤمنة (١).

وعن الصادق 7 : « إن العارفة لا توضع إلاّ عند العارف » (٢).

والأصح اشتراط الايمان في تزويج المؤمنة واشتراط التمكن من النفقة في وجوب الإجابة على الولي ـ لأن الصبر على الفقر ضرر عظيم ـ لا في الجواز ، لأن المال غاد ورائح ، وليس محط نظر أهل المروآت وذوي البصائر.

قوله : ( وليس له أن يتزوج بكافرة حربية إجماعا ، وفي الكتابية خلاف ، أقربه جواز المتعة خاصة ).

اختلف الأصحاب في جواز نكاح المسلم الكافرة على أقوال ستة :

أ : التحريم بجميع أنواع نكاحهن ـ اختاره المرتضى (٣) والشيخ في أحد قوليه (٤) ، وهو أحد قولي المفيد (٥) ، وقواه ابن إدريس (٦) ـ لوجوه :

أ : قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ ) (٧) وجه الاستدلال به عمومه لجميع أهل الكفر ، وهو ظاهر في غير أهل الكتاب ، وأما أهل الكتاب فيدل على كونهم مشركين قوله تعالى : ( وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٤٩ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ٣٠٢ حديث ١٢٦١.

(٢) الكافي ٥ : ٣٥٠ حديث ١١.

(٣) الانتصار : ١١٧.

(٤) تفسير التبيان ٢ : ٢١٧.

(٥) المقنعة : ٧٦.

(٦) السرائر : ١٩١ و ٣١١.

(٧) البقرة : ٢٢١.


______________________________________________________

الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ) إلى قوله سبحانه ( عَمّا يُشْرِكُونَ ) (١) سماهم مشركين ، وقال سبحانه ( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ) (٢).

ب : قوله تعالى ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) (٣) وبين الزوجين عصمة ، فيدخل النكاح تحت النهي.

ج : قوله تعالى ( لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ ) (٤) ونفي الاستواء للعموم ، فيعم جميع الأحكام التي من جملتها حل التناكح.

د : النكاح يتضمن الموادّة ، وموادّة من حادّ الله محرمة ، فكذا نكاحه.

هـ : رواية الحسن بن جهم عن الرضا 7 (٥) تقتضي أن قوله تعالى : ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ) (٦) نسخ قوله تعالى ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) (٧) ورواية زرارة بن أعين عن الباقر 7 (٨) صريحة في ذلك.

ب : جواز متعة اليهود والنصارى اختيارا والدوام اضطرارا ، وهو اختيار الشيخ في النهاية (٩) وابن حمزة (١٠) وابن البراج (١١).

__________________

(١) التوبة : ٣٠.

(٢) التوبة : ٣١.

(٣) الممتحنة : ١٠.

(٤) الحشر : ٢٠.

(٥) الكافي ٥ : ٣٥٧ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ٢٩٧ حديث ١٢٤٣ ، الاستبصار ٣ : ١٧٨ حديث ٦٤٧.

(٦) البقرة : ٢٢١.

(٧) المائدة : ٥.

(٨) الكافي ٥ : ٣٥٨ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ٢٩٨ حديث ١٢٤٥ ، الاستبصار ٣ : ١٧٩ حديث ٦٤٩.

(٩) النهاية : ٤٥٧.

(١٠) الوسيلة : ٣٤٠.

(١١) المهذب : ٢ : ١٨٧.


______________________________________________________

ج : عدم جواز العقد بحال وجواز ملك اليمين ، وهو أحد قولي. (١).

د : جواز المتعة وملك اليمين باليهودية والنصرانية وتحريم الدوام ، وهو اختيار أبي الصلاح (٢) وسلار (٣) وأكثر المتأخرين (٤).

هـ : تحريم نكاحهن مطلقا اختيارا وتجويزه مطلقا اضطرارا وتجويز الوطء بملك اليمين ، وهو اختيار ابن الجنيد (٥).

و : التجويز مطلقا ، وهو اختيار ابن أبي عقيل (٦) وابن بابويه (٧) ، لقوله تعالى : ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) (٨) وقوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٩).

ولرواية أبي مريم الأنصاري عن الباقر 7 قال : سألته عن طعام أهل الكتاب ونكاحهم؟ فقال : « نعم قد كانت تحت طلحة يهودية » (١٠).

وعن محمد بن مسلم عن الباقر 7 قال : سألته عن نكاح اليهودية‌

__________________

(١) العبارة ناقصة كما ترى ، والظاهر أن النسخة الأصلية كانت هكذا : وهو أحد قولي دد ، فحذف النساخ أحد الدالين لتصورهم زيادتهم ، ولم يعلموا أن أحد الدالين إشارة إلى المفيد والأخرى إشارة إلى الفرع ، ويؤيده ايضا أن هذا هو القول الثاني للمفيد في المقنعة : ٧٨ في باب عقد الإماء ، والقول الأول له قد مر في فرع ( أ ).

(٢) الكافي في الفقه : ٢٢٩ ـ ٣٠٠.

(٣) المراسم : ١٤٨.

(٤) منهم المحقق في الشرائع ٣ : ٢٩٤ ، والشهيد في اللمعة : ١٩١ ، وغيرهما.

(٥) المختلف : ٥٣٠ ، إيضاح الفوائد ٣ : ٢٢.

(٦) المصدر السابق.

(٧) المصدر السابق.

(٨) المائدة : ٥.

(٩) النساء : ٢٤.

(١٠) التهذيب ٧ : ٢٩٨ حديث ١٢٤٦ ، الاستبصار ٣ : ١٧٩ حديث ٦٥٠.


______________________________________________________

والنصرانية؟ قال : « لا بأس به ، أما علمت أنه كان تحت طلحة بن عبد الله يهودية على عهد النبي 6 » (١).

وفي الصحيح عن معاوية بن وهب وغيره عن أبي عبد الله 7 ، في الرجل المؤمن يتزوج اليهودية والنصرانية ، قال : « إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية » فقلت له : يكون له فيها الهوى ، فقال : « إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير واعلم ان عليه في دينه غضاضة » (٢).

قال المصنف في المختلف : وهذا الحديث من صحاح الأحاديث الواصلة إلينا في هذا الباب (٣).

إذا عرفت ذلك فاعلم : أن الدلائل من الطرفين عامة ، وليس فيها ما يدل على تحريم نكاح مخصوص أو حلّه ، فطريق الجمع بينهما بالحمل على تحريم بعض الأنكحة وحل بعض.

ولا ريب أن حمل دلائل الحل على الدوام والباقي على المتعة حمل غير جيد ، لأن في الأخبار إيماء إلى أن ارتكاب نكاح الكافرة لا يكون إلاّ في محل الحاجة ، والنكاح المعد لدفع الحاجة هو نكاح المتعة دون الدوام ، لأنه النكاح المطلوب للسنة ، ولحصول النسل ، وهو المتضمن للموادّة ، وأيضا فإن نكاح المتعة في معنى ملك اليمين ، فهو أولى بأن تحمل دلائل الحل عليه.

وهذا أصح وأقرب من الحمل على محل الضرورة بالنسبة إلى الدوام ، على أن رواية معاوية بن وهب تأبى هذا الحمل ، فإنها ظاهرة في جواز فعله اختيارا ، وقوله تعالى‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٩٨ حديث ١٢٤٧ ، الاستبصار ٣ : ١٧٩ حديث ٦٥١.

(٢) الكافي ٥ : ٣٥٦ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٩٨ حديث ١٢٤٨ ، الاستبصار ٣ : ١٧٩ حديث ٦٥٢.

(٣) المختلف : ٥٣١.


وله استصحاب عقدهن دون الحربيات ، والمجوسية كتابية.

ولا يتزوج بالناصبية المعلنة بعداوة أهل البيت :.

ويستحب للمؤمن أن يتزوج بمثله ، وللحر أن يتزوج بالأمة ، وللحرة أن تتزوج بالعبد ، وكذا شريفة النسب بالأدون كالهاشمية والعلوية بغيرهما ،

______________________________________________________

في الآية السابقة ( إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (١) فيه إيماء إلى المتعة.

قوله : ( وله استصحاب عقدهن دون الحربيات ).

أي : للمسلم استصحاب عقد الكتابيات من الكفر إلى الإسلام ، فإذا أسلم زوج الكتابية بقي نكاحها إجماعا ، بخلاف الحربيات ، فان نكاحهن ينفسخ إذا كان الإسلام قبل الدخول ، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة.

قوله : ( والمجوسية كتابية ).

لقوله 7 : « سنّوا بهم سنة أهل الكتاب » وفيه إيماء إلى أنهم ليسوا أهل كتاب.

قوله : ( ولا يتزوج بالناصبية المعلنة بعداوة أهل البيت : ).

لأنها كافرة ، والناصب شرّ من اليهودي والنصراني على ما روي في أخبار أهل البيت : ، ولا خلاف في ذلك عندنا ، سواء المتعة والدوام.

قوله : ( ويستحب للمؤمن أن يتزوج بمثله ).

ويكره بالمخالفة غير الناصبية ، فانّ المؤمنة أعون على الدين وولدها أحرى بأن يكونوا مؤمنين.

قوله : ( وللحر أن يتزوج بالأمة ، وللحرة أن تتزوج بالعبد ، وكذا شريفة النسب بالأدون ، كالهاشمية والعلوية بغيرهما والعربية بالعجمي‌

__________________

(١) المائدة : ٥.


والعربية بالعجمي ، وبالعكس ، وكذا أرباب الصنائع الدنيئة بالأشراف.

______________________________________________________

وبالعكس ، وكذا أرباب الصنائع الدنيئة بالأشراف ).

قد قدمنا أن الكفاءة منحصرة في الايمان إذا كانت الزوجة مؤمنة ، وإن كانت مسلمة اكتفي بالإسلام ، ولا يعتبر أمر آخر سوى ذلك.

فللحر أن يتزوج بالأمة اختيارا عند المصنف (١) وقوم (٢) ، واضطرارا عند آخرين (٣) ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

وللحرة أن تتزوج بالعبد ، وكذا من كانت شريفة النسب كالهاشمية والعلوية ، وكالمنتمية إلى العلماء وإلى الصلاح والتقوى بمن ليس كذلك ، وكذا العربية بالعجمي كعكسه ، وكذا من كانت من أرباب الصنائع الشريفة بمن ليس كذلك ، لما قدمناه.

واعتبر الشافعي في الكفاءة ستة أمور : الحرية ، والدين ، والنسب ، واليسار ، والحرفة ، والخلوّ من العيوب الأربعة (٤).

وقد روي عنه 7 أنه قال : « إنّ الله تعالى اختار العرب من سائر الأمم ، واختار من العرب قريشا ، واختار من قريش بني هاشم وبني المطلب » (٥).

ولا دلالة في هذا على اعتبار الكفاءة في النسب.

وروى الأصحاب عن الصادق 7 أن رسول الله 6 زوج ضبيعة بنت الزبير بن عبد المطلب من مقداد بن الأسود ، فتكلمت في ذلك بنو هاشم ، فقال رسول الله 6 : « إنما أردت أن تتضع المناكح » (٦).

__________________

(١) هنا ، وفي المختلف : ٥٦٥.

(٢) منهم الشيخ في النهاية : ٤٧٦ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٥٧ ، وغيرهما.

(٣) منهم ابن الجنيد ، وابن ابي عقيل كما عنهما في المختلف ٥٦٥ ، وغيرهما.

(٤) انظر : المجموع ١٦ : ١٨٢ ، الوجيز ٢ : ٨ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٣٧٤.

(٥) انظر : سنن البيهقي ٧ : ١٣٤ ، كنز العمال ١١ : ٤٥٠ حديث ٣٢١١٩ و ٣٢١٢٠ ، باختلاف.

(٦) التهذيب ٧ : ٣٩٥ حديث ١٥٨١.


وهل التمكن من النفقة شرط؟ قيل : نعم ، والأقرب العدم.

ولو تجدد عجزه عنها فالأقرب عدم التسلط على الفسخ.

______________________________________________________

قوله : ( وهل التمكن من النفقة شرط؟ قيل : نعم ، والأقرب العدم ).

القول المحكي للشيخ في المبسوط (١) ، والأكثر على خلافه (٢) ، وقوله تعالى ( إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (٣) صريح في الجواز ، وقد تقدم تحقيق ذلك وأن الأصح عدم الاشتراط ، فان قلنا به فالمراد كونه مالكا لها بالفعل أو بالقوة القريبة منه : بأن يكون قادرا على تحصيلها عادة بتجارة وغيرها.

قوله : ( ولو تجدد عجزه عنها فالأقرب عدم التسلط على الفسخ ).

وجه القرب : أن النكاح عقد لازم وقد انعقد على اللزوم ، وثبوت العجز بتجدد الإعسار عن النفقة خلاف الأصل ، فيتوقف على الدليل ، وقوله تعالى ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (٤) وهذا هو المشهور بين الأصحاب ، وبه قال ابن حمزة (٥) وابن إدريس (٦).

وقال ابن الجنيد لها الخيار (٧) ، ونقل المحقق نجم الدين عن بعض علمائنا أن الحاكم يبينها (٨) ، ووجهه قوله تعالى ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ

__________________

(١) المبسوط ٤ : ١٧٨.

(٢) منهم ابن الجنيد كما عنه في إيضاح الفوائد ٣ : ٢٣ ، والشيخ في النهاية : ٤٦٣ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ١٧٩ ، وفخر المحققين في الإيضاح ٣ : ٢٣.

(٣) النور : ٣٢.

(٤) البقرة : ٢٨٠.

(٥) الوسيلة : ٣٣٤.

(٦) السرائر : ٣٠٤.

(٧) المختلف : ٥٨٢.

(٨) قال في الشرائع ٢ : ٣٠٠ : ولو تجدد عجز الزوج عن النفقة ، هل تتسلط على الفسخ؟ فيه روايتان ، أشهرهما أنه ليس لها ذلك. انتهى ، وهو كما ترى لا يوافق ما نقله عنه المحقق هنا ، وليس في بقية كتبه هذا القول ، إلا أن يقال إن المصنف استفاد من قوله : فيه روايتان أن الرواية الثانية هي ان الحاكم يبينها لا


ولو خطب المؤمن القادر وجبت اجابته وإن كان اخفض نسبا ، ولو‌

______________________________________________________

بِإِحْسانٍ ) (١) والإمساك مع تعذر الإنفاق خلاف المعروف.

وروى ربعي والفضيل (٢) بن يسار جميعا عن الصادق 7 قال : « إن أنفق عليها ما يقيم حياتها مع كسوة وإلاّ فرّق بينهما » (٣).

وكل ذلك ضعيف ، فانّ كون الإمساك مع الإعسار إمساكا بغير المعروف لا دليل عليه ، ولو سلّم فلا دلالة له على التسلط على فسخ النكاح بخصوصه ، وكذا الرواية ، مع المعارضة بما روي عن أمير المؤمنين 7 ، أنّ امرأة استعدت على زوجها أنه لا ينفق عليها وكان زوجها معسرا ، فأبى أمير المؤمنين 7 أن يحبسه ، وقال( إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) (٤).

فان قيل : لا دلالة في هذه ، لأن الحبس لا يجب قطعا ، وإنما المتنازع فيه هو الفسخ ، وهو لا يدل على نفيه.

قلنا : لو كان لها الفسخ لعرّفها 7 ذلك ، ليدفع عنها الضرر الذي استعدت لأجله ، والقول بالفسخ ضعيف.

واعلم أن الشارح الفاضل قال : إنه على القول بأن اليسار بالنفقة شرط في العقد تتسلط المرأة على الفسخ بتجدد الإعسار (٥) ، وهذا غير واضح ، بل هو محتمل ، لأن الذي يمنع لزوم العقد ابتداء لا يجب ثبوت الخيار بتجدده.

قوله : ( ولو خطب المؤمن القادر وجبت إجابته وإن كان أخفض نسبا ،

__________________

انها تتسلط على فسخ العقد ، والله العالم.

(١) البقرة : ٢٢٩.

(٢) في « ض » و « ش » : والفضل ، والصحيح ما أثبتناه وهو الموجود في مصادر الحديث.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٧٩ حديث ١٣٣١ ، التهذيب ٧ : ٤٦٢ حديث ١٨٥٣ ، ورواه الكليني في الكافي ٥ : ٥١٢ حديث ٧ بسند آخر.

(٤) سورة الانشراح : ٦ ، التهذيب ٧ : ٤٥٤ حديث ١٨١٧.

(٥) إيضاح الفوائد ٣ : ٢٤.


امتنع الولي كان عاصيا ، إلاّ للعدول إلى الأعلى.

______________________________________________________

ولو امتنع الولي كان عاصيا ، إلاّ للعدول إلى الأعلى ).

إذا خطب المؤمن القادر على النفقة ـ والمرأة بالغ تريد التزويج ـ وجبت الإجابة على الولي قطعا وحرم المنع ، وهذا إنما يتأتّى على القول بأن للأب والجد ولاية على البكر البالغ الرشيدة.

وكذا إذا دعت حاجة المرأة إلى ذلك ، لوجوب القيام بمقتضى حاجة المولّى عليه إذا أمكن.

ومتى امتنع الولي في الموضعين المذكورين كان عاصيا ، ولا أثر لكون الخاطب أخفض نسبا ، لما روي عنه 7 : « إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه » (١).

ولو أراد الولي العدول إلى الأعلى من الخاطب لم يكن عاصيا بالتأخير ، لظهور المصلحة في ذلك ، نعم لو كان للمرأة ضرورة لم يجز التأخير.

وعلى القول بأن البكر البالغ الرشيدة لا ولاية لأحد عليها ، فالنكاح منوط باختيارها ، وأثر منع الولي على هذا القول سقوط اعتباره إجماعا.

ولو كانت البنت صغيرة فخطبها الكف‌ء القادر وكان في النكاح غبطة ، ففي وجوب الإجابة على الولي وجهان :

أحدهما : الوجوب ، كما يجب بيع مال الطفل إذا طلب بزيادة ، ولأن الكف‌ء قد يتعذر حصوله بعد ذلك ، فيترتب على التأخير فساد ، ولقول النبي 6 لعلي 7 : « لا تؤخر أربعا » وعدّ منها تزويج البكر إذا وجد كفئا.

والثاني : العدم ، لانتفاء الحاجة ، وفي الأول قوة.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٤٧ حديث ٢ و ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٩٤ و ٣٩٦ حديث ١٥٧٨ و ١٥٨٤ و ١٥٨٥ و ١٥٨٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٣٢ حديث ١٩٦٧.


ويكره تزويج الفاسق خصوصا شارب الخمر.

ولو انتسب إلى قبيلة فبان من غيرها فالأقرب انتفاء الفسخ ،

______________________________________________________

قوله : ( ويكره تزويج الفاسق ، خصوصا شارب الخمر ).

لا ريب في أنه يستحب أن لا تزوج المؤمنة إلاّ بعدل ، وأنه يكره تزويجها بالفاسق ، خصوصا شارب الخمر.

قال الصادق 7 : « من زوّج كريمته من شارب الخمر فقد قطع رحمها » (١).

وفي الحسن عن الصادق 7 قال : « قال رسول الله 6 : شارب الخمر لا يزوج إذا خطب » (٢).

وقال رسول الله 6 : « من شرب الخمر بعد ما حرمها الله على لساني فليس بأهل أن يزوج » (٣).

وهو محمول إما على المستحلّ ، أو على شدة الكراهة.

وقال الشافعي (٤) : الفاسق ليس بكف‌ء للعدل ولا للعفيف ، لقوله تعالى : ( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) (٥).

وجوابه : أن المراد بالفاسق هنا : الكافر ، لمقابلته بالمؤمن ، ومطلق الفسق عندنا لا يخرج المؤمن عن إيمانه.

قوله : ( ولو انتسب إلى قبيلة فبان من غيرها ، فالأقرب انتفاء الفسخ ).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٤٧ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٩٨ حديث ١٥٩٠.

(٢) الكافي ٥ : ٣٤٨ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٩٨ حديث ١٥٩١.

(٣) الكافي ٥ : ٣٤٨ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٩٨ حديث ١٥٨٩.

(٤) المجموع ١٦ : ١٨٢ ، السراج الوهاج : ٣٧٠ ، مغني المحتاج ٣ : ١٦٦.

(٥) السجدة : ٣٢.


وكذا لا يفسخ لو ظهر لمن تزوج بالعفيفة أنها كانت قد زنت ، ولا رجوع على الولي بالمهر.

______________________________________________________

اختلف الأصحاب في‌ حكم المسألة ، فقال الشيخ في النهاية : إذا انتمى الرجل إلى قبيلة وتزوج فبان على خلاف ذلك بطل التزويج (١) ، واختاره ابن الجنيد (٢) وابن حمزة (٣) ، وقال في المبسوط : الأقوى أنه لا خيار لها ، ومن الناس من قال لها الخيار (٤) ، واختار ابن إدريس أن لها الخيار إذا شرط ذلك في نفس العقد وخرج بخلافه (٥) ، وقال المصنف في المختلف : إذا انتسب إلى قبيلة فبان من أدنى منها بحيث لا يلائم شرف المرأة كان لها الخيار في الفسخ (٦).

وقول ابن إدريس هو المختار ، لعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٧) و « المؤمنون عند شروطهم » (٨).

ورواية الحلبي في الصحيح ـ قال : في رجل تزوج المرأة فيقول : أنا من بني فلان فلا يكون كذلك ، قال : « تفسخ النكاح » أو قال « لا ترد » (٩) ـ لا دلالة فيها على أن ذلك بدون الاشتراط في العقد ، فلا يعدل عن ظاهر الآية والحديث السابقين.

قوله : ( وكذا لا فسخ لو ظهر لمن تزوج بالعفيفة أنها كانت قد زنت ، ولا رجوع على الولي بالمهر ).

__________________

(١) النهاية : ٤٨٩.

(٢) المختلف : ٥٥٥.

(٣) الوسيلة : ٣٦٧.

(٤) المبسوط ٤ : ١٨٩.

(٥) السرائر : ٣٠٨ ـ ٣٠٩.

(٦) المختلف : ٥٥٥.

(٧) المائدة : ١.

(٨) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣.

(٩) التهذيب ٧ : ٤٣٢ حديث ١٧٢٤ ، وفيه :. أو قال ترد النكاح ، وفي « ض » : أو قال ترد.


______________________________________________________

إذا تزوج امرأة‌ ثم علم أنها كانت قد زنت ، فللأصحاب أقوال :

أ : ثبوت الخيار للزوج سواء كانت قد حدّت أم لا ، وهو قول الصدوق ، وحكم بثبوت الخيار للمرأة بزنا الرجل وإن حدث بعد العقد (١).

ب : أن له الخيار في المحدودة خاصة ، قاله المفيد (٢) وجماعة (٣).

ج : الرجوع على الولي بالمهر من غير فسخ (٤).

د : عدم الفسخ والرجوع ، اختاره المصنف (٥) والمحقق (٦) ، وعبارة المصنف هنا جارية على ذلك ، فان المراد منها : أن من تزوج بمن ظاهر حالها كونها عفيفة ثم ظهر أنها كانت زنت.

ولا يخفى أنه على القول بثبوت الخيار والرجوع بالمهر بذلك لا يكفي الظهور عنده ، بل لا بد من الثبوت شرعا ، وإن كان قوله : ( لو ظهر لمن تزوج ) قد يوهم خلاف ذلك.

إذا عرفت ذلك فأصح الأقوال مختار المصنف ، وتقريبه معلوم من المسألة السابقة.

نعم لو شرط في العقد كونها عفيفة ثم ظهر خلافه ثبت له الفسخ ورجع على المدلس بالمهر ، لرواية (٧) عبد الرحمن عن أبي عبد الله 7 قال : سألته عن رجل تزوج امرأة ، فعلم بعد ما تزوجها أنها كانت قد زنت ، قال : « إن شاء زوجها أخذ‌

__________________

(١) المقنع : ١٠٩.

(٢) المقنعة : ٨٠.

(٣) منهم ابن الجنيد كما عنه في المختلف : ٥٥٣ ، وأبو الصلاح في الكافي : ٢٩٥ ، والقاضي في المهذب ٢ : ٢٣١.

(٤) ذهب اليه الشيخ في النهاية : ٤٦٤ ، وابن إدريس في السرائر : ٣٠٩.

(٥) المختلف : ٥٥٣.

(٦) الشرائع ٢ : ٣٢٠.

(٧) في « ش » و « ض » والنسخة الحجرية : ورواية ، وما أثبتناه هو الصحيح الموافق للسياق.


ولو زوجها الولي بالمجنون أو الخصي صح ، ولها الخيار عند البلوغ ، وكذا لو زوج الطفل بذات عيب يوجب الفسخ.

______________________________________________________

الصداق ممن زوجها ولها الصداق بما استحل من فرجها ، وإن شاء تركها » (١) ، وفي معناها رواية الحلبي عنه 7 (٢).

ولما لم تكن في الرواية دلالة على عدم اشتراط عفتها في العقد حملناها على اشتراطها ، لأن سبق الزنا لم يثبت كونه من العيوب بل صحيحة الحلبي عن الصادق 7 : « إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعقل » (٣) ولفظة إنما تدل على الحصر.

قوله : ( ولو زوجها الولي بالمجنون أو الخصي صح ولها الخيار عند البلوغ ، وكذا لو زوج الطفل بذات عيب يوجب الفسخ ).

لمّا لم يكن من شرط الكفاءة الخلوّ من العيب لا في الزوج ولا في الزوجة ، لم يكن إنكاح الولي الصغير ـ من ذات عيب كالمجنونة والرتقاء والصغيرة ، ومن ذي عيب كالمجنون والخصي ـ باطلا ، لا سيما إذا لم يعلم بالعيب ، كما لو اشترى له شيئا فظهر معيبا ، فان المبيع لا يقع باطلا ويثبت للطفل الخيار بعد بلوغه ، لأن ذلك مقتضى العيب.

وهل للولي الفسخ؟ فيه احتمالان :

أحدهما : نعم ، لأنه قائم مقام الطفل في التصرفات ، كما يفسخ البيع إذا ظهر المبيع معيبا.

والثاني : العدم ، لأن الفسخ في النكاح منوط بالشهوة ، والشهوات مختلفة ، فلا يتسلط الولي على ذلك.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٢٥ حديث ١٦٩٨.

(٢) الكافي ٥ : ٤٠٨ حديث ١٥.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٧٣ حديث ١٢٢٩ ، التهذيب ٧ : ٤٢٦ حديث ١٧٠١ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٦ حديث ٨٨٠.


ولو زوجها بمملوك لم يكن لها الخيار إذا بلغت ، وكذا الطفل لو زوجه بالأمة إن لم يشترط خوف العنت.

المطلب الخامس : في الأحكام ، إذا زوج الأب أو الجد له أحد الصغيرين لزم العقد ولا خيار له بعد بلوغه ، وكذا المجنون أو المجنونة لا خيار له بعد رشده لو زوجه أحدهما.

______________________________________________________

واعلم : أن الحكم فيما إذا زوج الولي ولم يعلم بالعيب واضح ، أما إذا علم به ثم زوج فان فيه إشكالا ، لأنه إن راعى الغبطة والمصلحة كان في ثبوت الفسخ للطفل بعد البلوغ إشكال ، ينشأ : من أن تصرف الولي بالغبطة ماض عليه ، ومن أن النكاح يتعلق بالشهوة فلا يكون رضاه بالعيب ماضيا على العيب ، وإن لم يراع الغبطة فالذي يقتضيه النظر عدم صحة العقد بل يكون فضوليا ، وعبارة الكتاب مطلقة.

قوله : ( ولو زوجها بمملوك لم يكن لها الخيار إذا بلغت ، وكذا الطفل لو زوجه بالأمة إن لم يشترط خوف العنت ).

لا ريب أن الحرية عندنا ليست شرطا في الكفاءة ولا هي من العيوب الموجبة للفسخ ، فإذا زوج الحرة الصغيرة بمملوك مع وجود الغبطة صح النكاح ولم يكن لها الخيار بعد البلوغ ، وكذا لو زوج المجنونة البالغة بمملوك.

ولو زوج الصغير بمملوكة مع الغبطة بني على أن نكاح الحر الأمة مشروط بعدم الطول للحرة وخوف العنت وعدمه ، فعلى القول بالاشتراط تمتنع صحته ، لفقد الأمر الثاني في الطفل ، وعلى العدم يصح النكاح ولا خيار له بعد البلوغ ، وسيأتي تحقيق ذلك كله إن شاء الله تعالى ، وأن الأصح الاشتراط.

قوله : ( المطلب الخامس : في الأحكام

إذا زوج الأب أو الجد له أحد الصغيرين لزم العقد ولا خيار له بعد بلوغه ، وكذا المجنون أو المجنونة لا خيار له بعد رشده لو زوجه أحدهما ).

وذلك لانه عقد صدر من أهله في محله ، لأنه المفروض ، فان جميع تصرفات الأب‌


وكذا كل من له ولاية على النكاح ، إلاّ الأمة فإن لها الخيار بعد العتق وإن زوجها الأب على اشكال.

______________________________________________________

والجد له ماضية على الطفل والمجنون ، ذكرا كان أو أنثى ، مع وقوعها على وجه الغبطة والمصلحة ، ولا يتغير هذا الحكم لو بلغ الصبي وكمل أو أفاق المجنون ، لانتفاء المقتضي.

قوله : ( وكذا كل من له ولاية على النكاح ، إلاّ الأمة فإنّ لها الخيار بعد العتق وإن زوجها الأب على إشكال ).

أي : وكذا كل من له ولاية على النكاح إذا زوّج المولّى عليه حيث يجوز له تزويجه ، فانّ الحجر إذا زال عنه لم يكن له فسخ العقد ، إلاّ الأمة ، فإنها إذا زوّجت ثم أعتقت كان لها فسخ النكاح على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى ، سواء زوّجها المولى ، أم الأب أم الجد له الحرين بأذن المولى ، والحال أنها صغيرة ، على إشكال في الأخيرة ، ينشأ :

من أنها صغيرة زوّجها الأب أو الجد له ، ولا فسخ للصغير إذا أنكحه أحدهما إجماعا.

ومن عموم الدال على ثبوت الخيار للأمة في النكاح إذا أعتقت (١) وهو يتناول صورة النزاع.

ويمكن بناء الاشكال على أن ولاية الأب مع الرق هل هي باقية وحق المولى مانع من مقتضاها ، أم هي زائلة؟ وهذا التزويج بالنيابة عن المولى ، فعلى الأول لا خيار ، لأن التزويج بمحض ولاية الأبوة وإذن المولى فائدته زوال المانع ، وعلى الثاني يثبت ، لأنه مستند إلى المولى.

والأصح ثبوت الخيار في تزويج الأب ، تمسكا بالعموم الدال على ثبوته.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٤١ حديث ١٣٩٤.


ولكل من الأب والجد له تولي طرفي العقد ، وكذا غيرهما على الأقوى ، إلاّ الوكيل فإنه لا يزوجها من نفسه إلاّ إذا أذنت له فيصح على رأي.

ولوكيل الجد عن حافديه تولي طرفيه ، وكذا وكيل الرشيدين.

______________________________________________________

قوله : ( ولكل من الأب والجد له تولي طرفي العقد ، وكذا غيرهما على الأقوى ، إلاّ الوكيل ، فإنّه لا يزوجها من نفسه إلاّ إذا أذنت له فيصح على رأي ، ولوكيل الجد عن حافديه تولّي طرفيه ، وكذا لوكيل الرشيدين ).

يتصور في الجد أن يتولّى طرفي العقد بالولاية بالنسبة إلى بنت أحد ابنيه وابن الابن الآخر.

وأما الأب فلا يتصور فيه ذلك ، فمتى كان وليا لأحد الزوجين فلا بد أن يكون وكيلا عن الآخر أو عن وليه ، فالعبارة تحتاج إلى تنقيح ، إذا عرفت ذلك فاعلم : أن ولي الطرفين له أن يتولّى النكاح لهما جزما ، فإنّ إثبات الولاية شرعا له عليهما يقتضي ذلك.

وأما الوكيل ، فهل يعقد عنهما لو كان وكيلا لهما؟ فيه قولان ، أقربهما (١) الجواز ، لأن عموم النص (٢) يتناول ذلك ، ولا مانع إلاّ كون العاقد للطرفين واحد ، ومانعيته منتفية بالأصل ، والتغاير الاعتباري كاف ، كما في الجد والوصي ، والحاكم كالوكيل ، وهذا إذا لم يزوجها الوكيل من نفسه.

فإن أراد تزويجها من نفسه لم يكن له ذلك بمجرد توكيلها إياه في إنكاحها ، ما لم ينص له على ذلك أو يستفيد ذلك بقرينة قوية صالحة للدلالة ، لأن المفهوم من إطلاق الاذن في التزويج تزويجها من غيره ، فان المتعارف والمتفاهم غالبا أن الوكيل‌

__________________

(١) في « ش » : أقواهما.

(٢) الكافي ٥ : ٣٧٠ حديث ٢.


ولو زوج الولي بدون مهر المثل فالأقرب أن لها الاعتراض.

______________________________________________________

غير الزوجين.

وأما مع الإذن فإنّه يصح على أصح الوجهين (١) ، وهو مختار ابن الجنيد (٢) ، ونقل عن بعض علمائنا المنع ، لما رواه عمار الساباطي قال : سألت أبا الحسن 7 عن امرأة تكون في أهل بيت فتكره أن يعلم بها أهل بيتها ، هل يحل لها أن توكل رجلا يريد أن يتزوجها ، تقول له : قد وكلتك فاشهد على تزويجي؟ قال : « لا » قلت : جعلت فداك وإن كانت أيما؟ قال : « وإن كانت أيما » قلت : فان وكلت غيره فتزوجها منه؟ قال : « نعم » (٣).

وضعف سندها بعمار قادح في جعلها متمسكا ، على أنه لا دلالة فيها ، فان مجرد الاشهاد غير كاف ، ولعل هذا هو المراد بقوله 7 : « لا ».

ومن هذا البيان علم أن لوكيل الجد ذي الحافدين ـ أعني : ابن ابنه الأخر ـ أن يتولى طرفي العقد إذا وكله في توليتهما ، كما يتولاهما الجد ، وكذا القول في وكيل الرشيدين ووكيل الوليين.

قوله : ( ولو زوج الولي بدون مهر المثل ، فالأقرب أن لها الاعتراض ).

أي : لو زوج الولي البنت بدون مهر مثلها حيث تكون المصلحة في ذلك ـ كما لو لم يوجد من يليق بحالها ويصلح لها سوى من لا يرضى بمهر مثلها ونحو ذلك ـ فهل لها الاعتراض بعد الكمال؟ فيه قولان :

أقربهما عند المصنف أن لها ذلك ، لأن النكاح عقد معاوضة ، ومقابلة البضع بدون عوض مثله تخيير ، ووجوب الرضا به ضرر.

__________________

(١) في « ش » : القولين.

(٢) المختلف : ٥٤١.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧٨ حديث ١٥٢٩ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٣ حديث ٨٤١ ، وفيهما :. فان وكلت غيره بتزويجها منه.


______________________________________________________

وقال الشيخ في الخلاف (١) والمبسوط (٢) بلزومه ، لأنه أولى من العفو ، وهو جائز للذي بيده عقدة النكاح ، ولأن البضع ليس مالا حقيقة ، وليس الغرض الأصلي من النكاح هو المهر ، بل التحصين والنسل ، وحكى الشيخ في المبسوط (٣) بطلان المسمّى ، لأن الأموال يراعى فيها قيمة المثل ، فكذا في البضع.

وضعفه ظاهر ، فان الغرض وجود المصلحة المجوزة ، والفرق قائم كما بيناه.

فعلى الأول لها الاعتراض في المسمّى ، فإذا فسخته ثبت لها مهر المثل بالدخول ، وهل لها الاعتراض في العقد؟ فيه وجهان :

أحدهما : لا ، لأن المهر ليس ركنا في النكاح ، فلا مدخل له في صحته وفساده.

والثاني : لها ذلك ، لأن العقد الذي جرى عليه التراضي هو المشتمل على المسمّى ، فمتى لم يكن ماضيا كان لها فسخه من أصله.

ويمكن أن يجعل الخيار في العقد ـ إذا فسخت المسمّى ـ مختصا بالزوج ، لأنه إنما رضي بالعقد على الوجه المخصوص ، وقد فات ، فيثبت له الخيار ، وأيضا فإن إلزامه بمهر المثل على وجه قهري فيه ضرر.

ويحتمل ضعيفا بطلان العقد من رأس إذا فسخت المسمّى ، لفوات ما وقع عليه التراضي بالفسخ ، وغيره غير واقع.

وفي عبارة شيخنا في شرح الإرشاد إيماء إليه ، فإنه قال : إذا زوج الولي الإجباري كالأب والجد المولّى عليها بدون مهر مثلها فالوجه صحة العقد ، إلى آخره.

وضعفه ظاهر ، فان المهر ليس ركنا في العقد.

ولو زوجها بدون مهر المثل مع عدم المصلحة المقتضية لنقص المهر ، ففي صحة‌

__________________

(١) الخلاف ٣ : ١١ مسألة ٣٧ من كتاب الطلاق.

(٢) المبسوط ٤ : ٢٩٧.

(٣) المصدر السابق.


______________________________________________________

النكاح وبطلان المسمّى أو بطلانهما وجهان ، لأن دليلهما معلوم مما سبق ، ومختاره في الإرشاد صحة النكاح ووجوب مهر المثل ، ويلوح منها أنه يجب بالعقد ، لأنه قال : لو زوجها الولي بدون مهر المثل أو مفوضة البضع فالأقرب الصحة مع المصلحة وإلاّ مهر المثل ، وفيه نظر بين.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أن فرض المسألة في العبارة لا بد أن يكون مقيدا بالمصلحة ، إذ بدونها يجب أن يكون لها الاعتراض جزما ، لأنه عقد جرى على خلاف المصلحة فلا يكون ماضيا.

ويحتمل عدم اعتبار التقييد بها ، لأن ظاهر كلام الشيخ وتعليله جواز العقد من الولي بدون مهر المثل اختيارا لا لسبب باعث عليه ، حيث علل بأن له العفو عن الصداق فله أن يعقد على بعضه (١) ، فعلى هذا يختص الحكم بالولي الإجباري ، إذ هو الذي يعفو.

وعلى الأول لا يختص ، فيعم الحكم الحاكم ، لأن المناط في تصرف الجميع المصلحة.

وعبارة المصنف في التحرير تشعر بذلك ، فإنه قال : ولا للولي أن يزوجها بدون مهر المثل ، فان فعلا كان لها فسخ المسمّى (٢).

وهل لها فسخ النكاح؟ فيه نظر ، والمعتمد في الفتوى أنه إذا زوجها كذلك مع المصلحة فلا اعتراض لها أصلا ، وإلاّ كان لها فسخ المسمّى والنكاح معا ، لأنه عقد على خلاف المصلحة.

وهل لها فسخ الصداق وحده حيث يكون إنشاء النكاح من الولي جائزا؟ يحتمل ذلك ، فان فسخته كان للزوج فسخ النكاح.

__________________

(١) النهاية : ٤٦٨.

(٢) التحرير ٢ : ٦.


ويصح للمرأة أن تعقد على نفسها وغيرها إيجابا وقبولا.

ولو زوج الفضولي وقف على الإجازة من المعقود عليه أن كان حرا رشيدا أو من وليه إن لم يكن ، ولا يقع العقد باطلا في أصله على رأي.

______________________________________________________

قوله : ( ويصح للمرأة أن تعقد على نفسها وغيرها إيجابا وقبولا ).

فان عبارتها في النكاح معتبرة عندنا كما سبق ، وهذا تكرار محض.

قوله : ( ولو زوج الفضولي وقف على الإجازة من المعقود عليه إن كان حرا رشيدا أو من وليّه إن لم يكن ، ولا يقع العقد باطلا من أصله على رأي ).

اختلف الأصحاب في عقد النكاح الصادر من الفضولي ، وهو : الذي ليس له ولاية ولا وكالة : فالأكثر على أنه يقع موقوفا على الإجازة من المتناكحين أو من يقوم مقامهما ، اختاره المفيد (١) والمرتضى (٢) والشيخ في النهاية (٣) وعامة الأصحاب ، وهو مختار المصنف.

وذهب الشيخ في المبسوط (٤) والخلاف (٥) إلى بطلانه من رأس.

وذهب ابن حمزة إلى أن النكاح لا يقف على الإجازة إلاّ في تسعة مواضع ، وهي : عقد البكر الرشيدة مع حضور الولي على نفسها ، وعقد الأب على ابنه الصغير ، وعقد الام عليه ، وعقد الجد مع عدم الأب ، وعقد الأخ ، والام ، والعم على صبية ، وتزويج الرجل عبده بغير إذنه ، وتزويج العبد إذن سيده ، فإن أجاز الولي والمعقود له أو عليه أو سيده صح ، وإلاّ انفسخ (٦).

__________________

(١) المقنعة : ٧٨.

(٢) الانتصار : ١٢٢ ، الناصريات : ٢٤٧.

(٣) النهاية : ٤٦٥.

(٤) المبسوط ٤ : ١٦٣.

(٥) الخلاف ٣ : ٢٠٦ مسألة ١١ من كتاب النكاح.

(٦) الوسيلة : ٣٥٣.


______________________________________________________

والأصح الأول ، لما رواه ابن عباس : أن جارية بكرا أتت النبي 6 فذكرت أن أباها زوّجها وهي كارهة ، فخيرها النبي 6 (١) ، وفي خبر آخر : أن رجلا زوج ابنته وهي كارهة ، فخيرها النبي 6 ، فقالت : اخترت ما صنع أبي ، وإنما أردت أن اعلم النساء أن ليس للآباء من أمر أبنائهم شي‌ء (٢).

وما رواه محمد بن مسلم عن الباقر 7 ، أنه سأله عن رجل زوجته امه وهو غائب؟ قال : « النكاح جائز إن شاء المتزوج قبل وإن شاء ترك ، فان ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم لامه » (٣).

وفي الصحيح عن أبي عبيدة الحذاء قال : سألت أبا جعفر 7 عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما وهما غير مدركين؟ فقال : « النكاح جائز ، وأيهما أدرك كان له الخيار ، وإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر ، إلاّ أن يكونا قد أدركا ورضيا » (٤).

وحمل في المختلف الولي هنا على غير الأب والجد له ، كالأخ والعم والخال (٥) ، ولو حمل على الحاكم ووصي المال كان أوفق.

وعن زرارة عن الباقر 7 قال : سألته عن رجل تزوج عبده بغير اذنه فدخل بها ثم اطّلع على ذلك مولاه؟ قال : « ذلك لمولاه إنشاء فرّق بينهما ، وإن شاء‌

__________________

(١) سنن ابي داود ٢ : ٢٣٢ حديث ٢٠٩٦. سنن الكبرى ٧ : ١١٧.

(٢) سنن البيهقي ٧ : ١١٨.

(٣) الكافي ٥ : ٤٠١ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٧٦ حديث ١٥٢٣.

(٤) الكافي ٧ : ١٣١ ـ ١٣٢ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٨٨ حديث ١٥٥٥.

(٥) المختلف : ٥٣٦.


______________________________________________________

أجاز نكاحهما » (١) وفي الحسن عن زرارة عن الباقر 7 مثله (٢).

وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي : : أنه أتاه رجل بعبده فقال : إنّ عبدي تزوج بغير إذني ، فقال علي 7 لسيده : « فرق بينهما » فقال السيد لعبده : يا عدوّ الله طلّق ، فقال علي 7 : « كيف قلت له؟ » قال : قلت له طلّق ، فقال علي 7 للعبد : « الآن فإن شئت فطلّق وإن شئت فأمسك » فقال السيد : يا أمير المؤمنين أمر كان بيدي ثم جعلته بيد غيري ، فقال : « ذلك لأنك حيث قلت له : طلّق ، أقررت له بالنكاح » (٣).

والحجة في الحكم بالنكاح بعد قوله فرق بينهما ، ويمكن أن يقال : لا حجة فيه لاستلزام الأمر بالطلاق حصول النكاح ، وهو أعم من كونه فضوليا.

احتج القائل بالبطلان : بأن العقد سبب الإباحة ، فلا يصح صدوره من غير معقود عليه أو وليّه.

وهو عين المتنازع.

وبأن رضى المعقود عنه أو وليّه شرط ، والشرط مقدم.

والأولى ممنوعة.

وبما روت عائشة أن النبي 6 قال : « أيّما امرأة نكحت بغير اذن وليّها فنكاحها باطل » (٤) وهذه نكحت بغير اذن وليها ، وبما روى جابر عن النبي 6 أنه قال : « أيّما عبد تزوج بغير اذن مواليه فنكاحه باطل » (٥).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٨ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٨٣ حديث ١٣٤٩ ، التهذيب ٧ : ٣٥١ حديث ١٤٣١.

(٢) الكافي ٥ : ٤٧٨ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ٣٥٠ حديث ١٦٧٥ ، التهذيب ٧ : ٣٥١ حديث ١٤٣٢.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٥٢ حديث ١٤٣٣.

(٤) سنن ابي داود ٢ : ٢٢٩ حديث ٢٠٨٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٠٧ حديث ١١٠٢ ، مسند احمد ٦ : ٦٦.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٢٢٨ حديث ٢٠٧٨.


ويكفي في البكر السكوت عند عرضه عليها ، ولا بد في الثيب من النطق. ولو زوج الأب أو الجد له الصغيرين فمات أحدهما ورثه الآخر.

ولو عقد الفضولي فمات أحدهما قبل البلوغ بطل العقد ، ولا مهر ولا ميراث.

ولو بلغ أحدهما فأجاز لزم في طرفه ، فإن مات الآخر فكالأول.

وإن مات المجيز عزل للآخر نصيبه ، فإن فسخ بعد البلوغ فلا مهر ولا ميراث ، فإن أجاز أحلف على عدم سببية الرغبة في الميراث للإجازة وورث.

______________________________________________________

والروايتان ضعيفتان ، فإنهما ليستا من طرقنا.

وبأن العقود الشرعية تحتاج إلى أدلة شرعية ، ولا دليل على أن هذه واقفه على الإجازة.

وضعفه ظاهر ، فإن الدلائل قد بيناها.

قوله : ( ويكفي في البكر السكوت عند عرضه عليها ، ولا بد في الثيب من النطق ).

كما يكفي في اذن البكر في إيقاع عقد النكاح سكوتها ، كذا يكفي في إجازتها العقد الفضولي السكوت ، لأن المقتضي للاكتفاء به هو الحياء ، وهو قائم في الموضعين ، أما الثيب فلا بد من تصريحها بالاذن.

قوله : ( ولو زوج الأب أو الجد له الصغيرين فمات أحدهما ورثه الآخر ، ولو عقد الفضولي فمات أحدهما قبل البلوغ بطل العقد ولا مهر ولا ميراث ، ولو بلغ أحدهما فأجاز لزم في طرفه ، فان مات الآخر فكالأول ، وإن مات المجيز عزل للآخر نصيبه ، فان فسخ بعد البلوغ فلا مهر ولا ميراث ، وإن أجاز أحلف على عدم سببية الرغبة في الميراث للإجازة وورّث ).


______________________________________________________

إذا زوّج الأب‌ أو الجد له الصغيرين لزم العقد كما سبق ، ولم يكن لأحدهما خيار بعد البلوغ ، فلو مات أحدهما ورثه الآخر ، لصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر 7 في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ قال : « إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم » قلت : فهل يجوز طلاق الأب؟ قال : « لا » (١) وقد تقدم حكاية خلاف الشيخ وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس (٢).

ولو كان العاقد لهما فضوليا فلا إرث ، إلاّ إذا مات المجيز بعد بلوغه ثم أجاز الآخر بعد بلوغه فإنه يرث إذا حلف أنه لم يجز رغبة في الإرث ، فلو ماتا أو أحدهما قبل الإجازة فلا إرث قطعا ، لبطلان العقد بتعذر الإجازة.

ويدل على هذه الأحكام صحيحة أبي عبيدة الحذاء عن الباقر 7 قال : سألته عن غلام وجارية زوّجهما وليّان لهما وهما غير مدركين؟ فقال : « النكاح جائز وأيّهما أدرك كان له الخيار ، فان ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر ، إلاّ أن يكونا قد أدركا ورضيا » قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال : « يجوز ذلك عليه إن هو رضي » قلت فان كان الرجل الذي قد أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية أترثه؟ قال : « نعم يعزل ميراثها منه حتى تدرك فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضى بالتزويج ، ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر » قلت : فان ماتت الجارية ولم تكن أدركت أيرثها الرجل المدرك؟ قال : « لا ، لأن لها الخيار إذا أدركت » قلت : فان كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك؟ قال : « يجوز عليها تزويج الأب ويجوز على الغلام والمهر على الأب للجارية » (٣).

وهذه الرواية وإن تضمنت صدور العقد من وليّين ، إلاّ أنها لا دلالة لها على‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٨٢ حديث ١٥٤٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٦ حديث ٨٥٤.

(٢) انظر النهاية : ٤٦٦ ، المهذب ٢ : ١٩٧ ، الوسيلة : ٣٠٠ ، السرائر : ٢٩٧.

(٣) الكافي ٧ : ١٣١ ـ ١٣٢ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٨٨ حديث ١٥٥٥.


فإن مات بعد الإجازة وقبل اليمين فإشكال ،

______________________________________________________

كونهما وليّين في النكاح ، وقد تضمنت ذكر الأب وأنّ تزويجه ماض على الصغيرين ، وفي ذلك دلالة على أن المراد بالولي غيره وغير الجد ، لدلالة عدة روايات اخرى على أنه كالأب (١).

ولا ريب أن من لا ولاية له في النكاح فضولي فيه ، فلا يفرق بينه وبين من لا ولاية له أصلا ، لأنه لا فارق من العلماء ، وهذه الرواية من أقوى الدلائل على عدم بطلان عقد الفضولي في النكاح من رأس.

والظاهر أن المجنونين كالصغيرين في ذلك.

وقد يقال عليها (٢) : إنها تضمنت ثبوت نصف المهر للجارية ، والموت يقتضي تقرر الجميع.

وجوابه : الحمل على أنه قد سبق دفع نصف المهر كما هو المعتاد من تقديم شي‌ء قبل الدخول وأن الباقي هو النصف خاصة.

واعلم أن قول المصنف : ( ولو بلغ أحدهما فأجاز لزم في طرفه ) ينبغي أن يكون مبنيا على أن القبول كاشف ، إذ لو كان جزء السبب لكان إما رضي بالإيجاب أو بالقبول ، والإيجاب لو صدر لم يكن لازما بحيث يمتنع الرجوع عنه ، فكيف الرضى به.

واعلم أيضا أن الجار في قوله : ( في الميراث ) متعلق بـ ( الرغبة ) والجار في قوله : ( للإجازة ) متعلق بـ ( سببية ).

قوله : ( فان مات بعد الإجازة وقبل اليمين فإشكال ).

أي : فان مات البالغ المجيز آخرا بعد موت الأول بعد الإجازة وقبل اليمين ،

__________________

(١) اي : على أن الجد كالأب ، بل في كثير منها انه اولى منه ، انظر : الكافي ٥ : ٣٩٥ باب الرجل يريد أن يزوج ابنته ويريد أبوه أن يزوجها رجلا أخر ، التهذيب ٧ : ٣٩٠ حديث ١٥٦١ ـ الى ـ ١٥٦٤ ، الوسائل ١٤ : ٢١٧ باب ١١.

(٢) أي : الرواية.


ولو جن عزل نصيبه ، ولو نكل ففي المهر وارثه منه إشكال.

______________________________________________________

ففي ثبوت الإرث وعدمه إشكال ، ينشأ : من أن استحقاق الإرث دائر مع العقد الكامل ، وقد كمل بالإجازة من الطرفين ، فوجب أن يثبت الإرث. ومن أن النص اعتبر في ثبوت الإرث الإجازة واليمين ، وقد تعذرت ، فلا يثبت ، وهذا أصح ، لأن الإرث على خلاف الأصل ، فيقتصر في ثبوته على موضع النص.

ولا نمنع أن العقد يكمل هنا بالإجازة ، ولم لا يكون كماله بالإجازة الدالة على الرغبة في النكاح حيث أن التهمة قائمة؟! لأن الإجازة هنا محض فائدة لا تعب فيها ، فكل أحد يميل إلى الفائدة ويتوصل إليها بالإجازة ـ وإن كان بحيث لو لا الإرث لم يرغب في النكاح ـ فما دام لم يحلف على ذلك لا يتحقق حصول الإجازة المعتبرة الصادرة عن الرغبة في النكاح.

قوله : ( ولو جنّ عزل نصيبه ، ولو نكل ففي المهر وإرثه منه إشكال ).

إذا جن المجيز الثاني بعد موت المجيز الأول قبل اليمين لم يحكم ببطلان الإرث ، بل يعزل نصيبه وينتظر زمان إفاقته ، لعدم اليأس منها ، فإن أفاق وحلف ورث ، وإن استمر إلى الموت ففيه الاشكال المتقدم.

ولو نكل عن اليمين فلا إرث له من غير المهر قطعا ، لتوقف الإرث على اليمين ، لكن هل يلزمه المهر لو كان هو الزوج أم لا؟ فيه إشكال ، وبتقدير لزومه هل ترث منه أم لا؟ فيه إشكال أيضا.

فإما الإشكال الأول فمنشؤه : من أن النكاح إنما يحكم بصحته ولزومه إذا حصلت الإجازة مع اليمين ، وقد انتفت اليمين بالنكول ، فينتفي الحكم بصحة النكاح ، وثبوت المهر دائر معها.

ومن أن إجازته للنكاح تتضمن الإقرار بثبوت المهر في ذمته تبعا لصحة النكاح ، وإقرار العقلاء على أنفسهم ماض ، والعمل بالأصلين المتنافين في نظائر ذلك ثابت ، كما لو اختلف الزوجان في إيقاع النكاح في الإحرام أو الإحلال ، وكذا اختلاف‌


______________________________________________________

الرجل والمرأة في حصول النكاح ، فان مدعي النكاح الصحيح نؤاخذه بما تضمنته دعواه من الإقرار ، فنمنع الرجل من الخامسة وأخت المرأة وأمها وبنتها ، ونمنعها لو كانت هي المدعية من التزوج بآخر ونحو ذلك.

ومنشأ الاشكال الثاني : من أن الإرث دائر مع صحة النكاح كما أن لزوم المهر دائر معها ، فمتى لزم المهر وجب أن ترث منه.

ومن أن ثبوت الإرث متوقف على اليمين لما سبق ، فينتفي بدونها.

ولقائل أن يقول : إن كان مراده بالإشكال في إرثه من المهر على تقدير لزومه له : أنه على أحد الوجهين يجب تسليم جميعه ، فليس بجيد ، لأن حاصل إقراره اقتضى أن الذي في ذمته من المهر هو ما زاد على قدر نصيبه من الإرث لو كان وارثا بالزوجية ، ولم يقع منه إقرار بزيادة على ذلك.

فان قيل : إقراره بالنكاح بكذا يقتضي ثبوت جميع المهر في ذمته ، واستحقاقه البعض بالإرث موقوف على ثبوت النكاح شرعا ، وليس بثابت.

قلنا : الأمران معا من لوازم النكاح ، فإقراره به يقتضي إقراره بما زاد على نصيبه دون ما عداه ، إذ لا يقتضي النكاح سوى ذلك ، وهذا بخلاف ما لو أقر شخص بأن في ذمته مائة مثلا ثم زعم أنها مهر نكاح ، فإن إرثه منها في هذه الصورة يتوقف على ثبوت النكاح.

وإن كان مراده به : أن مقدار ما يسقط عنه من المهر ـ وهو : قدر نصيبه ـ هل هو لاستحقاقه إياه بالإرث أم لا؟ فمع أنه ليس في ذلك كثير فائدة الإشكال ضعيف جدا ، لأن المهر والإرث كلاهما بحسب الواقع فرع النكاح الصحيح ، أما ظاهرا فليس ذلك لأن المهر إنما وجب بإقراره وإن أسند اللزوم إلى سبب لم يعلم ثبوته ، وهذا القدر لا يكفي لثبوت الإرث ظاهرا.

والأصح أنه إنما يجب عليه من المهر ما زاد على قدر استحقاقه لو كان وارثا ،


وفي انسحاب الحكم في البالغين إذا زوجهما الفضولي اشكال ، أقربه البطلان.

ولو زوّج أحدهما الولي أو كان بالغا رشيدا ، وزوج الآخر الفضولي ، فمات الأول عزل للثاني نصيبه واحلف بعد بلوغه.

ولو مات الثاني قبل بلوغه أو قبل أجازته بطل العقد.

______________________________________________________

وذلك القدر ساقط عنه ، لعدم إقراره به لا لارثه.

قوله : ( وفي انسحاب الحكم في البالغين إذا زوجهما الفضولي ، إشكال ، أقربه البطلان ).

ينشأ : من أن العقد في الصغيرين إنما كان فضوليا ، ولا يتفاوت الحال بالصغر والكبر ، فيكون الحكم في البالغين كذلك.

ومن أن هذا الحكم ثبت على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على مورد النص ، ويحكم ببطلان العقد إذا مات أحد المعقود عليهما بعد أجازته وقبل اجازة الآخر.

فان قيل : هذا إنما يستقيم على القول بأن الإجازة في الفضولي جزء السبب ، أما على القول بأنها كاشفة فلا ، لأن الإجازة تكشف عن سبق النكاح على الموت ، فكيف لا يثبت الإرث؟! قلنا : قد عرفت أن الإجازة وحدها لا تكفي في ثبوت الإرث ، إذ لا يتحقق النكاح بمجردها ، بل لا بد من اليمين ، وثبوت الإرث باليمين مخالف للأصل ، فلا يتعدّى مورده ، وهذا هو وجه القرب لمقرّب المصنف ، وهو المفتي به.

قوله : ( ولو زوج أحدهما الولي أو كان بالغا رشيدا وزوج الآخر الفضولي فمات الأول عزل للثاني نصيبه واحلف بعد بلوغه ، ولو مات الثاني قبل بلوغه أو قبل أجازته بطل العقد ).

المراد : أنه إذا كان التزويج من أحد الطرفين لازما ـ إما لكون المعقود له‌


ولو تولى الفضولي أحد طرفي العقد ثبت في حق المباشر تحريم المصاهرة ، فإن كان زوجا حرم عليه الخامسة والأخت والبنت والام ، إلاّ إذا فسخت على اشكال في الأم.

______________________________________________________

النكاح قد عقد له من له ولاية النكاح كالصغير إذا زوجه أبوه أو جده لأبيه والبالغ إذا كان فاسد العقل ، أو لأنه قد باشر عقد النكاح بنفسه وهو ممن يصح منه كالبالغ الرشيد أو السفيه إذا أذن له الولي ـ ومن الطرف الآخر فضوليا مع كون المعقود عليه صغيرا.

فإنه إذا مات الأول وجب أن يعزل نصيب الثاني من إرثه ، فإذا بلغ وأجاز أحلف على ما سبق وورث ، والدليل على ذلك : أن النص (١) ورد على الصغيرين إذا كان العقد فضوليا بالإضافة إليهما ، فإذا كان أحدهما صغيرا والعقد من طرفه فضوليا ومن الطرف الآخر لازما ـ سواء كان صغيرا أم لا ـ وجب أن يثبت الحكم بطريق أولى.

أما لو مات الثاني قبل بلوغه أو بعده قبل الإجازة ، فإن العقد باطل ، ولا إرث لانتفاء المقتضي وهو الإجازة.

قوله : ( ولو تولّى الفضولي أحد طرفي العقد ثبت في حق المباشر تحريم المصاهرة ، فإن كان زوجا حرم عليه الخامسة والأخت والام والبنت ، إلاّ إذا فسخت على إشكال في الأم ).

لو تولّى العقد عن الرجل أو المرأة فضوليّ وباشر الآخر منهما العقد بنفسه ، فقد علم من ما مضى أن العقد لازم بالنسبة إلى المباشر ، وحينئذ فيثبت تحريم المصاهرة بالنسبة إليه ، لأن ذلك دائر مع النكاح الصحيح ، وقد علمت أن النكاح صحيح بالنسبة إليه حيث أنه لازم من طرفه.

فالمباشر إما زوج أو زوجة ، فإن كان زوجا حرم عليه نكاح الخامسة لو كانت‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٣١ ـ ١٣٢ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٨٨ حديث ١٥٥٥.


______________________________________________________

المعقود عليها فضولا رابعة وحرم عليه أخت المعقود عليها وأمها وبنتها ، لأن ذلك أثر النكاح الصحيح ، إلاّ إذا فسخت المعقود عليها ، فان التحريم ينتفي حينئذ لانتفاء مقتضيه.

وذلك واضح في الأخت ، فإنها لا تحرم إلاّ جمعا لا عينا وقد انفسخ النكاح ، وكذا البنت ، فإنّها لا تحرم عينا إلاّ مع الدخول بأمها.

أما الأم ، فان في بقاء تحريمها بعد الفسخ وزواله إشكال ، ينشأ : من أن تحريم الام يثبت بالعقد الصحيح اللازم ، وقد تبين أن العقد صحيح لازم من طرف المباشر ، فيتعلق به تحريم الام. ومن أنّ الفسخ رفع النكاح من أصله ، فارتفعت أحكامه.

وأيضا فإن النكاح لا يعقل ثبوته بمجرد القبول المعتبر من دون الإيجاب الشرعي ، وإيجاب الفضولي لا أثر له من دون الرضى ، وإذا لم يثبت النكاح لم يثبت التحريم.

والتحقيق : أن المباشرة من أحد الطرفين لا تقتضي ثبوت النكاح من ذلك الطرف الآخر لأن النكاح أمر واحد نسبيّ لا يعقل ثبوته إلاّ من الجانبين.

وإنما قلنا إنه يلزم في حق المباشر ، بناء على أن الإجازة كاشفة عن ثبوت العقد ولزومه من حين وقوعه ، كما أن عدمها كاشف عن عدم ذلك.

فلو فسخ المباشر ثم أجاز الآخر تبينا أن فسخه وقع بعد ثبوت العقد ولزومه فلم يؤثر شيئا ، والحكم بثبوت حرمة المصاهرة إنما كان لأن العقد الواقع نقل عن حكم الحل الذي كان قبله ، وإن كانت سببيته وعدم سببيته الآن غير معلومة ، فلم يبق حكم الأصل كما كان.

ومثله ما لو اشتبهت الزوجة المعقود عليها عقدا صحيحا لازما بغيرها ، فان تحريم المصاهرة ثابت بالنسبة إليهما معا ، وكذا القول فيما لو اشتبه الطاهر بالنجس والحلال بالحرام.


وفي الطلاق نظر ، لترتبه على عقد لازم فلا يبيح المصاهرة.

______________________________________________________

وبهذا البيان يظهر أنه مع الفسخ يتبين أنه لا عقد أصلا ، فلا تحريم أصلا ، وهذا هو الأصح.

قوله : ( وفي الطلاق نظر ، لترتبه على عقد لازم ، فلا يبيح المصاهرة ).

أي : وفي الطلاق بالنسبة إلى إفادته إباحة نكاح الأخت والبنت في الصورة المذكورة نظر ، ينشأ :

من وجوب ترتب الطلاق المعتبر على عقد نكاح صحيح لازم ، وهو منتف هنا ، فلا يكون الطلاق الواقع في الصورة المذكورة معتبرا في نظر الشارع ، فلا يفيد إباحة المصاهرة في المذكورات ، فيبقى التحريم كما كان إلى أن يحصل الفسخ من الزوجة أو الإجازة ، ثم الطلاق منه بعدها.

ومن أنه طلاق صدر من أهله في محله ، وذلك لأن الموقع له كامل والزوجية قد ثبتت من طرفه ، فان ذلك هو المفروض ، فوجب أن يترتب عليه مقتضاه ، وذلك اباحة نكاح الأخت والبنت.

وفيه نظر ، لأنا قد بينا أن لا نكاح من طرفه ، فكيف يقع الطلاق منه.

ولأن الحال لا يخلو من أن تجيز المرأة أو تفسخ ، فان فسخت تبين بطلان النكاح وعدم تحريم البنت والأخت ، وإن أجازت تبينا صحة النكاح ولزومه ، فيكون الطلاق الواقع صحيحا ، فيبيح نكاح البنت والأخت ، فعلى كل من التقديرين يحلان.

وفيه نظر ، لأن إيقاع الطلاق من الجاهل بحصول شرائطه ينبغي أن لا يقع صحيحا ، فكيف مع الجهل بالزوجية ، فلو وكل في النكاح ثم طلق قبل ان يعلم أن الوكيل قد عقد ، فالذي يقتضيه النظر عدم الصحة.

ويمكن أن يكون معنى العبارة : وفي الطلاق بالنسبة إلى إفادته إباحة الأم وعدمها نظر ، ينشأ : من أن الطلاق لوجوب ترتبه على عقد لازم متى وقع صحيحا لم يفد حل ما حرم بالمصاهرة ، وفي الصورة المذكورة يقع صحيحا ، للزوم النكاح من طرف‌


وإن كان زوجة لم يحل لها نكاح غيره إلاّ إذا فسخ ، والطلاق هنا معتبر.

ولو أذن المولى لعبده في التزويج صح ، فإن عيّن المهر وإلاّ انصرف إلى مهر المثل ، فإن زاد على التقديرين فالزائد في ذمته يتبع به بعد‌

______________________________________________________

الزوج ، فلا تحل له الام. ومن أن العقد لم يتم إلى الآن ، فإذا فسخت الزوجة انتفى النكاح ولم يكن للطلاق أثر ، فتحل الام.

والحق أن المراد بالعبارة هو المعنى الأول دون الثاني ، والتقدير : حرمت المذكورات إلاّ إذا فسخت المرأة فتحل ، وفي حلها له بالطلاق نظر ، ينشأ مما قدمناه.

والأصح أن الطلاق لا يعتبر إذا فسخت المرأة ، أما إذا أجازت ففي اعتباره نظر ، من حيث أنه لم يكن مجزوما به حال إيقاعه ، والمختار حل الجميع بفسخها لا بالطلاق.

قوله : ( وإن كان زوجة لم يحل لها نكاح غيره إلاّ إذا فسخ ، والطلاق هنا معتبر ).

أما الحكم الأول فمعلوم مما سبق ، فإن الإجازة لما كانت كاشفة ربما كان النكاح حينئذ واقعا ، وقد وقع العقد فلا يحل لها نكاح غيره.

وأما الحكم الثاني فلأن تحقق كمالية العقد إنما يكون بإجازة الزوج ، والإجازة أمر ممكن بالنسبة إليه ، فإذا صدر منه طلاق تعيّن حمله على كونه طلاقا شرعيا ، ولا يكون شرعيا إلاّ إذا كان العقد كاملا ، وكماليته إنما تكون من قبله ، فوجب الحكم بها.

ومثله ما لو دخل ، وكلّ ما جرى هذا المجرى ، وتقييده بقوله هنا يشعر بأن النظر السابق في كون الطلاق معتبرا وعدمه ، وهو المعنى الأول.

قوله : ( ولو أذن المولى لعبده في التزويج صح ، فان عيّن المهر وإلاّ انصرف إلى مهر المثل ، فان زاد على التقديرين فالزائد في ذمته يتبع به بعد‌


الحرية والباقي على مولاه ، وقيل : في كسبه ، وكذا النفقة

______________________________________________________

الحرية والباقي على مولاه ، وقيل : في كسبه ، وكذا النفقة ).

قد قررنا فيما سبق أن العبد لا يسوغ له التزويج بغير إذن مولاه ، فإذا أذن له زال المنع.

وظاهر إطلاق العبارة أنه يكفي مجرد الاذن في النكاح من دون أن يقيده بامرأة بعينها أو واحدة من القبيلة أو البلدة ، وبذلك صرح في التذكرة ، قال : وإذا أطلق الإذن تناول اذنه الحرة والأمة ، وفي تلك البلدة وغيرها ، إلاّ أنه ليس له الخروج إلى غير بلد مولاه إلاّ باذنه (١) ، ووجهه : أن إطلاق الإذن يتناول ذلك كله.

ويشكل الاكتفاء بإطلاق الاذن في تسلطه على نكاح من يريدها ، فان المهر يتفاوت بالقلة والكثرة تفاوتا فاحشا ، وإيجاب ما يختاره العبد على السيد بالاذن المطلق وان كثر محل تأمل.

وعلى الاكتفاء بالإطلاق فإنما ينكح بمهر المثل قطعا ، كما لو أذن له في بيع سلعة أو شرائها ، فإنما يحمل على ثمن المثل ، فان زاد عن المعين مع تعيين المهر أو عن مهر المثل مع الإطلاق ـ وهما : التقديران اللذان أرادهما المصنف بقوله : ( على التقديرين ) ـ فالنكاح صحيح ، وكذا المسمّى ، لكن الزائد يثبت في ذمته يتبع به بعد العتق.

ووجهه : أن أصل النكاح مأذون فيه ، والاذن يستلزم وجوب مهر المثل على المولى ، فيبقى الباقي على العبد ، ولا كذلك لو أذن له في شراء سلعة فاشتراها بزيادة عن ثمن المثل ، فان البيع هنا يقف على الإجازة.

ولقائل أن يقول : إن كان العبد أهلا لأن يثبت شي‌ء من المهر في ذمته فليثبت جميعه ، مع أن هنا اشكالا آخر ، وهو : أن الزوجة إنما رضيت بمهر مستحق يمكن المطالبة به ، فلا يلزمها النكاح ، وبعض المسمى إنما تستحقه إذا عين العبد ، وقد كان‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٨٨.


______________________________________________________

المناسب للقواعد أن نقول بوقوف النكاح أو الصداق على إجازة المولى ، فانّ فسخ الصداق يثبت مهر المثل بالدخول. وتتخير المرأة أما لو عين له امرأة فتزوج بغيرها فإنه يقف على الإجازة.

والمراد بقوله : ( والباقي على مولاه ) هو ما عدا الزائد على المعيّن مع التعيين أو على مهر المثل مع الإطلاق ، وهذا القول مختار المصنف وابن إدريس (١) ، وهو الأصح ، لأن الاذن في النكاح يستلزم الاذن في توابعه ، كما لو اذن له في الإحرام بالحج ، فإنه يكون إذنا في توابعه ، فان النكاح يمتنع إخلاؤه عن المهر ، والعبد لا يملك شيئا ، فلا يجب عليه شي‌ء ، لامتناع أن يجب عليه ما لا يقدر عليه ، لامتناع التكليف بما لا يطاق ، فيكون وجوبه على المولى ، ولا يتعين له شي‌ء من أمواله كسائر ديونه ، وكذا القول في النفقة.

وقال الشيخ في المبسوط (٢) : إنه يجب في كسبه ، على معنى أنه يجب الاكتساب للمهر والنفقة ، قال : فان لم يكن مكتسبا قال قوم يتعلق برقبته لأن الوطء بمنزلة الجناية ، ومنهم من قال يتعلق بذمته لأنه حق لزمه باختيار من له الحق فكان في ذمته كالقرض ، والأول أليق بمذهبنا.

فمن قال يتعلق برقبته على ما اخترناه قال إن أمكن أن يباع منه كل يوم بقدر ما يجب عليه من النفقة فعل ، وإن لم يمكن بيع كله ـ كما قيل في الجناية ـ ووقف ثمنه فينفق عليها منه ، وقد انتقل ملك سيده عنه إلى سيد آخر.

ولا يخفى أنّ الإنفاق عليها من مال السيد بعد انتقال العبد إلى غيره مع أجازته النكاح باطل ، نعم ذلك في النفقة الماضية ، لأنها على السيد الأول.

__________________

(١) السرائر : ٣١٦.

(٢) المبسوط ٤ : ١٦٧.


ولو زوجها الوكيلان أو الأخوان مع الوكالة صح عقد السابق ، وإن دخلت بالثاني فرّق بينهما ولزمه المهر مع الجهل ، ولحق به الولد ، واعتدت وردت بعدها إلى الأول ، ولو اتفقا بطلا ولا مهر ولا ميراث ، وقيل : يحكم بعقد أكبر الأخوين.

ولو كانا فضوليين استحب لها اجازة عقد الأكبر ، ولها أن تجيز عقد الأخر ، ولو دخلت بأحدهما قبل الإجازة ثبت عقده.

______________________________________________________

وقال ابن حمزة : إن كان العبد مكتسبا فالنفقة في كسبه ، وإلاّ فعلى السيد (١).

والأصح الأول ، لما قدمناه.

قوله : ( ولو زوجها الوكيلان أو الأخوان مع الوكالة صح عقد السابق ، وإن دخلت بالثاني فرق بينهما ولزم المهر مع الجهل ولحق به الولد واعتدت وردت بعدها إلى الأول ، ولو اتفقا بطلا ولا مهر ولا ميراث ، وقيل : يحكم بعقد أكبر الأخوين ، ولو كانا فضوليين استحب لها اجازة عقد الأكبر ، ولها أن تختار عقد الآخر ).

لو زوج المرأة وكيلان لها في النكاح أو أخواها مع الوكالة لهما أيضا ـ وإنما أفردهما بالذكر مع اندراجهما في مطلق الوكيلين لغرض حكاية الخلاف الواقع في تزويج الأخوين ـ فإن سبق أحد العقدين صح لا محالة وبطل اللاحق ، فان دخلت بالثاني وهو ذو العقد اللاحق فرق بينهما إذ ليست بزوجة له.

ثم إن كانت المرأة جاهلة بالحال أو بالتحريم ثبت لها بوطء الشبهة مهر المثل ولحق الولد بالواطئ مع جهله بالحال أو بالتحريم ، ولو علمت هي كانت زانية فلا مهر لها ، ولو علم هو فهو زان فلا ولد له ، ومتى تحقق جهلها أو جهله اعتدت ، لأن الوطء شبهة على التقديرين ، فتعتد عدة الطلاق ثم ترد بعدها إلى الأول.

__________________

(١) الوسيلة : ٣٦٢.


ولو زوجته الأم فرضي صح ، وإن رد بطل ، وقيل : يلزمها المهر ، ويحمل على ادعاء الوكالة.

______________________________________________________

ولو اتفق العقدان بالقبول بطلا ، لامتناع الحكم بصحتهما لتنافيهما ، ولصحة أحدهما دون الآخر ترجيح من غير مرجح ، فتعين بطلانهما.

وقال في الشيخ في النهاية : يحكم بعقد أكبر الأخوين إذا كان العاقد الأخوين (١) ، وتبعه ابن البراج (٢) وابن حمزة (٣) تعويلا على رواية وليد بيّاع الأسفاط ، قال : سئل الصادق 7 وأنا عنده عن جارية كان لها أخوان زوّجها الأكبر بالكوفة وزوّجها الأصغر بأرض أخرى؟ قال : « الأول أحق بها إلاّ أن يكون الآخر قد دخل بها ، فان دخل بها فهي امرأته ونكاحها جائز » (٤).

وحملها الشيخ على وقوع العقدين معا ، مع كون الأخوين وكيلين.

وتنزيلها على أنهما فضوليان ، وأن المراد بكون الأول أحق بها أحقيّة أفضلية واستحباب ـ بمعنى : أنه يستحب لها إجازة عقده ـ ألصق بأصول المذهب.

ومتى حصل الدخول بأحدهما تعيّن نكاحه ، فان الدخول يجب صيانته عن التحريم ما أمكن ، فيكون محسوبا إجازة ، ومنه يظهر وجه قوله : ( ولو دخلت بأحدهما قبل الإجازة ثبت عقده ).

وباقي أقسام المسألة ـ وهو : اشتباه السابق أو السبق ـ سيأتي عن قريب إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ولو زوجته الأم فرضي صح وإن ردّ بطل ، وقيل : يلزمها المهر ويحمل على ادعاء الوكالة ).

__________________

(١) النهاية : ٤٦٦.

(٢) المهذب ٢ : ١٩٥.

(٣) الوسيلة : ٣٥٤.

(٤) الكافي ٥ : ٣٩٦ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٨٧ حديث ١٥٥٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٩ حديث ٨٥٨.


ولو قال بعد العقد : زوجك الفضولي من غير اذن ، وادعته ، حكم‌

______________________________________________________

للأصحاب في هذه المسألة قولان‌ أحدهما : ـ قول المصنف ، وهو اختيار أكثر المتأخرين (١) ـ أن الأم إذا زوّجت ابنها فضوليا فلم يرض بالعقد يبطل من رأس ، وهو الأصح ، فإن ذلك حكم العقد الفضولي.

والقائل بلزوم المهر هو الشيخ (٢) وابن البراج (٣) ، لما رواه محمد بن مسلم عن الباقر 7 أنه سأله عن رجل زوجته امه وهو غائب؟ قال : « النكاح جائز إن شاء المتزوج قبل وإن شاء ترك ، فان ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم لامه » (٤).

وحملها المصنف على ادعاء الام الوكالة مع إنكار الولد وعدم الثبوت ، فإنها تضمن المهر ، لأنها قد فوتت على الزوجة عوض البضع وغرتها بدعوى الوكالة (٥).

وهذا الحمل مع كونه خلاف الظاهر لا يستقيم ، فان عوض البضع إنما يضمن بالاستيفاء على وجه مخصوص ، وهو منتف هنا ، وقد سبق تحقيق ذلك في الوكالة وأن الأصح عدم وجوب المهر على الوكيل إلاّ مع الضمان ، فيمكن حمل الرواية هنا على ذلك.

واعلم أن في قول المصنف : ( ويحمل على ادعاء الوكالة ) مناقشة ، لأن ظاهره أن الحمل لهذا القول ، وليس بجيد ، لأن هذا القول لا ضرورة إلى حمله على خلاف مراد قائله مع تصريحه بمراده ، والظاهر أن مراد المصنف حمل مستند هذا القول على ذلك ، لكن العبارة لا تساعد عليه.

قوله : ( ولو قال بعد العقد : زوّجك الفضولي من غير اذن ، وادعته‌

__________________

(١) منهم فخر المحققين في الإيضاح ٣ : ٣٣ ، والشهيد في اللمعة : ١٨٧.

(٢) النهاية : ٤٦٨.

(٣) المهذب ٢ : ١٩٦.

(٤) الكافي ٥ : ٤٠١ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٧٦ حديث ١٥٢٣.

(٥) المختلف : ٥٣٨.


بقولها مع اليمين.

ولو ادعى إذنها فأنكرت قبل الدخول قدّم قولها مع اليمين ، فإن نكلت حلف الزوج وثبت العقد ، وبعده الأقرب تقديم قوله لدلالة التمكين عليه ،

______________________________________________________

حكم بقولها مع اليمين ، ولو ادعى إذنها فأنكرت قبل الدخول قدم قولها مع اليمين ، فان نكلت حلف الزوج وثبت العقد ، وبعده الأقرب تقديم قوله لدلالة التمكين عليه ).

أي : لو قال الزوج المباشر للعقد بعد صدوره للزوجة : زوجك الفضولي من غير اذن منك ، وادعت هي سبق الاذن على العقد وصدوره بالوكالة منها قدم قولها مع اليمين ، لأن الأصل في العقد ـ الذي قد تصادقا على وقوعه ومباشرة الزوج إياه ولزومه من طرفه ـ الصحة واللزوم ، فالأصل في جانب المرأة ، والزوج يدعي خلافه فعليه البينة ، ومع عدمها فعليها اليمين ، ولأن العقد من طرفه شرعي ، وإنما النزاع فيه من طرفها ، فيقدم قولها ، لأنه مستند إليها.

ويتحقق تصوير المسألة بما إذا ظهر منها بعد العقد بلا فصل ما يدل على عدم الرضى بالنكاح ، فإنه لو لم يقدم قولها كان النكاح فاسدا ، إذ لو كان فضوليا لكان ذلك ردا ونحو ذلك.

ولو ادعى الزوج في هذه الصورة اذنها في العقد الذي عقده زيد ، وأنكرت هي ذلك قدّم قولها بيمينها ، لأن الأصل عدم الإذن.

فإن قيل : الأصل في العقد الصحة واللزوم ، فيكون القول قوله هنا.

قلنا : الأصل في العقد الذي اعترف المدعي بشرعيته من طرفه اللزوم والصحة ، حيث أن الاختلاف في المستند إلى المرأة ، وهي تدعي صحته من جانبها أيضا ، وهي‌


ولكل ولي إيقاع العقد مباشرة وتوكيلا ، فإن وكل عيّن له الزوج. وهل له جعل المشيئة إليه؟ الأقوى ذلك.

______________________________________________________

أعرف بحال فعلها ، والفعل المنسوب إليها باعترافها ، بخلاف فعل الغير الذي أنكرت صدوره عنها ، فإن الأصل عدم الاذن فيه وعدم كونه مستندا إليها.

فإن نكلت عن اليمين في الصورة الأخيرة حلف الزوج وثبت العقد باليمين المردودة.

وهذا الحكم في الصورة الأخيرة إنما هو إذا كان النزاع قبل الدخول ، أما إذا كان بعده ، فإن الأقرب تقديم قول الزوج بيمينه ، لأن الدخول مكذّب لدعواها ، فيرجح جانبه ، ويحتمل العدم ، لعموم : واليمين على من أنكر ، وضعفه ظاهر.

وفي حواشي شيخنا الشهيد : بناء الحكم على تفسير المدعي بأنه يدعي خلاف الظاهر ، أما إذا فسرناه بأنه يدعي خلاف الأصل توجه الاحتمال الآخر ، ويؤيده دعواها كون الدخول شبهة ، وهذا ضعيف جدا ، لأن الأصل في فعل المسلم كونه شرعيا ، ووطء الشبهة وإن لم يكن فيه إثم ، إلاّ أنه ليس شرعيا ، لأنه وطء من لا يستحق وطؤه.

قوله : ( ولكل ولي إيقاع العقد مباشرة وتوكيلا ، فان وكل عين له الزوج ، وهل له جعل المشيئة؟ الأقوى ذلك ).

لا ريب أن للولي الإجباري التوكيل في إيقاع عقد النكاح كما أن له مباشرته بنفسه ، لأن ذلك مما جرت العادة بالتوكيل فيه ، وقد تدعو إليه حاجة كاستحياء الولي من مباشرة العقد ، فصح توكيله فيه كغيره من التصرفات التي جرت العادة بالتوكيل فيها ، بل هنا أولى لما قلناه من لزوم الحياء.

فإذا وكل وجب أن يعيّن للوكيل الزوج ، لوجوب مراعاة الغبطة والمصلحة على الوكيل ، ولم يذكر وجوب تعيين المهر احالة على وجوب مراعاة مهر المثل على الوكيل ،


ولو قالت الرشيدة : زوجني ممن شئت لم يزوج إلاّ من كف‌ء ، ولتقل المرأة أو وليها لوكيل الزوج أو وليه : زوجت من فلان ، ولا تقول : منك ، ويقول الوكيل : قبلت لفلان ، ولو قال قبلت الأقرب الاكتفاء.

ولو قالت : زوجت منك ، فقال : قبلت ونوى عن موكله لم يقع‌

______________________________________________________

كما يراعي في بيع أموالها ثمن المثل.

وهل للولي أن يجعل المشيئة في تعيين الزوج إلى الوكيل؟ فيه قولان ، أقواهما عند المصنف أن له ذلك للأصل ، ولأن الولي لا يجوز له أن يفوض ذلك إلاّ إلى من له أهلية النظر والمعرفة في طرق المصلحة ، وإذا تحقق ذلك حصل المطلوب وانتفى المانع ، وهو الأصح.

والآخر ـ واختاره الشيخ في المبسوط (١) ـ المنع ، لأن النظر إلى الولي ، فلا يتسلط على تفويضه إلى غيره.

ويضعف : بأن ما جرت العادة في التوكيل فيه تصح الاستنابة فيه ، والمراد بالولي هنا الولي الإجباري كالأب والجد ، أما من كانت ولايته مشتركة بينه وبين المرأة فإنه لا يزوجها إلاّ بإذنها ، فهو كالوكيل لا يوكل إلاّ بالإذن.

قوله : ( ولو قالت الرشيدة : زوجني بمن شئت ، لم تزوج إلاّ من كف‌ء‌

لوجوب حمل الإطلاق والعموم على ما لا يخالف المصلحة ، والتزويج بغير كف‌ء خلاف المصلحة.

قوله : ( ولتقل المرأة أو وليها لوكيل الزوج أو وكيله : زوجت من فلان ، ولا تقول : منك ، ويقول الوكيل قبلت لفلان ، ولو قال : قبلت ، فالأقرب الاكتفاء ، ولو قالت : زوجت منك ، فقال : قبلت ونوى عن موكله ، لم يقع‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ١٨٠.


للموكل ، بخلاف البيع.

______________________________________________________

للموكل ، بخلاف البيع ).

إذا كان العاقد المرأة أو وليها ولو بالوكالة مع وكيل الزوج تعين في الإيجاب : زوجت نفسي أو فلانة من موكلك فلان ، أو اقتصر على فلان ، ولا يجوز : زوجت نفسي منك ، ويقول الوكيل : قبلت لفلان.

ولو قال في هذه الحالة : قبلت ناويا به موكله ، فالأقرب عند المصنف الاكتفاء ، لأن القبول عبارة عن الرضي بالإيجاب السابق ، فإذا وقع بعد إيجاب النكاح للموكل كان القبول الواقع بعده رضى به ، فيكون للموكل لا محالة ، وهو قوي متين.

ويحتمل ضعيفا عدم الاكتفاء ، لأن النكاح نسبة ، فلا يتخصص بمعين إلاّ بتخصيصه به ، فيتوقف على التصريح به.

وفيه منع ، لأن كون القبول رضى بالإيجاب السابق يقتضي التخصيص بمن وقع الإيجاب له.

ولو قال العاقد : زوجت نفسي منك ، فقال : قبلت ونوى بالنكاح موكله ، لم يقع للموكل قطعا ، بخلاف البيع ونحوه من العقود ، والفرق من وجوه :

أ : أن الزوجين في النكاح ركنان بمثابة الثمن والمثمن في البيع ، ولا بد من تسميه الثمن والمثمن في البيع ، فلا بد من تسمية الزوجين في النكاح.

ب : أن البيع يرد على المال ، وهو يقبل النقل من شخص إلى آخر ، فلا يمتنع أن يخاطب به الوكيل وإن لم يذكر الموكل ، والنكاح يرد على البضع ، وهو لا يقبل النقل أصلا ، فلا يخاطب به الوكيل إلاّ مع ذكر الموكل ، إذ لا يقع ابتداء إلاّ له ، ومن ثم لو قبل النكاح وكالة عن غيره فأنكر الموكل الوكالة بطل ولم يقع للوكيل ، بخلاف البيع ، فإنه يقع مع إنكار الوكيل.

ج : أن الغرض في الأموال متعلق بحصول الاعراض المالية ، ولا نظر غالبا إلى خصوصية الأشخاص ، وفي النكاح الغرض الأصلي متعلق بالأشخاص ، فتعين‌


ويجب على الولي التزويج مع الحاجة.

ولو نسي السابق بالعقد من الوليين على اثنين احتمل القرعة ، فيؤمر من لم تقع له بالطلاق ، ثم يجدد من وقعت له النكاح وإجبار وكل منهما على الطلاق.

ويشكل ببطلان الطلاق مع الإجبار ، ويحتمل فسخ الحاكم.

______________________________________________________

التصريح بالزوج.

د : أن البيع يتعلق بالمخاطب دون من له العقد ، والنكاح بالعكس ، ومن ثم لو قال : زوجتها من زيد ، فقبل له وكيله صح ، ولو حلف أن لا ينكح فقبل له وكيله حنث ، ولو حلف لا يشتري فاشترى له وكيله لم يحنث.

قوله : ( ويجب على الولي التزويج مع الحاجة ).

كما يجب عليه إطعام المولّى عليه وسقيه عند الحاجة.

قوله : ( ولو نسي السابق بالعقد من الوليين على اثنين ، احتمل القرعة فيؤمر من لم تقع له بالطلاق ثم يجدد من وقعت له النكاح ، وإجبار كل منهما على الطلاق ويشكل ببطلان الطلاق مع الإجبار ، ويحتمل فسخ الحاكم ).

قد سبق حكم ما إذا زوجها الوليان وسبق أحد العقدين وحكم ما إذا اقترنا قبل المطلب الثاني ، وهما صورتان ، وكذا سبق عن قريب حكم صورتين من صور ما إذا زوجها الوكيلان ، وبقي ثلاث صور يذكر حكمها فيما إذا صدر النكاح من الوليين ، ومنه يعلم حكم ما إذا صدر من الوكيلين :

أ : أن يعلم السابق من العقدين بخصوصه ثم ينسى.

ب : أن يجهل كيفية وقوعهما ، فلا يعلم أسبق أحدهما أم لا.

ج : أن يعلم من أول الأمر أن أحدهما سبق ، لكن لم يتعين ولم يتميز ، وقد ذكر المصنف حكمها ، ونحن نتبع ما ذكره.


______________________________________________________

فأما الصورة الأولى فقد ذكر فيها احتمالات ثلاثة :

أ : القرعة لأنه أمر مشكل ، للعلم بثبوت نكاح أحدهما ، ولا طريق إلى استعلامه ، والتربص إلى التذكر مع عدم العلم بحصوله فيه إضرار بالمرأة ، وقد قالوا : : في كل أمر مشكل القرعة (١).

فإذا أقرع بينهما ، فمن أخرجته القرعة أمر صاحبه بالطلاق ثم يؤمر هو بتجديد النكاح ، فان كانت زوجة في الواقع لم يضره تجديد النكاح ، وإن كانت زوجة الآخر بانت بطلاقه وصارت زوجة الآخر بالعقد الثاني.

وإنما لم يكتف بالقرعة لأنها تفيد تمييز الحقوق عند التساوي : كالسفر بإحدى نسائه والبدأة بالمبيت عند إحداهن ، وتعيين الأنصباء في القسمة ، وتعيين العتق.

ب : إجبار كل منهما على الطلاق ، لدفع الضرر اللازم على المرأة.

واستشكله المصنف ببطلان الطلاق مع الإجبار ، ويمكن أن يريد المصنف تعلق الاشكال بالاحتمالين ، فإن الأمر بالطلاق في الاحتمال الأول إنما هو على طريق الإجبار ، وإلاّ فلا فائدة فيه مع الامتناع ، والضرورة بحالها.

وجواب هذا الاشكال : أنه إذا ثبت بالدليل جواز الإجبار شرعا لم يقدح في صحة الطلاق ، لأن صدور الفعل بالإجبار الشرعي بمنزلة صدوره اختيارا ، كما يجبر الكافر على بيع عبده إذا أسلم ، وكما يجبر الممتنع على أداء الزكاة فيعتبر دفعه وتعيينه ، وكما يجبر المديون على بيع ماله ودفع ثمنه في الدين ، ويمكن الاحتجاج لذلك بقوله تعالى ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (٢) فإن الإمساك بالمعروف متعذر هنا ، فتعين التسريح بالإحسان ، فإذا امتنع اجبر عليه.

ج : فسخ الحاكم النكاح بالنسبة إلى كل منهما ، لأن فيه دفع الضرر ، مع السلامة‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٥٢ حديث ١٧٤ ، التهذيب ٦ : ٢٤٠ حديث ٦ : ٢٤٠ حديث ٥٩٣.

(٢) البقرة : ٢٢٩.


ولو اختارت نكاح أحدهما فالأقرب أنه يجدد نكاحه بعد فسخ الآخر ،

______________________________________________________

من ارتكاب الإجبار في الطلاق ـ وقد أطلقوا بطلانه بالإكراه ـ ومن القرعة التي لا مجال لها في الأمور التي هي مناط الاحتياط التام ، وهي الأنكحة التي يتعلق بها الأنساب والإرث والتحريم والمحرمية ، وأيضا فإن توسط القرعة على الاحتمال الأول لا فائدة فيه ، لأنها إن كانت طريقا إلى تعيين الزوج لم يحتج معها إلى تطليق الآخر وتجديد نكاح من خرجت له ، وإلا فوجودها كعدمها.

فان قيل : فائدتها تعيين من يؤمر بالطلاق.

قلنا : أمر الآخر بالطلاق مناف لما دلت عليه القرعة ، لأن الخارج بها كونه غير زوج ، فلا وجه لأمره بالطلاق حينئذ ، وهذا الاحتمال الأخير لا بأس به.

قوله : ( ولو اختارت نكاح أحدهما فالأقرب أنه يجدد نكاحه بعد فسخ الآخر ).

هذا متصل بالاحتمال الثالث ، اي : وعلى القول بفسخ الحاكم النكاحين لو اختارت نكاح أحدهما قبل الفسخ ، فالأقرب أنه لا بد من تجديد نكاحه بعد فسخ الحاكم النكاح الآخر ، من غير احتياج إلى فسخ نكاح المختار.

ووجه القرب في الأمر الأول : أن مجرد الاختيار منها لا يصيّر من اختارته زوجا لها ، إذ الزوجية إنما تكون بالعقد ، وعقده غير معلوم الصحة للشك في سبقه ، ولا تتحقق صحته إلاّ إذا كان سابقا.

وفي وجه ضعيف ـ وهو قول لبعض العامة (١) ـ أن اختيارها كاف في ثبوت الزوجية للمختار ، للعلم بثبوت عقده ، ولم يعلم ما ينافيه ، وعقد الآخر انتفى بالفسخ.

وليس بشي‌ء ، لأن أحدهما ليس بزوج قطعا ، والاختيار لا يصيّر من ليس‌

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٧ : ٤٠٦ ـ ٤٠٧.


فإن أبت الاختيار لم تجبر. وكذا لو أبت نكاح من وقعت له القرعة ، لعدم العلم بأنه زوج

______________________________________________________

بزوج زوجا.

ووجه القرب في الأمر الثاني : ـ وهو عدم الاحتياج إلى فسخ نكاح المختار ـ أنه إن كان زوجا بسبق نكاحه في الواقع فهو المطلوب والعقد المجدد لاغ ولا مقتضي للفسخ حينئذ ، وإن لم يكن زوجا في الواقع فأظهر ، إذ لا معنى لفسخ نكاح من لا نكاح له.

ويحتمل ضعيفا الاحتياج إليه ، ليعلم تأثير العقد الثاني ، إذ لولاه لكان واقعا في التردد ، فلا يؤثر على تقدير الاحتياج إليه.

وليس بشي‌ء ، لأن هذا المقدار من الجزم كاف ، حيث لم يعلم الحال في نفس الأمر ، ولو أثر ذلك في العقد لأثر في الفسخ ، لعدم العلم بالنكاح ، لتحقق الجزم بفسخه.

واعلم : أن ظاهر قوله : ( ولو اختارت ... ) أن هذا الاختيار ناشئ عنها ابتداء ، إلاّ أنه يلوح من قوله فيما بعد : ( فإن أبت الاختيار لم تجبر ) أن الحاكم يجبرها ، ولا بأس به.

قوله : ( فإن أبت الاختيار لم تجبر ، وكذا لو أبت نكاح من وقعت له القرعة ، لعدم العلم بأنه زوج ).

لما لم يكن أحدهما بعينه معلوم النكاح لم تجبر المرأة على اختيار واحد ، إذ لا طريق إلى العلم بكون من تختاره هو الزوج ، وكذا القول فيمن أخرجته القرعة ، فإنه لا يكون بذلك زوجا ، إذ لا بد على القول به من تجديد نكاحه وفسخ نكاح الآخر ، ولو كان زوجا في نظر الشارع لم يحتج إلى ذلك.

واعلم : أن المصنف لو اعتبر اختيارها في تحتم الفسخ بالنسبة إلى من لم تختر ـ كما اعتبر القرعة في تحتم الأمر بالطلاق لمن لم تخرجه على الاحتمال ـ لأمكن.


وكذا لو جهل كيفية وقوعهما ، أو علم أن أحدهما قبل الآخر لا بعينه ،

______________________________________________________

قوله : ( وكذا لو جهل كيفية وقوعهما ، أو علم أن أحدهما قبل الآخر لا بعينه ).

هاتان هما الصورتان الباقيتان من صور المسألة الخمس ، وهي : ما إذا جهل كيفية وقوع العقدين فلم يعلم اقترانهما أو سبق واحد ، وما إذا علم أن أحدهما سابق على الآخر في الجملة ولم يعلم السابق أصلا.

وظاهر العبارة أن حكمهما (١) حكم الصورة المتقدمة ، فيطرد في كل منهما الاحتمالات الثلاثة.

والشيخ في المبسوط حكم ببطلان النكاح في هاتين الصورتين ، إذ لا سبيل إلى معرفة الصحيح منهما ، وحكم في الصورة المتقدمة بأنه يوقف النكاح إلى أن يستبين الحال ، لأنه أمر مشكل يرجى زواله بالتذكر (٢).

والشافعي حكم بالبطلان مع اشتباه السبق والمعية ، وهو ظاهر مذهبه فيما إذا علم واحد منهما ولم يتعين ، كما إذا علم سبق إحدى الجمعتين (٣) ولم يتعين ، فإن أحد القولين عندهم الحكم بالبطلان ووجوب استئنافها ، وبعض أصحابه ذهب إلى الفرق بين النكاح والجمعة ، لأن الجمعة إذا صحت لم يلحقها البطلان ، بخلاف النكاح ، فإن أسباب الفسخ تلحقه (٤).

وظاهر اختيار المصنف في التذكرة فيما إذا نسي السابق من العقدين بعد العلم به ، أنه يوقف الحال إلى التذكّر (٥) ـ كمختار الشيخ ـ ولا بأس به إن لم يتصور ضرر‌

__________________

(١) في ( ش ) و ( ض ) : حكمها ، والمثبت من النسخة الحجرية.

(٢) المبسوط ٤ : ١٨١.

(٣) في ( ش ) : وهو ظاهر مذهبه فيما إذا علم سبق إحدى الجمعتين ، والمثبت هو الأولى لموافقته لمذهب الشافعي.

(٤) الوجيز ٢ : ٩ ، المجموع ١٦ : ١٩١.

(٥) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٩٧.


وعليهما النفقة إلى حين الطلاق على اشكال.

______________________________________________________

على المرأة ، وإلاّ فالمختار فسخ الحاكم على ما سبق.

واعلم أن هذا إنما هو إذا عقد الوليان على اثنين ، فان عقدا لواحد كان عقدا معه ومع وكيله ، فان سبق واحد فلا بحث ، وإن اقترنا فأظهر الوجهين صحة العقدين ، وفاقا للمصنف في التذكرة (١) ، ويتقوى كل من الجانبين بالاخر ، وكذا القبولان ، وهذا واضح إذا اتفق المسميان جنسا وقدرا وصفة ، فإن اختلفا احتمل صحة النكاح وبطلان الصداق ، إذ ليس شرطا لصحة النكاح ، وقضية إطلاق كلام المصنف في التذكرة الصحة.

قوله : ( وعليهما النفقة إلى حين الطلاق على إشكال ).

ظاهر العبارة أن الاشكال في وجوب النفقة في كل واحدة من الصور الثلاث ، وقد خص الشارحان ذلك بما إذا علم سبق أحدهما وجهل تعيينه (٢) ، وهو خلاف ظاهر العبارة ، إلاّ أن الاشكال ضعيف جدا فيما إذا جهل السبق والاقتران.

ومنشأ الاشكال : من أن النفقة مشروطة بالزوجية مع التمكين التام ، والتمكين منتف ، وزوجية كل منهما مشكوك فيها ، مع القطع بانتفائها عن واحد في الواقع. ومن جريان صورة العقد وعدم النشوز ، وكونها في جنسها ، ولأن التمكين حاصل من طرفها ، لأنه المفروض ، والمانع شرعي ، ولما لم يتعين الزوج منهما وانحصر فيهما لم يكن بد من وجوبها عليهما ، لانتفاء الترجيح.

فان قلنا بالتوزيع فانفقا ثم انكشف الحال ، ففي رجوع من ليس بزوج وجهان :

أحدهما : العدم ، لأنه إنفاق بحكم الشارع.

والأقوى الرجوع ، إذ قد تبين أنه إنفاق غير مستحق مع عدم التبرع.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٩٧.

(٢) إيضاح الفوائد ٣ : ٣٧.


ولو امتنعا من الطلاق احتمل حبسهما عليه وفسخ الحاكم أو المرأة.

______________________________________________________

قال في التذكرة (١) : وأما المهر فلا يطالب به واحد منهما ، لمكان الاشتباه ، ولا سبيل إلى إلزام مهرين ، ولا إلى قسمة المهر عليهما.

قلت : الفرق بين المهر والنفقة غير واضح ، ويمكن الفرق : بأن النفقة وجبت ، لأن المرأة محبوسة لنكاحها ، بخلاف المهر ، فإنه عوض النكاح الصحيح ، وليس بمعلوم.

فرع : لو مات أحد الزوجين مع السبق وقفنا من تركته ميراث زوجة ، ولو ماتت هي وقفنا ميراث زوج إلى الصلح أو وضوح الحال.

قوله : ( ولو امتنعا من الطلاق احتمل حبسهما عليه ، وفسخ الحاكم ، أو المرأة ).

أي : لو امتنعا من الطلاق في كل موضع يؤمران فيه بالطلاق شرعا ويجبران عليه ، ففيه احتمالات :

أحدهما : حبسهما عليه ، لأنه حق لآدمي مطالب به.

الثاني : تولي الحاكم الفسخ ، لبطلان الطلاق مع الإجبار ، فلا سبيل إلى دفع الضرر إلاّ بالفسخ.

الثالث : تسلط المرأة على الفسخ ، لأنها تتسلط على الفسخ بالعيب فهنا أولى ، لأن ضرره أشد.

وربما نزلت العبارة على أن في الحكم احتمالين فقط :

أحدهما : حبس الحاكم إياهما أو فسخه عليهما مخيرا في ذلك ، كما يتخير في حبس الممتنع من أداء الدين حتى يوفي ، واستقلاله هو بالأخذ من أمواله ما يوفي به الدين.

والثاني : فسخ المرأة.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٩٨.


وعلى كل تقدير ففي ثبوت نصف المهر إشكال ينشأ : من أنه طلاق قبل الدخول ، ومن إيقاعه بالإجبار ، فأشبه فسخ العيب ، فإن أوجبناه افتقر إلى القرعة في تعيين المستحق عليه.

______________________________________________________

وهذا حسن (١) والعبارة لا تأباه ، إلاّ أن ما تقدم في أول الكلام ـ من جعل الإجبار على الطلاق احتمالا وفسخ الحاكم احتمالا آخر ـ يخالف هذا ، وكيف كان ففسخ الحاكم لا بأس به.

ومما يرجّح التنزيل الثاني : أن الحكم بالفسخ إذا كان فرارا من الإجبار على الطلاق ، فكيف يجوز بناؤه على الإجبار والامتناع ، ثم تسليط المرأة على الفسخ بعيد.

ولا يخفى أنه على قول الشيخ ببطلان النكاحين (٢) ، فلا حاجة إلى طلاق ، ولو تزوجت المرأة على قوله ثم علم الحال وتعيّن السابق فلا حكم له عنده.

قوله : ( وعلى كل تقدير ففي ثبوت نصف المهر إشكال ، ينشأ : من أنه طلاق قبل الدخول ، ومن إيقاعه بالإجبار فأشبه فسخ العيب ، فإن أوجبناه افتقر إلى القرعة في تعيين المستحق عليه ).

وعلى كل تقدير من التقديرات السابقة التي يقع فيها الطلاق إجبارا ـ إما مع الحبس ، أو بدونه مع القرعة ، أو بدونها ـ ففي ثبوت نصف المهر إشكال ، ينشأ : من أنه طلاق قبل الدخول ، فيندرج في عموم قوله تعالى ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (٣) ومن إيقاعه بالإجبار ، فأشبه الفسخ بالعيب ، فلا يجب به شي‌ء ، فان أوجبناه افتقر إلى القرعة في تعيين المستحق عليه ، للاشتباه.

__________________

(١) في « ض » : أحسن.

(٢) المبسوط ٤ : ١٨١.

(٣) البقرة : ٢٣٧.


ولو ادعى كل منهما السبق وعلمها ولا بينة ، فإن أنكرت العلم حلفت على نفيه ، فيسقط دعواهما عنها ويبقى التداعي بينهما. ولو أنكرت السبق حلفت ويحكم بفساد العقدين ، ولا يبقى التداعي بينهما ، فإن نكلت ردت عليهما ، فإن حلفا معا بطل النكاحان أيضا.

______________________________________________________

وهنا مباحث :

أ : أن ظاهر تعليل المصنف الثاني من وجهي الإشكال يقتضي أن موضع الاشكال إنما هو إذا حصل الطلاق بالإجبار ، كما قررناه في أول تصوير المسألة ، وظاهر أول العبارة أعم من ذلك ، فان قوله : ( وعلى كل تقدير ) ظاهره يتناول الطلاق بالاختيار وفسخ المرأة وفسخ الحاكم ، والاشكال قائم في المواضع كلها ، لأن الاشتباه يمنع المطالبة. وتعيين المديون بالمهر بالقرعة محل توقف ، لأن وجوبه أثر النكاح ، إلاّ أن الفسخ من المرأة ، لكونه قبل الدخول ، وقد يقال لا يجب معه مهر كالردة.

ب : العبارة تتناول طلاق من أخرجته القرعة بالإجبار ، وإيجاب نصف المهر عليه بعيد جدا ، لأنه ليس بزوج علما ولا ظنا ، ولا سبيل إلى القرعة ثانيا لأجل المهر هنا ، لمنافاتها القرعة الأولى على تقدير إخراج القرعة الثانية غير من أخرجته الأولى.

ج : الظاهر من قول المصنف : ( ففي ثبوت نصف المهر ) ثبوت نصف المسمى ، وهو واضح إذا اتحد المسميان جنسا وقدرا وصفة ، أما مع الاختلاف فالأمر أشكل ، واعتبار القرعة فيه محل تأمل ، والتوقف في ذلك كله طريق السلامة.

قوله : ( ولو ادعى كل منهما السبق وعلمها ولا بينة ، فان أنكرت العلم حلفت على نفيه ، فتسقط دعواهما عنها ويبقى التداعي بينهما ، ولو أنكرت السبق حلفت ويحكم بفساد العقدين.

وإن نكلت ردت عليهما ، فان حلفا معا بطل النكاحان أيضا.


وإن حلف أحدهما ونكل الآخر حكمنا بصحة نكاح الحالف ، وإن اعترفت لهما دفعة احتمل الحكم بفساد العقدين.

والأقرب مطالبتها بجواب مسموع ، لأنها أجابت بسبق كل منهما ، وهو محال.

وان اعترفت لأحدهما ثبت نكاحه على اشكال ينشأ : من كون الخصم هو الزوج الآخر.

وهل تحلف للآخر؟ فيه إشكال ينشأ : من وجوب غرمها بمهر المثل للثاني لو اعترفت له ، وعدمه. وكذا لو ادعى زوجيتها اثنان فاعترفت لأحدهما ثم للآخر.

فإن أوجبنا اليمين حلفت على نفي العلم ، فإن نكلت حلف الآخر.

فإن قلنا : اليمين مع النكول كالبينة ، انتزعت من الأول للثاني ، لأن البينة أقوى من إقرارها.

______________________________________________________

وإن حلف أحدهما ونكل الآخر حكمنا بصحة نكاح الحالف.

وإن اعترفت لهما دفعة احتمل الحكم بفساد العقدين ، والأقرب مطالبتها بجواب مسموع ، لأنها أجابت بسبق كل منهما ، وهو محال.

وإن اعترفت لأحدهما ثبت نكاحه على إشكال ، ينشأ : من كون الخصم هو الزوج الآخر ، وهل تحلف للآخر؟ إشكال ، ينشأ : من وجوب غرمها لمهر المثل للثاني لو اعترفت له ، وعدمه.

وكذا لو ادعى زوجيتها اثنان فاعترفت لأحدهما ثم للآخر ، فإن أوجبنا اليمين حلفت على نفي العلم ، فان نكلت حلف الآخر ، فان قلنا اليمين مع النكول كالبينة انتزعت من الأول للثاني ، لأن البينة أقوى من‌


وإن جعلناه إقرارا ، ثبت نكاح الأول وغرمت للثاني على اشكال.

______________________________________________________

إقرارها ، وإن جعلناه إقرارا ثبت نكاح الأول وغرمت للثاني على إشكال ).

هذا من أحكام مسألة عقد الوليين لرجلين ، وتحقيقه : أنه إذا ادعى كل من المعقود لهما على المعقود عليها سبق عقده على عقد الآخر لم تتحقق الدعوى عليها حتى يدعيا عليها العلم بالسبق ، لأن ذلك فعل الغير ، فإذا ادعيا علمها والفرض أنه لا بينة ، فلا يخلو إما أن تجيب بإنكار العلم بالسبق ، أو العلم بعدم سبق واحد.

ففي الأول تحلف لكل منهما على نفي علمها بسبق عقده ، فتسقط دعواهما عنها ويبقى التداعي بينهما ، كما لو ادعيا عينا في يد ثالث وأحلفاه على نفي العلم بالمستحق.

وفي الثاني تحلف لكل منهما على عدم سبق عقده ، فينتفي سبقهما بيمينها ، ويحكم بفساد العقدين ، لاقتضاء اليمين اقترانهما.

وإن نكلت عن اليمين لكل منهما ردت اليمين عليهما ، فإذا حلف كل منهما على وفق دعواه بطل النكاحان أيضا ، للتدافع ، وكذا لو نكلا.

ولو حلفت لواحد ونكلت عن اليمين للآخر فحلف هو بالرد وثبت نكاحه ، وكذا لو نكلت هي عن اليمين لهما وحلف أحدهما ونكل الآخر ، لثبوت دعواه بيمينه من غير معارض.

وإن اعترفت لهما دفعة كأن قالت : نكاح كل منهما سابق ، ففي المسألة احتمالان :

أحدهما : الحكم بفساد العقدين لتدافعهما ، وفساده ظاهرا ، لأن إقرارها ليس حجة عليهما ، مع أن هذا الإقرار معلوم الفساد ، لأن سبق كل منهما محال ، فتطالب بجواب مسموع ، وهذا الاحتمال الثاني ، وهو الأقرب عند المصنف وعليه الفتوى.

وقال الشارح الفاضل هنا : وهذه المسألة مبنية على المسألة الآتية : أنها لو اعترفت لأحدهما هل يثبت نكاحه؟ فان ثبت كان إقرارها موجبا لثبوته فقد وقع موجب ثبوت كل واحد منهما مع موجب ثبوت الأخر ، فكان كالعقد فنشأ الاحتمال‌


______________________________________________________

الأول (١).

وليس بجيد هذا البناء ، لأن الذي سيأتي هو احتمال ثبوت نكاح أحدهما إذا اعترفت له خاصة بالسبق لا مطلقا ، وقد حكم المصنف في التذكرة بأن هذا الاحتمال غلط (٢).

وإن اعترفت لأحدهما بسبق عقده ثبت نكاحه على إشكال ، ينشأ : من أن الخصم في ذلك هو الزوج الآخر ، وقد ثبت له عليها حق باعتبار تحقق صدور عقد نكاح صحيح يحتمل أن يكون نكاحه ، فلا ينفذ إقرارها لمخالفة ، فلا يقبل إقرارها في إبطال حقه ، كما لو أقرت عليه بطلاق.

ومن أنها أقرت للمدعي بما ادعاه عليها ، فوجب أن يسمع إقرارها ، عملا بعموم قوله 7 : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (٣) كما لو ادعى زوجيتها رجلان فأقرت لأحدهما ، وكما لو ادعى اثنان عينا في يد ثالث فصدق أحدهما ، وهذا أقوى ، وهو مختار المصنف في التذكرة (٤).

وضعف الأول ظاهر ، لأن عقد الآخر لم يجعل له سلطنة عليها ، لأنها مشروطة بكونه سابقا ، والشرط مجهول ، وحيث لم يكن له عليها سلطنة لم نمنع إقرارها لغيره ، كما إذا ادعيا زوجيتها من أول الأمر فأقرت لأحدهما.

وحينئذ فهل تحلف للآخر على نفي العلم بالسبق ، أو على عدم السبق على حسب جوابها؟ فيه إشكال ، ينشأ : من التردد في وجوب غرمها لمهر المثل للثاني لو اعترفت له ، وعدمه.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٣٩.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٩٨.

(٣) عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٧ حديث ٥.

(٤) التذكرة ٢ : ٥٩٨.


______________________________________________________

والحاصل أن الاشكال في توجه اليمين هنا مبني على الإشكال في الغرم لو أقرت للثاني بعد الإقرار للأول ، ووجه البناء : أن اليمين إنما يتوجه على المنكر مع الفائدة ، وإنما يتحقق إذا كان بحيث لو أقر لنفع إقراره.

ولو نكلت فردت اليمين على المدعي فحلف استحق شيئا ، فإن غاية مطالبته باليمين أن يقر أو ينكل ، وإذا انتفت الفائدة على التقديرين لم يكن لليمين فائدة أصلا ، فلم يتوجه.

ولا يخفى أنه لو ذكر في منشأ الاشكال حصول الفائدة لو أقرت أو نكلت ـ ليشمل حكم ما إذا نكلت فحلف بالرد ، وقلنا إن المردودة كالبينة ، وأنها تقتضي انتزاع الزوجة على ما ذكره المصنف ـ لكان أولى ، لأن مقتضى ما ذكره توجه اليمين على تقدير ثبوت الغرم مع الإقرار خاصة ، وليس كذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أن في الغرم في هذه الصورة وأمثالها قولين ، قد تقدم ذكرهما قبل الفصل الثاني ، وأن ثبوت الغرم لا بأس به ، كما إذا أقر بعين لزيد ثم أقر بها لعمرو ، فلا حاجة إلى إعادتها ، وسيأتيان بعد ذلك أيضا إن شاء الله تعالى.

ومثله في ثبوت التردد في الغرم ما إذا ادعى زوجيتها اثنان فاعترفت لأحدهما ، فإنه يثبت نكاحه على ما سبق ، فإذا اعترفت بعد ذلك للآخر ففي وجوب غرمها لمهر المثل ـ بسبب تفويتها حقه من البضع بإقرارها للأول ـ القولان ، وإلى هذا أشار بقوله : ( وكذا لو ادعى زوجيتها اثنان فاعترفت لأحدهما ثم للآخر ) (١).

وأما قوله : ( فإن أوجبنا اليمين ... ) فإنه من أحكام قوله : ( وهل تحلف للآخر؟ فيه اشكال ) وما وقع في اليمين معترض ، فإن أوجبنا اليمين إذا طلبه الزوج الآخر حلفت على نفي العلم ، بمعنى أنها لا تكلف البينة.

__________________

(١) في « ش » جاء بعد هذا : لا يخفى أن قوله : ( وكذا لو ادعى زوجيتها ... ) المتبادر منه أن في وجوب تحليفها اشكالا ، وليس بمراد. ولم ترد هذه العبارة في « ض ».


______________________________________________________

ولو علمت بالحال حلفت على البت على ما سبق ، فان نكلت حلف الزوج الآخر.

ثم ينظر فان جعلنا اليمين المردودة كالبينة انتزعت من الأول وسلمت إلى الثاني ، لأن البينة أقوى من إقرارها.

ويشكل بأن اليمين المردودة وإن جعلت كالبينة فإنما يجعل مثلها في حق الحالف والناكل لا في حق شخص آخر ، لانتفاء الدليل على ذلك ، فان اليمين المردودة لما كانت حجة للمدعي فهي إما كالبينة أو كإقرار الخصم ، لأن حجته دائرة بين الأمرين ، وإذا كانت كالبينة فكونها مثلها في حقه وحق غيره لا يدل عليه دليل ، وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى في كتاب القضاء.

وإن جعلنا المردودة كالإقرار استقر نكاح الثاني ، لأن الإقرار الطارئ لا يزيل حكم السابق ، وفي غرمها مهر المثل للثاني الإشكال السابق ، إذا قلنا اليمين المردودة كالإقرار ـ ربما يشترط أن يحلفا دفعة ، وإلاّ لكان حلف الثاني كالإقرار للثاني بعد الإقرار للأول ، فلا يؤثر إلاّ غرم مهر المثل ـ قلنا بالغرم في نظائره.

واعلم : أن هذه دعوى واحدة متضمنة لدعويين ، فلذلك سمعتا معا ، فان ثبوت أيهما كانت تقتضي نفي الأخرى.

وقد ذهب بعض العامة إلى أنها إذا أنكرت السبق حلفت لهما معا يمينا واحدة إن كانا حاضرين في مجلس الحكم ورضيا باليمين الواحدة ، ولو حضر أحدهما وادعى فحلفت له ثم حضر الآخر وأراد تحليفها ففي وجوب اجابته وجهان عندهم ، وأجروا هذا الخلاف في كل شخصين يدعيان شيئا واحدا (١).

والظاهر التعدد ، لأنهما دعويان تضمنتهما دعوى واحدة ، نعم لو تراضيا بيمين‌

__________________

(١) المجموع ١٦ : ١٩٢ ، الوجيز ٢ : ٩.


الباب الثالث : في المحرمات ، التحريم إما مؤبد أولا ، فهنا مقصدان :

الأول : في التحريم المؤبد ، وسببه إما نسب أو سبب.

القسم الأول : النسب ، وتحرم به الام وإن علت ، وهي كل أنثى ينتهي إليها نسبه بالولادة ولو بوسائط لأب أو لام.

والبنت وهي كل من ينتهي إليك نسبها ولو بوسائط وإن نزلت ، وبنات الابن وإن نزلن.

والأخت لأب أو لام أو لهما ، وبناتها وبنات أولادها وإن نزلن.

______________________________________________________

واحدة فلا مشاحة.

فرع : لو ادعيا عليها زوجية مطلقة ولم يتعرضا للسبق ولا لعلمها به ، فعليها أن تجيب جوابا قاطعا ، ولا يكفيها نفي العلم بالسابق ، لأنها إذا لم تعلم فلها الجواب البات والحلف على انها ليست زوجة ، كما إذا ادعي على إنسان أن أباه أتلف عليه كذا وأراد تغريمه ، فالوارث يحلف أنه لا يعلم به ، ولو ادعي عليه أن عليه تسليم كذا من التركة حلف على أنه لا يلزمه التسليم.

قوله : ( الباب الثالث في المحرمات : التحريم إما مؤبد أو لا ، فهنا مقصدان :

الأول : في التحريم المؤبد ، وسببه إما نسب أو سبب.

القسم الأول : النسب ، وتحرم به : الام وإن علت وهي كل أنثى ينتهي إليها نسبه بالولادة ولو بوسائط لأب أو لام ، والبنت وهي كل من ينتهي إليك نسبها ولو بوسائط وإن نزلت ، وبنات الابن وإن نزلن ، والأخت لأب أو لام أو لهما ، وبناتها ، وبنات أولادها وإن نزلن.


وبنات الأخ ، لأب كان أو لام أو لهما ، وبنات أولاده وإن نزلوا.

وبنات الأخت لأب أو لام أو لهما وإن نزلوا.

والعمة ، لأب كانت أو لام أو لهما وإن علت.

والخالة ، لأب كانت أو لام أو لهما وإن علت ، ولا تحرم أولاد الأعمام والأخوال.

والضابطة : أنه يحرم على الرجل أصوله وفروعه ، وفروع أول أصوله وأول فرع من كل أصل وإن علا.

______________________________________________________

وبنات الأخ ، لأب كان أو لام أو لهما ، وبنات أولاده وإن نزلوا. وبنات الأخت لأب أو لام أو لهما وإن نزلوا.

والعمة ، لأب كانت أو لام أو لهما وإن علت.

والخالة ، لأب كانت أو لام أو لهما وإن علت ، ولا تحرم أولاد الأعمام والأخوال.

والضابط : أنه يحرم على الرجل أصوله وفروعه ، وفروع أول أصوله ، وأول فرع من كل أصل وإن علا (١).

المحرمات بنص القرآن في قوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ) (٢) الآية ثلاث عشرة امرأة : سبع بالنسب ، واثنتان بالرضاع ، وأربع بالمصاهرة.

فاما المحرمات بالنسب :

فمنهن الام وإن علت ، وهي : كل أنثى ينتهي إليها نسب الشخص بالولادة ، بواسطة كان ذلك أم لا ، لأب كانت أم لأم.

والبنت ، وهي : كل أنثى ينتهي إليك نسبها بالولادة ولو بوسائط وإن نزلت ،

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لم يرد في نسخ جامع المقاصد ، وأثبتناه من خطية القواعد لاقتضاء الشرح له.

(٢) النساء : ٣٣.


______________________________________________________

لبنت كانت أم لابن.

والأخت ، وهي كل أنثى ولدها أبواك أو أحدهما.

وبنات أولادها وإن نزلوا.

وبنات الأخ وأولاده وإن نزلوا ، لأب كان أم لام أم لهما.

والعمة ، وهي : كل أنثى هي أخت ذكر ولدك بواسطة أو بغير واسطة ، وقد يكون من جهة الأم ، كأخت أبي الأم.

والخالة ، وهي : كل اثنى هي أخت أنثى ولدتك بواسطة أو بغير واسطة ، وقد تكون من جهة الأب ، كأخت أم الأب.

وقد ضبطهن المصنف بعبارة وجيزة وهي : أن ( يحرم على الرجل أصوله وفروعه ، وفروع أول أصوله ، وأول فرع من كل أصل وإن علا ).

فالأصول : الأمهات ، والفروع : البنات ، وفروع أول الأصول : الأخوات وبناتهن وبنات الأخ ، وأول فرع من كل أصل (١) وإن علا : الأخوات مرة أخرى.

والأحسن تقييده بما يخرجهن ، مثل أن يقال : وأول فرع من كل أصل بعده ، أي : بعد أول أصوله ، وهو الأصل الأول ، وهنا مباحث :

أ : للفقهاء خلاف مشهور في أن بنات الأولاد يشملهن اسم البنات حقيقة ، وكذا الجدات بالنسبة إلى لفظ الأمهات.

فعلى القول بشمولهن حقيقة ما سبق من تفسير الام والبنت ، وهو المعنى الحقيقي.

وعلى المختار ، وهو تفسير المراد هنا ، وليس هو الحقيقة ، بل هو معنى مجازي ، وإن كان اللفظ يقع على البعض حقيقة ، لأن مدلول اللفظ هو المعنى الشامل للجميع ، وذلك مجازي لا محالة.

__________________

(١) جاء في « ض » بعد هذا : إن علا كالعمات والخالات وان علون لكي يدخل في قوله : ( أول فرع بعد كل أصل ).


ويحرم على المرأة ما يحرم على الرجل ، كالأب وإن علا ، والولد وإن نزل ، والأخ وابنه وابن الأخت والعم وإن علا ، وكذا الخال.

والنسب يثبت شرعا بالنكاح الصحيح والشبهة دون الزنا ، لكن‌

______________________________________________________

ب : على القول المختار لا حاجة إلى تقييد تفسير الأخت بأنها كل أنثى ولدها أبواك الادنيان ، إذ لا يقع الأب على الجد على هذا القول إلاّ مجازا.

ج : ذكر في تفسير الام أنها ( كل أنثى ينتهي إليها نسبه بالولادة ) ولم يذكر قيد الولادة في البنت ، فان كان محتاجا إليه في الأول فلا بد منه في الثاني ، وإلاّ فهو مستدرك ، والظاهر أنه لا بد منه ، لأن النسب هو القرابة ، وهي أعم من الأبوة والبنوة وغيرهما ، حتى لو قال قائل : الأخت هي كل أنثى ينتهي إليك نسبها أو ينتهي إليها نسبك ـ لأن أبويك أو أحدهما ولدها ـ لكان معنى صحيحا ، وكان المصنف إنما أهمل ذكره في الثاني اكتفاء بذكره في الأول ، فإنه بينة على الثاني.

د : لو قال : ولو بواسطة وإن تعددت بدل قوله : ( ولو بوسائط ) لكان أحسن ، لأنه حينئذ يكون معطوفا على مقدر ، وهو لو كان بغير واسطة ، لأنه حينئذ يكون أبلغ ، حيث أن المهم بذكره هو الفرد الأخفى ، وغيره مسكوت عنه ، وعلى صنعه فبعض المسكوت عنه من الأخفى ، وهو ما إذا كان ذلك بواسطة فقط.

قوله : ( ويحرم على المرأة ما يحرم على الرجل ، كالأب وإن علا ، والولد وإن نزل ، والأخ وابنه ، وابن الأخت ، والعم وإن علا ، وكذا الخال ).

لما كان تحريم النكاح من أحد الطرفين يقتضي ثبوت التحريم أيضا من الطرف الآخر لا محالة ، كان الحكم بتحريم الام وإن علت على الولد وإن نزل مقتضيا لتحريم الولد وإن نزل على الام وإن علت ، وكذا القول في الأب بالنسبة إلى البنت ، وكذا البواقي.

قوله : ( والنسب يثبت شرعا بالنكاح الصحيح والشبهة دون الزنا ،


التحريم يتبع اللغة ، فلو ولد له من الزنا بنت حرمت عليه وعلى الولد وطء امه وإن كان منفيا عنهما شرعا ، وفي تحريم النظر اشكال ، وكذا في العتق والشهادة والقود.

وتحريم الحليلة وغيرها من توابع النسب.

______________________________________________________

لكن التحريم يتبع اللغة ، فلو ولد له من الزنا بنت حرمت عليه وعلى الولد وطء أمه وإن كان منفيا عنهما شرعا ، وفي تحريم النظر إشكال ، وكذا في العتق والشهادة والقود وتحريم الحليلة وغيرها من توابع النسب ).

لا خلاف بين أهل الإسلام في أن النسب الذي هو مناط كثير من الأحكام الشرعية ـ مثل تحريم النكاح ونحوه ـ يثبت بالنكاح الصحيح ، والمراد به : الوطء المستحق شرعا بعقد صحيح أو ملك وإن حرم بعارض كالوطء في الحيض.

ولا يعتبر علمه بكون الوطء جائزا له ، فلو وطأ حليلته بظن أنها أجنبية مقدما على الزنا لم يقدح في كون الوطء شرعيا ، وإن أثم بإقدامه عليه معتقدا حرمته.

ويلحق به وطء الشبهة ، والمراد به : الوطء الذي ليس بمستحق شرعا مع ظنه أنه مستحق ، ويلحق به وطء المجنون والنائم ومن في معناه والصبي غير المميز ـ وفي المميز. (١) ـ فيثبت به النسب كما يثبت بالنكاح الصحيح.

وأما الزنا ، وهو : الوطء الذي ليس بمستحق شرعا مع العلم بالتحريم ، فلا يثبت به النسب إجماعا ، لكن أجمع أصحابنا على أن التحريم المتعلق بالنسب يثبت مع الزنا إذا تولد به ولد ، فيحرم على الزاني المخلوقة من مائه ، كما يحرم على الزانية المتولد منها بالزنا ، فان ذلك يعد ولدا لغة ، وإن كانت تسميته ولدا منتفية شرعا ، فيتبع التحريم اللغة.

__________________

(١) كذا في « ش » النسخة الحجرية ، وفي « ض » ويلحق به وطء المجنون والنائم ، وفي معناه وطء الصبي غير المميز وفي المميز. والظاهر أن كلمة ( اشكال ) بعد قوله : ( وفي المميز ) ساقطة من نسخ جامع المقاصد.


______________________________________________________

ولقائل أن يقول : إن المتبع إن كان هو الحقيقة اللغوية وجب الحكم بثبوت باقي الأحكام الثابتة مع صدق اسم الولد ، وإنما يكون ذلك مع عدم النقل عن المعنى اللغوي ، وإلاّ لم يثبت التحريم أيضا.

وعلل ابن إدريس المنع بكون المتولد من الزنا كافرا ، فلا يحل على المسلم (١).

وفيه نظر أيضا ، لتخلفه فيما إذا كان الزاني كافرا ، فان مقتضاه حل نكاح المتولدة عنه بالزنا.

إذا عرفت ذلك ففي تحريم نظر الزاني إلى بنته والزانية إلى ابنها فيه إشكال ، ينشأ : من كونه ولدا حقيقة لغة ، لأن الولد حيوان يتولد من نطفة آخر ، والنقل على خلاف الأصل ، ولم يقم دليل على ثبوته ، وانتفاء بعض الأحكام كالإرث جاز أن يستند إلى فقد بعض الشروط ، ولا يتعين استناده إلى انتفاء الاسم شرعا.

ومن أن حلّ النظر حكم شرعي ، فلا يثبت مع الشك في سببه ، ولأن التحريم هو المناسب للاحتياط المطلوب في هذا الباب ، والظاهر من قوله 7 : « وللعاهر الحجر » (٢) ان الزاني لا ولد له ، والأصح التحريم.

وكذا يأتي الإشكال في العتق ، بمعنى أنه لو ملك ابنه من الزنا ومن جرى مجراه ففي انعتاقه بالقرابة الاشكال ، ومنشؤه يعلم مما سبق ، والأصح العدم ، للشك في السبب ، فيتمسك بالأصل المقتضي لبقاء الملك.

وكذا القول في ردّ شهادة ولد الزنا على أبيه حيث تقبل شهادته على غيره ، وفيه الاشكال ، ومنشؤه معلوم مما سبق ، والأصح القبول ، لمثل ما سبق.

وكذا القول في القود ، بمعنى أنّ الزاني لو قتل ولده من الزنا هل يقاد به؟ فيه‌

__________________

(١) السرائر : ٢٨٧.

(٢) الكافي ٧ : ١٦٣ حديث ١ ، التهذيب ٩ : ٣٤٦ حديث ١٢٤٢ ، الاستبصار ٤ : ١٨٥ حديث ٦٩٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٤٧ حديث ٢٠٠٦ و ٢٠٠٧ ، مسند احمد ٦ : ١٢٩.


ولو ولدت المطلقة لأقل من ستة أشهر من حين الطلاق فهو للأول ، ولستة أشهر من وطء الثاني فهو له ، ولو كان لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني ولأكثر من أقصى مدة الحمل من وطء الأول انتفى عنهما ، ولو كان لستة أشهر من وطء الثاني ولأقل من أقصى المدة من وطء الأول قيل : يعمل بالقرعة ، والأقرب أنه للثاني واللبن تابع.

______________________________________________________

الاشكال ، والأصح أنه يقاد ، للشك في المسقط.

وكذا القول في تحريم حليلة ولد الزنا على الزاني وزوج بنت الزنا على أمها الزانية ، فيه الاشكال.

وكذا حبس الأب في دينه لو منعناه في الأب شرعا ، وغير ذلك من توابع النسب.

والأصح عدم اللحاق في شي‌ء من هذه الأحكام ـ أخذا بمجامع الاحتياط ، وتمسكا بالأصل ـ حتى يثبت الناقل ، ولا ينافي ذلك تحريم النكاح ، لأن حل الفروج أمر توقيفي ، فيتوقف فيه على النص ، وبدونه ينتفي بأصالة عدم الحل ، فلا يكفي في حل الفروج عدم القطع بالمحرم ، لأنه مبني على كمال الاحتياط.

قوله : ( ولو ولدت المطلقة لأقل من ستة أشهر من حين الطلاق فهو للأول ، ولستة أشهر من وطء الثاني فهو له ، ولو كان لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني ، ولأكثر من أقصى الحمل من وطء الأول انتفى عنهما ، ولو كان لستة أشهر من وطء الثاني ولأقل من أقصى المدة من وطء الأول قيل : بالقرعة ، والأقرب أنه للثاني ، واللبن تابع ).

موضع هذه المسائل أحكام الأولاد ، لكن ذكرها هنا لمتعلق أحكام النسب بها ، وهي أربع مسائل ، لأنه إما أن يمتنع لحاقه بالثاني خاصة ، أو بالأول خاصة ، أو بهما معا ، أو يمكن لحاقه بهما معا.


______________________________________________________

الأولى : إذا ولدت المطلقة المدخول بها بعد أن قضت عدتها وتزوجت بآخر ودخل بها لأقل من ستة أشهر من دخول الثاني ولدون أقصى مدة الحمل من وطء الأول ، فهو للأول قطعا ، لأن الفراش في المدة كلها منحصر فيهما ، وقد امتنع اللحاق بالثاني ، فتعين اللحاق بالأول.

الثانية : ولدت لستة أشهر من وطء الثاني ولزيادة عن أقصى مدة الحمل من وطء الأول ، فهو للثاني قطعا ، لانتفاء اللحاق بالأول.

الثالثة : ولدت لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني ولأكثر من أقصى مدة الحمل من وطء الأول ، فهو منتف عنهما قطعا ، لامتناع اللحاق بواحد منهما.

الرابعة : ولدت لستة أشهر من وطء الثاني ولأقصى مدة الحمل فما دون من وطء الأول ، ففي الحكم قولان :

أحدهما : القرعة ، فمن أخرجته له لحق به ، لأنه أمر مشكل ، فإنها فراش لكل منهما ، واللحاق بكل منهما ممكن شرعا ، فلا ترجيح ، واختار هذا القول الشيخ في المبسوط (١).

والثاني : ـ وهو الأقرب ـ كونه للثاني ، لأن فراش الأول قد زال ، وفراش الثاني ثابت ، والثابت أقوى من الزائل ، فالترجيح له ، وهذا هو الأصح ، وستأتي هذه المسألة إن شاء الله تعالى في إلحاق الأولاد.

إذا تقرر ذلك فاعلم : أن كل من حكم بلحاق الولد به في هذه الصورة حكم بكون اللبن له ، فيترتب عليه أحكام الرضاع وغير ذلك من أحكام النسب.

ويمكن أن يجعل قوله : ( واللبن تابع ) راجعا إلى ما تقدم من المسائل كلها ، من عند قوله : ( والنسب يثبت شرعا ... ) ويكون المعنى : أن كل موضع يثبت فيه النسب‌

__________________

(١) المبسوط ٥ : ٢٠٥.


______________________________________________________

يتبعه اللبن ، وما لا فلا.

وتردد ابن إدريس في اعتبار اللبن الحاصل عن وطء الشبهة بحيث ينشر الحرمة (١) ، والشيخ (٢) وجماعة (٣) على تعلق التحريم به ، وهو المعتمد ، لأنه لبن درّ عن وطء محترم شرعا يثبت به النسب ، فيندرج في ظاهر قوله تعالى ( وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) (٤).

ثم تنبه لأمور :

الأول : قوله : ( ولو ولدت المطلقة لأقل من ستة أشهر من حين الطلاق ) لو قال بدله : لو ولدت المطلقة لأقل من ستة أشهر من حين دخول الثاني ، لكان أولى ، لأنه يشمل ما إذا كان لأقل من ستة أشهر من حين وطئه ، ولستة أشهر فصاعدا من حين الطلاق ، فان لحاقه بالثاني ممتنع هنا أيضا ، إذ مجرد الزوجية لا يكفي في اللحاق من دون الدخول.

الثاني : قوله : ( ولستة أشهر من وطء الثاني ) أراد به المسألة الثانية ، والواجب أن يقيد بقيد آخر ، وهو كونه لأكثر من أقصى مدة الحمل من وطء الأول ، وإلاّ لدخلت الرابعة في هذه ، وكأن المصنف اكتفي بأن مخالفة حكم الرابعة لحكم هذه كاف في الاكتفاء بتقييد الرابعة عن تقييدها ، فيكون المعتبر هنا مقابل قيد الرابعة.

الثالث : لو قال في الرابعة : ولأقصى مدة الحمل من وطء الأول ، لكان أولى ، إذ لا يشترط في إمكان لحاقه بالأول كونه لأقل من أقصى مدة الحمل ، بل اللحاق ممكن ما لم يتجاوز الوضع أقصى مدة الحمل من وطئه (٥).

__________________

(١) السرائر : ٢٩٣.

(٢) المبسوط ٥ : ٢٩١ ـ ٢٩٢.

(٣) منهم : المحقق في الشرائع ٢ : ٢٨٢ ، والشهيد في اللمعة : ١٨٨.

(٤) النساء : ٢٣.

(٥) جاء في « ش » بعد هذا : الظاهر ان الوطء بملك اليمين كالنكاح.


ولو نفي الولد باللعان تبعه اللبن ، فإن أقر به بعده عاد نسبه ، ولا يرث هو الولد.

القسم الثاني : السبب ، وتحرم منه بالرضاع ، والمصاهرة ، والتزويج ، والزنا وشبهه واللعان ، والقذف ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو نفي الولد باللعان تبعه اللبن ، فإن أقر به بعده عاد نسبه ، ولا يرث هو الولد ).

لا ريب أنه إذا نفي الولد باللعان انتفى عنه ، فان كان بنتا لم يجز له نكاحها إن كان قد دخل بالملاعنة قطعا ، وإن لم يكن دخل فوجهان يلتفتان إلى انتفائهما عنه ، وأن الانتفاء إنما يثبت ظاهرا ، ولهذا لو استلحقها لحقت به.

وعلى هذا ففي ثبوت القصاص بقتل هذا الولد والحد بقذفه والقطع بسرقة ماله وقبول شهادته عليه وجهان ، واختار المصنف في التذكرة (١) ثبوتها ، لأنه نفي نسبه باللعان فانتفت توابعه ، وإقراره بعد ذلك بالولد لا يسقط ما ثبت عليه ، كما أن الولد يرثه ، ولا يرث هو الولد ، لأن اعترافه إنما يثبت في حقه لا في حق الولد.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أن اللبن ينتفي عن الملاعن كما ينتفي عنه الولد ، وهل يعود إذا اعترف بالولد؟ لم يتعرض إليه المصنف ، وكان حقيقا بذكره ، لأن المتبادر أن المقصود بهذه المسألة هو بيان حكم اللبن ، على ما يرشد إليه قوله : ( ولو نفي الولد باللعان تبعه اللبن ) ولم أقف فيه على شي‌ء.

والذي يقتضيه النظر أنه يعود أيضا بالنسبة إليه خاصة ، فلو ارتضع من هذا اللبن مرتضع وكان رقيقا الرضاع المحرم ثم ملكه الملاعن مع اعترافه بالولد المنفي عتق عليه ، أخذا له بإقراره.

قوله : ( القسم الثاني : السبب ، ويحرم منه بالرضاع والمصاهرة والتزويج والزنا وشبهه واللعان والقذف ).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٦١٤.


فهنا فصول :

الفصل الأول : الرضاع ، ويحرم به ما يحرم بالنسب فالام من الرضاع محرمة.

ولا تختص الأم بمرضعة الطفل ، بل كل امرأة أرضعتك أو رجع نسب من أرضعتك أو صاحب اللبن إليها ، أو أرضعت من يرجع نسبك إليه من ذكر أو أنثى فهي أمك.

فأخت المرضعة خالتك وأخوها خالك ، وكذا سائر أحكام النسب.

______________________________________________________

القسم الثاني من‌ القسمين اللذين هما سبب التحريم المؤبد : السبب ، ويحرم منه بسبب الرضاع من سيأتي ذكره في أحكام الرضاع إن شاء الله تعالى.

وكذا بالمصاهرة ، وكذا بالتزويج ، كزوجة كلّ من الأب والابن بالنسبة إلى الآخر ، وكالتي تزوجها في عدتها ونحوها ، وينبغي أن يراد بالتزويج هنا العقد والوطء معا ليعم المعقود عليها الموطوءة ، وكذا بالزنا وشبهه وهو اللواط ، وكذا باللعان ، وكذا بالقذف ، وسيأتي إن شاء الله تعالى تعيين من تحرم بهذه الأسباب مجمعا عليه أو مختلفا فيه.

واعلم : أن الضمير في قوله : ( ويحرم منه ) يعود إلى ( السبب ) ومن هذه ابتدائية ، وفاعل يحرم مدلول عليه بسوق الكلام ، أي : يحرم منه بهذه الأمور من سنذكر استناد تحريم نكاحه إلى واحد منها.

قوله : ( فهنا فصول : الفصل الأول : الرضاع ، ويحرم به ما يحرم بالنسب ، فالام من الرضاع محرمة ، ولا تختص الأم بمرضعة الطفل ، بل كل امرأة أرضعتك ، أو رجع نسب من أرضعتك أو صاحب اللبن إليها ، أو أرضعت من يرجع نسبك إليه من ذكر أو أنثى فهي أمك ، فأخت المرضعة خالتك وأخوها خالك ، وكذا سائر أحكام النسب ).


______________________________________________________

لما بين أن السبب‌ يحرم منه ما كان بأحد الأمور المذكورة ، عقد لبيان المحرمات بهذه الأمور فصولا ثلاثة : الأول في الرضاع ، والثاني في المصاهرة ، والثالث في باقي الأسباب.

واعلم : أن الرضاع يحرم منه ما يحرم من النسب ، لما روي من (١) طرقنا عن الصادق 7 في الصحيح أنه قال : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (٢) فالام من الرضاع محرمة ، وكذا البنت ، وغيرهما ممن سبق ذكر تحريمه بالنسب.

ولا يختص اسم الأم بمرضعة الطفل ، بل كل امرأة أرضعتك على الشرائط الآتية ، أو رجع نسب من أرضعتك إليها ، وهو أمهات المرضعة وإن علون ، أو رجع نسب صاحب اللبن الذي ارتضعت منه إليها ، وهو أمهات صاحب اللبن وإن علون ، أو أرضعن من يرجع نسبك إليه من ذكر أو أنثى وإن علا ، وهي مرضعة أحد أبويك أو أحد أجدادك أو جداتك ، فهذه المذكورة في المواضع كلها أمك من الرضاعة.

وحينئذ فأخت المرضعة خالتك وأخوها خالك وأبوها جدك ، كما أن ابنها أخ وبنتها أخت ، إلى آخر أحكام النسب.

والبنت من الرضاع هي : كل امرأة أرضعت بلبنك ، أو بلبن من ولدته ، أو أرضعتها امرأة ولدتها ، فهي بنتك ، وكذا بناتها من النسب والرضاع.

والأخت هي : كل امرأة أرضعتها أمك أو أرضعت بلبن أبيك ، وكذا كل امرأة ولدتها المرضعة أو الفحل ، أو أرضعت باللبن الذي للفحل الذي أرضعت بلبنه.

والعمات والخالات أخوات الفحل والمرضعة ، وأخوات من ولدهما من النسب والرضاع ، وكذا كل امرأة أرضعتها واحدة من جداتك ، أو أرضعت بلبن واحد من‌

__________________

(١) « ش » : لما روي من طرق العامة ان النبي 6 قال : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » وما روي من.

(٢) الكافي ٥ : ٤٣٧ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٩٢ حديث ١٢٢٤ و ١٢٢٥.


ولو امتزجت أخت الرضاع أو النسب بأهل قرية جاز أن ينكح واحدة منهن أو أكثر.

ولو اشتبهت بمحصور العدد عادة حرم الجميع.

______________________________________________________

أجدادك من النسب والرضاع.

وبنات الأخ وبنات الأخت بنات أولاد المرضعة والفحل من الرضاع والنسب ، وكذا كل أنثى أرضعتها أختك أو أرضعت بلبن أخيك وبناتها وبنات أولادها من الرضاع والنسب بنات أختك وأخيك ، وبنات كل ذكر أرضعته أمك أو أرضع بلبن أبيك وبنات أولاده من الرضاع والنسب بنات أخيك ، وبنات كل امرأة أرضعتها أمك أو أرضعت بلبن أبيك وبنات أولادها من الرضاع والنسب بنات أختك.

واعلم : أنه قد أورد على [ أن ] (١) أخت المرضعة خالة وأخاها خال وسائر ما لم يرد في اللسان العربي إطلاقه ، أن المجاز لا يطرد ، لامتناع نحلة لغير الأنساب.

وجوابه : أن إطلاق الأم على المرضعة إنما يكون مجازا مع الإطلاق ، أما مع تقييده بالأم من الرضاعة ، فإنه إطلاق حقيقي ، فيطرد.

قوله : ( ولو امتزجت أخت رضاع أو نسب بأهل قرية جاز أن ينكح واحدة منهن ، ولو اشتبهت بمحصور العدد عادة حرم الجميع ).

هذه المسألة من مكملات هذا البحث ، وتحقيقها : أنه إذا اختلطت محرم كالأخت من الرضاع أو النسب بأجنبيات وحصل الاشتباه ، فهناك صورتان :

إحداهما : أن يكون الاختلاط بعدد غير محصور في العادة ، كنسوة بلدة أو قرية كبيرة ، فله نكاح واحدة منهن ، إذ لو لا ذلك لسد عليه باب النكاح ، لأنه لو انتقل إلى بلدة اخرى لم يؤمن مسافرتها إليها.

ومثله ما إذا اختلط صيد مملوك بصيود مباحة لا تنحصر ، فإنه لا يحرم الاصطياد ، وكذا لو تنجس مكان واشتبه بأرض غير محصورة ، فإنه لا يمنع من الصلاة‌

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لم يرد في « ش » و « ض » وأثبتناه من النسخة الحجرية.


______________________________________________________

على تلك الأرض.

والظاهر أنه لو أمكنه نكاح امرأة لا يتمارى فيها لم يمنع من النكاح من اللواتي يرتاب فيهن ، لأن عسر اجتناب غير المحصور أسقط وجوب الاجتناب.

الثانية : أن يكون الاختلاط بعدد محصور في العادة ، فيمنع من النكاح هنا ، لوجوب اجتناب المحرم ، ولا يتم إلاّ باجتناب الجميع ، ولا عسر في اجتناب العدد المحصور ، ولو بادر وعقد على واحدة كان العقد باطلا ، لثبوت المنع من جميعهن ، فلو زال اللبس بعد العقد وتبيّن أن المعقود عليها غير المحرم ففي الحكم بصحة النكاح حينئذ تردد ، لسبق الحكم ببطلانه ، ولأنه وقع مع اعتقاد العاقد عدم صحته.

واعلم : أن في قول المصنف : ( ولو اشتبهت بمحصور العدد عادة ) إشارة إلى المراد من المحصور وغير المحصور ، وفيه أيضا تنقيح لقوله قبله : ( بأهل قرية ) حيث أنه يعلم منه أن المراد قرية لا ينحصر عدد نسائها عادة.

وتوضيحه : أن المراد من عدم الانحصار عسر عدّهن على آحاد الناس ، نظرا إلى أن أهل العرف إذا نظروا إلى مثل ذلك العدد أطلقوا عليه أنه ليس بمحصور لكثرته ، وإلاّ فلو عمد أحد إلى أكبر بلدة ليعد سكانها لأمكنه ذلك.

وقال بعض المحققين : كل عدد لو اجتمعوا على صعيد واحد يعسر على الناظر عدهم بمجرد النظر ـ كالألف والألفين ـ فهو غير محصور ، وإن سهل كالعشر والعشرين فهو محصور ، وبين الطرفين وسائط يلحق بأحدهما بالظن ، وما وقع الشك فيه فالأصل وجوب الاجتناب.

واعلم أيضا : أن قوله : ( جاز أن ينكح واحدة منهن ) ينبغي أن لا يراد به أنه لا يجوز نكاح ما سوى الواحدة ، إذ لا فرق بين الواحدة والمتعددة منهن في عدم المنع ، حتى لو نكح وطلق مرارا لم يمنع من النكاح ، إلا إذا أفحش ، فإن فيه ترددا ، ولو بقي بعد تكرار النكاح عدد محصور فالمنع قريب ، مع احتمال الجواز إلى أن تبقى واحدة ،


وتثبت بالرضاع المحرمية كالنسب ، فللرجل أن يخلو بأمه وأخته وابنته وغيرهن بالرضاع كالنسب.

ولا يتعلق به التوارث واستحقاق النفقة ، وفي العتق قولان. والنظر في الرضاع يتعلق بأركانه ، وشروطه ، وأحكامه :

______________________________________________________

استصحابا لما كان ، ولأن الاشتباه في المجموع.

قوله : ( وتثبت بالرضاع المحرمية كالنسب ، وللرجل أن يخلو بأمه وأخته وبنته وغيرهن بالرضاع كالنسب ، ولا يتعلق به التوارث واستحقاق النفقة ، وفي العتق قولان ).

لا ريب أن كل موضع تثبت المحرمية بالنسب تثبت المحرمية بمثل تلك القرابة من الرضاع ، فالام من الرضاع محرم كالأم من النسب ، وكذا البنت والأخت وغيرهن ، ومتى تثبت المحرمية بأحد الأمرين ثبت جواز الخلوة ، بمعنى : أن ينفرد الرجل بمحرمة من النساء ، كأمه وأخته وبنته ، من غير أن يكون هناك شخص ثالث له تمييز ، ولا يجوز ذلك في الأجنبية ، لما اشتهر من قوله 6 : « لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما » (١) رواه العامة.

ولا يثبت التوارث بالرضاع إجماعا ، وكذا استحقاق النفقة والولاية والحضانة وتحمل العقل وسقوط القود والمنع من الشهادة والحبس بالدين.

وفي ثبوت العتق إذا ملك امه وأخته من الرضاع ونحوهما ممن ينعتق مثلهن من النسب إذا ملكه قولان ، تقدما في البيع ، وسيأتي ذكرهما إن شاء الله تعالى في العتق ، والأصح الثبوت.

قوله : ( والنظر في الرضاع يتعلق بأركانه وشروطه وأحكامه :

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ١٨ و ٢٦.


المطلب الأول : في أركانه ، وهي ثلاثة :

الأول : المرضعة ، وهي كل امرأة حية حامل عن نكاح صحيح أو شبهة ، فلا حكم للبن البهيمة ، فلو ارتضعا من لبنها لم يحرم أحدهما على الآخر ، ولا الرجل ولا الميتة وإن ارتضع وأكمل حال الموت باليسير.

ولو در لبن امرأة من غير نكاح لم ينشر حرمة ، سواء كانت بكرا أو ذات بعل ، صغيرة أو كبيرة.

ولا يشترط وضع الحمل ، بل كون اللبن عن الحمل بالنكاح.

ولو أرضعت من لبن الزنا لم ينشر حرمة ، أما الشبهة فكالصحيح على الأقوى.

______________________________________________________

المطلب الأول : في أركانه ، وهي ثلاثة :

الأول : المرضعة ، وهي كل امرأة حية حامل عن نكاح صحيح أو شبهة ، فلا حكم للبن البهيمة ، فلو ارتضعا من لبنها لم يحرم أحدهما على الآخر ، ولا الرجل ولا الميتة ، وإن ارتضع أو كمل حال الموت باليسير ، ولو درّ لبن امرأة من غير نكاح لم ينشر حرمة ، سواء كانت بكرا أو ذات بعل ، صغيرة أو كبيرة ، ولا يشترط وضع الحمل ، بل كون اللبن عن الحمل بالنكاح ، ولو أرضعت من لبن الزنا لم ينشر ، أما الشبهة فكالصحيح على الأقوى ).

روى الأصحاب عن الباقر 7 أنه قال : « لا يحرم الرضاع أقل من رضاع يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة » (١) وفيه دلالة على‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣١٥ حديث ١٣٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١٩٣ حديث ٦٩٦.


______________________________________________________

أن الرضاع من لبن البهيمة والرجل والخنثى المشكل لا يفيد التحريم ، ولا خلاف في ذلك عند الأصحاب.

وعن مالك أن لبن البهيمة يتعلق به التحريم (١) ، وذهب بعض الشافعية إلى تعلق التحريم بلبن الرجل (٢) ، وبعض الآخر إلى أن لبن الخنثى يعرض على القوابل ، فان قلن مثل هذا اللبن لا يكون إلاّ للنساء لغزارته حكم بأنوثيته (٣) ، وكل ذلك غير معتد به عندنا.

واما اشتراط الحياة في المرضعة ، فلظاهر قوله تعالى ( وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) (٤) مع قوله سبحانه ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٥) فان الميتة لا تعد مرضعة ، فهي مما وراء ذلكم ولأن الأصل الإباحة ، فيتمسك به إلى قيام المحرم.

فلو ارتضع طفل من ميتة كمال الرضعات ، أو ارتضع المعظم حال الحياة وكمل الباقي بعد الموت لم يتعلق به تحريم ، وتردد المحقق في الشرائع (٦) في الحكم ، نظرا إلى صدق اسم الرضاع ، واستصحابا للحكم الذي كان ثابتا حال الحياة ، وعدم التحريم أظهر ، للمعارضة بأصالة بقاء الحل ، والترجيح معنا ، لأن المتفاهم من الألفاظ الواردة‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في المصادر المتوفرة لدينا ، بل في المدونة ٢ : ٤١٥ قال سحنون بن سعيد قلت لعبد الرحمن ابن القاسم : أرأيت لو أن صبيين غذيا بلبن بهيمة من البهائم أيكونان أخوين في قول مالك؟ قال : ما سمعت من مالك منه شيئا ، ولكني أرى ألاّ تكون الحرمة في الرضاع إلاّ في لبن بنات آدم.

(٢) المجموع ١٨ : ٢٢١ و ٢٣ ، المغني لابن قدامة ٩ : ٢٠٦.

(٣) المجموع ١٨ : ٢٢١.

(٤) النساء : ٢٣.

(٥) النساء : ٢٤.

(٦) الشرائع ٢ : ٢٨٣.


______________________________________________________

بتحريم الرضاع هو الرضاع من المرأة الحية ، فتعين الحمل عليه لرجحانه.

ولا يخفى أن في قول المصنف : ( وإن ارتضع أو كمل حال الموت ... ) مناقشة ، وقد كان الأولى أن يقول : وإن كمل حال الموت باليسير ، ليكون المعطوف مع إن الوصلية هو الفرد الأخفى ، واشتراط كون اللبن عن نكاح بإجماع الأصحاب.

وروى يعقوب بن شعيب عن الصادق 7 قال : قلت له امرأة درّ لبنها من غير ولادة فأرضعت ذكرانا واناثا ، أيحرم من ذلك ما يحرم من الرضاع؟ فقال لي : « لا » (١).

ويراد بالنكاح هنا الوطء دون العقد ، فيندرج فيه الوطء بالعقد دائما ومتعة وبالملك وما في معناه ، والشبهة صادقة إذا حصلت من الطرفين أو من أحدهما ، والتحريم ثابت في حق من ثبت النسب بالإضافة إليه.

وحاول بقوله : ( سواء كانت بكرا أو ذات بعل صغيرة أو كبيرة ) الرد على الشافعي ، حيث قال بأن المحرّم لبن الكبيرة دون الصغيرة (٢) ، وله قول بأن لبن البكر لا يحرم (٣).

وقول المصنف : ( ولا يشترط وضع الحمل ، بل كون اللبن عن الحمل بالنكاح ) ذكر مثله في التذكرة ، وحكاه قولا عن بعض فقهائنا ، وحكى عن الشيخ في المبسوط (٤) نحوه ، ثم حكى أنه قال قبل ذلك ما ينافيه ، وأن اللبن الذي ينزل على الأحمال لا حرمة له ، وإنما الحرمة لما ينزل على الولادة (٥) ، ويلوح من التذكرة الميل إليه ، حيث‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٤٦ حديث ١٢ ، الفقيه ٣ : ٣٠٨ حديث ١٤٨٤ وفيه عن يونس بن يعقوب ، التهذيب ٧ : ٣٢٥ حديث ١٣٣٩.

(٢) الوجيز ٢ : ١٠٥.

(٣) الوجيز ٢ : ١٠٥.

(٤) المبسوط ٥ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣.

(٥) تذكرة الفقهاء ٢ : ٦١٧.


______________________________________________________

احتج له برواية يعقوب بن شعيب السابقة ، فإنها تدل على أن اللبن الحاصل من غير ولادة لا يحرم (١) ، وصرح بذلك في التحرير حيث قال : ولا من درّ لبنها من غير ولادة (٢) وهذا أصح ، وقوفا مع الرواية التي لا معارض لها.

ولا خلاف في أن اللبن الحاصل عن الوطء زنا لا ينشر ، لأن الزنا لا حرمة له ولا يلحق به النسب ، وفي صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق 7 قال سألته عن لبن الفحل؟ فقال : « هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك [ ولد ] (٣) امرأة أخرى فهو حرام » (٤) ، خص 7 لبن الفحل بما يحصل من امرأته ، ولا يكون ذلك إلاّ مع النكاح الصحيح ، ولأن اللبن لو درّ عن غير نكاح لم يعتد به ، والزنا ساقط لا اعتبار به شرعا ، فاللبن الحاصل في حكم الذي درّ عن غير نكاح.

أما الشبهة فإنه كالصحيح على أقوى القولين ، وهو اختيار الشيخ (٥) وأكثر الأصحاب (٦) ، لأن قوله تعالى ( وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) (٧) يتناوله.

وتردد ابن إدريس (٨) في ذلك ، نظرا إلى أنه ليس وطئا صحيحا ، وضعفه ظاهر ، تمسكا بظاهر الآية ، ولأنه كالصحيح في النسب ، واللبن تابع له.

ولو اختصت الشبهة بالرجل أو المرأة فالتحريم بالرضاع إنما هو بالنسبة إلى من يثبت النسب في حقه ، لعدم القائل بالفصل ، ولأن اللبن تابع للنسب.

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) تحرير الأحكام ٢ : ٩.

(٣) زيادة من مصادر الحديث.

(٤) الكافي ٥ : ٤٤٠ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣١٩ حديث ١٣٦٠ ، الاستبصار ٣ : ١٩٩ حديث ٧١٩.

(٥) المبسوط ٥ : ٢٩١ ـ ٢٩٢.

(٦) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ٢٨٢ ، والشهيد في اللمعة : ١٨٨.

(٧) النساء : ٢٣.

(٨) السرائر : ٢٩٣.


ولا يشترط اذن المولى في الرضاع ولا الزوج.

ولو طلق الزوج وهي حامل منه أو مرضعة ، فأرضعت من لبنه ولدا ، نشر الحرمة كما لو كانت تحته.

ولو تزوجت بغيره ودخل الثاني وحملت ، ولم يخرج الحولان وأرضعت من اللبن الأول ، نشر الحرمة من الأول.

أما لو انقطع ثم عاد في وقت يمكن ان يكون للثاني ، فهو له دون الأول.

ولو اتصل حتى تضع من الثاني كان ما قبل الوضع للأول ، وما بعده للثاني.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يشترط اذن المولى في الإرضاع ولا الزوج ).

أما الزوج فظاهر ، لأنه لم يملك الزوجة ولا لبنها وإن كان منسوبا إليه ، وغاية ما هناك أنه يلزم من الإرضاع ارتكاب محرم بتعطيل بعض حقوق الزوج من الانتفاع بها ، وهذا لا ينفي تعلق التحريم بالإرضاع.

وكذا القول في الأمة ، فإن تصرفها في لبنها وإن كان محرما لأنه مال الغير ، إلاّ أنه لا منافاة بين التحريم وبين كون الإرضاع محرما ، وإطلاق النصوص يتناول هذا الإرضاع.

قوله : ( ولو طلق الزوج وهي حامل منه أو مرضع فأرضعت من لبنه ولدا نشر الحرمة كما لو كانت تحته ، ولو تزوجت بغيره ودخل الثاني وحملت ولم يخرج الحولان وأرضعت من لبن الأول نشر الحرمة من الأول ، أما لو انقطع ثم عاد في وقت يمكن أن يكون للثاني فهو له دون الأول ، ولو اتصل حتى تضع من الثاني كان ما قبل الوضع للأول وما بعده للثاني ).

إذا طلق الزوج أو مات والزوجة حامل منه فوضعت أو كانت مرضعا فأرضعت‌


______________________________________________________

ولدا ، فهناك صور :

أ : أن يكون إرضاعها قبل أن تنكح زوجا غيره ، فاللبن للأول قطعا ، والموت والطلاق لا يقطع نسبة اللبن عنه ، ولا فرق بين ان ترضع في العدة أو بعدها ، ولا بين أن ينقطع اللبن ثم يعود وعدمه مع حصول باقي الشرائط ، لأنه لم يحدث ما يحال اللبن عليه ، فهو على استمراره ، لكن إن اشترطنا كون الرضاع وولد المرضعة في الحولين اعتبر كون الرضاع قبل مضي حولين من حين الولادة ، وإلاّ فلا.

ب : أن يكون بعد أن تزوجت ولم تحمل من الثاني ، فالحكم كما لو لم تتزوج.

ج : أن يكون بعد الحمل من الثاني وقبل الولادة واللبن بحاله لم ينقطع ولم يحدث فيه زيادة ، فهو للأول قطعا ، قال في التذكرة : ولا نعلم فيه خلافا (١) ، ويؤيده العمل بالاستصحاب حيث لم يتجدد ناقل.

د : أن يكون بعد الحمل من الثاني وقبل الوضع وقد تجدد في اللبن زيادة يمكن استنادها إلى الحمل من الثاني ، فاللبن للأول ، وقد صرح به في التذكرة (٢) ، استصحابا لما كان ، والحمل لا يزيل الحكم السابق ، والزيادة لا أثر لها ، لأن اللبن قد يزيد عن غير إحبال.

وللشافعي تفصيل ، محصّله : أنه إن زاد اللبن بعد أربعين يوما من الحمل الثاني ، فأحد القولين أنه لكل من الزوجين ، عملا بالظاهر ، وهو أن بلوغ الحمل المدة المذكورة يستدعي وجود اللبن غالبا ، فيكون المتجدد مضافا إلى السابق ، وإلاّ فهو للأول (٣) ، ولا اعتبار بهذا التفصيل عندنا.

هـ : أن ينقطع اللبن انقطاعا بيّنا ، أعني مدة طويلة لا يتخلل مثلها اللبن‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٦١٦.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المجموع ١٨ : ٢٢٤ ـ ٢٢٦.


______________________________________________________

الواحد غالبا ، فلا اعتبار بالانقطاع زمانا يسيرا ثم يعود في وقت يمكن أن يكون للثاني ، وذلك بعد مضي أربعين يوما من الحمل الثاني على ما حكاه المصنف في التذكرة (١) عن العامة ، ولم يردّه ، فإنه يكون للثاني ، صرح به الشيخ (٢) والجماعة ، لأنه لما انقطع زال حكم الأول ، فإذا عاد وقد وجد بسبب يقتضيه وجب احالته عليه ، لزوال حكم الأول بالانقطاع ، فعوده يحتاج إلى دليل ، بخلاف ما إذا لم يتجدد سبب آخر يحال عليه ، فإنه يكون للأول ، لانتفاء ما يقتضي خلافه.

وللعامة في هذا اختلاف على أقوال :

أحدها هذا (٣) ، والثاني أنه للأول (٤) ، والثالث أنه لهما (٥) ، والمختار عندنا الأول.

و : أن يكون بعد الوضع ، فهو للثاني قطعا ، ونقل المصنف فيه الإجماع في التذكرة (٦) ، وعلى هذا فإذا اتصل اللبن إلى وضع الحمل الثاني ، فما قبل الوضع للأول وما بعده للثاني ، وتقريبه معلوم مما سبق.

واعلم : أن عبارة الكتاب تضمنت أربع صور من هذه الصور ، وهي : الاولى وهو ظاهر ، وكل من الثالثة والرابعة مشمولة بقوله : ( ولو تزوجت بغيره ودخل الثاني وحملت ... ) فإنه بإطلاقه [ يتناولهما ] (٧) لكن قوله : ( وأرضعت من لبن الأول ) قاصر عن بيان حكمهما ، إذ المقصود من هذه المسائل هو بيان كون اللبن للأول أو للثاني ، وأما ترتب التحريم بالنسبة إلى صاحب اللبن فليس مقصودا بهذه المسائل ، وقوله : ( أما لو‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٦١٦.

(٢) المبسوط ٥ : ٣١١.

(٣) المجموع ١٨ : ٢٢٦.

(٤) المصدر السابق.

(٥) المصدر السابق.

(٦) تذكرة الفقهاء ٢ : ١١٦.

(٧) في جميع النسخ : يتناولها ، والمثبت هو الأنسب للسياق.


وتستحب أن تسترضع العاقلة العفيفة المؤمنة الوضيئة.

ولا تسترضع الكافرة ، فإن اضطر استرضع الكتابية ومنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير.

ويكره أن يسلمه إليها لتحمله إلى منزلها ، واسترضاع من ولادتها عن زنا ، وروي إباحة الأمة منه ليطيب اللبن واسترضاع ولد الزنا ، وتتأكد الكراهية في المجوسية.

______________________________________________________

انقطع ... ) مبين لحكم السادسة. وقوله : ( ولو اتصل ... ) منقح لحكم الثالثة والرابعة ، فإن محصّله أن كون اللبن للأول مستمرا إلى وضع الحمل.

قوله : ( ويستحب العاقلة المؤمنة العفيفة الوضيئة ، ولا تسترضع الكافرة ، فإن اضطرّ استرضع الكتابية ومنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، ويكره أن يسلّمه إليها لتحمله إلى منزلها واسترضاع من ولادتها عن زنا ، وروي إباحة الأمة منه ليطيب اللبن واسترضاع ولد الزنا ، وتتأكد الكراهية في المجوسية ).

أفضل ما يرضع به الصبي لبن امه ، لما رواه طلحة بن زيد في الموثق عن الصادق 7 قال : « قال أمير المؤمنين 7 : ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن امه » (١).

ويستحب استرضاع العاقلة المؤمنة العفيفة الوضيئة الحسنة ، لما رواه محمد بن مروان عن الباقر 7 قال قال لي : « استرضع لولدك بلبن الحسان ، وإياك والقباح ، فان اللبن قد يعدي » (٢).

وفي الصحيح عن زرارة عن الباقر 7 قال : « عليكم بالوضاءة من‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٠ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٣٠٥ حديث ١٤٦٥ ، التهذيب ٨ : ١٠٨ حديث ٣٦٥.

(٢) الكافي ٦ : ٤٤ حديث ١٢ ، التهذيب ٨ : ١١٠ حديث ٣٧٦.


______________________________________________________

الظؤرة فان اللبن قد يعدي » (١) ولأن الرضاع مؤثر في الطباع والأخلاق ، روي عنه 6 انه قال : « أنا سيد ولد آدم بيد أني من قريش ونشأت في بني سعد وارتضعت من بني زهرة » ويروى : « أنا أفصح العرب بيد أني من قريش » إلى آخره ، وكانت هذه القبائل أفصح العرب ، فافتخر بالرضاع كما افتخر بالنسب ، وعن الصادق 7 قال : « قال أمير المؤمنين 7 : انظروا من ترضع أولادكم فإن اللبن يشب عليه » (٢).

ومنه يعلم كراهية استرضاع الكافرة والمجوسية أشد ، لقول الصادق 7 : « لا يسترضع للصبي المجوسية ، ويسترضع له اليهودية والنصرانية ، ولا يشربن الخمر ، ويمنعهن من ذلك » (٣).

وقال 7 وقد سئل عن مظائرة المجوسي؟ فقال : « لا ولكن أهل الكتاب » (٤).

والحاصل أنه إذا اضطر استرضع اليهودية والنصرانية ، ويمنعها من شرب الخمر.

وهل هو على طريق الوجوب؟ ظاهر الأمر في قول الصادق 7 : « إذا أرضعن لكم فامنعوهن من شرب الخمر » (٥) ذلك ، وليس ببعيد ، لأن أثره في طباع الولد خبيث ، ويتصور المنع إذا كانت المرضعة أمة للمسترضع ، أو استأجرها للرضاع وشرط عليها الامتناع من ذلك.

ولا ريب أنه يكره تسليم الولد إليها لتحمله الى منزلها ، إذ ليست مأمونة عليه ،

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٤ حديث ١٣ ، الفقيه ٣ : ٣٠٧ حديث ١٤٧٩ ، التهذيب ٨ : ١١٠ حديث ٣٧٧ ، وفي جميع المصادر : «. فان اللبن يعدي ».

(٢) الكافي ٦ : ٤٤ حديث ١٠.

(٣) الكافي ٦ : ٤٤ حديث ١٤ ، الفقيه ٣ : ٣٠٨ حديث ١٤٨٢ ، التهذيب ٨ : ١١٠ حديث ٣٨٤.

(٤) الكافي ٦ : ٤٢ حديث ٢ ، التهذيب ٨ : ١٠٩ حديث ٣٧٢.

(٥) الكافي ٦ : ٤٢ حديث ٣.


الركن الثاني : اللبن ويشترط وصول عينه خالصا إلى المحل من الثدي ، فلو احتلب ثم وجر في حلقه ، أو أوصل إلى جوفه بحقنة أو سعوط ، أو تقطير في إحليل أو جراحة ، أو جبن له فأكله ، أو ألقي في فم الصبي مائع‌

______________________________________________________

وكذا يكره استرضاع الحمقاء ، وكذا من ولادتها عن زنا ، وكذا من كانت بنت زنا ، لموثقة عبد الله (١) الحلبي عن الصادق 7 قال : قلت له امرأة ولدت من الزنا اتخذها ظئرا؟ فقال : « لا تسترضعها ولا ابنتها » (٢).

وأشار المصنف بقوله : ( وروي ... ) إلى ما رواه إسحاق بن عمار عن الكاظم 7 ، قال : سألته عن غلام لي وثب على جارية لي فأحبلها فولدت واحتجنا إلى لبنها ، فإن أحللت لهما ما صنعا أيطيب لبنها؟ قال : « نعم » (٣).

وروي في الحسن عن هشام بن سالم وجميل بن دراج وسعد بن أبي خلف عن الباقر (٤) 7 ، في المرأة يكون لها الخادم قد فجرت يحتاج إلى لبنها ، قال : « مرها فلتحللها يطيب اللبن » (٥). ولا معارض لهما ، فان قلنا بهما فهل يتعدى الحكم إلى التحليل من المالك ليطيب لبن بنت الزانية وهي المخلوقة من الزنا إذا كانت أمها أمه (٦)؟

قوله : ( الركن الثاني : اللبن ، ويشترط وصول عينه خالصا إلى المحل من الثدي ، فلو احتلب ثم وجر في حلقه ، أو أوصل إلى جوفه بحقنة أو سعوط أو تقطير في إحليل أو جراحة أو جبن له فأكله ، أو ألقي في فم‌

__________________

(١) كذا « ش » و « ض » وفي المصادر : عبيد الله ، والظاهر هو الصحيح.

(٢) الكافي ٦ : ٤٢ حديث ١ ، التهذيب ٨ : ١٠٨ حديث ٣٦٧ ، الاستبصار ٣ : ٣٢١ حديث ١١٤٣.

(٣) الكافي ٦ : ٤٣ حديث ٦ ، التهذيب ٨ : ١٠٩ حديث ٣٦٩ ، الاستبصار ٣ : ٣٢٢ حديث ١١٤٥.

(٤) كذا في نسخ جامع المقاصد كافة ، لكن في مصادر الحديث وإيضاح الفوائد ٣ : ٤٥ والجواهر ٣٩ : ٣٠٨ وبقية الكتب الفقهية : عن أبي عبد الله 7.

(٥) الكافي ٥ : ٤٧٠ حديث ١٢ و ٦ : ٤٣ حديث ٧ ، التهذيب ٨ : ١٠٩ حديث ٣٧٠ ، الاستبصار ٣ : ٣٢٢ حديث ١١٤٦.

(٦) كذا ، ولم يجب عن هذه المسألة المصنف.


فامتزج باللبن حال ارتضاعه حتى يخرجه عن مسمى اللبن لم ينشر حرمة.

______________________________________________________

الصبي مائع فامتزج باللبن حال ارتضاعه حتى يخرجه عن مسمى اللبن لم ينشر حرمة ).

لا خلاف عند أصحابنا في أن المعتبر في الرضاع المحرم وصول عين اللبن خالصا إلى المحل ، فلو جبن له فأكله ، أو امتزج بمائع أخرجه عن مسمى اللبن لم ينشر ، ويدل عليه ظواهر النصوص (١) التي علق الحكم بالتحريم فيها على اسم الرضاع ، فان مثل ذلك لا يسمى رضاعا ، ومثله الإيصال إلى جوفه بحقنة أو سعوط أو تقطير في إحليل أو جراحة.

واختلفوا في اشتراط الامتصاص من الثدي ، فالأكثر (٢) على اشتراطه ، فلو احتلب اللبن ثم وجر في حلق الرضيع لم ينشر حرمة.

وقال ابن الجنيد ينشر (٣) ، وهو قول الشيخ في المبسوط (٤) ، لظاهر قول الصادق 7 في صحيحة جميل بن دراج : « إذا رضع الرجل من لبن امرأة حرم عليه كل شي‌ء من ولدها » (٥).

وجوابه : أنا نمنع صدق الرضاع مع الوجور.

والأصح الأول ، لقول الصادق 7 : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين » (٦).

وظاهر أن المراد به في مدة حولين كاملين ، لدلالة النصوص على الاكتفاء بخمس عشرة رضعة ، ولقول الباقر 7 : « لا يحرّم الرضاع أقل من رضاع يوم‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣١٣ و ٣١٥ حديث ١٢٩٨ و ١٣٠٤ و ١٣٠٦.

(٢) منهم المصنف في المختلف : ٥١٩ ، والتذكرة ٢ : ٦١٨ والمحقق في الشرائع ٢ : ٢٨٣ ، وغيرهما.

(٣) المختلف : ٥١٩.

(٤) المبسوط ٥ : ٢٩٥.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٢٢ حديث ١٣٢٥ ، الاستبصار ٣ : ٢٠١ حديث ٧٢٨.

(٦) الفقيه ٣ : ٣٠٧ حديث ١٤٧٦ ، التهذيب ٧ : ٣٠٧ حديث ١٣١٠ ، الاستبصار ٣ : ١٩٧ حديث ٧١٣.


الركن الثالث : المحل ، وهو معدة الصبي الحي ، فلا اعتبار بالإيصال إلى معدة الميت ، فلو وجر لبن الفحل في معدته لم يصر ابنا ولا زوجته حليلة ابن ، ولا بالإيصال إلى جوف الكبير بعد الحولين.

______________________________________________________

وليلة ، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة » (١) وجعل الرضاع المحرم ما كان مبدأه من المرأة ، ولأن الأصل الإباحة حتى يثبت المحرم (٢).

قوله : ( الركن الثالث : المحل ، وهو معدة الصبي الحي ، فلا اعتبار بالإيصال إلى معدة الميت ، فلو وجر لبن الفحل في معدته لم يصر ابنا ، ولا زوجته حليلة ابن بالإيصال إلى جوف الكبير بعد الحولين ).

يشترط في وصول اللبن في الرضاع ليثبت التحريم وصوله إلى معدة الصبي ، فلا اعتبار بوصوله إلى دماغه أو حلقه ـ بغير خلاف عندنا ـ ما لم يبلغ المعدة.

ويشترط بقاؤه فيها ، فلو تقيأه في الحال لم يعتد به ، وهو مقرّب التذكرة (٣) ، لعدم صلاحية الاغتذاء (٤) به ، وانتفاء إنبات اللحم وشدّ العظم عنه.

وكذا يشترط كون الصبي حيا ، فلو وجر لبن الفحل في معدة الميت لم يتعلق به التحريم ، لعدم صدق الرضاع والارتضاع اللذين وردت بهما النصوص ، ولا يصير بذلك ابنا للفحل ولا زوجته حليلة ابن ، إلى غير ذلك من أحكام الرضاع.

وكذا يشترط كون الرضاع في الحولين عند جميع علمائنا ، فلو ارتضع بعد الحولين لم ينشر حرمة لما رووه من أن النبي 6 قال : « لا رضاع إلاّ ما كان في حولين » (٥) وروى الأصحاب عن الصادق 7 أنه قال : « لا رضاع بعد‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣١٥ حديث ١٣٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١٩٣ حديث ٦٩٦.

(٢) في « ش » جاء بعد هذا : لو قاء اللبن في الحال بعد وصوله الى الجوف لم يؤثر ، ولو تراخى زمانه فإشكال.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٧٢.

(٤) في « ش » : الاعتداد.

(٥) سنن البيهقي ٧ : ٤٦٢ ، كنز العمال ٦ : ٢٧٩ حديث ١٥٧٠٥.


المطلب الثاني : في شرائطه ، وهي أربعة :

الأول : الكمية ، ويعتبر التقدير بأحد أمور ثلاثة : أما ما أنبت اللحم وشد العظم ، أو رضاع يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة ، وفي العشر قولان ، ولا حكم لما دون.

الثاني : يشترط كمالية الرضعات وتواليها والارتضاع من الثدي ،

______________________________________________________

فطام ، قيل له : وما الفطام؟ قال الحولين اللذين قال الله عز وجل » (١) وقال 7 : « الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم » (٢) أراد به 7 قبل أن يفطم غالبا.

فرعان : الأول اعتبار الشهور في الحولين بالأهلّة ، فلو انكسر الأول أكمل ثلثين من الشهر الخامس والعشرين واعتبر ثلاثة وعشرون هلالا ، ذكره في التذكرة (٣) ، ويجي‌ء فيه الخلاف المشهور في نظائره.

الثاني : لو خرج بعض الصبي فارتضع قبل انفصاله وأكمل النصاب بعده ففي ثبوت التحريم إشكال.

قوله : ( المطلب الثاني : في شرائطه وهي أربعة : الكمية ، ويعتبر التقدير بأحد أمور ثلاثة : إما ما أنبت اللحم. وشدّ العظم ، أو رضاع يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة ، وفي العشر قولان ، ولا حكم لما دون العشر ، ويشترط كمالية الرضعات وتواليها والارتضاع من الثدي ).

قد ذكر أن شرائط الرضاع ليثمر التحريم أربعة ، وعدّ ثلاثة :

أ : الكمية ، وقد قدرها الأصحاب بأحد أمور ثلاثة ، وهي : ما أنبت اللحم وشدّ‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٤٣ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٣١٨ حديث ١٣١٣.

(٢) الكافي ٥ : ٤٤٣ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣١٨ حديث ١٣١٢.

(٣) التذكرة ٢ : ٦١٩.


______________________________________________________

العظم ، أو رضاع يوم وليلة ، أو التقدير بالعدد ، وهو خمس عشرة رضعة ، أو العشر على اختلاف القولين.

والأصل في ذلك ما رووه عن النبي 6 قال : « الرضاع ما أنبت اللحم وشدّ العظم » (١).

وروى الأصحاب عن الصادق 7 أنه قال : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما أنبت اللحم وشدّ العظم » (٢).

وسأل عبد الله بن سنان الكاظم 7 قال : قلت له : يحرم من الرضاع الرضعة والرضعتان والثلاث؟ قال : « لا ، إلاّ ما اشتدّ عليه العظم ونبت اللحم » (٣).

وعن الباقر 7 : « لا يحرم من الرضاع أقل من رضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة » الحديث (٤).

وهنا مباحث :

أ : هذه التقادير الثلاثة أصول لورود النص بكل منها ، وقال في المبسوط : إن الأصل هو العدد والباقيان إنما يعتبران عند عدم انضباطه (٥) ، وهو اللائح من عبارة التذكرة حيث قال : الرضاع المحرم ما حصل به أحد التقادير الثلاثة : إما رضاع يوم وليلة لمن لم يضبط العدد إلى آخره (٦).

ويمكن أن يقال لو جعل كل واحد من هذه التقديرات أصلا لزم عدم اعتبار العدد في حصول التحريم ، فإنه لو فرض حصول رضاع ينبت اللحم ويشد العظم أو‌

__________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٢٢٢ حديث ٢٠٥٨.

(٢) الكافي ٥ : ٤٣٨ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣١٢ حديث ١٢٩٣ ، الاستبصار ٣ : ١٩٣ حديث ٦٩٨.

(٣) الكافي ٥ : ٤٣٨ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ٣١٢ حديث ١٢٩٥ ، الاستبصار ٣ : ١٩٣ حديث ٧٠٠.

(٤) التهذيب ٧ : ٣١٥ حديث ١٣٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١٩٢ حديث ٦٩٦.

(٥) المبسوط ٥ : ٢٩٢.

(٦) التذكرة ٢ : ٦٢٠.


______________________________________________________

رضاع يوم وليلة ولم يبلغ العدد المذكور ، لثبت التحريم بدون ثبوت العدد ، فلا يكون العدد معتبرا ، وهو باطل ، فتعين حينئذ التأليف بالحمل الذي ذكره.

وقد يجاب بإمكان التأليف بوجه آخر ، وهو أن يحمل اعتبار العدد على ما إذا لم يحصل رضاع يوم وليلة على الوجه المعتبر وتخلل بين الرضعات تراخ استغنى الرضيع فيه بالطعام ، فلم يتحقق إنبات اللحم وشد العظم ، فإنه لا بد من حصول العدد كله ، وليس بعيد هذا ، لأن ظاهر النصوص أنه متى حصل رضاع يوم وليلة تحقق التحريم وإن لم يبلغ العدد ، فيكون كل منهما أصلا برأسه.

ب : المراد برضاع يوم وليلة الرضاع الذي تقتضيه العادة في طول اليوم والليلة من غير اعتبار عدد ، وأما ما أنبت اللحم وشدّ العظم فإن الأصحاب لم يذكروا له حدا يرجع إليه فيه ، ويمكن اعتبار الرجوع فيه إلى قول طبيبين (١) عادلين عارفين بذلك ، وقد اختلفت الروايات في أن العشر رضعات تنبت اللحم وتشدّ العظم ، ففي بعضها أنها تنبت (٢) ، وفي بعضها لا (٣).

ج : اختلف الأصحاب في عدد الرضاع المحرّم ، فقال ابن الجنيد إن ما وقع عليه اسم الرضعة محرّم ، وقال المفيد (٥) والتقي (٦) وسلار (٧) وابن البراج (٨) وأبو الصلاح (٩)

__________________

(١) لفظ اطيبين ما لم يرد « ض ».

(٢) التهذيب ٧ : ٣١٤ و ٣١٥ حديث ١٣٠٢ و ١٣٠٣ و ١٣٠٥ ، الاستبصار ٣ : ١٩٤ و ١٩٦ حديث ٧٠٢ و ٧٠٣ و ٧٠٩.

(٣) التهذيب ٧ : ٣١٣ حديث ١٢٩٨ و ١٢٩٩ ، الاستبصار ٣ : ١٩٥ حديث ٧٠٤ و ٧٠٥.

(٥) المقنعة : ٧٧.

(٦) نقله عن التقي العلاّمة في المختلف : ٥١٨.

(٧) المراسم : ١٤٩.

(٨) المهذب ٢ : ١٩٠.

(٩) الكافي في الفقه : ٢٨٥.


______________________________________________________

وابن حمزة (١) وابن أبي عقيل (٢) : إن العشر محرّمة ، واختاره المصنف في المختلف (٣) ، لعموم قوله تعالى ( وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) (٤) ونظائره من العمومات ، ولصحيحة الفضيل بن يسار عن الباقر 7 قال : « لا يحرم من الرضاع إلا المحبور » (٥) قال قلت : وما المحبور؟ قال « أم ظئر تستأجر أو أمة تشترى ثم ترضع عشر رضعات يروى الصبي وينام » (٦) ولان العشر ينبت اللحم ، لصحيحة عبيد بن زرارة عن الصادق 7 إلى أن قال : فقلت وما الذي ينبت اللحم والدم؟ فقال : « كان يقال عشر رضعات » (٧).

__________________

(١) الوسيلة : ٣٥٥.

(٢) نقله عنه العلامة في المختلف : ٥١٨.

(٣) المصدر السابق.

(٤) النساء : ٢٣.

(٥) اختلفت المصادر في ضبط هذه الكلمة ، ففي نسخة « ض » : المحبور ، وفي نسخة « ش » والمختلف : ٥١ وإيضاح الفوائد ٣ : ٣٦ والوسائل ١٤ : ٢٨٥ المخبور ، وفي التهذيب ٧ : ٣١٥ حديث ١٣٠٥ والاستبصار ٣ : ١٩٦ حديث ٧٠٩ والفقيه ٣ : ٣٠٧ حديث ١٤٧٤ : المجبور ، ونقل الطريحي في مجمعه ٣ : ٢٤٣ عن شارح الشرائع إنه وجد لفظة المجبور مضبوطة بخط الصدوق بالجيم والباء في كتابه المقنع ، وقال الطريحي في مجمعه أيضا ٣ : ٢٥٧ : وقد اضطربت النسخ في ذلك ففي بعضها بالحاء المهملة وفي بعضها بالجيم وفي بعضها بالخاء المعجمة ولعله الصواب.

(٦) نقل هذا الحديث بهذا النص العلاّمة في المختلف : ٥١٨ وفخر المحققين في الإيضاح ٣ : ٤٦ ، وذكره الصدوق في الفقيه ٣ : ٣٠٧ حديث ١٤٧٤ من دون ذكر عبارة : ثم ترضع عشر. ، وذكره الشيخ في التهذيب ٧ : ٣١٥ حديث ١٣٠٥ والاستبصار ٣ : ١٩٦ حديث ٧٠٩ بهذه اللفظة : عن ابي جعفر « 7 » قال : « لا يحرم من الرضاع إلاّ المجبورة أو خادم أو ظئر ثم يرضع عشر رضعات يروى الصبي وينام ».

(٧) الكافي ٥ : ٤٣٩ حديث ٩ ، التهذيب ٧ : ٣١٣ حديث ١٢٩٦ ، الاستبصار ٣ : ١٩٤ حديث ٧٠١.


______________________________________________________

وذهب الشيخ في كتبه إلى عدم التحريم إلاّ بخمس عشرة (١) ، واختاره ابن إدريس (٢) والمصنف في أكثر كتبه (٣) ونجم الدين بن سعيد (٤) وعامة المتأخرين ، وهو الأصح ، للأصل والاستصحاب.

ولما رواه زياد بن سوقة ، قال : قلت لأبي جعفر 7 : هل للرضاع حد يؤخذ به؟ فقال : « لا يحرّم الرضاع أقل من رضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينهم رضعة امرأة غيرها » الحديث (٥).

ولصحيحة علي بن رئاب عن الصادق 7 قال قلت : ما يحرم من الرضاع؟ قال : « ما أنبت اللحم وشدّ العظم » قلت : فتحرم عشر رضعات؟ قال : « لا إنها (٦) لا تنبت اللحم ولا تشد العظم عشر رضعات » (٧).

وقريب منه موثقة عبيد بن زرارة عنه 7 (٨) ، وموثقة عبد الله بن بكير عنه 7 (٩).

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٠٤ و ٥ : ٢٩٢ ، النهاية : ٤٦١ ، الخلاف ٣ : ٨١ مسألة ٣.

(٢) السرائر : ٢٩٣.

(٣) منها التذكرة ٢ : ٦٢٠ ، والتحرير ٢ : ٩.

(٤) الشرائع ٢ : ٢٨٢.

(٥) التهذيب ٧ : ٣١٥ حديث ١٣٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١٩٢ حديث ٦٩٦.

(٦) في التهذيب والاستبصار : لأنها.

(٧) التهذيب ٧ : ٣١٣ حديث ١٢٩٨ ، الاستبصار ٣ : ١٩٥ حديث ٧٠٤.

(٨) التهذيب ٧ : ٣١٣ حديث ١٢٩٩ ، الاستبصار ٣ : ١٩٥ حديث ٧٠٥.

(٩) التهذيب ٧ : ٣١٣ حديث ١٣٠٠ ، الاستبصار ٣ : ١٩٥ حديث ٧٠٦.


فلو ارتضع رضعة ناقصة لم تحسب من العدد ، والمرجع في كمالية الرضعة إلى العرف.

وقيل : ان يروي ويصدر من قبل نفسه ، فلو لفظ الثدي ثم عاوده ، فإن كان قد أعرض أولا فهي رضعة وإن كان للتنفس أو الالتفات إلى ملاعب أو الانتقال إلى ثدي آخر كان الجميع رضعة.

______________________________________________________

وظاهر قوله 7 في الرواية السالفة (١) : « كان يقال » عدم الرضى بذلك ، وتمام الحديث أنه سأله هل يحرم بعشر رضعات؟ فقال : « دع ذا » وقال : « ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع » وإعراضه عن الجواب يشعر بالتقية.

واعلم أنه يلوح من قول المصنف : ( ولا حكم لما دون العشر ) بعد قوله : ( وفي العشر قولان ) أن ما دون العشر لا خلاف فيه عندنا ، وكأنه لم يلتفت إلى خلاف ابن الجنيد (٢).

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه يعتبر في الرضعات ليتحقق العدد قيود ثلاثة : كمالية كل واحدة منها ، وتواليها ، والارتضاع من الثدي.

أما الكمالية فلعدم صدق الرضعة إذا كانت ناقصة ، وأما التوالي فلما دل عليه حديث زياد بن سوقة السالف ، وأما الارتضاع من الثدي فلما تقدم من أنه لو وجر اللبن بعد احتلابه في حلق الطفل لم يصدق الرضاع ولم يثبت التحريم.

قوله : ( فلو ارتضع رضعة ناقصة لم يحسب من العدد ، والمرجع في كمالية الرضعة إلى العرف ، وقيل : أن يروي ويصدر من قبل نفسه ، فلو لفظ الثدي ثم عاوده ، فان كان قد أعرض أولا فهي رضعة ، وإن كان للتنفس أو الالتفات إلى ملاعب أو الانتقال إلى ثدي آخر كان الجميع رضعة ، ولو منع‌

__________________

(١) وهي رواية عبيد بن زرارة المتقدمة.

(٢) المختلف : ٥١٨.


ولو منع قبل استكماله لم تحسب ، ولو لم يحصل التوالي لم ينشر ، كما لو أرضعت امرأة خمسا كاملة ، ثم ارتضع من اخرى ، ثم أكمل من الاولى العدد لم ينشر ، وبطل حكم الأول وان اتحد الفحل.

ولو تناوب عليه عدة نساء لم ينشر ما لم يكمل من واحدة خمس عشرة رضعة كاملة ولاء.

ولو ارتضع من كل واحدة خمس عشرة رضعة كاملة متوالية حرمن كلهن ولا يشترط عدم تخلل المأكول والمشروب بين الرضعات ، بل عدم تخلل الرضاع وإن كان أقل من رضعة.

______________________________________________________

قبل استكماله لم يحتسب ، ولو لم يحصل التوالي لم ينشر ، كما لو أرضعت امرأة خمسا كاملة ثم ارتضع من اخرى ثم أكمل من الاولى العدد لم ينشر وبطل حكم الأول وإن اتحد الفحل ، ولو تناوب عليه عدة نساء لم ينشر ما لم يكمل من واحدة خمس عشرة رضعة كاملة ولاء ، ولو ارتضع من كل واحدة خمس عشرة رضعة متوالية كاملة حرمن كلهن ، ولا يشترط عدم تخلل المأكول والمشروب بين الرضعات ، بل عدم تخلل رضاع وإن كان أقل من رضعة ).

لا ريب أنه لو ارتضع رضعة ناقصة لم يحتسب من العدد ، ولكن لو أكملها احتسب ، كما لو التفت إلى ملاعب أو حصل نوم خفيف ثم عاد ، ولو طال الزمان كثيرا ففي اعتبار إكمالها نظر ، ينشأ : من انتفاء الوحدة عرفا ، ومن أن الفرض حصول القدر الذي يساوي الرضعة الواحدة ، ويلوح من تقديرهم الزمان المتخلل بالقليل ـ كما قيد في التذكرة النوم بكونه خفيفا (١) ونحو ذلك في كلامه هنا وهناك ـ أن تخلل الكثير مانع من الاحتساب.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٦٢٠.


الثالث : أن يكون الرضاع في الحولين وإن كان بعد فطامه ، ويعتبر في المرتضع إجماعا دون ولد المرضعة على الأقوى.

______________________________________________________

والمرجع في كمالية الرضعة إلى العرف ، إذ الشارع لم يعين لها قدرا مضبوطا ولم يحدّها بزمان ، فدل ذلك على أنه جعل المرجع العرف ، كما هو عادته في أمثاله ، ولأن الحقيقة العرفية هي المرجع عند انتفاء الشرعية ، وقيل أن يروي ويصدر عن ري من قبل نفسه ، والقولان للشيخ (١) ، وهما في المعنى واحد.

وكان المصنف أراد بقوله : ( وقيل ) حكاية اختلاف العبارة في ضبط الكمالية ، إلاّ أنه قول مستقل ، وينبه عليه أنه في التذكرة قال : إن المرجع في الكمالية إلى العرف ، ثم قال : إذا ارتضع الصبي وروى وقطع قطعا بيّنا باختياره وأعرض إعراض ممتل باللبن كان ذلك رضعة (٢) ، فجعل العبارتين معا حد الكمالية.

واما التوالي فيتحقق بأن لا يرتضع من امرأة خلال رضاعه من اخرى وإن كان لبن كل منهما لفحل واحد عندنا ـ خلافا لبعض العامة (٣) ـ لقول الباقر 7 : « لا يحرّم الرضاع أقل من رضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد » (٤).

وأشار 7 بقوله : « من امرأة واحدة » إلى آخره ، إلى تفسير متواليات ، فيعلم منه أن تخلل المأكول أو المشروب أو طول الزمان لا يخل بالتوالي.

قوله : ( الثالث : أن يكون الرضاع في الحولين وإن كان بعد فطامه ، ويعتبر في المرتضع إجماعا دون ولد المرضعة على الأقوى.

__________________

(١) المبسوط ٥ : ٢٩٤ ، الخلاف ٣ : ٨٢ مسألة ٣ وص ٨٣ مسألة ٦ من كتاب الرضاع.

(٢) التذكرة ٢ : ٦٢٠.

(٣) انظر : المجموع ١٨ : ٢٢٨ ، المغني لابن قدامة ٩ : ٢٠٧.

(٤) التهذيب ٧ : ٣١٥ حديث ١٣٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١٩٢ حديث ٦٩٦.


ولو أكمل الأخيرة بعد الحولين لم ينشر ، وينشر لو تمت مع تمام الحولين.

______________________________________________________

ولو أكمل الأخيرة بعد الحولين لم ينشر ، وينشر لو تمت مع تمام الحولين ).

الشرط الثاني من شرائط الرضاع المحرّم : كون الرضاع واقعا قبل أن يستكمل المرتضع الحولين ، بإجماع أصحابنا ، وهو قول أكثر أهل العلم ، ويدل عليه قوله 6 : « لا رضاع إلاّ ما كان في الحولين » (١). ومن طرقنا قول الصادق 7 : « لا رضاع بعد فطام » قلت : جعلت فداك وما الفطام؟ قال : « الحولين اللذين قال الله عز وجل » (٢).

ولا فرق بين أن يفطم قبل الرضاع في الحولين وعدمه ، لظاهر النصوص ، فلو ارتضع بعد الحولين لم يفد تحريما وإن لم يكن قد فطم ، وصرح المصنف وغيره (٣) بأنه لو أكمل الرضعة الأخيرة مع تمام الحولين نشر الحرمة ، ويدل عليه قوله 7 : « لا رضاع بعد فطام » مع قوله سبحانه ( وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ ) (٤) فإن ظاهرهما اعتبار ما لم يكن واقعا بعد الحولين.

والمعتبر في الحولين الأهلّة كما في سائر الأبواب الفقهية ، ولو انكسر الشهر الأول فاحتمالان.

وهذا كلّه في المرتضع ، أما ولد المرضعة ـ وهو الذي حصل اللبن من ولادته ـ فهل يشترط كونه في الحولين حين الارتضاع بحيث لا يقع شي‌ء من الرضاع بعد تجاوزه إياهما؟ فيه قولان :

أحدهما : الاشتراط ، فلا يحرم الرضاع لو وقع شي‌ء منه بعد استكماله حولين ،

__________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ٤٦٢ ، كنز العمال ٦ : ٢٧٩ حديث ١٥٧٠.

(٢) الكافي ٥ : ٤٤٣ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٣١٨ حديث ١٣١٣.

(٣) كالمحقق في الشرائع ٢ : ٢٨٤ ، وفخر المحققين في الإيضاح ٣ : ٤٨.

(٤) النساء : ٢٣.


الرابع : اتحاد الفحل وهو صاحب اللبن ، فلو تعدد لم ينشر ، كما لو أرضعت بلبن فحل صبيا وبلبن آخر صبيه : لم تحرم الصبية على الصبي.

ولو أرضعت بلبن فحل واحد مائة حرم بعضهم على بعض ، ولو أرضعت منكوحاته وإن كن مائة صغارا كل واحدة واحدا حرم بعضهم على‌

______________________________________________________

وهو قول أبي الصلاح (١) وابن حمزة (٢) وابن زهرة (٣) ، لظاهر قوله 7 : « لا رضاع بعد فطام » فإنه يتناول ولد المرضعة.

والثاني : عدم الاشتراط ، وهو مختار ابن إدريس (٤) وجماعة منهم المصنف ، لعموم قوله تعالى ( وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) (٥) والمتبادر من قوله 7 : « لا رضاع بعد فطام » المرتضع دون ولد المرضعة ، ولم يصرح الشيخان في ولد المرضعة بالاشتراط ولا بعدمه ، وتوقف المصنف في المختلف (٦) ، وعدم الاشتراط أقوى (٧) ، تمسكا بأصالة عدم الاشتراط.

قوله : ( الرابع : اتحاد الفحل ، وهو صاحب اللبن ، فلو تعدد لم ينشر ، كما لو أرضعت بلبن فحل صبيا وبلبن آخر صبية لم تحرم الصبية على الصبي ، ولو أرضعت بلبن فحل واحد مائة حرم بعضهم على بعض ، ولو أرضعت منكوحاته وإن كن مائة صغارا كل واحدة واحدا حرم بعضهم على‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٢٨٥.

(٢) الوسيلة : ٣٥٥.

(٣) الغنية : ٥٤٧.

(٤) السرائر : ٢٨٦.

(٥) النساء : ٢٣.

(٦) المختلف : ٥١٩.

(٧) في « ش » : قوي.


بعض.

ولو ارتضع خمسا من لبن فحل ثم اعتاض بالغذاء وفارقت ونكحت آخر ، فأكملت العدد من لبن الثاني ولم يتخلل رضاع اخرى لم تصر أما ، ولم تحرم هي ولا أولادها عليه.

______________________________________________________

بعض ، ولو ارتضع خمسا من لبن فحل ثم اعتاض بالغذاء وفارقت ونكحت آخر فأكملت العدد من لبن الثاني ولم يتخلل رضاع اخرى ، لم تصر اما ولم تحرم هي ولا أولادها عليه ).

لا خلاف بين أصحابنا في أن الرضاع المثمر للتحريم ـ بين رضعتين فصاعدا ، المقدّر بأحد الأمور المذكورة ـ يشترط أن يكون جميعه من لبن فحل واحد وهو الشرط الثالث.

ولا يخفى أن هذا الشرط ليس كالأولين ، لأن أصل التحريم لا يثبت بالرضاع في حال من الأحوال بدون الشرطين الأولين ، فإذا حصل أحدهما كان وجوده كعدمه ، بخلاف هذا الشرط ، فإنه إنما يعتبر لثبوت التحريم بين المرتضعين لا مطلقا.

فلو ارتضع اثنان من لبن فحل واحد دفعة أو على التراخي ثبتت (١) الاخوة بينهما ، فلو كانا ذكرا وأنثى حرم كل منهما على الآخر ، ولا فرق بين أن يرتضعا معا من امرأة واحدة أو من منكوحتين لصاحب اللبن بحيث يرتضع أحدهما من أحدهما كمال النصاب والآخر من الأخرى كذلك.

ولو تعددوا فبلغوا مائة وأكثر ـ كالمنكوحات بالمتعة أو بملك اليمين ـ ثبت التحريم بينهم مع رعاية ما قلناه.

ولو تعدد الفحل بحيث ارتضع أحد الصغيرين من امرأة من لبن فحل والآخر منها من لبن فحل آخر فلا اخوّة ولا تحريم عندنا ، لقول الباقر 7 : « لا يحرم‌

__________________

(١) في « ش » و « ض » : اختل ، والمثبت من النسخة الحجرية وهو الأوفق بالسياق.


المطلب الثالث : في الأحكام.

إذا حصل الرضاع بشرائطه نشر الحرمة ، ولو شككنا في العدد فلا تحريم.

______________________________________________________

من الرضاع أقل من رضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد » (١).

وسأل عمّار الساباطي الصادق 7 عن غلام رضع من امرأة ، أيحلّ أن يتزوج أختها لأبيها من الرضاع؟ قال فقال : « لا قد رضعا جميعا من لبن فحل واحد من امرأة واحدة » قال قلت : يتزوج أختها من الرضاعة؟ قال : « لا بأس بذلك ، إن أختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل الذي أرضعت الغلام ، فاختلف الفحلان ، فلا بأس » (٢).

وذهب أبو علي الطبرسي صاحب مجمع البيان في التفسير إلى التحريم بذلك ، لثبوت الاخوّة من الام (٣) ، وهو نادر ، لمخالفته النصوص عن أهل البيت :.

واعلم أن قوله : ( ولو ارتضع خمسا ... ) قد سبق بيانه عند ذكر الشرط الأول ، فإعادته تكرار.

قوله : ( المطلب الثالث : في الأحكام ، إذا حصل الرضاع بشرائطه نشر الحرمة ، ولو شككنا في العدد فلا تحريم.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣١٥ حديث ١٣٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١٩٣ حديث ٦٩٦.

(٢) الكافي ٥ : ٤٤٢ حديث ١٠ ، التهذيب ٧ : ٣٢٠ حديث ١٣٢١ ، الاستبصار ٣ : ٢٠٠ حديث ٧٢٤.

(٣) مجمع البيان ٢ : ٢٨.


ولو شككنا في وقوعه بعد الحولين تقابل أصلا البقاء والإباحة ، لكن الثاني أرجح.

ولو كان له خمس عشرة مستولدة ، فأرضعته كل واحدة رضعة لم تحرم المرضعات ولا الفحل للفصل ، ولا يصير الفحل أبا ولا المرضعات أمهات.

ولو كان بدلهن خمس عشرة بنتا لم يكن الأب جدا.

______________________________________________________

ولو شككنا في وقوعه بعد الحولين تقابل أصل البقاء والإباحة ، لكن الثاني أرجح ، ولو كان له خمس عشرة مستولدة فأرضعته كل واحدة رضعة لم تحرم المرضعات ولا الفحل للفصل ، ولا يصير أبا ولا المرضعات أمهات ، ولو كان بدلهنّ خمس عشرة بنتا لم يكن الأب جدا ).

لا خلاف في أنه إذا حصل الرضاع بشرائطه المعتبرة فيه نشر الحرمة في الجملة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى تفاصيل ذلك.

ولو حصل الشك في بلوغ النصاب أو في وصول اللبن إلى الجوف في بعض المرات لم تثبت الحرمة ، لأن الأصل عدم المحرم والأصل الإباحة ، ولا شك أن الورع يقتضي الاحتراز عنه.

أما لو حصل الشك في وقوع الرضاع في الحولين ، فإنّ أصل بقاء الحولين مقابل لأصل الإباحة ، فإن الإباحة كانت ثابتة قبل النكاح ، والأصل بقاؤها ، وكون المرتضع في الحولين كان ثابتا قبل الرضاع والأصل البقاء ، وترجّح الإباحة لوجوه :

أ : أن التقابل والتكافؤ يقتضي التساقط ، فينتفي التحريم قطعا لانتفاء سببه ، ويلزم من انتفائه ثبوت الإباحة ، إذ لا يعقل ارتفاع النقيضين.

ب : أنّ الشك في وقوع الرضاع في الحولين يقتضي الشك في تقدّم الرضاع وتأخّره ، والأصل عدم التقدّم.


______________________________________________________

لا يقال : كما أنّ الأصل عدم التقدّم فكذا الأصل عدم التأخّر.

لأنا نقول : هو كذلك إلاّ أنّ الأصل حصل بطريق آخر ، وهو أنّ التقدّم يقتضي تحقق الرضاع في أزمنة تزيد على أزمنة تأخره ، والأصل عدم الزيادة ، وإذا وجد هذا الأصل مع أصل الإباحة قوي جانبه فرجّح به.

ج : قوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (١) بعد قوله سبحانه : ( وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) (٢) فإنّ المراد والله أعلم : اللاتي أرضعنكم الرضاع المحكوم شرعا بوقوعه في الحولين ، لأن ذلك شرط قطعا ، وليس محكوما بكون الرضاع في محلّ النزاع واقعا في الحولين ، لتقابل الأصلين ، فيندرج المتنازع في حلّ نكاحها في عموم ما وراء ذلكم ، وهو من أبين المرجّحات.

وقد يقال : يرجّح التحريم : بأنه إذا تعارض الناقل والمقرّ رجّح الناقل ، لأن التأسيس خير من التأكيد ، ولأنه إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام.

وضعفه ظاهر ، لأن ترجيح الناقل في النصوص من حيث اشتماله على زيادة لا ينافيها الآخر ، أما في الأصلين كما هنا فغير واضح.

وإنما يغلب الحرام على الحلال إذا ثبت التحريم شرعا ، كما إذا اشتبهت محرمة بأجنبية ، وقد علم مما تقدّم أنّه لا بدّ من استكمال الرضعات من امرأة واحدة بلبن فحل واحد ، فلا حاجة إلى إعادته.

ويلوح من كلام الشارح الفاضل أن قول المصنف : ( لكن الثاني أرجح ) إشارة إلى خلاف ، حيث قال في آخر البحث : والأقوى عندي ما هو الأرجح عند المصنف (٣) ، والظاهر أنه لا خلاف هنا يعرف ، وإنما أراد المصنف بيان دليل المسألة والإشارة إلى تقابل الأصلين وأنّ أحدهما مرجّح على الآخر.

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) النساء : ٢٣.

(٣) إيضاح الفوائد ٣ : ٤٩.


والأصول في التحريم ثلاثة : المرتضع ، والمرضعة ، والفحل. فيحرم المرتضع عليهما ، وبالعكس.

وتصير المرضعة اما والفحل أبا ، وآباؤهما أجدادا وأمهاتهما جدات ، وأولادهما اخوة وأخوات ، وإخوتهما أخوالا وأعماما. فكما حرمت المرضعة على المرتضع حرم عليه أمهاتها وأخواتها وبناتها من النسب ، وكذا أولاد الرضيع أحفاد المرضعة.

وكل من ينسب إلى الفحل من الأولاد ولادة ورضاعا يحرمون على المرتضع ، وبالعكس.

ولا يحرم عليه من ينسب إلى المرضعة بالبنوة رضاعا من غير لبن هذا الفحل ، بل كل من ينسب إليها بالولادة وإن نزل.

______________________________________________________

قوله : ( والأصول في التحريم ثلاثة : المرتضع والمرضعة والفحل ، فيحرم المرتضع عليهما وبالعكس ، وتصير المرضعة امّا والفحل أبا وآباؤهما أجدادا وجدات وأولادهما اخوة وأخوات وأخواتهما أخوالا وأعماما ، فكما حرمت المرضعة على المرتضع حرم عليه أمهاتها وأخواتها وبناتها من النسب ، وكذا أولاد الرضيع أحفاد المرضعة ، وكل من ينسب إلى الفحل من الأولاد ولادة ورضاعا يحرمون على المرتضع وبالعكس ، ولا يحرم عليه من ينسب إلى المرضعة بالبنوّة رضاعا من غير لبن هذا الفحل ، بل كل من ينسب إليها بالولادة وإن نزل ).

أراد بقوله : ( والأصول في التحريم ثلاثة ) أنّ الذين ثبت لهم التحريم الناشئ عن الرضاع المحرّم بدون واسطة غير ثلاثة ومن عداهم فإنما يتعلق بهم التحريم بسبب هذا الرضاع بتوسط واحد من الثلاثة.


______________________________________________________

وتحقيقه : أنه إذا حصل الرضاع المحرّم ، فان كان المرتضع ذكرا حرم على المرضعة نكاحه ، لأنه ابنها ، وإن كان أنثى حرم على الفحل نكاحها ، لأنها بنته ، وكما يحرم عليهما نكاح المرتضع ، فكذا يحرم عليه نكاحهما ، لأن التحريم من الجانبين ، وحيث أنّ المرضعة أمّ للمرتضع والفحل أب له فآباؤهما أجداد وجدات قطعا ، وكذا أولادهما اخوة وأخوات وأخواتهما أخوال وأعمام ، ضرورة أنّ الأبوّة والأمومة يقتضيان ذلك.

إذا تقرر هذا ، فكما حرمت المرضعة على المرتضع حرم عليه أمهاتها وأخواتها وبناتها من النسب.

ولو قال : فكما حرمت المرضعة والفحل على المرتضع حرم عليه أمهاتهما وأخواتهما وأولادهما ، لكان أشمل وأوفق لما تقدّم من كلامه وأخصر ، حيث جعل أصول التحريم ثلاثة : المرتضع والمرضعة والفحل.

ويتعدى التحريم إلى الباقين.

وكأنّه اعتمد على ظهور ذلك ، فمال إلى الاختصار بالسكوت عمن يتعدّى التحريم من الفحل إليهم ، وكذا سكت عن حكم الرضيعة.

وقوله : ( من النسب ) يمكن أن يريد اختصاصه بالبنات ، لما علم من أن الرضاع لا يفيد التحريم بين المرتضعين إلاّ مع اتحاد صاحب اللبن الذي ارتضعا به ، ويمكن أن يريد شموله للأمّهات والأخوات أيضا ، نظرا إلى أن التحريم لا يكون إلاّ مع اتحاد صاحب اللبن ، وهو منتف فيهن ، وسيأتي التصريح بذلك في كلام المصنف في عاشر الفروع.

وقوله : ( وكذا أولاد الرضيع أحفاد المرضعة ) يريد به كما أن المرضعة صارت امّا والفحل أبا ، فكذا أولاد المرتضع صاروا أحفادا ، ومن هذا يعلم أنه لو قال : وكذا أولاد الرضيع أحفاد المرضعة والفحل ، لكان أولى.


ولا تحرم المرضعة على أب المرتضع ولا على أخيه.

ويحرم أولاد الفحل ولادة ورضاعا ، وأولاد زوجته المرضعة ولادة لا رضاعا على أب المرتضع على رأي ،

______________________________________________________

وقوله : ( وكل من ينسب إلى الفحل من الأولاد ولادة ورضاعا يحرمون على المرتضع وبالعكس ، ولا يحرم عليه ... ) قد سبق بيانه غير مرة ، وذكرنا دليل الفرق بين المرضعة والفحل في ذلك وخلاف الطبرسي في ذلك.

قوله : ( ولا تحرم المرضعة على أب المرتضع ولا على أخيه ، ويحرم أولاد الفحل ولادة ورضاعا وأولاد زوجته المرضعة ولادة لا رضاعا على أب المرتضع على رأي ).

لا ريب أن المرضعة لا تحرم على أب المرتضع ، إذ لا مقتضي لذلك بوجه من الوجوه ، فإن أم الولد من النسب ليست حراما ، فكيف من الرضاع ، وكذا لا تحرم على أخ المرتضع ، لانتفاء المقتضي ، وأمّ الأخ من النسب إنما حرمت على أخيه لأنها منكوحة الأب ، وهذا المعنى منتف هنا.

وأما أولاد الفحل ولادة ورضاعا ، فانّ في تحريمهنّ على أب المرتضع قولين للأصحاب :

أحدهما : ـ واختاره الشيخ في المبسوط (١) ـ عدم التحريم ، لأن أخت الابن من النسب إنما حرمت لكونها بنت الزوج المدخول بها ، فتحريمها بسبب الدخول بأمها ، وهذا المعنى منتف هنا ، والنبي 6 قال : « إنّما يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (٢) ولم يقل يحرم من الرضاع ما يحرم من المصاهرة ، وقال في النهاية (٣)

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٠٤ و ٥ : ٢٩٢.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٠٥ حديث ١٤٦٧ ، صحيح مسلم ٢ : ١٠٧ حديث ٩ و ١٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٢٣ حديث ١٩٣٧ ، مسند أحمد ١ : ٢٧٥.

(٣) النهاية : ٤٦٢ ، وفي نسخة « ض » : الخلاف.


______________________________________________________

بالتحريم ، وهو ظاهر اختيار ابن إدريس (١) ، واختاره المصنف هنا وفي المختلف (٢) والتذكرة (٣) معترفا فيهما بقوّة كلام الشيخ في المبسوط.

لصحيحة علي بن مهزيار ، قال : سأل عيسى بن جعفر أبا جعفر الثاني 7 عن امرأة أرضعت لي صبيا هل يحل لي أن أتزوج بنت زوجها؟ فقال لي : « ما أجود ما سألت ، من ها هنا يؤتى أن يقول الناس : حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل ، هذا هو لبن الفحل لا غيره » فقلت له : إنّ الجارية ليست بنت المرأة التي أرضعت لي هي بنت زوجها ، فقال : « لو كنّ عشرا منفردات ما حلّ لك شي‌ء منهن وكن في موضع بناتك » (٤).

وروى ابن يعقوب في الصحيح عن عبد الله بن جعفر قال : كتبت إلى أبي محمد 7 أنّ امرأة أرضعت ولدا لرجل هل يحل لذلك الرجل أن يتزوج ابنة هذه المرأة أم لا؟ فوقّع 7 : « لا يحل ». (٥)

وروى أيوب بن نوح في الصحيح قال : كتب علي بن شعيب إلى أبي الحسن 7 : امرأة أرضعت بعض ولدي هل يجوز لي أن أتزوج بعض ولدها؟ فكتب : « لا يجوز ذلك ، إنّ ولدها صارت بمنزلة ولدك » (٦).

قال المصنف في المختلف بعد إيراد الرواية الاولى ـ ونعم ما قال ـ : وقول الشيخ في غاية القوة ، ولو لا هذه الرواية الصحيحة لاعتمدت على قول الشيخ (٧).

__________________

(١) السرائر : ٢٩٤.

(٢) المختلف : ٥٢٠.

(٣) التذكرة ٢ : ٦٢٢.

(٤) الكافي ٥ : ٤٤٢ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ٣٢٠ حديث ١٣٢٠ ، الاستبصار ٣ : ٩٩٩ حديث ٧٢٣.

(٥) الكافي ٥ : ٤٤٧ حديث ١٨.

(٦) الفقيه ٣ : ٣٠٦ حديث ١٤٧٠ ، التهذيب ٧ : ٣٢١ حديث ١٣٢٤ ، الاستبصار ٣ : ٢٠١ حديث ٧٢٧.

(٧) المختلف : ٥٢٠.


ولأولاد هذا الأب الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن النكاح في أولاد المرضعة وأولاد فحلها ولادة ورضاعا على رأي.

______________________________________________________

والأصح التحريم ، وإنما لم يحرم أولاد المرضعة رضاعا ، لما عرفت من أنّ التحريم بالرضاع مشروط باتحاد الفحل.

قوله : ( ولأولاد هذا الأب الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن النكاح في أولاد المرضعة وأولاد فحلها ولادة ورضاعا على رأي ).

اختلف الأصحاب في أنّ أخ المرتضع وأخته من النسب هل يحل نكاحهما لأولاد المرضعة وأولاد فحلها سواء كانوا من النسب أم من الرضاع ـ والحال أن الأخ والأخت لم يرتضعا من لبن هذا الفحل ـ فقال الشيخ في الخلاف : لا يجوز (١) ، وكذا قال في النهاية (٢) ، لأن أخت الأخ (٣) من النسب لا يجوز نكاحها ، فكذا من الرضاع ، ولأن تعليل التحريم على أب المرتضع في الروايات السالفة ـ بأنهن بمنزلة ولده ـ قائم هنا.

وذهب ابن إدريس (٤) وجمع من المتأخرين إلى عدم التحريم ، منهم المصنف ، لكنه توقف في المختلف (٥) ، وهو الأصح ، فإن دليل التحريم ضعيف ، فإن أخت الأخ من النسب لا تحرم إلاّ على من هي أخت له من الأب أو من الام ، ولهذا لا تحرم أخت الأخ مع اختلاف الجهة ، كالأخ من الأب إذا كان له أخت من الأم ، فإنها لا تحرم على أخيه ، لانتفاء سبب التحريم.

__________________

(١) الخلاف : كتاب الرضاع ، مسألة ١.

(٢) النهاية : ٤٦٢.

(٣) في « ش » : الأب.

(٤) السرائر : ٢٩٤.

(٥) المختلف : ٥٢١.


ولإخوة المرتضع نكاح اخوة المرتضع الآخر إذا تغاير الأب وإن اتحد اللبن.

وكما يمنع الرضاع النكاح سابقا كذا يبطله لاحقا ، فلو أرضعت امه‌

______________________________________________________

والتعليل السابق في الروايات لا يقتضي التحريم هنا ، لأن منصوص العلة حجّة ، بمعنى أنه حيث تثبت تلك العلة يثبت التحريم ، والعلة المذكورة هي كونهن بمنزلة أولاد أبي المرتضع ، وهذه غير موجودة في محل النزاع ، وليس المراد بحجية منصوص العلة أنه حيث ثبتت العلة وما جرى مجراها يثبت الحكم (١).

قوله : ( ولإخوة المرتضع نكاح اخوة المرتضع الآخر إذا تغاير الأب وإن اتحد اللبن ).

المراد : أنه إذا ارتضع أجنبيان من لبن امرأة ـ سواء كان اللبن كلّه لفحل واحد ، أم ارتضع أحدهما بلبن فحل والآخر بلبن فحل آخر ـ صارا أخوين ، فلاخوة أحدهما أن ينكحوا في إخوة المرتضع الآخر ، لأن هؤلاء ليسوا بمنزلة أولاد صاحب اللبن ولا بمنزلة إخوة المرتضع ، وإنما أولئك أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعا وأولاد المرضعة ولادة خاصة.

واحترز المصنف بقوله : ( إذا تغاير الأب ) عما إذا كان أبو كلّ من إخوة أحد المرتضعين هو أبو إخوة المرتضع الآخر ، فإنه لا يجوز النكاح ، وهو ظاهر ، وأراد بقوله : ( وإن اتحد اللبن ) أنّ اللبن الذي ارتضع به كلّ من الصبيين لفحل واحد.

قوله : ( وكما يمنع الرضاع النكاح سابقا كذا يبطله لاحقا ، فلو‌

__________________

(١) في « ض » : التحريم.


أو من يحرم النكاح بإرضاعه كأخته وزوجته وزوجة أبيه من لبن الأب زوجته فسد النكاح وعليه نصف المهر.

ولو لم يسمّ فالمتعة ويرجع به على المرضعة إن تولت الإرضاع وقصدت الإفساد ، وإن انفردت المرتضعة به بأن سعت وامتصت من ثديها من غير شعور المرضعة سقط المهر.

______________________________________________________

أرضعت امّه أو من يحرم النكاح بإرضاعه ـ كأخته وزوجته وزوجة أبيه من لبن الأب ـ زوجته فسد النكاح وعليه نصف المهر ، ولو لم يسم (١) فالمتعة ويرجع به على المرضعة إن تولّت الإرضاع وقصدت الإفساد ، وإن انفردت المرتضعة به بأن سعت وامتصت من غير شعور المرضعة سقط المهر ).

لا خلاف في أن الرضاع الذي إذا حصل سابقا على النكاح يمنعه ـ لأنه يثمر التحريم ـ لو حصل لاحقا أبطله ، فلو أرضعت أخته أو زوجته أو زوجة أبيه من لبن الأب زوجته الرضاع المحرّم فسد النكاح ، لأن الزوجة تصير بنت أخته بإرضاع أخته إياها ، وبنت الأخت من النسب حرام.

وإذا أرضعتها زوجته ، فان كان بلبنه صارت بنتا ، وإن كان بلبن غيره ، فان كانت المرضعة مدخولا بها حرمتا معا ، وإلاّ انفسخ النكاح وحرمت المرضعة مؤبدا على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.

وإن أرضعتها زوجة أبيه ، فإن كان بلبن الأب حرمت مؤبدا ، لأنها أخته ، وإلاّ فلا ، وكذا القول في زوجة الابن إذا أرضعت بلبن الابن ، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أنه يجب على الزوج للرضيعة نصف المهر ، أما الوجوب فلأن الفسخ ليس من طرف الزوجة ، وأما وجوب النصف خاصة فلأن الفسخ‌

__________________

(١) أي : المهر.


______________________________________________________

قبل الدخول يجري مجرى الطلاق.

ويحتمل وجوب الجميع ، لأن الأصح ـ على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى ـ أن المهر يجب بالعقد جميعه ويستقر بالدخول ، ويتشطّر بالطلاق قبله (١) ، ولم يثبت تشطّره بسبب آخر ، فيستصحب وجوب جميعه إلى أن يثبت السبب المسقط لشي‌ء ، وهذا متجه.

هذا كلّه إذا كان قد سمّى مهرا.

ولو لم يسمّ مهرا ، بل كانت مفوّضة البضع ، وجبت المتعة ، إلحاقا لهذا الفسخ بالطلاق ، ويحتمل السقوط كما لو ماتت ، ووجوب مهر المثل أو نصفه ، لاختصاص المتعة بالطلاق ، حيث أن القرآن إنما ورد بها في الطلاق ، فلا يتعدّى الحكم مورده ، والبضع لا يخلو من عوض. وصرح المصنف في التذكرة بوجوب المتعة (٢) ، وحكاه عن الشافعي (٣) ، ولم يذكر احتمالا آخر.

ثم يرجع الزوج بما اغترمه على المرضعة المتولية للإرضاع إن قصدت الإفساد ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (٤) ، لأن البضع مضمون كالأموال ، لأنه يقابل بمال في النكاح والخلع ، ولا يجب على المريض المهر لو نكح بمهر المثل فما دون ، وكذا المريضة المختلعة بمهر المثل.

أما إذا لم تقصد الإفساد فإنها لا تضمن ، لأن السبب مباح ، كما لو احتفر بئرا في ملكه فتردّى فيها متردّ ، ولأنها محسنة إلى المرتضعة حيث لا يوجد من يرضعها ، و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (٥).

__________________

(١) أي : قبل الدخول.

(٢) التذكرة ٢ : ٦٢٤.

(٣) المجموع ١٨ : ٢٣٠.

(٤) المبسوط ٥ : ٢٩٨.

(٥) التوبة : ٩١.


ولو أرضعت كبيرة الزوجتين صغيرتهما حرمتا أبدا مع الدخول بالكبيرة ، وإلاّ الكبيرة ، وللكبيرة المهر مع الدخول ، وإلاّ فلا ، وللصغيرة‌

______________________________________________________

والذي ينساق إليه النظر عدم الفرق بين الحالتين في الضمان وعدمه ، لأن إتلاف الأموال موجب للضمان على كلّ حال ، والفرق بين هذا وبين حفر البئر في الملك قائم ، إذ لا إتلاف من الحافر أصلا ، على أنّا نقول إن كان الضمان دائرا مع العدوان فيمنع أن إرضاع الصغيرة عدوان في محل النزاع ، فان القصد لا يصيّر ما ليس بعدوان عدوانا ، حتى لو حفر في ملكه بئرا ليردي (١) فيها الناس لم يضمن بذلك.

وأطلق الشيخ في الخلاف عدم الضمان على التقديرين (٢) ، والضمان قريب ، وسيأتي إن شاء الله تعالى له مزيد تحقيق.

ولو انفردت المرتضعة بالارتضاع : بأن سعت وامتصت من ثديها من غير شعور المرضعة سقط مهرها ، لأن الفسخ جاء من قبلها قبل الدخول ، فكان كالردة قبل الدخول ، وهو الذي قوّاه المصنف في التذكرة (٣) ، وللشافعي وجه بعدم السقوط بذلك وأنها تستحق نصف المسمّى (٤).

وتقييد المصنف بقوله ( من غير شعور المرضعة ) يقتضي أنه مع شعورها لا يسقط ، وكأنه نظر إلى إن تخليتها إيّاها لترضع بمنزلة الفعل ، وفيه نظر ، ولعلّه يريد أنه مع التخلية يكون الفعل مستندا إليهما ، فكل منهما جزء السبب ، وهو محتمل.

قوله : ( ولو أرضعت كبيرة الزوجين صغيرتهما حرمتا أبدا مع الدخول بالكبيرة ، وإلاّ الكبيرة ، وللكبيرة المهر مع الدخول ، وإلاّ فلا ، وللصغيرة‌

__________________

(١) في « ض » : فتردّى.

(٢) الخلاف ٣ : ٨٤ مسألة ١٦ من كتاب الرضاع.

(٣) التذكرة ٢ : ٦٢٣.

(٤) المجموع ١٨ : ٢٣١.


النصف أو الجميع على اشكال ، ويرجع به على الكبيرة مع التفرد بالإرضاع.

______________________________________________________

النصف أو الجميع على إشكال ، ويرجع به على الكبيرة مع التفرد بالإرضاع ).

إذا كان لشخص زوجتان إحديهما كبيرة والأخرى صغيرة في محل الرضاع ، فأرضعت الكبيرة الصغيرة الرضاع المحرّم ، فان كان قد دخل بالكبيرة حرمتا أبدا ، أما الكبيرة فلأنها أم الزوجة ، وأما الصغيرة فلأنها بنت الزوجة المدخول بها ، وهذا إذا لم يكن الرضاع من لبنه ، فإن كان من لبنه حرمتا مؤبدا وإن لم يدخل ، لأن الصغيرة قد صارت بنتا له ، ولا خلاف في ذلك كله.

إذا تقرر ذلك فلا ريب أن الكبيرة تستحق المهر المسمّى إن كان قد دخل بها ، لاستقراره بالدخول ، فلا يسقط بسبب طارئ ، وإن لم يكن قد دخل بها فلا شي‌ء لها ، لأن الفسخ من جهتها ، فكان كالردة.

ولقائل أن يقول : إن كان التسبب الى فسخ النكاح بالإرضاع موجب لاستحقاق الرجوع على المرضعة بالمهر ، فليكن موجبا للرجوع عليها بمهرها بعد الدخول ، لأنها تسبب إلى فسخ نكاحها ، كما إذا طلّق الزوجة بعد الدخول طلقة واحدة وراجعها وادّعى وقوع الرجعة في العدة ، وأنكرت وحلفت فنكحت زوجا آخر ، ثم كذّبت نفسها في اليمين وصدّقت الزوج ، لم يقبل قولها على الثاني ، ورجع الأول عليها بمهر المثل وإن كان قد وطأها.

وأجيب عنه بالفرق : بأن الغرم هنا للحيلولة بينه وبين البضع المستحق له ، لأنها زوجة ، بخلاف المتنازع ، فإن الزوجية زالت بالفسخ المترتب على الرضاع ، وهذا الجواب غير دافع لأصل السؤال.

هذا حكم الكبيرة واما الصغيرة ، فانّ في استحقاقها المسمّى أو نصفه إشكالا ، ينشأ : من أنه فراق قبل الدخول فينتصف به المهر كالطلاق ، ومن أنّ الجميع وجب بالعقد فيستصحب حكمه ، ولم يثبت شرعا سقوط النصف إلاّ في الطلاق ، والإلحاق‌


ولو أرضعت الكبيرة الصغائر حرمن جمع إن دخل بالكبيرة ، وإلاّ الكبيرة.

ولو أرضعت الصغيرة زوجتاه على التعاقب فالأقرب تحريم الجميع ، لأن الأخيرة صارت أم من كانت زوجته إن كان قد دخل بإحدى الكبيرتين ، وإلاّ حرمت الكبيرتان مؤبدا وانفسخ عقد الصغيرة.

ولا فرق بين الرضاع قبل الطلاق لهما أو لإحداهما ، أو بعده وينفسخ نكاح الجميع للجمع والمؤبد على ما فصل.

______________________________________________________

به قياس ، وهذا قويّ.

نعم على القول بأنّ المهر يستقر بالعقد والنصف الآخر بالدخول أو بالموت ، وجوب النصف خاصة متّجه ، ومهما غرمه الزوج للصغيرة مهرا ـ سواء المسمّى أو نصفه ـ يرجع به على الكبيرة مع التفرد بالإرضاع ، بشرط قصدها إلى الإفساد على القول باشتراطه ، ومطلقا على القول بالعدم ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ولو أرضعت الكبيرة الصغائر حرمن جمع إن دخل بالكبيرة ، وإلاّ الكبيرة ).

هذا أيضا إذا لم يكن اللبن له ، وإلاّ حرمن مؤبدا جميعا مع الدخول وعدمه ، ولا يخفى أنه إذا كان اللبن لغيره ولم يكن دخل بالكبيرة انفسخ نكاح الصغائر أيضا وحرمن على الجميع لأنهن أخوات ، وسيأتي لذلك مزيد تحقيق إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ولو أرضعت الصغيرة زوجتاه على التعاقب فالأقرب تحريم الجميع ، لأن الأخيرة صارت أم من كانت زوجته ، إن كان قد دخل بإحدى الكبيرتين ، وإلاّ حرمت الكبيرتان مؤبدا وانفسخ عقد الصغيرة ، ولا فرق بين الرضاع قبل الطلاق لهما أو لأحدهما أو بعده ، وينفسخ نكاح الجميع للجمع والمؤبد على ما فصّل ).


______________________________________________________

لا نزاع في تحريم المرضعة الاولى وكذا الصغيرة إن كان قد دخل بإحدى الكبيرتين ، ونقل الشارح الفاضل فيه الإجماع (١) ، وينبه عليه أنّ المرضعة أم الزوجة والصغيرة بنت زوجة مدخول بها ، سواء كانت المدخول بها هي الأولى أم الثانية ، وإنما النزاع في تحريم المرضعة الثانية.

وبالتحريم قال ابن إدريس (٢) وجمع من المتأخرين كأبي القاسم بن سعيد (٣) والمصنف ، وهو المختار ، ووجهه ما ذكره المصنف : من أنها أمّ من كانت زوجته ومن كانت زوجته فاسم الزوجة صادق عليها ، لانه لا يشترط في صدق المشتق بقاء المعنى المشتق منه على ما قرر في الأصول ، فيندرج في عموم قوله تعالى ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) (٤).

وقال الشيخ في النهاية (٥) وابن الجنيد (٦) : لا يحرم ، لما رواه علي بن مهزيار عن أبي جعفر 7 قال قيل له : إن رجلا تزوج بجارية صغيرة ، فأرضعتها زوجته ثم أرضعتها امرأة أخرى ، إلى قوله فقال 7 : « حرمت عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أوّلا ، أما الأخيرة لم تحرم عليه » (٧) والمستمسك ضعيف ، لأن سند الرواية غير معلوم ، فلا يعارض حجة الأولين.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أنه لا فرق في التحريم المذكور بين كون الرضاع المذكور قبل الطلاق للزوجتين الكبيرتين أو بعد طلاقهما أو طلاق إحديهما ، لأن الطلاق لا ينفي كون المطلقة زوجة.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٥٢.

(٢) السرائر : ٢٩٤.

(٣) الشرائع ٢ : ٢٨٦.

(٤) النساء : ٢٧.

(٥) النهاية : ٤٥٦.

(٦) كما عنه في المختلف : ٥٢١.

(٧) الكافي ٥ : ٤٤٦ حديث ١٣.


ولو أرضعت أمته الموطوءة زوجته حرمتا عليه ، وعليه المهر أو نصفه ، ولا رجوع إلاّ أن تكون مكاتبة. ولو كانت موطوءة بالعقد تبعت به على اشكال.

______________________________________________________

نعم لو طلق الكبيرتين ولم يدخل بهما ثم أرضعتا الصغيرة بلبن غيره حرمتا مؤبدا ، وتبقى زوجيّة الصغيرة بحالها.

والمراد بقول المصنف : ( وينفسخ نكاح الجميع للجمع ) ما إذا كان الإرضاع قبل طلاق الكبيرتين أو إحديهما ، إذ لا يتصور الجمع بعد طلاقهما.

قوله : ( والمؤبّد على ما فصّل ).

المراد به : تحريم الكبيرتين مطلقا والصغيرة مع الدخول بإحداهما ، كما علم في السابق غير مرة.

وقوله أول البحث : ( ولو أرضعت الصغيرة زوجتاه على التعاقب ) لا يخفى أنه لا يتصور إرضاعهما إياها ـ عندنا ـ الرضاع المحرم إلاّ على التعاقب ، وعند الشافعي (١) أنه يتصور الإرضاع دفعة : بأن يحلب لبنها ويخلط ويؤجره الصغيرة ، ولعل المصنف حاول بالتقييد بكونه على التعاقب الرد عليه.

قوله : ( ولو أرضعت أمته الموطوءة زوجته حرمتا وعليه المهر أو نصفه ، ولا رجوع إلاّ أن تكون مكاتبة ، ولو كانت موطوءة بالعقد تبعت به على اشكال ).

أي : لو كانت له أمة فأرضعت زوجته الصغيرة الرضاع المحرم بلبن غيره ، فإن الأمة إن كانت موطوءة حرمت كل منهما عليه ، أما الأمة فلأنها أم الزوجة ، وأما الصغيرة فلأنها بنت مدخول بها.

ثم نقول : يجب للصغيرة جميع المهر المسمّى أو نصفه على اختلاف الوجهين ،

__________________

(١) المجموع ١٨ : ٢٣٣.


ويحتمل قويا عدم التحريم بالمصاهرة ، فلأب المرتضع النكاح في أولاد صاحب اللبن ، وأن يتزوج بأم المرضعة نسبا ، وبأخت زوجته من الرضاع ، وأن ينكح الأخ من الرضاع أم أخيه نسبا ، وبالعكس.

والحرمة التي انتشرت من المرتضع إلى المرضعة وفحلها ، بمعنى أنه صار كابن النسب لهما ، والتي انتشرت منهما إليه موقوفة عليه وعلى نسله ،

______________________________________________________

وقد سبق بيانهما ، وأنّ المتجه وجوب الجميع ، ولا رجوع له على الأمة بحال ، لأن السيد لا يثبت له على مملوكته مال إلاّ أن تكون مكاتبة مطلقة أو مشروطة ، لانقطاع سلطنة المولى عن المكاتب وصيرورته بحيث ثبت له عليه مال.

ولو لم تكن الأمة موطوءة أصلا فالنكاح بحاله ، وتحريم الأمة مؤبدا ، لأنها أم الزوجة ، ولو كان اللبن للمولى حرمتا مؤبدا قطعا ، لأن الصغيرة صارت بنته والأمة أم الزوجة.

ولو كانت الأمة موطوءة بالعقد تبعت بالمهر الذي غرمه للصغيرة ، الجميع أو النصف ، على الاشكال السابق : في أنّ المرضعة يرجع عليها بما اغترمه مهرا أو عدمه ، نظرا إلى أن البضع كالأموال فيضمن قيمته ، أو لا فلا ضمان.

فان قلنا بالضمان رجع وتبعت به الأمة المرضعة إذا أعتقت ، كما في سائر الإتلافات المالية ، واعتبار القصد إلى الإفساد وعدمه هنا كباقي النظائر ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ويحتمل قويا عدم التحريم بالمصاهرة ، فلأب المرتضع النكاح في أولاد صاحب اللبن ، وأن يتزوج بأم المرضعة نسبا وبأخت زوجته من الرضاع ، وأن ينكح الأخ من الرضاع أم أخته نسبا وبالعكس ، والحرمة التي انتشرت من المرتضع إلى المرضعة وفحلها ـ بمعنى : أنه صار كابن النسب لهما ـ والتي انتشرت منهما إليه موقوفة عليه وعلى نسله ، دون من هو في طبقته‌


دون من هو في طبقته من اخوته وأخواته ، أو أعلى منه كآبائه وأمهاته ، فللفحل نكاح أم المرتضع وأخته وجدته.

______________________________________________________

من اخوته وأخواته ، أو أعلى منه كآبائه وأمهاته ، فللفحل نكاح أم المرتضع وأخته وجدته ).

لا خلاف بين أهل الإسلام في أنّ الرضاع يقتضي تحريم النكاح إذا حدث به علاقة مثلها تقتضي التحريم في النسب ، كالأبوة والأمومة والاخوة والعمومة والخؤولة ، فمتى صار رجل أبا لامرأة بالرضاع حرمت عليه كما يحرم عليها كبنت النسب ، ثم يتعدّى التحريم إلى نسلها وأصول صاحب اللبن واخوته وأعمامه وأخواله. لأن ثبوت البنتية (١) شرعا يقتضي كونهم أعماما وأخوالا لها ، فيحرمون عليهما بالدلائل الدالة على تحريم الأعمام والأخوال ، ولظاهر قوله 7 : « الرضاع لحمة كلحمة النسب » على ما سبق ذكره.

ولو كان المرتضع ذكرا حرم على المرضعة وحرمت عليه كما في الأنثى بالنسبة إلى الفحل ، وكما يتعدّى التحريم إلى أقرباء المرضعة والفحل والمرتضع الذي يحرم مثلهم في النسب ، كذا يتعدّى إلى تحريم المصاهرة الدائرة مع تلك العلاقة ، فيحرم على كلّ من الفحل والمرتضع حليلة الآخر ، لأن حليلة المرتضع حليلة ابن وحليلة الفحل حليلة أب ، لأن الأبوة والبنوّة قد ثبت كلّ منهما ، وتحريم حليلة كلّ من الأب والابن على الآخر بالنص (٢) والإجماع.

وهذه المصاهرة ليست ناشئة عن الرضاع ، بل عن النكاح الصحيح ، وإنما الناشئ عن الرضاع هو البنوّة ، فلمّا تحققت لزم الحكم الناشئ عن النكاح ، وهو كون‌

__________________

(١) كذا في « ش » و « ض » وفي النسخة الحجرية : النسب.

(٢) النساء : ٢٢ و ٢٣.


______________________________________________________

منكوحته حليلة ابن.

ومثله الأمومة إذا ثبتت للبنت ، فإنه يحرم على من دخل بالمرضعة التزويج بالبنت ، كما يحرم على من عقد على البنت التزوج بالمرضعة.

وكذا الأجنبية ، فإذا ارتضعت بنتان من لبن فحل واحد حرم على من نكح إحديهما أن يجمع إليها الأخرى قطعا ، لأنهما اختان ، كما يحرم الجمع بين الأختين من النسب.

والحاصل أنه متى ثبت بالرضاع علاقة مثل علاقة النسب ـ ومثل تلك العلاقة في النسب يتعلق به التحريم ـ لحق بتلك العلاقة جميع الأحكام الجارية على نظائرها من النسب ، سواء تعلقت بنسب أو مصاهرة.

وهذه الأحكام لا خلاف فيها بين أهل الإسلام ، على ما يشهد به كلام القوم من الخاصة والعامة ، وظواهر الكتاب والسنة تتناول كل ذلك ، مثل قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (١) ، وقوله سبحانه ( وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ) (٢) وإنّما قيده بكونهم للصلب ليدفع ما كانوا يعتقدونه من أنّ المتبنّى ابن ، كما دلّ عليه قوله تعالى ( لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ ) (٣).

إذا عرفت ذلك فاعلم : أن المصاهرة التي احتمل المصنف قويّا عدم التحريم بها هي الأمر الحادث بالرضاع ، نظير المصاهرة الحاصلة بالنكاح ، مثل كون المرأة امّا للزوجة ، فإنّ هذا الوصف يتحقق بنكاح بنت امرأة ، فيثبت به التحريم.

فإذا ارتضع طفل رضاعا محرما ، فإنّ المرأة المرضعة صارت بمنزلة الزوجة لأب المرتضع كأم ابنه من النسب ، فأمّها بمنزلة أم الزوجة ، وأختها بمنزلة أخت الزوجة ،

__________________

(١) النساء : ٢٢.

(٢) النساء : ٢٣.

(٣) الأحزاب : ٣٧.


______________________________________________________

وبنتها بمنزلة بنت الزوجة ، والأخ من الرضاع امه من النسب بمنزلة زوجة الأب ، وكذا القول في أم المرتضع من النسب بالإضافة إلى أولاد صاحب اللبن ، وكذا أخته بالإضافة إليهم وإلى أبيهم.

وجملة القول في ذلك : أنّ علاقة المصاهرة إذا حدت نظيرها بالرضاع (١) لا يوجب تحريما ، فان سبقت (٢) النكاح لم تمنعه وإن لحقته لم تقطعه ، للأصل والاستصحاب ، ولعموم قوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٣) بعد تعداد المحرمات في الآية الشريفة إلاّ ما خرج بدليل ، ولظاهر قوله 6. « الرضاع لحمة كلحمة النسب » ولم يقل : كلحمة المصاهرة.

وقد اختلف الأصحاب من ذلك في مسائل :

أ : تحريم أولاد صاحب اللبن على أب المرتضع ، وتحريم اخوة المرتضع على صاحب اللبن (٤).

ب : تحريم اخوة المرتضع الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن على أولاد الفحل.

ج : تحريم أم المرضعة على أب المرتضع ، ويجي‌ء مثله في تحريم أم (٥) المرتضع على الفحل.

والأصح عدم التحريم إلاّ في الأولى ، لورود الروايات الصحيحة فيها بالتحريم (٦) ، وما عداها فلا دليل عليه ، والروايات لا تنهض حجة عليه ، كما سبق‌

__________________

(١) لفظ بالرضاع لم يرد في « ش » و « ض » وأثبتناه من النسخة الحجرية.

(٢) أي : المصاهرة.

(٣) النساء : ٢٤.

(٤) في « ض » : أولاد صاحب اللبن.

(٥) في « ض » : أم أم.

(٦) انظر : الكافي ٥ : ٤٤٨ حديث ١٨ و ٤٤١ حديث ٨ ، الفقيه ٣ : ٣٠٦ حديث ١٤٧١ وحديث ١٤٧٠ ، التهذيب ٧ : ٣٢٠ حديث ١٣٢٠ ، الاستبصار ٣ : ١٩٩ حديث ٧٢٣.


______________________________________________________

تحقيقه في الكلام على المسألة الثانية من هذه المسائل.

وقد قال الشيخ في المبسوط : يجوز للفحل أن يتزوج بأم المرتضع وأخته وجدته ، ويجوز لوالد هذا المرتضع أن يتزوج بالتي أرضعته ، لأنه لمّا جاز أن يتزوج أم ولده من النسب فبأن يجوز أن يتزوج أم ولده من الرضاع أولى (١).

قالوا : أليس لا يجوز له أن يتزوج أم أم ولده من النسب ويجوز أن يتزوج بأم أم ولده من الرضاع ، فكيف جاز ذلك وقد قلتم : إنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.

قلنا : أم أم ولده من النسب ما حرمت بالنسب بل بالمصاهرة قبل وجود النسب ، والنبي 6 انما قال : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (٢) ولم يقل : يحرم من الرضاع ما يحرم من المصاهرة (٣).

وقريب منه ذكر المصنف في التذكرة (٤) ، وإن كان في آخر البحث مال إلى العمل بالروايات لصحتها.

ونحن نقول بذلك ، لكنّا لا نتعدّى موردها وموضع العلّة المنصوصة.

وقد شاهدنا بعض من عاصرناه يروي عن بعض الأصحاب : أنّ المرأة إذا أرضعت ابن أخيها تحرم على زوجها صاحب اللبن ، لأنها عمة ابنه ، وهي بمنزلة أخته ، ونحو ذلك.

وهذا من الأوهام الفاسدة قطعا ، لأن هذه ليست بينها وبين زوجها بسبب الرضاع علاقة نسب ولا علاقة مصاهرة ، لأن المحرّم صيرورتها أختا ونحو ذلك ، أما‌

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : فإنه يجوز أن يتزوج أم ولده من الرضاع.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٠٥ حديث ١٤٦٧ ، سنن ابن ماجة ١ ـ ٦٢٣ حديث ١٩٣٧.

(٣) المبسوط ٥ : ٣٠٥.

(٤) التذكرة ٢ : ٦٢٢ ـ ٦٢٣.


______________________________________________________

صيرورتها كالأخت فلا دليل يدل عليه.

ولو تخيل متخيل أنّ التعليل في الروايات لتحريم أولاد الفحل على أب المرتضع : بأنهم بمنزلة أولاده ، يشعر بأنّ من كان بمنزلة إحدى المحرمات نسبا يحرم ، فتحرم المرأة إذا صارت بمنزلة الأخت والعمة والخالة.

لقلنا : إنّ هذا من الخيالات الفاسدة والأوهام الباطلة ، لأنّ الذي يعتبر العلّة المنصوصة ويحكم بتعديتها ، إنما يعتبر نفس المعلّل به ، فيرتب عليه الحكم إن وجد ، لا على ما شابهه.

ولا شك أنّ هذا من المجازفات في الدين ، والعدول عن صريح الكتاب والسنة والدلائل القاطعة عند أهل الشرع ، مثل الاستصحاب إلى القول بالرأي من غير دليل ولا إثارة علم.

وقد أفردنا لهذه المسألة رسالة حسنة تسمّى الرضاعية ، من أراد تحقيقها فليطالع تلك الرسالة.

ثم ارجع إلى العبارة واعلم أن قول المصنف : ( فلأب المرتضع ... ) يلوح منه الرجوع عمّا اختاره في هذه المسألة سابقا ، والتحريم هنا أقوى.

وقوله : ( وبأخت زوجته من الرضاع ) قيل عليه : إنّ أخت الزوجة حرام ، سواء كانت الأختية من النسب أم من الرضاع بلا خلاف ، وسيأتي تحريرها في كلام المصنف في الفروع في غير موضع.

قلنا : هذا صحيح ، لكن الظاهر أنّ المصنف يريد بذلك : أنّ الزوجة من الرضاع لا تحرم أختها ، فالجار متعلق بمحذوف ، على أنه مع المجرور حال من الزوجة أو صفة لها ، لا أنه حال أو صفة من الأخت ، وهذا صحيح.

وربما نزّلت العبارة على أنّ الضمير في ( زوجته ) يعود إلى الفحل ، والمعنى : أنّه يجوز لأب المرتضع أن يتزوج أخت زوجة الفحل.


فروع :

الأول : لو زوّج أم ولده بعبد أو بحر ، ثم أرضعته من لبنه ، حرمت عليهما.

الثاني : لو فسخت نكاح الصغير لعيب أو لعتقها ، ثم تزوجت وأرضعته بلبن الثاني ، حرمت عليهما. وكذا لو تزوجت بالكبير أولا ، ثم طلقها ، ثم تزوجت بالصغير ، ثم أرضعته من لبنه.

______________________________________________________

وهذا صحيح أيضا في نفسه ، إلاّ أنه بعيد عن العبارة جدا ، لا يفهم منها بحال.

وقوله : ( فللفحل نكاح أم المرتضع وأخته وجدته ).

لا شبهة في جواز نكاح أم المرتضع ، لأنها كزوجته ، إنّما الكلام في تحريم أخته وجدته ، وقد أسلفنا أنّ أخته من النسب حرام على الفحل دون جدته منه.

قوله : ( فروع أ : لو زوّج أم ولده بعبد أو بحر ثم أرضعته من لبنه حرمت عليهما ).

الحكم واضح ، فإنّها بالنسبة إلى المرتضع أم وبالنسبة إلى المولى زوجة ابنه من الرضاع ، ولا يخفى أنّ الملك بحاله.

قوله : ( ب : لو فسخت نكاح الصغير لعيب أو لعتقها ثم تزوجت وأرضعته بلبن الثاني حرمت عليهما ، وكذا لو تزوجت بالكبير أولا ثم طلقها ثم تزوجت بالصغير ثم أرضعته من لبنه ).

إذا تزوجت بالصغير : بأن عقد عليها وليّه الإجباري ثم فارقته بالفسخ لعيبه أو لحدوث عتقها ، ثم تزوجت آخر وأرضعت الصغير بلبن الثاني الرضاع المحرم ، حرمت عليهما ، أما الصغير فلأنه ابنها من الرضاع ، وأما الكبير فلأنها حليلة ابنه من‌


الثالث : لو أرضعت زوجته الكبيرة زوجتيه الصغيرتين بلبن غيره دفعة ، بأن أعطت كل واحدة ثديا من الرضعة الأخيرة ، انفسخ عقد الجميع ، وحرمت الكبيرة مؤبدا ، والصغيرتان إن كان قد دخل بالكبيرة ، فإن أرضعت زوجة ثالثة حرمت مؤبدا إن كان قد دخل بالكبيرة ، وإلاّ بقيت زوجته من غير فسخ.

ولو أرضعت واحدة ثم الباقيتين دفعة حرمن جمع إن كان قد دخل بالكبيرة ، وإلاّ فسد نكاح الصغائر ، وله العقد على من شاء.

______________________________________________________

الرضاع ، والكلام في المهر على ما سبق ، لأن الدخول يوجب استقراره على ما سبق.

ولو تزوجت بالكبير أولا ثم طلقها ثم تزوجت بالصغير ثم أرضعته بلبن الأول الرضاع المحرم ، فالحكم كذلك أيضا.

قوله : ( ج : لو أرضعت زوجته الكبيرة زوجتيه الصغيرتين بلبن غيره دفعة ـ بأن أعطت كلّ واحدة ثديا من الرضعة الأخيرة ـ انفسخ عقد الجميع ، وحرمت الكبيرة مؤبدا والصغيرتان إن كان قد دخل بالكبيرة ، فإن أرضعت زوجة ثالثة حرمت مؤبدا إن كان قد دخل بالكبيرة ، وإلاّ بقيت زوجته من غير فسخ ، ولو أرضعت واحدة ثم الباقيتين دفعة حرمن جمع إن كان قد دخل بالكبيرة ، وإلاّ فسخ نكاح الصغائر وله العقد على من شاء ).

إذا كان له أربع زوجات واحدة كبيرة وثلاث صغائر ، فحكم ما إذا أرضعت الكبيرة واحدة منهن علم ممّا مضى ، وبقي حكم ما إذا أرضعت اثنتين أو الثلاث ، فهناك صور خمس ، فانّ إرضاع الاثنتين إمّا دفعة أو على التعاقب ، وكذا إرضاع الثلاث ، إلاّ أنّ إرضاعهن جميعا دفعة من الكبيرة لا يتصور ، بل إمّا أن ترضع اثنتين ثم واحدة أو بالعكس ، فإن أرضعت اثنتين دفعة الرضاع المحرم بلبن غيره ـ واحترز به عمّا إذا كان‌


______________________________________________________

الرضاع بلبنه ـ فانّ التحريم مؤبدا للجميع على كلّ حال.

وقد فسّر المصنف الدفعة : بإعطائها كلّ واحدة ثديا من الرضعة الأخيرة ، واعتبر الرضعة الأخيرة لأنها التي بها يتحقق تمام النصاب ، ويترتب على الرضاع التحريم ، فلا عبرة بالتقارب بالابتداء (١) أو تقدّم بعض ، وكان عليه أن يعتبر مع ذلك أن ترويا من الأخيرة دفعة ليتحقق ما ذكره ، فلو سبقت إحديهما سبق تحريمها.

إذا تقرر ذلك ، فإنه مع تحقق الدفعة ينفسخ نكاح الجميع ، وهنّ الصغيرتان والكبيرة ، لتحقق الجمع بين الام وبنتها في النكاح ، وهو ممتنع ، ولا أولوية ، ولم يبق إلاّ الفسخ ، وتحرم الكبيرة مؤبدا لأنها أمّ الزوجة ، والصغيرتان إن كان دخل بالكبيرة ، وإلاّ عقد على من شاء منهما ، لأنهما أختان.

والكلام في المهر على ما سبق.

وإن أرضعتهما على التعاقب انفسخ نكاح الاولى مع الكبيرة ، وبقي نكاح الثانية إن لم يدخل بالكبيرة ، لانتفاء الجمع المحرّم ، ولا تحل له الأولى ، إلاّ إذا فارق هذه ، وحكم هذه معلوم من قوله فيما بعد : ( وإن لم يكن دخل انفسخ نكاح الاولى ... ).

ولو أرضعت الثالثة بعد إرضاع الأولتين دفعة ، وهي الصورة الثالثة ، فتحرم الجميع مؤبدا إن كان قد دخل بالكبيرة ، وإلاّ بقي نكاح الأخيرة من غير فسخ ، لانتفاء الجمع المحرّم المقتضي للفسخ حيث انفسخ نكاح الكبيرة مع الصغيرتين المرتضعتين أولا.

ولو انعكس الفرض ، وهو الصورة الرابعة ، بأن أرضعت واحدة من الصغائر ثم اثنتين دفعة ، فلا بحث في تحريم الجميع مع الدخول بالكبيرة ، وبدونه ينفسخ نكاح الكبيرة والصغيرة الأولى ، للجمع بين الام وبنتها في النكاح ، ثم ينفسخ نكاح‌

__________________

(١) في « ض » بالتفاوت في الابتداء.


ولو أرضعتهن على التعاقب ، فإن كان قد دخل حرمن مؤبدا ، وإن لم يكن دخل انفسخ نكاح الاولى دون الثانية ، لأن الكبرى

قد بانت فلم يكن جامعا بينها وبين بنتها.

فإذا أرضعت الثالثة احتمل فساد نكاحها خاصة ، لأن الجمع بين الأختين تم بها فاختصت بالفساد ، كما لو تزوج بأخت امرأته وفساد نكاحها مع الثانية ، لأن عند كمال رضاعها صارتا أختين فانفسخ نكاحهما ، كما لو كان إرضاعهما دفعة.

______________________________________________________

الصغيرتين الأخيرتين ، لأنهما صارتا أختين ، فيمتنع الجمع بينهما في النكاح ، ولا أولوية ، فينفسخ نكاحهما معا (١) ، ويتخير في العقد على من شاء من الصغائر.

والكلام في المهر وقدره وثبوت الرجوع على المرضعة على ما سبق تفصيله.

قوله : ( ولو أرضعتهن على التعاقب ، فان كان قد دخل حرمن مؤبدا ، وان لم يكن دخل انفسخ نكاح الاولى دون الثانية ، لأن الكبرى قد بانت ، فلم يكن جامعا بينها وبين بنتها ، فإذا أرضعت الثالثة احتمل فساد نكاحها خاصة ـ لأن الجمع بين الأختين تمّ بها ، فاختصت بالفساد ، كما لو تزوج بأخت امرأته ـ وفساد نكاحها مع الثانية ، لأن عند كمال رضاعها صارتا أختين فانفسخ نكاحهما ، كما لو كان إرضاعهما دفعة ).

هذه هي الصورة الخامسة ، وتحقيقها : أنّ الزوجة الكبيرة إذا أرضعت الزوجات الصغائر على التعاقب ، أي : واحدة ثم اخرى ثم ثالثة ، فمع الدخول بالكبيرة يحرم الجميع مؤبدا ، وبدونه ينفسخ نكاح الكبيرة مع الاولى عند تمام إرضاعها للجمع المحرّم ، فإذا أرضعت الثانية لم ينشأ محذور ، لانتفاء الجمع بين الام وبنتها في النكاح.

__________________

(١) في « ض » : دفعة.


الرابع : لو أرضعت أمته زوجته بلبن غيره حرمت الأمة مؤبدا ولم يزل ملكها ، وكذا الزوجة إن كان قد وطأ الأمة ، وإلاّ فهي على الزوجية من غير فسخ ولا تحريم.

______________________________________________________

فإذا أرضعت الثالثة ، ففي الحكم احتمالان :

أحدهما : انفساخ نكاح الثالثة فقط دون الثانية ، لأن الجمع بين الأختين تمّ بها ، فاختصت بفساد النكاح ، كما لو تزوج بأخت امرأته ، فإنّ نكاح الأخت مخصوص بالبطلان دون نكاح الزوجة ، والفرق قائم ، فإنّ نكاح الأخت لم يسبق صحته ، والمانع منه موجود ، وهو استلزامه حصول الجمع المحرّم ، بخلاف ما هنا ، فانّ نكاح كلّ قد سبقت صحته ، وبحدوث الأختية تحقق الجمع بين الأختين في النكاح الصحيح ، ولا أولوية لواحدة على الأخرى.

الثاني : الحكم بانفساخ النكاحين معا ، لأنّ عند كمال إرضاعهما صارتا أختين ، فانفسخ نكاحهما ، إذ لا أولوية لإحداهما على الأخرى في حصول السبب المقتضي لبطلان النكاح بالنسبة إليها ، فهو كما لو كان إرضاعهما دفعة. وينبه على هذا أمران :

الأول : أن المعلول الموجود عند الجزء الأخير من العلّة لا يستند إلى ذلك الجزء على انفراده ، وإلاّ لكان ما فرض جزء علّة علّة تامة ، وهو باطل.

الثاني : أنّ الاخوة والأختية من الأمور الإضافية ، فلا يثبت من أحد الجانبين إلاّ مع ثبوتها من الجانب الآخر ، فإذا ترتب عليها حكم لم يختص بأحد الجانبين ، لأنّ الاشتراك في مقتضى الحكم يقتضي الاشتراك فيه ، ومعلوم أنّ معنى الأختية يثبت للجانبين على حدّ سواء عند كمال الإرضاع.

والأصح انفساخ النكاحين.

قوله : ( د : لو أرضعت أمته زوجته بلبن غيره حرمت الأمة مؤبدا ولم يزل ملكها ، وكذا الزوجة إن كان قد وطأ الأمة ، وإلاّ فهي على الزوجية من غير فسخ ولا تحريم ).


الخامس : لو أرضعت ثلاث بنات زوجته ثلاث زوجاته ، كل واحدة زوجة دفعة ، حرمن جمع إن كان قد دخل بالكبيرة ، وإلاّ الكبيرة ، وانفسخ عقد الصغائر ، وله تجديده جمعا ، لأنهن بنات خالات ، ولكل صغيرة نصف مهرها ، ويرجع به الزوج على مرضعتها ، وللكبيرة المهر ، ويرجع به على البنات بالسوية.

ولو ارتضعن بأنفسهن بالاستقلال فلا ضمان ، وفي تضمين الصغار مهر الكبيرة نظر.

ولو أرضعن على التعاقب تعلّق بالأولى مهر الكبيرة ، أو نصفه ونصف مهر الصغيرة.

______________________________________________________

احترز بكون اللبن‌ لغيره عما إذا كان اللبن له ، فإنهما تحرمان مؤبدا وان لم يكن قد وطأ الأمة ، ووجه عدم زوال ملك الأمة في الصورة التي فرضها ظاهر ، فإنّ أم الزوجة لا يمنع ملكها وإن حرم وطأها ، وظاهر أنه إذا لم يكن قد وطأ الأمة لا تحرم الزوجة بإرضاع الأمة إياها ، إذ لا تحرم على الشخص بنت مملوكته التي لم يطأها لا عينا ولا جمعا ، فلا تحريم حينئذ ولا فسخ.

قوله : ( ه‍ : لو أرضعت ثلاث بنات زوجته ثلاث زوجاته كلّ واحدة زوجة دفعة ، حرمن جمع إن كان قد دخل بالكبيرة ، وإلاّ الكبيرة ، وانفسخ عقد الصغائر ، وله تجديده جميعا ، لأنهن بنات خالات ، ولكلّ صغيرة نصف مهرها ، ويرجع به الزوج على مرضعتها ، وللكبيرة المهر ، ويرجع به على البنات بالسوية ، ولو ارتضعن بأنفسهنّ بالاستقلال فلا ضمان ، وفي تضمين الصغائر مهر الكبيرة نظر ، وإن أرضعن على التعاقب ، تعلّق بالأولى مهر الكبيرة أو نصفه ونصف مهر الصغيرة ).


وعلى كل من الباقيتين نصف مهر من أرضعتها مع الدخول ، وإلاّ فلا رجوع ، لبقاء النكاح بحاله ، فإن نكاح الكبيرة قد زال قبل الإرضاع ، فلا جمع.

______________________________________________________

وعلى كل من الباقيتين‌ نصف مهر من أرضعتها مع الدخول ، وإلاّ فلا رجوع ، لبقاء النكاح بحاله ، فإنّ نكاح الكبيرة قد زال قبل الإرضاع ، فلا جمع ).

لو كان له زوجة كبيرة وثلاث صغائر وللكبيرة ثلاث بنات مراضع ، فأرضعت كلّ واحدة منهنّ صغيرة من الثلاث الرضاع المحرّم ، فان كان قد دخل بالكبيرة حرمن جمع مؤبدا ، سواء رضعن معا أم على الترتيب ، لأن الكبيرة جدّة نسائه ، والصغائر بنات بنات زوجه المدخول بها.

وإن لم يكن قد دخل بها ، حرمت الكبيرة مؤبدا وانفسخ عقد الصغائر جميعا إن كان ارتضاعهن دفعة واحدة : بأن حصل الاقتران في آخر الرضعة الأخيرة ، لثبوت الجمع بين الام وبنات بناتها في النكاح ، ثم يجدّد نكاحهن إن أراد جمعا ، لأنهن بنات خالات.

وهذا إذا لم يكن اللبن لفحل واحد ، فلو كان : بأن تزوج شخص الاولى ثم فارقها وهي ذات لبن منه وهكذا صنع في الثانية ، ثم تزوج الثالثة وصارت ذات لبن منه ، فإنهن إذا أرضعن الصغائر بهذا اللبن حرمن جمعا ، لأنهن أخوات حينئذ.

ولو كان الإرضاع لهن على التعاقب ، حرمت الكبيرة مؤبدا وانفسخ نكاح اولى الصغائر خاصة ، للجمع بينها وبين جدتها ، ثم يجدد نكاحها إن شاء ، وأما نكاح الباقيتين فإنه باق بحاله ، وهذا بشرط عدم الدخول بالكبيرة ، وكون لبن كل بنت لفحل (١).

__________________

(١) في « ض » : وكون اللبن لبنت كل فحل ، وفي « ش » : وكون لبن بنت فحل ، والمثبت من النسخة الحجرية.


______________________________________________________

ولو أرضعت اثنتان دفعة واحدة (١) انفسخ نكاح الأولتين خاصة ، ثم يجدد نكاحهما إن شاء ، ولو ارتضعن بأنفسهن دفعة أو على التعاقب فالكلام في التحريم والانفساخ على ما سبق.

وأما الكلام في المهر ، فانّ لكلّ صغيرة نصف مهرها المسمّى أو جميعه على الخلاف السابق ، وقد بيّنا ما هو الأرجح ، ويرجع الزوج على مرضعتها ، إما مطلقا أو مع قصدها إلى إفساد النكاح على ما فيه ، وفيه الخلاف السابق من أنه لا رجوع أصلا ، وقد بيّنا ذلك ، فلا حاجة إلى إعادته.

وللكبيرة المهر مع الدخول ، وبدونه فيه الخلاف السابق ، ويرجع به الزوج على البنات الثلاث بالسوية إن لم يكن دخل بها ، أما مع الدخول فلا رجوع ، على ما صرح به المصنف في التذكرة (٢) وغيرها ، لاستقراره بالدخول ، وقد أطلق الرجوع به هنا ، وكأنه اكتفى بما يدل عليه ظاهر كلامه السابق فيما لو أرضعت كبيرة الزوجتين صغيرتهما ، فإنه قال هناك : ( وللكبيرة المهر مع الدخول ، وإلاّ فلا ) ولم يذكر رجوعا ، وذكر الرجوع في مهر الصغيرة.

ولو ارتضعن بأنفسهن : بأن سعين إلى البنات وهنّ نائمات فارتضعن الرضاع المحرّم ، فلا مهر لهنّ ، لأنّ الفرقة قبل الدخول من جهتين ، فكانت كالردّة ، لكن في تضمينهنّ مهر الكبيرة نظر ، ينشأ من التردد في أنّ التسبب إلى فسخ النكاح بفعل مقتضيه هل يوجب غرم المهر أم لا ، وأنّ قصد الإفساد هل هو شرط الرجوع أم لا ، والتضمين قوي ، لأن البضع متقوّم ، فهو في حكم الأموال ، والإتلاف موجب للضمان في الصغيرة والكبيرة.

__________________

(١) في النسخة الحجرية : ثم واحدة.

(٢) التذكرة ٢ : ٦٢٦ ـ ٦٢٧.


السادس : لو أرضعت أم الكبيرة أو جدتها أو أختها على اشكال فيهما الصغيرة ولم يدخل انفسخ النكاح ، لأن المرضعة إن كانت الأم فالكبيرة أخت ، وإن كانت الأخت فخالة ، وإن كانت الجدة فالصغيرة خالة.

______________________________________________________

فإن قلنا به استوين في الرجوع عليهن بمهر الكبيرة مع الارتضاع دفعة ، وإلاّ فعلى الاولى إن تعاقبن ، وإلاّ فعلى الأولتين.

ولو كان إرضاع البنات إياهن على التعاقب تعلّق بالأولى مهر الكبيرة أو نصفه ، وذلك مع الدخول وعدمه ، بناء على أنه ينتصف قبل الدخول ، وكذا يتعلّق بها نصف مهر الصغيرة ، وعلى كلّ من البنتين الباقيتين نصف مهر الصغيرة ، وعلى كلّ من البنتين الباقيتين نصف مهر الصغيرة التي أرضعتها إن كان قد دخل بالأم ـ وهذا إذا قلنا : بأنّ المهر ينتصف بالفسخ بالرضاع قبل الدخول ـ وإن لم يكن دخل بالأم فالنكاح صحيح بحاله ، لأنّ نكاح الكبيرة قد انفسخ قبل ذلك ، فانتفى الجمع المحرم.

واعلم : أن تقييد المصنف أوّل البحث بكون الرضاع لجميع الزوجات دفعة ، إنما يحتاج إليه إذا كان الرضاع قبل الدخول بالكبيرة ، لاختلاف الحكم ، أمّا بعده فلا تفاوت.

قوله : ( و : لو أرضعت أمّ الكبيرة أو جدتها أو أختها ـ على إشكال فيهما ـ الصغيرة ولم يدخل انفسخ النكاح ، لأنّ المرضعة إن كانت الأم فالكبيرة أخت ، وإن كانت الأخت فخالة ، وإن كانت الجدة فالصغيرة خالة ).

لو كان له زوجتان كبيرة ورضعية ، فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة الرضاع المحرم انفسخ النكاح ، لأنهما صارتا أختين ، ولو أرضعت جدة الكبيرة أو أختها الصغيرة ، ففي انفساخ النكاح هنا إشكال.


السابع : لو تزوج كل من الاثنين زوجة صاحبه ، ثم أرضعت إحداهما الأخرى ، حرمت الكبيرة عليهما مؤبدا ، والصغيرة على من دخل بالكبيرة ، وكذا لو تزوجتا بواحد ثم بآخر.

______________________________________________________

ينشأ : من أنّ المرضعة إن كانت الجدة للأم صارت الصغيرة خالة للكبيرة ، وإن كانت جدة للأب كانت الصغيرة عمّة ، وإن كانت الأخت صارت الكبيرة خالة للصغيرة ، والجمع بين العمّة وبنت الأخ والخالة وبنت الأخت في النكاح منهيّ عنه ، لقوله 7 : « لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها » (١).

ومن أنّ هذه النسبة بمجردها غير مانعة من النكاح ، فإنّه لو أذنت العمة أو الخالة ، أو تقدّم عقد بنت الأخ أو بنت الأخت ورضيت العمة والخالة جاز الجمع ، ولم يقم دليل على عدم جواز الجمع هنا ، فيستصحب النكاح السابق.

والتحقيق أن يقال : إنّ الجمع بين العمّة وبنت أخيها ، وبين الخالة وبنت أختها في النكاح بغير رضا العمة والخالة ممنوع منه ، ولهذا لو عقد أحد الوكيلين على بنت الأخ والوكيل الآخر على عمتها في زمان واحد ، لم يقع كلّ من النكاحين صحيحا ماضيا ولا واحد منهما بدون الآخر ، لانتفاء المرجّح ، بل يقعان موقوفين ، وكذا لو تزوّجهما في عقد واحد ، وعلى هذا فيكون الرضاع المحدث بهذه النسبة موجبا لاجتماعهما في النكاح ، وهو منهيّ عنه بدون الإذن ، والفرض انتفاؤه.

قوله : ( ز : لو تزوج كلّ من الاثنين زوجة صاحبه ثم أرضعت إحديهما الأخرى ، حرمت الكبيرة عليهما مؤبدا والصغيرة على من دخل بالكبيرة ، وكذا لو تزوجت بواحد ثم بآخر ).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٢٤ حديث ٢.


الثامن : لو أرضعت جدة الصغيرين أحدهما انفسخ النكاح ، لأن المرتضع إن كان هو الزوج ، فهو إما عم زوجته أو خالها ، وإن كانت الزوجة فهي إما عمة أو خالة لزوجها.

______________________________________________________

لو كان لاثنين زوجتان‌ إحديهما مرضعة والأخرى رضيعة ، ففارق كلّ منهما زوجته وتزوجها الآخر ، ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة بلبن ثالث ، حرمت الكبيرة عليهما مؤبدا ، والصغيرة على من دخل بالكبيرة.

أما تحريم الكبيرة عليهما مؤبدا ، فلأنها أمّ زوجتهما ، إلاّ أنه لا خلاف في تحريمها على من الصغيرة الآن زوجته ، إنّما الخلاف في تحريمها على من كانت الصغيرة زوجته ، وقد سبق تحقيقه.

وأما الصغيرة ، فإنها بالإضافة إليهما بنت الزوجة ، ولا تحرم بنت الزوجة إلاّ مع الدخول بأمها.

ولو لم يكن الإرضاع بلبن ثالث لحرمتا على صاحب اللبن مؤبدا وان لم يدخل بالكبيرة ، والكلام في المهر على ما سبق.

ولو أنّ أحدهما تزوج بالكبيرة ثم فارقها ، فتزوجها آخر ، ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة بلبن ثالث ، لكان الحكم كذلك أيضا.

قوله : ( ح : لو أرضعت جدّة الصغيرين أحدهما انفسخ النكاح ، لأن المرتضع إن كان هو الزوج فهو إما عمّ زوجته أو خال ، وان كانت الزوجة فهي إمّا عمة أو خالة لزوجها ).

المراد : أنه إذا زوج رضيع برضيعة ولهما معا جدّة من قبل الأم أو من قبل الأب ، كأم أم أمها أو أم أم أبيها ، ثم أرضعت أحدهما الجدة المذكورة ، فإنّ النكاح ينفسخ ، لأن المرتضع إن كان هو الزوج والجدة للأب فهو عم زوجته ، وإن كانت الجدة للأم‌


التاسع : لو أرضعت من لبن الزوج بعد موته نشر الحرمة إلى أقاربه.

العاشر : لا تحرم أم المرضعة من الرضاع على المرتضع ، ولا أختها منه ، ولا عمتها منه ، ولا خالتها ، ولا بنات أختها ، ولا بنات أخيها وإن حرمن بالنسب ، لعدم اتحاد الفحل.

ولو أرضعت ذات الابن ذات الأخت لم تحرم الأخت على الابن.

______________________________________________________

فهو خال زوجته ، وإن كان المرتضع هو الزوجة فهي إما عمة زوجها إن كانت المرضعة جدّة الأب ، وإلاّ فخالته.

قوله : ( ط : لو أرضعت من لبن الزوج بعد موته نشر الحرمة إلى أقاربه ).

لأن كون اللبن له لا يزول بالموت ، ولاستصحاب ما كان قبل الموت ، والتمسك بعمومات الكتاب والسنة المتناولة لهذا الرضاع مع انتفاء المعارض.

قوله : ( ي : لا تحرم أم المرضعة من الرضاع على المرتضع ولا أختها منه ولا عمتها منه ولا خالتها ولا بنات أختها وإن حرمن بالنسب ، لعدم اتحاد الفحل ، ولو أرضعت ذات الابن ذات الأخت لم تحرم الأخت على الابن ).

أطبق الأصحاب على أنّ حرمة الرضاع لا يثبت بين مرتضعين إلاّ إذا كان اللبن لفحل واحد ، وقد حققنا هذا فيما تقدّم ، وأوردنا النص الوارد بذلك ، وحكينا خلاف الطبرسي.

فعلى هذا لو كان لمن أرضعت صبيا أم من الرضاع لم تحرم تلك الام على الصبي ، لأن نسبتها إليه بالجدودة إنما تتحصل من رضاعة من مرضعته ورضاع مرضعته منها ،


______________________________________________________

ومعلوم أنّ اللبن في الرضاعين ليس لفحل واحد ، فلا تثبت الجدودة بين المرتضع والام المذكورة ، لانتفاء الشرط ، فينتفي التحريم.

ومن هذا يعلم أن أختها من الرضاع وعمّتها منه وخالتها منه لا يحرمن وإن حرمن بالنسب ، لما قلناه من عدم اتحاد الفحل ، ولو كان المرتضع أنثى لم يحرم عليه أبو المرضعة من الرضاعة ولا أخوها منه ولا عمّها منه ولا خالها منه ، لمثل ما قلناه.

قيل : عموم قوله 7 : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (١) يقتضي التحريم هنا ، وأيضا فإنّهم قد أطلقوا على مرضعة المرضعة أنّها أم ، وعلى المرتضعة بلبن أبي المرضعة أنها أخت ، فتكون الأولى جدّة والثانية خالة ، فيندرجان في عموم التحريم للجدة والخالة ، وكذا البواقي.

قلنا : الدال على اعتبار اتحاد الفحل خاص ، فلا حجّة في العام حينئذ ، وأمّا الإطلاق المذكور فلا اعتبار به مع فقد الشرط ، فإنّهم أطلقوا على المرتضع أنه ابن للمرتضعة وعلى المرتضعة منها بلبن فحل آخر أنها بنت لها أيضا ، ولم يحكموا بالأخوة المثمرة للتحريم بين الابن والبنت ، لعدم اتحاد الفحل.

وفي قول المصنف : ( ولا بنات أختها ) مع قوله : ( وإن حرمن بالنسب ) مناقشة ، لأن بنات أخت المرضعة من النسب لا يحرمن ، لأنهن بنات خالة ، فقوله : ( ولا بنات أختها ) من سهو القلم ، وبعض النسخ خالية منه.

وقوله : ( ولو أرضعت ذات الابن ذات الأخت ... ) هو بعينه ما مرّ من قوله : ( ولأولاد هذا الأب الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن النكاح في أولاد المرضعة ) وقد يفرق بينهما : بأنّ الأخت ربما كانت أختا للمرضعة من أمها ، فلا يتناولها قوله : ( ولأولاد هذا الأب ).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٠٥ حديث ١٤٦٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٢٣ حديث ١٩٣٧.


الحادي عشر : حرمة الرضاع تنشر إلى المحرمات بالمصاهرة ، فليس للرجل نكاح حلائل آبائه من الرضاع ، ولا حلائل أبنائه منه ، ولا أمهات نسائه ولا بناتهن منه.

______________________________________________________

قوله : ( يا : حرمة الرضاع ينشر إلى المحرمات بالمصاهرة ، فليس للرجل نكاح حلائل آبائه من الرضاع ولا حلائل أبنائه منه ولا أمهات نسائه ولا بناتهن منه ).

المراد من هذا : أنه إذا ثبت بالرضاع نسبة البنوة بين المرتضع وصاحب اللبن تبعها أحكام المصاهرة الثابتة بالنكاح ، فإذا كان لصاحب اللبن زوجة غير المرضعة أو موطوءة بملك اليمين ، فهي حليلة أب تحرم ، لاندراجها في عموم قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (١) ، وكذا القول في حليلة المرتضع بالنسبة إلى الفحل.

ومثله أخت المنكوحة من الرضاع معها ، لاندراجها في قوله سبحانه ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) (٢) ، ومثله بنت أخ الزوجة وبنت أختها إذا كانتا من الرضاع مع العمة والخالة إذا لم تأذنا ، وقد حقّقنا ذلك فيما سبق قبل الفروع.

وفي الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد : أن هذا رجوع عما سلف من قوله : ( ويحتمل قويا عدم التحريم بالمصاهرة ).

وليس كذلك جزما ، وكلّ من لاحظ ما حقّقناه كمال الملاحظة لم يشك في أنه ليس كذلك.

__________________

(١) النساء : ٢٢.

(٢) النساء : ٢٣.


الثاني عشر : لو أرضعت من يفسد النكاح بإرضاعه جاهلة بالزوجية ، أو للخوف عليها من التلف ، ولم تقصد الإفساد ، وقلنا بالتضمين ، ففيه هنا إشكال ينشأ : من كون الرضاع سببا ، فإذا كان مباحا لم يوجب الضمان كحفر البئر في ملكه.

______________________________________________________

قوله : ( يب : لو أرضعت من يفسد النكاح بإرضاعه جاهلة بالزوجية أو للخوف عليها من التلف ولم تقصد الإفساد وقلنا بالتضمين ، ففيه هنا إشكال ، ينشأ من كون الرضاع سببا ، فإذا كان مباحا لم يوجب الضمان ، كحفر البئر في ملكه ).

قد سبق أنّ المرضعة إذا قصدت بالرضاع إفساد النكاح الحاصل ، ففي (١) ضمانها ما اغترمه الزوج من المهر قولان :

فعلى القول بعدم الضمان مع القصد المذكور ، لا كلام في عدم الضمان مع انتفائه.

وعلى القول بالضمان معه ، فهل يضمن مع انتفائه ـ كما لو أرضعت الصغيرة مثلا جاهلة بكونها زوجة ابنها من النسب مثلا ، أو مع علمها بالزوجية ، لكن خافت على الصغيرة من التلف ، لفقد من ترضعها غيرها في محل الحاجة ولم تقصد مع ذلك الإفساد ـ فيه إشكال ، ينشأ مما ذكره المصنف ، وهو :

أنّ الرضاع سبب لإفساد النكاح ، فإذا كان مباحا لم يوجب الضمان ، كحفر البئر في ملكه ، فإنه لكونه مباحا لا يضمن الحافر ما يتلف بسببه ، وأيضا فإنّ الإرضاع في هذه الحالة إحسان خال عن الضرر ، فيندرج في عموم ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (٢).

__________________

(١) في جميع النسخ : في ، وما أثبتناه هو الصحيح.

(٢) التوبة : ٩١.


الثالث عشر : لو سعت الزوجة الصغيرة فارتضعت من الزوجة الكبيرة وهي نائمة ، رجع في مال الصغيرة بمهر الكبيرة ، أو نصفه على اشكال.

فإن أرضعتها عشر رضعات ، ثم نامت فارتضعت خمسا ، احتمل الحوالة بالتحريم على الأخيرة ، فالحكم كما لو كانت نائمة في الجميع ، والتقسيط ، فيسقط ثلث مهر الرضيعة بسبب فعلها ، ونصف المهر بوجود الفرقة قبل الدخول ، ويسقط ثلثا مهر الكبيرة.

______________________________________________________

ومن أنه إتلاف لمتقوم مضمون ، فلا يفرق الحال فيه بقصد الإفساد وعدمه ، كسائر الإتلافات.

ولقائل أن يقول : إن كان اباحة السبب موجبا لسقوط الضمان ، لم يتحقق الضمان في شي‌ء من الصور المذكورة أصلا ، لأنّا لا نسلّم تحريم الإرضاع على تقدير قصد الإفساد وإن حرم القصد ، ولأنه يلزم عدم الضمان للمهر لو أقرّت لزيد بالنكاح لاعتقادها كونها زوجة له ثم تغيّر اعتقادها فأقرت لعمرو ، ولأن إقرارها الأول مباح ، وهي محسنة بزعمها ، وللنظر فيه مجال.

قوله : ( يج : لو سعت الزوجة الصغيرة فارتضعت من الزوجة الكبيرة وهي نائمة رجع في مال الصغيرة بمهر الكبيرة أو نصفه على إشكال ).

فإن أرضعتها عشر رضعات ، ثم نامت فارتضعت خمسا ، احتمل الحوالة بالتحريم على الأخير والحكم كما لو كانت نائمة في الجميع. والتقسيط فيسقط ثلث مهر المرضعة بسبب فعلها ، ونصف المهر بوجود الفرقة قبل الدخول ويسقط ثلثا مهر الكبيرة ).


فإن كانت غير مدخول بها سقط الباقي ، لأنه أقل من النصف الساقط بالفرقة. ويغرم للصغيرة سدس مهرها ، ويرجع به على الكبيرة.

ويحتمل سقوط سدس مهر الصغيرة ، ويغرم الكبيرة ثلثه وسقوط ثلث مهر الكبيرة ، وتغرم الصغيرة سدسه إن كان قبل الدخول ، وبعده على اشكال.

______________________________________________________

فإن كانت غير مدخول‌ بها سقط الباقي ، لأنه أقل من النصف الساقط بالفرقة ، ويغرم للصغيرة سدس مهرها ويرجع به على الكبيرة ، ويحتمل سقوط سدس مهر الصغيرة وتغرم الكبيرة ثلثه ، وسقوط مهر الكبيرة وتغرم الصغيرة سدسه إن كان قبل الدخول ، وبعده اشكال ).

هنا مسألتان :

أ : إذا تولّت الزوجة الصغيرة الرضاع من الكبيرة بلبن غيره وليس للكبيرة شعور بذلك ـ بأن كانت نائمة ونحو ذلك ـ فانّ النكاح ينفسخ على ما سبق ، ويجب للكبيرة مع عدم الدخول جميع المهر أو نصفه على القولين.

وهل يرجع بذلك في مال الصغيرة؟ فيه إشكال ، ينشأ من التردد في اشتراط انتفاء القصد إلى الإفساد في ثبوت الغرم وعدمه ، ويمكن أن يكون الاشكال باعتبار التردد في الرجوع بعوض البضع ، وقد سبق الكلام فيه.

وقول المصنف : ( رجع في مال الصغيرة بمهر الكبيرة أو نصفه ) أشار به إلى التردد في استحقاق المهر كلّه أو نصفه بالانفساخ قبل الدخول ، لأن الفسخ بعد الدخول يوجب المهر جميعه ، ولا يستحق الزوج الرجوع به ، لسبق استقراره بالوطء ، فلا أثر للتردد بالرجوع بالمهر أو نصفه على تقدير الدخول أو عدمه.

ب : لو أرضعت الكبيرة الصغيرة عشر رضعات ثم نامت فارتضعت الصغيرة‌


______________________________________________________

خمسا اخرى انفسخ النكاح ، لبلوغ النصاب المقتضي للتحريم ، وحينئذ ففي حوالة التحريم على الرضاع الأخير أو على مجموع الرضعات احتمالان :

أحدهما : الحوالة على الأخير ، لانتفاء التحريم قبله وتحققه مع حصوله ، فيكون هو السبب وما تقدمه شرط ، ومثله ما إذا كان الصيد يمتنع بسببين العدو والطيران ، فأبطل واحد عدوه وآخر طيرانه ، فإنه يكونه للأخير ، فعلى هذا يسقط مهر الصغيرة ويضمن مهر الكبيرة قبل الدخول ، إما جميعه أو نصفه على ما سبق.

الثاني : اعتبار سببية المجموع في الضمان ، للإطباق على أنّ المقتضي للتحريم هو مجموع خمس عشرة رضعة أو ما جرى مجراها ، وأبعاضها أجزاء العلة ، فكلّ بعض منها جزء علة ، ولا ريب أنّ الجزء الأخير من العلّة ليس هو العلّة ، فعلى هذا يقسّط المهر على أجزاء السبب ، وفيه احتمالان :

أحدهما : اعتبار المقسط ، وهو فعل الزوجة من أصل المهر الواجب بالعقد مع ما يسقط بالفرقة قبل الدخول على القول بسقوط النصف بها ، فيجب للصغيرة سدس المهر ، وذلك لأن فعلها ثلث السبب ، فيسقط به ثلث مجموع المهر ونصفه بالفرقة قبل الدخول ، فيبقى سدس يدفعه إليها ويرجع به على الكبيرة.

وأما الكبيرة إذا كانت غير مدخول بها ، فإنّها لا تستحق شيئا ، لأنّ فعلها ثلثا السبب ، فيسقط به ثلثا المهر ، ويسقط بالفرقة قبل الدخول نصف المهر ، والباقي بعد الثلثين أقل منه ، فلا يبقى لها شي‌ء.

ووجه هذا الاحتمال : أنه بتمام الرضاع يتحقق المقتضي ، للفرقة والمسقط لبعض المهر دفعة واحدة ، فيوفر على كلّ مقتضاه ، وفي هذا الاحتمال قوة.

الاحتمال الثاني : اعتبار المسقط من الواجب بعد الفرقة ، وذلك هو النصف ، بناء على أن الفرقة قبل الدخول تشطر المهر ، فيسقط بفعل الصغيرة ثلث الواجب‌


______________________________________________________

بعد الفرقة ، وهو السدس ، لأن فعلها ثلث السبب ، والواجب بعد الفرقة هو النصف ، وثلثه سدس الأصل ، ويبقى لها الثلثان ، وهما ثلثا مجموع المسمّى ، فيغرمه الزوج لها ويرجع به على الكبيرة.

وأما الكبيرة إذا لم يكن مدخولا بها ، فإنه يسقط بفعلها ثلثا الواجب بعد الفرقة ، وهما ثلث الأصل ، ويبقى لها سدس هو ثلث الواجب بعد الفرقة ، فيغرمه الزوج لها ويرجع به على الصغيرة.

ويجي‌ء هنا احتمال آخر ، وهو : أن يقسط المهر على فعل الكبيرة والصغيرة بالسوية ، لأن لكل فعل منهما مدخلا ، وهو جزء علّة ، فلا ينظر إلى قلته وكثرته ، كما لو ضربه واحد ضربة وآخر عشرا ومات بالجميع ، هذا حكم ما إذا وقع الرضاع والكبيرة غير مدخول بها.

أما مع الدخول ففي الحكم إشكال ، ينشأ :

من أنّ المهر قد استقر بالدخول ، فلا يسقط منه شي‌ء بالسبب الطارئ الموجب للفسخ ، ولا يضمن فاعل سبب الفسخ شيئا ، لأن استدامة النكاح ليس في مقابلها مهر ، ولهذا لو قتل الزوجة قاتل أو قتلت نفسها ، أو اشتركا في سبب القتل لم يستحق الزوج الرجوع بشي‌ء من المهر بسبب القتل ، فلا تضمن للكبيرة الصغيرة شيئا من مهر الكبيرة بالرضاع بعد الدخول.

ومن أنّ البضع متقوّم كما قدّمناه غير مرة ، وتقرر المهر بالدخول لا يخرج البضع عن كونه متقوما ، ومن أتلف متقوما مقابلا بالمال ضمنه ، للإجماع على أنّ الإتلاف يقتضي الضمان ، وإلحاق الحكم هنا بحكم القتل قياس باطل ، مع أنه منقوض بالقتل فعل الدخول.

فعلى هذا إن كان قد سلّم الكبيرة المهر رجع عليها بثلثيه وعلى الصغيرة بثلث ، وإلاّ دفع الثلث ورجع به في مال الصغيرة.


خاتمة : الأقرب قبول شهادة النساء منفردات ، فلا بد من الأربع. ويكفي الشاهدان والشاهد والمرأتان. ولا يقبل في الإقرار به إلاّ شاهدان ،

______________________________________________________

وهنا شي‌ء ، وهو أنه على هذا الاحتمال ينبغي أن يكون المضمون بالرضاع بعد الدخول مهر المثل ، لأنه قيمة المثل بالنسبة إلى البضع ، والتوقف في هذه الأحكام أسلم ، وإن كان الاحتمال الأول من احتمالي التقسيط والثاني من احتمالي الضمان بعد الدخول لا يخلو من قوة.

قوله : ( خاتمة : الأقرب قبول شهادة النساء منفردات ، فلا بد من الأربع ، ويكفي الشاهدان والشاهد والمرأتان ، ولا يقبل في الإقرار به إلاّ شاهدان ).

اختلف الأصحاب في أنه هل تقبل شهادة النساء في الرضاع منفردات على قولين :

فذهب الشيخ في الخلاف (١) وابن إدريس (٢) إلى عدم قبولهن.

وذهب المفيد (٣) والسيد (٤) وسلار (٥) وابن حمزة (٦) وجمع من الأصحاب إلى القبول ، لأن ذلك من الأمور الخفية التي تعم بها البلوى ولا يطّلع عليها غالبا إلاّ النساء ، فوجب قبول شهادتهن فيه كسائر امورهن الخفية على الرجال ، ولمفهوم رواية‌

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٨٥ مسألة ١٩ من كتاب الرضاع.

(٢) السرائر : ٢٨٦.

(٣) المقنعة : ١١٢.

(٤) الانتصار : ٢٤٨.

(٥) المراسم : ٢٣٣.

(٦) الوسيلة : ٢٥١.


ويفتقر إلى التفصيل ، فلا تسمع الشهادة به مطلقة ، وتسمع في الإقرار به.

ويتحمل الشاهد بأربع شرائط : أن يعرفها ذات لبن ، وأن يشاهد الصبي قد التقم الثدي ، وأن يكون مكشوفا لئلا يلتقم غير الحلمة ، وأن يشاهد امتصاصه للثدي وتحريك شفتيه والتجرع وحركة الحلق ، ثم يشهد على القطع بأن بينهما رضاعا محرما.

______________________________________________________

عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا ، عن الصادق 7 في امرأة أرضعت غلاما وجارية ، قال : « يعلم ذلك غيرها؟ » قلت : لا ، قال : « لا تصدق إن لم يكن غيرها » (١) ، فانّ مفهوم الشرط أنها تصدق إذا كان معها غيرها ، وهو أعم من الرجال والنساء.

ويضعّف : بأنّ المفهوم لا عموم له ، وسيأتي كمال البحث في المسألة إن شاء الله تعالى في كتاب القضاء ، والأصح القبول.

وعلى هذا فلا بد من أربع ، فإنّ كلّ امرأتين بمنزلة رجل واحد.

ولا تكفي شهادة المرضعة عندنا ، وتقبل شهادة رجلين إجماعا ورجل وامرأتان ، وأما الإقرار بالرضاع فلا يقبل فيه إلاّ شهادة رجلين ، لأن الإقرار مما يطلع عليه الرجال غالبا ، بخلاف نفس الإرضاع.

قوله : ( ويفتقر إلى التفصيل ، فلا تسمع الشهادة به مطلقة ، وتسمع في الإقرار به ، ويتحمل الشاهد بأربع شرائط : أن يعرفها ذات لبن ، وأن يشاهد الصبي قد التقم الثدي ، وأن يكون مكشوفا لئلا يلتقم غير الحلمة ، وأن يشاهد امتصاصه للثدي وتحريك شفتيه والتجرع وحركة الحلق ، ثم يشهد على القطع أنّ بينهما رضاعا محرما.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٢٣ حديث ١٣٣٠.


وإن شهد على فعل الإرضاع فليذكر الوقت والعدد ، والأقرب أنه ليس عليه ذكر وصول اللبن إلى الجوف.

ولا تكفي حكاية القرائن بأن يقول : رأيته قد التقم الثدي وحلقه يتحرك.

______________________________________________________

وإن شهد على فعل الإرضاع فليذكر الوقت والعدد ، والأقرب أنه ليس عليه ذكر وصول اللبن إلى الجوف ، ولا يكفي ذكر حكاية القرائن ، بأن يقول : رأيته قد التقم الثدي وحلقه يتحرك ).

صرح المصنف وغيره من الأصحاب بأنّ الشهادة على الرضاع لا تسمع مطلقة ، بأن يقول الشاهد : ان أشهد أنّ بينهما رضاعا محرما ، أو حرمة الرضاع ، أو اخوته أو بنوته ، لأن الرضاع الذي به يتعلق التحريم مختلف فيه ، فبعضهم حرّم بالقليل وبعضهم بالإيجاز ونحو ذلك ، فلا بد من ذكر الكمية والكيفية التي هي مناط الاختلاف ، ليعمل الحاكم باجتهاده.

ولا يكفي إطلاق الشهادة ، لأن الشاهد ربما عوّل في شهادته على معتقده ولم يكن مرضيا عند الحاكم ، فيشهد الشاهد بأنّ الصغير ارتضع من الفلانية من الثدي من لبن الولادة خمس عشرة رضعة تامّات في الحولين من غير أن يفصل بينها برضاع امرأة أخرى.

وزاد المصنف في التذكرة (١) في الرضعات أن يقول : متفرقات ، ولا حاجة إليه ، لأن التعرض إلى الرضعات يغني عنه ، إذ مع عدم التفرق يكون الحاصل رضعة طويلة لا رضعات.

وبالجملة فلا بد من التعرض إلى جميع الشرائط.

وهل يشترط أن يتعرض إلى وصول اللبن إلى الجوف؟ فيه وجهان ، أقربهما عند‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٢٨.


______________________________________________________

المصنف العدم ، لأن المقتضي لوجوب التفصيل في الشهادة بالرضاع هو وقوع الخلاف في كميته وشرائطه ، فاعتبر ذكر ما يدفع احتمال استناد الشاهد بالرضاع المحرم إلى اعتقاده الذي لا يكون مقبولا عند الحاكم ، ووصول اللبن إلى الجوف ليس من هذا القبيل ، فيكفي فيه إطلاق الشهادة ، وأيضا فإنه ليس بمحسوس ، فلا يعتبر تصريح الشاهد به.

ويحتمل أنّ عليه ذكره ، لتقبل شهادته ، كما في ذكر الإيلاج في شهادة الزنا ، ولأن متعلق الحرمة هو ذلك.

والأول أصح ، لأن الشهادة بالرضاع يقتضيه ، فيكفي عن ذكره.

ولا يكفي ذكر حكاية القرائن ، بأن يقول : رأيته قد التقم الثدي وحلقه يتحرك ، لأن حكاية ذلك لا تعد شهادة ، ولأن الشاهد قد يستفيد العلم بوصول اللبن إلى الجوف بمعاينة هذه الأمور ، والحكاية لا تثمره عند الحاكم.

وتحرير المبحث يتم بأمور :

أ : يصير الشاهد للرضاع شاهدا به بشروط أربعة :

أن يعرف المرأة ذات لبن ، فلو لم يعلم ذلك لم يصر شاهدا ، لأن الأصل عدم اللبن.

وأن يشاهد الصبي قد التقم الثدي ، فلا يكفي سماع صوت الامتصاص ، لأنها قد توجره لبن غيرها ، وربما امتص إصبعه أو إصبعها.

وأن يكون الثدي مكشوفا ليعلم أنه قد التقم الحلمة ، ويغني عن هذا والذي قبله مشاهدته قد التقم الحلمة.

وأن يشاهد امتصاصه للثدي ، وتحريك شفتيه ، والتجرع ، وحركة الحلق ، لأنه ربما التقم الحلمة ولم يرتضع.

ب : قد يستفاد من قوله : ( ثم يشهد على القطع بأنّ بينهما رضاعا محرما ، وإن‌


______________________________________________________

شهد على فعل الرضاع فليذكر الوقت والعدد ) أنّ الشهادة بالرضاع تسمع مطلقة ، فيكون منافيا لما ذكره في أول الكلام ، وذلك لأنه جعل لأداء الشهادة صورتين : الشهادة بأنّ بينهما رضاعا محرما ، وأن يشهد على فعل الإرضاع ، فلا بد من التعرض إلى ذكر العدد والوقت المعتبرين في التحريم ، لأن مطلق الإرضاع أعم من الرضاع المحرم ، بخلاف ما إذا شهد بالرضاع المحرم.

ويمكن أن يجاب : بأنه لمّا حكى الأمور المعتبرة في صيرورة الشخص متحملا للشهادة بالرضاع المحرم ، خشي أن يتوهم متوهم أنّ حكاية الأمور التي هي طريق التحمل للشهادة بالرضاع كاف في الشهادة ، فدفعه بأنه لا بد من الشهادة بالرضاع المحرم على القطع والبت بصورة الجزم من غير تردد ، كما هو وظيفة الشهادة.

والحق أن قوله : ( وإن شهد على فعل الإرضاع ... ) مشعر بأنّ الشهادة عليه مفصلة غير لازمه ، فيستفاد منه أنّ أحد الأمرين كاف ، وذلك ينافي عدم سماع الشهادة مطلقة.

فلو قال : بأن يشهد على فعل الإرضاع. لا ندفع هذا المحذور ، على أنّ ظاهر العبارة أنه إذا شهد على الفعل كفاه التعرض إلى الوقت والعدد ، ولا ريب إنه لا يكفي.

ج : لو كان الشاهد بالرضاع فقيها مؤتمنا وعلم الحاكم موافقته إياه في أحكام الرضاع كلّها ، فقضية التعليل السابق الاكتفاء بالشهادة مطلقة ، لاندفاع المحذور حينئذ ، كما لو كان الشاهد بنجاسة الماء فقيها موافقا في أسباب التنجيس ، فإنّ الشهادة تسمع من دون اشتراط التفصيل ، وهذا أقوى ، لكن لا تجد به قائلا من الأصحاب ، فاعتبار التفصيل أولى.

د : هل يشترط أن يشهد الشاهد بأنّ الرضيع بقي اللبن في جوفه ، لأنه لو قاء لم يثمر الرضاع التحريم؟ مقتضى التعليل السابق اعتباره ، لأن هذا من الأمور‌


وتقبل شهادة أمها وجدتها ، وأم الزوج وجدته ، سواء ادعى الزوج أو الزوجة.

ولو شهدت أم الزوجة وبنتها أو أم الزوج وبنته ، سمعت ما لم يتضمن شهادة على الوالد.

______________________________________________________

المختلف فيها ، ولم أجد به تصريحا ، إلاّ أنه ينبغي اعتباره.

هـ : تسمع الشهادة بالإقرار مطلقة ولا تفتقر إلى التفصيل ، فلو شهد أنه أقر بأن فلانة أخته من الرضاع مثلا سمعت ، ولم يحتج إلى تفصيل الشرائط في الإقرار.

وجملة القول في ذلك : أن الإقرار بالرضاع المحرم مسموع ، بخلاف الشهادة به ، وفرّق بينهما : بأن المقر يحتاط لنفسه فلا يطلق القول بالتحريم إلاّ بعد تحققه ، وهذا الفرق لا يشفي ، لأنه ربما بنى على رأيه في التحريم أو رأي لا يعول عليه عند الحاكم.

ويمكن الفرق : بأنّ حكم الحاكم على رجل وامرأة بأنّ بينهما علاقة الرضاع المحرمة ، وهذا أمر خطير ، فلا بد من الاحتياط فيه باستفصال ما يدفع الإجمال ، بخلاف إقرار المرء على نفسه ، فانّ عموم قوله 7 : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١) فيجب مؤاخذته بظاهر إقراره حتى لو فسر بما لا يثمر التحريم عند الحاكم يقبل منه وهذا الفرق وجيه.

قوله : ( وتقبل شهادة أمها وجدتها وأم الزوج وجدته ، سواء ادعى الزوج أو الزوجة ، ولو شهدت أم الزوجة وبنتها وأم الزوج وبنته سمعت ، ما لم يتضمن شهادة على الوالد ).

لو شهدت أم المرأة أو بنتها أو جدتها أو أم الزوج أو بنته أو جدته مع تتمة النصاب بالرضاع بينها وبين الزوج قبل عندنا مع الشرائط ، لانتفاء المانع ، سواء كان المدعي للرضاع الزوج أو الزوجة ، إلاّ أن يتضمن شهادة البنت الشهادة على الوالد ، بأن يكون المدعي للرضاع الزوجة ، فتشهد بنت الزوج به ، فإنها شهادة على الوالد.

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٢ حديث ٥.


ولو شهدت المرضعة أن بينهما رضاعا قبلت ، ولا تقبل لو شهدت مع ثلاث أنها ولدته ، لترتب النفقة والميراث هنا ، ولو شهدت بأني أرضعته فالأقرب القبول ما لم تدّع اجرة.

______________________________________________________

وقالت العامة : إن كانت المرأة مدعية والرجل منكر لم تقبل شهادة أم المرأة وبنتها ، لأنها شهادة للبنت أو الأم ، وتقبل لو كان المدعي الزوج ، لأنها شهادة على الأم أو البنت (١).

وهذا عندنا ساقط ، لأن البعضية غير مانعة من قبول الشهادة.

وحكى المصنف في التذكرة عن الشافعية : أنه لا يتصور شهادة البنت على أمها بأنها ارتضعت من أم الزوج ، لأن الشهادة على الرضاع يشترط فيها المشاهدة ، ولم يتعرض إلى ذلك بقبول ولا رد (٢).

وقد يقال : إنّ تحمل الشهادة قد يحصل بقبول الثقات على وجه يثمر اليقين ، ولو شهدت الأم أو البنت من غير تقديم دعوى على طريق الحسبة قبلت ، كما إذا شهد أب الزوجة وابنها أو ابناها على أنّ زوجها قد طلقها ابتداء ، فإنه يقبل ، ولو ادعت الطلاق فشهدا لم يقبل.

قوله : ( ولو شهدت المرضعة أنّ بينهما رضاعا قبلت ، ولا يقبل لو شهدت مع ثلاث أنها ولدته ، لترتب النفقة والميراث هنا ، ولو شهدت بأنّي أرضعته فالأقرب القبول ما لم تدّع اجرة ).

قد سبق أنّ المرضعة إذا شهدت على الرضاع وحدها لم يقبل عندنا ، فأما إذا شهدت مع ثلاث نسوة ـ بناء على قبول شهادة النساء منفردات في الرضاع ـ فلا يخلو إمّا أن تشهد بالرضاع في الجملة من غير أن تسند هذه إلى نفسها ، أو تشهد بأنّها‌

__________________

(١) الوجيز ٢ : ٢٠٩ ، مغني المحتاج ٣ : ٤٢٤ و ٤٢٥ ، السراج الوهاج : ٤٦٤.

(٢) التذكرة ٢ : ٦٢٨ ، وانظر أيضا المصدر السابق.


______________________________________________________

أرضعته ، فاما أن تدعي مع ذلك أجرة ، أم لا ، فهذه صور ثلاث : فان شهدت وادعت الأجرة لم تقبل شهادتها ، للتهمة ، لأنها تشهد لنفسها ، وفي وجه للشافعية أنها لا تقبل في الأجرة وتقبل في ثبوت الحرمة (١).

وإن شهدت بالرضاع ولم تسنده إلى نفسها ، كما لو شهدت بإخوة الرضاع بينهما مثلا مع التفصيل المعتبر أو بأنهما ارتضعا منها ، فإنه لا يتضمن فعلا منها ، إذ ربما كانت نائمة ، قبلت لانتفاء المانع ، ولا نظر الى ما يتعلق به من ثبوت المحرمية وجواز الخلوة والمسافرة ، فإن الشهادة لا ترد بمثل ذلك ، فإن شهادة الشاهدين بأن فلانا طلّق زوجته أو أعتق أمته تقبل وان كان يسندان حل المناكحة.

وفي وجه للشافعية أن المعزول لو شهد بالحكم ولم يسنده الى نفسه ، بأن قال : حكم حاكم به ، لم يقبل ، وذكروا مجي‌ء مثله في الرضاع (٢).

ولو أسندت الرضاع إلى نفسها ، فشهدت بأنها أرضعتهما بالشرائط ، فأقرب الوجهين عند المصنف القبول ، لأنها لا تجر بهذه الشهادة نفعا ولا تدفع ضررا وعلمها أقوى من علم غيرها ، ورواية ابن بكير (٣) السالفة تشعر بذلك.

ويحتمل العدم ، لأن شهادة الإنسان على فعل نفسه لا يقبل ، كما لو شهد الحاكم على حكم نفسه بعد العزل لا يقبل.

وكذا القسام لو شهد على القسمة ، والأصح الأول ، وهذا بخلاف ما لو شهدت بأنهما ولداها ، أو بأنهما ولدتهما فإنه لا يقبل هنا جزما.

والفرق أن الولادة يتعلق بها حق النفقة والميراث وغير ذلك من الحقوق المقصودة ، وفرق بين الحاكم والقسام وبين المرضعة بأن فعلهما مقصود يتعلق به الحكم‌

__________________

(١) الوجيز ٢ : ١٠٩ ، مغني المحتاج ٣ : ٤٢٤ و ٤٢٥ ، السراج الوهاج : ٤٦٤.

(٢) المصادر السابقة.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٢٣ حديث ١٣٣٠.


ولو ادعى بعد العقد أنها أخته من الرضاع أو امه وأمكن ، فإن صدقته قبل الدخول بطل العقد ولا مهر ولا متعة ، وإن كان بعد الدخول فلها المسمّى مع الجهل ، ولا شي‌ء مع العلم بالتحريم ، ويحتمل مع الجهل مهر المثل.

______________________________________________________

المتنازع فيه ، وفعل المرضعة غير مقصود بالإثبات ، فإن التحريم لا يتعلق بفعلها بل بوصول اللبن إلى الجوف.

فلو اتفق ذلك وهي نائمة أو مكرهة أثمر التحريم وبأن الحاكم والقاسم متهمان ، لأنهما يثبتان لأنفسهما العدالة ووجوب اتباع حكمها بخلاف المتنازع.

قوله : ( ولو ادعى بعد العقد أنها أخته من الرضاع أو أمه وأمكن ، فإن صدقته قبل الدخول بطل العقد ولا مهر ولا متعة ، وإن كان بعد الدخول فلها المسمّى مع الجهل ، ولا شي‌ء مع العلم بالتحريم ، ويحتمل مع الجهل مهر المثل ).

أي : لو ادعى الزوج بعد العقد على الزوجة بأنها أخته من الرضاع أو امه ، وأمكن ذلك بأن لم يكذبه الحس ، فإما أن تصدقه الزوجة أو تكذبه ، فإن صدقته فإما أن يكون ذلك قبل الدخول أو بعده.

فإن كان قبله فالعقد باطل ولا مهر ولا متعة لها ، لانتفاء النكاح. وإن كان بعد الدخول فلها المسمّى في قول الشيخ (١) إن كانت جاهلة بالتحريم ، وإن كانت عالمة فلا شي‌ء لها إذ لا مهر لبغي.

ووجه قول الشيخ أن العقد هو سبب ثبوت المهر ، لأنه مناط الشبهة ، فكان كالصحيح المقتضي لتضمين البضع بما وقع التراضي عليه في العقد ، وينبه عليه قوله تعالى ( إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ ) ـ الى قوله ـ ( وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا ) (٢).

__________________

(١) المبسوط ٥ : ٣١٤.

(٢) الممتحنة : ١٠.


وإن كذبته قبل الدخول ولا بينة ، حكم عليه بالحرمة ونصف الصداق ، ويحتمل الجميع وبعده الجميع.

______________________________________________________

ويحتمل وجوب مهر المثل مع الجهل ، لأن العقد باطل فلا يلزم من جهته مهر ، لبطلان ما تضمنه ، وقد تقرر في الأصول أن الباطل لا يترتب عليه أثره ، وإنما الموجب له وطء الشبهة ، ولا تعلق له بالمسمى ، لأن الواجب في الإتلاف إنما هو قيمة المثل ، وقيمة منافع البضع هو مهر المثل فوجب ضمانه ، وهذا هو الأصح. والآية إنما هي في النكاح الصحيح دون غيره.

وهنا ضابط وهو : ان كل موضع حكم فيه بفساد العقد يجب بالوطء فيه مهر المثل إن كانت المرأة جاهلة ، وكل عقد صحيح يعقبه فسخ بعد الدخول يجب فيه المسمى.

قوله : ( وإن كذبته قبل الدخول ولا بينة حكم عليه بالحرمة ونصف الصداق ، ويحتمل الجميع ).

قد سبق حكم ما إذا صدقته الزوجة على أن بينهما رضاعا محرما ، فأما إذا كذبته : فإن كان قبل الدخول ولا بينة حكم عليه بالحرمة ، لعموم « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » ، ولأنه يملك الفرقة ، فإذا اعترف بما تضمنها قبل ، ولا يقبل قوله بالنسبة إلى المرأة في فساد أصل النكاح ، فعلى هذا فله إحلافها إن ادعى عليها العلم ، ويجب نصف الصداق ، لأنها فرقة قبل الدخول من طرف الزوج فأشبهت الطلاق.

ويحتمل الجميع ، لوجوبه بالعقد ، وتشطره بالطلاق لا يقتضي لحاق غيره به ، فإن القياس عندنا باطل ، وهذا أصح ، والأول أشهر.

وبعد الدخول يجب الجميع قطعا ويحكم بالفرقة ، لما قلناه. وهذا كله إذا لم يكن بينة ، أما معها فإن الحكم كما لو صدقته.

وكذا الحكم لو ردت عليه اليمين فحلف ، أما لو حلفت هي أو نكل هو بعد الرد فإن الحكم كما سبق.


ولو ادعت هي سمعت وإن كانت هي التي رضيت بالعقد ، لجواز جهلها به حالة العقد وتجدد العلم بخبر الثقات ، فإن صدقها الزوج وقعت الفرقة وثبت المهر مع الدخول وجهلها ، وإلاّ فلا.

ولو كذبها لم تقع الفرقة ، وليس لها المطالبة بالمسمّى قبل الدخول وبعده ، ويحتمل مطالبته مع الدخول بمهر المثل.

______________________________________________________

قوله : ( ولو ادعت هي سمعت ، وإن كانت هي التي رضيت بالعقد ، لجواز جهلها به حالة العقد وتجدد العلم بخبر الثقات ، فإن صدقها الزوج وقعت الفرقة ويثبت المهر مع الدخول وجهلها ، وإلاّ فلا. ولو كذبها لم تقع الفرقة ، وليس لها المطالبة بالمسمّى قبل الدخول وبعده ، ويحتمل مطالبته بمهر المثل بعد الدخول ).

لو كان المدعي للرضاع هي الزوجة سمعت دعواها وإن كانت هي التي رضيت بالعقد ، لجواز جهلها به حالة العقد وتجدد العلم بخبر الثقات ، فلا يكون فعلها مكذّبا لدعواها. وقضية هذا التعليل أنها لو أخبرت بأنها كانت عالمة بالتحريم حين العقد لا تسمع الدعوى لمنافاتها لفعلها ، ويجي‌ء مثله في طرف الزوج.

إذا تقرر ذلك فاعلم أنه إن صدقها الزوج على دعواها وقعت الفرقة ، وثبت مهر المثل بالدخول مع جهلها على الاحتمال السابق. وإن لم يدخل أو كانت عالمة فلا شي‌ء ، لما مر. وإن كذبها فالنكاح باق ولا يقبل قولها في الفسخ ، لأنه حق عليها ، وليس لها المطالبة قبل الدخول بالمسمى ، لأن العقد فاسد بزعمها ، والفاسد لا يستحق به مهرا ، وكذا بعد الدخول لبطلان المسمّى.

وهل تطالب بمهر المثل؟ ظاهر العبارة يشعر بأنه ليس لها ذلك ، فإن قوله : ( ويحتمل مطالبته بمهر المثل ) تشعر بذلك ، وقد حكى الشارح الفاضل (١) قولا‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٦١.


______________________________________________________

للشيخ (١) ، ووجه الاحتمال أن الوطء المحترم إذا لم يكن بعقد صحيح أو ملك يجب له مهر المثل كما نبهنا عليه.

فإذا جهلت التحريم استحقت بالوطء ذلك ، أما إذا عملت فلا شي‌ء لها ، إذ لا مهر لبغي واختار المصنف في التذكرة أن لها أقل الأمرين من المسمّى ومهر المثل (٢) ، لأنه إن كان المسمّى أقل فلا يقبل قولها في وجوب زائد عليه بل القول قوله بيمينه.

وإن كان الأقل مهر المثل لم يستحق أكثر منه ، لاعترافها بأن استحقاقها للمهر بوطء الشبهة لا بالعقد ، وهذا هو الأصح.

ولعل مراد الشارح الفاضل (٣) من قول الشيخ (٤) هو ما مر في المسألة السابقة من قوله : ( فإن كان بعد الدخول فلها المسمّى ) فإنه يوجب المسمى وإن كان العقد فاسدا ، إلاّ أن عبارة المصنف هنا لا تعرض فيها لقول الشيخ أصلا ، بل أطلق الحكم بأنها لا تستحق المسمّى ، فيبقى الاحتمال بغير مقابل ، وكأنه أراد به مقابل الاحتمال بوجوب أقل الأمرين.

قوله : ( ولو كذبها لم تقع الفرقة ).

هنا صور :

الاولى : أن يكذبها ولا يدعي عليه العلم.

الثانية : يدعيه ويحلف على نفيه.

الثالثة : ينكل فيرد اليمين عليها فتحلف.

الرابعة : ينكل.

__________________

(١) المبسوط ٥ : ٣١٤.

(٢) التذكرة ٢ : ٦٢٩.

(٣) إيضاح الفوائد ٣ : ٦١.

(٤) المبسوط ٥ : ٣١٤.


ولها إحلافه على نفي العلم ، فإن نكل حلفت على البت ، فيحكم بالفرقة والمهر مع الدخول لا قبله.

ولو نكلت أو كان قد حلف الزوج أولا ، فإن كان قد دفع الصداق لم يكن له مطالبتها به ، وإلاّ لم يكن لها المطالبة فكان العقد ثابتا.

______________________________________________________

والحكم بعدم وقوع الفرقة يستقيم فيما عدا الثالثة ، ويطالب بالمسمّى إذا كان بقدر مهر المثل أو دونه فيما عداها أيضا. أما في الثالثة فيطالب بمهر المثل بالغا ما بلغ.

ومن هذا يعلم أن إطلاق قوله : ( لم تقع الفرقة ) ، وقوله : ( فليس لها المطالبة بالمسمى قبل الدخول وبعده ) ليس بجيد. وقوله : ( ويحتمل المطالبة بمهر المثل ) إنما يستقيم في موضع يجي‌ء احتمال المطالبة بأقل الأمرين من المسمّى ومهر المثل.

وقوله آخرا : ( ولو نكلت ، أو كان قد حلف الزوج أولا ، فإن كان قد دفع الصداق لم يكن له مطالبتها ، وإلاّ لم يكن لها المطالبة ) معترض ، فإنه ينبغي أنه في جميع الصور متى دفع الصداق ليس له المطالبة ، ومتى لم يدفعه فلها المطالبة بمهر المثل إذا حلفت اليمين المردودة ، وفيما عداها إن طابق المسمّى مهر المثل طالبته به ، وإلاّ طالبته بأقل الأمرين ، فكيف يستقيم نفي المطالبة مطلقا.

اعلم أن المصنف لو أحكام المهر بقوله : ( ولو كذبها لم تقع الفرقة ـ إلى قوله ـ بعد الدخول ) عن قوله : ( وكان العقد ثابتا ) وما بعده ، كان أولى ، لأنها أحكام ما إذا حلف الزوج أو ردّ فنكلت ، لا ما إذا حلفت.

قوله : ( ولها إحلافه على نفي العلم ، فإن نكل حلفت على البت ، فيحكم بالفرقة والمهر مع الدخول لا قبله ، ولو نكلت أو كان قد حلف الزوج أولا ، فإن كان قد دفع الصداق لم يكن له مطالبتها به ، وإلاّ لم يكن لها المطالبة ، وكان العقد ثابتا ).

أي : للزوجة في الصورة المذكورة إحلاف الزوج على نفي العلم بالرضاع‌


والأقرب أنه ليس لها مطالبته بحقوق الزوجية على اشكال.

______________________________________________________

المحرم بينهما ، لما سيأتي إن شاء الله تعالى في أحكام القضاء أن الحالف على نفي فعل الغير يحلف على نفي العلم.

والحالف على إثبات فعل الغير ، أو إثبات فعل نفسه ، أو نفي فعل إنما يحلف على القطع والبت ، فان حلف اندفعت دعواها ظاهرا وبقي النكاح ، لكن فيما بينها وبين الله تعالى إن كانت صادقة فيما أقرت به لا يحل لها مساكنته ولا تمكينه من وطئها ، وعليها أن تفر منه وتفدي نفسها بما أمكنها ، لأن وطأه لها زنا ونظره وخلوته محرمان ، فعليها التخلص بكل طريق ممكن ، كالتي عرفت أنها مطلقة وجحد زوجها ذلك.

وإن نكل ردت اليمين عليها فتحلف على البت لما ذكرناه ، فإذا حلفت حكم بالفرقة ووجب بالدخول مهر المثل إذا لم تكن عالمة بالتحريم حين الوطء ، لثبوت دعواها بحلفها ، وقبله لا تستحق شيئا.

فإن كان الزوج قد حلف أو نكل فردت اليمين عليها فنكلت هي أيضا ، وكان قد دفع المسمّى لم يكن له مطالبتها به ، لأنها تستحقه بزعمه ، فكيف يطالب به ، وإن لم يكن دفعه لم يكن لها المطالبة به ، لأنها بزعمها لا تستحقه بل مهر المثل فلا يجوز مطالبتها ، ومع ذلك فالنكاح ثابت ظاهرا.

ولا يخفى أنه لو كان المدعي هو كان له إحلافها على نفي العلم إن ادعى عليها العلم ، وحينئذ فإن حلفت طالبت بالمسمّى ، وإن نكلت فحلف هو انفسخ النكاح ، ولم يكن لها المطالبة بشي‌ء قبل الدخول ، وبعده يطالب بمهر المثل ولو نكل فكما لو حلفت هي.

قوله : ( والأقرب أنه ليس لها مطالبته بحقوق الزوجية على اشكال‌ في النفقة ).

يريد أنه إذا حلف الزوج فيما إذا كانت هي المدعية ، أو نكل فردت اليمين عليها فنكلت أيضا ، كان النكاح باقيا ، وعلى هذا فالأقرب عنده أنه ليس لها مطالبته‌


______________________________________________________

بحقوق الزوجية ، لأن حقوق الزوجية تابعة للزوجية ، وهي منتفية بإقرارها ، فلا يمكن من المطالبة بما لا تستحقه.

ويحتمل ضعيفا أن لها ذلك ، لأن الزوجية ثابتة في نظر الشرع فاستحقت شرعا توابعها.

ويضعف بأن ثبوت الزوجية ظاهرا لا يقتضي ثبوت توابعها مع اعتراف الزوجة بعدم الاستحقاق ، فإن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، لكن في النفقة إشكال ينشأ : من انتفاء مقتضيها بزعمها ، ومن أنها معطلة لأجله وممنوعة من التزويج بسببه ، فلو لم يجب عليه نفقتها لزم الإضرار بحالها مع أنه معترف بوجوبها عليه.

والفرق بين النفقة وغيرها من الحقوق : أن النفقة لو بذلها لم يحرم عليها أخذها ، وأما النظر والقسم والاستمتاع فلو أراده منها وجب عليها الامتناع بمقتضى دعواها.

واعلم أن الشارح الفاضل ولد المصنف خصّ حقوق الزوجية التي قرّب المصنف المطالبة بها بما عدا الوطء ومشاهدة ما يحرم على غير الزوج ، قال : فإنه ليس لها ذلك قطعا ، بل بما لا يستلزم ذلك ، كما لو أوصى مورثه لزوجاته أو نذر ، وكالكفن ، وغير ذلك (١).

وما ذكره قريب ، لأنه يبعد احتمال المصنف جواز مطالبة الزوجة في المحل المفروض للزوج بالوطء ونحوه من الاستمتاعات ، حتى القسم والخلوة ، فإن ذلك حرام عليها بزعمها فكيف تطالب به.

ويمكن أن يقال : إنما يحرم عليها ذلك فيما بينها وبين الله تعالى إن كانت صادقة ، وأما ظاهرا فلا ، لأن النكاح ثابت ظاهرا.

ولو رجعت عن دعواها وصدّقت الزوج في عدم التحريم قبل ذلك منها ، ولم تمنع من المطالبة بالحقوق حينئذ ، فلا أقل من أن يجعل لها مطالبتها بها بمنزلة الرجوع ،

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٦٢.


ولو رجع بعد إقراره بالرضاع عنه بعد الفرقة لم يقبل رجوعه فيه وإن ادعى الغلط.

ولو اعترف قبل العقد بالرضاع لم يجز له العقد عليها ، وكذا المرأة ، سواء صدّقه الآخر أو لا. ولو رجع المعترف منهما لم يقبل رجوعه فيه.

______________________________________________________

وللنظر في ذلك كله مجال.

وعلى ما ذكره المصنف من أنه إن كان دفع إليها الصداق لم يكن له مطالبتها به ، وإلاّ لم يكن لها المطالبة ، وما سيأتي من أنه لو رجع المعترف منهما لم يقبل رجوعه ، ينبغي الجزم والقطع بأنه ليس لها المطالبة بشي‌ء من ذلك إلاّ النفقة ، فإن فيها احتمالا ضعيفا ، وهذا هو المختار.

قوله : ( ولو رجع بعد إقراره بالرضاع عنه بعد الفرقة ، لم يقبل رجوعه وان ادعى الغلط ، ولو اعترف قبل العقد بالرضاع لم يجز له العقد عليها ، وكذا المرأة ، سواء صدّقه الآخر أو لا ، ولو رجع المعترف منهما لم يقبل رجوعه ).

أي : لو رجع المقر بعد إقراره بالرضاع المحرم عن الإقرار بعد الحكم بالفرقة بين الزوجين لم يقبل رجوعه ، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، فلا يقبل الإنكار بعده.

ويلوح من التقييد بقوله : ( بعد الفرقة ) أن الرجوع لو كان حيث لم يحكم بالفرقة بينهما يقبل ، ويمكن توجيهه بثبوت النكاح وبقائه شرعا ، فرجوعه بمنزلة الرجوع عن إنكار النكاح الذي تضمنه الإقرار.

وأطلق في التذكرة عدم قبول الرجوع عن الإقرار (١) ، فيتناول ما إذا حكم بالفرقة وعدمه.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٢٩.


ولو أقر برضاع ممتنع لم يلحق به حكم قبل العقد وبعده.

______________________________________________________

وحكى عن أبي حنيفة قبول الرجوع من المقر عن إقراره من غير فرق بين الرجل والمرأة (١) ، ولو سبق الإقرار العقد لم يجز العقد قطعا ، سواء الرجل والمرأة ، وسواء صدّقه الآخر أم لا. ولو رجع المعترف منهما بدعوى ذلك عليه من الزوج الآخر ، أو من الحاكم الآخر لم يقبل رجوعه قطعا ، لأنه رجوع عن الإقرار بالدعوى فلا يقبل.

قوله : ( ولو أقر برضاع ممتنع لم يلحق به حكم قبل العقد وبعده ).

هذا مقابل قوله في أول الكلام : ( وأمكن ) وذلك لأنه إقرار باطل ، لأن ممتنع الوقوع معلوم الانتفاء ، فلا يلزم مقتضاه ، سواء كان قبل العقد أو بعده. وذهب أبو حنيفة إلى القبول عملا بمقتضى الإقرار كما إذا كان ممكنا (٢) ، والفرق ظاهر.

* * *

__________________

(١) بدائع الصنائع ٤ : ١٤.

(٢) بدائع الصنائع ٤ : ١٥.


الفصل الثاني : في المصاهرة : كل من وطأ بالعقد الصحيح الدائم أو المنقطع أو الملك حرمت عليه أم الموطوءة وإن علت وبناتها وإن سفلت ، سواء تقدمت ولادتهن أو تأخرت وإن لم يكن في حجره تحريما مؤبدا ، وأخت الزوجة جمعا ، وكذا بنت أختها وبنت أخيها إلاّ أن ترضى الزوجة ، وله إدخال العمة والخالة عليهما وإن كرهت المدخول عليها.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثاني : في المصاهرة : كل من وطأ بالعقد الصحيح الدائم ، أو المنقطع ، أو الملك ، حرم عليه أم الموطوءة وإن علت وبناتها وإن نزلن ، سواء تقدّمت ولادتهن أو تأخرت وإن لم يكن في حجره تحريما مؤبدا ، وأخت الزوجة جمعا وكذا بنت أختها وبنت أخيها إلاّ أن ترضى الزوجة ، وله إدخال العمة والخالة عليهما وإن كرهت المدخول عليها ).

عرّف بعضهم المصاهرة بأنها جهة توجب الحرمة بين أقرباء الزوجين بعقد أو وطء صحيح ، أو شبهة ، أو زنا ، مؤبدا عليه أو لا. ويلزم عليه أن يكون لفظ المصاهرة منقولا عن معناه الغوي ، ولم يثبت ، والأصل عدمه.

والأولى أن يقال : أنها علاقة مخصوصة حدثت بين الزوجين وبين اقربائهما بسبب النكاح توجب الحرمة. والحق بالنكاح الوطء والنظر واللمس في مواضع مخصوصة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن السبب المحرم في هذا الباب إما العقد ، أو الوطء ، أو النظر ، أو اللمس. وقدّم الوطء ، لأن التحريم به أشمل ، ونحن نقدمه.

فنقول : كل من وطأ امرأة بالعقد الصحيح الدائم أو المنقطع أو الملك ، حرم عليه أم الموطوءة وإن علت وبناتها وإن نزلن ، سواء تقدمت ولادتهن على الوطء أو تأخرت عنه ، وسواء كن في حجره أم لا ، تحريما مؤبدا متعلقا بعينهن.


______________________________________________________

والأصل في ذلك قوله تعالى ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) (١) والأمهات بصيغة الجمع يتناول الأم حقيقة ومجازا.

وروى غياث بن إبراهيم عن الصادق عن أبيه الباقر 8 ان عليا 7 قال : « إذا تزوج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالأم ، فإذا لم يدخل بالأم فلا بأس أن يتزوج بالابنة ، فإذا تزوج الابنة فدخل بها أو لم يدخل فقد حرمت عليه الام » (٢) ، وإجماع المسلمين على تحريم المذكورات.

وكذا تحرم أخت الموطوءة بالعقد جمعا ، وأما أخت الموطوءة بالملك فإنما يحرم وطؤها ، ولهذا غيّر المصنف الأسلوب فقال : ( وأخت الزوجة جمعا ) ولم يقل : وأخت الموطوءة ، أي : تحرم جمعا في النكاح بينها وبين أختها لا عينا ، ولا يحرم الجمع بينهما في الملك.

وكذا القول في العمة وبنت أخيها ، والخالة وبنت أختها ، فإنه لا يحرم إدخال الصغيرتين في الملك ويحرم في النكاح ، إلاّ أن ترضى الكبيرتان.

ودليل ذلك قوله تعالى ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) (٣).

والأخبار في ذلك متواترة ، مثل صحيحة زرارة عن الباقر 7 فيمن تزوّج امرأة بالعراق واخرى بالشام فإذا هي أخت العراقية ، قال : « يفرّق بينه وبين التي تزوجها بالشام ، ولا يقرب المرأة حتى تنقضي عدة الشامية » (٤).

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٧٣ حديث ١١٦٦ ، الاستبصار ٣ : ١٥٧ حديث ٥٧٠.

(٣) النساء : ٢٣.

(٤) الكافي ٥ : ٤٣١ حديث ٤ الفقيه ٣ : ٢٦٤ حديث ١٢٥٨ ، التهذيب ٧ : ٢٨٥ حديث ١٢٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١٦٩ حديث ٦١٧.


وهل يلحق الوطء بالشبهة والزنا بالصحيح؟ خلاف.

ولا يحرم الزنا المتأخر عن العقد وإن قلنا بالتحريم به مع السبق.

______________________________________________________

وروى محمد بن مسلم في الصحيح عن الباقر 7 قال : « لا تزوج ابنة الأخت على خالتها إلاّ بإذنها ، وتزوج الخالة على ابنة الأخت بغير اذنها » (١).

وعن علي بن جعفر عن أخيه الكاظم 7 قال : سألته عن امرأة تزوج على عمتها أو خالتها قال : « لا بأس » وقال : « تزوج العمة أو الخالة على ابنة الأخ أو الأخت ولا تزوج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلاّ برضى منهما ، فإن فعل فنكاحه باطل » (٢) ، وأكثر أهل الإسلام أطبقوا على التحريم في ذلك.

وذهب ابن أبي عقيل وابن الجنيد إلى عدم التحريم (٣) ، وهو قول ضعيف متروك ، كما ضعّف قول الصدوق في المقنع بالتحريم مطلقا (٤).

والقائلون بالتحريم من أصحابنا أجمعوا على جواز الجمع بين العمة والخالة ، وبين بنت الأخ وبنت الأخت برضى الكبيرتين ، سبق نكاحهما أو تأخر ، وخالف في ذلك العامة كافة (٥).

قوله : ( وهل يلحق الوطء بالشبهة والزنا بالصحيح؟ خلاف ، ولا يحرم الزنا المتأخر عن العقد وإن قلنا بالتحريم مع السبق ).

قد عرفت أن الوطء بالعقد والملك الصحيحين يثمر تحريم الام والبنت بغير خلاف بين المسلمين ، وهذا هو الوطء الصحيح فأما الوطء بالزنا والشبهة ففي‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٣٢ حديث ١٣٦٥ ، الاستبصار ٣ : ١٧٧ حديث ٦٤٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٣٣ حديث ١٣٦٨ ، الاستبصار ٣ : ١٧٧ حديث ٦٤٥.

(٣) نقله عنهما العلاّمة في المختلف : ٥٢٧.

(٤) المقنع : ٩٦.

(٥) انظر : المجموع ١٦ : ٢٢٣ ، المغني ٧ : ٤٨٩ ، الشرح الكبير ٧ : ٤٨٥.


______________________________________________________

إلحاقهما بالوطء الصحيح في إفادة تحريم المصاهرة خلاف.

وأما الوطء بالشبهة : فالمراد به الوطء في نكاح فاسد أو شراء فاسد لا يعلم بفسادهما ، وإذا ظن أن المرأة زوجته أو أمته فوطأها ، وكذا وطء الأمة المشتركة بينه وبين غيره ، وأمثال ذلك.

قال المصنف في التذكرة : وهذا يتعلق به التحريم إجماعا ، لتعلقه بالوطء المباح ، ثم حكى عن ابن المنذر انه قال : أجمع كل من نحفظ عنه العلم من علماء الأمصار على أن الرجل إذا وطأ امرأة بنكاح فاسد أو شراء فاسد انها تحرم على أبيه وابنه وأجداده وولد ولده ، وهذا مذهب مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي وأصحاب النص وهم الإمامية (١).

هذا كلامه ، وظاهره عدم الخلاف في ذلك ، إلاّ أن ابن إدريس منع التحريم فيه (٢) ، وقد حكاه المصنف عنه في المختلف (٣) ، وكذا غيره (٤) ، والأصح التحريم.

لنا : الإجماع المنقول في كلام المصنف وغيره ، ولا يضر مخالفة معروف الاسم والنسب ، وأن الزنا يحرم كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

فالوطء بالشبهة أولى ، لأنه وطء محترم شرعا ، فيكون لحاقه بالوطء الصحيح في ثبوت حرمة المصاهرة أولى من الزنا ، ولأن معظم أحكام الوطء الصحيح لاحقة به ، فإن أعظم أحكام النسب وهو في الشبهة كالصحيح.

وكذا وجود المهر ، وتخلّف المحرمية لا يضر ، فإنها متعلقة بكمال حرمة الوطء ، لأنها إباحة لحل النظر ، ولأن الموطوءة لم يستبح النظر إليها ، فلا يجوز لأجل ذلك أن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٣١ ، المغني ٧ : ٤٨٣ ، الشرح الكبير ٧ : ٤٧٨.

(٢) السرائر : ٢٨٩.

(٣) المختلف : ٥٣٣.

(٤) المحقق في الشرائع ٢ : ٢٨٩.


______________________________________________________

يستبيح النظر إلى أمها وبنتها.

واختلف الأصحاب أيضا في إلحاق الزنا بالصحيح في إفادته حرمة المصاهرة ، فقال الشيخ (١) ، وأبو الصلاح (٢) ، وابن البراج (٣) ، وابن زهرة (٤) ، وابن حمزة (٥) ، وأكثر المتأخرين بالتحريم (٦) ، وهو الأصح ، لصحيحة منصور بن حازم عن الصادق 7 في رجل كان بينه وبين امرأة فجور ، فهل يجوز أن يتزوج بابنتها؟ فقال : « إذا كان قبلة أو شبهها فليتزوج بابنتها ، وإن كان جماع فلا يتزوج ابنتها » (٧). والنهي للتحريم ، ولأن أم المزني بها وبنتها من الرضاعة تحرم ، فمن النسب أولى.

أما الأولى ، فلصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق 7 : في رجل فجر بامرأة أيتزوج أمها من الرضاعة أو ابنتها؟ قال : « لا » (٨).

وأما الثانية ، فلأن النسب أصل للرضاع في التحريم ، والرضاع فرعه وتابعه ، لظاهر قوله 7 : « الرضاع لحمة كلحمة النسب ».

وقوله 7 : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (٩).

ويمنع ثبوت الحكم في التابع حيث هو تابع بدون المتبوع ولظاهر قوله تعالى : ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) (١٠) ، وهو شامل للمزني بها ، لأن الإضافة يكفي فيها أدنى‌

__________________

(١) النهاية : ٤٥٢.

(٢) الكافي في الفقه : ٢٨٤.

(٣) المهذب ٢ : ١٨٣.

(٤) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٢٢.

(٥) الوسيلة : ٣٤٥.

(٦) منهم الشهيد في اللمعة : ١٨٨ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ٢٨٩ ، وولد العلاّمة في الإيضاح ٣ : ٦٣.

(٧) الكافي ٥ : ٤١٦ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ٣٣٠ حديث ١٣٥٧ ، الاستبصار ٣ : ١٦٧ حديث ٦٠٨.

(٨) الكافي ٥ : ٤١٦ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ٣٣١ حديث ١٣٦٠ ، الاستبصار ٣ : ١٦٧ حديث ٦١١.

(٩) الفقيه ٣ : ٣٠٥ حديث ١٤٦٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٢٣ حديث ١٩٣٧.

(١٠) النساء : ٢٣.


______________________________________________________

ملابسة.

وقال المفيد (١) ، والمرتضى (٢) ، وسلار (٣) ، وابن إدريس بعدم التحريم (٤) ، لقوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٥) ، وقوله سبحانه ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٦).

ولقول الصادق 7 وقد سئل عن الرجل يأتي المرأة حراما أيتزوجها؟ قال : « نعم وأمها وبنتها » (٧).

وفي رواية عنه 7 في رجل فجر بامرأة أيحل له بنتها؟ قال : « نعم إن الحرام لا يفسد الحلال » (٨).

والجواب : ان عموم الآيات مخصوص بأخبار التحريم ، والإتيان وإن كان استعماله في الوطء أكثر إلاّ أنه يحتمل غيره ، فلا يعارض الصريح الصحيح. والرواية الأخيرة منزلة على كون الزنا بعد نكاح البنت ، لأن فيه جمعا بين الدلائل ، فظاهر الرواية لا يأبى ذلك.

فعلى هذا يثبت تحريم الام والبنت إن لم يسبق نكاح إحداهما ، فإن سبق لم تحرم المنكوحة. ولا فرق في عدم تحريم المنكوحة بين كونها معقودا عليها أو موطوءة بالملك وان كان المذكور في العبارة هو العقد.

__________________

(١) المقنعة : ٧٧.

(٢) الناصريات : ٢٤٥.

(٣) المراسم : ١٤٩.

(٤) السرائر : ٢٨٧.

(٥) النساء : ٢٤.

(٦) النساء : ٣.

(٧) التهذيب ٧ : ٣٢٦ حديث ١٣٤٣ ، الاستبصار ٣ : ١٦٥ حديث ٦٠٠.

(٨) التهذيب ٧ : ٣٢٨ حديث ١٣٥٠ ، الاستبصار ٣ : ١٦٥ حديث ٦٠١.


أما النظر واللمس بما يحرم على غير المالك والقبلة فلا ، وقيل : إنما تحرم على أب اللامس والناظر وابنه خاصة فيما يملكانه ، دون أم المنظورة والملموسة وابنتهما وأختهما ، والأقرب الكراهية.

ولا خلاف في انتفاء التحريم بما يحل لغير المالك ، كنظر الوجه ولمس الكف.

______________________________________________________

واعلم أن الأصح أيضا أن المزني بها محرّمة على ابي الزاني وابنه ، والخلاف كما تقدّم ، ويدل على ذلك الإجماع المركب ، فإن كل من أثبت التحريم في السابق أثبته هنا ، ومن نفى ثم نفى هنا ، فالفرق احداث قول ثالث. ولظاهر قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (١) ، والنكاح حقيقة لغوية في الوطء ، والنقل على خلاف الأصل.

قوله : ( أما النظر واللمس بما يحرم على غير المالك ، والقبلة ، فلا. وقيل : إنما يحرم على أبي اللامس والناظر وابنه خاصة فيما يملكانه ، دون أم المنظورة أو الملموسة أو ابنتهما أو أختهما ، والأقرب الكراهية. ولا خلاف في انتفاء التحريم بما يحل لغير المالك كنظر الوجه ولمس الكف ).

المراد ان النظر إلى ما يحرم على غير المالك النظر اليه وكذا اللمس ما يحرم على غير المالك لمسه والقبلة هل يثمر شي‌ء من ذلك تحريم المصاهرة؟ فيه اختلاف ، وتحريره بمباحث ، لأن البحث في تحريم هذه :

اما في المملوكة بالنسبة إلى أب المالك وابنه ، أو بالنسبة إلى أم المرأة وبنتها وإن لم تكن مملوكة ، أو في الأجنبية :

الأول : إذا ملك جارية ونظر أو لمس منها ما يحرم على غير المالك ، فهل تحرم على أبيه وابنه؟ فيه أقوال :

__________________

(١) النساء : ٢٢.


______________________________________________________

أ : عدم التحريم ، اختاره المصنف وجماعة (١) ، للأصل ، ولعموم الآيات مثل : ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٢) ، ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٣) و ( ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (٤).

ولموثقة علي بن يقطين عن العبد الصالح 7 : في الرجل يقبّل الجارية ويباشرها من غير جماع داخل أو خارج ، أتحل لابنه وأبيه؟ قال : « لا بأس » (٥).

ويرد عليه بأن النصوص الواردة في التحريم ناقلة عن حكم الأصل ومخصصة للعموم ، والرواية ليس فيها تصريح بأن ذلك عن شهوة ، فيقيد بأن ذلك عن غير شهوة ، والمطلق يحمل على المقيد ، ولو ثبت عمومها من جهة ترك الاستفصال خصّت بما دلّ على التحريم بفعل ذلك مع الشهوة.

ب : التحريم بالنظر واللمس إذا كان بالشهوة كالوطء ، وهو قول الشيخ في النهاية (٦) ، واتباعه (٧) ، واختاره المصنف في المختلف (٨) ، وهو الأصح ، لقوله تعالى : ( وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ ) (٩).

وجه الاستدلال : ان مقتضاه التحريم بمجرد الملك ، لكن خرج عنه ما إذا تجرد‌

__________________

(١) منهم ابن إدريس في السرائر : ٣١٥ ، والمصنف في التذكرة ٢ : ٦٣٣.

(٢) النساء : ٣.

(٣) النساء : ٢٤.

(٤) النساء : ٣٦.

(٥) التهذيب ٨ : ٢٠٩ حديث ٧٤١ ، الاستبصار ٣ : ٢١٢ حديث ٧٦٨.

(٦) النهاية : ٤٩٦.

(٧) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٨٦ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ١٨٢ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٦٣.

(٨) المختلف : ٥٢٤.

(٩) النساء : ٢٣.


______________________________________________________

عن الجماع والنظر واللمس بالإجماع ، فيبقى الباقي على العموم.

وكذا احتج المصنف في المختلف ، وفيه نظر ، لأن الظاهر أن الحليلة هي الزوجة ، ولأن النظر واللمس بشهوة أقوى من العقد المجرد ، فيكون التحريم به أولى.

ولصحيحة محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن 7 وقد سأله عن الرجل يكون له الجارية فيقبّلها ، هل تحل لولده؟ فقال : « بشهوة »؟ فقلت : نعم ، فقال : « ما ترك شيئا إذا قبلها بشهوة » ، ثم قال ابتداء من نفسه : « إن جردها ونظر إليها بشهوة حرمت على أبيه وابنه » ، قلت : فإذا نظر إلى جسدها ، فقال : « إذا نظر إلى فرجها وجسدها بشهوة حرمت عليه » (١).

وفي صحيحة محمد بن مسلم عن الصادق 7 قال : « إذا جرد الرجل الجارية ووضع يده عليها فلا تحل لابنه » (٢).

لا يقال : ما دلت عليه الرواية أخص من المدعى ، فإن الرواية دلّت على التحريم بالنظر إلى العورة ، والمدعى التحريم بالنظر الى ما يحرم على غير المالك.

لأنا نقول : لا قائل بالفرق ، فإذا ثبت التحريم في بعض الصور للنص ثبت في الباقي للإجماع المركب.

ج : القول بأن النظر واللمس يحرّمان منظورة الأب وملموسته على ابنه دون العكس ، وهو قول المفيد (٣). وقد يحتج له بصحيحة محمد بن مسلم السابقة (٤) ، ولا حجة فيها ، لأن التحريم من الجانبين بذلك ثبت بنصوص اخرى (٥).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤١٨ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٨١ حديث ١١٩٢.

(٢) الكافي ٥ : ٤١٩ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ٢٨٢ حديث ١١٩٣.

(٣) المقنعة : ٧٧.

(٤) الكافي ٥ : ٤١٩ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ٢٨٢ حديث ١١٩٣.

(٥) الكافي ٥ : ٤١٨ حديث ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٦٠ حديث ١٢٣٥ ، التهذيب ٨ : ٢١٢ حديث ٧٥٨ ، الاستبصار ٣ : ٢١٢ حديث ٧٦٩.


______________________________________________________

الثاني : الحكم بالتحريم السابق إنما هو في الأمة ، لأن الحرة تحرم على الأب والابن بمجرد العقد عليها ، وسيأتي ذلك في عبارة الكتاب ، وعلى ذلك فالتحريم بالنظر واللمس إنما هو بالنسبة إلى الأب والابن.

أما بنت الملموسة المنظورة المعقود عليها وبنتها وأمها إذا كانت مملوكة ، ففي تحريمهن بالنظر واللمس قولان للأصحاب :

أحدهما : قول ابن الجنيد فإنه قال : إن اللمس والقبلة والنظر إلى العورة وما جرى مجراها عمدا تحرم البنت من نسب كانت أو رضاع (١). وقال الشيخ في الخلاف : إن القبلة واللمس يحرّم الام وإن علت والبنت وإن نزلت ، وقال في مسألة أخرى : إذا نظر إلى فرجها تعلّق به تحريم المصاهرة (٢).

والثاني : عدم التحريم بذلك ، وهو مختار أكثر المتأخرين (٣) ، وهو الأصح.

لنا : قوله تعالى ( فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) (٤) ، والنظر واللمس والتقبيل لا يطلق على شي‌ء منها الدخول.

ووجه الاستدلال به أن الآية دلت على عدم تحريم بنت المعقود عليها ما لم يدخل ، فيثبت ذلك في أم المملوكة وبنتها بالإجماع المركب ، إذ لا قائل بالفرق ، ذكره المصنف في المختلف (٥) لصحيحة عيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله 7 عن رجل باشر امرأة وقبّل ، غير أنه لم يفض إليها ثم تزوج ابنتها ، قال : « إن لم يكن أفضى فلا بأس ، وإن كان افضى فلا يزوج » (٦).

__________________

(١) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٢٥.

(٢) الخلاف ٣ : ٢١٨ مسألة ٨١ كتاب النكاح.

(٣) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ٢٨٩ ، وولد المصنف في الإيضاح ٣ : ٦٦.

(٤) النساء : ٢٣.

(٥) المختلف : ٥٢٥.

(٦) الكافي ٥ : ٤١٥ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٨٠ حديث ١١٨٦ ، الاستبصار ٣ : ١٦٢ حديث ٥٨٩.


______________________________________________________

احتج الشيخ في الخلاف (١) بإجماع الفرقة واخبارهم وطريقة الاحتياط ، وبما روي عن النبي 6 أنه قال : « لا ينظر الله إلى رجل نظر الى فرج امرأة وبنتها » (٢) ، وبقوله 7 : « من كشف قناع امرأة حرّمت عليه أمها وبنتها » (٣).

ويحتج له بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما 8 قال : سألته عن رجل تزوج امرأة فنظر الى رأسها وبعض جسدها ، أيتزوج ابنتها؟ قال : « لا ، إذا رأى منها ما يحرم على غيره فليس له أن يتزوج بنتها » (٤).

وقريب منها رواية أبي الربيع عن الصادق 7 (٥) ، ورواية محمد بن مسلم عن الباقر 7 (٦).

وجمع الشيخ بين هذه الأخبار وبين ما سبق من دلائل عدم التحريم بالحمل على الكراهية ، لأن الآية صريحة في عدم التحريم ، وهو جمع ظاهر ، وبه أجاب المصنف في المختلف (٧).

الثالث : حكم الشيخ في الخلاف بأن اللمس والقبلة بشبهة يحرّم الام وإن علت والبنت وإن نزلت ، وساوى بينه وبين اللمس والقبلة المباحين (٨) ، وهو ضعيف.

الرابع : اختلف القائلون بأن الزنا ينشر حرمة المصاهرة ، في أن النظر المحرم إلى الأجنبية هل ينشر الحرمة ، فتحرم به الام وإن علت والبنت وإن نزلت. كذا نقل‌

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٢١٨ مسألة ٨٢ كتاب النكاح.

(٢) عوالي اللآلئ ٣ : ٣٣٣ ، كنز العمال ١٦ : ٥١٧ حديث ٤٥٧٠٥.

(٣) عوالي اللآلئ ٣ : ٣٣٣.

(٤) الكافي ٥ : ٤٢٢ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٨٠ حديث ١١٨٧ ، الاستبصار ٣ : ١٦٢ حديث ٥٩٠.

(٥) الكافي ٥ : ٤٢٣ حديث ٥ ، الفقيه ٣ : ٣٥٧ حديث ١٧٠٨.

(٦) التهذيب ٧ : ٤٥٨ حديث ١٨٣٢ ، الاستبصار ٣ : ١٦٣ حديث ٥٩٢.

(٧) المختلف : ٥٢٥.

(٨) الخلاف ٣ : ٢١٨ مسألة ٨١ كتاب النكاح.


أما العقد المجرد عن الوطء فإنه يحرّم أم الزوجة وإن علت تحريما مؤبدا على الأصح.

وهل يشترط لزومه مطلقا ، أو من طرفه ، أو عدمه مطلقا؟ نظر.

فلو عقد عليه الفضولي عن الزوجة الصغيرة ، ففي تحريم الام قبل الإجازة أو بعد فسخها مع البلوغ نظر.

______________________________________________________

الشارح الفاضل (١) ، ولا شبهة في ضعف القول بالتحريم.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن المراد بالشهوة في قوله : ( إن اللمس بشهوة والنظر بشهوة يحرمان ) هي الميل الطبيعي ، فلو كان لغرض أخر كلمس العضو المريض ليعلم حاله ونحو ذلك ، فليس من قبيل المحرم ، ولا يعتبر انتشار العضو ولا حركته عندنا.

ويستفاد من قول المصنف : ( ولا خلاف في انتفاء التحريم بما يحل لغير المالك كنظر الوجه ولمس الكف ) انه يحل النظر واللمس المذكوران في الأمة للأجنبي ، وفي حل اللمس تردد ، ثم ارجع الى قول المصنف : ( وقيل : إنما يحرم على أب الملامس والناظر وابنه خاصة فيما يملكانه ).

واعلم أن الضمير في قوله : ( يحرم ) يعود إلى الملموسة والمنظورة ، وأراد بقوله الاحتراز عما صرح به بقوله : ( دون أم المنظورة ). وقوله : ( فيما يملكانه ) ، احتراز عن النظر واللمس في محل لا يملكانه ، فإن النظر واللمس المحرمين لا يحرمان عنده ، وإنما اقتصر على حكاية الخلاف في المنظورة والملموسة بالنسبة إلى أب اللامس وابنه مع أن الخلاف في أمها وبنتها استضعافا له ، فكأنه عنده غير ملتفت إليه.

قوله : ( أما العقد المجرد عن الوطء فإنه يحرّم أم الزوجة وإن علت تحريما مؤبدا على الأصح ، وهل يشترط لزومه مطلقا ، أو من طرفه ، أو عدمه مطلقا؟ نظر. فلو عقد عليه الفضولي عن الزوجة الصغيرة ، ففي تحريم الام به قبل الإجازة أو بعد فسخها مع البلوغ نظر ).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٣١٩.


______________________________________________________

هذا بيان حكم‌ ترتب تحريم المصاهرة على العقد خاصة ، وأخره عن بيان حكم النظر واللمس في ذلك ، لأنهما من توابع الوطء.

وتحقيق الكلام في ذلك أن العقد المجرد عن الوطء يحرّم أم الزوجة وإن علت تحريما مؤبدا عند أكثر فقهاء الإسلام (١) ، وخالف ابن أبي عقيل من أصحابنا في ذلك ، فاشترط في تحريمها الدخول بالزوجة كالبنت (٢) ، وهو أحد القولين للشافعي من الفقهاء الأربعة (٣).

والمذهب هو التحريم ، لأن قوله سبحانه ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) (٤) صريح في اعتبار الدخول في تحريم الربيبة دون أم الزوجة من وجهين :

الأول : أن : ( من ) في قوله سبحانه ( مِنْ نِسائِكُمُ ) وإن علقها ب( نِسائِكُمْ ) من قوله عز وجل( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) كانت لبيان النساء ، وتميز المدخول بهن من غير المدخول بهن. وإن علقها ب( رَبائِبُكُمُ ) من قوله تقدس وعلا( وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ ) كانت من لابتداء الغاية ، كما تقول بنات رسول الله 6 من خديجة ، ويمتنع أن يعني بالكلمة الواحدة في خطاب واحد معنيان مختلفان.

فإن قيل : تعلق الجار بهما يجعل معناه مجرد الاتصال على حد من في قوله تعالى : ( الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ) (٥) ، ولا ريب أن أمهات النساء متصلات‌

__________________

(١) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٨٦ ، والشيخ في المبسوط ٤ : ١٩٦ ، وسلار في المراسم : ١٤٧ ، وفخر المحققين في الإيضاح ٣ : ٦٦.

(٢) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٢٢.

(٣) انظر : المجموع ١٦ : ٢١٧ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٤٧٢ ، السراج الوهاج : ٣٧٣.

(٤) النساء : ٢٣.

(٥) التوبة : ٦٧.


______________________________________________________

بالنساء ، لأنهن أمهاتهن ، كما أن الربائب متصلات بأمهاتهن لأنهن بناتهن.

قلنا : في ذلك ارتكاب خلاف الظاهر من غير ضرورة ، وآية المنافقين لا تحتمل غير ذلك ، على أن المنقول في كلامهم أن تحريم أمهات النساء مبهم دون تحريم الربائب على ما عليه ظاهر كلامه ، وقد روى أصحابنا عن الصادق 7 عن الباقر 7 أن عليا 7 كان يقول : « إن الربائب إنما يحرمن مع الدخول بأمهاتهن ، وان أمهات النساء حرام مطلقا ، فحرموا وأبهموا ما أبهم الله » (١).

الثاني : قد تقرر في الأصول أن رجوع الشرط والوصف والاستثناء بعد جملتين متعاقبتين فصاعدا إنما هو إلى الأخيرة ، إلاّ أن يدل دليل على خلافه ، وفي عدة أخبار التصريح بتحريم الام وإن لم يدخل بالبنت من طرق الخاصة والعامة (٢).

وقد روى أصحابنا وغيرهم روايات كثيرة صريحة بعدم التحريم إلاّ مع الدخول كالربيبة (٣) ، وبعضها صحيحة لا تقبل التأويل ، وحكم الشيخ بشذوذها لمخالفتها لكتاب الله (٤) ، وصرح المصنف في المختلف بقوة هذه الأخبار ومنع مخالفتها للكتاب العزيز وأظهر التوقف ، ثم رجح التحريم بالاحتياط وفتوى الأكثر (٥).

ولقائل : أن يقول : إن تعلق ( من ) بالنساء والربائب معا إنما يستقيم بارتكاب خلاف الظاهر كما بيناه فالمخالفة ثابتة ، وأخبار الآحاد المخالفة لما عليه أكثر أهل الإسلام ولظاهر كتاب الله كيف يمكن التمسك بها والحكم بقوة العمل بها ، مع أنهم‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٧٣ حديث ١١٦٥ ، الاستبصار ٣ : ١٥٦ حديث ٥٦٩.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٧٣ حديث ١١٦٥ و ١١٦٦ ، الاستبصار ٣ : ١٥٦ حديث ٥٦٩ و ٥٧٠ ، سنن البيهقي ٧ : ١٥٩.

(٣) الكافي ٥ : ٤٢٢ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ٢٧٣ حديث ١١٦٨ ، الاستبصار ٣ : ١٥٧ حديث ٥٧٢.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٧٥ ، الاستبصار ٣ : ١٥٨.

(٥) المختلف : ٥٢٢.


______________________________________________________

يتمسكون بالإجماع فيما يكون الخلاف فيه أظهر من الخلاف هنا ، فإن ابن ابي عقيل قد انقرض القائل بمقالته ولحقه الإجماع ، فالتحريم هو المفتي به.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه هل يشترط لتحريم أم المعقود عليها ، بل كل تحريم يترتب على العقد ، أن يكون عقد النكاح لازما من الطرفين ، وهو الذي أراده المصنف بقوله : ( مطلقا ) أم يكفي للتحريم لزومه من طرف الزوج فقط ، أم لا يشترط واحد منهما فيثبت التحريم بمجرد حصول العقد الفضولي وإن كان فضوليا من الطرفين؟ فيه نظر ينشأ : من قيام الدليل على كل من الاحتمالات الثلاث :

أما الأول فلعموم الآيات الدالة على اباحة النكاح من تناول محل النزاع ، مثل قوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (١) ، خرج منه ما إذا كان العقد لازما من الطرفين ، لأنه العقد الصحيح الذي يترتب عليه أثره بالنسبة إلى كل من الزوجين ، فيبقي النكاح على أصل الحل.

ويحتمل الثاني ، لأن التحريم دائر مع لزوم العقد.

ويحتمل الثالث ، لقوله تعالى ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) (٢).

والإضافة تصدق بأدنى ملابسة ، فعلى هذا لو عقد الفضولي عن الزوجة الصغيرة على رجل مباشر للعقد هو أو وكيله ، بدليل قوله : ( أو بعد فسخها ) حيث خص الفسخ بها ، على أن كون الفسخ منها لا يمنع جوازه من الزوج ، فلا يستلزم كونه غير فضولي من طرفه.

ففي تحريم الام قبل حصول الإجازة نظر يعلم مما سبق ، وكذا في تحريمها بعد فسخ الصغيرة مع كونها قد بلغت ، إذ لا يعتد بفسخها قبله نظر ينشأ : من ثبوت العقد اللازم من طرفه ، وذلك يقتضي تحريم الام فلا يزول ، ومن أنه بالفسخ تبيّن أن لا‌

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) النساء : ٢٣.


______________________________________________________

نكاح ، وقد سبق الكلام على ذلك في المطلب الخامس في أحكام الأولياء.

والتحقيق أن يقال : إن حكمنا بكون الإجازة من الزوجين أو أحدهما جزء السبب ، فالذي يقتضيه صحيح النظر عدم التحريم ، لأن إطلاق العقد إنما يحمل على الصحيح وهو الذي يترتب عليه أثره ، والحاصل في العقد الفضولي إنما هو جزء السبب ، ويمنع صدق النساء على التي عقد عليها الفضولي.

وكون الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة ، معناه إنه إذا أريد إضافة شي‌ء إلى شي‌ء كفى لصحة الإضافة أن يكون بينهما أدنى ملابسة ، وليس معناه أنه إذا وجد بين شيئين أدنى ملابسة وجب حمل اللفظ المضاف منهما إلى الآخر على جميع محتملاته القريبة والبعيدة ، لأن الواجب الحمل على المعنى الحقيقي الذي يتبادر إلى الفهم عند إطلاق اللفظ.

والمعقود عليها فضولا من الطرفين معا أو من أحدهما لا يعد من النساء بالنسبة إلى المعقود له ، ولا من زوجاته ومنكوحاته ، لما قلناه من أن الحاصل جزء العقد لا كله ، وإن حكمنا بكون الإجازة كاشفة عن حصول العقد الصحيح والرد كاشفة عن عدمه فالتحريم الحقيقي الثابت لغير الام بحسب الواقع وعدمه موقوف على انكشاف الحال عندنا بالإجازة أو الرد ، لكن قبل حصول أحدهما وتبين الحال ينبغي أن يحكم بالمنع من تزوج أم المعقود عليها وأختها وبنتها ، لأن العقد الواقع بمعرض أن ينكشف صحته ولزومه من الجانبين.

فإن قيل : كيف حرمن بمجرد الاحتمال والأصل الإباحة.

قلنا : لما حصل عقد وترددنا في سببيته وعدمه على حد سواء ، وكان له أمد ينتظر انكشاف حاله عندنا ، لم يجز الهجوم على نكاح من يترتب على هذا العقد تحريم نكاحه.

ولم يبق أصل الإباحة كما كان ، لأن حصول ما وقع اللبس في سببيته نقل عن‌


______________________________________________________

حكم الأصل الذي كان ، وليس هذا بأدون من المعقود عليها عقدان لاثنين وقد التبس العقد السابق منهما ، فإن أم المرأة حرام على كل منهما لا محالة.

وكذا لو عقد عاقد على امرأة والتبست المعقود عليها بأخرى ، فإن أم كل منهما حرام عليه.

والحق أن بين هاتين والمعقود عليها فضولا فرقا ، لثبوت السبب التام الناقل عن حكم الأصل فيهما ، بخلاف المتنازع ، وكيف كان فالاحتياط التحريم وإن كان الطرف الآخر لا يخلو من وجه.

ولا فرق في هذا بين كون العقد فضوليا من الطرفين أو أحدهما ، من جانب الزوج أو الزوجة ، لأن كون الإجازة كاشفة لا تفاوت فيه بين الأمور الثلاثة ، فإذا حصل الرد انكشف لنا بطلان العقد من حين وقوعه.

وانه لا مصاهرة بسببه فلا تحريم ، وإطلاق الفسخ في مثل ذلك مجاز لا محالة ، وإن كان قد حصلت الإجازة انكشفت صحته ولزومه من حين وقوعه.

ويتفرع على ذلك أن الصداق لو كان عينا من أموال الزوج فنمت قبل الإجازة انكشف بالإجازة أن النماء للزوجة وبالرد أنه للزوج ، وهذا بحمد الله تعالى واضح.

واعلم أن في قوله : ( هل يشترط لزومه مطلقا ) أمران :

الأول : ان التفسير باشتراط اللزوم وعدمه يندرج فيه ما إذا كان النكاح متزلزلا ، فيما إذا وجد عيب أو شرط أو تدليس يقتضي التسلط على الفسخ ، فإن اللزوم بمعنى عدم التزلزل بهذا الاعتبار غير شرط في ثبوت تحريم الام قطعا ، لأن النكاح هنا حقيقي محرّم للام بنص الكتاب (١) والسنة (٢) ، وإنما التردد في النكاح الفضولي ،

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٧٣ حديث ١١٦٥ و ١١٦٦ ، الاستبصار ٣ : ١٥٦ حديث ٥٦٩ و ٥٧٠.


وتحرم المعقود عليها على أب العاقد وإن علا وابنه وإن نزل. ولا تحرم بنت الزوجة على العاقد عينا بل جمعا ، فلو فارقها قبل الدخول حل العقد على البنت ، وكذا أخت الزوجة وبنت أخيها وأختها إلاّ أن ترضى العمة أو الخالة.

______________________________________________________

لأنه ليس نكاحا حقيقيا جزما ، والاقتصار على نص يعم الفضولي غير كاف ، بل كان ينبغي التعبير بما لا يشمل غير الفضولي.

الثاني : قوله : ( أو عدمه مطلقا ) المتبادر منه أنه هل يشترط عدمه مطلقا ، وليس بجيد. وكان الأولى أن يقول : أو لا يشترط مطلقا ، فيجب التنبيه لذلك.

قوله : ( ويحرم المعقود عليها على أب العاقد وإن علا وابنه وإن نزل ، ولا تحرم بنت الزوجة على العاقد عينا بل جمعا ، فلو فارقها قبل الدخول حل له العقد على البنت ، وكذا أخت الزوجة وبنت أخيها وأختها ، إلاّ أن ترضى العمة والخالة ).

قد سبق الوعد بأنه سيأتي في كلام المصنف أن الزوجة تحرم على أبي الزوج وإن علا وابنه وإن نزل بمجرد العقد ، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع.

أما بنت الزوجة فلا تحرم على الزوج بمجرد العقد عينا ، أي حرمة متعلقة بعينها ، بل إنما تحرم جمعا ، بمعنى أن الأم ما دامت في النكاح حرمت البنت ، فإذا فارقها قبل الدخول حلّت البنت وإن لمس أو قبّل بشهوة على الأصح كما سبق.

وكذا القول في أخت الزوجة فإنها تحرم جمعا ولا تحرم عينا بحال ، فمتى فارق الزوجة حلّت أختها ، سواء كانت قبل الدخول أم بعده.

وكذا بنت أخي الزوجة وبنت أختها تحرم كل منهما على من عنده العمة والخالة إلاّ أن ترضى العمة والخالة ، ولا خلاف في شي‌ء من ذلك عندنا.


ويحرم وطء مملوكة كل من الأب وإن علا والابن وإن نزل على الآخر بالوطء لا بالملك.

ولا يحرم الملك مع الوطء ، ولو وطأ أحدهما مملوكة الآخر بزنا أو بشبهة ففي التحريم نظر.

______________________________________________________

قوله : ( ويحرم وطء مملوكة كل من الأب وإن علا وابنه وإن نزل على الآخر بالوطء لا بالملك ، ولا يحرم الملك مع الوطء ).

قد سبق حكم الزوجة بالنسبة إلى أب الزوج وابنه ، وهذا حكم المملوكة بالنسبة إليها ، وجعل متعلق التحريم وطء مملوكة الأب والابن ، لأن الملك لا يمنع منه قطعا إذ لا منافاة بين تحريم الوطء وثبوت الملك.

وقد صرح به المصنف بقوله : ( ولا يحرم الملك مع الوطء ، وإنما يحرم وطء مملوكة الأب والابن مع وطء الأب أو الابن لا بمجرد الملك ) ، لكن قد سبق أنها تحرم بنظر ما لا يحل لغير المالك نظره بشهوة ، وكذا لمسه بشهوة على أحد القولين ، إلاّ أنه غير مرضي عند المصنف.

قوله : ( ولو وطأ أحدهما مملوكة الآخر بزنا أو بشبهة ففي التحريم نظر ).

يريد بذلك ما إذا وطأ الأب أو الابن مملوكة الآخر بزنا أو بشبهة قبل أن يطأها المالك ، فإن في تحريمها على المالك بذلك نظر ، ينشأ من اختلاف الأصحاب ، وتعارض الدلائل عنده.

قال الشيخ ; (١) ، وابن الجنيد (٢) ، وابن البراج (٣) ، وجماعة (٤) على‌

__________________

(١) النهاية : ٤٥٢.

(٢) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٢٤.

(٣) المهذب ٢ : ١٨٣.

(٤) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٨٦ ، وفخر المحققين في الإيضاح ٣ : ٦٨.


______________________________________________________

التحريم ، لقوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (١) فإنها كما تتناول الوطء بالنكاح الصحيح تتناول الوطء بالزنا والشبهة.

فإن قيل : النكاح حقيقة في العقد فلا حجة في الآية.

قلنا : قد ثبت أنه حقيقة لغوية في الوطء ، والأصل عدم النقل.

فإن قيل : قد استعمل شرعا في العقد ، بل استعماله فيه أشيع.

قلنا : مجازا ، لأن الاشتراك مع كونه على خلاف الأصل مرجوح إذا عارضه المجاز ، وإذا ثبت التحريم بذلك في حق الابن فكذا في الأب ، لعدم القائل بالفرق.

ولما رواه عمار الساباطي عن الصادق 7 : في الرجل يكون له الجارية فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها الجد ، أو الرجل يزني بالمرأة ، هل يحل لابنه أن يتزوجها؟ قال : « لا ، انما ذلك إذا تزوجها فوطأها ثم زنا ابنه لم يضره ، لأن الحرام لا يفسد الحلال ، فكذلك الجارية » (٢).

ولا يضر ضعف سندها ، لاعتضادها بظاهر الآية ، وغير ذلك من الروايات.

ونفى ابن إدريس التحريم (٣) ، تمسكا بالأصل ، وبظاهر قوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٤) ونحوه ، وبقوله 7 : « لا يحرّم الحرام الحلال وإنما يحرم ما كان بنكاح » (٥).

وجوابه : إن الأصل يترك للدليل والآية مخصوصة بما قدمناه ، والحديث يراد به الحرام اللاحق ، والحصر المستفاد من قوله : « وإنما يحرم ما كان بنكاح » معارض بما سبق‌

__________________

(١) النساء : ٢٢.

(٢) الكافي ٥ : ٤٢٠ حديث ٩ ، التهذيب ٧ : ٢٨٣ حديث ١١٩٦ ، الاستبصار ٣ : ١٦٤ حديث ٥٩٧.

(٣) السرائر : ٢٨٧.

(٤) النساء : ٢٤.

(٥) سنن البيهقي ٧ : ١٦٩.


وليس لأحدهما أن يطأ مملوكة الآخر إلاّ بعقد أو ملك أو اباحة ، وللأب التقويم مع الصغر.

ولو وطأ الأب أو الابن زوجة الآخر أو مملوكته الموطوءة بزنا أو بشبهة ، فالأصح أنه لا يوجب التحريم ،

______________________________________________________

من الدلائل الدالة على أن الزنا ينشر حرمة المصاهرة ، والأصح التحريم.

واعلم أن المملوكة وإن كانت أعم من الموطوءة وغيرها ، إلاّ أن تعليق الحكم على مملوكتها يقتضي ثبوت التردد في تحريمها إذا لم يكن المالك قد وطأها ، ولا يدل على أن الموطوءة لا يتعلق بها حكم التحريم بذلك ، إلاّ أن ذلك سيأتي صريحا في قوله : ( ولو وطأ الأب أو الابن زوجة الآخر أو مملوكته الموطوءة ... ).

قوله : ( وليس لأحدهما أن يطأ مملوكة الآخر إلاّ بعقد أو ملك أو اباحة ، وللأب التقويم مع الصغر ).

كما لا يحل لواحد من الأب والابن التصرف في مال الآخر إلاّ بإذن المالك ، لأن المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ، وكذا لا يحل لأحدهما أن يطأ مملوكة الآخر إلاّ بسبب صحيح ، وهو إما العقد أو الملك الشرعيان ، والإباحة دائرة بينهما على ما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

وإنما أفردها بالذكر لوقوع النزاع في أنها من قسم العقد أو من قسم الملك ، فربما لم ينتقل الذهن فعطفها على القسمين من قبيل عطف الخاص على العام لهذه النكتة ، ويجوز لكل من الأب والجد تقويم جارية الابن الصغير على نفسه بأن يتملكها بعقد شرعي ممّلك ، ولا يكفي مجرد التقويم قطعا ، إذ لا ينتقل المملّك إلاّ بسبب ناقل ، وقبل الانتقال لا يجوز التصرف ، ولا اثر للتقويم بدون العقد المملّك ، ولا خلاف في شي‌ء من هذه الأحكام ، ولا فرق بين كون الأب والجد مليا أم لا.

قوله : ( ولو وطأ الأب أو الابن زوجة الآخر أو مملوكته بزنا أو شبهة ، فالأصح أنه لا يوجب التحريم ).


ولا حد على الأب في الزنا بمملوكة ابنه ، ويحد الابن مع انتفاء الشبهة.

ولو حملت مملوكة الأب بوطء الابن لشبهة ، عتق ولا قيمة على الابن ،

______________________________________________________

المراد انه إذا‌ وطأ أحدهما زوجة الآخر وإن لم يكن مدخولا بها ، أو مملوكته التي قد وطأها المالك بالملك أو بسبب آخر وإن تقدّم على زمان الملك بزنا أو شبهة ، ففي تحريمها على الزوج والمالك قولان :

أحدهما : التحريم ، لظاهر قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (١) وهو ضعيف ، لأن الآية مخصوصة بقوله 7 : « لا يحرّم الحرام الحلال » (٢).

وأصحهما ـ وهو مختار الأكثر (٣) ـ عدم التحريم ، ولا يخفى أن الجار في قوله : ( بزنا ) يتعلق بقوله : ( ولو وطأ الأب ).

قوله : ( ولا حدّ على الأب في الزنا بمملوكة ابنه ، ويحدّ الابن مع انتفاء الشبهة ).

لا خلاف في ذلك ، والفرق أن الأب لما كان أصلا في وجود الابن اثبت له الشارع هذه المزية ونحوها ، وفي قوله 7 : « أنت ومالك لأبيك » (٤) إيماء إلى ذلك.

قوله : ( ولو حملت مملوكة الأب بوطء الابن شبهة عتق ولا قيمة على الابن ).

__________________

(١) النساء : ٢٢.

(٢) سنن البيهقي ٧ : ١٦٩.

(٣) منهم الشيخ في النهاية : ٤٥٢ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٨٧ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ١٨٣.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٦٩ حديث ٢٢٩١.


ولا عتق مع الزنا.

ولو حملت مملوكة الابن بذكر لم ينعتق ، وعلى الأب فكه مع الشبهة.

ولو حملت بأنثى عتقت على الابن ولا قيمة ، ولا عتق مع الزنا.

وعلى كل من الأب والابن مهر المثل لو وطأ زوجة الآخر للشبهة ، فإن حرمنا بها فعاودها الزوج وجب عليه مهر آخر وإلاّ فلا ،

______________________________________________________

وذلك لأن النسب‌ يثبت مع الشبهة ، فيكون ابن ابن مالك الأمة ، فيعتق عليه لو كان رقا ، فلا تجب عليه قيمته.

قوله : ( ولا عتق مع الزنا ).

وجهه انتفاء النسب بالزنا ، فإذا كان الابن زانيا لم يتحقق النسب الموجب للعتق ، ولا يخفى أنه قد سبق في كلام المصنف التردد في أن الزنا هل يثبت معه العتق كالصحيح والشبهة ، وجزم هنا بالعدم ، فيكون رجوعا عن الجزم السابق.

قوله : ( ولو حملت مملوكة الابن بذكر لم ينعتق ، وعلى الأب فكه مع الشبهة ، ولو حملت بأنثى عتقت على الابن ولا قيمة ، ومع الزنا لا عتق ).

أي : لو حملت مملوكة الابن من الأب ، فإن كان بذكر لم ينعتق ، لأن الأخ لا ينعتق على أخيه لو ملكه كما هو مقرر في موضعه ، بخلاف الأخت.

فلو حملت بأنثى عتقت ، ولم يجب على الأب للابن قيمتها ، وتجب القيمة في الذكر. وهذا كله إنما هو مع الشبهة ، أما مع الزنا فلا نسب ولا عتق ولا قيمة.

قوله : ( وعلى كل من الأب والابن مهر المثل لو وطأ زوجة الآخر للشبهة ، فإن حرّمنا بها فعاودها الزوج وجب عليه مهر آخر ، وإلاّ فلا ).

لا ريب أن الوطء بالشبهة يوجب على الواطئ مهر المثل إذا لم تكن الموطوءة عالمة بالحال ، فإذا وطأ الأب أو الابن زوجة الآخر للشبهة ، وقلنا بتحريمها على الزوج بذلك ، فعاودها الزوج ، أي : وطأها بعد ذلك ، وجب عليه مهر آخر لها ، لأن وطء‌


والرضاع في ذلك كله كالنسب.

الفصل الثالث : في باقي الأسباب ، وفيه مسائل :

أ : من لاعن امرأته حرمت عليه ابدا ، وكذا لو قذف زوجته الصماء أو الخرساء بما يوجب اللعان لو لا الآفة.

______________________________________________________

الشبهة لا يخلو عن المهر ، وهذا إذا لم تكن عالمة بالحال.

وقوله : ( وإلاّ فلا ) معناه وإن لم نحرمها بذلك على الزوج ، أو لم يعاودها الزوج فليس لها مهر آخر ، وهو ظاهر.

قوله : ( والرضاع في ذلك كله كالنسب ).

أي : حكم الأب من الرضاع كحكم الأب من النسب ، والابن من الرضاع كالابن من النسب ، وبنت الزوجة من الرضاع وأمها كالبنت والام لها من النسب.

وكذا القول في الأخت والعمة والخالة ، ففي كل موضع حكمنا بتحريم المصاهرة لأحد المذكورين من النسب ، حكمنا به في نظيره من الرضاع ، وقد سبق هذا مستوفى.

قوله : ( الفصل الثالث : في باقي الأسباب ، وفيه مسائل :

الاولى : من لاعن امرأته حرمت عليه أبدا ، وكذا لو قذف زوجته الصمّاء والخرساء بما يوجب اللعان لو لا الآفة ).

أجمع الأصحاب على أن من لاعن امرأته حرمت عليه أبدا ، وروى أبو بصير عن أبي عبد الله 7 في حديث طويل : « والملاعنة لا تحل له أبدا » (١).

وكذا أجمعوا على أن من قذف زوجته وهي صماء أو خرساء قذفا يوجب اللعان لو لا الافة وهي الصمم والخرس ، بأن يرميها بالزنا مع دعوى المشاهدة وعدم البينة.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٢٨ حديث ٩.


ب : لو تزوج امرأة في عدتها عالما حرمت عليه أبدا دون أبيه وابنه ، وإن جهل العدة أو التحريم : فإن دخل فكذلك في حقه وحقهما ، وإلاّ بطل واستأنف بعد الانقضاء.

ويلحق به الولد مع الجهل إن جاء لستة أشهر فصاعدا من حين الوطء ، ويفرق بينهما ، وعليه المهر مع جهلها لا علمها ، وتعتد منه بعد إكمال الاولى ، ولو كانت هي العالمة لم يحل لها العود إليه أبدا.

ولو تزوج بذات بعل ففي إلحاقه بالمعتدة إشكال ينشأ : من عدم التنصيص ، ومن أولوية التحريم.

ولا فرق في العدة بين البائن والرجعي وعدة الوفاة.

______________________________________________________

وروى أبو بصير عن أبي عبد الله 7 : أنه سئل عن رجل قذف امرأته بالزنا وهي خرساء صماء لا تسمع ما قال ، فقال : « إن كان لها بيّنة تشهد عند الإمام جلده الحد وفرق بينهما ، ثم لا تحل له أبدا ، وإن لم يكن لها بينة فهي حرام عليه ما أقام معها ولا اثم عليها منه » (١).

قوله : ( الثانية : لو تزوج امرأة في عدتها عالما حرمت عليه أبدا دون ابنه وأبيه ، وإن جهل العدة أو التحريم ، فإن دخل فكذلك في حقه وحقهما ، وإلاّ بطل واستأنف بعد الانقضاء ، ويلحق به الولد مع الجهل إن جاء لستة أشهر فصاعدا من حين الوطء ، ويفرّق بينهما ، وعليه المهر مع جهلها لا علمها ، ويعتد منه بعد إكمال الاولى.

ولو كانت هي العالمة لم يحل لها العود إليه أبدا ، ولو تزوج بذات بعل ، ففي إلحاقه بالمعتدة إشكال ينشأ : من عدم التنصيص ، ومن أولوية التحريم. ولا فرق في العدة بين البائن والرجعي وعدة الوفاة ).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٦٦ حديث ١٨ ، التهذيب ٨ : ١٩٣ حديث ٦٧٥.


______________________________________________________

إذا تزوج رجل‌ امرأة في عدتها فله صور ، لأنهما إما أن يكونا عالمين ، أو جاهلين بالعدة أو التحريم ، أو أحدهما عالما والآخر جاهلا ، وعلى التقديرات فإما أن يحصل الدخول ، أو لا :

الاولى : أن يكونا عالمين بالعدة والتحريم ويدخل.

الثانية : الصورة بحالها ولا دخول ، فتحرم عليه مؤبدا في الصورتين ، لما رواه زرارة بن أعين وداود بن سرحان عن أبي عبد الله 7. وعبد الله بن بكير عن أديم بياع الهروي عنه 7 إنه قال : « الذي يتزوج المرأة في عدتها وهو يعلم لا تحل له أبدا » (١).

وروى عبد الرحمن بن الحجاج عنه 7 قال : سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة ، أهي ممن لا تحل له أبدا؟ فقال : « لا ، أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها ، وقد يعذر الناس في الجهالة ما هو أعظم من ذلك ».

فقلت : بأي الجهالتين أعذر ، بجهالته أن يعلم أن ذلك محرم عليه أبدا ، أم بجهالة أنها في عدة؟

فقال : « احدى الجهالتين أهون من الأخرى ، الجهالة بأن الله تعالى حرّم ذلك عليه ، وذلك أنه لا يقدر على الاحتياط معها ».

قلت : فهو في الأخرى معذور؟ قال : « نعم ، إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها ».

فقلت : وإن كان أحدهما متعمدا والآخر بجهالة؟ فقال : « الذي تعمد لا يحل له أن يرجع الى صاحبه ابدا » (٢) وغير ذلك من الروايات (٣).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٢٦ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٠٥ حديث ١٢٧٢.

(٢) الكافي ٥ : ٤٢٧ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٠٦ حديث ١٢٧٤.

(٣) الكافي ٥ : ٤٢٧ حديث ٤ ، ٥ ، ٦ ، التهذيب ٧ : ٣٠٧ حديث ١٢٧٥ و ١٢٧٧.


______________________________________________________

إذا تقرر ذلك فاعلم أنها كما تحرم على العاقد تحرم على أبيه وابنه ، لكن في الأولى دون الثانية ، وذلك على أصح القولين من أن الزنا يحرم المزني بها على أبي الزاني وابنه ، وأطلق المصنف عدم التحريم عليهما ، وإطلاقه يتناول ما إذا حصل مع العقد دخول ، على أن المصنف لم يرجّح فيما سبق القول بالتحريم ولا عدمه.

الثالثة : أن يكونا جاهلين بالعدة أو التحريم ويدخل فتحرم أبدا ، لرواية الحلبي عن أبي عبد الله 7 قال : « إذا تزوج الرجل المرأة في عدتها ودخل بها لم تحل له أبدا ، عالما كان أو جاهلا ، وإن لم يدخل بها حلت للجاهل ولم تحل للآخر » (١).

وإلى هذه الصورة أشار المصنف بقوله : ( وإلاّ بطل واستأنف بعد الانقضاء ).

أي : وإن لم يدخل بطل النكاح واستأنفه بعد انقضاء العدة إن شاء.

الرابعة : الصورة بحالها ولا دخول ، فلا تحريم ، ولا فرق بين كونه جاهلا بالعدة وبالتحريم ، لأن الجاهل في سعة. ولرواية عبد الرحمن السالفة (٢).

ولمقطوعة محمد بن مسلم قال : قلت له المرأة الحبلى يتوفى عنها زوجها فتضع وتتزوج قبل أن تعتد أربعة أشهر وعشرا.

فقال : « ان كان الذي تزوجها دخل بها فرّق بينهما ولم تحل له أبدا ، أو اعتدت بما بقي عليها من عدة الأول واستقبلت عدة اخرى من الآخر ثلاثة قروء. وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما وأتمت ما بقي من عدتها وهو خاطب من الخطاب » (٣). والمراد مع عدم الدخول لروايتي الحلبي وعبد الرحمن السالفتين.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنها مع الدخول تحرم على أبي العاقد وابنه ، لأن الوطء‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٢٦ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٠٧ حديث ١٢٧٦.

(٢) الكافي ٥ : ٤٢٧ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٠٦ حديث ١٢٧٤.

(٣) الكافي ٥ : ٤٢٧ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٠٧ حديث ١٢٧٧ ، الاستبصار ٣ : ١٨٧ حديث ٦٨٠.


______________________________________________________

بالشبهة كالصحيح في أحكام المصاهرة ، وقد صرح المصنف بالتحريم هنا بقوله : ( فكذلك في حقه وحقهما ) أي : حرمت مؤبدا في حق العاقد وابنه وأبيه ، ولم يصرّح بإلحاق الوطء بالشبهة بالصحيح في التحريم فيما سبق ، بل اقتصر على حكاية الخلاف ، وهنا مسائل :

الأولى : إذا حصل الدخول في صورة الجهل فأتت بولد لستة أشهر فصاعدا من حين الوطء ، كان لاحقا بالعاقد ، لرواية جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما 8 في المرأة تزوج في عدتها ، قال : « يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما جميعا ، وإن جاءت بولد لستة أشهر فصاعدا فهو للأخير ، وإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر فهو للأول » (١).

الثانية : يفرّق بينهما قطعا ، لأنها في عدة الغير ، وقد سبق في رواية محمد بن مسلم.

الثالثة : يجب على العاقد المهر بالدخول إذا كانت جاهلة بالتحريم ، وبه رواية مقطوعة (٢) ، إلاّ إذا كانت عالمة ، لأنها زانية ، وهو مهر المثل ، ويجي‌ء على قول الشيخ السالف (٣) لزوم المسمّى.

الرابعة : تعتد منه بعد إكمال العدة الاولى ، ولا يكفيها عدة واحدة ، لأن تعدد الأسباب يقتضي تعدد المسببات ولمقطوعة محمد بن مسلم (٤). وما يوجد في بعض الأخبار من الاكتفاء بعدة واحدة (٥) ، محمول على عدم الدخول ، جمعا بين الأدلة ،

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٠٩ حديث ١٢٨٣.

(٢) الكافي ٥ : ٤٢٧ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ٣٠٨ حديث ١٢٨١.

(٣) المبسوط ٥ : ٣١٤.

(٤) الكافي ٥ : ٤٢٧ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٠٧ حديث ١٢٧٧ ، الاستبصار ٣ : ١٨٧ حديث ٦٨٠.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٠٨ حديث ١٢٧٨ ، الاستبصار ٣ : ١٨٨ حديث ٦٨١.


______________________________________________________

وسيأتي ذلك في العدد إن شاء الله تعالى.

الخامسة : لو كان العلم بالتحريم والعدة من أحد الجانبين خاصة والآخر جاهل بأحدهما ، فالتحريم إنما هو من طرف العالم دون الجاهل حيث ينتفي التحريم بالجهل ، وذلك مع عدم الدخول ، وهو مفهوم رواية عبد الرحمن بن الحجاج السالفة (١).

فإن قيل : كيف يعقل التحريم من أحد الجانبين خاصة ، فإن أحدهما متى حرم على الآخر لم يجز للآخر التزويج به ، لما في ذلك من المعاونة على الإثم والعدوان.

قلنا : يمكن التوصل إلى النكاح من المحلل له حيث لا يشعر من تعلق به التحريم بالحال ، إما بأن يجهل التحريم ، أو يخفى عليه عين الشخص بتخلل مدة طويلة ، ونحو ذلك. واستشكله شيخنا الشهيد في بعض حواشيه بعدم النظير ، ولا اشكال مع ورود النص (٢) بذلك.

لكن يشكل بوجه آخر ، وهو إنّا لو جوّزنا العقد في صورة جهل من تعلق به التحريم بالحال لكان إذا تجدد علمه بذلك بعد العقد يلزم اما الحكم ببطلان النكاح الصحيح ، أو صحته مع وجود المانع ، وكلاهما باطل. ووجه اللزوم أنه إن حكم على من تعلق به التحريم بصحة النكاح لزم الأمر الثاني ، أو بفساده لزم الأمر الأول.

والحق أن النكاح لا يعقل صحته من أحد الجانبين دون الآخر ، فلا يعقل ثبوت التحريم من أحدهما خاصة ، وليس هذا كما لو اختلفا في صحة النكاح وفساده فالحكم ظاهر بالصحة ، فإن مدعي الفساد تلحقه أحكام الزوجية ظاهرا ، ويجب عليه فيما بينه وبين الله تعالى العمل بما يعلمه بحسب مقدوره ، فاختلف الحكم نظرا إلى الظاهر ، وما في نفس الأمر والحكم هنا إنما هو بالنظر إلى نفس الأمر.

السادسة : لا فرق في ذلك بين كون العدة بائنة أو رجعية أو عدة وفاة أو عدة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٢٧ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٠٦ حديث ١٢٧٤.

(٢) الكافي ٥ : ٤٢٧ حديث ٢ و ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٠٧ حديث ١٢٧٤ و ١٢٧٦.


______________________________________________________

شبهة ، لإطلاق العدة في النصوص (١) ، ولان ترك الاستفصال في حديث عبد الرحمن بن الحجاج (٢) يدل على العموم ، ولم يتعرض المصنف لذكر عدة الشبهة لكن الدليل يقتضيه.

وكذا لا فرق في الدخول بين القبل والدبر على أقرب الوجهين ، لما سيأتي إن شاء الله تعالى من أن الوطء في الدبر يعد دخولا كالقبل.

وكذا لا فرق بين كون النكاح متعة ودواما سوى النكاح الذي منه العدة والنكاح الطارئ ، لعموم النص (٣).

السابعة : لو تزوج بذات بعل ودخل بها عالما بالحال حرمت مؤبدا ، لأنه زان ، والزنا بذات البعل يقتضي التحريم المؤبد.

وكذا لو دخل جاهلا على أقرب الوجهين ، لأن علاقة الزوجية أقوى من علاقة الاعتداد ، فيثبت التحريم مع الزوجية بطريق أولى.

ولرواية زرارة عن الباقر 7 : في امرأة فقدت زوجها أو نعي إليها ، فتزوجت ، ثم قدم زوجها بعد ذلك فطلّقها قال : « تعتد منهما جميعا ثلاثة أشهر عدة واحدة ، وليس للأخير أن يتزوجها أبدا » (٤) ، وفي طريقها ابن بكير وهو فطحي ، ومع ذلك فقد دلت على الاكتفاء بعدة واحدة منهما ، والمعتمد خلافه.

ومقطوعة محمد بن مسلم قد تضمنت وجوب العدتين (٥) ، ونزلها الشيخ في التهذيب على عدم الدخول (٦) ، وقوله 7 : « تعتد منهما جميعا » ينافيه ، ولو صح‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٢٦ حديث ١ ـ ١٥ ، التهذيب ٧ : ٣٠٥ حديث ١٢٧٢ ـ ١٢٧٦.

(٢) الكافي ٥ : ٤٢٧ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٠٦ حديث ١٢٧٤.

(٣) الكافي ٥ : ٤٢٦ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٠٧ حديث ١٢٧٦.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٠٨ حديث ١٢٧٩ ، الاستبصار ٣ : ١٨٨ حديث ٦٨٢.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٠٧ حديث ١٢٧٧ ، الاستبصار ٣ : ١٨٧ حديث ٦٨.

(٦) التهذيب ٧ : ٣٠٨ ذيل الحديث ١٢٨٠.


وهل وطء الأمة في الاستبراء كالوطء في العدة؟ إشكال.

______________________________________________________

التنزيل أشكلت بوجه آخر ، وهو ثبوت التحريم المؤبد بمجرد العقد مع الجهل بالزوجية ، فإنه مع بعده لا قائل به.

ويحتمل عدم التحريم ، لعدم التنصيص عليه ، فيتمسك بأصالة الحل ، والقياس باطل ، والمعتمد الأول ولا قياس بل الحكم من باب التنبيه كما أشار إليه المصنف هنا.

وصرّح به في التحرير وافتى فيه بالتحريم (١) ، واستشكله هنا. واعترض بعضهم على أول وجهي الإشكال بوجود النص الدال على التحريم كما اعترف به في التحرير ، ولعله لما رأى أن دلالته على المراد غير واضحة لم يلتفت إليه.

ولو تزوج بذات البعل ولم يدخل ، فإن كان جاهلا فلا تحريم ، لانتفاء المقتضي والتمسك بالأصل ، ولو كان عالما فإشكال ينشأ : من عدم التنصيص ، ومن أن الحكم بالتحريم هنا بطريق أولى.

ولا يخفى أن قول المصنف : ( ولو تزوجت بذات بعل ... ) يقتضي أن الاشكال في لحاقه بالتزوج بالمعتدة في جميع الصور ، لكن ينبغي استثناء ما إذا تزوج بذات البعل جاهلا ولم يدخل ، فإن المتجه هنا عدم التحريم بغير اشكال ، وكذا لو تزوج ودخل عالما ، لأنه زان بذات بعل.

الثانية : لو وطأ المعتدة بملك اليمين فهل هو كما لو تزوج في العدة ودخل؟ فيه إشكال ينشأ : من عدم التنصيص ، ومن مساواة الوطء بملك اليمين للوطء بالنكاح.

قوله : ( وهل وطء الأمة في الاستبراء كالوطء في العدة؟ إشكال ).

أي : لو وطأ الأمة في زمان الاستبراء ، اما بالنكاح أو بملك اليمين ، جاهلا بكونها مستبرأة أو بالتحريم ، أو عالما ، فهل هو كالوطء للمعتدة في العدة؟ فيه إشكال ينشأ : من أن الاستبراء من أقسام العدة فيتناوله النص.

__________________

(١) التحرير ٢ : ١٤.


ولو تزوج بعد الوفاة المجهولة قبل العدة ، فالأقرب عدم التحريم المؤبد ، ويحتمله وإن زادت المدة عن العدة ، وفي المسترابة إشكال.

______________________________________________________

ومن أنه نوع بانفراده ، ولهذا اختص باسم يدل عليه ، فلا يتناوله النص الوارد في المعتدة ، والأصل. والأصح عدم التحريم ، وان المصنف لو قال : ولو تزوج بمستبرأة ففي لحاقه بالمعتدة إشكال ، لكان أشمل.

قوله : ( ولو تزوج بعد الوفاة المجهولة قبل العدة ، فالأقرب عدم التحريم المؤبد ، ويحتمله وإن زادت المدة عن العدة ).

لما كانت المتوفى عنها زوجها إنما تحتسب عدتها من حين علمها بالوفاة ، فقبله لا تكون معتدة ولا زوجة ، كان الأقرب عند المصنف عدم التحريم المؤبد لو تزوجها آخر ، عالما أو جاهلا ، دخل أو لا ، لانتفاء المقتضي للتحريم ، وهو كونها مزوجة أو معتدة. والأصل الحل ، فيتمسك به إلى أن يحصل الناقل.

ويحتمل التحريم المؤبد ، لأنه لو تزوجها بعد هذا الزمان في زمان العدة لاقتضى التحريم ، ففيه أولى ، لأنه أقرب إلى زمان الزوجية. ولا فرق بين كون المدة المتخللة بين الوفاة والعدة زائدة على قدر العدة أو مساوية أو ناقصة ، لأن العدة إنما تكون بعد العلم بالوفاة ، وإن تراخى زمانه فجميع ما قبله سواء في الحكم ، قل أو كثر ، ولا يخفى أن الأولوية ممنوعة ، والقياس لا نقول به ، وعدم التحريم أقرب.

واعلم أن الضمير المستتر في قوله : ( ويحتمل ) يعود إلى ما دل عليه السياق ، وهو المبحث أو المقام ، والبارز يعود إلى التحريم المؤبد ، أي : ويحتمل هذا المبحث التحريم المؤبد إلى آخره.

قوله : ( وفي المسترابة إشكال ).

لو طلّق المسترابة بالحمل بائنا ، وفرضها أن تعتد بثلاثة أشهر ، فرأت الدم قبل انقضاء الشهر الثالث ، فإنه سيأتي إن شاء الله تعالى أنها تتربص مدة الحمل ثم تعتد بثلاثة أشهر ، فإذا تزوجها آخر في مدة التربص عالما بالحال والتحريم ودخل بها ، ففي‌


ج : لو زنا بذات البعل أو في عدة رجعية ، حرمت عليه أبدا. ولو لم يكن إحداهما لم تحرم ، سواء كانت ذات عدة بائن أو لا وإن كانت مشهورة بالزنا ،

______________________________________________________

تحريمها مؤبدا إشكال ينشأ : من أن ذلك ليس زمان العدة ، لقولهم انها تعتد بعد ذلك بثلاثة أشهر فليست معتدة ولا زوجة ، فينتفي التحريم ، ومن أنها في حكم المعتدة ، لأن الطلاق يقتضي وجوب الاعتداد ، ولا يزول ذلك ، إلاّ بانقضاء العدة ، ولأن هذا أقرب إلى زمان الزوجية من زمان العدة ، فيثبت التحريم بطريق أولى.

واعلم أن المصنف إنما افتى بعدم التحريم في الوفاة المجهولة ، واستشكل هنا ، لأن المدة بعد الوفاة المجهولة لا تعد عدة بحال من الأحوال ، وفي المسترابة يتحقق الشروع في العدة بالأشهر ، ثم تبين بطلان ذلك بحصول الحيض ، ويعيّن الاعتداد بالأقراء ، وصار ما قبل الحيض وما بعده محسوبا منها ، فلما تأخر الحيض وجب التربص مدة الحمل ثم الاعتداد ، فظهر أن تلك المدة أقرب إلى العدة من المدة بعد الوفاة المجهولة ، وفي الحكم عندي تردد ، والتحريم أحوط.

قوله : ( الثالثة : لو زنا بذات بعل أو في عدة رجعية ، حرمت عليه أبدا ، ولو لم تكن إحداهما لم تحرم ، سواء كانت ذات عدة بائن أو لا وإن كانت مشهورة بالزنا ).

أجمع الأصحاب على أن من زنا بذات بعل حرمت عليه مؤبدا ، وقد روى محمد ابن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، رفعه : « إن الرجل إذا تزوج المرأة وعلم أن لها زوجا فرّق بينهما ولم تحل له أبدا » (١). وهو شامل لمحل النزاع ، لأن ذلك شامل لما إذا دخل بها عالما بأن لها زوجا فإنه زان حينئذ ، وإن احتمل اختصاص الحكم بحال العقد دون مطلق الزنا.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٢٩ حديث ١١.


______________________________________________________

وذات العدة الرجعية زوجة بخلاف البائن ، فلو زنا بذات العدة البائن لم تحرم عليه ، للأصل ، واختصاص النص بما إذا عقد عليها (١).

وأشار بقوله : ( وإن كانت مشهورة بالزنا ) إلى رد قول المفيد (٢) ، والشيخ في النهاية (٣) ، وأتباعهما (٤) ، فإنهم قالوا : إن من فجر بامرأة وهي غير ذات بعل لم يكن له العقد عليها إلاّ إذا ظهر منها التوبة والإقلاع.

واعتبر في النهاية في توبتها أن يدعوها إلى الزنا فلا تجيبه ، والأصح مختار المصنف ، للأصل ، ولما رواه الحلبي في الصحيح ، قال : قال أبو عبد الله 7 : « أيما رجل فجر بامرأة حراما ، ثم بدا له أن يتزوجها ، قال : أوله سفاح وآخره نكاح ، فمثله كمثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها ثم اشتراها بعده فكانت له حلالا » (٥).

احتجوا بما رواه أبو بصير ، قال : سألته عن رجل فجر بامرأة ثم أراد بعد أن يتزوجها ، قال : « إذا تابت حل له نكاحها ». قلت : كيف تعرف توبتها؟ قال : « يدعوها إلى ما كان عليه من الحرام ، فإن امتنعت واستغفرت ربها عرف توبتها » (٦) ، وفي معناها رواية عمار الساباطي عن الصادق 7 (٧).

أجاب في المختلف بالطعن في سند الروايتين ، مع أن رواية أبي بصير غير مسندة إلى امام. وبالحمل على الكراهية ، قال : مع أن في مضمونها اشكالا (٨).

__________________

(١) البقرة : ٢٣٥.

(٢) المقنعة : ٧٧.

(٣) النهاية : ٤٥٨.

(٤) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٨٦ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ١٨٨.

(٥) الكافي ٥ : ٣٥٦ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٢٧ حديث ١٣٤٥.

(٦) الفقيه ٣ : ٢٦٤ حديث ١٢٥٧ ، التهذيب ٧ : ٣٢٧ حديث ١٣٤٨ ، الاستبصار ٣ : ١٦٨ حديث ٦١٤.

(٧) الكافي ٥ : ٣٥٥ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٢٨ حديث ١٣٤٩ ، الاستبصار ٣ : ١٦٨ حديث ٦١٥.

(٨) المختلف : ٥٢٧.


ولو أصرت امرأته على الزنا فالأصلح أنها لا تحرم.

وهل الأمة الموطوءة كذات البعل؟ نظر.

______________________________________________________

قلت : لعل الاشكال من جهته أن دعائه إياها إلى الحرام يتضمن اغرائها بالقبيح ، وهو محرّم.

قوله : ( ولو أصرت امرأته على الزنا فالأصح أنها لا تحرم ).

ذهب المفيد (١) وسلار (٢) إلى أن من أصرت زوجته والعياذ بالله على الزنا حرمت عليه ، لأن أعظم فوائد النكاح التناسل ، والغرض من شرعية الحد والرجم للزاني حفظ الأنساب عن الاختلاط ، وهذا المحذور قائم مع إصرار الزوجة على الزنا.

وجوابه : إن الزاني لا نسب له ولا حرمة لمائه ، والأصح عدم التحريم ، لقوله 7 : « لا يحرّم الحرام الحلال » (٣) ، وما رواه عباد بن صهيب عن الصادق 7 قال : « لا بأس بأن يمسك الرجل زوجته إذا رآها تزني إذا كانت تزني وإن لم يقم عليها الحد فليس عليه من إثمها شي‌ء » (٤).

قوله : ( وهل الأمة الموطوءة كذات البعل؟ نظر ).

أي : هل الأمة الموطوءة بالملك كذات البعل في أنها تحرم مؤبدا على من زنا بها؟ فيه نظر ينشأ : من أصالة الحل وانتفاء النص ، ومن أن الوطء بملك اليمين كالنكاح. ومن ثم تعلق به أحكام المصاهرة ، ولاشتراكهما في المعنى المقتضي لتحريم الزنا ، وهو صيانة الأنساب عن الاختلاط.

والكل ضعيف ، فإن المساواة في بعض الأحكام لا يقتضي المساواة في الجميع ، والاشتراك في المعنى المقتضي لتحريم الزنا لا يقتضي التحريم المؤبد ، والأصح عدم التحريم.

__________________

(١) المقنعة : ٧٧.

(٢) المراسم : ١٤٩.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٨٣ حديث ١١٩٨ ، الاستبصار ٣ : ١٦٥ حديث ٥٩٥ ، سنن البيهقي ٧ : ١٦٩.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٣١ حديث ١٣٦٢.


د : لو أوقب غلاما أو رجلا حيا أو ميتا على اشكال ، حرمت عليه أم الغلام أو الرجل وأخته وبنته مؤبدا من النسب ، وفي الرضاع والفاعل الصغير اشكال.

______________________________________________________

قوله : ( الرابعة : لو أوقب غلاما أو رجلا حيا أو ميتا على اشكال ، حرم عليه أم الغلام أو الرجل وبنته وأخته مؤبدا من النسب ، وفي الرضاع والفاعل الصغير إشكال ).

أطبق الأصحاب على أن من لاط بغلام أو رجل فأوقبه حرمت عليه أم الغلام وأخته وبنته ، والأصل في ذلك ما رواه ابن أبي عمير في الصحيح عن رجل عن الصادق 7 : في الرجل يلعب بالغلام قال : « إذا أوقب حرم عليه أخته وبنته » (١).

وروى إبراهيم بن عمير عن الصادق 7 : في رجل لعب بغلام هل تحل له امه؟ قال : « إن كان قد ثقب فلا » (٢) ، ولأنه يصدق أنها بنت من وطأه وامه ، فحرمتا عليه كالأنثى ، وهنا مسألتان :

الاولى : لا خلاف في تعلق التحريم بالفعل المذكور إذا كان المفعول به حيا ، أما الميت ففيه إشكال ينشأ : من عموم النص الصادق على الميت ، ومن خروجه بالموت عن كونه مشتهى طبعا وتعلق أحكام الأحياء به ، ومن أن المتبادر إلى الفهم من النص إنما هو الحي دون الميت ، والتحريم ليس ببعيد.

الثانية : هل الام والأخت والبنت من الرضاع كاللاتي من النسب في التحريم؟ فيه إشكال ينشأ : من أن صدق الام والبنت والأخت عليهن إنما هو بطريق المجاز ، لأن الحقيقة إنما هي مع الولادة ، فلا يتناولهن النص الوارد بالتحريم (٣).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤١٧ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣١٠ حديث ١٢٨٦.

(٢) التهذيب ٧ : ٣١٠ حديث ١٢٨٧.

(٣) المصدرين السابقين.


ويتعدى التحريم إلى الجدات وبنات الأولاد ، دون بنت الأخت.

ولو سبق العقد لم يحرم ، وكذا دون الإيقاب لا يحرم.

______________________________________________________

ومن عموم قوله 7 : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (١) مع إمكان ادعاء الحقيقة ، لأنه سبحانه سمّى المرضعة اما ، والأصل في الاستعمال الحقيقة. وكيف كان فالتحريم أقوى ، لعموم الأحاديث في الرضاع.

وكذا الاشكال لو كان الفاعل صغيرا ، ومنشؤه : من أن التحريم الوارد في النص دليل على أن هذا الحكم إنما هو في البالغ ، لامتناع تعلق التحريم بالصبي. ومن أن النص خرج مخرج الغالب ، لأن هذا الفعل إنما يقع غالبا من البالغ.

ولأنه بعد البلوغ يصدق عليه أنه رجل أوقب غلاما فيتعلق به التحريم ، لعموم النص (٢) لمن تقدم إيقابه على البلوغ ومن تأخر عنه ، وحينئذ فيكون الحكم بالتحريم قبل البلوغ متعلقا بالولي ولأن أحكام المصاهرة لا يفرق فيها بين البالغ والصبي ، والفرد النادر يلحق بالأعم الغالب ، والتحريم أقوى.

قوله : ( ويتعدى التحريم إلى الجدّات وبنات الأولاد دون بنت الأخت ).

أي : يتعدى التحريم على الفاعل إلى جدّات المفعول وإن بعدن ، لأب كن أو لام ، لصدق الام على كل منهن ، وكأن هذا الحكم متفق عليه بين الأصحاب. وكذا القول في بنات أولاده ، سواء بنات الذكور أو الإناث ، أما بنت الأخت فلا ، للأصل ، ولأن اسم الأخت لا يقع عليها بحال من الأحوال.

قوله : ( ولو سبق العقد لم يحرم ، وكذا دون الإيقاب ).

أما إذا سبق العقد فلقولهم : : « لا يحرّم الحرام الحلال » (٣) ، وأما إذا‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٠٥ حديث ١٤٦٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٢٣ حديث ١٩٣٧.

(٢) الكافي ٥ : ٤١٧ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣١٠ حديث ١٢٨٦.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٨٣ حديث ١١٩٨ ، الاستبصار ٣ : ١٦٥ حديث ٥٩٥ ، سنن البيهقي ٧ : ١٦٩.


ولو أوقب خنثى مشكل أو أوقب فالأقرب عدم التحريم ،

______________________________________________________

لم يوقب فلمفهوم قوله 7 : « إذا أوقب حرم عليه أخته وابنته » (١). وكذا في الحديث الآخر (٢) ، وقد تقدما ، وللأصل.

فرع : لو أوقب ثم طلّق إحدى الثلاث فهل يجوز تجديد النكاح؟ فيه تردد.

قوله : ( ولو أوقب خنثى مشكل أو أوقب فالأقرب عدم التحريم ).

أي : لو أوقب خنثى مشكل ذكرا أو أوقب أي : أوقبه ذكر فالأقرب عند المصنف عدم التحريم.

ووجه القرب : إن السبب المقتضي للتحريم هو إيقاب الذكر ذكرا ، والذكورية مشكوك فيها في الصورتين ، والشك في السبب يقتضي الشك في المسبب فينتفي التحريم ، تمسكا بأصالة الإباحة. ويحتمل التحريم ، للاحتياط ، ولأن ذلك يجري مجرى اشتباه المحرم بالأجنبية ، ولأن الحرام يغلب الحلال عند التعارض. وفيه ضعف ، لأن الاحتياط لا يجب المصير إليه.

والفرق بين هذا وبين اشتباه المحرم بالأجنبية وجود من يقطع بتحريم نكاحه في الثاني ، بخلاف ما نحن فيه ، وأغلبية الحرام الحلال دائرة مع تحقق الحرام ، والأقرب ما قرّبه المصنف. واعلم أن شيخنا الشهيد ذكر هنا بحثين :

الأول : إنه ينبغي الجزم بتحريم الام والبنت إذا كان مفعولا ، لأن التحريم فيهما لازم على تقدير ذكوريته وأنوثيته ، فيكون الإشكال في الأخت لا غير على القول بنشر الزنا ، وفيه نظر ، لأن مناط هذا البحث هو الإيقاب الذي هو أعم من إدخال الحشفة ، والتحريم به للام والبنت إنما هو في الذكر دون الأنثى.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤١٧ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣١٠ حديث ١٢٨٦.

(٢) التهذيب ٧ : ٣١٠ حديث ١٢٨٧.


______________________________________________________

نعم ، لو بلغ بالإيقاب إدخال الحشفة تم ما ذكره ، فما أورده غير وارد. نعم ينبغي أن يفصل في هذا المقام بأن تغييب الحشفة في دبر الخنثى يقتضي تحريم الام والبنت عند من ينشر الحرمة بالزنا ، وبدونه الأقرب عدم التحريم.

الثاني : إن الاشكال هنا غير وارد أصلا ، سواء كان فاعلا أو مفعولا ، لأن البحث إما مع بقاء الاشتباه أو مع زواله ، فإن كان فاعلا فمع الاشتباه يحرم عليه جميع بنات آدم ويحرم على رجالهم ، لاشتراط التزويج بتحقق الذكورة والأنوثة.

ومع الوضوح أظهر ، لأنه إن كان فاعلا فظهرت الذكورة يتحقق الحكم بالتحريم ، وإلاّ تحقق عدمه. وإن كان مفعولا فمع الذكورة يثبت التحريم على الفاعل ، وبدونه يتخلف في الأخت ، فلا يتأتى الإشكال هنا أصلا ، إلاّ على تقدير الحكم بجواز تزويج الخنثى المشكل.

قال : وفي الإرث في قولهم : إذا كان زوجا أو زوجة ، اشعار بجوازه.

قلت : لا ريب أن المصنف لا يريد بما ذكره ما إذا وضح الحال ، بل حيث يكون الاشتباه حاصلا.

ولا يرد عليه ما أورده إذا كان مفعولا ، لأن تحريم امه وأخته وبنته على تقدير عدم إدخال الحشفة محتمل ، نظرا إلى أن الخنثى مأخوذ فيه بأحوط الأمرين ، ولهذا حكم بتحريم النظر إليه على الرجال والنساء. وهذا وإن كان محتملا إلاّ أنه ضعيف ، لأن حل النظر وما جرى مجراه ليس له أصل يتمسك فيه ، بخلاف أم الخنثى وابنته وأخته ، لأن الأصل فيهن الحل ، فلا ينتقل عنه بمجرد الاحتمال.

نعم ، ما أورده على تقدير كونه فاعلا وارد. ولك أن تقول : ما أورده على هذا التقدير أيضا غير وارد ، لأن البحث في ثبوت التحريم بهذا الفعل وهو غير معلوم ، للشك في سببه.

والتحريم المحكوم بثبوته هو التحريم بسبب اشتباه ذكوريته وأنوثيته ،


وحدّ الإيقاب إدخال بعض الحشفة ولو قليلا.

أما الغسل فإنما يجب بغيبوبة الجميع ، ولا يحرم على المفعول بسببه شي‌ء.

هـ : لو عقد المحرم فرضا أو نفلا إحرام حج أو عمرة بعد إفساده‌

______________________________________________________

وأحدهما غير الأخر ، لكن جدوى ذلك قليلة ، لأن التحريم مستند إلى الاشتباه ، وإذا زال اتضح الحال بالنسبة إلى ما نحن فيه أيضا.

قوله : ( وحد الإيقاب إدخال بعض الحشفة ولو قليلا ، أما الغسل فإنما يجب بغيبوبة الجميع ).

وقب الشي‌ء يقب وقبا : أي دخل ، ووقبت الشمس وقبا ووقوبا غابت ، والقمر دخل في الكسوف ، ووقب الظلام دخل.

والحاصل : إن الإيقاب دائر مع الإدخال ، وهو متحقق في إدخال بعض الحشفة. بخلاف الغسل ، فإنما يثبت مع تغيبها ، وقد نصّ على ذلك ابن إدريس (١) ، وكذا الدخول بالمرأة قبلا أو دبرا إنما يتحقق مع تغيبها.

قوله : ( ولا يحرم على المفعول بسببه شي‌ء ).

أي : فلا يحرم عليه أم اللائط ولا بنته ولا أخته عند جميع علمائنا ، للأصل ، ولقوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٢) مع انتفاء المعارض ، وعن أحمد رواية أنه يحرم على الغلام أم اللائط وبنته (٣).

قوله : ( الخامسة : لو عقد المحرم ـ فرضا أو نفلا ، إحرام حج أو عمرة ،

__________________

(١) السرائر : ٢٨٧.

(٢) النساء : ٢٤.

(٣) انظر : المغني لابن قدامة ٧ : ٤٨٤ ، الشرح الكبير ٧ : ٤٨٢.


أولا على امرأة عالما بالتحريم ، حرمت أبدا وإن لم يدخل. وإن كان جاهلا فسد عقده ، وجاز له العود بعد الإحلال ، فإن دخل قيل : تحرم مؤبدا ،

______________________________________________________

بعد إفساده أولا ـ على المرأة عالما بالتحريم حرمت أبدا وإن لم يدخل ، وإن كان جاهلا فسد عقده وجاز له العود بعد الإحلال ، فإن دخل قيل : يحرم مؤبدا ).

إذا عقد المحرم على امرأة عالما بالتحريم ، فقد أطلق الشيخ في النهاية تحريمها عليه مؤبدا ، وإن جهل التحريم فقد أطلق عدم التحريم ، إلاّ أن العقد فاسد فيفرّق بينهما ، ولهما تجديده بعد الإحلال ، ولم يفرق في الموضعين بين الدخول وعدمه (١) فمقتضاه التحريم مع العلم مطلقا وعدمه مع الجهل مطلقا.

وتبعه ابن البراج (٢) ، وكذا ابن إدريس في الحج (٣) ، وكذا أطلق المفيد التحريم مؤبدا بالعقد مع العلم بالتحريم ، ولم يتعرض بحال الجهل (٤) ، وأطلق سلار التحريم مؤبدا بالعقد ، ولم يتعرض إلى التقييد بالعلم والجهل ولا إلى التفصيل بالدخول وعدمه (٥) ، وكذا ابن بابويه (٦).

وذهب في الخلاف الى التحريم مؤبدا بالعقد مع العلم وإن لم يدخل ومع الجهل إن دخل (٧) ، ويلوح من كلام ابن حمزة موافقته (٨) وقريب منه كلام أبي الصلاح (٩).

__________________

(١) النهاية : ٤٥٣.

(٢) المهذب ٢ : ١٨٣.

(٣) السرائر : ١٣٠.

(٤) المقنعة : ٧٧.

(٥) المراسم : ١٤٩.

(٦) المقنع : ١٠٩.

(٧) الخلاف ٢ : ٢٢٠ مسألة ٩٩ كتاب النكاح.

(٨) الوسيلة : ٣٤٣.

(٩) الكافي في الفقه : ٢٨٦.


ولا تحرم الزوجة بوطئها في الإحرام مطلقا.

و : المطلقة تسعا للعدة ينكحها بينها رجلان تحرم مؤبدا ، ولا يشترط التوالي ، فلو تخلل التسع طلقات للسنة وكملت التسع للعدة حرمت ابدا.

______________________________________________________

قال المصنف في المختلف : والذي بلغنا في هذا الباب ما رواه زرارة عن الصادق 7 : « والمحرم إذا تزوّج وهو يعلم أنه حرام عليه لا يحل له أبدا » (١) ، قال : ومقتضى هذه الرواية التحريم مع العلم سواء دخل أو لا ، وعدمه مع الجهل سواء دخل أو لا عملا بالمفهوم ، هذا كلامه (٢) ، وهو صحيح في موضعه.

وضعف دلالة المفهوم غير قادح ، لاعتضادها بالأصل ، على أنها لو لم يعتبر هنا لزم الحكم بالتحريم المؤبد على كل حال ، مع العلم والجهل ، مع الدخول وعدمه ، إلاّ أن يقال : انتفاء التحريم مع الجهل وعدم الدخول بالإجماع ، والأصح مختار المصنف.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا فرق بين أن يكون الإحرام فرضا أو نفلا ، بحج أو عمرة ، لنفسه ولغيره ، أفسده أو لا ، لإطلاق النص (٣).

قوله : ( ولا تحرم الزوجة بوطئها في الإحرام مطلقا ).

أراد بالإطلاق ما يعم الأحوال من علمه بالتحريم وعدمه ، والدخول وعدمه ، وكون الإحرام فرضا أو نفلا إلى آخره. دليل ذلك قبل الإجماع أصالة عدم التحريم ، وانتفاء المعارض.

قوله : ( السادسة : المطلقة تسعا للعدة ينكحها بينها رجلان تحرم مؤبدا ، ولا يشترط التوالي ، فلو تخلل التسع طلقات للسنة وكملت التسع‌

__________________

(١) المختلف : ٥٣٣.

(٢) الكافي ٥ : ٤٢٦ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٠٥ حديث ١٢٧٢.

(٣) الكافي ٥ : ٤٢٦ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٠٥ حديث ١٢٧٢.


وفي الأمة اشكال ، أقربه التحريم في التسع إذا نكحها بعد كل طلقتين رجل.

______________________________________________________

للعدة حرمت أبدا ، وفي الأمة اشكال ، أقربه التحريم في التسع إذا نكحها بعد كل طلقتين رجل ).

اتفق أصحابنا على أن المطلقة تسعا للعدة تحرم على زوجها مؤبدا ، وبذلك وردت الأخبار عن أهل البيت : (١).

والمراد بذلك أن يطلقها على الشرائط ثم يراجعها في العدة ويطأ ، ثم يطلق في طهر آخر ، ثم يراجع في العدة ويطأ ، ثم يطلق الثالثة فينكحها بعد عدتها زوج آخر ، ثم يفارقها بعد أن يطأها فيتزوجها الأول بعد العدة ، ويفعل كما فعل أولا فينكحها زوجا غيره بعد انقضاء عدتها من التطليقة الثالثة ويطأ ، فيتزوجها الأول بعد مفارقة هذا الزوج لها وانقضاء عدتها منه ، ويفعل كما فعل أولا وثانيا.

فحينئذ يتحقق كونها مطلقة تسعا للعدة ، ينكحها بينها رجلان فتحرم مؤبدا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا يشترط التوالي في تطليقات العدة ليثبت التحريم المؤبد ، لانتفاء الدليل الدال على ذلك ، فإن كلام الأصحاب ونصوصهم بذلك مطلقة خالية من هذا القيد ، فلو تخلل التسع للعدة طلقات للسنة ، فإنها بعد استكمال التسع للعدة تحرم مؤبدا ، وإنما عبّر المصنف بالطلقات جمعا ولم يذكر تخلل الطلقة الواحدة ، لأن الطلقة الثالثة لا تكون إلاّ للسنة. وإنما يجعل في حكم العدة إذا كانت الأوليان للعدة على ما سيأتي في كلامه إن شاء الله تعالى.

فمتى وقعت الأولى أو الثانية للسنة لم تكن الثانية للعدة ، فلا يتصور تخلل طلقة واحدة للسنة ، هذا حكم الحرة. أما الأمة ففي حكمها إشكال ينشأ : من تعدد الاحتمالات ، وتعارض الأمارات.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٢٨ حديث ٩ و ١٣ ، التهذيب ٧ : ٣١١ حديث ١٢٨٩.


______________________________________________________

وتحقيق ذلك أن النص ورد بأن من يطلّق امرأته تسعا للعدة ينكحها بينهما رجلان حرمت عليه مؤبدا (١) ، وهذا إنما يكون في الحرة ، لأن الافتقار إلى المحلل بعد الثلاث إنما يكون في الحرة ، فيحتمل في الأمة التحريم مؤبدا بالست ، لأن كل طلقتين في الأمة بمنزلة الثلاث في الحرة ، ولأنه أحوط ، ولأن نكاح رجلين المعتبر بين التسع في الحرة يتحقق بين الست في الأمة.

ويحتمل اعتبار التسع فيها كالحرة بطريق أولى ، ولأنها إذا طلّقت تسعا ينكحها بعد كل طلقتين رجل ، صدق أنه نكحها بين التسع رجلان ، فإن نكاح أكثر من رجلين لها لا يمنع صدق نكاح رجلين إياها.

ويحتمل عدم التحريم أصلا ، لأن ظاهر النص أن مورده الحرة ، فيتمسك في الأمة بأصالة بقاء الحل ، ولأن شرط التحريم أمران : التسع ، ونكاح رجلين بينها ، والتسع في الأمة ينكحها بينها أربعة رجال.

لا يقال : إذا نكحها أربعة فقد نكحها اثنان ، فلا يمنع الصدق.

لأنا نقول : المتبادر نكاح رجلين خاصة ، فعلى احتمال التسع ـ وهو مقرب المصنف هنا ـ يحتمل اعتبار التسع للعدة حقيقة ، على خلاف حكم الحرة ، لأن التسع فيها إنما يقع منها ست للعدة وثلاث للسنة ، وإطلاق اسم العدة عليها مجاز تسميته للجميع باسم الأكثر.

أو من باب المجاورة ، والمجاز لا يطرد ، فيعتبر في التسع للعدة في الأمة الحقيقة ، ولا يتحقق إلاّ بثماني عشرة تطليقة ، إذ لا تكون السابعة عشرة للعدة إلاّ إذا رجع في العدة ووطأ ، ولا تتحقق البينونة بعده بغير طلاق ، إذ يبعد حصول التحريم بالوطء بعد الرجوع.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٢٦ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٠٥ حديث ١٢٧٢.


تنبيه : إطلاق الأصحاب كون التسع للعدة مجاز ، لأن الثالثة من كل ثلاث ليست منها بل هي تابعة للأوليين ، فلو وقعت الثانية للسنة فالذي للعدة الاولى لا غير ، ولو كانت الاولى فكذلك على الأقوى.

______________________________________________________

ويحتمل الاكتفاء بالتسع ، لأن النص (١) غير مقيّد بالحرة ، والمجاز لا بد من ارتكابه ، فيكون فيها أربع للعدة وخمس للسنة ، وأنا في هذه والثانية من المتوقفين.

قوله : ( تنبيه : إطلاق الأصحاب كون التسع للعدة مجاز ، لأن الثالثة من كل ثلاث ليست منها ، بل هي تابعة للأولتين ، فلو وقعت الثانية للسنة فالذي للعدة الاولى لا غير ، ولو كانت الاولى فكذلك على الأقوى ).

نقّح المصنف ; هذا المبحث بأنه ليس المراد من كون التسع تطليقات للعدة الحقيقة ، لامتناع كون التسع للعدة إذا تخللها نكاح رجلين فقط كما هو واضح ، فيتعيّن ارادة المجاز بإطلاق اسم طلاق العدة هنا على إطلاق السنة.

ولا ريب أن هذا الإطلاق المجازي يحتمل نوعين من أنواع المجاز : أحدهما المجاز للمجاورة ، وثانيهما تسمية الكل باسم أكثر اجزاءه.

ويتفرع على هذا مسألتان :

الاولى : لو طلّق الأولى للعدة والثانية للسنة فلا ريب في انتفاء اسم العدة عن الثالثة ، لانتفاء كل من المعنيين الذين هما علاقة التجوز هنا.

الثانية : لو كانت الأولى للسنة والثانية للعدة فهل الثالثة للعدة؟ فيه احتمالان :

أحدهما : نعم ، لأن المعنى الأول موجود هنا ، فيتحقق الصدق مجازا ، بناء على أن ذلك المعنى هو علاقة التجوز هنا.

وثانيهما : ـ وهو الأقوى عند المصنف وعليه الفتوى ـ لا ، لأن تبعية الطلقة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٢٦ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٥ حديث ١٢٧٢.


أما الأمة فإن قلنا بتحريمها في الست فالأقوى تبعية الثانية للأولى.

ز : من فجر بعمته أو خالته ، قربتا أو بعدتا ، حرمت عليه بنتاهما أبدا. ولو وطأ لشبهة فالأقرب عدم التحريم ، ولو سبق العقد الزنا فلا تحريم ،

______________________________________________________

لغيرها على خلاف الأصل ، من حيث أنه مجاز ، ومن جهة استلزامه التحريم المؤبد ، فيقتصر فيه على مورد النص ، فإن من خواص المجاز عدم الاطراد ، ولإمكان أن يكون علاقة التجوز هو المعنى الثاني.

قوله : ( أما الأمة ، فإن قلنا بتحريمها في الست فالأقوى تبعية الثانية للأولى ).

مقصود العبارة أن كون الأقوى اعتبار تبعية الثالثة في صدق كونها للعدة للأولتين إذا كانتا للعدة دون الثانية إذا كانت هي خاصة للعدة ، إنما هو في الحرة خاصة دون الأمة لو قلنا بتحريمها في الست ، فهنا يحكم بتبعية الثانية للأولى لعلاقة المجاورة ، لانتفاء علاقة الأكثرية ، فإن ذلك في الأمة ممتنع ، لافتقارها إلى المحلل بعد كل تطليقتين.

ويحتمل على هذا القول اعتبار اثني عشرة تطليقة فيها ، إذ لا يلزم من انتفاء احدى علاقتي التجوز وجوب اعتبار الأخرى ، إذ لا دليل على وجوب ارتكاب المجاز هنا ، والأصل الحقيقة ، فلا يعدل عنه إلاّ لدليل.

ولا يخفى أن هذين الاحتمالين يتأتيان على مقرب المصنف أيضا ، وهو تحريم الأمة بالتسع كالحرة.

قوله : ( السابعة : من فجر بعمته أو خالته ، قربتا أو بعدتا ، حرمت عليه بنتاهما أبدا ، ولو وطأ بشبهة فالأقرب عدم التحريم ).

أطبق أكثر الأصحاب على أن من زنى بعمته أو خالته حرمت عليه ابنتاهما مؤبدا ، وقد رواه أبو أيوب عن الصادق 7 قال : سأله محمد بن مسلم وأنا‌


______________________________________________________

جالس عن رجل نال من خالته وهو شاب ثم ارتدع أيتزوج ابنتها؟ قال : « لا » قال : إنه لم يكن أفضى إليها إنما كان شي‌ء دون ذلك ، قال « كذب » (١) ، وهذه الرواية إنما تضمنت حكم الخالة.

وأما العمة فذكرها الأصحاب ، ولم يصرح أحد منهم بمخالفته في ذلك إلاّ ابن إدريس ، فإن كلامه يشعر بتوقفه في التحريم فإنه قال : إن كان على المسألة إجماع فهو الدليل ، ثم قال ما حاصله : إن الإجماع لا يتحقق بقول جماعة عرفت أسماؤهم وأنسابهم ، فإن حجية الإجماع إنما هي بدخول المعصوم ، ولا يتحقق دخوله على الوجه المذكور (٢).

قال المصنف في المختلف : ولا بأس بالتوقف في هذه المسألة (٣). وما ذكره عجيب فإنه ذهب في المختلف إلى أن الزنا ينشر حرمة المصاهرة (٤) ، وذلك في العمة والخالة أولى ، لأن ذلك أفحش ، والمختار التحريم لما سبق من أن الزنا مطلقا ينشر.

ويزيد عليه عدم وجود مخالف من الأصحاب ، فلا أقل من أن يكون ذلك إجماعا سكوتيا ، ولا يضر توقف ابن إدريس للعلم باسمه ونسبه ، وللرواية المذكورة ، فإنها متقوية ومنجبرة بعمل أكثر الأصحاب ، واشتهارها في المذهب ، وعدم وجود المعارض ، وهي وإن لم تتضمن سوى الخالة إلاّ أنه ليس في الأصحاب من فرق بينهما.

ولا فرق بين كون العمة والخالة قريبتين أو بعيدتين ، لإطلاق كلام الأصحاب (٥) ، والرواية (٦) ، ولما سبق من أن الزنا ينشر حرمة المصاهرة مطلقا.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣١١ حديث ١٢٩١.

(٢) السرائر : ٢٨٨.

(٣) المختلف : ٥٢٥.

(٤) المختلف : ٥٢٢.

(٥) التهذيب ٧ : ٣١٣ حديث ١٢٩١.

(٦) منهم الشيخ المفيد في المقنعة ٧٧ ، والسيد المرتضى في الانتصار : ١٠٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية.


وفي بنتيهما مجازا أو رضاعا إشكال.

______________________________________________________

إذا عرفت ذلك ، فهذا حكم ما إذا كان الوطء بالزنا ، فلو وطأ بالشبهة فالأقرب عند المصنف عدم التحريم ، وذلك بناء منه على أن الوطء بالشبهة مطلقا لا ينشر الحرمة.

أما على القول بأنه ينشر فالتحريم هنا بطريق أولى ، نظرا إلى شدة الفحش ، وورود النص على التحريم بالزنا.

ووجه القرب : أصالة الحل ، وانتفاء المقتضي للتحريم على ذلك التقدير. والنص إنما ورد على الزنا فيقتصر على مورده ، ويحتمل التحريم حينئذ ، لأن الزنا إذا قام مقام النكاح الصحيح في تحريم المصاهرة فالشبهة بطريق أولى ، لأنه أقرب إلى النكاح الصحيح من الزنا ، فهو أحرى بلحوق أحكامه به. وهذا كله بناء على عدم ثبوت حرمة المصاهرة بمطلق وطء الشبهة ، ونحن لا نقول به ، فالمختار حينئذ التحريم بالشبهة هنا.

ولا يخفى أن ذلك إنما هو إذا تقدّم الفجور على النكاح ، أما إذا تقدّم النكاح الصحيح فإنه لا يفسد بذلك ، لأن الحرام لا يفسد الحلال كما ورد في عدة أخبار (١).

قوله : ( وفي بنتهما مجازا أو رضاعا اشكال ).

المراد بـ ( بنتهما مجازا ) هنا : هو بنتهما وإن نزلتا.

وأشار بقوله : ( مجازا ) الى أن الاشكال إنما يجي‌ء على القول بأن بنت البنت بنت مجازا ، أما على القول بأنها بنت حقيقة فلا شبهة في تحريمهما مؤبدا كالبنتين للصلب.

ومنشأ الاشكال : من وقوع اسم البنت على بنت البنت في الجملة ، ولمشاركتها لبنت الصلب في المقتضي لتحريم هذا الفعل الفاحش إياها مؤبدا. ومن عدم‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤١٥ حديث ١ ـ ٦ ، التهذيب ٧ : ٣٣٠ حديث ١٣٥٨.


ح : لا يحل وطء الزوجة الصغيرة قبل أن تبلغ تسعا ، فإن فعل لم تحرم على الأصح إلاّ مع الإفضاء ،

______________________________________________________

اندراجها في النص وكلام الأصحاب ، والأصل الإباحة.

وهذا إنما هو على القول بأن مطلق الزنا لا ينشر حرمة المصاهرة ، أما على القول به كما اخترناه فلا بحث في التحريم هنا ، وبدونه الاشكال قائم.

وأما بنتاهما من الرضاع فمنشأ الإشكال فيهما : من أن الرضاع يحرم منه ما يحرم من النسب كما سبق غير مرة. ومن عدم تناول النص وكلام الأصحاب للبنت من الرضاع ، والأصل الإباحة. والأصح هنا التحريم ، لعموم « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (١).

قوله : ( الثامنة : لا يحل وطء الزوجة الصغيرة قبل أن تبلغ تسعا ، فإن فعل لم تحرم على الأصح إلاّ مع الإفضاء ).

لا خلاف في أنه لا يحل الدخول بالزوجة حتى تبلغ تسع سنين ، فإن أقدم على ذلك لم تحرم على أصح القولين إلاّ مع الإفضاء.

قال الشيخ في النهاية : إنما تحرم بالدخول مؤبدا (٢) ، لمرسلة يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابنا عن الصادق 7 قال : « إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرّق بينهما ولم تحل له أبدا » (٣).

والأصح الأول اقتصارا في التحريم المؤبد على موضع الوفاق ، والرواية مرسلة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٤٢ حديث ٩ ، الفقيه ٣ : ٣٠٥ حديث ١٤٦٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٢٣ حديث ١٩٣٧.

(٢) النهاية : ٤٥٣.

(٣) الكافي ٥ : ٤٢٩ حديث ١٢ ، التهذيب ٧ : ٣١١ حديث ١٢٩٢ ، الاستبصار ٤ : ٢٩٥ حديث ١١١١.


وهو صيرورة مسلك البول والحيض واحدا ، أو مسلك الحيض والغائط على رأي ، فتحرم مؤبدا.

قيل : ولا تخرج من حباله ، وفيه نظر ،

______________________________________________________

فلا تنهض حجة على الإطلاق. أما مع الإفضاء فلا بحث في التحريم.

قال المصنف في المختلف : إطلاق الشيخ في النهاية مشكل والظاهر أن مراده ذلك (١) ، يريد به اختصاص التحريم بالإفضاء.

قوله : ( وهو صيرورة مسلك البول والحيض واحدا أو مسلك الغائط والحيض على رأي ).

المشهور أن الإفضاء هو صيرورة مسلك البول والحيض واحدا بذهاب الحاجز بينهما ، ونقل المصنف قولا آخرا ، وهو صيرورة مسلك الغائط والحيض واحدا ، وبعده ظاهر ، لشدة بعد ما بين المسلكين وقوة الحاجز بينهما ، فلا يكاد يتفق زواله بالجماع. والأول أصح ، وسيأتي إن شاء الله تعالى لذلك مزيد تحقيق في الديات.

قوله : ( فتحرم مؤبدا ، قيل : ولا تخرج من حباله ، وفيه نظر ).

قد قررنا أنه إذا تحقق الإفضاء حرمت الزوجة مؤبدا ، وعلى هذا فهل تخرج من حباله ، أي : تبين منه وينفسخ نكاحها ، أم تبقى على الزوجية مع التحريم المؤبد؟ فيه قولان :

أحدهما ـ واختاره ابن إدريس (٢) ـ أنها لا تخرج من حباله استصحابا للنكاح ، ولا منافاة بين التحريم وبينه ، لرواية يزيد العجلي عن الباقر 7 : في رجل افتض جارية يعني امرأته ـ فأفضاها ، قال : « عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ‌

__________________

(١) المختلف : ٥٢٥.

(٢) السرائر : ٢٨٨.


ويجب عليه الإنفاق عليها ، إلاّ أن يموت أحدهما وإن طلقها وتزوجت بغيره على اشكال.

______________________________________________________

تسع سنين » ، قال : أمسكها ولم يطلقها فلا شي‌ء عليه وإن كان دخل بها ولها تسع سنين فلا شي‌ء عليه إن شاء أمسك وإن شاء طلق (١).

دل على أن له إمساكها وتطليقها لقوله : « فإن أمسكها ولم يطلقها » ، وذلك يقتضي بقاء النكاح. وطعن المصنف في هذا القول بقوله : ( وفيه نظر ) ووجهه : أن التحريم المؤبد ينافي مقتضى النكاح ، إذ ثمرته حل الاستمتاع ، ولأن التحريم المؤبد يمنع النكاح سابقا فيبطله لاحقا ، كالرضاع واللعان والقذف للزوجة الصماء.

وثانيهما ـ واختاره ابن حمزة ـ أنها تبين منه بذلك (٢) ، وهو الظاهر من كلام الشيخ في النهاية (٣). ويدل عليه قوله 7 في الرواية الأولى : « فرق بينهما ولم تحل له ابدا » ، وتوقف المصنف في المختلف ، لعدم الظفر بقاطع من الجانبين (٤).

وقول ابن حمزة ليس ببعيد ، والتوقف طريق السلامة.

قوله : ( ويجب عليه الإنفاق عليها إلى أن يموت إحداهما وإن طلقها وتزوجت بغيره على اشكال ).

من أحكام المفضاة وجوب الإنفاق عليها إلى أن يموت إحداهما ، والأصل فيه ما رواه الحلبي عن الصادق 7 قال : سألته عن رجل تزوج جارية فوقع بها فأفضاها ، قال : « عليه الاجراء عليها ما دامت حية » (٥).

وهذا الحكم لا كلام فيه إذا لم يتزوج ، فإن طلقها بناء على عدم خروجها من‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣١٤ حديث ١٨ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٩ حديث ٩٨٤ ، الاستبصار ٤ : ٢٩٤ حديث ١١٠٩.

(٢) الوسيلة : ٣٤٣.

(٣) النهاية : ٤٥٣.

(٤) المختلف : ٥٢٥.

(٥) الفقيه ٤ : ١٠١ حديث ٣٣٨ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٩ حديث ٩٨٥ ، الاستبصار ٤ : ٢٩٤.


وهل تثبت هذه الأحكام في الأجنبية؟ الأقرب نعم ، وفي النفقة إشكال.

______________________________________________________

حباله بالإفضاء فتزوجت بغيره ، ففي وجوب الإنفاق إشكال ينشأ : من عموم الرواية ، فإن ( ما ) من أدوات العموم فيعم ما إذا تزوجت.

ومن أن الظاهر أن اجراء النفقة عليها إنما وجب ، لأنها بالإفضاء خرجت عن أن يرغب فيها الأزواج ، فأوجب الشارع على المفضي النفقة ارتفاقا بحالها ، فإذا تزوجت انتفى المقتضي للإنفاق ، ولأن نفقة امرأة لا تجب على اثنين.

ولا يخفى أن الوجه الثاني مشتمل على تخصيص النص بغير دليل مخصص ، وهو باطل. والذي يجب أن يقال : إن الرواية إن كانت معتبرة وجب العمل بظاهرها ، فلا يسقط وجوب الإنفاق بالتزويج.

قوله : ( وهل تثبت هذه الأحكام في الأجنبية؟ الأقرب نعم ، وفي النفقة إشكال ).

أي : هل تثبت الأحكام المذكورة ـ وهي : التحريم المؤبد ، ووجوب الإنفاق إلى ان يموت إحداهما ، واحتمال السقوط لو تزوجت ـ في الأجنبية إذا أفضاها بوطئه إياها قبل البلوغ بزنا أو شبهة؟

ووجه القرب أن هذا الفعل حيث اقتضى التحريم المؤبد في الزوجة ففي الأجنبية أولى ، لأنه أفحش فيناسبه زيادة العقوبة ، ولأن النكاح سبب للحل فيمتنع كونه سببا للتحريم ، وانحصر السبب في الصغيرة والإفضاء بالوطء ، وذلك قائم في محل النزاع.

ويقرب منه القول بوجوب الإنفاق دائما ، فإن المقتضي في الزوجة هو العقوبة بارتكاب الوطء المحرم ، وهو في الأجنبية أفحش ، ولحصول الضرر بعدم رغبة الأزواج فيها للإفضاء. وعلى هذا فلو تزوجت وقلنا بوجوب الإنفاق ، ففي بقاء الوجوب وعدمه‌


وهل يشترط في التحريم المؤبد في طرف الأجنبي نقص السن عن تسع؟ فيه نظر ينشأ : من كون التحريم المؤبد مستندا إلى تحريم الوطء في طرف الزوج ، وهو هنا ثابت في التسع ،

______________________________________________________

اشكال ، ومقتضى كلام المصنف أن ما ثبت في الزوجة ثبت هنا.

ويحتمل عدم ثبوت شي‌ء من هذه الأحكام هنا ، لورود النص على الزوجة ، وهذه الأحكام على خلاف الأصل ، فيقتصر فيها على مورد النص ، لأن القياس عندنا باطل ، وألحق في الخلاف بإفضاء الزوجة الإفضاء بوطء الشبهة في التحريم ووجوب الإنفاق (١) ، ومنعه ابن إدريس (٢).

والذي يقتضيه النظر ثبوت التحريم المؤبد بإفضاء الأجنبية بزنا أو شبهة من باب مفهوم الموافقة ، فإن وطء الزوجة قبل البلوغ وإن حرم ، إلاّ أن وطء الأجنبية أبلغ منه في التحريم وأفحش.

وأما باقي الأحكام فإن إثباتها مشكل ، إذ لا دليل قويا عليه. وهذا المعنى هو الذي حاوله المصنف بقوله : ( وفي النفقة إشكال ) بعد قوله : ( وهل تثبت هذه الأحكام في الأجنبية؟ الأقرب نعم ) ، فإنه لا يراد بالأحكام إلاّ ما ذكرناه ، فيكون قوله ( وفي النفقة إشكال ) كالاستثناء مما قربه في الأحكام المذكورة.

قوله : ( وهل يشترط في التحريم المؤبد في طرف الأجنبي نقص السن عن تسع؟ فيه نظر ينشأ : من كون التحريم المؤبد مستندا الى تحريم الوطء في طرف الزوج ، وهو هنا ثابت في التسع ).

أي : هل يشترط في ثبوت التحريم المؤبد لو وطأ أجنبي أجنبية فأفضاها في‌

__________________

(١) الخلاف ٣ : ١٢ مسألة ٤١ كتاب النكاح.

(٢) السرائر : ٢٨٩.


والاشكال في الأجنبي قبل التسع أضعف.

والأقرب عدم تحريم الأمة ، والمفضاة بالإصبع.

______________________________________________________

أقل من تسع سنين؟ فيه نظر ينشأ : من أن التحريم المؤبد يستند إلى تحريم الوطء حينئذ ، والتحريم ثابت في الأجنبية قبل التسع وبعدها ، فحينئذ تلخص كون عليّة التحريم المؤبد ترتب ، الإفضاء على الوطء المحرم ، فيكون إفضاء الأجنبية بعد البلوغ بمنزلة إفضاء الزوجة قبله.

وهذا إن تم فإنما يثبت في الزنا دون وطء الشبهة : لانتفاء التحريم فيه بعد تحقق البلوغ ، ومن أن مورد النص هو الزوجة قبل بلوغ التسع ، فإن ثبت الإلحاق اقتصر فيه على ما قبل البلوغ ، لأن شرط مفهوم الموافقة تعقّل العلة قطعا ، والعلم بثبوتها في المسكوت عنه.

ولا ريب أن الصغر جزء من العلة في المنصوص ، ولهذا لو كان وطء الزوجة بعد البلوغ لم يحرم بالإفضاء قطعا ، فكيف تحرم الأجنبية قبل البلوغ.

قوله : ( والاشكال في الأجنبي قبل التسع أضعف ).

لما كان الأقرب عنده تحريم الأجنبية مؤبدا إذا أفضاها بالوطء قبل التسع ، ظهر الاشكال أن تحريمها حينئذ أضعف من الإشكال في تحريمها بعد التسع.

فإن قيل : مع ترجيح أحد الطرفين لا يبقى اشكال.

قلنا : إذا لم يكن الترجيح قاطعا يبقى أصل الاحتمال ، فلا يمتنع معه إطلاق اسم الاشكال مجازا. ويمكن أن يكون المراد بالإشكال : هو الطرف الآخر ، وهو عدم التحريم استعمالا لاسم الكل في الجزء مجازا.

قوله : ( والأقرب عدم تحريم الأمة والمفضاة بالإصبع ).

وجه القرب : أن التحريم حكم شرعي خصوصا في الفروج ، فيتوقف على ورود النص ، ولا يخفى أن مورد النص هو الزوجة المفضاة بالوطء قبل البلوغ وذلك لا‌


ولو كان الإفضاء بعد بلوغ الزوجة لم يكن على الزوج شي‌ء إن كان بالوطء.

المقصد الثاني : في التحريم غير المؤبد ، وفيه فصول :

الأول : في المصاهرة ، وفيه مسائل :

أ : تحرم بنت الزوجة وإن نزلت إذا لم يكن قد دخل بالأم تحريم جمع ، بمعنى أنه إذا أبان الأم بفسخ أو طلاق أو موت حلّت له البنت ، ومع الدخول تحرم بناتها وإن نزلن مؤبدا.

______________________________________________________

يتناول الأمة والمفضاة بالإصبع كما هو معلوم ، ولا دليل يدل على إلحاقهما بالزوجة ، والقياس عندنا باطل ، فيتمسك فيهما بالأصل إلى أن يثبت الناقل.

ولا ريب أن الإفضاء بالإصبع ليس أفحش من الوطء. ويحتمل تحريمها بذلك ، لأن الأمة كالزوجة ، والإفضاء بالإصبع كالافضاء بالوطء ، وضعفه ظاهر.

قوله : ( ولو كان الإفضاء بعد بلوغ الزوجة لم يكن على الزوج شي‌ء إن كان بالوطء ).

لأن الوطء مأذون فيه شرعا محلل حينئذ ، فإذا حصل بسببه الإفضاء لم يثبت على الزوج شي‌ء من هذه الأحكام ، لانتفاء الدليل ، وسيأتي لهذه المسألة مزيد تحقق في باب الجنايات إن شاء الله تعالى.

قوله : ( المقصد الثاني : في التحريم غير المؤبد ، وفيه فصول : الأول : في المصاهرة ، وفيه مسائل : الأولى : تحرم بنت الزوجة وإن نزلت إذا لم يكن قد دخل بالأم تحريم جمع ، بمعنى أنه إذا أبان الأم بفسخ أو طلاق أو موت حلت له البنت ، ومع الدخول تحرم بناتها وإن نزلن مؤبدا ).

لا خلاف بين أهل الإسلام في تحريم البنت مع الام جمعا إذا لم يدخل بالأم ، فإن فارق الام حل له نكاح البنت ، وإن دخل بالأم حرمت البنت عينا ، وقد سبق‌


والأقرب مساواة الوطء في الفرجين ، وعدم اشتراط البلوغ والعقل في الواطئ والموطوءة ، ولا الإباحة كالوطء في الإحرام والحيض ، ولا دوام النكاح

______________________________________________________

الكلام على ذلك.

قوله : ( والأقرب مساواة الوطء في الفرجين ، وعدم اشتراط البلوغ والعقل في الواطئ والموطوءة ، ولا الإباحة كالوطء في الإحرام والحيض ، ولا دوام النكاح ).

هنا مسائل : الأولى : هل الوطء في الدبر مساو للوطء في القبل في كونه دخولا ، بحيث تحرم به بنت الزوجة عينا؟ فيه وجهان ، أقربهما عند المصنف المساواة. ووجه القرب : أنه لو لم يعد دخولا شرعا لما استقر به المهر ، والثاني باطل.

بيان الملازمة : أن المهر إنما يستقر بالدخول اتفاقا ، فلو لم يعد دخولا شرعيا لم يستقر به.

وأما بيان بطلان الثاني ، فلأن المهر يستقر بالوطء في الدبر كالقبل على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وكذا يثبت به الحد ، ويجب به العدة في الطلاق ويلحق به النسب ، وكل هذه تابعة للدخول. وثبوت التابع من حيث هو تابع يستلزم ثبوت المتبوع.

ويحتمل ضعيفا عدم المساواة ، لعدم ثبوت الإحصان ، ويرده أن الإحصان ليس من توابع الدخول ، والأصح المساواة.

الثانية : لا يشترط البلوغ والعقل في الواطئ ولا الموطوءة ، لأن الدخول بالنسبة إلى التحريم سبب ، والأسباب لا يشترط فيها التكليف كالإتلاف. ومن ثم لو وطأ ساهيا أو جاهلا بكونها الزوجة ، كما لو زوجه إياها وكيله وهو لا يعلم ، أو استدخلت ذكره في حال نومه وإغمائه ثبت التحريم.


والعقد والملك واحد.

ب : تحرم أخت الزوجة بالعقد دائما ومنقطعا تحريم جمع ، سواء دخل بالأخت أو لا ، وسواء كانت لأب أو لام أو لهما ، ولا تحرم أخت الأخ إذا لم تكن أختا ، ولا يحرم الجمع بينهما في الملك.

______________________________________________________

ويحتمل ضعيفا اشتراطهما في الواطئ ، لظاهر قوله تعالى ( وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) (١) فإنه خطاب ويمتنع تعلقه بغير المكلف.

الثالثة : لا يشترط في الوطء مع الزوجية الإباحة ، فلو وطأ في حال إحرام إحداهما ، أو في الحيض ، أو في الصوم ثبت التحريم ، لأن الحكم معلق بالدخول ، وكذا لا يشترط دوام النكاح قطعا ، لصدق الزوجات والنساء في المتعة والدوام.

قوله : ( والعقد والملك واحد ).

أي واحد في ذلك ، ووجهه أن الشارع أثبت حرمة المصاهرة في كل منهما ، ولأن النساء يشتمل الموطوءة بالملك.

قوله : ( الثانية : تحرم أخت الزوجة بالعقد دائما ومنقطعا تحريم جمع ، سواء دخل بالأخت أو لا ، وسواء كانت لأب أو لام أو لهما ، ولا تحرم أخت الأخ إذا لم تكن أختا ، ولا يحرم الجمع بينهما في الملك ).

قد تطابق النص والكتاب (٢) والسنة وإجماع المسلمين على تحريم أخت الزوجة جمعا ، ولا فرق في ذلك بين كون العقد دائما أو منقطعا ، لتناول النص لكل منهما ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون قد دخل بالزوجة وعدمه ، لأن المناط الجمع بين‌

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) النساء : ٢٣.


ولو طلق رجعيا حرمت الأخت حتى تخرج العدة.

ولو طلق بائنا أو فسخ لعيب حلّت في الحال على كراهية حتى تخرج العدة.

______________________________________________________

الأختين في النكاح ، وهو صادق في العقد.

وكذا لا فرق في الأختين بين كونهما لأب أو لام أو لهما.

ولا تحرم أخت الأخ إذا لم تكن أختا ، وذلك مع اختلاف الجهة ، كما لو كان الأخ لأب مثلا والأخت بالنسبة إليه لأم ، وعكسه. ولا يحرم الجمع بين الأختين في الملك ، لأن الأغلب في الملك جانب المالية وليس الغرض منه الوطء وإن تعلق به جوازه.

قوله : ( ولو طلق رجعيا حرمت الأخت حتى تخرج العدة ، ولو طلق بائنا أو فسخ لعيب حلت في الحال على كراهية حتى تخرج العدة ).

لما كانت المطلقة رجعيا زوجة لم تحل أخت المطلقة رجعيا للمطلق حتى تخرج العدة ، أما البائن بطلاق أو فسخ لعيب من الزوج أو من الزوجة ، فان أختها تحل في الحال لخروجها عن الزوجية ، فلم يتحقق الجمع بين الأختين في النكاح ، إلاّ أنه يكره نكاحها ما دامت المبانة في العدة لبقاء أثر النكاح.

ولصحيحة زرارة عن الباقر 7 : سألته عن رجل تزوج امرأة بالعراق ، ثم خرج الى الشام فتزوج امرأة أخرى ، فإذا هي أخت زوجته التي بالعراق ، قال : « يفرّق بينه وبين التي تزوجها في الشام ، ولا يقرب المرأة حتى تنقضي عدة الشامية » الحديث (١).

وهو محمول على الكراهية ، لأن المحرم بنص الكتاب والسنة الجمع بين الأختين في النكاح ، وهو منتف هنا. وينبغي أن يقرأ فسخ للمجهول ليتناول فسخ‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٣١ حديث ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٦٤ حديث ١٢٥٨ ، التهذيب ٧ : ٢٨٥ حديث ١٢٠٤.


ج : تحرم بنت أخت الزوجة معها وبنت أخيها وإن نزلتا على اشكال تحريم جمع إن لم تجز الزوجة ، فإن أجازت صح.

وله إدخال العمة والخالة على بنت الأخ وبنت الأخت وإن كرهتا.

والأقرب أن للعمة والخالة فسخ عقدهما لو جهلتا لا المدخول عليها.

______________________________________________________

الرجل وفسخ المرأة.

قوله : ( الثالثة : تحرم بنت أخت الزوجة معها وبنت أخيها وإن نزلتا على اشكال تحريم جمع إن لم تجز الزوجة ، فإن أجازت صح ).

قد سبق الكلام في تحريم بنت أخت الزوجة وبنت أخيها جمعا ، وإنما أعاده هنا لبيان أن التحريم كما يتعلق ببنت الأخ والأخت للصلب كذا يتعلق بغيرهما على اشكال ، وهو المراد بقوله : ( وإن نزلتا ).

ومنشأ الاشكال : من أن المفهوم من تحريم إدخال بنت أخت الزوجة وبنت أخيها عليها إنما هو احترام العمة والخالة ، ولهذا لو رضيتا انتفى التحريم ، وإذا انتفى التحريم ففي بناتهما أولى ، لأن بعد الدرجة يقتضي زيادة الاحترام.

ومن حيث أن النص لم يرد إلاّ على بنت الأخ والأخت ، ولا يصدق ذلك إلاّ على بنت الصلب ، لأن بنت البنت لا يصدق إلاّ على البنت إلاّ مجازا. والأول أرجح ، نظرا إلى استفادة ذلك بالفحوى ، ولأن الاحتياط في الفروج هو المطلوب.

قوله : ( وله إدخال العمة والخالة على بنت الأخ وبنت الأخت وإن كرهتا ، والأقرب أن للعمة والخالة فسخ عقدهما لو جهلتا ، لا المدخول عليها ).

قد سبق الكلام أيضا في جواز إدخال العمة والخالة على بنت الأخ وبنت الأخت وإن كرهتا ، وإنما أعاده ليبني عليه قوله : ( والأقرب أن للعمة والخالة فسخ عقدهما ).


______________________________________________________

وتحقيقه أنه إذا تزوج عمة زوجته أو خالتها مع علم العمة والخالة صح النكاح ، ولم يلتفت إلى رضى بنت الأخ وبنت الأخت ، ولو جهلتا فالأقرب عند المصنف أن لهما فسخ عقدهما إذا علمتا ، وليس لهما فسخ عقد المدخول عليها ، هذا هو الظاهر.

ويمكن أن يكون المراد : لا المدخول عليها ، فإنه ليس لهما فسخ عقدها.

يدل على الحكم الأول ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن الصادق 7 قال : « لا تزوج ابنة الأخت على خالتها إلاّ بإذنها ، وتزوج الخالة على ابنة الأخت بغير أذنها » (١). ولم يفرق الأمر بين العمة والخالة فالفرق احداث.

وروى محمد بن مسلم عن الباقر 7 قال : « لا تزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما » (٢).

وأما الحكم الثاني فوجه القرب فيه أن الجمع بدون الاذن ممنوع منه ، لما سبق ، ولرواية أبي الصباح الكناني عن الصادق 7 قال : « لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها » (٣).

ولا سبيل إلى بطلان عقد السابقة ، لسبق صحته ، ولا إلى تزلزله ، لسبق لزومه ، ولا إلى بطلان عقد اللاحقة ، لأن الجمع وإن كان ممنوعا منه إلاّ أن المنع ينتفي بالرضى ، فحينئذ يكون موقوفا على رضى العمة والخالة ، فإن رضيتا لزم ، وإلاّ كان لهما الفسخ. ويؤيده أن الحق في ذلك لهما ، لأن التحريم لحرمتهما ، فإذا رضيتا انتفى السبب.

ويحتمل بطلان العقد الطارئ من رأس ، لثبوت النهي عنه ، والنهي في غير العبادة إنما لا يدل على الفساد إذا لم يكن راجعا إلى شي‌ء من أركان العقد ، فأما إذا‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٣٢ حديث ١٣٦٥ ، الاستبصار ٣ : ١٧٧ حديث ٦٤٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٣٢ حديث ١٣٦٤ ، الاستبصار ٣ : ١٧٧ حديث ٦٤١.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٣٢ حديث ١٣٦٦ ، الاستبصار ٣ : ١٧٧ حديث ٦٤٣.


د : لا يجوز نكاح الأمة لمن عنده حرة إلاّ بإذنها.

هـ : لا تحل ذات البعل أو العدة لغيره إلاّ بعد مفارقته والعدة وإن كانت من أهلها.

______________________________________________________

رجع إلى بعض الأركان ، كبيع المجهول والعقد على بعض المحرمات ، فإن العقد يقع باطلا قطعا.

والتحقيق في هذه المسألة : إن رضى العمة والخالة إن كان شرطا لصحة العقد ، كان العقد المشروط بالرضى إذا وقع بدونه باطلا ، وإن كان من جملة السبب لم يحكم بالبطلان ، لكن يقع العقد متزلزلا ، واللائح من النصوص الاشتراط.

فإن قوله : « لا تزوج ابنة الأخت على خالتها إلاّ بإذنها » ، وكذا قوله 7 : « لا تزوج الخالة والعمة على ابنة الأخ » ظاهره اشتراط الأول في التزويج على حد لا يدخل الدار إلاّ بإذن مالكها ، وسيجي‌ء تمام البحث في ذلك إن شاء الله تعالى ، وهنا احتمال ثالث : وهو تزلزل العقدين معا ، لأن كلا من العقدين بالنظر إلى ذاته صحيح ، وصحته تنافي صحة الآخر ولا أولوية فيتدافعان. وضعفه ظاهر ، فإن الأولوية للعقد السابق محققة ، ولم يتعرض الشارح الفاضل لهذا الاحتمال هنا ، وسيأتي مثله قولا في نظير هذه المسألة ، وكأنه لم يلتفت إليه لضعفه وانتفاء القائل به.

قوله : ( الرابعة : لا يجوز نكاح الأمة لمن عنده حرة إلاّ بإذنها ).

المراد بذلك النكاح بالعقد لا الملك فإنه يجوز مطلقا إجماعا ، وسيأتي الخلاف في جواز نكاح الأمة اختيارا وتحقيق القول في ذلك ان شاء الله تعالى.

فرع : ينبغي بناء الحل والتحريم في التحليل على كونه عقدا أو ملك منفعة ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

قوله : ( الخامسة : لا تحل ذات البعل أو العدة لغيره ، إلاّ بعد مفارقته ، والعدة إن كانت من أهلها ).


و : لو تزوج الأختين نسبا أو رضاعا على التعاقب كان الثاني باطلا ، سواء دخل بها أو لا.

وله وطء زوجته في عدة الثانية ، فإن اشتبه السابق منع منهما ، والأقرب إلزامه بطلاقهما

______________________________________________________

لا خلاف في هذا الحكم‌ بين أهل الإسلام قاطبة ، سواء كانت العدة بائنا أو رجعيا ، لطلاق أو فسخ أو وفاة ، وقد سبق في كلامه ما يغني عن ذكر هذه المسألة ، ولا يخفى أنه لو عقد ولم يعلم ثم علم تبين فساد العقد.

قوله : ( السادسة : لو تزوج الأختين نسبا أو رضاعا على التعاقب كان الثاني باطلا ، سواء دخل بها أو لا. وله وطء زوجته في عدة الثانية ، فإن اشتبه السابق منع منهما ، والأقرب إلزامه بطلاقهما ).

قد علم تحريم نكاح الأختين من النسب والرضاع ، فلو فعله المكلف ، فإما أن يكون العقد عليهما واقعا على التعاقب ، أو دفعه. فإن كان الأول كان العقد الثاني باطلا ، لسبق صحة الأول وانعقاده ، وانحصار المنع في الثاني.

ولا فرق في ذلك بين أن يدخل بالثانية وعدمه ، فمرجع الضمير في قوله : ( سواء دخل بها ) هو الثانية ، للدلالة عليه بالثاني في قوله : ( كان الثاني باطلا ). ولا ريب أن له وطء زوجته في عدة الثانية حيث تجب العدة ، وإنما تجب إذا دخل بالثانية جاهلا بكونها أخت الزوجة ، عملا بالاستصحاب ولأن الحرام لا يحرّم الحلال.

نعم يكره له ذلك ، الحديث زرارة السابق (١) ، وظاهر كلام الشيخ في النهاية التحريم (٢) ، لهذه الرواية ، والأصح الأول ، فإن اشتبه السابق من عقدي الأختين وجب عليه اجتنابهما ، لأن إحداهما محرمة عليه فيجب اجتنابهما ، ولا يتم إلاّ باجتناب كل منهما ، وما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب. والأقرب عند المصنف إلزامه بطلاقهما‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٧٤٣ حديث ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٦٤ حديث ١٢٥٨ ، التهذيب ٧ : ٢٨٥ حديث ١٢٠٤.

(٢) النهاية : ٤٥٤.


______________________________________________________

بأن يجبره الحاكم على ذلك.

ووجه القرب : أن البقاء على الزوجية موجب للضرر بالنسبة إليه وإليهما ، لتعلق أحكام الزوجية به ومنعه من الاستمتاع ، ولأن تحصيل البراءة من حقوق الزوجية واجب ، ولا يتم إلاّ بالطلاق.

ولقائل أن يقول : نمنع كونه واجبا مطلقا بحيث يعم الأحوال كلها فيتناول حال الاشتباه ، ولو سلّم فالبراءة تحصل بالتسليم إلى الحاكم أو بالبدل للمستحقة منهما ، فالمنع متوجه إما إلى المقدمة الأولى أو الثانية ، لظاهر قوله تعالى ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (١).

ولا ريب أن الإمساك مع الاشتباه موجب للضرر ، فلا يكون إمساكا بمعروف ، فيتعين الثاني.

لا يقال : الطلاق مع الإكراه باطل.

لأنا نقول : الطلاق المكره عليه شرعا هو المأمور به فكيف يكون باطلا ، ولا ريب أن كلما اكره عليه شرعا من العبادات وغيرها مقطوع بصحته شرعا ، وإلاّ لامتنع ، فيسد باب الإكراه شرعا ، وهو باطل ويحتمل تسليط المرأتين على الفسخ ، أو فسخ الحاكم تفصيا من الإكراه ، وليس ببعيد من الصواب إلزامه بالطلاق ، فإن امتنع فسخت هي أو الحاكم.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه إن طلّق كل واحدة منهما صح ، نظرا إلى وجوب تطليق كل منهما ، ولأن الزوجة منهما غير معلومة بل هي مشتبهة. ولو قال : زوجتي منهما طالق فالقول بالصحة أقرب ، لأن التطليق لمعيّنه بحسب الواقع ، ولأن المقصود بالتطليق هو الزوجة على التقديرين.

__________________

(١) البقرة : ٢٢٩.


فيثبت لهما ربع المهرين مع اتفاقهما واختلافهما على اشكال.

______________________________________________________

ويجي‌ء على قول الشيخ في المبسوط : فيما لو عقد الوليان متعاقبين ولم يعلم السابق أصلا (١) انه يبطل البطلان هنا.

قوله : ( فيثبت لهما ربع المهرين مع اتفاقهما واختلافهما على اشكال ).

أي : إذا طلق الأختين المعقود عليهما ، والفرض أنه قبل الدخول ، ثبت لهما ربع المهرين ، لأن الزوجة واحدة منهما والواجب لها بالطلاق نصف المهر ، فمع اشتباه المهر الثابت وتردده بين المهرين يوزع عليهما ، لعدم الترجيح وانتفاء الأولوية ، فيجب لكل منهما ربعه ، وهذا واضح مع اتفاق المهرين جنسا ووصفا وقدرا إذا كانا في الذمة ، فإن ربع المجموع مساو لنصف أحدهما كما لو كان على كل منهما مائة دينار.

أما مع اختلافهما في الجنس أو الوصف أو القدر ، وكذا لو تشخص أحدهما فإشكال ينشأ : من أن الواجب في نفس الأمر هو نصف أحدهما ، وليس ربع المجموع هو نصف أحدهما بخصوصه ، لأن الغرض اختلافهما ببعض الأمور المذكورة كما هو واضح ، فإيجابه يستلزم وجوب ما ليس بواجب وسقوط ما هو واجب.

ومن أن المستحق ـ وهو نصف أحدهما ـ غير متعيّن وإنما هو مشتبه ودائر بين المهرين ، فحيث انتفى الترجيح والأولوية وجب تقسيطه عليهما ، فيؤخذ من كل منهما ربعه.

وعلى هذا فيحتمل أن يقسم المجموع بينهما لعدم الأولوية ، ويحتمل أن يصرف إلى كل واحدة ربع مهرها ، لأنه إن كان نكاحها هو الصحيح استحقت نصف مهرها ، وإن كان نكاح الأخرى استحقت هي نصف مهرها ، فلحصول الاشتباه وانتفاء المرجح رددنا كل واحدة إلى نصف الحق وهو ربع المهر.

ويحتمل القرعة ، لأنه أمر مشكل ، والإيقاف حتى يصطلحا أو يتبين الحال ،

__________________

(١) المبسوط ٤ : ١٨١.


ويحتمل القرعة في مستحق المهر ، والإيقاف حتى تصطلحا.

______________________________________________________

تفصيا من دفع الحق إلى غير مستحقه. وعلى الاحتمال الأول فإنما يحتمل العمل بالقرعة ، لأنه أمر مشكل ، والإيقاف حتى يصطلحا أو يتبين الحال ، والقول بالقرعة قوي.

قوله : ( ويحتمل القرعة في مستحق المهر ، والإيقاف حتى يصطلحا ).

وجه الأول : أنه أمر مشكل لوقوع اللبس فتجب القرعة.

ووجه الثاني : ان أحدهما غير مستحق ، ولا يؤمن دفع الحق الى غير مستحقه ، فإن تراضيا اندفع المحذور ويحصل يقين البراءة ، فإذا عرفت ذلك فهنا كلامان :

الأول : ظاهر عبارة المصنف أن احتمال القرعة في مستحق المهر جار مع اختلاف المهرين وإيجاب ربع كل منهما. وظاهر أنه غير مستقيم ، لأن كل من خرج بالقرعة استحقاقها لم يجب لها سوى نصف مهرها ، ولم يجب من مهر الأخرى شي‌ء.

وما ذكره الشارح السيد من أن القرعة إذا أخرجت استحقاق ذات المهر الأقل رد ما زاد على نصفه على الزوج ، فإن ربع المجموع أزيد من نصف الأقل وهي لا تستحق الزائد قطعا.

الثاني : احتمال القرعة إنما يستقيم إذا جهل السابق كل من الزوج والزوجتين ، وانتفاء البينة ، وإذا ادعت كل منهما السبق ولم يصدّق الزوج واحدة منهما ولا بينة ، ولم يدعيا عليه العلم ، أو ادعتا فحلف ، أو رد فنكلتا ، أما مع الثبوت بواحد من طرقه فلا بحث في وجوب نصف مهر من ثبت عقدها دون الأخرى.

ولا يخفى أن المصنف لو قال : والأقرب إلزامه بطلاقهما ، فيحتمل القرعة في مستحق نصف المهر منهما ، والإيقاف حتى يصطلحا ، ويحتمل ثبوت ربع المهرين مع اتفاقهما واختلافهما على اشكال ، لكان أسلم.

لكن يلزم أن يراد بقوله : ( حتى يصطلحا ) الزوج والزوجتان معا فريق ، وعلى ثبوت ربع المهرين يحتمل الإيقاف حتى يصطلح الزوجتان ، والتشريك. والقول‌


ومع الدخول يثبت المهران مع الجهل ، فليس له حينئذ تجديد عقد إلاّ بعد العدة.

ولو أوجبنا في الفاسد مهر المثل واختلف فالقرعة ،

______________________________________________________

بالقرعة مشكل ، وإلا لم يتم وجوب ربع المهرين على إطلاقه كما سبق.

قوله : ( ومع الدخول يثبت المهران مع الجهل ، فليس له حينئذ تجديد عقد ، إلاّ بعد العدة ).

يفهم من قوله : ( ومع الدخول ) أن ما سبق حكم ما إذا طلّق قبل الدخول ، ولا ريب أنه إذا دخل بهما وكانتا جاهلتين بالتحريم ، أو جهلت كل واحدة منهما عقد الأخرى ، أو جهلت تقدم عقد الأخرى واشتباه السابق ، وجب مهران قطعا.

وظاهر قول المصنف : ( يثبت المهران ) وجوب كل من المسميين وفاقا لقول الشيخ ان الدخول في العقد الفاسد يوجب المسمى (١) ، وكيف كان فليس له مع الدخول بهما إذا طلقهما تجديد العقد على إحداهما حتى تنقضي عدة الأخرى ، إذا كان الطلاق بالنسبة إلى كل منهما رجعيا على تقدير صحته.

وكذا لو كان طلاق إحداهما رجعيا وأراد العقد على الثانية ، لجواز كون الزوجة ذات العدة الرجعية ، ولا يجوز العقد على الأخت في العدة الرجعية ، لأن المعتدة رجعيا زوجة.

أما لو كانتا بائنتين أو إحداهما وعقد على الرجعية فلا حرج ، لأن تجديد النكاح في العدة الرجعية لا يقصر عن الرجعة ، ولو ضم إلى النكاح الرجعة كان أولى.

قوله : ( ولو أوجبنا في الفاسد مهر المثل واختلف فالقرعة ).

قد سبق في الرضاع أنه إذا ثبت أن المعقود عليها أمه أو أخته من الرضاع وقد‌

__________________

(١) المبسوط ٥ : ٣١٤.


ولو اتحد العقد بطل ، وقيل : يتخير.

______________________________________________________

دخل بها. ثبت لها المسمّى ، ثم احتمل وجوب مهر المثل ، فنقول : إن أوجبنا في الفاسد المسمّى فلا بحث هنا في وجوب المسمّى لكل منهما ، وإن أوجبنا فيه مهر المثل فلا يخلو : إما أن يتفق مسمّى كل منهما ومهر مثلها ، أو يختلفا. فإن اتفقا فلا إشكال في أن كل واحدة منهما يدفع إليها مهرها ، لأنه إن كان السابق عقدها فقد استحقت بالنكاح الصحيح ، وإلا فبالعقد الفاسد. وإن اختلف مسمّى كل منهما ومهر مثلها ، أو مسمّى إحداهما ومهر مثلها ، فلا بد من القرعة في تعيين الزوجة ، فمن أخرجته القرعة منهما استحقت المسمّى ووجب للأخرى مهر المثل.

ويجي‌ء احتمال الإيقاف حتى يصطلحا وإن لم يذكره المصنف ، واعلم أن الضمير في قوله : ( واختلف ) يعود إلى كل من الفاسد ومهر المثل ، ووحده باعتبار كل واحد ، وهو صادق إذا كان الاختلاف المذكور بالنسبة إليهما أو الى واحدة منهما خاصة.

والظاهر أنه لا فرق في هذه الأحكام كلها بين ما إذا علم السابق ثم اشتبه ، أو علم سبق واحدة في الجملة من أول الأمر. ولو اشتبه السبق والاقتران فالإلزام بالطلاق ظاهر الوجه ، أما وجوب نصف المهر ففيه نظر.

قوله : ( ولو اتحد العقد بطل ، وقيل يتخير ).

أي : لو عقد على الأختين معا عقدا واحدا ، وهذا هو القسم الثاني من قسمي العقد على الأختين. وقد اختلف الأصحاب في حكمه ، فقال ابن حمزة (١) ، وابن إدريس (٢) ، والمصنف هنا ، وأكثر المتأخرين (٣) بالبطلان ، لثبوت النهي الناشئ عن عدم صلاحية المعقود عليها فيكون فاسدا.

وإنما قلنا إنه ناشئ عن عدم صلاحية المعقود عليها ، لأن كل واحدة منهما‌

__________________

(١) الوسيلة : ٣٤٤.

(٢) السرائر : ٢٨٦.

(٣) منهم ولد العلاّمة في الإيضاح ٣ : ٨٥ ، والشهيد في اللمعة : ١٨٩.


______________________________________________________

يمتنع نكاحها مع نكاح الأخرى ، ولأن العقد على كل واحدة منهما مانع من العقد على الأخرى ومبطل له ، ونسبة العقد إليهما واحدة ولا ترجيح فتعيّن البطلان.

ولأن العقد لو صح ، فإما بالإضافة إليهما أو إلى إحداهما ، معينة أو غير معينة ، والكل باطل.

أما الأول والثاني فطاهر ، وأما الثالث فلأن صحة ما ليس معينا في حد ذاته لا يعقل ، لأن ما ليس معينا في ذاته لا وجود له ، ومتى بطل اللازم بأقسامه انتفى الملزوم ، فثبت البطلان.

لا يقال : نمنع الحصر في الصحة والبطلان ، لأنهما من أحكام السبب ، والعقد المذكور ليس هو السبب بل جزؤه ، والجزء الآخر هو هنا اختيار الزوج.

لأنا نقول : السبب هو العقد على ما دل قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ، وقال الشيخ في النهاية : يتخير فمن اختارها بطل نكاح الأخرى (٢) ، وهو قول ابن الجنيد (٣) ، وابن البراج (٤) ، والمصنف في المختلف (٥) ، لما رواه جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما 8 : في رجل تزوج أختين في عقد واحد ، قال : « هو بالخيار أن يمسك أيتهما شاء ويخلي سبيل الأخرى » (٦).

ولأن ضميمة العقد على إحداهما إلى العقد على الأخرى لا ينافي صحة العقد كما لو جمع في العقد بين محللة ومحرمة.

وجوابه : إن الرواية مرسلة ، ولا صراحة فيها بالنسبة الى المدعي ، لأن قوله‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) النهاية : ٤٥٤.

(٣) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٢٦.

(٤) المهذب ٣ : ١٨٤.

(٥) المختلف : ٥٢٦.

(٦) الكافي ٥ : ٤٣١ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٨٥ حديث ١٢٠٣.


ولو وطأ أمة بالملك حرمت عليه أختها به حتى يخرج الاولى عن ملكه ببيع أو هبة أو غيرهما.

وفي اشتراط اللزوم أو الاكتفاء بالتزويج أو الرهن أو الكتابة إشكال ،

______________________________________________________

7 : « يمسك أيتهما شاء ويخلي سبيل الأخرى » يحتمل أن يراد به أن إحداهما حلال له دون الأخرى ، فيجدد العقد على من يريد. ولا دلالة فيها على أن الإمساك بذلك العقد وإن كان يفهم من اللفظ ذلك ، لأن الاحتياط في الفروج مطلوب.

والفرق بين ما نحن فيه والعقد على المحللة والمحرمة ظاهر ، لأن المقتضي لصحة العقد في المحللة دون المحرمة قائم ، فيثبت المرجح ، بخلاف محل النزاع ، والأصح البطلان.

قوله : ( ولو وطأ أمة بالملك حرمت عليه أختها به حتى تخرج الاولى عن ملكه ببيع أو هبة أو غيرهما ، وفي اشتراط اللزوم ، أو الاكتفاء بالتزويج أو الرهن أو الكتابة إشكال ).

لا خلاف في أنه يجوز الجمع بين الأختين في الملك ، لأن الغرض الأصلي في الملك المالية ، حتى لو اشترى جارية فوطأها لم يحرم عليه شراء أختها ، ومن ثم جاز شراء من يمتنع الاستمتاع بها كالوثنية المرتدة والمعتدة والمزوجة والمحرمة بالمصاهرة ، وإنما يحرم الجمع بينهما في النكاح ، لعموم قوله تعالى ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) (١).

والمراد في النكاح كما يقتضيه سياق الآية ، فيتناول العقد والوطء ، وكذا توابع الوطء من الاستمتاعات. فمتى وطأ أمته المملوكة حرم عليه أختها بالملك ، فلو كانت الأخت مملوكة حرم عليه الاستمتاع بها ما دامت الاولى في ملكه ، ولا خلاف في ذلك.

فلو خرجت الاولى عن ملكه حلّت الثانية ، لانتفاء الجمع المحرم حينئذ ، لكن‌

__________________

(١) النساء : ٢٣.


______________________________________________________

هل يشترط لحل الثانية أن يكون خروج الاولى بعقد لازم ، أم يكفي مطلق العقد الناقل وإن كان معه خيار ، كالبيع بخيار والهبة التي يجوز الرجوع فيها؟ فيه إشكال ينشأ : من أن غاية التحريم في النص خروج الاولى عن ملكه وذلك متحقق مع الخيار.

واشتراط اللزوم يقتضي كون ما جعله الشارع غاية ليس بغاية ، وهو معلوم البطلان.

ومن أن ثبوت الخيار يقتضي كونها بحكم المملوكة ، فإن له الرجوع والتصرف فيها متى شاء ما دام الخيار باقيا.

ويضعف بأن الخروج عن الملك الذي هو غاية التحريم قد حصل ، وتمكنه من التصرف بالفسخ بالخيار غير قادح ، لانتفاء الدليل ، ولأنه بعد الإخراج اللازم متمكن من التصرف دائما بالشراء والاتهاب ، وغير ذلك من العقود الناقلة ، فلو أثر ثم لأثر هنا ، والأقرب عدم اشتراط اللزوم.

ولو لم تخرج الاولى عن الملك ، لكن فعل ما يقتضي تحريم وطئها عليه ، كأن زوجها أو رهنها أو كاتبها ، ففي الاكتفاء به في حل الثانية إشكال ينشأ : من أن الحل منوط بإخراج الأولى عن الملك ، لقول أمير المؤمنين 7 : « فلا يطأ الأولى حتى تخرج الأخرى عن ملكه فلا يحل بدونه » (١).

ومن أن الغرض من إخراجها عن الملك تحريم الوطء وقد حصل ، على أن الكتابة مع إفادتها التحريم آيلة إلى الخروج عن الملك ، والأصح عدم الاكتفاء بشي‌ء من ذلك وما جرى مجراه مما لا يفيد نقل الملك.

وجزم المصنف في التذكرة بأنها لا تحل برهن الأولى ، لأن منع الراهن منها لحق‌

__________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ١٦٤.


______________________________________________________

المرتهن لا لتحريمها ، ولهذا تحل بإذنه في وطئها (١) ، والحكم صحيح ، إلاّ أن التعليل لا يخلو من شي‌ء ، فإن تعلق حق المرتهن بها اقتضى تحريمها ، غاية ما في الباب انه تعلق ضعيف يزول حكمه بالاذن ، وهنا مباحث :

أ : قال في التذكرة : لو باع بشرط الخيار ، فكل موضع يجوز للبائع الوطء لا تحل فيه الثانية ، وحيث لا يجوز فوجهان للشافعية (٢) ، هذا كلامه (٣) ، وظاهر النص يقتضي عدم الفرق بين أقسام الخيار ، لتحقق الإخراج مع كل منهما.

ب : الوطء في القبل والدبر سواء في تحريم الثانية ، لتحقق الدخول والنكاح والفراش بكل منهما ، وفي اللمس والقبلة والنظر بشهوة تردد.

ج : لو أخرج إحداهما عن ملكه بأحد الأسباب الناقلة ، ثم فسخ البيع مثلا أو ردت بعيب أو إقالة ، فلا بد من الاستبراء للملك الحادث ، وكذا لو طلقها زوجها أو عجزت المكاتبة فاسترقها.

د : لو كان الوطء بشبهة فهل هو كغيره؟ يحتمل العدم ، لأنها لا تزيد بذلك عن حال الأجنبية ، ولو كانت إحدى الأختين محرمة بسبب آخر كالوثنية فوطأها بشبهة ، جاز وطء الأخرى ، لأن الأولى محرمة ، ذكره في التذكرة (٤).

هـ : لو ملك اما وبنتها فوطأ إحداهما حرمت الأخرى مؤبدا ، فلو وطأ الأخرى بعده جاهلا التحريم حرمت مؤبدا عند الشافعية (٥) ، ذكره في التذكرة (٦) ، وما روي من قولهم 7 : « لا يحرّم الحرام الحلال » (٧) يدفعه.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٣٧.

(٢) مغني المحتاج ٣ : ١٨٠.

(٣) التذكرة ٢ : ٦٣٧.

(٤) التذكرة ٢ : ٦٣٧.

(٥) المجموع ١٦ : ٢٢٩ ، مغني المحتاج ٣ : ١٨٠.

(٦) التذكرة ٢ : ٦٣٧.

(٧) التهذيب ٧ : ٢٨٣ حديث ١١٩٨ ، الاستبصار ٣ : ١٦٥ حديث ٥٩٥ ، سنن البيهقي ٧ : ١٦٩.


فإن وطأ الثانية أيضا قبل إخراج الأولى ، قيل : إن كان عالما بالتحريم حرمت الاولى حتى تموت الثانية ، أو يخرجها عن ملكه لا للعود إلى الأولى ، فإن أخرجها لذلك لم تحل الاولى.

والأقرب أنه متى أخرج إحداهما حلت الأخرى ، سواء كان للعود أو لا ، وسواء علم التحريم أولا. وإن لم يخرج إحداهما فالثانية محرّمة دون الاولى.

______________________________________________________

قوله : ( فإن وطأ الثانية أيضا قبل إخراج الأولى قيل : إن كان عالما بالتحريم حرمت الاولى حتى تموت الثانية ، أو يخرجها عن ملكه لا للعود إلى الأولى فإن أخرجها لذلك لم تحل الاولى ، والأقرب أنه متى أخرج إحداهما حلت الأخرى ، سواء كان للعود أو لا ، وسواء علم التحريم أو لا ، وإن لم يخرج إحداهما فالثانية محرمة دون الأولى ).

أي : لو وطأ أمة بالملك حرمت عليه أختها به حتى تخرج الاولى عن ملكه ، فإن وطأ الثانية أيضا قبل إخراج الأولى فللأصحاب قولان :

أحدهما ـ واختاره الشيخ في النهاية (١) ، وابن البراج (٢) ، وابن حمزة (٣) ، والمصنف في المختلف (٤) ، وحكاه هنا بقوله قيل ـ إن كان عالما إلى أخره انه إن وطأ الثانية عالما بالتحريم حرمت عليه الاولى ايضا إلى أن تموت الثانية أو يخرجها عن ملكه لا لغرض العود إلى الأولى فإن اتفق إخراجها لا لذلك حلت له الثانية ، فإن أخرجها عن ملكه ليرجع إلى الأولى فالتحريم باق.

__________________

(١) النهاية : ٤٥٥.

(٢) المهذب ٢ : ١٨٥.

(٣) الوسيلة : ٣٤٦.

(٤) المختلف : ٥٢٦.


______________________________________________________

وان وطأ الثانية جاهلا بالتحريم لم تحرم عليه الاولى إذا أخرج الثانية عن ملكه ، ويدل عليه ما رواه الحلبي في الحسن عن الصادق 7 قال : سئل عن رجل كان عنده اختان مملوكتان فوطأ إحداهما ثم وطأ الأخرى قال ، « إذا وطأ الأخرى فقد حرمت عليه الاولى حتى تموت الأخرى ».

قلت : أرأيت إن باعها أتحل له الاولى فقال : « إن كان بيعها لحاجة ولا يخطر على قلبه من الأخرى شي‌ء فلا أرى بذلك بأسا ، وإن كان إنما يبيعها ليرجع إلى الاولى فلا ولا كرامة » (١).

وروى أبو الصباح الكناني في الصحيح عن الصادق 7 نحو ذلك (٢) ، ولأن المقابلة بنقيض المقصود واقعه شرعا ، كما في منع القاتل من الإرث. هذا إذا كان عالما ، أما مع الجهل فلا تحرم عليه الاولى ، للأصل ، ولأن الجهل عذر في كثير من المواضع.

ولما رواه الحلبي عن الصادق 7 قال : قلت له : الرجل يشتري الأختين فيطأ إحداهما ثم يطأ الأخرى بجهالة ، قال : « إذا وطأ الأخيرة بجهالة لم تحرم عليه الاولى ، وإن وطأ الأخيرة وهو يعلم أنها عليه حرام حرمتا جميعا » (٣).

وهي صريحة في أن وطء الثانية مع جهل التحريم لا تحرّم الأولى ، إلاّ أن عبارة الشيخ (٤) تؤذن بتحريم الاولى إلى أن تخرج الثانية عن ملكه. والقول الثاني هو اختيار ابن إدريس (٥) ، ونجم الدين بن سعيد (٦) ، ومقرب المصنف هنا ، واختار في التذكرة عدم‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٣٢ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٩٠ حديث ١٢١٧.

(٢) الكافي ٥ : ٤٣٢ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ٢٩٠ حديث ١٢١٦.

(٣) الكافي ٥ : ٤٣٣ حديث ١٤ ، التهذيب ٧ : ٢٩٠ حديث ١٢١٩.

(٤) النهاية : ٤٥٥.

(٥) السرائر : ٣٩٠.

(٦) الشرائع ٢ : ٢٩٠.


ولو وطأ أمة بالملك ، قيل : جاز أن يتزوج بأختها ، فتحرم الموطوءة ما دامت الثانية زوجة.

______________________________________________________

تحريم الاولى بوطء الثانية (١).

ومتى أخرج إحداهما عن ملكه حلت الاولى ، سواء قصد به العود إلى الأولى أم لا.

أما الحكم الأول فلأن الحرام لا يحرم الحلال ، والتحريم إنما يتعلق بوطء الثانية فيستصحب ، ولأن الأصل الإباحة.

وأما الحكم الثاني ، فلأنه متى أخرج إحداهما لم يبق جامعا بين الأختين ، فينتفي التحريم بانتفاء سببه ، والأصح الأول ، واحتجاج ابن إدريس ضعيف ، فإن الروايات الواردة بذلك خالية عن معارض فلا سبيل الى ردها.

واعلم أنه إذا وطأ الثانية عالما بالتحريم فلا حد عليه ، لقيام الملك ، نعم يعزر.

قوله : ( ولو وطأ أمة بالملك قيل : جاز أن يتزوج بأختها فتحرم الموطوءة ما دامت الثانية زوجة ).

القول المشار إليه في العبارة هو قول الشيخ في المبسوط والخلاف (٢) ، واختاره المصنف في التحرير (٣) ، وهو ظاهر اختياره في التذكرة (٤) ، ولم يصرح هنا بشي‌ء ، والأصح الجواز ، لعموم قوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٥) ، وقوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٦) وغيرهما.

__________________

(١) التذكرة ٧ : ١٦٩.

(٢) المبسوط ٤ : ٢٠٧ ، الخلاف ٢ : ٢١٧ مسألة ٧٧ كتاب النكاح.

(٣) التحرير ٢ : ١٣.

(٤) التذكرة ٢ : ٦٣٦.

(٥) النساء : ٢٤.

(٦) النساء : ٣.


ز : لو تزوج بنت الأخ أو الأخت على العمة أو الخالة من النسب أو الرضاع حرتين أو أمتين لا ملك يمين على اشكال ، فإن كان بإذنهما صح ، وإلاّ بطل على رأي ، ووقع موقوفا على رأي ، فإن أجازت العمة أو الخالة لزم ، ولا يستأنف آخر ، وإن فسختاه بطل ولا مهر قبل الدخول.

______________________________________________________

والنكاح أقوى من الوطء بملك اليمين ، فإذا اجتمعا وجب تقديم الأقوى. وإنما قلنا انه أقوى ، لأن النكاح يتعلق به الظهار والطلاق والإيلاء واللعان والميراث ، والغرض الأصلي في الملك المالية فلا ينافي النكاح.

وكذا حل الوطء به كأمه الغير إذا أحلها مالكها ، فعلى هذا تحرم الموطوءة ما دامت الثانية زوجة. ويحتمل المنع ، لأن الأمة تصير بالوطء فراشا ، فلم يجز أن يرد النكاح عليه كما لا يرد نكاح الأخت على نكاح أختها.

وجوابه : ان القياس باطل مع وجود الفرق ، فإن النكاح أقوى من الوطء بملك اليمين.

قوله : ( السابعة : لو تزوج بنت الأخ أو بنت الأخت على العمة أو الخالة من النسب أو الرضاع ، حرتين أو أمتين لا ملك يمين على اشكال ، فإن كان بإذنهما صح ، وإلاّ بطل على رأي ، ووقع موقوفا على الإجازة على رأي ، فإن أجازت العمة أو الخالة لزم ، ولا يستأنف آخر ، وإن فسختا بطل ، ولا مهر قبل الدخول ).

إذا كانت العمة أو الخالة عنده فعقد على بنت الأخ أو بنت الأخت ، فإن كان العقد بإذن العمة أو الخالة فلا بحث في الصحة ، وإن كان بغير إذنهما فللأصحاب أقوال :

أ : بطلان العقد من رأس وتزلزل عقد المدخول عليها ، فلها أن تفسخ عقد نفسها ، وهو قول ابن إدريس. واحتج على البطلان بأن العقد على بنت أخت الزوجة‌


______________________________________________________

أو بنت أخيها منهي عنه ، والنهي يدل على الفساد (١).

أما أنه منهي عنه فلقول النبي 6 : « لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها » (٢) ، والمراد بالنكاح هنا العقد.

ولصحيحة أبي الصباح الكناني عن الصادق 7 قال : « لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها » (٣).

وصحيحة أبي عبيدة الحذّاء قال : سمعت الصادق 7 يقول : « لا ينكح الرجل المرأة على عمتها ولا على خالتها ، ولا على أختها من الرضاعة » (٤) ، وهذا إنما هو مع عدم الاذن ، وكون الطارئ نكاحها هي بنت الأخ أو بنت الأخت ، أما مع الاذن أو كون الطارئ نكاح العمة أو الخالة ، فلا خلاف عندنا في الصحة.

ويدل على ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر 7 قال : « لا تزوج ابنة الأخت على خالتها إلاّ بإذنها ، وتزوج الخالة على ابنة الأخت بغير اذنها » (٥) ، والإجماع على مساواة العمة والخالة في ذلك.

وأما أن النهي يدل على الفساد فقد تبيّن في الأصول ، وأما تزلزل عقد المدخول عليها فلم يتعرض للاحتجاج عليه ، واعترض عليه المصنف في المختلف بأن النهي لا يدل على الفساد في المعاملات ، إنما ذلك في العبادات (٦).

وبأنه لو وقع العقد الطارئ فاسدا لم يكن لتخييرها في فسخ عقد نفسها وجه :

__________________

(١) السرائر : ٢٩٢.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ١٠٢٩ حديث ٣٧ ، سنن البيهقي ٧ : ١٦٥.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٣٢ حديث ١٣٦٦ ، الاستبصار ٣ : ١٧٧ حديث ٦٤٣.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٦٠ حديث ١٢٣٦ ، التهذيب ٧ : ٣٣٣ حديث ١٣٦٩ ، الاستبصار ٣ : ١٧٨ حديث ٦٤٦.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٣٢ حديث ١٣٦٥ ، الاستبصار ٣ : ١٧٧ حديث ٦٤٢.

(٦) المختلف : ٥٢٨.


______________________________________________________

لأن المقتضي للفسخ الجمع ، ومع وقوع العقد فاسدا لا جمع.

ولقائل أن يقول : إنّ النهي في المعاملات وإن لم يدل على الفساد بنفسه ، لكنه إذا دل على عدم صلاحية المعقود عليها للنكاح فهو دال على الفساد من هذه الجهة ، كالنهي عن نكاح الأخت والعمة والخالة ، وكما في النهي عن بيع الغرر في البيع ، والنهي في محل النزاع من هذا القبيل.

ب : تزلزل العقد الطارئ بحيث يقع موقوفا على رضى العمة والخالة ، مع كون عقد العمة والخالة لازما كما كان ، اختاره المحقق (١) ، والمصنف ، وجمع من المتأخرين (٢).

أما الحكم الأول وهو تزلزل الطارئ وعدم وقوعه فاسدا فلعموم قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٣) فإن المتنازع فيه إذا تعقبه رضى من يعتبر رضاه اندرج في هذا العموم ، فوجب الحكم بصحته ، فقبل الرضى لا يكون فاسدا ، وإلاّ لم ينقلب صحيحا.

ولا نعني بالموقوف إلاّ ذلك ، ولأنه عقد صدر بدون رضى من يعتبر رضاه في صحته فكان كالفضولي ، ولا دلالة في الأخبار السابقة على أنه بدون الرضى يقع فاسدا ، لأن الحاصل من الأخبار بعد الجمع بينها هو المنع من العقد بدون الاذن ، وذلك أعم من كون الأذن سابقا أو لاحقا.

على أن لقائل أن يقول : إن رواية محمد بن مسلم (٤) تدل على اعتبار سبق الإذن ، لأن قوله 7 : « لا تزوج ابنة الأخت على خالتها إلاّ بإذنها » ظاهره ذلك ، لأن أعم معاني الباء الإلصاق ، فيجب حصوله في وقت التزويج ، والسابق إلى الفهم في مثل ذلك المصاحبة أو السببية ، وكلاهما يعطي المراد.

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٢٨٨.

(٢) منهم الشهيد في اللمعة : ١٨٨ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٦٢.

(٣) المائدة : ١.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٣٢ حديث ١٣٦٥ ، الاستبصار ٣ : ١٧٧ حديث ٦٤٢.


______________________________________________________

وأظهر منه دلالة ما رواه علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى 7 أنه قال في حديث : « ولا تزوج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلاّ برضى منهما ، فمن فعل فنكاحه باطل » (١).

فإن قيل : الرضى اللاحق رضى منهما.

قلنا : ليس هو تزويجا بالرضى ، لأن المتبادر كون الرضى حين التزويج ، ولا يفهم من هذا اللفظ الا هذا.

وأما الحكم الثاني وهو كون عقد العمة والخالة لازما كما كان ، فلأنه صح ولزم ، والأصل بقاء ذلك ، ولأن المنهي عنه هو الطارئ فيختص بمقتضى النهي ، وإن فسد فلا بحث ، وإن كان موقوفا يرجح الأول ، لسبق لزومه ، فلا يلزم تجدد تزلزله.

ج : تزلزل كل من العقدين السابق والطارئ ، اختاره الشيخان (٢) وسلار (٣) ، لأن العقد الطارئ صحيح فيتدافع العقدان.

قال المصنف في المختلف : كلام الأصحاب ليس فيه استبعاد ، لأن عقد الداخلة صحيح في نفسه ، لصدوره من أهله في محله جامعا لشرائطه ، وإذا وقع صحيحا تساوت نسبته ونسبة عقد المدخول عليها ، وكما كان لها فسخ عقد الداخلة كان لها فسخ عقد نفسها (٤).

وما ذكره المصنف ضعيف ، لثبوت الأولوية ، لسبق اللزوم وانتفاء التكافؤ ، وعدم الدليل الدال على انقلاب اللازم جائزا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن قول المصنف : ( من النسب أو الرضاع ، حرتين أو أمتين ) يريد به عدم الفرق في الحكم المذكور بين كون العمومة والخؤولة في المذكورات‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٣٣ حديث ١٣٦٨ ، الاستبصار ٣ : ١٧٧ حديث ٦٤٥.

(٢) المقنعة : ٧٧ ، النهاية : ٤٥٩.

(٣) المراسم : ١٥٠.

(٤) المختلف : ٥٢٨.


______________________________________________________

من النسب أو الرضاع ، لعموم قوله 7 : « الرضاع لحمة كلحمة النسب ».

وقوله 7 : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (١) ، ولرواية أبي عبيدة الحذّاء عن أبي عبد الله 7 (٢) ، وأنه لا فرق بين كون العمة وبنت الأخ والخالة وبنت الأخت حرتين أو أمتين أو بالتفريق ، لشمول النصوص السابقة للأمة كما يشمل الحرة ، وهذا إنما هو في النكاح بالعقد.

أما الوطء بملك اليمين ففيه اشكال ، ويتصور فيه صور : كون العمة وبنت أخيها مثلا مملوكتين للواطئ.

وكون العمة مملوكة له وبنت الأخ معقودا عليها ، وعكسه.

فإذا وطأ العمة بالملك فهل يحرم عليه وطء بنت الأخ بالملك؟ فيه إشكال ينشأ : من أن قوله 7 : « لا تنكح المرأة على عمتها » (٣) يتناول محل النزاع ، بناء على أن النكاح حقيقة في الوطء ، وقد صرح به أئمة اللغة (٤).

ولرواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله 7 قال : « لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها » (٥) ، والنكرة في سياق النفي للعموم ، فيعم كل جمع حتى الجمع في الوطء بملك اليمين.

ومن أن استعماله في العقد شرعا شائع ، ولأن سلطنة النكاح بالنسبة إلى الأمة لمولاها ، ولا اعتبار لاذنها معه ، فكيف يكون لها سلطنة عليه بحيث يتوقف نكاحه على اذنها ، على أن اذنها لا يعتد به أصلا ، وإنما المعتبر اذن سيدها.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٤٢ حديث ٩ ، الفقيه ٣ : ٣٠٥ حديث ١٤٦٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٢٣ حديث ١٩٣٧.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٦٠ حديث ١٢٣٦ ، التهذيب ٧ : ٣٣٣ حديث ١٣٦٩ ، الاستبصار ٣ : ١٧٨ حديث ٦٤٦.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ١٠٢٩ حديث ٣٧ ، سنن البيهقي ٧ : ١٦٥.

(٤) الصحاح ١ : ٤١٣ « نكح » ، القاموس المحيط ١ : ٢٥٤ « نكح ».

(٥) التهذيب ٧ : ٣٣٢ حديث ١٣٦٦ ، الاستبصار ٣ : ١٧٧ حديث ٦٤٣.


______________________________________________________

ولا بد من ارادة العقد في الحديث قطعا ، إذ العقد ممنوع منه ، والمشترك لا يستعمل في معنييه حقيقة ، وفي بعض الأخبار التصريح بالتزويج.

ولو وطأ العمة بالملك فهل يحرم عليه العقد على بنت الأخ؟ فيه اشكال ، لا يخلو من ضعف ، يعلم مما سبق في العقد على أخت الموطوءة بالملك.

وهل يحرم عليه وطء العمة بعد ذلك؟ الظاهر لا ، لأن العقد على بنت الأخ حيث يمنع منه إنما هو لتكريم العمة ، لتوقفه على اذنها ، فلو كان العقد على بنت الأخ موجبا لتحريم وطء العمة لكان ذلك موجبا لزيادة إهانتها.

ولو عقد على العمة ، ثم أراد وطء بنت الأخ بالملك فهل يتوقف فيه على الرضى؟ فيه اشكال يعلم وجهه مما سبق في أول هذه المسائل.

ويمكن ادعاء التوقف هنا بطريق أولى ، لأنه لما كان المقتضي لتحريم بنت الأخ تكريم العمة ، فإذا كانت بنت الأخ مملوكة كان امتهان العمة بذلك أشد ، فكيف كان فتوقف الحل على الاذن في الثالثة أقوى.

واعلم أن قوله 7 : « حرتين أو أمتين » المراد بهما العمة وبنت الأخ أو الخالة وبنت الأخت ، كما أن قوله من النسب مرتبط بهما. ويحتمل ارتباط بنت الأخ أو الأخت ، لأنهما المحدث عنه ، أو بالعمة والخالة لقربهما.

وقوله : « لا ملك يمين » معطوف على جملة لو تزوج بتقدير محذوف صورته : لا أن الملك ملك يمين ، ولا بد من ارتكاب التوسع ، لأن المراد الوطء بملك اليمين.

وقول المصنف : ( فإن أجازت العمة أو الخالة ... ) متفرع على القول بوقوع العقد الطارئ موقوفا. ووجه قوله : ( ولا مهر قبل الدخول ) ظاهر ، لأنه لا نكاح ثم على تقدير الفسخ.

ولا يخفى أن القول ببطلان العقد الطارئ لا يخلو من قوة ، فإن النصوص دالة عليه ، إلاّ أن المشهور خلافه.


وهل للعمة أو الخالة فسخ عقدهما والاعتزال؟ قيل : نعم ، وفيه نظر ، فتقع العدة حينئذ بائنة.

ح : لو عقد على الأمة من دون إذن الحرة بطل ، أو كان موقوفا على رأي ، وتتخيّر الحرة في فسخه وإمضائه. وهل لها فسخ عقدها السابق؟ قيل : نعم.

______________________________________________________

قوله : ( وهل للعمة أو الخالة فسخ عقدهما والاعتزال؟ قيل : نعم ، وفيه نظر فتقع حينئذ العدة بائنة ).

قد عرفت الخلاف في أن العمة والخالة هل لهما فسخ عقد نفسهما في الصورة المذكورة أم لا ، وان أكثر الأصحاب وهم : الشيخان (١) ، وسلار (٢) ، وابن إدريس (٣) قائلون بذلك ، وقد عرفت ضعف دليل هذا القول.

ولذلك قال المصنف : ( وفيه نظر ) ، والأصح خلافه ، لانتفاء الدليل عليه. فعلى القول به تقع العدة حينئذ ـ أي حين فسخها ـ بائنة ، فإن عدة الفسخ لا تكون إلاّ كذلك.

قوله : ( الثامنة : لو عقد على الأمة من دون إذن الحرة بطل ، أو كان موقوفا على رأي ، وتتخير الحرة في فسخه وإمضائه ، وهل لها فسخ عقدها السابق؟ قيل : نعم ).

لو عقد من تحته حرة النكاح على الأمة ، بناء على أنه يجوز نكاح الأمة بالعقد.

وقد يقال : لا يلزم هذا البناء ، لأن الحرة ربما كانت بعيدة عنه بحيث لا يمكنه الوصول إليها ، ولا بد له من نكاح الأمة ، فهل يقع العقد على الأمة باطلا في نفسه ، أم‌

__________________

(١) المقنعة : ٧٧ ، النهاية : ٤٥٩.

(٢) المراسم : ١٥٠.

(٣) السرائر : ٢٩٢.


______________________________________________________

يقع موقوفا على رضى الحرة ، فإن أجازته صح وإن ردته بطل؟ قولان للأصحاب :

ثم هل للحرة فسخ عقد نفسها السابق على العقد على الأمة فيه قولان ايضا فهنا بحثان :

الأول : قال الشيخان (١) ، وابن البراج (٢) ، وابن حمزة : إن عقد الأمة بوقوعه يقع موقوفا (٣) ، واختاره المصنف في المختلف في أول كلامه (٤) ، وقال ابن أبي عقيل وابن الجنيد (٥) وابن إدريس : انه يقع باطلا (٦).

ويلوح من أخر كلامه في المختلف الميل إليه ، لأنه قال فيه : وإن كان ما قالوه ليس بعيدا من الصواب (٧).

احتج الأولون بعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٨) ، فإنه عقد صدر بدون رضى من يعتبر رضاه ، فوجب أن يقف على رضاه كالفضولي.

وبما رواه سماعة عن الصادق 7 : في رجل تزوج أمة فقال : « إن شاءت الحرة أن تقيم مع الأمة أقامت ، وإن شاءت ذهبت إلى أهلها » (٩) الحديث.

واحتج الآخرون بما رواه الحلبي في الحسن عن الصادق 7 قال : « تزوج الحرة على الأمة ولا تزوج الأمة على الحرة ، ومن تزوج أمة على حرة فنكاحه‌

__________________

(١) المقنعة : ٧٧ ، النهاية : ٤٥٩.

(٢) المهذب ٢ : ١٨٨.

(٣) الوسيلة : ٣٤٥.

(٤) المختلف : ٥٢٩.

(٥) نقله عنهما العلاّمة في المختلف : ٥٢٩.

(٦) السرائر : ٢٩٢.

(٧) المختلف : ٥٢٩.

(٨) المائدة : ١.

(٩) الكافي ٥ : ٣٥٩ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٤٥ حديث ١٤١٢.


______________________________________________________

باطل » (١).

وعن حذيفة بن منصور قال : سألت أبا عبد الله 7 عن رجل تزوج أمة على حرة لم يستأذنها قال : « يفرق بينهما » ، قلت : عليه أدب قال : « نعم اثنى عشر سوطا ونصف ثمن حد الزاني وهو صاغر » (٢).

وجه الاستدلال بهذه أن السؤال يحتمل رضى الحرة بعد العقد وعدمه ، وترك الاستفصال دليل العموم ، والتعزير إنما هو مع الدخول مع علمه بالتحريم.

أجاب المصنف في المختلف بأن المراد من كونه باطلا أنه آئل إلى البطلان على تقدير اعتراض الحرة (٣) ، وهو ضعيف ، لأن ذلك خلاف الظاهر ، ورواية سماعة (٤) لضعفها لا تصلح للمعارضة.

الثاني : قال الشيخان (٥) ، وابن البراج (٦) ، وابن حمزة (٧) ، وسلار : للحرة فسخ عقد نفسها (٨). وبه قال ابن إدريس (٩) ثم رجع عنه. قال المصنف في المختلف : ويحتمل المنع على قول ابن أبي عقيل (١٠) ، وكأنه إنما قال ذلك لعدم تصريح ابن أبي عقيل بالمنع‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٥٩ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٤٤ حديث ١٤٠٨.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٤٤ حديث ١٤١١ ، الاستبصار ٣ : ٢٠٩ حديث ٧٥٥.

(٣) المختلف : ٥٢٩.

(٤) الكافي ٥ : ٣٥٩ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٤٥ حديث ١٤١٢.

(٥) المقنعة : ٧٧ ، النهاية : ٤٥٩.

(٦) المهذب ٢ : ١٨٨.

(٧) الوسيلة : ٣٤٥.

(٨) المراسم : ١٥٠.

(٩) السرائر : ٢٩٢.

(١٠) المختلف : ٥٢٩.


ولو تزوج الحرة على الأمة مضى العقد ، وتتخيّر مع عدم العلم في إمضاء عقدها وفسخه ، لا عقد الأمة.

ولو جمع بينهما صح عقد الحرة ، وكان عقد الأمة موقوفا أو باطلا.

ولو عقد على من يباح نكاحها ويحرم ، دفعة ، صح عقد الاولى دون الثانية.

______________________________________________________

هنا ، بخلاف العمة والخالة ، والتقريب من الجانبين كما تقدم هناك ، والأصح المنع.

قوله : ( ولو تزوج الحرة على الأمة مضى العقد ، ويتخير مع عدم العلم في إمضاء عقدها وفسخه لا عقد الأمة. ولو جمع بينهما صح عقد الحرة وكان عقد الأمة موقوفا أو باطلا ، ولو عقد على من يباح نكاحها ويحرم دفعة صح عقد الاولى دون الثانية ).

إذا تزوج الحرة على الأمة فالعقد ماض وليس للأمة اعتراض ، بخلاف الحرة ، للأصل ، ولأن المنع من العقد على الأمة لمن عنده حرة مكرمة للحرة ، وذلك منتف في الأمة.

إذا عرفت ذلك فاما أن تكون الحرة عالمة بأن للزوج زوجة أخرى هي الأمة ، أو لا. فإن كانت عالمة لم يكن لها اختيار في فسخ عقد نفسها ، ولا في فسخ عقد الأمة ، لأن دخولها على الأمة مع علمها يتضمن رضاها. وان لم تكن عالمة ، ولم ترض بعد العلم كان لها فسخ عقد نفسها لا فسخ عقد الأمة ، لأن عقد الأمة قد سبق لزومه فلا سبيل إلى إبطاله.

ولصحيحة يحيى الأزرق عن الصادق 7 قال : سألته عن رجل كانت له امرأة وليدة ، فتزوج حرة ولم يعلمها أن له امرأة وليدة ، فقال : « إن شاءت الحرة أقامت ، وإن شاءت لم تقم » (١) الحديث.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٤٥ حديث ١٤١٣.


______________________________________________________

وإذا جمع بين الأمة والحرة في عقد واحد ، كأن يزوج رجل ابنته وأمته من رجل بعقد واحد ، أو يزوج أمته وبنت غيره بالوكالة ، ونحو ذلك ، فإن كانت الحرة عالمة راضية فالعقد ماض ، وإن لم تكن راضية ولم ترض بطل نكاح الأمة. وكذا لو لم تعلم ثم علمت ، ولا يفسد العقد على الحرة عندنا ، لانتفاء المقتضي.

وفي صحيحة أبي عبيدة الحذّاء عن الباقر 7 : في رجل تزوج حرة وأمتين مملوكتين في عقد واحد ، قال : « أما الحرة فنكاحها جائز ، وإن كان قد سمّى لها مهرا فهو لها. وأما المملوكتان فإن نكاحهما في عقد مع الحرة باطل ، يفرق بينه وبينهما » (١).

وذهب المصنف في المختلف إلى أن للحرة فسخ عقد نفسها ، لأنه عقد واحد وقع متزلزلا ولا أولوية (٢). وفيه منع ، لأنها إذا لم ترض بعقد الأمة فسد فتحققت الأولوية ، وللرواية. والشافعي أجرى فيه القولين في تفرق الصفقة في البيع (٣).

فإن قيل : يجب مراعاة لما سبق أن يكون عقد الحرة باطلا إذا لم تعلم بالأمة ، كما إذا أدخل العمة على بنت أخيها وهي جاهلة.

قلنا : الفرق ثبوت الخلاف وانتفاؤه هنا ، ووجود الدليل الدال على البطلان هناك وانتفاؤه هنا فلا يتعرض به.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٦٦ حديث ١٢٦٤ ، التهذيب ٧ : ٣٤٥ حديث ١٤١٤.

(٢) المختلف : ٥٢٩.

(٣) الفتح العزيز ( المطبوع بهامش المجموع ) ٨ : ٢٣٢.


ط : قيل يحرم على الحر العقد على الأمة إلاّ بشرطين : عدم الطول وهو المهر والنفقة ، وخوف العنت وهو مشقة الترك. وقيل : يكره.

فعلى الأول تحرم الثانية ، ولا خلاف في تحريم الثالثة.

______________________________________________________

ومثله ما لو جمع بين من يباح نكاحها ويحرم دفعة ، كالعمة وبنت أخيها مع عدم رضى العمة ، وكعمة نفسه وبنتها توفيرا على كل منهما حكمة ، ولا يضر اتحاد العقد ، لأن تفريق الصفقة غير قادح عندنا.

واعلم أن قول المصنف : ( لو جمع بينهما ) يتناول ما إذا جمع بينهما في عقد وبين ما إذا عقد على كل منهما عقدا مستقلا واقتران العقدان ، وكذا لو عقد على من يباح نكاحها ويحرم دفعة.

قوله : ( التاسعة : قيل : يحرم على الحر العقد على الأمة إلاّ بشرطين : عدم الطول وهو المهر والنفقة ، وخوف العنت وهو مشقة الترك. وقيل : يكره ، فعلى الأول تحرم الثانية ولا خلاف في تحريم الثالثة ).

لا خلاف بين علماء الإسلام في جواز نكاح الأمة بالعقد لمن فقد طول الحرة وخشي العنت ، واختلفوا في الجواز إذا انتفى أحد الأمرين. والمشهور بين متقدمي الأصحاب التحريم ، ذهب إلى ذلك الشيخ في الخلاف والمبسوط (١) ، وهو قول المفيد (٢) ، وابن ابي عقيل وابن الجنيد (٣) ، وابن البراج (٤).

وذهب الشيخ في النهاية إلى الجواز على كراهية (٥) ، وتبعه ابن حمزة (٦) ، وابن‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٢١٨ مسألة ٨٦ كتاب النكاح ، المبسوط ٤ : ٢١٤.

(٢) المقنعة : ٧٧.

(٣) نقله عنهما العلاّمة في المختلف : ٥٦٥.

(٤) المهذب ٢ : ٢١٥.

(٥) النهاية : ٤٧٦.

(٦) الوسيلة : ٣٥٧.


______________________________________________________

إدريس (١) ، واختاره المصنف في المختلف (٢).

احتج الأولون بقوله تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ ).( ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ) (٣).

وجه الاستدلال انه سبحانه شرط في نكاح الأمة عدم الطول ، لأن من للشرط وشرط خوف العنت بقوله جل وعلا( ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ) ، وبما رواه محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر 7 عن الرجل يتزوج المملوكة قال : « إذا اضطر إليها فلا بأس » (٤) دل على ثبوت البأس مع انتفاء الضرورة.

والمراد بالاضطرار ما ذكر في الآية ، وبأن البضع مبني على الاحتياط التام ، فيقتصر في الحل على مورد النص.

واحتج الآخرون بأن الأصل الإباحة ، وبعمومات الكتاب مثل قوله تعالى ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (٥) وهو شامل للمتنازع.

وقوله تعالى ( وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ) (٦) ، وقوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٧) وقوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٨) ،

__________________

(١) السرائر : ٢٩٢.

(٢) المختلف : ٥٦٥.

(٣) النساء : ٢٥.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٣٤ حديث ١٣٧١.

(٥) المؤمنون : ٥ ـ ٦.

(٦) البقرة : ٢٢١.

(٧) النساء : ٢٤.

(٨) النساء : ٣.


______________________________________________________

وقوله تعالى ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ) (١).

وما رواه ابن بكير عن بعض أصحابنا عن الصادق 7 قال : « لا ينبغي أن يزوج الحر المملوكة اليوم ، إنما ذلك حيث قال الله عز وجل( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً ) ، والطول المهر ، ومهر الحرة اليوم مثل مهر الأمة أو أقل » (٢) وجه الاحتجاج بذلك أن قوله : « لا ينبغي » ظاهر في الكراهية.

وأجاب المصنف في المختلف عن حجة الأولين بأن الآية إنما تدل من حيث المفهوم ، وهو ضعيف ، فإذا عارضه المنطوق خرج عن الدلالة ، على أن المعلق الأمر بالنكاح اما إيجابا أو استحبابا ، وإذا انتفى الأمر المعلق عليه انتفى الوصف الزائد على الجواز.

وأيضا انه خرج مخرج الأغلب ، فلا يدل على نفي الحكم عما عداه ، وكذا الجواب عن الخبر (٣).

وفيه نظر ، لأن مفهوم الشرط معتبر عند المحققين ، ودلالة قوله تعالى ( ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ) (٤) لا ينحط عن المنطوق ، ثم انه ليس ثم منطوق يعارض ذلك ، فإن قوله سبحانه ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ ) (٥) إنما يتناول الزوجة شرعا ، وليس النزاع إلاّ في كون الأمة زوجة.

وقوله تعالى ( وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ) (٦) نقول بموجبه ، ولا دلالة‌

__________________

(١) النور : ٣٢.

(٢) الكافي ٥ : ٣٦٠ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ٣٣٤ حديث ١٣٧٢.

(٣) المختلف : ٥٦٥.

(٤) النساء : ٢٥.

(٥) المؤمنون : ٥.

(٦) البقرة : ٢٢١.


______________________________________________________

على جواز النكاح مطلقا.

وقوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (١) الظاهر أن المراد به من الحرائر بدليل قوله تعالى ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (٢) وأجر الأمة لسيدها فلا تعطاه.

والمراد بما طاب من النساء : ما حل منهن ، والكلام في محل النزاع إنما هو في الحل ، وإنكاح الإماء في الجملة لا يدل على الإنكاح في محل النزاع. ثم قوله : المعلق الأمر بالنكاح غير ظاهر ، لأن ذلك إنما يكون إذا قدر فلينكح مما ملكت ايمانكم ، والآية المشرفة مسوقة لبيان الحل والحرمة ، فلا يقدر إلاّ ما يناسب ذلك مثل قوله : فنكاحه مما ملكت ايمانكم ، ونحو ذلك.

وقوله انه خرج مخرج الأغلب خلاف الظاهر ، ورواية ابن بكير (٣) ضعيف ، والقول بالتحريم أقوى.

ويحكى عن بعض الأصحاب قول ثالث وهو تحريم الأمة لمن عنده حرة (٤). وقد يستدل بقوله في رواية الحلبي : « ولا تزوج أمة على حرة ، ومن تزوج أمة على حرة فنكاحه باطل » (٥) ، ولا دلالة فيه على حل ما سوى ذلك ، وفائدة الخلاف ـ أعني القولين الأولين ـ يظهر في حل الثانية وتحريمها.

فعلى القول بالتحريم إلاّ بشرطين يحل معها الواحدة وتحرم الثانية ، لانتفاء خوف العنت. وعلى القول بالكراهة من دونها تحل الثانية على كراهية ، أما الثالثة‌

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) النساء : ٢٤.

(٣) الكافي ٥ : ٣٦٠ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ٣٣٤ حديث ١٣٧٢.

(٤) نسب العلاّمة في المختلف : ٥٦٥ هذا القول لأبي حنيفة والى بعض أصحابنا.

(٥) الكافي ٥ : ٣٥٩ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٤٤ حديث ١٤٠٨.


______________________________________________________

فتحرم اتفاقا.

ولقائل أن يقول : تحريم الثانية على القول الأول إنما يظهر إذا كان الزوج قريبا منها ، فأما إذا كان بعيدا بحيث لا يمكنه الوصول إليها فلا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الطول في اللغة : الزيادة والفضل ، والمراد به هنا الزيادة في المال وسعته بحيث يتمكن معها من نكاح الحرة ، فيقوم بما لا بد منه من مهرها ونفقتها ، ويكفي لنحو النفقة وجود المال بالقوة القريبة ، كما في غلة الملك وكسب ذي الحرفة.

والعنت : الإثم الذي يؤدي إليه غلبة الشهوة.

قال في الكشاف : وأصل العنت انكسار العظم بعد الجبر ، فاستعير لكل مشقة وضرر ، ولا ضرر أعظم من مواقعة المآثم (١). وقد فسر جمع العنت بأنه الزنا (٢) ، وزعم الشارح الفاضل والمصنف بأنه مدلوله شرعا (٣).

وكذا فسر الطول شرعا بأنه مهر الزوجة ونفقتها ووجودها ، وليس بجيد ، لأن إرادة هذا المعنى في الآية لا يقتضي النقل ، فإن ذلك بعض استعمالات اللفظ ، ويتحقق العنت بقوة الشهوة وضعف التقوى.

وينبغي أن يكون خوف الضرر الشديد مع قوة التقوى أيضا كذلك ، ويقبل قوله في ذلك إلاّ أن يعلم كذبه ، ولا يبطل النكاح بتجدد زوال الشرطين ، ولم يذكر في الشرط عدم التمكن من ملك اليمين ، وكأنه لم ينظر اليه شرعا في النكاح بالعقد ، وسيأتي في كلام المصنف في نكاح الإماء تحقيق ذلك.

__________________

(١) الكشاف ١ : ٥٢١.

(٢) منهم الشيخ في المبسوط ٤ : ٢١٤ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ٢١٥.

(٣) إيضاح الفوائد ٣ : ٩٣.


الفصل الثاني : في استيفاء عدد الطلاق والموطوءات : أما الأول : فمن طلق حرة ثلاث طلقات تتخللها رجعتان حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره وإن كان المطلق عبدا ، وتحرم الأمة بطلقتين بينهما رجعة حتى تنكح زوجا غيره وإن كان المطلق حرا.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثاني : في استيفاء عدد الطلاق والموطوءات :

أما الأول فمن طلّق حرة ثلاث طلقات يتخللها رجعتان حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره وإن كان المطلق عبدا ، وتحرم الأمة بطلقتين بينهما رجعة حتى تنكح زوجا غيره وإن كان المطلق حرا ).

أجمع علماء الإسلام على أن الحر إذا طلق زوجته الحرة ثلاث طلقات بينهما رجعتان حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ، سواء كان في نكاح واحد أو أكثر ، في مجلس واحد أو أكثر ، قبل الدخول أو بعده ، ولا بد أن يدخل بها الزوج الثاني ويفارقها بطلاق أو غيره وتنقضي عدتها.

قال الله تعالى ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (١) والمراد المطلقة الثالثة.

وروى أبو بصير عن الصادق 7 : عن المرأة التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره : « هي التي تطلق ثم تراجع ثم تطلق ثم تراجع ثم تطلق الثالثة ، فهي التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره ويذوق عسيلتها » (٢) ، هذا حكم الحر بالنسبة إلى الزوجة الحرة.

__________________

(١) البقرة : ٢٣٠.

(٢) الكافي ٦ : ٧٦ حديث ٣ ، التهذيب ٨ : ٣٣ حديث ٩٨ ، الاستبصار ٣ : ٢٧٤ حديث ٩٧٣.


وأما الثاني : فالحر إذا تزوج دائما أربع حرائر حرم عليه ما زاد غبطة حتى تموت واحدة منهن ، أو يطلقها بائنا ، أو يفسخ عقدها بسبب ، فإن طلق رجعيا لم تحل له الخامسة حتى تخرج العدة ، ولو كان الطلاق بائنا حلّت في الحال على كراهية.

______________________________________________________

أما حكمه بالنسبة إلى الأمة فقد أطلق الأصحاب على أن الاعتبار في الطلاق بحال الزوجة ، فإن كانت حرة لم تحرم إلاّ بطلقات ثلاث وإن كان الزوج عبدا ، وإن كانت أمة حرمت بطلقتين بينهما رجعتان إلى أن تنكح زوجا غيره.

وإن كان الزوج حرا ، والعامة جعلت الاعتبار بالزوج فإن كان حرا اعتبروا الطلاق ثلاثا وإن كانت الزوجة أمة ، وإن كان عبدا ثبت التحريم بعد طلقتين وإن كانت زوجته حرة.

وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر 7 قال : « طلاق المرأة إذا كانت تحت مملوك ثلاث تطليقات ، وإن كانت مملوكة تحت حر فتطليقتين » (١).

وروى الحلبي عن الصادق 7 قال : « طلاق الحرة إذا كانت تحت العبد ثلاث تطليقات ، وطلاق الأمة إذا كانت تحت الحر تطليقتان » (٢).

قوله : ( وأما الثاني فالحر إذا تزوج دائما أربع حرائر حرم ما زاد عليه غبطة حتى تموت واحدة منهن ، أو يطلقها بائنا ، أو يفسخ عقدها بسبب ، فإن طلق رجعيا لم تحل له الخامسة حتى تخرج العدة ، ولو كان الطلاق بائنا حلت في الحال على كراهية ).

أجمع أهل الإسلام على أنه يجوز للحر أن يتزوج بالعقد الدائم أربع حرائر ،

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٨٣ حديث ٢٨١.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٥١ حديث ١٦٧٧ ، التهذيب ٨ : ٨٣ حديث ٢٨٢.


______________________________________________________

ولا يجوز له الزيادة عليهن غبطة ، أي دواما. يقال : أغبطت السماء أي دام مطرها ، ذكر نحوه في القاموس (١). والأصل في ذلك قوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) (٢) والواو للتخيير لا للجمع وإلاّ لجاز نكاح ثماني عشرة ، لأن معنى قوله ( مثنى ) اثنتين اثنتين ، وكذا قوله : ( وثلاث ) معناه ثلاثا ثلاثا ، وقوله ( ورباع ) معناه أربعا أربعا.

وروى العامة أن غيلان بن مسلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة قال له النبي 6 : « أمسك أربعا وفارق سائرهن » (٣).

ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة بن أعين أو محمد بن مسلم في الصحيح عن الصادق 7 قال : « لا يجمع ماءه في خمس » (٤).

وفي الحسن عن جميل بن دراج عن الصادق 7 : في رجل تزوج خمسا في عقد ، قال : « يخلي سبيل أيتهن شاء ويمسك الأربع » (٥).

ويحكى عن بعض الزيدية جواز العقد على تسع وهم القاسمية ، قال الشيخ ; : هذه حكاية الفقهاء عنهم ولم أجد أحدا من الزيدية يعرف بذلك بل أنكروها أصلا (٦).

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه متى طلق واحدة من الأربع بائنا ، أو فسخ نكاحها بسبب من الأسباب الموجبة للفسخ ، حلت له الخامسة في الحال ، لانقطاع العصمة‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ : ٣٧٥ « غبط ».

(٢) النساء : ٣.

(٣) سنن البيهقي ٧ : ١٨٢.

(٤) الكافي ٥ : ٤٢٩ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٩٤ حديث ١٢٣٣.

(٥) الكافي ٥ : ٤٣٠ حديث ٥ ، الفقيه ٣ : ٢٦٥ حديث ١٢٦٠ ، التهذيب ٧ : ٢٩٥ حديث ١٢٣٧.

(٦) الخلاف ٢ : ٢١٤ مسألة ٦٢ كتاب النكاح.


ولو تزوج اثنتين دفعة حينئذ ، قيل : يتخيّر ، وقيل : يبطل.

______________________________________________________

بذلك وصيرورتها كالأجنبية ، ولهذا يجوز لمن طلق زوجته بائنا أن ينكح أختها في العدة ، وهو مروي عن الصادق 7 (١).

وما رواه زرارة في الصحيح عن الصادق 7 انه قال : « إذا جمع الرجل أربعا فطلق إحداهن ، فلا يتزوج الخامسة حتى تخرج عدة المرأة التي طلق » وقال : « لا يجمع ماءه في خمس » (٢) محمول على الطلاق الرجعي ، لأن الطلاق البائن لا يبقى معه جمع الماء في خمس وإن بقيت العدة ، لأنها بالخروج من عصمة النكاح كالأجنبية ، وان ذلك على جهة الأفضل.

نعم يكره العقد على الخامسة ما دامت المطلقة بائنا في العدة ، لتحرمها بحرمة النكاح ، وللرواية المذكورة.

ومن هذا يعلم أن ذا الثلاث لو وطأ رابعة بشبهة حل العقد على أخرى في عدتها ، لانتفاء الزوجية.

قوله : ( ولو تزوج اثنتين دفعة حينئذ قيل : يتخير ، وقيل : يبطل ).

أي : لو تزوج ذو الأربع اثنتين دفعة ـ أي في عقد واحد ، بأن كان وليهما أو وكيلهما واحدا فعقد عليهما معا ، أو في عقدين في زمان واحد ، بأن جرى العقد معه ومع وكيله حينئذ ، أي حين إذ طلق واحدة من الأربع بائنا ـ فللأصحاب قولان :

أحدهما : أنه يتخير من شاء منهما فيمسكها ويخلي سبيل الأخرى ، اختاره الشيخ في النهاية (٣) ، وابن البراج (٤) ، وهو قول ابن الجنيد (٥) ، لوجود المقتضي لصحة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٣١ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ٢٨٦ حديث ١٢٠٧ ، الاستبصار ٣ : ١٧٠ حديث‌

(٢) الكافي ٥ : ٤٢٩ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٩٤ حديث ١٢٣٣.

(٣) النهاية : ٤٥٤.

(٤) المهذب ٢ : ١٨٤.

(٥) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٢٦.


______________________________________________________

العقد فيمن يختارها ، وهو كونها محللة. وانتفاء المانع ، إذ ليس إلاّ انضمام العقد على الأخرى إليه وهو لا يصلح للمانعية ، فإن ضميمة المحرم إلى المباح لا يقتضي تحريم المباح ، كما لو عقد على محرمة ومحللة ، ولأنه لو عقد على أختين دفعة تخير ، فكذا هنا.

أما الأولى فلما رواه جميل بن دراج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما 7 : في رجل تزوج أختين في عقد واحد قال : « هو بالخيار أن يمسك أيهما شاء ، ويخلي سبيل الأخرى » (١).

وأما الثانية فللاتفاق على عدم الفرق بينهما ، ولأنه لو عقد على خمس دفعة تخير أربعا ، فكذا هنا.

أما الأولى فلحسنة جميل بن دراج عن الصادق 7 : في رجل تزوج خمسا في عقد قال : « يخلي سبيل أيتهن شاء ويمسك الأربع » (٢).

وأما الثانية فللاتفاق على عدم الفرق بينهما.

والثاني : بطلان العقد ، وهو قول ابن إدريس (٣) ، وابن حمزة (٤) ، لأن العقد عليهما معا لا يجوز قطعا ، ولا على واحدة بعينها ، لأن نسبة العقد إليهما على حد سواء ، وكل واحدة منهما ممنوع من نكاحها مع الأخرى فتعين البطلان.

ويمكن الجواب عن حجج الأولين : أما عن الاولى فلأن المانعية إنما نشأت عن ضميمة كل منهما إلى الأخرى ، ولو لا ذلك لم يكن للتحريم مقتضي ، وليس ذلك كالعقد على المحرمة والمحللة ، لأن التحريم ثابت بدون العقد ، فيكون العقد بالنسبة إلى المحرمة فاسدا ، ولا وجه لفساده بالنسبة إلى الأخرى.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٣١ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٨٥ حديث ١٢٠٣.

(٢) الكافي ٥ : ٤٣٠ حديث ٥ ، الفقيه ٣ : ٢٦٥ حديث ١٢٦٠ ، التهذيب ٧ : ٢٩٥ حديث ١٢٣٧.

(٣) السرائر : ٢٨٩.

(٤) الوسيلة : ٣٤٤.


ولو تزوج الحر حرة في عقد واثنتين في عقد وثلاثا في عقد واشتبه السابق ، صح نكاح الواحدة على الثاني.

______________________________________________________

ومنشأ المنع من العقد على الاثنتين فيما نحن فيه هو ضميمة إحداهما إلى الأخرى ، وهو معنى مشترك بينهما ، لا أولوية لإحداهما فيه على الأخرى ، فيكون كل منهما ممنوعا من العقد عليها على هذا الوجه.

وقول المصنف في المختلف : إن العقد على الاثنتين معا مثل العقد على المحرمة والمحللة عينا ، إذ لا فرق إلاّ الإطلاق والتعيين ، ولا أثر له في التحريم ، إذ في التعيين تحرم المعينة فيبطل العقد عليها.

ويحل العقد على الأخرى ، وفي الإطلاق على واحدة مطلقة وتحرم اخرى مطلقة وقد عقد عليهما معا فيدخلان في العقد ، إذ لا وجود للكلي إلاّ في جزئياته محصله (١) ، يقتضي تعلق العقد بغير معينة ثم يعينها هو باختياره ، وفيه نظر لأن المعقود عليها لا بد من تعيينها ، ولا يجوز العقد على إحدى المرأتين.

وأما الروايتان فلا دلالة فيهما على أن الإمساك بالعقد الأول. لأن من جدد العقد صدق أنه ممسك ، وبه أجاب المصنف في التذكرة (٢) ، والأصح البطلان.

قوله : ( ولو تزوج الحر حرة في عقد واثنتين في عقد ، وثلاثا في عقد ، واشتبه السابق ، صح نكاح الواحدة على الثاني ).

هذا فرع على الخلاف في المسألة السابقة ، وتقريره انه لو عقد الحر على حرة عقدا دائما ، وعلى اثنتين عقدا آخرا ، وعلى ثلاث عقدا آخرا ، واشتبه السابق من العقود ، فإن قلنا في المسألة السابقة وهي ما إذا عقد ذو الثلاث على اثنتين دفعة ببطلان العقد عليهما ، وهو الأصح وهو القول الثاني ، صح نكاح الواحدة خاصة وبقي‌

__________________

(١) المختلف : ٥٢٦.

(٢) التذكرة ٢ : ٦٣٥.


______________________________________________________

الاشتباه في العقدين الآخرين.

أما الواحدة ، فلأن عقدها إن تقدم أو توسط أو تأخر ، لم يزد به العدد على النصاب ، لأن أحد العقدين الأخرين فاسد ، فهي اما ثالثة أو رابعة.

وأما العقدان الآخران فأيهما تأخر عن الآخر تحقق حصول الزيادة على النصاب ، فكان باطلا ، فيكون الاشتباه في الاثنتين والثلاث ثابتا ، وقد علم حكم الاشتباه مما مضى. هذا حكم الفرع بناء على القول الثاني في المسألة السابقة.

وأما على القول الأول وهو التخيير فلم يتعرض المصنف لبيان الحكم هنا ، وتحقيقه : ان نكاح واحدة من الثلاث صحيح على كل تقدير من التقديرات الممكنة ، لأنه إن تقدم عقد الثلاث صح نكاح الجميع ، وكذا إن وقع بعد عقد الواحدة.

ولو وقع بعد عقد الاثنتين صح نكاح الاثنتين من الثلاث ، ولو وقع بعد عقد الواحدة والاثنتين صح نكاح واحدة من الثلاث ، فنكاح واحدة على كل تقدير صحيح ، والاشتباه في كونها بالتخيير أو لا ، فإذا اختار واحدة منهن بقي الاشتباه في اثنتين باعتبار صحة نكاحهما وفساده ، وصحة نكاح واحدة وفساد نكاح الأخرى فيتخير.

وأما عقد الواحدة فلا اشتباه في صحته جزما إن تقدم ، أو كان بعد عقد الثلاث ، أو بعد عقد الاثنتين ، وفساده جزما إن وقع بعد العقدين وعقد الاثنتين ، لاشتباه في صحته جزما فيهما ، وذلك إن تقدم أو كان بعد عقد الواحدة ، وفساده كذلك فيهما إذا تأخر عن العقدين الأخرين ، وصحته في واحدة وفساده في أخرى ، فيتخير ، وذلك إذا وقع بعد عقد الثلاث وقبل عقد الواحدة.

والحاصل أن له التخيير في تعيين واحدة من الثلاث اللواتي في عقد ، والخمس البواقي منهن ثلاث نكاحهن صحيح لازم ، واثنتان نكاحهما باطل ، وقد وقع الاشتباه فتجري أحكامه السابقة.


ويحل له بملك اليمين والمتعة ما شاء مع الأربع وبدونهن ،

______________________________________________________

إذا عرفت ذلك فعلى القول الأول حقوق الزوجية ثابتة للمنفردة قطعا ، لصحة نكاحها ولها ربع الربع أو ربع الثمن باعتبار وجود الولد وعدمه ، مع التفاوت بين الربع والثلث وهو نصف سدس يكون موقوفا بين المنفردة ، والثلث لاحق للاثنتين فيه ولإمكان صحة عقدهما بسبقه على عقد الثلث ، فيكون الربع أو الثمن بين الواحدة والاثنتين ، ويبقى ثلث الربع أو الثمن موقوفين بين الاثنتين ، والثلاث لاحق للواحدة فيهما.

فإن تبين الخلاف أو قلنا بالقرعة ، فلا بحث. وإن أفضى الحال إلى الصلح اعتبر فيه رضى من يحتمل استحقاقه ، فلا يعتبر رضى الاثنتين في نصف السدس ولا رضي الواحدة في الثلثين.

وعلى القول بالتخيير ربع نصيب الزوجية لمن يختارها من الثلاث ، وثلاثة أرباعه موقوفة بين الكل إلى أن يتبين الحال بالتذكر أو القرعة أو يجري الصلح.

قوله : ( ويحل له بملك اليمين والمتعة ما شاء مع الأربع وبدونهن ).

أجمع علماء الإسلام على أنه يجوز للرجل أن ينكح بملك اليمين ما شاء من غير حصر في عدد ، والأصل فيه عموم قوله تعالى ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (١). وأطبق القائلون بإباحة نكاح المتعة على أنه يجوز للرجل أن يتمتع بأكثر من أربع حرائر ، ويدل عليه عموم قوله تعالى ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (٢).

وما رواه زرارة بن أعين في الصحيح عن الصادق 7 قال : قلت ما‌

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) النساء : ٢٤.


ولا تحل له من الإماء بالعقد الدائم أكثر من أمتين من جملة الأربع.

ولا يحل له ثلاث إماء وإن لم تكن معه حرة ولا أمتان مع ثلاث‌

______________________________________________________

يحل من المتعة قال : « كم شئت » (١).

وسأل أبو بصير الصادق 7 عن المتعة أهي من الأربع فقال : « لا ، ولا من السبعين » (٢).

وعن زرارة عن الصادق 7 قال : ذكر له المتعة أهي من الأربع قال : قال : « تزوج منهن ألفا فإنهن مستأجرات » (٣).

وعن محمد بن مسلم عن الباقر 7 في المتعة قال : « ليست من الأربع لأنها لا تطلق ولا ترث ، وإنما هي مستأجرة » وقال : « عدتها خمس وأربعون ليلة » (٤) لكن يكره الزيادة فيهن على الأربع حملا على الدائم.

ولرواية عمار الساباطي عن الصادق 7 في المتعة قال : « هي إحدى الأربع » (٥) ، ونزلت على الاستحباب جمعا بينها وبين ما سبق.

ولصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا 7 قال : قال أبو جعفر 7 : « اجعلوهن من الأربع » ، فقال له صفوان بن يحيى : على الاحتياط؟ قال : « نعم » (٦).

قوله : ( ولا يحل له من الإماء بالعقد الدائم أكثر من اثنتين من جملة الأربع ، ولا يحل له ثلاث إماء وإن لم يكن معه حرة ، ولا أمتان مع ثلاث‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٥١ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٥٨ حديث ١١١٨ ، الاستبصار ٣ : ١٤٧ حديث ٣٦.

(٢) الكافي ٥ : ٤٥١ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ٢٥٨ حديث ١١١٩ ، الاستبصار ٣ : ١٤٧ حديث ٥٣٧.

(٣) الكافي ٥ : ٤٥٢ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٥٨ حديث ١١٢٠ ، الاستبصار ٣ : ١٤٧ حديث ٥٣٨.

(٤) الكافي ٥ : ٤٥١ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ٢٥٩ حديث ١١٢١ ، الاستبصار ٣ : ١٤٧ حديث ٥٤٠.

(٥) التهذيب ٧ : ٢٥٩ حديث ١١٢٢ ، الاستبصار ٣ : ١٤٧ حديث ٥٤٠.

(٦) التهذيب ٧ : ٢٥٩ حديث ١١٢٤ ، الاستبصار ٣ : ١٤٨ حديث ٥٤٢.


حرائر.

______________________________________________________

حرائر ).

أجمع الأصحاب على أنه لا يحل للرجل الحر من الإماء بالعقد الدائم أكثر من أمتين ، وهما من جملة الأربع ، فيحل له حرتان وأمتان ، ولا يحل له أربع إماء ، ولا ثلاث مع حرة وبدونها ، ولا أمتان مع ثلاث حرائر ، وهذا إنما هو على القول بجواز نكاح الأمة اختيارا.

أما عند من يعتبر الشرطين فلا يجوز نكاح الثانية ، لفقد الشرط. وقد سبق ذكره في كلام المصنف ، وذكرنا ما يرد عليه هناك ، وهنا مباحث :

أ : لا فرق في الأمة بين القنة والمدبرة والمكاتبة المشروطة والمستولدة والمطلقة التي لم تؤد شيئا ، وفيمن تحرر بعضها إشكال ينشأ : من عدم صدق اسم الحرة والأمة عليها. والأقرب التحريم نظرا إلى ما فيها من الرقية وتغليب جانب الحرية ، وسيأتي في كلام المصنف.

ب : يجوز للحر أن ينكح من الإماء والمتعة والتحليل ما شاء من غير حصر عدد ، وبه صرح المصنف في التحرير (١) ، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك. ولو كان عنده حرة فهل يعتبر رضاها في ذلك؟ الظاهر نعم ، عملا بإطلاق الأخبار (٢).

ج : لا ريب أن الأمتين اللتين يجوز للحر نكاحهما دواما من جملة الأربع ، للإطباق على أنه لا يجوز نكاح ما زاد على أربع دواما. وقول المصنف : ( ولا يحل له نكاح ثلاث إماء ... ) قد يقال انه تكرار ، لأنه قد سبق في كلام المصنف قبل الفصل أنه لا خلاف في تحريم الثالثة.

ويمكن دفعه بأن الغرض هنا حصر جميع الصور ، فيكون تفصيلا بعد الإجمال.

__________________

(١) التحرير ٢ : ١٥.

(٢) الكافي ٥ : ٣٥٩ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٤٤ و ٣٤٥ حديث ١٤١٠ و ١٤١١ و ١٤١٢.


وأما العبد فتحرم عليه بالدائم أكثر من حرتين ، وتحل له حرتان أو أربع إماء أو حرة وأمتان ، وله أن يعقد متعة ما شاء مع العدد وبدونه ، وكذا بملك اليمين.

ولو تجاوز العدد في عقد واحد ، ففي التخيير أو بطلان العقد اشكال كالحر ،

______________________________________________________

قوله : ( وأما العبد فتحرم عليه بالدائم أكثر من حرتين ، ويحل له حرتان أو أربع إماء أو حرة وأمتان ، وله أن يعقد متعة ما شاء مع العدد وبدونه ، وكذا بملك اليمين ).

أطبق علمائنا على أن العبد يجوز له أن ينكح بالدائم حرتين ، أو أربع إماء ، أو حرة وأمتين ، وليس له أن يعقد على حرتين وأمة ، ولا على ثلاث إماء وحرة ، لأن الحرة في حقه بمنزلة أمتين ، ولأن العبد أنقص من الحر فلا يليق مساواته له في العدد من الحرائر ، والأمة انقص من الحرة فلم يمتنع أن يكون له أربع إماء.

وقد روى محمد بن مسلم في الصحيح عن الباقر 7 قال : سألته عن المملوك يتزوج أربع حرائر ، قال : « لا يتزوج إلاّ حرتين إن شاء أو أربع إماء » (١) ، وكذا في روايات أخر (٢). وله أن يعقد ما شاء متعة على الحرائر والإماء كالحر.

وكذا التحليل ، سواء كان عنده العدد الذي يجوز له دواما أم لا ، وكذا القول في ملك اليمين.

قوله : ( ولو تجاوز العدد في عقد واحد ففي التخيير أو بطلان العقد اشكال كالحر ).

منشأ الاشكال : النظر إلى دليل كل من القولين فيما إذا تجاوز العدد في عقد‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٦ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٩٦ حديث ١٢٤٢ ، الاستبصار ٣ : ٢١٣ حديث ٧٧٥.

(٢) الكافي ٥ : ٤٧٧ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٩٦ حديث ١٢٣٩ ، الاستبصار ٣ : ٢١٤ حديث ٧٧٧.


والمعتق بعضها كالأمة في حق الحر ، وكالحرة في حق العبد في عدد الموطوءات.

أما في عدد الطلاق فكالأمة معهما ، والمعتق بعضه كالحر في حق الإماء ، وكالعبد في حق الحرائر.

______________________________________________________

فإنه قائم هنا ، والعقدان إذا اقترنا كالعقد الواحد ، والأصح البطلان على ما سبق.

قوله : ( والمعتق بعضها كالأمة في حق الحر ، وكالحرة في حق العبد في عدد الموطوءات ، أما في عدد الطلاق فكالأمة معهما ).

لما كانت المعتق بعضها قد اشتملت على الرقية والحرية ، كانت بالإضافة إلى الحر كالأمة ، لما فيها من الرقية ، فإن التحريم على الوجه المعين دائر مع الرقية ، وبالإضافة إلى العبد كالحرة ، نظرا إلى ما فيها من الحرية. هذا في عدد الموطوآت تغليبا لجانب الاحتياط في حق كل منهما.

أما في عدد الطلاق فإنها كالأمة معهما تحرم بتطليقتين لما فيها من الرقية ، فيجب أن يوفر عليها حكمها.

قوله : ( والمعتق بعضها كالحر في حق الأمة ، وكالعبد في حق الحرائر ).

وتقريبه معلوم مما سبق ، لأنه قد جمع بين الحرية والرقية معا ، فوجب أن يوفر على كل حكمه ، وأن يغلب جانب الاحتياط. ويمكن أن يكون السر في توحيد المصنف الأمة وجمع الحرائر أن الحر قد اختلف في جواز الأمة الواحدة له اختيارا ، فالمنع على بعض الآراء متعلق بالواحدة في حقه.

وأما العبد فإنه لا يمنع من الحرة ولا من الحرتين ، إنما يمنع مما زاد.

* * *


الفصل الثالث : في الكفر ، وفيه مطالب :

الأول : في أصناف الكفار ، وهم ثلاثة :

أ : من له كتاب ، وهم اليهود والنصارى.

أما السامرة فقيل : إنهم من اليهود ، والصابئون من النصارى والأصل أنهم إن كانوا يخالفون القبيلتين في فروع الدين فهم منهم ، وإن خالفوهم في أصله فهم ملحدة لهم حكم الحربيين.

ولا اعتبار بغير هذين كصحف إبراهيم وزبور داود 8 ، لأنها مواعظ لا أحكام فيها وليست معجزة.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثالث : في الكفر ، وفيه مطالب :

الأول : في أصناف الكفار ، وهم ثلاثة :

الأول : من لهم كتاب وهم اليهود والنصارى ، أما السامرة فقيل : إنهم من اليهود ، والصابئون من النصارى. والأصل انهم إن كانوا يخالفون القبيلتين في فروع الدين فهم منهم ، وإن خالفوهم في أصله فهم ملحدة لهم حكم الحربيين ، ولا اعتبار بغير هذين كصحف إبراهيم وزبور داود ، لأنهما مواعظ لا أحكام فيها وليست معجزة ).

من جملة موانع النكاح الكفر ، وأصناف الكفار بالنسبة إلى جواز النكاح وعدمه ثلاثة أصناف :

الأول : أهل الكتاب حقيقة ، وهم اليهود والنصارى بغير خلاف بين أهل الإسلام. وقد اختلف في السامرة والصابئين ، فقيل : إن السامرة طائفة من اليهود ، والصابئين طائفة من النصارى. قال الشيخ ; : والصحيح في الصابئة أنهم غير‌


______________________________________________________

النصارى ، لأنهم يعبدون الكواكب (١).

ويقال : إن الصابئين فرقتان فرقة توافق النصارى في أصول الدين ، وفرقة أخرى تخالفهم فتعبد الكواكب السبعة ، وتضيف الآثار إليها وتنفي الصانع المختار.

وكلام المفيد يقرب من هذا ، لأنه قال : إن جمهور الصابئين توحد الصانع في الأزل ، ومنهم من يجعل معه هيولى في العدم صنع منها العالم فكانت عندهم الأصل ، ويعتقدون في الفلك وما فيه الحياة والنطق ، وأنه المدبر لما في هذا العالم والدال عليه ، وعظموا الكواكب وعبدوها من دون الله تعالى ، وسماها بعضهم ملائكة ، وجعل بعضهم إلهه وبنوا لها بيوتا للعبادة ، قال : وهؤلاء على طريق القياس الى مشركي العرب وعباد الأوثان أقرب من المجوس (٢).

وتحرير المبحث ان المفهوم من كلام بعض المحققين أنه لا كلام في أن السامرة تعد من اليهود والصابئين تعد من النصارى ، وإنما الكلام والنزاع في أنهم منهم باعتبار حل المناكحة ، فإن ثبت حل مناكحتهم فهم منهم ، وإلاّ فهم ملحقون بغيرهم ممن لا يحل مناكحته وإن كانوا معدودين من القبيلتين.

وعبارة المصنف تعطي هذا المعنى ، لأن اللائح من قوله : والأصل أنهم إن كانوا يخالفون القبيلتين إلى أخره ، بيان تنزيل القولين في أن الطائفتين من القبيلتين المذكورتين أو لا ، فإنه يريد أن هاتين الطائفتين من اليهود والنصارى.

ومنشأ اختلاف القولين ـ في أنهم منهم أو لا ـ إنما هو في كونهم مبتدعة بالإضافة إليهم أو ملاحدة ، وذلك لأنهم إن كان مخالفتهم لهم إنما هي في الفروع ، فهم مبتدعة لا يخرجون بذلك عن كونهم منهم وتلحقهم أحكامهم. وإن كانت المخالفة في الأصول‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢١٠.

(٢) المقنعة : ٧٨.


______________________________________________________

فهم ملاحدة خارجون منهم ، وإن عدوا منهم فلا تلحقهم أحكامهم.

فعلى هذا لا يكون المراد من قول المصنف : ( أما السامرة فقيل : إنهم من اليهود والصابئون من النصارى ) ظاهرة ، بل ما يدل عليه باقي كلامه وهو ما حققناه. وكلام المفيد والشيخ وإن كان المتبادر منه أنهم ليسوا منهم ، إلاّ أنه يحتمل أن يريدا به ما قلناه ، إذ ليس في كلامهما ما يدل على أنهم لا يعدون منهم ، فيحتمل أن يريد بكونهم غيرهم عدم لحوق أحكامهم لهم.

والحاصل من كلام المصنف التوقف في حل مناكحة كل من الطائفتين إلى أن تبين الحال في ذلك ، وأن الاختلاف إنما هو في حال السامرة والصابئين لا في حكمهم ، لأنهم على تقدير المخالفة في الأصول لا شك في تحريم نكاحهم ، وعلى تقدير المخالفة في الفروع لهم حكم أهل الكتاب.

إذا تقرر ذلك فبأي طريق يعلم حالهم في المخالفة؟ لا ريب أن التواتر وشهادة عدلين طريق إلى ذلك ، وكذا الشياع. وهل يكفي قولهم؟ يحتمل قويا ذلك ، لأن اعتقاد المكلّف انما يعلم من قبله.

واعلم أن المشار إليه بهذين في قول المصنف : ( ولا اعتبار بغير هذين ) التوراة والإنجيل ، المدلول عليهما بذكر اليهود والنصارى. والمراد أن ما عدا التوراة والإنجيل كصحف شيث وإدريس ، وصحف إبراهيم ، وزبور داود لا اعتبار بها في كون المنسوبين إليها أهل الكتاب.

واختلف في سبب ذلك ، فقيل : إنها لم تنزل عليهم بنظم تدرس وتتلى ، وإنما اوحى إليهم معانيها. وقيل : إنها حكم ومواعظ وآداب ، وليس فيها أحكام وشرائع. وقيل : انها كانت وحيا كما أخبر النبي 6 بأشياء من الوحي.

وجملة القول أنه لم يثبت لغير اليهود والنصارى حرمة أهل الكتاب ، فيتمسك فيهم بعموم المنع من مناكحة الكفار ، ووجوب قتالهم الى أن يسلموا.


ومن انتقل إلى دين أهل الكتاب بعد مبعث النبي 7 لم يقبل منه ولم تثبت لأولادهم حرمة ولم يقروا عليه ، وإن كان قبله وقبل التبديل قبل وأقر أولادهم عليه ، وثبت لهم حرمة أهل الكتاب.

______________________________________________________

قوله : ( ومن انتقل إلى دين أهل الكتاب بعد مبعث النبي 6 لم تقبل منه ، ولم تثبت لأولادهم حرمة ، ولم يقروا عليه. وإن كان قبله وقبل التبديل قبل وأقر أولادهم عليه ، ويثبت لهم حرمة أهل الكتاب ).

أراد المصنف بهذا البحث تحقيق حال أهل الكتاب ، والأحوال أربعة ، لأن أول دخولهم في ذلك الدين : إما أن يكون قبل تطرق التحريف والنسخ إليه ، أو بعدهما ، أو بعد التحريف وقبل النسخ ، فهذه أحوال ثلاثة ، والرابع أن يشكل الأمر فلا يعلم شي‌ء من ذلك.

ففي الأول لا شك في قبول ذلك الدين منهم ، وثبوت حرمة أهل الكتاب لهم ولأولادهم ، وجواز مناكحتهم عند من يجوّز مناكحة أهل الكتاب.

وفي الثاني إن كان دخولهم بعد بعثة نبينا 6 ، لم يقروا عليه ، ولم يثبت لهم حرمة أهل الكتاب ، لسقوط حرمة ذلك الدين بنسخة ، ووجوب دخولهم في دين الإسلام. نقل المقداد في التنقيح الإجماع على أن من دخل في دين أهل الكتاب بعد مبعث نبينا 6 لا يقر عليه (١) ، وهذا مناف لما ادعاه الشارح فخر الدين في بحث الانتقال ، وهو المطلب الثالث في ثبوت الخلاف في ذلك (٢).

__________________

(١) التنقيح الرائع ٣ : ١٠١.

(٢) إيضاح الفوائد ٣ : ٩٧.


وهل اليهود بعد مبعث عيسى 7 كهم بعد مبعث النبي 6؟ اشكال ، وإن كان بينهما فإن انتقل الى دين من بدل لم يقبل ، وإلاّ قبل.

______________________________________________________

وإن كان الدخول بعد مبعث عيسى 7 ، وهو الذي أراده المصنف بقوله : ( وهل اليهود بعد مبعث عيسى 7 كهو بعد مبعث النبي 6؟ فيه اشكال ، ومنشأ الاشكال أنه حينئذ قد دخل في دين الباطل في اعتقاده ، وفي نفس الأمر فلا يقبل منه ولا تقر أولاده عليه ، ولعموم قوله تعالى ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) (١).

ومن عموم النص الدال على إقرار اليهود والنصارى ، خرج من ذلك من كان دخوله بعد مبعث نبينا 6 فيبقى ، الباقي على حكمه.

ولأنا لا نعلم كيفية نسخ شرع عيسى 7 لشريعة موسى 7 ، وهل نسخت بعضها أو كلها. وفي القبول قوة ، لعموم النص الدال على الإقرار ، ولم يثبت من النبي 6 تفرقة بين من كان قد تهود قبل مبعث عيسى 7 وبعده ولا تفحص عن ذلك ، وكون ذلك الدين حينئذ باطلا لا يمنع من احترامه.

قوله : ( وإن كان بينهما ، فإن انتقل الى دين من بدل لم يقبل ، وإلاّ قبل ).

هذا هو الحال الثالث ، وهو أن يكون الدخول في دين أهل الكتاب والانتقال اليه بعد تبديله وتحريفه وقبل نسخه ، وحكمه انه تمسك بالحق الذي ليس بمحرف ، فلا شك في القبول ، وإن تمسك بالمحرف لم يقبل منه على أصح الوجهين ، لأن ذلك خارج عن ذلك الدين فهو كسائر الأديان الباطلة.

__________________

(١) آل عمران : ٨٥.


ولو أشكل هل انتقلوا قبل التبديل أو بعده ، أو دخلوا في دين من بدل أو لا ، فالأقرب إجراؤهم بحكم المجوس.

ب : من له شبهة كتاب وهم المجوس.

______________________________________________________

ويحتمل ضعيفا القبول ، لعموم النص ، ولأن الصحابة تزوجوا منهم ولم يبحثوا عن أحوالهم. وليس بشي‌ء ، لأنهم بنوا على الظاهر من تمسكهم بالحق منه لإلزامهم به حيث لم يعلم خلافه ، أما بعد العلم فلا.

قوله : ( ولو أشكل هل انتقلوا قبل التبديل أو بعده ، أو دخلوا في دين من بدل أو لا ، فالأقرب إجراؤهم بحكم المجوس ).

هذا هو الحال الرابع ، وهو أن يشكل الأمر ولا يعلم الدخول والانتقال قبل التبديل والنسخ أو بعدهما أو بينهما وإن التمسك بالمبدل أو بغيره والأقرب عند المصنف في ذلك الأخذ بالاحتياط ، فيجري عليهم حكم المجوس ، فيقرون بالحرية تغليبا لحقن الدماء. ولأنهم أولى بذلك من المجوس ، لأنهم أهل كتاب حقيقة وإن لم يعلم حالتهم في تمسكهم فيه ، وليس للمجوس إلاّ شبهة كتاب.

وعلى هذا فعلى القول بالمنع من نكاح المجوس يمنع من نكاحهم ، ولذلك حكمت الصحابة في نصارى العرب وهم بهرا وبنوح وتغلب.

ويحتمل العدم ، لأن شرط الإقرار على التهود والتنصر الدخول قبل النسخ والتحريف ، ولم يعلم ، والجهل بالشرط يستلزم الجهل بالمشروط ، والمجوس خرجوا بالنص. وفيه نظر ، للمنع من كون ذلك شرطا للإقرار ، وإنما العلم بخلافه مانع منه ، والأقرب ما قربه المصنف.

قوله : ( الثاني : من لهم شبهة كتاب ، وهم المجوس ).

لما لم يكن المجوس أهل كتاب حقيقة ، ولم يبلغوا في الحرمة مبلغ أهل الكتاب ، أفردهم صنفا برأسه. وإنما كانوا أهل شبهة كتاب ، لما روي عن علي 7 أنه‌


ج : من عدا هؤلاء ، كالذين لا يعتقدون شيئا ، وعبّاد الأوثان والشمس والنيران وغيرهم.

أما الأول ففي تحريم نكاحهم على المسلم خلاف ، أقربه تحريم المؤبد دون المنقطع وملك اليمين ، وكذا الثاني.

وأما الثالث فإنه حرام بالإجماع في أصناف النكاح الثلاثة.

______________________________________________________

قال : « لهم كتاب فبدلوه فأصبحوا وقد اسرى به ورفع عنهم ».

وفي قول للشافعي أنهم لم يكونوا أهل كتاب البتة ، لقوله 7 : « سنوا بهم سنة أهل الكتاب ». وهو يشعر بأنهم ليسوا بأهل كتاب. كذا قيل ، ولا ريب أنه لا يدل على أنه ليس لهم كتاب أصلا.

قوله : ( الثالث : من عدا هؤلاء الذين لا يعتقدون شيئا ، وعبّاد الأوثان والشمس والنيران ، وغيرهم ).

هذا هو الصنف الثالث من أصناف الكفار ، وهم من ، لا كتاب له ولا شبه كتاب ، وهم عبدة الأوثان والنيران والشمس والنجوم ، والصور التي يستحسنونها كالحجر والبقر والقمر والمعطلة والزنادقة ، وكل مذهب يكفر معتقده وهم المتمسكون بصحف شئت وإدريس وإبراهيم وزبور داود ، لأنهم ليسوا أهل كتاب كما سبق.

قوله : ( أما الأول ففي تحريم نكاحهم على المسلم خلاف ، أقربه تحريم المؤبد دون المنقطع وملك اليمين ، وكذا الثاني ، وأما الثالث فإنه حرام بالإجماع في أصناف النكاح الثلاثة ).

لما ذكر أصناف الكفار الثلاثة بالنسبة إلى جواز النكاح وعدمه ، أردف ذلك أحكامها ، وللأصحاب في ذلك اختلاف : فذهب بعضهم الى تحريم نكاح الكتابيات‌


ولا تحل المسلمة إلى أحد من أصناف الكفار الثلاثة ، وإن سوغنا الدائم على الكتابية ثبت لها حقوق الزوجية كالمسلمة ، إلاّ الميراث والقسمة فلها نصف المسلمة الحرة ، والحد ففي قذفها التعزير.

______________________________________________________

مطلقا (١) ، وبعضهم جوّز الدائم والمنقطع وملك اليمين (٢) وبعضهم جوّز المنقطع وملك اليمين ومنع الدائم (٣) ، وهذا هو المختار ومقرب المصنف.

وأما المجوسيات فبعض من جوّز نكاح الكتابيات منع نكاحهن (٤) وبعض جوّز وطأهن بملك اليمين دون العقد (٥) ، وبعض جوّز المتعة وملك اليمين (٦) وهو الأصح ومختار المصنف.

وأما الصنف الثالث فلا خلاف بين أهل الإسلام في تحريم نكاح نسائهم دواما ومتعة وملك يمين ، وقد تقدّم البحث في ذلك وذكر دلائله مستوفى.

قوله : ( ولا تحل المسلمة على أحد من أصناف الكفار الثلاثة ).

لا خلاف بين أهل الإسلام في أنه لا يجوز للمسلمة نكاح الكافر ، أي الأصناف الثلاثة كان ، وقد ورد النص على ذلك في الكتاب (٧) والسنة (٨).

قوله : ( وإن سوغنا الدائم على الكتابية ثبت لها حقوق الزوجية كالمسلمة ، إلاّ الميراث والقسمة فلها نصف المسلمة الحرة ، والحد ففي قذفها التعزير ).

__________________

(١) ذهب اليه الشيخ الطوسي في التهذيب ٧ : ٢٩٦ والتبيان ٢ : ٢١٧.

(٢) نقله في التنقيح الرائع ٣ : ٩٦ عن ابن أبي عقيل.

(٣) ذهب اليه سلار في المراسم : ١٤٨.

(٤) منهم ابن إدريس في السرائر : ٢٩١.

(٥) نقله في التنقيح الرائع ٣ : ٩٩ عن ابن بابويه.

(٦) منهم الشيخ الطوسي في النهاية : ٤٥٧.

(٧) النساء : ١٤١.

(٨) الكافي ٥ ـ ٤٣٥ حديث ٢.


وعقد أهل الذمة إن كان صحيحا عندهم أقروا عليه ، وإلاّ فلا.

______________________________________________________

إذا جوزنا نكاح‌ الكتابية دواما كما هو مذهب بعض الأصحاب (١) ، أو أسلم زوج الكتابية عند الجميع فإنه يكون كالمسلمة في النفقة والمهر والطلاق والسكنى وأحكام الإيلاء ، فيطالب عند انتهاء المدة بالنفقة أو الطلاق والظهار واللعان.

بالجملة فعامة حقوق الزوجية ، لأن النكاح عقد معاوضة فاستوت فيه المسلمة والكافرة كالبيع والإجارة ، ولعموم دلائل تلك الحقوق الشاملة للكافرة كالمسلمة ، لكن يستثني من ذلك الميراث ، فإنها لا ترث الزوج بل يرثها هو ، لأن الكافر لا يرث المسلم ويرثه المسلم عندنا على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وإذا مات الزوج المسلم لم يكن للكافرة تغسيله عندنا ، لإطباق العلماء على أن المسلم لا يغسله إلاّ مسلم.

وكذا يستثني القسمة ، فإن الكافرة وإن استحقتها في الجملة إلاّ أنها إنما تستحق نصف المسلمة الحرة.

وكذا يستثني الحد ، فإن قذفها إنما يوجب التعزير خاصة ، وكذا القول في القصاص ، وهذان ليسا من حقوق الزوجية.

وكذا يستثني ماء الغسل إن أوجبناه للمسلمة ، فإنه لا يجب للكافرة إذ لا يصح غسلها ، وكذا الحضانة فإن الأب المسلم أولى من الأم الكافرة.

قوله : ( وعقد أهل الذمة إن كان صحيحا عندهم أقروا عليه ، وإلاّ فلا ).

أنكحة أهل الذمة صحيحة ، وكذا طلاقهم واقع عند عامة أهل الإسلام ، إلاّ مالكا فإنه قال : لا تصح انكحتهم ولا يقع طلاقهم ، وإنما يقرون عليها (٢) ، وليس‌

__________________

(١) انظر : المغني لابن قدامة ٧ : ٥٦٢ ، المجموع ١٦ : ٢٩٩.

(٢) نقله في إيضاح الفوائد ٣ : ٢٢ عن ابن أبي عقيل.


وكذا أهل الحرب ، إلاّ في شي‌ء واحد وهو أن الحربي إذا قهر امرأة من الحربيات وأسلم أقر عليها إن كان يعتقد ذلك نكاحا.

ولو قهر الذمي ذمية لم يقر عليها بعد الإسلام ، لأن على الإمام الذب عنهم ودفع من‌ قهرهم.

______________________________________________________

بشي‌ء ، فإن قوله تعالى ( وَامْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ ) (١) و ( قالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ ) (٢) أطلق عليها سبحانه كونها امرأة ، وذلك دليل على صحة النكاح ، وعلى هذا فيترتب عليها أحكام النكاح الصحيح من الطلاق والظهار والإيلاء ووجوب المهر والقسم والإحصان ، وغير ذلك.

ومتى ظاهر من امرأته ثم أسلم فعلية كفارة الظهار ، لعموم قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ) (٣) وإن آلى ثبت حكم الإيلاء ، وكذا اللعان ، وغير ذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن المعتبر في صحة نكاح أهل الكفر كونه صحيحا عندهم ، ليلزمهم مقتضاه ويقرون عليه وإن كان فاسدا عندنا. أما لو كان فاسدا عندهم فإنهم لا يقرون عليه ، لاعتقادهم أنه ليس نكاحا ، لكن يجب أن يستثني من هذا ما إذا كان فاسدا عندهم صحيحا عندنا فإنهم يقرون عليه قطعا ، وسيأتي عن قريب إن شاء الله تعالى استثناء ذلك في كلام المصنف وتحقيق الكلام في انكحتهم.

قوله : ( وكذا أهل الحرب إلاّ في شي‌ء واحد ، وهو أن الحربي إذا قهر امرأة من الحربيات وأسلم أقر عليها إن كان يعتقد ذلك نكاحا ، ولو قهر الذمي ذمية لم يقر عليها بعد الإسلام ، لأن على الامام الذب عنهم ودفع من‌

__________________

(١) المسد : ٤.

(٢) القصص : ٩.

(٣) المجادلة : ٣.


______________________________________________________

قهرهم ).

أي : وكذا عقد أهل الحرب إن كان صحيحا عندهم أقروا عليه ، هكذا مقتضى التشبيه ، إلاّ أنه لا يحسن موقع الاستثناء حينئذ ، وقد كان الأحسن أن يبدأ بأهل الحرب ثم يشبه بهم أهل الذمة في ذلك ، ليصير الاستثناء محتاجا اليه.

والحاصل أن نكاح أهل الذمة وأهل الحرب سواء ، إن اعتقدوه صحيحا حكم بصحته عندنا وأقروا عليه ، وإن اعتقدوا فساده فهو فاسد لا يقرون عليه بعد الإسلام ، وكذا قبله إذا ترافعوا إلينا ، إلاّ إذا اعتقدوا فساده وكان صحيحا عندنا فإنهم يقرون عليه كما سيأتي.

ولا يستثني من هذه المساواة ، إلاّ مسألة واحدة وهي ما إذا اعتقد الكافر قهر المرأة نكاحا ، فإنه إذا قهرها على جهة النكاح ثم أسلم أو ترافعا إلينا ، فإن المرأة إن كانت حربية حكم بصحة ذلك النكاح كغيره من الأنكحة التي لا تطابق الوجوه المعتبرة في النكاح.

وإن كانت ذمية لم يحكم بصحته ولم يقر عليه ، لأن أهل الذمة يجب على الامام الذب عنهم ودفع القهر عنهم ، ومتى وجب في شرع الإسلام دفع هذا القهر امتنع الإقرار عليهم والحكم بصحته واستدامته ، وهنا مباحث :

الأول : قوله : ( الحربي إذا قهر امرأة من الحربيات ) ذكر الحربي غير محتاج إليه ، بل الأولى تركه ، فإن الذمي لو قهر الحربية معتقدا أن ذلك هو النكاح كان كما لو قهرها الحربي بغير فرق.

الثاني : لا بد من اعتقاد كون القهر نكاحا أن يكون الغرض به النكاح ، فلو قهرها على قصد الاسترقاق مثلا ثم أسلم ، أو ترافعا إلينا لم يحكم بالنكاح ، والعبارة خالية من ذلك.

الثالث : قوله : ( وإن قهر الذمي ذمية ) ذكر الذمي غير محتاج إليه أيضا ، فإن‌


ولو نكح الكتابي وثنية وبالعكس لم يفسخ النكاح ، والأقرب إلحاق الولد بأشرفهما كالمسلم.

______________________________________________________

الحربي لو قهر ذمية ثم أسلم أو رفع الأمر إلينا ، كان الحكم واحدا في وجوب المنع. وقد يقال قوله : ( لم يقر عليها بعد الإسلام ) غير كاف في بيان حكم المسألة ، بل كان ينبغي أن يقول : لم يقر عليها بعد الإسلام وقبله.

ويمكن دفعه بأن التعليل بقوله : ( لأن على الامام الذب عنهم ) مشعر بذلك ، فأغني عن التصريح.

قوله : ( ولو نكح الكتابي وثنية وبالعكس لم يفسخ النكاح ، والأقرب إلحاق الولد بأشرفهما كالمسلمين ).

إذا نكح الكتابي وثنية أو نكح الوثني كتابية ، كان النكاح صحيحا كغيره من انكحة الكفار فإن الكفاءة حاصلة.

ونكاح الكفر محكوم بصحته كما سبق ، فلا مانع من الحكم بالصحة ، وعدول المصنف عن التعبير بصحة النكاح الى قوله : ( لم يفسخ النكاح ) ليس لأنه لا يرى صحته ، إذ لو لم يكن صحيحا لكان مفسوخا ، وإنما هو تفنن في العبارة.

فعلى هذا بأي الطرفين يلحق الولد بالكتابي أم بالوثني؟ فيه وجهان أقربهما عند المصنف الأول ، وذلك لأنه قد ثبت شرعا أن الولد يتبع أشرف الطرفين ، فإذا كان أحدهما حرا أو مسلما والآخر رقيقا أو كافرا ، يتبع الحر والمسلم دون الآخر ، فكذا هنا ، لأن الكتابي أشرف من الوثني فإنه يقر بالجزية ويجوز مناكحته ، بخلاف الوثني.

فإن قيل : أشرف أفعل التفضيل ، فيلزم أن يكون لكل من الذميين شرف ، لأنها يقتضي الاشتراك في المطلق وزيادة أحدهما على الآخر.


______________________________________________________

قلنا : ليس بلازم ، كما في قوله تعالى ( أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا ) (١) ، وقوله تعالى ( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٢) ويحتمل العدم ، وهو الوجه الثاني ، فلا تحل المناكحة تغليبا للتحريم كالمتولد بين المأكول وغيره.

وفرّق بعضهم بأن الإسلام يعلو ويغلب سائر الأديان ، وسائر الأديان تتقاوم ولا يغلب بعضها على بعض. ومن ثم قلنا : إن الكفر ملة واحدة ، فعلى هذا فهل يفرّق بين ما إذا كان الولد صغيرا ، وبين ما إذا بلغ وتدين بدين الكتابي من أبويه؟

ذهب بعض العامة إلى الفرق ، فجوّز المناكحة على التقدير الثاني ، وينبغي عدم الفرق ، لأن تديّن الولد لا اعتبار به من دون اللحاق ، وما قربه المصنف أقرب ، لأن الكفر وإن كان ملة واحدة إلاّ أنه لا ريب في ثبوت المزيد والشرف لبعض على بعض ، ولهذا تجوز مناكحة البعض ويقرون على دينهم دون البعض الآخر ، وهنا مباحث :

الأول : على الاحتمال الثاني ، وهو عدم الإلحاق بالأشرف ، لو بلغ واعتقد دين الكتابي من أبويه ، فهل يقر بالجزية؟ صرح المصنف في التذكرة بذلك (٣) ، وهو أصح وجهي الشافعية (٤) ، تغليبا لحقن الدماء والمنع في النكاح للاحتياط.

الثاني : لو تولّد بين يهودي ومجوسي ، وقلنا إن الولد يتبع الأشرف ، فإذا بلغ واختار التمجس فهل يمكن منه؟ يحتمل ذلك ، لانتفاء المانع ، ولم يصرّح المصنف في التذكرة بشي‌ء.

__________________

(١) الفرقان : ٢٤.

(٢) الملك : ٢٢.

(٣) التذكرة ٢ : ٦٤٨.

(٤) المجموع ١٦ : ٢٣٥ ، مغني المحتاج ٣ : ١٨٩.


وإذا تحاكم أهل الذمة إلينا ، تخيّر الإمام بين الحكم بينهم وبين ردهم إلى أهل ملتهم إن اتفق الغريمان في الدين ، وكذا إن اختلفا على اشكال في الرد.

فإن قلنا بالرد احتمل إلى من يختاره المدعي أو الحاكم أو الناسخ ، لموافقة رأيه رأي الحاكم في بطلان المنسوخ ،

______________________________________________________

الثالث : بيّن الشارح الفاضل ولد المصنف الأقرب على أن الكفر ليس بملة واحدة (١) ، وليس بواضح ، لأن كونه ملة واحدة لا يمنع من أشرفية بعض الكفار على بعض باعتبار الاعتقاد.

قوله : ( وإذا تحاكم أهل الذمة إلينا ، تخيّر الإمام بين الحكم بينهم وبين ردهم إلى أهل ملتهم إن اتفق الغريمان في الدين ، وكذا إن اختلفا على اشكال. فإن قلنا بالرد احتمل إلى من يختاره المدعي أو الحاكم أو الناسخ ، لموافقة رأيه رأي الحاكم في بطلان المنسوخ ).

لما ذكر ضابطا في نكاح الكفار باعتبار تقريرهم عليه إذا أسلموا وتحاكموا إلينا ، أشار إلى بيان حكم تحاكمهم إلينا ، وجملة القول في ذلك : إن أهل الذمة إذا تحاكموا إلينا في حقوق الآدميين فإما أن يتفق الغريمان في الدين ، أو يختلفا فيه.

فإن اتفقا تخيّر الإمام في الحكم بينهم وبين ردهم الى ملتهم عند الأكثر ، لقوله تعالى ( فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ) (٢) والمراد بالإعراض عنهم والله اعلم : ردهم إلى حكم ملتهم ، لأنه لا يجوز تركهم على النزاع المنجر إلى الفتنة.

وقيل بوجوب الحكم بينهم ، وإن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : ( وَأَنِ احْكُمْ

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٩٨.

(٢) المائدة : ٤٢.


______________________________________________________

بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ) (١) وإن على الامام دفع الظلم عنهم ، وردهم إلى ملتهم يتضمن الظلم. والحق ان الآية محكمة ، والظلم الذي يجب دفعه عنهم هو ما عدا ظلم دينهم ، لأنهم يقرون عليه ويعتقدونه حقا.

وان اختلف الغريمان في الدين فكذلك يتخير الامام بين الحكم والاعراض على اشكال ينشأ : من عموم الآية الشامل للمتفقين في الدين والمختلفين ، ولا مخصص لهذا العموم في الكتاب والسنة. ومن أن الاعراض هنا يستلزم الرد إلى ملة أحد الخصمين ، ويلزم منه محذورات :

الأول : الظلم ، فإن الحكم على الآخر بغير حكم الإسلام ، وما التزمه من دينه الذي يقر عليه ظلم قطعا ، يجب على الإمام إزالته بمقتضى الذمة وبمقتضى قوله تعالى : ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ).

الثاني : الخروج عن مقتضى عقد الذمة ، لأن الذي تراضينا وإياهم عليه تقريرهم على دينهم وإجراء أحكام الإسلام لهم ، والرد إلى أحد الملتين خروج عن ذلك بالنسبة إلى الخصم الآخر.

الثالث : إن الاعراض لو جاز لزم أحد الأمور الثلاثة الآتية ، وهي : إما الرد الى من يختاره المدعي ، أو الحاكم ، أو الناسخ ، واللازم بأقسامه محذور باطل. بيان الملازمة انحصار الأمر على تقدير الرد في الأمور الثلاثة بالاستقراء.

ووجه الأول ان يعتبر الحاكم حق المدعي ، ووجه الثاني أن الحاكم هو المأمور بالحكم أو الرد فإليه التعيين.

ووجه الثالث ما ذكره المصنف من قوله : ( لموافقة رأيه رأي الحاكم في بطلان المنسوخ ).

__________________

(١) المائدة : ٤٩.


ولو تحاكم المستأمنان فكذلك.

ولو ترافع. مسلم وذمي أو مستأمن وجب الحكم بينهما ، وكل موضع يجب الحكم لو استعدى الخصم أعداه.

______________________________________________________

وبيان بطلان اللازم أن تعيين المدعي لغير من يجوز عليه حكمه لا أثر له ، ولا يجوز للحاكم تعيين من حكمه ظلم لم يلتزمه الخصم ، والملتان باطلتان لنسخهما فهما سواء في ذلك ، والأصح وجوب الحكم هنا. وهذا كله في حقوق الآدميين ، أما حقوق الله تعالى فسيأتي حكمها في الحدود.

قوله : ( ولو تحاكم المستأمنان فكذلك ).

أي : تخيّر الحاكم بين الحكم والرد مع اتفاق الدين ومع الاختلاف الاشكال ، لكن قد يقال هنا : إن المستأمن لا يجب

دفع الظلم عنه إذا وقع من بعضهم ، فأما إذا ظلمهم المسلمون وجب على الإمام النهي عن المنكر ، فلا يجب الحكم بينهما بحال ، أما إذا ترافع ذمي ومستأمن فإن وجوب الحكم هنا متجه كالمسلم والمستأمن.

قوله : ( ولو ترافع مسلم وذمي أو مستأمن وجب الحكم بينهما ).

لأنه لا يجوز رد المسلم إلى غير ملة الإسلام ، ولا الاعراض عن الحكم بينه وبين خصمه لو كان مسلما ، فكيف إذا كان ذميا أو مستأمنا.

قوله : ( وكل موضع يجب الحكم لو استعدى الخصم أعداه ).

قال في القاموس : استعداه استغاثة واستنصره (١) ، ويقال أعدا زيد عليه نصره وأعانه وقواه ، والمراد أن كل موضع يجب على الحاكم الحكم على تقدير الترافع ، فإذا استعدى الخصم الحاكم على خصمه على تقدير عدم الترافع طالبا إحضاره قبل الحكم وجب على الحاكم اجابته.

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٣٦٠ « عدا ».


وإذا أرادوا ابتداء العقد لم يزوجهم الحاكم إلاّ بشروط النكاح بين المسلمين ، فلا يصح على خمر أو خنزير. وإن تزوجا عليه ثم ترافعا : فإن كان قبل القبض لم يحكم بوجوبه وأوجب مهر المثل ، ويحتمل قويا قيمته عند مستحليه. وإن كان بعده برئ الزوج ،

______________________________________________________

قوله : ( وإذا أرادوا ابتداء العقد لم يزوجهم الحاكم إلاّ بشروط النكاح بين المسلمين ، فلا يصح على خمر أو خنزير ).

المراد ان أهل الذمة والمستأمنين إذا أرادوا إنشاء العقد عند الحاكم ، لم يجز له أن يزوجهم إلاّ بشروط النكاح بين المسلمين ، وإن كانوا لو عقدوا فيما بينهم لم يعترضوا في دينهم ، لأنه لا يجوز للحاكم العمل بغير حكم الإسلام ، فلا يعقد لهم على خمر أو خنزير.

ولا بد أن يأتي بصيغة العقد الصحيح عندنا ، ولا يعقد على الأختين لواحد ، وغير ذلك من الأمور التي يجب في شرع الإسلام رعايتها في النكاح ، وكذا سائر العقود والإيقاعات.

قوله : ( وإن تزوجا ثم ترافعا ، فإن كان قبل القبض لم يحكم بوجوبه وأوجب مهر المثل ، ويحتمل قويا قيمته عند مستحليه ، وإن كان بعده برئ الزوج ).

إذا عقد الكافران بينهما عقد النكاح على بعض المحرمات ، نفي عبارة المصنف حذف تقديره : وإن تزوجا على خمر أو خنزير ثم ترافعا إلينا في ذلك النكاح ، فإما أن يكون ذلك الترافع قبل قبض شي‌ء من المهر ، أو بعد قبض جميعه ، أو بعد قبض البعض دون البعض.

فإن كان بعد قبض الجميع برئ الزوج ، لوصول حق الزوجة إليها باعتقادهما ، وبمقتضى دينهما الذي اقرا عليه ، وهذا هو الذي أراده المصنف بقوله : ( وإن كان بعده‌


وإن كان بعد قبض بعضه سقط بقدر المقبوض ووجب بنسبة الباقي من مهر المثل أو القيمة ، فإن كان عشرة أزقاق خمر قبضت خمسة ، فإن تساوت بري‌ء من النصف ، وإن اختلفت احتمل اعتبار العدد إذ لا قيمة لها ، والكيل ، والأقرب القيمة عند مستحليه.

______________________________________________________

برئ الزوج ).

وإن كان قبل قبض شي‌ء منه فلا ريب في وجوب مهر ، ولا يجوز الحكم بالمسمّى ، لامتناع ذلك في شرعنا ، بل يجب على الحاكم الحكم بمهر المثل ، لأنه إذا فسد المسمّى وجب مهر المثل.

ويحتمل قويا عند المصنف وجوب قيمته عند مستحليه ، لأن المسمّى لم يفسد ، بل صح فيما بينهم ولزم ، ولهذا لو قبضته لم يجب لها غيره ، بل تعذر الحكم به فوجب المصير إلى قيمته عند مستحليه ، لأنه أقرب شي‌ء اليه.

ومثله ما لو جرى العقد على عين تعذر تسليمها ، فإنه يصار الى قيمتها ، ولأن مهر المثل قد يزيد عن قيمة المسمّى ، فلو حكم به الزم الزوج بزيادة عما في ذمته مع اعتراف الزوجة بعدم استحقاقها ، وقد ينقص فتمنع الزوجة بعض حقها مع اعتراف الزوج بثبوته ، وانه يجب الحكم بقيمة الخمر المحرّمة لو أتلفها متلف على ذمي وترافعا إلينا.

ومثله ما لو جعلها ثمنا في البيع ، وكذا الصلح وغيرها ، فلا مانع من الحكم بالقيمة هنا ، فالأصح الاحتمال الثاني.

قوله : ( وإن كان بعد قبض بعضه سقط بقدر قيمة المقبوض ، ووجب بنسبة الباقي من مهر المثل أو القيمة ، فإن كان عشرة أزقاق خمر قبضت خمسة ، فإن تساوت برئ من النصف ، وإن اختلفت احتمل اعتبار العدد إذ لا قيمة لها ، والكيل ، والأقرب القيمة عند مستحليه ).


______________________________________________________

هذه هي الصورة‌ الثالثة ، وهي ما إذا ترافعا إلينا بعد قبض بعض المهر ، وحكمه سقوط قدر ذلك المقبوض من المهر وبراءة الذمة منه ، ويبقى في الذمة باقية ، فتجب بنسبة الباقي من مهر المثل والقيمة بناء على الاحتمالين السابقين ، فينسب ما بقي من المهر إلى مجموعه ، ويؤخذ بتلك النسبة من مهر المثل أو من القيمة.

فإما أن يكون جنسا واحدا أو جنسين ، والجنس الواحد إما أن لا يكون فيه تعدد كزق خمر ، أو يكون كزقي خمر. فإما أن يتساويا في القدر أو يختلفا ، فإن كان الجنس واحدا لا تعدد فيه فالحكم ظاهر ، فإن كان المقبوض نصفه فالواجب نصف مهر المثل أو نصف القيمة على الاحتمالين.

وكذا غير النصف من الاجزاء كثلث وربع وغيرهما ، وكذا لو كان فيه تعدد واستوى قدر آحاده كزقي خمر متساويين قدرا كيلا ووزنا.

ولو اختلف الآحاد قدرا احتمل اعتبار العدد ، فيقسط عليه مهر المثل ولا ينظر الى التفاوت ، فإذا كان المهر قدر عشرة أزقاق مثلا ، وقد قبضت خمسة منها وجب نصف مهر المثل.

وان تفاوتت قدرا فإنه لا قيمة لها ولا تعد مالا ، والقليل منها مثل الكثير في المالية ، فتعتبر الجزئية بعدد آحادها. ويحتمل اعتبار القدر ، لأن الجزئية الحقيقية إنما تكون باعتباره ، فيحتمل اعتبار الكيل لاعتباره فيما يتساوى اجزاؤه. ويحتمل الوزن ، لأنه أضبط.

ولو كان الصداق خنزيرين أو كلبين ، فعلى اعتبار العدد لا بحث ، وعلى اعتبار القدر يقدر قيمتهما بقدر ماليتهما ، وينسب قيمة ما بقي إلى مجموع القيمتين ، ويؤخذ من مهر المثل بتلك النسبة.

ولو تعدد الجنس كزقين وثلاثة خنازير احتمل اعتبار عدد الأجناس ، فإذا قبضت الخمر بقي من المهر نصفه فيجب نصف مهر المثل ، ووجهه انتفاء المالية فينظر‌


وطلاق المشرك واقع ، فلو طلقها ثلاثا ثم أسلما لم تحل له حتى تنكح غيره.

وإذا تحاكموا إلينا في النكاح أقر كل نكاح لو أسلموا أقروهم عليه.

______________________________________________________

إلى التعدد الجنسي.

ويحتمل اعتبار عدد الآحاد ، فيكون الباقي ثلاثة أخماس المهر. ويحتمل تقويمهما بقدر ماليتهما. وحيث قلنا بالتقويم وتقدير المالية ، فإنما يعتبر ذلك بملاحظة القيمة عند من يستحله ويعده مالا ، والأقرب عند المصنف اعتبار القيمة للمسمّى عند مستحليه في جميع ذلك.

ووجه القرب أن هذه لا قيمة لها عند الشارع ، وإنما حفظت على الذمي وصحت معاملاته عليها لأنها أموال بزعمه ، وقد أقرّه الشارع على ذلك وضمن متلفها قيمتها بزعمه ، فجهة ماليتها هي هذه لا غير فهي مناط تقويمها.

واعلم أن المصنف اقتصر على ذكر الكيل في التقدير ، إما لأنه أشيع فيما تساوت اجزاؤه ، ولأن ذكره ينبه على اعتبار الوزن ، وقد صرح به في التذكرة (١).

قوله : ( وطلاق المشرك واقع ، فلو طلقها ثلاثا ثم أسلم لم تحل حتى تنكح زوجا غيره ).

قد سبق بيان اعتبار طلاق المشرك ، وهو فرع على أن نكاحه معتبر ، وقد بينا وجهه فيما سبق ، وعمومات الكتاب والسنة في الطلاق تتناول طلاق المشرك ، فعلى هذا لو طلق زوجته ثلاثا ثم أسلم حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره. ولو طلق تسعا للعدة حرمت مؤبدا ، إلى غير ذلك من أحكام الطلاق ، وكما يحكم بصحة نكاحه إذا كان صحيحا عندهم فكذا طلاقه.

قوله : ( وإذا تحاكموا إلينا في النكاح أقر كل نكاح لو أسلموا أقرهم عليه ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٥١.


ولو طلق المسلم زوجته الذمية ثلاثا ، ثم تزوجت ذميا ، ثم طلقها ، حلت للأول متعة ودواما على رأي ، ويشترط الإسلام على رأي.

______________________________________________________

هذا مشعر بأن ما‌ سبق من قوله : ( وعقد أهل الذمة إن كان صحيحا عندهم أقروا عليه ) المراد به إقرارهم عليه بعد إسلامهم ، وإلاّ لم يكن لذكر هذا فائدة ، لكن ظاهر العبارة السابقة يتناول بإطلاقه ما إذا أسلموا وما إذا تحاكموا إلينا.

قوله : ( ولو طلق المسلم زوجته الذمية ثلاثا ، ثم تزوجت ذميا ، ثم طلقها ، حلت للأول متعة ودواما على رأي ، ويشترط الإسلام على رأي ).

يتصور كون الذمية زوجة للمسلم فيما إذا أسلم زوج الكتابية بعد أن طلقها طلقتين ثم تزوجها وأسلم وطلقها.

وعلى رأي من يجوّز للمسلم نكاح الكتابية دواما ، والأربط بعبارة الكتاب هو الفرض الأول ، فإنه لو أريد الثاني لكان بناء على جواز نكاح الكتابية للمسلم مطلقا.

وحينئذ فلا يحسن قوله بعد ذلك : ( حلت للأول متعة ودواما على رأي. ) ومقصود البحث التنبيه على جواز كون الذمي محللا.

وتحقيقه : ان المسلم إذا طلق زوجته الذمية ثلاثا ، ثم تزوجت ذميا ثم طلقها ، فإنها تحل للأول متعة ودواما على قول من يجوّز للمسلم نكاح الكتابية مطلقا ، وعلى قول من يمنع نكاحها فإنها تحل له بشرط إسلامها.

ومحصل ذلك أن التحريم الناشئ عن التطليق ثلاثا قد زال بنكاح الذمي لها وتطليقه إياها ، لأن نكاح الكفر صحيح ، وكذا الطلاق الواقع حال الكفر.

وقوله تعالى ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (١) شامل للذمي ، وإذا زال التحريم بالتطليق ثلاثا بقي التحريم بالكفر عند من يقول به.

__________________

(١) البقرة : ٢٣٠.


______________________________________________________

ويمكن أن يكون الرأي الأول في العبارة مخصوصا بقوله : ( دواما ) ، ويكون‌

قوله : ( حلت للأول متعة ) هو فتوى المصنف ، وهو حسن.

ولا يتوهم أن الرأي في قوله : ( حلت للأول متعة ودواما على رأي ) يشير به إلى الخلاف في صحة تحليل الذمي ، بناء على أن نكاح الكفر وطلاقه غير صحيح.

أما أولا ، فلأن المخالف هنا مالك (١) ، ومثل هذا الخلاف لا يتعرض اليه المصنف في مثل هذا الكتاب.

وأما ثانيا ، فلأنه لو كان كذلك لم يكن للتعرض إلى المتعة والدوام وجه ، لأنه لا تفاوت بينهما بالنسبة إلى التحليل ، وإنما يتفاوتان بالنسبة إلى كون الزوجة كافرة ، على أنه لو أريد هذا لكان معنى قوله : ( ويشترط الإسلام على رأي ) ويشترط إسلام الزوج المطلق حين الطلاق.

والمتبادر من العبارة إنما هو اشتراط إسلام الزوجة ، لأنها المحدّث عنه بقوله : ( حلت ) ، ولانتفاء الاحتياج إلى تقدير محذوف ، والأمر واضح ، وهنا فائدة :

وهي أنه إذا طلق المسلم زوجته الذمية ثلاثا ، ثم تزوجت ذميا وطلقها ، فإن كان المسلم قد تزوجها في حال الكفر ثم أسلم ، فإنها تحل له بعد إسلامها دواما ومتعة قطعا على القول بصحة نكاح الكفر وعدمه.

أما على الصحة فواضح ، وأما على العدم ، فإن بطلان النكاح يستدعي بطلان الطلاق المبني عليه فينتفي التحريم بسببه وإن كان المسلم قد تزوجها حال إسلامه ، بناء على جواز نكاح الكتابية مطلقا فإنها لا تحل له بتحليل الذمي بناء على بطلان نكاح الكفر.

ولو طلق الذمي زوجته ثلاثا ثم أسلما لم تحل له إلاّ بالتحليل ، بناء على صحة نكاحهم لا على بطلانه.

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٧ : ٦٢.


المطلب الثاني : في الانتقال : إذا أسلم زوج الكتابية دونها ، بقي على نكاحه قبل الدخول وبعده دائما ومنقطعا ، سواء كان كتابيا أو وثنيا.

وإن أسلمت دونه قبل الدخول انفسخ النكاح ولا مهر.

ولو أسلما دفعة فلا فسخ ، وبعده يقف على انقضاء العدة إن كان كتابيا ، فإن مضت ولم يسلم فسد العقد على رأي وعليه المهر ، أما المسمى أو مهر المثل. وإن أسلم فيها فالنكاح بحاله.

______________________________________________________

قوله : ( المطلب الثاني : في الانتقال : إذا أسلم زوج الكتابية دونها ، بقي على نكاحه قبل الدخول وبعده ، دائما ومنقطعا ، سواء كان كتابيا أو وثنيا ).

مقصود هذا الفصل الانتقال من دين إلى دين ، واقسامه ثلاثة ، وذلك لأنه إما أن يكون الانتقال من دين باطل الى دين حق ، أو من دين باطل الى دين باطل ، أو من دين حق إلى دين باطل وهو الارتداد.

والكلام في القسم الأول إما من جهة انتقال الزوج أو الزوجة ، فإذا أسلم الزوج والزوجة كتابية بقي النكاح ، سواء كان الإسلام قبل الدخول أو بعده ، وسواء كان النكاح دائما أو منقطعا ، وسواء كان الزوج كتابيا أو وثنيا.

ولا خلاف في ذلك بين الفقهاء ، سواء المجوّزين نكاح الكتابية والمانعين ، والخلاف إنما هو في ابتداء المسلم نكاح الكتابية لا في استدامته ، ولا محذور في ذلك ، لأن الابتداء أضعف من الاستدامة.

قوله : ( وإن أسلمت دونه قبل الدخول انفسخ النكاح ولا مهر ، ولو أسلما دفعة فلا فسخ ، وبعده يقف على انقضاء العدة إن كان كتابيا ، فإن مضت ولم يسلم فسد العقد على رأي وعليه المهر ، إما المسمى أو مهر المثل ، وإن أسلم فيها فالنكاح بحاله.


وأما غير الكتابيين فأيهما أسلم قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال ، وإن أسلما دفعة فالنكاح بحاله ، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة ، فإن أسلم صاحبه فالنكاح بحاله ، وإلاّ بطل.

______________________________________________________

واما غير الكتابيين‌ فأيهما أسلم قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال ، وإن أسلما دفعة فالنكاح بحاله. وإلاّ بطل ).

قد سبق حكم ما إذا أسلم زوج الكتابية ، فأما إذا أسلمت هي دونه ، فإما أن يكون قبل دخوله بها أو بعده ، فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح قطعا ، لامتناع كون الكافر زوجا للمسلمة ولا مهر ، لأن الفرقة جاءت من قبل الزوجة فلم يستحق مهرا.

ولو أسلما معا قبل الدخول ثبت النكاح ولم يحصل فسخ ، لانتفاء المقتضي للفسخ. وإن كان إسلام الزوجة دونه بعد الدخول وقف فسخ النكاح على انقضاء عدتها عدة الطلاق من حين تجدد إسلامها.

فإن انقضت العدة وهو على كفره تبيّن أنها بانت منه من حين إسلامها ، وإن أسلم قبل انقضائها تبيّن بقاء النكاح ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الزوج كتابيا أو وثنيا.

وإنما قيّد المصنف بقوله : ( إن كان كتابيا ) ليبني عليه قوله : ( فإن مضت ولم يسلم فسد العقد على رأي ) فإن الخلاف إنما هو في الكتابي دون الوثني.

وتحرير البحث فيه إنه إذا أسلمت زوجة الذمي ولم يسلم حتى خرجت عدتها ، للأصحاب قولان :

أحدهما : واختاره الشيخ في النهاية (١) بقاء النكاح ، غير أنه لا يمكّن من‌

__________________

(١) النهاية : ٤٥٧.


______________________________________________________

الدخول عليها ليلا ، ولا من الخلوة بها ، ولا من إخراجها من دار الهجرة إلى دار الحرب ما دام قائما بشرائط الذمة.

واحتج على ذلك بما رواه جميل بن دراج عن أحدهما 8 : في اليهودي والنصراني والمجوسي إذا أسلمت امرأته ولم يسلم قال : « هما على نكاحهما ولا يفرق بينهما ، ولا يترك يخرج بها من دار الإسلام إلى الهجرة » (١).

وما رواه محمد بن مسلم في الحسن عن الباقر 7 قال : « إن أهل الكتاب وجميع من له ذمة إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحهما ، وليس له أن يخرجها من دار الإسلام إلى غيرها ولا يبيت معها ولكنه يأتيها بالنهار ، وإنما المشركون مثل مشركي العرب وغيرهم فهم على نكاحهم الى انقضاء العدة.

فإن أسلم الرجل ثم أسلمت المرأة قبل انقضاء عدتها فهي امرأته ، وإن لم يسلم إلاّ بعد انقضاء العدة فقد بانت منه ولا سبيل له عليها ، وكذلك جميع من لا ذمة له » (٢). الحديث.

وجوابه : إن الرواية الأولى ضعيفة مرسلة ، والثانية معارضة بما هو أقوى منها ، والقول الثاني بطلان النكاح واليه ذهب عامة الأصحاب ، لصحيحة محمد بن أبي نصر عن الرضا 7 قال : سألته عن الرجل يكون له الزوجة النصرانية فتسلم ، هل يحل لها أن تقيم معه؟ قال : « إذا أسلمت لم تحل له ».

قلت : جعلت فداك فإن أسلم الزوج بعد ذلك أيكونان على النكاح؟ قال : « لا إلاّ بتزويج جديد » (٣).

وفي معناها رواية السكوني (٤) ، وهذا أصح وعليه الفتوى.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٠٠ حديث ١٢٥٤ ، الاستبصار ٣ : ١٨١ حديث ٦٥٨.

(٢) الكافي ٥ : ٣٥٨ حديث ٩ ، التهذيب ٧ : ٣٠٢ حديث ١٢٥٩ ، الاستبصار ٣ : ١٨٣ حديث ٦٦٣.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٠٠ حديث ١٢٥٥ ، الاستبصار ٣ : ١٨١ حديث ٦٥٩.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٠١ حديث ١٢٥٧ ، الاستبصار ٣ : ١٨٢ حديث ٦٦١.


وإذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول فسد العقد في الحال ، ولا مهر إن كان من المرأة ، وإلاّ فالنصف ، ويحتمل الجميع إن كان عن فطرة ،

______________________________________________________

واعلم أن عبارة المصنف مشعرة بأن موضع الخلاف ما إذا كان إسلام الزوجة بعد الدخول ، وكذا يظهر من عبارة الشيخ في النهاية (١) ، إلاّ أن الدليل صالح لما قبل الدخول أيضا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه إذا انقضت العدة ولم يسلم وجب المهر ، أما المسمى إن كان قد سمى مهرا ، وإلاّ فمهر المثل ، ولو أسلم في العدة فالنكاح بحاله ، وإذا كان الزوجان وثنيين فلا خلاف في أنه إذا أسلم أحدهما قبل الدخول انفسخ النكاح ، سواء كان المسلم الزوج أو الزوجة.

اما إذا أسلم الزوج ، فإنه لا يجوز للمسلم نكاح غير الكتابية ابتداء ولا استدامة ، وأما إذا أسلمت الزوجة فأظهر ، وإن كان بعد الدخول وقف على انقضاء العدة ، فإذا انقضت ولم يسلم الآخر تبيّن حصول البينونة من حين الإسلام ، فإذا أسلم فالنكاح بحاله.

ولا يخفى أن في عبارة المصنف مناقشة ، فإن قوله : ( وأما غير الكتابيين ) يتناول لما إذا كان أحد الزوجين كتابيا والآخر وثنيا ، ويندرج فيه ما إذا كانت الزوجة كتابية ، فإن الزوج إذا أسلم لا ينفسخ النكاح أصلا قبل الدخول ولا بعده.

وكذا يندرج فيه ما إذا كان الزوج كتابيا وأسلمت الزوجة ولم يسلم ، فإن في بقاء النكاح وفساده خلاف سبق ، وكل من المسألتين مذكورة في عبارة المصنف ، ولو أنه قال : وأما الوثنيان ، بدل قوله : ( وأما غير الكتابيين ) لكان أولى.

قوله : ( فإن ارتد أحد الزوجين قبل الدخول فسد العقد في الحال ولا مهر إن كان من المرأة ، وإلاّ فالنصف ، ويحتمل الجميع إن كان عن فطرة ).

__________________

(١) النهاية : ٤٥٧.


______________________________________________________

هذا هو القسم الثاني‌ من أقسام الانتقال ، وهو الانتقال من دين الحق إلى دين الباطل ، وهو الارتداد عصمنا الله تعالى منه ومن كل ما يكره ، وهو قد يكون عن فطرة. وحكمه عدم قبول توبته إن كان رجلا ، بل يقتل وتخرج أمواله عنه بنفس الارتداد وتبين زوجته عنه ويعتد عدة الوفاة.

وقد يكون عن ملة ، وحكمه أنه يستتاب ، فإن تاب ورجع قبل رجوعه ، ولا تخرج أمواله عنه بل يحجر عليه في أمواله ، وينتظر بمنكوحاته المدخول بهن العدة.

إذا تقرر ذلك فاعلم أنه متى ارتد أحد الزوجين قبل الدخول فسد النكاح في الحال عند عامة أهل العلم إلاّ داود الظاهري (١).

ثم إن كان المرتد هو الزوجة فلا شي‌ء لها ، لأنه فسخ جاء من قبلها قبل الدخول.

وإن كان هو الرجل فعليه نصف المسمّى إن كان صحيحا ، لأن الفسخ من جهته فأشبه الطلاق ، وإن كانت التسمية فاسدة فنصف مهر المثل ، وإن لم يكن سمى شيئا فالمتعة ، ويحتمل وجوب جميع المهر.

وقيّده المصنف بما إذا كان الارتداد عن فطرة ، ولا وجه له ، لأنه قد سبق في غير موضع في كلام المصنف احتمال وجوب جميع المهر بعروض الفسخ من قبل الزوج أو لا من قبل واحد من الزوجين ، لأن المهر يجب جميعه بالعقد على أصح القولين ، ولم يثبت تشطيره إلاّ بالطلاق ، فيبقى وجوب جميعه ثابتا في غير الطلاق ، إذ الحمل عليه قياس.

لكن لو حمل الفسخ هنا على الطلاق لم يثبت التنصيف إلاّ في الردة التي ليست‌

__________________

(١) انظر : المجموع ١٦ : ٣١٦ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٥٦٤.


وبعده يقف على انقضاء العدة.

ويثبت المهر من أيهما كان الارتداد ، إلاّ أن يكون الارتداد من الزوج عن فطرة ، فإن النكاح يبطل في الحال وإن كان قد دخل ويجب المهر.

______________________________________________________

عن فطرة ، لأن الردة عن فطرة كالموت في أحكامه ، وسيأتي إن شاء الله تعالى أن الموت يوجب تقرر جميع المهر.

قوله : ( وبعده يقف على انقضاء العدة ويثبت المهر من أيهما كان الارتداد ، إلاّ أن يكون الارتداد من الزوج عن فطرة فإن النكاح يبطل في الحال ، وإن كان قد دخل ويجب المهر ).

أي : إن كان الارتداد بعد الدخول وقف أمر النكاح على انقضاء العدة إن كان الارتداد من الزوجة مطلقا ، أو من الزوج عن غير فطرة ، فإن اجتمعا على الإسلام قبل انقضائها كانا على النكاح ، وإن لم يجتمعا حتى انقضت تبيّنا أن العقد انفسخ من حين الارتداد ، بغير خلاف في ذلك عندنا وعند أكثر العامة ، وجمع منهم حكموا بالفسخ في الحال قبل الدخول وبعده.

ولو كان الارتداد من الزوج عن فطرة بعد الدخول بطل النكاح في الحال واعتدت عدة الوفاة ، كما في الارتداد عن فطرة قبل الدخول. وإنما تجب العدة لو كان الارتداد عن غير فطرة بعد الدخول ، وهي عدة الطلاق.

أما المهر بعد الدخول فإنه واجب عليه على كل حال ، سواء كان الارتداد عن فطرة أم لا ، وسواء كان من الزوج أو الزوجة ، لأن الدخول يوجب استقرار جميع المهر على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وهنا فائدة وهي :

إن قوله : ( إلاّ أن يكون الارتداد من الزوج ) استثناء من قوله : ( وبعده يقف على انقضاء العدة ) فإن هذا الحكم إنما هو في غير الارتداد الفطري ، وليس استثناء من قوله : ( ويثبت المهر ) لفساده على هذا التقدير.


ولو انتقلت الذمية إلى ما لا يقر أهله عليه : فإن كان قبل الدخول فسد ، وبعده يقف على الانقضاء ، فإن خرجت ولم يسلم الزوجان فسد العقد.

وإن قلنا بقبول الرجوع كان العقد باقيا إن رجعت في العدة.

______________________________________________________

ولما خشي أن يتوهم ذلك متوهم صرح بوجوب المهر في هذا القسم أخيرا بقوله : ( ويجب المهر ).

قوله : ( ولو انتقلت الذمية إلى ما لا يقر أهله عليه ، فإن كان قبل الدخول فسد ، وبعده يقف على الانقضاء ، فإن خرجت ولم يسلم الزوجان فسد العقد ، وإن قلنا بقبول الرجوع كان العقد باقيا إن رجعت في العدة ).

هذا هو القسم الثالث من أقسام الانتقال ، وهو الانتقال من دين باطل الى دين باطل ، وهو أقسام المبحوث عنه ، منها الانتقال من دين يقر أهله عليه إلى ما لا يقر أهله عليه كالكتابي يتوثن ، وعكسه.

والانتقال مما لا يقر أهله عليه إلى ما يقر أهله عليه كاليهودي يتنصر ، والنصراني يتهود. والمقصود بالبحث هنا بيان حكم النكاح ، لأن الإقرار بالجزية موضعه كتاب الجهاد الأول إذا انتقلت الذمية الى ما لا يقر اهله عليه فإنها لا تقر على ذلك إجماعا.

فإذا كانت تحت مسلم انفسخ النكاح في الحال إن كان قبل الدخول ، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة ، فإن خرجت ولم يسلم تبيّنا انفساخ النكاح من حين الانتقال.

ولو قلنا بقبول رجوعها إلى دينها ، فان رجعت في العدة بقي العقد ، وإلاّ فلا. وكذا الحكم لو قلنا بقبول دين آخر يساوي دينها الذي كانت عليه ، كما لو كانت يهودية فتوثنت ثم تنصرت.

واعلم أن قول المصنف : ( ولم يسلم الزوجان ) يقتضي أن الزوج غير مسلم ،


ولو انتقلت إلى ما يقر أهله عليه فكذلك إن لم نقرها عليه ، وإلاّ كان النكاح باقيا.

______________________________________________________

ويلزم منه أن الذمية تحت الذمي إذا توثنت ينفسخ النكاح في الحال إن كان قبل الدخول ، وفيه نظر ، فإن نكاح الكتابي للوثنية لا يمنع منه فيما بينهم.

نعم لا تقر المرأة على الدين الذي انتقلت إليه ، ثم ان إسلام الزوج لا دخل له في بقاء النكاح وعدمه إلاّ إذا أسلمت الزوجة.

والذي ذكره المصنف في التذكرة ، وهو ما إذا انتقلت الكتابية زوجة المسلم إلى التوثن (١) ، ولم يتعرض لما إذا كانت زوجة الذمي. وفي التحرير صرح بأن زوجة الذمي إذا انتقلت الى غير دينها من ملل الكفر وقع الفسخ في الحال (٢).

وكذا قال في الشرائع (٣) ، وللنظر فيه مجال ، لأن الذمي لا يمتنع نكاحه أي كافرة كانت ، ولا اعتراض لنا على نكاحهم فيما بينهم ، حتى أنها لو أسلمت بعد ذلك وكان قبل الدخول فالذي ينبغي الجزم ببقاء النكاح إذا أسلم هو حين إسلامها.

قوله : ( ولو انتقلت الى ما يقر أهله عليه فكذلك إن لم نقرها عليه ، وإلاّ كان النكاح باقيا ).

هذا هو القسم الثاني ، وهو ما إذا انتقلت الذمية إلى دين يقر أهله عليه كاليهودية تتنصر ، وحكمه حكم ما قبله إن لم نقرها على هذا الدين ، وهو الأصح ، لقوله تعالى ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) (٤).

فعلى هذا لو كانت تحت مسلم ، فإن كان الانتقال قبل الدخول انفسخ النكاح ، لامتناع الزوجية بينهما إذ ليست كتابية ، وإن كان بعده وقف على انقضاء‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٤٧.

(٢) التحرير ٢ : ٢١.

(٣) شرائع الإسلام ٢ : ٢٩٥.

(٤) آل عمران : ٨٥.


ولو انتقلت الوثنية إلى الكتابية وأسلم الزوج ، فإن قبلنا منها غير الإسلام فالنكاح باق ، وإلاّ وقف على الانقضاء بعد الدخول ، وقبله يبطل.

______________________________________________________

العدة.

قوله : ( ولو انتقلت الوثنية إلى الكتابية وأسلم الزوج ، فإن قبلنا منها غير الإسلام فالنكاح باق ، وإلاّ وقف على الانقضاء بعد الدخول ، وقبله تبطل ).

هذا هو القسم الثالث ، وهو الانتقال من دين لا يقر أهله عليه إلى ما يقر أهله عليه ، فإن انتقلت الوثنية إلى الكتابية وأسلم زوجها كتابيا كان أو وثنيا ، فإن قبلنا منهم الدين الذي انتقلت اليه ، أو ما جرى مجراه من الأديان التي يقر أهلها عليها فالنكاح باق ، لانتفاء المانع ، فإن استدامة نكاح الكتابية جائزة إجماعا ، وهذا أحد القولين.

وإن لم يقبل منها إلاّ الإسلام ـ وهو الأصح على ما سبق في الجهاد ـ فإن كان ذلك بعد الدخول وقف على انقضاء العدة ، فإن أسلمت قبلها فالنكاح باق ، وإلاّ تبين بطلانه بإسلامه ، وإن كان قبله بطل من حين إسلامه.

ومن تأمل ما حققناه علم النكتة في قول المصنف : ( وأسلم الزوج ) لأنه لو لا فرض تجدد إسلامه لم يثبت ما ذكره من فسخ النكاح قبل الدخول وتوقفه على انقضاء العدة بعده ، فإن نكاح الوثني والكتابي لا يحكم بفساده عندنا بتجدد انتقال زوجته الكافرة إلى دين غير دينها ، وعلى هذا فضرب العدة إنما يكون من حين الإسلام.

وقول الشارح الفاضل ولد المصنف في تقرير المبحث : إن الزوجين إذا كانا وثنيين (١) لا حاجة الى فرض كونهما وثنيين ، بل إنما يعتبر فرض كون الزوجة وثنية.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ١٠٥.


وليس للمسلم إجبار زوجته الذمية على الغسل من حيض أو جنابة ، وإن حرمنا الوطء قبله أوجبناه.

وله إلزامها بإزالة المنفر ، كالنتن وشعر العانة وطول الأظفار.

______________________________________________________

واعلم أن الشارح الفاضل السيد قال : إن هذا التفريع ينافي ما ذكره المصنف في هذا الكتاب من أن من انتقل إلى دين أهل الكتاب بعد مبعث النبي 6 لا يقبل منه ، وزعم الشارح ولد المصنف أنه لا منافاة حيث ان المصنف فرع بقاء النكاح على قبول غير الإسلام منها ، وعدمه على عدمه.

وليس ما ذكره بواضح ، لأنا إذا كنا لا نقبل بعد المبعث من الوثني الكتابي قولا واحدا فلا وجه للتفريع ، فإنه يشعر بوجود القول بالقبول وإن كان لا يقتضيه ، ولعل ولد المصنف أراد بعدم المنافاة عدم التصريح بالقبول ، وبالجملة فالعبارة لا تخلو من مناقشة.

قوله : ( وليس للمسلم إجبار زوجته الذمية على الغسل من حيض أو جنابة ).

لأن ذلك حق الله تعالى لا حق الزوج ، وقد أقرت على دينها شرعا ، فليس له اعتراضها.

قوله : ( وإن حرمنا الوطء قبله أوجبناه ).

أي : وإن حرمنا الوطء قبل الغسل أوجبناه عليها لحق الزوج ، لتوقف الاستمتاع الذي هو حقه عليه فله إجبارها عليه ، ولا شك أن الذي تجبر عليه هو صورة الغسل مع النية.

قوله : ( وله إلزامها بإزالة المنفر كالنتن وشعر العانة وطول الأظفار ).

لأن بقاء ذلك منقص للاستمتاع ، فكان له إجبارها عليه كما في المسلمة.


وله منعها من الكنائس والبيع وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، واستعمال النجاسات التي يستقذرها الزوج ، وأكل الثوم والبصل والكراث ، وشبهه مما ينقص الاستمتاع وإن كانت مسلمة.

فروع :

أ : لو أسلما في العدة ثبت النكاح ، ولا يبحث الحاكم عن كيفية‌

______________________________________________________

قوله : ( وله منعها من البيع والكنائس ، وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، واستعمال النجاسات التي يستقذرها الزوج ، وأكل الثوم والبصل والكراث وشبهه مما ينقص الاستمتاع وإن كانت مسلمة ).

أما المنع من البيع والكنائس فلأن للزوج الاستمتاع بالزوجة دائما في بيته وبخروجها يفوت ذلك ، وكذا له منعها من الخروج الى بيت أهلها والجيران وغيرهم ، وكذا الأعياد وشبهها ، وكذا الزوجة المسلمة له منعها من المساجد والمشاهد وبيوت الأهل والجيران.

وأما منع الكتابية من شرب الخمر فإنه مسكر يفوت به الاستمتاع ، ولأنها في هذه الحالة لا ترد يد لامس ، ولا فرق بين القليل والكثير منه ، لأن الإسكار به غير منضبط ، فمن الناس من يسكر بالقليل الذي لا يسكر به غيره ، فلتمنع من الجميع حسما للمادة ، ولأن ذلك هو العلة في تحريم الخمر.

وأما منعها من لحم الخنزير فلما فيه من الاستقذار ، والنفس قد تعاف منه ، وكذا القول في النجاسات المستقذرة والمآكل والمشارب المستقذرة ، وذوات الرائحة الكريهة مثل الثوم والبصل والكراث ، إلاّ إذا طبخت فإن ذلك كله منقص للاستمتاع ، والمسلمة في ذلك كالكافرة.

ولا يخفى أن قول المصنف : وإن كانت مسلمة المراد به : وإن كانت الزوجة مسلمة ، والمذكور سابقا إنما هو الزوجة الذمية ، والأمر في ذلك كله سهل ، والمراد ظاهر.

قوله : ( فروع : أ : لو أسلما في العدة يثبت النكاح ، ولا يبحث الحاكم‌


وقوعه ، بل يقررهما عليه ما لم يتضمن محرما ، كما لو كانت تحته احدى المحرمات عليه.

ب : لا يقرهم على ما هو فاسد عندهم ، إلاّ أن يكون صحيحا عندنا.

ويقرهم على ما هو صحيح عندهم وإن كان فاسدا عندنا ، كما لو اعتقدوا اباحة المؤقت من دون المهر.

______________________________________________________

عن كيفية وقوعه ، بل يقرهما عليه ما لم يتضمن محرما ، كما لو كانت تحته احدى المحرمات عليه ).

لو أسلم الزوجان دفعة أو على التعاقب ، بحيث كان إسلام الآخر في العدة بعد الدخول فالنكاح ثابت ، ولا يبحث الحاكم عن كيفية وقوعه وجوبا ولا استحبابا ، لأن النبي 6 في زمانه خلق كثير فلم يسألهم عن أحوال انكحتهم بل أقرهم عليها.

نعم لو تضمن محرما كنكاح احدى المحرمات حكم ببطلانه ، لأن النبي 6 قال لفيروز الديلمي وقد أسلم على أختين : « اختر أحدهما » (١) فلو نكح امه أو بنته أو أخته ونحوهن اندفع النكاح عند الإسلام قطعا.

قوله : ( ب : لا نقرهم على ما هو فاسد عندهم إلاّ أن يكون صحيحا عندنا ، ونقرهم على ما هو صحيح عندهم وإن كان فاسدا عندنا ، كما لو اعتقدوا اباحة المؤقت من دون المهر ).

إذا كان النكاح الجاري في الكفر فاسدا عندهم لم يقرهم عليه بعد الإسلام ، إلاّ إذا كان صحيحا عندنا ، لأنه بدون ذلك ليس نكاحا عندهم ولا عندنا. أما إذا كان صحيحا عندنا ، فانا نحكم بصحته ولا نلتفت الى اعتقادهم.

__________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ١٨٤.


ج : لا فرق بين الذمي والحربي في ذلك ، ولو اعتقدوا غصبية المرأة نكاحا أقروا عليه على اشكال بعد الإسلام وقبله.

______________________________________________________

وهنا سؤال : وهو ان المتعاقدين إذا أوقعا نكاحا يعتقدان فساده كيف يحكم بصحته لمصادفته مطابقة العقد الصحيح.

ومثله وقوع العقد كذلك من المسلمين ونقرهم على ما هو صحيح عندهم وإن كان فاسدا عندنا بفوات شرط ، كما لو اعتقدوا صحة النكاح المؤقت بدون المهر.

وكذا لو خلا نكاحهم من الولي والشاهدين عند من يقول بالاشتراط ، أو وقعت الصيغة على غير الوجه المعتبر بغير خلاف في ذلك ، ويستثني من هذا الضابط ما إذا وقع النكاح في العدة وبقيت إلى زمان الإسلام. وما إذا شرطا الخيار وبقي زمانه إلى الإسلام ، وما إذا اعتقدوا غصبية المرأة نكاحا على أحد وجهي الإشكال كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ج : لا فرق بين الذمي والحربي في ذلك ، ولو اعتقدوا غصبية المرأة نكاحا أقروا عليه على اشكال بعد الإسلام وقبله ).

أي : لا فرق بين الذمي والحربي فيما ذكر من حكم النكاح ، فإذا أسلم الحربيون أو تحاكموا إلينا واخترنا الحكم بينهم ، أقررنا من الأنكحة ما كان صحيحا عندهم ، إذا لم يكن نكاح احدى المحرمات ، دون ما كان فاسدا عندهم ، إلاّ إذا كان صحيحا عندنا على ما سبق.

ولو اعتقدوا غصبية المرأة نكاحا فغصبها للنكاح ، ثم أسلموا وتحاكموا إلينا ، وهو المراد من قوله : ( بعد الإسلام وقبله ) أقروا عليه على اشكال ينشأ : من أنه كسائر الأنكحة التي يعتقدون صحتها وليس فيه الا إقامة الفعل مقام القول.

ومن حيث ان الغصب قبيح عقلا ، فلا يسوغ في ملة من الملل ، والتمكين من القبيح والتقرير عليه قبيح.

ويضعف بأنه لا منافاة بين قبح الغصب عقلا وصيرورة المرأة المغصوبة زوجة‌


د : لو شرطا الخيار مطلقا لهما أو لأحدهما ، لم يقرا عليه بعد الإسلام ، لأنهما لا يعتقدان لزومه حالة الكفر ، وإن قيداه : فإن أسلما قبل انقضائه لم يقرا عليه ، وإن كان بعده اقرا.

______________________________________________________

باعتقادها واعتقاد غاصبها ، ولا يشترط للحكم بصحة انكحتهم كونها كذلك في ملة من الملل.

وينتقض ذلك بما إذا قهر الحربي حربية ، فإنا نجوز شراؤها منه ونعده بيعا من طرفه تثبت فيه أحكام البيع وإن كان ذلك استنقاذا من طرفنا ، ولو كان قبح الغصب منافيا لثبوت الملك امتنع كونه بيعا ، فلم يكن منافيا للنكاح ، ولا استبعد الحكم بصحته كما سبق الجزم به في كلام المصنف وإن استشكله هنا.

ويجب أن يستثني من ذلك موضعان :

الأول : ما إذا كان الغصب في مبدأ الأمر ، ثم زال ذلك ورضيا بالنكاح قبل الإسلام فإنه ينبغي الجزم بصحته ، كما لو نحكها في العدة وانقضت قبل الإسلام ، فإن العقد الواقع في العدة باطل غير مقر عليه ، فالمقتضي لصحة النكاح ليس إلاّ الرضى الجاري بعدها.

الثاني : هذا الفرض إنما هو في غير الذمية ، أما الذمية فلا يتصور التقرير على غصبها للنكاح ، لأن ذلك ظلم يجب في شرع الإسلام رفعه عن أهل الذمة وقد سبق ، وأما أهل الحرب المستأمنون فإنه لا يجب رفع ظلم بعضهم عن بعض.

قوله : ( د : لو شرط الخيار مطلقا لهما أو لأحدهما لم يقر عليه بعد الإسلام ، لأنهما لا يعتقدان لزومه حال الكفر وإن قيداه ، فإن أسلما قبل انقضائه لم يقرا عليه وإن كان بعده اقرا ).

المراد باشتراط الخيار مطلقا عدم تقييده بمدة ، ووجه عدم التقرير عليه أصلا في الفرض الأول : إنّا وإن لم نراع في عقودهم الجارية في الشرك شرائط الإسلام ، لكنا‌


هـ : لو تزوجها في العدة ثم أسلما ، فإن كان بعد الانقضاء اقرا عليه ، وإلاّ فلا ، لأن نكاح المعتدة لا يجوز ابتداؤه حالة الإسلام ، أما بعد الانقضاء فإنهما يعتقدان صحة هذا النكاح.

ويجوز ابتداء مثله في الإسلام على هذه الحال ، ولا اعتبار بالمتقدم فإنه معفو عنه.

أما لو تزوج حليلة أبيه أو ابنه أو المطلقة ثلاثا ، فإنهما لا يقران عليه‌

______________________________________________________

لا نثبت ما لم يثبتوه ، وهم لا يثبتون في هذا الفرد لأحد الزوجين أو لكليهما سلطنة النكاح ، فلا نثبتها نحن.

ولأن الخيار مناف لصحة النكاح ، فإذا بقي إلى الإسلام كان المنافي لصحة العقد موجودا بعد تعلق أحكام المسلمين بالزوجين أو بأحدهما ، فكان كنكاح المعتدة إذا بقيت العدة إلى الإسلام.

وأما الفرض الثاني ، وهو ما إذا كان اشتراط الخيار مقيدا بمدة ، فإنه إذا انقضت المدة قبل إسلام واحد منهما فهو كانقضاء عدة المعتدة قبل الإسلام فيصح النكاح ، وإن بقيت إلى إسلامها لم يقرا عليه قطعا ، ولو بقيت المدة إلى إسلام أحدهما خاصة فكذلك ، لتعلق حكم فساد النكاح بالمسلم منهما.

وقال بعض الشافعية : لا يندفع النكاح إلاّ إذا اقترن بقاء المدة بإسلامهما ، لأن وقت الاختيار والإمساك هو الاجتماع على الإسلام ، وليس بشي‌ء.

قوله : ( ه‍ : لو تزوجها في العدة ثم أسلما ، فإن كان بعد الانقضاء اقرا عليه ، وإلاّ فلا ، لأن نكاح المعتدة لا يجوز ابتداؤه حالة الإسلام. أما بعد الانقضاء فإنهما يعتقدان صحة هذا النكاح ، ويجوز ابتداء مثله في الإسلام على هذا الحال ، ولا اعتبار بالمتقدم فإنه معفو عنه.

أما لو تزوج حليلة ابنه أو أبيه أو ابنه أو المطلقة ثلاثا ، فإنهما لا يقران عليه‌


بعد الإسلام.

و : لو أسلم ثم ارتد فانقضت العدة من حين إسلامه على كفرها تبيّنا الفسخ من حين الإسلام.

______________________________________________________

بعد الإسلام ).

لا ريب أن وصف الاعتداد مانع من صحة النكاح ، وملحق للمرأة بمن يحرم نكاحهن ما دامت في العدة ، فكذا القول في المطلقة ثلاثا قبل التحليل ، فمتى تزوج الكافر معتدة ثم تجدد الإسلام ، فإن كانت العدة باقية فلا نكاح ، وإن انقضت قبل الإسلام كان صحيحا.

قال بعض الشافعية : هذا إذا كانت عدة النكاح ، أما إذا نكح معتدة عن الشبهة ثم أسلم والعدة باقية فإنهما يقران على النكاح ، لأن الإسلام لا يمنع دوام النكاح مع عدة الشبهة ، فلا يعترض عليه إذا لاقاه ، والظاهر المنع مطلقا ، إذ لا يجوز إنشاء نكاح المعتدة عن وطء الشبهة في الإسلام.

وهنا بحث : وهو أن العقد على ذات العدة والدخول بها من الأسباب الموجبة للتحريم المؤبد ، وحقه أن لا يفرق في ذلك بين المسلم والكافر ، كما في سائر الأسباب كالتطليق ثلاثا ، فإنه تحرم المطلقة إلى أن تنكح زوجا آخر ، والمطلقة تسعا للعدة فإنه يحرمها مؤبدا.

وقد أطلقوا هنا صحة النكاح إذا انقضت العدة قبل الإسلام ، وظاهرهم أن ذلك مع الدخول أيضا ، وللنظر فيه مجال.

ولو تزوج حليلة أبيه أو ابنه لم يقر عليه بعد الإسلام بحال ، لأنها تحرم عليه مؤبدا.

قوله : ( و : لو أسلم ثم ارتد فانقضت العدة من حين إسلامه على كفرها تبين الفسخ من حين الإسلام.


وإن أسلمت في العدة تبيّنا عدم الفسخ بالإسلام ، ونضرب لها عدة من حين الارتداد ، فإن عاد فيها فهو أحق ، وإلاّ بانت من حين ردته.

وليس له العود إليها بذلك العقد حال ردته وإن كانت كافرة ، وكذا لو أسلم ثم ارتد ثم أسلمت ثم ارتدت ، لم يكن له استصحاب العقد وإن كان في العدة.

______________________________________________________

وإن أسلمت في العدة تبينّا عدم الفسخ بالإسلام ، ويضرب لها عدة من حين الارتداد ، فإن عاد فيها فهو أحق ، وإلاّ بانت من حين ردته ، وليس له العود إليها بذلك العقد حال ردته وإن كانت كافرة وكذا لو أسلم ثم ارتد ثم أسلمت ثم ارتدت ، لم يكن له استصحاب العقد وان كانت في العدة ).

لا ريب أن حدوث اختلاف الدين بين الزوجين المانع من صحة النكاح بينهما إذا وقع قبل الدخول انفسخ به النكاح في الحال وان كان بعد الدخول وقف الأمر فيه على انقضاء العدة.

فإذا أسلم الزوج بعد الدخول ثم ارتد فلا ريب في ضرب العدة من حين الإسلام فإذا ارتد بعد إسلامه فقد حدث سبب أخر لفسخ النكاح لو كانت الزوجة مسلمة فينظر ان انقضت العدة من حين إسلامه على كفرها تبينا فسخ النكاح من حين إسلامه.

وان أسلمت في العدة تبين ان الإسلام لم يكن موجبا للفسخ وان النكاح بحاله إلى زمان الردة فلا بد من ضرب عدة اخرى من حين الارتداد لان اختلاف الدين مانع من صحة النكاح حيث حدث بعد الدخول.

فان عاد إلى الإسلام قبل القضاء بها تبينا بقاء عقد النكاح والا تبينا البينونة من حين الردة وليس له العود إليها بذلك العقد حال ردته وان كانت كافرة لأن المرتد له حكم الإسلام فلا يجوز ان ينكح الكافرة.


ز : لو طلق كل واحدة من الأختين ثلاثا ثلاثا ثم أسلموا حرمتا إلاّ بالمحلل.

المطلب الثالث : في الزيادة على العدد الشرعي : إذا أسلم الحر على أكثر من أربع من الكتابيات بعقد الدوام اختار أربع حرائر ، أو حرتين وأمتين ، أو ثلاث حرائر وأمة. والعبد يختار حرتين ، أو أربع إماء ، أو حرة وأمتين. واندفع نكاح البواقي ، سواء ترتب عقدهن أولا ، وسواء اختار‌

______________________________________________________

والمراد من قولهم الكفر كالملة الواحدة ما عدا الارتداد لما قلنا من ان المرتد له حكم المسلم ، ومن ثم لا يجوز للمرتد ان ينكح الكافرة ولا المسلمة لكفره وكذا الحكم لو أسلم ثم ارتد ثم أسلمت ثم ارتدت لم يكن له استصحاب العقد وان كان إسلامها وارتدادها في العدة.

قوله : ( ز : لو طلق كل واحدة من الأختين ثلاثا ثلاثا ثم أسلموا حرمتا ، إلاّ بالمحلل ).

قد علم تقريب ذلك مما سبق ، ولا يخفى أن في قوله : ( ثلاثا ثلاثا ) تكرارا ، فإن التطليق لكل واحدة إنما يكون ثلاثا لا ثلاثا ثلاثا ، وربما اعتذر عن هذا بأن ثلاثا ثلاثا منصوب على التمييز عن الجملة ، على أن قوله : ( لو طلق كل واحدة من الأختين ) كلام تام ، وثلاثا تفسير لكل من الطلاقين.

وظاهر أن تفسير طلاق إحداهما لا يغني عن الأخرى ، وهذا وإن كان محتملا إلاّ أنه خلاف المتبادر ، لأن المتبادر أنه منصوب لكونه مفعولا مطلقا.

قوله : ( المطلب الثالث : في الزيادة على العدد الشرعي : إذا أسلم الحر على أكثر من أربع من الكتابيات بعقد الدوام اختار أربع حرائر أو حرتين وأمتين ، والعبد يختار حرتين أو أربع إماء أو حرة وأمتين ، واندفع نكاح البواقي ، سواء ترتب عقدهن أو لا ، وسواء اختار الأوائل أو الأواخر ، وسواء‌


الأوائل أو الأواخر ، وسواء دخل بهن أو لا.

ولا يشترط إسلامهن ولا ينتظر العدة.

ولو أسلم معه أربع من ثمان فالأقرب أن له اختيار الكتابيات.

______________________________________________________

دخل بهن أو لا ، ولا يشترط إسلامهن ولا ينتظر العدة ).

قد سبق أن الرجل إذا أسلم كان له استدامة نكاح زوجته إذا كانت كتابية ، فعلى هذا إذا أسلم عن زائد عن العدد الشرعي وهن كتابيات بعقد الدوام ، فان كان حرا اختار أربع حرائر أو حرتين وأمتين ، أو أمة وثلاث حرائر إن كان فيهن إماء وقلنا بنكاح الأمة بالعقد من دون الشرطين ، وإلاّ بطل عقد الإماء ، لأن وقت الإسلام بمنزلة ابتداء النكاح ، لأنه وقت المؤاخذة بالأحكام الإسلامية.

وإن كان عبدا اختار حرتين أو أربع إماء أو حرة وأمتين ، لأن ذلك هو العدد الجائز لكل واحد منهما ، فإذا اختار ذلك اندفع نكاح البواقي.

ولا فرق في الاختيار بين أن ينكحهن دفعة أو على الترتيب ، ولا بين أن يكن مدخولا بهن وعدمه ، ولا بين أن يختار الأوائل أو الأواخر.

يدل على ذلك ما رواه العامة أن غيلان أسلم وعنده ثلاث عشرة نسوة ، فقال له النبي 6 : « أمسك أربعا وفارق سائرهن » (١) ، وترك الاستفصال مع الاحتمال يجري مجرى العموم.

وذهب بعض العامة إلى أنه إن تزوجهن في عقد واحد اندفع نكاح الجميع ، وإن كان في عقود مترتبة لزمه الأربع الأوائل (٢) ، وهو غير معتد به.

ولا يخفى أنه لا يشترط إسلامهن ، لما سبق من بقاء نكاح الكتابية ، ولا ينتظر مضي العدة لننظر هل يسلمن أم لا ، لأنه لا فرق في ذلك بين إسلامهن وعدمه.

قوله : ( ولو أسلم معه أربع من ثمان فالأقرب أن له اختيار الكتابيات )

__________________

(١) انظر سنن البيهقي ٧ : ١٨٢ ـ ١٨٣.

(٢) المغني لابن قدامة ٧ : ٥٤٠.


وليس للمرأة اختيار أحد الزوجين ، بل يبطلان مع الاقتران ، والثاني مع الترتيب ولا مهر للزائد ، فإن دخل فمهر المثل إن قلنا بعدم الصحة.

______________________________________________________

وجه القرب أن الإسلام‌ لا يمنع الاستمرار على نكاح الكتابية ولا يوجب نكاح المسلمة ، فلا مقتضي لترجيح المسلمات ، ويحتمل تعيين المسلمات للاختيار ، لشرف المسلمة على الكافرة ، فلا يناسب ذلك اختيار الكتابيات على المسلمات ، والأصح الأول.

قوله : ( وليس للمرأة اختيار أحد الزوجين ، بل يبطلان مع الاقتران ، والثاني مع الترتيب ).

لما اتفقت الملل على حفظ الفروج وصيانتها عن اختلاط الأنساب ، امتنع نكاح المرأة الواحدة رجلين ، فمتى وقع ذلك في الكفر ، فإن تقدم عقد أحدهما كان الثاني محكوما ببطلانه عينا ، وإلاّ كان كل منهما باطلا.

قوله : ( ولا مهر للزائد ، فإن دخل فمهر المثل إن قلنا بعدم الصحة ).

أي : ولا مهر للزائد على العدد الشرعي إذا اختار أربعا واندفع نكاح الباقي ، ولم يكن قد دخل بمن اندفع نكاحها ، وكذا لا نفقة لهن ولا متعة ، فإن كان قد دخل وجب مهر المثل إن قلنا إن نكاح الكفر لما زاد على العدد الشرعي غير صحيح ، كذا قال الشارح الفاضل (١).

والذي يفهم من كلام الشيخ أن نكاح الكفر غير صحيح ، إلاّ إذا انضم إلى الاختيار في حال الإسلام (٢) ، فلا يتم ما ذكره الشارح ، ولو قلنا بصحته وجب المسمّى ، وهذا هو المختار.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ١٠٧.

(٢) المبسوط ٤ : ٢٢١.


ولو أسلم عن امرأة وبنتها بعد الدخول بهما أو بالأم حرمتا ، وقبله تحرم الأم خاصة ولا اختيار.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أسلم عن امرأة وبنتها بعد الدخول بهما أو بالأم حرمتا ، وقبله تحرم الأم خاصة ولا اختيار ).

لو تزوج الكافر بامرأة وبنتها ، ثم أسلم وأسلمتا معه وكانتا كتابيتين فالأحوال أربع :

الأول : أن يكون قد دخل بهما فيحرمان معا ، أما البنت فبدخوله بالأم ، وأما الأم فلأنه عقد على البنت ودخل بهما ، وهما سببان في التحريم ، ولكل واحد منهما المسمّى إن كانت التسمية صحيحة ، وإلاّ فمهر المثل.

الثاني : أن يدخل بالأم خاصة فيحرمان ايضا ، أما البنت فللدخول بالأم ، وأما الأم فللعقد على البنت ، ولا مهر للبنت ، وأما الأم فلها المسمّى ، ومع فساده فمهر المثل ، ويطرد خلاف الشيخ الآتي ذكره في الرابعة هنا ايضا.

الثالث : أن يدخل بالبنت خاصة فتحرم الام قطعا ، للعقد على البنت والدخول بها ، ولا تحرم البنت ، لأن العقد على الام لا يحرمها من دون الدخول.

الرابع : أن لا يدخل بواحدة منهما ، وفيه قولان :

أحدهما ـ واختاره الشيخ ; تعالى ـ أن له اختيار أيتهما شاء ، لأن العقد في حال الشرك لا يحكم بصحته إلاّ بانضمام الاختيار في حال الإسلام ، فإنه لو تزوج واختار منهن أربعا لم يكن للبواقي مهر ولا نفقة ولا متعة بمنزلة من لم يقع عليهن عقد.

ولأنه لو تزوج الأختين دفعة وأسلم كان له أن يختار أيتهما شاء فكذا الام والبنت ، فإن اختار نكاح البنت استقر نكاحها وحرمت الام على التأبيد ، بخلاف العكس ، إلاّ أن يدخل بالأم.

وثانيهما ـ واختاره المصنف ـ أنه يلزمه نكاح البنت ، لأن نكاح الكفر صحيح ، ولهذا لو كان له أربع فما دون وأسلمن أو كن كتابيات لزمه نكاحهن ، ولم يفتقر الى‌


ولو أسلم عن أمة وبنتها تخيّر إن لم يطأ إحداهما ، وإلاّ حلت الموطوءة خاصة ، ولو كان قد وطأهما حرمتا.

ولو أسلم عن أختين تخيّر وإن وطأهما ،

______________________________________________________

الاختيار حال الإسلام ، وعدم وجوب مهر قبل الدخول للزائد على العدد ، لحصول الفسخ لا من قبل الزوج ، وهذا هو الأصح.

واعلم أن قول المصنف : ( وقبله ) شامل للحالتين ، وهو ما إذا لم يدخل بواحدة منهما أو لم يدخل بالأم ، أي : وقبل الدخول بهما أو بالأم ، وقوله : ( ولا اختيار ) للتصريح بالرد على الشيخ.

قوله : ( ولو أسلم عن أمة وبنتها تخيّر إن لم يطأ إحداهما ، وإلاّ حلت الموطوءة خاصة ، ولو كان قد وطأهما حرمتا ).

أي : لو أسلم عن أمة وبنتها مملوكتين له ، فان لم يكن وطأ واحدة منهما تخيّر من شاء منهما للوطء كما في حال الإسلام ، وإن كان قد وطأ إحداهما حلت الموطوءة دون الأخرى كما في حال الإسلام.

وإن كان قد وطأهما حرمتا معا ، أما اللاحقة فظاهر ، وأما السابقة فإما لأن وطء الشبهة يحرم وإن تأخر ، أو لأن وطء الشبهة لكل منهما بمنزلة العقد على كل منهما ، وحيث كان العقد على كل منهما والوطء لكل منهما في الكفر محكوما بصحته لم ينظر إلى السبق والتأخر ، ورتب على كل منهما ما ترتب على الصحيح.

قوله : ( ولو أسلم عن أختين تخيّر وإن وطأهما ).

لأن فيروز الديلمي أسلم على أختين فخيره النبي 6 في إمساك أيتهما شاء ، وحكم على غير المختارة حكم الزائد على العدد (١).

__________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ١٨٤.


وكذا عن العمة والخالة مع بنت الأخ أو الأخت إذا اختارتا عدم الجمع أو الحرة والأمة.

ولو اختارت الحرة أو العمة أو الخالة العقد على الأمة ، أو بنت الأخ أو الأخت صح الجمع.

ولو اخترن في حال الكفر لزمهن حكمه حال الإسلام.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا عن العمة والخالة مع بنت الأخ أو الأخت إذا اختارتا عدم الجمع أو الحرة والأمة ، فلو اختارت الحرة أو العمة أو الخالة العقد على الأمة أو بنت الأخ أو بنت الأخت صح الجمع ).

إن رضيت العمة والخالة بالجمع بينهما وبين بنت الأخ والأخت فلا بحث ، وإن اختارتا عدم الجمع يخير العمة أو بنت أخيها ، فمن اختارها صح نكاحها واندفع نكاح الأخرى ولا مهر إلاّ مع الدخول.

وأما إذا أسلم عن حرة وأمة ، فإنه إن لم ترض الحرة بنكاح الأمة انفسخ ، وإن رضيت فالجمع صحيح عندنا ، وعند العامة يبنى على أن نكاح الأمة يجوز اختيارا أم بالشرطين ، فعلى الثاني ينفسخ ، وعلى الأول يعتبر رضى الحرة.

واعلم أن عبارة الكتاب وغيره لا تؤدي المعنى المراد منها في مثله الحرة والأمة ، بل الظاهر منها خلاف المراد فينبغي التنبيه له.

قوله : ( ولو اخترن حال الكفر لزمهن حكمه حال الإسلام ).

أي : لو اختار كل من العمة والخالة بالنسبة الى بنت أخيها وبنت أختها ، والحرة بالنسبة إلى الأمة الجمع في حال الكفر كان ذلك موجبا للزوم النكاح ، ولم يثبت الاختيار بعد الإسلام ، تمسكا بالاستصحاب ، ولأن نكاح الكفر صحيح ، فإذا وقع مستجمعا للأمور المعتبرة في شرع الإسلام كان لازما.


ولو أسلم الحر على أربع إماء تخيّر اثنتين ، وكذا لو كان معهن حرائر إذا رضيت الحرائر.

والأقرب اعتبار رضى جميع الحرائر الأربع دون الخامسة إن فسخ نكاحها ، وإلاّ اعتبر.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أسلم على أربع إماء تخيّر أمتين ، وكذا لو كان معهن حرائر إذا رضيت الحرائر ، والأقرب اعتبار رضى جميع الحرائر الأربع دون الخامسة إن فسخ نكاحها ، وإلاّ اعتبر ).

لو أسلم الحر على أربع إماء تخيّر أمتين عندنا ، سواء كان ممن يجوز له ابتداء العقد على الأمة أم لا عند علمائنا ، ذكره في التذكرة (١) ، لأنه استدامة عقد لا استئنافه.

ولو كان مع الإماء حرائر تخيّر اثنتين بشرط رضى الحرائر ، فإن لم يرضين انفسخ نكاح الإماء ، لأن الاختيار بمنزلة ابتداء النكاح. والأقرب أنه لو كان له أزيد من أربع حرائر إنه لا بد من رضى أربع حرائر بنكاح الإماء ليختار أمتين ، ولا يكفي رضى حرتين فقط.

أما الزائد على الأربع كالخامسة فإن فسخ نكاحها لم يعتبر رضاه ، وإلاّ اعتبر.

ووجه القرب في أنه لا بد من رضى أربع حرائر دون أمتين أن يقال : إن نكاح أربع من الحرائر الخمس لازم ، وإنما تكون الإماء زوجات إذا رضي الحرائر بنكاحهن ، فقبل رضاهن لا يكن زوجات.

فلا جرم قبل تحقق شرط نكاح الإماء لا يتحقق نكاحهن ، فيكون نكاح أربع حرائر لازما فلا بد من رضاهن وفيه نظر ، لأنه إذا انضم اختيار الزوج لنكاح الحرتين الراضيتين إلى اختيار الأمتين اندفع نكاح البواقي ، فلا اعتبار لرضاهن.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٥٤.


______________________________________________________

أو يقال : اختيار الأمتين مشروط برضاء الحرائر ، وجميع الحرائر زوجات حينئذ ، فلا بد من رضى جميعهن ، لامتناع صحة اختيار الأمة من دون رضى جميع الحرائر ، عملا بعموم اعتبار رضى الزوجة الحرة ، وفيه نظر ، لأن من اختارها للفسخ لا نمنع وجوب اعتبار رضاها ، لأنها آيلة إلى بينونة.

لا يقال : فسخ نكاحها فرع زيادتها على النصاب ، وإنما يكون ذلك إذا صح اختياره الإماء ، وإنما يصح إذا رضيت الزوجات كلهن الحرائر.

لأنا نقول : لم لا يجوز أن يكون اختياره للأمتين مع الحرتين الراضيتين وانفساخ نكاح البواقي واقعا في زمان واحد ، ولا نسلم اشتراط اختيار الإماء برضى من عيّنهن للفسخ ، ولا دليل على الاشتراط فليتأمل.

أو يقال : إن نكاح الحرتين لازم قطعا فيعتبر رضاهما ، ولا يعلمان بعينهما فلا بد من رضى الأربع ليعلم حصول رضى الاثنتين في الجملة إذ لا يتحقق بدونه ، ومن ثم يعتبر رضى الخامسة لو لم يفسخ نكاحها.

أما إذا فسخه فلا ، لاندفاعه بالفسخ قطعا ، بخلاف ما زاد على اثنتين من الأربع ، إذ لا يندفع نكاح الزائد بمجرد فسخه ، وفيه نظر ، لأنه إذا اختار نكاح الحرتين الراضيتين مع أمتين تبيّن انحصار النكاح في ما دون باقي الحرائر ، وإن رضاهما هو المعتبر دون رضى غيرهما.

ولا ريب أنه إذا فسخ نكاح ما عدا الحرتين الراضيتين بعد أن اختار أمتين انفسخ نكاحهن ، فكان الزائد على اثنتين كالخامسة ، حيث انه إذا فسخ نكاحها انفسخت ، فعلى هذا ظهر أنه إذا رضيت حرتان انضم اليه اختيار نكاحهما مع أمتين كفى ذلك ، ولم يحتج إلى رضى الأربع ، وهو الاحتمال الثاني ، وهو قوي.

وجعل الشارح الفاضل مقابل الأقرب احتمال توقف اختيار الإماء حتى يختار الحرتين ، ثم يأذنان في اختيار الأمتين ، لأنهما قبل التعيين لا يصلحان للاذن ، وقد ينظر‌


ولو كان احدى الخمس بنت الأخ أو الأخت فاختارها مع ثلاث انفسخ نكاح العمة أو الخالة.

______________________________________________________

في اعتبار هذا الترتيب ، لأنهما زوجتان ظاهرا.

وذكر احتمالا ثالثا ، وهو عدم توقف اختيار الأمتين على رضى الحرائر أصلا ، بناء على أن الاختيار كاستدامة النكاح ، إذ لا يشترط صيغة النكاح ولا قبول المرأة ، وإنما هو استدراك عقد أشرف على الزوال فأشبه الرجعة ، ولجوازه في الإحرام ، وذكر أنه قول لبعض الفقهاء.

واحتمل في المسألة احتمالا رابعا على هذا القول وهو اعتبار رضى الكل ، لأنهن باختلاف الدين قبل الاختيار كالمطلقة الرجعية ، فكل واحدة منهن كزوجة (١).

واندفاع نكاح الزائد باختيار النصاب يقتضي أنه قبل الاختيار لا بد من رضى الكل ، لأنهن بحكم الزوجات ، وقد يناقش فيه بان اعتبار رضى من يريد دفع نكاحها موضع المنع.

قوله : ( ولو كان احدى الخمس بنت الأخ أو بنت الأخت فاختارها مع ثلاث انفسخ نكاح العمة والخالة ).

أي : لو كان له زوجات خمس إحداهن بنت أخ الأخرى منهن أو بنت أختها ، فاختار البنت مع ثلاث غير العمة والخالة اندفع نكاح العمة أو الخالة ، لزيادتها على النصاب ، ولم يعتبر رضاها لخروجها عن الزوجية ، بخلاف ما لو كان الجميع أربعا ، فإنه لا بد من رضى العمة والخالة.

ولقائل أن يقول : يلزم على اعتبار رضى الأربع والخامسة إن لم ينفسخ نكاحها وجوب اعتبار رضى العمة أو الخالة هنا ، لأن اختيار بنت الأخ أو الأخت مشروط برضى العمة والخالة ، لأنها زوجة ، واندفاع نكاحها مشروط بصحة الاختيار.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ١٠٩.


ولو أسلم على حرة وثلاث إماء تخيّر مع الحرة أمتين إذا رضيت الحرة ، ولو لم ترض ثبت عقدها وبطل عقد الإماء.

ولو لحق به الإماء وخرجت العدة على كفر الحرة ، بطل نكاحها وتخير أمتين.

ولو عادت في العدة ثبت عقدها خاصة إن لم ترض بالإماء.

______________________________________________________

وحيث اكتفينا برضى اثنتين في الاولى ، وحكمنا بأن من لم يختر نكاحها لا يكون رضاها معتبرا ، تمسكا بأصالة عدم اعتباره في الزوجة التي يختارها للفسخ ، فعدم اشتراط رضى العمة والخالة في هذه الصورة واضح.

قوله : ( ولو أسلم على حرة وثلاث إماء تخيّر مع الحرة أمتين إذا رضيت الحرة ، ولو لم ترض ثبت عقدها وبطل عقد الإماء ).

إذا أسلم الحر على حرة وثلاث إماء وثنيات وأسلمن ، وكذا لو كن كتابيات ، تخيّر مع الحرة أمتين ، بناء على أنه لا يتشرط نكاح الأمة فقد الطول وخوف العنت ، هذا إذ رضيت الحرة بالإماء ، فلو لم ترض ثبت عقدها واندفع عقد الإماء لا محالة.

قوله : ( ولو لحق به الإماء وخرجت العدة على كفر الحرة بطل نكاحها وتخيّر أمتين ).

هذا من شعب المسألة المفروضة ، وهي ما إذا أسلم على حرة وثلاث إماء ، أي : لو لحق به الإماء في الصورة المذكورة ، بأن أسلمن وخرجت العدة والحرة على كفرها ، حيث كانت مدخولا بها وهي غير كتابية ، بطل نكاح الحرة لا محالة ، فلم يعتبر رضاها حينئذ وتخيّر من الإماء اثنتين ، بناء على أن نكاح الإماء غير مشروط بالشرطين.

قوله : ( ولو عادت في العدة ثبت عقدها خاصة إن لم ترض بالإماء ).

أي : لو أسلمت في العدة والحال إن الإماء أسلمن ، اعتبر رضاها بالإماء ليختار اثنتين ، فإن لم ترض ثبت عقدها خاصة.


ولو طلق الحرة في العدة قبل إسلامها ، فإن أسلمت فيها صح الطلاق وبنّ الإماء إن قلنا ببطلان عقد الأمة على الحرة من أصله ، وإن خرجت ولما تسلم ظهر بطلان الطلاق وتخيّر في الإماء.

______________________________________________________

قوله : ( ولو طلق الحرة خاصة في العدة قبل إسلامها ، فإن أسلمت فيها صح الطلق وبن الإماء إن قلنا ببطلان عقد الأمة على الحرة من أصله ، وإن خرجت ولما تسلم ظهر بطلان الطلاق وتخيّر في الإماء ).

هذا من أحكام المسألة المذكورة أيضا ، وتحقيقه إنه لو طلّق الحرة المدخول بها في العدة قبل إسلامها ، نظر فإن أسلمت في العدة تبيّن صحة الطلاق لوقوعه على من ثبت زوجيتها.

ثم الحكم في الإماء مبني على أن من عقد على الأمة وعنده حرة بغير اذنها ، هل يكون باطلا من أصله ، أو يكون موقوفا على رضاها؟ فإن قلنا بالأول بانت الإماء ، وإن قلنا بالثاني اختار أمتين.

وإنما بناه على هذا ، لأنه على القول بالوقف لا مانع من الصحة هنا ، لأنه إنما كان المانع الجمع بين الحرة والأمة ، وقد زال ، ويشكل هذا البناء بأمرين :

الأول : لزوم مثله لو طلق المسلم الحرة بعد أن عقد على الأمة ، فيجب الحكم بصحة عقد الأمة في هذه الصورة بناء على الوقف.

قال شيخنا الشهيد في بعض حواشيه : والتزامه بعيد اعتمادا على ان معنى الوقف صحته إذا أذنت لإفساده إذا منعت.

وتوضيحه : إن المعقول من معنى الوقف هنا تزلزل العقد وعدم ثبوته حتى يرضى ، لا تسلطها على فسخه مع ثبوته ، وبعد الطلاق لا اعتبار لرضاها ، لخروجها عن الزوجية.

الثاني : إنه يلزم فيمن أسلم عن حرة وأمة ولم يطلّق بطلان عقد الأمة ، بناء على‌


ولو أسلم الحر على أربع حرائر أو حرتين وأمتين ، أو ثلاث حرائر وأمة. أو أسلم العبد على أربع إماء ، أو حرة وأمتين ، أو حرتين ، ثبت العقد على الجميع ، لكن مع رضى الحرائر إذا اجتمعن مع الإماء ، هذا إذا كن‌

______________________________________________________

القول بالبطلان في المسألة المذكورة ، وظاهرهم خلافه.

والتحقيق ان البناء لا يخلو من اشكال بالنسبة إلى كل من الطرفين ، بل ينبغي أن يقال : فيه احتمالان : الصحة ، لانتفاء الجمع المانع منها والبطلان ، لتوقفه على رضى الحرة ، وقد تعذر بخروجها عن الزوجية.

واحتمل شيخنا الشهيد اعتبار رضاها لو كانت العدة رجعية ، لأنها زوجة ، ثم ضعّفه بجريانها إلى بينونته ، ومعها فلا اعتبار لرضاها. هذا كله إذا أسلمت في العدة ، فلو خرجت ولم تسلم ظهر بطلان الطلاق ، لأنه إنما يقع على زوجة وقد تبيّن انفساخ النكاح ، باختلاف الدين. وهنا فائدتان :

الأولى : قوله : ( وبن الإماء ) جاز على لغة أكلوني البراغيث ، وفي بعض النسخ وبانت الإماء.

الثانية : في الحكم بصحة الطلاق على تقدير إسلامها في العدة دليل على أن من طلّق وهو شاك في تحقق شرط صحة الطلاق ، ثم علم حصوله حين وقوعه ، يقع طلاقه صحيحا.

وقد يوجد في كلام بعضهم ما يخالف ذلك ، والاشكال متطرق إليه ، لأنه حينئذ طلّق طلاقا على التردد ، ولا بد في القعود والإيقاعات من الجزم. ولمانع أن يمنع من التردد ، لأن استصحاب الحال يقتضي بقاء الزوجية ، والمزيل هو خروج العدة قبل الإسلام ، وهو مشكوك فيه ، ومتى حصل الاشتباه رجع الى الاستصحاب فلا تردد.

قوله : ( ولو أسلم الحر على أربع حرائر أو حرتين وأمتين ، أو ثلاث حرائر وأمة وأسلم العبد على أربع إماء ، أو حرة وأمتين ، أو حرتين ، ثبت العقد على الجميع ، لكن مع رضى الحرائر إذا اجتمعت مع الإماء ، هذا إذا كن‌


كتابيات.

ولو أسلم على أكثر من أربع وثنيات مدخول بهن انتظرت العدة ، فإن خرجت ولم تسلم منهن واحدة بطل عقدهن ، وإن أسلم فيها أربع فما دون وخرجت ولم تزدن على الأربع ، ثبت عقد المسلمات وإن زدن على أربع في العدة تخير أربعا ، وله اختيار من سبق إسلامها ومن تأخر ، ويندفع نكاح البواقي.

وكذا لو أسلمن كلهن ، ولا يجبر على الاختيار إذا سبق البعض ، بل له التربص حتى تخرج العدة ، فإن لحقن به أو بعضهن ولم يزدن عن أربع‌

______________________________________________________

كتابيات ).

لما كان للحر أن ينكح أربع حرائر أو حرتين وأمتين أو ثلاث حرائر وامة ، على ما سبق بيانه ، وكذا للعبد أن ينكح أربع إماء أو حرة وأمتين أو حرتين ، فإذا أسلم أحدهما على عدد من الأعداد التي يجوز له ثبت عقده على الجميع ولم يكن له اختيار ، لانتفاء الزيادة على النصاب. هذا إذا كن كتابيات ، فإنه يجوز استدامة نكاحهن.

أما إذا كن وثنيات فإنه لا بد من إسلامهن معه ، أو في العدة إذا كن مدخولا بهن.

قوله : ( ولو أسلم عن أكثر من أربع وثنيات مدخول بهن ، انتظرن العدة ، فإن خرجت ولم يسلم منهن أحد بطل عقدهن ، وإن أسلم فيها أربع فما دون وخرجت ولم يزدن على الأربع ، ثبت عقد المسلمات.

وإن زدن على أربع في العدة تخير أربعا ، وله اختيار من سبق إسلامها ومن تأخر ، ويندفع نكاح البواقي.

وكذا لو أسلمن كلهن ، ولا يجبر على الاختيار إذا سبق البعض ، بل له التربص حتى تخرج العدة ، فإن لحقن به أو بعضهن ولم يزدن على أربع‌


ثبت عقده عليهن ، وإن زدن عن أربع تخير أربعا.

ولو اختار من سبق إسلامهن وكن أربعا لم يكن له اختيار من لحق به ولو في العدة.

______________________________________________________

ثبت عقده عليهن ، وإن زدن على أربع تخير أربعا.

ولو اختار من سبق إسلامهن وكن أربعا ، لم يكن له اختيار من لحق به ولو في العدة ).

يصح تقدير المسلم حرا وعبدا ، لكن لا بد أن يراعى في اختيار الحر اختياره لما يجوز له من الحرائر والإماء ، فإذا أسلم الزوج عن أكثر من أربع وثنيات مدخول بهن ـ وهذا القيد ليكون لهن عدة ينتظر إسلامهن فيها ـ فهناك أحوال :

الأول : أن لا تسلم واحدة منهن في العدة ، فيتبين اندفاع نكاحهن باختلاف الدين ، وهو واضح.

الثاني : أن يسلم فيها أربع فما دون ، ويخرج عدد الباقين قبل إسلام إحداهن ، فتتعين المسلمات في العدة ، ويندفع نكاح البواقي ، لأنه إنما يتخير إذا زاد عدد من يستدام نكاحهن على النصاب.

الثالث : هذه الصورة بحالها لكن زدن في العدد على أربع ، فيتخير حينئذ أربعا ، وله اختيار من سبق إسلامها ومن تأخر ، لأن الاعتبار بجواز استدامة النكاح بكون الإسلام في العدة ولو قبل أخرها بلحظة ، فإذا اختار أربعا اندفع نكاح البواقي.

وأما من خرجت عدتها ولم تسلم ، فإنها بخروج العدة تتبين بينونتها.

الرابع : أن يسلمن كلهن في العدة فيختار أربعا ، فإذا اختاره اندفع البواقي.

ولا يخفى أنه حيث سبق البعض والعدة باقية لا يجبر على الاختيار لمن سبق ، لإمكان لحاق البواقي أو بعضهن ، بل له التربص حتى تخرج العدة ، فإن لم يزدن عن أربع ثبت عقده عليهن ، وإن زدن تخير أربعا.


ولو أسلم عن أربع وثنيات مدخول بهن لم يكن له العقد على خامسة ، ولا على أخت إحداهن إلاّ بعد انقضاء العدة مع بقائهن على الكفر ، أو بقاء إحدى الأربع أو الأخت عليه.

______________________________________________________

ولو اختار من سبق إسلامهن وكن أربعا لم يكن له اختيار من لحق به ، وإن كان اللحاق في العدة ، لأنه باختياره للأربع يندفع نكاح البواقي لو كن مسلمات وتجدد إسلامهن بعد الاختيار.

قوله : ( ولو أسلم عن أربع وثنيات مدخول بهن ، لم يكن له العقد على خامسة ولا على أخت إحداهن إلاّ بعد انقضاء العدة مع بقائهن على الكفر أو بقاء إحدى الأربع أو الأخت عليه ).

إذا أسلم عن أربع وثنيات مدخول بهن ـ وقد علم وجه هذا القيد ـ لم يكن له العقد على خامسة ، ولا على أخت إحداهن ، إلاّ بعد انقضاء العدة مع بقائهن على الكفر أو بقاء إحدى الأربع عليه.

وكونها أخت من يريد العقد عليها حيث تكون الخامسة أختا لإحدى الأربع ، لأنهن قبل ذلك لا يعلم اندفاع زوجيتهن ، لجواز إسلامهن في العدة فيثبت نكاحهن أو إسلام الأخت ، فيثبت نكاحها وتمنع منها.

فإن قيل : حيث جاز طلاق الحرة في المسألة السابقة في العدة قبل إسلامها ، وكان إسلامها قبل خروج العدة مصححا له ، وعدمه كاشفا عن فساده ، فلم لا يجوز هنا العقد على الخامسة وعلى الأخت ، وينتظر العدة فإن أسلمن كلهن فيها تبيّن بطلان نكاح الخامسة ، وكذا لو أسلمت الأخت تبيّن بطلان نكاح أختها ، وإلاّ ثبتت الصحة.

قلنا : يمكن الفرق بأن شرط الطلاق حاصل ظاهرا ، لأن المطلقة قد كانت زوجة قبل الإسلام ولم يتبين اندفاع نكاحها بالإسلام حينئذ ، فيتمسك بالأصل ظاهرا ، ثم ينظر إلى الكاشف وهو إسلامها في العدة وعدمه ، بخلاف نكاح الخامسة‌


ولو أسلمت الوثنية فتزوج الكافر بأختها ، فإن انقضت العدة على كفره صح عقد الثانية ، ولو أسلما في عدة الاولى تخيّر.

ولو تأخر إسلام الثانية حتى خرجت عدة الاولى وقد أسلم بانت ، ويحتمل انتظار العدة للثانية من حين إسلامه ، فإن لحقت به تخيّر وإن خرجت عدة الاولى.

______________________________________________________

والأخت ، لأن المانع ـ وهو نكاح الأربع أو الأخت ـ موجود ظاهرا ، لأنهن قبل الإسلام كن زوجات ، ولم يعلم زوال الزوجية والأصل بقاؤها إلى أن يعلم المزيل ، فالمصحح ظاهرا موجود في الأول ، والمانع ظاهرا موجود في الثاني ، فظهر الفرق. ومن هذا يظهر جواب السؤال السابق ، أعني وقوع الطلاق على التردد.

قوله : ( ولو أسلمت الوثنية فتزوج الكافر بأختها ، فإن انقضت العدة على كفره صح عقد الثانية. ولو أسلما في عدة الاولى تخيّر ، ولو تأخر إسلام الثانية حتى خرجت عدة الاولى وقد أسلم بانت. ويحتمل انتظار العدة للثانية من حين إسلامه ، فإن لحقت به تخيّر وإن خرجت عدة الاولى )

لو أسلمت زوجة الكافر وكانت وثنية مدخولا بها ، فإنه ينتظر بنكاحها إسلامه في عدتها أو خروجها وهو على كفره.

فلو عقد على أختها صح العقد ، لأن نكاح الكفر صحيح كما سبق. ثم ينظر ، فإن انقضت عدة المسلمة وهو على كفره اندفع نكاح الاولى وتقرر عقد الثانية.

ولو أسلما أو أسلم الزوج أو الأخت المنكوحة في عدة الاولى تخيّر أيتهما شاء ، فإن كان لم يدخل بالثانية فلا أن يكون إسلامهما دفعة حذرا من انفساخ العقد.

لكن ما سيأتي من عبارته يدل على أنه دخل بالثانية ، فحينئذ لا يشترط إسلامهما دفعة ، فإذا تأخر إسلام الثانية حتى خرجت عدة الاولى وقد أسلم بانت الثانية ، وذلك لأنه لما أسلمت الأولى حكم بضرب العدة لها من حين إسلامها.


ولو أسلم العبد عن أربع حرائر فصاعدا وثنيات ، ثم أعتق ولحقن‌

______________________________________________________

وحكمه أنه متى أسلم الزوج في العدة ثبت نكاحها ما لم يكن هناك مانع ، ولا مانع هنا ، لكون الثانية كافرة ، فيستقر عقد الاولى ويندفع نكاح الثانية ، لانتفاء صلاحيتها للزوجية لامتناع الجمع بين الأختين ، وهذا قول بعض الأصحاب.

ويحتمل انتظار العدة للثانية من حين إسلامه ، فإن لحقت به في عدتها تخيّر وإن خرجت عدة الاولى.

ووجهه أن المقتضي لانفساخ نكاح الثانية إنما هو إسلام الزوج ، ولهذا لو بقي على الكفر استمر النكاح ، لأن نكاح الكفر صحيح على ما قدمناه ، وقد وقع العقد على الأخت في حال كفرهما ، فحيث كانت مدخولا بها وجب ضرب العدة لها كما في كل مدخول بها أسلم زوجها.

فإن أسلمت في العدة وجب الحكم بعدم انفساخ النكاح باختلاف الدين ، وحينئذ فيتخيّر أيتهما شاء ولا ينظر إلى بقاء عدة الاولى وانقضائها ، وهذا الاحتمال هو المختار.

والجواب عن دليل الأول : المنع من اندفاع نكاح الثانية بإسلام الاولى قبلها ، وامتناع الجمع بين الأختين لا يقتضي ذلك ، إنما يقتضي امتناع كونهما معا زوجين.

وليس الحكم ببقاء نكاح الثانية إنشاء نكاح للأخت بعد الإسلام ، وإنما هو عقد وقع في الكفر صحيحا ، فإذا لم يكن اختلاف الدين موجبا ، لفسخه لم يثبت لأحد النكاحين أولوية على الآخر ، ولم يكن لسبق إسلام إحدى الأختين مزية على تجدد إسلام الأخرى.

ومثله ما لو أسلم زوجاته الأربع وهن مدخول بهن دونه فتزوج خامسة ودخل بها ثم أسلم وتأخر إسلامها حتى خرجت عدة الأربع.

قوله : ( ولو أسلم العبد على أربع حرائر فصاعدا وثنيات ، ثم أعتق‌


به في العدة تخيّر اثنتين ، فإذا اختارهما انفسخ نكاح البواقي ، وكان له العقد على اثنتين اخرتين ، لأنه حينئذ حر.

ولو أعتق أولا ثم أسلم ولحقن به تخيّر أربعا ،

______________________________________________________

ولحقن به في العدة تخير اثنتين فإن اختارهما انفسخ نكاح البواقي ، وكان له العقد على اثنتين اخرتين ، لأنه حينئذ حر ، ولو أعتق أولا ثم أسلم ولحقن به تخير أربع ).

اختلف كلام الأصحاب في هذه المسألة ، فذهب الشيخ في المبسوط (١) والمصنف في التذكرة والتحرير إلى أنه إذا اجتمع إسلام الزوج والزوجات قبل عتقه كان له حكم العبيد فيختار حرتين فقط ، وإن أعتق قبل اجتماع الإسلامين كان له حكم الأحرار فيختار أربعا (٢).

وذهب في هذا الكتاب إلى أنه إذا تأخر عتقه عن إسلامه لم يكن له اختيار الأربع ، بل حكمه حكم العبيد ، لأنه في وقت ثبوت الاختيار له والتزامه بأحكام الإسلام كلها كان عبدا فانحصر اختياره في اثنتين ، بخلاف ما لو أعتق قبل إسلامه فإن له حكم الأحرار ، لأنه في وقت ثبوت الاختيار له وجريان أحكام الإسلام جميعها عليه والتزامه بجميعها كان حرا ، فيجري عليه حكم الحرية.

والمحقق نجم الدين في الشرائع استشكل الفرق بين ما إذا أسلم وأسلم معه اثنتان من الأربع ثم أعتق ، وبين ما إذا أسلموا ثم أعتق ثم أسلم أو أسلمن بعد عتقه وإسلامه في العدة ، حيث ان له في الأول اختيار اثنتين خاصة وفيما عداه اختيار أربع (٣) ، وقد بينا وجه الفرق ، والشيخ في المبسوط فرّق بينهما ، وكذا المصنف وغيره ،

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٢٨.

(٢) التذكرة ٢ : ٦٥٦ ، التحرير ٢ : ١٩.

(٣) شرائع الإسلام ٢ : ٢٩٧.


وإذا أسلم الحر عن أكثر من أربع حرائر مدخول بهن وثنيات انتظرت العدة ، فإن لحق به أربع كان له الانتظار ، فإن اختار المسلمات انقطعت عصمة البواقي.

ثم إن أسلمن قبل انقضاء العدة ، علمت البينونة باختياره للأربع ، وكانت عدتهن من ذلك الوقت.

وإن أقمن على كفرهن إلى الانقضاء ، علمت البينونة منهن باختلاف الدين.

______________________________________________________

والفرق هو المختار.

واعلم أن قول المصنف : ( لأنه حينئذ حر ) تعليل لقوله : ( وكان له العقد على اثنتين اخرتين ) لا لما قبله ، لمنافاته الحكم.

قوله : ( وإذا أسلم الحر عن أكثر من أربع حرائر مدخول بهن وثنيات انتظرت العدة ، فإن لحق به أربع كان له الانتظار ، فإن اختار المسلمات انقطعت عصمة البواقي. ثم إن أسلمن قبل انقضاء العدة علمت البينونة باختياره للأربع ، وكانت عدتهن من ذلك الوقت ، وإن أقمن على كفرهن إلى الانقضاء علمت البينونة منهن باختلاف الدين ).

هذا الفرض المذكور في كلام المصنف هو بعينه ما تقدم في كلامه قبل هذا بأسطر ، وهو قوله : ( ولو أسلم عن أكثر من أربع وثنيات مدخول بهن ... ).

وإنما ذكر هذا الفرض لذكر الأحكام التي زادها هنا ، وقد كان يمكنه ذكرها هناك فيستغني عن الإطالة ، لكنه لما لم يقيّد فيما سبق المسلم بكونه حرا والمسلمات بكونهن حرائر شمل الفرض العبد والإماء ، ولا منافاة باعتبار ذلك ، لأن لكل من الحر والعبد اختيار أربع في الجملة وإن اختلف الحكم باعتبار كونهن حرائر وإماء.

إذا تقرر ذلك فاعلم أنه إذا أسلم الحر عن أكثر من أربع حرائر مدخول بهن‌


وإن انتظر إسلام البواقي : فإن أقمن على الكفر حتى خرجت العدة ظهرت البينونة من حين الاختلاف ، وأن عددهن انقضت ، وأن الأول قد لزمه نكاحهن بغير اختياره ، لأن اختياره إنما يكون بين عدد لا يجوز له جمعه.

______________________________________________________

وثنيات ، انتظرت العدة في اندفاع نكاحهن بالإسلام وعدمه كما علم غير مرة ، فإن لم يلحق به أحد فظاهر اندفاع نكاح الجميع بالإسلام.

وإن لحق به أربع كان له انتظار البواقي ، فلا يحدث اختيارا ولا بما يستلزمه إلى أن ينتظر ما يكون منهن ، وله أن لا ينتظر بأن يصرح باختيار المسلمات أو يطلقهن ، فإن الطلاق يستلزم الاختيار ، أو تفسخ نكاحهن ، فهذه أقسام أربعة :

الأول : أن يختار المسلمات فتنقطع عصمة البواقي قطعا ، وهل هو باختلاف الدين أو بالاختيار؟ ينظر فإن أسلمن قبل انقضاء العدة علمت البينونة باختياره للأربع وكانت عدتهن من ذلك الوقت ، لأنهن بالإسلام والعدة صالحات لاستدامة نكاحهن كغيرهن ، فلا يبن إلاّ بالاختيار.

وإن أقمن على كفرهن حتى انقضت عددهن علمت البينونة باختلاف الدين ، ولم يكن للاختيار أثر لتعيّن المسلمات للنكاح ، وهذا ضابط مستمر ، وهو أنه متى كان الاختيار هو المقتضي للبينونة فالعدة من حينه ، ومتى كان البقاء على الكفر إلى انقضاء العدة هو المقتضي لها فالعدة من حين الإسلام.

واعلم أن قول المصنف : ( فإن لحق به ... ) لا معادل له في كلامه ، استغناء بما تقدم في الفرض المذكور سابقا.

قوله : ( وإن انتظر إسلام البواقي ، فإن أقمن على الكفر حتى خرجت العدة ظهرت البينونة من حين الاختلاف ، وإن عددهنّ انقضت ، وان الأول قد لزمه نكاحهن بغير اختياره ، لأن اختياره إنما يكون بين عدد لا يجوز له جمعه.


وإن أسلمن في العدة ، فإن اختار أربعا انفسخ نكاح البواقي من حين الاختيار ويعتددن من وقته ، فإن طلق المسلمات انقطعت عصمة الباقيات.

ثم إن أقمن على الكفر حتى انقضت العدة بنّ باختلاف الدين ، وإن أسلمن فيها بنّ من حين الطلاق.

______________________________________________________

وإن أسلمن في العدة ، فإن اختار أربعا انفسخ نكاح البواقي من حين الاختيار ويعتدون من وقته ).

هذا هو القسم الثاني من أقسام الأربعة ، وهو انتظار إسلام البواقي وعدمه ، وكان الأحسن أن يقدّمه على الأقسام الثلاثة أو يؤخره عنها ، لأنها مقابل الانتظار.

وتحقيقه أنه إذا انتظر إسلامهن ، فإن بقين على الكفر حتى انقضت العدة ، تبين بينونتهن باختلاف الدين وانتقضت عددهن ولزمه نكاح الاولى ، وإن أسلمن في العدة فمتى اختار أربعا انفسخ نكاح البواقي من حين الاختيار ويعتدون من وقته.

ولا يخفى أنه لو قال : فمتى اختار أربعا بدل قوله : ( فإن اختار ... ) كان أحسن ، فإنه لا يستدعي معادلا ، ولأنه لا بد من الاختيار.

قوله : ( فإن طلق المسلمات انقطعت عصمة الباقيات لاستحالة توجه الطلاق إلى غير زوجة ، ثم إن أقمن على الكفر حتى انقضت العدة بنّ باختلاف الدين ، وإن أسلمن فيها بنّ من حين الطلاق ).

هذا هو القسم الثالث من الأقسام الأربعة ، وهو ثاني الأقسام الثلاثة المقابلة للانتظار ، وهو أن يطلق المسلمات ، وحكمه أنه بمنزلة الاختيار ، لاستحالة توجه الطلاق إلى غير زوجة ، ولا يخفى أن الفاء في قوله ( فإن طلق ... ) لا موقع لها والأحسن عطفه بالواو.


ولو اختار فسخ المسلمات لم يكن له إلاّ بعد إسلام أربع ، لإمكان أن لا يسلمن في العدة فيلزمه نكاح المسلمات. فلو اختار الفسخ ولم تسلم الباقيات في العدة انفصل نكاحهن ، ولزمه نكاح من اختار فسخهن.

وإن أسلمن ، فإن اختار منهن أربعا انفسخ الزائد والأوائل.

وإن اختار الأوائل احتمل الصحة ، لأن فسخه الأول لم يكن صحيحا وقت وقوعه ، والبطلان ، لأن بطلان الفسخ إنما يتم لو أقام البواقي على الكفر ، لأنا نتبيّن لزوم نكاح المسلمات.

فأما إذا أسلم البواقي ، فإذا فسخ فيه نكاح من شاء جاز ولم يكن له أن يختارها.

______________________________________________________

قوله : ( ولو اختار فسخ المسلمات لم يكن له إلاّ بعد إسلام أربع ، لإمكان أن لا يسلمن في العدة فيلزمه نكاح المسلمات ).

هذا هو القسم الرابع ، وهو أن يختار فسخ نكاح المسلمات ، وقد حكم المصنف بأنه ليس له ذلك إلاّ بعد إسلام أربع أخر في العدة ، لإمكان أن لا يسلم غير الأول فيلزمه نكاحهن ، فيقع الفسخ باطلا ، ومراده على ما يرشد اليه التعليل.

ويدل عليه ما سيأتي من كلامه أنه ليس له الفسخ المحكوم بتأثره في الحال ، أما غيره فسيأتي في كلامه تردد فيه ، فلو لا هذا الحمل لتدافع كلامه.

قوله : ( فلو اختار الفسخ ولم تسلم الباقيات في العدة انفصل نكاحهن ، ولزمه نكاح من اختار فسخهن ، وإن أسلمن فإن اختار منهن أربعا انفسخ الزائد والأوائل ، وإن اختار الأوائل احتمل الصحة ، لأن فسخه الأول لم يكن صحيحا وقت وقوعه. والبطلان ، لأن بطلان الفسخ إنما يتم لو أقام البواقي على الكفر لأنا تبينا لزوم نكاح المسلمات ، فأما إذا أسلم البواقي ، فإذا فسخ فيه نكاح من شاء جاز ولم يكن له أن يختارها ).


______________________________________________________

هذا من أحكام القسم‌ الرابع ، أي : فلو أقدم على اختيار الفسخ للمسلمات ولم تسلم الباقيات ، فظاهر انفصال نكاحهن ، باختلاف الدين فيقع الفسخ لاغيا ، ويلزمه نكاح من اختار فسخ نكاحهن.

وإن أسلمن في العدة ، فإن اختار منهن أربعا ـ لو كن أزيد من أربع ـ انفسخ نكاح الزائد والأوائل قطعا. وإن اختار الأوائل ـ وهي التي فسخ نكاحهن ـ ففي صحة اختياره وفساده وجهان :

أحدهما : الصحة ، لأن فسخه الأول لم يكن صحيحا وقت وقوعه ، وذلك لأنه لا يترتب عليه أثر فاسد.

ولمانع أن يمنع عدم ترتب أثره عليه ، فإن عدم ظهور ترتبه في الحال لا يمنع انكشاف ترتبه فيما بعد.

والحاصل أن صحة الفسخ مشروطة بكون الزوجات عددا يبقى منه بعد فسخ الأربع أربع فصاعدا ، وبإسلام البواقي في العدة انكشف حصول الشرط في وقت الفسخ ، فوجب أن يكون صحيحا.

نعم ، قد يقال : يشترط في الفسخ أن لا يقع على التردد ، وحين إيقاعه كان حصول الشرط مشكوكا فيه ، فوقع على التردد فلا يكون صحيحا.

وثانيهما : البطلان ، أي : بطلان اختيار الأوائل ، وذلك لأن الفسخ وقع صحيحا ، لأن بطلانه إنما يتم لو أقام البواقي على الكفر ، لانتفاء الشرط حينئذ ، وهو الزيادة على العدد وهي منتفية فتبين لزوم نكاح المسلمات.

فأما إذا أسلم البواقي في العدة فإن الشرط حاصل ، فإذا فسخ في حال إسلامهن نكاح من شاء جاز ووقع الفسخ صحيحا ، وإن تقدم الفسخ على إسلامهن بحصول شرطه بحسب الواقع ، وحينئذ فمن فسخ نكاحها ليس له أن يختارها بعد.

والتحقيق أنه لا مانع من صحة الفسخ على تقدير إسلام البواقي ، إلاّ جهله‌


ولو أسلم عن أربع إماء وحرة فأسلمن وتأخرت الحرة وأعتقن ، لم يكن له اختيار واحدة منهن إن منعنا من نكاح الأمة للقادر على الحرة ، لجواز إسلام الحرة.

وإنما تعتبر حالهن حال ثبوت الخيار ، وهو حال اجتماع إسلامه وإسلامهن ، وقد كن حينئذ إماء ، فإن أسلمت الحرة بنّ ، وإن تأخرت حتى انقضت بانت ، وكان له اختيار اثنتين لا غير اعتبارا بحال اجتماع الإسلامين.

______________________________________________________

بحصول شرطه في وقت إيقاعه وذلك يقتضي إيقاعه على التردد ، وعدم الجزم بكونه فسخا ، فإن كان ذلك منافيا للصحة وقع فاسدا ، وإلاّ فلا.

ومثله نقول في سائر العقود والإيقاعات ، فلو باع مال مورثه لاحتمال موته وانتقال الملك اليه فصادف موته.

وكذا لو وهبه لآخر ، أو أصدقه امرأة ، أو طلق زوجته جاهلا بانتقالها من طهر إلى آخر حيث يشترط ذلك ، ثم تبين حصول الشرط بحسب الواقع ، ففي الصحة في ذلك تردد.

وما ذكره الأصحاب من أن العقود بالقصود قد يقال : إنه يقتضي الفساد ، وإنا في ذلك من المتوقفين.

قوله : ( ولو أسلم عن أربع إماء وحرة فأسلمن وتأخرت الحرة وأعتقن لم يكن له اختيار واحدة منهن إن منعنا من نكاح الأمة للقادر على الحرة لجواز إسلام الحرة ، وإنما يعتبر حالهن حال ثبوت الخيار ، وهو حال اجتماع إسلامه وإسلامهن وقد كن حينئذ إماء.

فإن أسلمت الحرة بنّ وإن تأخرت حتى انقضت بانت وكان له اختيار اثنتين لا غير اعتبارا بحال اجتماع إسلامهن ).


______________________________________________________

لو أسلم الحر‌ عن أربع إماء وحرة وثنيات مدخول بهن ، فأسلمن الإماء وتأخرت الحرة وأعتقن ، فقد حكم المصنف بأنه ليس له اختيار واحدة من الإماء ، لا قبل العتق ولا بعده على القول بمنع الحر القادر على نكاح الحرة من نكاح الأمة.

أما قبل العتق فظاهر ، لأنه متمسك بنكاح حرة ، فإنه يجوز أن يسلم في العدة.

وأما بعده ، فلأن الاعتبار بحريتهن وضدها وقت اجتماع إسلامه وإسلامهن ، لأن وقت الاختيار حينئذ ، وفي هذه الحالة كن إماء إذ المفروض أن اعتاقهن بعد إسلامهن وإسلامهن بعد إسلامه ، بل ينتظر إن أسلمت الحرة بن ، أعني الإماء.

ومتى تكون بينونتهن ينبغي أن يكون من حين إسلامه ، لأنه وقت التزامه بأحكام الإسلام ، وقد تبيّن أن له حينئذ زوجة حرة.

وإن تأخرت الحرة حتى انقضت العدة بانت باختلاف الدين ، وكان له اختيار أمتين لا غير ، اعتبارا بوقت اجتماع إسلامهن مع إسلامه.

وقد حذف المصنف لفظة مع إسلامه اكتفاء بدلالة اجتماع عليه ، وفي بعض النسخ : اعتبارا بحال اجتماع الإسلامين.

واعلم أن هذا الذي ذكره المصنف نحو ما ذكره الشيخ في المبسوط (١) ، لكنه زاد فيه قوله : ( إن منعنا من نكاح الأمة إلى أخره ، وعليه ثلاث إشكالات ) :

الأول : إن بناء قوله : ( لم يكن له اختيار واحدة منهن على منع نكاح القادر على نكاح الحرة من نكاح الأمة ) بناء غير ظاهر ، وذلك لأنه يقتضي عدم الفرق بين ابتداء الأول نكاح الأمة واستدامته ، وقد صرح الأصحاب بالفرق.

وان اشتراط نكاح الأمة بالعجز عن نكاح الحرة إنما هو في الابتداء لا في الاستدامة ، ولو لا ذلك لزم أنه متى أسلم الحر على إماء وكان قادرا على نكاح الحرة ،

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٢٥.


ولو أعتقن قبل إسلامه ، ثم أسلم وأسلمن أو أعتقن بعد إسلامه على اشكال ، ثم أسلمن بعد إسلامه ، كان له اختيار الأربع ، لأن حالة الاختيار حال اجتماع الإسلامين وهن حينئذ حرائر ، فإن اختارهن انقطعت الخامسة.

______________________________________________________

ينفسخ نكاحهن. وكذا إذا أسلم وتحته حرة.

وأما ينفسخ نكاح الإماء إذا أسلمت الحرة وإن رضيت بنكاحهن ، وليس بمرضي عندنا ، وقد صرح الأصحاب بخلافه ، وإنما يجب أن يقال : ينتظر إسلام الحرة ، فإن أسلمت توقف على رضاها ، وإلاّ اختار أمتين.

الثاني : اعترافه بأن الاعتبار في الرقية والحرية بوقت اجتماع إسلامه وإسلامهن ، ينافي ما سبق من أنه إذا أسلم العبد على أربع حرائر ثم أعتق وأسلمن في العدة يختار أمتين فقط ، لأن وقت اجتماع الإسلامين كان حرا ، فكان حقه أن يختار أربعا.

وما سيأتي من قوله : ( أو أعتقن بعد إسلامه على اشكال ) فإن الإشكال لا يتجه إذا كنا لا نعتبر إلاّ وقت اجتماع الإسلامين.

الثالث : قوله : ( وإن تأخرت حتى انقضت بانت وكان له اختيار اثنتين لا غير بناء على منع القادر على نكاح الحرة من نكاح الأمة ) مشكل ، فإن نكاح الأمتين على هذا التقدير ممنوع منه ، وظاهره بناء المسلمة على ذلك القول.

قوله : ( ولو أعتقن قبل إسلامه ثم أسلم وأسلمن أو أعتقن بعد إسلامه على اشكال ، ثم أسلمن بعد إسلامه كان له اختيار الأربع ، لأن حالة الاختيار حال اجتماع الإسلامين وهن حينئذ حرائر ، فإن اختارهن انقطعت الخامسة ).

هذه من شعب المسألة السابقة ، وفيها صورتان :

أ : عتقهن قبل إسلامه وإسلامهن معا.


______________________________________________________

ب : عتقهن بعد إسلامه وقبل إسلامهن.

وبقي صورة وهي عتقهن بعد إسلامهن وقبل إسلامه ، والذي سبق في أول المسألة عتقهن بعد الإسلامين.

فأما إذا كان عتقهن قبل إسلامه وإسلامهن معا ، فلا إشكال في أن له اختيار أربع ، لأنهن في وقت التزامه بأحكام الإسلام وجريان الأحكام عليه حرائر ، فكان لهن حكم الحرائر في الأصل فيختار أربعا.

وأما إذا كان عتقهن بعد إسلامه وقبل إسلامهن ، فقد ذكر المصنف فيه إشكالا ينشأ : مما ذكره المصنف ، وهو أن حالة الاختيار حال اجتماع الإسلامين ، وهنّ في هذه الحالة حرائر فله أن يختار أربعا.

ومن أن حالة إسلامه هي حالة التزامه بأحكام الإسلام وحالة جريانها عليه ، فيكون المعتبر حالة إسلامه فقط ، وهن حينئذ إماء فيختار اثنتين فقط ، وهذا أقوى.

لا يقال : قبل اجتماع الإسلامين ليس له اختيار قطعا ، فيكون وقت الاختيار حين اجتماعهما ، فتجري عليه الأحكام باعتبار تلك الحالة.

لأنا نقول : المانع من الاختيار قبل اجتماع الإسلامين هو عدم العلم ببقاء الزوجية ، والاختيار فرعها ، وإنما يتبين ذلك بالإسلام في العدة وعدمه ، حتى لو علم بقاء الزوجية بسبب من الأسباب الموجبة للعلم كاخبار المعصوم ، لم يمنع من الاختيار قبل اجتماع الإسلامين ، ومن ثم يجعل الاختيار الواقع قبل اجتماع الإسلامين مراعى ، وكذا الطلاق.

فعلى هذا إنما يختار اثنتين من الإماء مع الحرة إذا أسلمت في العدة ، وعلى الأول له اختيار الأربع فتبين الخامسة وإن أسلمت في العدة ، وأما إذا أعتقن بعد إسلامهن وقبل إسلامه فإن له أن يختار الأربع.

أما على اعتبار اجتماع الإسلامين فظاهر ، وأما على اعتبار إسلامهن ، فلانه‌


ولو أسلم عن خمس فلحق به أربع ، فله اختيار ثلاث وانتظار الخيار في الرابعة حتى تخرج عدة الخامسة على الشرك.

وهل له انتظار الخيار في الجميع؟ الأقرب المنع ، لأنه يلزمه نكاح ثلاث منهن فيختار ثلاثا ، فإن أسلمت الخامسة تخيّر ، وإلاّ لزمه نكاح الرابعة.

______________________________________________________

إنما أسلم بعد أن صرن حرائر.

واعلم أن الدليل الذي علل به المصنف ، وهو قوله : ( لأن حالة الاختيار حالة اجتماع الإسلامين ) إن تم لم يتجه الإشكال الذي ذكره في المسألة الثانية ، ولم يسلم له ما افتى به فيما إذا أسلم العبد ثم أعتق ثم أسلم الزوجات.

قوله : ( ولو أسلم على خمس فلحق به أربع ، فله اختيار ثلاث ، وانتظار الخيار في الرابعة حتى تخرج عدة الخامسة على الشرك ، وهل له الانتظار في الجميع؟ الأقرب المنع ، لأنه يلزمه نكاح ثلاث منهن فيختار ثلاثا ، فإن أسلمت الخامسة تخيّر ، وإلاّ لزمه نكاح الرابعة ).

توضيح ما ذكره المصنف وجها للأقرب أن هذا يلزمه نكاح ثلاث منهن على كل تقدير من تقديري إسلام الخامسة وعدمه ، وكل من كان كذلك تعين عليه الاختيار من غير تأخير ، فالكبرى محذوفة ، ووجه صحتها أن للزوجات حقا ، فلا يجوز تضييعه بالتأخير.

وأما الصغرى فللناظر أن ينظر فيها ، فإنه إن أراد بها أنه يلزمه نكاح ثلاث على التعيين ، فمعلوم أنه ليس كذلك ، إذ لو كان هكذا لم يكن للاختيار معنى. وإن أراد أنه لا على التعين ، فالكبرى ممنوعة ، فإنه من المعلوم أنه ليس كل من يلزمه نكاح ثلاث أو أربع في الجملة يجب عليه تعجيل الاختيار.

ووجهه أيضا بأن الاختيار إنما يكون عند الزيادة على الأربع ، ولم يوجد ، وليس بشي‌ء ، وبأنه للثلاث عليه حقوق الزوجية ، فلا يحل تأخيرها كالمباينة ، وفيه نظر ، لأن‌


ولو أسلم تحت العبد المشرك أربع إماء ثم أعتقن قبل إسلامه ، كان لهن الفسخ ، فإن لم يسلم بن بالاختلاف من حين إسلامهن وظهر فساد الفسخ ويكملن عدة الحرائر وإن أسلم في العدة بن بالفسخ.

ولو أخرن الفسخ حتى أسلم كان لهن الفسخ ، لأنهن تركنه اعتمادا على الفسخ بالاختلاف كالمطلقة رجعيا إذا أعتقت وأخرت الفسخ.

______________________________________________________

ذلك حيث لا يكون التأخير لانتظار إسلام بعض الزوجات.

وأما إذا كان للانتظار فقد تعارض الحقان فيطلب المرجح ، والأصل عدم تحتم الاختيار.

قوله : ( ولو أسلم تحت العبد المشرك أربع إماء ، ثم أعتقن قبل إسلامه ، كان لهن الفسخ ، فإن لم يسلم بن بالاختلاف من حين إسلامهن وظهر فساد الفسخ ، ويكملن عدة الحرائر.

وإن أسلم في العدة بن بالفسخ ، ولو اخترن الفسخ حتى أسلم كان لهن الفسخ ، لأنهن تركنه اعتمادا على الفسخ بالاختلاف ، كالمطلقة رجعيا إذا أعتقت وأخرت الفسخ ).

إذا كانت تحت العبد المشرك أربع إماء مدخول بهن فأسلمن ثم أعتقن قبل إسلامه ، فقد حكم المصنف بأن لهن الفسخ ، نظرا إلى أن كل أمة أعتقت تخيرت في النكاح.

لكن يرد عليه أن هذا الفسخ إنما يكون مع بقاء النكاح ، ومن الممكن أن لا يسلم في العدة ، فيكون النكاح قد انقطع باختلاف الدين ، وقد سبق للمصنف تردد في نظير هذه المسألة ، وهي قوله : ( ولو اختار فسخ المسلمات ... ).

ويمكن الجواب بأن الأصل بقاء النكاح ، فيجوز إنشاء الفسخ فيقع مراعى ولا بأس بذلك ، فعلى هذا إذا فسخن ينظر فإن لم يسلم في العدة تبيّن بينونتهن‌


وإن أسلم في العدة اخترن فراقه فعليهن عدة الحرائر ، وإن اخترن نكاحه اختار اثنتين.

وإن اخترن المقام معه قبل إسلامه لم يصح ، ولم يسقط حقهن من الفسخ عند إسلامه على اشكال.

______________________________________________________

باختلاف الدين من حين إسلامهن وظهر فساد الفسخ ، ويكملن عدة الحرائر لأنهن حرائر حينئذ.

وإن أسلم في العدة بن بالفسخ ، لبقاء النكاح إلى حينه. ولو أخرن الفسخ حتى أسلم لم يبطل حقهن منه وإن كان فوريا ، لأنهن تركنه اعتمادا على الفسخ بالاختلاف ، لأنه سبب ظاهر في قطع عصمة النكاح ، فلا يعد التأخير معه إهمالا كالمطلقة رجعيا إذا أعتقت ، فإنها لو أخرت الفسخ لا يعد إهمالا ، ولم يسقط حقها من الفسخ ، فيكون ذلك جوابا عن سؤال مقدّر.

قوله : ( وإن أسلم في العدة فاخترن فراقه فعليهن عدة الحرائر ، وإن اخترن نكاحه اختار اثنتين ، وإن اخترن المقام معه قبل إسلامه لم يصح ، ولم يسقط حقهن من الفسخ عند إسلامه ).

هذا من جملة شعب المسألة السابقة.

وتحقيقه : إنه إذا أسلم في العدة ، وقد أخرن الفسخ فاخترن فراقه فعليهن عدة الحرائر من حين الفسخ ، وإن اخترن نكاحه لم يجز له أن يختار سوى اثنتين ، لأنهن في وقت ثبوت الاختيار حرائر ، ولا يسوغ للعبد أزيد من حرتين.

ولو صرحن باختيار المقام معه قبل إسلامه لم يصح ، لأنه حينئذ كافر ، ولا يملك الكافر نكاح المسلمة ، فعلى هذا لا يسقط حقهن من الفسخ عند إسلامه.

ولقائل أن يقول : إنه كما لا يمتنع فسخهن قبل إسلامه ويقع مراعى ، كذا لا يمتنع اختيارهن المقام معه قبل الإسلام أيضا ويقع مراعى.


ولو أسلم قبلهن فأعتقن ، فإن اخترن المقام لم يصح ، لأنهن جاريات إلى بينونة ، وإن اخترن الفسخ فلهن ذلك.

______________________________________________________

وفي بعض النسخ : على اشكال ومنشؤه من وجود المانع من اختيار المقام معه وهو الكفر ، فيقع لاغيا. ومن إمكان وقوعه مراعى ، بل هو الظاهر ، لأن عصمة النكاح مستصحبة إلى أن يعلم القاطع.

والذي أراه أنه لا فرق بين اختيارهن الفسخ والمقام معه ، فكل ما يقال في إحداهما يقال في الآخر مثله ، ففرّق المصنف بينهما في الفتوى أو في الجزم ، والاشكال لا يخلو من نظر ، وهنا فائدتان :

الاولى : ينبغي أن يقرأ المقام من قوله : ( وإن اخترن المقام ) بضم الميم على أنه مصدر ميمي ، إذ لا موقع له هنا مع الفسخ.

الثانية : الظاهر أن المراد بقوله : ( وإن أسلم في العدة فاخترن فراقه ) انهن أخرن الفسخ أو المقام حتى أسلم ، ثم اخترن أحد الأمرين ، وظاهر أن العبارة غير وافية بذلك وأن نظمها غير حسن.

وقوله : ( وإن اخترن المقام معه قبل إسلامه ) شعبة اخرى من شعب المسألة ، هي مقابل تعجيل الفسخ قبل إسلامه ، وهو ظاهر ، فيكون المذكور ثلاث شعب : تعجيل الفسخ ، وتعجيل اختيار المقام ، وتأخيرهما إلى زمان إسلامه.

قوله : ( ولو أسلم قبلهن فأعتقن ، فإن اخترن المقام لم يصح ، لأنهن جاريات إلى بينونة ، فإن اخترن الفسخ فلهن ذلك ).

أي : لو كان تحت العبد المشرك أربع إماء فأسلم قبلهن ، ثم أعتقن قبل إسلامهن ، فإن اخترن المقام معه لم يصح ، وذلك لأنهن جاريات إلى بينونة ، لأن الفرض انهن وثنيات ، فلا يصح استدامة نكاحهن للمسلم.

ومن الجائز أن لا يسلمن في العدة فيقع الاختيار لاغيا ، أما إذا اخترن الفسخ فإن لهن ذلك ، لوجود العتق المقتضي له. هذا ظاهر مراد المصنف من هذه العبارة ،


ولو أسلم الكافر بعد أن زوّج ابنه الصغير بعشر تبعه في الإسلام ، فإن أسلمن اختار بعد البلوغ ، ويمنع من الاستمتاع بهن وتجب النفقة عليهن.

ولو أسلم أب المجنون ففي التبعية إشكال ، فإن قلنا به تخيّر الأب أو الحاكم.

______________________________________________________

والفرق ليس بجيد ، لأن الفسخ واختيار المقام بمنزلة واحدة ، لأن شرط كل منهما بقاء النكاح ، فإن صح أحدهما لزم صحة الآخر.

وكذا القول في الفساد ، والقول بوقوع كل منهما مراعى متجه.

قوله : ( ولو أسلم الكافر بعد أن زوّج ابنه الصغير بعشر تبعه في الإسلام ، فإن أسلمن اختار بعد البلوغ ، ويمنع من الاستمتاع ، وتجب النفقة عليهن ).

لا ريب أنه إذا أسلم الكافر تبعه ولده الصغير ، فلو كان قد زوجه بعشر قبل الإسلام وأسلمن مع إسلام الأب ، فإن الزوج يختار أربعا بعد البلوغ لا قبله ، إذ لا عبرة باختيار الصبي ، وليس للولي الاختيار هنا قطعا ، لأن طريقة التشهي والبلوغ أمد ينتظر ، بل ينفق عليهن من ماله لأنهن محبوسات لأجله.

ولا ريب أنه يمنع من الاستمتاع بهن ، لأن الزائد على أربع نكاحهن مندفع.

قوله : ( ولو أسلم أب المجنون ففي التبعية إشكال ، فإن قلنا به تخيّر الأب أو الحاكم ).

لو كان المجنون متزوجا زيادة على أربع إماء ، بأن تزوج ثم جن ، أو زوجه من يعدونه وليا له ثم أسلم الأب ، ففي تبعية الابن المجنون له في الإسلام إشكال ينشأ : من أن السبب المقتضي للتبعية في الصغير هو سلب عبارته وعدم أهليته لأحكام التكليف قائم هنا فتثبت التبعية.


المطلب الرابع : في كيفية الاختيار.

الاختيار إما باللفظ أو بالفعل. أما اللفظ فصريحه : اخترتك ، أو أمسكتك ، أو ثبتك ، أو اخترت نكاحك ، أو أمسكته ، أو ثبته وشبهه منجزا على الأقوى.

______________________________________________________

ومن أن لحوق الأحكام بالتبعية للغير على خلاف الأصل ، فيقتصر ذلك على الصغير ، لخروجه بالإجماع ، ويبقى ما عداه على الأصل.

فإن قلنا بالتبعية فالخيار في تعيين الأربع إلى الأب أو الجد له ، ومع فقدهما فالحاكم ، لأن انتظار الإفاقة ضرر منفي بالسنة والفرق بينه وبين الصبي أن للبلوغ أمد ينتظر يقطع بحصوله فيه ، بخلاف الإفاقة.

وقيل : لا ولاية في الاختيار هنا ، لأن طريقه الشهوة ، ولا يطلع عليها الأب ولا الحاكم. والأول أصح كالطلاق عن المجنون ، فإنه يتولاه الولي.

واعلم أن قول المصنف : ( تخير الأب أو الحاكم ) يريد به مع عدم الأب ، ولا يريد به التخيير بين الأب والحاكم.

إذا عرفت ذلك فقد يفرّق بين من بلغ فاسد العقل ، ومن بلغ عاقلا وتجدد جنونه ، لأن التبعية في الأول تثبت بحكم الاستصحاب ، بخلاف الثاني.

قوله : ( المطلب الرابع : في كيفية الاختيار : الاختيار إما باللفظ أو بالفعل ، أما اللفظ فصريحه : اخترتك ، أو أمسكتك ، أو ثبتك ، أو اخترت نكاحك ، أو أمسكته ، أو ثبته وشبهه ).

شبه ذلك : اخترت نكاحك ، أو اخترت تقرير نكاحك ، أو اخترت حبسك على النكاح ، أو اخترت عقدك ، أو ما جرى هذا المجرى.

قوله : ( منجزا على الأقوى ).


ولو طلق فهو تعيين للنكاح ، فلو طلق أربعا صح نكاحهن وطلقن وانفسخ نكاح البواقي ، وليس الظهار والإيلاء اختيارا على اشكال.

______________________________________________________

أي : فلا يصح معلقا‌ وفاقا للشيخ في المبسوط (١) ، وهو الأصح ، لأن اختيار بعض الزوجية دون بعض إنما يكون بالسبب الموظف شرعا لذلك ، ولم يثبت كون المعلق سببا فينتفي بالأصل ، ولأنه بعيد عن شبه الاختيار ، لانتفاء الجزم عنه.

ولأن المفهوم من قوله 7 : « أمسك أربعا وفارق سائرهن » (٢) هو الاختيار المنجز ، ويحتمل ضعيفا الاكتفاء بالمعلق ، وحكاه الشارح الفاضل قولا شاذا ، تمسكا بالأصل وبعدم وجود المنافي لصحته في الكتاب أو السنة (٣).

ويرده ان الأصل عدم سببيته لا جوازه ، ويكفي ذلك في المنافي.

قوله : ( ولو طلق فهو تعيين للنكاح ، فلو طلق أربعا صح نكاحهن وطلقن وانفسخ نكاح البواقي ).

وجهه : إن الطلاق لا تخاطب به إلاّ الزوجة ، لأنه موضوع لازالة قيد النكاح ، فالنكاح لازم له لزوما بينا فيلزم تصوره ، فمتى طلق فقد أثبت النكاح. فإذا طلق أربعا ثبت نكاحهن وطلقن واندفع نكاح البواقي ، وفي وجه للعامة أنه ليس تعيينا للنكاح ، لقوله 6 لفيروز الديلمي : « طلق أيتهما شئت » (٤). ولو كان الطلاق تعيينا للنكاح لكان ذلك تفويتا لنكاحهما عليه. وجوابه : إن ذلك لو صح فالمراد بالطلاق مجازه ، وهو مطلق الفراق.

قوله : ( وليس الظهار والإيلاء اختيارا على اشكال ).

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٣١.

(٢) سنن البيهقي ٧ : ١٨١.

(٣) إيضاح الفوائد ٣ : ١١٤.

(٤) سنن البيهقي ٧ : ١٨٥.


فإن اختار التي ظاهر منها أو آلى صحا ، ويكون العود عقيب الاختيار إن لم يفارقها ، ومدة الإيلاء من حين الاختيار.

______________________________________________________

ينشأ : من أنهما تصرفان‌ مخصوصان بالنكاح فأشبها لفظ الطلاق ، فإن الظهار وصف بالتحريم للزوجة على وجه مخصوص ، والإيلاء هو الحلف على الامتناع من وطء الزوجة ، وهو قول الشيخ ;.

ومن أن الظهار إنما هو وصف بالتحريم ، والإيلاء حلف على الامتناع من الوطء ، وكل منهما بالأجنبية أليق منه بالزوجة.

ولأن الظهار إن خوطبت به الزوجة ترتب عليه أحكام مخصوصة ، وإن خوطبت به الأجنبية لم تثبت بذلك أحكام ، لكن معناه صحيح بالنسبة إليها ، وفي الإيلاء لو حلف على وطء الأجنبية وتزوجها ووطأها كان عليه الكفارة.

والحاصل أن نفس المخاطب بهما لا يستلزم الزوجية ، فلا يكون أحدهما اختيارا ، وهو الأصح. أما لو قصد الظهار الذي يترتب عليه أحكام تتعلق بالزوجة ، وكذا الإيلاء فإنه غير المبحوث عنه.

قوله : ( فإن اختار التي ظاهر منها أو آلى صح ، ويكون العود عقيب الاختيار إن لم يفارقها ، ومدة الإيلاء من حين الاختيار ).

هذا تفريع على القول الثاني ، وهو الذي يتبادر من قوله : ( وليس الظهار والإيلاء اختيارا على اشكال ).

وتحقيقه : أنه لو ظاهر أو آلى من إحداهن ، ثم اختار التي ظاهر منها أو آلى ، فقد تبيّن صحة الظهار والإيلاء ، لأنه قد ظهر أن المخاطبة بذلك زوجة. ويكون ابتداء مدة الإيلاء من وقت الاختيار ، ويكون العود عقيب الاختيار إن لم يفارقها ، لانتفاء تحقق الزوجية قبله. هذا إن اختار التي ظاهر منها أو آلى ، فإن اختار غيرها سقط حكمها.

واعلم أن قوله : ( ويكون العود عقيب الاختيار ) لا يتأتى على قولنا من أن‌


ولو قذف واحدة فاختار غيرها وجب الحد ، وسقط بالبينة خاصة.

ولو اختارها أسقطه باللعان أيضا ، ولو طلق أو ظاهر أو آلى أو قذف بعد إسلامه حال كفرهن : فإن خرجت العدة عليه فلا حكم ، بل التعزير في القذف ، ويسقط بالبينة خاصة ، وإن أسلمن فيها فالأقرب وقوع الطلاق.

أما الظهار والإيلاء فإن اختار من أوقع عليها ذلك صح.

______________________________________________________

العود هو ارادة الوطء. نعم يتأتى ذلك على قول الشافعي ، وهو أن العود إمساكها زوجة بعد الظهار مع قدرته على الطلاق.

ويمكن أن يريد بالعود مطالبة الحاكم به أو بالطلاق ، لكن لا ريب أنه لا بد من مدة التربص ، ولا منافاة ، لأن ضرب المدة إنما هو للنظر في اختيار أحد الأمرين.

وكذا قوله : ( ومدة الإيلاء من حين الاختيار ) لا يستقيم على ظاهره ، إذ لا بد من المرافقة ، ولعله إنما أطلق ذلك اعتمادا على ما بيّن في باب الظهار والإيلاء ، والأمر في ذلك سهل.

قوله : ( ولو قذف واحدة فاختار غيرها ، وجب الحد وسقط بالبينة خاصة ، ولو اختارها أسقطه باللعان أيضا ).

وجهه أن قذف الزوجة يوجب الحد ويسقط إلاّ بالبينة واللعان بشروطه ، وأما الأجنبية فإن قذفها يوجب الحد ولا يسقط إلاّ بالبينة ، والاختيار يحقق الزوجية ويدفع غيرها ، فإن اختار المقذوفة تعلق بقذفها أحكام الزوجة.

قوله : ( ولو طلق أو ظاهر أو آلى أو قذف بعد إسلامه حال كفرهن ، فإن خرجت العدة عليه فلا حكم ، بل التعزير في القذف ، ويسقط بالبينة خاصة ، وإن أسلمن فيها فالأقرب وقوع الطلاق.

أما الظهار والإيلاء ، فإن اختار من أوقع عليها ذلك صح.


وأما القذف فإن اختار المقذوفة فعليه التعزير ، ويسقط باللعان أو البينة ، وإن لم يخترها أسقط بالبينة.

______________________________________________________

وأما القذف فإن اختار المقذوفة فعليه التعزير ويسقط باللعان أو البينة ، وإن لم يخترها أسقط بالبينة ).

إذا أسلم الزوج وتخلف الزوجات فطلق بعضا أو ظاهر أو آلى أو قذف حال كفرهن ، فإن خرجت العدة فلا حكم للطلاق ولا الإيلاء ولا الظهار ، لأنهن بن باختلاف الدين حين أسلم.

وأما القذف فيجب عليه التعزير دون الحد ، لأنه قذف مشرك ، وله إسقاطه بالبينة دون اللعان ، لأنه قذفها وهي بائن.

وإن أسلمن قبل انقضاء عددهن : فأما التي طلقها فالأقرب وقوع الطلاق عليها ، ويكون ذلك اختيارا لها ، ويكون إسلامها كاشفا عن وقوعه. ووجهه معلوم مما سبق ، فإن الطلاق لا يواجه به إلاّ الزوجة ، ووقوعه مراعى لا امتناع فيه ، والأصل فيه الصحة ، فلا يحكم ببطلانه مع إمكان الصحة.

وحكى الشارح الفاضل قولا ولم يذكر قائله ، أنه لا يقع ، لأنه طلاق معلق على شرط ، وهو تجدد إسلامها ، وبطلانه ظاهر ، لأن الشرط الزوجية والإسلام كاشف (١).

وقال بعض الشافعية : إنه إن اختارها وقع عليها الطلاق وصح ظهارها والإيلاء منها (٢) ، والأصح الأول.

وأما الظهار والإيلاء فإنهما ليسا باختيار كما عرفت ، فإن اختار التي ظاهر منها أو آلى صح ذلك ، وإلاّ فلا.

وأما القذف : فإن اختار المقذوفة فعليه التعزير ، لأنه قذفها وهي مشركة ، وله‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ١١٥.

(٢) المجموع ١٦ : ٣١٣.


وهل تنزل الكنايات منزلة الطلاق في الاختيار؟ اشكال أقربه العدم وإن قصد به الطلاق.

______________________________________________________

إسقاطه باللعان أو البينة ، لأنها زوجة. وإن لم يخترها فعليها التعزير أيضا لما سبق ، وله إسقاطه بالبينة دون اللعان ، لأنه قذف أجنبية.

وهنا سؤال وهو أنهم مصرحون بكون غير المختارة إنما تبين بالاختيار ، ومن حينئذ تعتد ، وذلك يستلزم بقاء الزوجية إلى حين الاختيار ، وهذا يستلزم كون المقذوفة زوجة على كل حال.

ويمكن الجواب بأنها لما كانت زائدة على العدد الشرعي كانت زوجيتها كلا زوجية.

وفي قول المصنف : ( فإن خرجت العدة عليه فلا حكم ) حذف تقديره : فلا حكم لشي‌ء عن ذلك أو نحوه.

قوله : ( وهل تنزل الكنايات منزلة الطلاق في الاختيار؟ اشكال أقربه العدم وإن قصد به الطلاق ).

لا ريب أن الطلاق لا يقع بالكنايات عندنا ، لكن هل تنزل الكنايات منزلة الطلاق في كونها اختيارا؟ إشكال ينشأ : من أن الطلاق إنما كان اختيارا لدلالته على الزوجية بنفسه ، ولا كذلك الكناية فلا تكون اختيارا.

ومن أن الاختيار النفسي هو المقتضي لتقرير النكاح ، فبأي لفظ أتى به مما يدل عليه كان كافيا قضاء للدلالة ، والأقرب عند المصنف العدم ، لأن الاختيار يقتضي ثبوت زوجية بعض دون بعض ، ويترتب على ذلك أحكام شرعية ، فلا تثبت بمجرد اللفظ المحتمل ، حتى أنه لو قصد بالكناية الطلاق لا يكون اختيارا عندنا ، لأن الطلاق لا يقع بالكناية فلا يحصل بها لازمه وهو الفسخ.

وأما العامة القائلين بوقوع الطلاق بالكناية فلا كلام عندهم بحصول الاختيار بها ، سواء قصد بها الطلاق أم لا.


وكذا لو أوقع طلاقا مشروطا فقال : كلما أسلمت واحدة منكن فقد طلقها.

ولو قال : إن دخلت الدار فقد اخترتك للنكاح أو الفراق لم يصح ، للتعليق.

______________________________________________________

فإن قيل : الرجعة تصح بالكناية ، فالاختيار كذلك بطريق أولى ، لأن الرجعة تفيد إبطال الطلاق ، والاختيار إنما يميز الزوجة عن غيرها.

قلنا : الاختيار تضمن فسخ نكاح ما زاد على الأربع ، فلذلك لم يكتف فيه بالكناية المحتملة ، فإن القصد النفسي وحده لا أثر له ، والأقرب ما قربه المصنف.

واعلم أن الضمير في قوله : ( به ) من قوله : ( وإن قصد به الطلاق ) يعود إلى ما دل عليه الكلام السابق وهو : ( ذلك ) ونحوه ، أي : وإن قصد بذلك من قوله : ( الطلاق ونحوه ).

قوله : ( وكذا لو أوقع طلاقا مشروطا فقال كلما أسلمت واحدة منكن فقد طلقها ).

لا شك أن الطلاق المعلق لا يقع عندنا ، فلو أتى به هنا ففي كونه اختيارا اشكال أقربه العدم كما سبق.

قوله : ( ولو قال : إن دخلت الدار فقد اخترتك للنكاح أو الفراق لم يصح التعليق ).

قد سبق أن الاختيار لا يصح معلقا ، ويزيده بيانا انا إن نزلناه منزلة الابتداء كان تعليقه كتعليق النكاح ، وإن نزلناه منزلة الاستدامة كان تعليقه كتعليق الرجعة.

ولأن الزوج مأمور بالتعيين ، والاختيار المعلق ليس بتعيين ، وكما أنه لا يفيد تعيين الزوجة لا يفيد تعيين المطلوب فراقها لمثل ما ذكرناه.


ولو رتب الاختيار ثبت عقد الأول واندفع البواقي.

ولو قال لما زاد على أربع : اخترت فراقكن ، انفسخ عقدهن وثبت عقد الأربع. ولو قصد الطلاق : فإن قلنا إن الكناية كالطلاق في الاختيار ، ثبت عقد المطلقات ولم يطلقن ، وإلاّ فلا.

ولو قال لواحدة : طلقتك ، صح نكاحها وطلقت وكانت من الأربع.

______________________________________________________

قوله : ( ولو رتب الاختيار ثبت عقد الأول واندفع نكاح البواقي ).

المراد بترتيب الاختيار أن يختار واحدة بعد واحدة إلى آخرهن ، وحكمه أن كل واحدة اختارها وهي صالحة لذلك صح اختيارها إلى أن يكملن أربعا ، وحينئذ فيندفع نكاح البواقي ويلغو اختيارهن.

قوله : ( ولو قال لما زاد على أربع : اخترت فراقكن ، انفسخ عقدهن وثبت عقد الأربع ، ولو قصد الطلاق : فإن قلنا الكناية كالطلاق في الاختيار ثبت عقد المطلقات ولم يطلقن ، وإلاّ فلا ).

لو كان له ثمان فقال لأربع منهن : اخترت فراقكن ، انفسخ عقدهن وثبت عقد الأربع البواقي مع صلاحيتهن لذلك ، ولو قصد بذلك الطلاق كان كناية ، لأن الفراق ليس صريحا في الطلاق ، فيبني على ما سبق من تنزل الكناية منزلة الطلاق في الاختيار.

فإن قلنا : إنها كالطلاق ثبت عقد المطلقات ولم يطلقن قطعا ، لأن الطلاق لا يقع بالكناية عندنا ، فيكون مفاد الكناية على هذا التقدير هو لازم الطلاق وهو الزوجية ، وإن لم نقل بذلك كان اللفظ لاغيا.

قوله : ( ولو قال لواحدة : طلقتك ، صح نكاحها وكانت من الأربع ).

لا ريب أنه إذا طلق واحدة من المذكورات يصح الطلاق ويكون ذلك اختيارا لها ، فتكون واحدة من الأربع ، فيختار من البواقي ثلاثا أخر ، لكن لا يخفى أنه يشترط صلاحيتها للطلاق والاختيار.


وأما الفعل فكالوطء فلو وطأ أربعا ثبت عقدهن واندفع البواقي ، فإن وطأ الخامسة جاهلين فعليه مهر المثل.

______________________________________________________

بقي شي‌ء وهو أن قول المصنف : طلقتك أن المراد إيقاع الطلاق بهذه الصيغة ، فسيأتي إن شاء الله تعالى في الطلاق أن هذه الصيغة لا يقع بها الطلاق ، وإن كان المؤاخذة بذلك على أنه إقرار والطلاق بصيغة أخرى فهو حق.

ويمكن أن يريد بذلك تطليق واحدة في الجملة ، والحوالة في الصيغة الشرعية على ما سيأتي.

قوله : ( وأما الفعل فكالوطء ، فلو وطأ أربعا ثبت عقدهن واندفع البواقي ، فإن كان وطأ الخامسة جاهلين فعليه مهر المثل ).

حكى المصنف ; في التذكرة خلافا في أن الوطء اختيار أم لا (١) ، وصرح الشيخ المصنف وجماعة بأنه اختيار.

ويظهر من قوله بعد : ( ولو وطأ أربعا صح نكاحهن عندنا ) عدم الخلاف في كونه اختيارا عندنا.

ووجه العمل بظاهر الحال ، وهو أنه لا يطأ إلاّ من يختار نكاحها ، فإنه يدل على الرغبة فيها ، ولظاهر حال المسلم وهو صيانته عن الزنا ، ولهذا عد الوطء في بيع الأمة بشرط الخيار فسخا للبيع.

وكذا الرجعة فإنها تحصل بالوطء عندنا ، ولا استبعاد في كون الفعل اختيارا ، لأنه استدامة في النكاح ، ويغتفر في الاستدامة ما لا يغتفر في الابتداء.

فعلى هذا لو وطأ أربعا ثبت عقدهن واندفع نكاح البواقي ، فإن وطأ الخامسة : فإن كانا جاهلين فهو شبهة من الطرفين ، ويكفي لثبوت مهر المثل بالوطء جهلها ، ولا يعتبر جهلها كما تشعر به العبارة ، ولو انتفى الجهل عن أحدهما فهو زان.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٥٨.


وهل التقبيل أو اللمس بشهوة اختيار؟ أقربه ذلك ، كما أنه رجعة.

ولو تزوج بأخت إحداهن لم يصح ، وهل يكون اختيارا لفسخ عقدها؟

اشكال.

______________________________________________________

قوله : ( وهل التقبيل واللمس بشهوة اختيار؟ اشكال أقربه ذلك ، كما أنه رجعة ).

وجه القرب أن المعنى المقتضي لكون الوطء اختيارا قائم فيهما ، فإنهما يدلان على الرغبة في الملموسة والمقبلة ، لأن الأصل في فعل المسلم الصحة وصيانته عن ارتكاب المحرم ، فيحمل على ارادة الاختيار كما في الرجعة ، وليس ذلك قياسا ، إذ ليس المراد الحمل عليها بل التشبيه والتنظير.

ويحتمل العدم ، لأنهما قد يوجدان في الأجنبية ، فإن دلالتهما أضعف من دلالة الوطء ، وما قرّبه المصنف أقرب.

قوله : ( ولو تزوج بأخت إحداهن لم يصح ، وهل يكون اختيارا لفسخ عقدها؟ إشكال ).

أي : لو أسلم على أزيد من أربع فعقد على أخت إحداهن ، فهل يكون ذلك اختيارا لفسخ نكاح أختها؟ فيه إشكال ينشأ : من أن العقد على إحدى الأختين أعم من الاختيار وعدمه ، ولا دلالة للعام على الخاص بشي‌ء من الدلالات.

ومن أن العقد على إحداهما مناف لنكاح الأخرى ، فيكون العقد على الأخت دالا على ارادة فسخ نكاح أختها ، لتنافيهما وامتناع الجمع بينهما ، وارادة أحد المتنافيين يقتضي نفي ارادة الآخر. وفيه نظر ، إذ قد تحصل الغفلة عن المنافي الآخر مع إرادة منافيه فكيف يلزم ارادة نفيه.

ولأن الأصل في العقود الصحة ، فإذا أوقع العقد على الأخت وجب الحكم بصحته فيمتنع بقاء نكاح الأخرى.


ولو قال : حصرت المختارات في ست ، انحصرن ، ولو لحقه أربع وتخلف أربع فعيّن الأوائل للنكاح صح.

ولو عينهن للفسخ لم يصح إن كان الأواخر وثنيات ، وإلاّ صح ، ويحتمل الوقف.

______________________________________________________

لا يقال : إنما يجوز العقد على الأخت مع نقص عددهن عن أربع وانما يجوز الفسخ مع الزيادة عليها فكيف يجتمعان. لأنا نقول : يمكن العقد متعة.

لا يقال : شرط صحة العقد كون الأخت ليست زوجة ، فإذا عقد على الأخت لم يقع صحيحا ، إذ لم يصادف محلا فيقع فاسدا ، ولا يحصل به الاختيار.

لأنا نقول : لا تمتنع صحته وحصول الفسخ كما في بيع البائع ذا الخيار وبيع المدبر والموهوب من الواهب ، حيث يجوز الرجوع في الهبة. وقد يتصور فرض المسألة فيمن أنشأ العقد على الأخت معتقدا صحته ، قاصدا بذلك فسخ نكاح الأخرى.

وفي كونه فسخا تأمل ، لأنه بنفسه لا يقتضيه ، والإرادة وحدها لا أثر لها ، وللتردد في ذلك مجال.

قوله : ( ولو قال : حصرت المختارات في ست انحصرن ).

هذا إذا عيّن الست ، وإلاّ كان لغوا. ووجه الانحصار أن ذلك مستلزم لفسخ نكاح البواقي ، ويصح الفسخ بما يدل عليه صريحا وبما يستلزمه.

قوله : ( ولو لحقه أربع وتخلف أربع فعيّن الأوائل للنكاح صح ، ولو عينهن للفسخ لم يصح إن كان الأواخر وثنيات على الأصح ، ويحتمل الوقف ).

وجه صحة تعيين الأوائل للنكاح ظاهر ، فإنهن مسلمات لا مانع من تعيينهن ، وكذا لو عينهن للفسخ والأواخر كتابيات ، لأن استدامة نكاح الكتابية جائز ، وكذا اختيارهن على المسلمات على الأصح كما سبق.


ولو عين المتخلفات للفسخ صح ، وللنكاح لا يصح ، إلاّ ان جوزنا‌

______________________________________________________

وأما إذا كان الأواخر وثنيات ، فإن في تعيين الأوائل للفسخ وجهين :

أحدهما : البطلان ، لأنه لو صح لوجب عليه أن يترتب عليه أثره ، وهو بينونة المسلمات وبقاء نكاح الوثنيات.

والثاني : باطل قطعا ، فإن الوثنية يمتنع نكاحها للمسلم.

بيان الملازمة أن الفسخ إنما يقع لما زاد على أربع فنكاحهن لازم قطعا ، وليس بعد المسلمات إلاّ الوثنيات ، وفيه نظر ، لأن الفسخ يجوز أن يقع مراعى ، وتنكشف صحته بإسلام الوثنيات في العدة ، فيكون صحيحا بحسب الواقع ، يترتب عليه أثره وانكشافه عندنا بتحقق إسلامهن.

ولأن ظاهر قوله 7 : « أمسك أربعا وفارق سائرهن » (١) يقتضي وقوع الفرقة في الحال ، وهو ممتنع في الفرض المذكور ، لأن إمساك الوثنيات ممتنع. وفيه نظر ، لأن الفرقة قد تحصل في الحال ويصح نكاح الوثنيات وينكشف بإسلامهن في العدة.

والحاصل أن الفسخ كما يحتمل صحته وبطلانه على وجه الجزم ، كذا يحتمل التوقف في الحكم بأحدهما ، لخفاء الشرط وهاهنا كذلك ، فإن شرط صحة الفسخ كون البواقي زوجات ، كما أن شرط فساده انتفاء زوجيتهن وإنما يتبين بقاء زوجيتهن وانفساخها بإسلامهن في العدة وعدمه ، فوجب أن لا يحكم بأحد الأمرين إلى أن يحصل الكاشف ، وهذا هو الوجه الثاني ، وهو الذي أراد بقوله : ( ويحتمل الوقف ) وهو الأصح ، لامتناع الحكم بأحدهما مع خفاء شرطه.

فإن قيل : الفسخ الواقع حينئذ متردد فيه فيمتنع صحته.

قلنا : لا تردد ، إذ الأصل بقاء الزوجية ، والمانع غير معلوم الحصول.

قوله : ( ولو عين المتخلفات للفسخ صح ، وللنكاح لا يصح إلاّ إذا‌

__________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ١٨١.


الوقف.

ولو أسلمت ثمان على الترتيب ، فخاطب كل واحدة بالفسخ عند إسلامها تعيّن للفسخ الأربع المتأخرات ، وعلى الوقف المتقدمات.

ويجب الاختيار وقت ثبوته ، فإن امتنع حبس عليه ، فإن أصر عزر.

______________________________________________________

جوزنا الوقف ).

أي : لو عيّن في المسألة المذكورة المتخلفات للفسخ صح ، لصحة نكاح الأوائل ، بخلاف ما لو عينهن للنكاح فإنه لا يصح ، لأنهن وثنيات ، فلا يصح اختيار نكاحهن.

نعم لو جوزنا الوقف وهو وقوع التعيّن مراعى ، لم يمتنع تعيينهن للنكاح ، وتنكشف صحته وفساده بالإسلام وعدمه.

قوله : ( ولو أسلم ثمان على الترتيب ، فخاطب كل واحدة بالفسخ عند إسلامها ، تعيّن للفسخ الأربع المتأخرات ، وعلى الوقف المتقدمات ).

وجه الأول أن فسخ الأربع الأول وقع باطلا ، لامتناع اختيار الوثنيات ، فسخ الأربع الأخر.

ووجه الثاني : أن الفسخ للأول وقع مراعى وقد انكشف صحته بإسلام الأخر ، فتعين للنكاح المتأخرات.

قوله : ( ويجب الاختيار وقت ثبوته ، فإن امتنع حبس عليه ، فإن أصر عزر ).

لا ريب أنه متى ثبت للمكلف الاختيار بالنسبة إلى جميع الزوجات ، اما بأن أسلم جميعهن ، أو كن كتابيات ، أو أسلم البعض والبعض الآخر كتابيات ، وجب عليه الاختيار. والأصل فيه قوله 6 لغيلان بن سلمة الثقفي : « أمسك أربعا وفارق سائرهن » (١) والأمر للوجوب.

__________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ١٨١.


فإن مات اعتدت كل واحدة بأبعد الأجلين ، فالحائل بالأبعد من أربعة أشهر وعشرة أيام ومن ثلاثة أقراء ، والحامل بالأبعد من أربعة أشهر وعشرة أيام ومن الوضع.

______________________________________________________

ولأنه لو لم يختر لكان متمسكا بنكاح الجميع بعد الإسلام والثاني باطل فان المسلم كما لا يجوز له ان ينكح أكثر من اربع كذا لا يجوز له استدامة نكاحهن.

ولأن حق الاستمتاع ثابت للزوجات ، وهو ممتنع قبل الاختيار ، فإن امتنع حبسه الحاكم ، فإن أصر أخرجه وعزره ويحذره بما يراه من الضرب وغيره ، فإن فعل ، وإلاّ رده إلى الحبس والضرب حتى يختار.

وكذا من وجب عليه دين حال ، وكان له مال يعرف الحاكم به ، وهو يسره وينكره ولا مال له سواه ، فإن الحاكم يجبره على قضاء الدين ، فإن فعل ، وإلاّ حبسه ، فإن فعل ، وإلاّ أخرجه وعزره ولا يزال يخرجه ويعزره حتى يقضي الدين.

والمولى إذا امتنع من الفئة والطلاق يحبسه الحاكم كذلك ، ولا يطلق عليه عندنا.

وذهب بعض الشافعية إلى أن المأمور بالاختيار إذا امتنع فحبس لا يعزر على الفور ، فلعل عليه في التعيين فكر أو أقرب معتبر فيه مدة الاستنابة (١).

قوله : ( فان مات اعتدت كل واحدة بأبعد الأجلين ، فالحائل بالأبعد من أربعة أشهر وعشرة أيام ومن ثلاثة أقراء ، والحامل بالأبعد من أربعة أشهر وعشرة ومن الوضع ).

لو مات الزوج قبل التعيين وجبت العدة على الجميع ، لأن الزوجات لا يتعين منهن وإن لم يكن دخل بهن ، كما لو أسلم عن ثمان كتابيات وجب على كل منهن الاعتداد بأربعة أشهر وعشرة أيام ، لأن كلا منهن يحتمل زوجيتها.

وإن كان قد دخل بهن اعتددن بأبعد الأجلين من عدة الوفاة وعدة الطلاق ،

__________________

(١) انظر المجموع ١٧ : ٣٠٣.


ونوقف لهن الربع أو الثمن حتى يصطلحن ، فإن طلبت إحداهن منه شيئا لم تعط.

ولو طلبت خمس دفع إليهن ربع النصيب ، والست نصفه.

ولو كانت إحداهن مولى عليها لم يكن لوليها أن يأخذ لها أقل من الثمن ، ويحتمل القرعة والتشريك.

______________________________________________________

والحائل بالأبعد من أربعة أشهر وعشرة أيام ومن ثلاثة أقراء ، والحامل بأبعد الأجلين من أربعة أشهر وعشرة أيام ومن الوضع ، فأيهما انقضت قبل أتمت الأخرى.

وإنما وجب ذلك ، لتوقف يقين البراءة عليه ، فإن كل واحدة يحتمل أن تكون مختارة ومفارقة ، وعدة المختارة عدة الوفاة وعدة المفارقة عدة الطلاق.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن ابتداء الأشهر من حين الوفاة قطعا ، وأما الأقراء فقد قال في التذكرة : يحتمل الاعتبار من وقت إسلامهما إن اقترنا ، ومن حين إسلام من سبق إسلامه إن تعاقبا فيه ، لأن الأقراء إنما تجب لاحتمال أنها مفارقة قد انفسخ نكاحها ، والانفساخ يحتمل من ذلك الوقت (١).

ولقائل أن يقول : إن الانفساخ إنما يحصل من حين المفارقة بالاختيار ، ولم يتحقق ذلك ، فيتعيّن أن يكون ابتداء عدته من حين الوفاة ، لامتناع التأخر عنه وانتفاء ما يدل على التقديم عليه ، لأن إسلامهما أو إسلام الأسبق منهما لا يقتضي المفارقة قطعا.

قوله : ( ويوقف لهن الربع أو الثمن حتى يصطلحن ، فإن طلبت إحداهن منه شيئا لم تعط ، ولو طلبت خمس دفع إليهن ربع النصيب والست نصفه ، ولو كانت إحداهن مولى عليها لم يكن لوليها أن يأخذ لها أقل من الثمن ، ويحتمل القرعة والتشريك ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٦٠.


______________________________________________________

إذا مات الزوج بعد إسلامه وإسلام الزوجات الثمان وقبل الاختيار ، ففي‌ استحقاق الزوجات من الإرث احتمالات ثلاثة ذكرها المصنف :

أحدها : أن يوقف لهن نصيب الزوجية ، وهو الربع مع عدم الولد والثمن معه حتى يصطلحن ، لأن الحق منحصر فيهن ، ولا طريق إلى معرفة المستحق ، ولا يتوقع حصوله ولا أولوية لبعض على بعض. ويظهر من المصنف اختيار هذا الاحتمال ، ويتفرع على هذا الاحتمال أمران :

أ : أن إحداهن لو طلبت من النصيب شيئا لم يدفع إليها شي‌ء ، لانتفاء تعيين الاستحقاق ، لإمكان أن لا تكون زوجة ، وكذا لو طلبت اثنتان أو ثلاث أو أربع.

أما لو طلبت خمس ، فإنه يدفع إليهن ربع النصيب ، وهو ربع الربع أو ربع الثمن ، لأن فيهن واحدة زوجة قطعا ، والست نصفه والسبع ثلاثة أرباعه لمثل ذلك.

ب : لو كانت إحداهن مولى عليها ، كما لو كانت صغيرة أو مجنونة ، ففي القدر الذي يتعيّن على وليها الصلح به فما زاد احتمالان :

أحدهما : ربع النصيب ، فلا يجوز له الرضى بما دونه ، لوجوب الاحتياط في تصرف الولي.

وأصحهما عند المصنف أنه يجوز النقص عن الربع ، لعدم تعيّن زوجيتها ، ولا يجوز النقص عن الثمن ، لكون النصيب موقوفا بين الثمان ، فكل واحدة صاحبة ثمن.

ولقائل أن يقول : إنه لو علم الولي أنه إذا لم يصالح على الأقل فات حظها من النصيب تعيّن القول بجواز الصلح حينئذ.

ويمكن الجواب بأن أخذ الأقل ظاهر ، وإن كان على جهة الصلح لا يكون لازما بحيث يسقط حقها من تتمة الثمن ، فللولي ولها بعد الكمال المطالبة بالتتمة ، وعلى هذا فمختار المصنف هو المفتي به.

الاحتمال الثاني : القرعة ، لأنه أمر مشكل ، وقد ورد عنهم : : « في‌


______________________________________________________

كل أمر مشكل القرعة ».

الاحتمال الثالث : التشريك فيقسم بينهن على التساوي ، لانحصار الحق فيهن ، والبيان غير متوقع ، وهن جميعا معترفات بأن الإشكال ثبت في الجميع ، ولا مزية لبعض على بعض آخر في الظاهر ولا في الواقع ، لأن المقتضي لزوجية بعض هو الاختيار ، وبدونه فجميعهن سواء في ذلك ، وهذا الاحتمالان ضعيفان.

أما القرعة ، فلأنها إنما تجري في الأمور المشتبهة ظاهرا مع التعيين في نفس الأمر ، كما لو اشتبه مستحق المال من الشخصين ، فإن أحدهما مالك بحسب نفس الأمر دون الآخر ، فينكشف ما في نفس الأمر بالقرعة.

وكما لو حلف ليطلقن زينب إن كان هذا الطائر غرابا ، وعمرة إن لم يكن ، فإن اليمين واقع بالنسبة إلى إحداهما بعينها ، والاشتباه إنما هو عندنا دون الله سبحانه فإنه يعلم حال الطائر ، بخلاف ما نحن فيه ، لانتفاء تعيّن الزوجات في نفس الأمر ، لأن ثبوت الزوجية لبعض دون بعض إنما يكون بالاختيار ، والله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه ، والمعيّن في نفسه يعلمه معينا ، والمبهم في نفسه يعلمه مبهما.

فإن قيل : إنه تعالى يعلم من كان يختار على تقدير الاختيار.

قلنا : المقتضي للزوجية الموجبة للإرث هو الاختيار لبعض ، وذلك منتف فينتفي أثره ، كما أنه لو أراد زيد نقل ملكه إلى عمرو ، وعلم الله تعالى أنه لو بقي لنقله فإن ذلك لا يثمر ملكا لعمرو ولا انتقالا عن زيد.

واما التشريك فلاستلزامه إعطاء من لا حق لها وتوريث من ليست بزوجة ، بخلاف ما لو تعارضت الدعويان ، فإن اشتراك المدعيين غير معلوم الانتفاء ، بخلاف ما نحن فيه ، فالأقرب الأول.

ومما قررناه علم أن قوله : ( ويحتمل القرعة والتشريك ) أي : ويحتمل التشريك ، عديلان لقوله : ( يوقف لهن الربع أو الثمن ).


ولو كان فيهن وارثات وغير وارثات فلا إيقاف ، كما لو كان معه اربع وثنيات وأربع كتابيات فأسلم الوثنيات ثم مات ، وكذا لو كن كتابيات فأسلم معه أربع ومات.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كان فيهن وارثات وغير وارثات فلا إيقاف ، كما لو كان معه أربع وثنيات وأربع كتابيات فأسلم الوثنيات ثم مات ، وكذا لو كن كتابيات فأسلم معه أربع ومات ).

ما مضى حكم ما إذا قطع باستحقاق الزوجات للميراث ، فأما إذا كان كل من الأمرين محتملا على حد سواء ، كما إذا أسلم على أربع كتابيات وأربع وثنيات فأسلم الوثنيات ، أو أسلم على ثمان كتابيات فأسلم منهن أربع ثم مات قبل الاختيار ، فإن في وجوب إيقاف النصيب هنا وجهين :

الأول : وهو مقرب التذكرة : أنه يوقف ، لأنا لا نعطي الورثة إلاّ ما نعلم أنه لهم ، ويوقف مع الشك كما يوقف الميراث إذا كان هناك حمل ، واستحقاق سائر الورثة قدر نصيب الزوجات غير معلوم ، والشك في أصل الاستحقاق لا يمنع الوقف كمسائل الحمل.

والثاني : وهو مختاره هنا : أنه لا يوقف للزوجات بشي‌ء ، لأن ارثهن غير معلوم ، لجواز أن يكون الزوجات الكتابيات ولا يرث الكافر المسلم.

ويضعّف بأن الإيقاف لا ينافيه الشك في الاستحقاق كما في الحمل ، فإن قلنا بالأول لم يدفع إلى المسلمات نصيب الزوجية حتى يصطلحن مع باقي الورثة ، للشك في أصل إرث الزوجات.

والقول بالإيقاف قريب ، لأن نصيب الزوجية دائر بين المسلمات وسائر الورثة.

ولا ترجيح لبعض على بعض ، ولا أصل لواحد من الفريقين بخصوصه يرجع اليه ، فالحكم بصرفه إلى الورثة دونهن تحكم وترجيح بلا مرجح.


ولو أسلم الكتابيات بعد الموت قبل القسمة فالأقرب إيقاف الحصة.

ولو أسلمت واحدة فالموقف كمال الحصة ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو أسلم الكتابيات بعد الموت قبل القسمة فالأقرب إيقاف الحصة ).

هذا بناء على عدم إيقاف شي‌ء على تقدير أن يكون أربع كتابيات ، وتحقيقه أنه لو أسلم الكتابيات الأربع بعد الموت قبل قسمة التركة فالأقرب إيقاف حصة الزوجات حينئذ.

ووجه القرب أن الكافر إذا أسلم على ميراث قبل القسمة ورث ، فباسلام الكتابيات قبل القسمة ساوين المسلمات في استحقاق الإرث ، فيقطع بأن نصيب الزوجة لا يستحقه باقي الورثة فيتعين إيقافه.

ويحتمل ضعيفا العدم ، لأن الإسلام قبل القسمة إنما يثمر الإرث في غير الزوجة ، لأن إرث الزوجة منوط بزوجيتها وإسلامها معا ، وفي محل النزاع الإسلام منتف عند الموت والزوجية منتفية بعده.

بخلاف غير الزوجية من أسباب الإرث ، فإن وصف القرابة لا ينتفي بالموت وليس بشي‌ء ، لأن الزوجية ثابتة بعد الموت ، للاستصحاب ولثبوت أحكامها. ومن ثم جاز التغسيل ولم يحرم النظر ، وقدّم الزوج على باقي الورثة في أحكام الزوجية كلها ، والأقرب ما قربه المصنف.

قوله : ( ولو أسلمت واحدة فالموقف كمال الحصة ).

أي : لو أسلمت واحدة من الأربع في الصورة السابقة فالموقف كمال الحصة ، بناء على الإيقاف في الصورة المتقدمة.

ووجهه أنه لو أسلمت واحدة والزوجات أربع كتابيات ، استحقت كمال نصيب الزوجية ، فيكون الاشتباه في نصيب الزوجية من حيث ان الاستحقاق دائر بين الأربع المسلمات ، وبين ثلاث مع التي أسلمت بعد الموت ، وبين كل واحدة من الخمس ، لإمكان‌


وكذا لو كان معه كتابية ومسلمة وقال : إحداكما طالق ومات قبل التعيين.

المطلب الخامس : في النفقة ، إذا أسلم وأسلمن وجب نفقة الجميع ، حتى يختار أربعا فتسقط نفقة البواقي. وكذا لو كن كتابيات وجبت النفقة وإن لم يسلمن ، وكذا لو أسلمن أو بعضهن قبله وهو على كفره وإن انتفى التمكين من الاستمتاع.

______________________________________________________

كونها المختارة مع الثلاث الكتابيات.

قوله : ( وكذا لو كان معه كتابية ومسلمة وقال : احديكما طالق ومات قبل التعيين ).

أي : وكذا لا إيقاف لو كان مع الزوج الذي أسلم كتابية ومسلمة ، وطلق إحديهما من غير تعيين ، وقلنا بصحة هذا الطلاق ، ثم تعيين من شاء ومات قبل التعيين ، فإنه يحتمل أن تكون المطلقة المسلمة والكتابية لا يرث ، فلا يوقف بشي‌ء للزوجة للشك في سبب الإرث ، وهذا أحد الوجهين على ما عرفت.

وعلى الوجه الثاني يجب الإيقاف ، للشك في استحقاق باقي الورثة النصيب ، كما شككنا في استحقاق الزوجة إياه فامتنع الترجيح ، فعلى هذا لا بد من اعتبار الصلح بين الزوجتين وباقي الورثة إن قلنا بالإيقاف إلى الصلح في المسألة المذكورة أولا ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في الطلاق أن مثل هذا التطليق لا يجوز.

فقول المصنف : ( وكذا لو كان معه كتابيات ) إشارة إلى قوله سابقا : ( ولو كان فيهن وارثات وغير وارثات فلا إيقاف ).

قوله : ( المطلب الخامس : في النفقة : إذا أسلم وأسلمن وجب نفقة الجميع حتى يختار أربعا فتسقط نفقة البواقي ، وكذا لو كن كتابيات وجبت النفقة وإن لم يسلمن. وكذا لو أسلمن أو بعضهن قبله وهو على كفره وإن انتفى التمكين من الاستمتاع.


ويشترط عدم النشوز فيما له السلطنة فيه كالسكنى ، وحل نذرها موقوف.

______________________________________________________

ويشترط عدم النشوز فيما له السلطنة فيه كالسكنى ).

لا ريب أنه إذا أسلم الزوج الكافر وأسلمت الزوجات وهن أكثر من النصاب يجب عليه نفقة الجميع ، استصحابا للوجوب قبل الإسلام ولم يوجد ناقل عنه ، ولأنهن محبوسات لأجله وتحت حجره إلى زمان الاختيار ، فإن اختار أربعا اندفع نكاح البواقي وسقطت نفقتهن.

وكذا لو كن جميعا كتابيات ولم يسلمن ، وكذا لو أسلمن أو بعضهن قبله وهو على كفره ، وإن انتفى التمكين من الاستمتاع في هذه الصورة كلها ، لأن المانع من قبله بترك الاختيار في الأولتين ، وبترك الإسلام والاختيار في الأخيرة.

ولأن المنع قبل الاختيار شرعي ، فهو كالمنع من الاستمتاع في حال الإحرام ، لكن يشترط عدم النشوز فيما للزوج السلطنة فيه ، كالسكنى في مكان مخصوص لائق بحال المرأة ، وعدم الخروج من المسكن من دون إذنه ، لأن لذلك دخلا في التمكين ، ولا يلزم من سقوط التمكين في الاستمتاع سقوط ما عداه. ولأن كل واحدة في كل زمان معرضة لأن تكون زوجة بأن يختارها ، فلا بد من أن يكون الاستمتاع من قبلها لا مانع منه من جهة المسكن ، وغيره من الأمور التي لها تعلق بالاستمتاع كإزالة المنفر وما جرى هذا المجرى.

قوله : ( وحل نذرها موقوف ).

أي : وحل نذر احدى الزوجات للاختيار موقوف ، أي : موقوف على اختياره إياها ، فلو اختار من عداها كان نذرها لازما. وهذا واضح ، إذا قلنا بأن نذر الزوجة ينعقد وللزوج الحل ، إذ لا مقتضى للحل حينئذ ، لزوال الزوجية.

ولو قلنا بعدم انعقاده من رأس أمكن القول بعدم الانعقاد حينئذ ، لأنها زوجة ، وإنما تندفع زوجيتها بالاختيار.


ولو لم يدفع النفقة كان لهن المطالبة بها عن الحاضر والماضي ، سواء أسلم أو لا.

ولو أسلم دون الوثنيات لم يكن لهن نفقة ، لأن تفويت الاستمتاع منهن.

ولو تداعيا السبق إلى الإسلام قدّم قول الزوج ، لأصالة براءته.

______________________________________________________

واعلم أن الضمير في : ( نذرها ) لا مرجع له في اللفظ لكنه ظاهر.

قوله : ( ولو لم يدفع النفقة كان لهن المطالبة بها عن الحاضر والماضي ، سواء أسلم أو لا ).

وذلك لأن هذه النفقة نفقة زوجية لا تسقط بالفوات ، بل هي دين لازم لهن المطالبة به كنفقة سائر الزوجات.

قوله : ( ولو أسلم دون الوثنيات لم يكن لهن نفقة ، لأن تفويت الاستمتاع منهن ).

هذا هو أصح الوجهين ، وقوّاه الشيخ (١) ، وإنما كان تفويت الاستمتاع منهن ، لأنهن مسببات بالتخلف عن الإسلام وهو فرض عليهن ، فأشبه ما إذا سافر الزوج وأراد مساعدتها فتخلفت ، ولأنهن منعن أنفسهن بمعصية ، أو منعها بمعنى لا يمكنه تلافيه كما لو نشزت.

والآخر لهن النفقة إذا أسلمن في العدة ، لظهور أنهن قد كن زوجات ، ولم يحدثن شيئا ، والزوج هو الذي بدل الدين وهو ضعيف ، لأن تخلفها عن الإتيان بالإسلام مع وجوبه هو المقتضي لمنع الاستمتاع ، وذلك نشوز ، ومثله ما لو لم تغتسل من الحيض إن شرطنا الوطء بالغسل.

قوله : ( ولو تداعيا السبق إلى الإسلام قدم قول الزوج ، لأصالة البراءة ).

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٣٤.


ولو ادعى السبق بالإسلام قبل الوطء فالقول قولها ، لأن الأصل بقاء المهر.

______________________________________________________

هذا تفريع على الوجه‌ الأصح ، وتحقيقه إنه لو تداعى الزوجان السبق إلى الإسلام ، فادعته الزوجة لتبقى نفقتها ، وادعاه الزوج لتنتفي ، فإن القول قول الزوج بيمينه ، لأن النفقة إنما تجب يوما فيوما ، وكل يوم تجب عند صلاة الغداة ، والاختلاف حينئذ في أصل الوجوب والزوج ينكره ، فيكون الأصل معه والزوجة تدعي خلاف الأصل فعليها البينة.

ويحتمل أن القول قولها ، لأن النفقة كانت واجبة ، والأصل البقاء ، والزوج يدعي المسقط ، وكان كما لو ادعى عليها النشوز فأنكرت بعد تحقق التمكين.

ويمكن الفرق بأنه مع تحقق التمكين لا شبهة في أن من يدعي النشوز مدع ، بخلاف ما إذا تحقق المانع من الاستمتاع ، وهو بقاء أحدهما على الكفر فإنه لا تمكين حينئذ فإذا ادعت معه كونها غير ناشزة لم يقبل منها إلاّ بالبينة ، وهذا إذا اتفقا على تقدم إسلام أحدهما واضح.

أما إذا اختلفا في التقدم والتقارن فإنه يبنى على تقديم الأصل أو الظاهر فيما سيأتي ، فإن قدمنا الظاهر فلا نفقة على ما سبق ، وإن قدمنا الأصل فالنفقة كما كانت.

قوله : ( ولو ادعى السبق بالإسلام قبل الوطء فالقول قولها ، لأن الأصل بقاء المهر ).

أي : لو كان اختلاف الزوجين بعد تحقق إسلامهما أيهما سبقت بالإسلام قبل الدخول فلا مهر لها ، وأنكرت هي ذلك وادعت بقاء المهر ، فإن القول قولها بيمينها ، لأن المهر معلوم الثبوت ، فمدعي المسقط مطالب بالبينة. وليس هذا كما لو اختلفا في السبق بالنسبة إلى النفقة ، لأن عدم التمكين هناك متحقق.

وكونه غير مؤثر غير معلوم ، فمتى ادعى عدم تأثيره طولب بالبينة ، ولا فرق‌


ولو قالت : أسلمنا معا فالنكاح باق ، قدّم قوله ، لندور التقارن في الإسلام على اشكال.

______________________________________________________

في ذلك بين أن تكون الزوجة وثنية أو كتابية.

وكذا الزوج ، فإن إسلام الزوجة أولا قبل الدخول يقتضي الفسخ ، وسقوط المهر على كل تقدير على ما سبق.

ولو قالا : سبق إسلام أحدنا الآخر ولا نعلم السابق ، انفسخ النكاح باتفاقهما على السبق المقتضي له. كذا ذكره المصنف في التذكرة (١) ، ويجب أن يقيّد بكون الزوجة وثنية ، لأنها لو كانت كتابية لأمكن تقدم إسلامه ، فيبقى النكاح على ما تقدم.

ثم المهر إن كانت المرأة لم تقبض منه شيئا لم يكن لها المطالبة به ، لجواز أن تكون هي السابقة ، فيكون قد سقط مهرها فيقف حتى تعلم. وإن كانت قد قبضته فلها المطالبة بنصفه ، لأنه لا يستحق ذلك على كل من تقديري تقدم إسلامها وإسلامه ، ويقف النصف الآخر إلى أن يعلم الحال ، وهذا إنما هو إذا لم يوجب مع تقدم إسلامه قبل الدخول إلاّ نصف المهر.

أما إذا أوجبنا الجميع ـ كما سبق في نظائره في الرضاع ـ فليس له المطالبة بشي‌ء.

قوله : ( ولو قالت : أسلمنا معا فالنكاح باق قدّم قوله لندور التقارن في الإسلام على اشكال ).

ما سبق اختلافهما في التقدم ، لبقاء المهر وعدمه ، والاختلاف هنا في التقدم لبقاء النكاح وعدمه.

وتصويره أنه إذا قالت الزوجة أو الزوج : أسلمنا معا قبل الدخول فالنكاح باق ، وقال الآخر : بل تقدّم إسلام أحدنا وكانت الزوجة وثنية ، أو إسلام الزوجة إن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٥٩.


ولو قال : أسلمت بعد إسلامي بشهرين ، فقالت : بل بشهر ، أو قال : أسلمت بعد العدة ، فقالت : بل فيها ، قدّم قوله.

______________________________________________________

كانت كتابية فقد انفسخ النكاح ، قدّم قول مدعي التقدم الموجب للفسخ ، وقد فرضه المصنف الزوج على اشكال ينشأ : من تعارض الأصل والظاهر ، فإن الأصل بقاء النكاح وعدم تجدد المفسد.

والظاهر عدم التقارن ، لأن اتفاق ذلك عزيز نادر ، فيقدّم قول نافيه كما يقدّم قول صاحب اليد وتعارض الأصل والظاهر.

والبحث في ترجيح أيهما على الآخر أصل معروف بين الفقهاء تبنى عليه من المسائل ما لا يكاد يتناهى ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب القضاء ما له مزيد بحث ، والأكثر على ترجيح الظاهر.

وقد يحتج له بأن الظاهر ناقل فيقدّم على الأصل ، لأنه مقرر ، وبأن صاحب اليد مقدّم وهو من قبيل الظاهر ، فاعتباره يشعر بقوة جانب الظاهر في نظر الشارع.

وربما احتج على ترجيح الأصل بأنهما لو اختلفا في السابق إلى الإسلام قبل الدخول قدّم قول المرأة في بقاء المهر عملا بأصالة بقائه. وجوابه ظاهر ، فإن أصالة بقاء المهر لا يعارضها ظاهر ، بخلاف ما هنا ، فعلى هذا ترجيح الظاهر أقوى.

قوله : ( ولو قال : أسلمت بعد إسلامي بشهرين ، فقالت : بل بشهر أو قال : أسلمت بعد العدة ، فقالت : بل فيها ، قدّم قوله ).

وجه تقديم قوله أما في الاولى ، فلأن الأصل براءة ذمته من النفقة مدة الشهر المختلف فيه ، والأصل عدم تقدم إسلامها على الوجه الذي يدعيه.

وأما في الثانية ، فلأن إسلامها في العدة يقتضي استحقاق النفقة ، لبقاء النكاح ، والأصل عدمه ، وكذا الأصل عدم تقدّم الإسلام على انقضاء العدة.

فإن قيل : تأخر إسلامها عن العدة يقتضي زوال النكاح ، والأصل بقاؤه.

قلنا : بعد أن تحقق اختلاف الدين وانقضاء العدة المقتضي لفسخ النكاح ،


ولا يعد الفسخ في الطلقات وإن ساواه في المهر ، فلو أسلم الوثني قبل الدخول وجب نصف المسمّى إن كان مباحا ، وإلاّ نصف مهر المثل ، ويحتمل المتعة ، ولو لم يسم مهرا فلها المتعة.

وان كان بعده وجب المسمى أو مهر المثل على التفصيل.

______________________________________________________

وشك في المانع وهو إسلامها قبل الانقضاء ، لم يبق الأصل المذكور فلا يكون متمسكا.

ولو انعكس الفرض فادعى إسلامه في العدة بعد أن تقدّم إسلامها ، وادعت كونه بعدها ، فالظاهر عدم الفرق ، فيكون القول قولها.

قوله : ( ولا يعد الفسخ في الطلقات وإن ساواه في المهر ).

وذلك لأن عدة الطلقات يقتضي تحريمها بطلقتين معه ، وذلك تشريع يتوقف على توقيف الشارع ، والمهر إنما وجب بالعقد لا بالفسخ ، فلا يلزم من وجوب المهر أو نصفه مع الفسخ كالطلاق مساواته للطلاق في باقي الأحكام.

قوله : ( فلو أسلم الوثني قبل الدخول وجب نصف المسمى إن كان مباحا ، وإلاّ نصف مهر المثل ، ويحتمل المتعة. ولو لم يسمّ مهرا فلها المتعة ، وإن كان بعده وجب المسمى أو مهر المثل على التفصيل ).

لما ذكر أن الفسخ بالإسلام يساوي الطلاق في المهر ، ولم يكن ذلك على إطلاقه ، وإنما هو إذا كان بعد الدخول أو قبله إذا كان من قبل الزوج بين حكمه.

ولا ريب أن الوثني إذا أسلم قبل الدخول أو الكتابي انفسخ النكاح إذا كانت الزوجة وثنية على ما سبق ، وحينئذ فإن كان المهر المسمّى مباحا وجب نصفه ، لأنه فرقة قبل الدخول ، فكان موجبا لتنصيف المهر كالطلاق.

ويشكل بأن المهر يجب كله بالعقد على أصح القولين كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وتشطره بالطلاق ثبت بالنص والإجماع ، وإلحاق غيره به قياس ، وقد سبق في الرضاع أن الفسخ الحاصل به يجب معه جميع المهر ، وهو المتجه هنا.


ولو أسلمت قبل الدخول سقط وبعده لها المسمى.

______________________________________________________

ويحتمل وجوب المتعة ، لبطلان المسمّى فصار كالتفويض ، وضعفه ظاهر. هذا إذا كان المهر مباحا ، فإن كان محرما في شرع الإسلام كالخمر والخنزير وجب نصف مهر المثل ، بناء على بطلان المسمى ، والرجوع إلى مهر المثل إن لم يكن قبضت منه شيئا ، وإلاّ فبالنسبة.

وقد تقدم في كلام المصنف أول الباب أن الأقرب وجوب القيمة عند مستحليه وانه الأصح ، فعلى هذا تجب أما القيمة أو نصفها.

أما لو لم يسمّ مهرا بل كانت مفوضة فلا بحث في وجوب المتعة ، وإن أسلم بعد الدخول وجب المسمّى إن كان مباحا ، لاستقراره بالدخول ، فلا يسقط بما يطرأ وإن كان غير مباح وجب مهر المثل إن لم يكن قد قبضت منه شيئا.

فإن كانت قد قبضت الجميع بري‌ء منه ، وإن قبضت البعض بري‌ء منه ووجب من مهر المثل بنسبة الباقي على ما سبق بيانه مفصلا ، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله : ( على التفصيل ) فإنه يريد التفصيل الذي سبق في أول الباب.

وذكر الشارح الفاضل أن المراد بالتفصيل تقسيم الحال إلى كون الإسلام بعد قبض المهر كله محللا أو محرما ، أو بعد قبض البعض خاصة ، أو قبل قبض شي‌ء منه ، والظاهر أنه أعم من ذلك.

ومن لحظ الكلام السابق في أول الباب علم بأدنى تأمل ما قلناه ، وعلى المختار فالواجب إنما هو مجموع القيمة إن لم تكن قبضت شيئا من المحرم ، وإلاّ فبالنسبة.

قوله : ( ولو أسلمت قبل الدخول سقط ، وبعده لها المسمّى ).

أي : إذا سبق إسلام المرأة قبل الدخول سقط المسمّى وينفسخ النكاح ، وإنما يسقط مع كونها محصنة بالإسلام وهي مأمورة به ، لأن الفسخ جاء من قبلها ، والمهر عوض ، فيسقط بتفويت العاقد والمعقود عليه ، وإن كان معذورا كما لو باع طعاما ثم كله وهو مضطر إليه ، بخلاف ما لو كان الإسلام بعد الدخول ، فإن المسمّى بحاله ،


ولو اعترفا بالسبق ولو يعلم أيهما السابق قبل الدخول لم يكن للمرأة المطالبة بشي‌ء من المهر ان لم تقبض وان قبضته فللزوج المطالبة بنصفه خاصة ثم يوقف على التقديرين حتى يتبين ،

______________________________________________________

لاستقراره بالدخول.

قوله : ( ولو اعترفا بالسبق ولم يعلم أيهما السابق قبل الدخول ، لم يكن للمرأة المطالبة بشي‌ء من المهر إن لم يقبض ، فإن قبضته فللزوج المطالبة بنصفه خاصة ، ثم يوقف على التقديرين حتى يتبين ).

أي : لو اعترف الزوجان وتصادقا بعد إسلامهما على أن أحدهما سبق إلى الإسلام ، وقالا : لا نعلم السابق بعينه ، وكان ذلك قبل الدخول. ولا بد من التقييد بكون الزوجة وثنية ، إذ لو كانت كتابية لبقي النكاح لو كان المسلم الزوج ، وحينئذ فإن النكاح ينفسخ ، لاتفاقهما على ما يقتضي فسخه.

ثم المهر إن كانت المرأة لم تقبض منه شيئا لم يكن لها المطالبة به ، لجواز أن تكون هي السابقة ، فيكون قد سقط مهرها فيقف حتى يعلم.

لا يقال : ثبوت المهر بالنكاح متحقق ، والأصل بقاؤه ، والمسقط تقدم إسلامها ، وهو غير معلوم فيتمسك بالأصل.

لأنا نقول : لما طرأ فسخ النكاح المستند إلى تقدم إسلام أحدهما ، وأمكن كون المتقدم المرأة ، لم يبق الأصل ، كما كان لتكافؤ احتمال كون السابق الرجل أو المرأة.

وفيه نظر ، فإن الماء القليل لا يجب اجتنابه لو علم وقوع شي‌ء فيه واحتمل كونه نجاسة.

وإن كان قد قبضته فله المطالبة بنصفه ، لأنه يستحق ذلك على كل من تقديري تقدم إسلامها وإسلامه ، بناء على تشطره بالفسخ بالإسلام قبل الدخول ، ويقف النصف الآخر إلى أن يعلم الحال ، للشك في سبب المطالبة وهو تقدم إسلامها ، إذ يجوز أن يكون المتقدم إسلامه.


وروي ان إباق العبد طلاق زوجته وانه بمنزلة الارتداد فان رجع في العدة فهو أملك بها وان عاد وقد تزوجت بعد العدة فلا سبيل عليها والطريق ضعيف.

______________________________________________________

ولو أوجبنا الجميع ـ كما سبق في نظائر ذلك في الرضاع ـ فليس له المطالبة بشي‌ء ، وأراد المصنف بالتقديرين في قوله : ( توقف على التقديرين حتى يتبين ) تقدير عدم قبضها ، وتقدير قبضها إياه ، أي : بعد الحكم بعدم المطالبة في الصورة الاولى ، وبرجوع الزوج بالنصف خاصة في الثانية.

وإبقاء النصف الآخر عندها لا يحكم بعدم استحقاقها أصلا ، وبراءة الزوج في الصورة الاولى واستحقاقها النصف في الثانية ، بل يتوقف في ذلك للشك في المقتضي للاستحقاق وعدمه إلى أن يتبين الحال.

قوله : ( وروي أن إباق العبد طلاق زوجته ، وأنه بمنزلة الارتداد ، فإن رجع في العدة فهو أملك بها ، وإن عاد وقد تزوجت بعد العدة فلا سبيل عليها ، والطريق ضعيف ).

هذه رواية عمار الساباطي عن الصادق 7 قال : سألته عن رجل أذن لعبده في تزويج امرأة فتزوجها ، ثم ان العبد أبق قال : « ليس لها على مولاه نفقة وقد بانت عصمتها منه ، فإن إباق العبد طلاق امرأته ، وهو بمنزلة المرتد عن الإسلام » ، قلت : فإن رجع إلى مواليه ترجع عليه امرأته؟ » ، قال : إن كانت قد انقضت عدتها منه ثم تزوجت غيره فلا سبيل له عليها وإن لم تتزوج ولم ينقض العدة فهي امرأته على النكاح الأول » (١).

وقد افتى بمضمونها الشيخ في المبسوط (٢) ، وكذا ابن حمزة ، إلاّ أنه فرض‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٨٨ حديث ١٣٧٢ ، التهذيب ٨ : ٢٠٧ حديث ٧٣١.

(٢) النهاية : ٤٩٨.


خاتمة : يكره العقد على القابلة المربية وبنتها ، وتزويج ابنه بنت امرأته إذا ولدتها بعد مفارقته ، ولا يكره قبل نكاحه بها. والتزويج بضرة الأم مع غير الأب ، وبالزانية قبل أن تتوب ، ولو لم يعلم لم يكن له الفسخ ولا الرجوع على وليها بشي‌ء.

______________________________________________________

المسألة فيما إذا تزوج العبد بأمة الغير باذن السيدين (١).

وذهب ابن إدريس إلى بقاء النكاح وثبوت النفقة على السيد كما كانت ، تمسكا بأصالة البقاء واستضعافا للرواية ، فإن عمار فطحي لا يعوّل على ما ينفرد به (٢) ، وإليه ذهب المصنف في المختلف (٣) ، وأشار إليه هنا بقوله : ( والطريق ضعيف ).

قوله : ( خاتمة : يكره العقد على القابلة المربية وبنتها ، وتزويج ابنه بنت امرأته إذا ولدتها بعد مفارقته ، ولا يكره قبل نكاحه بها ، والتزويج بضرة الأم مع غير الأب ، وبالزانية قبل أن تتوب ، ولو لم يعلم لم يكن له الفسخ ولا الرجوع على وليها بشي‌ء ).

هنا مسائل :

الأولى : المشهور بين الأصحاب أن العقد على القابلة المربية وعلى ابنتها من الولد الذي ربته جائز على كراهية (٤) ، ومنعه الصدوق في المقنع وجعلها كبعض أمهاته (٥) ، وفي الحديث : « إن قبلت ومرّت فالقوابل أكثر من ذلك ، فإن قبلت وربّت‌

__________________

(١) الوسيلة : ٣٦٢.

(٢) السرائر : ٣١٦.

(٣) المختلف : ٥٧٤.

(٤) انظر : التنقيح الرائع ٣ : ١١٥ ، المختصر النافع : ١٨١ ، اللمعة الدمشقية : ١٩٣.

(٥) المقنع : ١٠٩.


______________________________________________________

حرمت عليه » (١) والأصح الأول.

لنا على الحل التمسك بالأصل ، ولصحيحة محمد بن أبي نصر عن الرضا 7 قال : قلت له : يتزوج الرجل التي قبّلته؟ فقال : « سبحان الله ما حرم الله عليه من ذلك » (٢).

احتج ابن بابويه برواية أبي نصر عن الصادق 7 قال : « لا تتزوج المرأة التي قبّلته ولا ابنتها » (٣).

وبرواية جابر عن الباقر 7 قال : سألته عن القابلة أيحل للمولود أن ينكحها؟ قال : « لا ، ولا ابنتها ، هي من بعض أمهاته » (٤).

والجواب الطعن بالسند أولا ، ثم الحمل على الكراهية ، لما رواه إبراهيم بن عبد الحميد قال : سألت أبا الحسن 7 عن القابلة تقبّل الرجل إله أن يتزوجها فقال : « إن كان قبلته المرة والمرتين والثلاث فلا بأس ، وإن كانت قد قبّلته وكفلته فإني أنهى نفسي عنها وولدي » (٥) ، وفي خبر آخر « وصديقي » (٦) فإن ظاهره الكراهية.

الثانية : يكره أن يتزوج بضرة امرأة أبيه من غير الأب إذا ولدتها بعد مفارقة الأب ، ولا تحرم ، لرواية العيص بن القاسم عن أبي عبد الله 7 قال : سألته عن الرجل يطلق امرأته ثم حلف عليها رجل بعده ، ثم ولدت للآخر ، هل يحل ولدها‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٤٨ ذيل حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٥٩ حديث ١٢٣٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٥٥ حديث ١٨٢١ ، الاستبصار ٣ : ١٧٦ حديث ٦٣٧.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٥٥ حديث ١٨٢٢ ، الاستبصار ٣ : ١٧٦ حديث ٦٣٨.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٥٩ حديث ١٣٣١ ، التهذيب ٧ : ٤٥٥ حديث ١٨٢٣ ، الاستبصار ٣ : ١٧٦ حديث ٦٣٩.

(٥) التهذيب ٧ : ٤٥٥ حديث ١٨٢٤ ، الاستبصار ٣ : ١٧٦ حديث ٦٤٠.

(٦) التهذيب ٧ : ٤٥٦ حديث ١٨٢٥ ، الاستبصار ٣ : ١٧٦ ذيل لحديث ٦٤٠.


______________________________________________________

من الآخر لولد الأول من غيرها؟ قال : « نعم ».

قال : وسألته عن رجل أعتق سرية له ثم خلف عليها رجل بعده ، ثم ولدت للآخر ، هل يحل ولدها لولد الذي أعتقها؟ قال : « نعم » (١) ، وهو شامل لما إذا كان ولد كل منهما ذكرا أو أنثى.

ولو قال المصنف : وتزويج ولده بولد منكوحة له ، لكان أشمل وأوفق للرواية.

ووجه الكراهية ما رواه إسماعيل بن همام قال : قال : أبو الحسن : قال محمد بن علي 7 : في الرجل يتزوج المرأة ويتزوج بنتها ابنه فيفارقها ويتزوجها آخر بعد فتلد منه بنتا فكره أن يتزوجها أحد من ولده لأنها كانت امرأته فطلقها فصار بمنزلة الأب وكان قبل ذلك أبا لها.

ويلوح من ظاهر خبرين (٢) آخرين المنع من تزويج الولد بمن ولدت بعد المفارقة ، وهما منزلان على الكراهية كما دل عليه هذا الخبر.

الثالثة : يكره للرجل أن يتزوج بضرة امه مع غير أبيه ، لأن زوجة الأب حرام ، ويدل على ذلك ما رواه زرارة قال : سمعت أبا جعفر 7 يقول : « ما أحب للرجل المسلم أن يتزوج ضرة كانت لامه مع غير أبيه » (٣) وهذا شامل لما إذا كان تزوج ذلك الغير بأمه قبل أبيه وبعده.

الرابعة : يكره التزويج بالزانية ما لم تتب ولا يحرم ، للأصل ، ولأن الزنا لا حرمة له ، ولأنه لو منع ابتداء النكاح لمنع في الدوام ، والتالي باطل ، لما تقدم من أن الزوجة لا تحرم بالإصرار على الزنا.

بيان الملازمة : اشتراكهما في المقتضي ، وهو خوف اختلاط الأنساب.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٩٩ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ١٤٥١ حديث ١٨٠٨ ، الاستبصار ٣ : ١٧٣ حديث ٦٣١.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٥٢ حديث ١٨١٠ ـ ١٨١١ ، الاستبصار ٣ : ١٧٤ حديث ٦٣٣ ـ ٦٣٤.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٥٣ حديث ١٨١٢ ، الاستبصار ٣ : ١٧٥ حديث ٦٣٥.


ويحرم نكاح الشغار ، وهو جعل نكاح المرأة مهر اخرى فتبطل الممهورة ، ولو دار بطل.

______________________________________________________

وعدّ أبو الصلاح في المحرمات الزانية حتى تتوب ، وأطلق حجته قوله تعالى : ( الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (١) وأن الغرض الأصلي من النكاح التناسل ، والزنا مفوت له ، لأنه يقتضي الاختلاط (٢).

وجوابه : أنه لا صراحة فيها بتحريم تزويج الزانية ، لاحتمال أن المشار إليه بقوله تعالى ( وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) هو الزنا.

قوله : ( ويحرم نكاح الشغار ، وهو جعل نكاح امرأة بمهر اخرى فتبطل الممهورة ، ولو دار بطلا ).

أجمع الأصحاب (٣) وأكثر العلماء على أن نكاح الشغار باطل ، وهو بالشين ، والغين المعجمتين : نكاح كان في الجاهلية ، وحقيقته تزويج امرأة برجل وجعل نكاح (٤) امرأة أخرى مهرا للأولى ، سواء جعل تزويج الثانية مهرا للأولى ـ وهو الذي فيه الدور ـ أو لا.

ومعناه أن يكون بضع المنكوحة ملكا للرجل بالنكاح ، وملكا للمرأة الأخرى ، لكونه مهرا لها ، فإن دار كان ذلك في الجانبين ، وإلاّ كان في أحدهما خاصة ، فيبطل‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٢٨٦.

(٢) النور : ٣.

(٣) انظر : الخلاف ٢ : ٢٢٥ مسألة ١٨ كتاب النكاح ، شرائع الإسلام ٢ : ٣٠١ ، المختصر النافع : ١٨١.

(٤) في « ش » : بضع.


______________________________________________________

نكاح الممهورة دون الأخرى.

وأصل الشغر الرفع ، قال في القاموس شغر الكلب كمنع : رفع احدى رجليه بال أو لم يبل ، أو فبال. والرجل المرأة [ شغورا ] : رفع رجلها للنكاح كأشغرها فشغرت والأرض لم يبق لها أحد يحميها ويضبطها فهي شاغرة.

والشغار بالكسر : أن تزوج الرجل امرأة على أن يزوجّك اخرى بغير مهر ، صداق كل واحدة بضع الأخرى ، أو يخصّ بها القرائب (١). هذا كلامه.

وذكر ابن إدريس في السرائر فيه الكسر والفتح واشتقاقه من الشغر وهو رفع الرجل ، لأن النكاح يفضي إلى ذلك وسمّي به هذا العقد ، كما قيل في الزنا سفاح ، لأن الزانيين يتسافحان الماء أي يسكبانه ، والماء هو النطفة (٢).

ومن هذا قول زياد لبنت معاوية زوجة ابنه وقد تطاولت عليه وافتخرت ، فشكاها إلى أبيه زياد فدخل عليها وضربها بالدرة : اشغرا أو فخرا.

ولأن هذا النكاح يتضمن رفع المهر ، أو هو من قبيل شغر البلد إذا خلا من القاضي والسلطان لخلوه من المهر.

والأصل في تحريمه ما روي من طرق العامة (٣) والخاصة (٤) ، روى رافع عن ابن‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ : ٦٠ « شغر ».

(٢) السرائر : ٣٠١.

(٣) انظر : سنن أبي داود ٢ : ٢٢٧ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٠٠.

(٤) انظر : الكافي ٥ : ٣٦١ باب نكاح الشغار ، معاني الأخبار : ٢٧٤ ، التهذيب ٧ : ٣٥٥ حديث ١٤٤٥ و ١٤٤٦.


ولو زوّج كل من الوليين صاحبه على مهر معلوم صح ،

______________________________________________________

عمر أن النبي 6 نهى عن الشغار ، والشغار أن يقول : زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك على أن يكون بضع كل واحدة منهما مهرا للأخرى (١).

قال الشيخ في الخلاف : إن كان هذا التفسير من النبي 6 وهو الظاهر ، فإنه أدرجه في كلامه فهو نص ، وإن كان من الراوي وجب المصير إليه ، لأنه أعرف بما نقله واعلم بما سمعه من النبي 6 (٢).

وفي حواشي شيخنا الشهيد : ان في الملاذ روايتين عن النبي 6 أحدهما : « لا شغار في الإسلام » (٣) وفي الأخرى انه 7 : نهى عن الشغار (٤) ، وزعم أن في طريقهما ضعفا ، قال : وظاهر بيننا العمل بهما.

وذهب أبو حنيفة وجماعة إلى صحة النكاح المذكور وبطلان المهر (٥) ، والنص حجة عليه.

قوله : ( ولو زوّج كل من الوليين صاحبه على مهر معلوم صح ).

لوجود المقتضي وانتفاء المانع ، لسلامته عن جعل البضع مهر المفضي إلى عدم‌

__________________

(١) صحيح البخاري ٧ : ١٥ ، سنن البيهقي ٧ : ١٩٩.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٢٥ مسألة ١١٨ كتاب النكاح.

(٣) الكافي ٥ : ٣٦١ حديث ٢ ، معاني الأخبار : ٢٧٤ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٥٥ حديث ١٤٤٦ ، صحيح مسلم ٢ : ١٠٣٥ حديث ٦٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٣١ حديث ١١٢٣ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٠٠.

(٤) الكافي ٥ : ٣٦١ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٥٥ حديث ١٤٤٦ ، صحيح مسلم ٢ : ١٠٣٥ حديث ٦٢ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٠٠.

(٥) المبسوط للسرخسي ٥ : ١٠٥ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٥٦٨.


ولو شرط كل منهما تزويج الأخرى بمهر معلوم صح العقدان وبطل المسمى ، لأنه شرط معه تزويج وهو غير لازم.

والنكاح لا يقبل الخيار فيثبت مهر المثل ، وكذا لو زوّجه وشرط أن ينكحه ابنته ولم يذكر مهرا.

______________________________________________________

المهر.

قوله : ( ولو شرط كل منهما تزويج الأخرى بمهر معلوم صح العقدان وبطل المسمّى ، لأنه شرط معه تزويج وهو غير لازم ، والنكاح لا يقبل الخيار فيثبت مهر المثل. وكذا لو زوّجه وشرط أن ينكحه ابنته ولم يذكر مهرا ).

البحث في هذا الباب عن مسائل :

الأول : أن ينكح كل من الوليين الآخر امرأة ويشترط عليه في العقد نكاح الأخرى ، على أن يكون بضع كل منهما مهرا للأخرى أو إحداهما ، وقد سبق بطلان ذلك.

الثاني : الصورة بحالها لكن جعل البضع جزء المهر ، وسيأتي إن شاء تعالى.

الثالث : أن يزوجه جاريته على أن يزوجه الآخر بنته ، وتكون رقبة الجارية مهرا للبنت وسيأتي إن شاء تعالى أيضا.

الرابع : أن يزوّج كلا منهما الآخر فإن لم يشترط واحد منهما تزويج الأخرى فقد تقدم صحة ذلك ، وإن اشترطا ذلك : فإما أن يذكرا معه مهرا أو لا ، وعلى التقديرين فالنكاح صحيح والمهر حيث سمّي بطل.


______________________________________________________

أما صحته فلانتفاء المقتضي للفساد ، فإنه لا تشريك في البضع هنا ، بحيث يكون ملكا للزوج والمنكوحة الممهورة به.

وأما بطلان المسمّى فقد علّله المصنف بأن المسمّى شرط معه تزويج ، وإنما كان الشرط مع المسمّى ، لأن الشرط من جملة المعوض في سائر المعاوضات ، فمن أي الجانبين كان من جملة العوض الذي يصير إليه مثلا الشرط الواقع في البيع من البائع محسوب من الثمن ، ومن المشتري محسوب من المبيع.

ولهذا نجد الثمن في بيع النسيئة أزيد منه في النقد ، وكذا نجد البيع سلفا المثمن فيه أزيد مما لو بيع نقدا. ولا ريب أن الشرط ـ وهو التزويج ـ غير لازم ، لما عرفت فيما تقدّم ان العقد اللازم إذا اقترن به شرط صار جائزا ، فتكون فائدة الشرط التسلط على الفسخ.

ويمكن أن يقال : إنّ التزويج لما كان متعلقا بما ليس للعاقد ـ وهو المرأة الأخرى ـ لم يكن لازما ، إذ لا يلزم بالإضافة إليها شي‌ء شرطه الولي يتعلق به ، فوجب أن يتسلط الآخر على الفسخ ، لفوات الشرط ، والنكاح لا يقبل الخيار بوضع الشرع اتفاقا ، فيكون الشرط المذكور فاسدا ، لاقتضائه الخيار ، فيجب أن يرد المسمّى ما نقص من المهر لأجل الشرط ، وذلك القدر مجهول.

وإذا أضيف المجهول إلى معلوم صار الكل مجهولا ، فبطل الصداق ، للجهالة ، ووجب مهر المثل ، فإن النكاح لا يفسد بفساد الصداق.

ويمكن توجيه الفساد بأن يقال : إن الشرط لا يعود إلى أحد المتعاوضين ، وإنما يصح إذا كان عائدا إلى أحدهما ، كما في سائر المعاوضات ، فيفسد بفساده الصداق ، لأنه محسوب من جملته. ويبطل المسمّى بفوات بعض مجهول منه ، ويرجع إلى مهر‌


ولو قال : زوجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك ، على أن يكون نكاح بنتي مهرا لبنتك ، بطل نكاح بنت المخاطب.

ولو قال : على أن يكون نكاح بنتك مهرا لبنتي ، بطل نكاح بنته.

______________________________________________________

المثل.

واعلم أنه ينبغي أن يقرأ قوله : ( لأنه شرط معه تزويج ) بصيغة المجهول ، والمعنى أن التزويج قد شرط معه تزويج آخر ، والتزويج المشترط غير لازم ، ولو قرئ على غير ذلك لفسد المعنى.

وينبغي التنبيه لشي‌ء ، وهو أن المسمّى إنما يبطل من الجانبين إذا كان الشرط المذكور من الجانبين ، أما إذا كان من جانب واحد فإنما يبطل المسمّى من ذلك الجانب خاصة.

ولا شك أن اشتراط تزويج الاولى في عقد الثانية بعد تزويجها لا يكاد يعقل ، إلاّ أن يفرض وقوعه مع عدم العلم بوقوع العقد على الاولى كأن يجري العقد مع الوكيل.

قوله : ( ولو قال : زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك على أن يكون نكاح بنتي مهرا لبنتك بطل نكاح بنت المخاطب ، ولو قال : على أن يكون نكاح بنتك مهرا لبنتي بطل نكاح بنته ).

وجهه معلوم مما سبق ، فإن التي جعل بضع الأخرى مهرا لها يبطل نكاحها دون الأخرى. ويجب قراءة المخاطب بصيغة اسم المفعول ، والضمير في قوله : ( بنته ) يعود إلى المتكلم.

ولا يخفى أن نكاح بنت المخاطب إنما يبطل إذا جرى العقد عليها على وفق الشرط المذكور ، واكتفى المصنف بذكر الشرط تنبيها على أن العقد يجري على ذلك.


ولا فرق بين أن يكون البضع مهرا أو جزأه فلو قال زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ، ويكون بضع كل واحدة مع عشرة دراهم صداقا للأخرى بطلا.

ولو قال : زوجتك جاريتي على أن تزوّجني بنتك ، وتكون رقبة جاريتي صداقا لبنتك ، صح النكاحان ، لقبول الرقبة للنقل ، وليس تشريكا فيما تناوله عقد النكاح.

ويبطل المهر ، لأنه شرط نكاح إحداهما في الأخرى ، ويجب لكل‌

______________________________________________________

قوله : ( ولا فرق بين أن يكون البضع مهرا أو جزء مهر ، فلو قال : زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ، ويكون بضع كل واحدة مع عشرة دراهم صداقا للأخرى بطلا ).

هذه هي الصورة الثانية الموعود بها ، أي : ولا فرق في بطلان النكاح لكونه نكاح الشغار ، بين أن يكون البضع في كل من النكاحين أو أحدهما هو تمام المهر ، وبين أن يكون جزأه بأن يضم إليه ضميمة أخرى كالعشرة الدراهم ، فإنه إذا تضمّن كل من النكاحين ذلك بطلا ، وان تضمن أحدهما خاصة اختص بالبطلان.

ولا يخفى أن النكاح الآخر إنما يبطل إذا جرى على وفق الشرط المذكور في العقد المذكور في كلام المصنف ، واكتفى المصنف به اعتمادا على وقوع العقد الآخر موافقا له.

فإن قيل : ليس هذا من نكاح الشغار في شي‌ء ، لوجود المهر فيه.

قلنا : لما وقع التشريك في البضع من حيث جعل جزء المهر تحقق معنى النكاح المذكور.

قوله : ( ولو قال : زوجتك جاريتي على أن تزوجني بنتك ، وتكون رقبة جاريتي صداقا لبنتك صح النكاحان ، لقبول الرقبة النقل ، وليس تشريكا فيما يتناوله عقد النكاح. ويبطل المهر ، لأنه شرط إحداهما في الأخرى ،


منهما مهر المثل.

ولو زوّج عبده من امرأة وجعل رقبته صداقا بطل المهر ، لأن الملك يمنع العقد ، فيبطل المهر ويثبت مهر المثل ويصح العقد.

______________________________________________________

ويجب لكل منهما مهر المثل ).

هذه الصورة الثالثة التي سبق ذكرها ، وليست من الشغار في شي‌ء ، وقد نبّه المصنف على ذلك بقوله : ( وليس تشريكا إلى آخره ). وتحريرها : إنه إذا زوّج أحدهما الآخر جاريته على أن يزوّجه الآخر ابنته ، وتكون رقبة الجارية صداقا للبنت فإن كلا من النكاحين صحيح.

أما نكاح البنت ، فلأن المجعول مهرا هو رقبة الجارية ، وهي قابلة للنقل من مالك إلى آخر كسائر المملوكات ، وليس ثمّ تشريك فيما يتناوله عقد النكاح ، أعني البضع ، وهو ظاهر ، وذلك هو المقتضي للبطلان.

وأما الجارية ، فلأن نكاحها اشتمل على شرط التزويج ، ولا يلزم من بطلان الشرط بطلان النكاح ، فيبطل الشرط المذكور ، ويجب للجارية مهر المثل ، سواء سمي لها مهرا أم لا.

وأما البنت فإنما يجب لها مهر المثل مع تسمية الجارية إذا حصل مبطل ، فإن سمّي للجارية تسمية صحيحة فالمسمّى والنكاح صحيحان ، فيجب تقييد قوله : ( ويجب لكل منهما مهر المثل ). ومعنى قوله : ( لأنه شرط إحداهما في الأخرى ) أنه شرط تزويج إحداهما في عقد الأخرى ، وهو ظاهر.

قوله : ( ولو زوّج السيد عبده من امرأة حرة ، وجعل رقبته صداقا بطل المهر ، لأن الملك يمنع العقد ، فيبطل المهر ويثبت مهر المثل ويصح العقد ).

ولو زوّج السيد عبده من امرأة حرة ، وجعل رقبته صداقا لها ، فإن المهر يبطل ، لأنه يتضمن ثبوت نفيه ، فإنه لو صح الصداق لدخل العبد في ملكها ، والملك يمنع العقد ويقتضي بطلانه ، فيبطل الصداق ببطلانه ، فلو صح الصداق لبطل ، وكلما أدى‌


ولو شرطت على المحلّل رفع النكاح بعد التحلل فالأقرب بطلان العقد.

______________________________________________________

ثبوته إلى نفيه فهو باطل ، وسيأتي في كلام المصنف في الصداق الفاسد بطلان النكاح من أصله.

ووجهه : إنّ الملك لو عرض في دوام النكاح لأبطله ، فإذا قارن الابتداء منع الانعقاد ، لأن الابتداء أضعف من الدوام ، لأن النكاح قد اقترن به ما يضاده ، فكان كاشتراط الطلاق ، وفيه نظر ، لأن المانع هو الملك ولم يحصل هنا ، لأن الحاصل الاصداق ، وربما كان غير مثمر للملك ، لجواز فساده.

والفرق بين هذا وبين اشتراط الطلاق قائم ، لأنه لا ارتباط للنكاح بالصداق ، فلا يلزم من بطلانه بطلانه.

ويصح النكاح ابتداء بغير صداق ومع اشتراط عدمه ، بخلاف الشرط الذي لم يقع الرضي بالعقد إلاّ به ومتى فسد الصداق خاصة ثبت مهر المثل لا محالة ، وسيأتي كلام بعد في ذلك إن شاء تعالى.

قوله : ( ولو شرطت على المحلل رفع النكاح بعد التحليل فالأقرب بطلان العقد والمهر ).

أي : لو شرطت المطلقة ثلاثا على المحلل في العقد رفع النكاح بعد حصول التحليل بالوطء ، أي يرتفع النكاح حينئذ بحيث لا يحتاج إلى طلاق ففي ، الصحة قولان.

ولا ريب في بطلان هذا الشرط ، لأن مقتضى النكاح بقاء العلاقة إلى أن يحصل ما يزيله من طلاق ونحوه مما عيّنه الشارع ، فإذا شرط ارتفاعه بنفسه في وقت معيّن فقد شرط ما ينافي مقتضاه ، ويخالف الحكم الثابت شرعا وانما الكلام في بطلان النكاح ، لاقترانه بهذا الشرط ، وفيه قولان :

أقربهما عند المصنف البطلان ، لأن التراضي بالنكاح إنما وقع على هذا الوجه‌


ولو شرطت الطلاق ، قيل : صح العقد دون الشرط ، فلو دخل فلها مهر المثل ، ولو لم يصرحا به وكان في نيتهما صح العقد والمهر ،

______________________________________________________

المخصوص ، ولما كان الشرط فاسدا انتفى الوجه الذي حصل التراضي به ، فلو لم يبطل النكاح لصح من دون التراضي ، وهو باطل.

والثاني ـ ينسب إلى الشيخ (١) ; ـ صحة العقد دون الشرط ، لأنهما شيئان كل منهما غير الآخر ، فإذا بطل الشرط لم يبطل العقد تمسكا بالأصل ، إذ لا دليل على البطلان ، والعقد غير معلّق على هذا الشرط فلا يفوت بفواته ، وكان وجوده كعدمه.

واختار في المبسوط الأول (٢) ، وادعى عليه الإجماع ومن نقل الثاني قولا لأبي القاسم ابن سعيد (٣).

قوله : ( ولو شرطت الطلاق قيل : صح العقد دون الشرط ، ولو دخل فلها مهر المثل ).

أي : ولو شرطت الطلاق بعد التحليل ، والقائل بصحة العقد دون الشرط الشيخ في المبسوط (٤) ، ووجهه معلوم مما سبق ، والبطلان أقوى في الموضعين.

وعلى الأول يلزم من فساد الشرط فساد المهر ، لأنه محسوب منه على ما بيناه فيصير مجهولا فيجب بالدخول مهر المثل ، وعلى ما اخترناه فلو وطأ بهذا العقد كان شبهة يوجب مهر المثل ايضا.

قوله : ( ولو لم يصرحا به وكان في نيتهما صح العقد والمهر ).

أي : لو لم يصرح المحلل والزوجة بالشرط المذكور ، وهو الطلاق أو رفع النكاح بعد التحليل ، لكن كان ذلك في نيتهما وقصدهما فالعقد والمهر صحيح ، لانتفاء‌

__________________

(١) نقله عنه ولد العلاّمة في الإيضاح ٣ : ١٢٣.

(٢) المبسوط ٤ : ٢٤٧.

(٣) شرائع الإسلام ٢ : ٣٠١.

(٤) المبسوط ٤ : ٢٤٧.


وتحل على المطلق في كل موضع يصح العقد مع الدخول ، ولا تحل مع بطلانه.

تتمة : الوطء في الدبر مكروه وليس محرما ،

______________________________________________________

المفسد ، إذ مجرد قصد المفسد لا يؤثر إجماعا.

قوله : ( ويحل على المطلق في كل موضع يصح العقد مع الدخول ، ولا يحل مع بطلانه ).

لما كان التحليل بالوطء إنما يحصل إذا كان عن نكاح لم يتحقق إلاّ حيث يكون عقد النكاح صحيحا فإذا شرطت أحد الشرطين المذكورين أو غيرهما ، فكل موضع يكون العقد صحيحا فإذا شرطت أحد الشرطين المذكورين أو غيرهما ، فكل موضع يكون العقد صحيحا ولا يخل الشرط بصحته يحصل التحليل بالدخول على الوجه المعتبر ، وتحل المطلقة على المطلق ، وكل موضع يحكم بفساد العقد فالدخول لا يفيد الحل ، ويبقى التحريم كما كان. فعند القائل ببطلان الشرط خاصة في الصورتين المذكورتين يحصل التحليل بالدخول دون غيره.

قوله : ( تتمة : الوطء في الدبر مكروه وليس محرما ).

اختلف العلماء في وطء المرأة في الدبر ، فقال أكثر الأصحاب كالشيخين (١) ، والمرتضى : بأنه مكروه (٢) ، وهو مذهب مالك من العامة (٣).

وقال القميون (٤) ، وابن حمزة : إنه حرام (٥) ، وهو اختيار أكثر العامة (٦).

والأصح الأول.

لنا مع الأصل قوله تعالى ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (٧) ،

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٤٣.

(٢) الانتصار : ١٢٥.

(٣) أحكام القرآن لابن العربي ١ : ١٧٤ ، أحكام القرآن للقرطبي ٣ : ٩٣ ، التفسير الكبير ٦ : ٧٥.

(٤) انظر : الفقيه ٣ : ٢٩٩ حديث ١٤٣٠ ، التنقيح الرائع ٣ : ٢٣.

(٥) الوسيلة : ٣٦٩.

(٦) انظر : أحكام القرآن لابن العربي ١ : ١٧٤ ، أحكام القرآن للجصاص ١ : ٣٥١.

(٧) البقرة : ٢٢٣.


______________________________________________________

وجه الاستدلال به : إن كلمة ( أنى ) للتعميم في المكان بمعنى أين ، وهي تستدعي تعدد الأمكنة ، يقال : اجلس أنى شئت وأين شئت أي : في أي مكان شئت ، وحيث كان كذلك كانت الآية دليلا على جواز الإتيان في الدبر ، إذ لا يتحقق تعدد المكان إلاّ بذلك.

ويؤيد هذا ما روى العامة عن ابن عباس أن سبب نزول الآية ان عمر جاء إلى النبي 6 فقال : يا رسول الله هلكت ، وحكى وقوع هذا الفعل منه فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

قيل : إنّ المراد بالآية التخيير بين إتيان المرأة في قبلها من قبلها وبين إتيانها من دبرها في قبلها. ويؤيده ما روي في سبب النزول من أن اليهود قالوا : من أتى امرأة من دبرها في قبلها كان ولدها أحول ، فذكر ذلك لرسول الله 6 فقال : « كذبت اليهود » (٢) فنزلت. وكذا يؤيده قوله تعالى ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ) (٣) أي مزرع ومنبت الولد ، شبّههن بالأرض من حيث أن النطفة التي تلقى في أرحامهن للنسل كالبذر ، فيكون المعنى لقوله تعالى ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) : فأتوهن كما تأتون أراضيكم التي تريدون أن تحرثوها من أي جهة شئتم ، لا يحظر عليكم جهة دون جهة ، أي : جامعوهن من أي شق أردتم بعد أن يكون المأتي واحدا وهو موضع الحرث.

وكذا قوله تعالى ( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) فإن المراد به القبل ، فإن الدبر لا يؤمر به إجماعا.

قلنا : قد بينا أن المراد بالآية التخيير بين الأمكنة ، وذلك يقتضي تعددها ، والإتيان من القبل والدبر في القبل انما فيه اختلاف طريق المكان والمكان واحد ،

__________________

(١) التفسير الكبير ٦ : ٧٥.

(٢) سنن البيهقي ٧ : ١٩٤ مع اختلاف يسير.

(٣) البقرة : ٢٢٣.


______________________________________________________

واللائق به كلمة كيف لا كلمة أنى.

وما ذكر في سبب النزول معارض بما تقدّم ، ولو سلّم فلا منافاة فيه ، لتعدد المكان ، فإن التخيير في المكان ينبّه على التخيير في الجهة بطريق أولى.

وتشبيه النساء بالحرث لا يقتضي حصر الإتيان في القبل ، مع وجود اللفظ الدال على تعميم المكان ، فإن إتيان الحرث الحقيقي لا ينحصر في الإتيان للزرع ، وقوله تعالى ( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) نقول بموجبه ، فإن الإتيان في القبل إذا كان واجبا لا ينافي جواز الإتيان في الدبر ، إذ ليس في الآية ما يدل على الحصر.

وكأنه لما منع سبحانه من الإتيان في موضع الحيض ، رفع ذلك المنع بعد الطهر بقوله تعالى ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) (١) ثم عمّم الإتيان في الأمكنة تحرزا من توهم منع ما سوى القبل.

ويزيد ذلك قوة ما روي أن مالكا قال : ما أدركت أحدا اقتدي به في ديني يشك في أن وطء المرأة في دبرها حلال ، ثم قرأ هذه الآية (٢).

وقد روى الأصحاب في الجواز عدّة أخبار منها صحيحة عبد الله بن أبي يعفور ، قال : سألت أبا عبد الله 7 عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ، قال : « لا بأس به » (٣).

ومنها ما رواه ابن أبي يعفور أيضا ، قال : سألت أبا عبد الله 7 عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ، قال : « لا بأس إذا رضيت » قلت : فأين قول الله تعالى : ( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ )؟ قال : « هذا في طلب الولد ، فاطلبوا الولد من حيث‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢.

(٢) أحكام القرآن للجصاص ١ : ٣٥١.

(٣) التهذيب ٧ : ٤١٥ ، حديث ١٦٦٢ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٣ حديث ٨٧١.


______________________________________________________

أمركم الله إن الله تعالى يقول( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (١).

ومنها رواية صفوان عن الرضا 7 إنه سأله : الرجل يأتي المرأة في دبرها ، قال : « نعم له ذلك » قال : قلت : وأنت تفعل ذلك؟ فقال : « إنّا لا نفعل ذلك » (٢).

ومنها ما رواه موسى بن عبد الملك ، عن رجل قال : سألت أبا الحسن الرضا 7 عن إتيان الرجل المرأة من خلفها قال : « أحلها من كتاب الله تعالى قول لوط ( هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) (٣) ، وقد علم أنهم لا يريدون الفرج (٤) ، وفي دلالة هذه بحث ، وهو أن ذلك في غير شرعنا ، وغير ذلك من الاخبار الكثيرة (٥).

احتج المانع بما رواه سدير ، قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول : « قال رسول الله 6 : محاش النساء على أمتي حرام » (٦) ، والمراد بالمحاش الأدبار.

وقريب من هذا ما رواه هاشم وابن بكير عن أبي عبد الله 7 (٧).

وفي رواية معمّر بن خلاد ، عن أبي الحسن 7 تفسير الآية السابقة ، وهي قوله سبحانه ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) بأن المراد بها الإتيان من خلف أو قدام لا الإتيان في الإدبار (٨).

والجواب عن الخبرين الأولين أنهما ضعيفان. قال الشيخ في التهذيب : إنهما‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤١٤ حديث ١٦٥٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٣ حديث ٨٦٧.

(٢) الكافي ٥ : ٥٤٠ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٤١٥ حديث ١٦٦٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٣ حديث ٨٧٢.

(٣) هود : ٧٨.

(٤) التهذيب ٧ : ٤١٥ حديث ١٦٥٩ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٣ حديث ٨٦٩.

(٥) انظر : التهذيب ٧ : ٤١٦ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٤.

(٦) الفقيه ٣ : ٢٩٩ حديث ٤٣٠ ، التهذيب ٧ : ٤١٦ حديث ١٦٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٤ حديث ٨٧٤.

(٧) التهذيب ٧ : ٤١٦ حديث ١٦٦٥ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٤ حديث ٨٧٥.

(٨) التهذيب ٧ : ٤١٥ حديث ١٦٦٠ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٥ حديث ٨٧٧.


وهو كالقبل في جميع الأحكام ، حتى ثبوت النسب ، وتقرير المسمّى ، والحد ، ومهر المثل مع فساد العقد ، والعدة وتحريم المصاهرة إلاّ في التحليل والإحصان ، واستنطاقها في النكاح.

______________________________________________________

شاذان ، منقطعا الاسناد ، مرسلان ، فلا يعارضان الأخبار المسندة (١). ومع ذلك فيمكن حملها على الكراهية الشديدة ، فإن هذا الفعل وإن لم يكن حراما ، فإنه مكروه ، كما دل عليه قوله 7 في رواية صفوان : « إنا لا نفعل ذلك » (٢).

وفي رواية : « أنهى عنه أهلي وخواص أصحابي » (٣) ، ويمكن حملها على التقية ، لأن أكثر العامة يمنع من ذلك.

وأما الخبر الثالث فليس فيه إلاّ تفسير الآية وسبب نزولها ، وليس فيه تصريح بالمنع. وقد تقدم في الاخبار السابقة تفسيرها بخلاف ذلك ، فلعله خرج مخرج التقية. ولو سلّم ارادة ظاهره لم يكن في الآية دليل على المنع ، فتبقى الأخبار الدالة على الجواز بغير معارض.

ولا ريب أنه يجوز التلذذ بما بين الأليتين ، والإيلاج في القبل من جانب الدبر ، ونحو ذلك من الاستمتاعات.

قوله : ( وهو كالقبل في جميع الأحكام ، حتى في ثبوت النسب ، وتقرير المسمّى ، والحد ، ومهر المثل مع فساد العقد ، والعدة ، وتحريم المصاهرة إلاّ في التحليل والإحصان واستنطاقها في النكاح ).

الوطء في القبل وهو تغيب الحشفة تتعلق به أحكام كثيرة من نقض الطهارة ، وتحريم الأمور المشروطة بها وبطلانها لو وقعت كذلك ، وإيجاب الغسل ، وبطلان الصوم ووجوب الكفارة ، وغير ذلك مما هو كثير جدا ، وهو مذكور في أبواب الفقه ، وتغيب قدر الحشفة من مقطوعها في القبل كتغيبها.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤١٦ ذيل الحديث ١٦٦٥.

(٢) الكافي ٥ : ٥٤٠ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٤١٥ حديث ١٦٦٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٣ حديث ٨٧٢.

(٣) التنقيح الرائع ٣ : ٢٤.


______________________________________________________

والوطء في الدبر كالوطء في القبل في ذلك كله حتى في ثبوت النسب ، فإذا ولدت زوجة الموطوءة في الدبر على فراشه ولدا لا يمتنع لحاقه به الحق به تغليبا للفراش ، فإنه قد يسبق الماء إلى الرحم من غير شعور به وكذا القول في تقرير المهر المسمّى في العقد الدائم ، حتى لو طلّقت الزوجة بعد الوطء في الدبر لم ينتصف المهر وكذا القول في ثبوت الحد من جلد أو رجم ، وكذا القول في ثبوت مهر المثل لو كان العقد فاسدا وقد وطأ في الدبر وهي جاهلة.

واستثني من ذلك أشياء : التحليل ، فإنه يحصل بالوطء في القبل ، ولا يحصل بالوطء في الدبر بالنص والإجماع.

وكذا القول في الإحصان ، فإن من لا يقدر إلاّ على الوطء في الدبر لا يعد محصنا ، فلا يحد حد المحصن. وكذا الخروج من الإيلاء فإن فئة المولى إنما يتحقق بالوطء في القبل. وكذا إبطال حصانة الرجل بالنسبة إلى القذف ، فلو اشتهر بالزنا في الدبر كان كما لو اشتهر بالزنا في القبل في ذلك ، فلو قذفه قاذف لم يجب الحد بل يحب التعزير.

وهل يستثني استنطاق البكر الموطوءة في الدبر ، على معنى أن وطأها في الدبر لا يكون كوطئها في القبل في وجوب نطقها لو استؤمرت في النكاح؟ فيه قولان :

أحدهما : ـ واختاره المصنف هنا ـ الاستثناء ، فلا يعتبر نطقها مع الوطء في الدبر ، بل يكفي سكوتها تمسكا بإطلاق النصوص ، لصدق كونها بكرا.

والثاني : اعتبار نطقها ، لأن هذا الحكم يثبت على خلاف الأصل ، فإن السكوت أعم من الرضى ، وإنما اكتفى به في المرأة التي لم توطأ لأنها تستحي فلم تكلف النطق ، فأما إذا مارست الرجال فإن ذلك الحياء المانع من النطق يزول ، فتكلف بالنطق اقتصارا على موضع الوفاق ، وهذا قوي ، وقد نبهنا عليه فيما سبق ، وذكرنا مختار المصنف في التذكرة (١).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٧٧.


والعزل عن الحرة إذا لم يشترط في العقد مكروه ، وقيل : حرام. وعلى كلا التقديرين يجب عليه للزوجة دية ضياع النطفة عشرة دنانير.

______________________________________________________

ولو قطعت الحشفة ولم يبق من الذكر ما يساويها فغيّبه فإنه يثبت به تحريم أم المفعول وأخته وبنته إن كان ذكرا ، وحد اللواط على احتمال دون باقي الأحكام.

قوله : ( والعزل عن الحرة إذا لم يشترط في العقد مكروه ، وقيل : حرام ، وعلى كلا التقديرين يجب عليه للزوجة دية ضياع النطفة عشرة دنانير ).

هنا مسألتان : الأولى : اختلف الأصحاب في العزل ، والمراد به أن يجامع ، فإذا جاء وقت الانزال نزع فانزل خارج الفرج. وذهب الشيخ في النهاية (١) ، وابن البراج (٢) ، وابن إدريس (٣) ، والمصنف وأكثر المتأخرين إلى أنه مكروه (٤).

وهو الأصح ، تمسكا بأصالة الإباحة ، ولما رواه محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله 7 عن العزل ، قال : « ذلك إلى الرجل يصرفه حيث شاء » (٥).

وبما رواه أيضا محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما 8 ، إنه سئل عن العزل فقال : « أما الأمة فلا بأس ، وأما الحرة فإني أكره ذلك ، إلاّ أن يشترط عليها حين تزوجها » (٦) ، ولأن حقها في الوطء دون الانزال ، ولهذا ينقطع المطالبة به في الغيبة وإن لم ينزل.

وذهب الشيخ في الخلاف (٧) والمبسوط (٨) إلى التحريم ، وهو اختيار المفيد (٩) ،

__________________

(١) النهاية : ٤٨٢.

(٢) المهذب ٢ : ٢٤٣.

(٣) السرائر : ٣٠٨.

(٤) انظر : شرائع الإسلام ٢ : ٢٧٠ ، إيضاح الفوائد ٣ : ١٢٥.

(٥) الكافي ٥ : ٥٠٤ حديث ١ ، ١ الفقيه ٣ : ٢٧٣ حديث ١٢٩٥ ، التهذيب ٧ : ٤١٧ حديث ١٦٦٩.

(٦) التهذيب ٧ : ٤١٧ حديث ١٦٧١.

(٧) الخلاف ٢ : ٢٢٩ مسألة ١٤٣ كتاب النكاح.

(٨) المبسوط ٤ : ٢٦٧.

(٩) المقنعة : ٧٦.


______________________________________________________

واختاره ابن حمزة (١). واحتجوا بما روي عن النبي 6 إنه قال في العزل : « إنه الوأد الخفي » (٢) والمراد بالوأد : قتل الولد ، ولأن حكمة النكاح الاستيلاد ، ولا يحصل غالبا مع العزل ، فيكون منافيا لغرض الشارع.

والجواب عن الرواية بمنع السند ، مع أنه لا دلالة فيها على التحريم ، وقد روي غيرها مما ينافي التحريم ، والوجه الآخر ضعيف ، إذ لا يلزم من كون الاستيلاد حكمة النكاح تحريم العزل ، ومنافاته للغرض غير ظاهر فإن أصل النكاح لا يجب بمجرد الاستيلاد. إذا عرفت ذلك فاعلم أنه على القول بالتحريم ، إنما يحرم في الحرة المنكوحة بالعقد الدائم.

وزاد الشارح الفاضل فيه قيدا آخرا ، وهو ما إذا كان الجماع في الفرج (٣) ، روى ابن بابويه في الفقيه بإسناده عن يعقوب الجعفي ، قال : سمعت أبا الحسن 7 يقول : « لا بأس بالعزل في ستة وجوه : المرأة إذا أيقنت أنها لا تلد ، والمسنة ، والمرأة السليطة ، والبذية ، والمرأة التي لا ترضع ولدها ، والأمة » (٤). وفي هذا تنبيه على أن المنع من العزل لرجاء حصول الولد ، ومنه يفهم انتفاء المنع لو كان الجماع في غير الفرج ، وإطلاق الأمة يتناول المنكوحة بالعقد وملك اليمين.

فروع :

أ : هل هذا المنع لحق المرأة ، أو لحكمة الاستيلاد؟ يلوح من رواية محمد بن مسلم (٥) الثانية الأول ، لأنه نفى الكراهية إذا شرط عليها ذلك عند التزويج ، ويلوح من قول‌

__________________

(١) الوسيلة : ٣٧٠.

(٢) سنن البيهقي ٧ : ٢٣١.

(٣) إيضاح الفوائد ٣ : ١٢٥.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٨١ حديث ٣٤٠.

(٥) التهذيب ٧ : ٤١٧ حديث ١٦٧١.


______________________________________________________

النبي 6 : « العزل هو الوأد الخفي ». الثاني والأول أقوى ، وبه صرح جمع من الأصحاب (١).

ب : لو أذنت المرأة في العزل ولم يشترط في العقد ، فقد صرح جماعة بزوال المنع والكراهية ، والتعليل بحكمة الاستيلاد وأنه وأد خفي يقتضي البقاء ، وقد صرح بعض الشافعية ببقاء المنع وإن أذنت.

ج : ظاهر الرواية أنه لا كراهية مع اشتراط العزل في العقد ، وهو واضح إن كان لمحض حقها ، وخبر الوأد يشعر بخلافه ، فيمكن أن يكون النفي للكراهية الشديدة ، وكلام الأصحاب في نفي الكراهية بالاشتراط والاذن مطلق.

د : قال بعض الشافعية : إنما نقول بالتحريم إذا نزع على قصد أن يقع الانزال خارجا تحرزا عن الولد ، فأما إذا عزله لا على هذا القصد فيجب القطع بعدم التحريم (٢).

هـ : رخّص بعض القائلين بتحريم العزل فيه إذا كان في دار الحرب ، ودعته حاجة الى الوطء (٣).

و : لو عزل زوجته أو أمته ثم أتت بولد لحقه نسبه إجماعا ، وفي الأخبار ما يدل على ذلك ، وقد يسبقه المني من غير أن يعلم (٤).

الثانية : لو عزل بدون الاذن والشرط فقد صرح الشيخ في المبسوط بوجوب الدية عليه للزوجة وهي عشرة دنانير عشر دية الجنين ، مع أنه ذهب في هذا الكتاب الى‌

__________________

(١) ذهب اليه الشيخ في النهاية : ٤٨٢ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ٢٧٠ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٢٤.

(٢) ذهب إليه امام الحرمين كما في فتح الباري ٩ : ٢٥٤.

(٣) انظر : المغني لابن قدامة ٨ : ١٣٤.

(٤) الكافي ٥ : ٤٩١ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ١٦٨ حديث ٥٨٧ ، الاستبصار ٣ : ٣٦٨ حديث ١٣١٥.


ويحرم على الرجل ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر ،

______________________________________________________

أن العزل بدون اذنها مكروه (١) ، وهذا مختار المصنف في هذا الكتاب والتحرير (٢) ، وبه صرح ابن البراج (٣) ، وبعض المتأخرين ، والقائل بتحريم العزل بدون الاذن لا اشكال عنده في وجوب الدية.

والأصل في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن يونس ، عن أبي الحسن 7 : « أن عليا 7 قضى في الرجل يفزع عن عرسه فيعزل عنها الماء ولم يرد ذلك ، نصف خمس المائة عشرة دنانير » (٤).

قال في المختلف : ولا امتناع في كراهة ذلك وإيجاب الدية للزوجة ، ثم قال : والوجه الحمل على الاستحباب (٥).

قلت : مورد الرواية غير المتنازع ، فإن موردها ما إذا أفزع الرجل ، ولا امتناع في إيجاب ذلك على الأجنبي دون الزوج.

وقد ورد في حديث محمد بن مسلم : « ان ذلك إلى الرجل يصرفه حيث شاء » (٦) والأصح الاستحباب.

قوله : ( ويحرم على الرجل ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر ).

يدل على ذلك ما رواه صفوان بن يحيى ، أنه سأل الرضا 7 عن رجل يكون عنده المرأة الشابة فيمسك عنها الأشهر والسنة لا يقربها ليس يريد الإضرار‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٦٧.

(٢) التحرير ٢ : ٤.

(٣) المهذب ٢ : ٥١٠.

(٤) التهذيب ١٠ : ٢٨٥ حديث ١١٠٧.

(٥) المختلف : ٨١٥.

(٦) الكافي ٥ : ٥٠٤ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٧٣ حديث ١٢٩٥ ، التهذيب ٧ : ٤١٧ حديث ١٦٦٩.


والدخول بها قبل تسع سنين ، فإن دخل فأفضاها حرمت أبدا ، وإلاّ فلا.

______________________________________________________

بها يكون لهم مصيبة ، أيكون في ذلك إثما؟ قال : « إذا تركها أربعة أشهر كان إثما بعد ذلك ، إلاّ أن يكون بإذنها » (١).

وقد نقل أن عمر سأل نساء أهل المدينة لما اخرج أزواجهن إلى الجهاد وسمع امرأة تنشد أبياتا من جملتها :

فوالله لولا الله لا شي‌ء غيره

لزلزل من هذا السرير جوانبه

عن أكثر ما تصبر المرأة عن الجماع فقيل : أربعة أشهر ، فجعل المدة المضروبة للغيبة أربعة أشهر (٢).

قوله : ( والدخول بها قبل تسع سنين ، فإن دخل بها فأفضاها حرمت ابدا ، والاّ فلا ).

يدل على ذلك ما روي عن الباقر 7 قال : « لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين » (٣).

وعن الصادق 7 قال لمولى له : « انطلق فقل للقاضي : قال رسول الله 6 : حد المرأة أن يدخل بها على زوجها بنت تسع سنين » (٤).

فإن دخل بها قبل ذلك فعل حراما ، فإن أفضاها حرمت عليه مؤبدا ، وإلاّ فلا على الأصح ، وقد سبق الكلام على ذلك وبيان دليله قبل المقصد الثاني في التحريم غير المؤبد.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٥٦ حديث ١٢١٤ ، التهذيب ٧ : ٤١٢ حديث ١٦٤٧.

(٢) انظر : كنز العمال ١٦ : ٥٧٣ حديث ٤٥٩١٧ ، المغني لابن قدامة ٨ : ١٤٤.

(٣) الكافي ٥ : ٣٩٨ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٦١ حديث ١٢٤٠ ، التهذيب ٧ : ٤٥١ حديث ١٨٠٥.

(٤) الكافي ٥ : ٣٩٩ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٩١ حديث ١٥٦٧.


ويكره للمسافر ان يطرق أهله ليلا.

______________________________________________________

قوله : ( ويكره للمسافر أن يطرق أهله ليلا ).

أي : أن يأتيهم ليلا ، روى الشيخ بإسناده عن عبد الله بن سنان عن الصادق 7 انه قال : « يكره للرجل إذا قدم من سفره أن يطرق أهله ليلا حتى يصبح ».

* * *


فهرس الموضوعات

الموضوع

الصفحة

مقدمات النكاح :

تعريف النكاح لغة وشرعا........................................................ ٧

بيان حكم النكاح من الأحكام الخمسة............................................. ٨

استحباب اختيار الولود البكر العفيفة الكريمة الأصل............................... ١١

استحباب صلاة ركعتين والدعاء قبل الدخول..................................... ١٣

استحباب الدخول ليلا ً وكراهية وقوعه والقمر في برج العقرب..................... ١٥

ما يستحب عمله قبل الدخول................................................... ١٦

استحباب الوليمة عند الزفاف................................................... ١٨

جواز أكل نثار العرس.......................................................... ٢٠

الأوقات التي يكره الجماع فيها.................................................. ٢٢

جواز النظر إلى المرأة لأجل نكاحها............................................... ٢٦

جواز النظر إلى أمة لأجل شرائها................................................. ٢٩

جواز النظر إلى أهل الذمة....................................................... ٣١

نظر الذكر إلى الذكر........................................................... ٣٣


نظر الأنثى إلى الأنثى........................................................... ٣٣

نظر الذكر إلى الأنثى........................................................... ٣٣

نظر الأنثى إلى الذكر........................................................... ٤١

فروع

أ : النظر إلى شعر المجنونة وجسدها............................................... ٤٢

ب : حكم النظر إل الخنثى المشكل.............................................. ٤٢

ج : حرمة المس في الموارد التي يحرم النظر فيها..................................... ٤٣

د : حكم صوت المرأة.......................................................... ٤٣

ه‍ : كراهية اضطجاع الرجلين في ثوب واحد..................................... ٤٤

و : حكم المصافحة والمعانقة..................................................... ٤٤

حرمة النظر إلى العضو المبان الذي يحرم النظر إليه قبل إبانته......................... ٤٥

استحباب الخطبة تعريضا ً وتصريحا ً ، وبيان ألفاظ ذلك............................ ٤٦

النهي عن المواعدة سرا.......................................................... ٤٧

حرمة الخطبة لذات البعل وللمعتدة الرجعية........................................ ٤٨

جواز خطبة المطلقة ثلاثا ً والمفسوخ نكاحها من قبل الزوج وغيره.................... ٥٠

ما خص به النبي ( ص ) في النكاح وغيره......................................... ٥٢

بيان أقسام النكاح.............................................................. ٦٦

عقد النكاح :

صيغة العقد :

لا بد فيها من ايجاب وقبول ، وبيان ألفاظا الايجاب................................. ٦٧

ما يجب توفره في ألفاظ الايجاب................................................. ٦٨

صحة العقد مع تقدم القبول على الايجاب......................................... ٧٣

بيان حكم العقد بالعربية وغيرها................................................. ٧٤

عدم الانعقاد بلفظ البيع ولا الهبة ولا الصدقة...................................... ٧٦


عدم الانعقاد بالكتابة للعاجز إلا أن تضم قرينة تدل على القصد..................... ٧٧

اشتراط التنجيز فيه............................................................. ٧٧

وجوب تعيين الزوجة بالإشارة أو الاسم أو الوصف الرافع للاشتراك................. ٧٨

لو كان لرجل عدة بنات فزوج واحدة منهن ولم يسمها عند العقد................... ٨٠

العاقد

ذكر من له حق العقد........................................................... ٨٣

ما يشترط توفره في العاقد....................................................... ٨٤

حكم اشتراط الولي في نكاح الرشيدة............................................. ٨٥

صحة اشتراط الخيار في الصداق لا النكاح........................................ ٨٦

لو ادعى رجل أو امرأة الزوجية ، فصدقه أو كذبه الاخر........................... ٨٧

لو ادعى رجل زوجية امرأة ، وادعت أختها زوجيته................................ ٨٧

الأولياء :

ثبوت ولاية الأب والجد للأب................................................... ٩٢

عدم اشتراط بقاء الأب في ثبوت ولاية الجد....................................... ٩٣

ثبوت ولاية الأب والجد للأب على الصغير والمجنون................................ ٩٤

ثبوت ولاية المولى في النكاح على العبد والأمة..................................... ٩٤

ثبوت ولاية الحاكم في النكاح على البالغ الفاسد العقل............................. ٩٦

ثبوت ولاية الوصي على من بلغ فاسد العقل....................................... ٩٧

حكم زواج المحجور عليه للسفه.................................................. ٩٩

تقدم ولاية القرابة على ولاية الحاكم ، وتقدم ولاية الملك على الجميع.............. ١٠٣

تقديم اختيار الجد على اختيار الأب عند الاختلاف............................... ١٠٣

مسقطات الولاية :

الرق........................................................................ ١٠٤


النقص عن كمال الرشد...................................................... ١٠٥

الكفر....................................................................... ١٠٦

الاحرام...................................................................... ١٠٨

المولى عليه :

ثبوت الولاية على الناقص فقط................................................ ١١٠

للأب والحاكم تزويج المجنون الكبير عند الحاجة.................................. ١١٠

تزوج السفيه بإذن الولي مع الحاجة............................................. ١١٤

فساد تزوج الولي بغير اذن الولي................................................ ١١٥

لو لم يأذن الولي في تزويج السفيه............................................... ١١٧

طلاق السفيه................................................................ ١١٨

عدم وجوب إجابة الرقيق لو طلبوا النكاح....................................... ١١٨

حكم تزويج الأمة المملوكة للمرأة.............................................. ١١٨

عدم كفاية سكوت البكر في حق أمتها وكفايته في حقها.......................... ١٢٠

حكم تزويج المعتقة في المرض................................................... ١٢١

حكم الولاية على البالغ الرشيد الحر والبالغة الرشيدة الحرة........................ ١٢٢

استقلال البالغة الرشيدة في النكاح لو عضلها الولي............................... ١٢٧

الكفاءة :

وجوب اعتبار الكفاءة بين الزوجين............................................. ١٢٨

بيان معنى الكفاءة............................................................. ١٢٨

زواج المؤمن بالكافرة الحربية أو الكتابية......................................... ١٣١

عدم جواز زواج المؤمن من الناصبية............................................. ١٣٥

استحباب زواج المؤمن بمثله ، والحر بالأمة ، وشريف النسب بالأدون.............. ١٣٥

بيان اشتراط التمكن من النفقة وعدمه في الزواج................................. ١٣٧

عدم تسلط الزوجة على الفسخ لو تجدد العجز عن النفقة......................... ١٣٧


وجوب إجابة المؤمن القادر وإن كان أخفض نسبا................................ ١٣٨

كراهة تزويج الفاسق خصوصا ً شارب الخمر.................................... ١٤٠

حكم الفسخ فيما لو انتسب الزوج إلى قبيلة فبان من غيرها....................... ١٤١

حكم الفسخ فيما لو تزوج بالعفيفة فبانت قد زنت.............................. ١٤٢

لو زوج الولي الصغيرة بالمجنون أو الخصي........................................ ١٤٣

لو زوج الولي الصغيرة بمملوك ، وبالعكس....................................... ١٤٤

الاحكام :

لزوم العقد بتزويج الولي أحد الصغيرين ، أو المجنون ، أو المجنونة.................... ١٤٤

ثبوت الخيار للأمة المزوجة من العبد بعد عتقها................................... ١٤٥

جواز تولي طرفي العقد من شخص واحد........................................ ١٤٦

تزويج ولي البنت بدون مهر المثل............................................... ١٤٧

يجوز للمرأة أن تعقد على نفسها وغيرها........................................ ١٥٠

وقوف تزويج الفضولي على الإجازة............................................ ١٥٠

سكوت البكر دليل على رضاها ، دون الثيب................................... ١٥٣

حكم الإرث فيما لو زوج الأب أو الجد أو الفضولي الصغيرين فمات أحدهما........ ١٥٤

حكم ارث البالغين إذا زوجهما الفضولي ومات أحدهما........................... ١٥٨

تولي الفضولي أحد طرفي العقد................................................. ١٥٩

توقف زواج العبد على اذن المولى............................................... ١٦٢

صحة عقد السابق فيما لو زوج المرأة الوكيلان أو الاخوان........................ ١٦٥

لو زوجت الأم ابنها الصغير.................................................... ١٦٦

بيان اختلاف الزوج والزوجة في تزويج الفضولي................................. ١٦٧

للولي ايقاع العقد مباشرة وتوكيلا.............................................. ١٦٩

لو قالت الرشيدة لوكيلها : زوجني ممن شئت.................................... ١٧٠

لو نسي السابق بالعقد من الوليين على اثنين..................................... ١٧٢

لو جهل كيفية وقوع العقد من الوليين على اثنين................................. ١٧٦


بيان عدة أحكام تتعلق بعقد الوليين............................................. ١٧٧

المحرمات :

التحريم المؤبد : التحريم بالنسب

بيان ما تحرم من النساء بالنسب................................................ ١٨٦

يحرم على المرأة ما يحرم على الرجل بالنسب..................................... ١٨٩

ثبوت النسب شرعا ً بالنكاح الصحيح والشبهة دون الزنا......................... ١٨٩

لو ولدت المطلقة ـ الموطوءة من قبل أكثر من واحد ـ لأقل من ستة أشهر......... ١٩٢

التحريم بالسبب :

الرضاع :

يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب................................................. ١٩٦

لو امتزجت أخت الرضاع أو النسب بأهل قرية ، أو اشتبهت بمحصور العدد....... ١٩٨

ثبوت المحرمية بالرضاع كثبوتها بالنسب......................................... ٢٠٠

عدم تعلق التوارث واستحقاق النفقة بالرضاع.................................... ٢٠٠

أركان الرضاع :

المرضعة :

يشترط في المرضعة أن تكون حية ، حامل عن نكاح صحيح أو شبهة............... ٢٠١

عدم اشتراط اذن المولى في الرضاع ولا الزوج.................................... ٢٠٥

لو طلقت الزوجة وهي حامل ثم أرضعت طفلا آخرا............................. ٢٠٥

استحباب استرضاع العاقلة العفيفة المؤمنة الوضيئة................................ ٢٠٨

حكم استرضاع الكافرة....................................................... ٢٠٨

اللبن :

اشتراط وصول اللبن خالصا من الثدي إلى الطفل................................. ٢١٠


عدم نشر الحرمة لو احتلب اللبن ثم وجر في حلق الطفل ، أو وصل إلى جوفه بحقنة أو سعوط أو ٢١١

المحل :

وجوب وصول اللبن إلى معدة الصبي الحي....................................... ٢١٢

عدم اعتبار وصول اللبن إلى الميت ، أو الكبير بعد الحولين......................... ٢١٢

شرائط اللبن :

الكمية...................................................................... ٢١٣

كمالية الرضعات وتواليها..................................................... ٢١٤

أن يكون الرضاع في الحولين................................................... ٢٢٠

اتحاد الفحل ( صاحب اللبن ).................................................. ٢٢٢

الاحكام :

نشر الحرمة بحصول الرضاع بشرائطه........................................... ٢٢٤

أصول التحريم : المرتضع ، والمرضعة ، والفحل................................... ٢٢٧

حرمة أولاد الفحل ولادة ورضاعا ً على أب المرتضع............................. ٢٢٩

جواز نكاح اخوة المرتضع اخوة المرتضع الاخر إذا تغاير الأب واتحد اللبن........... ٢٣٢

ابطال الرضاع النكاح السابق.................................................. ٢٣٢

لو أرضعت كبيرة الزوجتين صغيرتهما........................................... ٢٣٥

لو أرضعت الزوجة الكبيرة الزوجات الصغائر.................................... ٢٣٧

لو أرضعت أمته الموطوءة زوجته................................................ ٢٣٩

فروع :

أ : لو زوج أم ولده بعبد أو بحر ثم أرضعته من لبنه............................... ٢٤٦

ب : لو فسخت نكاح الصغير لعيب أو لعتقها ثم تزوجت وأرضعته بلبن الثاني...... ٢٤٦


ج : لو أرضعت زوجته الكبيرة زوجتيه الصغيرتين بلبن غيره دفعة.................. ٢٤٧

د : لو أرضعت أمته زوجته بلبن غيره........................................... ٢٥٠

ه‍ : لو أرضعت ثلاث بنات زوجته ثلاث زوجاته كل واحدة زوجة دفعة........... ٢٥١

و : لو أرضعت أم الكبيرة أو جدتها أو أختها ، الزوجة الصغيرة ولم يدخل.......... ٢٥٤

ز : لو تزوج كل من الاثنين زوجة صاحبه ثم أرضعت إحداهما الأخرى............ ٢٥٥

ح : لو أرضعت جدة الصغيرين أحدهما......................................... ٢٥٦

ط : لو أرضعت من لبن الزوج بعد موته........................................ ٢٥٧

ي : لا تحرم أم المرضعة من الرضاع على المرتضع ولا أختها ولا................... ٢٥٧

يا : حرمة الرضاع تنشر إلى المحرمات بالمصاهرة.................................. ٢٥٩

يب : لو أرضعت من يفسد النكاح بارضاعه جاهلة بالزوجية أو للخوف عليها من التلف ٢٦٠

يج : لو سعت الزوجة الصغيرة فارتضعت من الكبيرة وهي نائمة.................. ٢٦١

خاتمة :

قبول شهادة النساء في الرضاع................................................. ٢٦٥

ما يشترط معرفته في الشهادة على الرضاع...................................... ٢٦٦

تقبل شهادة أم المرأة وجدتها وأم الزوج وجدته................................... ٢٧٠

قبول شهادة المرضعة بأن بينهما رضاعا.......................................... ٢٧١

لو ادعى الزوج بعد العقد أنها أخته من الرضاع.................................. ٢٧٣

لو ادعت الزوجة بعد العقد انه أخاها من الرضاع................................ ٢٧٥

الرجوع بعد الاقرار بالرضاع.................................................. ٢٨٠

الاقرار برضاع ممتنع.......................................................... ٢٨١

المصاهرة :

حرمة أم الموطوءة وإن علت وبناتها وإن سفلن.................................... ٢٨٢

حكم المصاهرة الناشئة عن وطء الشبهة والزنا................................... ٢٨٤


حكم النظر واللمس بالنسبة إلى سراية الحرمة وعدمها............................ ٢٨٨

العقد المجرد عن الوطء يحرم أم الزوجة وإن علت تحريما مؤيدا...................... ٢٩٣

تحريم المعقود عليها على أب العاقد وإن علا وابنه وإن نزل........................ ٢٩٩

حرمة وطء مملوكة الأب وإن علا والابن وإن نزل................................ ٣٠٠

انتفاء الحد لو زنا الأب بمملوكة ابنه............................................ ٣٠٣

لو حملت مملوكة الأب بوطء الابن لشبهة ، وبالعكس............................ ٣٠٤

حكم العتق مع الزنا........................................................... ٣٠٤

ذكر بقية أسباب التحريم

١ ـ من لاعن امرأته......................................................... ٣٠٥

٢ ـ التزوج بامرأة في عدتها عالما.............................................. ٣٠٦

٣ ـ الزنا بذات البعل أو في عدة رجعية........................................ ٣١٤

٤ ـ إيقاب الغلام........................................................... ٣١٧

٥ ـ عقد المحرم على امرأة عالما ً بالتحريم....................................... ٣٢١

٦ ـ المطلقة تسعا ً للعدة ينكحها بينها رجلان................................... ٣٢٣

٧ ـ تحريم بنت العمة أو الخالة لو فجر الرجل بعمته أو خالته..................... ٣٢٧

٨ ـ وطء الزوجة قبل التسع مع الافضاء....................................... ٣٣٠

التحريم غير المؤبد :

المصاهرة : وفيها مسائل :

الأولى : تحرم بنت الزوجة وإن نزلت إذا لم يكن قد دخل بالام تحريم جمع.......... ٣٣٦

الثانية : تحرم أخت الزوجة بالعقد دائما ً ومنقطعا ً تحريم جمع...................... ٣٣٨

الثالثة : تحرم بنت أخت الزوجة معها وبنت أخيها تحريم جمع...................... ٣٤٠

الرابعة : عدم جواز نكاح الأمة لمن عنده حرمة إلا باذنها.......................... ٣٤٢

الخامسة : لا تحل ذات البعل أو العدة لغيره إلا بعد مفارقته والعدة


إن كانت من أهلها........................................................... ٣٤٢

السادسة : بطلان الزواج الثاني فيما لو تزوج الأختين نسبا ً أو رضاعا ً على التعاقب. ٣٤٣

السابعة : صحة الزواج من بنت أخ الزوجة أو بنت أختها مع رضاها.............. ٣٥٦

الثامنة : بطلان عقد على الحرة دون اذنها....................................... ٣٦٢

التاسعة : حكم عقد الحر على الأمة............................................ ٣٦٧

استيفاء عدد الطلاق والموطوءات :

حرمة الحرة بعد ثلاث طلقات ، والأمة بعد طلقتين حتى تنكح زوجا ً غيره.......... ٣٧٢

حرمة الزيادة على أربع زوجات................................................ ٣٧٣

لو ماتت احدى الزوجات الأربع ، فتزوج اثنتين دفعة............................ ٣٧٥

لو تزوج الحر حرة في عقد واثنتين في عقد ثلاثا ً في عقد واشتبه السابق............. ٣٧٧

جواز الوطء بملك اليمين من دون التقييد بعدد معين.............................. ٣٧٩

عدم جواز زواج الحر بأكثر من أمتين........................................... ٣٨٠

عدم جواز زواج العبد بأكثر من حرتين دواما.................................... ٣٨٢

لو تجاوز العدد في عقد واحد................................................... ٣٨٢

المعتق بعضها كالأمة في حق الحر وكالحرة في حق العبد في عدد الموطوءات.......... ٣٨٣

الكفر :

أصناف الكفار : أ : من له كتاب.............................................. ٣٨٤

ب : من له شبهة كتاب....................................................... ٣٨٩

ج : الذين له يعتقدون شيئا ً وعباد الأوثان والشمس والنيران...................... ٣٩٠

بيان أحكام متفرقة تتعلق بالكفار............................................... ٣٩١


أحكام الانتقال من دين إلى دين :

إذا أسلم زوج الكتابية دونها ، أو العكس ، أو أسلما دفعة........................ ٤٠٦

اسلام أحد الزوجين غير الكتابيين.............................................. ٤٠٧

ارتداد أحد الزوجين قبل الدخول............................................... ٤٠٩

انتقال الذمية إلى ما لا يقر أهله عليه............................................ ٤١٢

إذا انتقلت الوثنية إلى الكتابية وأسلم الزوج...................................... ٤١٤

حقوق الزوج المسلم على زوجته الذمية......................................... ٤١٥

فروع :

أ : ثبوت النكاح لو أسلما في العدة............................................. ٤١٦

ب : عدم اقرارهم على ما هو فاسد عندهم..................................... ٤١٧

ج : عدم الفرق بين الذمي والحربي فيما سبق.................................... ٤١٨

د : لو شرطا الخيار مطلقا ً لهما أو لأحدهما لم يقرا عليه بعد الاسلام............... ٤١٩

ه‍ : لو تزوجها في العدة ثم أسلما............................................... ٤٢٠

و : لو أسلم الزوج ثم ارتد فانقضت العدة من حين اسلامه على كفرها............ ٤٢١

ز : لو طلق كل واحدة من الأختين ثلاثا ً ثلاثا ً ثم أسلموا......................... ٤٢٣

الزيادة على العدد الشرعي :

إذا أسلم الزوج على أكثر من العدد المقرر في الاسلام............................ ٤٢٣

ليس للمرأة اختيار أحد الزوجين بل يبطلان مع الاقتران.......................... ٤٢٥

إذا أسلم الكافر عن امرأة وبنتها بعد الدخول بهما أو بالام......................... ٤٢٦

إذا أسلم الكافر عن أختين..................................................... ٤٢٧

إذا أسلم الكافر عن العمة أو الخالة مع بنت الأخ أو الأخت....................... ٤٢٨

إذا أسلم الحر عن أربع إماء.................................................... ٤٢٩

لو أسلم الحر عن حرة وثلاث إماء.............................................. ٤٣٢


لو طلق الحرة في العدة قبل اسلامها............................................. ٤٣٣

لو أسلم الحر على أربع حرائر أو حرتين وأمتين أو ثلاث حرائر وأمة............... ٤٣٤

لو أسلم الزوج عن أكثر من أربع وثنيات مدخول بهن............................ ٤٣٥

لو أسلمت الوثنية فتزوج الكافر بأختها......................................... ٤٣٨

لو أسلم العبد عن أربع حرائر فصاعدا ً وثنيات ثم أعتق ولحقن به في العدة.......... ٤٣٩

إذا أسلم الحر عن أكثر من أربع حرائر مدخول بهن وثنيات....................... ٤٤١

إذا أسلم الحر عن أربع إماء وحرة وثنيات مدخول بهن............................ ٤٤٧

لو أسلم الحر عن خمس فلحق به أربع........................................... ٤٥٠

إذا أسلم تحت العبد المشرك أربع إماء ثم أعتقن قبل اسلامه........................ ٤٥١

إذا أسلم الكافر بعد أن زوج ابنه الصغير بعشر.................................. ٤٥٤

كيفية الاختيار :

بيان ألفاظ الاختيار........................................................... ٤٥٥

عدم دخول الظهار والايلاء في الاختيار......................................... ٤٥٧

بيان حكم تنزيل الكنايات منزلة الطلاق في الاختيار.............................. ٤٦٠

بيان حكم تنزيل الطلاق المشروط منزلة الاختيار................................. ٤٦١

بيان الاختيار بالفعل.......................................................... ٤٦٣

إذا وطأ الزوج أربعا بعد اسلامه ثبت عقدهن.................................... ٤٦٣

تأثير اللمس والقبلة في الاختيار................................................. ٤٦٤

لو قال الزوج : حصرت المختارات في ست..................................... ٤٦٥

صحة تعيين المختلفات للفسخ.................................................. ٤٦٦

لو أسلمت ثمان زوجات على الترتيب ، فخاطب كل واحدة بالفسخ عند اسلامها..... ٤٦٧

اسلام الزوجات الكتابيات بعد موت الزوج وقبل القسمة......................... ٤٧٣

النفقة :

وجوب نفقة الزوجات إذا أسلمن.............................................. ٤٧٤


عدم وجوب النفقة لو أسلم الزوج دون الوثنيات................................. ٤٧٦

اختلاف الزوجين في سبق أحدهما بالاسلام...................................... ٤٧٧

حكم النفقة فيما لو أسلم الوثني قبل الدخول.................................... ٤٨٠

بيان حكم إباق العبد هل هو بمنزلة طلاق زوجته................................. ٤٨٣

بيان ما يكره العقد عليهن..................................................... ٤٨٤

نكاح الشغار ، وبيان ما يتعلق به............................................... ٤٨٧

بيان أحكام الوطء في الدبر.................................................... ٤٩٧

فهرست الموضوعات.......................................................... ٥٠٩

* * *

جامع المقاصد في شرح القواعد - ١٢

المؤلف: الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي ( المحقق الثاني )
الصفحات: 521