Description: إستقصاء الإعتبار الجزء الثاني


Description: إستقصاء الإعتبار الجزء الثاني


Description: إستقصاء الإعتبار الجزء الثاني


Description: إستقصاء الإعتبار الجزء الثاني


قال :

أبواب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه‌

باب النوم‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسىٰ ، عن سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينام وهو ساجد ، قال : « ينصرف ويتوضّأ » .

وبهذا الإسناد عن حماد ، عن عمر بن اُذينة وحريز ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « لا ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك أو النوم » .

وأخبرني الشيخ رحمه‌الله : عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن محمد ابن عبيد الله وعبد الله بن المغيرة ، قالا : سألنا الرضا عليه‌السلام عن الرجل ينام علىٰ دابّته ، فقال : « إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء » .

السند‌ :

في الأوّل : عثمان بن عيسىٰ ، وسماعة ، وقد تكرّر القول فيهما (١) .

__________________

(١) راجع ج ١ : ٧١ ـ ٧٣ و ١١٠ ـ ١١٣ .


والثاني : كما ترىٰ كان الأولىٰ أن يقال فيه : وبهذا الإسناد عن الحسين ابن سعيد عن حماد ، وهو معتبر كما لا يخفىٰ .

والثالث : فيه محمد بن قولويه ، وقد كرّرنا أيضاً القول فيه (١) ؛ ومحمد بن عبيد الله لا يخلو من اشتباه ، إلّا أنّ عبد الله بن المغيرة الراوي معه يغني عن تحقيق الحال فيه ، لولا محمد بن قولويه .

المتن :

الأخبار الثلاثة تدل علىٰ أنّ النوم ناقض ، والإجماع مدعىٰ علىٰ ذلك (٢) ، وخلاف الصدوق (٣) لا يضر بالحال إن تحقق الإجماع ، لجواز كونه بعده ، إذ لا يشترط في الإجماع جميع الأعصار ـ ولا حاجة حينئذ إلىٰ القول بأنّه معلوم النسب ، ليتوجه عليه ما قاله الوالد قدس‌سره من جواز المشارك ـ (٤) نظراً إلىٰ أن مدعي الإجماع بعد وجود خلاف الصدوق يعلم أنّه غير متبع لأقوال العلماء ، حيث لم يصرح بخلاف الصدوق ، وأنّه غير قادح ، وإن كان في هذا بحث ، إلّا أنّ الضرورة بعد ما ذكرناه غير داعية إلىٰ بيان الوجه .

ثم إنّ الحديث الثاني قد اُوردت عليه اُمور :

الأوّل : أنّ مقتضاه حصر الناقض في الخارج والنوم ، مع حصوله بالسكر والإغماء إجماعاً .

__________________

(١) راجع ج ١ : ١١٤ ـ ١١٦ .

(٢) كما في السرائر ١ : ١٠٧ ، والمعتبر ١ : ١٠٩ ، والتذكرة ١ : ١٠٢ .

(٣) الفقيه ١ : ٣٨ / ١٤٣ و ١٤٤ ، المقنع : ٤ ، وحكاه عن والد الصدوق في المختلف ١ : ٨٩ .

(٤) انظر منتقىٰ الجمان ١ : ١٢٨ و ١٢٩ .


الثاني : أنّه يقتضي كون مطلق الخارج ناقضاً ، لأنّ « ما » من أدوات العموم .

الثالث : أنّ قصر النقض علىٰ الخارج من الطرفين يقتضي أنّ الخارج من أحدهما غير ناقض .

واُجيب عن الأوّل : بأنّ حكم السكر والإغماء مستفاد من حكم النوم من باب التنبيه .

وعن الثاني : بأنّ الموصول كما يجي‌ء للعموم يجي‌ء للعهد ، والمعهود هنا المتعارف .

وعن الثالث : بأنّ المراد بالطرفين كل واحد منهما لا هما معاً ، لامتناع خروج خارج منهما معاً (١) .

وفي الجواب عن كل نظر :

أمّا الأوّل : فلأنّ استفادة الإغماء والسكر من باب التنبيه لا يدفع الإشكال في الحصر ، علىٰ أنّ في دلالة المفهوم بحث ذكرناه سابقاً .

وأمّا الثاني : فلأنّ المتعارف لا ينافي إرادة العموم من الموصول ، غير أنّه عموم في المتعارف ، فإن اُريد هذا فالجواب غير واف ، بل ظاهره خلاف ذلك ، وإن اُريد غيره فلا يخفىٰ ما فيه . وقد يجاب عن هذا بأنّ المراد يعلم منه .

وأمّا الثالث : فالمراد من الطرفين كما يحتمل ما أراده المُجيب ، يحتمل أن يراد خروج كل من البول والغائط معاً ، والحال أنّه غير معتبر ، والجواب عن هذا غير بعيد أيضاً ، إلّا أنّ كلام المجيب غير واف .

__________________

(١) انظر المدارك ١ : ١٤٦ .


ثم ما ادعاه المعترض من الإجماع علىٰ الإغماء والسكر ـ إن تمّ ـ يقتضي أنّ الحصر في الخبر إضافي ولا مانع منه ، كيف ؟ والنواقض غير محصورة فيما ذكر كما هو واضح .

وما تضمنه الخبر الثالث من قوله : حتىٰ يذهب العقل ، قيل : إنّه يلوح منه أنّ كلّ ما يذهب العقل من سكر أو جنون أو إغماء فهو ناقض (١) .

وغير خفي أنّ هذا يدفع الاستدلال بمفهوم الموافقة ، بل يصير من باب العلة المنصوصة إن عدّيناها إلىٰ كل ما توجد فيه ، وفي هذا بحث ليس هذا محله ، إلّا أنّ القائل بتعدّي المنصوصة لا مجال لإنكاره الاستدلال بهذا الخبر علىٰ الإغماء والسكر علىٰ ما يظهر ، فما في الحبل المتين ـ من أنّ للكلام في دلالة الحديث المتضمن لنحو هذا مجالاً (٢) ـ غير واضح الوجه .

وما يستفاد من الخبر الثاني : أنّه لا ينقض إلّا ما خرج من الطرفين ، قد يدل علىٰ أنّ غير الطرفين إذا خرج منه المتعارف لا ينقض ، إلّا أنّ الغير إذا صار معتاداً لا خلاف فيه ، فالأمر فيه سهل . وبدون الاعتياد محل بحث ، وقد ذكرته في محل آخر ، والذي يناسب المقام ما ذكرناه .

قال :

وبهذا الإسناد عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن محمد بن أبي عمير ، عن إسحاق بن عبد الله الأشعري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا ينقض الوضوء إلّا حدث ، والنوم حدث » .

وأخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيىٰ ،

__________________

(١) كما في حبل المتين : ٢٨ .

(٢) الحبل المتين : ٣٠ .


عن أبيه ، عن محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن عمران بن موسىٰ ، عن الحسن بن علي بن النعمان ، عن أبيه ، عن (١) عبد الحميد بن عواض ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش علىٰ أيّ الحالات فعليه الوضوء » .

السند :

في الأوّل كما ترىٰ رواية أحمد بن محمد بن عيسىٰ عن ابن أبي عمير وأظنّها مستبعدة ، لأنّ الغالب روايته عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، ولعل الغالب لا يضر بالحال مع تحقق الإمكان .

وعمران بن موسىٰ في الثاني ثقة .

وأمّا الحسن بن علي بن النعمان : فإنّ النجاشي قال فيه : الحسن بن علي بن النعمان مولىٰ بني هاشم ، أبوه علي بن النعمان الأعلم ثقة (٢) .

وقد قيل : إنّ التوثيق محتمل أن يكون للأب وللإبن ، ومع الاحتمال لا يثبت توثيقه (٣) .

وفي ظنّي أن التوثيق للابن ، لأنّ النجاشي وثّق الأب في بابه (٤) ، ومن عادة النجاشي أنّه إذا وثّق الأب مع الابن لا يعيد التوثيق مع ذكر الأب في كثير من الرجال علىٰ ما رأيت ، واحتمال النادر والإلحاق به فيما نحن فيه بعيد .

__________________

(١) في نسخة من الاستبصار : ٧٩ / ٢٤٧ : عن أحمد بن عبد الحميد .

(٢) رجال النجاشي : ٤٠ / ٨١ .

(٣) حكاه في الحاوي ١ : ٢٧٨ عن بعض مشايخه المعاصرين .

(٤) رجال النجاشي : ٢٧٤ / ٧١٩ .


وشيخنا المحقق ـ سلّمه الله ـ في كتاب الرجال قال : وربما استفيد توثيقه يعني الحسن من وصف كتابه بأنّه صحيح الحديث ، وفيه نظر ، ثمّ وجّهه بأنّ وصف الكتاب بكونه صحيح الحديث إنّما يقتضي الحكم بصحة حديثه إذا علم أنّه من كتابه لا الحكم بصحة حديثه مطلقاً ، كما هو مقتضىٰ التوثيق (١) .

والأمر كما قال ـ سلّمه الله ـ وذكر أيضاً نحو ما قلناه من جهة الأب والاحتمال (٢) ، والحق أحق أن يتبع .

وأمّا عبد الحميد بن عواض فهو ثقة ، ذكره الشيخ في رجال الكاظم عليه‌السلام ، وقال إنّه من أصحاب أبي جعفر عليه‌السلام وأبي عبد الله عليه‌السلام (٣) ، ثم إنّ العلّامة : ضبطه عواض بالضاد المعجمة (٤) وابن داود قال : بالغين والضاد المعجمتين (٥) .

المتن :

في الأوّل ظاهر الدلالة علىٰ أنّ النوم ناقض ، أمّا دلالته علىٰ أنّ كل نوم ناقض فلا يخلو من خفاء ، وقد حاول العلّامة في المختلف ذلك علىٰ ما أظن فقال :

لا يقال : لا يصح التمسك بهذا الحديث ، فإنّ الصغرىٰ قد اشتملت علىٰ عقدي إيجاب وسلب ، وانتظام السالبة مع الكبرىٰ لا ينتج لعدم اتحاد

__________________

(١ و ٢) منهج المقال : ١٠٥ .

(٣) رجال الطوسي : ٣٥٣ / ٦ .

(٤) خلاصة العلّامة : ١١٦ / ١ .

(٥) رجال ابن داود : ١٢٧ / ٩٤٠ .


الوسط ، والموجبة أيضا كذلك ، فإنّ الموجبتين في الشكل الثاني عقيم ، فإن جعل عكسها كبرىٰ منعنا كلّيتها .

لأنّا نقول : إنّه عليه‌السلام في المقدمة الاُولىٰ نفىٰ النقض عن غير الحدث ، وفي الثانية حكم بأنّ النوم حدث ، فنقول : كل واحد من الأحداث فيه جهتا اشتراك وامتياز ، وما به الاشتراك وهو مطلق الحدث مغاير لما به الامتياز وهو خصوصية كل واحد من الأحداث ، ولا شك في أنّ تلك الخصوصيات ليست أحداثا ، وإلّا لكان ما به الاشتراك داخلا فيما به الامتياز ، وذلك يوجب التسلسل ، فإذا انتفت الحدثية عن المميزات لم يكن لها مدخل في النقض ، وإنّما يستند النقض إلىٰ المشترك الموجود في النوم علىٰ ما حكم به في المقدمة الثانية ، ووجود العلة يستلزم وجود المعلول فيثبت النقض في النوم وهو المراد (١) . انتهىٰ .

وقد ذكرت ما يتوجه عليه في حاشية التهذيب ، والذي يمكن أن يقال هنا بعد ذلك : إنّ الجواب لا يدفع السؤال . إذ مرجع السؤال إلىٰ أنّ انتظام السالبة مع الكبرىٰ لا ينتج لعدم اتحاد الوسط ، والجواب إذا تأمّله المتأمّل لا يفيد تماميته ، بل علىٰ ما يظهر أنّه عدول من الاستدلال بصورة الشكل إلىٰ وجه آخر ، وفيه تأمّل ، لأنّ العلة غير مسلّمة ، إذ لا يلزم من استناد النقض إلىٰ المشترك أنّه كلّما وجد وجد النقض كما هو لازم العلّة ، وكون النوم ناقضاً في الجملة لا ينكر استفادته من الحديث بدون ما قاله ، بل من الوجه الذي يأتي عن الوالد قدس‌سره .

أمّا (٢) علىٰ ما ذكره بعض محققي المتأخرين ، من أنّ استلزام

__________________

(١) المختلف ١ : ٩٠ .

(٢) في « رض » : لا .


المطلوب لا يتوقف علىٰ استجماع شرائط القياس ، كما قالوه في قولنا : زيد مقتول بالسيف والسيف آلة حديدية فإنّه لا شك في إنتاجه : زيد مقتول بآلة حديدية (١) . فإنّ فيه نوع بحث ، إذ لا ينتج النتيجة المذكورة إلّا بعد ملاحظة شرائط الشكل في الاعتبار ، وإن لم يكن في اللفظ ، كما صرح به بعض المحققين في قياس المساواة ، وتخيل أنّه استدلال بالسبب علىٰ المسبب يدفعه ما ذكرناه في العلة بتقدير التمامية .

والحق أنّ دلالة الحديث علىٰ نقض (٢) النوم من الوجه الذي ذكره الوالد قدس‌سره (٣) ، وهو أنّ المقصود من الخبر نفي الناقضية عما ليس بحدث من مثل النخامة وتقليم الظفر ، كما يقوله أهل الخلاف ، ولمّا كان النوم لا يخلو من خفاء في صدق الحدث عليه أظهره عليه‌السلام ، وحينئذ فدلالته علىٰ نقض النوم لا يرتاب فيها ، أمّا دلالته علىٰ أنّ كل نوم ناقض فالمنع متوجه إليها .

وما قيل فيه ـ من أنّه يجوز أن يجعل الحدث في الصغرىٰ بمعنىٰ كل حدث ، كما قالوه في قوله تعالىٰ : ( عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) (٤) فيصير في قوة قولنا ، كل حدث ناقض ، ويؤول إلىٰ الشكل الرابع ، فينتج بعض الناقض نوم ، وإمّا أن يجعل الصغرىٰ كبرىٰ وبالعكس فيكون من الشكل الأوّل (٥) ـ فله وجه أيضاً ، إلّا أنّه ظاهر التكلف .

فإن قلت : من أين علم أو ظنّ أنّ غرض العلّامة الاستدلال علىٰ أن

__________________

(١) كالشيخ البهائي في الحبل المتين : ٢٩ .

(٢) في « فض » و « رض » : بعض .

(٣) منتقىٰ الجمان ١ : ١٢٨ .

(٤) الانفطار : ٥ .

(٥) كما في الحبل المتين : ٢٩ .


كل نوم ناقض ؟ وغاية ما يستفاد من (١) كلامه أن النوم ناقض .

قلت : من قوله : ووجود العلة يستلزم وجود المعلول ، إذ لا معنىٰ لكون الحدث علّة إلّا أنّه كلّما ( تحقق الحدث ) (٢) تحقق النقض ، والعلة موجودة في النوم كيف حصل .

فإن قلت : هذا لازم للدليل لا أنّه مقيد به ، بل يجوز أن يكون استدلاله لناقضية النوم من حيث هو .

قلت : لو كان المقصود هذا كان ذكره العلّة خالياً عن الفائدة كما لا يخفىٰ . وقد يمكن توجيه عدم إرادة ما ذكرناه ، إلّا أنّ الظاهر ما قلناه ، وغيره لا يخلو من تكلف ، فليتأمل .

وما تضمنه الخبر الثاني من قوله : « علىٰ أيّ الحالات » كما يحتمل الشمول لجميع حالات النوم فيندفع به قول الصدوق (٣) ؛ يحتمل أن يراد الحالات المذكورة في الحديث ، فلا يتم الاستدلال به علىٰ أنّ النوم ناقض في جميع الأحوال ، إلّا أن يدّعىٰ ظهور الاحتمال الأوّل ، وكأنّ الشيخ فهم ذلك منه ، ليتحقق التعارض في الخبرين الآتيين ، ( إلّا أن يقال : إنّ إطلاق الأخبار السابقة كافٍ في تحقق التعارض ، وفيه كلام ) (٤) .

وبالجملة : فالخبران الآتيان لو صحا أمكن الاستدلال بهما علىٰ قول الصدوق في الجملة .

__________________

(١) في « فض » زيادة : صورة الشكل الرابع حينئذٍ : الناقض حدث والنوم حدث ، ولا بُدّ من كليّة الصغرىٰ ، لأنّ تركه من المؤخّر يتوقّف عليها ليرد إلىٰ الأوّل . ويقال : إنّ كلّية الصغرى لموافقة الحكمة ، فتأمّل .

(٢) ما بين القوسين ليس في « فض » .

(٣) المتقدم في ص ٦ .

(٤) ما بين القوسين ليس في « فض » .


قال :

فأمّا ما رواه محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن العباس ، عن شعيب (١) ، عن عمران بن حمران ، أنّه سمع عبداً صالحاً يقول : « من نام وهو جالس لا يتعمد النوم فلا وضوء عليه » .

وما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن بكر بن أبي بكر الحضرمي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، هل ينام الرجل وهو جالس ؟ فقال : « كان أبي يقول : إذا نام الرجل وهو جالس مجتمع فليس عليه وضوء ، وإذا نام مضطجعاً عليه الوضوء » .

وما جرىٰ مجرىٰ هذين الخبرين ممّا ورد يتضمن نفي إعادة الوضوء من النوم لأنّها كثيرة لم نذكرها لأنّ الكلام عليها واحد ، وهو أن نحملها علىٰ النوم الذي لا يغلب علىٰ العقل ويكون الإنسان معه متماسكاً ضابطاً لما يكون منه .

والذي يدل علىٰ هذا التأويل :

ما أخبرني به الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد (٢) ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ والحسين بن الحسن بن أبان جميعاً ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن الفضل (٣) ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يخفق

__________________

(١) كذا في النسخ ، وفي الاستبصار : أبي شعيب .

(٢) في « فض » و « رض » : محمد بن أحمد .

(٣) في الاستبصار ١ : ٨٠ / ٢٥٠ : الفضيل .


وهو في الصلاة ، فقال : « إن كان لا يحفظ حدثاً منه إن كان فعليه الوضوء وإعادة الصلاة ، وإن كان يستيقن أنّه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا إعادة » .

السند‌ :

في الأوّل : لا ريب أنّ العباس هو ابن معروف ، وقد تكرّر ذكره في الأخبار مبيناً (١) ، وأمّا شعيب فهو مشترك (٢) ، وربما يقرب احتمال كونه الثقة ، إلّا أنّ الجزم به محل تأمل ؛ وعمران بن حمران مهمل في الرجال (٣) .

والثاني : ليس فيه إلّا بكر بن أبي بكر الحضرمي ، وهو مهمل في الرجال (٤) ، وأمّا علي بن الحكم فهو متعين كونه الثقة بقرينة رواية أحمد بن محمد بن عيسىٰ عنه .

والثالث : فيه محمد بن الفضل في أكثر النسخ وفي بعضها ابن الفضيل مصغراً .

وذكر شيخنا المحقق : ـ سلّمه الله ـ في فوائده علىٰ الكتاب أنّ ابن المصغّر ضعيف وغيره ثقة ، وربما يوجّه الاتحاد . انتهىٰ .

وما قاله ـ سلمه الله ـ من أنّ محمد بن الفضيل ضعيف وغيره ثقة محل كلام ، لأنّ كليهما في الرجال مشترك بين من وثّق وغيره (٥) ، ولعلّه فهم من القرائن ما قاله ، وهو أعلم .

__________________

(١) راجع ج ١ : ٢٩٣ .

(٢) هداية المحدثين : ٧٩ . وتقدم في ص ١٣ : عن الاستبصار : أبو شعيب .

(٣) رجال النجاشي : ٢٩٢ / ٧٨٦ .

(٤) رجال الطوسي : ١٥٧ / ٣٩ .

(٥) هداية المحدثين : ٢٤٩ .


المتن :

ما ذكره الشيخ في الأوّلين قد يستبعد ، سيّما في الثاني ، بأنّ وصف الاجتماع والجلوس لا خصوصيّة له ، إلّا أن يقال : إنّ الأغلب فيمن فيه الوصف عدم النوم الحقيقي .

وما ذكره من الخبر الدال علىٰ مطلوبه لا يشكل بأنّه يقتضي كون النوم ليس ناقضاً بذاته ، لأنّ الظاهر إرادة الأثر من الحدث .

وما تضمنه الخبر الثاني : من قوله : هل ينام الرجل . كأنّ المراد به هل يتحقق منه النوم الناقض ؟ .

اللغة :

قال في النهاية : في الحديث : كانوا ينتظرون العشاء حتىٰ تخفق رؤوسهم ، أي ينامون حتىٰ تسقط أذقانهم علىٰ صدورهم وهم قعود (١) . ولا يخفىٰ عدم موافقته الإرادة من الخبر إلّا بتكلف ، ولعله يستعمل في غير ذلك ، كما نقل أنّه يقال : خفق فلان حرّك رأسه إذا نعس (٢) ، غير أنّي لم أقف علىٰ مأخذه .

قال :

وبهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن (٣)

__________________

(١) النهاية لابن الأثير ٢ : ٥٦ ( خفق ) .

(٢) القاموس المحيط ٣ : ٢٣٥ ( الخفيق ) .

(٣) في الاستبصار ١ : ٨٠ / ٢٥١ يوجد : عمر .


ابن اُذينة ، عن ابن بكير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قوله تعالىٰ : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَىٰ الصَّلاةِ ) (١) ما يعني بذلك إذا قمتم إلىٰ الصلاة ؟ قال : « إذا قمتم من النوم » قلت : ينقض النوم الوضوء ؟ قال : « نعم إذا كان يغلب علىٰ السمع ولا يسمع الصوت » .

وبهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن الحسين ابن عثمان ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن زيد الشحام ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخفقة والخفقتين ، قال : « ما أدري ما الخفقة والخفقتان ، إن الله تعالىٰ يقول : ( بَلِ الْإِنْسانُ عَلىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) (٢) إنّ علياً عليه‌السلام كان يقول : من وجد طعم النوم فإنّما أوجب عليه الوضوء » .

السند‌ :

في الأوّل : موثّق علىٰ قول الشيخ في عبد الله بن بكير إنّه ثقة وفطحي (٣) ، والنجاشي : لم يذكر الأمرين (٤) .

وفي الثاني : لا ريب فيه علىٰ ما سبق بيانه .

المتن :

صريح الأوّل إذا عملنا به أنّ المراد بالآية القيام من النوم ، وقد وقع

__________________

(١) المائدة : ٦ .

(٢) القيامة : ١٤ .

(٣) الفهرست : ١٠٦ / ٤٥٢ .

(٤) رجال النجاشي : ٢٢٢ / ٥٨١ .


للعلّامة في المنتهىٰ ما يوجب التعجب ، وهو أنّه في أول الكتاب استدل بالآية علىٰ أنّ المراد بها إرادة القيام (١) ، وفي بحث النوم استدلّ بها علىٰ نقض النوم (٢) ، والتنافي واضح ، وشيخنا قدس‌سره : فعل في المدارك نحو ذلك (٣) ، إلّا أنّه جعلها في النوم مؤيّدة (٤) ، ولا يخفىٰ عليك الحال .

وأمّا الخبر الثاني فظاهره لا يخلو من إجمال ، إذ الضابط عسر الحصول ، ولعلّ يقين الطهارة إذا كان لا يزول إلّا مع يقين النوم فما لم يتحقق فالأصل البقاء .

وما يتضمنه من أنّ مجرد النوم يوجب الوضوء قد يستفاد منه أنّ الوضوء واجب لنفسه كما نقله في الذكرىٰ عن بعض (٥) ، وله مؤيّدات من الأخبار .

وما روي صحيحاً من أنّه : « إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور » (٦) لا ينافي ذلك ، لأنّ المركب ينتفي بانتفاء أحد جزئيه ، إلّا أنّ له أيضاً مؤيّدات ، ولا خروج عما عليه الأصحاب المشهورون ، فليتأمّل .

وينبغي أن يعلم أنّ شيخنا قدس‌سره : بعد أن نقل أنّ المعروف بين الأصحاب كون الوضوء إنّما يجب بالأصل عند اشتغال الذمة بمشروط به ، فقبله لا يكون إلّا مندوباً ، تمسكاً بمفهوم قوله تعالىٰ : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَىٰ

__________________

(١) لم نعثر عليه فيه .

(٢) المنتهىٰ ١ : ٣٣ .

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٩ .

(٤) مدارك الأحكام ١ : ١٤٥ .

(٥) الذكرىٰ ١ : ١٩٦ .

(٦) الفقيه ١ : ٢٢ / ٦٧ ، التهذيب ٢ : ١٤٠ / ٥٤٦ ، الوسائل ١ : ٣٧٢ أبواب الوضوء ب ٤ ح ١ .


الصَّلاةِ ) (١) الآية ، وليس المراد نفس القيام ، وإلّا لزم تأخير الوضوء عن الصلاة وهو باطل ، بل المراد : إذا أردتم القيام ؛ اعترض عليه : بأنّ مقتضىٰ الآية الشريفة ترتب الأمر بالغَسل والمسح علىٰ إرادة القيام ، والإرادة تتحقق قبل الوقت وبعده ، إذ لا يعتبر فيها المقارنة للقيام ، وإلّا لما وجب الوضوء في أول الوقت علىٰ من أراد الصلاة في آخره (٢) .

وفي نظري القاصر أنّ الاعتراض غير متوجه ، لأنّ القيام إلىٰ الصلاة إذا امتنع إرادته من الآية ينبغي أن يصار إلىٰ أقرب المجازات ، كما هو مقرر ، ولا ريب أنّ الوضوء بعد دخول الوقت أقرب من الوضوء قبله ، وقوله : قدس‌سره إنّه لو اعتبرت المقارنة إلىٰ آخره ، فيه : أنّه لا ملازمة ، وبتقدير اللزوم فالخروج بالإجماع كاف .

قال :

فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن العباس ، عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن عذافر ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في الرجل هل ينقض وضوءه إذا نام وهو جالس ؟ قال : « إن كان يوم الجمعة فلا وضوء عليه ، وذلك أنّه في حال ضرورة » .

فهذا الخبر محمول علىٰ أنّه لا وضوء عليه ولكن عليه التيمم ، لأنّ ما ينقض الوضوء لا يختص بيوم الجمعة دون غيرها ، والوجه فيه أنّه يتيمم ويصلي ، فإذا انفضّ الجمع توضّأ وأعاد الصلاة ، لأنّه ربما لم يقدر علىٰ الخروج من الزحمة .

__________________

(١) المائدة : ٦ .

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٩ و ١٠ .


والذي يدل علىٰ ذلك :

ما أخبرني به الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيىٰ ، عن أبيه ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن العباس بن معروف ، عن عبد الله (١) ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهم‌السلام ، أنّه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة النّاس يحدث ، قال : « يتيمم ويصلي معهم ويعيد إذا انصرف » .

السند :

في الأوّل ، العبّاس فيه (٢) هو ابن معروف ، لتكرره في مثل هذا السند مبيّناً ، ومحمد بن إسماعيل في الظن أنّه ابن بزيع (٣) .

المتن :

لا يبعد حمله علىٰ التقية بمعنىٰ أنّ من حصل له النوم وهو جالس

__________________

(١) في نسخة من الاستبصار ١ : ٨١ / ٢٥٤ زيادة : ابن المغيرة .

(٢) في « د » زيادة : علىٰ الظاهر عند الولد قدس‌سره .

(٣) في « د » زيادة : لأنّ الشيخ في الفهرست : ١٤٨ / ٦٢٧ ذكر أنّه الراوي عن محمّد ابن عذافر ، وباقي رجاله لا ارتياب فيهم بعد ما قدّمناه في أحمد بن محمّد بن يحيىٰ ، لأنّه في الطريق إلىٰ محمّد بن علي بن محبوب في المشيخة ( الاستبصار ٤ : ٣٢٤ ، مشيخة التهذيب ١٠ : ٧٢ وقد روىٰ الشيخ في الفهرست : ١٤٥ / ٦١٣ جميع كتب محمّد بن علي بن محبوب ورواياته بطرق منها : عن محمّد بن علي بن الحسين عن أبيه ومحمّد بن الحسن عن أحمد بن إدريس ، وهذا الطريق ليس محل كلام بتقدير احتمال القول في أحمد بن محمّد بن يحيىٰ .


يوم الجمعة في المسجد لا يعيد الوضوء ، خوفاً من إنكارهم علىٰ ذلك ، ويكون قوله : « لأنّه حال ضرورة » يراد به الخوف .

نعم : قد يتوجه عليه أنّ الاعتذار بعدم الوضوء ممكن ، إلّا أن يقال : إنّ قبول هذا من أهل الخلاف غير معلوم ، ولعل الحمل المذكور أولىٰ من حمل الشيخ ، وإن أمكن أن يوجّه التيمم بأنّه أولىٰ من الصلاة بغيره ، وإن كان في البين إشكال .

أمّا ما اعترض به شيخنا قدس‌سره في المدارك ، بعد نقله عن النهاية والمبسوط القول بالتيمم إذا منعه الزحام عن الخروج ، قائلاً : إنّه ربما كان مستنده رواية السكوني ، وهي ضعيفة السند جداً ، ثم قوله قدس‌سره : والأجود عدم الإعادة ، لأنّه صلّىٰ صلاة مأموراً بها ، إذ التقدير عدم التمكن من استعمال الماء قبل فوات الجمعة (١) . ففيه نظر :

أمّا أوّلاً : فلأنّ رواية السكوني وإن كانت ضعيفة إلّا أنّ ما نقله هنا من رواية ابن سنان لا يخلو من اعتبار ، والجمع بينهما وبين الأخبار الدالة علىٰ نقض الوضوء بالنوم يحتاج إلىٰ ما قاله الشيخ ، فعدم الالتفات إلىٰ ذكر مثل هذا لا يخلو من شي‌ء .

وأمّا ثانياً : فلأنّ رواية السكوني إذا رُدّت بالضعف ، فجواز التيمم والحال هذه مع عدم التمكن من الماء وصحة الصلاة يقتضي أنّ الجمعة صحيحة ، والجمعة المذكورة في رواية السكوني ظاهرها أنّها مع أهل الخلاف ، فلو كانت مع غيرهم فالضرورة بعيدة ، إلّا أن يقال بالإمكان ، وهو كاف .

__________________

(١) مدارك الاحكام ٢ : ٢٤٠ ، وهو في النهاية : ٤٧ ، والمبسوط ١ : ٣١ .


قال :

باب الديدان‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله ، عن أحمد بن محمد ( عن أبيه ) (١) ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن (٢) الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عمن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في الرجل يسقط منه الدواب وهو في الصلاة ، قال : « يمضي علىٰ صلاته ولا ينقض ذلك وضوءه » .

عنه ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن ظريف ـ [ يعني ] (٣) ابن ناصح ـ عن ثعلبة بن ميمون ، عن عبد الله ابن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ليس في حَبّ القَرَع والديدان الصغار وضوء ، إنّما هو بمنزلة القمل (٤) » .

السند‌ :

ليس في الأوّل : بعد ما قدمناه إلّا الإرسال .

والثاني : فيه عبد الله بن يزيد ، وهو مشترك بين مهملين في الرجال (٥) ، وغيره قد كرّرنا القول فيه .

__________________

(١) ليس في « فض » .

(٢) في النسخ : و ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٨١ / ٢٥٥ .

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه من الاستبصار ١ : ٨٢ / ٢٥٦ .

(٤) في الاستبصار ١ : ٨٢ / ٢٥٦ : ما هو إلّا بمنزلة .

(٥) رجال الطوسي : ٢٦٦ / ٦١ و ٦٢ .

المتن :

واضح الدلالة ، وحَبّ القَرَع نوع من الدود يتولد في الإنسان وغيره .

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أخي فضيل (١) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال في الرجل يخرج منه مثل حَب القَرَع قال : « عليه وضوء » .

فالوجه فيه أن نحمله علىٰ أنّه إذا كان متلطّخا بالعذرة ولا يكون نظيفاً .

والذي يدل علىٰ هذا التفصيل :

ما أخبرني به الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيىٰ ، عن أبيه ، عن ( محمد بن أحمد ) (٢) بن يحيىٰ ، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال ، عن عمرو بن سعيد المدائني ، عن مصدق ابن صدقة ، عن عمار بن موسىٰ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سئل عن الرجل (٣) يكون في صلاته فيخرج منه حَبّ القَرَع كيف يصنع ؟ قال : « إن كان خرج نظيفاً من العذرة فليس عليه شي‌ء ولم ينقض وضوءه ، وإن خرج متلطّخاً بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء ، وإن كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة » .

__________________

(١) في « فض » و « رض » : ابن أبي فضيل .

(٢) في « فض » : أحمد بن محمد .

(٣) في النسخ رجل ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٨٢ / ٢٥٨ .


السند :

في الأوّل : ابن أخي فضيل واسمه الحسن ، كما صرّح به في الكافي في باب ما ينقض الوضوء (١) ، إلّا أنّه غير معلوم الحال .

والثاني : موثق كما تكرّر القول فيه .

المتن :

ما ذكره الشيخ فيه قد يتخيل عدم تماميّته ، لأنّ الخبر يفيد إطلاق الحكم فيقرب من الألغاز ، إلّا أنّه مدفوع بما أسلفنا القول فيه ، من جواز حصول المبيِّن عند وقت الحاجة للسائل ، كما في غيره من المطلقات ؛ وقد يحتمل الحمل علىٰ الاستحباب في الخبر الأوّل ، وأمّا الخبر الثاني فلا ريب في دلالته .

غير أنّه يبقىٰ الإشكال في أنّه هل يحكم بعدم الانتقاض إلّا إذا علم التلطخ (٢) ، أو يجب التفحص عن حال الدود ليعلم خلوّه ؟ لم أجد في كلام الأصحاب تفصيل الحال ، ولعل الأوّل لا يخلو من وجه ، لتحقق الوضوء المتوقف زواله علىٰ العلم الشرعي بالرافع ، فتأمّل .

قال :

باب القي‌ء‌

أخبرني الشيخ : رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦ / ٥ ، الوسائل ١ : ٢٥٨ أبواب نواقض الوضوء ب ٥ ح ١ .

(٢) في النسخ : عدم التلطّخ ، والظاهر ما أثبتناه .


عن ابن اُذينة ، عن أبي اُسامة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القي‌ء هل ينقض الوضوء ؟ قال : « لا » .

وأخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيىٰ ، عن أبيه ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن علي بن الحسن الكوفي (١) ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن غالب بن عثمان ، عن روح بن عبد الرحيم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القي‌ء ، قال : « ليس فيه وضوء وإن تقيّأ متعمّداً » .

وأخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد (٢) ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ليس في القي‌ء وضوء » .

السند‌ :

في الأوّل : حسن .

والثاني : كما ترىٰ علي بن الحسن الكوفي ، وهو في النسخ التي رأيناها ، وفي التهذيب محمد بن علي بن محبوب ، عن الحسن بن علي الكوفي (٣) ، إلىٰ آخره ، وهو الظاهر ؛ وفيه غالب بن عثمان ، والراوي عنه الحسن بن علي بن فضّال ، مهمل في الرجال (٤) ، وفي كتاب رجال الشيخ :

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٨٣ / ٢٦٠ : الحسن بن علي الكوفي .

(٢) في نسخة من الاستبصار ١ : ٨٣ / ٢٦١ زيادة : بن يحيىٰ .

(٣) التهذيب ١ : ١٣ / ٢٧ .

(٤) الفهرست : ١٢٣ / ٥٥١ .


غالب بن عثمان واقفي (١) ، ويحتمل الاتحاد ، والضرورة إلىٰ الجزم غير داعية ؛ وفيه أيضاً روح بن عبد الرحيم ثقة في النجاشي (٢) ؛ والحسن بن علي الكوفي هو ابن عبد الله بن المغيرة الثقة ؛ وابن فضّال حاله معلوم .

والثالث : لا يخفىٰ حاله ، غير أنّه ينبغي أن يعلم أنّ المعروف من ابن مسكان عند الإطلاق عبد الله الثقة ، ومحمد بن مسكان وإن كان مذكوراً في كتاب الشيخ مهملاً (٣) ، إلّا أنّ إرادته في غاية البعد ، بل يكاد أن يقطع النفي .

نعم : اتّفق لابن إدريس في آخر السرائر ، أنّه ذكر الأحاديث التي استطرفها من كتاب محمد بن علي بن محبوب ، بهذه الصورة : أحمد بن محمد ، عن الحسن بن سعيد ، عن فضالة ، عن حسين بن عثمان ، عن ابن مسكان ، قال محمد بن إدريس : واسم ابن مسكان الحسن ، وهو ابن أخي جابر الجعفي غريق في ولايته لأهل البيت عليهم‌السلام (٤) ، انتهىٰ .

وهذا لا يخلو من غرابة ، لأنّ رواية الحسين بن عثمان عن الحسن بن مسكان لم نقف عليها في شي‌ء من الأحاديث ، والحسن بن مسكان غير موجود في الرجال علىٰ ما رأيناه .

ولا يخفىٰ أنّه يستلزم ضعف الأخبار الواردة عن الحسين بن عثمان عن ابن مسكان ، ولم أر من ذكر ذلك غيره ، ولا يبعد أن يكون الوهم من ابن إدريس ، وفي الرجال الحسين بن مسكان (٥) ، فيحتمل أن يكون الحسن

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٥٧ / ١ .

(٢) رجال النجاشي : ١٦٨ / ٤٤٤ .

(٣) رجال الطوسي : ٣٠٢ / ٣٥٠ .

(٤) مستطرفات السرائر : ٩٨ / ١٨ .

(٥) خلاصة العلّامة : ٢١٧ / ١٣ .


سهواً ، إلّا أنّ إرادته من رواية الحسين بن عثمان في غاية البعد ، بل يكاد أن يقطع نفيها من تتبّع الأحاديث ، والحسين بن مسكان غير معتبر في الرجال .

وذكر العلّامة في الخلاصة عن ابن الغضائري أنّه قال : إنّ جعفر بن محمد بن مالك ، روىٰ عنه أحاديث فاسدة (١) ، وجعفر بن محمد بن مالك متأخّر ، والحسين بن عثمان متقدم ، إذ هو من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، واحتمال إرادة الرواية بالإرسال أو بإسناده بعيد عن المساق ؛ وهذا الذي ذكرناه وإن لم يكن له فيما نحن فيه فائدة ، إلّا أنّ الغرض التنبيه علىٰ حقيقة الحال ، ويظهر فائدته في موضع آخر ، فلا ينبغي الغفلة عنه .

المتن :

في الأخبار ظاهر الدلالة .

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة ، قال : سألته عما ينقض الوضوء ، قال : « الحدث تسمع صوته أو تجد ريحه ، والقرقرة في البطن إلّا شي‌ء تصبر عليه ، والضحك في الصلاة ، والقي‌ء » .

وما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن صفوان ، عن منصور ، عن

__________________

(١) خلاصة العلّامة : ٢١٧ / ١٣ .


أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الرعاف والقي‌ء (١) والتخليل يسيل الدم إذا استكرهت شيئاً ينقض الوضوء ، وإن لم تستكرهه لم ينقض الوضوء » .

فهذان الخبران يحتملان وجهين ، أحدهما : أن يكونا وردا مورد التقية ، لأنّ ذلك مذهب بعض العامة ، والثاني : أن يكونا محمولين علىٰ ضرب من الاستحباب لئلّا تتناقض الأخبار .

السند‌ :

في الأوّل : موثّق علىٰ ما قدّمناه ، والحسن فيه أخو الحسين .

والثاني : كذلك .

المتن :

لا يخفىٰ أنّ الأوّل لا يخلو من إجمال ، من حيث قوله : « والقرقرة في البطن إلّا شي‌ء تصبر عليه » فإنّ ظاهره أنّ القرقرة التي لا تصبر عليها قسيمة للحدث ، والحال أنّها متحدة إن خرجت ، ومع عدم الخروج فالصبر عليها غير واضح المعنىٰ .

ثم الضحك في الصلاة لا يخلو إمّا أن يراد به أنّه ناقض للوضوء ، وحينئذ لم يتقدم له معارض ، وإن اُريد به نقض الصلاة لم يناسب ذكره مع غيره ، بل يحتمل كون القي‌ء مثله في إبطال الصلاة ، وحمل الشيخ له علىٰ الاستحباب يقتضي الشمول للضحك وهو غير واضح ؛ فلعل الاقتصار علىٰ الحمل علىٰ التقية فيه أولىٰ .

__________________

(١) ليس في « رض » .


ثمّ إنّ القرقرة في البطن ورد في معتبر الأخبار ما ينافي حكمها (١) ( وهو ما رواه الفضيل بن يسار قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ) (٢) : أكون في الصلاة فأجد غمزاً في بطني ، أو أذىٰ أو ضرباناً فقال : « انصرف ثم توضّأ فابنِ علىٰ ما مضىٰ من صلاتك ، ما لم تنقض الصلاة بالكلام » الحديث (٣) . وقد ذكرنا ما لا بد منه في موضعه ، وكان علىٰ الشيخ أن يذكره في مقام المعارضة .

وكذلك ورد في حسنة زرارة أنّ : « القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة » (٤) .

وأمّا الخبر الثاني : فحمله علىٰ التقية مع قوله فيه « إن استكرهت شيئاً » غير واضح ، إلّا أن يكون موافقاً لهم في ذلك ؛ وذكر شيخنا المحقق ـ سلّمه الله ـ في فوائده علىٰ الكتاب أنّ حمل الخبر الثاني علىٰ التنظيف أولىٰ ، كما ينبّه عليه الاستكراه ، وربما حمل الأوّل علىٰ قهقهة وقي‌ء تغيّب (٥) عنه نفسه . انتهىٰ .

ولا يخفىٰ عليك أنّ التنظيف في الرعاف والتخليل الذي يسيل منه الدم لا يخلو من خفاء ، والحمل المذكور للأول في غاية البعد ، وسيأتي من الشيخ ذكره في الباب الآتي ، وسنبيّن القول فيه .

__________________

(١) في « فض » و « رض » : الخبر ، بدل : حكمها .

(٢) ما بين القوسين ليس في « فض » .

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٠ / ١٠٦٠ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ / ١٣٧٠ ، الوسائل ٧ : ٢٣٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٩ .

(٤) الكافي ٣ : ٣٦٤ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ / ١٣٢٤ ، الوسائل ١ : ٢٦١ أبواب نواقض الوضوء ب ٦ ح ٤ .

(٥) في « رض » : تغيّر .


إذا عرفت هذا فاعلم أنّ العلّامة في المختلف نقل عن ابن الجنيد أنّه قال : من قهقه في صلاته متعمداً لنظر أو سماع ما أضحكه قطع صلاته وأعاد وضوءه ، ثم حكىٰ احتجاجه برواية سماعة ، وأجاب بأنّ سماعة وزرعة في طريق الحديث وهما وإن كانا ثقتين إلّا أنّهما واقفيان ، ومع ذلك أنّ سماعة لم يسنده إلىٰ إمام (١) ؛ وأنت خبير بأنّ عدم الإسناد إلىٰ إمام غير وارد ، لما قررناه سابقا من أنّ مثل هذا الإضمار غير مضر بالحال .

قال :

باب الرعاف‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ، عن محمد بن يعقوب الكليني ، عن محمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الرعاف والحجامة وكل دم سائل ، فقال : « ليس في هذا وضوء ، إنّما الوضوء من طرفيك اللذين أنعم الله بهما عليك » .

وأخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيىٰ ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن أبي عبد الله ( عن أبيه ) (٢) عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « لو رعفت دورقاً ما زدت علىٰ أن أمسح منّي الدم واُصلّي » .

__________________

(١) المختلف ١ : ٩٣ ، ٩٤ .

(٢) أثبتناه من الاستبصار ١ : ٨٤ / ٢٦٥ .


وبهذا الإسناد : عن محمد بن يحيىٰ ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد ، عن إبراهيم بن أبي محمود ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن القي‌ء والرعاف والمدّة أينقض الوضوء أم لا ؟ قال : « لا » (١) .

السند‌ :

في الأوّل : واضح الضعف .

والثاني : فيه عمرو بن شمر وقد ضعّفه النجاشي (٢) وغيره (٣) ؛ وجابر هو ابن يزيد بقرينة رواية عمرو بن شمر عنه ، وقد ذكر النجاشي أنّه مختلط (٤) ، ومن غيره لم يثبت توثيقه ولا مدحه (٥) ، والأخبار التي في الكشّي غير سليمة الطرق (٦) ، كما يعلم من مراجعتها .

ومن غريب ما اتفق للعلّامة أنّه قال : جابر بن يزيد روىٰ الكشّي فيه مدحاً وبعض الذم ، والطريقان ضعيفان .

ثم نَقلَ عن العقيقي رواية عن أبيه ، عن أبان ، أنّ الصادق عليه‌السلام ترحّم عليه ، وقال : « إنّه كان (٧) يصدق علينا » ونقل عن ابن عقدة نحو ذلك .

وعن ابن الغضائري أنّ جابر ثقة في نفسه ، ولكن جُلّ من روىٰ عنه ضعيف ، فممّن أكثر عنه من الضعفاء عمرو بن شمر ، ومفضل بن صالح

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٨٤ / ٢٦٦ زيادة : ينقض شيئاً .

(٢) رجال النجاشي : ٢٨٧ / ٧٦٥ .

(٣) كالعلّامة في خلاصته : ٢٤١ ـ ٢٤٢ .

(٤) رجال النجاشي : ١٢٨ / ٣٣٢ ، وفي « فض » و « د » : مخلط .

(٥) كالطوسي في رجاله : ١١١ / ٦ و ١٦٣ / ٣٠ .

(٦) رجال الكشي ٢ : ٤٣٦ ـ ٤٤٩ .

(٧) لفظة : كان ، ليست في « رض » و « د » .


السكوني ، ومنخل بن جميل الأسدي ، وأرىٰ الترك لما روىٰ هؤلاء عنه والتوقف في الباقي إلّا ما خرج شاهداً .

إلىٰ أن قال العلّامة : والأقوىٰ عندي التوقف فيما يرويه هؤلاء عنه كما قاله الشيخ ابن الغضائري (١) .

وأنت خبير بأنّ قول ابن الغضائري ترك ما روىٰ هؤلاء والتوقف في الباقي ، لا ما قاله العلّامة من التوقف فيما روىٰ هؤلاء ، فإنّه يقتضي قبول قول جابر علىٰ تقدير رواية غير هؤلاء .

ولو أراد بالتوقف الرد ـ كما يظهر منه في الخلاصة ـ فلا يدفع الإيراد عنه ، علىٰ أنّ قبول قوله في عدا المذكورين إن كان لتوثيق ابن الغضائري كما هو الظاهر إذ لا وجود لتوثيقه في كلام غيره وقد عدّه العلّامة في القسم الأوّل ، ففيه دلالة علىٰ ما قدمناه من العمل بقول ابن الغضائري ، وهو توثيق له ، غير أنّ ابن الغضائري قد توقف بعد ذكر التوثيق ، فلا وثوق بتوثيقه ولا وجه لعدّه في القسم الأوّل ، وإن كان من جهة انضمام ( القرائن من الإخبار التي في الكشي ) (٢) وغيرها ، أمكن إلّا أنّه كان ينبغي التنبيه عليه ، فليتأمّل .

والثالث : لا ارتياب فيه ، وأحمد هو بن محمد بن عيسىٰ ، لأنّه هو الراوي عن إبراهيم بن أبي محمود ، ولا ضير في رواية محمد بن يحيىٰ عنه بواسطة ، وإن كان تركها في بعض الطرق بل أكثرها موجوداً .

المتن :

في الجميع ظاهر في عدم نقض الوضوء بالرعاف ، وفي الأوّل زيادة :

__________________

(١) خلاصة العلّامة : ٣٥ ، بتفاوت يسير .

(٢) ما بين القوسين ليس في « فض » .


كل دم سائل ؛ وفي الثالث زيادة : عدم نقض القي‌ء والمدّة ، فيتعين حمل ما يخالف علىٰ الاستحباب أو التقية .

وما تضمنه الأوّل من حصر الناقض في الخارج من الطرفين قد تقدم فيه القول ، ويزيد أنّ قوله : « اللذين أنعم الله بهما عليك » ربما دل علىٰ ما أشرنا إليه سابقاً ، لولا الإجماع وضعف الحديث ، إلّا أنّ له مساعداً من الأخبار .

اللغة :

قال في القاموس : الدورق الجرّة ذات عروة (١) . وفي الصحاح : الدورق مكيال للشراب فارسي معرّب (٢) ، والمدّة بالكسر والتشديد ما يجتمع في الجروح من القيح علىٰ ما في الحبل المتين (٣) ، معرّب .

قال :

فأمّا ما رواه أبو عبيدة الحذّاء في الخبر الذي ذكرناه في الباب الذي قبل هذا (٤) ، من قوله : إذا استكره الدم نقض وإن لم يستكره لم ينقض .

وما رواه أيوب بن الحرّ ، عن عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل (٥) أصابه دم سائل قال : « يتوضّأ ويعيد » قال :

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ : ٢٣٨ ( درق ) .

(٢) الصحاح ٤ : ١٤٧٤ ( درق ) .

(٣) الحبل المتين : ٣٢ .

(٤) راجع ص ٢٨ .

(٥) في الاستبصار ١ : ٨٥ / ٢٦٧ : عن رجل .


« وإن لم يكن سائلاً توضّأ وبنىٰ » قال : « ويصنع ذلك بين الصفا والمروة » .

أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن الحسن بن علي بن بنت إلياس ، قال : سمعته يقول : « رأيت أبي عليه‌السلام وقد رعف بعدما توضّأ دماً سائلاً فتوضّأ » .

فيحتمل وجوها ، أحدها : أن تحمل علىٰ ضرب من التقية علىٰ ما قدمنا القول فيه .

والثاني : أن نحملها علىٰ الاستحباب دون الوجوب .

والثالث : أن نحملها علىٰ غسل الموضع ، لأنّ ذلك يسمّىٰ وضوءاً علىٰ ما بيّناه في كتاب تهذيب الأحكام (١) ، ويدل علىٰ هذا المعنىٰ :

ما أخبرني به الشيخ قدس‌سره ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن جعفر بن بشير ، عن أبي حبيب الأسدي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول في الرجل يرعف وهو علىٰ وضوء قال : « يغسل آثار الدم ويصلّي » .

وعنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن ابن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان ، عن سماعة ، عن أبي بصير قال : سمعته يقول : « إذا قاء الرجل وهو علىٰ طهر فليتمضمض ، وإذا رعف وهو علىٰ وضوء فليغسل أنفه ، فإنّ ذلك يجزيه ولا يعيد وضوءه » .

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٣ .


السند :

في الأوّل : قد تقدم (١) .

والثاني : لم يعلم الطريق من الشيخ إلىٰ أيوب بن الحر ؛ إذ ليس في المشيخة ، وفي الفهرست طريقه إلىٰ كتابه غير سليم (٢) ، ولا ينفع بتقدير صحته هنا ، إلّا إذا علم أنّ الحديث من الكتاب .

وقد اشتبه علىٰ بعض الأصحاب الحال في طرق الفهرست ، فظن أنّ الطريق في الفهرست كاف لما هنا ، والحق أنّ ما يذكره الشيخ في الفهرست إن ورد بلفظ جميع روايات الرجل يشمل ما يذكره هنا ، وإلّا فالشمول غير واضح .

فإن قلت : ما وجه عدم الوضوح ؟

قلت : لأنّ الشيخ في المشيخة لهذا الكتاب قال : وكنت سلكت في أول الكتاب إيراد الأحاديث بأسانيدها ، وعلىٰ ذلك اعتمدت في الجزء الأوّل والثاني ، ثم اختصرت في الجزء الثالث وعوّلت علىٰ الابتداء بذكر الراوي الذي أخذت الحديث من كتابه وأصله (٣) .

وهذا كما ترىٰ يدل علىٰ أنّه في هذا الجزء الأوّل لم يعتمد علىٰ ذكر الرجل الذي أخذت الحديث من كتابه ، وإذا لم يكن ذلك ، لم يعلم أنّ الحديث من كتاب الرجل ، فإذا قال في الفهرست : له كتاب ، وذكر الطريق إليه ، لم يدخل ما في الجزء الأوّل والثاني من الكتاب إذا بدأ بالرجل .

__________________

(١) راجع ص ٢٨ .

(٢) الفهرست : ١٦ / ٥٠ .

(٣) الاستبصار ٤ : ٣٠٤ .


فإن قلت : الحكم غير مطرد في الجزءين الأولين ، لأنّ الشيخ كثيراً ما يبدأ بالرجل الذي لم يلقه ، وقد صرح في المشيخة بذكر الأحاديث بأسانيدها في الجزءين .

قلت : هذا كثيراً ما يخطر بالبال ولم أعلم وجهه ، إلّا أنّه ليس بنافع في الاكتفاء بالطريق الذي في الفهرست إلىٰ كتاب الرجل ، علىٰ أنّ الذي نجده في الجزء الثالث علىٰ نحو ما في الأولين .

نعم : ربما يقال إنّ قول الشيخ رحمه‌الله في آخر المشيخة : ولتفصيل ذلك شرح يطول هو مذكور في الفهارس للشيوخ ، ربما يدل علىٰ أنّ الطرق في الفهرست مشتركة ، فإذا أخبر بأنّ فلاناً مثل أيوب بن الحرّ له كتاب وذكر الطريق إليه ، قد يظن منه أنّ الحديث من كتابه ، لكن لا يخفىٰ أنّ للكلام فيه مجالاً واسعاً ، فينبغي التأمّل في ذلك .

والثالث : حسن بالحسن علىٰ ما أظن .

والرابع : فيه جهالة أبي حبيب .

والخامس : فيه عثمان بن عيسىٰ علىٰ الظاهر ، وأبو بصير وسماعة ، حالهما علىٰ ما قدمناه (١) .

المتن :

في الأوّل : قد سبق فيه القول .

والثاني : ظاهر في الفرق بين السيلان وعدمه بالنسبة إلىٰ إعادة الصلاة والبناء ، إلّا أنّه واضح الدلالة علىٰ نقض الوضوء في الحالتين .

__________________

(١) راجع ج ١ : ٧٣ ، ٨٤ ، ١٣٠ و ١١٠ ـ ١١٣ .


والشيخ في التهذيب ادعىٰ الإجماع علىٰ عدم البناء مع نقض الوضوء ، لأنّه قال في باب التيمم : لا خلاف بين أصحابنا أن من أحدث في الصلاة ما يقطع صلاته يجب عليه استئنافه (١) . وهذا وإن كان محل كلام ذكرناه في موضعه ، إلّا أنّ إطلاق القول هنا بالحمل علىٰ الاستحباب في جملة الوجوه لا يخلو من إشكال .

وأمّا الخبر الثالث : فقد أوضحت القول فيه في حاشية التهذيب ، والحاصل من الكلام فيه الحمل علىٰ التقية ، غير أنّ القول لا يخرج عن مطابقة الواقع ، إذ لا مانع من وقوع الوضوء بعد الرعاف لكن لا بسبب الرعاف ، وحكايته عن أبيه عليه‌السلام لأنّ الواقع ذلك ( وإلّا لما ) (٢) احتاج إلىٰ النقل عن أبيه كما لا يخفىٰ .

وما قاله الشيخ رحمه‌الله هنا من الحمل علىٰ التقية مجمل ، أمّا في الحديث الأوّل فلما قدمناه من أنّ الفرق بين الاستكراه وعدمه مبني علىٰ موافقة أهل الخلاف ، ليتم الحمل فيه علىٰ التقية .

وأمّا الثاني فلما ذكرناه هنا .

وأمّا الحمل علىٰ غَسل الموضع فمستبعد في الأخير ، لأنّ قوله : « بعد ما توضّأ » يدل بظاهره علىٰ أنّ الوضوء واحد في الموضعين ، غير أنّ استعمال كل من أفراد المشترك مع اللفظ الموضوع له لا ريب فيه ، والإجمال فيه بسبب التقية ، فهو راجع في الحقيقة إليها ، أو أنّ السائل فهم ذلك بقرينة ، وكان علىٰ الشيخ أن ينبه علىٰ ذلك .

والخبران المذكوران واضحا الدلالة علىٰ عدم النقض ، فإن أراد الشيخ

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٠٥ .

(٢) ما بين القوسين ليس في « فض » .


دلالتهما علىٰ الغَسل فلا ريب فيه ولا احتياج إلىٰ الخبرين ، وإن أراد الدلالة علىٰ عدم النقض فليس بمطلوب ، وإن أراد الدلالة علىٰ إطلاق الوضوء علىٰ الغَسل فلا يخلو من خفاء ، غير أنّه يمكن توجيهه بأنّ الخبرين إذا دلّا علىٰ عدم النقض بل الغَسل علمنا أنّ المراد بالوضوء الغَسل ، وأنت خبير بأنّ الأولىٰ بيان صحة إطلاق الوضوء علىٰ الغَسل مع الخبرين ، بل إذا ثبت ذلك يستغنىٰ به عن الخبرين ، والأمر سهل .

قال :

باب الضحك والقهقهة‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيىٰ ، عن سالم أبي الفضل (١) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ليس ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك الأسفلين اللذين أنعم الله بهما عليك » .

عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سهل ، عن زكريا بن آدم ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن الناصور (٢) ، قال (٣) : « إنّما ينقض الوضوء ثلاثة : البول ، والغائط ، والريح » .

__________________

(١) في بعض نسخ الاستبصار ١ : ٨٥ / ٢٧١ : سالم أبي الفضيل .

(٢) النّاصُور : علة تحدث في البدن من المقعدة وغيرها بمادة خبيثة ضيقة الفم يعسر برؤها ـ المصباح المنير : ٦٠٨ ( نصر ) .

(٣) في الاستبصار ١ : ٨٦ / ٢٧٢ : فقال .


السند :

في الأوّل : قد ذكرنا القول فيه ، وسالم أبو الفضل فيه ثقة ، وقد يصغّر الفضل ، وظن بعض المغايرة بين أبي الفضل وأبي الفضيل ، كما يعلم من كتاب شيخنا المحقق ـ سلمه الله ـ في الرجال (١) .

والثاني : فيه محمد بن سهل ، وهو ابن سهل بن اليسع ، بقرينة رواية أحمد بن محمد بن عيسىٰ عنه ، كما قال في الفهرست (٢) ، وما في النجاشي من أن الراوي عنه أحمد بن محمد عن أبيه (٣) ، ربما يقال : إنّه لا مانع من رواية أحمد عنه كأبيه .

واحتمال أن يكون الشيخ في الفهرست قد سها قلمه عن ذكر أبيه ممكن ، إلّا أن وجود رواية أحمد عنه في هذه الرواية قرينة الصحة ، واحتمال كون محمد بن سهل غير ابن اليسع لما ذكر بعيد ، وعلىٰ كل حال ، محمد المذكور مهمل في الرجال ؛ وأمّا زكريا بن آدم فقد وثّقه النجاشي (٤) .

المتن :

ظن الشيخ منه أنّ الحصر المستفاد من الخبرين يفيد نفي الوضوء من القهقهة والضحك ، وقد يتوجه عليه أنّ الحصر لا بُدّ من كونه إضافياً ، وحينئذ لا ينافي ما دل علىٰ أنّ الضحك والقهقهة تنقضان الوضوء ، كما ثبت

__________________

(١) منهج المقال : ١٥٧ .

(٢) الفهرست : ١٤٧ / ٦٢٠ .

(٣) رجال النجاشي : ٣٦٧ / ٩٩٦ .

(٤) رجال النجاشي : ١٧٤ / ٤٥٨ .


النقض بغيرهما في الأخبار ، وحينئذ لا يتم الحمل الآتي منه في المعارض ، وستسمع القول في ذلك مع الجواب .

وما تضمنه الخبر الأوّل من قوله : « اللذين أنعم الله بهما عليك » يؤيّده غيره من الأخبار الدالة عليه ، كما تقدم عن قريب ، فإذا خرج من هذا ما انعقد عليه الاتفاق وهو ما اعتاد من غيرهما ، أو انسد الطبيعي ، بقي الإشكال في خروج الغائط والبول من غير ما ذكر ، بل ربما يرجح عدم النقض حينئذ ـ وإن ظن بعض كالشيخ أنّ خروج الغائط من تحت المعدة ناقض (١) ـ لأنّ مطلق الأخبار الدالة علىٰ ذلك بل والقرآن يقيد بمثل هذا الخبر ، كما ذكرنا مفصّلاً في حاشية التهذيب ، فليتأمّل .

فإن قلت : هذا الخبر حاله بمحمد بن إسماعيل غير خفية ، وغيره ممّا تقدم ليس بسليم السند .

قلت : قد روىٰ الشيخ في التهذيب بسند لا ارتياب فيه عند الأصحاب عن زرارة قال : قلت : لأبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام ما ينقض الوضوء ؟ فقالا : « ما خرج من طرفيك الأسفلين » الحديث (٢) .

علىٰ أنّ رواية محمد بن إسماعيل ؛ لا أرىٰ فرقاً بينها وبين رواية أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد الواقع في طريق رواية زرارة المذكورة ، وكذلك : أحمد بن محمد بن يحيىٰ ، وما ضاهاهما ممّن لم ينص أصحاب الرجال علىٰ توثيقهما ، فالحكم بصحة ما رواه أحمد بن محمد بن الوليد ونحوه ، دون ما رواه محمد بن إسماعيل غير واضح

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٧ ، الخلاف ١ : ١١٥ .

(٢) التهذيب ١ : ٩ / ١٥ ، الوسائل ١ : ٢٤٩ أبواب نواقض الوضوء ب ٢ ح ٢ ، بتفاوت يسير .


الوجه ، بل كلما يقال في أحمد من جهة كونه من مشايخ الإجازة يقال في محمد بن إسماعيل .

وتصحيح العلّامة لبعض الطرق الواقع فيها (١) غير المنصوص عليه بالتوثيق مشترك ، وحينئذ : فإمّا أن تردّ جميع الروايات ، أو يقبل جميعها ، فالفرق لا يظهر لي وجهه ، وذكر أحمد بن محمد بن يحيىٰ من الشيخ ( في كتابه ) (٢) لا يسمن ولا يغني من جوع ، فينبغي التأمل فيما قلته ، ليتضح الفرق أو عدمه .

وإذا عرفت هذا يظهر لك أنّ ما قيل من أنّ البول والغائط إذا خرجا من غير السبيلين نقضا مطلقاً (٣) . لا يخلو من تأمّل عند من يعمل بالأخبار ، أمّا مثل ابن إدريس كما نقل عنه القول بذلك (٤) ، فيمكن توجيه كلامه ، نظراً إلىٰ إطلاق الآية ، وإن أمكن المناقشة أيضاً باحتمال انصراف المطلق إلىٰ الفرد الشائع .

وكذلك ما نقل عن الشيخ في المبسوط والخلاف ـ من الفرق بين ما يخرج من تحت المعدة وما يخرج من فوقها ، فإنّه حكم بأنّ ما يخرج من تحت المعدة ينقض وإن لم يكن معتاداً (٥) ـ محل كلام ، وتوجيه بعض محققي المتأخّرين (٦) لكلام الشيخ حق ، إلّا أنّه لا بد من نوع تقييد بما أشرنا‌

__________________

(١) خلاصة العلّامة : ٢٧٥ .

(٢) في « رض » : وكتابه .

(٣) التذكرة ١ : ١٠ .

(٤) نقله عنه العلّامة في المختلف ١ : ٩٧ ، وهو في السرائر ١ : ١٠٦ .

(٥) نقله عنه المحقق في المعتبر ١ : ١٠٦ ، وهو في المبسوط ١ : ٢٧ ، والخلاف ١ : ١١٥ .

(٦) كالشيخ البهائي في الحبل المتين : ٢٩ .


إليه ، وقد ذكرنا جميع ذلك في موضعه ممّا قدمنا إليه الإشارة ، والله تعالىٰ أعلم بحقائق الاُمور .

اللغة :

قال في المغرب : الناصور ، قرحة غائرة قلّما تندمل (١) .

قال :

وأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن الحسن أخيه ، عن زرعة ، عن سماعة قال : سألته عمّا ينقض الوضوء ، قال : « الحدث تسمع صوته او تجد ريحه ، والقرقرة في البطن ، إلّا شيئاً (٢) تبصر عليه ، والضحك في الصلاة ، والقي‌ء » .

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله علىٰ ضرب من الاستحباب ، أو علىٰ الضحك الذي لا يملك معه نفسه ، ولا يأمن أن يكون قد أحدث .

والذي يدل علىٰ ذلك :

ما رواه الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن رهط سمعوه يقول : « إنّ التبسم في الصلاة لا ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء ، إنّما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة » . قوله عليه‌السلام : « إنّما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة » ( راجع إلىٰ الصلاة دون الوضوء ألا ترىٰ أنّه قال : « يقطع الضحك الذي فيه القهقهة » ) (٣) والقطع لا يقال إلّا في الصلاة ،

__________________

(١) المغرب ٢ : ٢١٣ ( نص ) .

(٢) في النسخ : إلّا شي‌ء ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٨٦ / ٢٧٣ .

(٣) ما بين القوسين ساقطة من « فض » .


لأنه لم تجر العادة أن يقال : انقطع الوضوء ، وإنّما يقال : انقطعت الصلاة ، ويحتمل أن يكون الخبران وردا مورد التقية ، لأنّهما موافقان لمذاهب (١) العامّة .

السند :

في الأوّل : موثّق ، وقد تقدّم (٢) .

والثاني : مرسل ، وكونه من ابن أبي عمير سبق القول فيه (٣) ، وتأييد العمل به لأنّه عن رهط محل كلام .

المتن :

في الأوّل : قد ذكرنا ما فيه عن قريب ، والاحتمال المذكور من الشيخ أنّه محمول علىٰ الضحك الذي لا يملك معه نفسه ولا يأمن أن يكون قد أحدث ، غير تام ؛ لأنّ احتمال الحدث لا ينقض الطهارة ، ولو أراد ذهاب العقل ، ففيه ـ مع البعد ـ أنّ احتمال الحدث لا وجه له ، إذ مجرد زوال العقل كاف عند الأصحاب .

ثم إنّ الحمل علىٰ الاستحباب قد يشكل ، بأنّ ذكر الضحك مع الحدث يقتضي المشاركة في الاستحباب ، وعدم تماميته واضح ، واختصاص الاستحباب ببعض ما تضمنه الخبر بعيد ، فكان الحمل علىٰ التقية متعيّناً .

أمّا الخبر الثاني : فتوجيه الشيخ فيه له وجه ، أمّا رجوعه إلىٰ الحمل

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٨٦ / ٢٧٤ زيادة : بعض .

(٢) راجع ج ١ : ٣٥٦ .

(٣) راجع ج ١ : ١٠٢ ـ ١٠٣ .


علىٰ التقية بعد جعله دالّاً علىٰ عدم نقض الوضوء فقد ينكر إلّا أنّ التوجيه ليس بالبعيد ، فيقال علىٰ تقدير الدلالة هو محمول علىٰ التقية ، وقد عرفت ممّا تقدم النقل عن ابن الجنيد (١) واحتجاجه بالخبر الأوّل .

وتخيل صلاحية الاستدلال بهذا الخبر المرسل نظراً إلىٰ المفهوم ، أو لأنّ القطع يتناول ، مدفوع بأدنىٰ ملاحظة في المفهوم ، وبما قاله الشيخ في القطع ، ولو ذكر الشيخ رواية زرارة السابق نقلها منّا ، كان أولىٰ في حسم مادّة الاحتمال .

اللغة :

قال في القاموس : القهقهة ، هي الترجيع في الضحك ، أو شدة الضحك (٢) . . وفي الصحاح : القهقهة في الضحك معروف ، وهو أن يقول : قه قه (٣) .

قال :

باب إنشاد الشعر‌

أخبرني الشيخ قدس‌سره عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد ابن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن علي بن الحكم ، عن معاوية بن ميسرة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن إنشاد الشعر ، هل ينقض الوضوء ؟ قال : « لا » .

__________________

(١) راجع ص ٣٠ .

(٢) القاموس المحيط ٤ : ٢٩٣ ( قهقه ) .

(٣) الصحاح ٦ : ٢٢٤٦ ( قهقه ) .


فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن أخيه الحسن ، عن زرعة ، عن (١) سماعة قال : سألته عن نشد (٢) الشعر هل ينقض الوضوء ، أو ظلم الرجل صاحبه ، أو الكذب ؟ فقال : « نعم : إلّا أن يكون شعراً يصدق فيه ، أو يكون يسيراً من الشعر الأبيات الثلاثة والاربعة ، فأمّا إن يكثر من الشعر الباطل فهو ينقض الوضوء » .

فيحتمل الخبر وجهين : أحدهما : أن يكون تصحّف (٣) علىٰ الراوي ، فيكون (٤) روي بالصاد غير المعجمة دون الضاد المنقطة ، لأنّ ذلك ممّا ينقص ثواب الوضوء . والثاني : أن يكون محمولاً علىٰ الاستحباب .

السند‌ :

في الأوّل : معاوية بن ميسرة وهو مهمل في الرجال (٥) .

والثاني : موثّق .

المتن :

علىٰ تقدير تساوي الخبرين في العمل يمكن حمل المطلق علىٰ المقيد ، إذ الثاني مقيّد ، غير أنّ الشيخ كما ترىٰ ذكر في التوجيه أمرين ، وأوّلهما غير واضح ، لأنّ الراوي إن نقل من الكتابة غير خط الإمام عليه‌السلام

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٨٧ / ٢٧٦ : بن بدل : عن .

(٢) في نسخة من الاستبصار ١ : ٨٧ / ٢٧٦ : إنشاء .

(٣) في « رض » : تصحيف .

(٤) في الاستبصار ١ : ٨٧ / ٢٧٦ يوجد : قد .

(٥) رجال النجاشي : ٤١٠ / ١٠٩٣ .


أمكن التصحيف ، إلّا أنّ الظاهر السماع من الإمام ، فلا مجال لتصحيف الراوي الأوّل ، وإن كان من الراوي الذي نقل عن الراوي عنه عليه‌السلام من خطه أمكن ، لكنه غير متعين ، لجواز أن يكون من غيره كما لا يخفىٰ .

وأمّا الحمل علىٰ الاستحباب ، فيحتاج ترجيحه علىٰ ما قدمناه ـ من إمكان حمل المطلق علىٰ المقيد ـ إلىٰ ثبوت أنّ الكذب غير ناقض مطلقاً ، وكأنّه للإجماع وظاهر الأخبار الدالة علىٰ النواقض ، وأنت خبير بأنّ الأخبار لا يخلو من كلام ، فالاعتماد علىٰ الإجماع أولىٰ ، هذا كله علىٰ تقدير العمل بالخبر الموثق ، وبدونه فالأمر سهل .

قال :

باب القُبلة ومسّ الفرج‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد ابن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ابن أيوب ومحمد بن أبي عمير ، عن جميل بن دراج وحماد بن عثمان ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « ليس في القُبلة ولا في المباشرة ولا مسّ الفرج وضوء » .

وبهذا الإسناد : عن الحسين بن سعيد ، عن أحمد بن محمد ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي مريم قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ، ما تقول في الرجل يتوضّأ ثم يدعو جاريته فتأخذ بيده حتىٰ ينتهي إلىٰ المسجد فإنّ من عندنا يزعمون أنّه (١) الملامسة ؟ فقال : « لا والله ما بذلك بأس ،

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٨٧ / ٢٧٨ : أنّها .


وربما فعلته ، وما يعني بهذا : ( أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ) إلّا المواقعة في الفرج » .

وبهذا الإسناد : عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القُبلة تنقض الوضوء ؟ قال « لا بأس » .

السند :

في الأوّل : واضح .

والثاني : أحمد بن محمد فيه هو ابن أبي نصر علىٰ الظاهر ، لأنّه الراوي عن أبان بن عثمان في الفهرست (١) ؛ وأبو مريم هو الأنصاري الثقة ، واسمه عبد الغفار .

والثالث : واضح .

المتن :

ظاهر الأوّل عدم الوضوء من القُبلة والمباشرة ومسّ الفرج ، وبه يندفع قول ابن الجنيد علىٰ ما حكاه عنه العلّامة في المختلف ، من أنّ من قبّل بشهوة الجماع ولذة في المحرّم نقض الطهارة ، والاحتياط إذا كان في محلّل إعادة الوضوء (٢) ، واحتجاجه علىٰ ما حكاه العلّامة برواية أبي بصير الآتية غير ظاهر الدلالة علىٰ مطلوبه ، ولو دلّ لم يصلح للاعتماد عليه ، وسيأتي جواب العلّامة عنه عند ذكر الرواية .

__________________

(١) الفهرست : ١٨ / ٥٢ .

(٢) المختلف ١ : ٩٢ .


وبالخبر أيضاً يندفع ما ينقل عن ابن الجنيد أنّه قال : ومسّ ظاهر الفرج من الغير إذا كان بشهوة فيه الطهارة واجبة في المحرّم والمحلّل احتياطاً ، ومسّ باطن الفرجين من الغير ناقض للطهارة من المحلّل والمحرّم (١) ، واحتجاج العلّامة له برواية أبي بصير الآتية (٢) فيه ما قدمناه .

وأمّا الخبر الثاني فواضح الدلالة ، وفي التهذيب : « إلّا المواقعة دون الفرج » (٣) وما هنا أوضح ، وعبارة الحديث في التهذيب لا تخلو من خفاء ، وأظنّ أنّ المراد بها دون إرادة لمس الفرج ، وتفسيرها بغير ذلك ليس بواضح ، وربما يستفاد من الخبر علىٰ تقدير ما هنا أنّ المواقعة في الدبر بدون إنزال لا يوجب الغسل ، إلّا أنّ فيه كلاماً .

وأمّا قوله عليه‌السلام في الخبر الثالث : « لا بأس » ففيه احتمالات :

أحدها : أنّه لا بأس بعدم الوضوء ، وفيه : أنّ المسؤول عنه نقض الوضوء والجواب لا يطابقه حينئذ ، إلّا أن يقال : إنّ نفي البأس لا يوافقه إلّا هذا ، وفيه ما فيه مما يذكر بعد .

وثانيها : أنّه لا بأس بالنقض ، ويكون فائدة نفي البأس إرادة الاستحباب فيدل علىٰ أنّها لا تنقض ولكن يستحب الوضوء ، وعلىٰ هذين الاحتمالين يتم مطلوب الشيخ .

وثالثها : أن يراد لا بأس بنقض الوضوء علىٰ سبيل اللزوم ، وفيه بُعد ظاهر .

ورابعها : أن يكون الجواب مجملاً للتقية ، فيحمله كل من المخالف

__________________

(١) المختلف ١ : ٩١ .

(٢) يأتي في ص ٤٩ ـ ٥٠ .

(٣) التهذيب ١ : ٢٢ / ٥٥ ، الوسائل ١ : ٢٧١ أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ٤ .


والمؤالف على (١) مذهبه ، غير أنّه لا يصلح للاستدلال علىٰ عدم النقض ، كما يظهر من الشيخ والعلّامة في المختلف حيث استدل به علىٰ عدم نقض القُبلة (٢) ، والحال ما ترىٰ .

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن صفوان (٣) ، عن عثمان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا قبّل الرجل المرأة من شهوة ، أو مسّ فرجها أعاد الوضوء » .

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله علىٰ ضرب من الاستحباب ، أو علىٰ أنّه يغسل يده ، وذلك يسمىٰ وضوءاً علىٰ ما تقدم القول فيه .

والذي يدل علىٰ هذا التأويل :

ما رواه الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن أبان بن عثمان ، عن (٤) عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل مسّ فرج امرأته قال : « ليس عليه شي‌ء وإن شاء غسل يده ، والقُبلة لا يتوضّأ منها » .

الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن الرجل يعبث بذكره في الصلاة المكتوبة فقال : « لا بأس » .

__________________

(١) في « فض » زيادة : ما .

(٢) المختلف ١ : ٩٣ .

(٣) في الاستبصار ١ : ٨٨ / ٢٨٠ لا يوجد : عن صفوان .

(٤) في « فض » والاستبصار ١ : ٨٨ / ٢٨١ : بن ، بدل : عن .


عنه ، عن أخيه (١) ، عن زرعة ، عن سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن الرجل يمسّ ذكره ، أو فرجه ، أو أسفل من ذلك ، وهو قائم يصلي ( يعيد وضوءه ؟ قال ) (٢) : « لا بأس بذلك إنّما هو من جسده » .

السند‌ :

في الأوّل معلوم ؛ وكذا الثاني بالقاسم بن محمد الجوهري ؛ والثالث معتبر ؛ والرابع موثّق (٣) .

المتن :

ما ذكره الشيخ في الأوّل من الاستحباب له وجه (٤) ، وقد ذكرنا سابقاً أنّ العلّامة في المختلف جعله دليلاً لابن الجنيد ، وهو غير دال علىٰ جميع (٥) مطلوبه ، وأجاب عنه بقصور السند (٦) وما ذكره الشيخ من غَسل اليد .

وأنت خبير بأنّ الحمل علىٰ غَسل اليد يتم في مسّ الفرج ، والرواية كما ترىٰ وقع الجواب بالوضوء عن الأمرين : القُبلة والمسّ ، فالحمل لا يخفىٰ ما فيه ، وما ذكره من الخبر الدال علىٰ غَسل اليد صحيح ظاهر الدلالة ، إلّا أنّه خاص واضح الدلالة علىٰ أنّ القُبلة لا يُتوضّأ منها ، وحمل

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٨٨ / ٢٨٣ : عن أخيه الحسن .

(٢) في الاستبصار ١ : ٨٨ / ٢٨٣ : أيعيد وضوءه ؟ فقال .

(٣) « د » : معتبر .

(٤) في « رض » : وجوه .

(٥) ليس في « رض » .

(٦) المختلف ١ : ٩٢ ، ٩٣ .


الوضوء علىٰ غَسل اليد لا وجه له ، بل هو قرينة علىٰ أنّ الوضوء في الأوّل علىٰ الاستحباب محمول .

وأمّا الخبر الثالث (١) فواضح الدلالة .

وقول السائل في الخبر الرابع : أو فرجه ، يحتمل أن يريد به المخرج ، واحتمال الدبر لا يخفىٰ ما فيه (٢) .

وفي الحديث بتقدير ( العمل به دلالة بتقدير ) (٣) الاحتمال الأوّل بإطلاقه علىٰ ردّ ما ينقل عن ابن بابويه أنّه قال : مسّ باطن الدبر والإحليل ناقض للوضوء (٤) . وكذا ما ينقل عن ابن الجنيد ، من أنّ مسّ ما انضم إليه الثقبان ينقض الوضوء (٥) .

وعلىٰ تقدير عدم العمل بالخبر فيمكن دفع قولهما بالأخبار الدالة علىٰ الحصر ، والأخبار الدالة علىٰ النقض بغير ما نحن فيه ، فيبقىٰ إثبات النقض به موقوفاً علىٰ الدليل ، وسيأتي القول فيما استدل به القائلون .

فإن قلت : الأخبار الدالة علىٰ الحصر لا ريب أنّ الحصر فيها إضافي فلا ينافي نقض غيرها ، والأخبار الدالة علىٰ نقض غير ما تضمنه الحصر لا يدل علىٰ الحصر ، وحينئذ يمكن الاستدلال بأنّ الآية الشريفة تضمّنت وجوب الوضوء علىٰ كل من أراد القيام إلىٰ الصلاة ، فإذا خرج المتطهّر بلا خلاف بقي ما عداه ، ومن جملته ما فيه الخلاف ، وهو ما نحن فيه .

قلت : لما ذكرت وجه ، إلّا أنّه من المقرر أنّ الخطاب في الآية

__________________

(١) في « رض » : الثاني .

(٢) في « فض » يوجد : بتقدير العمل به .

(٣) ما بين القوسين ليس في « فض » .

(٤ و ٥) حكاه عنهما في المختلف ١ : ٩١ ، وهو في الفقيه ١ : ٣٩ ذيل الحديث ١٤٨ .


للمحدثين ، وكون المبحوث عنه من المحدثين ، محل كلام ، وإن كان في هذا بحث حررناه في محله .

ثم إنّ في رواية زرارة المتقدمة من قوله عليه‌السلام : « ولا مسّ الفرج » (١) دلالة علىٰ نفي الوضوء ، إذ الفرج يتناول الذكر علىٰ ما يظهر من شيخنا قدس‌سره والعلّامة في المختلف (٢) وإن أمكن المناقشة في ذلك وإدعاء عدم صراحة كلامهما أيضاً ، وبالجملة لا خروج عن المشهور .

قال :

فأمّا ما رواه محمد بن أحمد بن يحيىٰ عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن موسىٰ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سئل عن الرجل يتوضّأ ثم يمس باطن دبره ، قال : « نقض وضوءه ، وإن مسّ باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء ، وإن كان في الصلاة قطع الصلاة ويتوضّأ ويعيد الصلاة ، وإن فتح إحليله أعاد الوضوء وأعاد الصلاة » .

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله علىٰ أنّه إذا صادف هناك شيئاً من النجاسة ، فإنّه يجب عليه حينئذ إعادة الوضوء والصلاة ، ومتىٰ لم يصادف شيئاً من ذلك لم يكن عليه شي‌ء حسب ما قدمناه .

السند‌ :

موثق .

__________________

(١) راجع ص ٤١ .

(٢) مدارك الأحكام ١ : ١٥٣ و ١٥٤ ، المختلف ١ : ٩١ و ٩٢ .


المتن :

قد ذكره العلّامة في المختلف دليلاً لابن بابويه وابن الجنيد ، مع رواية أبي بصير السابقة (١) .

وقد قلنا : إنّ رواية أبي بصير غير وافية بقول ابن الجنيد ؛ وهذه الرواية أيضاً كذلك ، ودلالتها علىٰ قول ابن بابويه ظاهرة ، والعامل بالموثق في الظن أنّه [ مستبعد منه إنكار ] (٢) القول بذلك ، لأنّ الأخبار الدالة علىٰ الحصر غير وافية بردّ مدلول هذا الخبر ، لما قدمناه من أنّه إضافي ، وما دل علىٰ مسّ الفرج بتقدير الاحتمال السابق ، فيه : أنّ هذا الخبر ظاهر والاحتمال المقدم مرجوح ، إذ المتبادر من الفرج غير ما ذكر .

وما استدل به العلّامة ، مع ما أشرنا إليه من رواية ابن أبي عمير ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام وسيأتي ، حيث قال فيه : « ليس في المذي من الشهوة ولا من الإنعاظ ولا من القُبلة ولا من مسّ الفرج ولا من المضاجعة وضوء ، ولا يغسل منه الثوب » (٣) فيه نظر واضح .

لأنّ الظاهر من الرواية أنّ المذي الحاصل من المذكورات ليس فيه وضوء ، بقرينة قوله عليه‌السلام أخيراً : « ولا يغسل منه الثوب » وعلىٰ تقدير عدم الظهور فالاحتمال كاف في ردّ الاستدلال ، مضافاً إلىٰ ما ذكرناه من أنّ الفرج لا يتبادر منه الذكر ، ويبقىٰ مع القائل بالنقض الآية الشريفة مؤيدة .

__________________

(١) المختلف ١ : ٩٢ .

(٢) في « فض » : ليستبعد منه والانكار ، وفي « رض » : مستبعد منه الانكار ، وفي « د » مستبعد منه لإنكار ، والظاهر ما أثبتناه .

(٣) الاستبصار ١ : ٩٣ / ٣٠٠ ، الوسائل ١ : ٢٧٠ أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ٢ .


ومن هنا يعلم أنّ ما أجاب به العلّامة عن حجة ابن بابويه وابن الجنيد ؛ من الحمل علىٰ الاستحباب (١) ، لأن ما ذكرناه ـ يعني به الأخبار التي أشرنا إليها ـ يدل علىٰ نفي الوجوب ، فلو لم يحمل الأمر هنا علىٰ الاستحباب لزم الجمع بين الضدين ؛ محل بحث علىٰ تقدير العمل بالموثق ، فليتأمّل في هذا حق التأمّل .

وإذا عرفت حقيقة الحال فما ذكره الشيخ في توجيه الخبر لا يخفىٰ ما فيه من البُعد ، ولو حمل علىٰ التقية أمكن ، والاستحباب ربما أمكن أيضا ، إلّا أن فيه ما فيه .

قال :

باب مصافحة الكافر ومسّ الكلب‌

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن أبي عبد الله الرازي ، عن الحسن ابن علي بن أبي حمزة ، عن سيف بن عميرة ، عن عيسىٰ بن عمر (٢) مولىٰ الأنصار ، أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يحل له أن يصافح المجوسي (٣) ؟ قال (٤) : « لا » فسأله أيتوضّأ (٥) إذا صافحهم ؟ فقال : « نعم ، إنّ مصافحتهم تنقض الوضوء » .

__________________

(١) المختلف ١ : ٩٢ .

(٢) في نسخة من الاستبصار ١ : ٨٩ / ٢٨٥ : عمرو .

(٣) في « رض » : المجوس .

(٤) في الاستبصار ١ : ٨٩ / ٢٨٥ : فقال .

(٥) في الاستبصار ١ : ٨٩ / ٢٨٥ : هل يتوضأ .


قال (١) أبو جعفر (٢) : الوجه في هذا الخبر أن نحمله علىٰ غَسل اليد ، لأنّ ذلك يسمىٰ وضوءاً علىٰ ما بيّناه ، وإنّما يجب ذلك لكونهم أنجاساً ، وإنّما قلنا ذلك لإجماع الطائفة علىٰ أنّ ذلك لا يوجب نقض الوضوء ، وأيضاً فقد قدّمنا الأخبار التي تضمنت أنّه لا ينقض الوضوء إلّا ما خرج من السبيلين أو النوم ، وهي محمولة علىٰ عمومها ، لا يجوز تخصيصها لأجل هذا الخبر الشاذ .

السند‌ :

فيه أبو عبد الله الرازي وهو الجاموراني ، ولم يوثّقه أصحاب الرجال ولا مدحوه ، بل قيل إنّه ضعيف (٣) ؛ والحسن بن علي بن أبي حمزة ، قيل : إنّه واقفي ورمي بالكذب (٤) ؛ وعيسىٰ بن عمر مجهول الحال لإهماله في الرجال (٥) ، والذي في رجال الصادق والباقر عليهما‌السلام من كتاب الشيخ عيسىٰ ابن عمرو مولىٰ الأنصار (٦) ، والأمر سهل .

المتن :

ما قاله الشيخ فيه بعيد عن ظاهر اللفظ ، لأنّ نقض الوضوء لا يفيد ذلك ، ولعلّ الحمل علىٰ الاستحباب أولىٰ .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٨٩ / ٢٨٥ يوجد : الشيخ .

(٢) في نسخة من الاستبصار ١ : ٨٩ / ٢٨٥ زيادة : محمد بن الحسن .

(٣) كما في خلاصة العلّامة : ٢٦٨ / ٢٦ .

(٤) انظر رجالَيْ النجاشي : ٣٦ والكشي ٢ : ٨٢٧ .

(٥) رجال الطوسي : ٢٥٨ / ٥٧٥ .

(٦) رجال الطوسي : ٢٥٨ / ٥٧٥ و ١٣٠ / ٤٨ .


وقول الشيخ : إنّ إجماع الطائفة علىٰ أنّ ذلك لا يوجب نقض الوضوء . لا يقتضي الحصر في الحمل علىٰ غَسل اليد ، بل الاستحباب ممكن ، والأخبار التي أشار إليها قد قدّمنا القول فيها .

ثم إنّ ظاهر كلام الشيخ يعطي حمل الرواية علىٰ غَسل اليد ، سواء كانت المصافحة برطوبة أو لا ، وهذا الحكم غير معلوم القائل ، سوىٰ الشيخ هنا ، والعلّامة في المختلف حكىٰ عن ابن حمزة إيجاب رشّ الثوب من ملاقاة الكافر باليبوسة (١) ، ولم ينقل غير ذلك .

والشيخ رحمه‌الله روىٰ في الصحيح ، عن عبيد الله بن علي الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن الصلاة في ثوب المجوسي ، فقال : « يرشّ بالماء » (٢) .

وروىٰ أيضاً في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عنه عليه‌السلام ، في الثياب السابرية يعملها المجوسي ، ألبسها ولا أغسلها وأصلّي فيها ؟ قال : « نعم » (٣) .

ولا يبعد أن يكون مراد الشيخ هنا مع الرطوبة ، علىٰ أنّ قوله في آخر الكلام : إنّ الخبر شاذ ، يدل علىٰ عدم العمل به .

قال :

فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسىٰ ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير ، عن

__________________

(١) المختلف ١ : ٣٣٤ ، وهو في الوسيلة : ٧٧ .

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٢ / ١٤٩٨ ، الوسائل ٣ : ٥١٩ أبواب النجاسات ب ٧٣ ح ٣ .

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٢ / ١٤٩٧ ، الوسائل ٣ : ٥١٨ أبواب النجاسات ب ٧٣ ح ١ .


أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من مسّ كلباً فليتوضّأ » .

فالكلام في هذا الخبر كالكلام علىٰ الخبر الأوّل ، من حمله علىٰ غَسل اليد ، للإجماع الذي ذكرناه والأخبار التي قدّمناها ، وأيضاً :

فقد روىٰ الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن محمد ابن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن الكلب يصيب شيئاً من جسد الرجل ، قال : « يغسل المكان الذي أصابه » .

السند‌ :

في الأوّل والأخير معلوم بالردّ والقبول .

المتن :

ما ذكره الشيخ في الأوّل له وجه وجيه ، والفرق بين الأوّل وهذا واضح ، كما قدّمنا إليه الإشارة .

ثم إنّ إطلاق الشيخ الغَسل تبعاً للرواية لعلّه محمول علىٰ الرطوبة ، إذ المنقول عن الشيخ في المبسوط أنّه قال : كل نجاسة أصابت الثوب وكانت يابسة لا يجب غَسلها ، إنّما يستحب نضح الثوب (١) ، والفرق بين الثوب واليد محتمل ، إلّا أنّي لا أعلم الفارق .

وفي النهاية للشيخ : إذا أصاب ثوب الإنسان كلب ، أو خنزير ، أو ثعلب ، أو أرنب ، أو فأرة ، أو وزغة ، وكان يابساً وجب أن يرشّ الموضع بعينه ، فإن لم يتعين رشّ الثوب كله (٢) .

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٨ .

(٢) النهاية : ٥٢ .


والمفيد في المقنعة قال : إذا مسّ ثوب الإنسان كلب ، أو خنزير ، وكانا يابسين فليرشّ موضع مسهما منه بالماء (١) .

وقد يحتمل أن يريد الشيخ استحباب غَسل اليد مع اليبوسة (٢) ، وعليه يحمل الخبر الأخير ، نظراً إلىٰ إطلاقه ، ولو حمل علىٰ الرطوبة كان بعيداً عن ظاهره .

ونقل في المختلف عن ابن حمزة إيجاب مسح البدن بالتراب إذا أصابه الكلب أو الخنزير (٣) .

والشيخ في النهاية قال : وإن مسّ الإنسان بيده كلباً ، أو خنزيراً ، أو ثعلباً ، أو أرنباً ، أو فأرة أو وزغة ، أو صافح ذمياً معلناً بعداوة آل محمد عليهم‌السلام وجب غَسل يده إن كان رطباً ، وإن كان يابساً مسّه بالتراب (٤) .

وفي المنتهىٰ قال العلّامة بعد ذكر وجوب الغسل : أمّا مسح الجسد فشي‌ء ذكره بعض الأصحاب ولم يثبت (٥) .

قال :

باب الريح يجدها الإنسان في بطنه‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن علي ، عن أحمد بن هلال ، عن محمد بن الوليد ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي

__________________

(١) المقنعة : ٧٠ .

(٢) في « رض » : الثوب .

(٣) المختلف ١ : ٣٣٤ ، وهو في الوسيلة : ٧٧ .

(٤) النهاية : ٥٢ .

(٥) المنتهىٰ ١ : ١٧٧ .


عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : أجد الريح في بطني حتىٰ أظن أنّها قد خرجت ، فقال : « ليس عليك وضوء حتىٰ تسمع الصوت أو تجد الريح » ثم قال : « إنّ إبليس يجي‌ء فيجلس بين أليتي الرجل فيفسو ليشكّكه » .

الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن معاوية بن عمار ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إنّ الشيطان ينفخ في دبر الإنسان حتىٰ يخيل إليه أنّه قد خرجت منه ريح ، فلا ينقض وضوءه إلّا ريح يسمعها أو يجد ريحها » .

السند :

في الأوّل : أحمد بن هلال ، والشيخ قد ضعّفه وبالغ فيه (١) .

والحسن بن علي الراوي عنه ، ذكر شيخنا المحقّق ـ سلّمه الله ـ في فوائده علىٰ الكتاب ما هذا لفظه : قيل : هو ابن فضّال ، وفيه نظر ، فإنّ ابن فضّال يروي سعد كتبه ورواياته بواسطة أحمد بن محمد ومحمد بن الحسين وبنان (٢) بن محمّد ونحوهم ، نعم : يحتمل الزيتوني الأشعري ، إذ يروي عنه محمد بن يحيىٰ ، وهو في مرتبة سعد ، والحسن بن علي بن النعمان ، إذ (٣) روىٰ عنه الصفار ، وغير ذلك . انتهىٰ . والأمر كما قال .

ومحمد بن الوليد مشترك بين ضعيف ومن فيه كلام (٤) .

__________________

(١) الفهرست : ٣٦ / ٩٧ .

(٢) في « رض » : وبيان .

(٣) في « رض » : إذا .

(٤) هداية المحدثين : ٢٥٧ .


وفي الثاني : لا ريب فيه بعد ما قدّمناه .

المتن :

في الخبرين ظاهر الدلالة .

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن أخيه الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة قال : سألته عما ينقض الوضوء ، قال : « الحدث تسمع صوته أو تجد ريحه ، والقرقرة في البطن إلّا شيئاً (١) تصبر عليه و (٢) الضحك في الصلاة والقي‌ء » .

وقد تكلّمنا علىٰ هذا الخبر فيما تقدم وقلنا : الوجه فيه أن نحمله علىٰ حال لا يملك الإنسان فيها نفسه ليعلم (٣) ما يكون منه ، ويجوز أن نحمله أيضاً علىٰ الاستحباب .

السند :

قد تقدم .

والمتن :

كذلك ، إلّا أنّ الشيخ رحمه‌الله كلامه غير واف بالمطلوب ، لأنّ المتقدم

__________________

(١) في النسخ : شي‌ء ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٩٠ / ٢٩٠ .

(٢) في الاستبصار ١ : ٩٠ / ٢٩٠ : أو .

(٣) كذا في النسخ ، وفي الاستبصار ١ : ٩١ / ٢٩٠ : فيعلم .


منه ـ علىٰ ما ذكره هنا ـ في الضحك ، والمعارضة في المقام إنّما هي من حيث إنّه ذكر القرقرة ، ولا مناسبة لما سبق منه للتوجيه .

نعم تقدم منه سابقاً علىٰ ما ذكره أنّ الخبر محمول علىٰ التقية ، والمتبادر من ذلك وإن كان من جهة الضحك والقي‌ء ، إلّا أنّه محتمل للشمول للقرقرة ، غير أنّه موقوف علىٰ العلم بمذهب أهل الخلاف .

أمّا ما ذكره من الاستحباب هنا فيمكن تناوله للقرقرة وإن كان فيه إشكال قد قدمناه فينبغي مراجعته ، وبالجملة فالشيخ لا يخلو كلامه هنا من غرابة .

قال :

باب حكم المذي والوذي‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن عبد الله بن بكير ، عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المذي فقال : « ما هو عندي إلّا كالنخامة (١) » .

عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ والحسين بن الحسن بن أبان جميعاً ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن المذي ؟ فقال : « إنّ علياً عليه‌السلام كان رجلاً مذّاءً فاستحيىٰ أن يسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمكان فاطمة عليها‌السلام ، فأمر المقداد أن يسأله وهو

__________________

(١) النخامة بالضم : النخاعة ، يقال تنخم الرجل اذا تنخع ، والنخاعة : ما يخرجه الإنسان من حلقه من مخرج الخاء ـ مجمع البحرين ٦ : ١٧٤ ( نَخمَ ) .


جالس ، فسأله ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس بشي‌ء » .

وبهذا الإسناد ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اُذينة ، عن زيد الشحّام ، قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المذي لا ينقض (١) الوضوء ؟ قال : « لا ، ولا يغسل منه الثوب ولا الجسد ، إنّما هو بمنزلة البزاق والمخاط » .

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد ابن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلّىٰ بن محمد ، عن الوشّاء ، عن أبان ، عن عنبسة قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ، يقول : « كان عليّ عليه‌السلام لا يرىٰ في المذي وضوءاً ولا غَسل (٢) ما أصاب الثوب منه إلّا في الماء الأكبر » .

السند :

في الأوّل : عمر بن حنظلة وهو غير معلوم الحال ، إذ لم يزد ذكره في الرجال علىٰ الإهمال (٣) ، وما ذكره جدي قدس‌سره في الدراية أظنّه توهّماً من حديث غير سليم السند ولا واضح الدلالة علىٰ التوثيق (٤) .

وفي الثاني : موثق ، والحسين بن الحسن بن أبان فيه معطوف علىٰ الصفار ، فيكون « جميعاً » له ولأحمد بن محمد بن عيسىٰ .

والثالث : فيه محمد بن عيسىٰ الأشعري ، ولم يوثقه أصحاب‌

__________________

(١) في نسخة من الاستبصار ١ : ٩١ / ٢٩٣ : أينقض .

(٢) في « فض » و « د » : غسلاً .

(٣) رجال الشيخ : ١٣١ / ٦٤ و ٢٥١ / ٤٥١ .

(٤) الدراية : ٤٤ .


الرجال (١) ، وكونه شيخ القميين ووجه الأشاعرة لا يفيد التوثيق علىٰ ما أظن .

والرابع : فيه معلّىٰ بن محمد ، وهو مضطرب الحديث والمذهب علىٰ ما ذكره النجاشي (٢) ، وعنبسة مشترك بين مهملين وثقة (٣) ، ولا يبعد أن يكون الثقة وهو ابن بِجاد ، غير أنّ الفائدة في تعيينه منتفية هنا .

المتن :

ظاهر الدلالة في الجميع علىٰ أنّ المذي لا ينقض الوضوء ، وأنّه طاهر ، وما تضمنه الحديث الثالث من قوله عليه‌السلام : « لا » هو الموجود في النسخ التي رأيناها ، وأمره سهل .

وما قد يقال : إنّ سؤال علي عليه‌السلام يحتمل أن يكون من جهة الطهارة لا نقض الوضوء فلا يكون ظاهراً فيه .

جوابه أنّ قوله عليه‌السلام : « ليس بشي‌ء » يعمّ الوضوء وغيره ، واحتمال أنّه ليس بشي‌ء من جهة المسؤول عنه وهو النجاسة بعيد .

وما تضمنه الخبر الرابع من قوله : « ولا غَسل » (٤) بفتح الغين ، إلّا أنّ قوله : « ما أصاب الثوب » لا يخلو من شي‌ء ، وكأنّه نقل بالمعنىٰ ، وقوله : « إلّا في الماء الأكبر » حصر بالنسبة إلىٰ الماء وغَسل الثوب ، واحتمال العود إلىٰ الوضوء أيضاً ممكن ، ويراد بالوضوء الموجود في ضمن الغسل من الجنابة ، بمعنىٰ القائم مقامه ، لا الوضوء معه ، فإنّه منفي كما سيأتي إن شاء الله .

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٣٨ / ٩٠٥ .

(٢) رجال النجاشي : ٤١٨ / ١١١٧ .

(٣) هداية المحدثين : ١٢٥ .

(٤) في « د » : ولا غسلاً .


وربما يستفاد من الخبر الثاني أنّ خبر الواحد لا يعوّل عليه ، لأنّ علياً عليه‌السلام أمر المقداد أن يسأل وهو جالس ، إلّا أن يقال : إنّ الإمام عليه‌السلام حكمه خاص باتباع اليقين .

وقد ذكر ( ابن الأثير في كتاب إحكام الأحكام ) (١) هذا الخبر علىٰ وجه مغاير لما هنا ، وصورته : عن عليّ بن أبي طالب قال : « أرسلنا المقداد بن الأسود إلىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسأله عن المذي يخرج من الإنسان كيف يفعل به ؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : توضّأ وانضح فرجك » .

قال ابن الأثير : وقد تُمسّك به في قبول خبر الواحد ، واعترض عليه بأنّه إثبات للشي‌ء بنفسه ، وهو محال ، وأجاب ابن الأثير بجواز أن يكون المقداد سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فسمع عليّ عليه‌السلام الجواب ، انتهىٰ .

والمقصود ( من ذكر ذلك ) (٢) هنا أنّ الخبر الآتي المتضمن لما يخالف هذا يقرب الحمل فيه علىٰ التقية بسبب ما نقلناه لولا ما يأتي من قول ابن بزيع ، قلت : فإن لم أتوضّأ ؟ قال : « لا بأس » كما ستسمع القول فيه إن شاء الله تعالىٰ .

أمّا ما عساه يقال : ـ إن استحياء عليّ عليه‌السلام لمكان فاطمة عليها‌السلام يندفع بإجمال السؤال ـ ففيه أن الخبر لو صح اندفع السؤال كما لا يخفىٰ .

اللغة :

قال ابن الأثير (٣) : المذي مفتوح الميم ساكن الذال المعجمة مخفف

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « د » : بعض محققي العامة في كتاب إحكام الأحكام في شرح أحاديث سيّد الأنام نحو .

(٢) في « د » : هو ذكر هذا الخبر .

(٣) في « د » : قال بعض شراح صحيح مسلم .


الياء هو المشهور ، وقيل فيه لغة اُخرىٰ وهي كسر الذال وتشديد الياء ، وهو الماء الذي يخرج من الذكر عند الإنعاظ ، قال : وفي الحديث من قول عليّ : « كنت رجلاً مذّاءً » صيغة مبالغة علىٰ زنة فعّال من المذي ، يقال : مذىٰ يمذي وأمذىٰ يمذي ، وقوله : ـ يعني علياً عليه‌السلام ـ « فاستحييت » : هي اللغة الفصيحة .

قال :

فأمّا ما رواه أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن محمد ( بن إسماعيل ) (١) بن بزيع ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن المذي فأمرني بالوضوء منه ثم عدت عليه في سنّة اُخرىٰ فأمرني بالوضوء فقال : « إنّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أمر المقداد بن الأسود أن يسأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واستحيىٰ أن يسأله فقال : فيه الوضوء » .

فهذا الخبر لا يعارض ما قدّمناه من الأخبار لأنّه خبر واحد ، وقد (٢) تضمن من قصة أمير المؤمنين عليه‌السلام وأمره المقداد بمسألة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وجوابه له ما ينافيه (٣) المعروف في هذه القصة ، وهو الذي تضمنته رواية إسحاق بن عمار وأنّه حين سأله قال له : « ليس بشي‌ء » علىٰ أنّه يحتمل أن يكون الراوي قد ترك بعض الخبر ، لأنّ محمد بن إسماعيل راوي هذا الخبر روىٰ هذه القصة بعينها ، فأنّه قال : أمرني بإعادة الوضوء ، قلت له : فإن لم أتوضّأ ، قال : « لا بأس » .

__________________

(١) ما بين القوسين اثبتناه من الاستبصار ١ : ٩٢ / ٢٩٥ .

(٢) في النسخ : ما . وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٩٢ / ٢٩٥ .

(٣) في الاستبصار ١ : ٩٢ / ٢٩٥ : ينافي .


روىٰ ذلك الحسين بن سعيد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن المذي ، فأمرني بالوضوء منه ، ثم أعدت عليه سنّة اُخرىٰ ، فأمرني بالوضوء منه ، وقال : « إنّ علياً عليه‌السلام أمر المقداد أن يسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واستحيىٰ أن يسأله ، فقال : فيه الوضوء » فقلت : وإن لم أتوضّأ ؟ فقال : « لا بأس » .

فجاء هذا الخبر مبيّناً مشروحاً دالّاً علىٰ أنّ الأمر بالوضوء منه إنّما كان لضرب من الاستحباب دون الإيجاب .

السند :

في الخبر الأوّل لا ارتياب فيه إلّا من جهة رواية أحمد عن ابن بزيع بغير واسطة ، وقد يظن استبعاده ، من حيث إنّ رواية الحسين بن سعيد عن ابن بزيع ، ومن جملة طرق الشيخ إلىٰ الحسين بن سعيد ما يرويه أحمد بن محمد عن الحسين (١) ، فتكون رواية أحمد عن ابن بزيع بواسطة ، ويدفعه أنّه لا مانع من رواية أحمد تارة بواسطة الحسين ، وتارة بعدمها .

وأمّا خبر إسحاق فقد تقدم القول فيه .

والخبر الأخير واضح السند .

المتن :

في الأوّل ظاهر الدلالة علىٰ الأمر بالوضوء من الإمام والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وما قاله الشيخ من أنّه خبر واحد ، يريد به خلوّه عن القرائن الموجبة

__________________

(١) مشيخة التهذيب ( التهذيب ١٠ ) : ٦٦ .


للعمل ، لكن الشيخ قد سبق منه : أنّه لا يطعن في الخبر من جهة السند إلّا إذا تعذّر التأويل ، والتأويل هنا مذكور ، غير أنّ الخبر (١) لا طعن فيه من جهة السند كما يعرف بالملاحظة ، نعم يشكل الحال بأنّ عدم حجّية الخبر يقتضي تركه من أوّل الأمر ، ولعلّ مراد الشيخ في أوّل الكتاب ما يتناول هذا الطعن بنوع من الاعتبار .

وما قاله رحمه‌الله من أنّ الخبر ينافي ما هو المعروف من القصة حقّ علىٰ تقدير العمل بخبر إسحاق بن عمار .

والاحتمال المذكور من أنّ الراوي قد ترك بعض الخبر ، ثم قول الشيخ بعد خبر محمد بن إسماعيل الأخير : إنّه جاء مبيّناً مشروحاً دالّا علىٰ أنّ الأمر بالوضوء إنّما كان لضرب من الاستحباب . في نظري القاصر أنّه غير تام ، لأنّ المطلوب بذلك إن كان دفع المنافاة للقصة المذكورة في خبر إسحاق فغير خفيّ أنّها غير مندفعة بل التنافي في القصة باق .

وإن كان المراد دفع التنافي بين الروايات الدالة علىٰ أنّ المذي لا وضوء منه وبين ما دل علىٰ الوضوء بحمل الدال علىٰ الوضوء علىٰ الاستحباب فله وجه ، إلّا أنّ كلام الشيخ سياقه يدل علىٰ غير هذا ، والسكوت عن المنافاة بين ما دل علىٰ القصّة غير لائق .

ولا يبعد حمل ما دل علىٰ الضوء من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله علىٰ التقية لولا الخبر الأخير ، فإنّ أهل الخلاف نقلوا في أحاديثهم القصة بما هذه صورته غير ما تقدم نقله عنهم :

روىٰ النسائي عن سليمان بن يسار قال : أرسل عليّ بن أبي طالب المقداد بن الأسود إلىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسأله عن الرجل يجد المذي ، فقال

__________________

(١) في النسخ : الكلام ، ولعل الصحيح ما أثبتناه .


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يغسل ذكره ثم ليتوضّأ » (١) .

وعن عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قال : « كنت رجلاً مذّاءً فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمكان ابنته فأمرت المقداد بن الأسود فسأله ، فقال : يغسل ذكره ويتوضّأ » (٢) .

وأنت خبير بأنّ مثل هذه الأخبار قرينة علىٰ أن الأمر بالوضوء في أخبارنا وذكر قصة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للتقية لولا منافاة ما رواه محمد بن إسماعيل من قوله : قلت : فإن لم أتوضّأ ؟ قال : « لا بأس » .

وقد يمكن التوجيه بأنّ السؤال بقوله : قلت : فإن لم أتوضّأ . لم يكن حال قول الإمام عليه‌السلام حاكياً لقصّة عليّ عليه‌السلام ، بل [ حين ] (٣) حصل الأمن من المخالف ، وإن كان لا يخلو من بُعد .

أمّا ما ذكره شيخنا البهائي ـ سلّمه الله ـ في الحبل المتين من أنّه يمكن أن يستنبط من الحديث ـ يعني الأخير ـ عدم لزوم التعرض في نية الوضوء للوجه ، وأنّ مطلق القربة كاف ، وبيّن ذلك بأنّ وجوب الوضوء هو المستفاد من ظاهر أمره عليه‌السلام لمحمد بن إسماعيل في السنّة الاُولىٰ ، وقوله عليه‌السلام في السنّة الثانية : « لا بأس به » كاشف عن [ أنّ ] (٤) ذلك الأمر إنّما كان للاستحباب ، فلو كان قصد الوجه في نية الوضوء لازماً للزم تأخير البيان (٥) عن وقت الحاجة (٦) .

__________________

(١) سنن النسائي ١ : ٢١٤ .

(٢) سنن النسائي ١ : ٢١٤ ، بتفاوت يسير .

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة .

(٤) أضفناه لاستقامة العبارة .

(٥) ليس في « رض » .

(٦) الحبل المتين : ٣١ .


ففي نظري القاصر فيه كلام أنهيته في حاشية التهذيب ، والذي يمكن ذكره هنا اُمور :

أحدها : أنّ الأمر إذا كان حقيقة في الوجوب فاعتقاد الوجوب من محمد بن إسماعيل كما هو مقتضىٰ الأمر فيه (١) إغراء بالجهل ، وذلك غير موافق للحكمة في عدم بيان ما يردّ هذا الاعتقاد ، وعدم القصد حال الفعل أمر آخر .

وثانيها : أنّ اعتقاد الوجوب إذا حصل يجوز حضوره حال الفعل وإن لم يكن متعيناً نظراً إلىٰ عدم وجوب نية الوجه ، لكن احتمال وقوع القصد كاف في محذور منافاة الحكمة ، واحتمال علم الإمام بعدم الوقوع يقال مثله في احتمال عدم الاحتياج إلىٰ الوضوء من المذي ليلزم تأخير البيان ، والجواب الجواب .

وثالثها : أنّ الأمر لو كان للوجوب لما ناسب قول ابن بزيع : فإن لم أتوضّأ . فإنّ الحقيقة إذا تحققت ـ اعني إرادة الوجوب ـ لا وجه للسؤال ، واحتمال أن يكون السؤال لدفع شوب الارتياب يشكل بتكرّر الأمر في العامين .

وقد يظن أنّ هذا الخبر بالدلالة علىٰ أنّ الأمر ليس للوجوب في عرف الشارع أقرب منه دلالةً علىٰ الوجوب ، غير أنه يختلج الشك حينئذ بأن الأمر إمّا للاستحباب أو هو مشترك بين الوجوب والاستحباب ، فإن كان الأوّل فالسؤال بقوله : قلت : فإن لم أتوضّأ . لا فائدة فيه ، وإن كان الثاني لم تحصل الفائدة من الجواب ، إذ لا يخرج عن الإجمال .

واحتمال استفادة مطلق الرجحان من المشترك فيعمل به كما ظنه

__________________

(١) ليس في « رض » .


الوالد قدس‌سره في الاُصول (١) وغيره من الاُصوليين لا يخلو من تأمّل في نظري القاصر ، لأنّ الأحكام الشرعية منحصرة في الخمسة ، ومطلق الرجحان إن اُريد به من غير فصل فلا تكليف به ، ومع الفصل لا بُدّ من العلم به ، إذ التكليف فرع العلم بالحكم ، ومع الإجمال لا علم ، فالإتيان بمطلق الرجحان علىٰ أن يكون حكماً غير واضح كما ذكرته في محله .

ولا يخفىٰ أنّ فائدة هذا الكلام هنا غير ظاهرة ، لكن ذكرتها بالعارض لدفع الاحتمال .

وحينئذ فالخبر المبحوث عنه المتضمن لأمر (٢) محمد بن إسماعيل يحتمل أن يكون فهم منه الاستحباب ، وإعادة السؤال في السنة الثانية علىٰ تقدير الاستحباب جوابها كالجواب علىٰ تقدير الوجوب حذو النعل بالنعل ، غير أنّ قوله في السؤال : فإن لم أتوضّأ ، أقرب إلىٰ إرادة الاستحباب ، وفائدته وإن خفيت ، إلّا أنّ احتمال إرادة دفع الارتياب في الاستحباب ممكن وله قرب بالنسبة إلىٰ إرادة الوجوب .

وبهذا يظهر وجه نظر في كلام شيخنا البهائي ـ سلمه الله ـ (٣) كما يعلم بصحيح التأمّل ، وتوضيح الحال في حاشية التهذيب .

أمّا ما ذكره العلّامة : من أنّ الراوي إذا روىٰ الحديث تارة مع زيادة وتارة بدونها ، عمل علىٰ تلك الزيادة إن لم تكن مغيّرة ويكون بمنزلة الروايتين (٤) .

__________________

(١) معالم الدين : ٤٨ .

(٢) في « رض » : لأمن .

(٣) المتقدم في ص ٦٨ .

(٤) المنتهىٰ ١ : ٣٢ .


قلنا فيه كلام أيضاً في الحاشية ، والقدر المطلوب ذكره هنا ما قلناه .

غير أنّه يبقىٰ شي‌ء لا بد من التنبيه عليه ، وهو أنّ خبر إسحاق بن عمار تضمّن أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « ليس بشي‌ء » وهو يتناول (١) نفي النجاسة ونفي الوضوء ، فإذا عارضه ما دلّ علىٰ الوضوء حمل النفي في خبر إسحاق علىٰ النجاسة .

وجوابه يظهر بالتأمّل في ذكر جواب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الأخبار ، فإنّه لا مساغ (٢) لدخول التخصيص في الباب إذا أعطاها الناظر حق النظر ، ولو تم بالتكلّف لم يتم التخصيص أيضا ، كما هو واضح ، والله الموفق .

قال (٣) :

ويمكن أن يكون الاستحباب في إعادة الوضوء من المذي إنّما يتوجه إلىٰ من يخرج منه المذي بشهوة ، يدل علىٰ ذلك :

ما رواه محمد بن الحسن الصفار ، عن موسىٰ بن عمر ، عن عليّ بن النعمان ، عن أبي سعيد المكاري ، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المذي يخرج من الرجل ، قال : « أحدّ لك فيه حدّاً ؟ » قال ، قلت : نعم جعلت فداك ، قال : فقال : « إن خرج منك علىٰ شهوة فتوضّأ ، وإن خرج منك علىٰ غير ذلك فليس عليك فيه وضوء » .

الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أخيه الحسين ، عن أبيه علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام

__________________

(١) في « رض » : متناول .

(٢) في « فض » : لامتناع .

(٣) في « د » : قوله .


عن المذي أينقض الوضوء ؟ قال : « إن كان من شهوة نقض » .

الصفار ، عن معاوية بن حكيم ، عن عليّ بن الحسن بن رباط ، عن الكاهلي قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المذي ؟ فقال : « ما كان منه بشهوة فتوضّأ منه » .

السند‌

في الأوّل : موسىٰ بن عمر ، والظاهر أنّه ابن يزيد الصيقل ، لأنّ الراوي عنه سعد وهو في مرتبة الصفار ، وموسىٰ غير ثقة علىٰ ما وقفت عليه في الرجال (١) ، واحتمال كونه ابن بزيع الثقة بعيد ، لأن الطريق إليه علىٰ ما في الفهرست : أحمد بن أبي عبد الله ، عن عبد الرحمن بن حماد ، عنه (٢) ؛ علىٰ أنّ الاحتمال لا يفيد شيئاً بدون الظهور ، مضافاً إلىٰ اشتمال الطريق علىٰ أبي سعيد وأبي بصير ، فإن الأوّل مذكور في الرجال مهملا (٣) ، واسمه هاشم ابن حيّان ، وأبو بصير تكرّر القول فيه (٤) .

والخبر الثاني : واضح السند .

والثالث : فيه معاوية بن حكيم ، وقد وثّقه النجاشي (٥) ، وقال الكشي : إنّه فطحي (٦) وابن رباط ثقة في النجاشي (٧) . وأمّا الكاهلي فالظاهر

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٠٥ / ١٠٧٥ ، الفهرست : ١٦٣ / ٧٠٩ .

(٢) الفهرست : ١٦٤ / ٧١٥ .

(٣) رجال النجاشي : ٤٣٦ / ١١٦٩ ، رجال الطوسي : ٣٣٠ / ٢١ ، الفهرست : ١٩٠ / ٨٥٥ .

(٤) راجع ج ١ : ٧٣ ، ٨٤ .

(٥) رجال النجاشي : ٤١٢ / ١٠٩٨ .

(٦) رجال الكشي ٢ : ٨٣٥ / ١٠٦٢ .

(٧) رجال النجاشي : ٢٥١ / ٦٥٩ .


أنه عبد الله بن يحيىٰ كما صرّح به العلّامة في الخلاصة (١) ، ويأتي لأخيه إسحاق أيضاً ، وعبد الله يستفاد من الرجال مدحه (٢) .

المتن :

في الجميع ظاهر الدلالة علىٰ أنّ المذي إذا خرج بشهوة نقض الوضوء ، إلّا أنّه سيأتي في خبر ابن رباط المرسل أن المذي يخرج من الشهوة ، وظاهره الحصر في ذلك كما سيأتي .

وفي كلام بعض أهل اللغة : المذي ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند شهوة ، لا بشهوة ، ولا دفق ، ولا يعقّبه فتور (٣) .

وقد قدّمنا أيضاً عن بعض أنّ المذي ما يخرج من الذكر عند الإنعاظ (٤) .

وفي كلام بعض أيضاً إن المذي يخرج عقيب شهوة الجماع والملاعبة (٥) .

وأنت خبير بأنّ معنىٰ الشهوة المذكورة لا يخلو من غموض ، وبتقدير تحقق المعنىٰ فحصول المذي لا عن شهوة لا يوافقه الخبر الآتي ، وكان علىٰ الشيخ أن يحقّق الحال ، والأخبار المبحوث عنها صحيحها دال علىٰ أنّ

__________________

(١) خلاصة العلّامة : ١٠٨ / ٣١ .

(٢) رجال الكشي ٢ : ٧٤٥ / ٨٤١ ، ٨٤٢ ، رجال النجاشي : ٢٢١ / ٨٥٠ ، رجال ابن داود : ١٢٥ / ٩١٨ ، خلاصة العلّامة : ١٠٨ / ٣١ .

(٣) لم نعثر عليه .

(٤) المتقدم في ص ٦٥ .

(٥) الصحاح ٦ : ٢٤٩٠ ، مجمع البحرين ١ : ٣٨٨ .


للمذي حالتين بحسب المفهوم ، إلّا أنّه قابل للتوجيه إذا لم يتحقق المذي من دون الشهوة .

إذا عرفت هذا فما قاله الشيخ رحمه‌الله من إمكان أن يكون الاستحباب في إعادة الوضوء إذا كان المذي بشهوة ، إن أراد به بيان الجمع بين الأخبار السابقة ، ففيه : أنّ ظاهر خبر إسحاق أنّ المذي ليس بشي‌ء ، وكذلك خبر عنبسة نظراً إلىٰ الإطلاق ، ومفاد خبر محمد بن إسماعيل الوضوء من المذي مطلقاً ، وذكر قصة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مؤيّدة العموم في الجانبين .

وحينئذ فالحمل علىٰ المذي الحاصل من الشهوة يحتاج تماميته إلىٰ تكلف زائد ، بل في الظن أنّه لا يسلم من المناقشة كما يعلم من مراجعة الأخبار وإعطائها حق النظر .

وحكىٰ العلّامة في المختلف عن ابن الجنيد أنّه قال : إذا خرج المذي عقيب شهوة نقض الوضوء ، ثم قال العلّامة : لنا وجوه : الأوّل أنّه ممّا يعمّ به البلوىٰ ويحصل لأكثر الناس في أكثر الأوقات ، فلو كان ناقضاً لوجب أن يعلم من الدين كما يعلم نقض البول والغائط (١) . وأطال التوجيه بما لا يخلو من تأمّل ، وقد ذكرته في حاشية التهذيب .

وكذلك بقية الوجوه كاستصحاب الحال ، لأنّه قبل خروج المذي متطهر فكذلك بعده .

وفيه : أنّه معارض بأنّ مقتضىٰ الآية الشريفة وجوب الوضوء علىٰ كل من أراد القيام إلىٰ الصلاة ، فإذا خرج المتطهر بما اتفق عليه بقي غيره ، ومنه من أمذىٰ .

__________________

(١) المختلف ١ : ٩٤ .


ومثل هذا يقال في الاستدلال بالرجوع إلىٰ حكم الأصل ، لأنّه قبل الشرع لا يوجب حكماً فكذلك بعده ، لأنّ الأصل بقاء ما كان علىٰ ما كان .

وبالجملة : فالأولىٰ ترك مثل هذا الاستدلال والرجوع إلىٰ الأخبار عند العامل بها .

نعم لمّا كانت الأخبار لا تخلو من معارضة أمكن أن يقال : إنّ براءة الذمّة من الوجوب يؤيّده الأخبار الواردة بعدم الوضوء ، وستسمع بقية الكلام في المسألة بعد ذكر الأخبار .

قال :

والذي يدل علىٰ أنّ هذه الأخبار محمولة علىٰ الاستحباب :

ما أخبرني به الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ليس في المذي من الشهوة ، ولا من الإنعاظ ، ولا من القُبلة ، ولا من مسّ الفرج ولا من المضاجعة وضوء ، ولا يغسل منه الثوب ولا الجسد » .

وبهذا الإسناد عن الصفار ، عن الهيثم بن أبي مسروق ( النهدي ) (١) ، عن علي بن الحسن (٢) الطاطري ، عن ابن رباط ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « يخرج من الإحليل المني والمذي (٣) والوذي ، فأمّا المني فهو الذي تسترخي (٤) له العظام ويفتر‌

__________________

(١) اثبتناه من الاستبصار ١ : ٩٣ / ٣٠١ .

(٢) في الاستبصار ١ : ٩٣ / ٣٠١ : الحسين .

(٣) في الاستبصار ١ : ٩٣ / ٣٠١ زيادة : والودي .

(٤) في الاستبصار ١ : ٩٣ / ٣٠١ : يسترخي .


منه الجسد وفيه الغُسل ، وأمّا المذي فإنّه يخرج من الشهوة ولا شي‌ء فيه ، وأمّا الودي (١) فهو الذي يخرج بعد البول ، وأمّا الوذي (٢) فهو الذي يخرج من الأدواء (٣) فلا شي‌ء فيه » .

السند‌ :

في الأوّل معدود من الصحيح حتىٰ عند من لا يعمل بمراسيل ابن أبي عمير نظراً إلىٰ قوله : عن غير واحد ، وفيه تأمّل ظاهر .

والعجب من شيخنا قدس‌سره أنّه قال بعد نقلها في المدارك : ولا يضر إرسالها لأنّ في قوله : عن غير واحد من أصحابه ، إشعاراً بثبوت مدلولها عنده (٤) . فإنّ ثبوت المدلول عنده لا يقتضي وجوب العمل عند غيره ، ولو تم لزم ثبوت العمل وإن لم ترد الرواية بلفظ : غير واحد ، كما هو واضح .

وفي الثاني : الهيثم بن أبي مسروق وقد تقدم فيه القول (٥) ؛ والطاطري ثقة واقفيّ ؛ وابن رباط محتمل لأن يكون الثقة وهو علي بن الحسن بن رباط ، وغيره وهو الحسن بن رباط وعلي بن رباط بتقدير المغايرة لعلي بن الحسن بن رباط ، كما قد يفهم من رجال الشيخ (٦) ، وإن أمكن الاتحاد ، وفيه كلام ، وعلىٰ كل حال فالحديث ضعيف بالإرسال .

__________________

(١) في بعض النسخ : الوذي .

(٢) في بعض النسخ : الودي .

(٣) الأدواء : جمع داء بمعنىٰ المرض ، مجمع البحرين ١ : ١٥١ ( دوا ) .

(٤) مدارك الأحكام ١ : ١٥٢ .

(٥) راجع ج ١ : ٣٤١ .

(٦) رجال الطوسي : ٣٨٤ / ٦٠ .


المتن :

ظاهر الأوّل عدم الوضوء من المذي وإن كان بشهوة ، ومعارضة ما تقدم من الخبر الصحيح عن علي بن يقطين يقتضي إرادة نفي الوجوب في خبر ابن أبي عمير إن عملنا به ، لكن الحال غير خفية .

وما دلّ من معتبر الأخبار علىٰ أنّ المذي لا ينقض الوضوء علىٰ الإطلاق لا مانع من تقييده كرواية زيد الشحام ومحمد بن مسلم وزرارة الصحيحة الآتية (١) : « إنّما هو بمنزلة النخامة ، كل شي‌ء خرج منك [ بعد الوضوء ] (٢) فإنّه من الحبائل » .

وقد يمكن أن يراد بالوضوء في خبر ابن أبي عمير الاستنجاء ، فلا يعارض خبر ابن يقطين ، وفيه بُعد ، إلّا أنّ أهل الخلاف يذهبون إلىٰ نجاسته ووجوب الاستنجاء منه (٣) ، بل ذهب بعضهم إلىٰ وجوب غَسل جميع الذكر منه وإن لم يصبه منه شي‌ء (٤) ، وحينئذ ربما قرب الخبر من الردّ عليهم .

وأمّا الخبر الثاني : فهو كما ترىٰ ذكر فيه ثلاثة في الإجمال ، وفي التفصيل زاد رابعاً .

وفي التهذيب : « والوذي » بعد الودي (٥) ، وربما يظن أنّه الصواب ، إلّا أنّ شيخنا المحقّق ميرزا محمد ـ أيّده الله ـ قال في فوائده علىٰ الكتاب‌ :

__________________

(١) في ص ٨٢ .

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من الاستبصار ١ : ٩٤ / ٣٠٥ .

(٣ و ٤) منهم ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ١ : ١٩٤ .

(٥) التهذيب ١ : ٢٠ / ٤٨ ، الوسائل ١ : ٢٧٨ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ٦ .


ومخالفته في البيان لما تقدم ربما اقتضىٰ خلاف الصواب .

وأنت إذا تأمّلت الخبر في التهذيب وفي الكتاب ترىٰ أنّه لا يخلو من شي‌ء كما ذكرته في حاشية التهذيب ، وما قدّمناه من دلالته علىٰ حصر المذي في الخارج من الشهوة هو الظاهر منه .

وذكر الودي (١) من غير تعرض إيجاب الوضوء وعدمه غير واضح الوجه ، ولعلّه اكتفىٰ بالنفي في بقية الأقسام ، وفيه ما فيه .

اللغة :

قال في النهاية : الودي بسكون الدال يعني المهملة وكسرها وتشديد الياء ، البلل اللزج الذي يخرج من الذكر بعد البول (٢) . ونقل بعض المتأخّرين أنّ الوذي بالمعجمة ما يخرج عقيب إنزال المني (٣) . ولم أقف علىٰ مأخذه .

قال :

فأمّا ما رواه الحسن بن محبوب ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ثلاث يخرجن من الإحليل وهي المني وفيه الغسل ، والودي فمنه الوضوء لأنّه يخرج من دريرة البول » قال : « والمذي ليس فيه وضوء وإنّما هو بمنزلة ما يخرج من الأنف » .

قوله عليه‌السلام : « والودي فمنه الوضوء » محمول علىٰ أنّه إذا لم يكن قد استبرأ من البول علىٰ ما ذكرناه وخرج منه بعد ذلك شي‌ء وجب‌

__________________

(١) في « د » و « فض » : الوذي .

(٢) النهاية لابن الأثير ٥ : ١٦٩ ( الودي ) .

(٣) المسالك ١ : ٢٧ .


عليه إعادة الوضوء ، لأنّه يكون من بقية البول ، وقد نبّه علىٰ ذلك بقوله : « لأنّه يخرج من دريرة البول » إشارةً إلىٰ أنّ ذلك إمّا بول أو يخالطه البول (١) .

والذي يكشف عمّا ذكرناه :

ما رواه محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن صالح ، عن عبد الملك بن عمرو ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يبول ثم يستنجي ثم يجد بعد ذلك بللاً ، قال : « إذا بال فخرط ما بين المقعدة والاُنثيين ثلاث مرّات وغمز ما بينهما ثم استنجىٰ فإن سال حتىٰ يبلغ السوق فلا يبالي » .

السند‌ :

في الأوّل : ( واضح ) (٢) لأنّ الطريق في المشيخة إلىٰ الحسن بن محبوب صحيح في ما كان من كتبه ومصنفاته (٣) ، وغيرها ( فالطريق حسن بإبراهيم في بعضها وصحيح في آخر ، وحينئذ يتحقق للشيخ طريق صحيح إلىٰ الحسن بن محبوب من غير كتبه ومصنفاته ) (٤) وأمّا ابن سنان فالظاهر

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٩٤ / ٣٠٢ : بول .

(٢) في « فض » الصحة ، وفي « د » : ظاهر صحيح في الظاهر .

(٣) خلاصة العلّامة : ٢٧٦ .

(٤) ما بين القوسين ساقط من « د » ، وفيها زيادة : فما قاله العلّامة في الخلاصة من أنّ الطريق إلىٰ الحسن بن محبوب حسن ، وإليه ممّا أخذه من كتبه ومصنفاته صحيح ، غير واضح ، وقد تبعه شيخنا ـ أيّده الله ـ في كتاب الرجال . والحاصل أنّ الشيخ في المشيخة ذكر للحسن بن محبوب ثلاث طرق ، أحدها حسن ، وثانيها صحيح فيما أخذه من كتبه ومصنفاته ، وثالثها ما رواه عن الحسن بن محبوب

=


أنّه عبد الله ، لأنّه الراوي عن أبي عبد الله عليه‌السلام كما يستفاد من الرجال (١) .

والثاني : فيه عبد الملك بن عمرو ، وهو غير معلوم التوثيق .

المتن :

ظاهر الأوّل وجوب الوضوء من الودي ، ومعارضه هنا هو الخبر المرسل ، وليس فيه ذكر للوضوء ولا لعدمه كما سبق فيه القول ، ورواية زيد الشحام تدل علىٰ الوذي المعجمة ، وحينئذ فالحمل المذكور في كلام الشيخ محل نظر بالنسبة إلىٰ ما هنا من الأخبار السابقة .

نعم ربما يستفاد من الرواية الثانية أنّ الودي لا ينقض الوضوء بعد الاستبراء وإن أمكن أن يقال باحتمال أن يراد نفي النجاسة من الرواية نظراً إلىٰ وجود المعارض الدال علىٰ وجوب الوضوء منه عند الشيخ العامل بالخبر الأوّل .

__________________

= والحسين بن سعيد ، وهو صحيح . واحتمال أن يقال : إنّ هذا مخصوص بما رواه عن الحسن والحسين ، بعيد في الغاية ، بل الغاية عدم توقف أحد في مثل هذا . نعم ، قد ذكرته احتمالاً في طرق الفقيه ؛ لأنّه يروي عن المتعدّدين في الفقيه ، وأمّا في مثل هذا الكتاب فلم أقف علىٰ رواية الشيخ عن الحسن بن محبوب والحسين بن سعيد معاً . نعم ، قد يختلج شكّ في إفادة الشيخ الطريق إلىٰ الحسن بن محبوب والحسين ؛ لأنّه قال : ومن جملة ما ذكرته عن الحسن بن محبوب والحسين ، إلىٰ آخره ، وظاهر هذا أنّ من جملة ما ذكره طريقه إليه ما قاله فيحتاج أن يعلم أنّ الخبر المبحوث عنه من ذلك الجملة ، والعلم بذلك غير حاصل . ويمكن الجواب عن هذا بأنّ مراده بيان الطريق إلىٰ الحسن بن محبوب المذكور في جملة ما رواه في الكتاب كما يقتضيه كلامه في جمع المشيخة ولو قام الاحتمال في الجمع لم يتمّ تصحيح طريقه [ إلىٰ ] أحمد بن محمد بن يحيىٰ ونحوه ، وقد حكم بصحّته الأصحاب ، وهو دليل علىٰ فهمهم من كلامه ما ذكرناه ، فليتأمّل .

(١) رجال النجاشي : ٢١٤ / ٥٥٨ ، خلاصة العلّامة : ١٠٤ / ١٥ .


ويمكن الجواب بأنّ ظاهر الخبر الثاني عموم عدم المبالاة من جهة النجاسة ونقض الوضوء ، ويؤيّده الخبر الآتي ، ولعلّ الشيخ لو قدّم الخبر المرسل عن حريز كان أولىٰ لصراحته في عدم نقض الوضوء فتتحقق المعارضة .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما تضمنه الخبر الثاني من كيفية الاستبراء لا يخلو من إجمال ، فإنّ قوله عليه‌السلام : « وغمز ما بينهما » محتمل لأن يعود الضمير إلىٰ الاُنثيين ويراد بما بينهما الجزء المتصل بهما من الذكر ، ويحتمل أن يعود إلىٰ الاُنثيين وبقية الذكر ، ويحتمل أن يعود إلىٰ المقعدة والاُنثيين ، فتكون الواو بمعنىٰ أو ، ويحتمل الجمع بين الأمرين لما سيأتي من تفسير الغمز والخرط .

اللغة :

قال في القاموس : درّ النبات التفّ ، والناقة بلبنها أدرّته ، والفرس تدرّ دريراً عَدا شديداً أو عَدواً سهلاً ، والعرق سال ، وفيه أيضاً الدِرّة بالكسر سيلان اللبن (١) .

وقال أيضاً : خرط الشجر يخرِطه ، ويخرُطه : انتزع الورق منه اجتذابا (٢) .

وفي النهاية : الغمز : العصر والكبس باليد (٣) .

والسوق جمع ساق وهو ما بين الكعب والركبة .

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ : ٢٩ ( الدر ) .

(٢) القاموس المحيط ٢ : ٣٧٠ ( خرط ) .

(٣) النهاية لابن الاثير ٣ : ٣٨٥ ( الغمز ) .


قال :

ويزيد ذلك بياناً :

ما رواه الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عمّن أخبره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الوذي لا ينقض الوضوء إنّما هو بمنزلة المخاط والبصاق » (١) .

وعنه ، عن حماد ، عن حريز ، قال : حدثني زيد الشحام وزرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « إن سال من ذكرك شي‌ء من مذي أو وذي فلا تغسله ، ولا تقطع الصلاة ، ولا تنقض له الوضوء ، إنّما هو بمنزلة النخامة ، كل شي‌ء خرج منك بعد الوضوء فإنّه من الحبائل » .

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير قال : حدّثني يعقوب بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يمذي وهو في الصلاة من شهوة أو من غير شهوة ، قال : « المذي منه الوضوء » .

قوله عليه‌السلام : « المذي منه الوضوء » يمكن حمله علىٰ التعجب منه ، فكأنّه (٢) من شهرته وظهوره في ترك إعادة الوضوء منه قال : هذا شي‌ء يُتوضّأ منه ؟ ! ويمكن ( أن يحمل ) (٣) علىٰ ضرب من التقيّة ، لأنّ ذلك مذهب أكثر العامة .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٩٤ / ٣٠٤ : البُزاق .

(٢) في « فض » : وكأنه .

(٣) في الاستبصار ١ : ٩٥ / ٣٠٦ : أن نحمله ، وفي « رض » : حمله .


السند :

في الأوّل مرسل ؛ والثاني صحيح ؛ وكذلك الثالث .

المتن :

صريح الأوّل أنّ الوذي لا ينقض الوضوء مطلقاً إلّا أنّه يقيد بالاستبراء ، وربما يقال : إنّ مع عدم الاستبراء لا يكون النقض مستنداً للوذي بل للبول ، وما عساه يقال : إنّ الفرض اشتباهه . يمكن الجواب عنه بأنّ المرجع إلىٰ حكم الشارع ، ويجوز أن يكون احتمال البول هنا موجباً للوضوء ، غاية الأمر قد يشكل الحال بالنسبة إلىٰ الطهارة وحيث لم يتحقق البول ، ( مع الاشتباه ) (١) ، ولزوم الوضوء لا يستلزم النجاسة .

وربما أمكن الجواب بأنّ ظاهر الأخبار الواردة في الاستبراء يعطي النجاسة ، بل لا يبعد أن يقال : إنّه لا اشتباه مع عدم الاستبراء ، كما يستفاد من الأخبار ، وسيأتي إن شاء الله الكلام في ذلك في باب الجنابة (٢) .

وما تضمنه الخبر الثاني من قوله عليه‌السلام : « كل شي‌ء خرج منك بعد الوضوء . . . » لعل المراد بالوضوء الاستبراء مع الاستنجاء .

وأمّا الخبر الثالث فالتوجيه بغير التقية تكلف .

اللغة :

قال في القاموس : الحِبال في الذكر عروقها (٣) .

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « فض » و « رض » : ومع الاشتباه لا تحقّق للبول .

(٢) يأتي في ص ٢٣٧ ـ ٢٥٢ .

(٣) القاموس المحيط ٣ : ٣٦٤ ( الحبل ) .


وفي الحبل المتين : إنّ الحبائل بالحاء المهملة والباء الموحدة يراد بها عروق في الظهر (١) .

قال :

باب مسّ الحديد‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد ابن يعقوب ، عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن محمد الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون علىٰ طُهر يأخذ من أظفاره أو شعره أيعيد الصلاة (٢) ؟ قال (٣) : « لا ، ولكن يمسح رأسه وأظفاره بالماء » قال : قلت : فإنّهم يزعمون أنّ فيه الوضوء ، فقال : « إن خاصموكم فلا تخاصموهم وقولوا : هكذا السنّة » .

الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسىٰ ، [ عن حريز ] (٤) ، عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : الرجل يقلم أظفاره ويجزّ شاربه ويأخذ من شعر رأسه ولحيته هل ينقض ذلك وضوءه ؟ فقال : « يا زرارة كلّ هذا سنّة والوضوء فريضة ، وليس شي‌ء من السنّة ينقض الفريضة ، وإنّ ذلك ليزيده تطهيراً » .

سعد ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيىٰ ، عن سعيد بن

__________________

(١) الحبل المتين : ٣٥ .

(٢) في الاستبصار ١ : ٩٥ / ٣٠٧ : الوضوء .

(٣) في الاستبصار ١ : ٩٥ / ٣٠٧ : فقال .

(٤) ما بين المعقوفين أثبتناه من الاستبصار ١ : ٩٥ / ٣٠٨ .


عبد الله الأعرج قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : آخذ من أظفاري ومن شاربي وأحلق رأسي أفأغتسل ؟ قال : « لا ، ليس عليك غسل » قلت : فأتوضّأ ؟ قال : « لا ليس عليك وضوء » قلت : فأمسح (١) علىٰ أظفاري بالماء (٢) ؟ فقال : « هو طهور ليس عليك مسح » .

السند‌ :

في الأوّل تكرّر القول فيه ، ووجدت الآن كلاماً لبعض المتأخّرين وهو : أنّ محمد بن إسماعيل هذا ابن بزيع ، وقد صرّح به في التهذيب ، وأمّا كلام ابن داود : إنّ في لقاء الكليني له نظراً من جهة التاريخ . فهو جيّد ، لكن الاستدلال به علىٰ الإرسال وعدم صحة الرواية استدلال بنفي الخاص علىٰ نفي العام ، فإنّ طريق التحمل والرواية لا ينحصر في الملاقاة ، وحينئذ فلا يعدل عن ظاهر الكليني فإنه روىٰ عنه أكثر من أن يُعدّ ، ويبعد عن العدل مثله في صورة الإرسال ، وهو معدود من التدليس لا يكاد يظن بمثله (٣) . انتهىٰ .

وأنت إذا تأمّلت تراه لا يخلو من تخليط ، أمّا ما ذكره من تصريح الشيخ في التهذيب . صحيح ، فقد وقع ذلك في كتاب الحدود ، والذي فهمته من الوالد قدس‌سره أنّه سَبْق قلم من الشيخ ، والظاهر ذلك ، لأنّ ابن بزيع لا يروي عن ابن شاذان ، بل ابن شاذان يروي عنه .

نعم في كتاب الروضة من الكافي اتفق التصريح بابن بزيع (٤) ، وهذا

__________________

(١) في « رض » : أفأمسح .

(٢) في الاستبصار ١ : ٩٦ / ٣٠٩ : الماء .

(٣) لم نعثر عليه .

(٤) الروضة من الكافي ٨ : ٢ / ١ .


يوجب الريب ، إلّا أنّ احتمال الوهم قائم ، واحتمال رواية كل منهما عن الآخر وإن أمكن ، إلّا أنّ الممارسة للأخبار تنفيه .

وقول القائل : إن طريق التحمل والرواية لا ينحصر في الملاقاة . حق ، إلّا أن إطلاق الرواية من دون التصريح بالإجازة خلاف ما عليه أهل التحقيق في الدراية .

ثم إن قوله : ويبعد عن العدل مثله . . . مناف لأوّل الكلام كما لا يخفىٰ علىٰ ذوي الأفهام .

وأمّا الخبران الآخران فالسند فيهما واضح .

المتن :

في الأوّل ظاهر في مسح الرأس والأظفار بالماء ، وهو مطلق في أنّ الأخذ بالحديد وغيره ، وسيأتي من الشيخ حمل ما دل علىٰ المسح بالماء إذا كان بالحديد ، لكن ستعلم أنّ ما يدل علىٰ ذلك لا يقاوم هذا الخبر ليحمل مطلقه علىٰ المقيد ، إلّا أنّ جماعة من الأصحاب ـ وعَدّ منهم الشيخَ والدي قدس‌سره ولعلّه من كلام الشيخ في غير الكتاب ، أمّا استفادته من كلامه هنا ففيه ما فيه ـ قالوا : إنّه يستحب لمن قصّ أظفاره بالحديد أو أخذ من شعره أو حلق أن يمسح الموضع بالماء ، واستندوا إلىٰ الخبرين الآتيين (١) ، وهذا الخبر له نوع اعتبار ، بل هو معدود من الصحيح عند بعض (٢) .

وقد قدمنا أنّ مرتبة محمد بن إسماعيل لا تقصر عن مرتبة (٣) ابن‌

__________________

(١) حكاه عنهم في معالم الفقه : ٣٧٠ .

(٢) معالم الفقه : ٣٧١ .

(٣) ليس في « فض » .


الوليد وأضرابه (١) من الشيوخ المحكوم بصحة الحديث المشتمل علىٰ أحدهم ، وحينئذ ينجبر الوهن الحاصل في الخبرين الآتيين من جهة رجالهما عند من لا يعمل بالموثق ، غاية الأمر أنّ فيه الإطلاق ، ولعل ذلك لا يضر بالحال ، لأن المتبادر إرادة الأخذ بالحديد ، وينضاف إليه عدم ظهور قائل بالاستحباب في غير الحديد .

ثم الخبر الثالث الصحيح يدل علىٰ عدم وجوب المسح ، وربما دلّ لفظ السنّة في هذا الحديث عليه أيضاً ظاهراً وإن أمكن المناقشة في ذلك بأنّ السنّة تطلق علىٰ ما يتناول الواجب .

وما تضمنه الخبر ( من قوله عليه‌السلام : « إن خاصموكم فلا تخاصموهم . . . » لا يخلو من إجمال ، فإنّ الظاهر من الأمر بقول : « هكذا السنّة » أنّه لا بُدّ فيه ) (٢) من المخاصمة ، حيث إنّ أهل الخلاف يذهبون إلىٰ الوضوء ، والمتبادر من قول : « هكذا السنّة » أنّه إشارة إلىٰ المسح بالماء ، وحينئذ فالمخالفة لاعتقاد أهل الخلاف لازمة ، إلّا أن يقال : إنّ المراد بعدم المخاصمة أن لا تصرّحوا بعدم نقض الوضوء ، بل قولوا : السنّة في المسح بالماء ثابتة . والله تعالىٰ أعلم بمقاصد أوليائه .

وما تضمّنه الخبر الثاني من أنّه : « ليس شي‌ء من السنّة ينقض الفريضة » واضح ؛ أمّا زيادة التطهير فلعلّ المراد بها زيادة الثواب ، وإرادة التطهير الزائد نوع من التجوّز ، والظاهر من ضمير « ليزيده » العود إلىٰ الوضوء ، ويحتمل العود إلىٰ المكلّف ، وفيه ما فيه .

وما تضمنه الخبر الثالث من نفي المسح بحسب ظاهره ينافي الخبر‌

__________________

(١) راجع ص ٤٠ .

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض » .


الأوّل ، فكان علىٰ الشيخ أن ينبّه علىٰ ذلك بجعله من الأخبار المعارضة ، والجمع بأنّ المراد نفي المسح علىٰ سبيل الوجوب ، وبهذا يتضح (١) حمل الخبر الأوّل علىٰ الاستحباب .

اللغة :

قال ابن الأثير في إحكام الأحكام لشرح حديث سيد الأنام : تقليم الأظفار قطع ما طال عن اللحم منها ، يقال : قلّم أظفاره تقليماً ، المعروف فيه التشديد ، والقلامة ما يقطع من الظفر ، قال : وفي ذلك معنيان : أحدهما : تحسين الهيئة وإزالة القباحة في طول الأظفار . والثاني : أنّه أقرب إلىٰ تحصيل الطهارة الشرعية علىٰ أكمل الوجوه ، لما عساه يحصل تحتها من الوسخ المانع من وصول الماء إلىٰ البشرة . انتهىٰ .

وربما كان في المعنىٰ الثاني دلالة علىٰ أنّ المراد بزيادة التطهير في خبر زرارة الحقيقة ، لكن هذا المعنىٰ يختص بالسبق علىٰ الوضوء ، أو يقال : إنّ الزيادة للوضوء اللاحق ، وقد يتمشىٰ التعليل للشعر بنوع تقريب : إمّا بأن يزول بإزالته الوسخ الكائن تحته ، أو يصل الماء إلىٰ البشرة . وفي القاموس : جزّ الشعر جزّاً وجزّه . حسّنهُ (٢) .

قال :

فأمّا ما رواه محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمّار الساباطي ، عن‌

__________________

(١) في « رض » : اتّضح .

(٢) القاموس المحيط ٢ : ١٧٥ ( جز ) .


أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الرجل يقرض من شعره بأسنانه يمسحه بالماء قبل أن يصلي ؟ قال : « لا بأس إنّما ذلك في الحديد » .

قوله عليه‌السلام : « إنّما ذلك في الحديد » محمول علىٰ ضرب من الاستحباب دون الإيجاب .

وأمّا ما رواه محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن الحسن ابن علي بن فضّال ، عن عمرو بن سعيد المدائني ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمّار بن موسىٰ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في الرجل إذا قصّ أظفاره بالحديد أو جزّ من شعره أو حلق قفاه فإنّ عليه أن يمسحه بالماء قبل أن يصلّي » سُئل فإن صلّىٰ ولم يمسح من ذلك بالماء ؟ قال : « يعيد الصلاة لأنّ الحديد نجس » وقال : « لأنّ الحديد لباس أهل النار ، والذهب لباس أهل الجنّة » .

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله علىٰ ضرب من الاستحباب دون الإيجاب ، لأنّه خبر شاذّ مخالف للأخبار كلها (١) ، وما يجري هذا المجرىٰ لا يعمل عليه علىٰ ما بيّنّاه .

السند‌ :

في الخبرين موثق .

المتن :

في الأوّل : يستفاد من قوله : « إنّما ذلك في الحديد » المسح بالماء ، وقوله : « لا بأس » وإن احتمل أنّه لا بأس بمسحه بالماء ، إلّا أنّ قوله : « إنّما

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٩٦ / ٣١١ : الكثيرة .


ذلك في الحديد » يعيّن أنّ المراد لا بأس بعدم المسح .

وما عساه يقال : إنّ احتمال إرادة لزوم المسح بالماء في الحديد ، وفي غيره ليس بلازم . ممكن ، إلّا أنّه مدفوع بملاحظة الأخبار .

وربما احتمل أن تعود الإشارة إلىٰ البأس أو إلىٰ المسح ، والمآل (١) واحد بعد تدبّر الأخبار ، وإن أمكن التغاير في الاعتبار .

وأمّا الخبر الثاني : فإعادة الصلاة فيه هي المحمولة علىٰ الاستحباب في الظاهر من توجيه الشيخ ، ويحتمل إرادة الاستحباب في المسح بالماء ، ويدفعه أنّ الشيخ لا وجه لفرقه بين الحديثين حينئذ ، وقوله في الثاني : إنّه شاذّ . بل الأوّل كذلك .

فإن قلت : الشذوذ في كلام الشيخ راجع إلىٰ الإيجاب ، حيث لم يقل به أحد علىٰ ما يظهر من الأصحاب ، لا إلىٰ الاستحباب ، فإنّ القائل به موجود ، والشيخ معترف به .

قلت : هذا مشترك بين الأوّل والثاني ، فإنّ نفي الإيجاب مذكور فيهما ، وكون الشيخ قائلاً بالاستحباب غير معلوم من هذا الكتاب ، فإنّ الحكم بمذهبه فيه لا يخلو من تأمّل كما يعلم من تدبّره في مواضع .

وقد قدّمنا عن الوالد قدس‌سره نقل القول بالاستحباب عن الشيخ (٢) وأنّ الظاهر كونه من غير الكتاب ، لأنه نقل بعد ذلك قول الشيخ في الاستبصار بأنّ الخبر شاذّ ، وحكىٰ الحمل علىٰ الاستحباب عن الشيخ .

__________________

(١) في « رض » : والحال .

(٢) راجع ص ٨٦ .


وفي نظري القاصر أن كلام الوالد قدس‌سره لا يخلو من تأمّل ، لأنّه (١) قال بعد ذكر الخبر الثاني : إنّه نص في حصول التنجيس بملاقاة الحديد ، وقد قال الشيخ في الاستبصار : إنّه خبر شاذ مخالف للأخبار الكثيرة ، وقال : وما يجري هذا المجرىٰ لا يعمل عليه ، وذكر قبل ذلك : أنّ الوجه حمله علىٰ ضرب من الاستحباب . انتهىٰ .

وأنت إذا تأمّلت ما ذكرناه سابقاً تعلم أنّ كلام الشيخ ظاهره العود إلىٰ إعادة الصلاة ، نعم يتوجه علىٰ الشيخ أنّ شذوذ الخبر إن كان من جهة نجاسة الحديد فالتأويل بالاستحباب ممكن ، ويراد بالنجاسة ما لا يخالف الاستحباب ، وترك العمل به حينئذ لا وجه له ؛ وإن كان من جهة المسح بالماء وأنّ اللازم من نجاسته غَسل الموضع فالاستحباب لا يوافق ذلك ؛ وإن كان من جهة أنّ الحديد إذا كان نجساً لا يلزم منه التنجيس إلّا مع الرطوبة والخبر مطلق ، فهو وإن أمكن توجيهه ، إلّا أنّ الاستحباب علىٰ الإطلاق أيضاً مشكل ، لأنّ مع الرطوبة لا وجه للاكتفاء بالمسح ، فإطلاق الشيخ الحمل علىٰ الاستحباب مع شذوذ الخبر لا يخلو من نظر ، فينبغي تأمّل المقام فإنّه حريّ بالتأمّل التام ، إلّا أن من لا يعمل بالموثق في راحة من بعض هذا .

قال :

باب شرب ألبان البقر والإبل وغيرهما‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن‌

__________________

(١) في « رض » : إلّا أنه .


الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام هل يتوضّأ من الطعام أو شرب اللبن ألبان الإبل والبقر والغنم وأبوالها ولحومها ؟ قال : « لا يتوضّأ منه » .

فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن الحسن ابن علي ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار (١) الساباطي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل توضّأ ثم أكل لحماً أو سمناً هل له أن يصلّي من غير أن يغسل يده ؟ قال : « نعم ، وإن كان لبناً (٢) لم يصلّ حتىٰ يغسل يده ويتمضمض ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي وقد أكل اللحم من غير أن يغسل يده ، وإن كان لبناً لم يصلّ حتىٰ يغسل يده ويتمضمض » .

ما يتضمن هذا الخبر من الأمر بغسل اليدين والمضمضة والاستنشاق لمن شرب اللبن محمول علىٰ الاستحباب دون الفرض والإيجاب بدلالة الخبر الأوّل .

السند‌ :

في الأوّل : قد تقدم القول فيه والارتياب في سليمان بن خالد (٣) ، إلّا أنّه معدود من الصحيح عند المتأخّرين (٤) .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٩٦ / ٣١٣ يوجد : بن موسىٰ ، وهو زيادة في « ج » .

(٢) في النسخ : لبن ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٩٧ / ٣١٣ .

(٣) راجع ج ١ : ٤١ ـ ٤٣ ، ٧٠ ، ١٩٥ ، ١٩٦ ، ٣٧٨ .

(٤) انظر المختلف ١ : ١٨١ والمدارك ١ : ٣٠٤ .


وأمّا الثاني : فموثق .

المتن :

في الأوّل كما ترىٰ ظاهر في نفي الوضوء ، والمتعارف من الوضوء هو الشرعي .

والخبر الثاني قد تضمّن عدم غَسل اليد من أكل اللحم ، ففي الظاهر لا منافاة ، وغَسل اليد من اللبن والمضمضة لا ينافي الأوّل المتضمن لنفي الوضوء ، إلّا أنّ الشيخ رحمه‌الله كأنّه فهم من الوضوء غَسل اليد لتتحقق (١) المنافاة .

ولا يبعد توجيه المنافاة بأنّ الخبر الثاني إذا تضمّن عدم غَسل اليد من أكل اللحم فقد استفيد منه عدم الوضوء الشرعي ، إلّا أنّ نظر الشيخ ليس فيه ملاحظة هذا ، كما يعلم من كلامه .

وقد يظن أنّ اللحم في الخبر الثاني مطلق وفي الأوّل مقيد ، ودفعه غير خفي .

أمّا الاستنشاق فلا أدري الوجه في ذكر الشيخ له مع خلوّ الخبر عنه .

ثم الذي في نسخ الاستبصار التي رأيتها : « أو سمناً » وفي التهذيب : « أو سمكاً » (٢) .

__________________

(١) في « رض » : لتحقق .

(٢) التهذيب ١ : ٣٥٠ / ١٠٣٣ ، الوسائل ١ : ٢٩٠ أبواب نواقض الوضوء ب ١٥ ح ٤ .


قال :

أبواب الأغسال المفروضات والمسنونات‌

باب وجوب غسل الجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس [ ومسّ الأموات ] (١)

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد ابن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر ، قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام كيف أصنع إذا أجنبت ؟ قال : « اغسل كفيك (٢) وفرجك وتوضّأ وضوء الصلاة ثم اغتسل » .

عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن محمد بن يحيىٰ ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسىٰ ، عن سماعة قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « غسل الجنابة واجب ، وغسل الحائض إذا طَهُرت واجب ، وغسل المستحاضة واجب إذا احتشت بالكرسف فجاز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل صلاتين وللفجر غسل ، فإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرّة والوضوء لكل صلاة ، وغسل النفساء واجب ، وغسل الميت واجب ، وغسل من مسّ (٣) ميتاً واجب » .

السند‌ :

في الأوّل ليس فيه من يتوقف (٤) في شأنه إلّا أبا بكر ، فإنّه الحضرمي ،

__________________

(١) ما بين المعقوفين اثبتناه من الاستبصار ١ : ٩٧ .

(٢) في نسخة من الاستبصار ١ : ٩٧ / ٣١٤ : يديك .

(٣) في « فض » و « د » : غَسَل .

(٤) في « رض » : توقف .


وهو مجهول الحال ، لذكره في الرجال من غير مدح ولا توثيق (١) .

وقول شيخنا قدس‌سره بعدم ثبوت إيمانه (٢) . يدفعه بعض الأخبار المروية في شأنه كما يعلم من كتاب شيخنا المحقّق ميرزا محمد ـ أيّده الله ـ في الرجال (٣) .

غير أنّه اتفق فيه شي‌ء لا بأس بالتنبيه عليه ، وهو أنّ العلّامة في الخلاصة قال في ترجمته : وروىٰ ـ يعني الكشي ـ عنه حديثين : أنّ جعفر ابن محمد عليهما‌السلام قال : « إنّ النار لا تمسّ من مات وهو يقول بهذا الأمر » (٤) .

ونُقل عن جدّي قدس‌سره أنّه قال في فوائده علىٰ الخلاصة : إنّ في طريق الحديثين الوشّاء ، عن أبيه ، عن خاله عمرو بن إلياس ، وحالهما مجهول (٥) ؛ ونَقَل عن الكشيّ الروايتين ، وهما :

حدثني محمد بن مسعود ، قال : حدثني عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي قال : حدثني الوشّاء ، عمّن يثق به (٦) ـ يعني اُمّة ـ عن خاله قال : يقال له : عمرو بن إلياس قال : دخلت أنا وأبي إلياس بن عمرو علىٰ أبي بكر الحضرمي وهو يجود بنفسه قال : يا عمرو ليست بساعة الكذب اُشهد علىٰ جعفر بن محمد أنّي سمعته يقول : « لا تمسّ النار من مات وهو يقول بهذا الأمر » .

والحديث الآخر عن عبد الله بن محمد بن خالد قال : حدثني الحسن ابن بنت إلياس قال : حدّثني خالي عمرو بن إلياس ، وذكر الحديث (٧) .

__________________

(١) خلاصة العلّامة : ٢٧١ / ٣٨ .

(٢) انظر المدارك ٣ : ٨٨ ، وفيه : وعدم ثبوت توثيق أبي بكر الحضرمي .

(٣) منهج المقال : ٢١٠ ، وفيه : أبو بكر الخضرمي .

(٤) خلاصة العلّامة : ١١٠ / ٣٦ .

(٥) حكاه عنه في منهج المقال : ٢١٠ ، وفيه : عن اُمّه ، بدل عن أبيه وهو في حواشي الشهيد الثاني علىٰ الخلاصة : ١٨ ( مخطوط ) .

(٦) في « فض » ومنهج المقال : ٢١٠ : عمّن ينويه .

(٧) منهج المقال : ٢١٠ ، والكشي ٢ : ٧١٦ / ٧٨٩ ، ٧٩٠ .


والذي وجدته أنّ الكلام موهوم : أمّا كلام جدّي قدس‌سره فإنّ فيه الوشّاء ، عن أبيه ، والخبر الأوّل في نسخة معتبرة : حدثني الوشّاء ، عمن يثق به ، يعني به عن خاله ، يقال له : عمرو بن إلياس ، والظاهر حينئذ صحة الحديث ، ( علىٰ تقدير توثيق الوشّاء ، وعمرو بن إلياس ثقة ، وقوله : عمن يثق به ، قرينة علىٰ ذلك ، والخبر الثاني أعدل شاهد علىٰ التعيين ، وعلىٰ هذا فلا حاجة إلىٰ أن يقال : ) (١) إنّ عمرو بن إلياس وإن كان مشتركاً بين ثقة ومجهول (٢) ، إلّا أنّ قوله : عمن يثق به قرينة علىٰ أنّه الثقة .

وقول جدّي قدس‌سره : عن أبيه . موهوم أيضاً ، بل هو تصحيف قوله عمّن يثق به ، ويبيّن ذلك أنّ عمرو بن إلياس خال الحسن بن عليّ الوشّاء .

( نعم في الكشي نوع اضطراب لأنّه نقل في الحسن بن علي الوشّاء أنّه روىٰ عن جدّه إلياس قال : لمّا حضرته الوفاة قال لنا : أشهدوا عليّ وليست بساعة الكذب الساعة سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « والله لا يموت عبد يحبّ الله ورسوله فتمسّه النار » إلىٰ آخره (٣) . وفي ترجمة أبي بكر الحضرمي نقل ما سمعته ، ولعلّ الجمع ممكن ) (٤) .

وعلىٰ كل حال فالروايتان لا تفيدان مدحاً بل تدلان علىٰ الإيمان ، مضافاً إلىٰ رواية من الكافي تدل علىٰ ذلك ، نقلها شيخنا ـ أيّده الله ـ في كتابه (٥) .

وقال ـ سلّمه الله ـ في فوائده علىٰ هذا الكتاب : ولا يبعد أن يكون القدح في سيف بن عميرة أولىٰ ، إذ قد قيل فيه بكونه واقفياً ، صرح به‌

__________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من « د » .

(٢) هداية المحدثين : ٢١٩ .

(٣) لم نعثر عليه في الكشي ولكن حكاه عنه النجاشي : ٣٩ / ٨٠ .

(٤) ما بين القوسين أثبتناه من « د » .

(٥) منهج المقال : ٢١٠ وهو في الكافي ٣ : ١٢٢ / ٤ .


الشهيد رحمه‌الله ، وجزم به محمد بن شهراشوب . انتهىٰ .

وفي الظن أنّ الأصل محمد بن شهراشوب ، وحاله غير معلوم .

أمّا ما قاله ابن داود في الكنىٰ : من أنّه ثقة (١) ، نقلاً عن الكشي ، فالظاهر أنّه وهم ، والعجب أنّه لم يوثّقه حال ذكر اسمه ، وبالجملة فكلام ابن داود لا يصلح للاعتماد .

وأمّا الثاني : ففيه عثمان بن عيسىٰ وقد قدّمنا ما فيه ممّا يغني عن الإعادة (٢) .

المتن :

في الأوّل ظاهر في فعل الوضوء قبل الغسل ، وسيأتي من الشيخ أنّه محمول علىٰ الاستحباب ، وفيه كلام يأتي أيضاً ، والأولىٰ حمله علىٰ التقية ، وما قاله شيخنا المحقق ـ أيّده الله ـ : من الحمل علىٰ غسل يده من المرفق كما يغسل للصلاة لا يخلو من وجاهة لولا قوله : « اغسل كفيك » إلّا أنّ التشديد ليس ببعيد (٣) .

ويحتمل أن يراد بالوضوء الاستنجاء ، والإطلاق عليه واقع في الأخبار ، وفي بعضها أيضاً دلالة علىٰ الاستنجاء قبل الغسل كما سيأتي في خبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن غسل الجنابة ، قال : « تبدأ بكفيك ثم تغسل فرجك » (٤) الحديث .

ولا ينافي ما قلناه قوله : « وضوء الصلاة » لأنّ الاستنجاء قد يضاف إلىٰ الصلاة .

__________________

(١) رجال ابن داود : ٢١٥ / ١٢ .

(٢) راجع ج ١ : ٧١ ـ ٧٣ .

(٣) في « فض » : بالبعيد .

(٤) التهذيب ١ : ١٣٢ / ٣٦٥ ، الوسائل ٢ : ٢٢٩ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١ .


وأمّا الخبر الثاني : فقوله عليه‌السلام : « غسل الجنابة واجب » قد يستدل به علىٰ أن الغسل واجب لنفسه ، كما هو أحد القولين ، إلّا أنّ الإطلاق في بقية الأغسال مع ادعاء الشهيد رحمه‌الله في حاشية القواعد عدم الخلاف في وجوب غير غسل الجنابة لغيره يدفع الاستدلال ، وهذه عبارة الشهيد رحمه‌الله :

أمّا غيره ـ أي غير غسل الجنابة من أغسال الأحياء ـ فلا خلاف في وجوبه لغيره ، كما لا خلاف في وجوب غسل الميت لنفسه وإن توقفت الصلاة عليه ، فإنّ ذلك من باب الواجب المرتب كترتب الدفن علىٰ الصلاة . انتهىٰ .

وقد يقال : إنّ خروج غير غسل الجنابة بالإجماع لا يخرج غسل الجنابة مع عدم الإجماع ، فيتم الاستدلال بالخبر علىٰ تقدير سلامة سنده وفيه بحث ؛ إذ من المستبعد تغاير الأحكام في خبر واحد ، إلّا أنّ الأمر سهل بعد عدم صلاحية الخبر للاستدلال .

وما تضمنه الخبر من أنّ « غسل المستحاضة واجب إذا احتشت بالكرسف فجاز الدم . . . » قد يستدل به ـ بتقدير الصلاحية لذلك ـ علىٰ أنّ المتوسطة لا يلزمها الأغسال الثلاثة كما يقوله البعض (١) ، بل عليها غسل واحد . ودلالته علىٰ أنّ الغسل كل يوم مرّة لا تنافي ما دل علىٰ غسل الغداة ، إذ لا يخرج عن الإطلاق ، وغيره إن تم مقيد ، إلّا أنّ وجود ما يصلح للاستدلال محل كلام كما سيأتي إن شاء الله . علىٰ أنّ لي في كلام المتأخّرين المقيدين (٢) بغسل الفجر بحثاً ذكرته في محله ، ولولا أنّ الحديث المبحوث عنه لا يصلح للاعتناء به لأوضحنا الحال هنا ، نعم في

__________________

(١) انظر المقنعة : ٥٦ ، والنهاية : ٢٨ .

(٢) في « رض » : المتعبدين .


الحديث تأييد لما دل علىٰ وجوب غسل المسّ (١) .

قال :

وبهذا الإسناد عن محمد بن يحيىٰ ، عن محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن محمد بن عيسىٰ ، عن يونس ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الغسل في سبعة عشر موطناً ، منها الفرض ثلاث » فقلت : جعلت فداك ما الفرض منها ؟ قال (٢) : « غسل الجنابة وغسل من مسّ (٣) ميتاً والغسل للإحرام » .

قوله عليه‌السلام : « والغسل للإحرام » وإن لم يكن عندنا فرضاً فمعناه أن ثوابه ثواب الفرض وفضله فضله .

أخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن فضال ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة ، عن محمد بن علي الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « غسل الحيض والجنابة (٤) واحد » قال : وسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحائض عليها غسل مثل غسل الجنب (٥) ؟ قال : « نعم » .

وبهذا الإسناد عن ابن فضال (٦) ، عن علي بن أسباط ، عن عمه يعقوب بن سالم الأحمر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

__________________

(١) في « رض » : الميّت .

(٢) في « رض » : فقال .

(٣) في الاستبصار ١ : ٩٨ / ٣١٦ : غسّل .

(٤) في الاستبصار ١ : ٩٨ / ٣١٧ : الجنابة والحيض .

(٥) في « رض » : الجنابة .

(٦) في الاستبصار ١ : ٩٨ / ٣١٨ : علي بن فضال .


سألته أعليها غسل مثل غسل الجنب (١) ؟ قال : « نعم » يعني الحائض .

وقد استوفينا ما يتعلق بوجوب هذه الأغسال في كتاب تهذيب الأحكام (٢) ، وتكلمنا علىٰ ما يخالف ذلك علىٰ غاية الشرح ، غير أنّا ذكرنا هاهنا جملاً من الأخبار في ذلك فيها كفاية إن شاء الله تعالىٰ .

السند‌ :

في الأوّل : فيه محمد بن عيسىٰ عن يونس ، وقد تقدم القول فيه (٣) ، وفيه أيضاً الإرسال .

والثاني : فيه من ذكرناه سابقاً بما يغني عن الإعادة .

وذكرنا أيضاً أنّ محمد بن عبد الله بن زرارة ربما استفيد من ترجمة الحسن بن عليّ فضال في النجاشي مدحه (٤) ، بل قيل : باستفادة التوثيق (٥) أيضاً ، لأنّ النجاشي بعد أن ذكر حديثاً في شأن ابن فضّال قال : وقال ابن داود ـ يعني محمد بن أحمد الثقة ـ في تمام الحديث : فدخل عليّ بن أسباط فأخبره محمد بن الحسن بن الجهم الخبر ، قال : فأقبل عليّ بن أسباط يلومه ، قال : فأخبرت أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضال بقول محمد بن عبد الله ـ يعني ابن زرارة ـ فقال : حرّف محمد بن عبد الله علىٰ أبي ، قال : وكان والله محمد بن عبد الله أصدق عندي لهجة من أحمد بن

__________________

(١) في « رض » : الجنابة .

(٢) التهذيب ١ : ١٠٣ .

(٣) راجع ج ١ : ٧٦ ـ ٨٤ .

(٤) رجال النجاشي : ٣٤ / ٧٢ .

(٥) منهج المقال : ١٠٥ .


الحسن ، فإنّه رجل فاضل ديِّن (١) .

وهذا الكلام من ابن داود الثقة ، إلّا أنّ في استفادة التوثيق تأمّلاً .

أمّا ما قاله جدّي قدس‌سره : من أنّ محمد بن عبد الله مجهول (٢) . ففيه نظر بعد ما سمعته .

وأمّا علي بن فضال فهو ثقة فطحيّ .

والثالث : قد تقدم القول في رجاله ، غير أنّا أهملنا القول في أبي بصير نظراً إلىٰ أنّي أفردت له تفصيلاً في بعض ما جمعته في الرجال .

والذي ينبغي بيانه هنا أنّ الرجل المذكور في كتب الرجال مشترك بين جماعة .

منهم : أبو بصير ليث المرادي الثقة الإمامي (٣) .

ومنهم : أبو بصير يوسف بن الحرث من أصحاب الباقر عليه‌السلام (٤) ، بتريّ علىٰ ما في الخلاصة وكتاب الشيخ في الرجال (٥) ، وفي بعض نسخ الكشي أبو نصر بالنون (٦) .

ومنهم : أبو بصير عبد الله بن محمد الأسدي وهو في الكشي مذكور (٧) ، ونقله ابن داود عن رجال الشيخ فيمن روىٰ عن الباقر عليه‌السلام (٨) ،

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٤ / ٧٢ .

(٢) حواشي الشهيد الثاني علىٰ الخلاصة : ٥ ( مخطوط ) .

(٣) خلاصة العلّامة : ١٣٧ .

(٤) هداية المحدثين : ٢٧٢ ، وفيه : يوسف بن الحارث .

(٥) خلاصة العلّامة : ٢٦٥ / ١ ، رجال الطوسي : ١٤١ / ١٧ .

(٦) رجال الكشي ٢ : ٦٨٨ ، إلّا أنّ فيه : ابو نصر بن يوسف بن الحارث بتري .

(٧) رجال الكشي ١ : ٤٠٩ .

(٨) رجال ابن داود : ٢١٤ / ٩ .


والذي يقتضيه النظر أنّه موهوم من الكشي واختيار الشيخ له ، لأنّه قال : في أبي بصير عبد الله بن محمد الأسدي ، وذكر روايتين لا تعلق لهما به .

ومنهم : أبو بصير يحيىٰ بن القاسم الأسدي وهو ثقة كما ذكره النجاشي ، قال : وقيل : أبو محمد ، روىٰ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، وقيل : يحيىٰ بن أبي القاسم ، واسم أبي القاسم إسحاق ، وروىٰ عن أبي الحسن موسىٰ عليه‌السلام (١) .

والشيخ في الفهرست قال : يحيىٰ بن القاسم يكنىٰ أبا بصير (٢) .

وفي رجال الباقر عليه‌السلام من كتابه قال : يحيىٰ بن أبي القاسم يكنىٰ أبا بصير مكفوف ، واسم أبي القاسم إسحاق (٣) .

وفي رجال الصادق عليه‌السلام قال : يحيىٰ بن القاسم أبو محمد يعرف بأبي بصير الأسدي مولاهم كوفيّ تابعيّ مات سنة خمسين ومائة بعد أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) .

وفي رجال الكاظم قال : يحيىٰ بن القاسم الحذّاء واقفي (٥) . ثم قال بعد ذكر رجل : يحيىٰ بن أبي القاسم يكنّىٰ أبا بصير (٦) .

والعلّامة في الخلاصة قال : يحيىٰ بن القاسم الحذّاء من أصحاب الكاظم عليه‌السلام ، وكان يكنىٰ أبا بصير ، وقيل : إنّه أبو محمد ، اختلف قول علمائنا فيه ، فالشيخ الطوسي رحمه‌الله قال : إنّه واقفي . وروىٰ الكشي‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٤١ / ١١٨٧ .

(٢) الفهرست : ١٧٨ / ٧٧٦ .

(٣) رجال الطوسي : ١٤٠ / ٢ .

(٤) رجال الطوسي : ٣٣٣ / ٩ ، وفيه أبو نصير ، بالنون .

(٥) رجال الطوسي : ٣٦٤ / ١٦ .

(٦) رجال الطوسي : ٣٦٤ / ١٨ .


ما يتضمن ذلك قال : وأبو بصير يحيىٰ بن القاسم الحذّاء الأزدي هذا يكنىٰ أبا محمد (١) . انتهىٰ ملخّصاً .

وذكر جدّي قدس‌سره في فوائده علىٰ الخلاصة : أنّ الأقوىٰ العمل بروايته ، لتوثيق النجاشي له ، وقول الكشي : إنّه أحد من (٢) اجتمعت العصابة علىٰ تصديقه والإقرار له بالفقه . وقول الشيخ رحمه‌الله معارض بما ذكره النجاشي : من أنّه مات سنة خمسين ومائة ، فإنّ ذلك يقتضي تقدم وفاته علىٰ وفاة الكاظم عليه‌السلام بثلاث وعشرين سنة .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الذي يقتضيه النظر أنّ أبا بصير إذا روىٰ عن الباقر عليه‌السلام فهو مشترك بين غير الموثق : وهو يوسف بن الحرث علىٰ تقدير ثبوت الكنية بأبي بصير ، وعبد الله بن محمد الأسدي ، قد عرفت أنّه موهوم ، فلم يبق إلّا الاشتراك بين الإمامي الثقة وبين يحيىٰ بن القاسم الواقفي علىٰ قول الشيخ ، وكلام النجاشي له رجحان علىٰ جرح الشيخ ، كما حققناه في موضعه ، وعلىٰ تقدير العدم فهو مشترك بين الإمامي الثقة والواقفي الثقة إذا روىٰ عن الصادق عليه‌السلام (٣) .

وأمّا ما ذكره الشيخ في كتاب الرجال ممّا يقتضي المغايرة بين ابن أبي القاسم وابن القاسم فالتأمل في كلام النجاشي يدفعه ويفيد الاتحاد .

وقول جدّي قدس‌سره منظور فيه ، إذ لا منافاة بين الوقف والثقة علىٰ تقدير ردّ ما ذكرناه من ترجيح كلام النجاشي ، وما قاله من قصة الموت في حياة الكاظم عليه‌السلام قد يدفع بأنّ الوقف قد يكون في حياة الكاظم عليه‌السلام كما

__________________

(١) خلاصة العلّامة : ٢٦٤ / ٣ .

(٢) في « رض » : ممن .

(٣) هداية المحدثين : ٢٧٢ .


تدل عليه بعض الأخبار والآثار الواردة عن الواقفة .

نعم روىٰ الشيخ في هذا الكتاب والتهذيب ما يتضمن القدح في أبي بصير المكفوف ، وهو ما رواه عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن ابن أبي عمير ، عن شعيب قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة لها زوج فقال : « يفرّق بينهما » فقلت : فعليه ضرب ؟ قال : « لا ما له يضرب » فخرجت من عنده وأبو بصير بحيال الميزاب ، فأخبرته بالمسألة والجواب ، فقال لي : أين أنا ؟ فقلت : بحيال الميزاب ، قال : فرفع يده وقال : وربّ هذا البيت ، أو : وربّ هذه الكعبة لسمعت جعفراً يقول : « إن عليّاً عليه‌السلام قضىٰ في الرجل تزوّج امرأة لها زوج فرجم المرأة وضرب الرجل الحدّ » ثم قال : لو علمت أنّك علمت لفضخت (١) رأسك بالحجارة ، ثم قال : ما أخوفني أن لا يكون اُوتي علمه (٢) .

وهذا الخبر يعطي القدح في أبي بصير المكفوف بما لا يخفىٰ .

والكشي روىٰ نحو هذا الحديث عن شعيب (٣) ، لكنّه اضطرب في نقل أخبار (٤) .

فحصل نوع تخليط بين حال أبي بصير ليث المرادي وحال غيره كما يعلم من مراجعته ، ولولا خوف الخروج عن سلوك الاختصار لذكرتها ، وإنّما ذكرت ما ذكرته هنا لئلّا يخلو الكتاب من القول في أبي بصير ممّا لا بد

__________________

(١) الفضخ : كسر الشي‌ء الأجوف . . . ومنه : فضخت رأسه بالحجارة ، مجمع البحرين ٢ : ٤٤٠ ( فضخ ) .

(٢) التهذيب ١٠ : ٢٥ / ٧٦ ، الاستبصار ٤ : ٢٠٩ / ٧٨٢ ، الوسائل ٢٨ / ١٢٨ أبواب حد الزنا ب ٢٧ ح ٧ .

(٣) رجال الكشي ١ : ٤٠١ / ٢٩٢ .

(٤) كذا في النسخ ، والأنسب : الأخبار .


منه ، لاشتمال أكثر الأسانيد عليه ، وترك التعرض لذلك سابقاً لظن عدم الحاجة . والله تعالىٰ أعلم بحقائق الاُمور .

المتن :

في الأوّل ظاهره لا يخلو من إشكال لأنّ الفرض كثيراً ما يراد به الثابت بالقرآن ، وغير الجنابة لا يتم إرادته في الظاهر ، وحينئذ يراد به الوجوب ، وانحصاره في الثلاثة غير واضح الوجه لوجوب أغسال اُخر ضرورة .

والجواب أنّ الشيخ روىٰ في التهذيب : عن الشيخ ـ أيده الله ـ عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين ابن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « الغسل في سبعة عشر موطناً : ليلة سبع عشرة من رمضان » وساق الحديث في ذكر الأغسال المسنونة ، إلىٰ أن قال : « ويوم تُحرِم ، ويوم الزيارة ، ويوم تدخل البيت ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، وإذا غسلت ميتاً أو كفّنته أو مسسته بعد ما يبرد ، ويوم الجمعة ، وغسل الجنابة فريضة ، وغسل الكسوف إذا احترق القرص كلّه فاغتسل » (١) .

وهذا الحديث كما ترىٰ يدل علىٰ أنّ السبعة عشر المجملة في الخبر المبحوث عنه غير أغسال النساء من الحيض والاستحاضة والنفاس ، وخصّ غسل الجنابة فيه بكونه فريضة ، فيتم ما ذكره الشيخ : من أنّ غسل الإحرام ثوابه ثواب الفرض علىٰ تقدير عدم رجحان ما يدل علىٰ وجوبه .

__________________

(١) التهذيب ١ : ١١٤ / ٣٠٢ ، الوسائل ٣ : ٣٠٧ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ١١ .


غاية الأمر أنّه يتوجه علىٰ الشيخ أنّ الحديث المفصّل دل علىٰ بيان الأغسال المسنونة ، وخصّ من بينها الجنابة بالفريضة ، فإخراج غسل من مسّ ميتاً إلىٰ الوجوب محل كلام .

ويجاب : بأن الأخبار الدالة علىٰ وجوب غسل المسّ هي المخرجة ، كما أنّ الأخبار الدالة علىٰ عدم وجوب غسل الإحرام عند الشيخ أدخلته في المسنون بمعنىٰ (١) المستحب .

وإنّما يبقىٰ سؤال اختصاص غسل الإحرام باسم الفرض مع كونه مستحباً ، وجواب الشيخ بأنّ ثوابه ثواب الفرض محل كلام ، إذ المستحب مستبعد بلوغه مرتبة الواجب ، ولعل الاستبعاد يندفع بوجود الدليل عليه ، إلّا أنّ إثباته من مجرد تسميته فريضة مشكل ، لجواز إرادة زيادة الثواب عن غيره من المستحبات وإن لم يصل إلىٰ حدّ الواجب ، إلّا أن يقال : إنّ إطلاق الفرض عليه يقتضي المساواة ، وفيه ما فيه .

ثم إنّ إطلاق الفرض علىٰ غسل من مسّ ميتاً يراد به الوجوب ، وحينئذ قد يستبعد استعمال الفرض في معاني مختلفة في بعضها حقيقة وبعضها مجاز .

ويدفعه أنّ الممنوع ( منه ) (٢) إرادة الحقيقة والمجاز من لفظ واحد ، علىٰ أنّ المنع ليس علىٰ الإطلاق أيضاً كما حقق في الاُصول .

وما عساه يقال : إنّ استعمال اللفظ الموهم لغير ما هو مطلوب منه ينافي الحكمة .

يمكن الجواب عنه : بأنّه من قبيل المجمل ، وتأخير البيان عن وقت

__________________

(١) في « رض » : يعني .

(٢) ليس في « رض » .


الحاجة غير معلوم ، والممنوع منه ذلك ، كما بينّاه فيما سبق ، حيث ظن شيخنا قدس‌سره من بعض ما حمله الشيخ في الأخبار أنّ فيه ألغازاً و ( تأخيراً للبيان عن ) (١) وقت الحاجة .

وأنت إذا تأمّلت ما قلناه ترىٰ أنّ غالب الأخبار المطلقة والمجملة والمقيدة والمبيّنة من هذا القبيل فلا محذور ، فلولا ما قلناه لانسدّ باب حمل المطلق علىٰ المقيد ، فينبغي إنعام (٢) النظر في هذا المقام فإنه حريّ بالتأملّ التام .

وما تضمنه الخبر الثاني من قوله : عليها غسل مثل غسل الجنب ، محتمل لأن يراد به السؤال عن الكيفيّة ، فيكون السائل عالماً بالوجوب وإنّما السؤال عن الكيفية ، ويحتمل أن يراد السؤال عن الوجوب ، أي كما يجب عليها غسل الجنابة يجب عليها غسل الحيض ، والجنب يقال علىٰ الواحد المذكر والمؤنث ، صرّح به ابن الأثير في إحكام الأحكام ، إلّا أنّ الاحتمال الأوّل أقرب ، ولزوم السؤال عن الضروري فيتعين الأوّل ربما كان مشترك الإلزام .

وعلىٰ الاحتمال الأوّل قد يستفاد من الخبر ـ بتقدير العمل به ـ عدم وجوب الوضوء مع غسل الحيض ، بل عدم مشروعيّته إلّا علىٰ وجه غير خفي .

ويمكن أن يقال : إنّ السؤال عن كيفية الغسل ، والوضوء خارج عنها ، فإذا دل عليه الدليل عمل به ، فليتأمّل .

__________________

(١) ما بين القوسين في « رض » هكذا : تأخير البيان .

(٢) أنعم في الأمر : بالغ كأمعن ، وأنعم النظر في كذا أي : حقّق النظر وبالغ فيه . أقرب الموارد : ٢ / ١٣٢١ .


ثم إنّ الخبر الثالث فيه الاحتمالان والأقربية .

فإن قلت : إطلاق الجنب علىٰ المذكر والمؤنث لا دخل له في توجيه الاحتمال ، لأنّ المذكور في كلام ابن الأثير أنّه يجوز أن يقال : إمرأة جنب ورجل جنب ، والمقصود هنا في السؤال أنّ المرأة عليها غسل مثل غسل الجنب بمعنىٰ غسل الجنابة ، فالأولىٰ إثبات إطلاق الجنب علىٰ الجنابة ، وليس هذا ثابتاً .

قلت : مرادنا بالاحتمال أنّ الجنب إذا صدق علىٰ الاُنثىٰ أفاد السؤال أنّ الحائض عليها غسل مثل ما عليها حال كونها جنباً ، أو مثل غسل المرأة الجنب ، ووجه الاحتياج إلىٰ هذا أنّ المشابهة للرجل بعيدة ، نعم يحتمل إرادة الجنابة ، ويتم المطلوب .

قال :

فأمّا ما رواه محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن الحسن بن الحسين (١) اللؤلؤي ، عن أحمد بن محمد ، عن سعد بن أبي خلف قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « الغسل في أربعة عشر موطناً ، واحد فريضة والباقي سنّة » .

فالمعنىٰ فيه أنّ واحداً منها فريضة بظاهر القرآن وإن كانت هناك أغسال اُخر يعلم فرضها بالسنّة .

__________________

(١) في التهذيب ١ : ١١٠ / ٢٨٩ ، والاستبصار ١ : ٩٨ / ٣١٩ : الحسين بن الحسن اللؤلؤي ولعله تحريف فيهما والصحيح الحسن بن الحسين كما يعرف من تتبع كتب الرجال ، راجع رجال النجاشي : ٤٠ / ٨٣ و ٣٤٨ / ٩٣٩ ، ورجال الطوسي : ٤٦٩ / ٤٥ ، ومعجم رجال الحديث ٤ : ٣٠٨ / ٢٧٨٤ وج ٥ : ٢١٩ / ٣٣٦٢ .


فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن علي بن خالد ، عن محمد بن الوليد ، عن حماد بن عثمان ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « ليس علىٰ النفساء (١) غسل في السفر » .

فالوجه فيه أنّه ليس عليها غسل ( إذا لم تتمكن من استعمال الماء إمّا لتعذره أو لحاجتها إليه أو مخافة البرد ، وليس المراد به أنّه ليس عليها غسل ) (٢) علىٰ كل حال .

السند‌ :

في الأوّل : الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، وقد وثقه النجاشي (٣) ، وذكر في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيىٰ : أن محمد بن الحسن بن الوليد استثنىٰ من رواية محمد بن أحمد بن يحيىٰ ما ينفرد به الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، وقال : قال أبو العباس بن نوح : وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك كله ، وتبعه أبو جعفر ابن بابويه (٤) .

والشيخ رحمه‌الله قال في كتاب الرجال في من لم يرو عن أحد من الأئمة عليهم‌السلام : الحسن بن الحسين اللؤلؤي يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، ضعّفه ابن بابويه (٥) .

وفي نظري القاصر أنّ توثيق النجاشي لا معارض له ، وإنّما ظنّ الشيخ من استثنائه الضعف ، وهو غير ظاهر ، بل يحتمل أن يكون الاستثناء لغير

__________________

(١) في النسخ : النساء ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٩٩ / ٣٢٠ .

(٢) ما بين القوسين ساقط من « رض » .

(٣) رجال النجاشي : ٤٠ / ٨٣ .

(٤) رجال النجاشي : ٣٤٨ / ٩٣٩ .

(٥) رجال الطوسي : ٤٦٩ / ٤٥ .


ذلك كما في محمد بن عيسىٰ ، إلّا أنّ قول ابن نوح : وقد أصاب شيخنا أبو جعفر في ذلك كله ، وتبعه أبو جعفر بن بابويه إلّا في محمد بن عيسىٰ بن عبيد ، فلا أدري ما رأيه (١) فيه ، لأنّه كان علىٰ ظاهر العدالة والثقة . فإنّ هذا الكلام يعطي أنّ المذكورين ليسوا بثقات ، فيفيد الطعن في الحسن بن الحسين اللؤلؤي .

وقد يقال : إنّ كلام ابن نوح في قوله : فما أدري ما رأيه فيه . يدل علىٰ أنّه لم يعلم من الاستثناء إرادة الضعف ، وإلّا فلا وجه لقوله : لا أدري ما رأيه فيه ، اللّهم إلّا أن يقال : إنّ مراده بقوله : لا أدري ما رأيه فيه . أنّي لا أعلم وجه ضعفه مع كونه علىٰ ظاهر العدالة ، فيكون قد فهم الضعف .

وأنت خبير بأن كلامنا في قول الشيخ : إنّ ابن بابويه ضعّفه . والموجود هو الاستثناء من الرواية عنه ، وهو أعم ، وربما كان ظنّ ابن نوح كما ظنّ الشيخ ، وغير بعيد إرادة الضعف لولا أن النجاشي ظاهر توثيقه عدم فهمه الضعف ، والنجاشي أثبت من غيره كما يعلم من رجاله (٢) . ( هذا ، وقد قدّمنا في أوّل الكتاب كلاماً في أنّ المتقدّمين إنّما يعملون بالأخبار مع القرائن مثل كونها مأخوذة من أصل معتمد ، واستثناء من ذكر يقتضي أن العمل بالخبر ليس من جهة القرائن ، بل من نفس الخبر إذا كان رواته معتمداً عليهم ، ولولا هذا لما كان للاستثناء فائدة ، وقول ابن الوليد في ما نحن فيه : ما ينفرد به الحسن . . . ، كذلك ؛ لأنّ ما ينفرد به هو وغيره لا يعمل به .

ثمّ إنّ ظاهر الكلام يقتضي المغايرة بين الحسن بن الحسين وبين غيره من المذكورين ؛ لأنّ ما ينفرد به الحسن يقتضي أن يكون راوياً عن

__________________

(١) في المصدر : ما رابه .

(٢) في « فض » و « د » : حاله .


محمّد بن أحمد بن يحيىٰ ، وغيره يقتضي أن يكون محمّد راوياً عنهم . اللّهم إلّا أن يقال : إنّ الأصل : ما ينفرد به عن الحسن بن الحسين ، ولفظ « عن » سقط ، أو يؤوّل بما يرجع إلىٰ الموافقة ، وعلىٰ كل حال فقد أجبنا في ما مضىٰ عن الإشكال ، فليراجع .

وعلىٰ أن يقال هنا : إنّ الردّ لما ذكر من حيث الانفراد إنّما هو عند المتقدّمين ، لعدم علمهم بالخروج حيث هو ، وأمّا المتأخّرون القائلون بالصحيح عندهم لا يضرّهم قول ابن الوليد ، كل قائل علىٰ قاعدته .

ومن هنا يعلم إمكان القول بقبول رواية محمّد بن عيسىٰ عن يونس عند المتأخّرين ، لأنّ الفرض توثيق كل من الرجلين ، والاستثناء [ لا ] يعلم وجهه بحيث لا يفيد القدح ، بل احتمال عدم القرائن له ظهور وممّا نبّه علىٰ هذا ما نحن فيه ، فليتأمّل ) (١) . والله تعالىٰ أعلم بالحال .

وأحمد بن محمد المذكور كأنّه ابن أبي نصر ، ويحتمل ابن عيسىٰ ، بل وغيره أيضاً .

وأمّا سعد بن أبي خلف فهو ثقة من غير ارتياب .

وفي الثاني : علي بن خالد ، وذكره الشيخ المفيد في إرشاده قائلاً : إنّه كان زيديّاً ثم رجع (٢) . ولا يخفىٰ أنّ هذا غير نافع (٣) .

وأمّا محمد بن الوليد فالظاهر أنّه الخزّاز الذي وثّقه النجاشي ، لأنّه قال : إنّه روىٰ عن حماد بن عثمان (٤) . وما قاله الكشي : من أنّ محمد بن

__________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من « د » .

(٢) إرشاد المفيد ٢ : ٢٩١ .

(٣) في « رض » : مانع .

(٤) رجال النجاشي : ٣٤٥ / ٩٣١ .


الوليد الخزاز من الفطحية في جملة آخرين (١) ، فالظاهر أنّه ما ذكره النجاشي ، كما قاله العلّامة في الخلاصة (٢) ، غير أنّ النجاشي مرجح علىٰ غيره ، وعدم ذكر كونه فطحياً يدل علىٰ تحقق العدم عنده ، لا أنّه لا منافاة بين الحكم منه بالثقة وقول الكشي : إنّه فطحي . كما ظنه بعض المتأخّرين (٣) ، لأنّ النجاشي لو لم يتعرض في كتابه لذكر الفطحية وأضرابهم أمكن ذلك ، إلّا أنّ الواقع خلافه ، وقد ذكرنا هذا فيما مضىٰ ، نعم فيه احتمال الاشتراك بين ضعيف وثقة (٤) ، إلّا أنّ قرينة التعيين قد سمعتها ، وإن كان باب الاحتمال واسعاً .

المتن :

في الأوّل : ما ذكره الشيخ فيه واضح .

وأمّا الثاني : فقد يتوجه علىٰ ما قاله الشيخ أنّ تخصيص النفساء بعدم الغسل في السفر إذا لم يحصل التمكن من الماء غير ظاهر الوجه ، ويجاب بأنّ مظنّة الضرر لها أقوىٰ فلهذا خُصّت ، أو لغير ذلك من وجوه التخصيص ، ولا يراد نفي الحكم عمّا عداها ؛ وغير ما ذكره الشيخ بعيد أيضاً بأن يراد غسل الجمعة كما يفهم من بعض الأخبار ، أو مطلق الغسل المندوب ، والأمر سهل .

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٨٣٥ .

(٢) خلاصة العلّامة : ١٥١ / ٦٩ .

(٣) كالجزائري في حاوي الأقوال ٣ : ٢٢٨ .

(٤) هداية المحدثين : ٢٥٧ .


قال :

باب وجوب غسل الميت وغسل من مسّ ميتاً‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسىٰ ، عن حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من غسّل ميتاً فليغتسل » قال : « وإن مسّه ما دام حارّاً فلا غسل عليه (١) ، وإذا برد ثم مسّه فليغتسل » قلت : علىٰ من أدخله القبر ؟ قال : « لا [ غسل عليه ] (٢) إنّما يمسّ الثياب » .

وبهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « يغتسل الذي غسّل الميت ، وإن قبّل الميت إنسان بعد موته وهو حارّ فليس عليه غسل ، ولكن إذا مسّه أو قبّله (٣) وقد برد فعليه الغسل ، ولا بأس أن يمسّه بعد الغسل ويقبّله » .

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن محمد بن عيسىٰ ، عن القاسم الصيقل قال : كتبت إليه : جعلت فداك هل اغتسل أمير المؤمنين عليه‌السلام حين غسّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند موته ؟ فأجابه : « النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله طاهر مطهّر ، ولكن أمير المؤمنين عليه‌السلام فعل وجرت به السنّة » .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٩٩ / ٣٢١ : بتفاوت .

(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه من الاستبصار ١ : ٩٩ / ٣٢١ .

(٣) في الاستبصار ١ : ٩٩ / ٣٢٢ : وقبّله .


الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عاصم بن حميد قال : سألته عن الميت إذا مسّه الإنسان أفيه غسل ؟ قال : فقال : « إذا مسست جلده (١) حين يبرد فاغتسل » .

سعد بن عبد الله ، عن أيوب بن نوح ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا قطعت (٢) من الرجل قطعة فهي ميتة ، فإذا مسّه الإنسان فكلّ ما كان فيه عظم فقد وجب علىٰ من يمسّه الغسل ، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه » .

السند‌ :

في الأوّل : حسن .

وفي الثاني : فيه سهل بن زياد .

والثالث : فيه القاسم الصيقل ، وهو مذكور مهملاً في رجال الهادي عليه‌السلام من كتاب الشيخ (٣) ؛ وأمّا محمد بن عيسىٰ فقد تقدم القول فيه (٤) .

والرابع : ليس فيه ارتياب ، والإضمار لا يضر بالحال كما قدّمناه .

والخامس : مرسل .

المتن :

في الأوّل ظاهر الدلالة علىٰ وجوب غسل المسّ إن ثبت كون الأمر حقيقة في الوجوب .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٠٠ / ٣٢٤ : جسده .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٠٠ / ٣٢٥ : قُطع .

(٣) رجال الطوسي : ٤٢١ / ١ .

(٤) في ص ٧٦ ـ ٨٤ .


وما تضمنه من قوله : « إنّما يمسّ الثياب » لا يخلو من إجمال ، وقد ذكر شيخنا قدس‌سره في فوائده علىٰ الكتاب ما هذا لفظه : لعل المراد أنّ من أدخله القبر لا يمسّ الميت وإنّما يمسّ الثياب ، فلا وجه للسؤال عن كونه موجباً للغسل ، وإن كان مسّ الميت في هذه الحالة بعد التغسيل لا يوجب الغسل أيضاً ، ولو قلنا باستحباب الغسل بمسّه بعد التغسيل كما تضمنته رواية عمار لم يحتج إلىٰ هذا التكلّف . انتهىٰ .

وفي نظري القاصر أنّ هذا التوجيه لا حاجة إليه بل غير تام ، لأنّ الخبر الذي قدّمنا نقله عن الشيخ في التهذيب (١) الوارد في تعداد الأغسال السبعة عشر صحيح عند شيخنا قدس‌سره وقد تضمن الغسل لتكفين الميت في جملة تعداد الأغسال المسنونة (٢) ، وحينئذ يراد بهذا الحديث نفي الغسل المستحب ، لأن (٣) المُدخل له في القبر إنّما يمسّ الثياب ، فلا حاجة إلىٰ العمل بخبر عمار الآتي ، بل هو مؤيد .

وما عساه يقال : إنّ الخبر الدال علىٰ الغسل للتكفين يجوز أن يكون المراد به الاستحباب لنفس التكفين لا لمسّ الميت الذي قد غسّل ، فلا يتم المطلوب .

يمكن الجواب عنه : بأنّ الخبر إذا لم يكن صريحاً فيما ذكر فليحمل علىٰ هذا (٤) الذي يستفاد من هذا الخبر ، ويكون من قبيل المطلق والمقيد .

وتظهر فائدة ما ذكرناه فيما لو كفّنه إنسان بدون مسّ جسمه ، فإنّ

__________________

(١) في ص ١٠٥ .

(٢) مدارك الاحكام ٢ : ١٦٥ .

(٣) في النسخ : لأنّه ، والأنسب ما أثبتناه .

(٤) ليس في : « رض » و « د » .


الغسل يستحب علىٰ ظاهر الخبر السابق ، ولا يستحب علىٰ ظاهر هذا الخبر ، وعلىٰ قدير حمل المطلق علىٰ المقيد يتحد المآل ، غير أنّ لقائل أن يقول : هذا الخبر فيه باب الاحتمال واسع ، ومعه لا يتم التقييد لذلك الخبر . وفيه : أنّ الظهور لا ينكر من هذا الخبر ، مضافاً إلىٰ تأييد خبر عمّار (١) ، فليتأملّ .

وأمّا الثاني : فمدلوله (٢) ظاهر ، وما تضمنه من أنّه لا بأس أن يمسّه ويقبّله بعد الغسل فلا ينافي استحباب الغسل كما هو واضح .

وأمّا الثالث : فلا يخلو ظاهره من إجمال من حيث قوله : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام فعل وجرت به السنّة » ولعلّ المراد أنّ السنّة جرت بغسل المسّ ، لا من حيث اغتسال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، واحتمال كون السنّة جرت بسبب فعله يشكل بأنّ الأحكام بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تبتدأ ، اللّهم إلّا أن يقال : إنّ الحكم كان في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واقعاً لكن علّق علىٰ فعل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أو أنّ الأمر فوّض إلىٰ أمير المؤمنين عليه‌السلام من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فله جهتان ، فليتأملّ .

وأمّا الرابع : فهو صريح الدلالة علىٰ أنّ موجب الغسل مسّ الجلد (٣) ، فلو مسّ الشعر أو الظفر لا يجب الغسل ، أمّا المسّ بالشعر والظفر للجلد فيحتمل عدم وجوب الغسل به ، إذ لا يصدق المسّ ، ويحتمل الوجوب ، لأنّ اعتبار الإحساس لا دليل عليه ، وفيه ما فيه .

ومن هنا يعلم أنّ ما ذكره بعض المتأخرين : من أنّ مسّ العظم‌ المجرّد المتصل بالميت موجب للغسل ، لظهور صدق مسّ الميت بمسّ

__________________

(١) في « رض » : عثمان .

(٢) في « فض » : مدلوله .

(٣) في « رض » : الجسد .


جزء منه (١) . محل بحث .

إلّا أن يقال : إنّ هذا الخبر لا يدل علىٰ الحصر في مس الجلد ، إذ اللحم خارج عنه مع وجوب الغسل بمسه قطعاً .

وفيه : أنّ ما خرج بالإجماع لا يضر بالحال ، وكونه ينافي الحصر إنمّا يتم علىٰ تقدير إرادة الحصر من اللفظ ، والمراد أنّ مفهومه عام فإذا خصّ العام لا مانع منه .

ومثل هذا القولُ في مسّ السنّ من الميت حال الاتصال ، فإنّ بعض الأصحاب حكم بوجوب الغسل حالته دون حال الانفصال ، مستدلّاً بالأصل في الثاني (٢) ، ولا يخفىٰ عليك الحال .

وأمّا الخامس : فقد استدل به المحقق في المعتبر علىٰ وجوب الغسل بمسّ القطعة ذات العظم ، وعدمه عند عدم العظم ، ونَقَل عن الشيخ في الخلاف دعوىٰ الإجماع علىٰ ذلك ، قال المحقق رحمه‌الله بعد نقل الرواية : والذي أراه التوقف في ذلك ، فإنّ الرواية مقطوعة ، ودعوىٰ الشيخ الإجماع لم تثبت ، فإذاً الأصل عدم الوجوب (٣) .

وأجاب في الذكرىٰ بأنّ هذه القطعة جزء من جملة يجب الغسل بمسّها ، وكل دليل دل علىٰ وجوب الغسل بمسّ الميت فهو دال عليها ، وبأنّ الغسل يجب بمسّها متصلة فلا يسقط بالانفصال ، وبأنّه يلزم عدم الغسل لو مسّ جميع الميت ممزّقاً (٤) .

وفي ما قاله نظر‌ :

__________________

(١) الدروس ١ : ١١٧ .

(٢) الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٢١٢ .

(٣) المعتبر ١ : ٣٥٢ .

(٤) الذكرىٰ ٢ : ٩٧ بتفاوت يسير .


أمّا الأوّل : فلأنّ المتبادر من مسّ الميت هو الجملة ، وهي غير الأجزاء .

أمّا ما قاله شيخنا قدس‌سره : من أنّه لو تم ما قاله الشهيد رحمه‌الله لزم وجوب الغسل بمسّ اللحم المجرّد عن العظم . ففيه : أنّه إذا خرج بالدليل لا يضر بالحال ، وقد صرح قدس‌سره : بأنّه لا قائل به (١) . وذلك كاف في التوجيه .

وأمّا الثاني : فلأنّ وجوب الغسل بمسّ المتصل لصدق اسم الجملة .

وأمّا الثالث : فيمنع (٢) بطلان اللازم إن لم يقع عليه إجماع ، وإن وقع فهو المخرج ، علىٰ أنّ اللازم ممّا قاله الشهيد رحمه‌الله الاختصاص بالمبانة من الميت ، وقد قيل : إن المدعىٰ أعم .

وربما (٣) يقال : إنّ الأخبار قد دلّت علىٰ أنّ من غسّل الميت عليه غسل ، وفي معتبر الأخبار ما يدل علىٰ أنّ الرجل الذي يأكله السبع وتبقىٰ عظامه بغير لحم يغسّل (٤) ، وحينئذ يدخل في عموم الأخبار الدالة علىٰ أنّ من غسّل الميت عليه الغسل (٥) ، إلّا أنّه يمكن الجواب بأنّ المتبادر من العموم غير ما ذكر .

ومن هنا يعلم أنّ ما قاله شيخنا قدس‌سره من عدم وجوب الغسل بمس العظم المجرد ، خلافاً للشهيد في الذكرىٰ حيث ذهب إلىٰ وجوب الغسل بمسّه لدوران الغسل معه وجوداً وعدماً (٦) . محل بحث ، لا لما قاله الشهيد

__________________

(١) المدارك ٢ : ٢٨٠ .

(٢) في « رض » : فنمنع .

(٣) في « رض » : وقد .

(٤) التهذيب ١ : ٣٣٦ / ٩٨٣ ، الوسائل ٣ : ١٣١ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٨ ح ١ .

(٥) الوسائل ٣ : ٢٨٩ أبواب غسل المس ب ١ .

(٦) مدارك الاحكام ٢ : ٢٨٠ .


فإنّه واضح الردّ ، بل لما قلناه ، غير أنّ دفعه قد سمعته ، ولا يخلو من كلام .

وفي الخبر الذي أشرنا إليه أنّ الميت إذا كان نصفين صلّىٰ علىٰ النصف الذي فيه القلب (١) ، وظاهر الرواية أنّ الحكم بعد التغسيل ، وحينئذ يتناول العموم مثل هذا ، فيحتمل وجوب الغسل بمسّه لما قلناه ، وعلىٰ قول شيخنا قدس‌سره لا يجب لعدم تحقق الجملة .

إذا عرفت هذا كله فاعلم أن العلّامة في المختلف قال : المشهور بين علمائنا وجوب الغسل علىٰ من مسّ ميتاً من الناس قبل تطهيره بالغسل وبعد برده بالموت ـ إلىٰ أن قال ـ : وقال السيد المرتضىٰ رحمه‌الله : إنّه مستحب . ونقله عن الشيخ في الخلاف ، ونقل الاحتجاج له بالأصل وبرواية سعد بن أبي خلف السابقة (٢) حيث قال فيها : « الغسل في أربعة عشر موطناً واحد فريضة والباقي سنّة » .

وأجاب العلّامة عن الأصل بأنّه إنّما يعمل به ما لم يدل الدليل علىٰ خلافه ، وقد بينا فيما تقدم الدلالة علىٰ خلافه ، وعن الرواية بأنّ المراد بالسنّة ما ثبت من جهة السنّة لا من طريق القرآن ، فإنّ غسل الحيض والاستحاضة والنفاس واجب عندنا ، فلا يجوز حمل السنّة هنا علىٰ الندب (٣) . انتهىٰ .

ولا يخفىٰ عليك الحال أنّ السيد لو استدل بالرواية وكانت مصرحة بأنّ الأربعة عشر من جملتها الحيض والاستحاضة والنفاس كان كلام العلّامة

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٣٧ / ٩٨٥ ، الوسائل ٣ : ١٣٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٨ ح ١١ .

(٢) في ص ١٠٨ .

(٣) المختلف ١ : ١٤٩ ـ ١٥١ .


متوجهاً ، أمّا إذا لم يصرح بها (١) فيجوز أن يكون كلها مسنونات كما اتفق في حديث أنّ الأغسال سبعة عشر (٢) ، إذ لم يذكر فيه الحيض والاستحاضة والنفاس ، فالجواب موقوف علىٰ ذلك ، وبدونه لا يليق ذكره .

واحتجاج السيد بالأصل علىٰ طريقته واضح ، وردّه علىٰ طريقة غيره إذا قلنا : إنّ الأمر للوجوب شرعاً . حقّ ، أمّا لو قلنا بالاشتراك شرعاً بين الوجوب والندب فقد يشكل الاستدلال ببعضها ، والبعض الآخر الدال علىٰ لفظ الوجوب ـ كمرسل أيوب بن نوح ـ حاله غير خفيّ ، وما تضمن لفظ : « عليه الغسل » كخبر سهل لا اعتماد عليه ، فما حكم به الوالد قدس‌سره من وجوب غسل المسّ (٣) ـ مع عدم قوله بأنّ الأمر للوجوب شرعا ، كما قرّره في الاُصول (٤) ـ لا يخلو من غرابة ، إلّا أنّ في انضمام الأخبار بعضها إلىٰ بعض ما يصلح وجهاً للاعتماد ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « مسّ الميت عند موته وبعد غسله ، والقُبلة ليس به بأس » .

عنه ، عن فضالة ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبّل عثمان بن مظعون بعد موته » .

فالوجه في هذين الخبرين أن نحملهما علىٰ أنّ التقبيل إذا كان

__________________

(١) في « رض » : به .

(٢) المتقدم في ص ١٠٥ .

(٣) معالم الفقه : ٢٨٠ .

(٤) معالم الاصول : ٤٨ .


بعد الموت قبل أن يبرد أو بعد الغسل لم يجب فيه الغسل ، علىٰ ما بينّاه في خبر عبد الله بن سنان ، وذلك مفصّل ، وهذان الخبران مجملان ، والحكم بالمفصّل أولىٰ منه بالمجمل .

ولا ينافي ذلك :

ما رواه محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « يغتسل الذي غسّل الميت ، وكل من مسّ ميتاً فعليه الغسل وإن كان الميت قد غُسّل » .

لأنّ ما يتضمن هذا الخبر من قوله : « وإن كان الميت قد غُسّل » محمول علىٰ ضرب من الاستحباب دون الفرض والإيجاب ، وقد استوفينا ما يتعلق بذلك في كتاب تهذيب الأحكام (١) ، وفيه كفاية إن شاء الله تعالىٰ .

السند :

في الأوّل : ليس فيه ارتياب بعدما قدمناه .

والثاني : فيه السكوني وهو عامي ، كما صرّح به العلّامة في الخلاصة (٢) ، وابن إدريس في السرائر ، فإنّه قال في فصل ميراث المجوس : إسماعيل بن أبي زياد السّكوني ـ بفتح السين ـ منسوب إلىٰ قبيلة من العرب عرب اليمن ، وهو عامي المذهب بغير خلاف ، وشيخنا أبو جعفر موافق علىٰ ذلك (٣) .

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٣٠ / ١٣٧٣ ، الوسائل ٣ : ٢٩٥ أبواب غسل المس ب ٣ ح ٣ .

(٢) خلاصة العلّامة : ١٩٩ / ٣ .

(٣) السرائر ٣ : ٢٨٩ .


وينقل عن المحقّق في جواب المسائل العزّية توثيق السكوني وإن كان عاميّاً ، وأنّه قال : قال شيخنا أبو جعفر رحمه‌الله في مواضع من كتبه : والإمامية مجمعة علىٰ العمل بما يرويه السكوني وعمار ومن ماثلهما من الثقات .

وأظنّ أن توثيق السكوني اُخذ من قول الشيخ : ومن ماثلهما من الثقات . واحتمال أن يريد (١) : ومن ماثلهما من مخالفي المذهب الثقات ، لا أن السكوني ثقة ، يمكن وإن بعد .

والثالث : موثق .

المتن :

لا يخفىٰ دلالته في الخبرين الأولين علىٰ جواز القُبلة ، أمّا على (٢) عدم الغسل فلا ، فالاحتياج إلىٰ حمل الشيخ غير واضح .

وأمّا الخبر الثالث فالاستحباب متوجه في تأويله ، ويؤيّده ما قدّمناه من دلالة الخبر المذكور في التهذيب لتعداد الأغسال المسنونة (٣) .

قال :

فأمّا ما رواه محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن عيسىٰ ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن رجل حدّثه قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن ثلاثة نفر كانوا في سفر أحدهم جنب والثاني (٤) ميت

__________________

(١) في « رض » : يراد .

(٢) ليست في « رض » .

(٣) في ص ١٠٥ .

(٤) في « رض » : والآخر .


والثالث علىٰ غير وضوء ، وحضرت الصلاة ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم ، من يأخذ الماء ويغتسل به وكيف يصنعون ؟ قال : « يغتسل الجنب ، ويدفن الميت ، ويتيمم الذي عليه وضوء ، لأنّ الغسل من الجنابة فريضة ، وغسل الميت سنّة ، والتيمم للآخر جائز » .

فما تضمّن هذا الخبر من أنّ غسل الميت سنّة لا (١) يعترض ما قدمناه (٢) من وجوه : أحدها : أنّ هذا الخبر مرسل ، لأنّ ابن أبي نجران قال : عن رجل . ولم يذكر من هو ، ولا يمتنع أن يكون غير موثوق به ، ولو سلّم لكان المراد في إضافة هذا الغسل إلىٰ السنّة أنّ فرضه عرف (٣) من جهة السنّة ، لأن القرآن لا يدل علىٰ ذلك وإنمّا علمناه بالسنّة (٤) ، وقد قدمنا في الباب الأوّل رواية أنّ في الأغسال ثلاثة فرض منها غسل الميت .

السند‌ :

كما ترىٰ مرسل ، إلّا أنّه في الفقيه مروي بطريقه عن عبد الرحمن بن أبي نجران (٥) ، وطريقهُ إليه ليس فيه ارتياب ، نعم قد يتوقف في ذلك من حيث إنّ ابن أبي نجران تارة يرويه بواسطة كما هنا ، وتارة بغيرها كما في الفقيه ، ولا بعد فيه ، وما ذكره الشيخ : من أنّ الرجل لا يمتنع أن يكون غير موثوق به ، لا يخلو من تأملّ ، لأن المعروف من الشيخ عدم الاعتبار بالسند والطعن من جهته إنّما يلتزم به إذا لم يمكن التأويل ، فليتدبر .

__________________

(١) في النسخ : فلا ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠١ / ٣٢٩ .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٠١ / ٣٢٩ : قلناه .

(٣) في « رض » : علم .

(٤) في « رض » : من السنّة .

(٥) الفقيه ١ : ٥٩ / ٢٢٢ ، الوسائل ٣ : ٣٧٥ أبواب التيمم ب ١٨ ح ١ .


المتن :

ظاهر في أنّ الميت يدفن من غير تيمم .

وقوله : « إنّ التيمم للآخر جائز » كأنّ المراد به الاستحباب ، وإلّا فالجواز بغير هذا المعنىٰ لا يتحقق في العبادة .

وما ذكره الشيخ : من أنّ المراد بالسنّة ما يثبت بالسنّة . صحيح ، إلّا أنّ التعليل لسقوط الغسل بأنّه سنّة غير واضح المعنىٰ ، ولأن الوضوء أيضاً فريضة لثبوته من القرآن ، وقد حكم في الحديث بأنّ المحدث جائز له التيمم .

وما قاله الشيخ : من أنّ الرواية السابقة في أوّل الباب دالة علىٰ أنّ غسل الميت فريضة ، موهوم ؛ لأنّ الرواية دلّت علىٰ غسل المسّ .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ بعض الأصحاب قال في المقام : إذا اجتمع ميّت ومحدث وجنب ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم ، فإن كان ملكاً لأحدهم اختص به ولم يكن له بذله لغيره مع مخاطبته باستعماله ، ولو كان مباحاً وجب علىٰ كل من المحدث والجنب المبادرة إلىٰ حيازته ، فإن سبق أحدهما وحازه اختص به ، ولو توافيا دفعةً اشتركا ، ولو تغلّب أحدهما أثم وملكه ؛ وإن كان ملكاً لهم جميعاً أو لمالك يسمح ببذله فلا ريب أنّ لملّاكه الأحياء مع وارث الميت الخيرة في تخصيص من شاؤوا به ، وإنّما الكلام في مَن الأولىٰ ؟ فقال الشيخ في النهاية : إنّه الجنب . وقيل : الميت . وقال الشيخ في الخلاف : إن كان الماء لأحدهم فهو أحقّ به ، وإن لم يكن لواحد بعينه تخيّروا في التخصيص ، لأنّها فروض اجتمعت وليس بعضها أولىٰ من بعض فتعين التخيير ، ولأنّ الروايات اختلفت علىٰ وجه لا ترجيح ؛ فتحمل علىٰ التخيير (١) .

__________________

(١) المدارك ٢ : ٢٥٠ .


وفي نظري القاصر أن المقام بعدُ لا يخلو من نظر ، لأنّ الصورة المذكورة وهي ما إذا كان ملكاً لهم جميعاً أو لمالك يسمح ببذله ، ـ إلىٰ آخر ما قيل ـ غير تامة علىٰ الإطلاق ، لأنّ الماء إذا كان ملكاً للميت مع الأحياء فالوارث في تحقق ملكه له مع احتياج الميت إليه نظر ، إلّا أن يقال : إنّ حصته لمّا لم تكفه للغسل فقد سقط غسله ويملكه الوارث حينئذ .

ثم قوله : وإنّما الكلام في مَن الأولىٰ ، بعد القول : بأن لمُلّاكه الأحياء مع وارث الميت الخيرة في تخصيص من شاؤوا . لا يخلو من تأمّل ، لأن الأولوية إن اُريد بها الاستحباب علىٰ معنىٰ أنّه يستحب بذل بقيّة الحصص للجنب فلها نوع وجه ، إلّا أنّ المحدث قد يكفيه حصته للوضوء وجواز البذل حينئذ محل إشكال ، وإن لم يكفه أمكن الاستحباب ، إلّا أنّه غير واضح الدليل ، لما ستسمعه من الأخبار في الباب ؛ وإن اُريد (١) بالأولوية التعيّن كما يستفاد من ظاهر الخبر المعتبر لا يتم التفصيل وإن وافق الدليل .

والقول المنقول عن الشيخ بالتخيير لأنّها فروض اجتمعت . محل كلام أيضاً ، لأن الحصص إذا لم تفِ بالطهارات لا يتم تحقق اجتماع الفروض .

ولعلّ الأولىٰ ما قيل : إنّ الماء إذا كان مع غيرهم والتمس الأولىٰ أو أوصىٰ بصرفه إلىٰ الأولىٰ دفعه إلىٰ الجنب ، ولو كفىٰ المحدث خاصة اختص به ، وربما احتمل دفعه إلىٰ الجنب فيصرفه في بعض أعضائه ويتوقع الباقي (٢) .

وقد يقال : إنّ في الميت علىٰ تقدير ملك الحصة أن يصرف في بعض غسله فلا يتم جواز البذل لغيره ، فليتأمّل .

__________________

(١) في « رض » أراد .

(٢) المدارك ٢ : ٢٥٢ .


قال :

فأمّا ما رواه أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن الحسن بن علي ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن التفليسي قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن ميت وجنب اجتمعا ومعهما من الماء ما يكفي أحدهما ، أيّهما يغتسل ؟ قال : « إذا اجتمعت سنّة وفريضة بدئ بالفرض » .

عنه ، عن الحسن بن النضر الأرمني قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن القوم يكونون في السفر فيموت منهم ميت [ ومعهم جنب ] (١) ومعهم ماء قليل قدر ما يكفي أحدهما ، أيّهما يبدأ به ؟ قال : « يغتسل الجنب ويُترك الميت ، لأنّ هذا فريضة وهذا سنّة » .

فالوجه في هذين الخبرين ما قدمناه في الخبر الأوّل سواء ، علىٰ أنّه روي : أنّه إذا اجتمع الميت والجنب غسّل الميت ويتيمّم الجنب :

روىٰ ذلك عليّ بن محمد القاشاني (٢) ، عن محمد بن عليّ ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : الميت والجنب (٣) يتّفقان في مكان لا يكون الماء إلّا بقدر ما يكتفي به أحدهما ، أيّهما أولىٰ أن يجعل الماء له ؟ قال : « يتيمّم الجنب ويغسّل الميت بالماء » .

والوجه في الجمع بينهما أن يكون علىٰ التخيير ، لأنّهما جميعاً واجبان فأيّهما غسل بما معه من الماء كان ذلك (٤) جائزاً .

__________________

(١) أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠٢ / ٣٣١ .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٠٢ / ٣٣٢ : القاساني .

(٣) في الاستبصار ١ : ١٠٢ / ٣٣٢ : الجنب والميت .

(٤) اثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠٢ / ٣٣٢ .


السند‌ :

في الأوّل : الحسن بن علي ، والظاهر أنّه ابن فضال ، لأنّ الراوي عنه أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، وحاله مشهور ؛ وأحمد بن محمد الراوي عنه الحسن كأنه ابن أبي نصر ؛ وأمّا الحسن التفليسي فهو مذكور في رجال الرضا عليه‌السلام من كتاب الشيخ مهملاً (١) .

والثاني : فيه الحسن بن النضر الأرمني ، وهو بهذا الوصف مجهول الحال ، وفي التهذيب رواها عن الحسين بن النضر الأرمني (٢) ، والذي في الرجال الحسن بن النضر بغير الوصف (٣) ، وقد نقل العلّامة في الخلاصة عن الكشي أنّه من أجلّة إخواننا (٤) ، والذي رأيناه في الكشي في أحمد بن إبراهيم أبي حامد المراغي ما قاله العلّامة عنه بطريق الرواية (٥) ، وعلىٰ كل حال فالرجل لا يلحق حديثه بالصحيح ، فما في شرح جدّي قدس‌سره للإرشاد : من وصف الخبر بالصحة (٦) . هو أعلم بوجهه .

والثالث : فيه أنّ الطريق إلىٰ عليّ بن محمد القاساني غير مذكور في المشيخة ، بل ولا في الفهرست ؛ وعلي بن محمد ليس بثقة (٧) ، ومحمد بن علي مشترك (٨) ؛ والإرسال كاف في الرد .

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٧١ / ٦ .

(٢) التهذيب ١ : ١١٠ / ٢٨٧ ، الوسائل ٣ : ٣٧٦ أبواب التيمم ب ١٨ ح ٤ .

(٣) رجال الكشي ٢ : ٨١٥ .

(٤) خلاصة العلّامة : ٤١ / ١٥ .

(٥) رجال الكشي ٢ : ٨١٥ .

(٦) روض الجنان : ١٣١ .

(٧) رجال الطوسي : ٤١٧ / ١٠ ، الخلاصة : ٢٣٢ ، رجال ابن داود : ٢٦٢ .

(٨) هداية المحدثين : ٢٤٤ .


المتن :

في الأوّلين لا إشكال فيه كما قاله الشيخ .

أمّا الأخير فما قاله الشيخ من التخيير محل نظر ، لأنّ قوله : « إنّهما جميعاً واجبان » ينافيه صريح الأخبار السابقة الدالة علىٰ أنّ ما ثبت بالقرآن مقدم ، اللّهم إلّا أن يحمل الأخبار الأوّلة علىٰ الأولويّة ، ويكون أصل التخيير من هذا الخبر علىٰ تقدير العمل به . وفيه : أنّ كثرة الأخبار لها رجحان عند التعارض كما لا يخفىٰ ، علىٰ أنّ الخبر الأوّل الصحيح في الفقيه مقتضاه دفن الميت من غير غسل ولا تيمم (١) ، وخبر الحسن بن النضر يؤيّده وإن أمكن أن يوجّه بأنّ المراد بترك الميت عدم غسله ، بل الأوّل لا يمكن توجيهه بعد قوله في المحدث : « والتيمم للآخر جائز » إلّا بتأويل متكلّف ، بل تركه أولىٰ .

وينقل عن بعض القول بتقديم الميت ـ كما تقدم ـ (٢) والاحتجاج بهذه الرواية ، وبأنّ الجنب تستدرك طهارته والميت لا استدراك لطهارته .

واُجيب عن الرواية بالضعف والإرسال والإضمار ، وعن التوجيه بأنّه لا يعارض النص ، مضافاً إلىٰ المعارضة بأنّ الجنب يتعبد بطهارته بخلاف الميت .

وبالجملة فالحكم بوجوب تيمم الميت بعيد عن الأدلة ، والاستحباب أيضاً لا يخلو من إشكال إن لم ينعقد الإجماع ، والله تعالىٰ أعلم بحقائق الاُمور .

__________________

(١) المتقدم في ص ١٢٤ .

(٢) في ص ١٢٤ .


قال :

باب الأغسال المسنونة‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد ابن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أخيه الحسين (١) ، عن علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن الأوّل (٢) عليه‌السلام عن الغسل في الجمعة والأضحىٰ والفطر ؟ قال : « سنّة ليس بفريضة » .

وبهذا الإسناد عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن (٣) ابن أبي عمير ، عن عمر بن اُذينة ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن غسل الجمعة ؟ قال : « سنّة في السفر والحضر إلّا أن يخاف المسافر علىٰ نفسه القُرّ » .

وبهذا الإسناد عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن القاسم ، عن علي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن غسل العيدين أواجب هو ؟ قال : « سنّة » (٤) قلت : فالجمعة ؟ قال (٥) : « هو سنّة » .

السند‌ :

في الأوّل والثاني : لا ارتياب فيه .

__________________

(١) في النسخ : عن الحسين بن علي بن يقطين عن أخيه الحسن ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠٢ / ٣٣٣ ، وهو الصحيح ، راجع معجم رجال الحديث ٥ : ٣١٧ .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٠٢ / ٣٣٣ لا يوجد : الاول .

(٣) في الاستبصار ١ : ١٠٢ / ٣٣٤ : زيادة : محمد .

(٤) في الاستبصار ١ : ١٠٣ / ٣٣٥ : هو سنّة .

(٥) في الاستبصار ١ : ١٠٣ / ٣٣٥ : فقال .


والثالث : فيه القاسم ، وهو ابن محمد الجوهري ، لأنّه يروي عن عليّ بن أبي حمزة ، وهو واقفيّ غير موثق ، وربما توهّم توثيقه ؛ وعلي بن أبي حمزة واقفيّ أيضاً ، ثم إنّ رواية أحمد بن محمد بن عيسىٰ عنه لا يخلو من شي‌ء ، لأنّ النجاشي ذكر أنّ الراوي عنه أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن الحسين بن سعيد ، عنه (١) . والأمر سهل .

المتن :

ذكر شيخنا قدس‌سره في فوائده علىٰ الكتاب : أنّ الخبر الأوّل واضح الدلالة علىٰ الاستحباب ، لأنّ المتبادر من السنّة المستحب ، ومن الفريضة الواجب ، خصوصاً مع وقوع السنّة خبراً عن غسل الفطر والأضحىٰ مع استحبابهما اتفاقاً ، وحمل ما تضمن الوجوب ـ لو ثبت كونه حقيقة في المعنىٰ الاصطلاحي ـ علىٰ تأكّد استحبابه . انتهىٰ .

وبعض محققي المعاصرين ـ أيّده الله ـ اعترض في المقام بأنّ حمل السنّة علىٰ ما ثبت في السنّة ـ فلا ينافي الوجوب ـ ليس بأبعد من حمل الوجوب علىٰ المبالغة في الاستحباب ، ومنع كون الوجوب حقيقة في معنىٰ المصطلح عليه يتأتّىٰ مثله في السنّة (٢) .

وفي نظري القاصر أنّ الاعتراض لا وجه له بعدما قرّره شيخنا قدس‌سره من وقوع السنّة خبراً عن الفطر والأضحىٰ ، فإنّ الأقربية بحمل السنّة علىٰ المستحب لا مرية فيها ، وقد ذكرت ذلك في حاشية التهذيب وغيرها قبل أن أقف علىٰ كلام شيخنا قدس‌سره .

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣١٥ / ٨٦٢ .

(٢) الحبل المتين : ٧٩ .


وما عساه يقال : إنّه لا مانع من خروج الفطر والأضحىٰ للإجماع ووجود المعارض الدال علىٰ الوجوب في الجمعة يتوجه عليه :

أوّلاً : أنّ من المستبعد إرادة المعنيين المتغايرين في خبر واحد .

وثانياً : أنّ الوجوب قد استعمل أيضاً في المستحب كما في الفقيه في خبر سماعة : حيث قال عليه‌السلام : « وغسل يوم عرفة واجب ، وغسل الزيارة واجب ، وغسل دخول البيت واجب ، وغسل المباهلة واجب » (١) .

( وأمّا ثالثاً : فإنّ الظاهر من السؤال في الخبر الأوّل عن غسل الجمعة أواجب هو أو مستحب ؟ لا عن كون وجوبه من القرآن أو من السنّة ، ( إذ لو كان السؤال عن هذا لكان ذكر العيدين لغواً من السائل ، فإنّ المستحب لا معنىٰ لكونه من القرآن أو من السنّة ) (٢) . والخبر الأخير مؤيّد لإرادة المستحب إذا تأمّله المتأمّل ) (٣) .

وأمّا رابعاً : فلأنّ استعمال الوجوب في الاستحباب الكامل موجود بكثرة ، ووجود السنّة ـ بمعنىٰ ما ثبت بالسنّة ـ كذلك ، وترجيح أحدهما علىٰ الآخر إذا لم يمكن فالأصل يعمل مقتضاه (٤) إلىٰ أن يثبت ما يقتضي الخروج عنه .

وأمّا الخبر الثاني : فالأمر فيه بعدما قرّرناه واضح ، إلّا أنّ قوله : « إلّا أن يخاف المسافر علىٰ نفسه القُرّ » لا يخلو من إجمال ، فإنّ خوف القُرّ لا يختص بالمسافر ، ولعلّ المراد أنّ المسافر مجرد خوفه القُرّ يسقط

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٥ / ١٧٦ ، الوسائل ٣ : ٣٠٣ أبواب الاغسال المسنونة ب ١ ح ٣ .

(٢) ما بين القوسين ساقط من « فض » .

(٣) ما بين القوسين ساقط من « رض » .

(٤) في « رض » : لمقتضاه .


الاستحباب عنه أو الوجوب ، بخلاف الحاضر ، فإنّه لا بد من ظنٍّ أقوىٰ ، والله أعلم بالحال .

اللغة :

قال في القاموس : القُرّ ، بالضم : البرد ، أو يخصّ بالشتاء (١) .

قال :

فأمّا ما روي من أنّ غسل الجمعة واجب فاُطلق (٢) عليه لفظ الوجوب فالمعنىٰ فيه تأكد (٣) السنّة وشدة الاستحباب فيه ، وذلك يعبر عنه بلفظ الوجوب ، فمن ذلك :

ما رواه محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن الغسل يوم الجمعة ؟ فقال : « واجب علىٰ كل ذكر واُنثىٰ من عبد وحرّ » .

وبهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن محمد بن عبد الله قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن غسل يوم الجمعة ؟ فقال : « واجب علىٰ كل ذكر واُنثىٰ من حرّ وعبد » .

السند‌ :

في الأوّل : حسن .

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ : ١١٩ ( القر ) .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٠٣ / ٣٣٥ : واُطلق .

(٣) في الاستبصار ١ : ١٠٣ / ٣٣٥ : تأكيد .


والثاني : فيه سهل بن زياد وقد تقدم القول فيه (١) ؛ ومحمد بن عبد الله مشترك (٢) ، ولا يخفىٰ ما في قول الشيخ : وبهذا الإسناد عن محمد ابن يعقوب .

المتن :

ما ذكره الشيخ في حمل الوجوب علىٰ تأكّد الاستحباب ، قد تقدم الوجه فيه ، غير أنّه يبقىٰ أن يعلم أنّ أهل الخلاف رووا في كتب حديثهم أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « غسل الجمعة واجب علىٰ كل محتلم » (٣) .

وذكر بعض الشراح للحديث : أنّ بعض الناس قال بالوجوب لظاهر الخبر ، وخالف الأكثر فقالوا بالاستحباب ، قال : وهم محتاجون إلىٰ الاعتذار عن مخالفة هذا الظاهر ، فأوّلوا صيغة الوجوب علىٰ التأكيد كما يقال : حقك واجب عليّ (٤) .

وهذا كما ترىٰ يقرّب أن يكون الأخبار الواردة بالوجوب عندنا محمولة علىٰ التقية ، وإن كان بعضهم قائلاً بالاستحباب ، لأنّ التقية لا تقتضي إجماعهم علىٰ مقتضاها ، بل مخافة القائل ـ إذا كان من أهل الشر ـ بالوجوب كافية في التقية ، كما يعلم من أخبارنا الواردة بالتقية .

وما ذكره الشارح لحديثهم : من التمثيل بقوله : حقك واجب عليّ . يدل علىٰ أنّ الوجوب يراد به المبالغة ، وحينئذ يتم حمل الشيخ وغيره علىٰ

__________________

(١) راجع ج ١ : ١٣٤ ـ ١٣٥ .

(٢) هداية المحدثين : ٢٤١ .

(٣) سنن الدارمي ١ : ٣٦١ ، صحيح البخاري ٢ : ٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٦ / ١٠٨٩ .

(٤) نقله في فتح الباري ٢ : ٢٨٩ .


إرادة تأكّد الاستحباب ، لا أنّ المراد بالوجوب المعنىٰ اللغوي وهو الثبوت ، إذ ليس له كثير فائدة ، فليتأمّل ، هذا .

قال :

فأمّا (١) ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن الحسن ابن علي ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينسىٰ الغسل يوم الجمعة حتىٰ صلّىٰ ، قال : « إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة ، وإن مضىٰ الوقت فقد جازت صلاته » .

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله علىٰ ضرب من الاستحباب (٢) ، وكذلك ما روي في قضاء غسل الجمعة من الغد وتقديمه يوم الخميس إذا خيف الفوت ، فالوجه (٣) فيه الاستحباب .

روىٰ ما ذكرناه أحمد بن محمد ، عن محمد بن سهل ، عن أبيه قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يدع الغسل يوم الجمعة ناسياً أو غير ذلك ؟ فقال : « إن كان ناسياً فقد تمت صلاته ، وإن كان متعمّداً فالغسل أحبّ إليّ ، فإن هو فعل فليستغفر الله تعالىٰ ولا يعود » .

محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن جعفر بن عثمان ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة في أول النهار ، قال : « يقضيه من

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٠٣ / ٣٣٨ : وأمّا .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٠٣ / ٣٣٨ زيادة : دون الفرض والايجاب .

(٣) في الاستبصار ١ : ١٠٣ / ٣٣٨ : الوجه .


آخر النهار ، فإن لم يجد فليقضه يوم السبت » .

وقد استوفينا ما يتعلق بهذا الباب في كتابنا تهذيب الأحكام (١) ( وفيه كفاية إن شاء الله تعالىٰ ) (٢) .

السند‌ :

في الأوّل : موثق .

والثاني : فيه محمد بن سهل ، وهو ابن اليسع من رجال الرضا عليه‌السلام مذكور مهملاً (٣) ، وأبوه ثقة ثقة (٤) ، وإنّما كان ابن اليسع لأنّ الراوي عنه أحمد ابن محمد بن عيسىٰ كما ذكره شيخنا المحقق ـ سلّمه الله ـ في فوائد الكتاب .

والثالث : فيه جعفر بن عثمان وهو ابن شريك ، أخو الحسين بن عثمان بقرينة رواية ابن أبي عمير عنه كما في النجاشي (٥) ، وهو مذكور مهملاً ، ولا يبعد أن يكون هو الرواسي ، لأنّ الكشي قال : عن حمدويه : سمعت أشياخي يذكرون أنّ حماداً وجعفراً والحسين بن عثمان بن زياد الرواسي ـ وحماد يلقب بالناب ـ كلّهم فاضلون خيار ثقات (٦) . غير أنّ التوثيق من شيوخ حمدويه ، وهم غير معلومي الحال ، إلّا أنّ الظاهر كونهم من أهل الاعتبار كما في غيرهم من شيوخ الأجلّاء ، وحمدويه منهم ، فقد

__________________

(١) التهذيب ١ : ١١٠ ـ ١١٣ .

(٢) ما بين القوسين ليس في الاستبصار ١ : ١٠٤ / ٣٤٠ .

(٣) رجال الطوسي : ٣٨٨ / ٢٥ .

(٤) رجال النجاشي : ١٨٦ / ٤٩٤ ، والموجود فيه توثيقه مرّة واحدة ، رجال ابن داود : ١٠٨ / ٧٤٧ ، منهج المقال : ١٧٧ .

(٥) رجال النجاشي : ١٢٤ / ٣٢٠ .

(٦) رجال الكشي ٢ : ٦٧٠ .


وثّقه الشيخ في رجال من لم يرو عن الأئمّة عليهم‌السلام (١) .

وما يقال (٢) ـ من أنّ في شيوخ حمدويه ما (٣) هو ثقة والإضافة في شيوخه تفيد العموم فيدخل فيهم الثقة ـ لم أعلم وجهه إلّا من كون حمدويه يروي عن يعقوب بن يزيد وهو ثقة ، فيكون من جملة الشيوخ ، وهو غير بعيد ، وفي بعض المواضع من الكشي نقل حمدويه عن أشياخه وقال : منهم العبيدي وغيره (٤) . والعبيدي علىٰ ما أظن ثقة .

نعم قد يحصل التوقف في الاتحاد مع ابن شريك ، لأنّ مقتضىٰ كون الجدّين زياداً المغايرة لابن شريك ، إلّا أن يقال : إنّ شريكاً جدّ أعلىٰ [ لجعفر ] (٥) .

والحق أنّ كلام الكشي (٦) إنّما يقتضي أنّ الحسين بن عثمان هو ابن زياد ، لا أنّ الجميع بنو زياد ، إلّا أن يقال : إنّ العبارة بني زياد ، كما هو الظاهر من أنّ الكلام في بيان حال الإخوة الثلاثة ، وفيه : أنّ ظهور كون النقل لبيان الإخوة محل كلام ، بل يجوز أنّ المقصود ذكر الأخوين مع ذكر حمّاد الرواسي والمناسبة لذكره معهما لاقتضاء المقام ذلك في الوقت ، كما ينبئ عنه الوصف بالرواسي دون من معه ، بل المذكور في جعفر بن عثمان أنّه الكلابي .

والحسين بن عثمان قد وقع فيه الاضطراب كما يعرف من كلام

__________________

(١) رجال الطوسي : ٤٦٣ / ٩ .

(٢) في « رض » : قد يقال .

(٣) كذا في النسخ ، والأولىٰ : من .

(٤) رجال الكشي ٢ : ٦٢٦ .

(٥) في النسخ : لعثمان ، والظاهر ما أثبتناه .

(٦) في النسخ : النجاشي ، والصحيح ما أثبتناه .


العلّامة في الخلاصة (١) وكلام غيره (٢) ، فإن [ الكشي ] (٣) لم يذكر الحسين ابن عثمان بن شريك ، والنجاشي ذكره (٤) وذكر الأحمسي (٥) .

ولا يبعد أن يكون الحسين بن عثمان الواقع في عبارة الخلاصة ابتداء كلام لذكر رجل ثالث ، وهو الذي ذكره الكشي ، وهو ابن عثمان بن زياد ، فيكون العلّامة ذكر ثلاثة رجال كل واحد اسمه الحسين بن عثمان وكلمة « عن » الواقعة في كلام العلّامة ـ قبل لفظ الحسين سهو وصوابه إلحاق الهاء به ، والمعنىٰ : أن الحسين بن عثمان بن شريك له كتاب يرويه محمد بن أبي عمير عنه كما في النجاشي (٦) .

وهذه عبارة الخلاصة : الحسين بن عثمان بن شريك بن عدي العامري الوحيدي ثقة روىٰ عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام ، له كتاب يرويه محمد بن أبي عمير ، عن الحسين بن عثمان ، قال الكشي : عن حمدويه عن أشياخه أن الحسين بن عثمان خير فاضل ثقة (٧) .

وبالجملة : فالمقام لا يخلو من إشكال كما يعلم من ملاحظة كتب الرجال .

وأمّا سماعة فحاله قد تقدم (٨) .

__________________

(١) خلاصة العلّامة : ٥١ / ١٥ .

(٢) منهم ابن داود في رجاله : ٨١ / ٤٨٦ .

(٣) في النسخ : العلّامة ، والظاهر ما أثبتناه .

(٤) رجال النجاشي : ٥٣ / ١١٩ .

(٥) رجال النجاشي : ٥٤ / ١٢٢ .

(٦) رجال النجاشي : ٥٣ / ١١٩ .

(٧) خلاصة العلّامة : ٥١ / ١٥ .

(٨) راجع ج ١ : ١١٠ ـ ١١٣ .


المتن :

في الأوّل : ما ذكره الشيخ فيه من الحمل علىٰ الاستحباب ، الظاهر أنّ مراده به فعل الغسل لما تقدم من أنّه غير واجب . ولا يخفىٰ عليك أنّ ظاهر الخبر أنّه إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ، والوقت المذكور هو وقت الصلاة ، إذ لو اُريد به وقت الغسل لم يتم ، لأنّ وقته قبل الزوال (١) في المشهور ، وإذا كان قد صلّىٰ فقد فات وقت الغسل وبقي قضاؤه ، وحينئذ فوجوب القضاء وعدمه لم يتقدم ما يدل عليه ليحمل الخبر علىٰ الاستحباب ، إلّا أن يكون مقصود الشيخ أنّ الأداء إذا لم يجب لا يجب القضاء ، وفيه أنّه لا ملازمة بين الأداء والقضاء ، بل هو حكم آخر .

ولو أراد الشيخ استحباب إعادة الصلاة اُشكل أوّلاً بأنّ الصلاة إن كانت جمعة فاستحباب قضائها أشدّ إشكالاً ، وإن كانت ظهراً أمكن ، وكذلك إعادة الجمعة ظهراً ، إلّا أنّ المقام مقام إعادة الغُسل استحباباً لمعارضة الأخبار ، إلّا أن يقال : إنّ الخبر تضمّن أمرين : إعادة الصلاة والغسل ، فلا يضر بالحال زيادة الحكم فيه .

وممّا يؤيّد إرادة الشيخ استحباب الغسل قوله : وكذلك ما روي في قضاء غسل يوم الجمعة إلىٰ آخره . وبالجملة فالمقام (٢) لا يخلو من إجمال ، ومن لم يعمل بالموثق في راحة من ذلك .

وأمّا الخبر الثاني : فهو دال علىٰ تأكّد الاستحباب ، إلّا أنّ في متنه

__________________

(١) ممّن قال به الشيخ في المبسوط ١ : ٤٠ ، وابن ادريس في السرائر ١ : ١٢٤ ، والمحقق في المعتبر ١ : ٣٥٤ ، وصاحب المدارك ٢ : ١٦١ .

(٢) في « فض » : والكلام .


نوع إجمال كما يعرف من مراجعته ، وذكر الاستغفار فيه لا يدل علىٰ الوجوب لوجود المعارض ، وربما دلّ علىٰ عدم إعادة الصلاة مع تعمّد ترك الغسل ، أمّا مع النسيان فمفهومه الإعادة .

والثالث : فيه دلالة علىٰ القضاء آخر النهار ، وفي بعض الأخبار ما يدل علىٰ فعله بعد الزوال إلىٰ الليل من غير ذكر القضاء ، إلّا أنّ المحقق في المعتبر ادّعىٰ الإجماع علىٰ أنّ وقته قبل الزوال (١) ، وربما كان المراد أنّ الوقت قبل الزوال مجمع عليه ، لا أنّ الإجماع علىٰ عدم الوقت بعده . وفيه بُعدٌ ، وعلىٰ تقدير الانتفاء بعد الزوال فلعلّ المطلق من الأخبار محمول علىٰ المقيد .

واحتمال أن يراد بالقضاء في هذا الخبر فعل الغُسل لوجود إطلاق القضاء علىٰ ذلك في الأخبار ممكن ، لولا الإجماع ، وقوله : « فليقضه يوم السبت » وفي بعض الأخبار المعتبرة دلالة علىٰ عدم القضاء ، ويمكن حمله علىٰ عدم اللزوم ، وكان علىٰ الشيخ أن يذكره هنا ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .

قال :

أبواب الجنابة وأحكامها‌

باب أن خروج المني يوجب الغسل علىٰ كل حال‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المفخّذ أعليه (٢) غسل ؟ قال : « نعم إذا أنزل » .

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٥٤ .

(٢) في النسخ : عليه ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠٤ / ٣٤١ .


فأمّا ما رواه عليّ بن جعفر ، [ عن أخيه موسىٰ عليه‌السلام ] (١) قال : سألته عن الرجل يلعب مع المرأة ويقبلها فيخرج منه المني ما عليه ؟ قال : « إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر لخروجه فعليه الغسل ، وإن كان إنّما هو شي‌ء لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس » .

فلا ينافي ما قدّمناه : من أنّ خروج المني يوجب الغسل علىٰ كلّ حال ، لأنّ قوله عليه‌السلام : « إن (٢) كان هو شي‌ء لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس » معناه إذا لم يكن الخارج منيّاً ، لأنّ المستبعد في العادة والطبائع أن يخرج المني من الإنسان ولا يجد له شهوة ولا لذة ، وإنّما (٣) أراد به إذا اشتبه علىٰ الإنسان فاعتقد أنّه مني وإن لم يكن في الحقيقة منيّاً يعتبره بوجود الشهوة من نفسه ، فإذا وجد وجب عليه الغسل ، فإذا لم يجد علم أنّ الخارج منه ليس بمني .

السند‌ :

في الأوّل : حسن .

والثاني : صحيح علىٰ ما قدّمناه ، لأنّ الطريق في المشيخة إلىٰ عليّ بن جعفر : الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيىٰ ، عن أبيه محمد بن يحيىٰ ، عن العمركي بن علي النيشابوري البوفكي (٤) ، عن عليّ بن جعفر (٥) .

__________________

(١) ما بين المعقوفين ليس في النسخ ، اثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠٤ / ٣٤٢ .

(٢) في النسخ : إذا ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠٤ / ٣٤٢ .

(٣) في النسخ : إنما ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠٥ / ٣٤٢ .

(٤) في « رض » : البرفكي ، وفي « فض » : النوفلي .

(٥) مشيخة التهذيب ( التهذيب ١٠ ) : ٨٦ .


المتن :

في الأوّل ظاهر الدلالة علىٰ وجوب الغسل بالإنزال ، والإجماع واقع علىٰ أنّ نزول المني موجب للغُسل ، كما حكاه شيخنا قدس‌سره قائلاً ، إنّه إذا تيقن أنّ الخارج منيّ وجب الغُسل ، سواء خرج متدافقاً أو متثاقلاً ، بشهوة وغيرها ، في نوم ويقظة ، والأخبار المستفيضة تدل عليه ـ إلىٰ أن قال ـ : ومع الاشتباه يعتبر باللذّة والدفق وفتور البدن ، أي انكسار الشهوة بعد خروجه ، لأنّها صفات لازمة للمني في الأغلب فيرجع إليها عند الاشتباه ، ولما رواه علي بن جعفر ، وذكر الرواية الثانية (١) .

وقد يقال : إنّ الرواية المذكورة عن عليّ بن جعفر لا تصلح للاستدلال ، لأنّ مقتضاها أنّ الثلاثة إذا وجدت وجب الغسل ، وإذا انتفت الفترة والشهوة فلا غسل وإن حصل الدفع .

وإشكاله ظاهر ، وما قاله الشيخ في توجيهه أشكل ، لأن مقتضاه أنّ وجود الشهوة كاف في كونه منيّاً ، وإذا لم يجد الشهوة لا يكون منيّاً ، والنص قد اعتبر فيه الثلاثة صريحاً .

والإشكال من جهة قوله عليه‌السلام : « وإن كان . . . » قد يدفع بأنّ الدفع من لوازمه الشهوة والفتور ، ومع انتفائهما ينتفي ، فالأمر فيه سهل .

والعجب من استحسان شيخنا قدس‌سره لكلام الشيخ في توجيه الحديث (٢) .

واحتمال أن يقال : إنّ الشهوة من لوازمها الفتور والدفع . يشكل بأنّ‌

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٢٦٥ .

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٢٦٧ .


الشهوة قد اعتبرت في المذي أيضاً ، كما تقدم في الأخبار ، ولو اُريد بالشهوة هنا معنىٰ آخر يلزمه الفتور والدفع لم يحتج إلىٰ البيان في قوله عليه‌السلام : « لم يجد له فترة ولا شهوة » بل يكفي أن يقال : لم يجد له شهوة . إلّا أن يقال : إن الشهوة لما كانت مشتركة بين ما يحصل منها المذي وما (١) يحصل منها المني اُحتيج إلىٰ بيانها ليندفع الشك وأنت خبير بأنّ هذا وارد علىٰ الشيخ في عدم بيانه ذلك ، فالخلل في كلامه واقع .

ثم إنّ الاحتياج إلىٰ كلام الشيخ في الرواية غير واضح ، لأنّه يجوز أن يكون عليه‌السلام أراد أن يبيّن له خواصّ المني لعدم علمه بها ، فإذا أفاد عليه‌السلام أنّ المني ما حصل بالثلاثة فالسائل يعتبر ما قاله عليه‌السلام ، وحكمه بأنّ الخارج مني لا يضر بالحال حينئذ (٢) لاحتمال اعتقاد المني ببعض الأوصاف .

وما قاله الشيخ : من أنّ معناه إذا لم يكن الخارج منيّاً . غير معلوم من الرواية ، لأنّ التقبيل والملاعبة قد تحصل معهما الشهوة ، وما قاله الشيخ : من أنّه يعتبر بوجود الشهوة . عين ما قلناه ، مع أنّه فرّ منه ، فينبغي التأمّل في ذلك .

ومن هنا يعلم أنّ ما حكم به شيخنا قدس‌سره : من أنّه مع الاشتباه يعتبر بالثلاثة الأوصاف ، ولو علم أنّه مني وجب الغسل ، سواء حصل متدافعاً أو متثاقلاً بشهوة أو غيرها . محل بحث إلّا في المريض ، ففي معتبر الأخبار ما قد يستفاد منه عدم اعتبار الدفع (٣) .

فإن قلت : الأخبار الدالة علىٰ وجوب الغسل بالماء الأكبر مع الخبر

__________________

(١) في « رض » : وبين ما .

(٢) ليس في « رض » .

(٣) انظر الوسائل ٢ : ١٩٤ أبواب الجنابة ب ٨ .


الدال علىٰ أنّ الإنزال موجب للغسل فيها إطلاق ، فمن ثمّ حكم بوجوب الغسل مطلقاً مع العلم ، ومع الاشتباه ينظر الأوصاف الثلاثة .

قلت : الأخبار المذكورة لا يخرج عن كونها مطلقة أو مجملة ، فإذا فصّلها الخبر الصحيح الدال علىٰ الأوصاف أو قيّدها لا مانع منه ، وما المحوج إلىٰ حمل الخبر علىٰ الاشتباه مع عدم الصراحة فيه ، وإنّما هو محض توجيه من الشيخ .

وكون الأغلب أنّ الصفات لازمة للمني إن اُريد به انفكاك بعضها عن بعض نادراً فاُلحق الحكم بالأغلب ، ينافي الحكم في المريض بأنّه لا يعتبر فيه الدفق (١) كما لا يخفىٰ ، علىٰ أنّ ما استدل به علىٰ المريض سيأتي فيه الكلام علىٰ مقتضىٰ ما أفهمه إن شاء الله .

وبالجملة : فالحكم المذكور من الفرق بين الاشتباه وعدمه إن كان إجماعياً فبها ، وإلّا فهو محل كلام .

ويزيد ما قلناه إشكالاً أنّ رواية عليّ بن جعفر إذا دلّت علىٰ حال الاشتباه فاللازم من الإمام عليه‌السلام أن يفصّل له الحال بأنّك إن علمت كونه منيّاً فاغتسل ، وإن اشتبه ذلك فاعتبر الأوصاف ، ولا تلويح في الرواية ولا تصريح بشي‌ء منه ، فليتأمّل في المقام .

اللغة :

قال في القاموس : فتر جسمه فتوراً : لانت مفاصله وضعف (٢) . وفي

__________________

(١) في « رض » : الدفع .

(٢) القاموس المحيط ٢ : ١١١ ( فتر ) .


النهاية : صار فيه فتور وهو ضعف وانكسار (١) .

وفي القاموس : شهيه كرضيه ودعاه ، واشتهاه ، وتشهّاه : أحبّه ورغب فيه (٢) .

قال :

باب أن المرأة إذا انزلت وجب عليها الغسل في النوم واليقظة وعلىٰ كل حال‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ترىٰ أنّ الرجل يجامعها في المنام في فرجها حتىٰ تنزل ، قال : « تغتسل » .

وعنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن ابن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عثمان ، عن أديم بن الحرّ ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ترىٰ في منامها ما يرىٰ الرجل أعليها (٣) غسل ؟ قال : « نعم ولا تحدّثوهنّ فيتخذنه علّةً » .

عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن محمد ابن عبد الحميد الطائي قال : حدثني محمد بن الفضيل ، عن

__________________

(١) النهاية لابن الأثير ٣ : ٤٠٨ ( فتر ) .

(٢) القاموس المحيط ٤ : ٣٥٢ ( شهيه ) .

(٣) في النسخ : عليها ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠٥ / ٣٤٤ .


أبي‌ الحسن عليه‌السلام قال : قلت له : تلزمني المرأة أو الجارية من خلفي وأنا متكئٌ علىٰ جنب تتحرّك علىٰ ظهري فتأتيها الشهوة وتنزل الماء أفعليها الغسل [ أم لا ] (١) ؟ قال : « نعم إذا جاءت الشهوة وأنزلت الماء وجب عليها الغسل » .

وبهذا الإسناد عن الصفّار ، عن أحمد بن محمد ، عن شاذان ، عن يحيىٰ بن أبي طلحة أنّه سأل عبداً صالحاً عن رجل مسّ فرج امرأته أو جاريته يعبث بها حتّىٰ أَنزلت أعليها (٢) غسل أم لا ؟ قال : « أليس قد اُنزلت من شهوة ؟ » قلت : بلىٰ ، قال : « عليها غسل » .

وأخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن أحمد بن الحسين بن عبد الملك الأودي (٣) ، عن الحسن بن محبوب ، عن معاوية قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إذا أمنت المرأة والأمة من شهوة جامعها الرجل أم لم يجامعها ، في نوم كان (٤) أو في يقظة ، فإنّ عليها الغسل » .

السند‌ :

في الأوّل : لا ريب فيه علىٰ الظاهر ، غير أنّ في المقام أمر ينبغي التنبيه

__________________

(١) ما بين المعقوفين ليس في النسخ ، أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠٥ / ٣٤٥ .

(٢) في النسخ : عليها ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠٥ / ٣٤٦ .

(٣) كذا في الفهرست : ٢٣ / ٦١ ، ولكن في رجال الشيخ : ٤٥٣ / ٨٩ : أحمد بن الحسن بن عبد الملك الأودي ، وفي رجال النجاشي : ٨٠ / ١٩٣ : أحمد بن الحسين ابن عبد الملك الأزدي .

(٤) في الاستبصار ١ : ١٠٦ / ٣٤٧ : كانت .


عليه ، وهو أنّ ابن محبوب الواقع فيه هو الحسن ، وقد حكىٰ النجاشي عن الكشي أنّه قال عن نصر بن الصباح : ما كان أحمد بن محمد ابن عيسىٰ يروي عن ابن محبوب ، من أجل أنّ أصحابنا يتهمون ابن محبوب في أبي حمزة الثمالي ، ثم تاب ورجع عن هذا القول (١) . ولعلّ هذا من النجاشي علىٰ سبيل الإجمال ، وعدم التعرض فيه لتحقيق الحال غريب ، فإنّ التهمة والرجوع عنها لا بد من الإشارة إلىٰ حقيقتها .

والذي يخطر في البال أنّ وجه التهمة كون الحسن بن محبوب توفّي في آخر سنة أربع وعشرين ومأتين ، وكان من أبناء خمس وسبعين سنة كما نقله الكشي (٢) ، والصدوق ذكر في مشيخة الفقيه أنّ أبا حمزة الثمالي توفّي في سنة خمسين ومائة (٣) ، فيكون عمر الحسن بن محبوب حين وفاة أبي حمزة نحو من سنة ، فروايته عنه لا تخلو من إشكال .

وكان أحمد بن محمد بن عيسىٰ توقفه في الرواية عن الحسن من هذا الوجه ، إلّا أنّه لا يخفىٰ أنّ ذكر اتّهام الأصحاب لا وجه له ، بل هو علىٰ سبيل التحقيق ، ولعلّ المراد بالتهمة أنّ روايته عنه حينئذ إنّما تكون بالإجازة ، وعدم التصريح بذكر الإجازة في الرواية أوجب التهمة بالكذب ، لأنّ ظاهر الرواية ـ إذا لم تقيّد بالإجازة ـ أنّها بغيرها من طرق التحمل .

ثمّ إنّ رجوع أحمد بن محمد عن ذلك لعله لترجيح جواز إطلاق الرواية من غير ذكر الإجازة ، كما هو مذهب بعض العلماء علىٰ ما قرّروه في علم الدراية ، علىٰ أن أحمد وإن لم يرجح هذا ، لكن إذا حصل الوجه

__________________

(١) رجال النجاشي : ٨١ / ١٩٨ .

(٢) رجال الكشي ٢ : ٨٥١ / ١٠٩٤ .

(٣) مشيخة الفقيه ( من لا يحضره الفقيه ٤ ) : ٣٦ .


المسوِّغ للرواية جاز أن يكون الحسن بن محبوب اختاره ، غير أنّ النجاشي كان عليه بيان حقيقة الحال .

وما نقله الكشي بعدما حكاه عنه النجاشي : من أنّ أحمد بن محمد ابن عيسىٰ كان يروي عمّن كان أصغر سنّاً منه (١) قد ينافي ما ذكرناه من التوجيه ، ويفيد أنّ ترك الرواية عنه لغير ذلك ، ولعلّه أراد بما ذكره الإشارة إلىٰ أنّ أحمد بن محمد كان في أوّل الأمر له ترفّع عن الرواية عمّن هو أصغر سنّاً منه ، ثم صار يروي عن الأصغر بعد ذلك ، غير أنّ الإشكال إنّما يقع في أنّ بعض النسخ التي وقفنا عليها للكشي هذه صورته : وقال نصر ابن الصباح : ابن محبوب لم يكن يروي عن ابن فضال بل هو أقدم من ابن فضال وأسنّ ، وأصحابنا يتهمون ابن محبوب في روايته عن ابن أبي حمزة (٢) .

وظاهر هذا أنّ التهمة في ابن أبي حمزة لا في أبي حمزة ، ولعلّ ابن أبي حمزة هو البطائني الواقفي المشهور ، والتهمة المذكورة من أحمد إنّما هي لأجل روايته عن ابن أبي حمزة ، وحينئذ يكون ما ذكر في الكشي عن نصر بن الصباح في الموضع الآخر موهوماً ، إلّا أن النجاشي ثبتٌ في النقل وقد حكىٰ الأوّل كما ذكرناه ، وما يتوجه عليه من عدم تحقيق الحال لا يظن الجواب عنه إلّا بما أشرنا إليه .

وبالجملة : فالمقام لم أجد من حام حول تحقيقه من المتأخّرين ، فينبغي النظر فيه بعين الاعتبار ، ولأهميته لم نسلك فيه سبيل الاختصار .

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٧٩٩ / ٩٨٩ .

(٢) رجال الكشي ٢ : ٨٥١ .


والسند في الثاني : واضح لا ارتياب في رجاله علىٰ ما تقدم ، إلّا في رواية الحسين بن سعيد عن حماد بن عثمان بأن المعهود روايته عن حماد ابن عيسىٰ ، ويدفعه أنّ المرتبة لا تأباه ( وإن كان الغالب توسط ابن أبي عمير أو فضالة ) (١) كما لا يخفىٰ علىٰ الممارس .

والثالث : فيه محمد بن عبد الحميد الطائي ، وهو غير مذكور فيما رأيناه من كتب الرجال بهذا الوصف ؛ ومحمد بن [ الفضيل ] (٢) مشترك بين ثقة وغيره (٣) .

والرابع : فيه شاذان ، والموجود في الرجال شاذان بن الخليل (٤) من أصحاب يونس في الخلاصة مهملاً (٥) ، وفي رجال الجواد عليه‌السلام من كتاب الشيخ : شاذان بن الخليل والد الفضل بن شاذان (٦) ، وفي الخلاصة ايضاً في الشاذاني : أنّه شاذان بن نعيم (٧) ، وقال في محمد بن أحمد بن نعيم الشاذاني : روىٰ الكشي عن آدم بن محمد قال : سمعت محمد بن شاذان بن

__________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من « د » .

(٢) في النسخ : الفضل ، والظاهر ما أثبتناه .

(٣) هداية المحدثين : ٢٤٩ .

(٤) يظهر من الكشي في ترجمة يونس بن عبد الرحمن أن شادان ( بالدال المهملة ) لقب الخليل بن نُعيم والد الفضل ، لا أنّه اسم رجل آخر بينهما بالاُبوّة والبنوّة ـ راجع رجال الكشي ٢ : ٧٧٩ / ٩١٣ ، ومجمع الرجال ٣ : ١٨٨ .

(٥) خلاصة العلّامة : ٨٧ / ٣ .

(٦) رجال الطوسي : ٤٠٢ / ١ .

(٧) خلاصة العلّامة : ٢٧١ / ٣٤ .


نعيم وذكر الرواية ، وهي موجودة في الكشي (١) ، إلّا أنّه لا فائدة في ذلك لعدم ما يوجب التوثيق ولا غيره .

وأمّا يحيىٰ بن أبي طلحة فلم أقف عليه في الرجال .

والخامس : فيه أحمد بن الحسين بن عبد الملك الأودي وهو ثقة ، وأمّا أحمد بن عبدون فهو من شيوخ الإجازة ، غير أنّه لم يوثق في الرجال (٢) ، لأن توثيق الشيوخ لم يكن من طريقة المتقدمين من مصنّفي الرجال .

والعلّامة صحّح طريق الشيخ في هذا الكتاب والتهذيب إلىٰ أبي طالب الأنباري (٣) ، وأحمد فيه ، إلّا أنّ في كونه توثيقاً لأحمد نظراً .

وعليّ بن محمد بن الزبير لم يوثق في الرجال أيضاً ، وقد ذكره الشيخ في رجال من لم يرو عن الأئمة عليهم‌السلام (٤) .

فإن قلت : قد قال النجاشي في ترجمة أحمد بن عبدون : وكان قد لقي أبا الحسن عليّ بن محمد القرشي المعروف بابن الزبير وكان علوّاً في الوقت (٥) . وهذا اللفظ إن عاد إلىٰ أحمد كان توثيقاً له ، وإن عاد إلىٰ علي كان كذلك .

قلت : لم أفهم حقيقة المعنىٰ في هذه العبارة ، لكن الظاهر عودها إلىٰ عليّ بن الزبير وفيها نوع إشعار بالمدح .

__________________

(١) خلاصة العلّامة : ١٥٣ / ٧٦ .

(٢) رجال ابن داود : ٣٩ / ٩٤ .

(٣) خلاصة العلّامة : ٢٧٦ .

(٤) رجال الطوسي : ٤٨٠ / ٢٢ .

(٥) رجال النجاشي : ٨٧ / ٢١١ .


وأمّا معاوية فلا يخلو من اشتراك (١) كما يعرف من ملاحظة المراتب .

المتن :

في الأوّل : ظاهر في أنّ الانزال من المرأة يوجب الغسل ، وربما كان الإطلاق مقيداً بما في الخبر المذكور في أوّل الباب ، إلّا أن عدم الاتحاد في المورد قد يشكل معه الحال .

وما نقلناه أوّلاً من الفرق بين الاشتباه وتحقق المني لا أعلم قول الأصحاب في جهة المرأة أهي (٢) من قبيل الرجل فيما ذكر أم لا ؟ .

وقد يدّعىٰ أنّ الأخبار الواردة في المرأة الدالة علىٰ مجرد الشهوة يقتضي عدم اعتبار غيرها من (٣) المذكور في الرجال علىٰ تقدير الاشتباه ، أو علىٰ الإطلاق بتقدير الاحتمال الذي قدّمناه ، والإحالة علىٰ (٤) التأمّل فيما أشرنا إليه أوّلاً أولىٰ .

وفي الثاني : نوع دلالة علىٰ أنّ رؤيتها كما يرىٰ الرجل موجبة للغسل ، أمّا كيفية المني فمجملة الحكم .

وقد ذكر بعض المتأخّرين أنّ المني له صفات خاصة عند الاشتباه وهي : قرب رائحته رطباً من رائحة الطلع والعجين ، وجافّاً من بياض البيض (٥) .

وربما استشكل بفقد النص وجواز عموم الوصف (٦) .

__________________

(١) هداية المحدثين : ١٤٦ .

(٢) في « فض » : أي .

(٣) في « فض » زيادة : الأوّل .

(٤) في « رض » : في .

(٥) المسالك ١ : ٤٩ .

(٦) المدارك ١ : ٢٦٧ .


وقد يقال : إنّه لا بد من المائز علىٰ تقدير عدم العلم بالدفق والشهوة والفتور كحال النوم ، والوصف وإن جاز عمومه إلّا أنّ المشابهة الغالبة كافية ، ولولا ذلك لأشكل الأمر ، إلّا أن يقال بأنّ العلم يحصل بكونه منيّاً ، وأنت خبير بأنّ حكم المرأة يتوقف علىٰ البيان من الشارع في أنّه متحد مع حكم الرجل ، والأخبار لا تخلو من إجمال علىٰ ما وقفت عليه الآن .

وما تضمنه الخبر من قوله عليه‌السلام : « ولا تحدّثوهنّ فيتخذنه علّة » لا يخلو من إشكال ، وقد ذكرت في حاشية التهذيب إمكان أن يقال : إنّ المراد لا تحدثوهن قبل وقوع ما يوجب الغسل منهن ، وبعده حينئذ لا بد من التنبيه علىٰ الغسل لكن بوجه لا يصرح فيه بأنّ السبب الاحتلام ، أو أنّ المنع قبل الوقوع ، وبعده لا منع وإن كانت العلّة جارية فيما بعد ، وبالجملة فالأمر في غاية الغموض ، والله تعالىٰ أعلم بمقاصد أوليائه .

وقوله عليه‌السلام في الثالث : « إذا جاءت الشهوة وأنزلت الماء وجب عليها الغسل » يدل علىٰ أنّ مجرد الشهوة كاف ، إلّا أنّ قوله : « وأنزلت الماء » ربما يدل علىٰ أنّ الماء لتعريف العهد أي الماء المقرر في صفاته ما ذُكر ، والاكتفاء بالشهوة لأنّ من لوازمها بقية الأوصاف . وفيه : أنّ باب الاحتمال واسع ، فلا يتم الاستدلال بالخبر علىٰ تقدير سلامة سنده .

والخبر الرابع : يدل علىٰ مطلق وجود الشهوة ، إلّا أن ينضم إليه ما قدمناه من الاحتمال .

والخامس : كذلك .

قال :

فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ،


عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن حماد بن عثمان ، عن عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يضع ذكره علىٰ فرج المرأة فيمني أعليها غسل ؟ فقال : « إذا أصابها من الماء شي‌ء فلتغسله وليس عليها شي‌ء إلّا أن يدخله » قلت : فإن أمنت هي ولم يدخله ، قال : « ليس عليها غسل » .

وروىٰ هذا الحديث الحسن بن محبوب في كتاب المشيخة بلفظ آخر عن عمر بن يزيد قال : اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة ولبست ثيابي وتطيّبت فمرّت بي وصيفة ففخّذت لها فأمذيت أنا (١) وأمنت هي ، فدخلني من ذلك ضيق فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك فقال : « ليس عليك وضوء ولا عليها غسل » .

فالوجه في هذا الخبر أنّه يجوز أن يكون السامع قد وهم في سماعه وأنّه إنّما قال : أمذت . فوقع له : أمنت ، فرواه علىٰ ما ظن ، ويحتمل أن يكون إنّما أجابه عليه‌السلام علىٰ حسب ما ظهر له في الحال منه ، وعلم أنّه اعتقد في جاريته أنّها أمنت ولم يكن كذلك ، فأجابه عليه‌السلام علىٰ ما يقتضيه الحكم لا علىٰ اعتقاده .

السند‌ :

كما ترىٰ فيه رواية الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عثمان بواسطة فضالة ، والظاهر سقوطه من الخبر السابق فلا يضر بصحة السند .

وأمّا عمر بن يزيد : فقد أوضحت القول فيه فيما أفردته به في الرجال ، والذي يقال هنا : إنّ الموجود في النجاشي : عمر بن محمد بن

__________________

(١) ليست في النسخ اثبتناها من الاستبصار ١ : ١٠٦ / ٣٤٩ .


يزيد أبو الأسود بيّاع السابري مولىٰ ثقيف كوفي ثقة جليل روىٰ عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام (١) .

وفي فهرست الشيخ : عمر بن يزيد ثقة له كتاب (٢) .

وفي رجال الصادق عليه‌السلام من كتاب الشيخ : عمر بن يزيد بيّاع السابري كوفي (٣) .

وفي رجال الكاظم عليه‌السلام : عمر بن يزيد بيّاع السابري كوفي ثقة له كتاب (٤) .

ثمّ في رجال الصادق عليه‌السلام : عمر بن يزيد الثقفي مولاهم البزاز الكوفي (٥) .

وفي النجاشي : عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل أبو موسىٰ مولىٰ بني نهد ، روىٰ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وذكر أنّ الراوي عنه محمد بن زياد (٦) .

وفي رجال الصادق عليه‌السلام من كتاب الشيخ : عمر بن يزيد الصيقل الكوفي (٧) .

والشيخ في الفهرست ذكر أنّ الراوي عن عمر بن يزيد السابق عنه : محمد بن عمر بن يزيد ، عن الحسين بن عمر بن يزيد ، عن عمر بن يزيد (٨) .

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٨٣ / ٧٥١ .

(٢) الفهرست : ١١٣ / ٤٩١ .

(٣) رجال الطوسي : ٢٥١ / ٤٥٠ .

(٤) رجال الطوسي : ٣٥٣ / ٧ .

(٥) رجال الطوسي : ٢٥١ / ٤٥٧ .

(٦) رجال النجاشي : ٢٨٦ / ٧٦٣ .

(٧) رجال الطوسي : ٢٥١ / ٤٥٨ .

(٨) الفهرست : ١١٣ / ٤٩١ .


وشيخنا ـ أيّده الله ـ في كتاب الرجال قال : إنّ الظاهر الاتحاد في عمر ابن يزيد وعمر بن محمد بن يزيد (١) . وأمّا عمر بن يزيد الصيقل فهو غير المذكورين .

وفي نظري القاصر أنّ هذا لا يدفع الاحتمال الواقع في الخبر المبحوث عنه ، لأنّ عمر بن يزيد الصيقل يروي عن أبي عبد الله ، كما أنّ عمر بن محمد بن يزيد أو عمر بن يزيد يروي عنه ، فالحكم بصحة الحديث لا يخلو من إشكال .

وما قاله ـ أيّده الله ـ من الاتحاد غير بعيد ، لأنّ النجاشي لم يذكر سوىٰ عمر بن محمد بن يزيد ، ومن المستبعد أن يكون مغايراً لعمر بن يزيد الذي ذكره الشيخ ولم يذكره ، والشيخ أيضاً لم يذكر عمر بن محمد بن يزيد لنحو ما ذكر في النجاشي ، وكأنّ النسبة إلىٰ الجدّ وقعت من الشيخ ، وإلىٰ الأب والجدّ معاً وقعت من النجاشي ، وتكرار الشيخ لا يدل علىٰ التعدد كما يعرف من عادته في الكتاب .

وما ظنّه بعض المتأخّرين من أنّ المذكور في الفهرست هو عمر بن يزيد الصيقل (٢) . فلي فيه نظر ، لأنّ الراوي عنه كما سمعته محمد بن عمر ابن يزيد ، عن الحسين بن عمر بن يزيد ، عن عمر بن يزيد ؛ ومحمد بن عمر بن يزيد هو ابن بيّاع السابري كما صرّح به النجاشي (٣) ، فلو اتحد عمر ابن يزيد بيّاع السابري مع ابن ذبيان كيف تقع الرواية بهذه الصورة عن الحسين ابن عمر بن يزيد كما يعرف بأيسر نظر .

__________________

(١) منهج المقال : ٢٥٢ .

(٢) حكاه عن بعض مشايخه في الحاوي ٢ : ١٢٦ .

(٣) رجال النجاشي : ٣٦٤ / ٩٨١ .


فإن قلت : قد ذكر النجاشي في ترجمة أحمد بن الحسين بن عمر ابن يزيد الصيقل ما هذا لفظه : أبو جعفر كوفي ثقة من أصحابنا ، جدّه عمر ابن يزيد بيّاع السابري (١) . فيكون الصيقل وبيّاع السابري واحداً .

قلت : إذا كان واحداً يكون الراوي محمد بن عمر بن يزيد السابري ، عن الحسين بن عمر بن يزيد السابري ، عن عمر بن يزيد السابري ، والأولىٰ حينئذ أن يقال : عن أخيه عن أبيهما ، كما هو المتعارف في أمثاله ، وبتقدير الجواز (٢) نظراً إلىٰ بيان الأب في كل المراتب فالصيقل مولىٰ بني نهد فهو نهدي ، والسابري لو كان له وصف غيره لما احتيج إليه ، إلّا أن يقال : إن هذا موجود بكثرة في الرجال ، إذ لا مانع من تعدد الصفات ، ومن ثَمَّ ظن الشيخ التعدد في كثير من الرجال بسبب ذلك . وفيه ما فيه .

ويقال في كلام النجاشي في أحمد : إنّ فيه احتمال كون الصيقل صفة لأحمد ، وحينئذ يكون جدّه عمر بن يزيد بيّاع السابري . وفيه نظر ، لأنّه خلاف الظاهر من عبارة النجاشي ، فإنّ الظاهر من كلام النجاشي الاتحاد في بيّاع السابري والصيقل في ترجمة أحمد ، إلّا أن يحتمل الوهم في قول النجاشي .

ويؤيّد الاحتمال أنّه ذكر عمر بن محمد بن يزيد بيّاع (٣) السابري ، والراوي عنه محمد بن عذافر ومحمد بن عبد الحميد (٤) ؛ وذكر عمر بن يزيد الصيقل ، والراوي عنه محمد بن زياد (٥) ، والاتحاد مع ذكر الاختلاف

__________________

(١) رجال النجاشي : ٨٣ / ٢٠٠ .

(٢) في « رض » : الجواب .

(٣) ليس في « رض » .

(٤) رجال النجاشي : ٢٨٣ / ٧٥١ .

(٥) رجال النجاشي : ٢٨٦ / ٧٦٣ .


في الراوي عن كل واحد غير مألوف من النجاشي ، إلّا أن يقال : إنّ النجاشي لا يقول بأنّ عمر بن محمد بن يزيد هو جدّ أحمد ، بل جدّه عمر بن يزيد . وفيه أنّ من المستبعد التعدد لما أسلفناه ، بل يؤيّد العدم أنّه يذكر جدّ الرجل ولم يذكر الجدّ مفرداً .

وبالجملة : فالمقام لا يخلو من إجمال ، وهو في كلام المتأخّرين غير محرّر ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .

المتن :

ما قاله الشيخ : من أنّ هذا الحديث مروي بلفظ آخر . لا يخلو من غرابة ، لأنّ المذكور حديث آخر ، وكون الراوي واحداً لا يدل علىٰ اتحاد الحديث ، وما ذكره الشيخ في الجمع وإن بعد إلّا أنّه أولىٰ من غيره .

وما قد يقال : إنّ قول الشيخ : يجوز أن يكون السامع وهم في سماعه . مراده به السامع من غير الإمام ، ورواة الحديث عن عمر بن يزيد ثقات جميعاً ، فكيف يقع الوهم ؟ . يمكن الجواب عنه بأنّ المراد كون الوهم إذا صدر من الراوي نادراً لا يضرّ بالحال .

نعم يشكل الحال بأنّ السؤال لو كان عن المذي منهما فأيّ فائدة في جواب الإمام عليه‌السلام بنفي الوضوء عنه والغسل عنها ، هذا في الخبر الثاني ، وفي الأوّل كذلك ، لأنّ قوله عليه‌السلام : « ليس عليها غسل » مع كون السؤال عن المذي غير واضح .

ثم إنّ دخول الضيق بسبب المذي لا وجه له من مثل عمر بن يزيد ، وبالجملة : فالجواب الأوّل لا يخلو من تأمّل .

وعلىٰ تقدير تمامه في الخبر الثاني لا يتمّ في الأوّل ، لأنّ السائل قال‌ :


فإن أمنت . ولا دخل هنا للاعتقاد وعدمه . والأولىٰ أن يقال : إنّ عدم الغسل عليها لعدم ثبوت كونه منيّاً بمجرد قول الراوي ، لجواز توهمه بسبب (١) من الأسباب كما ذكره شيخنا أيّده الله في فوائده علىٰ الكتاب (٢) .

بقي شي‌ء وهو أنّ الخبر الثاني ربما يدلّ علىٰ أنّ غسل الجمعة لا وضوء معه كما يعلم من ملاحظته ، إلّا أنّ الحق كونه مجملاً لا يصلح للاستدلال ، غير أنّه مؤيّد لما دل علىٰ عدم الوضوء مع غسل الجمعة ، وسيأتي إن شاء الله توضيح القول في ذلك (٣) .

قال :

فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم قال : قلت : لأبي جعفر عليه‌السلام كيف جعل علىٰ المرأة إذا رأت في النوم أن الرجل يجامعها في فرجها الغسل ولم يُجعل عليها الغسل إذا جامعها دون الفرج في اليقظة فأمنت ؟ قال : « لأنّها رأت في منامها أنّ الرجل يجامعها في فرجها فوجب عليها الغسل ، والآخر إنّما جامعها دون الفرج فلم (٤) يجب عليها الغسل لأنّه لم يدخله ، ولو كان أدخله في اليقظة لوجب عليها الغسل أمنت أو لم تمن » فالوجه في هذا الخبر ما ذكرناه في الخبر الأوّل سواء .

__________________

(١) ليست في « رض » .

(٢) في « فض » و « د » : في فوائد الكتاب .

(٣) يأتي في ص ٢٨٧ ـ ٢٩٣ .

(٤) في النسخ : لأنّه لم . وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠٧ / ٣٥٠ .


السند :

واضح بعد ما قدّمناه .

المتن :

ظاهر الإشكال ، وما ذكره الشيخ فيه لا يحوم حوله التوجيه إذا أعطاه المتأمّل حق النظر ، ونقل شيخنا قدس‌سره عن المنتهىٰ (١) أنّ فيه : هذه الروايات (٢) قد عارضت إجماع المسلمين والأخبار المستفيضة فوجب الردّ ، ولا ريب فيما قاله .

وذكر شيخنا المحقق ميرزا محمّد ـ أيّده الله ـ في فوائد الكتاب أنّ في الخبر وجهين :

أحدهما : أن يراد بقوله : فأمنت . مجي‌ء ما يحتمل كونه منيّاً ، ويكون حاصل الجواب الفرق بأن الفرج محل الشهوة ، والمجامعة فيه مظنة خروج المني ، دون ما دون الفرج ، فيحكم في الأوّل بكونه منيّاً دون الثاني ، إلّا مع تحقق ما يوجب كونه منيّاً .

وثانيهما : أنّ بعض المخالفين كأبي حنيفة وغيره ذهب إلىٰ أنّ خروج المني لا يجب به الغسل إلّا مع الشهوة ، فأوجب لذلك الغسل مع المجامعة في الفرج إذا أمنىٰ لوجود الشهوة ولو في النوم ، ولم يوجب مع المجامعة فيما دون الفرج ولو يقظة لعدم الشهوة ولو أمنىٰ ، ومحمد بن مسلم سأله عن ذلك فبيّنه عليه‌السلام كما قلنا ، قال ـ أيّده الله ـ : ولا يخفىٰ أنّ هذا الوجه ينبّه

__________________

(١) المنتهىٰ ١ : ٧٨ .

(٢) في « رض » : الرواية .


علىٰ احتمال صدور ذلك عن الإمام عليه‌السلام تقية ، فتأمّل . انتهىٰ .

وهو أعلم بتطبيقه علىٰ الرواية ، وكيف يتم التوجيه الأوّل مع قوله : ولم يجعل عليها الغسل إذا جامعها دون الفرج في اليقظة فأمنت .

وقد ذكرنا في حاشية التهذيب أنّ حمل الإمناء علىٰ الإمذاء يوجب تهافت الرواية من حيث تضمنها السؤال عن وجه الفرق بين ما إذا رأت المرأة في النوم أنّ الرجل يجامعها في الفرج فعليها الغسل ، وعدمه إذا جامعها دون الفرج فأمنت .

والجواب عن هذا يقتضي أن يقال فيه : لأنّها لم تمن ، لا لأنّه لم يدخله ، كما هو صريح الجواب ، وإن كان في الجواب علىٰ تقدير حمل المني علىٰ ظاهره نوع خفاءٍ أيضاً ، لإمكان أن يوجّه بلزوم المني لرؤية المجامعة في الفرج ، وإن كان يقتضي نوع منافرة لما عليه الأصحاب ، إلّا أنّه قد يطابق مدلول بعض الأخبار الدالة علىٰ عدم وجوب الغسل بالإمناء من دون إدخال ، فالجواب عنها جواب عنه .

وإمكان حمل قوله : « أمنت أو لم تمن » علىٰ الإمذاء له وجه من حيث إن الإدخال يوجب الغسل بمجرده ، إلّا أنّ المطابقة للسؤال غير حاصلة .

ثم إنّ الإدخال في الرواية يراد به في الفرج علىٰ الظاهر ، ويحتمل أن يراد الأعم من الفرج والدبر علىٰ أن يراد بالمجامعة دون الفرج مجرّد إيصال الذكر بها .

والذي رأيته في بعض كتب أهل الخلاف أنّهم رووا أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جاءت إليه اُمّ سلمة (١) امرأة أبي طلحة فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحيي

__________________

(١) كذا في النسخ ، وفي المصادر : اُمّ سُلَيم .


من الحق ، هل علىٰ المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ قال : « نعم إذا رأت الماء » (١) .

قال بعض الشرّاح للحديث : إنّ فيه دليلاً علىٰ وجوب الغسل بإنزال الماء من المرأة ، ثم قال : وقوله عليه‌السلام : « إذا رأت الماء » قد يردّ به علىٰ من يزعم أنّ ماء المرأة لا يبرز وإنّما يعرف إنزالها بشهوتها (٢) .

وظاهر كلام من أشرنا إليه من الفقهاء يقتضي وجوب الغسل بالإنزال إذا عرفته بالشهوة ولا يوقفه بالبروز إلىٰ الظاهر ، فليتأمّل خبط هؤلاء الجماعة . وما نقله شيخنا ـ أيّده الله ـ عنهم غريب أيضاً .

وبالجملة : والحديث لا مجال للقول فيه إلّا بما ذكره في المنتهىٰ (٣) . والله تعالىٰ أعلم .

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن اُذينة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المرأة تحتلم في المنام فتهريق الماء الأعظم ، قال : « ليس عليها الغسل » .

فالوجه في هذا الخبر أنّها إذا رأت الماء الأعظم في حال منامها فإذا انتبهت لم تر شيئاً فإنّه لا يجب عليها الغسل .

يدل علىٰ ذلك :

ما رواه محمد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن

__________________

(١) منهم الشافعي في الاُم ١ : ٣٧ ، واحمد بن حنبل في مسنده ٦ : ٣٠٢ .

(٢) وهو ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ١ : ٣٠٩ .

(٣) المنتهىٰ ١ : ٧٨ .


محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ترىٰ في المنام ما يرىٰ الرجل ، قال : « إن أنزلت فعليها الغسل ، وإن لم تنزل فليس عليها الغسل » .

السند‌ :

في الأوّل : ظاهر الحال لا ارتياب فيه بعد ما قدّمناه ، إلّا أنّه ينبغي أن يعلم أنّ عمر بن اُذينة الظاهر أنّه عمر بن محمد بن اُذينة كما هو في النجاشي (١) .

والشيخ رحمه‌الله ذكر في أصحاب الصادق عليه‌السلام من كتاب الرجال عمر ابن اُذينة مهملاً (٢) ، وفي أصحاب الكاظم عليه‌السلام قال : عمر بن اُذينة ثقة له كتاب (٣) .

وفي الفهرست : عمر بن اُذينة ثقة له كتاب (٤) .

والكشي قال : ما روي في عمر بن اُذينة (٥) .

وابن داود جعل عمر بن اُذينة غير عمر بن محمد بن اُذينة (٦) .

وكتب جدّي قدس‌سره في بعض فوائده علىٰ كتابه : أنّ الحق أنّهما واحد (٧) ، وأظنّ أنّ كلام ابن داود لا وجه له ، وما قد يتوهم من كلام

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٨٣ / ٧٥٢ .

(٢) رجال الطوسي : ٢٥٣ / ٤٨٢ .

(٣) رجال الطوسي : ٣٥٣ / ٨ .

(٤) الفهرست : ١١٣ / ٤٩٢ .

(٥) رجال الكشي ٢ : ٦٢٦ .

(٦) رجال ابن داود : ١٤٤ / ١١١١ و ١٤٦ / ١١٣١ .

(٧) حواشي الشهيد الثاني علىٰ الخلاصة : ٢٠ ( مخطوط ) .


النجاشي يدفعه أنّه قال في آخر الطريق إليه : عن عمر بن اُذينة .

واتفق للعلّامة في الخلاصة أنّه نقل عن الكشي أنّه قال : قال حمدويه : سمعت أشياخي منهم العبيدي وغيره أنّ ابن اُذينة كوفي وكان هرب من المهدي ومات باليمن ، فلذلك لم يرو عنه كثير (١) .

وابن طاووس نقل الحكاية وقال : لم يرو عنه كتبه (٢) . والعلّامة كثير التبع لابن طاووس ، فربما احتمل كون لفظ « كثير » تصحيف « كتبه » إلّا أنّ المنقول في كتاب شيخنا ـ سلّمه الله ـ عن الكشي كما في الخلاصة (٣) .

وما قاله في الخلاصة : من أنّ عمر بن اُذينة يقال : اسمه محمد بن عمر بن اُذينة غلب عليه اسم أبيه (٤) . هو قول الشيخ في كتاب الرجال ، فإنّه قال في موضع من رجال الصادق عليه‌السلام : محمد بن عمر بن اُذينة غلب عليه اسم أبيه (٥) .

وفي الثاني : لا يخلو من ارتياب في رواية أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير بغير واسطة كما قدمنا فيه كلاماً أيضاً ، إلّا أنّ الغالب كونها الحسين بن سعيد ، والمرتبة لا تأبىٰ رواية أحمد عن ابن أبي عمير .

ثم إن العدّة التي يروي عنها محمد بن يعقوب ، عن أحمد بن محمد ما ذكره العلّامة في الخلاصة نقلاً عن محمد بن يعقوب أنّه قال : والمراد بقولي : عدة من أصحابنا ـ يعني عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ـ هو محمد ابن يحيىٰ ، وعليّ بن موسىٰ الكُميذاني ، وداود بن كورة ، وأحمد بن

__________________

(١) خلاصة العلّامة : ١١٩ / ٢ .

(٢) التحرير الطاووسي : ٤١٨ .

(٣) منهج المقال : ٢٤٩ .

(٤) خلاصة العلّامة : ١١٩ / ٢ .

(٥) رجال الطوسي : ٣٢٢ / ٦٨٢ .


إدريس ، وعليّ بن إبراهيم بن هاشم (١) .

وأنّه قال أيضاً : كلّما ذكرته في كتابي المشار إليه عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي : فهم عليّ بن إبراهيم ، وعليّ بن محمد ابن عبد الله بن اُذينة ، وأحمد بن عبد الله بن اُميّة (٢) ، وعليّ بن الحسن .

وحينئذ فأحمد بن محمد المذكور في الحديث المبحوث إن كان ابن خالد أو ابن عيسىٰ فالحال ما سمعته ، وإن كان الظاهر أنّه ابن عيسىٰ ، وما قاله العلّامة في الخلاصة لم نره في الكافي .

والنجاشي ذكر في ترجمة الكليني ما هذا لفظه : وقال أبو جعفر الكليني : كلما كان في كتابي عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ فهم (٣) . . . إلىٰ آخر ما قاله العلّامة في ابن عيسىٰ .

نعم في الكافي ، في باب المملوك يكون بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه : عدّة من أصحابنا ـ عليّ بن إبراهيم ، ومحمد بن جعفر ، ومحمد بن يحيىٰ ، وعليّ بن محمد بن عبد الله القميّ ، وأحمد بن عبد الله ، وعليّ بن الحسن جميعاً ـ عن أحمد بن محمد بن خالد (٤) ، وفي أول حديث في الكافي عدّة من أصحابنا منهم محمد بن يحيىٰ العطار عن أحمد بن محمد (٥) .

__________________

(١) خلاصة العلّامة : ٢٧١ ، ٢٧٢ .

(٢) في « فض » : زيادة : هكذا في الخلاصة واظنه ابن ابنته أي ابن ابنة أحمد بن محمد بن خالد .

(٣) رجال النجاشي : ٣٧٧ / ١٠٢٦ .

(٤) الكافي ٦ : ١٨٣ / ٥ . إلّا انه قال : عدّة من أصحابنا عن احمد بن محمد بن خالد . ولم يصرح باسم العدّة . ولكن نقله عن نسخة من الكافي في الوسائل ٢٣ : ٣٧ أبواب العتق ب ١٨ ح ٥ .

(٥) اصول الكافي ١ : ١٠ / ١ .


ولا يبعد أن يكون هذا عاماً لكل عدّة ، إلّا أنّه خاص بأحمد بن محمد بن عيسىٰ علىٰ ما في الخلاصة والنجاشي ، لأنّ محمد بن يحيىٰ ليس في العدّة التي تروي عن أحمد بن محمد بن خالد علىٰ ما سمعته من نقلهما .

المتن :

ما ذكره الشيخ في الأوّل لا يخلو من وجه ، واستدلاله بالخبر الثاني غير محتاج إليه ، لكثرة الأخبار الدالة عليه كما لا يخفىٰ .

اللغة :

قال ابن الأثير في إحكام الأحكام : الاحتلام في الوضع افتعال من الحُلْم بضم الحاء وسكون اللام ، وهو مّا يراه النائم في نومه ، يقال منه حلم واحتلم ، واحتلمت به واحتلمته ، وأمّا في الاستعمال والعرف العام فإنه قد خصّ هذا الوضع اللغوي ببعض ما يراه النائم وهو ما يصحبه إنزال الماء ، فلو رأىٰ غير ذلك لصح أن يقال له احتلم وضعاً ولم يصح عرفاً .

وفي النهاية : الهاء في « هراق » بدل من همزة أراق ، يقال : أراق الماء يريقه وهراقه يهريقه بفتح الهاء ، وقد يقال فيه : أهرقت الماء اُهرقه إهراقاً فيجمع بين البدل والمبدل (١) .

قال :

فأمّا ما رواه الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن نوح بن

__________________

(١) النهاية لابن الاثير ٥ : ٢٦٠ .


شعيب ، عمّن رواه ، عن عبيد بن زرارة قال : قلت له : هل علىٰ المرأة غسل من جنابتها إذا لم يأتها الرجل ؟ قال : « لا ، وأيّكم يرضىٰ أن يرىٰ و (١) يصبر علىٰ ذلك ، أن يرىٰ ابنته أو اُخته أو اُمّه أو زوجته أو أحداً (٢) من قرابته قائمة تغتسل فيقول : ما لك ، فتقول : احتلمت ، وليس لها بعل » ثمّ قال : « لا ليس عليهن ذاك وقد وضع الله ذلك عليكم (٣) ، قال الله تعالىٰ ( وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ) (٤) ولم يقل ذلك لهنّ » .

فهذا خبر مرسل لا يعارض به ما قدّمناه من الأخبار ، ويحتمل أن يكون الوجه فيه ما قدمناه في الخبر الأوّل سواء .

ويزيد ذلك بياناً :

ما رواه أحمد بن محمد ، عن إسماعيل بن سعد الأشعري قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل يلمس فرج جاريته حتىٰ تنزل الماء من غير أن يباشر ، يعبث بها (٥) بيده [ حتىٰ تنزل ] (٦) قال : « إذا أنزلت من شهوة فعليها الغسل » .

عنه (٧) ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألت الرضا عليه‌السلام

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٠٧ / ٣٥٣ : أو .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٠٧ / ٣٥٣ : واحدة .

(٣) في « فض » و « د » : عنكم ، وفي « رض » : وقد وضع ذلك عنهم ( عنكم ) ، والصحيح ما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠٧ / ٣٥٣ .

(٤) المائدة : ٦ .

(٥) ليست في النسخ ، أثبتناها من الاستبصار ١ : ١٠٨ / ٣٥٤ .

(٦) ليست في النسخ ، أثبتناها من الاستبصار ١ : ١٠٨ / ٣٥٤ .

(٧) في الاستبصار ١ : ١٠٨ / ٣٥٥ : وعنه .


عن الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج فتنزل المرأة هل (١) عليها غسل ؟ قال : « نعم » .

الحسين بن سعيد ، عن محمد بن إسماعيل (٢) قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المرأة ترىٰ في منامها فتنزل أعليها (٣) غسل ؟ قال : « نعم » .

أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ترىٰ أنّ الرجل يجامعها في المنام في فرجها حتىٰ تنزل ، قال : « تغتسل » .

السند‌ :

في الأوّل : ـ كما قال الشيخ ـ مرسل ، والإشكال في كلام الشيخ قد تقدم القول فيه ، وينبغي أن يعلم أنّ نوح بن شعيب قد ذكره العلّامة في الخلاصة قائلاً : إنّه البغدادي ، وإنّه من أصحاب أبي جعفر محمد بن عليّ الثاني عليه‌السلام ، ونقل عن الفضل بن شاذان : أنّه كان فقيها (٤) .

وذكر أيضاً نوح بن صالح البغدادي ، قال : وذكر الكشي عن أبي عبد الله الشاذاني ، عن أبي محمد الفضل بن شاذان ما يشهد أنّه من شيعة أهل البيت عليهم‌السلام (٥) .

والذي وجدناه في الكشي صورته : نوح بن صالح البغدادي ، سأل

__________________

(١) ليست في النسخ ، اثبتناها من الاستبصار ١ : ١٠٨ / ٣٥٥ .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٠٨ / ٣٥٦ : بن بزيع ، زيادة من « د » .

(٣) في النسخ : عليها ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠٨ / ٣٥٦ .

(٤) خلاصة العلّامة : ١٧٤ / ١ .

(٥) خلاصة العلّامة : ١٧٥ / ٢ .


أبو عبد الله الشاذاني أبا محمد الفضل بن شاذان . . . وذكر ما يدل علىٰ أنّه فقيه ، وأنّه يقال له : نوح بن شعيب (١) . وظاهره أنّ ابن صالح هو ابن شعيب ، فالتعدد لا وجه له .

ثم الجزم بأنّ القول من ابن شاذان في نوح بن شعيب ، والحكاية عن أبي عبد الله الشاذاني في ابن صالح غريب ، فإنّ الحكاية واحدة كما ذكرناه ، وأبو عبد الله الشاذاني محمد بن نعيم غير معلوم الحال .

ثم إنّ في كتاب رجال الشيخ في أصحاب الجواد عليه‌السلام ، نوح بن شعيب البغدادي ، ذكر الفضل بن شاذان أنّه كان فقيهاً عالماً صالحا مرضيّاً ، وقيل : إنّه نوح بن صالح (٢) .

وهذا من الشيخ أيضاً لا يخلو من غرابة ، لأنّ الظاهر أنّه من الكشي ، واستفادة ما قاله منه بعيدة ، إلّا أنّ قول الشيخ : « وقيل » لا يلائم قول الكشي ، وكذلك الزيادة الواقعة فيه ، ولعلّه من غير الكشي ، وشيخنا أيّده الله لم يذكر في كتاب الرجال كلام الشيخ (٣) ، فلعلّه ليس في نسخته ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .

والثاني : لا ارتياب فيه .

وكذلك الثالث : إلّا أنّ ضمير « عنه » راجع إلىٰ أحمد بن محمد ، وروايته عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قد يحصل فيها نوع شك ، لأنّ الرواية عن الحسين بن سعيد عنه بكثرة كما في الرابع ، إلّا أنّه لا يضر بالحال مع وجود المرتبة ، واحتمال سقوط الحسين بن سعيد لا يضر أيضاً .

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٨٣٢ / ١٠٥٦ .

(٢) رجال الطوسي : ٤٠٨ / ١ .

(٣) منهج المقال : ٣٥٤ .


والخامس : واضح كالرابع .

المتن :

في الأوّل : لا وجه لردّه إلّا بالإرسال ، وما قاله الشيخ : من أنّ الوجه فيه ما قاله في الخبر الأول . لا يحوم حوله التسديد ، بعد صراحة الخبر في المنافي له .

ثمّ إنّ الرواية لا تخلو من تهافت في المتن من حيث ذكر الزوجة ثمّ قوله : « وليس لها بعل » وإن أمكن عود الضمير لغير الزوجة ، إلّا أنّ وقوع مثل هذا من الإمام عليه‌السلام يكاد أن يقطع بنفيه .

ثم قوله : « ( وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ) ولم يقل ذلك لهن » لا يخلو من شي‌ء ، إلّا أن يقال في هذا : إنّ وجوب غسل الجنابة علىٰ المرأة بالإجماع لا من القرآن .

وما تضمنه الخبر الثاني من قوله : « إن أنزلت من شهوة » فقد قدّمنا فيه القول من حيث الاكتفاء بالشهوة .

وقول السائل في الخبر الثالث : فيما دون الفرج . يحتمل أن يراد به ما يعمّ الدبر ، إلّا أنّ كلام السائل ( لا يفيد حكماً ) (١) ولا تقرير الإمام عليه‌السلام في مثل هذا ، كما يعرف بالتأمّل في الحديث حق التأمّل .

اللغة :

قال في النهاية في حديث أبي جعفر الأنصاري : فملأت ما بين

__________________

(١) في « رض » : لا يعتد به .


فروجي ، جمع فرج ، وهو ما بين الرِّجلين ، إلىٰ أن قال : وبه سمي فرج الرجل والمرأة ، لأنهما بين الرِّجلين (١) .

وقال في كتاب إحكام الأحكام : إنّ صيغة الفرج لها وضعان لغوي وعرفي ، فأمّا اللغوي فهو مأخوذ من الانفراج فعلىٰ هذا يدخل فيه الدبر ، وأمّا العرفي فالغالب استعماله في القبل من الرجل والمرأة .

وفي القاموس : الفرج العورة (٢) .

إذا عرفت هذا فما وقع في بعض هذه الأخبار من الفرج لا يبعد أن يكون المراد به القبل إلّا أنّ باب الاحتمال واسع ، وستظهر فائدة الخلاف فيما يأتي إن شاء الله تعالىٰ .

قال :

باب أن التقاء الختانين يوجب الغسل

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيىٰ ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيىٰ ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته متىٰ يجب (٣) الغسل علىٰ الرجل والمرأة ؟ فقال : « إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم » .

وبهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن محمد بن إسماعيل قال : سألت‌

__________________

(١) النهاية لابن الأثير ٣ : ٤٢٣ ( فرج ) .

(٢) القاموس المحيط ١ : ٢٠٩ ( فرج ) .

(٣) في الاستبصار ١ : ١٠٨ / ٣٥٨ : يوجب .


الرضا عليه‌السلام عن الرجل يجامع المرأة قريباً من الفرج فلا ينزلان متىٰ يجب الغسل ؟ فقال : « إذا التقىٰ الختانان فقد وجب الغسل » فقلت (١) : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة ؟ قال : « نعم » .

وبهذا الإسناد عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أخيه الحسين بن علي ، عن أبيه قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يصيب الجارية البكر لا يفضي إليها أعليها غسل ؟ قال : « إذا وضع الختان علىٰ الختان فقد وجب الغسل ، البكر وغير البكر » .

السند‌ :

في الجميع واضح بعد ما قدمناه .

المتن :

في الأوّل : كما ترىٰ ظاهره أنّ الإدخال موجب للثلاثة المذكورة ، وهو متناول للقبل والدبر ، إلّا أن يقال بالانصراف إلىٰ القبل ، أو يخصّ بغيره ، كما في الخبر الثاني ، فإنّ التقاء الختانين لا يتصور في غير القبل ، وقول السائل : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة . وإن احتمل أن يكون المراد به أنّ هذا اللفظ علم علىٰ غيبوبة الحشفة سواء كان في القبل أو الدبر ، إلّا أنّ ظهور إرادة كون مجرّد الالتقاء غير كاف في وجوب الغسل بل لا بد من الغيبوبة في القبل لا ريب فيه .

وما تضمنه الخبر الثالث : من أنّ مجرد الوضع كاف في وجوب الغسل لا يخلو من منافاةٍ للخبرين الأوّلين ، فالعجب من عدم تعرّض الشيخ

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٠٩ / ٣٥٩ : قلت .


له ، سيّما وفي الحديث « البكر » والغيبوبة فيها غير ظاهرة إلّا علىٰ احتمال .

وأعجب من ذلك قول بعض محققي المتأخرين : إنّ قوله في الحديث : لا يفضي إليها . إمّا بمعنىٰ لا يولجه بأجمعه ، أو بمعنىٰ أنّه لا ينزل (١) . فليتأملّ .

نعم احتمال إرادة عدم إدخال الجميع لها وجه وإن بَعُد ، لضرورة الجمع ، وعدم العلم بالقائل بمضمونه .

ثم قوله عليه‌السلام : « البكر وغير البكر » محذوف الخبر : أي سواء .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ العلّامة في المختلف استدل بالأخبار المذكورة علىٰ أن الغسل واجب لنفسه ، قال : وتقرير الاستدلال من وجهين : الأوّل : أنّه علّق وجوب الغسل بالإدخال فلا يكون معلّقاً بغيره ، وإلّا لم يكن معلّقاً علىٰ مطلق الإدخال .

الثاني : أنّه علّق وجوب المهر والرجم علىٰ الإدخال ، ولا خلاف في أنّهما غير مشروطين بشرط عبادة من العبادات ، وكذا الغسل قضيةً للعطف (٢) . انتهىٰ .

وقد يقال علىٰ الأول : إنّ ما قاله حق إذا لم يوجد المعارض والحال أنّه موجود ، وهو ما استدل به لابن إدريس من رواية عبد الله بن يحيىٰ الكاهلي الموصوفة بالصحة منه ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة يجامعها الرجل فتحيض في المغتسل فتغتسل أم لا ؟ قال : « قد جاءها ما يفسد الصلاة فلا تغتسل » (٣) .

__________________

(١) هو الشيخ البهائي في الحبل المتين : ٣٨ .

(٢) المختلف ١ : ١٦٠ .

(٣) المختلف ١ : ١٦١ .


وجواب العلّامة عن الرواية : بأنّ الغسل إنّما يجب إذا كان رافعاً للحدث ، وهو غير متحقق في الحائض فلا يجب عليها (١) . محل نظر ، لأنّه قرّر أوّل المسألة في تحرير محل الخلاف : أنّ الجنب إذا خلا من عبادة تجب فيها الطهارة كالطواف والصلاة الواجبين ومسّ كتابة القرآن وقراءة العزائم الواجبين ودخول المساجد الواجب إذا أوقع الغسل هل يوقعه علىٰ جهة الوجوب أو الندب ، ثم قال : والأقرب الأول (٢) .

وهذا الكلام وإن ظن منه ـ حيث قيّد بالواجب في الجميع ـ أنّ اعتبار الندب من العبادة لا بد منه ، إلّا أنّه لا دليل علىٰ اعتباره علىٰ القول بالوجوب لنفسه .

وحينئذ نقول : إنّ اعتبار رفع الحدث إن أراد به رفع الحدث المانع من استباحة الصلاة ونحوها المندوبة فهو مطالب بدليله علىٰ تقدير الوجوب لنفسه ، وإن أراد به رفع الحدث من حيث هو فكذلك .

فإن قلت : لا معنىٰ لوجوب الغسل إلّا هذا .

قلت : أيّ مانع من كون الغسل واجبا من حيث هو ، كما في غسل المسّ علىٰ القول بأنّ المسّ غير ناقض ، وكالغسل المندوب في الجمعة والإحرام ، وحينئذ فإذا دل الخبر علىٰ عدم الوجوب لنفسه أمكن حمل الأخبار علىٰ الوجوب إذا حصل المشروط به ، وكون المهر والرجم‌ لا يتوقف علىٰ مشروط بهما بالإجماع هو الذي أخرجهما .

وما قد يقال : إنّ الرجم يتوقف علىٰ ثبوت الحدود مع عدم ظهور الإمام عليه‌السلام ، والخلاف واقع في ذلك ، قد يجاب عنه بأنّ الوجوب

__________________

(١) المختلف ١ : ١٦١ .

(٢) المختلف ١ : ١٥٩ .


لا يتوقف بالإجماع ، نعم الفعل يتوقف علىٰ الخلاف .

ويمكن أن يقال نحو ذلك في الغسل ، فإنّه يجب بمجرّد الإدخال ، لكن الفعل مشروط بالصلاة كما في نفس الصلاة ، فإنّ الشروط لفعلها غير الشروط لوجوبها ، إلّا أنّ للكلام مجالاً في المقام .

هذا علىٰ تقدير صحة الخبر المذكور من العلّامة ، وإلّا ففي الصحة بحث ، علىٰ أنّه ربما يقال ـ بتقدير الصحة ـ : إنّها محتملة لأن يراد أنّ المرأة قد جاءها ما يفسد الصلاة التي هي أعظم الواجبات ، فغسل الجنابة الذي واجب أدنىٰ يفسد بطريق أولىٰ ، فليتأملّ .

أمّا ما استدل به ابن إدريس من الآية الشريفة علىٰ ما حكاه العلّامة موجّهاً له بأنّه سبحانه عطف الجملة علىٰ جملة الوضوء فتشتركان في الحكم و( لمّا لم يجب الوضوء لغير الصلاة فكذا الغسل ، [ وجواب ] (١) العلّامة عنه : بمنع المساواة في الحكم في ) (٢) عطف الجمل بعضها علىٰ بعض ، سلّمنا لكن الآية تدلّ علىٰ وجوب الغسل عند إرادة الصلاة ولا تنفي الوجوب عند عدم الإرادة (٣) .

فلي (٤) فيه بحث : أمّا أوّلاً : فلأنّه إن اُريد بعطف الجملة علىٰ الجملة أن الجملة ( وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا ) معطوفة علىٰ جملة ( إِذا قُمْتُمْ ) فلا وجه للمشاركة في إرادة الصلاة إلّا علىٰ احتمال لا يخلو من تكلّف ، بل أظنّ عدم القائل به ؛ وإن اُريد أن جملة ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا ) معطوفة علىٰ جملة

__________________

(١) في النسخ : فجواب ، غيرناه لاستقامة العبارة .

(٢) ما بين القوسين ساقط من « رض » .

(٣) المختلف ١ : ١٦١ .

(٤) في « فض » : ولي .


( فَاغْسِلُوا ) فالمشاركة في الحكم المتوقفة عليه الاُولىٰ لا وجه لمنعه ، وحينئذ فمنع العلّامة المساواة في الحكم علىٰ الإطلاق غير تام ، بل الأولىٰ تفصيل ما قلناه .

ولا يبعد أن يدعىٰ ظهور العطف علىٰ جملة ( فَاغْسِلُوا ) ويكون هو مراد ابن إدريس ؛ لأنّ جملة ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ . . . ) معطوفة علىٰ جملة ( فَاغْسِلُوا ) من حيث إنّ المعروف بين الأصحاب كون التيمم يجب لغيره ، ولولا الاتحاد في الحكم مع الوضوء لم يتم ذلك ، وعلىٰ هذا فتوافق [ الجُمَل ] (١) يقتضي المشاركة في الغسل .

وما قد يقال : إنّ التيمم فيه الخلاف أيضا ، كما حكاه الشهيد في الذكرىٰ علىٰ ما نقله شيخنا قدس‌سره من أنّ الطهارات كلها واجبة لأنفسها عند بعض (٢) .

يمكن الجواب عنه باحتمال أن يوجد القائل بالعطف علىٰ جملة ( إِذا قُمْتُمْ ) وكلامنا علىٰ تقدير القول بوجوب التيمم لغيره ، فإنّه لا بد أن يقال في الآية بالعطف علىٰ جملة ( فَاغْسِلُوا ) إلّا أن يقال : إنّ العطف علىٰ جملة ( إِذا قُمْتُمْ ) ممكن والدليل خص التيمم بدخول الوقت ، وتكون الآية من قبيل المجمل بسبب العطف المذكور ، وبيانها من غيرها ، والقائل بكون الطهارات واجبة لأنفسها لا بد له في آية الوضوء من التوجيه فله أن يقول مثله في التيمم ، فليتأملّ .

وأمّا ثانياً : فما ذكره العلّامة من تسليم كون الآية تدل علىٰ وجوب الغسل عند إرادة الصلاة . . . ففيه : أنّ التسليم إن كان مع عطف جملة ( وَإِنْ

__________________

(١) في النسخ : الحمل ، والظاهر ما أثبتناه .

(٢) مدارك الأحكام ١ : ١٠ ، وهو في الذكرىٰ ١ : ١٩٦ .


كُنْتُمْ ) علىٰ قوله : ( إِذا قُمْتُمْ ) فالوجه فيه غير ظاهر ، بل علىٰ ( توجه الإجمال الذي أشرنا إليه و ) (١) عدم معلومية القائل به في عطف الجمل ، ومثله يشكل الحكم به ، وبتقدير القول به فآية الوضوء تدل بمفهوم الشرط علىٰ نفي الضوء عند عدم إرادة الصلاة ، ومثله يقال في الغسل ، فإنّ مفهوم الشرط حجّة عند العلّامة ، فقوله : إنّه لا ينفي الوجوب . محل بحث .

إلّا أن يقال : إنّ مفهوم الشرط حجّة إذا لم يعارضه المنطوق ( وما دل علىٰ وجوب الغسل بمجرد الإدخال معارض له .

وفيه : أنّ المفهوم بتقدير الحجية إذا تعارض مع المنطوق ) (٢) يرجح المنطوق عليه إذا لم يكن للمنطوق معارض ، والحال أنّا قد ذكرنا المعارض له ، وهو الخبر المحكوم بصحته عند المصنف ، فلا يتم القول منه ، نعم من لا يقول بصحّة الخبر يمكنه توجيه الاستدلال .

وما قاله في المختلف : من أنّه ذكر المسألة في المنتهىٰ مطولة (٣) . لم أقف عليه ، وإنّما ذكرت ما خطر في البال ، إلىٰ أن يوفّق الله سبحانه لرؤية ما ذكره .

أمّا استدلاله في المختلف (٤) علىٰ الوجوب لنفسه بصحيح زرارة عن الباقر عليه‌السلام إنّه قال : « جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها ولا ينزل ؟ فقالت الأنصار : الماء من الماء ، وقال المهاجرون : إذا التقىٰ الختانان فقد وجب الغسل ، فقال عمر

__________________

(١) في « رض » : الاحتمال الذي أشرنا إلىٰ ، وفي « فض » الإجمال الذي أشرنا إليه في .

(٢) ما بين القوسين ساقط من « فض » .

(٣) المختلف ١ : ١٦٢ .

(٤) المختلف ١ : ١٦٠ .


لعليّ عليه‌السلام : ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال عليّ عليه‌السلام : أتوجبون عليه الرجم والحدّ ولا توجبون عليه صاعاً من ماء ، إذا التقىٰ الختانان فقد وجب الغسل » (١) .

ثمّ قال العلّامة : ووجه الاستدلال أنّه عليه‌السلام أنكر إيجاب الحدّ والرجم ونفي إيجاب الغسل بأنّ إيجاب أصعب العقوبتين يقتضي إيجاب أسهلهما ، ولمّا كان إيجاب الأصعب غير مشروط بعبادة فكذلك وجوب الأدنىٰ (٢) .

ففيه : أنّه لا يخرج عن الكلام الذي قلناه في استدلاله بحديث : « إذا التقىٰ الختانان فقد وجب الغسل » وإن كان ظاهر قول عليّ عليه‌السلام الإيجاب علىٰ الإطلاق ، إلّا أنّ الخلاف الواقع بين المهاجرين والأنصار لم يعلم أنّه علىٰ الإطلاق أو حال وجوب العبادة ، وكلام عليّ عليه‌السلام تابع لذلك ، فالاستدلال به محل كلام .

وللعلّامة استدلال بوجهين آخرين : أحدهما قوله عليه‌السلام : « إنّما الماء من الماء » (٣) (٤) وفيه نحو ما قدّمناه .

وثانيهما لا يصلح أن يذكر ، بل العجب من وقوع مثله من مثله ، كما يعرف من راجع كلامه . والله تعالىٰ أعلم بحقيقة الأحوال .

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن أبان بن عثمان ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ١١٩ / ٣١٤ ، الوسائل ٢ : ١٨٤ أبواب الجنابة ب ٦ ح ٥ .

(٢) المختلف ١ : ١٦٠ بتفاوت يسير .

(٣) مسند أحمد ٣ : ٢٩ ، صحيح مسلم ١ : ٢١٩ / ٨١ ، سنن أبي داود ١ : ٥٦ / ٢١٧ .

(٤) المختلف ١ : ١٦٠ .


عن عنبسة بن مصعب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كان عليّ عليه‌السلام لا يرىٰ في شي‌ء الغسل إلّا في الماء الأكبر » .

فالوجه في هذا الخبر أنّه إذا لم يلتق الختانان لا يجب الغسل إلّا في الماء الأكبر ، لأنّه ربما رأىٰ الرجل في النوم أنّه جامع فلا يرىٰ إذا انتبه شيئاً فلا يجب عليه الغسل إلّا إذا انتبه ورأىٰ الماء .

يدل علىٰ ذلك [ من ] (١) أنّه مخصوص بهذه الحال :

ما رواه محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يرىٰ في المنام حتىٰ يجد الشهوة وهو يرىٰ أنّه قد احتلم ، فإذا استيقظ لم ير في ثوبه الماء ولا في جسده ، قال : « ليس عليه الغسل » وقال : « كان عليّ عليه‌السلام : إنّما الغسل من الماء الأكبر ، فإذا رأىٰ في منامه ولم ير الماء الأكبر فليس عليه غسل » .

السند‌ :

في الأوّل : ليس فيه ارتياب إلّا من جهة أبان ، والّذي قال : إنّه كان ناووسيّاً (٢) ، عليّ بن الحسن بن فضال (٣) ، وهو فطحيّ ثقة ، فمن يعمل بالموثق يلتزم بأن أبان ناووسيّ ثقة ، فحديثه من الموثق ويلزمه العمل به ،

__________________

(١) أضفناه من الاستبصار .

(٢) النّاووسية فرقة قالت : إنّ جعفر بن محمد عليه‌السلام حيّ لم يمت ولا يموت حتىٰ يظهر ويلي أمر النّاس وهو القائم المهدي ، سميت بذلك لرئيس كان لهم يقال له : فلان بن الناووس . المقالات والفرق : ٧٩ ، ورجال الكشي ٢ : ٦٥٩ .

(٣) رجال الكشي ٢ : ٦٤٠ .


مضافاً إلىٰ تأييد الإجماع علىٰ تصحيح ما يصح عنه ، كما نقله الكشي (١) ، ومن لم يعمل بالموثق فليس أبان بداخل في ما قيل فيه .

وما يوجد في كلام بعض المتأخّرين من تصحيح حديث أبان للإجماع علىٰ تصحيح ما يصح عنه مع عمله بالموثق (٢) ، لا يخلو من خروج عن اصطلاح المتأخّرين في تصحيح الأحاديث ، والوالد قدس‌سره لا يعمل بالموثق واتفق له ما يوجب الإشكال في كلامه كما نبّهنا عليه في مواضع ممّا كتبناه .

وأمّا عنبسة بن مصعب : فقد قال الكشي نقلاً عن حمدويه : إنّه ناووسي واقفي (٣) ، وذكر في رواية عن عليّ بن الحكم ، عن منصور بن يونس ، عن عنبسة بن مصعب إلىٰ آخر الرواية (٤) ، والشيخ في التهذيب في باب الأذان روىٰ عن منصور بن يونس ، عن عنبسة العابد (٥) ، وعنبسة العابد هو ابن بجاد علىٰ قول النجاشي ، وهو ثقة وكان قاضياً كما ذكره النجاشي أيضا (٦) .

والكشي نقل عن حمدويه عن أشياخه أنّ ابن بجاد كان خيراً فاضلاً (٧) ، وعلىٰ مقتضىٰ ما قدمناه الاتحاد ، إلّا أن يقال بجواز رواية منصور‌

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٦٧٣ / ٧٠٥ .

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٢٦٦ .

(٣) أي وقف علىٰ أبي عبد الله عليه‌السلام ، وليس بمعناه المصطلح . رجال الكشي ٢ : ٦٥٩ .

(٤) رجال الكشي ٢ : ٦٥٩ .

(٥) لم نعثر عليها في باب الأذان ، وهي موجودة في باب المواقيت من التهذيب ٢ : ٢٧٥ / ١٠٩٣ ، الوسائل ٤ : ٢٧٥ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٢ .

(٦) رجال النجاشي : ٣٠٢ / ٨٢٢ .

(٧) رجال الكشي ٢ : ٦٧٠ / ٦٩٧ .


ابن يونس عن الرجلين ، وهو غير بعيد ، أو الوهم من الشيخ في الرواية أو من الكشي ، وعلىٰ كل حال فعنبسة بن مصعب مع القول بالوقف فيه لا يكون حديثه من الصحيح ، إلّا علىٰ تقدير تقديم قول النجاشي الذي ظاهره التوثيق من غير ذكر الوقف والحكم بالاتحاد ، والإشكال فيه واضح .

فما في كلام شيخنا قدس‌سره من أن الشيخ روىٰ في الصحيح عن عنبسة ابن مصعب (١) ، محل كلام ، إلّا أن تكون الصحة إضافية ، وقد قدّمنا فيه قولا (٢) ، والإعادة لأمر ما غير خفي .

والثاني : فيه الحسين بن أبي العلاء ، ولا أعلم إلّا كونه ممدوحاً بتقدير استفادته من قولهم : إنّه أوجه من أخويه (٣) ، وثقة أحد الأخوين (٤) في استفادة توثيقه منها تأمّل ، وكذلك من توثيق ابن طاووس له في البشرىٰ ، وقد تقدم أيضاً (٥) .

وعليّ بن الحكم لا ارتياب فيه بعد رواية أحمد بن محمد بن عيسىٰ عنه ، والظاهر أنّ أحمد هو المذكور لا ابن خالد ليتوجه نوع سؤال .

المتن :

ما قاله الشيخ في الأوّل واستدلاله بالثاني لا يخلو من تأملّ ، لأنّ حاصل كلامه القول بخروج وجوب الغسل إذا التقىٰ الختانان ، وخصوص هذا الخبر بمن رأىٰ في النوم وانتبه فلم ير شيئاً ، فإن أراد به ثبوت‌

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٢٦٦ .

(٢) راجع ج ١ : ١٢٢ .

(٣) رجال النجاشي : ٥٢ / ١١٧ .

(٤) رجال النجاشي : ٢٤٦ / ٦٤٧ .

(٥) راجع ج ١ : ١٥٢ ـ ١٥٣ .


مخصّص لما قاله ، ففيه : أنّ بيان صحة الحصر (١) هي المهمة ، وإن أراد أن الحصر إضافيّ بالنسبة إلىٰ غير الماء الأكبر من مثل المذي فهو صحيح إلّا أنّه لا يلائم الاختصاص بمن رأىٰ في النوم ، فأنّ الماء الأكبر يتحقق فيه الحصر بمن ذكره وغيره ، والخبر المستدل به لا يدل علىٰ الحصر بل هو في الحصر المذكور في كلام عليّ عليه‌السلام .

فإن قلت : أيّ فرق بين عدم الدلالة علىٰ الحصر والدخول في الحصر ؟ .

قلت : الفرق ظاهر ، فإنّ مقتضىٰ قول الشيخ أنّ كلام عليّ عليه‌السلام خاص بمورد الرواية المذكورة للاستدلال من الشيخ ، والحال أنّ الرواية من جملة أفراد مدلول الحصر ، كما يعرف بأيسر نظر في الرواية .

وبالجملة : فالأولىٰ أن يقال : إنّ الحصر إضافي بالنسبة إلىٰ غير الماء الأكبر من المذي ونحوه ، وحينئذٍ لا يضر بالحال ، وقد قدّمنا القول في كلام عليّ عليه‌السلام (٢) فيما سبق ، فليتأمّل .

قال :

فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن العباس ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل احتلم فلما انتبه وجد بللاً قليلاً ، قال : « ليس بشي‌ء إلّا أن يكون مريضاً فإنّه يضعف فعليه الغسل » .

فلا ينافي الخبر الأوّل أنّ الغسل يجب من الماء الأكبر ، لأنّه لا يمتنع أن يكون هذا الماء هو الماء الأكبر إلّا أنّه يخرج ( قليلاً من

__________________

(١) في « رض » : الخبر .

(٢) في ص ٦٣ ـ ٦٤ .


المريض ) (١) لضعفه وقلة حركته ، ولأجل ذلك فصّل عليه‌السلام في الخبر بين العليل والصحيح .

ويزيد ذلك بيانا :

ما رواه الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن حسين بن عثمان ، عن ابن مسكان ، عن عنبسة بن مصعب قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل احتلم فلما أصبح نظر إلىٰ ثوبه فلم ير (٢) شيئاً ، قال : « يصلّي فيه » قلت : فرجل رأىٰ في المنام أنّه احتلم فلمّا قام وجد بللاً قليلاً علىٰ طرف ذكره قال : « ليس عليه غسل ، إنّ عليّاً عليه‌السلام كان يقول : إنّما الغسل من الماء الأكبر » .

السند :

في الأول : ليس فيه ارتياب ، والعباس فيه قد قدمنا عن الوالد قدس‌سره أنّه كان يقطع بأنّه ابن معروف (٣) ، وله مؤيّدات من الأخبار السابقة واللاحقة ، وابن عامر أيضاً في حيّز الاحتمال ، وشيخنا المحقّق ميرزا محمد ـ أيّده الله ـ قال في فوائده علىٰ الكتاب : وعندي أنّ احتمال كونه ابن عامر مثله ـ يعني مثل ابن معروف ـ أو أظهر ، ولا يخفىٰ عليك الحال بعدما قلنا (٤) .

والثاني : فيه عنبسة بن مصعب وقد تقدم ، وحسين بن عثمان مشترك بين ثقتين (٥) .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٠٩ / ٣٦٣ : من العليل قليلاً قليلاً .

(٢) في الاستبصار ١ : ١١٠ / ٣٦٤ زيادة : به .

(٣) منتقىٰ الجمان ١ : ١٧٢ ، وراجع ج ١ : ٦٥ .

(٤) في « رض » : قدمناه .

(٥) هداية المحدثين : ١٩٥ .


المتن :

لا يخلو من إشكال في الأول ، لأنّ قوله عليه‌السلام : « إلّا أن يكون مريضاً » إلىٰ آخره ، يقتضي بظاهره أنّ المريض إذا رأىٰ البلل القليل يجب عليه الغسل ، وإن لم يكن الماء بصفة الماء الأكبر ، ومخالفته للقواعد ظاهرة ، إلّا أن يقال : إنّ المراد مع تحقّق وصف الماء الأكبر ، وفيه : أنّ قوله : لضعفه ، محتمل في نظري القاصر لأن يراد به ضعف الماء بسبب المرض ، لا ما ظنّه الشيخ من أنّ المراد ضعف الإنسان وإن كان الضمير في ضعفه محتملاً للعود إلىٰ الإنسان ، إلّا أنّ عوده إليه يوجب الإشكال من حيث إن الضعف إنّما يغتفر فيه عدم الدفق ، كما تدل عليه بعض الأخبار ، والخبر المبحوث عنه تضمن الاحتلام ووجدان البلل القليل ، وليس فيه أنّ البلل القليل خرج بعد الانتباه ، ولو كان المراد ذلك لزم أن يكون قوله عليه‌السلام : « ليس بشي‌ء » غير موافق لما قاله بعض المتأخّرين : من أنّ اعتبار الدفق إنّما هو مع الاشتباه (١) ، أمّا مع التحقق فيجب الغسل كما حكيناه سابقا (٢) ، وإن كان في النظر القاصر أنّ كلام من ذكرناه لا يخلو من تأمّل كما أسلفناه (٣) .

وربّما كان هذا الخبر غير موافق لهم بتقدير ما احتملناه ، لأنّ الظاهر منه حينئذ أن البلل القليل ليس بصفة المني إلّا إذا كان الإنسان ضعيفاً فإنّ المنيّ يضعف ، فدلّ علىٰ أنّ اعتبار الدفق إنّما هو علىٰ تقدير عدم النوم ، ومع النوم وعدم العلم بالدفق ينظر بالأوصاف .

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٢٦٨ .

(٢) في ص ١٤٢ .

(٣) في ص ١٤١ ـ ١٤٣ .


نعم قد يشكل الخبر بأنّ القلّة لا تنافي تحقق الأوصاف . ويمكن الجواب بأنّ القلّة غالباً خلاف الوصف .

وقد يشكل الحال في الرواية علىٰ تقدير اعتبار الأوصاف بأنّ المريض إذا ضعف منيّه أو ضعف هو عن الدفق كيف يحكم بمجرد وجود الماء أنّ الغسل عليه واجب مع احتمال أن لا يكون منيّاً .

ويمكن الجواب بأن النص إذا ثبت لا بعد فيه ، وغير بعيد أن يوجّه توجيه الشيخ بدلالة الأخبار الآتية وإن بعد عن ظاهر الخبر المذكور ، غير أنّ الإشكال قد يبقىٰ من حيث إنّ مدلول الخبرين الآتيين لا تفصيل فيهما بالوصف ، ولعل المراد تحقق الوصف كما يدل عليه بعض الاعتبارات الآتية في الخبرين . وبالجملة فالمقام لا يخلو من إشكال ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .

قال :

ويدلّ علىٰ أنّ حكم العليل مفارق لحكم الصحيح أيضا : ما رواه محمد بن عليّ بن محبوب ، عن العباس ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن حريز ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : الرجل يرىٰ في المنام ويجد الشهوة فيستيقظ وينظر فلا يرىٰ شيئاً ثم يمكث الهوينا (١) بعد فيخرج ، قال : « إن كان مريضاً فليغتسل وإن لم يكن مريضاً فلا شي‌ء عليه » قال : قلت له : فما الفرق (٢) بينهما قال : « لأنّ الرجل إذا كان صحيحاً جاء الماء بدفقة قوية ، وإن كان مريضاً لم يجئ إلّا بعد » .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١١٠ / ٣٦٥ : الهوين .

(٢) في الاستبصار ١ : ١١٠ / ٣٦٥ : فما فرق ، وفي « رض » : ما الفرق .


عنه ، عن موسىٰ بن جعفر بن وهب ، عن داود بن مهزيار ، عن عليّ بن إسماعيل ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجلٌ رأىٰ في منامه فوجد اللذّة والشهوة ثمّ قام فلم يَرَ في ثوبه شيئاً ، قال ، فقال : « إن كان مريضاً فعليه الغسل ، وإن كان صحيحاً فلا شي‌ء عليه » .

السند :

في الأوّل : واضح بعد ما قدّمناه .

والثاني : ضمير عنه فيه يرجع إلىٰ محمد بن علي بن محبوب في الظاهر من عادة الشيخ ، إلّا أنّ في رواية محمد بن علي بن محبوب عن موسىٰ بن جعفر بن وهب نوع تأمّل ، لأنّ الراوي عنه في الرجال محمد بن يحيىٰ العطار ، عن محمد بن أحمد بن قتادة ؛ وأحمد بن إدريس ، عن عمران بن موسىٰ ، عن موسىٰ بن جعفر (١) ، ومحمد بن عليّ بن محبوب في مرتبة محمد بن يحيىٰ وأحمد بن إدريس في الجملة ، إلّا أنّ باب الإمكان واسع ، ويتفق ذلك كما يتفق في كثير من النظائر يعرفها الممارس .

ثم إنّ موسىٰ بن جعفر غير ثقة ولا فيه مدح أيضا ؛ وداود بن مهزيار مذكور مهملاً في رجال الجواد عليه‌السلام من كتاب الشيخ (٢) ؛ وعليّ بن إسماعيل لا يخلو من جهالة ، وتوهم الاشتراك بين من هو ثقة وغيره يدفعه مراجعة كتاب شيخنا ـ أيده الله ـ في الرجال (٣) .

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٠٦ / ١٠٧٦ .

(٢) رجال الطوسي : ٤٠١ / ٢ .

(٣) منهج المقال : ٢٢٦ .


المتن :

في الأوّل : قد قدّمنا ما فيه كفاية عن الإعادة (١) ، والذي ينبغي بيانه هنا أن ظاهر الخبر أنّ المريض يفارق الصحيح بتأخّر نزول منيّه عن حصول الشهوة ، وربما يستفاد منه أن الماء يجي‌ء بغير دفق قويّ لا أنّه بغير دفق أصلاً ، وإنّما يستفاد ذلك منه لأنّه جعل الدفقة القوية للصحيح ، والمريض لا يجي‌ء ماؤه إلّا بعد ، وهذه المقابلة غير وافية كما لا يخفىٰ ، بل الظاهر أنّ المراد بالتأخّر عدم الدفق المذكور للصحيح ، ولمّا كان وصف القوة في الصحيح أمكن أن يكون في المريض الدفق الضعيف (٢) وإن احتمل أن لا يكون في المريض دفق أصلاً .

ومن هنا يعلم أن ما قاله شيخنا قدس‌سره بعد قول المحقق : ـ وإن كان مريضاً كفت الشهوة وفتور الجسد ـ من أنّه يدلّ علىٰ عدم اعتبار الدفق في المريض صحيحة عبد الله بن أبي يعفور ، ثمّ قال : ونحوه روىٰ معاوية بن عمار في الصحيح (٣) . وعنىٰ بها ما تقدم من رواية معاوية المتقدمة . محل بحث قد سمعت كلامنا فيها (٤) .

وبالجملة : فاعتبار عدم الدفق لا صراحة للخبرين (٥) فيه ، نعم ربما يلوح منهما ذلك ، والله تعالىٰ أعلم .

وأمّا الخبر الثاني : فالإشكال فيه أنّ ظاهره عدم وجدان شي‌ء في

__________________

(١) في ص ١٨٢ ـ ١٨٣ .

(٢) في « رض » زيادة : وعدمه .

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٢٦٨ .

(٤) راجع ص ١٨٠ ـ ١٨٣ .

(٥) في « رض » : لأحد الخبرين .


الثوب والحكم بوجوب الغسل ، إلّا أنّ شيخنا ـ أيّده الله ـ في فوائد الكتاب قال : إنّه ينبغي حمل هذه الرواية علىٰ مفاد المتقدمة : من أنّه يرىٰ بعد ما يمكث ، ثم قال : والكل علىٰ ما إذا كان فيه نوع اشتباه ، وإلّا فيجب الغسل مع كونه منياً علىٰ كل حال . انتهىٰ . وأنت خبير بما في المقام بعد ملاحظة ما قدمناه .

اللغة :

قال في النهاية : في صفته عليه‌السلام : يمشي هوناً . الهون : الرفق واللين والتثبّت ، وفي رواية : كان يمشي الهُوَيْنا ، تصغير الهُونىٰ تأنيث الأهون ، وهو من الأول (١) .

قال :

باب (٢) الرجل يرىٰ في ثوبه المني ولم يذكر الاحتلام‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يرىٰ في ثيابه المني بعد ما يصبح ولم يكن رأىٰ في منامه أنّه قد احتلم قال : « فليغتسل وليغسل ثوبه ويعيد صلاته » .

وروىٰ أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسىٰ ، عن سماعة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينام ولم ير في نومه أنّه احتلم فوجد

__________________

(١) النهاية لابن الأثير ٥ : ٢٨٤ ( هون ) .

(٢) في « رض » : زيادة : أنّ .


في ثوبه وعلىٰ فخذه الماء هل عليه غسل ؟ قال : « نعم » .

فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب (١) ، عن علي بن السندي ، عن حماد بن عيسىٰ ، عن شعيب ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصيب ثوبه (٢) منياً ولم يعلم أنّه احتلم قال : « ليغسل ما وجد بثوبه وليتوضّأ » .

فلا ينافي الخبرين الأوّلين ، لأنّ الوجه في الجمع بينهما أنّ الثوب الذي لا يشاركه في استعماله غيره متىٰ وجد عليه منيّاً وجب عليه الغسل وإعادة الصلاة إن كان قد صلىٰ ، لجواز أن يكون قد نسي الاحتلام ، فأمّا ما يشاركه فيه غيره فلا يوجب عليه الغسل إلّا إذا تيقن الاحتلام .

السند‌ :

في الأوّل : موثق عند المتأخّرين ، والحسن فيه أخو الحسين .

وفي الثاني : عثمان بن عيسىٰ ، وقد قدّمنا القول فيه (٣) .

والثالث : فيه جهالة عليّ بن السندي ، وما وقع في الكشي : من أنّه علي بن إسماعيل وتوثيقه (٤) كما حكاه في الخلاصة (٥) . يدفعه ما حققه شيخنا ـ أيّده الله ـ في كتابه (٦) ؛ وأبو بصير قد قدّمنا حاله (٧) .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١١١ / ٣٦٩ زيادة : عن علي بن محبوب .

(٢) في الاستبصار ١ : ١١١ / ٣٦٩ : بثوبه .

(٣) راجع ج ١ : ٧١ ـ ٧٣ .

(٤) رجال الكشي ٢ : ٨٦٠ / ١١١٩ ، والموجود فيه : علي بن السدي .

(٥) خلاصة العلّامة : ٩٦ / ٢٨ . وفيه : علي بن السري الكرخي .

(٦) منهج المقال : ٢٣٣ .

(٧) راجع ص ١٠١ ـ ١٠٤ وج ١ : ٧٣ ، ٨٤ .


المتن :

في الأولين ظاهر الدلالة علىٰ وجوب الغسل ، والخبر الأخير ما قاله الشيخ فيه لا يخلو من نظر ، لأنّ الحديث تضمّن أنّه يتوضّأ ، فإن اُريد بالوضوء : الشرعي ، لا يوافق قول الشيخ ، إلّا أن يحمل الوضوء علىٰ ما بعد النوم ، والظاهر الإطلاق ، ولعلّ الخبر لا يمنع من الحمل المذكور وإن بَعُد ؛ وإن اُريد بالوضوء الاستنجاء كان أشكل ، إلّا أنّ الظاهر من إطلاق الوضوء : الأوّل .

وما قاله الشيخ ، من أنّه إذا شاركه فيه غيره لا يجب عليه الغسل . محتمل لأن يريد بالمشاركة النوم فيه مع الغير مجتمعين كالكساء الذي يفرش أو يلتحف به ، أو يراد به ما يتناوب عليه مع غيره .

والعلّامة في المختلف نقل عن الشيخ في النهاية أنّه قال : إذا انتبه فرأىٰ علىٰ ثوبه أو فراشه منيّاً ولم يذكر الاحتلام وجب عليه الغسل ، فإن قام من موضعه ثم رأىٰ بعد ذلك ، فإن كان ذلك الثوب أو الفراش ممّا يستعمله غيره لم يجب عليه الغسل ، وإن كان ممّا لا يستعمله غيره وجب عليه الغسل (١) . وهذا الكلام يعطي تحقق الاشتراك بالنوبة .

ووجه عدم وجوب الغسل مع الاشتراك ظاهر ، كما ذكره الشيخ ؛ لتعيّن براءة الذمة ، فلا يخرج عنه بالشك ، ويدل عليه صحيح بعض الأخبار الدالة علىٰ أنّه لا ينقض اليقين بالشك (٢) .

وظاهر بعض الأصحاب القول بوجوب الغسل علىٰ ذي النوبة (٣) ،

__________________

(١) المختلف ١ : ١٧٠ ، وهو في النهاية : ٢٠ .

(٢) التهذيب ١ : ٨ / ١١ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١ .

(٣) قال به الشهيد الأول في الدروس ١ : ٩٥ .


وفيه ما فيه ، وقد ذكرت ما يتفرع علىٰ هذا في حواشي المختلف .

أمّا ما ذكره الشيخ : من أنّ الثوب المختص يجب علىٰ صاحبه الغسل . يشكل بما ذكره بعض المتأخّرين : من أنّه لو احتمل كون المني الموجود من غيره لم يجب عليه الغسل (١) . والحق أنّ هذا يندفع بأن يراد بالاختصاص ما يخرج هذا ، إلّا أن يقال : إنّ مثل هذا لا يتوجه فيه صدق الاشتراك ، ولا واسطة ، والأمر سهل إذا علم المراد .

فإن قلت : كيف يتصور ما ذكرت ؟

قلت : قد يتفق أن يرىٰ علىٰ ثوبه منياً في جانب منه ويكون قد نام قريباً ممّن يحتمل حصوله منه .

نعم : قد يحصل الإشكال في مشاركة من يحتمل بلوغه بالاحتلام ، كابن ثلاثة عشر وأربعة عشر ، فإنّ احتمال كون المني من المذكور يقتضي عدم وجوب الغسل علىٰ الرجل ، وعدم تحقق البلوغ يقتضي الانحصار في الرجل ، إلّا أنّ هذا يمكن الجواب عنه ، كما لا يخفىٰ .

ثم المشارك لو كان رجلاً وقلنا بأنّه لا يجب الغسل علىٰ كل واحد لحصول الشك الذي لا يعارض اليقين فيجوز لهما أن يفعلا ما يفعله الطاهر ، وقد اختلف في جواز ائتمام أحدهما بالآخر ، وللكلام في المقام مجال واسع إلّا أنّ المهم ما ذكرناه .

قال :

باب الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج فينزل هو دونها‌

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيىٰ ،

__________________

(١) المدارك ١ : ٢٦٩ .


عن أبيه ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج أعليها غسل إن هو اُنزل ولم تنزل هي ؟ قال : « ليس عليها غسل وإن لم ينزل هو فليس عليه غسل » .

أحمد بن محمد ، عن البرقي رفعه قال : « إذا أُتىٰ الرجل المرأة في دبرها فلم ينزل (١) فلا غسل عليهما ، وإن اُنزل فعليه الغسل ولا غسل عليها » .

محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : كيف جعل علىٰ المرأة إذا رأت في النوم أنّ الرجل يجامعها في فرجها الغسل ، ولم يجعل عليها الغسل إذا جامعها فيما (٢) دون الفرج في اليقظة فأمنت ؟ قال : « لأنّها رأت في منامها أن الرجل يجامعها في فرجها فوجب عليها الغسل ، والآخر إنّما جامعها دون الفرج فلم يجب عليها الغسل لأنّه لم يدخله ، ولو كان أدخله في اليقظة وجب عليها الغسل ، أمنت أو لم تمن » .

السند‌ :

في الأوّل : لا يخلو من خلل ، لأنّ محمد بن علي بن محبوب لا يروي عن محمد بن أبي عمير ( بغير واسطة ، وفي التهذيب رواه محمد بن علي

__________________

(١) في « فض » : لم تنزل .

(٢) في الاستبصار ١ : ١١٢ / ٣٧٢ لا يوجد : فيما .


ابن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير ) (١) ، فهو تام ؛ والشك في رواية أحمد عن ابن أبي عمير تقدم دفعه ، والوجود كثير ، وعلىٰ كل حال فالخبر لا ريب فيه .

والثاني : غني عن البيان ، مضافاً إلىٰ الشك في البرقي .

والثالث : لا ريب فيه ، وقد تقدم سنداً ومتناً .

المتن :

في الخبر الأوّل : كما ترىٰ يدلّ علىٰ الإصابة فيما دون الفرج ، فكأنّ الشيخ ظن تناوله للدبر ، وربما يشكل الحال ، بأنّ بعض الأصحاب ظن تناول الفرج للدبر ، وسيأتي القول فيه (٢) .

أمّا الخبر الثاني : فصريح من وجه إلّا أنّ لفظة « فلم ينزل » لا يخلو من إجمال .

والخبر الثالث : كأنّ الشيخ ظنّ منه أنّ قوله : « لأنّه لم يدخله . . . » يريد به الإدخال في القبل ـ وقد تقدم منّا فيه القول ـ ومن ثم أعاده الشيخ .

وما قد يتخيل أنّ الشيخ ناظر إلىٰ قوله : ولم يجعل عليها الغسل إذا جامعها فيما دون الفرج . يدفعه أنّ هذا في حيّز الإجمال ، وإن كان محذور عدم مطابقة الجواب للسؤال لا محيد (٣) عنه ، كما أشرنا إليه سابقا .

إذا عرفت هذا : فاعلم أنّ العلّامة في المختلف قال : إنّ ابن بابويه

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من « فض » .

(٢) في ص ١٩٢ ـ ١٩٤ .

(٣) المحيد هو المحيص ، النهاية لابن الأثير ١ : ٤٦٨ ( حيص ) .


روىٰ في كتابه عدم إيجاب الغسل (١) ، وهو اختيار الشيخ في الاستبصار والنهاية ، وهو الظاهر من كلام سلّار ، وقال في كتاب النكاح من المبسوط : الوطء في الدبر يتعلق به أحكام الوطء في الفرج ، وعدّ منها وجوب الغسل ، ثم اختار العلّامة الوجوب ، وهو قول السيد المرتضىٰ (٢) .

واحتج العلّامة بوجوه : أحدها : قوله تعالىٰ ( أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ) (٣) وثانيها : صحيح محمد بن مسلم السابق الدال علىٰ أنّه إذا أدخله وجب الغسل والمهر والرجم ، قال : والإدخال صادق في الدبر كصدقه في القبل . وثالثها : الرواية الآتية عن حفص بن سوقة المرسلة . ورابعها : صحيح زرارة السابق نقله في قضية الأنصار والمهاجرين ، وقول علي عليه‌السلام : « أتوجبون عليه الرجم والحد ولا توجبون عليه صاعاً من ماء ؟ » قال : ووجه الاستدلال أنّه عليه‌السلام أنكر إيجاب الحد دون الغسل ، وهو يدل علىٰ متابعته في الوجوب ، والحد يجب هنا فيجب الغسل . وذكر خامساً لا يليق ذكره (٤) .

وفي نظري القاصر إمكان أن يقال عليه :

أمّا علىٰ الأوّل : فإنّ صحيح الحلبي المذكور في أول الباب يدل بظاهره علىٰ أنّ الإصابة فيما دون الفرج من دون إنزال لا يوجب الغسل ، فيقيّد مطلق القرآن أو يبيّن مجملة ، ويحتمل أن يقال : يخص عامّه ، بناءً علىٰ جواز تخصيص القرآن بالخبر ، كما هو مذهبه ، وكذلك تقييد مطلقه وإن لم أعلم الخلاف فيه الآن ، إلّا أنّ الدليل نفياً وإثباتاً يأتي فيه كما يعلم

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٧ / ١٨٥ ، الوسائل ٢ : ١٩٩ أبواب الجنابة ب ١١ ح ١ .

(٢) المختلف ١ : ١٦٢ وهو في النهاية : ١٩ والمراسم : ٤١ والمبسوط ٤ : ٢٤٣ وحكاه عن المرتضىٰ في المعتبر ١ : ١٨٠ .

(٣) المائدة : ٦ .

(٤) المختلف ١ : ١٦٣ .


من الاُصول .

وما أجاب به العلّامة عن الخبر المذكور ـ من القول بالموجب ومنع دلالته علىٰ صورة النزاع ، فإنّ الدبر عندنا يسمىٰ فرجاً لغةً وعرفا ، فأمّا لغة : فلأنّه مأخوذ من الانفراج ، وأمّا عرفاً : فكذلك ، لقوله تعالىٰ ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ) (١) وأشار بذلك إلىٰ ذَكَر الرجل وسمّاه فرجاً ، للمعنىٰ الذي هو الانفراج (٢) ـ ففيه نظر :

لأنّ دعوىٰ كون اللغة والعرف تدلان علىٰ أنّ الدبر يقال له فرج ، خلاف ما ذكره بعض أهل اللغة : أنّ الفرج عرفاً يقال للقبل من الرجل والمرأة ، كما نقلناه سابقاً عن ابن الأثير في إحكام الأحكام (٣) ، واستدلال العلّامة علىٰ العرف بقوله تعالىٰ ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ ) لا يخلو من تأمّل ، لأنّه إن أراد أنّ الآية تدل علىٰ إطلاق الفرج علىٰ الذكر فنحن نقول به ، وإن أراد الإطلاق علىٰ الدبر فهو أعلم بالمراد .

فإن قلت : لعل المراد أنّ الآية تنفي الاختصاص بقبل المرأة ، وإذا نفي الاختصاص شمل الدبر ، كما نبه عليه قوله : وأشار بذلك إلىٰ ذكر الرجل . . .

قلت : أيّ ملازمة بين نفي الاختصاص وشمول الدبر ؟ مع ما سمعته من الخلاف ، علىٰ أنّ للقائل بالاختصاص بقبل المرأة أن يقول : إنّ الآية يحتمل فيها المجاز ، والقرينة معه ، وإن كان فيه نظر .

نعم يتوجه علىٰ العلّامة أنّ فهم الانفراج من إرادة الذَكَر في الآية لو تم فهو انفراج القبل من المرأة بلا ريب ، ومن الرجل للآية ، علىٰ أنّا قدّمنا

__________________

(١) المؤمنون : ٥ ، المعارج : ٢٩ .

(٢) المختلف ١ : ١٦٥ بتفاوت يسير .

(٣) راجع ص : ١٦٩ .


عن النهاية ما يدل علىٰ أنّ الفرج إنّما يسمىٰ فرجاً لأنه بين الرِّجلين (١) ، إلّا أن يتكلف ما لا يخفىٰ .

ولو سلّم جميع ذلك من العلّامة ، فالحديث الصحيح عن الحلبي تضمن إصابة ما دون الفرج (٢) ، وعلىٰ تقدير إطلاق الفرج علىٰ الدبر كان حق السؤال ما دون الفرجين ، وإرادة الجنس هنا بعيدة عن مساق الخبر والمعنىٰ ، إلّا بتكلّف لا يليق ذكره .

ولئن سلّم جميع ذلك ، فما تضمنه الخبر الصحيح ، عن محمد بن إسماعيل من قوله عليه‌السلام : « إذا التقىٰ الختانان وجب الغسل » (٣) يدل بمفهومه علىٰ عدم إيجاب الغسل عند عدم الالتقاء ، والمفهوم حجة ، وحينئذ يخص العام ويقيد المطلق بالمفهوم .

وجواب العلّامة عن الرواية المذكورة : بأنّ دلالة المفهوم ضعيفة (٤) . محل بحث ، لأنّه قائل بحجّية مفهوم الشرط .

فإن قلت : لعل مراده بضعف المفهوم ، أنّ دلالة المنطوق أقوىٰ منه ، فلا يصلح للتخصيص ، لا أنّ المفهوم ضعيف مطلقاً .

قلت : إذا سلّم حجية المفهوم لا يتم ما ذكرت .

نعم يحتمل أن يريد بالضعف ، أنّ مفهوم الشرط إنّما يكون حجة إذا دل علىٰ النفي عمّا عداه ، ولمّا كان الإجماع واقعاً علىٰ وجوب الغسل بالإنزال ، علم أنّ الشرط ليس المقصود به النفي عمّا عداه ، وعلىٰ هذا

__________________

(١) نهاية ابن الأثير ٣ : ٤٢٣ .

(٢) المتقدم في ص ١٩٠ .

(٣) التهذيب ١ : ١١٨ / ٣١١ ، الوسائل ٢ : ١٨٣ أبواب الجنابة ب ٦ ح ٢ .

(٤) المختلف ١ : ١٦٥ .


يكون قوله بعد ما حكيناه عنه ـ : ولأنّه منفي بالإجماع فإنّ الإنزال إذا تحقق من غير التقاء وجب الغسل ـ . بياناً لما ذكرناه ، إلّا أنّ الإتيان بالواو لا يلائم ذلك ، ولعلّه سهو .

أو يقال : إنّ مراده بضعف دلالة المفهوم أنّ قول السائل في الرواية بعد ما قدّمناه منها : قلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة ؟ . لا يخلو من تسامح ، لأنّ غيبوبة الحشفة ليس هي التقاء الختانين ، بل هي سبب التقاء الختانين ، ويحتمل أن يكون المراد بالتقاء الختانين الغيبوبة مطلقا ، فتكون العبارة كناية عن [ ذلك ] (١) أو علما عليه ، وحينئذ يضعف المفهوم .

وفيه : أنّ حمل (٢) السبب علىٰ المسبب سائغ شائع ، وحينئذ فقول السائل من هذا القبيل .

ثم ما ذكره من جهة الإجماع علىٰ الإنزال لا يضرّ بالمفهوم ، إذ غايته أن يخص المفهوم العام بالإجماع ، ولا بعد فيه .

فإن قلت : كما خصّ المفهوم بالإجماع ، كذلك يخص بما عدا الدبر ، للخبر الدال علىٰ أنّ مجرد الإدخال كاف ، وعموم الآية حينئذ يبقىٰ من غير تخصيص .

قلت : الفرق بين تخصيص الإجماع لعموم المفهوم ، وبين غيره من الخبر والآية ، لأن كلّاً من الخبر والآية عام والمفهوم عام ، فإبقاء الكل علىٰ العموم لا يتم ، وتخصيص العام بالعام كذلك .

نعم يمكن أن يقال : إن كلّاً من الآية والخبر والمفهوم عام من وجه ،

__________________

(١) في النسخ : كذلك ، غيّرناها لاستقامة العبارة .

(٢) في « فض » : دلّ .


وخاص من وجه ، فيخص كل عام من الجانبين ، وفيه ما لا يخفىٰ علىٰ المتأمّل في حقيقة الحال .

ومن هنا يعلم ما يتوجه علىٰ الثاني ، فإنّا قد ذكرنا ما يتعلق به .

وأمّا علىٰ الثالث : فبأنّ الرواية لا تصلح للاستدلال بعد تحقق الإرسال ، وما قد يتخيل من أنّ الإجماع علىٰ تصحيح ما يصح عن ابن أبي عمير يرفع وهن الإرسال ، ففيه : ما قدمناه في أول الكتاب ، وكلام الشيخ هنا أيضاً في ردّها يحقق ما قدمناه ، ويؤكّد ما قاله سابقاً ، فلا ينبغي الغفلة عنه .

وأمّا علىٰ الرابع : فلأنّ توجيه الاستدلال بتابعية الغسل للحد ، فيه : أنّ التابعية إن اُريد بها اللزوم فدفعه واضح ، إذ الغسل ليس بلازم للحد ؛ وإن اُريد بالتابعية مجرد اتفاق حصوله عنده فلا يتم المطلوب .

فإن قلت : لو اُريد اللزوم فلا مانع منه ، سوىٰ ما يتخيل من أنّ وجوب الحدّ لو لزمه الغسل لزم أنّ كل من وجب عليه الحدّ وجب عليه الغسل ، وهو باطل بالاتفاق ؛ وهذا سهل الدفع ، لأنّا نقول : الحدّ المتعلق بالجماع ، وهو حاصل في القبل والدبر .

قلت : إن أردت بالحد ما ذكرت لا يتم الاستدلال بالحديث ، لأنّه تضمن أنّ الأنصار قالت : الماء من الماء ، والمهاجرين قالوا : إذا التقىٰ الختانان ، وأين هذا من الجماع علىٰ الإطلاق ؟ ! .

فإن قلت : وجه استدلال العلّامة من حيث إنكار علي عليه‌السلام إيجاب الحدّ دون الغسل ، ولولا الارتباط به لما كان للإنكار معنىٰ .

قلت : بل المعنىٰ حاصل من جهة أنّهم أوجبوا الحدّ في التقاء الختانين ولم يوجبوا الغسل ، فالإنكار علىٰ حد خاص ، فينبغي تأمّل هذا كلّه فإنّه حريّ بالتأمّل التامّ ، وبالله سبحانه الاعتصام .


قال رحمه‌الله :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن سوقة ، عمن أخبره ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام في (١) رجل أتىٰ (٢) أهله من خلفها ، قال : « هو أحد المأتيين ، فيه الغسل » .

فلا ينافي الأخبار الأوّلة ، لأنّ هذا الخبر مرسل مقطوع ، مع أنّه خبر واحد ، وما هذا حكمه لا يعارض (٣) الأخبار المسندة ، علىٰ أنّه يمكن أن يكون ورد مورد التقية ، لأنّه موافق لمذهب العامة (٤) ، ولأنّ الذمّة بريئة من وجوب الغسل ، فلا يعلق عليها وجوب الغسل إلّا بدليل يوجب العلم ، وهذا الخبر من أخبار الآحاد التي لا يوجب العلم ولا العمل ، فلا يجب العمل به .

السند‌ :

ما ذكره الشيخ فيه واضح ، وكذلك تأييده لما قدمناه في أول الكتاب ، من أنّ الإجماع علىٰ تصحيح ما يصح عن الرجل لا يثمر عدم الالتفات إلىٰ من بعده وإن كان ضعيفا (٥) .

وما قد يقال : إنّ ردّ الشيخ الخبر بالإرسال ليس علىٰ الإطلاق ، بل مع كونه خبر واحد ، يعني غير محفوف بالقرائن ، كما يظهر منه في مواضع .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١١٢ / ٣٧٣ : عن .

(٢) في الاستبصار ١ : ١١٢ / ٣٧٣ : يأتي .

(٣) في الاستبصار ١ : ١١٢ / ٣٧٣ زيادة : به .

(٤) في الاستبصار ١ : ١١٢ / ٣٧٣ : لمذاهب بعض العامة .

(٥) راجع ج ١ : ٦٠ ـ ٦٣ .


ففيه : أنّ الإجماع علىٰ تصحيح ما يصح عن الرجل لو تم ما ظنّه بعض المتأخّرين لكان من أظهر القرائن .

واحتمال أن يقال : إنّ مراده هنا ليس علىٰ حد قوله في غيره من الأخبار من إرادة القرائن ، بل أنّه خبر واحد . فيه : أنّه لا معنىٰ له كما لا يخفىٰ . وأمّا حفص بن سوقة فهو ثقة كما في النجاشي (١) .

المتن :

ما ذكره الشيخ فيه من الحمل علىٰ التقية لأنّه موافق لمذهب العامة ، ظاهر في أنّ أصحابنا لا يقولون بمضمونه .

ثم قوله : إلّا بدليل يوجب العلم . يدل علىٰ انتفاء الدليل المذكور ، وهذا ينافي ما نقله العلّامة في المختلف عن السيد المرتضىٰ ، حيث ذهب إلىٰ وجوب الغسل ، إنّه قال :

لا أعلم خلافاً بين المسلمين في أنّ الوطء في الموضع المكروه من ذكر أو أنثىٰ يجري مجرىٰ الوطء في القبل مع الإيقاب وغيبوبة الحشفة في وجوب الغسل علىٰ الفاعل والمفعول به ، وإن لم يكن معه إنزال ، ولا وجدت في الكتب المصنفة لأصحابنا الإمامية إلّا ذلك ، ولا سمعت من عاصرني منهم من شيوخهم نحواً من ستين سنة يفتي إلّا بذلك ، فهذه مسألة إجماعية (٢) من الكل ، وإن (٣) شئت أن أقول : إنّه معلوم بالضرورة من دين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه لا خلاف بين الفرجين في هذا الحكم .

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٣٥ / ٣٤٨ .

(٢) في النسخ : إجماع ، وما أثبتناه من المصدر .

(٣) في المصدر : ولو .


إلىٰ أن قال : واتصل بي في هذه الأيام عن بعض الشيعة الإمامية أنّ الوطء في الدبر لا يوجب الغسل ، تعويلاً علىٰ أن الأصل عدم الوجوب ، أو علىٰ خبر يذكر أنّه موجود في منتخبات سعد أو غيرها ، فهذا ممّا لا يلتفت إليه ، أمّا الأول : فباطل ، لأنّ الإجماع والقرآن وهو قوله تعالىٰ : ( أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ) يزيل حكمه ، وأمّا الخبر فلا يعتمد عليه في معارضة الإجماع والقرآن (١) . انتهىٰ المراد منه .

ولمتعجب أن يتعجّب ممّا وقع بين كلامي الشيخ والمرتضىٰ ، والله سبحانه المستعان ، وعليه في الاُمور كلّها التكلان .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّه اتفق للعلّامة الاستدلال علىٰ وجوب الغسل بالوطء في دبر الغلام بالإجماع المركّب (٢) ، والمحقق في الشرائع نقله عن المرتضىٰ ـ رضي الله عنه ـ وردّه بأنّه لم يثبت (٣) ، والمتأخّرون عن الفاضلين قد اضطربوا في قول المحقق : إنّ الإجماع لم يثبت (٤) . مع أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة عند الأكثر ، فكيف بنقل السيد .

وفي نظري القاصر : أنّ أصل ذكر الاستدلال بالإجماع المركّب لا يخلو من إجمال ، فضلاً عن تحقيق الحال بالنسبة إلىٰ النقل المذكور في المقال ، وقد فصّلت المقام في حواشي المختلف ، غير أنّي أذكر هنا ما لا بد منه . .

والحاصل : أن الإجماع المركب حقيقته في الاُصول : إطباق أهل الحلّ والعقد علىٰ قولين لا يتجاوزونهما إلىٰ ثالث ، وفائدة هذا الإجماع

__________________

(١) المختلف ١ : ١٦٩ .

(٢) المختلف ١ : ١٦٧ .

(٣) شرائع الإسلام ١ : ٢٦ .

(٤) انظر المسالك ١ : ٥٠ ، والمدارك ١ : ٢٧٥ .


عدم جواز إحداث قول ثالث ، أمّا الاستدلال به علىٰ حكم من الأحكام فغير واضح ، لأنّا إذا أردنا في هذه المسألة المبحوث عنها أن نقول : كما يجب الغسل بوطء المرأة في دبرها يجب بالوطء في دبر الغلام ، للإجماع المركب ، وهو أنّ كل من أوجب ذلك أوجب هذا ، ومن نفاه نفىٰ . لكان من قبيل اللغو ، فكيف يصدر من مثل السيّد ؟ !

والعلّامة قد صرّح به في المختلف ، فقال من جملة الوجوه : الثالث : الإجماع المركب ، فإنّ كل قائل بوجوبه في دبر المرأة قائل بوجوبه في دبر الغلام (١) . وأنت خبير بأنّ هذا لا يفيد المطلوب .

والذي يمكن أن يقال في التوجيه أنّ الأدلّة لمّا دلت علىٰ المرأة لزم القول بمقتضاها ، والاختصاص بالمرأة لا يمكن ، لأنّه خرق للإجماع المركب ، وذلك لا يجوز ، فلا بدّ من القول به في الغلام ، وحينئذ فالاستدلال بالإجماع المركب يراد به هذا المعنىٰ لا غير ، ولما تقدم من السيد نقل الإجماع علىٰ وجوب الغسل بوطء المرأة في الدبر لزمه القول بالغلام ، لكن لا يخفىٰ أنّ لزوم القول ليس استدلالاً بالإجماع المركب ، وكأن المراد : خوفاً من خرق الإجماع المركب .

وأنت خبير بأنّ ظاهر كلام السيّد دعوىٰ الإجماع علىٰ الذكر والاُنثىٰ كما نقله العلّامة (٢) ، فالإجماع بسيط ، وعلىٰ تقدير الإجماع المركب وتمام التوجيه السابق : من أنّ الدليل لمّا دل علىٰ المرأة لزم الحكم في الغلام ، لا يكون المعصوم داخلاً يقيناً ، والعبرة في الإجماع بدخوله .

وفي نظري القاصر أنّ قول المحقق بعد النقل عن السيد الاستدلال

__________________

(١) المختلف ١ : ١٦٧ .

(٢) المختلف ١ : ١٦٦ .


بالإجماع المركب : ولم يثبت . مراده عدم تحقق معنىٰ الإجماع المعتبر فيه العلم بدخول المعصوم ، لا أنّ نقل السيد الإجماع لم يثبت به الحكم ، وبهذا يندفع ما قاله شيخنا قدس‌سره في المدارك : من أنّ حجّة السيد واضحة بعد ثبوتها ، لكن المحقق اعترضها بأنّ الإجماع لم يثبت عنده ، وردّه المتأخّرون بأنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة وكفىٰ بالسيد ناقلا (١) .

ثم حقق شيخنا قدس‌سره أنّ توقف المحقّق ليس لعدم قبول خبر الواحد عنده ، بل لاستبعاد تحقق الإجماع في مثل ذلك ، لعدم العلم بدخول المعصوم .

وأنت خبير بأنّ هذا الكلام محل بحث ، لأنّ العلم بدخول قول المعصوم إن كان في الإجماع غير المنقول بخبر الواحد فمسلّم ولا كلام فيه ، وإن كان في المنقول بالخبر فالعلم بدخول المعصوم ليس بشرط ، وإمكان علم الناقل لا مجال لإنكاره مع فرض العدالة .

نعم قد يستبعد ذلك ، لا سيّما إذا خالف الناقل نفسه ، أو خالفه غيره ، وإن كان معلوم النسب ، علىٰ أنّ المحقق يدعي الإجماع في المعتبر كثيراً ، فكل ما يقول علىٰ السيد يقال عليه .

والحق أنّ مراده ما قدّمناه ، وإن كان المحقق قد يعترض علىٰ من يدعي الإجماع كما يعلم من المعتبر (٢) ، إلّا أنّه فارق بين الناقلين ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .

قال :

باب الجنب لا يمسّ الدراهم عليها اسم الله تعالىٰ‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٢٧٥ .

(٢) منها ما اعترض علىٰ مدعي الاجماع بكفر ولد الزنا ـ المعتبر ١ : ٩٨ .


محمد بن يحيىٰ وأحمد بن إدريس جميعاً ، عن محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال ، عن عمرو (١) بن سعيد المدائني ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن موسىٰ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يمسّ الجنب درهماً ولا ديناراً عليه اسم الله تعالىٰ » .

فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن الحسين وعلي بن السندي ، عن صفوان بن يحيىٰ ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ، قال : سألته عن الجنب والطامث يمسّان بأيديهما الدراهم البيض ، قال : « لا بأس » .

فلا ينافي الخبر الأول ، لأنّه لا يمتنع أن يكون إنّما أجاز له ذلك (٢) إذا لم يكن عليها اسم الله تعالىٰ وإن كانت بيضاً ، وفي الأوّل نهىٰ عن مسّها إذا كان عليها شي‌ء من ذلك .

السند‌ :

في الأول : موثّق بلا ريب .

والثاني : كذلك عند المتأخرين (٣) ، وقد يظن أنّه صحيح ، لأنّ إسحاق بن عمار لم يذكر النجاشي أنّه فطحي (٤) ، وقد قدّمنا ترجيح قول النجاشي علىٰ قول الشيخ في القدح .

__________________

(١) في « فض » و « د » : عمر .

(٢) أثبتناها من الاستبصار ١ : ١١٣ / ٣٧٥ .

(٣) القائلين بأنّ إسحاق بن عمار فطحي ثقة ، كابن داود في رجاله : ٤٨ / ١٦٤ .

(٤) رجال النجاشي : ٧١ / ١٦٩ .


المتن :

ما ذكره الشيخ من الجمع لا يخلو من وجه ، وكأنّ المراد بالاسم في الخبر الأوّل ما يتناول الوصف المختص وغيره ، إلّا أني لم أر الآن في كلام الأصحاب ما يكشف المراد .

ولا يخفىٰ أنّ ظاهر الخبر مسّ ما عليه اسم الله ، والمحقق في المعتبر قال : ويحرم عليه مس اسم الله سبحانه ، ولو كان علىٰ درهم أو دينار أو غيرهما ، محتجّاً عليه برواية عمار ، قال : والرواية وإن كانت ضعيفة السند ، لكن مضمونها مطابق لما يجب من تعظيم الله سبحانه (١) .

وأنت خبير بأنّ إثبات التحريم بما قاله محل كلام ، علىٰ أنّ قوله بضعف الرواية مع ما يظهر من اُصوله لا يخلو من شي‌ء ، والجواب يعلم من كلام المحقق ، ( وقد أشرنا إلىٰ ذلك في غير هذا الموضع ، والجواب لا يتم تفصيله إلّا بمراجعة كلام المحقق ) (٢) في الاُصول (٣) .

قال :

باب أنّ الجنب لا يمسّ المصحف‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عمن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : كان إسماعيل بن

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٨٧ ، ١٨٨ .

(٢) ما بين القوسين ليس في « د » .

(٣) معارج الأصول : ١٤٩ .


أبي عبد الله عليه‌السلام عنده ، فقال : « يا بُنَيّ اقرأ المصحف » فقال : إنّي لست علىٰ وضوء ، فقال : « لا تمسّ الكتاب (١) ومُسّ الورق » .

عنه ، عن حماد بن عيسىٰ ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمّن قرأ في المصحف وهو علىٰ غير وضوء قال : « لا بأس ولا يمسّ الكتاب (٢) » .

فأمّا ما رواه علي بن الحسن بن فضال ، عن جعفر بن محمد بن حكيم وجعفر بن محمد بن أبي الصباح جميعاً عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : « المصحف لا تمسّه علىٰ غير طهر ، ولا جنباً ، ولا تمسّ خطه (٣) ولا تعلّقه إن الله تعالىٰ يقول : ( لا يَمَسُّهُ إلّا الْمُطَهَّرُونَ ) (٤) » .

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله علىٰ ضرب من الكراهية دون الحظر .

السند :

في الأوّل : مرسل .

والثاني : فيه الحسين بن المختار ، وقال الشيخ : إنّه واقفي (٥) . والنجاشي لم يذكر ذلك ولا وثّقه (٦) ، والمفيد في إرشاده نقل عنه شيخنا

__________________

(١ و ٢) كذا في النسخ ، وفي الاستبصار ١ : ١١٣ / ٣٧٦ ، ٣٧٧ : الكتابة .

(٣) في النسخ : خيطه . وما اثبتناه من الاستبصار ١ : ١١٤ / ٣٧٨ .

(٤) الواقعة : ٧٩ .

(٥) رجال الطوسي : ٣٤٦ / ٣ .

(٦) رجال النجاشي : ٥٤ / ١٢٣ .


ـ أيّده الله تعالىٰ ـ أنّه قال : من ثقات الكاظم عليه‌السلام (١) . ونقل في الخلاصة : أنّ ابن عقدة نقل عن علي بن الحسن أنّه ثقة (٢) ، فهو مؤيّد لقول المفيد ؛ وأبو بصير قد تقدم القول فيه (٣) .

والثالث : فيه جعفر بن حكيم ( والظاهر أنّه ابن محمد بن حكيم ) (٤) وهو مذكور في أصحاب الكاظم عليه‌السلام من كتاب الشيخ مهملاً (٥) ، وفي الكشي روىٰ ما يقتضي أنّه ليس بشي‌ء (٦) ؛ وجعفر بن محمّد بن أبي الصباح لم أره في الرجال ؛ وإبراهيم بن عبد الحميد وثقه الشيخ في الفهرست (٧) ، وفي رجال الكاظم من كتابه قال : إنّه واقفي (٨) . والنجاشي ذكره مهملا (٩) .

المتن :

في الأوّل كما ترىٰ يدل علىٰ أنّ مسّ الكتاب علىٰ غير وضوء منهي عنه ، ويستفاد منه حكم الجنابة بطريق أولىٰ ، وربما تناول قوله : علىٰ غير وضوء . الجنابة ، ولا يخفىٰ ما فيه ، وكأنّ الشيخ استدل به للتقريب الأول .

والخبر الثاني : نحوه في الدلالة .

__________________

(١) منهج المقال : ١١٧ ، وهو في الإرشاد ٢ : ٢٤٨ .

(٢) خلاصة العلّامة : ٢١٥ / ١ .

(٣) راجع ص ١٠١ ـ ١٠٤ وج ١ : ٧٣ ، ٨٤ .

(٤) ما بين القوسين ليس في « فض » .

(٥) رجال الطوسي : ٣٤٥ / ١ .

(٦) رجال الكشي ٢ : ٨٢٢ / ١٠٣١ .

(٧) الفهرست : ٧ / ١٢ .

(٨) رجال الطوسي : ٣٤٤ / ٢٦ .

(٩) رجال النجاشي : ٢٠ / ٢٧ .


وأمّا الثالث : فما قاله الشيخ فيه : من الحمل علىٰ الكراهة . لا يخلو من إجمال ، لأنّه إن أراد أنّ مسّ الخط والتعليق مكروه اُشكل بأنّ قوله : « المصحف لا تمسّه علىٰ غير طهر » إما أن يراد به الخط ، أو المجموع من الورق والخط ، فإن كان الأوّل فهو محرّم عند الشيخ ، وإن كان الثاني فهو مكروه عند الشيخ أيضا ، إلّا أنّ ذكر الآية في الرواية يقتضي أن مفادها الكراهة ، وهو خلاف المعروف بين جماعة من الأصحاب (١) .

ولو اُريد بها الأعم من التحريم والكراهة علىٰ نحو من التوجيه لصحة الاستعمال ، كان أيضاً خلاف المذكور في كلام من ذكرناه .

ولو اُريد بالمصحف الخط فيكون محرّماً والآية إنّما ذكرت لأول الكلام ، كان خلاف الظاهر من الرواية ، بل هو مستلزم لخلل في الرواية غير خفي .

وما وقع في كلام جماعة من الأصحاب : أنّ الآية تدل علىٰ التحريم بظاهرها . ففيه : أنّ الآية الشريفة يتوقف الاستدلال بها علىٰ أن يكون الضمير في ( يَمَسُّهُ ) عائد إلىٰ القرآن ، لا إلىٰ الكتاب المكنون وهو اللوح المحفوظ ـ علىٰ ما قيل ـ مع أنّه أقرب ، وعلىٰ أنّ الجملة الخبرية في ( لَّا يَمَسُّهُ ) بمعنىٰ الإنشاء ، وعلىٰ أن يراد بالطهارة الشرعية ، وإثبات ما ذكر مشكل (٢) .

وقد قال بعض المفسرين : إنّ المعنىٰ : لا يطلع علىٰ اللوح المحفوظ إلّا الملائكة المطهرون عن الأدناس الجسمانية (٣) .

__________________

(١) منهم المحقق في المعتبر ١ : ١٨٧ ، والعلّامة في المنتهىٰ ١ : ٨٧ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٤٩ ، وصاحب المدارك ١ : ٢٧٩ .

(٢) كما في الحبل المتين : ٣٦ .

(٣) منهم أبو السعود في تفسيره ٨ : ٢٠٠ .


ونقل عن بعض الأصحاب أنّه ادعىٰ الإجماع علىٰ التحريم (١) ، والعلّامة في المختلف نقل عن الشيخ في المبسوط كراهة مسّ كتابة القرآن للمحدث (٢) ، وحكاه شيخنا قدس‌سره عن ابن الجنيد (٣) ، ولعل الإجماع إن ثبت يكون متأخّراً عنهما ، لكني لا أعلم لمن هو الآن .

والعجب من العلّامة في المختلف أنّه اختار عدم الجواز مستدّلاً بالآية ورواية حريز المذكورة ، ورواية أبي بصير كذلك ، ثم قال : وهذا الحديث وإن كان في طريقه الحسين بن المختار وهو واقفي ، إلّا أنّ ابن عقدة وثّقه (٤) .

وأنت خبير بأنّ توثيق ابن عقدة لا يفيد شيئاً ، كما صرّح به في الخلاصة (٥) ، وعلىٰ تقدير ثبوت التوثيق فالخبر موثق والعلّامة لا يعمل به كما يعلم من عادته ، إلّا أنّه في المختلف كثير الاضطراب في أمثال هذه المواضع ، ولا يبعد أن يكون ذكر الأحاديث مؤيّداً للآية علىٰ ما ظنه .

فإن قلت : ما وجه التصريح في الخلاصة بما ذكرت ، مع أنّه قال فيها : الحسين بن المختار من أصحاب أبي الحسن موسىٰ عليه‌السلام واقفي ، وقال ابن عقدة عن علي بن الحسن أنّه كوفي ثقة ، والاعتماد عندي علىٰ الأول (٦) . وهذا الكلام محتمل لأن يريد أنّ التوثيق لا ينافي الوقف .

__________________

(١) صرح به الشيخ في الخلاف ١ : ١٠٠ ، والمحقق في المعتبر ١ : ١٨٧ ، وهو ظاهر التبيان ٩ : ٥١٠ ، وصريح روض الجنان : ٤٩ .

(٢) المختلف ١ : ١٣٧ .

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٢٧٩ .

(٤) المختلف ١ : ١٣٨ .

(٥) انظر خلاصة العلّامة : ٤٤ ـ ٤٥ / ٤٩ ، ٥٠ .

(٦) خلاصة العلّامة : ٢١٥ / ١ .


قلت : إذا لاحظ الناظر كلامه يرىٰ صريحاً في خلافه ، ولو نوقش فالظاهر يفيد ما ذكرناه ، والأمر سهل بالنسبة إلىٰ العلّامة .

وقد نقل في المختلف خبراً عن علي بن جعفر واصفاً له بالصحة ، أنّه سأل أخاه موسىٰ بن جعفر عليه‌السلام عن الرجل يحل له أن يكتب القرآن في الألواح والصحيفة وهو علىٰ غير وضوء ؟ قال : « لا » قال العلّامة : والظاهر أنّه نفىٰ الحل مع المباشرة للكتابة (١) . وهذا الخبر رواه الشيخ في التهذيب عن علي بن جعفر ، والطريق إليه صحيح (٢) ، إلّا أن ظاهره عدم حل الكتابة ، ولمّا كان القول به غير معلوم ، والأخبار والآية الشريفة بتقدير الدلالة لا تساعدان عليه ، فالحمل علىٰ الكراهة ممكن .

وما قاله العلّامة رحمه‌الله بعيد ، وما قاله بعض محققي المتأخّرين : من أنّه لم يقف في هذا الباب علىٰ حديث تركن النفس (٣) إلىٰ سنده (٤) . غريب .

إذا عرفت هذا : فاعلم أنّ بعض الأصحاب ذكر أنّ المراد بالمسّ : الملاقاة بجزء من البشرة ، وفي الظفر والشعر وجهان ، وذكر أيضاً أنّ المراد بكتابة القرآن صور الحروف ، ومنه التشديد والمدّ ، لا الإعراب ، ويعرف كون المكتوب قرآناً بكونه لا يحتمل إلّا ذلك ، وبالنيّة ، فإذا انتفىٰ الأمران فلا تحريم (٥) . وللمناقشة في المقام مجال ، إلّا أن الاحتياط مطلوب .

__________________

(١) المختلف ١ : ١٣٩ بتفاوت يسير .

(٢) التهذيب ١ : ١٢٧ / ٣٤٥ ، الوسائل ١ : ٣٨٤ أبواب الوضوء ب ١٢ ح ٤ .

(٣) ليست في « رض » .

(٤) الحبل المتين : ٣٦ .

(٥) مدارك الأحكام ١ : ٢٧٩ بتفاوت يسير .


اللغة :

قال في النهاية : مسست الشي‌ء أمسّه إذا لمسته بيدك (١) .

قال :

باب الجنب والحائض يقرءان القرآن‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجنب يأكل ويشرب ويقرأ القرآن ، قال : « نعم يأكل ويشرب ( ويقرأ ويذكر الله تعالىٰ ) (٢) ما شاء » .

عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن أبان بن عثمان ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « لا بأس أن تتلو الحائض والجنب القرآن » .

أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن عبيد الله بن علي الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته أتقرأ النفساء والحائض والجنب والرجل يتغوط ، القرآن ؟ قال (٣) : « يقرؤون ما شاؤوا » .

__________________

(١) النهاية لابن الأثير ٤ : ٣٢٩ ( مس ) .

(٢) في الاستبصار ١ : ١١٤ / ٣٧٩ : ويقرأ القرآن ويذكر الله عز وجل .

(٣) في الاستبصار ١ : ١١٤ / ٣٨١ : فقال .


سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن النضر بن شعيب ، عن عبد الغفار الجازي (١) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قال : « الحائض تقرأ ما شاءت من القرآن » .

السند‌ :

في الأوّل : موثق .

وفي الثاني : لا ريب فيه كما تقدم .

وكذلك الثالث .

والرابع : فيه النضر بن شعيب وهو غير مذكور في الرجال علىٰ ما رأيت ، وعبد الغفار الجازيّ ـ كما في هذه النسخة التي نقلت منها ـ ثقة في النجاشي ، إلّا أن فيه ابن حبيب الطائي الجازيّ (٢) .

وفي الفهرست عبد الغفار الجازيّ (٣) . وفي من لم يرو عن الأئمة عليهم‌السلام من كتاب الشيخ عبد الغفار الجازي (٤) ، وفي رجال الصادق عليه‌السلام عبد الغفار ابن حبيب الحارثي (٥) ، وذكر ابن داود أنّه رأىٰ ذلك بخط الشيخ رحمه‌الله (٦) .

وأنت خبير بأنّ ذكر الشيخ للرجل في من لم يرو لا يخلو من غرابة ، ولم ينبه علىٰ ذلك شيخنا ـ أيّده الله ـ في كتاب الرجال (٧) ، فربما يتخيل

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١١٤ / ٣٨٢ : الحارثي .

(٢) رجال النجاشي : ٢٤٧ / ٦٥٠ .

(٣) الفهرست : ١٢٢ / ٥٤٤ .

(٤) رجال الطوسي : ٤٨٨ / ٧١ وفيه : الجابرزي .

(٥) رجال الطوسي : ٢٣٧ / ٢٢٨ وفيه : الجازي ، وفي الحاشية : في بعض النسخ : الحارثي .

(٦) رجال ابن داود : ١٣٠ / ٩٦٤ .

(٧) منهج المقال : ١٩٦ .


التعدد ، إلّا أنّ الاعتماد علىٰ ذلك من كلام الشيخ مشكل ، والنجاشي صرح بأنّ الراوي عن عبد الغفار بن حبيب ، النضر بن شعيب (١) ، والأمر وإن كان في الرواية سهل ، إلّا أنّ القول فيه يظهر فائدته في غيرها .

وفي فوائد شيخنا ـ أيّده الله ـ علىٰ الكتاب ما هذه صورته : قوله : عن عبد الغفار الحارثي ، بعض الأصحاب جعله الجازي ، ولم نره في شي‌ء من نسخ الكتاب ، والظاهر أنّه بمعونة ما في الخلاصة هو الأظهر ، ثم قال : إنّ الجازي هو الذي في كتاب الشيخ في رجال الصادق عليه‌السلام . . . انتهىٰ . ولا يخفىٰ عليك الحال .

أمّا ما تخيّله بعض من أنّ النضر بن شعيب هو النضر بن سويد الثقة (٢) ، فلا أعلم وجهه .

المتن :

في الأخبار المذكورة ظاهر الدلالة علىٰ جواز القراءة للمذكورين ، قيل : وهو مذهب الأكثر ، ونقل عليه المرتضىٰ في الانتصار ، والشيخ في الخلاف ، والمحقق في المعتبر الإجماع ، وحكىٰ الشهيد في الذكرىٰ عن سلّار في كتاب الأبواب تحريم القراءة مطلقاً ، وعن ابن البراج تحريم قراءة ما زاد علىٰ سبع آيات (٣) .

وفي المختلف : الظاهر من كلام الشيخ في كتابي الأخبار التحريم (٤) .

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٤٧ / ٦٥٠ .

(٢) مجمع الرجال للقُهپائي ٦ : ١٨٠ .

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٢٨٤ .

(٤) المختلف ١ : ١٧٢ .


وسيأتي إن شاء الله تعالىٰ في بيان كلام الشيخ ما يوضح المرام .

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسىٰ ، عن سماعة قال : سألته عن الجنب هل يقرأ القرآن ؟ فقال : « ما بينه وبين سبع آيات » وفي رواية زرعة عن سماعة قال : « سبعين آية » .

فلا ينافي هذا الخبر الأخبار الأوّلة من وجهين ، أحدهما : أن نخصص الأخبار الأوّلة بهذا الخبر ، فنقول : إنّ قولهم عليهم‌السلام : « لا بأس بأن يقرأ ما شاء » من أيّ موضع شاء ما بينه وبين سبع آيات ، أو سبعين آية ، والثاني : أن نحمل هذا الخبر علىٰ ضرب من الاستحباب دون الحظر والإيجاب ، والأخبار الأوّلة نحملها علىٰ الجواز .

السند‌ :

قد كررنا القول في مثله بالنسبة إلىٰ عثمان بن عيسىٰ (١) ، وزرعة لا طريق في المشيخة إليه ، والذي في الفهرست الطريق إلىٰ كتابه (٢) ، وكون الرواية من الكتاب غير معلومة .

المتن :

في الظن أنّه واحد ، وإنّما اختلفت رواته ، كما يعلم من قول الشيخ : والثاني أن نحمل هذا الخبر . وإرادة الجنس بعيدة ، مضافاً إلىٰ أنّ احتمال

__________________

(١) راجع ج ١ : ٧١ ـ ٧٣ .

(٢) الفهرست : ٧٥ / ٣٠٣ .


رواية سماعة للسبعة والسبعين معاً يأباه التأمّل في المساق ، ومن هنا يظهر أنّ ما في كلام جماعة من أصحاب الفروع : من أنّ المكروه قراءة ما زاد علىٰ سبع آيات أو (١) سبعين آية (٢) . لا يخلو من إجمال ، إذ احتمال التخيير ممكن ، وكذلك احتمال الترديد نظراً إلىٰ اختلاف الرواية من الرواة كما يعلم من هنا .

والعجب أنّ الشيخ رحمه‌الله كلامه هنا لا يكاد يشتبه علىٰ متأمّله أنّ مراده بقوله : ما بين سبع آيات أو سبعين آية ـ في مقام التوجيه ـ التردد في الرواية ، والمتأخّرين الذين يظهر منهم اتباعه غالباً لم يتوجّهوا إلىٰ تحقيق الحال ، حتىٰ أنّ المحقق رحمه‌الله قال : ما زاد علىٰ سبع آيات مكروه ويتأكّد الكراهية فيما زاد علىٰ السبعين (٣) . وهذا كما ترىٰ يقتضي أنّ السبعة والسبعين معاً واقعة ، مع احتمال أن يقال : إنّ الواقع أحدهما من الإمام ، والاختلاف من الرواة .

نعم قد يحتمل أن يقال : لا منافاة بين السبعة والسبعين إذا نظرنا إلىٰ ما قاله المحقّق من أصل الكراهة في ما زاد علىٰ السبعة وتأكّدها في ما بعد السبعين ، إلّا أنّ الترجيح لا بد من بيان الوجه فيه .

والحال أنّ ظاهر كلام الشيخ التردد من جهة اختلاف الرواة ، لأنّه قال في الوجه كما ترىٰ : أن نخص الأخبار الأوّلة بهذا الخبر . . . وهذا يعطي أن تخصيص الأخبار الأوّلة بهذا الخبر كاف في الجمع ، وغير خفي أنّ الخبر لو تعدّد لاحتاج الجمع إلىٰ زيادة لا بد منها ، وهي أن تخص الأخبار الأوّلة بما

__________________

(١) في « رض » : و .

(٢) منهم العلّامة في المختلف ١ : ١٧١ ، والشهيد في المسالك ١ : ٥٢ .

(٣) شرائع الإسلام ١ : ٢٧ .


بينه وبين سبع ، وما زاد مكروه إلىٰ السبعين ، فما زاد أشد كراهة ، وكلام الشيخ لا يدل عليه ، فليتأملّ .

وأمّا الوجه الثاني : من كلام الشيخ فهو في حيّز الإجمال ، إذ يحتمل أن يريد بقوله : أن نحمل هذا الخبر علىٰ الاستحباب ، أنّه يستحب الاقتصار علىٰ السبعة أو السبعين ، لا أنّه يجب الاقتصار ويحرم الزائد ، ولا يخفىٰ أنّه يتوجه عليه كون الاستحباب لقراءة القرآن لا ريب فيه ، والإيجاب غير ظاهر الوجه .

إلّا أن يقال : إنّ الزائد عن السبع إذا حرم وجب الاقتصار علىٰ السبع ، وهو الاحتمال الثاني من كلامه ، إلّا أن قوله : دون الحظر ، لا يلائم ذلك ، إلّا بأن يقال : إنّ المراد دون الحظر في الزائد ، والإيجاب فيما دون ذلك . وغير خفي أنّ الاستحباب لا يوافق هذا المعنىٰ ، لأنّ السبعة إذا كانت مستحبة فالزائد عنها ليس بمستحب ، والحال أنّ السبعين مستحبة أيضاً ، كما هو مفاد الرواية علىٰ ما فهمه المتأخرون (١) .

ولو اُريد أنّ السبعة والسبعين مستحبة لم يتم قوله : دون الحظر والإيجاب . لأنّ أخبار الجواز وخبر المنع تطابقاً علىٰ جواز السبع والسبعين ، وإرادة عدم إيجاب الاقتصار عليهما وتحريم ما زاد عليهما لا يلائمه قوله : والأخبار الأولة علىٰ الجواز . كما لا يخفىٰ .

ولو أراد أنّ الأخبار الأوّلة نحملها علىٰ الجواز وهذا الخبر علىٰ الاستحباب دون الحظر والإيجاب في الزائد وما تضمنه الخبر من السبعة أو السبعين اُشكل بأنّ الجواز إن اُريد به فيما زاد علىٰ أن يكون المراد به الإباحة لم يتم ذلك ، لأنّ وصف القراءة به لا وجه له .

__________________

(١) منهم العلّامة في المختلف ١ : ١٧٣ .


وإن اُريد بالجواز جواز قراءة الزائد ويستحب الاقتصار علىٰ السبع أو السبعين اُشكل بما تقدم أيضاً ، من عدم وجه الإباحة .

ولو اُريد بالجواز الاستحباب ، لكنه أقل ثواباً من السبعة أو السبعين أمكن ، كما هو مفاد كلام المحقق (١) ، إلّا أنّ الشيخ أطلق الاستحباب في الخبر .

والذي ينبغي : التفصيل بأنّ السبعة مستحبة ، وما زاد عنها مستحب أقل ثواباً ، والزائد عن السبعين مستحب لكن أقل ثوابا من الزائد علىٰ السبعة ، واستفادة هذا من كلام الشيخ في غاية العسر .

ولعل في قوله : علىٰ ضرب من الاستحباب . إشارة إلىٰ ما قلناه في الجملة .

ومن هنا يعلم أنّ ما قاله العلّامة في المختلف بعد ذكر رواية زرعة والطعن في سندها : إنّه عليه‌السلام أمر الجنب بقراءة القرآن ، وهو يدل علىٰ أقل مراتبه وهو الاستحباب ، ثم قال : ما بينه وبين سبع آيات علىٰ معنىٰ خروج ما بعد ذلك عن الاستحباب بل يبقىٰ إمّا مباحاً أو مكروها (٢) . محل نظر لا يخفىٰ علىٰ المتدبر فيه ، فينبغي النظر في المقام بعين العناية ، فإنّه في الإجمال قد بلغ الغاية .

قال :

فأمّا العزائم التي فيها السجدة فلا يجوز لهما أن يقرءا علىٰ حال ، يدل علىٰ ذلك :

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٩٠ ، والشرائع ١ : ٢٧ .

(٢) المختلف ١ : ١٧٢ .


ما أخبرني (١) به أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن عبد الرحمان بن أبي نجران ، عن حماد بن عيسىٰ ، عن حريز ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : الحائض والجنب يقرءان شيئاً ؟ قال : « نعم ما شاءا إلّا السجدة ويذكران الله علىٰ كل حال » .

فأمّا ما رواه علي بن الحسن بن فضال (٢) ، عن عمرو بن عثمان ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة الحذاء ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام ، عن الطامث تسمع السجدة قال : « إن كانت من العزائم تسجد إذا سمعتها » .

فلا ينافي الخبر الأول ، لأنّه ليس فيه أنّه يجوز لها أن تقرأ العزائم ، وإنّما قال : إذا سمعت العزائم تسجد ، وذلك أيضاً محمول علىٰ الاستحباب لأنّها علىٰ حال لا يجوز لها معها السجود .

السند‌ :

في الخبرين قد تكرّر القول فيه بما يغني عن الإعادة .

المتن :

في الأول : ادعىٰ الشيخ ومن تأخّر عنه دلالتها علىٰ تحريم قراءة سورة السجدة كلها ، علىٰ ما حكاه شيخنا قدس‌سره في فوائد الكتاب ، ثم قال : إنّها إنّما تدل علىٰ قراءة لفظ السجدة أعني ما يوجب السجود ، وهو

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١١٥ / ٣٨٤ : ما أخبرنا .

(٢) في الاستبصار ١ : ١١٥ / ٣٨٥ لا يوجد : بن فضال .


المنقول عن المرتضىٰ رضي‌الله‌عنه .

وقد يقال : إنّ قوله : « إلّا السجدة » يدل علىٰ إرادة سورة السجدة أو آية السجدة ، لأنّ نفس السجدة لمّا تعذر إرادتها حقيقة يراد سورتها أو آيتها ، فما قاله قدس‌سره : من أنّ المراد لفظ السجدة . محل كلام .

فإن قلت : كما قدّرت السورة والآية ، له أن يقدّر لفظة السجدة .

قلت : هذا لا ينفع في إثبات المطلوب ، بل هو احتمال بتقدير تماميته يزيد الإشكال في دعوىٰ أنّها إنّما تدل علىٰ ما ذكره قدس‌سره اللهم إلّا أن يقال : إنّ المتبادر من السجدة اللفظ الدال عليها ، وفيه ما فيه ، ويمكن أن يقال : إنّ ثبوت التحريم يتوقف علىٰ الدلالة ، ومع الإجمال يشكل الحكم بتحريم السورة والآية ، للاقتصار علىٰ المتيقن وهو اللفظ ، وما عداه مشكوك فيه .

فإن قلت : ينبغي عدم التحريم أصلاً ، للإجمال من حيث إنّ العلم بالأحكام لا بد منه ، والفرض عدمه ، واحتمال إرادة اللفظ مساوٍ لغيره .

قلت : باب القول واسع ، إلّا أنّ التسديد بالتبادر قريب ، وما قاله شيخنا قدس‌سره : من أنّ المعروف من مذهب الأصحاب تحريم قراءة السور وأبعاضها (١) . يقتضي عدم الخروج عنهم .

وفي المعتبر قال المحقق بعد ذكر نحو ذلك : ورواه البزنطي في جامعه عن المثنّىٰ ، عن الحسن الصيقل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) .

وينقل دعوىٰ الإجماع عن بعض الأصحاب في تحريم السورة بأجمعها (٣) .

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٢٧٨ .

(٢) المعتبر ١ : ١٨٧ .

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٣٤ ، والمدارك ١ : ٢٧٨ والحبل المتين : ٤٥ .


وأمّا الخبر الثاني : فلا منافاة فيه للأول ، لأنّه يجوز أن يكون قراءة السجدة محرمة علىٰ الحائض ، وإذا سمعت يجب عليها السجود ، كما قاله الشيخ رحمه‌الله إلّا أنّ قوله : وذلك (١) أيضاً محمول علىٰ الاستحباب ، إلىٰ آخره محل كلام ، لأنّ كونها علىٰ حال لا يجوز لها السجود ينافي الاستحباب .

والجواب أنّ مراده علىٰ حال لا يجب عليها السجود ، والعبارة غير وافية بالمراد ، ومن عجيب ما وقع للشيخ في التهذيب ، أنّه قال في كتاب الطهارة ـ بعد قول المفيد : إلّا أربع سور ـ : لأن في هذه السور سجوداً واجباً ولا يجوز السجود إلّا لطاهر من النجاسات بلا خلاف (٢) ، وفي كتاب الصلاة ذكر ما يدل علىٰ الاستحباب (٣) ، كما هنا .

وسيأتي إن شاء الله في كتاب الصلاة من هذا الباب رواية عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة ؟ قال : « تقرأ ولا تسجد » والشيخ حمل هذه الرواية علىٰ جواز الترك ، ورواية قبلها دالة علىٰ السجود حملها علىٰ الاستحباب (٤) .

وفيه نظر : لأنّ جواز الترك إن اُريد به الإباحة فإشكاله واضح ، وإن اُريد غيرها فلا ينافي الاستحباب ، بل هو الاستحباب .

وفي المختلف حمل الرواية المذكورة أخيراً علىٰ أنّ المراد لا تقرأ‌

__________________

(١) في « رض » : بعد نحو ذلك .

(٢) التهذيب ١ : ١٢٩ .

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩١ ، ٢٩٢ .

(٤) راجع الاستبصار ١ : ٣٢٠ باب أنّ الحائض تسمع سجدة العزائم .


العزيمة التي تسجد فيها ، وإطلاق ( المسبّب علىٰ السبب ) (١) مجازاً جائز (٢) . وله وجه .

وفي كلام بعض محققي المتأخّرين ـ سلّمه الله ـ أنّه يجوز أن يكون الرواية علىٰ سبيل الإنكار ، أي كيف تقرأ ولا تسجد ؟ ! (٣) .

وفي نظري القاصر أنّ هذا لا يتم ، لأنّ السؤال عن الأمرين كما هو صريح الرواية ، والإنكار إنّما يتم علىٰ تقدير أن يكون السائل عالماً بجواز القراءة ، وإنّما يسأل عن السجود كما لا يخفىٰ .

وللعلّامة رحمه‌الله كلام في المسألة يأتي ما فيه إنشاء الله تعالىٰ .

قال :

باب الجنب يدهن ويختضب وكذلك الحائض‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن أبي سعيد قال : قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام ، أيختضب الرجل وهو جنب ؟ قال : « لا » قلت : فيجنب وهو مختضب ؟ قال : « لا » ثمّ مكث قليلا ثم قال : « يا أبا سعيد أفلا أدلّك علىٰ شي‌ء تفعله ؟ » قلت : بلىٰ ، قال : « إذا اختضبت بالحِنّاء وأخذ الحِنّاء مأخذه وبلغ فحينئذ فجامع » .

وبهذا الاسناد عن الحسين بن سعيد ، عن عبد الله بن بحر ، عن

__________________

(١) في النسخ : السبب علىٰ المسبب ، وما اثبتناه من المصدر .

(٢) المختلف ١ : ١٨٥ .

(٣) الشيخ البهائي في مشرق الشمسين : ٢٦٥ .


كردين المسمعي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « لا يختضب الرجل وهو جنب ، ولا يغتسل وهو مختضب » .

وأخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد (١) بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن علي بن أسباط ، عن عمّه يعقوب الأحمر ، عن عامر بن جذاعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « لا تختضب الحائض ولا الجنب ، ولا تجنب وعليها الخضاب ، ولا يجنب هو وعليه الخضاب ، ولا يختضب وهو جنب » .

السند‌ :

في الأول : فيه القاسم بن محمد ، وهو الجوهري ، لأنّ الراوي عنه الحسين بن سعيد في النجاشي (٢) وكتاب الشيخ (٣) ، وهو واقفي ، وقد تقدم فيه القول أيضاً (٤) ، وما قاله ابن داود : من أنّه ثقة (٥) . لا أعلم وجهه .

وأبو سعيد لا يبعد أن يكون المكاري ، وهو واقفي أيضاً وفي النجاشي : أنّ الراوي عنه القاسم بن إسماعيل (٦) ، فقد يتخيل أنّ القاسم بن محمد موهوم ، سيّما والقاسم بن إسماعيل يكنىٰ أبا محمد ، وكان الأصل المأخوذ منه القاسم أبي محمد ، إلّا أنّ الأمر هنا سهل ، مضافاً إلىٰ احتمال أبي سعيد غير من ذكرناه ، وأيضاً فإنّ القاسم بن إسماعيل يروي عنه

__________________

(١) كذا في النسخ والتهذيب ١ : ١٨١ / ٥٢٠ ، وفي الاستبصار ١ : ١١٦ / ٣٨٨ : أحمد .

(٢) رجال النجاشي : ٣١٥ / ٨٦٢ .

(٣) الفهرست : ١٢٧ ، رجال الطوسي : ٤٩٠ .

(٤) راجع ج ١ : ١٨٢ ، ٢٨٦ .

(٥) رجال ابن داود : ١٥٤ / ١٢١٩ .

(٦) رجال النجاشي : ٤٣٦ / ١١٦٩ .


حميد ، وهو بعيد عن مرتبة الحسين بن سعيد .

والثاني : فيه عبد الله بن بحر ، وهو ضعيف مرتفع القول ، علىٰ ما قاله العلّامة (١) ، ونقله ابن داود عن كتاب الشيخ فيمن لم يرو عن الأئمة عليهم‌السلام (٢) .

وفيه أيضاً : كردويه المسمعي وقد تقدم القول فيه في أول الكتاب (٣) .

والثالث : فيه غير من تقدم ذكره مراراً عامر بن جذاعة ، وفي الفهرست ذكره الشيخ مهملا (٤) ، والكشي ذكر في حجر بن زائدة رواية أن عامر بن جذاعة من حواريّ محمد بن علي وجعفر بن محمد (٥) ، ونقل رواية اُخرىٰ تتضمن القدح (٦) .

والعلّامة في الخلاصة نقل روايتي الكشي في عامر بن عبد الله بن جذاعة ، وكأنّه ظن الاتحاد مع عامر بن جذاعة ، وهو غير بعيد (٧) ، لأن النجاشي ذكر عامر بن عبد الله بن جذاعة (٨) فقط ، والشيخ ذكر الاثنين ، فالأول : في الفهرست (٩) ، والثاني : في كتاب الرجال من أصحاب الصادق عليه‌السلام (١٠) ، والاعتماد علىٰ الشيخ واضح الإشكال ، فما ذكره ابن داود

__________________

(١) خلاصة العلّامة : ٢٣٨ / ٣٤ .

(٢) رجال ابن داود : ٢٥٣ / ٢٦٤ .

(٣) راجع ج ١ : ٢٨٣ ، ٣١٧ .

(٤) الفهرست : ١٢٢ / ٥٤٥ .

(٥) رجال الكشي ١ : ٤٥ ، ذكرها في سلمان الفارسي ، لا في حجر بن زائدة والموجود فيها : عامر بن عبد الله بن جداعة .

(٦) رجال الكشي ٢ : ٧٠٨ / ٧٦٤ .

(٧) خلاصة العلّامة : ١٢٤ / ١ .

(٨) رجال النجاشي : ٢٩٣ / ٧٩٤ .

(٩) الفهرست : ١٢٢ / ٥٤٥ .

(١٠) رجال الطوسي : ٢٥٥ / ٥١٦ .


من التعدد (١) غير واضح .

ثم : إنّ رواية الكشي المتضمنة لأنّ عامر بن جذاعة من الحواريين اعتمد عليها العلّامة ، فقال في الخلاصة بعد ذكر الرواية : وروىٰ ـ يعني الكشي ـ حديثاً مرسلاً ينافي ذلك ، والتعديل أرجح (٢) .

واعترض عليه جدّي قدس‌سره في فوائده علىٰ الخلاصة : بأنّ في حديث المدح علي بن سليمان ، وأسباط بن سالم ، وهما مجهولا العدالة ، وحديث الجرح [ المتضمن ] (٣) دعاء الصادق عليه‌السلام عليه بعدم المغفرة مرسلة الحسين ابن سعيد ، وهو لا يقصر عن مقاومة التعديل ، إن لم يرجح عليه ، وبالجملة فحال الرجل مجهول ، لعدم صحة الخبرين (٤) . انتهىٰ كلامه قدس‌سره .

والأمر كما قاله في جهالة العدالة ، أمّا قوله : إنّ رواية الحسين بن سعيد لا تقصر عن مقاومة التعديل . فلا وجه له ، كما لا يخفىٰ علىٰ المتأمّل .

ثم إنّ راوي حديث الذمّ علي بن محمد الراوي عنه الكشي (٥) ، وهو مشترك (٦) ، وكأنّ جدي قدس‌سره اعتمد علىٰ كونه الثقة ، وهو أعلم بالحال .

المتن :

في الأول : ظاهر الدلالة علىٰ أنّ الحنّاء إذا أخذ مأخذه لا كراهة في

__________________

(١) رجال ابن داود : ١١٣ / ٨٠٤ ، ٢٥١ / ٢٤٧ .

(٢) خلاصة العلّامة : ١٢٤ / ١ .

(٣) في النسخ : تضمّن ، غيّرناها لاستقامة العبارة .

(٤) حواشي الشهيد الثاني علىٰ الخلاصة : ٢١ ( مخطوط ) .

(٥) رجال الكشي ٢ : ٧٠٨ / ٧٦٤ .

(٦) هداية المحدثين : ٢١٨ .


المجامعة حينئذ ، إذا كان النهي للكراهة بدون ذلك ، إذ القائل بالتحريم غير منقول فيما وقفت عليه ، بل الشيخ قائل هنا بالكراهة ، علىٰ تقدير أن يكون ما يذكره هنا قولا ، وقد نقل عنه أنّه قال بالكراهة أيضا في غير الكتاب (١) ، وكذلك المفيد (٢) ، والمرتضىٰ (٣) .

وأمّا ابن بابويه : فإنّه قال : لا بأس أن يختضب الجنب ويجنب وهو مختضب (٤) . ولا يبعد أن يكون مراده ما تضمن الخبر ، غير أنّ الخبر كما ترىٰ خاص بالحنّاء في التعليل ، فلا يبعد أن يكون صدره مراداً به الحنّاء ، إلّا أنّ المصرح به في كلام بعض المتأخّرين أنّ الخضاب ما يتلوّن به من حنّاءٍ وغيره (٥) ، وسيأتي كلام بعض أهل اللغة ، وعلىٰ تقدير الشمول في الخضاب يحتمل أن يخص زوال الكراهة في الحنّاء بما ذكر في الخبر ، ويبقىٰ غير الحنّاء علىٰ الإطلاق .

والخبر الثاني : يحتمل أن يخص كما خص الأول ، أو يخص بغير الحنّاء ويبقىٰ النهي فيه علىٰ إطلاقه ، وكذلك الثالث .

ولا يخفىٰ أنّ الأوّل فيه اختصاص أيضاً بالجنب ، ومن هنا يعلم ما في إطلاق الشيخ الكراهة من التأمّل ، وسيأتي الكلام فيه أيضاً .

وقد تقدم النقل عن المفيد أنّه علّل الكراهة بمنع وصول الماء إلىٰ ظاهر الجوارح التي عليها الخضاب (٦) ، وكذلك تقدم قول المعتبر : من أنّ المفيد كأنّه ناظر إلىٰ أنّ اللون عرض لا ينتقل ، فيلزم حصول أجزاء من

__________________

(١ و ٢ و ٣) نقله عنهم في المنتهىٰ ١ : ٨٩ ، وهو في المبسوط ١ : ٢٩ ، والمقنعة : ٥٨ .

(٤) الفقيه ١ : ٤٨ .

(٥) جامع المقاصد ١ : ٢٦٨ ، مدارك الأحكام ١ : ٢٨٨ .

(٦) المقنعة : ٥٨ .


الخضاب في محل اللون ليكون وجود اللون بوجودها ، لكنها حقيقة لا تمنع الماء منعا تامّاً فكرهت لذلك (١) .

اللغة :

قال في القاموس : خَضَبَهْ يَخْضِبُه : لَوّنَه : كخضّبه ، وَكَفٌّ وامرأةٌ خضيب ، وبَنانٌ مخضوبٌ وخضيب ومخضّب (٢) ، ويستفاد منه أنّ الخضاب يتناول الشعر وغيره ، والحنّاء وغيرها ، إلّا أن يقال : إنّ الخضاب مع الإطلاق لا يتناول غير الشعر ، وفيه ما فيه ، فليتأمّل .

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن أبي المغرا ، عن سماعة (٣) قال : سألت العبد الصالح عليه‌السلام عن الجنب والحائض أيختضبان ؟ قال : « لا بأس » .

عنه ، عن فضالة ، عن أبي المغرا (٤) ، عن العبد الصالح عليه‌السلام ، قال : قلت له : الرجل يختضب وهو جنب ؟ قال : « لا بأس » وعن المرأة تختضب وهي حائض ؟ قال : « ليس به بأس » .

علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بأن يختضب الرجل ويجنب وهو مختضب ، ولا بأس بأن يتنوّر الجنب ويحتجم ويذبح ، ولا يدهن

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٩٢ .

(٢) القاموس المحيط ١ : ٦٤ ( خضب ) .

(٣ و ٤) في الاستبصار ١ : ١١٦ / ٣٨٩ ، ٣٩٠ : عن علي ، زيادة من « ج » .


ولا يذوق شيئاً حتىٰ يغسل يده ويتمضمض ، فإنّه يخاف منه الوَضَح » .

فالوجه في الجمع بين هذه الأخبار : أن نحمل الأوّلة علىٰ ضرب من الكراهية دون الحظر ، لئلّا يتناقض الأخبار ، والذي يدل علىٰ ذلك :

ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن محمد ابن الحسن بن علّان ، عن جعفر ( بن محمد ) (١) بن يونس ، أنّ أباه كتب إلىٰ أبي الحسن عليه‌السلام يسأله (٢) عن الجنب ، يختضب أو يجنب وهو مختضب ، فكتب : « لا أحب له » .

فجاء هذا الخبر صريحاً بالكراهيّة دون الحظر .

الحسين بن سعيد ، عن عبد الله بن بحر ، عن حريز ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ، الجنب يدهن ثم يغتسل قال : « لا » .

فالوجه في هذا الخبر ضرب من الكراهية ، حسب ما ذكرناه في رواية السكوني .

السند‌ :

في الأول : موثّق علىٰ ما قدّمناه ، وأبو المغرا اسمه حميد بن المثنىٰ .

وفي الثاني : صحيح كذلك .

والثالث : معلوم الحال .

والرابع : فيه محمد بن الحسن بن علّان ، ولم أره في الرجال ، وأمّا

__________________

(١) ليس في « رض » والاستبصار ١ : ١١٧ / ٣٩٢ .

(٢) في الاستبصار ١ : ١١٧ / ٣٩٢ لا يوجد : يسأله .


جعفر بن محمد بن يونس فالشيخ وثّقه في رجال الجواد عليه‌السلام (١) ، وفي رجال الهادي عليه‌السلام ذكره مهملاً (٢) .

وما في الخلاصة : من أنّه من رجال الرضا عليه‌السلام (٣) . لم أقف عليه في كتاب الشيخ ، والرواية عن أبي الحسن لا تدل عليه ، لأنّ الأب هو الكاتب ، نعم الظاهر أنّ جهالة الأب لا تضر بالحال .

والخامس : فيه عبد الله بن بحر ، وقد تقدم ضعفه .

المتن :

ما قاله الشيخ في الأوّل والثاني ـ من حمل الأخبار الأولة علىٰ الكراهة ـ قد يتوجه عليه أنّ الخبر الذي في صدر الباب مفصّل فليحمل المجمل عليه ، كما أشرنا إليه سابقا ، والجواب أنّ الإجمال في الخبر المذكور بالنسبة إلىٰ أنّه لا بد من زيادة تقييد يوجب نوع إشكال ، والكراهة المذكورة في كلام الشيخ وإن كانت لا تخلو من تأمّل أيضاً ، فإنّ ظاهرها ثبوت الكراهة وإن أخذت الحنّاء مأخذها ( وإشكالها واضح ، وحملها علىٰ اختلاف المراتب شدةً وضعفاً ممكن ، لولا أنّ ظاهر الخبر انتفاء الكراهة إذا أخذت الحنّاء مأخذها ) (٤) ولعلّ الشيخ ملتفت إلىٰ هذا في الكراهة إلّا أنّ عدم تعرضه لما قلناه لا وجه له .

ثم إنّ خبر السكوني يحتمل التعليل بخوف الوَضَح أن يعود بجميع‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٩٩ / ١ .

(٢) رجال الطوسي : ٤١٢ / ٦ .

(٣) خلاصة العلّامة : ٣١ / ٣ .

(٤) ما بين القوسين ليس في « د » .


ما ذكر في الخبر ، ويحتمل الاختصاص ، بقوله : « ولا يذوق شيئاً » ويحتمل العود إلىٰ قوله : « ولا يدّهن » أيضاً .

وما قاله الشيخ في خبر حريز : من الحمل علىٰ الكراهة لمعارضة خبر السكوني . فيه أنّ النهي عن الإدّهان في الخبرين ، والمعارض حينئذ (١) منتف ، ولعلّ مراده أنّ بعض المذكور في الخبر إذا كان مكروها كان جميعه (٢) كذلك ، وفيه ما فيه ، إلّا أنّ الأمر سهل .

إذا عرفت هذا : فاعلم أنّ شيخنا قدس‌سره قال : إنّ ابن بابويه روىٰ في الفقيه في الحسن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنّه قال : « لا بأس بأن يختضب الرجل وهو جنب » قال : وهذه الرواية أجود ما وصل إلينا في هذه المسألة (٣) . انتهىٰ .

والذي رأيته في الفقيه أنّه قال : قال الحلبي : وحدثني من سمعه يقول : « إذا اغتمس الجنب في الماء اغتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله » ثم ذكر أحكاماً كثيرة ، مثل من أجنب في يوم وليلة مراراً أجزأه غسل واحد ، وأنّه لا بأس أن يقرأ الرجل القرآن ، وغير ذلك ، وقال في الآخر : ولا بأس أن يختضب الجنب إلىٰ آخره (٤) . والذي يظهر أنّه ليس من الرواية ويؤيّده : أن الشيخ روىٰ خبر الحلبي في الارتماس فقط ، وقول شيخنا قدس‌سره إنّ الرواية أجود ما وصل إليه . فيه ، أنّ الرواية حسنة ، ورواية أبي المغرا عن العبد الصالح عليه‌السلام هنا صحيحة ، فالاعتماد عليها أولىٰ .

__________________

(١) ليست في « رض » .

(٢) في « فض » : جمعه .

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٢٨٩ .

(٤) الفقيه ١ : ٤٨ / ١٩١ ، الوسائل ٢ : ٢٣٣ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١٥ .


اللغة :

قال في القاموس : الوَضَح محرّكة : البرص (١) . وفي النهاية كذلك في جملة معاني الوَضَح (٢) .

قال :

باب الجنب هل عليه مضمضة واستنشاق أم لا ؟

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن محمد بن يحيىٰ ، عن محمد بن الحسين ، عن موسىٰ بن سعدان ، عن عبد الله بن سنان ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا يجنب الأنف والفم ، لأنّهما سائلان » .

عنه ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ليس عليك مضمضة ولا استنشاق ، لأنّهما من الجوف » .

عنه ، عن أبي يحيىٰ الواسطي ، عن بعض أصحابه ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الجنب يتمضمض ويستنشق ؟ قال : « لا ، إنّما يجنب الظاهر » .

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن عيسىٰ ، عن الحسن بن راشد ، قال : قال الفقيه العسكري عليه‌السلام : « ليس في الغسل ولا في الوضوء مضمضة ولا استنشاق » .

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ٢٦٤ ( الوضح ) .

(٢) النهاية لابن الأثير ٥ : ١٩٥ ( وضح ) .


السند :

في الأول : فيه موسىٰ بن سعدان ، وهو ضعيف في الحديث ، كما في النجاشي (١) .

والثاني : فيه أبو بكر الحضرمي ، وقد تقدم القول فيه (٢) .

والثالث : فيه ـ مع الإرسال ـ أبو يحيىٰ الواسطي وليس بثقة ، ولا يبعد أن يكون هو سهيل بن زياد ، إلّا أنّ الشيخ في الفهرست ذكر في الكنىٰ أبا يحيىٰ الواسطي ولم يذكر الاسم (٣) ، غير أنّ الراوي عنه في الاسم والكنية أحمد بن أبي عبد الله ، فالاتحاد قريب ، وإن كان في كتاب الرجال ذكر أبا يحيىٰ الواسطي فيمن لم يرو عن الأئمّة عليهم‌السلام والراوي عنه محمد بن أحمد ابن يحيىٰ (٤) ، إذ لا مانع من ذلك ، بل في كتاب الرجال اتفق أنّه ذكر سهيل ابن زياد روىٰ عنه البرقي (٥) ، وفي الكنىٰ قال : إنّ الراوي عن أبي يحيىٰ ، محمد بن أحمد بن يحيىٰ (٦) ، وأمثال هذا من الشيخ كثير .

والرابع : فيه الحسن بن راشد وقد ضعف في الرجال (٧) ، ومحمد بن عيسىٰ قد قدمنا فيه قولا (٨) .

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٠٤ / ١٠٧٢ .

(٢) في ص ٩٤ ـ ٩٧ .

(٣) الفهرست : ١٨٦ / ٨٢٤ .

(٤) رجال الطوسي : ٥٢١ / ٣٠ .

(٥) رجال الطوسي : ٤٧٦ / ١٠ .

(٦) رجال الطوسي : ٥٢١ / ٣٠ .

(٧) رجال النجاشي : ٣٨ / ٧٦ ، وخلاصة العلّامة : ٢١٣ / ٩ .

(٨) راجع ج ١ : ٧٦ ـ ٨٤ .


ثم إنّ ضمير عنه في الحديث الثاني لا يخلو من اشتباه .

وفي فوائد شيخنا قدس‌سره علىٰ الكتاب ما هذا لفظه : ولعلّه راجع إلىٰ محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، فإنّ من قبله لا يروي عن علي بن الحكم ، وقد روىٰ الشيخ في التهذيب هذه الرواية عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم . انتهىٰ .

وشيخنا المحقّق ميرزا محمد ـ أيّده الله ـ قال في فوائده علىٰ الكتاب أيضاً : قد روىٰ الشيخ هذه الرواية عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، والظاهر أنّه أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، فكأنّه هنا [ لمّا وقع ] (١) نظره إلىٰ أحمد بن محمد توهم ( هذا فقال : عنه ) (٢) . . . انتهىٰ .

ولكل من الكلامين وجه ، إلّا أنّه ربما يرجّح كلام شيخنا قدس‌سره ضمير عنه في الخبر الثالث ، فإن الراوي عن أبي يحيىٰ : أحمد بن أبي عبد الله ، وهو في مرتبة محمد بن الحسين ، وإن أمكن أقربية المرتبة كما يعلم من الرجال .

المتن :

في الخبرين الأولين : ربما كان ظاهره نفي وجوب المضمضة والاستنشاق ، من حيث قوله عليه‌السلام في الأول : « لا يجنب الأنف والفم » وفي الثاني : « لأنّهما من الجوف » والخبر الثالث وإن دل بظاهره علىٰ نفي الوجوب والاستحباب ، إلّا أنّ الحمل علىٰ نفي الوجوب لا بد منه ، لضرورة

__________________

(١) في « فض » : لم وقع ، وفي « رض » : لم رفع ، وفي « د » : ثمّ وقع ، والظاهر ما أثبتناه .

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض » .


الجمع ، وإن كان الخبر الآتي (١) في المعارضة لا يصلح لذلك كما ترىٰ ، إلّا أنّ بعض صحيح الأخبار تدل علىٰ مقتضاه ، كما سنذكره ـ إن شاء الله ـ .

وما قد يقال : من أنّ ذكر الوضوء في الخبر يؤيّد أنّ المراد نفي (٢) الوجوب لما تقدم من استحبابه فيه بمقتضىٰ الأخبار ، ففيه نظر ، يعلم من مراجعة ما تقدم ، إلّا أنّ بعض الأصحاب نقل الإجماع علىٰ استحباب المضمضة والاستنشاق في الوضوء (٣) ، علىٰ ما وجدته الآن ، وربما يستفاد من بعض الأخبار الصحيحة في الصوم استحباب المضمضة في الوضوء (٤) ، وحينئذ يتم التوجيه .

ونقل شيخنا قدس‌سره أيضاً الإجماع علىٰ استحباب المضمضة والاستنشاق في الغسل (٥) ، وحينئذ ربما يسهل الخطب ، ورأيت في كتب بعض أهل الخلاف نقل الوجوب عن أبي حنيفة في المضمضة والاستنشاق في الغسل (٦) ، وعليه فدلالة الأخبار علىٰ نفي الوجوب بالنسبة إلىٰ أبي حنيفة قريب الاحتمال ، كما لا يخفىٰ .

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن شعيب ، عن

__________________

(١) في « رض » : التالي .

(٢) ليست في « رض » .

(٣) منهم الشيخ في الخلاف ١ : ٧٥ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٤ ، والعلّامة في المنتهىٰ ١ : ٥٠ .

(٤) الوسائل ١٠ : ٧٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ .

(٥) مدارك الأحكام ١ : ٣٠٢ .

(٦) عمدة القارئ ٣ : ١٩٤ .


أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن غسل الجنابة ، قال : « تصبّ علىٰ يديك الماء ، فتغسل كفّيك ، ثم تدخل يدك فتغسل فرجك ، ثم تمضمض وتستنشق وتصبّ الماء علىٰ رأسك ثلاث مرّات ، وتغسل وجهك وتفيض علىٰ جسدك الماء » .

فالوجه فيه : أن نحمله علىٰ ( ضرب من ) (١) الاستحباب دون الوجوب ، لئلّا تتناقض الأخبار .

السند‌ :

فيه أبو بصير ، والظاهر أنّه يحيىٰ بن القاسم ، بقرينة رواية شعيب عنه ، وفي فوائد شيخنا ـ أيّده الله ـ علىٰ الكتاب : أبو بصير هذا هو يحيىٰ ابن القاسم ، وفيه ضعف ، وقد روىٰ هذا المعنىٰ زرارة في الصحيح ولا بأس بالاستحباب . . . انتهىٰ .

وما ذكره ـ أيّده الله ـ من ضعف يحيىٰ بن القاسم ، فقد قدمنا فيه القول (٢) ، ورواية زرارة سنذكرها إن شاء الله .

المتن :

ظاهره أنّ السؤال عن واجب الغسل ومقدّماته ، بقرينة ذكر غَسل الكفّين (٣) ، ويحتمل أن يكون الإمام عليه‌السلام زاد في بيان الغُسل المقدمات ، والسؤال ليس إلّا عن الكيفية ، وعلىٰ التقديرين قد اشتمل الحديث علىٰ

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في الاستبصار ١ : ١١٨ / ٣٩٨ .

(٢) راجع ص ١٠٢ ـ ١٠٥ .

(٣) في « فض » زيادة : وغَسل الفرج .


ما هو مستحب قطعاً وهو غَسل الكفين ، وواجب قطعا وهو غَسل الرأس ، وما هو محتمل للوجوب والاستحباب وهو غَسل الفرج ، فإنّه إن كان عليه شي‌ء من النجاسة وجب غَسله في الجملة ، وإن لم يكن احتمل استحباب الغَسل ، لظاهر إطلاق الخبر .

وأمّا المضمضة والاستنشاق : فقد سمعت من دعوىٰ الإجماع ( علىٰ الاستحباب ) (١) فيهما ، ويؤيّده عدم ظهور الحديث في الوجوب ، حيث اشتمل علىٰ الواجب والمستحب ، وإن أمكن أن يقال بوجوب غير ما ثبت استحبابه ، وفيه كلام ، ولولا أنّ الخبر ليس له صلاحية الاستدلال لأمكن أن يذكر فيه أحكام .

وأمّا خبر زرارة المتقدمة إليه الإشارة : فقد رواه الشيخ في التهذيب ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن غسل الجنابة ، قال : « تبدأ فتغسل كفّيك ، ثم تفرغ بيمينك علىٰ شمالك فتغسل فرجك ، ثم تمضمض واستنشق ، ثم تغسل جسدك من لدن قرنك إلىٰ قدميك ، ليس قبله ولا بعده وضوء ، وكل شي‌ء أمسسته الماء فقد أنقيته ، ولو ( أنّ رجلاً ) (٢) جنباً ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده » (٣) .

وهذه الرواية كما ترىٰ يجري فيها ما ذكرناه في خبر أبي بصير .

( فإن قلت : خبر أبي بصير ) (٤) إنّما يدل علىٰ المضمضة والاستنشاق في الغُسل المرتب ، ومدعىٰ الشيخ (٥) علىٰ ظاهر العموم للمرتب وغيره .

__________________

(١ و ٢) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٣) التهذيب ١ : ١٤٨ / ٤٢٢ ، الوسائل ٢ : ٢٣٠ أبواب الجنابة ب ٢٤ ح ٥ .

(٤) ما بين القوسين ساقط من « رض » .

(٥) ليست في « رض » .


قلت : الأمر كما ذكرت ، إلّا أنّ الذي رأيته دعوىٰ الإجماع علىٰ الاستحباب في الغسل مطلقا ، فإن تم الإجماع ، وإلّا أمكن ما ذكرت ، ولم أر الآن من نبّه علىٰ ذلك .

وفي نظري القاصر : أنّ صحيح (١) زرارة لا يخلو من دلالة علىٰ الاختصاص بالمرتّب ، إلّا أن يقال : إنّ قوله : « ولو أنّ رجلاً جنباً » إلىٰ آخره ، ليس منفكاً عما تقدّم في صدره من المضمضة والاستنشاق ، بل قد يدعىٰ ظهور أنّ المراد : مَن فَعَل ما ذكر أوّلاً في الخبر وارتمس أجزأه ، إلّا أنّ مجال الاحتمال واسع ، ولو تحقق الظهور لا يضر بحال الاستدلال ، غير أنّ في البين توقفا ، فالعمدة علىٰ (٢) الإجماع .

فإن قلت : قوله في الحديث : « وإن لم يدلك جسده » يدل علىٰ أنّ الارتماس اُتي به لبيان هذا ، وفيه إشارة إلىٰ أنّ دلك الجسد في المرتب يفعل ، وحينئذ لا تعلق له بما تقدم من المستحبات .

قلت : بل الظاهر بما ذكرت استحباب السابق ، إذ لم يستثن سوىٰ دلك الجسد .

وينبغي أن يعلم أنّ بعض محققي المعاصرين ـ سلّمه الله تعالىٰ ـ نقل عن العلّامة إطلاق غَسل اليدين بحيث يشتمل الغُسل المرتب وغيره ، ثم قال : وهو محتمل (٣) . وأنت خبير بأنّ الأخبار لا تعطي ذلك ، إلّا بمعونة ما قررناه في خبر زرارة ، وإلّا فمجرد الاحتمال لا وجه له بدون البيان .

ثم إنّ ظاهر خبر زرارة غَسل الكفّين ، وفي صحيح يعقوب بن

__________________

(١) في « رض » : خبر .

(٢) في « رض » : في .

(٣) الشيخ البهائي في الحبل المتين : ٣٩ .


يقطين (١) علىٰ ما نقله شيخنا قدس‌سره ما يدل علىٰ الغَسل من المرفقين (٢) .

والشيخ روىٰ في التهذيب عن الشيخ المفيد ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن أحمد بن محمد ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام ، عن غسل الجنابة فقال : « تغسل يدك اليمنىٰ من المرفقين إلىٰ أصابعك » إلىٰ آخره (٣) .

والظاهر أنّ المراد غَسل اليدين معاً بمعونة ذكر المرفقين ، إلّا علىٰ احتمال ما .

وربما يقال : يحمل مطلق خبر زرارة وغيره ممّا يدل علىٰ الكفّين علىٰ مقيد غيره .

وفيه أنّ خبر زرارة ونحوه لا إطلاق فيهما ، بل الظاهر منهما نفس الكفّين .

ويمكن القول بالتخيير في المستحب بين الكفّين والمرفقين ، والثاني أفضل ، إلّا أنّ المشهور استحباب الغَسل من الزندين فقط (٤) .

ولا يبعد الاختصاص بالماء القليل ، كما يستفاد من الأخبار .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ قوله عليه‌السلام : « كل شي‌ء أمسسته الماء فقد أنقيته » ربما كان المراد به إمرار اليد مع الماء ، بمعونة قوله في الارتماس : « وإن لم يدلك جسده » .

ويحتمل أن يراد به مجرد إيصال الماء من دون كثرة ، لكن لا بد من

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٤٢ / ٤٠٢ ، الوسائل ٢ : ٢٤٦ أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ١ .

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٢٩٤ .

(٣) التهذيب ١ : ١٣١ / ٣٦٣ ، الوسائل ٢ : ٢٣٠ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٦ .

(٤) كما في مدارك الأحكام ١ : ٣٠٢ .


صدق الغَسل عرفاً علىٰ ما قاله بعض (١) .

وصرّح جماعة بأنّه إنّما يتحقق بجريان الماء علىٰ البشرة ولو بمعاون (٢) ، وفي الأخبار ما يدل علىٰ الجريان .

وما تضمنه خبر زرارة ربما يرجح إرادة إمرار اليد ـ بدلالة (٣) معتبر الأخبار كما سيأتي في الترتيب ـ علىٰ الجريان ، إلّا أن يقال : إنّ الجريان ولو بمعاون ، كما صرّح به الجماعة ، لا ينافيه ما في خبر زرارة ، وحينئذ لا بعد في أن يقال : إنّ الأخبار متوافقة علىٰ اعتبار الجريان المذكور .

إلّا أنّه يمكن أنّ يدفع ، بأنّ ما يأتي من الأخبار الدالة علىٰ كيفية الغسل يدلّ علىٰ أنّه يصبّ علىٰ سائر الجسد مرّتين ، وهذا الحديث سنبينه علىٰ احتمال أن يراد بالمرّتين علىٰ اليمين واليسار ، كما هو المشهور في الترتيب ، ويحتمل أن يحمل علىٰ الصبّ مرّتين لجميع البدن ، وعلىٰ التقديرين فالجريان ولو بمعاون بعيد الحصول .

ولا يخفىٰ أنّ مثل هذا في الوضوء أيضاً يأتي ، إلّا أن يتكلف إرادة الغسل في الأغلب ، وفيه ما فيه ، ( ولعلّ ما قدمناه من العرف يسهل الخطب ، فتأمّل ) (٤) وقد نقل عن ابن الجنيد القول بإجزاء الدهن في الغسل (٥) .

وما تضمنه خبر زرارة (٦) من عدم الترتيب مطلقاً ، المخالف لما عليه الأخبار من تقديم الرأس ، وما عليه المتأخّرون من الترتيب بين الأعضاء‌

__________________

(١) انظر المدارك ١ : ٢٥٩ ، وجامع المقاصد ١ : ٢٦٢ .

(٢) منهم الشهيد في المسالك ١ : ٤١ ، وصاحب المدارك ١ : ٢٩١ .

(٣) في « رض » زيادة : بقية .

(٤) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٥) حكاه عنه في الذكرىٰ ٢ : ٢٤٣ .

(٦) المتقدم في ص ٢٣٣ .


أيضاً (١) ، يمكن أن يوجه بأنّه مطلق ، وغيره مقيّد .

وما عساه يقال : من أنّ مقام التعليم يأبىٰ تأخير البيان ـ كما ذكره شيخنا قدس‌سره في فوائد الكتاب وغيرها ـ يدفعه ما قدمناه .

فإن قلت : قوله في الحديث : « ثم تغسل جسدك » يدلّ علىٰ أنّ المراد به غير الرأس ، إذ الجسد علىٰ مقتضىٰ بعض الأخبار المعتبرة الآتية غير الرأس ، حيث قال فيها : « ثم أفض علىٰ رأسك وجسدك » .

قلت : الذي يأتي يدل علىٰ أنّ الرأس إذا ذكر مع الجسد لا يكون داخلاً فيه ، أمّا لو اُطلق ففي عدم تناوله تأمّل ، وفي القاموس : الجَسَد محرّكة : جسم الإنسان (٢) .

علىٰ أنّ الحديث إذا لم يدل علىٰ الرأس فهو أشكل ، كما لا يخفىٰ ، وبالجملة فإطلاقه قابل للتقييد .

وما تضمنه الخبر المبحوث عنه من قوله : « ثم تفرغ بيمينك علىٰ شمالك » إلىٰ آخره ، قد يدل علىٰ استحباب اختيار الشمال في غَسل الفرج ، ودلالته علىٰ إجزاء الارتماس ظاهرة ، لكنه خاص بالجنب ، وقد ألحق الأصحاب غير غسل الجنابة ، وسيأتي فيه القول إن شاء الله تعالىٰ .

قال :

باب وجوب الاستبراء من الجنابة بالبول قبل الغسل‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن

__________________

(١) منهم المحقق في المعتبر ١ : ١٨٢ ، والشهيد الأوّل في الذكرىٰ ٢ : ٢٤٥ ، وصاحب المدارك ١ : ٢٩٣ .

(٢) القاموس المحيط ١ : ٢٩٣ ( جسد ) .


الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن عبد الله بن مسكان ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل (١) أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي‌ء فقال : « يعيد الغسل » قلت : فالمرأة يخرج منها بعد الغسل ، قال : « لا تعيد » قلت : فما الفرق بينهما ؟ قال : « لأنّ ما يخرج من المرأة إنّما هو ماء الرجل » .

وأخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سئل عن الرجل ، يغتسل ثم يجد بللاً وقد كان بال قبل أن يغتسل ، قال : « إن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد الغسل » .

الحسين بن سعيد ، عن أخيه الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة ، قال : سألته عن الرجل يجنب ثم يغتسل قبل أن يبول فيجد بللاً بعد ما يغتسل ، قال : « يعيد الغسل ، فإن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله ولكن يتوضّأ ويستنجي » .

عنه ، عن حماد ، عن حريز ، عن محمد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شي‌ء ، قال : « يغتسل ويعيد الصلاة ، إلّا أن يكون بال (٢) قبل أن يغتسل ، فإنّه لا يعيد غسله » قال محمد : وقال أبو جعفر : « من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثم يجد بللاً فقد انتقض غسله ، وإن كان بال ثم اغتسل ثم وجد بللاً فليس ينقض غسله ولكن عليه الوضوء » .

__________________

(١) كذا في النسخ ، وفي الاستبصار ١ : ١١٨ / ٣٩٩ : رجل .

(٢) في الاستبصار ١ : ١١٩ / ٤٠٢ : قد بال .


عنه ، عن فضالة ، عن معاوية بن ميسرة ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ، يقول : في رجل رأىٰ بعد الغسل شيئاً ، قال : « إن كان بال بعد جماعه قبل الغسل فليتوضّأ ، وإن (١) لم يبل حتىٰ اغتسل ثم وجد البلل فليعد الغسل » .

السند‌ :

في الأوّل : ليس فيه ارتياب ، إلّا في رواية أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن عبد الله بن مسكان ، فإنّ في التهذيب والكافي : أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسىٰ ، عن عبد الله بن مسكان (٢) ؛ فالسند حينئذ ليس بصحيح ، لاحتمال السقوط هنا سهوا ، بل هو الظاهر .

وسليمان بن خالد وقد تقدم القول في حاله (٣) .

ونزيد هنا : أنّ سليمان ذكر النجاشي : أنّه خرج مع زيد فقطعت يده ومات في حياة أبي عبد الله عليه‌السلام ، فتوجّع لفقده (٤) .

وذكر في الخلاصة عن كتاب سعد : أنّ سليمان خرج مع زيد فأفلت فمنّ الله عليه وتاب ورجع (٥) .

وفي النجاشي أيضاً : إنّه كان فقيهاً وجها (٦) .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١١٩ / ٤٠٣ يوجد : كان .

(٢) الكافي ٣ : ٤٩ / ١ ، التهذيب ١ : ١٤٣ / ٤٠٤ ، الوسائل ٢ : ٢٠١ أبواب الجنابة ب ١٣ ذيل ح ١ .

(٣) راجع ج ١ : ٣٧٨ .

(٤) رجال النجاشي : ١٨٣ / ٤٨٤ .

(٥) خلاصة العلّامة : ٧٧ / ٢ .

(٦) رجال النجاشي : ١٨٣ / ٤٨٤ .


والشيخ رحمه‌الله ذكره في كتاب الرجال من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، وأنّه خرج مع زيد فقطعت إصبعه معه ، ولم يخرج من أصحاب أبي جعفر غيره (١) .

وقال جدّي قدس‌سره في فوائد الخلاصة : سليمان بن خالد لم يوثقه النجاشي ، ولا الشيخ ، ولكن روىٰ الكشي عن حمدويه : أنّه سأل أيوب بن نوح عنه ، أثقة هو ؟ فقال : كما يكون الثقة . فالأصل في توثيقه أيوب بن نوح وناهيك به (٢) . انتهىٰ .

والذي في الكشي ما قاله قدس‌سره غير أنّ الرواية لا يدرىٰ قبل التوبة أو بعدها ، إلّا أن يقال : إن خروجه غير معلوم بأيّ وجه . وفيه : أنّ قول سعد ظاهر في التوبة ، وتوثيق أيوب بن نوح وإن كان مطلقا ، إلّا أنّ قول النجاشي يقيّده فليتأمّل .

وأمّا الثاني : فحسن .

والثالث : موثق ، كما تقدم .

والرابع : صحيح ، كما بيناه .

والخامس : فيه معاوية بن ميسرة وليس بثقة في الرجال ، بل ولا فيها مدح له (٣) .

المتن :

في جميع الأخبار غير ظاهر الدلالة علىٰ الوجوب ، كما ادعاه الشيخ ،

__________________

(١) رجال الطوسي : ٢٠٧ / ٧٦ .

(٢) حواشي الشهيد الثاني علىٰ الخلاصة : ١٢ ( مخطوط ) .

(٣) كما في رجال النجاشي : ٤١٠ / ١٠٩٣ ، ورجال ابن داود : ١٩١ / ١٥٨٩ .


لأنّ غاية ما يستفاد منها عدم إعادة الغُسل مع البول لا وجوب البول .

وربما احتمل الاستدلال للوجوب بخبر أحمد بن محمد السابق نقله عن الشيخ في التهذيب ، حيث قال فيه : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن غسل الجنابة ، فقال : « تغسل يدك اليمنىٰ من المرفق (١) إلىٰ أصابعك ، وتبول إن قدرت علىٰ البول » (٢) فإنّ الجملة الخبرية بمعنىٰ الأمر في هذه المواضع .

وفيه : أنّ الظاهر جريان الجملتين علىٰ وَتيرة واحدة ، كما كرّرنا القول فيه ، ولمّا كان غَسل اليد مستحباً فالبول مثله .

وما عساه يقال : إنّ الغَسل إذا خرج بالإجماع لا يلزم خروج ما فيه الخلاف ، فجوابه : استبعاد اختلاف الجمل .

ولزوم الإشكال بوجوب بعض مقتضيات الخبر ، فلا يتم التوجيه . يمكن الجواب عنه : بأنّ العدول إلىٰ الأمر بقوله : « ثم اغسل ما أصابك منه ، وأفض الماء (٣) علىٰ رأسك » قرينة علىٰ استحباب ما قبله .

وقد يشكل : بأنّ تسليم كون الجملة الخبرية بمعنىٰ الأمر يقتضي أن لا فرق بين الأمر وما يقوم مقامه .

وما قاله بعض محقّقي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ في جواب الاعتراض بأنّ دلالة الجملة الخبرية في المقامات الطلبيّة علىٰ الوجوب ممّا لا ينبغي التوقف فيه : من أنّ قول علماء المعاني في العدول عن الطلبية إلىٰ الإخبارية لشدّة الاهتمام ليس منحصراً في ذلك ، بل له أسباب اُخر (٤) .

__________________

(١) في التهذيب ١ : ١٣١ / ٣٦٣ : المرفقين .

(٢) تقدّم في ص ٢٣٥ .

(٣) ليست في التهذيب .

(٤) الحبل المتين : ٤٠ .


لا يخلو من وجه ، غير أنّا لو سلّمنا إرادة الاهتمام بالنحو الذي ذكروه ، فالدلالة علىٰ الوجوب معارضة بما قدمناه ، وحينئذ يحمل علىٰ الطلب الاستحبابي للمعارض ، كما يقع بالأمر .

فإن قلت : الأمر يدل علىٰ الاستحباب ، فلا بد للعدول عنه من أمر زائد عنه .

قلت : يحتمل تأكد الاستحباب .

وما تضمنه الخبر المبحوث عنه من حكم المرأة لا يخلو من إجمال ، فإنّ حصر ما يخرج منها في ماء الرجل ( لا يوافقه الوجدان في بعض الأحيان ) (١) إلّا أن يقال : إن الحديث يراد منه حال الاشتباه ، ( وقوله عليه‌السلام إنّما هو حال الاشتباه ، وفيه ما فيه ، والإمام عليه‌السلام أعلم بالحال إن صح الخبر ) (٢) .

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « د » : واضح الإشكال .

(٢) بدل ما بين القوسين في « د » :

والوجه فيه : أنّ ظاهر السؤال عن الرجل المجنب والمرأة المجنبة بالاحتلام في كل منهما ، لقول السائل ، قلت : فما الفرق ، إلىٰ آخره ، فإنّ السؤال من الفرق بين المرأة والرجل إذا كانت جنابة الرجل بالاحتلام وجنابة المرأة بالجماع من دونه لا وجه [ له ] للظهور ، أمّا علىٰ تقدير الاتحاد في الجنابة فيمكن توجه الجواب بأن العلم بكون الماء من ماء المرأة مع تحقق ماء الرجل أيضا غير حاصل ، ومع الاشتباه لا يعاد الغسل ، لكن التعبير بقوله عليه‌السلام . إنّما هو إلىٰ آخره خفي المرام ، ولا يبعد أن يقال إن المرأة لا يخرج [ ماؤها ] إلا دفعة واحدة فالخارج بعد إنّما هو ماء الرجل فلا استبراء فلا إعادة للغسل . ويحتمل أن يستفاد من الخبر نفي الاستبراء ، وما يقتضيه كلام المفيد من الاستبراء علىٰ المرأة لم نقف علىٰ [ ما ] يفيده صريحا ، والشيخ [ استدل ] له في التهذيب بالخبر المبحوث عنه ونحوه خبر آخر ، وفي الظن إمكان أن يقال : إن ظاهر الخبر سقوط الاستبراء لكون الماء من ماء

=


وظاهر الخبر أيضاً أنّ خروج شي‌ء هو المقتضي للغُسل إذا لم يبل ، سواء تحقق كونه منياً ، أو علم عدمه ، أو اشتبه الحال ، وفي عبارات كثير من العلماء التعبير بالبلل المشتبه (١) .

والحديث الثاني : تضمن البلل ، والقول فيه كالأول .

وكذلك الثالث : إلّا أنّ ما تضمنه من أنّه لو بال لا يعيد غسله ولكن يتوضّأ ويستنجي ، يدل علىٰ نجاسة الخارج ، وربما يحصل التوقف في ذلك عند من لا يعمل بالموثق ، من حيث عدم معلومية كون الماء من النجاسات .

وفي كلام بعض المتأخرين : أنّ البلل المشتبه والمعلوم كونه ليس بولاً ولا غيره لا نزاع فيه ، كما لا نزاع في أنّه لو علم أنّه بول أو مني يجب الوضوء أو الغسل ، وأمّا إيجاب الغسل علىٰ تقدير الاشتباه بالمني ، فهو المذكور في أكثر الكتب ، وعليه يدل بعض الأخبار بالمفهوم ، والبعض بالتصريح ، ولكنه معارض ببعض الأخبار ، والأصل ينفيه ، وكذلك الأخبار التي دلت علىٰ أنّ اليقين لا ينقضه الشك ، وحصر الموجب في بعض الأخبار ، فحمل الأخبار علىٰ ما هو غالب الظن أنّه مني أولىٰ ، لترجيح الظاهر علىٰ الأصل ، مع احتمال الاستحباب ، سيما مع [ عدم ] الظن الغالب (٢) . انتهىٰ .

__________________

= الرجل ولو كان من ماء المرأة ففيها الاستبراء وحينئذ يدل علىٰ مطلوب الشيخ في الجملة بحيث يخرج كلامه عن الغرابة ، وقد يمكن الدخل فيه باحتمال ما قدمناه من أن المرأة لا تمني بعد والجواب لا بد فيه من مثل هذا إذ لولاه لم يطابق السؤال ، إلا أن يقال : إن السؤال عن المرأة في قول وعدم الإنزال منها ، وفيه ما فيه .

(١) منهم الشيخ البهائي في الحبل المتين : ٤٣ .

(٢) مجمع الفائدة ١ : ١٣٨ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .


وأنت تعلم أنّ الأخبار المعتبرة لا دلالة فيها علىٰ المشتبه ، والحمل عليه كما ذكره جماعة من المتأخّرين (١) ، محل بحث ، إلّا أن يقال : إنّ الأخبار متناولة للمشتبه والمحقَّق ، ولمّا خرج المحقَّق بقي المشتبه ، وفيه كلام من حيث ما قاله المذكور كلامه ، فإنّه متوجه لولا أنّ ظاهر الأخبار يفيد خلافه ، وبالجملة فالمقام لا يخلو من إشكال ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .

والخبر الرابع : كما ترىٰ ظاهره إعادة الصلاة الواقعة بين رؤية البلل والغسل ، إلّا أنّ جماعة من المتأخّرين قالوا بعدم إعادة الصلاة ، لأنّ هذا حدث جديد (٢) ، وحمل بعض الأصحاب الحديث علىٰ الاستحباب ، أو علىٰ من صلّىٰ بعد وجدان البلل (٣) ، وفيه : أنّه احتمال بعيد من الرواية ، والاستحباب لا بد له من موجب مع ظهور الرواية ، وكون البلل حدثا جديدا محل كلام .

ونقل ابن إدريس عن بعض الأصحاب القول بوجوب إعادتها (٤) . وفي الذكرىٰ : لعل مستنده الحديث المتقدم عن محمد ، ويمكن حمله علىٰ الاستحباب ـ إلىٰ أن قال ـ : وربما يخيل فساد الغسل الأوّل ، لأنّ المني باق بحاله في مخرجه لا في مقرّه ، كما قال بعض العامة ، وهو خيال ضعيف ، لأن المتعبد به هو الغسل ممّا خرج لا ممّا بقي ، ولهذا لو حبسه لم يجب الغسل إلّا بعد خروجه عندنا وعند أكثرهم (٥) . . . انتهىٰ .

__________________

(١) منهم المحقق في المعتبر ١ : ١٩٣ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ١٣٨ ، وصاحب المدارك ١ : ٣٠٤ .

(٢) منهم المحقق في المعتبر ١ : ١٩٣ ، والشهيد في الذكرىٰ ٢ : ٢٣٦ ، والشيخ البهائي في الحبل المتين : ٤٤ .

(٣) كالشهيد في الذكرىٰ ٢ : ٢٣٦ .

(٤) السرائر ١ : ١٢٣ .

(٥) الذكرىٰ ٢ : ٢٣٦ .


ولقائل أن يقول : إنّ الموجب إذا كان حدثاً جديداً موجباً للغسل لم يتحقق شريطة المني الموجب للغسل وقد قرّروا ذلك في الغسل ، إلّا أن يقال : إنّ الشرط في أوّل الخروج ، ولا يخفىٰ أنّ الأمر سهل ، ولعلّ التعلق بالرواية أولىٰ ، والمعارض غير واضح ، فليتأمّل .

فإن قلت : قوله في الرواية : قال محمد . هل هو متعلق بما سبق ؟ فيكون السند واحداً في الخبرين ، وهو صحيح ، أم هو مرسل ؟

قلت : الظاهر أنّ السند الأوّل لتمام الخبر (١) ، والاحتمال قائم ، ومحمد هو ابن مسلم علىٰ ما يظن ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .

ثم الحديث دلالته علىٰ وجوب الوضوء من مجرد البول يتناول الاستبراء وعدمه ، ولعلّه مقيد بما سبق من الأخبار الدالة علىٰ أنّ البلل بعد الاستبراء من البول لا يؤثّر شيئاً ، إلّا أن يقال : إنّ تلك الأخبار في غير المجنب ، وغير بعيد أن يكون إطلاق الاستبراء بعد البول يتناول الجنب ، وفي البين كلام يعرف بالنظر فيما سبق من الأخبار .

قال :

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن عبد الله ابن محمد الحجال (٢) ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن عبد الله بن هلال ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن الرجل يجامع أهله ، ثم يغتسل قبل أن يبول ، ثم يخرج منه شي‌ء بعد الغسل ، فقال : « لا شي‌ء عليه ، إنّ ذلك ممّا وضعه الله عنه » .

__________________

(١) في « فض » و « د » زيادة : الأخير .

(٢) كذا في النسخ والتهذيب ١ : ١٤٥ / ٤١١ ، وفي الاستبصار ١ : ١١٩ / ٤٠٤ : الحجاج .


عنه ، عن موسىٰ بن الحسن ، عن محمد بن عبد الحميد ، عن أبي جميلة المفضل بن صالح ، عن زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل أجنب ، ثم اغتسل قبل أن يبول ، ثم رأىٰ شيئاً ، قال : « لا يعيد الغسل ليس ذلك الذي رأىٰ شيئاً » .

فالوجه في هذين الخبرين أحد شيئين ، أحدهما : أن يكون الغاسل قد اجتهد في البول فلم يتأتّ له ، فحينئذ لم يلزمه إعادة الغسل ، والثاني : أن يكون ذلك مختصاً بمن فعل ذلك ناسياً .

والذي يدل علىٰ ذلك :

ما أخبرني (١) به الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيىٰ ، عن أبيه ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن علي بن السندي ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل تصيبه الجنابة فينسىٰ أن يبول حتىٰ يغتسل ، ثم يرىٰ بعد الغسل شيئا ، أيغتسل أيضاً ؟ قال : « لا قد ( تعصّرت ونزل ) (٢) من الحبائل » .

وأخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن محمد بن عيسىٰ ، عن أحمد بن هلال ، قال : سألته عن رجل اغتسل قبل أن يبول ، فكتب : « إنّ الغسل بعد البول ، إلّا أن يكون ناسياً فلا يعيد منه الغسل » .

فجاء هذا الخبر مفسِّراً للأحاديث كلّها بالوجه الذي ذكرناه من أنّه يختص ذلك بمن تركه ناسياً ؛ فأمّا ما يتضمن خبر سماعة ومحمد بن‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٢٠ / ٤٠٦ : ما أخبرنا .

(٢) في « فض » : تقصرت ، وفي « رض » : تعصّرت وانزلت .


مسلم ، من ذكر إعادة الوضوء ، فمحمول علىٰ الاستحباب ، ويجوز أن يكون المراد بما خرج بعد البول والغسل ما ينقض الوضوء [ فحينئذ يجب عليه الوضوء ولاجل ذلك قال عليه‌السلام ] (١) : « عليه الوضوء والاستنجاء » في حديث سماعة ، وذلك لا يكون إلّا فيما ينقض الوضوء .

السند‌ :

في الأول : عبد الله بن هلال ، وهو مجهول الحال .

والثاني : فيه أبو جميلة ، وحاله بالضعف لا يخفىٰ ، وتقدم أيضاً قول في بقية الرجال .

والثالث : فيه علي بن السندي ، وقد ذكرنا القول فيه (٢) .

وفي فوائد شيخنا ـ أيّده الله ـ علىٰ الكتاب : وإن كان هذا ـ يعني علي ابن السندي ـ هو علي بن إسماعيل علىٰ ما وصل إلينا من نسخ الكشي ، وقد وثّقه نصر بن الصباح ، فإنّ توثيقه لا يعتمد عليه ، علىٰ أنّ العلّامة نقله علي بن السري ، وهو يوجب نوع وهن ، كما لا يخفىٰ . انتهىٰ .

والرابع : فيه أحمد بن هلال ، والشيخ قد ضعفه (٣)

المتن :

في الخبر الأوّل : لو صحّ سنده أمكن حمله علىٰ سقوط الوجوب ،

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ هكذا : ولأجل قال ، والصواب ما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٢٠ / ٤٠٧ .

(٢) راجع ص ١٨٧ وج ١ : ٣٣٥ .

(٣) الفهرست : ٣٦ / ٩٧ .


وتحمل الأخبار الأولة علىٰ الاستحباب ، كما سلفت إليه إشارة من كلام البعض ، إلّا أنّ السند قد علمته ، ومع الأخبار السابقة الشهرة ، وإن كان فيها كلام ، غير أنّ الأمر سهل .

وقد يمكن أن يراد من الحديث أنّه لا شي‌ء عليه في عدم البول من الإثم ، وإن كان الغسل لا بد من إعادته ، إلّا أنّ ظاهر الخبر يأباه ، وأنّ الاحتمال واسع الباب .

وأما الثاني : فلا مجال للحمل فيه إلّا علىٰ ما تكلّفه الشيخ ، وفيه ما تعلمه ، أما الوجه الأوّل من وجهي الشيخ : فقد ذكر شيخنا قدس‌سره في فوائده علىٰ الكتاب أنّه لا دليل عليه .

وشيخنا ـ أيّده الله ـ يفهم من بعض فوائده إمكان التوجيه له ، بأنّ الاستبراء بالبول إذا وجب فمع العمد يخالف المأمور به ، ومع النسيان يعذر .

وهذا الوجه ذكره ـ أيّده الله ـ في مقام الردّ علىٰ شيخنا قدس‌سره حيث قال في بعض الفوائد : التوجيه الثاني من وجهي الشيخ بأنّ السؤال فيها وإن وقع عن حكم الناسي ، إلّا أنّ التعليل المستفاد من الجواب من قوله : « قد تعصّرت ونزل من الحبائل » يقتضي عدم الفرق بينه وبين غيره .

واعتراض شيخنا ـ أيّده الله ـ كما ترىٰ يقتضي الفرق ، وقد يقال : إنّه لا ينحصر في النسيان ، لأنّ عدم التكليف يتحقق في الجاهل أيضاً ، بناءً علىٰ عدم تكليفه . ولعلّ شيخنا ـ أيّده الله ـ أراد توجيه كلام الشيخ ، ولعلّ (١) الشيخ يقول بالتكليف في غير الناسي ، ومقام التوجيه واسع ، غير أنّه قد

__________________

(١) ليست في « د » .


يستفاد منه ما أشرنا إليه من توجيه الوجه الأول ، وهو عدم القدرة علىٰ البول ، فإنّه لا ريب أنّ وجوب البول فرع القدرة ، وكأنّ الشيخ ناظر في حمل الأخبار إلىٰ هذا في الوجه الأول ، فليتأمّل .

فإن قلت : علىٰ تقدير التقصير وعدم جواز الغسل تنتفي الإعادة مع عدم البول حال كونه غير ناس وغير متعذر منه ، وسواء وجد بللاً أم لا فما وجه ذكر الشيخ وجود البلل مع النسيان ؟

قلت : لما ذكرت وجه ، إلّا أنّ الشيخ مشىٰ مع الأخبار ، فلا يبعد وقوفه علىٰ مضمونها ، من أنّ الإعادة مع وجود البلل ، غير أن مقتضىٰ قوله بوجوب البول ، لزوم الإعادة من دونه مطلقاً ، والله أعلم بالحال .

ويبقىٰ الكلام هنا أنّ شيخنا ـ أيّده الله ـ قال في أول الفائدة : الوجه الأوّل لا دليل عليه ، كما قال شيخنا قدس‌سره فربما ينكر علينا في أنّا استخرجنا من كلامه توجيهاً يصلح دليلاً له ، والحال أنّه نفاه ، ولعلّ مراده لا دليل عليه من الأخبار والاعتبارات الصالحة ، وإن كان ما قلناه لا يخلو من وجه .

ونقل في توجيهه : أنّه إذا اجتهد واخترط ولم يتأتّ له البول كان الظاهر عدم بقاء شي‌ء في المجرىٰ ، كما في البول ، وأنّ التكليف بأكثر من ذلك كالحرج ، وأنّ القائل بخلافه غير ظاهر ، وأنت خبير بما في الوجوه من التكلّف .

وما تضمنه خبر جميل من قوله : « قد تعصرت » إلىٰ آخره ، لم أفهم معناه ، ولا قول شيخنا قدس‌سره إنّه متناول للناسي وغيره (١) ، فإن كان المراد أنّ نزول المني إلىٰ الخارج يقتضي عدم بقاء شي‌ء منه ، فالكلام لا يساعد

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٣٠٦ .


عليه ، وإن كان المراد أنّ السائل نسي البول ، ولكنه استبرأ ، فهو خلاف ظاهر الرواية ، فلا ينبغي الغفلة عن ذلك .

وما قد يقال : من أنّ الرواية إنّما تضمنت حكم النسيان من كلام السائل فلا اعتبار فيه . يمكن توجيهه بأنّ ظاهر إقرار الإمام عليه‌السلام يفيد المطلوب ، وفيه ما فيه .

وبالجملة : فالأخبار مع اختلال (١) الأسانيد غير تامّة المعاني ، والأخبار المعتبرة قد سمعت القول فيها .

وينبغي أن يعلم أنّ في البين اُموراً :

الأول : صريح كلام الشيخ هنا وفي التهذيب القول بالنسيان (٢) ، وبين المتأخّرين ليس هذا مذكوراً في الأقسام ، ولا أدري الوجه فيه .

الثاني : المعروف بين الأصحاب ونقل ابن إدريس فيه الإجماع علىٰ ما حكي (٣) عنه ، أنّ من ترك البول والاستبراء يعيد الغسل ، والأخبار الدالّة علىٰ ذلك قد سمعتها .

وفي الفقيه ـ بعد أن أورد الخبر المتضمن لإعادة الغسل ـ قال : وروي في حديث آخر : « إن كان قد رأىٰ بللاً ولم يكن بال فليتوضّأ ولا يغتسل » قال مصنف الكتاب : إعادة الغسل أصل ، والخبر الثاني رخصة (٤) .

واستعمال الصدوق للرخصة في كتابه كثير ، أمّا معناها فلا يخلو من إجمال ، كما نبّهنا عليه في حاشيته ، وإرادة المعنىٰ الاُصولي بعيدة من

__________________

(١) في « رض » : اختلاف .

(٢) التهذيب ١ : ١٤٥ .

(٣) السرائر ١ : ١٢٢ ، وحكاه عنه في الذكرىٰ ٢ : ٢٣٤ .

(٤) الفقيه ١ : ٤٧ / ١٨٧ ، الوسائل ٢ : ٢٥٠ أبواب الجنابة ب ٣٦ ح ١ ، ٢ .


كلامه ، علىٰ أنّ الخبر الثاني لا يخفىٰ حاله .

الثالث : في كلام المحقق في بعض كتبه ما يعطي عدم إعادة الغسل لو حصل أحد الأمرين ، من البول أو الاستبراء ، سواء كان البول ممكناً أم لا (١) . وقد يستبعد ذلك مع إطلاق الأخبار ، ويقربه النظر فيما أسلفناه بعين الاعتبار .

الرابع : ما قاله الشيخ أخيراً : من أنّ خبر محمد بن مسلم الدال علىٰ إعادة الوضوء محمول علىٰ الاستحباب . يدل علىٰ أنّه فهم من الرواية حصول البول والاستبراء ، وقد علمت أنّ خبر سماعة تضمن الاستنجاء ، فلا يتم ما فهمه الشيخ إلّا بتكلّف .

نعم : رواية محمد ربما كان ظاهرها ما قاله الشيخ أخيراً في الحمل علىٰ خروج ما ينقض الوضوء ، ولعلّ مراده به عدم الاستبراء ، فإنّ ذلك يوجب نقض ما خرج للوضوء ، إلّا أنّ عبارة الشيخ لا تخلو من حزازة ، وربما ظهر منها أنّ مفاد الروايات مع الاشتباه ، وقد سبق منا نوع كلام لا ينبغي الغفلة عنه .

ولشيخنا قدس‌سره هنا كلام في المدارك ، ذكرنا ما فيه في موضع آخر ، وحاصله : أنّه اعتمد في وجوب الوضوء إذا حصل البول من دون الاستبراء ثم وجد البلل علىٰ صحيح محمد المذكور هنا ، ومفهوم حسنة حفص بن البختري : في الرجل يبول : « ينتره ثلاثاً ، ثم إن [ سال ] (٢) حتىٰ يبلغ الساق فلا يبالي » (٣) .

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٩٤ .

(٢) في النسخ : بال ، وما أثبتناه من المدارك ١ : ٣٠٦ .

(٣) التهذيب ١ : ٢٧ / ٧٠ ، الوسائل ١ : ٢٨٣ أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ ح ٣ .


ثم قال : قدس‌سره ولا ينافي ذلك ما رواه عبد الله بن [ أبي ] يعفور في الصحيح ، أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل بال ثم توضّأ وقام إلىٰ الصلاة فوجد بللاً ، قال : « لا شي‌ء عليه ولا يتوضّأ » (١) لأنّ هذه الرواية مطلقة وأخبارنا (٢) مفصلة ، والمفصل يحكّم علىٰ المطلق (٣) . انتهىٰ .

وأنت خبير بأنّ الإطلاق والتقييد ليس علىٰ الإطلاق ، والتناول للبول بعد الجنابة محل كلام ، ورواية محمد غير صريحة ، فليتأمّل .

قال :

باب مقدار الماء الذي يجزئ في غسل الجنابة والوضوء‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الوضوء ، فقال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتوضّأ بمُدٍّ ويغتسل بصاع » .

وبهذا الإسناد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتوضّأ بمُدّ ويغتسل بصاع ، والمُدّ رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال » .

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيىٰ ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن علي بن محمد ، عن سليمان بن حفص المروزي ، وأخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٨ / ١٤٧ ، الوسائل ١ : ٢٨٢ أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ ح ١ .

(٢) في المدارك : والرواية السابقة .

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٣٠٦ .


محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن موسىٰ بن عمر ، عن سليمان بن حفص المروزي قال : قال أبو الحسن عليه‌السلام « الغسل بصاع من ماء ، والوضوء بمدٍّ من ماء ، وصاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة أمداد ، والمد مائتان وثمانون درهما ، والدرهم ستة دوانيق ، والدانق وزن ستّ حبّات ، والحبّة وزن حبّتي شعير من أوساط الحب ، لا من صغاره ولا من كباره » .

وبهذا الاسناد ، عن محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن أبي جعفر عن أبيه ، عن زرعة ، عن سماعة ، قال : سألته عن الذي يجزئ من الماء للغسل فقال : « اغتسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بصاع وتوضّأ من مدٍّ (١) ، وكان الصاع علىٰ عهده خمسة أمداد ، وكان المدّ قدر رطل وثلاث أواق » .

قوله عليه‌السلام في هذا الخبر : « الصاع خمسة أمداد » وتفسير المدّ برطل وثلاث أواق مطابق للخبر الذي رواه زرارة ، لأنّه فسّر المدّ برطل ونصف ، فالصاع يكون ستة أرطال ، وذلك مطابق لهذا المقدار (٢) ، فأمّا تفسير سليمان المروزي المدّ بمأتين وثمانين درهماً فمطابق للخبرين ، لأنّه يكون مقداره ستة أرطال بالمدني ، ويكون قوله عليه‌السلام : « خمسة أمداد » وهماً من الراوي ، لأنّ المشهور من هذه الرواية أربعة أمداد ، ويجوز أن يكون ذلك إخباراً عما كان يفعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا شارك في الاغتسال بعض أزواجه ، يدل علىٰ ذلك :

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٢١ / ٤١١ : بمد .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٢١ / ٤١١ القدر .


ما رواه محمد (١) بن يحيىٰ ، عن محمد بن الحسين (٢) ، عن صفوان ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن وقت (٣) غسل الجنابة كم يجزئ من الماء ؟ قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يغتسل بخمسة أمداد بينه وبين صاحبته ، ويغتسلان جميعاً من إناء واحد » .

الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن معاوية بن عمار ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يغتسل بصاع ، وإذا كان معه بعض نسائه يغتسل بصاع ومدّ » .

السند :

في الأول : فيه ابن سنان ، وهو محمد علىٰ الظاهر ، كما قدمنا القول فيه (٤) ، وأبو بصير تكرّر أيضاً (٥) .

والثاني : لا ارتياب فيه .

والثالث : علي بن محمد الواقع فيه لا يخلو من اشتباه ، وفي التهذيب رواية علي بن محمد عن رجل (٦) ، وأمّا سليمان بن حفص فهو مجهول الحال ، وموسىٰ بن عمر لا يبعد أن يكون ابن بزيع الثقة ، إلّا أن باب الاحتمال فيه متّسع ، وتحقيق الحال فيه هنا خال عن الفائدة .

__________________

(١) في نسخة من الاستبصار ١ : ١٢٢ / ٤١٢ زيادة : بن أحمد .

(٢) في « رض » : الحسن .

(٣) يقال لكلّ شي‌ء محدود : موقّت ، مجمع البحرين ٢ : ٢٢٨ ( وقت ) .

(٤) راجع ج ١ : ١٢١ .

(٥) راجع ص ١٠١ ـ ١٠٤ وج ١ : ٧٣ ، ٨٤ .

(٦) التهذيب ١ : ١٣٦ / ٣٧٤ .


والرابع : فيه محمد بن عيسىٰ الأشعري المعبّر عنه بقوله : عن أبيه ، لأن أبا جعفر هو أحمد ( بن محمد ) (١) بن عيسىٰ ، وعلىٰ ما يظهر من الرجال أنّ محمّداً لا يزيد على (٢) أنّ له شأناً في الجملة (٣) ، أمّا كونه ثقة فلا ، وتصحيح العلّامة بعض الطرق الذي هو فيها (٤) محل كلام كررنا فيه القول ، وعلىٰ ظاهر قواعدهم عدّ الحديث من الموثق .

وأما الخامس : فواضح الطريق .

والسادس : كذلك علىٰ ما قدمنا فيه القول بالنسبة إلىٰ محمد بن أبي حمزة (٥) .

المتن :

في الأول : ظاهر ، وربما دل لفظ كان علىٰ المداومة ، كما صرّح به ابن الأثير في إحكام الأحكام ، حيث قال بعد رواية مثل هذا : عندهم يقال : كان يفعل كذا ، إذا تكرر منه فعله وكان عادته ، وقد يستعمل لإفادة مجرد الفعل ووقوعه من دون الدلالة علىٰ التكرار ، والأوّل أكثر في الاستعمال . انتهىٰ .

والخبر الثاني : كالأوّل ، وذكر بعض محقّقي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ أنّ في كلام بعض العامة أنّ معنىٰ الحديث أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتوضّأ بمدّ من ذلك الصاع ، فيكون اغتساله بثلاثة أمداد ، وفساده ظاهر (٦) ، انتهىٰ . والمذكور في

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٢) في « فض » زيادة : إهمال .

(٣) رجال النجاشي : ٣٣٨ / ٩٠٥ .

(٤) المختلف ١ : ٢٦٢ .

(٥) راجع ج ١ : ١٤٦ .

(٦) الحبل المتين : ٤٤ .


كلام من رأينا كلامه من الأصحاب ، استحباب أن يكون الوضوء بمدّ والغسل بصاع (١) .

وما تضمنه حديث زرارة من أنّ الصاع أربعة أمداد وأنّ المدّ رطل ونصف ، فيكون الصاع ستة أرطال بالمدني ، علىٰ ما قاله الشيخ رحمه‌الله في غير هذا الكتاب ، وسيأتي ما لا بدّ منه في الفطرة إن شاء الله .

وأمّا خبر المروزي ، فلا يخفىٰ منافاته لما تقدم من الأخبار وللمشهور بين من رأينا كلامه ، من كون الدانق ست حبّات ، (٢) إلىٰ آخره ، إذ المنقول أنّه ثماني حبات (٣) ، وفي المنتهىٰ في بحث الفطرة : الصاع أربعة أمداد ، والمدّ رطلان وربع بالعراقي ، وهو مائتان واثنان وتسعون (٤) درهماً ونصف ، والدرهم ستة دوانيق ، والدانق ثماني (٥) حبات من أوسط حبات الشعير ، يكون مقدار الصاع تسعة أرطال بالعراقي ، وستة بالمدني ، ذهب إليه علماؤنا أجمع (٦) (٧) .

وما قاله الشيخ في التوجيه واضح في عدم التمامية ، وفي فوائد شيخنا قدس‌سره علىٰ الكتاب علىٰ قوله : وتفسير المدّ برطل وثلاثة أواق مطابق للخبر . . . فيه نظر ، فإنّ المدّ إذا كان رطلاً وثلاث أواق تكون الخمسة أمداد خمسة أرطال وخمسة عشر أوقية ، وذلك لا يطابق التقدير

__________________

(١) المنتهىٰ ١ : ٨٦ ، المدارك ١ : ٣٠٢ .

(٢) بيان لحاصل خبر المروزي .

(٣) كما في السرائر ١ : ٤٦٩ .

(٤) في المنتهىٰ : وسبعون .

(٥) في المنتهىٰ : ثمانون .

(٦) ليست في المنتهىٰ .

(٧) المنتهىٰ ١ : ٥٣٧ .


بستة أرطال ، إلّا إذا كانت الخمسة عشر أوقية رطلاً ، وهو بعيد . انتهىٰ .

وأنت خبير بأنّ الخمسة عشر أوقية إذا كانت رطلاً ، فإمّا أن تكون الأرطال كلها كذلك ، أو بعضها خمسة عشر ، والباقي اثنىٰ عشر أوقية ، فإن كان الأول : احتمل جمع ما قاله الشيخ ، وإن كان الثاني : فلا معنىٰ لاختلاف الرطل ، ولا يبعد أن يكون مراد الشيخ أنّ الثلاث الأواق الزائدة لا تضر بحال المطلوب إرادته من الستة الأرطال ، إذ هي يسيرة ، وغير هذا لا يمكن إرادته كما لا يخفىٰ .

نعم : يتوجه علىٰ الشيخ ما في الرواية من الإشكالات غير هذا ، كما أشرنا إلىٰ بعضها ، ومنها تفسير المدّ في خبر زرارة برطل ونصف ، وهنا مفسّر برطل وثلاث أواق ، وما قاله الشيخ : من أنّ تفسير سليمان المدّ بمأتين وثمانين ، إلىٰ آخره ، قد اعترض عليه شيخنا قدس‌سره بأنّ المطابقة غير متحققة ، فإنّ المدّ إذا كان وزن مائتين وثمانين درهماً ، تكون الأربعة أمداد ألفاً ومائة وعشرين ، وذلك ينقص عن وزن ستة أرطال المدينة بخمسين درهماً . والأمر كما قاله ، ويزيد أنّ ما قاله الشيخ : إنّ لفظ خمسة أمداد وقعت وهماً من الراوي . يضر بحال ما تقدم من الشيخ ، كما يعرف بأيسر نظر .

وبالجملة : فالكلام في الرواية لا يخلو من اختلال ، والشيخ قد مشىٰ علىٰ مسلك الراوي ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .

وأمّا الاحتمال الأخير الذي ذكره الشيخ ففي غاية البعد ، إلّا أنّه قابل للتوجيه ، والخبران المستدل بهما لا يدلّان علىٰ أن المدّ لها ، والصاع له صلى‌الله‌عليه‌وآله .

نعم روىٰ الشيخ في زيادات الصلاة من التهذيب ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير ،


عن أبي جعفر وأبي عبد الله ، أنّهما قالا : « توضّأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمدّ (١) واغتسل بصاع » ثم قال : « اغتسل هو وزوجته بخمسة أمداد من إناء واحد » قال زرارة : فقلت : كيف صنع ؟ قال : « بدأ هو فضرب بيده في الماء قبلها وأنقىٰ فرجه ، ثم ضربت فأنقت فرجها ، ثم أفاض هو وأفاضت هي علىٰ نفسها حتىٰ فرغا ، وكان الذي اغتسل به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة أمداد ، والذي اغتسلت به مدّين ، وإنّما أجزأ عنهما لأنّهما اشتركا جميعاً ، ومن انفرد بالغسل وحده فلا بد له من صاع » (٢) .

وهذه الرواية لولا أنّي أشم منها رائحة التقية من حيث ذكر الوضوء أوّلا وذكر غير ذلك أيضاً ، لكانت دالّة علىٰ أنّ مع المشاركة يزول استحباب الصاع .

ثم فيها دلالة علىٰ اُمور اُخر ، منها : جواز المستعمل من الغير في الغسل في الجملة ، فينفىٰ به بعض أقوال الأصحاب .

ومنها : حصول إنقاء الفرج بشي‌ء من الماء ، بل قد يستفاد منها الاكتفاء في غسل المني مرّة واحدة .

وما قاله في المنتهىٰ من أنّ التقدير لم يحصل بعد الاغتسال بل قبله ، وذلك يستلزم إدخال ما غسل الفرجين في المقدار (٣) . لا يخلو من غرابة ، فإنّ ظاهر النص سقوط المقدار بالاجتماع ، اللهم إلّا أن يريد (٤) مطلق المقدار من الصاع وغيره ، وفيه : أنّ الخبر ظاهر في خلاف ما قاله .

__________________

(١) ليست في النسخ ، أثبتناه من التهذيب ١ : ٣٧٠ / ١١٣٠ .

(٢) التهذيب ١ : ٣٧٠ / ١١٣٠ ، الوسائل ٢ : ٢٤٣ أبواب الجنابة ب ٣٢ ح ٥ ، بتفاوت يسير .

(٣) المنتهىٰ ١ : ٨٦ .

(٤) في « رض » : يريدوا .


ثم إنّ الرطل العراقي علىٰ ما قاله العلّامة في المنتهىٰ في الزكاة : إنّه مائة وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم ، إنّه تسعون (١) مثقالاً ، والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم (٢) .

ونقل غيره أنّ الرطل مائة وثلاثون درهماً (٣) .

والرطل المدني : قيل إنّه رطل ونصف عراقي (٤) . وسيجي‌ء ذكر ما لا بد منه إن شاء الله في محله ، وبالجملة فللكلام في المقام مجال واسع ، ولعلّ في هذا القدر كفاية إن شاء الله تعالىٰ .

قال :

فأمّا ما رواه محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن الحسن بن موسىٰ الخشاب ، عن غياث بن كلوب ، عن إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام « إنّ علياً عليه‌السلام كان يقول : الغسل من الجنابة والوضوء يجزئ منه ما أجزأ من الدهن الذي يبلّ الجسد » .

عنه ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب والحسن بن موسىٰ الخشاب ، عن يزيد بن إسحاق (٥) ، عن هارون بن حمزة الغنوي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يجزيك من الغسل والاستنجاء ما بللت يدك » .

وما يجري مجراها (٦) من الأخبار : فإنّها محمولة علىٰ الإجزاء‌

__________________

(١) في المنتهىٰ : سبعون .

(٢) المنتهىٰ ١ : ٤٩٧ .

(٣) نقله في المعتبر ١ : ٤٧ .

(٤) كما في الحبل المتين : ١٠٧ .

(٥) في الاستبصار ١ : ١٢٢ / ٤١٥ زيادة : عن إسحاق .

(٦) في الاستبصار ١ : ١٢٢ / ٤١٥ : مجراهما .


والأوّلة علىٰ الفضل ، إلّا أنّ مع ذلك فلا بد أن يجري الماء علىٰ الأعضاء ليكون غاسلاً وإن كان قليلاً مثل الدهن ، فإنّه متىٰ لم يجر لم يسمّ غاسلاً ، ولا يكون ذلك مجزئاً .

والذي يدل علىٰ ذلك :

ما رواه علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قال : « الجنب ما جرىٰ (١) عليه الماء من جسده قليله وكثيره فقد أجزأه » .

الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن جميل ، عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في الوضوء ، قال : « إذا مسّ جلدك الماء فحسبك » .

عنه ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن محمد الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أسبغ الوضوء إن وجدت ماءً ، وإلّا فإنّه يكفيك اليسير » .

السند :

في الأوّل : غياث بن كلوب ، ولم يذكر أصحاب الرجال مدحه فضلاً عن كونه ثقة .

والثاني : فيه يزيد بن إسحاق ، ولم أفهم من كتب الرجال مدحه ، فضلاً عن الثقة ، إلّا أنّ جدي قدس‌سره في شرح الدراية يفهم منه توثيقه (٢) ، وكأنّه أخذه من تصحيح العلّامة طريق الصدوق إلىٰ هارون بن حمزة (٣) ، وهو فيه ، ولا يخفىٰ عليك حقيقة الحال ، وأمّا هارون بن حمزة فهو ثقة .

__________________

(١) في « رض » : ما أجرىٰ .

(٢) شرح الدراية : ١٣١ .

(٣) خلاصة العلّامة : ٢٧٩ .


والثالث : لا يخفىٰ حسنه .

والرابع والخامس : لا ارتياب في صحتهما علىٰ ما قدّمناه .

المتن :

في الأولين ما قاله الشيخ لا يخلو من وجه ، غير أنّ ما ذكره من اعتبار الجريان يريد به ولو بمعاون ، كما ذكره المتأخرين (١) ، وقد قدّمنا فيه القول ، وإن أمكن المناقشة في قول الشيخ : إنّه لو لم يجر لم يسمّ غاسلاً .

وما استدل به رحمه‌الله من الخبرين لا يخلو من تأمّل ، أمّا الأوّل : فلأنّ دلالته من حيث المفهوم ، وبتقدير تماميته ظاهر ، ومنطوق الثاني خلافه ، إلّا أن يقال : إنّ الثاني مجمل والأوّل مبيّن ، فيحمل عليه . وفيه ما فيه ، وأما الثاني : فغير خفيّ دلالته علىٰ خلاف مطلوب الشيخ .

وبالجملة : فيما قدمناه كفاية بالنسبة إلىٰ ما هو المقصود هنا ، نعم ينبغي أن يعلم أنّ الشيخ رحمه‌الله أجمل المقام ، فإنّ الأخبار الأوّلة الدالة علىٰ الصاع للغسل لا ريب أنّها للاستحباب ، وهذه الأخبار منها ما هو دالّ علىٰ إجزاء ما يبلّ الجسد ، وهذا لا ريب أنّه لا يعارض الاستحباب ، وما دل منها علىٰ اعتبار الجريان ، ( ينبغي أن يذكر في مقام المعارضة لما دل علىٰ إجزاء مثل الدهن ، ثم يحمل علىٰ الجريان ) (٢) ولو بمعاون ، أو بيّن أنّ الدهن مبالغة ، والحال في كلام الشيخ ما ترىٰ .

ثم إنّ الأخبار المذكورة فيها إطلاق وفيها تقييد بالنسبة إلىٰ الغسل ، لكنّ الأصحاب لم يذكروا الفرق بين الأغسال علىٰ ما رأيت .

__________________

(١) منهم الشهيد في المسالك ١ : ٤١ ، وصاحب المدارك ١ : ٢٩١ .

(٢) ما بين القوسين ساقط من « رض » .


قال :

باب وجوب الترتيب في غسل الجنابة‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن أحمد بن محمد ، قال : سألت أبا الحسن (١) عليه‌السلام عن غسل الجنابة فقال : « تغسل يدك اليمنىٰ من المرفق إلىٰ أصابعك ، وتبول إن قدرت علىٰ البول ، ثم تدخل يدك في الإناء ، ثم اغسل ما أصابك منه ، ثم أفض علىٰ رأسك وجسدك ، ولا وضوء فيه » .

وبهذا الإسناد ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان وفضالة ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن غسل الجنابة فقال : « تبدأ بكفيك ، ثم تغسل فرجك ، ثم تصبّ علىٰ رأسك ثلاثاً ، ثم تصبّ علىٰ سائر جسدك مرّتين ، فما يجري (٢) عليه الماء فقد طهر » .

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيىٰ ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن علي بن إسماعيل ، عن حماد ( بن عيسىٰ ) (٣) ، عن حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من اغتسل من جنابة ولم يغسل رأسه ، ثم بدا له أن يغسل رأسه لم يجد بدّاً من إعادة الغسل » .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٢٣ / ٤١٩ زيادة : الرضا .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٢٣ / ٤٢٠ : جرىٰ .

(٣) ليس في « رض » .


السند‌ :

في الأوّل والثاني : لا ارتياب فيه ، وأحمد بن محمد في الأوّل ـ الراوي عنه الحسين ـ هو ابن أبي نصر .

والثالث : فيه علي بن إسماعيل وقد كرّرنا القول في شأنه (١) .

المتن :

في الأخبار الثلاثة لا يدل علىٰ الترتيب المذكور في كلام المتأخّرين ، من الترتيب بين الجانبين أيضاً (٢) ، وفي فوائد شيخنا ـ أيّده الله ـ علىٰ الكتاب : بل مقتضىٰ صحيحتي أحمد بن محمد ومحمد بن مسلم ، عدم وجوب ذلك ، فإنّه لو كان واجباً لذكر في جواب السؤال ، وفي معناهما روايات ، منها : صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وصحيحة يعقوب ابن يقطين ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، وهو ظاهر اختيار الصدوقين وابن الجنيد ، تمسكاً بمقتضىٰ الأخبار الصحيحة المطابقة لمقتضىٰ الأصل وظاهر القرآن .

نعم في حسنة زرارة ، قال : قلت : كيف يغتسل الرجل (٣) الجنب ؟ فقال : « إن لم يكن أصاب كفّه شي‌ء (٤) غمسها في الماء ، ثم بدأ بفرجه‌

__________________

(١) في ص ١٨٤ ، ١٨٧ .

(٢) منهم المحقق في المعتبر ١ : ١٨٢ ، والعلّامة في المنتهىٰ ١ : ٨٣ ، والشهيد الأوّل في الدروس ١ : ٩٦ .

(٣) ليست في « رض » و « د » .

(٤) في التهذيب ١ : ١٣٣ / ٣٦٨ : مَنيّ .


فأنقاه بثلاث غرف ، ثم صبّ علىٰ رأسه ثلاث أكفّ ، ثم صبّ علىٰ منكبه الأيمن مرّتين ، وعلىٰ منكبه الأيسر مرّتين ، فما جرىٰ عليه الماء فقد أجزأه » (١) وقوله : « ثم صبّ علىٰ منكبه الأيمن » يشعر بتقديمه ، لكن لا يعارض بمثله الأخبار المتقدمة ، وأين هذا من الترتيب المشهور ، والرجحان المطلق ممّا لا نزاع فيه ، فيمكن الجمع بالاستحباب والأولوّية . انتهىٰ كلامه أيّده الله .

وما قاله متوجه ، غير أنّ ما ذكره : من أنّ الترتيب لو كان واجباً لذكر في جواب السؤال . يشكل ، بأنّ هذا بعينه وارد في صحيح أحمد بن محمد ، فإنّ قوله « ثم أفض علىٰ رأسك وجسدك » لا يفيد الترتيب بين الرأس والبدن ، والحال أنّه لا قائل به ، ولو سلّم إرادته من حيث إنّ الظاهر من قوله : « ثم أفض علىٰ رأسك » البدأة به ، أشكل في صحيح زرارة الذي ذكره ، فإنّ فيه بعد ذكر المضمضة والاستنشاق « ثم تغسل جسدك من لدن قرنك إلىٰ قدميك » فما هو الجواب عن هذا فهو الجواب عن الجانب الآخر .

فإن قيل : الجواب عمّا ذكرت هو الإجماع مع الأخبار .

قلت : الإجماع مدعىٰ أيضاً من الجانب الآخر ، وخلاف معلوم النسب لا يضر بالحال ، ودلالة خبر زرارة الذي نقل أيضاً مساعد .

فإن قيل : ناقل الإجماع علىٰ الترتيب المشهور هو الشيخ ، والإجماع المنقول بخبر الواحد محل كلام .

قلنا : لا ارتياب عند الأصحاب في قبول الإجماع المنقول بخبر الواحد .

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣ / ٣ ، التهذيب ١ : ١٣٣ / ٣٦٨ ، الوسائل ٢ : ٢٢٩ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٢ .


وهذا الكلام إنّما أوردناه لبيان حقيقة الحال ودفع ما عساه يقال ، والحق في المقام : أنّ نقل الإجماع بخبر الواحد لا يخرج عن كونه خبراً ، بل هو قريب من المرسل ، غاية الأمر أنّا لو سلّمنا أنّه مسند فهو حجّة كحجّية (١) الخبر ، فدليل العمل بخبر الواحد دليله ، وإن أمكن الفرق بأنّ العادة قاضية بامتناع تحقيق (٢) الإجماع في زمن مدعية ، إلّا أنّ إنكار ذلك إذا وقع من العدل مشكل (٣) .

ثم إنّ الإجماع المنقول إذا رجع إلىٰ الخبر كان مع المعارض حكمه حكم الخبر في الترجيح بالضبط ونحوه ، ولا ريب أنّ ناقل الإجماع إذا علم منه مخالفة نفسه أشكل الحكم بضبطه ، إلّا أن يقال : إنّ مخالفة نفسه قرينة علىٰ إرادته غير معنىٰ الإجماع منه ، وفيه : أنّ هذا يضر بالحال أيضاً ، لأنه نوع من التدليس ، كيف ومن لم يطلع علىٰ خلاف (٤) نفسه ينسىٰ علىٰ [ الظاهر ] (٥) نقل الإجماع ، ووجوب التتبّع ليصير من قبيل العام المخصوص لا وجه له ، إلّا أن يقال : إنّه إذا علم الخلاف يبين إرادة غير المعنىٰ الحقيقي ، وبدونه فلا ، وأنت خبير بما في هذا من التكلف ، وعدم المناسبة لصون الأحكام الشرعية عن التخليط .

وإذا عرفت هذا كلّه فاعلم أنّ الحال إذا رجع إلىٰ التعارض والترجيح ، فالإحالة علىٰ الفكر في حقائق الاُمور أولىٰ .

__________________

(١) في « رض » : لحجيّة .

(٢) في « رض » : تحقق .

(٣) في « رض » و « فض » زيادة : وعدم الموافق علىٰ هذا إلّا من قلّ غير أن الضرورة غير داعية إلىٰ نفيه لانتفاء الثمرة ، كما ستعلمه .

(٤) في « فض » : خلافه .

(٥) في النسخ : ظاهر ، والأنسب ما أثبتناه .


ثم إنّ الأخبار المعتبرة لا ينكر إفادتها ما قاله شيخنا ـ أيّده الله ـ (١) وكذلك (٢) كان الوالد قدس‌سره يقول . وشيخنا قدس‌سره صرّح به في فوائد الكتاب ، إلّا أنّ القول بأنّه لو وجب الترتيب بين الجانبين لذكر في جواب السؤال ، مع الإجمال الواقع في بعضها لا يخلو من إشكال ، وقد قدّمنا ما يصلح للجواب عن ذلك في مواضع .

والحاصل : أنّ كل مطلق ومقيد لا يخرج عن هذا ، ولولا التسديد الذي قدمناه ما صح حمل مطلق علىٰ مقيد .

وما تضمنه الخبر الأوّل من قوله : « تغسل يدك » ودلالة الثاني علىٰ غَسل الكفّين قد قدّمنا القول فيه ، كما ذكرنا حكم البول المذكور في الأول .

وما تضمنه الخبر الثاني من الصب علىٰ الرأس ثلاثاً يحتمل أن يراد به الغسل ثلاثاً ، ويحتمل الصب ثلاثا والغَسل مرّة ، ودلالة الخبر الثالث علىٰ وجوب تقديم الرأس ظاهرة .

اللغة :

قال ابن الأثير : إفاضة الماء علىٰ الشي‌ء إفراغه عليه ، يقال : فاض الماء إذا جرىٰ ، وفاض الدمع إذا سال . وقال ابن الأثير في إحكام الأحكام : الأصل في « سائر » أن يستعمل بمعنىٰ البقية ، وقالوا : هو مأخوذ من السور ، قال الشنفري :

إذا احتملوا رأسي وفي الرأس أكثري

وغودر عند الملتقىٰ ثم سائري (٣)

__________________

(١) المتقدم في ص : ٢٥٩ ـ ٢٦٤ .

(٢) في « فض » : ولذلك .

(٣) الأغاني ٢١ : ١٨٢ وفيه : إذا احتملت . . .


أي بقيّتي ، وقد ذكر في أوهام الخواص أنّ جعلها بمعنىٰ جميع من ذلك ، وفي الصحاح ما يفيد جوازه (١) .

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، قال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام فيما بين مكة والمدينة ، معه اُمّ إسماعيل فأصاب من جارية له فأمرها فغسلت جسدها وتركت رأسها قال لها : « إذا أردت أن تركبي فاغسلي رأسك » ففعلت ذلك فعلمت بذلك اُمّ إسماعيل فحلقت رأسها ، فلمّا كان من قابل انتهىٰ أبو عبد الله عليه‌السلام إلىٰ ذلك الموضع (٢) فقالت له اُمّ إسماعيل : أيّ موضع هذا ؟ فقال لها : « الموضع الذي أحبط الله فيه حجّك عام أوّل » .

فهذا الخبر يوشك أن يكون قد وهم الراوي فيه ، ولم يضبطه فاشتبه عليه الأمر ، لأنّه لا يمتنع أن يكون سمع أن يقول لها [ أبو عبد الله عليه‌السلام ] (٣) : إغسلي رأسك فإذا أردت الركوب فاغسلي جسدك ، فرواه بالعكس من ذلك ، والذي يدل علىٰ ذلك : أنّ راوي هذا الخبر وهو هشام بن سالم روىٰ هذا الخبر بعينه علىٰ ما قلناه :

روىٰ ذلك الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن هشام بن سالم ، عن محمد بن مسلم ، قال : دخلت علىٰ أبي عبد الله عليه‌السلام فسطاطه وهو يكلم امرأة فأبطأت عليه ، فقال : « اُدنه ، هذه اُمّ إسماعيل جاءت وأنا

__________________

(١) الصحاح ٢ : ٦٩٢ ( سير ) .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٢٤ / ٤٢٢ : المكان .

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٢٤ / ٤٢٢ .


أزعم أن هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجّها عام أول ، كنت أردت الإحرام ، فقلت : ضعوا لي الماء في الخباء فذهبت الجارية بالماء فوضعته فاستخففتها فأصبت منها ، فقلت : اغسلي رأسك وامسحيه مسحاً شديداً لا تعلم به مولاتك فإذا أردت الإحرام فاغسلي جسدك ولا تغسلي رأسك فتستريب مولاتك ، فدخلت فسطاط مولاتها فدنت (١) تتناول شيئاً فمسّت مولاتها رأسها فإذا لزوجة الماء فحلقت رأسها وضربتها ، فقلت لها (٢) المكان الذي أحبط الله فيه حجّك » .

السند :

في الخبرين لا ارتياب فيه .

المتن :

ما قاله الشيخ فيه لا يخلو من وجه ، وإن بَعَّدَه احتمال أن يكون الرواية الاُولىٰ مشافهة والثانية بواسطة ، فلا تدل علىٰ مطلوب الشيخ ، مضافاً إلىٰ أنّ التخالف غير محصور فيما قاله الشيخ كما يظهر من ملاحظة الروايتين .

ثم إنّ ( مثل هؤلاء الرواة الأثبات ) (٣) يستبعد منهم عدم الضبط ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .

ولا يخفىٰ أنّ دلالة الخبرين علىٰ إبطال الحج علىٰ وجه المبالغة (٤) لنقصان الثواب .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٢٤ / ٤٢٣ : فذهبت .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٢٤ / ٤٢٣ زيادة : هذا .

(٣) في « فض » هكذا : مثلها ولا الرواية الاتيان ، وفي « رض » : مثل هذه الرواة .

(٤) في « فض » ما يمكن أن يقرء : المتابعة .


وأنت خبير بأنّه يستفاد من خبر هشام عدم وجوب الموالاة في الغسل كما هو المشهور بين الأصحاب ، بل قيل : إنّه متفق عليه (١) ، واستدل علىٰ عدم الوجوب بصدق الامتثال بدونها ، وبصحيح إبراهيم بن عمر اليماني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن عليّاً عليه‌السلام لم ير بأساً أن يغسل الجنب رأسه غدوة وسائر جسده عند الصلاة » (٢) .

ولا يذهب عليك أنّ ظاهر الحديث المستدل به مع هذه الرواية عدم صحة غَسل بعض الرأس مع أنّ إطلاق عدم وجوب الموالاة يقتضي الصحة ، مضافاً إلىٰ إطلاق الأمر الذي قالوه ، ولم أر من ذكر ذلك من الأصحاب .

أمّا ما قد يقال : من أنّ بعض الاستدلال في الوضوء يتناول الغسل . فجوابه الخروج بالدليل ، فليتأملّ .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ خبر محمد بن مسلم وغيره من الأخبار الدالة علىٰ تقديم الرأس لا يخلو من إجمال في حقيقة الرأس ، فيحتمل أن يراد به منابت الشعر خاصة ، ويحتمل إرادة المنابت مع الرقبة . وذكر شيخنا قدس‌سره : أنّ صحيح يعقوب بن يقطين يدل علىٰ أنّ الرأس المنابت خاصة (٣) ، والرواية لم يحضرني الآن سندها ، لكن متنها : « ثم يصب الماء علىٰ رأسه وعلىٰ وجهه وعلىٰ جسده كله » وكان وجه استفادة ما قاله من ذكر الوجه بعد الرأس ، ولا يخفىٰ عليك الحال بسبب بقاء نوع إجمال .

__________________

(١) قال به الشيخ البهائي في الحبل المتين : ٤١ .

(٢) الكافي ٣ : ٤٤ / ٨ ، التهذيب ١ : ١٣٤ / ٣٧٢ ، الوسائل ٢ : ٢٣٨ أبواب الجنابة ب ٢٩ ح ٣ .

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٢٩٤ .


وفي حسنة زرارة : « ثم صبّ علىٰ رأسه ثلاث أكفّ ، ثم صبّ علىٰ منكبه الأيمن » (١) وظاهرها يقتضي دخول الرقبة والوجه في الرأس . وصرح جدي قدس‌سره في الروضة بأنّ الرأس والرقبة عضو واحد (٢) . ولا يبعد استفادة ذلك من الروايات ، ويكون ذكر الوجه بينهما في صحيح يعقوب تنصيصاً (٣) عليه لا لكونه خارجاً عن الرأس ، ومع ذلك فالحكم لا يخلو من إشكال .

ورواية هشام لا صراحة فيها بكون الرأس هو المنابت كما لا يخفىٰ .

وثمرة ما ذكرنا في الرأس تظهر في الموالاة التي أشرنا إليها سابقاً ، فلا ينبغي الغفلة عن جميع ذلك ، فإني لم أره محرّراً في كلام المتأخّرين ، والله أعلم بالحال .

اللغة : قال في النهاية : الفُسطاط بالضم والكسر المدينة ، وقال الزمخشري : هو ضرب من الأبنية في السفر (٤) . وفي القاموس من جملة معانيه : السرادق من الأبنية (٥) . وقيل : إنّ المراد به بيت من الشَعر (٦) .

والخباء بكسر الخاء المعجمة : خيمة من وبر أو صوف ولا يكون من شَعر وهو علىٰ عمودين أو ثلاثة ، وما فوق ذلك فهو بيت ، كذا نقل عن الصحاح (٧) .

__________________

(١) المتقدمة في ص ٢٦٣ ـ ٢٦٤ .

(٢) الروضة البهية ١ : ٩٤ .

(٣) في « فض » : بنفسها .

(٤) النهاية لابن الاثير ٣ : ٤٤٥ .

(٥) القاموس المحيط ٢ : ٣٩١ .

(٦) الصحاح ٣ : / ١١٥٠ .

(٧) نقله عنه في الحبل المتين : ٤١ ، وهو في الصحاح ٦ : ٢٣٢٥ .


والهاء في قوله : « اُدنه » هاء السكت . وأبطأت أي توقّفت ولم أسرع . وقوله : « فاستخففتها » قيل : المراد به وجدتها خفيفة علىٰ طبعي (١) .

بقي شي‌ء وهو أنّ قوله عليه‌السلام : « لا تعلم به مولاتك » يجوز نصبه بأن مقدّرة أي لئلّا تعلم ، والضمير المجرور يعود إلىٰ الغسل ، ويمكن أن يكون مرفوعاً بأن يكون جملة « لا تعلم » نعتاً للمسح والمجرور عائد إليه ، والفعل في قوله : « فتستريب مولاتك » منصوب بفاء السببية بعد النهي ، كما ذكر في الحبل المتين (٢) ، فليتأملّ .

قال :

فأمّا ما رواه محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله » .

فلا ينافي ما قدمناه من وجوب الترتيب ، لأنّ المرتمس يترتب حكماً وإن لم يترتب فعلاً ، لأنّه إذا خرج من الماء حكم له أوّلاً بطهارة رأسه ثم جانبه الأيمن ثم جانبه الأيسر فيكون علىٰ هذا التقدير مرتّباً ، ويجوز أن يكون عند الارتماس يسقط مراعاة الترتيب كما يسقط عند غسل الجنابة فرض الوضوء .

فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن موسىٰ بن القاسم ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسىٰ بن

__________________

(١ و ٢) الحبل المتين : ٤١ .


جعفر عليهما‌السلام قال : سألته عن الرجل يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتىٰ يغسل رأسه وجسده وهو يقدر علىٰ ما سوىٰ ذلك ؟ قال : « إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك » .

فهذا الخبر أيضاً يحتمل أن يكون إنّما أجاز له إذا غسل هو الأعضاء عند نزول المطر عليه علىٰ ما يجب ترتيبها ، ويحتمل أن يكون القول فيه ما قلناه في الخبر الأوّل من أنّه مترتّب حكماً لا فعلاً ، أو يكون هذا حكم يخصّه دون من يريد الغسل بوضع الماء علىٰ جسده .

السند‌ :

في الأوّل حسن ، وفي الثاني صحيح .

المتن :

في الأوّل : ظاهر في أنّ الارتماس يقوم مقام الترتيب ، وما ذكره الشيخ من أنّه إذا خرج من الماء إلىٰ آخره ، غير واضح الوجه ، بل الوجه الثاني هو الظاهر من الرواية ، وقد تقدم في باب المضمضة (١) عن التهذيب خبراً صحيحاً عن زرارة ، وفيه : « ولو أنّ رجلاً جنباً ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده » (٢) .

وهو ربما يدل علىٰ إجزاء الارتماس عن الترتيب ، واحتمال أن يراد الإجزاء فيه بالنسبة إلىٰ عدم دلك الجسد وإن أمكن ، إلّا أنّا بيّنا سابقاً

__________________

(١) راجع : ص ٢٣٣ .

(٢) التهذيب ١ : ١٤٨ / ٤٢٢ ، الوسائل ٢ : ٢٣٠ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٥ .


احتمالا لا ينافي إبقاءه علىٰ الإطلاق من وجه آخر (١) .

وفي فوائد شيخنا قدس‌سره علىٰ الكتاب ما هذا لفظه : أقول : إنّ الذي دلت عليه الرواية الصحيحة السند المعتبرة فيمن لا يحضره الفقيه أنّ الغسل يتحقق بالارتماسة الواحدة ، وأمّا أنّ غسل الارتماس يترتب في نفسه بالمعنىٰ الذي ذكره الشيخ في هذا الكتاب ، أو أنّ المغتسِل يعتقد الترتيب كما ذكره بعض آخر فليس في الأدلّة الشرعية ما يدل عليه ، فإثباته مجازفة . انتهىٰ .

وأشار قدس‌سره برواية الفقيه إلىٰ ما رواه عن الحلبي (٢) ، وطريقه إليه صحيح علىٰ ما بيّناه في حاشيته ، وما ذكره قدس‌سره عن البعض : من اعتقاد الترتيب ، فقد حكي عن الشيخ في المبسوط أنّه نقل عن بعض الأصحاب أنّ غسل الارتماس يترتب حكماً (٣) .

قال في الذكرىٰ : وما قاله الشيخ يحتمل أمرين : أحدهما : ـ وهو الذي عقله عنه الفاضل ـ إنّه يعتقد الترتيب حال الارتماس ، ويظهر ذلك من المعتبر حيث قال : وقال بعض الأصحاب يرتب حكماً . فذكره بصيغة الفعل المتعدي وفيه ضمير يعود إلىٰ المغتسِل .

الثاني : أنّ الغسل بالارتماس في حكم الغسل المرتب بغير الارتماس ، وتظهر الفائدة لو وجد لمعة مغفلة فإنّه يأتي بها وبما بعدها (٤) . انتهىٰ .

ولا يخفىٰ عليك حال الكلام من جميع جهاته ، فإنّه مجرد كلام من‌

__________________

(١) راجع ص ٢٣٤ .

(٢) الفقيه ١ : ٤٨ / ١٩١ .

(٣) حكاه عنه في المدارك ١ : ٢٩٦ ، وهو في المبسوط ١ : ٢٩ .

(٤) ذكرىٰ الشيعة ٢ : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ .


غير التفات إلىٰ تحقيق أصله ، وهم أعلم بما قالوه .

ثم إنّ الخبر الثاني قد نقل عن الشيخ في المبسوط أنّه ألحق فيه بالارتماس الوقوف تحت المجرىٰ والمطر الغزيرين (١) ، واحتج بهذا الخبر . وفي المختلف حكىٰ عن ابن إدريس أنّه قال : يسقط الترتيب مع الارتماس لا مع الوقوف تحت المطر والمجرىٰ (٢) .

وفي مدارك شيخنا قدس‌سره أنّ حديث علي بن جعفر قاصر عن إفادة ما ادعاه الشيخ (٣) .

وبعض محققي المتأخّرين ـ سلّمه الله ـ وجّه استدلال الشيخ بالرواية بأنّ قوله عليه‌السلام : « إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك » مطلق ، فإذا كان الاغتسال علىٰ نوعين ، غسل ترتيب وغسل ارتماس ، فالحديث يدل علىٰ أنّ أيّ هذين النوعين حصل بالوقوف تحت المطر أجزأ ، فدليل الشيخ غير قاصر (٤) .

وقد ذكرت في حاشية الفقيه وحاشية المختلف كلاماً طويلاً في المقام ، والذي يقال هنا : إنّ وجه القصور هو أنّ معاد الأخبار إجزاء الارتماس عن الترتيب ، والارتماس ليس له حقيقة شرعية ولا لغوية يرجع إليها ، بل المرجع إلىٰ العرف ، فالحديث بمجرّده لا يستفاد منه العموم إلّا مع تحقق النوعين في مدلوله ، والعرف لا يساعد عليه كما لا يخفىٰ علىٰ من راجع وجدانه .

__________________

(١) نقله عنه في مدارك الأحكام ١ : ٢٩٧ ، وهو المبسوط ١ : ٢٩ .

(٢) المختلف ١ : ١٧٤ ، وهو في السرائر ١ : ١٣٥ .

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٢٩٧ .

(٤) الشيخ البهائي في الحبل المتين : ٤١ .


وما وقع للعلّامة في الحديث غريب كما يعلمه من وقف علىٰ كلامنا وكلامه ، ولولا خوف الخروج عما نحن بصدده لذكرناه .

ولا يخفىٰ عليك ما في قول الشيخ بعد ذكر خبر علي بن جعفر ، فإنّ مقتضىٰ قوله أوّلاً : إنّه إنّما أجاز له إذا غسل هو الأعضاء علىٰ ما يجب ترتيبها . أن يكون قوله عليه‌السلام في الرواية : « إن كان يغسله » إلىٰ آخره ، يراد به أنّ ماء المطر إذا فعل به الغاسل كما يفعل بغير ماء المطر أجزأه ، وهذا لا يخلو من إجمال ، لأنّه إمّا أن يراد القصد إلىٰ الترتيب أو القصد مع المباشرة بدلك الجسد ، والمتقدم من الشيخ أنّ المرتمس بمجرد خروج العضو يحصل له الترتيب لا بغيره من القصد ، إلّا أن يقال : إنّ ذلك في الارتماس لا في الترتيب . وفيه أنّه جعل الارتماس مرتباً حكماً ، فلا بد من المغايرة ، وتحقّقها بأيّ نوع في حيّز الإجمال ، بل ظاهر الأوّل الحصر في نوع .

ثم قول الشيخ ثانياً : ويحتمل أن يكون القول فيه ما قلناه في الخبر الأوّل ، إلىٰ آخره ، إن أراد به ما ذكره من أنّه إذا خرج من الماء لم (١) يختلف الحكم الأوّل والثاني إلّا بأن يقال : إنّ الثاني ليس بارتماس . والظاهر خلافه ، وقوله عليه‌السلام حينئذ : « إن كان يغسله اغتساله » يبقىٰ علىٰ إجماله .

وقول الشيخ ثالثاً : أو يكون هذا حكم يخصه . لا أعلم وجه مغايرته للسابق بعد التأمّل بقدر الإمكان ، علىٰ أنّ في قوله عليه‌السلام : « إن كان يغسله » احتمالات بالنسبة إلىٰ الضمير ( والفاعل ، وبسبب ) (٢) ذلك فالقصور في الاستدلال به للارتماس لا يكاد ينكره من أنعم نظره في حقيقة الحال ،

__________________

(١) ليست في « رض » .

(٢) ما بين القوسين في « رض » : والفاعل سبب .


ولم يسلك في تحقيق هذه المطالب مسلك الإجمال ، وعلىٰ الله سبحانه في اُمورنا كلّها الاتّكال .

قال :

باب سقوط فرض الوضوء عند الغسل من الجنابة‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن يعقوب بن شعيب ، عن حريز ، أو عمّن رواه ، عن محمد بن مسلم قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إنّ أهل الكوفة يروون عن علي عليه‌السلام أنّه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة قال : « كذبوا علىٰ عليٍّ عليه‌السلام ما وجدوا ذلك في كتاب علي عليه‌السلام ، قال الله تعالىٰ : ( وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ) (١) » .

عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن عبد الحميد بن عواض ، عن محمد ابن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « الغسل يجزئ عن الوضوء ، وأيّ وضوء أطهر من الغسل » .

عنه ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيىٰ ، عن محمد بن أحمد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد (٢) بن أبي عمير ، عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كل غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة » .

__________________

(١) المائدة : ٦ .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٢٦ / ٤٢٨ لا يوجد : محمّد .


السند :

في الأوّل : فيه الإرسال ، والظاهر أنّ قوله : أو عمّن رواه . ترديد من يعقوب في أنّ الراوي عن محمد بن مسلم حريز أو غيره ، ويحتمل غير ذلك ، لكنه في غاية البعد .

والثاني : ليس فيه ارتياب علىٰ ما قدّمناه ، وعبد الحميد ثقة ، وقد ضبط ابن داود : غواض بالغين والضاد المعجمتين (١) .

والثالث : ليس فيه إلّا الإرسال ، وكونه من ابن أبي عمير كرّرنا فيه الكلام (٢) (٣) .

المتن :

في الأوّل : ظاهر في نفي الوضوء مع غسل الجنابة مطلقاً وإن كان أوله يفيد نفي الوضوء قبله ، إلّا أنّ قوله عليه‌السلام : « قال الله تعالىٰ ( وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ) » يقتضي أنّ مفاد الآية الاكتفاء بالغسل عن الوضوء .

واحتمال أن يقال : إنّ الخبر يدل علىٰ نفي الوجوب قبل ، أو قبل وبعد للآية لا علىٰ نفي أصل المشروعية ، ستسمع القول في دفعه (٤) .

وما تضمنه الخبر من قوله : « ما وجدوا » إلىٰ آخره ، لا يخلو من شي‌ء ، والأمر سهل بعد ضعف الخبر .

__________________

(١) رجال ابن داود : ١٢٧ / ٩٤٠ .

(٢) في « رض » : القول .

(٣) راجع ج ١ : ١٠٢ ـ ١٠٣ .

(٤) في ص ٢٨٥ ـ ٢٨٦ .


والثاني : ظاهر الدلالة علىٰ نفي الوضوء مع الغسل ، والمتبادر من الغسل فيه غسل الجنابة ، لشيوع ثبوت الوضوء معه بين المخالفين ونفيه عند غيرهم .

والوالد قدس‌سره قرّب ذلك بأنّ التعريف فيه ليس للعموم ، إذ هو من المفرد المحلّىٰ ، وإنّما يأتي العموم في مثله نظراً إلىٰ أنّ غيره من المعاني ينافي الحكمة ، إذ العهد إلىٰ معلوم غير ظاهر ، وغير المعلوم لا يليق بالحكمة ، فلم يبق إلّا الاستغراق (١) ؛ أمّا في ما نحن فيه فالمعلومية حاصلة كما ذكرناه .

وشيخنا قدس‌سره وجّه العموم بما ذكرناه ، وأيّده بالتعليل الموجود في الخبر قال : إذ لا خصوصية لغسل الجنابة بهذا الوصف (٢) . ولا يخفىٰ عليك الحال .

وأمّا الخبر الثالث : فهو ظاهر في نفي الوضوء قبل غسل الجنابة .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الحديث السابق في أوّل باب وجوب الترتيب عن أحمد بن محمد ، يؤيّد ما دل علىٰ عدم الوضوء مع غسل الجنابة ، قال عليه‌السلام : « ولا وضوء فيه » (٣) .

وروىٰ الشيخ في التهذيب عن الشيخ ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن يعقوب ابن يقطين ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن غسل الجنابة فيه وضوء أم لا فيما نزل به جبرئيل عليه‌السلام ؟ فقال : « الجنب . . . » وساق الحديث إلىٰ أن قال : « ولا وضوء فيه » (٤) .

__________________

(١) منتقىٰ الجمان ١ : ١٨٤ .

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٣٦٠ .

(٣) راجع ص ٢٦٢ .

(٤) التهذيب ١ : ١٤٢ / ٤٠٢ ، الوسائل ٢ : ٢٤٦ أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ١ .


وروىٰ أيضاً عن حكم بن حكيم المعدود في الصحيح ما يؤيّد ذلك (١) ، وبالجملة فالأمر في ذلك يكاد أن يلحق بالضروريات .

وينبغي أن يعلم أنّ العلّامة في المختلف نقل رواية عدّها في الحسن ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « في كل غسل وضوء إلّا الجنابة » (٢) .

والذي وقفت عليه في الاُصول الجامعة للحديث ما رواه الشيخ هنا ، وفي التهذيب عن ابن أبي عمير عن رجل إلىٰ آخر الرواية السابقة (٣) .

وفي التهذيب روىٰ عن محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، أو غيره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « في كل غسل وضوء إلّا الجنابة » (٤) .

ورواية العلّامة لم أقف عليها ، وشيخنا قدس‌سره حكم بأنّ الرواية واحدة ، وأنّه لا وجه لعدّ العلّامة رحمه‌الله روايتين (٥) .

وأنت خبير بأنّ الاتحاد محل كلام لاختلاف المتن ، وما أشار إليه من ذكر العلّامة روايتين ، أراد به أنّه في المختلف ذكر رواية ابن أبي عمير المرسلة قبل الرواية الحسنة (٦) .

وقد اتفق للمحقق أنّه أجاب عن رواية حماد أو غيره في المعتبر علىٰ ما نقله شيخنا قدس‌سره بأنّها غير صريحة في وجوب الوضوء مع غير غسل‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٣٩ / ٣٩٢ ، الوسائل ٢ : ٢٤٧ أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ٤ .

(٢) المختلف ١ : ١٧٨ ، الوسائل ٢ : ٢٤٨ أبواب الجنابة ب ٣٥ ح ٢ .

(٣) التهذيب ١ : ١٣٩ / ٣٩١ ، الوسائل ٢ : ٢٤٨ أبواب الجنابة ب ٣٥ ح ١ .

(٤) التهذيب ١ : ١٤٣ / ٤٠٣ ، الوسائل ٢ : ٢٤٨ أبواب الجنابة ب ٣٥ ح ٢ .

(٥) مدارك الأحكام ١ : ٣٥٨ .

(٦) المختلف ١ : ١٧٨ .


الجنابة (١) . وصورة كلام المحقق هذه : لا يقال رواية ابن أبي عمير ، عن حماد أو غيره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في كل غسل وضوء إلّا غسل الجنابة » يدل علىٰ الوجوب ، لأنّا نقول : لا يلزم من كون الوضوء في الغسل أن يكون واجباً ، بل من الجائز أن يكون غسل الجنابة لا يجوز فعل الوضوء فيه ، وغيره يجوز ، ولا يلزم من الجواز الوجوب (٢) .

قال شيخنا قدس‌سره بعد نقل ذلك : وتبعه علىٰ ذلك العلّامة في المختلف ، وجدّي في روض الجنان (٣) . وقد اكتفىٰ ـ قدس‌سره ـ بهذا الجواب ، بعد أن ذكر أنّ الرواية مرسلة ، وإن كان المرسِل لها ابن أبي عمير .

وفي نظري القاصر أنّ المقام غير محرّر لهما (٤) ، لأنّ إنكار ظهور دلالة رواية ابن أبي عمير عن حماد أو غيره علىٰ الوجوب لا وجه له ، ومجرد الاحتمال لو أثّر في الاستدلال لم يتمّ دليل أصلاً ، بل المؤثِّر من الاحتمالات ما ينافي الظهور ، ولو نظرنا إلىٰ المعارض الدال علىٰ عدم الوجوب في غير غسل الجنابة كان الدخل من جهة اُخرىٰ .

والظاهر من المحقق أنّ اعتقاده اتحاد رواية ابن أبي عمير عن رجل ، مع روايته عن حماد أو غيره ، ليكون الدّخل في متن الرواية الدال علىٰ أنّ كل غسل قبله وضوء ، ووجه الدخل حينئذ أنّ قوله عليه‌السلام : « كل غسل قبله وضوء » مع دلالة بعض الأدلة علىٰ عدم وجوب التقديم كما ظنه بعض ، يدل علىٰ أنّ مفاد الحديث غير صريح في وجوب الوضوء ، بل يجوز أن

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٣٥٩ .

(٢) المعتبر ١ : ٢٦٧ .

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٣٥٩ .

(٤) ليست في « رض » و « د » .


يراد به ما قاله المحقق ، لكن لمّا جعل مورد كلامه علىٰ متن رواية ابن أبي عمير عن حماد توجّهت عليه المناقشة .

والعلّامة في المختلف لمّا ذكر الروايتين في بحث الجنابة للاستدلال بهما علىٰ عدم الوضوء مع غسل الجنابة بجعل الأولىٰ في الصحيح ، عن ابن أبي عمير ، عن رجل ؛ والاُخرىٰ في الحسن ، عن حماد بن عثمان ، لم يذكر ما أجاب به المحقق ، وأعاد الرواية الاُولىٰ للاحتجاج علىٰ تقديم الوضوء للقائل به ، وأجاب باحتمالها الاستحباب (١) .

وهذا الجواب في ظاهر الحال لا يخلو من خلل ؛ لأنّ الاستحباب إن كان لمعارضة الدليل الدال علىٰ جواز التأخير وهو ما ذكره من أصالة البراءة من وجوب التقديم ؛ ولأن الوضوء يراد للصلاة فلا يجب قبلها ؛ ولأنّه إذا اغتسل لغير الجنابة فقد فعل المأمور به فيخرج عن العهدة . فالدخل فيه ممكن (٢) :

أمّا أوّلاً : فبأنّ أصالة البراءة يعارضها ظاهر الخبر ، ولو لم يخرج عن أصالة البراءة بالظاهر لم يتم إثبات الأحكام غالباً .

وأمّا ثانياً : فلأنّ إرادة الوضوء لأجل الصلاة مطلقا غير مسلّم ، إذ الإجماع منتف ، لوجود القائل هنا ، ولو سلّم نقول : علىٰ تقدير وجوب الصلاة يجب التقديم ، إلّا أن يقال : إنّ القائل بهذا التفصيل غير معلوم ، وسيأتي عن شيخنا المحقق ـ أيّده الله ـ كلام في تحقيق معنىٰ هذا الوضوء .

وأما ثالثاً : فلأنّ فعل المأمور به مطلقاً غير مسلّم الحصول كما لا يخفىٰ .

__________________

(١) المختلف ١ : ١٧٨ .

(٢) في « فض » : يمكن .


وإذا عرفت هذا فقول العلّامة : إنّ الحديث يحتمل الاستحباب . غير تامٍّ كما يعرف بأيسر نظر .

وفي بحث غسل الأموات ذكر الحديث في الاستدلال لاستحباب الوضوء في غسل الميت بهذه الصورة : وفي الصحيح عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان أو غيره (١) . وهذا النقل يدل علىٰ أنّ ما ذكره في بحث الجنابة ووصفه بالحسن وَهْم علىٰ ما أظنّ .

وما ذكره شيخنا قدس‌سره : من أنّ العلّامة في المختلف تبع المحقق في الجواب ، أظنّ أنّي وجدته فيه ، لكني الآن لم أجده .

وأمّا ما قيل : من قبول مراسيل ابن أبي عمير فقد تقدّم فيه قول (٢) ، ونزيد هنا : أنّ ابن أبي عمير لو فرض أنّه لا يروي إلّا عن عدل أو ثقة لا يصلح حجّةً علىٰ غيره مع عدم العلم بالعدل ليعلم حاله من انتفاء الجارح أو وجوده ، ولو صرّح بأنّه عدل فالقول فيه كذلك كما قرّر في الاُصول .

والعجب أنّ العلّامة في المنتهىٰ قال في بحث التطهير بالنار في رواية : إنها مرسلة وإن كان مرسلها ابن أبي عمير ، إلّا أنّها معارضة بالأصل فلا تكون مقبولة (٣) . وأنت إذا لاحظت هذا الكلام لا يخفىٰ عليك حقيقة الحال .

أمّا ما قد يقال : من أنّ مراسيل ابن أبي عمير إن كان قبولها لأنّه لا يروي إلّا عن عدل ، فلا يكون مرسلة . فجوابه سهل ، لأنّ الإرسال بحسب الظاهر .

__________________

(١) المختلف ١ : ٢٢٢ .

(٢) راجع ج ١ : ١٠٢ ـ ١٠٣ .

(٣) المنتهىٰ ١ : ١٨٠ .


قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته قلت : كيف أصنع إذا أجنبت ؟ قال : « اغسل كفّك وفرجك وتوضّأ وضوء الصلاة ثم اغتسل » .

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله علىٰ ضرب من الاستحباب ، ولا ينافي ذلك :

ما رواه محمد بن أحمد بن يحيىٰ مرسلاً بأنّ الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة .

لأنّ هذا خبر مرسل لم يسنده إلىٰ إمام ، ولو سلّم لكان معناه أنّه إذا اعتقد أنّه فرض قبل الغسل فإنّه يكون مبدعا ، وأمّا إذا توضّأ ندباً واستحباباً فليس بمبدع ، فأمّا ما عدا غسل الجنابة من الأغسال فلا بد فيه من الوضوء قبل الغسل ، ويدل علىٰ ذلك قول أبي عبد الله عليه‌السلام في رواية ابن أبي عمير : « كل غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة » .

السند‌ :

في الأوّل فيه أبو بكر الحضرمي وقد تكرّر القول فيه (١) ؛ والثاني فيه الإرسال كما قاله الشيخ ؛ والثالث قد سبق الكلام عليه .

__________________

(١) راجع ص ٩٤ ـ ٩٧ .


المتن :

ما قاله الشيخ في الأوّل من الحمل علىٰ الاستحباب في غاية البعد ؛ وما قاله شيخنا المحقق ـ أيّده الله ـ في فوائد الكتاب ـ من أنّ الأولىٰ الحمل علىٰ التقية ، حفظاً لظاهر الروايات الدالة علىٰ سقوط الوضوء مع غسل الجنابة ـ لا يخلو من وجه ، بل الظاهر رجحانه ، والأخبار لا تنافي الاستحباب ، لأنّ ظاهرها نفي وجوب الوضوء كما يعلم من ملاحظتها ، إلّا أنّ ظاهر التعليل في بعضها نفي مشروعية الوضوء .

وقد بالغ شيخنا قدس‌سره في فوائده علىٰ الكتاب فقال : إنّ الحمل ضعيف جدّاً ، بل كاد أن يكون معلوم البطلان ، لأنّ الأخبار الواردة بسقوط الوضوء مع غسل الجنابة مستفيضة ، بل ربما بلغت حد التواتر المعنوي ، مع مطابقتها للأصل وظاهر القرآن ، وهذه الرواية في غاية الضعف ، فإنّ راويها وهو أبو بكر لم يثبت إيمانه فضلاً عن كونه ممّن يقبل خبره ، فيتعين إطراح روايته ، ولو كانت الرواية صحيحة لوجب حملها علىٰ التقية ، أمّا استحباب الوضوء معه فمقطوع بعدمه . انتهىٰ .

وما قاله قدس‌سره من عدم ثبوت إيمان أبي بكر لا يخلو من غرابة كما يعرف من كتب الحديث والرجال وقد سبق فيه الكلام (١) .

وقوله : إنّ الأخبار مطابقة للأصل وظاهر القرآن . ففيه نوع تأمّل :

أمّا الأصل : فلأنّ أصالة عدم الاستحباب مع وجود ما يدل عليه علىٰ تقدير الصلاحية لإثبات الاستحباب لا يخلو من إشكال ، إلّا أن يقال : إنّ مع احتمال التقية لا يخرج عن الأصل .

__________________

(١) راجع ص ٩٤ ـ ٩٧ .


وأمّا ظاهر القرآن : فاحتمال عموم آية الوضوء (١) للجنب قائم ، والتقسيم لا ينافيه ، لتحققه مع الغسل المقتضي لجعله قسماً ، وادعاء رجحان إرادة الغسل من دون الوضوء محل كلام .

والخبر السابق الدال علىٰ أنّ الآية تقتضي عدم الوضوء مع الغسل (٢) ضعيف ، إلّا أنّه يمكن ترجيح الظهور بوجه من الاعتبار ، غير أنّ مجال البحث واسع ، وبالجملة فالقطع بنفي احتمال الاستحباب محل كلام ، نعم لو أعطىٰ المتأمّل الأخبار حق التأمّل لا يبعد نفي الاستحباب منها .

ولشيخنا المحقق ـ أيّده الله ـ احتمال لا بأس به في الرواية وهو أن يراد بالوضوء (٣) : غَسل اليد من المرفق ، وهو وإن بَعُد من حيث ذكر غَسل الكفّين أوّلاً ، إلّا أنّه قابل للتوجيه .

ثم إنّ التقية ليست من جهة الراوي ليظن عدم إيمانه ، بل باعتبار نقل ذلك عن الإمام ليعلم المخالفون عدم المخالفة لمذهبهم ، أو لحضور من يتّقىٰ غيره .

أمّا ما قاله الشيخ في الخبر الثاني (٤) فبعيد أيضاً لكنه ممكن ، ويحتمل أن يراد أنّ الوضوء قبله مشروع وبعده بدعة ، وهذا أنسب بمراد الشيخ ، ولا يستبعد فهم الشيخ ذلك كما يظهر من سياق كلامه ، وفي بعض الأخبار الوضوء بعد الغسل بدعة (٥) .

وأمّا حكم غير غسل الجنابة فقد تقدّم منّا فيه كلام ، ونزيد هنا : أنّ

__________________

(١) المائدة : ٦ .

(٢) راجع ص ٢٥٦ .

(٣) في النسخ زيادة : في ، حذفناها لاستقامة المعنىٰ .

(٤) راجع ص ٢٨٣ .

(٥) التهذيب ١ : ١٤٠ / ٣٩٥ ، ٣٩٦ ، الوسائل ٢ : ٢٤٥ أبواب الجنابة ب ٣٣ ح ٥ ، ٦ .


ما ذكره الشيخ : من أنّ الوضوء قبله (١) . قد علمت سابقا كلام العلّامة في المختلف فيه (٢) .

ونقل في المختلف أيضا عن المبسوط أنّ فيه : وغسل الحائض كغسل الجنابة ، ويزيد عليه وجوب تقديم الوضوء علىٰ الغسل (٣) .

ونقل عن أبي الصلاح أنّه قال : فما عدا غسل الجنابة الوضوء واجب في ابتدائه (٤) .

وقال المفيد : وكل غسل لغير جنابة فهو غير مجزٍ في الطهارة حتىٰ يتطهّر معه الإنسان وضوء الصلاة قبل الغسل (٥) .

وقد احتجّ بعض الأصحاب علىٰ وجوب الوضوء مع غير غسل الجنابة مع الخبر الذي ذكره الشيخ بالآية الشريفة ، فإنّ ظاهرها العموم إلّا ما خرج بالإجماع كالجنابة (٦) .

واعترض عليه : بأنّ الآية ليست عامة ، فإنّ « إذا » للإهمال كما صرح به في الاُصول (٧) . وفيه نظر ، فإنّ المقام لا ينكر إفادته العموم كما في كثير من المواضع ، وأمّا وجوب التقديم فقد قدّمنا ما فيه كفاية .

قال :

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن علي بن إبراهيم بن

__________________

(١) راجع ص ٢٨٣ .

(٢) راجع ص ٢٧٩ ـ ٢٨٢ .

(٣) المختلف ١ : ١٨٠ ، وهو في المبسوط ١ : ٣٠ .

(٤) المختلف ١ : ١٨٠ ، وهو في الكافي في الفقه : ١٣٤ .

(٥) المختلف ١ : ١٨٠ ، وهو في المقنعة : ٥٣ .

(٦) المختلف ١ : ١٧٨ .

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ١٢٦ ، ١٢٧ .


محمد ، عن جده إبراهيم بن محمد ، أن محمّد (١) بن عبد الرحمن (٢) الهمداني كتب إلىٰ أبي الحسن ( الثالث ) (٣) عليه‌السلام يسأله عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة ، فكتب : « لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة ولا غيره » .

وعنه ، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقه ، عن عمار الساباطي قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل اغتسل من جنابة أو يوم جمعة أو يوم عيد هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده ؟ فقال : « لا ، ليس عليه قبل ولا بعد قد أجزأه الغسل ، والمرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض أو (٤) غير ذلك ، وليس عليها الوضوء لا قبل ولا بعد قد أجزأها الغسل » .

سعد بن عبد الله ، عن موسىٰ بن جعفر بن وهب ، عن ( الحسن ابن الحسين ) (٥) اللؤلؤي ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن حماد ابن عثمان ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يغتسل الجمعة أو غير ذلك أيجزيه عن الوضوء ؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « وأيّ وضوء أطهر من الغسل » .

فالوجه في هذه الأخبار أن نحملها علىٰ أنّها (٦) إذا اجتمعت هذه أو شي‌ء منها مع غسل الجنابة فإنّه يسقط فرض الوضوء ، وإذا انفردت

__________________

(١) في النسخ زيادة : بن محمّد ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٤٢٦ / ٤٣١ .

(٢) في « فض » زيادة : محمّد .

(٣) أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٢٦ / ٤٣١ .

(٤) في النسخ : و ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٢٧ / ٤٣٢ .

(٥) في الاستبصار ١ : ١٢٧ / ٤٣٣ : الحسين بن الحسن .

(٦) في الاستبصار ١ : ١٢٧ / ٤٣٣ : أنه .


هذه الأغسال أو شي‌ء منها عن غسل الجنابة فإنّ الوضوء واجب قبلها حسب ما تقدم ، ويزيد ذلك بياناً :

ما رواه الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن سليمان بن الحسن ، عن علي بن يقطين ، عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام قال : « إذا أردت أن تغتسل يوم الجمعة فتوضّأ ثم اغتسل » .

السند‌ :

في الأوّل : فيه جهالة .

والثاني : موثّق .

والثالث : فيه موسىٰ بن جعفر بن وهب وهو مذكور في الفهرست ، وكتاب الرجال فيمن لم يرو عن الأئمّة عليهم‌السلام مهملاً ؛ والحسن بن الحسين اللؤلؤي وقد وثقه النجاشي (١) ، ونقل الشيخ تضعيفه عن ابن بابويه (٢) ، والظاهر أنّه من جهة استثنائه من الذين يروي عنهم محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، وفي الظن أنّه لا يضر بالحال بعد توثيق النجاشي وتحقيقه ، وقد تقدم أيضاً القول فيه (٣) ، والإرسال في الخبر ظاهر مع بقية رجاله .

والرابع : فيه سليمان بن الحسن وهو مجهول الحال .

المتن :

ما ذكره الشيخ . فيه لا يخرج عن ربقة التكلّف التامّ .

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٠ / ٨٣ .

(٢) رجال الطوسي : ٤٦٩ / ٤٥ .

(٣) في ص ١٠٩ ـ ١١١ .


وفي المختلف أجاب عن الحديث الأوّل بمنع صحة السند ، قال : سلّمناه ، لكنا نقول بموجبه ، فإنّ غسل الجمعة كاف في الأمر بالغسل للجمعة ، وليس فيه دلالة علىٰ الاكتفاء به في الصلاة .

واعترض علىٰ نفسه : بأنّه عليه‌السلام قال : « لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة ولا في غيره » فأسقط وضوء الصلاة عن المصلّي ، وأجاب : بأنّا لا نسلّم أنّ السقوط عن المصلّي ، بل لِمَ لا يجوز أن يكون المراد : لا وضوء للصلاة في غسل الجمعة إذا لم يكن وقت الصلاة .

ثم اعترض : بأنّ الحديث عام فتقييده بغير وقت الصلاة يخرجه عن حقيقته ، وأجاب : بمنع العموم ، لدليل آخر ، وهو ما يدل علىٰ وجوب الوضوء لكل صلاة (١) .

وأنت خبير بأنّه إذاً رجع الأمر للدليل علىٰ وجوب الوضوء لكل صلاة ، والمتقدم منه هو الآية ، ورواية ابن أبي عمير المرسلة المتقدمة (٢) ورواية حماد بن عثمان المتقدمة (٣) أيضاً عنه ، وأنّه قبل الغسل ممنوع من الدخول في الصلاة فكذا بعده عملاً بالاستصحاب ، وشي‌ء من هذه الأدلة لا يسلم من جرح المناقشة . .

أمّا الآية فبتقدير عمومها علىٰ ما قدمناه قابلة للتخصيص ، وقد فرض أنّه سلّم صحة السند في الخبر ، ومعه لا مجال لإنكار القبول لتخصيص العموم .

وأمّا خبر ابن أبي عمير فبتقدير صحته يدل علىٰ أنّ كل غسل قبله

__________________

(١) المختلف ١ : ١٧٩ .

(٢) في ص ٢٧٦ .

(٣) في ص ٢٧٩ .


وضوء ، أمّا كونه للصلاة فغير معلوم ، وحمله علىٰ أنّ الوضوء للصلاة يتوقف علىٰ الدليل ، وكذلك خبر حماد .

والدليل الأخير في غاية السقوط حينئذ ، لأنّ ثبوت الحديث يقتضي صحة الدخول في الصلاة ، وهو المطلوب .

ولعلّ الأولىٰ في الجواب أن يقال : إنّ [ معنىٰ ] (١) قوله : « لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة . . . . » أنّه غير مرتبط به علىٰ وجه الشرطية فيه ، أو يقال : إنّ الوضوء المستفاد ثبوته في الأغسال ليس للصلاة ، إلّا أنّ في هذا تأمّلاً .

وأجاب العلّامة أيضاً عن الحديث الثاني : بأنّ معنىٰ إجزاء الغسل إسقاط التعبّد به ، أمّا أنّه يجزئ عن الوضوء في الصلاة فلا ، ثم اعترض علىٰ نفسه : بأنّ قوله « ليس ( قبله ولا بعده ) (٢) أجزأه الغسل » يقتضي سلب الوجوب عند الصلاة ، وبأنّ السؤال وقع عن غسل الجنابة والجمعة والعيدين ، والجواب وقع عن الجميع بإسقاط الوضوء ، وكما أنّ إسقاط الوضوء في الجنابة عن المريد للصلاة فكذا ما سواه (٣) .

وأجاب عن الأول : بأنّ المراد إجزاء الغسل في التعبّد به . وعن الثاني : بأنّ الغسل في الجنابة كاف في رفعها ، ولا يلزم جواز الدخول في الصلاة إلّا بدليل من خارج ، وقد بيناه في غسل الجنابة ، فيبقىٰ الباقي علىٰ المنع (٤) .

وأنت خبير بما في الجواب عن الثاني من حيث إنّ اشتمال الخبر

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة .

(٢) في المختلف ١ : ١٨٠ : عليه قبل ولا بعد .

(٣ و ٤) المختلف ١ : ١٨٠ .


علىٰ جزئيات توجب المشاركة في الحكم ، فإخراج بعضها دون البعض مشكل ، إلّا أنّ مثل هذا كثير في الأخبار ، وإن كان فيه نوع كلام .

وأجاب العلّامة عن الخبر الثالث : بنحو ما ذكر (١) ، ولعل الجواب لا بأس به .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الأخبار الدالة علىٰ سقوط الوضوء وإن كانت غير سليمة الأسناد ، إلّا أنّ لها مؤيّدات من الأخبار غير ما سبق من رواية محمد بن مسلم الثانية في أوّل الباب ، الدالة علىٰ أنّ أيّ وضوء أطهر من الغسل ، فإنّ فيها احتمال العهد كما سبق ذكره .

ومثلها رواية صحيحة عن حكم بن حكيم في التهذيب معلّلة بأنّ أيّ وضوء أنقىٰ من الغسل (٢) .

بل الروايات الواردة في بيان غسل الاستحاضة والحيض والنفاس ، مؤيّدة أيضاً كصحيح معاوية بن عمار حيث قال فيها : « فإذا جازت أيّامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر ، فإن كان لا يثقب توضّأت ودخلت المسجد وصلّت كل صلاة بوضوء » (٣) وصحيح ابن نعيم الصحاف (٤) ، وسيأتي إن شاء الله .

وفي صحيح عبد الرحمن بن الحجاج : « فلتغتسل ولتصلّ » (٥) .

وفي صحيح عبد الله بن سنان : « إنّ غسل الجنابة والحيض واحد » (٦) وغير ذلك من الأخبار .

__________________

(١) المختلف ١ : ١٨٠ .

(٢) التهذيب ١ : ١٣٩ / ٣٩٢ ، الوسائل ٢ : ٢٤٥ أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ٤ .

(٣) التهذيب ١ : ١٧٠ / ٤٨٤ ، الوسائل ٢ : ٣٧١ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١ .

(٤) التهذيب ١ : ١٦٨ / ٤٨٢ ، الوسائل ٢ : ٣٧٤ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٧ .

(٥) التهذيب ١ : ١٧٦ / ٥٠٣ ، الوسائل ٢ : ٣٩٣ أبواب النفاس ب ٥ ح ٣ .

(٦) التهذيب ١ : ٣٩٥ / ١٢٢٣ ، الوسائل ٢ : ٣١٦ أبواب الحيض ب ٢٣ ح ٧ .


ومعارضة ما دل علىٰ أنّ كل غسل قبله وضوء موقوفة علىٰ الصحة .

وإذا تمهّد هذا كله : فاعلم أنّ شيخنا المحقق ـ أيّده الله ـ قال في فوائد الكتاب : إنّ الرواية المتضمنة لأنّ كل غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة قاصرة بالإرسال ، وإن كان المُرسِل ابن أبي عمير .

واحتمل في بعض الطرق كون الواسطة حماد بن عثمان الثقة ، ولا تدل أيضاً علىٰ وجوب هذا الوضوء ، بل علىٰ أنّ قبله وضوء في الجملة ، فجاز أن يكون علىٰ سبيل الندب زيادةً في التطهير ورفعاً لاستبعاد أهل الخلاف ، ولا يتأتّىٰ مثله في غسل الجنابة ، لأنّ الآية ظاهرة في عدم الوضوء معه ، بل ما تقدم من عدم الوضوء بعد الغسل .

وهذا كلّه يقتضي أنّ الوضوء ليس واجباً ولا له دخل في الاستباحة ، وإلّا لم يتفاوت الحال بين فعله قبل وبعد ، وأمّا الوضوء المندوب غير المبيح فيناسب اختصاص وقوعه بما قبل الغسل في الحائض ونحوها ، بخلاف الوضوء المبيح ، وأيضاً فإنّ هذا الوضوء لو كان واجباً لكان ينبغي أن يبيّن أنّه لو ترك قبل الغسل نسياناً يفعل بعده ، أو يعاد الغسل ، [ و ] (١) لم يبيّن ذلك في شي‌ء من هذه الروايات ، بل ظاهر إطلاق كون الوضوء بعد الغسل بدعة يقتضي عدمه حينئذ ، وإعادة الغسل بعد الوضوء مع دخوله في ظاهر هذا الإطلاق لا أعرف به قائلاً ، مع اقتضاء ظاهر روايات صحيحة انتفاء الوضوء مع الغسل مطلقاً . انتهىٰ كلامه ـ أيّده الله ـ .

وأنت إذا تأمّلته لا يخفىٰ عليك حقيقة الحال ، وفي ظنّي أنّ بعض الأصحاب قائل بأنّ الوضوء جزء الرافع (٢) ، هذا .

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة .

(٢) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ٥٦ ، والعلّامة في المختلف ١ : ٢٠٨ .


وما ذكره الشيخ أخيراً بقوله : ويزيده بياناً . لا أعلم وجهه ، بل الظاهر أنّه يزيده إجمالاً ، فإنّ قوله بأنّ الوضوء واجب قبلها ، إذا لم يكن فيها غسل الجنابة ، ثم ذكره الرواية في غسل الجمعة ، يقتضي وجوب الوضوء قبله ، والإشكال فيه ظاهر ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .

قال :

باب الجنب ينتهي إلىٰ البئر أو الغدير وليس معه ما يغرف به الماء‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد ابن يعقوب : عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيىٰ ، عن منصور بن حازم ، عن ابن أبي يعفور وعنبسة بن مصعب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا أتيت البئر وأنت جنب ولم تجد دلواً ولا شيئاً تغرف به فتيمّم بالصعيد ، فإنّ ربّ الماء ورب الصعيد واحد ولا تقع في البئر ولا تفسد علىٰ القوم ماءهم » .

السند‌ :

قد تكرر القول فيه بما يغني عن الإعادة .

المتن :

استدل به القائلون بنجاسة البئر بالملاقاة في جملة روايات ، ووجّهوا الاستدلال بأنّ الأمر بالتيمم واقع في الرواية ، والتيمم مشروط بفقد الماء الطاهر ، فلا يكون الماء طاهراً بتقدير وقوع الجنب في البئر واغتساله ، وبأنّ ‌


النهي عن الإفساد والوقوع المفهوم منه النجاسة كما اعترف به الخصم في أخبار الطهارة حيث ورد فيها الإفساد وحمل علىٰ النجاسة (١) .

واُجيب عن الاستدلال : بأنّ الخبر لا دلالة فيه علىٰ النجاسة بوجه ، لأنّ الأمر بالتيمم لا ينحصر وجهه في نجاسة الماء ، إذ من الجائز أن يكون لتغيير الماء وفساده علىٰ الشارب بنزول الجنب فيه ، وعليه يحمل النهي الواقع فيه (٢) .

وما ذكر : من أنّ الإفساد واقع في جهة الطهارة . فقد أجاب عنه الوالد قدس‌سره بالفرق بين الأمرين ، فإنّ الإفساد الواقع في خبر الطهارة نكرة في سياق النفي فيعم ، بخلاف الإفساد الواقع هنا ، فإنّه لا عموم فيه (٣) .

وفي نظري القاصر أنّ الاستدلال والجواب لا يخلو من تأمّل وقد أوضحت الحال فيه في حاشية التهذيب ، إلّا أنّي أذكر هنا مجمل الأمر ، أمّا أولاً : فلأنّ مفاد الحديث النهي عن أمرين : الوقوع والإفساد ، وكون الإفساد بسبب الوقوع غير معلوم ، والاستدلال مبني عليه .

وأمّا ثانياً : فبأنّ النهي عن الإفساد نهي عن إيجاد الماهية في أيّ فرد من الأفراد فهي مستلزمة العموم ، والوالد قدس‌سره معترف في النهي بما ذكرناه (٤) (٥) .

وأمّا ثالثاً : فلأنّ الظاهر من الرواية أنّ الماء ملك لقوم ، ولا ريب أنّ التصرف في مال الغير مشروط بما لا يضر بحال الماء بالنسبة إلىٰ طبائعهم ،

__________________

(١) المعتبر : ١ / ٥٦ ، ذكرىٰ الشيعة ١ : ٨٧ ، المختلف ١ : ٢٦ .

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٦١ .

(٣) منتقىٰ الجمان : ١ / ٥٩ .

(٤) منتقىٰ الجمان ١ : ٥٨ .

(٥) هنا زيادة غير واضحة في « د » .


أو البئر مباح ، ويراد بالقوم جميع المسلمين ، وقد يشكل الحال بأنّ من لا يعلم لا حرج عليه ولا نفرة له ، إلّا أن يقال : إنّ السبب لا يجوز فعله . وفيه ما فيه ، وعلىٰ كلّ حال فلا يمكن الرجوع إلىٰ ضابط في الإفساد جزماً يرجع إليه ، فعلىٰ تقدير عدم العموم في الإفساد يراد ما يتحقق به ، ولا ريب أنّ إرادة غير النجاسة لا وجه لاختصاصه ، بل الظاهر إمّا النجاسة أو هي وما ضاهاها والحصر في غيرها محل كلام .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الحديث يدل بظاهره علىٰ ما قالوه : إنّ غسل الجنب في البئر يفسده ، والإفساد إمّا لسلب الطهوريّة أو سلب الطهارة ، وبالأول قال جماعة (١) وصرّح جدي قدس‌سره بالثاني في شرح الإرشاد ، فإنّه قال : والعلّة فيه ـ أي في النزح ـ نجاسة البئر بذلك وإن كان بدنه خالياً من نجاسة ، ولا بعد فيه بعد ورود النص (٢) . وهذا غريب منه قدس‌سره فإنّ النص لا صراحة فيه ، ومع الاحتمال كيف يتم ما ذكره .

أمّا ما ذكره بعض : من أن مقتضىٰ الخبر النهي عن الإفساد ، فإذا كان الغسل مفسداً كان منهياً عنه ، ومع النهي لا إفساد لفساد الغسل ، فلا يتمّ الاستدلال بالرواية (٣) .

فقد اُجيب عنه : بأنّ النهي ليس عن العبادة ، بل عن الوقوع في الماء وإفساده ، وهو إنّما يتحقق بعد الحكم بطهر الجنب لا بمجرّد دخوله في البئر ، فلا يضر هذا النهي لتأخّره وعدم كونه عن نفس العبادة . إلّا أن يقال : الوسيلة إلىٰ المحرّم محرّمة وإن كانت قبل زمانه (٤) . وفيه بحث ذكرناه في موضعه .

__________________

(١) منهم المحقق في المعتبر ١ : ٧٠ ، والعلّامة في المختلف ١ : ٥٥ .

(٢) روض الجنان : ١٥٤ .

(٣) جامع المقاصد ١ : ١٤٣ ، ونقله عنه في مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٢٧٥ .

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٢٧٥ ، روض الجنان : ١٥٤ .


والذي يمكن أن يقال هنا : إنّ الغسل لا ريب أنّ نفسه هو المفسد ، والظاهر من النهي إنّما هو عن الاغتسال وإجراء الماء علىٰ العضو والحركة والنية ، فيكون النهي متوجّهاً إلىٰ الغسل وجزئه علىٰ تقدير دلالة الخبر .

وينقل عن ابن إدريس أنّه خصّ الحكم بالارتماس مدّعياً عليه الإجماع (١) .

وذكر بعض المتأخّرين أنّ الجنب إذا اغتسل مرتمساً طهر بدنه من الحدث ونجس بالخبث ، وإن اغتسل مرتّبا أجزأه غسل ما غسله قبل دخول الماء إلىٰ البئر (٢) . وهذا يقتضي أن يصير الماء مستعملاً بأول جزء من الغسل ، وقد بيّنا في حاشية الفقيه ما يدل علىٰ أنّ المستعمل لا يتحقق بذلك ، وقدّمنا أيضاً في هذا الشرح ما يدل علىٰ ذلك .

وحكي جدّي قدس‌سره في شرح الإرشاد : أنّ مذهب العلّامة في المختلف وشيخه المحقق أنّ الحكم بالنزح لكونه مستعملاً فيكون لسلب الطهورية ، قال : ويشكل بإطلاق النصوص وبحكم سلّار وابن إدريس وجماعة من المتأخّرين بوجوب النزح مع طهورية المستعمل عندهم ، وباستلزامه القول بعدم وجوب النزح ، لأنّه فرّعه علىٰ القول بسقوط طهورية المستعمل ، وهو لا يقول به ، فيلزم عدم القول بالنزح ، والذي اختاره في المنتهىٰ هو التعبد (٣) انتهىٰ .

والذي في المختلف هذه صورته : بقي هنا بحث وهو أن يقال : إذا‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف ١ : ٥٣ ، وهو في السرائر ١ : ٧٢ و ٧٩ .

(٢) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٨ .

(٣) روض الجنان : ١٥٤ .


كان البدن خالياً من نجاسة عينيّة فأيّ سبب أوجب نزح السبع وبأيّ اعتبار يفسد ماء البئر ؟ .

والجواب أن يقال : اختلف علماؤنا في الماء المستعمل في الطهارة الكبرىٰ هل يرتفع عنه حكم الطهورية لغيره أم لا ؟ فبعض علمائنا أفتىٰ بالأول ، وبعضهم أفتىٰ بالثاني ، وسيأتي البحث فيه إن شاء الله ، فالمقتضي للنزح كونه مستعملاً في الطهارة الكبرىٰ وهذا إنّما يتمشىٰ عند الشيخين أمّا نحن فلا ، والعجب أنّ ابن إدريس ذهب إلىٰ ما اخترناه من بقاء حكم الطهورية في المستعمل وأوجب النزح هنا ، إذا عرفت هذا فالأقوىٰ عندي بناءً علىٰ قول الشيخين كون الماء طاهراً وإن ارتفع عنه حكم الطهورية (١) . انتهىٰ .

وهذا الكلام يعطي خلاف ما قاله جدّي قدس‌سره وبالجملة فالأقوال في المسألة مضطربة كما يعلم من مراجعة كتب الأصحاب ، والله تعالىٰ أعلم بالصواب .

قال :

فأما ما رواه علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ابن مسكان ، قال : حدثني محمد بن ميسر (٢) ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل الجنب ينتهي إلىٰ الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل منه وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان قال :

__________________

(١) المختلف ١ : ٥٤ .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٢٨ / ٤٣٦ : محمد بن عيسىٰ ، وما هنا موافق للتهذيب ١ : ١٤٩ / ٤٢٥ ، والكافي ٣ : ٤ / ٢ .


« يضع يده ويتوضّأ ويغتسل ، هذا ممّا قال الله تعالىٰ ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (١) » .

فالوجه في هذا الخبر هو أن يأخذ الماء من المستنقع بيده ولا ينزله بنفسه ويغتسل يصب الماء علىٰ البدن ، ويكون قوله : ويداه قذرتان ، إشارة إلىٰ ما عليها (٢) من الوسخ دون النجاسة لأنّ النجاسة تفسد الماء (٣) إذا كان قليلاً علىٰ ما قدّمنا القول فيه .

السند‌ :

حسن ، وابن مسكان هو عبد الله كما يعرف من ممارسة الرجال ، ثم إنّ عبد الله بن مسكان نقل العلّامة في الخلاصة عن النجاشي : أنّ فيه روىٰ أنّه لم يسمع من الصادق عليه‌السلام إلّا حديث : « من أدرك المشعر فقد أدرك الحج » (٤) .

وهذا لم نجده في النجاشي ، لكنه في الكشي بهذه الصورة : محمد ابن مسعود ، قال : حدثني محمد بن نصير ، قال : حدثني محمد بن عيسىٰ ، عن يونس ، قال : لم يسمع حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام إلّا حديثاً أو حديثين ، وكذلك عبد الله بن مسكان إلّا حديث : « من أدرك المشعر فقد أدرك الحج » انتهىٰ (٥) .

والذي في كتب الحديث من روايات عبد الله بن مسكان بلفظ : قال‌

__________________

(١) الحج : ٧٨ .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٢٨ / ٤٣٦ : عليهما .

(٣) في الاستبصار ١ : ١٢٨ / ٤٣٦ زيادة : علىٰ البدن .

(٤) خلاصة العلّامة : ١٠٦ / ٢٢ .

(٥) رجال الكشي ٢ : ٦٨٠ / ٧١٦ .


أبو عبد الله ، وعن أبي عبد الله ، كثير ، ففي الكافي في باب المكارم (١) ، وباب النهي عن الإشراف علىٰ قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) ، وباب الاغتسال (٣) ، وفي باب طلب الرئاسة (٤) بلفظ : سمعت عبد الله عليه‌السلام يقول ، وبلفظ « عن » في التهذيب في حديث : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان أشدّ الناس توقّياً عن البول » (٥) .

وفي هذا الكتاب في باب ولوغ الكلب (٦) ، وفي باب الخروج إلىٰ الصفا من التهذيب ، عن ابن مسكان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام (٧) .

وبالجملة : فالرواية مع ما فيها من الإشكال بالنسبة إلىٰ رواية محمد بن عيسىٰ عن يونس يردّها وجود ما ذكرناه ، والإرسال في مثله في غاية البعد .

المتن :

ظاهره عدم نجاسة الماء القليل بالملاقاة ، ويؤيّده ذكر الآية الشريفة ، ولو حمل علىٰ القلّة الإضافية فيكون كرّاً لا يناسب ذكر الآية ، وأظن أنّه لا بد من هذا الحمل .

وأمّا حمل الشيخ فلا يخلو من غرابة‌ :

__________________

(١) الكافي ٢ : ٥٦ / ٢ .

(٢) الإشارة إلىٰ باب النهي عن الاشراف خطأ ، والصحيح : باب مولد أمير المؤمنين عليه‌السلام . الكافي ١ : ٤٥٢ / ١ .

(٣) الكافي ٣ : ١٣٩ / ٢ ، الوسائل ٢ : ٤٧٩ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ١ .

(٤) الكافي ٢ : ٢٩٧ / ٣ ، الوسائل ١٥ : ٣٥٠ أبواب جهاد النفس ب ٥٠ ح ٤ .

(٥) التهذيب ١ : ٣٣ / ٨٧ ، الوسائل ١ : ٣٣٨ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٢ ح ٢ .

(٦) الاستبصار ١ : ١٩ / ٤٣ ، الوسائل ١ : ٢٢٨ أبواب الأسآر ب ٢ ح ٦ .

(٧) التهذيب ٥ : ١٥٣ / ٥٠٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٩٣ أبواب السعي ب ١٤ ح ٢ .


أمّا أوّلاً : فلأنّ حمل القذر علىٰ الوسخ لا يناسب ذكر الآية .

وأمّا ثانيا : فلأنّ الاغتسال خارج الماء ـ مع عدم موافقته للآية ـ إمّا أن يكون لأنّ الماء يصير مستعملاً بنزوله إليه ، أو لكون البدن لا يخلو من نجاسة ، وكلا الأمرين مشكل :

أمّا الأوّل : فلأنّ مجرد النزول لا يصيّره مستعملاً إلّا أن يحمل علىٰ النهي عن الغسل ، ولا يظنّ أنّ قوله : ويغتسل ، متعلق بقوله : ولا ينزله . بل هو كلام مستقل .

وأمّا الثاني : فلأنّ إطلاق استعمال الماء مع عدم ما يدل علىٰ أنّه لا ينبغي وصول الغسالة إليه غير لائق ، إلّا أن يقال : إنّ السائل فهم ذلك ، وعلىٰ تقدير النهي عن الاغتسال فصيرورة الماء مستعملاً بمجرّد الغسل مشكل ، فالإطلاق من الشيخ هو الموجب للغرابة ، وإن كان تأويله لا يخلو من وجه ، فليتأملّ .

قال :

أبواب الحيض والاستحاضة والنفاس‌

باب ما للرجل من المرأة إذا كانت حائضاً‌

أخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد وأحمد ابني الحسن ، عن أبيهما ، عن عبد الله بن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقىٰ موضع الدم » .

وبهذا الإسناد عن علي بن الحسن ، عن محمد بن علي ، عن‌


محمد بن إسماعيل ، عن منصور (١) بزرج ، عن إسحاق بن عمار ، عن عبد الكريم بن عمرو قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمّا لصاحب المرأة الحائض منها قال : « كل شي‌ء ما عدا القبل بعينه » .

وبهذا الاسناد عن علي بن الحسن ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يأتي المرأة فيما دون الفرج وهي حائض قال : « لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع » .

وأخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد (٢) ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن إسماعيل ، عن عمر ابن حنظلة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما للرجل من الحائض ؟ قال : « ما بين الفخذين » .

وبهذا الاسناد عن أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن عمر بن يزيد قال : قلت : لأبي عبد الله عليه‌السلام ما للرجل من الحائض ؟ قال : « ما بين ألييها ولا يوقب » .

السند :

في الأوّل : قد تكرّر القول في رجاله وهو مرسل .

والثاني : إلىٰ محمد بن علي مشترك في تكرّر القول ، وأمّا محمد بن علي فلا يبعد أن يكون ابن محبوب ، ومحمد بن إسماعيل كأنه ابن بزيع .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٢٨ / ٤٣٨ زيادة : بن يونس .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٢٩ / ٤٤٠ زيادة : البرقي ، والظاهر أنّه خطأ والمراد به احمد ابن محمد بن الحسن بن الوليد .


وأمّا منصور بزرج فالنجاشي وثقه (١) غير قائل إنّه واقفي . والشيخ في رجال الكاظم عليه‌السلام من كتابه قال : إنّه واقفي (٢) . وقد توقف العلّامة في شأنه لذلك (٣) .

وبعض حكم بعدم المنافاة بين التوثيق والوقف (٤) ، وقد كرّرنا ترجيح قول النجاشي ، فتدبر ، وإسحاق بن عمار تقدم فيه القول (٥) .

وعبد الكريم بن عمرو وثقه النجاشي ، وقال إنّه كان واقفياً (٦) ، والكشي روىٰ عن حمدويه قال : سمعت أشياخي يقولون : إنّ كراماً هو عبد الكريم بن عمرو واقفي (٧) .

والثالث : رجاله غني عن القول بعدما قدمناه .

والرابع : فيه البرقي وقد تقدم فيه القول (٨) ، وإسماعيل غير معلوم الحال للاشتراك (٩) ، وعمر بن حنظلة تقدم (١٠) .

والخامس : ليس فيه ارتياب إلّا بالبرقي .

المتن :

ظاهر الدلالة في الأوّل علىٰ جواز مباشرة ما عدا موضع الدم ،

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤١٣ / ١١٠٠ .

(٢) رجال الطوسي : ٣٦٠ / ٢١ .

(٣) خلاصة العلّامة : ٢٥٩ .

(٤) كالجزائري في الحاوي ٣ : ٢٣١ .

(٥) راجع ج ١ : ٢٥٥ ـ ٢٥٦ .

(٦) رجال النجاشي : ٢٤٥ / ٦٤٥ .

(٧) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠ / ١٠٤٩ .

(٨) راجع ج ١ : ٩٥ ـ ٩٦ .

(٩) هداية المحدثين : ١٨ .

(١٠) في ص ٦٢ .


والثاني : كذلك ، إلّا أنّه عام بالنسبة إلىٰ القبل . والثالث : مجمل في الموضع ، فيحتمل إرادة موضع الدم أو القبل . والرابع : صريح في أنّ له ما بين الفخذين . والخامس : واضح الدلالة علىٰ عدم جواز الإيقاب ، فيمكن أن يخصّ به عموم غيره أو يقيد إطلاقه .

والعلّامة في المختلف استدل بالأول والثاني والثالث علىٰ عدم تحريم ما عدا القبل ، وأضاف إلىٰ ذلك أولاً الاستدلال بقوله تعالىٰ : ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ) (١) السالم عن معارضة النهي المختص بالقبل في قوله تعالىٰ : ( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ) (٢) أي في موضع الحيض (٣) . ولنا معه كلام في الآية ذكرته في حاشيته ، والحاصل أنّ الآية قابلة للبحث في مواضع :

أحدها : أنّ الحرث إنّما يؤتىٰ للزرع ، والنسبة في الآية ظاهر الوجه ، فلا يتم التناول للدبر .

وثانيها : أنّ كلمة أنّىٰ قد وردت بمعنىٰ أنّما المفيدة للعموم في المكان ، ووردت بمعنىٰ كيف كقوله تعالىٰ ( أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ ) (٤) فهي مشتركة ، فلا تدل علىٰ المطلوب لأنّ عموم الكيفية لا تدل علىٰ تعدّد الأمكنة بل علىٰ تعدّد الهيئات .

وثالثها : أنّ قوله تعالىٰ ( وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ) (٥) قيل : المراد به طلب الولد (٦) .

__________________

(١) البقرة : ٢٢٣ .

(٢) البقرة : ٢٢٢ .

(٣) المختلف ١ : ١٨٥ .

(٤) آل عمران : ٤٠ ، مريم : ٨ و ٢٠ .

(٥) البقرة : ٢٢٣ .

(٦) حكاه الدرّ المنثور : ١ ، ٢٦٧ عن عكرمة .


ورابعها : أنّ ما ذكره العلّامة من تفسير المحيض بالموضع (١) قد ورد تفسيره بوقت الحيض ، والعلّامة نفسه ذكر ذلك (٢) .

ثم إنّ عدم التعرض لخبر الإيقاب لا وجه له من العلّامة وغيره من المتأخّرين حتىٰ شيخنا قدس‌سره لما قدّمناه من إمكان التقييد ، مع أنّ شيخنا حكم بصحة رواية النهي عن الإيقاب (٣) إلّا أنّ القول بخصوص الإيقاب تحريماً لم أعلم بقائله الآن ، بل المنقول عن السيد المرتضىٰ القول بتحريم الوطء في الدبر وأنّه لا يحل الاستمتاع إلّا بما فوق المئزر (٤) واحتجّ له العلّامة ولم يذكر رواية الإيقاب (٥) . وسيأتي إن شاء الله ذلك .

اللغة :

قال في النهاية : الوقوب الدخول في كل شي‌ء (٦) . وفي القاموس : أوقب الشي‌ء : أدخله في الوقبة ( وقال : الوقبة الكوة (٧) ) (٨) .

قال :

فأمّا ما رواه علي بن الحسن ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة ، عن محمد بن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن عبيد الله الحلبي ،

__________________

(١) المختلف ١ : ١٨٥ ، المنتهىٰ ١ : ١١١ .

(٢) المختلف ١ : ١٨٦ .

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٣٥٢ .

(٤ و ٥) المختلف ١ : ١٨٦ .

(٦) النهاية لابن الاثير ٥ : ٢١٢ .

(٧) القاموس المحيط ١ : ١٤٣ .

(٨) ما بين القوسين ليس في « فض » .


عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الحائض ما يحل لزوجها منها ؟ قال : « تتزر بإزار إلىٰ الركبتين وتخرج سرّتها ثم له ما فوق الإزار » .

عنه ، عن علي بن أسباط ، عن عمه يعقوب بن سالم الأحمر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عن الحائض ما يحل لزوجها منها ؟ قال : « تتزر بإزار إلىٰ الركبتين وتخرج ساقيها وله ما فوق الإزار » .

عنه ، عن العباس بن عامر ، عن حجاج الخشاب ، قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحائض والنفساء ما يحل لزوجها منها ؟ قال (١) : « تلبس درعاً ثم تضطجع معه » .

فالوجه في هذه الاخبار أحد شيئين ، أحدهما : أن نحملها علىٰ ضرب من الاستحباب ، والأولة علىٰ الجواز ورفع الحظر ، والثاني : أن نحملها علىٰ ضرب من التقية لأنّها موافقة لمذاهب كثير من العامة .

فأمّا ما رواه علي بن الحسن ، عن العباس بن عامر ، وجعفر بن محمد بن حكيم ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ما يحلّ له من الطامث ؟ قال : « لا شي‌ء حتىٰ تطهر » .

فالوجه في قوله : « لا شي‌ء » أن يكون محمولاً علىٰ أنّه لا شي‌ء له من الوطء (٢) وإن كان له ما دون ذلك ، والوجهان الأولان اللذان ذكرناهما في الأخبار المتقدمة ممكنان (٣) أيضاً في هذا الخبر .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٢٩ / ٤٤٤ : فقال .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٣٠ / ٤٤٥ زيادة : في الفرج .

(٣) في « فض » : فيمكنان ، وفي « رض » : يمكنان ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٠ / ٤٤٥ .


السند‌ :

في الجميع قد كرّرنا القول فيه في الكتاب بما يغني عن الإعادة ، غير أنّه ينبغي أن يعلم أنّ يعقوب بن سالم اتفق أنّ الشيخ ذكره بهذه الصورة : يعقوب بن سالم أخو أسباط السراج ، في رجال الصادق عليه‌السلام من كتابه (١) ، وفي رجال الكاظم والصادق عليهما‌السلام قال : يعقوب بن سالم الأحمر الكوفي (٢) .

وذكر في النجاشي يعقوب بن (٣) السراج وأنّه ثقة مع ذكره يعقوب بن سالم الأحمر وأنّه أخو أسباط ووثّقه (٤) ، وظاهر الحال المغايرة .

وكلام الشيخ يوهم أنّ يعقوب بن سالم هو السرّاج ، لكن الظنّ أنّ ذكر السراج سبق قلم من الشيخ .

والعجب أنّ جدّي قدس‌سره كتب في فوائد الخلاصة ـ حيث قال العلّامة : إنّ يعقوب بن سالم أخو أسباط ـ : جعله أخا أسباط ، يقتضي كون أسباط أشهر منه ، مع أنّه لم يذكره ـ يعني العلّامة ـ في القسمين ولا غيره ، مع أنّه كثير الرواية (٥) .

والحال أنّ النجاشي ذكره (٦) ، والشيخ في الفهرست (٧) وكتاب ‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٣٧ / ٦٥ .

(٢) رجال الطوسي : ٣٦٣ / ٦ ، ٣٣٦ / ٥٤ .

(٣) ليست في النجاشي .

(٤) رجال النجاشي : ٤٥١ / ١٢١٧ و ٤٤٩ / ١٢١٢ .

(٥) حواشي الشهيد الثاني علىٰ الخلاصة : ٢٣ ( مخطوط ) .

(٦) رجال النجاشي : ١٠٦ / ٢٦٨ .

(٧) الفهرست : ٣٨ / ١١٢ .


الرجال (١) إلّا أنّهما لم يتعرضا له بمدح ولا قدح ، والعذر لجدّي قدس‌سره من جهة النجاشي واضح ، إذ لم يكن عنده ، أمّا غيره فلا عذر له .

المتن :

ما قاله الشيخ لا يخلو من وجه ، إلّا أنّ حديث الخشاب يقتضي اختلاف مراتب الاستحباب كما لا يخفىٰ ، وما قدّمناه من جهة الإيقاب قد عرفت الحال فيه ، فقول الشيخ : يحمل الأولة علىٰ الجواز ورفع الحظر ، علىٰ الإطلاق مشكل .

وفي المختلف استدل للمرتضىٰ رضي‌الله‌عنه بالرواية الاُولىٰ والثانية ، وزاد الاستدلال بالآية أعني قوله تعالىٰ ( وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ) (٢) وبقوله تعالىٰ ( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ) (٣) أي في زمن المحيض .

وأجاب العلّامة عن الآية الاُولىٰ بأنّ حقيقة القرب ليست مرادة بالإجماع ، فيحمل علىٰ المجاز المتعارف وهو الجماع في القبل ، لأنّ غيره نادر .

وعن الآية الثانية بأنّه يحتمل إرادة موضع الحيض بل هو المراد قطعاً ، فإنّ اعتزال النساء مطلقاً ليس مراداً ، بل اعتزال الوطء في القبل .

وعن الحديث بالحمل علىٰ الكراهة (٤) .

وأنت خبير بأنّ ما ذكره في الآية الاُولىٰ : من أنّ إرادة حقيقة القرب ليست مرادة . حق ، أمّا الحمل علىٰ المجاز المتعارف وهو الوطء في القبل ، لا يخلو من وجه .

__________________

(١) رجال الطوسي : ١٥٣ / ٢٢٠ .

(٢ و ٣) البقرة : ٢٢٢ .

(٤) المختلف ١ : ١٨٦ .


أمّا قوله في الآية الثانية : إنّ المراد موضع الحيض قطعاً . في الظاهر مجرد دعوىٰ ، فلا بد من بيان دليلها ، وكون الاعتزال ليس مراداً ، لا يدل علىٰ الاختصاص بالقبل .

ولعل الأولىٰ أن يقال : إنّ الظاهر من قوله تعالىٰ ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ . . . ) (١) إرادة محل الحيض لا زمان الحيض ، وبهذا يندفع بعض ما قدّمناه في الآية ، وذكر بعض المتأخّرين أيضاً أنّ قياس اللفظ يقتضيه ، ولسلامته من الإضمار والتخصيص اللازمين بحمله علىٰ المصدر (٢) . وفيه بحث إلّا أنّ مقام التأييد واسع الباب .

واعلم أنّ رواية الحلبي مروية في الفقيه بطريقه الصحيح (٣) ، وقد أجاب بعضهم عنها بأنّ دلالتها من باب مفهوم الخطاب وهو ضعيف (٤) . واعترض عليه بأنّ الظاهر كون دلالتها من باب مفهوم الحصر (٥) . ولا يخلو من تأمّل .

وما ذكره الشيخ في تأويل الخبر الأخير لا يخفىٰ أنّه لا يطابق الخبر ، لأنّ قوله : « لا شي‌ء » في جواب : ما يحل له ؟ لا يقبل التأويل .

نعم الحمل علىٰ الكراهة أو التقية له وجه ، وقد نقل أهل الخلاف في أحاديثهم أنّ عائشة قالت : كان يأمرني فأتّزر فيباشرني وأنا حائض (٦) ، وذكر ابن الأثير في شرح الحديث أنّه دال علىٰ جواز المباشرة فوق الإزار ،

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢ .

(٢) المدارك ١ : ٣٥١ .

(٣) الفقيه ١ : ٥٤ / ٢٠٤ ، الوسائل ٢ : ٣٢٣ أبواب الحيض ب ٢٦ ح ١ .

(٤) كالمحقق الحلي في المعتبر ١ : ٢٢٥ .

(٥) كما في مدارك الأحكام ١ : ٣٥٣ .

(٦) صحيح البخاري ١ : ٨٢ .


وأمّا تحت الإزار فقد اختلف الفقهاء فيه .

وما تضمنه حديث أبي بصير من قوله : « تخرج ساقيها » يحتمل أن يكون سهواً ، وإنّما هو : وتخرج سرّتها . كما في خبر الحلبي ، ويحتمل الصحة بأن يراد بإخراج الساق عدم وصول المئزر إليه . وقوله : « وله ما فوق الإزار » ربما يدل علىٰ الاختصاص ويكون ما تحته من الساق ليس كذلك ، ويحتمل غير ذلك ، والأمر سهل مع ضعف الرواية .

قوله :

باب أقل الحيض وأكثره‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن علي بن أحمد بن أشيم ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن أدنىٰ ما يكون من الحيض ، فقال (١) « أدناه (٢) ثلاثة أيّام وأكثره عشرة » .

وبهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيىٰ قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن أدنىٰ ما يكون من الحيض ، فقال : « أدناه ثلاثة أيّام (٣) وأبعده عشرة » .

وأخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن

__________________

(١) في النسخ : قال ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٠ / ٤٤٦ .

(٢) ليست في النسخ ، أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٠ / ٤٤٦ .

(٣) ليست في النسخ ، أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٠ / ٤٤٧ .


الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن يعقوب بن يقطين ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « أدنىٰ الحيض ثلاثة وأقصاه عشرة » .

وأخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيّام ، وإذا رأت الدم قبل العشرة أيّام فهي من الحيضة الاُولىٰ ، وإذا رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضة اُخرىٰ مستقبلة » .

وبهذا الإسناد عن علي بن الحسن ، عن الحسن بن علي بن زياد الخزّاز ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن المستحاضة كيف تصنع إذا رأت الدم وإذا رأت الصفرة وكم تدع الصلاة ؟ فقال : « أقلّ الحيض ثلاثة وأكثره عشرة وتجمع بين الصلاتين » .

السند‌ :

ليس فيه من يحتاج إلىٰ البيان بعد ما قدّمناه سوىٰ علي بن أحمد بن أشيم ، وقد ذكره الشيخ في رجال الرضا عليه‌السلام من كتابه وقال : إنّه مجهول (١) . والعلّامة ذكره كذلك ، وقال : إنّ أشيم بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الياء المنقطة تحتها نقطتين (٢) .

والنضر في الحديث الثالث هو ابن سويد ، لرواية الحسين بن سعيد عنه ، كما لا يخفىٰ علىٰ الممارس .

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٨٤ / ٢٦ ، ٦٦ .

(٢) خلاصة العلّامة : ٢٣٢ / ٥ .


المتن :

في الجميع واضح الدلالة علىٰ أنّ أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة ، سوىٰ خبر محمد بن مسلم فإنّ في دلالته علىٰ الأكثر نوع إجمال ، و (١) استفادة الأكثر غير مستبعدة ، إلّا أنّ الضرورة ليست داعية إلىٰ ذلك ، أمّا استدلال العلّامة رحمه‌الله في المنتهىٰ بالحديث علىٰ أنّ أقل الطهر عشرة (٢) . فلا يخلو من وجه ، لأنّ قوله : « وإذا رأته بعد عشرة أيّام » يفيد بظاهره أنّ العشرة غير الاُولىٰ بقرينة تنكير العشرة ، غاية الأمر أنّ مبدأ العشرة غير معلوم ، وهذا لا يضر بالحال ، ( هذا كله علىٰ تقدير متن الرواية هنا .

لكن الشيخ في التهذيب رواها في الحسن ومتنها ) (٣) هكذا : « إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولىٰ وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة » (٤) .

والتعريف في العشرة الثانية يشكل معه الحال في الاستدلال علىٰ أنّ أقل الطهر عشرة ، إلّا أن يقال : إنّ عشرة الاُولىٰ هي عشرة الطهر ، والمعنىٰ أنّ الدم قبل عشرة أيّام من الحيضة الاُولىٰ ، وبعد العشرة من الحيضة الثانية ، فتكون العشرة الثانية هي والجميع هي الطهر ، فلا يدل علىٰ أكثر الحيض حينئذ ، ولا يتم استدلال العلّامة بها علىٰ أنّ ما تراه من الثلاثة إلىٰ العشرة ثم ينقطع حيض (٥) .

__________________

(١) في « فض » : أي .

(٢) المنتهىٰ ١ : ٩٩ .

(٣) ما بين القوسين ليس في « فض » .

(٤) التهذيب ١ : ١٥٩ / ٤٥٤ ، الوسائل ٢ : ٢٩٩ أبواب الحيض ب ١٢ ح ١ .

(٥) المنتهىٰ ١ : ٩٨ .


نعم علىٰ بعض الاحتمالات قد يتم كلامه كما ذكرناه في حاشية التهذيب ولا يخلو من تأمّل علىٰ ما أظنه الآن ، واعتراض بعض محقّقي المتأخّرين ـ سلّمه الله ـ علىٰ العلّامة بتقدير ذكر الحديث علىٰ ما في التهذيب (١) . له وجه .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الأصحاب قد اختلفوا في أنّ الثلاثة هل يشترط تواليها أم يكفي كونها في جملة العشرة ، فالمنقول عن الشيخ قولان ، أحدهما : اشتراط التوالي (٢) ، وإليه ذهب جماعة (٣) ، وثانيهما : عدم الاشتراط ، وهو منقول عن النهاية وابن البراج (٤) .

والعلّامة في المختلف اختار التوالي ، واحتج عليه بأنّ الصلاة ثابتة في الذمّة بيقين ، فلا يسقط التكليف بها إلّا مع تيقّن السبب ، ولا يقين بثبوته هنا ، ولأنّ تقدير الحيض أمر شرعي غير معقول فيقف علىٰ مورد الشرع ، ولم يثبت في المتفرق (٥) .

وقد مشىٰ شيخنا قدس‌سره في الاستدلال علىٰ منهج العلّامة في الاستدلال بهذا النحو قائلاً : إنّه لا يقين مع انتفاء التوالي (٦) .

وفي نظري القاصر أنّه يتوجه علىٰ الاستدلال أنّ ثبوت العبادة بيقين إن كان مع وجود صفة الدم المذكور في الأخبار المعتبرة أنّ المرأة تترك الصلاة مع وجودها ، فظاهر الدفع .

__________________

(١) كالشيخ البهائي في الحبل المتين : ٤٨ .

(٢) نقله عنه في المختلف ١ : ١٩٢ ، وهو في الجمل والعقود : ١٦٣ والمبسوط ١ : ٤٢ .

(٣) منهم المحقق في الشرائع ١ : ٢٩ والشهيد في الدروس ١ : ٩٧ وصاحب المدارك ١ : ٣٢٠ .

(٤) نقله عنهما في المختلف ١ : ١٩٣ وهو في النهاية : ٢٦ والمهذب ١ : ٣٤ .

(٥) المختلف ١ : ١٩٣ .

(٦) المدارك ١ : ٣٢٠ .


وقد صرّح به العلّامة وشيخنا (١) قدس‌سرهما في المبتدئة ، حيث ذهبا إلىٰ أنّها تتحيّض برؤيته من دون انتظار ثلاثة أيّام ، لعموم قوله عليه‌السلام : « فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة » .

قال شيخنا قدس‌سره : ويشهد له صحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أيّ ساعة رأت الدم فهي تفطر الصائمة » وهذه كما ترىٰ تدل علىٰ أنّ ثبوت العبادة بيقين غير معلوم .

وإن أراد مع عدم صفة الدم فلا ريب في انتفاء القول فيه .

نعم زاد شيخنا قدس‌سره في الاستدلال أنّ المتبادر من قولهم : أدنىٰ الحيض ثلاثة . التوالي (٢) ، وهذا لا يخلو من وجه وإن أمكن أن يقال : إنّهم قالوا أيضاً : وأكثره عشرة ، ولا يعتبر التوالي قطعاً ، والفرق بين الثلاثة والعشرة غير واضح ، إلّا بأن يقال : إنّ العشرة خرجت بالإجماع .

أمّا استدلال العلّامة بأنّ تقدير الحيض ، إلىٰ آخره ، فالذي يتوجه عليه غير محتاج إلىٰ البيان ، إذ المتوالي أيّ بيان له من الشارع ؟ .

وينقل عن الشيخ أنّه احتج لعدم اعتبار التوالي بالرواية المذكورة هنا عن محمد بن مسلم علىٰ ما في التهذيب من المتن (٣) ، وهو : « إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولىٰ ، وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة » .

واُجيب عن الرواية : بأنّ مقتضاها أنّ ما تراه في العشرة فهو من الحيضة الاُولىٰ ، ولا نزاع فيه ، لكن لا بد من تحقق الحيض أولا (٤) .

__________________

(١) المختلف ١ : ١٩٨ ، المدارك ١ : ٣٢٩ .

(٢ و ٣) المدارك ١ : ٣٢٠ .

(٤) المدارك ١ : ٣٢٠ .


( وقد يقال إنّ في الجواب تأمّلاً ) (١) لأنّ الرواية إذا سلّم دلالتها علىٰ أنّ ما تراه في جملة العشرة فهو حيض بناء علىٰ أنّ معنىٰ الرواية هذا ، فكلام الشيخ له وجه ، لأنّ من أفراده أن ترىٰ ثلاثة في جملة عشرة ، ولو حملت الرواية علىٰ أنّ الثلاثة تحققت بالتوالي ثم ما تراه بعد ذلك إلىٰ العشرة فهو من الحيضة الاُولىٰ ، لم يتم مراد الشيخ ، إلّا أنّ ترجيح هذا المعنىٰ من أين ؟ والشيخ يكفيه الإطلاق في الاستدلال ، إلّا علىٰ الاحتمال الذي قدّمناه ، فإنّ الاستدلال بها يحتمل ، كما لا يخفىٰ علىٰ المتأمّل .

والأولىٰ في الجواب أن يقال : إنّ الظاهر من الرواية حصول الثلاثة المتوالية لا مجرد وجود الدم بصفة الحيض .

وقد يناقش في هذا : بأنّ التوالي كيف يعلم من الرواية ؟

ويجاب : بأنّ قوله : فهو من الاُولىٰ . يشعر به ، إلّا أن يقال : إنّ القائل بعدم التوالي يجوّز كون الثلاثة في جملة خمسة ، وحينئذ يتحقق الحيضة الاُولىٰ ، فليتأمّل .

والعلّامة نقل الاستدلال للشيخ برواية مرسلة رواها يونس عن بعض رجاله (٢) . ولا أرىٰ في ذكرها مع الإرسال فائدة .

نعم ينبغي أن يعلم أنّ جدّي قدس‌سره قال في شرح الإرشاد : وعلىٰ هذا القول ـ يعني عدم اعتبار التوالي ـ لو رأت الأوّل والخامس والعاشر ، فالثلاثة حيض لا غير ، فإذا رأت الدم يوماً وانقطع فإن كان يغمس القطنة وجب الغسل ، لأنّه إن كان حيضاً فقد وجب الغسل للحكم بأنّ أيّام النقاء طهر ، وإن لم يكن حيضاً فهو استحاضة ، والغامس منها يوجب الغسل ،

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « فض » .

(٢) المختلف ١ : ١٩٣ .


وإن لم يغمسها وجب الوضوء خاصة لاحتمال كونه استحاضة ، فإن رأته مرّة ثانية يوماً مثلاً (١) وانقطع فكذلك ، فإذا رأته ثالثة في العشرة ثبت أن الأوّل حيض ، وتبيّن بطلان ما فعلت بالوضوء ، إذ قد ثبت أنّ الدم حيض يوجب انقطاعه الغسل (٢) . انتهىٰ .

وفي نظري القاصر أنّ هذا الكلام من جدّي قدس‌سره إلزام للشيخ ومن يقول بمقالته ، من حيث إنّ القائلين بعدم التوالي يلزمهم أن لا يتحقق الفرق بين أقل الحيض وأكثره في صورة رؤية الدم أول يوم والخامس والعاشر إذا كان الجميع حيضاً ، ولو كان الثلاثة فقط هي الحيض لزم الإشكال الذي ذكره ، ( لا أنّ ) (٣) القائل به معترف بما ذكره ، فإنّ الإجماع مدّعىٰ علىٰ أنّ الطهر لا يكون أقل من عشرة أيّام .

وصرّح جماعة من الأصحاب منهم المحقق في المعتبر (٤) والعلّامة في المنتهىٰ : بأنّ المرأة لو رأت ثلاثة ثم رأت العاشر كان الجميع حيضاً (٥) .

ومن هنا يعلم أنّ ما اعترض به بعض المتأخّرين ، وتبعه شيخنا قدس‌سره علىٰ جدّي قدس‌سره : من أنّ مقتضىٰ كلامه أنّ أيّام النقاء المتخلّلة بين أيّام رؤية الدم يكون طهراً ، وهو خلاف الإجماع (٦) . لا وجه له بعد ما قلناه ، غاية الأمر أنّ قول جدّي قدس‌سره يوهم ذلك .

وأمّا ما قد يتخيل من عدم تحقق الأقل . فيدفعه أنّ الشيخ ومن معه (٧)

__________________

(١) ليست في « فض » .

(٢) روض الجنان : ٦٣ .

(٣) بدل ما بين القوسين في « د » : إذ .

(٤) المعتبر ١ : ٢٠٣ .

(٥) المنتهىٰ ١ : ٩٨ .

(٦) المدارك ١ : ٣٢١ .

(٧) راجع ص ٣١٢ .


لا يقولون بتعيّن عدم التوالي ، بل إنّ التوالي ليس بشرط ، فالأقل عندهم يتحقق مع التوالي وعدمه ، والإلزام من جدّي قدس‌سره لهم أن يخرجوا عنه بأنّه لا يحكم بالحيض إلّا بتمام العشرة ، وفيها لا يحكم بالحيض بل يحكم بأفعال المستحاضة أو غير ذلك .

ثم قد يتوجه علىٰ جدّي قدس‌سره أنّ قوله : وإن لم يغمسها وجب الوضوء خاصة . محل بحث ، لأنّ الحيض لا يعتبر فيه الكثرة فاحتماله موجود ، وإذا وجب الغسل مع الكثرة وجب مع القلة ، والفرق غير ظاهر الوجه ، وبالجملة فالكلام محل إبهام إلّا أنّ مقصوده ما سمعته علىٰ ما أظن .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ للأصحاب خلافاً علىٰ القول بالتوالي ، والأكثر علىٰ الاكتفاء برؤية الدم في كل يوم من الأيّام الثلاثة وقتاً مّا عملاً بالعموم (١) .

وقيل : يشترط اتصاله في مجموع الأيّام الثلاثة (٢) . وذهب بعض إلىٰ اعتبار حصوله في أول اليوم الأوّل وآخر الآخر وفي أيّ جزء كان من الوسط (٣) . ولم أقف علىٰ أدلّة القولين .

بقي في المقام شي‌ء ، وهو أنّ ما أوردناه علىٰ العلّامة وشيخنا قدس‌سره من جهة استدلالهم المذكور (٤) بأنّ ما دل علىٰ اعتبار أوصاف الدم وكون وجدانها موجباً لترك العبادة إلزامي لهم بما ذكروه من الأخبار في المبتدئة .

والذي وقفت عليه من الأخبار في ذلك لم يحضرني الآن صحته ،

__________________

(١) المدارك ١ : ٣٢٢ .

(٢) جامع المقاصد ١ : ٢٨٧ .

(٣) نفىٰ عنه البُعد في حبل المتين : ٤٧ .

(٤) في ص ٣١٢ .


وصحيح منصور بن حازم المذكور من شيخنا قدس‌سره (١) لم أقف الآن عليه ، والله تعالىٰ أعلم بحقيقة الحال .

اللغة :

قال ابن الأثير في إحكام الأحكام : يقال : حاضت المرأة وتحيّضت تحيض حيضاً ومحاضاً (٢) ومحيضا ، إذا سال الدم منها في نوبة معلومة ، وإذا استمر من غير نوبة قيل : استحيضت فهي مستحاضة .

ومن هنا يعلم أنّ قوله في حديث محمد بن مسلم الأخير سألته عن المستحاضة كيف تصنع إذا رأت الدم وإذا رأت الصفرة وكم تدع الصلاة ؟ يمكن أن يراد به المستحاضة بالمعنىٰ الذي ذكره ابن الأثير ، وإن أمكن التوجيه علىٰ تقدير إرادة المستحاضة وهي من يسيل دمها متجاوزاً أيّام الحيض بنوع من التقريب ، لكنه بعيد عن المساق .

وفي القاموس : المستحاضة من يسيل دمها لا من الحيض (٣) . وهذا المعنىٰ غير مراد من الحديث في الظاهر .

قال :

فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إنّ أكثر ما يكون الحيض ثمان وأدنىٰ ما يكون ثلاثة » .

__________________

(١) المدارك ١ : ٣٢٩ .

(٢) في « رض » : محياضاً .

(٣) القاموس المحيط ٢ : ٣٤١ .


فهذا الخبر لا ينافي ما قدمناه من الأخبار ، لإجماع الطائفة علىٰ خلافه ، وأنّ أحداً من أصحابنا لم يعتبر في أقصىٰ مدّة أيّام الحيض أقل من عشرة أيّام ، ولو سلّم لجاز أن نحمله علىٰ امرأة كانت عادتها ثمانية أيّام ثم استحيضت فأنّ أكثر ما يجب عليها أن تترك الصلاة أيّام عادتها وهي ثمانية أيّام علىٰ ما بيّناه في كتاب تهذيب الأحكام (١) .

السند‌ :

واضح لا ارتياب فيه .

المتن :

ما ذكره الشيخ فيه في غاية التكلّف بسبب البعد عن ظاهر الحديث ، وأظنّ أنّ الأقرب إلىٰ مدلوله إرادة : أكثر عادات النساء الثمانية ، فقوله عليه‌السلام : « إنّ أكثر ما يكون الحيض » إلىٰ آخره ، يراد به أنّ غالب العادات ثمانية أيّام ، وهو كذلك .

ثم إنّ قول الشيخ : فإنّ أكثر ما يجب عليها أن تترك الصلاة أيّام عادتها ، إلىٰ آخره ، لا يخلو من إجمال ، فإنّ المشهور كون الانقطاع علىٰ العاشر يوجب كون الجميع حيضاً وإن كان في استفادة هذا الحكم من الأخبار نظر .

ويمكن توجيه كلام الشيخ بأنّ مراده أنّ وجوب الترك لا يتحقق إلّا في الثمانية لكن إذا انقطع علىٰ العاشر تبيّن بطلان ما فعلت من‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٥٧ / ٤٥٠ ، الوسائل ٢ : ٢٩٧ أبواب الحيض ب ١٠ ح ١٤ .


العبادة ، وأمّا أيّام الاستظهار فلا يشكل الحال فيها ، فإنّ جواز ترك العبادة أيّام الاستظهار لا ينافي قوله : يجب عليها أن تترك أيّام عادتها ، كما لا يخفىٰ .

قال :

باب أقلّ الطهر‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن صفوان ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « لا يكون القرء أقلّ من عشرة أيّام (١) ، فما زاد أقل ما يكون عشرة من حين تطهر إلىٰ أن ترىٰ الدم » .

السند‌ :

لا ارتياب فيه .

المتن :

لا يخلو من إجمال بالنظر إلىٰ تركيب لفظه ، ويخطر في البال أنّ قوله : « فما زاد » كلام مستأنف في الجملة ، والمعنىٰ أنّ ما زاد عن الأقل من عشرة أقل ما يكون عشرة ، لأنّ مراتب الزيادة عن الأقل من عشرة كثيرة فبيّن عليه‌السلام أنّ أقلها عشرة .

وفي كلام بعض محقّقي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ ما هذه صورته : قوله عليه‌السلام : « فما زاد » المتبادر منه إرادة أنّه لا يكون أقل من عشرة فصاعداً ،

__________________

(١) ليست في الاستبصار ١ : ١٣١ / ٤٥٢ .


ولا يخلو من إشكال بحسب المعنىٰ ، فلعلّ التقدير : فالقرء ما زاد ، علىٰ أن يكون الفاء فصيحة ، أي إذا كان كذلك فالقرء ما زاد علىٰ أقل من عشرة ، وقوله عليه‌السلام : « أقل ما يكون عشرة » إلىٰ آخره لعله إنّما ذكره عليه‌السلام للتوضيح ودفع ما عساه يتوهم من أنّ المراد بالقرء المعنىٰ الآخر ، ولفظ يكون تامة ، وعشرة بالرفع خبر (١) . انتهىٰ . ولا يخفىٰ عليك حقيقة الحال .

اللغة :

قال في النهاية : فيه « دَعي الصلاة أيّام أقرائك » وقد تكرّرت هذه اللفظة في الحديث مفردة ومجموعة ، والمفردة بفتح القاف ، وتجمع علىٰ أقراء وقروء ، وهو من الأضداد يقع علىٰ الطهر ، وإليه ذهب الشافعي وأهل الحجاز ، وعلىٰ الحيض ، وإليه ذهب أبو حنيفة وأهل العراق ، والأصل في القرء الوقت المعلوم ، فلذلك وقع علىٰ الضدّين لأنّ لكل منهما وقتاً ، وأقرأت المرأة : إذا حاضت وإذا طهرت (٢) .

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن يونس ابن يعقوب ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام المرأة ترىٰ الدم ثلاثة أيّام أو أربعة قال : « تدع الصلاة » قلت : فإنّها ترىٰ الطهر ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام قال : « تصلي » قلت : فإنّها ترىٰ الدم ثلاثة أيّام أو أربعة‌

__________________

(١) الشيخ البهائي في الحبل المتين : ٤٨ .

(٢) النهاية لابن الاثير ٤ : ٣٢ .


[ أيّام ] (١) قال : « تدع الصلاة » قلت : فإنّها ترىٰ الطهر ثلاثة أيّام أو أربعة [ أيام ] (٢) قال : « تصلي » قلت : فإنّها ترىٰ الدم ثلاثة أيّام أو أربعة [ أيّام ] (٣) قال : « تدع الصلاة ، تصنع ما بينها وبين شهر فإن انقطع عنها ، وإلّا فهي بمنزلة المستحاضة » .

وما رواه سعد بن عبد الله ، عن السندي بن محمد البزاز ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ترىٰ الدم خمسة أيّام والطهر خمسة أيّام وترىٰ الدم أربعة أيّام والطهر ستة أيام ، فقال : « إن رأت الدم لم تصلِّ وإن رأت الطهر صلّت ما بينهما وبين ثلاثين يوماً ، فإذا تمّت ثلاثون يوماً فرأت الدم دماً صبيباً (٤) اغتسلت واستثفرت (٥) واحتشت بالكرسف في وقت كل صلاة ، فإذا رأت صفرة توضّأت » .

فالوجه في هذين الخبرين أن نحملهما علىٰ امرأة اختلطت عادتها في الحيض وتغيّرت عن أوقاتها وكذلك أيّام أقرائها واشتبه عليها صفة الدم فلا (٦) يتميز لها دم الحيض من غيره ، فإنّه إذا كان كذلك ففرضها إذا رأت الدم أن تترك الصلاة ، وإذا رأت الطهر صلّت إلىٰ أن تعرف عادتها ، ويحتمل أن يكون هذا حكم امرأة مستحاضة اختلطت عليها أيّام الحيض ، وتغيّرت عادتها ، واستمر بها الدم وتشتبه (٧) صفة الدم

__________________

(١ و ٢ و ٣) أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣١ / ٤٥٣ .

(٤) في الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ : صبياً .

(٥) في الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ : استشفرت .

(٦) في الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ : ولا .

(٧) في « رض » و « د » : واشتبهت ، وفي « فض » : وسهت . وما اثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ .


فترىٰ ما يشبه دم الحيض ثلاثة [ أيام أو ] (١) أربعة أيّام ، وترىٰ ما يشبه دم الاستحاضة مثل ذلك ، ولم يتحصل لها العلم بواحد منهما ، فإنّ فرضها أن تترك الصلاة كل ما رأت ما يشبه دم الحيض ، وتصلّي كل ما رأت ما يشبه دم الاستحاضة إلىٰ شهر ، وتعمل بعد ذلك ما تعمله المستحاضة ، ويكون قوله : رأت الطهر ثلاثة أيام أو أربعة أيّام . عبارة عمّا يشبه دم الاستحاضة لأن الاستحاضة بحكم الطهر ، ولأجل ذلك قال في الخبر : « ثم تعمل ما تعمله (٢) المستحاضة » وذلك لا يكون إلّا مع استمرار الدم ، وقد دل علىٰ ذلك الخبر الذي أوردناه في كتابنا الكبير عن غير واحد سألوا أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحيض والسنّة فيه (٣) .

السند‌ :

في الأوّل : موثق بيونس ( بن يعقوب ) (٤) فإنّ النجاشي قال : إنّه كان أخصّ بأبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام ، وكان يتوكّل لأبي الحسن عليه‌السلام ، ومات بالمدينة في أيّام الرضا عليه‌السلام فتولّىٰ أمره ، وكان حَظيّاً عندهم موثّقاً ، وقد قال بعبد الله ورجع (٥) .

والشيخ أيضاً في كتاب الرجال ذكره في رجال الكاظم عليه‌السلام وأنّه ثقة (٦) .

__________________

(١) ما بين المعقوفين اثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ .

(٢) في النسخ : تعمل ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ .

(٣) التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٨١ أبواب الحيض ب ٥ ح ١ .

(٤) ما بين القوسين ليس في « فض » .

(٥) رجال النجاشي : ٤٤٦ / ١٢٠٧ ، بتفاوت يسير .

(٦) رجال الطوسي : ٣٦٣ / ٤ .


وابن بابويه في أسانيد الفقيه ذكر أنّه فطحيّ ولم يذكر الرجوع (١) .

وربما يحصل المعارضة لقول النجاشي بالرجوع ، إلّا أن يحمل كلام الصدوق علىٰ ما قيل ، وعلىٰ كل حال لا يفيد هذا فائدة .

والعلّامة في الخلاصة قال : وروىٰ الكشي أحاديث حسنة تدل علىٰ حسن عقيدة هذا الرجل والذي أعتمد عليه قبول روايته (٢) .

وهذا لا يخلو من غرابة ، أمّا أوّلاً : فلأنّ الأخبار التي رواها الكشي ليس فيها حسن ولا صحيح ، إلّا أن يريد غير المعنىٰ المصطلح عليه .

وأمّا ثانياً : فلأنّ قبول روايته مع كونه فطحيّاً دون غيره كما يظهر منه رحمه‌الله غير ظاهر الوجه ، والرجوع غير معلوم التاريخ ، لتعلم الرواية قبل أو بعد ، وهو أعلم بمراده .

وأما الثاني : ففيه أبو بصير ، وقد تقدّم القول فيه (٣) ، والسندي بن محمد ثقة ويسمىٰ أبان (٤) إلّا أن وصفه بالبزّاز لم أره في الرجال .

المتن :

في الخبرين لا يخلو من غرابة ، وظاهر الصدوق في الفقيه العمل بمضمون الرواية الثانية ، فإنّه نقل متنها في الكتاب .

وما ذكره الشيخ في التوجيه الأوّل ظاهره أنّه فهم من الروايتين أنّ الدم كان يوجد ثلاثة أيّام أو أربعة ثم ينقطع وهكذا ، والذي يقتضيه آخر

__________________

(١) مشيخة الفقيه ( الفقيه ٤ ) : ١٠٥ .

(٢) خلاصة العلّامة : ١٨٥ / ٢ .

(٣) راجع ص ١٠١ ـ ١٠٤ وج ١ : ٧٣ ، ٨٤ .

(٤) في النسخ : بنان ، وما أثبتناه من رجال النجاشي : ١٨٧ / ٤٩٧ ، وخلاصة العلّامة : ٨٢ / ٢ .


الرواية الاُولىٰ من قوله : « فإن انقطع عنها وإلّا فهي مستحاضة » أنّ الدم مستمر ، وإنّما كانت تراه بصفة دم الحيض أيّاماً وبصفة دم الاستحاضة أيّاماً كما يقتضيه التوجيه الثاني من الشيخ ، وإن أشكل التوجيه الثاني أيضاً بأنّ الشيخ فهم من قوله عليه‌السلام : ثم تعمل ما تعمله المستحاضة ، أنّ المراد في الأيّام التي يشبه دمها دم الاستحاضة .

والذي أفهمه أنّ المراد كونها تعمل بعد الثلاثين إذا استمرّ الدم .

وفي المعتبر قال المحقق بعد نقل كلام الشيخ في هذا الكتاب : وهذا تأويل لا بأس به ، ثم قال : ولا يقال : إنّ الطهر لا يكون أقل من عشرة ، لأنّا نقول : هذا حق ، لكن ليس هذا طهراً علىٰ اليقين ولا حيضاً ، بل هو دم مشتبه تعمل فيه بالاحتياط (١) . انتهىٰ .

ولا يخفىٰ عليك أنّ قوله : تعمل فيه بالاحتياط . خلاف مدلول الرواية .

ومن العجب أنّ العلّامة في المختلف بعد نقل قول ابن بابويه ، وأنّه مناسب لما ذكره الشيخ في النهاية ، قال : والظاهر أنّ مراد ابن بابويه والشيخ أنّها ترىٰ الدم بصفة دم الحيض أربعة أيّام ، والطهر الذي هو النقاء خمسة ، وترىٰ تتمة العشرة أو الشهر بصفة دم الاستحاضة ، فإنّها تتحيّض بما هو صفة دم الحيض ولا يحمل ذلك علىٰ ظاهره (٢) .

ثم إنّه ذكر احتجاج الشيخ وابن بابويه بالروايتين المبحوث عنهما ولم يذكر الجواب عنهما ، ( فإن كان ) (٣) ذلك بناءً منه علىٰ تأويل كلامهما ،

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢٠٧ .

(٢) المختلف ١ : ٢٠٤ وهو في الفقيه ١ : ٥٤ ، والنهاية : ٢٤ .

(٣) في « رض » : فإنّ كل .


فيكون التأويل في الروايتين أيضاً ، فهو بمراحل عن الروايتين ، وبالجملة فالكلام في الروايتين لا يخلو من خطر ، ولعل من لا يعمل بالموثق في راحة من تكلّف التوجيه .

وأمّا الحديث الذي رواه الشيخ في كتابه الكبير (١) فالأمر في دلالته أشكل من التوجيه ، كما يعلمه من راجعه ، ولولا أنّ سنده غير سليم حيث رواه محمد بن عيسىٰ ، عن يونس ، عن غير واحد ، لنقلته هنا .

وينبغي أن يعلم أنّ ظاهر الخبر الثاني حيث قال فيه : « فرأت الدم (٢) صبيباً اغتسلت واستثفرت (٣) واحتشت بالكرسف في وقت كل صلاة » وجوب جميع ما ذكر (٤) في وقت كل صلاة ، والحال أنّ الغسل لا يجب كذلك ، بل ولا غيره .

ويمكن الجواب بأنّ الخبر في حيّز الإجمال ، والمبيّن غيره من الأخبار ، كما أنّ قوله : « فإذا رأت صفرة توضّأت » لا يخلو من إشكال أيضاً ، إلّا أنّ ضعف الرواية يسهل الخطب .

اللغة :

قال في النهاية : في الحديث أنّه أمر المستحاضة أن تستثفر ، هو أن تشد فخذها (٥) بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنا وتُوثِق طرفيها في شي‌ء

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٧٦ أبواب الحيض ب ٣ ح ٤ .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ زيادة : دماً .

(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ : واستشفرت .

(٤) في « فض » زيادة : و .

(٥) في النهاية : فرجها .


تشدّه علىٰ وسطها فتمنع بذلك سيل الدم ، مأخوذ من ثَفَر الدابة الذي جعل (١) تحت ذنبها (٢) .

قال :

باب ما يجب علىٰ من وطئ امرأة حائضاً من الكفّارة‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد ابن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشّاء ، عن عبد الله بن سنان ، عن حفص ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألته عمّن أتىٰ امرأته وهي طامث ، قال : « يتصدق بدينار ويستغفر الله تعالىٰ » .

وأخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد بن عيسىٰ ، عن النضر بن سويد ، عن يحيىٰ بن عمران الحلبي ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من أتىٰ حائضاً فعليه نصف دينار يتصدق به » .

وبهذا الإسناد عن علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة ، عن محمد بن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبيد الله بن علي الحلبي : عن الرجل يقع علىٰ امرأته وهي حائض ما عليه ؟ قال : « يتصدق علىٰ مسكين بقدر شُعبه » .

وأخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن صفوان ، عن أبان ، عن

__________________

(١) في النهاية : يجعل .

(٢) النهاية لابن الأثير ١ : ٢١٤ ( ثفر ) .


عبد الكريم بن عمر وقال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أتىٰ جاريته وهي طامث ، قال : « يستغفر الله » قال عبد الكريم فإنّ الناس يقولون : عليه نصف دينار أو دينار ؟ قال (١) عليه‌السلام : « فليتصدّق علىٰ عشرة مساكين » .

قال (٢) محمد بن الحسن (٣) : الوجه (٤) في الجمع بين هذه الأخبار أن نحمل الوطء إذا كان في أول الحيض يلزمه دينار ، وإذا كان في وسطه نصف دينار ، وإذا كان في آخره ربع دينار ، وربما كان ( قيمته مقدار الصدقة ) (٥) علىٰ عشرة مساكين ، ومتىٰ عجز عن ذلك أجزأه الصدقة علىٰ مسكين (٦) بقدر شبعه ، لتلائم الأخبار .

والذي يدل علىٰ هذا التفصيل :

ما أخبرني به الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن محمد (٧) بن يحيىٰ ، عن بعض أصحابه (٨) ، عن الطيالسي ، عن أحمد بن محمد ، عن داود بن فرقد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في كفارة الطمث أنّه : « يتصدق إذا كان في أوله بدينار ، وفي أوسطه نصف دينار ، وفي آخره ربع دينار » قلت : فإن لم يكن عنده ما يكفّر ؟

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٨ : فقال أبو عبد الله .

(٢) في الاستبصا ر ١ : ١٣٣ / ٤٥٨ زيادة : الشيخ أبو جعفر .

(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٨ زيادة : رحمه الله .

(٤) في الاستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٨ : فالوجه .

(٥) في « فض » و « د » : قيمة مقدار الصدقة ، وفي « رض » : مقدار قيمة الصدقة ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٨ .

(٦) في الاستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٨ زيادة : واحد .

(٧) في الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٥٩ زيادة : بن أحمد .

(٨) في الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٥٩ : أصحابنا .


قال : « فليتصدّق علىٰ مسكين واحد ، وإلّا استغفر الله ولا يعود ، فإنّ الاستغفار توبة وكفّارة لكل من لم يجد السبيل إلىٰ شي‌ء من الكفارة » .

السند‌ :

في الأوّل : قد تكرّر القول في رجاله ، غير أنّ الحسن بن علي الوشّاء قد وقع للعلّامة فيه شي‌ء لم يتقدّم ذكره ولا بأس بالتنبيه عليه ، فاعلم أنّ النجاشي قال : قال أبو عمرو : يكنىٰ بأبي محمد الوشّاء ، وهو ابن بنت إلياس الصيرفي خزاز من أصحاب الرضا عليه‌السلام (١) .

والعلّامة في الخلاصة قال : قال الكشي : يكنىٰ بأبي محمد الوشاء وهو ابن بنت إلياس الصيرفي خيّران من أصحاب الرضا عليه‌السلام (٢) . وقال في باب إلياس : إنّه خيّر (٣) .

وفي الظنّ أنّ قول العلّامة : خيّران . تصحيف لفظ خزاز في كلام النجاشي ، إما لكونه منقولاً عن الكشي ، أو أنّه من كلامه ، والعلّامة أخذ كلامه من النجاشي ولسرعة (٤) العجلة فعل ما فعل ، أو أنّه نقله من الكشي وهو مصحّف (٥) فيه ثم سرىٰ الوهم إلىٰ أن قال في اليأس : إنّه خيّر (٦) . فليتأملّ .

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٩ / ٨٠ .

(٢) خلاصة العلّامة : ٤١ / ١٦ ، إلّا أنّ فيه : خيّر من اصحاب الرضا عليه‌السلام ، وفي حاشية الكتاب : في نسخة : خيران .

(٣) خلاصة العلّامة : ٢٣ / ٢ .

(٤) في « فض » : والسرعة .

(٥) في « رض » : تصحيف .

(٦) خلاصة العلّامة : ٤١ / ١٦ .


ثم إنّ حفص المذكور في السند مشترك بين من هو ثقة وغيره (١) .

والثاني : رجاله قد تكرّر أيضاً القول فيهم بما يغني عن الإعادة ، ويحيىٰ بن عمران الحلبي ثقة .

والثالث : كذلك .

والرابع : فيه عبد الكريم بن عمرو (٢) في النسخ التي رأيناها ، وفي (٣) التهذيب عبد الملك بن عمرو (٤) .

وقال (٥) شيخنا ـ أيّده الله ـ في فوائده : وكلاهما موجودان في الرجال ، وعبد الكريم واقفي . انتهىٰ . والذي في النجاشي كما قال ـ أيّده الله ـ وفيه : أنّه ثقة ثقة وكان واقفياً (٦) . وكذلك في الكشي عن أشياخ حمدويه (٧) ، ونقل في الخلاصة عن الشيخ أنّه قال ذلك أيضاً (٨) .

وأمّا عبد الملك بن عمرو فقد روىٰ الكشي عن حمدويه ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن صالح ، عن عبد الملك ابن عمرو ، قال : قال (٩) أبو عبد الله عليه‌السلام : « إنّي لأدعو (١٠) لك حتىٰ اُسمّي دابّتك » أو قال : « أدعو لدابّتك » (١١) .

__________________

(١) هداية المحدثين : ٤٦ .

(٢) في « رض » زيادة : و .

(٣) في « رض » : في .

(٤) التهذيب ١ : ١٦٤ / ٤٧٠ ، الوسائل ٢ : ٥٧٤ أبواب الحيض ب ٢٨ ح ٢ .

(٥) في « فض » : قال .

(٦) رجال النجاشي : ٢٤٥ / ٦٤٥ .

(٧) رجال الكشي ٢ : ٦٨٧ / ٧٣٠ .

(٨) خلاصة العلّامة : ١١٥ / ٧ .

(٩) في المصدر زيادة : لي .

(١٠) في المصدر زيادة : الله .

(١١) رجال الكشي ٢ : ٦٨٧ / ٧٣٠ .


ولجدّي قدس‌سره في فوائد الخلاصة علىٰ هذا الحديث ما هذه صورته : السند صحيح ولكنه ينتهي إلىٰ الممدوح ، فهو شهادة لنفسه ، ( ومع ذلك ) (١) فهو مرجّح بسبب المدح ، فيلحق بالحسن لولا ما ذكرناه (٢) . انتهىٰ .

وقد يقال : إنّه لولا ما قاله لكان أعلىٰ من الحسن ، وإن أمكن المناقشة في ذلك ، إلّا أنّ الأمر سهل ، حيث إنّ الراوي غير معلوم الحال .

والخامس : فيه مع الإرسال الطيالسي ، ولا يبعد أن يكون محمد بن خالد ، وهو مذكور في رجال الشيخ فيمن لم يرو عنهم عليهم‌السلام مهملاً ، وذكر أنّ الراوي عنه سعد بن عبد الله وعلي بن الحسن بن فضال (٣) ، والمرتبة قريبة ، وفي الخلاصة لم يذكره في بابه ، ولكن في ترجمة صائد النهدي : محمد بن خالد لا يحضرني حاله (٤) .

وقد يأتي الطيالسي للحسن بن أبي العرندس ، وهو مذكور في رجال الكاظم عليه‌السلام من كتاب الشيخ مهملا (٥) .

وداود بن فرقد هو داود بن أبي يزيد ، كما صرّح به الشيخ في هذا الكتاب ، وهو ثقة . والنجاشي صرّح بأن فرقد يكنىٰ أبا يزيد (٦) . والشيخ في كتاب الرجال ذكره في رجال الصادق عليه‌السلام بهذه الصورة : داود بن فرقد

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٢) حواشي الشهيد الثاني علىٰ الخلاصة : ٢٦ ( مخطوط ) .

(٣) رجال الطوسي : ٤٩٣ / ١١ .

(٤) خلاصة العلّامة : ٢٣٠ / ١ .

(٥) رجال الطوسي : ٣٤٨ / ٢٢ .

(٦) رجال النجاشي : ١٥٨ / ٤١٨ .


أبو يزيد (١) . وابن داود قال : إنّ داود يكنىٰ أبا زيد وفرقد أبا يزيد (٢) .

وبالجملة : فالأسانيد كلّها غير سليمة .

المتن :

في الأخبار المذكورة غير الرابع والخامس كما ترىٰ تضمّن الدينار والنصف والصدقة علىٰ مسكين بقدر شبعه .

[ والرابع ] (٣) : تضمّن نفي النصف والدينار والأمر بالصدقة علىٰ عشرة مساكين ، وهو كالصريح في عدم وجوب الدينار والنصف ، فإمّا أن يحمل علىٰ الاستحباب في الجميع كما قد يستفاد من الأخبار حيث لم يتعيّن المقدار ، ويكون المنفي في الرابع التعين ، أو يحمل علىٰ التقية ما دل علىٰ الدينار والنصف ، فقد صرّح بعض العامة بما هذه صورته : ويستحب لمن وطئ في الحيض عالماً بالحال والتحريم أن يتصدّق بدينار خالص إن كان في أوله وقوّته ، ونصف دينار إن كان في ضعفه (٤) .

وربما كان في قول الراوي في الحديث الرابع : إنّ الناس يقولون ، إلىٰ آخره ، إشارة إلىٰ أهل الخلاف .

أمّا ما قاله الشيخ في الجمع : من الربع دينار . ففيه أنّه لم يتقدم ما يدل علىٰ الربع ، وكأنّه اعتمد علىٰ الخبر الآتي ، ولا يخفىٰ عليك الحال .

فإن قلت : الشيخ إنّما ذكر الربع دينار لما تضمّنه الخبر الرابع من

__________________

(١) رجال الطوسي : ١٨٩ / ٤ .

(٢) رجال ابن داود : ٩١ / ٥٩٢ .

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : والخامس ، والظاهر ما أثبتناه .

(٤) انظر المجموع ٢ : ٣٥٩ .


الصدقة علىٰ عشرة مساكين ظنّاً منه أنّ الربع قيمته تفي بذلك ، كما ينبه عليه قوله : وربما كانت قيمة مقدار الصدقة .

قلت : كلام الشيخ لا يخلو من إجمال ، إذ لم يعلم عوده إلىٰ ماذا (١) ، فيحتمل أن يعود إلىٰ المجموع من الدينار أو النصف أو الربع ، والمراد أنّ الصدقة علىٰ عشرة تتحقّق في بعض الأحيان (٢) بكل ما ذكر ، ويحتمل أن يعود إلىٰ الربع ، ولا ريب أنّه من البُعد بمكان ، سيّما وقوله : ومتىٰ عجز عن ذلك . لا يلائمه ، إذ لو عاد إلىٰ الربع يصير المعنىٰ : متىٰ عجز عن هذا القدر أجزأه الصدقة علىٰ مسكين . وأنت خبير بما فيه .

ثم إنّ الخبر الذي استدل به ( يدل علىٰ أنّ الصدقة علىٰ مسكين بعد العجز عن المذكور جميعه ، فيؤيّد عدم العود إلىٰ الربع ، والحاصل أنّ الحديث المستدل به ) (٣) محتمل (٤) لأن يراد به أنّ من عجز عن [ الدينار ] (٥) يتصدّق علىٰ مسكين ، ومن عجز عن النصف كذلك ، ومن عجز عن الربع كذلك ، ولو فرض اجتماع الثلاثة علىٰ الفاعل فإشكال ، غير أنّ عدم صحة الرواية تخفّف الإشكال ، وإنّما ذكرنا ما ذكرناه ليعلم أنّ كلام الشيخ غير واف بتحقيق الحال ، ولا فيه كمال الجمع بين الأخبار ، ولو قيل بالاستحباب سهل الخطب ، وسيأتي من الأخبار ما يؤيد ذلك .

وفي المعتبر بعد أن ذكر الأخبار : ولا يمنعنا ضعف طريقها عن تنزيلها علىٰ الاستحباب ، لاتفاق الأصحاب علىٰ اختصاصها بالمصلحة

__________________

(١) في « فض » : إذا .

(٢) في « فض » : الأخبار .

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٤) في « فض » : محمل .

(٥) في النسخ : الدرهم . والظاهر ما أثبتناه .


الراجحة إمّا وجوباً أو (١) استحباباً ، فنحن بالتحقيق عاملون بالإجماع لا بالرواية (٢) . وهذا الكلام كما ترىٰ غير مفيد بعد الترديد بين الاستحباب والوجوب .

وينقل عن السيد المرتضىٰ في الانتصار أنّه قال : يمكن أن يكون الوجه في ترتيب هذه الكفّارة أنّ الواطئ في أول الحيض لا مشقّة عليه في تركه الجماع (٣) لقرب عهده فغلظت كفّارته ، والواطئ في آخره مشقّته شديدة لتطاول عهده فكفّارته أنقص ، وكفّارة الواطئ في نصفه متوسطة (٤) .

ونقل عن الراوندي القول (٥) بالتفصيل بالمضطر وغيره والشاب وغيره (٦) ، ولا نعلم وجهه .

وذكر بعض المتأخّرين أنّ الأوّل والوسط والآخر يختلف بحسب عادة المرأة ، فالأول لذات الثلاثة اليوم الأوّل ، ولذات الأربعة هو مع ثلث الثاني ، ولذات الخمسة هو مع ثلثيه ، ولذات الستّة اليومان الأولان ، وعلىٰ هذا القياس الوسط والأخير (٧) .

ونقل في المختلف عن سلار قولا (٨) غير واضح الوجه .

قيل : والدينار : المثقال الخالص من الذهب المضروب ، وقيمته عشرة

__________________

(١) في المعتبر ١ : ٢٣٢ : وإما .

(٢) المعتبر ١ : ٢٣٢ .

(٣) في « رض » : للجماع .

(٤) نقله عنه في المدارك ١ : ٣٥٤ وهو في الانتصار : ٣٤ .

(٥) في « رض » : أنّه قال .

(٦) نقله عنه في الذكرىٰ ١ : ٢٧١ .

(٧) المدارك ١ : ٣٥٤ .

(٨) المختلف ١ : ١٨٨ وهو في المراسم : ٤٤ .


دراهم ، وجزم العلّامة : بعدم إجزاء القيمة ، ومصرف هذه الكفّارة مصرف غيرها (١) . والله أعلم بالحال .

اللغة :

الشَبْع بالفتح وكعِنَب ضدّ الجوع ، والشِبْع بالكسر وكعِنَب اسم ما أشبَعَك ، وشُبْعَةٌ من طعام بالضم قدر ما يُشْبَع به مرّة ، قاله في القاموس (٢) .

قال :

فأمّا ما رواه أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن صفوان ، عن عيص ابن القاسم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ( وقع علىٰ ) (٣) امرأته وهي طامث ، قال : « لا يلتمس بعد (٤) ذلك فقد نهىٰ الله تعالىٰ أن يقربها » قلت : فإن فعل عليه (٥) كفّارة ؟ قال : « لا أعلم فيه شيئاً يستغفر الله » .

وما رواه علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد بن الحسن ، عن أبيه ، عن أبي جميلة ، عن ليث المرادي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن وقوع الرجل علىٰ امرأته وهي طامث خطأ ؟ قال : « ليس عليه شي‌ء وقد عصىٰ ربه » .

__________________

(١) قال به في المدارك ١ : ٣٥٥ ، وهو في المنتهىٰ ١ : ١١٧ والتحرير ١ : ١٥ .

(٢) القاموس المحيط ٣ : ٤٤ ( شبع ) .

(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٠ : واقع .

(٤) في الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٠ : فعل .

(٥) في الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٠ : أعليه .


عنه ، عن أحمد بن الحسن ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسىٰ ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن الحائض يأتيها زوجها ؟ قال : « ليس عليه شي‌ء يستغفر الله ولا يعود » .

فالوجه في هذه الأخبار أن نحملها علىٰ أنّه إذا لم يعلم الرجل من حالها أنّها كانت حائضاً لم يلزمه شي‌ء ، فأمّا مع علمه بذلك فإنّه يلزمه الكفّارة حسب (١) ما ذكرناه ، وليس لأحد أن يقول : لا يمكن هذا التأويل لأنّه لو كانت هذه الأخبار محمولة علىٰ حال النسيان لما قال عليه‌السلام : « يستغفر ربه ممّا فعل » ولا أنّه « عصىٰ ربه » لأنّه لا يمتنع إطلاق القول عليه بأنه عصىٰ ولا الحثّ علىٰ الاستغفار من حيث إنّه فرّط في السؤال عن حالها وهل هي طامث أم لا ؟ مع علمه أنّها (٢) لو كانت طامثاً لحرم عليه وطؤها ، فبهذا التفريط يكون عاصياً ويجب (٣) الاستغفار ، والذي يكشف عن هذا التأويل خبر ليث المرادي المتقدم (٤) ذكره قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن وقوع الرجل علىٰ امرأته وهي طامث خطاءً ، فقيّد السؤال بأنّ مواقعته لها كانت (٥) خطاءً ، فأجابه عليه‌السلام : « ليس عليه شي‌ء وقد عصىٰ ربه » .

السند‌ :

في الأوّل : ليس فيه ارتياب .

__________________

(١) في « رض » : حيث .

(٢) في النسخ : بها ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٢ .

(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٢ زيادة : عليه .

(٤) في الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٢ : المقدم .

(٥) ليست في النسخ ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٢ .


والثاني : فيه الطريق إلىٰ علي بن الحسن وقد تقدم مراراً (١) ، وفيه أبو جميلة وهو ضعيف ، وأما محمد بن الحسن فالظاهر أنّه ابن فضال ( ويحتمل أن يكون محمد بن الحسن بن سعيد ، وعلىٰ كل حال فالرجل ضعيف ) (٢) واحتمال ثقةٍ غيرهما ممكن ، لكن لا يفيد كما لا يخفىٰ ، علىٰ أنّه بعيد .

والثالث : حال رجاله لا يخفىٰ بعد ما قدّمناه ، غير أنّ أحمد بن الحسن علىٰ الظاهر ابن فضال ، ويحتمل أن يكون أحمد بن الحسن بن سعيد ، وهو ضعيف .

المتن :

في الأوّل : ظاهره العموم من حيث عدم الاستفصال من الإمام عليه‌السلام عن العمد وغيره ، وحينئذ يؤيّد حمل ما دلّ علىٰ الكفّارة علىٰ الاستحباب ، ويكون قوله عليه‌السلام : « لا أعلم فيه شيئا » يراد به عدم العلم بوجوب شي‌ء ، ولا يعترض : بأنّ نفي العلم بشي‌ء أعم من الواجب والمستحب ، لإمكان الجواب بأنّ إثبات الاستحباب للعارض .

ثم إنّ الخبر قد يستفاد منه أنّ النهي عن القرب يراد به الجماع ، فيؤيّد ما قاله العلّامة كما نقلناه عنه سابقاً . وفيه : أنّه لا مانع من إرادة النهي عن القرب الشامل للجماع وغيره ، فليتأملّ . أمّا حمل الشيخ فلا يخفىٰ ما فيه بالنسبة إلىٰ هذا الخبر .

وأمّا الخبر الثاني : ففيه دلالة علىٰ ما قاله ، فيمكن أن يقال : بحمل

__________________

(١) راجع ص ٧٢ وج ١ : ١٤٦ .

(٢) ما بين القوسين ليس في « فض » و « د » .


المطلق علىٰ المقيّد ، إلّا أنّ التقييد بالخطاء من كلام السائل ، وتأثيره في تقييد الأخبار لا يخلو من نظر ، بل الظاهر أنّه لا وجه له ، لأنّ السؤال إذا وقع عن أحد الأفراد لا يفيد تخصيصاً ، والتقرير من الإمام عليه‌السلام في مثل هذا لا يحوم حوله التوجيه ، كما لا يخفىٰ علىٰ من أمعن نظره .

وكذلك القول في الخبر الثالث .

فإن قلت : الخبر الثالث لا ريب أنّه يفيد العموم بسبب ترك الاستفصال من الإمام عليه‌السلام .

قلت : الأمر كما ذكرت ، إلّا أنّه ربما يدّعىٰ أنّه لا يخرج عن قبول التقييد بغير العمد ، لدلالة الأخبار السابقة علىٰ الكفّارة ، فتحمل علىٰ العمد وهذا علىٰ الخطاء ، غير أنّ الحمل علىٰ الاستحباب ممكن ، فالترجيح يتوقف علىٰ موجبه .

وما قاله الشيخ لا يخلو من نظر في مواضع :

الأوّل : قوله : إنّا نحملها علىٰ أنّه إذا لم يعلم الرجل من حالها أنّها كانت حائضاً .

وفيه : أنّ الحمل علىٰ عدم العلم بالتحريم أقرب من الوجه المذكور ، لأنّ قوله : فأمّا مع علمه فإنّه يلزمه الكفّارة . لا يتم علىٰ الإطلاق ، إذ مع الجهل بالتحريم لا يخلو وجوب الكفّارة من نظر .

الثاني : قوله : لأنّه لو كانت هذه الأخبار محمولة علىٰ حال النسيان ، لا وجه له فإنّ النسيان لم يتقدم من الشيخ ، بل كلامه إنّما كان في عدم العلم بكونها حائضاً ، وإدراج النسيان لا يخلو من اضطراب في التوجيه .

الثالث : قوله : إنّ الاستغفار والعصيان لكونه فرّط في السؤال ، فيه : أنّ السؤال غير واجب ليكون تركه تفريطاً موجباً للاستغفار ، إلّا أن يقال : إنّ‌


الجماع لمّا كان مشروطاً بعدم الحيض فلا بدّ من العلم بالشرط قبله ، فإذا لم يسأل فقد فرّط . وفيه : أنّه يجوز أن يكون الجماع جائزاً ما لم يعلم بالحيض ، نعم لو قرب إبّان (١) الحيض أمكن أن يقال : بحصول الظن بالحيض فيحتاج إلىٰ السؤال . وفيه ما لا يخفىٰ ( ولم أَرَ تحرير المقام في كلام الأصحاب ) (٢) .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّه يبقىٰ في المسألة اُمور لا بدّ من التنبيه عليها :

الأوّل : قد قدّمنا في الأخبار السابقة أنّ النهي عن الإيقاب لا معارض له ، غير أنّ الإيقاب محتمل لأن يراد به في القبل أو الدبر ، فلا يكون نصّاً في المنع من الدبر ، إلّا أن يقال : إنّه عام ، لأنّ النهي عن إيجاد ماهيّة الإيقاب يقتضي عدم إيجادها في فرد ، فيؤول إلىٰ العموم .

ومن هنا يظهر أنّ ما قاله بعض محقّقي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ : من أنّ الحديث بظاهره يدل علىٰ المنع من وطء المرأة في دبرها . محل بحث أمّا أولاً : فلأنّ الدلالة إنّما تستفاد علىٰ الوطء في الحيض لا مطلقاً ، وأمّا ثانياً : فلأنّ التناول للدبر إنّما يتم بالتقريب الذي ذكرناه ، ومع ذلك فيه نوع بحث ، فليتأملّ .

الثاني : قال الشيخ في التهذيب بعد رواية عبيد الله الحلبي الدالة علىٰ أنّه يتصدّق علىٰ كل مسكين بقدر شبعه : إذا كانت قيمته ما يبلغ الكفّارة (٣) ، ثم قال : والذي يكشف عن ذلك ، وذكر رواية عبد الملك بن عمرو الدالة

__________________

(١) إبّان الشي‌ء بالكسر : حينه ـ القاموس المحيط ٤ : ١٩٦ ( أبَنَهُ ) .

(٢) بدل ما بين القوسين في « فض » : ولم أرَ تحرير الأصحاب ، وفي « رض » : ولم أرَ تحرير الأصحاب المقام في كلام .

(٣) التهذيب ١ : ١٦٣ / ٤٦٩ ، الوسائل ٢ : ٣٢٨ أبواب الحيض ب ٢٨ ح ٥ .


علىٰ الصدقة علىٰ عشرة مساكين ، ثم قال : هذا محمول علىٰ أنّه إذا كان الوطء في آخر الحيض ، لأنّه لو كان في أوله أو في وسطه لما عدل عن كفّارة دينار أو نصف دينار ، ولمّا كان آخر الحيض ورأىٰ أنّ (١) ما يلزمه من الكفّارة الأولىٰ أن يفضّه علىٰ عشرة مساكين أمره بذلك . انتهىٰ (٢) .

وأنت خبير بأنّ هذا الكلام يقتضي أن يكون ما قدّمناه في كلامه هنا : من أنّه مجمل ، مندفعاً بأنّ مراده الربع ، فهو مبيّن لكلامه هنا علىٰ تقدير الإجمال ، لكن لا يخفىٰ أنّ الإيراد السابق يتوجّه علىٰ كلام التهذيب أيضاً ، فإنّ دلالة الرواية علىٰ ما قاله في غاية البعد ، كما يعرف بأيسر نظر ، لكن منه يعلم أنّ ما قاله البعض : من عدم إجزاء القيمة (٣) . محل كلام ، وقد تقدم نقله ، إلّا أنّ الشأن في الثبوت ، فينبغي تأمّل هذا كله .

( الثالث : ينقل عن المرتضىٰ وابن إدريس دعوىٰ الإجماع علىٰ وجوب الكفّارة (٤) . وفي المعتبر قال : ) (٥) وأمّا احتجاج الشيخ وعلم الهدىٰ بالإجماع فلا نعلمه ، وكيف يتحقّق الإجماع فيما يتحقّق فيه الخلاف ، ولو قال : المخالف معلوم ، قلنا : لا نعلم أنّه لا مخالف غيره ، ومع الاحتمال لا يبقىٰ وثوق بأنّ الحق في كلامه (٦) . انتهىٰ .

ولقائل أن يقول : إنّ مدّعي الإجماع إذا كان معلوم العدالة فاحتمال وجود مخالف غير المعلوم لا يوافق العدالة ، وقد ادّعىٰ العدل عدم‌

__________________

(١) ليست في التهذيب ١ : ١٦٤ / ٤٧٠ .

(٢) التهذيب ١ : ١٦٤ / ٤٧٠ ، الوسائل ٢ : ٣٢٧ أبواب الحيض ب ٢٨ ح ٢ .

(٣) راجع ٣٣٤ .

(٤) نقله عنهما في الحبل المتين : ٥١ وهو في الانتصار : ٣٤ والسرائر ١ : ١٤٤ .

(٥) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٦) المعتبر ١ : ٢٣٠ وهو في الخلاف ١ : ٢٢٥ .


المخالف المضرّ بالإجماع ، بل مثل هذا يوجب القدح في العدل ، إذ هو في قوّة الإخبار عن العلم بقول المعصوم ، فكيف يجوز عدمه عليه (١) ، ومجرد الاستبعاد لا يضر بالحال علىٰ تقدير ثبوت العدالة .

واحتمال إرادة معنىٰ آخر من الإجماع ـ كما ظنه الشهيد في الذكرىٰ ـ (٢) يشكل بأنّه لا يصلح لإثبات حجّية مثله ، ومجرد التسديد غير كاف مع ما ذكرناه .

والاحتمال هو أن يراد بالإجماع الشهرة ، وأنت خبير بأنّ هذا لا يتمّ في مثل دعوىٰ الشيخ الإجماع والمرتضىٰ الإجماع علىٰ خلافه .

وبالجملة : فإذا ثبت الإجماع علىٰ وجه النقل بخبر الواحد فالقائل بالاستحباب إن كان لمجرد الاحتمال الذي قاله المحقق فالأمر لا يخلو من إشكال ، نعم يتم إشكال المحقق في مثل الشيخ فإنّه نقل الإجماع كما حكاه البعض عنه (٣) ، مع أنّ العلّامة نقل عنه في المختلف القول بالاستحباب والقول بالوجوب (٤) ، ثم ما قدّمناه عن المحقق سابقاً قد عرفت القول فيه ، ومنافرته لردّ الإجماع هنا غير خفيّة .

قال :

باب الرجل هل يجوز له وطء المرأة إذا انقطع عنها دم الحيض قبل أن تغتسل أم لا ؟

أخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن

__________________

(١) في « فض » زيادة : وعلىٰ هذا .

(٢) انظر الذكرىٰ ١ : ٤٩ .

(٣) كالمحقق في المعتبر ١ : ٢٣٠ ، والشهيد في الذكرىٰ ١ : ٢٧١ .

(٤) المختلف ١ : ١٨٦ .


علي بن الحسن بن فضال ، قال : حدثني أيوب بن نوح ، عن الحسن ابن محبوب ، عن علاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيّامها ، فقال : « إن أصاب زوجها شبق فلتغسل فرجها ثم يمسّها زوجها إن شاء قبل أن تغتسل » .

وبهذا الإسناد عن علي بن الحسن (١) ، عن أحمد ومحمد ابني الحسن ، عن أبيهما ، عن عبد الله بن بكير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء » .

السند‌ :

في الخبرين تكرّر القول في رجاله سوىٰ أنّه ينبغي أن يعلم أنّ العلّامة في الخلاصة قال في أيوب بن نوح : ثقة ، له كتب وروايات ومسائل عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام ، وكان وكيلا لأبي الحسن وأبي محمد عليهما‌السلام ، عظيم المنزلة عندهما ، مأمونا شديد الورع كثير العبادة ثقة في رواياته (٢) .

وهذا التكرار في التوثيق لا يخلو من غرابة ، والظاهر أنّ سببه كون العلّامة نقل كلام الشيخ في الفهرست وكلام النجاشي ، ولم يتفطّن لتكرار التوثيق ، إلّا أنّ فيه زيادة عن عبارة الشيخ أيضاً ، وكل هذا من شدّة العجلة .

وما قاله العلّامة : من أنّ أيوب بن نوح وكيل لأبي محمد . هو عبارة النجاشي ، والشيخ لم يذكره في كتاب الرجال في رجال أبي محمد عليه‌السلام ، بل ذكره في رجال الجواد (٣) والهادي عليهما‌السلام (٤) .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٣٥ / ٤٦٤ زيادة : بن فضال .

(٢) خلاصة العلّامة : ١٢ / ١ .

(٣) رجال الطوسي : ٣٩٨ / ١١ .

(٤) رجال الطوسي : ٤١٠ / ١٣ .


ثم إنّ عبد الله بن بكير اتفق للعلّامة أنّه نقل عن الشيخ الطوسي أنّه فطحي المذهب إلّا أنّه ثقة ، قال : وقال الكشي : قال محمد بن مسعود : عبد الله بن بكير وجماعة من الفطحيّة هم فقهاء أصحابنا ، وذكر جماعة منهم عمار الساباطي ، وعلي بن أسباط ، وبنو الحسن بن علي بن فضال علي وأخواه ، وقال في موضع آخر ـ يعني الكشي ـ : إنّ عبد الله بن بكير ممّن أجمعت العصابة علىٰ تصحيح ما يصح عنه ، وأقرّوا له بالفقه . فأنا أعتمد علىٰ روايته ، وإن كان مذهبه فاسداً (١) . انتهىٰ .

وكتب جدّي قدس‌سره علىٰ الخلاصة : هذا الرجل ضعيف ، وقد عدّه جماعة في قسم الضعفاء وسيأتي في القسم الثاني ، فلا وجه لذكره هنا ، وكأنّ الحامل علىٰ ذكره حكم الشيخ بأنّه ثقة ، ولكن قد ذكر من المضعفين في القسم الثاني [ من ] (٢) هو أجلّ من هذا الرجل وأشهر (٣) . انتهىٰ .

ولا يخفىٰ ما في هذا الكلام ، أمّا أوّلاً : فلأنّ الحكم بضعف عبد الله إن اُريد به عدم كونه إماميّاً ثقة فهو صحيح ، إلّا أن العلّامة اعتماده عليه للإجماع المنقول من الكشي ، فله جهة ضعف وجهة قبول ، والعلّامة لم يعتمد في القسم الأوّل علىٰ الإمامي الثقة كما يعلم من عادته . وأمّا ثانيا : فلأنّ المذكور في القسم الثاني عبد الله بن بكير الأرجاني ، والظاهر أنّه غيره ، لأنّه قال فيه : إنّه مرتفع القول ضعيف (٤) . وعبد الله المذكور في القسم الأوّل قد وثّقه الشيخ في الفهرست (٥) . وقال في كتاب الرجال في

__________________

(١) خلاصة العلّامة : ١٠٦ / ٢٤ .

(٢) في النسخ : ما ، والأنسب ما أثبتناه .

(٣) حواشي الشهيد الثاني علىٰ الخلاصة : ١٨ ( مخطوط ) .

(٤) خلاصة العلّامة : ٢٣٨ / ٣٢ .

(٥) الفهرست : ١٠٦ / ٤٥٢ .


أصحاب الصادق عليه‌السلام : عبد الله بن بكير بن أعين الشيباني (١) .

المتن :

في الأوّل : ظاهر الدلالة علىٰ جواز الوطء مع الشبق وغسل الفرج ، غير أنّ الحديث كما ترىٰ من جهة السند .

وقال شيخنا ـ أيّده الله ـ في فوائده علىٰ الكتاب : إنّ هذه الرواية في الكافي في كتاب النكاح مروية في الصحيح ، ولم يحضرني الآن .

أمّا شيخنا قدس‌سره في المدارك فقد أسند الرواية عن محمد بن مسلم إلىٰ الشيخ واصفاً لها بالصحة (٢) . ولم أقف عليها في التهذيب إلّا بهذا الطريق المذكور هنا ، فلعلّها في غير محلّها .

والخبر الثاني : يمكن حمله علىٰ الأوّل ، لأنّ الثاني لا يخرج عن المطلق ، والأوّل عن المقيد ، واحتمال أن يقال : بأنّ الاُولىٰ لرفع الكراهة والثانية لبيان الجواز مع الكراهة . بعيد ، وستسمع الكلام في جمع الشيخ إن شاء الله تعالىٰ .

والمنقول عن الصدوق القول بالتحريم قبل الغسل (٣) .

وفي الفقيه قد ذكر مضمون رواية محمد بن مسلم (٤) [ وظاهره ] (٥) العمل بذلك ، ولعلّ القول المنقول عنه في غير الفقيه .

قيل : والمشهور جواز وطء الحائض إذا طهرت قبل الغسل علىٰ

__________________

(١) رجال الطوسي : ٢٢٤ / ٢٧ .

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٣٣٨ .

(٣) نقله عنه في المعتبر ١ : ٢٣٥ .

(٤) الفقيه ١ : ٥٣ .

(٥) في « فض » : وظاهر ، وفي « رض » و « د » : وظاهرها ، والظاهر ما أثبتناه .


كراهة واستدل بأصالة الإباحة ، وقوله تعالىٰ ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّىٰ يَطْهُرْنَ ) (١) بالتخفيف كما قرأ به السبعة ، أي يخرجن من الحيض ، يقال : طهرت المرأةِ إذا انقطع حيضها ، جعل سبحانه غاية التحريم انقطاع الدم ، فيثبت الحل بعده عملاً بمفهوم الغاية ، لأنّه حجّة ، بل صرح الاُصوليّون بأنّه أقوىٰ من مفهوم الشرط .

وأمّا قراءة التشديد في : ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّىٰ يَطْهُرْنَ ) فلا ينافي ذلك ، لأنّ تَفَعَّل قد جاء بمعنىٰ فَعَلَ كَتَبسَّم وَتبيّن بمعنىٰ بان وبسم ، والحمل علىٰ هذا المعنىٰ أولىٰ ، صونا للقراءتين عن التنافي ، أو يقال : إنّ النهي محمول علىٰ الكراهة توفيقاً بين القراءتين ، فيكون المنهي عنه المباشرة بعد انقطاع الدم ، لسبق العلم بالتحريم حال الدم من قوله تعالىٰ : ( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ) (٢) (٣) .

ولي في هذا نوع تأمّل ، لأنّ مراد هذا القائل أنّ قراءة التشديد تحمل علىٰ ظاهرها من دون جعلها بمعنىٰ يَطْهُرن مخفّفاً ، ويكون النهي للكراهة لئلّا ينافي قراءة يطهرن بالتخفيف ، إذ مقتضاها الجواز إذا طَهُرن والكراهة لا تنافي الجواز ، فيتم عدم التنافي .

وفيه أوّلاً : أنّ التوفيق بين القراءتين لم يحصل ، لأنّ قراءة التشديد يكون النهي فيها عن القرب بعد انقطاع الدم ، وقراءة التخفيف تقتضي أنّ النهي عن القرب في حال الحيض ، فيتغاير المعنىٰ وإن اتحد المآل والمفهوم من توافق القراءتين معنىٰ ومآلاً .

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢ .

(٢) البقرة : ٢٢٢ .

(٣) قال به صاحب المدارك ١ : ٣٣٦ .


وثانيا : أنّ التشديد إذا وقع بمعنىٰ عدمه كان أقرب لتوافق القرائتين معنىً ، من حيث كون النهي عن حالة المحيض في القراءتين ، ويؤيّد بأنّ سبق العلم بالتحريم وإن حصل بالأمر بالاعتزال ، إلّا أنّ تأكيده يفيد (١) المبالغة المطلوبة في عدم المباشرة ، وإن كان التأسيس خيراً منه في بعض الأحيان ، لا مطلقاً .

ومن هنا يعلم أنّ ما قاله المحقق في المعتبر : من أنّه لو قيل : قد قُرئ بالتضعيف في ( يَطْهُرْنَ ) قلنا : فيجب أن يحمل علىٰ الاستحباب توفيقاً بين القراءتين ودفعاً للتنافي بينهما (٢) . ( إن كان غرضه ما قرّرناه أوّلاً كما هو الظاهر محل بحث ، ويمكن الجواب بأنّ القراءتين إذا اتحدتا مآلاً كفىٰ والأمر متحقق ) (٣) .

ثم إنّ المستدل بما قدّمناه نفىٰ المعارضة بقوله تعالىٰ ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ) (٤) حيث شرط في إباحة الوطء التطهير الذي هو الغُسل ، بأنّ مفهومه انتفاء رجحان الوطء مع عدم التطهير ، وهو أعمّ من التحريم ، فيحتمل الإباحة .

سلّمنا أنّ الأمر هنا للإباحة لكن يمنع إرادة الغُسل من التطهير بل يحمل علىٰ الطهر ، لوروده بمعناه كما تقدم . أو علىٰ المعنىٰ اللغوي المحقق بغَسل الفرج .

سلّمنا أنّ المراد بالتطهير الغُسل ، لكن نقول : مفهومان تعارضا ، فإن‌

__________________

(١) في « فض » : يقيد ، وفي « رض » : بعيد .

(٢) المعتبر ١ : ٢٣٥ .

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٤) البقرة : ٢٢٢ .


لم يترجّح أقواهما تساقطا ويبقىٰ حكم الأصل سالماً من المعارض .

وفي نظري القاصر أنّ هذا محل نظر ، لأنّ ما ذكر من أنّ المفهوم انتفاء الرجحان مع عدم التحريم فيحتمل الإباحة إن كان مع قراءة التخفيف ، والتشديد علىٰ تقدير كون تطهّر بمعنىٰ طهر ، فلا بد من إرادة الإباحة ، لا مجرد احتمال الإباحة ، وعلىٰ تقدير إرادة الإباحة يكون تأكيداً ، والتأسيس بأن يراد الرجحان علىٰ تقدير التطهير أولىٰ ، وحينئذٍ فلا بد من بيان رجحان التأكيد علىٰ التأسيس ، والتسليم المذكور يأتي فيه الكلام بعينه ، ويزيد أنّ الحمل علىٰ المعنىٰ اللغوي يدل علىٰ زيادةٍ علىٰ الإباحة المستفادة من مفهوم الغاية ، فلا يتّحد الحكم ، وإن اُريد أنّ الطهارة بالمعنىٰ اللغوي في الأوّل والأخير ويكون تطهّر بمعنىٰ طَهُر رجع إلىٰ الأوّل من جهة الاتّحاد ويخالف المطلوب أوّلاً من إرادة الخروج من الحيض .

ثم التسليم الثالث لا يتم ، لأنّ التطهير إذا اُريد به الغُسل والطُهر الأوّل يراد به الخروج من الحيض فلا تعارض ، ولو اُريد بالأوّل الغُسل لم يتم ، كما لا يخفىٰ .

فإن قلت : علىٰ تقدير أن يراد الأوّل ويرجّح التأكيد علىٰ التأسيس لتوافق القراءتين أيّ مانع منه ؟

قلت : ما ذكرت له وجه ، إلّا أنّه لا بدّ من بيانه في المعارضة ، علىٰ أنّه ربما يشكل بأنّ المتقدم كون قراءة التشديد محتملة لكونها بمعنىٰ التخفيف ، ولكون النهي بعد الخروج عن الحيض والنهي للكراهة ، وعلىٰ تقدير الأوّل يمكن تمام ما ذكرت ، أمّا علىٰ التقدير الثاني فتكون الكراهة منتفية بعد الغُسل ، فإمّا أن يباح الوطء بمعنىٰ تساوي الطرفين ، أو يكون راجحاً ، لكن الثاني لا وجه له لعدم ما يدل عليه ، فيكون مباحاً متساوي ‌


الطرفين ، ومفهوم الشرط يفيد الرجحان بعد الغُسل فلا يتمّ المطلوب .

وعلىٰ تقدير أن يكون الأمر للإباحة يندفع هذا ، لكن يلزم تعين إرادة مورد التسليم ، ويلزم حصول التأكيد ، والتأسيس خير منه ، فيرجع الكلام الأوّل ، وإرادة غَسل الفرج يزيد معها الإشكال .

ثم إنّ تعارض المفهومين إمّا أن يكون مع التغاير بإرادة الغُسل من التطهير ، أو مع الاتحاد بأن يكون بمعنىٰ طَهُر ، فإن كان مع التغاير فالتعارض غير واضح ، وإن كان مع الاتحاد فيحتاج إلىٰ الترجيح ، وينبغي تأمّل هذا كله ، فإنّه حريٌّ بالتأمّل التام ، لأنّي لم أجده في كلام الأعلام .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ جدّي قدس‌سره في شرح الإرشاد أورد علىٰ الاستدلال أوّلاً : أنّ حمل التطهير علىٰ انقطاع الدم مع أنّه حقيقة شرعية في أحد الثلاثة ـ يعني الوضوء والغسل والتيمم ـ لا يتم ، وغاية ما ذكروه أن يكون ثابتاً في اللغة ، والحقائق الشرعية متقدمة .

وثانياً : أنّ حمل قراءة التشديد علىٰ التخفيف حملاً علىٰ الشواهد المذكورة مع ما هو معلوم من قواعد العرب أنّ كثرة المباني تدل علىٰ زيادة المعاني ، وهذا هو الكثير الشائع ، وما وقع نادر ، مشكل أيضاً .

وثالثاً : أنّ صدر الآية ـ وهو قوله تعالىٰ ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّىٰ يَطْهُرْنَ ) ـ إنّما دل علىٰ تحريم الوطء في وقت الحيض ، ولا يلزم منه اختصاص التحريم بوقته ، إذ لا يلزم من تحريم شي‌ء في وقتٍ أو مكانٍ مخصوص اختصاص التحريم به ، لأنّه أعم ولا دلالة للعام علىٰ أفراده المعيّنة .

ورابعاً : أنّ قولهم : قد تعارض مفهومان ، إلىٰ آخره ، لا يتم ، لأنّه لو حمل الجميع علىٰ الطهارة الشرعية ـ أعني الغُسل ـ لم يقع تنافٍ أصلا ‌


واستغنىٰ عن التكلّف ، ويؤيّده قوله في آخر الآية ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (١) فإن الموصوف بالمحبة [ من ] (٢) فعل الطهارة بالاختيار .

وخامساً : أن حمل قراءة التضعيف علىٰ الاستحباب بمعنىٰ توقف الوطء علىٰ الغُسل استحباباً عدول عن الحقيقة ، والظاهر من صدر الآية النهي ، وهو دال علىٰ التحريم (٣) . ( انتهىٰ ملخّصاً ) (٤) .

وقد ذكرت في حاشية الروضة إمكان الجواب عن الأوّل : بأنّه مبني علىٰ ثبوت الحقيقة الشرعية ، وإثباتها مشكل ، ويقال هنا أيضاً : إنّ الاعتراف بإرادة الغُسل من التطهير لا يدل علىٰ ثبوت الحقيقة الشرعية ، بل يجوز أن يكون مجازاً وقرينته تعارض المفهومين ، إلّا أن يقال : إنّ احتمال إرادة غَسل الفرج ممكنة فلا يتم المطلوب ، وفيه ما تقدم ، إلّا أنّه لا يدفع الإيراد عند التحقيق ، ولعلّ الأولىٰ الجواب بأنّ اللغة استعملت الطهارة بمعنىٰ الغسل ، كما في القاموس (٥) ، فليتأمّل .

وعن الثاني : بأنّه إنّما يتم إذا كان الحمل لغير ضرورة ، والحال أنّ ضرورة الجمع اقتضته ، وأصل التجويز كاف للضرورة ، وقد صرحوا بأنّ كثرة المباني إنّما تدل علىٰ زيادة المعاني غالباً .

وعن الثالث : بأنّ الاختصاص لا ريب فيه ، إلّا أن يدل دليل علىٰ خلافه ، ولا دليل هنا ، وهذا واضح .

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢ .

(٢) أثبتناه من روض الجنان : ٧٩ .

(٣) روض الجنان : ٧٩ .

(٤) ما بين القوسين ليس في « فض » .

(٥) القاموس المحيط ٢ : ٨٢ ( طهر ) .


وعن الرابع : أنّه موقوف علىٰ ثبوت الحقيقة الشرعية ، وفيه ما فيه ، والحق اندفاع هذا بما قدّمناه من احتمال المجاز وقرينته ما ذكرناه .

وقد يقال : إنّ الاندفاع إنّما يتم لو تعين إرادة المعنىٰ الشرعي لدفع المنافاة ، والحال أنّه غير منحصر لما سبق من الاحتمالات ، وبهذا قد يتوجه جواب ما قدّمناه أيضاً من إيراد نحو ما قاله جدّي قدس‌سره إلّا أنّ الحق وجود مخلص عنه باحتمال اندفاع التنافي بأيّ وجه كان ، وذلك كاف ، فليتأملّ .

وعن الخامس : بأنّ العدول عن الحقيقة لا نزاع للخصم فيه ، وإنّما الضرورة اقتضته ، وفي المقام مزيد بحث إلّا أنّ المهمّ ما ذكرناه .

اللغة :

الشبق شدّة الغلمة كما في الصحاح والقاموس (١) ، ثم في القاموس غَلِمَ كفَرِحَ غُلمةً بالضم واغتلم غُلِبَ شهوةً (٢) .

قال :

فأمّا ما رواه علي بن الحسن ، عن علي بن أسباط ، عن عمّه يعقوب الأحمر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن امرأة كانت طامثاً فرأت الطهر أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل ؟ قال : « لا حتىٰ تغتسل » قال : وسألته عن امرأة حاضت في السفر ثم طهرت فلم تجد ماءً يوماً أو يومين (٣) ، يحل (٤) لزوجها أن يجامعها قبل أن

__________________

(١) الصحاح ٤ : ١٥٠٠ ( شبق ) ، القاموس المحيط ٣ : ٢٥٧ ( شبق ) .

(٢) القاموس المحيط ٤ : ١٥٨ ( غلم ) .

(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٥ : إثنين ، بدل يومين .

(٤) في الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٥ : أيحل .


تغتسل ؟ قال : « لا يصلح حتىٰ تغتسل » .

وعنه ، عن أيوب بن نوح وسندي بن محمد جميعاً ، عن صفوان ابن يحيىٰ ، عن سعيد بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : المرأة تحرم عليها الصلاة ثم تطهر فتتوضّأ من غير أن تغتسل فلزوجها (١) أن يأتيها قبل أن تغتسل ؟ قال : « لا حتىٰ تغتسل » .

فالوجه في هذه الأخبار أن نحملها علىٰ ضرب من الكراهية دون الحظر ، والأولة علىٰ الجواز ، يدل علىٰ ذلك :

ما أخبرني به أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن معاوية بن حكيم ، وعمرو بن عثمان ، عن عبد الله بن المغيرة (٢) ، عن العبد الصالح عليه‌السلام : « في المرأة إذا طهرت من الحيض ولم (٣) تمسّ الماء فلا يقع عليها زوجها حتىٰ تغتسل ، وإن فعل فلا بأس به » وقال : « تمسّ الماء أحبّ إليّ » .

وعنه ، عن أيوب بن نوح (٤) ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن علي بن يقطين ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن الحائض ترىٰ الطهر أيقع بها زوجها قبل أن تغتسل ؟ قال : « لا بأس وبعد الغُسل أحب إليّ » .

السند‌ :

في الجميع غير سليم ، وقد كرّرنا القول في المهم من رجاله ، غير أنّه‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٦ : أفلزوجها .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٧ زيادة : عمن سمعه .

(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٧ : فلم .

(٤) في الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٨ زيادة : عن أحمد ، وكذا في « د » .


ينبغي أن يعلم أنّ علي بن أسباط الواقع في الأوّل قال النجاشي في شأنه : إنّه كوفي ثقة وكان فطحياً ، جرىٰ بينه وبين علي بن مهزيار رسائل في ذلك رجعوا فيها إلىٰ أبي جعفر الثاني عليه‌السلام فرجع علي بن أسباط عن ذلك القول وتركه ، وقد روىٰ عن الرضا عليه‌السلام من قبل ذلك ، وكان أوثق الناس (١) .

وقال الكشي : إنّه كان فطحيا ، ولعلي بن مهزيار إليه رسالة في النقض عليه مقدار جزء صغير ، قالوا : فلم ينجع ذلك ومات علىٰ مذهبه (٢) .

وأنت خبير بأنّ كلام الكشي لا يقتضي أنّ القول بعدم الرجوع ( منه ، بل أسنده إلىٰ الغير ، وهو غير معلوم ، والنجاشي قوله لا معارض له يعتدّ به ، غير أنّ الروايات لا يعلم كونها بعد الرجوع ) (٣) أو قبله ، أمّا لو روىٰ عن الرضا عليه‌السلام فهو قبل الرجوع علىٰ قول النجاشي ، وحينئذٍ لو روىٰ عن الجواد يمكن القبول ، إلّا أن يقال : إنّه روىٰ عن الرضا فقط قبل الرجوع ، وبعده روىٰ عن الرضا والجواد عليهما‌السلام ، وهو بعيد .

أمّا ما يقال : من أنّه إذا روىٰ عن الجواد فالأصل عدم السبق . ففيه نظر واضح ، وبالجملة فرواياته الخالية من القدح في غيره لا تخلو من إشكال .

أمّا قول ابن داود : إنّ الكشي قال بعدم رجوعه (٤) . فمن جملة الأوهام .

وأمّا سعيد بن يسار الواقع في الخبر الثاني فهو ثقة ، وضبط العلّامة

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٥٢ / ٦٦٣ .

(٢) رجال الكشي ٢ : ٨٣٥ / ١٠٦١ .

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٤) رجال بن داود : ٢٦٠ / ٣٣٣ .


في الإيضاح يسار بالياء المنقطة تحتها نقطتين والسين المهملة المخففة والراء أخيراً (١) .

المتن :

قد استدل القائل بتحريم الوطء قبل الغُسل بالخبر الأول والثاني . كما حكاه في المختلف ، وأجاب بالحمل علىٰ الاستحباب جمعاً بين الأدلّة والروايتين (٢) ، والشيخ ذكر الكراهة والمآل واحد ، غير أنّه لا يخفىٰ أنّ الخبر الدال علىٰ التفصيل بالشبق وعدمه لا وجه لعدم التعرض له ، بل إمّا أن يحمل مطلق الأخبار عليه ، أو يقال مع الشبق لا كراهة ، هذا علىٰ تقدير الإغماض عن الخبر الصحيح الذي ذكره شيخنا ـ أيّده الله ـ ولو التفتنا إليه فالمعارض لا يصلح لذلك لعدم المكافأة في الأسناد ، وبه يترجّح ما قاله الصدوق لولا احتمال ما (٣) (٤) .

أمّا ما في ظاهر الخبر الأوّل من الدلالة علىٰ الكراهة من قوله : « لا يصلح » فهو مؤيّد .

وما تضمنه الثاني من قوله : فتتوضّأ ، لعلّ المراد به الاستنجاء ، ويحتمل الوضوء الشرعي علىٰ بُعد .

ثم الخبر الأوّل المستدل به الشيخ علىٰ الجمع لا يخلو من إجمال بالنسبة إلىٰ قوله : فلم تمسّ الماء ، إذ يحتمل أن يراد به غَسل الفرج ويفيد‌

__________________

(١) إيضاح الاشتباه : ١٩٤ .

(٢) المختلف ١ : ١٨٩ ، ١٩٠ .

(٣) في « فض » : احتماله .

(٤) الفقيه ١ : ٥٣ .


حينئذ أنّ غَسل الفرج أولىٰ ، وبدونه يجوز الوطء علىٰ كراهيّة ومعه تخفّ الكراهة ولا تزول إلّا بالغُسل ، ويحتمل أن يراد به الغُسل .

فإن قلت : لا وجه لاحتمال غَسل الفرج بعد قوله : « فلا يقع عليها زوجها حتىٰ تغتسل » لأنّه صريح في أنّ المراد لم تغتسل .

قلت : كلام الإمام عليه‌السلام لا تعلّق له بقول السائل ، علىٰ معنىٰ أنّه لا يقيده ، بل الجواب منه علّة بعد سؤاله عمّن لم تغسل فرجها أنّه لا يقع عليها حتىٰ تغتسل ، سواء مسّت الماء بغَسل الفرج أم لا .

وقوله عليه‌السلام : « تمسّ الماء أحب إليّ » يراد به أنّ مع عدم الغُسل غَسل الفرج أحبّ إليّ ، وإن احتمل أن يراد به الغسل في الثاني ، إلّا أنّ الاحتمال الذي ذكرناه قائم ، كما لا يخفىٰ علىٰ من أعطىٰ الرواية حق التأمّل .

وحينئذ فمطلوب الشيخ في الجمع مجمل ، وكان حقه التفصيل بالشبق وعدمه ، ثم غَسل الفرج وعدمه ، وترتيب الكراهة .

إذا عرفت هذا فاعلم أن العلّامة في المختلف نقل عن ابن بابويه القول بأنّه لا يجوز الوطء حتىٰ تغتسل ، فإن غلبته الشهوة أمرها بغَسل فرجها ، وحكىٰ عنه الاستدلال مع الروايتين بالآية ، ووجه الاستدلال بها أنّه تعالىٰ علّق الإتيان بفعل الطهارة والمراد بها الغُسل أو غَسل الفرج مع الشبق .

وأجاب عن الروايتين بما سمعته ، وعن الآية بالمنع من إرادة فعل الطهارة من التطهير ، فإنّ لقائل أن يقول : يحتمل أن يريد فإذا طَهُرنَ ، لأنّ تفعّل بمعنىٰ فعل ، يقال : تطعّمت الطعام وطعمته بمعنىٰ واحد ، سلّمنا لكنه مستأنف ولا يكون شرطاً ولا غاية لزمان الحظر ، سلّمنا لكن المراد به غَسل الفرج . انتهىٰ (١) .

__________________

(١) المختلف ١ : ١٨٩ و ١٩٠ وهو في الفقيه ١ : ٥٣ .


وفي نظري القاصر أنّ الاستدلال من الصدوق يمكن أن يوجّه بأنّ التطهّر يدل بظاهره علىٰ الزيادة ، وليست إلّا الغُسل أو غَسل الفرج مع الشبق ، كما تدل عليه الرواية لا من مجرّد الآية ، كما هو واضح ، وعلىٰ هذا تكون الآية عنده لها ظهور في الزيادة مع بقاء نوع إجمال تبيّن بالخبر ، أمّا كون الآية بمجرّدها تدل علىٰ ما قاله فدفعه أظهر من أن يخفىٰ علىٰ الصدوق ، وجواب العلّامة حينئذ غير تامّ ، أمّا أوّلاً : فلأنّ مجيء تطهّر بمعنىٰ طهر لا ينافي ظهور دلالة تطهّر علىٰ الزيادة .

نعم لمّا تحققت المعارضة في الآيتين ذكر البعض مجيء تطهّر بمعنىٰ طهر لتحقيق الجمع ، وهذا أمر زائد علىٰ دلالة الظاهر ، فكأنّ العلّامة نقل هذا في الجواب ولم يتفطّن للفرق بين الأمرين .

ثم احتمال الاستئناف الذي ذكره لم أفهم وجهه ، لأنّ دلالة مفهوم الشرط حاصلة إن كان الاستئناف (١) أو عدمه ، فإذا لوحظ أوّل الآية بالنسبة إلىٰ مفهوم الغاية حصل التعارض ، وقوله : ولا يكون شرطاً ولا غاية . لا يخلو من غرابة علىٰ ما أظن ، وهو أعلم بمراده .

ثم قوله : سلّمنا لكن المراد به غَسل الفرج . فيه : أنّ الجزم بإرادته غير معلوم الوجه مع احتمال غيره .

وبالجملة : فعدم تعرض العلّامة لرواية محمد بن مسلم الدالة علىٰ التفصيل في الاستدلال للصدوق هو الموجب للإشكال في جوابه .

بقي شي‌ء وهو أنّ شيخنا قدس‌سره بعد أن ذكر الاستدلال علىٰ مختاره من الكراهة علىٰ الإطلاق بالآية قال : ويدل علىٰ الجواز أيضا ما رواه الشيخ

__________________

(١) في « رض » : بالاستيناف .


في الصحيح عن محمد بن مسلم ، وذكر الرواية الاُولىٰ متناً (١) . أمّا السند فلا أعلمه الآن كما قدّمت القول فيه (٢) ، وأنت خبير بأنّ الرواية تضمنت التفصيل فكيف يستدل بها علىٰ الجواز بالإطلاق ؟ ( وذكر بعدها موثّقة علي ابن يقطين المذكورة هنا أخيراً ) (٣) والله تعالىٰ أعلم بحقائق أحكامه .

قال :

باب المرأة ترىٰ الدم أول مرة ويستمرّ بها‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن معاوية بن حكيم ، عن حسن بن علي ، عن عبد الله بن بكير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة عشرة أيّام ثم تصلّي عشرين (٤) ، فإن استمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيّام وصلّت سبعة وعشرين يوماً » قال الحسن (٥) : وقال ابن بكير : هذا ممّا لا يجدون منه بدّاً .

أخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد واحمد ابني الحسن ، عن أبيهما ، عن عبد الله بن بكير ، قال : « في الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة إنّها تنتظر بالصلاة فلا تصلي حتىٰ يمضي

__________________

(١) المدارك ١ : ٣٣٨ .

(٢) في ص ٣٤١ .

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض » و « د » .

(٤) في الاستبصار ١ : ١٣٧ / ٤٦٩ زيادة : يوماً .

(٥) في الاستبصار ١ : ١٣٧ / ٤٦٩ زيادة : بن علي .


أكثر ما يكون من الحيض ، فإذا مضىٰ ذلك وهو عشرة أيّام فعلت ما تفعل المستحاضة ثم صلّت فمكثت تصلّي بقية شهرها ، ثم تترك الصلاة في المرّة الثانية أقل ما تترك امرأة الصلاة وتجلس أقل ما يكون من الطمث وهو ثلاثة أيّام ، فإن دام عليها الحيض صلّت في وقت الصلاة التي صلّت وجعلت وقت طهرها أكثر ما يكون من الطهر وتركها الصلاة أقل ما يكون من الحيض » .

ولا ينافي هذين الخبرين خبر يونس (١) الطويل الذي أوردناه في كتابنا (٢) من أنّ من هذه حالتها (٣) تترك الصلاة سبعة أيّام في الشهر وتصلّي باقي الشهر ، لأنّه يجوز أن يكون ذلك عبارة عمّا يصيب كل واحد من شهر إذا اجتمع شهران ، فإنّها إذا تركت في الشهر الأوّل عشرة أيّام وفي الثاني ثلاثة أيّام كان نصف ذلك نحواً من سبعة أيّام علىٰ التقريب ، فيكون مطابقاً لما تضمنته رواية عبد الله بن بكير ، وهو مطابق للاُصول كلّها .

السند‌ :

في الأول : يحتمل أن يكون موثّقاً ، لأنّ حسن بن علي إمّا ابن فضال علىٰ الظاهر ، وإمّا الوشّاء علىٰ بُعدٍ ، واحتمال غيرهما في غاية البُعد ، إلّا احتمال ابن النعمان الثقة ولا يضر بالحال ، وشيخنا قدس‌سره في المدارك جزم بأنّه الحسن بن علي بن فضال (٤) . وهو غير بعيد .

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٨٨ أبواب الحيض ب٨ ح٣ .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٣٧ / ٤٧٠ زيادة : الكبير .

(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٧ / ٤٧٠ : حالها .

(٤) المدارك ٢ : ١٦ .


والثاني : قد تكرّر القول في رجاله .

المتن :

لا تخفىٰ دلالة الخبر الأوّل علىٰ أنّ أوّل ما تترك الصلاة عشرة أيّام من الشهر ثم الثلاثة من الثاني ، والخبر الثاني دال علىٰ ذلك وزيادة الاستمرار علىٰ الثلاثة في جميع الأشهر الذي يستمرّ فيه الدم .

أمّا قول ابن بكير في الأوّل : وهذا ممّا لا يجدون منه بدّاً . محتمل أن يعود إلىٰ ما ذكر من أخذ العشرة من الأوّل والثلاثة من الثاني .

ويحتمل أن يعود إلىٰ أنّ الثلاثة لا بدّ من أخذها إذا استمرّ الدم لا العشرة ، ويؤيّد الثاني الخبر الثاني ، واحتمال أن يراد أخذ عشرة من الأوّل وثلاثة من الثاني دائماً ممكن لولا الترجيح بالخبر الثاني .

فإن قلت : أيّ فرق بين الاحتمال الأخير والأوّل ؟

قلت : الفرق هو أنّ الأوّل لمجرد أخذ العشرة في الأوّل والثلاثة في الثاني ( من دون التفات إلىٰ ما بعد ذلك ، والاحتمال الأخير أن تكون العشرة في الأوّل والثلاثة في الثاني ) (١) دائما مع الاستمرار .

ومن هنا يعلم أنّ قول الشيخ : لأنّه يجوز أن يكون عبارة عمّا يصيب كل واحد من شهر ، محل تأمّل ، لأنّ الخبرين كما عرفت فيهما احتمالات بعضها ينافي ما قاله الشيخ ، إلّا أن يريد الحكم بالنسبة إلىٰ الشهرين الأوّلين ، وفيه : أنّ خبر يونس يدل علىٰ السبعة من كل شهر ، علىٰ أنّ خبر يونس تضمن الستّة أو السبعة فلا وجه لعدم (٢) التعرض لذلك .

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « فض » .

(٢) في « رض » و « فض » : فلا وجه للتعرض .


واحتمال أن يقال : إنّ خبر يونس يؤيّد أنّ المراد عشرة من شهر وثلاثة من آخر دائماً فيتم مطلوب الشيخ .

فيه : أن خبر يونس إنّما يدل علىٰ مطلوب الشيخ ويبين بعد أن يعلم أنّ المراد ما قاله الشيخ ، وهو عن ذلك بمراحل .

إذا عرفت هذا (١) فما ذكره المتأخّرون تبعاً للشيخ من جواز أخذ عشرة من شهر وثلاثة من آخر دائماً (٢) ، لا يخفىٰ ما فيه علىٰ تقدير الإغماض عن الأسانيد .

والمحقق قال في المعتبر بعد أن حكم بضعف الروايات : والوجه عندي أن تتحيّض كل واحدة منهما ـ يعني المبتدأة والمضطربة بالتفسير الذي ذكره ـ ثلاثة أيّام ، لأنّه المتيقّن في الحيض ، وتصلّي وتصوم بقية الشهر استظهاراً وعملاً بالأصل في لزوم العبادة (٣) .

وهذا الكلام وإن كان لا يخلو من نظر ، فإنّ الأصل في لزوم العبادة محل كلام ، إلّا أنّ فيه اعترافاً بضعف الروايات .

وكذلك العلّامة في المختلف (٤) .

وفي فوائد شيخنا ـ أيّده الله ـ علىٰ الكتاب ما هذه صورته بعد الروايتين : هذا إذا جاء علىٰ وجه يحكم بكونه حيضاً ودام ، وإلّا احتمل أن تستظهر بيوم أو يومين ، فتحتاط للصلاة في الأوّل ، وفي الشهر الثاني تترك الصلاة ثلاثة أيّام لا أكثر احتياطاً لها ، حيث إنّ تركها في الأوّل عشرة ، وقول‌

__________________

(١) ليست في « فض » و « د » .

(٢) النهاية : ٢٥ ، المهذب ١ : ٣٧ ، المدارك ٢ : ٢١ .

(٣) المعتبر ١ : ٢١٠ .

(٤) المختلف ١ : ٢٠٣ .


ابن بكير جاز أن يكون إشارة إلىٰ الحكمين جميعاً وإلىٰ الأخذ فقط ، وجاز إلىٰ الأخير من غير اعتبار نفي الزائد ، هذا مع عدم النساء لها أو كنّ مختلفات . انتهىٰ . ولا يخفىٰ عليك حقيقة الحال .

ثم إنّ حديث يونس الذي أشار إليه الشيخ قد تضمن التخيير بين الستّة والسبعة من كل شهر ، ولولا ضعف سنده لنقلناه ، غير أنّ جماعة من المتأخّرين حكموا به (١) .

ونقل عن العلّامة في النهاية وجوب العمل بما يؤدّي اجتهادها إليه ، لئلّا يلزم التخيير في السابع بين وجوب الصلاة وعدمه (٢) ، واعترض عليه بأيّام الاستظهار (٣) .

والمحقق في المعتبر قال : إنّه لا مانع من ذلك ، إذ قد يقع التخيير في الواجب كما يتخيّر المسافر بين الإتمام والقصر في مواضع التخيير (٤) .

وفي نظري القاصر أنّ هذا غريب من المحقق ، فإنّ تخيير المسافرين فردي الواجب ، والتخيير هنا بين الفعل والترك لا إلىٰ بدل ، فتعريف الواجب لا ينطبق علىٰ الصلاة الواقعة ، نعم أيّام الاستظهار مثله ، والسكوت عن هذا بالنسبة إلىٰ تعريف الواجب إمّا للاعتراف به أو لغير ذلك ، وقد يحتمل أن يجاب بأنّ التخيير في الاستظهار وعدمه ، لا في فعل الصلاة ، فإن اختارت الطهر كانت الصلاة واجبة وإلّا فلا ، لا أنّ التخيير في الصلاة بين فعلها وعدمه ، وهكذا في السادس والسابع من الشهر إن اختارت السابع

__________________

(١) منهم المحقق في المعتبر ١ : ٢١١ والشهيد الأوّل في اللمعة ( الروضة ١ ) : ١٠٤ .

(٢) نقله عنه في المدارك ٢ : ٢١ وهو في نهاية الإحكام ١ : ١٣٨ .

(٣) كما في المدارك ٢ : ٢١ .

(٤) المعتبر ١ : ٢١١ .


وجبت الصلاة وإلّا فلا ، وهذا وإن كان متكلّفاً (١) إلّا أنّه لا يخرج الصلاة عن تعريف الصلاة (٢) الواجب في الجملة ، فليتأمّل .

وفي فوائد شيخنا ـ أيده الله ـ أنّ العادة لما كانت أكثر ما تكون ستّة أو سبعة فجاز أن يكون ذلك لأنّ عادة نسائها دائرة بينهما ، أو بناء ذلك علىٰ الظاهر من عادة نساء أهل المدينة ، أو قراباتها ، وجاز أن يكون ذلك أولىٰ فيما بعد الشهر والشهرين ، أو لم يكن وقع السؤال إلّا بعد مضيّ ذلك . انتهىٰ كلامه ـ سلّمه الله ـ فليتدبّر .

قال :

فأمّا ما رواه زرعة ، عن سماعة قال : سألته عن جارية حاضت أوّل حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيّام أقرائها ؟ قال : « أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كنّ نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيّام ، وأقلّه ثلاثة أيّام » .

وروىٰ علي بن الحسن بن فضال ، عن الحسن بن علي بن بنت إلياس ، عن جميل بن دراج ومحمد بن حمران جميعاً ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ثم تستظهر علىٰ ذلك بيوم » .

فلا ينافي الأخبار الأوّلة فإنّ هذا حكم من لها نساء ، فأمّا من ليس لها نساء أو كنّ مختلفات كان الحكم ما ذكرناه ، ولأجل ذلك قال في آخر الخبر : « فإن كنّ نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيّام

__________________

(١) كذا في النسخ ، والأولىٰ : تكلفاً .

(٢) ليست في « فض » .


وأقله ثلاثة » فيُردّ حكمها عند ذلك إلىٰ ما تضمنته الأخبار الأوّلة .

السند‌ :

في الأوّل : مرسل في الكتاب إذ ليس في المشيخة طريق إليه .

والثاني : تكرّر القول في رجاله ، سوىٰ محمد بن حمران وقد وثّقه النجاشي (١) .

المتن :

ما قاله الشيخ فيه لا يخلو من تأمّل علىٰ تقدير سلامة السند ، لكن نقل عن الشيخ دعوىٰ الإجماع علىٰ صحة الرواية الاُولىٰ (٢) ، ثم إنّ الثانية لا تخفىٰ دلالتها علىٰ الرجوع إلىٰ بعض نسائها ، والذي صرح به جماعة من المتأخّرين أنّ الرجوع إلىٰ نسائها مشروط بالاتفاق (٣) ، ومع الاتفاق لا وجه لذكر البعض ، وممّن ذكر الاتفاق المحقق في المعتبر فإنّه قال : إنّ رجوعها إلىٰ نسائها مشروط باتفاقهنّ (٤) . وكذلك في [ الشرائع ] (٥) .

ونقل عن العلّامة في النهاية أنّه قال : لو كنّ عشراً فاتفق فيهن تسع رجعت إلىٰ الأقران (٦) . ورجّح جدي قدس‌سره (٧) وقبله الشهيد (٨) اعتبار

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٥٩ / ٩٦٥ .

(٢) نقله عنه في روض الجنان : ٦٨ ، ومدارك الأحكام ٢ : ١٧ وهو في الخلاف ١ : ٢٣٤ .

(٣) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان : ٦٨ ، وصاحب المدارك ٢ : ١٧ .

(٤) المعتبر ١ : ٢٠٨ .

(٥) الشرائع ١ : ٣٢ ، وبدل ما بين المعقوفين في النسخ : الرابع ، والظاهر ما أثبتناه .

(٦) نقله عنه في المدارك ٢ : ١٧ وهو في نهاية الإحكام ١ : ١٣٩ .

(٧) روض الجنان : ٦٨ .

(٨) الذكرىٰ ١ : ٢٤٥ .


الأغلب . ولا يذهب عليك أنّ الرواية الاُولىٰ إذا (١) عمل بها لما نقل من دعوىٰ الإجماع فمفادها أنّ مع الاختلاف ينقل حكمها ، والرواية الثانية مفادها البعض مطلقاً .

وبالجملة : فالبحث في (٢) هذا الحكم قليل الفائدة ، نعم ينبغي أن يعلم أنّ المتبادر من نسائها الأقارب ، وذكر بعض المتأخّرين أنّ الأقارب من الأبوين أو الأب ، ولا يعتبر العصبة ، لأنّ المعتبر الطبيعة وهي جاذبة من الطرفين (٣) ثمّ إنّه ينقل عن الشيخ في المبسوط وجماعة من الأصحاب أنّهم قالوا : أو عادة ذوات نسائها من بلدها (٤) .

والمحقق في المعتبر قال : ونحن نطالب بدليله فإنّه لم يثبت ، ولو قال : كما يغلب في الظنّ أنّها كنسائها مع اتفاقهنّ يغلب في الأقران . منعنا ذلك ، فإنّ ذوات القرابة بينها ( وبينهنّ ) (٥) مشابهة في الطباع والجنسية والأصل فقوّىٰ الظنّ مع الاتفاق بمساواتها لهنّ ، ولا كذلك الأقران (٦) .

واعترضه (٧) الشهيد في الذكرىٰ : بأنّ لفظ « نسائها » في الرواية دال عليه ، لأنّ الإضافة تصدق بأدنىٰ ملابسة ، ولما لابستها في السنّ والبلد صدق عليهنّ النساء ، وأمّا المشاكلة فمن السنّ واتحاد البلد يحصل غالباً . انتهىٰ (٨) .

__________________

(١) في « رض » : لو .

(٢) ليست في « فض » .

(٣) المدارك ٢ : ١٥ .

(٤) كما في المدارك ٢ : ١٧ وهو في المبسوط ١ : ٤٦ .

(٥) أثبتناه من المعتبر ١ : ٢٠٨ .

(٦) المعتبر ١ : ٢٠٨ ، بتفاوت يسير .

(٧) في « رض » : واعترض .

(٨) الذكرىٰ ١ : ٢٤٧ .


ولا يخفىٰ عليك الحال بعد ما قدمناه من المتبادر ، أمّا إلزامه بالقول بأحد الأمرين إمّا البلد أو السن لصدق الملابسة ولا قائل به فجوابه سهل بعد القول بأنّه لا قائل به ، إذ الإجماع أخرجه .

هذا ، وأنت خبير بأنّ الرواية الثانية ليس فيها تقييد بالمبتدأة ، والمذكور في كلام المتأخّرين الاختصاص بها بعد فقد التمييز (١) والأوّل لا يصلح لأن يقيّدها ، أو ذكر المبتدأة من كلام الراوي ، فليتأمّل .

قال :

باب الحبلىٰ ترىٰ الدم‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عمّن أخبره ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام في الحبلىٰ ترىٰ الدم قال : « تدع الصلاة فإنّه ربما بقي في الرحم الدم ولم يخرج وذلك الهِراقة » .

وبهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد ، عن النضر وفضالة بن أيوب ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سُئل عن الحبلىٰ ترىٰ الدم أتترك الصلاة ؟ قال : « نعم ، إنّ الحبلىٰ ربما قذفت بالدم » .

عنه ، عن حماد ، عن شعيب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الحُبلىٰ ترىٰ الدم ؟ قال : « نعم إنّه ربما قذفت المرأة بالدم وهي حبلىٰ » .

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢٠٧ ، روض الجنان : ٦٧ ، ٦٨ ، المدارك ٢ : ١٦ .


عنه ، عن صفوان ، عن عبد الرحمان بن الحجاج ، قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن المرأة الحُبلىٰ ترىٰ الدم وهي حامل ، كما كانت ترىٰ قبل ذلك في كل شهر ، هل تترك الصلاة ؟ قال : « تترك إن دام » .

عنه ، عن عثمان بن عيسىٰ ، عن سماعة ، قال : سألته عن امرأة رأت الدم في الحَبَل قال : « تقعد أيّامها التي كانت تحيض ، فإذا زاد الدم علىٰ الأيام التي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيّام ثم هي مستحاضة » .

عنه ، عن صفوان ، قال : سألت أبا الحسن (١) عليه‌السلام عن الحبلىٰ ترىٰ الدم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام تصلي ؟ قال : « تمسك عن الصلاة » .

وأخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن العلاء القلّاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن الحبلىٰ ترىٰ الدم كما كانت ترىٰ أيام حيضها مستقيماً في كل شهر ؟ قال : « تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها فإذا طهرت صلت » .

السند‌ :

في الأوّل : ليس فيه ارتياب بعد ما قدّمناه إلّا من جهة الإرسال .

والثاني : صحيح كذلك ، وابن سنان فيه هو عبد الله ، لا محمد ، كما يشهد به التتبّع ، لأنّ كل موضع يذكر فيه محمد فهو يروي عن الصادق

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٣٩ / ٤٧٨ زيادة : الرضا .


بواسطة ، وذكر الشيخ رحمه‌الله في كتاب الرجال جماعة قال : إنّهم لم يرووا عن الصادق عليه‌السلام إلّا بواسطة وعدّ من جملتهم محمد بن سنان (١) .

ثم إنّ محمد بن سنان الضعيف ليس أخا عبد الله كما توهّمه بعض ليكونا في مرتبة واحدة ، وعلىٰ تقدير الأخوّة اتحاد المرتبة غير لازم ، كما لا يخفىٰ .

والشيخ في كتاب الرجال ذكر محمداً في رجال الرضا عليه‌السلام (٢) وذكر في رجال الصادق عليه‌السلام محمد بن سنان بن طريف الهاشمي قال : وأخوه عبد الله (٣) . والظاهر أنّ محمد المذكور ليس هو المتقدّم ، لأنّ المتقدّم قال النجاشي : إنّه أبو جعفر الزاهري (٤) . وليس في أجداده طريف ، وعبد الله ابن سنان هو ابن طريف مولىٰ بني هاشم كما ذكره النجاشي (٥) ، فإذن لعبد الله أخ يقال له محمد ، وهو مهمل في رجال الصادق ومحمد بن سنان الضعيف في رجال الرضا عليه‌السلام لا غير .

فما وقع لبعض المتأخّرين من الالتباس ، حيث ظنّ أنّ محمد بن سنان الضعيف هو المذكور في رجال الصادق عليه‌السلام ، فيجوز أن يروي عن الصادق عليه‌السلام ، ويشكل الحال ، ثم دَفَعه بأنّ الشيخ [ سها ] (٦) في ما ذكره . لا يخفىٰ دفعه بعد ما قرّرناه ، غاية الأمر أنّه يحتمل أن يقال : إنّ عبد الله اذا كان له أخ مهمل في الرجال من أصحاب الصادق عليه‌السلام فيجوز أن يكون هو‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٤٠ / ١٠ .

(٢) رجال الطوسي : ٣٨٦ / ٧ .

(٣) رجال الطوسي : ٢٨٨ / ١٢٩ .

(٤) رجال النجاشي : ٣٢٨ / ٨٨٨ .

(٥) رجال النجاشي : ٢١٤ / ٥٥٨ .

(٦) في النسخ : ينهىٰ ، والظاهر ما أثبتناه .


الراوي ، ويساوي الضعيف لكونه مهملا ، وجوابه أنّ الإطلاق في مثل ابن سنان إنّما ينصرف إلىٰ المشهور ، كما يعرف بتتبع إطلاق الرجال .

فإن قلت : قد نقل العلّامة في الخلاصة عن المفيد في إرشاده توثيق محمد بن سنان (١) ، والحال أنّ الشيخ قال في باب المهور من التهذيب : محمد بن سنان مطعون عليه ضعيف جدّاً (٢) . والنجاشي قال في ترجمة ميّاح : إنّ له كتاباً يعرف برسالة ميّاح ، وطريقها أضعف منها وهو محمد بن سنان (٣) ، وغير ذلك من الأقوال فيه كما يعلم من كتب الرجال (٤) .

قلت : الأمر فيه لا يخلو من ارتياب ، فإنّ غاية ما يمكن الجمع بأنّه كان ثقة وتغيّر كما يظهر من كتب الرجال (٥) ، إلّا أنّ عدم وقوف المفيد علىٰ تغيّره والحكم بثقته في غاية البُعد ، بل مقطوع بنفيه ، وكون الجرح عنده لم يتحقّق من مثل ما ورد فيه لعدم ثبوته أقوىٰ إشكالاً ، فإنّ مثل النجاشي المتأخّر يستبعد الثبوت عنده حينئذ ، وكذلك الشيخ .

ثم إنّ رواية الثقات عن محمد بن سنان كما يستفاد من الأخبار أغرب ، وقد صرح الكشي بما هذا لفظه : قال أبو عمرو : وقد روىٰ عنه ـ يعني محمد ابن سنان ـ الفضل ، وأبوه ، ويونس ، ومحمد بن عيسىٰ العبيدي ، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، والحسن والحسين ابنا سعيد الأهوازيان ، وأيوب ابن نوح ، وغيرهم من العدول والثقات من أهل العلم (٦) ، لكن لا يخفىٰ أنّ

__________________

(١) خلاصة العلّامة : ٢٥١ وهو في الإرشاد ٢ : ٢٤٨ .

(٢) التهذيب ٧ : ٣٦١ .

(٣) رجال النجاشي : ٤٢٤ / ١١٤٠ .

(٤) انظر منهج المقال : ٢٩٨ .

(٥) كما في منهج المقال : ٢٩٨ .

(٦) رجال الكشي ٢ : ٧٩٦ / ٩٧٩ .


الرواية عنه يحتمل أن تكون لاعتمادهم علىٰ أصله ، أو في حال تقية .

وبالجملة : فالكلام في الرجل واسع المجال ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .

وأمّا الثالث : فالظاهر أنّه ضعيف ، لأنّ أبا بصير هو الضعيف بقرينة رواية شعيب عنه وهو العقرقوفي .

والرابع : صحيح وإن كان في عبد الرحمان بن الحجاج كلام ، لما وجدته في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (١) وبعض الأخبار في الكشي (٢) ، إلّا أنّ توثيق النجاشي له مكرّراً من دون ذكر شي‌ء (٣) أقوىٰ ، كما كرّرنا فيه القول .

والخامس : ضعيف .

والسادس : صحيح ، وكذا السابع ، كل ذلك بعد ملاحظة ما قدّمناه .

المتن :

في الجميع دال علىٰ أنّ الحيض يجامع الحمل ، غير أنّ الخبر الأوّل مطلق في الحبلىٰ المتقدم لها عادة وغيرها ، وكذلك الثاني والثالث .

أمّا الرابع : فيدل علىٰ من تقدمت لها عادة مستقرّة في الجملة ، وقوله عليه‌السلام فيه : « إذا دام » محتمل لأن يراد به التوالي ، ويحتمل أن يراد به وجوده في العادة ابتداءً وانتهاءً ، فلو انقطع في أثنائها ربما يشكل الحال ، إلّا أنّ إطلاق الأخبار الاُول ربما دفع الإشكال ، واحتمال تقييدها بالرابع ممكن .

والخامس : وفيه زيادة بيان الاستظهار .

__________________

(١) الغيبة للشيخ : ٢١٠ .

(٢) رجال الكشي ٢ : ٧٤٠ / ٨٢٩ ، ٨٣٠ .

(٣) رجال النجاشي : ٢٣٧ / ٦٣٠ .


والسادس : صريح في التناول لكون العدد المذكور عادة قبل الحمل وعدمه ، وكونه من كلام السائل لا يضرّ بعد ترك الاستفصال من الإمام عليه‌السلام .

والسابع : لا يفيد تقييداً كما لا يخفىٰ علىٰ من راجع ما ذكرناه مراراً .

ومن هنا يعلم أنّ استدلال جماعة من القائلين بمجامعة الحيض للحبل بالأخبار من غير تنبيه علىٰ ما ذكرناه غير لائق ، ومنهم شيخنا قدس‌سره (١) والعلّامة في المختلف (٢) ، ونقل في المختلف القول عن ابن بابويه والسيد المرتضىٰ في المسائل الناصرية (٣) ، وزاد شيخنا قدس‌سره رواية في الحسن رواها الكليني رحمه‌الله عن سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ، الحبلىٰ ربما طمثت ؟ قال : « نعم ، وذلك أنّ الولد في بطن اُمّه غذاؤه الدم فربما كثر ففضل عنه ، فإذا فضل دفعته ، وإذا دفعته حرُمت عليها الصلاة » (٤) .

وربما كان في الحديث الأوّل إيماء إلىٰ هذا ، إلّا أن قوله : « ولم يخرج » أظنّه بزيادة الواو ، و « ثم » عوض « لم » ويجوز أن يكون المراد لم يخرج قبل الحمل ، والأمر سهل .

اللغة :

في النهاية : في حديث اُمّ سلمة أنّ امرأة كانت تهراق الدم ، إلىٰ أن قال : وهَراقَه يُهَريقُه بفتح الهاء هِراقَةً (٥) . وفي القاموس : هَراقَ الماء يُهَريقه

__________________

(١) المدارك ٢ : ١٠ ـ ١١ .

(٢ و ٣) المختلف ١ : ١٩٥ وهو في الفقيه ١ : ٥١ والناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩١ .

(٤) الكافي ٣ : ٩٧ / ٦ ، المدارك ٢ : ١١ ، الوسائل ٢ : ٣٣٣ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٤ .

(٥) النهاية لابن الأثير ٥ : ٢٦٠ ( هرق ) .


بفتح الهاء هِراقةً ، بالكسر إلىٰ أن قال : صبه (١) .

قال :

فأمّا ما رواه أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن حميد ابن المثنىٰ قال : سألت أبا الحسن الأوّل عليه‌السلام عن الحبلىٰ ترىٰ الدفقة والدفقتين (٢) في الأيّام وفي الشهر وفي (٣) الشهرين ؟ فقال : « تلك الهراقة ليس تمسك هذه عن الصلاة » .

وما رواه محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام أنّه (٤) قال : « قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما كان الله ليجعل حيضاً مع حبل ، يعني (٥) إذا رأت المرأة الدم وهي حامل لا تدع الصلاة إلّا أن ترىٰ علىٰ رأس الولد إذا ضربها الطلق (٦) ورأت الدم تركت الصلاة » .

فهذان الخبران لا ينافيان الأخبار المتقدّمة ، لأنّ الخبر الأوّل قال : سألته عن الحبلىٰ ترىٰ الدفقة والدفقتين في الأيّام وفي الشهر فقال له : « تلك الهراقة ليس تمسك هذه عن الصلاة » فذلك صحيح ، لأنّ ذلك ليس بأقل الحيض ، لأنّا قد بيّنا أنّ أقل أيّام (٧) الحيض ثلاثة أيّام (٨) ، وإذا لم تر

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ : ٣٠٠ ( هراق ) .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٣٩ / ٤٨٠ زيادة : من الدم .

(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٩ / ٤٨٠ لا يوجد : في .

(٤) ليست في « فض » .

(٥) في « فض » : بمعنىٰ .

(٦) في « فض » : المطلق .

(٧) ليست في « فض » .

(٨) في ص ٣١٠ .


إلّا دفقة أو دفقتين فليس بدم حيض لا يجوز لها ترك الصلاة والصوم .

وأمّا الخبر الثاني وهو قوله عليه‌السلام : لم يجعل الله الحبل مع الحيض ، فالوجه فيه أنّه لا يكون [ ذلك ] (١) مع الحبلىٰ (٢) المستبين حملها ، وإنّما يكون الحيض ما لم يستبن الحمل فإذا استبان فقد ارتفع الحيض ، ولأجل ذلك اعتبرنا أنّه متىٰ تأخّر عن عادتها بعشرين يوماً فليس ذلك بدم حيض .

يدل علىٰ ذلك :

ما أخبرني به الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد ابن يعقوب ، عن محمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن الحسين بن نعيم الصحاف ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ اُمّ ولدي ترىٰ الدم وهي حامل كيف تصنع بالصلاة ؟ قال : فقال : « إذا رأت الحامل الدم بعدما مضىٰ (٣) عشرون يوماً من الوقت الذي ( كانت ترىٰ فيه الدم من الشهر الذي ) (٤) كانت تقعد (٥) فيه فإنّ ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث ، فتتوضّأ (٦) وتحتشي بكرسف وتصلّي ، وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترىٰ فيه الدم بقليل (٧) ، أو في الوقت من ذلك الشهر فإنّه من

__________________

(١) أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٤٠ / ٤٨١ .

(٢) في النسخ : الحبل ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٤٠ / ٤٨١ .

(٣) في « فض » : يمضي .

(٤) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٥) في « فض » : تفور .

(٦) في الاستبصار ١ : ١٤٠ / ٤٨٢ : فلتتوضأ .

(٧) في الاستبصار ١ : ١٤٠ / ٤٨٢ : القليل .


الحيضة فلتمسك عن الصلاة عدد أيّامها التي كانت تعقد في حيضها ، فإن انقطع الدم عنها قبل ذلك فلتغتسل ولتصلّ ، وإن (١) لم ينقطع الدم عنها إلّا بعد ما تمضي من (٢) الأيّام التي كانت ترىٰ الدم فيها بيوم أو يومين فلتغتسل وتحتشي وتستثفر وتصلّي الظهر والعصر . ثم لتنظر فإن (٣) كان الدم في ما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضّأ ولتصلّ عند كل صلاة ما لم تطرح الكرسف ، فإن طرحت الكرسف عنها وسال الدم وجب عليها الغسل ، وإن طرحت الكرسف عنها ولم يسل الدم فلتتوضّأ ولتصلِّ ولا غسل عليها » قال : « فإذا (٤) كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيباً لا يرقىٰ فإنّ عليها أن تغتسل في كل يوم وليلة ثلاث مرّات ثم تحتشي وتصلّي : تغتسل للفجر ، وتغتسل للظهر والعصر ، وتغتسل للمغرب والعشاء الآخرة » قال : « وكذا (٥) تفعل المستحاضة فإذا (٦) فعلت ذلك أذهب الله بالدم عنها » .

السند‌ :

في الأوّل : ليس فيه ارتياب ، فإنّ (٧) علي بن الحكم بتقدير الاشتراك

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٤٠ / ٤٨٢ : فإن .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٤٠ / ٤٨٢ لا يوجد : من .

(٣) في « فض » : وإن .

(٤) في الاستبصار ١ : ١٤٠ / ٤٨٢ : فإن .

(٥) في الاستبصار ١ : ١٤٠ / ٤٨٢ : وكذلك .

(٦) في الاستبصار ١ : ١٤٠ / ٤٨٢ : فإنها إذا .

(٧) في « فض » : وإن .


هو الثقة بقرينة رواية أحمد بن محمد بن عيسىٰ عنه ، وأحمد بن محمد هو ابن عيسىٰ ، وحميد بن المثنىٰ هو أبو المعزا ثقة ثقة في النجاشي (١) ، ووثّقه أيضاً ابن بابويه في الفقيه (٢) .

والثاني : واضح الحال بالنوفلي والسكوني .

والثالث : صحيح ، وفي الإيضاح : نُعَيم بضم النون وفتح العين (٣) .

المتن :

في الأوّل : غير خفي في عدم المعارضة كما ذكره الشيخ .

وأمّا الثاني : فما قاله الشيخ غير واضح الوجه ، والأخبار الأوّلة صريحة في وجود الحيض مع الحمل ، غاية الأمر أنّه لا بدّ فيها ممّا ذكرناه . وقول الشيخ : ولأجل ذلك اعتبرنا أنّه متىٰ تأخّر . . . يدل علىٰ أنّه متىٰ لم يتأخّر يكون حيضاً ، فهو اعتراف بوجود الحيض مع الحمل ، إلّا أنّ مراد الشيخ أنّه إذا لم يتأخّر لم يمكن حمل ، والدليل لا يساعد عليه ، فإنّ رواية الصحاف صريحة في تحقق الحيض مع الحمل ، غاية الأمر أنّها تدل علىٰ أنّ الحامل متىٰ تأخّر الدم عن عادتها التي كانت ترىٰ فيها الدم قبل الحمل بعشرين يوماً لا يكون الدم حيضاً ، وهذا لا ينفي حيض الحامل .

وقوله في الرواية : فإذا رأت قبل الوقت بقليل أو فيه (٤) من ذلك الشهر فإنّه من الحيضة ، صريح في مجامعة الحيض للحمل .

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٣٣ / ٣٤٠ .

(٢) مشيخة الفقيه ( الفقيه ٤ ) : ٦٥ .

(٣) إيضاح الاشتباه : ١٥٥ .

(٤) في الاستبصار ١ : ١٤٠ / ٤٨٢ : في الوقت .


وفي نظري القاصر أن الرواية مؤيّدة لما أسلفناه من أنّ الأخبار المطلقة تحمل علىٰ المقيّدة ، فلا يتم إطلاق القول بحيض الحامل ، كما لا يتم القول الذي يقوله الشيخ باعتبار مضي عشرين يوما نظراً إلىٰ الرواية علىٰ الإطلاق ، فإنّ قوله عليه‌السلام فيها أخيراً : « فإن لم ينقطع عنها إلّا بعد ما تمضي الأيّام التي كانت ترىٰ الدم فيها بيوم أو يومين فلتغتسل » إلىٰ آخره ، يقتضي أنّه لو انقطع أكثر من ذلك لا يكون حيضاً .

والحال إنّ أوّلها أفاد مضي عشرين فالتدافع حاصل ، إلّا أن يقال : إنّ مفهوم الأخير مقيد المنطوق الأوّل الدال علىٰ العشرين . وفيه : أنّ مفهوم الأوّل أيضا لا بدّ من تقييده ، وهذا يوجب نوع ريبة في الرواية لولا ما قلناه .

ومن هنا يعلم أنّ ما قاله شيخنا المحقق ـ أيّده الله ـ في فوائد الكتاب : من أنّه لا يخفىٰ بُعد التوجيه ، وأنّ مفاد الرواية أنّ دم الحيض من الحامل إنّما يكون في العادة أو قبلها بيسير ، دون ما بعدها أو قبلها بيوم أو يومين أو نحو ذلك . محل نظر ، فإنّ الرواية كما ترىٰ صريحة في اعتقاد التأخّر بيوم أو يومين ، بل أوّلها يقتضي أنّ المضرّ التأخّر بعشرين ، والمفهوم فيه أنّ ما دون العشرين لا يضر ، غاية الأمر أنّه يقيد ، ويحصل الإشكال الذي ذكرناه .

وممّا ذكرناه يعلم أنّ ما في الحبل المتين ، من أنّ قول الشيخ في النهاية بأنّ ما تراه الحامل في أيّام عادتها حيض ، وما تراه بعد العادة بعشرين يوماً ليس بحيض ، وأنّ حديث الحسين بن نعيم يدل عليه ، وليس في الأحاديث المعتبرة ما ينافيه (١) . محل بحث أمّا أوّلاً : فلما ذكرناه من المعارضة في نفس الرواية المحتاج إلىٰ تكلّف تامّ .

__________________

(١) الحبل المتين : ٤٧ وهو في النهاية : ٢٥ .


وأمّا ثانياً : فلأنّ الأخبار المعتبرة قد دلت علىٰ أنّ المرأة إذا رأت في أيّامها التي كانت ترىٰ الدم فيها فهو حيض ، ومفهوم رواية الحسين أنّ الدم لو تأخّر أقل من عشرين فهو حيض ، فالمنافاة حاصلة لولا دلالة آخرها بنوع من التقريب ، وإن كان في الظنّ أنّه غير واف إلّا أنّه يدفع قول الشيخ باعتبار العشرين ، وعدم الالتفات إلىٰ تحقيق دفع التعارض بين مفاهيم الأخبار غير لائق .

ومن هنا يعلم أيضاً أنّ ما قاله شيخنا قدس‌سره في المدارك : من أنّ الشيخ قال في النهاية وكتابي الأخبار : ما تجده المرأة الحامل في أيّام عادتها يحكم بكونه حيضاً ، وما تراه بعد عادتها بعشرين يوماً فليس بحيض (١) . لا وجه له ، فإنّ الشيخ في هذا الكتاب قائل بعدم حيض الحامل إذا استبان .

وما قاله شيخنا قدس‌سره نقلاً عن الشيخ في الخلاف : من أنّ الدم حيض قبل أن يستبين لا بعده ونقل فيه الإجماع (٢) . ثم قال : احتجّ الشيخ علىٰ القول الثاني بصحيحة الحسين بن نعيم ، إلىٰ أن قال : وهي مع صحتها صريحة في المدّعىٰ ، فيتعين العمل بها (٣) . لا وجه له أيضاً ، فإنّ الرواية في غاية الغموض بعد ما ذكرناه .

علىٰ أنّ القول الثاني هو الذي نسبه إلىٰ كتابي الأخبار ، وقد علمت قول الشيخ هنا ، والحال أنّ شيخنا قدس‌سره قال بعد ذلك : وأمّا قول الثالث فلم أقف له علىٰ مستند (٤) . وظاهر الحال من القول الثالث الاستبانة وعدمها ، والشيخ هنا مستدل بالرواية . ولو اُريد بالقول الثاني هو قول الشيخ الثاني ـ أعني الاستبانة وعدمها ـ زاد المحذور .

__________________

(١ ـ ٤) المدارك ٢ : ١٠ ، وهو في النهاية : ٢٥ ، والتهذيب ١ : ٣٨٨ والخلاف ١ : ٢٣٩ .


وبالجملة : فتحقيق الأقوال والأدلّة منتف ، والأصل في ذلك العلّامة في المختلف ، فإنّه نقل أولاً قولي الشيخ في الخلاف والنهاية (١) ، فالأوّل : أنّ الحمل إن استبان فلا حيض وإن لم يستبن فالحيض واقع ، والثاني : اعتبار أيّام العادة ، ثم قال : احتجّ الشيخ علىٰ قوله بما رواه الحسين . ولم يبيّن أيّ قولٍ ، فوقع الاشتباه .

إذا عرفت هذا فاعلم أن ما تضمّنته الرواية الاُولىٰ من قوله : « تلك الهراقة » ينافي ما تضمّنته الرواية من قوله : « وذلك الهراقة » لأنّ الاُولىٰ أفادت أنّ الهراقة حيض والثانية عدمه ، والشيخ لم يتعرض لبيان ذلك ، وغاية ما يمكن من التوجيه اشتراك الهراقة بين الحيض وغيره ، إلّا أنّ السرّ في الكلام غير ظاهر .

ثم ما تضمّنته الرواية الثانية من قوله : « إلّا أن ترىٰ علىٰ رأس الولد » غير موافق لمراد الشيخ ولا لمذهبنا ، أمّا الأوّل : فلأنّ الشيخ قائل بعدم الحيض مع تحقق الحمل ، وقبل الولادة لا نفاس ولا حيض ، فلا وجه لترك الصلاة ، كما لا وجه لعدم تعرض الشيخ لبيانه .

وأمّا الثاني : فالمعروف من المذهب أنّه لا نفاس قبل الولادة ، وغاية ما يمكن أن يوجّه بأنّ المراد به النفاس في أوّل خروج الولد كما هو مذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط علىٰ ما نقل عنه من أنّ النفاس يكون مع الولادة (٢) ، لا كما يقوله المرتضىٰ من أنّ النفاس عقيب الولادة (٣) ، وقد

__________________

(١) المختلف ١ : ١٩٤ .

(٢) نقله عنه في المختلف ١ : ٢١٥ وهو في الخلاف ١ : ٢٤٦ والمبسوط ١ : ٦٨ .

(٣) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩١ .


ينافي ما قلناه قوله (١) : « إذا ضربها (٢) الطلق » فإنّ الظاهر منه قبل خروج الولد ، إلّا أنّ التوجيه ليس ببعيد . هذا علىٰ تقدير الاعتماد علىٰ تفسير الراوي .

ونقل العلّامة في المختلف عن ابن الجنيد القول بأنّه لا يجتمع حيض وحبل ، والاحتجاج بالروايتين المذكورتين ، وأجاب عن الاُولىٰ بأنّه لم يحصل توالي ثلاثة أيّام ، وعن الثانية بضعف السند (٣) ، ولم يتعرض لشي‌ء ، ممّا ذكرناه ، هذا .

وأمّا رواية الحسين بن نعيم فبقي فيها اُمور وقعت في كلام الأعلام ، وفي نظري القاصر أنّها محل كلام ، الأوّل : استدل الشهيد في الدروس والذكرىٰ علىٰ ما نقله شيخنا قدس‌سره بالرواية علىٰ أنّ الاعتبار بقلّة الدم وكثرته بأوقات الصلاة (٤) . وقال جدّي قدس‌سره في فوائده علىٰ الروضة بعد حكايته ذلك : ونحن اعتبرناه فوجدناه دالّاً علىٰ عدم اعتباره صريحاً .

والذي يخطر في البال أنّ الشهيد رحمه‌الله نظر في الرواية إلىٰ أنّ الأمر بالغسل والوضوء في الرواية واقع ، وهو للوجوب ، ولمّا كان غير غسل الجنابة واجباً لغيره دلّ علىٰ أنّ الاعتبار بأوقات الصلاة ، وجدّي قدس‌سره نظر إلىٰ أنّ قوله : « ثم لتنظر فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب » يقتضي عدم دخول وقت المغرب ، فلا يكون الأمر بالوضوء للوجوب وكذلك الغسل ، ولا يذهب عليك أنّ الأمر إذا كان للوجوب فلتحمل الرواية علىٰ إرادة وقت المغرب ، والعبارة وإن كانت لا تساعد عليه ظاهراً إلّا أنّ التأويل ممكن .

__________________

(١) ليست في « فض » .

(٢) في « فض » : ضربه .

(٣) المختلف ١ : ١٩٥ ـ ١٩٦ .

(٤) المدارك ٢ : ٣٦ وهو في الدروس ١ : ٩٩ ـ ١٠٠ ، الذكرىٰ ١ : ٢٤٢ ـ ٢٤٣ .


وفيه : أنّ الأمر يجوز أن يكون للاستحباب ، وقرينته عدم دخول الوقت ، إلّا أنّ الخبر لا يكون صريحاً كما قاله جدّي قدس‌سره فليتأمّل .

الثاني : استدل الشهيد رحمه‌الله بالخبر علىٰ أنّ المتوسّطة عليها غسل واحد (١) ، ردّاً علىٰ من نفىٰ المتوسّطة وجعلها كثيرة . واعترضه شيخنا قدس‌سره بأنّ موضع الدلالة فيها قوله عليه‌السلام : « فإن طرحت الكرسف عنها وسال الدم وجب عليها الغسل » وهو غير محل النزاع ، فإنّ موضع الخلاف ما لم يحصل السيلان ، قال قدس‌سره : مع أنّه لا إشعار في الخبر بكون الغسل للفجر ، فحمله عليه تحكّم (٢) .

والذي يخطر في البال أنّ كلّاً من الاستدلال والاعتراض لا يخلو من تأمّل :

أمّا الأوّل : فلأنّ صريح الرواية أنّ السيلان لو حصل مع طرح الكرسف ، وهذا خارج عن الأقوال بالكلّيّة .

وأمّا الثاني : فلأنّ مقتضاها الموافقة للشهيد ، علىٰ أنّ الرواية دالّة علىٰ المتوسّطة لكنّها دلت علىٰ السيلان ، والمتوسّطة هي التي تنفذ دمها من الكرسف ولم يسل : وقد عرفت انتفاء ذلك من الرواية .

ثم قول شيخنا قدس‌سره : إنّه لا إشعار في الخبر بكون الغسل للفجر . ليس له وجه ، بل الأولىٰ أن يقول : إنّه صريح في الغُسل للمغرب ، كما لا يخفىٰ علىٰ من أعطىٰ الرواية حقّ النظر .

والذي أظنّه أنّ هذا لا يضر بحال الاستدلال لو سلمت من غيره ، لأنّ

__________________

(١) الذكرىٰ ١ : ٢٤٢ .

(٢) المدارك ٢ : ٣٣ .


ذكر غُسل الفجر للمتوسّطة في كلام الأصحاب (١) ليس علىٰ وجه التعيّن ، ضرورة أنّ الدم بتقدير وجود شرط المتوسطة لا يلزم أن يكون عند الفجر ، بل لو وجد عند الظهر أو العصر وغيرهما كذلك ، كما أنّ الكثير لا يلزمها البدأة بالفجر فيما لو حصلت الكثرة عند الظهر أو العصر أو المغرب ، غاية الأمر أنّه يلزم إشكال في المقام علىٰ تقدير ابتداء الدم من غير الفجر في الكثيرة بالنسبة إلىٰ الثلاثة الأغسال ، وبيان ذلك لم أجده في كلام الأصحاب ، وقد فصّلت ذلك في غير هذا الموضع .

والظاهر أنّ الباعث للأصحاب علىٰ ذكر الفجر أوّلاً هو النص ، لكن تعين مدلول النص دائماً لا يوافقه الاعتبار والتأمّل الصادق في مدلول معتبر الأخبار ، ولعلّ التعبير بما تضمنته الرواية المبحوث عنها من قوله : « في كل يوم وليلة ثلاث مرات » أولىٰ ، وإن كان فيه الإشكال أيضاً .

ثم إنّه يمكن توجيه كلام الشهيد بأنّ قوله عليه‌السلام : « وسال الدم . . . » بمعنىٰ الحال ، أي والحال أنّه سال الدم قبل الطرح ، ويراد بالسيلان النفوذ فقط ويكون قوله عليه‌السلام في الكثيرة : « يسيل من خلف الكرسف صبيباً . . . » قرينة علىٰ أنّه في السابق نفذ من غير سيلان ، ولا مانع من إطلاق السيلان بالاشتراك ، إلّا أنّه لا يخفىٰ توقف التوجيه علىٰ الثبوت من غير الرواية ، أمّا منها فالاحتمال لا يفيد إثبات المطلوب .

والظاهر من الشهيد أنّه لم يعتمد علىٰ الرواية وحدها ، بل في رواية لزرارة ما قد يظن منها ذلك ، وإن كان الحق خلافه ، والغرض مجرّد التوجيه

__________________

(١) منهم الحلّي في السرائر ١ : ١٥٣ ، والعلّامة في المختلف ١ : ٢٠٩ ، والشهيد الأوّل في الذكرىٰ ١ : ٢٤٢ .


لكلام مثل الشهيد ، فإنّ الخبر بظاهره لا يدل علىٰ مطلوبه بأدنىٰ تأمّل ، فلا ينبغي الغفلة عن هذا وأشباهه .

الثالث : قوّىٰ جدّي قدس‌سره في شرح الإرشاد أنّ حدث الاستحاضة كغيره من الأحداث ، فمتىٰ حصل كفىٰ في وجوب موجبه (١) ، كما اختاره الشهيد في البيان (٢) ، وقيل : المعتبر بالقلة والكثرة في أوقات الصلاة (٣) . وتمسّك جدّي قدس‌سره بإطلاق الروايات المتضمنة لكون الاستحاضة موجبة للوضوء أو الغسل ، وبقوله عليه‌السلام في الخبر المبحوث عنه : « فلتغتسل وتصلّي الظهرين ثم لتنظر . . . » (٤) .

قال شيخنا قدس‌سره : ويتفرّع علىٰ القولين ما لو كثر قبل الوقت ( وطرأت القلة فعلىٰ الأوّل يجب الغسل للكثرة المتقدمة ، وعلىٰ الثاني لا غسل عليها ما لم يوجد في الوقت ) (٥) متصلا (٦) .

والذي يخطر في البال أنّ الاستدلال بإطلاق الروايات محل نظر ، لأنّ مفاد الأخبار الجمع بين الصلاتين ، فلو قلنا : إنّه متىٰ حصل كفىٰ في وجوب موجبه ، لم يتم لزوم الجمع ، فإن الظاهر من الجمع لوجود الحدث المستمرّ ، إلّا أن يقال : إنّ الاستمرار معتبر لكن لا مع الكثرة بل لا بد من وجود الدم ، وأنت خبير بأنّ كلامهم لا يعطي ذلك .

ثم إنّ اعتبار أوقات الصلاة لو قلنا به لا وجه لوجوب ثلاثة أغسال‌

__________________

(١) روض الجنان : ٨٤ .

(٢) البيان : ٦٧ .

(٣) قال به الشهيد في الدروس ١ : ٩٩ ـ ١٠٠ والذكرىٰ ١ : ٢٤٣ ـ ٢٤٣ .

(٤) روض الجنان : ٨٥ .

(٥) ما بين القوسين ليس في « فض » .

(٦) المدارك ٢ : ٣٦ .


( بل الغسل تابع لوجود الدم الكثير ، سواء كان في صلاة أو صلاتين أو أكثر . والحال أنّ الخبر تضمّن ثلاثة أغسال ) (١) .

ولا يبعد أن يقال : إنّ مدلول الخبر ثلاثة أغسال في اليوم والليلة علىٰ تقدير الاستمرار ، وحينئذ مع الاستمرار تجب كل يوم وليلة ثلاثة أغسال ، فلو لم يستمر لم يجب الثلاثة سواء وجب واحد أو أكثر ، والخبر المبحوث إذا أعطاه المتأمّل حق النظر يرىٰ أنّه دال علىٰ اعتبار أوقات الصلاة ، وذكر الثلاثة الأغسال لوجود الدم وقت الصلاة المذكورة فيه ، غاية الأمر أنّه قد يتوجه في الخبر نوع إشكال ، فالنظر إلىٰ الاستدلال به علىٰ حكم الكثير ، لأنّ قوله : « فإن لم ينقطع الدم عنها إلّا بعد ما تمضي الأيّام التي كانت ترىٰ الدم فيها بيوم أو يومين فلتغتسل » إلىٰ آخره ، صريح في أنّ الغسل المأمور به غسل الحيض .

وقوله : « ثم لتنظر فيما بينها وبين المغرب » إلىٰ قوله : « فإن كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيباً لا يرقىٰ فإنّ عليها أن تغتسل » إلىٰ آخره ، صريح في أنّ الأغسال ثلاث مرّات بعد غسل الحيض ، ويكون مبدأ غسل الاستحاضة المغرب .

وحينئذ فاليوم والليلة إمّا أن يراد به تلك الليلة مع اليوم الآتي ، أو اليوم السابق الذي مبدؤه الظهر مع الليلة التي بعدها المعتبر فيها الدم فيما بينه وبين المغرب .

والثاني لا وجه له ، لأنّ الغسل الأوّل لم يكن للاستحاضة بل للحيض ، فلا يدل علىٰ الأغسال الثلاثة للاستحاضة .

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض » .


والأوّل يقتضي أنّ المبدأ المغرب ، فلا يتم قول الأصحاب : إنّ المبدأ الفجر .

والذي يقتضيه النظر أنّ قوله عليه‌السلام : « فإن كان الدم إذا أمسكت » لا تعلق له بما تقدم من الحالة التي بينه وبين المغرب ، بل هو بيان لحال المستحاضة من حيث هي ، إلّا أنّ قوله : « فإنّ عليها أن تغتسل في كل يوم وليلة ثلاث مرّات ثم تحتشي وتصلّي وتغتسل للفجر » إلىٰ آخره ، لا يخلو من إجمال ، إذ يحتمل أن يراد بقوله : « وتغتسل للفجر » إلىٰ آخره ، بيان أغسال اليوم والليلة علىٰ تقدير وجود الدم من الفجر .

ويحتمل أن يكون من (١) تتمّة بيان أحكام من نظرت ما بينها وبين المغرب ، ويفيد أنّ الغسل لازم لها علىٰ الوجه المذكور في جميع الصلوات ، فإذا بدأت الكثرة من المغرب واستمرت عليها الغسل للفجر بعد غسل المغرب والعشاء ، وغسل للظهرين ، وغسل للمغرب ، وهكذا ، ويؤيّده قوله : « وهكذا تفعل المستحاضة » فإنّ هذا يدل علىٰ أنّ الحكم المذكور للحائض المستمر دمها إلىٰ أن تصير مستحاضة ، وحكم المستحاضة غير حكمها .

وإنّما قلنا : إنّه مؤيّد مع أنّه ظاهر في تعيّن الاحتمال لإمكان أن يقال : إنّ المراد : وهكذا حكم كل مستحاضة .

لكن لا يخفىٰ أنّ تحقيق الحال في هذا موقوف علىٰ ثبوت اعتبار أوقات الصلوات والاستمرار ، وإن لم يثبت ذلك فالخبر باق علىٰ إجماله ، ولم أَرَ من أوضح الحال في جميع ما ذكرته ، ولا أشار إلىٰ بعضه ، والله وليّ التوفيق .

__________________

(١) في « رض » : في .


قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن أبي المغرا (١) ، عن إسحاق بن عمار ، قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة الحبلىٰ ترىٰ الدم اليوم واليومين قال : « إن كان دماً عبيطاً فلا تصلّي ذلك (٢) اليومين ، وإن كان (٣) صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين » .

فلا ينافي (٤) ما قدمناه من أنّ أقل الحيض ثلاثة أيّام ، لأنّ الوجه فيه أن ترىٰ اليوم واليومين دماً متوالياً وترىٰ تمام الثلاثة في مدّة العشرة ، لأنّ الحائض متىٰ رأت الدم في مدّة العشرة أيّام ثلاثة أيّام كانت حائضاً وان لم يكن ذلك متوالياً حسب ما رويناه في كتاب تهذيب الأحكام في رواية يونس (٥) .

السند‌ :

ليس فيه ارتياب إلّا من جهة إسحاق بن عمار ، حيث إنّ الشيخ قال : إنّه فطحي (٦) . فالحديث موثّق ، وقد قدّمنا كلاماً في هذا (٧) ، وأنّه لا يبعد‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٤١ / ٤٨٣ ، ورجال الطوسي : ١٧٩ / ٢٤٨ ، والفهرست : ٦٠ / ٢٢٦ : أبو المعزا ، ولعل الصحيح ما أثبتناه بتقديم الغين المعجمة علىٰ الراء المهملة . راجع رجال النجاشي : ١٣٣ / ٣٤٠ ، وإيضاح الاشتباه : ١٣٨ ، ومجمع الرجال ٢ : ٢٤٦ .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٤١ / ٤٨٣ : ذينك .

(٣) في الاستبصار ١ : ١٤١ / ٤٨٣ : كانت .

(٤) في الاستبصار ١ : ١٤١ / ٤٨٣ زيادة : هذا الخبر .

(٥) التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٨٧ أبواب الحيض ب ٨ ح ٣ .

(٦) الفهرست : ١٥ / ٥٢ .

(٧) راجع ج ١ : ٢٥٥ ـ ٢٥٦ .


كون الحديث صحيحاً ، وأبو المغرا اسمه حميد ابن المثنىٰ ، وهو ثقة .

فإن قلت : قد ذكر النجاشي (١) أنّ الحسن بن سعيد شارك أخاه الحسين في كتبه وكان شريك أخيه في جميع رجاله إلّا زرعة بن [ محمد ] (٢) الحضرمي وفضالة بن أيوب ، فإنّ الحسين كان يروي عن أخيه عنهما . وهذه الرواية وكثير من أمثالها تقتضي رواية الحسين عن فضالة بغير واسطة .

قلت : الأمر كما ذكرت إلّا أنّ ( النجاشي ذكر ذلك رواية عن غير معلوم الحال (٣) ، والعلّامة في كلامه ما يحتمل ان لا يكون منه علىٰ سبيل الجزم كما يعلم من مراجعته ، علىٰ أنّ في قوله : زرعة بن مهران وهماً كما لا يخفىٰ ، وعلىٰ كل حال لا يبعد أن يقال : إنّ ) (٤) هذا لا يضرّ بالحال لعدالة الواسطة ومعلوميّتها بالاختصاص .

وما قد يتخيل : من أنّ الرواية إذا كانت بالواسطة فتركها نوع من التدليس .

يمكن الجواب عنه : بأنّ المعلوميّة اقتضت الترك ، وإن كان في البين كلام ، لأنّ ذكر فضالة في الرواية عن زرعة يقتضي عدم الالتفات إلىٰ المعلوميّة إلّا أن يفرق بين الرجلين ، ( ولا يخلو من إشكال ، إلّا أنّ المتأخّرين لم يلتفتوا إلىٰ ذكر هذا علىٰ ما رأيت ، ولعل الأمر ليس بعسر بعد ما سمعته .

__________________

(١) في « د » : العلّامة .

(٢) في النسخ : مهران ، والصحيح : محمد ، كما أثبتناه وسيشير إليه ، راجع الخلاصة : ٣٩ .

(٣) رجال النجاشي : ٥٨ / ١٣٦ ، ١٣٧ .

(٤) ما بين القوسين ليس في « فض » و « رض » .


وقد يقال : إنّ كلام النجاشي محتمل لأن يريد أنّ الحسين يروي عن جميع رجال الحسن إلّا في الرجلين ) (١) المذكورين ، فإنّه يروىٰ عنهما بواسطة أخيه ، لا أنّه لا يروي عنهما إلّا بواسطة أخيه ، ويجوز أن يكون راوياً عنهما بغير واسطة إلّا في بعض الأخبار (٢) ، فإنّه يرجّح الرواية عنهما بواسطة ، وهذا كثير في الرواية بالنسبة إلىٰ رواية الشخص تارة بواسطة واُخرىٰ بعدمها ، فليتأمّل .

المتن :

ما ذكره الشيخ فيه وإن بَعُد ، إلّا أنّه وجه للجمع إذا ثبت مذهب الشيخ بعدم اشتراط التوالي ، وقد تقدم في خبر عبد الرحمان بن الحجاج اشتراط الدوام في الدم من الحبلىٰ ، وبيّنا أنّ الظاهر منه اعتبار التوالي ، فيفيد اختصاص الحبلىٰ بالتوالي إذا لم نقل به في غيرها ، وكان علىٰ الشيخ التنبيه ( عليه ببيان ) (٣) احتمال الدوام لغير التوالي ، ولا يبعد توجيهه لو ثبتت الأدلة علىٰ عدم التوالي ، وما أشار إليه الشيخ من رواية يونس له وجه لو صحت الرواية .

ويمكن أن تحمل الرواية المبحوث عنها علىٰ أنّ الحبلىٰ تترك الصلاة (٤) في اليوم واليومين من غير انتظار مضي الثلاثة كما في بعض النساء ، وهذا الوجه وإن بَعُد ليس بأبعد من توجيه الشيخ ، ولا بدّ للعامل بالموثّق القائل بالتوالي من هذا التوجيه ، إلّا أن يذكر غيره .

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٢) في « رض » : الأحيان .

(٣) في « رض » : على بيان .

(٤) في « فض » : الصلوات .


وما تضمنه الحديث : من أنّه مع الصفرة تغتسل عند كل صلاتين . ولا ينافي ما دل علىٰ التفصيل بالقلة وعدمها ، لإمكان حمل المطلق علىٰ المقيد .

أمّا ما يقتضيه الخبر من أنّ الدم إذا كان عبيطاً لا تصلّي ، وإن كانت صفرة تصلّي بالغسل ، قد يتوهم منه أن لا واسطة بين الدم العبيط والصفرة والحال أنّها موجودة ، ويمكن التوجيه بأنّ الغرض من الصفرة عدم كون الدم عبيطاً ، ولئن استبعد ذلك أمكن استفادة حكم الواسطة من دليل آخر ، وعدم ذكر الإمام عليه‌السلام له في الرواية علىٰ نحو غيره من الأحكام الحاصلة من المقيد والمطلق والعام والخاص ، غير أنّ الحكمة لا نعلمها ، والتوجيه واسع الباب .

اللغة :

قال في القاموس : دم عبيط بيّن العُبطة بالضم طريّ (١) .

وفي النهاية : فقأت لحماً عبيطاً ، العبيط : الطَّريّ (٢) ، وفي الحبل المتين : إنّه الخالص الطري (٣) .

قال :

باب الحائض تطهر عند وقت الصلاة‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ : ٣٨٦ ( عبط ) .

(٢) النهاية لابن الاثير ٣ : ١٧٢ .

(٣) الحبل المتين : ٤٧ .


محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن محمد ، عن الحجال ، عن ثعلبة ، عن معمّر بن يحيىٰ قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الحائض تطهر عند العصر تصلّي الاُولىٰ ؟ قال : « [ لا ، إنّما ] (١) تصلّي الصلاة التي تطهر عندها » .

وبهذا الإسناد عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن الفضل بن يونس ، قال : سألت أبا الحسن الأوّل عليه‌السلام قلت : المرأة ترىٰ الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة ؟ قال : « إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصلّي إلّا العصر ، لأنّ وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم ، وخرج عنها الوقت وهي في الدم ، فلم يجب عليها أن تصلّي الظهر ، وما طرح الله عنها من الصلاة وهي في الدم أكثر » قال : « وإذا رأت المرأة الدم بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلتمسك عن الصلاة ، فإذا طهرت من الدم فلتقض الظهر ، لأنّ وقت الظهر دخل عليها وهي طاهرة ، وخرج عنها وقت الظهر وهي طاهرة ، فضيّعت صلاة الظهر فوجب عليها قضاؤها » .

أخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن علي بن أسباط ، عن علاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : قلت : المرأة ترىٰ الطهر عند الظهر فتشتغل في شأنها حتىٰ يدخل وقت العصر ، قال : « تصلّي العصر وحدها ، فإن ضيّعت فعليها صلاتان » .

__________________

(١) أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٤١ / ٤٨٤ .


السند :

في الأوّل : الحجال ، والعلّامة في الخلاصة ذكر أنّ الحجال عبد الله ابن محمد (١) . وفي النجاشي : عبد الله بن محمد الأسدي مولاهم كوفي الحجال ، إلىٰ أن قال : ثقة ثقة (٢) . ويؤيّد إرادة المذكور أنّ النجاشي قال في ترجمة ثعلبة بن ميمون : إنّ الراوي عنه عبد الله بن محمد الحجال (٣) .

وأمّا ثعلبة فقد قدّمنا فيه القول (٤) ، وما قد يتخيّل من أنّ ثعلبة لا يتعيّن كونه ابن ميمون ، ليدل علىٰ ما ذكر ، جوابه يعلم من ممارسة الرجال .

وأمّا معمر بن يحيىٰ فهو وإن كان مشتركاً بين الثقة وغيره (٥) إلّا أنّ الراوي عن الثقة ثعلبة ، وقد ذكرنا ظهور ثعلبة في ابن ميمون ، وفي الإيضاح : مَعْمَر بفتح الميم وإسكان العين وتخفيف الميم (٦) .

وفي الثاني : الفضل بن يونس ، والنجاشي وثقه (٧) . وقال الشيخ : إنّه واقفي (٨) . وقد كرّرنا (٩) القول في مثل هذا من حيث إنّ النجاشي مقدّم علىٰ جرح الشيخ ، كما يقتضيه الاعتبار ، وما ظنّه بعض المتأخّرين من أنّه لا منافاة

__________________

(١) خلاصة العلّامة : ١٠٥ / ١٨ .

(٢) رجال النجاشي : ٢٢٦ / ٥٩٥ .

(٣) رجال النجاشي : ١١٧ / ٣٠٢ .

(٤) راجع ج ١ : ٤١٠ .

(٥) هداية المحدثين : ٢٦١ .

(٦) ايضاح الاشتباه : ٣٠٣ .

(٧) رجال النجاشي : ٣٠٩ / ٨٤٤ .

(٨) رجال الطوسي : ٣٥٧ / ٢ .

(٩) في « فض » : ذكرنا ، راجع ص : ٧٨ و ٧٩ .


بين الوقف والتوثيق (١) يدفعه التأمّل في كتاب النجاشي والتدبر في تثبّت مؤلّفه وتحقيقه .

والثالث : لا يخفىٰ حاله بعد ما تقدم .

المتن :

في الأوّل : ظاهره لا يخلو من إجمال : لأن الصلاة التي تطهر عندها محتملة لإرادة وقت الفضيلة أو وقت الإجزاء .

والخبر الثاني : ظاهر الدلالة علىٰ أنّ الطهر إذا وقع بعد أربعة أقدام ( لا تصلّي إلّا العصر ، والتعليل فيه يدل علىٰ أنّ الوقت يراد به الأربعة أقدام ) (٢) وحينئذ فهو بيّن الخبر الأوّل علىٰ تقدير العمل بهما .

فإن قلت : ما تضمنه الخبر الثاني من اعتبار أربعة أقدام لا تتمّ إرادة وقت الفضيلة منه ولا وقت الإجزاء ، أمّا الأوّل : فلأنّ فضيلة الظهر لا تنحصر في الأربعة كما يستفاد من الأخبار وسيأتي ، وأمّا الثاني : فلأنّ الإجزاء لا ريب في امتداد وقته .

قلت : لما ذكرتَ وجه إلّا أنّ إرادة الفضيلة لا ارتياب فيها ، غاية الأمر أنّ الأخبار مختلفة في ذلك ، ( وهذا لا يضرّ بالحال علىٰ تقدير العمل بالخبر .

وما ذكره بعض محققي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ من أنّ خبر معمر بن يحيىٰ لعله محمول ) (٣) علىٰ ما إذا لم يبق من الوقت سوىٰ ما يخص

__________________

(١) كالجزائري في الحاوي ٣ : ٢٢٥ .

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض » .


العصر (١) ، لا يخلو من وجه علىٰ تقدير عدم العمل بالخبر الثاني ، لكن الخبر موثق علىٰ تقدير قبول قول الشيخ بالوقف ، والمعلوم من عادة القائل العمل بالموثق ، فعدم النظر إلىٰ الحديث ونقله لا يخلو من غرابة .

وفي مدارك شيخنا قدس‌سره بعد نقل رواية معمر بن يحيىٰ : ويمكن حملها علىٰ ( ما إذا لم تدرك من آخر الوقت إلّا مقدار أربع ركعات ، فإنّه يختص بالعصر كما سيجي‌ء بيانه (٢) . انتهىٰ .

وأشار بقوله كما سيجي‌ء إلىٰ ) (٣) ما ذكره في المواقيت (٤) ، والمذكور فيها لا يخلو من نظر ، كما ستعلمه إن شاء الله . وعلىٰ تقدير تمامية دليل الاختصاص فعموم دليل الاشتراك بين الفرضين لا يمنع التخصيص .

ثم إنّ الخبر المبحوث عنه ربما يتناول إدراك الركعة من العصر ، لأنّ قوله عليه‌السلام : « إنّما تصلّي التي تطهر عندها » يتناول الجميع والبعض . وفيه : أنّ المتبادر جميع الوقت وسيجي‌ء إن شاء الله تعالىٰ بيان ما لا بدّ منه في موضعه .

وما تضمنه الخبر الثاني من قوله « وما طرح الله عنها من الصلاة » إلىٰ آخره ، لعلّ المراد به أنّ ما فاتها من الصلاة في حال الحيض أكثر من الصلاة الفائتة حال مضيّ أربعة أقدام .

ثم ما يفيده الخبر من حكم المرأة إذا رأت الدم بعد ما يمضي من الزوال أربعة أقدام ، لو صح الحديث لا مجال للتوقف فيه بسبب الشك في

__________________

(١) الشيخ البهائي في الحبل المتين : ٤٩ .

(٢) المدارك ١ : ٣٤٢ .

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٤) المدارك ٣ : ٩٢ ـ ٩٤ .


بعض المقدمات ، وستسمع القول في المسألة عن قريب إن شاء الله .

وما تضمنه الخبر الثالث من قوله عليه‌السلام : « فإن ضيّعت فعليها صلاتان » لعلّ المراد به أنّ دخول وقت العصر إن كان في غير زمان اشتغالها بمقدمات الصلاة ، بل اتفق دخوله حال تركها كذلك فعليها صلاة الظهر والعصر ، غير أنّ المقام لا يخلو بعد من إجمال ، لأنّ وقت العصر الداخل إن كان المراد به المختص ، يشكل الحال بأنّ عدم الاشتغال في المقدمات لا يقتضي وجوب قضاء الظهر مطلقاً ، بل إذا علم أنّ الوقت يتّسع فعل الظهر مع المقدمات أو فعل بعضها معها علىٰ المشهور ، وإن كان المراد ما يعم المشترك يشكل الحكم بصلاة العصر وحدها ، إلّا أن يقال : إنّ هذا الحكم مفاد الخبر الأوّل بإطلاقه . وفيه : أنّ الخبر الأوّل في ظاهره ما يدفع هذا الحكم بعد التأمّل فيه .

علىٰ أنّ مفاد الخبر المبحوث عنه أنّ عدم الاشتغال بالمقدمات المعتبر عنه بالتضييع علىٰ الظاهر من الكلام يفيد لزوم الصلاتين ، وعلىٰ تقدير إرادة المشترك يشكل فعل العصر وحدها علىٰ قول (١) المتأخّرين (٢) وظاهر الشيخ (٣) .

فإن قلت : ما وجه حمل قوله : « فإن ضيّعت » إلىٰ آخره ، علىٰ ما ذكرت مع إمكان الحمل علىٰ أنّها لو تركت الصلاة عليها القضاء ؟

قلت : هذا الاحتمال يدفعه التأمّل الصادق في مدلول الخبر ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .

__________________

(١) في « فض » و « د » : قوانين .

(٢) منهم العلّامة في المنتهىٰ ١ : ١١٤ ، ٢١٠ ، والمحقّق في المعتبر ١ : ٢٣٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٤٦ ـ ١٤٧ .

(٣) المبسوط ١ : ٧٣ ، كتاب الخلاف ١ : ١٧٣ .


قال :

فأمّا ما رواه علي بن الحسن (١) ، عن محمد بن الربيع ، عن سيف ابن عميرة ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر والعصر ، فإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر » .

فلا ينافي الخبر الأوّل ، لأنّ قوله : إذا طهرت قبل وقت العصر ، يجوز أن يكون ذلك وقت الظهر فلأجل ذلك وجب عليها قضاء الظهر والعصر ، ولو كان وقت العصر لا غير لما وجب عليها إلّا صلاة العصر .

فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن يعقوب ، عن أبي همام ، عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام في الحائض إذا اغتسلت في وقت العصر : « تصلّي العصر ثم تصلي الظهر » .

فلا ينافي أيضاً ما قدّمناه ، لأنّه إنّما أخبر عمّن تغتسل في وقت العصر ، ويجوز أن يكون (٢) طهرت في وقت الظهر وأخّرت الغسل إلىٰ أن اغتسلت في وقت قد يضيّق للعصر ، فلأجل ذلك أمرها بالظهر بعد أن تصلّي العصر .

السند‌ :

في الأوّل : قد تقدم القول في رجاله ، سوىٰ محمد بن الربيع وهو مشترك في الرجال بين مهملين .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٤٢ / ٤٨٧ : الحسين .

(٢) في الاستبصار زيادة : قد .


ويعقوب في الثاني محتمل لابن يزيد الثقة ، وابن يقطين المذكور في رجال الرضا عليه‌السلام مهملا (١) ، إلّا أن المتكرّر في الكتاب رواية محمد بن علي بن محبوب عن يعقوب بن يزيد ، ففي باب صلاة المغمىٰ عليه : محمد بن علي بن محبوب ، عن يعقوب بن يزيد (٢) ، وكذلك في باب صلاة الخوف (٣) ، وغير ذلك ، وحينئذ فالظاهر ظهور ابن يزيد .

المتن :

في الأوّل : لا يخرج عن الإطلاق بالنسبة إلىٰ قوله : « إذا طهرت قبل العصر » إلّا أنّ قوله : « فإن طهرت في آخر وقت العصر » ربما يفيد تقييده بإدراك غير المختص بالعصر علىٰ تقدير أن يراد بآخر وقت العصر المختص كما هو الظاهر .

والخبر المتقدم الدال علىٰ أنّ المرأة إذا رأت الطهر بعد أربعة أقدام تصلّي العصر فقط ، صريح المنافاة لهذا الخبر حينئذ .

والحمل المذكور من الشيخ علىٰ أنّ المراد وقت الظهر . إن اُريد به المختص بالظهر أشكل بأنّ الرواية تضمّنت آخر وقت العصر ، فلو كان المراد وقت الظهر المختص بقي الوقت المشترك مسكوت الحكم ، والمطلوب في الرواية بيانه . إلّا أن يقال بعدم معلوميّة إرادته من الإمام عليه‌السلام .

ولو أراد الشيخ بوقت الظهر الأعم من المختص ، بل وقت الفضيلة أو المشترك كما يقتضيه قوله : ولو كان وقت العصر لا غير ، أشكل بما تقدم

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٩٥ / ١٢ ، ١٣ .

(٢) الاستبصار ١ : ٤٥٨ / ١٧٧٧ .

(٣) الاستبصار ١ : ٤٥٦ / ١٧٦٧ .


من الخبر المتضمن لأربعة أقدام ، فما ظنّه الشيخ من انتفاء المنافاة بجميع ما تقدم محل كلام ، ومن توقف عمله علىٰ الخبر الصحيح قد يخفّ عنه الإشكال .

( وأمّا الخبر الثاني : ) (١) فما ذكره الشيخ فيه لا يخلو من وجه ، إلّا أنّ قوله : قد ( تضيق العصر ) (٢) . في الظاهر يريد به الوقت المختص بالعصر ، ووجوب الصلاة حينئذ مبني علىٰ أنّ إدراك (٣) شي‌ء من الوقت يقتضي وجوب الصلاة ، إذ الغسل في المختص لا بد أن يقصر الوقت معه عن الفعل ، والأخبار الدالة علىٰ ذلك لا يخلو من قصور في السند ، إلّا أنّ العلّامة في المنتهىٰ قال : إنّه لا خلاف فيه بين أهل العلم (٤) . ولعل ضميمة هذا إلىٰ الأخبار تسهل الخطب ، وسيأتي تفصيل القول في بابه إن شاء الله .

قال :

فأمّا ما رواه علي بن الحسن ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء الآخرة ، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر » .

عنه ، عن عبد الرحمان بن أبي نجران ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « فض » و « د » .

(٢) في « رض » : يضيق للعصر .

(٣) في « رض » : من أدرك .

(٤) المنتهىٰ ١ : ٢٠٩ .


فلتصلّ الظهر والعصر ، وإن طهرت من آخر الليل فلتصلّ المغرب والعشاء » .

عنه ، عن أحمد بن الحسن ، عن أبيه ، عن ثعلبة ، عن معمر بن يحيىٰ ، عن داود الزجاجي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا كانت المرأة حائضاً وطهرت قبل غروب الشمس صلّت الظهر والعصر ، وإن طهرت من آخر الليل صلّت المغرب والعشاء الآخرة » .

عنه ، عن محمد بن علي ، عن أبي جميلة . ومحمد أخيه ، عن أبيه ، عن أبي جميلة ، عن عمر بن حنظلة ، عن الشيخ عليه‌السلام قال : « إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء الآخرة ، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر » .

فالوجه في الجمع بين هذه الأخبار أن نقول : إنّ المرأة إذا طهرت بعد زوال الشمس إلىٰ أن يمضي منه أربعة أقدام فإنّه يجب عليها قضاء الظهر والعصر معاً ، وإذا طهرت بعد مضي أربعة أقدام فإنّه يجب عليها قضاء العصر لا غير ، ويستحب لها قضاء الظهر إذا كان طهرها إلىٰ مغيب الشمس ، وكذلك يجب عليها قضاء المغرب والعشاء إلىٰ نصف الليل ، ويستحب لها قضاؤهما إلىٰ عند طلوع الفجر ، وعلىٰ هذا الوجه لا تنافي بين الأخبار .

السند :

في الأوّل : قد قدّمنا ما في طريق الشيخ إلىٰ علي بن الحسن من الجهالة ، وكذلك ذكرنا حال محمد بن عبد الله بن زرارة من أنّه لا يخلو من ‌


مدح في الرجال ، وأمّا محمد بن الفضيل فهو مشترك بين ثقة وغيره (١) ، وأبو الصباح هو إبراهيم بن نعيم الثقة .

والثاني : ضمير عنه فيه يرجع إلىٰ علي بن الحسن ، وقد علمت حال الطريق إليه ، وحال علي بن الحسن مشهور بالفطحية .

والثالث : فيه مع ما تقدم عن قريب وبعيد داود الزجاجي وهو مذكور في رجال الباقر والصادق عليهما‌السلام من كتاب الشيخ مهملا (٢) ، والذي رأيته في النسخة بالدال المهملة ، وفي نسخة الاستبصار بالزاي ، والأمر سهل .

والرابع : فيه مع ما تقدم محمد بن علي ، ولا يبعد أن يكون ابن محبوب ، إلّا أن احتمال غيره قائم ، ومحمد فيه معطوف علىٰ محمد بن علي ، وضمير أخيه لعلي ، ومحمد مذكور في الكشي عن محمد بن مسعود : أنّه من الفطحية من غير توثيق (٣) . وأبو جميلة هو المفضل بن صالح ، وقد ضعّفه العلّامة في الخلاصة قائلا : إنّه كان يضع الحديث (٤) ، وعمر بن حنظلة قدمنا القول فيه (٥) .

المتن :

ما قاله الشيخ من الجمع لا يخلو من نظر ، لأنّ مفاد الأخبار المذكورة لا يخرج من الإطلاق ، والسابق من الأخبار مقيد ، لكن التقييد خاص بالظهر والعصر ، أمّا المغرب والعشاء فلا ذكر لهما فيها ، فإن كان الشيخ نظر إلىٰ أنّ

__________________

(١) هداية المحدثين : ٢٤٩ .

(٢) رجال الطوسي : ١٢٠ / ٦ ، ١٩١ / ٢٤ .

(٣) رجال الكشي ٢ : ٦٣٥ .

(٤) خلاصة العلّامة : ٢٥٨ / ٢ .

(٥) في ص ٦٢ .


الحكم في الجميع واحد نظراً إلىٰ إمكان جريان التعليل ، أشكل بأنّ التقييد (١) بنصف الليل لا يناسب ذلك ، لأنّ وقت الظهر لا يعتبر آخره ، كما صرح به الشيخ تبعاً للنص ، وحينئذ لا يتم إطلاق القول في المغرب والعشاء ، ولا مانع من حمل الأخبار فيهما علىٰ امتداد الوقت إلىٰ الفجر ويكون من [ قبيل ] (٢) وقت المضطر ، وسيأتي من الشيخ ذكر ذلك .

إلّا أن يقال : إنّ الأخبار إذا دلّت علىٰ اتحاد حكم المغرب والعشاء والظهر والعصر كان الفرق بين كل من المغرب والعشاء والظهر والعصر غير مناسب للحكمة من إطلاق الإمام عليه‌السلام ، فلا بد علىٰ تقدير الاستحباب في الظهرين القول به في العشاءين ، وفيه ما قدّمناه ، فليتأمّل .

ثم ما ذكره الشيخ : من أنّ قضاء الظهر مستحب إلىٰ غياب الشمس . لا يخلو من تسامح ، بل الظاهر أنّه لا يخلو من خلل ، إذ الدليل علىٰ استحباب القضاء للظهر علىٰ تقدير إدراك المختص بالعصر غير واضح .

ولو حملت الأخبار الدالة علىٰ أنّ الطهر قبل الغروب يقتضي صلاة الفرضين علىٰ الاستحباب زاد الإشكال ، أوّلاً : في ذكر الظهر فقط ، وثانياً : إنّ المطلوب وجوب قضاء العصر واستحباب قضاء الظهر ، وبالجملة فالكلام واسع البحث والمحصّل ما قلناه .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ العلّامة في المختلف نقل عن الشيخ في المبسوط أنّه قال فيه : إذا طهرت بعد زوال الشمس إلىٰ دخول وقت العصر قضت الصلاتين معاً وجوباً ، ويستحب لها قضاؤهما إذا طهرت قبل مغيب

__________________

(١) في « رض » : التعليل .

(٢) في النسخ : قبل ، والظاهر ما أثبتناه .


الشمس بمقدار ما تصلّي خمس ركعات . وكذلك نقل عن ابن البراج (١) .

ثم قال العلّامة : والصحيح أنّها إذا اتسع زمانها للطهارة وأداءِ خمس ركعات وجب عليها فعل الصلاتين معاً كما قال ـ يعني الشيخ ـ بعد ذلك : فإن لحقت قبل المغيب ما تصلّىٰ فيه ركعة لزمها العصر . لنا ما رواه الشيخ ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وذكر الرواية السابقة المشتمل سندها هنا علىٰ محمد بن الربيع .

ثم قال العلّامة عقيب الرواية : قال الشيخ عقيب الأخبار التي أوردها : والذي اُعوّل عليه في الجمع أنّ المرأة إذا طهرت بعد زوال الشمس إلىٰ أن يمضي أربعة أقدام فإنّه يجب عليها قضاء الظهر والعصر معاً . . . إلىٰ آخر ما هنا ، وإن كان ظاهر أوّل الكلام أنّه من غير الكتاب .

ثم إنّ كلام العلّامة لا يخلو من نظر في مواضع .

أمّا أولاً : فالاستدلال بالرواية لا يخفىٰ حاله .

وأمّا ثانياً : فعدم ذكر الأخبار المعارضة والاقتصار علىٰ نقل كلام الشيخ أغرب .

وأمّا ثالثاً : فما ذكره من أنّ إدراك الركعة من الظهر يوجب إدراك الصلاة ، لا يخلو دليله من الأخبار من قصور كما سبقت إليه الإشارة ، والإجماع في المقام منتف مع خلاف الشيخ ، إلّا أن يكون الإجماع بعد الشيخ ، وكلام المنتهىٰ السابق نقله يدل علىٰ خلاف ذلك (٢) ، ولا يخفىٰ أنّ كلام الشيخ يخالف القول في العصر أيضاً ، كما يعلم بالتأمّل الصادق ، ولم أر تحقيق الحال في المقام .

__________________

(١) المختلف ١ : ١٩٧ ، وهو في المبسوط ١ : ٤٥ ، والمهذب ١ : ٣٦ .

(٢) المتقدم في ص ٣٩٣ .


والعلّامة رحمه‌الله لم يلتفت إلىٰ تحقيق أمثال هذه المواضع ، والظاهر أنّ سبب ذلك العجلة كما هي عادته في مصنفاته .

قال :

باب المرأة تحيض بعد أن دخل عليها وقت الصلاة‌

أخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن ، عن محمد بن الوليد ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : في امرأة دخل وقت الصلاة وهي طاهرة فأخّرت الصلاة حتىٰ حاضت قال : « تقضي إذا طهرت » .

أحمد بن محمد ، عن شاذان بن خليل النيسابوري ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس ولم تصلّ الظهر هل عليها قضاء تلك الصلاة ؟ قال : « نعم » .

السند‌ :

في الأوّل : قد تقدّم بيان رجاله ، وأمّا محمد بن الوليد فهو الخزاز علىٰ الظاهر ، لأنّ النجاشي قال : إنّه يروي عن يونس بن يعقوب . ولا يضر كون الراوي عنه في النجاشي أحمد بن محمد بن خالد (١) ، لأنّ مرتبة علي ابن الحسن لا تأبىٰ ذلك . وذكر الكشي إنّه فطحي في جملة آخرين (٢) . والنجاشي قال : إنّه ثقة عين (٣) ، ولم يذكر إنّه فطحي .

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٤٥ / ٩٣١ .

(٢) رجال الكشي ٢ : ٨٣٥ / ١٠٦٢ .

(٣) رجال النجاشي : ٣٤٥ / ٩٣١ .


والعلّامة في الخلاصة قال بعد نقل كلام الكشي وكلام النجاشي (١) : والذي يظهر لي أنّه الذي ذكره الكشي .

والشيخ في الفهرست ذكره مرّتين من غير ذكر التوثيق وأنّه فطحي (٢) ، وحينئذ يبقىٰ الكلام في ترجيح قول النجاشي علىٰ كلام الكشي لما يعلم من شأن النجاشي ( في كتابه وزيادة تثبّته ) (٣) .

وما يوجد في كلام جماعة من الأصحاب أنّ الترجيح هنا لا حاجة إليه ، لإمكان الجمع بين الثقة وكونه فطحيا ، محل بحث لما ذكرناه ، والأمر هنا سهل ، لضعف الخبر بغيره أو عدم صحته .

والثاني : فيه شاذان بن الخليل ، وهو مذكور في رجال الجواد عليه‌السلام من كتاب الشيخ مهملاً (٤) .

المتن :

في الخبرين لا يخلو من إجمال ، أمّا الأوّل : فلأنّ دخول وقت الصلاة يحتمل (٥) أن يراد به المختص أو المشترك أو هما ، وقد تقدّم في خبر الفضل بن يونس أنّ المرأة إذا رأت الدم بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلتمسك عن الصلاة ، فإذا طهرت من الدم فلتقض الظهر ، لأنّ وقت الظهر دخل عليها وهي طاهرة وخرج عنها وقت الظهر وهي طاهرة

__________________

(١) خلاصة العلّامة : ١٥١ / ٦٩ .

(٢) الفهرست : ١٤٨ / ٦٢٥ و ١٥٤ / ٦٨٤ .

(٣) في « فض » : في كفاية زيادة تثبته .

(٤) رجال الطوسي : ٤٠٢ / ١ .

(٥) ليست في « فض » .


فضيّعت صلاة الظهر فوجب عليها قضاؤها (١) .

والمستفاد من الرواية أنّه إذا لم يمض مقدار أربعة أقدام ورأت الدم لا يجب عليها قضاء الظهر ، والأربعة أقدام ليست وقت الظهر المختص دائماً ، ولا المشترك علىٰ الإطلاق ، وحينئذ بتقدير العمل بالخبرين لا بدّ من تقييد أحدهما بالآخر ، ولا أدري الوجه في عدم تعرض الشيخ لذلك مع كونه مهماً بالنسبة إليه .

ثم إنّ خبر الفضل تضمن أنّ موجب القضاء كون المرأة ضيّعت ، والتضييع محتمل لأن يراد به عدم فعل الصلاة بمجرّده ، ويحتمل أن يراد به التخصيص بصورة التمكن من الشروط والأفعال المعتبرة ، إلّا أنّ الأوّل له ظهور من الرواية .

والثاني فيه إطلاق من حيث إنّ قوله : بعدما تزول الشمس . يتناول مضي أربعة أقدام وعدمه ، فالتقييد بالخبر السابق كالأول لا بدّ منه .

وربما يستفاد من حديث الفضل خروج وقت الظهر بالأربعة أقدام . واحتمال الاختصاص بالحائض ممكن ، إلّا أنّ الشيخ قائل في بعض كتبه : بأنّ وقت الظهر يخرج بالأربعة أقدام لغير المضطرّ . لكن دليله محل كلام ، وسيأتي إن شاء الله تعالىٰ إمكان حمل ما دل علىٰ خروج الوقت بذلك علىٰ تقدير سلامة سنده علىٰ خروج الفضيلة في الجملة .

وأمّا في خصوص الرواية المبحوث عنها فالأمر مشكل ، غير أنّ عدم الصحة يخفّف الإشكال ، وعلىٰ تقدير الصحة يمكن القول بالاختصاص بموردها .

__________________

(١) في ص ٣٨٦ .


إذا عرفت هذا فاعلم أنّ شيخنا قدس‌سره قال في المدارك : إنّ وجوب القضاء إذا حصل العذر المانع من الصلاة بعد أن يمضي من الوقت مقدار الصلاة وشرائطها المفقودة من الطهارة وغيرها مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا ، ويدل عليه عموم ما دل علىٰ وجوب قضاء الفوائت ، ورواية عبد الرحمان بن الحجاج ، وذكر الرواية الثانية ، وموثقة يونس بن يعقوب وذكر الاُولىٰ ، ثم قال : وأمّا سقوط القضاء إذا كان حصول العذر قبل أن يمضي من الوقت مقدار ذلك فهو مذهب الأكثر ، ونقل عليه الشيخ في الخلاف الإجماع ، وحكي عن ظاهر المرتضىٰ وابن بابويه وابن الجنيد اعتبار خلوّ أوّل الوقت من العذر بمقدار أكثر الصلاة ، ولم نقف لهم علىٰ مستند ، والأصح السقوط مطلقاً ، تمسكاً بمقتضىٰ الأصل (١) . انتهىٰ .

ولقائل أن يقول : إنّ ما ذكره أولاً من أنّ عموم ما دل علىٰ وجوب قضاء الفوائت يقتضي وجوب قضاء الفرض الذي مضىٰ مقداره مع شرائطه ، يتناول صورة عدم اتّساع الوقت ، لتحقق الفوات في الجميع ، فلا بد لإخراج الثاني من دليل ، إلّا أنّ الأصل يقتضي ما قاله ، واحتمال أن يقال : إن المتبادر من الفوات ما كان مع التمكن من الفعل ، يشكل بأنّه قدس‌سره استدل بعموم قضاء الفوائت علىٰ وجوب قضاء عادم المطهِّر من الماء والتراب ، والحال أنّه غير متمكن من الفعل .

ولو أمكن التسديد بأنّ استدلاله هناك محل بحث ، أمّا رفعه (٢) للاستدلال هنا فلا ، أمكن أن يقال : إنّ دعوىٰ التبادر محل كلام أيضاً ، علىٰ

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ٩١ وانظر الخلاف ١ : ٢٧٤ ، والجمل ( رسائل الشريف المرتضىٰ ٣ ) : ٣٨ ، والفقيه ١ : ٥٢ والمقنع : ١٧ ، والمختلف ٢ : ٤٥٢ .

(٢) كذا في النسخ .


أنّه ربما يدّعىٰ أنّ المتبادر من الفوات فوات جميع الوقت لا الأعم من الجميع والبعض .

وما ذكره قدس‌سره ثانياً : من أنّه لم يقف لقول المذكورين علىٰ مستند . ربما يشكل بأنّ خبر الفضل بن يونس يدل علىٰ ذلك في الجملة عند من يعمل بالأخبار ، إلّا أنّ التسديد هنا ممكن كما لا يخفىٰ .

أمّا استدلال العلّامة في المنتهىٰ علىٰ عدم وجوب القضاء إذا لم يمض مقدار الصلاة وشرائطها ، بأنّ وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء ، وهو منتف ، لأنّ التكليف يستدعي وقتاً وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق (١) . ففيه : أنّ القضاء فرض مستأنف كما حقق في الاُصول .

واعلم أنّ شيخنا قدس‌سره اعترض علىٰ العلّامة بما ذكرناه (٢) مع أنّه متوجه عليه ، فإنّ القضاء إذا كان فرضاً مستأنفاً لا تعلّق له بالأداء ، فالعمومات الدالة علىٰ وجوب قضاء الفوائت تتناول ما يمكن من أدائها وما لم يمكن ، فكيف لا يصلح العموم لإثبات ما يخرج عن الأصل ، ويمكن التسديد بأنّ الغرض من الجواب نفي ما قاله العلّامة من ارتباط القضاء بالأداء إذا دل الدليل علىٰ القضاء والمقصود في الاستدلال عدم الدليل علىٰ القضاء ( فالجواب كافٍ في المطلوب ) (٣) وعدم تناول العموم بجهة اُخرىٰ ، فليتأمّل .

قال :

فأمّا ما رواه ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي الورد

__________________

(١) المنتهىٰ ١ : ٢٠٩ .

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٣٤١ ، و ٣ : ٩٢ .

(٣) ما بين القوسين ليس في « فض » و « د » .


قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر وقد صلّت ركعتين ثم ترىٰ الدم قال : « تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين » قال : « فإن رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلّت ركعتين فلتقم من مسجدها ، فإذا طهرت فلتقضي الركعة التي قد فاتتها من المغرب » . ( فما يتضمن هذا الخبر من إسقاط قضاء الركعتين من صلاة الظهر متوجه إلىٰ من دخل في الصلاة في أوّل وقتها ) (١) لأنّ من ذلك حكمه لا يكون فرّط ، وإذا لم يفرّط لم يلزمه القضاء ، وما يتضمن من الأمر بإعادة الركعة من المغرب متوجه إلىٰ من دخل في الصلاة عند تضيّق الوقت ثم حاضت ، فيلزمها حينئذ ما فاتها .

والذي يدل علىٰ أنّ ذلك يتوجه إلىٰ من فرّط :

ما أخبرني به الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة ، أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا طهرت المرأة في وقت وأخّرت الصلاة حتىٰ يدخل وقت صلاة اُخرىٰ ثم رأت دماً كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرّطت فيها » .

السند :

في الأوّل : فيه أبو الورد ، وهو مذكور في رجال الباقر عليه‌السلام من كتاب الشيخ مهملاً (٢) ، وبقية رجال السند قد تقدّم القول فيهم ؛ وعلي بن رئاب ليس في جلالة قدره ارتياب .

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « فض » .

(٢) رجال الطوسي : ١٢٢ / ٥ .


والثاني : حسن ، وابن محبوب فيه هو الحسن ، وأبو عبيدة اسمه زياد ، واختلف في اسم أبيه فقيل : ابن عيسىٰ (١) . وقيل : ابن رجاء (٢) . ولا ريب في ثقته .

وقد يستغرب ما وقع في النجاشي من حيث إنّه قال : زياد بن عيسىٰ أبو عبيدة كوفي ثقة ، إلىٰ أن قال : وأخته حمادة بنت رجاء ، وقيل : بنت الحسن ، روت عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قاله ابن نوح عن ابن سعيد (٣) .

وهذا كما ترىٰ يقتضي أنّ أخته بنت رجاء ، وزياداً ابن عيسىٰ . وعدم التنبيه علىٰ الوجه من مثل النجاشي هو الموجب للغرابة ، ولا يبعد أن يقال : إنّ كلام النجاشي لا يقتضي تعين (٤) كون الأخت من الأب بل يحتمل كونها من الاُم ، أو أنّ النجاشي اعتمد في ترك البيان بمعلوميّة الحال .

وفي رجال الباقر عليه‌السلام من كتاب الشيخ : زياد بن عيسىٰ أبو عبيدة الحذّاء ، وقيل : زياد بن رجاء (٥) . وأضنّ أنّ وجه القول ما أشرنا إليه .

والعلّامة في الخلاصة قال : زياد بن أبي رجاء ، واسم أبي رجاء منذر ، كوفي ثقة صحيح (٦) .

وفي رجال الصادق والباقر عليهما‌السلام من كتاب الشيخ زياد بن أبي رجاء الكوفي (٧) .

__________________

(١) كما في رجال النجاشي : ١٧٠ / ٤٤٨ ورجال الطوسي : ١٢٢ / ٥ .

(٢) انظر منهج المقال : ١٥١ .

(٣) رجال النجاشي : ١٧٠ / ٤٤٩ .

(٤) في « رض » تعيين .

(٥) رجال الطوسي : ١٢٢ / ٥ .

(٦) خلاصة العلّامة : ٧٤ / ٣ .

(٧) رجال الطوسي : ١٢٢ / ٥ ، ١٩٨ / ٤٧ .


وذكر العلّامة في الخلاصة زياد بن عيسىٰ (١) ، كما ذكر الشيخ ذلك في رجال الصادق عليه‌السلام (٢) .

والنجاشي في ترجمة أبي عبيدة زاد عما قدمناه عنه : وقال سعد بن عبد الله الأشعري : ومن أصحاب أبي جعفر أبو عبيدة وهو زياد بن أبي رجاء كوفي ثقة صحيح ، واسم أبي رجاء منذر ، وقيل : زياد بن أخزم ولم يصح (٣) .

وأظنّ أنّ العلّامة أخذ ما قاله في زياد بن أبي رجاء من هذا الكلام ، ولكن التغاير الموجب لذكر الرّجلين بعد ذكر النجاشي لكلام سعد بن عبد الله في ترجمة زياد بن عيسىٰ لا وجه له ، إلّا من حيث إنّ الشيخ ذكرهما ، وهذا كثير الوقوع من الشيخ في الرجل الواحد إذا اختلفت صفاته بوجه ما ، ولا يخفىٰ أنّ الأمر هنا سهل ، غير أنّ ما ذكرناه للتنبيه علىٰ أمثاله وغرابة وقوعه من النجاشي مع العلم بكمال حاله .

المتن :

ظاهر الصدوق في الفقيه العمل بمقتضاه المستفاد من ظاهره وهو قضاء الركعة من المغرب دون جميع الصلاة ، فإنّه قال : فإن صلّت المرأة من الظهر ركعتين ثم رأت الدم قامت من مجلسها وليس عليها إذا طهرت قضاء الركعتين ، فإن كانت في صلاة المغرب وقد صلّت منها ركعتين قامت من مجلسها فإذا طهرت قضت الركعة (٤) .

__________________

(١) خلاصة العلّامة : ٧٤ / ٤ .

(٢) رجال الطوسي : ١٩٨ / ٣٤ .

(٣) رجال النجاشي : ١٧٠ / ٤٤٩ .

(٤) الفقيه ١ : ٥٢ .


وما قاله الشيخ في توجيه الخبر لا يخلو من إجمال في أمرين :

أحدهما : أنّ مراده بقضاء الركعة هل هو قضاء جميع الصلاة والتعبير بالركعة مجاز ؛ كما ذكره العلّامة في المختلف جواباً عن الاستدلال بالرواية للصدوق (١) ، ( أو المراد قضاء الركعة فقط بحصول التفريط ، فيكون موافقاً للصدوق ) (٢) .

وثانيهما : أنّ قوله : يتوجه إلىٰ من دخل في الصلاة في أوّل وقتها . وقوله : متوجه إلىٰ من دخل في الصلاة عند تضيق الوقت . محتمل لأن يراد بالوقت المختص أو الأعم منه ومن المشترك ، أو يريد به ما تضمنه خبر الفضل بن يونس السابق .

ولا يبعد أن يكون مراده في الأوّل قضاء جميع الصلاة ، وقول الصدوق إن لم يكن صرَّح به في غير الفقيه لا يخلو الجزم به من تأمّل ، لأنّ عبارته في الفقيه ليست نصّاً في قضاء الركعة فقط ، بل أتىٰ بمضمون الرواية ، والاحتمال في الرواية واقع في عبارته ، غاية الأمر أنّ العدول عن ظاهرها لا بدّ له من مقتض .

والعلّامة في المختلف اقتصر علىٰ نقل عبارة الفقيه ، وأنّ مؤلّفه عوّل في الحكم علىٰ رواية أبي الورد (٣) ، وأجاب بما قدّمناه ، ولم يذكر الدليل علىٰ خلاف مضمون الرواية المحوج إلىٰ حملها علىٰ التجوز ، ولعله اعتمد علىٰ معلومية ذلك .

وأمّا الإجمال من الجهة الثانية فلا يبعد أن يكون المراد فيه ما قدّمه ،

__________________

(١) المختلف ١ : ٢٠٧ .

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٣) المختلف ١ : ٢٠٧ .


والاعتماد عليه هو الموجب لعدم البيان .

وقد يقال عليه : إنّ الخبر الحسن دالّ علىٰ أنّ تأخير الصلاة عن وقتها إلىٰ وقت اُخرىٰ يوجب قضاء تلك الصلاة مع عدم فعلها ، فينافي ما سبق في رواية الفضل من إعتبار مضي أربعة أقدام ، فإنّ وقت الصلاة الثانية قد يدخل قبل مضي الأربعة ، فلا وجه لعدم تعرض الشيخ لذلك ، ولعلّه اعتمد علىٰ تفصيله السابق ، وإن كان في التحقيق أنّه لما ذكرناه غير موافق ، والله تعالىٰ أعلم بالحقائق .

قال :

باب المرأة تحيض في يوم من أيّام شهر رمضان‌

أخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن موسىٰ الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المرأة يطلع الفجر وهي حائض في شهر رمضان فإذا أصبحت طهرت وقد أكلت ثم صلّت الظهر والعصر كيف تصنع في ذلك اليوم الذي طهرت فيه ؟ قال : « تصوم ولا تعتد به » .

وعنه ، عن عبد الرحمان بن أبي نجران ، عن صفوان بن يحيىٰ ، عن عيص بن القاسم البجلي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن امرأة طمثت في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس قال : « تفطر حين تطمث » .

عنه ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن جميل بن دراج ومحمد ابن حمران ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أيّ‌


ساعة رأت المرأة الدم فهي تفطر الصائمة إذا طمثت ، وإذا (١) رأت الطهر في ساعة من النهار قضت صلاة اليوم والليل (٢) » .

السند :

في الأوّل : معدود من الموثق عند بعض الأصحاب ، وفيه تأمّل قد قدّمنا وجهه .

والثاني : ضمير « عنه » فيه راجع إلىٰ علي بن الحسن علىٰ الظاهر من الممارسة ، وبقية الرجال المذكورين لا ارتياب في ثقتهم وجلالة شأنهم .

وضمير « عنه » في الثالث كالثاني ، ورجاله كذلك ، ومحمد بن حمران (٣) لا يضرّ اشتراكه بين الثقة وغيره (٤) .

المتن :

في الأوّل : ظاهر الدلالة علىٰ أنّ الحائض إذا طهرت بعد طلوع الفجر وقد مضىٰ جزء من النهار في الحيض وأكلت لا يعتدّ بصومها مع وجوب الإمساك ، أمّا قوله : ثم صلّت الظهر والعصر ، فلا مدخل له في الحكم ، ولا يفيد شيئاً لكونه من السائل . وقوله : فإذا أصبحت طهرت ، كأنّ المراد به إذا اتضح الفجر ، ويحتمل أن يراد به الفجر الأوّل من الطلوع والفجر الثاني

__________________

(١) في النسخ : وإن ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٤٦ / ٤٩٩ .

(٢) في النسخ : والليلة ، وما أثبتاه من الاستبصار ١ : ١٤٦ / ٤٩٩ .

(٣) في « فض » زيادة : من جهة أحمد بن عبدون وعلي بن الزبير . وتوجد هذه الزيادة في حاشية « رض » من دون إشارة إلىٰ موضعها .

(٤) في حاشية « رض » يوجد هكذا : لا يتوجه أن ذكر ذلك لا وجه له لأنه معلوم ، لأن الغرض التنبّه علىٰ الاشتراك فتدبّر . منه سلّمه الله تعالىٰ .


من الإصباح ، والسؤال حينئذ عن الأكل بعد الطهر ، وفيه ما لا يخفىٰ .

والثاني : صريح الدلالة علىٰ أن الحيض موجب للإفطار .

والثالث : كذلك ، إلّا أنّ ألفاظه لا تخلو من حزازة والنقل بالمعنىٰ ، ولعل قوله : « الصائمة إذا طمثت » بيان للمرأة والدم ، يعني إنّ المرأة إذا كانت صائمة وحصل الدم من الطمث وجب الإفطار ، لكن تقدير الكلام حينئذ يحتاج إلىٰ مزيد تكلّف ، والأمر سهل .

ثم إنّ الخبر الأوّل كما ترىٰ يدل علىٰ أنّ وجود الدم في الجزء الأوّل من النهار ثم زواله يقتضي وجوب الصوم وعدم الاعتداد به ، والخبر الثاني يدل علىٰ أنّ حصول الطمث ابتداءً يوجب الإفطار ، وكذلك الثالث ، والتغاير في المدلول موجود ، والعنوان مجمل ، لكن التسديد ممكن بأن يراد عدم صحة الصوم مع الحيض إجمالاً وإن كان العنوان يفيد بظاهره غير مدلول الخبر الأوّل ، ومثل هذا في كلام الشيخ كثير .

وما تضمنه الثالث من قوله : « وإذا رأت الطهر في ساعة من النهار قضت صلاة اليوم والليلة » محمول علىٰ غيره من الأخبار المفصّلة .

قال :

فأمّا ما رواه علي بن الحسن ، عن علي بن أسباط ، عن عمّه يعقوب الأحمر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن عرض للمرأة الطمث في شهر رمضان قبل الزوال فهي في سعة أن تأكل وتشرب ، وإن عرض لها بعد زوال الشمس فلتغتسل ولتعتد بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل وتشرب » .

فهذا الخبر وهم من الراوي ، لأنّه إذا كان رؤية الدم هو المفطر‌


فلا يجوز لها أن تعتد ( بصوم ) (١) ذلك اليوم ، وإنّما يستحب لها أن تمسك بقية النهار تأديباً إذا رأت الدم بعد الزوال .

والذي يدل علىٰ ذلك :

ما أخبرني به أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن علي بن أسباط ، عن محمد بن حمران ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المرأة ترىٰ الدم غدوة أو ارتفاع النهار أو عند الزوال ؟ قال : « تفطر ، وإذا كان بعد العصر أو بعد الزوال فلتمض علىٰ صومها ولتقض ذلك اليوم » .

السند‌ :

في الأوّل : تكرّر القول فيه .

وكذلك الثاني : إلّا أنّ محمد بن حمران فيه هو الثقة بقرينة رواية علي بن أسباط عنه كما يستفاد من النجاشي (٢) .

المتن :

في الأوّل : ما قاله الشيخ فيه لا يخلو من غرابة ، أمّا أوّلاً : فلأنّ الوهم من الراوي في مثل هذا لا وجه له ، وإرادة غير معنىٰ الوهم مضر بحال الراوي ، فإن كان الالتفات من الشيخ لردّ الخبر توهّم الراوي لا بالقدح فيه ، فهو محل كلام ، لأنّ اشتراط الضبط في الراوي يخالف ما قاله ، إلّا أن يراد

__________________

(١) أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٤٦ / ٥٠٠ .

(٢) رجال النجاشي : ٣٥٩ / ٩٦٥ .


بالوهم نادراً فلا يقدح في الضبط ، وفيه : أنّ مثل هذا الحكم المستفاد من الرواية لا يتصور من الوهم النادر كما يعلم بالتأمّل ؛ وإن كان التفات الشيخ إلىٰ القدح في الراوي ، فليست عادة الشيخ في الردّ إلّا بعد العجز عن الحمل ؛ وإن كان في الردّ بضعف السند تأمّل ، لما عرف من الشيخ وغيره من المتقدّمين أنّ الاعتماد علىٰ الأخبار ليس من جهة الأسناد كما سلكه المتأخّرون .

وأمّا ثانياً : فقوله : إذا كان رؤية الدم هو المفطر ، لا يصلح لإثبات وهم الراوي ، فإنّ تعارض الأخبار في هذا الموضع وغيره لا يوجب احتمال الوهم ، لدلالة بعض الأخبار علىٰ غير مدلول البعض الآخر .

وأمّا ثالثاً : فما ذكره من أنّه يستحب الإمساك تأديباً ، إلىٰ آخره ، إن أراد به الجمع بين الأخبار أمكن ، إلّا أن الظاهر إيراده لإثبات الوهم ، وإن أراد به إثبات الوهم مع أنّه وجه للجمع أشكل بأنّ الخبر المستدل به لا يدل علىٰ الغسل الوارد في الخبر الأوّل ، وقد يمكن تسديد هذا بما لا يخفىٰ .

أمّا ما تضمنه الخبر الأوّل من الاعتداد بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل وتشرب فلا يخلو توجيهه من عسر ، ولعلّ المراد بالاعتداد حصول ثواب الصوم ، وقوله : « ما لم تأكل وتشرب » يراد به حينئذ أنّ ثواب الصوم الكامل ما لم تأكل وتشرب ، ومع الأكل والشرب لا يحصل الثواب الكامل .

وما قد يقال : إنّ الرواية الأخيرة تدل علىٰ المضيّ في صومها والأمر للوجوب ، ومطلوب الشيخ الاستحباب ، فله وجه ، غير أنّي لم أعلم الآن القائل بالوجوب .

أمّا ما يستفاد من الرواية الاُولىٰ في قوله : « ما لم تأكل وتشرب » من


أن الأكل والشرب يقتضيان
(١) عدم الاعتداد بالصوم فهو لا يخلو من إجمال ، لأنّ الأكل والشرب إن جاز فعلهما فلا وجه للاعتداد بالصوم ، وإن لم يجز فعلهما لم يتم التعبير بقوله : « ما لم تأكل وتشرب » إلّا أنّ يقال : إنّ المراد ما لم تفطر ، وعلىٰ كل حال لا ينافي الإجمال ما قدمناه .

وغير بعيد أن يستفاد إرادة الاستحباب من قوله : « ما لم تأكل وتشرب » فيقال : إنّ المرأة المبحوث عنها في الرواية إذا اغتسلت ولم تأكل ولم تشرب حصل لها ثواب الصوم ، وإن أكلت وشربت لم يحصل ذلك .

ولا يشكل بأنّ ترك الأكل والشرب بعد فعلهما مستحب تأديباً ، فيكون الثواب عليه حاصلا .

لإمكان أن يقال : إنّ الثواب الكامل مع عدم الأكل والشرب ، وكلام الشيخ كما ترىٰ غير واف بتحقيق المقام .

ولا يخفىٰ ما في الحديث الأخير من قوله عليه‌السلام : « بعد العصر أو بعد الزوال » من الخفاء في وجه ذكر الأمرين ، ولعلّه يتضح بأدنىٰ تأمّل .

قال :

باب المرأة الجنب تحيض عليها غسل واحد أم غسلان‌

أخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد بن إسماعيل ، عن حماد بن عيسىٰ ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا حاضت المرأة وهي جنب أجزأها غسل واحد » .

__________________

(١) في « رض » مقتضيان .


عنه ، عن علي بن أسباط ، عن عمّه يعقوب الأحمر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عن رجل أصاب من امرأته ثم حاضت قبل أن تغتسل قال : « تجعله غسلاً واحداً » .

عنه ، عن العباس بن عامر ، عن حجاج الخشاب قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وقع علىٰ امرأته فطمثت بعد ما فرغ أتجعله غسلاً واحداً إذا طهرت أو تغتسل مرّتين ؟ قال : « تجعله غسلاً واحداً عند طهرها » .

السند‌ :

في الجميع تكرّر القول في رجاله ، غير أنّ محمد بن إسماعيل في الأوّل مشترك بين الثقة وغيره (١) ، وإن كان ليس بالبعيد : ابن بزيع ، ولا فائدة هنا لتحقيق الأمر إلّا بتقدير كون الخبر من الموثّق وعمل به .

وضمير عنه في الثاني إلىٰ علي بن الحسن ، فإنّه الراوي عن علي بن أسباط بعض كتبه كما في النجاشي (٢) ( وهذا يؤنس بما أسلفناه في الباب السابق من رجوع ضمير « عنه » عن عبد الرحمان بن أبي نجران إلىٰ علي بن الحسن ) (٣) (٤) .

وضمير عنه في الثالث كذلك .

__________________

(١) هداية المحدثين : ٢٢٧ ـ ٢٢٩ .

(٢) رجال النجاشي : ٢٥٢ / ٦٦٣ .

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٤) راجع ص ٤٠٨ .


المتن :

في الأخبار الثلاثة صريح في إجزاء غسل واحد ، إلّا أنّ الواحد مجمل ، فيحتمل أن يراد به أحد الغسلين إذا قصد يجزىء عن الآخر ، ويحتمل أن يراد غسل واحد يكفي فيه القربة ويجزىء عنهما ، لأنّها قدر مشترك ، وفيه نوع تأمّل يظهر ممّا نذكره ، ويحتمل أن يراد بالواحد السابق سببه فيتعين ويجزىء عن اللاحق ، وترجيح أحد الاحتمالات لا يخلو من إشكال ، والاستدلال بالإطلاق علىٰ جواز الجميع لأنّ مفاد مثل هذا الإطلاق العموم لا يخلو من وجه لو صلحت الأخبار للاعتماد .

والذي وقفت عليه في غير الكتاب من الروايات ما رواه الكليني في الحسن عن زرارة قال : « إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة ، والجمعة ، وعرفة ، والنحر ، والحلق ، والذبح ، والزيارة ، وإذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأك عنها (١) غسل واحد » قال : ثم قال : « وكذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها ، وإحرامها ، وجمعتها ، وغسلها من حيضها وعيدها (٢) » (٣) . وقد رواها الشيخ في التهذيب من غير إضمار (٤) ، لكن في الطريق علي بن السندي ، ولا ريب انّ الإضمار لا يضر بالحال كما أسلفنا الوجه فيه (٥) ، غير أنّ حسنها يمنع من العمل بها عند من يتوقف عمله علىٰ الصحيح .

__________________

(١) كذا في النسخ ، وفي المصدر : أجزأها عنك .

(٢) في النسخ : أو عيدها ، وما أثبتناه من المصدر .

(٣) الكافي ٣ : ٤١ / ١ ، الوسائل ٢ : ٢٦١ أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ١ .

(٤) التهذيب ١ : ١٠٧ / ٢٧٩ .

(٥) راجع ج ١ : ٧٣ .


وقد نقل شيخنا قدس‌سره عن ابن إدريس في سرائره ، أنّه ذكرها في جملة الأحاديث المنتزعة من كتب المشيخة ، فنقلها من كتاب حريز ، وقال نقلاً من الكتاب المذكور : وقال زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « إذا اغتسلت » إلىٰ آخر الرواية (١) .

ثم إنّ ابن إدريس ذكر أنّ كتاب حريز أصل معتمد ، وهذا يقتضي صحة الرواية . ومفادها كما ترىٰ تداخل الأغسال مع الاختلاف في الوجوب والندب ، والحقوق في الخبر لا يبعد تناولها للمندوب ، بل الظاهر من الرواية ذلك ، واحتمال كونه كلاماً مستقلاً لبيان تداخل الواجبة حيث إنّ السابق لتداخل الواجب والمندوب ممكن ، إلّا أنّه خلاف الظاهر .

وما قيل : من أنّ المراد بالواحد الوحدة النوعية . فالسياق يدفعه والاعتبار الصحيح يمنعه ، ولا يخفىٰ أنّ المستفاد من الرواية الاجتزاء (٢) بغسل واحد علىٰ تقدير الاختلاف في الوجوب والندب (٣) ، لا أنّ جميع المندوبات حاصلة مع غسل الجنابة ، فإنّ غسل النحر وعرفة لا يجتمعان ، وحينئذ فالمقصود في الخبر الاكتفاء بغسل واحد علىٰ تقدير التعدّد بأيّ وجه اتفق .

ويستفاد منه أنّ الاكتفاء بالغسل الواحد علىٰ تقدير وجوب الأغسال مع الاختلاف بطريق أولىٰ علىٰ قاعدة الأصحاب في مفهوم الموافقة ، إلّا أنّ فيه بحثاً قدمناه ، ولعلّ الأولىٰ الاستدلال علىٰ ذلك بالخبر من حيث قوله : « وإذا اجتمعت لله عليك حقوق » إلىٰ آخره . واحتمال أن يكون المراد

__________________

(١) المدارك ١ : ١٩٥ وهو في مستطرفات السرائر : ٧٥ .

(٢) في « فض » : الإجزاء .

(٣) في « فض » زيادة : الجميع .


بالحقوق المذكورة في الرواية هي المجتمعة من الوجوب والندب ـ علىٰ تقدير صدق الحقوق علىٰ المندوبات كما يستفاد من ظاهر الخبر ـ بعيد .

ومن هنا يعلم أنّ قول شيخنا قدس‌سره بعد ذكر رواية زرارة : إنّها نصّ في المطلوب (١) . محل بحث ، فسيأتي إن شاء الله في باب غسل الأموات ما يدل علىٰ التداخل (٢) ، وإن كان فيه نوع كلام نذكره في محله إن شاء الله تعالىٰ .

وروىٰ الصدوق في باب الصوم مرسلاً : إنّ من جامع في أوّل شهر رمضان ثم نسي الغسل حتىٰ خرج من شهر رمضان عليه أن يغتسل ويقضي صومه وصلاته ، إلّا أن يكون قد اغتسل للجمعة (٣) . وفيه تأييده .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ للأصحاب اختلافاً في مسألة التداخل ، واضطراباً في الاستدلال ، حيث ضويقوا من جهة القول بنيّة الوجه في العبادة ، فقال بعض بالتداخل مطلقاً (٤) . وقيل : إن نوىٰ الجميع أجزأ غسل واحد ، وإن نوىٰ البعض اختص (٥) . قال في الذكرىٰ : ومن قال برفع المندوب الحدث فلا إشكال عنده في التداخل (٦) .

وفي كلام بعض : إنّ الأغسال إذا كانت كلها واجبة فالمكتفي بالقربة قال بالتداخل ، إذ المقصود رفع الحدث أو الاستباحة وهو شي‌ء واحد ، ومن لم يكتف بالقربة وأوجب نيّة الرفع أو الاستباحة فصّل بأنّه إن نوىٰ

__________________

(١) المدارك ١ : ١٩٥ .

(٢) يأتي في ج ٣ : ٣٢٨ .

(٣) الفقيه ٢ : ٧٤ / ٣٢١ .

(٤) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ١٩ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ٧٩ .

(٥) انظر المعتبر ١ : ٣٦١ ، ٣٦٢ .

(٦) الذكرىٰ ١ : ٢٠٥ .


أحدهما فلا يخلو إمّا أن لا يعيّن رفع أحد الأحداث أو يعيّن ، فإن كان الأوّل تداخلت ، وإن كان الثاني فإن لم يكن معها غسل الجنابة أو كان وساوىٰ غيره في عدم الوضوء كفىٰ عن الباقي ، وإن اشترط الوضوء في غيره وكان المعيّن هو الجنابة أجزأ عن غيره عند بعض ، وإن كان غيره هو المعيّن ففيه قولان ، وقيل : هما احتمالان : الإجزاء لأنّه غسل صحيح نوىٰ به الاستباحة فيجزيء ، والعدم ، لعدم تأثير الوضوء في غسل الجنابة ، وتوقف بعض (١) .

وفي مدارك شيخنا قدس‌سره أنّ الأظهر التداخل مع الاقتصار علىٰ نية القربة ، وكذا مع ضم الرفع أو الاستباحة ، يعني علىٰ تقدير أن تكون الاغسال كلها واجبة ، ثم قال قدس‌سره : ولو عيّن أحد الأحداث فإن كان المعيّن هو الجنابة فالمشهور إجزاؤه عن غيره ، بل قيل : إنّه متفق عليه ، وإن كان غيره ففيه قولان (٢) . انتهىٰ .

ثم علىٰ تقدير الاختلاف بالوجوب والندب قيل : إن نوىٰ الواجب ارتفع حدثه ، وفي الإجزاء عن المندوب قولان : قول بالإجزاء للرواية ، وقول بالعدم لاشتراط نيّة الوجه ؛ وقرّب بعض صحة المندوب ، لعدم اشتراط خلوّ المكلّف من الحدث الأكبر كما في غسل الإحرام للحائض (٣) ، وفي الذكرىٰ : الأقرب تفريعاً علىٰ القول بأنّ المندوب لا يرفع الحدث صحّته من كل محدث لحصول الغاية (٤) .

__________________

(١) لم نعثر عليه .

(٢) المدارك ١ : ١٩٤ .

(٣) انظر المعتبر ١ : ٣٦١ .

(٤) ذكرىٰ الشيعة ١ : ٢٠٦ .


ونقل عن المبسوط القول بعدم الإجزاء عن أحدهما (١) .

وعلىٰ تقدير نيّة الجميع قيل : بعدم الإجزاء ، لاعتبار نيّة السبب ، وتضادّ وجهي الوجوب والندب ، فإن نوىٰ الندب لزم عدم ارتفاع الحدث لعدم رفعه بالمندوب ، وإن نوىٰ الوجوب لزم نيّة وجوب ما ليس بواجب ، وإن نواهما لزم الجمع بين الضدّين وترجّح أحدهما من غير مرجّح (٢) .

ويظهر من البعض إجزاء نيّة الوجوب عن الندب ، لأنّ نيّة الوجوب تستلزم نيّة الندب ، لاشتراكهما في رجحان الفعل ، ولا يضر اعتقاد منع الترك لأنّه مؤكِّد (٣) .

وفي نهاية العلّامة : لو نوىٰ المجنب رفع الحدث أو الاستباحة ترتفع جميع الأحداث ويجزىء عن جميع الأغسال الواجبة ، وكذا لو نوىٰ الجنابة ، ثم قال : والأقوىٰ عدم رفع الجنابة مع نيّة الحيض ، لأنّه أدون ، ثم قال : يحتمل قوة الحيض لاحتياجه إلىٰ الطهارتين ؛ وفي النهاية أيضاً : لو اجتمعت الأغسال المندوبة احتمل التداخل لقول ، أحدهما عليهما‌السلام : « إذا اجتمعت » إلىٰ آخره ، فحينئذ يكتفىٰ بنيّة مطلقة (٤) .

وفي المنتهىٰ قال بتداخل الأغسال المندوبة (٥) . وفي الإرشاد نفىٰ التداخل (٦) ، وظاهره الإطلاق ، إلّا أنّ فيه احتمالاً يعرف من مراجعة عبارته .

وبالجملة : فالأقوال متكثرة في المسألة ، والتوجيهات المنقولة إجمالاً

__________________

(١) المبسوط ١ : ٤٠ .

(٢) انظر مختلف الشيعة ١ : ١٥٦ ، روض الجنان : ١٨ .

(٣) انظر ذكرىٰ الشيعة ١ : ٢٠٥ .

(٤) نهاية الإحكام ١ : ١١٢ ـ ١١٣ .

(٥) منتهىٰ المطلب ١ : ١٣٢ .

(٦) الإرشاد ١ : ٢٢١ .


لا تخلو من نظر في مواضع ، وأظن أنّ الوجه في النظر منكشف .

والذي يخطر في البال بعد ما قدمناه من جهة دلالة رواية زرارة أنّ التوقف في التداخل مطلقا لا وجه له ، والشك الذي حصل للبعض من جهة نيّة الوجه (١) يمكن دفعه بأنّ دليل وجوب نيّة الوجه الذي ذكره القائلون بذلك ـ علىٰ تقدير تماميّته ـ لا يمنع التخصيص بما دلّت عليه الرواية ، والعقل لا يدفع مدلول الرواية لتكون مخالفة لدليل العقل فتطرح .

وما عساه يقال : إنّ اجتماع الضدّين إذا كان محالاً فلا بدّ من عدم العمل بالرواية .

جوابه : أنّ التضادّ إنّما يتحقق لو اعتبرنا نيّة الوجه ، وقد نفينا ذلك في الذي نحن فيه ، فالإشكال من حيث نيّة الوجه أمره سهل .

غاية الأمر إنّ الحكم بالتداخل ـ مع ثبوت أنّ كل سبب يقتضي وجوب مسبّبه ، والتداخل خلاف الأصل ـ محل بحث .

فإن قلت : قد ثبت في الأحكام الشرعية تعدّد الأسباب مع الاكتفاء بالمسبّب الواحد كالوضوء والغسل إذا تعدّد سببهما مع الاتحاد نوعاً في الثاني كالجنابة مثلاً ، والأعم من ذلك كأسباب الوضوء .

قلت : لا ريب فيما ذكرت ، إلّا أنّ الإجماع وغيره قد ثبت فيما ذكرت ، والكلام فيما فيه الخلاف .

وليس لأحد أن يقول : إنّ المقصود من الشارع فعل الغسل بإجراء الماء علىٰ البدن بالنحو المقرّر ، وهو حاصل بالغسل الواحد ، كالوضوء علىٰ تقدير تعدّد السبب ، والغسل علىٰ تقدير الاتحاد النوعي .

__________________

(١) انظر المعتبر ١ : ٣٦١ .


لإمكان الجواب بأنّ العلم بكون ما ذكر هو المقصود غير حاصل ، ومجرّد الاحتمال لا يكفي في إثبات الحكم شرعاً .

ومن هنا يعلم أنّ ما قاله شيخنا قدس‌سره في الاستدلال علىٰ التداخل مع كون الأغسال كلّها واجبة : بصدق الامتثال بالفعل ، مضافاً إلىٰ رواية زرارة (١) . محل بحث . .

أمّا أوّلاً : فلأنّ تحقق الامتثال أصل المدّعىٰ ، مضافاً إلىٰ معارضة أصالة عدم التداخل .

وأمّا ثانياً : فلأنّ الرواية فيها احتمال (٢) أسلفناه لا تخلو معه من إشكال في الدلالة ، مضافاً إلىٰ أنّ مورد الاستدلال علىٰ تقدير الاكتفاء بالقربة ، وكذا مع ضم الرفع أو الاستباحة والحكم في الرواية من جهة قوله : « وإذا اجتمعت » إلىٰ آخره ، لا يختص بحالة القربة والرفع أو الاستباحة ، بل لو قلنا بنيّة الوجه كذلك .

نعم علىٰ تقدير اعتبار التعيين للسبب قد يتوقف في التداخل ، وإن كان مدلول الرواية يتناوله أيضاً ، إلّا أنّ يقال : إنّ الغسل الواحد في الرواية مجمل ، فلا يتم الاستدلال بها مع الإجمال ، وفيه : أنّ الإجمال هنا لا يضرّ بالحال ، لأنّه من قبيل المطلق المفيد فائدة العموم ، فيتناول الغسل الواحد الحاصل في ضمن الأغسال وغيره بأن يقصد به مجرّد القربة .

فإن قلت : أيّ فرق بين الغسل الحاصل في الضمن وبين غيره ؟ .

قلت : الفرق من حيث إنّ الحاصل في الضمن يقصد فيه التعيين (٣)

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ١٩٤ .

(٢) في « رض » زيادة : ما .

(٣) في « رض » : التعيّن .


بسبب السبب الخاص ، وغيره لا يقصد فيه ذلك ، فليتأمّل .

وممّا يؤيّد التداخل مرسلة جميل بن دراج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما‌السلام أنّه قال : « إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأ عنه ذلك الغسل من كل غسل يلزمه ذلك اليوم » (١) ولا يبعد أن يكون المراد باللزوم في الخبر ما يتناول المندوب ، بل ربما يدّعىٰ اختصاصه بالمندوب ، كما يعرف من تأمّل الرواية .

أمّا الاستدلال علىٰ التداخل بما دل من الأخبار علىٰ أنّ غسل الجنابة والحيض واحد فلا وجه له ، لأنّ الظاهر من الأخبار الاتحاد في الكيفية .

وما يوجد في كلام بعض : من أنّ الأغسال علىٰ تقدير الاجتماع لا تصير من قبيل تعدّد الأسباب بل هو سبب واحد ، فالظاهر أنّ المراد به علىٰ تقدير العمل بالرواية الدالة علىٰ التداخل ، وحاصل التوجيه أنّ ما يظن من تعدّد الأسباب يندفع باحتمال كون السبب واحداً ، وأثر هذا هيّن ، إلّا أن يقال : إنّ مراد القائل كون التداخل يجعل ثواب فعلين في فعل واحد .

وأنت خبير بأنّ غاية ما تدل عليه الرواية حصول الامتثال بغسل واحد ، أمّا حصول ثواب فعلين بفعل واحد فإثباته مشكل .

نعم علىٰ تقدير اجتماع الواجب ( والندب كما هو مفاد الرواية صريحا في صدرها ، يمكن أن يوجّه ما قيل ، ولا يبعد أن يتكلّف التوجيه مع تعدد الواجب ) (٢) إلّا أنّ الفائدة قليلة .

وبالجملة : فالظاهر من الرواية إجزاء غسل واحد عن المأمور به ، وإثبات ما عدا ذلك لا يخرج عن ربقة التكلّف .

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤١ / ٢ ، الوسائل ٢ : ٢٦٣ أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ٢ ، بتفاوت يسير .

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض » .


ومن هنا يعلم أنّ ما قاله شيخنا قدس‌سره من أنّ معنىٰ تداخل الواجب والمستحب تأدّي إحدىٰ الوظيفتين بفعل الاُخرىٰ ، كما تتأدّىٰ صلاة التحية بقضاء الفريضة ، وصوم الأيّام المسنون صومها بقضاء الواجب (١) . محل بحث ، لأنّ مفاد الكلام يعطي فهم إرادة الغسل الواحد من أحد الأغسال ، وقد عرفت إجمال الرواية عن إفادة هذا ، بل فيها احتمال ظهور إرادة الإتيان بكيفيّة الغسل متقرّباً من دون التفات إلىٰ إحدىٰ الوظيفتين ، فليتأمّل .

والعجب أنّه قدس‌سره قال بعد ما قدمناه : لظهور تعلّق الغرض بمجرّد إيجاد الماهيّة علىٰ أيّ وجه اتفق (٢) . فإنّ هذا الكلام لا يوافق أوّل الكلام من تأدّي إحدىٰ الوظيفتين بالاُخرىٰ .

وفي المقام أبحاث سيأتي بعضها إن شاء الله في باب تغسيل الميت ، حيث إنّ في أخبار الباب ما يتضمن التداخل في الجملة ، فمن ثَم كان الأولىٰ التأخير إلىٰ بابه ، والله تعالىٰ أعلم بحقائق الاُمور .

قال :

فأمّا ما رواه علىٰ بن الحسن ، عن عثمان بن عيسىٰ ، عن سماعة ابن مهران ، عن أبي عبد الله ( وابي الحسن ) (٣) عليهما‌السلام قالا في الرجل يجامع المرأة فتحيض قبل أن تغتسل من الجنابة قال : « غسل الجنابة عليها واجب » .

فالوجه في هذا الخبر أحد شيئين ، أحدهما : أن نحمله علىٰ

__________________

(١) المدارك ١ : ١٩٦ .

(٢) المدارك ١ : ١٩٦ الهامش رقم ٦ .

(٣) ما بين القوسين ليس في « فض » .


ضرب من الاستحباب . والثاني : أن يكون ذلك إخباراً عن كيفيّة الغسل ، لأنّ غسل الحائض مثل غسل الجنابة علىٰ السواء ، فكأنّه قال : الذي يجب عليها أن تغتسل مثل غسل الجنابة ، ولم يقل : إنّ غسل الجنابة واجب ويلزمها مع ذلك غسل الحيض ، والذي يكشف عمّا ذكرناه أوّلاً من الاستحباب :

ما رواه علي بن الحسن ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن المرأة يواقعها زوجها ثم تحيض قبل أن تغتسل ، قال : « إن شاءت أن تغتسل فعلت ، وإن لم تفعل فليس عليها شي‌ء ، فإذا طهرت اغتسلت غسلاً واحداً للحيض والجنابة » .

السند‌ :

في الأوّل : فيه عثمان بن عيسىٰ وقد قدّمنا حاله (١) ، وأنّه لا وجه لعدّ حديثه من الموثّق إذا سلم غيره من رجال السند من منافيات الوصف بالموثق .

والثاني : تكرّر القول فيه أيضاً .

المتن :

لا يخفىٰ أنّ الظاهر من الأوّل كون الغسل من الجنابة واجب علىٰ الحائض ، وهذا لا ينافي الاكتفاء بغسل واحد عن الجنابة والحيض ، إذ مفاد

__________________

(١) راجع ج ١ : ٧١ ـ ٧٣ .


الأخبار الأوّلة الاكتفاء بغسل واحد لا عدم وجوب الأغسال جميعها ، وحينئذ لا مانع من وجوب الجميع وسقوط الواجب بفعل غسل واحد .

فما قاله الشيخ من الجمع ، محل بحث :

أمّا أوّلاً : فلأنّ الاستحباب لا وجه له بعد التصريح بالوجوب ، وإمكان حمله علىٰ ظاهره بما قلناه .

وأمّا ثانيا : فلأنّ (١) الاستحباب علىٰ ما يأتي من الرواية المستدلّ بها يراد به استحباب غسل الجنابة حال الحيض ، وكلام الشيخ أوّلاً يفيد استحباب غسل الجنابة مع غسل الحيض .

وما عساه يقال : إنّ الرواية الأخيرة لا تأبىٰ ( إرادة ما يفيده ) (٢) أوّل الكلام ، إذ يجوز أن يكون المقصود بقوله : « إن شاءت أن تغتسل فعلت » بعد الطهر ، وفعل غسل الحيض .

يمكن الجواب عنه : بأنّ الظاهر من قوله عليه‌السلام في الرواية : « فإذا طهرت » خلاف ما ذكر .

والحق أنّ كلام الشيخ أوّلاً مجمل ، وإرادة مفاد الرواية غير بعيدة ، فلا إشكال من هذا الوجه .

إنّما الإشكال بأنّ مفاد الأخبار السابقة الاجتزاء بغسل واحد ، فعلىٰ تقدير أن يراد أحد الأغسال أو غيرها بأن يوقع لا بقصد أحدها بل (٣) لمجرّد الامتثال يحتمل الاستحباب في فعل غسل الحيض علىٰ تقدير قصد الجنابة بالغسل أوّلاً ، ويحتمل الاستحباب في الجنابة علىٰ تقدير قصد غسل

__________________

(١) في « رض » زيادة : الحمل علىٰ .

(٢) في « رض » : إفادة ما يريده .

(٣) ليست في « رض » .


الحيض ، إذ احتمال إرادة قصد غسل الحيض أوّلاً بخصوصه لا دليل عليه في المقام ، والرواية المستدل بها إنّما يقتضي ظاهرها ما قدّمناه ، والقول به استحباباً لم أعلم مشارك الشيخ فيه الآن .

وأمّا الوجه الثاني من توجيه الشيخ فهو من الغرابة بمكان .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ مفاد الخبر الأوّل بظاهره أنّ غسل الجنابة واجب مع الحيض وقد عرفت ما ذكرناه ، لكن إذا قلنا : بأنّ غسل الجنابة واجب لنفسه ، فالمانع من إيقاعه حال الحيض غير معلوم إلّا من جهة عدم الصلاحية للرفع أو الاستباحة ، والمطلوب منه الرفع .

وأنت خبير بأنّ ملاحظة الأمرين تقتضي الخروج عن الوجوب لنفسه ، إلّا أن يقال : بأنّ معنىٰ الوجوب لنفسه عدم اختصاصه بحالة وجوب المشروط بالطهارة ، وهذا لا ينافي اعتبار الصلاحية للدخول به في العبادة ، ولم أقف علىٰ شي‌ء شافٍ في تحقيق الحال بالنسبة إلىٰ تفسير الوجوب لنفسه .

وعلىٰ الاحتمال الذي ذكرناه فالخبر ( الأخير ) (١) لا يخلو من دلالة علىٰ أن الغسل من الجنابة بتقدير الوجوب لنفسه موسّع حيث قال فيه عليه‌السلام : « إن شاءت أن تغتسل فعلت ، وإن لم تفعل فليس عليها شي‌ء ، فإذا طهرت اغتسلت غسلاً واحداً » فإنّ هذا يعطي لمن تأمّله أنّ غسل الجنابة لو قدّمته حال الحيض كفاها ويكون الغسل بعد الطهر للحيض ، ولو لم تغتسل كفاها الغسل الواحد عن الأمرين ، فينبغي تأمّل جميع ذلك ، وإن كانت الثمرة بالنسبة إلىٰ عدم صحّة الروايتين قليلة ، إلّا أنّ كلامنا علىٰ تقدير العمل .

__________________

(١) في « رض » : الأوّل .


وقد نقل العلّامة في المختلف عن الشيخ أنّه قال : إذا اغتسل ونوىٰ به غسل الجنابة دون غسل الجمعة أجزأه عنهما ، ولو لم ينوِ غسل الجنابة ولا الجمعة لم يجز عن واحد منهما ، ولو نوىٰ غسل الجمعة دون الجنابة لم يجز عن واحد منهما .

ثم قال العلّامة : والوجه عندي أن نقول : إن كانت نيّة السبب شرطاً في الغسل لم يجزه غسل الجنابة عن الجمعة ، لأنّه نوىٰ الجنابة خاصّة فلا يقع عن غيره فيبقىٰ في العهدة ، وإن لم تكن شرطاً فإذا نوىٰ غسلاً مطلقاً ونوىٰ الوجوب أو الندب أجزأ عن الجنابة إن نوىٰ الوجوب ، وعن الجمعة إن نوىٰ الندب ، قال : وقوله ـ يعني الشيخ ـ : إنّه لا يجزيه عن الجمعة . غير معتمد ، بل الوجه أنّه يقع عن الجمعة ، لنا أنّه نوىٰ غسلاً مندوباً ويصح منه إيقاعه ، فيكون صحيحاً كغيره من العبادات الواقعة علىٰ الوجه المطلوب .

وحكىٰ العلّامة احتجاج الشيخ لما قاله بأنّ غسل [ الجمعة ] (١) إنّما يراد للتنظيف وزيادة التطهير ، ومن حيث هو جنب لا يصح منه ذلك ، وأجاب بالمنع من الغاية التي ذكرها وهي زيادة التطهير إن عنىٰ به رفع الحدث ، وإن أراد به النظافة فهو مسلّم ، لكنه يصحّ من الجنب كما يصحّ غسل الإحرام من الحائض (٢) . انتهىٰ .

ولقائل أن يقول : إنّ الكلام من الشيخ والعلّامة بعد ورود خبر زرارة لا يخلو من غرابة ، وكذلك (٣) عدم التفات العلّامة إلىٰ نقله في المسألة ،

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ ، الجنابة ، والصحيح ما أثبتاه من المصدر .

(٢) المختلف ١ : ١٥٦ و ١٥٧ وهو في الخلاف ١ : ٢٢١ و ٢٢٢ .

(٣) في « فض » : ولذلك .


وقوله : إن كانت نيّة السبب شرطاً ، إلىٰ آخره ، فيه : أنّ نيّة السبب (١) قد دلّ الدليل ـ وهو الخبر الدال علىٰ التداخل ـ بإطلاقه علىٰ عدم ضرورتها بالحال لو وقعت .

وما قاله من جهة غسل الجمعة في الاستدلال : من أنّه نوىٰ غسلاً مندوباً ، إلىٰ آخره ، ليس علىٰ ما ينبغي ، فإنّ ثبوت الندبيّة في حال الحيض مصادرة ، بل الأولىٰ الاستدلال بالعمومات الدالّة علىٰ استحباب غسل الجمعة المتناولة لحالة الحيض وغيره .

أمّا ما أجاب به عن حجة الشيخ فهو موجّه .

قال :

باب مقدار الماء الذي تغتسل به الحائض‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن محمد بن يحيىٰ ، عن محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن المثنىٰ الحناط (٢) ، عن الحسن الصيقل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الطامث تغتسل بتسعة أرطال من ماء » .

وبهذا الإسناد عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « الحائض ما بلغ من (٣) بلل الماء من شعرها أجزأها » .

فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن يعقوب بن يزيد ،

__________________

(١) في « فض » زيادة : بها .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٤٧ / ٥٠٧ : الخيّاط .

(٣) ليست في الاستبصار ١ : ١٤٨ / ٥٠٨ .


عن محمد بن الفضيل ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الحائض كم يكفيها من الماء ؟ فقال : « فرق » .

فهذا الخبر والخبر الأوّل محمولان علىٰ الإسباغ والفضل ، والخبر الثاني علىٰ الإجزاء دون الفضل .

السند :

في الأوّل : فيه المثنىٰ الحنّاط ، والموجود في الرجال المثنىٰ (١) بن عبد السلام ، وقد نقل الكشي عن محمد بن مسعود عن علي بن الحسن أنّه قال : إنّ المثنىٰ بن عبد السلام حنّاط لا بأس به (٢) . وفي الرجال أيضاً المثنىٰ ابن الوليد الحنّاط ذكره النجاشي (٣) ، والشيخ في الفهرست من غير توثيق ولا مدح (٤) . والعلّامة في الخلاصة ذكر المثنىٰ بن الوليد ، وقال عن الكشي ما نقلناه في ابن عبد السلام (٥) ، ولا يخلو من غرابة .

ولعلّ العلّامة ظن الاتحاد في ابن عبد السلام وابن الوليد (٦) ، والحال أنّ النجاشي ذكرهما (٧) ، واعتماد العلّامة علىٰ النجاشي في الخلاصة كما يظهر من الملاحظة ، وعلىٰ كل حال فالمثنّىٰ قد عرفت حقيقته .

__________________

(١) كما في رجال النجاشي : ٤١٥ / ١١٠٧ ، ورجال بن داود : ١٥٨ / ١٢٥٩ ، وخلاصة العلّامة : ١٦٨ / ١ .

(٢) رجال الكشي ٣ : ٦٢٩ / ٦٢٣ .

(٣) رجال النجاشي : ٤١٤ / ١١٠٦ .

(٤) الفهرست : ١٦٧ / ٧٣٦ .

(٥) خلاصة العلّامة : ١٦٨ / ٢ .

(٦) خلاصة العلّامة : ١٦٨ / ١ ، ٢ .

(٧) رجال النجاشي : ٤١٤ / ١١٠٦ ، ٤١٥ / ١١٠٧ .


وأمّا الحسن الصيقل فالموجود في الرجال الحسن بن زياد الصيقل ذكره الشيخ في أصحاب الباقر عليه‌السلام ، وكذلك ذكره في أصحاب الصادق عليه‌السلام (١) ، وهو مهمل في الموضعين .

وما يوجد في كلام المتأخّرين : من أنّ الحسن بن زياد العطار الثقة هو الصيقل . لا أعلم وجهه ، وفي بعض الأسانيد أبو القاسم الصيقل ، وفي بعضها أبو إسماعيل .

وذكر شيخنا المحقق ـ أيّده الله ـ في كتاب الرجال أنّ هذا يؤيّد عدم الاتحاد مع العطّار (٢) . ولم يظهر لي وجه ذلك .

نعم ذكر الشيخ في كتابه : أنّ كنية الحسن بن زياد الصيقل أبو الوليد (٣) . وهذا ربما يقتضي المغايرة للموجود في الأسانيد .

والثاني : ليس فيه ارتياب .

والثالث : كذلك ، إلّا من جهة محمد بن الفضيل ، فإنّه مشترك بين الثقة وغيره (٤) ، وربما يظن عدم الاشتراك ، بل هو من المهملين أو ضعيف ، لأنّ الثقة من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، ويعقوب بن يزيد من أصحاب الرضا والجواد (٥) عليهما‌السلام والأمر سهل . ولا يخفىٰ تأييد السند لما قدّمناه : من أنّ يعقوب بن يزيد يروي عنه محمد بن علي بن محبوب ، فالإطلاق في الإسم ينصرف إليه في الظاهر .

__________________

(١) رجال الطوسي : ١١٥ / ٢٠ ، ١٦٦ / ١٣ .

(٢) منهج المقال : ٩٩ .

(٣) رجال الطوسي : ١٨٣ / ٢٩٩ .

(٤) هداية المحدثين : ٢٤٩ .

(٥) ليست في « رض » .


المتن :

ما ذكره الشيخ من أنّ الخبر الثاني محمول علىٰ الإجزاء كأنّه لظنّ المنافاة .

وقد يقال : إنّه لا ينافي مضمون الخبرين ، لأنّ مورده بيان الاكتفاء في غَسل الشعر بوصول البلل من الماء إليه ، وهذا يجامع كثرة الماء وقلّته .

ولا يخفىٰ أنّ الظاهر من الخبر ما ظنّه الشيخ ، غير أنّه كان عليه أن يبيّن الوجه في مدلول الأوّل والأخير لما تسمعه من تفسير الفرق ، ولعلّ التفسير لو تحقق لحمل علىٰ الأكمل .

وقد يشكل بأنّ الظاهر من قوله : كم يكفيها ؟ أنّه لبيان أقلّ المجزي ، ومقام الاستحباب واسع الباب .

اللغة :

قال في القاموس : الفرق مكيال المدينة يسع ثلاثة آصُعٍ ، ويحرّك وهو أفصح ، أو يسع ستّة عشر رطلاً أو أربعة أرباع ، والجمع فُرقان (١) . وفي النهاية : الفَرَق بالتحريك مكيال يسع ستّة عشر رطلاً ، وهي اثنىٰ عشر مدّاً ، أو ثلاثة آصُع عند أهل الحجاز ، وقيل : الفَرَق خمسة أقساط ، والقسط نصف صاع ، فأمّا الفَرْق بالسكون فمائة وعشرون رطلاً (٢) . ولا يخفىٰ أنّ التفسير بالنصف صاع أقرب إلىٰ مدلول الخبر ، نظراً إلىٰ ما قدّمناه من لفظ : يكفيها ، وعلىٰ هذا لا يتمّ إطلاق الشيخ إلّا علىٰ أنّ النصف صاع زائد علىٰ

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ : ٢٨٣ ، ٢٨٤ .

(٢) النهاية لابن الاثير ٣ : ٤٣٧ .


ما يجزئ في الغسل ، وحينئذ يكون الصاع أكمل ، بعكس التفسير الآخر للفرق .

قال :

باب في أنّ (١) الحيض والعدّة إلىٰ النساء‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « العدّة والحيض إلىٰ النساء » .

فأمّا ما رواه أحمد بن محمد ، عن محمد بن عيسىٰ ، عن عبد الله ابن المغيرة ، عن إسماعيل بن أبي زياد ، عن جعفر ، عن أبيه أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : في امرأة ادّعت أنّها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض فقال : « كلّفوا نسوة من بطانتها أنّ حيضها كان فيما مضىٰ علىٰ ما ادّعت ، فإن شهدن فصدّقت وإلّا فهي كاذبة » .

فالوجه في الجمع بينهما أنّ المرأة إذا كانت مأمونة قُبِل قولها في الحيض والعدّة ، وإذا كانت متّهمة كلّف نسوة غيرها علىٰ ما تضمنه الخبر .

السند‌ :

في الأوّل : واضح بعد ما قدّمناه .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٤٨ لا يوجد : أنّ .


والثاني : فيه إسماعيل بن أبي زياد ، وهو مشترك بين العامي المشهور وبين ثقة (١) ، ولا يبعد أن يكون هو العامي ، لظاهر الرواية عن علي بهذا النحو ، وقد يوجد رواية الثقة بهذا النحو أيضاً ، لكنه نادر .

المتن :

في الأوّل : يدل بظاهره علىٰ قبول قول المرأة في العدّة سواء في ذلك الحيض والأشهُر ، وكذلك في الحيض فيحرم علىٰ الزوج وطؤها بمجرّد قولها ، وكذلك سائر ما يتوقف علىٰ الطهر ، وقد استدل بعض الأصحاب علىٰ ما قلناه بالرواية .

ثم إنّ متنها المذكور هو الموجود في التهذيب والكتاب ، وفي التهذيب أسنادها عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن جميل ابن دراج ، عن زرارة (٢) .

وروىٰ الشيخ في كتاب الطلاق من التهذيب عن محمد بن يعقوب ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « العدّة والحيض للنساء إذا ادّعت صدّقت » (٣) ولا يبعد أن يكون الرواية واحدة ، ولفظ : « إذا ادّعت صدّقت » ساقط منها ، ولا ريب في وضوح الدلالة مع الزيادة علىٰ قبول قول المرأة في الحيض والعدّة .

وأمّا الثاني : فالذي يظهر منه أنّ الوجه في عدم قبول قولها بمجرّد ادّعاء خلاف الغالب من النساء ، وحينئذ يقيّد إطلاق الاُولىٰ علىٰ تقدير

__________________

(١) هداية المحدثين : ١٨٠ .

(٢) التهذيب ١ : ٣٩٨ / ١٢٤٣ ، الوسائل ٢ : ٣٥٨ أبواب الحيض ـ ب ٤٧ ذ ح ٢ .

(٣) التهذيب ٨ : ١٦٥ / ٥٧٥ ، الوسائل ٢ : ٣٥٨ أبواب الحيض ب ٤٧ ح ١ .


العمل بالثانية بما لا ينافي الغالب من عادات النساء ، فما ذكره الشيخ من التهمة وكونها مأمونة لا يخلو من نظر بعد احتمال ما ذكرناه وإن أمكن إرجاعه إلىٰ ما قلناه بتقريبٍ ما .

وذكر بعض الأصحاب أنّ قبول قول المرأة في العدّة والحيض إنّما يقبل في الزمان المحتمل وإن بعد (١) . وكأنّ الوجه فيه ما ذكرناه ، إلّا أنّ قوله : وإن بعد . لا يلائمه ، وسيأتي إن شاء الله القول في ذلك في بابه .

وينبغي أن يعلم أنّ بعض الأصحاب استدل علىٰ قبول قول المرأة في الحيض بقوله تعالىٰ ( وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ ) (٢) ووجّه الاستدلال بأنّه لولا وجوب القبول لما حرم الكتمان ؛ واعترض عليه بالمنع من الملازمة ، ولعلّ لتكليفها بإظهار ذلك ثمرة لا نعلمها ، كما يجب علىٰ الشاهد عدم كتمان الشهادة وإن علم عدم قبول الحاكم لها (٣) .

وفي نظري القاصر أنّ الآية تحتمل احتمالاً ظاهراً أن يراد بما خلق الله في أرحامهنّ من الولد .

قال :

باب الاستظهار للمستحاضة‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم ، عن أبان ، عن إسماعيل الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « المستحاضة تقعد أيّام‌

__________________

(١) لم نعثر عليه .

(٢) البقرة : ٢٢٨ .

(٣) الشيخ البهائي في الحبل المتين : ٥٢ .


قرئها ثم تحتاط بيوم أو يومين فإن هي رأت طهراً اغتسلت ، وإن هي لم تَرَ طهراً اغتسلت واحتشت فلا تزال تصلّي بذلك الغسل حتىٰ يظهر الدم علىٰ الكرسف ، فإذا (١) ظهر (٢) أعادت الغسل وأعادت الكرسف » .

عنه ، عن عثمان بن عيسىٰ ، عن سعيد بن يسار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تحيض ثم تطهر وربما رأت بعد ذلك الشي‌ء (٣) من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها فقال : « تستظهر بعد أيّامها بيوم أو يومين أو ثلاثة ثم تصلّي » .

سعد بن عبد الله ( عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ) (٤) عن أبي جعفر ، عن ابن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن الحائض كم تستظهر ؟ فقال : « تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة » .

عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن محمد بن عمرو بن سعيد ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن الطامث كم حدّ جلوسها ؟ فقال : « تنتظر عدّة ما كانت تحيض ثم تستظهر بثلاثة أيّام ثم هي مستحاضة » .

السند :

في الأوّل : القاسم ، وهو علىٰ الظاهر أنّه ابن محمد الجوهري ، وقد تكرّر القول فيه (٥) .

__________________

(١) في « رض » : فإن .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٤٩ / ٥١٢ زيادة : الدم .

(٣) ليست في « فض » .

(٤) ما بين القوسين ليس في الاستبصار ١ : ١٤٩ / ٥١٤ .

(٥) راجع ص ١٣٠ وج ١ : ١٨٢ ، ٢٨٦ .


وإسماعيل الجعفي يحتمل أن يكون ابن جابر ، وفي رجال الصادق عليه‌السلام من كتاب الشيخ : إسماعيل بن حازم (١) الجعفي (٢) . لكن الرواية كما ترىٰ عن أبي جعفر عليه‌السلام فاحتماله منتف ، نعم في رجال الباقر عليه‌السلام من كتاب الشيخ : إسماعيل بن عبد الرحمان الجعفي (٣) . وليس بثقة ، واحتماله قائم .

ثم إنّ إسماعيل بن جابر وثّقه الشيخ في كتاب الرجال (٤) ، والنجاشي ذكره من غير توثيق (٥) ، والكشي ذكر فيه ما يقتضي الذم (٦) . إلّا أنّها مدفوعة بما ذكره شيخنا ـ أيّده الله ـ في كتاب الرجال (٧) ، أما ما في بعض نسخ كتاب الشيخ من الخثعمي بدل الجعفي (٨) ، وكذلك نقله ابن داود عن كتاب الشيخ (٩) فالاعتبار يقتضي أنّ الصحيح الجعفي ، والخثعمي تصحيف .

والثاني : فيه عثمان بن عيسىٰ ، وضمير « عنه » راجع إلىٰ الحسين بن سعيد ، كما صرح به في التهذيب (١٠) (١١) ، وسعيد بن يسار ثقة (١٢) .

وأمّا الثالث : فلا يخلو من تشويش علىٰ ما رأيناه من النسخ ، ولا يبعد أن يكون لفظ « عن » في قوله : عن ابن أبي نصر . زائدة ،

__________________

(١) في « رض » : جابر .

(٢) رجال الطوسي : ١٤٧ / ٩٧ .

(٣) رجال الطوسي : ١٠٤ / ١٥ ، وكذا في أصحاب الصادق عليه‌السلام : ١٤٧ / ٨٤ .

(٤) رجال الطوسي : ١٠٥ / ١٨ .

(٥) رجال النجاشي : ٣٢ / ٧١ .

(٦) رجال الكشي ٢ : ٤٥٠ / ٣٤٩ و ٣٥٠ .

(٧) منهج المقال : ٥٦ .

(٨) رجال الطوسي : ١٠٥ / ١٨ ، ١٤٧ / ٩٣ .

(٩) رجال ابن داود : ٥٠ / ١٧٩ .

(١٠) التهذيب ١ : ١٧٢ / ٤٩٠ .

(١١) في « فض » زيادة : وغيره .

(١٢) وثّقه النجاشي في رجاله : ١٨١ / ٤٧٨ .


والصحيح عن أبي جعفر ابن أبي نصر ، أو أنّ الأصل عن أحمد بن محمد ابن عيسىٰ أبي جعفر ، ويحتمل أن يكون المراد بأبي جعفر الجواد عليه‌السلام ، والواو ساقطة قبل عن ابن أبي نصر ، ولا يخلو من بُعدٍ بَعد التأمّل في مساق الرواية .

والرابع : فيه محمد بن خالد وأظنه البرقي ، وفيه كلام (١) ، واحتمال غيره بعيد ؛ ومحمد بن عمرو بن سعيد هو ابن الزيّات الثقة .

المتن :

في الأوّل : ظاهر في أنّ المراد بقوله : « فإن هي رأت طهراً اغتسلت » أن يراد بالطهر النقاء من الدم بالكلية ، كما يدل عليه قوله : « وإن لم تر طهراً اغتسلت » إلىٰ آخره ، فإنّ هذا يقتضي وجود الدم ، ويحتمل أن يراد بالطهر عدم دم الحيض إلّا أنّ التأمّل فيما ذكرناه يدفعه .

أما قوله : « وإن هي لم تر طهراً اغتسلت » فالظاهر أنّ المراد بالغسل غسل الحيض ، كما يدل عليه قوله : « فلا تزال تصلّي حتىٰ يظهر الدم علىٰ الكرسف » إلىٰ آخره .

وهذا يدل أيضاً علىٰ أنّ مجرّد الظهور علىٰ الكرسف يوجب الغسل ، لكنه مجمل بالنسبة إلىٰ أنّ إعادة الغسل محتملة لما يقوله القائلون بالمتوسطة ، ولما يقوله النافون لها وجعل هذا النوع من الكثيرة ، إلّا أنّه لا يخفىٰ عدم الانطباق علىٰ القولين في ظاهر الحال ، لأنّ المتوسطة في كلام القائلين وقع التعبير بغسل الغداة لها ، والكثيرة وقع التعبير بثلاثة أغسال .

__________________

(١) ينشأ من قول النجاشي فيه : وكان ضعيفاً في الحديث . رجال النجاشي : ٣٣٥ / ٨٨٩ .


والحق ما قدّمناه من جهة المتوسطة ، وأمّا الكثيرة فعلىٰ تقدير إرادة وقت الصلاة كما قدّمنا إليه الإشارة ، فالحديث لا يأبىٰ الرجوع إلىٰ ذلك ، غاية الأمر أنّه مطلق بالنسبة إلىٰ عدم ذكر أوقات الصلاة ، ولولا ضعف الحديث لأمكن زيادة القول فيه ، والمهمّ ما ذكرناه .

والثاني : دالّ بتقدير العمل به علىٰ أنّ وجود الدم الرقيق بعد الاغتسال يقتضي الاستظهار ، لكنّه من كلام السائل ، فلا يفيد حكماً ، وتوهّم تقرير الإمام عليه‌السلام واضح الردّ .

وفي صحيح الأخبار في التهذيب ما رواه محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة فإن خرج فيها شي‌ء من الدم فلا تغتسل ، وإن لم تر شيئاً فلتغتسل ، وإن رأت بعد ذلك صفرة فلتتوضّأ ولتصلّ » (١) .

وقد ذكرت في حاشية التهذيب كلاماً في الحديث ، والملخّص منه أنّ الظاهر من قوله : « وإن لم تر شيئاً » إرادة الدم بقرينة قوله أوّلاً : « شي‌ء من الدم » وكذلك قوله بعد : « وإن رأت بعد ذلك صفرة » وعلىٰ هذا لا حاجة إلىٰ تكلّف الجمع بينه وبين ما دل علىٰ الاستظهار .

فإن قلت : حاصل ما ذكرت أنّ المرأة إذا رأت دم الحيض فلا تغتسل ، وإن لم تر دم الحيض اغتسلت ، وهذا ينافي ما دل علىٰ الاستظهار ، فإنّه لا يشترط فيه عدم دم الحيض ، كما يستفاد من خبر ابن نعيم السابق وغيره من الأخبار ، كما يعلم من مراجعة التهذيب .

قلت : ليس الأمر كما ذكرت ، بل (٢) المقصود هنا إمكان حمل

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٦١ / ٤٦٠ ، الوسائل ٢ : ٣٠٨ أبواب الحيض ب ١٧ ح ١ .

(٢) ليست في « فض » .


الحديث علىٰ ما لا ينافي جواز الاستظهار ، فإنّ الأمر بالغسل في الحديث يقتضي عدمه ، وإذا حمل علىٰ عدم الدم تم الحديث في عدم المنافاة للاستظهار ، لا أنّ عدم الدم يوجب الغسل من غير استظهار ، وما قلته من أنّ المراد دم الحيض هو الموجب للإشكال .

نعم قد حكىٰ العلّامة في المختلف عن الشيخ أنّه قال : إذا انقطع الدم عن ذات العادة وكانت عادتها دون عشرة أيّام أدخلت قطنة ، فإن خرجت نقيّة فقد طهرت ووجب عليها الغسل ، وإن خرجت ملوّثة بالدم استظهرت بيوم أو يومين في ترك العبادة ، ونقل عن ابن إدريس أنّه لا استظهار مع الانقطاع ، بل إنّما يكون مع وجود الصفرة والكدرة .

ثم إنّ العلّامة استدل علىٰ مختاره ـ وهو قول الشيخ ـ برواية محمد ابن مسلم المنقولة هنا من التهذيب ، ورواية ابن أبي نصر المذكورة في الكتاب ، وحكىٰ عن ابن إدريس الاحتجاج لقوله بأنّ الأصل وجوب العبادة ، وأجاب العلّامة بأنّ الأصل براءة الذمّة (١) .

وفي نظري القاصر أنّ الكلام أوّلاً وآخراً لا يخلو من نظر .

أمّا الأوّل : فلأنّ الظاهر من كلام الشيخ المنقول أنّ خروج القطنة ملوّثة بالدم يقتضي الاستظهار ، وكلام ابن إدريس مفاده أنّه لا استظهار مع الانقطاع ، بل مع وجود الصفرة والكدرة ، وهذا كما ترىٰ لا يقتضي المخالفة بين الكلامين إلّا من حيث ذكر ابن إدريس الصفرة ، فكأن العلّامة ظنّ أن قول الشيخ يفيد كون الاستظهار مع الدم ، وبدونه لا استظهار ، ومع الصفرة لا دم فلا استظهار .

__________________

(١) المختلف ١ : ١٩٩ .


وأنت خبير بأنّ الصفرة لا تنافي الدم ، بل الدم ينقسم إلىٰ الأصفر وغيره ، إلّا أن يقال : مع إطلاق الدم إنّما يراد غير الأصفر ، وفيه ما لا يخفىٰ .

وأما الثاني : فلأن استدلال العلّامة بالرواية إن كان المراد إثبات الاستظهار مع وجود الدم فالرواية غير مقيّدة بالدم ، بل الظاهر من قوله : « وإن لم تر شيئاً » نفي الدم بجميع صفاته ، ولو حملت الرواية علىٰ أنّ الدم إذا وجد اقتضىٰ الاستظهار ، وإن لم يوجد انتفىٰ ، سواء كانت الصفرة أو لا زاد الإشكال بأنّ الظاهر من الدم دم الحيض ، واللازم حينئذ أنّه مع وجود دم الحيض تحقق الاستظهار ، ومع عدم دم الحيض لا استظهار ، والحال أنّ القائل بهذا غير معلوم ، والأخبار المعتبرة لا تساعد عليه ، بل تدل علىٰ نفيه .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ احتجاج ابن إدريس لا أدري موافقته لدعواه ، فإن الظاهر منها أنّه لا استظهار مع انقطاع الدم أصلاً ، بل هو مع الصفرة والكدرة ، والاستدلال حينئذ بأنّ الأصل وجوب العبادة إن أراد به مع عدم الصفرة والكدرة كما هو ظاهر دعواه فالجواب من العلّامة بأنّ الأصل براءة الذمّة غير تامّ ، لأن العلّامة قائل بعدم الاستظهار ، فكيف يقول بالأصل المذكور ؟ وإن أراد ابن إدريس غير ما ذكرناه فلا وجه له .

وبالجملة : ـ فكلام العلّامة مجمل المرام علىٰ ما أظنّه ، ولا يبعد أن يكون التفات العلّامة إلىٰ ما تضمنه الرواية من قوله : « وإن رأت بعد ذلك صفرة » فإنّ ظاهر هذا أنّ ما سبق إنّما كان دماً ولا يكون الصفرة دماً ، وأنت خبير بما في هذا من التأمّل ، علىٰ أنه يبقىٰ الإشكال في الاستدلال منه ومن ابن إدريس ، فليتأمّل .

وينبغي أن يعلم أنّ الخبر الأخير دال علىٰ أنّ المرأة بعد الاستظهار‌


مستحاضة ، والخبر وإن لم يكن صالحاً للاعتماد عند بعض ، إلّا أنّ له مؤيّدات دالّة علىٰ مدلوله ، متطابقة الدلالة علىٰ أنّ ما بعد أيّام الاستظهار استحاضة ، و ما يوجد في كلام المتأخّرين : من أنّ الدم إن انقطع علىٰ العشرة فالجميع حيض ، وإن تجاوز فالعادة حيض فقط (١) . لم أقف الآن علىٰ خبر صحيح يتضمنه .

والوالد قدس‌سره كثيراً ما كان يقول ذلك ، ويبني عليه إشكالات في مواضع أهمّها : الحج ، وسيأتي إن شاء الله ذكر ما لا بدّ منه فيه .

وإذا تمهّد جميع ما ذكرناه ، فليعلم أنّ للأصحاب اختلافاً في أنّ الاستظهار هل هو علىٰ سبيل الوجوب أو الاستحباب ؟ فالموجبون (٢) استدلوا بظواهر الأخبار الوارد فيها الأمر كصحيح محمد بن مسلم (٣) ، والقائلون بالاستحباب جمعوا بين الأخبار المشار إليها وغيرها مثل قوله عليه‌السلام : « تحيّضي أيّام أقرائك » بالحمل علىٰ الاستحباب (٤) .

وقد يقال : إنّ ما دلّ علىٰ أنّ التحيّض لا يكون إلّا أيّام الأقراء غير موجود ، والأمر بالتحيّض أيّام الأقراء لا ينافي التحيّض في غيرها بدليل .

أو يقال : إنّ التحيّض أيّام الأقراء علىٰ الإطلاق ، وأمّا غيرها فله شروط ، ومثل هذا يصلح وجهاً للجمع .

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان : ٧٤ .

(٢) منهم الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٤ ، وفي الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٣ ومنهم ابن إدريس الحلّي في السرائر ١ : ١٤٩ .

(٣) المتقدم في ص ٤٣٧ .

(٤) منهم المحقق في المعتبر ١ : ٢١٥ ، وجامع المقاصد ١ : ٣٣٢ ، روض الجنان : ٧٣ . وسائل الشيعة ٢ : ٢٨٨ ابواب الحيض ب ٨ ح ٣ ، الفروع من الكافي ٣ : ٨٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٣ .


نعم في صحيح معاوية بن عمار : « المستحاضة تنتظر أيّامها فلا تصلّ فيها ولا يقربها بعلها ، فإذا جازت أيّامها ورأت دماً يثقب الكرسف اغتسلت » إلىٰ آخره (١) . وهذا له نوع دلالة علىٰ عدم الوجوب ، واحتمال القول فيه واسع المجال (٢) .

وممّا يؤيّد الوجوب النهي عن الاغتسال في خبر محمد بن مسلم السابق نقله (٣) .

غير أنّ الحقّ رجحان الاستحباب ، لثبوت التعارض ، وقد ذكرت ما لا بد منه في حاشية التهذيب أيضاً .

وما يوجد في كلام بعض الأصحاب من أنّا إذا قلنا باستحباب الاستظهار ، واختارت فعل العبادة ، ففي وصفها بالوجوب إشكال ، لجواز تركها لا إلىٰ بدل ، ولا شي‌ء من الواجب كذلك (٤) . فقد قدمنا في هذا الكتاب كلاماً يصلح أن يكون جواباً ( عن هذا ) (٥) وهو أنّ المستحب في الاختيار ، فلو اختارت الطهر كانت العبادة (٦) واجبة ، ولا بعد فيه ، هذا .

ولا يخفىٰ أنّ مفاد الأخبار المبحوث عنها كون الاستظهار بيوم أو يومين كما في الأوّل ، وبيوم أو يومين أو ثلاثة كما في الثاني والثالث ، وبثلاثة كما في الرابع ، والمنقول عن الشيخ في النهاية الاستظهار بيوم أو

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٧٠ / ٤٨٤ ، وسائل الشيعة ٢ : ٣٧١ ابواب الاستحاضة ب ١ ح ١ .

(٢) ليست في « رض » .

(٣) في ص ٤٣٧ .

(٤) مدارك الأحكام ١ : ٣٣٤ .

(٥) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٦) في « رض » و « د » : الصلاة .


يومين (١) ، وكذلك عن ابن بابويه (٢) والمفيد (٣) . وعن الجمل : أنّ القطنة إذا خرجت فهي بعد حائض تصبر حتىٰ تنقىٰ (٤) . وعن المرتضىٰ في المصباح إلىٰ عشرة أيّام (٥) . وقد عرفت دلالة الأخبار وصحة بعضها لا يخفىٰ بعد الاعتبار ، وسيأتي ما يصلح دليلاً لبعض الأقوال . وعلىٰ الله سبحانه الاتكال .

اللغة :

الاستظهار قال في المعتبر : هو طلب ظهور الحال في كون الدم حيضاً أو طهراً (٦) .

قال :

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد ابن عمرو بن سعيد الزيات ، عن يونس بن يعقوب قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : امرأة رأت الدم في حيضها حتىٰ جاوز وقتها متىٰ ينبغي لها أن تصلّي ؟ قال : « تنتظر عدّتها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيّام ، فإن رأت الدم دماً صبيباً فلتغتسل في كل وقت صلاة » .

فالوجه في قوله عليه‌السلام : « تستظهر بعشرة أيّام » أن نحمله علىٰ أنّ المعنىٰ إلىٰ عشرة أيّام ، لأنّ ذلك أكثر أيّام الحيض ، وإنّما يجب

__________________

(١) حكاه عنه في المعتبر ١ : ٢١٤ ، وهو في النهاية : ٢٤ .

(٢) حكاه عنه في المعتبر ١ : ٢١٤ .

(٣) حكاه عنه في المعتبر ١ : ٢١٤ .

(٤) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) ١٦٣ .

(٥) نقله عنه في المعتبر ١ : ٢١٤ .

(٦) في « فض » : زيادة : وعلىٰ الله سبحانه الاتكال .


الاستظهار بيوم أو يومين إذا كانت العادة دون ذلك .

والذي يدل علىٰ ذلك :

ما أخبرني به الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن موسىٰ بن الحسين (١) ، عن أحمد ابن هلال ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المرأة ترىٰ الدم فقال : « إن كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة ، وإن كانت أيّامها عشرة لم تستظهر » .

وأخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن داود مولىٰ أبي المغراء ، عمّن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن المرأة تحيض ثم يمضي وقت طهرها وهي ترىٰ الدم ، فقال : « تستظهر بيوم إن كان حيضها دون عشرة (٢) أيّام ، وإن استمرّ الدم [ بعد العشرة ] (٣) فهي مستحاضة ، فإن (٤) انقطع الدم اغتسلت وصلّت » .

السند‌ :

في الأوّل : موثق بيونس بن يعقوب (٥) .

والثاني : فيه موسىٰ بن الحسين كما ترىٰ ، وفي التهذيب موسىٰ بن

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٥٠ / ٥١٧ : الحسن .

(٢) في النسخ : العشرة ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٥٠ / ٥١٨ .

(٣) ما بين المعقوفين ليس في النسخ ، اثبتناه من الاستبصار ١ : ١٥٠ / ٥١٨ .

(٤) في النسخ : وإن ، وما اثبتناه من الاستبصار ١ : ١٥٠ / ٥١٨ .

(٥) فإنه فطحي ثقة ، انظر رجال الكشي ٢ : ٦٨٢ / ٧٢٠ ، ورجال النجاشي : ٤٤٦ / ١٢٠٧ .


الحسن (١) وهو الظاهر ، لأنّ موسىٰ بن الحسين غير موجود في الرجال ، وإن كان هذا لا يضرّ بالحال كما لا يخفىٰ .

ثم إنّ موسىٰ بن الحسن مشترك بين رجلين ، أحدهما ثقة والراوي عنه الحميري ، وهو في مرتبة سعد بن عبد الله ، والآخر لم أعلم زمانه وليس بثقة (٢) .

وأحمد بن هلال قد تقدم القول فيه (٣) ، وأنّ الشيخ ضعّفه (٤) وفيه مع ما ذكر الإرسال .

والثالث : فيه مع الإرسال داود مولىٰ أبي المغراء ، ولم أره الآن في الرجال .

المتن :

في الأوّل : ظاهر الدلالة علىٰ ما يقوله المرتضىٰ رضي‌الله‌عنه بعد إرادة الاستظهار إلىٰ عشرة (٥) كما ذكره الشيخ ، وإن كان في كلام الشيخ نظر ، لأنّ الأخبار السابقة قد عرفت مفادها ، وعلىٰ تقدير حمل هذا الخبر كما ذكره لا تزول المعارضة للأخبار السابقة ، من حيث إنّ الاستظهار إلىٰ العشرة قد يزيد علىٰ الثلاثة فيما إذا كانت العادة ستّة أيّام ، فلا بد من البيان في دفع هذا التنافي ، وعدمه من الشيخ غريب .

ولا يبعد أن يقال : إنّ الغالب في عادة النساء لمّا كان السبعة والثمانية

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٧٢ / ٤٩٣ .

(٢) هداية المحدثين : ٢٦٢ .

(٣) راجع ص ٥٩ وج ١ : ٢١٦ ، ٣٧٧ .

(٤) في الفهرست : ٣٦ / ٩٧ . وفي اصحاب الهادي عليه‌السلام من كتاب الرجال : ٤١٠ / ٢٠ .

(٥) نقله عنه في المعتبر ١ : ٢١٤ .


اقتضىٰ الإطلاق في الخبر الانصراف إلىٰ الغالب ، وإن كان الحق إمكان المناقشة في هذا ، ولو صحّ الخبر أمكن القول بمضمونه .

فإن قلت : حديث يونس بن يعقوب ما وجه التوقف فيه ؟ مع أنّه ليس الارتياب إلّا من جهة يونس ، حيث قيل : إنّه كان فطحياً (١) ، والحال أنّه رجع عن ذلك (٢) .

قلت : التوقف ممّا ذكرت ، إذ لم يعلم الرواية قبل الرجوع أم بعده ، وقد ذكر شيخنا قدس‌سره رواية يونس من غير وصف بالموثق (٣) ، مع أنّ الظاهر كونها من الموثق فلا أدري الوجه في ذلك .

والخبر الثاني : كلامنا فيه كالأول .

وكذلك الثالث ، غير أنّ قوله فيه : « وإن استمر الدم فهي مستحاضة » لا يخلو من إجمال ، ولعلّ المراد أنّ الدم إذا استمر بعد الاستظهار فهي مستحاضة كما يفيده غيره من الأخبار ، وقد قدّمنا ما فيه من الإشكال .

واحتمال أن يراد أنّها تستظهر بيوم إن كان حيضها دون العشرة وإن استمرّ الدم بعد الاستظهار ، فيكون قوله : « وإن » وصلياً ، وقوله : « فهي مستحاضة » كلام مستأنف لبيان أنّ المستمرّ بها الدم مستحاضة لا أنّها حائض ، بعيد عن ظاهر الرواية ، بل لا وجه له عند التأمّل .

وممّا يؤيّد الأوّل قوله : « وإن انقطع الدم اغتسلت » غاية الأمر أنّ هذا القول لا يخلو من إجمال أيضاً ، إذ يحتمل أن يراد به إن انقطع الدم من أوّل الأمر فلا استظهار ، ويحتمل أن يراد به أنّ الدم إذا انقطع بعد الاستمرار

__________________

(١) كما في رجال الكشي ٢ : ٦٨٢ / ٧٢٠ .

(٢) راجع رجال النجاشي : ٤٤٦ / ١٢٠٧ .

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٣٣٥ .


وتجاوز العادة اغتسلت وصلّت بعد الاستظهار ، ولا يخفىٰ قرب هذا المعنىٰ .

ولا يتوجه علىٰ ما قلناه من التأييد أنّه لا يتمّ علىٰ الاحتمالين ، بل علىٰ واحد منهما . لإمكان الجواب بجريانه علىٰ الاحتمالين ، كما يعرف بأدنىٰ ملاحظة .

قال :

باب أكثر أيّام النفاس‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن الفضيل بن يسار وزرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « النفساء تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها التي كانت تمكث فيها ، ثم تغتسل وتعمل كما تعمل المستحاضة » .

وبهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن محمد ابن أبي حمزة ، عن يونس بن يعقوب قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « النفساء تجلس أيّام حيضها التي كانت تحيض ثم تستظهر وتغتسل وتصلّي » .

وبهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « تقعد النفساء أيّامها التي كانت تقعد في الحيض وتستظهر بيومين » .

وأخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن


سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن محمد بن عمرو ، عن (١) يونس قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة ولدت فرأت الدم أكثر ممّا كانت ترىٰ ، قال : « فلتقعد أيّام قرئها التي كانت تجلس ، ثم تستظهر بعشرة أيّام ، فإن رأت دماً صبيباً فلتغتسل عند وقت كل صلاة ، وإن رأت صفرة فلتتوضّأ ثم لتصلّ » .

قوله عليه‌السلام : « تستظهر بعشرة أيّام » معناه إلىٰ عشرة أيّام ، لأنّ حروف الصفات تقوم بعضها مقام بعض علىٰ ما بيّنا القول فيه .

وبهذا الإسناد عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ومحمد بن خالد البرقي والعباس بن معروف ، عن صفوان بن يحيىٰ ، عن عبد الرحمان بن الحجاج قال : سألت أبا الحسن موسىٰ عليه‌السلام عن امرأة نفست وبقيت ثلاثين ليلة أو أكثر وطهرت وصلّت ثم رأت دماً أو صفرة ؟ فقال : « إن كان صفرة فلتغتسل ولتصلّ ولا تمسك عن الصلاة ، وإن كان دماً ليس بصفرة فلتمسك عن الصلاة أيّام قرئها ثم لتغتسل وتصلّي » .

أخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عمر بن اُذينة ، عن زرارة والفضيل ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « النفساء تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها التي كانت تمكث فيها (٢) ثم تغتسل وتصلّي كما تغتسل المستحاضة » .

وبهذا الإسناد عن علي بن الحسن ، عن عمرو بن عثمان ، عن

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٥١ / ٥٢٢ : بن ، وما هنا موافق للتهذيب ١ : ١٧٦ / ٥٠٢ .

(٢) ليست في النسخ ، اثبتناها من الاستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٤ .


الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن مالك بن أعين قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم ؟ قال : « نعم إذا مضىٰ لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها ثم تستظهر بيوم فلا بأس بعدُ أن يغشاها زوجها يأمرها (١) فتغتسل ثم يغشاها إن أحبّ » .

السند‌ :

في الأوّل : حسن .

والثاني : فيه محمد بن أبي حمزة ، والظاهر أنّه الثقة ، واحتمال المهمل المذكور في رجال الصادق عليه‌السلام من كتاب الشيخ (٢) بعيد ، ويونس ابن يعقوب قد تقدم القول (٣) فيه .

والثالث : موثق .

والرابع : محمد بن عمرو فيه هو الزيّات ، ويونس هو ابن يعقوب لتقدّم هذا عن قريب مفسَّراً ، وذكرنا الحال فيما تقدم (٤) .

والخامس : صحيح كما قدمناه .

والسادس : تكرّر بيان رجاله .

والسابع : فيه عمرو بن عثمان وهو الخزّاز الثقة ، لأنّ الراوي عنه في النجاشي علي بن الحسن بن فضال (٥) . ومالك بن أعين مذكور في رجال

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٥ زيادة : بالغسل .

(٢) رجال الطوسي : ٣٠٦ / ٤١٧ .

(٣) راجع ص : ٤٤٥ وج ١ : ٢١٣ .

(٤) راجع ص : ٤٤٥ وج ١ : ٢١٣ .

(٥) رجال النجاشي : ٢٨٧ / ٧٦٦ .


الباقر والصادق عليهما‌السلام مهملاً ، وباقي الرجال قد ذكرناه مكرّراً .

المتن :

في الجميع دالّ علىٰ أنّ النفساء ترجع إلىٰ عادتها في الحيض ، غاية الأمر أنّ العادة تارةً تكون مستقيمة عدداً ووقتاً ، وتارة لا تكون كذلك ، فالأخبار من هذه الجهة مجملة ، كما أنّها غير دالّة علىٰ حكم المبتدأة التي لم يتقرّر لها حيض في زمن معيّن ، وربما يظن أيضاً عدم تناولها للمضطربة ، إلّا أنّ للقول في ذلك مجالاً من حيث إن الاضطراب له أوجه ، ولو اُريد بها من لم تعلم الوقت والعدد أمكن أن يقال بخروجها عن الأخبار .

والعجب من العلّامة في المختلف أنّه اختار أنّها ترجع إلىٰ عادتها في الحيض إن كانت ذات عادة ، وإن كانت مبتدأة صبرت ثمانية عشر يوماً .

ثم استدل علىٰ الأوّل ببعض الأخبار المبحوث عنها ، ثم قال : ولأنّها مأمورة بالعبادة وإنّما تخرج عن العهدة بفعلها ، أو بما ثبت أنّه مسقط ، ولم يتحقق في الزائد علىٰ ما قلناه ، فيبقىٰ في عهدة التكليف بالمقتضي السالم عن معارضة المسقط القطعي .

ثم ذكر احتجاج غيره بالأخبار الدال بعضها علىٰ قعود النفساء تسع عشرة ، وبعضها علىٰ الثماني عشرة ، وأجاب بأنها محمولة علىٰ المبتدأة (١) .

وأنت خبير بما في الكلام أمّا أوّلاً : فلأنّ الأخبار قد سمعت القول فيها مجملاً .

__________________

(١) المختلف ١ : ٢١٦ .


وأما ثانياً : فما قاله : من أنّها مأمورة بالعبادة ، إن أراد به الأمر في حال وجود الدم فمشكل بعد اقتضاء الأخبار سقوط العبادة عنها المقتضي لعدم يقين شغل الذمّة .

واحتمال أن يقال : إنّ الذمّة مشغولة بيقين قبل الدم ، فإذا خرج منه ما تيقن عدم الاشتغال فيه ، بقي ما شك في كونه مشتغلاً .

فيه ما كرّرنا القول فيه في الكتاب وغيره : من أنّ اليقين يرتفع بالظن الحاصل من الأخبار فلا يحتاج إلىٰ ثبوت المسقط القطعي ، كما يقتضيه كلام العلّامة .

إلّا أن يقال : إنّ الأخبار مع التعارض توجب الشك فلا يحصل الظن المخرج .

وفيه : أنّ الشك أيضاً يقتضي عدم يقين اشتغال الذمّة ، إلّا أن يقال : بأنّ اليقين لا يزيله الشك كما هو مفاد الأخبار .

والحق أنّ يقين اشتغال الذمّة غير حاصل ، إذ الحاصل بالاستصحاب ليس إلّا الظن ، فإذا حصل الشك بتعارض الأخبار أمكن أن يوجّه بقاء الظن بأنّ الشك لا يعارضه ، وقد يتوجّه عليه أنّ الشك هنا تساوي الظنون ، وفي الحقيقة ليس هو الشك المقابل للظن ، بل إنّما هو في قوة تعدّد الظنون مع عدم المرجّح ، وقد اتفق للشيخ كلام في المقام في التهذيب ذكرنا ما فيه في حاشيته .

وبالجملة : فمرجع الكلام إلىٰ أنّ التكليف بالعبادة محقّق إلّا ما أخرجه الدليل ، ونحن نقول : التكليف موقوف علىٰ الدليل بعد زواله ، ويقين التكليف سابقاً لا يفيد لاحقاً بعد وجود الخلاف ، فليتأمّل .

وأما ثالثاً : فما قاله العلّامة من أنّ الأخبار محمولة علىٰ المبتدأة . فيه ‌


أنّ الأخبار تضمّنت ثمانية عشر وتسعة عشر ، فالمطلوب غير حاصل من الأخبار ، وستسمع أيضاً القول فيها إن شاء الله تعالىٰ .

ثم إنّ الأخبار المبحوث عنها تضمّنت الاستظهار علىٰ الإطلاق ، فلا يبعد أن يكون كاستظهار الحائض والاعتماد علىٰ بيانه فيها ، نعم ما بعد الاستظهار علىٰ تقدير عدم وصول الدم إلىٰ العشرة فقط لا يخلو من إشكال في النفاس ، لأنّ الحيض علىٰ تقدير القول فيه بما ذكروه فلزوم مثله في النفاس موقوف علىٰ اتفاق كلام القوم فيهما .

وفي المنتهىٰ قال العلّامة في بحث النفاس : لو انقطع الدم بدون العشرة أدخلت قطنة فإذا خرجت نقيّة اغتسلت وصلّت ، إلىٰ أن قال : وإن خرجت ملوّثة صبرت إلىٰ النقاء ، أو يمضي مدّة الأكثر وهي عشرة أيّام إن كانت عادتها ، وإلّا صبرت لو استمرّ بها الدم .

وبعض المتأخّرين غلط هنا فتوهم أنّ مع الاستمرار تصبر عشرة ، ولا نعرف عليه دليلاً سوىٰ ما رواه يونس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : « تستظهر بعشرة أيّام » وذلك غير دالّ علىٰ النزاع ، إذ من المحتمل أن تكون عادتها ثمانية أيّام أو تسعة أيّام ، ويدل علىٰ ما اخترناه الأحاديث التي قدّمناها ، فإنّها دالّة علىٰ إحالة النفساء علىٰ الحائض في الأيّام والاستظهار (١) . انتهىٰ .

ولا يذهب عليك أنّ إفادة الأخبار كون النفاس كالحيض من كلّ وجه لا يخلو من خفاء .

ثم ما أورده علىٰ بعض المتأخّرين في غير محلّه علىٰ ما أظنّ ، لأنّا

__________________

(١) المنتهىٰ ١ : ١٢٥ .


قدّمنا الأخبار الدالّة علىٰ أيّام الاستظهار ، وذكرنا أنّ ما يدلّ علىٰ العشرة يحتمل لإرادة الغالب من العادة .

وقول العلّامة في المنتهىٰ : إذ من المحتمل ، إلىٰ آخره ، غير تامّ ، لأنّ الاعتبار بظاهر اللفظ ، نعم إذا لو حظت جهة اُخرىٰ أمكن ، فليتأمّل .

وفي شرح الإرشاد قال جدّي قدس‌سره : واعلم أنّ الأخبار الصحيحة لم تصرّح برجوع المبتدأة والمضطربة إلىٰ عشرة ، بل إنّما صرح فيها بأنّه ـ أي النفاس ـ لذات العادة عادتها في الحيض ، ولكن فيها إشعار بذلك ، لأنّه ورد في بعضها الاستظهار إلىٰ العشرة كالحائض ، ولو كان أكثره أقل منها لم يستظهر إليها (١) . انتهىٰ .

ولا يخلو من تأمّل ، وقد ذكرت ذلك كلّه مفصلاً في حاشية الروضة ، ومجمل الأمر ما ذكرناه .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما تضمّنته رواية عبد الرحمان بن الحجاج المعتبرة الإسناد ، من أنّ النفساء التي مضىٰ لها ثلاثون ليلة وأكثر ثم رأت دماً أو صفرة كان حكمها مع الصفرة أن تغتسل وتصلّي ، وإن كان دماً ليس بصفرة تمسك عن الصلاة ثم تغتسل . .

لا يخلو من إجمال ، لأنّ ظاهر السؤال وإن كان عن النفساء ، إلّا أنّ مضيّ الثلاثين قد صيّر لها حكماً آخر ، فيحتمل أن يكون كلام الإمام عليه‌السلام عن حالها فيما بعد ، فإن رأت صفرة اغتسلت وصلّت ، وإن رأت دماً تمسك عن الصلاة أيّام أقرائها لكونه حيضاً .

ويحتمل أن يعود إلىٰ الزمان الماضي وهو الثلاثون كما ظنّه الشيخ ،

__________________

(١) روض الجنان : ٨٩ .


حيث جعلها من الأدلة علىٰ حكم النفساء ، لكن لا يخفىٰ أنّه لا يتمّ في قوله : « إن كانت صفرة فلتغتسل » وإن أمكن من جهة قوله : « وإن كان دماً » إلىٰ آخره .

وفي الظن أنّه لا مجال لغير الاحتمال الأوّل .

ولا يخفىٰ دلالة الخبر الأخير علىٰ عدم جواز الوطء في يوم الاستظهار ، لكنه لا يصلح لإثبات الحكم ، مضافاً إلىٰ نوع قصور في الدلالة ، وفي بعض الأخبار المعتبرة ما يدل علىٰ اختصاص المنع بأيّام الحيض ، وقد ذكرت ذلك في محل آخر .

أمّا ما تضمنه الخبر الأخير من قوله : « منذ يوم وضعت » فالتسديد فيه سهل الأمر .

قال :

فأمّا ما رواه محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن حفص بن غياث ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهم‌السلام قال : « النفساء تقعد أربعين يوماً ، فإن طهرت وإلّا اغتسلت وصلّت ويأتيها زوجها وكانت بمنزلة المستحاضة تصوم وتصلّي » .

عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن محمد بن يحيىٰ الخثعمي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن النفساء (١) ، فقال : « كما كانت تكون مع ما مضىٰ من أولادها وما جرّبت (٢) » ‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٧ لا يوجد : عن النفساء .

(٢) في النسخ : وما حرمت ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٧ .


قلت : فلم تلد فيما مضى ؟ قال : « بين الأربعين إلىٰ الخمسين (١) » .

أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كم تقعد النفساء حتىٰ تصلّي ؟ قال : « ثماني عشرة سبع عشرة ثم تغتسل وتحتشي وتصلّي » .

علي بن الحكم ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « تقعد النفساء إذا لم ينقطع منها الدم الثلاثين أو أربعين يوماً إلىٰ الخمسين (٢) » .

الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن ابن سنان قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « تقعد النفساء تسع عشرة ليلة ، فإن رأت دماً صنعت كما تصنع المستحاضة » .

وقد روينا عن ابن سنان ما ينافي هذا الخبر وأنّ أيّام النفاس مثل أيّام الحيض فتعارض الخبران .

الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن النفساء كم تقعد ؟ فقال : « إنّ أسماء بنت عميس أمرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تغتسل لثمان عشرة ولا بأس بأن تستظهر بيوم أو يومين » .

فلا تنافي بين هذه الأخبار وبين الأخبار الأوّلة التي قدمناها ، لأنّ لنا في الكلام علىٰ هذه الأخبار طرقاً : أحدها (٣) : أنّ هذه الأخبار أخبار آحاد مختلفة الألفاظ متضادّة المعاني لا يمكن العمل علىٰ جميعها‌

__________________

(١ و ٢) في « فض » : خمسين .

(٣) في الاستبصار ١ : ١٥٣ / ٥٣١ : فأحدها .


لتضادّها ، ولا علىٰ بعضها لأنّه ليس بعضها بالعمل عليه أولىٰ من بعض ، والأخبار المتقدّمة مجمع علىٰ متضمنها ، لأنّه لا خلاف [ في ] (١) أنّ أيّام الحيض في النفاس معتبرة ، وإنّما الخلاف فيما زاد علىٰ ذلك ، وإذا تعارضت وجب ترك العمل بها والعمل بالمجمع عليه بما قد بُيّن في غير موضع .

والوجه الثاني : أن نحمل هذه الأخبار علىٰ ضرب من التقية ، لأنّها موافقة لمذهب العامة ، ولأجل ذلك اختلفت كاختلاف العامة في أكثر أيّام النفاس فكأنّهم أفتوا كلاً منهم بمذهبه الذي يعتقده .

والثالث : أن يكون الأخبار خرجت علىٰ سبب ، وهو أنّهم سئلوا عن امرأة أتت عليها هذه الأيّام لم تصلّ فيها فقالوا : عند ذلك ينبغي أن تغتسل وتصلّي ولم يقولوا في شي‌ء منها أنّ ذلك حدّ لا يجوز اعتبار ما نقص منه .

السند‌ :

في الأوّل : فيه محمد بن عيسىٰ الأشعري ، لأنّ المراد بأبي جعفر أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، وقد تقدم القول فيه (٢) ؛ وفيه حفص بن غياث ، وهو عاميّ علىٰ ما ذكره الشيخ في الفهرست (٣) والكشي (٤) ، وما قاله الشيخ : من أنّ كتابه معتمد (٥) . لا نفع له إلّا بتقدير العلم بأخذ الحديث من كتابه .

__________________

(١) ما بين المعقوفين اضفناه من الاستبصار ١ : ١٥٣ / ٥٣١ .

(٢) راجع ص ٢٥٥ وج ١ : ٢٠٧ .

(٣) الفهرست : ٦١ / ٢٣٢ .

(٤) رجال الكشي ٢ : ٦٨٨ ، ذيل رقم ٧٣٣ .

(٥) الفهرست : ٦١ / ٢٣٢ .


والثاني : فيه القاسم بن محمد ، وهو الجوهري ( علىٰ الظاهر من ممارسة الأسانيد ) (١) وقد تكرّر ذكره (٢) ؛ ومحمد بن يحيىٰ الخثعمي تقدم أنّ الشيخ في هذا الكتاب قال : إنّه عامي . والنجاشي لم يذكر ذلك ، بل فيه : محمد بن يحيىٰ بن سليمان الخثعمي كوفي ثقة (٣) . ولفظ ابن سليمان لم يذكره الشيخ ، فاحتمال المغايرة بين الرجلين ممكن ، إلّا أنّه بعيد ، ولا يبعد ترجيح قول النجاشي علىٰ تقدير الاتحاد . وفي الخلاصة محمد بن يحيىٰ ابن سليم في نسخة ، وفي اُخرىٰ ابن سليمان (٤) . وابن داود حكم بالتعدد فذكر الرجلين (٥) ، ولا يخفىٰ عليك الحال .

والثالث : لا ارتياب فيه بعد ما قدّمناه .

والرابع : فيه أن الطريق إلىٰ علي بن الحكم غير مذكور في المشيخة ، واحتمال البناء علىٰ الإسناد السابق ـ كما هي عادة الكليني ـ لا يخلو من إشكال ، لعدم سلوك الشيخ هذا الطريق ، بل حكم الوالد قدس‌سره بأنّ الشيخ لم يتنبّه لعادة الكليني ، فوقع له في التهذيب والاستبصار ما يوهم قطع كثير من الأخبار بسبب الغفلة ، كما يعلم من ممارسة الكتابين .

وربما ينظر في هذا باحتمال كون الشيخ اعتمد علىٰ المعلوميّة ، إلّا أنّ المعلوم من عادة الشيخ عدم اتباع ما فعله الكليني رحمه‌الله وفي الظن أنّ الحديث من الكافي ، وأتىٰ به الشيخ علىٰ نهج ما فيه ، إلّا أنّه لم يحضرني الآن لأعلم حقيقة الحال .

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٢) راجع ص ١٣٠ وج ١ : ١٨٢ ، ٢٨٦ .

(٣) رجال النجاشي : ٣٥٩ / ٩٦٣ .

(٤) خلاصة العلّامة : ١٥٨ / ١١٩ .

(٥) رجال ابن داود : ١٨٦ / ١٥٢٩ ، ١٥٣١ .


[ والخامس ] (١) لا ارتياب فيه ، والنضر هو ابن سويد ؛ وابن سنان عبد الله لما قدّمناه غير مرة .

[ والسادس ] (٢) أيضاً لا شبهة فيه .

المتن :

في الأوّل : موافق لما يقوله بعض أهل الخلاف ، فقد وجدت في عبارة بعضهم ما هذه صورته : وأكثر النفاس ستّون يوماً وأغلبه أربعون يوماً (٣) . ويؤيّد ذلك أنّ الراوي منهم ، وحينئذ لا سبيل إلىٰ احتمال ما ذكره الشيخ غير التقية .

وأمّا الثاني : فلا يبعد فيه الحمل علىٰ التقيّة لكن فيه معها نكتة ، وهو أنّه يتمشّىٰ (٤) علىٰ مذهبنا ، لأنّ ما بين الأربعين والخمسين يصدق علىٰ العشرة والعادة ، وقوله : « كما كانت تكون مع ما مضىٰ من أولادها » كأنّه إغماض عن الجواب تفصيلاً بالإجمال ، فلمّا أراد السائل البيان أتىٰ الجواب ثانياً بما ذكر .

وقوله : « وما حرمت » هو في النسخة التي رأيتها ، لكن في التهذيب : « وما جرّبت » ولعلّه الصواب ، وإن كان فيه أيضاً نوع حزازة .

والثالث : واضح الدلالة لكن حمله علىٰ غير ذات العادة أو علىٰ المبتدأة ممكن ، وحمل الشيخ علىٰ التقية ممكن إن ثبت قولهم بذلك ، وهو‌

__________________

(١) في النسخ : والرابع ، والصواب ما أثبتناه .

(٢) في النسخ : والخامس ، والصواب ما أثبتناه .

(٣) المغني لابن قدّامة ، نقله عن الشافعي ١ : ٣٩٢ ، ٣٩٣ .

(٤) في « رض » يمشي ، وفي « د » : لا يتمشىٰ .


أعلم به . أمّا الوجه الثالث من الحمل ففي غاية البعد .

والرابع : تقرب فيه التقية كما ذكره الشيخ .

والخامس : كالثالث لكن المغايرة في العدد لا يخلو من إشكال ، ولعل اليوم الزائد يحمل علىٰ رجحان الاستظهار .

والسادس : يؤيّد الثالث ، ويدل صريحاً علىٰ أنّ استظهار النفساء بيوم أو يومين ، وربما يؤيّد ما قلناه في الخامس من احتمال كون اليوم للاستظهار ، فليتأمّل .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما قاله الشيخ ( في الجمع لا يخلو من ) (١) نظر .

امّا أوّلاً : فلأنّه قد تقدّم منه ما يقتضي عدم ردّ الخبر مع المعارضة إذا أمكن حمله علىٰ وجه من الوجوه ، وهنا ذكر وجهين للحمل .

وأما ثانياً : فما ذكره : من أن الأخبار المتقدّمة مجمع علىٰ متضمنها ، لأنه لا خلاف في أن أيّام الحيض في النفاس معتبرة ، وإنّما الخلاف فيما زاد ، إلىٰ آخره ، محل بحث .

أما أوّلاً : فلأن الإجماع إن اُريد به حصول الاتفاق من الجميع عليها حتىٰ من قال بالثمانية عشر ، ففيه : أنّ القائل بالثمانية لا يوافق علىٰ أيّام الحيض مطلقاً ، بل في ضمن الثمانية عشر ؛ وإن اُريد بالإجماع ما يتناول الدخول في الضمن فلا نسلّم أنّ ما بُيّن في غير موضع : من ترجيح المجمع عليه ( علىٰ غيره . يتناوله ، فإنّ المتبادر من ترجيح المجمع عليه ) (٢) ما انعقد الإجماع علىٰ خصوصه ، ولو تمحّل قائل إنّ ما دخل في الضمن لا يخرج

__________________

(١) في « رض » : من الجمع محلّ .

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض » .


عن القاعدة ، للمشاركة في العلّة ، توجه المنع إلىٰ دليله كما لا يخفىٰ .

والعجب من الشيخ أنّه في التهذيب قال : المعتمد في هذا أنّه قد ثبت أن ذمّة المرأة مرتهنة بالصلاة والصيام قبل نفاسها بلا خلاف ، فإذا طرأ عليها النفاس يجب أن لا يسقط عنها ما لزمها إلّا بدلالة ، ولا خلاف بين المسلمين أنّ عشرة أيّام إذا رأت المرأة الدم من النفاس ، وما زاد علىٰ ذلك مختلف فيه ، فيجب (١) أن لا تصير إليه إلّا بما يقطع العذر ، وكلّما ورد من الأخبار المتضمنة لما زاد علىٰ عشرة أيّام فهي أخبار آحاد لا تقطع العذر ، أو خبر خرج ( علىٰ سبب التقيّة (٢) ) (٣) .

وفي هذا الكتاب كما ترىٰ جعل الإجماع علىٰ الرجوع إلىٰ عادة الحيض .

وقد تكلّمنا في حاشية التهذيب علىٰ ما ذكره فيه بما حاصله : إنّ ثبوت الصلاة في الذمّة بعد دلالة الأخبار محلّ تأمّل ، إلّا أن يقال : إنّ اختلاف الأخبار يقتضي عدم الخروج عن شغل الذمة ، وفيه : أنّ يقين شغل الذمّة قبل النفاس لا ريب فيه ، أمّا بعد حصول النفاس فلا يقين .

فإن قلت : بعد النفاس المحقّق وهو عادة الحيض والعشرة لا ريب في الخروج عن اليقين ، أمّا بعد ذلك فلا .

قلت : إذا اعترفت بخروج اليقين يحتاج عوده إلىٰ دليل ، والإجماع علىٰ العشرة ـ كما في التهذيب ـ وعلىٰ الرجوع إلىٰ عادة الحيض ـ كما هنا ـ ليس علىٰ الاختصاص ، وإذا كان كذلك لا يتمّ المطلوب ، إلّا أن يقال : إنّ‌

__________________

(١) في المصدر : فينبغي .

(٢) في « رض » : علىٰ سبيل التقيّة ، وفي المصدر : عن سبب أو للتقيّة .

(٣) التهذيب ١ : ١٧٤ ، ١٧٥ .


الأصل يجب العمل به دائماً ، إلّا ما خرج بالدليل . وفيه كلام .

وبالجملة : فللقول مجال واسع في مثل هذا المقام .

وأمّا ثالثاً : فما ذكره من أنّ الأخبار خرجت علىٰ سبب ، إلىٰ آخره ، فيه : أنّ ظاهر الأخبار أكثرها خلاف ذلك ، فإنّ خبر محمد بن مسلم المتضمّن أنّ النفساء تقعد ثلاثين [ أو ] أربعين يوماً إلىٰ خمسين ، بمعزل عن توجيه الشيخ ، وكذلك غيره .

نعم قضية أسماء بنت عميس ربما يمكن الاحتمال في الخبر الدال عليها ، وإن كان للكلام فيه مجال أيضاً .

وقد ذكر بعض الأصحاب وجوهاً للحمل ، أحدها : ما ذكرناه أوّلاً من حمل أخبار الثماني عشرة علىٰ غير المعتادة وإبقاء الأخبار المتضمنة للرجوع إلىٰ العادة علىٰ ظاهرها .

وثانيها : الحمل علىٰ التخيير بين الأعداد .

وثالثها : حمل أخبار الثماني عشرة علىٰ ما إذا بقي الدم بصفة دم النفاس إلىٰ تلك الغاية ، وأخبار الرجوع إلىٰ العادة علىٰ ما إذا تغير عن تلك الصفة (١) .

والأوّل له نوع وجه .

وما يقال : من أن الأوّل مستلزم لحمل أخبار الثمانية عشر علىٰ الفرد النادر ، ولا يخلو من إشكال .

ففيه : أنّ مثل هذا لا يصلح لردّ وجه الجمع .

وما يقال أيضاً علىٰ الثاني : من أنّه يستلزم التخيير بين فعل الصلاة

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٦٩ .


وعدمه ، اُجيب عنه : بأنّه وارد في أيّام الاستظهار (١) . وفيه ما قدّمناه من إمكان التوجيه في الاستظهار ، فلا وجه للاقتصار علىٰ النقض (٢) ، علىٰ أنّ الاستظهار قد تحقق في الأخبار حكمه بخلاف النفاس ، فإنّ التخيير مجرّد احتمال ، فلا يمكن تنظيره بما وقع الإتفاق عليه ، إلّا أن يقال : إنّ ما ذكر للاستئناس بالحكم ، فتأمّل .

وقد نقل العلّامة في المختلف عن الشيخ وعلي بن بابويه ( وجماعة ) (٣) القول بأنّ أكثر النفاس عشرة ، وعن المرتضىٰ أنّه ثمانية عشر يوماً ، وكذلك عن غيره (٤) . والشيخ كما ترىٰ مذهبه هنا الرجوع إلىٰ الحيض علىٰ الإطلاق ، لكن في تحقق المذهب هنا تأمّل ، وبتقديره فالظاهر أنّ الشيخ لا يقول بالرجوع إلىٰ الحيض مطلقاً ، إذ لا يتصوّر إلّا في ذات الحيض ، والشيخ أعلم بمراده .

قال :

والذي يدل علىٰ هذا المعنىٰ :

ما أخبرني به الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه رفعه قال : سألت امرأة أبا عبد الله عليه‌السلام ( فقالت : إنّي كنت أقعد في نفاسي عشرين يوماً حتىٰ أفتوني بثمانية عشر يوماً ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام ) (٥) : « ولِمَ أفتوك

__________________

(١) لم نعثر عليه .

(٢) في النسخ : النقص ، والظاهر ما أثبتناه .

(٣) ما بين القوسين زيادة من « رض » .

(٤) المختلف ١ : ٢١٥ .

(٥) ما بين القوسين ليس في « فض » .


بثمانية عشر يوماً ؟ » فقالت : للحديث الذي روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لأسماء بنت عميس حين نفست بمحمد بن أبي بكر ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إنّ أسماء سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أتىٰ لها ثمانية عشر يوماً ، ولو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل وتفعل كما تفعله المستحاضة » .

وقد استوفينا ما يتعلق بهذا الباب في كتابنا الكبير فمن أراده وقف عليه من هناك .

وما روي من الاستظهار للنفساء بيوم أو يومين ، المعنىٰ فيه ما ذكرناه في حكم المستحاضة من أنّها تعتبره إذا كانت عادتها في الحيض أقل من عشرة أيّام ، فإذا بلغت عشرة فلا استظهار .

وما روي أنّها تستظهر بمثل ثلثي أيّامها أيضاً مثل ذلك إذا كانت عادتها خمسة أيّام أو ستّة أيّام ، وكذلك ما قيل : إنّها تستظهر بمثل ثلثي أيام نفاسها ، وكل ذلك أوردناه في كتابنا الكبير وبيّنا الوجه فيه .

فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن عبدوس ، عن الحسن (١) بن علي ، عن المفضل بن صالح ، عن ليث المرادي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن النفساء كم حدّ نفاسها حتىٰ يجب عليها الصلاة وكيف تصنع ؟ فقال : « ليس له حدّ » .

فالوجه في هذا الخبر أنّه ليس له حدّ معيّن لا يجوز أن يتغير أو يزيد أو ينقص ، لأنّ ذلك يختلف باختلاف أحوال النساء وعادتهن في الحيض وليس ها هنا أمر يُتفق عليه يَتفق كلّهن فيه .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٥٤ / ٥٣٣ : الحسين .


السند‌ :

في الأوّل : مرفوع .

والثاني : فيه أحمد بن عبدوس وقد ذكره النجاشي (١) والشيخ في الفهرست مهملا (٢) ، وكذلك ذكره الشيخ في رجال من لم يرو عن الأئمّة عليهم‌السلام (٣) ، لكن ربما يستفاد جلالة قدره من كونه معدوداً من شيوخ الصدوق ، والظاهر أنّه لا فرق بينه وبين شيوخ الإجازة فإمّا أن تقبل رواية الجميع أو تردّ .

و (٤) الحسن بن علي فيه اشتراك (٥) .

والمفضل بن صالح قد قدمنا فيه القول (٦) ، وأنّ العلّامة ضعّفه في الخلاصة (٧) .

وأمّا ليث المرادي فلا ريب في ثقته وجلالة قدره ، وما ورد في الكشي من الأخبار في ذمّه محمولة بتقدير صلاحيّتها للعمل سنداً ودلالةً علىٰ الخوف من أهل الخلاف كما في زرارة (٨) .

وما نقله في الخلاصة عن ابن الغضائري أنّه قال : ليث بن البختري

__________________

(١) رجال النجاشي : ٨١ / ١٩٧ .

(٢) الفهرست : ٢٤ / ٦٤ .

(٣) رجال الطوسي : ٤٥٣ / ٩١ .

(٤) في « فض » زيادة : في .

(٥) هداية المحدثين : ١٩٠ .

(٦) في ص ٣٤٧ ، ٣٩٥ .

(٧) خلاصة العلّامة : ٢٥٨ / ٢ .

(٨) رجال الكشي ١ : ٣٩٧ / ٢٨٥ ، ٢٩٣ .


المرادي يكنىٰ أبا محمد كان أبو عبد الله يتضجر به ويتبرّم وأصحابه يختلفون في شأنه ، ثم قال : وعندي أنّ الطعن إنّما وقع علىٰ دينه لا علىٰ حديثه (١) . ففيه : إنّ ابن الغضائري غير معلوم الحال ، وما قاله من الطعن في دينه يدفعه معتبر الأخبار الدالة علىٰ كمال شأنه .

وقد يستفاد من الرجال أنّ لليث كنيتين فيقال : أبو محمد ، وأبو بصير (٢) . وفي كتاب الشيخ أنّه يكنىٰ بأبي يحيىٰ (٣) علىٰ ما وجدت من النسخة ، والأمر سهل .

المتن :

لا يخفىٰ أنّه غير صالح لإثبات المطلوب عند غير الشيخ ، وللوالد قدس‌سره كلام في منتقىٰ الجمان (٤) متعلق بتحقيق هذا المبحث لا مزيد عليه ، فلا جرم كان الاكتفاء به أولىٰ من تكلّف القول ، وما أحسن ما قاله بعض محقّقي المتأخّرين رحمه‌الله من أنّ الإجمال في هذه المواضع أولىٰ ، إلىٰ أن يسهل الله تعالىٰ بالفرج (٥) ، فإنّ اختلاف الأخبار هنا واضطراب مدلولاتها غريب .

نعم ينبغي أن يعلم أنّ الحمل في الثمانية عشر علىٰ المبتدأة قد يشكل في قضية أسماء بنت عميس ، لأنّ أبا بكر تزوجها بعد جعفر بن أبي طالب ، وأقامت عند جعفر مدّة وولدت أولاداً ، ومن المستبعد أن لا تستقرّ لها عادة جميع تلك المدّة ، إلّا أنّ باب الإمكان واسع .

__________________

(١) خلاصة العلّامة : ١٣٧ .

(٢) كما في رجال بن داود : ٢١٤ / ٦ ، وخلاصة العلّامة : ١٣٦ / ٢ .

(٣) رجال الطوسي : ٢٧٨ / ١ .

(٤) منتقىٰ الجمان ١ : ٢٣٤ .

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٧٠ .


ثم إنّ الشيخ روىٰ في التهذيب أخباراً في قضيّة (١) أسماء (٢) يأبىٰ بعضها حمل الشيخ كما يعلم من مراجعة الأخبار . ( وما ذكره هنا في بقيّة الأخبار لا يخلو من وجه ، لا سيّما في الخبر الأخير ، ولا يبعد أن يكون الحال حال تقيّة أيضاً ، لأنّ السؤال تضمن عن حدّ النفاس وما تصنعه النفساء ، والظاهر من هذا أنّ مراد السائل ما يحرم عليها وما يحل لها ، والجواب بالإجمال لا يليق ، لولا حصول (٣) من يتقىٰ علىٰ التفصيل ) (٤) .

__________________

(١) في « رض » : قصّة .

(٢) التهذيب ١ : ١٧٨ ، ١٧٩ / ٥١٢ ـ ٥١٤ ، الوسائل ٢ : ٣٨٤ أبواب النفاس ب ٣ ح ٧ و ١٥ ، و ١٩ .

(٣) كذا ، والأنسب : حضور .

(٤) ما بين القوسين ليس في « فض » .


Description: إستقصاء الإعتبار الجزء الثاني


فهرس الموضوعات

أبواب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه

النوم                 ٥

إشارة إلىٰ أنّ محمد بن قولويه فيه تأمّل                              ٦

محمد بن عبيد الله لا يخلو من اشتباه                               ٦

كلمة حول تحقق الإجماع مع وجود المخالف                        ٦

ما اُورد على حديث زرارة في حصر الناقض في الخارج من الطرفين والنوم                                   ٦

ما اُجيب عن الإيرادات والمناقشة في الأجوبة                        ٧

ناقضية كلّ ما يذهب العقل  ٨

هل الخارج من غير الطرفين ناقض ؟                                ٨

رواية أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير مستبعدة            ٩

عمران بن موسى ثقة          ٩


بحث حول الحسن بن علي بن النعمان                             ٩

بحث حول عبد الحميد بن عواض                                ١٠

تحقيق منطقي في قوله عليه‌السلام : « لا ينقض الوضوء إلّا حدث والنوم حدث »                            ١٠

هل النوم ناقض في جميع الأحوال ؟                               ١٣

شعيب مشترك              ١٥

عمران بن حمران مهمل      ١٥

بكر بن أبي بكر الحضرمي مهمل                                 ١٥

علي بن الحكم هو الثقة إذا روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى     ١٥

بحث حول محمد بن الفضل ومحمد بن الفضيل                    ١٥

معنى الخفق                 ١٦

عبد الله بن بكير ثقة فطحي                                     ١٧

ما المراد بالقيام في قوله تعالىٰ : ( إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ) ؟    ١٧

هل الوضوء واجب نفسي ؟                                      ١٨

محمّد بن اسماعيل إذا روى عن محمد بن عذافر فهو ابن بزيع        ٢٠

معنى قوله عليه‌السلام : « إذا كان يوم الجمعة فلا وضوء عليه »         ٢٠

الديدان‏            ٢٢

عبد الله بن يزيد مشترك بين مهملين                              ٢٢

معنى : حَبّ القَرَع          ٢٣

القي‏ء              ٢٤

بحث حول غالب بن عثمان                                     ٢٦

روح بن عبد الرحيم ثقة      ٢٦

الحسن بن علي الكوفي هو ابن عبد الله بن المغيرة ثقة              ٢٦

بحث حول ابن مسكان « عبد الله » « محمد » « الحسن » « الحسين »                              ٢٦

حكم القرقرة في البطن       ٢٨


عدم ناقضية الضحك للوضوء                                    ٢٨

قول ابن الجنيد بناقضية الضحك                                 ٣٠

الرعاف            ٣٠

عمرو بن شمر ضعيف       ٣١

بحث حول جابر بن يزيد    ٣١

معنىٰ الدورق                ٣٣

معنىٰ المدّة                  ٣٣

طريق الشيخ في الفهرست إلى كتاب أيوب بن الحر غير سليم       ٣٥

طرق الشيخ في الفهرست إلىٰ كتب الرواة غير شاملة لسائر رواياتهم                                      ٣٥

الحسن بن علي بن بنت إلياس حسن                             ٣٦

ابو حبيب الأسدي مجهول  ٣٦

الضحك والقهقهة                                      ٣٨

بحث حول سالم أبي الفضل                                      ٣٩

بحث حول محمد بن سهل بن اليسع                              ٣٩

زكريا بن آدم ثقة            ٣٩

حصر النواقض في ما يخرج من الطرفين إضافي لا ينافي نقض غيره  ٣٩

هل ينقض الوضوء ما يخرج من غير السبيلين                       ٤٠

اشتراك محمد بن اسماعيل مع غيره من مشايخ الإجازة في عدم التنصيص بالتوثيق               ٤٠ ـ ٤١

معنى الناصور               ٤٢

توجيه الأخبار الدالّة على أنّ الضحك ينقض الوضوء              ٤٣

معنى القهقهة               ٤٣

إنشاد الشعر       ٤٤

معاوية بن ميسرة مهمل      ٤٥


القُبلة ومسّ الفرج                                     ٤٦

أحمد بن محمد الراوي عن أبان بن عثمان هو ابن أبي نصر         ٤٧

ابو مريم الأنصاري ثقة       ٤٧

قول ابن الجنيد بناقضية القبلة ومسّ الفرج للوضوء ، وجوابه         ٤٨

احتمالات في المراد بقوله عليه‌السلام في رواية الحلبي : « لا بأس »       ٤٨

مناقشة في حمل الشيخ الوضوء علىٰ غَسل اليد                    ٥٠

قول ابن بابويه بناقضية مسّ باطن الدبر ، وقول ابن الجنيد بناقضية مسّ ما انضمّ اليه الثقبان ، والجواب عنهما                            ٥١

حصر النواقض في الأخبار الدالّة عليه إضافي                      ٥١

دلالة موثّقة عمار على قول ابن بابويه ظاهرة                      ٥٣

المناقشة في جواب العلّامة عن حجّة ابن بابويه وابن الجنيد         ٥٤

مصافحة الكافر ومسّ الكلب                          ٥٤

أبو عبد الله الرازي الجاموراني ضعيف                              ٥٥

الحسن بن علي بن أبي حمزة واقفي رمي بالكذب                  ٥٥

عيسى بن عمر مجهول الحال                                     ٥٥

حكم مصافحة الكافر مع الرطوبة واليبوسة                        ٥٦

حكم مسّ الكلب والخنزير مع الرطوبة واليبوسة                    ٥٧

الريح يجدها الإنسان في بطنه                          ٥٨

أحمد بن هلال ضعيف      ٥٩

من هو الحسن بن علي الراوي عن أحمد بن هلال ؟               ٥٩

محمد بن الوليد مشترك بين ضعيف ومن فيه كلام                  ٥٩

حكم المذي والوذي                                   ٦١

عمر بن حنظلة غير معلوم الحال                                 ٦٢


محمد بن عيسى الأشعري غير موثّق                              ٦٢

معلى بن محمد مضطرب الحديث والمذهب                        ٦٣

عنبسة مشترك بين مهملين وثقة                                  ٦٣

هل يستفاد من خبر إسحاق بن عمار أنّ خبر الواحد لا يعوّل عليه ؟                                   ٦٤

معنى المذي                 ٦٤

رواية أحمد بن محمد عن ابن بزيع بلا واسطة لا مانع منه           ٦٦

دفع التنافي بين ما دل على عدم وجوب الوضوء للمذي وما أمر به                                     ٦٧

كلام الشيخ البهائي في أنّ خبر محمد بن إسماعيل يستفاد منه عدم لزوم قصد الوجه في الوضوء       ٦٨

هل الأمر في حديث محمد بن إسماعيل حقيقة في الوجوب ؟        ٦٩

موسى بن عمر بن يزيد الصيقل غير ثقة                          ٧٢

طريق الشيخ في الفهرست إلى موسى بن عمر بن بزيع              ٧٢

ابو سعيد المكاري مهمل     ٧٢

معاوية بن حكيم ثقة فطحي                                     ٧٢

علي بن الحسن بن رباط ثقة                                     ٧٢

عبد الله بن يحيى الكاهلي ممدوح                                  ٧٣

معنى المذي                 ٧٣

دلائل عدم ناقضية المذي والمناقشة فيها                           ٧٤

قول ابن أبي عمير : عن غير واحد ، لا يقتضي صحّة المرسلة       ٧٦

الطاطري ثقة واقفي         ٧٦

من هو ابن رباط ؟          ٧٦

حكم الودي والوذي        ٧٧

ليس في المذي وضوء وإن كان بشهوة                             ٧٧

معنى الوَدي والوَذي         ٧٨

بحث حول طرق الشيخ إلىٰ الحسن بن محبوب                     ٧٩

ابن سنان الراوي عن أبي عبد الله عليه‌السلام هو عبد الله                ٨٠

عبد الملك بن عمرو غير معلوم التوثيق                            ٨٠


وجه الجمع بين ما دل على وجوب الوضوء من الوَدي وما يعارضه                                      ٨٠

كيفية الاستبراء في خبر عبد الملك بن عمرو مجملة                 ٨١

معنى الدَرّ والخرط والغمز والسوق                                 ٨١

الوَذْي مع الاستبراء لا ينقض الوضوء                             ٨٣

حكم الوَذي من حيث الطهارة والنجاسة                         ٨٣

معنى الحِبال والحبائل  ٨٣ ـ ٨٤

مسّ الحديد       ٨٤

من هو محمد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني ؟                ٨٥

استحباب مسح الموضع بالماء لمن قصّ أظفاره أو حلق بالحديد     ٨٦

معنى التقليم                ٨٨

معنى الجزّ                   ٨٨

بحث حول شذوذ ما دل على نجاسة الحديد وإعادة الصلاة من مسّه                                    ٨٩

شرب ألبان البقر والإبل وغيرهما                       ٩١

إشارة إلى حال سليمان بن خالد                                 ٩٢

لا منافاة بين ما دلّ على نفي الوضوء من شرب اللبن وما أمر بغسل اليد منه                       ٩٢ ـ ٩٣

الأغسال المفروضات والمسنونات

وجوب غُسل الجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس    ٩٣

بحث حول أبي بكر الحضرمي                                    ٩٤

عمرو بن إلياس ثقة         ٩٥

محمد بن شهرآشوب حاله غير معلوم                             ٩٦

ما المراد بالوضوء في قوله عليه‌السلام في خبر أبي بكر الحضرمي : « توضّأ وضوء الصلاة ثم اغتسل » ؟              ٩٧

الاستدلال بخبر أبي بكر الحضرمي علىٰ أنّ الغسل واجب لنفسه والمناقشة فيه                            ٩٨


الاستدلال بخبر سماعة على أنّ المستحاضة المتوسطة عليها غسل واحد                                  ٩٨

بحث حول محمد بن عبد الله بن زرارة                           ١٠٠

بحث حول أبي بصير       ١٠١

ما المراد بقوله عليه‌السلام : غسل الإحرام فرض ؟                     ١٠٥

هل يجوز استعمال لفظ الفرض في الوجوب وغيره ؟              ١٠٦

هل السؤال في قوله : عليها غسل مثل غسل الجنب ، عن الوجوب أو الكيفية ؟                 ١٠٧

بحث حول الحسن بن الحسين اللؤلؤي                           ١٠٩

ما المراد بأحمد بن محمد الراوي عن سعد بن أبي خلف ؟         ١١١

سعد بن أبي خلف ثقة    ١١١

علي بن خالد كان زيدياً ثم رجع                                ١١١

بحث حول محمد بن الوليد الخزاز                               ١١١

توجيه قوله عليه‌السلام : « ليس على النفساء غسل في السفر »       ١١٢

وجوب غسل الميت وغسل من مسّ ميتاً             ١١٣

القاسم الصيقل مهمل     ١١٤

توجيه صاحب المدارك لقوله عليه‌السلام : « إنّما يمسّ الثياب » والمناقشة فيه                                ١١٥

استحباب الغسل لتكفين الميت                                 ١١٥

ما المراد بقوله عليه‌السلام : « فعل وجرت به السنّة » ؟               ١١٦

هل ينحصر موجب الغسل في مسّ جلد الميت ؟                ١١٦

هل يجب الغسل بمسّ القطعة المبانة من الميت ؟                  ١١٧

بحث في أنّ غسل مسّ الميت واجب أو مستحب                ١١٩

بحث حول السكوني       ١٢١

بحث حول عبد الرحمان بن أبي نجران                            ١٢٣

حكم ما إذا اجتمع ميت ومحدث وجنب ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم                            ١٢٤

الحسن التفليسي مهمل    ١٢٧


بحث حول الحسن بن النضر الأرمني                            ١٢٧

علي بن محمد القاساني ليس بثقة                               ١٢٧

محمد بن علي مشترك      ١٢٧

مناقشة في قول الشيخ بالتخيير بين الميت والجنب                ١٢٨

الأغسال المسنونة

القاسم بن محمد الجوهري واقفي غير موثق                       ١٣٠

علي بن أبي حمزة واقفي    ١٣٠

استحباب غسل الجمعة والفطر والأضحىٰ                       ١٣٠

معنى القُرّ                 ١٣٢

محمد بن عبد الله مشترك  ١٣٣

وجه إطلاق الوجوب على غسل الجمعة                         ١٣٣

محمّد بن سهل بن اليسع مهمل وأبوه ثقة ثقة                    ١٣٥

بحث حول جعفر بن عثمان وأخيه الحسين بن عثمان            ١٣٥

استحباب قضاء غُسل الجمعة بعد مضي وقته                   ١٣٨

الجنابة وأحكامها

خروج المني يوجب الغسل على كلّ حال             ١٣٩

طريق الشيخ إلى علي بن جعفر                                 ١٤٠

بحث حول اعتبار الأوصاف الثلاثة في المني                      ١٤١

معنى الفتور والشهوة       ١٤٣

المرأة إذا أنزلت وجب عليها الغسل في النوم واليقظة وعلى كلّ حال                     ١٤٤

بحث حول وجه عدم رواية احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب                   ١٤٦

كلمة في رواية الحسين بن سعيد عن حمّاد بن عثمان             ١٤٨


محمد بن عبد الحميد الطائي غير مذكور في الرجال بهذا الوصف                                      ١٤٨

محمد بن الفضيل مشترك بي ثقة وغيره                          ١٤٨

بحث حول شاذان بن الخليل                                   ١٤٨

يحيى بن أبي طلحة غير مذكور في الرجال                        ١٤٩

أحمد بن الحسين بن عبد الملك الأودي ثقة                      ١٤٩

أحمد بن عبدون من شيوخ الإجازة                              ١٤٩

بحث حول علي بن محمد بن الزبير                              ١٤٩

معاوية لا يخلو من اشتراك                                      ١٥٠

هل تعتبر الأوصاف في مني المرأة ؟                              ١٥٠

بحث حول عمر بن يزيد  ١٥٢

مناقشة في توجيه الشيخ لحديث عمر بن يزيد                    ١٥٦

هل يدل خبر عمر بن يزيد على عدم الوضوء مع غسل الجمعة ؟                                     ١٥٦

توجيهات لحديث محمد بن مسلم والمناقشة فيها                 ١٥٨

بحث حول عمر بن اُذينة                                      ١٦١

كلمة في رواية أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير بلا واسطة        ١٦٢

تفسير العدّة التي يروي عنها الكليني عن أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن محمد البرقي     ١٦٢

معنى الاحتلام             ١٦٤

معنى الإهراق              ١٦٤

بحث حول نوح بن شعيب                                     ١٦٦

أبو عبد الله الشاذاني محمد بن نعيم غير معلوم الحال             ١٦٧

كلمة في رواية أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل بن بزيع      ١٦٧

التهافت في خبر عبيد بن زرارة                                  ١٦٨

معنى الفرج                ١٦٩

التقاء الختانين يوجب الغسل                         ١٦٩

هل الإدخال الموجب للغسل والمهر والرجم عام للقبل والدبر ؟    ١٧٠


بحث في أنّ غسل الجنابة واجب نفسي أم غيري ؟               ١٧١

بحث حول أبان بن عثمان                                     ١٧٧

بحث حول عنبسة بن مصعب                                  ١٧٨

بحث حول الحسين بن أبي العلاء                               ١٧٩

الحصر في قوله عليه‌السلام : « كان علي عليه‌السلام لا يرى الغسل الّا في الماء الأكبر » إضافي                    ١٨٠

العبّاس هو ابن معروف أو ابن عامر                            ١٨١

حسين بن عثمان مشترك بين ثقتين                             ١٨١

هل تعتبر أوصاف المني بالنسبة إلى المريض ؟                     ١٨٢

كلمة في رواية محمد بن علي بن محبوب عن موسى بن جعفر بن وهب                                ١٨٤

موسى بن جعفر بن وهب غير ثقة                              ١٨٤

داود بن مهزيار مهمل     ١٨٤

علي بن إسماعيل مجهول    ١٨٤

هل يعتبر الدفق في المريض ؟                                   ١٨٥

معنى الهون والهُوَينا         ١٨٦

الرجل يرىٰ في ثوبه المني ولم يذكر الاحتلام         ١٨٦

بحث حول علي بن السندي                                   ١٨٧

حكم ما إذا وجد المني في الثوب المشترك                        ١٨٨

الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج فينزل هو دونها                                     ١٨٩

إحتجاج العلّامة لوجوب الغسل في الوطء في الدبر بدون الإنزال والمناقشة فيه                          ١٩٢

هل يردّ الشيخ الخبر بالإرسال مطلقا ؟                          ١٩٧

حفص بن سوقة ثقة       ١٩٨

ادّعاء السيّد المرتضى الإجماع على عدم الفرق بين الفرجين في وجوب الغسل                    ١٩٨

الاستدلال لوجوب الغسل بوطء الغلام بالإجماع المركّب والمناقشة فيه                                  ١٩٩


الجنب لا يمسّ الدراهم عليها اسم اللّه تعالىٰ        ٢٠١

كلمة حول إسحاق بن عمار                                  ٢٠٢

الجنب لا يمسّ المصحف                           ٢٠٣

بحث حول الحسين بن المختار                                  ٢٠٤

بحث حول جعفر بن حكيم                                    ٢٠٥

جعفر بن محمد بن أبي الصباح لم يوجد في الرجال               ٢٠٥

بحث حول إبراهيم بن عبد الحميد                              ٢٠٥

مسّ المصحف للمحدث حرام أو مكروه                        ٢٠٥

حال الحسين بن المختار عند العلّامة                            ٢٠٧

معنىٰ المسّ                ٢٠٩

الجنب والحائض يقرءان القرآن                      ٢٠٩

النضر بن شعيب غير مذكور في الرجال                         ٢١٠

بحث حول عبد الغفّار الجازي                                  ٢١٠

التوجيه الأوّل لخبر سماعة والمناقشة فيه                           ٢١٣

التوجيه الثاني لخبر سماعة والمناقشة فيه                           ٢١٤

حكم قراءة العزيمة للحائض والجنب                             ٢١٦

الجنب يدهن ويختضب وكذلك الحائض             ٢١٩

‏بحث حول القاسم بن محمد الجوهري وأبي سعيد                 ٢٢٠

عبد الله بن بحر ضعيف مرتفع القول                            ٢٢١

بحث حول عامر بن جذاعة                                    ٢٢١

حكم الجنب يختضب والمختضب يجنب                         ٢٢٣

معنى الاختضاب          ٢٢٤


أبو المغرا اسمه حميد بن المثنّى                                    ٢٢٥

محمد بن الحسن بن علّان لم يذكر في الرجال                    ٢٢٥

بحث حول جعفر بن محمّد بن يونس                           ٢٢٦

وجه الجمع بين الأخبار الناهية عن اختضاب الجنب والمجوّزة لذلك                                    ٢٢٦

معنى الوَضَح              ٢٢٨

الجنب هل عليه مضمضة واستنشاق أم لا ؟          ٢٢٨

موسى بن سعدان ضعيف                                      ٢٢٩

بحث حول أبي يحيى الواسطي                                   ٢٢٩

الحسن بن راشد ضعيف  ٢٢٩

بحث في ضمير « عنه » في قول الشيخ : عنه عن علي بن الحكم                                     ٢٣٠

الأخبار النافية للمضمضة والاستنشاق عن الجنب محمولة على نفي الوجوب                  ٢٣٠

كلمة حول أبي بصير يحيى بن القاسم                           ٢٣٢

هل الأمر بالمضمضة والاستنشاق في خبر أبي بصير للوجوب أو للاستحباب ؟                         ٢٣٣

اختصاص خبر أبي بصير وزرارة بالغسل المرتب            ٢٣٣ ـ ٢٣٤

حكم غَسل اليدين عند غُسل الجنابة                           ٢٣٥

هل المراد بقوله عليه‌السلام : « امسسته الماء » إمرار اليد أو جريان الماء ؟                                  ٢٣٥

عدم الترتيب بين الرأس والأعضاء في خبر زرارة                   ٢٣٦

وجوب الاستبراء من الجنابة بالبول قبل الغسل       ٢٣٧

كلمة في رواية أحمد بن محمد بن عيسى عن عبد الله بن مسكان                                      ٢٣٩

بحث حول سليمان بن خالد                                   ٢٣٩

معاوية بن ميسرة ليس بثقة                                     ٢٤٠

عدم دلالة الأخبار علىٰ وجوب البول قبل الغسل         ٢٤٠ ـ ٢٤١

الإجمال في قوله عليه‌السلام : « . . . إنّما هو ماء الرجل »            ٢٤٢


حكم البلل الخارج بعد الغُسل                                  ٢٤٣

حكم الصلاة التي صُلّيت بين الغسل ورؤية البلل                 ٢٤٤

عبد الله بن هلال مجهول  ٢٤٧

أبو جميلة ضعيف          ٢٤٧

بحث حول علي بن السندي                                   ٢٤٧

أحمد بن هلال ضعيف     ٢٤٧

توجيه خبر عبد الله بن هلال                            ٢٤٧ ـ ٢٤٨

توجيه خبر زيد الشحام    ٢٤٨

إعادة الغسل لتارك البول والاستبراء                             ٢٥٠

إعادة الوضوء لمن بال فاغتسل ثمّ وجد بللاً                      ٢٥٠

مقدار الماء الذي يجزئ في غسل الجنابة والوضوء  ٢٥٢

رواية علي بن محمد عن سليمان بن حفص لا يخلو من اشتباه    ٢٥٤

سليمان بن حفص مجهول                                      ٢٥٤

إشارة إلى حال موسى بن عمر                                 ٢٥٤

بحث حول محمد بن عيسى الأشعري                           ٢٥٥

إشارة إلى حال محمد بن أبي حمزة                               ٢٥٥

جملة : كان يفعل كذا ، تدل على المداومة                       ٢٥٥

استحباب الوضوء بمدٍّ والغسل بصاع                            ٢٥٥

تفسير الصاع والمدّ         ٢٥٦

غياث بن كلوب غير ممدوح                                    ٢٦٠

بحث حول يزيد بن إسحاق                                    ٢٦٠

هارون بن حمزة ثقة        ٢٦٠

عدم إجزاء مثل الدهن إلّا مع الجريان ولو بمعاون                 ٢٦١

وجوب الترتيب في غسل الجنابة                     ٢٦٢

أحمد بن محمد الراوي عنه الحسن بن سعيد هو ابن أبي نصر      ٢٦٣


إشارة إلى علي بن إسماعيل                                     ٢٦٣

قول الميرزا محمد باستحباب الترتيب والمناقشة فيه                 ٢٦٣

تحقيق حول الإجماع المنقول بخبر الواحد                         ٢٦٥

معنى الإفاضة             ٢٦٦

معنى سائر                ٢٦٦

المناقشة في توجيه الشيخ لخبر هشام بن سالم                    ٢٦٨

عدم وجوب الموالاة في الغسل                                  ٢٦٩

هل الوجه والرقبة داخلان في حقيقة الرأس ؟                     ٢٧٠

معنى الفسطاط والخِباء     ٢٧٠

هل الارتماس يقوم مقام الترتيب ؟                               ٢٧٢

هل يحصل الارتماس بالوقوف تحت المطر والمجرىٰ ؟               ٢٧٤

سقوط فرض الوضوء عند الغسل من الجنابة          ٢٧٦

عبد الحميد بن عواض ثقة                                     ٢٧٧

التعريف في قوله عليه‌السلام : « الغسل يجزئ عن الوضوء » ليس للعموم                                   ٢٧٨

حكم الوضوء مع غير غسل الجنابة                             ٢٨٠

بحث حول مراسيل ابن أبي عمير                                ٢٨٢

كلام صاحب المدارك حول أبي بكر الحضرمي                   ٢٨٤

توجيه خبر أبي بكر الحضرمي الدال على الوضوء مع غسل الجنابة                                     ٢٨٤

هل الوضوء مع غسل الجنابة بدعة ؟                            ٢٨٥

وجوب الوضوء مع غير غسل الجنابة                            ٢٨٦

موسى بن جعفر بن وهب مهمل                               ٢٨٨

بحث حول الحسن بن الحسين اللؤلؤي                           ٢٨٨

سليمان بن الحسن مجهول                                      ٢٨٨

توجيه العلّامة لمكاتبة محمد بن عبد الرحمان الهمداني والمناقشة فيه                                      ٢٨٩

توجيه العلّامة لموثقة عمّار والمناقشة فيه                          ٢٩٠


الأخبار المؤيّدة لسقوط الوضوء مع الغسل                       ٢٩١

كلام المحقق الاسترابادي في أنّ الوضوء قبل الغسل في غير الجنابة مندوب                   ٢٩٢

الجنب ينتهي إلىٰ البئر او الغدير وليس معه ما يغرف به الماء                             ٢٩٣

الاستدلال بحديث ابن أبي يعفور على نجاسة البئر بالملاقاة والمناقشة فيه                                ٢٩٣

ما هو المقتضي لنزح السبع باغتسال الجنب ؟                    ٢٩٦

بحث في أنّ عبد الله بن مسكان لم يسمع من الصادق عليه‌السلام إلّا حديث : « من أدرك المشعر . . . »                                    ٢٩٨

ظاهر حديث محمد بن عيسى عدم نجاسة القليل بالملاقاة        ٢٩٩

المناقشة في توجيه الشيخ لحديث محمد بن عيسى                ٣٠٠

أبواب الحيض والاستحاضة والنفاس

ما للرجل من المرأة إذا كانت حائضاً                 ٣٠٠

محمد بن علي الراوي عن محمد بن إسماعيل لا يبعد كونه ابن محبوب                                   ٣٠١

محمد بن إسماعيل كأنّه ابن بزيع                                 ٣٠١

بحث حول منصور بزرج    ٣٠٢

بحث حول عبد الكريم بن عمرو                                ٣٠٢

إسماعيل الذي يروي عن عمر بن حنظلة غير معلوم الحال         ٣٠٢

قول العلّامة بعدم تحريم ما عدا القبل والمناقشة فيه                ٣٠٣

معنىٰ الوقوب              ٣٠٤

بحث حول يعقوب بن سالم                                    ٣٠٦

توجيه الروايات الدالّة علىٰ حليّة ما فوق الإزار                   ٣٠٧

اقلّ الحيض وأكثره                                  ٣٠٩

بحث حول علي بن أحمد بن أشيم                              ٣١٠


النضر الراوي عنه الحسين بن سعيد هو ابن سويد                ٣١٠

أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة                                  ٣١١

استدلال العلّامة بحديث محمد بن مسلم على أنّ أقلّ الطهر عشرة                                    ٣١١

هل يشترط التوالي في الثلاثة ؟                                  ٣١٢

معنى الحيض والاستحاضة                                      ٣١٧

توجيه رواية عبد الله بن سنان الدالّة على أنّ أكثر الحيض ثمانية  ٣١٨

أقلّ الطهر       ٣١٩

معنى قوله عليه‌السلام : « فمازاد » في حديث محمد بن مسلم         ٣١٩

معنى القرء                ٣٢٠

بحث حول يونس بن يعقوب                                   ٣٢٢

السندي بن محمد ثقة      ٣٢٣

توجيه خبري يونس بن يعقوب وأبي بصير                       ٣٢٣

معنى الاستثفار            ٣٢٥

ما يجب على من وطىء امرأة حائضاً من الكفّارة     ٣٢٦

بحث حول الحسن بن علي الوشّاء                              ٣٢٨

حفص مشترك بين ثقة وغيره                                   ٣٢٩

يحيىٰ بن عمران الحلبي ثقة                                      ٣٢٩

بحث حول عبد الكريم بن عمرو وعبد الملك بن عمرو            ٣٢٩

بحث حول الطيالسي      ٣٣٠

بحث حول داود بن فرقد  ٣٣٠

مقدار كفّارة وطء الحائض                                     ٣٣١

معنى الدينار              ٣٣٣

معنى الشبع               ٣٣٤

أبو جميلة ضعيف          ٣٣٦

بحث حول محمد بن الحسن وأحمد بن الحسن                    ٣٣٦


توجيه الأخبار الدالة على عدم الكفّارة                          ٣٣٦

هل على الوطء في الدبر كفّارة ؟                               ٣٣٨

إجزاء التصدّق على عشرة مساكين عن الكفّارة                  ٣٣٨

بحث حول دعوى الإجماع علىٰ وجوب الكفّارة                  ٣٣٩

هل يجوز وطء المرأة إذا انقطع عنها دم الحيض قبل ان تغتسل أم لا ؟                   ٣٤٠

بحث حول أيوب بن نوح                                      ٣٤١

بحث حول عبد الله بن بكير                                   ٣٤٢

الاستدلال بقوله تعالىٰ : ( وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ) على جواز وطء الحائض بعد انقطاع الدم قبل الغُسل والمناقشة فيه                ٣٤٤

معنى الشبق والغُلمة        ٣٤٩

بحث حول علي بن أسباط                                     ٣٥١

سعيد بن يسار ثقة        ٣٥١

توجيه الروايات الناهية عن الوطء قبل الغُسل                    ٣٥٢

المرأة ترىٰ الدم أوّل مرّة وتستمرّ بها                  ٣٥٥

حسن بن علي الراوي عن عبد الله بن بكير إمّا ابن فضّال وإمّا الوشّاء                                 ٣٥٦

حكم المبتدأة التي استمرّ بها الدم                               ٣٥٧

هل تتخيّر بين الستّة والسبعة من كلّ شهر ؟                    ٣٥٩

محمد بن حمران ثقة        ٣٦١

رجوع المبتدأة إلى نسائها  ٣٦١

الحُبلى ترى الدم                                     ٣٦٣

بحث حول عبد الله بن سنان ومحمد بن سنان                   ٣٦٤

أبو بصير الذي يروي عنه شعيب العقرقوفي هو الضعيف          ٣٦٧

بحث حول عبد الرحمان بن الحجاج                             ٣٦٧

الحيض يجامع الحمل       ٣٦٧


معنىٰ الهراقة               ٣٦٨

علي بن الحكم الذي يروي عنه أحمد بن محمد بن عيسى هو الثقة                                    ٣٧١

حميد بن المثنى هو أبو المغرا ثقة                                 ٣٧٢

توجيه ما دلّ على أنّ الحيض لا يجامع الحمل                    ٣٧٢

استدلال الشهيد برواية الحسين بن نعيم على أنّ الاعتبار في قلّة الدم وكثرته بأوقات الصلاة والمناقشة فيه                             ٣٧٦

استدلال الشهيد برواية الحسين علىٰ أنّ المتوسطة عليها غسل واحد والمناقشة فيه              ٣٧٧

هل الاستحاضة حدث كغيره من الأحداث ؟                   ٣٧٩

أبو المغرا ثقة              ٣٨٣

بحث حول رواية الحسين بن سعيد عن زرعة وفضالة              ٣٨٣

توجيه الشيخ لموثقة إسحاق بن عمّار والمناقشة فيه               ٣٨٤

مقتضىٰ خبر إسحاق عدم الواسطة بين الدم العبيط والصفرة      ٣٨٥

معنىٰ العُبطة               ٣٨٥

الحائض تطهر عند وقت الصلاة                     ٣٨٥

بحث حول الحجّال        ٣٨٧

ثعلبة الراوي عن معمر بن يحيى هو ابن ميمون                   ٣٨٧

معمر بن يحيى الذي يروي عنه ثعلبة بن ميمون هو الثقة          ٣٨٧

بحث حول الفضل بن يونس                                   ٣٨٧

هل الاعتبار بالطهر عند وقت الفضيلة أو وقت الإجزاء ؟        ٣٨٨

معنى قوله عليه‌السلام : « فإن ضيّعت فعليها صلاتان »              ٣٩٠

محمد بن الربيع مشترك بين مهملين                             ٣٩١

يعقوب الذي يروي عنه محمد بن علي بن محبوب هو ابن يزيد    ٣٩٢

المناقشة في توجيه الشيخ لخبر منصور بن حازم                   ٣٩٢

المناقشة في توجيه الشيخ لخبر أبي همام                           ٣٩٣

طريق الشيخ إلىٰ علي بن الحسن مجهول                         ٣٩٤


محمد بن عبد الله بن زرارة لا يخلو من مدح                      ٣٩٤

محمد بن الفضيل مشترك بين ثقة وغيره                          ٣٩٥

أبو الصباح هو إبراهيم بن نعيم الثقة                            ٣٩٥

علي بن الحسن فطحي    ٣٩٥

بحث حول داود الزجاجي                                      ٣٩٥

محمد فطحي غير موثق    ٣٩٥

أبو جميلة ضعيف          ٣٩٥

المناقشة في توجيه الشيخ للأخبار الدالّة على أنّ الطهر قبل طلوع الفجر وغروب الشمس يقتضي صلاة العشائين والظهرين               ٣٩٦

كلام العلّامة في المسألة والمناقشة فيه                     ٣٩٦ ـ ٣٩٧

المرأة تحيض بعد أن دخل عليها وقت الصلاة       ٣٩٨

بحث حول محمد بن الوليد                                     ٣٩٨

شاذان بن الخليل مهمل    ٣٩٩

وجوب قضاء الظهر إن حاضت بعد مضي أربعة أقدام           ٣٩٩

كلام صاحب المدارك في وجوب قضاء الفرض الذي مضىٰ مقداره والمناقشة فيه              ٤٠١

أبو الورد مهمل           ٤٠٣

علي بن رئاب ليس في جلالته ارتياب                           ٤٠٣

ابن محبوب الراوي عن علي بن رئاب هو الحسن                 ٤٠٤

بحث حول أبي عبيدة      ٤٠٤

حكم المرأة التي صلّت من الظهر أو المغرب ركعتين ثمّ حاضت    ٤٠٥

المرأة تحيض في يوم من أيّام شهر رمضان            ٤٠٧

في عدّ السند المشتمل على مصدق بن صدقة وعمار بن موسى من الموثق تأمّل               ٤٠٨


عبد الرحمان بن أبي نجران وصفوان بن يحيى وعيص بن القاسم لا ارتياب في ثقتهم                 ٤٠٨

محمد بن حمران مشترك بين الثقة وغيره                          ٤٠٨

حكم الحائض إذا طهرت بعد طلوع الفجر في شهر رمضان      ٤٠٨

حكم الصائمة إذا طمثت                                      ٤٠٩

محمد بن حمران الذي يروي عنه علي بن أسباط هو الثقة         ٤١٠

توهّم الراوي ينافي ضبطه  ٤١٠

حكم الصائمة إذا طمثت بعد زوال الشمس                    ٤١١

المرأة الجنب تحيض ، عليها غسل واحد أم غسلان ؟                                   ٤١٢

محمد بن إسماعيل مشترك بين الثقة وغيره                        ٤١٣

تداخل الأغسال الواجبة والمندوبة والمختلفة وكيفية النيّة فيها       ٤١٤

إشارة إلى حال عثمان بن عيسىٰ                               ٤٢٣

عدم التنافي بين خبر سماعة والأخبار الدالّة على تداخل الأغسال                               ٤٢٣ ـ ٤٢٤

المناقشة في توجيه الشيخ لخبر سماعة                             ٤٢٤

يستفاد من خبر عمار أنّ غسل الجنابة بتقدير الوجوب النفسي موسّع                                 ٤٢٥

كلام العلّامة حول إجزاء غسل الجنابة والجمعة أحدهما عن الآخر والمناقشة فيه              ٤٢٦

مقدار الماء الذي تغتسل به الحائض                 ٤٢٧

بحث حول المثنىٰ الحنّاط    ٤٢٨

بحث حول الحسن الصيقل                                     ٤٢٩

محمد بن الفضيل مشترك بين الثقة والضعيف                    ٤٢٩

بحث في يعقوب بن يزيد  ٤٢٩

معنىٰ الفَرَق والفَرْق         ٤٣٠


الحيض والعدّة إلىٰ النساء                            ٤٣١

بحث حول إسماعيل بن أبي زياد                                 ٤٣٢

ظهور حديث زرارة على قبول قول المرأة في العدّة والحيض        ٤٣٢

توجيه ما دل على عدم قبول قول المرأة في العدّة والحيض         ٤٣٢

الاستظهار للمستحاضة                              ٤٣٣

بحث حول إسماعيل الجعفي                                    ٤٣٥

سعيد بن يسار ثقة        ٤٣٥

السند المشتمل على أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي جعفر عن ابن أبي نصر لا يخلو من تشويش                                   ٤٣٥

محمد بن خالد البرقي فيه كلام                                 ٤٣٦

محمد بن عمرو بن سعيد هو ابن الزيّات الثقة                   ٤٣٦

ما يستفاد من خبر إسماعيل الجعفي وسعيد بن يسار             ٤٣٦

كلام العلّامة في الاستظهار والمناقشة فيه                        ٤٣٨

هل الاستظهار على سبيل الوجوب أو الاستحباب ؟            ٤٤٠

عدد أيّام الاستظهار       ٤٤١

معنى الاستظهار           ٤٤٢

إشارة إلى أنّ يونس بن يعقوب فطحي ثقة                      ٤٤٣

بحث حول موسى بن الحسن                                   ٤٤٣

أحمد بن هلال ضعيف     ٤٤٤

داود مولىٰ أبي المغرا غير مذكور في الرجال                        ٤٤٤

توجيه ما دلّ على الاستظهار بعشرة أيّام                        ٤٤٤

أكثر أيّام النفاس                                     ٤٤٦

محمد بن أبي حمزة الراوي عن يونس بن يعقوب هو الثقة          ٤٤٨


محمد بن عمرو الراوي عن يونس هو الزيّات                     ٤٤٨

عمرو بن عثمان الذي يروي عنه علي بن الحسن هو الخزّاز الثقة                                      ٤٤٨

مالك بن أعين مهمل      ٤٤٨

النفساء ترجع إلى عادتها في الحيض                             ٤٤٩

كلام العلّامة في المسألة والمناقشة فيه                            ٤٤٩

الاستظهار للنفساء        ٤٥١

حكم النفساء التي مضى لها ثلاثون ليلة                         ٤٥٢

حكم الوطء في يوم الاستظهار                                 ٤٥٣

إشارة إلى محمد بن عيسى الأشعري                             ٤٥٥

حفص بن غياث عامي    ٤٥٥

إشارة إلى حال القاسم بن محمد                                ٤٥٦

بحث حول محمد بن يحيى الخثعمي                              ٤٥٦

طريق الشيخ إلى علي بن الحكم غير مذكور في المشيخة          ٤٥٦

توجيه الأخبار الدالّة علىٰ أنّ أكثر النفاس ثلاثون أو أربعون إلىٰ خمسين ، والمناقشة في توجيهات الشيخ لها                                ٤٥٧

توجيه ما دلّ على أنّ اكثر النفاس سبع عشرة أو ثماني عشرة أو تسع عشرة                            ٤٦٠

بحث حول أحمد بن عبدوس                                   ٤٦٣

الحسن بن علي مشترك    ٤٦٣

إشارة إلى ضعف المفضل بن صالح                              ٤٦٣

بحث حول ليث المرادي    ٤٦٣

توجيه ما دل على أنّه ليس للنفاس حدّ معيّن                    ٤٦٤

إستقصاء الإعتبار - ٢

المؤلف: الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
الصفحات: 488
ISBN: 964-319-174-5