


المقصد الثالث :
في إحياء الموات
______________________________________________________
قوله
: ( المقصد الثالث :
في إحياء الموات ).
قال في التحرير :
الموات : هو ما لا ينتفع به لعطلته ، إما لانقطاع الماء عنه ، أو لاستيلاء الماء
عليه إلى آخره.
وفي التذكرة :
الموات : هي الأرض الخراب الدارسة ، التي باد أهلها واندرس رسمها ، وتُسَمّى ميتةً
ومواتاً ومَوَتاً بفتح الميم والواو . فظاهر عبارة التذكرة يقتضي أنّ كون الأرض مواتاً لا يتحقق
إلا إذا اندرس رسمها ، فعلى هذا لو بقيت آثار الأنهار أو المروز لم تكن مواتاً.
وظاهر أكثر
العبارات أن كونها مواتاً دائر مع حصول العطلة عن الانتفاع.
والذي ينساق إليه
النظر أن موت الأرض معنى عرفي يرجع فيه إلى أهل العرف العام ، كما أن الإِحياء أمر
عرفي على الأصح ، خلافاً لبعض متأخري الأصحاب حيث عَدَّ التحجير إحياءً ، والسرُّ فيه أن
كل معنى لم يعيّنه الشارع ، ولم يميزه عن غيره بحيث يُستفاد شرعاً عند إطلاق اللفظ
الموضوع بإزائه ، فإن المرجع فيه إلى المعهود عند الناس المتعارف بينهم.
ومنه القبض ، فإنه
ورد في الشرع مطلقاً ، ولم يُنَصّ له على معنى ، فيرجع الفقهاء فيه إلى الاستعمال
المتعارف بين الناس ، وكذا الحرز ونظائره
__________________
المشتركات أربعة ،
ينظمها أربعة فصول :
الأول : الأراضي ، والميت منها يملك بالإِحياء ، ونعني بالميت :
ما خلا عن الاختصاص ،
______________________________________________________
فعلى هذا يرجع في
معنى موت الأرض إلى العرف ، والعرف يقتضي عدم اعتبار بقاء صورة الأنهار والسواقي ،
مع حصول العطلة واندراس أكثر رسوم العمارة وذهاب الملاك.
فإن قيل : بقاء ما
ذكر كافٍ في ثبوت الأولوية لمن يريد الإحياء ، فلا أقل من بقاء الأولوية.
قلنا : إنما اعتبرت
الأولوية بما ذكر ، لوجود اليد الحاصلة فعلاً ، المقترنة بعلامات قصد العمارة ،
فاعتبر الشارع سببيتها في الأولوية ثم لما قلنا من وجود المقارنات وهي منتفية هنا.
وبالجملة فإطلاق
النص بالإذن في تملك الموات بالإحياء مُنَزّل على مقتضى العرف ، ولا شبهة في اقتضاء
العرف في تسمية ما هذا شأنه مواتاً ، فإذا ثبتت الأولوية بالمرور ونحوها لمن يريد
العمارة لم يُعترض على أحدهما بالآخر.
قوله
: ( المشتركات أربعة
: تنظمها أربعة فصول : الأول : الأراضي ، والميت منها يملك بالإحياء ).
لا شك أن بحث
المياه استطرادي ، لعدم صدق اسم الموات عليها. ولقائل أن يقول : إنَّ هذا بعينه قائم في المعادن والمنافع.
وكيف كان فهي أقرب إلى صدق اسم الموات عليها من المنافع كالمساجد والطرق ، فإن
البئر والقناة إذا استولى عليهما الخراب والعطلة كانا أشبه شيء بالأرض الخراب ،
حيث لا يُنتفع فيما يراد منهما.
قوله
: ( ونعني بالميت ما
خلا عن الاختصاص ، ولا يُنتفع به
ولا ينتفع به إما
لعطلته لانقطاع الماء عنه ، أو لاستيلاء الماء عليه أو لاستيجامه ، أو لغير ذلك.
وهو للإمام خاصة ،
______________________________________________________
إما لعطلته ،
لانقطاع الماء عنه أو لاستيلاء الماء عليه ، أو لاستيجامه ، أو لغير ذلك ).
احترز بما خلا عن
الاختصاص عما كان مختصاً ، لكونه حريماً لعامر ، أو مقطعاً ، ونحو ذلك.
وقوله : ( ولا ينتفع به : إما لعطلته ).
لا معادل له ، فإن
جميع ما بعده لتحقيق العطلة ، فإنها تكون لكل واحد من الأمور المذكورة ، وكان
الأولى أن يقول : ولا ينتفع به لعطلته ، لانقطاع الماء عنه أو لاستيلاء الماء عليه
إلى آخره.
قوله
: ( وهو للإمام 7 خاصة ).
بإجماعنا ، في
صحيح أبي خالد الكابلي ، عن الباقر 7 قال : « وجدنا في كتاب علي 7( إِنَّ الْأَرْضَ
لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) أنا وأهل بيتي
الذين أورثنا الأرض ، ونحن المتقون والأرض كلها لنا ، فمن أحيا أرضاً من المسلمين
فليعمرها ، وليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها ، وإن تركها
أو خربها فأخذها رجل من المسلمين [ من بعده ] فعمّرها وأحياها فهو أحق بها من الذي
تركها ، فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي ، وله ما أكل حتى يظهر القائم 7 من أهل بيتي
بالسيف فيحويها ويخرجهم منها ، كما حواها رسول الله 6 ومنعها ، إلا ما كان في أيدي شيعتنا فيقاطعهم
__________________
لا يملكه الآخذ
وإن أحياه ما لم يأذن له الإمام فيملكه ـ إن كان مسلماً ـ بالإحياء ، وإلا فلا.
______________________________________________________
على ما في أيديهم
، ويترك الأرض في أيديهم » .
قوله
: ( لا يملكه الآخذ
وإن أحياه ، ما لم يأذن له الإمام 7 فيملكه إن كان مسلماً بالإحياء وإلا فلا ).
لا ريب أنه لا
يجوز لأحد إحياء الموات إلا بإذن الإمام 7 ، وهذا الحكم مجمع عليه عندنا ، وحديث ما وجد في كتاب علي 7 دال عليه فيشترط
إذنه في الإحياء ، وكذا يشترط كون المحيي مسلماً ، فلو أحياه الكافر لم يملك عند
علمائنا وإن كان الإحياء بإذن الإمام 7.
وفي الشرائع : لو
قيل يملكه مع إذن الإمام 7 كان حسناً . ويظهر من عبارة الدروس تنزيله على ما إذا أذن له في الإحياء
للتملك ، والعبارة مطلقة. والحق أن الإمام لو أذن له في الإحياء
للتملك قطعنا بحصول الملك له ، وإنما البحث في أن الإمام 7 هل يفعل ذلك أم
لا؟ نظراً إلى أن الكافر أهل له أم لا؟.
والذي يفهم من الأخبار
، وكلام الأصحاب العدم ، وليس مرادهم أن الإمام 7 يرخصه في التملك ثم لا يملّك قطعاً ، ولا يخفى أن اشتراط
إذن الإمام 7 إنما هو مع ظهوره ، أما في غيبته فلا ، وإلاّ لامتنع الإحياء.
__________________
وأسباب الاختصاص ستة :
الأول : العمارة ، فلا يملك معمور بل هو لمالكه ، وإن اندرست
العمارة فإنها ملك لمعيّن أو للمسلمين ،
______________________________________________________
وهل يملك الكافر
بالإحياء في حال الغيبة؟ وجدت في بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد على
القواعد في بحث الأنفال من الخمس : أنه يملك به ويحرم انتزاعه منه. وهو محتمل ،
ويدل عليه أن المخالف والكافر يملكان في زمان الغيبة حقهم من الغنيمة ، ولا يجوز
انتزاعه من يده إلاّ برضى. وكذا القول في حقهم : من الخمس عند من لا يرى إخراجه بل حق باقي الأصناف
المستحقين للخمس لشبهة اعتقاد حل ذلك ، فالأرض الموات أولى ، ومن ثم لا يجوز
انتزاع أرض الخراج من يد المخالف والكافر ، ولا يجوز أخذ الخراج والمقاسمة إلا
بأمر سلطان الجور ، وهذه الأمور متفق عليها.
ولو باع أحد أرض
الخراج صح باعتبار ما ملك فيها وإن كان كافراً ، فحينئذ فتجري العمومات ـ مثل قوله
7 « من أحيى أرضاً ميتة فهي له » ـ على ظاهرها في حال الغيبة ، ويقصر التخصيص على حال ظهور
الإمام 7 ، فيكون أقرب إلى الحمل على ظاهرها ، وهذا متجه قوي متين.
قوله
: ( وأسباب الاختصاص
ستة : الأول : العمارة ، فلا يملك معمور بل هو لمالكه ، وإن اندرست العمارة ).
المراد به ما جرى
عليه العمارة وإن خرب الآن ، وهو صريح قوله : ( وإن اندرست ).
قوله
: ( فإنها ملك
لمعيَّن أو للمسلمين ).
__________________
إلا أن تكون عمارة
جاهلية ولم يظهر أنها دخلت في يد المسلمين بطريق الغنيمة فإنه يصح تملكها
بالإحياء.
ولا فرق في ذلك
بين الدارين ، إلا أن معمور دار الحرب يملك بما يملك به سائر أموالهم
______________________________________________________
فإن العمارة أو
الأرض المعمورة لأن المعمور أرض فيعاد الضمير إليه مؤنثاً بتأويل الأرض. وكون الملك
لمعيّن من واحد وجماعة مخصوصين ظاهر ، وكونه للمسلمين يتحقق في المفتوحة عنوة ،
أما غيرها فإنها مع موت صاحبها المعين يكون حقاً لورثته ، ومع عدمهم لا تنتقل إلى
المسلمين ، بل إلى الإمام 7 ، كما صرح به الشيخ في المبسوط ، والمصنف في
التحرير والتذكرة .
قوله
: ( إلا أن تكون
عمارة جاهلية ولم يظهر أنها دخلت في أيدي المسلمين بطريق الغنيمة فإنه يصح تملكها
بالإحياء ).
لأنها إن علم
دخولها في أيديهم بطريق الغنيمة كانت ملكاً لجميع المسلمين ، سواء أخذت بالسيف أو
بالصلح ، على أن الأرض للمسلمين فلا يملكها المحيي بعد خرابها. أما إذا لم يعلم
ذلك فالأصل عدم استحقاق جميع المسلمين لها ، فيملكها المحيي لعموم « من أحياء
أرضاً ميتة فهي له » . وأراد بـ ( العمارة الجاهلية ) ما كان قبل أن تثبت يد
المسلمين على تلك الأرض.
قوله
: ( ولا فرق في ذلك
بين الدارين ، إلا أنّ معمور دار
__________________
ومواتها ، التي لا
يذب المسلمون عنها ، فإنها تملك بالإحياء للمسلمين والكفار ،
______________________________________________________
الحرب يملك بما
يملك به سائر أموالهم ).
المشار إليه بـ ( ذلك
) هو عدم جواز ملك المعمور وإن اندرست العمارة. ولا ريب أن المعمور في دار الحرب
تأتي فيه الأقسام الأربعة :
الأول : أن يكون
معموراً في الحال.
الثاني : أن لا
يجري عليه أثر العمارة ثم يخرب ومالكه موجود.
الثالث : أن يكون
كذلك ولا مالك له لانقراض المالك ووارثه.
الرابع : أن يكون
كذلك ولا يعرف له مالك.
ففي القسمين
الأولين الحكم بعدم حصول الملك بالعمارة ظاهر كما في دار الإسلام ، ولكن يملك ذلك
بما يملك به سائر أموال الكفار من القهر والغلبة وغير ذلك. وأما الثالث والرابع
فإن الأرض فيها للإمام 7 ، لا يجوز لأحد التصرف فيها إلا بإذنه عند علمائنا.
إذا تقرر هذا ،
فالمعمور في قول المصنف : ( إلا أن معمور دار الحرب ) : إما أن يريد به المعمور في
الحال ، أو ما جرت عليه العمارة.فإن أراد الأول دخل باقي الأقسام في حكم الموات ،
وليس بجيد ، وإن أراد الثاني شمل القسمين الأخيرين فيخرجان من حكم الموات ، وليس
بجيد أيضاً.
قوله
: ( ومواتها التي لا
يذب المسلمون عنها فإنها تملك بالإحياء للمسلمين والكفار ).
__________________
بخلاف موات
الإسلام فإن الكافر لا يملكها بالإحياء.
ولو استولى طائفة
من المسلمين على بعض مواتهم ففي اختصاصهم بها من دون الإحياء نظر ، ينشأ من انتفاء
أثر الاستيلاء فيما ليس بمملوك.
______________________________________________________
المراد : أن
الموات الذي لا يذب الكفار المسلمين عنه ولا يمنعونهم منه ، وهو في دار الحرب تملك
بالإحياء للكافر والمسلم ، لكن ينبغي أن يقيد إحياء المسلم له بكونه بإذن الإمام 7 ، لأن حكم موات
بلاد الكفار حكم موات بلاد الإسلام ، نعم ينبغي أن لا يشترط ذلك في حق الكافر ،
فيعتبر إحياؤه قبل الفتح كما يعتبر أصل أحيائهم للأرضين. ويمكن عدم اعتباره من دون
الإذن ، لأن الإحياء إنما يثمر الملك في من لم يكلف باستئذان الإمام 7 وهو من لم تبلغه
الدعوة ، أما من بلغته فلا.
وإطلاق عبارة
التذكرة يقتضي الاشتراط ، فإنه قال في أرض بلاد الكفار : وإن لم تكن معمورة فهي
للإمام 7 ، لا يجوز لأحد التصرف فيها إلا بإذنه عند علمائنا ، لكن يلزم على هذا أن لا
يجوز تملكها للكافر بالإحياء أصلاً كموات الإسلام ، فيظهر من هذا
أن مواتهم قبل الفتح إذا أحيوه ملكوه على كل حال والتحق بالمعمور.
قوله
: ( بخلاف موات
الإسلام فإن الكافر لا يملكها بالإحياء ).
لما قدمناه ، وهذا
دليل على عدم اعتبار الإذن في تملكه موات الكفار.
قوله
: ( ولو استولى
طائفة من المسلمين على بعض مواتهم ، ففي اختصاصهم بها من دون الإحياء ، نظر ، ينشأ
من انتفاء أثر الاستيلاء فيما ليس بمملوك ).
__________________
وكل أرض لم يجر
عليها ملك لمسلم فهي للإمام ، وما جرى عليها ملك مسلم فهي له وبعده لورثته ، وإن
لم يكن لها مالك معيّن فهي للإمام.
ولا يجوز إحياؤها
إلا بإذنه ، فإن بادر وأحياها بغير إذنه لم يملكها ،
______________________________________________________
فلا يفيد ملكاً ولا
اختصاصاً ، ويحتمل إفادته الملك في المعمور ، ففي الموات أولى ، ويحتمل إفادته
الاختصاص لأنه أبلغ من التحجير.
والاحتمالان
الأخيران ضعيفان ، لأن حصول الملك أو الاختصاص دائر مع حصول الأثر في الموات ، وهو
منتفٍ بناءً على أن في هذا البحث من أصله نظراً ، فإن الاستيلاء المذكور إما أن
يكون بإذن الإمام 7 ، فتكون الأرض مفتوحة عنوة ومواتها للإمام 7 ، أو بغير إذنه
فهو غنيمة من غزا بغير إذنه ، وقد نبه على ذلك شيخنا الشهيد . والاحتمالات
الثلاث للشافعية .
واعلم أن قوله : (
ولو استولى طائفة ... ) في مقابلة قوله : ( ومواتها التي لا يذب المسلمون عنها ...
) فإن المراد بالاستيلاء الأخذ بالغلبة والقهر.
قوله
: ( وكل أرض لم يجر
عليها ملك لمسلم فهي للإمام 7 ، وما جرى عليها ملك مسلم فهي له ، وبعده لورثته ، وإن لم
يكن لها مالك معين فهي للإمام 7 ، ولا يجوز إحياؤها إلا بإذنه ، فإن بادر وأحياها بغير
إذنه لم يملكها ).
المراد : أن كل
أرض من أراضي بلاد الإسلام ، لأن أراضي بلاد الكفر
__________________
فإن كان غائباً
كان أحق بها ما دام قائماً بعمارتها ، فإن تركها فبادت آثارها فأحياها غيره كان
الثاني أحق بها ، وللإمام بعد ظهوره رفع يده.
______________________________________________________
إذا جرى عليها ملك
الكافر فهي له وإن كان بالإحياء ، ولا تكون للإمام 7 بل ينظر حالها باعتبار جريان أحكام المسلمين عليها من
كونها عنوةً ، أو صلحاً ، أو أسلموا عليها طوعاً.
قوله
: ( فإن كان غائباً
كان أحق بها ما دام قائماً بعمارتها ، فإن تركها فبادت آثارها فأحياها غيره كان
الثاني أحق بها ، وللإمام بعد ظهوره رفع يده ).
أي : فإن كان
الإمام غائباً كان المحيي أحق بالأرض ما دام قائماً بعمارتها.
قال في التذكرة :
ولا يملكها بذلك ، فإن تركها فبادت آثارها كان الثاني أحق بها ، ولم يذكر على
ذلك دليلاً مع أنه قال قبل ذلك : لو لم تكن الأرض التي من بلاد الإسلام معمورة في
الحال ، ولكنها كانت قبل ذلك معمورة أجرى عليها ملك مسلم ، فإما أن يكون الملك
معيناً أو لا ، فالمعين : إما ينتقل إليه بالشراء وشبهه ، أو بالإحياء ، والأول لا
يملك بالإحياء بلا خلاف. وإن ملكها بالإحياء ثم تركها حتى عادت مواتاً : فعند بعض
علمائنا أنه كالأول. ثم حكى القول ملكاً للثاني واختاره فيجيء هنا
كلامان :
الأول : أن هذا
الموات المحيي في الأصل للإمام 7 ، فإن كان حال ظهوره فلا بد من إذنه ليملكه المحيي فكيف
استحق آخر ملكه بعد عوده خراباً إذا أحياه مع ملك الأول له بإذن الإمام؟ وإن كان
في حال الغيبة
__________________
______________________________________________________
فكيف يملكه واحد
منها خصوصاً الثاني ، مع أنه ملك الإمام 7 ، فإن كان الموت سبباً في التملك بالإحياء فهو قائم في
الموضعين ، وإن كان المانع حق الإمام 7 فهو في الموضعين حق أيضاً مع زيادة أخرى في المتنازع وهو ثبوت
ملك مسلم عليها قبل ذلك.
الثاني : إنا لا
نجد دليلاً في النصوص يدل على التفرقة التي ادعاها بين الأرض التي انقرض مالكها
فخربت ، وغيرها من الموات ، فإن النصوص دالة على أن الجميع للإمام 7 ، وتدل بإطلاقها
على من أحيا أرضاً ميتة في غير حق مسلم فهي له .
إذا عرفت هذا
فنعود إلى تحرير هذه المسألة فنقول : الدليل على ثبوت الملك للثاني فيما إذا ملك
الأول الموات بالإحياء ثم طرأ الموت بعد ذلك قول الصادق 7 « أيما رجل أتى
خربة بائرة فاستخرجها وكرى أنهارها وعمّرها فإن عليه فيها الصدقة ، فإن كانت لرجل
قبله فغاب عنها وتركها وأخربها ثم جاء بعد فطلبها فإن الأرض لله عز وجل ولمن عمرها
» .
وهذا القول مشهور
بين الأصحاب. قال في التذكرة : ولا بأس به عندي . ويلوح من كلام
ابن إدريس أن الأول أحق وله انتزاعها . ويدل عليه قول الصادق 7 في رواية سليمان بن خالد ، وقد سأله عن الرجل يأتي الأرض
الخربة فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمّرها ويزرعها فما ذا عليه؟ قال : « الصدقة »
قلت : فإن كان يعرف صاحبها؟ قال : « فليؤد إليه حقه » . وهو ظاهر في
أداء الأرض إليه لأنها حقه ، ولأنه لو حمل على
__________________
وما هو بقرب
العامر من الموات يصح إحياؤه إذا لم يكن مرفقاً للعامر ، ولا حريماً.
______________________________________________________
الطسق يحصل المراد ،
لأنه فرع الملك ولإطلاق قوله 7 « من أحيا أرضاً ميتةً فهي له ». واللام تقتضي الملك ،
وخروج الملك يحتاج إلى سبب ناقل وهو محصور ، وليس من جملة الأسباب الخراب ، ولأن
ما ملك ببيع أو إرث ونحوهما لا يخرج عن الملك بخرابه ، صرح به في التذكرة والظاهر أنه
اتفاقي ، فكذا ما هنا للاستواء في الملك ، ولأن مطلق الملك لا بد أن ينتهي إلى
الإحياء ، وهذا متين.
وفي الدروس : جواز
إحياء المملوك إذا خرب ، ولم ينتفع به مالكه ، ولم يأذن لغيره إذا أذن الحاكم ،
وللمالك طسقها ، قال : فإن تعذر الحاكم فالظاهر جواز الإحياء مع الامتناع من
الأمرين وعليه طسقها . ولا ريب أن للإمام بعد ظهوره رفع يد المحيي لأنه ملك له.
[ فإن قيل فكيف يملكها المحيي.
قلنا : لا يمتنع
أن يملكها ملكاً متزلزلاً فإذا ظهر 7 فسخه ] .
قوله
: ( وما هو بقرب
العامر من الموات يصح إحياؤه إذا لم يكن مرفقاً لعامر ولا حريماً ).
هذا كالمستدرك ،
لأنه سيأتي إن من أسباب الاختصاص المانعة من الإحياء كون الموات حريماً لعامر ،
فإن المرفق ـ وهو ما يرتفق به ـ من جملة الحريم.
__________________
الثاني : اليد ، فكل أرض عليها يد مسلم لا يصح إحياؤها لغير
المتصرف.
الثالث : حريم العمارة ، فإذا قرّر البلد بالصلح لأربابه لم يصح
إحياء ما حواليه من الموات من مجتمع النادي ، ومرتكض الخيل ، ومناخ الإبل ، ومطرح
القمامة ، وملقى التراب ، ومرعى الماشية ، وما يعد من حدود مرافقهم ، وكذا سائر
القرى للمسلمين ، والطريق ، والشرب ، وحريم البئر ، والعين.
______________________________________________________
قوله
: ( الثاني : اليد ،
فكل أرض عليها يد مسلم لا يصح إحياؤها لغير المتصرف ).
لأن ظاهر اليد
يقتضي الملك ، وهذا القدر كافٍ في منع الغير من الإحياء وإن لم يعلم وجود سبب
الملك ، ولكن يشترط أن لا يعلم أن إثبات اليد بغير سبب مملك ولا أولوية ، فإن علم ذلك لم
تكن تلك اليد معتبرة ، فيجب تقييد إطلاق العبارة.
واحتمل في الدروس
حصول الملك به أو الأولوية تنزيلاً له منزلة الاستيلاء ، ثم استقرب المنع معلّلاً
بأن الاستيلاء سبب في ملك المباحات المنقولة والأرضين المعمورة ، والأمران
منتفيان هنا.
قوله
: ( الثالث : حريم
العامرة ، فإذا قرر البلد بالصلح لأربابه لم يصح إحياء ما حواليه من الموات من
مجتمع النادي ، ومرتكض الخيل ، ومناخ الإبل ، ومطرح القمامة ، وملقى التراب ،
ومرعى الماشية ، وما يعد من حدود مرافقهم ، وكذا سائر القرى للمسلمين ، والطريق ،
والشرب ، وحريم البئر ، والعين ).
السبب الثالث من
أسباب الاختصاص المانعة من إحياء الموات كونه
__________________
______________________________________________________
حريماً للعامر ،
فإن حريم العامر ـ كنفس العامر ـ لا يملك بالإحياء ، لأن مالك العامر استحقه لأنه
من مرافقه ومما يتوقف كمال انتفاعه عليه ، وذلك مثل مجتمع النادي.
قال في الصحاح :
الندي ، على وزن فعيل : مجلس القوم ومتحدثهم ، وكذلك الندوة والنادي والمنتدي ،
فإن تفرق القوم فليس بندي . فعلى هذا إذا أضيف إليه مجتمع أريد بالنادي نفس القوم
المتحدثين ، وكذا مرتكض الخيل ، وهو الموضع المعد لركضها فيه إذا أريد ذلك ، وكذا
مناخ الإبل بضم أوله من أناخ وكذا مطرح القمامة وهو بضم القاف : الكناسة ، ذكره في
القاموس : والكناسة بالضم أيضاً ، وكذا الطريق للعامر وشربه ،
وحريم بئره وعينه ، وسائر ما يعدّ من مرافقهم عادة ، ومنه مرعى الماشية ، والمحتطب
، والمحتش ، وملعب الصبيان ، ومطرح الرماد والسماد ، وبالجملة فكل ما جرت العادة
به. ولا تقدير في المحتطب ، والمحتش ، والمرعى إلا ما جرت العادة بالوصول إليه ،
ولو بعد جدّاً بحيث لا يطرقونه إلا نادراً فليس من الحريم.
وإنما يمنع من
إحياء قدر ما تندفع به الحاجة ، أما ما زاد فلا. ولو أراد أحد إحياء ما يقرب من
القرية ويكون الحريم من ورائه فالظاهر الجواز إذا لم يلزم ضيق في الحريم ، ولو لا
ذلك لم تتصوَّر سعة البلد إلا إذا نزل أهلها دفعة واحدة ، وهو غير معلوم الوقوع ،
ولا فرق في ذلك بين كون القرية لأهل الذمة أو للمسلمين ، وإنما صوّر المصنف بتقرير
البلد بالصلح لأنه إذا ثبت الحكم هاهنا ثبت في قرى المسلمين بطريق أولى.
والأصل في عدم
جواز إحياء الحريم النص ، ـ مثل قوله 7 :
__________________
ويجوز إحياء ما
قرب من العامر مما لا تتعلق به مصلحته.
وحد الطريق لمن
ابتكر ما يحتاج إليه في الأرض المباحة خمس أذرع ، وقيل سبع ، فيتباعد المقابل ذلك ،
______________________________________________________
« من أحيى أرضاً
ميتة في غير حق مسلم فهي له » وهذه حقوق ولهذا يدخل الطريق والشرب في بيع الأرض ونحو ذلك
ـ والإجماع.
قال في التذكرة :
لا نعلم خلافاً بين فقهاء الأمصار أن كل ما يتعلق بمصالح العامر أو بمصالح القرية
كقناتها ، ومرعى ماشيتها لا يصح لأحد إحياؤه ولا يملك بالإحياء .
قوله
: ( ويجوز إحياء ما
قرب من العامر مما لا يتعلق به مصلحة ).
علله في التذكرة
بأن النبي 6 أقطع بلال بن الحرث المزني العقيق وهو يعلم أنه بين عامر المدينة .
قوله
: ( وحد الطريق لمن
ابتكر ما يحتاج إليه في الأرض المباحة خمسة أذرع ، وقيل : سبع ، فيتباعد المقابل
ذلك ).
أي : وحد الطريق
في حق من ابتكر ما يحتاج إليه في أرض مباحة من مسكن ، ومزرع ، وغيرهما إذا دعت
الحاجة إلى الطريق لمن سبقه بالإحياء في ذلك الموضع ، الذي يريد الإحياء فيه أو
بقربه وإن لم يكن قد حصل استطراقهم قدر خمس أذرع عند الأكثر.
__________________
______________________________________________________
وقال الشيخ وابن إدريس : سبع
أذرع ، واختاره المصنف في المختلف والتذكرة ، وشيخنا في الدروس . فحينئذ يجب أن لا يحيي نفس الطريق ، ويجب على مقابله أن
يتباعد عن موضع إحياء الأول ذلك القدر ، فيكون أثر تقدير الطريق إنما هو في حق
المقابل خاصة ، فلذلك فرَّع المصنف قوله : ( فيتباعد المقابل ذلك ) على قوله : (
وحد الطريق لمن ابتكر ... ) وهذا إنما هو حيث يتأخر إحياء المقابل عن المبتكر ،
فإن تساويا في زمان الإحياء وجب على كل منهما التباعد عن الآخر بحيث يبقى القدر
المذكور سليماً عن الإحياء. ولو استطرق الناس أكثر من النصاب : فالممنوع من إحيائه
هو قدر النصاب.
ولا يخفى ما في
قوله : ( وحدُّ الطريق لمن ابتكر ... ) من إيهام غير المراد لأن المتبادر منه أن
حد الطريق لهذا المحيي ، وليس بمراد قطعاً لأنه بصدد بيان حد الطريق مطلقاً ، ولا
يستقيم معنى : ( فيتباعد المقابل ذلك ) إلا بتكلف كثير.
إذا عرفت ذلك فوجه
القول الأول رواية أبي العباس البقباق عن الصادق 7 حيث قال : « إن الطريق عند التشاحّ خمس أذرع » .
ووجه الثاني رواية
مسمع بن عبد الملك عن الصادق 7 قال : « قضى رسول الله 6 » إلى أن قال : « والطريق إذا تشاحَّ أهله
__________________
وحريم الشرب مقدار
مطرح ترابه والمجاز على طرفيه.
ولو كان النهر في
ملك الغير فتداعيا الحريم قضي له مع يمينه على إشكال.
______________________________________________________
عليه فحده سبع
أذرع » . وكذا موثقة السكوني عن الصادق 7 .
وننزل الأولى على
ما إذا لم تدع الحاجة إلى أزيد من خمس إن لم يلزم منه إحداث قول ثالث ، فإن لزم
فالعمل على السبع ، لأن الضرورة تدعو كثيراً إليها عند ازدحام الأحمال وعبور
القوافل.
قوله
: ( وحريم الشرب :
مقدار مطرح ترابه ، والمجاز على طرفيه )
أصل الشرب بكسر
أوله : الحظ من الماء ، في المثل آخرها أقلّها شرباً ، والمراد به هنا : النهر ،
وحريمه ما ذكره ، فإنّ حفره وتنقيته والمجاز على جانبيه أمر مطلوب عادة.
قوله
: ( ولو كان النهر
في ملك الغير فتداعيا الحريم قضي له بيمينه على إشكال ).
أي : قضي للغير
الذي هو صاحب الملك. والمراد به إذا كان نفس النهر ـ وهو مجرى الماء ـ مملوكاً
لغير صاحب الملك لكنه وقع في ملك الغير.
ومنشأ الإشكال :
من أن الحريم من جملة الأرض لا النهر ، فيكون ملكاً لصاحب الأرض لأنها في يده ،
فعلى صاحب النهر البينة. ولأن ثبوت الحريم للنهر موقوف على التقدم في الإحياء أو
المقارنة ، وكلاهما غير
__________________
وحريم بئر المعطن
أربعون ذراعاً ، والناضح ستون ، والعين ألف في الرخوة وخمسمائة في الصلبة.
______________________________________________________
معلوم ، ومن أن
الحريم من لوازم النهر لأن انفكاكه عنه إنما يكون عند تأخر مجيئه عن صاحب الملك
والأصل عدمه.
ويضعّف بأن
استحقاق الحريم غير معلوم ، ولا يد لصاحب النهر إلا على النهر ، وإنما ليد صاحب
الأرض وهي أقوى من اقتضاء النهر الحريم على بعض الحالات ، فلا يترك المعلوم
بالمحتمل ، والأقوى تقديم قول صاحب الملك بيمينه.
قوله
: ( وحريم بئر
المعطن أربعون ذراعاً ، والناضح ستون ).
العطن والمعطن
واحد الأعطان والمعاطن : وهي مبارك الإبل عند الماء تشرب عللا بعد نهل.
والناضح : البعير
يسقى عليه ، ذكرهما في الصحاح . ولا ريب أن حريم البئر إنما يعتبر في الموات ، فلا يجوز
إحياء هذا القدر من جميع جوانب البئر بحفر بئر أخرى ولا غيره ، وما ذكره هو
المشهور بين الأصحاب ، ومستنده النص .
وقال ابن الجنيد :
روي عن رسول الله ( ص ) قال : حريم البئر الجاهلية خمسون ذراعاً ، والإسلامية
خمساً وعشرين ذراعاً. وقال : حريم الناضح قدر عمقها ممراً للناضح ، والعمل على
المشهور.
قوله
: ( والعين ألف في
الرخوة ، وخمسمائة في الصلبة ).
__________________
وحريم الحائط في
المباح مقدار مطرح ترابه لو استهدم ، وللدار مطرح ترابها ومصب الميزاب والثلج
والممر في صوب الباب ،
______________________________________________________
فليس للغير
استنباط عين أخرى في هذا القدر ، ومستنده النص وإطباق الأصحاب. وروي فيمن أراد أن يحدث قناة إلى جنب قناة
أنه يتباعد بمقدار أن لا يضر أحدهما بالآخر .
وروي أن النبي 6 قضى أن يكون بين
القناتين في العرض إذا كانت أرضاً رخوة ألف ذراع ، وإن كانت أرضاً صلبة يكون خمسمائة
ذراع .
وحدّه ابن الجنيد
بما ينتفي معه الضرر ، ومال إليه المصنف في المختلف . والتمسك بالنصوص
هو المناط في ذلك.
قوله
: ( وحريم الحائط في
المباح مقدار مطرح ترابه لو استهدم ).
لأن الحاجة تمسّ
إليه عند سقوطه.
قوله
: ( وللدار مطرح
ترابها ، ومصب الميزاب والثلج ، والممر في صوب الباب ).
لا ريب أن مطرح
تراب الدار ، ورمادها ، والثلج ، ومسيل مياها إن احتيج إليهما. والممر في صوب
الباب ، أي في الصوب الذي يفتح إليه الباب مما تستدعيه الحاجة عادة.
__________________
هذا في الموات.
ولا حريم في الأملاك لتعارضها.
ولكل واحد أن
يتصرف في ملكه كيف شاء ، ولو تضرر صاحبه فلا ضمان ، فلو جعل ملكه بيت حدّاد ، أو
قصّار ، أو حمّام على خلاف العادة فلا منع.
______________________________________________________
وليس المراد من
استحقاق في صوب الباب استحقاق الممر في قبالة الباب على امتداد الموات ، بل يجوز
لغيره إحياء ما قابله الباب إذا بقي له الممر ، فإن احتاج إلى ازورار وانعطاف جاز
، لأن الحاجة تمس إليه. ذكره في التذكرة . لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يحصل ضرر كثير عادة ،
لاستدعائه إفراط طول الطريق ونحوه.
قوله
: ( هذا في الموات ،
ولا حريم في الأملاك لتعارضها ).
أي : هذا المذكور
من تعيين الحريم بجنب كل واحد من المذكورات إنما هو في الموات ، أما في الأملاك
المتلاصقة فلا حريم لأحدها بالنسبة إلى جاره لتعارضها ، فإن كل واحد منها يقتضي
حريماً بالنسبة إلى جاره ولا أولوية. ولأنه من الممكن شروعهم في الإحياء دفعة ،
فلم يكن لواحد على الآخر حريم.
قوله
: ( ولكل واحد أن
يتصرف في ملكه كيف يشاء ، ولو تضرر به صاحبه فلا ضمان ).
لأن الناس مسلطون
على أموالهم.
قوله
: ( فلو جعل ملكه
بيت حداد ، أو قصّار أو حمام على خلاف العادة فلا منع ).
قال في التذكرة :
هذا إذا احتاط وأحكم الجدران بحيث يليق بما
__________________
ولو غرس في أرض
أحياها ما يبرز أغصانه أو عروقه إلى المباح لم يكن لغيره إحياؤه ، وللغارس منعه
وإن كان في مبدأ الغرس.
الرابع : أن يكون مشعراً للعبادة كعرفة ، ومنى ، وجمع وإن كان
يسيراً لا يمنع المتعبدين.
______________________________________________________
يقصده فإن فعل ما
يغلب على الظن أنه يؤدي إلى خلل في حيطان جاره ففي منعه تردد ، فلو دق دقاً عنيفاً
أحدث به نقصاً في جدران جاره ، أو حبس الماء بحيث انتشرت منه النداوة إليها أو حصل
ذلك من ماء الحمام ففي الضمان تردد .
قوله
: ( ولو غرس في أرض
أحياها ما تبرز به أغصانه ، أو عروقه إلى المباح لم يكن لغيره إحياؤه ، وللغارس
منعه وإن كان في مبدأ الغرس ).
لثبوت الأولوية
للغارس نظراً إلى مقتضى العادة.
قوله
: ( الرابع : أن لا
يكون مشعراً للعبادة كعرفة ، ومنى ، وجمع وإن كان يسيراً لا يمنع المتعبدين ).
لأن الشارع وضعها
موطناً للعبادة فلا يشرع تملكها لأنه يؤدي إلى تفويت هذا الغرض ، ولتعلق حق المكلف
به كما في المساجد ونحوها.
وجوّز ابن الجنيد
إحياء اليسير الذي لا يضر بالمتعبدين ، وهو ضعيف.
__________________
الخامس : التحجير ، وهو بنصب المروز ، أو التحويط بحائط ، أو بحفر
ساقية محيطة ، أو إدارة تراب حول الأرض أو أحجار ولا يفيد ملكاً ـ فإن الملك يحصل
بالإحياء لا بالشروع فيه ، والتحجير شروع في الإحياء ـ بل يفيد اختصاصاً وأولوية ،
فإن نقله إلى غيره صار أحق به ، وكذا لو مات فوارثه أحق به ، فإن باعه لم يصح بيعه
على إشكال ، ويملك به التصرف ، فله منع من يروم إحياءه ،. فإن قهره فأحياها لم يملك.
______________________________________________________
قوله
: ( الخامس :
التحجير : وهو نصب المروز ، أو التحويط بحائط أو بحبل ساقية محيطة ، أو إدارة تراب
حول الأرض أو أحجار ).
المروز جمع مرز :
وهو جمع التراب حول الموات ، فيكون قوله : ( إدارة التراب ) مستدركاً. وفي عدّ
التحويط بحائط من التحجير نظر ، بل هو إحياء في نحو الحظيرة ، فإن قصدها بالتحويط
فلا بحث ، وإلا ففيه تردد ، ومال في التذكرة إلى أنه إحياء وإن قصد به السكنى .
قوله
: ( ولا يفيد ملكاً
، فإنّ الملك يحصل بالإحياء لا بالشروع فيه ، والتحجير شروع في الإحياء بل يفيد
اختصاصاً وأولوية ).
خلافاً لابن نما .
قوله
: ( فإن نقله إلى
غيره صار أحق به ، وكذا لو مات فوارثه أحق ).
وإنما يكون ذلك
بالصلح والهبة ، وكذا الحكم في كل ما يفيد أولويته واختصاصه.
قوله
: ( فإن باعه لم يصح
بيعه على إشكال ، ويملك به
__________________
ثم المحجر إن أهمل
العمارة أجبره الإمام على الإحياء ، أو التخلية عنها ، فإن امتنع أخرجها السلطان
من يده ، فإن بادر إليها من أحياها لم يصح ما لم يرفع الإمام يده ، أو يأذن في
الإحياء.
السادس : إقطاع الإمام ، وهو متبع في الموات ، فلا يجوز إحياؤه
وإن كان مواتاً خالياً من التحجير ،
______________________________________________________
التصرف ، فله منع
من يروم إحياءه ، فإن قهره فأحياها لم يملك ).
ينشأ من أنه حق
يقابل بمال ، فتجوز المعاوضة عليه ، فيجوز بيعه. ولأن آثار التصرف في أرض الخراج
يجوز بيعها ، ومن أن البيع يقتضي الملك ولا ملك ثمة ، لأن التحجير لا يفيد ملكاً
وإنما يفيد أولوية واختصاصاً والملك بالإحياء ، والأصح عدم الصحة.
قوله
: ( ثم المحجر إن
أهمل العمارة أجبره الإمام 7 على الإحياء أو التخلية عنها ، فإن امتنع أخرجها السلطان
من يده ، فإن بادر إليها من أحياها لم يصح ما لم يرفع الإمام يده أو يأذن في
الإحياء ).
هذا إذا بقيت آثار
التحجير ، فإن زالت آثاره بطلت الأولوية ، وعادت الأرض مواتاً.
قوله
: ( السادس : إقطاع
الإمام وهو متبع في الموات ، فلا يجوز إحياؤه وإن كان مواتاً خالياً عن التحجير ).
المراد بكونه
متبعاً وجوب اتباعه ، بمعنى أن المقطع يصير أولى من غيره في الإحياء ، كما يصير
المحجَّر أولى بما يحجره ، ولا يزاحمه الغير.
ولا يصح رفع هذا
الاختصاص بالإحياء ، والإقطاع وحده كافٍ في حصول الأولوية والاختصاص وإن لم يحصل
تحجير ، والأصل في ذلك أن
كما أقطع النبي 7 بلال بن الحارث
العقيق ، فلما ولي عمر قال له : ما أقطعته لتحجبه ، فأقطعه الناس ، وأقطع أرضاً
بحضرموت ، وأقطع الزبير حضر فرسه فأجرى فرسه حتى قام فرمى بسوطه ،
______________________________________________________
الموات ملك الإمام
7 فيجوز له أن يقطعه الغير.
قوله
: ( كما أقطع النبي 6 بلال بن الحارث
العقيق ، فلما ولي عمر قال له : ما أقطعته لتحجبه ، فأقطعه الناس ).
العقيق : وادٍ
بظاهر المدينة : أقطعه النبي بلال بن الحارث واستمر ذلك إلى ولاء عمر فقال له ما
قال ، لأنه لم يعمره . وأقطع أرضاً بحضرموت .
في التذكرة : قد
أقطع النبي 6 وإبل بن حجر أرضاً بحضرموت . وفي القاموس : حضرموت بضم الميم : بلد : يقال : هذا
حضرموت ، ويضاف فيقال : هذا حضرموت بضم الراء ، وإن شئت لا تنون الثاني .
قوله
: ( وأقطع الزبير
حضر فرسه فأجرى فرسه حتى قام فرمى بسوطه ).
حضر فرسه بالحاء
المهملة والضاد المعجمة : عدوه ، يعني مقدار ما جرى ، والمراد بقيامه : عجزه عن
العدو. وإنما رمى بسوطه طلبا للزيادة. وفي الحديث أن النبي 6 قال : « اقطعوا
مرمى سوطه » .
__________________
وهو يفيد
الاختصاص.
وليس للإمام إقطاع
ما لا يجوز إحياؤه كالمعادن الظاهرة على إشكال ، وفي حكم الإقطاع الحمى ،
______________________________________________________
قوله
: ( هو يفيد
الاختصاص ).
كالتحجير ، فإن
قام بعمارته وإلا فكما سبق في التحجير.
قوله
: ( وليس للإمام
إقطاع ما لا يجوز إحياؤه كالمعادن الظاهرة على إشكال ).
المراد بالمعادن
الظاهرة : ما يكون على وجه الأرض ، ولا يتوقف الوصول إليها على عمل ، ومنشأ
الإشكال : من عموم حاجة الناس إليها ، ومن أن النظر في ذلك إلى الإمام 7.
وربما بنى الحكم
في هذا على أن المعادن له 7 ، والناس فيها سواء. فعلى القول بأنها له : يجوز إقطاعها ،
وعلى الآخر : يحتمل الجواز وعدمه.
وقد يقال : لا
يتصور الإقطاع في المعادن الظاهرة وإن قلنا إنها له 7 ، لأن الإقطاع إذا كان بمنزلة التحجير لا يتصور الإحياء
فيها فلا يتصور التحجير ، ولعل هذا أقرب.
ولا يقال : لأن
الإقطاع قد يتصور في المجالس المتسعة فلم لا يمكن هنا؟
لأنا نقول :
الإقطاع فيها للاتفاق في الجلوس وذلك لا يتصور في المعادن ، إذ لا يراد منها إلا التمليك
، فينتفي.
قوله
: ( وفي حكم الإقطاع
الحمى ).
الأحكام التي
تتعلق بالموات ثلاثة : التحجير ، والإقطاع ، والحمى.
وهو منع الإمام
الناس عن رعي كلأ ما حماه في الأرض المباحة ليختص به دونهم ، كما حمى النبي 7 النقيع. وللإمام
أن يحمي لنفسه ، ولنعم الصدقة والضوال ، وليس لغيره ذلك.
ولا يجوز نقض ما
حماه الإمام ولا تغييره ، ومن أحيى منه شيئاً لم
______________________________________________________
قوله
: ( وهو منع الناس
عن رعي كلأ ما حماه في الأرض المباحة ليختص به دونهم ).
الرعي بفتح الراء
مصدر ، ولا ريب أن الحمى وقع من النبي 6 ، والإمام عندنا بمنزلته.
قوله
: ( كما حمى النبي 6 النقيع ).
بالنون : موضع
قريب من المدينة كان يستنقع فيه الماء ، أي : يجتمع ، وفيه أول جمعة جمعت في
الإسلام بالمدينة في نقيع الخضمات. وفي حواشي الشهيد : النقيع هو ليس بالواسع في
قبلة المدينة الشريفة صلوات الله على مشرفها وكان شجر سمي الغريز. وفي الأثر أنه 6 حمى غرز النقيع . وسمي نقيعاً
باستنقاع الماء فيه والغرز. قال الجوهري : الغرز نبت من الثمام لا ورق له .
قوله
: ( وللإمام أن يحمي
لنفسه ولنعم الصدقة والضوال ، وليس لغيره ذلك ).
لأن الكلأ مشترك
بين الناس فلا يختص به أحد ، والإمام خرج للدليل ، ولأن الضرورة تدعو إلى ذلك لنعم
الصدقة وغيرها.
قوله
: ( ولا يجوز نقض ما
حواه الإمام ولا تغيره ، ومن أحيى منه
__________________
يملكه ما دام
الحمى مستمراً ، فإن كان الحمى لمصلحة فزالت فالوجه جواز الإحياء.
الفصل
الثاني : المنافع ، وهي
الطرق ، والمساجد ، والوقوف المطلقة كالمدارس ، والربط ، والمشاهد.
______________________________________________________
شيئاً لم يملكه ما
دام الحمى مستمراً ).
لأن في نقضه نقض
حكم الإمام.
قوله
: ( فإن كان الحمى
لمصلحة فزالت فالوجه جواز الإحياء ).
المراد : إذا كان
الحمى مقصوراً على مصلحة خاصة فزالت ، ووجه جواز الإحياء أن الأصل جواز الإحياء ،
وإنما منع منه الحمى لأمر خاص وقد زال ، فلم يبق مانع.
ويحتمل البقاء ،
لأن حكم ذلك حكم من الإمام فلا يزول إلا بإزالته.
ويضعَّف بأنه حكم
مقصور على أمر خاص فينتفي بانتفائه.
فإن قيل : إنما يجوز الإحياء بإذن الإمام ، وإذا أذن زال الحمى فلا
حاصل لهذا الفرع.
قلنا : قد يأذن
الإمام 7 في الإحياء مطلقاً فيكون شمول الإطلاق لهذا النوع فرع زوال الحمى ، وعدمه فرع
عدمه.
قوله
: ( الفصل الثاني :
المنافع ، وهي الطرق ، والمساجد ، والوقوف المطلقة كالمدارس والربط ، والمشاهد ).
هو بضم الراء
والباء جمع رباط بكسر الراء ، قال في الصحاح : الرباط واحد الرباطات المبنية .
__________________
وفائدة الطرق
الاستطراق ، والجلوس غير المضر بالمارة ، فإن قام بطل حقه وإن كان بنية العود قبل
استيفاء غرضه ، فليس له دفع السابق إلى مكانه.
______________________________________________________
قوله
: ( وفائدة الطرق
الاستطراق ، والجلوس غير المضر بالمارة فإن قام بطل حقه ، وإن كان بنية العود قبل
استيفاء غرضه فليس له دفع السابق إلى مكانه ).
لإجماع الناس على
ذلك في جميع الأصقاع والأمصار. ولا فرق في الجلوس بين كونه للاستراحة ، أو
للمعاملة ، أو لغيرهما. ولا يتقيد إلا بعدم الإضرار والتضييق على المارة فحينئذ
يحرم ، لأن حق الاستطراق هو المطلوب الأصلي.
والظاهر أن هذا
الحكم كما يثبت للمسلمين يثبت لأهل الذمة ، لأن ما لهم للمسلمين ، وبه صرح في
التذكرة .
فرع : قال في التذكرة : إذا جلس واحد في موضع من الشوارع
والأسواق فهو أحق من غيره مع عدم الضرر بالمارة ، وليس لغيره إزعاجه ، ولو أزعجه
أحد وقعد مكانه فعل حراماً وصار أولى به من الأول .
ويشكل بأن الأول
قد استحق الانتفاع وصار أولى فكيف يسقط حقه؟
قوله
: ( فإن قام ورحله
باقٍ فهو أحق به ).
قال في التذكرة :
لو قام عنه بنية العود إليه في ذلك النهار وكان له فيه بساط أو متاع وشبهه لم يكن
لأحد إزالته ، وكان صاحب البساط والمتاع أولى به إلى الليل ، لقول الصادق 7 : « قال أمير
المؤمنين 7 : سوق المسلمين كمسجدهم ،
فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل ».
__________________
ولو جلس للبيع
والشراء في الأماكن المتسعة فالأقرب الجواز للعادة ،
______________________________________________________
قال : « وكان لا
يؤخذ على بيوت السوق كرى » .
قلت : أراد بذلك
توجيه الرواية بأن هذا لا يثبت في غير السوق المباح ، والظاهر أن المراد بالسوق :
المواضع التي يجلس بها
للبيع والشراء من
المباح ، وما جرى مجراه من الأسواق الموقوفة أو المأذون فيها عاماً.
واعلم أن ظاهر
الرواية الاستحقاق إلى الليل مطلقاً ، من غير تقييد ببقاء متاع بعد المفارقة وعدمه
، بل ليس فيها ذكر للمفارقة. والذي يستفاد من مفهوم كلام التذكرة أن بقاء المتاع
إلى الليل لا يفيد أولوية وهو مشكل ، خصوصاً إذا جلس في الليل للبيع والشراء.
قوله
: ( ولو جلس للبيع
في الأماكن المتسعة فالأقرب الجواز ، للعادة ).
ظاهر إطلاق (
المتسعة ) يتناول الطريق الواسع ، فإن كانت سعته فوق النصاب فالزائد ليس بطريق ،
بل هو من جملة الرحاب ، وحينئذ فلا وجه لقوله : ( فالأقرب ) إذ لا يتطرق احتمال
المنع من الجلوس في مثل هذه ، إذ ليس الغرض منها الاستطراق.
ولعله أراد بـ ( المتسعة
) : ما كان من الطرق غير مضر بالمارة ، لانتفاء التضييق ، فإنه حينئذ متسع للمرور
والجلوس : وفيه تكلف ظاهر ، ووجه القرب استمرار العادة بذلك وانتفاء الضرر.
ويحتمل العدم ،
لأنه غير المنفعة المرادة من الطريق ، وهو ضعيف ، لأن المحكم في ذلك هو العرف وهو
مطرد بما قلناه ، والفرض انتفاء الضرر
__________________
فإن قام ورحله باق
فهو أحق به ، فإن رفعه بنية العود فالأقرب بطلان حقه وإن استضر بتفريق معامليه.
ولو ضاق على
المارة ، أو استضر به بعضهم منع من الجلوس.
______________________________________________________
فلا مانع.
قوله
: ( فإن قام ورحله
باق فهو أحق به ).
مقتضى كلام
التذكرة أن الأحقية إلى الليل فقط لأنه غيَّا الأولوية إلى الليل.
قوله
: ( فإن رفعه بنية
العود فالأقرب بطلان حقه وإن استضر بتفريق معامليه ، ولو ضاق على المارة أو استضر
به بعضهم منع من الجلوس ).
وجه القرب انتفاء
الملك ، والأولوية قد زالت بقيامه ورفع متاعه. ويحتمل بقاء حقه ، لأن قطع ألفته من
ذلك المكان فيه ضرر ، مع أن ذلك قد يقتضي إلى تفرق معامليه حيث لم يجدوه في المكان
المعهود ، وذلك من أشد الضرر ، ولإطلاق الرواية السابقة.
ويضعّف بأنّ الضرر
المنفي هو الذي لم يدل الدليل على عدم اعتباره ، وهنا قد دل الدليل على ذلك ، لأن
منفعة الطرق مشتركة بين المسلمين ، والسابق أحق ، فإزعاجه ضرر غير مستحق ، والضرر
لا يزال بالضرر. والرواية لا تدل على شيء بخصوصه ، فتقيد بمقتضى غيرها من
الدلائل.
وأراد بقوله : (
إن استضر بتفريق معامليه ) الرد على بعض العامة ، حيث أبقى حقه ما دام لا تمتد
غيبته إلى أن يقطع معاملوه ألفه معاملته ويستفتحون المعاملة مع غيره .
__________________
وليس للسلطان
إقطاع ذلك ، ولا إحياؤه ، ولا إحياؤه ، ولا تحجيره. وله أن يظلل على نفسه بما لا
ضرر فيه من بارية وثوب ، وليس له بناء دكة.
ولو استبق اثنان
فالأقرب القرعة.
______________________________________________________
قوله
: ( وليس للسلطان
إقطاع ذلك ولا إحياؤه ولا تحجيره ، وله أن يظلل على نفسه بما لا ضرر فيه من بارية
وثوب ، وليس له بناء دكة ).
لأن ذلك لا يجوز
تملكه ، فلا يجوز تحجيره ولا ما هو في معنى التحجير ، لكن قال في التذكرة في خاتمة
شروط الإحياء : إن للسلطان أن يقطع الجلوس في المواضع المتسعة في الشوارع ، وفائدة
الارتفاق بحيث إذا قام لم يكن لغيره الجلوس فيه . وأطلق هنا وغيره
عدم الجواز ، ولا ريب أن جواز ذلك محتمل وإن لم ينقل مثله.
قوله
: ( ولو استبق اثنان
فالأقرب القرعة ).
وجه القرب أن الحق
الآن دائر بينهما لانحصار الأولوية فيهما ، ولا يمكن الجمع بينهما فهو لأحدهما ،
لأن منعهما معاً باطل قطعاً ، فحينئذ يقرع لأن في كل أمر مشكل القرعة.
ويحتمل العدم :
لأن القرعة لتبيين المجهول عندنا إذا كان معيناً في نفس الأمر وليس كذلك هنا ،
فيكون التعيين إلى الإمام 7 بحسب المصلحة من أحوجية ونحوها. كما ذكره احتمالاً لبعض
العامة في التذكرة ، ووقع في بعض حواشي شيخنا الشهيد ، وليس بشيء ، لأنا لا
__________________
وأما المسجد فمن
سبق إلى مكان فهو أحق به ، فإذا قام بطل حقه وإن قام لتجديد طهارة ، أو إزالة
نجاسة ، وإن نوى العود ، إلاّ أن يكون رحله باقياً فيه.
______________________________________________________
نسلم انحصار
القرعة فيما ذكر ، وعموم الحديث ينافي ذلك ، والأصح القرعة.
قوله
: ( وأما المسجد فمن
سبق إلى مكان فهو أحق به ، فإذا قام بطل حقه ، وإن قام لتجديد طهارة أو إزالة
نجاسة ، أو نوى العود ، إلا أن يكون رحله باقياً فيه ).
هذا هو المشهور ،
لانتفاء الملك والأولوية ، واختار المصنف في التذكرة : أن من فارق مكانه في المسجد
لإجابة داع ، أو لرعاف ، أو لقضاء حاجة ، أو تجديد طهارة لا يبطل اختصاصه ،
للرواية السابقة عن أمير المؤمنين 7 .
قال : وتقييده 7 بـ ( الليل )
بناءً على الغالب ، ولو أقام ليلاً ونهاراً لم يجز إزعاجه لصدق اسم السبق في حقه.
قال : ولا فرق بين
أن يترك إزاره فيه وبين أن لا يتركه ، ولا بين أن يطرأ العذر بعد الشروع في الصلاة
أو قبله .
وفيما اختاره نظر
، والرواية لا دلالة فيها ، إذ لا يمكن التمسك بظاهرها ، لأنها تتناول من فارق لا
بنية العود ولا متاع له فيحمل على أن المراد أحقيته إذا لم يفارق أو
إذا بقي رحله.
واعلم أن المصنف
في التحرير قال في كتاب الصلاة : إن الأولوية
__________________
ولو استبق اثنان
ولم يكن الاجتماع أقرع.
ولا فرق بين أن
يعتاد جلوس موضع منه لقراءة القرآن أو لتدريس العلم ، أو لا.
وأما المدارس
والربط فمن سكن بيتاً ممن له السكنى لم يجز
______________________________________________________
لا تحصل بالرحل في
المسجد ، وهنا حكم بحصولها ، وقد جمع بين الكلامين شيخنا الشهيد
بحمل الأول على تقديم رحله عليه من غير استقرار ، والثاني على استقراره ثم يخرج ، وهو حمل مشكل ،
لأن من وصل إلى مكان فهو أحق به ، نعم لو حمل الأول على من بعث برحله ولم يأت هو
أمكن ، وحينئذ فيندفع التنافي.
فرع : لو أزعج السابق إلى مكان مزعج فلا شك في إثمه ، وهل يصير
أولى؟ فيه بعد. فحينئذ هل تبطل صلاته لنهيه عن شغل المكان فإن الأولوية للأول هنا؟
هذا هو الوجه ولم أجد به تصريحاً.
قوله
: ( ولو استبق اثنان
ولم يمكن الاجتماع أقرع ).
لا فرق بين
الاستباق هنا وفيما قبله ، فيجيء الاحتمال.
قوله
: ( ولا فرق بين أن
يعتاد جلوس موضع منه لقراءة القرآن أو لتدريس العلم ، أو لا ).
وقال بعض الشافعية
: أنه إذا جلس لبعض هذه وقام قبل استيفاء غرضه بنية العود كان أولى ، وهو مردود.
قوله
: ( وأما المدارس
والربط فمن سكن بيتاً ممن له السكنى لم
__________________
إزعاجه وإن طال
زمانه ، ما لم يشترط الواقف مدة معينة فيلزم بالخروج عند انقضائها.
ولو شرط على
الساكن التشاغل بالعلم ، أو قراءة القرآن ، أو تدريسه فأهمل أخرج ، وله أن يمنع من
المشاركة في السكنى ما دام على الصفة ، فإن فارق لعذر أو غيره بطل اختصاصه ،
______________________________________________________
يجز إزعاجه وإن
طال زمانه ، ما لم يشترط الواقف مدة معينة فيلزم بالخروج عند انقضائها ).
احتمل في الدروس
في الساكن في المدرسة وبيت القرآن جواز الإزعاج عند انقضاء غرضه ولو أدى طول
المدة إلى التباس الحال بحيث يمكن لو ادعى الملك ( أن يلتبس ) على الناس عدم
صحة دعواه ، احتمل جواز الإزعاج أيضاً لأنه يضر بالوقف.
قوله
: ( ولو شرط على
الساكن التشاغل بالعلم ، أو قراءة القرآن ، أو تدريسه فأهمل أخرج ، وله أن يمنع من
المشاركة في السكنى ما دام على الصفة ).
لما في المشاركة
من الأمور المكروهة.
قوله
: ( فإن فارق لعذر
أو غيره بطل اختصاصه ).
احتمل في الدروس احتمالات
:
الأول : بقاء حقه
مطلقاً ، لأنه باستيلائه جرى مجرى المالك.
الثاني : بقاؤه إن
قصرت المدة دون ما إذا طالت ، لئلا يضر بالمستحقين.
__________________
وهل يصير أولى
ببقاء رحله؟ إشكال.
الفصل
الثالث : المعادن ، وهي
قسمان : ظاهرة ، وباطنة.
أما الظاهرة : وهي
التي لا تفتقر في الوصلة إليها إلى مؤنة كالملح ،
______________________________________________________
الثالث : بقاؤه إن
خرج لضرورة وإن طالت المدة ، لدعاء الضرورة إلى ذلك.
الرابع : بقاؤه إن
بقي رحله أو خادمه ، ثم استقرب تفويض الأمر إلى رأي الناظر .
قوله
: ( وهل يصير أولى
ببقاء رحله؟ إشكال ).
ينشأ : من أنه وضع
بحق سابق اقتضى الأولوية على غيره فلا يزال ، ومن أن المدرسة للسكنى لا لوضع الرحل
، وإنما جاز وضعه تبعاً للسكنى ، وقد زالت فيزول التابع. وفيه نظر ، لأن المتنازع
فيه هو زوال السكنى بالخروج مع بقاء الرحل ، ومن خرج عن بيت مع بقاء متاعه فيه
لغرض لا يخرج عن كونه ساكن فيه عادة ، والأقرب بقاء الحق إن لم تطل المدة بحيث
تؤدي إلى التعطيل.
والظاهر أن
مفارقته من غير أن يبقي رحله مسقط لأولويته ولو قصر الزمان جدّاً ، كما لو خرج
لغرض لا ينفك عن مثله عادة ، ولا يخرج في العادة عن كونه ساكناً ففي بقاء حقه قوة.
وفي التذكرة أنه
إذا فارق لعذر أياماً قليلة فهو أحق .
قوله
: ( الفصل الثالث :
في المعادن ، وهي قسمان : ظاهرة وباطنة. أما الظاهرة : وهي التي لا يفتقر في
الوصلة إليها إلى مؤنة
__________________
والنفط ، والكبريت
، والقار ، والموميا ، والكحل ، والبرام ، والياقوت فهذه للإمام يختص بها عند بعض
علمائنا. والأقرب اشتراك المسلمين فيها ،
______________________________________________________
كالملح ، والنفط ،
والكبريت والقار ، والموميا ، والكحل والبرام ، والياقوت ).
النفط والنفيط :
دهن والكسر أفصح ، ذكره في الصحاح .
القير والقار واحد
، فيّرت السفينة : طليتها بالقار.
الموميا ، بضم
الميم وسكون الواو : دواء نافع ذكره في القاموس .
وفي القانون في
الطب للرئيس ابن سينا : مومياي : وهو في قوة الزفت والقير المخلوطين .
وفي حواشي شيخنا
الشهيد : أنه قطرات يتقاطر من الصخر.
والبرام بالكسر
جمع برمة : وهي القدر ، ذكره في الصحاح ، والمراد بها قدر يعمل من حجر مخصوص.
قوله
: ( فهذه للإمام 7 يختص بها عند بعض
علمائنا ، والأقرب اشتراك المسلمين فيها ).
أشار بهذه إلى
المعادن الظاهرة ، وظاهر إطلاقه أنه لا فرق بين كونها في أرض الإمام أو أرض
المسلمين ، فيكون قوله : ( اشتراك المسلمين فيها ) أيضاً على العموم.
__________________
فحينئذ لا تملك
بالإحياء ، ولا يختص بها المحجر ، ولا يجوز إقطاعها ، ولا يختص المقطع بها.
______________________________________________________
وقد اختلف كلام
الأصحاب في كون المعادن الظاهرة والباطنة له 7 أو للمسلمين ، فقال الشيخان وجمع أنها له 7. وقال ابن إدريس
: إن ما في ملكه 7 له دون ما في أرض المسلمين ، وهو ظاهراً
اختيار ابن سعيد في المعتبر .
وللشيخ قول بأن
الناس فيها شرع ، وهو : بإسكان الراء ويحرك ومعناه سواء ، وهو المشهور بين
المتأخرين ومستنده عموم ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي
الْأَرْضِ ) ، ولا دليل على الاختصاص ، ولما فيه من زيادة المشقة
بالتوقف في الأخذ منها على إذنه 7 إذا كان ظاهراً.
ولا ريب أن
المشهور أقوى دليلاً ، ولا يلزم من اختصاصه بالأرض اختصاصه بما فيها.
وزعم بعض متأخري
أصحابنا أن المعادن التي في ملكه لا خلاف في أنها له وليس كما زعم.
قوله
: ( فحينئذ لا تملك
بالإحياء ، ولا يختص بها المحجر ، ولا يجوز إقطاعها ، ولا يختص المقطع بها ).
أي : حين إذ كان
الأقرب اشتراك المسلمين فيها لا تملك بالإحياء
__________________
والسابق إلى موضع
منه لا يزعج قبل قضاء وطره ، فإن تسابق اثنان أقرع مع تعذر الجمع ، ويحتمل القسمة
، وتقديم الأحوج.
______________________________________________________
ولا يختص بها
المحجر كسائر الأموال التي اشترك الناس فيها لئلا يبطل حق الباقين ، وفي هذا
مناقشتان :
الأولى : إن
الإحياء في المعدن عبارة عن إظهاره بالعمل ، وهذا المعنى غير متصور في المعادن
الظاهرة ، فلا يتصور فيها إحياء ولا تحجير ، لأنه شروع في الإحياء فلا حاصل لقوله
: ( لا يملك بالإحياء ).
الثانية : إن
تفريع عدم تملكها بالإحياء على اشتراك المسلمين فيها لا يستقيم ، لأن الاشتراك غير
مانع من التملك بالإحياء ، كما لو حفر نهراً وأجرى فيه الماء من نهر مباح ، ولما
لم يتصور إحياؤها [ لم يتصور إقطاعها ] وقد حققناه سابقاً.
قوله
: ( والسابق إلى
موضع منه لا يزعج قبل قضاء وطره ).
لثبوت الأحقية
بالسبق ، والظاهر عدم الفرق بين طول الزمان وقصره ، ولا بين أخذ قدر الحاجة وما
زاد ، ما لم يصر مقيماً فإنه يزعج إذا منع غيره على الظاهر.
قوله
: ( فإن تسابق اثنان
أقرع مع تعذر الجمع ، ويحتمل القسمة ، وتقديم الأحوج ).
وجه الأول : أن كل
أمر مشكل فيه القرعة.
ووجه الثاني : وهو
القسمة ، لتساويهما في سبب الاستحقاق وإمكان الجمع بينهما فيه ، وإن لم يمكن الجمع
بينهما للأخذ في زمان واحد ، وهذا إنما يكون في غير المعدن الواسع جدّاً بحيث يزيد
على مطلوب كل واحد
__________________
ولو كان إلى جنب
المملحة أرض موات فحفر فيها بئراً ، وساق الماء إليها وصار ملحاً صح ملكها ، ولم
يكن لغيره المشاركة.
______________________________________________________
منهما وإن كثر ،
إذ لا معنى للقسمة حينئذ. نعم ما قلّ عن مطلوبهما لا يبعد القول فيه بالقسمة ،
لإمكانها واستوائهما في سبب الاستحقاق.
والقرعة إنما هي
في الأمور المشكلة التي لا طريق إلى معرفة حكمها ، أما ما ثبت حكمها بدليل شرعي
فلا وجه لإجراء القرعة فيها ، فإن تشاحّا في التقدم في النيل لضيق المكان فليس
ببعيد القول بالقرعة حينئذ ، فمن أخرجته أخذ حقه من المقسوم.
فتلخص من هذا أنه
مع السعة بمطلوبهما المرجع إلى القرعة في التقدم ، ومع عدمه فالقسمة ، فإن تشاحا
في التقدم أقرع.
ولو أن أحدهما قهر
الآخر وأخذ مطلوبه أثم قطعاً ، ثم إن كان المعدن واسعاً ملك ما أخذه بالأخذ ، لأنه
لم يأخذ ما استحقه الآخر ، وإلا لم يملك إلا ما تقتضي القسمة استحقاقه إياه.
ومثله ما لو ازدحم
اثنان على الفرات مثلاً فقهر أحدهما صاحبه وحاز ماءً فإن الظاهر أنه يملكه بخلاف
ما لو ازدحما على ماء غدير ونحوه مما لا يقطع بكونه وافياً لغرضهما فإن الأولوية
لهما ، فلا يملك القاهر ما أخذه إلا بعد القسمة.
ووجه الثالث : أن
سبب الاستحقاق الحاجة ، ومن كان سببه أقوى استحق التقديم. وهو ضعيف ، لأن الحق
لجميع الناس بالأولوية من غير النظر إلى الأحوجية ، وعند الازدحام يمتازان عن باقي
الناس بالأولوية بالسبق ، والأحوجية لا أثر لها ، وما ذكرناه من التفصيل هو
التحقيق.
قوله
: ( ولو كان إلى جنب
المملحة أرض موات ، فحفر فيها بئراً وساق الماء إليها فصار ملحاً صح ملكها ، ولم
يكن لغيره المشاركة ).
ولو أقطع الإمام
هذه الأرض جاز.
وأما الباطنة :
فهي التي تظهر بالعمل كالذهب ، والفضة ، والحديد ، والنحاس ، والرصاص ، والبلور ،
والفيروزج. فقيل إنها للإمام أيضاً خاصة ، والأقرب عدم الاختصاص ،
______________________________________________________
الضمير في ( صح
ملكها ) يعود إلى البئر ، ووجهه : أن ذلك إحياء ، لأن الانتفاع بها إنما هو بالعمل
، وحينئذ فليس لغيره المشاركة فيها لاختصاصه بالملك ، أما المملحة فإنها على
حكمها.
قوله
: ( ولو أقطع الإمام
هذه الأرض جاز ).
لأن الإحياء فيها
متصور بالنسبة إلى عمل الملح فيتصور فيها التحجير والإقطاع.
قوله
: ( وأما الباطنة :
وهي التي تظهر بالعمل كالذهب ، والفضة ، والحديد ، والنحاس ، والرصاص ، والبلور ،
والفيروزج فقيل : إنها للإمام 7 أيضاً ، والأقرب عدم الاختصاص ).
البلور كتنُّور [
وسنَّور ] وسبطر ، ذكره في القاموس . وقد ذكرنا الخلاف في اختصاص الإمام 7 بالمعادن وعدمه ،
وأن المشهور بين الأصحاب المتأخرين استواء الناس فيها ، ولا تفاوت بين قوله هنا :
( والأقرب عدم الاختصاص ) ، وقوله فيما سبق : ( والأقرب اشتراك المسلمين فيها )
إلا التفنن في العبارة.
وقال الشارح
الفاضل : إنما قال في الظاهر أنها مشتركة ، وقال هنا بعدم الاختصاص ، لأن هذه
ملحقة بالموات ، فمن أحيا شيئاً منها فهو أحق به . وفي استفادة هذا
من هذا اللفظ نظر ، فإنّ الاشتراك في الأول لا يراد
__________________
فإن كانت ظاهرة لم
تملك بالإحياء أيضاً ، وإن لم تكن ظاهرة فحفرها إنسان وأظهرها أحياها ، فإن كانت
في ملكه ملكها ، وكذا في الموات.
______________________________________________________
به إلا عدم
الاختصاص ، فإنّ إرادة الاشتراك الحقيقي معلوم البطلان ، لأن الناس في المعادن
الظاهرة سواء ، وأما الملك بالإحياء فإنه تابع لتحقق الإحياء. وحكى في الدروس
أقوال الفقهاء في المعادن ثم قال : والكل ضعيف .
قوله
: ( فإن كانت ظاهرة
لم تملك بالإحياء ).
المراد إن لم يكن
الوصول إليها متوقفاً على الإحياء ، وإن كانت مستورة بنحو تراب يسير فإن هذه لا
تملك بتنحيته عنها ، لأن ذلك لا يعد إحياءً ، بخلاف المستورة في الأرض الموات إذا
أحياها أحد فإنه يملك المعدن الغير الظاهر وإن لم يكن إظهاره بحيث يعد إحياءً ،
والفرق التبعية لما يملك بالإحياء في الأخيرة دون الأولى.
قوله
: ( فإن كانت في
ملكه ملكها وكذا في الموات ).
قد يفهم من هذه
العبارة أنه يملك ما في ملكه بالإحياء ، وليس كذلك ، بل هو مملوك لكونه من أجزاء
الأرض ، ولهذا
لو أراد أحد الحفر
من خارج أرضه لم يكن له الأخذ مما كان داخلاً في أرضه ، لأنه من أجزاء الأرض
المملوكة ، إنما يأخذ ما خرج ، صرح بذلك في التذكرة . لكن يمكن أن
تنزّل هذه العبارة على معنى صحيح وهو : إن من أحيا معدناً في أرضه ملكه على حسب ما
يقتضيه الحال.
وإن خرج بعضه عن
أرضه إلى موات فليس لأحد حينئذ أن يحفر في الموات بحيث يأخذ مما استحقه الأول. وإن
لم يكن في أرضه فقوله :
__________________
ولو لم يبلغ
بالحفر إلى النيل فهو تحجير لا إحياء ، ويصير حينئذ أحق ولا يملكها بذلك ، فإن
أهمل أجبر على إتمام العمل أو الترك ، وينظره السلطان إلى زوال عذره ثم يلزمه أحد
الأمرين.
ويجوز للإمام
إقطاعها قبل التحجير والإحياء ، ولا يقتصر ملك المحيي على محل النيل ، بل الحفر
التي حواليه وتليق بحريمه يملكها أيضاً.
______________________________________________________
( ملك بالإحياء )
يفيد ذلك ، لأنه يملك ما أحياه ويستحق حريمه وإن لم يكن في ملكه ، وقد استشكله في
التحرير .
قوله
: ( ولو لم يبلغ
بالحفر إلى النّيل فهو تحجير لا إحياء ويصير حينئذ أخص ولا يملكها بذلك ).
أي : لو لم يبلغ
بالحفر إلى إظهار المعدن ونيله فليس بإحياء ، لأن المراد بالإحياء : الوصول إليه
بالعمل ، لكنه تحجير يكون باعتباره أحق من غيره وأخص به.
قوله
: ( فإن أهمل أجبر
على تمام العمل أو الترك وينظره السلطان إلى زوال عذره ثم يلزمه أحد الأمرين ،
ويجوز للإمام إقطاعها قبل التحجير والإحياء ).
وذلك كما سبق في
التحجير ، وإنظار السلطان إياه إلى زوال عذره إن ذكر عذراً ، ويؤجله بما يراه
مصلحة إن طلب التأجيل ، ولو اعتذر بكونه فقيراً فطلب الإمهال إلى اليسار احتمل عدم
الإجابة.
قوله
: ( ولا يقتصر ملك
المحيي على محل النيل ، بل الحفر التي حواليه ويليق بحريمه تملكها أيضاً ).
__________________
ولو أحيى أرضاً
ميتة فظهر فيها معدن ملكه تبعاً لها ، ظاهراً كان أو باطناً ، بخلاف ما لو كان
ظاهراً قبل إحيائها.
ولو حفر فبلغ
المعدن لم يكن له منع غيره من الحفر من ناحية أخرى ، فإذا وصل الى ذلك العرق لم
يكن منعه ، لأنه يملك. المكان الذي حفره وحريمه.
______________________________________________________
المراد بالحفر
التي حواليه : هي ما يحفره بالقوة ، والمرجع في حريمه إلى العرف ، وقدّره في
التذكرة بقدر ما يقف الأعوان والدواب .
وقال شيخنا في
الدروس : ومن ملك معدناً ملك حريمه ، وهو منتهى عروقه عادة ، ومطرح ترابه وطريقه . ولعله يريد
بمنتهى عروقه : إذا كانت غير بعيدة ، أما مع البعد فهو غير ظاهر لأن من المعلوم أن
المعدن إذا طال كثيراً لا يملك جميعه بالإحياء من بعض أطرافه.
قوله
: ( ولو أحيى أرضاً
ميتة فظهر فيها معدن ملكه تبعاً لها ، ظاهراً كان أو باطناً ، بخلاف ما لو كان
ظاهراً قبل إحيائها ).
أراد بالظاهر
الأول : ما لا يحتاج في إظهاره إلى عمل بحيث يعدّ إحياء ، وبالثاني : ما لم يكن
مستوراً بحيث لا يكون لإحياء الأرض دخل في ظهوره.
قوله
: ( ولو حفر فبلغ
المعدن لم يكن له منع غيره من الحفر من ناحية أخرى ).
لأنه إنما يختص
بما أحياه وحريمه.
قوله
: ( فإذا وصل إلى
ذلك العرق لم يكن له منعه لأنه يملك
__________________
ولو حفر كافر
أرضاً فوصل إلى معدن ، ثم فتحها المسلمون ففي صيرورته غنيمة أو للمسلمين إشكال.
______________________________________________________
المكان الذي حفره
وحريمه ).
أي : فإذا وصل
الغير بالحفر من ناحية إلى العرق الذي هو المعدن لم يكن للأول منعه ، وقوله : (
لأنه يملك المكان الذي حفره وحريمه ) يصلح تعليلاً لكل من الحكمين ، أعني : عدم
جواز منعه من الحفر ، وعدم جواز منعه من العروق إذا بلغه ، وهو خارج عن الموضع
الذي ملكه وحريمه.
وفي التحرير : أنه
إذا وصل الأول إلى العرق فهل للثاني الأخذ منه من جهة أخرى؟ الوجه المنع ، فإن
الأول يملك حريم المعدن . والظاهر أنه يريد أنّ أخذ الثاني ممنوع منه إذا كان موضع
الأخذ حريماً للأول ، وإلا لم يطابق الدليل الدعوى.
قوله
: ( ولو حفر كافر
أرضاً فوصل إلى معدن ثم فتحها المسلمون ففي صيرورته غنيمة أو للمسلمين إشكال ).
ينشأ : من أن
الإحياء يقتضي ملك المعدن فيكون غنيمة ، لأنه ليس من جنس الأرض ، ومن مشابهة الأرض
في كونه لا ينقل. وهو ضعيف ، لأنه منقول بالقوة القريبة.
قال المصنف في
التحرير : إنه لا يكون غنيمة بل يكون على أصل الإباحة ، لأنه لا يعلم هل قصد
الجاهل التملك فيغنم؟ أو لا فيبقى على أصل الإباحة ؟ وكذا قال في
التذكرة .
وقال : إن ذلك
جارٍ مجرى من حفر بئراً في البادية وارتحل عنها.
__________________
ومن ملك معدناً
فعمل فيه غيره فالحاصل للمالك ، ولا أجرة للغاصب. ولو أباحه كان الخارج له ، ولو
قال له : اعمل ولك نصف الخارج بطل ، لجهالة العوض إجارة وجعالة ، فالحاصل للمالك
وعليه الأجر.
______________________________________________________
والفرق ظاهر ، لأن
القرائن هنا دلت على أنه إنما أراد دفع حاجة حاضرة ، إذ لا يقصد أحد غالباً ملك
بئر في البادية بخلاف المتنازع. وهو ضعيف ، لأن الذي لا يكون إلا للتملك بحسب
الغالب كافٍ في حصول الملك ، ولا يعتبر العلم بنية التملك وإن شرطناها عملاً
بالظاهر ، وإلا لكان الحافر للمعدن إلى أن يبلغه لا يختص به لعدم العلم بكونه نوى
التملك ، فلا يمنع من أراد الأخذ ، وهو باطل ، والظاهر أنه غنيمة.
قوله
: ( ومن ملك معدناً
فعمل فيه غيره فالحاصل للمالك ، ولا اجرة للغاصب ).
المراد بعمل الغير
فيه بعد الملك : استخراج الجواهر ، وظاهر أنه لا أجرة للغاصب لعدوانه.
قوله
: ( ولو أباحه كان
الخارج له ).
أي : لو أباحه
المالك ، وإنما يملك الخارج إذا ملّكه المالك إياه. فلو أباحه صح تصرفه ، ولم يخرج
عن ملك المالك ما دامت العين موجودة.
قوله
: ( ولو قال : اعمل
ولك نصف الخارج بطل ، لجهالة العوض إجارةً وجعالةً ، فالحاصل للمالك وعليه الأجرة
).
أما بطلانه إجارة
فظاهر ، للجهالة. وأما الجعالة فقد احتمل في الدروس صحتها بناء على أن الجهالة
التي لا تمنع من تسليم العوض غير مانعة من الصحة .
__________________
الفصل الرابع : في المياه ، وأقسامها سبعة :
الأول : المحرز في الآنية ، أو الحوض ، أو المصنع. وهو مملوك لمن
أحرزه وإن أخذ من المباح ، ويصح بيعه.
الثاني : البئر إن حفرت في ملك ، أو مباح للتملك اختص بها
______________________________________________________
ولقائل أن يقول :
إن هذه مانعة من التسليم ، إذ لا يعلم متعلق المعاملة ، لعدم وقوف الحق عند حد تقع
المعاملة عليه ، فلا يكون الذي بدل العوض في مقابله معلوماً معيناً ، بحيث إذا
تحقق إثباته به استحق ، ويلزم من جهالته جهالة العوض ، إذ لا يتعين قدر الخارج
بمعين ، بخلاف : من رد عبدي فله نصفه. والمطابق لهذا أن يقول : من أخرج كذا وكذا
فله نصفه ، أما لو قال له : اعمل فما أخرجته فلنفسك ، فإن الحاصل للمالك.
قال الشيخ ; ، وحكاه في
التذكرة عنه وعن الشافعي ، قال : ولا أجرة له ، لأنه لم يعمل للمالك بل عمل لنفسه
ما لم يملكه. وليس هو كالقراض الفاسد ، لأن العامل فيه عمل للمالك لا لنفسه ، ولما
لم يسلم له المشترط رددناه إلى أجرة المثل .
قوله
: ( الفصل الرابع :
في المياه : وأقسامها سبعة :
الأول : المحرز في
الآنية ، أو الحوض ، أو المصنع ، وهو مملوك لمن أحرزه وإن أخذ من المباح ، ويصح
بيعه ).
المصنع والمصنعة
بضم النون : كالحوض يجمع فيه ماء المطر ، ولا خلاف في حكم هذا القسم.
قوله
: ( الثاني : البئر
إن حفرت في ملك ، أو مباح للتملك
__________________
كالمحجر ، فإذا
بلغ الماء ملكه ، ولا يحل لغيره الأخذ منه إلا بإذنه ، ويجوز بيعه كيلاً ووزناً ،
ولا يجوز بيعه أجمع لتعذر تسليمه ،
______________________________________________________
اختص بها كالمحجر
، فإذا بلغ الماء ملكه ، ولا يحل لغيره الأخذ منه إلا بإذنه ، ويجوز بيعه كيلاً
ووزناً ).
القول بالملك في
هذا القسم هو أصح الوجهين عند الشيخ والأصحاب . وقد صرح في التذكرة بأنه يجب في بيع الماء أن يكون معلوم
القدر بالكيل أو الوزن ، سواء كان في مصنع ، أو آنية ، أو بركة .
قوله
: ( ولا يجوز بيعه
أجمع لتعذر تسليمه ).
أي : ماء البئر ،
وإنما تعذر تسليمه لأنه ينبع شيئاً فشيئاً فيختلط المبيع بغيره ، ولا يمكن التمييز
، ولا منع الاختلاط.
ولو بيع أصواعاً
معلومة فقد اختار المصنف في التذكرة الجواز ، كما لو باع من صبرة قدراً معلوماً ، ويحتمل العدم لتجدد
الماء الموجب لاختلاط المبيع ، فإن صاعاً من ماء معين مغاير لصاع من ذلك الماء إذا
صب عليه ماء آخر فيتعذر التسليم.
ومثله ما لو باع
صاعاً من صبرة ثم صب عليها صبرة أخرى قبل التسليم ، ذكر هذا الاحتمال في التذكرة
أيضاً . وأما البيع من ماء القناة فلا يصح ، إذ لا يمكن ربط العقد بقدر مضبوط لعدم
وقوفه.
__________________
والبئر العادية
إذا طمت وذهب ماؤها فاستخرجه إنسان ملكها.
ولو حفر في المباح
لا للتمليك ، بل للانتفاع فهو أحق مدة مقامه عليها.
وقيل : يجب بذل
الفاضل عن مائها عن قدر حاجته ، وفيه نظر ، فإذا فارق فمن سبق فهو أحق بالانتفاع ،
ولا يختص بها أحد.
______________________________________________________
إذا عرفت هذا
فالمفهوم من قوله : ( ولا يجوز بيعه أجمع ) أنه يجوز بيع بعضه ، ويجب أن يقيّد
بكون البعض مقدراً بالإصبع ونحوها ، ولا جزءاً مشاعاً بالنسبة لتعذر التسليم
أيضاً.
ويجوز بيع الماء
بدون الكيل والوزن بالمشاهدة إذا كان محصوراً ، كما سبق في كتاب البيع ، وذكره في
الدروس في هذا الباب .
قوله
: ( والبئر العادية
إذا طُمّت وذهب ماؤها فاستخرجه إنسان ملكها ).
المراد بالعادية :
القديمة ، وهي منسوبة إلى عاد ، والعرب ينسبون القديم إليه.
قوله
: ( ولو حفر في
المباح لا للتملك ، بل للانتفاع فهو أحق مدة مقامه عليها ).
مقامه بضم الميم :
إقامته عليها ، وإنما كان أحق بها المدة المذكورة ، لأن فعله لا ينقص عن التحجير.
قوله
: ( وقيل : يجب بذل
الفاضل من مائها عن قدر حاجته ، وفيه نظر ، فإذا فارق فمن سبق فهو أحق بالانتفاع ،
ولا يختص بها أحد ).
__________________
______________________________________________________
القائل بذلك الشيخ
; لقوله 7 : « الناس شركاء في ثلاثة : النار والماء والكلأ » ولا دلالة فيها ،
لأن الاشتراك في الأصل لا ينافي تجدد الملك ، والاختصاص كالمحرز في الآنية ، ولأن
المفرد المحلى باللام لا يعم ، وما ورد من الأخبار من النهي عن منع الفاضل من
الماء ونحوه فهو محمول على الكراهية.
ووجه النظر : إن
تملك المباحات إن لم يحتج إلى نية فقد ملك هذا الماء ، فلا يجب عليه بذل فاضله
كسائر أمواله ، وعلى القول بالاحتياج في التملك إليها فهذا كالتحجير يفيد الأولوية
، وحينئذ فلا دليل على وجوب بذل الزائد.
هذا حكم ما إذا
قصد بالحفر التملك أو قصد عدمه ، أما لو لم يقصد شيئاً ، فقد قال في التذكرة :
الأقوى اختصاصه به ، لأنه قصد بالحفر أخذ الماء فيكون أحق ، وهنا ليس له منع
المحتاج عن الفاضل عنه ، لا في شرب الماشية ولا الزرع .
وفيه نظر ، لأن مع
الاختصاص لا دليل على وجوب بذل الفاضل عن صاحبه ، مع أنه حقق فيما بعد أن الفعل
الذي فعله للإحياء لا يفعل في العادة مثله إلا للتملك كبناء الدار ، واتخاذ
البستان ملك به وإن لم يوجد منه قصد التملك. وإن كان مما يفعله المتملك وغير
المتملك كحفر البئر في الموات ،
__________________
______________________________________________________
وزراعة قطعة من
الموات اعتماداً على ماء السماء افتقر تحقق الملك إلى تحقق قصده ، فإن قصد أفاد
الملك وإلا فإشكال ينشأ ، من أن المباحات هل تملك بشرط النية أم لا؟ وللشافعية
وجهان .
وما لا يكتفي به
التملك كتسوية موضع النزول ، وتنقيته عن الحجارة لا يفيد التملك وإن قصده ، وهذا
كنصب الأحبولة في طرق الصيد فإنه يفيد الملك في الصيد ، وإغلاق الباب إذا دخل
الصيد الدار على قصد التملك وجهان.
وتوحل الصيد في
أرضه التي سقاها لا بقصد الصيد لا يقتضي التملك ، وإن قصده . هذا كلامه ،
وإشكاله الذي ذكره ينافي الجزم الذي تقدم ، والذي يقتضيه النظر عدم اشتراط النية
في تملك المباحات للأصل ، ولعموم قوله 7 : « من أحيى أرضاً ميتة فهي له » .
واشتراط النية
يحتاج إلى مخصص ، والإحياء في كل شيء بحسبه كما سيأتي إن شاء الله تعالى. فحفر
البئر إلى أن يبلغ الماء إحياء ، وليس في الباب ما يدل على الاشتراط مما يعتد به ،
وغاية ما يدل عليه ما ذكروه : أن قصد عدم التملك مخرج للإحياء عن كونه سبباً للملك
، إذ الملك القهري هو الإرث كما صرح به في التذكرة ، فإنه قال في قريب أول بحث
المياه في جملة كلام له : إن الإنسان لا يملك ما لم يتملك إلا في الميراث .
فعلى هذا إن نوى
التملك بالإحياء ملك ، وكذا ينبغي إذا لم ينو شيئاً
__________________
ولو حفرها جماعة
ملكوها على نسبة الخرج ، وإذا حفر بئراً في ملكه لم يكن له منع جاره من حفر أعمق
في ملكه وإن كان يسري الماء إليها ،
______________________________________________________
بخلاف ما لو نوى
العدم ، وحينئذٍ فيتصور التوكيل في حيازة المباحات وإحياء الموات ، وسيأتي إن شاء
الله تعالى ثم نعود إلى مسألة الكتاب.
والأصح فيها عدم
الملك وعدم وجوب بذل الفاضل ، لكن لا يجوز بيعه إلا بعد الحيازة.
قوله
: ( ولو حفرها جماعة
ملكوها على نسبة الخرج ).
أي : اشتركوا في
الحفر كله ، بحيث يكون كل [ جزء ] منه لهم ، وأجرته عليهم ، فاشتراكهم على نسبة الخرج.
وإن اختص كل منهم
بحفر بعض ، فإن كان الخرج للجميع مطابقاً للعمل ، ولم يكن سعر عمل بعضهم أزيد من
سعر عمل الآخر فكذلك ، إذ نسبة العمل والخرج مستوية في الجميع ، فإن تفاوت السعر
فالاشتراك على نسبة العمل ، لأن خرج أحدهم لو كان الربع ، وعمله في الحفر الخمس
لزيادة السعي في نوبته لم يكن له في سبب الإحياء إلا الخمس فلا يجوز أن يعطى الربع
، لأن ذلك ظلم.
قوله
: ( وإذا حفر بئراً
في ملكه لم يكن له منع جاره من حفر أعمق في ملكه ، وإن كان يسري الماء إليها ).
لأن للجار أن
يتصرف في ملكه كيف شاء ، لأن « الناس مسلطون على أموالهم » .
__________________
والملك في القناة
المشركة بحسب الاشتراك في العمل أو الخرج.
الثالث : مياه العيون ، والغيوث ، والآبار في الأرض المباحة لا
للتملك شرع لا يختص بها أحد ، فمن انتزع منها شيئاً في إناء وشبهه ملكه ، ويقدّم
السابق مع تعذر الجمع فإن اتفقا أقرع.
______________________________________________________
قوله
: ( والملك في
القناة المشتركة بحسب الاشتراك في العمل أو الخرج ).
هذا إن تساوى
العمل والخرج ، وإن اشتركوا في العمل كله ، وإلا فالعبرة بالعمل.
وقال الشيخ : إنهم
لا يملكونه لكنهم أولى به ، ويقتسمونه على قدر الضياع ، وهو ضعيف.
قوله
: ( الثالث : مياه
العيون ... ).
مبتدأ ، وقوله : (
شرع ) بالإسكان والتحريك خبره.
وقوله : ( لا يختص
بها أحد ) تفسير له.
وقوله : ( في
الأرض المباحة لا للتملك ) قيد في الجميع ، فإنه لو حفر في الأرض المباحة بئراً ،
أو عيناً ، أو مصنعاً للتملك ملك الماء. ويخرج عنه ما إذا نوى عدم التملك ، أو لم
ينو شيئاً وقد سبق تحقيقه.
قوله
: ( ويقدم السابق مع
تعذر الجمع ، فإن اتفقا أقرع ).
لم يذكر هنا
احتمال القسمة وتقديم الأحوج ، ولا ريب أن الماء إن كان قليلاً لا يسعهما فالقول
بالقسمة قوي ، وقد سبق في التيمم في جماعة انتهوا إلى ماء مباح مثله.
__________________
الرابع : مياه الأنهار الكبار كالفرات ودجلة ، والناس فيها شرع.
الخامس : الأنهار الصغار غير المملوكة التي يزدحم الناس فيها
ويتشاحون في مائها ، أو مسيل يتشاح فيه أهل الأرض الشاربة منه ولا يفي لسقي ما
عليه دفعة فإنه يبدأ بالأول ، وهو الذي يلي فوهته ،
______________________________________________________
وأما الأحوج فإن
كانت حاجته الخوف على نفس محترمة فإنه يقدم لا محالة.
قوله
: ( الرابع : مياه
الأنهار الكبار كالفرات ودجلة والناس فيها شرع ).
دجلة بالفتح
والكسر ، ويفهم من أداء عبارة القاموس أن الكسر أكثر ، [ و ] المراد
بها الأنهار التي لا مدخل لإحياء الناس فيها لكبرها ، فحينئذ لا تكون إلا مباحة
للناس كلهم ، ومتى دخل منها شيء في ملك مالك لم يملكه كالطائر يعشش في ملكه ،
والسمكة تطفر إلى السفينة لعدم كون ذلك حيازة ، لكن لا يحل لغير المالك الدخول إلى
الملك بغير إذن وأخذه ، فلو فعل أثم وملكه.
وفي حكم هذه
الأنهار الكبار كل نهر عادي في العالم.
قوله
: ( الخامس :
الأنهار الصغار غير المملوكة ، يزدحم الناس فيها ـ إلى قوله : ـ فإنه يبدأ بالأول
وهو الذي يلي فوهته ).
الفوهة كقربة :
أول الوادي ، وإنما يكون من يلي الفوهة هو الأول إذا سبق بالإحياء أو جهل الحال ،
أما إذا علم السبق فظاهر ، لأن السابق قد استحق قبل المتأخر فيبقى استحقاقه
مستصحباً.
وأما إذا جهل
الحال فلتكافؤهما في السبق والتأخر ، وتحقق القرب إلى
__________________
ويحبس على من دونه
حتى ينتهي سقيه للزرع إلى الشراك ، وللشجر إلى القدم ، وللنخل إلى الساق ثم يرسل
إلى من دونه.
ولا يجب الإرسال
قبل ذلك وإن تلف الأخير ، فإن لم يفضل عن الأول شيء أو عن الثاني فلا شيء
للباقين.
______________________________________________________
أول النهر في
أحدهما فيختص بالتقدم ، لأن الماء يكون عنده قبل المتأخر ، ومثله ما لو أحيوا دفعة
واحدة ، وسيأتي التنبيه على ذلك في كلام المصنف.
قوله
: ( ويحبس على من
دونه حتى ينتهي سقيه للزرع إلى الشراك ، وللشجر إلى القدم ، وللنخل إلى الساق تم
يرسل إلى من دونه ، ولا يجب الإرسال قبل ذلك وإن تلف الأخير ).
هذا هو المشهور
بين الأصحاب ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط وقال في النهاية : إن الأعلى يحبس على الأسفل للنخل إلى
الكعب ، وللزرع إلى الشراك .
وقد روى غياث بن
إبراهيم : أن النبي 6 قضى به في وادي مهزور ، بالزاء أولاً ثم الراء ، وهو وادٍ قريب المدينة الشريفة
، وقيل بتقدم الراء وتأخير الزاء نقله ابن بابويه عن شيخه محمد بن الحسن وقال : إنها
كلمة فارسية وهو من هرز الماء ، والهرز بالفارسية الزائد على المقدار الذي يحتاج
إليه . وعلى كل حال فالعمل على المشهور.
قوله
: ( فإن لم يفضل عن
الأول شيء ، أو عن الثاني فلا شيء للباقي ).
__________________
ولو كانت أرض
الأعلى مختلفة في العلو والهبوط سقى كلا على حدته.
ولو تساوى اثنان
في القرب من الرأس قسّم بينهما ، فإن تعذر أقرع ، فإن لم يفضل عن أحدهما سقى من
أخرجته القرعة بقدر حقه ، ثم يتركه للآخر ، وليس له السقي بجميع الماء لمساواة
الآخر له في الاستحقاق ،
______________________________________________________
لأنه لاحق لهم
لسبقه.
قوله
: ( ولو كانت أرض
الأعلى مختلفة في العلو والهبوط سقى كلا على حدته ).
إذ لو سقيا معاً
لزاد الماء في المنخفضة عن الحد السائغ شرعاً فيخرج عن المنصوص.
قوله
: ( ولو تساوى اثنان
في القرب من الرأس قسِّم بينهما ).
إنما يقسم بينهما
إذا تساويا مع ذلك في الإحياء ، أو جهل الحال فيقسم بينهما على نسبة الاحتياج ،
لأن الأولوية منوطة بالحاجة.
قوله
: ( فإن تعذر أقرع ).
أي : فإن تعذر ذلك
وهو القسمة بينهما فالحق لهما ، ولا أولوية في التقدم ، والفرض أنه لا يمكن الجمع
فلا بد من القرعة.
قوله
: ( فإن لم يفضل عن
أحدهما سقى من أخرجته القرعة بقدر حقه ، ثم يتركه للآخر ، وليس له السقي بجميع
الماء لمساواة الآخر له في الاستحقاق ).
إذا أخرجت القرعة
أحدهما نظر فلا يخلو : إما أن يكون من أخرجته القرعة إذا سقي مقدار ما تندفع به
حاجته ، وهو المقرر للنخل والشجر والزرع
والقرعة تفيد
التقديم ،
______________________________________________________
عند احتياجه إلى
السقي عادة ، يفضل للآخر من المدة التي لا يفسد فيها زرعه قبل انقضائها ، أو لا.
فإن كان الأول فلا بحث بسقي من أخرجته القرعة حتى يقضي حاجته ثم يرسل إلى الآخر
فيسقي كذلك ، وهذا القسم تركه المصنف لظهوره.
وإن كان الثاني لم
يكن لمن أخرجته القرعة أن يسقي مقدار حاجته فيفسد زرع الآخر كله أو بعضه ، بل ينظر
إلى مقدار زمان السقي لهما ، ومقدار زمان صبر الزرعين ، وعدم تطرق الفساد إليهما.
والفرض في هذا
القسم قصور الزمان الثاني عن الأول ، لأن الفرض عدم فضل كفاية سقي الثاني عن سقي
الأول ، فمقدار ما قصر به الزمان الثاني يوزّع على كل من المالك الأول والثاني ،
فيسقي الأول مقدار حقه وهو ما يبقى بعد إسقاط حصته من التوزيع لا مقدار حاجته
جميعاً ، ثم يرسله إلى الثاني.
مثاله : لو كان
زمان سقي الأول ـ أعني الذي أخرجته القرعة ـ ستة أيام ، والآخر مثلها ، والثاني
ثمانية أيام فلكل منهما أربعة أيام.
ولو تفاوتا في ذلك
: فإن كان زمان الأول ستة أيام ، والآخر أربعة ، ومجموع المدة التي لا يبقى
الزرعان بعدها ثمانية أيام : فللأول ثلاثة أخماس ثمانية أيام ، وللآخر خمساها.
فإذا انقضى ثلاثة أخماس الثمانية الأيام أرسل الماء الأول وهو من أخرجته القرعة
إلى الثاني لمساواتهما في أصل الاستحقاق ، وإن كانا قد يختلفان في قدره باعتبار
اختلاف الأرض فلا يجوز استئثار أحدهما على الآخر بشيء من الماء.
قوله
: ( والقرعة تفيد
التقديم ).
جواب عن سؤال
مقدّر تقديره : أي فائدة للقرعة حينئذ وقد حكمنا
بخلاف الأعلى مع
الأسفل.
ولو كانت أرض
أحدهما أكثر قسّم على قدرها ، لأن الزائد مساوٍ في القرب.
______________________________________________________
باستوائهما في
السقي؟
وجوابه : فائدتها
تقديم أحدهما على الآخر ، ولو لا القرعة لم يتحقق ذلك ، لعدم الأولوية ، ولا يلزم
من القرعة سقوط الاستحقاق الثابت شرعاً ، بل لا يجوز ، لأن القرعة في الأمر المشكل
لا في الأمر المعلوم والثبوت شرعاً أو الانتفاء.
قوله
: ( بخلاف الأعلى مع
الأسفل ).
أي : الحكم في
المتساويين في القرب من رأس النهر بخلاف حكم الأعلى مع الأسفل حيث يستوفي حاجته
وإن أفضى ذلك إلى تلف زرع من دونه. والفرق أنه لا حق للسافل إلا بعد قضاء حاجة
الأعلى ، وما نحن فيه الحق لكل من المالكين على طريق الاشتراك.
هذا تحقيق هذا
المبحث ، وإن كان في عبارة المصنف بعض المناقشات ، فإن قوله : ( فإن لم يفضل عن
أحدهما ) غير محتاج إليه ، بل المحتاج إليه هنا : ألا يفضل عمن أخرجته القرعة ، ثم
مطلق عدم الفضل لا يكون شرطاً للحكم المذكور ، بل الشرط أن لا يفضل بقدر الحاجة ).
وقوله : ( وليس له السقي بجميع الماء ) لا يراد ظاهره ، بل المراد : وليس له السقي
بمقدار حاجته بحيث ينحصر الضرر في جانب الآخر.
قوله
: ( ولو كانت أرض
أحدهما أكثر قسّم على قدرها ، لأن الزائد مساوٍ في القرب ).
قد سبق ما يصلح
دليلاً على هذا ، وتوضيح تعليل المصنف أن مناط الاستحقاق هو العرف وهو ثابت في
الزائد ، فيكون الاستحقاق له ثابتاً ، فيكون
ولو أحيى إنسان
أرضاً على هذا النهر لم يشارك السابقين ، بل يقسّم له ما يفضل عن كفايتهم وإن كان
الإحياء في رأس النهر ، وليس لهم منعه من الإحياء.
______________________________________________________
الحق على قدر
الجميع.
قوله
: ( ولو أحيى إنسان
أرضاً على هذا النهر لم يشارك السابقين ، بل يقسّم له ما يفضل عن كفايتهم ، وإن
كان الإحياء في رأس النهر ).
لأن العبرة في
السبق بالتقدم في الإحياء ، والسابق فيه هو السابق في الاستحقاق.
قوله
: ( وليس لهم منعه
من الإحياء ).
أي : ليس لأرباب
الأملاك على النهر السابقين في الإحياء منع من يريد الإحياء بعدهم في الأرض ، التي
هي أقرب من أرضهم إلى فوهة النهر ، أو المساوية لها في ذلك لعموم « من أحيى أرضاً
ميتة فهي له » .
فإن قيل : يلزم من
ذلك لطول الزمان ، وجهل الحال صيرورته أحق أو مساوياً في الاستحقاق فليكن لهم
المنع ، كما في الدرب المرفوع إذا أراد أحد من أهله فتح باب ، أو دخل من بابه فإن
لهم المنع حذراً من الشبهة بمرور الأيام.
قلنا : الفرق
بينهما أن الدرب حق لأرباب الدور ، فلهم المنع عن حقهم.
وأما الأرض العليا
أو المساوية فالفرض أنها موات لا حق لأحد فيها ، والناس فيها شرع.
__________________
ولو سبق إنسان إلى
الإحياء في أسفله ، ثم أحيى آخر فوقه ، ثم ثالث فوق الثاني قدّم الأسفل في السقي
لتقدمه في الإحياء ، ثم الثاني ، ثم الثالث.
السادس : الجاري من نهر مملوك ينزع من المباح ، بأن يحفر إنسان
نهراً في مباح يتصل بنهر كبير مباح ، فما لم يصل الحفر إلى الماء لا يملكه ، وإنما
هو تحجير وشروع في الإحياء ، فإذا وصل فقد ملك بالإحياء ، وسواء أجرى فيه الماء أو
لا ، لأن الإحياء للتهيئة للانتفاع.
فإن كان لجماعة
فهو بينهم على قدر عملهم أو النفقة عليه ، ويملكون الماء الجاري فيه على رأي ،
______________________________________________________
قوله
: ( السادس : الجاري
من نهر مملوك ينزع من المباح ، بأن يحفر إنسان نهراً في مباح يتصل بنهر كبير مباح
، فما لم يصل الحفر إلى الماء لا يملكه وإنما هو تحجير وشروع في الإحياء ، فإذا
وصل فقد ملك بالإحياء ، وسواء اجري فيه الماء أو لا ، لأن الإحياء للتهيئة
للانتفاع ).
أما إجراء الماء
فهو بمنزلة الزرع في الأرض المحياة فهو انتفاع ، فإن الماء يملك بالإجراء فيه ،
كما يملك الصيد بوقوعه في الحبالة المنصوبة.
قوله
: ( فإن كان لجماعة
فهو بينهم على قدر عملهم ، أو النفقة عليه ، ويملكون الماء الجاري فيه على رأي ).
خلافاً للشيخ ; فإن المحكي عنه :
أنهم لا يملكون ماءه ، ولكن يكونون أولى به . وكان يحتج بقوله 7 : « الناس شركاء في ثلاثة : النار ، والماء ، والكلأ » . ولا حجة فيه :
لأن المراد المباح دون
__________________
فإن وسعهم أو
تراضوا ، وإلاّ قسّم على قدر الأنصباء ، فيجعل خشبة صلبة ذات ثقب متساوية على قدر
حقوقهم في مصدم الماء ، ثم يخرج من كل ثقب ساقية مفردة لكل واحد.
______________________________________________________
المحرز ، وما جرى
مجراه. والأصح أنهم يملكونه.
قوله
: ( فإن وسعهم أو
تراضوا ، وإلا قسّم على قدر أنصبائهم ، فتجعل خشبة صلبة ذات ثقب متساوية على قدر
حقوقهم في مصدم الماء ، ثم يخرج من كل ثقب ساقية مفردة لكل واحد ).
إنما اعتبر في
الخشبة الصلابة كي لا تتأثر من الماء على مرور الأيام فيتفاوت الثقب.
واعتبر في الدروس
استوائها واستواء مكانها ، ووجهه أنه لولا ذلك لأدى ذلك إلى تفاوت خروج الماء من
الثقب فيخرج من بعضها الماء قليلاً ومن البعض كثيراً ، للتفاوت في العلو
والانخفاض.
ويكفي في الاشتراط
استواء الماء على الثقب إما لاستوائها واستواء المكان ، أو لغمر الماء إياها
جميعاً بحيث يخرج الماء من مجموع كل واحدة من الثقب.
وإذا تساوت الحقوق
فلا بحث في وجوب تساوي الثقب ، أما إذا تفاوت فلا بد من عدد يخرج منه جميعها
صحاحاً. فلو كان لواحد نصف ، ولآخر ربع ولآخر الباقي فلا بد من أربعة ثقب. ولو كان
لواحد ربع ، ولآخر سدس ، وللثالث الباقي فلا بد من اثني عشر ثقباً ، مضروب اثنين
في ستة ، أو ثلاثة في أربعة.
واعلم أن قوله : (
ثم يخرج من كل ثقب ساقية مفردة لكل واحد ) لا
__________________
فلو كان لأحدهم
نصفه ، وللآخر ثلثه ، وللثالث سدسه جعل لصاحب النصف ثلاث ثقب تصب في ساقيته ،
ولصاحب الثلث ثقبتان تصبان في أخرى ، ولصاحب السدس ثقب.
وتصح المهاياة
وليست لازمة.
وإذا حصل نصيب
إنسان في ساقية سقى به ما شاء ، سواء كان له
______________________________________________________
ينطبق على جميع
الصور ، إنما ينطبق على ما إذا استووا في الحقوق ، فيكون حق كل واحد منحصراً في
ثقب ، أما مع التفاوت فلا ، لوجوب التعدد.
ومن ثم لم يحسن
تفريع قوله : ( فلو كان لأحدهم نصفه ولآخر ثلثه وللثالث سدسه ... ) على قوله : (
ثم يخرج من كل ثقب ساقية مفردة لكل واحد ).
قوله
: ( وتصح المهاياة
وليست لازمة ).
إذ ليس معاوضة
محضة حقيقة ، وإنما تصح إذا جعل نصيب كل واحد معلوماً مضبوطاً بالأيام ، أو
بالساعات ، أو أقل أو أكثر. والمدار على الضبط وعدم التفاوت.
ومتى رجع أحدهم
قبل استيفاء بعض نوبته ، سواء كان الراجع قد استوفى نوبته أم لا ضمن المستوفي
للآخر اجرة مثل نصيبه من النهر للمالك الذي أجرى الماء فيها ، قاله في التذكرة .
فإن قيل : الماء
مثلي فكيف يضمن الأجرة؟
قلنا : لما تعذر
ضبط الماء المستوفي امتنع إيجاب مثله وقيمته ، فلم يبق إلا الرجوع إلى الزمان الذي
استوفى فيه ، فوجبت الأجرة على حسبه.
قوله
: ( وإذا حصل نصيب
إنسان في ساقية سقى بها ما شاء ،
__________________
شرب من هذا النهر
أو لا. وكذا البحث في الدولاب له أن يسقي بنصيبه ما شاء. ولكل واحد أن يتصرف في
ساقيته المختصة به بمهما شاء ، من إجراء غير هذا الماء ، أو عمل رحى ، أو دولاب ،
أو عبارة ، أو غير ذلك ، وليس له ذلك في المشترك.
______________________________________________________
سواء كان له شرب
من هذا النهر أو لا ).
الضمير في قوله :
( سواء كان له ) يعود إلى ( ما ) ، أي : سواء كان ما يساقيه من هذه الساقية له شرب
من هذا النهر أو لا.
ولا يجوز أن يعود
الضمير إلى قوله : ( إنسان ) وإلا لفسد المعنى. وإنما كان له ذلك ، لأن هذا خالص
ملكه يصنع به ما شاء ، خلافاً لبعض الشافعية ، بخلاف ما لو كان النهر مباحاً وأمكنه القسمة بين أرباب
المزارع من الجانبين للتساوي في الاستحقاق ، فإنه ليس لأحدهم أن يسقي بقسمة غير ما
له استحقاق الشرب من هذا النهر بدون رضى الباقي ، حذراً من حصول الشبهة بمرور
الأيام ، ولم أقف على تصريح به.
قوله
: ( وكذا البحث في
الدولاب ، له أن يسقي بنصيبه ما شاء ).
بقرينة معلومة مما
سبق.
قوله
: ( فلكل واحد أن
يتصرف في ساقيته المختصة به بمهما شاء من إجراء غير هذا الماء ، أو عمل رحى ، أو
دولاب ، أو عبارة ، أو غير ذلك ).
بقرينة ما سبق ،
والعبّارة خشبة تمتد على طرفي النهر يعبر الماء فيها ، ولو قال : ولكل واحد ،
بالواو لكان أولى.
قوله
: ( وليس له ذلك في
المشترك ).
__________________
ولو فاض ماء هذا
النهر إلى ملك إنسان فهو مباح ، كالطائر يعشش في ملك إنسان.
______________________________________________________
لأنه يلزم من التصرف
فيه التصرف في ملك الشريك ...
وقال في الدروس :
وليس لأحدهم عمل جسر ولا قنطرة إلا بإذن الباقين إذا كان الحريم مشتركاً ، ولو
اختص أحدهم بالحريم من الجانبين ، وكان الجسر غير ضائر بالنهر ولا بأهله لم يمنع
منها .
هذا كلامه ، وفيه
نظر ، لأن هواء النهر يملك بالإحياء كما يملك الحريم ، فإذا كان النهر مشتركاً كان
الهواء كذلك ، فلا يكفي الاختصاص بالحريم في جواز عمل الجسر والقنطرة. نعم ، لو
اختص بالحريم والهواء كأن نقل المجرى إلى ملك الشركاء بعقد مملك ، واستثنى الهواء
جاز حينئذ.
قوله
: ( ولو فاض ماء هذا
النهر إلى ملك إنسان فهو مباح كالطائر يعشش في ملك إنسان ).
يشير بـ ( هذا )
إلى النهر المملوك المستخرج من المباح ، وبهذا صرح في التذكرة والتحرير .
وما مثل به [ وهو
] الطائر يعشش في ملك إنسان غير مطابق ، لأن الطائر لا يملك بمجرد ما ذكر ،
بخلاف ماء النهر فإنه يملك كما سبق على الأصح. نعم : على قول الشيخ بعدم ملكه يطابق المثال
ويصح الحكم. وكأنه يحترز بقوله : ( هذا النهر ) عن العين المستخرجة والقناة.
__________________
السابع : النهر المملوك الجاري من ماء مملوك ، بأن يشترك جماعة في
استنباط عين وإجرائها فهو ملك لهم على حسب النفقة والعمل.
ويجوز لكل أحد
الشرب من الماء المملوك في الساقية ، والوضوء ، والغسل ، وغسل الثوب ما لم يعلم
كراهةً ، ولا يحرم على صاحبه المنع ، ولا يجب عليه بذل الفاضل ، ولا يحرم البيع
لكن يكره.
______________________________________________________
قوله
: ( السابع : النهر
المملوك الجاري من ماء مملوك بأن يشترك جماعة في استنباط عين وإجرائها فهو ملك لهم
على حسب النفقة والعمل ).
الاعتبار بالعمل ،
فلو لم تطابقه النفقة ، كأن عمل بعضهم الخمس وأنفق عليه الربع ، فلا اعتبار
بالنفقة ، وقد نبهنا عليه سابقاً. واعلم أن ملك ماء هذا النهر هو مختار الشيخ
والأصحاب ، وقد منعه بعض الشافعية .
قوله
: ( ويجوز لكل أحد
الشرب من الماء المملوك في الساقية ، والوضوء ، والغسل ، وغسل الثياب ما لم يعلم
كراهيته ).
عملاً بشاهد الحال
، بخلاف المحرز في الآنية ، ولو أراد سقي الماشية الكثيرة من النهر المملوك لم يجز
مع قلة الماء ، قاله في التحرير . ولو توجه على المالك ضرر بالشرب ونحوه اتجه التحريم.
قوله
: ( ولا يحرم على
صاحبه المنع ، ولا يجب عليه بذل الفاضل ، ولا يحرم البيع بل يكره ).
__________________
ولو احتاج النهر
إلى حفر ، أو إصلاح ، أو سد بثق فهو عليهم على حسب ملكهم ، فيشترك الكل إلى أن
يصلوا إلى الأدنى من أوله ، ثم لا شيء عليه. ويشترك الباقون إلى أن يصلوا إلى
الثاني ، وهكذا ، ويحتمل التشريك.
______________________________________________________
خلافاً لبعض العامة
.
فرع : لو خرج الماء السائغ من ملك الغير عنه فأخذه أجنبي فهل
يملكه؟ قال في التذكرة يملكه على القول بأنه غير مملوك بملكه وعلى الثاني لا يملكه
.
قوله
: ( ولو احتاج النهر
إلى حفر ، أو إصلاح ، أو سد بثق فهو عليهم على حسب ملكهم ).
قد سبق في تزاحم
الحقوق أنه لو امتنع بعض الشركاء من الإصلاح لم يجبر. والبثق ـ بفتح أوله وكسره
ذكره في الصحاح ـ هو الخرق ، بثق السيل موضع كذا أي خرقة.
قوله
: ( فيشترك الكل إلى
أن يصلوا إلى الأدنى من أوله ، ثم لا شيء عليه ، ويشترك الباقون إلى أن يصلوا إلى
الثاني ، وهكذا ، ويحتمل التشريك ).
المراد بالأدنى :
الأقرب إلى فم النهر.
ووجه الأول : أن
نفعه ينتهي بانتهاء ملكه ، ولا ملك له فيما وراء أرضه ، فيختص الباقون بمؤنة ما
بقي على حسب استحقاقهم.
__________________
______________________________________________________
ووجه الثاني : أن
ما بعد ملكه وإن لم يكن مملوكاً إلا أنه من ضرورات ملكه ، لأنه مصب لمائه. والأول
أصح لأنه لا حق له بعد ذلك الموضع لانحصار الاستحقاق في الباقين. نعم لو فضل الماء
عن جميعهم بعد انتهاء الأملاك ، واحتاج الفاضل إلى مصرف ينصب إليه فمؤنة ذلك
المصرف على جميعهم لأنهم مشتركون في الحاجة إليه والانتفاع به. وقد صرح به في
التذكرة .
وهنا سؤال وهو :
أنه إذا انتهى حق الأدنى عند أرضه ، فكيف تجب عليه حصة مؤنة مصرف الفاضل عن الجميع؟
فإما أن يجب عليه حقه من المؤنة في الجميع ، أو لا يجب شيء لما بعد ملكه على حال.
وقد يجاب بأنه لا
استبعاد في أن يتعلق حق الشريك بملك شريكه من الماء لاستوائهما في الإحياء ، ثم
ينتهي استحقاقه أيضاً بانتهاء ملكه ، فتتعلق بالأول أحكام ملكه حينئذ ، وفيه نظر ،
لأن أحدهم لا يتعلق حقه بملك الآخر ، وإن امتزج حقه بحقه.
ثم هنا سؤال آخر
وهو ، إن لم يكن لأحد الشريكين إجبار شريكه في القناة ونحوها على العمارة فلا معنى
للوجوب المذكور في هذا المبحث؟
ويمكن الجواب بأن
هنا فوائد :
أحدها : أنه يأثم
بالترك وإن لم يجز النهي عن إضاعة المال ، وقد ينظر فيه بأن ذلك لو كان واجباً
لجاز الإجبار إلا أن يقال لا يجبر على كل فعل واجب.
الثانية : أنه إذا
تحقق الوجوب كان للحاكم التسلط على إجباره على واحد من أمور متعددة : إما الإصلاح
، أو البيع ، أو الإجارة ، أو القسمة إن
__________________
تتمة : المرجع في الإحياء إلى العرف ، فقاصد السكنى يحصل إحياؤه
بالتحويط ولو بخشب أو قصب ، وسقف.
______________________________________________________
أمكنت إلى آخر
الأمور المتعددة ، فكان له إجبار في الجملة. ومتعلقة واحد غير معين من متعدد ، وكل
واحد لا يجبر عليه بخصوصه وإن أجبر على واحد غير معين ، وهذا في قوة فائدة ثالثة.
قوله
: ( تتمة : المرجع
في الإحياء إلى العرف ).
هذا هو الأصح ،
لأن ما لا تعين لمدلوله شرعاً مرجعه إلى العرف الذي قد سبق استقراره ، وقد خالف في
ذلك ابن نما من أصحابنا ، وقد حكيناه سابقاً.
قوله
: ( فقاصد السكنى
يحصل إحياؤه بالتحويط ولو بخشب أو قصب وسقف ).
لا بد من شمول
التحويط لأجزاء الدار ، أما السقف فيكفي حصوله فيما يمكن معه السكنى ، صرح به في
التذكرة ، والعرف المستقر قاض بذلك.
واكتفى بعض
الشافعية بالتحويط ولم يشترط السقف ، وكلام المصنف في التذكرة يوافقه حيث اكتفى في الإحياء
لنوع بما يكفي للمالك في نوع آخر ، كما لو حوّط بقعة بقصد السكنى ، مع أن التحويط
إحياء لحظيرة الغنم.
والمشهور في كلام
الأصحاب ما هنا ، وهو الذي ينساق إليه النظر ، نعم لا يشترط تعليق الأبواب
لأنها للحفظ ، والسكنى لا تتوقف عليه ،
__________________
والحظيرة يكفيه
الحائط ، ولا يشترط تعليق الباب.
والزراعة بتحجير
ساقية ، أو مسناة ، أو مرز وسوق الماء. ولا يشترط الحرث ، ولا الزرع ، لأنه انتفاع
كالسكنى.
______________________________________________________
واشترطه أكثر
الشافعية .
قوله
: ( والحظيرة يكفيه
الحائط ).
أي : وقاصد
الحظيرة يكفيه الحائط لتملكها.
قوله
: ( ولا يشترط تعليق
الباب ).
يعود إلى كل من
قاصد السكنى والحظيرة ، أي : لا يشترط في حصول الملك لواحد منهما تعليق الباب لما
سبق.
قوله
: ( وللزراعة
التحجير بساقية ، أو مسناة ، أو مرز وسوق الماء ، ولا يشترط الحرث ولا الزرع لأنه
انتفاع كالسكنى ).
المرز وجدته
مضبوطاً بكسر الميم ، وهو جمع التراب حول ما يراد إحياؤه والمسناة ، بضم
الميم على ما وجدته أكبر منه .
وفي قوله : (
التحجير بساقية ) مسامحة ، إلا أن يقصد بالتحجير معناه اللغوي ، وإلا فإن وجود ما
ذكر إحياء موجب للملك فكيف يعد تحجيراً.
واعلم أن المصنف
في التذكرة اعتبر لإحياء المزرعة أموراً :
الأول : جمع
التراب حواليه ليفصل المحيي عن غيره ، واعتبر هذا جميع الأصحاب. قال : وفي معناه
نصب قصب ، وحجر ، وشوك وشبهه ، فلا حاجة إلى التحويط إجماعاً.
__________________
______________________________________________________
الثاني : تسوية
الأرض بطمّ الحفر التي فيها ، وإزالة الارتفاع من المرتفع ، وحراثتها ، وتليين
ترابها ، فإن لم يتيسر ذلك إلا بماء يساق إليها فلا بد منه لتهيئة الأرض للزراعة.
الثالث : ترتيب
مائها إما بشق ساقية من نهر ، أو حفر بئر أو قناة وسقيها إن كانت عادتها لا يكتفى
في زراعتها بماء السماء ، وإن اكتفت فلا حاجة إلى سقي ولا ترتيب ماء .
ومقتضى هذا الكلام
أن المحتاجة إلى ترتيب الماء لا بد من سقيها ، وهو مقتضى كلام الشيخ في المبسوط . ثم قال في
التذكرة : وإذا احتاجت في السقي إلى النهر وجب تهيئة ماء من عين أو نهر أو غيرهما
، فإذا هيأه : فإن حفر له الطريق ولم يبق إلا إجراء الماء فيه كفى ولم يشترط إجراء
الماء ولا سقي الأرض ، وإن لم يحفر فللشافعية وجهان .
وبالجملة : السقي
نفسه غير محتاج إليه في تحقق الإحياء ، إنما الحاجة إلى ترتيب ماء يمكن السقي منه . هذا كلامه وهو
مدافع للأول ، وكلام الأصحاب في اشتراط سوق الماء يقتضي عدم
الاكتفاء بالتهيؤ.
ثم إن الأمر
الثاني الذي اعتبره في تحقق الإحياء للزرع لم أجده في كلام غيره من الأصحاب ، نعم
هو في كلام الشافعية . واعتبار تسوية الأرض والحفر وإزالة الارتفاع ليس ببعيد ،
لعدم صيرورتها زرعاً من دونه.
__________________
والغرس به ، وسوق
الماء إليه
______________________________________________________
أما الحرث والسقي
فلا دليل على اعتبارهما ، ولأنهما بمنزلة الزرع وهو غير شرط.
قوله
: ( والغرس به وسوق
الماء إليه ).
أي : وقاصد الغرس
يحصل إحياؤه به ـ أي بالغرس ـ لأنه أقرب مرجع للضمير ، وهو معتبر عند بعض الفقهاء .
وفي التذكرة :
اعتبر أحد الأمرين : إما الغرس ، أو التحويط بحائط ، فيكون كلامه
هنا غير مناف لمختاره في التذكرة.
ويحتمل عود الضمير
إلى التحجير السابق في المزرعة ، ويشكل عليه اعتبار التحويط في البلاد التي يقتضي
عرفها تحويط البستان.
وقد صرح في
التذكرة باعتباره حيث يقتضيه العرف ، وظاهر المبسوط اعتباره وأطلق ، فإن عاد الضمير
إلى التحجير لم يشترط الغرس عنده. واعتبره كثير من الفقهاء ، لأن البستان لا يصدق
بدونه بخلاف الزرع ، ولأنه لدوامه جرى مجرى أبنية الدار.
وفي الدروس ذهب
إلى اشتراط أحد الثلاثة في حصول الإحياء إذا قصد الغرس ، والظاهر من
كلامه أنه يريد بها الحائط والمسناة والغرس.
واعتبر في التذكرة
الأول والثالث كما ذكرناه ، ومختار التذكرة قوي لانتفاء اسم البستان مع انتفاء كل
من الأمرين ، أما الغرس فإنه داخل في
__________________
ولو كانت مستأجمة
فعضد شجرها ، أو قطع المياه الغالبة وهيأها للعمارة فقد أحياها.
______________________________________________________
الانتفاع فلا
يعتبر تعيينه ، والاكتفاء بالمرز عن التحويط بعيد.
فرع : إذا زرع الأرض وساق الماء إليها فقد تحقق الإحياء وإن لم
يجمع التراب حولها ، لأن المطلوب من جمعه تميز المحيي وقد حصل.
قوله
: ( ولو كانت
مستأجمة فعضد شجرها ، أو قطع المياه الغالبة وهيأها للعمارة فقد أحياها ).
الأجمة من القصب ،
يقال : استأجمت الأرض ، إذا عرفت ذلك فإطلاق قوله : إنّ قطع شجر الأرض المستأجمة ،
أو قطع المياه عن المغارف إحياء يقتضي الاكتفاء بذلك ، والتهيئة للعمارة بسوق
الماء ونحوه عن إدارة التراب حولها.
ومثل هذا في
التذكرة والتحرير والشرائع والدروس محتجين بأن ذلك يعدّ إحياء عرفاً ، وليس قطع الماء بأبلغ
من حفر نهر بحيث يتسلط ماؤه على بقعة مخصوصة ويستقر عليها إذا أرسل من غير توقف
على حفر. مع أن ذلك لا يعدّ إحياء من دون إدارة التراب.
والاحتجاج بأنه لا
بد فيه لتمييز المحيي مدفوع بتميّزه باستيعاب الماء إذا أرسل عليه ، بل مقتضى
كلامهم أنه لو أرسل الماء على أرض لم يكن إحياء ما لم يدر التراب حولها ، وهو أظهر
في المنافاة لحصول الإحياء بقطع المياه الغالبة.
__________________
ولو نزل منزلاً
فنصب فيه خيمة أو بيت شعر لم يكن إحياء ، وكذا لو أحاط بشوك وشبهه.
ولا يفتقر في
الإحياء إلى إذن الإمام ولا الإسلام ، إلا في أرض المسلمين.
______________________________________________________
فرع : لا يجوز إحياء شطوط الأنهار التي لم يبلغها الماء في
العادة ولو في بعض السنة ، أما الجزيرة الخارجة في النهر العظيم وغيره فيجوز
إحياؤها.
قوله
: ( ولو نزل منزلاً
فنصب فيه خيمة أو بيت شعر لم يكن إحياء ).
نظراً إلى العرف ،
لكنه يصير أولى به إلى أن يرحل عنه ، وكذا ما حواليه مما يحتاج إليه للارتفاق ،
ولا يزاحم في الوادي الذي تسرح فيه مواشيه إلا أن يفضل عنه ، وإذا ارتحل بطل
الاختصاص وإن بقيت آثار الفسطاط والخيم.
قوله
: ( وكذا لو أحاط
بشوك وشبهه ).
لما قلناه من
مقتضى العرف ، نعم هو تحجير.
قوله
: ( ولا يفتقر في
الإحياء إلى إذن الإمام 7 ولا الإسلام ، إلا في أرض المسلمين ).
قد سبق أن إحياء
الموات في بلاد الكفر يصح من الكافر وإن كان حربياً ، ويملك المحيي ، وحينئذ فلا
يشترط إسلام المحيي.
ومثله الإحياء في
حال الغيبة كما نبهنا عليه سابقاً ، وحكيناه عن بعض ما ينسب إلى شيخنا الشهيد.
أما عدم الافتقار
في الإحياء إلى إذن الإمام ، فإن أراده على إطلاقه
وإحياء المعادن
بلوغ نيلها.
______________________________________________________
فليس بظاهر ،
لتصريح الأصحاب ، وتصريحه في كتبه بأنه لا بد منه ، وتعليلهم بأن الموات ملكه قاض
بذلك. وإن أراد عدم الافتقار في الجملة فهو المناسب ، لأنه قد صرح في أول الباب
باشتراط الإذن ، ويبعد أن يكون ما ذكره هنا لغفلة وذهول.
وعدم الافتقار في
الجملة صحيح ، فإن موات الكفر لا يشترط فيه الإذن كما نبهنا عليه ، وكذا الحكم حال
الغيبة.
قوله
: ( وإحياء المعادن
بلوغ نيلها ).
أي : بلوغ نيل
المعادن ، وهو بلوغ الحالة التي ينال بها المعدن ويتمكن من أخذه ، فيملك ما بلغ
نيله وكل ما يعدّ حريماً له على ما سبق.
* * *
كتاب
الإجارة وتوابعها
وفيه مقاصد : الأول
: في الإجارة ، وفيه فصول :
الأول : الماهية ، وهي عقد ثمرته نقل المنافع بعوض معلوم ، مع
بقاء الملك على أصله.
______________________________________________________
قوله
: ( وهي عقد ثمرته
نقل المنافع بعوض معلوم مع بقاء الملك على أصله ).
هذا بيان حقيقة
الإجارة شرعاً ، لكن يشكل [ على ] جعل الإجارة هي العقد : آجرتك ، وهو الإيجاب ، فإنه لا
يراد به ـ العقد ـ إنشاءً ولا إخباراً ، لأن القبول من المستأجر ، ولأنه لو كان
معناه العقد لم يقع موقعه : ملّكتك المنفعة شهراً بكذا ، اللهم إلا أن يكون المراد
في الإيجاب معنى آخر غير المعنى الشرعي ، وهو تمليك المنفعة بالعوض.
ولو جعلت الإجارة
عبارة عن تمليك المنفعة المعينة ، مدة معينة ، بعوض معلوم إلى آخره يسلم من هذا.
إذا عرفت هذا
فالعقد بمنزلة الجنس والباقي كالفصل فيخرج البيع لأن ثمرته نقل الأعيان ، وبعوض
معلوم تخرج الوصية بالمنفعة والسكنى والعمرى ، ومع بقاء الملك على أصله يخرج ما لا
يصح الانتفاع به إلا مع ذهاب عينه. والمعاوضة على العين ومنفعتها معينة إن جوزناه
، لكن لا نجوّزه ، لأن نقل العين من حين العقد يقتضي ملك المنفعة المملوكة للناقل
فيمتنع نقلها بسبب آخر.
ولأنّ العقود
بالتلقي من الشرع ولم تثبت شرعية مثل هذا ، وربما أخرج
__________________
ولا بد فيه من
الإيجاب والقبول ، الصادرين عن الكامل الجائز التصرف.
______________________________________________________
به البيع لأنه
ناقل للمنافع ، لكن لا مع بقاء الملك على أصله. وليس بشيء ، لأن نقل المنافع فيه
بالتبعية للملك لا بالعقد ، والعوض فيه إنما هو في مقابل العين.
( قيل : يرد على
عكسه الأجير المطلق فإنه لا انتقال لمنافعه. ورد بأن المستأجر حينئذ مالك في ذمة
الأجير منفعة مطلقة والمنافع شاملة لها ) .
واعلم أنه يرد على
التعريف الوصية بالمنفعة مقابل عوض ، والهبة كذلك ، وجعل المنفعة المعينة صداقاً.
ولا يقال : إنّ
العوض ـ وهو استحقاق الانتفاع بالبضع ـ غير معلوم.
لأنا نقول : هو في
المنفعة معلوم.
وربما دفع ذلك
بقوله : ( ثمرته ) لأن شيئاً من العقود المذكورة ليس ثمرته هذا. وفيه نظر ، لأن
ذلك وإن لم يكن ثمرة العقد الذي هو نفس الماهيّة ، فإنه ثمرة بعض أنواعه وهو عقد
لا محالة فيتحقق النقض به.
ولو قال : عقد شرع
لنقل المنافع الى آخره لسلم عن هذا.
واعلم أن الاحتراز
بقوله : ( مع بقاء الملك على أصله ) عما لا يصح الانتفاع به إلا مع ذهاب عينه لا
يستقيم ، لأن ذلك لا يعد عقداً ، ولأن المنافع في أمثال ذلك ـ وإنما الإذن يفيد
جواز الانتفاع ـ ( و ) بالإتلاف يصير مملوكاً بنفسه لا منفعته ـ فيكون بياناً
للواقع لا احترازاً من شيء.
قوله
: ( ولا بد فيه من
الإيجاب والقبول ، الصادرين عن الكامل الجائز التصرف ).
__________________
فلا تنعقد إجارة
المجنون ، ولا الصبي غير المميز ، ولا المميز وإن أذن الولي على إشكال.
والإيجاب : آجرتك
، أو أكريتك.
والقبول : كل لفظ
يدل على الرضى.
______________________________________________________
يشترط فيه كلما يشترط
في مثله من العقود اللازمة على ما سبق مثل العربية ، ووقوع القبول على الفور ،
وتقديم الإيجاب على الأصح.
واحترز بـ ( الجائز
التصرف ) عن مثل المفلس ، وإن لم يصرّح به في ذكر المحترزات ، فإن المجنون والصبي
محترز عنهما بالكامل.
قوله
: ( ولا المميز وإن
أذن له الولي على إشكال ).
ينشأ : من انجبار
نقصه بإذن الولي ، ومن قوله 7 : رفع القلم عن ثلاثة منهم الصبي ، فإنه إذا رفع
القلم عنه مطلقاً لم يعتد بعبارته شرعاً في حال من الأحوال ، ولأن إذن الولي لا
يصيّر الناقص كاملاً ، إنما يؤثر في الكامل المحجور عليه بسبب آخر وهو السفه ،
والأصح عدم الصحة.
قوله
: ( والإيجاب :
آجرتك أو أكريتك ).
كل من اللفظين
مؤداه الإجارة ، ومثلهما : ملّكتك منفعة الدار شهراً ـ مثلاً ـ بكذا ، إلا أن
الفرق أنهما يردان على العين ، لأن الإجارة إنما تكون للعين وثمرتها تمليك المنفعة
، وكذا الكراء ، فلو أوردهما على المنفعة لم يصح.
وأما التمليك فإنه
في الإجارة إنما يكون للمنفعة بالعوض ، فلو أورده على العين لم يصح ، لأن العين
تبقى على ملك المؤجر.
قوله
: ( والقبول : كل
لفظ يدل على الرضى ).
__________________
ولا يكفي في
الإيجاب : ملّكتك ، إلا أن يقول : سكنى هذه الدار شهراً ـ مثلاً ـ بكذا.
ولا تنعقد بلفظ
العارية ولا البيع ، سواء نوى به الإجارة ، أو قال : بعتك سكناها سنة ، لأنه موضع
لملك الأعيان.
وهو لازم من
الطرفين ،
______________________________________________________
أي : على الرضى بالإيجاب
، فمن ثم لا يقوم مقامه إيجاب آخر ، ولا يصح تقديمه.
قوله
: ( ولا يكفي في
الإيجاب : ملكتك ، إلا أن يقول : سكنى هذه الدار شهراً ).
لأن التمليك إنما
هو للمنفعة لا للعين ، فلا يجري على نهج آجرتك كما تقدم.
قوله
: ( ولا ينعقد بلفظ
العارية ).
لأنها تقتضي إباحة
المنفعة لا تمليكها ، ولأن العقود متلقاة من الشرع ، فلا ينعقد عقد بلفظ عقد آخر
ليس من جنسه.
قوله
: ( ولا البيع ،
سواء نوى به الإجارة ، أو قال : بعتك سكناها سنة ، لأنه موضوع لملك الأعيان ).
إذا نوى بلفظ
البيع الإجارة فقد تجوّز في لفظ البيع.
وإذا قال : بعتك
سكناها سنة فقد تجوز في السنة ، فإن السكنى لا يقع عليها البيع إلا مجازاً. وإنما
لم يصح ، لأنه خلاف الوضع لما عرفت من أن البيع لنقل الأعيان ، فإذا تجوّز به لم
يثمر الملك ، لما عرفت من أن العقود بالتلقي.
قوله
: ( وهو لازم من
الطرفين ).
ولا تبطل بالبيع ،
ولا العذر إذا أمكن الانتفاع ، ولا بموت أحدهما على رأي ، إلا أن يكون المؤجر
موقوفاً عليه فيموت قبل انتهاء المدة فالأقرب البطلان في الباقي ،
______________________________________________________
بالإجماع.
قوله
: ( ولا تبطل بالبيع
ولا العذر إذا أمكن الانتفاع ).
أما عدم البطلان
بالبيع فلأن المنفعة إذا ملكها المستأجر بالإجارة بالعقد اللازم من الطرفين وجب
بقاؤها على حكمها ، ولا أثر لبيع ملك المؤجر في إبطال ملك المنفعة السابق.
وأما العذر : فإنه
إذا أمكن الانتفاع معه كخراب بعض المسكن.
قوله
: ( ولا بموت أحدهما
على رأي ).
سواء كان الميت
المؤجر أو المستأجر ، وكذا لا تبطل بموتهما ، لعموم الأمر بالوفاء بالعقود للاستصحاب ، ولأن
المالك للعين له إتلافها فله نقل منفعتها مدة قصيرة وطويلة من غير تقييد ، ولأن له
الإيصاء بالمنفعة مؤبداً ومؤقتاً من غير تعيين ، ويلزم ، فلأن يكون له تمليكها
بالإجارة مطلقاً بطريق أولى.
وقال الشيخ تبطل
بموت كل منهما ، وهو ضعيف ، ونقل في الخلاف قولاً بأن موت المستأجر
يبطلها دون المؤجر ـ فالأقوال ثلاثة
ـ ، وهو أضعف ، والأصح الأول.
قوله
: ( إلا أن يكون
المؤجر موقوفاً عليه ، فيموت قبل انتهاء المدة فالأقرب البطلان في الباقي ).
__________________
فيرجع المستأجر على
ورثة المؤجر بباقي الأجرة ،
______________________________________________________
قيل : لو سكت عن قوله
: ( فالأقرب البطلان في الباقي ) لأمكن ، لأن الاستثناء يدل عليه.
قلنا : ذكره
للتصريح بما دل عليه الاستثناء ، ولأنه أراد الدلالة على ثبوت ذلك على الأقرب ،
ولو لا التصريح به لم يعلم ذلك.
ووجه القرب أن الموقوف
عليه وإن كان مالكاً إلا أنه محجور عليه في الملك ، لأنه محبوس عليه ممنوع من
التصرف به ، ولأن الواقف قد جعل الوقف عليه وعلى من بعده بالأصالة.
وإن تأخر ملك من
بعده عن ملكه فلا يكون له التصرف في المنفعة إلاّ زمان استحقاقه لها ، ولهذا لا
يملك إتلافها مطلقاً ، بخلاف ملكه المطلق ، ولأن أهل البطن الثاني يتلقون عن
الواقف كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ويحتمل عدم
البطلان ، لكونه مالكاً لها حقيقة ، فلا تبطل إجارته المحكوم بصحتها. وفيه نظر ،
لأن ملكه على وجه مخصوص فلا يتجاوز التصرف في استحقاقه.
وربما قيل : إنه
إن كان ناظراً في الوقف وآجره بنظره لم يبطل ، وإلا بطلت وهو قول المصنف ، واختاره
شيخنا الشهيد في بعض حواشيه ، والكل ضعيف ، والأقوى البطلان.
نعم : إن كان
المؤجر ناظراً فليس ببعيد الحكم بعدم البطلان ، لأن نظره للجميع فهو نائب منابهم ،
ولهذا لو وجد البطن الثاني معه كان حق النظر له ، وهذا قوي وسيأتي ما يحققه إن شاء
الله تعالى.
قوله
: ( فيرجع المستأجر
على ورثة المؤجر بباقي الأجرة ).
لأن البطلان
يستدعي رجوعها إلى المستأجر ، والمراد من رجوعه على ورثة المؤجر حيث يكون هناك
تركه.
ولا يتعلق به خيار
المجلس.
ولو شرطا خياراً
لهما ، أو لأحدهما ، أو لأجنبي صح ، سواء كانت معينة كأن يستأجر هذا العبد ، أو في
الذمة كالبناء مطلقاً.
______________________________________________________
قوله
: ( ولا يتعلق به
خيار المجلس ).
لأنه من توابع
البيع ، وعن المبسوط : أنه جوّز اشتراطه . وفي حواشي شيخنا الشهيد : أنه إن أراد به مع تعيين المدة
فمسلّم ، وإلا فمشكل.
ولك أن تقول : إنه
إذا سلّم جواز اشتراط خيار المجلس فلا وجه لاشتراط تعيين المدة ، لأنه حينئذ لا
يكون خيار المجلس بل خيار الشرط.
نعم في جواز
اشتراطه تردد : من حيث أنه على خلاف الأصل ، لجهالة مدته فيقتصر فيه على مورد النص
، ولأنه من توابع البيع فلا يكون ثبوته موجباً للجهالة في شيء من
العوضين ( بخلاف ) ما إذا لم يثبت إلاّ بالاشتراط ، فإنّ اشتراط المجهول يجهل
العوض.
أما خيار الغبن ،
والعيب ، والشرط ، والرؤية فيثبت ، لأنها من توابع المعاوضات ، وقد نبه على خيار
الشرط بقوله : ( ولو شرط خياراً لهما ، أو لأحدهما ، أو لأجنبي صح ، سواء كانت
معينة كأن يستأجر هذا العبد ، أو في الذمة كالبناء مطلقاً ) أي : سواء كانت
الإجارة معينة ، أي : متعلقها متشخص ، كأن يستأجر هذا العبد المعين ، أو كان
موردها الذمة كأن يستأجر للبناء مطلقاً ، أي : غير مقيّد ببناء شخص مخصوص ، ووجهه
عموم : « المسلمون عند شروطهم » .
__________________
الفصل الثاني : في أركانها ، وهي ثلاثة : المحل ـ وهو العين التي تعلقت
الإجارة بها كالدار ، والدابة ، والآدمي ، وغيرها ـ والعوض ، والمنفعة.
المطلب الأول :
المحل ، كل عين تصح إعارتها تصح إجارتها ، واجارة المشاع جائزة كالمقسوم ، وكذا اجارة
العين المستأجرة إن لم يشرط المالك التخصيص.
______________________________________________________
قوله
: ( الفصل الثاني :
في أركانها وهي ثلاثة : المحل ـ وهو العين التي تعلقت الإجارة بها كالدار والدابة
والآدمي وغيرها ـ والعوض ، والمنفعة ).
المعروف أن الركن
: ما كان داخلاً في الماهية ، ومعلوم أن الإجارة على ما فسرها به من كونها عقداً
لا تكون هذه الأمور داخلة في مفهومها.
وإن أراد بالركن
هنا ما يستند توقف الماهية عليه مجازاً فالمتعاقدان أيضاً كذلك ، وقد عدّهما في
البيع من الأركان.
قوله
: ( كل عين تصح
إعارتها تصح إجارتها ).
هذا أكثري ، إذ
الشاة تصح إعارتها للحلب ولا تصلح إجارتها.
قوله
: ( وإجارة المشاع
جائزة كالمقسوم ).
إذ لا مانع
باعتبار عدم القسمة.
قوله
: ( وكذا إجارة
العين المستأجرة إن لم يشترط المالك التخصيص ).
أي : لا يجوز ،
لأن ذلك نقل للمنفعة المملوكة ولا مانع منه ، وهذا
__________________
ولا بد من
مشاهدتها ، أو وصفها بما يرفع الجهالة إن أمكن فيها ذلك ،
______________________________________________________
إذا لم يشترط
المالك ـ وهو المؤجر ـ التخصيص ، أي تخصيص المستوفي للمنفعة ، فإنه إذا شرط ذلك
امتنعت الإجارة لاستلزامها خلافه ، والوفاء بالشرط واجب ، لكن يرد عليه ما إذا
آجرها على أن يستوفي المنفعة للمستأجر الثاني بالوكالة عنه ، فإنّ اشتراط التخصيص
حينئذ يجب أن لا يقدح.
قوله
: ( ولا بد من
مشاهدتها ، أو وصفها بما يرفع الجهالة إن أمكن فيها ذلك ).
لا بد في المنفعة
من العلم بها ، لأن الإجارة عقد معاوضة مبني على المغابنة والمكايسة فلا يصح مع
الغرر ، فتجب مشاهدة العين المستأجرة التي هي متعلق المنفعة ، أو وصفها بما يرفع
الجهالة ، والمراد به : وصفها بصفات السلم إن أمكن فيها ذلك ، لكن يشكل عليه قوله
: ( وإلاّ وجبت المشاهدة ) أي : وإن لم يمكن فيها ذلك ـ أي : وصفها بما يرفع الجهالة
، أي : صفات السلم على ما قررناه ـ وجبت المشاهدة.
وإنما قلنا أنه
مشكل ، لأنه يقتضي أنّ كلما لا يجوز السلم فيه [ تجب مشاهدته ] بعينه ، وسيأتي ـ
عن قريب إن شاء الله تعالى ـ قوله : ( وتصح إجارة العقار مع الوصف والتعيين لا في
الذمة ) فإن العقار لا يجري فيه السلم ، ومع ذلك قد يوصف ليؤجر إذا كان الوصف
وافياً بصفاته الشخصية. ومن ثم قال : ( لا في الذمة ) لأن الموصوف بصفات السلم
يكون كلياً لا شخصياً ، ولا امتناع في أن لا يوصف الشيء بصفات السلم ، لأنه حينئذ
يعز وجوده ويعسر تسليمه.
__________________
وإلاّ وجبت
المشاهدة فإن باعها المالك صح ، فإن لم يكن المشتري عالماً تخيّر بين فسخ البيع ،
وإمضائه مجاناً مسلوب المنفعة إلى آخر المدة.
______________________________________________________
ويوصف الشخص
بصفاته المميزة له ، الكافلة ببيان ما يطلب منه ليؤجر ، وحينئذ فلا يكون في الذمة
لتشخصه ، إذ المشار ـ بتلك الأوصاف ـ إليه هو الموجود في الخارج ، فيمكن حينئذ أن
يكون المراد بقوله : ( أو وصفها بما يرفع الجهالة ) أعم من صفات السلم فيما يسلم
فيه. ويكون موضعه الذمة ، والوصف بالصفات الخاصة بالشخص المعين إذا لم يكن السلم
فيه ، ولا يكون موضعه الذمة ، إلا أنه حينئذ قد ينظر في قوله : ( إن أمكن فيها ذلك
، وإلا وجبت المشاهدة ) فإن الظاهر أن كل شيء يمكن وصفه بما يرفع الجهالة.
أما ما يمكن السلم
فيه فظاهر ، وأما غيره فلأنه إنما يوصف فيه الشخصي ، ولا ريب أن الموجود المتشخص
يمكن تتبع جميع صفاته واستقصاؤها وإن كثرت.
قوله
: ( فإن باعها
المالك صح ).
أي : العين
المؤجرة ، لأنها باقية على ملكه فيمكن نقل الملك وإن استحق المستأجر المنفعة.
قوله
: ( فإن لم يكن
المشتري عالماً تخير بين فسخ البيع وإمضائه مجاناً مسلوب المنفعة إلى آخر المدة ).
أي : لو لم يكن
المشتري للعين المؤجرة عالماً بسبق عقد الإجارة ، واستحقاق المستأجر المنافع تخير
بين الفسخ والإمضاء ، لأن امتناع انتفاعه بالعين واستحقاق غيره منعه منها ضرر ،
ولأن إطلاق العقد وقع على اعتقاد التسليم والانتفاع نظراً إلى الغالب ، وقد فات ، فلا بد أن يجعل له
وسيلة
__________________
ولو كان هو
المستأجر فالأقرب الجواز ، وتجتمع عليه الأجرة والثمن.
______________________________________________________
إلى الخلاص من هذا
الضرر وهو الخيار ، فإن فسخ فلا بحث ، وإن اختار الإمضاء لم يكن له إلا الإمضاء
مجاناً لا مع الأرش ، لأنه إنما يثبت مع العين ـ وهو النقصان أو الزيادة في أصل
الخلقة ـ وهو منتفٍ هنا لسلامة العين ، وإنما الفائت تابعها واستحقاق تسلمها والتسلط
عليها.
قوله
: ( ولو كان
المستأجر فالأقرب الجواز وتجتمع عليه الأجرة والثمن ).
أي : ولو كان
المشتري للعين المؤجرة هو المستأجر لها فالبيع صحيح لا محالة ، وهل تنفسخ الإجارة
أم لا؟ وجهان : أقربهما عند المصنف بقاؤها ، فتجتمع عليه الأجرة عوض المنفعة ،
والثمن عوض العين.
ووجه القرب : أن
كلا منهما عقد صدر من أهله في محله وحكم بصحته ، فيجب استصحاب ما ثبت له ، ولعموم
قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) .
ولا استعباد في
ملك كل من التابع والمتبوع بعوض يخصه إذا سبق ملك التابع ، كما إذا ملك ثمرة غير
مؤبرة ثم اشترى الشجر فإنه لا يبطل ملك الثمرة وإن كانت تدخل في الشراء لو لم
يملكها أولاً ، وهو الأصح.
ووجه الانفساخ :
أن ملك العين يستدعي ملك المنافع ، لأنها نماء الملك ، وتمتنع المعاوضة على
المنافع من مالكها. وفيه نظر ، لأن ملك العين يقتضي ملك المنافع تبعاً ، إذا لم
يسبق ملكها بسبب آخر لا مطلقاً ، ولأن المنافع إذا امتنعت المعاوضة عليها بعد
تملكها امتنعت المعاوضة عليها بعد التملك ، إذا حدث التملك فإنها تتجدد كالأمة ،
فإنها لما امتنع نكاحها
__________________
ولو وجدها
المستأجر معيبة بعيب لم يعلمه فله الفسخ وإن استوفى بعض المنفعة.
______________________________________________________
من مالكها حكم
بانفساخ النكاح إذا طرأ عليه الملك. وليس بشيء ، فإنّ تجدد المنافع لا ينافي
ملكها بالعقد السابق وانفساخ النكاح ، لأن جواز الانتفاع بالبضع إنما يكون مع
الملك أو العقد ويمتنع اجتماعهما ، لظاهر قوله تعالى ( إِلاّ عَلى
أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) ، والتفصيل قاطع
للشركة ، والنكاح لا يقتضي ملك المنافع بل جواز الانتفاع ، وللإجماع على حكم
النكاح بخلاف ما نحن فيه.
واعلم أن في قوله
: ( ولو كان هو المستأجر فالأقرب الجواز ) نظر ، لأنه لا معنى للجواز ها هنا ،
وكان حقه أن يقول : فالأقرب بقاء الإجارة ، فإنه المطلوب بالبيان ، وربما أوهمت
العبارة أن الأقرب جواز البيع ، ويحتمل عدمه.
قوله
: ( ولو وجدها
المستأجر معيبة بعيب لم يعلمه فله الفسخ وإن استوفى بعض المنفعة ).
أي : لو وجد
المستأجر العين المؤجرة معيبة ولم يعلم بالعيب قبل الإجارة فله الفسخ ، سواء كان
العيب منقصاً للمنفعة أم لا ، لأن مورد الإجارة العين وهي متعلق المنفعة ، وبينهما
كمال الارتباط. والإطلاق إنما ينزّل على الصحيح ، والصبر على العيب ضرر ، فلا بد
من سبيل إلى التخلص منه وهو الفسخ.
ولا فرق في ذلك
بين أن يستوفي بعض المنفعة أو لا يستوفي شيئاً.
لا يقال : إذا
استوفى البعض فقد تصرف ، ومع التصرف يسقط الخيار كالبيع.
__________________
ولو لم يفسخ لزمه
جميع العوض ، ولو كانت العين مطلقة موصوفة لم ينفسخ العقد وعلى المؤجر الأبدال.
ولو تعذر فله الفسخ
، فإن رد المستأجر العين لعيب بعد البيع
______________________________________________________
لأنا نقول :
المعقود عليه في الحقيقة هو المنفعة وإن جرى العقد على العين ، والتصرف في المنفعة
إنما هو في المستوفي دون ما بقي ، وفيه ما فيه.
أو يقال : إن
الصبر على المعيب ضرر فلا يسقط الخيار بالتصرف كما في الغبن ، وفي استحقاق الأرش
تردد ينشأ : من نقص المنفعة التي هي إحدى العوضين ، فلا يكون الآخر مستحقاً بكماله
، ومن أن العقد جرى على المجموع وهو باق ، فإما الفسخ أو الرضى بالجميع ، وسيأتي
إن شاء الله تعالى أن الأصح وجوب الأرش.
قوله
: ( ولو لم يفسخ
لزمه جميع العوض ).
ينبغي أن يكون هذا
حيث لا يكون العيب منقّصاً للمنفعة لنقصان العين ، فإنه مع ذهاب بعض العين يجب
التقسيط قطعاً مع الخيار.
قوله
: ( ولو كانت العين
مطلقة موصوفة لم ينفسخ العقد ، وعلى المؤجر الإبدال ).
لأن المعقود عليها
في الذمة كلي.
قوله
: ( ولو تعذر فله
الفسخ ).
أي : لو تعذر
الإبدال لفقد البدل على خلاف الغالب ، أو لعجز المؤجر بسبب من الأسباب فللمستأجر
الفسخ ، لتعذر ما جرت عليه المعاوضة فيرجع إلى ماله.
قوله
: ( فإن رد المستأجر
العين لعيب بعد البيع فالمنفعة
فالمنفعة للبائع.
ولو تلفت العين
قبل القبض ، أو عقيب القبض بطلت مع التعيين ، وإلاّ بطل في الباقي ويرجع من الأجرة
بما قابل المتخلف. وكذا لو ظهر استحقاقها.
______________________________________________________
للبائع ).
لأن المنفعة لم
يستحقها المشتري ، لأنه إنما اشترى العين مسلوبة المنفعة إلى آخر المدة نظراً إلى
استحقاقها بالإجارة ، والأصل بقاء ذلك بعد الفسخ.
لا يقال : المنفعة
تابعة للملك.
لأنا نقول :
امتنعت هذه التبعية هنا بسبب الإجارة ، فيستصحب.
فرع : لو باع العين ، واستثنى منفعتها مدة لم يصح على ما سبق
في البيع .
قوله
: ( ولو تلفت العين
قبل القبض أو عقيب القبض ).
حقه أن يقول : قبل
القبض أو عقيبه بطلت مع التعيين ، أي مع تعيين العين المؤجرة وتشخيصها لفوات محلها
، بخلاف ما إذا كانت في الذمة.
قوله
: ( وإلا بطل في
الباقي ).
أي : وإن لم يكن
التلف قبل القبض أو عقيبه ، بل بعد مضي زمان ذهب فيه بعض المنفعة بطل ، أي :
الإجارة ، على حد : والأرض أبقل إبقالها في الباقي ، أي : في الباقي من مدة
الإجارة أو من المنفعة فتسقط الأجرة ، كما أشار إليه بقوله : ( ويرجع من الأجرة
بما قابل المتخلف ).
قوله
: ( وكذا لو ظهر
استحقاقها ).
__________________
ويستقر الضمان على
المؤجر مع جهل المستأجر ، وفي الزائد من أجرة المثل إشكال. وتصح اجارة العقار مع
الوصف والتعيين ، لا في الذمة.
______________________________________________________
لا موضع لهذا التشبيه
، لأن المشبه به لا يستقيم أن يكون هو قوله : ( ولو تلفت العين قبل القبض أو عقيب
القبض ) لأن البطلان في هذه طارئ ، وفيما إذا ظهر استحقاق الإجارة من أول الأمر
غير صحيحة.
ويمكن أن يقال :
لا يمتنع تشبيهه به في البطلان مع عدم التعيين وإن كان بطلان أحدهما طارئاً ،
وبطلان الآخر من أصله.
قوله
: ( ويستقر الضمان
على المؤجر مع جهل المستأجر ).
لأن الجاهل مغرور
، فيكون معذوراً وإن باشر التلف لضعف المباشرة بالغرور.
قوله
: ( وفي الزائد من
أجرة المثل إشكال ).
أي : في الزائد من
أجرة المثل عن المسمى الذي اغترمه المستأجر الجاهل للمالك ، حيث تتحقق الزيادة
إشكال بالنسبة إلى رجوعه به وعدمه ، ينشأ : من أنه مغرور ، فإنه إنما دخل على
سلامته له من غير غرم ، والمغرور يرجع على من غيره. ومن أنه إنما دخل على ضمانه
بالأجرة المبذولة في مقابل مجموع المنفعة فيغرم أجرة المثل ويرجع بالمسمى.
ويضعّف بأنّ ذلك
لا ينافي غروره في الزائد ، لأنه إنما دخل على استحقاقه من غير غرم ، والأصح
الرجوع.
قوله
: ( وتصح إجارة
العقار مع الوصف والتعيين لا في الذمة ).
المراد بالتعيين
مقابل كونه في الذمة ، وإنما لم يجز جعله في الذمة لأنه لا يجوز السلم فيه كما
حققناه.
ويفتقر الحمّام
إلى مشاهدة البيوت ، والقدر ، والماء ، والأتون ، ومطرح الرماد ، وموضع الزبل ،
ومصرف مائه ، أو وصف ذلك كله.
ويجب على المستأجر
علف الدابة وسقيها ، فإن أهمل ضمن.
______________________________________________________
وتجوز إجارته
بالمشاهدة كما دل عليه كلامه في أول البحث.
قوله
: ( ويفتقر الحمّام
إلى مشاهدة البيوت والقدر ، والماء ، والأتون ، ومطرح الرماد ، وموضع الزبل ومصرف
مائه ، أو وصف ذلك كله ).
من جملة العقار
الحمّام ، وذكر ما يشترط لصحة إجارته تدريباً لغيره ، فتشترط مشاهدة بيوته ليعلم
سعتها وضيقها. وكذا حال القدر لاختلاف الغرض بذلك ، وكذا الماء واستعلام أنه ماء
قناة أو بئر ، ومشاهدة البئر ليعلم سعتها وضيقها ، وغزارة الماء وعدمها ، وحال
العمق ، ومؤنة إخراج الماء منها.
ومشاهدة الأتون ،
الذي هو موضع الوقود ، وموضع الزبل الذي يجمع فيه للأتون ، والموضع الذي يجمع فيه
الزبل والوقود ، ومطرح الرماد ، ومصرف الماء ، الذي هو المستنقع ، أو وصف ذلك.
فمتى أخلّ بشيء من ذلك لم تصح الإجارة ، للجهالة.
قوله
: ( ويجب على
المستأجر علف الدابة وسقيها ، فإن أهمل ضمن ).
مراده : أنه يجب
عليه بذل ذلك من ماله بلا رجوع ، وهو قول جمع من الأصحاب . أما وجوب العلف
والسقي أعم من أن يكون من ماله أو من مال المؤجر ، فلا كلام في وجوبه.
__________________
______________________________________________________
والضمان بالإهمال
كالمرتهن والمستودع ، ويدل على أن ما ذكرناه مراده
قوله
: ( ولو استأجر
أجيراً لينفذه في حوائجه فنفقته على المستأجر ، إلا أن يشترطه على الأجير ، فإن
تشاحّا في قدره فله أقل مطعوم مثله وملبوسه ، ولو قيل بوجوب العلف على المالك والنفقة
على الأجير كان وجهاً ) ، فإن قوله : ( ولو قيل بوجوب العلف على المالك ) يدل على
ما قدمناه.
إلا أن الشيخ خالف
في الأجير المنفذ في الحوائج ، فأوجب نفقته على المستأجر لاستحقاق المنافع المانع
عن تحصيل النفقة ، ولرواية سليمان بن سالم عن الرضا 7 .
وجوابه : أن
استحقاق المنافع لا يمنع من وجوب نفقته في ماله الذي من جملة الأجرة ، والرواية
لمخالفتها أصول المذهب يجب أن تحمل على اشتراط النفقة على المستأجر في العقد.
وإنما قلنا إنها
مخالفة لأصول المذهب ، لأن الإجارة معاوضة تقتضي وجوب العوضين للمتعاوضين دون ما
سواهما ، وإلا لوجب دخوله في المعاوضة ، وهو باطل لجهالة النفقة المقتضية للغرر ،
ولعدم جريان العقد عليها ، فتكون خارجة عن العوضين ، فلا يندرج فيما يجب الوفاء
به.
ومتى قلنا بوجوبها
فإنما هو إذا لم يشترط المستأجر النفقة على الأجير ، فإن تشاحّا في قدر الواجب بذل
على أقل مطعوم مثله وملبوسه ، رجوعاً إلى العادة في جنس المطعوم والملبوس ،
وتمسكاً بأصالة البراءة في عدم وجوب ما زاد على الأقل.
وهل الإسكان من
جملة النفقة؟ الذي يقتضيه النظر نعم ، كما في نظائره من نفقة الزوجة والمملوك
والقريب ، ولم يصرح المصنف به.
__________________
ولو استأجر أجيراً
لينفذه في حوائجه فنفقته على المستأجر ، إلاّ أن يشترط على الأجير ، فإن تشاحا في
قدره فله أقل مطعوم مثله وملبوسه.
ولو قيل بوجوب
العلف على المالك والنفقة على الأجير كان وجهاً ، فحينئذ إن شرطه على المستأجر لزم
بشرط العلم بالقدر والوصف ، فإن استغنى الأجير لمرض أو بطعام نفسه لم يسقط حقه.
ولو احتاج إلى
الدواء لمرض لم يلزم المستأجر ،
______________________________________________________
والأصح أن العلف
على المالك ، والنفقة على الأجير ، لكن مع غيبة المالك يجب الإنفاق على الدابة
بإذن الحاكم مع تعذر إذن المالك ، ويرجع.
ولو تعذر الحاكم
أشهد ، فإن تعذر فكما سبق في الرهن والوديعة.
قوله
: ( فحينئذٍ إن شرطه
على المستأجر لزم بشرط العلم بالقدر والوصف ).
أي : فحين كان
الوجه وجوب العلف والنفقة على المؤجر ، إن شرط ذلك على المستأجر لزم قضيةً للشرط ،
لكن بشرط العلم بالقدر والوصف لتنتفي الجهالة.
قوله
: ( فإن استغنى
الأجير لمرض ، أو بطعام نفسه لم يسقط حقه ).
لأن ذلك من جملة
عوض المنفعة ، فلا يسقط بعد وجوبه واستحقاقه إلا بمسقط من هبة ونحوها.
قوله
: ( ولو احتاج إلى
الدواء لمرض لم يلزم المستأجر ).
لا محل لهذا على
القول بأن النفقة إنما تجب مع الشرط ، لأن الواجب هو ما شرط دون غيره قطعاً ،
غالباً كان أو نادراً ، فكأنه مستدرك. نعم على القول بوجوب النفقة بمقتضى الإجارة
وإن لم يشترط لذكره وجه ، لأنه قد
ولو أحب الأجير أن
يستفضل بعض طعامه منع منه إن كان قدر كفايته ، ويخشى الضعف عن العمل ، أو اللين
معه.
______________________________________________________
يتوهم كونه من
جملة النفقة بالإضافة إلى المريض.
قوله
: ( ولو أحب المريض
أن يستفضل بعض طعامه منع منه إن كان قدر كفايته ، ويخشى الضعف عن العمل أو اللين
معه ).
قد يقال : إذا كان
الطعام قدر الكفاية ، فمتى استفضل منه شيئاً أثر الضعف عن العمل ، فيكون قوله : (
ويخشى الضعف عن العمل ) مستدركاً.
ويجاب : بأن
المراد قدر كفايته عادة ، وحينئذ فقد لا يؤثر ترك بعضه ضعفاً في بعض الأحوال
لعارض.
واعلم أن المنقول
عن فخر الدين : إن اللين بالياء المثناة تحت وهو في معنى الضعف ، لأن المراد به
الفتور عن العمل ، والضمير في ( معه ) يعود إلى المصدر في ( يستفضل ) أي : مع
الاستفضال ، لكن يرد عليه أن اللين حينئذ مستدرك لإغناء الضعف عنه.
والذي يقتضيه كلام
غير القواعد على ما ذكره شيخنا الشهيد في بعض حواشيه : أن اللبن بالباء الموحدة ،
وذلك إذا استأجر الظئر وشرط لها النفقة ، وأرادت أن تستفضل من طعامها فإنها تمنع
منه إذا خشي من ذلك قلة اللبن.
وذكر أنه وجد في
مقروءة على المصنف تحت اللبن : إذا كانت مرضعة ، وهذا وإن كان معنى صحيحاً إلا أن
تأدية العبارة إياه لا يخلو من تعسف ، لأن اللبن معطوف على العمل فيصير التقدير :
يخشى الضعف عن العمل ( أو يخشى الضعف عن اللبن ) وفيه ما لا يخفى.
__________________
ولو آجر الولي
الصبي مدة يعلم بلوغه فيها ، أولا لكن اتفق ، لزمت الأجرة إلى وقت البلوغ ، ثم
يتخيّر الصبي في الفسخ والإمضاء.
ولو مات الولي ،
أو انتقلت الولاية إلى غيره لم تبطل به.
______________________________________________________
قوله
: ( ولو آجر الولي
الصبي مدة يعلم بلوغه فيها ، أولا لكن اتفق لزمت الأجرة إلى وقت البلوغ ، ثم يتخير
الصبي في الفسخ والإمضاء ).
لا يخفى أن زمان
الولاية هو ما قبل البلوغ والرشد ، فإذا أجر الولي الصبي مدة يقطع ببلوغه فيها ،
كابن عشر إذا أجره عشراً ، وكان رشيداً ، وإن لم يذكر في العبارة فإن الإجارة تلزم
الى وقت الكمال ، ثم هي موقوفة على إجارة الصبي.
ومثله ما إذا لم
يعلم ذلك ، لكن اتفق في خلال المدة البلوغ والرشد. ووجهه أن زمان الولاية هو ما
قبل الكمال ، فيكون نفوذ تصرف الولي مقصوراً على ذلك الزمان دون ما سواه.
قوله
: ( ولو مات الولي ،
أو انتقلت الولاية إلى غيره لم تبطل به ).
أي : لو مات الولي
في خلال مدة الإجارة فإن الإجارة لا تبطل ، لأن تصرف الولي بمنزلة تصرف المالك ،
لقيامه مقامه.
وقد عرفت أن
المالك إذا آجر ثم مات فالإجارة بحالها ، وكذا لو آجره الولي مدة ثم انتقلت
الولاية بموت ، أو طروء مانع فإنها لا تبطل ، لما قلناه من أن الولي نائب عن
المولّى عليه ، ففعله بمنزلة فعله فلا يفسد بطروء مانع كما لو فعله بنفسه.
وإنما قلنا إن
فعله بمنزلة فعله ، لأنه كالوكيل بل آكد ، لأن الوكيل إنما
ولو آجر عبده ثم
أعتقه في الأثناء لم تبطل الإجارة ، ويجب على العبد إيفاء المنافع باقي المدة.
والأقرب عدم رجوعه
على مولاه بأجرة ،
______________________________________________________
يتولى ما تدخله
النيابة ، بخلاف الولي فإن له أن يحرم عن غير المميز ويباشر أفعال الحج عنه.
ولا يخفى أن
الوكيل لو أجر مدة ثم عزل لا تنفسخ الإجارة ، ولا فرق بين كون الإجارة للصبي أو
لماله.
لا يقال : فعلى
هذا إذا أجر ناظر الوقف ، ثم مات يجب أن لا تنفسخ الإجارة لعين ما ذكرته ها هنا.
لأنا نقول : لا
يبعد ذلك إن بقي البطن الأول ، لثبوت ولايته ( بالنسبة ) ، أما بالنسبة
إلى البطن الثاني إذا كان موته قبل وجوده واستحقاقه فلا.
قوله
: ( ولو آجر عبده ،
ثم أعتقه في الأثناء لم تبطل الإجارة ).
لأن المنافع
مملوكة كالرقبة ، وملك المستأجر لها بالعوض صحيح ، ولزومه مانع من البطلان بالعتق
، فإذا أعتق لم يصادف العتق إلا رقبته دون منافعه مدة الإجارة ، فتزول السلطنة عن
رقبته خاصة.
قوله
: ( ويجب على العبد
إيفاء المنافع باقي المدة ).
لأنه حق وجب عليه
بمقتضى ما سبق ، فيستصحب حتى كأنه رقيق بالنسبة إلى المنافع تلك المدة.
قوله
: ( والأقرب عدم
رجوعه على مولاه بأجرة ).
وجه القرب أن
المولى إنما أزال الرق عنه مسلوب المنافع تلك المدة ، وقد ملك المستأجر تلك
المنافع بالإجارة ، وملك المولى العوض. وليس هذا
__________________
ونفقته بعد العتق
على المستأجر إن شرطت عليه ، وإلاّ فعلى المعتق لأنه كالباقي على ملكه حيث ملك عوض
نفعه.
______________________________________________________
بأبعد مما إذا
أعتقه واشترط عليه خدمة معينة.
ويحتمل وجوب أجرة
المثل للعبد على السيد ، لكون إزالة الرق يقتضي ملكه للمنافع ، فإذا سبق تمليك
المولى إياها للمستأجر فات العين ، فيرجع العبد على المولى بقيمتها وهي أجرة
المثل. وليس بشيء ، لأنه لا يملك المنافع التي استقر ملك غيره عليها ، والرق إنما
زال عنه مسلوب المنافع تلك المدة. وعلى ما نقل الجماعة كلام الشيخ في المبسوط فهذا
الاحتمال قول ، لأنه قال فيه : وهل يرجع على السيد بأجرة المثل لما يلزمه من
الخدمة بعد الحرية؟ قيل : فيه قولان ، واختار عدم اللزوم ، وهو الأصح.
قوله
: ( ونفقته بعد
العتق على المستأجر إن شرطت عليه ).
لا بحث في هذا ،
لوجوب الوفاء بالشرط.
قوله
: ( وإلا فعلى
المعتق ، لأنه كالباقي على ملكه ، حيث ملك عوض نفعه ).
لقائل أن يقول :
لا يلزم من أنه كالباقي على ملكه إن ثبتت فيه جميع أحكام المملوك التي من جملتها
وجوب النفقة.
وقد يقال : إن
موضع حصول النفقة أما العبد ، أو السيد ، أو المستأجر ، والكل باطل إلا السيد.
أما العبد
فلاشتغاله بخدمة المستأجر.
وأما المستأجر
فلأن النفقة لا تجب عليه إلا بالشرط ، فتعين السيد.
والحصر ممنوع ،
كما يمنع بطلان الأول ، إذ يمكن أن يستفيد العبد
__________________
المطلب الثاني : في العوض ، ويشترط أن يكون مال الإجارة معلوماً
بالمشاهدة ، أو الوصف الرافع للجهالة. ثم إن كان مكيلاً أو موزوناً وجب معرفة
مقداره بأحدهما ، وفي الاكتفاء بالمشاهدة نظر.
______________________________________________________
النفقة في زمان
غير زمان الخدمة كالليل مثلاً ، إذ لا بد أن يبقى من الزمان بقية يستريح فيها
نظراً إلى العادة.
ولو سلم فلم لا
تكون نفقته في بيت المال المرصد لمصالح المسلمين أو الزكاة؟ وهو الأصح ، فإن
إيجابها على السيد إيجاب بغير دليل ، إذ لا سبب يقتضيه. ومع عدم بيت المال والزكاة
فهي أحد الواجبات الكفائية ، فإن اندفعت الحاجة لحصول بيع النفقة إلى أجل وقبل
العبد كفى ، وإلا صرفت إليه النفقة بقصد الرجوع عند الإمكان كما في المخمصة.
قوله
: ( المطلب الثاني :
في العوض ، ويشترط أن يكون مال الإجارة معلوماً إما بالمشاهدة ، أو الوصف الرافع
للجهالة ).
الوصف قسمان : وصف
للعين الشخصية بصفاتها القائمة بها ، التي لا تمتاز ولا ترتفع الجهالة عنها إلا
بذكرها. ووصف للعين على وجه كلي. وهذه الصفات إنما تكون صفات السلم وكل منهما مزيل
للجهالة.
قوله
: ( وفي الاكتفاء
بالمشاهدة نظر ).
ينشأ : من اختلاف
الأصحاب ، ووجود الدليل من الطرفين. فإن الشيخ ، والمرتضى ، وبعض المتأخرين على الجواز ، لاندفاع معظم
__________________
وكل ما جاز أن
يكون ثمناً جاز أن يكون عوضاً ، عيناً كان أو منفعة ، ماثلت أو خالفت.
ولو استأجر داراً
بعمارتها لم يصح ، للجهالة ،
______________________________________________________
الغرر بالمشاهدة.
وابن إدريس وجمع على المنع ، لأن عقود المعاوضات المبنية على المغابنة والمكايسة لا
بد من نفي الغرر عن العوضين فيها ، وقد ثبت من الشارع أن بيع المكيل والموزون بدون
الكيل والوزن مشتمل على الغرر ، فلا تصح الإجارة معه ، وهو الأصح ، وكذا المعدود.
قوله
: ( وكل ما جاز أن
يكون ثمناً جاز أن يكون عوضاً ، عيناً كانت أو منفعة ، ماثلت أو خالفت ).
لما كان بين العوض
في الإجارة والثمن في البيع ، حتى ظنا واحداً جاز أن يكون عوض الإجارة ما يجوز
كونه ثمناً في البيع من عين أو منفعة ماثلت المنفعة ، كمنفعة عبد بمنفعة عبد آخر ،
أو منفعة دار بأخرى ، أو خالفت : كمنفعة عبد بالدار.
ومنع أبو حنيفة
إذا لم يختلف جنس المنفعة ، لأن الجنس واحد فيحرم فيه النساء عنده ، وهذه نسأة في
جنس فيلزم فيه الربا . وهو غلط ، لأن الربا في الأعيان لا في المنافع بإجماعنا ،
ووافقنا الشافعي .
قوله
: ( ولو استأجر
داراً بعمارتها لم تصح للجهالة ).
__________________
وكذا لو استأجر
السلاّخ بالجلد ، وكذا الراعي باللبن ، أو الصوف المتجدد ، أو النسل ، أو الطحّان
بالنخالة ، إما بصاع من الدقيق ، أو المرضعة بجزء من المرتضع ، الرقيق فالأقرب
الجواز
______________________________________________________
مقتضاه أنه إذا كانت
العمارة معلومة تصح الإجارة ، وبه صرح في التحرير ، وهو حسن إن لم
يكن من قصدهما أنّ المعمور داخل في الإجارة.
قوله
: ( وكذا لو استأجر
السلاّخ بالجلد ).
أي : الذي يسلخه ،
لأنه مجهول رقةً ، وغلظة ، وسلامة من القطع وعدمه.
ولو استأجره بجلد
الميتة لسلخها فأولى بعدم الصحة ، لأنه عين نجاسة فلا تملك. ولو استأجره لنقل
الميتة من مكان إلى آخر بعوض صحيح فالظاهر الصحة ، لأنه عمل مقصود محلل تدعو
الحاجة إليه للسلامة من التأذي بها.
قوله
: ( وكذا الراعي
باللبن ، أو الصوف المتجدد ، أو النسل ).
للجهالة في ذلك
كله ، واحترز بـ ( المتجدد ) عن الموجود الآن ، لأنه إذا كان معلوماً تجوز
الإجارة. وكذا القول في النسل فلو أخر المتجدد عنه كان اولى.
قوله
: ( أو الطحان
بالنخالة ).
للجهل بقدرها بعد
الطحن ، لأنها تختلف قلة وكثرة باختلاف حال الطحن جودة ورداءة.
قوله
: ( إما بصاع من
الدقيق ، أو المرضعة بجزء من المرتضع
__________________
وكذا لو استأجر الحاصد
بجزء من الزرع.
______________________________________________________
الرقيق فالأقرب
الجواز ).
وجه القرب أنه عقد
صدر من أهله في محله فيجب الوفاء به. أما الأولى فلأنه الفرض ، وأما الثانية فلأن
كلا من العوضين صالح لأن يكون عوضاً.
ومثله لو ساقى أحد
الشريكين صاحبه ، وشرط له زيادة من النماء يجوز وإن كان عمله يقع في المشترك ، ويحتمل المنع
لاستلزامها كون العوضين لواحد.
بيان الملازمة :
إن الأجرة تثبت للأجير في مقابلة العمل ، وبعض العمل حق له ، لأنه يملك بعض الحنطة
التي يراد طحنها ، وبعض الرقيق الذي يراد إرضاعه بالعقد ، فيكون طحن حقه من الحنطة
، وإرضاع حقه من الرقيق حقاً له فيجتمع له العوضان ، وذلك باطل. ولأن الإجارة
تقتضي وجوب العمل على الأجير ، ولا يجب على الإنسان العمل في ملكه. وبعض المستأجر
عليه ملك له ، فلا تكون الإجارة فيه صحيحة فتبطل في الباقي لاختلال العوض ،
والمسألة موضع إشكال وبحث.
ولو كان استئجارها
بجزء من الرقيق بعد الفطام ، فقد صرح في التحرير ـ والشارح ـ بالصحة فلا يخلو
من نظر ، لأن العوض لا بد أن يدخل في ملك المؤجر في زمان ملك المستأجر المنفعة
لتحقق المعاوضة ، وكذا القول في الطحن.
قوله
: ( وكذا لو استأجر
الحاصد بجزء من الزرع ).
__________________
ولو قال : إن خطته
اليوم فلك درهمان ، وإن خطته غداً فدرهم احتمل أجرة المثل ، والمسمى.
______________________________________________________
أي : الأقرب فيه الجواز
، ويجيء فيه ما قدمناه.
قوله
: ( ولو قال : إن
خطته اليوم فلك درهمان ، وإن خطته غداً فدرهم احتمل أجرة المثل ، والمسمى ).
القول بوجوب المثل
لفساد العقد. قول ابن إدريس . ووجهه : أن المستأجر غير معلوم ولا معين ، لأنه ليس
المستأجر عليه المجموع ، وهو ظاهر ، ولا كل واحد ، وإلا لوجبا ، فينتفي التخيير ،
ولا واحد معين فتعين أن يكون غير معين ، لانحصار الأقسام في ذلك ، والغرر مبطل
للإجارة ، ولجريانه مجرى البيع بثمنين نقداً ونسية.
والقول بوجوب
المسمى قول الشيخ في الخلاف ، تعويلاً على أن الأصل الجواز ، والمنع يحتاج إلى دليل ،
وفيه نظر يعلم مما سبق.
وفي المبسوط قال :
يصح العقد ، فإن خاطه في اليوم الأول كان له الدرهم ، وإن خاطه في الغد كان له
أجرة المثل إن لم يزد عن الدرهمين ولم ينقص عن الدرهم ، وهو أبعد.
ثم قال ابن إدريس
: إنه تصح جعالة ، يعني إذا قصد كونه جعالة ، وهو حسن. ومنعه المصنف في المختلف بأن الجعالة تفتقر إلى
تعيين الجعل أيضاً . ويضعّف بأن الجهالة التي لا تمنع من التسليم لا تقدح ،
ولأنه لا ينقص عن قوله : من رد عبدي من موضع كذا فله كذا ، ومن موضع كذا فله
__________________
وكذا : إن خطته
رومياً فدرهمان وفارسياً فدرهم.
ولو استأجر لحمل
متاع إلى مكان في وقت معلوم ، فإن قصر عنه نقص من أجرته شيئاً معيناً صح.
ولو أحاط الشرط
بجميع الأجرة لم تصح ، وتثبت له أجرة المثل.
______________________________________________________
كذا ، ولأن مبنى
الجعالة على الجهالة في العمل ، فإن قوله : من رد عبدي لا يقتضي الرد من موضع معين
، والأصح مختار ابن إدريس.
قوله
: ( وكذا إن خطته
رومياً فدرهمان ، وفارسياً فدرهم ).
وهو مثله في
الخلاف والترجيح ، وقد فسر الرومي بالدرزين ، والفارسي بالدرز الواحد.
قوله
: ( ولو استأجر لحمل
متاع إلى مكان في وقت معلوم ، فإن قصّر عنه نقص من أجرته شيئاً معيناً صح ، ولو
أحاط الشرط بجميع الأجرة لم تصح ، وتثبت له أجرة المثل ).
القول بالصحة في
الشق الأول هو قول أكثر الأصحاب ، ومستنده روايتان صحيحتان عن الحلبي ، وعن محمد بن مسلم
عن الصادق والباقر 8 .
وفي رواية الحلبي
: « أنه إذا أحاط الشرط بجميع الكراء يفسد » وهو الشق الثاني ، وصرح ابن إدريس
بصحة العقد وبطلان الشرط ، ومنعه المصنف في المختلف ، والأصح
بطلانهما ، لأن المستأجر عليه غير
__________________
ولو آجره كل شهر
بدرهم ولم يعيّن ، أو استأجره لنقل الصبرة المجهولة وإن كانت مشاهدة كل قفيز بدرهم
، أو استأجره مدة شهر بدرهم ، فإن زاد فبحسابه فالأقرب البطلان ، إلاّ الأخير فإن
الزائد باطل.
______________________________________________________
معلوم ، إذ
المستأجر عليه أحد الأمرين غير معين ، والأجرة على كل واحد من التقديرين مقدار غير
المقدار على التقدير الآخر.
ورواية محمد بن
مسلم غير صريحة في الصحة ، ورواية الحلبي يمكن تنزيلها على إرادة الجعالة ، والقول
بالبطلان هو المتجه.
واعلم إن ( قصّر )
في عبارة الكتاب ينبغي أن يقرأ مشدداً على معنى أن الأجير قصّر.
قوله
: ( ولو آجره كل شهر
بدرهم ولم يعين ، أو استأجره لنقل الصبرة المجهولة وإن كانت مشاهدة كل قفيز بدرهم
، أو استأجره مدة شهر بدرهم ، فإن زاد فبحسابه فالأقرب البطلان ، إلا الأخير فإن
الزائد باطل ).
هنا صور :
أ : إذا أجره
الدار كل شهر بدرهم ، ولم يعين مجموع مدة الإجارة فالأقرب عند المصنف البطلان ،
وفاقاً لابن إدريس للجهالة المقتضية للغرر. ولا يلزم من مقابلة جزء معلوم من
المدة بجزء معلوم من العوض كون العوضين معلومين.
وقال الشيخ في
النهاية : تصح الإجارة في شهر لكونه معلوماً ، وكذا أجرته ، وأطلق ابن
الجنيد صحة الإجارة في الفرض المذكور . وكل من
__________________
______________________________________________________
القولين ضعيف ،
أما الثاني فللجهالة ، وأما الأول فلأن ( كل ) يقتضي التعدد فكيف ينزّل على شهر ،
فلا يتم ما ذكره من كون العوضين معلومين ، والأصح البطلان.
ب : لو استأجره
لحمل الصبرة المجهولة ، كل قفيز بدرهم لم يصح وإن كانت مشاهدة ، لأن المشاهدة لا
تنفي الجهالة والغرر ، وهو الأصح.
وقال الشيخ في
المبسوط : إذا استأجره لحمل عشرة أقفزة من صبرة مشاهدة ، كل قفيز بدرهم ، وما زاد
فبحسابه صح. وكذا يصح في البيع لو قال : بعتكها كل قفيز بدرهم ، ويفارق إذا قال :
آجرتك هذه الدار كل شهر بدرهم عند من قال : لا يجوز ، لأن جملة المدة مجهولة
المقدار ، وليس كذلك هنا ، لأن الجملة معلومة بالمشاهدة . ويضعف بأن
المشاهدة لا تنفي الغرر ، فالبطلان هو الأصح .
ج : إذا آجره
الدار شهراً بدرهم ، فإن زاد فبحسابه فالأقرب عند المصنف الصحة في شهر. ووجه القرب
أن كلا من العوضين ـ وهو الشهر والدرهم ـ معلوم ، وقوله : ( فإن زاد فبحسابه ) شرط
فيقع فاسداً ، لاشتماله على الجهالة والتعليق ، والأصح البطلان ، لأن العوضين هو
ما اقتضاهما مجموع العقد والشرط من جملته. وأيضاً فإن فساد الشرط يقتضي فساد العقد
كما قررناه غير مرة.
واعلم أن قول
المصنف : ( إلا الأخير ، فإن الزائد باطل ) غير حسن ، لأن مقتضى الاستثناء صحة
الأخير. فإذا كان مراده بيان صحة ما عدا الشرط كان حقه أن يقول : إلا الأخير فإن
الشهر صحيح والزائد باطل ، والأمر
__________________
ويملك المؤجر
الأجرة بنفس العقد ، وإن شرط الأجل لزم.
ويشترط فيه العلم
، سواء تعدد أو اتحد ، وسواء كانت معينة أو مطلقة.
______________________________________________________
سهل ، والمطلوب
معلوم.
قوله
: ( ويملك المؤجر
الأجرة بنفس العقد ).
كما يملك المستأجر
المنفعة بنفس العقد ، لأنهما عوضان كل منهما في مقابلة الآخر.
قوله
: ( فإن شرط الأجل
لزم ، ويشترط فيه العلم ، سواء تعدد أو اتحد ، وسواء كانت معينة أو مطلقة ).
إذا شرط المستأجر
تأجيل الأجرة إلى أمد بحيث لا يطالب بها ، وأن يسلّم العين المؤجرة إلى ذلك الأمد
صح ذلك ، بشرط كون الأجل معلوماً مصوناً عن احتمال الزيادة والنقصان ، سواء تعدد
الأجل بأن يجعلها نجوماً فيقسطها ، ويجعل كل قسط معلوم إلى أجل معلوم.
وسواء كانت
الإجارة معينة ـ أي واردة على عين معينة ـ شخصية أو مطلقة ـ أي : واردة على عين في
الذمة ـ هي أمر كلي لعدم المانع عندنا.
وقال الشافعي
بالمنع في الإجارة الواردة على الذمة وهي المطلقة ، لأن الإجارة هنا سلم في المعنى
فيجب قبض العوض كما يجب في السلم . وليس بشيء ، لأن هذا ليس بسلم ، وإلحاقه به قياس.
قال المصنف في
التذكرة : ولو قال : أسلمت إليك هذا الدينار في دابة تحملني إلى موضع كذا فالأقوى
المنع ، لأن الشارع وضع للعقود صيغاً خاصة ، والأصل عصمة الأموال.
__________________
ويجب تسليمها مع
شرط التعجيل أو الإطلاق ، وإن وقعت الإجارة على عمل ملك العامل الأجرة بالعقد
أيضاً ، لكن لا يجب تسليمها إلا بعد العمل.
______________________________________________________
وحكي عن الشافعي
الجواز ، فتجيء فيه أحكام السلم من عدم جواز تأجيل الأجرة ، ولا
الاستبدال عنها ، ولا الحوالة عليها وبها ، ولا الإبراء بل يجب التسليم في المجلس
كرأس مال السلم. قال المصنف : ونحن نقول : إن قصد السلم بلفظه لم يصح لاختصاصه
ببيع الأعيان ، وإن قصد الإجارة بلفظ السلم لم ينعقد سلماً ولا إجارة عندنا ، وما ذكره حق.
قوله
: ( ويجب تسليمها مع
شرط التعجيل أو الإطلاق ).
وذلك إذا سلّمت
العين المؤجرة ، لأن تسليم أحد العوضين يسلط على المطالبة بالآخر بمقتضى المعاوضة
الموجبة للملك ، والمنع من المطالبة إنما كان لعدم تسلم الآخر.
قوله
: ( وإن وقعت
الإجارة على عمل ملك العامل الأجرة بالعقد أيضاً ).
وذلك لأن المعاوضة
إذا صحت اقتضت نقل الملك في كل من العوضين إلى الآخر.
قوله
: ( لكن لا يجب
تسليمها إلاّ بعد العمل ).
لأن وجوب التسليم
في أحد العوضين إنما يتحقق بعد تسليم الآخر ، وبدونه يتسلمان دفعة واحدة كما سبق
في البيع.
ولا ريب أن العمل
وإن كان مستحقاً بالعقد ، إلا أن تسليمه إنما يتحقق بفعله.
__________________
وهل يشترط تسليمه؟
الأقرب ذلك ،
______________________________________________________
قوله
: ( وهل يشترط
تسليمه؟ الأقرب ذلك ).
أي : إذا عمل
الأجير العمل المستأجر عليه ، هل يشترط تسليم ذلك العمل إلى المستأجر في وجوب
تسليم الأجرة؟ الأقرب عند المصنف ذلك. ووجه القرب : أن المعاوضة لا يجب على أحد
المتعاوضين فيها التسليم إلا مع تسليم الآخر ، وبه صرح الشيخ في المبسوط .
ويحتمل العدم ،
لأنه إذا عمل فإنما يعمل في ملك المستأجر أو ما يجري مجراه ، فيكون ذلك كافياً عن
التسليم ، وليس بشيء.
وربما فصّل : بأن
العمل إن كان في ملك المستأجر وجب التسليم ، وإلا فلا.
والأصح أنه لا بد
من حصول التسليم إلى المستأجر وإن عمل في ملكه ، كما لو خاط ثوبه وإن كان في بيت
المستأجر. نعم متى صار في يد المستأجر تحقق التسليم.
واعلم أن شيخنا
الشهيد قال في بعض حواشيه : إن هذا ـ يعني قول المصنف : ( الأقرب ذلك ) ـ مبني على
أن الصفة تلحق بالأعيان ، وقد تقدم ذكره في الفلس ، بناءً على أن المنافع تعد
أموالاً ، ولهذا يصح جعلها عوضاً ومعوضاً.
وكما أن المبيع
يحبس حتى يتقابضا معاً ، ويسقط الثمن بتلفه قبل قبضه فكذلك المنفعة. وتظهر الفائدة
في جواز حبس الثوب ، وفي سقوط الأجرة بتلفه ، فعلى ما قرره المصنف له حبسه وإن
أباه ظاهر كلامه ، ولو تلف سقطت الأجرة على قوله ;.
أقول : لا حاجة
إلى البناء الذي ذكره ، لأن المعاوضة على المنافع أمر
__________________
فإذا استوفى
المستأجر المنافع استقر الأجر ، فإن سلّمت العين التي وقعت الإجارة عليها ، ومضت
المدة وهي مقبوضة استقر الأجر وإن لم ينتفع ،
______________________________________________________
متفق عليه ، ولا
بد في العوضين من التقابض كالبيع ، أما عدّ المنافع أموالاً فإن الذي يقتضي عدمه
فيها هو أنها لا وجود لها بالفعل ، وإنما هي أمور موجودة بالشأن والصلاحية.
ثم قوله : إن ظاهر
كلام المصنف يأبى ذلك غير جيد ، وقوله : ( وهل يشترط تسليمه؟ الأقرب ذلك ) صريح في
ذلك ، وليس مقابل الأقرب بمناف له ، لأن مقابل الأقرب ناشىء عن كون العمل إنما هو
في ملك المستأجر كخياطة ثوبه ، فهو مغنٍ عن التسليم وإن كان ضعيفاً في نفسه ، فما
ذكره غير واضح.
قوله
: ( فإن استوفى
المستأجر المنافع استقر الأجر ).
هذا حيث تكون
الإجارة واردة على عين لأجل منافعها كالدار ، بدليل قوله بعد : ( وإن كانت على عمل
) فإن المتبادر من الإجارة على عمل أن يكون الأجير يعمل بنفسه. وإن كان في دخول
الدابة في هذا المعنى مسامحة.
فإذا استوفى
المستأجر المنافع فقد تحقق وصول العوض إليه ، فيستقر ملك المؤجر على عوض الإجارة.
قوله
: ( فإن سلمت العين
التي وقعت الإجارة عليها ، ومضت المدة وهي مقبوضة استقر الأجر وإن لم ينتفع ).
أي : فإن سلّم
المؤجر العين المؤجرة إلى المستأجر ، ومضت مدة الإجارة التي يمكن استيفاء المنفعة
المعينة بالزمان أو بالعمل فيها استقر الأجر.
وإن كانت على عمل
فسلّم المعقود عليه ، كالدابة يركبها إلى المعين فقبضها ، ومضت مدة يمكن ركوبها
فيها استقر عليه الأجر وإن كانت الإجارة فاسدة ، وتجب أجرة المثل فيها.
______________________________________________________
وإنما قلنا : إنها
مدة الإجارة على التقديرين ، لأنه إذا عينت المنفعة بالزمان فظاهر ، وإن عينت
بالعمل فلا بد من وقوعها في زمان يسعها عادة ، فذلك الزمان هو مدتها. واحترز بمضي
المدة عما لو كانت متأخرة عن وقت التسليم بالاشتراط في العقد فإنها لا تستقر حينئذ
، وعما لو تسلمها بعض المدة فقط ، ولا فرق في استقرار الأجرة بذلك بين الانتفاع
وعدمه.
قوله
: ( وإن كانت على
عمل فسلم المعقود عليه ، كالدابة يركبها إلى المعين فقبضها ومضت مدة يمكن ركوبها
فيها استقر عليه الأجر ، وإن كانت الإجارة فاسدة تجب اجرة المثل فيها ).
أي : وإن كانت
الإجارة على عمل فسلم المؤجر المعقود عليه ، وذلك حيث يكون المعقود عليه مالاً ،
كالدابة إذا آجره ليركبها إلى المعين ويومين مثلاً ، وكالعبد إذا أجره للعمل
الفلاني ، أو للخدمة زمانا معيناً فقبضها المستأجر ، ومضت مدة يمكن ركوبها فيها
إلى المعين استقر عليه أجرها ، لأن منافعها قد صارت تحت يده وكان تلفها محسوباً
عليه ، فيكون بمنزلة ما لو استوفى المعوض فوجب عليه العوض.
( ولا فرق في ذلك
بين كون الإجارة صحيحة أو فاسدة ، لأنه قبض العين في الفاسدة ، على أن المنافع
مضمونة عليه ، وقد تلفت في يده فوجب عليه عوضها وهو اجرة المثل ) .
وكذا لا فرق بين كون الإجارة
واردة على العين أو في الذمة ، وهذا
__________________
ولو بذل له العين
فلم يأخذها المستأجر حتى انقضت المدة استقر الأجر عليه إن كانت الإجارة صحيحة ،
وإلاّ فلا.
______________________________________________________
يتم في كل عمل
يدخل تحت اليد ، ويعدّ مضمونا بإثبات اليد على العين المتعلق بها عدواناً. ولا
يكون ذلك إلا في الأعيان المملوكة. أما الأعمال التي تصدر عن الحر فلا يتم فيها
ذلك ، لأنها لا تدخل تحت اليد ، ولا يضمن بمجرد الفوات من دون الاستيفاء ، ولم
يتعرض المصنف لذكره هنا.
( واعلم إن المراد
من قولهم : منافع الحر لا تدخل تحت اليد ولا تضمن بالفوات : إن الحر لما لم يكن
مالاً لم يكن دخوله تحت اليد دخول ضمان ، إذ اليد له ، فلا يتصور كون يد بهذا
المعنى ، وهو يد استيلاء ، مؤثراً كما في اليد في الأوال التي يقتضي ظاهرها الملك
، إذا الشيء الذي يكون مالكاً ولا يكون مملوكاً يمتنع في حقه ذلك. ومنافعه وإن
كانت مملوكة ، إلا أنها معدومة لا يتصوّر دخولها تحت اليد استقلالاً ، ولكونه هو
لا يدخل تحت اليد امتنع دخولها تبعاً.
الدخول تحت اليد
منحصر في الاستقلال والتبعية ، فامتنع دخولها بالكلية ، فامتنع كون ذهابها من غير
الحر ) .
قوله
: ( ولو بذلت له
العين فلم يأخذها المستأجر حتى انقضت المدة استقر الأجر عليه إن كانت الإجارة
صحيحة ، وإلا فلا ).
أما إذا كانت
الإجارة صحيحة ، فلأن المنافع بعد بذل العين تلفت باختيار المستأجر في مدة الإجارة
فاستقر عليه الأجر ، كما لو كانت العين في يده.
وكذا لو كانت على
عمل وبذل ، ومضت مدة يمكن الاستيفاء فيها استقر الأجر ، لما سبق من أن المنافع
تلفت باختياره ، صرح بذلك في
__________________
______________________________________________________
التذكرة ، وما ذكره من
التوجيه غير مستلزم للمدعى.
ويمكن توجيهه بأنه
لما استحق المنافع بالعقد الوارد على العين أو الذمة ، وبذل المؤجر متعلق الإجارة
وجب على المستأجر قبوله ، لأنه مال له استحقه بالعقد وقد بذل على وجهه وخلّى بينه
وبينه ، فإذا مضت مدة يمكن فيها الاستيفاء كان تلفه منه على حد ما لو بذل له دينه
الحال حيث يجب قبوله ، وخلّى بينه وبينه فلم يأخذه حتى تلف فإنه يكون من صاحب
الدين كما سبق في البيع.
وهذا واضح ، لكن
لو كانت الإجارة على عمل الحر فبذل نفسه للمستأجر فتسلمه ، أو لم يتسلمه لكن خلّى
بينه وبين العمل مدة يمكن فيها استيفاؤه ، ففي الحكم إشكال ينشأ : من أن منافع
الحر لا تدخل تحت اليد بخلاف غيره ، ومن استحقاقها مدة بذلها له فيكون تلفها منه ،
لأن المنافع أموال وقد ملكها ، فإذا تلفت كان تلفها منه. وهذا قوي واختاره المصنف
في التذكرة .
لكن يرد عليه : إن
الدين إنما يتعين بقبض صاحبه ، فإذا امتنع منه فلا بد من قبض الحاكم ، فإن تعذر
فبذله المديون وخلى بين الدين وبينه فتلف كان من ضمانه.
وعلى هذا فحقه أن
لا يكون بمجرد بذل الحر نفسه للعمل ، حيث لا يقبل المستأجر بحيث لا يتعين له ،
وبذل العين المؤجرة حيث لا يقبلها المستأجر تلف المنافع المذكورة منه ، ويستقر
الأجر عليه إذا مضت مدة يمكن فيها الانتفاع. إلا أن يتشخص الزمان فإنها حينئذ تجري
مجرى الحق المعين المتشخص الذي إذا بذل لمالكه فأبى ، أخذه. وقد خلى بينه وبينه
فتلف ،
__________________
ولو شرط ابتداء
العمل في وقت ، ومضت مدة يمكن فيها العمل خالية عنه ، فطلبه المالك فلم يدفع العين
إليه صار غاصباً ، فإن عمل بعد ذلك لم يستحق أجرة.
______________________________________________________
فإن تلفه منه ،
ولا يتوقف على الرجوع إلى الحاكم بخلاف الدين.
ولو كان العمل في
الذمة فبذل نفسه له فلا فرق ، قال في التذكرة : وإذا قلنا بعدم الاستقرار فللأجير
أن يرفع الأمر إلى الحاكم ليجبره على الاستعمال .
وأما إذا كانت
الإجارة فاسدة فإن المستأجر لا تستقر عليه اجرة المنافع إن لم يأخذ العين إذ لم
تتلف بيده ، ولا هي مال له قد بذله من وجب عليه فيكون تلفه منه.
قوله
: ( ولو شرط ابتداء
العمل في وقت ، ومضت مدة يمكن فيها العمل خالية عنه ، وطلبه المالك فلم يدفع العين
إليه صار غاصباً ، فإن عمل بعد ذلك لم يستحق اجرة ).
أي : لو كانت
الإجارة على عمل كخياطة ثوب ، وشرط ابتداء العمل في وقت معين ، وسلّم إليه العين
ومضت مدة يمكن فيها العمل خالية عنه ، وطلب المالك العين فلم يدفعها إليه صار
غاصباً ، لأنه ليس له حبس العين حينئذ لانقضاء المدة التي جرت الإجارة عليها ،
فانفسخت لتعذر المستأجر عليه.
فإن عمل بعد ذلك
لم يستحق أجرة ، لأنه غاصب متبرع بعمله ، بخلاف ما لو لم تتعين المدة. وإن نزّل
الإطلاق على اتصال زمانها بزمان العقد فإنه حينئذٍ لو أخرّها لم تبطل ، لبقاء
صلاحية الزمان لها ، بخلاف ما إذا تعين زمانها ، فإن فواته يقتضي انفساخها.
__________________
ولو ظهر عيب في
الأجرة المعينة تخيّر المؤجر في الفسخ والأرش ، وفي المضمونة له العوض ، فإن تعذر
فالفسخ أو الرضا بالأرش ، وللمؤجر الفسخ إن أفلس المستأجر.
ويجوز أن يؤجر
العين بأكثر مما استأجرها به وإن لم يحدث شيئاً
______________________________________________________
واعلم إن العبارة
لا تخلو من مؤاخذة ، لأن الضمير في قوله : ( وطلبه المالك ) حقه أن يرجع إلى العين
، لكنه لا يصلح لذلك لتذكيره ، ولا يصلح عوده إلى العمل.
قوله
: ( ولو ظهر العيب
في الأجرة المعيّنة تخيّر المؤجر في الفسخ والأرش كما في البيع ).
لأن الإطلاق يقتضي
كون العوض سليماً.
قوله
: ( وفي المضمونة له
العوض ، فإن تعذر فالفسخ أو الرضا بالأرش ).
أي : لو ظهر العيب
في الأجرة التي سلمها ولم تكن معينة ، بل كانت في الذمة استحق المؤجر عوض المدفوعة
، لما قلنا من أن الإطلاق يحمل على الصحيح.
والمدفوع ليس عين
المعقود عليه ، إذ المعقود عليه ، إذ المعقود عليه محله الذمة ، فإن تعذر العوض
تخيّر المستأجر بين الفسخ وعدمه ، فيطالب بالأرش عوض الفائت بالعيب لتعيّن المدفوع
لأن يكون عوضاً بتعذر غيره.
قوله
: ( وللمؤجر الفسخ
إن أفلس المستأجر ).
لأن من وجد عين
ماله فهو أحق بها ، كما سبق في الفلس مع مراعاة التفصيل السابق ، وهذا إذا كانت
الأجرة ديناً تنزيلاً للمنافع بمنزلة الأموال.
قوله
: ( ويجوز أن يؤجر
العين بأكثر مما استأجرها به ، وإن لم
مقوماً وكان الجنس
واحداً على رأي ، وكذا لو سكن البعض وآجر الباقي بالمثل أو الزائد ،
______________________________________________________
يحدث شيئاً مقوماً
وكان الجنس واحداً على رأي ).
هذا مختار جمع من
الأصحاب للأصل ، ولعموم ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) ، ولرواية أبي المغراء ـ في الحسن ـ عن الصادق 7 .
وقال الشيخان ، وأكثر الأصحاب
بالمنع مع اتحاد الجنس ، ومنع ابن الجنيد معه في الربوي ، محتجين بلزوم
الربا ، ولحسنة الحلبي عن الصادق 7 وقد سئل عن إجارة المستأجر العين بأكثر مما استأجرها قال :
« لا يصلح ذلك إلا أن يحدث فيها شيئاً » .
ومثله عن أبي بصير
، عنه 7 وزاد : « أو يغرم فيها غرامة » وجوابه ظاهر ، فإن الربا منتف ، إذ لا معاوضة في الجنس
الواحد ، والروايتان محمولتان على الكراهية جمعاً بين الأخبار ، على أن في الثانية
: « إني لأكره » وهو صريح في الكراهية ، وهو الأصح.
قوله
: ( وكذا لو سكن
البعض وآجر الباقي بالمثل أو الزائد ... ).
أي : وكذا تجوز
الإجارة هنا ولا ربا ، ويجيء خلاف الشيخ والجماعة ، لأن الأجرة تتقسط على الأجزاء
، ولحسنة أبي المغراء عن الصادق
__________________
وكذا لو تقبّل
عملاً بشيء وقبّله لغيره بأقل. واستيفاء المنفعة أو البعض مع فساد العقد يوجب أجرة
المثل ، سواء زادت عن المسمى أو نقصت عنه.
______________________________________________________
7 في حديث : « إن فضل أجرة الحانوت والأجير حرام » .
ولو سكن البعض
وأجر الباقي بدون الأجرة جاز وإن كان أكثرها ، صرح به في الشرائع ، والحديث لا
ينافيه ، فيتمسك فيه بالأصل.
قوله
: ( وكذا لو تقبّل
عملاً بشيء وقبّله لغيره بأقل ).
أي : يجوز ذلك على
رأي ، والخلاف للشيخ والجماعة لرواية أبي المغراء السابقة ، والأصح في ذلك كله
الجواز.
قوله
: ( واستيفاء
المنفعة أو البعض مع فساد العقد يوجب أجرة المثل ، سواء زادت عن المسمى أو نقصت
عنه ).
وذلك لأنه مع
الفساد يجب رد كل عوض إلى مالكه ، ومع استيفاء المنفعة يمتنع ردها ، فوجب بدلها ،
وهو اجرة المثل.
ولا أثر لكون
المسمى أقل أو أكثر ، كما لو اشترى العين فاسداً بأقل من قيمتها أو بأكثر فتلفت.
وفي حواشي شيخنا
الشهيد : إن هذا إذا لم يكن الفساد باشتراط عدم الأجرة ، أو يكون متضمناً له فهناك
يقوى عدم وجوب الأجرة لدخول العامل على ذلك ، وهذا صحيح في العمل.
أما مثل سكنى
الدار التي يستوفيها المستأجر بنفسه ، فإنّ اشتراط عدم العوض إنما كان في العقد
الفاسد الذي لا أثر لما تضمنه من التراضي فحقه وجوب أجرة المثل. ومثله ما لو باعه
على أن لا ثمن عليه. ولو اشترط في
__________________
ويكره استعمال
الأجير قبل أن يقاطع على الأجرة ، وأن يضمن مع انتفاء التهمة.
______________________________________________________
العقد عدم الأجرة
على العمل فعمل فلا شيء ، لتبرعه بعمله.
واعلم أن عبارة
الكتاب سليمة عن المؤاخذة التي ذكرها شيخنا الشهيد ، إلاّ أن الاستيفاء إنما يتحقق
حيث يباشر المستأجر المنفعة ، أما منفعة من يعمل باختياره فإن المباشر لإتلافها هو
، فلا تحتاج العبارة إلى التقييد.
نعم ، يمكن أن
يجعل الاستيفاء احترازاً من هذا القسم.
قوله
: ( ويكره استعمال
الأجير قبل أن يقاطع على الأجرة ).
لما يتضمن ذلك من
التجاذب والتنازع غالباً.
قوله
: ( وأن يضمّن مع
انتفاء التهمة ).
أوّل بأمرين :
أ : أن يشهد
شاهدان على تفريطه ، فإنه يكره تضمينه إذا لم يكن متهماً.
ب : لو نكل عن
اليمين وقضينا بالنكول كره تضمينه مع عدم التهمة.
كذا قيل ، وينبغي
أن يقال : إذا لم يقض بالنكول يكره له تضمينه باليمين المردودة ، وهذا إذا قلنا
بعدم التضمين إلا بالتفريط.
أما على ما يراه
كثير من الأصحاب من تضمينهم إلا مع ثبوت ما يقتضي العدم فظاهر ، لأن الأجير إذا
لم يكن متهماً يكره تضمينه إذا لم يقم البينة بما يسقط الضمان. وربما فسر ذلك
بكراهية اشتراط الضمان ، وليس بشيء للفساد حينئذ.
__________________
المطلب الثالث : في المنفعة ، وشروطها ثمانية :
الأول : أن تكون مباحة ، فلو استأجر بيتاً ليحرز فيه خمراً ، أو
دكاناً ليبيعه فيه ، أو أجيراً ليحمل إليه مسكراً سواء كان لمسلم أو كافر ، أو
جارية للغناء ، أو كلباً للصيد لهواً ، أو ناسخاً ليكتب كفراً أو غناء ، أو استأجر
الكافر مسلماً للخدمة ، أو مصحفاً للنظر فيه لم يصح.
______________________________________________________
قوله
: ( فلو استأجر
بيتاً ليحرز فيه خمراً ).
أي : لا تصح
الإجارة في ذلك كله ، والمراد إذا صرح في عقد الإجارة بكونها لذلك.
أما لو أجر الدار
ممن يحوز الخمر فإنه لا يحرم على الأصح ، وإن كره. وقد سبق في
البيع.
قوله
: ( أو دكاناً
ليبيعه فيه ).
حقه أن يقول :
ليبيعها فيه ، لأن الخمر مؤنث سماعي.
قوله
: ( أو أجيراً ليحمل
له مسكراً ، سواء كانت لمسلم أو كافر ).
أي : سواء كانت
الإجارة هذه ، والمنع في المسلم ظاهر.
أما إذا كانت
لكافر : فلأن المسلم لا يجوز أن يكون أجيراً لكافر ، وحمله الخمر حرام بغير
الإراقة أو التخليل ، ومع ذلك فخمر الكافر إنما تكون محترمة إذا لم يتظاهر بها بين
المسلمين ، فإذا أظهرها فلا حرمة لها.
قوله
: ( أو مصحفاً للنظر
فيه لم يصح ).
__________________
الثاني : أن تكون مملوكة إما بالتبعية كمالك العين ، أو بالاستقلال
كالمستأجر ، فلا تصح اجارة الغاصب.
ولو عقد الفضولي
وقف على الإجازة.
ولو شرط المالك
المباشرة لم يكن له أن يؤجر ، فإن. فعل وسلم العين حينئذ ضمن
______________________________________________________
لمنافاته تعظيم شعائر
الله تعالى.
قوله
: ( الثاني : أن
تكون مملوكة : إما بالتبعية كمالك العين ).
فإنه يملك المنفعة
لكونها تابعة للملك.
قوله
: ( أو بالاستقلال
كالمستأجر ).
أراد بملكها
بالاستقلال : حصول سبب من الأسباب الموجبة للملك ، واقتضى حكم المنفعة ، وذلك كما
في المستأجر والموصى له المنفعة.
قوله
: ( فلا تصح إجارة
الغاصب ).
أي : لا يترتب
عليها أثر الإجارة ، لكن تقع موقوفة ، كما يقع بيعه موقوفاً.
قوله
: ( ولو عقد الفضولي
وقف على الإجازة ).
كما في بيعه ، وفي
التحرير قال : الأقرب وقوفه على الإجازة ، ووجهه عموم ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) ، ويحتمل العدم لقبح التصرف في مال الغير بغير إذنه.
قوله
: ( ولو شرط المالك
المباشرة لم يكن له أن يؤجر ، فإن
__________________
ويجوز مع عدم
الشرط أن يؤجر لمثله أو أقل ضرراً ، سواء كان قبل القبض أو بعده ، وسواء كان
المستأجر هو المؤجر أو غيره ، ويضمن العين بالتسليم.
______________________________________________________
فعل وسلّم العين
حينئذ ضمن ).
إنما يضمن مع
تسليم العين ، أما بدونه فلا. فلو أجره ولم يسلمه ، أو استوفى المنفعة له بوكالته
فلا ضمان قطعاً ، لعدم التعدي.
قوله
: ( ويجوز مع عدم
الشرط أن يؤجر لمثله ، أو أقل ضرراً ).
أي : أن يؤجر
لركوب مثله مثلاً ، أو سكنى مثله ، أو يؤجر لمثل العمل الذي استأجر لأجله ، وكذا
للأقل ضرراً ، لأن المنفعة تصير ملكاً له بالإجارة ، والناس مسلطون على أموالهم .
قوله
: ( سواء كان قبل
القبض أو بعده ).
بخلاف البيع فإنه
يحرم أو يكره.
قوله
: ( وسواء كان
المستأجر هو المؤجر أو غيره ).
ومنع بعض الشافعية
من استئجار المؤجر ، لأنه يملك المنفعة بالتبعية ، فلا يتصور ملكها بسبب آخر.
ولأنه إذا استأجر ثم اشترى العين يجب أن تنفسخ الإجارة ، كما لو نكح الجارية ثم
اشتراها ، وما ينفسخ ـ إذا كان سابقاً ـ يجب أن لا يصح إذا طرأ ، وهو ضعيف ، وقد
سبق صحة الشراء بعد الاستئجار.
قوله
: ( ويضمن العين
بالتسليم ).
__________________
الثالث : أن تكون مقوّمة ، فلو استأجر تفاحة للشم ، أو طعاماً
لتزيين المجلس ، أو الدراهم والدنانير والشمع لذلك ، أو الأشجار
______________________________________________________
لأن تسليط شخص على
مال غيره بغير إذن المالك تعدٍ ، فيكون موجباً للضمان. وقوّى شيخنا الشهيد في
حواشيه عدم الضمان ، لأن القبض من ضرورات الإجارة للعين ، وقد حكم بجوازها ،
والإذن في الشيء إذن في لوازمه.
وفيه نظر ، إذ ليس
من لوازم الإجارة القبض ، لإمكان استيفاء ذلك بجعل المؤجر وكيلاً في الاستيفاء ،
وباستيفاء المنفعة والعين في يده ، كما لو أسكنه في الدار معه ، أو حمل المتاع على
الدابة وهي في يده ، أو أركبه إياها وهي في يده ، فلم يتم ما ادعاه.
فإن قيل : إن لم
يجز التسليم لم تصح الإجارة ، لأن إجارة ما لا يقدر على تسليمه غير صحيحة :
قلنا : هو مقدور
على تسليمه بالإذن المتوقع حصوله ، على أن المراد من التسليم حصول المنفعة ،
وحصولها متصور مع كون العين في يد المستأجر الأول كما ذكرنا. لكن روى علي بن جعفر
في الصحيح عن أخيه موسى 7 : عدم ضمان الدابة المستأجرة بالتسليم إلى الغير .
ولعل المراد بها
حيث يكون هناك إذن ، أو يراد تسليم لا يخرج به عن كونها في يد المستأجر تمسكاً
بعموم تحريم مال المسلم إلا عن طيب نفس منه ، إلى أن يوجد المخصص.
قوله
: ( الثالث : أن
تكون مقومة ، فلو استأجر تفاحة للشم ، أو طعاماً لتزيين المجلس ، أو الدراهم
والدنانير أو الشمع لذلك ، أو
__________________
للوقوف في ظلها
ففي الجواز نظر ، ينشأ : من انتفاء قصد هذه المنافع ، ولهذا لا تضمن منفعتها بالغصب.
______________________________________________________
الأشجار للوقوف في
ظلها ففي الجواز نظر ، ينشأ : من انتفاء قصد هذه المنافع ، ولهذا لا يضمن منفعتها
بالغصب ).
في قوله : ( لا
يضمن منفعتها بالغصب ) نظر ، لأنه إذا ثبت كون هذه المنفعة مقومة وجب ضمانها
بالغصب.
يشترط لجواز بذل
العوض المالي في مقابل المنفعة أن تكون متقومة ، أي : أن يكون لها قيمة عند أهل
العرف غالباً ، لأن ما لا قيمة له لا يجوز بذل المال في مقابله ، ولا يحسن وقوع
المعاوضة عليه.
فلو استأجر نحو
التفاحة للشم ، أو طعاماً لتزيين المجلس به ، أو الدراهم والدنانير للتزيين بها ،
أو الشمع كذلك ، أو الأشجار للوقوف في ظلها ، ففي صحة الإجارة نظر ينشأ : من
التردد في كون هذه المنافع مقومة أم لا.
وهذا أولى من قول
المصنف : ( ينشأ من انتفاء قصد هذه المنافع ، ولهذا لا يضمن منفعتها بالغصب ) فإنه
لو تم ذلك لم يكن للتردد مجال ، بل وجب الجزم بعدم الصحة.
واحترز بـ ( التفاحة
) عن التفاح الكثير ، فإن استئجاره أظهر صحة ، لصحة استئجار المسك والرياحين. كذا
قال الشارح ، وفيه مناقشة ، لأن الظاهر أن المانع ليس هو وحدتها ، بل
كون مثل هذه المنفعة لم تثبت لها قيمة عرفاً بحيث تقابل بمال ، بخلاف المسك فحينئذ
يكون اختيار الشارح الفرق بينهما لا يخلو من شيء.
واعلم أن المصنف
جوّز في التذكرة استئجار الدراهم والدنانير للتزيين
__________________
وكذا لو استأجر
حائطاً مزوقاً للتنزه بالنظر إليه.
أما لو استأجر
شجراً ليجفف عليها الثياب ، أو يبسطها عليها ليستظل بها فالوجه الجواز.
______________________________________________________
بها ، وللضرب على
طبعها ، ونثرها في العرس ثم جمعها ، والتحلي بها ، والوزن بها ، والأصح جواز
استئجارها. ولا يشترط تعيين جهة الانتفاع كاستئجار الدار ، فإنه تجوز معه السكنى
وإحراز المتاع فيها.
ولو أجرها لإتلاف
لم يجز ، ولم يكن قرضاً. وكذا يصح استئجار الأشجار للاستظلال ، والتفاح للشم ،
والشمع للتزيين لا للضوء إن صح مقابلة ذلك بمال عرفاً. أما الطعام ونحوه للتزيين
فلا ، فإن مثل ذلك لا يبذل العوض في مقابله.
والضابط : إن
المنفعة التي يحسن عرفاً مقابلتها بمال يجوز استئجار العين المشتملة عليها ، دون
غيرها.
قوله
: ( وكذا لو استأجر
حائطاً مزوقاً للتنزه بالنظر إليه ).
أي : يجيء فيه
النظر السابق ، وما سبق آت هنا.
قوله
: ( أما لو استأجر
شجراً ليجفف عليها الثياب ، أو يبسطها عليها ليستظل بها فالوجه الجواز ).
ينبغي أن يقرأ
بسطها بفتح الباء وإسكان السين وكسر الطاء عطفاً على يجفف ، وأن كان عطفا للاسم
على الفعل وهو غير حسن ، لأنه أولى من جعله فعلاً.
وعطف الجملة على
جملة ( ليجفف ) أو على جملة ( استأجر ) لعدم حصول المعنى المراد حينئذ ، لأن
المعنى على الأول : أنه لو استأجر شجراً فبسط الثياب عليها ، وعلى الثاني : أنه لو
بسطها عليها فالوجه الجواز ، وهو
__________________
الرابع : انفرادها بالتقويم ، فلو استأجر الكرم لثمره ، أو الشاة
لنتاجها ، أو صوفها ، أو لبنها لم ينعقد ، لما يتضمن من بيع الأعيان قبل وجودها ،
والاستئجار إنما يتعلق بالمنافع.
______________________________________________________
خلاف المعنى
المراد.
ووجه الجواز : أن
هذه المنفعة متقومة في العادة ، ومثل هذا النفع مقصود للعقلاء ، والحاجة تدعو إليه
، وهو مختار الشيخ . ويحتمل العدم لتخيل عدم كون ذلك مما يقصد في العادة ويعدّ
متقوماً ، ولهذا لا يضمنها الغاصب.
واختار الشارح
البطلان ، والصحة أقوى. والمناط للصحة في ذلك ونظائره هو الضابط
السابق.
قوله
: ( الرابع :
انفرادها بالتقويم ، فلو استأجر الكرم للثمرة ، أو الشاة لنتاجها أو صوفها أو
لبنها لم ينعقد لما يتضمن من بيع الأعيان قبل وجودها ، والاستئجار إنما يتعلق
بالمنافع ).
لا ريب أنه يشترط
لصحة الإجارة كون المنفعة وحدها ذات قيمة ، لأن مورد الإجارة هي المنفعة التي ليست
بعين.
فلو لم يكن
للمنفعة وحدها قيمة من دون ضميمة عين إليها فحقها أن لا تصح ، لأنه خلاف مقصود
الإجارة شرعاً ، لأن القصد بها نقل المنافع ، كما أن القصد بالبيع نقل الأعيان.
لكن في تفريع استئجار الكرم للثمرة والشاة للنتاج على هذا مناقشة ، فإنه ليس هنا
منفعة استؤجر لها ولا قيمة لها بدون العين ، إذ المستأجر له هو الثمرة والنتاج
وهما عينان.
ثم إن تعليله ـ بكونه
يتضمن بيع الأعيان قبل وجودها ـ فيه مناقشتان :
__________________
ولو استأجر الظئر
لإرضاع الولد مع الحضانة جاز ، والأقرب جوازه مع عدمها ، للحاجة.
______________________________________________________
إحداهما : أن هذه
الإجارة لا تتضمن بيعاً ، لكن لما اشتملت على نقل العين ـ وذلك مقصود بالبيع ـ صار
مقصود البيع مقصوداً بالإجارة. وحقه أن لا يصح ، لأن لكل عقد حداً لا يتعدّاه.
الثانية : قوله :
( قبل وجودها ) غير محتاج إليه ، بل ولا ينبغي ، لأنه يقتضي أن المانع من الصحة هو
مجموع الأمرين ، مع أن الأول وحده كاف في المنع عندنا.
واعتذر شيخنا
الشهيد : بأن المصنف حاول صحة التعليل عند المخالف من العامة القائل بأن الإجارة
بيع ، فإنّ بيع الأعيان قبل وجودها عنده لا يجوز ، فوجب أن لا يجوز عنده هذا
العقد أيضاً لهذا التعليل.
لكن في هذا
الاعتذار مناقشة ، لأن ذلك لا يرتبط بالشرط الرابع ، وهو كون المنفعة مقوّمة
بانفرادها. وكذا قوله بعد : ( والاستئجار إنما يتعلق بالمنافع ) فيكون قبل وجودها
مما ينبغي تركه.
قوله
: ( ولو استأجر
الظئر لإرضاع الولد مع الحضانة جاز ).
الظئر : هي
المرضعة ، ولا ريب ان استئجارها للحضانة جائز ، لأنه عمل مقصود محلل متقوم ، فيكون
دخول اللبن بالتبعية جائزاً اشتراطه.
واعلم أن الحضانة
ـ بكسر أوله ـ هي : حفظ الولد ، وتربيته ، ودهنه ، وكحله ، وغسل خرقه وتنظيفه ،
وجعله في سريره وربطه إلى آخر سائر ما يحتاج إليه. ولا يخفى أن الاستئجار للحضانة
لا يدخل فيه الإرضاع ، وبالعكس.
قوله
: ( والأقرب جوازه
مع عدمها للحاجة ).
__________________
وهل يتعدى إلى
الشاة لإرضاع السخلة؟ الأقرب ذلك. وكذا يجوز استئجار الفحل للضراب على كراهية.
______________________________________________________
وجه القرب قوله
تعالى ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ ) والمراد سقي اللبن قطعاً ، أطلق اسم الأجر على ما يقابل
ذلك ، فوجب أن يكون الاستئجار جائزاً. ويحتمل المنع لتناوله الأعيان ، ومع ذلك فهي
مجهولة وليست موجودة ، ولا وجه لهذا بعد ثبوت النص.
واعلم أن المصنف
قال في التذكرة : إن الخلاف بين المختلفين في صحة هذا العقد إنما هو إذا قصر
الإجارة على صرف اللبن إلى الصبي ، وقطع عنه وضعه في الحجر ونحوه . ولكن هذا إنما
يجيء على قول العامة المجوزين نقل الأعيان بالإجارة ، وإلا فيجب أن
لا يختلف الحال بين إدخال ذلك وعدمه نظراً إلى أن هذا الفعل وحده غير مقصود من دون
اللبن.
واعلم أيضاً : إن
قوله : ( للحاجة ) ينبغي أن لا يجعل دليل المسألة ، لأن مطلق الحاجة لا يجوّز ما
لا يجوز. نعم يناسب أن يكون سر الشرعية ، وكيف كان فالأصح الجواز.
قوله
: ( وهل يتعدى إلى
الشاة لإرضاع السخلة؟ الأقرب ذلك ).
وجه القرب الحاجة
كالطفل ، ويحتمل العدم لوجود المنافي ، وعدم الصحة أقوى ، ويمكن الصلح على ذلك ،
ولا تضر الجهالة.
قوله
: ( وكذا يجوز
استئجار الفحل للضراب على كراهية ).
وليس محرّماً عند
علمائنا ، قاله في التذكرة . والقصد من الضراب
__________________
وفي جواز استئجار
البئر للاستسقاء منها إشكال ، ويجوز استئجار الأطياب للشم وإن نقصت أعيانها ،
بخلاف الشمع للإشعال ، والطعام للأكل ،
______________________________________________________
وإن كان هو الماء
إلا أنه جوّز للضرورة ، وليوقع العقد على العمل ويقدره بالمرة والمرتين ونحوهما.
وحكى المصنف في
التذكرة عن بعض العامة التقدير بالمدة ، ورده بأن تطبيق الفعل على المدة غير مقدور .
قوله
: ( وفي جواز
استئجار البئر للاستسقاء منها إشكال ).
ينشأ : من أنه نقل
للعين ، ومن دعاء الضرورة إليه ، والأقوى العدم ، فإذا استأجرها مع شيء وشرط دخول
الماء جاز.
وفي التذكرة منع
من استئجارها لذلك ثم قال : نعم لو استأجر الدار وفيها بئر ماء جاز له الاستسقاء
منها للعادة ، ودخول الماء بالتبعية. ولو استأجر قناة ، فإن قصد موضع جريان الماء
جاز وكان الماء تابعاً يجوز الانتفاع به كما نقول في الرضاع اللبن تابع .
قوله
: ( ويجوز استئجار
الأطياب للشم وإن نقصت أعيانها ).
كالثوب للّبس وإن
نقص به ، لانسحاق بعض أجزائه.
قوله
: ( بخلاف الشمع
للإشعال والطعام للأكل ).
فإنه لا يجوز
فيهما ذلك ، لأن الانتفاع بهما في المذكور إنما يكون بالإتلاف ، بخلاف الثوب فإن
الذاهب بعض أجزائه التي لا يخل ذهابها ببقاء
__________________
والإجارة في
الاستحمام للّبث فيه واستعمال الماء تابع للاذن.
الخامس : إمكان وجودها ، فلو استأجر الأرض للزراعة ولا ماء لها
______________________________________________________
ثوب.
قوله
: ( والإجارة في الاستحمام
للّبث فيه واستعمال الماء تابع للإذن ).
يناسب أن يكون هذا
جواباً عن سؤال مقدّر هو : أن الحمام يجب أن لا يصح استئجاره ، لأن الانتفاع
بالماء إنما يكون غالباً بإراقته التي هي إتلاف له.
وجوابه : إن
الإجارة في الاستحمام إنما هي على اللبث في الحمام ، وأما استعمال الماء فإنه تابع
لذلك ، للإذن فيه عادة ، فإن العادة مستمرة بأنّ من دخل الحمام للاستحمام أراق
الماء. واعترف في التذكرة بأن الاستئجار للحمام اشتمل على استعمال الماء وإتلافه
للضرورة .
وفي موضع أخر تردد
بين كون المدفوع إلى الحمّامي ثمن الماء ، ويتطوع بحفظ الثياب وإعادة السطل ،
وكونه اجرة الحمام والسطل والإزار وحفظ الثياب ، وأما الماء فلا يقابل بعوض لكونه
غير مضبوط.
وفي رواية عن علي 7 : أنه اتي بصاحب
حمام وضعت عنده الثياب فلم يضمنه وقال : « إنما هو أمين » ، ولا دلالة فيها
على شيء ، لأنه على الأول مستودع ، وعلى الثاني أجير ، فهو أمين على كلّ من
التقديرين.
قوله
: ( الخامس : إمكان
وجودها ، فلو استأجر الأرض للزراعة
__________________
بطلت ، أما لو لم
يعيّن الزرع انصرف إلى غيره من المنافع ولو كان نادراً. وكذا لو استأجر عبداً مدة
يعلم موته قبل انقضائها ، أو استأجر أعمى للحفظ ،
______________________________________________________
ولا ماء لها بطلت
، أما لو لم يعين الزرع انصرف إلى غيره من المنافع ولو كان نادراً ).
أي : ولو كان غير
الزرع نادراً ، لكن ينبغي التصريح بأن لا ماء لها إذا لم يكن المتعاقدان عالمين ،
لأن أغلب وجوه الانتفاعات بالأرض زرعها ، إلا أن يشهد الحال بأن مثلها لا يراد
للزرع ، وفي التذكرة ما قد يقرب من ذلك .
والظاهر أن حفر
الساقية القريبة السهلة ، وعمل الدولاب بسهولة لا يخل ـ بصحة إجارة الأرض للزراعة
ـ عدمه إذا كانت محققة السقي به وكان عمله سهلاً لوجود الماء بالقوة القريبة من
الفعل ، وعد ذلك ماء في العادة ، ومثله احتياج الساقية إلى التنقية.
وينبغي أن لا يراد
بقول المصنف : ( ولو كان نادراً ) أن تكون المنفعة لندرتها غير مقصودة عادة ولا
متقومة ، بل كون قصدها نادراً بالإضافة إلى قصد الزراعة.
قوله
: ( وكذا لو استأجر
العبد مدة يعلم موته قبل انقضائها ).
للجهل بزمان
الإجارة حينئذ فلا يصح.
قوله
: ( أو استأجر أعمى
للحفظ ).
أي : لحفظ الأمتعة
، حيث يكون حفظها موقوفاً على وجود البصر .
__________________
أو أخرس للتعليم ،
أو استأجر حيواناً لعمل لم يخلق له ويمتنع حصوله منه ، كما لو استأجر الشاة للحرث
أو الحمل.
أما لو استأجر ما
يمكن منه وإن لم يخلق له جاز ، كالإبل للحرث والبقر للحمل.
السادس : القدرة على تسليمها ، فلو استأجر الآبق منفرداً لم يصح.
ولو آجر للسنة
القابلة صح ،
______________________________________________________
قوله
: ( أو أخرس للتعليم
، أو استأجر حيواناً لعمل لم يخلق له ويمتنع حصوله منه ، كما لو استأجر شاة للحرث
أو للحمل. أما لو استأجر ما يمكن منه وإن لم يخلق له جاز ، كالإبل للحرث والبقر
للحمل ).
يصح بفتح الحاء
مصدراً ، وبكسرها اسماً.
قوله
: ( السادس : القدرة
على تسليمها ، فلو استأجر الآبق منفرداً لم يصح ).
يفهم من قوله : (
منفرداً ) أنه لو استأجره منضماً صح ، وقد صرح به شيخنا الشهيد في بعض حواشيه ،
معللاً بأنه إذا جاز بيعه كذلك جازت إجارته كذلك بطريق أولى ، لأن الإجارة تحتمل
من الغرر ما لا يحتمله البيع.
وتردد المصنف في
التحرير ، ومنع في التذكرة لمنافاة عدم القدرة على التسليم مقصود الإجارة ، وهو
الأصح. والحكم في البيع ثبت بالنص على خلاف الأصل فلا يتعدى.
قوله
: ( ولو أجر للسنة
القابلة صح ).
__________________
وكذا لو آجر سنة
متصلة بالعقد ، ثم أخرى له أو لغيره.
ولو استأجر الدابة
ليركبها نصف الطريق صح ، واحتيج إلى المهاياة إن قصد التراوح ، وإلاّ افتقر إلى
تعيين أحد النصفين.
______________________________________________________
أي : لو لم يكن زمان
الإجارة متصلاً بزمان العقد ، كما لو أجر للسنة القابلة صح ، لأنه عقد صدر من أهله
في محله ، ولا مانع إلا تأخر زمان الإجارة عن زمان وقوع العقد ، وذلك لا يصلح
للمانعية.
وقال الشيخ في
الخلاف : لا يصح ، وأبو الصلاح تبعه ، محتجين بأن الإجارة حكم شرعي لا تثبت إلا بدليل وهو منتفٍ
، ولأن صحة الإجارة تتوقف على التسليم ، وهو منتف حينئذ.
وجوابه : الدليل
قائم وهو ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ( إلا أن تكون
تجارة عن تراض ) ، والتسليم واجب زمان الإجارة لا مطلقاً.
قوله
: ( وكذا لو أجر سنة
متصلة بالعقد ، ثم اخرى له أو لغيره ).
أي : تصح ، ويجيء
خلاف الشيخ ها هنا. والصحة هنا بطريق أولى ، خصوصاً إذا كان العقد الثاني للمستأجر
الأول.
قوله
: ( ولو استأجر دابة
ليركبها نصف الطريق صح ، واحتيج إلى المهاياة إن قصد التراوح ، وإلا افتقر إلى
تعيين أحد النصفين ).
نصف الطريق صادق
على النصف الموزع أجزاء ، وهو الذي يقصد به التراوح ، وهو حصول الراحة بالركوب
كلما تعب. وعلى النصف المتصل
__________________
والمنع الشرعي
كالحسي ، فلو استأجر لقلع ضرس صحيح ، أو قطع يد صحيحة ، أو استأجر جنباً أو حائضاً
لكنس المسجد لم يصح.
______________________________________________________
الأجزاء ، فإن قصد
الأول فلا بد من تعيين مقدار ما يركب وما يمشي ، إما بالفراسخ إن عينت الإجارة
بالمسافة ، وإلا فبالزمان كركوب يوم ، ومشي يوم إن عينت بالزمان.
ولا بد من تعيين
محل الركوب ، ومحل النزول ، أو زمانهما. ولو كان هناك عادة مستمرة غالبة مضبوطة
نزّل الإطلاق عليها ، صرح به في التذكرة .
وإن قصد الثاني
فلا بد من تعيين النصف الذي يستأجر لركوبه ، أهو الأول أم الثاني؟ وهل يكفي تعيين
أول النصف إلى حيث ينتهي؟ أم لا بد من تعيين آخره؟ قد سبق في البيع أنه لو باعه
جريباً من هنا إلى حيث ينتهي لم يصح لجهالة البيع ، بل لا بد أن يعين آخره ،
ومقتضاه أن لا يصح هنا إلا إذا عيّن الآخر.
وقد يتخيل إن قضية
الاكتفاء في التراوح بالتعيين بالأيام عدم اشتراط ذكر الآخر هنا ، وليس كذلك ، لأن
تعيين المنفعة يكون بأمرين ، فلا بد من ضبط الأول والآخر في كل منهما ، وتشخيص
الزمان أو المسافة ، وبأيهما عين فلا تعيين بالآخر.
واعلم أن قوله : (
واحتيج إلى المهاياة ) ليس صريحاً في وجوب ذكر ذلك في العقد وإن كان هو المراد.
قوله
: ( والمنع الشرعي
كالحسي ، فلو استأجر لقلع ضرس صحيح ، أو قطع يد صحيحة ، أو استأجر جنباً أو حائضاً
لكنس المسجد لم يصح ).
__________________
ولو كانت السن
وجعة ، أو اليد متأكلة صحت ، فإن زال الألم قبل القلع انفسخت الإجارة.
ولو استأجر منكوحة
الغير بدون إذنه فيما يمنع حقوق الزوج لم يصح ،
______________________________________________________
لتعذر صدور الفعل
في نظر الشارع ، فهو غير مقدور التسليم ولا يخفى أنه إنما يتحقق ذلك في استئجار
الجنب والحائض لكنس المسجد كون زمان الكنس زمان الحيض والجنابة.
قوله
: ( ولو كانت السن
وجعة ، واليد متأكلة صحت ).
بشرط صعوبة الألم
، وقول أهل المعرفة إن القلع مزيل له ، وإلا فلا. ولا بد في قطع اليد المتآكلة من
أن يكون القطع نافعاً ، ولا يخاف معه التلف ، ذكر ذلك في التذكرة ، وكذا ما يجري
مجرى التلف.
قوله
: ( ولو استأجر
منكوحة الغير بدون إذنه فيما يمنع حقوق الزوج لم يصح ).
أطلق الشيخ القول
بالمنع من إجارة المرأة نفسها لغير الزوج بغير إذنه ، محتجاً بأن المرأة معقود على
منافعها بعقد النكاح ، فلا يجوز لها أن تعقد على نفسها فتخل بحقوق الزوج . وتبعه ابن إدريس
، وفصل المصنف في المختلف بما ذكره : وهو أن الإجارة إن لم تمنع شيئاً من
حقوقه صحت وإلا لم تصح إلا بإذنه .
ولك أن تقول : إن
جميع أوقات المرأة محل لاستمتاع الزوج ، فهي
__________________
ولو كان للرضاع
فإن منع بعض حقوقه بطل ، وإلاّ فلا.
ولو استأجرها الزوج
أو غيره بإذنه صح ،
______________________________________________________
مستغرقة في كونها
مستحقة ، فلا يتصور إجارتها نفسها لشيء من الأعمال من دون إذن الزوج.
ويمكن الجواب :
بأنه وإن كان كذلك ، إلا أن العادة قد ثبتت واستقرت بأن الزوج لا يستغرق الأوقات
في الاستمتاع ، خصوصاً في النهار وإذا كان مسافراً. ومعلوم أن جميع منافع المرأة
غير مملوكة له ، بل ولا شيء منها ، بل إنما يستحق الاستمتاع بها. فالزمان الذي
وثق بعدم استمتاعه فيه للعادة ، أو لغيبته يجوز للزوجة إجارة نفسها فيه لمنفعة
مملوكة لها لغيره ، وهذا واضح فإن الأمور المعتادة على وجه الاستمرار موثوق بها.
لكن ينبغي ـ إذا
أراد الزوج الاستمتاع على خلاف الغالب في ذلك الزمان المخصوص بالإجارة ـ انفساخ
الإجارة إذا تشخص زمانها ، لوجوب تقديم حق الزوج. واعلم أن قوله : ( لم يصح )
ينبغي أن يراد به الوقوف على إجازته ، لأن العقد فضولي.
قوله
: ( ولو كان للرضاع
فإن منع بعض حقوقه بطل وإلا فلا ).
لا فرق بين
الاستئجار للرضاع وغيره على ما سبق ، وينبغي أن يكون المراد بالبطلان عدم اللزوم.
قوله
: ( ولو استأجرها
الزوج أو غيره بإذنه صح ).
أما إذا استأجرها
الغير بإذنه فواضح ، فإن المانع حقه وقد أسقطه.
وأما إذا كان
المستأجر هو ، فلأنه لا يستحق جميع منافعها ، إنما يستحق الاستمتاع ، وكون الزمان
مستحقاً صرفه في الاستمتاع له ، لا ينافي صحة الإجارة إذا رضي بصرفه في المنفعة
التي لا يستحقها ، ولأن فاضل
وإن كان لإرضاع
ولده منها في حباله.
ولو تلفت العين
المستأجرة قبل القبض بطلت الإجارة ،
______________________________________________________
الزمان عن
الاستمتاع عادة قد أعرض عنه ، ولهذا تجوز الإجارة لغيره ، فيجوز له. ويجيء على
قول الشيخ منعه من استئجارها ، وسيأتي.
قوله
: ( وإن كان لإرضاع
ولده منها في حباله ).
منع الشيخ من
استئجار الزوج الزوجة لإرضاع ولده ، لأنها أخذت منه عوضاً في مقابلة الاستمتاع ،
وآخر في مقابلة التمكين . وسوغه المرتضى ، وابن إدريس ، والمصنف لقوله تعالى ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ
لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) ، وقوله تعالى ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ
لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ ) .
والعوض المأخوذ
ليس في مقابلة التمكين بل في مقابلة الإرضاع ، ولا فرق بين أن يمنع شيئاً من حقوق
الزوج وعدمه ، لأنه قد رضي بذلك.
واعلم أن الشافعي
في أحد قوليه منع من استئجار الزوج زوجته لإرضاع ولده منها ، ودليله هو ما
سبق ، وهذا لا يختص بكون الولد منها كما هو ظاهر ، فلو استأجرها لإرضاع ولده من
غيرها فكذلك. وكلام الشيخ أعم ، فيكون ما ذكره هنا رداً على الشافعي وإن تضمن الرد
على الشيخ.
قوله
: ( ولو تلفت العين
المستأجرة قبل القبض بطلت
__________________
وكذا بعده بلا
فصل.
ولو تلفت في
الأثناء انفسخت في الباقي ، فإن تساوت أجزاء المدة فعليه بقدر ما مضى ، وإلاّ قسّط
المسمّى على النسبة ودفع ما قابل الماضي.
______________________________________________________
الإجارة ).
لتعذر تسليم العوض
، وهي قبل القبض من ضمان المؤجر. ولا يخفى أن هذا مع تشخص العين ، فلو كانت
الإجارة في الذمة فسلّمه عيناً فتلفت فالإجارة باقية ، وقد سبق ذكره.
قوله
: ( وكذا بعده بلا
فصل ).
أي : من غير أن
يمضي زمان يمكن استيفاء شيء من المنفعة. ووجه البطلان إن المنفعة التي هي المعقود
عليه لم يتسلمها المستأجر ، إنما تسلّم العين ، فإذا تلفت العين والإجارة واردة
عليها تعذر استيفاؤها ، فامتنعت المعاوضة بتعذر العوض فبطلت.
قوله
: ( ولو تلفت في
الأثناء انفسخت في الباقي ).
لتعذر الإجارة فيه
بتعذر العوض.
قوله
: ( فإن تساوت أجزاء
المدة فعليه بقدر ما مضى ).
إذا تساوت أجزاء
المدة بالنسبة إلى المنفعة ، وعرض التلف للعين في أثناء المدة فعلى المستأجر من
الأجرة المسماة بقدر ما مضى من الزمان ، فإن كان نصفه فنصف الأجرة ، أو أقل أو
أكثر فكذلك ، ولا فرق بين كون المنفعة مقدرة بالزمان أولا.
قوله
: ( وإلا قسِّط
المسمى على النسبة ودفع ما قابل الماضي ).
ولو انهدمت الدار
، أو غرقت الأرض ، أو انقطع ماؤها في الأثناء فللمستأجر الفسخ ، فإن بادر المالك
إلى الإعادة فالأقرب بقاء الخيار.
______________________________________________________
أي : وإن لم تكن أجزاء
المدة متساوية كذلك فالطريق تقسيط المسمى على ما مضى وما بقي على النسبة ، فينظر
نسبة أجرة المثل لكل منهما إلى مجموع اجرة المثل لهما ، ويؤخذ بتلك النسبة المسماة
فيدفع ما قابل الماضي لصيرورته إليه دون الباقي.
قوله
: ( ولو انهدمت
الدار ، أو غرقت الأرض ، أو انقطع ماؤها في الأثناء فللمستأجر الفسخ ).
لطروء المانع من
الانتفاع ، وينبغي أن يكون هذا مع إمكان إزالة المانع أو بقاء أصل الانتفاء ، فلو
انتفيا انفسخت الإجارة لتعذر المستأجر عليه.
قوله
: ( فإن بادر المالك
إلى الإعادة فالأقرب بقاء الخيار ).
المفهوم من ( بادر
المالك ) مسارعته بحيث لا يفوت شيء من النفع ، هكذا فهم الشارح الفاضل ولد المصنف
.
ويمكن أن يراد به
عدم التراخي عادة وإن فات شيء من النفع ، لكن الأول أوجه ، فإنه إذا فات شيء من
النفع تبعضت الصفقة فيثبت الخيار. ثم إنه إذا فات شيء من النفع لا فرق بين مبادرة
المالك وتراخيه إذا لم يفسخ المستأجر حتى حصلت الإعادة.
ووجه القرب أن
السبب المقتضي للخيار حصل وهو الانهدام وما في حكمه ، وهو موجب للخيار ، فيستصحب
بعد الإعادة ، ولم يدل دليل على سقوطه بالإعادة. ويحتمل السقوط لزوال المقتضي ،
والأول أقوى.
ويفهم من قوله : (
بادر ) أنه لو تراخى فالخيار باق وإن حصلت
__________________
ولو شرط منفعة
كالزرع فتلفت وبقي غيرها ، كصيد السمك منها بعد الغرق فهي كالتالفة تنفسخ فيها
الإجارة.
ولو أمكن الانتفاع
بالعين فيما اكتراها له على نقص تخيّر المستأجر أيضاً في الفسخ والإمضاء بالجميع.
______________________________________________________
الإعادة. وجعله
الشارح مقطوعاً به ، والفاضل عميد الدين لم يفرّق بينهما ، ولم يجعل العبارة خاصة
بأحدهما واختار التفصيل بأنه إن لم يفت شيء من النفع فلا خيار ، وإلا كان مستمراً
، والكلام الأول أوجه.
قوله
: ( ولو شرط منفعة
كالزرع فتلفت وبقي غيرها كصيد السمك منها بعد الغرق فهي كالتالفة تنفسخ فيها
الإجارة ).
لتعذر المنفعة
المعقود عليها ، فإن ما تعذر استيفاؤها من العين امتنع العقد لأجله. وللشافعية قول
بأن له الفسخ ، لإمكان الانتفاع من جهة أخرى ، وليس بظاهر.
قوله
: ( ولو أمكن
الانتفاع بالعين فيما اكتراها له على نقص تخيّر المستأجر أيضاً في الفسخ والإمضاء
بالجميع ).
أي : لو أمكن
الانتفاع بالعين بعد عروض تلف شيء منها فيما اكتراها له على نقص تخير المستأجر
أيضاً في الفسخ والإمضاء بالجميع ، أما الفسخ فلأن ما جرت عليه الإجارة هو العين
سليمة ، وقد فات وصف السلامة فله الرجوع إلى ماله.
وأما الإمضاء
بالجميع ، فلأن متعلق الإجارة كله باق لم يفت منه شيء ، لأنه المفروض ، غاية ما
في الباب أنه قد نقص بعض صفاته. ويحتمل ثبوت الأرش ، لأن تعيب العين يقتضي تعيب
المنفعة فينجبر عيبها
__________________
ولو غرق بعض الأرض
بطلت الإجارة فيه ، وتخيّر في الباقي بين الفسخ وإمساكه بالحصة.
ولو منعه المؤجر
من التصرف في العين فالأقرب تخيره بين الفسخ فيطالب بالمسمى ، وبين الإمضاء فيطالب
بأجرة المثل.
______________________________________________________
بالأرش.
وما أشبه هذه
المسألة بما إذا تلف من المبيع ما لا قسط له من الثمن كيد العبد ، فإن الثابت هنا
عند جمع هو الخيار بين الفسخ والإمضاء بالجميع. أما انهدام بعض بيوت الدار مثلاً
وغرق بعض الأرض فإنه في الإجارة كتلف أحد العبدين ، وإني لا أستبعد ثبوت الأرش في
المسألة الأولى كثيراً.
قوله
: ( ولو غرق بعض
الأرض بطلت الإجارة فيه ، وتخير في الباقي بين الفسخ وإمساكه بالحصة ).
لا فرق في غرق بعض
الأرض بين كونه قبل القبض أو بعده ، كما سبق من أن الغرق في الأثناء يوجب الفسخ
ولا خيار للمؤجر ، لأن التلف محسوب منه ، وإنما ثبت للمستأجر الخيار
لتبعّض الصفقة عليه.
قوله
: ( ولو منعه المؤجر
من التصرف في العين فالأقرب تخيره بين الفسخ فيطالب بالمسمى ، وبين الإمضاء فيطالب
بأجرة المثل ).
وجهه : أن العوض
لم يصل إليه وكان له الرجوع إلى ماله فينفسخ ، وله المطالبة بقيمة المنفعة لأنها
حقه ، وقد تصرف فيها المؤجر عدواناً فيجب عليه عوضها كالأجنبي ، وهو الأصح.
ويحتمل ضعيفاً
العدم ، بل يفسخ ويطالب بالمسمى فقط ـ وهو قول الشيخ ـ إجراء لذلك مجرى التلف في
يده ، فإنها مضمونة عليه حينئذ ، فكما
__________________
ولو غصبه أجنبي
قبل القبض تخيّر المستأجر أيضاً في الفسخ فيطالب المؤجر بالمسمى ، وفي الإمضاء
فيطالب الغاصب بأجرة.
______________________________________________________
لا يجب إلا المسمى
هناك فكذا هنا. ويضعّف بأنه ليس المراد من ضمانها في يده ضمان قيمتها لو تلفت ، بل
انفساخ المعاوضة لتعذر تسليم العوض.
أما إذا استوفى
المنفعة فإنه قد باشر إتلاف مال الغير عدواناً فاجتمع أمران : أحدهما تعذر تسليم
العوض ، والآخر مباشرة إتلاف مال الغير فيتخير في الفسخ نظراً إلى الأمر الأول ،
والمطالبة بالقيمة ـ أعني أجرة المثل ـ نظراً إلى الأمر الثاني. ولأن ضمان المؤجر
يستدعي ثبوت العوض والمعوض له ، وذلك باطل.
بيان الملازمة :
أنه استحق الأجرة بالعقد حيث لم يفسخه المستأجر والمنفعة التي استوفاها إذا غرم قيمتها.
ويضعّف بأن
الممتنع الجمع بينهما بسبب واحد ، أما بسبب آخر فلا ، كما لو استأجر المؤجر العين
المؤجرة ، وهنا إنما استحق الأجرة بالعقد ، والمنفعة يغرّم قيمتها بعد إتلافها.
ومثله ما لو جنى البائع على المبيع قبل القبض على الأصح.
ولو جنى البائع
بعد قبض المشتري فتعيب المبيع ، ثم أفلس المشتري والعين باقية ، والثمن في ذمته
فللبائع الرجوع بالعين وبأرش العيب ، وللمشتري أرش الجناية ، فيسقط منه أرش العيب
إن كان أرش الجناية أكثر ، باعتبار زيادة القيمة على الثمن ، لأن أرش العيب جزء من
الثمن ، بخلاف أرش الجناية فإنه جزء من القيمة ، وحينئذ فقد استحق البائع أرش
جناية نفسه ، وهو عوض الجزء الذي أتلفه ، إلا أنه بسبب آخر وهو كون التعيب في يد
المشتري مضموناً عليه.
قوله
: ( ولو غصبه أجنبي
قبل القبض تخيّر المستأجر أيضاً في الفسخ فيطالب المؤجر بالمسمى ، وفي الإمضاء
فيطالب الغاصب بأجرة
المثل ولو ردت
العين في الأثناء استوفى المستأجر المنافع الباقية ، وطالب الغاصب بأجرة مثل
الماضي ،
______________________________________________________
المثل ).
وجهه : أنه قبل
القبض مضمون المنفعة على المؤجر ، نظراً إلى مقتضى المعاوضة ، فللمستأجر الفسخ
ومطالبة المؤجر بالمسمى. ولا تبطل الإجارة بالغصب ، لعدم تعذر المنفعة لإمكان
الرجوع إلى بدلها إن اختاره.
ولا ينفسخ بنفسه
لإمكان مطالبة الغاصب ، لأنه باشر إتلاف مال الغير عدواناً ، فله الرجوع عليه
بقيمة المنفعة ، وهي أجرة المثل.
وهل له مع عدم
الفسخ مطالبة المؤجر بأجرة المثل؟ يحتمل ذلك لكونها مضمونة عليه. ولا نعني بالضمان
إلا وجوب القيمة. ويحتمل العدم ، لأنا لا نريد بالضمان هذا المعنى ، بل ما تقتضيه
المعاوضة ، وهو أنه بفوات المنفعة يجب رد العوض وهو المسمى. ولا دليل على أمر زائد
، فحينئذ له الفسخ وأخذ المسمى. والمستحق لمطالبة الغاصب حينئذ هو المؤجر والإجارة
، فيطالب الغاصب وليس له أمر آخر غير هذين.
قوله
: ( ولو ردت العين
في الأثناء استوفى المستأجر المنافع الباقية وطالب الغاصب بأجرة مثل الماضي ).
أي : لو ردت العين
المذكورة في أثناء مدة الإجارة فللمستأجر خيار الفسخ في الجميع قطعاً ، لفوات
المعقود عليه وهو مجموع المنفعة ، ولأنه قد ثبت له الخيار بالغصب والأصل بقاؤه.
ولم يذكر المصنف
هذا لظهوره ، واستفادته من حكم المسألة السابقة ، وله الإمضاء ، واستيفاء المنافع
الباقية ، ومطالبة الغاصب بعوض ما ذهب في يده ، وهو أجرة مثل الماضي قطعاً.
وهل له مطالبة
المؤجر ـ والحالة هذه ـ بأجرة مثل المنفعة الماضية؟ فيه
وهل له الفسخ فيه
ومطالبة المؤجر؟ نظر.
______________________________________________________
الوجهان السابقان.
قوله
: ( وهل له الفسخ
فيه ومطالبة المؤجر؟ نظر ).
أي : وهل للمستأجر
في المسألة المذكورة الفسخ في الماضي خاصة ، ومطالبة المؤجر بحصته من المسمى ،
ويستوفي الباقي من المنفعة؟ فيه نظر ينشأ : من أن فوات المنفعة ـ وهي المعوض ـ يقتضي
الرجوع إلى العوض وهو الأجرة المسماة ، والفوات في هذه الصورة مختص بالمنفعة
الماضية فاستحق الفسخ فيها.
ومن أن ذلك مقتضٍ
لتبعض الصفقة على المؤجر ، وهو خلاف مقتضى العقد ، فإما أن يفسخ في الجميع. أو
يمضي العقد في الجميع لعموم : ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) فيتمسك به في موضع النزاع إلى أن يثبت المخصص ، وهو الأصح.
ولو كان المؤجر هو
المانع من التصرف بعض المدة ثم سلّم العين إلى المستأجر فهل له الفسخ في الماضي
خاصة؟ يحتمل ذلك ، وأولى بالثبوت هنا ، لأنه غاصب عاد ، وحقه أن يؤاخذ بأشق
الأحوال.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن الشارح الفاضل حمل قول المصنف : ( ومطالبة المؤجر ) على أن المراد
مطالبته بأجرة المثل للمدة الماضية على تقدير عدم الفسخ ، نظراً إلى كون العين
مضمونة عليه ، وأن الضمان إنما هو بمعنى خاص ذكرناه سابقاً ، فيكون النظر المذكورة
في كلام المصنف متعلقاً به على تقدير عدم الفسخ وثبوت الفسخ في الماضي خاصة. ويكون
تقدير العبارة حينئذٍ : وهل للمستأجر الفسخ في الماضي ، ومطالبة المؤجر بأجرة
__________________
ولو كانت الإجارة
على عمل مضمون كخياطة ثوب ، أو حمل شيء فغصب العبد الخياط أو الدابة الحاملة
فللمستأجر مطالبة المالك بعوض المغصوب ، فإن تعذر البدل تخيّر في الفسخ والإمضاء.
ولو كان الغصب بعد
القبض لم تبطل الإجارة ، وطالب المستأجر
______________________________________________________
المثل للماضي؟ على
تقدير عدم الفسخ؟ نظر. وهذا المعنى الذي حاوله معنىً صحيح ، إلا أن حمل العبارة
عليه يقتضي من التعسف والتكلف ما لا يخفى.
قوله
: ( ولو كانت
الإجارة على عمل مضمون كخياطة ثوب أو حمل شيء ، فغصب العبد الخياط أو الدابة
الحاملة فللمستأجر مطالبة المالك بعوض المغصوب ).
أي : لو كانت
الإجارة واردة على الذمة ، كما لو كانت على عمل مضمون ـ أي في الذمة ـ غير معين
محله كخياطة ثوب ، وحمل شيء من غير تعيين للخياط والدابة ، فغصب العبد الخياط أو
الدابة الحاملة فللمستأجر مطالبة المالك لهما ـ وهو المؤجر ـ بعوض المغصوب ، لأن المستأجر عليه في
الذمة غير مخصوص بالمغصوب.
قوله
: ( فإن تعذر البدل
تخيّر في الفسخ والإمضاء ).
أي : فإن تعذر
تحصيل المستأجر البدل المغصوب فقد تعذر العوض ، فيتخير المستأجر بين الفسخ فيأخذ
المسمى ، والإمضاء فيصبر إلى أن يحصل البدل ، أو يرد المغصوب.
وينبغي أن يكون
هذا إذا لم يتشخص الزمان ، فإن تشخّص بأن عيّن أوّله ، فحقه أن تنفسخ الإجارة بمضي
المدة ، وقد سبق مثله.
قوله
: ( ولو كان الغصب
بعد القبض لم تبطل الإجارة ، وطالب
__________________
الغاصب بأجرة
المثل خاصة وإن كان في ابتداء المدة. ولو حدث خوف منع المستأجر من الاستيفاء ، كما
لو استأجر جملاً للحج فتنقطع السابلة فالأقرب تخيّر كل من المؤجر والمستأجر في
الفسخ والإمضاء.
______________________________________________________
المستأجر الغاصب
بأجرة المثل خاصة وإن كان في ابتداء المدة ).
أي : لو كان غصب
العين المؤجرة بعد قبض المستأجر لها لم تبطل الإجارة ، لأنها لا تبطل بالغصب قبل
القبض ، فهنا بطريق أولى.
وليس له الفسخ ،
لأن الغصب وقع بعد قبض العين ، واستقرار العقد ، وبراءة المؤجر فيطالب المستأجر
الغاصب بأجرة المثل ، وهي قيمة المنفعة. وأشار بقوله : ( خاصة ) إلى أنه ليس
للمستأجر سوى ذلك.
ولو كان الغاصب هو
المؤجر فالظاهر عدم الفرق ، ولا فرق في الغصب بعد القبض بين كونه في ابتداء المدة
أو في خلالها ، لحصول القبض المعتبر.
قوله
: ( ولو حدث خوف منع
المستأجر من الاستيفاء ، كما لو استأجر جملاً للحج فتنقطع السابلة ، فالأقرب تخيّر
كل من المؤجر والمستأجر في الفسخ والإمضاء ).
وجه القرب : إن
وجود إمارة الخوف يوجب الاحتراز على كل منهما منه ، ويقتضي تحريم السفر ، فجرى ذلك
مجرى تعذر استيفاء المنفعة لتلف العين ونحوه ، ولأن المنع الشرعي كالحسي. ولهذا لو
استأجر امرأة لكنس المسجد فحاضت والزمان معين فإنها تنفسخ.
ويحتمل العدم :
لأنه لا مانع من جهة المؤجر والعين ، والمنع من قبل المستأجر لا يقتضي بطلان
المعاوضة اللازمة لعقد الدليل.
وجوابه : ثبوت
المنع من طرف المؤجر ، إذ لا يجوز له التغرير بماله مع الخوف ، فهو ممنوع من ذلك
العمل شرعاً ، لأن الخوف المظنون يجب
______________________________________________________
الاحتراز منه على
النفس والمال قطعاً.
وهذا واضح ، إلا
أن حقه أن تنفسخ الإجارة ها هنا ، لثبوت امتناع العمل كحيض المستأجرة للكنس.
والأقرب أقرب ، لكن فيه ما ذكرناه آنفاً.
واعلم أنه لا حاجة
إلى انقطاع السابلة في تصوير المسألة ، بل يكفي خوف المؤجر والمستأجر ، نظراً إلى
مقتضى الدليل.
ولو كان الخوف
خاصاً بالمستأجر دون الدابة ففي ثبوت الحكم المذكور إشكال ، ينشأ : من وجود المانع
الشرعي ، ومن تخيّل عدم تأثيره إذا اختص بالمستأجر ، إذ لا منع من طرف المؤجر. وقد
قال المصنف في التحرير : ولا ينفسخ بالعذر ، فلو اكترى جملاً للحج ثم بدا له أو
مرض ولم يخرج ، لم يكن له فسخ الإجارة .
وفي الحواشي
المنسوبة إلى شيخنا الشهيد على التحرير تقييد ذلك بالمرض الذي يمكن معه الخروج ،
قال : أما لو لم يمكنه الخروج أصلاً ، ولم تجز له إجارته لغيره ، كأن يشترط عليه
استيفاء المنفعة بنفسه ، فإنه يقوى الفسخ. هذا كلامه وعندي فيه شيء ، لأن تعذر
الاستيفاء إذا اختص بالمستأجر ، ولم يكن من قبل المؤجر مانع ففي إسقاطه حق المؤجر
وتسليط المستأجر على الفسخ. أو الحكم بالانفساخ إضرار بالمؤجر لمصلحة المستأجر.
واختار المصنف في
المختلف : أن من استأجر جملاً للحج فمرض ، أو حانوتاً ليبيع السرقين فاحترق تبطل
الإجارة ، خلافاً لابن إدريس . وللكلام في الثانية مجال إلا أن يقال : إن هذا لا يزيد
على ما إذا استأجره
__________________
ولو استأجر داراً
للسكنى ، فحدث خوف عام يمنع من الإقامة بذلك البلد ففي تخير المستأجر نظر.
ولو أخرجه المالك
في الأثناء لم تسقط عنه أجرة السالف.
______________________________________________________
لقلع ضرس فسكن
ألمه ، فإنه في الموضعين يمنع المستأجر من الفعل ، والمؤجر من بذله ، لأن فيه
معاونة على الإثم والعدوان ، ولا ريب أن ما ذكره محتمل.
قوله
: ( ولو استأجر
داراً للسكنى فحدث خوف عام يمنع من الإقامة بذلك البلد ففي تخير المستأجر نظر ).
منشأ النظر يعلم
مما مضى ، وفي ثبوت التخيير قوة. ويجيء احتمال الانفساخ.
ثم إنه قد يقال :
لا حاجة إلى كون الخوف عاماً لقيام الدليل في موضع اختصاص المستأجر بالخوف أيضاً.
فإن قيل : قد حكم
المصنف في المسألة السابقة بثبوت الفسخ وتردد هنا فما الفرق؟.
قلنا : الفرق أن
العذر هنا خاص بالمستأجر ، وهناك يعم المؤجر.
واعلم إن في حواشي
شيخنا الشهيد : أنه نقل عن المصنف تخيره إن كان ذلك قبل القبض لا بعده ، تنزيلاً
له منزلة غصب العين. ووجهه غير ظاهر ، لعدم تمكنه من العين في الغصب بخلافه هنا
باعتبار الدابة ، فإنه يمكن حفظها بترك السفر بخلاف الدار. وأيضاً عروض الخوف في
الطرق أكثري ، بخلاف البلد فإن عروضه فيه نادر.
قوله
: ( ولو أخرجه
المالك في الأثناء لم تسقط عنه اجرة السالف ).
ولو استأجره لصيد
شيء بعينه لم يصح ، لعدم الثقة بحصوله.
السابع : إمكان حصولها للمستأجر ، فلو آجر من وجب عليه الحج ـ مع
تمكنه ـ نفسه للنيابة عن غيره لم يقع ، وكذا لو آجر نفسه للصلوات الواجبة عليه
فإنها لا تقع عن المستأجر ، وهل تقع عن الأجير؟ الأقوى العدم.
______________________________________________________
قطعاً ، لأنه
استوفاه على حكم الإجارة فيثبت عوضه من المسمى في الذمة ، ولم يذكر حكم الباقي أيثبت
فيه الفسخ أم له المطالبة بأجرة المثل عنه؟ وقد نبهنا على ذلك سابقاً.
قوله
: ( ولو استأجره
لصيد شيء بعينه لم يصح ، لعدم الثقة بحصوله ).
فلا تكون المنفعة مقدوراً
على تسليمها بحسب الغالب.
قوله
: ( السابع : إمكان
حصولها للمستأجر ، فلو أجر من وجب عليه الحج مع تمكنه نفسه للنيابة عن غيره لم يقع
).
لتعذر وقوع الحج
للمستأجر ، أما مع عدم التمكن من الحج الواجب عليه فلا مانع ، لجريانه مجرى سائر
الأفعال المندوبة والمباحة.
قوله
: ( وكذا لو أجر
نفسه للصلاة الواجبة عليه فإنها لا تقع عن المستأجر ، وهل يقع عن الأجير؟ الأقوى
العدم ).
أي : لو أجر من
وجبت عليه صلاة نفسه لغيره ليصلي الصلاة الواجبة على الأجير لم تصح الإجارة قطعاً
، لأنه لا يمكن حصولها للمستأجر ، فلا يصح بذل العوض إجارة في مقابلها.
__________________
ويصح الاستئجار
للجهاد ، والحج ، والصلاة لمن لا تجب عليه ، ويقع عن المستأجر.
______________________________________________________
وهل تقع عن الأجير
حيث إنه صلاها عن نفسه؟ الأقوى عند المصنف العدم ، ووجه القوة أنه لم يفعلها عن
نفسه لوجوبها عليه بالأصالة ، بل بالإجارة ليأخذ العوض في مقابلها ، فلا تكون
مطابقة لما في ذمته ، لأن التي في ذمته هي الواجبة بالأصالة ، ولمنافاته الإخلاص
حينئذ ، لأن العبادة مفعولة لغاية حصول الأجرة ، والإخلاص إنما يتحقق بقصد القربة
خاصة لقوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) .
ويحتمل الصحة ،
لأن ذلك باعث وعلة في حصول الداعي كالأمر بالصلاة وغيرها ممن يطاع ، وكما في
الاستئجار للصلاة عن الميت والحج وغيرهما من العبادات.
ويجاب بأن الباعث
متى كان غاية ، اقتضى الفساد إذا نافى الإخلاص.
والصلاة ونحوها في
الاستئجار عن الميت والحي متى لحظ فيها فعلها لحصول الأجرة أيضاً اقتضى الفساد.
وليس من لوازم
حصول الأجرة بالفعل قصدها عنده ، أو يقال : إن هذه خرجت بالإجماع ، وكيف كان فعدم
الصحة أظهر.
قوله
: ( ويصح الاستئجار
للجهاد والحج والصلاة لمن لا يجب عليه ، ويقع عن المستأجر ).
بالإجماع : ولقوله
7 في حديث الخثعمية : ( فَدَينُ الله أحق أن يقضى ) .
__________________
لكن يشترط في
الصلاة الموت ، وكذا الصيام.
ولو استأجر ولي
الميت عنه لصلاته الفائتة وجب على الأجير الإتيان بها على ترتيبها في الفوات ، فإن
استأجر أجيرين كل واحد عن سنة جاز ، لكن يشترط الترتيب بين فعلهما ، فإن أوقعاه
دفعة فإن علم كل منهما بعقد الآخر وجب على كل واحد منهما قضاء نصف سنة ، وإن جهلا
فكذلك.
______________________________________________________
قوله
: ( لكن يشترط في
الصلاة الموت وكذا الصيام ).
بالإجماع أيضاً ،
أما الحج فيقع عن الحي فإن كان ندباً جاز اختياراً ، وإن كان واجباً اشتراط فيه
عدم التمكن من فعله ، ويجوز الاستئجار للجهاد مع عدم التعيين ، وإخراج الزكاة
ونحوها اختياراً.
قوله
: ( ولو استأجر ولي
الميت عنه لصلاته الفائتة وجب على الأجير الإتيان بها على ترتيبها في الفوات ).
لوجوب مطابقة فعل
الأجير لما في ذمة المستأجر عنه.
قوله
: ( فإن استأجر
أجيرين كل واحد عن سنة جاز ، لكن بشرط الترتيب بين فعلهما ).
لا شبهة في جواز
استئجار أجيرين لصلاة ميت ، لكن يشترط لصحة فعلهما الترتيب بين الفعلين ، لأن ما في
الذمة مرتب ، ولا يشترط ذلك لصحة الإجارة ، وإن كانت العبارة توهمه.
قوله
: ( فإن أوقعاه دفعة
، فإن علم كل منهما بعقد الآخر وجب على كل واحد منهما قضاء نصف سنة ، وإن جهلا
فكذلك ).
كان الأولى أن
يقول : فإن أوقعاه دفعة وجب على كل منهما قضاء نصف سنة ، سواء علم كل منهما بعقد
الآخر أم لا ، لأن عبارته توهم أن
______________________________________________________
التفصيل للتفاوت
في الحكم وليس كذلك.
وإنما وجب قضاء
نصف سنة على كل واحد ، لأن السنتين لا يمكن وقوعهما معاً ، لأن الترتيب شرط ولا
سبيل إلى بطلان الفعلين معاً ، لصلاحية كل منهما لإسقاط ما في الذمة ، فتعين عدم
اعتبار أحدهما. ولمّا لم يكن لأحدهما أولوية على الآخر حكم بالتنصيف وهنا إشكالات
:
الأول : أن
الفعلين إذا وقعا دفعة فالأحوال أربعة : إجزاؤهما معاً وهو معلوم البطلان ، إذ
الأمر إنما هو بفعل واحد ، فلا يعقل إجزاء الفعلين مع أن الأجزاء مطابقة الفعل
للأمر ، وإجزاء أحدهما بعينه دون الآخر ترجيح بلا مرجح ، ولا بعينه أيضاً باطل ،
لأن ما لا تعيين له في حد ذاته لا وجود له فكيف يوصف بالإجزاء ، فلم يبق إلا
بطلانهما.
الثاني : أن ما
ذكره يقتضي إجزاء فعل أحدهما تارة ، وفعل الآخر تارة أخرى ، وهو قول بمجرد التشهي.
الثالث : أنهما
إذا كان كل منهما عالماً بالآخر ، فحال إيقاع النية لا يكون أحدهما جازماً بأن
فعله هو الواجب ، والجزم بالنية حيث يمكن شرط.
وفيه إشكال آخر ،
وهو أنهما إذا كانا عالمين منهيان عن الاقتران في الفعل ، والنهي في العبادة يقتضي
الفساد.
الرابع : أنّهما
إذا كانا جاهلين يجب الحكم بصحة فعلهما ، ولا يقدح فوات الترتيب ، لأنّه شرط مع
العلم لا مطلقاً. إلا أن يقال : إنّ عدم العلم بالترتيب إنّما يقتضي سقوطه مع جهل
المكلف به دون القاضي عن غيره. ويشكل بأنّ القاضي عن غيره لو نسي وصلى العصر قبل
الظهر صحت وصلى الظهر كالمصلي عن نفسه إلاّ أن يقال : إنّ اشتراط الترتيب في عقد
الإجارة اقتضى عدم الصحة من دونه.
وبالجملة فالحكم
في ذلك مشكل ، وليس له إلاّ وجه واحد ، وهو :
وفي ضمان الولي
إشكال.
ويجوز الاستئجار
للزيارة عن الحي والميت.
وفي جواز
الاستئجار عن الاحتطاب والاحتشاش ، أو الالتقاط ، أو الاحتياز نظر ينشأ : من وقوع
ذلك للمؤجر ، أو المستأجر.
______________________________________________________
الإتيان بالواجب
مرتين أمر جائز لا مانع منه ، فأكملهما عند الله يقع فرض المكلف ، والآخر نفل
فحينئذ تسقط الإشكالات كلها ، إلاّ أنّ ثبوت هذا الجواز يحتاج إلى دليل.
واعلم أنّ المراد
من إيقاعهما دفعة اقترانهما في نية كل صلاة ، كما صرح به شيخنا الشهيد في حواشيه ،
فلو لم يقترنا في كلّ صلاة لكان السابق بصلاته هو المعتبر فعله.
قوله
: ( وفي ضمان الولي
إشكال ).
أي : مع جهلهما
بالحال ، ومنشأ الإشكال : من تغريره إيّاهما باستئجار كل منهما ، المقتضي لإيقاع الصلاة
في كل زمان ، ومن مباشرتهما لذلك. والمباشرة أقوى في الضمان ، والأصح الضمان لضعف
المباشرة بالتغرير.
قوله
: ( ويجوز الاستئجار
للزيارة عن الحي والميت ).
لأن ذلك فعل تدخله
النيابة ، وكذا الحج المندوب.
وهل يفرّق في
الزيارة بين كونها واجبة أو مندوبة ، فيشترط في الواجبة العجز عن المباشرة ، أو
يسقط أصل الفعل مع العجز ، ويكون جواز الاستئجار خاصاً بالمندوبة؟ أو يقال : إنّ
النذر إن تناول فعل الناذر وفعل غيره جاز الاستئجار ، وإلا فلا بأس بهذا الأخير.
والمراد بالزيارة : الحضور مع النية عند نبي أو إمام أو ولي ، أو مكان شريف تستحب
زيارته.
قوله
: ( وفي جواز
الاستئجار على الاحتطاب ، أو الاحتشاش ،
الثامن : أن تكون معلومة ، والإجارة إما أن تكون في الذمة ، أو
على العين. والعين إن لم يكن لها سوى فائدة واحدة كفى الإطلاق ، وإلا وجب بيانها ،
______________________________________________________
أو الالتقاط ، أو
الاجتياز نظر ، ينشأ من وقوع ذلك للمؤجر أو المستأجر ).
وفي جواز
الاستئجار والتوكيل لواحد من هذه الأمور نظر ، ينشأ من إمكان دخول النيابة في ذلك
وعدمه ، ومرجعه إلى أن السبب المملّك في حيازة المباحات هو النية أم مجرد الأخذ؟
فإن قلنا بالثاني لم يدخل ذلك الفعل النيابة ، وإن قلنا بالأول دخلته.
وقد احتج لاعتبار
الأول بورود النص بكون الجوهرة في جوف السمكة ليست للصائد ، إذ لو لا ذلك لكانت
له.
ويضعّف بإمكان
استناد عدم الملك إلى أمر آخر كعدم تحقق الحيازة ونحوه.
والظاهر أنه لا
يشترط في ذلك النية ، نعم يشترط عدم نية الضد فإن نواه أثرت فلم يثمر الملك ، ولا
الأولوية في الالتقاط ، وحينئذٍ فيتصور جواز الاستئجار والتوكيل ، وإن لم نقل
بالأول فلا يصح البناء المذكور.
قوله
: ( الثامن : أن
تكون معلومة ، والإجارة إما أن تكون في الذمة أو على العين ).
أي : تكون واردة
على عين مخصوصة شخصية.
قوله
: ( وإلاّ وجب
بيانها ).
أي : إن كان للعين
منافع متعددة وجب بيان المنفعة المطلوبة منها بالإجارة ، ولو أطلق فقد قال في
التذكرة : احتمل التعميم ، قال : وهو
وعلى كل حال لا بد
من العلم بقدر المنفعة.
والأعيان يعسر
ضبطها لكن تكثر البلوى بثلاثة ، ويحال غيرها عليها :
الأول : الآدمي ،
ويصح استئجاره خاصاً ، وهو الذي يستأجر مدة معينة ، فلا يجوز له العمل لغيره فيها
إلا بإذنه.
______________________________________________________
الأقوى ، وهو بظاهره
مخالف لما هنا. وما ذكره في التذكرة محتمل ، فإن قلنا به لزمه امتثال ما يأمر به
المستأجر.
قوله
: ( وعلى كل حال لا
بد من العلم بقدر المنفعة ).
أي : على تقدير
اتحاد المنفعة وتعددها لا بد من العلم بقدرها. ولتقديرها طريقان : التقدير بالزمان
، وبالعمل : إما بالمسافة أو بتعيين محله.
قوله
: ( والأعيان يعسر
ضبطها ، لكن تكثر البلوى بثلاثة ، ويحال غيرها عليها ).
أي : ضبط الأعيان
كلها عسر ، لانتشارها وتكثّرها ، فلا يسهل تعداد الجميع وذكر ما يعتبر فيها. لكن
ما تعم به البلوى وتدعو الحاجة إلى الابتلاء بإيجاره واستئجاره ثلاثة أشياء :
الآدمي ، والدواب ، والأرض ، فضبط هذه يجري مجرى القانون لضبط غيرها بأن يحال
غيرها عليها.
قوله
: ( ويصح استئجاره
خاصاً ، وهو الذي يستأجر مدة معينة ).
المراد : أن
يستأجر ليعمل بنفسه مدة معينة ، سواء كان تعيين المنفعة بالزمان ـ كأن يبنى هذا
الشهر ـ أو بالمسافة ، أو العمل ، وتشخص الزمان
__________________
فإن عمل من دون
الإذن فالأقرب تخيّر المستأجر بين الفسخ ، والمطالبة بأجرة المثل أو المسمى الثاني
له أو لمستأجره ،
______________________________________________________
بتعيين أوله كحمل
متاع معين إلى مسافة معينة ، وأول الزمان غداً.
ثم إنه لا يخفى
أنه إذا عيّن العامل والزمان ، فإن اتحدت المنفعة فلا بحث ، وإن تعددت : فإن
استوعب الجميع فلا بحث أيضاً ، وإن عيّن واحدة لم يكن عمل آخر لآخر ، إلا إذا لم
يناف المنفعة ، ولم يؤدِّ ذلك إلى تقصير في العمل ، كمن يوقع عقد النكاح وهو يبني
، أو نحو ذلك بحيث لا يلزم تقصير في العمل أصلاً.
وليس له أن يؤجر
نفسه لمنفعة اخرى ، بالقدر الذي اقتضت العادة عدم العمل فيه من الزمان كالليل
مثلاً ، وآخر النهار مثلاً في بعض الأزمنة والأمكنة ، إلا إذا لم يؤد ذلك إلى ضعف
في العمل المستأجر عليه ، وعلى هذا ينزل قوله : ( فلا يجوز له العمل لغيره فيها
إلا بإذنه ).
ومما ذكرنا يعلم
أنه لا بد من تقييد قوله : ( وهو الذي يستأجر ... ) بكون الاستئجار ليعمل بنفسه ،
وهذا مستفاد من قوله في المشترك : ( وهو الذي يستأجر لعمل مجرد عن المباشرة ).
قوله
: ( فإن عمل من دون
الإذن فالأقرب تخير المستأجر بين الفسخ والمطالبة بأجرة المثل أو المسمى الثاني له
أو لمستأجره ).
أي : فإن عمل
الأجير الخاص عند غير المستأجر في المدة التي عيّنت للعمل كلها فالأقرب تخير
المستأجر بين الفسخ ، وبين المطالبة ـ بأجرة مثل ذلك العمل ، أو المسمى إن سمى له
شيئاً بإجارة أو جعالة ـ للمؤجر أو المستأجر.
ووجه القرب : أما
بالنسبة إلى الفسخ فلفوات ما وقع عليه عقد المعاوضة ـ أعني الإجارة ـ فيرجع إلى
ماله إن أراد.
ومشتركاً وهو الذي
يستأجر لعمل مجرد عن المباشرة ، أو المدة.
______________________________________________________
وأما بالنسبة إلى
المطالبة بأجرة المثل ، فلأنها قيمة العمل المستحق له بعقد الإجارة ، وقد أتلف
عليه فاستحق بدله.
وأما بالنسبة إلى
المسمى الثاني ، فلأن العقد جرى على المنفعة المملوكة له وكان فضولياً بالنسبة
إليه ، وكان له إجازته وأخذ المسمى. ومتى طالب بأحد الأمرين فله مطالبة المؤجر ،
لأنه المباشر لإتلاف المنفعة المملوكة له ، وكذا المستأجر الثاني لأنه المستوفي
لها.
ويحتمل الانفساخ
كما إذا أتلف البائع المبيع قبل القبض عند الشيخ ، وهو ضعيف ، والأصح الأول. ومنه
يعلم أن المسألة مفروضة فيما إذا كان ذلك قبل قبض المستأجر العين لو كان الأجير
عبداً ، وإن كانت العبارة خالية من ذلك.
وكذا علم مما
قررناه أن هذا حكم ما إذا عمل عند غير المستأجر جميع المدة ، فإن عمل بعضها تخيّر
المستأجر بين الفسخ في الجميع ، والمطالبة بأجرة المثل لما مضى لكل من المؤجر
والمستأجر ، والمطالبة بالمسمى الثاني إن أجاز العقد الثاني.
لكن إذا أجازه
أشكل مطالبة المؤجر من حيث إنه رضي باستيفاء المستأجر الثاني المنفعة ، وصار
المؤجر بمنزلة وكيله. وأقل الأحوال أن يكون ذلك بالنسبة إلى ما بقي من المدة حين
الإجارة ، نظراً إلى سبق العدوان الموجب للضمان ، والإجازة لا تزيله ، إلا أن يقال
: إنّ مجرد الإجازة لا تزيل الضمان الثابت بالعدوان السابق. وهل له الفسخ بالنسبة
إلى ما مضى خاصة؟ فيه النظر السابق فيما لو ردت العين المغصوبة في الأثناء ،
والأصح العدم.
قوله
: ( ومشتركاً ، وهو
الذي يستأجر لعمل مجرد عن المباشرة أو
وتملك المنفعة
بنفس العقد كما تملك الأجرة به ، فإذا استؤجر لعمل قدّر إما بالزمان كخياطة يوم ،
أو بمحل العمل كأن يستأجره لخياطة
______________________________________________________
المدة ).
أي : ويصح
استئجاره خاصاً ومشتركاً وهو ـ أي المشترك ـ الذي يستأجر لعمل مجرد عن المباشرة مع
تشخص المدة ، كما يدل عليه ظاهر قوله : ( أو المدة ) ، مثل أن يستأجره لخياطة الثوب ويعين أول الزمان ،
أو يستأجره للخياطة يومين ، أو الذي يستأجر لعمل مجرد عن المدة مع التقييد
بالمباشرة ، مثل أن يستأجره ليعمل عنده بنفسه من غير تعيين مدة ، فيكون العمل
مطلقاً باعتبار عدم تشخص الزمان.
ويعلم من العبارة
أن للمشترك قسماً آخر ، وهو الذي يستأجر للعمل مجرداً عن المباشرة والمدة معاً ،
وحكم الأول أنه لا يمنع من العمل عند غير المستأجر بحال ، لكن يجب عليه تحصيل العمل
المستأجر عليه في تلك المدة ، فلو لم يحصل لزمه اجرة المثل عنه ـ إن لم يفسخ
المستأجر ـ يطالبه بها هو فقط.
وحكم الثاني :
وجوب العمل بنفسه متى طلبه المستأجر ، ومتى خالف فله الفسخ والرضى بالعمل.
وحكم الثالث :
وجوب تحصيل العمل متى طلبه ، وجواز الفسخ بالتأخير أو الرضى بالعمل.
قوله
: ( وتملك المنفعة
بنفس العقد ، كما تملك الأجرة به ).
وذلك لأنهما عوضان
كل منهما في مقابلة الآخر فيمتنع ملك أحدهما من دون ملك الآخر ، وإلاّ لم تكن
المعاوضة صحيحة ، لأن صحتها عبارة عن ترتّب أثرها عليها ، وذلك هو أثرها.
قوله
: ( فإذا استؤجر
لعمل قدّر إما بالزمان كخياطة يوم ، أو
ثوب معين.
ويصح هذان في
الذمة ومعيناً ، فإذا عيّنه بالمحل وجب تعيين الثوب ، وطوله ، ونوع التفصيل ، ونوع
الخياطة.
______________________________________________________
بمحل العمل كأن
يستأجره بخياطة ثوب معين ).
هذان طريقان لتعين
المنفعة في الإجارة ، ولا يشترط كون اليوم معيناً لتعينه في نفسه ، بخلاف الثوب
فإنه يختلف باختلاف الأمور التي ستأتي ، فلا بد من تعيينه.
وقد يقال : إنّ
الأيام تختلف اختلافاً بيّناً بطول الزمان وقصره فيفتقر إلى التعيين ، على أن في
بعض البلاد لا يستوفى النهار كله في العمل زمان شدة الحر وطول النهار.
وفي حواشي شيخنا
الشهيد إشكال على خياطة اليوم في الذمة من جهة الاختلاف في الصنّاع ، وهو إشكال
آخر.
قوله
: ( ويصح هذان في
الذمة ، ومعيناً ).
أي : ويصح تعيين
المنفعة بكل من الأمرين ، سواء كان العمل في الذمة أو معيناً بتعيين الأجير.
قوله
: ( فإذا عيّنه
بالمحل وجب تعيين الثوب ، وطوله ، ونوع التفصيل ، ونوع الخياطة ).
لاختلاف الحال
والأجرة باختلاف ذلك اختلافاً بيناً ، وتعيين الثوب يتحقق بالمشاهدة ، وبالوصف
الرافع للجهالة. ولا بد من بيان الطول ، والعرض ، ونوع التفصيل من قميص وقباء
وغيرهما ، ونوع الخياطة رومية أو فارسية ، وغير ذلك ولو كان هناك عادة مطردة بنوع
حمل الإطلاق عليه.
فرع : لو دفع إلى خياط ثوباً وقال له : إن كان يكفيني قميصاً
ولو جمع بين
الزمان والمحل بطل للغرر.
ويعيّن في تعليم
القرآن السّور ، أو الزمان.
______________________________________________________
فاقطعه ، فقال
الخياط : هو كاف وقطعه ضمن أرش القطع ، بخلاف ما لو قال : أيكفيني؟ فقال : نعم ،
فقال : اقطعه. فلم يكفه لم يلزمه شيء ، لأنه لم يشترط في قطعه أن يكون كافياً ،
بل غاية ما هناك أنه غشّه وكذب عليه فلا يضمن ، وبه صرح في التذكرة .
قوله
: ( ولو جمع بين
الزمان والمحل بطل للغرر ).
وجه كونه غرراً أن
المستأجر عليه هو إيقاع ذلك العمل في الزمان المخصوص ، وذلك غير معلوم الانطباق ،
لإمكان كون الفعل في أقل من ذلك الزمان أو أكثر ، فلا يكون المستأجر عليه معلوماً
ولا محقق الحصول. ولأن صحة الإجارة هنا قد تفضي إلى بطلانها ، لأنه إذا لم ينطبق
العمل على المدة امتنع حصول المستأجر عليه ، فيجب أن تنفسخ الإجارة.
واختار المصنف في
المختلف الصحة ، لأن الغرض إنما يتعلق في ذلك غالباً بفراغ العمل ، ولا ثمرة مهمة
في تطبيقه على الزمان ، والفراغ أمر ممكن لا غرر فيه.
فعلى هذا إن فرغ
قبل آخر الزمان ملك الأجرة ، لحصول الغرض وهو التعجيل ، ولا يجب شيء آخر. وإن فرغ
الزمان قبله فللمستأجر الفسخ ، فإن فسخ قبل حصول شيء من العمل فلا شيء ، أو بعد
شيء فأجرة مثل ما عمل. وإن اختار الإمضاء ألزمه بالعمل خارج المدة لا غير ، وليس
للأجير الفسخ. ولا يخفى ما في هذا عن التعسف الذي هو خلاف مقتضى عقد الإجارة ،
والأصح ما هنا.
قوله
: ( وتعيّن في تعليم
القرآن السور ، أو الزمان ).
__________________
وفي الإرضاع تعيين
الصبي ، ومحل الإرضاع أهو بيتها فهو أسهل أو بيت الصبي فهو أوثق للولي في حفظه ،
ومدته ، ولا تدخل الحضانة فيه.
وهل يتناول العقد
اللبن ، أو الحمل ووضع الثدي في فيه ويتبعه اللبن كالصبغ في الصباغة ، وماء البئر
في الدار؟ الأقرب الأول ، لاستحقاق الأجر به بانفراده دون الباقي بانفرادها ،
والرخصة سوّغت تناول الأعيان.
______________________________________________________
سيأتي في كلامه عن
قريب إن شاء الله تعالى إشكال في جواز تعيين التعليم بالزمان.
قوله
: ( وفي الإرضاع
تعيين الصبي ومحل الإرضاع ، أهو بيتها فهو أسهل ، أو بيت الصبي فهو أوثق للولي في
حفظه؟ ).
لتفاوت الغرض في
ذلك كلّه تفاوتاً مؤثراً في الرغبة والأجرة ، وقد بين مصلحة المرضعة في بعض
الأمكنة ، والمرتضع مع الولي في بعض آخر.
وكذا يجب تعيين
مدة الإرضاع للجهالة بدونه ، وإليه أشار بقوله : ( ومدته ) بالجر عطفاً على محل
الإرضاع المعطوف على المضاف إليه.
قوله
: ( ولا تدخل فيه
الحضانة ).
لاختلاف مدلول كل
من اللفظين ، فلا يتناول أحدهما الآخر.
قوله
: ( وهل يتناول
العقد اللبن أو الحمل ووضع الثدي في فيه ويتبعه اللبن كالصبغ في الصباغة وماء
البئر في الدار؟ الأقرب الأول لاستحقاق الأجر به بانفراده دون الباقي بانفرادها ،
والرخصة سوغت تناول الأعيان ).
لا ريب أن الإجارة
للإرضاع وللصبغ ثبتت على خلاف الأصل ، لثبوت
______________________________________________________
المعاوضة على عين
اللبن وعين الصبغ ، والمقتضي لصحتها في الإرضاع نص الكتاب ، وفي الصبغ
الإجماع.
لكن ما المستأجر
عليه؟ أهو نفس اللبن فقط؟ وهو الذي أراده بقوله : ( وهل يتناول العقد اللبن )
بدليل قوله بعد : ( لاستحقاق الأجر به بانفراده ... ) أم هو حمل الصبي ووضع الثدي
في فيه ، واللبن تابع كالصبغ في الصباغة فإنه تابع ، والمستأجر عليه هو الفعل ،
ومثله ماء البئر في استئجار الدار؟ والأقرب عند المصنف الأول ، ودليله استحقاق
الأجر به بانفراده دون الباقي بانفرادها.
وقوله : ( والرخصة
سوّغت تناول الأعيان ) كأنه جواب عن سؤال من يقول : كيف جازت الإجارة على الأعيان؟
وفي الاستدلال نظر ، لأنا لا نسلّم استحقاق الأجرة باللبن بانفراده ما لم تصيره
المرضعة في معدة الصبي. ولا يلزم من عدم استحقاق الأجرة بالأمور الباقية بانفرادها
استحقاقها في مقابل اللبن وحده ، ولم لا يجوز أن يكون في مقابل كلّ من الأمور
الباقية مع اللبن؟ كما اختاره الشارح .
وكذا في الصبغ مع
الفعل ، ولهذا لا يستحق الأجر ببذل العين من دون الفعل وبالعكس ، وهذا حسن.
ولو قيل : إن
المستأجر هو الفعل الذي لا ينفك عن إتلاف العين ، وهو إيصال اللبن إلى معدة الصبي
، وتلوين الثوب الذي يجعل الصبغ في حكم التالف فتكون العين حينئذ تابعة ، ولا تخرج
الإجارة عن مقتضاها أمكن ، إلاّ أنّ من المعلوم القطعي أنّ الركن الأعظم في الرضاع
والصباغة هو اللبن والصبغ ، وأما ماء البئر في إجارة الدار فقد سبق أنه لا يصح
وقوع الإجارة
__________________
وعلى المرضعة
تناول ما يدر به لبنها من المأكول والمشروب ، فإن سقته لبن الغنم لم تستحق أجراً ،
ولو دفعته إلى خادمتها فالأقرب ذلك أيضاً.
______________________________________________________
عليه ، لعدم
الدليل ، وجواز التصرف به حينئذ جاز أن يكون لاستفادته من العرف المستقر ، أو
لدخوله تبعاً.
قوله
: ( وعلى المرضعة
تناول ما يدر به لبنها من المأكول والمشروب ).
لأنّ مقدمة الواجب
واجبة.
قوله
: ( فإن سقته لبن
الغنم لم تستحق أجراً ).
لأن حقيقة الإرضاع
غير ذلك ، فيكون غير المستأجر عليه ، فتكون متبرعة.
قوله
: ( ولو دفعته إلى
خادمتها فالأقرب ذلك أيضاً ).
أي : عدم
استحقاقها أجراً ، ووجه القرب أن الرضاع يختلف باختلاف حال المرضعة ، فيحمل مطلقه
على المباشرة ، فيكون ما أتت به خلاف المعقود عليه. ويحتمل الاستحقاق ، لحصول مسمى
الإرضاع.
والتحقيق أن يقال
: إن الاستئجار للإرضاع هل يشترط فيه تعيين المرضعة أم لا؟ ظاهر كلام المصنف فيما
سبق ، ـ وكلامه في التذكرة حيث قال : إن شروط الاستئجار للإرضاع أربعة ، ولم يعد من
جملتها تعيين المرضعة ـ عدم اشتراط التعيين.
وقد صرح المصنف في
كلامه الآتي عن قريب إن شاء الله تعالى بعدم الاشتراط ، وهو الأصح. فعلى هذا إن
عينت المرضعة فاسترضعت اخرى
__________________
ويقدّم قولها لو
ادعته ، لأنها أمينة.
وله أن يؤجر أمته
ومدبرته وأم ولده للإرضاع دون مكاتبته ، فإن كان لإحداهن ولد لم يجز له أن يؤجرها
، إلا أن يفضل عن ولدها.
______________________________________________________
خادماً أو غيرها
لم تستحق أجراً ، وإن جعل ذلك في الذمة استحقت لحصول مسمى الإرضاع ، وإن لم يوجد
تصريح ولكن استؤجرت للإرضاع أمكن أن يحمل هذا الإطلاق على إرضاعها ، لأنه المتبادر
إلى الفهم ، والعرف جارٍ عليه. فإذا استرضعت خادمها لم تستحق اجرة. وفيه ما فيه ،
فإن كان مراد المصنف هو هذا الفرد فهو محل الكلام.
قوله
: ( ويقدم قولها لو
ادعته لأنها أمينة ).
قد يقال : لا يلزم
من أمانتها تقديم قولها خصوصاً ، وإنما يريد بذلك إثبات استحقاق الأجرة لها. ويمكن
أن يحتج بأن ذلك فعلها وهي أعلم به ، ويعسر الإشهاد عليه في الأوقات المتكررة
ليلاً ونهاراً ، فلو لم يقبل يمينها لأدى ذلك إلى عدم الرغبة في الإرضاع ، وهو
حسن.
قوله
: ( وله أن يؤجر
أمته ، ومدبرته ، وأم ولده للإرضاع ).
لأنهن مملوكات له
، وأراد بأمته القنّة ، لأن الكل إماء.
قوله
: ( دون مكاتبته ).
لانقطاع سلطنته
عنها بالكتابة ، ولا فرق بين المطلقة وغيرها.
قوله
: ( فإن كان لإحداهن
ولد لم يجز له أن يؤجرها ، إلاّ أن يفضل عن ولدها ).
أو يقيم له غيرهن
لترضعه ، وكذا القول في كل مرضعة ، وإنما خص المملوكات لأنهن محكوم عليهن ، فهن
مظنة عدم ملاحظة حال ولدهن ، بخلاف الحرة بالنسبة إلى ولدها ، لاقتضاء الشفقة
الجبلّيّة خلاف ذلك.
ولو كانت مزوجة
افتقر المولى إلى إذن الزوج ، فإن تقدم الرضاع صح العقدان ، وللزوج ووطؤها وإن لم
يرض المستأجر ، فإن مات المرتضع أو المرضعة بطلت الإجارة إن كانت معيّنة ، ولو
كانت مضمونة فالأقرب إخراج أجرة المثل من تركتها.
______________________________________________________
قوله
: ( ولو كانت مزوجة
افتقر المولى إلى إذن الزوج ).
قد سبق أن أذن
الزوج إنما يفتقر إليه فيما يمنع حقوق الزوج له لا مطلقاً ، فينبغي أن يكون هنا
كذلك ، وفي التحرير استشكل الصحة إذا لم يمنع شيئاً من حقوق الزوج .
قوله
: ( فإن تقدم الرضاع
صح العقدان ).
لعدم منافاة
الإرضاع للزوجية.
قوله
: ( وللزوج ووطؤها
وإن لم يرض المستأجر ).
لاختلاف المنفعتين
، لأن الإرضاع لا ينافي الوطء ، وإنما يجوز الوطء في ما يفضل من الزمان عن الإرضاع
، ولو أضر الوطء باللبن فالظاهر تقديم حق الإرضاع.
قوله
: ( فإن مات المرتضع
أو المرضعة بطلت الإجارة إن كانت معينة ).
هذا قيد في
المرضعة حيث إنه لا يشترط فيها التعيين ، أما الرضيع فقد علم أنه لا تصح الإجارة
من دون تعيينه.
واعلم أن الضمير
في ( كانت ) يعود إلى ما دل عليه السياق ، وهو منفعة الإرضاع.
قوله
: ( ولو كانت مضمونة
فالأقرب إخراج أجرة المثل من
__________________
ويكفي في العمل
مسمّاه.
ولو اختلف فالأقرب
وجوب اشتراط الجودة وعدمها.
______________________________________________________
تركتها ).
وجه القرب أن ذلك
دين في ذمتها غير مقيد بمحل مخصوص ، فلا تنفسخ الإجارة بموتها ، وتجب اجرة المثل
لأنها قيمة الواجب في الذمة فيخرج من تركتها.
ولو قيل بوجوب
الاستئجار للإرضاع المستأجر عليه من تركتها كان وجهاً ، لأن الواجب في الذمة هو
الإرضاع ولم يتعذر ، وإلاّ لانفسخت الإجارة.
ويحتمل انفساخ
الإجارة كما اختاره ابن إدريس ، فإنه حكم بالبطلان بموت المرتضع ، والمرضعة والأب
المستأجر . مع أنه اختار في موضع آخر من كتابه : إن موت المستأجر لا
يبطل الإجارة ، ولعل مراده بالبطلان بموت المرضعة ما إذا كانت معينة ،
وما قرّ به المصنف هو الأصح.
قوله
: ( ويكفي في العمل
مسماه ).
أي : لغة ، أو
عرفاً ، أو شرعاً ، والمراد أن أقل مراتب ما صدق عليه الاسم كافية في البراءة.
قوله
: ( ولو اختلف
فالأقرب اشتراط الجودة وعدمها ).
وجه القرب اختلاف
الأغراض باختلاف العمل ، وكذا الأجرة اختلافاً ظاهراً ، فيكون ترك الاشتراط مفضياً
إلى الجهالة والغرر.
ويحتمل العدم ،
وينزل الإطلاق على ما يقع عليه الاسم ، والأقرب
__________________
ولو مرض الأجير ،
فإن كانت مضمونة لم تبطل وألزم بالاستئجار للعمل ، وإن كانت معينة بطلت ، وكذا لو
مات.
ولو اختلف العمل
باختلاف الأعيان فالأقرب أنه كالمعينة ، مثل النسخ لاختلاف الأغراض باختلاف
الأعيان.
______________________________________________________
أقرب.
قوله
: ( ولو مرض الأجير
، فإن كانت مضمونة لم تبطل وألزمه بالاستئجار للعمل ، وإن كانت معينة بطلت ).
إنما تبطل إذا
تعين زمان الإجارة واستوعبه المرض ، وإلا فإن لم يتعين الزمان تخير المستأجر
بالتأخير ، وإن تعين ومرض البعض بطلت فيه وتخير في الباقي.
قوله
: ( ولو اختلف العمل
باختلاف الأعيان فالأقرب أنه كالمعينة مثل النسخ ، لاختلاف الأغراض باختلاف
الأعيان ).
أي : لو اختلف
العمل اختلافاً بيناً باختلاف الأعيان ، وقد عيّن بالوصف فالأقرب عند المصنف أن
الحكم فيه كالمعينة. ووجه القرب عدم حصول المستأجر عليه إلا من الناسخ المعين
فتبطل الإجارة بموته. ويحتمل العدم ، لأن العمل الموصوف في الذمة.
واعلم أن هذه
العبارة غير مستقيمة ، وذلك لأن الذي يمكن تنزيل العبارة عليه ، هو أنه إذا
استأجره للكتابة الموصوفة بأوصاف لا تنطبق إلا على كتابة كاتب مخصوص فإنها
كالمعينة به ، لعدم انطباق الوصف إلاّ عليه ، فإذا مات بطلت.
ويحتمل العدم ،
لأنها في الذمة ، فهي أمر كلي في الواقع ، وإن لم يكن له إلا فرد واحد فلا ينفسخ
بالموت ، لأن الكلي في الذمة ، فتخير المستأجر بين الفسخ ، والصبر إلى أن يوجد
كاتب بذلك الوصف. والأول
ويجوز الاستئجار
لحفر الآبار والأنهار والعيون ، فيفتقر إلى معرفة الأرض بالمشاهدة وإن قدّر العمل
بالمدة.
______________________________________________________
أقوى ، لأن الكاتب
وإن لم يتعين بتسميته ، إلا أن أوصاف الكتابة مثلاً اقتضت تشخيصه ، خصوصاً إذا علم
انحصار الوصف في عمل ذلك الكاتب ، فإن ظاهر الحال والمتعارف إرادته بالإطلاق ، إذ
يبعد أن يستأجر لكتابة يتوقع لها حدوث كاتب على مرور الأزمان وتراخي الأوقات.
وهذا الحكم حسن ،
إلا أن تنزيل العبارة عليه لا يخلو من شيء ،
لأن قوله : ( لو اختلف العمل
باختلاف الأعيان ) بمجرده لا يقتضي انحصار العمل الموصوف في فرد مخصوص. وكذا دليله
وهو قوله : ( لاختلاف الأغراض باختلاف الأعيان ) لا يرتبط بالمدعى ، فإن ذلك لا
ينتج كون هذا كالمعينة ينفسخ بموت الكاتب الموجود حينئذ بالأوصاف كما هو
معلوم.
والحق أن العبارة
غير حسنة ، ولا يتأدى المطلوب منها إلا بكمال التكلف.
قوله
: ( ويفتقر إلى
معرفة الأرض بالمشاهدة ).
المراد : مشاهدة
ظاهرها والباطن تابع ، لعدم إمكان الاطلاع عليه بالمشاهدة.
قوله
: ( وأن يقدّر العمل
بالمدة ).
أي يفتقر إلى ذلك
، ويكتفي به مع المشاهدة. ولو قدّره بتعيين المحفور لم يكف ذلك ، بل يجب في البئر
معرفة الدور والعمق ، وفي النهر طوله وعرضه وعمقه ، وقد أشار إليه بقوله : ( ولو
قدر بتعيين المحفور ... ).
__________________
ولو قدّر بتعين
المحفور كالبئر وجب معرفة دورها ، وعمقها ، وطول النهر ، وعمقه ، وعرضه.
ويجب نقل التراب
عن المحفور.
ولو تهوّر تراب من
جانبيه لم تجب إزالته كالدابة.
ولو وصل إلى صخرة
لم يلزم حفرها.
______________________________________________________
قوله
: ( ويجب نقل التراب
عن المحفور ).
أي : المحفور من
البئر والنهر ، لأنه لا يمكنه الحفر إلا بذلك ، فقد تضمنه العقد. ثم إن نقله إلى
أي موضع يكون لم يتعرض إليه المصنف ، ولا وجدت به تصريحاً. ولعلهم اعتمدوا على رد
ذلك إلى العرف ، وهو واضح. وهل يكفي إلقاؤه على حافة البئر أو النهر ، أم يجب
إبعاده؟ فيه احتمال.
قوله
: ( ولو تهوّر تراب
من جانبه لم تجب إزالته ).
أي : لو انهدم
تراب من الجانب لم يجب على الحافر نقله ، بل يجب ذلك على صاحب البئر أو النهر ،
لأنه سقط من ملكه ، ولم يتضمن عقد الإجارة إخراجه. فلو امتنع المالك من إخراجه كان
التقصير من قبله ، كما لو لم يفتح باب الدار لبناء جدار فيها.
قوله
: ( ولو وصل إلى
صخرة لم يلزم حفرها ).
ومثل الصخرة
الشجرة ، والأرض الصلبة زيادة على المشاهد من الأرض ، لمخالفة ذلك لما شاهده.
وإنما اعتبرت مشاهدة الأرض لاختلافها ، فإذا ظهر فيها ما يخالف المشاهد كان له
الخيار في الفسخ.
وينبغي أن يكون
هذا إذا لم يقطع عادة باشتمال تلك الأرض على صخرة ، لاطّراد ذلك في جميعها ، فإنه
حينئذ يجب حفرها. ولا يجوز
فله من الأجر
بنسبة ما عمل ، وروي تقسيط أجر عشر قامات على خمسه وخمسين جزءاً ، فما أصاب واحداً
فهو للأولى ، والاثنين للثانية ، وهكذا.
______________________________________________________
الفسخ ، ومتى فسخ
كان له من الأجرة بنسبة ما عمل ، أي : بمثل نسبة أجرة ما عمل إلى أجرة المثل ، لأن
التقسيط إنما يكون باعتبار ( القيمة ) ، وقيمة المنافع أجرة أمثالها ، فحينئذ ينظر اجرة المثل
للمجموع ، ولما عمل ، وينسب الثاني إلى الأول ، وبنسبته منه يؤخذ لما عمل من
المسمى ، وإلى ذلك أشار بقوله : ( فله من الأجرة بنسبة ما عمل ) ، وفي العبارة حذف
معلوم.
قوله
: ( وروي تقسيط أجر
عشر قامات على خمسة وخمسين جزءاً ، فما أصاب واحداً فهو للأولى ، والاثنين للثانية
، وهكذا ).
هذه رواية أبي
شعيب المحاملي ، عن الرفاعي ، عن أبي عبد الله 7 ، وأفتى الشيخ في المبسوط وابن إدريس
بتقسيط المسمى على اجرة المثل ، وهو الأصح.
وتحمل الرواية على
ما إذا تناسبت القامات بعضها إلى بعض على هذه النسبة ، بحيث تكون نسبة الاولى إلى
الثانية أنها بقدر نصفها في المشقة ، وإلى الثالثة بقدر ثلثها ، وإلى الرابعة بقدر
الربع ، وعلى هذا ، مع أنها واقعة خاصة فلا عموم لها.
وإنما قسّط ذلك
على خمسة وخمسين ، نظراً إلى أن التناسب على الوجه الذي ذكرناه يقتضي جمع الأعداد
الواقعة في العشرة ، فما بلغت
__________________
فإن عمل به احتمل
تعديه ، فتقسّم الخمسة على خمسة عشر.
ولو استأجره لعمل
اللبن ، فإن قدّره بالعمل احتيج إلى عدده ، وموضع ضربه ، وذكر قالبه ، فإن قدّره
بقالب معروف ، وإلا احتيج إلى تقدير الطول والعرض والسمك ، ولا تكفي الحوالة على
قالب مشاهد غير معروف.
______________________________________________________
قسّطت عليه
الأجرة.
ولا ريب أن
الأعداد في العشرة إذا جمعت بلغت ذلك. وطريق ضابط ذلك أن تضرب عدد القامات في نفسه
، فما بلغ زدت عليه جذره ونصّفته. ففي المسألة مضروب العشرة في نفسها مائة ، وجذر
ذلك عشرة ، إذا نصفتهما كان خمسة وخمسين ، وذلك مجموع الأعداد التي تضمنتها
العشرة.
قوله
: ( فإن عمل به
احتمل تعدّيه فتقسم الخمسة على خمسة عشر ).
أي : فإن عمل بهذا
الحكم في العمل المخصوص احتمل تعديته إلى غيره ، نظراً إلى المشاركة في
العلة ، والعدم اقتصاراً على مورد النص.
وعلى ما اخترناه
من اعتبار التناسب لا شبهة في التعدية معه ، وحينئذٍ فإذا استأجره لحفر خمس قامات
فحفر البعض ثم عجز قسطت الأجرة على خمسة عشر ، لأن مضروب الخمسة في نفسها خمسة
وعشرون ، فإذا زدت عليها الخمسة وهي الجذر كان نصفها خمسة عشر. واعلم أن في بعض
النسخ ( احتمل تعديته ).
قوله
: ( ولو استأجره
لعمل اللبن ، فإن قدّره بالعمل احتيج إلى عدده وموضع ضربه وذكر قالبه ، فإن قدره
بقالب معروف ، وإلا احتيج إلى تقدير الطول والعرض والسمك ، ولا تكفي الحوالة على
قالب
__________________
ولو قدّر البناء
بالعمل وجب ذكر موضعه ، وطوله ، وعرضه ، وسمكه ، وآلة البناء من لبن وطين ، أو حجر
وجص.
______________________________________________________
مشاهد غير معروف ).
يجوز التقدير في
ضرب اللبن بالزمان ، فيجب تعيين موضع الضرب.
وفي تعيين الموضع
الذي يضرب فيه إشكال ، ينشأ من وجود كثرة الاختلاف ، وعدمه. وفي التحرير ذكر
إشكالاً في موضع الضرب ، والظاهر أن مراده به المعنى الثاني.
والظاهر وجوب
تعيينه كالأرض المحفورة ، وإنما يكون ذلك بالمشاهدة ، لعدم انضباط ذلك بالصفة ،
وقد صرح المصنف بذلك في التذكرة في مسألة حفر النهر والبئر ونحوهما ، ولا يجب شيء
سوى ذلك.
وعبارة التحرير لا
تخلو من مؤاخذة ، حيث قال : ولو قرنه بالزمان لم يفتقر إلى ذلك سوى تعيين موضع
الضرب على أشكال ، فإنه باعتبار تفاوت الأمكنة في القرب والبعد ، وموافقة
العرض ومباينته ، والاحتياج إلى كلفة النقل وعدمه يتحقق الغرر بالإخلال بالتعيين.
وإن قدّره بالعمل
فلا بد من العدد ، وتعيين موضع الضرب ، وذكر القالب. فإن قدّر بقالب معروف فلا بحث
، وإلا احتيج إلى تقدير الأبعاد الثلاثة ، والسّمك ـ بفتح أوله ـ ارتفاع الجسم.
ولا تكفي الحوالة على قالب مشاهد غير معروف بأحد الطريقين لإمكان تلفه ، فتتعذر
معرفة القدر. وينبغي أن يعين الموضع الذي يضرب منه وذلك بالمشاهدة كما سبق ،
واللبن.
قوله
: ( ولو قدّر البناء
بالعمل وجب ذكر موضعه ، وطوله ، وعرضه ، وسمكه ، وآلة البناء من لبن وطين أو حجر
وجص ).
__________________
فإن سقط بعد
البناء استحق الأجر إن لم يكن لقصور في العمل ، كما لو بناه محلولاً.
ولو شرط ارتفاع
الحائط عشرة أذرع فسقط قبلها لرداءة العمل وجب عليه الإعادة.
ولو استأجره
لتطيين السطح أو الحائط جاز وإن قدّره بالعمل.
______________________________________________________
ولو قدره بالزمان
فظاهر عبارتهم أن تعيين ما ذكر مختص بالتقدير بالعمل. ويحتمل وجوب تعيين المحل
والآلة للاختلاف.
قوله
: ( فإن سقط بعد
البناء استحق الأجر إن لم يكن لقصور في العمل ، كما لو بناه محلولاً ).
هو مثال القصور في
العمل ، والمراد بالمحلول : الذي لا تكون أجزاء العمارة فيه متداخلة.
قوله
: ( ولو شرط ارتفاع
الحائط عشرة أذرع ، فسقط قبلها لرداءة العمل وجب عليه الإعادة ).
ويجب أيضاً تنظيف
الموضع وتهيئته للبناء ، لأن شغله بتلك الآلات بفعله على وجه غير مأذون فيه.
قوله
: ( ولو استأجره
لتطيين السطح ، أو الحائط جاز وإن قدره بالعمل ).
لأن ذلك مضبوط
عرفاً ، ولا أثر لرقة الطين وغلظه إذا لم يخرج عن العادة.
ومنع في التذكرة
من تقديره بالعمل لاختلاف الطين بالرقة والثخن ، وأرض السطح تختلف ، فبعضها عالٍ
وبعضها نازل ، وكذا الحيطان .
__________________
ويتقدر النسخ
بالمدة والعمل ، فيفتقر في الثاني إلى عدد الورق والسطور والحواشي ودقة القلم ،
فإن عرف وصف الخط وإلا وجبت المشاهدة.
ويجوز تقدير الأجر
بأجزاء الفرع ، أو الأصل ، والمقاطعة على الأصل.
______________________________________________________
وهو ضعيف ، لعدم
التفاوت المقتضي للغرر ، نعم لا بد من تعيين المحل والآلة.
قوله
: ( ويتقدر النسخ
بالمدة والعمل فيفتقر الثاني إلى عدد الورق والسطور والحواشي ودقة القلم ، فإن عرف
وصف الخط وإلا وجب المشاهدة ).
لم يتعرض لذكر
تعيين النسخ بالزمان وما يشترط فيه ، وظاهر أن تعيينه بالزمان كاف في زوال الغرر ،
وهو مشكل ، للتفاوت البيّن في ذلك ، فيمكن أن يقال : يجب التعرض لوصف الخط وقدر
السطور والحواشي.
وقوله : ( فإن عرف
وصف الخط ... ) معناه : أنه بعد اشتراط ما ذكره إن كان وصف الخط معروفاً وضبطه
بالوصف ممكناً كفى وصفه ، وإلا وجبت المشاهدة ليندفع الغرر.
وجزاء الشرط في
قوله : ( فإن عرف ) محذوف تقديره : كفى وصفه ، ونحوه.
قوله
: ( ويجوز تقدير
الأجر بأجزاء الفرع ، أو الأصل ، والمقاطعة على الأصل ).
كل من الطرق
الثلاث محصل للعلم بالثمن ، فيكفي التقدير به. وعلى التقدير بالأجزاء هل يشترط
العلم بها حين العقد؟ أم يكفي العلم بها بعده؟ فيه ما سبق في البيع من جواز بيع
استحقاقه من التركة وهو محصور ، إلا أنه
ويعفى عن الخطأ
اليسير ، للعادة ، لا الكثير ، وليس له محادثة غيره وقت النسخ.
ويجوز على نسخ
المصحف ، وعلى تعليم القرآن إلا مع الوجوب.
______________________________________________________
غير معلوم القدر
عند البيع ، وقد سبق ترجيح عدم الصحة ، فيجيء هنا مثله للغرر.
قوله
: ( ويعفى عن الخطأ
اليسير للعادة لا الكثير ).
والمرجح في اليسير
والكثير إلى العادة.
قوله
: ( وليس له محادثة
غيره وقت النسخ ).
لأن ذلك يوجب غلطه
، ولو كان من عادته عدم الغلط بسببها لم يجز أيضاً ، لأن المحادثة معرضة للغلط.
وكذا ليس له التشاغل بما يشغل سره ويوجب غلطه ، ولا لغيره محادثته وشغل سره. وكذلك
الأعمال التي تفتقر إلى حضور القلب فيها ، ذكره في التذكرة .
قوله
: ( ويجوز على نسخ
المصحف ).
في قول أكثر
العلماء حكاه في التذكرة ، وكذا كتب السير والأخبار الصادقة والشعر الحق دون الكاذب
، ولا بأس بالأمثال والحكايات وما وضع على ألسن العجماوات. صرح به في التذكرة ،
قال فيها : ويستحب الاستئجار في كتب العلوم من الأحاديث . الفقه وتفسير
القرآن العزيز وغير ذلك من العلوم الدينية.
قوله
: ( وعلى تعليم
القرآن إلا مع الوجوب ).
__________________
فيقدّره بالعمل
بعدد السور ، أو بالزمان على إشكال ينشأ : من تفاوت السور في سهولة الحفظ.
______________________________________________________
أي : يجوز
الاستئجار على تعليم القرآن ، لكن مع الكراهية إذا شرط الأجرة ، فلو علمه فدفع
إليه أجراً لم يكره قبوله ، لما دلت عليه رواية جراح المدائني عن الصادق 7 .
وهذا إذا لم يجب
التعليم ، فإن وجب لم يجز أخذ الأجر سواء كان الوجوب عينياً أو كفاية ، وسواء وجب
التعلّم على المتعلم عيناً كالفاتحة والسورة ، أو كفاية كباقي القرآن.
فرع : لا يجوز تعليم الكافر القرآن إلا إذا رجي إسلامه ، صرح
به في التذكرة .
قوله
: ( فيقدره بالعمل
بتعدد السور ).
أي : يقع
الاستئجار مقدراً بالعمل ، فلا بد من تعداد السور . وينبغي أن يراد
من تعدادها تعيينها ، فإن التعيين لا بد منه ـ كما صرح به في التذكرة ـ لامتناع الصحة
مع الغرر ، ولا معنى للتعداد مع التعيين.
قوله
: ( أو بالزمان على
إشكال ينشأ من تفاوت السور في سهولة الحفظ ).
ومن أن طريق
التعيين في الإجارة أحد أمرين : الزمان أو العمل ، فأيهما تحقق التعيين به كفى.
__________________
ولو قال : عشر
آيات ولم يعيّن السورة لم يصح ، ويكفي إطلاق الآيات منها وحده الاستقلال بالتلاوة
، ولا يكفي تتبعه نطقه.
______________________________________________________
وهذا أقوى ، لأن
التفاوت لا يضر حينئذ لحصول التعيين المعتبر. وقد سبق في كلامه قريباً الجزم
بالاكتفاء فالتعيين بتقدير المدة ، وبه صرح في التذكرة .
قوله
: ( ولو قال : عشر
آيات ولم يعين السورة لم يصح ، ويكفي إطلاق الآيات منها ).
المراد أنه يكفي في
التعيين أحد أمرين : إما تعيين الآيات ، أو تعيين السورة التي فيها الآيات. وإن لم
يعيّن السورة ، فلو لم يعين واحداً منهما لم يصح للجهالة ، بخلاف ما إذا عيّن
الآيات ، أو عيّن السورة ، وإن أطلقها لتقارب آيات السورة الواحدة.
وفيه نظر ، فإن
التفاوت بينها في الطول والقصر ، والسهولة والصعوبة حاصل فيتحقق الغرر. وكيف
يتقارب الأمر في قوله تعالى ( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ
واحِدٌ ) الآية. وآية الدين مثلاً. وقد ذهب المصنف في التذكرة إلى اشتراط تعيين الآيات
أيضاً مع السورة ، وهو الأصح.
وهل يشترط تعيين
القراءة؟ قال في التذكرة : الأولى وجوب تعيين قراءة أحد السبعة . وما ذكره محتمل
، ويحتمل العدم ، فيجب تعليم الجائز ، لأن الأمر في القرآن قريب.
قوله
: ( وحدّه الاستقلال
بالتلاوة ، ولا يكفي تتبعه نطقه ).
__________________
ولو استقل بتلاوة
الآية ثم لقنه غيرها ، فنسي الأولى ففي وجوب إعادة التعليم نظر.
ويجوز جعله صداقاً
، فلو استفادته من غيره كان لها أجر التعليم.
______________________________________________________
لعدم صدق اسم التعليم
من دون الاستقلال بها ، قال في التذكرة : ولو كان المستأجر على تعليمه يتعلم الشيء
بعد الشيء ثم ينساه فالأقرب الاعتبار بالعادة ، فإن كان يسمى في العادة تعليماً
لم يجب على المؤجر إعادة التعليم.
ثم حكى عن بعض
الأصحاب أنه إن تعلم آية ثم نسيها لا تجب إعادة التعليم ، وإن كان دون الآية وجب.
ونفى عنه البأس ، واستشكله في القواعد هنا ، وفي النكاح حيث قال : ولو
استقل بتلاوة الآية ثم لقّنه غيرها فنسي الأولى ففي وجوب إعادة التعليم نظر.
وليس ببعيد الرجوع
إلى العادة ، بل إن اقتضت العادة صدق اسم التعليم على التدريب للقراءة في المصحف
كفى ، وإن لم يتحقق في العادة شيء بخصوصه فالتعيين طريق إلى البراءة. ولا ريب أن
وجوب إعادة التعليم إذا نسي الأولى بتلقين الثانية أولى ، إذ يبعد وقوع اسم
التعليم على ذلك.
قوله
: ( ويجوز جعله
صداقاً ).
للرواية عن النبي 6 في التي عرضت
نفسها عليه ، وهذا استطراد.
قوله
: ( فلو استفادته من
غيره كان لها أجر التعليم ).
لتعذر وصول
التعليم إليها فيعدل إلى قيمته ، لأنها أقرب شيء إليه.
__________________
ويجوز الاستئجار
على تعليم الخط ، والحساب ، والآداب. وهل يجوز على تعليم الفقه؟ الوجه المنع مع
الوجوب ، والجواز لا معه.
______________________________________________________
قوله
: ( ويجوز الاستئجار
على تعليم الخط ، والحساب ، والآداب ).
لأن ذلك من الأمور
المقصودة المتقومة المحللة.
قوله
: ( وهل يجوز على
تعليم الفقه؟ الوجه المنع مع الوجوب ، والجواز لا معه ).
لا ريب أن الفقه
قد يراد به المسائل المدونة في الكتب ، وقد يراد به الملكة التي يكون العلم معها
بجميع المسائل بالقوة القريبة من الفعل ، وقد يراد به التصديقات.
وعلى كل حال
فتعليم الفقه إن كان واجباً على المعلم أو المتعلم عيناً أو كفاية لم يجز أخذ
الأجرة عليه ، لأن المعلم مأخوذ بالتعليم ومؤدِّبه واجباً فيمتنع أخذ الأجرة كسائر
الواجبات العينية والكفائية ، وإلا جاز.
والمراد بكونه
واجباً أعم من الوجوب العيني كأحكام الصلاة بالنسبة إلى المكلف بفعلها ، والكفائي
كجميع الفقه. فمتى كان في القطر من هو قائم بالواجب الكفائي جاز أخذ الأجرة حينئذ.
وذهب الشارح
الفاضل إلى أن الوجوب إن كان عينياً امتنع أخذ الأجرة على الواجب تعليماً كان أو
غيره ، وإن كان كفائياً وأريد الفعل على وجه القربة لم يجز أخذ الأجرة على ذلك
الفعل كصلاة الجنازة ، وإن كان كفائياً ولم يرد على وجه القربة جاز أخذ الأجرة عليه
، إلا ما نص الشارع على تحريمه كأجرة الدفن . وفيه نظر ، فإن الوجوب مطلقاً مانع من جواز أخذ
__________________
وعلى الختان ،
والمداواة ، وقطع السلع ، والحجامة على كراهية أجره مع الشرط ، وعلى الكحل فيقدّر
بالمدة خاصة ، ويفتقر إلى تعيين المرة في اليوم أو المرتين.
______________________________________________________
الأجرة ، كما سبق
في كتاب البيع ، وهو صريح كلام الأصحاب.
وما ذكره من
الجواز إذا لم يكن الواجب مشروطاً بالنية مخالف لما عليه الأصحاب ، ومع ذلك فإن
المانع ليس هو اعتبار النية ، بل هو تحقق الوجوب بدون الإجارة.
فعلى هذا كل ما
كان من الواجبات الكفائية إنما يجوز الاستئجار عليه عند عدم وجوبه بحال ، فإن وجب
لم يجز كائناً ما كان. لكن قد جوّز الأصحاب الاستئجار للجهاد مع عدم تعيين المؤجر
والمستأجر له ، وذلك يشمل ما إذا وجب كفاية. ويمكن حمله على ما إذا علم أو ظن قيام
من فيه كفاية ، أو كان المؤجر ممن لا تجب عليه أصلاً.
قوله
: ( وعلى الختان ،
والمداواة ، وقطع السّلع ، والحجامة على كراهية أجرة مع الشرط ).
ينبغي أن يراد
بذلك كله ما إذا لم يجب شيء منها ولو كفاية ، وذلك حيث لا يجب على الأجير فعل
الختان ، فإن وجب لم يجز أخذ الأجر ، ولا يخفى أن كراهية أجر الحجام إنما هو مع
الشرط.
قوله
: ( وعلى الكحل
فيقدر بالمدة خاصة ).
أي : يجوز
الاستئجار على الكحل ، وهو واضح ، لأنه عمل مقصود متقدم محلل ، ولا يقدّر إلا
بالمدة خاصة ، أي : دون العمل لعدم انضباطه. ولا يبعد جواز التقدير بالعمل أيضاً ،
لإمكان ضبط النوبات ، وقد نبه عليه شيخنا الشهيد في بعض الحواشي.
قوله
: ( ويفتقر إلى
تعيين المرة في اليوم أو المرتين ).
والكحل على المريض
، ويجوز اشتراطه على الأجير. والأقرب جواز اشتراط الأجر على البنّاء ، ولو لم يحصل
البرء في المدة استقر الأجر.
______________________________________________________
وكذا ما فوق ذلك
إذا كان اليوم بحيث يسعها قطعاً وإنما افتقر إلى ذلك ، لأن من المعلوم أنه لا
يستوعب أجزاء اليوم بالكحل ، فلا بد من التعيين ، نعم لو كان هناك عادة مضبوطة نزل
الإطلاق عليها.
قوله
: ( والكحل على
المريض ).
أي : مع الإطلاق ،
لأن الإجارة إنما تكون على العمل.
قوله
: ( ويجوز اشتراطه
على الأجير ).
لعدم منافاة الشرط
لعقد الإجارة ، ولا مخالفته للكتاب ولا السنة ، ويكون استحقاق العين بالشرط على
جهة التبعية ، كما يشترط سكنى الدار مدة معينة في البيع.
قوله
: ( والأقرب جواز
اشتراط الأجر على البناء ).
وجه القرب : إنه
شرط سائغ فيكون داخلاً تحت عموم قوله 7 : « المؤمنون عند شروطهم » .
ويحتمل عدم الجواز
، لأن الإجارة إنما ترد على المنافع دون الأعيان.
وجوابه : إن أصل
الإجارة ذلك كما أن أصل البيع أن يرد على الأعيان دون المنافع ، لكن قد ثبت خلاف
ذلك تبعاً ، كشرط السكنى والرهن والضمان ، والأصح الجواز.
قوله
: ( ولو لم يحصل
البرء في المدة استقر الأجر ).
__________________
ولو برئ في
الأثناء انفسخ العقد في الباقي ، فإن امتنع مع عدمه من الاكتحال استحق الأجير أجره
بمضي المدة.
ولو جعل له عن
البرء صح جعالةً لا اجارةً.
ولو اشترط الدواء
على الطبيب فالأقرب الجواز.
______________________________________________________
لأنه في مقابل العمل
لا في مقابل البرء.
قوله
: ( ولو بريء في
الأثناء انفسخ العقد في الباقي ).
لتعذر المعقود
عليه ، قد يقال : إنه إذا تعلمت المرأة القرآن المعين تعليمه صداقاً من غير الزوج
استحقت اجرة المثل ، وهنا ينفسخ العقد في الباقي ، مع أنه في الموضعين قد تعذر
المعقود عليه ، فإما أن ينفسخ فيهما ، أو تجب أجرة المثل فيهما.
وجوابه : إن
الانفساخ هنا لا يستدعي إلاّ بطلان المعاوضة ، بخلافه هناك فإنه يستلزم وجوب مهر
المثل ، لامتناع خلو الوطء المحترم عن مهر : ولا ريب أن مهر المثل أبعد من أجرة
المثل عن المسمى ، ولا ريب أن المصير إلى الأقرب مع تعذر المعقود عليه أولى.
قوله
: ( ولو جعل له عن
البرء صح جعالة لا إجارة ).
أما عدم صحته إجارة
فإن ذلك ليس من مقدور الكحّال ، وإنما هو من فعل الله تعالى. وأما صحته جعالة فلأن
السبب إلى حصوله كاف في استحقاق الجعل إذا حصل ، وإن كان من فعل الله تعالى ، ولو
بريء من غير كحل ، أو تعذر لا من جهة المؤجر استحق اجرة مثله ، كما لو عمل
الجعالة ثم فسخ العقد ، صرح بذلك في التذكرة .
قوله
: ( ولو شرط الدواء
على الطبيب فالأقرب الجواز ).
__________________
ولو قدّر الرعي
بالعمل افتقر إلى تعيين الماشية ، فتبطل بموتها ، ويحتمل عدمه ، لأنها ليست
المعقود عليها ، وإنما يستوفي المنفعة بها.
______________________________________________________
وجه القرب ما سبق
بيانه في اشتراط الآجر على البنّاء ، والأصح هنا مثل ما هناك. والفرق بينه وبين
الكحل جريان العادة بكونه الكحّال. كذا قيل وفيه نظر ، لأنه لو سلّم ذلك لورد عليه
أن الإجارة إنما ترد على المنافع دون الأعيان فيفتقر إلى الجواب.
قوله
: ( ولو قدّر الرعي
بالعمل افتقر إلى تعيين الماشية فيبطل بموتها ، ويحتمل عدمه ، لأنها ليست المعقود
عليها ، وإنّما يستوفي المنفعة بها ).
قال في التذكرة :
إن الرعي لا يمكن تقديره بالعمل ، بل إنما يتقدر بالزمان ، لأن العمل لا ينحصر . والذي ذكره هنا
مخالف لما في التذكرة.
وظاهر كلام
المبسوط موافق لما هنا ، ومثله كلام التحرير . وتحقيق الحال :
أنه إذا استأجر للرعي جاز ، ثم إما أن يقدّر بالعمل أو بالزمان ، فإن قدّر بالعمل
بأن يكون المرعى معلوم القدر ، فيستأجره لرعيه ، فهل يفتقر إلى تعيين الماشية؟.
مختار المصنف أنه
يفتقر لاختلاف العمل باختلافها في الصعوبة والسهولة ، وطول الزمان وقصره. ويحتمل
عدمه إذا عيّن الجنس والقدر لزوال الجهالة بذلك ، فإذا عيّنها بطلت الإجارة بموتها
قطعاً.
ولو قلنا بعدم
اشتراط التعيين فاقتصر على الجنس والقدر لم تبطل بموت ما استرعاه إياها ، لأنها
ليست المعقود عليها ، وإنما هي كالآلة في
__________________
______________________________________________________
استيفاء المنفعة
بها.
واعلم أن عبارة
المصنف لا تخلو من مؤاخذة ، لأن قوله : ( ويحتمل عدمه ) إن أراد به عدم الافتقار
إلى تعيين الماشية ـ وهو الظاهر ـ لم يرتبط به قوله :
( لأنها ليست المعقود عليها )
، فإن ذلك لا يكون دليل عدم الافتقار إلى التعيين كما هو ظاهر.
وإن أراد به عدم
البطلان بموتها ففساده أظهر ، لأنه على تقدير وقوع التعيين تبطل الإجارة بموت ذلك
المعين قطعاً وإن لم يكن التعيين شرطاً. وفساد قوله : ( لأنها ليست المعقود عليها
) حينئذ أظهر.
ويمكن تكلّف حذف
شيء في العبارة ، ويكون الضمير في قوله : ( ويحتمل عدمه ) عائداً إلى مصدر (
افتقر ) والتقدير : ويحتمل عدم الافتقار إلى التعيين ، فإذا لم يعين لم تبطل
الإجارة بموتها ، لأنها ليست المعقود عليها. وهذا وإن كان صحيحاً إلا أن فيه من
التعسف ما لا يخفى.
وقد اضطرب كلام
الشارح هنا : حيث جعل الاحتمال قولاً للشيخ في المبسوط ، حيث جوز
الاستئجار لرعي الغنم من غير تعيين للغنم ولا للقدر . وليس بشيء ،
لأن الشيخ جوّز هذا إذا كان الاستئجار مدة معلومة لا مقدراً بالعمل.
إذا تقرر هذا
فاعلم أن الذي يقتضيه النظر : أنه إن قدّر الرعي بالعمل أو بالمدة ، وعيّن جنس
الماشية وقدرها كفى ذلك في صحة الإجارة ، ولا حاجة إلى تعيين شخصها ، لأن الغرر
يندفع بما ذكرناه ، فإن عين بطلت الإجارة بموتها وإلا لم تبطل.
__________________
وإن تلف بعضها بطل
فيه.
ولو ولدت لم يجب
عليه رعيها ، ولو قدّره بالمدة افتقر إلى ذكر جنس الحيوان.
______________________________________________________
قوله
: ( فإن تلف بعضها
بطل فيه ).
أي : على تقدير
التعيين ، لكن يتخير الأجير في الفسخ لتبعض الصفقة ـ ويحتمل تخيير المستأجر أيضاً
لتبعض الصفقة على كل منهما.
قوله
: ( ولو ولدت لم يجب
عليه رعيها ).
لأن العقد لم
يتناولها ، وهذا اتفاق.
قوله
: ( ولو قدره بالمدة
افتقر إلى ذكر الحيوان ).
لا شك أن تقدير
الرعي بالمدة جائز فلا حاجة إلى تعيين العلف حينئذ ، لكن يشترط ذكر الحيوان ـ أي :
تعيين الجنس الذي يريد رعيه ـ من إبل ، وبقر ، وغنم ، ونحو ذلك ، لأن لكل نوع
أثراً في إتعاب الراعي.
ويشترط أيضاً أن
يذكر العدد للتفاوت البيّن باختلافه ، وكذا الصغر والكبر خلافاً للشيخ ، فإنه جوّز
الاستئجار لرعي جنس من الحيوان مدة ، فيسترعي الأجير القدر الذي يرعاه الواحد من ذلك الجنس في
العادة ، فإذا كانت العادة مائة مثلاً استرعاه مائة.
وعلى هذا فلا يجب
تعيين الصغر والكبر بل يعول على العادة. والأصح اشتراط التعيين ، لأن العادة تختلف
وتتباين كثيراً ، والعمل يختلف باختلافها.
واعلم أن قول
المصنف آخراً : ( ويذكر الكبر والصغر والعدد ) جملة معطوفة على جملة : ( افتقر إلى
ذكر الحيوان ) رد به على الشيخ.
__________________
ولا تدخل الجواميس
والبخاتي في إطلاق البقر والإبل ، لعدم التناول عرفاً على إشكال ، ويذكر الكبر
والصغر والعدد.
______________________________________________________
وقوله : ( ولا
تدخل الجواميس ولا البخاتي في إطلاق لفظ البقر والإبل لعدم التناول عرفاً على
أشكال ) معترض بين المتعاطفين.
وتحقيق المبحث :
أنه إذا استأجره لرعي البقر هل تدخل الجواميس ، وكذا لو استأجره لرعي الإبل فهل
تدخل البخاتي؟ وهي الإبل الخراسانية.
فيه إشكال ينشأ :
من التردد في استقرار العرف على عدم التناول ، وعدمه ـ فعلى هذا تقدير عبارة
المصنف لا تدخل هذه ، لعدم تناول اللفظ لها عرفاً ، على إشكال في عدم التناول.
ويمكن أن يكون
التقدير : على إشكال في عدم الدخول ، ويكون قوله
: ( لعدم التناول عرفاً ) على
ظاهره ، لكنه يرد عليه : إن الحقيقة العرفية مقدمة على اللغوية وناسخة لها ، فلا
يكون للإشكال وجه.
ويمكن أن يريد
بعدم التناول عرفاً : كون ذلك هو الغالب ولم يبلغ حد الحقيقة ، فإن في ترجيح
المجاز العرفي الغالب ، أو الحقيقة اللغوية ( المغلوبة ) ، أو التردد
بينهما كلاماً للأصوليين.
وقد ذكر الشارح
الفاضل في حل الإشكال ما لا يخلو من شيء عند الملاحظة ، والتحقيق أن يقال : إن
العرف جار على عدم دخول الجواميس في البقر عند الإطلاق ، حتى أن المتبادر إلى
الفهم عند الإطلاق إنما هو ما عدا الجواميس. أما الإبل فإن تناولها للبخاتي أمر لا
يكاد يدفع ، وقد اعترف به في التذكرة .
__________________
ويجوز الاستئجار
للزرع ، ولحصاده ، وسقيه ، وحفظه ، ودياسه ، ونقله ، وعلى استيفاء القصاص في النفس
والأعضاء.
______________________________________________________
فعلى هذا الأصح
دخول البخاتي في لفظ الإبل دون الجواميس في لفظ البقر.
قوله
: ( ويجوز الاستئجار
للزرع ، وحصاده ، وسقيه ، وحفظه ، ودياسه ، ونقله ).
لأن جميع ذلك عمل
مقصود مقوّم محلل ، والمراد بالاستئجار للزرع : كونه مدة معلومة ، ولزرع قدر معين
فيعين تارة بالزمان وتارة بالعمل ، فإذا عيّن بالعمل فلا بد مع بيان القدر من بيان
جنس ما يزرع من حنطة وأرز ونحوهما ، للتفاوت في ذلك تفاوتاً كثيراً. ( ولو عيّن ) بالزمان فالظاهر
أنه لا بد من تعيين الجنس.
وفي الاستئجار
للحصاد إن عيّن بالعمل ، فلا بد من مشاهدة الزرع أو وصفه وصفاً يرفع الجهالة ، وإن
عيّن بالمدة فلا بد من تعيين جنس الزرع ونوعه ومكانه ، فإنه يتفاوت بالطول والقصر
، والثخانة وعدمها ، ويتفاوت بذلك التعب والراحة ، صرح به في التذكرة .
وفي الحفظ والدياس
والنقل إن عيّن بالعمل ، فلا بد من الضبط بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة مع
ذكر ( القدر ، وإن عيّن بالزمان لم يحتج إلى ذكر القدر بل يجب تعيين الجنس إن
تفاوت النعت باختلافه. وفي النقل لا بد من تعيين أمر ) زائد وهو المحل
المنقول عنه والمنقول إليه ، أو وصف ذلك وصفاً يرفع الجهالة.
قوله
: ( وعلى استيفاء
القصاص في النفس والأعضاء ).
__________________
وعلى الدلالة على
الطريق ، وعلى البذرقة فيجب تعينهما بالعمل ، ولا تكفي المدة. وعلى الكيل ، والوزن
، والعدد ، فيتعيّن بالعمل أو المدة.
______________________________________________________
وكذا في الحدود والتعزيرات
، والأجرة على المقتصّ منه ، لأنه أجر يجب لإيفاء حق فيجب على من عليه الحق ،
واختاره في التذكرة ، وقوّاه في التحرير .
إذا عرفت هذا
فتقدير ذلك يكون بالعمل بتعين المحل ، وبالمدة إذا كان كثيراً بحيث يقطع بزيادته
على المدة ، وأطلق المصنف في التحرير اعتبار الكثرة .
قوله
: ( وعلى الدلالة
على الطريق وعلى البذرقة ، ويجب تعيينهما بالعمل ولا يكفي المدة ).
البذرقة بالذال
المعجمة : الخفارة ، ووجهه إنهما عمل مقصود محلل ، ويتقدر بالمدة والعمل ، كما صرح به في
التذكرة . ولا مانع من تعيينهما بالزمان ، فما ذكره هنا ضعيف.
قوله
: ( وعلى الكيل
والوزن والعدد فيتعين بالعمل أو المدة ).
في بعض النسخ : (
والعدّ ) بدال واحدة مشددة ، وهو أولى ، لأن المطلوب المصدر لا الاسم. وكذا يجوز
على التقدير بالعمل والمدة ، لكن في العمل يجب تعيين القدر والوصف مع ذكر الجنس ،
وفي المدة لا يجب ذكر القدر ، ويجب ذكر ما يرفع الجهالة من الوصف والجنس.
__________________
وعلى ملازمة
الغريم فتعيّن بالمدة ، وعلى الدلالة على بيع ثياب معينة وشرائها ، وعلى السمسرة ،
وعلى الاستخدام سواء كان الخادم رجلاً أو امرأة ، حراً أو عبداً ، لكن يحرم عليه
النظر إلى الأمة من دون إذن والى الحرة مطلقاً.
______________________________________________________
قوله
: ( وعلى ملازمة
الغريم فيتعين بالمدة ).
أي : دون العمل ،
لعدم قبوله التعيين. ولو استأجره لاستيفاء دينه منه لم يبعد صحته ، وإن اختلف زمان
الاستيفاء بالطول والقصر باختلاف حال الغريم ، فإنه يجوز الاستئجار على المحاكمة ،
وإقامة البينات ، وإثبات الحجج والمنازعة ، وذلك غالباً لا يتقدر بالزمان. وربما
لم يكن تقديره بالزمان مثمر الفائدة.
قوله
: ( وعلى الدلالة
على بيع ثياب معينة وشرائها ).
ولو لم تكن الثياب
معينة لم يجز للجهالة ، إلا أن يستأجره مدة معلومة فيصح.
قوله
: ( وعلى السمسرة ).
السّمسار ـ بكسر
السين المهملة ـ : المتوسط بين البائع والمشتري ، الجمع سماسرة ، والمصدر السمسرة
، ذكره في القاموس .
قوله
: ( وعلى الاستخدام
سواء كان الخادم رجلاً أو امرأة ، حراً أو عبداً ، لكن يحرم عليه النظر إلى الأمة
من دون إذن وإلى الحرة مطلقاً ).
وتحرم عليه الخلوة
بالأجنبية لئلا تغريه الشهوة ، ذكره في التذكرة .
__________________
الثاني : الدواب ، فإذا استأجر للركوب وجب معرفة الراكب بالمشاهدة
، وفي الاكتفاء بوصفه في الضخامة والنحافة ليعرف الوزن تخميناً نظر.
ويركّبه المؤجر
على ما شاء من سرج ، وإكاف ، وزاملة ، على ما يليق بالدابة.
______________________________________________________
وينبغي أن يكون
ذلك حيث لا يتمكن من عقد النكاح عليها أو لا يريده ، والحاصل أن كلا ما يحرم من
الحرة والأمة قبل الإجارة فتحريمه باق بعدها.
ويجوز النظر إلى
الأمة إذا أذن المولى ، وإلى الحرة بالعقد. ولا فرق في جواز الإجارة بين كون
المرأة حسناء أو قبيحة المنظر عجوزاً أو شابة.
قوله
: ( وفي الاكتفاء
بوصفه بالضخامة والنحافة ليعرف الوزن تخميناً نظر ).
لا يخفى أن كلا من
مشاهدة الراكب ووزنه مع ذكر أوصافه من الطول والقصر ، والضخامة والنحافة ، وسرعة
الحركة وبطئها ، وخفتها وثقلها ، وغير ذلك مما له دخل في تأثر الدابة ، طريق إلى
معرفته المعتبرة في الاستئجار لركوبه.
وهل يكون وصفه
الموجب لمعرفة وزنه تخميناً طريقاً إلى ذلك؟ نظر ينشأ : من التردد في إفادة الوصف
ما تفيده المشاهدة ، وعدمه ، والأصح أن الوصف التام كافٍ.
قوله
: ( ويركبه المؤجر
على ما شاء من سرج ، وإكاف ، وزاملة على ما يليق بالدابة ).
إكاف الحمار ككتاب
وغراب ، ووكافه برذعته ، قاله في القاموس .
__________________
فإن كان يركب على
رحل المستأجر وجب تعيينه ، فيجب أن يشاهد
______________________________________________________
والزاملة : هو
الذي يحمل عليه من الإبل وغيرها ، والزميل : العديل ، والزِّمل ـ بالكسر ـ الحمل ،
وما في جوالقك إلاّ زمل إذا كان نصف الجوالق ، ذكر ذلك في القاموس .
ولعل المراد
بالمزاملة هنا نوع من الحمل ، أو مما يوطأ به على الدابة ، وقوله : ( على ما يليق
بالدابة ) منزّل على ما إذا لم يشترط شيئاً بعينه لوجوب اتباع الشرط. ولا ينظر إلى
حال الراكب وما يليق به ، بل إلى ما يليق بالدابة.
والسرج للفرس ،
وإلا كاف للبغل والحمار ، ولو صلحت الدابة للأمرين من سرج وغيره بحسب العادة ، فهل
ينظر إلى حال الراكب وما يليق به أم يجب التعيين؟.
كل محتمل ، ولو
اقتضت العادة شيئاً حمل عليه ، قال في التذكرة : وقال بعضهم : الزاملة تمتحن باليد
لتعرف خفتها وثقلها ، بخلاف الراكب فإنه لا يمتحن بغير المشاهدة .
قوله
: ( فإن كان يركب
على رحل للمستأجر وجب تعيينه ).
الرحل يقال لمركب
البعير ، وهو ما يركب عليه ولما يستصحبه من الأثاث ، ذكره في القاموس . ولا ريب أن
المستأجر إذا كان يركب على رحل له بأي معنى قدرته فلا بد من تعيينه ، لأن إطلاق
الإجارة لا يقتضيه فينزل عليه.
قوله
: ( ويجب أن يشاهد
المؤجر الآلات ).
__________________
المؤجر الآلات ، فإن
شرط المحمل وجب تعيينه بالمشاهدة أو الوزن ، وذكر الطول والعرض ، والغطاء وجنسه أو
عدمه. فلو عهد اتفاق المحامل كفى ذكر جنسها.
______________________________________________________
يمكن أن يراد به
الآلات التي للمستأجر ، ويريد الركوب فوقها يجب أن يشاهدها المؤجر ليندفع الغرر ،
وهو المطابق لما في التذكرة ، والمناسب للمقام ، لأن رحل المستأجر إذا أراد الركوب
عليه تجب مشاهدة المؤجر له لتصح الإجارة ، فلو لم يجعل هذا بياناً لحكمة لبقي بغير
بيان.
ولو كان هناك
معهود مطّرد لا يختلف إلا قليلاً كفى الإطلاق ، ونزّل على المعهود.
قوله
: ( فإن شرط المحمل
وجب تعيينه بالمشاهدة أو الوزن ، وذكر الطول والعرض ).
المحمل كمجلس :
شقان على البعير يحمل فيهما العديلان قاله في القاموس . ولا ريب أنه إذا
شرط المحمل وجب تعيينه حذراً من الغرر. ويعين بالمشاهدة ، وبذكر الوزن مع الطول
والعرض ، لأن معظم الاختلاف ناشىء عن ذلك.
قوله
: ( والغطاء وجنسه
أو عدمه ).
أي : ويجب تعيين
الغطاء فوق المحمل أو ذكر عدمه ، لأن الحال يختلف فلا بد من التعيين بالمشاهدة أو
الوصف ، وهو المراد بقوله : ( وجنسه ).
قوله
: ( فإن عهد اتفاق
المحامل كفى ذكر جنسها ).
__________________
والوطاء وجنسه أو
عدمه ، ووصف المعاليق إن شرط بما يرفع الجهالة ، والوزن أو المشاهدة.
ولا بد من تعيين
الراكبين في المحمل ، ولا بد من مشاهدة الدابة المركوبة ، أو وصفها ، وذكر جنسها
كالإبل ، ونوعها كالبخاتي أو العراب ، والذكورة والأنوثة.
______________________________________________________
أي : إن عهد اتفاق
أفراد جنس من أجناس المحامل كالبغدادية ، كفى ذكر الجنس عن ذكر الوزن والطول
والعرض ، نظراً إلى المعهود المتعارف.
قوله
: ( والوطاء وجنسه
أو عدمه ).
عطف على الغطاء ،
وما بينهما اعتراض ، أي : ويجب تعيين الوطاء ـ بكسر أوله : وهو الذي يفرش في
المحمل ليجلس عليه ـ بالرؤية أو الوصف ، أو ذكر عدمه للسلامة من الغرر.
قوله
: ( ووصف المعاليق
إن شرط بما يرفع الجهالة ، والوزن ، والمشاهدة ).
المعاليق يراد بها
نحو القربة ، والسطيحة ، والسفرة ، والإداوة ، والقدر ، والقمقمة ، فإذا شرط حملها
وجب تعيينها إما بالمشاهدة ، أو الوصف الرافع للجهالة من الكبر والصغر ونحوهما ،
مع ذكر الوزن للتفاوت باختلاف ذلك ، وإن لم يشترط حملها لم يجب إلا أن تقتضيها
العادة.
قوله
: ( ولا بد من تعيين
الراكبين في المحمل ).
للاختلاف ، وقد
سبق اشتراط تعيين الراكب مطلقاً ، وهو مغنٍ عن هذا.
قوله
: ( ولا بد من
مشاهدة الدابة المركوبة ، أو وصفها بذكر جنسها كالإبل ونوعها كالبخاتي أو العراب ،
والذكورة والأنوثة ).
فإن لم يكن السير
إليهما لم يذكر. وكذا إذا كانت المنازل معروفة.
______________________________________________________
وإن كان في النوع
ما يختلف وجب وصفه أيضاً ، فإن في الخيل القطوف وغيره ، ولا بد
من ذكر الذكورة والأنوثة ، فإن الأنثى أسهل والذكر أقوى. ويحتمل العدم ، لأن
التفاوت بينهما يسير لا يمكن ضبطه ، فلم يكن معتبراً في نظر الشرع.
وإذا كانت الإجارة
للمركوب في الذمة غير مقيدة بعين شخصية فلا بد من ذكر الجنس ، والنوع ، والوصف
الذي تختلف العادة في السير والركوب به.
قوله
: ( فإن لم يكن
السير إليهما لم يذكر ).
إذ لا فائدة في
ذكره ، ولو ذكر فربما لم يطابق ، بخلاف ما إذا كان السير باختيارهما فليبينا قدر
السير كل يوم.
ولقائل أن يقول :
إن كان بيان السير له دخل في صحة الإجارة ، وبدونه يتحقق الغرر لا تصح الإجارة إذا
لم يكن السير إليهما لتعذر الشرط ، ولامتناع تعيين ما لا يغرمان على فعله ، ولا
يتفقان على حصوله.
ومثله ما إذا
استأجر دابة إلى مكة ، فإن تعيين أول المدة ليس إليهما ، لأن الخروج منوط بغير
المتآجرين ، والإخلال به موجب للغرر ، فليتأمل.
واعترف في التذكرة
بتعذر الاستئجار في الطريق الذي ليس له منازل مضبوطة ، إذا كان مخوّفاً لا يمكن
ضبطه .
قوله
: ( وكذا إن كانت
المنازل معروفة ).
__________________
فإذا اختلفا فيه ،
أو في السير ليلاً أو نهاراً حمل على العرف ، وإن لم تكن معروفة وجب ذكرها.
وإذا شرط حمل
الزاد وجب تقديره ، وليس له إبدال ما فني بالأكل المعتاد إلا مع الشرط.
______________________________________________________
أي : وكذا لا يذكر
السير إذا كانت المنازل معروفة ، لأن الإطلاق منزل على المتعارف فلا حاجة إلى
ذكره. ولا فرق في ذلك بين كون السير دائماً في الليل ، أو دائماً في النهار ، أو
في الصيف ليلاً وفي الشتاء نهاراً ، وغير ذلك إذا ضبطت العادة.
قوله
: ( فإذا اختلفا فيه
، أو في السير ليلاً أو نهاراً حمل على العرف ).
وحيث إن إطلاق
العقد منزّل على العرف فلا بد من الرجوع إليه عند الاختلاف.
قوله
: ( وإن لم تكن
معروفة وجب ذكرها ).
لأن ذلك مما
تتفاوت به الرغبات وتختلف اختلافاً كثيراً ، ويزيد وينقص بحسب الأغراض ، فمتى أخل
بذكرها ولم تكن عادة معروفة حصل الغرر الموجب للفساد.
قوله
: ( وإذا شرط حمل
الزاد وجب تقديره ، وليس له إبدال ما فني بالأكل المعتاد ، إلا مع الشرط ).
إنما لم يكن له
إبدال الزاد ، لأن المتبادر من الزاد ما يفنى في الطريق بالأكل ، فلا يستحق عليه
حمل ما يبقى ، وجواز اشتراط ذلك مع أنه لا يعلم وقت فنائه ، تنزيلاً على العادة
التي لا تختلف غالباً اختلافاً يعتدّ به.
نعم لو شرط
الإبدال فلا إشكال في الصحة ووجوب الوفاء بالشرط ،
وإن ذهب بسرقة أو
سقوط أو بأكل غير معتاد فله إبداله. وإن شرط عدم الإبدال مع الأكل.
ويجب على المؤجر
كلما جرت العادة أن يوطأ للركوب به للراكب من الحداجة ، والقتب ، والزمام أو السرج
، واللجام ، والحزام ، أو البرذعة.
______________________________________________________
ومنه يعلم أنه لو
اشترط حمل زاد زائد على العادة فليس له حكم الزاد ، بل له إبدال الزائد نظراً إلى
العادة.
قوله
: ( وإن ذهب بسرقة ،
أو سقوط ، أو بأكل غير معتاد فله إبداله وإن شرط عدم الإبدال مع الأكل ).
أي : وإن ذهب
الزاد بسرقة ، أو سقوط في الطريق ، أو بأكل خارج عن العادة فله إبداله ، لأن عدم
الإبدال إنما يكون إذا فني بالأكل المعتاد دون غيره من المذكورات.
ولا فرق في ذلك
بين اشتراط عدم الإبدال أو لا ، لأن المراد باشتراط عدم الإبدال حينئذ إنما هو على
تقدير الفناء بالأكل المعتاد ، تنزيلاً للإطلاق على العادة المستمرة المضبوطة.
قوله
: ( ويجب على المؤجر
كلما جرت العادة أن يوطأ للركوب به للراكب من الحداجة ، والقتب ، والزمام ، والسرج
، واللجام والحزام ، والبرذعة ).
أي : يجب على
المؤجر بذل الآلات التي جرت العادة أن توطأ للركوب بها لأجل الراكب من الحداجة :
وهي رحل البعير ، والقتب : وهو الخشب الذي يعمل فوقه ، ويجب زمام البعير وليس مما
يوطأ به كما هو ظاهر ، لكنه لأنه مذكور من جملة الواجب. وكذا يجب السرج إذا كان
حال الدابة يقتضيه ، وكذا اللجام ، والحزام ، والبرذعة إذا اقتضاها الحال.
ورفع المحمل وحطه
وشده على الجمل ، ورفع الأحمال وشدها وحطها ، والقائد والسائق إن شرط مصاحبته.
______________________________________________________
واعلم أن الجار في
قوله : ( للراكب ) يتعلق بقوله : ( يجب على المؤجر ) فلو قدّمه لاندفع اللبس
والتعقيد عن العبارة ، فيكون التقدير حينئذ : ويجب للراكب على المؤجر كل ما جرت
العادة أن يوطأ للركوب به.
قوله
: ( ورفع المحمل
وحطه ، وشده على الجمل ، ورفع الأحمال ، وشدها وحطها ).
أي : يجب على
المؤجر ذلك لاقتضاء العادة إياه ، ولأنه من أسباب تهيئة الركوب والتحميل الواجب
على المؤجر. فيجب ، وهذا إذا لم يشترط ضدها فإن شرط اتبع.
قوله
: ( والقائد والسائق
).
أي : ويجب على
المؤجر السائق للدابة والقائد لها ، وينبغي أن يكون ذلك إذا اقتضت ذلك العادة
أحدهما.
قوله
: ( إن شرط مصاحبته
).
أي : يجب ذلك كله
على المؤجر إن شرط المستأجر مصاحبته للدابة.
وإن آجره الدابة
ليذهب بها المستأجر فجميع الأفعال على الراكب ، لاقتضاء الشرط ذلك ، وقد صرح به
المصنف بقوله : ( وإن آجره ... ).
ولو اقتضت العادة
شيئاً بخصوصه ، وكانت مضبوطة حمل الإطلاق عليه ، ولو لم يقتض شيئاً ، ولم يشترط
أمراً بخصوصه أمكن الفرق بين ما إذا كانت الإجارة للركوب في الذمة ، فيجب ، لأنه
طريق إلى إيصال الحق الواجب. أو معيّنة بدابة مخصوصة فتجب التخلية بين المستأجر
وبينها. والمصنف في التذكرة أطلق الوجوب فيما إذا كانت الإجارة في الذمة ، وعدمه
وإن آجره الدابة
ليذهب بها المستأجر فجميع الأفعال على الراكب ، وأجرة الدليل والحافظ على الراكب ،
وعلى المؤجر إركاب المستأجر إما برفعه ، أو ببروك الجمل إن كان عاجزاً كالمرأة
والكبير ، وإلا فلا.
______________________________________________________
إذا كانت معينة . ولعله يريد بذلك
ما إذا لم تقتض العادة أمراً معيناً ، ولم يشترطا شيئاً بخصوصه.
ومقتضى قول المصنف
: ( وإن آجره الدابة ليذهب بها ) أنه لو آجره إياها وأطلق لا يكون الأمر هكذا ،
وكلام التذكرة أعم من ذلك.
قوله
: ( وأجرة الدليل
والحافظ على الراكب ).
أي : أجرة الدليل
على الطريق على الراكب ، لأنه ليس من مقدمات الركوب فلا يجب على المؤجر. وكذا أجرة
الحافظ ، لأنه ليس من مقدمات تحميل المتاع ، وهذا سواء شرط مصاحبة المؤجر أم آجره
الدابة ليذهب بها.
قوله
: ( وعلى المؤجر
إركاب المستأجر إما برفعه أو ببروك الجمل إن كان عاجزاً كالمرأة والكبير وإلا فلا
).
لأنه يصعب على
المرأة ، والعاجز كالشيخ والمريض الركوب بدون ذلك ولا يؤمن على المرأة التكشف.
ومثل بروك الجمل تقريب البغل والحمار من نشز ليسهل معه الركوب. وإن احتاج إلى أن
يركبه بنفسه فعل ، ولو كان المستأجر قوياً يتمكن من الركوب لم يجب له ذلك.
ولا يخفى أن هذا
إنما هو إذا كانت الإجارة في الذمة ، أو شرط ذلك على المؤجر وإلا لم يجب. ومن هذا
يعلم أن العبارة غير حسنة ، إذ كان حقه أن يذكر هذا قبل قوله : ( وإن آجره الدابة
... ).
__________________
ولو انتقل إلى
الطرفين تغيّر الحكم فيهما.
وعلى المؤجر إيقاف
الجمل للصلاة وقضاء الحاجة ، دون ما يمكن فعله عليه كصلاة النافلة والأكل والشرب.
ولو استأجر للعقبة
جاز ، ويرجع في التناوب إلى العادة.
______________________________________________________
قوله
: ( ولو انتقل إلى
الطرفين تغيّر الحكم فيهما ).
أي : لو انتقل
المستأجر من القوة إلى طرف العجز ، أو بالعكس تغيّر الحكم فيهما ، فحكم القوي أن
لا يجب على المؤجر إركابه فيتغير إذا صار ضعيفاً ، فيجب حينئذ أن يركبه ، والعكس
بالعكس.
ووجهه : أن
استيفاء منفعة الدابة بالركوب مثلاً حق واجب في ذمته فيجب إيصاله ، فلو توقف على
أمر وجب ذلك الأمر لا محالة ، ومتى لم يتوقف إيصاله على شيء امتنع وجوب ما لم
يتوقف عليه الحق.
قوله
: ( وعلى المؤجر
إيقاف الجمل للصلاة ، وقضاء الحاجة ، دون ما يمكن فعله عليه كصلاة النافلة والأكل
والشرب ).
ولا يخفى أيضاً أن
هذا إنما هو حيث تجب الأمور السابقة ، وذلك حيث لا يكون الاستئجار لدابة معينة.
قوله
: ( ولو استأجر
للعقبة جاز ، ويرجع في التناوب إلى العادة ).
العقبة ، بضم
العين : النوبة ، وهما يتعاقبان على الراحلة ، إذا ركب هذا تارة وهذا أخرى. فإذا
كان هناك عادة مضبوطة إما بالزمان بأن يركب يوماً وينزل يوماً ، أو بالمسافة بأن
يركب فرسخاً وينزل فرسخاً حمل الإطلاق عليها ، وإلا وجب التعيين فيبطل العقد بدونه
، ولو اتفقا على خلاف العادة وكان مضبوطاً صح.
وتقسّم بالسوية إن
اتفقا ، وإلاّ فعلى ما شرطاه. وأن يستأجر نوباً مضبوطة إما بالزمان فيحمل على زمان
السير ، أو بالفراسخ.
______________________________________________________
ولا بد من تعيين
من يبدأ بالركوب إذا كانا اثنين ، أو محل الركوب إذا كان واحداً. ويحتمل أن يرجع
إلى القرعة ، واختاره في التذكرة ، وهو بعيد ، لأن محلها الأمر المشكل ، والإشكال في عقد
المعاوضة الموجب للجهالة ، والمفضي إلى التنازع لا يغتفر.
قوله
: ( ويقسّم بالسوية
إن اتفقا وإلا فعلى ما شرطاه ).
ظاهره أن المقسوم
هو الطريق ، أي : يقسم الطريق بينهما في الركوب بالسوية إن استويا في الاستحقاق ،
وإن لم يستويا فيه قسّم بينهما على ما شرطاه بينهما ، وعيناه لكل واحد منهما.
لكن لا يستقيم ذلك
، لأنه لا بد من تعيين مقدار ركوب كل منهما ونزوله ، إما بالتنزيل على العادة
المضبوطة ، أو بالتعيين في العقد ، وحينئذ فلا مجال للقسمة إلا بمقتضى المعقود
عليه.
ويحتمل أن يكون
مراده : إن إطلاق التناوب يقتضي المساواة ، إلا أن يشترطا غيره. لكن قوله : (
ويرجع في التناوب إلى العادة ) ينافي ذلك ، مع أن العبارة لا تؤديه ، لأن قوله : (
إن اتفقا ) ـ أي : استويا في الاستحقاق ـ ينافي ذلك. ويمكن أن يريد وجوب الأجرة
عليهما بالسوية إن اتفقا في الركوب ، وإلا فعلى ما شرطاه من الركوب بينهما.
إلا أنه خلاف
المتبادر من العبارة ولم يجر للأجرة ذكر ، وبالجملة فالعبارة لا تخلو من شيء.
قوله
: ( وأن يستأجر
نوباً مضبوطة ، إما بالزمان فيحمل على زمان السير ، أو بالفراسخ ).
__________________
وإن استأجر للحمل
، فإن اختلف الغرض باختلاف الدابة ، من سهولتها وسرعتها وكثرة حركتها وجب ذكره ،
فإن الفاكهة والزجاج تضره كثرة الحركة ، وبعض الطرق يصعب قطعه على بعض الدواب ،
وإلا فلا.
______________________________________________________
يمكن أن يكون
المراد بالعقبة فيما تقدم : استئجاره للركوب بالنوبة مع شخص آخر ، ويكون المراد
هنا : استئجاره للنوبة مع كونه وحده.
ويمكن أن يراد
بالأول : ما إذا اكتفى بالعادة المضبوطة وأطلق في العقد ، ويراد هنا : التعيين في
نفس العقد وضبط النوب إما بالزمان أو بالفراسخ ، فإن ضبطت بالزمان كأن يركب يوماً
وينزل يوماً صح ، وحمل ذلك على زمان السير. فلا يكون نزوله في المنزل يوماً ويومين
محسوباً من النزول بين النوب ، لأن المتبادر من ذلك النزول في خلال السفر والسير ،
ولا يخفى ما في العبارة من تشتت شعب المسائل.
قوله
: ( وإذا استأجر
للحمل ، فإن اختلف الغرض باختلاف الدابة في سهولتها وسرعتها وكثرة حركتها وجب ذكره
، فإنّ الفاكهة والزجاج تضره كثرة الحركة. وبعض الطريق يصعب قطعه على بعض الدواب ،
وإلا فلا ).
أي : إن استأجر
للحمل ـ بفتح الحاء مصدراً ، أو بكسرها اسماً لما يحمل ـ فإن كان ما يحمل لا يختلف
الغرض بالنسبة إليه بسهولة الدابة وصعوبتها ، وكثرة حركتها ونحو ذلك كالإبريسم
مثلاً ، ولم يكن الطريق مما يختلف حال الدواب فيه فيصعب قطعه على بعض دون بعض لم
يجب تعيين الدابة ولا ذكر أوصافها وإن تحقق أحد الأمرين.
أما اختلاف الغرض
بالنسبة إلى الحمل ، ككون المحمول زجاجاً أو خزفاً ، أو فاكهةً ، ونحو ذلك ، أو
كان حال الدواب في قطع ذلك الطريق مختلفاً فلا بد من التعيين ، كما في الراكب
حذراً من الغرر ، قال المصنف
وأما الأحمال فلا
بد من معرفتها بالمشاهدة أو الوزن ، مع ذكر الجنس ، وذكر المكان المحمول إليه ،
والطريق.
______________________________________________________
في التذكرة ـ ونعم
ما قال ـ : وغير مستبعد اشتراط معرفة الدابة في الحمل كالركوب ، لأن الأغراض تختلف
في تعلقه بكيفية سير الدابة ، وسرعته وبطئه ، وقوته وضعفه ، وتخلف عن القافلة مع
ضعفها .
هذا كلامه ، ولا
يخفى أن هذا إنما هو إذا كانت الإجارة واردة على الذمة ، أما إذا كانت الدابة
المستأجرة للحمل معينة فلا بد من رؤيتها ، أو وصفها وصفاً يرفع الجهالة.
قوله
: ( وأما الأحمال
فلا بد من معرفتها بالمشاهدة ، أو الوزن مع ذكر الجنس ، وذكر المكان المحمول إليه
، والطريق ).
لا ريب أن الأحمال
يجب معرفتها للاختلاف الفاحش باختلافها ، فإن القطن مثلاً يضر من جهة انتفاخه
ودخول الريح فيه فيزداد ثقله ، والحديد يضر بوجه آخر ، فإنه يجتمع على موضع من
البهيمة فربما عقرها ، وتحميل بعض الأشياء أصعب من بعض ، وكذا يجب زيادة الحفظ في
البعض كالزجاج.
ومعرفة الأحمال
إما بالمشاهدة ، فإنها من أعلى طرق العلم على ما ذكره في التذكرة . وقد يقال : إنها
وإن أثمرت العلم بالجنس ، إلا أن العلم بالقدر قد لا يحصل بذلك ، فليلحظ. قال فيها
أيضاً : ولو كان في ظرف وجب أن يمتحنه باليد تخميناً لوزنه. هذا إذا كان حاضراً ،
فإن لم يكن حاضراً وجب ذكر الجنس ، فإنه يختلف الحال باختلافه كما قررناه ، ومثله
معرفة الوزن.
ولا بد من ذكر
المكان المحمول إليه ، والطريق إن كانت متعددة وهي
__________________
ولو استأجر إلى
مكة فليس له الإلزام بعرفة ومنى ، بخلاف ما لو استأجر للحج.
ولو شرط أن يحمل
ما شاء بطل.
______________________________________________________
مختلفة. ولو جرت
العادة بسلوك طريق معين ، وكانت مستمرة بذلك حمل الإطلاق عليه.
قوله
: ( ولو استأجر إلى
مكة فليس له الإلزام بحمله بعرفة ومنى ، بخلاف ما لو استأجر للحج ).
لأن نهاية الإجارة
في الأول مكة ، وقال بعض الشافعية : له الحج ، لأن الاستئجار إلى مكة عبارة عن
الاستئجار للحج ، لأنه لا يستأجر إليها غالباً إلا للحج فيحمل الإطلاق عليه . وليس بشيء ،
لأنه إن سلّم أنه يريد الحج فقد استأجر للركوب إلى أداء الأفعال المتعلقة بالميقات
ومكة ، دون ما عداها عملاً بصريح اللفظ.
أما لو استأجر
للحج فإن له الركوب الى عرفة ومنى والعود إلى مكة ، وكذا الركوب للعود إلى منى
للرمي على الأظهر ، لأن ذلك من تمام الحج وتوابعه.
قوله
: ( ولو شرط أن يحمل
ما شاء بطل ).
للغرر ، ولا يقال
: إن ذلك ينزّل على العادة بحسب حال الدابة ، لأن العادة في ذلك تزيد وتنقص.
وقال بعض الشافعية
: إن ذلك يصح ويكون رضى بأضر الأجناس. وليس بجيد للغرر ، ولو صح هنا كذلك يصح في
كل موضع فيه غرر ، تنزيلاً على استواء الحالات.
__________________
ولو شرط حمل مائة
رطل من الحنطة فالظرف غيره ، فإن كان معروفاً وإلا وجب تعيينه. ولو قال : مائة رطل
دخل الظرف فيه.
ولو استأجر للحرث
وجب تعيين الأرض بالمشاهدة أو الوصف.
______________________________________________________
قوله
: ( ولو شرط حمل
مائة رطل من الحنطة فالظرف غيره ).
لأنه بيّن المائة
بقوله : ( من الحنطة ) فلا بد أن يكون الظرف خارجاً عنها.
قوله
: ( فإن كان معروفاً
، وإلا وجب تعيينه ).
فيفسد العقد بدون
التعيين للجهالة. والتعيين إما بالرؤية ، أو الوصف ، إلا أن تكون هناك غرائز
متماثلة معروفة اطّرد العرف باستعمالها ، وجرت العادة عليها كغرائر الصوف والشعر
ونحوها فيحمل مطلق العقد عليها.
قوله
: ( ولو قال : مائة
رطل دخل الظرف فيه ).
حيث لم يبين
المائة بكونها من الحنطة ، والظرف من اللوازم فهو داخل في المائة.
ولقائل أن يقول :
إنه إذا شرط حمل مائة رطل ولم يعيّن لم يصح ، وإن عيّن لم يخل من إدخال الظرف في
الجملة وعدمه ، فلا يستقيم قول المصنف أنه قال : ( مائة رطل دخل الظرف فيه ) إلا
أن يقال : إن هذا متفرع على الاكتفاء بالتقدير وإهمال ذكر الجنس. وقد نبه على ذلك
في التذكرة .
قوله
: ( ولو استأجر
للحرث وجب تعيين الأرض بالمشاهدة ، أو
__________________
وتقدير العمل
بتعيينها أو بالمدة ، وتعيين البقر إن قدّر العمل بالمدة.
______________________________________________________
الوصف ، وتقدير
العمل بتعيينها أو بالمدة ، وتعيين البقر إن قدّر العمل بالمدة ).
لا ريب أنه إذا
استأجر للحرث بقراً ، ونحوها وجب أن يعرف صاحب الدابة الأرض ، وقدر العمل لدفع
الغرر ، فأما الأرض فتعرف بالمشاهدة.
قال في التذكرة :
ولا تعرف بالوصف لأنها تختلف ، فبعضها صلب يتصعب حرثه على البقر ومستعملها ،
وبعضها رخو يسهل حرثه ، وبعضها فيه حجارة تتعلق بها السكة. ومثل هذا الاختلاف إنما
يوقف عليه بالمشاهدة دون الوصف ، لأن الصلابة تختلف بالشدة والضعف ، والحجارة
تختلف بكثرة العدد وقلته .
قلت : قد سبق في
كلام المصنف في الاستئجار على حفر البئر ما يوافق هذا ، حيث اعتبر المشاهدة واقتصر
عليها.
ولقائل أن يقول :
إن كان المراد من المشاهدة رؤية ظاهر الأرض ، فلا ريب أن ذلك لا يعرف به حال ما
يصل إليه العمل ، والوصف أقرب إلى الكشف. وإن كان المراد المشاهدة حين حصول حرثها
قبل ذلك ، فاشتراط حصول ذلك في جواز الاستئجار للحرث بعيد.
ولا يستفاد ذلك من
عباراتهم ، على أن دعوى كون الوصف لا يفي بحال الأرض بحيث يبقى الغرر معه مدفوعة ،
فإن الوصف التام ينفي الغرر ، وما اختاره هنا لا يخلو من قوة. فما سبق في حفر
البئر ينبغي الاكتفاء فيه بالوصف أيضاً إذا كان تاماً.
ويشرط أيضاً تقدير
العمل إما بتعيين الأرض ، أو بالمدة ، لكن لو قدّر العمل بالمدة فلا بد من تعيين
الدابة التي تستعمل في الحرث إما بالمشاهدة ،
__________________
وإن استأجر للطحن
وجب معرفة الحجر بالمشاهدة أو الوصف ، وتقدير العمل بالزمان أو بالطعام.
ولا بد من مشاهدة
الدولاب إن استؤجر له ، ومعرفة الدلاء.
______________________________________________________
أو الوصف الرافع
للجهالة ، سواء كانت الإجارة في ذلك على عين أو في الذمة. أما لو قدّر العمل
بالأرض فإنه لا يحتاج إلى معرفة البقر ، إلا أن تكون الإجارة على عين البقر.
وهل يفتقر إلى
معرفة سكة الحرث؟ قال في التذكرة : الأقرب الاكتفاء بالعادة في ذلك ، لقلة التفاوت
فيه ، وهو حسن. وكذا يرجع إلى العادة في قدر نزول السكة في الأرض.
قوله
: ( وإن استأجر
للطحن وجب معرفة الحجر بالمشاهدة أو الوصف ، وتقدير العمل بالزمان أو الطعام ).
لا ريب أن استئجار
الدابة لإدارة الرحى جائزة ، لأنها من الأعمال المقصودة المحللة ، فجازت المعاوضة
عليها.
ولا يخفى أن حجر
الرحى يتفاوت الحال بثقله وخفته تفاوتاً كثيراً ، فلا بد من تعيينه إما بالمشاهدة
، أو بالوصف التام الرافع للجهالة. وكذا يجب تقدير العمل إما بالزمان أو بالطعام ،
فإذا عيّنه بالطعام عيّنه بالقدر والجنس ، للتفاوت بين الحنطة ، والدخن ، والعفص ،
وقشور الرمان.
وظاهرهم إن
التعيين بالزمان كاف عن ذكر جنس المطحون ، لانتفاء الغرر بذلك. وينبغي إذا قدّر
العمل بالزمان تعيين الدابة ، للاختلاف كثيراً بقوتها وسرعتها ، وضدهما بخلاف ما
إذا قدّر بالطعام ، إلا أن يكون الاستئجار لمعينه.
قوله
: ( ولا بد من
مشاهدة الدواب إن استؤجر له ، ومعرفة
__________________
وتقدير العمل
بالزمان أو بملء البركة مثلاً ، لا بسقي البستان ، لاختلاف العمل لقرب عهده
بالماء وعطشه. ولو كان لسقي الماشية فالأقرب الجواز ، لقرب التفاوت.
______________________________________________________
الدلاء ، وتقدير
العمل بالزمان أو بملء البركة مثلاً ).
يجوز استئجار
الدابة لإدارة الدولاب ، والاستقاء من البئر بالدلو ، فلا بد أن يشاهد صاحب الدابة
الدولاب والدلو ، وموضع البئر وعمقها ، بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة إن أمكن
الضبط به.
ولم يتعرض المصنف
لمعرفة موضع البئر وعمقها ، لكنه صرح به في التذكرة . ولا ريب أنه إن
قدّر العمل بنحو ملء البركة يحتاج إلى ذلك للتفاوت البيّن ، أما إذا قدّره
بالزمان فعلى ما سبق من نظائره لا يحتاج إليه.
قوله
: ( لا بسقي البستان
، لاختلاف العمل لقرب عهده بالماء وعطشه ).
أي : وتقدير العمل
بنحو ملء البركة ، وخمسين دلواً معينة ، وخمسين دورة مثلاً ، لا بسقي البستان ،
لاختلاف العمل في ذلك كثيراً بحرارة الهواء وبرودته ، وقرب عهد البستان بالماء
وعطشه ، فلا ينضبط ريه على وجه يندفع الغرر. واستشكل الحكم في التذكرة ، ولم يفت
بشيء ، والمعتمد ما هنا.
قوله
: ( ولو كان لسقي
الماشية فالأقرب الجواز ، لقرب التفاوت ).
فإنّ شرب الدابة
لا يتفاوت إلا نادراً. ويحتمل العدم ، لأن التفاوت
__________________
ولو استأجر
للاستسقاء عليها وجب معرفة الآلة كالرواية أو القربة بالمشاهدة أو الصفة ، وتقدير
العمل بالزمان أو عدد المرات أو ملء معيّن.
______________________________________________________
يتحقق مع قرب
العهد بالماء وعدمه ، وحرارة الهواء وبرودته ، وخصوصاً في الحيوان العظيم لا سيما
إذا كثر عدده ، ولا ريب أن التقدير بغير ذلك أولى.
قوله
: ( ولو استأجر
للاستسقاء عليها وجبت معرفة الآلة كالرواية أو القربة ، بالمشاهدة أو الصفة ،
وتقدير العمل بالزمان ، أو عدد المرات ، أو ملء معين ).
لا شبهة في جواز
استئجار الدابة للاستسقاء ، لكن لا بد من مشاهدة المستأجر للدابة ، أو وصفها
لتفاوت الغرض بتفاوت أحوالها ، ولا بد من مشاهدة المؤجر الآلة التي يستقى بها من
رواية ، وقربة ، وغير ذلك ، لتفاوتها في الصغر والكبر ، والثقل والخفة ، ويكفي
الوصف الرافع للجهالة ، وحينئذ تجب معرفة الوزن ولا تجب مع المشاهدة.
ويجب تقدير العمل
بأحد أمور ثلاثة : إما بالزمان كيوم ، أو عدد المرات ، فيحتاج إلى معرفة الموضع
الذي يستقي منه ، والذي يذهب إليه ، والطريق المسلوك للاختلاف الكثير في ذلك.
ويجوز التقدير بملء شيء معين ، فتجب معرفته وما يستقي منه. والملء ، بالكسر :
اسم ما يأخذه الإناء إذا امتلأ ، ويجوز فتحه على أنه مصدر.
واعلم أن كل موضع
وقع العقد فيه على مدة ، فلا بد من تعيين الظهر الذي يعمل عليه ، لأن الغرض يختلف
باختلاف الدابة في القوة والضعف. وإن وقع على عمل معين لم يحتج إلى معرفتها ، لأنه
لا يختلف مع احتمال الحاجة.
ويجوز استئجار
الدابة بآلاتها وبدونها ، ومع المالك وبدونه.
الثالث : الأرض ، ويجب وصفها ، أو مشاهدتها ، وتعيين المنفعة
للزرع أو الغرس أو البناء.
______________________________________________________
ذكر المصنف ذلك
كله في التذكرة ، ولا ريب أن المسائل السابقة قد اشترط فيها معرفة الدابة
مع التقدير بالعمل المعين فلا يتم ما ذكره.
فرع : لو استأجر الدابة لبلّ تراب معروف جاز ، لأنه معلوم
بالعرف.
قوله
: ( ويجوز استئجار
الدابة بآلتها ، وبدونها ، ومع المالك ، وبدونه ).
إذ لا مانع من ذلك
بعد البيان.
قوله
: ( ويجب وصفها ، أو
مشاهدتها ، وتعيين المنفعة للزرع ، أو الغرس ، أو البناء ).
لا ريب في
الاكتفاء بالمشاهدة في الأرض لصحة المشاهدة ، ومنع الشافعي من إجارتها بالوصف ،
لأنها لا تصير معلومة به. وقال المصنف في التذكرة بالجواز بالوصف إن أمكن الضبط به
وإلا فلا .
ولا شك أنه تجوز
إجارتها للمنفعة المعينة ، أما إذا لم يعيّن فإنه لا يجوز قطعاً ، لأن المنافع
تختلف اختلافاً كثيراً ، وضررها في الأرض يتفاوت كذلك.
ولو أجرها لينتفع
بها بواحدة من المنافع مخيراً فيها صح ، لأنه لا يقصر عن التعيين ، أما لو أجرها
لينتفع بها بمهما شاء ـ وهو الذي أراده المصنف
__________________
فإن آجرها لينتفع
بها بمهما شاء فالأقرب الجواز ، ويتخير المستأجر في الثلاثة.
ولو قال : للزرع
أو الغرس بطل ، لأنه لم يعيّن أحدهما.
ولو استأجر لهما
صح واقتضى التنصيف ، ويحتمل التخيير.
______________________________________________________
بقوله : ( فإن
أجرها لينتفع بها بمهما شاء ) ـ فالأقرب الجواز.
ويتخير المستأجر
في الثلاثة ، أي : الأمور الثلاثة ، ووجه القرب : الأصل ، وإطلاق النصوص ، ولأن
ذلك في قوة النص على عموم المنافع. وقيل بوجوب التعيين ، أو النص على التعميم
حذراً من الغرر ، وفي الفرق بين هذه وبين ما إذا استأجر الدابة ليحمل عليها ما شاء
نظر ، وما قرّبه المصنف قريب.
قوله
: ( فلو قال : للزرع
أو الغرس بطل ، لأنه لم يعيّن أحدهما ).
المراد هنا إذا
آجره لأحدهما مبهماً ، ولو أجره لينتفع بما شاء منهما صح ، لأن الإجارة حينئذ
للقدر المشترك بينهما بخلاف صورة الإبهام.
قوله
: ( ولو استأجر لهما
صح واقتضى التنصيف ، ويحتمل التخيير ).
وجه الأول : أن
المتبادر من اللفظ التشريك ، ولأن مقتضى الإجارة لهما أن تكون المنفعة المطلوبة
بالإجارة كل واحد منهما ، فعند الجمع يجب التنصيف.
ويحتمل التخيير ،
لأن استيفاء المنفعتين معاً من جميع الأجزاء غير ممكن دفعة ، فليكن ذلك منوطاً
باختياره ، والأول أقوى ، لأن الإجارة للأمرين لا لأحدهما كما هو ظاهر اللفظ ، فلا
بد من التشريك.
ولو آجرها لزرع ما
شاء صح ، ولو عيّن اقتصر عليه وعلى ما يساويه ، أو يقصر عنه في الضرر على إشكال.
______________________________________________________
قوله
: ( ولو أجرها ليزرع
ما شاء صح ، ولو عيّن اقتصر عليه وعلى ما يساويه ، أو يقصر عنه في الضرر على إشكال
).
الإشكال في العدول
عن المعين إلى المساوي والأقل ضرراً ، ومنشؤه من أن المنافع إنما تنتقل على حسب
مقتضى العقد ، والفرض أنه لم يقع إلاّ على الوجه المعين فلا يجوز تجاوزه. ومن أن
المعقود عليه منفعة الأرض ، ولهذا يستقر العوض بمضي المدة إذا سلّم الأرض فلم
يزرعها.
وذكر المعين إنما
كان لتقدير المنفعة فلم يتعين ، كما لو استأجر داراً ليسكنها كان له أن يسكنها
غيره ، وفارق المركوب والدراهم في الثمن فإنهما معقود عليهما فتعينا. والذي اقتضاه
العقد هنا هو تعيين المنفعة المقدّرة بذلك المعين ، وقد تعينت دون ما قدرت به. كما
لا يتعين المكيال والميزان في المكيل والموزون ، وهذا هو المشهور بين عامة
الفقهاء. والأول أقوى دليلاً وأوضح حجة واختاره الشيخ في المبسوط ، وهو الأصح.
وما ذكره في الوجه
الثاني من أن المعقود عليه منفعة الأرض ، إن أراد به على وجه مخصوص فهو حق ، لكن
يجب أن لا يجوز تجاوزه ، وإن أراد مطلقاً فغير واضح ، واستقرار الأجرة بمضي المدة
ليس لكون المعقود عليه المنفعة مطلقاً ، بل لكون المعقود عليه قد تمكّن من
استيفائه ببذل العين له وتسلمه إياها فكان قابضاً لحقه ، ولأن المنفعة قد تلفت تحت
يده فكانت محسوبة عليه.
وقوله : ( إنّ ذكر
المعين إنما كان لتقدير المنفعة ) ليس بشيء ، وكيف يكون كذلك والغرض قد يتعلق
بزرع المعين ، ومثل ذلك آت في الاستئجار للسكنى فيكون الأصل ممنوعاً.
__________________
ولو شرط الاقتصار
على المعيّن لم يجز التخطي ، ولا إلى الأقل.
______________________________________________________
وقوله : ( إن
المعقود عليه المنفعة المقدّرة بذلك المعين فهو كالمكيال ) مردود ، لأن الأغراض
تختلف في ذلك اختلافاً بيناً ، فلا يجوز الخروج عن مقتضى العقد. وأما المكيال
والميزان فإنّ اللفظ وإن اقتضى تعيينهما ، إلا أنه لما قطع بعدم تعلق الغرض بهما ،
وعدم التفاوت في التقدير بهما ، أو بغيرهما بوجه من الوجوه التي لها دخل في مقصود
الإجارة ، وتتفاوت به مقاصد العقلاء حكمنا بخلاف ظاهر اللفظ وألغينا ذكر التقدير
بهما. حتى لو فرض وجود غرض صحيح في تعيينهما حكمنا بلزوم ذلك ، كما لو قطع بسلامة
ميزان مخصوص من العيب دون غيره من موازين البلد مثلاً ، فإن تعيينه يقتضي تعينه.
ومعلوم أن الأغراض
تتفاوت بتفاوت المزروعات ، وليس هذا بأدون من تعيين الأثمان ، مع أن تعلق الغرض
بثمن دون ثمن من جنسه ونوعه أقل من تعلقها بخصوص المزروع.
ولا خفاء في متانة
القول بالتعيين وعدم جواز العدول ، وظهور قوته ووضوح حجته ، لكن المشهور العدم.
والمصنف في التحرير أفتى بعدم التعيين بذلك ، وكلامه في التذكرة يعطي ذلك ، وإن كانت
العبارة لا تخلو من اضطراب ، والظاهر هو الأول.
ولا يخفى أنه لو
أراد زرع الأضر لم يجز إجماعاً ، وهو مستفاد من مفهوم العبارة.
قوله
: ( ولو شرط
الاقتصار على المعيّن لم يجز التخطي ولا إلى الأقل ).
قطعاً ، قضية
للشرط.
__________________
وكذا التفصيل لو
آجرها للغراس ، وله الزرع وليس له البناء ، وكذا لو استأجر للبناء لم يكن له الغرس
ولا الزرع.
وإذا استأجر للزرع
ولها ماء دائم ، أو يعلم وجوده عادة وقت الحاجة صح.
______________________________________________________
قوله
: ( وكذا التفصيل لو
أجرها للغراس ، فله الزرع وليس له البناء ).
أي : وكذا التفصيل
في جواز التخطي إلى الأقل ضرراً ، أو المساوي دون الأضر لو استأجر الأرض للغراس
فله الزرع ، لأنه أقل ضرراً من الغرس ، لأن له مدة ينتظر.
وضرره في الأرض
أقل ، بضعف عروقه وقلة انتشارها بالنسبة إلى الغرس ، وليس له البناء ، لأن ضرره
أشد من الغرس من وجه ، فإن البناء أدوم في الأرض وأكثر استيعاباً لوجهها.
والغرس أضر
لانتشار عروقه ، واستيعابه قوة الأرض ، ونحوه الزرع فلا يجوز العدول من الغرس
المعين إلى البناء ، وكذا العكس ، وهو المشار إليه بقوله : ( وكذا لو استأجر
للبناء لم يكن له الغرس ولا الزرع ).
قوله
: ( وإذا استأجر
للزرع ولها ماء دائم ، أو يعلم وجوده عادة وقت الحاجة صح ).
الأراضي بالنسبة
إلى وجود الماء للسقي إذا زرعت أقسام : منها أرض لها ماء دائم من نهر أو عين أو
بئر ونحوها ، وهذه يجوز إجارتها للزرع إجماعاً ، للقدرة على تسليم المنفعة.
ومنها أرض لا ماء
لها دائم ، ولكن تشرب من ماء يعلم وجوده وقت الحاجة ، كأرض مصر التي تشرب من زيادة
النيل ، والأرض التي تشرب من زيادة الفرات كالكوفة ، وأرض البصرة التي تشرب من
المد والجزر ، وما
وان كان نادراً
فإن استأجرها بعد وجوده صح ، للعلم بالانتفاع ، وإلا فلا.
ولو آجرها على أن
لا ماء لها ، أو كان المستأجر عالماً بحالها صح ، وكان له الانتفاع بالنزول فيها ،
أو وضع رحله ، وجمع حطبه ، وزرعها رجاءً للماء.
______________________________________________________
تشرب من الأمطار
والثلوج التي يغلب حصولها ، وهذه تجوز إجارتها قبل وجود الماء الذي يسقى منه وبعده
، عملاً بالظاهر من وجوده وقت الحاجة. ومنع الجواز بعض الشافعية .
ومنها أرض لا ماء
لها ، ولا يغلب وجوده عند الحاجة ، وإنما يندر ذلك ، كالأرض التي إنما تشرب من
المطر العظيم ، أو الزيادة المفرطة النادرة الحصول ، فهذه إن أجرها بعد وجود ماء
يكفيها صحت الإجارة ، لتحقق حصول المنفعة ، وإلا فلا ، لتعذرها بحسب الظاهر
والغالب.
وهذا القسم هو المراد
بقوله : ( وإن كان نادراً ، فإن استأجرها بعد وجوده صح للعلم بالانتفاع ، وإلا فلا
) ، فقوله : ( فإن استأجرها. ) جواب الشرط من قوله : ( وإن كان نادراً ).
قوله
: ( ولو أجرها على
أن لا ماء لها ، أو كان المستأجر عالماً بحالها صح ، وكان له الانتفاع بالنزول فيها
، أو وضع رحله وجمع حطبه وزرعها رجاءً للماء ).
أي : لو أجر هذه
الأرض ـ وهي ما يندر حصول الماء الكافي لزرعها ـ فلا يخلو : إما أن يؤجرها على أن
لا ماء لها ، أو يؤجرها للانتفاع بها بنحو النزول فيها وسكناها ، أو وضع الرحل
والأمتعة فيها ، أو ربط الدواب وجمع الحطب ، أو يؤجرها مطلقاً من دون الأمرين مع
علم المتعاقدين بعدم الماء ، وبدونه ، فهذه حالات أربع :
__________________
______________________________________________________
الاولى : أن
يستأجرها مطلقاً على أن لا ماء لها ، ولا ريب في الجواز ، لأن منفعة الأرض غير
منحصرة في الزرع ، وإن كان المقصود الغالب استئجارها للزرع ، لأن اشتراط عدم الماء
ينفي كون المقصود الأصلي من استئجارها هو الزرع ، فحينئذ ينتفع بها بنحو الأمور
المذكورة. وكذا بالزرع لو جاء الماء ، لأنه لم ينف ذلك في العقد ، وإنما نفى كونه
المقصود الأصلي.
الثانية : أن يكون
المتعاقدان عالمين بالحال ، فإن علمهما يقوم مقام التصريح بنفي الماء ، فيكون
الحكم كما سبق في الاولى. واقتصر في الكتاب على كون المستأجر عالماً بحالها ، وهو
صحيح ، لأن المنفعة المطلوبة بالإجارة والمقصود حصولها غالباً مختصة به ، فلا يقدح
جهل المؤجر بالحال.
الثالثة : أن
يستأجرها مصرحاً بالمنافع المخصوصة كالنزول فيها ونحوه ، والحكم كما في الأوليين ،
وله الزرع رجاءً لحصول الماء على القول بأن المنفعة لا تتعين بالتعيين بل تتقدر به
، فيتجاوز إلى المساوي والأقل ، وهذه لم يتعرض لها المصنف.
الرابعة : أن
يستأجرها مطلقاً من غير تعيين للمنافع ، ولا اشتراط لعدم الماء مع كونه غير عالم
بحالها ، فأما أن يكون سوق الماء إليها مرجواً ، أو لا.
ففي الأول في صحة
الإجارة وجهان ، وقرب في التذكرة الجواز ، لأن المنفعة مقدور على تسليمها عادة . وهو قريب ، لكن
يتخير المستأجر إن احتاج سوق الماء إلى زمان ، أو أخل بذلك المؤجر.
__________________
وليس له البناء
ولا الغرس.
ولو استأجر ما لا
ينحسر الماء عنه غالباً للزرع بطل.
______________________________________________________
وفي الثاني في صحة
الإجارة وجهان : أحدهما لا تصح ، لأن المنفعة المطلوبة غالباً متعذرة الحصول ، والعبارة
خالية من الثالثة ، ومن القسم الأول من قسمي الرابعة.
واعلم أن المتبادر
من قوله : ( ولو أجرها على أن لا ماء لها ) إجارته إياها غير مقيدة بالزرع ، وإن
كان مقتضى قوله : ( وإذا استأجر للزرع ولها ماء دائم ... ) يقتضي كون الاستئجار
للزرع ، لكن المطابق لما في التذكرة والتحرير هو الأول ، على أن الثاني
لا تصح الإجارة إلاّ على القول بأن المنفعة لا تتعين بالتعيين.
قوله
: ( وليس له البناء
ولا الغرس ).
أي : ليس للمستأجر
في الصور المذكورة البناء ولا الغرس ، لأن تقدير المدة يقتضي ظاهره التفريغ عند
انقضائها ، والبناء والغرس للتأبيد ، بخلاف ما لو استأجر مدة للبناء أو الغرس ،
فإن التصريح بهما صرف اللّفظ عن ظاهره.
قوله
: ( ولو استأجر ما
لا ينحسر عنه الماء غالباً بطل ).
ينبغي أن يكون
المراد أنه استأجره للزراعة ، أو مطلقاً ولم يشترط كونه مغموراً بالماء ، ولا علم
المستأجر بالحال ، وإلا لم يتم له الحكم بالبطلان ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في
عبارته ما يحقق ذلك ، وإن كان بعضها لا يخلو من كلام.
واعلم أن في بعض
النسخ التقييد بكون الاستئجار للزراعة ، وهو
__________________
ولو كان ينحسر وقت
الحاجة ، وكانت الأرض معروفة ، أو كان الماء صافياً يمكن مشاهدتها صح ، وإلاّ فلا.
______________________________________________________
المطابق لما سيأتي
في العبارة ، إلا أنه غير محتاج إليه ، لأن ترك غير القيد ، وإجراء العبارة على
إطلاقها يتناول ما إذا استأجره ولم يقيد بالزراعة ، فإنّ الحكم لا يتفاوت ، لأن
المقصود الأصلي هو الزراعة ، فلا حاجة إلى التقييد به في مجيء الأحكام ، كما
حققناه في المسألة السابقة.
قوله
: ( ولو كان ينحسر
وقت الحاجة وكانت الأرض معروفة ، أو كان الماء صافياً يمكن مشاهدتها تصح ، وإلا
فلا ).
أي : لو كان الماء
الذي على الأرض ينحسر وقت الحاجة ، أي : وقت إرادة زرعها ، إن كان ذلك النوع لا
يزرع في الماء ، أو وقت إرادة انحساره بعد الزرع ، بحيث لا يفسد الزرع به إن أمكن
الزرع في الماء ، كالأرز صحت الإجارة بشرط كون الأرض معروفة عند المستأجر قبل ذلك
، أو كان الماء صافياً لا يمنع مشاهدتها المعتبرة في الصحة ، فإن انتفى الأمران
فظاهر العبارة عدم صحة الإجارة.
ومال في التذكرة
إلى جواز الاستئجار عند عدم الأمرين الأولين مطلقاً ، محتجاً بأن ذلك من مصلحة
الزراعة من حيث أنه يقوي الأرض ، ويقطع العروق المنتشرة فيها ، فأشبه استتار اللوز
والجوز بقشرهما ، وليس بشيء.
أما أولاً فلأنه
قياس.
وأما ثانياً
فللفرق ، فإن القشر في الجوز واللوز محسوب منهما ، بخلاف الماء. وأيضاً فإنه لما
كان مخلوقاً فيهما للصيانة ، كان اعتبار إزالته معرضاً اللب للفساد ، وكان من
ضرورتهما ، بخلاف الماء بالنسبة إلى
__________________
ولو استأجر مالا
ينحسر عنه الماء للزراعة لم يجز ، لعدم الانتفاع ، فإن علم المستأجر ورضى جاز إن
كانت الأرض معلومة ، وكذا إن كان قليلاً يمكن معه بعض الزرع.
______________________________________________________
الأرض ، والأغلبية
في أحدهما والندرة في الآخر ، فما هنا أقرب.
واعلم إن قوله : (
وكانت الأرض معروفة ) يتناول المعرفة بالوصف ، فحينئذ يكون كل من معرفة الأرض
بالمشاهدة السابقة على الفرق المانع من المشاهدة ، ووصفها الرافع للجهالة مصححاً
للإجارة. كما أن مشاهدتها بعد الفرق إذا كان الماء صافياً لا يمنع المشاهدة أيضاً
كذلك.
لكن العبارة لا
تخلو من مناقشة ، لأن قوله : ( وكانت الأرض معروفة ) المراد : كونها كذلك حين عقد
الإجارة ، وحينئذ فيكون قوله : ( أو يكون الماء صافياً يمكن مشاهدتها ) مقتضاه
الاكتفاء بصحة الإجارة ، بكونها في حال العقد ممكنة المشاهدة ، وليس كذلك. ولو قال
: وكانت الأرض معروفة ولو بمشاهدتها بعد الفرق لصفاء الماء ، ونحو ذلك لكان أولى.
قوله
: ( ولو استأجر مالا
ينحسر عنه الماء للزراعة لم يجز ، لعدم الانتفاع ، فإن علم المستأجر ورضي جاز إن
كانت الأرض معلومة ، وكذا إن كان الماء قليلاً يمكن معه بعض الزرع ).
أي : لو استأجر ما
لا ينحسر عنه الماء وقت الحاجة للزراعة لم يجز ، لعدم الانتفاع ، وفيه مناقشتان :
إحداهما : أن هذا
قد سبق ، فإعادته تكرار.
ويجاب بأنه أعيد
لبناء ما بعده عليه ، فهو كالتنقيح لما سبق.
الثانية : أنه لا
حاجة إلى التقييد بقوله : ( للزراعة ) ، لأن إطلاق إجارة البيضاء إنما يقصد به
غالباً الزرع ، فالإطلاق محمول على إرادة الزرع ، كما سبق في الأرض التي لا ماء
لها.
______________________________________________________
على أن التقييد
بذلك مضر ، لأنه حينئذ إنما تتمشى الصحة إذا علم ورضي ، على القول بأن ذكر خصوص
المنفعة لا يقتضي التعيين ، والمصنف قد استشكله.
فإن قلت : قد
ارتكب مثل ذلك في المسألة السابقة.
قلت : لما كانت
المسألة السابقة إنما تتخرج بعض أقسامها على ذلك لم يكن بد من بنائه عليه ، بخلاف
ما هنا ، فإن الإطلاق يصح معه الحكم.
وإن كان أحد أقسام
المطلق إنما يتمشى على ذلك القول ، ومع التقييد لا تصح المسألة إلاّ على القول
فظهر الفرق.
إذا عرفت هذا
فاعلم إن ما لا ينحسر عنه الماء من الأرضين وقت الحاجة إليه إذا استأجره ، فإما أن
يكون ماؤه قليلاً لا يمنع أصل الزرع ، فيمكن معه زرع شيء آخر ، أو يكون كثيراً
يمنع. وحينئذ فإما أن يعلم المستأجر الحال في وقت الإجارة أو لا.
فإن كان الماء
قليلاً صحت الإجارة ، وإن جهل المستأجر الحال كان له الفسخ والرضا بالحصة إن كان
المزروع بعض الأرض ، وإن كان جميعها مع النقيصة احتمل وجوب الأرش ، وسيأتي تحقيقه
عن قريب إن شاء الله تعالى.
وإن كان الماء
كثيراً ، وعلم الحال ورضي صحت الإجارة وانتفع بغير الزرع من اصطياد ونحوه. ولو ندر
انحسار الماء كان له الزرع ، لعدم المانع.
وإن لم يعلم الحال
: فإما أن يكون قد صرح الاستئجار بنحو الاصطياد أولا.
ففي الأول تصح
الإجارة ، ويستوفي تلك المنفعة. ومع انحسار الماء بفعله بحفر بئر ونهر يجري فيه ،
أو مطلقاً كان له الزرع إن كان مساوياً لتلك
ولو كان الماء ينحسر
على التدريج لم تصح ، لجهالة وقت الانتفاع ، إلا أن يرضى المستأجر.
لو أمكن الزرع إلا
أنّ العادة قاضية بغرقها لم يجز إجارتها ، لأنها كالغارقة.
ولو اتفق غرقه ،
أو تلفه بحريق أو غيره فلا ضمان على المؤجر ، ولا خيار للمستأجر ، إلا أن يتعذر
الزرع بسبب الغرق ، أو انقطاع
______________________________________________________
المنفعة في الضرر
، أو أقل على القول به.
وإن لم يصرح بذلك
لم تصح الإجارة ، نظراً إلى أن المنفعة المقصودة منتفية. ومما قررناه يعلم أن
عبارة الكتاب قاصرة عن أقسام المسألة.
قوله
: ( ولو كان الماء
ينحسر على التدريج لم تصح ، لجهالة وقت الانتفاع ، إلا أن يرضى المستأجر ).
وهذا الحكم ـ أعني
الصحة مع رضي المستأجر ـ أعم من أن يستأجر مطلقاً أو للزراعة ، بناء على القول
بعدم التعين بالتعيين.
ووجهه : إن علمه
بالحال بمنزلة الاستئجار لغير الزرع في الصحة ، فلا تلزم الجهالة في الإجارة نظراً
إلى المقصود ، لأن الزرع على ذلك التقدير ليس هو المقصود الأصلي.
قوله
: ( ولو أمكن الزرع
إلاّ أن العادة قاضية بغرقها لم تجز إجارتها ، لأنها كالغارقة ).
ينبغي أن يكون هذا
إذا استأجرها للزرع ، أو مطلقاً ولم يعلم الحال ، أما إذا علم الحال فلا مانع
كالغارقة ، تنزيلاً على قصد باقي المنافع.
قوله
: ( ولو اتفق غرقه ،
أو تلف بحرق أو غيره فلا ضمان على المؤجر ولا خيار للمستأجر ، إلا أن يتعذر الزرع
بسبب الغرق ، أو
الماء ، أو قلته
بحيث لا يكفي الزرع ، أو يفسد الأرض فيتخير في الإمضاء بالجميع ، ويحتمل بما بعد
الأرش.
______________________________________________________
انقطاع الماء ، أو
قلته بحيث لا يكفي للزرع أو يفسد الأرض فيتخير في الإمضاء بالجميع ، ويحتمل بما
بعد الأرش ).
أي : لو اتفق على
سبيل الندرة غرق الزرع ، أو تلفه بجائحة من حرق ونحوه فلا ضمان على المؤجر ولا فسخ
للمستأجر ، لأن الجائحة لحقت مال المستأجر لا منفعة الأرض ، فهو بمنزلة احتراق
السبر ممن استأجر دكاناً لبيع السبر ، فإنّ إجارة الدكان لا تنفسخ بخلاف ما لو
تعذر الزرع بسبب الغرق ، أو انقطاع الماء أو قلته بحيث لا يكفي للزرع ، أو فسدت الأرض
فبطلت قوة إنباتها ، وكان ذلك في مدة الإجارة ، وهذا هو المراد من قوله : ( إلا أن
يتعذر ... ).
وقوله : ( أو يفسد
الأرض ) عطف على قوله : ( يتعذر الزرع ) وحينئذ فتنفسخ الإجارة فيما بقي مع تعطل
المنفعة بالكلية ، لامتناع صحة الإجارة مع عدم المنفعة المقصودة ، فيسترد حصته ما
بقي من المسمى. ولا فرق بين سبق فساد الزرع على فساد الأرض وبالعكس ، ولا بين بقاء
زمان يمكن الزرع فيه لو كانت الأرض سليمة وعدمه ، نظراً إلى فوات المنفعة في متعلق
الإجارة.
وفي قول الشافعية
: إن كان فساد الأرض بعد فساد الزرع لا يسترد شيئاً من المسمى ، لأنه لو بقيت قوة
الأرض وصلاحيتها لم يكن للمستأجر فيها فائدة بعد فوات الزرع. وكذا لا فرق بين أن
يستأجر للزرع أو مطلقاً إذا تعطلت الزراعة مع احتمال الفرق ، فيتخير إذا بقي للأرض
منفعة مقصودة مع الإطلاق عندنا ، ومطلقاً على القول بجواز التخطي من المعين إلى
غيره وفيه قوة.
ويتخير بين الفسخ
والإمضاء إن نقصت المنفعة ، وحينئذ فيتخير في
______________________________________________________
الإمضاء بالجميع ،
لأنه الذي وقع عليه العقد ، فإذا أمضاه وجب العمل بمقتضاه. والمسمى إنما قوبل به
مجموع المنفعة ولم يجعل الأجزاء في مقابل الأجزاء.
ويحتمل أنّ له
الإمضاء بما بعد الأرش ، لأن الأجرة إنما هي في مقابل المجموع وقد فات بعضه ، فيجب
أن يسقط قسطه.
وأيضاً فإن أبعاض المنفعة
لو لم تكن مقصودة بالأجرة لم تزد الأجرة بزيادتها ، ولم تنقص بنقصانها ، والتالي
معلوم البطلان.
وأيضاً فإن مقابلة
المجموع بالمجموع يتضمن مقابلة الأجزاء بالأجزاء.
ولا ريب أن عدم
اعتبار الأرش بعيد جدّاً ، لأنه لو فات تسعة أعشار المنفعة فمقابلة مجموع المسمى
بما بقي كأنه بديهي البطلان ، والاحتمال الأخير أقرب.
واعلم أن هذا
الأرش أرش معاوضة ، نسبته إلى المسمى كنسبة أجرة مثل ما نقص من المنفعة إلى مجموع
اجرة المثل لمجموع المنفعة ، لأن إيجاب أجرة مثل ما نقص ربما أحاط بالمسمى ،
فيستعيد المستأجر الأجرة مع ملكه لباقي المنافع ، وهو معلوم البطلان.
واعلم أن التفريع
في قوله : ( فيتخير ... ) غير مستقيم ، لأنه ذكر أشياء بعضها يقتضي انفساخ الإجارة
كانقطاع الماء ، فكيف يتفرع عليه ثبوت الخيار؟.
واعلم أيضاً أن في
العبارة مناقشة من وجه آخر ، وهي : أن استثناء قلة الماء بحيث لا يكفي للزرع من
تلف الزرع بغير الحرق غير مستقيم ، لأنه على هذا التقدير لا يتحقق تلف جميع الزرع
، لأن الفرض قلة الماء لا انقطاعه بالكلية ، فتبقى منه بقية تكفي لبعض الزرع ، إلا
أن يدعى ارتكاب
فإن فسخ رجع إلى
أجرة الباقي واستقر ما استوفاه ، ويوزّع على المدتين باعتبار القيمة ، وهي أجرة
المثل للمدتين ، لا باعتبار المدة ، فإن تجدد بعد الزرع فله الفسخ أيضاً ، ويبقى
الزرع إلى الحصاد ، وعليه من المسمى بحصته إلى حين الفسخ وأجرة المثل إلى الحصاد
لأرض لها مثل ذلك الماء القليل.
______________________________________________________
المجاز.
قوله
: ( فإن فسخ رجع إلى
أجرة الباقي واستقر ما استوفاه ، ويوزع على المدتين باعتبار القيمة ـ وهي أجرة
المثل للمدتين ـ لا باعتبار المدة ).
أي : فإن فسخ
المستأجر في الصورة المذكورة رجع إلى أجرة الباقي ، وهي حصته من المسمى ، واستقر
ما استوفاه ، أي : استقر مقابله من المسمى ، فلا بد من التوزيع.
وطريقه أن يوزع
على قيمة المنفعة للمدتين ، والمراد بقيمتها : أجرة المثل لها باعتبار المدتين
نظراً إلى التفاوت بينهما ، فإنه ربما كانت أجرة المثل لما مضى خمسين ولما يأتي
أربعين مثلاً ، فلو وزّع على أجرة المثل لمجموع المدة من حيث هي هي ، من غير
اعتبار خصوص المدتين لزم الظلم ، فتنظر نسبة اجرة المثل لإحدى المدتين إلى مجموع
اجرة المثل لهما ، ويؤخذ بتلك النسبة من المسمى ، فلو كانت اجرة المثل لما مضى
خمسة أتساع مجموع اجرة المثل لهما ، كان نصيب ما مضى من المسمى خمسة أتساعه.
قوله
: ( فإن تجدد بعد
الزرع فله الفسخ أيضاً ، ويبقى الزرع إلى الحصاد ، وعليه من المسمى بحصته إلى وقت
الفسخ ، واجرة المثل إلى الحصاد لأرض لها مثل ذلك الماء القليل ).
ويجب تعيين المدة
في إجارة الأرض لأي منفعة كانت من زرع ، أو غرس ، أو بناء ، أو سكنى ، أو غير ذلك
، ولا يتقدر بقدر.
ولا يجب اتصال
المدة بالعقد ، فإن عيّن المبدأ ، وإلا اقتضى
______________________________________________________
أي : إذا حصل
التعيب في الأرض بقلة الماء فالحكم ما سبق ، سواء كان ذلك قبل الزرع أو بعده ،
فإن كان تجدده بعد الزرع ففيه أمر آخر ، وهو أنه إذا فسخ بالتّعيب وجب إبقاء الزرع
إلى الحصاد ، لأنه زرع بحق وثبت الفسخ بحق فلا يجوز قلعه ، بل يجب إبقاؤه ، لأن له
مدة تنتظر ، وهي الحصاد ، فعليه من المسمى بحصته إلى حين الفسخ بالتوزيع على
المدتين كما سبق ، ويسترد حصة الباقي منه ، ويلزمه للإبقاء من الفسخ إلى الحصاد
اجرة مثل تلك الأرض ولها مثل ذلك الماء القليل.
واعلم إن هذه المسألة
قد سبق ذكرها لاندراجها في قوله سابقاً : ( ولو اتفق غرقه أو تلفه بحرق أو غيره ...
) ، لأن التلف للزرع فرع تحققه ، وإنما أعادها لبيان حكم وجوب إبقاء الزرع إلى
الحصاد بعد الفسخ.
لكن ( أيضاً ) في
قوله : ( فإن تجدد بعد الزرع فله الفسخ أيضاً ) تشعر بعدم سبق ذكره ، لأن معنى (
أيضاً ) مشاركة ما سبق في ثبوت الفسخ فلا يكون مذكوراً ، وليس كذلك ، فلو سكت عن
قوله : ( أيضاً ) كان أولى.
قوله
: ( ويجب تعيين
المدة في إجارة الأرض لأي منفعة كانت من زرع ، أو غرس ، أو بناء ، أو سكنى ، أو
غير ذلك ، ولا يتقدر بقدر ).
أما وجوب تعيين
المدة فلأن المنفعة لا تتعين بدون تعيينها ، وأما انها لا تتقدر بقدر فلعدم
التقدير شرعاً ، والإجارة صالحة للقليل والكثير ، كما أن البيع صالح لنقل قليل
الماء وكثيره.
قوله
: ( ولا يجب اتصال
المدة بالعقد ، فإن عيّن المبدأ وإلا
الاتصال. فإن
استأجر للزرع فانقضت المدة قبل حصاده ، فإن كان لتفريط المستأجر كأن يزرع ما يبقى
بعدها فكالغاصب.
______________________________________________________
اقتضى الاتصال ).
قد سبق أنه لا
مانع من كون مدة الإجارة متأخرة عن زمان العقد ، إذا ضبطت وعينت بما لا يحتمل
الزيادة والنقصان. وسبق حكاية خلاف الشيخ ورده ، فحينئذ إن عيّن المبدأ في العقد
تعيّن ، وإن ترك التعيين وأطلق ولم يشترط تأخر المدة عن زمان العقد حمل الإطلاق
على الاتصال ، لأنه المتعارف والمتبادر ، ولأن ترك التعيين دليل على إرادة ذلك ،
لأن إرادة ما لم يعين ولم يدل عليه دليل بعيد عن المعاوضات ، ولأن المعاوضة تفسد
بدون ذلك ، والأصل الصحة ، فيراعى التمسك بالأصل ما أمكن خصوصاً مع المرجحات
الباقية.
نعم لو اتفقا على
تأخير المبدأ ونسيا تعيينه في العقد ، فإن عدم صحته ليس بذلك البعيد إذ ليس
بمقصود.
قوله
: ( فإن استأجر
للزرع فانقضت المدة قبل حصاده ، فإن كان لتفريط المستأجر ، كأن يزرع ما يبقى بعدها
، فكالغاصب ).
المراد بتفريطه :
ارتكابه ما يبقى بعد المدة مع إمكان غيره الذي لا يبقى ، أو أن يترك الزرع
اختياراً إلى أن لا يبقى من المدة مقدار ما يبلغ الزرع الحصاد فيه ، أو الزرع
ثانياً بعد أكل الجراد الزرع الأول ، أو فساده بجائحة ، فإنه حينئذ بعد انتهاء
المدة كالغاصب في جواز إلزامه تفريغ الأرض من زرعه بغير أرش ، وطم الحفر ، لأنه
عادٍ بشغل الأرض بعد المدة ، بخلاف ما لو لم يفرّط ولم يقصر ، فاتفق تأخر الحصاد
على خلاف الغالب لتغير الهواء ونحوه فإنه غير عادٍ ولا مقصر.
فإن قيل : لا يظهر
الفرق ، لأن كل واحد منهما شغل الأرض بالزرع
وإن كان لعروض برد
وشبهه فعلى المؤجر التبقية ، وله المسمى عن المدة وأجرة المثل عن الزائد. وللمالك
منعه من زرع ما يبقى بعد المدة على إشكال.
______________________________________________________
بحق ، وبعد انقضاء
المدة لا حقّ لواحد منهما في المنفعة ، لعدم تناول العقد إياها ، فإما أن يكونا
معاً كالغاصب ، أو يجب الإبقاء لهما معاً ، ولا أثر للتقصير وعدمه.
قلنا : بل بينهما
فرق ، فإن ما خرج عن المدة وإن لم يتناوله العقد ، إلا أنه يستتبعه حيث لا يكون من
المستأجر تقصير ، حذراً من لزوم تكليف ما لا يطاق ، فيجمع بين الحقين بإلزام أجرة المثل
مع وجوب الإبقاء بخلاف ما إذا قصّر فإنه عادٍ بفعله لا عذر له.
واعلم أنه إنما
يكون كالغاصب بعد انقضاء المدة ، أما قبلها فإنه مستحق بالإجارة ، وقد علم مما
قررنا حكمه.
قوله
: ( وإن كان بعروض
برد وشبهه فعلى المؤجر التبقية ، وله المسمى عن المدة واجرة المثل عن الزائد ،
وللمالك منعه من زرع ما يبقى بعد المدة على اشكال ).
أي : لو استأجر
للزرع مدة فأراد أن يزرع ما لا يدرك في تلك المدة ، فهل للمالك منعه من ذلك؟ فيه
إشكال ، ينشأ : من أنه ملك المنفعة للزرع ، وهذا من جملة الأفراد فيكون حقاً له
فلا يسوغ له منعه منه ، ومن أن زرعه لذلك يستلزم البقاء بعد المدة المقتضي للتصرف
في ملك المؤجر بما لا يتناوله العقد والاحتياج إلى المطالبة بالتفريغ ، وربما
اقتضى ذلك نقصاً في الأرض ، فيكون له منعه منه ، واختاره الشيخ في المبسوط .
ويضعّف بمنع
الكبرى ، فإنه ليس كل ما لم يتناوله العقد من التصرفات
__________________
______________________________________________________
بحسب المنع مما
يستلزمها ، لأنها قد ثبتت تبعاً ، ولا يكون العقد متناولاً لها فكيف يمنع منها؟
والتحقيق أن يقال
: لا يخلو الحال من أن يكون عقد الإجارة للزرع مدة معينة بحيث يتناول زرع ما يبقى
بعد المدة ، أو لا. فإن كان الأول فلا وجه للمنع بعد استحقاقه بالعقد ، وإن كان
الثاني فلا وجه للتجويز لاختصاص العقد بما سواه.
فنقول : لا ريب أن
الاستئجار للزرع مطلقاً يتناول المتنازع ، لكن تعيين المدة هل يقتضي إخراج ما لا
ينتهي عند انتهائها أم لا؟ يحتمل الأول ، لأن مقتضى التعيين عدم الاستحقاق بعدها ،
فلا يستحق زرع ما يبقى بعدها. وفيه منع ، إذ لا دلالة للتعيين على الاستحقاق وعدمه
بإحدى الدلالات الثلاث ، ولو سلّم فالملازمة ممنوعة.
ويحتمل الثاني ،
لانتفاء المقتضي للتخصيص ، فيجب التمسك بالعموم.
فإن قيل : تعيين
المدة دليل على إرادة التفريغ بعدها.
قلنا : هو مشعر
بذلك ، ولو سلّم فلا ينهض مخصصاً للعموم ، إذ يمكن أن يجمع بين الزرع الآن
والتفريغ بعد المدة.
فإن قيل : إجراء
لفظ الزرع على حقيقته مع التقييد بالمدة يقتضي عدم اندراج زرع ما يبقى بعدها ، فلا
ينتفع به من جهة كونه زرعاً إذا بلغ بعد المدة.
قلنا : لمانع أن
يمنع كون الزرع حقيقة في إلقاء البذر في الأرض على وجه يبلغ الحصاد ، بل هو أعم من
ذلك ، لأن المعروف أنه إلقاء البذر في الأرض للاستنبات ، واللغة والعرف شاهدان
بذلك. وهذا المعنى صادق في
فإن زرع بغير إذنه
لم يكن له المطالبة بإزالته ، إلا بعد المدة.
ولو استأجر مدة
لزرع لا يكمل فيها ، فإن شرط نقله بعد المدة لزم ، وإن أطلق احتمل الصحة مطلقاً
وبقيد إمكان الانتفاع
______________________________________________________
المتنازع ، فإن تم
هذا فعدم المنع أقوى.
واعلم أنه يجيء
هنا احتمال المنع ، سواء كان ما يزرع مما ينتفع به من جهة كونه زرعاً في المدة ،
باعتبار نقله إلى أرض أخرى أو الانتفاع به قصيلاً كما لو كان شعيراً أم لا ، لأن
بقاءه بعد المدة يقتضي شغل ملك المالك بما لا يتناوله العقد كما قررناه ، فيكون
خارجاً من العقد على الاحتمال ، بخلاف ما لو استأجر لزرعه تعييناً فإنه قد قطع بوقوع
العقد عليه.
قوله
: ( فإن زرع بغير
إذنه لم تكن له المطالبة بإزالته إلا بعد المدة ).
هذا على القول
بعدم استحقاق المالك المنع واضح ، أما على القول به فيشكل ، لأن المستأجر قد شغل
الأرض بغير ما يستحقه ، فله مطالبته بالإزالة وزرع ما يسوغ له ، كما لو استأجر لحمل
القطن فحمل الحديد.
والعجب أن الشيخ
حكم بأن للمالك المنع ، ولم يجوّز له المطالبة بالإزالة لو زرع بغير إذن ، محتجاً
بأن له حق الانتفاع بالأرض في تلك المدة بالزراعة ، فهو مستوفٍ لمنفعته . ولو كان هذا
صحيحاً لم يكن للمالك المنع من أول الأمر ، لأنه قد رضي بكل ما اقتضاه عقد الإجارة
، فإذا كان هذا من مقتضياته لم يكن له منع.
قوله
: ( ولو استأجر مدة
لزرع لا يكمل فيها ، فإن شرط نقله بعد المدة لزم ، وإن أطلق احتمل الصحة مطلقاً ،
وبقيد إمكان الانتفاع ).
__________________
______________________________________________________
أي : لو خص
الإجارة بزرع ما لا يكمل في المدة المعينة في العقد غالباً ، فإما أن يشترط أنه
إذا انقضت المدة ينقل ذلك الزرع من الأرض ، أو يشترط تبقيته إلى زمان أخذه عادة ،
أو يطلق.
فإن شرط النقل فلا
بحث في الصحة ، إذ لا مانع ، وينبغي أن يقيّد بما إذا كان مثل ذلك مقصوداً في العادة
، فلو استأجر للزرع يوماً ويومين مثلاً فالذي يناسب الباب ويوافق أصول المذهب عدم
الصحة.
وإن شرط التبقية
إلى زمان أخذه لم يصح ، للجهالة ، ولأن ذلك يقتضي التناقض ، فإن تقدير المدة يقتضي
النقل بعدها والشرط يخالفه ، قاله في التذكرة . وفيه نظر ، لأن تقدير المدة لا يقتضي النقل بعدها ، وإنما
يقتضي تعيين زمان الاستحقاق وهو غير متعرض إلى سواه. نعم ذلك يقتضي كون التعيين
للمدة لغواً. ولم يذكر المصنف هنا هذا القسم.
وإن أطلق فوجهان :
أحدهما : الصحة ،
لحصول المقتضي وهو الإيجاب والقبول من جائزي التصرف ، وانتفاء المانع إذ ليس إلا
كون المدة غير كافية لإدراك الزرع ، وهو غير صالح للمانعية ، لأن أقصى ما يقال فيه
لزوم التجوز بلفظ الزرع ولا محذور فيه ، لأن العدول إلى المجاز مع القرينة الدالة
على الإرادة متعين.
الثاني : تقييد
الصحة بإمكان الانتفاع ، ومعناه الحكم بالصحة إن كان المزروع في تلك المدة مما
ينتفع به.
ولقائل أن يقول :
إن التقييد في هذا الوجه بإمكان الانتفاع يقتضي الصحة على الأول مع إمكان الانتفاع
وعدمه ، وهو مشكل ، فإن الإجارة إنما
__________________
______________________________________________________
تصح على تقدير
الاعتداد بالمنفعة بدونه.
واحتمل في التذكرة
الصحة إذا أمكن أن ينتفع بالأرض في زرع ضرره كضرر الزرع المشروط أو دونه إن
جوّزنا التخطي مع التعيين ، مثل أن يزرع شعيراً يأخذه قصيلاً ، لأن الانتفاع بها
في بعض ما أقصاه العقد ممكن ، وإن لم يكن كذلك لم يصح ، لأنه أكثري للزرع ما لا
ينتفع به فيه فأشبهه إجارة السبخة له.
وعلى هذا فيكون
المراد بالانتفاع في العبارة : الانتفاع بها بنوع آخر من الزرع يمكن بلوغه في تلك
المدة. إلا أن هذا لا يستفاد من العبارة ، لعدم وجود ما يدل عليه ، وإذا نزّل
الانتفاع على ظاهره ـ وهو المطلق ـ ورد عليه ما قلناه من لزوم الجواز مع عدم النفع
أصلاً على الاحتمال الأول ـ أعني احتمال الصحة ـ مطلقاً ، وهو باطل.
وكذا يرد ذلك على
ما إذا شرط النقل بعد المدة بل هو أظهر ، وبهذا يظهر أن ما فهمه
الشارحان من إطلاق المنع لا يستقيم ، لأن ما اعتذر به الفاضل ولد المصنف من عدم
تحقق القلع منتف مع اشتراطه.
فإن قيل : فكيف صح
العقد مع شرط النقل وجهاً واحداً ، مع أن احتمال التقييد بإمكان الانتفاع أيضاً
قائم بعين ما ذكر من الدليل؟
قلنا : الفرق أنه
مع اشتراط النقل لا يراد الزرع حقيقة إنما يراد مجازه ، فلا حاجة إلى اعتبار
الانتفاع بالزرع حينئذ بخلاف ما إذا لم يشترط القلع.
ولقائل أن يقول :
إنه إذا أمكن الانتفاع بالتخطي المذكور مع اشتراط
__________________
فعلى الأول احتمل
وجوب الإبقاء بالأجرة.
______________________________________________________
النقل أمكن إجراء
اللفظ على حقيقته أيضاً ، فيجيء احتمال تقييد الصحة به كما في الإطلاق ، وقوفاً
مع الحقيقة بحسب الإمكان فاللازم أحد أمرين : إما ارتكاب المجاز فيهما بقرينة
اشتراط النقل في الأول ، وتعيين مدة لا يكمل فيها الزرع في الثاني.
أو الاقتصار على
موضع الانتفاع بالزرع بحيث يكمل بمقتضى التخطي وقوفاً مع الحقيقة.
والأصح الصحة
مطلقاً ، لأن القول بالتخطي غير مرضي ، ولو قلنا به فكذلك تمسكاً بظاهر اللفظ ، بل
لو تناول اللفظ كلا من النوعين بعمومه لكان ارتكاب المجاز خيراً من تخصيصه بواحد ،
وينبغي التأمل لذلك ، لأنه زلة قدم.
قوله
: ( فعلى الأول
احتمل وجوب الإبقاء بالأجرة ).
وجه الاحتمال أنه
غير متعدٍ بالزرع ، فوجب إبقاؤه عملاً بمقتضى قوله 7 : « ليس لعرق ظالم حق » مع ضعف المفهوم.
ويحتمل العدم ، لأنه دخل على أن لا حقّ له بعد المدة ، لأن منفعة المدة هي
المبذولة في مقابلة العوض ، فلا يستحق بالإجارة شيئاً آخر.
ولا يرد ما إذا
تخلف إدراك الزرع فتجاوز المدة ، فإن التكليف بالإزالة مع كونه معذوراً ، وأن ذلك
مفضٍ إلى ضياع ما له ، ولم يدخل في حال العقد عليه باطل ، فجمع بين الحقين لوجوب
الإبقاء بالأجرة ، بخلاف ما إذا دخل حال العقد عالماً بعدم إدراك الزرع في المدة ،
فإنه لا وجه لوجوب الإبقاء حينئذٍ ، وهو قوي.
__________________
ولو شرط التبقية
إلى وقت البلوغ تجهل العقد.
ولو استأجرها
للغرس سنة صح ، وله أن يغرس قبل الانقضاء ، فإن شرط القلع بعد المدة ، أو لم يشترط
جاز القلع ولا أرش على أحدهما.
______________________________________________________
واعلم ان الشارح
قال في الحديث السابق : إن الأصوليين أجمعوا على حجية دلالة المفهوم في هذا الحديث
، وهذا فاسد من وجوه :
الأول : إن البحث
عن هذا الحديث ونحوه وظيفة الفقيه دون الأصولي ، والإجماع الذي ادعاه لم يسمع من
أحد من الأصوليين ما يصدقه بعد التتبع الكثير.
الثاني : إن حجية
مفهوم الصفة من المفهوم المخالف لم ينعقد الإجماع عليها في شيء أصلاً ، فإن دل
دليل على حقية المفهوم فالحجية من جهة الدليل لا من جهة المفهوم.
الثالث : إن حقية
هذا المفهوم المخصوص لم يثبت بدليل من إجماع وغيره ، فينبغي تأمل ذلك.
قوله
: ( ولو شرط التبقية
إلى وقت البلوغ تجهل العقد ).
وذلك لأن محل
البلوغ يحتمل الزيادة والنقصان فيتحقق باشتراط الجهالة ، وذلك يفضي إلى جهالة
العقد من حيث ان التراضي بالعقد إنما كان مع الشرط فيبطلان.
قوله
: ( ولو استأجرها
للغرس سنة صح ، وله أن يغرس قبل الانقضاء ، فإن شرط القلع بعد المدة أو لم يشرط
جاز القلع ، ولا أرش على أحدهما ، ويحتمل مع عدم الشرط منع المالك من القلع لا
__________________
ويحتمل مع عدم
الشرط منع المالك من القلع لا الغارس ،
______________________________________________________
الغارس ).
لا ريب أنه يجوز
الاستئجار للغرس مدة معينة ، قليلة كانت أو كثيرة بلا خلاف بين العلماء ، فإذا
استأجر سنة فإما أن يشترطا القلع بعد السنة ، أو يشترطا التبقية ، أو يسكتا عنهما
معاً.
فإن شرطا القلع صح
العقد ، إذ لا مانع ، ولعموم قوله 7 : « المؤمنون عند
شروطهم » فحينئذٍ يؤمر المستأجر بالقلع بعد المدة ، وليس على المالك
أرش النقصان بسببه عملاً بمقتضى الشرط ، ولا يجب على المستأجر أيضاً تسوية الأرض ،
ولا أرش نقصانها إن نقصت لمثل ما قلنا.
ولو اتفقا على
الإبقاء بأجرة ومجاناً ، أو على نقل الغرس إلى مالك الأرض جاز ، لأن الحق في ذلك
إليهما. وإن شرطا التبقية بعد المدة لم يصح لجهالة المدة ، فاشتراطها يقتضي تجهيل
العقد.
وللشافعية قول
بالصحة ، لأن الإطلاق يقتضي الإبقاء عندهم فلا يضر شرطه . وكلاهما مردود ،
فعلى البطلان يجب على المستأجر في المدة أجرة المثل ، وبعدها الحكم على ما يذكر في
الإطلاق.
وإن أطلقا العقد
ولم يشرطا واحداً من الأمرين صح العقد عندنا ، وبعض الشافعية جعل الإجارة هنا
كالإجارة لزرع ما لا يدرك في المدة ، فحينئذ بعد المدة إن اختار المستأجر القلع كان له ذلك ،
لأنه ملكه فله أخذه ، ولأن مقتضى الإجارة مدة التفريغ بعدها.
ولا يجب عليه
تسوية الحفر ، وإصلاح الأرض ، ولا أرش نقصانها
__________________
______________________________________________________
لثبوت ذلك له
بمقتضى الإجارة ، وهو مختار المصنف هنا وفي التحرير .
وصرح في التذكرة
بوجوب الأرش وطم الحفر ، لأنه أدخل النقص على ملك الغير بغير إذنه ، وتصرف في أرضه
بالقلع لتخليص ملكه بعد خروجها من يده . وفيه منع ، لأن تحديد المدة في الإجارة يقتضي التفريغ
بعدها ، فيكون مأذوناً فيه بهذا الاعتبار ، بخلاف ما لو قلع في أثناء المدة.
وإن اختار المالك
القلع ففيه وجهان : أصحهما ـ على ما اختاره في الكتاب ـ أن له ذلك مجاناً عملاً
بمقتضى تحديد المدة في العقد.
ويحتمل منعه من
القلع مجاناً ، لأنه غرس محترم صدر بالإذن ، ولمفهوم قوله 7 : « ليس لعرق
ظالم حق » .
وفائدة التحديد بالمدة
يجوز أن يكون منع إحداث الغرس بعدها.
ويضعّف بأن الغرس
بعد انقضاء مدة الاستحقاق ليس بمحترم ، وليس بحق ، على أنه لو كان مستحقاً للإبقاء
لم تجب الأجرة. كذا قيل ، وفي هذا الأخير نظر ، لأنه ربما كان مستحقاً للإبقاء
بالأجرة لا مطلقاً. وأما تحديد المدة فمعلوم أن المراد به تعيين قدر المنفعة
المستحقة بالإجارة ، إذ لا يتعين إلا بالزمان.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن قول المصنف : ( ولو استأجرها للغرس سنة صح ) أراد به المخالفة لاستئجارها
لزرع مدة لا يدرك فيها ، فإن في الصحة كلاماً.
والفرق : إن للزرع
مدة ، تنتظر ولا يكمل بدونها ، وهي المقصودة
__________________
فيتخيّر بين دفع
قيمة الغراس والبناء فيملكه مع أرضه ، وبين قلعهما مع أرش النقص ، وبين إبقائهما
بأجرة المثل.
______________________________________________________
غالباً ، بخلاف
الغرس فإنه للتأبيد فلا تتفاوت فيه المدة قصيرة كانت أو طويلة ، وان كان يفنى في
الطويلة جدّاً ، لكن ليس لفنائه جملة أمد المعلوم بحسب العادة.
وقوله : ( وله أن
يغرس قبل الانقضاء ) أراد به المخالفة بين الغرس والاستئجار للزرع
مدة يكفيه ، ثم يتراخى إلى أن يبقى منها ما لا يكفي ، فإنه يحتمل منعه حينئذ من
الزرع ، والفرق ما قلناه.
وقوله : ( ويحتمل
مع عدم الشرط منع المالك من القلع لا الغارس ) أراد به أنه إذا لم يشترط القلع في
العقد يحتمل منع مالك الأرض من قطع الغرس مجاناً من دون أرش النقص بدليل قوله بعد
: ( وبين قلعها مع أرش النقص ) وما اختاره هنا وفي التحرير أقوى فلكل منهما
القلع مجاناً.
وهل يجبر المستأجر
عليه لو امتنع؟ لم يتعرض إليه المصنف هنا لكن استحقاق القلع يقتضيه ، لأنه فرع عدم
استحقاقه الإبقاء فيكون ظالماً له ، وهو قوي متين.
قوله
: ( فيتخير بين دفع
قيمة الغرس والبناء فيملكه مع أرضه ، وبين قلعهما مع أرش النقص ، وبين إبقائهما
بأجرة المثل ).
هذا تفريع على
الاحتمال ، أعني احتمال منع المالك من القلع مع عدم الشرط ، أي : فعلى هذا يتخير
بين ثلاثة أشياء :
أحدها : دفع قيمة
الغرس والبناء ، ولم يجر للبناء في أول المسألة
__________________
وإن استأجر للسكنى
وجب مشاهدة الدار ، أو وصفها بما يرفع الجهالة ، وضبط مدة المنفعة والأجرة.
______________________________________________________
ذكر ، لكنه كالغرس
في ذلك ، فإذا دفع قيمتهما إلى المستأجر ملكهما مع أرضه ، ويشكل إطلاق ذلك ، لأن
تملك مال الغير بالقيمة من دون رضاه باطل بنص الكتاب والسنة. والمصنف لا يقول به ،
وقد سبق في كلامه في العارية والشفعة والغصب ما يشهد لذلك ، وإن كان حكم الغصب قد
يخالف الباقي. نعم يستقيم هذا على قول الشيخ ، إلا أنّ تنزيل العبارة عليه بعيد ، فلا بد من التقييد
بالرضاء كما صرح به في التذكرة ، وإن توقف في التحرير .
الثاني : القلع مع
أرش النقص ، وهو واضح ، لأن فيه جمعاً بين الحقين ، وطريق معرفة الأرش هنا أن يقوم
قائماً بالأجرة ومقلوعاً ، فالتفاوت بين القيمتين هو الأرش.
الثالث : الإبقاء
بأجرة المثل ، ويجب أن يكون هذا مقيداً برضى المستأجر أيضاً ، كما فعل في التذكرة ، لأن بقاء الغرس
والبناء في الأرض لو كان واجباً لكان وجوبه لكونه حقاً للمستأجر ، فلا يمنع من
القلع فكيف يمنع منه بدون التفريغ؟
لا يقال : يلزم
منه التصرف في أرض المالك بغير إذنه.
لأنا نقول : بل هو
بالإذن ، لما قلناه من أن تحديد المدة في الإجارة يقتضي انتفاء الاستحقاق والتفريغ
بعدها.
قوله
: ( وإن استأجر
للسكنى وجبت مشاهدة الدار ، أو وصفها
__________________
ولو استأجر سنتين
بأجرة معينة ولم يقدّر لكل سنة قسطاً صح.
______________________________________________________
بما يرفع الجهالة
، وضبط مدة المنفعة والأجرة ).
إذا استأجر داراً
للسكنى فلا بد من معرفة الدار إما بالمشاهدة ، أووصف الدار المعينة التي يراد
إجارتها بما يرفع الجهالة ويدفع الغرر.
ولا تجوز إجارة
دار موصوفة في الذمة ، لما نبّهنا عليه في أول الإجارة من أن ذلك لا ينضبط بالوصف
، إذ لا يجوز السلم فيه.
ولا بد من ضبط
المنفعة بذكر مدة السكنى ، بحيث لا تحتمل الزيادة والنقصان ، وكذا الأجرة على ما
سبق دفعاً للغرر عن العوضين.
قوله
: ( ولو استأجر
سنتين بأجرة معينة ، ولم يقدر لكل سنة قسطاً صح ).
لوجود المقتضي
وانتفاء المانع ، كما لو باع أعياناً تختلف قيمتها ، لا يجب تقدير حصة كل عين منها
، وكما لو أجر سنة لا يجب تقدير حصة كل شهر ، وكذا الشهر لا يجب تقدير أجرته على
أيامه.
وقال بعض الشافعية
: يجب أن تقدر حصة كل سنة من الأجرة ، لأن الإجارة معرضة للفسخ بتلف المعقود عليه
ونحوه ، فإذا أطلق الأجرة لجميع المدة ثم لحقها الفسخ بتلف العين أو غيره تنازعا
في قدر الواجب ، واحتيج إلى التقسيط على أجزاء المدة على حسب قيمته ، وذلك مما يشق
ويتعسر جدّاً . وبالتقدير ينتفي ذلك ، وتبطل بالسنة الواحدة وما دونها ،
فإن ما ذكروه وارد فيها ، والنزاع ينقطع بتوزيع الأجرة على منافع السنتين كالسنة.
إذا تقرر هذا ،
فلو قدّرت حصة كل جزء من أجزاء المدة من الأجرة
__________________
ولو سكن المالك
بعض المدة تخيّر المستأجر في الفسخ في الجميع ، أو في قدر ما سكنه فيسترد نصيبه من
المسمى ، وفي إمضاء الجميع فيلزمه المسمى ، وله أجرة المثل على المالك فيما سكن.
______________________________________________________
تعينت وفاء بما
وقع عليه العقد.
قوله
: ( ولو سكن المالك
بعض المدة تخيّر المستأجر في الفسخ بالجميع ، أو في قدر ما سكنه فيسترد نصيبه من
المسمى ، أو في إمضاء الجميع فيلزمه المسمى وله اجرة المثل على المالك فيما سكن ).
لا يخفى أنه لو
سكن المالك الدار المؤجرة بعض مدة الإجارة كان غاصباً ، فيتخير المستأجر : بين فسخ
العقد في الجميع ، لفوات بعض ما وقع عليه العقد بفعل المالك فتبعضت الصفقة فيسترد
المسمى إن فسخ ، وبين الفسخ في قدر ما سكنه المالك ، لأنه الذي فات.
ولا يقدح تبعض
الصفقة على المالك هنا ، لأن ذلك بفعله ، فإن فسخ فيه وجب التقسيط على نحو ما سبق
، فيسترد نصيب ما سكنه المالك من المسمى.
وبين إمضاء الجميع
، فيلزمه المسمى وله اجرة المثل على المالك فيما سكن ، لأنه عوض المنفعة المستحقة
له.
وفي التحرير : أن
اجرة المثل لو نقصت عن المسمّى لا يضمن المستأجر الزائد ، وهو حسن. ولا
فرق في ذلك بين كون سكنى المالك قبل القبض أو بعده ، بخلاف غصب الأجنبي فإنه موجب
للخيار قبل القبض لعدم حصول التسليم الواجب بالعقد لا بعده ، فيكون الغصب من
المستأجر.
ويثبت الخيار فيما
لو سكن المؤجر بعض المدة في ذلك البعض ، دون غصب الأجنبي على الأصح كما سبق.
والفرق كون ذلك من قبل المالك فهو
__________________
وله أن يسكّن
المساوي أو الأقل ضرراً إلا مع التخصيص ،
______________________________________________________
المبعض للصفقة ،
حيث إن المنافع لكونها معلومة ـ وإنما توجد على التدريج ـ لا يمكن تسليمها دفعة
واحدة.
فإذا رفع يد
المستأجر عن العين ، ووضع يده كانت من ضمانه ، لأن المستأجر لم يتسلمها ، ومن ثم
لا يفرق بين ما إذا كان ذلك قبل تسليم العين إلى المستأجر وبعده ، بخلاف ما إذا
غصبها غاصب أجنبي بعد التسليم ، لأن الواجب على المؤجر ـ وهو تسليم العين ـ قد وجد
وتمت المعاوضة ، فلا يجب على المؤجر حفظها من أن يغصبها غاصب ، لأن الواجب عليه
بمقتضى عقد الإجارة ـ وهو رفع يده عن العين وتسليمها إلى المؤجر ـ قد فعله.
أما وضع يده على العين
، ومنع المستأجر من المنافع فإنه ممنوع منه ، وهو قادر على اجتنابه ، فإذا أقدم
عليه فقد أتلف المنفعة على المستأجر قبل قبضها ، فيترتب عليه الحكم.
وقد صرّح المصنف
في التذكرة فيما لو استأجر الدار سنة فسكنها شهراً ، ثم تركها وسكنها المالك بقية
السنة : بأنه يتخير بين الفسخ في باقي المدة وإلزام المالك بأجرة المثل .
فرع : لو سكن المستأجر بعض المدة ، ثم سكن المالك كان للمستأجر
الفسخ فيما بقي بعد سكناه ، نص عليه في التذكرة ، ووجهه ظاهر.
قوله
: ( وله أن يسكن
المساوي أو الأقل ضرراً ، إلا مع التخصيص ).
أي : للمستأجر ذلك
، وظاهر العبارة أن هذا الحكم فيما إذا استأجر
__________________
ويضع فيه ما جرت
عادة الساكن من الرحل والطعام ، دون الدواب والسرجين والثقيل على السقف.
وله إدارة الرحى
في الموضع المعتاد ، فإن لم يكن لم يكن له ، التجديد
______________________________________________________
الدار للسكنى من
دون تعيين الساكن ، وهو صحيح في نفسه ، فإنه لا يجب تعيين الساكنين ، ولا ذكر
عددهم ، وصنفهم من رجال ونساء وصبيان ، خلافاً لبعض الشافعية .
بل ولا يجب ذكر
السكنى ولا صفتها ، تمسكاً بأصالة البراءة ، فإذا استأجر داراً للسكنى ، أو مطلقاً
صح وملك منافع سكناها ، فله أن يسكن بنفسه ، ومن شاء معه من عياله ومن يتبعه. وله
أن يسكن من شاء ممن يساويه في الضرر ، أو ينحط عنه فيه ، نظراً إلى أن إطلاق العقد
وإن لم يقتض تعيينه ، لكن ظاهر الحال اقتضى تقدير حال الساكن بحال المستأجر في
الضرر ، ونقل عدم الخلاف في ذلك في التذكرة . ولا يمنع دخول زائر ، وضيف ، ونحوهما حملاً على المتعارف.
إذا عرفت ذلك ،
فلو استأجر لسكناه فهل يتعين؟ صرح في التذكرة فيما إذا استأجر الأرض لزرع معين ،
حيث يجوز له التخطي إلى المساوي والأقل ضرراً : إنه يجوز التخطي في الاستئجار
لسكناه إلى المساوي والأقل ضرراً ، وعلى ما اخترناه في الزرع لا يجوز التخطي هنا أيضاً.
قوله
: ( ويضع فيه ما جرت
عادة الساكن من الرحل والطعام دون الدواب والسرجين ، والثقيل على السقف ، وله
إدارة الرحى في الموضع
__________________
ويجوز استئجار
الدار ليعمل مسجداً يصلّى فيه.
الفصل
الثالث : في الأحكام ،
إذا استأجر إلى العشاء أو إلى الليل فهو إلى غروب الشمس ،
______________________________________________________
المعتاد فإن لم
يكن لم يكن له التجديد ).
لا ريب أن وضع
الرحل الذي هو الأمتعة والطعام ، وإحراز الثياب وغيرها مما لا يضر بها جائز ،
والعادة مطردة به.
أما الدواب فلا
يجوز جعلها فيها ، لأنها تروث وتفسدها. وهل يلحق بها نحو الدجاج والإوز؟ يحتمل
اللحاق ، وتحكيم العادة قريب.
وكذا لا يجعل فيها
السرجين ولا شيئاً يضر بها ، ولا يضع فوق سقفها ثقيلاً ، لأنه يكسر خشبة أو يضعفه
، ولا يجعلها محرزاً للطعام إلا لقوته وما جرت العادة به ، لأن الفأر يفسد أرضها
وحيطانها ، ولا يسكنها حداداً ولا قصاراً ونحوهما. ويجوز ذلك كله مع الشرط.
وله إدارة الرحى
على حسب العادة لا بدونها ، سواء المثبتة وغيرها. ولا بد في إثبات الرحى من جريان
العادة بذلك أو اشتراطه ، لأنه يحتاج إلى تجديد شيء من البناء.
قوله
: ( ويجوز استئجار
الدار ليعمل مسجداً يصلى فيه ).
لأن ذلك غرض مقصود
محلل متقوم ، نعم لا تثبت لها حرمة المسجد ، فيكون إطلاق عملها مسجداً بالمجاز ،
باعتبار ثبوت مقصود المسجد لها وهو إعدادها للصلاة.
قوله
: ( إذا استأجر إلى
العشاء ، أو إلى الليل فهو إلى غروب الشمس ).
وذلك لأن صلاة
العشاء التي هي العتمة يقال لها العشاء الآخرة ، وذلك
وكذا إلى العشي ،
إلا أن يتعارف الزوال.
ولو قال : إلى
النهار فهو إلى أوله ، ولو قال : نهاراً فهو من الفجر إلى الغروب ، وليلاً إلى
طلوع الفجر. وإذا نمت الأجرة المعيّنة في يد المستأجر فالنماء للمؤجر إن كان
منفصلاً ،
______________________________________________________
يقتضي أن الأولى
هي المغرب.
فإذا أقّتت المدة
في الإجارة بالعشاء حمل الإطلاق على أول الوقت ، كما إذا أقّتت بشهر كذا فإنه يحمل
على أول الشهر. وكذا التأقيت بالليل يحمل على أوله ، فتكون في الموضعين الغاية
غروب الشمس. وذهب أبو حنيفة إلى أن تأقيت المدة بالعشاء يقتضي كون آخرها زوال
الشمس .
قوله
: ( وكذا العشي ،
إلا أن يتعارف الزوال ).
أي : وكذا العشي
إذا أقّتت المدة به فهو الغروب عملاً بالمتعارف ، إلا أن يكون المتعارف أنه زوال
الشمس.
ويحتمل أن يكون
الاستثناء راجعاً إليه وإلى العشاء ، فإن العرف إذا استقر على أن العشاء هو الزوال
وجب المصير إليه. إلا أن هذا بعيد عن المتفاهم في العشاء بخلاف العشي ، ولا دليل
على أن أحدهما هو الآخر.
قوله
: ( ولو قال : إلى
النهار فهو إلى أوله ).
فإن الانتهاء إلى
أوله يصدق معه الانتهاء إليه.
قوله
: ( وإذا نمت الأجرة
المعينة في يد المستأجر فالنماء للموجر إن كان منفصلاً ).
أي : إذا كانت
الأجرة معينة إما لتعيينها بتشخيصها في العقد ، أو
__________________
فإن انفسخت
الإجارة ففي التبعية إشكال ، بخلاف المتصلة وظهور البطلان فإنها تابعة فيهما.
______________________________________________________
لتعيين المستأجر
ما في ذمته في شيء ، وقبض المؤجر إياه أو وكيله وحينئذ فنماؤها في يد المستأجر
للمؤجر ، لأنه تابع للملك ، وهذا إذا كان منفصلاً كالولد والثمرة.
ولا يخفى أن
النماء المتصل أيضاً كذلك ، لكنه مع انفساخ الإجارة يتبع العين في الرجوع إلى ملك
المستأجر ، فلذلك قيّد بالمنفصل.
قوله
: ( فإن انفسخت
الإجارة ففي التبعية إشكال ).
ينشأ : من أنه
نماء حصل في ملكه فيختص به ، ومن أنه إنما دخل في ملكه بتبعية الأصل ، وقد خرج
الأصل عن ملكه فليتبعه النماء. وهو ضعيف ، لأن الأصل إنما خرج عن ملكه لانفساخ عقد
الإجارة الذي هو سبب ملكه إياه ، فوجب عود كل من العوضين إلى مالكه. وأما النماء
فليس سبب ملكه عقد الإجارة ، بل ملك الأصل في وقت حصول النماء ، وهذا لم يزل ،
وللاستصحاب ، والأصح عدم التبعية.
وربما بني الوجهان
على أن الفسخ يرفع العقد من أصله ، أو من حينه ، ولا ريب في فساد الأول.
قوله
: ( بخلاف المتصلة ،
وظهور البطلان فإنها تابعة فيهما ).
أي : بخلاف النماء
المتصل ، فإنه تابع للأصل إذا عرض الفسخ أو الانفساخ ، لأنه جزء من المسمى حقيقة ،
فيمتنع الانفساخ في الأصل وبقاء الجزء ، لما في ذلك من الضرر ، مع لزوم ملك جزء من
أحد العوضين مع فوات الآخر جميعه وهو باطل. وكذا إذا انفسخ البيع ، وقد زاد أحد
العوضين زيادة متصلة فإنها تتبع الأصل ، لمثل ما قلناه.
وكذا إذا ظهر
بطلان عقد الإجارة لوجود مانع أو فقد شرط ، فإن كلا من
والأقرب عدم إيجاب
الخيوط على الخيّاط ، واستئجار كل من الحضانة والرضاع لا يستتبع الآخر ،
______________________________________________________
العوضين باق على
ملك صاحبه ، فالنماء له سواء كان متصلاً أو منفصلاً ، لأنه نماء ملكه. والضمير
المفرد في قول المصنف : ( فإنها تابعة فيهما ) يعود إلى ( المتصلة ) التي هي صفة
لمحذوف ـ وهو النماء ـ بتأويل الزيادة ، فإن النماء زيادة ، والمثنى يعود إلى
المتصل في الانفساخ ، والمطلق في ظهور البطلان.
قوله
: ( والأقرب عدم
إيجاب الخيوط على الخيّاط ).
وجه القرب أن الإجارة
إنما تقع على المنافع بالأصالة ، فلا تجري على الأعيان ولا تتناولها.
ويحتمل وجوبها
عليه ، لتوقف الخياطة عليه. والأصح عدم الدخول إلا أن تطّرد العادة بكونها على
الخياط ، فتدخل تنزيلاً للإطلاق على المتعارف.
قوله
: ( واستئجار كل من
الحضانة والرضاع لا يستتبع الآخر ).
أي : الاستئجار
لهما ، فتوسع بإطلاق الاستئجار عليهما. ثم إن الإرضاع والحضانة منفعتان مستقلتان
غير متلازمتين ، فلا تدخل إحداهما في العقد على الأخرى. ويجوز إفراد كل منهما بعقد
، ولا تستتبع المعقود عليها الأخرى ، لأن الحضانة عبارة عن حفظ الطفل ، وتعهده
بغسله ، وغسل رأسه ، وثيابه ، وخرقه ، وتطهيره من النجاسات ، وتدهينه ، وتكحيله ،
وإضجاعه في المهد وربطه وتحريكه لينام ، والإرضاع أمر خارج عن ذلك.
وقال بعض الشافعية
: إن كلا منهما يستتبع الآخر ، لأنه لا يتولاهما في العادة إلا المرأة الواحدة ، وليس بشيء.
وآخرون : إن الإرضاع يستتبع
__________________
فإن ضمهما فانقطع
اللبن احتمل الفسخ ، لأنه المقصود والتقسيط والخيار.
______________________________________________________
الحضانة دون العكس
، لأن الإجارة إنما تقع على المنافع ، والأعيان تابعة . ويرده أن هذا
الفرد مستثنى بالنص ، على أن الاستئجار للإرضاع يتناول منفعة وعيناً.
قوله
: ( فإن ضمهما
فانقطع اللبن احتمل الفسخ لأنه المقصود ، والتقسيط ، والخيار ).
هذه الاحتمالات
الثلاثة إنما تتفرع على الأقوال الثلاثة في كون الحضانة والإرضاع مستقلين ، وعدمه.
وقول المصنف : ( لأنه المقصود ) يرشد إلى ذلك ، لكن لا يحسن ذلك ، لأن المتبادر من
العبارة أن الاحتمالات على ما اختاره المصنف من أن كل واحد منهما لا يستتبع الآخر.
وفي قوله : (
احتمل الفسخ ) توسع ، لأن المطابق للتعليل ـ ولمقصوده في التذكرة ـ الانفساخ.
وتحقيق ما هناك :
أنه إذا استأجر للإرضاع والحضانة معاً فانقطع اللبن ، فإن قلنا إن المقصود بالذات
والمقصود عليه بالأصالة هو الإرضاع انفسخ العقد ، لفوات مقصود الإجارة ، ولا
اعتبار بالإجارة لتبعيتها.
وإن قلنا المعقود
عليه بالأصالة الحضانة والإرضاع تابع لم يبطل العقد ، لبقاء المعقود عليه بكماله ،
لكن للمستأجر الخيار ، لأن انقطاع اللبن عيب.
وإن قلنا
باستقلالهما ، وأن كل واحد منهما مقصود بنفسه انفسخ العقد في الإرضاع وسقط قسطه من
الأجرة ، ويتخير المستأجر في فسخه في الباقي لتبعض الصفقة.
__________________
وفي إيجاب الحبر
على الناسخ ، والكش على الملقح ، والصبغ على الصبّاغ إشكال.
______________________________________________________
وإذا عرفت ما
قلناه ظهر لك أن الذي يتفرع على مختار المصنف هو التقسيط ، والباقي ساقط. ولو أنه
أتى بالاحتمالات الثلاثة في التبعية بين الإرضاع والحضانة وعدمها لحسن ما ذكره ،
وبنيت الاحتمالات في الفرع على الاحتمالات في الأصل.
وقد اضطرب كلام
الشارح حيث جعل المذكور في العبارة احتمالين :
الفسخ ، فحكم
بالتقسيط ، ولا شك أنه غلط ، لأن المراد حصول الفسخ في الجميع ، ولو لاه لكان قول
المصنف : ( لأنه المقصود ) فاسد.
الثاني : الخيار .
وفي حواشي شيخنا
الشهيد : إن التقسيط ملزوم للخيار باعتبار تبعض الصفقة ، فلا يجعل احتمالاً برأسه.
ومقتضاه كونهما احتمالين : الانفساخ في الكل ، والانفساخ في البعض مع ثبوت الخيار.
وهذا وإن كان
صحيحاً في نفسه ، إلا أنه غير مراد ، لأن ظاهر العبارة كلا من الأمور الثلاثة ،
ولو كان الحال كما ذكره لبقي الحكم على القول بأن اللبن تابع ، والخيار الذي أراده
مع التقسيط لازم له ، لأن تبعض الصفقة يقتضيه.
قوله
: ( وفي إيجاب الحبر
على الناسخ ، والكش على الملقح ، والصبغ على الصّباغ إشكال ).
ينشأ : من أن
المنافع المستأجر عليها متوقفة على ذلك ، ومن أن عقد الإجارة لا يقع على الأعيان.
والأصح الرجوع إلى العادة المطردة ، فإن
__________________
ولو قدر المالك
على التخليص لم يجبر عليه ، إذا كان الغصب بعد الإقباض ، ولا على العمارة ، سواء
قارن العقد الخراب كدار لا غلق لها ، أو تجدد بعد العقد ، نعم للمستأجر خيار
الفسخ.
______________________________________________________
انتفت لم يجب.
وكان المصنف إنما
أفتى في الخيوط بعدم الوجوب وتردد هنا ، نظراً إلى عدم استقرار العادة بكونها على
الخيّاط ، بخلاف الحبر والصبغ.
قوله
: ( ولو قدر المالك
على التخليص لم يجبر عليه ، إذا كان الغصب بعد الإقباض ).
لأنه قد أدى ما
يجب عليه بمقتضى الإجارة بتسليم العين إلى المستأجر.
قوله
: ( ولا على العمارة
سواء قارن العقد الخراب كدار لا غلق لها ، أو تجدد بعد العقد ، نعم للمستأجر خيار
الفسخ ).
أي : لا يجبر
المالك على العمارة سواء لم يحوج إلى عين جديدة كإصلاح مائل أو أحوجت ، وسواء قارن
الخلل العقد أو تجدد ، لأن ذلك ملكه ، ولا يجبر على عمارة ملكه.
ويحتمل ثبوته
عملاً بمقتضى العقد ، وفي اقتضائه العمارة نظر. نعم يثبت للمستأجر الخيار.
فإن قيل : لم لا
يجب على المؤجر عمارة الدار ، ويجب عليه إبدال آلات الدابة وإصلاحها ، والحبل للشد
وإصلاحه وإبداله؟
قلنا : الفرق أن
الدار إنما تقع الإجارة على عينها ، فإن كانت معمورة ثم خربت والمستأجر قد ذهب وإن
كانت خربة فهي التي وقع عليها العقد ، فلا يجب شيء آخر لم يتعلق به العقد ، بخلاف
نقل الحمل الذي قد يكون
وعلى المالك تسليم
المفتاح دون القفل ، فإن ضاع بغير تفريط لم يضمن المستأجر ، وليس له المطالبة
ببدله. وعلى المالك تسليم الدار فارغة ، وكذا البالوعة ، والحش ، ومستنقع الحمام،
______________________________________________________
في الذمة فلا يختص
بعين دون عين.
وإن وقع على
الدابة بعينها ، لكن الإكاف ونحوه لا يعين فيكون وجوبه في الذمة ، فيتعين تحصيله
وإبداله لوجود العيب.
وهل له الأرش لو
أجاز أم لا؟ الحكم كما سبق ، وينبغي أن يكون ذلك حيث لم يعلم بالعيب ، فإن علم به
لم يكن له فسخ. ولو أن المالك ضمن له العمارة حين علمه قبل العقد ، فليس ببعيد
ثبوت الخيار مع الإخلال بها.
قوله
: ( وعلى المالك
تسليم المفتاح دون القفل ).
لأنه تابع للغلق
المثبت ولا يتم الانتفاع إلا به ، بخلاف مفتاح القفل حيث لا يجب تسليم القفل ، لأن
الأصل عدم دخول المنقولات في العقد الوارد على العقار إلا بعادة أو تبعية.
قوله
: ( فإن ضاع بغير
تفريط لم يضمن المستأجر ).
لأنه أمين.
قوله
: ( وليس له
المطالبة ببدله ).
كما في العمارة ،
ويحتمل استحقاق المطالبة بالبدل كالاحتمال في العمارة ، ومتى لم يبدله فالظاهر
ثبوت الخيار ، كما لو خرب شيء من الحيطان ، أو ذهب شيء من الأبواب.
قوله
: ( وعلى المالك
تسليم الدار فارغة ، وكذا البالوعة ،
__________________
فإن كانت مملوءة تخيّر ، فإن تجدد الامتلاء في
دوام الإجارة احتمل وجوبه على المستأجر ، لأنه بفعله وعلى المؤجر لتوقف الانتفاع
عليه.
ولا يجب على
المستأجر التنقية عند انتهاء المدة ، بل التنقية من الكناسات ،
______________________________________________________
والحش ، ومستنقع
الحمام ).
ليثبت التمكن من
الانتفاع الواجب بالإجارة ، والحش ، مثلث المهملة : هو المخرج ، كما ذكره في
القاموس .
قوله
: ( فإن كانت مملوءة
تخيّر ).
أطلق هنا ثبوت
الخيار ، وفي التذكرة أوجب على المالك التفريغ ، وحكم بثبوت الخيار مع إهماله ، وهو الصواب ، لأن
التفريغ لا يجب قبل العقد ، لأن حق المستأجر إنما يثبت به ، والتمكن من الانتفاع
بسلامة العين ، ومبادرة المالك إلى إزالة الأمر العارض حاصل ، لأنه الفرض. نعم لو
فات بالتفريغ شيء من النفع ثبت الخيار ، ومثل هذه الأحكام في البيع.
قوله
: ( فإن تجدد
الامتلاء في دوام الإجارة احتمل وجوبه على المستأجر لأنه بفعله ، وعلى المؤجر
لتوقف الانتفاع عليه ).
لا يخفى ضعف دليل
الثاني ، لأنه ليس كلما توقف الانتفاع عليه بعد تسليم العين ، وتمكين المستأجر
منها التمكين التام يجب على المؤجر ، فإن رفع يد الغاصب كذلك ولا يجب مع أن الأصل
براءة الذمة ، والذي اقتضاه عقد الإجارة إنما هو تسليم العين مفرغة وقد حصل.
قوله
: ( ولا يجب على
المستأجر التنقية عند انتهاء المدة ، بل
__________________
______________________________________________________
التنقية من
الكناسات ).
أي : لا يجبتنقية
المذكورات لانتفاء المقتضي ، والأصل البراءة. أما الكناسات الحاصلة في دوام
الإجارة فعلى المستأجر ، لأنها حصلت بفعله ، فإن أراد أن يكمل له الانتفاع
فليرفعها.
ومقتضى عبارة
الكتاب وجوب رفعها عند انتهاء مدة الإجارة ، وتردد المصنف في التحرير ، وللنظر فيه
مجال.
ولو كانت موجودة
وقت العقد فهل على المالك رفعها؟ لم أجد بذلك تصريحاً ، وقوة كلامهم يشعر بالعدم ،
ولعله لكون الانتفاع لا يتوقف عليه.
واعلم أن المصنف
حكى في التذكرة عن الشافعية أنهم فسروا الكناسة التي تجب على المستأجر
تطهير الدار عنها بالقشور ، وما يسقط من الطعام ، ونحوه ، دون التراب الذي يجتمع
بهبوب الرياح ، لأنه حصل لا بفعله . وهذا التفسير حسن إن قلنا بوجوب التطهير من الكناسة على المستأجر
عند انقضاء المدة.
واعلم أيضاً أن
كنس الثلج عن السطح من وظيفة المالك كالعمارة ، فإن تركه وحدث عيب ثبت الخيار ،
وبدونه إشكال ، التفاتاً إلى تعذر الارتفاق بالسطوح. أما ثلج العرصة فإن خفَّ ولم
يمنع الانتفاع فكالتراب الحاصل بهبوب الرياح ، وإن كثف فإشكال : من توقف الانتفاع
عليه ، ومن عدم تناول عقد الإجارة له ، فإن التسليم الواجب بمقتضى العقد .
__________________
ورماد الأتون
كالكناسة.
ولو استأجر أرضاً
للزراعة ولها شرب معلوم ، والعادة تقتضي التبعية دخل.
ولو اضطربت العادة
بأن يستأجر مرة الأرض منفردة ، وتارة معه احتمل التبعية وعدمها.
______________________________________________________
فرع : لا يجوز طرح التراب والرماد في أصل جدران الدار ، ولا إلقاء
الثلج ، ولا صب الماء ، وكذا كل ما يضر ولم تجر به العادة.
قوله
: ( ورماد الأتون كالكناسة ).
فلا يجب على
المالك في دوام الإجارة ، بل هو من وظيفة المستأجر ، ويجب عليه التنقية منه عند
انتهاء الإجارة ، وفيه التردد. وهل يجب على المالك في مبدأ الإجارة؟ لم أجد به
تصريحاً ، والذي يقتضيه النظر الوجوب ، لتوقف التمكن من الانتفاع الواجب عليه
كالمستنقع.
قوله
: ( ولو استأجر
أرضاً للزرع ولها شرب معلوم ، والعادة تقتضي التبعية دخل ).
تنزيلاً للإطلاق
على المتعارف ، ولأن الظاهر إن استئجارها للزرع إنما هو للتعويل على دخول شربها.
قوله
: ( ولو اضطربت
العادة بأن يستأجر مرة الأرض منفردة ، وتارة معه احتمل التبعية ، وعدمها ).
وجه الأول : توقف
الزراعة التي هي المقصود عليه.
ووجه الثاني : عدم
تناول العقد له ، وانتفاء العادة المقتضية للدخول ،
__________________
ولو زرع أضر من
المعيّن فللمالك المسمى وأرش النقص ،
______________________________________________________
فلا وجه لدخوله.
والتحقيق أن يقال
: إما أن يكون هناك ماء آخر يمكن شرب تلك الأرض منه أو لا ، فإن كان الأول فلا وجه
لدخوله أصلاً ، وإن كان الثاني لم يستقم قوله : ( بأن يستأجر مرة الأرض منفردة )
لأن استئجارها منفردة للزرع في هذا الفرض لا يتصور مع توقف الزرع على الشرب فكيف
يفرض وقوعه؟ حتى لو وقع كان العقد باطلاً.
ويمكن أن يريد
المصنف بالاحتمالين : صحة الإجارة على تقدير التبعية ، وفسادها بدونها ، والأصح
عدم الدخول إلا مع وجود القرينة الدالة عليه ، كالمساومة على الأرض والشرب معاً ،
ثم يوقع العقد عليها اعتماداً على ما سبق ، ونحو ذلك. وهل يكفي للدخول علمهما بعدم
إمكان الزرع بدونه مع أنه المستأجر له؟ يحتمل ذلك صيانة لقولهما عن اللغو.
قوله
: ( ولو زرع أضر من
المعين فللمالك المسمى وأرش النقص ).
كما لو عيّن
الحنطة فزرع الذرة ، ووجه ما ذكر المصنف أنه استوفى منفعة الأرض المقدرة المقابلة
بالمسمى مع شيء آخر ، فيجب عليه المسمى وأرش النقصان الزائد على زراعة الحنطة.
ويحتمل أن يجب
عليه المسمى واجرة المثل للزيادة ، لأنه استوفى شيئين.
ويحتمل وجوب اجرة
المثل لما زرع ، لأنه استوفى غير المعقود عليه ، لأن المعقود عليه هو الانتفاع
بزرع الحنطة ، وزرع الذرة غيره قطعاً. ولا أثر لاستيفاء منفعة الأرض المستحقة
بالمسمى لزرع الحنطة في زرع الذرة ، لأنه لم يستحقها بالمسمى إلا على ذلك الوجه
المخصوص الذي لم يحصل ،
والظرف على
المستأجر. وكذا الرشاء ، ودلو الاستقاء.
______________________________________________________
وهذا أقوى.
وذهب المصنف في
التذكرة إلى تخيير المالك بين الأمرين ، ويختلج بخاطري أن الأجرة عن المنفعة حقها أن لا يندرج
فيها أرش النقص لو حصل ، لأن الأجرة في مقابل الانتفاع لا في مقابل النقص ، اللهم
إلا أن يلحظ في أجره حصول النقص وزيادته فإن ذلك قد يتجه ، ولعل هذا هو المراد.
هذا إذا لم يعلم
إلا بعد الحصاد ، أما إذا علم قبله وبعد الزرع فللمالك إجباره على القلع ، لأنه
عادٍ بذلك. ثم إن تمكن من زراعة الحنطة زرعها ، وإلا لم يزرع وعليه الأجرة بجميع
المدة ، لأنه الذي فوّت نفسه مقصود العقد.
ثم إن لم تمض مدة
تتأثر بها الأرض فذاك ، وإن مضت فالمستحق اجرة المثل أم قسطها من المسمى وزيادة
للنقصان أم يتخير بينهما؟ فيه ما سبق. كذا قال في التذكرة . وينبغي أن لا
يعتبر تأثر الأرض بل مضي مدة لمثلها اجرة عدمه.
قوله
: ( والظرف على
المستأجر ، وكذا الرشاء ، ودلو الاستقاء ).
أطلق الحكم هنا ،
وفصّل في التذكرة فقال : إن استأجر الدابة للحمل ، فالوعاء الذي ينقل فيه المحمول
على المكتري إن وردت الإجارة على عين الدابة ، وعلى المكري إن كانت في الذمة ،
لأنها إذا وردت على الدابة المعينة فليس عليه إلا تسليم الدابة بالأكاف ، وما في
معناه. وإن كانت
__________________
وينزع الثوب
المستأجر ليلاً ووقت القيلولة ،
______________________________________________________
في الذمة فقد
التزم النقل فعليه تهيئة أسبابه ، والعادة تؤيده. وإذا استأجر للاستقاء فالدلو
والحبل كالوعاء في الحمل .
هذا كلامه ، ثم
حكى عن بعض الشافعية الفرق في إجارة الذمة بين أن يلتزم الغرض مطلقاً ولا يتعرض
للدابة فتكون الآلات عليه ، وبين أن يتعرض لها فيتبع العادة ، فإن اضطربت فكل من
الأمرين محتمل .
ثم قال المصنف :
ومتى راعينا العادة فاضطربت ، فالأقوى اشتراط التقييد في صحة العقد.
والذي يقتضيه
النظر أن العادة إذا اطردت بأحد الأمرين ، واستقر ذلك عرفاً وجب حمل الإطلاق عليه
، نظراً إلى حمل اللفظ على المتعارف.
وإن اضطربت
فاعتبار ورود الإجارة على دابة معينة ، أو التزام النقل ، أو الاستقاء فتجب الآلات
على المكتري في الأول ، وعلى المكري في الثاني متجه. ولو اشترطا شيئاً وجب اتباعه.
واعلم إن الرشا ، بالقصر وكسر أوله : الحبل.
قوله
: ( وينزع الثوب
المستأجر ليلاً ، ووقت القيلولة ).
أما نزعه ليلاً
فلجري العادة بنزع الثوب ليلاً. فعلى هذا لو اعتيد خلاف ذلك في بعض البلاد واطّرد
وجب الحمل عليه مع الإطلاق.
وأما النزع وقت
القيلولة ، فإن فيه احتمالاً ، وقرّب المصنف عدم وجوب نزعه لقضاء العادة بالقيلولة
في الثياب ، بخلاف البيتوتة. ثم قال : نعم لو كان المستأجر القميص الفوقاني نزعه
في القيلولة ، وفي سائر أوقات الخلوة. ولو قيل باتباع العادة في ذلك من أول الأمر
كان حسناً. وثياب
__________________
ويجوز الارتداء به
على إشكال ، دون الاتزار.
الفصل
الرابع : في الضمان.
العين أمانة في يد
المستأجر لا يضمنها إلا بتعد ، أو تفريط في المدة ، وبعدها إذا لم يمنعها مع الطلب
،
______________________________________________________
التجمل تلبس في
الأوقات التي جرت العادة بالتجمّل فيها.
قوله
: ( ويجوز الارتداء
به على إشكال ، دون الاتّزار ).
ينشأ : من أن
اللبس يقع على الارتداء حقيقة ، ولأنه أخف ضرراً من غيره ، ومن أن المتعارف من
اللبس غيره فلا يحمل الإطلاق عليه.
والأصح أن اللبس
في كل شيء بحسبه ، فإن كان الثوب مخيطاً لم يجز الارتداء به إذا استأجره للّبس ،
إذ الارتداء لا يعدّ لبساً بالنسبة إلى هذا الثوب ، بخلاف ما لو كان رداءً. أما
الاتزار بالثوب المخيط فلا يجوز قطعاً ، لأنه مع مخالفته للبس أشد ضرراً منه.
قوله
: ( العين أمانة في
يد المستأجر لا يضمنها ، إلا بتعدّ أو تفريط في المدة ، وبعدها إذا لم يمنعها مع
الطلب ).
لأنه لا يجب على
المستأجر رد العين إلى المؤجر ولا مؤنة ذلك ، وإنما يجب عليه التخلية بين المالك
وبينها كالوديعة.
وأوجب بعض العامة
الرد بعد المدة ومؤنته ، لأنه غير مأذون بعدها في الإمساك ، ولأنه أخذ لمنفعة نفسه
كالمستعير .
ونحن نقول : وإن
لم يكن مأذوناً في الإمساك من المالك ، لكن لا يجب عليه الرد ، بل التخلية ، فإذا
فعل ما وجب عليه فلا تقصير حينئذ ولا
__________________
سواء كانت الإجارة
صحيحة أو فاسدة.
ولو ضمنه المؤجر
لم يصح ، فإن شرطه في العقد فالأقرب بطلان العقد ،
______________________________________________________
تعدي ، لأن يده في
الأصل يد أمانة ، ولو منعها مع طلب المالك بعد المدة ضمن قطعاً.
قوله
: ( سواء كانت
الإجارة صحيحة أو فاسدة ).
أما الصحيحة فظاهر
، للقطع بأن ذلك من مقتضياتها. وأما الفاسدة ، فلأن كل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن
بفاسده ، وبالعكس.
قوله
: ( ولو ضمنه المؤجر
لم يصح ).
أي : أراد تضمينه.
قوله
: ( فإن شرطه في
العقد فالأقرب بطلان العقد ).
أي : لو شرط
الضمان مع التلف ولو بغير تعدّ فالشرط باطل قطعاً ، لأنه خلاف مقتضى الإجارة.
وهل يبطل العقد
ببطلانه؟ الأقرب عند المصنف نعم ، لأن التراضي على العقد إنما وقع بالشرط الفاسد
ولا رضى بدونه ، فلا يكون العقد بالتراضي ، فلا يكون صحيحاً ، لقوله تعالى ( إِلاّ
أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) ، ولأن العقود تابعة للمقصود ، والمقصود هو العقد بالشرط
لا العقد وحده.
ويحتمل صحة العقد
وبطلان الشرط ، لأن الرضى بأمرين رضي بأحدهما. وليس كذلك ، لأن الرضى بأحدهما ربما
كان مشروطاً بالآخر وهنا كذلك ، والأصح بطلانهما معاً.
__________________
فإذا تعدّى
بالدابة المسافة المشترطة ، أو حمّلها الأزيد ضمنها كلها بقيمتها وقت العدوان ،
ويحتمل أعلى القيم من وقت العدوان إلى التلف ، وعليه أجرة الزيادة.
______________________________________________________
قوله
: ( وإذا تعدّى
بالدابة المسافة المشترطة أو حمّلها الأزيد ضمنها كلها بقيمتها ).
سواء كان مالكها
معها أو انفرد بها المستأجر ، لأنه بتحميلها الزائد عادٍ في إثبات اليد عليها كذلك
حتى لو هلكت بسبب آخر كان ضامناً فيه أولى ، ولرواية الحلبي عن الصادق 7 فيمن يكاري دابة
إلى مكان معلوم ( فنفقت ) فقال : « إن كان جاز الشرط فهو ضامن » ولم يستفصل وأطلق الضمان ، والمفهوم منه ضمانها.
وفرّق الشافعي بين
ما إذا لم يكن المالك معها فيضمن الجميع ، أو كان فيضمن : أما النصف ، لأن السبب
في التلف شيئان أحدهما بحق والآخر عدوان ، أو يوزّع على المجموع ويعطى العدوان
بالقسط ، أو يضمن الجميع . فالأقوال ثلاثة والأصح ما قدّمناه. وفي قول المصنف : (
ضمنها كلها ) إيماء إلى الرد على القولين الأولين.
قوله
: ( وقت العدوان ،
ويحتمل أعلى القيم من وقت العدوان إلى التلف ).
أي : ضمنها
بقيمتها إلى آخره ، ويحتمل ضمان قيمتها وقت التلف وهو الأصح. وقد حققنا المسألة في
أحكام الغصب والبيع وغيرهما ، والأقوال هنا هي الأقوال هناك ، والترجيح واحد.
قوله
: ( وعليه أجرة
الزيادة ).
__________________
ولا فرق في الضمان
بين أن تتلف في الزيادة أو بعد ردها إلى المشترط.
ولو تلف بعد ردها
إلى مالكها بسبب تعيبها وشبهه ضمنها ، وإلاّ فلا ، ولا يسقط الضمان بردها إلى
المسافة.
ولو ربط الدابة
مدة الانتفاع استقرت الأجرة ،
______________________________________________________
أي : مع الضمان ،
لأنه استوفى بها منفعةً زائدةً على المستحقة ، فيضمن قيمتها وهي أجرة المثل لها.
قوله
: ( ولا فرق في
الضمان بين أن تتلف في الزيادة ، أو بعد ردها إلى المشترطة ).
أي : إلى المسافة
المشترطة ، أو إلى تحميل القدر المشترط تحميله ، وذلك لأن العدوان لا يزول بردها
إلى المشترط فلا يزول الضمان.
قوله
: ( ولو تلفت بعد
ردها إلى مالكها بسبب تعيبها وشبهه ضمنها ، وإلا فلا ).
لو تلفت في الصورة
المذكورة ، فإن كان لأمر سابق في يد المستأجر لتعيبها في يده بعيب فتموت بسببه بعد
وصولها إلى يد المالك ، وكتعيبها بسبب زيادة الحمل كما في بعض النسخ ، وشبه ذلك
فإنها إذا تلفت بسببه بعد ردها إلى المالك يضمن ، لاستناد التلف إلى فعله العدوان
، وإن لم يكن تلفها إلا بعد ردها إلى المالك بسبب من قبله فلا ضمان ، لبراءته
بتسليمها إلى المالك.
قوله
: ( ولا يسقط الضمان
بردها إلى المسافة ).
أي : المشترطة في
الإجارة ، لأن العدوان لا يزول إلا بالتسليم إلى المالك ، أو من يقوم مقامه لتزول
اليد العادية.
قوله
: ( ولو ربط الدابة
مدة الانتفاع استقرت الأجرة ).
فإن تلفت فلا ضمان
وإن انهدم الإصطبل إذا لم يكن مخوفاً. وكذا يد الأجير على الثوب الذي تراد خياطته
، أو صبغه ، أو قصارته ، أو على الدابة لرياضتها ، سواء كان مشتركاً أو خاصاً.
______________________________________________________
قد سبقت هذه
المسألة غير مرة ، وإنما أعادها ليبني عليها ما فرعه عليها وهو :
قوله
: ( فإن تلفت فلا
ضمان وإن انهدم الإصطبل إذا لم يكن مخوفاً ).
لأنه أمين لا يضمن
إلا بتعدّ أو تفريط وهو منتف ، والغرض انتفاؤهما.
وقالت الشافعية :
إن كان المعهود في مثل ذلك الوقت أن تكون الدابة تحت السقف ، كجنح الليل في الشتاء
فلا ضمان ، وإن كان المعهود في ذلك الوقت لو خرج بها أن يكون في الطريق وجب الضمان
، لأن التلف والحالة هذه جاء من ربطها . وليس بشيء ، لأن مصادفة التلف لربطها اتفاقاً مع الإذن
فيه شرعاً لا يوجب الضمان ، لانتفاء المقتضي.
قوله
: ( وكذا يد الأجير
على الثوب الذي تراد خياطته ، أو صبغه ، أو قصارته ، أو على الدابة لرياضتها ،
سواء كان مشتركاً أو خاصاً ).
أي : كما أن يد
المستأجر على العين المؤجرة يد أمانة في الإجارة الصحيحة والفاسدة ، فكذا يد
الأجير على العين التي يراد منه فيها فعل معين ، كالثوب الذي تراد خياطته إياه ،
أو صبغه له أو قصارته. وكالدابة التي تراد رياضتها ، سواء كان مشتركاً أو خاصاً ،
وهذا هو المذهب الصحيح لأصحابنا.
__________________
ولو تعدّى في
العين فغصبت ضمن ، وإن كانت أرضاً شرط زرعها نوعاً فزرع غيره.
______________________________________________________
وقال المفيد والمرتضى : إن الأجير ضامن
لما تسلمه ، إلا أن يظهر هلاكه ويشتهر بما لا يمكن دفاعه ، أو تقوم بنية بذلك ،
احتجاجاً ببعض الأخبار المعارضة بما هو أشهر منها ، مع قبولها
الحمل على التعدي دفعاً للتنافي.
والعامة اختلفوا
في تضمين الأجير المشترك ، والقائلون فيه بالتضمين اختلفوا في تضمين المنفرد .
والمختار عدم
الضمان مطلقاً ، إلا بالتعدي أو الخيانة.
قوله
: ( ولو تعدى في
العين فغصبت ضمن ).
لأن يده صارت
بالتعدي يد عدوان ، فكل ما يحدث في العين من غصب ، ونحوه فهو من ضمانه كسائر
الأمور المضمونة.
قوله
: ( وإن كانت أرضاً
شرط زرعها نوعاً فزرع غيره ).
حاول بذلك الرد
على بعض الشافعية حيث قالوا : إنه لو شرط ذلك لم يصح الشرط ، لأنه مخالف لمقتضى
العقد ، وكان له أن يزرع ما شاء عملاً
__________________
ولو سلك بالدابة
الأشق من الطريق المشترط ضمن ، وعليه المسمّى والتفاوت بين الأجرين ، ويحتمل أجرة
المثل.
______________________________________________________
بمقتضى العقد ،
فإنه يقتضي استيفاء المنفعة كيف ما اختار. وهو غلط ، لأن ذلك ليس من مقتضيات العقد
، إنما هو من مقتضيات إطلاقه ، والشرط مخصص للإطلاق ، فلا يتم ما ذكروه من منافاة
الشرط المذكور لمقتضى العقد.
واعلم أن قول
المصنف : ( وإن كانت أرضاً ... ) وصلّي لما قبله ، والمعنى : أنه إذا تعدى في
العين ضمن وإن كان التعدي لكونها أرضاً شرط زرعها نوعاً فزرع غيره.
قوله
: ( ولو سلك بالدابة
الأشق من الطريق المشترط ضمن ، وعليه المسمى ، والتفاوت بين الأجرتين ، ويحتمل
أجرة المثل ).
أما ضمانه فلا
إشكال فيه ، لعدوانه ، وأما وجوب المسمى والتفاوت بين الأجرتين ، فلأنه استوفى
المنافع المعقود عليها وزيادة ، فالمسمى في مقابل المعقود عليه ، والتفاوت بين
الأجرتين في مقابل زيادة المشقة عن الطريق المشترطة التي لم يتناولها العقد.
وأما احتمال أجرة
المثل ، فلأن المستوفي غير المعقود عليه قطعاً ، وليس المعقود عليه جزءاً منه ،
فإن المعقود عليه هو الانتفاع بالدابة في الطريق المعينة ، والمستوفي أمر آخر
مباين له.
وتخيل إن المعقود
عليه هو المنافع المخصوصة فاسد ، بل إنما عقد عليها على وجه مخصوص وقد فات.
والمسمى إنما هو في مقابل ذلك المعين ، فإذا استوفى غيره وجبت أجرة المثل ، وهو
الأصح.
إذا عرفت هذا
فاعلم أن قول المصنف : ( والتفاوت بين الأجرتين ) يحتمل أن يراد بالأجرتين :
المسماة ، وأجرة المثل ، فإنهما المذكورتان في
وكذا لو شرط حمل
قطن فحمل بوزنه حديداً.
ولو شرط قدراً
فبان الحمل أزيد ، فإن كان المستأجر تولى الكيل من غير علم المؤجر ضمن الدابة
والزائد والمسمى ، وإن كان المؤجر فلا ضمان إلاّ في المسمّى وعلى المؤجر رد
الزائد.
______________________________________________________
العبارة ، وهو
الذي فهمه الشارح عميد الدين. لكنه يشكل بأنه ربما كان المسمى بقدر أجرة المثل
للمجموع ، فلا يكون هناك تفاوت ، فيلزم الظلم للمؤجر. وربما كان المسمى قليلاً
جدّاً ، لأن الأجرة تزيد وتنقص لاختلاف الرغبات والأوقات.
والصواب : أن يراد
به التفاوت بين أجرة المثل للمنافع المعقود عليها ، وأجرة المثل لما استوفاه ،
فإذا كانت أجرة المثل للمعقود عليها عشرة ، وللمستوفاة خمسة عشرة فالتفاوت خمسة
دفعها مع المسمى على ذلك الاحتمال.
قوله
: ( وكذا لو شرط حمل
قطن فحمل بوزنه حديداً ).
الصواب فتح الحاء
من ( حمل ) على أنه مصدر ، لأن الكسر لا يراد هنا ، لعدم انتظام اسم المصدر في هذه
الجملة. أي : وكذا يجيء الاحتمالان السابقان لو استأجر لحمل مائة من القطن فحمل
بوزنه حديداً ، لأنه أشق منه من وجه ، فإن الأول يدخله الهواء فيزداد ويعم ثقله
ظهر الدابة ، والثاني يختص بموضع من ظهرها ، وتكون نكايته فيه أشد ، فيحتمل المسمى
، والتفاوت بين الأجرتين ، ويحتمل أجرة المثل ، والأصح الثاني.
قوله
: ( ولو شرط قدراً
فبان الحمل أزيد ، فإن كان المستأجر تولى الكيل من غير علم المؤجر ضمن الدابة
والزائد والمسمى ، وإن كان المؤجر فلا ضمان إلا في المسمى ، وعلى المؤجر رد الزائد
، ولا
ولا فرق بين أن
يتولى الوضع من تولى الكيل أو غيره ،
______________________________________________________
فرق بين أن يتولى
الوضع من تولى الكيل أو غيره ).
إذا شرط في
الإجارة حمل الدابة قدراً معيناً فبان الحمل أزيد والنوع هو المشترط فلا يخلو :
إما أن يكون المتولي للكيل هو المؤجر ، أو المستأجر ، أو أجنبي. فإن كان هو
المستأجر ، فإن تولى الحمل فلا بحث في ضمان الدابة ووجوب المسمى وأجرة الزيادة.
وكذا لو تولى الحمل المؤجر ودلس عليه ، فأخبره بكيلها على خلاف ما هو به ، ولم يكن عالماً
، لأنه قد غرّه فضعفت المباشرة.
ولو علم المؤجر
بالحال فلا ضمان على المستأجر ، لتفريط المؤجر بحمل الزيادة مع علمه بها. والظاهر
أنه لا اجرة له عنها لتبرعه بحملها ، فيتجه أن يجب عليه ردها مع احتمال لزوم الأجرة
، لأنه كالمعاطاة في الإجارة.
وإن علم المستأجر
بالحمل وسكت ، أو أخبر مع ذلك بالكيل كذباً ، مع احتمال لزوم الأجرة بالإخبار
كذباً ، إذ مقتضاه طلب حمله المجموع ، فيكون حمل الزيادة مأذوناً فيه.
ولو أن المستأجر
حيث تولى الكيل سكت فلم يخبر المؤجر بشيء مع جهالة المؤجر فتولى حملها ، ففي كون
المستأجر غارّاً له بمجرد الكيل ، وتهيئة ذلك للحمل احتمال ، كما في تقديم طعام
الغير إليه للأكل فيأكله ، فإن عدناه غرراً لزمه أجرة الزيادة.
ولو كان المستأجر
الطعام زائداً ، ثم ذهب عنه على وجه لا يعد تهيئة ، وجاء المؤجر وحمله ثم ظهرت
الزيادة فلا شيء على المستأجر. وإن كان المتولي للكيل هو المؤجر ، فإن تولى الحمل
فلا ضمان على المستأجر ، ولا
__________________
______________________________________________________
يجب عليه سوى
المسمى ، لكن يجب عليه رد الزيادة إلى بلد الأجرة ، سواء علم المستأجر بالحال أم
لا.
ولو تولى المستأجر
الحمل ، فإن كان عالماً بالزيادة فكما لو كان بنفسه ، وإن كان جاهلاً ، فإن أمره
المؤجر بالحمل فلا ضمان عليه ، وعلى المؤجر رد الزيادة للغرور ، وإن لم يأمره ففي
كون المستأجر مغروراً بفعل المؤجر الاحتمال السابق ، ولو أمره المؤجر بالحمل مع
علمه بالزيادة ففي لزوم أجرتها نظر.
إذا عرفت هذا فعد
إلى عبارة الكتاب ، واعلم أن قوله : ( فإن كان المستأجر تولى الكيل من غير علم
المؤجر ) لا حاجة إلى التقييد بعدم علم المؤجر إذا كان المستأجر هو المتولي للحمل.
ثم إن ظاهر إطلاقها يقتضي تضمين المستأجر إذا تولى المؤجر الحمل ، سواء أخبره
كذباً أم لا ، وسواء أمره بالحمل أم لا ، وفي بعض الصور الاحتمال السابق.
ثم إن قوله : (
وإن كان المؤجر فلا ضمان إلا في المسمى ) مع قوله : ( ولا فرق بين أن يتولى الوضع
من تولى الكيل أو غيره ) يقتضي عدم ضمان المستأجر إذا تولى الحمل ، سواء علم
بالحال أم لا ، وسواء أمره المؤجر بالحمل مع جهله أو علمه أم لا ، مع أنه إذا كان
عالماً بالحال ولم يأمره المؤجر يضمن قطعاً ، ومع الجهل يجيء الاحتمال السابق.
واعلم أيضاً أنه
لا فرق في الزيادة في الكيل بالنسبة إلى الأحكام المذكورة بين أن يقع عمداً ، أو
غلطاً ، لأن الغلط لا يسقط الضمان ، ولا يصيّر ما ليس بحق حقاً.
واعلم أيضاً أنه
لو تولّى الحمل على الدابة أجنبي غير المؤجر والمستأجر ، فإن كان بأمر من فعل
الزيادة فالضمان على فاعلها مع جهل الأجنبي لا علمه ، وكذا لو كان بأمر الآخر ، إن
عددنا مجرد الكيل والتهيئة
وإن تولاه أجنبي
من غير علمهما فهو متعد عليهما.
ويضمن الصانع ما
يجنيه وإن كان حاذقاً ، كالقصّار بخرق الثوب ، والحمّال يسقط حمله عن رأسه أو يتلف
بعثرته ، والجمال يضمن ما تلف بقوده وسوقه وانقطاع حبله الذي شد به حمله ، والملاح
يضمن ما يتلف من يده أو جذفه أو ما يعالج به السفينة.
______________________________________________________
للحمل غروراً ،
وفيه ما سبق. ثم إنه في كل موضع يكون رد الزيادة مضموناً فالزيادة مضمونة بطريق
أولى.
قوله
: ( وإن تولاه أجنبي
من غير علمهما فهو متعدٍ عليهما ).
إن تولى الأجنبي
مع الكيل الحمل فلا كلام في ضمانه الدابة ، واجرة الزيادة ، والزيادة ، وردها. وإن
تولاه أحد المتعاقدين ، وهو عالم فالحكم متعلق به كما لو كان بنفسه. وإن كان
جاهلاً ، فإن دلّس عليه الأجنبي فهو كما لو حمل بنفسه ، وإلا فإن عددنا الكيل
والإعداد للحمل غروراً ضمن ، وإلا فلا.
قوله
: ( ويضمن الصانع ما
يجنيه وإن كان حاذقاً ، كالقصّار يخرق الثوب ، والحمال يسقط حمله عن رأسه أو يتلف
بعثرته ، والجمّال يضمن ما تلف بقوده وسوقه وانقطاع حبله الذي يشد به حمله ،
والملاح يضمن ما تلف في يده أو جذفه أو ما يعالج به السفينة ).
للنص ، والإجماع
في ذلك كله سواء قصّر أم لا ، لأن إتلاف مال الغير بغير حق ولا إذن لا يسقط وجوب
ضمانه عدم التقصير في حفظه.
ولو قال : (
وانقطاع الحبل الذي يشد به حمله ) لكان أشمل ، لأن الحبل لو لم يكن للمؤجر وانقطع
فتلف من الحمل شيء بانقطاعه فضمانه على
__________________
والطبيب ،
والكحّال ، والبيطار ، سواء كان مشتركاً أو خاصاً ، وسواء
______________________________________________________
المؤجر ، وإن كان
للمستأجر ، لأن المؤجر للنقل يجب عليه كلما بعدّ من لوازمه ، فإذا تلف شيء بسببه
في هذه الحالة ضمنه كانقطاع الحبل.
وهل يعدّ التلف
بتعثر الدابة جناية من الأجير في حال وجوب كونه معها؟ احتمال. ولعله كانكسار
السفينة ، فإنه لا ضمان به لو تلف شيء من المتاع بغير تقصير من الملاّح ، ولا
بفعله البتة. وهذا بخلاف انقطاع الحبل فإنه منسوب إليه ، لأن شدّه من فعله ،
ولرواية السكوني عن أمير المؤمنين 7 : أنه كان لا يضمن من الغرق ، والخرق ، والشيء الغالب ،
والجدف ، بالدال والذال ما نقل في الصحاح عن ابن دريد إن مجداف
السفينة بالدال والذال جميعاً لغتان فصيحتان ، والمراد : ( ما يعالج به السفينة )
الحبل والخشبة ونحوهما .
قوله
: ( والطبيب
والكحّال والبيطار ).
معطوف على ما سبق
، والمعنى : أنهم يضمنون إذا أتلفوا إلا مع البراءة من البالغ العاقل ، وولي الطفل
والمجنون ، لما روي عن علي 7 : « من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من صاحبه وإلا فهو
ضامن » وكذا الختّان والحجّام ، قال في التحرير : ولو لم يتجاوز
محل القطع مع حذقهم في الصنعة ، فاتفق التلف فإنهم لا يضمنون . وهذا صحيح إن لم
يكن التلف مستنداً إلى فعلهم.
قوله
: ( سواء كان
مشتركاً أو خاصاً ، وسواء كان في ملكه أو
__________________
كان في ملكه أو
ملك المستأجر ، وسواء كان رب المال حاضراً أو غائباً ، وسواء كان الحمل الساقط
بالسوق والقود آدمياً أو غيره.
ولو أتلف الصانع
الثوب بعد عمله تخيّر المالك في تضمينه إياه غير معمول ولا أجر عليه ، وفي تضمينه
إياه معمولاً ويدفع إليه أجرة. ولو نقصت قيمة الثوب عن الغزل فله قيمة الثوب خاصة
، للإذن في
______________________________________________________
ملك المستأجر ،
وسواء كان رب المال حاضراً أو غائباً ، وسواء كان الحمل الساقط بالسوق والقود ،
آدمياً أو غيره ).
فرّق بعض العامة
بين الأجير المشترك والمنفرد كما سبق ، وكذا فرّق جمع منهم بين أن يعمل الأجير في ملك نفسه
فيضمن ، ولا يضمن إن عمل في ملك المستأجر ، ومثله ما لو كان صاحب المتاع حاضراً
فإنهم أجروه كالأجير الخاص في عدم الضمان . ولا ريب في ضمان التالف بجناية الأجير بين كونه آدمياً أو
غيره ، فإذا سقط الراكب أو المتاع بسوق الأجير أو قوده ضمن.
قوله
: ( ولو أتلف الصانع
الثوب بعد عمله تخيّر المالك : في تضمينه إياه غير معمول ولا أجر عليه ، وفي
تضمينه إياه معمولاً ويدفع إليه أجره ).
والسر فيه أن أجر
العمل لا يستقر إلا بعد تسليمه ، والفرض إنه لم يتسلمه فلم تستقر عليه أجرة.
وإنما استحق
تضمينه إياه معمولاً ، لأنه ملك على تلك الصفة فملك المطالبة بعوضه كذلك ، لكن يجب
عليه أجر العمل وهو المسمى.
قوله
: ( ولو نقصت قيمة
الثوب عن الغزل فله قيمة الثوب خاصة
__________________
النقص ولا أجر.
وكذا لو وجب عليه ضمان المتاع المحمول تخيّر صاحبه بين تضمينه إياه بقيمته في
الموضع الذي سلمه ولا أجر له ، وتضمينه في الموضع الذي أفسده ويعطيه الأجر إلى ذلك
المكان.
ولو استأجره
لحياكة عشرة في عرض ذراع ، فنسجه زائداً في
______________________________________________________
للإذن في النقص
ولا أجر ).
أي : لو نسج الثوب
ثم أتلفه وكانت قيمته ثوباً انقص من قيمته غزلاً فله قيمة الثوب لا قيمة الغزل ،
لأن النقص الحاصل بالنسج غير مضمون لصدوره بالإذن. وحيث لم يكن لعمله أثر في زيادة
القيمة فليس للمالك مطالبة الأجير بشيء منه إذ لا قيمة له ، ولا أجر له إذ لم
يسلم إلى المستأجر عملاً ولا ما يقابله.
قوله
: ( وكذا لو وجب
عليه ضمان المتاع المحمول تخيّر صاحبه بين تضمينه إياه بقيمته في الموضع الذي
سلّمه ولا أجر له ، وتضمينه في الموضع الذي أفسده ويعطيه الأجر إلى ذلك المكان ).
ينبغي أن يكون
الجار من قوله : ( في الموضع الذي سلّمه ) متعلقاً بـ ( تضمينه ) لا ( بقيمته ) ،
فإنه يلزم من استحقاق التضمين في ذلك الموضع استحقاق قيمته فيه ، لأنه موضع الضمان
، بخلاف ما لو علق بالقيمة فإنه لا يلزم منه استحقاق التضمين في ذلك الموضع.
ثم إنه هل يفرّق
بين ما إذا زادت القيمة بالنقل وعدمه؟ ظاهر إطلاق العبارة العدم ، ولعله لكون استحقاق
التضمين في موضع الإفساد هو أثر استحقاق العمل المستأجر عليه ـ أعني النقل ـ فإذا
رضي بالمطالبة في موضع الإفساد فقد رضي بكونه حقاً له ، فيجب عليه المسمى له ،
بخلاف ما إذا طالب بالقيمة في موضع التسليم.
قوله
: ( ولو استأجر
لحياكة عشرة في عرض ذراع ، فنسجه زائداً
الطول والعرض فلا
أجر له عن الزيادة ، وعليه ضمان نقص المنسوج فيها ، فإن كان حاكه زائداً في الطول
خاصة فله المسمى ،
______________________________________________________
في الطول والعرض
فلا أجر له عن الزيادة ، وعليه ضمان نقص المنسوج فيها ).
لا ريب إنه لا
يستحق أجراً للزيادة ، لعدم الإذن فيها ، ولو نقصت قيمة الغزل بالنسج الواقع في
الزيادة ضمن نقص المنسوج فيها ، هذا هو الظاهر من العبارة.
وهل يستحق لحياكة
الأصل أجرة؟ فيه تفصيل ، وقد أشار إليه بقوله : ( فإن حاكه زائداً في الطول خاصة
فله المسمى ). وجهه أنه قد أتى بالمستأجر عليه وزيادة ، كما لو استأجره لضرب مائة
لبنة ، فضرب له مائتين.
وقال بعض الشافعية
: إنه لا يستحق شيئاً البتة ، لا عن الأصل ولا عن الزيادة ، لأنه في آخر الطاقة
الأولى من الغزل صار مخالفاً لأمره ، فإذا بلغ طولها عشرة كان من حقه أن يعطفها
ليعود إلى الموضع الذي بدأ منه ، فإذا لم يفعل وقع ذلك وما بعده في غير الموضع
المأمور.
قال المصنف في
التذكرة : وهو حسن ، ولا ريب أن ما حسّنه حسن. نعم لو لم يلزم من ذلك مخالفة
، كما لو دفع إليه سدى لينسج منه عشراً في طول ذراع فزاد ، فإن له المسمى ، ولا
أجر للزيادة. وهذا كله إذا لم يلزم بالزيادة مخالفة في المأمور ، فلو لزم كما لو
أمره بنسج قدراً صفيقاً أو خفيفاً ، فزاد في المطلوب صفيقاً فصار خفيفاً ، أو نقص
في المطلوب خفيفاً فصار صفيقاً فلا أجر له بحال. وقد نصّ عليه المصنف في التذكرة ، ومثله يجيء في
العرض. ومتى نقص الثوب عن قيمة الغزل مع المخالفة فعليه
__________________
وإن زاد فيهما أو
في العرض احتمل عدم الأجر للمخالفة ، والمسمى.
______________________________________________________
الأرش.
إذا عرفت هذا
فاعلم أن في بعض النسخ : ( فنسجه زائداً في الطول أو العرض ) بالعطف بـ ( أو ) ،
وفي بعضها بالواو. ولا يخفى أن ( أو ) أحسن ، لأن العطف بها يتناول ما إذا زاد في
الطول أو في العرض أو فيهما ، لأن من زاد فيهما فقد زاد في أحدهما ، فيكون هذا
إشارة إلى الأقسام وبياناً لحكم الزيادة ، وما بعده تفصيل لأحكام الأقسام كلها ،
فلا يكون في العبارة تكرار ولا خلل. واعلم أن الذراع مؤنث سماعاً وقد عبر المصنف
بالتذكير.
قوله
: ( وإن زاد فيهما
أو في العرض احتمل عدم الأجر للمخالفة ، والمسمى ).
وجه الثاني أنه
زاد على ما أمره به فكان كزيادة الطول ، وقد عرفت حكم الأصل ، فالأصح أنه لا أجر
له ، لأن المعمول غير المأمور به ، فلا يكون مأذوناً فيه ، ولو نقص فعليه الأرش.
فإن قيل : لم جزم
فيما لو زاد في الطول خاصة بوجوب المسمى ، وتوقف هنا.
قلنا : لأن زيادة
الطول لا تنافي وجود المأمور به ، لأن من أتى بأحد عشر فقد أتى بعشرة ، كما أن من
ضرب مائتي لبنة على وضع مخصوص فقد ضرب مائة. بخلاف زيادة العرض ، لأن ما عرضه ذراع
وربع مخالف لما عرضه ذراع ، ولأن زيادة العرض داخلة في نفس الثوب ، بخلاف زيادة
الطول فإنها خارجة عن المقدّر ، وإنما هي كأجنبي ضم إلى المقدّر ، ولهذا يمكن قطع
زيادة الطول ويبقى الثوب بحاله بخلاف العرض.
والتحقيق أنه لا
فرق بينهما ، ومتى لزم من المخالفة في العرض أو فيهما مخالفة في الصفة المشترطة في
المنسوج فلا بحث في عدم الأجرة ،
وكذا لو نقص فيهما
، لكن هنا إن أوجبناه أسقط بنسبة الناقص.
ولو قال : إن كان
يكفي قميصاً فاقطعه ، فقطعه فلم يكف ضمن.
______________________________________________________
وكل موضع نقص
الثوب عن قيمة الغزل فالأرش ثابت مع المخالفة.
قوله
: ( وكذا لو نقص
فيهما ، لكن هنا إن أوجبناه أسقط بنسبة الناقص ).
أي : وكذا يحتمل
عدم الأجر والمسمى لو نقص في الطول والعرض ، أما على الجمع أو الانفراد. لكن هنا
إن أوجبنا المسمى وجب أن يسقط منه بنسبة الناقص لأنه لم يأت بالمستأجر عليه كله فلا
يستحق جميع المسمى. وإنما يعرف نسبة الناقص في العرض ، أو في الطول مع العرض
بتكسير الثوب باعتبار المستأجر عليه وباعتبار المنسوج ، ثم ينظر مقدار التفاوت
فينسب إلى المستأجر عليه ، وبتلك النسبة يسقط له من المسمى ، والأصح هنا عدم
الأجرة.
ولا يخفى إنه إذا
نقص في الطول على وجه لا يلزم مخالفة إلا في عدم نسج المجموع ، كما لو سلّم إليه
سدى طوله عشر أذرع لينسجه عشراً ، فنسج منه تسعاً وبقي ذراع ، بخلاف ما لو دفع
إليه غزلاً لينسجه عشراً فجعل طول السدي من أول الأمر تسعة ، فإن هذا هو موضع
الاحتمالين ، وعليه يجب أن تنزّل العبارة.
قوله
: ( ولو قال : إن
كان يكفي قميصاً فاقطعه ، فقطعه فلم يكف ضمن ).
لأنه لم يأذن له
في القطع إلا بشرط كونه كافياً قميصاً ، فحيث لم يكف كان عادياً لتصرفه بغير إذن ،
ولا أثر لتوهمه كونه كافياً.
ولو قال : هل يكفي
قميصاً فقال : نعم ، فقال : اقطعه ، فلم يكفه لم يضمن.
ولو قال : اقطعه
قميص رجل ، فقطعه قميص امرأة احتمل ضمان ما بينه صحيحاً ومقطوعاً ، وما بين
القطعين.
ولا يبرأ الأجير
من العمل حتى يسلّم العين ، كالخياط إن كان العمل في ملكه ،
______________________________________________________
قوله
: ( ولو قال : هل
يكفي قميصاً؟ فقال : نعم ، فقال : اقطعه ، فلم يكفه لم يضمن ).
لأنه قطع بالإذن
غير المشروط ، والتقصير من المالك حيث أطلق الإذن اعتماداً على قول الخياط.
قوله
: ( ولو قال : اقطعه
قميص رجل ، فقطعه قميص امرأة احتمل ضمان ما بينه صحيحاً ومقطوعاً ، وما بين
القطعين ).
وجه الأول : أنه
عاد بقطعه قميص امرأة فيضمن أرشه ، وهو تفاوت ما بين كونه صحيحاً ومقطوعاً.
ووجه الثاني : أن
القطع مأذون فيه ، وإنما المخالفة بقطعه قميص امرأة ، فيضمن تفاوت ما بين القطعين
، وليس بشيء ، لأن المأذون فيه هو قطع مخصوص لا مطلق القطع ، فالأصح ضمان ما بين
كونه صحيحاً ومقطوعاً ، إلا أن تكون بعض القطع صالحةً للرجل والمرأة بغير تفاوت
فلا يلزم أرش قطعها ، لأنه مأذون فيه ، ولا أثر لقصد المرأة به.
قوله
: ( ولا يبرأ الأجير
من العمل حتى يسلّم العين كالخياط إن كان العمل في ملكه ).
وذلك لأن العمل
الواجب بعقد الإجارة حق للمستأجر ، فما دام لا
ولا يستحق الأجرة
حتى يسلمه مفروغاً ، فلو تلفت العين من غير تفريط بعد العمل لم يستحق اجرة على
إشكال.
______________________________________________________
يتسلمه لا يبرأ
الأجير من الواجب عليه. وتسليم العمل إنما يكون بتسليم العين. وهذا إذا كان عمل
الأجير في ملك نفسه إذ لا يد للمستأجر عليه ، أما إذا كان في المستأجر فسيأتي حكمه
إن شاء الله تعالى.
قوله
: ( ولا يستحق
الأجرة حتى يسلمه مفروغاً ).
لا ريب أن الأجرة
قد استحقها الأجير بالعقد ، لكن المراد هنا أنه لا يستحق تسليمها إليه حتى يسلّم
العمل مفروغاً منه ، على الوجه الذي جرى عليه العقد ، لأن المعاوضة لا يجب فيها دفع
أحد العوضين من دون دفع العوض الآخر.
قوله
: ( فلو تلفت العين
من غير تفريط بعد العمل لم يستحق اجرة على إشكال ).
لا ريب في ضمانه
مع التفريط ، وعدم تحتم استحقاقه الأجرة كما سبق.
أما مع عدم
التفريط ففي الحكم إشكال ، ينشأ : من أن الإجارة معاوضة ، وحق المعاوضة حصول
العوضين معاً للمتعاوضين ، ليتحقق كون كل منهما في مقابلة الآخر ، وقد انتفى ذلك
في أحدهما فانتفت المقابلة فوجب الانفساخ ، لتعذر مقتضى العقد. ومن أن المستأجر
عليه ـ وهو العمل ـ قد حصل فوجبت الأجرة بفعله ، فإذا تلف بتلف العين بغير تفريط
كان تلفه من المالك.
ويضعّف بأن
المستأجر عليه وإن كان العمل ، لكنه قوبل بالأجرة على طريق المعاوضة ، فما دام لا
يتحقق تسليمه لم يتحقق معنى المعاوضة. وربما بني ذلك على أن القصارة عين أو أثر؟
فإن قلنا : إنها عين سقطت
ولو كان في ملك
المستأجر بريء بالعمل واستحق الأجر به.
ولو حبس الصانع
العين حتى يستوفي الأجرة ضمنها.
______________________________________________________
أجرته ، كما يسقط
الثمن بتلف المبيع قبل القبض ، وإن قلنا : هي أثر لم تسقط الأجرة.
وتنقيحه : أن
القصارة إن كانت كالأموال في أنها تعد مالاً فالحكم الأول ، وإن كانت لا تعد مالاً
وإنما هي صفة للمال فالحكم الثاني. وقد سبق في الفلس أن المنافع تعدّ أموالاً ،
ويشهد له أنها تقابل بالمال ، ويعتبر في صحة المقابلة وجريان المعاوضة عليها كونها
متقومة في نفسها ، ولا معنى لماليتها إلا هذا ، والظاهر عدم استحقاق الأجرة.
قوله
: ( ولو كان في ملك
المستأجر بريء بالعمل واستحق الأجر به ).
لأن المال غير
مسلّم إلى الأجير في الحقيقة ، وإنما استعان المالك به في شغله كما يستعين بالوكيل
والتلميذ ، سواء كان المالك حاضراً عنده أم لا.
ويشكل إذا كان
المالك غائباً وإن كان الأجير في ملكه ، لأن المال في يد الأجير ، وكونه في ملك
المستأجر لا ينفي يده. نعم إذا كان المالك حاضراً وسلطنته على العين بحالها ، فإن
اليد له والأجير كالخادم حينئذ. فإن كان المراد بإطلاق العبارة هذا فهو حق ، وهو
المطابق لما حكاه المصنف في التحرير عن الشيخ حيث قال : وإن كان في ملك المستأجر وهو حاضر قال الشيخ :
له الأجر ، لأنه يسلّم العمل جزءاً فجزءاً . ولم يفت هو بشيء ، وإلا فهو موضع تأمل.
قوله
: ( ولو حبس الصانع
العين حتى يستوفي الأجرة ضمنها ).
__________________
______________________________________________________
في الحواشي
المنسوبة إلى شيخنا الشهيد : إن هذا مبني على أن الحبس غير جائز ، قال : وهو مبني
على أن الصفة لا تلحق بالعين ، قال : ويلزم من عدم جواز الحبس عدم سقوط الأجرة
بتلف العين ، وعدم توقف الاستحقاق على التسليم.
أقول : فعلى ما
ذكره يلزم منافاة كلام المصنف هذا لما سلف فيما لو أتلف العين تخيّر المالك في
تضمينه مع المنفعة ، وبدونها ، ولقوله : ( لا يبرأ الأجير من العمل ... ) وهو خلاف
الظاهر. وقد أطلق القول في التحرير كما هنا.
ولقائل أن يقول :
لم لا يجوز أن يكون الضمان غير متوقف على المنع من الحبس؟ وسنده إن الأجير يستحق
حبس المنفعة بمقتضى المعاوضة حتى يتسلم العوض ، وليس له في حبس العين بالنظر إليها
حق ، لعدم جريان المعاوضة إلا على المنفعة. لكن لما لم يمكن حبس المنفعة بدون حبس
العين وجب أن يجوز له حبس العين ، وإلا لأدى إلى وجوب التسليم قبل التسلم وهو باطل
، لكونه خلاف مقتضى المعاوضة.
ولما كان حبس
العين ضرراً جوز بمقتضى المعاوضة في العمل الجاري على العين بإذن المالك جعلت
مضمونة على الأجير من حصول ضررين ، ولأن حبسها حينئذ إنما هو لمحض حق الأجير
ومصلحته ، فناسب أن تكون مضمونة عليه حينئذ.
ولأن كونه أميناً
مقصور على كونه أجيراً ، وحيث فرغ من العمل وحبسها لأخذ حقها فقد انقضى كونه
أجيراً ، وانتقل إلى حالة اخرى ، فخرج عن كونه أميناً ، لأن ذلك تابع لقبضه لكونه
أجيراً ، ولأن فيه جمعاً بين الحقين فظهر أنه لا منافاة بين جواز الحبس وكون العين
مضمونة ، وهو الظاهر.
__________________
لو اشتبه على
القصّار فدفع الثوب إلى غير مالكه كان ضامناً ، وعلى المدفوع إليه الرد مع علمه ،
فإن نقص بفعله ضمن ورجع على القصّار ثم طالبه بثوبه ، فإن هلك عند القصّار احتمل
الضمان ، لأنه
______________________________________________________
قوله
: ( ولو اشتبه على
القصّار ، فدفع الثوب إلى غير مالكه كان ضامناً ).
لأنه دفع بغير حق
، فيكون عدواناً فيقتضي الضمان. وعدم تأثيمه لامتناع تكليف الغافل لا يقتضي نفي
الضمان مع وجود سببه.
قوله
: ( وعلى المدفوع
إليه الرد مع علمه ).
لا ريب أن رد
الثوب على مالكه حق ثابت عليه ، سواء علم أم لم يعلم ، لأن الحق لا يسقط بعدم
العلم به.
ولعل المصنف قيّد
بقوله : ( مع علمه ) لما يقتضي ظاهر ( وعلى المدفوع إليه ... ) من الوجوب ، لأن (
على ) بحسب الاستعمال تفيد ذلك ، ويمتنع الوجوب مع عدم العلم لامتناع تكليف
الغافل.
قوله
: ( فإن نقص بفعله
ضمن ورجع على القصّار ).
أما ضمانه فظاهر ،
لكونه متعدياً ، وأما رجوعه على القصّار ، فلأنه غرّه بتسليم الثوب إليه ، على أنه
ثوبه المقتضي لتسلطه على التصرفات التي لا يعقبها ضمان.
قوله
: ( ثم طالبه بثوبه
).
لا يراد بـ ( ثم )
هنا تراخي المطالبة بثوبه عن الأول ، بل أراد بها الإشعار بأن هذا حق آخر باقٍ
منفصل عن الغرم ، فيستحقه مع الرجوع بما غرم ، فالتراخي هنا بمعنى آخر مجازاً.
قوله
: ( فإن هلك عند
القصّار احتمل الضمان ، لأنه أمسكه بغير
أمسكه بغير إذن
مالكه بعد طلبه ، وعدمه لعدم تمكنه من رده ، والشروط السائغة لازمة.
فلو شرط أن لا
يسير عليها ليلاً ، أو وقت القائلة ، أو لا يتأخر بها عن القافلة ، أو لا يجعل
سيره في آخرها ، أو لا يسلك بها طريقاً معيناً فخالف ضمن وإن تلفت لا بسبب فوات
الشرط.
وللمستأجر ضرب
الدابة بما جرت العادة به ، وتكبيحها باللجام ، وحثها على السير ولا ضمان.
______________________________________________________
إذن مالكه بعد
طلبه وعدمه لعدم تمكنه من رده ).
لا ريب في أن
الاحتمال الأول أقوى ، لأن يد العدوان المقتضية للضمان متحققة ، وعدم علمه بالحال
لا يكون عذراً. فإن منع الغر ملكه بغير حق موجب للضمان على كل حال ـ عمداً وجهلاً
ونسياناً ـ بالنص والإجماع.
وقوله في الوجه
الثاني : ( لعدم تمكنه من رده ) ليس له أثر في سقوط الضمان ، لأن يد العدوان موجبة
للضمان مع إمكان الرد وبدونه.
قوله
: ( والشروط السائغة
لازمة ).
المراد بها التي
لا تنافي مقتضى العقد ، ولا تخالف الكتاب والسنة.
قوله
: ( فلو شرط أن لا
يسير عليها ليلاً ـ إلى قوله : ـ فخالف ضمن وإن تلفت لا بسبب فوات الشرط ).
لأن يده حين
المخالفة يد عدوان تقتضي الضمان.
قوله
: ( وللمستأجر ضرب
الدابة بما جرت العادة به ، وتكبيحها باللجام ، وحثها على السير ولا ضمان ).
وللمعلم ضرب
الصبيان للتأديب ، ويضمن لو جنى بتأديبه. ولو ختن صبياً بغير إذن وليه ، أو قطع
سلعة إنسان بغير إذنه ، أو من صبي
______________________________________________________
قال في الصحاح :
كبحت الدابة إذا جذبتها إليك باللجام لكي تقف ولا تجري ، يقال : اكمحتها ،
واكفحتها ، وكبحتها هذه وحدها بلا ألف عن الأصمعي .
وما أفتى به
المصنف هنا من عدم الضمان بالضرب الموافق للعادة موافق لفتواه في التحرير .
وقال في التذكرة
بضمان جناية الضرب ، سواء وافق العادة أم لا ، لأن الإذن منوط بالسلامة . والأول لا يخلو
من قوة ، لأن حث الدابة على السير المعتاد ، وضربها لذلك على مقتضى العادة حق
للمستأجر اقتضاه عقد الإجارة ، فإذا نشأ عنه تلف الدابة وجب أن لا يترتب عليه ضمان
، كما لو تلفت بالحمل المستأجر عليه وبقوة شده المعتادة.
قوله
: ( وللمعلم ضرب
الصبيان للتأديب ، ويضمن لو جنى بتأديبه ).
أما أن له الضرب
المعتاد فلا بحث فيه ، وأما أنه يضمن جناية ، فلأنه أجير والأجير يضمن الجناية وإن
لم يقصّر كالطبيب. ولو أخذ البراءة ففي سقوط الضمان بها نظر.
ولو ضرب امرأته
للتأديب فماتت فقد قال المصنف في التحرير : إنه يضمن ، وللنظر فيه
مجال ، لأن الضرب حق له لا لمصلحتها.
قوله
: ( ولو ختن صبياً
بغير إذن وليه ، أو قطع سلعة إنسان بغير
__________________
بغير إذن وليه
فسرت الجناية ضمن.
ولو أخذ البراءة
ففي الضمان إشكال.
ويضمن الراعي
بتقصيره ، بأن ينام عن السائمة ، أو يغفل عنها ، أو يتركها تتباعد عنه ، أو تغيب
عن نظره ، أو يضربها بإسراف ، أو في غير موضع الضرب ، أو لا لحاجة ، أو يسلك بها
موضعاً يتعرض فيه للتلف.
______________________________________________________
إذنه ، أو من صبي
بغير إذن وليه فسرت الجناية ضمن ).
لأنه عادٍ بفعله
قطعاً ، ولو فعل ذلك بإذن من له الولاية قال في التحرير : لم يضمن إلا مع التعدي . وفيه نظر ، لأن
الأجير ضامن لجنايته وإن بالغ في الاحتياط ، ولظاهر قول أمير المؤمنين 7 : « من تطبب أو
تبيطر فليأخذ البراءة من صاحبه وإلا فهو ضامن » ، ومفهوم عبارة
الكتاب موافق لما في التحرير.
قوله
: ( ولو أخذ البراءة
ففي الضمان إشكال ).
ينشأ : من أنه
إبراء مما لم يجب ، ومن دعاء الضرورة إليه ، وأنه مما يقتضي إعراض الناس عن هذا الفعل
فيضيق على الناس أحوالهم ، ولقوله 7 : « من تطبب أو تبيطر » الحديث ، وقد سبق ، وهذا أقوى.
قوله
: ( ويضمن الراعي
بتقصيره ، بأن ينام عن السائمة ، أو يغفل عنها ، أو يتركها تتباعد عنه ، أو تغيب
عن نظره ، أو يضربها بإسراف ، أو في غير موضع الضرب ، أو لا لحاجة ، أو يسلك بها
موضعاً يتعرض للتلف ).
وكذا كل ما أشبه
ذلك ، للتقصير في الحفظ أو تعدي ما يجوز.
__________________
ولو دفع إلى غيره
شيئاً ليعمل فيه عملاً استحق الصانع أجرة مثل العمل إن كان العمل ذا أجرة عادة ،
وإلاّ فلا.
______________________________________________________
قوله
: ( ولو دفع إلى
غيره شيئاً ليعمل فيه عملاً استحق الصانع أجرة مثل العمل إن كان العمل ذا أجرة
عادة ، وإلا فلا ).
أي : لو دفع إلى
قصّار ثوباً ليقصره ، أو إلى خياط ليخيطه ونحو ذلك ، ومثله لو جلس بين يدي حلاق
ليحلق رأسه ، أو دلاّك ليدلّكه ونحو ذلك ، ولم يجر بينهما للأجرة ذكر نفياً ولا
إثباتاً فإن العامل يستحق اجرة مثل ذلك العمل إن كان له اجرة عادة ، سواء كان من
عادته أن يستأجر لذلك العمل كالغسّال والقصّار أم لا. أما إذا كان من عادته ذلك
فللحمل على مقتضى العادة المستمرة ، فإن ذلك لا يقصر عن أن يكون معاطاة في الإجارة
، ولأن العمل المحترم لا يحل بغير عوض ، إلا بإباحة مالكه ولم يتحقق. وهذا هو دليل
ما إذا كان العمل ذا أجرة عادة ، ولم يكن من عادة فاعله الاستئجار له.
أما إذا لم يكن
للعمل اجرة بحسب العادة فلا شيء ، صرح به المصنف في التذكرة وغيرها ، وينبغي تحقيقه :
فإن كان المراد ما لا يعدّ متقوماً عادة ، بحيث يقابل بأجرة حتى إن ما كان متقوماً
تجب الأجرة بمجرد الأمر بفعله. وإن جرت العادة بعدم أخذ الأجرة عنه ، كاستيداع
المتاع فهو بعيد ، وإن كان قد سبق في الوديعة احتمال الأجرة.
وإن كان المراد
أعم من ذلك ، وهو ما لا أجرة له عادة ، سواء كان متقوماً بحيث تجوز مقابلته بالعوض
أم لا ، فهو حسن ، وظاهر العبارة لا يأبى العموم.
__________________
ولو آجر مملوكه ،
أو استؤجر بإذنه فأفسد ضمن المولى في سعيه.
______________________________________________________
قوله
: ( ولو آجر مملوكه
أو استؤجر بإذنه فأفسد ضمن المولى في سعيه ).
لأن ذلك بإذن
المولى ، فيكون مضموناً عليه في سعي العبد ، فإن يده كيده مع الإذن ، وهو اختيار
المصنف في المختلف .
وقال أبو الصلاح :
إن ضمان ما يفسده العبد على المولى ، وهو قول الشيخ في النهاية ، وتشهد له رواية
زرارة وأبي بصير في الحسن عن الصادق 7 قال : « قال أمير المؤمنين 7 في رجل كان له غلام فاستأجره منه صانع أو غيره قال : إن
كان ضيع شيئاً ، أو أبق منه فمواليه ضامنون » .
والأصح أنه إن كان
ذلك جناية على نفس أو طرف ، كما لو كان طبيباً تعلق برقبة العقد ، وللمولى فداؤه
بأقل الأمرين من القيمة والأرش ، لكن هذا لا يتقيد بإذن المولى.
وإن كان جناية على
مال ، كما لو كان قصّاراً فخرق الثوب فإنه لا شيء على المولى وإن كانت الإجارة
بإذنه ، لأن الإذن في العمل ليس إذناً في الإفساد ، فيتبع بجنايته بعد العتق ، وهو
اختيار ابن إدريس . ولا دليل في الرواية على خلاف ذلك ، فتحمل على ما إذا كان
التضييع بإذن المولى لظاهر( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرى ) ، وليس الإذن في العمل إذناً في
__________________
ولا يضمن الحمّامي
إلاّ مع الإيداع والتفريط.
ويصح إسقاط الأجرة
المعيّنة بعد تحققها في الذمة ، والمنفعة الثابتة في الذمة دون المنفعة المعيّنة.
ولو تسلّم أجيراً ليعمل له صنعة ، فهلك لم يضمنه وإن كان صغيراً أو عبداً.
______________________________________________________
الإفساد.
قوله
: ( ولا يضمن
الحمّامي إلا مع الإيداع والتفريط ).
لأنه أمين كما
تضمنته رواية غياث بن إبراهيم عن الصادق 7 ، عن الباقر 7 ، عن علي 7 .
قوله
: ( ويصح إسقاط
الأجرة المعينة بعد تحققها في الذمة ، والمنفعة الثابتة في الذمة دون المنفعة
المعينة ).
المراد بإسقاطها :
الإبراء منها ، وإنما يصح الإبراء من الشيء إذا كان في الذمة ، أما إذا كان عيناً
موجودة ، أو منفعة متعلقة بعين مخصوصة فإن الإبراء منها لا يعقل.
ولو أبرأه من وجوب
تسليمها لم يجب عليه التسليم في الحال ، لكن لا يخرج عن ملكه بذلك.
قوله
: ( ولو تسلّم
أجيراً ليعمل له صنعة فهلك لم يضمنه وإن كان صغيراً أو عبداً ).
لا بحث في عدم
الضمان إذا كان التسلم على الوجه الشرعي ، فأما إذا قهر الأجير على أخذه ليعمل عنده
فإنه لا يضمن الحر البالغ ، ولا ثيابه التي عليه على الأصح كأنها تحت يده خلافاً. .
__________________
ولو استأجر الدابة
لحمل قفيز ، فزاد فهو غاصب ضامن للجميع.
ولو سلّم إلى
المؤجر وقال : إنه قفيز وكذب فتلفت الدابة بالحمل ضمن النصف ، ويحتمل بالنسبة.
ولو استأجر للقصاص
ثم عفى سقط القصاص ولا أجرة ،
______________________________________________________
والحر لا يدخل تحت
اليد ، ويضمن العبد مطلقاً ، والحر الصغير قد سبق حكمه في الغصب.
قوله
: ( ولو استأجر
الدابة لحمل قفيز فزاد فهو غاصب للجميع ).
المراد إذا أخذ
الدابة وحمّلها زائداً فإنه عادٍ حينئذٍ ، سواء كان ذلك عن عمد أم لا.
قوله
: ( ولو سلّم إلى
المؤجر وقال : إنه قفيز وكذب ، فتلفت الدابة بالحمل ضمن النصف ، ويحتمل بالنسبة ).
أما النصف فلتلفها
بسببين أحدهما عدوان. وأما اعتبار النسبة ، فلأن التلف مستند إلى ثقل الحمل فيوزع
على أجزائه ، ويحتمل ضمان الجميع ، وهو الأصح ، لأنه عاد بتحميل الزيادة لجميع
الدابة.
والفرق بين الاولى
والثانية : أن الغاصب ـ وهو المستأجر ـ صاحب اليد هناك ، وهنا اليد للمالك ، ولا
أثر لهذا الفرق عندنا ، وقد سبق في كلام المصنف في أول الفصل الرابع في الضمان
خلاف هذا ، وموضع هاتين المسألتين ما سبق عند ظهور زيادة الكيل.
قوله
: ( ولو استأجر
للقصاص ثم عفا سقط القصاص ولا أجرة ).
لأن المستأجر عليه
قد تعذر شرعاً ، والعفو مطلوب ، فهو كما لو
فإن اقتص الأجير
مع العلم ضمن ، ولا معه يستقر الضمان على المستأجر إن تمكن من الإعلام ، وإلاّ
فإشكال.
______________________________________________________
استأجرها لكنس
المسجد فعالجت نفسها فحاضت ، فإن الإجارة تنفسخ فتسقط الأجرة.
قوله
: ( فإن اقتص الأجير
مع العلم ضمن ).
لعدوانه ، فيقتص
منه.
قوله
: ( ولا معه يستقر
الضمان على المستأجر إن تمكن من الإعلام ).
لأنه بالاستئجار
له قد استدعى منه الفعل ، فصار مطلوباً منه بالإجارة في كل زمان ، فإذا لم يعلمه
بالعفو مع تمكنه يكون قد غرّه فيستحق الرجوع عليه.
قوله
: ( وإلا فإشكال ).
أي : وإن لم يتمكن
من الإعلام فإشكال ، ينشأ : من أن المستأجر هو السبب في الاقتصاص والمباشر ضعيف
بالغرور ، فيكون الضمان على السبب ، ومن أن المستأجر لعجزه عن الإعلام ، وعدم
تمكنه منه يمتنع تكليفه به ، لامتناع تكليف ما لا يطاق ، فيتعلق الحكم بالمباشر ،
لأنه الجاني.
ويضعّف بأن
المستأجر بعدم تمكنه من الإعلام لا ينتفي عنه كونه غارّاً ، فإنه باستئجاره سلّط
الأجير على الاقتصاص ، فإذا عفا بدون علمه فقد غره بذلك فيكون ضامناً فيرجع عليه
بالدية ، وهو الأصح.
فرع : قال المصنف في التذكرة : أجرة القصاص تجب على المقتص منه
، لأنه أجر يجب لإيفاء حق ، فكان على الموفي كأجرة الكيال
الفصل الخامس :
في التنازع.
لو اختلفا في أصل
الإجارة فالقول قول منكرها مع اليمين ، فإن وقع الاختلاف بعد استيفاء المنافع
وإتلاف الأجرة ، فإن كان المدعي المالك فله المطالبة بالمختلف من اجرة المثل ،
وليس للمستأجر طلب الفاضل من المسمى لو كان ، ولا ضمان في العين. وإن كان هو
المستأجر لم يسقط ضمان العين إن أنكر المالك الإذن في التصرف ، ولم يكن للمستأجر
المطالبة بالفاضل عن أجرة المثل إن كان.
______________________________________________________
والوزان .
قوله
: ( لو اختلفا في
أصل الإجارة فالقول قول منكرها مع اليمين ).
كما في كل منكر ،
سواء كان الاختلاف قبل استيفاء المنافع أو بعده ، فإن كان قبله فالأمر واضح ، فإنّ
كلا يرجع إلى ماله ، فلذلك لم يتعرض إليه المصنف.
وإن كان بعده فقد
أشار إلى حكمه ب :
قوله
: ( فإن وقع
الاختلاف بعد استيفاء المنافع وإتلاف الأجرة ، فإن كان المدعي المالك فله المطالبة
بالمتخلف من اجرة المثل ).
الظاهر أن إتلاف
الأجرة وعدمه لا دخل له في تصوير المسألة ، بل الحكم مترتب على كون الاختلاف بعد
استيفاء المنافع ، وإن كان أثره قد يظهر بالنسبة إلى المطالبة بالزائد وعدمه. وكذا
بعض التأويلات في قوله : ( لم يسقط ضمان العين إن أنكر المالك الإذن في التصرف ).
__________________
______________________________________________________
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن هذه العبارة قد ذكر جمع أنهم كانوا يبحثون فيها عند المصنف ، وأطبقوا على
احتياجها إلى الإصلاح ، وحيث لم يصلحها المصنف تمحّلوا لها تأويلات ، لعدم إمكان
إجرائها على ظاهرها.
وإنما قلنا : إنه
لا يمكن إجراؤها على ظاهرها ، لأن المتبادر من قوله : ( فإن كان المدعي المالك )
أن المراد به مالك العين وهو المؤجر. ولا ريب أنه إذا كان كذلك لا يستقيم الحكمان
المذكوران بعده :
أحدهما : أن له
المطالبة بالمتخلف من أجرة المثل ـ أي الزائد على المسمى منها ـ فإنه إذا كان هو
المدعي للإجارة ، فهو بزعمه مستحق للمسمى لا لأجرة المثل ، فكيف يستحق المطالبة
بالزائد عليه من أجرة المثل.
الثاني : أنه ليس
للمستأجر طلب الفاضل من المسمى عن اجرة المثل لو كان هناك فاضل ، فإنه حيث كان
منكراً للإجارة إذا حلف لنفيها ، وقد استوفى المنافع وجب عليه أجرة المثل عنها لا
المسمى ، فلو كان فيه زيادة عن أجرة المثل كان له طلبها ، فكيف يستقيم نفي
استحقاقه طلب ذلك الزائد.
وكذا قوله : ( على
تقدير كون المدعي للإجارة هو المستأجر ولم يكن للمستأجر المطالبة بالفاضل من اجرة
المثل إن كان ) لا يستقيم أيضاً على ظاهره ، لأنه إذا كان المدعي للإجارة هو
المستوفي لمنافع العين ، كان بزعمه أن الواجب عليه هو المسمى خاصة ، فتكون له
المطالبة بالفاضل من اجرة المثل عن المسمى.
ويمكن تخريجه على
أنه وإن كان هو المدعي للإجارة ، إلا أنه إذا حلف المالك لنفي الإجارة وجب له أجرة
المثل ، فلا يكون للمستأجر المطالبة بالزائد من أجرة المثل عن المسمى ، لأنه
الواجب بعد اليمين ، أما ما قبله فلما لم يمكن إجراؤه على ظاهره ارتكب جماعة له
تأويلات :
______________________________________________________
أحدها : حمل
المدعي في قوله : ( فإن كان المدعي المالك ) على مدعي فساد العقد ، وإن القول قوله
بيمينه ، فإن الحكمين يستقيمان حينئذ لكن فيه ـ مع أنه خلاف الظاهر ، وإن تقديم
قول مدعي الفساد بيمينه باطل ـ إن مقابله وهو قوله : ( وإن كان هو المستأجر ... ) لا
يستقيم إلا على أن المراد هنا كونه مدعيا لأصل الإجارة وأن الاختلاف فيه ، لا أنه مدع
للفساد وأن الاختلاف في الصحة والفساد ، وذلك لأن العين غير مضمونة مع الفساد ،
لأن العقد الذي لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، فلا تكون أقسام المسألة مطابقة ،
ولا تكون المسألة مستوفاة على واحد من التقديرين.
الثاني : حمل قوله
: ( فإن كان المدعي المالك فله المطالبة ) بالمتخلف من اجرة المثل ، على أنه بعد
يمين المستأجر لنفي الإجارة ، أو قبله أكذب نفسه في الدعوى ، فإنه حينئذ يستحق
أجرة المثل بإقرار المستأجر وتصديقه إياه ، فله طلب الفاضل من أجرة المثل لو كانت
أزيد من المسمى.
وحمل قوله : (
وليس للمستأجر طلب الفاضل من المسمى لو كان ) على أن المراد لو كان هو المدعي
للإجارة ، والمالك هو المنكر لها ، لأنه حينئذ معترف باستحقاق المسمى في مقابل
المنافع.
وهذا الحمل فيه
قبح ، من حيث أن الأحكام المذكورة لا تكون متطابقة ، لأن الأول حكم ما إذا أكذب
نفسه ، ولم يذكر باقي أقسام إكذاب نفسه ، والثاني من أحكام قوله : ( ولو كان هو
المستأجر ) فيكون تقديمه عليه مخلا بنظم المسألة. مع أن المتبادر من قوله : ( لو
كان خلاف ذلك ) أي : لو كان هناك فاضل ، ويكون حكم المدعي إذا لم يكذب نفسه قد أخل
به ، على أن حمل ذلك على إكذاب نفسه تعسف عظيم ، وارتكاب لأمر بعيد عن ظاهر اللفظ
جدا. ولا يخفى أن ارتكاب مثل هذا يكاد يخرج به الكلام عن كونه عربيا.
______________________________________________________
الثالث : حمل
المالك في قوله : ( فإن كان المدعي المالك ) على أن المراد به مالك الأجرة ، وأن
الهاء في قوله : ( فله ) تعود إلى المنكر وهو مالك العين المؤجرة ، وإن لم يجر له
ذكر فيستقيم حينئذ قوله : ( فله المطالبة بالمتخلف من أجرة المثل ) ، وقوله : (
وليس للمستأجر طلب الفاضل ... ) ، ويكون قوله : ( ولا ضمان في العين ) أي : في عين
الأجرة التي فرضناها تالفة.
وينزّل قوله : (
وإن كان هو المستأجر ) على أنه بفتح الجيم ، وأن المراد به المالك ، أي : وإن كان
المدعي هو مالك المستأجر لم يسقط ضمان العين ، أي : ضمان عين الأجرة التالفة إن
أنكر مالكها الإذن في التصرف فيها ، وليس للمستأجر المطالبة بفاضل أجرة المثل ،
لإنكاره الإجارة واعترافه باستحقاق أجرة المثل عليه.
وهذا أيضا أقبح من
الأول ، وأشنع في ارتكاب ما لا ينتقل الفهم إليه أصلا ، ولا ريب إن التزام غلط
العبارة وفسادها أسهل من هذه التأويلات المستهجنة.
وإذا أردنا تحقيق
المسألة قلنا : لا يخلو : إما أن يكون المدعي لوقوع الإجارة هو مالك العين ، أو
المتصرف في المنافع. فإن كان الأول فإنّ القول قول المتصرف بيمينه ، فإذا حلف
انتفت الإجارة ووجبت أجرة المثل. فإن كانت أزيد من المدفوع ـ الذي هو المسمى بزعم
المالك ـ لم تكن له المطالبة به ، لأنه بزعمه لا يستحقه. ولو زاد المدفوع على أجرة
المثل كان للمنكر المطالبة به ، لأن الواجب بزعمه عليه هو أجرة المثل ، ولا ضمان
في العين المستأجرة بزعم المالك كما هو ظاهر.
وإن كان المدعي هو
المستأجر فالقول قول المالك بيمينه ، فإذا حلف استحق أجرة المثل ، وكانت العين
المستأجرة مضمونة على المستأجر ، ولم
ولو اختلفا في قدر
الأجرة ، فقال : آجرتك سنة بدينار ، فقال : بل بنصفه فالقول قول المستأجر مع
يمينه.
ولو اختلفا في
المدة فقال : آجرتك سنة بدينار ، فقال : بل سنتين بدينارين فالقول قول المالك مع
يمينه.
______________________________________________________
يكن له المطالبة
بالفاضل من أجرة المثل عن المسمى ، ولا بالفاضل من المسمى.
ولو أكذب المالك
نفسه في الدعوى لاستحق المطالبة بالزائد من أجرة المثل ، وكانت العين مضمونة. ولو
أكذب المستأجر نفسه في الإنكار لم يكن له طلب الزائد من المسمى عن أجرة المثل. ولو
أكذب المستأجر نفسه في الدعوى في الشق الثاني لكان له طلب الفاضل من المسمى عن
أجرة المثل. ولو أكذب المؤجر نفسه في الإنكار كان للمستأجر طلب الزائد من أجرة
المثل عن المسمى ، ولو كان الاختلاف في صحة الإجارة وفسادها فالقول قول مدعي الصحة
بيمينه ، والعين أمانة على التقديرين.
ثم إن كان مدعي
الفساد هو المالك لم يكن له المطالبة بفاضل المسمى عن أجرة المثل إن كان ، وإن وجب
على المستأجر دفعه.
وإن كان هو
المستأجر فليس له طلب الزائد من اجرة المثل عن المسمى ، لأنه الواجب بزعمه ، وإن
لم يكن للمالك طلبه لو لم يكن قد قبضه ، فهذه أحكام المسألة.
قوله
: ( ولو اختلفا في
قدر الأجرة ، فقال : آجرتك سنة بدينار ، فقال : بل بنصفه فالقول قول المستأجر مع
يمينه. ولو اختلفا في المدة فقال : آجرتك سنة بدينار ، فقال : بل سنتين بدينارين
فالقول قول المالك مع يمينه ).
أما الحكم في
الأولى ، فلأنهما قد اتفقا على العقد وعلى العين
______________________________________________________
والمدة ، ووقع
الاختلاف في زيادة الأجرة ، فالقول قول المستأجر بيمينه في نفيها.
وأما الثانية ،
فلاتفاقهما على العقد والعين والأجرة ، واختلفا في زيادة المدة ، فالقول قول من
ينفيها وهو المالك بيمينه.
فإن قلت : إنهما
مع الاختلاف في المدة مختلفان في الأجرة أيضا.
قلت : لما اتفقا
على أن الأجرة عن السنة دينار لم يكن بينهما اختلاف فيها من حيث هي هي ، إنما
الاختلاف في المدة ، وبسبب الاختلاف فيها لزم الاختلاف في زيادة الأجرة وعدمها.
ولا يخفى أن هذا
إنما يتم إذا ادعى التصريح مع الاستئجار سنتين بدينارين ، بأن الأجرة لكل سنة
دينار ، أو كانت السنتان متساويتين في الأجرة في الواقع بالنسبة إلى ذلك الشيء.
ثم إنه مع هذا لا
يندفع الاختلاف في الأجرة وإن كان ناشئا عن الاختلاف في المدة. ويحتمل قويا
التحالف في المسألتين معا ، لأن كلا منهما مدع ومنكر ، وما ذكر في الاستدلال من
اتفاقهما على ما عدا الأجرة في الأولى ، وعلى ما عدا المدة في الثانية غير واضح ،
إذ لا اتفاق بينهما ، لأن أحدهما يدّعي وقوع العقد على العين مدة كذا بالأقل مثلا
، والآخر يدّعي وقوع ذلك بالأكثر.
ولا ريب أن
المقارن لأحد المتقابلين غير المقارن للمقابل الآخر ، فكيف يكون عينه حتى يدّعى
الاتفاق على وقوعه؟ نعم هو مثله. وتخيل أن القدر المشترك بينهما متفق على وقوعه
فاسد ، لأن القدر المشترك من حيث هو كذلك يمتنع وجوده في الخارج ، فالواقع إنما هو
المقيّد لا المشترك ، وليس بين هاتين المسألتين والتي بعدهما فرق مؤثر ليفرّق
المصنف بينهما في
ولو قال : بل
سنتين بدينار ، فهنا قد اختلفا في قدر العوض والمدة فالأقرب التحالف ، فإذا تحالفا
قبل مضي شيء من المدة فسخ العقدان ، ورجع كل منهما في ماله ، فإن رضى أحدهما بما
حلف عليه الآخر أقر ، العقد
______________________________________________________
الفتوى ، ولا ريب
في قوة احتمال التحالف.
قوله
: ( ولو قال : بل
سنتين بدينار فقد اختلفا في قدر العوض والمدة فالأقرب التحالف ).
أما الاختلاف في
المدة فظاهر ، وأما الاختلاف في العوض فإنه على قول أحدهما عوض السنة دينار ، وعلى
قول الآخر نصف دينار.
ولقائل أن يقول :
إن العوض الذي جرى عليه العقد متفقان عليه ، وإنما الاختلاف في زيادة المدة
وعدمها.
ووجه القرب : أن
كل واحد منهما يدعي عقدا مغايرا للعقد الذي يدعيه الآخر ، والآخر ينكره فيتحالفان.
وقال الشيخ في الخلاف في باب المزارعة : تستعمل القرعة ، وهو ضعيف ، لأن
القرعة في الأمر المشكل الذي لا يستفاد حكمه من الشرع.
ويحتمل تقديم قول
المالك بيمينه كما قدّمنا قول المستأجر في المسألة الأولى ، للاتفاق على تعيين
الدينار ، والاختلاف إنما هو في قدر ما قوبل به من المدة ، كما اتفقا في المسألة
الأولى على تعيين السنة ، واختلفا في قدر الأجرة المقابلة لها ، وقد صرّح بهذا
الاحتمال المصنف في التذكرة .
قوله
: ( فإذا تحالفا قبل
مضي شيء من المدة فسخ العقدان ، ورجع كل منهما في ماله ، وإن رضي أحدهما بما حلف
عليه الآخر أقر
__________________
وإن كان بعد المدة
أو شيء منها سقط المسمى ووجب أجرة المثل ما لم يزد عما يدعيه المالك وتنقص عما
يدعيه المستأجر ،
______________________________________________________
العقد ).
كل موضع حكمنا فيه
بالتحالف : إما أن يكون ذلك قبل مضي شيء من المدة ، أو بعده. فإن كان قبله فسخ
العقدان بالتحالف ، ورجع كل منهما في ماله ، لانتفاء كل من العقدين الذي يدعيه
أحدهما بيمين الآخر.
وإن رضي أحدهما
بما حلف عليه الآخر أقرّ العقد الذي يدعيه الحالف ، وهذا إذا حلف يمينا جامعة
للنفي والإثبات ظاهرا.
وإن اقتصر على نفي
العقد الذي يدعيه صاحبه فلا بد من تصديقه على دعواه ، أو ردّ اليمين الآخر عليه إن
رضي بالرد أو نكل.
قوله
: ( وإن كان بعد
المدة ، أو شيء منها سقط المسمى ، ووجب اجرة المثل ما لم تزد عما يدعيه المالك ،
وتنقص عما يدعيه المستأجر ).
أي : وإن كان
التحالف بعد مضي المدة ، أو شيء منها سقط المسمى ، لانتفاء الإجارة بالانفساخ ،
ووجبت اجرة المثل ما لم تزد عما يدعيه المالك ، لاعتراف المالك بعدم استحقاق
الزيادة ، فيدفع إليه حينئذ المسمى.
وكذا لا يقتصر على
اجرة المثل ، أو نقصت عما يدعيه المستأجر ، لأنه يعترف بوجوب زيادة فيجب دفعها ،
فيتخرج ـ إذا زادت اجرة المثل عن المسمى الذي يدعيه المالك ـ أن لا يجب على
المستأجر اليمين ، لأنه إذا حلف استحق المالك المسمى فليأخذه من أول الأمر.
ويرده : أن لتوجه
اليمين فوائد أخرى :
ويحتمل مع التحالف
استحقاق المنافع سنة بالنسبة من الدينار.
______________________________________________________
منها : أنه ربما
رد اليمين على الآخر ، أو نكل فردت عليه ، فإنه إذا حلف ثبت ما يدعيه ، فلا يجب
المسمى الذي يدعيه المالك.
ومنها : ربما خاف
اليمين فأقر بالواقع على تقدير مطابقته لدعوى الآخر ، فتوجه اليمين عليه رجاء
لذلك.
ولو نقصت أجرة
المثل عما يدعيه المستأجر تخرّج أن لا يجب على المالك اليمين ، لأنه إذا حلف لنفي
ما يدعيه المستأجر ثبت ذلك المحلوف ، فلا فائدة لهذا اليمين ، وإن نكل ، أو ردّ
اليمين ، أو أقر فالواجب هو ذلك ، فلا يظهر له أثر أصلا.
قوله
: ( ويحتمل مع
التحالف استحقاق المنافع سنة بالنسبة من الدينار ).
وجه الاحتمال : أن
الذي انتفى بيمين المالك هو السنتان بالدينار ، وهو لا ينافي ثبوت سنة بنصف دينار
، والذي انتفى بيمين المستأجر هو كون السنة بدينار ، وذلك لا ينافي كونها بنصف دينار
أيضا ، وقد تصادقا على وقوع الإجارة سنة ، وأن أجرتها لا تنقص عن نصف دينار فليثبت
ذلك إذ لا دليل على نفيه.
وفيه نظر ، لأنهما
لم يتصادقا على ذلك ، لأن دعوى المستأجر السنتين وإن تضمن سنة ، إلا أنه قد انتفى
بيمين المالك لانتفاء المدلول المطابقي ، فينتفي بانتفائه المدلول التضمني.
وكذا القول في
دعوى المالك السنة بدينار فإنها قد انتفت بيمين المستأجر فينتفي التضمني ـ وهو
كونها بنصف دينار ـ لانتفاء المطابقي.
ولو قال المالك :
آجرتكها سنة بدينار ، فقال : بل استأجرتني لحفظها سنة بدينار قدّم قول المالك في
ثبوت الأجرة ، لأن السكنى قد وجدت من المستأجر فتفتقر إلى بينة تزيل عنه الضمان.
ولو اختلفا في قدر
المستأجر فالقول قول المالك ،
______________________________________________________
قوله
: ( ولو قال المالك
: آجرتكها سنة بدينار ، فقال : بل استأجرتني لحفظها سنة بدينار قدّم قول المالك في
ثبوت أجرة ، لأن السكنى قد وجدت من المستأجر ، فيفتقر إلى بينة تزيل عنه الضمان ).
لا ريب إن كل واحد
منهما مدع ومدعى عليه ، لأن المستأجر يدعي على المالك أجرة الحفظ وهو ينكره ،
والمالك يدعي عليه اجرة الدار وهو ينكر ، فيتحالفان وتثبت أجرة المثل ، وقد صرح به
في التذكرة.
وما ذكره المصنف
صحيح أيضا ، فإنه إذا حلف المالك لنفي ما يدعيه المستأجر انتفى استحقاقه للأجرة ،
وكون المنافع التي استوفاها لم تكن مباحة له فيثبت أجره في الجملة ، لكونه قد
استوفى المنافع ولم يأت بمسقط لها عنه ، ولا يتعين كونها المسمى أو أجرة المثل ،
فإذا حلف المستأجر انتفى المسمى وتعين أجرة المثل إلا أن تزيد على المسمى.
ويتخرج أنه إن
زادت اجرة المثل ، أو ساوت المسمى لا حاجة إلى اليمين من المستأجر ، لأن غايتها
وجوب ذلك فلا فائدة فيها.
إذا عرفت ذلك ،
فتنكير الأجرة في العبارة في قوله : ( قدّم قول المالك في ثبوت اجرة ) حسن واقع في
موضعه.
ضابط : إذا حصل الاختلاف في الأجرة جنسا ، أو قدرا ، أو وصفا ،
أو في المدة ، أو في قدر المستأجر ، أو عينه وجب التحالف.
قوله
: ( ولو اختلفا في
القدر المستأجر فالقول قول المالك ).
وكذا لو اختلفا في
رد العين المستأجرة.
______________________________________________________
إذا كان الاختلاف
في قدر المستأجر ، مع اتفاقهما على جريان الإجارة على شيء منه ، كأن قال : آجرتك
البيت بدينار ، فقال : بل البيت وسائر الدار فالقول قول المالك ، لأنه المنكر
للزائد. ويحتمل التحالف ، لأن كل واحد منهما مدع ومنكر ، وقد ذكر الاحتمالين في
التذكرة ولم يفت بشيء ، ولا ريب أن التحالف أقوى.
ولو اختلفا في
تعيين المستأجر فالتحالف ليس إلا ، كما لو قال : آجرتك البيت ، فقال : بل الحمام.
ولو اختلفا في جنس
الأجرة ، أو وصفها فكذلك.
قال في التذكرة :
أما لو لم يذكر العوض ، ولا تنازعا فيه بأن كان قد قبضه المالك ، واتفقا على براءة
ذمة المستأجر منه ، ثم ادعى أنه استأجر الدار بأسرها ، فقال المالك : بل آجرتك هذا
البيت منها خاصة ، فإنه يقدّم قول المالك قطعا مع اليمين .
أقول : إني لا أجد
فرقا ـ إذا وقع التصريح بالإجارة ـ بين أن يذكر العوض وعدمه ، لأنهما حينئذ
مختلفان في سبب استحقاقه وإن لم يذكراه ، فإن ذكر الملزوم ، والاختلاف فيه في قوة
الاختلاف في اللازم.
نعم ، لو سكتا عن
الإجارة ، وقال أحدهما : إني استحق منفعة الدار بأسرها ، فقال الآخر : بل تستحق
منفعة البيت وحده ، فإن المالك يحلف لنفي الزائد قطعا ، لعدم التصريح بما يقتضي
التحالف ، لاحتمال اتفاقهما على سبب يتعلق بالبيت بخصوصه ، واختلافهما في حصول سبب
آخر للباقي.
قوله
: ( ولو اختلفا في
رد العين المستأجرة ).
__________________
ولو اختلفا في
التعدي فالقول قول المستأجر ، وكذا لو ادعى الصانع أو الملاّح أو المكاري هلاك
المتاع ، وأنكر المالك فالقول قولهم مع اليمين ، وكذا إن ادعى إباق العبد من يده
أو أن الدابة نفقت أو شردت وأنكر المالك ،
______________________________________________________
أي : القول قول المالك
فيه بيمينه ، لأنه منكر.
قوله
: ( ولو اختلفا في
التعدي فالقول قول المستأجر ).
لأنه أمين ،
والأصل عدم التعدي ، وهو منكر له.
قوله
: ( وكذا لو ادعى
الصانع ، أو الملاح ، أو المكاري هلاك المتاع ، وأنكر المالك فالقول قولهم مع
اليمين ).
لأنهم أمناء ،
ولأنهم ربما كانوا صادقين ، فلو لم يقبل قولهم باليمين لخلد حبسهم. وقد سبق في
الغصب قبول قول الغاصب بيمينه في التلف فهؤلاء أولى ، وهذا قول جمع من الأصحاب .
وقال المفيد ، والمرتضى ، وجمع ، إنهم
يكلفون البنية لادعائهم خلاف الأصل ، وقد ورد في بعض الأخبار عدم القبول إلا
بالبينة ، والأصح الأول.
قوله
: ( وكذا إن ادعى
إباق العبد من يده ، أو أن الدابة نفقت أو شرّدت ، وأنكر المالك ، ).
أي : وكذا القول
قول المستأجر في إباق العبد من يده ، وإن الدابة نفقت أو شرّدت لو أنكر المالك
ذلك. ووجهه : أنه أمين ، وإمكان صدقه ،
__________________
ولا أجرة على
المستأجر مع اليمين.
ولو ادعى أن العبد
مرض في يده وجاء به صحيحا قدّم قول المالك ، وإن جاء به مريضا قدّم قوله.
ولو اختلفا في وقت
الهلاك ، أو الإباق ، أو المرض فالقول قول المستأجر ، لأن الأصل عدم العمل إن قدّر
به وقلنا يملك بالعمل ، وإلاّ
______________________________________________________
فلو لم يقبل يمينه
لأفضى إلى تخليد حبسه.
وهذا إذا لم يأت
بالعبد غير آبق ، وكذا الدابة. فإن أتى به أو بالدابة ، وادعى الإباق أو الشرود
جميع المدة أو بعضها لم تسمع دعواه إلا بالبينة ، لأن ذلك خلاف الإحلاف ، ولأنه
يدعي عدم وصول العوض إليه مع إنه مكّن منه ظاهرا.
قوله
: ( ولا أجرة على
المستأجر مع اليمين ).
يريد به في جميع
هذه الصور : التي ادعى فيها المستأجر هلاك العين إذا ادعى الهلاك في أول مدة
الإجارة ، لأن القول قوله في ذلك ، لأنه أعلم بوقت الهلاك ، لكونه حصل في يده ، ولأن
الأصل عدم العمل فكأنه يدعي بقاء استحقاقه ، وسيأتي لهذه المسألة مزيد كلام.
قوله
: ( ولو ادعى أنّ
العبد مرض في يده ، وجاء به صحيحاً قدّم قول المالك ، وإن جاء به مريضا قدّم قوله
).
لأنه إذا جاء به
صحيحا فقد ادعى ما يخالف الأصل وليس معه دليل عليه ، وإذا جاء به مريضا فقد وجد ما
يخالف الأصل يقينا ، فكان القول قوله في مدة المرض ، لأنه أعلم بذلك لكونه في يده.
قوله
: ( ولو اختلفا في
وقت الهلاك ، أو الإباق ، أو المرض فالقول قول المستأجر ، لأن الأصل عدم العمل إن
قدر به وقلنا يملك
فإشكال ،
______________________________________________________
بالعمل ، وإلا
فإشكال ).
إذا اختلف المؤجر
والمستأجر في وقت هلاك العبد ، أو إباقه ، أو مرضه هل هو بعد العمل أو قبله بعد
اتفاقهما على حصول ذلك قدّم قول المستأجر بيمينه دون المالك ، لأن الأصل عدم العمل
المقتضي لتملك الأجرة ، والمالك يدعيه ليستحق الأجرة ، والمستأجر ينكره.
هذا إن وقع
التقدير للمنفعة في عقد الإجارة بالعمل ، وقلنا إنه بمجرد حصوله يملك الأجرة ، وإن
لم يسلّم العمل إلى المستأجر ليتحقق تملك الأجرة به.
وإن لم نقل بأنها
تملك بالعمل ، بل به وبالتسليم إلى المستأجر ففي تقديم قول المؤجر أو المستأجر
باليمين إشكال ، ينشأ : من أن المستأجر بدعواه تقدم الإباق مخالف للأصل فيكون
مدعيا ، وقول المالك إنما لم يحكم بتقديمه ، لأنه يحاول به إثبات استقرار تملك
الأجرة ، والأصل عدمه ، وهذا المانع هنا منتف فيكون القول قول المالك بيمينه.
ومن أن العمل وإن
لم يثبت به استقرار الأجرة ، إلا أن له مدخلا في ذلك ، فهو جزء السبب ، فحينئذ
المالك يحاول به تمهيد إثبات استحقاق الأجرة ، فلا يقدّم قوله فيه باليمين ، وهذا
الوجه أقرب.
ولقائل أن يقول :
إن الاختلاف إن كان في مجرد العمل ـ إن قلنا إن شرط استقرار الأجرة حصول التسليم ـ
فلا فائدة فيه أصلا ، لأن وجوده كعدمه ، فأي فائدة لثبوت التنازع فيه ، والإقدام
على اليمين ، وجعله مقدمة لثبوت الاستقرار إذا ضم إليه بعد ذلك دعوى التسليم ليس
بشيء ، لأن دعوى التسليم للعمل تتضمن دعوى العمل فلا يكون إثبات العمل مقدمة له ،
فوجودها وعدمها على حد سواء ، فلا يتجه يمين واحد منهما ، فإن غاية توجه اليمين هو
كونه بحيث إذا أقر المدعى عليه بما يحلف عليه نفع. وهنا ليس
وإن قدّر بالزمان
قدّم قول المالك. ولو قال : أمرتك بقطعه قباء ، فقال : بل قميصا قدّم قول المالك
على رأي ،
______________________________________________________
كذلك ، لأنه لو
أقر بالعمل من دون التسليم لم يلزمه شيء.
قوله
: ( وإن قدّر
بالزمان قدّم قول المالك ).
لأن الأصل عدم
تقدم الهلاك.
فإن قيل : الأصل
أيضاً عدم استحقاق الأجرة.
قلنا : بعد تسليم
العبد وكون الأصل بقاؤه إلى أن يعلم الهلاك ، ويتحقق سبب استقرارها فلا ينتفي إلا
بحجة.
فإن قيل : كذا
نقول في مسألة التقدير بالعمل.
قلنا : لا يجيء
مثل هذا هناك ، لأن سبب الاستقرار هناك العمل ، والأصل عدمه ، ولم يدل على تحققه
شيء. والمقتضي للاستقرار هنا هو التسليم للعين للانتفاع طول مدة الزمان المعين ،
وقد تحقق التسليم بدفع العين ، واستمرار ذلك طول المدة مستند إلى أصالة بقائه ،
فقول المستأجر مخالف للأصل ، من حيث أنه يدعي تقدم الهلاك ، ومن أنه يدعي حدوث
المسقط لاستقرار الأجرة.
وإذا تقرر هذا ظهر
أن قول المصنف سابقا : ( ولا أجرة على المستأجر مع اليمين ) بعد قوله : ( وكذا إن
ادعي إباق العبد من يده ) لا يستقيم على إطلاقه ، لأنه بمجرد دعوى الإباق في
الجملة بعد تسلمه العبد لا يسقط الأجرة ، ما لم يدع كون ذلك سابقا على العمل ،
فإذا ادعى ذلك فلا بد من التفصيل بكون التقدير بالعمل أو بالزمان.
قوله
: ( ولو قال : أمرتك
بقطعه قباء ، فقال : بل قميصا ، قدّم قول المالك على رأي ).
______________________________________________________
الرأي المذكور هو
قول الشيخ في كتاب الإجارة من الخلاف ، وابن إدريس . ووجهه : أن الخياط يدعي الإذن في قطعه قميصا والأصل عدمه
، والمالك ينكر ذلك فيكون القول قوله بيمينه ، ولأنه أحدث نقصا بالقطع ويدعي
المسقط لضمانه وهو إذن المالك ، ولتقديم قول المالك في أصل الإذن لو اختلفا فيه
قطعا ، فكذا في صفته ، لأن مرجعه إلى الاختلاف في الإذن على وجه مخصوص.
وقال الشيخ في
كتاب الوكالة من الخلاف : إن القول قول الخيّاط ، لأن الأصل عدم تفريط . وهو ضعيف ، لما
قلناه من دعواه الإذن المخالف للأصل.
وقال الشافعي : إن
الخيّاط يدعي الأجرة وينفي الغرم ، ورب الثوب يدعي الغرم وينفي الأجرة ، فلا أقبل
قولهما بل يحلف كل واحد منهما لصاحبه ، ويرد الثوب على صاحبه ولا أجرة للخياط ولا
غرم عليه .
قال المصنف في
التذكرة : وليس بجيد ، لأن الاختلاف وقع في الإذن لا في الأجرة والغرم ، فكان
القول قول منكر الإذن ، ولأن الخيّاط يعترف بأنه أحدث نقصا في الثوب ويدعي الإذن
فيه ، والأصل عدمه ، ولأنه يدعي أنه أتى بالعمل الذي استأجره عليه والمالك ينكره .
قلت : هذا بيان أن
الخياط مدع وذلك لا ينفي كون المالك مدعيا ، ولا بد من تحققه لينتفي التحالف.
__________________
فلو أراد الخيّاط
فتقه لم يكن له ذلك إن كانت الخيوط من الثوب أو المالك ، ولا أجرة له وعليه الأرش.
______________________________________________________
ووجهه : أن المالك
لا يدعي على الخيّاط بشيء ، لأن مجرد الإذن في القطع قباء لا يوجب على الخيّاط
شيئا ، إذ لو لم يحدث الخيّاط حدثا في الثوب لم يكن عليه بسبب الإذن ضمان ، غاية
ما في الباب أنه لا يستحق أجرة. وإنما يتحقق التنازع باعتبار القطع قميصا ، ودعوى
الخيّاط الإذن فيه لينفي عن نفسه الغرم.
ثم قال المصنف :
ومن قدّم قول الخيّاط فلا بد وأن يقول بالتحالف ، لأنه إذا حلف الخيّاط خرج من
ضمان الثوب ، فيحلف المالك لنفي الأجرة وهذا هو التحالف .
قلت : فعلى هذا
يكون قول الشيخ في الخلاف بتحليف الخيّاط مصيرا إلى التحالف ، وإن لم يصرح به
، وما ذكره لازم. وسيأتي في عبارة الكتاب ما يخالفه. والذي في التذكرة هو الأوجه ،
والأصح عدم التحالف ، بل التحالف هنا لا وجه له.
قوله
: ( ولو أراد
الخيّاط فتقه لم يكن له ذلك إن كانت الخيوط من الثوب أو المالك ، ولا أجرة له ،
وعليه الأرش ).
لا ريب أنه إذا
حلف المالك لنفي الإذن في القطع قباء يجب على الخياط الأرش ، وهو ـ على ما اختاره
في التذكرة ـ تفاوت ما بين قيمته مقطوعا يصلح للقباء ، ومقطوعا قميصا.
ويحتمل كونه تفاوت ما بين قيمته مقطوعا وصحيحا ، وهذا أوجه ، لأن القطع قميصا
عدوان.
نعم لو لم يتفاوت
القميص والقباء في بعض القطع أمكن أن لا يجب
__________________
ولو كانت الخيوط
للخيّاط ففي أخذها نظر ، أقربه ذلك ،
______________________________________________________
أرشه ، لكونه من
جملة المأذون فيه ، إذ لا أثر لقصد القميص بقطعه ، وقد نبهنا على اعتبار ذلك
سابقا. وحيث كان على الخياط الأرش ، فمعلوم أنه لا أجرة له.
فعلى هذا لو أراد
فتق القميص لم يكن له ذلك إن كانت الخيوط للمالك ، سواء كانت من الثوب أم من غيره
، إذ ليس له عين يمكنه انتزاعها.
والعمل وإن كان
كالأعيان في المالية ، إلا أنه ليس عينا حقيقة يمكن تخليصها من مال الغير وقد صدر
عدوانا ، فكان كما لو نقل ملك غيره من موضع إلى آخر عدوانا لم يكن له رده إلا
بمطالبة المالك.
قوله
: ( ولو كانت الخيوط
للخيّاط ففي أخذها نظر ، أقربه ذلك ).
منشأ النظر من أنه
قد ثبت بيمين المالك أنه وضعها بغير إذن ، فلم يكن له أخذها ، لاستلزامه التصرف في
مال الغير عدوانا. ولأن الخيّاط يزعم كونها للمالك ، بناء على أن الخيوط على
الخيّاط ، وأنه إنما يستحق الأجرة ، وقد ظلمه المالك بإنكاره فلم يكن له الأخذ.
ومن أنها عين ماله
وهي باقية ، فكانت كالصبغ في الثوب المغصوب فيمكّن من أخذها.
وعلى القول بأن
الخيوط على الخيّاط ، فإنما يكون ذلك على تقدير بقاء الأجرة ، أما إذا انتفت ظاهرا
وتعذر على الأجير العوض فله الرجوع إلى عين ماله ، لتعذر المعاوضة. وبقوة هذا
الوجه يظهر وجه القرب وهو الأصح.
ولو أراد المالك
تملكها بالقيمة فقد سبق حكمه في الغصب.
فلو قال المالك :
أنا أشد في كل خيط خيطا ، حتى إذا سلّه عاد خيط المالك في مكانه لم تجب الإجابة ،
وعلى رأي قدّم قول
الخياط ، فيسقط عنه الغرم وله اجرة مثله بعد اليمين ، لا المسمى إن زاد ، لأنه لا
يثبت بقوله.
______________________________________________________
قوله
: ( فلو قال المالك
: أنا أشد في كل خيط خيطا حتى إذا سله عاد خيط المالك في مكانه لم تجب الإجابة ).
وذلك ، لأنه
انتفاع وتصرف في ملك الغير بغير موجب يقتضيه ، فلا تجب الإجابة إليه ، ولا يجوز
إلا بإذن المالك.
قوله
: ( وعلى رأي قول
الخيّاط فيسقط عنه الغرم وله أجرة مثله بعد اليمين ، لا المسمى إن زاد ، لأنه لا
يثبت بقوله ).
ظاهر كلامه أن
الإشارة بـ ( الرأي ) إلى قول الشيخ في الخلاف ، لكنه في التذكرة قال : إن كلام الشيخ في الخلاف يشعر
بعدم الاستحقاق ، لأنه في الأجرة مدع ، فيكون القول قول المنكر. وفائدة يمينه دفع
الغرم عن نفسه ، ولأنه لو استحقها استحقها بيمينه ولا يجب له ما يدعيه بيمينه
ابتداء ، لأن النبي 6 قال : « لو يعطى الناس بدعواهم لادّعى قوم دماء قوم
وأموالهم » ولكن اليمين على المدعى عليه .
وما ذكره صحيح ،
فحينئذ لا يكون الرأي المشار إليه مذهبا لنا ، وإنما هو قول الشافعية ، ووجهه ما ذكره.
وتنقيحه : أن
انتفاء الغرم تابع لثبوت الإذن ، وقد ثبت بيمين الخيّاط
__________________
ولو غصبت العين
فأقر المؤجر بالملكية له قبل في حقه دون المستأجر ، وللمستأجر مخاصمة الغاصب لأجل
حقه في المنفعة ،
______________________________________________________
وهو يستلزم أجرة ،
فإذا امتنع ثبوت المسمى لامتناع ثبوته بيمين الخيّاط استحق أجرة المثل ، إلا أن
يساويها المسمى أو ينقص عنها فيثبت المسمى ، لاعترافه بعدم استحقاق الزائد.
ولا يخفى ضعف هذا
، لأن اليمين لا يتوجه على المدعي ابتداء ، سواء كان الغرض منها دفع الغرم أو جلب
النفع.
قوله
: ( ولو غصبت العين
فأقر المؤجر بالملكية له قبل في حقه دون المستأجر ).
أي : أقر المؤجر
بالملكية للغاصب ، فإنّ إقراره في حق المستأجر لا ينفذ للحكم بصحة الإجارة ،
والإقرار على الغير لا يجوز. نعم ينفذ في حقه فيحكم بالرقبة للمقر له ، دون
المنفعة فإنه قد ملكها المستأجر.
وللشافعية في نفوذ
الإقرار قولان :
أحدهما : العدم ،
لمنافاته العقد السابق .
والثاني : النفوذ
لأنه مالك غير متهم ، بخلاف البائع فإن إقراره إنما هو على المشتري.
فعلى هذا هل يبطل
حق المستأجر من المنفعة ، سواء كانت العين في يد المؤجر أو المستأجر أم لا؟ فيه
أوجه ، والمذهب عندنا ما ذكره المصنف ، وفيه رد على خلافهم ، وضعفه أظهر من أن
يحتاج إلى بيان.
قوله
: ( وللمستأجر
مخاصمة الغاصب لأجل حقه في المنفعة ).
ليست هذه من تتمة
المسألة الأولى ، وإنما هي مسألة على حدة ، وإن
__________________
ولو اختلفا في
المبطل للعقد فالقول قول مدّعي الصحة.
______________________________________________________
كانت العبارة توهم
أنها من متممات الأولى.
وتحقيقه : أن
العين المستأجرة إذا غصبها غاصب ، سواء كان الغصب من المؤجر أم من المستأجر ، فلا
بحث في أن للمؤجر مخاصمة الغاصب فيها بحق الملك ، ولكون هذا الحكم إجماعي لم يتعرض
إليه المصنف.
وللمستأجر أيضا
مخاصمته في أنها ملك للمؤجر ، وأنه استحق منفعتها بالإجارة ، لأن له حقا متعلقا
بها لاستحقاقه المنفعة ، فله مطالبته بها ليستوفي منفعته.
وقال بعض الشافعية
: ليس له ذلك ، لأنه ليس بمالك ولا نائب عنه ، وليس بصحيح ، لأن المستأجر يستحق في تلك العين حقا على
وجه الملكية جرت عليه المعاوضة فكانت له المطالبة به والمنازعة لأجله.
ومثله المرتهن في
الرهن ، وغريم المفلّس ، والميت في العين المغصوبة ، والدين عند المنكر ، وكذا
غريم المماطل ، والغائب إذا طالب بعين أو دين للمديون ، لأنهم مستحقون لذلك فجازت
المطالبة لهذا الاستحقاق.
قوله
: ( ولو اختلفا في
المبطل للعقد فالقول قول مدعي الصحة ).
لا شك أنّه إذا
حصل الاتفاق على حصول جميع الأمور المعتبرة في العقد ، من حصول الإيجاب والقبول من
الكاملين ، وجريانهما على العوضين المعتبرين ، ووقع الاختلاف في شرط مفسد مثلا
فالقول قول مدعي الصحة بيمينه ، لأنه الموافق للأصل ، فإن الأصل عدم ذلك المفسد ،
والأصل في فعل المسلم الصحة.
__________________
ولو قال : آجرتك
كل شهر بدرهم من غير تعيين ، فقال : بل سنة بدينار ففي تقديم قول المستأجر نظر ،
فإن قدّمنا قول المالك فالأقوى صحة العقد في الشهر الأول ،
______________________________________________________
لا يقال : الأصل
بقاء الملك على مالكه ، فيعارض الأصل المذكور.
لأنا نقول : بعد
صدور الإيجاب والقبول على الوجه المعتبر ، وعدم العلم بالمنافي لصحتهما ، المقتضي
للحكم بصحتهما عملا باستصحاب الحال تحقق السبب الناقل ، فلم يبق ذلك الأصل كما
كان.
أما إذا حصل
الاختلاف مع الصحة والفساد في حصول بعض الأمور المعتبرة وعدمه ، فإن هذا الاستدلال
لا يستمر هاهنا ، فإن الأصل عدم السبب الناقل. ومن ذلك ما لو ادعى أني اشتريت
العبد ، فقال : بل بعتك حرا.
قوله
: ( ولو قال : آجرتك
كل شهر بدرهم من غير تعيين ، فقال : بل سنة بدينار ففي تقديم قول المستأجر نظر ).
ينشأ : من أنه مدع
للصحة ، وهي موافقة للأصل ، فيكون هو المنكر ، فيقدم قوله باليمين.
ومن أنه مع ذلك
يدّعي أمرا زائدا ، وهو استئجار سنة بدينار ، والمالك ينكره ، فلا يقدم قوله فيه ،
لأن الأصل عدمه ، ولأن الأمور المعتبرة في العقد لم يقع الاتفاق عليها ، فلم تثبت
سببيته ، وتقديم قول مدعي الصحة فرع ذلك كما حققناه في المسألة السابقة ، فعدم
تقديم قوله أوجه.
قوله
: ( فإن قدّمنا قول
المالك فالأقوى صحة العقد في الشهر الأول هنا ).
لا يخفى أنا إن
قدّمنا قول المستأجر بيمينه فالأمر واضح ، ولذلك ترك المصنف التعرض إليه.
______________________________________________________
وإن قدّمنا قول
المالك في فساد العقد ، فتقديمه إنما هو في الأمر الذي تضمنت دعوى المستأجر الصحة
دعوى أمر آخر زائد على مجرد الصحة ، لأنه إذا كان الاختلاف في مجرد الصحة فالقول
قول مدعيها بيمينه قطعا.
ولا ريب أن دعوى
تعيين مجموع سنة بدينار مشتمل على أمرين : الصحة ، وخصوص ذلك التعيين ، فحيث
قدّمنا قول المالك في ذلك وجب انتفاء ذلك بيمينه.
أما القدر الذي
اتفقت دعواهما على حصوله وتعيين أجرته ـ كشهر بدرهم ، إذا كان صرف الدينار اثني
عشر درهما ـ فإن الاختلاف ليس إلا في مجرد صحة العقد الجاري عليه وفساده ، فيقدّم
فيه قول المستأجر بيمينه ، عملا بما تقرر من تقديم قول مدع الصحة إذا لم يدع أمرا
زائدا ، وهذا هو الذي قوّاه المصنف في العبارة ، فيحلف المالك بالنسبة إلى المجموع
، ويحلف المستأجر بالنسبة إلى ذلك البعض ، وتثبت الإجارة فيه.
ويحتمل العدم ،
لأن المتنازع فيه عقد واحد ، إذا حكم بفساده ـ لحلف المالك على عدم التعيين فيه
للمدة ـ انتفى فتنتفي الأمور التي تضمنها ، وهي إجارة الشهر وما جرى هذا المجرى ،
لامتناع أن يحكم بفساد المطابقي ولا يفسد الضمني ، والاحتمال الأول ضعيف جدا.
ومع ذلك فتبحث في
العبارة أمور :
الأول : ذكر الشهر
بخصوصه ، ووجه تخصيصه بالذكر : أن دعوى المالك تقتضي تعيين شهر ، وعدم تعيين ما
سواه. ويشكل بأن « كلّ » يقتضي التعدد ، وأقل مراتبه مرتان.
الثاني : أن
تقييده بقوله : ( هنا ) فائدته تخصيص هذا بالصحة في الشهر إذا حلف المستأجر ، بناء
على تقديم قوله فيه ، بخلاف ما إذا اتفقا على وقوع الإجارة كل شهر بدرهم ، فإنه لا
يلزم الصحة في شهر.
وكذا الإشكال في
تقديم قول المستأجر لو ادعى اجرة مدة معلومة أو عوضا معينا ، وأنكر المالك التعيين
فيهما ، والأقوى التقديم فيما لم يتضمن دعوى.
______________________________________________________
والفرق أنه هناك
قد اتفقا على تضمن العقد المفسد ، واختلفا هنا في الصحة والفساد. وقد كان تقديم
قول مدعي الصحة هو الجاري على القوانين ، لكن يحلف هنا لدعواه أمرا زائدا ، وفي
الشهر الواحد انتفى المانع فأجري على الأصل.
الثالث : أن عبارة
المصنف وإن لم يستقم أن يريد بها إلا هذا المعنى ، إلا أنها لا تؤديه بل هي غير
صحيحة في نفسها ، فإن الحكم بصحة العقد في الشهر الأول ، بناء على تقديم قول
المالك بمجرده من دون يمين المستأجر معلوم البطلان ، فيتعين أن يكون مقصوده من
العبارة : أن الأقوى تقديم قول المستأجر في صحة العقد في الشهر الأول ، وإن كان
الذي سبق إليه القلم خلاف ذلك.
قوله
: ( وكذا الإشكال في
تقديم قول المستأجر لو ادعى أجرة معلومة ، أو عوضا معينا وأنكر المالك التعيين
فيهما ، والأقوى التقديم فيما لم يتضمن دعوى ).
أي : ومثل الإشكال
السابق في تقديم قول المستأجر لو اختلفا في المدة والأجرة آت فيما إذا اختلفا ،
فادعى المستأجر أجرة معلومة كدينار مثلا ، أو عوضا معينا كثوب مخصوص ، ونحو ذلك ،
وأنكر المالك التعيين في الأجرة أو في العوض بحيث لزم الغرر والجهالة ، وتقريبه ما
سبق بعينه.
والأقوى عند
المصنف : تقديم قول المستأجر بيمينه فيما لا يتضمن دعوى أمر آخر غير الصحة على
المؤجر ، كما لو كان العوض الذي ادعاه المستأجر لا يزيد على اجرة المثل ، فإن ذلك
القدر ثابت على كل تقدير ، فيقدّم فيه قول مدعي الصحة ، عملا بالأصل مع عدم
المنافي.
المقصد الثاني : في المزارعة ، وفيه فصلان :
الأول : في أركانها ، وهي أربعة :
الأول : العقد ، المزارعة : مفاعلة من الزرع ، وهي معاملة على
الأرض بالزراعة بحصة من نمائها.
______________________________________________________
وهذا الذي ذكره
يمكن أن يرد عليه أمران :
أحدهما : إن
الاختلاف الذي لا تترتب عليه فائدة أصلا ، ولا يكون فيه إلا محض تجرع مرارة اليمين
، وامتهان اسم الله العظيم بالحلف به لغير مصلحة لا يكاد يقع ممن يعقل ، ومع
الفائدة فالمحذور قائم.
الثاني : إن تقديم
قول مدعي الصحة إنما يتحقق على ما بينّاه ، حيث يتفقان على حصول أركان العقد
ويختلفان في وقوع المفسد ، فإن التمسك لنفيه بالأصل هو المحقق لكون مدعي الصحة
منكرا ، دون ما إذا اختلفا في شيء من أركان العقد فإنه لا وجه للتقديم حينئذ.
وبهذا يتبين أن
مدّعي الصحة هنا لا يقدم قوله على حال من الأحوال ، لأن الاختلاف وقع في ركن العقد
وهو تعيين الأجرة ، فيكون ادعاؤه كادعاء أصل العقد.
وعدم تفاوت الأجرة
واجرة المثل لا يكون مصححا لتقديم قوله باليمين ، غاية ما في الباب أن الاختلاف
حينئذ لا تظهر له ثمرة.
واعلم أنه قد يقال
: إن قوله : ( لو ادعى أجرة معلومة ) مغن عن
قوله
: ( أو عوضا معينا )
فالتعرض إليه لا فائدة فيه.
قوله
: ( المزارعة :
مفاعلة من الزرع ، وهي معاملة على الأرض بحصة من نمائها ).
ولا بد فيها من إيجاب
كقوله : زارعتك ، أو عاملتك ، أو ازرع هذه الأرض على اشكال ، أو سلمتها إليك للزرع
، وشبهه مدة كذا بحصة معلومة من حاصلها.
______________________________________________________
لا شك أن المزارعة
في أصل اللغة : مفاعلة من الزرع ، وهذا المعنى متحقق مع المعنى الشرعي ، لأن
المعاملة المذكورة يقارنها الزرع من المتعاملين وإن كان بمباشرة أحدهما ، لأن
الآخر بأمره إياه زارع.
وفي الشرع :
معاملة على الأرض بالزراعة بحصة من نمائها. وبالقيد الأخير تخرج باقي أقسام
الإجارة. وهل هي المخابرة أم غيرها؟ فيه اختلاف ، ولا كثير فائدة في تحقيقه.
قوله
: ( ولا بد فيها من
إيجاب كقوله : زارعتك ، أو عاملتك ، أو ازرع هذه الأرض على اشكال ).
لا ريب أنه لا بد
في المزارعة من إيجاب بالعربية ، كغيره من العقود اللازمة ، وهو ما يدل على تسليم
الأرض للزراعة بحصة مشاعة كقوله : زارعتك ، وما أشبهه.
وهل يكفي ازرع هذه
الأرض؟ فيه إشكال ينشأ : من أن المعتبر عند الشارع من صيغ الإنشاء الماضي ، فلا
ينعقد بغيره من المستقبل وفعل الأمر ، ومن دلالته على المقصود ، ولروايتي أبي
الربيع الشامي ، والنضر بن سويد عن أبي عبد الله 7 يقول لصاحب الأرض
: ازرع لي أرضك ولك منها كذا وكذا .
ويضعّف بأن مجرد
الدلالة لا يكفي ، بل لا بد من الصيغة المعتبرة شرعا ، ولا دلالة في الروايتين على
أن هذا القول هو العقد مع أنه لا تصريح
__________________
ومن قبول ، وهو كل
لفظ أو فعل دل على الرضا. وهو عقد لازم من الطرفين ، لا يبطل إلاّ بالتقايل ، لا
بموت أحدهما.
______________________________________________________
فيه بالقبول ،
فيمكن أن يكون هذا من جملة القول الذي يكون بين المتعاقدين قبل العقد ليتقرر الأمر
بينهما ، والأصح عدم الصحة.
واعلم أنه سبق في
الرهن الاجتزاء بقوله : هذا وثيقة مع أنه ليس بصيغة الماضي ، وظاهرهم الإطباق على
صحته. ويمكن أن يقال : إن اسم الإشارة مشعر بالماضي ، لأن إنشاء كونه وثيقة في
معنى الماضي في الصراحة ، وعلى كل حال فلا يجوز ذلك في غير الرهن.
قوله
: ( وقبول ، وهو كل
لفظ أو فعل دل على الرضى ).
لا شك في الانعقاد
بوقوع القبول بصيغة الماضي بالعربية مع الإمكان.
وهل يكفي القبول
فعلا؟ فيه نظر ينشأ : من حصول المقصود به وهو الدلالة على الرضى ، ومن أن السبب لا
بد من كونه سببا عند الشارع ، ولم يثبت كون الفعل كذلك. ولأن العقود اللازمة لا
تسامح فيها بمثل ذلك ، والأصح العدم وفاقا للتذكرة .
قوله
: ( وهو عقد لازم من
الطرفين لا يبطل إلا بالتقايل ، لا بموت أحدهما ).
لزوم هذا العقد من
الطرفين أمر متفق عليه ، ولأن الأصل في العقود اللزوم ، لظاهر قوله تعالى ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) ، وقوله 7 « المؤمنون عند شروطهم » ولما كانت معاملة
انفسخت بالتقايل.
__________________
ولا بد في العقد
من صدوره عن مكلف جائز التصرف.
ولو تضمّن العقد
شرطا سائغا لا يقتضي الجهالة لزم.
ولو عقد بلفظ
الإجارة لم ينعقد وإن قصد الإجارة أو الزراعة ،
______________________________________________________
ولما كان الحصر في
قوله : ( لا يبطل إلا بالتقايل ) في مقابل قوله : ( لا بموت أحدهما ) لم يرد أنه
قد يبطل بغير ذلك كانقطاع الماء ، وفساد منفعة الإنبات في الأرض. ولا نعرف خلافا
في أن المزارعة لا تبطل بموت أحد المتعاقدين ، بل إن مات العامل قام وارثه مقامه
في العمل ، وإلاّ استأجر الحاكم عليه من ماله أو على الحصة. وإن مات المالك بقيت
المعاملة بحالها ، وعلى العامل القيام بتمام العمل.
قوله
: ( ولو تضمن العقد
شرطا سائغا لا يقتضي الجهالة لزم ).
المراد بالسائغ
الجائز كما هو معلوم ، وهل يخرج به ما ينافي مقصود المزارعة نظرا إلى كونه غير
سائغ بالنظر إلى هذا العقد؟ فيه احتمال ، ولا بد أن يراد بما لا يقتضي الجهالة ،
لا ما يقتضي جهالة زائدة على القدر الذي امتاز به عقد المزارعة.
قوله
: ( ولو عقد بلفظ
الإجارة لم ينعقد وإن قصد الإجارة أو الزراعة ).
أي : إذا عقد
المزارعة بلفظ الإجارة لم يصح ، سواء قصد باللفظ حقيقة أم قصد المزارعة.
أما إذا قصد
الإجارة فلأن العوض مجهول ، وفي الإجارة لا بد من كون العوض معلوما ، ولأنه مشروط
من نماء الأرض وهو مع كونه معدوما مشروط من معين قد يحتاج ، ومثله لا يجوز بل يجب
أن يكون المشروط منه العوض في موضع الصحة مما يندر احتياجه حتى يكون الغالب صحة
العقد.
وأما إذا قصد
المزارعة فلأن ألفاظ عقد لم يثبت جواز استعمالها في
نعم تجوز إجارة
الأرض بكل ما يصح أن يكون عوضا في الإجارة وإن كان طعاما ، إذا لم يشرط أنه مما
يخرج من الأرض.
ويكره أن يشترط مع
الحصة شيئا من ذهب أو فضة.
______________________________________________________
عقد آخر ، وأسباب
الشرع تحتاج إلى التوقيف.
قوله
: ( نعم تجوز إجارة
الأرض بكل ما يصح أن يكون عوضا في الإجارة ، وإن كان طعاما إذا لم يشترط أنه مما
يخرج من الأرض ).
حيث أسلف أنه لا
تجوز المعاملة المذكورة بلفظ الإجارة ، سواء قصد الإجارة أو المزارعة ، ربما أوهم
ذلك عدم جواز الإجارة بالطعام فاستدرك بقوله : ( نعم ... ) لدفع هذا الوهم.
والمعنى : إن
العوض في الإجارة كما يصح أن يكون غير طعام ، كذا يصح أن يكون طعاما ، لصلاحيته
لأن يقابل به المال ، لكن يشترط لصحة الإجارة أن لا يكون ذلك الطعام الذي هو
الأجرة مشروطا كونه مما يخرج من الأرض لما قدمناه ، ولقول الباقر 7 وقد سئل عن إجارة
الأرض بالطعام قال : « إن كان من طعامها فلا خير فيه » وإذا كان كله شرا
وجب اجتنابه.
وقوّى المصنف في
التذكرة ما جزم به هنا . ومنع ابن البراج من إجارة الأرض بالطعام ، استنادا إلى
صحيحة الحلبي عن الصادق 7 ، وهي منزّلة على كون الطعام المشروط كونه اجرة من نمائها
جمعا بين الأخبار.
قوله
: ( ويكره أن يشترط
مع الحصة شيئا من ذهب أو فضة ).
__________________
الثاني
: تعيين المدة.
ولا بد من ضبطها
بالشهور والأعوام ، ولا يكفي تعيين المزروع عنها ، ويجوز على أكثر من عام واحد من
غير حصر إذا ضبط القدر. ولو شرط مدة يدرك الزرع فيها قطعا أو ظنا صح.
ولو علم القصور
فإشكال ،
______________________________________________________
حكى في المختلف قولا
بالمنع من اشتراط شيء آخر مع الحصة غير مقيّد بكونه من ذهب أو فضة ، وحكى القول
بالكراهية عن الشيخ ، وهو الأصح ، لعموم « المؤمنون عند شروطهم » .
قوله
: ( ويجوز على أكثر
من عام واحد ).
إذا ضبط القدر
لعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) .
قوله
: ( ولو شرط مدة
يدرك الزرع فيها علما أو ظنا صح ).
لوجود المقتضي
للصحة ، وانتفاء المانع ، والظن مناط الشرعيات.
قوله
: ( ولو علم القصور
فإشكال ).
ينشأ : من عموم ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) ولإمكان التراضي على الإبقاء بعد ذلك ، ومن أن العوض في
المزارعة هو الحصة من النماء ولا يتحقق في المدة ، فيبقى العقد بغير عوض حاصل عند
انتهاء المدة ، ولأن ذلك خلاف
__________________
فلو ذكر مدة يظن
الإدراك فيها فلم يحصل فالأقرب أن للمالك الإزالة مع الأرش ، أو التبقية بالأجرة ،
سواء كان بسبب الزارع كالتفريط بالتأخير ، أو من قبل الله تعالى كتغير الأهوية
وتأخر المياه.
______________________________________________________
وضع المزارعة ،
والأصح عدم الصحة.
قوله
: ( ولو ذكر مدة يظن
الإدراك فيها فلم يحصل فالأقرب أن للمالك الإزالة مع الأرش ، أو التبقية بالأجرة ،
سواء كانت بسبب الزارع كالتفريط بالتأخير ، أو من قبل الله تعالى كتغيير الأهوية
وتأخير المياه ).
لا كلام في صحة
العقد في نفسه ، لاستجماع الأمور المعتبرة فيه ، لكن هل للمالك الإزالة أم لا؟
الأقرب عند المصنف
هنا أن له الإزالة مع الأرش ، وهو تفاوت ما بين كونه قائما بالأجرة ومقلوعا ، أو
التبقية بالأجرة. ويجب في الثاني رضاء الزارع ، لأن إيجاب عوض في ذمته لم يقتضه
العقد لا يعقل بدون رضاه ، وحينئذ فيكون مستدركا ، لأنه سيأتي بعد ذلك ولا يكون
ذكره في حيز الأقرب صحيحا ، لأن ذلك مقطوع به. ووجه القرب : أن المعاملة إنما
تناولت الزمان المعين ، فلا حق للزارع بعد انقضائه ، فيثبت جواز الإزالة لكن
بالأرش ، لأن الزرع كان بحق فلا يجوز تنقيص مال الزارع بغير عوض. وإن تراضيا على
الإبقاء بعوض أو مجانا فلا بحث.
ويحتمل وجوب
الإبقاء ، لأن الزرع كان بحق ، وللإدراك أمد ينتظر ، فلا يجوز القلع بدون بلوغه ،
لكن تجب الأجرة جمعا بين الحقين. ويضعّف بأن الاستحقاق إنما هو في المدة ، أما
بعدها فلا.
ولا فرق عند
المصنف بين كون عدم حصول الإدراك بسبب الزارع كالتفريط بتأخير الزرع ، أو من قبل
الله تعالى كتغيير الأهوية وتأخير المياه ، وهذا مخالف لما تقدم في الإجارة من أن
التأخير إذا كان بتفريط الزارع يكون
______________________________________________________
عند انتهاء المدة
كالغاصب ، وإذا كان بغير تقصير منه يجب الإبقاء إلى الإدراك بالأجرة.
وتنقيح هذا المبحث
بأمور :
الأول : أنه على
كلام المصنف يحتمل عدم وجوب الأرش بالقلع ، لأن تعيين المدة يقتضي جواز التفريغ
بعدها.
فإن نوقش بأن
لإدراك الزرع غاية تنتظر ، وهي مطلوبة في أول المعاملة ، ولهذا اشترطنا لصحتها كون
المدة بحيث تكفي لبلوغها علما أو ظنا فإذا تخلف الظن فالمناسب عدم تضييع مال
الزارع بقلعه قبل الإدراك الملحوظ بلوغه في المعاملة ، فتجب التبقية بالأجرة جمعا
بين الحقين. لم يتم ذلك إذا كان الزارع قد فرّط بالأخير ، فيكون قد شغل أرض الغير
عمدا عدوانا ، فيناسب أن لا يكون معذورا ، فلا يتم إطلاق المصنف جواز القلع هنا ،
وفي التحرير وإن لم يصرح فيه بوجوب الأرش ، ولإطلاق عدم جواز القلع في
التذكرة .
لا يقال : ما سبق
كان حكم الإجارة ، وهذا حكم آخر للمزارعة.
لأنا نقول :
المزارعة أحرى بما قلناه ، لأنه لا يجوز استئجار الأرض مدة لزرع لا يدرك فيها على
أصح الوجهين ، وهنا لا يجوز على الأصح ، لأن البلوغ هنا مقصود في نفس المعاملة.
فيتلخص من هذا
الفرق بين التفريط وعدمه ، فلا يجب الأرش في الأول ، ويجب في الثاني مع احتمال
وجوب الإبقاء بالأجرة أيضا في الثاني.
الثاني : متى
حكمنا بجواز القلع فقلع المالك ، أو قلع مع عدم الجواز
__________________
______________________________________________________
فكيف حكم المقلوع
: هل هو بجميعه ملك للعامل على تقدير كون البذر منه وليس للمالك منه شيء؟ أم يكون
حق المالك فيه من حين نمائه؟
فإن قلنا بثبوت
الحق للمالك فيه فالواجب إنما هو أرش حق العامل ، ومقتضى إيجاب الشيخ ـ وابن إدريس ، والمصنف في
المختلف الزكاة على كل واحد منهما ، وإن لم يكن البذر منهما إذا
بلغ نصيب كل واحد منهما نصابا ـ كون النماء على ملكهما.
ويبعد أن يقال :
إن ذلك حين انعقاد الحب ، وملك عامل القراض الربح بالظهور يؤيد ذلك ، وقد أنكر ذلك
ابن زهرة .
الثالث : هل تثبت
للمالك أجرة الأرض مع القلع؟ ليس ببعيد الاستحقاق إذا كان التأخر بتفريط الزارع ،
لأنه ضيّع على المالك منفعة الأرض باختياره ، فإنه إنما بذلها في مقابلة الحصة وقد
فوتها الزارع بتفريطه.
ولو افضى تفريطه
إلى قلة الحاصل خلاف العادة ، بحيث إنه لو لا التفريط لم يحصل ذلك النقصان الفاحش
، فليس ببعيد وجوب أكثر الأمرين من ذلك : الحاصل ، وأجرة المثل.
الرابع : إذا كان
البذر كلّه من المالك ، وقلع المالك فلا معنى للأرش هاهنا ، إلاّ إذا قلنا إن
الزرع ينمو على ملكهما. وعلى كل تقدير فهل للعامل أجرة؟ لا ريب أنّه لا أجرة له
إذا كان التأخر بتفريطه ، لأنّ العدوان من طرفه ، فأما إذا كان من قبل الله تعالى
فينبغي ذلك أيضا ، لأن المالك لم يفوت عليه شيئا.
__________________
ولو اتفقا على
التبقية بعوض جاز إن كان معلوما.
ولو شرط في العقد
تأخيره عن المدة إن بقي بعدها فالأقرب البطلان ، ولو ترك الزرع حتى انقضت المدة
لزمه اجرة المثل.
______________________________________________________
واعلم أن هذه
المسألة من المهمات ، ولم أظفر فيها بكلام للأصحاب ولا لغيرهم سوى ما حكيته ،
والباقي محل النظر والتأمل.
الخامس : حيث يجب
الأرش يقوم الزرع قائما بالأجرة ، لأنه لا يستحق شغل الأرض في المدة ولا بعدها
مجانا ، بل في المدة بالحصة وبعدها بأجرة المثل.
ولا يلحظ في كونه
قائما بالأجرة استحقاقه للقلع ، لأن ذلك يخل بتدارك فائته ، إذ هو بمنزلة العلف
حينئذ ، وإنما المراد بالأرش : تدارك نقصانه عن الحالة التي هو عليها.
ويحتمل أن يلحظ
فيه استحقاقه للقلع بالأرش ، لأن حالته التي عليها هي هذه ، فلا يعتبر لماليته وصف
مخالف لما هو عليه. وهذا أيضا لم أظفر فيه بشيء ، والثاني ليس بذلك البعيد.
قوله
: ( ولو اتفقا على
التبقية بعوض جاز إن كان معلوما ).
اشتراط كونه
معلوما ليتحقق لزومه ، لكن لا بد من تعيين المدة أيضا ، ولو أطلق العوض أو لم يعين
فأجرة المثل. ولو اتفقا على إبقائه كل شهر بكذا ففي لزومه تردد. فإن قصداه جعالة
صح ، وإلا فالمتجه لزوم أجرة المثل ، لعدم صحة مثل ذلك اجارة.
قوله
: ( ولو شرط في
العقد تأخيره عن المدة إن بقي بعدها فالأقرب البطلان ).
وجه القرب أن
الشرط من جملة العوض ، فإن تضمن جهالة بطل به
ولو كان استأجرها
لزمه المسمى ، ولا يشترط اتصال المدة بالعقد.
الثالث : إمكان الانتفاع بالأرض في الزرع ، بأن يكون لها ماء ،
إما من بئر ، أو نهر ، أو عين ، أو مصنع ، وكذا إن آجرها للزرع.
ولو زارعها أو
آجرها له ولا ماء لها تخيّر العامل مع الجهالة لا مع العلم ، لكن في الأجرة يثبت
المسمى.
______________________________________________________
العقد ، كما لو
كانت المدة مجهولة ، ولأن مدة المزارعة حينئذ هي ما تضمنها الشرط لا المعينة ،
لوجوب التأخير عنها إن بقي بعدها فيكون ذكرها لغوا ، وما تضمنه الشرط مجهول فيكون
العقد باطلا ، لعدم تعيين المدة.
وتحتمل الصحة ،
لأن الشرط تابع ، وقد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره ، وهو ضعيف ، والأصح
البطلان.
قوله
: ( ولا يشترط اتصال
المدة بالعقد ).
سبق الكلام عليه
في الإجارة.
قوله
: ( بأن يكون لها ماء
إما من بئر ، أو نهر ، أو عين أو مصنع ).
لا معنى لهذا
الحصر ، فلو كان لها ماء من الغيث ، أو من زيادة موثوق بها غالبا صحت المعاملة
عليها.
قوله
: ( وكذا إن آجرها
للزرع ).
قد سبق في الإجارة
أنه لو آجرها وأطلق كان كما لو آجرها للزرع ، حيث أن المقصود الأصلي والغالب من
مثلها هو الزرع.
قوله
: ( ولو زارعها أو
آجرها له ولا ماء لها تخيّر العامل مع الجهالة لا مع العلم ، لكن في الأجرة يثبت
المسمى ).
ولو استأجرها ولم
يشترط الزرع لم يكن له الفسخ ،
______________________________________________________
في قوله : (
زارعها ) تجوّز غير حسن ، لأنه لا معنى لمزارعة الأرض وإن كان المراد معلوما.
والضمير في قوله :
( له ) يعود إلى الزرع ، أي : لو آجرها للزرع.
وفي قوله : (
تخيّر العامل مع الجهالة ) نظر ، فإن ثبوت الخيار فرع صحة المزارعة ، وقد علم ان
من شروط صحة المزارعة إمكان الانتفاع بالأرض في الزرع ، وكذا القول في الإجارة
للزرع.
وقد سبق كلام
المصنف في الإجارة من هذا الكتاب بطلان الإجارة للزرع مع عدم الماء وعدم العلم
بحالها ، وكذا في التذكرة. وقد خالف كلامه في هذا الباب هنا ، وفي التذكرة ما سبق
في الإجارة.
واعلم أن المصنف
في التذكرة قال : إذا لم يكن للأرض ماء يمكن زرعها به إلا نادرا ففي جواز المزارعة
عليها اشكال ، والذي يقتضيه النظر بطلان العقد من رأس .
إذا عرفت هذا
فاعلم أن قول المصنف : ( لا مع العلم ) يريد به عدم بطلان المزارعة والإجارة للزرع
مع العلم بأن الأرض لا ماء لها ، وهو صحيح على القول بجواز التخطي إلى غير المنفعة
المشروطة مما يكون مساويا أو أقل ضررا حينئذ ، فلا شيء للمالك في المزارعة ، لعدم
إمكان الانتفاع الذي حصول الحصة المشترطة متوقف عليه. أما في الإجارة فيجب المسمى
لصحة الإجارة ، وعلى البطلان فلا يجب شيء.
قوله
: ( ولو استأجر ولم
يشترط الزرع لم يكن له الفسخ ).
الظاهر أن مراده :
وإن لم يكن عالما بحالها ، وهو المطابق لما في
__________________
وكذا لو اشترط
الزراعة وكانت في بلاد تشرب بالغيث غالبا.
ولو انقطع في
الأثناء فللمزارع الخيار إن زارع أو استأجر له ، وعليه اجرة ما سلف.
______________________________________________________
التذكرة في هذا
الباب ، لإمكان الانتفاع بها بغير الزرع كالنزول فيها ووضع الرحل ، ويشكل إطلاق
العبارة بما إذا كان الغالب على الأرض إرادتها للزراعة ، فإن المنفعة المطلوبة
منها غير حاصلة.
قوله
: ( وكذا لو شرط
الزراعة وكانت في بلاد تشرب بالغيث غالبا ).
أي : وكذا ليس له الفسخ
لو شرط المزارعة إلى آخره. والأحسن أن يكون المراد : وكذا تصح الإجارة لو شرط
الزراعة إلى آخره ، إلا أنه ليس في الكلام ما يقتضي كون وجه التشبيه ذلك.
قوله
: ( ولو انقطع الماء
في الأثناء فللزارع الخيار : إن زارع ، أو استأجر له وعليه أجرة ما سلف ).
هذا راجع إلى أصل
الباب ، ومعناه أنه إذا انقطع الماء الدائم ، أو الغالب في أثناء المدة فللزارع
الخيار إن كان العقد مزارعة أو إجارة للزرع ، ولا يبطل من رأس ، بناء على أنّ
المزارعة على مثل هذه الأرض جائزة.
وكذا الإجارة بشرط
الزرع ، لإمكان الانتفاع بها بغير ذلك ، بناء على جواز التخطي. ويمكن أن يكون
مخصوصا بالتي تشرب بالغيث غالبا ، فإنه في التذكرة فرضها في التي لها ماء يعتورها
وقت الحاجة .
وكيف كان ، فإذا
انقطع في أثناء مدة الإجارة لزمه أجرة ما سلف ، ويرجع بما قابل المدة المتخلفة ،
بخلاف المزارعة فإنه لا يلزمه شيء.
__________________
الرابع
: الحصة.
ويشترط فيها أمران
: العلم بقدرها ، والشياع. فلو أهمل ذكرها بطلت ، وكذا لو جهلا قدرها ، أو شرطا
جزءا غير مشاع ، بأن يشترط أحدهما النماء بأجمعه له ، أو يشترط أحدهما الهرف
والآخر الأفل ، أو ما يزرع على الجداول والآخر في غيرها ، أو يشترط أحدهما قدرا
معلوما من الحاصل كعشرة أقفزة ، والباقي للآخر.
______________________________________________________
قوله
: ( وشرطا جزء غير
مشاع بأن يشترط أحدهما النماء بأجمعه له ).
المتبادر من قوله
: ( النماء بأجمعه ) هو مجموع الحاصل بالزراعة ، لكن عدّ ذلك جزء مشكل. وربما نزّل
على أن المراد ( النماء ) ما زاد على البذر لتتحقق الجزئية وهو ممكن.
قوله
: ( أو يشترط أحدهما
الهرف ، والآخر الأفل ).
الهرف هنا :
المتقدم من الزرع ـ اعني : ما زرع عاجلا في أول ـ والأفل خلافه.
قوله
: ( أو ما يزرع على
الجداول ، والآخر غيرها ).
ربما فسّرت
الجداول : بالألواح من الأرض التي تحف بجمع التراب حولها ، وعبارة التذكرة تشعر
بأن المراد بها الأنهار ، فإنه قال : أو يشترط أحدهما ما على الجداول والسواقي ،
والآخر ما عداه ، وبالجملة فلا بد أن يكون مجموع الزرع بينهما على
الإشاعة.
__________________
ولو شرطا أن يكون
الباقي بعد العشرة بينهما ، أو شرطا إخراج البذر أولا والباقي بينهما بطل على
إشكال.
______________________________________________________
قوله
: ( ولو شرطا أن
يكون الباقي بعد العشرة بينهما أو شرطا إخراج البذر أولا والباقي بينهما بطل على
اشكال ).
الإشكال في
مسألتين :
أحدهما : ما إذا
شرطا أن يكون لأحدهما عشرة أقفزة ، وما يبقى بعد العشرة بينهما ، ومنشؤه من عموم ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) ، و « المؤمنون عند شروطهم » ، ومن أن ذلك مخل
بوضع المزارعة لإمكان أن لا يخرج من الأرض إلا ذلك القدر المعيّن ، فيكون الحاصل
مختصا بأحدهما.
لا يقال : لو كان
الغالب على حال الأرض عادة زيادة الحاصل على المعين لم يضر الاحتمال النادر الوقوع
، كما لا يضر احتمال عدم حصول شيء في أصل المزارعة.
لأنا نقول : وإن
ندر ذلك لكنه لمنافاته لوضع المزارعة اقتضى البطلان ، لأن وضعها على الاشتراك في
الحاصل كائنا ما كان. وأيضا فإن العقود بالتلقي ، فما لم تثبت شرعيته يجب التوقف
في صحته.
الثانية : ما إذا
شرطا إخراج البذر أولا والباقي بينهما ، ومنشؤه ما سبق. وقد اختلف الأصحاب هنا
فجوّزه الشيخ ، وابن إدريس ، وابن البراج مع أنهم منعوا الحكم في الأولى. وذهب جماعة إلى عدم
__________________
ويجوز التفاضل في
الحصة والتساوي.
ولو شرط أحدهما
على الآخر شيئا يضمنه له من غير الحاصل مضافا إلى الحصة صح على رأي.
الفصل
الثاني : في الأحكام.
إطلاق المزارعة
يقتضي تخيير العامل في زرع أي نوع شاء ،
______________________________________________________
الجواز ، وتردد المصنف
فيهما ، وعدم الجواز فيهما أظهر.
قوله
: ( ويجوز التفاضل
في الحصة والتساوي ).
للنص والإجماع.
قوله
: ( ولو شرط أحدهما
على الآخر شيئا يضمنه له من غير الحاصل مضافا إلى الحصة صح على رأي ).
الرأي إشارة إلى
قول الشيخ فإنه حكم بكراهية ذلك ، ولا مانع من الصحة ، والكراهة لتصريح الأصحاب .
وقيل بالمنع ، نقله
المصنف وغيره ، ولا يظهر وجهه ، ولا يعرف قائله ، والأصح الأول.
قوله
: ( إطلاق المزارعة
يقتضي تخيير العامل في زرع أي نوع شاء ).
__________________
ويتعين بالتعيين ،
______________________________________________________
لأن الإطلاق
يستلزم جواز أي فرد كان ، لوجود المطلق في ضمنه. ويضعّف بلزوم الغرر ، لأن
المزروعات متفاوتة في الضرر تفاوتا ، فما لم يتحقق الرضى بالأضر لم يجز فعله ، ومع
الإطلاق لا نص على معين فيجب التعيين أو التعميم.
فإن قيل : أي فارق
بين الإطلاق والتعميم؟.
قلنا : الفرق أن
الإطلاق إنما يقتضي تجويز المطلق ، وهو القدر المشترك بين الأفراد ولا يلزم من
الرضى بالقدر المشترك الرضى بالأشد ضررا من غيره ، إذ ليس في اللفظ اشعار بذلك
الضرر ، ولا دلالة على الاذن فيه والرضي بزيادة ضرره.
ولا يخفى أن الرضى
بالقدر المشترك إنما يستلزم الرضى بمقدار الضرر المشترك بين الكل ، ولا شيء يدل
على الرضى بالزائد ولما لم يكن للّفظ دلالة على الأقل ضررا أو المتوسط تطرّق
الغرر. أما إذا عمم فإنه قد اذن في كل فرد فرد ، فيدخل الأشد وغيره. والأصح وجوب
التعيين إن لم يعمم ، وقوّاه في التذكرة .
قوله
: ( ويتعين بالتعيين
).
يحتمل أن يكون
مراده ( بالتعيين ) هو ذكر زرع نوع في العقد ، وهو المتبادر إلى الفهم ، والأصح ،
إلا أنه يكون مخالفا لما سبق في الإجارة من تردده في ذلك.
وقد صرح المصنف في
التذكرة ، والتحرير في هذا الباب بأنه لو
__________________
فإن زرع الأضر
فللمالك الخيار بين المسمى مع الأرش ، وبين اجرة المثل.
______________________________________________________
عيّن الزرع لم يجز
التعدي ، ثم قال : إنه لو زرع الأقل ضررا جاز. وظاهر هذه العبارة متدافع ، والأصح
عدم جواز التعدي عن المعيّن إلى غيره كما في الإجارة ، بل هنا أبلغ ، لأن التعدي
في الإجارة إلى الأخف نفع محض للمالك ، لأن الأجرة معينة بخلاف ما هنا ، لأن العوض
هنا هو الحصة.
وربما تفاوتت
الأنواع فيها باعتبار أكثرية الحاصل أو القيمة ، أو تعلق غرض المالك بكونها من
النوع المعين ، فبالتخطي يفوت نفع المالك وغرضه.
قوله
: ( فإن زرع الأضر
فللمالك الخيار بين المسمى مع الأرش ، وبين أجرة المثل ).
أي : لو تخطى
المعيّن إلى الأضر تخيّر المالك بين المسمى ـ أي بين قدر المسمى من ذلك المزروع إذ
المسمى غيره ـ مع أرش نقص الأرض باعتبار الأضر ، وبين أجرة المثل للمزروع.
ووجه التخيير : أن
مقدار المنفعة المعقود عليها قد استوفي بزرع الأضر مع زيادة ، فإن شاء أخذ المسمى
في مقابل المنفعة والأرش في مقابل الزيادة ، وإن شاء أخذ أجرة المثل ، لأن المزروع
غير المعقود عليه. وفيه نظر ، فإن المزروع غير معقود عليه ، والحصة المسماة إنما
هي من غيره ، فكيف تجب الحصة منه ، والمنفعة لم يجر العقد عليها مطلقا ، بل إنما
جرى على استيفائها في المعين؟.
ثم إن الأرش الذي
هو عوض نقص الأرض لا يفي بأجرة المنفعة الزائدة التي استوفيت بزرع الأضر ، وإنما
هو عوض الفائت من الأرض وليس هذا كالإجارة يمكن إيجاب المسمى وأجرة المثل للزيادة
لو سلك بالدابة
ولو زرع الأخف
تخيّر المالك بين الحصة مجانا واجرة المثل.
ولو شرط نوعين
متفاوتين في الضرر افتقر إلى تعيين كل منهما ، وللمزارع أن يشارك غيره وأن يزارع
عليهما غيره وإن لم يأذن المالك.
______________________________________________________
طريقا أشق ، لأن
المسمى في الإجارة معلوم ، والحصة في المزارعة لا يعلم كميتها ، فالأصح حينئذ وجوب
أجرة المثل.
قوله
: ( ولو زرع الأخف
تخيّر المالك بين الحصة مجانا وأجرة المثل ).
فيه نظر يعلم مما
تقدم ، والأصح وجوب أجرة المثل.
قوله
: ( ولو شرط نوعين
متفاوتين في الضرر افتقر إلى تعيين كل منهما ).
أي : لو شرط أن
يزرع العامل نوعين متفاوتين في الضرر معا وجب تعيين قدر كل منهما : إما بالكيل أو
الوزن ، وإما بتعيين الأرض مثل : ازرع هذه القطعة حنطة وهذه شعيرا.
ومفهوم قوله : (
متفاوتين في الضرر ) انهما لو لم يكونا متفاوتين فيه لا يجب التعيين ، وليس ببعيد
مع تحقق الغرض إذ لا غرر. وعلى ما نزلنا العبارة عليه فكان حقه أن يقول : افتقر
إلى تعيين قدر كل منهما ، لأنهما معينان.
ويحتمل معنى آخر
وهو : أنه لو شرط نوعين على طريق البدل وجب التعيين ، لكنه بعيد ، على انه إنما
يجب التعيين إذا لم يكن ذلك على طريق التخيير بينهما.
قوله
: ( وللمزارع أن
يشارك غيره وأن يزارع عليها غيره وإن لم يأذن المالك ).
نعم لو شرط
الاختصاص لم تجز المشاركة ولا المزارعة ، وخراج الأرض ومؤنتها على المالك إلاّ أن
يشترطه على العامل.
______________________________________________________
وذلك لأنه قد ملك
المنفعة فكان له نقلها ، ونقل بعضها إلى غيره. ولا يتوقف ذلك على إذن المالك ،
لأنه لا حق له في المنفعة ، نعم لا يجوز له تسليم الأرض إلا بإذنه كما سبق في
الإجارة.
والمراد بالمشاركة
: أن يبيع بعض حصته له بشيء معلوم من ذهب أو فضة ونحوهما ، لمقطوعة سماعة الدالة
على ذلك ، ولا بد من رعاية شرائط البيع من وجود الزرع وظهوره ،
بحيث يمكن تقويمه وشراؤه.
قوله
: ( نعم ، لو شرط
الاختصاص لم تجز المشاركة ولا المزارعة ).
أي : لو شرط في
عقد المزارعة الاختصاص بالعمل والحصة لم تجز المشاركة في الحصة ولا المزارعة ،
بحيث يصير العمل متعلقا بغيره كله أو بعضه.
لا يقال : اشتراط
عدم الشركة يقتضي منع المالك من التصرف بماله ، وهو مناف لقوله 7 : « الناس مسلطون
على أموالهم » .
لأنا نقول : لا
ريب أن للمالك اشتراط منع الغير من شغل أرضه بزرعه ، وإن لزم من ذلك منع العامل من
نقل بعض حقه من الزرع إلى غيره.
ولا ريب أن تسلط
الناس على أموالهم ، إنما هو فيما لا يقتضي ضياع حق لآخر ، فإن الراهن ممنوع من
ملكه بما ينافي حق المرتهن.
قوله
: ( وخراج الأرض
ومؤنتها على المالك إلا أن يشترطه على
__________________
وتصح المزارعة إذا
كان من أحدهما الأرض خاصة ، ومن الآخر البذر والعمل والعوامل. وكذا إن كان البذر
لصاحب الأرض ، أو العمل منه ، أو كان البذر منهما ، سواء اتفقا في الحصة أو اختلفا
، وسواء تساويا في البذر أو تفاوتا.
______________________________________________________
العامل ).
فإن شرطه عليه صح
ولزم إن كان القدر معلوما ، والخراج معلوم وهو طسق الأرض. وأما المئونة التي ذكرها
فلم يبين مراده منها في هذا الكتاب ولا غيره ، ولعله يريد ما يضطر إليه للأرض
باعتبار زرعها ، مما لا يجب على العامل كحفر الأنهار وإصلاحها ، وتنقية الأرض من
الأحجار المضرة بالزرع ، ونحو ذلك من الأعمال التي لا تتكرر كل سنة ، ومنه تسميد
الأرض مع الحاجة.
قوله
: ( وتصح المزارعة
إذا كان من أحدهما الأرض خاصة ، ومن الآخر البذر والعمل والعوامل. وكذا إذا كان
البذر لصاحب الأرض ، أو العمل منه ، أو كان البذر منهما ، سواء اتفقا في الحصة أو
اختلفا ، وسواء تساويا في البذر أو تفاوتا ).
إذا كان البذر من
صاحب الأرض ، ومن العامل العمل صحت المزارعة عند كل من سوغها ، وإن كان البذر من
العامل أو منهما فهي صحيحة عندنا.
ولا فرق في ذلك
بين التساوي في الحصة والتفاوت ، وكذا لا فرق إذا كان البذر منهما بين التساوي
والتفاوت.
والأصل في ذلك قصة
خيبر ومزارعة النبي 6 اليهود عليها على أن يزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها ، وظاهر هذا أن
البذر من
__________________
وفي صحة كون البذر
من ثالث نظر ، وكذا لو كان البذر من ثالث والعوامل من رابع.
وكل مزارعة فاسدة
فإن الزرع لصاحب البذر ، وعليه أجرة الأرض والفدان.
______________________________________________________
أهل خيبر. وغير
ذلك من الأخبار كصحيحة يعقوب بن شعيب عن الصادق 7 وغيرها . وإذا جاز كون البذر من العامل أو المالك جاز منهما ، لأنه
إذا جاز أن يكون جميعه من العامل فبعضه أولى.
قوله
: ( وفي صحة كون
البذر من ثالث نظر ، وكذا لو كان البذر من ثالث والعوامل من رابع ).
وذلك بأن يشترط
البذر على غير المتعاقدين ، سواء كان لذلك المشروط عليه البذر حصة من النماء أم
لا.
ومنشأ الإشكال من
عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ، ومن أن
المعاملة بتوقيف الشارع ، ولم يرد النص بمثل هذا ، والأصح عدم الجواز.
وقوله : ( وكذا لو
كان البذر من ثالث والعوامل من رابع ) معناه : وكذا في الصحة نظر ، ولو كان البذر
من أحدهما والعوامل من ثالث أو العمل فالنظر آت أيضا.
قوله
: ( وكل مزارعة
فاسدة فإن الزرع لصاحب البذر وعليه أجرة الأرض والفدّان ).
هذا إذا كان البذر
من غير صاحب الأرض والفدان من صاحبها ، أما إذا
__________________
ولو كان البذر من
المالك فعليه اجرة العامل ، والإطلاق يقتضي كون البذر على العامل ، ويحتمل
البطلان.
______________________________________________________
كان البذر منه فقد
أشار إليه بقوله ( ولو كان البذر من المالك فعليه اجرة العامل ).
ووجه الحكم في
المسألة الأولى أنهما دخلا على أن لصاحب الأرض والفدان حصة من النماء في مقابل
منافعهما ، وقد فاتت فيجب الرجوع إلى أجرة المثل ، ومنه يظهر وجهه في الثانية.
والفدّان كسحاب
وشداد : الثور أو الثوران يقرن للحرث بينهما ، ولا يقال للواحد فدَّان أو هو آلة
الثورين ، قاله في القاموس .
قوله
: ( والإطلاق يقتضي
كون البذر على العامل ، ويحتمل البطلان ).
وجه الأول : أن
الغالب من عادة المزارعين ذلك ، والإطلاق يحمل على الغالب ، ولقول الصادق 7 في صحيحة يعقوب
بن شعيب ، ـ وقد سأله عن المزارعة ـ « النفقة منك والأرض لصاحبها » .
ويضعّف بأن العادة
إنما يجب حمل الإطلاق عليها إذا كانت مستقرّة مطردة لا تنخرم ، ولا يثبت كون
المتنازع فيه كذلك. والحديث لا يراد ظاهره قطعا ، للإطباق على أن النفقة إذا كانت
من صاحب الأرض كانت المزارعة صحيحة ، فلا يراد به إلا نوع من المزارعة.
وقول الفاضل
الشارح في جوابه : إن المفرد المحلى باللام لا يفيد العموم ، لا يجدي نفعا ،
لأن ذلك وقع تفسيرا للمزارعة المسؤول عنها ،
__________________
ولو تناثر من
الحاصل حب فنبت في العام الثاني فهو لصاحب البذر ، ولو كان من مال المزارعة فهو
لهما.
______________________________________________________
فوجب أن لا يقع
على غيره ، وإلا لم يكن جوابا صحيحا. ولعله 7 أرشده إلى مقصود الناس غالبا في المزارعة لتعيينه في العقد
، ولم يكن ذلك بيانا لحكم إطلاق العقد من غير تعيين.
ووجه الثاني : صدق
المزارعة على كل منهما ، ولا دلالة للعام على أحد أفراده بخصوصه ، فإذا أطلق العقد
كان باطلا ، للجهالة ، وهو الأصح.
ولو اطردت العادة
بشيء ولم ينخرم ، بحيث لا يفهم من الإطلاق سواه لم يجب التعيين ، وحمل الإطلاق
عليه.
قوله
: ( ولو تناثر من
الحاصل حب ، فنبت في العام الثاني فهو لصاحب البذر ، ولو كان من مال المزارعة فهو
لهما ).
أي : لو تناثر من
حاصل المزارعة حب فنبت ـ والتقييد بالعام الثاني بناء على الغالب ، إذا قد ينبت في
العام الأول ـ فهو لصاحب البذر ، أي : فهو لصاحب ذلك الحب من المزارعين ، لأن الحب
بذر فيجوز التعبير عنه بكل من العبارتين ، وذلك إنما يكون بعد تعيين كل واحدة من
الحصتين. ولو كان من مال المزارعة المشترك ـ وذلك قبل القسمة ـ فهو لهما على نسبة
الاستحقاق.
وربما استصعب
تنزيل العبارة ، فحمل قوله : ( فهو لصاحب البذر ) على ما إذا كانت المزارعة فاسدة
، وسببه حمل البذر فيها على البذر في تلك المزارعة ، وأنت خبير بأنه لا حاجة إلى
هذا التكلف البعيد المفوّت لجزالة العبارة ، حيث نزّل ذلك على فساد المزارعة بغير
إشعار من العبارة ، وما بعده على صحتها ، مع أنهما قسمان حقهما أن يكون متعلقهما
واحد. ولا قبح في حمل البذر في العبارة على الحب ، لصلاحية الحب لأن يكون بذرا ،
أو
ويجوز للمالك
الخرص على العامل ، ولا يجب القبول ، فإن قبل كان استقراره مشروطا بالسلامة ، فلو
تلف بآفة سماوية ، أو أرضية ، أو نقص لم يكن عليه شيء.
______________________________________________________
لصدق اسم البذر
عليه باعتبار كونه قد نبت.
إذا عرفت هذا
فاعلم أنه متى كان الحب لغير صاحب الأرض ، أو بعضه وجب تفريغها منه بمطالبة المالك
، واجرة المثل ، وطم الحفر ، ولو لم يطالب فلصاحبه المطالبة بذلك لدفع لزوم الأجرة
، وقد سبق مثل هذه في العارية.
قوله
: ( ويجوز للمالك
الخرص على العامل ولا يجب القبول ، فإن قبل كان استقراره مشروطا بالسلامة ، فلو
تلفت بآفة سماوية ، أو أرضية ، أو نقص لم يكن عليه شيء ).
أي : إذا بلغت
الغلة جاز لمالك الأرض أن يخرصها على العامل ، فإن شاء أن يأخذها بما خرص وكان
عليه حصة صاحب الأرض من الخرص ، سواء زاد الخرص أو نقص عند التصفية.
ولا يجب على
العامل القبول ، لكن إن قبل لزمه ذلك ، عملا بعموم الوفاء(
بِالْعُقُودِ ) ، فلا بد من إيجاب وقبول بلفظ التقبيل ، أو الصلح ، أو ما
أدى هذا المعنى. وقرار هذا التقبل مشروط بالسلامة ، فإن تلفت الغلة بآفة سماوية أو
أرضية فلا شيء على المتقبل ، وإن تلف البعض بها سقط من القبالة بالنسبة.
فقول المصنف : (
لم يكن عليه شيء ) محمول على أن المراد لم يكن عليه شيء في مقابل التالف ، سواء
كان البعض أو الكل ، والأصل في ذلك
__________________
______________________________________________________
الإخبار عن النبي 6 والأئمة : ، إلا أن اشتراط
القبالة بالسلامة ذكره الأصحاب.
ويرد عليه : أن
الحصة إن كانت مضمونة لم يكن للاشتراط المذكور محصل ، وإلا لم تكن هذه على نهج
المعاوضات.
ويمكن الجواب بأن
هذه المعاوضة لا تخرج باشتراط السلامة عن نهج المعاوضات ، فإن المبيع في زمان
الخيار من ضمان البائع وإن تلف في يد المشتري ، لكن بغير تفريط إذا كان الخيار
للمشتري ، وما هنا لا يزيد على ذلك.
والظاهر أن المراد
بالآفة السماوية والأرضية : ما يكون ممن لا يعقل تضمينه ، فلو أتلفها متلف فالظاهر
أن القبالة بحالها ، عملا بالاستصحاب ، ويطالب المتقبل المتلف.
ويحتمل أن يريد
المصنف بقوله : ( أو أرضية ) ما يعم هذا ، فتسقط القبالة أيضا بإتلاف المتلف ، وهو
بعيد.
واعلم أن قول
المصنف ( أو نقص ) يجب حمله على ما إذا كان النقص بالآفة ، أما إذا كان نقصا في
الخرص ، بحيث لم يطابق الحاصل فإنه لا يسقط من القبالة شيء.
وقد دل على ذلك
مرسلة محمد بن عيسى ، عن بعض أصحابه قال : قلت لأبي الحسن 7 : إن لنا أكرة
فنزارعهم ، فيقولون : قد حرزنا هذا الزرع بكذا وكذا فأعطوناه ونحن نضمن لكم أن
نعطيكم حصة على هذا الحرز قال : « وقد بلغ؟ » قلت : نعم ، قال : « لا بأس بهذا »
قلت : فإنه يجيء بعد ذلك ويقول لنا : إن الحرز لم يجيء كما حرزت ، قد نقص ،
__________________
ولو زاد فاباحة
على إشكال.
______________________________________________________
قال : « فإذا زاد
يرد عليكم؟ » قلت : لا ، قال : « فلكم أن تأخذوه بتمام الحرز ، كما إنه إذا زاد
كان له ، كذلك إذا نقص » . وعبارة المصنف في التحرير هذه : وعليه دفع حصة الأرض سواء
زاد الخرص أو نقص .
قوله
: ( ولو زاد فإباحة
على إشكال ).
قيل : ينشأ
الإشكال من رضى المالك بالحصة من القدر المخروص ، وهو يقتضي إباحة الزائد. ومن أن
الجميع حق له فلا ينتقل عنه إلا بناقل ، وإنما رضي بذلك القدر بناء على مطابقة
الخرص وقد تبيّن عدمها. وليس بشيء ، لأن ذلك معاوضة ، كما صرح المصنف في المختلف
بأن هذا نوع تقبيل وصلح .
والعجب أن الشارح
الفاضل ولد المصنف اعترف بأن هذا تقبل وصلح. وجاز مع الجهالة ، لأن مبنى عقد
المزارعة على الجهالة.
ثم قال : فمنشأ
الإشكال الذي ذكره المصنف من هذا ، فإنه لو لم يكن إباحة لم تكن فيه فائدة إن لم
نقل بقول الشيخ فلا يسوغ ، فإنه إذا كان صلحا صحيحا فلا وجه للإشكال ولا
حاجة إلى كون الزائد إباحة .
ويمكن أن يكون
الإشكال منظورا فيه إلى أن الربا يعم المعاوضات ، فيشكل حينئذ الحل مع الزيادة ،
نظرا إلى اشتمال المعاوضة على الزيادة الموجبة للربا فلا يصح ، وأن المالك حيث رضي
بالحصة من المخروص فقد
__________________
وإذا اختلف أنواع
الزروع جاز الاختلاف في الحصة منها والتساوي.
ولو كان في الأرض
شجر وبينه بياض ، فساقاه على الشجر ، وزارعه على البياض جاز.
______________________________________________________
أباح الزائد ، لكن
على هذا يشكل أيضا مع النقص ، فلا وجه للاقتصار على الزيادة.
والذي يقتضيه
النظر : أنه لا محصل لهذا الإشكال بعد ورود النصوص الصحيحة الصريحة بصحة هذه
القبالة ، من غير تفاوت بين المطابقة في الخرص وعدمها . ولا بعد في
انفراد القبالة بالجواز من غير التفاوت إلى الزيادة والنقصان للضرورة ، فإن ذلك
مما تعم به البلوى.
قوله
: ( وإذا اختلف
أنواع الزرع جاز الاختلاف في الحصة منها والتساوي ).
لكن إذا كانت
الحصة منها مختلفة فلا بد من التعيين فيبطل العقد بدونه.
قوله
: ( ولو كان في
الأرض شجر وبينه بياض ، فساقاه على الشجر وزارعه على البياض جاز ).
سواء كان الشجر
أقل من البياض ، أم أكثر ، أم تساويا. ولا فرق بين أن تكون المساقاة والمزارعة
صفقة واحدة أو متعددة ، ومع الاتحاد لا فرق بين المزارعة وتأخيرها.
والشافعي حيث منع
من المزارعة ، لم يجوزها إلا تابعة للمساقاة في المعاملة على الأرض المشتملة على
شجر بينه بياض ، فاشترط اتحاد الصفقة
__________________
وهل يجوز بلفظ
المساقاة مع قصد الزرع والسقي؟ إشكال ، ينشأ من احتياج المزارعة إلى السقي.
ولو آجر الأرض بما
يخرج منها لم يصح ، سواء عيّنه بالجزء
______________________________________________________
واتحاد العامل .
واعتبر بعض
الشافعية في العقد أن يكون مشتملا على لفظ المساقاة والمزارعة معا ، وتقديم
المساقاة لتكون المزارعة تابعة . وكل هذا ساقط عندنا ، إلا ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
قوله
: ( وهل يجوز بلفظ
المساقاة مع قصد الزرع والسقي؟ إشكال ينشأ من احتياج المزارعة إلى السقي ).
أي : هل يجوز إذا
اتحدت الصفقة الاكتفاء بلفظ المساقاة فإن لفظ المزارعة لا يكفي قطعا ، وذلك مع قصد
السقي اللغوي.
والزرع بلفظ
المساقاة مع قصد معنى المساقاة شرعا؟ فيه إشكال ، ينشأ : من احتياج المزارعة إلى
السقي ، والسقي مأخوذ من المساقاة ، فحينئذ لا يمتنع قصد المزارعة بلفظ المساقاة
من الجهة المذكورة ، لأن ذلك مدلول اللفظ ، فيكون العقد صحيحا بالنسبة إلى كل
منهما.
ومن أن المساقاة
حقيقة معاملة مخصوصة وليس السقي ملحوظا فيها ، وإنما هو ملحوظ بالنظر إلى الوضع
اللغوي ، كما أن المزارعة معاملة مخصوصة. وقد وضع الشارع لكل منهما لفظا مخصوصا ،
فلا تقع إحداهما بلفظ الأخرى ، وهو الأصح.
قوله
: ( ولو آجر الأرض
مما يخرج منها لم يصح ، سواء عيّنه
__________________
المشاع أو المعين
أو الجميع ، ويقدّم قول منكر زيادة المدة مع يمينه ، وقول صاحب البذر في قدر
الحصة.
______________________________________________________
بالجزء المشاع ،
أو المعين ، أو الجميع ).
وذلك للجهالة
والغرر ، فإنه إذا آجرها بالجزء المشاع أو الجميع فالجهالة ظاهرة ، إذ لا يعلم قدر
ما يخرج منها ولا وصفه ، وربما لم يخرج شيء.
وأما إذا آجرها
بجزء معين ، كقفيز من حاصلها فإن وصفه الذي يخرج عليه ليس بمعلوم. وربما لم يخرج
ذلك القدر ، أو لم يخرج شيء أصلا ، ولا بد أن يكون الوصف معلوما ، وأن يكون
المعين في الذمة أكثري الوجود لتصح المعاملة.
قوله
: ( ويقدّم قول منكر
زيادة المدة مع يمينه ، وقول صاحب البذر في قدر الحصة ).
وذلك لأن الأصل
عدم زيادة ، فيحتاج مدعيها إلى البينة ، وعلى منكرها اليمين. وكذلك الأصل في
النماء أن يكون لصاحب البذر ، فإذا ادعى الآخر عليه زيادة عما يعترف به فعلى
المدعي البينة وعلى المالك اليمين ، ولأن مدعي الزيادة فيهما لو ترك لترك ، فيكون
مدعيا بالمعنيين معا.
والظاهر أنه لا
خلاف في ذلك بين الأصحاب ، ولو لا الإجماع لأمكن أن يقال : إن اتفاقهما على عقد
تضّمن تعيين مدة وحصة نقل عن الأصل المذكور ، وكل منهما مدّع لشيء ومنكر لما
يدعيه الآخر. وليس إذا ترك دعوى الزيادة مطلقا يترك ، فإنه إذا ترك العمل طالبه
به.
نعم يجيء هذا إذا
وقع الاختلاف عند انتهاء الأمر فيجب التحالف ، وهو قول الشافعي في نظيره من
المساقاة .
__________________
ولو أقاما بينة
احتمل تقديم بينة الآخر ، وقيل القرعة.
ولو ادعى العامل
العارية ، والمالك الحصة أو الأجرة قدّم قول المالك في عدم العارية ، وله اجرة
المثل مع يمين العامل ما لم تزد على المدعى ، وللزارع التبقية إلى وقت الأخذ.
______________________________________________________
قوله
: ( ولو أقاما بينة
احتمل تقديم بينة الآخر ، وقيل : القرعة ).
وجه الأول : أن
المقدّم هو بينة الخارج أعني المدعي ، وقد سبق أن المدعي في المسألة الاولى هو
مدعي زيادة المدة ، وفي الثانية هو غير صاحب البذر ، فتعيّن تقديم بينتهما.
ووجه الثاني : أن
ذلك أمر مشكل ففيه القرعة.
وتنقيحه : أن ذلك
على تقدير كون كل منهما مدعيا ومنكرا واضح ، أما على القول بأن المدعي أحدهما
بعينه فلا يجيء احتمال القرعة. وحيث اختار الأصحاب وجوب اليمين على منكر الزيادة ، فالمذهب تقديم
بينة الآخر.
قوله
: ( ولو ادعى العامل
العارية ، والمالك الحصة أو الأجرة قدّم قول المالك في عدم العارية ، وله اجرة
المثل مع يمين العامل ما لم تزد عن المدعى ، وللزارع التبقية إلى وقت الأخذ ).
لا ريب في أنه إذا
ادعى العامل العارية ، والمالك الحصة بالمزارعة أو الأجرة ، بالإجارة كل واحد
منهما مدع ومنكر ، لأن العامل يدعي على المالك إباحة المنافع له والمالك ينكر ،
ويدعي على العامل استحقاق الأجرة أو الحصة والعامل ينكر فيتحالفان ، فيحلف المالك
لنفي العارية فتندفع دعوى
__________________
أما لو قال :
غصبتنيها ، فإنه يحلف ويأخذ الأجرة والأرش إن عابت وله المطالبة بطم الحفر وإزالة
الزرع.
______________________________________________________
إباحة المنافع ،
ويحلف العامل لنفي الأجرة أو الحصة فتندفع دعوى المالك عليه عوضا معينا ، لاندفاع
الإجارة والمزارعة فتجب اجرة المثل.
لكن يشترط أن لا
تزيد عن المدعى للمالك ، فإن زادت وجب المدعى ، لاعتراف المالك بعدم استحقاق
الزائد ، فيتجه في هذه الصورة عدم إحلاف العامل ، إذ لا فائدة ليمينه حينئذ أصلا ،
لأنه لو أقر بدعوى المالك ، أو رد اليمين على المالك فحلف لم يختلف الحال ، فلا
فائدة لهذا اليمين أصلا ، وما هذا شأنه فحقه أن لا يتوجه.
واعلم أن ما ذكره
المصنف من التحالف إنما يجيء إذا كان الاختلاف بعد استيفاء المنافع ، إذ لو كان
في مبدأ الأمر لكان اليمين على العامل لنفي دعوى المالك. ودعوى العامل العارية
تندفع بإنكار المالك ، وقد سبق بيان ذلك في أول التنازع في الإجارة.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أنهما إذا تحالفا وجبت تبقية الزرع إلى أوان الأخذ ، لاعتراف المالك بأنه
زرع بحق. ومنه يعلم أنّ المراد بأجرة المثل : الأجرة إلى أوان الأخذ.
قوله
: ( أما لو قال :
غصبتنيها فإنه يحلف ويأخذ الآخرة والأرش إن عابت ، وطم الحفر وإزالة الزرع ).
أي : ما سبق من
التحالف فيما لو اختلفا في العارية والحصة.
أما لو قال المالك
لمن بيده الأرض : غصبتها ، وقال الآخر : أعرتنيها فإن المالك يحلف لنفي العارية ،
لأنه المنكر ، فإن الأصل بقاء منافع أرضه له ، وعدم خروجها عنه بعارية ولا غيرها.
والآخر هو المدعي
فعليه البينة ، ومع عدمها يحلف المالك لنفي
المقصد الثالث : في المساقاة ، وفيه فصلان :
الأول : في أركانها ، وهي خمسة :
الأول : العقد ، المساقاة معاملة على أصول ثابتة بحصة من
______________________________________________________
العارية فيستمر
استحقاقه منافع أرضه ، فيطالب بالأجرة مدة ما كانت في يده ، وأرش النقص ، وبطم
الحفر ، وإزالة الزرع إن كان ، لأنه قد انتفى بيمين المالك الاستحقاق الذي ادعاه
الزارع.
وقال المصنف في
التذكرة في هذه المسألة : حلف العامل على نفي الغصب ، وكان للمالك الأجرة والمطالبة
بإزالة الزرع إلى آخره ، وهو سهو قطعا.
قوله
: ( المساقاة :
معاملة على أصول نابتة بحصة من ثمرها ).
هذا هو المعنى
الشرعي ، وقدّمه ، لأنه المقصود هنا. وبقيد الأصول النابتة تخرج المزارعة ،
والمعاملة على وديّ غير مغروس والمغارسة.
قوله
: ( بحصة من ثمرها )
مع كونه بيانا للواقع ، تخرج به الإجارة للعمل على الأصول الثابتة ، ونحو ذلك.
لكنه تخرج به المساقاة على ما يقصد ورقه ونوره ، لأن المساقاة عليه جائزة عند
المصنف ، وكأنه أراد التعريف الجاري على رأي الأكثر.
وفي حواشي شيخنا
الشهيد : أن ( النابتة ) تقرأ بالنون متقدمة فيخرج بها الوديّ ، وبالثاء المثلثة
متقدمة فيخرج بها نحو الخيار مما هو ملحق بالزرع ، وهو حسن.
__________________
ثمرها ، وهي
مفاعلة من السقي ، وسميت به لأن أكثر حاجة أهل الحجاز إليه لأنهم يسقون من الآبار.
وهي عقد لازم من
الطرفين ، ولا بد فيه من إيجاب دال على
______________________________________________________
قوله
: ( وهي مفاعلة من
السقي ، وسميت به ، لأن أكثر حاجة أهل الحجاز إليه ، لأنهم يسقون من الآبار ).
هذا هو المعنى
اللغوي ، وقوله : ( وسميت به ) إشارة إلى علاقة النقل ، ومناسبته التي هي بين
المعنى المنقول إليه والمنقول عنه. أي : لما كان الأمر الذي تشتد إليه حاجة أهل
الحجاز ، وهم الذين كان وضع هذه المعاملة وشرعيتها عندهم هو السقي ، لأنهم يسقون
من الآبار سمّوا هذه المعاملة باسم مأخوذ من السقي ، لأن بقية الأعمال التي يقوم
بها العامل من إصلاح الثمرة ، والتلقيح ، ونحوهما كالتابع بالنسبة إلى السقي ،
لأنه الركن الأعظم.
قوله
: ( وهي عقد لازم من
الطرفين ).
إجماعا ، ولأنه
الأصل ، لظاهر قوله تعالى ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) ، وقوله 7 : « المؤمنون عند شروطهم » فيجب فيه ما يجب
في سائر العقود اللازمة من التلفظ بالعربية ، ووقوع القبول على وفق الإيجاب على
الفور ، وغير ذلك مما بيّن غير مرة. وليس لأحدهما فسخه بغير مقتض ، إلا بالتقايل
والتراضي.
قوله
: ( ولا بد فيه من
إيجاب دال على المقصود بلفظ المساقاة
__________________
المقصود بلفظ
المساقاة ، وما ساواه نحو : عاملتك ، وصالحتك ، واعمل في بستاني هذا ، أو سلمت
إليك مدة كذا. وقبول وهو اللفظ الدال على الرضى.
ولو قال : استأجرتك
لتعمل لي في هذا الحائط مدة كذا بنصف حاصله لم يصح على إشكال ، ينشأ من اشتراط
العلم بالأجرة إذا
______________________________________________________
وما ساواه ، نحو :
عاملتك ، وصالحتك ، واعمل في بستاني هذا ، أو سلّمت إليك مدة كذا ).
حيث قد عرفت أن
صيغ العقود اللازمة تحتاج إلى توقيف الشارع ، وعرفت أن أصرح صيغ الإنشاء هي صيغة
الماضي ، ولذلك اختارها الشارع في المعاملات ، وجب أن تعرف أن قوله : ( اعمل في
بستاني ) لا يكفي في الإيجاب لهذه المعاملة ، واكتفاء المصنف به هنا يؤذن برجوعه
عن الإشكال السابق في المزارعة إلى الجزم.
والظاهر خلافه ،
لأن هذه المعاملة مشتملة على غرر وجهالة على خلاف الأصل ، فيقتصر فيها على موضع
اليقين.
فعلى هذا لو عقدا
بهذا اللفظ فهل ينتفي لزوم العقد أم صحته؟ الظاهر الثاني لما نبهنا عليه ، وليس هو
كالإجارة والبيع تجري فيهما المعاطاة ، لبعدهما عن الغرر ، وثبوت المعاطاة فيهما
عند السلف بخلاف ما نحن فيه.
قوله
: ( وقبول ، وهو
اللفظ الدال على الرضى ).
أي : الرضي بذلك
الإيجاب ، ووجه اشتراطه وما يجب فيه قد علم مما سبق.
قوله
: ( ولو قال :
استأجرتك لتعمل لي في هذا الحائط مدة كذا بنصف حاصله لم يصح على إشكال ، ينشأ : من
اشتراط العلم في
قصدت.
أما إذا تجوّز
بلفظها عن غيرها فلا ،
______________________________________________________
الأجرة إذا قصدت ،
أما إذا تجوّز بلفظها عن غيرها فلا ).
أي : لو عقد
المساقاة بلفظ الإجارة ، فقال : استأجرتك لتعمل في هذا الحائط مدة كذا بنصف حاصله
لم يصح على إشكال ، ينشأ : من اشتراط العلم في الأجرة ، إنما هو إذا قصدت الإجارة
، فأما إذا تجوّز بلفظها في غيرها مما لا يشترط فيه العلم فلا اشتراط حينئذ فتصح.
ومن أن لفظ
الإجارة صريح في موضوعه لا في المساقاة ، فإذا لم يجد نفوذا في موضعه كان إجارة
فاسدة ، ولا تقع به المساقاة ، لأن لكل عقد لفظا يخصه ، فلا يقع بلفظ عقد آخر
وقوفا مع توقيف الشارع.
وهذا هو الذي فهمه
الشارحان من العبارة ، ويرد عليه : أنه لا دلالة ـ لعدم اشتراط العلم مع التجوز
بلفظ الإجارة في المساقاة ـ على صحة المساقاة بلفظ الإجارة.
والذي ذكره المصنف
في التذكرة ، وغيره في بيان وجه الصحة : هو أن كلا من هذين العقدين
مشبه للآخر ، ولفظ كل منهما يحتمل معنى لفظ الآخر ، ويؤيده عموم ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) .
ويحتمل أن يراد
بالعبارة معنى آخر ، وهو أن يكون قوله : ( ولو قال : استأجرتك ... ) مرادا به
الإجارة ، ويكون قوله : ( إذا قصدت ) شرطا للحكم في ذلك بعدم الصحة على إشكال ،
وقوله : ( ينشأ من اشتراط العلم
__________________
______________________________________________________
بالأجرة ) اعتراض
لبيان أحد وجهي الإشكال ، والوجه الآخر متروك بيانه لظهوره. وقوله : ( أما إذا
تجوز بلفظها عن غيرها فلا ) معناه : أن الإشكال في الصحة إذا قصد بالإجارة معناها
، فأما إذا قصد بلفظها التجوز في غيرها ـ وهو المساقاة ـ فلا إشكال في عدم الصحة ،
لأن العقود اللازمة لا يجازف فيها عندنا ، فلا تقع بالكنايات ولا بالمجازات. ولهذا
لا يقع البيع بلفظ الخلع ، ولا النكاح قطعا وإن كان المبيع جارية ، وفي هذا الحمل
فوائد :
الأولى : السلامة
من طول العبارة بغير فائدة.
الثانية : السلامة
من عدم حصول صورة الدليل منها.
الثالثة : أنه لا
ربط بين الحكم بعدم الصحة والدليل المذكور على ذلك التقدير ، لأنه حينئذ دليل
الصحة والربط وإن لم يكن لازما ، لكنه أحسن والإخلال به مخل بجزالة اللفظ.
الرابعة : حصول
مسألة زائدة ، وهو بيان حكم ما إذا قصد الإجارة ، وليس في هذا إلا محذور واحد ،
وهو أن المصنف لم يذكر في بطلان نظير هذه المسألة في المزارعة إشكالا ، وذلك غير
قادح ، لأن مثل ذلك في كلامه وكلام غيره كثير.
والمسألة في أصلها
قابلة للاحتمال ، فإن المساقاة لما كانت معاملة على عمل مخصوص ، بحصة من ثمرة
أشجار معلومة كانت في معنى الاستئجار لذلك العمل بالحصة ، فاحتمل الحصة بلفظ
الإجارة. وعلى كل حال فالعبارة لا تخلو من شيء ، والأصح هو القول بالبطلان.
واعلم أن المراد
بالحائط هنا البستان ، فإنه من أسمائه . وفي عبارة المصنف ( أما إذا تجوّز بلفظها عن غيرها )
والصواب في غيرها.
__________________
ولا تبطل بموت أحد
المتعاملين.
الثاني : متعلق
العقد ، وهو الأشجار كالنخل ، وشجر الفواكه والكرم.
وضابطه : كل ما له
أصل نابت له ثمرة ينتفع بها مع بقائه ،
______________________________________________________
قوله
: ( ولا تبطل بموت
أحد المتعاملين ).
لا نعرف في ذلك
خلافا ، وقد أشرنا إلى الحكم في المزارعة ، نعم لو كان قد اشترط على العامل أن
يعمل بنفسه بطل العقد بموته.
قوله
: ( الثاني : متعلق
العقد ، وهو الأشجار كالنخل ، وشجر الفواكه ، والكرم ).
لا يخفى أن الكرم
من شجر الفواكه ، وعطفه عليها ليس بمستقبح ، لكن لو قدمه لكان أوقع ، لأن قوله
حينئذ : ( وشجر الفواكه ) يكون تعميما بعد التخصيص.
قوله
: ( وضابطه : كل ما
له أصل ثابت ، له ثمرة ينتفع بها مع بقائه ).
احترز به عن نحو
البطيخ ، والباذنجان ، والقطن ، وقصب السكر فإن هذه ليست كذلك. وإن تعددت اللقطات
في الباذنجان ، وبقي القطن أزيد من سنة ، لأن أصول هذه لا بقاء لها غالبا ، وأمد
اضمحلالها معلوم عادة.
وأصولها لا تعد
أشجارا في العادة ، بخلاف رهنها فإنه جائز ، لأن صحة الرهن تابعة للمالية. ولما لم
ينظر إلى أصول هذه الأشياء في نفسها ، ولم يكن المقصود فيها والمعدود مالا إلا
ثمرتها ، كان الرهن آتيا على المجموع. فإذا رهنها قبل أن يظهر ما يطلب منها
كالباذنجان والخيار دخل عند تجدده ، كما إذا رهن البيضة فأفرخت ، ويخرج به أيضا
الوديّ الذي
وفي المساقاة على
ما لا ثمرة له إذا قصد ورقه كالتوت والحنّاء إشكال أقربه الجواز ، وكذا ما يقصد
زهره كالورد وشبهه ،
______________________________________________________
ليس بمغروس.
قوله
: ( وفي المساقاة
على ما لا ثمرة له إذا قصد ورقه كالتوت والحنّاء إشكال ، أقربه الجواز ، وكذا ما
يقصد زهره كالورد وشبهه ).
أما الإشكال
فمنشؤه : من أن المساقاة إنما تجري على الأشجار التي لها ثمرة ينتفع بها مع بقائها
، لأن ذلك موضع النص والإجماع ، وما عداه لا دليل عليه من نص ولا إجماع. والمساقاة
على خلاف الأصل ، لأنها معاملة على مجهول ، فيقتصر فيها على موضع الدليل ، ويبقى
ما عداه على أصل المنع.
ومن أن الورق
والنَّور في المذكورين كالثمرة ، فيكون مقصود المساقاة حاصلا بهما ، لأنهما فائدة
تتجدد كل عام مع بقاء الأصل.
ووجه القرب فيهما
: أنه قد جاء في لفظ بعض الأخبار : أن النبي 6 عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من النخل والشجر ، و « ما » من
أدوات العموم ، فيعم المتنازع. ووجود ذلك في خيبر وإن لم يثبت بالنقل ، إلا أنه
يكاد يكون معلوما. على أن ظاهر اللفظ العموم ، فهو دال على جواز المساقاة على كل
ما تناوله اللفظ. ولا دليل على اختصاص ذلك بماله ثمرة وإن كان هو الأغلب وجودا ،
وما قربه هو الأقرب.
واعلم أن قوله : (
وكذا ما يقصد زهره ) يريد به المشابهة في الإشكال والأقرب.
__________________
والبقل ، والبطيخ
، والباذنجان ، وقصب السكر وشبهه ملحق بالزرع ، ولا تصح على ما لا ثمرة له لا يقصد
ورقه كالصفصاف.
ولا بد أن تكون
الأشجار معلومة
______________________________________________________
قوله
: ( والبقل ،
والبطيخ ، والباذنجان ، وقصب السكر وشبهه ملحق بالزرع ).
قال في القاموس :
البقل : ما ينبت في بزره لا في أرومة ثابتة . والمراد بإلحاق ذلك بالزرع : عدم جواز المساقاة عليه ،
كما لا يجوز على الزرع وإن كان قد يتجدد نفعه مرة بعد أخرى ، لأن ذلك لا يعد شجرا.
وجوّز الشيخ المساقاة على ما يجزّ مرة بعد اخرى ، وهو ضعيف.
قوله
: ( ولا يصح على ما
لا ثمرة له ولا يقصد ورقه كالصفصاف ).
قال في القاموس :
الصفصاف شجر الخلاف ، وذكر في موضع آخر : أن الخلاف مخفف وتشديده لحن ، وأنه
صنف من الصفصاف . والحاصل : أن من الخلاف ما له نور يستخرج ماؤه وهو كالورد
، فعلى ما سبق تصح المساقاة عليه.
قوله
: ( ولا بد أن تكون
الأشجار معلومة ).
أما بأن تكون
مرئية مشاهدة وقت العقد أو قبله ، أو موصوفة بوصف يرفع الجهالة ، فلا يصح بدون ذلك
، لأن المساقاة عقد اشتمل على الغرر ، من حيث أن العوض فيه معدوم في الحال ، مجهول
القدر والوصف فلا
__________________
ثابتة ، فلو ساقاه
على ودي غير مغروس ليغرسه بطل ، وأن لا تكون الثمرة بارزة فتبطل إلا أن يبقى
للعامل عمل تستزاد به الثمرة وإن قل كالتأبير ، والسقي ، وإصلاح الثمرة ، لا ما لا
يزيد كالجداد ، ونحوه.
______________________________________________________
يحتمل فيه غرر
آخر.
ولأنها معاملة
لازمة فلا بد فيها من العلم ، إلا ما استثناه الشارع ولا بد منه فيها.
قوله
: ( نابتة ، فلو
ساقاه على وديّ غير مغروس ليغرسه بطل ).
قال في التذكرة :
الوديّ ـ بكسر الدال المهملة بعد الواو المفتوحة والياء المشددة آخرا ـ بوزن غني :
فسيل النخل .
وفي القاموس :
أنها صغار الفسيل ، ولا شك في عدم صحة المساقاة على ما ليس بمغروس. ولم ينقل
في ذلك خلاف إلا لأحمد .
قوله
: ( وأن لا تكون
الثمرة بارزة فتبطل ، إلا أن يبقى للعامل عمل تستزاد به الثمرة كالتأبير ، والسقي
، وإصلاح الثمرة ، لا ما لا يزيد كالجداد ونحوه ).
المراد من قوله :
( وأن لا تكون الثمرة بارزة ) أن لا تكون قد وجدت وقت العقد ، فلا تصح المساقاة
حينئذ ، إلا أن يكون قد بقي فيها عمل تستزاد به الثمرة كالتأبير ، والسقي ، وإصلاح
الثمرة ، وجودة إيناعها ، سواء بدا صلاحها أم لا ، فلو لم يبق عمل مستزاد لم تصح
المساقاة إجماعا ولأن الثمرة إذا استغنت عن العمل انتفى متعلق المساقاة.
ومن العمل الذي لا
تستزاد به الثمرة الجداد ـ بالدالين المهملتين مع
__________________
ولا بد وأن تكون
الثمرة مما تحصل في مدة العمل ، فلو ساقاه على ودي مغروس مدة لا يثمر فيها قطعا أو
ظنا ، أو متساويا بطل.
ولو علم أو ظن
حصول الثمرة فيها صح.
ولو ساقاه عشر سنين
وكانت الثمرة لا تتوقع إلا في العاشرة جاز ،
______________________________________________________
فتح أوله وكسره ـ وهو
صرامها ، وتجفيف الثمرة ونقلها ونحو ذلك.
ولو كان العمل
بحيث لو لاه لاختل حال الثمرة ، إلا أنه لا تحصل فيه زيادة ، إن أمكن تحقق هذا
الغرض فهل تصح معه المساقاة؟.
ينبغي القول
بالصحة ، إلا أنه حينئذ لم يتحقق تناهي بلوغ الثمرة فتحققت الزيادة ، لأن كمال
البلوغ ونهاية الإدراك زيادة فيها.
قوله
: ( ولا بد أن تكون
الثمرة مما تحصل في مدة العمل ، فلو ساقاه على وديّ مغروس مدة لا يثمر فيها قطعا
أو ظنا أو متساويا بطل ).
وجه البطلان : أنه
لا بد من وجود العوض قبل انقضاء مدة المعاملة ، وإلا لخلت عن أحد العوضين ، ولأن
ذلك خلاف وضع المساقاة. ولم يتردد المصنف في البطلان هنا ، وتردد في نظيره من
المزارعة.
قوله
: ( ولو علم أو ظن
حصول الثمرة فيها صح ).
لأن الظن مناط
أكثر الشرعيات ، ولأن غاية ما يستفاد من العادة المستمرة هو الظن الغالب ، فيمتنع
اعتبار غيره.
وأراد بقوله : (
علم ) العلم المستفاد من العادة المستمرة ، وبقوله ( أو ظن ) ما يحصل بالمرجحات
عادة ، كاعتبار الزمان في حصول ثمرة أكثر النخيل مثلا.
قوله
: ( ولو ساقاه عشر
سنين ، وكانت الثمرة لا تتوقع إلا في
ويكون ذلك في
مقابلة كل العمل.
وتصح المساقاة على
البعل من الشجر ، كما تصح على ما يفتقر إلى السقي.
الثالث : المدة ، ويشترط تقديرها بزمان معلوم كالسنة والشهر ، لا
بما يحتمل الزيادة والنقصان ،
______________________________________________________
العاشرة جاز ،
ويكون ذلك في مقابلة كل العمل ).
وجه الجواز :
اشتمال المساقاة على الأمور المعتبرة فيها جميعا من العمل والحصة ، وكونها على
أصول نابتة إلى آخره.
وخلو بعض السنين
في خلال المدة عن حصول الثمرة ليس بقادح ، فإن المعتبر حصول الثمرة في مجموع
المدة.
قوله
: ( وتصح المساقاة
على البعل من الشجر ، كما تصح على ما يفتقر إلى السقي ).
في القاموس :
البعل : كل نخل وشجر وزرع لا يسقى ، أو ما سقته السماء .
ووجه الصحة : أن
المساقاة في الأصل وإن كانت مأخوذة من السقي ، إلاّ أنه غير منظور إليه في هذه
المعاملة بخصوصه ، بل من حيث أنه عمل محتاج إليه لتلك الأشجار ، فحيث لا يحتاج
إليه لا يكون معتبرا.
قوله
: ( الثالث : المدة
، ويشترط تقديرها بزمان معلوم كالسنة والشهر ، لا بما يحتمل الزيادة والنقصان ).
كقدوم الحاج ، فإن
الجهالة متطرقة إليه باحتماله التقدم والتأخر ،
__________________
ولا تقدير لها
كثرة فتجوز أكثر من ثلاثين سنة.
أما القلة فتقدر
بمدة تحصل الثمرة فيها غالبا ، فإن خرجت المدة ولم تظهر الثمرة فلا شيء للعامل.
ولو ظهرت ولم تكمل
فهو شريك ، وإلا قرب عدم وجوب العمل عليه ،
______________________________________________________
وسيأتي في كلام
المصنف إن شاء الله تعالى إشكال في تقدير المدة بالثمرة مع أنها من هذا القبيل.
وحيث أن المساقاة
تصح إذا بقي شيء من العمل الذي تستزاد به الثمرة ، فلا بعد في جواز تقديرها بشهر
، إذا بقي من العمل إلى إدراك الثمرة ما زمانه شهر باعتبار العادة.
قوله
: ( ولا تقدير لها
كثرة فيجوز أكثر من ثلاثين سنة ).
باتفاقنا ، وفي
قول للشافعي منع الزيادة على ثلاثين سنة ، وهو تحكم.
قوله
: ( أما القلة
فتتقدر بمدة تحصل الثمرة فيها غالبا ، فإن خرجت المدة ولم تظهر الثمرة فلا شيء
للعامل ، ولو ظهرت ولم تكمل فهو شريك ، والأقرب عدم وجوب العمل عليه ).
لما كان من شرط
صحة المساقاة حصول الثمرة في مدة العمل ، وجب أن تكون أقل المدة التي يصح أن يجري
عليها عقد المساقاة ما يغلب حصول الثمرة فيها بالنظر إلى العادة.
ويختلف ذلك
باختلاف الأحوال ، فقد تكون المدة شهرا ودونه ، وقد تكون سنة وأكثر ، باعتبار أن
الثمرة في وقت العقد قد تكون موجودة وقد لا
__________________
ولو قدّر المدة
بالثمرة فإشكال.
______________________________________________________
تكون. فإذا عقد
على مدة معينة تحصل فيها الثمرة غالبا ، فخرجت المدة قبل ظهور الثمرة ووجودها فلا
شيء للعامل وإن طلعت بعد المدة ، لأنه عقد صحيح لم يظهر فيه النماء الذي اشترط
جزؤه له ، فكان كما لو لم تربح المضاربة ، ولأصالة براءة الذمة من وجوب عوض غير
المشترط. وإن ظهرت الثمرة في المدة ولم تكمل كما لو اطلعت فيها فله نصيبه منها.
وهل يجب عليه
العمل إلى بلوغ غاية؟ الأقرب العدم ، لأن فائدة تعيين المدة هو عدم تعلق الحكم
الثابت بالعقد بعدها ، ولأن العمل الواجب بالعقد هو ما كان في خلال المدة ، وما
بعدها منفي بالأصل.
ويحتمل الوجوب ،
لأن الحصة من الثمرة في مقابل العمل إلى زمان بلوغ الثمرة ، وتقدير المدة إنما هو
باعتبار الغالب. فمع التخلف لو ملك الحصة بدون العمل لزم تملك أحد العوضين ، لا في
مقابل العوض الآخر.
واختار هذا
الاحتمال في التذكرة ، محتجا بأن المساقاة لو انفسخت قبل كمال الثمرة لوجب إكمال
العمل ، فليكن هنا كذلك . ويمكن الفرق بين بقاء العقد وانفساخه ، وفي الأول قوة.
قوله
: ( ولو قدّر المدة
بالثمرة فإشكال ).
أي : بإدراك
الثمرة فإشكال ، ومنشأ الإشكال : من أن الثابت بالعادة كالمعلوم ، وأن المساقاة
عقد مبني على الغرر والجهالة فلا يفسد بهما ، وهو مختار ابن الجنيد.
ومن أن الغرر مناف
لصحة المعاوضة ، وتجويز العقد مع فرد من الغرر لا يقتضي التجويز مطلقا وقوفا مع
موضع النص. والأصح عدم الجواز ، وهو المشهور بين الأصحاب.
__________________
ولو مات العامل
قبل المدة لم يجب على الوارث القيام به ، فإن قام به ، وإلا استأجر الحاكم من
تركته من يكمل العمل ، فإن لم تكن له تركة ، أو تعذر الاستئجار فللمالك الفسخ ،
______________________________________________________
قوله
: ( ولو مات العامل
قبل المدة لم يجب على الوارث القيام به ).
خلافا لبعض العامة
، لأن المعاملة إنما تعلقت بالعامل لا بالوارث ، كما لا يجب عليه أداء ديونه من
مال نفسه.
قوله
: ( فإن قام به وإلا
استأجر الحاكم من تركته من يكمل العمل ).
أي : فإن قام
الوارث بالعمل فلا بحث في الاكتفاء به ، لكن قال المصنف في التذكرة : فإن أتم
العمل بنفسه ، أو استأجر من مال نفسه من يتم العمل وجب على المالك تمكينه إذا كان
أمينا عارفا بأعمال المساقاة ، وإن لم يقم به استأجر الحاكم من التركة من يكمل
العمل .
وفي هذا إشعار أنه
لا يجب على الوارث الاستئجار ، إنما يجب عليه تسليم ذلك القدر من التركة ، فإن
الواجب على الوارث هو التخلية بين المستحق وبين حقه من التركة.
قوله
: ( فإن لم يكن له
تركة ، أو تعذر الاستئجار فللمالك الفسخ ).
أما إذا لم يخلّف
تركة فظاهر ، لامتناع الاستئجار بغير أجرة. قال في التذكرة : ولا يستقرض الحاكم
على الميت بخلاف الحي إذا هرب ، لأنه لا ذمة للميت ، وكذا إذا تعذر الاستئجار .
__________________
فإن ظهرت الثمرة
بيع من نصيب العامل ما يحتاج إليه من العمل أو بيع جميعه ، ولو لم تظهر الثمرة
ففسخ المالك لتعذر من يكمّل العمل عن الميت وجبت اجرة المثل عما مضى.
______________________________________________________
وإن خلّف تركة ،
لكن إذا لم يوجد متبرع في الموضعين ، وحيث تعذر العمل ـ الذي هو أحد العوضين ـ ثبت
للمالك الفسخ.
قوله
: ( فإن ظهرت الثمرة
بيع من نصيب العامل ما يحتاج إليه من العمل ، أو بيع جميعه ).
يفهم من قوله : (
فإن ظهرت الثمرة ) أن ما سبق حكم ما إذا لم تظهر ، وهو كذلك ، فإن البيع قبل
الظهور غير جائز.
ولا ريب أنه متى
ظهرت الثمرة فقد استحق العامل الحصة منها وإن وجب عليه باقي العمل ، فحينئذ يبيع
الحاكم من نصيب العامل ما يفي بالعمل الواجب ، فإن لم يوجد راغب في البعض ، أو لم
يف بالعمل باع الجميع ثم أنفق قدر الواجب ، والفاضل تركة.
قوله
: ( ولو لم تظهر
الثمرة ، ففسخ المالك لتعذر من يكمّل العمل عن الميت وجبت اجرة المثل عما مضى ).
لما لم يكن الفسخ
جائزا إلا مع موت العامل قبل الظهور مع عدم التركة ، أو تعذر الاستئجار وعدم متبرع
أعاد المصنف فرض الموت قبل الظهور ، ليبين حكم ما إذا فسخ المالك حيث تعذر من
يكمّل العمل. فإنه إذا تحقق ذلك وجب بالفسخ اجرة المثل لما مضى ، لأنه عمل محترم
بذل في مقابلة الحصة ، وقد فاتت بفسخ المالك فوجبت اجرة المثل لها.
ولو كان الموت بعد
الظهور فذلك منتف ، لوجوب بيع بعض الثمرة ، أو جميعها وصرفها في تحصيل العمل ،
ويتولاه الحاكم أو من يقوم مقامه.
ولو كان معينا
بطلت قبل الظهور فله الأجرة.
الرابع : العمل ، ويجب على العامل القيام بما شرط عليه منه دون
غيره ،
______________________________________________________
قوله
: ( ولو كان معينا
بطل قبل الظهور وله الأجرة ).
أي : ما سبق من
عدم بطلان المساقاة بالموت ، وترتب الأحكام السابقة حيث لا يكون العامل معينا
للعمل بنفسه في العقد ، فأما إذا كان معينا فلا يخلو : إما أن يكون الموت قبل
الظهور ، أو بعده.
فإن كان قبل
الظهور انفسخ العقد لتعذر مقتضاه ، ووجبت أجرة مثل العمل الماضي. وإن كان بعد
الظهور لم ينفسخ العقد من أصله ، لأنه قد ملك الحصة من الثمرة ، وهو مفهوم قوله :
( بطل قبل الظهور ). ولم أجد تصريحا بحكمه ، والمتجه انفساخه فيما بقي لتعذر
المعقود عليه.
ثم ما الذي يسقط
في مقابل العمل الباقي؟ يحتمل إسقاط قدر اجرة مثله من الحصة ، ويحتمل النظر في قدر
الباقي ونسبته إلى مجموع العمل ، باعتبار الكم والنفع ، وإسقاط بعض من الحصة نسبته
إليها كنسبة الفائت من العمل إلى مجموع العمل.
ويؤيد الاحتمال
الثاني أن انفساخ العقد أخرج باقي العمل عن الاستحقاق ، فكيف تجب اجرة مثله؟ ولم
أجد في هذه المسألة تصريحا يرجع إليه ، فلينظر ما ذكرناه.
قوله
: ( الرابع : العمل
، ويجب على العامل القيام بما شرط عليه منه دون غيره ).
أي : يجب على
العامل القيام بما شرط عليه من العمل ، دون ما لم يشترط عليه.
فإن أطلقا عقد
المساقاة اقتضى الإطلاق قيامه بما فيه صلاح الثمرة وزيادتها ،
______________________________________________________
ولا ريب أن العقد
إن أطلق وجب على العامل جميع الأعمال التي بها صلاح الثمرة وزيادتها ، وإن شرط فيه
عمل بخصوصه لم يجب ما سواه قضية للشرط.
والظاهر أنه لا
فرق بين أن يقول في العقد : شرطت عليك هذا العمل دون غيره ، وبين أن يسكت عن قوله
دون غيره.
لا يقال : العمل
كله واجب بأصل العقد ، فإذا ذكر كله أو بعضه كان تأكيدا ، فمع ذكر البعض لا يسقط
البعض الآخر ، لعدم ذكره ، فإن أصل العقد يقتضيه.
لأنا نقول : وجوب
العمل كله مع إطلاق العقد ، فإذا خرج عن الإطلاق بالتقييد وجب اتباع القيد.
إذا عرفت هذا ،
فاعلم أنه متى أخل العامل بالعمل المشترط تخيّر المالك بين : فسخ العقد ، وإلزامه
بأجرة مثل العمل. نص عليه المصنف في التحرير .
فإن فسخ قبل عمل
شيء فلا شيء له ، وإن كان بعده قبل الظهور فالأجرة له ، وإن كان بعد ظهور الثمرة
فكذلك قضية للشرط.
ولو أخل بالأعمال
الواجبة مع الإطلاق أو ببعضها ، فعلى ما سبق في الإجارة يتجه أن للمالك الفسخ في
الجميع.
وهل يضمن له أجرة
مثل ما عمل؟ يحتمل ذلك ، ويحتمل العدم. وفي البعض إن أتى بشيء وله الإلزام
بالأجرة ، ولم أظفر بتصريح في ذلك يعتد به.
__________________
كالحرث تحت الشجر
، والبقر التي تحرث ، وآلة الحرث ، وسقي الشجر واستسقائه الماء ، وإصلاح طرق السقي
والأجاجين ، وإزالة الحشيش المضر بالأصول ، وتهذيب الجريد من الشوك ، وقطع اليابس
من الأغصان ، وزبار الكرم ،
______________________________________________________
قوله
: ( كالحرث تحت
الشجر ، والبقر التي تحرث ، وآلة الحرث ).
أي : وكالبقر التي
تحرث ، وكآلة الحرث من الخشبة ، والسكة الحديد ، والمساحي ، ونحو ذلك من الآلات
المعدة للأعمال الواجبة.
ولا نعلم في وجوب
ذلك خلافا هنا وفي المزارعة ، ولو شرط العامل شيئا من ذلك على المالك صح ووجب
الوفاء بالشرط.
قوله
: ( واستقاء الماء ،
وإصلاح طرق السقي والأجاجين ).
الأجاجين جمع
إجّانة ـ بالكسر والتشديد ـ والمراد بها هنا : الحفر التي يقف فيها الماء في أصول
النخل والشجر. ويجب تنقية الآبار والأنهار من الحماءة ونحوها. صرح به المصنف في
التذكرة ، ثم احتمل أمرين : أحدهما : كونها على المالك ، والثاني : كونها على من
شرطت عليه ، فيفسد العقد بدون الشرط . وعبارة الكتاب تقتضي الوجوب على العامل لاندراجها في قوله
: ( وإصلاح طرق السقي ).
ويدل على الوجوب
كونها من الأعمال المتكررة في كل سنة ، لا كنحو شق النهر. ويجب أيضا فتح رأس
الساقية ، وسدها عند الحاجة.
قوله
: ( وزبار الكرم ).
المراد به :
تقليمه ، وقطع رؤوس الأغصان المضر بقاؤها بالثمرة أو
__________________
وقطع ما يحتاج إلى
قطعه ، والتلقيح ، والعمل بالناضح ، وتعديل الثمرة ، واللقاط ، والجذاذ ، واجرة
الناطور ، وإصلاح موضع التشميس ، ونقل الثمرة إليه وحفظها على رؤوس النخل وبعده
حتى تقسم.
وعلى صاحب الأصل
بناء الجدار ، وعمل ما يستقي به من دولاب
______________________________________________________
الأصل. وهذا إن
كان مندرجا في قوله : ( وقطع ما يحتاج إلى قطعه ) ، إلا أنه أراد التصريح بماله
اسم يعرف به.
قوله
: ( وقطع ما يحتاج
إلى قطعه ).
سواء كان يابسا أم
لا.
قوله
: ( وتعديل الثمرة ).
برد الجريد عن وجه
العناقيد ، وتسوية العناقيد بينها لتصيبها الشمس وليتيسر قطعها عند الإدراك ،
وتعريش الكرم حيث تجري عادته ، ووضع الحشيش فوق العناقيد صونا لها عن الشمس عند
الحاجة ، وأمثال ذلك.
قوله
: ( واللِّقاط ).
بفتح اللام وكسرها
، أي : لقاط الثمرة بمجرى العادة ، فما يؤخذ بسرا يجب قطعه إذا انتهى إلى حالة
أخذه ، وما يؤخذ يابسا يقطع إذا بلغ تلك الحالة ، وكذا ما يؤخذ رطبا.
قوله
: ( واجرة الناطور ).
الناطر والناطور ،
بالطاء المهملة : حافظ الكرم والنخل. أعجمي ، ذكره في القاموس .
قوله
: ( وعلى صاحب الأصل
بناء الجدار ، وعمل ما يستقى به
__________________
أو دالية ، وإنشاء
النهر ، والكش للتلقيح على رأي.
وفي البقر التي
تدير الدولاب تردد ينشأ : من أنها ليست من العمل فأشبهت الكش ، ومن أنها تراد
للعمل فأشبهت بقر الحرث.
______________________________________________________
من دولاب أو دالية
، وإنشاء النهر ).
الضابط في الأعمال
الواجبة على المالك ، وهو صاحب الأصل : هو كل ما لا يتكرر في كل سنة ، والأمور
المذكورة مما لا يتكرر كل سنة.
وأوجب ابن إدريس
على العامل آلات السقي وما يتوصل به إليه من الدلاء والنواضح . وهو ضعيف ،
والأصح وجوبها على المالك ، وهو مختار الشيخ في الخلاف .
قوله
: ( والكشّ للتلقيح
على رأي ).
هذا قول الشيخ ، والمتأخرين ، وأوجبه ابن
إدريس على العامل ، لأنه يتم به نماء الثمرة وصلاحها الواجبان ، وزعم أنه لا دليل على
المالك . وهو ضعيف ، لأن العامل لا يجب عليه إلا العمل دون الأعيان
التي تصرف إلى مصلحة الثمرة ، وأصالة البراءة تنفي الوجوب عنه.
نعم لو اطردت
العادة بذلك واستقرت ، فإن الإطلاق يحمل عليها ، ومع عدمها فالتعيين أولى.
قوله
: ( وفي البقر التي
تدير الدولاب تردد ).
ينشأ : من أنها
ليست من العمل فأشبهت الكش ، ومن أنها تراد للعمل
__________________
ولو احتاجت الأرض
إلى التسميد فعلى المالك شراؤه ، وعلى العامل تفريقه ، فإن أطلقا العقد فعلى كل
منهما ما ذكرنا أنه عليه.
وإن شرطاه كان
تأكيدا ،
______________________________________________________
فأشبهت بقر الحرث.
يؤيد الأول : أنه
من جملة آلات السقي التي لا تتكرر كل سنة فهو كالبئر والجدار ، واختاره الشيخ ، والمصنف في
المختلف .
ويؤيد الثاني : أن
إدارة الدولاب ونحوه من الأعمال الواجبة على العامل ، كتنقية السواقي وطرق الماء
فتجب عليه. وصرح ابن إدريس بالوجوب ، وكل محتمل ، فنحن في الحكم من المتوقفين.
قوله
: ( وإن احتاجت
الأرض إلى التسميد فعلى المالك شراؤه ، وعلى العامل تفريقه ).
إنما لم يجب على
العامل شراؤه ، لأنه عين تصرف إلى الأرض وليست من الأعمال ، فلا يجب على العامل
للأصل. ولو أطردت العادة بكونه من العامل فالمتجه حمل الإطلاق عليها. وكيف كان
فاشتراط التعيين أحوط.
والتسميد : تفعيل
من السماد ، قال في القاموس : سمّد الأرض تسميدا جعل فيها السماد ، أي : السرقين
برماد .
قوله
: ( فإن أطلقا العقد
فعلى كل منهما ما ذكرنا أنه عليه ، وإن شرطاه كان تأكيدا ).
قد علم هذا في أول
المبحث ، لكنه أعاده ليبني عليه ما بعده.
__________________
وإن شرط أحدهما
شيئا مما يلزم الآخر صح إذا كان معلوما ، إلاّ أن يشترط العامل على المالك جميع
العمل فتبطل.
ويصح اشتراط
الأكثر ، ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك صح.
ولو شرط أن يكون
عمل الغلام لخاص العامل فالأقرب الجواز.
______________________________________________________
قوله
: ( ولو شرط أحدهما
شيئا مما يلزم الآخر صح إذا كان معلوما ، إلا أن يشترط العامل على المالك جميع
العمل فيبطل ، ويصح اشتراط الأكثر ).
أي : لو شرط
أحدهما على نفسه إلى آخره.
ولا فرق في الصحة
بين أن يشترط العامل على المالك أكثر العمل أو لا ، إذا بقي على العامل من العمل
ما تصح باعتباره المساقاة ، فلو شرط الجميع على المالك فسدت المساقاة. وكذا لو لم
يبق على العامل من العمل إلا ما ليس له مدخل في زيادة الثمرة ، نعم تصح الإجارة
إذا كان العمل معلوما.
واعلم أن الشيخ
قال في المبسوط : إنه إذا اشترط أن يعمل رب المال معه بطلت المساقاة ، لأنه خلاف
موضوعها ، والأصح الصحة. ونمنع أن ذلك خلاف موضوع المساقاة ، فإن
أركان العقد كلها حاصلة ، وكذا مقصوده ـ مع انتقاضه باشتراط عمل غلام المالك معه ـ
فإنه اعترف بجوازه.
قوله
: ( ولو شرط أن يعمل
معه غلام المالك صح ).
خلافا لبعض العامة
.
قوله
: ( ولو شرط أن يكون
عمل الغلام لخاص العامل فالأقرب
__________________
______________________________________________________
الجواز ).
الظاهر من عبارة
المصنف في التذكرة : أن المراد بذلك اشتراط أن يعمل غلام المالك في الملك المختص
بالعامل ، فإنه قال : ولو شرط للعامل أن يعمل الغلام لخاص العامل فالأقرب الجواز ،
عملا بالشرط ، ولأنه إذا جاز أن يعمل في المشترك بين العامل ومولاه ، جاز أن يختص
بأحدهما .
قال الشهيد :
يحتمل المنع ، لوقوع العمل بإزاء العمل فتبقى الثمرة بلا مواز ، ويحتمل ذلك ، لأنه
خلاف موضوع المساقاة ، والكل ضعيف.
وقال الشافعي : لا
يجوز ويبطل العقد ، وليس بشيء ، والذي في العزيز من كتبهم : وليس للعامل
استعمال الغلام في عمل نفسه إذا فرغ من عمل الحديقة ، ولو شرط أن يعمل له بطل
العقد .
إذا عرفت ذلك ،
فالذي يفهم من كلام الشارح الفاضل ولد المصنف : أن المراد به اشتراط كون عمل
الغلام للعامل يختص به ، والظاهر أنه غير المراد ، وإلا لم يحتج إلى قوله : ( لخاص
العامل ) حينئذ ، بل كان يكفي عنه قوله : ( للعامل ). على أنه لا محصل له ، فإن
عمل غلام المالك في بستان المالك كيف يشترط كونه للعامل ؟ وأي فائدة في
هذا الشرط؟ وكيف كان فالأقرب ما قرّبه المصنف.
قال الشارح العميد
حاكيا عن الشيخ في المبسوط : أنه جوّز ذلك ، ومنع من اشتراط أن يعمل المالك له ، والظاهر عدم
الفرق.
__________________
ويجب تعيينه
ونفقته على مولاه ، فإن شرطها على العامل أو من الثمرة صح بشرط العلم بقدرها
وجنسها.
ولو شرط العامل أن
اجرة الأجراء الذين يحتاج إلى الاستعانة بهم في العمل على المالك ، أو عليهما صح ،
ولو لم يشترط فهي عليه. ومع الشرط يجب التقدير بالكمية ،
______________________________________________________
قوله
: ( ويجب تعيينه ).
أي : الغلام
المشروط عمله إما بالمشاهدة ، أو بالوصف الرافع للجهالة ، لأن الأعمال تختلف
باختلاف الأشخاص.
قوله
: ( ونفقته على
مولاه ، فإن شرطها على العامل أو من الثمرة صح بشرط العلم بقدرها وجنسها ).
لا ريب في أن نفقة
الغلام على مولاه بحكم المالك ، فإن شرطها على العامل صح ، لأنه شرط لا يخالف الكتاب
، ولا السنة ولا ينافي مقتضى المساقاة. وكذا لو شرطها من الثمرة ، لكن يشترط في
الموضعين العلم بجنسها وقدرها فرارا من الغرر.
وذهب جمع من
العامة إلى عدم الاشتراط ، وأنه يحمل الإطلاق على الوسط المعتاد ، لأنه يتسامح
بمثل ذلك في المعاملات . واختاره المصنف في التذكرة ، وهو مختار
الشيخ في المبسوط ، والأصح الأول.
قوله
: ( ولو شرط العامل
أنّ اجرة الأجراء الذين يحتاج إلى الاستعانة بهم في العمل على المالك أو عليهما صح
، ولو لم يشترط فهي عليه ، ومع الشرط يجب التقدير ).
__________________
أما لو شرط العامل
أن يستأجر بأجرة على المالك في جميع العمل ، ولم يبق للعامل إلاّ الاستعمال ففي
الجواز إشكال.
الخامس : الثمار ، ويجب أن تكون مشتركة بينهما ، معلومة بالجزئية
المعلومة لا بالتقدير. فلو اختص بها أحدهما ، أو أهملا
______________________________________________________
لا ريب أن العامل
إذا كان لا يقوم بالعمل وحده ، بل يحتاج إلى من يساعده فيه ، فأجرة الأجراء الذين
تدعو الحاجة إليهم على العامل ، لوجوب العمل كله عليه عند الإطلاق ، فإن شرط
الأجرة كلها على المالك صح ، لأن باقي عمله مصحح للمساقاة. ولو شرط الأجرة عليهما
فكذلك ، لكن يجب تقدير الأجرة المشروطة في الموضعين ، حذرا من الغرر.
ومنع الشيخ في
المبسوط من اشتراط أجرة الأجراء الذين يستعان بهم من الثمرة ، لأن موضوع المساقاة
أن يكون من رب المال المال ومن العامل العمل ، وبالشرط المذكور يكون من رب المال
المال والعمل معا ، والأصح أنه إذا بقي له عمل تستزاد به الثمرة يصح الشرط.
قوله
: ( أما لو شرط
العامل أن يستأجر بأجرة على المالك في جميع العمل ، ولم يبق للعامل إلا الاستعمال
ففي الجواز إشكال ).
ينشأ : من أن ذلك
عمل تدعو الحاجة إليه ، فإن المالك قد لا يهتدى إلى الدهقنة واستعمال الاجراء ،
ولا يجد من يباشر الأعمال أو لا يأتمنه ، فتدعوه الحاجة إلى أن يساقي من يعرف ذلك
لينوب عنه في الاستعمال.
ومن أن المتبادر
إلى الأفهام من أعمال المساقاة خلاف ذلك ، والعقود إنما تكون بتوقيف الشارع ، وعدم
الجواز لا يخلو من قوة.
قوله
: ( الخامس : الثمار
، ويجب أن تكون مشتركة بينهما ، معلومة بالجزئية المعلومة لا بالتقدير ).
__________________
الحصة ، أو شرط
أحدهما لنفسه شيئا معلوما والزائد بينهما ، أو قدّر لنفسه أرطالا معلومة والباقي
للعامل أو بالعكس ، أو اختص أحدهما بثمرة نخلات معينة والآخر بالباقي ، أو شرط مع
الحصة من الثمرة جزءا من الأصل على إشكال ، أو ساقاه بالنصف إن سقي ناضحا وبالثلث
إن سقي عذيا أو بالعكس ، أو ساقاه على أحد الحائطين لا بعينه ، أو شرط حصة مجهولة
كالجزء ، أو النصيب بطلت المساقاة.
______________________________________________________
الجزئية المعلومة
مثل النصف والثلث والربع ، والتقدير مثل كذا رطلا وكذا قفيزا. واحترز بـ ( الجزئية
المعلومة ) عن المجهولة كالجزء والحظ والنصيب ، فإن المساقاة لا تصح إذا كان
التقدير بها إجماعا. ولا يحمل على ما ذكر في الوصية لاختصاصها بالنص.
قوله
: ( أو شرط أحدهما
لنفسه شيئا معلوما والزائد بينهما ، أو قدّر لنفسه أرطالا معلومة والباقي للعامل
أو بالعكس أو اختص أحدهما بثمرة نخلات معينة والآخر بالباقي ).
وجه البطلان في
ذلك مخالفة موضوع المساقاة ، فإنه ربما لم يحصل إلا ذلك القدر المعيّن ، فلا يكون
للآخر شيء.
قوله
: ( أو شرط مع الحصة
من الثمرة جزءا من الأصل على إشكال ).
ينشأ : من أن
موضوع المساقاة المعاملة على الشجرة بحصة من الثمرة ، فمتى شرط حصة من الأصل خرج
عن موضوع المساقاة.
ولأن الحصة من
الأصول تدخل في ملكه ، فلا يكون العمل المبذول في مقابلة الحصة واقعا في ملك
المالك ، ولا واجبا بالعقد ، لأن وجوب العمل في مال نفسه بالاشتراط في عقد
المعاوضة لا يعقل.
ومن أن ذلك جار
مجرى اشتراط شيء من ذهب أو فضة ، ولعموم :
ولو شرط له النصف
من أحد النوعين ، والثلث من الآخر صح إذا علم مقدار كل منهما.
ولو ساقاه على
النصف من هذا الحائط من النوعين لم يشترط العلم بقدر كل منهما.
ولو شرط المالك
على العامل شيئا من ذهب أو فضة مع الحصة كان مكروها ، ووجب الوفاء به ما لم تتلف
الثمرة ، أو لم تخرج فيسقط.
______________________________________________________
( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) و : « المؤمنون
عند شروطهم » ، والأصح الأول.
قوله
: ( ولو شرط له النصف
من أحد النوعين ، والثلث من الآخر صح إذا علم كل منهما ... ).
إذا اشتمل البستان
على نوعين كالبرني والصيحاني ، فإن اشترط الحصة من كل منهما بقدر الآخر لم يشترط
العلم بقدر كل منهما من البستان ، لعدم جهالة الحصة.
وإن فاوت بين
النوعين في الحصة وجب العلم بكل منهما ، فلو لم يعلم لم يصح لجهالة الحصة حينئذ ،
إذ لا يعرف قدر ما فيه النصف من مجموع البستان ، فلا يكون قدر الحصة من جميعه
معلوما.
قوله
: ( ولو شرط المالك
على العامل شيئا من ذهب أو فضة مع الحصة كان مكروها ووجب الوفاء به ، إلا أن تتلف
الثمرة أو لم تخرج فتسقط ).
أما صحة الشرط
فلعموم : « المؤمنون عند شروطهم » ، ومنع العامة
__________________
وفي تلف البعض ،
أو قصور الخروج إشكال.
______________________________________________________
جواز ذلك وأبطلوا
به المساقاة .
وأما كراهته فلا
نعلم فيها خلافا.
وأما أنه إذا تلفت
الثمرة ، أو لم تخرج تسقط فوجهه : أنه لو لا ذلك لكان أكل مال بالباطل ، لامتناع
استحقاق أحد العوضين ، أو بعضه بدون ما يقابله من العوض الآخر ، فإن الشرط جزء من
العوض ، كما ذكرناه غير مرة.
وهذا الحكم على ما
فرضه المصنف من كون الاشتراط للمالك على العامل واضح.
أما مع العكس
فظاهر إطلاق عبارة التذكرة والتحرير أنه كذلك ، وفيه نظر ، لأن العوض من قبل العامل ـ وهو العمل
ـ قد حصل ، والشرط قد وجب بالعقد فكيف يسقط بغير مسقط؟ فإنّ تلف بعض أحد العوضين
لا يوجب سقوط البعض الآخر مع سلامة العوض الآخر.
قوله
: ( وفي تلف البعض
أو قصور الخروج إشكال ).
ينشأ : من أن
الشرط محسوب من أحد العوضين ، ولا ريب في أن مجموع أحد العوضين مقابل لمجموع الآخر
فتقابل الأجزاء بالأجزاء ، فإذا تلف أحد العوضين وجب أن يسقط مقابله من العوض
الآخر. ومن ثم لو لم تخرج الثمرة أصلا ، أو تلف جميعها يسقط المشروط كله.
ومن أن مقابلة
الأجزاء بالأجزاء في عوض المساقاة منتفية ، لأن الفائت والتالف عند حصول التلف أو
نقصان الخروج غير معلوم ، فلو تحققت
__________________
ولو قال : ساقيتك
على أنّ لك النصف من الثمرة صح وإن أضرب عن حصته ،
______________________________________________________
المقابلة لم يكن
الساقط في مقابله معلوما. ولذلك لو تلف بعض الثمرة ، أو نقص الخروج عن العادة لم
يسقط شيء من العمل أصلا ، ولأن العامل يملك حصته من الثمرة بالظهور ، فإذا تلف
بعضها تلف في ملكه بعد استحقاقه إياه بالمعاوضة ، فلا يسقط بتلفه شيء من العوض
الآخر.
لا يقال : فعلى
هذا إذا تلف الجميع يجب أن لا يسقط الشرط بعين ما ذكر.
لأنا نقول : ذلك
ضرر فينتفي بالحديث.
واعلم أن الإشكال
في قصور الخروج لا وجه له أصلا ، لأن العوض هو ما يخرج ، قليلا كان أو كثيرا ، لا
ما يتوقع خروجه بحسب العادة ، فكيف يعقل سقوط شيء من المشروط بتخلف العادة.
أما تلف البعض فإن
الإشكال فيه وإن كان لا يخلو من وجه ، إلا أن عدم سقوط شيء أقوى ، لما قررناه ،
ويؤيده عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) و : « المؤمنون عند شروطهم »
قوله
: ( ولو قال :
ساقيتك على أنّ لك النصف من الثمرة صح وإن أضرب عن حصته ).
أي : المالك ، لأن
استحقاقه للباقي ثابت بالأصل ، لأنه كان مستحقا للمجموع ، فإذا أخرج عنه حصة
العامل بقي الباقي على ما كان ، فلا يحتاج إلى النص عليه في العقد بخصوصه.
__________________
وفي العكس إشكال ،
فإن أبطلناه فاختلفا في الجزء المشروط لمن هو منهما فهو للعامل ،
______________________________________________________
قوله
: ( وفي العكس إشكال
).
ينشأ : من أن
التخصيص بالذكر لا يدل على التخصيص بالحكم ، لضعف دلالة المفهوم المخالف.
ومن اعتضاد هذه
الدلالة بدلالة المقام وقرائن الأحوال. وليس بشيء ، لأن الأمور المعدودة أركانا
في العقود الأمر فيها أضيق من أن يكتفي لذكرها بمثل ذلك من الأمور الضعيفة ،
والأصح البطلان.
قوله
: ( فإن أبطلناه
فاختلفا في الجزء المشروط لمن هو منهما فهو للعامل ).
أي : فإن أبطلنا
العكس ـ أي : حكمنا ببطلانه ـ فإنهما إذا اختلفا أن الجزء المشروط أو ، للعامل لكن
باليمين فيقدّم قول مدعيه بيمينه أما بناء على قول مطلقا ، وسبق في كلامه أن
تقديمه مشروط بما إذا لم يتضمنعلى الآخر ، فيقدّم قول مدعيه من العامل والمالك ،
إذا كان ذلك في أثناء المدة ، حيث لا تكون الحصة زائدة على أجرة المثل ، فلا يبعد
أن يكون مرادا له هنا. وفيه ما أوردناه من النظر في آخر الإجارة .
ويظهر من كلام
المصنف في التذكرة أن تقديم قوله لمساعدة الظاهر إياه ، من حيث أن الشرط إنما يراد
لأجله ، لأن المالك يملك حصته بالتبعية للأصل لا بالشرط.
وفيه نظر ، لأن
مثل ذلك لا يعد ظاهرا ، إذ ليس المراد من الظاهر ما
__________________
ولو قال : على أن
الثمرة بيننا فهو تنصيف.
ولو ساقاه على
بستانين بالنصف من أحدهما والثلث من الآخر صح مع التعيين ، وإلاّ فلا.
ولو ساقاه على
أحدهما بعينه بالنصف ، على أن يساقيه على الآخر بالثلث صح على رأي.
______________________________________________________
دلت عليه القرينة
، وإلا لكان ـ إذا اختلفا في أن المعقود عليه البيع هو ما جرت عليه المساومة أو
غيره ـ القول قول مدعيه عملا بشهادة القرينة ، وليس كذلك.
بل المراد بالظاهر
ما يندر وقوع مقابله ، كما إذا جاء المتبايعان مصطحبين واختلفا في التفرق بعد
البيع ، مع مضي زمان طويل جدا من حين وقوعه ، فإن عدم التفرق في المدة الطويلة من
الأمور النادرة الوقوع. والذي يقتضيه النظر أن القول قول الآخر بيمينه.
قوله
: ( ولو قال : على
أن الثمرة بيننا فهو تنصيف ).
وذلك لأن الأصل
عدم التفاوت في النصيب بعد تحقق الشركة ، ولهذا يحمل الإطلاق في الوقف والوصية
والإقرار عليه.
قوله
: ( ولو ساقاه على
بستانين بالنصف من أحدهما ، والثلث من الآخر صح مع التعيين وإلا فلا ).
أي : مع تعيين
متعلق كل من الثلث والنصف ، لجهالة الحصة بدونه.
قوله
: ( ولو ساقاه على
أحدهما بعينه بالنصف ، على أن يساقيه على الآخر بالثلث صح على رأي ).
احترز بقوله : (
بعينه ) عما إذا ساقاه على أحدهما كذلك لا بعينه ، فإنه لا كلام في بطلان العقد.
ولو تعدد المالك
وتفاوتا في الشرط صح إن علم حصة كل منهما ، وإلا فلا ، ولو اتفقا صح وإن جهلهما.
______________________________________________________
أما مع التعيين
فقد اختلف الأصحاب في صحته : فقال الشيخ في المبسوط : لا يصح ، لأنه بيعتان في
بيعة واحدة ، فإنه ما رضي أن يعطيه من هذا النصف إلا بأن يرضى منه بالثلث من
الآخر. وهكذا في البيع ، إذا قال : بعتك عبدي هذا بألف على أن تبيعني عبدك
بخمسمائة ، والكل باطل.
ثم علل البطلان
بأن الشرط وعد وهو مخيّر في الوفاء به ، فإذا اختار العدم وجب أن يرد النقص الذي
وقع في الثمن بسبب الشرط ، وهو مجهول فيتجهل به الثمن .
والأصح الصحة ،
وما ادعاه من التجهيل غير لازم ، إذ لا يرد إلى الثمن شيء آخر ، بل يتسلط البائع
على فسخ العقد. قال المصنف في المختلف : الوجه عندي جواز جميع هذه العقود في البيع
والمساقاة .
إذا عرفت هذا
فاعلم أن الضمير في قوله : ( يساقيه ) يحتمل عوده إلى المالك فيكون البستانان معا
له ، ويحتمل عوده إلى العامل فيكون البستان الآخر له لا للمالك ، والحكم واحد.
والمفروض في كلام الشيخ هو الأول ، يلوح ذلك من دليله.
قوله
: ( ولو تعدد المالك
وتفاوتا في الشرط صح إن علم حصة كل منهما وإلا فلا ، ولو اتفقا صح وإن جهلهما ).
أي : لو تعدد
المالك في المساقاة واتحد العامل ، بدليل ما سيأتي ، وتفاوتا في الشرط ـ أي
المالكان ـ بأن شرط أحدهما النصف والآخر الثلث ،
__________________
ولو انعكس الفرض
بأن تعدد العامل خاصة جاز ، تساويا أو اختلفا.
ولو ساقاه أزيد من
سنة وفاوت الحصة بينهما جاز مع التعيين ، وإلاّ فلا.
______________________________________________________
فإن علم العامل
مقدار حصة كل منهما بما وقعت عليه المساقاة صح ، لعدم المنافي حينئذ ، وإلا لم يصح
، لأن الحصة مجهولة حينئذ ، لأنهما بمنزلة عقدين.
ولو اتفقا ـ أي
المالكان ـ في الشرط كالثلث مثلا ، صح وإن جهل مقدار حصة كل منهما ، لأن الحصة هي
الثلث من المجموع ، والمجموع معلوم ، ولا ضرورة حينئذ إلى العلم بقدر حصة كل
منهما.
قوله
: ( ولو انعكس الفرض
بأن تعدد العامل خاصة جاز ، تساويا أو اختلفا ).
أي : تساويا في
الحصة كالثلث لكل منهما أو اختلفا فيها ، لكن لا بد من العلم بمقدار ما يتعلق بكل
منهما من المساقاة ، فإما أن يطلق فيحمل على التساوي ، أو يعيّن في العقد مساقاة
أحدهما على ثلث البستان والآخر على الباقي.
قوله
: ( ولو ساقاه على
أزيد من سنة ، وفاوت الحصة بينهما جاز مع التعيين ).
أي : مع تعيين حصة
كل سنة ، لأن الإخلال بالتعيين يقتضي الجهالة ، لتفاوت الثمرة باختلاف السنين ،
ومنعه بعض العامة .
وإنما ثنّى المصنف
الضمير في قوله : ( بينهما ) إجراء للحكم على أقل
__________________
ولو ساقى أحد
الشريكين صاحبه ، فإن شرط للعامل زيادة على نصيبه صح ، وإلا فلا ولا اجرة له.
الفصل
الثاني : في أحكامها.
يملك العامل الحصة
بظهور الثمرة ، فلو تلفت كلها إلاّ واحدة فهي بينهما ،
______________________________________________________
مراتب الزيادة على
سنة ، ومنه يعلم حكم الباقي.
قوله
: ( ولو ساقى أحد
الشريكين صاحبه ، فإن شرط للعامل زيادة على نصيبه صح ، وإلا فلا ولا اجرة له ).
إنما لم تصح
المساقاة إذا لم يشترط له زيادة على نصيبه ، لأن استحقاق النصيب باعتبار أصل الملك
، فتكون المساقاة بغير عوض.
قال الشيخ في
المبسوط : وللعامل اجرة المثل ، ورده المصنف ، لأنه دخل على أن لا شيء له ، فكان متبرعا
بعمله ، وهو الأصح.
قوله
: ( يملك العامل
الحصة بظهور الثمرة ، فلو تلفت كلها إلا واحدة فهي بينهما ).
لا خلاف عندنا في
أن العامل يملك الحصة بظهور الثمرة ، وللشافعية قول إنه لا يملك شيئا إلا بعد
القسمة ، كالعامل في القراض ، والحكم في الأصل ممنوع.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن التفريع الذي ذكره المصنف وهو قوله : ( فلو تلفت ... ) غير ظاهر ، لأن
ملك العامل الحصة بالظهور وعدمه لا أثر له في كون الباقي بينهما نفيا ولا إثباتا ،
فلا يمتنع على القول بأنه يملك بالقسمة
__________________
فإن بلغ حصة كل
منهم نصابا وجبت عليه زكاة ، وإلا فعلى من بلغ نصيبه.
______________________________________________________
اشتراكها فيما بقي
بعد تلف البعض إلى زمان القسمة.
قوله
: ( فإن بلغ حصة كل
منهما نصابا وجبت عليه زكاة ، وإلا فعلى من بلغ نصيبه ).
تفريع وجوب الزكاة
على العامل على أنه يملك الحصة بالظهور واضح ، لأن الزكاة إنما تجب في الثمار
والزروع إذا نمت على الملك.
واعلم أن ما ذكره
المصنف هنا هو المشهور بين الأصحاب ، وقال أبو المكارم بن زهرة بعدم وجوب الزكاة
على العامل في المساقاة ولا في المزارعة ، وما ذكره لا يتم على القول بأن العامل لا يملك الحصة
بالظهور.
وأسند المصنف في
التذكرة القول بتملكه إياها بالظهور في المساقاة إلى علمائنا ، فإن كان ابن
زهرة قائلا بذلك فلا وجه لإنكار وجوب الزكاة أصلا ، وإن قال بأنه إنما يملك
بالقسمة اتجه عدم الوجوب عليه ، لفقد شرط الوجوب.
وهل تجب زكاة حصته
على المالك حينئذ؟ يتجه العدم ، لأنه من جملة المؤن. وهل ينثلم به النصاب؟ يحتمل
ذلك.
إذا عرفت هذا فلا
ريب في ضعف قول ابن زهرة ، وقد أكثر ابن إدريس التشنيع عليه .
وقال المصنف في
المختلف في باب المزارعة : إن قوله ليس بذلك
__________________
ولو فسد العقد
كانت الثمرة للمالك ، وعليه اجرة العامل.
ولو ظهر استحقاق
الأصول فعلى المساقي أجرة العامل والثمرة للمالك ،
______________________________________________________
البعيد من الصواب
، وهو أعلم بما قال .
والظاهر عندنا أنه
لا وجه له أصلا ، إلاّ على القول بأن استحقاقه وتملكه إنما يكون بعد بدو الصلاح
وتعلق الزكاة ، وهذا خلاف ما نقله المصنف عن علمائنا ، فكيف يكون خلافه قريبا من
الصواب. ولعله يريد أن ذلك محتمل وغير مقطوع ببطلانه ، فلا يأتي على قائله كل ما
ذكره ابن إدريس من التشنيع.
قوله
: ( ولو فسد العقد
كانت الثمرة للمالك وعليه اجرة العامل ).
لأنه لم يحصل ما
يقتضي نقل الثمرة عن ملك مالكها ، وعمل العامل إنما كان في مقابلها وقد فاتت ،
فيجب الرجوع إلى قيمته ، وهي أجرة المثل لعمله. ولو علم بالفساد فلا اجرة له ،
لأنه بذل عمله في مقابل ما يعلم أنه لا يحصل .
قوله
: ( ولو ظهر استحقاق
الأصول فعلى المساقي أجرة العامل ، والثمرة للمالك ).
أما كون الثمرة
للمالك فظاهر ، وأما استحقاق العامل على المساقي أجرة المثل ، فلأنه استدعى عمله
في مقابل عوض لم يسلّم للعامل ، فوجب الرجوع إلى أجرة المثل ، لأنه لم يبذله له
مجانا. ولا شيء على المالك ، لأن العمل بغير إذنه ، كما لو استأجر على ضرب البقرة
المغصوبة فإن المالك
__________________
فإن اقتسماها
وتلفت ، فإن رجع المالك على الغاصب بالجميع رجع الغاصب على العامل بحصته وللعامل
الأجرة عليه ،
______________________________________________________
يأخذها كذلك وعلى
المستأجر الأجرة.
فإن قيل : لو هلكت
الثمرة أو سرقت لم يستحق العامل اجرة فكيف استحق هنا؟.
قلنا : مع صحة
العقد لا يستحق إلا الحصة ، فإن سلّمت له وإلا فلا شيء له ، كما لو لم تخرج
الثمرة أصلا ، ومع الفساد تجب اجرة المثل على كل تقدير.
قوله
: ( فإن اقتسماها
وتلفت ، فإن رجع المالك على الغاصب بالجميع رجع الغاصب على العامل بحصته ، وللعامل
الأجرة عليه ).
مع ظهور استحقاق
الأصول لا يخلو الحال من أن تكون الثمرة باقية ـ قسّمت أو لم تقسم ـ أو تكون تالفة
، فمع بقائها يجب ردها على مالكها ، لأنها عين ماله.
ومع التلف بعد
القسمة ، وأخذ كل منهما نصيبه يتخيّر المالك في الرجوع على أيهما شاء ، فإن رجع
على الغاصب بالجميع كان للغاصب الرجوع على العامل بعوض الحصة ، لأنه لم يملكها
العامل لفساد العقد ، وقد أخذ المالك عوضها من الغاصب فكانت حقا له ، لوجوب خروجها
عن ملك المالك بأخذ العوض لامتناع ملكية العوض والمعوض له.
لكن يجب أن يقيّد
هذا بما إذا لم يصرّح الغاصب بكونه مالكا ، فإن صرّح بذلك لم يكن له الرجوع على
العامل بشيء ، لأنه بمقتضى تصريحه لا حقّ له على العامل ، وإنما أخذ الحصة
باستحقاق ، ومدعي الملك ظالم له ، ومن ظلم لا يظلم.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن للعامل الرجوع عليه بأجرة المثل ، لأنه قد
ولو رجع على
العامل بالجميع فللعامل الرجوع بما وصل إلى الغاصب والأجرة ولو رجع على كل منهما
بما صار إليه جاز.
ولو كان العامل
عالما فلا اجرة له.
______________________________________________________
ثبت فساد المساقاة
، فتجب اجرة المثل لا الحصة. لكن هذا إذا لم يصرّح العامل بأن الملك للمساقي فإنه
يؤخذ بإقراره ، لأن المدّعي بزعمه حينئذ مبطل ، والبينة غير صادقة إذا أصر على ذلك
إلا إذا كان تصريحه بها بناء على الظاهر ، كما سبق بيانه في البيع.
قوله
: ( ولو رجع على
العامل بالجميع فللعامل الرجوع بما وصل إلى الغاصب والأجرة ).
لا ريب أن يد
العامل قد أثبتت على جميع الثمرة فاستحق المالك الرجوع عليه بالجميع ، فإذا أغرمه
ذلك لم يكن له الرجوع على الغاصب إلا بما وصل إليه ، لأنه الذي استقر تلفه بيده ،
وله عليه الأجرة لفوات الحصة بفساد العقد كما سبق.
قوله
: ( ولو رجع على كل
منهما بما صار إليه جاز ).
لأن قرار ضمان ذلك
على من تلف في يده ، فله الرجوع به من أول الأمر ، ولو تلف الجميع في يد العامل
فضمان حصته عليه.
وأما حصة الغاصب
فإن يده عليها يد أمانة بزعم الغاصب ، لأنه أمينه ، فإذا ظهر كونه ضامنا رجع على
الغاصب لغروره ، وقد حققناه في الغصب.
ولو تلف الجميع في
يد الغاصب ، نظر هل كانت يده على حصة العامل يد أمانة أم يد ضمان؟ فيرتب على كل
منهما مقتضاه.
قوله
: ( ولو كان العامل
عالما فلا اجرة له ).
لأنه متبرع بعلمه
، ولو رجع المالك عليه بالجميع لم يرجع بحصته ،
ولو هرب العامل
فإن تبرع بالعمل عنه أحد ، أو بذل الحاكم الأجرة من بيت المال فلا خيار ، وإلا
فللمالك الفسخ.
ولو عمل المالك
بنفسه ، أو استأجر عليه فهو متبرع وللعامل الحصة ، إذ ليس له أن يحكم لنفسه.
______________________________________________________
بل بحصة الغاصب
خاصة ، فلا يتفاوت الحكم مع العلم وعدمه باعتبار ما سبق في كلام المصنف ، إلاّ في
الأجرة فلا يرجع بها.
قوله
: ( ولو هرب العامل
، فإن تبرع بالعمل عنه أحد أو بذل الحاكم الأجرة من بيت المال فلا خيار ، وإلاّ
فللمالك الفسخ ).
لا ريب أنّ
المساقاة لا تنفسخ بهرب العامل ، ولا يثبت للمالك الفسخ بمجرد الهرب ، بل يرفع
الأمر إلى الحاكم ، وتثبت عنده المساقاة لينفذ في طلبه ، فإن وجده أجبره على
القيام بالعمل ، وإلاّ اكترى من ماله من يعمل إن كان له مال ولم يوجد من يتبرع عنه
بالعمل ، لأن العمل حق عليه.
وإن لم يجد له
مالا أنفق من بيت المال ولو قرضا إن كان فيه سعة ، وإلا اقترض عليه ، أو استأجر
بأجرة مؤجلة إلى وقت تدرك فيه الثمرة. ولو وجد متبرعا لم يجز الاستئجار من مال
المالك ، ولا الاقتراض عليه.
ولو فقد الجميع
فللمالك الفسخ ، لكن إن كان ذلك قبل ظهور الثمرة دفعا للضرر ولتعذر أحد العوضين ،
أما بعد الظهور فإنه يبيع منها ما يفي بالعمل. فلو لم يوجد راغب ، أو لم يف البعض
باع الجميع وحفظ ما يبقى للعامل إن بقي له شيء ، وعبارة الكتاب مطلقة يجب تقييدها
بما ذكرناه.
قوله
: ( ولو عمل المالك
بنفسه ، أو استأجر عليه فهو متبرع وللعامل الحصة ، إذ ليس له أن يحكم لنفسه ).
هذا إذا كان قادرا
على الحاكم فعمل أو استأجر من دون مراجعته ، فإنه متبرع حينئذ وإن نوى الرجوع ،
لأنه لا عبرة بنيته والحالة هذه ، وليس له أن
ولو أذن له الحاكم
رجع بأجرة مثله ، أو بما أدّاه إن قصر عن الأجرة.
ولو تعذر الحاكم
كان له أن يشهد أنه يستأجر عنه ويرجع حينئذ ،
______________________________________________________
يحكم لنفسه كما لو
عمل أو استأجر مع حضور العامل.
قوله
: ( ولو أذن له
الحاكم رجع بأجرة مثله ، أو بما أدّاه إن قصر عن الأجرة ).
أي : لو أذن
الحاكم للمالك في العمل أو الاستئجار عليه ليرجع عليه صح ، فإذا عمل بنفسه أو
استأجر رجع بأجرة مثل ذلك العمل ، أو بما أدّاه إن قصر عن الأجرة. فإن زاد لم يرجع
بالزائد ، لأنه لا يجوز الاعتياض للغير بأزيد من عوض المثل لوجوب مراعاة الغبطة
له.
ويشكل بما إذا
تعذر الاستئجار إلا بزيادة عن اجرة المثل. ومثله ما لو تعذر الإنفاق في الرهن
والوديعة والعارية إلا بزيادة عن القيمة ، فإن المتجه أنه يرجع بجميع ما أدى ،
إلاّ أن يقال : إن هذا هو العوض المثلي ، لأن المرجع فيه إلى الزمان والمكان ،
فمتى لم يوجد باذل إلا بالزائد كان هو العوض.
فإن قيل : مقتضى
العبارة أنه لا يرجع بما أدى إذا كان بقدر اجرة المثل ، لأنه شرط في الرجوع به
قصوره عن اجرة المثل.
قلنا : بل مقتضاها
الرجوع بالأجرة مطلقا ، إلا أن يقصر ما أدّاه عنها فيرجع بما أدّاه. وإن كان مفهوم
قوله : ( أو بما أدّاه ) مدافعا لإطلاق قوله : ( رجع بأجرة مثله ) فإن الإطلاق
أقوى. ولو قال : إلا أن يقصر ما أدّاه لسلم من هذا.
قوله
: ( ولو تعذر الحاكم
كان له أن يشهد أنه يستأجر عنه ويرجع حينئذ ).
ولو لم يشهد لم
يرجع وإن نوى على إشكال.
______________________________________________________
المراد بتعذره :
ما يشمل حصول المشقة الكثيرة في الوصول إليه. ولو لم يكن إثبات ذلك عند الحاكم ،
فهل هو كتعذر الحاكم؟ فيه احتمال فينتقل إلى الإشهاد. ويحتمل التسلط على الفسخ
لتعذر العوض. واشترط في التذكرة أن يشهد أنه ينفق ويرجع ، فلا يرجع إن لم يشترط
الرجوع .
فرع : لو تعذر الاستئجار لم يجب على المالك العمل بالأجرة ،
لأنه قد يأنف من ذلك فله الفسخ.
فرع
آخر : متى لم تخرج
الثمرة ، أو تلفت كلها لم يجب على العامل إكمال العمل إلى آخر المدة .
قوله
: ( ولو لم يشهد لم
يرجع وإن نوى على إشكال ).
أي : لو لم يشهد
على العمل أو الاستئجار ، سواء تمكن من الإشهاد أم لا. ومنشأ الإشكال : من أصالة
عدم التسلط على شغل ذمة الغير بحق يطالب به ، فيقتصر فيه على موضع الوفاق ، وهو ما
إذا أشهد.
ومن أن الشاهدين
لا ولاية لهما على العامل ، وفائدة الإشهاد هو التمكن من إثبات استحقاق الرجوع ،
والمقتضي للرجوع هو عدم التبرع لقصد الرجوع.
وربما بني ذلك على
أن الإشهاد هل هو شرط للرجوع كإذن الحاكم فاعتباره لذلك؟ أو لأنه وسيلة إلى إثبات
قصد الرجوع النافي للتبرع؟ فإن قلنا بالأول فلا رجوع بحال وإن ثبت عدم التبرع ،
وعلى الثاني يرجع.
والذي يقتضيه
النظر أن اشتراط الإشهاد لا وجه له ، إذ لا ولاية
__________________
ولو فسخ فعليه
اجرة مثل عمله قبل الهرب ، وله مع المتبرع الفسخ مع التعيين.
ولو عمل الأجنبي
قبل أن يشعر به المالك سلّم للعامل غير المعيّن
______________________________________________________
للشاهدين على
العامل ، ولأن إذنهما غير معتبر بل شهادتهما.
وفائدة الإشهاد هو
التمكن من الإثبات فقط ، والتمسك بالأصل يقتضي انتفاء الاشتراط ، فحينئذ إذا أنفق
بقصد الرجوع رجع فيما بينه وبين الله تعالى ، وكذا لو أقرّ العامل بأنه قصد ذلك.
وهل يكفي لثبوته
بيمينه من حيث أنه لا يعلم إلا من قبله؟ يحتمل ذلك ، ولا فرق فيما قلناه كله بين
تعذر الإشهاد وعدمه.
ولو قلنا بعدم
الرجوع إلاّ مع الإشهاد وتعذّر فالمتجه تسلطه على الفسخ ، ويكون له العمل بمقتضاه
فيما بينه وبين الله تعالى ، فيتوسل إلى دفع دعوى العامل بإنكار دعوى المساقاة
موريا ونحو ذلك.
قوله
: ( ولو فسخ فعليه
اجرة مثل عمله قبل الهرب ).
لأنه عمل محترم
صدر بالإذن في مقابل عوض ، وقد فات بالفسخ ، فتجب قيمته لتعذر رده.
قوله
: ( وله مع المتبرع
الفسخ مع التعيين ).
أي : وللمالك مع
وجود المتبرع عن العامل بالعمل ، أو بالأجرة الفسخ إذا كان العامل معينا للعمل
بنفسه.
ولا ينفسخ العقد
بمجرد الهرب ، بخلاف الموت ، لعدم القطع بتعذر العمل ، لإمكان عود العامل حينئذ ،
بخلاف الموت. لكن له الفسخ لتعذر العمل الخالي ففات بعض العوض.
قوله
: ( ولو عمل الأجنبي
قبل أن يشعر به المالك سلّم للعامل
الحصة ، وكان
الأجنبي متبرعا عليه ، لا على المالك ، والعامل أمين فيقبل قوله في التلف ، وعدم
الخيانة ، وعدم التفريط مع اليمين.
______________________________________________________
غير المعيّن. الحصة
، وكان الأجنبي متبرعا عليه لا على المالك ).
إنما سلّمت له
الحصة لحصول العمل الواجب في ذمته الذي هو في مقابلتها ، فإنه لم يشترط حصوله من
أحد بعينه.
وقول المصنف : (
وكان الأجنبي متبرعا عليه لا على المالك ). واضح ، سواء قصد بالعمل التبرع على
العامل أم على المالك ، لأن العمل واجب على العامل وثابت في ذمته ، فلا يتصور
التبرع به على غير من هو عليه ، ولا أثر للقصد في ذلك.
ولا حاجة إلى
التقييد بقوله : ( قبل أن يشعر به المالك ) فهو مستدرك بل مضر ، لأنه مع وجود
المتبرع وعدم التعيين لا يجوز للمالك الفسخ وتسلم حصة العامل ، علم المالك أو لم
يعلم.
أما التقييد بقوله
: ( غير المعيّن ) ففي موضعه ، لأن المعيّن إذا استمر هاربا إلى أن انقضت المدة
ينفسخ العقد ولا يستحق شيئا ، وعمل المتبرع يقع للمالك حينئذ.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن مرض العامل وحبسه كهربه ، ذكره في التذكرة . ولو كان مرضه
مأيوسا من برئه فليس ببعيد إلحاقه بموته مع احتمال العدم ، لأن العادة قد تتخلف.
قوله
: ( والعامل أمين
فيقبل قوله في التلف ، وعدم الخيانة ، وعدم التفريط مع اليمين ).
أما أنه أمين ،
فلأنه نائب المالك في حفظ ماله كعامل القراض ، وأما
__________________
ولو ثبتت الخيانة
فالأقرب أن يده لا ترفع عن حصته ، وللمالك رفع يده عن نصيبه ،
______________________________________________________
تفرع قبول قوله في
التلف ، وما بعده بيمينه على كونه أمينا فغير ظاهر ، فإن الغاصب يقبل قوله في
التلف بيمينه.
وكذا في عدم
الخيانة ، لإنكاره إياها ، فيكون عامل المساقاة كذلك. وكذا القول في عدم التفريط
بالنسبة إليه ، لإنكاره إياه ، وإن كان ترتب دعوى الضمان عليه لتفريطه متفرعا على
كونه أمينا ، أما تقديم قوله فلا. ولو عبّر بقوله : ( ويقبل ) بالواو لسلم من ذلك.
واعلم أن الشيخ في
المبسوط ، والمصنف في التذكرة قالا : إن دعوى المالك على العامل شيئا من الأمور المذكورة
لا تسمع حتى يحررها ، فإذا حررها وبيّن قدر ما خان فيه فأنكر وجبت البينة على
المالك ، أو اليمين على العامل.
قلت : هذا بناء
على أن الدعوى المجهولة لا تسمع ، فلو قلنا بسماعها كفى في توجهها دعوى الخيانة من
ماله من غير احتياج إلى بيان القدر.
قوله
: ( ولو ثبتت
الخيانة فالأقرب أن يده لا ترفع عن حصته ، وللمالك رفع يده عن نصيبه ).
أي : لو ثبتت
خيانته من مال المالك ـ على ما ترشد إليه عبارة التذكرة ـ من الثمار ، أو
السعف ، أو الأغصان ، ومثله الإتلاف والتفريط في الحفظ. وإن كانت عبارة الكتاب
مطلقة ـ فيتناول ما إذا ثبتت خيانته في الجملة ، إلا أن يقال : هذه الدعوى لا تسمع
إلا أن يدّعي المالك حقا له.
__________________
فإن ضم إليه
المالك حافظا فأجرته على المالك خاصة.
ولو لم يمكن حفظه
مع الحافظ فالأقرب رفع يده عن الثمرة ، وإلزامه بأجرة عامل.
______________________________________________________
إذا عرفت ذلك ،
فإذا ثبتت خيانته فالأقرب إن يده لا ترفع عن حصته ، لأن ذلك ماله و : « الناس
مسلطون على أموالهم » وهو الأصح. ويحتمل ضعيفا رفعها عن حصته ، لأن إثبات يده
على حصته يستدعي إثباتها على حصة المالك.
أما حصة المالك
فإن له رفع يده عنها قطعا ، وذلك إنما يكون بضم آخر إليه يكون حافظا لمال المالك.
قوله
: ( فإن ضم إليه
المالك حافظا فأجرته على المالك خاصة ).
وذلك لأنه نائبه ،
والقائم مقامه في حفظ ماله وقال بعض الشافعية : بأنها على العامل ، بناء على أن
مؤنة الحفظ عليه .
قوله
: ( ولو لم يمكن
حفظه مع الحافظ فالأقرب رفع يده عن الثمرة ، وإلزامه بأجرة عامل ).
هنا مسألتان :
فأما وجه القرب في الاولى ، وهي رفع يده عن الجميع إذا تعذر حفظ مال المالك مع ضم
الحافظ إليه ، فلأن للمالك أن يحفظ ماله قطعا ، ولا يتم إلا برفع يد العامل لأنه
الفرض.
ويرد عليه : أن
الحق الثابت لشخص إذا كان لا يتم إلا بإسقاط حق شخص آخر ، وإزالة يده عن ملكه ،
فلا دليل على سقوط ذلك الحق
__________________
ولو ضعف الأمين عن
العمل ضم غيره إليه ، ولو عجز بالكلية أقيم مقامه من يعمل عمله ، والأجرة في
الموضعين عليه.
ولو اختلفا في قدر
حصة العامل قدّم قول المالك مع اليمين ،
______________________________________________________
واستحقاق إزالة
يده.
وأما وجه القرب في
الثانية ، فلأن العمل واجب عليه ، وقد تعذر فعله بنفسه ، فوجب أن يستأجر عنه من
يقوم مقامه ، كما إذا هرب.
وفيه نظر ، لأن
تعذر العمل منه غير واضح ، لأن مجرد الخيانة غير كاف في ثبوت تعذر العمل ، إذ لو
جوّزنا رفع يده عن الجميع بسببها أمكن أن يقال : إن التعذر بسبب المالك ، فلا يجب
على العامل شيء آخر ، وللتوقف في الموضعين مجال.
قوله
: ( ولو ضعف الأمين
عن العمل ضم غيره إليه ، ولو عجز بالكلية أقيم مقامه من يعمل عمله ، والأجرة في
الموضعين عليه ).
أراد بالموضعين ما
إذا ضعف الأمين ـ وهو العامل ـ فاحتيج إلى الضم إليه ، وما إذا عجز بالكلية فاحتيج
إلى إقامة غيره مقامه.
وإنما كانت الأجرة
في الموضعين عليه ، لأن العمل الواجب عليه قد تعذر من قبله بضعفه أو بعجزه ، فكان
الاستئجار واجبا عليه. ولا ريب أن الاستئجار باختياره ، لأنه حق في ذمته فيتخير في
جهات قضائه ، فإن أبى أجبره الحاكم أو استأجر عليه.
ولا يخفى أن هذا
إنما هو مع عدم تعيينه للعمل ، فمعه يفسخ المساقاة المالك إن شاء ، وإن شاء أبقاها
فإذا انتهت المدة ولم يعمل شيئا انفسخت.
قوله
: ( ولو اختلفا في
قدر حصة العامل قدّم قول المالك مع اليمين ).
وكذا لو اختلفا
فيما تناولته المساقاة من الشجر.
ولو كان مع كل
منهما بينة قدّم بينة الخارج ،
______________________________________________________
لأن الأصل كله ملك
المالك ، فالعامل يدعي ملك الزيادة والمالك ينكر ذلك ، فيكون القول قوله بيمينه مع
عدم البينة.
وقال الشافعي :
يتحالفان كالبيع ، وهو الذي ذكره الشيخ في المبسوط أولا ، ثم قوّى تقديم
قول المالك بيمينه ، وهو مذهب الأصحاب ، وإن كان للتحالف وجه فإن أصالة استحقاق المالك الجميع
انقطعت بعقد المساقاة المتفق على حصوله ، إذ ليس وقوعه على وجه دون وجه بأصل ، وكل
واحد منكر لما يدعيه الآخر ، ولأن العامل منكر لاستحقاق عمله في مقابلة الأقل من
الحصة.
فرع : أجزاء الأصول كالسعف والجريد للمالك ، والثمرة بينهما ،
وما يتبع الثمرة كالشماريخ كالثمرة على اشكال ، ذكره في التذكرة .
قوله
: ( وكذا لو اختلفا
فيما تناولته المساقاة من الشجر ).
أي : القول قول
المالك بيمينه ، لأنه منكر للزائد. ولو اختلفا في قدر العمل المشترط احتمل تقديم
قول العامل ، والتحالف.
قوله
: ( ولو كان مع كل
منهما بينة قدّمت بينة الخارج ).
وهو العامل على ما
سبق ، لأنه المدعي. وقال الشيخ في المبسوط :
__________________
ولو صدقه أحد المالكين
خاصة أخذ من نصيبه ما ادعاه ، وقبلت شهادته على المنكر.
ولو كان العامل
اثنين والمالك واحدا ، فشهد أحدهما على صاحبه قبلت.
______________________________________________________
إنه إذا كان معهما
بينتان حكم بالقرعة ، وما ذكره متجه على القول بأن كلا منهما مدع ومنكر ، أما
على القول بأن المدعي هو العامل ، وأن اليمين في جانب المالك فلا يتجه ذلك.
قوله
: ( ولو صدّقه أحد
المالكين خاصة أخذ من نصيبه ما ادعاه ، وقبلت شهادته على المنكر ).
أي : لو كان
المالك متعددا ووقع الاختلاف في قدر الحصة ، أو في الأشجار التي تناولتها المساقاة
، فصدّق أحد المالكين العامل فيما ادعاه نفذ في حقه ، فيؤخذ من نصيبه ما ادعاه
العامل. ثم إن كان أهلا للشهادة قبلت شهادته على المنكر ، لانتفاء المانع ،
لانتفاء التهمة.
قوله
: ( ولو كان العامل
اثنين والمالك واحدا ، فشهد أحدهما على صاحبه قبلت ).
لانتفاء التهمة ،
وهذا إنما يتم إذا قلنا بقبول البينة من طرف المالك ، وفي قبولها من طرفه نظر ،
لانه منكر.
وقال الشيخ في
المبسوط : إذا كان مع أحدهما بينة حكم بها ، وقال المصنف في التذكرة : ولو أقام أحدهما بينة حكم بها
إجماعا ، فحيث كانت المسألة إجماعية اندفع الإشكال.
__________________
ولو استأجره على
العمل بحصة منها أو بجميعها ، بعد ظهورها والعلم بقدر العمل جاز ، وإلا فلا.
والخراج على المالك إلا أن يشترطه على العامل أو عليهما ، وليس للعامل أن يساقي
غيره.
______________________________________________________
قوله
: ( ولو استأجره على
العمل بحصة منها ، أو بجميعها بعد ظهورها ، والعلم بقدر العمل جاز ، وإلا فلا ).
لأن الإجارة لا بد
فيها من العلم بالعوضين ، وكونهما في الذمة أو موجودين. فإذا ظهرت الثمرة وعلم قدر
العمل صحت الإجارة ، وإلا فلا.
لا يقال : هذا كما
لو استأجرها لإرضاع العبد بجزء منه.
لأنا نقول : ليس
كذلك ، لأن المقصود بعمل المساقاة ربما كان هو الأصول ، فلا يكون العمل في الثمرة
ملحوظا أو يكون تابعا ، بخلاف الإرضاع في العبد.
قوله
: ( والخراج على
المالك ، إلا أن يشترطه على العامل ، أو عليهما ).
إذا كان الشجر في
الأرض الخراجية ، فإن الخراج على المالك ، لأنه سبّب الغراس ، إلا أن يشترطه على
العامل أو عليهما ، فإن اشترط كذلك وجب الوفاء بالشرط ، لكن يجب أن يكون الخراج
معلوم القدر ليصح اشتراطه. ولو زاد عن المقدّر شيء فهو على المالك.
قوله
: ( وليس للعامل أن
يساقي غيره ).
لأن المساقاة إنما
تكون بين صاحب الأصول والعامل ، لأنها معاملة على الأصول بحصة من الثمرة ، والعامل
لا حق له في الأصول ، فمساقاته عليها خلاف موضوع المساقاة ، وهذا خلاف ما سبق في
المزارعة.
والفرق : أن
المزارعة لا يشترط فيها كون الأرض مملوكة للمزارع ،
ولو دفع إليه أرضا
ليغرسها ، على أن الغرس بينهما فالمغارسة باطلة ، سواء شرطا للعامل جزءا من الأرض
أو لا ، والغرس لصاحبه ولصاحب الأرض إزالته واجرة أرضه ، لفوات ما حصل الإذن بسببه
، وعليه أرش النقص بالقلع.
______________________________________________________
وإلاّ لم تصح في
الأرض الخراجية بخلاف المساقاة. ولعلل السر في ذلك أن غرض المساقاة هو العمل في
الاصول وإصلاحها ، وترتيبها لفائدة هي الثمرة.
وأما المزارعة فإن
المقصود فيها هو الحاصل ، وليس الغرض فيها كالغرض في الأصول ، وإن كان حرثها
وتسميدها مقصودا تبعا للزراعة. وهذا إذا لم يأذن المالك ، فإن أذن العامل في
المساقاة صح ، وكان الثاني هو العامل والأول وكيل عن المالك.
قوله
: ( ولو دفع إليه
أرضا ليغرسها على أن الغرس بينهما فالمغارسة باطلة ، سواء شرط للعامل جزء من الأرض
أو لا ، والغرس لصاحبه ، ولصاحب الأرض إزالته وأجرة أرضه ، لفوات ما حصل الاذن
بسببه ، وعليه أرش النقص بالقلع ).
لما كانت العقود
الناقلة للملك من مالك إلى آخر ، والمقتضية شغل ذمة خالية بعوض أو مجانا توقيفية ،
لا تكون إلا بوضع الشارع وجب أن تكون المغارسة ـ وهي مفاعلة من الغرس ، والمراد
بها : أن يدفع أرضا إلى آخر ليغرسها بغرسه أو بغرس المالك على أن الغرس بينهما ،
سواء شرطا مع ذلك أن يكون للعامل جزء من الأرض أم لا ـ باطلة ، لأن هذه المعاملة
ليست واحدا من عقود المعاملات ، فإنها أشبه شيء بالمساقاة. إلا أنها مخالفة
لموضوعها كما هو واضح ، وهذا الحكم بإجماعنا ، وموافقة أكثر العامة .
__________________
ولو دفع قيمة
الغرس ليملكه ، أو الغارس قيمة الأرض ليملكها لم يجبر الآخر عليه.
______________________________________________________
ومن المغارسة
الباطلة : أن يعامله على الغرس في الأرض بحصة من الثمرة ، وما جرى مجراها كورق
التوت ، فحيث كانت المغارسة باطلة فالغرس لصاحبه ، كما أن الأرض لصاحبها. فإن كان
الغرس من المالك فعليه للعامل أجرة المثل ، لفوات ما عمل لأجله. وإن كان للعامل
فلصاحب الأرض إزالته ، لأنه غير مستحق للبقاء في الأرض ، لكن بالأرش ، لأنه صدر
بالاذن فليس بعرق ظالم ، وهو تفاوت ما بين كونه قائما بالأجرة ومقلوعا. ويحتمل
تفاوت ما بين كونه قائما بالأجرة مستحقا للقلع بالأرش ومقلوعا ، ولصاحب الأرض
الأجرة لفوات ما بذلت منفعتها لأجله.
بقي هنا شيء ،
وهو أنه بعد بذل مالك الأرض الأرش هل يجب على صاحب الغرس قلعه ، ويجبر عليه لو
امتنع أم لا؟ وهل يجب طم الحفر وتسوية الأرض ، وأرش الأرض لو نقصت ، وقلع العروق؟.
لا أعلم في ذلك
تصريحا بنفي ولا إثبات ، والذي يقتضيه النظر وجوب ذلك كله ، لأن الاذن إنما صدر
على تقدير تملك الجزء من الغرس وقد فات ، فيجب ضمان كل ما فات بسببه من منفعة
الأرض وقوّتها.
ولما لم يكن شغل
الأرض به باستحقاق وجب تفريغ الأرض منه ، وطم الحفر الحاصلة بسبب ذلك ، وتسوية
الأرض ، وقلع العروق. وهكذا ينبغي أن يكون الحكم في الإجارة الفاسدة للغرس والبناء
، وما جرى هذا المجرى. ولو أن مالك الغرس قلعه ابتداء لم يكن في وجوب الطم
والتسوية بحث ، لأنه أحدث ذلك في أرض الغير لتخليص ملكه.
قوله
: ( ولو دفع قيمة الغرس
ليملكه ، أو الغارس قيمة الأرض ليملكها لم يجبر الآخر عليه ).
ولو ساقاه على
الشجر ، وزارعه على الأرض المتخللة بينها في عقد واحد جاز ، بأن يقول : ساقيتك على
الشجر وزارعتك على الأرض ، أو عاملتك عليهما بالنصف.
______________________________________________________
لأن المعاوضة
مشروطة بالتراضي ، وليس ذلك كما في الغصب ، لصدور الغرس بالاذن.
لا يقال : هذا
الاذن لا عبرة به ، لأنه إنما وقع في ضمن المغارسة الباطلة.
لأنا نقول : لا شك
في اعتبار هذا الاذن في الجملة ، فإن الغارس غير عاد محض ، وما ذاك إلا لاعتبار
الاذن ، ولو لا ذلك لم نوجب أجرة المثل في الإجارة الفاسدة ونحوها.
إذا عرفت ذلك ،
فلو أراد أحدهما الإبقاء بالأجرة لم يجبر الآخر عليه لما قلناه.
قوله
: ( ولو ساقاه على
الشجر ، وزارعه على الأرض المتخللة بينها في عقد واحد جاز ).
قد سبقت هذه
المسألة في المزارعة ، وإنما أعادها هنا ، لأن هذا هو الموضع الحقيق بذكرها ، لاحتياج
جواز المزارعة على البياض إلى المساقاة على الشجر عند بعض العامة ، كما نبهنا عليه
سابقا ، ولأنه صرح هنا بجواز العقد الواحد بخلاف ما سبق وإن كان مقتضى عبارته ذلك
، ورجع عن الاشكال السابق إلى الجزم.
قوله
: ( بأن يقول :
ساقيتك على الشجر وزارعتك على الأرض ، أو عاملتك عليهما بالنصف ).
__________________
ولو قال : ساقيتك
على الأرض والشجر بالنصف جاز ، لأن الزرع يحتاج إلى السقي.
ولو قال : ساقيتك
على الشجر ولم يذكر الأرض لم يجز له أن يزرع.
وكل شرط سائغ لا
يتضمن جهالة فإنه لازم.
______________________________________________________
يرد عليه ما إذا قال
: زارعتك على الأرض وساقيتك على الشجر فإنه يجوز عندنا ، لأنا لا نشترط لصحة
المزارعة المساقاة وعبارته تقتضي الحصر ، لأن قوله : ( بأن ... ) يدل على ذلك.
قوله
: ( ولو قال :
ساقيتك على الأرض والشجر بالنصف جاز ، لأن الزرع يحتاج إلى السقي ).
الأصح عدم الجواز
كما سبق ، ومعنى السقي غير ملحوظ في المساقاة باعتبار المعنى الشرعي كما قدّمناه.
قوله
: ( ولو قال :
ساقيتك على الشجر ولم يذكر الأرض لم يجز له أن يزرع قطعا ).
لأن كلا منهما له
حكم بالاستقلال.
قوله
: ( وكل شرط سائغ لا
يتضمن جهالة فإنه لازم ).
إن أراد بالسائغ :
مطلق الجائز شرعا لم يحتج إلى التقييد بقوله : ( لم يتضمن جهالة ) لأن المتضمن
للجهالة غير جائز.
وإن أراد به غير
المحرّم بالنظر إلى نفسه فعليه أن يقيّد بعدم منافاته لمقتضى العقد ، فإنه جائز
بالنظر إلى نفسه لا إلى العقد.
* * *
فهرس
الموضوعات
إحياء الموات :
تعريف الموات ............................................................... ٧
أحكام الأراضي :
ملك الأرض الموات
بالاحياء .................................................. ٨
خصائص الأرض الموات ...................................................... ٩
وجوب اذن الامام في
تملك الأرض الموات بالاحياء .............................. ٩
أسباب الاختصاص :
العمارة ................................................ ١١
: اليد
.................................................................. ١٩
: حريم
العمارة .......................................................... ١٩
: أن
يكون مشعرا ً للعبادة ................................................ ٢٧
: التحجير
.............................................................. ٢٨
: إقطاع
الامام .......................................................... ٢٩
أحكام المنافع :
ذكر بعض مصاديق
المنافع كالطرق والمساجد والربط .......................... ٣٣
حكم الجلوس في الطرقات
.................................................. ٣٤
جريان القرعة فيما لو
استبق اثنان إلى مكان معين .............................. ٣٧
أحكام الجلوس في
المسجد ................................................... ٣٨
أحكام السكن في
المدارس والربط ............................................ ٣٩
أحكام المعادن :
أحكام المعادن الظاهرة
...................................................... ٤١
أحكام المعادن الباطنة
....................................................... ٤٦
أحكام المياه :
أقسام المياه : المحرز
في الانية ................................................. ٥٢
: البئر
.................................................................. ٥٢
: مياه
العيون والغيوث .................................................... ٥٨
: مياه
الأنهار الكبار ...................................................... ٥٩
: الأنهار
الصغار ......................................................... ٥٩
: الجاري
من نهر مملوك ينزع من المباح ..................................... ٦٥
: النهر
المملوك الجاري من ماء مملوك ....................................... ٧٠
بيان الاعمال التي
يحصل بها الاحياء .......................................... ٧٣
كتاب الإجارة وتوابعها
الإجارة :
تعريف الإجارة ............................................................ ٨٠
اشتراط الايجاب
والقبول .................................................... ٨٢
عدم انعقاد الإجارة
بلفظ العارية أو البيع ...................................... ٨٣
عدم بطلان الإجارة
بالبيع أو الموت .......................................... ٨٤
حكم ثبوت الخيار في
الإجارة ............................................... ٨٦
أركان الإجارة :
المحل :
صحة إجارة كل عين تصح
اعارتها ........................................... ٨٧
اشتراط مشاهدة العين
المؤجرة أو وصفها ..................................... ٨٨
لو وجد المستأجر العين
المؤجرة معيبة ......................................... ٩١
لو تلفت العين قبل
القبض أو بعده ........................................... ٩٣
ما يجب مشاهدته عند
إجارة الحمام .......................................... ٩٥
حكم نفقة الدابة
المستأجرة والعبد المستأجر ................................... ٩٥
لو أجر السيد عبده ثم
أعتقه في أثناء الإجارة ................................ ١٠٠
العوض
يشترط في مال الإجارة
أن يكون معلوما .................................... ١٠٢
كل ما جاز أن يكون
ثمنا جاز أن يكون عوضا .............................. ١٠٣
حكم إجارة الدار
بعمارتها ................................................. ١٠٣
حكم إجارة الحاصد بجزء
من الزرع ........................................ ١٠٥
حكم التردد في العوض ................................................... ١٠٦
حكم التردد في وقت
الإجارة .............................................. ١٠٨
ملكية المؤجر للأجرة
بنفس العقد ........................................... ١١٠
لو بذلت العين فلم
يأخذها المستأجر حتى انقضت المدة ....................... ١١٥
لو شرط المؤجر ابتداء
العمل في مدة معينة ................................... ١١٧
ظهور عيب في الأجرة
المعينة ............................................... ١١٨
حكم إجارة العين
المؤجرة بأكثر مما استأجرها ............................... ١١٩
كراهة استعمال الأجير
قبل أن يقاطع على الأجرة ............................ ١٢١
المنفعة
شروط المنفعة : أن
تكون مباحة ........................................... ١٢٢
: أن
تكون مملوكة ..................................................... ١٢٣
: أن
تكون مقومة ..................................................... ١٢٥
: انفرادها
بالتقويم ...................................................... ١٢٨
: امكان
وجودها ...................................................... ١٣٢
: القدرة على تسليمها .................................................. ١٣٤
: إمكان
حصولها للمستأجر ............................................. ١٥١
: أن
تكون معلومة ..................................................... ١٥٦
إجارة الادمي
صحة استئجار الادمي
منفردا أو مشتركا ................................... ١٥٧
ملكية المنفعة بنفس
العقد .................................................. ١٦٠
ما يجب تعيينه في
تعليم القرآن ............................................. ١٦٢
ما يجب تعيينه في
الارضاع ................................................ ١٦٣
لو مرض الأجير .......................................................... ١٦٩
ما يجب معرفته في
الاستئجار لحفر الآبار والأنهار ............................. ١٧٠
ما يجب معرفته في
الاستئجار لعمل اللبن .................................... ١٧٣
الاستئجار لتطيين
السطح ................................................. ١٧٥
ما يجب معرفته في
الاستئجار للنسخ ........................................ ١٧٦
جواز الاستئجار على
نسخ المصحف وعلى تعليم القرآن ...................... ١٧٧
جواز جعل تعليم القرآن
صداقا ً للمرأة ..................................... ١٨٠
جواز الاستئجار على
تعليم الخط والحساب والآداب ......................... ١٨١
ذكر بعض الاعمال التي
يجوز الاستئجار عليها ............................... ١٨٢
أحكام الاستئجار لرعي
الماشية ............................................. ١٨٥
أحكام الاستئجار للزرع
والحصاد والسقي .................................. ١٨٩
إجارة الدواب :
ما يجب معرفته في
إجارة الدواب للركوب .................................. ١٩٢
ما يجب معرفته في
إجارة الدواب للحمل .................................... ٢٠٣
ما يجب معرفته في
إجارة الدواب للحرث ................................... ٢٠٦
ما يجب معرفته في
إجارة الدواب للطحن .................................... ٢٠٨
ما يجب معرفته في
إجارة الدواب للاستسقاء ................................. ٢١٠
إجارة الأرض :
ما يجب معرفته في
إجارة الأرض ........................................... ٢١١
لو آجر الأرض لزرع
معين ................................................ ٢١٣
لو استأجر ما لا ينحسر
عنه الماء ........................................... ٢١٨
وجوب تعيين المدة في
إجارة الأرض ........................................ ٢٢٦
لو استأجر الأرض سنة
للغرس ............................................. ٢٣٤
ما يجب معرفته عند
إجارة الدار ............................................ ٢٣٨
لو استأجر سنتين بأجرة
معينة ............................................. ٢٣٩
لو سكن المالك في
الدار المؤجرة بعض المدة المؤجرة ........................... ٢٤٠
جواز استئجار الدار
ليعمل مسجدا ......................................... ٢٤٣
الاحكام
تحديد النهار والعشاء
إذا كانت الإجارة تتعلق بهما ........................... ٢٤٣
حكم المنفعة المتصلة
أو المنفصلة عند انفساخ الإجارة ......................... ٢٤٥
الاستئجار للحضانة
والرضاعة معا ً أو بشكل منفرد .......................... ٢٤٦
حكم المواد التي يتوقف
عليها العمل المستأجر ................................ ٢٤٨
وجوب تسليم الدار
خالية ................................................. ٢٥٠
حكم الأشياء التابعة للعين
المؤجرة .......................................... ٢٥٣
حكم استعمال الثوب
المستأجر ............................................ ٢٥٦
الضمان
ضمان العين المستأجرة
على المستأجر إذا نقصت أو تلفت بتعد أو تفريط ....... ٢٥٧
حكم ضمان الدابة عند
التعدي ............................................ ٢٥٩
ضمان الصانع ما يجنيه
وإن كان حاذقا ..................................... ٢٦٧
حكم مخالفة الشرط
المتفق عليه ............................................ ٢٧٠
عدم براءة الأجير من
العمل حتى يسلم العين ................................. ٢٧٤
لو اشتبه القصار فدفع
الثوب إلى غير مالكه ................................. ٢٧٨
ما يجوز فعله لمعلم
الصبيان ومؤجر الدابة .................................... ٢٨٠
ضمان الراعي بتقصيره .................................................... ٢٨١
ضمان المولى عند افساد
مملوكه المؤجر ...................................... ٢٨٣
عدم ضمان الحمامي إلا
مع الايداع والتفريط ................................ ٢٨٤
جواز اسقاط الأجرة
المعينة بعد ثبوتها في الذمة ............................... ٢٨٤
التنازع
حكم الاختلاف في أصل
الإجارة .......................................... ٢٨٧
الاختلاف بعد استيفاء
المنافع واتلاف الأجرة (ش) ........................... ٢٨٨
الاختلاف في قدر
الأجرة ................................................. ٢٩١
الاختلاف في المدة (ش)
................................................... ٢٩٢
الاختلاف في التعدي أو
الاتلاف .......................................... ٢٩٨
الاختلاف في وقت
الهلاك ................................................. ٢٩٩
الاختلاف في خياطة
الثوب قباء أو قميصا .................................. ٣٠١
لو غصبت العين المؤجرة
.................................................. ٣٠٦
الاختلاف في المبطل
للعقد ................................................. ٣٠٧
المزارعة
أركان المزارعة :
العقد .................................................... ٣١١
: تعيين
المدة ........................................................... ٣١٦
: إمكان
الانتفاع بالأرض في الزرع ...................................... ٣٢١
: الحصة
.............................................................. ٣٢٤
حكم اطلاق المزارعة ..................................................... ٣٢٦
لو زرع في الأرض الأضر
................................................. ٣٢٨
لو زرع في الأرض الأخف
................................................ ٣٢٩
حكم خراج الأرض
ومؤنتها ............................................... ٣٣٠
حكم المزارعة الفاسدة .................................................... ٣٣٢
جواز الخرص على العامل
................................................. ٣٣٥
المساقاة والمزارعة
على أرض واحدة ......................................... ٣٣٨
إجارة الأرض بما يخرج
منها ............................................... ٣٣٩
اختلاف المالك والعامل
في طبيعة العمل ..................................... ٣٤١
المساقاة
أركان المساقاة :
العقد .................................................... ٣٤٣
: متعلق
العقد .......................................................... ٣٤٨
: المدة
................................................................ ٣٥٣
: العمل
............................................................... ٣٥٨
: الثمار
............................................................... ٣٦٧
ملكية العامل الحصة
بظهور الثمر ........................................... ٣٧٦
حكم الزكاة في حصة كل
من المالك والعامل ................................ ٣٧٧
لو فسد عقد المساقاة ...................................................... ٣٧٨
لو ترك العامل
المساقاة .................................................... ٣٨١
قبول قول العامل في
التلف ................................................ ٣٨٥
لو ضعف العامل عن
العمل ................................................ ٣٨٨
الاختلاف في قدر حصة
العامل ............................................ ٣٨٩
بطلان المغارسة بشرط
أن يكون الغرس بينهما ............................... ٣٩٢
جواز المساقاة على
الشجر والمزارعة على الأرض المتخللة بينها ................. ٣٩٣
فهارس الكتاب
.......................................................... ٣٩٧
* * *
|