



الفصل الثالث : في تروك
الصلاة
.
وهي إما واجبة أو
مندوبة ، فههنا مطلبان .
الأول : في التروك الواجبة .
مقدّمة :
يحرم قطع الصلاة الواجبة
اختياراً ؛ لوجوب الاتمام المنافي لاباحة القطع ، ولقوله تعالىٰ : (
وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) .
ويجوز للضرورة ، كردّ
الآبق ، وقبض الغريم ، وقتل الحية التي يخافها على نفسه ؛ لمرسلة حريز عن الصادق علیه السلام
. ولاحراز المال المخوف ضياعه ، ولامساك الدابة خوف الذهاب أو العنت في تحصيلها ، روىٰ الأمرين سماعة . ورد الصبي يحبو الى النار ، والشاة تدخل البيت ، رواه السكوني
عن علي علیه السلام ، وفيها انه « يبني على صلاته ما لم
يتكلم » وهو حق اذا لم يفعل ما ينافي الصلاة .
ولا حرج في انقطاعها
بما لا اختيار فيه ، كالنوم ، والدماء الثلاثة ، وسبق الحدث الاكبر أو الاصغر .
ولو تعمّد الحدث أثم
. ولو خاف من امساكه الضرر علىٰ نفسه ، أو سريان النجاسة الى ثوبه أو بدنه وظن ذلك ، جاز القطع . وروى عبد الرحمن بن
__________________
الحجاج
، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع ان يصبر عليه ، أيصلي على تلك الحال أو لا يصلي ؟ فقال : « إن احتمال الصبر ، ولم يخف اعجالاً عن الصلاة ، فليصل وليصبر »
وهو يدل بمفهوم المخالفة انّه إذا خاف اعجالاً لم يصبر .
فروع :
قد يجب القطع ، كما
في حفظ الصبي والمال المحترم عن التلف ، وانقاذ الغريق والمحترق ، حيث يتعيّن عليه فلو استمر بطلت صلاته ؛ للنهي المفسد للعبادة .
وقد لا يجب بل يباح ،
كقتل الحية التي لا يغلب على الظن اذاها ، واحراز المال الذي لا يضرّ به فوته .
وقد يستحب ، كالقطع لاستدراك
الأذان والاقامة ، وقراءة الجمعة والمنافقين في الظهر والجمعة ، والائتمام بامام الأصل أو غيره .
وقد يكره ، كاحراز المال
اليسير الذي لا يبالي بفواته ، مع احتمال التحريم .
واذا أراد القطع ، فالأجود
التحلل بالتسليم ؛ لعموم : « وتحليلها التسليم » . ولو ضاق الحال عنه سقط . ولو لم يأت به وفعل منافياً آخر ، فالاقرب عدم الاثم ؛ لان القطع سائغ ، والتسليم انما يجب التحلل به في الصلاة التامة .
ثم هنا مباحث :
الاول :
يحرم الفعل الكثير الخارج عن الصلاة إذا خرج فاعله به عن كونه
__________________
مصلياً
؛ لسلب اسم الصلاة فلا تبقى حقيقتها . اما القليل ـ كلبس العمامة ، أو الرداء ، أو مسح الجبهة ، أو قتل القملة والبرغوث ـ فلا ؛ لما روي ان النبي صلّىٰ الله عليه وآله قتل عقرباً في الصلاة
وأمر بقتل الأسودين في الصلاة : الحية والعقرب ودفع عليه الصلاة
والسلام المار بين يديه وحمل اُمامة بنت أبي العاص وكان يضعها إذا سجد ويرفعها إذا قام وادار ابن عباس عن
يساره الى يمينه .
وروى محمد بن مسلم ،
عن الصادق علیه السلام جواز قتل الحية والعقرب .
وروى الحلبي عنه علیه
السلام قتل البقة والبرغوث والقملة والذباب في الصلاة .
وفي رواية عمار عنه علیه
السلام في قتل الحية : « ان كان بينه وبينها خطوة واحدة فليخط وليقتلها ، والّا فلا » .
__________________
وروى زكريا الاعور أو
ابو زكريا ان الحسن علیه السلام ناول شيخاً كبيراً عصاه بعد ان انحنىٰ لتناولها .
ويجوز عدّ الركعات والتسبيح
بالأصابع والسبحة وان توالى ؛ لانه لا يخرج به عن اسم المصلي ولا يخل بهيئة الخشوع ؛ لان النبي صلّى الله عليه وآله علّم جعفراً صلاة التسبيح وهي محتاجة الى العدد
.
وروى البزنطي عن داود
بن سرحان ، عن الصادق علیه السلام في عد الآي بعقد اليد ، قال : « لا بأس ، هو أحصى للقرآن » .
اما الأكل والشرب ، فالظاهر
انهما لا يبطلان بمسماهما بل بالكثرة . فلو ازدرد ما بين اسنانه لم تبطل ، اما لو مضغ لقمة وابتلعها ، أو تناول قلّة فشرب منها ، فان كثر ذلك عادة ابطل .
وان كان لقمة أو شربة
فقد قال في التذكرة : تبطل ؛ لانّ تناول المأكول ومضغه وابتلاعه أفعال معدودة ، وكذا المشروب .
واستثنىٰ الشيخ
في الخلاف الشرب في صلاة النافلة . والذي رواه سعيد الاعرج عن الصادق علیه السلام : الشرب في دعاء الوتر اذا خاف فجاءة الصبح وهو عطشان ويريد الصيام ، فيسعى خطوتين أو ثلاثاً ويشرب
. واحتمل بعض الأصحاب قصر الرواية على موردها .
__________________
مسائل
:
الْاُولىٰ : لو قرأ كتاباً في نفسه من غير نطق ، فان طال الزمان التحق بالسكوت الطويل والّا فلا تبطل به ؛ لاصالة بقاء الصحة ، ولما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله : « تجاوز الله لاُمتي عما حدثت نفوسها ما لم يتكلموا »
ولانّ التصورات لا يكاد يخلو منها انسان .
الثانية : لو كان الفعل الكثير متوالياً ، ابطل قطعاً . ولو تفرّق بحيث حصلت الكثرة باجتماع اجزاءه ، وكل واحد منها لا يعدّ كثيراً ، ففي ابطال الصلاة به وجهان ، من وجود ما ينافي الصلاة مجتمعاً فكذا متفرّقاً ، ومن خروجه بالتفرّق عن الكثرة ، عرفاً . وحديث حمل اُمامة
يقوي اشتراط التوالي .
الثالثة : قال الاصحاب : ان الفعل الكثير انما يبطل إذا وقع عمداً ، اما
مع النسيان فلا ، لعموم قول النبي صلّىٰ الله عليه وآله : « رفع عن
اُمتي الخطأ والنسيان » .
وربما يحتج بما رواه العامة
ـ ورواه الاصحاب ايضا ـ : ان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على اثنتين ، فقال ذو اليدين : اقصرت الصلاة أم نسيت ؟ فقال : « أصدق ذو اليدين ؟ » فقالوا : نعم . فقام رسول الله صلّى الله
__________________
عليه
وآله فصلّى اُخرتين ثم سلم ، ثم سجد للسهو .
وهو متروك بين الامامية
، لقيام الدليل العقلي على عصمة النبي صلّى الله عليه وآله عن السهو ، ولم يصر الى ذلك غير ابن بابويه ـ رحمه الله ـ ونقل عن شيخه محمد بن الحسن بن الوليد انه قال : أول درجة من الغلو نفي السهو عن النبي صلّى الله عليه وآله .
وهذا حقيق بالاعراض
عنه ؛ لان الاخبار معارضة بمثلها فيرجع الى قضية العقل ، ولو صح النقل وجب تأويله ، على ان اجماع الامامية في الاعصار السابقة على هذين الشيخين واللاحقة لهما على نفي سهو الأنبياء والأئمة عليهم الصلاة والسلام .
الرابعة : قد يكون الفعل الكثير مبطلاً للصلاة وغير مبطل ، باعتبار القصد
وعدمه كالبكاء ، فانه ان كان لذكر الجنة أو النار فانه لا يبطل ، وان كان لاُمور الدنيا
ـ كذكر ميت له ـ ابطل .
وقد رواه ابو حنيفة
عن أبي عبد الله علیه السلام ، وقال : « هو من افضل الأعمال في الصلاة » يعني البكاء لجنة أو نار .
وروي : ان النبي صلّى
الله عليه وآله كان في بعض صلاته فسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل ، بالزائين المعجمتين ، وهو غليان صدره
وحركته بالبكاء . وبكى في آخر سجدة من صلاة الكسوف .
__________________
ولو كان مغلوباً على البكاء
لاُمور الدنيا ، فالظاهر الفساد أيضاً ـ لاطلاق النص ـ وان زال عنه الاثم . ولو بكى ناسيا لم تبطل ؛ لعموم : رفع الخطأ عن الناسي .
ويستحب التباكي في الصلاة
؛ لما رواه سعيد بياع السابري ، قال : قلت لابي عبد الله علیه السلام : أيتباكى الرجل وهو في الصلاة ؟ قال : « بخ بخ ،
ولو مثل رأس الذباب » .
الخامسة : يجوز الايماء بالرأس والاشارة باليد والتسبيح للرجل ، والتصفيق للمرأة ، عند ارادة الحاجة ، رواه الحلبي عن الصادق علیه السلام
. وروىٰ عنه حنان بن سدير : انّ النبي صلّى الله عليه وآله أومأ برأسه في الصلاة . وروى عنه عمار : التنحنح ليسمع من عنده فيشير اليه ، والتسبيح
للرجل والمرأة ، وضرْب المرأة على فخذها .
وكذا يجوز غسل الرعاف
في اثنائها ، رواه محمد بن مسلم عن الباقر علیه السلام .
ويجوز ضرب الحائط لايقاظ
الغير ؛ لرواية ابي الوليد عن الصادق علیه السلام . ورمي الغير بحصاة طلباً لاقباله ، كما فعله علیه السلام
. وضم
__________________
الجارية
إليه ؛ لرواية مسمع عن أبي الحسن علیه السلام
. وارضاع الصبي حال التشهد ؛ لرواية عمار عن الصادق علیه السلام
.
ويجوز رفع القلنسوة
من الأرض ووضعها على الرأس ، رواه زرارة عنه علیه السلام .
البحث الثاني : يحرم تعمّد القهقهة في الصلاة وتبطلها اجماعاً ؛ لما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله انه قال : « من قهقه فليعد صلاته »
. وروى زرارة عن الباقر علیه السلام : « القهقهة لا تنقض الوضوء وتبطل الصلاة »
.
والظاهر انه لا يعتبر
فيها الكثرة ، بل يكفي منها مسماها . ولو قهقه ناسياً لم تبطل اجماعاً . وكذا لا تبطل بالتبسم ـ وهو ما لا صوت فيه ـ اجماعاً ، والاقرب كراهيته . ولو صدرت القهقهة على وجه لا يمكنه دفعه ، فالاقرب البطلان وان لم يأثم ؛ لعموم الخبر .
البحث الثالث : يحرم تعمّد الحدث في الصلاة ويقطعها ، وفي السهو قولان سبقا .
البحث الرابع : يحرم تعمّد الكلام بما ليس من الصلاة ، ولا من القرآن والاذكار والدعاء بالمباح ، وحدّه حرفان فصاعداً باجماع الأصحاب ؛ لقول النبي صلّى الله عليه وآله : « انما صلاتنا هذه تكبير وتسبيح وقرآن ، وليس فيها شيء من كلام الناس » . و ( الكلام ) جنس لما يتكلم به فيقع
على الكلمة ،
__________________
والكلمة
صادقة على الحرفين فصاعداً . وقوله : « ليس فيها شيء من كلام الناس » خبر يراد به النهي ؛ لاستحالة عدم المطابقة في خبر الله ورسوله .
ولو تكلم ناسياً لم
تبطل ؛ لعموم : « رفع عن اُمتي الخطأ والنسيان »
وقول الصادق علیه السلام في خبر عبد الرحمن بن الحجاج في المتكلم في الصلاة ناسياً : « يتمّها ، ثم يسجد سجدتين » . فان طال الكلام ناسياً التحق بالفعل الكثير .
وفي هذا البحث أحكام
.
الاول :
لا فرق بين كون الكلام عامداً لمصلحة الصلاة أو غيرها ، أوْ لا لمصلحة . وتجويز مالك الكلام للمصلحة ـ كتنبيه الأعمى ، أو من يدركه الحريق أو السيل ـ مدفوع بسبق الاجماع .
الثاني :
لو تكلم مكرهاً ، ففي الابطال وجهان : نعم ؛ لصدق تعمّد الكلام . ولا ؛ لعموم : « وما استكرهوا عليه » . نعم ، لا يأثم قطعا .
وقال في التذكرة :
يبطل ؛ لانه مناف للصلاة ، فاستوىٰ فيه الاختيار وعدمه . كالحدث . وهو قياس مع الفرق ؛ بان نسيان الحديث يبطل لا الكلام ناسياً
قطعاً .
الثالث :
لو كان الحرف الواحد مفهماً ، كما في الافعال المعتلة الطرفين إذا أمر بها مثل : قِ ، عِ ، دِ ، شِ ، رَ فالأولىٰ البطلان ؛ لتسميته كلاماً
لغة
__________________
وعرفاً
، والتحديد بالحرفين للاغلب . وكذا لو كان الحرف بعده مدّة ، لانها اما : ألف ، أو واو ، أو ياء .
الرابع :
لو نفخ بحرفين ، أو تأوّه بهما ، بطل . وان كان التأوّه من خوف النار ، فوجهان : نعم ؛ لصدق التكلّم . ولا ، واختاره في المعتبر ؛ لوصف ابراهيم علیه السلام به على الاطلاق ، وفعل كثير من الصلحاء
.
ولو أنَّ بحرفين بطلت
؛ لرواية طلحة بن زيد ، عن الصادق علیه السلام ان علياً علیه السلام قال : « من أنَّ في صلاته فقد تكلّم »
.
الخامس :
لا تبطل الصلاة بالحرف الواحد غير المفهم اجماعاً ؛ لعدم انفكاك الصوت منه فيؤدي اجتنابه الى الحرج .
وكذا لا تبطل بالنفخ الذي
لا تتميز فيه الحروف .
وكذا التنحنح ؛ لانه
لا يعدّ كلاماً ، وقد مرّ في الرواية جوازه ، وأولى بالجواز اذا تعذّرت القراءة أو الاذكار الّا به ، ولا يجوز العدول الى الاخفات اذا
أمكن من دون التنحنح ؛ لان الجهر واجب مع امكانه .
وكذا لو كان التنحنح
بان غلب عليه ذلك ، اما لو كثر فانه يلتحق بالفعل الكثير .
ولو تنحنح الامام لم
ينفرد المأموم ؛ لبقاء الصحة . وقال بعض الشافعية : ينفرد ، بناءً على انّ التنحنح عن قصد مبطل ، وان الظاهر انّ الامام قاصد . ويضعف بمنع المقدمتين ، وسند منع الثانية : انّ الظاهر انّ الامام يحترز من مبطلات الصلاة ، فيحمل على غير الاختيار ، وخصوصاً عندنا لانا نشترط عدالته .
__________________
السادس :
الدعاء كلام فمباحه مباح وحرامه حرام . ولو جهل كون المطلوب حراماً ، فالاشبه الصحة ؛ لعدم وصفه بالنهي ، ومن تفريطه بترك التعلم .
ولو جهل كون الحرام
مبطلاً ، فالظاهر البطلان ؛ لانه مكلّف بترك الحرام وجهله تقصير منه ، وكذا الكلام في جميع منافيات الصلاة لا يخرجها الجهل بالحكم عن المنافاة .
وفي التهذيب لما اورد
خبر علي بن النعمان ـ الذي يأتي ـ أوّله بالحمل على من تكلّم لظنه انّ التسليم يبيح الكلام وان كان بعد في الصلاة ، كما يبيحه اذا انصرف به من الصلاة ، فلم يجب عليه اعادة الصلاة لجهله به وارتفاع علمه بانه لا يسوغ ذلك . وهذا مصير منه الى انّ الجهل بالحكم
عذر .
السابع :
لو تكلم بالقرآن قاصداً افهام الغير والتلاوة جاز ، كقوله للمستأذنين عليه (
ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ) .
ولمن يريد التخطي على
الفراش بنعله (
فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ ) .
ولنهي من اسمه يوسف :
( يُوسُفُ أَعْرِضْ
عَنْ هَٰذَا ) .
ولأمر يحيى بقوله : ( يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ )
.
ولأمر حاكم اخطأ : ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ
فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) .
__________________
ولو قصد مجرد الافهام
، ففيه وجهان : البطلان والصحة ، بناءً على انّ القرآن هل يخرج عن اسمه بمجرد القصد أم لا ؟
الثامن :
لو تكلم عمداً لظنه اكمال الصلاة ثم تبين النقصان لم تبطل في المشهور ، وهو المروي في الصحيح بطريق الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله
علیه السلام من
عدم البطلان بالتسليم وهو كلام .
وبطريق علي بن النعمان
: صليت بأصحابي المغرب فسلمت على ركعتين ، فقالوا : انما صليت بنا ركعتين ! فكلمتهم وكلموني . فقالوا : اما نحن فنعيد . فقلت : لكني لا اُعيد واتمّ ركعة فاتممت ، ثم سألت أبا عبد الله علیه
السلام فقال : « كنت أصوب منهم فعلاً ، انما يعيد من لا يدري ما صلّى »
. وفي هذه الرواية انه تكلم بعد ما علم النقيصة ، فيحمل على انه اضمر ذلك في نفسه ، أي : أضمر انه لا يعيد وانه يتم ويكون القول عبارة عن ذلك .
وبطريق محمد بن مسلم
عن الباقر علیه السلام فيمن سلّم على ركعتين من المكتوبة للظن وتكلم ثم ذكر ، قال : « يتمّ ولا شيء عليه »
في أخبار كثيرة .
وفي النهاية : تبطل الصلاة
بالتكلم عمداً وجعله في المبسوط رواية
لم نقف عليها .
البحث الخامس : يحرم الانحراف عن القبلة ولو يسيراً ، فلو فعل عمداً ابطلها . وان كان ناسياً ، وكان بين المشرق والمغرب ، فلا ابطال . وان كان الى
__________________
المشرق
والمغرب ، أو كان مستدبرا ، فقد اجرياه في المقنعة والنهاية مجرى الظان في الاعادة في الوقت اذا كان اليهما ، ومطلقاً ان استدبر
. وتوقف فيه الفاضلان .
وفي التهذيب لما روى
عن الحسين بن ابي العلاء عن الصادق علیه السلام فيمن سبقه الامام بركعة في الفجر فسلم معه ، ثم اقام في مصلّاه ذاكراً حتى طلعت الشمس : يضيف اليها ركعة إن كان في مكانه ، وان كان قد انصرف أعاد ، قال الشيخ : يعني به اذا كان قد استدبر القبلة
وهذا ذهاب منه الى انّ استدبار القبلة يبطل اذا وقع سهواً ، واختاره المحقق في المعتبر
.
وقال الشيخ في المبسوط
ـ بعد عدّ تروك الصلاة وعدّ الاستدبار منها ، والفعل الكثير ، والحديث ـ : وهذه التروك على ضربين : أحدهما متى حصل عمداً أو سهواً أبطل ، وهو جميع ما ينقض الوضوء ، وقد روي انّه إذا سبقه الحدث جاز الوضوء والبناء ، والاحوط الاول . والقسم الآخر متى حصل ساهياً أو ناسياً أو للتقية فانّه لا يقطع الصلاة ، وهو كل ما عدا نواقض الوضوء
. وهو تصريح منه بان الاستدبار سهواً لا يبطل .
ولك ان تقول : الصلاة
الى دبر القبلة غير الاستدبار سهواً في الصلاة ، فان الاستدبار سهواً يصدق على اللحظة التي لا يقع فيها شيء من أفعال الصلاة ، وجاز ان يغتفر هذا القدر كما اغتفر انكشاف العورة في الاثناء ، فلا يكون للشيخ في المسألة قولان على هذا .
ويجوز أن يستدل على ابطال
الصلاة بالاستدبار مطلقاً بما رواه زرارة عن
__________________
الباقر
علیه السلام ، قال : « الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه »
فانه يشمل باطلاقه العامد والناسي ، الا ان يعارض بحديث الرفع عن الناسي
فيجمع بينهما بحمله على العمد .
واعلم ان الالتفات الى
محض اليمين واليسار بكله كالاستدبار ، كما انّه بحكمه في الصلاة مستدبراً على اقوى القولين ، فيجييء القول بالابطال ولو فعله ناسياً إذا تذكر في الوقت ، وان فرقنا بين الالتفات وبين الصلاة الى اليمين واليسار فلا ابطال .
البحث السادس : اُختلف في عقص الشعر ، وهو جمعه في وسط الرأس وشدّه . فروى في التهذيب عن مصادف ، عن الصادق علیه السلام في رجل صلّى الفريضة وهو معقوص الشعر ، قال : « يعيد صلاته »
.
ورووا عن أبي رافع ،
قال : مرّ بي رسول الله صلّى الله عليه وآله وأنا اُصلّي وقد عقصت شعري فاطلقه .
وأخذ الشيخ بالتحريم
والابطال .
وقال المفيد ، وسلار
، وابو الصلاح ، وابن ادريس ، والفاضلان : يكره ؛ للأصل ، وضعف مصادف ، واستبعاد ان يكون هذا محرّماً وينفرد
به الواحد .
فان قلت : وكذا تبعد الكراهية لانفراد الواحد بها .
__________________
قلت :
المكروه لا تتوفر الدواعي الى نقله ، فجاز انفراد الواحد ، بخلاف المحرّم .
ونقل الشيخ في الخلاف
الاجماع على تحريمه ، فان ثبت فهو حجة معتمدة ، ولما تقرر في الاُصول حجية الاجماع المنقول بخبر الواحد ، فلا بأس باتباع الشيخ ، وللاحتياط .
فرع :
القائلون بالتحريم والكراهة
خصوه بالرجل كما في الرواية ، فلا تحريم ولا كراهة في حقّ النساء .
البحث
السابع : في باقي المبطلات .
فمنها :
السكوت الطويل الذي يخرج به عن كونه مصلياً ، وظاهر الاصحاب انه كالفعل الكثير ، فحينئذ يشترط فيه التعمّد ، فلو وقع نسياناً لم تبطل . ويبعد بقاء الصلاة على الصحة فيه وفي الفعل الكثير المخرجين عن اسم المصلّي ، بحيث يؤدي الى انمحاء صورة الصلاة ، كمن يمضي عليه الساعة والساعتان أو معظم اليوم .
ومنها :
نقص الركن عمداً أو سهواً وزيادته ـ كما مرّ ـ وزيادة الواجب عمداً أو نقصه عمداً .
ومنها :
ما خرّجه بعض متأخري الأصحاب من تحريم الصلاة مع سعة الوقت لمن تعلق به حق آدمي مضيّق مناف لها ولا نصّ فيه الا ما سيجيء إن شاء الله من عدم قبول صلاة ممن لا يخرج الزكاة وليس بقاطع في البطلان .
__________________
واما احتجاجهم بان الأمر
بالشيء يستلزم النهي عن ضده ، وان حقّ الآدمي مضيّق فيقدم على حق الله تعالى ، وان النهي في العبادة يفسدها ، ففيه كلام حقّقناه في الْاُصول .
ومنها :
الكتف والتأمين ، وقد سبقا .
واما ما يبطل من الشك
والسهو فيأتي في بابه إن شاء الله تعالى .
المطلب
الثاني : في التروك المستحبة .
وقد مرّ في تضاعيف الأفعال
شطر منها ولنذكر اُموراً :
الاول :
يكره الالتفات الى اليمين والشمال ، بحيث لا يخرج الوجه الى حدّ الاستدبار . وكان بعض مشايخنا المعاصرين يرى انّ الالتفات بالوجه يقطع الصلاة كما يقوله بعض الحنفية لما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله انه
قال : « لا تلتفتوا في صلاتكم ، فانه لا صلاة لملتفت » رواه عبد الله بن سلام
ويحمل على الالتفات بكله ، وروى زرارة عن الباقر علیه السلام : « الالتفات يقطع الصلاة اذا كان بكلّه » .
الثاني :
يكره ما رواه أبو بصير عن الصادق علیه السلام : « اذا قمت الى الصلاة فاعلم انك بين يدي الله تعالى ، فان كنت لا تراه فاعلم انه يراك ، فاقبل قِبَل صلاتك ، ولا تمتخط ، ولا تبصق ، ولا تنقض أصابعك ، ولا توّرك ، فان قوماً عذبوا بتنقيض الأصابع والتورك في الصلاة »
.
قلت :
تنقيض الأصابع الظاهر انّه الفرقعة بها ليسمع لها صوت ، من إنقاض المحامل أي تصويتها .
وعن النبي صلّى الله
عليه وآله انه قال لعلي علیه السلام : « لا تفرقع أصابعك وأنت تصلي » .
__________________
وعنه صلّى الله عليه
وآله انه سمع فرقعة رجل خلفه في الصلاة ، فلما انصرف قال النبي صلّى الله عليه وآله : « اما انه حظه من صلاته »
.
الثالث :
روى الحلبي عن الصادق علیه السلام في التمطي والتثاؤب في الصلاة : « من الشيطان » .
الرابع :
التنخم والبصاق . روي : ان النبي صلّى الله عليه وآله كان يأخذ النخامة في ثوبه .
الخامس :
العبث ؛ لفحوى رواية أبي بصير ولما فيه من منافاة الاقبال على الصلاة وترك الخشوع .
السادس :
مدافعة الأخبثين أو الريح أو النوم ؛ لقول النبي صلّى الله عليه وآله : « لا صلاة لحاقن » ولقوله صلّى الله عليه وآله : « لا
تصلّ وانت تجد شيئاً من الأخبثين » . وروى هشام بن الحكم عن الصادق علیه
السلام : « لا صلاة لحاقن ولا لحاقنة ، وهو بمنزلة من هو في ثوبه »
وفيه دلالة على الريح . واما النوم فلقوله تعالىٰ : (
لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ )
في بعض التفسير ولما فيه من سلب الخشوع والاقبال على الصلاة ، والتعرّض لابطالها .
ولو عرضت المدافعة في
أثناء الصلاة فلا كراهة في الاتمام ؛ لعدم اختيار
__________________
المكلف
هنا ، ولو عجز عن المدافعة فله القطع . روى عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع الصبر عليه ، أيصلي على تلك الحالة أوْ لا ؟ فقال : « إن احتمل الصبر ولم يخف اعجالاً عن الصلاة ، فليصلّ وليصبر »
.
السابع :
التخصّر ؛ لنهي النبي صلّى الله عليه وآله ، وهو الاعتماد باليدين على الوركين ويسمي : التوّرك .
الثامن :
لبس الخف الضيق ؛ لما فيه من المنع عن التمكن في السجود وملازمة القيام على سمت واحد .
التاسع :
السدل ، وقد ذكر فيما مر . وقيل : انه وضع الثوب على الرأس والكتف وارسال طرفيه . اما لو أرسل طرفي الرداء فلا بأس ؛ لما رواه علي بن جعفر عن اخيه علیه السلام وقال : « لا يصلح جمعهما على اليسار ، ولكن اجمعهما على يمينك أو دعهما » .
العاشر :
التأوّه بحرف واحد والأنين به اختياراً ؛ لقربه الى الكلام .
وكره ابو الصلاح التنخع
والتجشؤ ، وادخال اليدين في الكمين وتحت الثياب
.
[ خاتمة ]
ولنختم الفصل بثلاثة
مباحث :
احدها :
في السلام على المصلّي ، وفيه مسائل تسع :
الْاُولى : لا يكره السلام على المصلّي ؛ للاصل ، ولعموم : ( فَإِذَا دَخَلْتُمْ
__________________
بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ ) . وروى البزنطي في
سياق أحاديث الباقر علیه السلام : « إذا دخلت المسجد والناس يصلّون فسلّم عليهم ، واذا سُلّم عليك فاردد فاني افعله » . وان عمار بن ياسر مرّ على رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو
يصلّي ، فقال : السلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته ، فردّ علیه السلام
.
الثانية : يجب الردّ عليه اذا سلم عليه ؛ لعموم قوله تعالى : ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا )
والصلاة غير منافية لذلك .
وظاهر كلام الأصحاب
مجرد الجواز ؛ للخبرين الآتيين بعد ، والظاهر انهم أرادوا به بيان شرعيته ، ويبقى الوجوب معلوماً من القواعد الشرعية . وبالغ بعض الأصحاب في ذلك ، فقال تبطل الصلاة لو اشتغل بالأذكار ولما يردّ السلام وهو من مشرب اجتماع الأمر والنهي في الصلاة كما سبق ، والأصحّ
عدم الابطال بترك ردّه .
الثالثة : يجب اسماعه تحقيقاً أو تقديراً كما في سائر الردّ . وقد روى منصور بن حازم ، عن الصادق علیه السلام : « يردّ عليه ردّاً خفياً »
. وروى عمار عنه علیه السلام : « ردّ عليه فيما بينك وبين نفسك ، ولا ترفع صوتك »
. وهما مشعران بعدم اشتراط اسماع المسلِّم ، والاقرب اشتراط اسماعه ؛ ليحصل قضاء حقّه من السلام .
__________________
الرابعة : قال المرتضى : يجب ان يقول المصلّي في ردّ السلام مثل ما قاله المسلّم : ( سلام عليكم ) ، ولا يقول : ( وعليكم السلام )
ورواه عثمان بن عيسى عن الصادق علیه السلام .
وجوّز ابن ادريس الردّ
بقوله : ( عليكم السلام ) ، وخصوصاً اذا قال المسلّم : ( عليكم السلام ) لعموم الآية ، واستضعافاً لخبر الواحد
مع انّ عثمان ابن عيسى واقفي شيخ الواقفة ، فتبقى عموم الآية والأصل سالمين عن المعارض .
الخامسة : لا تكفي الاشارة بالردّ عن السلام لفظاً .
واحتج الشافعي على
تحريم التلفّظ بانّ أبا مسعود لما قدم من الحبشة سلّم على رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو في الصلاة فلم يردّ عليه ، قال : فاخذني ما قرب وما بعد ، فلما فرغ قلت : يا رسول الله أنزل فيّ شيء ؟ قال : « لا ، ولكن الله يحدث من أمره ما يشاء ، وانّ مما أحدث أن لا يتكلموا في الصلاة » . وعلى جواز الاشارة بما روى صهيب وبلال : انّ النبي صلّى الله عليه وآله كان إذا سُلّم عليه أشار بيده .
وجوابه بعد تسليم النقل
انه يجوز تقدّمه على الأمر بردّ السلام ، ويجوز ان يكون قد جمع بين الاشارة والتلفظ خفيّاً كما رويناه .
__________________
السادسة : لا يجب ان يقصد القرآن بردّه ، ويظهر من كلام الشيخ اعتباره .
لنا عموم الآية ،
ولخبر هشام بن سالم عن محمد بن مسلم ، قال : دخلت على أبي جعفر علیه السلام وهو في الصلاة ، فقلت : السلام عليك . فقال : « السلام عليك » . فقلت : كيف أصبحت ؟ فسكت فلما انصرف قلت له : أيردّ السلام وهو في الصلاة ؟ فقال : « نعم ، مثل ما قيل له »
. وفيه دلالتان :
احداهما : ان لفظ ( السلام عليك ) ليس في القرآن وقد أتى بها .
وثانيها : عدم ذكر الامام قصد القرآن ، فلو كان شرطاً لذكره ؛ لامتناع تأخير البيان عن وقت الحاجة .
السابعة : لو سلّم بالصباح أو المساء أو التحية لم يجب الردّ عليه ، قاله
ابن ادريس .
والمحقق قال في المعتبر
: نعم ، لو دعا له وقصد الدعاء لا ردّ السلام ، لم أمنع منه اذا كان مستحقاً للدعاء ؛ لما بيناه من جواز الدعاء لنفسه ولغيره
.
وقال الفاضل : يجب
ردّ كل ما يسمى تحية ؛ لظاهر الآية ، وخبر محمد ابن مسلم . وجوّز الردّ بلفظ المسلِّم وبلفظ ( سلام عليكم )
.
الثامنة : لو كان في موضع تقية ردّ خفياً واشار ، وقد تحمل عليه الروايتان
السابقتان .
التاسعة : لو ردّ غيره اكتفى به اذا كان مكلفاً . وفي الصبي المميز وجهان
__________________
مبنيان
على صحة قيامه بفرض الكفاية ، وهو مبني على انّ أفعاله شرعية أو لا ، وقد سبقت الاشارة اليه . نعم ، لو كان غير مميز لم يعتدّ به .
ولو ردّ بعد قيام
غيره به لم يضرّ ؛ لانه مشروع في الجملة .
وهل هو مستحب كما في
غير الصلاة أو تركه أولى ؟ فيه نظر ، من شرعيته خارج الصلاة مستحباً ، ومن انه تشاغل بغير الصلاة مع عدم الحاجة اليه .
البحث الثاني : لو رعف في أثناء الصلاة أو قاء لم تبطل الصلاة ؛ لانهما غير ناقضين للطهارة ، والقيء ليس بنجس ويجب غسل الرعاف إن بلغ قدر الدرهم ، ثم يتمّ صلاته ما لم يفعل المنافي ؛ لرواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام في الرجل يأخذه القيء والرعاف في الصلاة : « ينفتل فيغسل أنفه ويعود في صلاته ، وان تكلم فليعد الصلاة وليس عليه وضوء »
.
وروى الكليني عن الحلبي
، عن الصادق علیه السلام فيمن رعف في الصلاة : « إن قدر على ماء عنده يميناً وشمالاً بين يديه وهو مستقبل القبلة فليغسله عنه ، ثم يصلّي ما بقي من صلاته . وان لم يقدر على ماء ، حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم ، فقد قطع صلاته » .
واما رواية ابي حمزة
عن الصادق علیه السلام : « لا يقطع الصلاة الّا رعاف وأزّ في البطن ، فادرؤوهنّ ما استطعتم » فهي نادرة ، وتحمل على ما اذا احتاج الى فعل المنافي .
وحملت على استحباب الاعادة
فان اُريد الاعادة بعد البناء فلا بأس ، وان اُريد بدونه ففيه تعرّض لقطع الصلاة ، الا ان يقال : هذا كقطع الصلاة
__________________
لاستدراك
الأذان والجماعة . ولا يبعد ان يحمل القطع على استدراك غسل الدم أو الوضوء للازّ ـ وهو الصوت في البطن ، بمعنى : الازيز ـ لما رواه الفضيل بن يسار ، قلت : لأبي جعفر علیه السلام : أكون في الصلاة فأجد غمزاً في بطني أو أذى أو ضرباناً ، فقال : « انصرف ، ثم توضأ وابن على ما مضى من صلاتك » .
تنبيه :
لو تعذّر قطع الرعاف
حشا أنفه وصلّى مخففاً لئلا يسبقه الدم ، رواه سماعة عن أبي عبد الله علیه السلام . ولو سبق الدم وامكن غسله وجب ، والا أتمّها مع ضيق الوقت بحالة .
البحث الثالث : يستحب ( الحمد لله ) عند العطاس في الصلاة ؛ للاصل ، والعموم في استحباب ذلك الشامل للصلاة ، ولقول الصادق علیه السلام في رواية الحلبي : « اذا عطس الرجل في الصلاة فليقل : الحمد لله »
.
ويجوز التحميد والصلاة
على النبي وآله عند سماعه العطسة من الغير في الصلاة ؛ لرواية ابي بصير عنه علیه السلام ، قال : « وان كان بينك وبينه اليمّ » .
ولو سمت العاطس أو
شمته فدعا له جاز ؛ لما مرّ من جواز الدعاء للغير في الصلاة . وتردّد فيه في المعتبر ، ثم قال : الجواز أشبه بالمذهب
، يعني : لقضية الأصل من الجواز وعموم الدعاء للمؤمنين ، وهو يشعر بعدم ظفره بنص
__________________
في
ذلك .
وروى العامة عن معاوية
بن الحكم ، قال : صليت مع رسول الله صلّى الله عليه وآله فعطس رجل من القوم ، فقلت : يرحمك الله ، فرماني القوم بأبصارهم ! فقلت : ما شأنكم تنظرون إليَّ ؟ فجعلوا يضربون ايديهم على افخاذهم فعرفت انهم يصمتوني ، فلما صلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : « ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، انما هي التكبير وقراءة القرآن » .
وربما قيل : انّ الانكار
على كلامه الثاني لا على التسميت .
__________________

الركن الثاني : في الخلل الواقع في
الصلاة .
وهو اما عن عمد أو
سهو أو شك ، فهنا مطالب ثلاثة :
الاول
: العمد .
وفيه مسائل ثلاث :
الاولى :
تبطل الصلاة بتعمّد الاخلال بكل ما يتوقّف عليه صحة الصلاة من الشروط ـ كالطهارة ، والاستقبال ، وستر العورة ، وايقاعها في الوقت ـ والاجزاء ، ركناً كان ـ وهو : النية ، والتكبير ، والقيام ، والركوع ، والسجود ـ أو
لا ـ كالقراءة ـ أو صفة ـ كالجهر ، والاخفات ، والطمأنينة ـ لانّ الاخلال بالشرط إخلال بالمشروط ، وبالجزء اخلال بالكل . وقد سبق التنبيه على ذلك كله .
الثانية : لا فرق بين الاخلال بالشروط والابعاض وبين الاخلال بما يجب تركه ؛ لتحقق النهي المفسد للعبادة بفعل ما يجب تركه ، ولا بين العالم والجاهل بالحكم ؛ لانه ضمّ جهلاً الى تقصير ، وقد استثنى الأصحاب الجهر والاخفات لما سبق .
اما لو جهل غصبية الماء
أو الثوب أو المكان ، أو نجاسة الثوب أو البدن أو موضع السجود ، فلا إعادة في الغصب على الاطلاق ، ولا في النجاسة مع خروج الوقت ، ومع بقائه قولان تقدما .
ولو وجد جلداً مطروحاً
فصلّى فيه ، أعاد وان تبيّن بعد انه مذكّىٰ ؛ لانه دخل دخولاً غير مشروع .
الثالثة : تبطل الصلاة بزيادة واجب عمداً ، سواء كان ركناً أو غيره ؛
لعدم الاتيان بالماهية على وجهها . وكذا لو اعتقد وجوب بعض الأذكار المندوبة أو بعض الافعال المندوبة وكان كثيرا ، وقد سبقت الاشارة اليه .
المطلب
الثاني : في السهو .
وفيه مسائل :
الاولى :
انما تبطل الصلاة بالسهو اذا تضمّن الاخلال بشرط أو ركن ، كمن صلّى بغير طهارة ، أو لا مستقبلاً على ما سبق تفصيله في الاستقبال ، أو صلّى مكشوف العورة ناسياً . وكمن أخلّ بالقيام حتى نوى ، أو بالنية حتى كبّر ، أو بالتكبير حتى قرأ ، أو بالركوع حتى سجد ، أو بالسجدتين حتى ركع بعدهما . وقد تقدم ذلك بدليله .
الثانية : كما تبطل نقيصة الركن سهواً كذا تبطل زيادته سهواً ؛ لاشتراكهما
في تغيير هيئة الصلاة ، ولقول الصادق علیه السلام : « من زاد في صلاته فعليه
الاعادة » .
وأولى منه زيادة ركعة
فصاعدا الّا زيادة الخامسة سهوا ، فانه يشترط في البطلان ان لا يكون جلس عقيب الرابعة بقدر التشهد عند ابن الجنيد
والفاضل لصحيح جميل بن دراج عن الصادق علیه السلام
وزرارة عن الباقر علیه السلام .
وفي رواية محمد بن
مسلم عن الصادق علیه السلام : « ان كان لا يدري جلس في الرابعة أم لم يجلس ، فليجعل أربع ركعات منها الظهر ويجلس فيتشهد ، ثم يصلي ركعتين جالساً ويضيفها الى الخامسة فتكون النافلة »
.
__________________
وفي رواية اُخرىٰ
له : يضيف الى الخامسة ركعة لتكونا نافلة .
وقال ابن ادريس : إن
تشهد ثم قام سهوا قبل التسليم وأتى بالخامسة ، صحت على قول من جعل التسليم ندباً ، ونقله عن الشيخ في الاستبصار
.
والاكثرون اطلقوا البطلان
بالزيادة لما اطلق في رواية زرارة واخيه بكير ـ الحسنة ـ عن الباقر علیه السلام ، قال : « اذا استيقن انه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها واستقبل صلاته » ، وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام : « من زاد في صلاته فعليه الاعادة »
.
والشيخ جمع بينهما
بحمل الاُولى على من جلس وتشهد ، وبحمل الثانية على من لم يفعل ذينك وهو حسن ، ويكون فيه دلالة على ندب التسليم
.
واوجب في الخلاف الاعادة
مطلقاً ؛ لتوقف اليقين بالبراءة عليه ، وقال : انما يعتبر الجلوس بقدر التشهد أبو حنيفة ، بناءً على انّ الذكر في التشهد ليس بواجب ، وعندنا انّه لا بد من التشهد وجوباً .
اما لو لم يجلس بقدر التشهيد
، فانّها تبطل قولاً واحداً عندنا .
وقال اكثر العامة :
تصح الصلاة مطلقاً ؛ لما رووه عن ابن مسعود انّ النبي صلّى الله عليه وآله صلّى بنا خمساً ، فلما اخبرناه انفتل فسجد سجدتين ثم سلّم ، وقال : « انما أنا بشر أنسى كما تنسون » . وهذا الحديث لم يثبت عندنا ، مع
__________________
منافاته
للقواعد العقلية .
ويتفرع على ذلك انسحاب
الحكم الى زيادة أكثر من واحدة ، والظاهر انه لا فرق ؛ لتحقّق الفصل بالتشهد على ما اخترناه ، وبالجلوس على القول الآخر . وكذا لو زاد في الثنائية أو الثلاثية .
ولو ذكر الزيادة قبل الركوع
، فلا اشكال في الصحة ؛ لعدم كون زيادة القيام سهواً مبطلة ، وعليه سجدتا السهو .
ولو ذكر الزيادة بين الركوع
والسجود ، فكالذكر بعد السجود . واحتمل الفاضل الابطال ؛ لانا ان امرناه بالسجود زاد ركناً آخر في الصلاة ، وان لم نأمره به زاد ركناً غير متعبّد به ، بخلاف الركعة الواحدة لامكان البناء عليها نفلاً
كما سبق .
وعلى ما قلناه من اعتبار
التشهد ، لا فرق في ذلك كلّه في الصحة إن حصل ، وفي البطلان إن لم يحصل .
الثالثة : لو نقص من صلاته ساهياً ركعة فما زاد ، ثم ذكر قبل فعل ما ينافي
الصلاة من حدث أو استدبار أو كلام وغيره أتمّها قطعا ، وان كان بعد الحدث اعادهما ، وان كان بعد الاستدبار أو الكلام فقد سلف .
وقال الصدوق ـ رحمه
الله ـ في المقنع : ان صليت ركعتين من الفريضة ، ثم قمت فذهبت في حاجة لك ، فاضف الى صلاتك ما نقص منها ولو بلغت الى الصين ، ولا تعد الصلاة فان اعادة الصلاة في هذه المسألة مذهب يونس ابن عبد الرحمن .
__________________
وروى في الفقيه عن عمار
، عن أبي عبد الله علیه السلام : « انّ من سلّم في ركعتين من الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء الآخرة ، ثم ذكر فليبن على صلاته ولو بلغ الصين ولا اعادة عليه » .
وروى زرارة في الصحيح
عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن رجل صلّى بالكوفة ركعتين ، ثم ذكر وهو بمكة أو بالمدينة أو بالبصرة أو ببلدة من البلدان انّه صلّى ركعتين ، قال : « يصلي ركعتين »
.
ويعارضه ما رواه الكليني
عن سماعة ، عن أبي عبد الله : أرأيت من صلّى ركعتين وظن انها أربع فسلم وانصرف ، ثم ذكر بعد ما ذهب انّه انما صلّى ركعتين ، قال : « يستقبل الصلاة من أولها » وذكر انّ رسول الله صلّى الله عليه
وآله لما صلّى ركعتين لم يبرح من مكانه فلذلك اتمّها
.
وما رواه محمد بن
مسلم ، عن احدهما ، قال : سُئل عن رجل دخل مع الامام في صلاته وقد سبقه بركعة ، فلما فرغ الامام خرج مع الناس ثم ذكر انه فاتته ركعة ، قال : « يعيد ركعة اذا لم يحوّل وجهه عن القبلة ، فاذا حوّل وجهه استقبل الصلاة » .
وعدّ الكليني في مبطلات
الصلاة عمداً وسهواً الانصراف عن الصلاة بكليته قبل ان يتمّها وهو الأصح ، وتحمل تلك الأخبار على النافلة
كما ذكره الشيخ .
الرابعة : لا حكم للسهو عن غير الركن اذا تجاوز محله ، كنسيان القراءة ،
__________________
أو
أبعاضها ، أو صفاتها من اعراب ، أو ترتيب ، أو جهر ، أو اخفات . أو كنسيان تسبيح الركوع ، أو الطمأنينة فيه ، أو رفع الرأس منه ، أو الطمأنينة فيه . أو الطمأنينة في السجود ، أو الذكر فيه ، أو السجود على بعض الأعضاء ، أو لم يتمّ رفعه من السجود الاول ، أو لم يطمئن في رفعه منه .
لعموم قول النبي صلّى
الله عليه وآله : « رفع عن اُمتي الخطأ والنسيان » .
وقول الباقر علیه
السلام : « لا تعاد الصلاة الّا من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود » رواه زرارة
.
وقول أبي الحسن الكاظم
علیه السلام في ناسي التسبيح في الركوع والسجود : « لا بأس بذلك » رواه علي بن يقطين .
وروى عبد الله القداح
، عن الصادق علیه السلام : « ان علياً علیه السلام سئل عن رجل ركع ولم يسبّح ناسياً ، قال : تمّت صلاته »
.
وفي رواية حكم بن
حكيم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل ( نسي من صلاته ركعة أو سجدة أو الشيء منها ، ثم تذكر بعد ذلك ، فقال : « يقضى ذلك بعينه » . فقلت له : ايعيد الصلاة ؟ قال : « لا »
. وهي تدل بظاهرها على قضاء ابعاض الصلاة على الاطلاق ، وهو نادر مع امكان الحمل على ما يقضى منها ـ كالسجدة والتشهد وابعاضه ـ أو على انه يستدركه في محله .
وكذا ما روى عبد الله
بن سنان ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « اذا
__________________
نسيت
شيئاً من الصلاة ، ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً ، ثم ذكرت فاصنع الذي فاتك سواء » .
وكذا رواية الحلبي
عنه علیه السلام : « اذا نسيت من صلاتك ، فذكرت قبل ان تسلّم أو بعد ما تسلّم أو تكلمت ، فانظر الذي كان نقص من صلاتك فأتمّه » . وابن طاوس في البشرى يلوح منه ارتضاء مفهومها .
الخامسة : لو سها عن شيء وهو في محله أتى به ، ركناً كان أو غيره ؛ لانه
مخاطب به فلا يسقط بالنسيان مع امكان تداركه . ثم ان كان هناك ترتيب وجب مراعاته ، كما لو ترك الحمد حتى قرأ السورة وجب بعد قراءة الحمد اعادة السورة .
وكذا لو تشهد قبل
سجود ثم تذكر أعاد السجود والتشهد ، فان كان ذلك التشهد المعقّب بالتسليم فالحكم كذلك ان قلنا بوجوب التسليم ، وان لم نقل به ففي الاستدراك هنا تردّد ، من الحكم بخروجه بالتشهد كما لو كان المنسي غير السجود ، ومن انّه لما وقع في غير موضعه كان بمثابة تسليم الناسي الذي هو غير مخرج فلا يكون التشهد هنا مخرجاً ، وعسى ان يأتي ما يدل عليه . فان قلنا بعدم التدارك وكان المتروك السجدتين بطلت الصلاة ، وان كانت واحدة أتى بها بعد التشهد .
ولو ذكر ترك الركوع ،
وقد انتهى الى حدّ الساجد ولما يسجد ، رجع الى الركوع . والظاهر انه لا يجب الطمأنينة في هذا القيام ؛ لسبقها من قبل .
وكذا يعود لتدارك السجود
ما لم يركع فيما بعده ، ويتدارك القراءة أو التسبيح ؛ لفعله على غير الوجه المتعبّد به . ولا فرق بين السجدة الواحدة أو السجدتين ، ورواية اسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله علیه السلام في ناسي
__________________
السجدة
الثانية : يرجع ويسجد ما لم يركع لا تدلّ على التخصيص
.
وقال المفيد ـ رحمه
الله ـ : ان ترك سجدتين من ركعة واحدة أعاد على كل حال ، وان نسي واحدة منهما ثم ذكرها في الركعة الثانية قبل الركوع أرسل نفسه وسجدها ثم قام . ومثله قول أبي الصلاح
.
وصرّح ابن ادريس باعادة
الصلاة بترك السجدتين وان ذكر قبل ركوعه ، وباعادة السجدة الواحدة إذا ذكر قبل ركوعه .
ولم نقف على نص يقتضي
التفرقة ، فان القيام إن كان انتقالاً عن المحل لم يعد الى الواحدة ، والّا عاد الى السجدتين . وجزم الفاضلان بالعود في الموضعين .
وكذا يعود لتدارك التشهد
ما لم يركع عندنا ، ورواه الحلبي وعلي بن حمزة عن الصادق علیه السلام .
السادسة : لا تبطل الصلاة بالسهو عن سجدة من ركعة حتى يركع فيما بعدها .
وقد يظهر من كلام ابن
ابي عقيل وجوب الاعادة بترك سجدة ، حيث قال : فالفرض : الصلوات بعد دخول وقتها ، واستقبال القبلة ، وتكبيرة الاحرام ، والسجود . ومن ترك شيئاً من ذلك ، أو قدّم منه مؤخّراً ، أو أخّر منه مقدماً ، ساهياً كان أو متعمداً ، إماماً كان أو مأموماً أو منفرداً ، بطلت صلاته
.
__________________
وقال : من استيقن انه
سجد سجدة وشك في الثانية سجدها ، فان استيقن انه سجد سجدتين أعاد الصلاة .
فظاهر كلامه ان السجدة
الواحدة كالسجدتين في الزيادة والنقصان .
وقد روى الشيخ في التهذيب
باسناده الى علي بن اسماعيل ، عن رجل ، عن معلى بن خنيس ، قال : سألت أبا الحسن الماضي علیه السلام في الرجل ينسى السجدة من صلاته ، قال : « اذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ، ثم سجد سجدتي السهو بعد انصرافه ، وان ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة . ونسيان السجدة في الاوليين والأخيرتين سواء »
.
وهذا الخبر فيه ارسال
، وفي المعلى كلام ، والمشهور انه قتل في حياة الصادق علیه السلام ، فكيف يروى عن أبي الحسن الماضي ! ، والشيخ حمل السجدة على السجدتين معاً .
وروى منصور بن حازم
عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل صلّى فذكر انه زاد سجدة ، فقال : « لا يعيد صلاته من سجدة ، ويعيدها من ركعة » .
وروى عبيد بن زرارة
عنه علیه السلام فيمن شك في سجدة فسجد ثم تيقن انه زاد سجدة ، فقال ، : « لا والله ، لا تفسد الصلاة زيادة سجدة » ، وقال : « لا يعيد صلاته من سجدة ، ويعيدها من ركعة » . وهما خبران في معنى النهي .
وفي هاتين الروايتين
دلالة على صحة الصلاة لو زاد سجدة صريحاً ،
__________________
وكذا
لو نقصها ؛ لقوله : « لا يعيد صلاته من سجدة » .
السابعة : حكم الاوليين حكم الأخيرتين في السهو عن غير ركن ، فلا تبطل الصلاة بذلك في المشهور بين الاصحاب .
وقال المفيد والشيخ ـ
في التهذيب ـ : تبطل بالسهو فيهما والشك في أفعالهما لرواية البزنطي عن الرضا علیه السلام في رجل يصلي
ركعتين ثم ذكر في الثانية وهو راكع انه ترك سجدة في الاُولى ، قال : « كان أبو الحسن يقول : اذا تركت السجدة في الركعة الاولى ، فلم تدر أواحدة أو اثنتين ، استقبلت حتى يصح لك ثنتان . فاذا كان في الثالثة والرابعة ، فتركت سجدة بعد ان تكون قد حفظت الركوع ، أعدت السجود » .
وقد رُوي ما يعارض
ذلك عن محمد بن منصور ، قال : سألته عن الذي ينسي السجدة الثانية من الركعة الثانية أو يشك فيها ، فقال : « اذا خفت ان لا تكون وضعت وجهك الّا مرة واحدة ، فاذا سلمت سجدت سجدة واحدة »
. وتأوّله الشيخ بانّ المراد به من الركعة الثانية من الأخيرتين
وهو بعيد .
واجاب الفاضل عن رواية
البزنطي : بانّ المراد بالاستقبال الاتيان بالسجود المشكوك فيه ، ويكون قوله علیه السلام : « واذا كان في الثالثة والرابعة
فتركت سجدة » راجعاً الى من تيقّن ترك السجدة في الاوليين ، فان عليه اعادة السجدة لفوات محلها . ولا شيء عليه لو شك ، بخلاف ما لو كان الشك في الاُولىٰ ؛ لانه لم ينتقل عن محل السجود فيأتي بالمشكوك فيه
.
__________________
الثامنة : حكم الاخيرتين في البطلان بترك الركن اذا تجاوز محله حكم الاوليين في المشهور ايضاً .
وقال الشيخ : انما
تبطل في الاوليين أو في الصبح أو في ثالثة المغرب ، وان كان في الاخيرتين من الرباعية حذف الزائد وأتى بالفائت ، فلو ترك الركوع حتى سجد ولم يذكر حتى صلّى ركعة اُخرى أسقط الاُولى
.
وله قول آخر بالتلفيق
وان كان في الاوليين كما هو قول ابن الجنيد وابي الحسن بن بابويه فيما عدا الاُولى ، فانّهما اعتبرا سلامة الاُولى لا غير
.
والروايات مختلفة ،
فروى ابو بصير عن الصادق علیه السلام : « اذا أيقن الرجل انه ترك ركعة من الصلاة ، وقد سجد سجدتين وترك الركوع ، استأنف الصلاة » ومثله رواه عن الباقر علیه السلام
ورواه رفاعة عن الصادق علیه السلام .
وروى محمد بن مسلم ،
عن الباقر علیه السلام في رجل شك بعد ما سجد انه لم يركع : « فان استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما فيبني على صلاته على التمام ، وان كان لم يستيقن الّا بعد ما فرغ فليقم وليصل ركعة وسجدتين » . وحمل الشيخ هذا على الأخيرتين
ولم نقف على موجب هذا الحمل الا ما يظهر من الرواية عن الرضا علیه السلام : الاعادة في الاوليين
__________________
والشك
في الاخيرتين ولكنه ليس بصريح في
المطلوب .
واعلم انّ رواية محمد
بن مسلم قضيتها التلفيق ولو بعد التسليم ؛ لدلالة الفراغ عليه ، اذ هو بترك الركوع كانّه قد ترك الركعة اذ السجدتان لا عبرة بهما ، فيكون قد بقي عليه ركعة فيأتي بها .
التاسعة : لو نسي سجدة أو التشهد حتى ركع من بعد ، قضاهما بعد التسليم وسجد للسهو ؛ لرواية علي بن أبي حمزة قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : « اذا قمت في الركعتين ولم تتشهد وذكرت قبل ان تركع فاقعد فتشهد ، وان لم تذكر حتى ركعت فامض في صلاتك ، فاذا انصرفت سجدت سجدتي السهو لا ركوع فيهما ، ثم تشهد التشهد الذي فاتك » .
وروى محمد بن مسلم عن
احدهما عليهما السلام في الرجل يفرغ من صلاته وقد انسي التشهد حتى ينصرف ، فقال : « إن كان قريباً رجع الى مكانه فتشهد ، والّا طلب مكاناً نظيفاً فتشهد » .
وقال ابنا بابويه والمفيد
ـ في العزية ـ : يجزئ التشهد الذي في سجدتي السهو عن قضاء التشهد المنسي ؛ لظاهر رواية ابن ابي حمزة
، ولرواية الحسين ابن ابي العلاء عن الصادق علیه السلام
، وسليمان بن خالد عنه : ان عليه سجدتي السهو ولم يذكر قضاء التشهد . وعن ابي بصير قال : سألته
__________________
عن
الرجل ينسىٰ ان يتشهد ، قال : « يسجد سجدتين يتشهد فيهما »
.
لنا :
ان سجدتي السهو يجب فيهما التشهد على ما يأتي في رواية الحلبي عن أبي عبد الله علیه السلام ، والتشهد يجب قضاؤه على ما مرّ في رواية
محمد بن مسلم ، والاصل عدم التداخل .
العاشرة : لا فرق بين التشهد الاول والأخير في التدارك بعد الصلاة ، عند
الجماعة في ظاهر كلامهم ، سواء تخلّل الحدث بينه وبين الصلاة أوْ لا . وقال ابن ادريس : لو تخلّل الحدث بين الصلاة والتشهد الاول لم تبطل الصلاة ؛ لخروجه عنها بالتسليم . ولو تخلّل بينها وبين التشهد الثاني بطلت ؛ لان قضية السلام الصحيح ان يكون بعد التشهد ، فوقوعه قبله كلاسلام ، فيكون حدثه قد صادف الصلاة فتبطل .
وفي هذا الكلام إشكالان
: أحدهما على قضية مذهبه ، والثاني على غيره .
أمّا الاول : فلان قضية مذهبه انّ الخروج من الصلاة بالفراغ من التشهد ؛ لان التسليم مستحب عنده ، فكيف يحكم بالخروج منها بالتسليم ؟! وحينئذ يمكن تعليل الفرق بذلك بان يقال : انما يخرج من الصلاة بكمال التشهد ، وفي صورة نسيانه أخيراً لم يتحقق التشهد فلا يتحقق الخروج ، فيكون قد أحدث قبل الخروج .
وأمّا الثاني : فلان التسليم على القول بوجوبه قد وقع مقصوداً به الخروج من الصلاة فيكون كافياً ، والتشهد ليس بركن حتى يكون نسيانه قادحاً في صحة
__________________
الصلاة
.
وفي المختلف نازع في
تخلّل الحدث اذا نسي التشهد الاول وحكم بابطاله الصلاة ، وحكم بان التسليم وقع في محله وان نسي التشهد الاخير فتكون الصلاة صحيحة .
وقال الصدوق في الفقيه
: إن رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الرابعة واحدثت ، فان كنت قد قلت الشهادتين فقد مضت صلاتك ، وان لم تكن قد قلت ذلك فقد مضت صلاتك ، فتوضأ ثم عد الى مجلسك وتشهد
.
وعوّل على رواية عبيد
بن زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله علیه السلام : الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير ، فقال : « تمت صلاته ، وانما التشهد سنّة في الصلاة ، فيتوضأ ويجلس مكانه أو مكاناً نظيفا فيتشهد »
.
وعن زرارة عن الباقر علیه
السلام في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة قبل ان يتشهد ، قال : « ينصرف فيتوضأ ، فان شاء رجع الى المسجد ، وان شاء ففي بيته ، وان شاء حيث شاء ، قعد فيتشهد ويسلم . وان كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته » .
وهذان الحديثان معتبرا
الاسناد ، ولكن يعارضهما انّ الحدث وقع في الصلاة فيفسدها ، ورواية الحسن بن جهم قال : سألته عن رجل صلّى الظهر والعصر فاحدث حين جلس في الرابعة ، فقال : « إن كان قال : اشهد ان لا اله الله وان محمداً رسول الله ، فلا يعد . وان كان لم يتشهد قبل ان يحدث فليعد » والظاهر انه رُوي عن الامام . وفيه دلالة على قول ابن ادريس وعلى ما
عللناه
__________________
به
، الّا ان ظاهر كلام الاصحاب العمل بالبطلان .
الحادية عشرة : تتدارك الصلاة على النبي وآله صلّى الله عليهم اذا سها عنها المصلي كما يتدارك التشهد ، فان كان في محل تدارك التشهد ـ أعني قبل الركوع ـ عاد لها ولا يضرّ الفصل بينها وبين التشهد ، وان كان بعده قضاها بعد التسليم كما يقضي التشهد .
وانكر ابن ادريس
شرعية قضائها لعدم النص .
قلنا :
التشهد يقضى بالنص فكذا ابعاضه ؛ تسوية بين الجزء والكل .
ولو كانت الصلاة في التشهد
الاخير ، أمكن انسحاب كلام ابن ادريس بالبطلان إذا أتى بالحدث أو المنافي ؛ لعدم الخروج من الصلاة بدونها .
ووجوب قضاء الصلاة وحدها
، مشعر بعدم اشتراط الموالاة في هذه الأذكار عند النسيان .
الثانية عشرة : لو ترك السجدة الواحدة ناسياً ثم ذكرها قبل الركوع وجب العود كما يذكر ، وله أحوال خمسة :
الحالة الاُولى : ان يكون قد جلس عقيب السجدة الاُولى ، واطمأن بنيّة انّه الجلوس الواجب . فهذا يعود الى السجود ، ولا يحتاج الى الجلوس لانه قد أتى به ، فلو جلس لا بنيّة لم يضر ، ولو نوى استحبابه أو وجوبه فهو فعل خارج عن الصلاة لا يبطل الّا مع الكثرة .
وقال بعض العامة : لا
يكفي الجلوس الاول بل يجب الجلوس هنا ، لينتقل عنه الى السجود ، كما لو خفّ المريض بعد القراءة قاعداً فانّه يجب عليه القيام ليركع عن قيام .
__________________
قلنا :
الفرق واضح ؛ لانّ الركوع من قيام لا بدّ منه مع القدرة عليه ولا يتمّ الا بالقيام فيجب ، ولانّ ناسي السجدة قد أتى بجلسة الفصل ، بخلاف المريض فانه لم يأت بالقيام المعتبر للركوع .
الحالة الثانية : ان يكون قد جلس بنيّة الاستراحة ، بناء على انه توهّم انه سجد السجدتين معاً . ففيه احتمالان :
احدهما :
انّه يكتفي به ؛ لانّ قضية نيّة الصلاة الترتيب بين الأفعال ، فنيّة الاستراحة لاغية ؛ اذ قضية نيّة الصلاة كونها للفصل بين السجدتين .
والثاني : انه يجلس ثم يسجد ؛ لانّه قصد بها الاستحباب فلا يجزئ عن الواجب ؛ لقوله صلّى الله عليه وآله : « وانما لكل امرئ ما نوى »
.
وقد سبق مثل هذين الوجهين
فيمن اغفل لمعة في الغسلة الاولى فغسلها في الثانية بقصد الندب .
والوجه الاجتزاء بالجلسة
هنا ، لقولهم عليهم السلام « الصلاة على ما افتتحت عليه » . وقد سبق ذكره فيمن نوى الفريضة ثم اتمّها
بنيّة النافلة سهواً وهو من باب مفهوم الموافقة .
الحالة الثالثة : ان لا يكون قد جلس أصلاً . وفيه وجهان :
أحدهما :
ـ وهو الذي جزم به الشيخ في المبسوط ـ انه يخرّ ساجداً ولا يجلس ؛ لان القيام يقوم مقام الجلسة بين السجدتين ؛ إذ الغرض الفصل
__________________
بينهما
وقد حصل بالقيام .
والثاني : ـ وهو مختار الفاضل ـ وجوب الجلوس ؛ لانه من أفعال الصلاة ولم يأت به مع إمكان تداركه ، والفصل بين السجدتين يجب ان يكون بهيئة الجلوس لا بهيئة القيام وغيره . وهذا هو الأقوى .
ويتفرع عليه قضاء السجدة
بعد التسليم . ووجوب الجلوس هنا بعيد لفوات الغرض به ؛ لانه هناك لتقع السجدتان على الوجه المشروع من الجلوس بينهما . ووجه وجوبه انه واجب في نفسه لا للفصل . وعلى قول الشيخ لا إشكال .
الحالة الرابعة : ان يكون قد جلس ولكن لم يطمئن . ولم أرَ لهم في هذه كلاماً ، وقضية الاصل وجوب الجلوس والطمأنينة كما لو لم يجلس ، فان الطمأنينة واجبة في الجلوس ولم تحصل ، ولا يتصور وجوب طمأنينة مستقلة فوجب الجلوس لتحصيلها ، ولا فرق بين ان تكون تلك الجلسة الخالية عن الطمأنينة جلسة الفصل أو جلسة الاستراحة .
الحالة الخامسة : ان يشك هل جلس أم لا ؟ وفيه عندي احتمالان :
أحدهما :
ـ وهو الأقوى ـ انه يجلس ؛ لاصالة عدم فعله مع امكانه كالباقي في محله .
والثاني : انه لا يجلس ؛ لانه شك بعد الانتقال ، كما لو شك في أصل السجود بعد القيام فانّه لا يلتفت على الأقوى ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى . والفرق بينهما : انّ هذا يجب عليه العود الى حالة القعود وهو اذ ذاك شاك فهو في محله حقيقة .
__________________
فرعان :
احدهما :
جلس فتجدّد عنده شك ، هل فعل السجدة الاولى أوْ لا ؟ فالظاهر الاتيان بها لعين ما قلناه .
الثاني :
إذا رجع لتدارك السجدة أو السجدتين وكان قد تشهد ، وجب عليه إعادة التشهد ولا يكون ما فعله أولاً صحيحاً ؛ لوجوب رعاية الترتيب بين أفعال الصلاة ؛ لان النبي صلّى الله عليه وآله كان يرتّب دائماً وقد قال : « صلوا كما رأيتموني اُصلي » والنسيان عذر في انتفاء الاثم لا في الاعتداد
في المأتي به . وهنا يخرّ ساجداً على الاقوى ، للاكتفاء بالجلوس للتشهد عن جلسة الفصل .
وكذا إذا قام يجب
عليه تدارك ما يلزمه من قراءة أو تسبيح ؛ لمثل ما قلناه .
ويتفرع عليه ما لو
نسي السجدة الاخيرة وذكر بعد التشهد ، فانه يأتي بها ثم به على الاقوى .
ولو ذكر بعد التسليم
، فعلى القول بوجوبه الأقرب الاجتزاء بقضاء السجدة ؛ للحكم بخروجه من الصلاة وصدق الامتثال في التشهد المقتضي للاجزاء ؛ مع احتمال وجوب قضائه ضعيفاً تحصيلاً للترتيب ، ويلزم منه وجوب قضاء التشهد الاول لو نسي سجدته ولم يقولوا به .
وعلى القول بندب التسليم
، فان ذكر قبل الاتيان بالمنافي فوجوب استدارك التشهد قوي ؛ لانه في حكم المصلي بعد . ويحتمل عدمه ؛ للحكم بخروجه من الصلاة واتيانه بالمنافي ، اعني : التسليم . وان أتى بالمنافي غير التسليم ، وقلنا بعدم تأثيره في الصلاة ، قضى السجدة لا غير ، والّا أعاد الصلاة
__________________
من
رأس .
تنبيه :
لا يكون القيام مانعاً
من الرجوع ، ولا الشروع في القراءة مانعاً من الرجوع ايضاً الى السجدة أو السجدتين عندنا . اما الركوع فمانع اجماعاً منا في السجدة الواحدة ، ولا يجب غير قضاء السجدة الواحدة بعد الصلاة . ولو كانتا اثنتين فقد تقدم الخلاف في التلفيق ، وعلى القول به يلغو الركوع ويجعل السجدتين الآن للركعة السابقة .
الثالثة عشرة : لا تقضى السجدة الا بعد التسليم ، قاله المرتضى
والشيخان والمعظم .
وقال الشيخ ابو الحسن
علي بن بابويه في رسالته : وان نسيت سجدة من الركعة الاُولى فذكرتها في الثانية من قبل أن تركع فارسل نفسك واسجدها ، ثم قم الى الثانية وابتدئ القراءة ، فان ذكرت بعد ما ركعت فاقضها في الركعة الثالثة . وان نسيت سجدة من الركعة الثانية وذكرتها في الثالثة قبل الركوع فارسل نفسك واسجدها ، فان ذكرتها بعد الركوع فاقضها في الركعة الرابعة . فان كانت سجدة من الركعة الثالثة وذكرتها في الرابعة فارسل نفسك واسجدها ما لم تركع ، فان ذكرتها بعد الركوع فامض في صلاتك واسجدها بعد التسليم
.
وقال المفيد ـ رحمه الله
ـ في العزية : اذا ذكر بعد الركوع فليسجد ثلاث سجدات واحدة منها قضاء .
__________________
وكأنهما عوّلا على
خبر لم يصل الينا .
وفي صحيح ابن أبي
يعفور عن الصادق علیه السلام : « اذا نسي الرجل سجدة فليسجدها بعد ما يقعد قبل أن يسلّم » . وحمله في المختلف على الذكر قبل الركوع ولك ان تحمله على الاطلاق ولا يكون فيه
دلالة على قول هذين الشيخين ؛ لانّ المشهور بين القدماء استحباب التسليم ، فيكون هذا قضاء بعد الفراغ من الصلاة .
والمعتمد المشهور ؛ لانّ
في ذلك تغييراً لهيئة الصلاة ، وحكماً بما لم يُعلم موجبه .
الرابعة عشرة : حكم أبو الحسن بن بابويه بانّ ناسي التشهد أو التسليم ، ثم يذكر بعد مفارقة مصلّاه ، يستقبل القبلة ويأتي بهما قائماً كان أو قاعداً .
وقال بعض الاصحاب :
تبطل الصلاة بنسيان التسليم إذا أتى بالمنافي قبله .
والحكمان ضعيفان :
أمّا الاول : فقد تقدم ما في نسيان التشهد ، وقضاؤه قائماً مشكل لوجوب الجلوس فيه .
وأمّا الثاني : فلان التسليم ليس بركن ، فكيف تبطل الصلاة بفعل المنافي ؟ !
فان قال : هذا مناف في الصلاة ؛ لانا نتكلم على تقدير انّ التسليم واجب .
قلنا :
هذا انما يتم بمقدمة اُخرى ، وهي : انّ الخروج لا يتحقق الّا به ،
__________________
ولا
يلزم من وجوبه انحصار الخروج الشرعي من الصلاة فيه ، وقد سبق ذلك في بابه .
الخامسة عشرة : قد بيّنا ان زيادة الركن مبطلة وان كان سهوا ، ويغتفر ذلك سهواً في مواضع :
منها :
في صورة الائتمام اذا سبق المأموم ثم عاد الى المتابعة ، كما يأتي إن شاء الله .
ومنها :
لو زاد قياماً سهواً اذا جعلنا صورة القيام كيف اتفق ركناً .
ومنها :
لو تبيّن المحتاط ان صلاته كانت ناقصة وان الاحتياط مكمل لها ، فانها مجزئة على الصحيح ، سواء كان ذكره بعد فراغ الاحتياط أو في اثنائه على الأقوى ، وقد وقعت هنا تكبيرة منوي بها الاحرام زائدة . وكذلك لو نقص من صلاته ثم ذكر وقد شرع في اُخرى ، ولما يأت بينهما بالمنافي ، فان المروي العدول الى الاُولى وان وقعت تكبيرة الاحرام .
ومنها :
لو استدرك الركوع لشكه فيه في محله ثم ذكر قبل رفع رأسه ، على ما ذكره الشيخ والمرتضى
وجماعة منهم : أبو الصلاح وابن ادريس . وهو قوي ؛ لانّ ذلك وان كان بصورة الركوع ومنوياً به الركوع
الّا انّه في الحقيقة ليس بركوع ؛ لتبيّن خلافه ، والهوي الى السجود مشتمل عليه وهو واجب فيتأدّى الهوي الى السجود به ، فلا تتحقق الزيادة حينئذ ، بخلاف ما لو ذكر بعد رفع رأسه من الركوع ، فان الزيادة حينئذ محققة ؛ لافتقاره إلى هوي الى السجود .
__________________
فان قلت : قال عليه الصلاة السلام : « وانما لكل امرئ ما نوى »
وهذا قد نوى الركوع فكيف يصرف الى غيره ؟ ولان الطمأنينة فيه امر وراء الهوي فتشخص بها الركوع ، فتتحقق الزيادة حينئذ فيدخل تحت رواية منصور بن حازم وعبيد بن زرارة عن الصادق علیه السلام : « لا يعيد الصلاة من سجدة ، ويعيدها
من ركعة » .
قلت :
نيّة المصلي ابتداء اقتضت كون هذا الهوي للسجود ، وهي مستدامة والمستدام بحكم المبتدأ فيعارض النيّة الطارئة ، فيرجّح الاُولى عليها لسبقها ، ولكون النيّة الثانية في حكم السهو . ولهذا اجمعنا على انّه لو اوقع افعالاً بنيّة ركعة معينة من الصلاة فتبيّن انه في غيرها صحت صلاته ، مع ان الترتيب بين الافعال واجب . وقد سلف انّه لو دخل في صلاة بنيّة الفرض ، ثم عزبت عنه الى النفل سهواً واتمّها بنيّة النفل ، كانت صحيحة
.
واما الطمأنينة فليست
بركناً فلا تضر زيادتها .
واما الحديث فظاهره الركعة
بتمامها . سلمنا انّه أراد به الركوع ، ولكن في صورة تحقّق زيادته وهي هنا غير محققة .
وقال الفاضلان : يعيد
الصلاة .
واطلق ابن ابي عقيل انّه
اذا استيقن بعد ركوعه الزيادة يعيد الصلاة .
ولقائل أن يقول : جميع ما عددتم من الصور نمنع تسميتها أركاناً .
__________________
فنقول :
هي بصور الاركان ، وقد وقع النزاع في بعضها للتعليل بركنيتها ، اي انّ القائل ببطلان الصلاة علّل بالركنية .
المطلب
الثالث : في الشك .
وفيه مسائل :
الْاُولى : لو غلب على ظنه أحد طرفي ما شك فيه بنى عليه ؛ لانّ تحصيل اليقين عسر في كثير من الاحوال فاكتفي بالظن ؛ تحصيلاً لليسر ، ودفعاً للحرج والعسر .
وروى العامة عن النبي
صلّى الله عليه وآله : « اذا شك أحدكم في الصلاة ، فلينظر أحرى ذلك الى الصواب ، فليبن عليه »
.
وعن الصادق علیه
السلام ـ بعدّة طرق ـ : « اذا وقع وهمك على الثلاث فابن عليه ، وان وقع وهمك على الأربع فسلم وانصرف »
.
ولا فرق بين الشك في الافعال
والاعداد ، ولا بين الاوليين والاخيرتين في ذلك .
ويظهر من كلام ابن ادريس
انّ غلبة الظن تعتبر فيما عدا الاوليين ، وان الاوليين تبطل الصلاة بالشك فيهما وان غلب الظن
. فان أراده فهو بعيد ، وخلاف فتوى الاصحاب ، وتخصيص لعموم الأدلة .
الثانية : لا حكم للشك مع الكثرة ؛ دفعاً للحرج ولصحيح محمد بن مسلم عن الباقر علیه السلام ، قال : « اذا كثر عليك السهو ، فامض على صلاتك ، فانه يوشك ان يدعك الشيطان »
وفي معناه رواية زرارة وأبي
__________________
بصير
وعبيدالله الحلبي
.
واختلف العبارة في
حدّ الكثرة ، ففي رواية محمد بن ابي حمزة عن الصادق علیه السلام : « ان كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث فهو ممن يكثر عليه السهو » . وظاهره تكراره ثلاثاً ، والعرف قاض
بذلك مع توالي الشك .
وفي حسنة ابن البختري
ـ وستأتي ـ : « ليس علىٰ الاعادة اعادة »
. وهذا يظهره منه ان السهو يكثر بالثانية ، الّا ان يقال : يخص بموضع وجوب الاعادة .
وقال الشيخ في المبسوط
: قيل : حدّه ان يسهو ثلاث مرات متوالية . وبه قال ابن حمزة .
وقال ابن ادريس :
حدّه ان يسهو في شيء واحد أو فريضة واحدة ثلاث مرات ، فيسقط بعد ذلك حكمه . أو يسهو في أكثر الخمس ، أعني : ثلاث صلوات من الخمس .
والاول حسن ، ويفهم
منه معنيان :
احدهما :
ما مرّ .
والثاني : انه كلما صلّى ثلاث صلوات يقع فيها شك ، بحيث لا تسلم له ثلاث صلوات خالية عن شك ، وهو ظاهر اللفظ ؛ لانه أتى بـ « كل » الدالة على العموم . وحينئذ لا تكون فيه دلالة على نهاية الكثرة بل مرجعها ايضاً الى
__________________
العرف
؛ لامتناع العمل بظاهره والّا لم يتحقق الحكم بالكثرة ؛ لانّ الصلوات المتعاقبة داخلة في حيز « كل » الىٰ انقضاء تكليف المصلّي .
ثم قوله : « فهو ممن
يكثر عليه » يحتمل ان يكون الحكم معلقاً بالثالثة على التفسير الاول ؛ لانّ « هو » ضمير الساهي في الثلاث فيدخل في الحكم . ويحتمل ان يعلق بالرابعة ؛ لدلالة ( الفاء ) على التعقيب ، وحينئذ يبني في الرابعة على فعل المشكوك فيه وان كان في محله .
ولو شك في عدد بنى على
الاكثر ولا احتياط عليه ، وهذا معنى : ( المضي على الصلاة ) . ولو شك في لحوق مبطل لم يلتفت .
والظاهر انه تسقط عنه
سجدتا السهو فيما لو كان الشك موجباً لهما ، كالشك بين الاربع والخمس .
فروع :
الأول :
لو حصلت الثلاث غير متوالية لم يعتد بها . نعم ، لو تكرر ذلك أياماً فالظاهر الاعتداد ؛ لصدق الكثرة عرفاً كما قلناه .
الثاني :
لو أتى بعد الحكم بالكثرة بما شك فيه ، فالظاهر بطلان صلاته ؛ لانّه في حكم الزيادة في الصلاة متعمداً الّا ان نقول هذا رخصة ؛ لقول الباقر علیه السلام : « فامض على صلاتك ، فانه يوشك ان يدعك الشيطان »
وان الرخصة هنا غير واجبة .
ولو تذكر بعد الشك أتى
بما يلزمه . فلو كان قد فعل ذلك ، ففي الاجتزاء به وجهان ، اقربهما ذلك إن سوغنا فعله والّا فالأقرب الابطال ؛ للزيادة المنهي عنها . ويحتمل قوياً الصحة ؛ لظهور انها من الصلاة .
الثالث :
لو حكم بالكثرة ثم زال شكّه غالباً ، ثم عرض من بعد ، أتى بما
__________________
يجب
فيه من الاحكام حتى يعود الى الكثرة فيعود العفو ، وهكذا . وهل يكتفى في زواله بتوالي ثلاث بغير شك ؟ يحتمل ذلك ؛ تسوية بين الذكر والشك .
الرابع :
لو كثر شكّه في فعل بعينه بنى على فعله . فلو شك في غيره فالظاهر البناء على فعله أيضاً ؛ لصدق الكثرة .
الخامس :
لو كثر السهو عن ركن فلا بدّ من الاعادة ، وكذا عن واجب يستدرك ـ اما في محله أو غير محله ـ لوجوب الاتيان بالمأمور به ، وما دام لم يأت به فهو غير خارج عن عهدة الأمر .
وهل تؤثر الكثرة في
سقوط سجدتي السهو ؟ لم أقف للاصحاب فيه على نص وان كان ظاهر كلامهم يشمله ؛ لانّ عبارتهم : لا حكم للسهو مع كثرته ، وكذا الاخبار تتضمن ذلك الا انّ المراد به ظاهراً الشك ؛ لامتناع حمله على عموم اقسام السهو . والاقرب سقوط السجدتين ؛ دفعاً للحرج .
ولو كثرت زيادته سهواً
لبعض الافعال ، فان كانت غير ركن ففي سقوط سجدتي السهو الوجهان . وان كان المزيد ركناً احتمل اغتفاره ؛ دفعاً للحرج ، ولانّ الركن قد بيّنا اغتفار زيادته في بعض المواضع .
الثالثة : لا حكم لشك الامام مع حفظ المأموم ولا بالعكس ؛ لوجوب رجوع الشاك الى المتيقن .
ولا حكم لسهو المأموم
الموجب لسجدتي السهو في حال الانفراد ، بمعنى : انه لو فعل المأموم موجب سجدتي السهو ـ كالتكلم ناسياً ، أو نسيان السجدة ، أو التشهد ـ لم تجبا عليه وان وجب قضاء السجدة والتشهد . وكذا لو نسي ذكر الركوع أو السجود ، أو الطمأنينة فيهما ، لم يسجد لهما وان أوجبنا السجود للنقيصة . وذلك كله ظاهر قول الشيخ في الخلاف والمبسوط
واختاره
__________________
المرتضى
ونقله عن جميع الفقهاء الا مكحولا .
ورواه العامة عن عمر
عن النبي صلّى الله عليه وآله : « انّه ليس عليك خلف الامام سهو ، الامام كافية ، وان سها الامام فعليه وعلى من خلفه »
وهذا الحديث رواه الدارقطني وفي طريقه ضعف عند المحدّثين ، ولانّ معاوية بن الحكم تكلم خلف النبي صلّى الله عليه وآله فلم يأمره بالسجود
.
وروينا في الحسن عن
حفص بن البختري عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال : « ليس على الامام سهو ، ولا على من خلف الامام سهو ، ولا على السهو سهو ، ولا على الاعادة اعادة » .
وقال الفاضل ـ رحمه
الله ـ لو انفرد المأموم بموجب السهو ، وجب عليه السجدتان كالمنفرد لقول احدهما عليهما السلام : « ليس على
الامام ضمان » .
قلنا :
الخاص مقدم ، ويعارض بما رواه عيسى الهاشمي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي علیه السلام ، انه قال : « الامام ضامن »
.
وقد يحتج بما رواه في
التهذيب عن منهال القصاب ، قال : قلت لابي عبد الله علیه السلام : أسهو في الصلاة وانا خلف الامام ، قال : فقال : « اسجد
سجدتين ولا تهب » ويمكن حملها على الاستحباب .
__________________
الرابعة : لو وجب على الامام سجدتا السهو ، فالذي اختاره الشيخ انه يجب على المأموم متابعته وان لم يعرض له السبب لما مر ، ولقول النبي صلّى الله عليه وآله : « انما جعل الامام إماماً ليؤتم به »
.
وقوّى الفاضلان انه لا
يجب على المأموم متابعته ؛ لان صلاة المأموم لا تبنى على صلاة الامام ولهذا لو تبيّن حدثه أو فسقه أو كفره
لم يقدح في صحة صلاة المأموم .
فروع
على قول الشيخ ـ رحمه الله ـ في القاعدتين :
الاول :
لو رأى المأموم الامام يسجد للسهو ، وجب عليه السجود وان لم يعلم عروض السبب ، حملاً على انّ الظاهر منه انّه يؤدي ما وجب عليه ، ولعدم شرعية التطوّع بسجدتي السهو .
الثاني :
لو عرض للامام السبب فلم يسجد اما تعمّداً أو نسياناً ، وجب على المأموم فعله ، قاله الشيخ ؛ لارتباط صلاته به فيجبرها وان لم يجبر الامام .
وربما قيل : يبني هذا
على انّ سجود المأموم هل هو لسهو الامام ونقص صلاته ، أو لوجوب المتابعة ؟ فعلى الاول يسجد وان لم يسجد الامام ، وعلى الثاني لا يسجد الا لسجوده
الثالث :
لو سها المأموم بعد تسليم الامام لم يتحمله الامام ، وكذا لو سها
__________________
منفرداً
ثم عدل الى الائتمام إن جوّزناه على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وكذا لو نوى الانفراد ثم سها .
الرابع :
لو ظن المأموم سلام الامام فسلّم ثم ظهر عدم تسليمه ، فالظاهر انّ المأموم يعيد التسليم ، ولا سجود عليه لتحمّل الامام .
الخامس :
انما يتحمّل الامام ويحمل اذا كانت صلاته صحيحة ، فلو تبيّن عدم طهارته لم يتحمل ولم يحمل ، ولو تبيّن فسقه فكذلك عندنا .
السادس :
لو سجد الامام لما لا يراه المأموم موجباً للسجدتين ، وكان مجتهداً أو مقلداً لمن هو أعلم من الإِمام ، فالظاهر ان عليه السجدتين ؛ لظاهر الخبر . اما لو ظن الامام موجب السجدتين ـ كزيادة سجدة ، أو قيام في
موضع قعود ـ والمأموم يعلم انه لم يعرض له ذلك ، فانّه لا يجب على المأموم هنا السجود .
السابع :
لو عرض للامام السبب ثم زال عن الامامة ، اما عمداً أو بعارض من حدث أو جنون أو غيرهما ، ففي وجوب السجود على المأموم وجهان : ان عللناه بسهو الامام وجب ، وان عللناه بمتابعته فلا . ويجيء على قول الشيخ وجوب سجوده على الاطلاق .
ولو سها المأموم ثم
عرض للامام قاطع للصلاة ، ففي سجود المأموم عندي نظر ، من حيث صدق الامامة حينئذ فيتحقق الحمل ، ومن عدم حقيقة الائتمام في جميع الصلاة ، والاول أقرب .
الثامن :
لو اختلف اعتقاد الامام والمأموم في موضع السجدتين ، فوجب على الامام سجود فسجد قبل السلام ، لم يسجد المأموم الا بعد التسليم اذا خالفه في اعتقاده .
ولو رأى المأموم السجود
قبل السلام والامام بعده ، وجب على المأموم
__________________
السجود
قبل السلام ، ولا يقدح ذلك في بقاء القدوة .
نعم ، لو كان المأموم
مسبوقاً ، فسجد الامام قبل التسليم أو بعده قبل انتهاء صلاة المأموم ، لم يتبعه المأموم عندنا قطعاً ، بل يسجد المأموم عند فراغ صلاته إذا كان السهو قد عرض للامام بعد المتابعة ، وقد رواه عمار عن الصادق علیه السلام ـ أورده الشيخ في التهذيب ـ ولان زيادة السجدتين في الصلاة مبطل .
التاسع :
لو سها الإِمام قبل اقتداء المسبوق ، ففي وجوب متابعته الامام عندي وجهان : من ظاهر الخبر وانّه دخل في صلاة ناقصة ، ومن عدم رابطة
الاقتداء حينئذ ، وهذا أقرب .
العاشر :
لو قام الامام سهواً الىٰ الخامسة ، فنوىٰ المأموم مفارقته لمّا شرع في القيام لم يحمل سجود الامام ، وان نوى بعد مسمّى الزيادة وجب السجود متابعة . ولا يشترط بلوغ الامام الى حدّ الراكع عندنا ، بل المعتبر مسمّى القيام .
الخامسة : لا حكم للشك مع الانتقال عن المحل ؛ بناءً على اعتياد فعل ما شك فيه ، وعلى انتفاء الحرج اذ الغالب عدم تذكّر الانسان كثيراً من أحواله الماضية .
ولصحيح محمد بن مسلم
عن الباقر علیه السلام : « كل ما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض ولا تعد » .
وصحيح زرارة قال :
قلت لابي عبد الله علیه السلام : رجل شك في الأذان وقد دخل في الاقامة ، قال : « يمضي » . قلت : رجل شك في الأذان
__________________
والاقامة
وقد كبّر ، قال : « يمضي » . قلت : رجل شك في التكبير وقد قرأ ، قال : « يمضي » . قلت : شك في القراءة وقد ركع ، قال : « يمضي » . قلت : شك في الركوع وقد سجد . قال : « يمضي على صلاته » ، ثم قال : « يا زرارة اذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء » .
فروع :
لو شك في قراءة الفاتحة
وهو في السورة ، وجب قراءة الفاتحة ثم سورة ـ اما التي كان فيها أو غيرها ـ لانّ محل القراءة باق .
وقال ابن ادريس : لا
يلتفت ، ونقله عن الشيخ المفيد في رسالته الى ولده . واليه مال صاحب المعتبر ؛ لصدق الانتقال فيدخل تحت عموم آخر
الحديث .
قلنا : نمنع
صدق الانتقال ؛ لمفهوم قوله في الحديث : ( قلت : شك في القراءة وقد ركع ) فان مفهومه انه لو لم يركع لم يمض .
وكذا لو شك في الفاتحة
أو في السورة وهو قانت ؛ لمثل ما قلناه ، مع احتمال انّ القنوت حائل لانّه انتقال عن القراءة بالكلية .
وأولى بالرجوع إذا شك
في أبعاض الحمد وهو فيها ، أو في السورة وهو فيها ، جزءاً كان أو صفة ، كتشديد ، أو اعراب ، أو جهر ، أو اخفات ، أو مخرج .
السادسة : لو شك في السجود وهو متشهد ، أو قد فرغ منه ولما يقم ، أو قام
ولما يستكمل القيام أتى به ، وكذا لو شك في التشهد يأتي به ما لم يستكمل
__________________
القيام
؛ لاصالة عدم فعل ذلك كله وبقاء محل استدراكه ، ولرواية عبد الرحمن ابن الحجاج عن الصادق علیه السلام في رجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائماً ، فلم يدر أسجد أو لم يسجد ؟ فقال : « يسجد »
.
ولو شك في السجود أو التشهد
بعد استكمال القيام ، فالاظهر عدم الالتفات ؛ للانتقال الحقيقي ، ولصحيح اسماعيل بن جابر عن الصادق علیه السلام قال : « ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وان شك في السجود بعد ما قام فليمض ، كل شيء مما جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه »
ولما مر من قوله علیه السلام في خبر زرارة : « اذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء » . وبه قال الشيخ في المبسوط
.
وفي النهاية : يرجع الىٰ
السجود والتشهد ما لم يركع اذا شك في فعله لحسن الحلبي عن الصادق علیه السلام في رجل سها فلم يدر سجد سجدة أو اثنتين ، قال : « يسجد اُخرى ، وليس عليه بعد انقضاء الصلاة سجدتا السهو »
وهو يشمل الشاك بعد القيام كما يشمل الشاك في الجلوس .
وجوابه الحمل على الشك
ولما يقم ؛ توفيقاً بين الاخبار . وان احتج الشيخ برواية ابن الحجاج فهي غير دالة على المطلوب .
وفرّق القاضي في بعض
كلامه بين السجود والتشهد ، فاوجب الرجوع
__________________
بالشك
في التشهد حال قيامه دون السجود ، وفي موضع آخر سوّى بينهما في عدم الرجوع . وحمل على انه أراد بالشك في التشهد
تركه ناسياً ، لئلا يتناقض كلامه .
السابعة : لو تلافىٰ ما شك فيه ثم ذكر فعله بطل إن كان ركناً ؛ لان
زيادة الركن تقتضيه ، والا فحكمه حكم من زاد سهواً . ولا فرق بين ان يكون سجدة أو لا .
وقال المرتضى وصاحبه أبو
الصلاح ـ رحمهما الله ـ : ان شك في سجدة فأتى بها ، ثم ذكر فعلها أعاد الصلاة . ويظهر ذلك من كلام ابن ابي عقيل
.
ويدفعه خبر عبيد بن
زرارة فيه بعينه عن الصادق علیه السلام : « لا ـ والله ـ لا تفسد الصلاة زيادة سجدة » ، قال : « ولا يعيدها من سجدة ، ويعيدها من ركعة » .
فرع :
لو انتقل عن محله فشك
فرجع الى فعل المشكوك ، فالأقرب البطلان ان تعمّد ، سواء كان ركناً أو غيره ؛ للاخلال بنظم الصلاة ، ولانه ليس فعلاً من أفعال الصلاة فيبطلها . ويحتمل عدم الابطال ؛ بناءً على ان ترك الرجوع رخصة وانه غير قاطع بالزيادة ، وخصوصاً في موضع الخلاف كما مرّ في السجود والتشهد . ولم أقف للأصحاب هنا على كلام .
__________________
الثامنة : لا تبطل الصلاة بالشك في الافعال ، ركناً كانت أو لا ، في الاوليين أو في الاخيرتين ، بل حكمه ما سلف من التلافي أو عدم الالتفات على كل حال .
وحكم الشيخان بالبطلان
إذا شك في افعال الاوليين كما اذا شك في عددهما ونقله الشيخ عن بعض القدماء من علمائنا
.
لنا :
الاستناد الى الاصل ، والاخبار العامة ، كموثق محمد بن مسلم عن الباقر علیه السلام قال : « كل ما شككت فيه فيما قد مضى فامضه كما هو »
وصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق علیه السلام : « اذا نسيت شيئاً من الصلاة ، ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً ، ثم ذكرت فاصنع الذي فاتك سواء »
.
فان احتجا بصحيحة الفضل
بن عبد الملك ، عن الصادق علیه السلام : « اذا لم تحفظ الركعتين الاوليين فاعد صلاتك » .
فالجواب انّه ظاهر في
العدد ونحن نقول به ، وكذا ما روى الحسن بن علي الوشّاء عن الرضا علیه السلام : « الاعادة في الاوليين ، والسهو في الاخيرتين » .
وتوسط صاحب التذكرة بالبطلان
ان شك في ركن ؛ لانّ الشك فيه في الحقيقة شك في الركعة ، بخلاف ما اذا كان المشكوك فيه غير ركن ، فان نسيانه لا يبطل . وفرّع على ذلك الشك في أفعال ثالثة المغرب من حيث اجراء الثلاثية مجرى الثنائية في الشك عدداً فكذا كيفية ، ومن عدم النص
.
__________________
قلت :
لمانع ان يمنع كون الشك في الركن شكاً في الركعة أو مستلزماً له ؛ فانّه محل النزاع . واما ثالثة المغرب فيمكن الحكم بالبطلان ، لما رُوي : « اذا شككت في المغرب فاعد » فانه يتناول الشك في الكمية والكيفية ،
كما تناول الخبران المذكوران ذينك .
التاسعة : تبطل الصلاة بالشك في عدد الاوليين اجماعاً الّا من أبي جعفر ابن بابويه ، فانه قال : لو شك بين الركعة والركعتين فله البناء على الركعة
لرواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي ابراهيم علیه السلام في الرجل لا يدري أصلى ركعة أم اثنتين : « يبني على الركعة » ونحوه رواية عبد الله بن أبي يعفور
.
وهي معارضة بأخبار أصح
سنداً ، كرواية الفضل السالفة ورواية محمد ابن مسلم عن الصادق علیه السلام في الرجل يصلي فلا يدري أواحدة صلّى أو اثنتين ، قال : « يستقبل حتى يستيقن انه قد اتمّ ، وفي الجمعة وفي المغرب وفي صلاة السفر » . والرواية الاُولى حملها الشيخ على النافلة
وتبعه في المعتبر .
وابن بابويه يقول :
هو مخيّر بان يأخذ بأي الأخبار شاء .
__________________
وقال والده : اذا شك
في الركعة الاولى والثانية أعاد . وان شك ثانياً وتوهّم الثانية بنى عليها ثم احتاط بعد التسليم بركعتين قاعداً . وان توهّم الاُولى بنى عليها وتشهد في كل ركعة ، فان تيقن بعد التسليم الزيادة لم يضر لانّ التسليم حائل بين الرابعة والخامسة ، وان تساوى الاحتمالان تخيّر بين ركعة قائماً وركعتين جالسا . واطلق الاصحاب الاعادة ، ولم نقف له
على رواية تدل على ما ذكره من التفصيل .
وقال ايضا : فان شككت
فلم تدر أواحدة صليت أم اثنتين ، أم ثلاثاً أم اربعاً ، صليت ركعة من قيام وركعتين من جلوس . وربما استند الى صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن علیه السلام عن الرجل لا يدري كم صلّى ، واحدة أو اثنتين أو ثلاثا ؟ قال : « يبني على الجزم ، ويسجد سجدتي السهو ويتشهد ( فيهما تشهداً ) خفيفاً »
. وظاهر « الجزم » الاحتياط بما ذكر ؛ لانه بناء على الاكثر ثم التدارك .
قال بعض الاصحاب : بل
« الجزم » الاعادة .
ويشكل : بأنّه لا
يجمع بين سجدتي السهو وبين اعادة الصلوات وجوباً ولا استحباباً . نعم ، هو معارض بصحيحة ابن ابي يعفور عن الصادق علیه السلام « اذا شككت ، فلم تدر أفي ثلاث أنت أم في اثنتين أم في واحدة أم أربعاً ، فاعد ولا تمض على الشك » .
العاشرة : لو شك فلم يدرِ كم صلّى أعاد ؛ لانه لا طريق له الى البراءة
__________________
بدونه
، ولرواية صفوان عن ابي الحسن علیه السلام : « اذا لم تدر كم صليت ، ولم يقع وهمك على شيء ، فاعد الصلاة » . ورواية ابن ابي
يعفور تدل عليه ايضا .
الحادية عشرة : لو شك في الثنائية فريضة ـ كالصبح ، والكسوف ، والعيدين ، والجمعة ، وصلاة السفر ـ أعاد ، وكذا لو شك في المغرب ؛ لتوقف اليقين ببراءة الذمة على الاعادة ، ولرواية محمد بن مسلم السالفة
.
وروى العلاء عن الصادق
علیه السلام ، وسأله عن الشك في الغداة ، فقال : « اذا لم تدرِ أواحدة صليت أم اثنتين فاعد الصلاة من أولها ، والجمعة ايضا والمغرب اذا لم يدر كم ركعة صلّى » .
وروى محمد بن مسلم عن
احدهما عليهما السلام وسأله عن السهو في المغرب ، قال : « يعيد حتى يحفظ ، انها ليست مثل الشفع »
.
وروى عنبسة بن مصعب قال
ابو عبد الله علیه السلام : « اذا شككت في المغرب فاعد ، واذا شككت في الفجر فاعد » .
فرع :
لا فرق في الشك هنا
بين النقيصة والزيادة ؛ لعموم الاخبار . وقد روى الفضل ، سألته عن السهو ؟ فقال : « في المغرب اذا لم تحفظ ما بين الثلاث الى
__________________
الاربع
فاعد » .
فرع :
لو نذر ركعتين أو ثلاثاً
، فالظاهر انها تلحق بالمكتوبة ؛ لفحوى الاحاديث .
فإن قلت : روى في التهذيب عن عمار ، عن الصادق علیه السلام في رجل لم يدر أصلى الفجر ركعتين أم ركعة ، قال : « يتشهد وينصرف ، ثم يقوم فيصلي ركعة » . قلت : فيصلي المغرب فلم يدرِ اثنتين صلّى أم ثلاثاً ، قال : « يتشهد وينصرف ، ثم يقوم فيصلي ركعة » .
قلت :
سنده ضعيف فلا يعارض الأصح والأشهر ، وربما حمل على نافلة الفجر والمغرب أو على غلبة الظن ، كما قاله في التهذيب
.
على ان ابا جعفر بن بابويه
ـ رحمه الله ـ قال : اذا شككت في المغرب ، فلم تدر أفي ثلاث أنت ام أربع ، وقد احرزت اثنتين في نفسك وانت في شك من الثلاث والاربع ، ( فاضف اليها ركعة اُخرى ولا تعتد بالشك ، فان ذهب وهمك الى الثالثة ) فسلم وصل ركعتين باربع سجدات وأنت جالس
، فهو قول نادر .
__________________
فائدة :
لو شك في الكسوف ، فان
كان الشك بين الركعة الاُولى والثانية ، أو بينهما وبين الثالثة ، بطلت لانها ثنائية .
وان كان الشك في عدد الركوع
، فان تضمن الشك في الركعتين ـ كما لو شك هل هو في الركوع الخامس أو السادس ، وانه ان كان في السادس فهو في الركعة الثانية ، وان كان في الخامس فهو في الركعة الاُولى ـ بطلت ايضاً .
وان احرز ما هو فيه
ولكن شك في عدد الركوع ، فالاقرب البناء على الاقل ؛ لاصالة عدم فعله ، فهو في الحقيقة شك في فعل شيء وهو في محله فيأتي به كركوع الصلاة اليومية .
وهنا قولان آخران :
أحدهما :
قول قطب الدين الراوندي ـ رحمه الله ـ : وهو انه اذا لم يتعلّق شكه بما يزيد على الاحتياط المعهود فانه يحتاط ؛ لدوران الشك في اليومية مع الركوع ، ولا تضر زيادة السجود في الاحتياط ؛ لانّه تابع .
الثاني :
قول السيد جمال الدين احمد بن طاوس ـ قدس الله روحه ـ في البشرى : الذي ينبغي تحريره في صلاة الكسوف هو انه متى وقع الشك بين الاُولى والثانية من الخمس الاُول بطلت الصلاة .
وان وقع الشك فيما
بعد ذلك من الركعات ـ كبين الاثنتين والثلاث أو الأربع ، أو بين الثلاث والاربع ، أو بين الثلاثة
ـ فانه يبني على الاكثر ، ثم يتلافى بعد الفراغ من الصلاة .
وان كان شكّه بين الأربع
والخمس ، فنهاية ما يلزمه سجدتا السهو . وهل يسجد عند ذلك بناءً منه على انه صلّى خمساً ، أم لا ، يبنى على رواية عمار :
__________________
بأن
الشاك يبني على الأكثر في الصلاة ثم يتلافى ما ظن أنه نقص . فإن قلنا بها بنى على الخمس وسجد وتلافى .
فنقول : انه مخيّر
بين ان يركع ولا يركع ، فان ركع فلا يتلافى بركعة بعد الفراغ من الصلاة ، وان لم يركع تلافى .
وانما قلنا بالخيار ؛
لورود الأثر بان من شك في الركوع وهو قائم ركع ، وورود الأثر بان البناء في الصلاة على الاكثر ثم يتلافى ، وهذان الأثران يتدافعان فكان الوجه التخيير .
وان لم نقل بذلك بنى
على الاقل ، فليتم بركعة ثم يهوي الى السجود .
وحكم ما بعد الخامسة
في الشك حكم الخامسة .
ولو قلنا إن الحكم في
الخمس الثانية مثل الحكم في الخمس الاوائل كان له وجه ، فيطرد القول فيه .
فإن قيل : ان عماراً روى انّه يحتاط أخيراً بما ظن انه نقص ، لا فيما
وقع فيه من الشك .
قلت :
ظاهر المذهب انّ حكم الشاك حكم الظان في هذا المقام ـ اعني : مقام البناء على الاكثر في الصلاة ـ وان لم يعتمد على هذا فلا تلافي ، لكن هذا بناء على أصلين :
احدهما :
ان الركوع مع تمامه برفع رأس يسمى ركعة ؛ إذ في عدة أحاديث انها عشر ركعات وأربع سجدات .
ولا يعارضه ما روى القداح
عن جعفر علیه السلام عن آبائه ، قال : « كسفت الشمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله فصلى بالناس ركعتين » وما رواه ابو البختري عن الصادق علیه السلام : « صلاة الكسوف ركعتان في أربع سجدات » لضعف سنديهما .
الثاني :
ان من شك في الاوليين بطلت صلاته ، وهو موضع وفاق .
قال : ولو سميناها
ركعتين لرواية عبد الله بن سنان عن الصادق عليه
السلام
: « كسفت الشمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقام فصلّى ركعتين » لزم بطلانها اذا شك في الخمس الاوائل ـ اي في عددها ـ لصحيحة محمد بن مسلم قال : سألت الباقر علیه السلام عن رجل شك في الركعة الاُولى ، قال : « يستأنف » .
قال : وان قلنا انّ الركوع
لا يسمى ركعة ، وشك في الاربع الاُول بنى على الاقل اذا كان قائماً فان تعلق شكه بالخامس من الركوعات بطلت ؛ لانه شك في الركعة الاُولى وهي الخامسة ذات السجود .
ثم فرّع على ذلك : انّه
لو شك بين الست والسبع وهو غير ذاكر السجدتين في الركوع الخامس ، فالوجه البناء على انّه سجد وركع ركوعاً سابعاً . ولو قال : أعلم اني سجدت سجدتين ، ولكن لا أدري عقيب الرابعة أو ما دونها ، بطلت لزيادة الركن .
قال : لا يقال تلك الآثار
المتعلقة بالشك في الركعتين تحمل على الراتبة .
فالجواب : الآثار عامة
أو مطلقة ، ومن ثم حكمنا بالبطلان لو شك بين الخمس الأوائل والأواخر ، ولم نتمسك بان النص ورد في الراتبة .
ثم أورد على نفسه انّ
من شك في الركوع وهو في محله ركع .
واجاب : بان قولنا من
شك في الاوليين بطلت صلاته أخص منه .
قال : ويمكن وجه آخر
على القول بانها ركعتان ، وهو : ان تبطل بالشك فيها .
قال : ولو قيل بان المكلّف
مخيّر في ان يعمل على أي القاعدتين كان لم يكن بعيداً .
قال : فان قيل الاحتياط
فيه سجود ولا يتأتى ذلك في الكسوف .
فالجواب : ان الخبر الصحيح
بانّ الانسان يعمل بالجزم ويحتاط للصلوات وليس فيه تصريح بسجود ، مع تأييده بما روي من قضاء الفائت بعينه
في
الخبر الصحيح .
قال : ولا أعرف سبقاً
من غيري الى هذا التفصيل .
قلت :
هذان القولان ضعيفان .
أمّا الأول : فلعدم المطابقة بين الفائت وبين الاحتياط المأتي به إذ فيه سجود زائد ، وقوله : ( انه تابع ) محل النزاع ، وايضا فما يصنع اذا تجاوز الشك العدد الشرعي في الاحتياط ؟
وأمّا الثاني : فمبناه كما قال السيد ـ رحمه الله ـ على انّها ركعات عشر ، وعلى صدق مسمّى الاوليين في الركوعين الاولين ؛ وعلى التفرقة بين الركعة الاُولى والاخيرة ، وعلى انّ رواية عمار تتضمن ذلك أو الخبران اللذان ذكرهما أخيراً وقد اسلفناهما . وكل ذلك منظور فيه .
امّا انّها ركعات فلما
سلف في التسمية بركعتين أيضاً وهو أولى بالمراعاة ؛ لان الركعة وان كانت لغةً واحد الركوع إلّا أنّها في مصطلح الفقهاء المنضمّة الى السجود ، والحقيقة الشرعية أولى بالمراعاة من اللغوية ، وغايته انها سميت
__________________
عشراً
باعتبار اللغة وهي في الحقيقة ركعتان باعتبار الشرع . وعلى هذا يبطل التمسك بأنه شك في الاوليين ؛ إذ لا يلزم من ذلك كونهما ركعتين اوليين شرعاً الذي هو مقتض للبطلان مع الشك .
واما الفرق بين الركعة
الاُولى والأخيرة فمرغوب عنه ، والخبر بالبطلان إذا شك في الاُولى لا ينفي كون الثانية كالاُولى ، مع تضمن خبر آخر سلف « اذا لم تحفظ الاوليين فاعد » .
واما رواية عمار فهي
ظاهرة في اليومية ، ومنطبقة على الاحتياط المعهود .
واما خبر قضاء المنسي
بعينه فمتروك الظاهر عند الاصحاب ، ومأوّل بالاتيان به في الصلاة أي في محله . نعم ، على مذهب الشيخين
ومن اخذ اخذهما يجزم بالبطلان ؛ لان الشك في الجزء كالشك في الكل ، وكذا على مذهب الفاضل في التذكرة من البطلان إذا شك في الركن
.
المسألة الثانية عشرة : اذا حصّل في الرباعية الاوليين وشك في الزائد ، فالمشهور البناء على الاكثر والاتيان بعد التسليم بما شك فيه . وهو المسمّى بالاحتياط عند معظم الاصحاب ، وقد رُوي اجمالا وتفصيلا :
فمن الاجمال ما رواه
عمار عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال : « اذا سهوت فابنِ على الاكثر ، فاذا فرغت وسلّمت فقم فصل ما ظننت انك نقصت ، فان كنت أتممت لم يكن عليك شيء ، وان ذكرت انك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت » .
واما التفصيل فمنه ما
روى محمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عنه علیه السلام ، فيمن لا يدري أركعتان صلاته أم اربع ، قال : « يسلّم ويصلي ركعتين
__________________
بفاتحة
الكتاب ويتشهد وينصرف » .
ومثله رواه أبو بصير
عنه علیه السلام ، الا انه قال : « واركع ركعتين ثم سلّم ، واسجد سجدتين وانت جالس ثم تسلم بعدهما »
. وفيه دلالة على وجوب سجدتي السهو مع الاحتياط ، وسيأتي ان شاء الله كلام فيه .
ومثله رواية ابن ابي
يعفور ، وفيها : « فان كان صلّى أربعاً فهي نافلة ، وان كان صلّى ركعتين كانت تمام الأربع ، وان تكلم فليسجد سجدتي السهو »
وليس ببعيد حمل السجدتين أولاً على هذا .
فإن قلت : يعارض بما رواه محمد بن مسلم ـ صحيحاً ايضا ـ قال : سألته عن الرجل لا يدري أصلّى ركعتين أو أربعا ، قال : « يعيد الصلاة »
كما اختاره أبو جعفر بن بابويه .
قلت :
هي مقطوعة فلا تعارض المتصل ، وحملها الشيخ على الصبح أو المغرب والفاضل على من شك في حال قيامه ، كان يقول : لا أدري قيامي لثانية أو رابعة ، أو شك بينهما قبل اكمال الثانية
لرواية الفضل ـ في الصحيح ـ قال : قال لي : « اذا لم تحفظ الركعتين الاوليين فاعد صلاتك »
.
ومنه ما رواه عبد
الرحمن بن سيابة وابو العباس عن الصادق علیه السلام : « اذا لم تدرِ أثلاثاً صليت أو اربعاً ، ووقع رأيك على الثلاث ، فابن على
__________________
الثلاث
. وان وقع رأيك على الاربع فسلم وانصرف . وان اعتدل وهمك فانصرف وصل ركعتين وانت جالس » . وفي مرسلة جميل
عنه علیه السلام : « هو بالخيار ان شاء صلّى ركعة قائماً ، او ركعتين جالساً »
.
وخالف ابن الجنيد هنا
وابو جعفر بن بابويه ، حيث قالا : يتخيّر بين البناء علىٰ الاقل ولا شيء ، وبين البناء على الاكثر ويسلم ويصلّي ركعة من قيام أو
ركعتين جالساً . ولعله لتساويهما في تحصيل الغرض ،
ولرواية سهل بن اليسع عن الرضا علیه السلام ، انه قال : « يبني على يقينه ويسجد للسهو »
. وهذه الرواية تقتضي بظاهرها مذهب كثير من العامة في جميع الشك
وحُمل على غلبة الظن .
تنبيه :
لو ظن الاكثر بنى
عليه ؛ لما سلف . ولا تجب معه سجدتا السهو ؛ للاصل ، ولعدم ذكرها في أحاديث الاحتياط هنا ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة . واوجبهما الصدوقان ، ولعلّه لرواية اسحاق بن عمار عن أبي عبد
الله علیه السلام : « إذا ذهب وهمك الى التمام أبداً في كل صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع » وحملت على الاستحباب .
ومنه ما رواه ابن أبي
عمير مرسلاً عنه علیه السلام في رجل لم يدرِ اثنتين
__________________
صلّى
أم ثلاثاً أم اربعاً ، قال : « يقوم فيصلّي ركعتين ويسلم ، ثم يصلي ركعتين من جلوس ويسلم ، فان كانت ( الركعات ) نافلة والّا تمت
الأربع » .
وهنا تنبيهات :
الأول :
الحكم هنا مشهور بين الأصحاب فلا يضر الارسال ، على انّ مراسيل ابن ابي عمير في قوة المسانيد .
الثاني :
قال ابنا بابويه وابن الجنيد : يصلّي ركعة من قيام وركعتين من جلوس . وهو قوي من حيث الاعتبار ـ لانهما ينضمان حيث تكون الصلاة اثنتين ، ويجتزئ باحداهما حيث تكون ثلاثاً ـ الّا ان النقل والاشتهار يدفعه .
وجوّز ابن الجنيد هنا
البناء علىٰ الأقل ما لم يخرج الوقت .
الثالث :
هل يجوز ان يصلي بدل الركعتين جالساً ركعة قائماً ؟ ظاهر المفيد ـ في العزية ـ وسلار تحتمه والاصحاب عدمه
والفاضل يتخيّر لتساويهما في البدلية وهو قوي .
الرابع :
هل يجب الترتيب على ما تضمنته الرواية ـ وقال به المفيد في المقنعة والمرتضى في أحد قوليه ـ أو يقدم الركعة من قيام ـ كما قاله المفيد
__________________
في
العزية ـ أو يتخيّر ـ كما هو ظاهر المرتضى في
الانتصار واكثر الاصحاب ـ ؟ كل محتمل ، والعمل بالاول أحوط .
واما الشك بين الاثنتين
والثلاث فاجراه معظم الاصحاب مجرى الشك بين الثلاث والاربع ، ولم نقف فيه على رواية صريحة ، ونقل
فيه ابن أبي عقيل تواتر الاخبار .
وخالف علي بن بابويه
ـ رحمه الله ـ حيث قال : ان ذهب وهمك الى الثالثة فاضف اليها رابعة ، فاذا سلمت صليت ركعة بالحمد وحدها . وان ذهب وهمك الى الاقل فابنِ عليه وتشهد في كل ركعة ثم اسجد للسهو . وان اعتدل وهمك فانت بالخيار ان شئت بنيت على الأقل وتشهدت في كل ركعة ، وان شئت بنيت على الاكثر وعملت ما وصفناه . ولم نقف على مأخذه .
وقال ابنه في المقنع
: سئل الصادق علیه السلام عمن لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا ؟ قال : « يعيد » . قيل : فأين ما روي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله : « الفقيه لا يعيد الصلاة » ؟ قال : « انما ذلك في الثلاث والاربع »
.
واطلق المرتضى ـ رحمه
الله ـ في الناصرية انّ من شك في الاوليين استأنف ، ومن شك في الأخيرتين بنى على اليقين . والعمل على الاول ؛ لانه الاظهر في الفتاوى ، واختاره في الانتصار مدعياً فيه الاجماع بعد ذكر ما عدا
__________________
الشك
بين الاثنتين والأربع .
تنبيه :
لم يذكر الجعفي وابن ابي
عقيل التخيير بل ذكرا الركعتين من جلوس هنا ، وفي الشك بين الثلاث والاربع ؛ للتصريح بهما فيما سلف ، وفي رواية الحسين بن ابي العلاء عن الصادق علیه السلام
. والتخيير أشهر ؛ لما سبق من رواية جميل مع عدم المنافاة بينها وبين الاخبار الباقية
.
واما الشك بين الاربع
والخمس فالنص ان عليه سجدتي السهو كما يأتي وفصّل متأخرو الاصحاب بما حاصله انّ هنا صوراً
.
احداها :
ان يقع بعد اكمال السجدتين ، والأمر فيه ظاهر .
وثانيها : ان يقع قبل رفع رأسه من السجدة الثانية ، والظاهر الحاقه به ؛
لانّ الرفع لا مدخل له في الزيادة .
وثالثها : ان يقع بين السجدتين ، فيحتمل الحاقه بها ؛ تنزيلاً لمعظم الركعة منزلة جميعها . ويحتمل عدمه ؛ لعدم الاكمال وتجويز الزيادة .
ورابعها : ان يقع بين الركوع والسجود ، وهي اشكل مسائله . فقطع الفاضل فيها بالبطلان ؛ لتردّده بين محذورين : اما القطع وهو معرض للأربع ، واما الاتمام وهو معرض للخمس . وقطع شيخه المحقق ـ في الفتاوى ـ بالصحة ؛ تنزيلاً للركعة على الركوع والباقي تابع . وتجويز الزيادة لا ينفي ما هو ثابت بالاصالة اذ الاصل عدم الزيادة ، ولان تجويز الزيادة لو منع لأثر في
__________________
جميع
صوره .
وخامسها : ان يقع في أثناء الركوع ، فيحتمل الوجهين ، وان يرسل نفسه فكانّه شاك بين الثلاث والاربع .
وسادسها : ان يقع بعد القراءة وقبل الركوع ، سواء كان قد انحنى ولم يبلغ حدّ الراكع أو لم ينحنِ أصلاً .
وسابعها : ان يقع في أثناء القراءة .
وثامنها : ان يقع قبل القراءة وقد استكمل القيام .
وتاسعها : ان يقع في أثناء القيام .
وفي هذه الصور الأربع
يلزمه الاحتياط بركعة قائماً أو ركعتين جالساً ؛ لانه شك بين الثلاث والاربع ، ويرسل نفسه في جميعها . ولا يترتب على التعدّد فيها شيء ، سوى احتمال سقوط سجود السهو ما لم يستكمل القيام ، واحتمال تعدّده اذا قرأ .
وهذه الاحتمالات التسعة
واردة في كل مسألة من المسائل الأربع المتقدمة . فلو اُريد تركيب مسائل الشك الخمسة تركيباً ثنائياً وثلاثياً ورباعياً حصل منه احدى عشرة مسألة : ست من الثنائي ، وأربع من الثلاثي ، وواحد من الرباعي ، فاذا ضربت في الصور التسع كانت تسعاً وتسعين مسألة تظهر بأدنى تأمل ، وقد اشرنا اليها في الرسالة المشهورة في الصلاة
.
فروع :
الاول :
ظاهر الاصحاب انّ كل موضع تعلق فيه الشك بالاثنتين يشترط فيه اكمال السجدتين فتبطل بدونه ؛ محافظة على ما سلف من اعتبار الاوليين . وربما اكتفى بعضهم بالركوع ؛ لصدق مسمّىٰ الركعة . والاول أقوى .
__________________
نعم ، لو كان ساجداً
في الثانية ، ولما يرفع رأسه وتعلّق الشك ، لم استبعد صحته ؛ لحصول مسمّى الركعة .
الثاني :
لا بد في الاحتياط من النية ، وتكبيرة الاحرام ، وجميع شرائط الصلاة واركانها ؛ لانّه : اما جزء من الصلاة ، أو صلاة منفردة ، فيجب فيه مراعاة ما يعتبر في الصلاة .
الثالث :
هل يجزئ فيه التسبيح ؟ الاكثر على اعتبار الحمد ولم يذكروا التسبيح ، واثبت التخيير المفيد وابن ادريس
.
والذي في صحيح محمد
بن مسلم عن الصادق علیه السلام : « فيصلي ركعتين بفاتحة الكتاب » . وكذا في صحيح ابن أبي يعفور عنه علیه
السلام وزرارة عن احدهما عليهما السلام وكثير من الاخبار . نعم ، في بعضها اطلاق
الصلاة مع العلم بانها شرعت للبدلية فيمكن ثبوت التخيير فيها كالمبدل
، وهو اعتبار مرغوب عنه مع عدم تيقّن البراءة به .
الرابع :
ظاهر الفتاوى والاخبار وجوب تعقيب الاحتياط للصلاة من غير تخلل حدث أو كلام أو غيره ، حتى ورد وجوب سجدتي السهو للكلام قبله ناسياً كما مر .
وقال ابن ادريس : لا
تفسد الصلاة بالحدث قبله ؛ لخروجه من الصلاة
__________________
بالتسليم
وهذا فرض جديد . وهو ضعيف ؛ لان
شرعيته ليكون استدراكاً للفائت من الصلاة ، فهو على تقدير وجوبه جزء من الصلاة ، فيكون الحدث واقعاً في الصلاة فيبطلها .
واورد على ابن ادريس التناقض
بين فتواه بعدم البطلان بالحدث المتخلل وبجواز التسبيح ؛ لانّ الاول يقتضي كونها صلاة منفردة ، والثاني يقتضي كونها جزءا . ويمكن دفعه بان التسليم جعل لها حكماً
مغايراً للجزء باعتبار الانفصال عن الصلاة ، ولا ينافي تبعية الجزء في باقي الاحكام .
الخامس :
لو ذكر بعد الاحتياط تمام الصلاة كان له ثواب النافلة ، كما ورد به النقل . ولو ذكر النقصان صحّ وكان مكملاً
للصلاة .
ويشكل في صورة الشك
بين الاثنتين والثلاث والأربع اذا لم يطابق الاول منهما ـ كأن بدأ بالركعتين قائماً ثم يذكر انها كانت ثلاثاً ، أو بدأ بالركعة قائماً
ثم تذكر انها كانت اثنتين ـ من حيث الحكم بصحة الصلاة والانفصال منها بالكلية فلا عبرة بما يطرأ من بعد ، ومن اختلال نظم الصلاة .
والاول أقوى ؛ لان امتثال
الأمر يقتضي الاجزاء ، والاعادة خلاف الاصل ، ولانه لو اعتبر المطابقة لم يسلم لنا احتياط يذكر فاعله الاحتياج إليه ؛ لحصول التكبير الزائد المنوي به الافتتاح .
ولو تذكر في اثنائه الحاجة
اليه ، ففيه أوجه :
احدها :
الاجزاء مطلقاً ؛ لانه من باب امتثال المأمور به .
والثاني : الاعادة ؛ لزيادة التكبير .
والثالث : الصحة اذا طابق .
__________________
وهذا انما يتصور في الفرض
المذكور . وحينئذ لو بدأ بالركعتين من قيام ، ثم تذكر في اثنائها انها كانت ثلاثاً ، فانه تنقدح الصحة ما لم يركع في الثانية ، أو ركع وكان قد قعد عقيب الآولىٰ ؛ لما سبق في مثله . اما لو ركع ولما يسبق
له الجلوس فالبطلان قوي ؛ لانه ان اعتبر كونه مكملاً للصلاة فقد زاد ، وان اعتبر كونه صلاة منفردة فقد صلّى زيادة عما في ذمته بغير فاصل .
ولو تذكر في أثناء الركعتين
جالساً انها ثلاث فالاقرب الصحة ؛ لان الشرع اعتبرها مجزئة عن ركعة . ويحتمل البطلان لان ذلك حيث لا علم للمكلف ، اما مع علمه فيكون قد صلّى جالسا ما هو فرض معلوم له ، وهذا يقدح في صحة الصلاة وان كان قد فرغ منهما وتذكر انها ثلاث .
وابعد في الصحة لو
تذكر انها اثنتان ؛ لانه يلزم منه اختلال النظم .
ووجه الصحة امتثال الامر
، والحكم بالاجزاء على تقدير كلّ محتمل ؛ اذ المكلف لا يؤاخذ بما في نفس الامر ، فاذا كان الحكم بالاجزاء حاصلاً مع البقاء على الشك ، ومن الممكن ان لا يكون مطابقاً للامر نفسه ، فلا فرق بينه وبين التذكر .
اما لو تذكر ولما
يركع جالساً في الركعة الاُولى ، فالاقرب عدم الاعتداد بما فعله من النية والتكبير والقراءة ، ويجب عليه القيام لاتمام الصلاة ، ولا
تضرّه تلك التكبيرة وذلك القعود الزائد .
ولو تذكر قبل الشروع
في الاحتياط النقصان ، أتمّ ما لم يكن قد أتى بالمنافي عمداً وسهواً .
اذا عرفت ذلك ، فانّه
في كل موضع حكم بالصحة يحتمل وجوب سجدتي السهو حيث يكون موجبها حاصلاً ، كالتسليم والعقود في موضع قيام .
السادس :
لو صلّى قبل الاحتياط غيره بطل ، فرضا كان أو نفلاً ، ترتّب على الصلاة السابقة أوْ لا ؛ لان الفورية تقتضي النهي عن ضده وهو عبادة . هذا اذا كان متعمدا .
ولو فعل ذلك سهواً وكانت
نافلة بطلت ، وكذا اذا كانت فريضة لا يمكن العدول فيها : اما لاختلاف نوعها كالكسوف ، واما لتجاوز محل العدول . ويحتمل الصحة ، بناءً على انّ الاتيان بالمنافي قبله لا يبطل الصلاة .
وان أمكن العدول احتمل
قوياً صحته ، كما يعدل الى جميع الصلاة .
السابع :
لو لزمه احتياط في الظهر ، فضاق الوقت الّا عن العصر ، زاحم به اذا كان يبقى بعده ركعة للعصر ، وان كان لا يبقى صلّى العصر . وفي بطلان الظهر الوجهان في فعل المنافي قبله ، وأولى بالبطلان هنا ؛ للفصل بين أجزاء الصلاة بصلاة اجنبية .
ولو كان في اثناءه
فعلم الضيق ، فالاقرب العدول الى العصر ؛ لانّه واجب ظاهراً . ويحتمل عدمه ؛ لانه يجوز كونه نفلاً فلا يعدل عنه الى الفرض .
الثامن :
يترتّب الاحتياط ترتّب المجبورات ، وهو بناء على انه لا يبطله فعل المنافي ، وكذا الاجزاء المنسية تترتب . ولو فاتته سجدة من الاُولى وركعة احتياط قدّم السجدة . ولو كانت من الركعة الأخيرة احتمل تقديم الاحتياط لتقدمه عليها ، وتقديم السجدة ؛ لكثرة الفصل بالاحتياط بينها وبين الصلاة .
التاسع :
لو اعاد الصلاة من وجب عليه الاحتياط لم يجز ؛ لعدم اتيانه بالمأمور به . وربما احتمل الاجزاء ؛ لاتيانه على الواجب وزيادة .
العاشر :
تجب نيّة الركعة أو الركعتين ؛ ليتحقق الامتياز والاداء أو القضاء بحسب الفريضة ، وكذا لو خرج الوقت وقلنا لا يقدح في صحة الصلاة .
تتمة :
لو فاتته السجدة أو التشهد
أو الصلاة على النبي وآله عليهم السلام ، ففعل المنافي قبل فعلها ، ففيها الوجهان المذكوران في الاحتياط ، وأولى بالبطلان عند بعضهم ؛ للحكم بالجزئية هنا يقيناً .
ولا خلاف انه يشترط
فيها ما يشترط في الصلاة حتى الاداء في الوقت ،
فان
فات الوقت ولما يفعلها تعمداً بطلت الصلاة عند بعض الاصحاب ؛ لانه لم يأت بالماهية على وجهها . وان كان سهواً لم تبطل عنده ونوى بها القضاء ، وكانت مترتبة على الفوائت قبلها ، ابعاضاً كانت أو صلوات مستقلة
.
ولو فاته الاحتياط
عمداً احتمل كونه كالسجدة بل أولى ؛ لاشتماله على أركان . ويحتمل الصحة ، بناءً على ان فعل المنافي قبله لا يبطله ، فان قلنا به نوى القضاء بعد خروج الوقت وترتب على ما سلف .
ويحتمل قوياً صحة الصلاة
بتعمّد ترك الابعاض وان خرج الوقت ؛ لعدم توقّف صحة الصلاة في الجملة عليها ، بخلاف الاحتياط لتوقّف صحة الصلاة عليه .
وعلى القول بان فعل المنافي
قبله لا يبطله ، لا يضر خروج الوقت .
وعلى تقدير القول بالصحة
، فالاثم حاصل ان تعمد المنافي ؛ للاجماع على وجوب الفورية فيه .
ويلحق بذلك النظر في
سجدتي السهو ، وفيه خمسة مباحث :
الاول :
في موجبهما ، واختلف فيه الاصحاب :
فقال ابن الجنيد :
تجبان : لنسيان التشهد الاول أو الثاني اذا كان قد تشهد أولاً والّا أعاد ، وللشك بين الثلاث والاربع أو بين الاربع والخمس اذا اختار الاحتياط بركعة قائماً أو ركعتين جالساً ، ولتكرير بعض أفعال الركعتين الاخيرتين سهواً ، والسلام سهواً اذا كان في مصلّاه فأتمّ صلاته ، وللشك بين الاثنتين والثلاث والاربع بعد الاحتياط .
قال : وسجدتا السهو
تنوبان عن كل سهو في الصلاة .
وقال الجعفي : تجب
للشك بين الاربع والخمس ، وهما النقرتان . وسمّى ركعتي احتياط الشك بين الثلاث والاربع : المرغمتين .
__________________
وقال المفيد ـ رحمه
الله ـ في المقنعة : فوات السجدة والتشهد حتى يركع ، والكلام ناسياً . وفي العزية أوجبهما على من لم يدرِ أزاد
ركوعاً أو نقصه ، أو زاد سجدة أو نقصها وكان قد تجاوز محلها
.
وقال ابن ابي عقيل :
تجب للشك بين الاربع والخمس فما عداها ، والكلام سهواً خاطب المصلي نفسه أو غيره .
وقال ابو جعفر بن بابويه
: لا تجبان الّا على من قعد في حال قيامه ، أو قام في حال قعوده ، أو ترك التشهد ، أو لم يدرِ زاد أو نقص . واوجبهما أيضاً بالكلام ناسياً .
وقال والده تجب في
نسيان التشهد ، والشك بين الثلاث والاربع مع ظن الرابعة . ووافقه ابنه فيه كما مرّ .
وقال المرتضى ـ قدس الله
روحه ـ : تجبان في خمسة : نسيان السجدة والتشهد ، والكلام ساهياً ، وفي القعود حالة قيام وبالعكس ، وفي الشك بين الأربع والخمس . وتبعه ابن البراج وزاد : التسليم في
غير موضعه . وابن حمزة تبعه وزاد : السهو عن السجدتين من الاخيرتين
.
وقال الشيخ في النهاية
: تجبان : لنسيان السجدة ، والتشهد ، والشك بين الاربع والخمس ، وللسلام ناسياً في غير موضعه ، والتكلم ناسياً . وسماهما
__________________
المرغمتين
.
وفي المبسوط عدّ هذه
ثم قال : وفي أصحابنا من قال : انّ من قام في حال قعود ، أو قعد في حال قيام ، فتلافاه كان عليه سجدتا السهو . وكذا نَقل انهما تجبان في كل زيادة ونقصان ، وفرّع عليه وجوبهما بزيادة فرض أو نفل ونقصانهما ، فعلاً كانا أو هيئة . ثم قال : الاظهر في الروايات والمذهب الاول .
وفي نهاية الفاضل والتذكرة
: لو زاد فعلاً مندوباً أو واجباً في غير محله نسياناً سجد للسهو . قال : ولو عزم على فعل مخالف للصلاة ، أو على ان يتكلم عمداً ولم يفعل ، لم يلزمه سجود لان حديث النفس مرفوع عن امتنا ، وانما السجود في عمل البدن .
وفي الجمل كالذي قال
في المبسوط ، الا انه لم يذكر التشهد .
وفي الخلاف : لا تجبان
الا في أربعة : الشك ، والكلام ، والسلام ، ونسيان السجدة أو التشهد . ونقل عن بعض الاصحاب الوجوب في كل زيادة ونقصان .
وقال ابو الصلاح :
تجبان للسلام ، والكلام ، والقعود في موضع القيام وبالعكس ، ونسيان السجدة ، وللشك في كمال الفرض ، وزيادة ركعة عليه ، واللحن في الصلاة نسياناً .
وقال سلار : تجبان
للكلام ، ونسيان السجدة ، وللتشهد ، والقعود في حال
__________________
القيام
وبالعكس . ولا ريب ان السلام ناسياً يدخل في
قوله وقول المرتضى ـ رحمه الله ـ .
وقال ابن زهرة :
للسجدة المنسية والتشهد ، وللقعود والقيام في غير موضعهما ، وللشك بين الاربع والخمس ، والكلام سهواً
.
وقال ابن ادريس : تجبان
بستة : نسيان السجدة والتشهد ، والكلام ، والقعود والقيام في غير موضعهما ، والشك بين الأربع والخمس
.
والشيخ نجم الدين أوجبهما
في نسيان السجدة والتشهد ، والسلام والكلام والشك بين الاربع والخمس . وحكى القيام والقعود ، وردّه برواية سماعة عن أبي عبد الله علیه السلام : « من حفظ سهوه فاتمّه فليس عليه سجدتا السهو » . وحكى الزيادة والنقصان والمتمسّك من الجانبين ولم يرجّح شيئا
.
وقال ابن عمه الشيخ
نجيب الدين ـ في الجامع ـ بمقالته ، وحكى القيام والقعود .
والفاضل ـ رحمه الله ـ
اختار ذلك واضاف اليه القعود والقيام في غير موضعهما ، والزيادة والنقيصة معلومة كانت أو مشكوكة
.
ولنشر الى بعض الروايات
:
فالتشهد المنسي قد
ذكر مأخذه في التاسعة من مسائل السهو . وروى محمد بن علي الحلبي عن الصادق علیه السلام في ناسي التشهد : يرجع
__________________
فيتشهد
وليس عليه سجدتا السهو وهو ظاهر فيما يتلافى
في الصلاة ، فلا ينافي وجوبهما فيما يؤتى به بعدها .
واما السجدة فلم نقف
فيها على خصوص نص بالوجوب . نعم ، تدخل فيما رواه سفيان بن السمط عنه علیه السلام : « تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان » الّا انّ هذا العموم يعارضه رواية ابي
بصير سألته عمن نسي ان يسجد سجدة ، « اذا انصرف قضاها وليس عليه سهو »
وربما تحمل على سهو يوجب احتياطاً أو اعادة .
واما الكلام نسياناً
فيشهد له صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق علیه السلام . ولا يعارضها صحيح زرارة عن الباقر علیه
السلام : « لا شيء عليه » لا مكان حمله على نفي الاعادة أو الاثم .
واما التسليم فلانّه
كلام ليس من الصلاة وزيادة . وفي صحيح محمد بن مسلم عن الباقر علیه السلام : لا شيء فيه
وجوابه كالاول .
واما القيام والقعود
في غير محلهما فللزيادة ، ورواية عمار عن أبي عبد الله علیه السلام فيما يجب به سجدتا السهو : « اذا أردت ان تقعد فقمت ، أو تقوم فقعدت ، أو أردت ان تقرأ فسبّحت ، أو أردت ان تسبّح فقرأت ، فعليك سجدتا السهو » .
قلت :
يمكن ان تحمل على من تلافى القراءة أو التسبيح المراد ، فيكون
__________________
من
باب الزيادة . ويمكن ان تحمل على من فعل ذلك وفات محل التلافي ، فيكون من باب النقيصة ، فمن ثم لم يعد شيئاً خارجاً .
واما الزيادة والنقصية
فلما مر ، ولما روى ابن الجنيد في النقيصة . وروى عبيد الله الحلبي ـ في الصحيح ـ عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال : « اذا لم تدرِ اربعاً صليت أو خمساً ، أم نقصت أم زدت ، فتشهد وسلم واسجد سجدتي السهو بغير ركوع ولا قراءة ، تتشهد فيهما تشهداً خفيفاً »
. وروى الفضيل بن يسار عنه علیه السلام : « من حفظ سهوه فاتمّ فليس عليه سجدتا السهو ، وانما السهو على من لم يدرِ زاد في صلاته أو نقص »
.
واما الشك بين الاربع
والخمس فلما ذكر ، ولما روى عبد الله بن سنان عن علي علیه السلام : « اذا كنت لا تدري أربعاً صليت أو خمساً ، فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم تسلم بعدهما » .
وبالجملة : ما اختاره الفاضل أعدل الاقوال .
البحث الثاني : في اتحاد السبب وتكثّره .
لا ريب في الوجوب عند
اتحاد السبب ، وكذا اذا كثر في صلوات متباعدة . ولا ريب في انتفائه اذا خرج الى حد الكثرة في صلاة أو صلوات .
اما لو تعدّد سبب السجدتين
في صلاة واحدة ، ولم يخرج الى حد الكثرة المقتضية للعفو ، فالاقرب عدم التداخل ؛ لقيام السبب ، واشتغال الذمة ، ولما رُوي عن النبي صلّى الله عليه وآله انّه قال : « لكل سهو سجدتان »
. ولا فرق
__________________
بين
ان يختلف السبب ـ كالسلام والقيام ـ أو يتحد ـ كالتسليم مراراً ـ مع اختلاف أوقات النسيان .
والشيخ جعل عدم التداخل
أحوط .
وابن ادريس فصّل ، فأوجب
التداخل اذا تجانس السبب ؛ لانه صادق على القليل والكثير ، بخلاف ما اذا اختلف السبب ؛ لان كل واحد لا يدخل تحت لفظ الأمر بالآخر .
وجوابه :
ان كل واحد لو انفرد لأوجب حكماً ، فعند الاجتماع لا يزول ما كان ثابتاً حال الانفراد .
نعم ، لو نسي القراءة
مثلا لم تجب عليه لكل حرف منسي سجدتان ، وان كان لو انفرد لاوجب ذلك ؛ لان اسم القراءة يشملها .
ولو نسيها في الركعات
نسياناً مستمراً لا يذكر فيه ، فالظاهر انها سبب واحد .
ولو تذكر ثم عاد الى النسيان
، فالاقرب تعدّد السبب . وكذا لو تكلم بكلمات متوالية أو متفرقة ولم يتذكر النسيان فكلام واحد ، فلو تذكر تعدّد .
فروع :
ينبغي ترتيبه بترتّب الاسباب
. ولو كان هناك ما يقضى من الاجزاء ، قدّمه على سجدتي السهو وجوباً على الاقوى .
ولو تكلم ونسي سجدة ،
سجدها أولاً ثم سجد لسهوها وان كان متأخراً عن الكلام ؛ لارتباطه بها . ويحتمل تقديم سجود الكلام ؛ لتقدّم سببه .
__________________
ولو ظن سهوه كلاماً
فسجد له ، فتبيّن انه كان نسيان سجدة ، فالاقرب الاعادة ؛ بناءً على ان تعيين السبب شرط . وهو اختيار الفاضل
.
ولو نسي سجدات أتى بها
متتالياً ، وسجد للسهو بعدها ، وليس له ان يخلله بينها ـ على الأقرب ـ صوناً للصلاة عن الاجنبي .
البحث الثالث : محلهما بعد التسليم ، سواء كانتا للزيادة أو النقيصة ـ على المشهور ـ حذراً من الزيادة في الصلاة ، ولما تقدم في رواية ابن الحجاج وموثقة عبد الله بن ميمون عن الصادق علیه السلام عن علي
علیه السلام .
ويحتج على الشافعي
بما رووه عن النبي صلّى الله عليه وآله : « لكل سهو سجدتان بعد ان يسلم » وان النبي صلّى الله عليه وآله سجدهما
بعد التسليم .
ويعارضها صحيحة سعد
بن سعد الاشعري عن الرضا علیه السلام : « اذا نقصت قبل التسليم ، واذا زدت فبعده » . وفي رواية ابي الجارود عن الباقر علیه السلام : « انهما قبل التسليم » واطلق . وحملهما الاصحاب على التقية ، قال الصدوق : اني افتي به حال التقية .
__________________
واما رواية العامة انّ
النبي صلّى الله عليه وآله سجد قبل السلام وان الزهري قال : آخر الأمرين السجود قبل التسليم ، فلم يثبت عندنا ، كيف واهل البيت أعرف بحال صاحب البيت !
وقال ابن الجنيد : ان
كرّر بعض أفعال الصلاة في الأخيرتين ساهياً سجد للسهو بعد سلامه ، وان عدل من النفل الى الفرض استحب ان يسجد للسهو قبل سلامه ؛ لسهوه عن نية الفرض الذي قضاه ؛ لانه نقص الصلاة .
قال : وقد رُوي عن النبي
صلّى الله عليه وآله : « من ترك شيئاً من صلاته فليسجد سجدتي السهو بعد سلامه ، وان كان بنقصان فيها سجد قبل سلامه » .
وليس في هذا كله
تصريح بما يرويه بعض الاصحاب ان ابن الجنيد قائل بالتفصيل . نعم ، هو مذهب أبي حنيفة من العامة
.
فروع :
لو قلنا بفعله قبل التسليم
، فظن موجبه ففعله ثم تبين ان لا موجب ، لم يسجد له ، قاله الفاضل ، معللاً بانه لا سهو في سهو
.
قلت :
يشكل على القول بوجوب التسليم ؛ لانه تبين انه زاد في الصلاة سجدتين .
ولو سجد ثم سها سجد ثانياً
؛ لان سجود السهو انما يجبر ما قبله .
__________________
ولو سلّم قبل السجود
متعمداً ، بطلت صلاته على القول بوجوبهما قبله . ولو كان ناسياً فالاقرب الصحة ، ويأتي بهما بعده . وهل يجب سجود السهو هنا ؟ وجهان : من تحقق الاخلال به في غير موضعه ، ومن انه لا سهو في سهو .
البحث الرابع : تجب فيهما النية لانهما عبادة ، وتعيين السبب ، وجميع ما يعتبر في سجود الصلاة الا الذكر ، فانه يقول فيهما : « بسم الله وبالله ، وصلّى
الله على محمد وعلى آل محمد » ، أو يقول : « بسم الله وبالله ، والسلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته » ؛ لرواية عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله علیه
السلام انّه سمعه مرة يقول فيهما الاول ومرة اُخرى الثاني
ولا يستلزم سهو الامام ؛ لجواز كونه اخباراً عن حكمه فيهما .
وفي الكليني عبارة الحلبي
« بسم الله وبالله ، اللهم صلّى على محمد وآل محمد » وفي المرة الاُخرى « بسم الله وبالله ، السلام عليك ايها النبي ورحمة الله » . والكل مجز . ثم يتشهد تشهدا خفيفاً
ويسلم ، للحديثين السالفين وفتوى الاصحاب .
الّا ان ابا الصلاح ،
قال : ينصرف منهما بالتسليم على محمد صلوات الله عليه وآله .
وجوّز الشيخ ـ في المبسوط
ـ فيهما ما شاء من الاذكار .
__________________
والفاضل في المختلف
لم يوجب سوى السجدتين وجعل الباقي مستحباً ؛ تعويلا على رواية عمار عن الصادق علیه السلام : « هما سجدتان فقط ، فان كان الذي سها هو الامام كبّر اذا سجد واذا رفع رأسه ، ليعلم من خلفه انه قد سها ، وليس عليه ان يسبّح فيهما ، ولا فيهما تشهد بعد السجدتين »
.
وهو معارض بما تقدم ،
وبرواية الحلبي ايضا الصحيحة عن الصادق علیه السلام : « يتشهد فيهما تشهدا خفيفا » وبفتوى الاصحاب ، مع ضعف عمار .
وفي المعتبر أوجب التشهد
والتسليم ولم يوجب الذكر فيهما .
والعمل بالمشهور بين الاصحاب
أولى .
البحث الخامس : يجب البدار بهما على الفور ؛ لما رُوي من انهما قبل الكلام ولانّ النبي صلّى الله عليه وآله سجد عقيب الصلاة
على ما روي ، والتأسي به واجب .
فلو تركهما لم يقدح
في صحة الصلاة ، بل يجب الاتيان بهما بعد وان طالت المدة ؛ لما رواه عمار عن الصادق علیه السلام في ناسيهما : « يسجدهما متى ذكر » .
وفي الخلاف : هما شرط
في صحة الصلاة . فعلى قوله تركهما يقدح
__________________
في
الصحة ، وهو مع ذلك قائل بوجوب الاتيان بهما وان طالت المدة
. ومنع الشرطية الفاضلان .
وقال بعض العامة : لو
نسيهما قضاهما ما لم يخرج عن المسجد أو يتكلم وآخرون ما لم يقم عن مجلسه أو يطل الزمان عرفاً
. وليسا شيئاً ؛ اذ الثابت الوجوب والتقدير تحكّم .
فروع :
الأول :
لو نسي أربع سجدات من أربع ركعات ، قضاها وسجد لكل واحدة سجدتين . ويحتمل الاجتزاء بسجدتين : اما على القول بالتداخل فظاهر ، واما على عدمه فلدخوله في حيز الكثرة ان تعدّد السهو . اما لو كان في سهو متصل فالظاهر انه لا يدخل في الكثرة .
وقال بعض العامة :
تخلص له ركعتان إن جلس جلسة فصل أو جلسة الاستراحة ، أو قلنا بان القيام يقوم مقام الجلسة ، والّا خلص له ركعة الّا سجدة ، فيتم بسجدة ثم ثلاث ركعات .
وقال بعضهم : لا تسلم
له سوى التحريمة .
وقال آخرون : ليس
عليه سوى أربع سجدات متتالية .
وفي الخلاف : لا نص لأصحابنا
فيها ، وقضية المذهب بطلان الصلاة ان
__________________
قلنا
باشتراط سلامة الركعتين الاوليين ، والا أتى بأربع وسجد للسهو أربع مرات .
الثاني :
لو جلس في موضع قيام ناسياً ولما يتشهد ـ كالجلوس على الاُولى أو الثالثة ـ صرف الى جلسة الاستراحة ولا سجود عليه على الاقوى ، وان تشهد وجب السجود للتشهد لا للجلوس على الاصح .
وفي الخلاف : ان كان الجلوس
بقدر الاستراحة ولم يتشهد فلا سجود عليه ، وان تشهد أو جلس بقدر التشهد سجد على القول بالزيادة والنقيصة
.
وفي المختلف : ان جلس
ليتشهد ولم يتشهد ، فالزائد على جلسة الاستراحة يوجب السجود ، والظاهر انه مراد الشيخ . ولكن في
وجوب السجود للزائد عن قدرها للتشهد اشكال ؛ لان جلسة الاستراحة لا قدر لها بل يجوز تطويلها وتركه ، فان صرف الجلوس للتشهد اليها فلا يضر طولها ، وان لم يصرف لم ينفع قصرها في سقوط سجود السهو .
الثالث :
لا سجود لترك السنن ، سواء كانت قنوتاً أو غيره .
وقال ابن الجنيد : لو
نسي القنوت قضاه في التشهد قبل التسليم وسجد سجدتي السهو . ورواية سفيان السالفة تدل عليه
، ولكن يدخل فيها ترك جميع السنن ، كما قاله الشيخ ـ رحمه الله ـ في المبسوط
.
الرابع :
تسمّى هاتان السجدتان : المرغمتين ، لانهما ترغمان الشيطان ،
__________________
كما
دل عليه الحديث من طرقنا وطرق العامة
. وسماهما الجعفي : النقرتين ، وهو في بعض الاخبار وفي بعضها النهي عن
تسميتهما بالنقرتين . ومن النوادر انهما ركعتان كما ورد في
بعض الاخبار .
خاتمة :
روى الصدوق باسناده الى
اسماعيل بن مسلم ، عن الصادق علیه السلام : « انّ النبي صلّى الله عليه وآله قال لمن شكا اليه كثرة الوسوسة حتى لا يعقل ما صلّى من زيادة أو نقصان : اذا دخلت في صلاتك فاطعن فخذك اليسرى باصبعك اليمنى المسبحة ، ثم قل : بسم الله وبالله ، توكلت على الله ، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، فانك تزجره وتطرده عنك »
.
__________________
الركن الثالث : في بقية الصلوات الواجبة
وفصوله اربعة :
الفصل
الاول : في صلاة الجمعة .
وفيه ثلاثة مطالب :
المطلب
الاول : في الشرائط .
مقدّمة :
تجب صلاة الجمعة ـ بالنص
والاجماع ـ ركعتان بدلاً عن الظهر .
قال الله تعالى : ( إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ) .
وقال النبي صلّى الله
عليه وآله : « الجمعة حق على كل مسلم الّا أربعة : عبد مملوك ، أو امرأة ، أو صبي ، أو مريض » .
وقال صلّى الله عليه
وآله : « اعلموا انّ الله قد افترض عليكم الجمعة ، فمن تركها في حياتي أو بعد موتي وله امام عادل ، استخفافا بها أو جحوداً لها ، فلا
جمع الله له شمله ، ولا بارك له في أمره ، ألا ولا صلاة له ، ألا ولا زكاة له ، ألا
__________________
ولا
حج له ، ألا ولا صوم له ، ألا ولا برّ له حتى يتوب »
.
وقال الصادق علیه
السّلام ـ برواية أبي بصير ومحمد بن مسلم ـ : « ان الله تعالى فرض في كل اسبوع خمساً وثلاثين صلاة ، منها صلاة واجبة على كل مسلم ان يشهدها الا خمسة : المريض ، والمملوك ، والمسافر ، والمرأة والصبي » .
وروى زرارة عن الباقر
علیه السلام ، قال : « فرض الله تعالى على الناس من الجمعة الى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة ، منها صلاة واحدة فرضها الله تعالى في جماعة وهي : الجمعة ، ووضعها عن تسعة : عن الصغير ، والكبير ، والمجنون ، والمسافر ، والعبد ، والمرأة ، والمريض ، والاعمى ، ومن كان على رأس فرسخين » .
وشروطها سبعة :
الشرط الأول : السلطان العادل ، وهو الامام أو نائبه اجماعاً منا ؛ لما مر ،
ولان النبي صلّى الله عليه وآله كان يعيّن لامامة الجمعة
.
ويشترط في النائب اُمور
تسعة :
الاول : البلوغ ، فلا تنعقد امامة الصبي ؛ لاتصافه بما يرفع القلم ، فلا يؤمن ترك واجب أو فعل محرّم منه اذا كان مميزاً ، وان لم يكن مميزاً فلا اعتبار لافعاله .
الثاني : العقل ، فلا تنعقد امامة المجنون ؛ لعدم الاعتداد بفعله .
__________________
ولو كان يعتوره ادواراً
، فالاقرب الكراهة وقت افاقته . وحرّمه الفاضل ؛ لانه لا يؤمن عروضه له في أثناء الصلاة ، ولجواز احتلامه في جنّته بغير شعوره .
قلت :
تجويز العروض لا يرفع تحقيق الاهلية ، والتكليف يتبع العلم .
الثالث : ان لا يكون امرأة ولا خنثى ؛ لعدم تكليفهما بهذه الصلاة ، وعدم جواز امامتهما بالرجال .
الرابع : الحرية ، واحوط القولين اعتبارها ؛ لعدم تكليفه بها ، ولنقصه عن مرتبة الامامة ، ولرواية السكوني عن الصادق علیه السلام عن أبيه عن علي علیه
السلام انه قال : « لا يؤمّ العبد الّا اهله » . وهو اختيار الشيخ في النهاية
تبعاً لشيخه المفيد .
وقال في المبسوط :
يجوز واختاره المتأخرون لما رواه محمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن الصادق علیه السلام في العبد يؤمّ القوم اذا رضوا به وكان أكثرهم قراءة ، قال : « لا بأس به » ويجوز ان تكون محمولة على الجماعة المستحبة .
الخامس : العدالة ـ وهي : هيئة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى والمروءة ، بحيث لا يواقع الكبائر ولا يصرّ على الصغائر ـ وعليه اجماع الاصحاب هنا وفي الجماعة المطلقة ؛ لظاهر قوله تعالىٰ : ( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَىٰ
__________________
الَّذِينَ ظَلَمُوا )
.
وروى العامة عن النبي
صلّى الله عليه وآله ـ بطريق جابر ـ : « لا تؤمّن امرأة رجلاً ، ولا فاجر مؤمناً ، الّا ان يقهره سلطان أو يخاف سيفه أو سوطه »
.
وروى سعد بن اسماعيل
، عن أبيه ، عن الرضا علیه السلام : منع امامة من يقارب الذنوب .
وفي خبر آخر : « امامك
شفيعك الى الله ، فلا تجعل شفيعك سفيهاً ولا فاسقا » رواه الصدوق عن ابي ذر رضي الله عنه والظاهر انه قاله توقيفا .
وأولى بالاشتراط الايمان
والاسلام . فلو ظن ايمانه أو اسلامه فظهر خلافه ، صحت الصلاة ؛ لانه متعبّد بظنه . ولا فرق بين ظهور الكفر الذي لا يخفى ـ كاليهودية والنصرانية ـ أو غيره ـ كالزندقة . ولو شك في اسلام الامام ، أو في عدالته ، لم تصحّ الصلاة خلفه .
فرع :
الاختلاف في الفروع الشرعية
لا يقدح في العدالة ؛ للاجماع على ذلك . نعم ، لو اعتقد شيئاً ففعل خلافه قدح ، وكذا المقلد لو ترك تقليد العالم أو الاعلم .
السادس : طهارة المولد ، فلا تصح امامة ولد الزنا المعلوم حاله اجماعاً منا . ولا عبرة بمن تناله الألسن ، ولا تقدح ولادة الشبهة ، ولا كونه مجهول
__________________
الاب
. وفي كراهة الائتمام بهؤلاء قول لا بأس به لنقصهم ، وعدم كمال الانقياد الى متابعتهم .
السابع : السلامة من الجذام والبرص ـ في قول مشهور ـ في الجماعة مطلقاً ؛ لصحيحة ابي بصير عن الصادق علیه السلام : « خمسة لا يؤمّون الناس على كل حال : المجذوم ، والابرص ، والمجنون ، وولد الزنا ، والاعرابي »
.
وكرهه المرتضى في أحد
قوليه ؛ للاصل ، ولرواية عبد الله بن يزيد قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المجذوم والابرص ، هل يؤمّان المسلم ؟ قال : « نعم » . قلت : هل يبتلي الله بهما المؤمن ؟ قال : « نعم ، وهل كتب البلاء الّا على المؤمن » .
والجمع بينهما بالحمل
على الكراهية ، ولكن يلزم منه استعمال المشترك في معنييه ؛ لان النهي في ولد الزنا والمجنون محمول على المنع من النقيض قطعاً ، فلو حمل على المنع لا من النقيض في غيرهما لزم المحذور . ويمكن ان يقال لا مانع من استعمال المشترك ، وان سلم فهو مجاز لا مانع من ارتكابه .
الثامن : السلامة من العمى في احتمال ، ولم نجد به شاهداً ، لكن في رواية السكوني عن الصادق علیه السلام عن أبيه عن أمير المؤمنين علیه السلام : « لا يؤمّ الاعمى في الصحراء الّا ان يوجّه الى القبلة »
وظاهر انه غير مانع من الامامة . فان علل بكونه ممّن لا تجب عليه الجمعة ، قلنا : مع الحضور تجب عليه وتنعقد به .
وفي التذكرة نقل انّ أكثر
علمائنا قائلون باشتراط سلامة الامام من
__________________
العمىٰ
؛ لانه لا يتمكّن من الاحتراز عن النجاسات غالباً
. واختاره في النهاية ؛ لانه ناقص فلا يصلح لهذا المنصب الجليل . والنقل مجهول ،
والتعليلان ضعيفان ، مع قضية الاصل المقتضية للجواز وان الاعتماد على الايمان والعدالة .
التاسع : إذن الامام له ـ كما كان النبي صلّى الله عليه وآله يأذن لأئمة الجمعات وأمير المؤمنين بعده ـ وعليه اطباق الامامية . هذا مع
حضور الامام علیه السلام .
واما مع غيبته ـ كهذا
الزمان ـ ففي انعقادها قولان ، اصحهما ـ وبه قال معظم الاصحاب ـ الجواز اذا امكن الاجتماع والخطبتان . ويعلّل بأمرين :
احدهما :
انّ الاذن حاصل من الائمة الماضين فهو كالاذن من إمام الوقت ، واليه اشار الشيخ في الخلاف .
ويؤيده صحيح زرارة قال
: حدثّنا ابو عبد الله علیه السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت انه يريد ان نأتيه ، فقلت : نغدو عليك ، فقال : « لا ، انما عنيت عندكم » .
ولان الفقهاء حال الغيبة
يباشرون ما هو أعظم من ذلك بالاذن ـ كالحكم والافتاء ـ فهذا أولى .
والتعليل الثاني : ان الاذن انما يعتبر مع امكانه ، اما مع عدمه فيسقط
__________________
اعتباره
، ويبقى عموم القرآن والاخبار خالياً عن المعارض .
وقد روى عمر بن يزيد
ـ في الصحيح ـ عن الصادق علیه السلام : « اذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في جماعة » .
وفي الصحيح عن منصور
عن الصادق علیه السلام : « يجمّع القوم يوم الجمعة اذا كانوا خمسة فما زاد ، والجمعة واجبة على كل أحد ، لا يعذر الناس فيها الا خمسة : المرأة ، والمملوك ، والمسافر ، والمريض ، والصبي »
.
وفي الموثق عن زرارة
عن عبد الملك عن الباقر علیه السلام ، قال : قال : « مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله » . قال : قلت كيف أصنع ؟ قال : « صلوا جماعة » يعني : صلاة الجمعة ، في أخبار كثيرة مطلقة .
والتعليلان حسنان ، والاعتماد
على الثاني .
اذا عرفت ذلك ، فقد قال
الفاضلان : يسقط وجوب الجمعة حال الغيبة ، ولم يسقط الاستحباب . وظاهرهما انّه لو أتى بها كانت واجبة
مجزئة عن الظهر ، فالاستحباب انما هو في الاجتماع ، أو بمعنى : انه افضل الأمرين الواجبين على التخيير .
وربما يقال بالوجوب المضيّق
حال الغيبة ؛ لان قضية التعليلين ذلك ، فما الذي اقتضى سقوط الوجوب ؟ الا انّ عمل الطائفة على عدم الوجوب العيني في سائر الاعصار والامصار ، ونقل الفاضل فيه الاجماع
.
وبالغ بعضهم فنفى الشرعية
أصلاً ورأسا ـ وهو ظاهر كلام المرتضى
__________________
وصريح
سلار وابن ادريس
وهو القول الثاني من القولين ـ بناءً على انّ اذن الامام شرط الصحة وهو مفقود .
وهؤلاء يسندون التعليل
الى اذن الامام ويمنعون وجود الاذن ، ويحملون الاذن الموجود في عصر الائمة عليهم السلام على من سمع ذلك الاذن وليس حجة على من يأتي من المكلّفين ، والاذن في الحكم والافتاء أمر خارج عن الصلاة ، ولان المعلوم وجوب الظهر فلا تزول الّا بمعلوم . وهذا القول متوجّه والّا لزم الوجوب العيني ، واصحاب القول الاول لا يقولون به .
ثم اعلم انّه لا خلاف
انّه لو حضر الامام الاعظم مصراً وتمكّن من الامامة لم يؤم غيره ؛ تاسياً بفعل النبي صلّى الله عليه وآله والائمة بعده ولرواية حماد
بن عيسى عن الصادق علیه السلام عن أبيه عن علي علیه السلام : « اذا قدم الخليفة مصرا من الامصار جمّع بالناس ، ليس ذلك لاحد غيره »
. نعم ، لو كان له مانع استناب ، ولا يجوز التقدم بغير اذنه .
الشرط الثاني : العدد ، ولا خلاف في اعتباره في الجمعة . وعندنا في اقلّه روايتان ، اشهرهما والاظهر في الفتوى انه خمسة أحدهم الامام ، رواه زرارة عن الباقر علیه السلام ورواه منصور في الصحيح عن الصادق علیه
السلام .
وروى محمد بن مسلم
عنه : « سبعة ولا تجب على أقل منهم : الامام وقاضية ، والمدعي حقاً ، والمدعى عليه ، والشاهدان ، والذي يضرب الحدود
__________________
بين
يدي الامام » . وفيه اشارة الى
انّ الاجتماع المدني لا يتمّ إلا بهؤلاء ، والجمعة تتبع التمدن لانها انما تجب على المستوطنين .
وهذان الخبران كالمتعارضين
، فجمع الشيخ أبو جعفر بن بابويه والشيخ أبو جعفر الطوسي ـ رضي الله عنهما ـ بالحمل على الوجوب العيني في السبعة ، والوجوب التخييري في الخمسة . وهو حمل حسن ، ويكون معنى قوله علیه السلام : « ولا تجب على أقل منهم » نفي الوجوب الخاص ـ أي : العيني لا مطلق الوجوب ـ لئلا يتناقض الخبران المرويان بعدة اسانيد .
والمحقق في المعتبر
لحظ هذا ، ثم قال : هذا وان كان مرجحاً لكن روايتنا دالة على الجواز ، ومع الجواز تجب لقوله تعالىٰ : ( فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ) . فلو عُمل برواية محمد بن مسلم لزم
تقييد الأمر المطلق المتيقن بخبر الواحد ، ولا كذا مع العمل بالاخبار التي اخترناها مع انها اكثر ورودا ونقلة . على انّه لا يمكن العمل برواية محمد بن مسلم ؛ لانّه أحصى السبعة بمن ليس حضورهم شرطاً ، فسقط اعتبارها .
قلت :
الجواز لا يستلزم الوجوب والّا لوجبت عيناً حال الغيبة ، والاحتجاج بعموم القرآن وارد فيه . والامر المطلق مسلم ، ولكن الاجماع على تقييده بعدد مخصوص ، حتى قال الشافعي واحمد : اربعون
وابو حنيفة : أربعة أحدهم الامام ، ومصير الاصحاب الى ذلك العدد مستند الى
الخبر ، وهو من الطرفين في حيز الآحاد ، فلا بد من التقييد به .
فان قال : صاحب السبعة موافق على الخمسة ، فاتفقا على التقييد بها ،
__________________
فيؤخذ
المتفق عليه .
قلنا :
هذا من باب الأخذ بأقل ما قيل ، وقد توهّم بعض الاُصوليين انه حجة بل اجماع وقد بيّنا ضعفه في الاُصول .
واما احصاء العدد بالسبعة
فلبيان الحكمة في اعتبار الاستيطان في الجمعة لا لانّه شرط في انعقادها .
وقال الفاضل ـ رحمه
الله ـ في المختلف : في طريق رواية محمد بن مسلم الحَكَم بن مسكين ولا يحضرني الآن حاله ، فنحن نمنع صحة السند ونعارضه بما تقدّم من الاخبار ، ويبقى عموم القرآن سالماً عن المعارض
.
قلت :
الحكم ذكره الشكي ولم يعرض له بذم والرواية مشهورة جداً بين الاصحاب ، لا يطعن فيها كون الراوي مجهولاً عند بعض الناس . والمعارضة منتفية بما ذكرناه من الحمل .
وقال في التذكرة : الرواية
ليست ناصّة على المطلوب ؛ لان الاقل من السبعة قد يكون أقل من الخمسة ، فتحمل عليه جميعاً بين الادلة
.
قلت :
فيه بعد ؛ لانه خلاف الظاهر ؛ لانه اذا قيل : هذا العدد أقل من كذا ، كان صادقاً على كل ما نقص عنه حقيقة بواحد أو أكثر ، فتخصيصه خلاف الظاهر . ولان « أقل » نكرة في سياق النفي فتعمّ ، فهو في قوة : لا تجب على كل عدد ينقص عن السبعة .
فروع أربعة :
احدها :
العدد انما هو شرط في الابتداء لا في الاستدامة . فلو تحرّموا
__________________
بها
ثم انفضوا الّا الامام اتمّها جمعة : للنهي عن ابطال العمل ، واشتراط الاستدامة منفي بالأصل ، ولا يلزم من اشتراطه في الابتداء اشتراطه في الدوام ، كعدم الماء في حق المتيمم . وهو فتوى الشيخ في كتبه
مع قوله في الخلاف : انه لا نصّ لاصحابنا فيه لكنه قضية المذهب ؛ لانه دخل في جمعة وانعقدت بطريقة معلومة ، فلا يجوز ابطالها الا بيقين .
واما اعتبار بقاء واحد
مع الامام أو اثنين ، أو انفضاضهم بعد صلاة ركعة تامة في وجوب الاتمام ، أو اعتبار بقاء جميع العدد ـ كما تنسب هذه الاُمور الى الشافعي ـ فتحكّم ، وان كان الفاضل قد رجّح اعتبار الركعة في وجوب الاتمام ؛ لقول النبي صلّى الله عليه وآله : « من أدرك ركعة من الجمعة فليضف اليها اُخرى » .
وجوابه منع الدلالة
على المطلوب . نعم ، لا عبرة بانفضاض الزائد على العدد مع بقاء العدد ، سواء شرعوا في الصلاة أوْ لا اجماعاً .
الثاني :
لو حضر عدد آخر بعد التحريمة فتحرّموا ثم انقضّ الأولون لم يضر ؛ لان الانعقاد قد تم بالواردين ، قاله في التذكرة
.
ويشكل بان من جملة الأولين
الامام فكيف تنعقد بدونه ؟ الا ان يقال : ينصبون الآن اماماً ، أو يكون قد انفض من عدا الامام ، ويكون ذلك على القول باعتبار الركعة ؛ لانه لو لم تعتبر الركعة في بقاء الصحة كان بقاء الامام وحده
__________________
كافياً
في الصحة ، ولا يكون في حضور العدد الآخر فائدة تصحح الصلاة .
الثالث :
لو انفضوا قبل الصلاة سقطت ، وكذا لو انفض ما ينقص به العدد . ولو انفضوا في أثناء الخطبة فكذلك ، فلو عادوا أعادها من رأس ان كانوا لم يسمعوا أركانها . ولو سمعوا بنى ، سواء طال الفصل أم لا ؛ لحصول مسمّى الخطبة ، ولم يثبت اشتراط الموالاة ، الا ان نقول : هي كالصلاة ، فيعيدها .
ويشكل بانه لا يأمن انفضاضهم
ثانياً لو اشتغل بالاعادة ، فيصير ذلك عذراً في ترك الجمعة .
الرابع :
لو كان الامام هو الذي فارق في أثناء الصلاة فكغيره عند الفاضل لان الباقين مخاطبون بالاكمال ، وحينئذ ينصبون إماماً منهم ؛
لعدم انعقادها فرادى ، كما يأتي .
الشرط الثالث : كمال المخاطب بها ، وانما يكمل باُمور عشرة .
الاول :
البلوغ ، فلا تجب على الصبي لعدم التكليف ، ولا تنعقد به وان كان مميزاً .
نعم ، تجوز صلاته
تمريناً وتجزئه عن الظهر . ولو صلّى الظهر ثم بلغ سعى الى الجمعة ، فان ادرك والّا أعاد ظهره ؛ لعدم اجزاء ما وقع في الصبا عن الواجب .
الثاني :
العقل ، فلا تجب على المجنون ، ولا تنعقد به بمثل ما قلناه في الصبي . ولو كان جنونه ادوارا ، فاتفق مفيقاً حالة الاقامة ، وجبت ان استمرت الافاقة الى آخرها والّا سقطت . ولو زال جنونه ووقتها باق وجبت .
الثالث :
الذكورة ، فلا تجب على المرأة ، ولا تنعقد بها على الاشهر ؛ لما مرّ من قول الباقر والصادق عليهما السلام . وفي حكمها الخنثى
__________________
المشكل
؛ للشك في السبب ، اما لو التحق بالرجال فانها تجب عليه .
وخالف ابن ادريس هنا
، فزعم انه لو حضرت المرأة وجبت عليها واجزأتها عن الظهر ، غير انها لا تحسب من العدد
.
ويظهر من كلام الشيخ
في النهاية ، حيث عدّ من تسقط عنه وعدّ المرأة ، ثم قال : فان حضروا الجمعة وجبت عليهم الدخول فيها واجزأتهم الصلاة ركعتين ، ولم يستثن سوى غير المكلّف ، وكذا في التهذيب
وظاهره صحتها من المرأة .
وقد روى حفص بن غياث
، عن بعض مواليهم عليهم السلام ، عن الصادق علیه السلام : « ان الله تعالى فرض الجمعة على المؤمنين والمؤمنات ، ورخّص للمرأة والمسافر والعبد ان لا يأتوها ، فاذا حضروها سقطت الرخصة ولزمهم الفرض الاول » .
فان تمسّك ابن ادريس
به لم يتم ، اما على معتقده في خبر الواحد فظاهر ، واما على قول غيره فلضعف حفص ، وجهالة الواسطة وخرق اجماع العلماء من عدم وجوبها على المرأة ، قاله في المعتبر
.
وقد صرح الشيخ بذلك
في المبسوط ، حيث جعل الناس في باب الجمعة على خمسة اضرب :
من تجب عليه وتنعقد
به ، وهو جامع الشرائط العشرة : الذكورة ، والحرية ، والبلوغ ، والعقل ، والصحة من المرض ، وعدم العمى ، والعرج ، والشيخوخة ، والسفر ، والزيادة على فرسخين .
__________________
ومن لا تجب عليه ولا
تنعقد به ، وهو : الصبي ، والمجنون ، والعبد ، والمسافر ، والمرأة . فهؤلاء لا تجب عليهم ، ولا تنعقد بهم ، ويجوز لهم فعلها تبعاً لغيرهم .
ومن تنعقد به ولا تجب
عليه ، وهو : المريض ، والاعمى ، والاعرج ، والبعيد بأزيد من فرسخين . فانهم لا يجب عليهم الحضور ، ولو حضروا تمّ بهم العدد ووجبت عليهم وانعقدت بهم .
ومن تجب عليه ولا
تنعقد به ، وهو : الكافر .
ومختلف فيه ، وهو :
من كان مقيماً في بلد من طلاب العلم والتجار ولمّا يستوطنه ، بل متى قضى وطره خرج ، فانها تجب عليه وتنعقد به عندنا ، وعندهم خلاف .
وهذا تصريح بعدم الوجوب
عليها مطلقاً ، وهو الاصح ؛ للاصل ، وتيقّن تكليفها بالظهر فلا تخرج عنه الّا بيقين .
وفي قول الشيخ : بجواز
فعلها تبعاً لغيرها ، اشعاراً باجزائها عن الظهر ـ وهو ظاهر الاخبار ـ وان لم تجب ، كما يأتي في المسافر والعبد . وقد روى ابو همام عن ابي الحسن علیه السلام : « إذا صلت المرأة مع الامام ركعتين الجمعة فقد نقصت صلاتها ، وان صلت في المسجد أربعاً فقد نقصت صلاتها ، لتصلّي في بيتها اربعاً أفضل » .
والعامة حكموا بالاجزاء
؛ لانها تجزئ الذين لا عذر لهم لكمالها فلان تجزئ اصحاب العذر أولى ، ولم يستثنوا سوى المجنون . وجوّزوا للنساء والعبيد والمسافرين الانصراف بعد الحضور فيصلون الظهر ، بخلاف المريض ؛ لان المانع في حقه المشقة وقد زالت بحضوره ، ومشقة العود لازمة له على تقديري
__________________
صلاة
الجمعة والظهر ، اللهم الا ان يكون في اقامة الجمعة انتظار زائد تزيد به مشقته ، والحقوا به أصحاب المعاذير الملحقة بالمرض كالمطر والوحل الشديد والتمريض .
أقول :
الخلاف الذي اشار اليه في المبسوط في الطلاب والتجار لابي اسحاق من الشافعية ، كان يقول : لا تنعقد بي الجمعة لاني ما استوطنت بغداد فاني على عزم الخروج متى اتفق لي الى مصر والشام
، وخالفه ابن ابي هريرة وزعم انعقادها به كمذهبنا ، مع انهم متفقون على وجوبها
عليهما وانما الخلاف في تمام عدد الجمعة بهم ، والذي صححوه مذهب ابي اسحاق ؛ لان النبي صلّى الله عليه وآله لم يجمّع في حجة الوداع وقد وافق يوم عرفة يوم الجمعة وانما لم يجمّع لانّه ومن معه لم يكونوا متوطنين وان كانوا قد
عزموا على الاقامة اياماً .
قلت :
هذا كله اذا كان المقيم قد خرج عن التقصير في السفر بنيّة المقام عشرة عندنا ، أو مضي ثلاثين يوماً في مصر وبنيّة اقامة اربعة أيام غير يومي الدخول والخروج عندهم .
الرابع :
الحضر ، فلا تجب على المسافر ؛ لما سبق عندنا وعند أكثر العلماء . واوجبها عليه النخعي والزهري .
ويستمر عدم الوجوب حتى
يلزمه الاتمام بما ذكرناه ، أو بغيره من اسباب الاتمام ، ككون السفر معصية وكون المسافر كثير السفر .
ويحرم انشاء السفر
بعد الزوال ؛ لانها قد وجبت عليه ، فلا يجوز الاشتغال
__________________
بما
يؤدي إلىٰ تركها كالتجارة واللهو . وهذا إلزام لابي حنيفة حيث قال : يجوز إلّا أن يضيق الوقت بناءً علىٰ
قوله : إنّ الصلاة تجب بآخر الوقت .
فإن قلت : الصلاة وإن وجبت بأوله إلّا أنها موسعة ، فلم يمنع السفر ولمّا يتضيّق الوقت ؟
قلت :
لأنه مانع من اقامتها في دوامه ، ففيه اسقاط للواجب بعد حصول سببه ، ولأن التضيّق غير معلوم ، فانّ الناس تابعون للامام ووقت فعله غير معلوم .
ويكره السفر بعد الفجر
قبل الزوال ، لعدم حصول السبب الموجب ، واضافة الصلاة إلىٰ الجمعة لا يقتضي كون اليوم بأسره سبباً ، وانّما كره لما
فيه من منع نفسه من افضل الفرضين .
تنبيهات :
الأول :
لو كان السفر واجباً ـ كالحج والغزو ـ أو مضطراً إليه فلا كراهة فيه . والاقرب انتفاء التحريم أيضاً لو كان بعد الزوال ، إذا كان التخلف يؤدي إلىٰ فوت الغرض أو صعوبة الالتحاق بالرفقة ، أما لو : خاف الانقطاع عن الرفقة في غير السفر الواجب أو الضروري فانّه ليس عذراً .
الثاني :
لو خرج بعد الزوال فيما منع منه فهو عاص بسفره ، فلا يترخّص حتىٰ تفوت الجمعة ، فيبتدئ سفره من موضع تحقق الفوات .
__________________
الثالث :
لو كان بين يدي المسافر جمعة اُخرىٰ يعلم ادراكها ، ففي جواز السفر بعد الزوال وانتفاء كراهته قبله نظر ، من اطلاق النهي وانه مخاطب بهذه الجمعة ، ومن حصول الغرض .
ويحتمل ان يقال : ان
كانت الجمعة في محل الترخص لم يجز ، لان فيه اسقاطاً لوجوب الجمعة وحضوره فيما بعد تجديد للوجوب ، إلّا ان يقال : يتعيّن عليه الحضور وان كان مسافراً ، لان اباحة سفره مشروط بفعل الجمعة .
ومثله لو كان بعيداً
بفرسخين فما دون عن الجمعة ، فخرج مسافراً في صوب الجمعة ، فانه يمكن أن يقال : يجب عليه الحضور عيناً وان صار في محل الترخص ، لانّه لولاه لحرم عليه السفر .
ويلزم من هذين تخصيص
قاعدة عدم الوجوب العيني علىٰ المسافر .
ويحتمل عدم كون هذا القدر
محسوباً من المسافة لوجوب قطعه علىٰ كل تقدير ، اما عيناً كما في هذه الصورة ، أو تخييراً كما في الصورة الاُولىٰ ، ويجري مجرىٰ الملك في أثناء المسافة . ويلزم من هذا خروج قطعة من السفر عن اسمه بغير موجب مشهور وان كانت قبل محل الترخص ، كموضع يرىٰ الجدار أو يسمع الأذان ، ان امكن هذا الغرض حاز .
الرابع :
قال ابن الجنيد : لو نوىٰ المسافر المقام خمسة أيام في البلد لزمه حضورها ، لانه يصير بحكم المقيم عنده . وهو في
رواية محمد بن مسلم عن الصادق علیهالسلام لما سأله عن المسافر يحدث نفسه باقامة
عشرة
__________________
ايام
، قال : « فليتم الصلاة » . فقال له : بلغني انك قلت خمساً . قال : « قد قلت ذلك » . فقال له أبو ايوب : أيكون أقلّ من خمس ؟ قال : « لا »
.
وهو معارض بصحيح زرارة
عن الباقر علیهالسلام : « إذا دخلت أرضاً ، فايقنت ان لك بها مقام عشرة أيام ، فاتمّ الصلاة »
، وفي « اذا » معنىٰ الشرط ، والمشروط عدم عند عدم الشرط .
وحمل الشيخ الرواية الاُولىٰ
علىٰ انّه من خصوصيات مكة والمدينة والفاضل على الاستحباب . وفيهما نظر :
اما الأول : فلانه
يجوز المقام فيهما ، نوىٰ المقام مطلقاً أو لم ينو علىٰ الاصح ـ وهو مذهب الشيخ ـ فلا معنىٰ للتقييد بالخمسة ، فان
التزم الشيخ بتوقف التمام علىٰ مقام الخمسة ـ كما وقفه ابن بابويه علىٰ العشرة
ـ فهو مردود ، وان قال الشيخ : اذا اقام خمسة تأكد له التمام في الحرمين ، فهو محتمل ولكن ظاهر الرواية انه يصير حتماً ، ولهذا منع من التمام لأقل من خمس .
وأما حمل الفاضل ذلك
علىٰ الاستحباب ، فان أراد به استحباب اتمام الصلاة بمقام خمسة فلم يصر إليه أحد من الاصحاب ، وان أراد به استحباب حضور الجمعة بذلك فلا بأس به ، إلّا انّ الرواية ليس فيها تعرّض للجمعة ، وانما صلاة الجمعة فرد من أفراد توابع الإقامة ، فان صحّ ان ذلك
__________________
القدر
محصل للاقامة وجبت الجمعة وإلّا فلا .
والاصح اعتبار العشرة
، لانّ الرواية به اصحّ سنداً ، والقائل به أكثر عدداً ، بل لا نعلم فيه خلافاً لغير ابن الجنيد ، ولو عدت المسألة من الاجماع لم يكن بعيداً .
الخامس :
لو حضر المسافر موضع إقامة الجمعة ، وجبت عليه وانعقدت به علىٰ احد القولين ، لصحتها منه فتنعقد به وتجب عليه ، والرواية الضعيفة عن غياث تضمنت ذلك ، وهو فتوىٰ الشيخ في الخلاف وتبعه ابن ادريس والمحقق
.
ومنع في المبسوط من الوجوب
والانعقاد وان جاز فعلها ، والفائدة انّه لا يتم به العدد ، وتبعه ابن حمزة والفاضل
، لأنه ليس من اهل فرض الجمعة فهو كالصبي ، ولانّ الجمعة انما تنعقد بالمسافر تبعاً لغيره ، فكيف يكون متبوعاً ؟ ولانّه لو جاز ذلك جاز انعقادها بجماعة المسافرين وان لم يكن معهم حاضرون .
واجيب بان الفرق بينه
وبين الصبي عدم التكليف ، فانّه لا يتصور في حق الصبي الوجوب بخلاف المسافر ، ونمنع التبعية للحاضر ، والالتزام بانعقادها بجماعتهم ، والظاهر ان الاتفاق واقع علىٰ صحتها بها واجزائها عن
__________________
الظهر
.
السادس :
الافضل للمسافر حضور الجمعة ، ليفوز بصفة الكمال .
أمّا المرأة فالافضل
لها ترك السعي إلىٰ الجمعة ، لما مرّ في رواية أبي همام . ولا فرق بين المسنّة والشابة ، لظاهر الخبر ، ولعموم الأمر
لهنّ بالستر .
الأمر الخامس : الحرية
، فلا تجب علىٰ العبد باجماعنا ، وهو قول أكثر العامة .
وأوجبها داود عليه
مطلقاً . وعن أحمد روايتان . وقال الحسن البصري وقتادة تجب علىٰ المخارج ـ وهو الذي يؤدي الضريبة ـ وعلىٰ المكاتب .
لنا : ما سبق ، وانعقاد
الاجماع قبل هؤلاء وبعدهم .
ولا فرق بين اُم الولد
وغيرها ، ولا بين المدبر وغيره ، وكذا من تحرر بعضه .
ولو هاياه المولىٰ
فاتفقت في نوبته لم تجب ، لبقاء الرق المانع ، واستصحاب الواقع .
وأوجبه في المبسوط
ـ وهو وجه للشافعية ـ لانقطاع سلطنة
__________________
السيد
عن استخدامه . ويلزم مثله في المكاتب وخصوصاً المطلق ، وهو بعيد ، لأن مثله في شغل شاغل ، إذ هو مدفوع في يوم نفسه إلىٰ الجدّ في الكسب لنصفه الحر ، فالزامه بالجمعة حرج عليه .
فرع :
لو قلنا بوجوبها علىٰ
قول الشيخ ، ففي انعقادها به الوجهان السالفان ، ولا يكون للتشبث بالحرية أثر في الانعقاد .
ولو ألزمه المولىٰ
بالحضور ، احتمل وجوبه لوجوب طاعته فيما ليس عبادة ففيها أولىٰ ، وعدمه لأنه لا يملك ايجاب عبادة عليه . ولو حضر صحت منه ، وفي انعقادها به القولان المذكوران في المسافر والقائلان .
واحتج في المختلف علىٰ
منع انعقادها به ، بأنّ وجوبها عليه يستلزم أن لا ينفك التكليف عن وجه قبح ؛ لأن العبد لا يجب عليه الحضور ولا يجوز إلّا باذن مولاه ، فلو اعتدّ بحضوره في تكميل العدد لم ينفك هذا التكليف من القبيح ، وهو الحضور المستلزم للتصرف في مال الغير بغير اذنه ظاهراً .
وجوابه اعتباره في العدد
من قبيل الواجب المشروط ، فانّه إن حضر ثمّ به العدد ، وإلّا سقط الوجوب إذا توقف الحضور عليه ، كما في حق الأعمىٰ والمريض والبعيد اجماعاً ، وكما يقوله الفاضل وغيره في
__________________
الجمعة
حال الغيبة .
واحتج الشيخ في الخلاف
بعموم الدليل الدال علىٰ اعتبار العدد في العبد وغيره ، ولا يخلو قوله فيه وفي المسافر من
قوة .
السادس :
ارتفاع العمىٰ ، فلا تجب علىٰ الاعمىٰ عند الاصحاب
سواء كان قريباً عن المسجد أوْ لا ، وسواء وجد قائداً أوْ لا ، لما سلف ، ولعموم :
( لَيْسَ عَلَىٰ
الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ ) وهو حاصل في الجملة .
واوجبه عليه الشافعي
واحمد مع المكنة لان عتاب بن مالك قال : يا رسول الله اني رجل محجوب البصر ، وان السيول تحول بيني وبين المسجد ، فهل لي من عذر ؟ فقال علیهالسلام : « اتسمع النداء » فقال : نعم . فقال
: « ما اجد لك عذراً اذا سمعت النداء » .
والجواب : الحمل علىٰ
الاستحباب المؤكد .
ولا خلاف في سقوطها
عنه لو لم يجد قائداً ، أو وجده بأجرة غير مقدورة له ، ولو قدر عليها وجبت عندهما وهو ممنوع . ولو حضر
__________________
وجبت
عليه وانعقدت به ، لزوال الضرورة حينئذ .
السابع :
ارتفاع العرج البالغ حد الاقعاد ، للآية ، وانتفاء الحرج . ولو لم يبلغ حد الاقعاد وانتفت المشقة ، وجب الحضور . ولو حصلت ، فالظاهر السقوط إذا لم يتحمل مثلها عادة ، وعلىٰ هذا وعلىٰ المقعد
يحمل اطلاق الشيخ .
ولم يذكر المفيد ـ رحمهالله ـ العرج ولا المرتضىٰ في الجمل
وقال في المصباح : وقد روي ان العرج عذر ، وهو يشعر بتوقّفه .
الثامن :
ارتفاع الشيخوخة البالغة حد العجز أو المشقة الكثيرة ، لا مطلق الشيخوخة . وعليه تحمل رواية زرارة عن الباقر علیهالسلام : « فرض الله الجمعة » الخبر .
التاسع :
ارتفاع المطر ، لقول الصادق علیهالسلام : « لا بأس ان تدع الجمعة في المطر » . وفي معناه الوحل ، والحر الشديد ، والبرد الشديد ، إذا خاف الضرر معهما . وفي معناه من عنده : مريض يخاف فوته بخروجه الىٰ الجمعة ، أو تضرره به ، ومن له خبز يخاف احتراقه ، وشبه ذلك .
قال المرتضىٰ :
وروي انّ من يخاف علىٰ نفسه ظلماً أو ماله فهو معذور ، وكذا من كان متشاغلاً بجهاز ميت ، أو تعليل والدٍ ، أو من يجري
__________________
مجراه
من ذوي الحرمات الوكيدة .
ولا ريب في سقوطها عن
المحبوس والممنوع عنها . نعم ، لو حبس بحق وهو قادر عليه ، وجب عليه الخروج منه والسعي إليها ، فيأثم بتركه .
العاشر :
ارتفاع البعد عن محل الجمعة ، واختلف في تقديره علىٰ أربعة أقوال :
الأول :
ان يكون أزيد من فرسخين ، وهو المشهور ، لقول الصادق علیهالسلام : « تجب علىٰ من كان منها علىٰ
فرسخين ، فان زاد فليس عليه شيء » رواه محمد بن مسلم وحريز .
الثاني :
ان قدر البعد فرسخان ، فلا تجب علىٰ من بعد بهما ، وهو قول الصدوق وابن حمزة لما مرّ من خبر زرارة السابق
.
ويعارضه خبره هذا
.
ويجمع بينهما بان المراد
بمن كان علىٰ رأس فرسخين ان يكون أزيد منهما ، فانه قد يفهم منه ذلك ، وإلّا لتناقض مع ان الراوي واحد .
الثالث :
قول ابن أبي عقيل : انها تجب علىٰ كل من إذا غدا من اهله بعد ما صلّىٰ الغداة أدرك الجمعة ، لا علىٰ من لم يكن كذلك
.
__________________
الرابع :
انها تجب علىٰ من إذا راح منها وصل إلىٰ منزله قبل خروج يومه .
ويشهد لهما صحيح زرارة
عن الباقر علیهالسلام : « الجمعة واجبة علىٰ من إذا صلّىٰ الغداة في اهله أدرك الجمعة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله انما يصلّي العصر في وقت الظهر في سائر الأيام ، كي اذا قضوا الصلاة مع رسول الله صلىاللهعليهوآله رجعوا إلىٰ رحالهم قبل الليل ، وذلك
سنّة الى يوم القيامة » .
والجواب حمل ذلك على الفرسخين
.
تنبيه :
لو زاد البعد علىٰ
فرسخين ، وحصلت عنده الشرائط ، تخيّر بين فعلها في بلده وبين السعي الىٰ الجمعة الاُخرىٰ ، ولا يجوز الاخلال بهما .
ولو لم تحصل عنده الشرائط سقط الوجوب . ولو بعد بفرسخين الىٰ فرسخ ، فان اجتمعت الشرائط عنده تخيّر وإلّا وجب الحضور . ولو نقص عن فرسخ فالحضور ليس إلّا . وكل هؤلاء في الحضور كالاعمىٰ .
الشرط الرابع : الجماعة ، فلا يكفي العدد من دون ارتباط القدوة بينهم اجماعاً ، ولقول الباقر علیهالسلام : « في جماعة »
فتجب نيّة القدوة .
وفي وجوب نيّة الإمام
للامامة هنا نظر ، من وجوب نية كل واجب ، ومن حصول الامامة إذا اقتدىٰ به ، والاقرب الاول .
__________________
فروع :
الأول :
لو كان الإمام عبداً ولم نقل بالانعقاد به ، اشترط كمال العدد بغيره ، وكذا المسافر ، لان جمعتهما صحيحة فيصح الاقتداء فيها .
اما الصبي فيجيء علىٰ
قول الشيخ بجواز الاقتداء به الصحة . والاجود المنع ، لارتفاع القلم عنه ، ونقصه ونقص صلاته اذ لا يسقط بها فرض عن نفسه ، بخلاف العبد والمسافر .
اما لو كان الامام
متنفلا ـ كمسافر صلّىٰ الظهر ـ ففي جوازه نظر ، من نقص صلاته فهو كالصبي ، ومن صحة اقتداء المفترض بالمتنفل . ولو كان مفترضا إلّا ان الفرض غير الجمعة ـ كالصبح ، والظهر لمسافر شرع فيها قبل كمال الشرائط ـ فوجهان مرتبان ، واولىٰ بالجواز ، لان صلاته فرض لا نقص فيها .
الثاني :
لو غاير الامام الخطيب ففي الجواز نظر ، من مخالفته لما عليه السلف ، ومن انفصال كل عن الاُخرىٰ ، ولان غاية الخطبتين ان تكونا كركعتين ويجوز الاقتداء بامامين في صلاة واحدة .
وذهب الراوندي ـ رحمهالله ـ في احكام القرآن الىٰ الاول
، ولعلّه الاقرب إلّا لضرورة .
الثالث :
لو عرض للإمام حدث أو غيره ممّا يخرج من الصلاة ، صحّ استخلافه عندنا . ولا يشترط ان يكون الخليفة ممن سمع الخطبة ، وان كان ذلك افضل . وفي اشتراط استنئاف نيّة القدوة وجه ، لتغاير الامامين .
__________________
ويحتمل
المنع ، لان خليفته قائم مقامه .
ولو لم يستخلف الامام
قدّموا من يتمّ بهم ، سواء كان في الركعة الاُولىٰ أو الثانية ، وليس لهم الانفراد لو كان في الثانية مهما أمكن الائتمام
.
الرابع :
لو بان انّ الامام محدث ، فان كان العدد لا يتم بدونه فالاقرب انّه لا جمعة لهم ، لانتقاء الشرط ، وان كان العدد حاصلاً من غيره صحت صلاتهم عندنا ، لما يأتي ان شاء الله في باب الجماعة .
وربما افترق الحكم هنا
وهناك ، لانّ الجماعة شرط في الجمعة ولم يحصل في نفس الامر ، بخلاف باقي الصلوات ، فان القدوة إذا فاتت فيها يكون قد صلّىٰ منفرداً ، وصلاة المنفرد هناك صحيحة بخلاف الجمعة .
اما لو ظهر فسق الامام
فهو اسهل ، لان صلاته صحيحة في نفسها بخلاف المحدث .
ووجه المساواة ارتباط
صلاة كل منهم بالامام ، فإذا لم يكن أهلاً فلا ارتباط فلا جمعة ؛ ولا نسلم انّ صلاته هنا صحيحة ، لفقد شرط الصحة .
مسائل :
الاولىٰ : يدرك المأموم الجمعة بادراك الركوع اجماعاً ، وبادراكه في الركوع علىٰ الأصح ، سواء أدىٰ واجب الذكر أم لا ، لرواية الحلبي عن أبي
عبد الله علیهالسلام وغيرها
.
__________________
وشرط الشيخ في النهاية
ادراك تكبيرة الركوع لرواية محمد بن مسلم عن الباقر علیهالسلام : « لا يعتد بالركعة التي لم يشهد
تكبيرتها مع الامام » .
وجوابه : الرواية هناك
اشهر ، والقول به أظهر ، وتحمل هذه الرواية على الافضلية .
فرع :
لو شك هل كان الامام
راكعاً أو رافعاً لم يعتدّ بها ، عملاً بالاحتياط ، واشتغال الذمة باليقين فلا تزول بدونه . فان كان قد بقىٰ ركعة اُخرىٰ
وإلّا صلّىٰ ظهراً .
الثانية : لو ركع مع الامام في الاُولىٰ وزوحم عن السجود ، فليس
له السجود علىٰ ظهر غيره ، فان امكن السجود بعد قيام الصفوف واللحاق في الركوع الثاني وجب وأجزأ .
وان لم يمكن حتىٰ
ركع ثانياً فليس له الركوع معه ، فاذا سجد سجد معه ونوىٰ بهما للركعة الاُولىٰ ، ثم اتمّ صلاته بعد التسليم واجزأته اجماعاً
.
وان نوىٰ بهما الثانية
أو لم ينوِ شيئاً ففي رواية حفص بن غياث عن ابي عبد الله علیهالسلام : « ان لم ينو تلك السجدة للركعة الاُولىٰ
لم تجز عنه الاُولىٰ ولا الثانية ، وعليه ان يسجد سجدتين وينوي انهما للركعة الاولىٰ ، وعليه بعد ذلك ركعة تامة يسجد فيها » .
__________________
وعليها الشيخ في المبسوط
والخلاف ، قال : وقد رُوي بطلان الصلاة .
والمرتضىٰ في المصباح
قائل بالصحة .
وفي النهاية : تبطل الصلاة
، لعدم نية انهما للاُولىٰ نظراً الىٰ زيادة السجود المبطلة علىٰ ما مر .
وابن ادريس : انما
تبطل اذا نوىٰ انهما للثانية ، لا بترك نيّة انهما للاُولىٰ . وردّه الفاضل بان أفعال المأموم تابعة
لامامه ، فالاطلاق ينصرف إلىٰ ما نواه الامام وقد نوىٰ للاُولىٰ ، فينصرف فعل المأموم إليه
.
وفي المعتبر لم يعرض
لاشتراط نية انهما للاُولىٰ ، بل اطلق البطلان متىٰ زاد السجدتين ، أخذاً بالأخبار الدالة علىٰ ذلك ، واستضعافاً
للرواية المشار اليها فان حفصاً عامي تولّىٰ القضاء من
قبل الرشيد بشرقي بغداد ثم بالكوفة .
قلت :
ليس ببعيد العمل بهذه الرواية ، لاشتهارها بين الاصحاب وعدم وجود ما ينافيها ، وزيادة السجود مغتفرة في المأموم كما لو سجد قبل امامه ، وهذا التخصيص يخرج الروايات الدالة علىٰ الابطال عن الدلالة . واما ضعف الراوي فلا يضر مع الاشتهار ، علىٰ انّ الشيخ قال في الفهرست : ان
__________________
كتاب
حفص يعتمد عليه .
فروع :
الاول :
لو لم يمكنه السجود في الثانية فاتت الجمعة علىٰ قول
وهل يتمّها ظهراً أو يستأنف ؟ وجهان مبنيان علىٰ انّ الجمعة ظهر مقصورة أو صلاة مستقلة . فعلى الأول يتمّها ظهراً بغير نيّة العدول . وعلىٰ الثاني
هل هي مخالفة للظهر في الحقيقة أو لا ؟ فعلىٰ الأول يستأنف ، وعلىٰ الثاني
يعدل بها اليها ، وهو أقوىٰ .
الثاني :
لو زوحم عن سجود الاُولىٰ فقضاه قبل الركوع الثاني ، ثم ركع مع الامام فزوحم عن السجود فقضاه بعد جلوس الامام للتشهد ، تبع الامام فيه وتمت الجمعة .
الثالث :
لو زوحم عن الركوع في الاولىٰ حتىٰ سجد الامام ، فان تمكن من الركوع والسجود بعد ذلك قبل ركوع الامام للثانية أجزأ ، ثم ركع مع الامام في الثانية . وعليه دلت رواية عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله علیهالسلام .
ولو لحقه بعد رفعه من
الثانية فالاقرب الاجتزاء ، لانه أدرك ركعة مع الامام حكماً وان لم يكن فعلاً ، والرواية تشمله . ووجه المنع انّه لم يلحق ركوعاً مع الامام .
الرابع :
لو ادرك ركوع الثانية ، فزوحم عن سجودها حتىٰ تشهد
__________________
الامام
، سجد وتبعه في التشهد ، وقوّى الفاضل ادراك الجمعة
. اما لو استمر الزحام حتى سلم الامام فهي كالفرع الاول .
المسألة الثالثة : لا يشترط في الصحة إدراك المأموم الخطبة ، لأن حقيقة الصلاة هي الركعتان ، وعليه اكثر العامة
. وقد رُوي عن الصادق علیهالسلام : « من لم يدرك الخطبة يوم الجمعة
يصلّي ركعتين » .
الشرط الخامس : وحدة الجمعة ، فلا يجوز اقامة جمعتين بينهما أقل من فرسخ باجماع الاصحاب ، وقول الباقر علیهالسلام : « لا يكون بين الجمعتين أقل من ثلاثة أميال » . ولا فرق بين ان تكونا في مصر أو
مصرين ، ولا بين ان يكون بينهما نهر عظيم كدجلة أوْ لا .
فان صلّي جمعتان فهنا
صور :
الاُولىٰ : ان تسبق احداهما وتُعلم ، فتصح وتعيد اللاحقة الظهر إذا كان الامامان مأذوناً لهما في الصلاة .
ولو اختص احدهما بالاذن
، فالظاهر اختصاصه بالانعقاد وان تأخّر ، لانّ تعينه يقتضي ايجاب الحضور معه علىٰ الجميع ، فاشتغالهم بالصلاة قبله منهي عنه فيكون فاسداً . نعم ، لو لم تشعر بنصبه أو بوجوده الفرقة الاولىٰ ،
وجوزناها مع تعذّر الامام للآحاد ، فالحكم بصحة الاُولىٰ .
ولا فرق بين قصبة البلد
واقصاه عندنا .
الصورة الثانية : ان يعلم اقترانهما ، فتبطلان اذا كانا مأذونين ، لامتناع
__________________
صحتهما
معاً ، ولا أولوية في أحدهما . ثم ان كان الوقت باقياً صلّوا الجمعة وإلّا فالظهر .
الثالثة : علم السابق عيناً ثم نسي .
الرابعة : علم السبق في الجملة ولم تتعيّن السابقة . وفيه قولان :
احدهما :
قول الشيخ : انهم يصلون جمعة مع السعة لانّه مع الحكم بوجوب الاعادة كأن المصر لم تصل فيه جمعة ، ولان الصحة مشروطة بعلم السبق وهو مفقود فانتفت الصحة .
والثاني : قول الفاضل : انهم يصلون الظهر ، لانا قاطعون بجمعة صحيحة ، فكيف تعاد ؟
ولبعض العامّة وجه بالصحة
فيهما ، لان كل واحدة منهما عقدت علىٰ الصحة ، فلا يفسدها الشك الطارئ . ويضعف بفقد شرط الصحة إذ هو علم السبق ، وهو معدوم بالنظر إلىٰ عين كل واحد منهما .
الصورة الخامسة : ان يشتبه السبق والاقتران . وفيه أيضاً قولان :
أحدهما : قول الشيخ رحمهالله وهو وجوب اعادة الجمعة عليهما مع السعة لان الجمعة متيقنة في الذمة ولم يعلم الخروج عن عهدتها ، إذ
من الصور الممكنة اقترانهما .
والقول الثاني للفاضل
: انهم يجمعون بين اعادة الجمعة والظهر ، أخذاً بمجامع الاحتياط ، لانه ان كان الواقع الاقتران فالجمعة واجبة ، وان
__________________
كان
السبق فالظهر واجبة ، وحينئذ يجتمعون على جمعة أو يتباعدون بفرسخ .
والاقرب قول الشيخ ،
لان اجتماع الفرضين خلاف الاصل ، والأمر بالجمعة قائم حتىٰ يعلم الفعل .
والمعتبر بتقدم التكبير
لا التسليم ، لانها إذا سبقت انعقدت ، فتبطل الطارئة عليها .
ولو أخبر بعد عقده من
عدلين بسبق اُخرىٰ سعىٰ إليها ، وان علم عدم الادراك صلّىٰ الظهر .
الشرط السادس : الوقت ، وفيه مسائل :
الاولىٰ : أوله زوال الشمس يوم الجمعة .
وقال المرتضىٰ
: يجوز أن يصلّي عند قيام الشمس .
وجوز ابن حنبل فعلها
قبل زوال الشمس ، فقدّره بعض الحنابلة بوقت صلاة العيد ، وبعضهم بالساعة السادسة ، لان أبا بكر كان يخطب ويصلي قبل نصف النهار .
لنا : ما رواه انس كان
رسول الله صلىاللهعليهوآله يصلّي الجمعة إذا زالت الشمس . وقال أبو عبد الله علیهالسلام : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يصلي الجمعة
__________________
حين
تزول الشمس قدر شراك ، ويخطب في الظل الاول » . وفعل الصحابي لا يعارض فعل النبي صلىاللهعليهوآله .
الثانية : آخره إذا صار الظل مثله ، عند الشيخ
والفاضلين . ولم نقف لهم علىٰ حجة إلّا أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان يصلّي دائماً في هذا الوقت ، ولا دلالة فيه ، لأنّ الوقت الذي كان يصلىٰ فيه ينقص عن هذا القدر غالباً ، ولم يقل أحد بالتوقيت بذلك الناقص . نعم ، لو قيل باختصاص الظهر بذلك القدر ـ كما هو مذهب العامّة ـ توجه توقيت الجمعة به ، لأنها بدل
منها .
وقال أبو الصلاح :
يخرج وقتها بأن يمضي من الزوال ما يسمع الأذان والخطبتين والصلاة ، فيصلي الظهر حينئذ . .
وقال الجعفي : وقتها
ساعة من النهار ، لما رُوي عن أبي جعفر علیهالسلام أنّه قال : « وقت الجمعة إذا زالت الشمس وبعده بساعة »
ولإجماع المسلمين علىٰ المبادرة بها كما تزول الشمس ، وهو دليل التضيق . وروىٰ
زرارة عن الباقر علیهالسلام : « إن صلاة الجمعة من الأمر المضيق ، إنّما
لها وقت واحد حين تزول الشمس ، ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر
__________________
الأيام
» .
وقال ابن ادريس :
يمتد وقتها بامتداد الظهر ، لتحقق البدلية ، ولاصالة البقاء وتحمل الروايات علىٰ الافضليّة .
الثالثة : لو خرج الوقت وهو متلبس بها ، اتمّها جمعة إذا أدرك ركعة في الوقت ، سواء كان إماماً أو مأموماً .
واعتبر بعض الاصحاب ادراك
تكبيرة الاحرام .
والاول أنسب بأصولنا
، لأنّا لا نكتفي بالتكبير في غير هذه الصلاة بخلاف العامة ، مع إنّ بعضهم يقول : ببطلان الجمعة بخروج الوقت ويصلي ظهراً وبعضهم : ببطلانها من رأس ، بناءً علىٰ إنّ بقاء الوقت
شرط في صحة الجمعة ويدفعه عموم : (
وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) و « من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت » .
الرابعة : إذا تحقق فوات الجمعة صلّيت الظهر ، ولا تكون قضاءً للجمعة ، لعدم السماوات في العدد .
__________________
ومن عبّر من الاصحاب
بانها تقضىٰ ظهراً أراد به معناه اللغوي ، وهو : الاتيان ، كما في قوله تعالىٰ : (
فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ ) واراد بالمأتي به وظيفة الوقت ، فان الوظيفة بالاصالة الجمعة ، وعند تعذّرها تصير الوظيفة الظهر .
الخامسة : لا يشترط في صحة صلاة المؤتم ادراك الخطبتين اذا كان قد خطب الامام للعدد ، وان لم يحضر سواهم ، لرواية الحلبي عن الصادق علیهالسلام فيمن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة : «
يصلي ركعتين » .
نعم ، يكون المأموم
مخطئاً لو فرط في ادراك الخطبة ، لوجوب الحضور عندها ، وخصوصاً علىٰ جعلها بدلاً من الركعتين .
الشرط السابع : الخطبتان ، وفيه مسائل :
الاولىٰ : أجمع الأصحاب علىٰ انّ الخطبتين شرط في انعقاد الجمعة ،
وعليه العامة إلّا الحسن البصري فانّه نفىٰ اشتراطهما
وإلّا فريقاً من العامة فانهم اكتفوا بالواحدة لما رُوي انّ النبي صلىاللهعليهوآله كتب إلىٰ مصعب بن عمير : « ان اجمع من قبلك ، وذكرهم بالله ، وازدلف اليه بركعتين »
، وان عثمان
__________________
في
أول ولايته لما ارتج عليه اكتفىٰ بالواحدة القصيرة
.
وجوابه : معارضة بفعل
النبي صلىاللهعليهوآله وهو ادلّ من القول . والتذكير بالله لا تصريح فيه بأنّه مرة أو اكثر . وفعل عثمان ليس حجة ، وبعض العامة يقول : هذا رخصة لتعذّر الخطبة .
الثانية : يجب فيهما القيام إلّا مع العذر ، تأسياً بالنبي صلىاللهعليهوآله والخلفاء بعده . وروىٰ معاوية بن وهب عن الصادق علیهالسلام : إنّ ابتداع الجلوس في الخطبتين من معاوية ، لوجع كان بركبتيه .
ويجب الجلوس بينهما
جلسة لا كلام فيها ، ليفصل بينهما ، للتأسي ، ورواية معاوية أيضاً عن الصادق علیهالسلام .
الثالثة : تجب فيهما الطهارة من الحدث علىٰ الاصح ، للتأسي ،
ويقين البراءة ، وصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق علیهالسلام : « وإنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين ، فهي صلاة حتىٰ ينزل الامام »
والاتحاد محال ، فالمراد المماثلة في الشرائط والاحكام إلّا ما وقع الاجماع عليه .
__________________
وقال الحليون
الثلاثة : لا تشترط الطهارة للاصل ، وفعل النبي صلىاللهعليهوآله للطهارة لا يدل علىٰ الوجوب ، فانّه
كان يحافظ علىٰ المندوبات كمحافظته علىٰ الواجبات ، ولانّه قد تقرر في الاُصول انّه لا يجب التأسي فيما لم يعلم وجهه .
والجواب الأصل يصار إلىٰ
خلافه للدليل ، والرواية الصحيحة ناهضة به ، وفعل النبي صلىاللهعليهوآله مبيّن بقول الصادق علیهالسلام .
الرابعة : الأولىٰ ايقاعهما بعد الزوال ، لقوله علیهالسلام : « فهي صلاة » .
ولان معه يقين البراءة
. وروىٰ محمد بن مسلم في حديث مضمر المسئول ظاهره انه الامام : « يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب » وهو قول معظم الاصحاب .
وقال الشيخ : يجوز
قبل الزوال ونقل فيه الإجماع واختاره في
__________________
المعتبر
.
وروىٰ العامة
عن أنس : ان النبي صلىاللهعليهوآله كان يصلي إذا مالت الشمس ، وظاهره ان الخطبة وقعت قبل ميلها .
وروىٰ الاصحاب
بسند صحيح إلىٰ عبد الله بن سنان عن الصادق علیهالسلام ، قال : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ، ويخطب في الظل الاول ، ويقول جبرئيل : يا محمد قد زالت فانزل فصل » .
وهذه الرواية قوية اسناداً
ومتناً . وتأويلها بان المراد بـ « الظل الاول » هو : الفيء الزائد علىٰ ظل المقياس ، فإذا انتهىٰ في الزيادة الىٰ
محاذاة الظل الاول ـ وهو : أن يصير ظل كل شيء مثله ـ صلّىٰ الظهر ـ كما أوّله الفاضل ـ بعيد ، لانه خلاف الظاهر من وجهين : أحدهما : انّ الظل لغة
ما قبل الزوال ، والاصل عدم النقل ، وتقييده بـ « بالاول » رفع للتجوز به عن الفيء .
والثاني : ان زوال الشمس
حقيقة شرعية في مثلها عند منتصف النهار ، والتقييد بـ « قدر الشراك » قرينة له ايضاً .
علىٰ ان التأويل
يلزم منه ظاهراً ايقاع الجمعة بعد خروج وقتها عند صاحب التأويل .
الخامسة : يجب في الخطبة حمد الله تعالىٰ بصيغة ( الحمد لله ) ،
__________________
والصلاة
علىٰ النبي وآله صلىٰ الله عليهم ، والوعظ ، وقراءة ما تيسر من القرآن .
واوجب الشيخ في أحد
قوليه سورة لما رواه سماعة عن أبي عبد الله علیهالسلام وهو بصيغة « ينبغي » وليس فيه تصريح بالوجوب
.
وقال ابن الجنيد والمرتضىٰ
: ليكن في الاخيرة قوله تعالىٰ : (
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ) الآية
وأورده البزنطي في جامعة ورواه ابن يعقوب عن محمد بن مسلم عن الباقر علیهالسلام .
وأبو الصلاح ـ رحمهالله ـ لم يذكر القراءة في الخطبتين ، ولا يدل علىٰ فتواه بعدم الوجوب .
ويجب الترتيب بين أجزاء
الخطبة ـ أعني : الحمد وما بعده ـ وايقاعها بالعربية ، كل ذلك للتأسي .
وظاهر كلام المرتضىٰ
وجوب الاستغفار للمؤمنين فيها ، وانه يجب التلفظ بالشهادة بالرسالة في الاُولىٰ ، والصلاة علىٰ النبي في الثانية
.
فرع :
لو لم يفهم العدد العربية
، احتمل قوياً جوازه بالعجمية التي يفهمونها ، تحصيلاً للغرض .
__________________
السادسة : يستحب في الخطيب اُمور :
أحدها :
استقبال الناس في خطبته ، عملاً بالمأثور عن النبي صلىاللهعليهوآله والسلف وروىٰ السكوني عن الصادق علیهالسلام : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : كل واعظ قبلة » .
وثانيها : أن يسلّم علىٰ الناس أول ما يصعد علىٰ المنبر ، وبه
أفتىٰ المرتضىٰ لما روي عن عمرو بن جميع يرفعه عن علي علیهالسلام ، أنّه قال : « من السّنة إذا صعد الامام المنبر أن يسلّم إذا استقبل الناس »
وعليه عمل الناس .
وقال في الخلاف : لا
يستحب التسليم وكأنه لم يثبت عنده سند الحديث .
وثالثها : الاعتماد علىٰ قوس أو سيف أو قضيب ، تأسياً بالنبي صلىاللهعليهوآله ، فإنه روي أنه كان يخطب وفي يده قضيب . وروىٰ عمر بن يزيد عن الصادق علیهالسلام : « ويتوكأ علىٰ قوس أو عصىٰ
» .
ورابعها : التعمم ، شتاءً كان أو قيظاً ، والارتداء ببرد يمنيّ أو عدني
،
__________________
رواه
سماعة عن الصادق علیهالسلام
، لانه أنسب بالوقار ، وللتأسي . وفي رواية عمر بن يزيد : « ليلبس البرد والعمامة » .
وخامسها : القيام علىٰ مرتفع لذلك أيضاً ، ورفع صوته بحيث يكثر الاسماع . والاقرب وجوب اسماع العدد ، للتأسي ، وحصول الفائدة .
وسادسها : كونه بليغاً ، بمعنىٰ : جمعه بين الفصاحة التي هي خلوص الكلام من التعقيد ، وبين البلاغة وهي بلوغه بعبارته كنه ما في نفسه ، مع الاحتراز عن الايجاز المخل والتطويل الممل .
وسابعها : مواظبته علىٰ الصلوات في أول أوقاتها ، واتصافه بما يأمر
به ، وانزجاره عما ينهى عنه ، ليكون وعظه أبلغ في القلوب .
السابعة : الأقرب انّ حضور العدد شرط في صحة الخطبة ، كما هو شرط في صحة الصلاة . ولم اقف فيه علىٰ مخالف منّا ، وعليه عمل الناس في سائر الاعصار والامصار ، وخلاف أبي حنيفة هنا
مسبوق بالاجماع وملحوق به ، أعني : الاجماع الفعلي من المسلمين .
الثامنة : المشهور ان السامع يجب عليه الانصات للخطبة ، ويحرم عليه الكلام ، أفتىٰ به الاكثر ، وحديث عبد الله بن سنان الصحيح يدل
__________________
عليه
تسوية بين المثلين في الاحكام . وفي
صحيح محمد بن مسلم عن الصادق علیهالسلام : « اذا خطب الامام
يوم الجمعة ، فلا ينبغي لأحد أن يتكلم حتىٰ يفرغ الامام من خطبته ، فإذا فرغ الامام من خطبته تكلم ما بينه وبين أن
تقام الصلاة » .
ولان الشيخ نقل فيه الإجماع
.
وقيل بالكراهية واستحباب
الانصات ، وهو قول الشيخ في المبسوط وموضع من الخلاف لقضية الأصل . ويدفعه الدليل .
فروع :
الاول :
لا تبطل الصلاة ولا الخطبة بالكلام ولو قلنا بتحريمه ، لانه أمر خارج عن الخطبة .
الثاني :
الظاهر انّ تحريم الكلام مشترك بين الخطيب والسامعين ـ أو الكراهية ـ إلّا لضرورة .
وقد روىٰ العامة
انّ رجلاً سأل النبي صلىاللهعليهوآله عن الساعة وهو يخطب ، فقال : « ما اعددت لها ؟ » فقال : حب الله ورسوله . فقال : « انك مع من احببت » . وهذا إن صح دليل علىٰ الجواز للخطيب ، والظاهر انه
يدلّ علىٰ السامع بطريق الأولىٰ .
__________________
وقد روىٰ العامة
أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : « إذا قلت لصاحبك : انصت ، فقد لغوت » .
وسأل أبو الدرداء اُبي
بن كعب عن سورة تبارك متىٰ اُنزلت والنبي يخطب ، فلم يجبه ، ثم قال له : ليس لك من صلاتك إلّا ما لغوت . فاخبر النبي صلىاللهعليهوآله بذلك ، فقال : « صدق اُبّي »
.
الثالث :
قال المرتضىٰ رحمهالله : يحرم أيضاً من الافعال ما لا يجوز
مثله في الصلاة ، نظراً إلىٰ الحديث السالف وانهما بدل من الركعتين
.
الرابع :
قيل الخلاف في التحريم والكراهة إنّما هو في مَن يمكن في حقه السماع ، أما من لا يمكن ـ كالبعيد والاصم ـ فلا . ويجوز الكلام عند الضرورة ، كتحذير أعمىٰ من التردّي ، وشبهه .
الخامس :
الظاهر أنّ حالة الجلوس بين الخطبتين في تحريم الكلام كحال الخطبتين ، لأنه في حكم الخطبة . وجوّزه الفاضل ، لعدم سماع شيء يشغله عنه الكلام .
تنبيه :
روىٰ الاصحاب
عن الصادق علیهالسلام النهي عن الصلاة حال الخطبة
وهو
__________________
يتناول
صلاة التحية وغيرها . وللعامة فيها قولان وبهما روايتان عن النبي صلىاللهعليهوآله
.
التاسعة : ينبغي أن يكون أذان المؤذن بعد صعود الامام علىٰ المنبر
والامام جالس ، لقول الباقر علیهالسلام فيما رواه عبد الله بن ميمون : « كان
رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا خرج إلىٰ الجمعة قعد علىٰ
المنبر حتىٰ يفرغ المؤذنون » . وبه أفتىٰ ابن الجنيد وابن ابي عقيل والاكثر
.
وقال أبو الصلاح رحمهالله إذا زالت الشمس أمر مؤذنيه بالأذان ، فإذا فرغوا منه صعد المنبر فخطب .
ورواه محمد بن مسلم قال
: سألته عن الجمعة ، فقال : « أذان وإقامة ، يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر » .
ويتفرع علىٰ الخلاف
ان الأذان الثاني الموصوف بالبدعة أو الكراهة ما هو ؟
وابن ادريس يقول : الأذان
المنهي عنه هو الأذان بعد نزوله مضافاً إلىٰ
__________________
الأذان
الاول الذي عند الزوال .
والشيخ في المبسوط اطلق
كراهة الثاني ، وروي انّه من فعل عثمان ، وقال عطاء : هو من فعل معاوية .
وسماه بعض الاصحاب ثالثاً
بالنظر الىٰ الاقامة . وروىٰ حفص بن غياث ، عن جعفر علیهالسلام ، عن ابيه ، قال : « الأذان الثالث يوم
الجمعة بدعة » .
قال في المعتبر : حفص
ضعيف ، والأذان ذكر يتضمّن التعظيم ، لكن من حيث لم يفعله النبي صلىاللهعليهوآله ولم يأمر به كان أحق بوصف الكراهة
.
قلت :
لا حاجة الىٰ الطعن في السند ، مع قبول الرواية التأويل وتلقّي الاصحاب لها بالقبول ، بل الحق ان لفظ البدعة ليس تصريحاً في التحريم ، فان المراد بالبدعة ما لم يكن في عهد النبي صلىاللهعليهوآله ثم تجدّد بعده ، وهو ينقسم إلىٰ : محرم ومكروه ، وقد بيّنا ذلك في القواعد
.
__________________
المطلب
الثاني : في الآداب .
وفيه مسائل :
الاولىٰ : قد سبق استحباب الجمعة والمنافقين فيها ، والجهر ، والقنوت ، والتنفل بعشرين ركعة .
ويستحب التأهب لها بالغسل
ـ لما سبق ـ وحلق الرأس ، وقلم الأظفار ، وجزّ الشارب ، والتطيّب ، ولبس أفضل الثياب ولتكن بيضاء ، والسعي بالسكينة والوقار ، تأسياً ، ولقول الصادق علیهالسلام في تفسير قوله تعالىٰ : (
خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ )
هو : « في العيدين والجمعة » .
وقال علیهالسلام : « ليتزين أحدكم يوم الجمعة
ويتطيّب ، ويسرّح لحيته ، ويلبس انظف ثيابه ، وليتهيأ للجمعة ، وتكون عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار .
وعن النبي صلىاللهعليهوآله : « أحب الثياب إلىٰ الله تعالىٰ البيض ، يلبسها أحياؤكم ، ويكفّن فيها موتاكم » .
ويتأكد التجمّل في حق
الامام ، والزيادة فيه عن غيره .
الثانية : يستحب الدعاء امام توجهه بقوله : « اللهم من تهيأ وتعبأ » الىٰ
__________________
آخره
، رواه أبو حمزة الثمالي عن الباقر علیهالسلام
.
والمباكرة إلىٰ
المسجد ، فعن الباقر علیهالسلام : إنه كان يبكر إلىٰ المسجد يوم الجمعة حين تكون الشمس قيد رمح ، فإذا كان شهر رمضان يكون قبل ذلك .
وروىٰ عبد الله
بن سنان ، قال : قال الصادق علیهالسلام : « إنّ الجنان لتزخرف وتزين يوم الجمعة لمن اتاها ، وإنكم تتسابقون إلىٰ الجنة علىٰ قدر
سبقكم إلىٰ الجمعة » .
وروىٰ العامة ـ
في الصحيح ـ عن النبي صلىاللهعليهوآله ، أنّه قال : « من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنّما قرّب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشاً ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنّما قرّب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرّب بيضة ، فإذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون الذكر » . وهذا حجّة علىٰ مالك حيث انكر استحباب السعي قبل النداء
.
وروىٰ الكليني
باسناده إلىٰ محمّد بن مسلم عن الباقر علیهالسلام : تجلس الملائكة يوم الجمعة علىٰ باب المسجد ، فيكتبون الناس علىٰ منازلهم الاول
__________________
والثاني
حتىٰ يخرج الامام . وقريب منه رواه
العامة .
الثالثة : يستحب للخطيب الجلوس اذا صعد علىٰ المنبر قبل الخطبة بقدر قراءة ( قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ ) رواه محمد بن مسلم
. وليكن ذلك بعد سلامه علىٰ الناس لما مرّ ، ويجب عليهم الردّ كفاية .
ويستحب تحرّي ساعة الاجابة
في يوم الجمعة للدعاء . روىٰ معاوية ابن عمار ، عن أبي عبد الله علیهالسلام : ان الساعة التي يستجاب فيها الدعاء اذا
خرج الامام . فقال له : انّ الامام يعجّل ويؤخّر . فقال علیهالسلام : « إذا زاغت الشمس » .
وفي الصحاح عن النبي صلىاللهعليهوآله ، وذكر يوم الجمعة فقال : « فيه ساعة ، لا يوافقها عبد مسلم ، وهو يصلي يسأل الله شيئاً ، إلّا أعطاه إيّاه » . وفي رواية اُخرىٰ : « لا يسئل الله فيها خيراً إلّا أعطاه
» ولم يذكر الصلاة .
وعنه صلىاللهعليهوآله : « هي ما بين ان يجلس الامام الىٰ ان يقضي الصلاة »
.
__________________
وقال الشيخ في الخلاف
: هي ما بين فراغ الامام من الخطبة إلىٰ ان يستوي الناس في الصفوف وهو مروي ايضاً عن الصادق علیهالسلام في الصحيح قال علیهالسلام : « وساعة اُخرىٰ من آخر النهار الىٰ
غروب الشمس » .
ورُوي انّه اذا غاب
من الشمس نصفها ، وان فاطمة عليهاالسلام كانت تتحرّىٰ ذلك .
الرابعة : يستحب تحري المأثور عن النبي صلىاللهعليهوآله في الخطبة من الالفاظ ، وفي نهج البلاغة أي بلاغ .
ويستحب تقصير الخطبة
، لما روي في الصحاح انّ عماراً خطب فاوجز وابلغ ، فلما نزل قلنا : يا ابا اليقظان قد أبلغت واوجزت ! فلو كنت تنفست . فقال : إني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « ان طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه ، فاطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة »
.
قلت :
المئنة ـ بفتح الميم وكسر الهمزة وتشديد النون ـ معناها : المخَلَقة ، والمجدرة ، والعلامة .
الخامسة : يكره لغير الامام ان يتخطّىٰ رقاب الناس قبل خروج الامام
وبعده ، وسواء كان له موضع معتاد أم لا ، لقول النبي صلىاللهعليهوآله لمن تخطّىٰ
__________________
رقاب
الناس : « آذيت وآنيت » أي : أبطأت .
السادسة : يستحب زيادة العمل الصالح في يوم الجمعة والصدقة ، خصوصاً الإكثار من الصلاة علىٰ النبي وآله صلّىٰ الله عليهم يوم الجمعة
.
روىٰ عمر بن
يزيد عن أبي عبد الله علیهالسلام : « اذا كان ليلة الجمعة نزل من السماء ملائكة بعدد الذر ، في ايديهم أقلام الذهب وقراطيس الفضة ، لا يكتبون إلىٰ ليلة السبت إلّا الصلاة علىٰ محمد وآل محمّد صلّىٰ
الله عليهم ، فاكثر منها . يا عمر : انّ من السنّة ان تصلي علىٰ محمد واهل بيته في كل
ليلة جمعة ألف مرة ، وفي سائر الأيام مائة مرة » .
وروىٰ القداح
عن الصادق علیهالسلام ، قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أكثروا من الصلاة عليّ في الليلة الغراء واليوم الازهر ليلة الجمعة ويوم الجمعة » . فسئل الىٰ كم الكثير . فقال : « إلىٰ مائة ، وما زاد فهو افضل »
. وروى المفضل عن أبي جعفر علیهالسلام ، قال : « ما من شيء يعبد الله به يوم
الجمعة أحبّ إليّ من الصلاة علىٰ محمد وآل محمد »
.
ويستحب ان يتحرّىٰ
الخارج من المنزل لخروج الشتاء ، والداخل إليه بدخوله ، ليلة الجمعة . رواه عبد الله بن سنان عن الصادق علیهالسلام : ان رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يستحبّه
.
__________________
السابعة : يستحب ان يقرأ في دبر الغداة يوم الجمعة سورة الرحمن جل جلاله . ثم يقول كلّما قال (
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ )
: « لا بشيء من آلائك رب أكذّب » ، رواه حماد بن عثمان عن أبي عبد الله علیهالسلام .
وقراءة الكهف ليلة الجمعة
، فانها كفّارة لما بين الجمعتين ، رواه محمد بن أبي حمزة عنه علیهالسلام . ورُوي من قرأها يوم الجمعة بعد الظهر
أو العصر مثل ذلك .
ويستحب قراءة التوحيد
بعد الفجر مائة مرة ، والاستغفار مائة مرة ، وقراءة سورة النساء وهود والكهف والصافات ، وزيارة النبي والأئمة عليهمالسلام ، وتتأكد زيارة الحسين علیهالسلام .
ويكره فيه انشاد الشعر
، والحجامة .
ويستحب أن يقول عقيب العصر
يوم الجمعة ما رواه ناجية ، قال : قال أبو جعفر علیهالسلام : « إذا صليت العصر يوم الجمعة فقل : اللهم
صلّ علىٰ محمد وآل محمد الاوصياء المرضيين بافضل صلوات ، وبارك عليهم بافضل بركاتك ، وعليهم السلام وعلىٰ أرواحهم واجسادهم ورحمة الله وبركاته . فانّ من قاله في دبر العصر كتب الله له مائة ألف حسنة ، ومحىٰ عنه مائة ألف سيئة ، وقضىٰ له مائة ألف حاجة ، ورفع له بها مائة ألف درجة »
.
وروىٰ ابان عن ابي
عبد الله علیهالسلام ، قال : « ان للجمعة حقاً وحرمة ، فاياك
ان تضيّع أو تقصّر في شيء من عبادة الله ، والتقرب إليه بالعمل الصالح ،
__________________
وترك
المحارم كلها ، فان الله يضاعف فيه الحسنات ، ويمحو فيه السيئات ، ويرفع فيه الدرجات » . قال : وذكر ان يومه مثل ليلته ، « فان استطعت ان تحييها بالصلاة والدعاء فافعل » .
وروىٰ جابر عن الباقر
علیهالسلام : « من مات يوم الجمعة عارفاً بحق أهل هذا البيت كتب له براءة من النار ، وبراءة من العذاب
. ومن مات ليلة الجمعة اعتق من النار » .
__________________

المطلب
الثالث : في الأحكام .
وفيه مسائل :
الاولىٰ : يحرم البيع بعد الأذان للجمعة . وقال الشيخ في الخلاف : يحرم إذا جلس علىٰ المنبر بعد الأذان ، ويكره بعد الزوال قبل الأذان
لقوله تعالىٰ : (
وَذَرُوا الْبَيْعَ ) أوجب تركه فيكون فعله حراماً .
فروع :
الاول :
لو فعل البيع هل ينعقد ؟ فيه قولان :
احدهما :
ـ وهو الاقوىٰ ـ انعقاده ، ونقله الشيخ عن بعض الاصحاب وبه قال المتأخرون .
والثاني : البطلان ، وبه قال الشيخ .
ومبنىٰ المسألة
علىٰ انّ النهي في غير العبادة هل هو مفسد أم لا ؟ وقد تقرر في الاُصول انّه غير مفسد .
الثاني :
لو كان احد المتبايعين ممن لا يخاطب بالسعي ، كان سائغاً بالنظر اليه ، حراماً بالنظر الىٰ من يجب عليه السعي .
وقال الشيخ : ويكره
للاول ، لانه اعانة علىٰ فعل محرم .
__________________
قال الفاضل : التعليل
يقتضي التحريم ، لقوله تعالىٰ : (
وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) ثم قوىٰ التحريم عليه أيضاً
وهو قوي .
الثالث :
قال في المعتبر : لا يحرم غير البيع من العقود ، اقتصاراً علىٰ موضع النص والقياس عندنا باطل . وتوقّف فيه الفاضل
.
ولو حملنا البيع علىٰ
المعاوضة المطلقة ـ الذي هو معناه الاصلي ـ كان مستفاداً من الآية تحريم غيره . ويمكن تعليل التحريم بانّ الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه ، ولا ريب انّ السعي مأمور به ، فيتحقق النهي عن كل ما ينافيه من بيع وغيره ، وهذا أولىٰ . وعلىٰ هذا تحريم غير العقود
من الشواغل عن السعي .
الثانية : ليس من شرط الجمعة المصر علىٰ الاظهر في الفتاوى ، والاشهر في الروايات حيث اطلقت .
وفي رواية طلحة بن
زيد ، عن الصادق علیهالسلام ، عن أبيه ، عن علي علیهالسلام ، قال : « لا جمعة إلّا في مصر تُقام
فيه الحدود » .
وروىٰ حفص بن
غياث ، عن الصادق علیهالسلام ، عن أبيه علیهالسلام : « ليس علىٰ اهل القرىٰ جمعة ، ولا خروج في العيدين »
.
وطلحة زيدي بتري ،
وحفص عامي .
وقال ابن ابي عقيل :
صلاة الجمعة فرض علىٰ المؤمنين حضورها مع
__________________
الامام
في المصر الذي هو فيه ، وحضورها مع اُمرائه في الامصار والقرىٰ النائية عنه .
وفي المبسوط : لا تجب
علىٰ البادية والاكراد ، لانه لا دليل عليه ، ثم قال : لو قلنا انها تجب عليهم إذا حضر العدد ، لكان قوياً
.
والظاهر انه يشترط
فيهم الاستيطان أو حكمه ، لعدم اجتماع الجمعة مع السفر .
الثالثة : من سبق الىٰ مكان من المسجد فهو أحقّ به . وان استبق اثنان
ولا يمكن الجمع اُقرع بينهما ، وكذا لو زادوا علىٰ الاثنين ولا يسع الجميع .
ولو فارق موضعه لحاجة
، فان كان مصلّاه باقياً فهو أولىٰ به ما لم يطل المكث ، وان لم يكن باقياً فلا أولوية ، لزوالها بزواله ، قاله الفاضلان .
واطلق في المبسوط انه
أولىٰ لمسيس الحاجة إلىٰ القيام ، وليس
ببعيد عند دعاء الحاجة ، كتجديد طهارة ، وأزالة نجاسة ، وشبههما من الضرورات .
الرابعة : يجوز اقامة الجمعة خارج المصر ، لصدق الامتثال ، وان كان اقامتها فيه وفي مسجده افضل . نعم ، يشترط ان لا يبلغ المسافة بحيث يلزم الخارجين القصر ، لعدم انعقاد الجمعة حينئذ ، إلّا ان يتفق خروجهم بغير قصد المسافة ، أو يكونوا ممن لا قصر عليهم .
__________________
الخامسة : من سقطت الجمعة عنه يستحب ان يصلي الظهر في المسجد الاعظم ، لما مر من فضيلة المساجد . ولو صلاها ثم حضر الجمعة لم تجب إذا كان من اهل وجوب الظهر . فالصبي لو صلاها ثم بلغ وجبت ، لعدم سقوط الواجب بغيره ، ولانه لو صلّىٰ الظهر ثم بلغ بعدها وجبت اعادتها عندنا .
ولا يجب علىٰ
من سقطت عنه تأخير الظهر إلىٰ خروج الجمعة ، بل لا يستحب ، لانّ المبادرة إلىٰ أول الوقت أفضل ما لم يحصل معارض ، ولا معارض هنا .
السادسة : لو لم يكن الامام مرضياً ، استحب تقديم الظهر علىٰ صلاة
الجمعة معه ، وان صلّىٰ معه ركعتين واتمهما بعد تسليمه جاز ، لما روي انّ الصادق علیهالسلام قال : « في كتاب علي علیهالسلام : اذا صلوا الجمعة في وقت فصل معهم ، ولا تقومنّ من مقامك حتىٰ تصلي ركعتين اُخريين »
.
ورُوي : انّ الباقر علیهالسلام كان يصلي في منزله ثم يحضر الجمعة
.
__________________
الفصل الثاني في صلاة العيدين
وفيه ثلاث مطالب :
المطلب
الاول : في وجوبها وشرائطها .
وهي واجبة ـ باجماعنا
ـ وفرض .
وانكر بعض العامة
فرضها ووافق على وجوبها بناءً علىٰ تمحل الفرق بين الواجب والفرض .
ومنهم من ذهب إلىٰ
انها فرض كفاية .
وآخرون ذهبوا إلىٰ
انها سنة .
لنا : قوله تعالىٰ
: ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ
) قال بعض المفسرين : هي صلاة العيد ، ونحر البدن للاضحية . وقال تعالىٰ : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّىٰ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ )
قال كثير منهم : هي زكاة الفطر وصلاة العيد . ولانّ النبي صلىاللهعليهوآله والائمة عليهمالسلام داوموا عليها ، وقال صلىاللهعليهوآله : « صلّوا
__________________
كما
رأيتموني اُصلّي » . وروينا عن الصادق علیهالسلام بطرق كثيرة انه قال
: « صلاة العيد فريضة » .
فان قلت : فقد روى زرارة عنه علیهالسلام انه قال : « صلاة العيدين مع الامام سنّة » .
قلت :
المراد انها ثابتة بالسنّة ، قاله الشيخ في التهذيب
.
فان قلت : فقد ذكرت ان
الكتاب دال عليها .
قلت :
ليست دلالة قطعية بل ظاهرة ، وبالسنّة : فعلاً وقولاً علم القطع .
ولو امتنع قوم من
فعلها قوتلوا عليها ، كما يقاتلون علىٰ بقية الصلوات الواجبة : نعم ، لا يكفر مستحل تركها ، لتحقق الخلاف من العامّة .
وشروطها شروط الجمعة السالفة
، لان فعلها من النبي صلىاللهعليهوآله كان علىٰ تلك الشرائط .
وروىٰ زرارة عن
أحدهما عليهماالسلام ، انه قال : « انما صلاة العيدين علىٰ
المقيم ، ولا صلاة إلّا بإمام » .
نعم ، فرّق ابن ابي
عقيل ـ رحمهالله ـ في العدد بين العيدين والجمعة ،
__________________
فذهب
الىٰ ان العيدين يشترط فيه سبعة ، واكتفىٰ في الجمعة بالخمسة . والظاهر انه رواه ، لانه قال : لو كان الىٰ القياس [ سبيل ] لكانا جميعاً
سواء ، ولكنه تعبّد من الخالق سبحانه ، ولم نقف على
روايته ، فالاعتماد علىٰ المشهور المعتضد بعموم أدلة الوجوب .
وتفارق الجمعة عند الأصحاب
بانّها مع عدم الشرائط تصلّىٰ سنّة ، جماعة ـ وهو افضل ـ وفرادىٰ . وكذلك يصلّيها من لم تجب عليه من المسافر والعبد والمرأة ندباً وان اُقيم في البلد فرضها مع الامام .
وقال السيد المرتضىٰ
ـ قدس الله روحه ـ : تصلّىٰ عند فقد الامام ، واختلال بعض الشرائط ، فرادىٰ .
وقال أبو الصلاح بقبح
الجمع فيها مع اختلال الشرائط . وصرّح الاكثر بانها تصلّىٰ جماعة .
وقال الشيخ محمد بن ادريس
: من قال : تصلّىٰ علىٰ الانفراد ، أراد به من الشرائط لا صلاتها منفردةً .
وقال الشيخ قطب الدين
الراوندي من أصحابنا من ينكر الجماعة في صلاة العيد سنّة بلا خطبتين ، ولكن جمهور الإمامية يصلونها جماعة وعملهم حجّة . ونص عليه الشيخ في الحائريات
.
__________________
وقد روىٰ عمار
عن الصادق علیهالسلام ، قلت له : إمامة الرجل بأهله في صلاة العيدين في السطح أو بيت ، قال : « لا يؤمّ بهنّ ولا يخرجن »
وربما يفهم منه نفي الجماعة فيها ، وكذا في رواية سماعة عنه علیهالسلام قال : « لا صلاة في العيدين إلّا مع الامام ، فان صليت وحدك فلا بأس »
.
وقد يجاب عن رواية عمار
بنفي تأكيد الجماعة بالنساء ، وعن الثانية ان المراد انها اذا كانت فريضة لا تكون إلّا مع إمام ، كما قاله في التهذيب .
وقد روىٰ عبد
الله بن المغيرة ، قال : حدثني بعض اصحابنا ، قال : سألت ابا عبد الله علیهالسلام عن صلاة الفطر والاضحىٰ ، فقال :
« صلّهما ركعتين في جماعة وغير جماعة » وظاهر هذا عموم الجماعة .
ثم هنا مسائل :
الاُولىٰ : يستحب لمن كان له عذر عن الخروج مع الامام ان يصليها في بيته . فروىٰ منصور عن أبي عبد الله علیهالسلام : « ان أباه مرض يوم الأضحىٰ فصلّىٰ في بيته ركعتين ثم ضحّىٰ » .
وروىٰ عبد الله
بن سنان عنه علیهالسلام ، قال : « من لم يشهد جماعة الناس
__________________
في العيدين ، فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصلّ وحده كما يصلي في الجماعة » .
الثانية : قال الشيخ : لا بأس بخروج العجائز ومن لا هيئة لهنّ من النساء في صلاة الاعياد ليشهدن الصلاة ، ولا يجوز ذلك لذوات الهيئات منهنّ والجمال . وفي هذا الكلام أمران :
احدهما :
انّ ظاهره عدم الوجوب عليهن ، ولعله لما رواه ابن ابي عمير ـ في الصحيح ـ عن جماعة منهم : حماد بن عثمان وهشام بن سالم ، عن الصادق علیهالسلام ، انّه قال : « لا بأس بان تخرج النساء
بالعيدين للتعرض للرزق » ، إلّا أنه لم يخص فيه العجائز : وقد روىٰ عبد الله بن سنان قال : «
انما رخّص رسول الله صلىاللهعليهوآله للنساء العواتق في الخروج في العيدين
للتعرض للرزق . والعواتق : الجواري حين يدركْنَ .
لكنّه معارض بما رواه
أبو اسحاق ابراهيم الثقفي في كتابه باسناده الىٰ علي علیهالسلام ، انه قال : « لا تحبسوا النساء عن الخروج
في العيدين ، فهو عليهنّ واجب » ، ولان الأدلة عامة للنساء .
الامر الثاني : ان الشيخ منع خروج ذوات الهيئات والجمال . والحديث دالّ علىٰ جوازه للتعرض للرزق ، اللهم إلّا أن يريد به المحصنات أو المملكات ، كما هو ظاهر كلام ابن الجنيد حيث قال : وتخرج إليها النساء
__________________
العوائق
والعجائز ونقله الثقفي عن نوح بن دراج من قدماء
علمائنا .
الثالثة : لو فاتت هذه الصلاة بخروج وقتها ، ففي قضائها خلاف .
فقال الشيخ في التهذيب
: من فاتته الصلاة يوم العيد لا يجب القضاء ، ويجوز له أن يصلي إن شاء ركعتين ، وإن شاء أربعاً ، من غير ان يقصد بها القضاء .
وقال أبو الصلاح : إذا
فاتت لم يجز قضاؤها واجبة ولا مسنونة .
وقال ابن إدريس :
يستحب قضاؤها .
وقال ابن حمزة : اذا
فاتت لا يلزم قضاؤها إلّا اذا وصل الىٰ الخطبة وجلس مستمعاً لها .
وقال ابن الجنيد : من
فاتته ولحق الخطبتين صلاها اربعاً كالجمعة .
وقال أيضاً : تصلّىٰ
مع الشرائط ركعتين ، ومع اختلالها اربعاً . وكذا قال علي بن بابويه .
وفي صحيح زرارة : «
من لم يصل مع الامام في جماعة يوم العيد ، فلا صلاة له ، ولا قضاء عليه » ويؤيده ما تقرر في الاصول ان الإخلال لا يستتبع القضاء في المؤقت .
__________________
وحديث عبد الله بن المغيرة
قد يلوح منه القضاء ، لإطلاق الأمر . وروىٰ أبو البختري عن الصادق علیهالسلام قال : « من فاته العيد فليصل اربعاً »
. وربما يحتج بعموم قول النبي صلىاللهعليهوآله : « من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته » .
والمشهور عدم القضاء
بالكلية .
تنبيه :
قال ابن الجنيد :
يصلّىٰ اربعاً مفصولات ، يعني بتسليمتين .
وقال علي بن بابويه :
يصليها بتسليمة .
ولم نقف علىٰ مأخذهما
، اذ رواية الاربع مع ضعف سندها مطلقة .
الرابعة : وقتها من طلوع الشمس الىٰ الزوال .
وفي المبسوط : اذا
طلعت الشمس وانبسطت .
وقال ابن أبي عقيل :
بعد طلوع الشمس .
وهما متقاربان ،
ويفهمان من رواية سماعة ، قال : سألته عن الغُدوّ الىٰ المصلى في الفطر والاضحىٰ ، فقال : « بعد طلوع الشمس »
.
__________________
وفي رواية زرارة عن أبي
عبد الله علیهالسلام : « ليس في الفطر ولا الاضحىٰ أذان ولا اقامة ، اذانهما طلوع الشمس ، فإذا طلعت خرجوا » .
الخامسة : وقت الخروج بعد طلوع الشمس ، لانه أول الوقت ، ولرواية سماعة وزرارة المذكورتين . وهو قول الشيخ
وابن الجنيد .
وظاهر المفيد انه
يخرج قبل طلوعها ، فاذا طلعت صبر هنيهة ثم صلىٰ ، لعموم : (
وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ )
.
وعارض الفاضل بان التعقيب
في الصبح في المساجد الىٰ طلوع الشمس أولىٰ .
وفي قوله ـ رحمهالله ـ : في المساجد ، إشارة إلىٰ دفع سؤال هو : إنّ التعقيب
ممكن في طريقه وجلوسه في مصلّىٰ العيد ، فيكون جامعاً بين التكبير والتعقيب . فاجاب بان ذلك وان كان ممكناً إلّا ان فعله في المساجد أفضل ، وقد تقدم ان الافضل للمعقّب ملازمة مصلّاه الىٰ فراغه ، وان تعقيب صلاة الصبح منتهاه مطلع الشمس .
السادسة : لو ثبتت الرؤية من الغد ، فإن كان قبل الزوال صلّيت العيد ، وان كان بعده سقطت إلّا علىٰ القول بالقضاء .
وقال ابن الجنيد : ان
تحققت الرؤية بعد الزوال افطروا وغدوا الىٰ
__________________
العيد
لما روي انّ النبي صلىاللهعليهوآله انه قال : « فطركم
يوم تفطرون ، واضحاكم يوم تضحون ، وعرفتكم يوم تعرفون » . ورُوي : ان ركباً
شهدوا عنده صلىاللهعليهوآله أنهم رأوا الهلال ، فامرهم ان يفطروا ، واذا أصبحوا أن يغدوا الىٰ مصلاهم . وهذه الاخبار لم تثبت من طرقنا .
السابعة : يحرم السفر علىٰ المخاطب بها بعد طلوع الشمس ، لاستلزام الاخلال بالواجب .
ويكره بعد الفجر ،
لعدم تعيّن الوجوب حينئذ ولكن فيه تفويت الوجوب ، ولرواية عاصم بن حميد عن أبي بصير عن أبي عبد الله علیهالسلام : « اذا اردت الشخوص في يوم عيد ، فانفجر الصبح وانت في البلد ، فلا تخرج حتىٰ تشهد ذلك العيد » ولما لم يثبت الوجوب حمل النهي علىٰ
الكراهة .
الثامنة : يستحب الاصحار بها إلّا بمكة ـ زادها الله شرفاً ـ تأسياً بالنبي صلىاللهعليهوآله ، فانّه كان يصليها خارج المدينة . فروىٰ
عن الصادق علیهالسلام معاوية بن عمار : « ان رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يخرج حتىٰ ينظر الىٰ آفاق
السماء » .
وروىٰ أيضاً معاوية
انه صلىاللهعليهوآله كان يخرج الىٰ البقيع فيصلي بالناس
.
__________________
وقال : « لا تصلّين
يومئذ علىٰ بساط ولا بارية » .
وفي مرفوعة محمد بن
يحيىٰ الىٰ الصادق علیهالسلام : « السنّة علىٰ أهل الامصار ان يبرزوا في امصارهم في العيدين ، إلّا أهل مكة فانهم يصلون في المسجد الحرام » .
وقال ابن الجنيد :
ذلك لحرمة البيت ، وكذلك استحب لأهل المدينة ، لحرمة رسول الله صلىاللهعليهوآله . وهو محجوج بما تقدم ، وبما رواه محمد
بن الفضل الهاشمي عن الصادق علیهالسلام ، قال : « ركعتان من السنّة ليس تصليان
في موضع إلّا بالمدينة ، يصلّي في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله في العيد قبل ان يخرج إلىٰ المصلّىٰ ، لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله فعله »
.
فرع :
لو كان هناك عذر من
مطر أو وحل أو خوف ، صلّيت في البلد ، حذراً من المشقة الشديدة المنافية لليسر في التكليف . وروىٰ هارون بن حمزة عن أبي عبد الله علیهالسلام ، قال : « الخروج يوم الفطر والاضحىٰ
الىٰ الجبانة حسن لمن استطاع الخروج إليها » .
التاسعة : روىٰ عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله علیهالسلام انه قال : « علىٰ الإمام أن يخرج المحبسين في الدَّين يوم الجمعة ويوم العيد الىٰ
__________________
العيد
ويرسل معهم ، فاذا قضوا الصلاة ردّهم الىٰ السجن »
. وفيه تنبيه علىٰ ان المحبوس في غير الدَّين كالدم لا يخرج ، ولعله للتغليظ في الدماء ، وعلىٰ ان المحبوس لِما هو أخفّ من الدَّين يخرج ، لانه من باب التنبيه بالادنىٰ علىٰ الأعلىٰ . وظاهره الوجوب ، لأنّ لفظة « علىٰ
» يشعر به .
العاشرة : يكره التنفل قبلها وبعدها الىٰ الزوال ، إلّا بمسجد المدينة
فانه يصلي ركعتين ، للرواية السالفة . وروىٰ زرارة عن الباقر علیهالسلام : ليس قبلهما ولا بعدهما صلاة » والمطلق يحمل على المقيد .
واطلق ابن بابويه في المقنع
كراهة التنفل وكذا الشيخ في الخلاف لظاهر هذا الحديث .
والحق ابن الجنيد المسجد
الحرام ، وكل مكان شريف يجتاز به المصلّي ، وانه لا يحب اخلاؤه من ركعتين قبل الصلاة وبعدها . قال وقد روي عن أبي عبد الله علیهالسلام : « ان رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يفعل ذلك في البدأة والرجعة في مسجده » . وهذا كأنّه قياس وهو مردود .
وقال أبو الصلاح : لا
يجوز التطوع ولا القضاء قبل صلاة العيد ، ولا بعدها ، حتىٰ تزول الشمس . وكأنه اراد به قضاء النافلة ، كما قال
الشيخ
__________________
في
المبسوط ، اذ من المعلوم انه لا منع من قضاء
الفريضة .
والفاضلان جوّزا صلاة
التحية إذا صليت في مسجد ، لعموم الأمر بالتحية .
قلنا :
الخصوص مقدّم على العموم .
وابن زهرة وابن حمزة
قالا : لا يجوز التنفل قبلها وبعدها .
ويدل علىٰ كراهة
قضاء النافلة ما رواه الصدوق والشيخ ـ في الصحيح ـ عن زرارة عن أبي عبد الله علیهالسلام : « لا تقض وتر ليلتك ـ يعني في العيدين ـ ان كان فاتك شيء ، حتىٰ تصلي الزوال في ذلك اليوم » .
الحادية عشرة : مذهب الشيخ في الخلاف ومختار صاحب المعتبر : أنّ الإمام لا يجوز له أن يخلف من يصلي بضعفة الناس في البلد ، لما روىٰ محمد بن مسلم عن أبي جعفر علیهالسلام ، قال : « قال الناس لأمير المؤمنين علیهالسلام : ألّا تخلّف من يصلي العيدين الناس ؟ قال : لا اُخالف السنّة »
.
ونقل في الخلاف عن العامة
: أنّ علياً علیهالسلام خلّف من يصلي
__________________
بالضعفة
وأهل البيت أعرف .
الثانية عشرة : قد روينا انه يستحب مباشرة الارض في صلاة العيد بلا حائل .
وقد روىٰ الفضيل
عن الصادق علیهالسلام انّه اُتي بخمرة يوم الفطر فأمر بردّها وقال : « هذا يوم كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يحب أن ينظر إلىٰ آفاق السماء ، ويضع جبهته علىٰ الارض » .
وهما دليلان علىٰ
استحباب مباشرة الارض بجميع اعضاء المصلي ، وان كان في هذا الخبر تخصيص للجبهة لمكان شرفها .
الثالثة عشرة : يستحب أن يطعم قبل خروجه في الفطر ، وبعد عوده في الاضحىٰ ، لوجوب الافطار في يوم الفطر للفصل بينه وبين الصوم ، فيستحب المبادرة إليه .
وروىٰ جراح المدائني
عن أبي عبد الله علیهالسلام ، قال : « اطعم يوم الفطر قبل أن تصلي ، ولا تطعم يوم الأضحىٰ حتىٰ ينصرف الإمام »
.
وروىٰ العامة
عن بريدة عن النبي صلىاللهعليهوآله : أنّه كان لا يخرج يوم الفطر حتىٰ
يفطر ، ولا يطعم يوم الأضحىٰ حتىٰ يصلي
.
ولان الأكل من الاضحية
مستحب ، وهي لا تكون إلّا بعد الصلاة . وروىٰ زرارة عن الباقر علیهالسلام قال : « لا تأكل يوم الأضحىٰ إلّا
من ضحيتك ان
__________________
قويت
، وان لم تقو فمعذور » .
الرابعة عشرة : يستحب خروج المصلي بعد غسله والدعاء متطيّباً لابساً احسن ثيابه ، متعمّماً ، شتاءً كان أو قيظاً ، لما سبق في الجمعة .
وروىٰ العامة
عن الحسن علیهالسلام قال : « أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوآله ان نتطيب باجود ما نجد في العيد » .
اما العجائز اذا خرجن
فيتنظّفن بالماء ولا يتطيّبن ، لما رُوي انه صلىاللهعليهوآله قال : « لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، وليخرجن تفلات »
أي : غير متطيبات ، وهو بالتاء المثناة فوق والفاء المكسورة .
وروىٰ عبد الله
بن سنان عن أبي عبد الله علیهالسلام ، قال : يجهر الإمام بالقراءة ، ويعتمّ شاتياً وقائظاً ، فان النبي صلىاللهعليهوآله كان يفعل ذلك
.
وروىٰ العامة
عن النبي صلىاللهعليهوآله انه قال : « ما علىٰ احدكم ان
يكون له ثوبان ، سوىٰ ثوبي مهنته ، لجمعته وعيده »
.
الخامسة عشرة : يستحب خروج الامام ماشياً حافياً ، بالسكينة في الاعضاء ، والوقار في النفس ، لما رُوي : ان النبي صلىاللهعليهوآله لم يركب في عيد ولا جنازة .
__________________
وان علياً علیهالسلام قال : « من السنّة أن تأتي العيد ماشياً ، وترجع ماشياً » .
ولما خرج الرضا علیهالسلام لصلاة العيد في عهد المأمون خرج حافياً
وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوآله انه قال : « من أغبرت قدماه في سبيل الله
حرّمهما الله علىٰ النار » .
ويستحب ان يكون مشغولاً
بذكر الله تعالىٰ في طريقه ، كما نقل عن الرضا علیهالسلام ، وتبعه المأمون في المشي والحفاء والتواضع
والذكر .
السادسة عشرة : لا أذان لصلاة العيدين ، بل يقول المؤذن : الصلاة ، ثلاثاً . ويجوز رفعها باضمار خبر أو مبتدأ ، ونصبها باضمار احضروا أوْ ائتوا .
وقال ابن أبي عقيل :
يقول : الصلاة جامعة .
ودلّ علىٰ الأول
رواية اسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله علیهالسلام ، قال : قلت أفيها أذان واقامة ؟ قال : « لا ، ولكن ينادي : الصلاة ، ثلاث مرات » .
__________________
وقد سبق قول الصادق علیهالسلام : « أذانها طلوع الشمس » وهو لا ينافي قول الصلاة ثلاثاً ، لجواز الجمع بينهما .
وقد روت العامّة أن جابراً
ـ رضىٰ الله عنه ـ قال : لا أذان يوم الفطر ، ولا إقامة ، ولا نداء ، ولا شيء وهو محمول علىٰ نفي الوجوب ، أو
نفي التأكيد في الاستحباب .
تنبيه :
ظاهر الاصحاب انّ هذا
النداء ليعلم الناس بالخروج الىٰ المصلّىٰ ، لانه اُجري مجرىٰ الاذان المعلِم بالوقت . وسيأتي كلام أبي الصلاح رحمهالله .
السابعة عشرة : يستحب تأخّر صلاة عيد الفطر شيئاً عن صلاة الاضحىٰ ، قاله الشيخ لاستحباب الافطار قبل خروجه هنالك ، ولاشتغاله
باخراج زكاة الفطر قبل الصلاة ، وليتسع الزمان للتضحية بتقديم صلاة الاضحىٰ .
الثامنة عشرة : الظاهر ان الوحدة المعتبرة في الجمعة معتبرة هنا بطريق الاولى ، وصرّح به أبو الصلاح وابن زهرة رحمهماالله لان اجتماع الناس في موضع واحد في السنة مرتين يكون أكثر غالباً من الجمعات ،
__________________
وليتوفّر
اجتماع القلوب في المكان الواحد ، ولما رويناه عن علي علیهالسلام انه لم يخلف أحداً ليصلي بالضعفة ولأنّه لم ينقل عن النبي
صلىاللهعليهوآله أنه صُلّي في زمانه عيدان في بلد ، كما لم ينقل أنه صُلّيت جمعتان ، فلا وجه للتوقف في هذا .
نعم ، لو لم تجتمع الشرائط
، وصليت مستحباً جماعة ، لم يمتنع التعدد . وكذا من كان له عذر عن الخروج يصليها في منزله ولو جماعة ، وان اُقيمت فرضاً مع الإمام .
التاسعة عشرة : المشهور بين الاصحاب في ظاهر كلامهم استحباب الخطيتين فيها ، وصرّح به في المعتبر .
واوجبهما ابن إدريس
والفاضل .
والروايات مطلقة ،
مثل : ما رواه اسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله علیهالسلام قال : « ليس فيهما منبر ، ولكن يصنع للإمام
شيء شبه المنبر من طين ، يقوم عليه فيخطب الناس ثم ينزل »
. وفي رواية معاوية : « والخطبة بعد الصلاة » . وكذا في رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله علیهالسلام .
والعمل بالواجب أحوط
. نعم ، ليستا شرطاً في صحة الصلاة بخلاف
__________________
الجمعة
.
ويستحب الخطبة بما
روي عن أمير المؤمنين علیهالسلام فيه ، وقد أوردها الصدوق رحمهالله في كتابه لعيد الفطر خطبة وللأضحىٰ
أخرىٰ .
ومحلهما بعد الصلاة اجماعاً
.
وفي خبر معاوية : « إنّما
أحدث الخطبة قبل الصلاة عثمان » . وروىٰ محمد بن مسلم عن أبي عبد الله علیهالسلام أو أبي جعفر علیهالسلام : « انّ عثمان لما أحدث أحداثه ، كان إذا فرغ من الصلاة قام الناس ، فلما رأىٰ ذلك قدم الخطبتين واحتبس الناس للصلاة » .
وقيل :
إنّ بني اُمية فعلوا ذلك ، وكذلك ابن الزبير
ثم انعقد الاجماع من المسلمين علىٰ كونهما بعد الصلاة .
وفي صحاح العامة عن ابن
عباس قال : شهدت صلاة الفطر مع نبي الله صلىاللهعليهوآله وأبي بكر وعمر وعثمان وكلهم يصليها قبل
الخطبة ثم يخطب .
وعن جابر : أنّ النبي
صلىاللهعليهوآله صلّىٰ قبل الخطبة
.
وعن أبي سعيد الخدري
: أنّ مروان جرّه إلىٰ الخطبة قبل الصلاة ،
__________________
فجرّه
أبو سعيد الىٰ الصلاة قبل الخطبة . فقال له مروان : قد تُرك ما تَعلم . قال : كلا ، والذي نفسي بيده ! لا تأتون بخير مما أعلم ، ثلاث مرات
.
ورووا أيضاً أن مروان
قدّم الخطبة ، فقال له رجل : خالفت السنة ! فقال : تُرك ذاك ! فقال أبو سعيد الخدري : اما هذا فقد قضىٰ ما عليه ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « من رأىٰ منكم منكراً
فلينكره بيده ، فمن لم يستطع فلينكره بلسانه ، فمن لم يستطع فلينكره بقلبه ، وذلك أضعف الايمان »
.
المسألة الموفّية العشرين : الخطبتان هنا كخطبتي الجمعة في جميع ما تقدم ، غير أن الإمام يذكر في خطبة الفطر ما يتعلق بالفطرة من الشرائط والقدر والوقت ، وفي الاضحىٰ ما يتعلق بالاضحية .
ولا يجب حضورهما ولا استماعهما
اجماعاً . ونقل هذا الاجماع أيضاً الفاضل ، مع انه قائل بوجوب الخطبتين .
الحادية والعشرون : قال كثير من الاصحاب : يستحب الافطار يوم الفطر علىٰ الحلواء لما رُوي : أن النبي صلىاللهعليهوآله كان يأكل قبل خروجه في الفطر تمرات ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً ، أو أقل أو أكثر
.
ولو أفطر علىٰ التربة
الحسينية صلوات الله علىٰ مشرفها لعلّة به
__________________
فحسن
، وإلّا فالاقرب التحريم . وعلىٰ الجواز لا يتجاوز قدر الحمّصة .
والافضل الافطار علىٰ
الحلاوة ، وافضلها السكر . وروي من تربة الحسين علیهالسلام . والاول أظهر ، لشذوذ الرواية ،
وتحريم الطين علىٰ الاطلاق ، إلّا ما خرج بالدليل من التربة للاستشفاء .
الثانية والعشرون : لا ينقل المنبر من الجامع اجماعاً ، بل يعمل شبهه من طين ، لما سبق في الرواية .
ويستحب الذهاب بطريق
والعود باُخرىٰ ، تأسياً بالنبي صلىاللهعليهوآله علىٰ ما رويناه ورووه عنه صلىاللهعليهوآله ليشهد له الطريقان ، ويتساوىٰ أهلهما
في التبرك به ، أو للصدقة علىٰ أهل الطريقين ، أو ليسأله أهلهما عن الأمور الشرعية .
وقيل :
انّه صلىاللهعليهوآله كان يسلك الطريق الأبعد في خروجه ،
ليكثر ثوابه بكثرة خطواته الىٰ الصلاة ، ويرجع بالاقرب ، لانه أسهل اذ رجوعه الىٰ المنزل .
الثالثة والعشرون : يكره الخروج بالسلاح ، لمنافاته الخضوع والاستكانة . ولو خاف عدواً لم يكره ، لما روي عن السكوني عن الصادق علیهالسلام عن الباقر علیهالسلام انه قال : « نهىٰ النبي صلىاللهعليهوآله ان يخرج السلاح في العيدين ، إلّا ان يكون عدوّ ظاهراً »
.
__________________
الرابعة والعشرون : يستحب إحياء ليلتي العيدين بالصلاة والدعاء والذكر ، لما روىٰ الشيخ عن وهب عن أبي عبد الله علیهالسلام عن أبيه علیهالسلام عن علي علیهالسلام قال : « كان يعجبه أن يفرغ نفسه أربع ليال من السنة ، وهي : أول ليلة من رجب ، وليلة النصف من شعبان ، وليلة الفطر ، وليلة النحر » . ورُوي عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : « من أحيا ليلتي العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب »
. وموت القلب الكفر في الدنيا ، والفزع في الآخرة ، واضافة الموت إلىٰ القلب مبالغة ، كقوله (
فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) .
وقال بعض العامة : لم
يرد في شيء من الفضائل مثل هذه الفضيلة ، لأنّها تقتضي نزع الكفر وأهوال القيامة .
وقال الشافعي : بلغنا
أنّ الدعاء مستجاب في خمس ليال : ليلة الجمعة ، والعيدين ، وأول رجب ، ونصف شعبان .
فرع :
تحصل فضيلة الإحياء
بمعظم الليل ، تنزيلا لاكثر الشيء منزلته . وعن ابن عباس : الإحياء أن تصلّي العشاء في جماعة .
__________________
الخامسة والعشرون : يستحب التكبير في العيدين ، وفيه مباحث .
أحدها :
الأشهر أنه مستحب ، وعليه معظم الاصحاب ، للاصل ، ولرواية سعيد النقاش عن أبي عبد الله علیهالسلام : « أمّا أن في الفطر تكبيراً ولكنه مسنون » . قال قلت : واين هو ؟ قال : « في ليلة الفطر في المغرب والعشاء الآخرة ، وفي صلاة الفجر ، وصلاة العيد » .
وقال المرتضىٰ
: مما انفردت به الامامية أنّ على المصلّي التكبير في ليلة الفطر ، وابتداؤه من دبر صلاة المغرب إلىٰ أن يرجع الامام من صلاة العيد ،
وفي عيد الاضحىٰ يجب التكبير علىٰ من كان بمنىٰ عقيب خمس عشرة صلاة
، وعلىٰ غيره عقيب عشر ، لقوله تعالىٰ : (
وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ )
( وَاذْكُرُوا اللَّهَ
فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ) والامر للوجوب ، ونقل فيه الاجماع أيضاً . واختاره ابن الجنيد .
وأُجيب بأنّ الأمر قد
يرد للندب فيثبت مع اعتضاده بدليل آخر ، والاجماع حجّة علىٰ من عرفه .
فرع :
هذا التكبير مستحب
للمنفرد والجامع ، والحاضر والمسافر ، والبلدي والقروي ، والذكر والانثىٰ ، والحر والعبد ، للعموم .
__________________
وثانيها : في محله .
وقد تضمنت رواية سعيد
تكبير الفطر .
وروىٰ حريز عن
محمد بن مسلم ، قال : سألت ابا عبد الله علیهالسلام عن قول الله عزّ وجل (
وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ )
. قال : « التكبير في ايام التشريق عقيب صلاة الظهر من يوم النحر إلىٰ صلاة الفجر يوم الثالث ، وفي الامصار عشر صلوات » ، ومثله رواه زرارة عن الباقر علیهالسلام .
وقال ابن بابويه :
يكبّر في الفطر عقيب الظهر والعصر يوم الفطر أيضاً . ولم نقف الآن علىٰ ماخذه مع أن الأصل العدم والشهرة
تؤيده .
وقال ابن الجنيد : التكبير
عقيب الفرائض واجب ، وعقيب النوافل مستحب لما رواه حفص بن غياث باسناده إلىٰ علي علیهالسلام قال : « علىٰ الرجال والنساء ان يكبّروا أيام التشريق في دبر الصلوات ، وعلىٰ من صلّىٰ
وحده ، ومن صلىٰ تطوعاً » .
ولو فاتته صلاة فقضاها
كبّر عقيبها ولو خرجت أيامه ، لقوله صلىاللهعليهوآله : « فليقضها كما فاتته » .
ولو تركه الإمام كبّر
المأموم .
__________________
وثالثها : في كيفيته .
فروىٰ ابن بابويه
أنّ علياً علیهالسلام كان يقول في دبر كل صلاة في عيد الأضحىٰ : « الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله ، والله أكبر
ولله الحمد » .
وقال المفيد في تكبير
الفطر : الله اكبر ، الله اكبر ، لا اله إلّا الله ، والله اكبر ، والحمد لله علىٰ ما هدانا ، وله الشكر علىٰ ما اولانا . وفي الاضحىٰ
: الله اكبر ، الله اكبر ، لا اله إلّا الله ، والله أكبر ، والحمد لله علىٰ ما
رزقنا من بهيمة الانعام .
وفي النهاية : الله اكبر
، الله اكبر ، الله اكبر ، لا إله إلّا الله ، والله اكبر ، ولله الحمد ، الحمد لله علىٰ ما هدانا ، وله الشكر علىٰ ما اولانا .
وفي الاضحىٰ كذلك إلّا انه يزيد فيه : ورزقنا من بهيمة الانعام
.
وقال ابن ابي عقيل في
الاضحىٰ : الله اكبر ، الله اكبر ، لا اله إلّا الله ، والله اكبر ( الله اكبر ) ولله الحمد علىٰ ما هدانا ، الله
اكبر علىٰ ما رزقنا من بهيمة الانعام ، والحمد لله علىٰ ما ابلانا
.
وقال ابن الجنيد : في
الفطر : الله اكبر ، الله اكبر ، لا اله إلّا الله ، والله اكبر ولله الحمد علىٰ ما هدانا . وفي الاضحىٰ : الله اكبر
، الله اكبر ، الله
__________________
أكبر
، ثلاثا ، لا إله إلّا الله ، والله أكبر ، ولله الحمد ، الله أكبر علىٰ ما
هدانا ، الله أكبر علىٰ ما رزقنا من بهيمة الانعام .
والروايات مختلفة :
ففي رواية زرارة الحسنة
عن الباقر علیهالسلام : « في الاضحىٰ : الله اكبر ، الله
اكبر ، لا اله لا الله ، والله اكبر ، الله اكبر علىٰ ما هدانا ، الله اكبر
علىٰ ما رزقنا من بهيمة الانعام » .
وفي رواية سعيد : «
في الفطر : الله اكبر ، ثلاثاً ، لا اله إلا الله ، والله اكبر ، ولله الحمد ، الله اكبر علىٰ ما هدانا »
. وكذا قال البزنطي : يكبّر ثلاثاً .
وكل حسن ان شاء الله
.
__________________
المطلب
الثاني : في الكيفية .
وفيه مسائل :
الاولىٰ : صلاة العيد ركعتان ، ويزيد فيها علىٰ المعتاد في الصلوات
خمس تكبيرات في الركعة الاولىٰ بعد القراءة ، واربع في الثانية ، بعد كل تكبير دعاء وثناء .
وقال المفيد وجماعة :
يكبّر للقيام الىٰ الثانية قبل القراءة ، ثم يكبّر بعد القراءة ثلاثا ويقنت ثلاثاً .
وصحيحة معاوية بن عمار
عن الصادق علیهالسلام .
وصحيحة يعقوب بن
يقطين عن العبد الصالح تشهدان للاول .
الثانية : معظم الاصحاب علىٰ ان التكبير في الركعتين معاً بعد القراءة وهو في صحيح يعقوب ورواه أبو بصير
وغيره .
وقال ابن الجنيد :
يكبّر في الاُولىٰ قبل القراءة ، وفي الثانية بعدها
ورواه عبد الله بن سنان عن الصادق علیهالسلام واسماعيل بن سعد الاشعري
__________________
عن
الرضا علیهالسلام
في سندين صحيحين ، وكذلك رواه أبو الصباح عن الصادق علیهالسلام
.
وفي رواية هشام بن الحكم
عنه علیهالسلام : « تصل القراءة بالقراءة »
.
وحملها الشيخ علىٰ
التقية ؛ لأنّه مذهب ابي حنيفة .
قال في المعتبر : ليس
هذا التأويل بحسن ، فان ابن بابويه ذكر ذلك في كتابه بعد اَن ذكر في خطبته انه لا يودعه الله ما هو حجة له . قال : فالاولىٰ ان يقال فيه روايتان ، اشهرهما بين الاصحاب ما اختاره الشيخ
.
الثالثة : ظاهر الاكثر وجوب هذا التكبير ، وصرّح به ابن الجنيد
، واختاره الفاضل ؛ لأنّه وقع بياناً من صاحب الشرع وأهل
بيته فعلاً وقولاً في رواية من سمّيناه اَنفاً .
وقال الشيخ ـ وتبعه صاحب
المعتبر ـ انه مستحب لما رواه زرارة في الصحيح ان عبد الملك بن أعين سأل ابا جعفر علیهالسلام عن الصلاة في العيدين ، فقال : « يكبّر ، يزيد في الركعة الاولىٰ ثلاثا ، وفي الاخيرة ثلاثاً » ، ثم قال : إن شاء ثلاثاً وخمسا ، وإن شاء خمساً وسبعا ، بعد ان يلحق
__________________
ذلك
الىٰ وتر » وظاهر التخيير عدم
الوجوب ، ولانه لا قائل بوجوب الثلاث لا غير ، ولا بوجوب الخمس والثلاث .
ولما رواه هارون بن
حمزة ، عن الصادق علیهالسلام قال : سألته عن التكبير في الفطر والاضحىٰ ، فقال : « خمس واربع ، فلا يضرك إذا انصرفت »
.
ولما رواه عيسىٰ
بن عبد الله ، عن ابيه ، عن جده ، عن علي علیهالسلام قال : « ما كان يكبّر النبي صلىاللهعليهوآله في العيدين إلّا تكبيرة واحدة حتىٰ
أبطأ عليه لسان الحسين علیهالسلام ، فلما كان ذات يوم عنده كبّر رسول الله
صلىاللهعليهوآله فكبّر الحسين فكبر النبي سبعاً ، وفي الثانية كبّر النبي وكبّر الحسين حتىٰ كبّر خمساً ، فجعلها رسول الله صلىاللهعليهوآله سنّة ، وثبتت السنّة إلىٰ اليوم
» .
وهذا قوي أيضاً .
الرابعة : الاظهر ايضاً وجوب القنوت بين التكبيرات ، نصّ عليه المرتضىٰ وانه انفراد الامامية وهو في خبر يعقوب وغيره
.
وصرّح الشيخ باستحبابه
للأصل ، ولما رواه محمد بن مسلم عن احدهما قال : سألته عن الكلام الذي يتكلم به بين التكبيرتين في العيد ، فقال : « ما شئت من الكلام الحسن » وهذا ليس بصريح في الاستحباب .
الخامسة : لا يتعيّن في القنوات لفظ مخصوص ، لقضية الاصل ،
__________________
وهذه
الرواية ، واختلاف الروايات في تعيينه .
فروىٰ أبو الصباح
عن الصادق علیهالسلام : « تكبر وتقول : اشهد ان لا اله إلّا الله وحده لا شريك له ، واشهد انّ محمداً عبده ورسوله . اللهم أنت اهل الكبرياء والعظمة ، واهل الجود والجبروت والقدرة والسلطان والعزة . اسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ، ولمحمد صلىاللهعليهوآله ذخراً ومزيداً ، اسألك ان تصلي علىٰ محمد وآل محمد ، وان تصلي علىٰ ملائكتك المقربين وانبيائك المرسلين ، وان تغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والاموات . اللهم اني اسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون ، واعوذ بك من شر ما عاذ به عبادك المخلصون .
الله اكبر ، أول كل
شيء وآخره ، وبديع كل شيء ومنتهاه ، وعالم كل شيء ومعاده ، ومصير كل شيء اليه ومردّه ، ومدبر الاُمور ، وباعث من في القبور ، قابل الاعمال ، مبدئ الخفيات معلن السرائر .
الله اكبر ، عظيم الملكوت
، شديد الجبروت ، حي لا يموت ، دائم لا يزول ، إذا قضىٰ أمراً فانما يقول له كن فيكون .
الله اكبر ، خشعت لك الاصوات
، وعنت لك الوجوه ، وحارت دونك الابصار ، وكلّت الالسن عن عظمتك ، والتواصي كلها بيدك ، ومقادير الاُمور كلها إليك ، لا يقضي فيها غيرك ، ولا يتم فيها شيء دونك .
الله اكبر ، أحاط بكل
شيء حفظك ، وقهر كل شيء عزك ، ونفذ كل شيء أمرك ، وقام كل شيء بك ، وتواضع كل شيء لعظمتك ، وذلّ كل شيء لعزتك ، واستسلم كل شيء لقدرتك ، وخضع كل شيء لملكك .
وكذا
تصنع في الركعة الثانية » .
وروىٰ علي بن حاتم
باسناده الىٰ ابي عبد الله علیهالسلام : « تقول بين كل تكبيرتين : اللهم اهل الكبرياء والعظمة ، واهل الجود والجبروت ، واهل المغفرة والرحمة ، واهل التقوىٰ والمغفرة ، واسألك في هذا اليوم
الذي جعلته للمسلمين عيدا ، ولمحمد صلىاللهعليهوآله ذخراً ومزيداً ، ان تصلي علىٰ
محمد وآل محمد ، كأفضل ما صليت علىٰ عبد من عبادك ، وصل علىٰ ملائكتك
ورسلك ، واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والأموات . اللهم اني اسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون ، واعوذ بك من شر ما عاذ بك منه عبادك المرسلون » .
وروىٰ جابر ،
عن الباقر علیهالسلام قال : « كان امير المؤمنين علیهالسلام اذا كبّر قال بين كل تكبيرتين : اشهد ان لا اله الله وحده لا شريك له ، واشهد ان محمد عبده ورسوله صلىاللهعليهوآله . اللهم اهل الكبرياء » وذكر الدعاء الىٰ
آخره .
وروىٰ بشر بن
سعيد ، عن ابي عبد الله علیهالسلام قال : « تقول في دعاء العيدين بين كل تكبيرتين : الله ربي ابداً ، والاسلام ديني ابداً ، ومحمد نبي ابداً ، والكعبة قبلتي ابداً ، وعلي وليي ابداً ، والاوصياء أئمتي ابداً
ـ وتسميهم الىٰ آخرهم ـ ولا احد الا الله »
.
__________________
واكثر الاخبار فيها
لفظ القنوت لا غير . والشيخ أبو الصلاح قال : ويلزمه ان يقنت بين كل تكبيرتين ، فيقول : اللهم اهل الكبرياء والعظمة ، الىٰ آخره . فان اراد به الوجوب تخييراً والأفضلية
فحق ، وان اراد به الوجوب عيناً فممنوع .
السادسة : يستحب رفع اليدين مع كل تكبيرة كما قلناه في تكبير الصلاة اليومية . وروىٰ يونس قال : سألته عن تكبير العيدين ، أيرفع يده مع كل تكبيرة ، أم يجزئه أن يرفع في أول تكبيرة ؟ فقال : « يرفع مع كل تكبيرة » . وروىٰ العامة عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « لا ترفع الأيدي إلّا في
سبعة مواطن » وذكر من جملتها تكبيرات العيد .
وكذا يستحب رفع اليدين
بالقنوت كقنوت اليومية .
فروع :
الاول :
لو نسي التكبيرات أو بعضها حتىٰ يركع ، مضىٰ في صلاته ولا شيء عليه اذ ليست اركاناً .
وهل تقضىٰ بعد الصلاة
؟ اثبته الشيخ رحمهالله ولعلّه لما سبق من
__________________
الرواية
في باب السهو المتضمّنة لقضاء الفائت من الصلاة بعدها
.
ونفاه في المعتبر ـ وتبعه
الفاضل ؛ لأنّه ذكر تجاوز محله ، فيسقط بالنافي السليم عن المعارض . وكأنه عنىٰ بالنافي دلالة الاصل
علىٰ عدم القضاء وان الفائت لا يجب قضاؤه ، وعنىٰ بالمعارض الأمر الجديد الدالّ علىٰ القضاء فانه منفي ، وللشيخ ان يبدي وجود المعارض وهي الرواية المشار إليها .
ولو تذكر وهو آخذ في الركوع
، ولما ينته الىٰ حدّ الراكع ، رجع اليه قطعاً .
ولو قلنا : بتقديم التكبير علىٰ القراءة في الاُولىٰ ، فنسيه
حتىٰ قرأ ، لم يعد اليه ، قاله في المعتبر ، لفوات محله .
وليس ببعيد وجوب استدراكه
أو ندبه علىٰ اختلاف القولين ؛ لانه محل في الجملة ولهذا كان التكبير في الثانية واقعاً فيه ، ولان الروايات المتضمّنة لتأخّره عن القراءة في الركعتين اقل احوالها ان يقتضي استدراكه إذا نسي .
وفي التذكرة اوجب استدراكه
، وتوقّف في اعادة القراءة ، من حيث عدم وقوعها في محلها ، وصدق القراءة . والأولىٰ اعادتها .
ولو ذكر في اثنائها
قطعها وأتىٰ به ثم استأنف القراءة .
__________________
ولا يقضي التكبير
عندنا في الركوع ، لما فيه من تغيير هيئة الصلاة .
وإذا قلنا بقضاء التكبير
أو استدراكه فالقنوت تابع له . والظاه وجوب الاستقبال فيهما ، لانّهما جزءان مما يجب فيه الاستقبال ، وكذا تعتبر بقية شرائط الصلاة .
ويحتمل أيضاً وجوب
سجدتي السهو ، بناء علىٰ تناول أدلة الوجوب في اليومية لهذه الصورة . وهو قول ابن الجنيد .
الثاني :
لو شك في عدده بنىٰ علىٰ الأقل ، لأنّه المتيقن . وفي انسحاب الخلاف في الشك في الاوليين المبطل للصلاة هنا احتمال أن قيل بوجوبه . ولو تذكر بعد فعله أنّه كان قد كبّر لم يضر ، لعدم ركنيته . وكذا الشك في القنوت .
الثالث :
لو قدّمه علىٰ القراءة في الركعة الثانية ساهياً ، أعاد بعدها قطعاً وسجد للسهو علىٰ الاحتمال .
ولو قدّمه في الركعة الأولىٰ
، فكذلك عند من يوجب تأخيره .
ولو تعمّد التقديم ،
ففي بطلان الصلاة مع استدراكه في محله عندي وجهان :
البطلان ، لتغير نظم الصلاة
، وعدم ايقاعها علىٰ الوجه المأمور به ، ولانّه ارتكب منهياً عنه في الصلاة ، إذ الامر بالشيء نهي عن ضده ، والنهي في العبادة مفسد .
والصحة ، لما تقدم في
الرواية : « إنّ كل ما ذكره الله عزّ وجلّ به أو رسوله فهو من الصلاة » .
__________________
ويحتمل ثالثاً وهو البطلان
ان اعتقد شرعيته ، لأنّه يكون مبدعاً فيتحقق النهي ، وان لم يعتقد شرعيته هنالك كان ذكراً مجرداً في الصلاة فلا ينافيها .
الرابع :
لو ادرك بعض التكبيرات مع الامام دخل معه ، فإذا ركع الامام ركع معه علىٰ القول بالندب ، لانه لا يترك المتابعة الواجبة لاجل الندب ، هذا إذا لم يمكنه الاتيان بالقدر الفائت قبل رفع الامام من الركوع ، وإلّا أتىٰ
به . ولو أمكنه التكبير المجرّد عن القنوت فعله ، ولو لم يمكنه ذلك قضاه عند الشيخ بعد التسليم .
اما علىٰ القول
بوجوبه ، فيحتمل منعه من الاقتداء إذا علم التخلف عن الامام . فلو اقتدىٰ ولمّا يعلم ، ولم يمكنه الجمع بين المتابعة وبين التكبير ، فانّه ينوي الانفراد .
ويحتمل جواز الاقتداء
ويسقط القنوت ويأتي بالتكبير ولاءً ، لتحقق الخلاف في وجوبه ، بخلاف المتابعة .
ويشكل بانا بنينا علىٰ
الوجوب . والمتابعة وان كانت واجبة فوجوبها ليس جزءاً من الصلاة من حيث هي صلاة . بخلاف التكبير والقنوت .
والفاضل مع قوله
بوجوبه اسقطه مع عدم امكان الاتيان به ، ولم يوجب قضاءه بعد التسليم ، حتىٰ لو ادرك الامام راكعاً كبّر ودخل معه ، واجتزأ بالركعة عنده ولا يجب القضاء .
الخامس :
لا يتحمّل الامام هذا التكبير ولا القنوت ، وانما يتحمّل القراءة .
__________________
ويحتمل تحمّل الدعاء
، ويكفي عن دعاء المأمومين . وهذا لم أقف فيه علىٰ نص .
ولو قلنا بالتحمّل
فيه ، فدعى المأموم فلا بأس ، سواء كان بدعاء الامام أو غيره .
وعدم تحمّل الامام القنوت
في اليومية يدلّ بطريق أولىٰ علىٰ عدم تحمّله هنا .
المسألة السابعة : يجب قراءة الحمد وسورة معها كسائر الفرائض . ولا خلاف في عدم تعيين سورة ، وإنّما الخلاف في الافضل :
فذهب جماعة إلىٰ
أنّه يقرأ الأعلىٰ في الاُولىٰ والشمس في الثانية
.
وقال آخرون الشمس الشمس
في الاُولىٰ والغاشية في الثانية .
وهذا القولان مشهوران
.
وقال علي بن بابويه :
يقرأ في الاُولىٰ الغاشية ، والثانية الأعلىٰ
.
وقال ابن أبي عقيل :
يقرأ في الاُولىٰ الغاشية ، وفي الثانية الشمس
.
ورواية أبي الصباح ،
عن الصادق علیهالسلام واسماعيل الجعفي ، عن الباقر علیهالسلام تشهدان للأول
.
__________________
وصحيحتا جميل ومعاوية
عن الصادق علیهالسلام تشهدان للثاني
مع أنّ في رواية جميل : « الشمس والغاشية واشباههما » .
والكل حسن ، وإن كان العمل
بالمشهور أولىٰ .
ويستحب الجهر بالقراءة
، والظاهر استحبابه بالقنوت أيضاً ، إلّا المأموم فإنّه يسرّ به .
__________________
المطلب الثالث : في اللواحق .
وفيه مسائل :
الاولىٰ : لو وافق العيد الجمعة ، تخيّر من صلّى العيد في حضور الجمعة وعدمه ، ذهب إليه الاكثر وعلىٰ الامام الحضور والاعلام
بذلك ، لصحيح الحلبي عن الصادق علیهالسلام قال : « اجتمعنا في زمان علي علیهالسلام ، فقال : من شاء ان يأتي الجمعة فليأت ، ومن قعد فلا يضره وليصلّ الظهر ، وخطب علیهالسلام خطبتين ، جمع فيهما خطبة العيد وخطبة الجمعة
» ونحوه رواه سلمة عنه علیهالسلام إلّا انه لم يذكر الخطبتين
.
وروىٰ العامّة
عن زيد بن ارقم : ( ان النبي صلىاللهعليهوآله صلّىٰ العيد ورخّص في الجمعة ) .
ورُوي : ان ابن الزبير
لمّا صلّىٰ العيد ولم يخرج الىٰ الجمعة قال ابن عباس : اصاب السنّة . وفيه ايماء الىٰ انه يسقط ايضا
عن الامام .
وقال ابن الجنيد ـ في
ظاهر كلامه ـ يختص التخيير لمن كان قاصي المنزل ويستحب له الحضور واختاره الفاضل
لما رواه اسحاق بن عمار ،
__________________
عن
الصادق علیهالسلام ، عن أبيه علیهالسلام : « إنّ علي بن أبي
طالب علیهالسلام كان يقول : إذا اجتمع للامام عيدان في يوم واحد ، فإنّه ينبغي للإمام أن يقول للناس في خطبته الآولىٰ : إنّه قد اجتمع لكم عيدان ، فأنا أصليهما جميعاً ، فمن كان
مكانه قاصياً فاحب أن ينصرف عن الآخر فقد أذنت له »
. ومفهومه أن غير قاضي المنزل ليس مأذوناً له في الانصراف .
والفرق لزوم المشقة
وعدمها ، إلّا أن البعد والقرب من الاُمور الاضافية ، فيصدق القاضي علىٰ من بعد بأدنىٰ بعد ، فيدخل الجميع إلّا
من كان مجاوراً للمسجد .
وربما صار بعض إلىٰ
تفسير القاضي بأهل القرىٰ دون أهل البلد لأنّه المتعارف .
وقال أبو الصلاح : الظاهر
في الملّة وجوب عقد الصلاتين وحضورهما علىٰ من خوطب بذلك .
وقال ابن البراج ـ رحمهالله ـ : الظاهر وجوب الحضور لهاتين الصلاتين ؛ لأنّ دليل الحضور فيهما قطعي ، وخبر الواحد يفيد الظن فلا يعارض القطع .
وتبعهما ابن زهرة
.
__________________
ويجاب عنه بأنّ الخبر
المتلقىٰ بالقبول المعمول عليه عند معظم الاصحاب في قوة المتواتر فيلحق بالقطعي ، ولأنّ نفي الحرج والعسر يدلّ علىٰ ذلك أيضاً ، فيكون الخبر معتضداً بالكتاب العزيز .
والمعتمد التخيير
مطلقاً ، وان كان الأولىٰ للقريب الحضور ، جمعاً بين الروايتين .
تنبيه :
ظاهر كلام الشيخ في الخلاف
تخيير الامام أيضاً . وصرّح المرتضىٰ بوجوب الحضور عليه وهو الاقرب ، لوجود المقتضي مع عدم المنافي
، ولما مرّ في خبر اسحاق « وأنا أُصليهما جميعاً »
.
المسألة الثانية : قد تقدّم استحباب الغسل لهذه الصلاة ، ووقته بعد الفجر . ولو تركه متعمّداً فاته الفضيلة . ولو تركه نسياناً فالأفضل الاغتسال وإعادة الصلاة ما دام الوقت ، رواه عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله علیهالسلام .
وفي شرعية الجماعة في
هذه الاعادة احتمال قوي ، كالصلاة المبتدأة ندباً علىٰ ما سبق من استحباب الجماعة فيها .
الثالثة : يستحب التوجّه بالتكبيرات المستحب تقديمها في اليومية ودعواتها ، سواء قلنا بأنّ تكبير العيد قبل القراءة أو بعده .
وربما خطر لبعضهم
سقوط دعاء التوجه إن قلنا بتقديم التكبير ،
__________________
ولا
ارىٰ له وجهاً ، لعدم المنافاة بين التوجه والقنوت بعده .
ويجوز تقديم التكبير
في الركعتين للتقية ، وتكون صلاة مجزئة .
الرابعة : اذا لم تجتمع شرائط الوجوب صُلّيت ندباً علىٰ ما سبق .
وهل يشترط في جوازه
خلوّ الذمة من القضاء ؟ الاقرب انه لا يشترط ، فتجوز ممّن عليه القضاء ، لما اسلفناه في باب المواقيت من الروايات .
ولو قلنا بالمنع منه
، فهل يجوز ان يصلي من القضاء بهيئة العيد ؟ يحتمل ذلك ، لانه اضافة ذكر الله تعالىٰ والدعاء لا غير . ويحتمل المنع ، لانه تغيير لهيئة الصلاة .
اما لو نذر فعلها في
وقتها ، فانها تنعقد وان كان مشغول الذمة بالقضاء ، ويراعي فيها ما يراعي في الواجبة إلّا الجماعة ، فانها ليست شرطاً في المنذورة مع اختلال الشرائط إلّا أن ينذر ذلك ، فيجب ان اتفقت الجماعة وإلّا سقط ، لانّه من قبيل الواجب المشروط .
الخامسة : قال أبو الصلاح رحمهالله : يخرج الامام والمأموم مشاة ، وكلما مشىٰ الامام قليلاً وقف وكبّر حتىٰ ينتهي الىٰ المصلّىٰ ،
فيجلس علىٰ الارض ويجلسون كذلك ، فاذا انبسطت الشمس قام وقام الناس فكبّر وكبّر الناس ، فاذا امسكوا قال مؤذنوه : الصلاة ، ثلاثاً ، برفيع اصواتهم
، ثم يكبّر ويدخل بهم في الصلاة .
وقال : اذا فرغ منها
عقّب وعفّر ثم خطب .
__________________
وقال : لا يقرأ المأمومون
خلفه ، سمعوا قراءته أوْ لا ، وعليه ان يسمعهم قنوته وتكبيره ولا يسمعونه ، فاذا فرغ من الخطبة جلس علىٰ المنبر حتىٰ ينفضّ الناس ثم ينزل .
وقال :
يكره السفر قبل صلاة المسنونة ـ وتبعه ابن زهرة
ـ ويلزم تمييز يوم العيد بالاكثار من فعل الخيرات ، والتوسعة علىٰ العيال ، والتضحية
بما تيسر وتفريق ذلك علىٰ المساكين .
السادسة : يستحب التعريف عشية عرفة بالامصار في المساجد ، لما فيه من السبة بالحاج في اجتماعهم ، وملازمة ذكر الله تعالىٰ . وروىٰ عبد
الله ابن سنان انه قال الصادق علیهالسلام : « من لم يشهد جماعة الناس في العيدين
، فليغتسل ، ويتطيّب ، وليصل وحده كما يصلي في الجماعة . وفي يوم عرفة يجتمعون بغير امام في الامصار يدعون الله عزّ وجل »
.
وعن ابن عباس انه
فعله بالبصرة .
وفعله عمرو بن حريث
ومحمد بن واسع ويحيىٰ بن معين
وهؤلاء من علماء العامة .
__________________
وكرهه نافع مولىٰ
ابن عمر وابراهيم النخعي والحكم وحماد ومالك .
وسئل عنه أحمد فقال :
أرجو أن لا يكون به بأس .
ونحن قد أثبتنا
شرعيّته عن الامام المعصوم فلا عبرة بقول من كرهه .
وأفضل التعريف بالأمصار
التعريف بالمشاهد ، وخصوصاً مشهد الامام أبي عبد الله الحسين علیهالسلام بكربلاء ، فقد ورد فيه أخبار جمّة
.
__________________
الفصل الثالث في صلاة الآيات والنظر في سببها ، وكيفيتها ، واحكامها
النظر الاول : تجب الصلاة بكسوف الشمس والقمر .
ويقال :
خسف القمر ، ايضاً . وربما قيل : خسفت الشمس ، وهو في حديث اسماء وابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوآله .
ولا يقال : انكسف ، عند بعضهم منهم الجوهري
بل كَسفَت وكسَفَها الله ـ بفتح الكاف والفاء فيهما ـ فهي كاسفة . والاخبار مملؤة بلفظ الانكساف ، وقد جوّزه بعض اهل اللغة منهم الهروي
.
ودليل الوجوب فيهما اجماع
الاصحاب ، وقول النبي صلىاللهعليهوآله : « ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، يخوف الله بهما عباده ، لا يكسفان لموت احد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فصلوا » والأمر للوجوب .
__________________
وروىٰ اُبي بن
كعب قال : انكسفت الشمس علىٰ عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله فصلّىٰ بنا وقرأ سورة من الطوال
، وركع خمس ركعات ، وسجد سجدتين . ثم قام فقرأ سورة من الطوال ، وركع خمس ركعات ، وسجد سجدتين ، وجلس علیهالسلام كما هو مستقبل القبلة يدعو حتىٰ
تجلّىٰ . وفي هذا الخبر الزام للعامة في مواضع :
احدها :
ان ظاهره الوجوب ، لقوله صلىاللهعليهوآله : « صلوا كما رأيتموني اُصلي » .
وثانيها : ان الوجوب علىٰ الاعيان ، لانّه صلّىٰ بهم لا
ببعضهم .
وثالثها : ان الركوع فيها عشر مرات كما نقول به .
وفيه دلالة علىٰ
استحباب الكون في الدعاء حتىٰ ينجلي ، وسيأتي استحباب الاعادة ان شاء الله تعالىٰ .
ونحو هذا الخبر رويناه
عن الكاظم علیهالسلام .
وروينا عن جميل عن ابي
عبد الله علیهالسلام قال : « صلاة الكسوف فريضة » .
واما باقي الآيات فلها
صور :
تجب الصلاة أيضاً
للزلزلة ، نصّ عليه الاصحاب .
__________________
وابن الجنيد لم يصرّح
به ولكن ظاهر كلامه ذلك ، حيث قال : تلزم الصلاة عند كل مخوف سماوي ، وكذا ابن زهرة
، وأمّا أبو الصلاح فلم يعرض لغير الكسوفين .
لنا : فتوىٰ الاصحاب
، وصحاح الاخبار ، كرواية عمر بن أُذينة عن رهط عن كليهما عليهماالسلام ، ومنهم من رواه عن أحدهما عليهماالسلام ، أنّ صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات وأربع سجدات
.
وروىٰ العامّة
: أنّ علياً علیهالسلام صلّىٰ في زلزلة جماعة
.
قال الشافعي : إن صح
قلت به .
الثانية : الرجفة ، وقد تضمّنته الرواية
وصرّح به ابن أبي عقيل وهو ظاهر الأصحاب أجمعين .
الثالثة : الرياح المخوفة . ومنهم من قال : الرياح العظيمة
. وقال المرتضىٰ : الرياح العواصف . وأطلق المفيد الرياح
.
__________________
الرابعة : الظلمة الشديدة ، ذكره الشيخ
وابن البراج وابن إدريس .
الخامسة : الحمرة الشديدة ، ذكرها الشيخ في الخلاف
.
السادسة : باقي الآيات المخوفة ، ذكره الشيخ
والمرتضىٰ في ظاهر كلامه وصرّح ابن أبي عقيل بجميع الآيات
وابن الجنيد علىٰ ما نقلناه عنه وابن البراج وابن إدريس
وهو ظاهر المفيد .
ودليل الوجوب في جميع
ما قلناه ـ مع فتوىٰ المعتبرين من الاصحاب ـ ما رواه زرارة ومحمد بن مسلم في الصحيح ، قالا : قلنا لأبي جعفر علیهالسلام : هذه الرياح والظلم التي تكون ، هل
يصلّىٰ لها ؟ فقال : « كل أخاويف السماء ، من ظلمة أو ريح أو فزع ، فصل له صلاة الكسوف حتىٰ يسكن وظاهر الأمر الوجوب .
وعن علي بن الحسين
عليهما الصلاة والسلام في الكسوفين : « إنّه
__________________
لا
يفزع للآيتين ولا يرهب إلّا من كان من شيعتنا ، فإذا كان كذلك فافزعوا إلىٰ الله وراجعوه » .
وقال ابن بابويه : إنّما
يجب الفزع إلىٰ المساجد والصلاة ، لأنّه آية تشبه آيات الساعة ، وكذلك الزلازل والرياح والظلم هي آيات تشبه آيات الساعة ، فآمر أن يتذكر القيامة عند مشاهدتها بالتوبة والانابة والفزع إلىٰ المساجد التي هي بيوته في الأرض ، والمستجير بها محفوظ في ذمة تعالىٰ
.
ثم هنا مسائل :
الاولىٰ : ووقتها في الكسوفين منذ ابتداء الاحتراق إلىٰ الأخذ في الانجلاء عند المعظم .
وإلىٰ تمامه
عند الشيخ المحقّق ، لما روي عن النبي صلىاللهعليهوآله : « فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلىٰ ذلك الله تعالىٰ والصلاة حتىٰ ينجلي » .
ولأنّ كسوف البعض في الابتداء
سبب في الوجوب ، فكذا في الاستدامة . وروىٰ معاوية بن عمار عن الصادق علیهالسلام : « إذا فرغت قبل أن ينجلي فاعد » ، ولو خرج الوقت قبل تمام الانجلاء لم يؤمر بالإعادة وجوباً ولا استحباباً . ولأنّ وقت الخوف ممتد فيمتد وقت الصلاة لاستدفاعه
.
للاكثر رواية حماد بن
عثمان عن الصادق علیهالسلام ، قال : ذكروا انكساف الشمس وما يلقىٰ الناس من شدته ، فقال : « إذا انجلىٰ منه شيء فقد
__________________
انجلىٰ
» .
قال في المعتبر : لا
حجة فيه ، لاحتمال ان يريد تساوي الحالين في زوال الشدة لا بيان الوقت .
والفائدة في نيّة القضاء
لو شرع في الانجلاء أو الاداء ، وكذا في ضرب زمان التكليف الذي يسع الصلاة وفي إدراك ركعة .
اما الاعادة فانّها
مشروعة ـ علىٰ ما يأتي ان شاء الله ـ ما لم يتم الانجلاء .
الثانية : وقّت الاصحاب الزلزلة بطول العمر ، وصرّحوا انّه لا يشترط سعة الزلزلة للصلاة ، فكانّ مجرد الوجود سبب في الوجوب .
وشك فيه الفاضل ، لمنافاته
القواعد الاصولية من امتناع التكليف بفعل في زمان لا يسعه .
وباقي الأخاويف عند الاصحاب
يشترط فيها السعة .
ولا نرىٰ وجهاً
للتخصيص إلّا قصر زمان الزلزلة غالباً ، فاذا اتفق قصر زمان تلك الآيات ـ بل قصر زمانها أيضاً غالب ـ احتمل الفاضل وجوب الصلاة اداء دائما كما يحتمل في الزلزلة ذلك .
وحكم الاصحاب بان الزلزلة
تصلىٰ اداء طول العمر لا بمعنىٰ التوسعة ، فان الظاهر وجوب الامر هنا علىٰ الفور بل علىٰ معنىٰ
نيّة الاداء وان اخلّ بالفورية لعذر أو غيره .
__________________
الثالثة : لو فات المكلف صلاة أحد الكسوفين مع علمه بها وتعمّده وجب القضاء ، لاشتغال الذمة ، وعموم روايات وجوب قضاء الصلوات ، مثل :
قول النبي صلىاللهعليهوآله : « من نام عن صلاة ، أو نسيها ، فليقضها إذا ذكرها » .
وقوله صلىاللهعليهوآله : « من فاتته صلاة فريضة ، فليقضها إذا ذكرها »
.
الرابعة : لو فاتت نسياناً أو بنوم وشبهه بعد علمه بها ، وجب القضاء ، لما رواه زرارة عن الباقر علیهالسلام : « إن اعلمك أحد وأنت نائم ، فعلمت ثم
غلبتك عينك فلم تصل ، فعليك قضاؤها » . وهذا يصلح دليلاً خاصاً علىٰ وجوب القضاء مع تعمد الترك ، من باب التنبيه بالأدنىٰ علىٰ الأعلىٰ
.
ولا فرق في هاتين الصورتين
بين احتراق الكلّ أو البعض ، لعموم الأدلّة .
وقال الشيخ في النهاية
والمبسوط لا تقضىٰ مع النسيان ، وتبعه ابن حمزة وأراد به مع عدم الإيعاب ، وكذا ابن البراج
.
وأطلق المرتضىٰ
عدم القضاء لو احترق البعض ، ووجوب القضاء لو احترق الجميع ، ذكره في الجمل ، قال : وقد رُوي وجوب ذلك علىٰ كل
__________________
حال
. وكذا فصّل في المسائل المصرية
.
الخامسة : لو لم يعلم بالكسوف ، فان كان موعبا وجب القضاء وإلّا فلا ، لرواية زرارة ومحمد بن مسلم عن الصادق علیهالسلام قال : « إذا كسفت الشمس كلها واحترقت ، ولم تعلم ثم علمت بعد ذلك ، فعليك القضاء . وإن لم تحترق كلها ، فليس عليك قضاء » . وهذا ايضا دليل خاص ، وتقريره ما تقدم .
فان قلت : فقد روىٰ ـ في الصحيح ـ علي بن جعفر عن أخيه عليهماالسلام ، قال : سألته عن الكسوف ، هل على من تركها قضاء ؟ فقال : « اذا فاتتك فليس عليك قضاء » .
قلت لما وردت روايات
مفصّلة ، وكان هذا الخبر مجملا ، وجب حمله علىٰ المفصّل ، فيحمل علىٰ الجهل .
وربما كان هذا حجّة الشيخ
ومن تبعه علىٰ عدم قضاء الناسي وهو غير متعيّن له ، لان الناسي في معنىٰ النائم ، وقد دلت الرواية علىٰ
وجوب قضائه .
تنبيه
قال المفيد رحمهالله اذا احترق قرص القمر كله ، ولم يعلم به حتىٰ اصبح ،
__________________
صلّاها
جماعة . وإن احترق بعضه ، ولم تعلم به حتىٰ أصبحت ، صلّيت القضاء فرادىٰ .
وقال علي بن بابويه :
إذا انكسف الشمس أو القمر ولم تعلم فعليك أن تصليها إذا علمت به ، وإن تركتها متعمّداً حتىٰ تصبح فاغتسل وصلّها ، وإن لم
يحترق كلّه فاقضها ولا تغتسل . وكذا قال ولده في المقنع
.
وظاهر هؤلاء وجوب القضاء
علىٰ الجاهل وان لم يحترق جميع القرص ، ولعلّه لرواية لم نقف عليها أو لأنّ مجرد الاحتراق سبب تام فلا يعذر فيه الجاهل ، إلّا أنّ رواية زرارة السالفة تدفعه
.
وتفصيل المفيد بالجماعة
والفرادىٰ في القضاء يأتي الكلام فيه .
وابن الجنيد ذكر في
سياق من تركها لنوم أو غفلة ولم يعلم به حتىٰ انجلىٰ إنّها تقضىٰ ، وقال : القضاء إذا احترق القرص كلّه الزم منه إذا احترق بعضه
.
السادسة : لو فاتت بقية الصلوات للآيات عمداً وجب القضاء ، وكذا نسياناً . ويحتمل انسحاب الخلاف فيها بطريق الاولىٰ ، للاجماع علىٰ
وجوبها .
وإن جهل احتمال أيضاً
انسحاب الخلاف ، وعدم القضاء أوجه : أمّا لعدم القضاء في الكسوف ـ وهو أقوىٰ ـ وأمّا لامتناع تكليف الغافل .
السابعة : لو غابت الشمس أو القمر بعد الكسوف وقبل الشروع في
__________________
الانجلاء
، وجبت الصلاة اداء ، وكذا لو سترها غيم أو طلعت الشمس علىٰ القمر عندنا . ويصلي اداء في الصورتين الاوليين ، عملا بالاستصحاب .
ولو اتفق اخبار
رصديين عدلين بمدة المكث ، أمكن العود اليهما .
ولو اخبرا بالكسوف في
وقت مترقب ، فالأقرب أنهما ومن اخبراه بمثابة العالم ، وكذا لو اتفق العلم بخبر الواحد للقرائن .
النظر الثاني : في كيفية الصلاة .
وهي ركعتان كسائر الصلوات
، وتنفرد باُمور :
احدها :
ان الركوع في كل ركعة خمس مرات .
وثانيها : وجوب تكرار الحمد والسورة خمساً ان اكمل السورة ، وان بعّض لم يجب تكرار الحمد .
وقال ابن ادريس : لا
يجب تكرار الحمد مع اكمال السورة بل يستحب وهو قول نادر .
وثالثها : استحباب الجهر فيها ، سواء كانت خسوفاً أو كسوفاً ، وقد رواه العامة . وكذا باقي الآيات .
ورابعها : استحباب القنوت علىٰ كل قراءة ثانية .
وقيل :
اقلّه علىٰ الخامسة والعاشرة ، رواه ابن بابويه رحمهالله وقال : إنّ الخبر ورد به .
__________________
وخامسها : انه لا يقول : ( سمع الله لمن حمده ) إلّا في الرفع من الركوع الخامس والعاشر ، بل يقتصر في باقي الركوعات علىٰ التكبير للانتصاب ، كما يكبّر للاخذ في الركوع .
وسادسها : تساوي زمان قرائته وركوعه وسجوده وقنوته في التطويل .
وسابعها : تطويل الصلاة بقراءة السور الطوال ـ مثل : الانبياء ، والكهف ـ إذا علم أو ظن سعة الوقت .
وثامنها : الاعادة لو فرغ قبل الانجلاء .
ولنشر الىٰ المدارك
:
فروىٰ زرارة
ومحمد بن مسلم وغيرهما عن الباقر والصادق عليهماالسلام : « تبدأ فتكبّر لافتتاح الصلاة ، ثم تقرأ اُمّ الكتاب وسورة ثم تركع ثم ترفع رأسك فتقرأ اُمّ الكتاب وسورة ، ثم تركع الثالثة فتقرأ اُمّ الكتاب وسورة ثم تركع الرابعة ثم ترفع رأسك فتقرأ اُمّ الكتاب وسورة ثم تركع الخامسة ، فإذا رفعت رأسك قلت : سمع الله لمن حمده ، ثم تخرّ ساجداً سجدتين ، ثم تقوم فتصنع كما صنعت في الأوّل » . قلت : وإن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ففرقها بينها ؟ قال : « أجزأته اُمّ القرآن في أول مرة ، وإن قرأ خمس سورة فمع كل سورة اُمّ القرآن » . وفي أخبار كثيرة دالة علىٰ هذا
التفصيل .
فان احتج ابن ادريس
برواية عبد الله بن سنان عن الصادق علیهالسلام ، قال : « انكسفت الشمس علىٰ عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله فصلّىٰ ركعتين : قام في الاُولىٰ
__________________
فقرأ
سورة ، ثم ركع فاطال الركوع ، ثم رفع رأسه فقرأ سورة ، ثم ركع فاطال الركوع ، ثم رفع رأسه فقرأ سورة ، ثم ركع فاطال الركوع ، ثم رفع رأسه فقرأ سورة ، ثم ركع ـ فعل ذلك خمس ركعات قبل أن يسجد ـ ثم سجد سجدتين ، ثم قام في الثانية ففعل مثل ذلك ، فكان له عشر ركعات واربع سجدات » والتوفيق بينها وبين باقي الروايات بالحمل علىٰ استحباب قراءة الفاتحة مع الاكمال .
فالجواب ان تلك الروايات
اشهر واكثر ، وعمل الاصحاب بمضمونها ، فتحمل هذه الرواية علىٰ ان الراوي ترك ذكر الحمد للعلم به ، لتوافق تلك الروايات الاُخر .
فروع :
لو بعّض وجب اكمال
سورة في الخمس ، لانّها ركعة من صلاة واجبة .
ولو بعّض بسورتين أو
ثلاث أو أربع ، فالظاهر الجواز ، غير انه إذا اتمّ السورة وجب ان يقرأ بعدها الحمد .
ولو قرأ السورة في القيام
الاول ، وبعّض بسورة أو ازيد في القيام الباقي ، جاز . والظاهر عدم وجوب اكمال السورة ثانياً هنا ، لحصول مسمّىٰ السورة في الركعة . ويحتمل ان ينحصر المجزئ في سورة واحدة أو خمس سور ، لانها ان كانت ركعة وجبت الواحدة ، وان كانت خمساً فالخمس ، فيمكن استناد ذلك إلىٰ تجويز الامرين وليس بين ذينك واسطة .
ولو قرأ في القيام الاول
بعض السورة ثم قام الىٰ الثاني ، فالاقرب تخيّره بين ثلاثة اشياء : بين رفضها واعادة الحمد ، وبين القراءة من موضع
القطع
، وبين القراءة من أي موضع شاء من السورة . مع احتمال منع هذا الأخير ، لمخالفته المعهود .
وحينئذ لو اقتصر علىٰ
شيء من هذه السورة في الخمس لم يجز ، لما بيّنا من وجوب اكمال سورة .
وتوقّف الفاضل في
وجوب قراءة الحمد لو رفض السورة التي قرأ بعضها ، من ان وجوب الحمد مشروط باكمال السورة قبلها ، ومن انه في حكم الاكمال ، ويجيء ذلك في العدول عن الموالاة في السورة الواحدة .
ويحتمل أمراً رابعاً
وهو : أن له إعادة لبعض الذي قرأه من السورة بعينه . فحينئذ ، هل تجب قراءة الحمد ؟ يحتمل ذلك ، لابتدائه بسورة . ويحتمل عدمه ، لان قراءة بعضها مجز فقراءة جميعها أولىٰ . هذا ان قرأ جميعها ، وان قرأ بعضها فاشدّ اشكالاً .
وروىٰ القنوت
في كل ثانية زرارة ومحمد بن مسلم أيضاً عن الامامين عليهماالسلام .
وروي تطويل الركوع والسجود
عن الباقر علیهالسلام .
وروىٰ تطويل القنوت
بقدر الركوع والسجود زرارة ومحمد بن مسلم عن الصادق علیهالسلام .
وروىٰ الشيخ في
الخلاف عن علي علیهالسلام انه جهر في الكسوف ، قال الشيخ : وعليه اجماع الفرقة .
__________________
وروىٰ التكبير
في كل رفع من الركوع غير الخامس والعاشر محمد بن مسلم عن الصادق علیهالسلام .
وروىٰ ايضاً التسميع
في الخامس والعاشر .
وروىٰ تطويل الصلاة
عمار عنه علیهالسلام قال : « اذا صليت الكسوف فإلىٰ ان يذهب الكسوف عن الشمس والقمر ، وتطوّل في صلاتك ، فان ذلك افضل » .
وروىٰ العامة
ذلك عن النبي صلىاللهعليهوآله ، ففي الصحاح : ( خسفت الشمس علىٰ عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله فقام رسول الله صلىاللهعليهوآله يصلي ، فأطال القيام جداً ، ثم ركع وأطال الركوع جداً ، ثم رفع رأسه وأطال القيام جداً وهو دون القيام الاول ، ثم ركع فأطال الركوع جداً ، وهو دون الركوع الاول ، ثم سجد . ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الاول ، ثم ركع واطال الركوع وهو دون الركوع الاول ، ثم رفع رأسه فقام فأطال القيام وهو دون القيام الاول ، ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول ، الىٰ قوله : ثم انصرف وقد تجلت الشمس ) .
وعن جابر قال : انكسفت
الشمس في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم مات ابراهيم ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله . فقال الناس : إنما انكسفت لموت ابراهيم
. فقام النبي صلىاللهعليهوآله فصلّى بالناس ، فكبّر ، فأطال القراءة
، ثم ركع نحواً مما قام ، ثم رفع رأسه من الركوع فقرأ دون القراءة الاُولىٰ ، ثم ركع نحواً مما
__________________
قام
، الىٰ قوله : ثم انصرف وقد اضاءت الشمس . فقال : « يا ايها الناس . انما الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالىٰ لا تنكسفان لموت أحد من الناس ، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلّوا حتىٰ تنجلي »
.
وروىٰ الاصحاب
عن عبد الله بن ميمون القداح عن الصادق علیهالسلام عن آبائه قال : « انكسفت الشمس في زمن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فصلىٰ بالناس ركعتين ، وطوّل حتىٰ غُشي علىٰ بعض القوم ممن كان وراءه من طول القيام » .
وروىٰ أبو بصير
قال : سألته عن صلاة الكسوف ، فقال : « عشر ركعات واربع سجدات ، تقرأ في كل ركعة مثل يس والنور ، ويكون ركوعك مثل قراءتك ، وسجودك مثل ركوعك » . قلت : فمن لم يحسن يس واشباهها ؟ قال : « فليقرأ ستين آية في كل ركعة » . وذكر الاصحاب الانبياء والكهف .
واما الاعادة ، فاختلف
الاصحاب فيها علىٰ اقوال ثلاثة :
انها واجبة ، وهو ظاهر
المرتضىٰ وابي الصلاح
وسلار وهؤلاء كالمصرحين بان آخر وقتها تمام الانجلاء كما ذهب إليه المحقق
.
__________________
وبقولهم
تشهد رواية معاوية بن عمار الصحيحة عن ابي عبد الله علیهالسلام : « اذا فرغت قبل ان ينجلي فاعد » . فان ظاهر الامر الوجوب
. ولان العلّة في الصلاة الواجبة دائم فيدوم المعلول .
وذهب معظم الاصحاب الىٰ
استحباب الاعادة لقضية الاصل النافية للوجوب ، وعدم اقتضاء الامر التكرار ، وصدق الامتثال ، وللجمع بين هذه الرواية وصحيحة محمد بن مسلم وزرارة عن الباقر علیهالسلام : « فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد وادع الله حتىٰ ينجلي » فان هذا صريح في جواز ترك الصلاة ، فيحمل الاول علىٰ الندب حتىٰ تتوافق الاخبار .
فان قلت قوله : « فاقعد
وادع » صيغتا أمر ، واقل احوال الأمر الاستحباب ، واستحباب الصلاة ينافي استحباب غيرها مما ينافيها ، فلا يتحقق الجمع بين الخبرين .
قلت :
قد يكون الامر للاباحة ، كقوله تعالىٰ : (
وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ) إلّا انه يبعد حمله هنا على الاباحة ،
لان الدعاء لا يكون إلّا راجع الفعل ، بل الحق انه للاستحباب ، ولا ينافي استحباب الصلاة ، فان الاستحباب يدخل فيه التخيير كما يدخل في الواجب ، فكأنّه مخيّر بين الصلاة وبين الدعاء ، وأيّهما فعل كان مستحباً .
فائدة :
قوله :
« حتى ينجلي » يمكن كون « حتىٰ » فيه لانتهاء الغاية ، فلا دلالة
__________________
فيها
علىٰ التعليل . ويمكن ان تكون تعليلية بمعنىٰ : كي ، كما تشعر به اخبار
كثيرة ، فيكون الدعاء سبباً في الانجلاء ،
ولهذا قال الفقهاء المطلوب بالصلاة . ردّ النور الىٰ الشمس والقمر . ويحتج بهذا علىٰ
شرعية الاعادة وتكريرها ، ليحصل الغرض من الصلاة .
وذهب ابن ادريس الىٰ
ان الاعادة غير واجبة ولا مستحبة ولا نرىٰ له ماخذا مع مخالفته فتاوىٰ الاصحاب والاخبار . وهب ان الاخبار من باب الآحاد أليس ان الاصحاب مطبقون قبله علىٰ شرعية الاعادة ، والاحكام الشرعية تثبت بمثل هذا عنده وعند غيره .
والمعتمد الاستحباب .
وقول المرتضىٰ ومن تبعه يمكن حمله عليه أيضاً ، فتصير المسألة متفقاً عليها .
وقد روىٰ عمار
عن ابي عبد الله علیهالسلام فضيلة تطويل الصلاة ، ثم قال : « وان احببت ان تصلي ، فتفرغ من صلاتك قبل ان يذهب الكسوف ، فهو جائز » وهذا الحديث ينفي وجوب الاعادة صريحاً .
لا يقال : نحن نقول
بموجبه ، فان المراد جواز الفراغ من صلاة واحدة قبل انجلائه ، ولا يلزم منه عدم وجوب اُخرىٰ .
لانا نقول : أمره بتطويل الصلاة الىٰ ان يذهب الكسوف عن الشمس
__________________
والقمر
، ثم اردفه بقوله : « وان احببت » إلىٰ آخره ، فكما ان الاولىٰ لا
تكرار فيها فكذا الثانية . ولان المفهوم من صلاته التي خوطب بها ، فلو كان وراءها صلاة مخاطب بها لزم تأخر البيان عن وقت الحاجة وانه باطل ، وقد تقرر في الاصول .
لا يقال : هذا يصلح
حجّة لابن ادريس ، لأنّه قسّم الحال إلىٰ قسمين : تطويل الصلاة بحيث تطابق الانجلاء ، وعدم تطويلها . ولم يذكر الاعادة ، فلو كانت مستحبة لم تكن القسمة حاصرة .
لانا نقول : حكم بالجواز علىٰ قسم الفراغ قبل الانجلاء ولا نزاع فيه
وجعله مقابل التطويل المستحب ، فكأنّ غرض السائل كان منحصراً في هذين الشيئين وذلك لا ينافي استحباب الاعادة بدليل اخر وانما يتوجه طلب القسمة الحاصرة أن لو أُريد حصر جميع الاقسام الممكنة وهنا اقتصر علىٰ القسمين بحسب المقام .
مسائل
الاولىٰ : يستحب ان تصلّىٰ تحت السماء ، رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر علیهالسلام قال : « وإن استطعت أن تكون صلاتك بارزاً
لا تحت بيت فافعل » .
ولو صليت في المسجد
صليت في رحبته المكشوفة . وهل هي الفضل من الصحراء ؟ الظاهر نعم ، تأسياً بالنبي صلىاللهعليهوآله ، فانّه صلاها في
__________________
مسجده
. وروىٰ يونس بن يعقوب عن ابي عبد
الله علیهالسلام : « انه خرج مع ابيه إلىٰ المسجد الحرام فصليا فيه لخسوف القمر »
.
ولعلّ رجحان البروز
لعلم حال الانجلاء به .
الثانية : يستحب فيها الجماعة ، سواء كانت كسوفاً أو خسوفاً أو غيرها ، لما روىٰ الخاصة والعامة ان النبي صلىاللهعليهوآله صلّاها في جماعة
.
وتتأكد الجماعة اذا اوعب
الاحتراق ، لما رواه ابن أبي يعفور عن الصادق علیهالسلام ، قال : « اذا انكسفت الشمس والقمر ، فانه
ينبغي للناس ان يفزعوا الىٰ امام يصلي بهم ، وايهما كسف بعضه فانه يجزئ الرجل ان يصلي وحده » .
وقال الصدوقان : اذا احترق
القرص كله فصلّها في جماعة ، وان احترق بعضه فصلها فرادىٰ .
فان أرادا نفي تأكد الاستحباب
مع احتراق البعض فمرحباً بالوفاق ، وان أرادا نفي استحباب الجماعة وترجيح الفرادىٰ طولبا بالدليل . وهذه الرواية غير ناهضة به ، فانها انما تدل علىٰ اجزاء صلاته وحده لا علىٰ
استحبابها ، بل ظاهرها ان الجماعة افضل من الانفراد ـ وان كانت دون الجماعة في الفضل ـ إذا عمّ الاحتراق .
وليست الجماعة شرطاً
في صحتها عندنا وعند الأكثر . وخالف فيه بعض
__________________
العامة
، حيث قال : لا تصلّىٰ إلّا في الجماعة . وقد روىٰ الاصحاب
عن روح بن عبد الرحيم عن الصادق علیهالسلام وسأله عن صلاة الكسوف
، أتصلّى جماعة ؟ قال : جماعة وفرادىٰ .
الثالثة : لا منع من هذه الصلاة في الاوقات الخمسة التي تكره فيها الصلاة المبتدأة نافلة ، لأنّها فرض ذو سبب . وقد روىٰ محمد بن حمران وجميل عن الصادق علیهالسلام فعلّها عند طلوع الشمس وغروبها
.
النظر الثالث
: في اللواحق .
وفيه مسائل :
الاولىٰ : لا خطبة لهذه الصلاة وجوباً ولا استحباباً ، للاصل ، ولعدم ذكرها في أكثر الاخبار .
وروايتهم عن عائشة : أنّ
النبي صلىاللهعليهوآله لما فرغ منها خطب الناس ، فحمد الله تعالىٰ واثنىٰ عليه ثم قال : « إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات
الله تعالىٰ ، وانّهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتموهما فكبّروا وادعوا وصلّوا وتصدقوا . يا اُمّة محمد إن ما من أحدٍ أغْيرَ من الله ان يزني عبده أو تزني أمَتُه . يا اُمّة محمد لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً . ألّا هل بلّغت » حكاية حال وهي ولا تعم ، ولعل ذلك
__________________
الكسوف
كان مقروناً بما اقتضىٰ هذه الخطبة ، لانه قد رُوىٰ في الصحيح انها كُسفت يوم مات ابراهيم ولد رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ كما سلف ـ فقال ذلك ليزيل وهمهم .
وفي رواية جابر ـ في
صحاحهم أيضاً ـ انه قال صلىاللهعليهوآله : « انه عرض عليّ كل شيء تولجونه ، فعُرضت عليّ الجنة حتىٰ لو تناولت منها قِطفاً أخذته ، أو قد تناولت منها قِطفا فقصرت يدي عنه ، وعُرضت
عليّ النار فرأيت فيها امرأة من بني اسرائيل تُعذّب في هرّة لها ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خِشاش الارض ، ورأيت ابا ثمامة عمرو بن مالك يجر قُصْبَه في النار ، وانهم كانوا يقولون : ان الشمس والقمر لا يخسفان إلّا لموت عظيم ، وانهما آيتان من آيات الله يريكموهما ، فاذا خسفا فصلّوا حتىٰ ينجلي » وفي هذا دليل علىٰ إزاحة ما كانوا
يعتقدونه من الجهالة وحكاية ما رأى النبي صلىاللهعليهوآله من المبشرات والمنذرات فلا يكون ذلك
شرعاً عاماً .
والقِطف : العنقود من
العنب ـ بكسر القاف ـ وهو اسم لما قطف ، كالذبح والطحن . وخشاش الارض : هو امُّها ، يقال بكسر الخاء وقد تُفتح . والقصب : المعي ، بضم القاف وسكون الصاد المهملة ، وجمعه : اقصاب .
الثانية : لا تجوز ان تصلّىٰ هذه الصلاة علىٰ الراحلة إلّا
مع الضرورة كسائر الفرائض .
__________________
وقد روىٰ عبد
الله بن سنان عن الصادق علیهالسلام : أنّه لا يصلّىٰ علىٰ الراحلة
شيء من الفروض .
وروىٰ علي بن
فضل الواسطي ، قال : كتبت إلىٰ الرضا علیهالسلام : إذا انكسفت الشمس والقمر وأنا راكب لا أقدر علىٰ النزول ، فكتب : صلِّ علىٰ
مركبك الذي أنت عليه » .
وقال ابن الجنيد : هي
واجبة علىٰ كل مخاطب ، سواء كان علىٰ الارض أو راكب سفينة أو دابة ، ويستحب أن يصليها علىٰ الأرض وإلّا فبحسب حاله . وربما احتجّ له بجواب المكاتبة . فإنّه لم يقيّد فيه بالضرورة ، وهو ضعيف ، لأنّ الجواب مقيّد بالسؤال .
الثالثة : لو شرع في صلاة الكسوف ، فتبين في الأثناء ضيق وقت الحاضرة ، قطعها وصلّىٰ الحاضرة ، ثم صلّىٰ الكسوف من أولها .
وفي النهاية : إن بدأ
بصلاة الكسوف ودخل عليه وقت فريضة ، قطعها وصلّىٰ الفريضة ، ثم رجع فتمّم صلاته
. وهو قول المفيد والمرتضىٰ في المصباح وابني بابويه
وابن البراج وابن حمزة
.
__________________
وفي المبسوط : إذا
دخل في صلاة الكسوف فدخل عليه الوقت ، قطع صلاة الكسوف ثم صلّىٰ الفرض ، ثم استأنف صلاة الكسوف
. فقد وافق في قطعها بالدخول كلام الجماعة ، وخالف في البناء حيث أوجب الاستئناف .
والمسألة مبنيّة علىٰ
وجوب تقديم الحاضرة علىٰ الكسوف لو اجتمعا واتسع الوقتان . وهو قول ابني بابويه والشيخ ـ في الجمل والنهاية
ـ واتباعه .
وقال السيد المرتضىٰ
وابن أبي عقيل : يصلّي الكسوف ما لم يخش فوت الحاضرة ، بأن يبتدأ بالحاضرة ثم يعود إلىٰ صلاة الكسوف
.
وفي المبسوط احتاط
بمذهب النهاية بعد قوله بجواز فعل صلاة الكسوف أول وقت الحاضرة والفاضلان علىٰ هذا
وهو قول ابن الجنيد .
ولا خلاف أنّ الحاضرة
أولىٰ مع خوف فوت وقتها . والظاهر أنّه لو
__________________
خاف
فوت الكسوف ، مع علمه باتساع وقت الحاضرة ، قدّم الكسوف عند هؤلاء . ولو تضيّقاً قدّم الحاضرة أيضاً .
ونقل في المعتبر أنّ أكثر
الاصحاب علىٰ التخيير مع اتساع الوقتين ، وعن أبي الصلاح ذلك أيضاً ونقل عنه الفاضل موافقة النهاية
وعبارته هذه : فإن دخل وقت فريضة من الخمس وهو فيها فليتمها ثم يصلي الفرض ، فإن خاف من اتمامها فوات الفرض قطعها ودخل فيه ، فإذا فرغ منه بنىٰ علىٰ ما مضىٰ من صلاة الكسوف
.
ورواية معاوية بن عمار
عن الصادق علیهالسلام : « خمس صلوات لا تترك علىٰ حال : إذا طفت بالبيت ، وإذا أردت أن تحرم ، وإذا نسيت فصلّ إذا
ذكرت ، وصلاة الكسوف ، والجنازة » تدل علىٰ التخيير بظاهرها .
وروىٰ محمد بن
مسلم عن الصادق علیهالسلام ربما اُبتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء ، فإن صلينا خشينا أن تفوت الفريضة ، قال : « إذا خشيت ذلك ، فاقطع صلاتك واقض فريضتك ، ثم عد فيها » .
وروىٰ أبو أيوب
عنه علیهالسلام ، وسأله عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب
__________________
الشمس
ويخشىٰ فوت الفريضة ، فقال : « اقطعوها وصلّوا الفريضة ، وعودوا إلىٰ صلاتكم » .
ولعلّ الجماعة
يتمسّكون بهاتين الروايتين علىٰ التقديم مع السعة ، وعلىٰ القطع مع دخول الوقت والبناء ، وهما صحيحتان إلّا أنّ دلالتهما علىٰ
ذلك غير صريحة . نعم ، روىٰ الصدوق عن محمد بن مسلم وبريد عن الباقر علیهالسلام : « فإذا فرغت من الفريضة ، فارجع إلىٰ
حيث كنت قطعت فصل واحتسب بما مضىٰ » وزيادة الثقة مقبولة .
وعلىٰ كل حال فالمعتمد
التخيير مع السعة ، وما قدمناه أولاً لو فجئه الضيق ، لأنّ البناء بعد تخلل صلاة أجنبية لم يعهد في الشارع تجويزه في غير هذا الموضع . والاعتذار بأنّ الفعل الكثير يغتفر هنا ، لعدم منافاته الصلاة ، بعيد ، فإنّا لم نبطلها بالفعل الكثير بل بحكم الشرع بالابطال والشروع في الحاضرة ، فإذا فرغ منها فقد أتىٰ بما يخل بنظم صلاة الكسوف ، فيجب اعادتها من رأس ، تحصيلاً ليقين البراءة .
الرابعة : لو اجتمعت مع صلاة الليل قدّمها علىٰ النافلة ، لأنّ مراعاة
الفرض أولىٰ من النفل ، سواء خاف فوت النافلة أو لا ، وسواء اتسع الوقتان أو اتسع وقت الكسوف .
وقد روىٰ محمد
بن مسلم عن الصادق علیهالسلام ، قلت : إذا كان الكسوف آخر الليل ، فبأيهما نبدأ ؟ فقال : « صلِّ صلاة الكسوف ، واقض صلاة الليل
__________________
حين
تصبح » .
فروع :
الاول :
لو كانت صلاة الليل منذورة ، فكالفريضة الحاضرة في التفصيل السالف . وهل ينسحب فيها قول البناء ، وكذا في كل صلاة منذورة تزاحم صلاة الكسوف ؟ الظاهر لا ، اقتصاراً علىٰ مورد النص ، مع المخالفة للاصل .
الثاني :
لو جامعت صلاة الاستسقاء أو غيرها من النوافل ، قدّمت الكسوف ، لمثل ما قلناه في صلاة الليل .
الثالث :
لو اشتغل بالصلاة الواجبة عند خوف ضيق الوقت ففاتته الكسوف ، فان كان قد فرّط في فعل الحاضرة أول الوقت فالاقرب قضاء الكسوف ، لاستناد اهمالها الىٰ ما تقدم من تقصيره . ويحتمل عدمه ، لان التأخير كان مباحاً الىٰ ذلك الوقت ، ثم تعيّن عليه الفعل بسبب التضيق واقتضىٰ ذلك الفوات ، فهو بالنظر الىٰ هذه الحال غير متمكن من فعل الكسوف ، فلا يجب الاداء لعدم التمكن ، ولا القضاء لعدم الاستقرار .
اما لو كان ترك الحاضرة
لعذر ـ كالحيض ، والاغماء ، والصبي ، والجنون ـ فعدم قضاء الكسوف اظهر ، لعدم التفريط هنا .
وفي اجراء الناسي ، والكافر
يسلم عند تضيق الوقت ، مجرىٰ المعذور ، عندي تردد ، لان التحفظ من النسيان ممكن غالباً ، والكافر مأخوذ بالاسلام ومخاطب بالصلاة ، ومن عموم : « رفع عن اُمتي الخطأ
__________________
والنسيان
» ، وقوله صلّىٰ الله عليه وآله :
« الاسلام يجب ما قبله » .
ولو قيل بقضاء الكسوف
مطلقاً كان وجهاً ، لوجود سبب الوجوب فلا ينافيه العارض .
أمّا الحائض فلا تقضي
الكسوف الحاصل في أيام الحيض ، لأنّ الحيض مانع للسبب ، بخلاف بقية الاعذار ، فإنّه يمكن كونها مانعة الحكم لا السبب .
الرابع :
لو جامعت صلاة العيد ، بأن تجب بسبب الآيات المطلقة أو بالكسوفين ـ نظراً إلىٰ قدرة الله تعالىٰ ـ وإن لم يكن معتاداً . علىٰ
أنّه قد أشتهر أنّ الشمس كسفت يوم عاشوراء لما قتل الحسين علیهالسلام كسفة بدت الكواكب نصف النهار فيها ، رواه البيهقي وغيره
. وقد قدّمناه ان الشمس كسفت يوم مات ابراهيم ابن النبي صلىاللهعليهوآله ، وروىٰ الزبير بن بكار في كتاب الانساب أنّه توفىٰ في العاشر من شهر ربيع الاول
. وروىٰ الاصحاب أنّ من علامات المهدي كسوف الشمس في النصف الأول من شهر رمضان
.
فحينئذ إذا اجتمع الكسوف
والعيد ، فإن كانت صلاة العيد نافلة قدم الكسوف ، وإن كانت فريضة فكما مرّ من التفصيل في الفرائض . نعم ، تقدّم
__________________
علىٰ
خطبة العيدين إن قلنا باستحبابهما كما هو المشهور .
الخامس :
لا يتصور في الزلزلة التضيق عند من قال بوجوبها أداء طول العمر ، فتقدّم عليها الحاضرة مع تضيقها ، ويتخيّر مع السعة . وكذا باقي الآيات إن قلنا بمساواتها الزلزلة .
وفي انسحاب خلاف الجماعة
فيها نظر ، من عدم دلالة الرواية عليه ، ومن أنّ اهتمام الشارع بالحاضرة اشدّ ووجوبها ألزم .
السادس :
لو اجتمعت آيتان فصاعداً في وقت واحد ـ كالكسوف ، والزلزلة ، والريح المظلمة ـ فإن اتسع الوقت للجميع تخيّر في التقديم . ويمكن وجوب تقديم الكسوف علىٰ الآيات ـ لشك بعض الاصحاب في وجوبها ـ وتقديم الزلزلة علىٰ الباقي لأنّ دليل وجوبها أقوىٰ
.
ولو اتسع لصلاتين فصاعداً
، وكانت الصلوات أكثر مما يتسع له ، احتمل قوياً هنا تقديم الكسوف ، ثم الزلزلة ، ثم يتخيّر في باقي الآيات . ولا يقضي ما لا يتسع له ، إلّا علىٰ احتمال عدم اشتراط سعة الوقت للصلاة
في الآيات .
ولو وسع واحدة لا غير
، فالاقرب تقديم الكسوف ، للاجماع عليه . وفي وجوب صلاة الزلزلة هنا أداء أو قضاء وجهان . وعلىٰ قول الاصحاب ـ بأنّ اتساع الوقت لها ليس بشرط ـ يصليها من بعد قطعاً ، وكذا الكلام في باقي الآيات .
السابع :
هل يشترط في وجوب صلاة الكسوف اتساع الوقت
__________________
لجميعها
، أم يكفي ركعة بسجدتيها ، أم يكفي مسمّىٰ الركوع لأنّه يسمىٰ ركعة لغة وشرعاً في هذه الصّلاة ، أم لا ؟ احتمالات :
من تغليب السبب فلا
يشترط شيء من ذلك فتكون كالزلزلة ، إلّا أنّ هذا الاحتمال مرفوض بين الاصحاب .
ومن اجرائها مجرىٰ
اليومية ، فتعتبر الركعة .
ومن خروج اليومية بالنص
، فلا يتعدّىٰ إلىٰ غيرها .
الثامن :
لو اشتغل بالكسوف لظنّه سعة الحاضرة ، فتبين ضيق وقتهما ، ففي تقديم أيهما وجهان للفاضل ، من سبق انعقاد الكسوف فيتمها للنهي عن ابطال العمل ، ومن أهمية الحاضرة . ويقوى الاشكال لو كان إذا أتمّ الكسوف
أدرك من الحاضرة ركعة ، لأنّ فيه جمعاً بين الصلاتين أداء ، ومن أنّ فيه تركاً لبعض الحاضرة في الوقت مع القدرة عليه .
التاسع :
لو ضاق وقت الوقوف بعرفة أو المشعر ، ولم يبق للمكلف إلّا قدر يسع الوصول إليهما وأقل الكون فيهما ، ففجئت صلاة الآيات ، فالأقرب فعلها ماشياً ، تحصيلاً للواجبين إذا خاف سبق وقتها . نعم ، لو كانت زلزلة أخّرها ، لعدم التوقيت .
العاشر :
لو اتفقت الآية في اليوم الثامن من ذي الحجة ، وخاف الامام أن تفوته صلاة الظهر بمنىٰ ، قدّم صلاة الآية ، لوجوبها واستحباب تأخر الصلاة .
المسألة الخامسة : يستحب اطالة صلاة كسوف الشمس علىٰ صلاة خسوف القمر ، وقد رواه الاصحاب عن أبي جعفر الباقر علیهالسلام .
وهل ينسحب إلىٰ
باقي الآيات حتىٰ يكون الكسوفان أطول منها ؟ لم نقف فيه علىٰ نص .
__________________
وقال ابن بابويه : انكسفت
الشمس علىٰ عهد أمير المؤمنين علیهالسلام فصلّىٰ بهم ، حتىٰ كان الرجل ينظر الىٰ الرجل وقد ابتل قدمه من
عرقه .
قال :
وسأل الصادق علیهالسلام عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الريح والظلمة في السماء والكسوف ، فقال الصادق علیهالسلام : « صلاتها سواء »
.
السادسة : لو كسف بعض الكواكب ، أو كسفت الشمس ببعض الكواكب ـ كما نقل انّ الزهرة رؤيت في جرم الشمس كاسفة لها ـ فظاهر الخبر السالف في الآيات يقتضي الوجوب لأنّها من الأخاويف . وقوّىٰ الفاضل عدمه ، لعدم النص ، واصالة البراءة ، ومنع كون ذلك مخوفاً ، فان المراد بالمخوف ما خافه العامة غالباً . وهم لا يشعرون بذلك
.
السابعة : ليس المقام شرطاً في وجوب صلاة الكسوف وباقي الآيات ، فتجب علىٰ المسافر كما تجب على الحاضر ، لعموم الامر .
وكذا تجب على النساء
كما تجب علىٰ الرجال ، غير انه يستحب لذوات الهيئات الصلاة في منازلهن خوف افتتانهنّ أو الفتنة بهنّ ، اما غيرهنّ فيستحب لهنّ الجماعة ولو مع الرجال . ولو اتفق الجمع بين صلاة ذوي الهيئات جماعة ، وبين ملازمتهن المنزل ، كان حسناً .
الثامنة : لو ادرك المأموم الامام في الركوع الاول تابعه .
ولو ادركه في باقي الركوعات
، ففي شرعية الدخول معه وجهان :
احدهما :
نعم ، لعموم : « واركعوا مع الراكعين » والحث علىٰ
__________________
الجماعة
.
والآخر : لا ، لعدم النص
علىٰ مثله .
فان قلنا بالمتابعة ،
فالأصح عدم سلامة الاقتداء ، لاستلزامه محذورين : أمّا التخلف عن الإمام ، أو تحمّل الامام الركوع ، لأنّه إن أتىٰ بما بقي
عليه ولما يسجد مع الامام لزم المحذور الاول ، وإن رفض الركوعات وسجد لسجود الامام لزم الثاني .
فان قيل : لم لا ينتظره حتىٰ يقوم إلىٰ الثانية ، فاذا انتهىٰ
إلىٰ الخامس من عدد المأموم سجد ، ثم قام فاقتدىٰ به في باقي الركوعات ، فإذا سجد الامام انفرد وأتىٰ بما بقي عليه ؟
قلنا :
في هذا عدم الاقتداء ، وقد قال صلىاللهعليهوآله : « إنّما جعل الامام إماماً ليؤتم به ، فإذا ركع فاركعوا » الحديث .
فان قيل : لم لا يأتي المأموم بما بقي عليه ثم يسجد ، ثم يلحق الامام
فيما بقي من الركعات ، وليس في هذا إلّا تخلّف عن الامام لعارض ، وهو غير قادح في الاقتداء لما سيأتي إن شاء الله ؟
قلنا :
من قال : إنّ التخلّف عن الامام يقدح فيه فوات ركن ، فعلىٰ مذهبه لا يتمّ هذا ، ومن اغتفر ذلك فإنّما يكون عند الضرورة ـ كالمزاحمة ـ ولا ضرورة هنا .
فحينئذ يستأنف المأموم
النيّة بعد سجود الامام ، وتكون تلك المتابعة
__________________
لتحصيل
الثواب ، كما يتابع في اليومية في السجود المجرد عن الركوع ، وظاهر المعتبر أنّه يتابعه في السجود أيضاً ، فإذا قام إلىٰ الثانية استأنف النية
.
فرع :
هذا إنّما يكون مشروعاً
لو ظن المأموم سعة الوقت ، أمّا لو ظن الضيق أو تساوىٰ الاحتمالان لم يدخل معه ، لأنّه معرّض لخروج الوقت قبل فعل الواجب عليه .
ولو قلنا بالادراك علىٰ
هذا الوجه فله الائتمام .
فائدة :
ذكر الصدوق في العلل
عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا علیهالسلام ، قال : « إنّما جعلت للكسوف صلاة لأنّه من آيات الله تعالىٰ ، لا يُدرى أللرحمة
ظهرت أم للعذاب ، فأحبَّ النبي صلىاللهعليهوآله أن تفزع اُمته إلىٰ خالقها وراحمها
، ليصرف عنهم سوءها ويقيهم مكروهها ، كما صرف عن قوم يونس حين تضرعوا إلىٰ الله تعالىٰ » .
وسأل سليمان الديلمي الصادق
علیهالسلام عن سبب الزلزلة ، قال : « ان الله تعالىٰ وكلّ بعروق الأرض ملكاً ، فإذا أراد الله أن يزلزل أرضاً أوحىٰ
إلىٰ ذلك الملك : ان حرّك عرق كذا وكذا ، فيحرك ذلك العرق فيتحرك باهلها »
.
ورُوي أن علي بن مهزيار
كتب إلىٰ أبي جعفر علیهالسلام يشكو كثرة الزلازل
__________________
في
الاهواز ، وانه يريد التحول عنها ، فكتب : « لا تتحول عنها ، وصوموا الأربعاء والخميس والجمعة ، واغتسلوا وطهروا ثيابكم ، وابرزوا يوم الجمعة وادعوا الله فانه يرفع عنكم » . قال : ففعلنا فسكنت .
وروىٰ ابن
يقطين قال : قال أبو عبد الله علیهالسلام : « من اصابته زلزلة فليقرأ : يا من ( يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا )
الآية صلّ علىٰ محمّد وآل محمد ، وامسك عنا السوء انك علىٰ كل شيء قدير » . وقال : « ان من قرأها
عند النوم لم يسقط عليه البيت إن شاء الله تعالىٰ »
.
وعن الصادق علیهالسلام : « أنّ الصاعقة تصيب المؤمن والكافر ولا تصيب ذاكراً » .
وعن أبي جعفر علیهالسلام : « التكبير يردّ الريح » .
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لا تسبّوا الريح فإنّها مأمورة ، ولا الجبال ، ولا الساعات ، ولا الايام والليالي ، فتأثموا ويرجع عليكم »
.
__________________

الفصل الرابع في صلاة النذر وشبهه من العهد واليمين
وهي تابعة لشرط الملتزم
بأحدها ، فيجب الوفاء به اذا كان مشروعاً ، لقوله تعالىٰ : (
أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ، (
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) .
ويشترط جميع شرائط اليومية
من الطهارة والقبلة والستر والمكان ، ويراعى جميع اركانها وواجباتها .
فلو نذر مشترطاً الاخلال
ببعض ما هو شرط في الصحة ، بطل نذره رأساً ، لانه معصية .
ولو نذرت الحائض ترك الصلاة
أيام حيضها انعقد . والفائدة في الكفارة .
ولو نذر ترك الصلاة
في الأوقات المكروهة والاماكن المكروهة انعقد أيضاً ، لانه راجح الترك . فلو فعلها فيه ، فان كانت ندباً أمكن القول ببطلانها ولزوم الكفارة ، للنهي المحرم المقتضي للفساد ، ومخالفة النذر . وامكن الصحة ولزوم الكفارة ، لان ذلك وصف خارج عن الصلاة .
وان كانت واجبة ،
فصلّىٰ في المكان المكروه ، ففيه الوجهان ايضاً . ومع الضرورة لا بحث في الصحة وسقوط الكفارة ، ولا تتصور الضرورة في النافلة .
ولو نذر فعلها في الوقت
والزمان المكروهين انعقدت مطلقة ، فلو
__________________
صلاها
بالقيد صحت أيضاً . وهل يجب فعلها في الزمان الذي كان تكره فيه النافلة ؟ نصّ عليه الفاضل ، لخروجها عن النافلة وصيرورتها واجبة ذات سبب .
ولو نذر النافلة جالساً
، فالاقرب انعقاده ، عملاً بما كانت عليه . ووجه البطلان النظر الىٰ ما صارت اليه من الوجوب .
ولو نذرها مستدبراً
مسافراً ، أو علىٰ الراحلة ، فكنذر الجلوس فيها .
ولو نذرها مستدبراً
حضراً علىٰ غير الراحلة ، فمن جوز النافلة الىٰ غير القبلة هنا فحكمها عنده حكم نذرها جالساً ، ومن منع من فعلها الىٰ غير القبلة يبطل القيد .
وفي بطلان اصل النذر
وجهان : من اجرائه مجرىٰ نذر الصلاة محدثاً أو مكشوف العورة ، ومن انّ القيد لغو فلا عبرة به ، ويلزم من القول بهذا الغاء قيد الصلاة محدثاً وانعقادها متطهراً .
ولو قيّد الصلاة بزمان
معيّن وجب ، فان أوقعها قبله وجب فعلها فيه ، فان تعمّد الاخلال قضىٰ وكفّر ، وان اوقعها بعده لعذر أجزأت ، وان كان لا لعذر ونوىٰ القضاء فهي قضاء وتجب الكفارة .
ولو كان الزمان المعيّن
بالنوع كيوم الجمعة ، اوقعها في أية جمعة شاء وتكون اداء .
ولو قيّد الصلاة بمكان
معين له مزية ـ كالمسجد ، والحرم ، وعرفة ، والمشهد ـ انعقدت . فلو فعلها في الأزيد ، ففي اجزائها وجهان :
احدهما :
نعم ، إذ فيه الاتيان بالواجب وزيادة اُخرىٰ غير منافية .
__________________
والثاني : لا ، لانّه نذر منعقد فلا يجوز مخالفته والمنافاة متحققة .
ولو كان المكان المقيّد
به لا مزية له ، ففي انعقادها فيه وجهان : من انها طاعة في موضع مباح فتجب ، ومن اجرائه مجرىٰ نذر المشي المطلق . فعلىٰ الاول لو فعلها في غيره مما لا مزية له لم يجز ، وان كان له مزية ابتنىٰ
علىٰ ما سلف . وعلىٰ الثاني يصليها أين شاء .
ولو عيّن الزمان والمكان
معاً في النذر تعيّناً ، فان خالف الزمان لم يجز ، وان خالف المكان الىٰ اعلى ووافق الزمان ففيه الوجهان السالفان .
فان قلت : فما الفرق بين الزمان والمكان ؟
قلت :
الشرع جعل الزمان سبباً للوجوب ، بخلاف المكان ، فانّه من ضرورة الفعل لا سببية فيه .
ولقائل ان يقول : لا
نسلم سببية الوقت هنا للوجوب ، وانما سبب الوجوب الالتزام بالنذر وشبهه ، والزمان والمكان أمران عارضان اذ من ضرورات الافعال الظروف ، ولا يلزم من سببية الوقت للوجوب في الصلوات الواجبة بالاصالة ثبوته هنا .
وقد يجاب بان السببية
في الوقت حاصلة وان كان ذلك بالنذر ، لانا لا نعني بالسببية إلّا توجّه الخطاب الىٰ المكلّف عند حضور الوقت وهو حاصل هنا ، ولا يتصور مثل ذلك في المكان إلّا تبعاً للزمان . وهذا حسن .
ولو نذر قراءة سورة
معينة مع الفاتحة وجبت ، وكذا بعض سورة ، فليس له العدول ، وان كان المعدول إليه أكثر حروفاً من المنذور ، أو منصوصاً علىٰ فضيلته مثل : آية الكرسي وسورة التوحيد .
وهل يجب مع نذر بعض
سورة كاملة ؟ يحتمل ذلك ، بناء علىٰ وجوب السورة الكاملة في الفرائض . ويحتمل العدم ، لانّ أصل الصلاة
هنا نافلة فتجب بحسب ما نذره . فعلىٰ الاول ، لو قيد نذره بالاقتصار علىٰ بعض السورة مع الحمد ، احتمل البطلان من رأس لمنافاته الصلاة المشروعة فهو كنذرها محدثاً ، والصحة والغاء القيد كما سلف .
ولو نذر تكرار الذكر
في الركوع انعقد . ولو خرج به عن اسم الصلاة ففيه الوجهان ، اعني : انعقاد المطلق ، أو البطلان . وربما احتمل الصحة ، بناء علىٰ منع تصور الخروج عن الصلاة بمثل هذا التطويل .
ولو نذر احدىٰ النوافل
المرغّب فيها وجبت علىٰ هيئتها المشروعة ، سواء كانت راتبة أو لا ، ويتعين وقتها المشروعة فيه . ولو كان وقتها مكملاً لفضيلتها ـ كيوم الجمعة لصلاة جعفر ـ فان ذكره وإلّا صلّاها متىٰ شاء . ولا يجب الدعاء المشتملة تلك الصلوات عليه إذا كان عقيبها ، ولو كان في اثنائها تسبيح أو دعاء فالأقرب وجوبه ، لانه من مشخصاتها .
ولو نذر صلاة الفريضة
، ففيه قولان يلتفتان الىٰ انّ فائدة النذر الايجاب ، أو الاعم منه كتأكيد الايجاب ايضاً . فعلىٰ الاول لا ينعقد النذر
، وعلىٰ الثاني ينعقد . وتكون الفائدة بعث العزم علىٰ الفعل ، وزيادة اللطف
في المنع من الترك ، ووجوب الكفارة .
ولو اطلق نذر الصلاة
تخيّر بين الاثنتين والثلاث والاربع ، فيراعي فيها ما يراعي في اليومية من التشهد المتخلل وغيره .
وهل تجزئ الواحدة ؟
فيه قولان :
نعم ، للتعبد بها في الوتر
، واصالة البراءة من الزائد ، ولحصول مسمىٰ الصلاة إذ هو الاذكار والافعال .
والثاني : لا ، لعدم التعبد
بها في غيره ، ولنهي النبي صلىاللهعليهوآله عن
البتيراء
وهي الركعة الواحدة .
ولو أطلق عدداً ـ كخمس
، أو ست ، أو عشر ـ انعقد ، ويصليها مثنىٰ وثلاث ورباع . ولو صلّاها مثنىٰ ، ثم أتىٰ بواحدة حيث يكون العدد فرداً
، احتمل قوياً هنا الاجزاء ، لتضمّن نذر العدد المفرد ذلك ، بخلاف الاطلاق ـ أعني : نذر الصلاة مطلقاً ـ ولهذا لو صرّح بنذر ركعة واحدة أجزأ . واحتمل العدم ، لقدرته علىٰ الاتيان بهيئة مشروعة إجماعاً كالمغرب .
وينقدح في المسألة
قول : إنّ المطلق يحمل علىٰ الثنائية فلا يجزىء غيرها ، لأنّ المنذور نافلة في المعنىٰ ، والنافلة مقصور شرعها غالباً علىٰ
الركعتين ، ولكني لم اظفر بقائل به من الاصحاب ولا غيرهم .
ولو قيّد العدد بخمس
فصاعداً بتسليمه ، فالظاهر عدم الانعقاد ، لعدم التعبّد به ، واختاره ابن ادريس رحمهالله . وقال الفاضل : يحتمل انعقادها ، لأنّها عبادة ، وعدم التعبد بها لا يخرجها عن كونها عبادة
. ولابن إدريس أن يمنع الصغرىٰ ، وسند المنع أنّ شرط كونها عبادة أن توافق المتعبّد به .
ولو قيّد الاربع أو الثلاث
بتشهد واحد وتسليم آخرها ، فالاقرب بطلان النذر من رأس ، لأنّه لم يتعبّد بها . ويحتمل الصحة ، بناءً علىٰ مسمىٰ
معظم الصلاة . ويحتمل بطلان القيد لا غير ، فلو صلاها معه لم تجز . ويلوح من كلام الفاضل انعقاد هذا النذر ، لأنّه قال : لو نذر صلاة مطلقة وصلاها ثلاثاً أو أربعاً أجزأ اجماعاً ، وفي وجوب التشهد اشكال
.
__________________
ولو قيّد المنذورة
بوقت فزاحمت المكتوبة ، فالاقرب تقديم المكتوبة ، لانّ وجوبها مطلق . ويحتمل تقديم المنذورة ، لتشخصها بهذا الوقت قبل المكتوبة .
فعلىٰ هذا يقضي
المكتوبة ، وليس بشيء ، لان الوقت مضروب للمكتوبة في حكم الله تعالىٰ بحسب الوضع الشرعي ، فلا يخرجه عن ذلك ما يعرض بفعل المكلف .
اما لو نذر استيعاب
زمان المكتوبة بالصلوات ، فانه لا ينعقد في القدر المختص بها . وفي انعقاده في الباقي عندي تردّد ، من انّه نذر واحد فلا يتبعّض ، ومن وجود المقتضىٰ للصحة في بعضه والبطلان في البعض الآخر .
ويحتمل أن يستثنىٰ
مقدار فعل النوافل الراتبة ؛ لانه لولاه لحرم فعلها باعتبار النذر ، فيكون نذراً مستلزماً لتحريم النافلة ، فيكون معصية فتبطل فيه .
ويمكن الجواب بان الغرض
من النافلة ـ وهو صورة الصلاة المقربة الىٰ الله تعالىٰ ـ حاصل في هذا المنذور ، فلا يضر فوات الخصوصية .
فان قلنا باستثنائه
وجبت المبادرة الىٰ الفريضة ، ثم ان صلّىٰ النافلة فذاك ، وإلّا وجب الاشتغال بالمنذورة .
فلو اخلّ بالمبادرة ،
فان كان لاشتغاله بالنذر جاز إن قلنا بانّه يستثني للفريضة وقت يختاره المكلف في مجموع الزمان ، وان قلنا بتخصيص المستثنىٰ بأوله لم يجز العدول الىٰ النذر ، إلّا انّ هذا الاحتمال
ضعيف وان كان العمل به أحوط . وعلىٰ هذين يتفرع تخصيص النافلة أيضاً .
ولو اخلّ بالمبادرة الىٰ
المكتوبة ولما يشتغل بالمنذورة ، فالوجه
التحريم
، لأنّه نذر استيعاب الازمنة وهذا منها ، ولأنّه لولاه لأدّىٰ إلىٰ
الاخلال ، إذ تجويز الاخلال قائم حتىٰ يصلّي المكتوبة ، فإذا أخّرها الىٰ آخر
الوقت كان إخلالاً بالنذر وهو غير جائز ، فحينئذ يجب قضاء ما كان يمكن فعله من النذر وكفارة خلف النذر .
هذا في التأخّر الاختياري
.
ولو كان التأخّر
لضرورة ، فإن كان لعذر يسقط التكليف ـ كالجنون ، والأغماء ، والحيض ـ فلا بحث ، فإن زال في الأثناء وجب الاشتغال بالمكتوبة والمنذورة في اثنائه . وان كان غير مسقط ـ كالنسيان ـ فانه يصلي المكتوبة والنافلة ان بقي وقتها وقلنا باستثنائها . وفي وجوب قضاء القدر الذي كان يمكن فعله من المنذورة احتمال قوي ، بناء علىٰ وجوب أحد الامرين بدخول الوقت ولم يأت المكلّف به .

الركن الرابع : في نفل الصلوات
قد مضىٰ القول
في الرواتب والباقي لا حصر له ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوآله : « الصلاة خير موضوع ، فمن شاء استكثر
، ومن شاء استقل » . ولنذكر المهم من ذلك .
فمنها :
صلاة جعفر بن أبي طالب علیهالسلام ، وتسمىٰ : صلاة الحبوة ، وصلاة التسبيح .
وهي مشهورة ، وممن رواها
أبو حمزة الثمالي عن ابي جعفر علیهالسلام ، قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لجعفر بن ابي طالب : يا جعفر ألا امنحك
، ألا اعطيك ، ألا احبوك ، ألا اعلمك صلاة إذا أنت صليتها ، وكنت فررت من الزحف ، وكان عليك مثل زبد البحر ورمل عالج ذنوباً غفرت لك . قال : بلىٰ لك رسول الله .
قال :
تصلي أربع ركعات إن شئت كل ليلة ، وإن شئت كل يوم ، وان شئت ففي كل جمعة ، وان شئت ففي كل شهر ، وان شئت ففي كل سنة ، تفتتح الصلاة ثم تكبّر خمس عشرة مرة تقول : الله اكبر وسبحان الله والحمد لله ولا اله إلّا الله ، ثم تقرأ الحمد وسورة ، وتركع فتقولها عشر مرات ، ثم ترفع رأسك فتقولها عشر مرات ، ثم تخرّ ساجداً فتقولها عشر مرات ، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشر مرات ، ثم تخرّ ساجداً فتقولها عشر
__________________
مرات
، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشر مرات ، ثم تنهض قائماً فتقولها خمس عشرة مرة ، ثم تقرأ الحمد وسورة ثم تركع فتقولها عشر مرات ، ثم وصف كما وصف أولاً ، ثم تتشهد وتسلم عقيب الركعتين ، ثم تصلى ركعتين اُخرتين مثل ذلك » . هكذا أوردها الصدوق ـ رحمهالله ـ في كتابه .
وروىٰ الشيخ أبو
جعفر الكليني بسند معتبر إلىٰ أبي بصير ، عن أبي عبد الله علیهالسلام ، قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لجعفر : يا جعفر ألا أمنحك ، ألا أعطيك ، ألا أحبوك . فقال جعفر : بلى يا رسول الله . قال : فظنّ الناس انه يعطيه ذهباً أو فضة ، فتشرف الناس لذلك ، فقال له : اني اُعطيك شيئاً إن أنت صنعته بين يومين غفر لك ما بينهما ، أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة ، غفر لك ما بينهما ، تصلّي أربع ركعات تبتدئ فتقرأ وتقول إذا فرغت : سبحان الله والحمد لله ولا اله إلّا الله والله أكبر ، خمس عشرة مرة بعد القراءة ، فإذا ركعت قلته عشرة مرات » . ثم وصف ما سلف وقال : « في كل ركعة ثلاثمائة تسبيحة ، في أربع ركعات ألف ومائتا تسبيحة وتهليلة وتكبيرة وتحميدة ، إن شئت صليتها بالنهار ، وإن شئت صليتها بالليل
. وهذه الرواية اشهر ، وعليها معظم الاصحاب .
ومثله رواه الشيخ عن الحسين
بن سعيد ، عن صفوان ، عن بسطام ، عن أبي عبد الله علیهالسلام ، قال : قلت له : أيلتزم الرجل أخاه ؟
فقال : « نعم ، انّ رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم افتتح خيبر أتاه الخبر أنّ جعفراً
قد قدم ، فقال : والله ما أدري بأيّهما أنا أشدّ سروراً ، أبقدوم جعفر أو بفتح خيبر ؟ فلم يلبث
__________________
إن
جاء فوثب رسول صلىاللهعليهوآله فالتزمه وقبّل ما
بين عينيه ، وقال له : يا جعفر ألا اعطيك » الحديث .
قال الصدوق ـ رحمهالله ـ : باي الحديثين أخذ المصلي فهو مصيب
.
وروىٰ ابراهيم
بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن علیهالسلام : « يقرأ في الاُولىٰ (
إِذَا زُلْزِلَتِ ) ، وفي الثانية ( وَالْعَادِيَاتِ ) ، وفي الثالثة ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ ) ، وفي الرابعة بـ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ ) . قلت : فما ثوابها ؟ قال : « لو كان عليه مثل رمل عالج ذنوباً غفر له » . ثم نظر اليّ فقال : « انما ذلك لك ولاصحابك » .
وروىٰ اسحاق بن
عمار ، قلت لابي عبد الله علیهالسلام : من صلّىٰ صلاة جعفر كتب الله عزّ وجل له من الأجر مثل ما قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لجعفر ؟ قال : « أي والله » .
وروىٰ عبد الله
بن المغيرة انّ الصادق علیهالسلام قال : اقرأ في صلاة جعفر بـ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ ) .
ورُوي : في كل ركعة بالاخلاص
والجحد .
وروي : القراءة بالزلزلة
والنصر والقدر والتوحيد .
__________________
فوائد :
يجوز جعلها من النوافل الراتبة ، رواه ذريح عن أبي عبد الله علیهالسلام .
ويجوز جعلها من قضاء النوافل
، لان في هذه الرواية من التهذيب : « وإن شئت جعلتها من قضاء صلاة » .
قال ابن الجنيد :
يجوز جعلها من قضاء النوافل ، ولا أحب الاحتساب بها من شيء من التطوع الموظف عليه . ويظهر من بعض الأصحاب جواز جعلها من الفرائض أيضاً اذ ليس فيه تغيير فاحش .
ويجوز تجريدها من التسبيح
، ثم قضاؤه بعدها وهو ذاهب في حوائجه ، لمن كان مستعجلاً ، رواه ابان وابو بصير عن أبي عبد الله علیهالسلام .
وتصلّىٰ سفراً
وحضراً . وتجوز في المحمل مسافراً .
ولو صلّىٰ منها
ركعتين ، ثم عرض له عارض ، بنىٰ بعد إزالة عارضه ، رواه ابن بابويه ـ رحمهالله ـ .
وروىٰ الحسن بن
محبوب رفعه ، قال : « تقول في آخر ركعة من صلاة جعفر علیهالسلام : يا من لبس العز والوقار ، يا من
تعطّف بالمجد وتكرّم به ، يا من لا ينبغي التسبيح إلّا له ، يا من أحصىٰ كل شيء علمه ، يا ذا النعمة والطول ، يا ذا المن والفضل ، يا ذا القدرة والكرم ، أسألك بمعاقد العز من عرشك ، ومنتهىٰ الرحمة من كتابك ، وباسمك الأعظم الأعلىٰ
__________________
وكلماتك
التامة ، أن تصلّي علىٰ محمد وآل محمد ، وان تفعل بي كذا وكذا » .
وعن أبي سعيد المدائني
عن أبي عبد الله علیهالسلام : تقول في آخر سجدة من أربع ركعات إذا فرغت من تسبيحك ـ يعني صلاة جعفر ـ : « سبحان من لبس العز والوقار ، سبحان من تعطّف بالمجد وتكرّم به ، سبحان من لا ينبغي التسبيح إلّا له ، سبحان من احصىٰ كل شيء علمه ، سبحان ذي المن والنعم ، سبحان ذي القدرة والكرم ، اللهم اني اسألك بمعاقد العز من عرشك ، ومنتهىٰ الرحمة من كتابك ، واسمك الاعظم وكلماتك التامة التي تمت صدقاً وعدلاً ، صلّ علىٰ محمد وأهل بيته ، وافعل بي كذا وكذا »
.
ويدعو عقيبها بالمنقول
.
وهي بتسليمتين علىٰ
الاظهر ، ويظهر من الصدوق في المقنع انّه يرىٰ انها بتسليمة واحدة ، وهو نادر .
تنبيه :
زعم بعض مبغضي العامة
ان الخطاب بهذه الصلاة وتعليمها كان للعباس عمّ النبي صلىاللهعليهوآله ورواه الترمذي
. ورواية أهل البيت أوثق ، اذ اهل البيت أعلم بما في البيت ، علىٰ انّه يمكن أن يكون قد خاطبهما بذلك
__________________
في
وقتين ، ولا استبعاد فيه .
ومنها :
صلاة سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وهي : ركعتان يقرأ في كل ركعة الحمد وإنّا أنزلناه خمس عشرة مرة ، فإذا ركع قرأها خمس عشرة مرة ، فإذا انتصب قرأها خمس عشرة مرة ، فإذا سجد قرأها خمس عشرة مرة ، فإذا رفع رأسه من السجود قرأها خمس عشرة مرة ، فإذا سجد ثانياً قرأها خمس عشرة مرة ، ثم يرفع رأسه من السجود الىٰ الثانية ويصلّي كذلك . فإذا سلم دعا بالمنقول في المصباح فينصرف وليس بينه وبين الله ذنب إلّا غفره له . وفعلها يوم الجمعة .
ومنها :
صلاة علي علیهالسلام يوم الجمعة أيضاً ، وهي : اربع ركعات
يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وخمسين مرة الاخلاص ، ثم يدعو بالمنقول ، فعن الصادق علیهالسلام : « من صلاها خرج من ذنوبه كيوم ولدته اُمه
، وقضيت حوائجه » .
ومنها :
صلاة فاطمة عليهاالسلام ، وهي : ركعتان في الاُولىٰ الحمد
مرة والقدر مائة مرة ، وفي الثانية الحمد والاخلاص مائة مرة .
ونقل ابن بابويه أنّ
صلاة فاطمة عليهماالسلام ـ وتسمّىٰ : صلاة الاوابين ـ أربع
ركعات بتسليمتين ، يقرأ في كل ركعة الفاتحة و (
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) خمسين مرة . وروىٰ عن عبد الله بن سنان : ان من توضّأ فاسبغ الوضوء
وصلاها ، انفتل حين ينفتل وليس بينه وبين الله عز وجل ذنب إلّا غفر له
.
__________________
ومنها :
صلاة الحسين علیهالسلام يوم الجمعة اربع ركعات : يقرأ في الاُولىٰ
ـ بعد التوجّه ـ الحمد خمسين مرة وكذا الاخلاص ، فإذا ركع قرأ الحمد عشراً وكذا الاخلاص ، وكذا في الاحوال ففي كل ركعة مائتي مرة ، ثم يدعو بالمنقول .
ومنها :
صلاة الاعرابي ، رواها الشيخ عن زيد بن ثابت مرسلا ، قال : أتىٰ رجل من الاعراب الىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : بأبي أنت واُمي يا رسول الله إنا نكون في هذه البادية بعيداً من المدينة ، ولا نقدر أن نأتيك في كل جمعة ، فدلّني علىٰ عمل فيه فضل صلاة الجمعة اذا مضيت الىٰ اهلي خبرتهم به ؟
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « إذا كان ارتفاع النهار فصلّي ركعتين ، تقرأ في أول ركعة الحمد مرة و (
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) سبع مرات ، واقرأ في الثانية الحمد مرة واحدة و (
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ )
سبع مرات ، فاذا سلمت فاقرأ آية الكرسي سبع مرات . ثم تصلي ثماني ركعات وتسليمتين ، فاقرأ في كل ركعة منها الحمد مرة و (
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) مرة و ( قُلْ هُوَ اللَّهُ )
خمساً وعشرين مرة .
فاذا فرغت من صلاتك
فقل : « سبحان الله رب العرش الكريم لا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم ، فو الذي اصطفىٰ محمداً بالنبوة ما
من مؤمن ولا مؤمنة يصلي هذه الصلاة يوم الجمعة كما أقول إلّا وانا ضامن له الجنة ، ولا يقوم من مقامه حتىٰ يغفر له ذنوبه ولأبويه ذنوبهما »
.
ومنها :
صلاة الاستسقاء . عن النبي صلىاللهعليهوآله : « خمس بخمس : ما نقض
__________________
العهد
قوم إلّا سلّط الله عليهم عدوهم ، وما حكموا بغير ما انزل الله إلّا فشا فيهم الفقر ، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلّا فشا فيهم الموت ، ولا طففوا الكيل إلّا مُنعوا النبات واُخذوا بالسنين ، ولا منعوا الزكاة إلّا حبس عنهم القطر » .
وعن الصادق علیهالسلام : « اذا فشت أربعة ظهرت أربعة : إذا فشا الزنا ظهرت الزلازل ، واذا امسكت الزكاة هلكت الماشية ، وإذا جار الحكّام في القضاء امسك القطر من السماء ، وإذا خفرت الذمة نصر المشركون علىٰ المسلمين » .
ولما كان الدعاء في الصلاة
وبعدها أقرب الىٰ الاجابة ، شرع الاستسقاء عند فتور الأمطار وغور الآبار والانهار .
ولا خلاف في شرعية الاستسقاء
، وقد كان مشروعاً في الملل السالفة . قال الله تعالىٰ : (
وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ )
وقال تعالىٰ : ( اسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا )
.
واستسقىٰ النبي
صلىاللهعليهوآله ، وعلي علیهالسلام ، والائمة ، والصحابة ، وصلّوا ركعتين .
__________________
فبطل قول بعض العامة
ببدعية الصلاة ، وإنّما هو دعاء واستغفار ، قالوا : استسقىٰ النبي صلىاللهعليهوآله علىٰ المنبر ولم يصلّ لها
.
قلنا :
نحن لا نمنع جوازه بغير صلاة ، وكما أنّه نقل ذلك أيضاً أنّه صلّىٰ ركعتين للاستسقاء ، رواه أبو هريرة
وعائشة وابن عباس وعقبة . وروت عائشة : أنّه بعد دعائه علىٰ المنبر نزل فصلّىٰ
ركعتين .
وهنا مسائل :
الاولىٰ : يستحب أن يأمر الامام الناس في خطبة الجمعة وغيرها بتقديم التوبة والاخلاص لله تعالىٰ والانقطاع اليه ، ويأمرهم بالصوم ثلاثاً عقيبها ، ليخرجوا يوم الاثنين صائمين ، لما روي عن النبي صلىاللهعليهوآله : أنّ دعوة الصائم لا ترد وأمر الصادق علیهالسلام محمد بن خالد والي المدينة بالخروج يوم الاثنين ، فإن لم يتفق فيوم الجمعة .
__________________
وأبو الصلاح ـ رحمهالله ـ لم يذكر سوىٰ الجمعة
.
والمفيد ـ رحمهالله ـ وابن ابي عقيل ، وابن الجنيد ، وسلار لم يعيّنوا يوماً .
ولا ريب في جواز الخروج
سائر الايام ، وانما اختير الجمعة لما ورد : « ان العبد ليسأل الحاجة فتؤخّر الاجابة الى يوم الجمعة »
.
ولا يحتاج الىٰ
صوم أربعة والخروج في الرابع ، لقضية الأصل .
الثانية : يستحب أن يخرج الناس حفاة بالسكينة والوقار ، مبالغة في الخضوع ، وليكونوا مطرقي رؤوسهم مخبتين ، مكثرين ذكر الله عزّ وجل ، والاستغفار من ذنوبهم وسيء اعمالهم .
قال بعض الاصحاب :
وليكن في ثياب بذلته وتواضعه ، تأسياً بالنبي صلىاللهعليهوآله .
ويخصّ الامام بأمره اهل
الورع والصلاح ، لانّ دعاءهم أقرب الىٰ الاجابة . والشيوخ والشيخات والاطفال ، لقول النبي صلىاللهعليهوآله : « لولا أطفال رضّع ، وشيوخ ركع ، وبهائم رتع ، لصببنا عليكم العذاب صبا »
. وابناء الثمانين احرىٰ ، لما روى عنه صلىاللهعليهوآله : « اذا بلغ الرجل ثمانين سنة غفر له ما
تقدّم من ذنوبه وما تأخّر » .
__________________
ويمنع من الخروج الشواب
من النساء خوف الفتنة ، والكفار لانّه مغضوب عليهم ، ولقوله تعالىٰ : (
وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ) والمتظاهر بالفسق والمنكر من المسلمين
.
وتخرج معهم البهائم ،
لقوله علیهالسلام : « وبهائم رتع »
. ورُوي ان سليمان علیهالسلام خرج ليستسقي فرأىٰ نملة قد استلقت
علىٰ ظهرها ، وهي تقول : « اللهم إنا خلق من خلقك ، ولا غنىٰ بنا عن رزقك ، فلا تهلكنا بذنوب بني آدم » ، وهي رافعة قائمة من قوائمها الىٰ السماء ، أورده الصادق علیهالسلام عن سليمان علیهالسلام ، فقال سليمان : « ارجعوا فقد سقيتم بغيركم » .
ويأمرهم بالخروج من المظالم
، والاستغفار ، والصدقة ، وترك الشحناء ، لقوله تعالىٰ : (
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَـٰكِنْ كَذَّبُوا
فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) .
ويفرق بين الاطفال وامهاتهم
، استجلاباً للبكاء والخشوع .
وقال السيد المرتضىٰ
ـ رحمهالله ـ وابن الجنيد ، وابن ابي عقيل : ينقل المنبر فيحمل بين يدي الامام إلىٰ الصحراء
وقد رواه قرة مولىٰ خالد عن
__________________
الصادق
علیهالسلام
.
وقال ابن ادريس : الأظهر
في الرواية أنّه لا ينقل ، بل يكون كمنبر العيد معمولاً من طين .
ولعل الاول أولىٰ
، لما رُوي انّ النبي صلىاللهعليهوآله أخرج المنبر في الاستسقاء ولم يخرجه في العيد .
الثالثة : يستحب الاصحار بها اجماعاً ـ ومن أنكر الصلاة قال : يستسقىٰ علىٰ المنبر بالجامع ـ لما رُوي أنّ النبي صلىاللهعليهوآله خرج إلىٰ المصلّىٰ .
وعن أمير المؤمنين علیهالسلام : « قضت السنّة أنّه لا يستسقىٰ إلّا بالبراري حيث ينظر الناس إلىٰ السماء ، ولا يستسقىٰ في المساجد إلّا بمكة »
واختصاص مكة لمزيد الشرف في مسجدها .
ولو حصل مانع من الصحراء
ـ كخوف وشبهه ـ جازت في المساجد .
ويستحب أن يخرج المؤذنون
بين يدي الامام بأيديهم العَنز . وليكن
__________________
الاستسقاء
في مكان نظيف ، وعليهم السكينة والوقار والخشوع وخصوصاً الامام ، لرواية هشام بن الحكم عن الصادق علیهالسلام .
وابن أبي عقيل والمفيد
وجماعة لم يستثنوا المسجد الحرام .
وظاهر ابن الجنيد استثناء
المسجدين .
الرابعة : أذانها أن يقول : الصلاة ، ثلاثاً . ويجوز النصب باضمار احضروا
وشبهه ، والرفع باضمار مبتدأ أو خبر ، كما سبق في العيد .
وقال بعض العامة :
يقول : الصلاة جامعة ولا مانع منه . ويصح فيه رفعهما ونصبهما ، ونصب الاول ورفع الثاني ، وبالعكس .
ووقتها وقت العيد في
ظاهر كلام الاصحاب .
وصرّح ابن أبي عقيل بأنّ
الخروج في صدر النهار .
وأبو الصلاح : عند انبساط
الشمس .
وابن الجنيد بعد صلاة
الفجر .
والشيخان : لم يعينا
وقتاً إلّا إنّهما حكما بمساواتها العيد ، كما في رواية تعليم الصادق علیهالسلام .
__________________
وقال في التذكرة :
توقع بعد الزوال ، ونقله ابن عبد البر عن جماعة العلماء من العامة .
وتجوز جماعة وفرادىٰ
، والجماعة أفضل ، لانّ الاجتماع علىٰ الدعاء فمن بالإجابة ، لقوله صلىاللهعليهوآله : « من صلّىٰ صلاة جماعة ، ثم سأل
الله حاجة ، قضيت له » ولانه صلىاللهعليهوآله صلّاها جماعة
. ولا يشترط في الجماعة اذن الامام .
الخامسة : صفتها كصفة صلاة العيد ، فيقرأ الحمد وسورة ، ويكبّر في الاُولىٰ بعد القراءة خمساً ، وفي الثانية أربعاً ، غير التكبيرات المعهودة
في الصلاة .
والاقرب استحباب ما
يقرأ في العيد من السور . وروىٰ العامة عن النبي صلىاللهعليهوآله : انه كان يقرأ في العيدين ، والاستسقاء
، في الاُولىٰ بالأعلىٰ وفي الثانية بالغاشيه .
والقنوت هنا بالاستغفار
، والدعاء بانزال الرحمة وتوفير المياه .
وليبدأ بالصلاة علىٰ
النبي صلىاللهعليهوآله ويختم بها ، لما رُوي عن علي علیهالسلام : « اذا سألتم الله حاجة فصلّوا علىٰ النبي وآله ، فان الله تعالىٰ إذا
سئل عن
__________________
حاجتين
يستحيي أن يقضي احداهما دون الاُخرىٰ » .
وليقدّم الثناء علىٰ
الله تعالىٰ ، لرواية هشام بن الحكم عن الصادق علیهالسلام : « انه يحمد الله ويمجده ، ويثني عليه ، ويجتهد في الدعاء »
.
ويستحب ان يعترف
بذنبه طالباً من الله تعالىٰ الرحمة والمغفرة .
وفي القرآن العزيز اشارة
الىٰ ذلك كله . قال الله تعالىٰ : (
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّىٰ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ )
.
وحكىٰ : عن آدم
وحواء : ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )
.
وعن نوح علیهالسلام : (
وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) .
وعن يونس : ( لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ
مِنَ الظَّالِمِينَ ) .
وعن موسىٰ علیهالسلام : (
رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي )
.
وليلح في الدعاء ،
للخبر عن النبي صلىاللهعليهوآله : « انّ الله يحب الملحين في الدعاء » .
__________________
ولو تأخّرت الاجابة
كرروا الخروج حتىٰ يجابوا ، اما بصوم مستأنف ، أو بالبناء علىٰ الاول .
وقال ابن الجنيد : إن
لم يمطروا ، ولا اظلتهم غمامة ، لم ينصرفوا إلّا عند وجوب صلاة الظهر . ولو أقاموا بقية نهارهم كان أحبّ اليّ ، فان اُجيبوا وإلّا تواعدوا علىٰ الغدوة يوماً ثانياً وثالثاً
.
السادسة : يستحب للامام انّ يحوّل ردائه ، فيجعل ما علىٰ المنكب الأيمن علىٰ الأيسر ، وما علىٰ الأيسر علىٰ الأيمن ، تأسياً بالنبي
صلىاللهعليهوآله .
وفي رواية رفعها محمد
بن يحيىٰ عن الصادق علیهالسلام : تحويل النبي صلىاللهعليهوآله ردائه علامة بينه وبين اصحابه يحوّل الجدب
خصبا .
ووقت التحويل عند فراغه
من الصلاة ، رواه هشام بن الحكم عنه علیهالسلام من فعل النبي صلىاللهعليهوآله وفي استسقاء محمد بن خالد عن أمر الصادق علیهالسلام : ثم يصعد المنبر ـ يعني بعد الفراغ من
الصلاة ـ فيقلب ردائه .
وقال بعض الاصحاب :
يحوله بعد فراغه من الخطبة .
ولا مانع من تحويله
في هذه المواضع كلها ، لكثرة التفاؤل بقلب الجدب خصبا ، وقد قال المفيد وسلار وابن البراج : يحوّل الامام ردائه
__________________
ثلاث
مرات .
وهل يستحب للمأموم التحويل
؟ اثبته في المبسوط . وفي الخلاف : يستحب للامام خاصة . والاول قوي ، للاشتراك في التفاؤل ، ولقوله تعالىٰ : (
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )
.
ولا فرق بين كون الرداء
مربعاً ، أو مقوراً ، أو مدوراً . ولا يشترط تحويل الظاهر باطناً وبالعكس ، والاعلىٰ اسفل وبالعكس ، ولو فعل ذلك فلا بأس .
السابعة : تستحب الخطبتان ـ كخطبتي العيد ـ بعد الصلاة ، لما في رواية قرة في أمر الصادق علیهالسلام .
وروىٰ اسحاق بن
عمار عن الصادق علیهالسلام تقديم الخطبة علىٰ الصلاة .
وقال ابن الجنيد يصعد
الامام المنبر قبل الصلاة وبعدها . وفي رواية هشام بن الحكم ايماء اليه إلّا ان الاشهر الاول ، لرواية طلحة بن
خالد عن الصادق علیهالسلام من فعل رسول الله صلىاللهعليهوآله ذلك .
__________________
وقال الشيخ في رواية اسحاق
: هي شاذة مخالفة لاجماع الطائفة .
الثامنة : يستحب ان يكبّر الامام مائة مرة رافعاً بها صوته الىٰ القبلة
.
ثم يسبّح عن يمينه مائة
مرة يرفع بها صوته .
ثم يهلّل عن يساره مائة
يرفع بها صوته .
ثم يحمد الله مائة
مستقبل الناس ، قال الاصحاب : يرفع بها صوته ، ولم يذكره في تعليم الصادق علیهالسلام .
ويتابعه الناس علىٰ
ذلك ويرفعون أصواتهم ، قاله أبو الصلاح ويظهر من كلام ابن بابويه وابن البراج
.
وقال ابن الجنيد : إذا
كبّر رفع صوته ، وتابعوه في التكبير ولا يرفعون أصواتهم .
والمفيد ـ رحمهالله ـ : يكبّر إلىٰ القبلة مائة ، وإلىٰ اليمين مسبّحاً
، وإلىٰ اليسار حامداً ، ويستقبل الناس مستغفراً ، مائة مائة .
والصدوق وافق في التكبير
والتسبيح ، وجعل التهليل مستقبلاً للناس ، والتحميد الىٰ اليسار .
__________________
وتعليم الصادق علیهالسلام يشهد للاول .
والمشهور ان هذا الذكر
يكون بعد الخطبتين .
وقال ابن ابي عقيل والشيخ
وابن حمزة : قبلهما .
وفي تعليم الصادق علیهالسلام محمد بن خالد : أنّه يصعد المنبر فيقلب ردائه ، ثم يأتي بالاذكار ، قال : ثم يرفع يديه ويدعو ، ولم يذكر الخطبة بعد ذلك
. وظاهره ان هذه الاذكار تفعل علىٰ المنبر ، فكانها من جملة الخطبة ، ولو فعل ذلك جاز .
التاسعة : يستحب ان يخطب بالمأثور عن اهل البيت عليهمالسلام ، وقد ذكر في التهذيب خطبة بليغة لأمير المؤمنين علیهالسلام : « الحمد لله سابغ النعم » الىٰ
آخرها . ولو خطب بغير ذلك ، ممّا يتضمن حمداً وثناءً ووعظاً ، جاز .
والظاهر انّ الخطبة الواحدة
غير كافية بل يخطب اثنتين ، تسوية بينها وبين صلاة العيد .
ويستحب المبالغة في التضرع
والالحاح في الدعاء في الخطبتين وخصوصاً الثانية . وقد ذكر ابن بابويه دعوات حسنة عن اهل البيت عليهمالسلام .
العاشرة : يستحب الجهر بالقراءة فيها وبالقنوت ، لما مر في صلاة العيد .
قال الكليني : وفي رواية
ابن المغيرة : « ويجهر بالقراءة ، ويستسقي
__________________
وهو
قاعد ، ويصلّي قبل الخطبة » ورواه ابن بابويه عن
أبي جعفر علیهالسلام
.
الحادية عشرة : لو سقوا قبل الخروج لم يخرجوا ، وكذا لو خرجوا فسقوا قبل الصلاة . وفي الموضعين تستحب صلاة الشكر ، وسؤال الزيادة من الله تعالىٰ ، وعموم الغيث خلقه . ولو سقوا في أثناء الصلاة أتمّوها ، والظاهر سقوط باقي الافعال من الخطبة والاذكار .
الثانية عشرة : يستحب رفع الأيدي في دعاء الاستسقاء ، لما رُوي انّ النبي صلىاللهعليهوآله رفعهما حتىٰ رُئي بياض اُبطيه
والظاهر ان هيئتهما كهيئة أيدي القانتين ، بان يقلب ظهرهما إلىٰ الأرض ، ووجههما الىٰ السماء ،
ويجعلهما بإزاء وجهه .
وروى العامة عن أنس انّ
النبي صلىاللهعليهوآله استسقىٰ فاشار بظهر كفيه الىٰ
السماء ، وهكذا دعاء دفع البلاء ، ويمكن ان يكون في بعض الاحيان فعل صلىاللهعليهوآله ذلك .
الثالثة عشرة : يجوز الاستسقاء بغير صلاة ، اما في خطبة الجمعة والعيدين ، أو في أعقاب المكتوبات ، أو يخرج الامام الىٰ الصحراء فيدعو والناس يتابعونه .
ويستحب لاهل الخصب الاستسقاء
لاهل الجدب بهذين النوعين من
__________________
الاستسقاء
. وفي جوازه بالصلاة والخطبتين عندي تردد ، لعدم الوقوف عليه منصوصاً ، واصالة الجواز ، ولأنّ الله تعالىٰ أثنىٰ علىٰ
من قال : (
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا
تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا )
وحينئذ يضمّنون الدعاء طلب زيادة الخصب لانفسهم .
الرابعة عشرة : يجوز نذر صلاة الاستسقاء كما يجوز نذر العيدين ، ولكن في وقتهما . فلو نذرهما في غير وقتهما ، وقصد جميع ما يعتبر فيهما ، فالاقرب عدم انعقاده ، لعدم التعبّد بمثله في غير وقته .
فحينئذ ان كان الناذر
الامام وجب عليه الخروج بنفسه ، واستحب دعاء من يجيبه الىٰ الخروج وخصوصاً من يطيعه من اهله واقربائه واصحابه ، ولا تجب عليهم الاجابة ، وليس له اكراههم عليها ، سواء بقي الجدب أو وقع الغيث .
ولو نذر الاستسقاء
فسقوا ، ففي وجوب الخروج عندي نظر ، لسقوط شرعيته عند السقيا . وفي التذكرة : يجب الخروج ولعلّه لايجاد الصورة شكراً لله .
ولا تجب الخطبة بنذر الصلاة
، لانفصالها عنها ، فان نذرهما معاً وجبتا .
ولا يجب القيام في الخطبة
هنا ، ولا كونها علىٰ المنبر ، ولو قيّد به وجب ، ولا تجزئه الخطبة علىٰ مرتفع غيره من حائط .
وهل تجب علىٰ ناذر
الاستسقاء الصلاة في الصحراء ؟ ظاهر الشيخ
__________________
ـ
رحمهالله ـ ذلك
لانه المعتاد والأفضل . ولو قيّد في نذره بذلك وجب ، وكذا لو قيد بالمسجد أو بمنزلة .
وهل له العدول إلىٰ
الصحراء ؟ يبني علىٰ ما تقدم من العدول الىٰ الأفضل .
والشيخ صرّح بعدم جواز
صلاتها في الصحراء إذا نذرها في المسجد وهو حسن ، لانعقاد نذره فيحرم مخالفته .
ولو نذرها غير الامام
انعقد ، ووجب عليه الخروج ، ويستحب له ايضاً دعاء من يطيعه .
الخامسة عشرة : يستحب الدعاء عند نزول الغيث ، لما روي عنه صلىاللهعليهوآله : « اطلبوا استجابة الدعاء عند ثلاث : التقاء
الجيوش ، واقامة الصلاة ، ونزول الغيث » وهو مأثور عن اهل البيت عليهمالسلام .
ويستحب التمطّر في أول
المطر بان يخرج فيه ليصيبه . وكان ابن عباس إذا وقع الغيث قال لغلامه : اخرج فراشي ورحلي يصيبه المطر . فقال له أبو الجوزاء : لم تفعل هذا يرحمك الله ؟ قال : لقول الله سبحانه وتعالىٰ
: « ونزلنا من السماء ماء مباركاً » ، فاحببت ان تصيب البركة فراشي ورحلي .
__________________
السادسة عشرة : لو كثرت الغيوث فخيف منها الضرر ، جاز الدعاء بإزالة مضرته وتخفيفه ، لأن النبي صلىاللهعليهوآله فعل ذلك
.
ولو صُلّي هنا ركعتان
للحاجة كان حسناً ، وكذا يشرع صوم ثلاثة أيام أمام ذلك ، لانها من مهام الحوائج .
السابعة عشرة : لا يجوز نسبة الامطار الىٰ الانواء ، بمعنىٰ : انها
مؤثرة ، أو انّ لها مدخلاً في التأثير ، لقيام البرهان علىٰ أنّ ذلك من فعل الله تعالىٰ
وتحقق الاجماع عليه ، ولانها تخلف كثيراً وتتقدم وتتأخر .
ولو قال غير معتقد
مطرنا بنوء كذا ، قال الشيخ : لا يجوز ، لنهي النبي صلىاللهعليهوآله عن ذلك
في رواية زيد بن خالد الجهني ، قال : صلّىٰ بنا رسول الله صلىاللهعليهوآله صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت
من الليل ، فلما انصرف الناس فقال : « هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ » . قالوا : الله ورسوله اعلم . قال : « اصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكوكب ، وكافر بي ومؤمن بالكوكب . من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته ، فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب . وأمّا من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فذاك كافر بي ومؤمن بالكوكب » . وهو محمول علىٰ ما قدمناه من اعتقاد مدخليته في التأثير
.
والنوء سقوط كوكب في المغرب
، وطلوع رقبيه من المشرق . ومنه الخبر : من امر الجاهلية الانواء .
__________________
قال أبو عبيد : هي ثمانية
وعشرون نجماً معروفة المطالع في أزمنة السنة ، يسقط في كل ثلاث عشرة ليلة نجم في المغرب مع طلوع الفجر ، ويطلع آخر يقابله من ساعته ، وانقضاء هذه الثمانية والعشرين مع انقضاء السنة . فكانت العرب في الجاهلية إذا سقط منها نجم وطلع آخر ، قالوا : لا بدّ من أن يكون عند ذلك مطر ، فينسبون كل غيث يكون عند ذلك إلىٰ النجم ، فيقولون : مطرنا بنوء كذا .
وإنّما سمي نوءاً لأنّه
إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق ينوء نوءاً ـ أي : نهض ـ فسمىٰ النجم به . قال : وقد يكون النوء السقوط
.
أمّا لو قال : مطرنا
بنوء كذا ، وأراد به فيه ـ أي : في وقته ـ وأنّه من فعل الله تعالىٰ ، فقد قيل : لا يكره ، لأنّه ورد أنّ الصحابة استسقوا بالمصلّىٰ
، ثم قيل للعباس : كم بقىٰ من نوء الثريّا ؟ فقال : إنّ العلماء بها يزعمون أنّها
تعترض في الأفق سبعاً بعد وقوعها ، فما مضت السبع حتىٰ غيث الناس ، ولم ينكر أحد ذلك .
ومن الصلوات المستحبة
صلاة الاستخارة ، وفي كيفيتها روايات :
منها :
صلاة ركعتين والدعاء بالخيرة بعدهما ، رواه الحلبي عن عمرو بن حريث عن أبي عبد الله علیهالسلام .
قلت :
ويقرأ فيهما سورة الحشر والرحمن والمعوذتين ، ويقول : « اللهم إن كان كذا خيراً لي ، في ديني ودنياي ، وعاجل أمري وآجله ،
__________________
فيسّره
لي علىٰ احسن الوجوه واجملها . اللهم وان كان كذا شراً لي ، في ديني ودنياي وآخرتي ، وعاجل أمري وآجله ، فاصرفه عني على أحسن الوجوه . رب اعزم لي علىٰ رشدي ، وان كرهت ذلك أو أبته نفسي » ، رواه جابر عن أبي جعفر علیهالسلام
.
وروىٰ ابن فضال
: انّ الحسن بن الجهم سأل أبا الحسن علیهالسلام لابن اسباط ـ وابن اسباط حاضر ونحن جميعاً ـ يركب البحر أو البرّ إلىٰ مصر ؟ فأخبره بخبر طريق البر ، فقال : « أئت المسجد في غير وقت صلاة فريضة ، فصل ركعتين واستخر الله مائة مرة ، ثم انظر أي شيء يقع في قلبك فاعمل به » . وقال له الحسن : البر أحبّ إليّ . قال : « واليّ »
.
وروىٰ اسحاق بن
عمار عن أبي عبد الله علیهالسلام ، قال : قلت له : ربما اردت الأمر فانفرق مني فريقان ، أحدهما يأمرني والآخر ينهاني ؟ فقال : « اذا كثر ذلك فصلّ ركعتين ، واستخر الله تعالىٰ مائة مرة ومرة ، ثم انظر احزم
الأمرين لك فافعله ، فإنّ الخيرة فيه إن شاء الله . ولتكن استخارتك في عافية ، فانّه ربما خير للرجل في قطع يده ، وموت ولده ، وذهاب ماله »
.
وهذه الروايات كثيرة
وهي مشهورة بين العامة والخاصة .
ومنها :
الاستخارة بالرقاع ، فروىٰ هارون بن خارجة عن أبي عبد الله علیهالسلام ، قال : « إذا أردت أمراً فخذ ست رقاع
، واكتب في ثلاث منها : بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة افعله . وفي ثلاث منها : بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان
__________________
ابن
فلانة لا تفعل . ثم ضعها تحت مصلاك ، فإذا فرغت فاسجد
سجدة وقل فيها مائة مرة : استخير الله برحمته خيرة في عافية . ثم استو جالساً وقل : اللهم خر لي في جميع اُموري في يسر منك وعافية . ثم اضرب بيدك الىٰ الرقاع فشوشها واخرج واحدة ، فان خرج ثلاث متواليات افعل فلتفعل الأمر الذي تريده ، وان خرج ثلاث متواليات لا تفعل فلا تفعله ، وان خرجت واحدة افعل والاُخرىٰ لا تفعل فاخرج من الرقاع إلىٰ خمس فانظر أكثرها فاعمل به ودع السادسة لا تحتاج اليها » .
وروىٰ علي بن
محمد رفعه عنهم عليهمالسلام ، انه قال لبعض أصحابه وقد سأله عن الامر يمضي فيه ولا يجد أحداً يشاوره ، فكيف يصنع ؟ فقال : « شاور ربك » . فقال له : كيف ؟ قال : « انو الحاجة في نفسك ، واكتب رقعتين : في واحدة لا ، وفي واحدة نعم ، واجعلهما في بندقتين من طين ، ثم صلّ ركعتين واجعلهما تحت ذيلك وقل : يا الله اني اُشاورك في أمري ، وانت خير مستشار ومشير ، فأشر عليّ ما فيه صلاح وحسن عاقبة . ثم ادخل يدك ، فان كان فيها نعم فافعل ، وان كان فيها لا لا تفعل ، هكذا تشاور ربّك » . ولا يضر الارسال ، فانّ الكليني ـ رحمهالله ـ ذكرها في كتابه
والشيخ في التهذيب وغيرهما
.
وانكار ابن إدريس الاستخارة
بالرقاع لا مأخذ له ، مع اشتهارها بين
__________________
الاصحاب
وعدم راد لها سواه ومن اخذ اخذه ، كالشيخ نجم الدين في المعتبر حيث قال : هي في حيز الشذوذ فلا عبرة بها
.
وكيف تكون شاذة وقد
دونها المحدثون في كتبهم ، والمصنفون في مصنفاتهم ؟ !
وقد صنّف السيد العالم
العابد ، صاحب الكرامات الظاهرة والمآثر الباهرة ، رضي الدين أبو الحسن علي بن طاوس الحسني ـ رحمهالله ـ كتاباً ضخماً في الاستخارات ، واعتمد فيه علىٰ رواية الرقاع ، وذكر من آثارها عجائب وغرائب أراه الله تعالىٰ اياها ، وقال : اذا توالىٰ الأمر في الرقاع
فهو خير محض ، وان توالىٰ النهي فذاك الأمر شر محض ، وان تفرّقت كان الخير والشر موزعاً بحسب تفرقها علىٰ أزمنة ذلك الامر بحسب ترتبها
.
وقد ذكرت استخارات
مشهورة .
منها :
الاستخارة بالدعاء المجرّد ، وافضله في موضع شريف كمسجد أو مشهد . فروىٰ الشيخ ـ رحمهالله ـ باسناده الىٰ الصادق علیهالسلام ، قال : « ما استخار الله عبد قط مائة مرة في امر عند رأس الحسين علیهالسلام ، فيحمد الله ويثني عليه ، إلّا رماه الله بخير الأمرين » .
وروىٰ معاوية
بن ميسرة عن الصادق علیهالسلام : « ما استخار عبد سبعين مرة بهذه الاستخارة إلا رماه الله بالخيرة ، يقول : يا ابصر الناظرين ، ويا أسمع السامعين ، ويا أسرع الحاسبين ، ويا أرحم الراحمين ، ويا أحكم
__________________
الحاكمين
، صل علىٰ محمّد واهل بيته ، وخر لي في كذا وكذا »
.
وروىٰ ناجية
عنه علیهالسلام : إذا أراد شراء العبد ، أو الدابة ، أو
الحاجة الخفيفة ، أو الشيء اليسير ، استخار الله فيه سبع مرات . وان كان أمراً جسيماً استخار الله فيه مائة مرة » .
ومنها :
ما اورده الصدوق في كتاب معاني الأخبار ومن لا يحضره الفقيه ـ ونقله ابن طاوس في كتابه عنه ـ باسناده الىٰ هارون بن خارجة ،
قال : سمعت أبا عبد الله علیهالسلام يقول : « اذا أراد أحدكم أمراً ، فلا
يشاور فيه احداً من الناس حتىٰ يشاور الله عز وجل » . قلت : وما مشاورة الله ؟ قال : « تبدأ فتستخير الله عزّ وجلّ أولاً ، ثم تشاور فيه ، فإذا بدأ بالله أجرىٰ الخير علىٰ لسان من أحب من الخلق »
ونحوه في المقنعة للمفيد .
ومنها :
ما رواه السيد ـ رضي الله عنه ـ عن سعد بن عبد الله في كتاب الدعاء ، باسناده الىٰ اسحاق بن عمار : « اذا أراد أحدكم أن يشتري أو يبيع ،
أو يدخل في أمر ، فيبتدئ بالله ويسأله » . قلت : فما يقول ؟ قال : « يقول : اللهم اني اريد كذا وكذا ، فان كان خيراً لي في ديني ودنياي وآخرتي ، وعاجل أمري وآجله ، فيسّره لي . وإن كان شراً لي في ديني ودنياي فاصرفه عني . ربّ اعزم لي علىٰ رشدي وان كرهته وأبته نفسي . ثم يستشير عشرة من المؤمنين ، فان لم يصبهم واصاب خمسة فيستشر خمسة
__________________
مرتين
، وان كان رجلان فكل واحد خمساً ، وان كان واحداً فليستشره عشراً » .
ومن كتاب الدعاء لسعد
: كتب أبو جعفر الثاني الىٰ ابراهيم بن شيبة : « فهمت ما استأمرت به في ضيعتك التي تعرّض لك السلطان فيها ، فاستخر الله مائة مرة خيرة في عافية ، فان احْلَوْلىٰ بقلبك بعد الاستخارة بيعها
فبعها واستبدل غيرها إن شاء الله ، ولا تتكلم بين أضعاف الاستخارة حتىٰ تتم المائة » .
وروىٰ الكليني
في كتاب رسائل الأئمّة عليهمالسلام أنّ الجواد كتب بمثل ذلك الىٰ علي بن اسباط .
ومنها :
الاستخارة بالعدد ، ولم تكن هذه مشهورة في العصور الماضية قبل زمان السيد الكبير العابد رضي الدين محمد بن محمد بن محمد الآوي الحسيني ـ المجاور بالمشهد المقدس الغروي ـ رضياللهعنه .
وقد رويناها عنه
وجميع مروياته عن عدّة من مشايخنا ، عن الشيخ الكبير الفاضل جمال الدين بن المطهر ، عن والده ـ رضي الله عنهما ـ عن السيد رضي الدين ، عن صاحب الأمر عليه الصلاة السلام : « يقرأ الفاتحة عشراً ـ وأقلّه ثلاث ودونه مرة ـ ثم يقرأ القدر عشراً ، ثم يقول هذا الدعاء ـ ثلاث ـ : اللهم إني استخيرك لعلمك بعاقبة الاُمور ، واستشيرك لحسن ظني بك في المأمول والمحذور . اللهم إن كان الأمر الفلاني مما قد نيطت بالبركة اعجازه وبواديه ، وحفّت بالكرامة أيامه ولياليه ، فخر لي اللهم فيه خيرة ترد
__________________
شموسه
ذلولاً ، وتقعض أيامه سروراً . اللهم اما أمر فائتمر ، واما نهي فانتهي . اللهم اني استخيرك برحمتك خيرة في عافية . ثم يقبض علىٰ قطعة من السبحة ويضمر حاجته ، ان كان عدد تلك القطعة زوجاً فهو افعل ، وان كان فرداً لا تفعل ، أو بالعكس » .
وقال ابن طاوس ـ رحمهالله ـ في كتاب الاستخارات : وجدت بخط أخي الصالح الرضي الآوي محمد بن محمد بن محمد الحسيني ـ ضاعف الله سيادته وشرف خاتمته ـ ما هذا لفظه : عن الصادق علیهالسلام : « من أراد أن يستخير الله تعالىٰ فليقرأ الحمد عشر مرات و (
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) عشر مرات ، ثم يقول » وذكر الدعاء ، إلا انّه قال عقيب « والمحذور » : « اللهم إن كان أمري هذا قد انيطت » ، وعقيب « سرورا » : « يا الله ، اما أمر فائتمر ، واما نهي فانتهي . اللهم خر لي برحمتك خيرة في عافية ـ ثلاث مرات ـ ثم يأخذ كفاً من الحصىٰ أو سبحة » .
ومنها :
الاستخارة بالمصحف الكريم . روىٰ اليسع القمي قال : قلت لأبي عبد الله علیهالسلام : اريد الشيء فاستخير الله فيه فلا
يوفق فيه الرأي ، أفعله أو أدعه ؟ فقال : « انظر إذا قمت الىٰ الصلاة ، فإنّ الشيطان أبعد ما يكون
من الانسان إذا قام إلىٰ الصلاة ، أي شيء وقع في قلبك فخذ به ، وافتح المصحف فانظر الىٰ أول ما ترى فيه فخذ به إن شاء الله »
.
ومن الصلوات المستحبة
صلاة الهدية . رُوي عنهم عليهمالسلام : « أنّه يصلّىٰ يوم الجمعة ثماني ركعات : أربعاً تُهدىٰ الىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأربعاً تُهدىٰ الىٰ
__________________
فاطمة
عليهماالسلام . ويوم السبت أربع
ركعات تُهدىٰ الىٰ أمير المؤمنين علیهالسلام . ثم كذلك كل يوم الىٰ واحد من الائمة عليهمالسلام
الىٰ يوم الخميس أربع ركعات الىٰ جعفر بن محمد عليهماالسلام . ثم في يوم الجمعة
ثماني ركعات : أربعاً تُهدىٰ الىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله ، واربع ركعات تُهدىٰ
الى فاطمة عليهاالسلام ، ثم في يوم السبت أربع ركعات تُهدىٰ إلىٰ موسىٰ بن جعفر عليهماالسلام ، ثم كذلك الى يوم الخميس أربع ركعات تُهدىٰ إلىٰ صاحب الزمان علیهالسلام » . هكذا رواها الشيخ في المصباح .
ويدعو بين كل ركعتين
منها : « اللهم أنت السلام . ومنك السلام ، وإليك يعود السلام ، حيّنا ربنا منك بالسلام . اللهم انّ هذه الركعات هدية مني الىٰ وليك فلان ، فصل علىٰ محمد وآله ، وبلّغه اياها ، واعطني افضل
أملي ورجائي فيك وفي رسولك صلواتك عليه وفيه » وتدعو بما احببت
.
ومنها :
صلوات الحاجة يوم الجمعة ، وهي كثيرة :
منها :
ما رواه عاصم بن حميد ، قال : قال أبو عبد الله علیهالسلام : « اذا حضرت أحدكم الحاجة فليصم يوم الاربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعة ، فإذا كان يوم الجمعة اغتسل ولبس ثوباً نظيفاً ثم يصعد الىٰ أعلىٰ موضع
في داره ويصلّي ، ثم يمدّ يده الىٰ السماء ويقول : اللهم اني حللت بساحتك » الىٰ آخره حسبما هو مذكور في المصباح .
ومنها :
ما رواه محمد بن مسلم ـ رحمهالله ـ عن الباقر علیهالسلام ، أنّه قال : « ما يمنع أحدكم إذا أصابه شيء من غمّ الدنيا أن يصلّي يوم الجمعة ركعتين ،
__________________
ويحمد
الله تعالىٰ ويثني عليه ، ويصلّي علىٰ محمد وآل محمد عليهمالسلام ، ويمدّ يده ويقول : اللهم اني أسألك بانك ملك » الىٰ آخر الدعاء ، وفيه الاستعاذة من شر العدو فانّه يكفاه .
وعن الرضا علیهالسلام : « من كانت له حاجة قد ضاق بها ذرعاً فلينزلها بالله جلّ اسمه ، يصوم الاربعاء والخميس والجمعة ، ثم ليغسل رأسه بالخطمي يوم الجمعة ، ويلبس انظف ثيابه ، ويتطيّب بأطيب طيبه ، ثم يقدم صدقة على امرئ مسلم بما تيسّر ، ثم ليبرز الىٰ آفاق السماء ويستقبل القبلة ، ويصلّي ركعتين يقرأ في الاُولىٰ الفاتحة و (
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) خمس عشرة مرة ، ثم ليركع فيقرأها كذلك ، وكذا في الأحوال من الرفع في الركوع والسجود والرفع منهما . وفي الثانية كذلك ، وقبل التشهد خمس عشرة مرة ، ثم يتشهد ويسلم ويقرأها خمس عشرة مرة ، ثم يسجد ويقرأها كذلك ، ثم يعفّر خديه ويقرأها فيهما كذلك ، ثم يعود الىٰ السجود ويدعو . فاذا فعل تُقضىٰ حاجته » .
ومنها :
الصلاة الكاملة يوم الجمعة ، لدفع شر اهل السماء وشر اهل الأرض ، مروية عن الصادق علیهالسلام ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي علیهالسلام ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله : « يصلي أربع ركعات يوم الجمعة قبل الصلاة
، يقرأ في كل ركعة : فاتحة الكتاب عشر مرات ، والمعوذتين عشراً ، والتوحيد عشراً ، والجحد عشراً ، وآية الكرسي عشراً ، والقدر عشراً ، وشهد الله عشراً فإذا فرغ من الصلاة استغفر الله مائة مرة ، ثم يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله
والله اكبر ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم مائة مرة ، ويصلي علىٰ
__________________
النبي
صلىاللهعليهوآله مائة مرة »
.
وقال ابن بابويه ـ في
الرسالة ـ إذا كانت لك الىٰ الله حاجة ، فصم ثلاثة أيام آخرها الجمعة ، وابرز قبل زوال الجمعة مغتسلاً وصل ركعتين ، تقرأ في كل ركعة الحمد والتوحيد خمس عشرة مرة ، فاذا ركعت قرأتها عشراً ، وهكذا في باقي الأحوال الىٰ الرفع من السجدة الثانية ، وتقنت . فإذا
قضيت حاجتك صلّي ركعتي الشكر ، تقرأ في الاُولىٰ الحمد والتوحيد ، وفي الثانية الحمد والجحد . وتقول في الركعة الاُولىٰ من ركوعك : الحمد لله شكراً
، وفي سجودك : شكراً لله وحمداً . وتقول في الركعة الثانية في الركوع والسجود : الحمد لله الذي قضىٰ حاجتي ، واعطاني مسألتي
.
وهذه الصلاة في الكليني
والتهذيب مسندة الىٰ مقاتل عن الرضا علیهالسلام . وصلاة الشكر المذكورة مسندة الىٰ
هارون بن خارجة عن أبي عبد الله علیهالسلام ، إلا انه قال : « تقول في الركعة الأولىٰ
في ركوعك وسجودك : الحمد لله شكراً شكراً وحمدا . وتقول في الثانية في ركوعك وسجودك : الحمد لله الذي استجاب دعائي ، واعطاني مسألتي »
.
ومن صلوات الحوائج
غير مختصة بيوم الجمعة ما اورده الصدوق في كتابه ، فمنها : ما رواه سماعة عن أبي عبد الله علیهالسلام ، قال : « انّ أحدكم اذا مرض دعا الطبيب واعطاه ، واذا كان له حاجة الىٰ السلطان رشا البواب واعطاه ، ولو انّ أحدكم اذا فدحه أمر فرغ الىٰ الله تعالىٰ فتطهر
وتصدق
__________________
بصدقة
قلّت أو كثرت ، ثم دخل المسجد فصلّىٰ ركعتين ، فحمد الله واثنىٰ عليه وصلّىٰ علىٰ محمد وآله ، ثم قال : اللهم ان عافيتني من مرضي ، أو
رددتني من سفري أو عافيتني مما اخاف من كذا وكذا ، إلّا آتاه الله ذلك ، وهي اليمين الواجبة وما جعله الله عليه في
الشكر » .
قال الصدوق : وكان
علي بن الحسين عليهماالسلام اذا حزبه أمر لبس ثوبين من أغلظ ثيابه واخشنها ، ثم ركع من آخر الليل ركعتين ، حتىٰ اذا كان في آخر سجدة من سجوده سبّح الله مائة مرة ، وحمده مائة مرة ، وهلّل الله مائة مرة ، وكبّر الله مائة مرة ، ثم يعترف بذنوبه كلها ما عرف منها اقر لله تعالىٰ
به في سجوده ، وما لم يذكر منها اعترف به جملة ، ثم يدعو الله تعالىٰ ويفضي بركبيته الىٰ الارض .
وروىٰ عن يونس
بن عمار ، قال : شكوت الىٰ ابي عبد الله علیهالسلام رجلاً كان يؤذيني ، فقال : « ادع عليه » . فقلت : قد دعوت عليه . قال : « ليس هكذا ، ولكن اقلع عن الذنوب ، وصم وصلِّ وتصدق ، فاذا كان آخر الليل فاسبغ الوضوء ثم قم فصلّ ركعتين ، ثم قل وانت ساجد : اللهم فلان بن فلان قد أذلني ، اللهم اسقم بدنه ، واقطع أثره ، وانقص
أجله ، وعجّل له ذلك في عامة هذا » . قال : ففعلت فلم ألبث إن هلك
.
وروىٰ الصدوق ايضاً
: انّ رجلاً كان بينه وبين رجل من أهل المدينة خصومة ذات خطر عظيم ، فدخل علىٰ أبي عبد الله علیهالسلام فذكر له ذلك ، فقال :
__________________
«
اذا اردت الغدو فصل بين القبر والمنبر ركعتين أو أربعاً ، وإن شئت في بيتك ، واسأل الله ان يعينك ، وخذ شيئاً نفيساً فتصدق به علىٰ أول مسكين تلقاه » . قال : ففعلت ما امرني فقضي لي وردّ الله عليّ أرضي
.
ومن الصلوات المستحبة
مؤكداً صلاة شهر رمضان ، وفيها مسائل :
الاولىٰ : في شرعيتها ، والاشهر في الروايات ذلك ، حتىٰ ادعىٰ
عليه سلار الاجماع .
وقال الصدوق : لا نافلة
فيه زيادة علىٰ غيره .
وابن أبي عقيل لم
يعرض لها بالذكر ولا علي ابن بابويه
.
لنا : الروايات الكثيرة
، كرواية أبي خديجة ومحمد بن يحيىٰ
وابي بصير وعبيد بن زرارة وجميل بن صالح
جميعاً عن أبي عبد الله علیهالسلام .
احتج برواية محمد بن
مسلم عنه علیهالسلام : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآله اذا صلّىٰ العشاء لا يصلّي شيئاً إلّا بعد انتصاف الليل ، لا في رمضان ولا في
__________________
غيره
» .
وبصحيحة عبد الله بن
سنان عنه علیهالسلام وسأله عن الصلاة في شهر رمضان ، فقال : « ثلاث عشرة ركعة ، منها : الوتر ، وركعتان قبل صلاة الفجر ، كذلك كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يصلي ، ولو كان فضلاً كان رسول الله صلىاللهعليهوآله أعمل به وأحق » .
وأجاب الشيخ عن الاُولىٰ
: بأنّ المراد أنّه لم يكن يصلّي في جماعة ، لتظافر الاخبار بنهيه صلىاللهعليهوآله عن الجماعة في شهر رمضان في المساجد
.
وأجاب الفاضل عن الثاني
بتجويز أن يكون السؤال وقع عن النوافل الراتبة : هل تزيد في شهر رمضان ؟
وبالجملة فالفتاوى والاخبار
متظافرة بشرعيتها ، فلا يضر معارضة النادر .
الثانية : في قدرها ، والمشهور ألف ركعة زيادة علىٰ الراتبة ، رواه
جميل بن صالح عن الصادق علیهالسلام وعلي بن أبي حمزة أيضاً
واسحاق بن عمار عن أبي الحسن علیهالسلام وسماعة بن مهران عن الصادق علیهالسلام .
وروىٰ سليمان
بن عمرو عنه علیهالسلام ، قال : « قال أمير المؤمنين علیهالسلام : من صلّىٰ ليلة النصف من شهر رمضان مائة ركعة ، يقرأ في كل ركعة بـ ( قُلْ
__________________
هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) عشر مرات ، اهبط الله عزّ وجل إليه من
الملائكة عشرة يدرؤن عنه اعداءه من الجن والانس ، واهبط الله اليه عنده موته ثلاثين ملكاً يؤمنونه من النار » .
وروىٰ أبو بصير
عن أبي عبد الله علیهالسلام : الصلاة في العشرين الاولين ، ولم يذكر العشر الاخير .
وهاتان الروايتان ليس
فيهما معارضة في التحقيق ، اما الاُولىٰ فلأن زيادة المائة حسن لما فيه من التعرّض للثواب ، واما الثانية فكانّ وظيفة العشر الاخير تركت للعلم بها ، أو انّ الراوي اقتصر علىٰ العشرين الاولين .
نعم ، قال ابن الجنيد
: قد رُوي عن اهل البيت عليهمالسلام زيادة في صلاة الليل علىٰ ما كان يصليها الانسان في غيره : أربع ركعات تتمة اثنتي عشرة ركعة مع انه قائل بالألف أيضاً . وهذه زيادة لم نقف علىٰ مأخذها
، إلّا انّه ثقة وارساله في قوة المسند ، لانه من اعاظم العلماء .
وقال الشيخ الجليل ذو
المناقب والمآثر أبو عبد الله محمد بن أحمد الصفواني ـ في كتاب التعريف ـ : هي سبعمائة ركعة
ولعله أراد الألف ، وترك ذكر زوائد ليالي الافراد لشهرته .
ولابن ابي قرة ـ رحمهالله ـ في كتابه رواية بمقدار من الصلوات لكل ليلة ، ذكرناه في الأربعين حديثاً .
__________________
الثالثة : صورة الصلاة أن يصلي في العشرين الأولين كل ليلة عشرين ، وفي العشر الأخير كل ليلة ثلاثين ، ويزيد علىٰ المعيّن في ليالي الإفراد ـ وهي : تسع عشرة واحدىٰ وعشرون وثلاث وعشرون ـ كل ليلة مائة ، فذلك ألف ركعة .
روىٰ ذلك مسعدة
بن صدقة وغيره عن الصادق علیهالسلام وعليه طائفة من الاصحاب .
وقال الأكثر
: يقتصر في ليالي الإفراد علىٰ المائة ، وتبقىٰ ثمانون ركعة فيفرقها علىٰ الجُمع ، فيصلي في كل جمعة عشر ركعات : أربع منها بصلاة أمير المؤمنين علیهالسلام ، ثم ركعتان بصلاة فاطمة عليهاالسلام ، ثم أربع بصلاة جعفر علیهالسلام ، ثم يصلي في ليلة الجمعة الأخيرة عشرين ركعة صلاة أمير المؤمنين علیهالسلام ، وفي عشيتها ليلة السبت عشرين ركعة صلاة فاطمة عليهاالسلام . وعلىٰ هذه الرواية رتّب الشيخ الدعوات في المصباح .
وكل حسن جميل .
الرابعة : الاظهر في الفتاوىٰ ، والأشهر بين الأصحاب ، أنّ المتنفّل
بالعشرين يصلّي بين العشائين ثماني ركعات ، وبعد العشاء الآخرة اثنتىٰ عشرة ركعة . رواه مسعدة وعلي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن
__________________
الصادق
علیهالسلام
ومحمد بن سليمان عن الرضا علیهالسلام
.
وخيّر الشيخ في النهاية
بين ذلك ، وبين جعل اثنتي عشرة بين العشائين وثمان بعد العشاء لرواية سماعة
وهي من مضمراته التي لم يسم فيها الإمام ، وإن كان الظاهر رواية عنه .
الخامسة : الاظهر ايضاً ان الثلاثين في العشر الأواخر ، يصلّى ثمان منها بين العشاءين ، والباقي بعد العشاء الآخرة ، وقد تضمنته رواية علي بن أبي حمزة ومحمد بن سليمان .
وفي رواية مسعدة :
يصلىٰ بين العشائين اثنتى عشرة ركعة والباقي بعد العشاء وعليها أبو الصلاح وابن البراج
.
والعمل بالجميع في المسألتين
جائز .
وأمّا الوتيرة ، فالمشهور
انها تفعل بعد وظيفة العشاء ، لتكون خاتمة النوافل .
وقال سلار : بل الوتيرة
مقدّمة علىٰ الوظيفة وهي في رواية محمد ابن سليمان عن الرضا علیهالسلام .
__________________
والظاهر أيضاً جواز الأمرين
.
السادسة : لو فات شيء من هذه النوافل ليلاً ، فالظاهر انه يستحب قضاؤه نهاراً ، لعموم قوله تعالىٰ : (
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً ) وما ورد في تفسيره ما اسلفناه من قبل .
وبذلك أفتىٰ ابن الجنيد ـ رحمهالله ـ قال : وكذا لو فاتته الصلاة في ليلة الشك
ثم ثبتت الرؤية .
السابعة : قال أبو الصلاح : من السنّة ان يتطوع الصائم في شهر رمضان بألف ركعة . وهو يدلّ من حيث المفهوم علىٰ انتفاء
استحباب تطوع غيره كالمسافر .
قال في المختلف : ولم
يشرط باقي علمائنا ذلك . لنا : انها عبادة زيدت لشرف الزمان ، فلا تسقط بسقوط الصوم . وهو فتوىٰ منه بعموم الاستحباب .
الثامنة : يستحب ان يدعىٰ عقيب كل ركعتين بالدعاء المأثور مع سعة الوقت لذلك ، ولو ضاق الوقت عن الدعاء والصلاة اقتصر علىٰ الصلاة .
التاسعة : الجماعة في هذه الصلاة بدعة محرمة عند الاصحاب ، وقد رواه زرارة وابن مسلم والفضيل ، قالوا : سألناهما عن الصلاة في رمضان نافلة بالليل جماعة ، فقالا : « انّ النبي صلىاللهعليهوآله كان اذا صلّىٰ العشاء الآخرة انصرف
الىٰ منزله ، ثم يخرج من آخر الليل الىٰ المسجد فيقوم فيصلّي . فخرج
في أول ليلة من شهر رمضان ليصلّي كما كان يصلّي ، فاصطف الناس خلفه فهرب منهم إلىٰ بيته ، ففعلوا ذلك ثلاث ليال ، فقال علىٰ منبره في الرابع
: إنّ
__________________
الصلاة
بالليل في شهر رمضان في النافلة في جماعة بدعة ، وصلاة الضحىٰ بدعة ، الا فلا تجتمعوا ليلاً في شهر رمضان لصلاة الليل ، ولا تصلوا صلاة الضحى فان ذلك معصية ، إلّا وإن كان بدعة ضلالة ، وكل ضلالة سبيلها الىٰ النار . ثم نزل وهو يقول : قليل في سنّة خير من كثير في بدعة »
.
وفي رواية عمار عن أبي
عبد الله علیهالسلام : « انه لما قدم أمير المؤمنين علیهالسلام الكوفة ، أمر الحسن علیهالسلام أن ينادي في الناس : لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة ، فنادىٰ في الناس الحسن علیهالسلام بما أمره به أمير المؤمنين علیهالسلام ، فلما سمع الناس مقالة الحسن ابن علي صاحوا : وا عمراه وا عمراه ، فلما بلغ ذلك علي علیهالسلام قال : قل لهم صلّوا » .
ويستحب ان يصلّي ليلة
الفطر ركعتان ، يقرأ في الاُولىٰ الحمد و (
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) ألف مرة ، وفي الثانية الحمد و ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )
مرة واحدة ، رواه في التهذيب بالسند الىٰ أحمد بن محمد السياري ، رفعه الىٰ
أمير المؤمنين علیهالسلام ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله : « انه اذا صلاهما لم يسئل الله شيئاً إلّا اعطاه اياه » والسياري في عدد
الضعفاء إلّا انّ الاصحاب تلقوها بالقبول .
ومن الصلوات المستحبة
صلاة يوم الغدير ، وهي مشهورة بين الاصحاب . روىٰ علي بن الحسين العبدي ، قال : سمعت الصادق علیهالسلام يقول : « صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا ، لو عاش انسان ثم
__________________
صام
ما عمّرت الدنيا لكان له ثواب ذلك ، وصيامه يعدل عند الله عزّ وجلّ في كل عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات مقبولات ، وهو عيد الله الأكبر ، وما بعث الله عزّ وجلّ نبياً إلّا وتعيّد في هذا اليوم وعرف حرمته . واسمه في السماء : يوم العهد المعهود ، وفي الارض : يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود .
ومن صلّىٰ فيه
ركعتين ، يغتسل من قبل ان تزول الشمس مقدار نصف ساعة ، ويقرأ في كل ركعة الحمد مرة ، وعشر مرات (
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) ، وعشر مرات آية الكرسي ، وعشر مرات ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ )
عدلت عند الله عزّ وجل مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة ، وما سأل الله عزّ وجل حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلّا قضيت كائناً ما كانت الحاجة . وإن فاتتك الركعتان والدعاء قضيتهما بعد ذلك .
ومن فطّر فيه مؤمناً
كان كمن أطعم فئاماً وفئاماً وفئاماً » فلم يزل يعدّ الىٰ أن عقد بيده عشراً ، ثم قال : « أو تدري ما الفئام ؟ » قلت : لا . قال
: « مائة ألف كل فئام ، والدرهم فيه بألف ألف درهم » . ويستحب الدعاء بعدها بالمنقول ، ثم يسأل حاجته ، وفي تمام الحديث : « فانها والله مقضيّة » .
ومنها :
صلاة يوم المباهلة ، وهو الرابع والعشرون من ذي الحجة في اظهر الروايات . وروي : أنّه الخامس والعشرون منه .
ويستحب الاكثار فيه
من الصلاة ، والاستغفار عقيب كل ركعتين سبعين مرة ، والدعاء بعدها بالمأثور ، روىٰ ذلك محمد بن صدقة عن
__________________
الكاظم
علیهالسلام
.
وروىٰ عن الصادق
علیهالسلام : انه يصلّي فيه ركعتان بصفة صلاة يوم الغدير ، الا انه قال في آية الكرسي : « إلىٰ قوله ( هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )
، وانها تعدل عند الله مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة » ، وذكر ما سلف
.
ومنها :
صلاة أول ذي الحجة ، وفيه ولد الخليل ابراهيم صلىاللهعليهوآله ، وفيه اتخذه الله خليلاً ، وفيه زوّج رسول الله صلىاللهعليهوآله فاطمة عليهماالسلام من أمير المؤمنين علیهالسلام . ويستحب ان يصلّي فيه صلاة فاطمة عليهاالسلام .
ومنها :
صلاة يوم المبعث ، وهو السابع والعشرون من رجب . روىٰ الكليني عن علي بن محمد ، رفعه الىٰ ابي عبد الله علیهالسلام : « من صلّىٰ فيه أي وقت شاء اثنتي عشرة ركعة ، يقرأ في كل ركعة باُمّ القرآن وسورة ، فاذا فرغ وسلّم جلس مكانه ثم قرأ اُمّ القرآن أربع مرات ، فإذا فرغ وهو في مكانه قال : لا اله إلّا الله ، والله اكبر ، والحمد لله ، وسبحان الله ، ولا حول ولا
قوة إلّا بالله ، أربع مرات . ثم يقول : الله اكبر ربي لا اُشرك به شيئاً ، أربع مرات
. ثم يدعو فلا يدعو بشيء إلّا استجيب له في كل حاجة ، إلّا ان يدعو في جائجة قوم أو قطيعة رحم » .
ومنها :
صلاة ليلة المبعث ، وقد رواها صالح بن عقبة عن أبي الحسن علیهالسلام ، قال : « صلّ ليلة سبعة وعشرين من رجب
ـ أي وقت شئت في الليل ـ اثنتى عشرة ركعة ، تقرأ في كل ركعة الحمد والمعوذتين ، و ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) أربع مرات ، فإذا فرغت قلت وانت في مكانك
ـ أربع
__________________
مرات
ـ : لا إله إلّا الله والله اكبر والحمد لله وسبحان الله ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله ، ثم ادع بما شئت » . وروي غيرها ايضاً
.
ومنها :
صلاة النصف من شعبان ، وهي أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد و (
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) مائة مرة ، فاذا فرغ دعا بالمأثور .
ومنها :
صلاة طلب الرزق . روىٰ الكليني باسناده الىٰ الحلبي محمد ابن علي ، قال : شكىٰ رجل الىٰ ابي عبد الله علیهالسلام الفاقة والحرفة في التجارة بعد يسار كان فيه ، فامره أبو عبد الله علیهالسلام أن يأتي مقام رسول الله صلىاللهعليهوآله بين القبر والمنبر ، فيصلي ركعتين ويقول مائة مرة : اللهم اني أسألك بقوتك وقدرتك وبعزتك ، وما احاط به علمك ، ان تيسّر لي من التجارة أوسعها رزقاً ، واعمّها فضلاً وخيرها عاقبة . ففعل ذلك فما توجّه في وجه إلّا رزقه الله .
ومنها :
صلاة الاستطعام ، رواها الكليني باسناده الىٰ شعيب العقرقوفي ، قال : قال أبو عبد الله علیهالسلام : « من جاع فليتوضّأ ويصلّي ركعتين ، ثم يقول : يا رب اني جائع فاطعمني ، فانه يطعم من ساعته »
.
ومنها :
صلاة الحَبَلْ ، رواها باسناده الىٰ محمد بن مسلم عن أبي جعفر علیهالسلام ، قال : « من أراد ان يحبل له فليصل
ركعتين بعد الجمعة ، يطيل فيهما الركوع والسجود ، ثم يقول : اللهم اني اسألك بما سألك زكريا اذ قال : « رب لا تَذَرني فرداً وأنت خَيرُ الوارثين » . اللهم هب لي ذرية طيبة انك
__________________
سميع
الدعاء . اللهم باسمك استحللتها ، وفي أمانتك أخذتها ، فإن قضيت في رحمها ولداً فاجعله غلاماً ، ولا تجعل للشيطان فيه نصيباً ولا شركاً »
.
ومنها :
صلاة الدخول بالزوجة . روىٰ أيضاً عن أبي بصير ، قال : سمعت رجلاً وهو يقول لأبي جعفر علیهالسلام : جعلت فداك إنّي قد أسننت وقد تزوجت امرأة بكراً صغيرة ولم أدخل بها ، وأنا أخاف إذا اُدخلت عليَّ أن تكرهني لخضابي وكبري ، فقال أبو جعفر علیهالسلام : « إذا دخلت فمرهم قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئة ، ثم أنت لا تصل إليها حتىٰ تتوضأ وتصلي ركعتين ، ثم مجّد الله وصل علىٰ محمد وآل محمد ، ثم ادع الله ومر من معها أن يؤمّنوا علىٰ
دعائك ، وقل : اللهم ارزقني إلفها وودّها ورضاها ، ورضني بها ، ثم اجمع بيننا بأحسن اجتماع وأسرّ ائتلاف ، فإنّك تحب الحلال وتكره الحرام »
.
ومنها :
صلاة الاهتمام بالتزويج ، رواها أيضاً باسناده إلىٰ أبي بصير عن أبي عبد الله علیهالسلام ، قال : « إذا همّ بذلك فليصل ركعتين
ويحمد الله ، ثم يقول : اللهم إنّي اُريد أن أتزوج ، فقدّر لي من النساء أعفّهنّ فرجاً ، واحفظهنّ لي في نفسها وفي مالي ، واوسعهنّ رزقاً ، واعظمهنّ بركةً . وقدّر لي ولداً طيباً تجعله خلفاً صالحاً في حياتي وبعد مماتي »
.
ومنها :
صلاة السفر . روىٰ باسناده إلىٰ السكوني عن أبي عبد الله علیهالسلام ، قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ما استخلف عبد علىٰ أهله بخلافة أفضل من ركعتين يركعهما إذا أراد سفراً ، ويقول : اللهم إنّي
__________________
استودعك
نفسي وأهلي ومالي ، وديني ودنياي وآخرتي ، وأمانتي وخواتيم عملي ، إلّا أعطاه الله ما سأل » .
ومنها :
صلاة من خاف شيئاً ، رواها باسناده إلىٰ حريز عن أبي عبد الله علیهالسلام ، قال : « اتخذ مسجداً في بيتك ، فإذا
خفت شيئاً فالبس ثوبين غليظين من أغلظ ثيابك وصل فيهما ، ثم اجث علىٰ ركبتيك فاصرخ إلىٰ الله
وسله الجنة ، وتعوّذ بالله من شر الذي تخافه ، وإياك أن يسمع الله منك كلمة بغي وإن أعجبتك نفسك وعشيرتك » .
وعن أبي بصير عن أبي عبد
الله علیهالسلام ، قال : كان علي علیهالسلام إذا هاله شيء فزع إلىٰ الصلاة ، ثم تلا هذه الآية : (
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ) .
ومنها :
الصلاة للعافية . روىٰ باسناده إلىٰ اسماعيل بن الأرقط ـ واُمه اُم سلمة اُخت أبي عبد الله علیهالسلام ورضي عنها ـ قال : مرضت في شهر رمضان مرضاً شديداً حتىٰ ثقلت ، واجتمعت بنو هاشم ليلاً للجنازة وهم يرون أنّي ميت ، فجزعت اُمي عليّ فقال لها أبو عبد الله علیهالسلام خالي : « اصعدي إلىٰ فوق البيت ، وفابرزي إلىٰ السماء وصلّي ركعتين ، فإذا سلمت فقولي : اللهم إنّك وهبته لي ولم يك شيئاً . اللهم وإني استوهبه
مبتدئاً فأعرنيه » . قال : ففعلت ، فافقت وقعدت ، ودعوا بسحور لهم هريسة فتسحّروا بها فتسحّرت معهم » .
__________________
وباسناده عن جميل ، قال
: كنت عند أبي عبد الله علیهالسلام ، فدخلت عليه امرأة وذكرت انها تركت ابنها وقد قالت بالملحفة علىٰ وجهه ميتاً ، فقال لها : « لعله لم يمت ، فقومي فاذهبي الىٰ بيتك فاغتسلي وصلّي ركعتين ، وادعي وقولي : يا من وهبه لي ولم يك شيئاً جدّد هبته لي ، ثم حرّكيه ولا تخبري بذلك احدا » . قالت : ففعلت ، فحرّكته فاذا هو قد بكىٰ
.
وروىٰ باسناده الىٰ
الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله علیهالسلام ، قال : « اذا كانت لك حاجة ، فتوضّأ وصل ركعتين ، ثم احمد الله واثن عليه واذكر من آلائه ، ثم ادع تجب » . وفي رواية اُخرىٰ عنه علیهالسلام ـ بعد الصلاة ـ . « وصل علىٰ محمد وآله ، وسل تعطه » .
ومنها :
صلاة الزيارة للنبي صلىاللهعليهوآله أو أحد الائمة عليهمالسلام ، وهي ركعتان بعد الفراغ من الزيارة تصلّىٰ عند الرأس ، واذا زار أمير المؤمنين علیهالسلام صلّى ست ركعات ، لانّ معه آدم ونوحاً علىٰ ما ورد في الأخبار
.
قال ابن زهرة ـ رحمهالله ـ من زار وهو مقيم في بلده ، قدّم الصلاة ثم زار عقيبها .
وستأتي صلاة الاحرام إن
شاء الله .
وقد تقدّمت صلاة التحية
للمسجد .
ولا يستحب عندنا صلاة
الضحىٰ ، بل هي بدعة لا يجوز فعلها ، ونقل
__________________
في
الخلاف فيه الاجماع ، ولما رُوي عن
النبي صلىاللهعليهوآله انه قال : « صلاة الضحىٰ بدعة » . وما رووه من
الاخبار فيها لو صحت فهي منسوخة .
__________________
الركن الخامس : في اللواحق
وفيه فصول ثلاثة :
الفصل الأوّل في صلاة السفر ، وفيه مطالب
الأول :
في محله ، وهو الرباعيات من الصلوات الخمس إذا كان أداؤها في السفر بالاجماع والآية .
وروىٰ عبد الله
بن سنان عن أبي عبد الله علیهالسلام ، قال : « الصلاة في السفر ركعتان ، ليس قبلهما ولا بعدهما شيء ، إلّا المغرب ثلاث ركعات »
.
وامر علیهالسلام بالاعادة لمن صلّىٰ الظهر أربعاً في السفر
، فعلىٰ هذا يكون القصر عزيمة لا رخصة .
ومحله أيضاً نوافل النهار
والوتيرة ـ لما تقدم ـ والصوم الواجب . فيجب الافطار فيه للآية ، ولقول النبي صلىاللهعليهوآله : « ليس من البر الصيام في
__________________
السفر
» . وروىٰ جابر : أنّ اُناساً
صاموا علىٰ عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله في السفر فسمّاهم العصاة .
وانفرد الاصحاب بالتخيير
في الصلاة في أربعة أماكن : مسجد مكة ، ومسجد المدينة ، ومسجد الكوفة ، والحائر . وهو في روايات ، منها : رواية حماد بن عيسىٰ عن أبي عبد الله علیهالسلام ، قال : « من مخزون علم الله الإتمام
في أربعة مواطن : حرم الله ، وحرم رسوله ، وحرم أمير المؤمنين ، وحرم الحسين علیهالسلام .
وفي رواية عنه علیهالسلام : « تتم الصلاة : في المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلىاللهعليهوآله ، ومسجد الكوفة ، وحرم الحسين علیهالسلام » .
وقال ابن بابويه :
يقصر فيها ما لم ينو مقام عشرة ، وتستحب له نيّة المقام ليتمّ ، لرواية محمد بن اسماعيل عن الرضا علیهالسلام ، قلت : الصلاة بمكة تمام أو تقصير ؟ فقال : « قصّر ما لم يعزم مقام عشرة » ومثله رواية معاوية بن وهب عن الصادق علیهالسلام وذكر منها الحرمين
.
__________________
وأُجيب : بأنّ المراد
لا يجب التمام عيناً حتىٰ يعزم علىٰ المقام عشرة ، وبأنّ الشهرة في الفتوىٰ والرواية لا تعارض بالضد .
إذا عرفت ذلك ، فهل الاتمام
مختص بالمساجد نفسها أو يعم البلدان ؟ ظاهر أكثر الروايات أنّ مكة والمدينة محل لذلك ، فعلىٰ هذا يتمّ في البلدين
.
أمّا الكوفة ففي
مسجدها خاصة ، قاله في المعتبر .
والشيخ ظاهره الإتمام
في البلدان الثلاثة .
وأمّا الحائر فقال ابن
إدريس : هو ما دار سور المشهد والمسجد عليه ، دون ما دار سور البلد عليه ، لأن الحائر لغة : هو المكان المطمئن ، وذلك إنّما هو فيما ذكرناه ، وفيه حار الماء يعني به : لما أمر المتوكل باطلاق الماء
علىٰ قبر الحسين علیهالسلام ليعفيه فكان لا يبلغه
.
وأفتىٰ ابن إدريس
بأنّ التخيير إنّما هو في المساجد الثلاثة دون بلدانها
واختاره في المختلف .
وقول الشيخ هو الظاهر
من الروايات ، وما فيه ذكر المسجد منها فلشرفه لا لتخصيصه .
والشيخ نجيب الدين
يحيىٰ بن سعيد ـ في كتاب السفر له ـ حكم بالتخيير في البلدان الأربعة حتىٰ في الحائر المقدس ، لورود الحديث بحرم الحسين علیهالسلام ، وقدّر بخمسة فراسخ وبأربعة وبفرسخ .
قال : والكل حرم وإن
__________________
تفاوتت
في الفضيلة .
واعلم أنّ ابن الجنيد
والمرتضىٰ قالا : لا يقصّر في مشاهد الأئمّة عليهمالسلام فاجرياها مجرىٰ الأربعة . وظاهرهما نفي التقصير ، ولعلهما ارادا نفي تحتّمه
، ولم نقف لهما علىٰ مأخذ في ذلك ، والقياس عندنا باطل .
بقي هنا موضعان آخران
قيل فيهما بعدم تحتّم القصر :
الاول :
إذا كان قصد المسافر أربعة فراسخ فزائداً إلىٰ ما دون الثمانية ، ولم يرد الرجوع ليومه .
قال المفيد ـ رحمهالله ـ وابن بابويه : يتخيّر في قصر الصلاة والصوم
.
وقال الشيخ : يتخيّر
في قصر الصلاة ، ولا يجوز قصر الصوم .
والاكثرون علىٰ
التمام فيهما .
واطلق ابنا بابويه
وسلار التخيير في القصر والاتمام .
والمأخذ أنّ هناك أخباراً
صحاحاً تقدّر المسافة بثمانية فراسخ أو مسير يوم ، كخبر عبد الله الكاهلي عن الصادق علیهالسلام ، وخبر أبي بصير عنه علیهالسلام : « بياض يوم أو بريدان » . وخبر علي بن يقطين عن أبي الحسن علیهالسلام : « مسير يوم » .
__________________
وهناك اخبار فيها
تقدير التقصير بأربعة فراسخ ، كخبر أبي ايوب عن الصادق علیهالسلام ، وخبر زيد الشحام عنه علیهالسلام : « اثنا عشر ميلاً » .
واخبار شتىٰ
تتضمّن انّ اهل مكة يقصرون في سفرهم الىٰ عرفات ، وفي بعضها : « ويلهم ـ أو ويحهم ـ وأي سفر اشدّ منه ، لا تتم » .
واسانيد هذه الاخبار
كلها معتبرة ، فجمع الشيخان بينهما بالتخيير .
قال الفاضل : في بعض
هذه الاخبار تصريح بتحتّم القصر ، كخبر معاوية بن عمار الصحيح عن الصادق علیهالسلام الذي فيه « ويلهم » الىٰ آخره .
واعلم انّ الشيخ في التهذيب
ذهب الىٰ التخيير لو قصد أربعة فراسخ وأراد الرجوع ليومه وكذا في المبسوط
جمعاً بين الاخبار ، وذكره ابن
__________________
بابويه
في كتابه الكبير . وهو قوي ، لكثرة
الأخبار الصحيحة بالتحديد بأربعة فراسخ ، فلا أقل من الجواز .
وقال ابن أبي عقيل :
كل سفر كان مبلغه بريدين وهو ثمانية فراسخ ، أو بريداً ذاهباً وجائياً وهو أربعة فراسخ ، في يوم واحد أو ما دون عشرة أيام ـ ظاهره أنّه إذا قصد بريداً ذاهباً وجائياً فيما دون عشرة أيام ـ يقصر
.
الثاني :
لو سافر بعد دخول الوقت ، وصلّىٰ بعد مفارقة الجدران وخفاء الأذان . وفيه أقوال :
أحداها : قول الشيخ
في الخلاف ، إنّه يجوز له القصر ، ويستحب له الاتمام .
وقال ابن أبي عقيل والصدوق
: يجب الاتمام قاله في المقنع
.
وقال في من لا يحضره الفقيه
: يتم مع السعة ويقصر مع الضيق وهو اختيار الشيخ في النهاية .
وقال المفيد والمرتضىٰ
وابن إدريس يقصر وهو قول علي بن بابويه .
والمأخذ الأخبار المختلفة
:
__________________
ففي خبر محمد بن مسلم
عن الصادق علیهالسلام : يتم ، ولو دخل بلده بعد وجوبها في سفره قصر .
وفي خبر بشير النبال
عنه علیهالسلام : اتمام من خرج بعد الوقت
وكذا رواية الحسن بن الوشاء عن الرضا علیهالسلام .
ويؤيده انه خوطب بالصلاة
بدخول الوقت ، وبمضي قدر ادائها استقرت تماماً ، والاصل بقاء ما كان .
ويعارضها رواية اسماعيل
بن جابر عن الصادق علیهالسلام : اعتبار حال الاداء في خروجه ودخوله ، وقال : « ان لم تفعل فقد والله خالفت رسول الله صلىاللهعليهوآله » .
ويدل علىٰ التفصيل
رواية اسحاق بن عمار ، قال : سمعت ابا الحسن علیهالسلام يقول في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة
، فقال : « ان كان لا يخاف فوت الوقت فليتم ، وان كان يخاف خروج الوقت فليقصر » .
ويقرب من هذا ما لو
حضر بعد وجوبها في سفره ، وقد تضمّنته الاخبار واختلف فيه الاصحاب :
__________________
فاوجب الاتمام
ابن بابويه ـ في الرسالة ـ والمفيد وابن إدريس ، لانهم يعتبرون حال الاداء .
وخيّر فيه الشيخ
.
وفي رواية العيص بن القاسم
عن الصادق علیهالسلام « يتمّ »
. وفي رواية محمد بن مسلم عنه علیهالسلام : « يقصّر »
. وهما صحيحتان .
وابن الجنيد يقول بالتخيير
هنا لرواية منصور بن حازم عنه علیهالسلام : « إذا دخل وقت الصلاة علىٰ المسافر قبل أن يدخل اهله ثم دخل ، إن شاء قصّر ،
وان شاء أتمّ ، والاتمام أحب اليّ » .
قال في المعتبر : رواية
اسماعيل بن جابر اشهر واظهر في العمل ، مع ميله إلىٰ التخيير .
تنبيه :
لو فاتت هذه الصلاة ،
قال ابن الجنيد والمرتضىٰ : يقضيها بحسب
__________________
حالها
في أول الوقت واختاره ابن إدريس
، ويظهر من الشيخ في التهذيب .
وفي المبسوط : يقضي
من خرج من وطنه وفاتته في سفره تماما ، ولو صلاها اداء كانت قصراً ورواه زرارة عن الباقر علیهالسلام في القادم من السفر الى بلده ثم تفوته الصلاة بعد وجوبها عليه في السفر
.
وحمله في المعتبر علىٰ
من دخل ولم يبق من الوقت ما يسع أربعاً ، واختار قضاؤها تماماً ، لرواية زرارة عنه علیهالسلام : « يقضي ما فاته كما فاته ، إن كانت صلاة السفر ادّاها في الحضر مثلها ، وان كانت صلاة الحضر فليقضها صلاة الحضر » ، ولانّ الاستقرار في الذمة لا يتحقق الا عند الفوات ، فتعيّن الحال الذي حصل فيه الفوات .
وقال الفاضل : الاداء
والقضاء تمام في الموضعين .
ولا اشكال في قضاء نافلتي
الظهرين لو سافر بعد دخول الوقت .
ولا بد في أصل المسألة
من مضي زمان يسع الطهارة والصلاة ، فلو وسع إحداهما خاصة فهي محل الخلاف ، بخلاف الاُخرىٰ فانها تتعين بحال الاداء قطعاً .
__________________
ويلحق بذلك موضعان آخران
قيل فيهما بتخلف القصر عن السفر في الجملة :
الاول :
اذا سافر لصيد التجارة ، فالاكثر على انه يقصر في الصوم ويتمّ الصلاة ، حتىٰ نقل فيه ابن إدريس الاجماع
.
وفي المبسوط قال : روىٰ
اصحابنا انّه يتمّ الصلاة ويفطر الصوم .
والمرتضىٰ وابن
ابي عقيل وسلار اطلقوا التقصير .
ولم نقف على دليل للأولين
من كتاب ولا سنّة مصرّح بها ، وظاهر القرآن يشهد بالمساواة ورواية معاوية بن وهب عن الصادق علیهالسلام حيث قال : « اذا قصرت افطرت ، واذا افطرت قصرت » . ومن ثم جنح الفاضلان الىٰ التقصير فيهما .
ونقل عن ابن بابويه
في المعتبر : انه لو مال الىٰ الصيد حال سفره ، أتمّ في حال ميله ، فاذا عاد الىٰ طريقه قصر .
قال المحقق : وهو حسن
.
والظاهر أنّه أراد به
إذا كان السفر معصية ، بناءً علىٰ أصله من عدم تأثير صيد التجارة في ذلك ، وتبعه ولده في كتابه الكبير ، والشيخ ، قاله في
__________________
المبسوط
. وقد روىٰ في التهذيب رواية
مرسلة أنّه قد خرج عن أبي الحسن علیهالسلام : « أن صاحب الصيد
يقصر ما دام علىٰ الجادة ، فإذا عدل عن الجادة أتمّ ، فإذا رجع إليها قصّر » . وهذه يظهر منها أن
السفر للصيد ، وإن الاتمام مشروط بأن يخرج عن الجادة ، أي : الطريق .
ولابن الجنيد هنا قول
غريب ، حيث قال : والمتصيد مشياً إذا كان دائراً حول المدينة غير متجاوز حدّ التقصير لم يقصر يومين ، وإن تجاوز الحدّ واستمر به دورانه ثلاثة أيام قصر بعدها . والذي رواه أبو بصير عن الصادق علیهالسلام أنه قال : « ليس علىٰ صاحب الصيد
تقصير ثلاثة أيام ، وإذا جاوز الثلاثة لزمه » لا حجة له فيه ، لعدم دلالته علىٰ
جميع ما ادعاه ، علىٰ إنا لم نقف علىٰ سنده .
الموضع الثاني : إذا صار سفره أكثر من حضره ثم أقام عشرة أيام بنيّة المقام ، أو كان في بلده ثم سافر ، قصّر الصلاة والصوم .
وإن أقام دون خمسة فلا
حكم له .
وإن أقام خمسة حكم الشيخ
ومن تبعه بأنّه يقصر بالنهار ، ويتمّ صلاة الليل .
ويصوم شهر رمضان لرواية
عبد الله بن سنان عن الصادق علیهالسلام ، قال : « المكاري إن لم يستقر في منزلة إلّا خمسة أيام واقل
قصرّ في سفره
__________________
بالنهار
، وأتم بالليل ، وعليه ؟ صوم شهر رمضان . وان اقام عشرة وأكثر قصّر في سفره وافطر » .
واجيب : بانها متروكة
الظاهر ، لان الاقل من خمسة لا عبرة به قطعاً ، مع معارضتها باصالة بقائه علىٰ التمام حتىٰ يثبت المزيل .
وعلىٰ ذلك الحليون
رحمهمالله .
__________________
المطلب
الثاني : فيّ شروط القصر ، وهي ستة .
الأوّل :
ربط القصد بمقصد معلوم ، فلا يقصر الهائم وطالب الآبق ومستقبل المسافر ، إذا جوّز الظفر بالحاجة قبل المسافة وان تمادوا في السفر ، لان للسفر تأثيراً في العبادة فلا بُدّ من نيّته كما تجب النيّة في العبادة ، ولان المعتبر السفر الىٰ مسافة وهو غير معلوم هنا ، فلا يترك لاجله
المعلوم من اتمام العبادة .
وسأل صفوان الرضا علیهالسلام في الرجل يريد ان يلحق رجلاً علىٰ رأس ميل ، فلم يزل يتبعه حتىٰ بلغ النهروان ، قال : « لا يقصر ولا يفطر ، لانه
لم يرد السفر ثمانية فراسخ ، وانما خرج ليلتحق بأخيه فتمادىٰ به السير »
.
والاسير في أيدي المشركين
، والمأخوذ ظلماً ، ان عرف مقصدهم وقصده ترخّص . وان غلب علىٰ ظنه بقاء الاستيلاء فكذلك اذا كان مقصدهم مسافة . وان احتمل الأمرين ، أو جهل مقصدهم ، لم يترخّص . وكذا العبد مع السيد ، والزوجة مع الزوج ، والولد مع الوالد .
ولو جوّز العبد العتق
، والزوجة الطلاق ، وعزما على الرجوع متىٰ حصلا فلا يترخص . قاله الفاضل ، وهو قريب ان حصلت امارة لذلك
وإلّا فالظاهر البناء علىٰ بقاء الاستيلاء ، وعدم دفعه بالاحتمال البعيد .
ولو بلغه خبر عبده ، أو
غائبه في بلد يبلغ مسافة ، فقصده جزماً ، فلمّا
__________________
كان
في اثناء الطريق نوىٰ الرجوع ان ظفر به قبل البلد ، فهو حينئذ في حكم الراجع عن السفر ، فان كان قد قطع مسافةً لم يخرج عن السفر ، وإلّا خرج .
ومنتظر الرفقة علىٰ
حدّ المسافة يقصّر الىٰ ثلاثين يوماً .
وعلىٰ اقل منها
، وهو جازم بالسفر من دونها ، مقصّر إذا كان في محل الترخّص .
وان علّق سفره عليها
، وعلم أو غلب علىٰ ظنّه وصولها ، فكالجازم بالسفر من دونها .
وان انتفىٰ العلم
وغلبة الظن أتمّ . وكذا لو كان توقّفه في محل التمام ، كالذي لم يتجاوز رؤية الجدار وسماع الأذان .
ولو قصد ما دون المسافة
ثم قصد كذلك لم يترخص ، وان تمادىٰ في السفر .
وكل هؤلاء يقصرون في العود
اذا بلغ السفر مسافة .
الشرط الثاني : استمرار القصد . فلو قصد المسافة ثم رجع عن قصده ، فان كان بعد بلوغ المسافة فلا أثر له ما لم ينو المقام عشراً أو يصل الىٰ بلده ، وإن نوىٰ الرجوع قبل بلوغ المسافة أتمّ . وكذا لو تردّد
عزمه في الذهاب والرجوع .
فلو كان قد صلّىٰ
قصراً ، فالاصح انه لا يعيد ، للامتثال ، سواء كان الوقت باقياً أم لا .
وقال الشيخ في الاستبصار
: يعيد مع بقاء الوقت ، تعويلاً علىٰ رواية سليمان بن حفص المروزي قال : قال الفقيه : « التقصير في الصلاة في بريدين ، أو بريد ذاهباً وجائياً . فاذا خرج الرجل من منزله يريد اثنىٰ عشر ميلاً ، ثم بلغ فرسخين ، ورجع عما نوىٰ واراد المقام ، أتمّ . وان كان قصر ،
ثم
رجع عن نيته ، أعاد الصلاة » .
وانما فصّل الشيخ بالوقت
وخروجه ، لرواية زرارة عن الصادق علیهالسلام في الرجل يخرج في سفره الذي يريده ، فيرجع عن سفره وقد صلىٰ ركعتين : « تمت صلاته » ، فجمع بينهما بذلك .
فرع :
لو تردّد عزم المسافر
بعد بلوغ المسافة بين الاستمرار وبين الرجوع ، لم يؤثر في الترخص بل له ذلك . فلو تمادىٰ في سفره متردّداً ، ومضى عليه ثلاثون يوماً ، فهل يكون بمثابة من تردد وهو مقيم في المصر ؟ فيه نظر : من وجود حقيقة السفر فلا يضر التردّد ، ومن اخلال القصد .
ومن موانع الاستمرار أمران
:
أحدهما :
ان يقطع السفر بعزم اقامة عشرة ايام ، فمتىٰ عزم علىٰ ذلك أتمّ ، وهو منصوص عن علي علیهالسلام واهل بيته
.
ولو علّقه بشرط ـ كلقاء
رجل فلقيه ـ تحقق التمام ما لم يغيّر النية .
ولو علم أن حاجته لا
تنقضي في اقل من عشرة ، وهو ناو قضاءها ، فكناوي المقام . ثم ان كان نيّة المقام علىٰ ما دون المسافة ، اشترط مسافة جديدة في خروجه منه ، وان كان علىٰ مسافة فكذلك ، غير انه يكتفي هنا بالرجوع في القصر .
__________________
ولو نوى المسافة فصاعداً
، وفي نيّته المقام عشراً في اثنائها ، لم يقصر إلّا ان يكون ذلك القدر الذي قبل موضع المقام مسافة . ولا فرق بين كون نيّة المقام في بلد أو قرية أو حلة أو بادية ، ولا بين العازم علىٰ استمرار
السفر بعد المقام وغيره .
والظاهر أن بعض اليوم
لا يحسب بيوم كامل ، بل يلفق . فلو نوىٰ المقام عند الزوال ، اشترط ان ينتهي بزوال الحادي عشر منه . والاقرب انه لا يشترط عشرة أيام غير يومي الدخول والخروج ، لصدق العدد حينئذ .
ولو تردّد عزم المسافر
علىٰ المقام والخروج ، قصّر الىٰ شهر في رواية ابي ولاد عن الصادق علیهالسلام . وعن الباقر علیهالسلام : إلىٰ ثلاثين يوماً
، وهو الأقوىٰ ، لان المبيّن أولىٰ من المجمل بل هو مبني عليه .
ولو رجع عن نيّة المقام
، وكان قد صلى علىٰ التمام فرضاً ولو صلاة ، بقىٰ علىٰ التمام حتىٰ يخرج وإلّا قصّر ، رواه أبو ولاد عن الصادق
علیهالسلام .
ويعارضه رواية حمزة
بن عبد الله الجعفري ، وقد اقام بمكة ناوياً فاتمّ الصلاة ثم بدا له ، فسأل ابا الحسن علیهالسلام فقال : « ارجع الىٰ التقصير »
وحمله الشيخ علىٰ ان الامر بالتقصير اذا خرج فصار مسافراً
.
__________________
قلت :
يمكن ان يقال هذا مختص بمكة وباقي الاماكن الاربعة ، لجواز التمام فيها بغير نيّة المقام ، وسيأتي بحثه .
وهنا فروع :
الأوّل :
انه قيّد في الرواية بالفريضة . فلو صلىٰ نافلة الزوال أو العصر فالاقرب ان له الرجوع ، لعدم الاسم المعلق عليه .
الثاني :
أنّ الصلاة المؤداة تماماً ينبغي أن تكون بعد نية المقام . فلو صلّىٰ فرضاً تماماً ناسياً قبل نية المقام لم يعتد ، سواء خرج الوقت أوْ لا .
الثالث :
لا ريب في تعلق الحكم بمن صلّىٰ فرضاً تماماً لأجل نيّة المقام .
فاذا كان في غير الأماكن
الاربعة فالامر ظاهر .
وإن كان في احدها ،
ونوىٰ الصلاة تماماً لاجل المقام ، فالحكم ثابت قطعاً ، وصورة السؤال في الرواية عمن نوىٰ الاقامة بالمدينة عشراً
.
وان صلّى تماماً لشرف
البقاع ، وذهل [ في ] تلك الحالة عن نيّة المقام ، ثم رجع بعد هذه الصلاة ، ففي اعتبارها عندي وجهان ، ومن قوله في الرواية « ان كنت صليت بها فريضة واحدة بتمام فليس لك ان تقصر »
__________________
والضمير
في « بها » يعود إلىٰ المدينة فقد صدق الشرط ، ومن انّ هذه الصلاة قد كانت سائغة له بحكم البقعة وان صلاها علىٰ ذلك الحكم ، كما سبق في رواية حمزة .
الرابع :
لو نوىٰ ثم صلّىٰ بنيّة القصر ، ثم أتمّ أربعاً ناسياً ، ثم تذكر بعد الصلاة ونوىٰ الخروج ، فان كان في الوقت فكمن لم يصل لوجوب اعادتها . وإن كان قد خرج الوقت احتمل الاجتزاء بها لانها صلاة تمام مجزئة ، وعدمه لانه لم يقصد التمام .
الخامس :
لو خرج الوقت ولما يصل عمداً أو نسياناً ، فللفاضل في الاجتزاء به وجهان ، ينظران الىٰ استقرارها في الذمة تماماً ، والىٰ
عدم صدق فعلها .
ولو خرج الوقت لعذر
مسقط ـ كالجنون والاغماء ـ فكن لم يصل .
السادس :
لو شرع في الصوم ، فهل هو بحكم الصلاة ؟ يحتمل ذلك ، لانه أحد الامرين المرتبين علىٰ المقام ، وقد قال تعالىٰ : ( وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) . ويحتمل عدم اعتباره ، لانه لم يصل
فريضة . والاول مختار الفاضل .
السابع :
لو رجع في أثناء الصلاة ، حكم الشيخ ـ في المبسوط ـ بعدم عوده الىٰ التقصير حتىٰ يخرج مسافراً
.
__________________
وتردّد فيه المحقق
، نظراً الىٰ افتتاح الصلاة وقد سبق الخبر بـ « انها علىٰ ما افتتحت عليه ، والىٰ عدم الاتيان بالشرط حقيقة .
وفصّل الفاضل : بتجاوز
محل القصر فلا يرجع ، وبعدم تجاوزه . فيرجع ، لانه مع التجاوز يلزم من جواز الرجوع ابطال العمل المنهي عنه ، ومع عدم تجاوزه يصدق انه لم يصل بتمام .
وفي الجمع بين هذا التفصيل
وبين فتواه بان الشروع في الصوم يلزم بالاتمام نظر ، لانه في كليهما لم يأت بمسمّىٰ الصيام والصلاة ،
ومن حيث انّ الصوم لا ينعقد فرضه في السفر أصلاً ورأساً ، بخلاف الصلاة فإن الركعتين منعقدتان سفراً وحضراً ، فلم تقع المخالفة إلّا في الركعتين الاخيرتين ، فاذا لم يأت بهما فهو باق علىٰ القدر المشترك بين السفر والحضر .
وأمّا الصوم فقد فعل
منه ما لا يتصور فعله في السفر ، فلا يجوز ابطاله بعد انعقاده . ويحتمل ان يقال ان كان رجوعه عن نيّته قبل الزوال صح الرجوع ، لانه لا يزيد علىٰ الافطار في الصوم لمن خرج مسافراً قبل الزوال ، وان كان بعده فلا رجوع ، كما لو خرج المسافر بعد الزوال فانه لا يباح له الافطار ، وهذا قوي .
الثامن :
لو نوىٰ المسافر الاقامة عشراً في اثناء الصلاة قصراً ، اتمّها لوجود المقتضىٰ ، والنية الاُولىٰ بجملة الصلاة كافية ، فان الركعتين الاخيرتين تابعة للاوليين ، وقد روىٰ ذلك علي بن يقطين عن أبي
__________________
الحسن
علیهالسلام
.
فلو نوىٰ الرجوع
عن المقام بعد هذه الصلاة ، ففيه عندي وجهان :
أحدهما :
جوازه ، لان ظاهر الرواية ان يكون جميع الصلاة التامة واقعاً قبل الرجوع عن نيته ، ولم يقع هنا جملة الصلاة .
وثانيهما : ـ وهو الاقرب ـ عدم اعتبار هذا الرجوع ، لصدق الصلاة تماماً ، والمؤثر في الحقيقة ليس إلّا القدر الزائد عن الركعتين الاوليين وقد حصل هنا .
المانع الثاني : أن
يصل إلىٰ بلده ، أو بلد له فيه ملك قد استوطنه ستة أشهر ، فيتم حينئذ وان كان جازماً علىٰ السفر بعد قبل تخلّل عشرة ، رواه محمد بن اسماعيل بن بزيع عن الرضا علیهالسلام ، وقد سأله عن الاستيطان فقال : « ان يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر »
.
وروىٰ عمار عن الصادق
علیهالسلام : « يتم ولو لم يكن له إلّا نخلة واحدة » .
ولا يشترط في الاقامة
التتالي ، للعموم الشامل للمتفرق .
ولا السكنىٰ في
الملك ، فلو سكن في غيره أجزأ .
ولا كون الملك له صلاحية
السكنىٰ ، لحديث النخلة . نعم ، يشترط كون السكنىٰ بعد الملك ، فلو تقدمت أو بعضها علىٰ الملك لم يعتدّ بها
، لانه المفهوم من الاستيطان .
__________________
ويشترط ايضاً دوام الملك
، فلو خرج عن ملكه زال الحكم ، لأنّ الصحابة لما دخلوا مكة قصروا فيها لخروج املاكهم .
ويشترط ملك الرقبة ،
فلا تكفي الاجارة ، والتملك بالوصية .
ولو تعدّدت المواطن
في البلد الواحد ، كفىٰ استيطان الأول منها ستة أشهر ، ولو خرج عن ملكه إذا بقىٰ الباقي علىٰ ملكه .
ولو كان في طريق المسافر
مواطن ، قصّر بين كل موطنين بينهما مسافة ، واتمّ فيها وفيما بين كل موطنين تقصير عن المسافة .
ولو اتخذ بلداً دار
مقامة علىٰ الدوام ، فالظاهر ان حكمه حكم الملك ، وكذا لو اتخذ بلداناً للمقام دواماً على التناوب .
وهل يشترط هنا استيطان
الستة الأشهر ؟ الاقرب ذلك ، لتحقق لاستيطان الشرعي مضافاً الىٰ العرفي .
فروع :
الأوّل :
اذا سبقت نيّة المقام ببلد عشرة أيام علىٰ الوصول اليه ، ففي انقطاع السفر بما ينقطع به الوصول الىٰ بلده من مشاهدة الجدار وسماع لأذان وجهان ، من صيرورته كبلدة ، ومن ضعف المانع من القصر هنا ، هو الآن مسافر حقيقة فيستصحب حكمه حتىٰ يخرج عنه اسم السفر .
وكذا الوجهان لو خرج
منه الىٰ مسافة هل يترخص بمجرد الخروج أو خفاء الأذان والجدار ؟ فيه الوجهان .
الثاني :
لو نوى المقام في أثناء المسافة عشراً ولما يقمها ثم سافر ،
__________________
فالظاهر
انها سفرة ثانية ، سواء كان ذلك في صوب المقصد أوْلا .
أما لو وصل الىٰ
وطنه ، فان كان لم يقصد تجاوزه في سفره ، ثم عرض له سفر آخر الىٰ وطنه الآخر قبل العشرة ، فكالاول . وحينئذ لو تجدّدت له سفرات ثلاث علىٰ هذا الوجه اتمّ في الثالثة ، وان كانت علىٰ
صوب المقصد .
وان كان من عزمه اتصال
السفر في أول خروجه ومرّ علىٰ أوطانه ، فالحكم : بتعدد السفر هنا اذا لم يتخلل مقام عشرة ، بعيد ، لانها سفرة واحدة متصلة حساً وان انفصلت شرعاً ، ومن ثم لم يذكر الاصحاب الاحتمال في ذلك .
ويحتمل ضعيفاً احتسابها
، لانقطاع سفره الشرعي بذلك ، وكون الآخر سفراً مستأنفاً ، ومن ثم اشترطت المسافة .
الثالث :
لو خرج من بلده الىٰ مسافة نوىٰ المقام بها عشراً ، ولمّا يتمّها ثم عاد الىٰ بلده ، فهل تحسب هذه ثانية ؟ فيه الوجهان .
الشرط الثالث : كون المقصود مسافة ، وهي ثمانية فراسخ ، كل فرسخ ثلاثة أميال ، كل ميل أربعة الاف ذراع ، كل ذراع اربع وعشرون اصبعاً ، كل اصبع سبع شعيرات ـ وقيل ست عرضاً ـ كل شعيرة سبع شعرات من شعر البرذون .
وقدّر اهل اللغة الميل
بقدر مدّ البصر من الارض المستوية .
وروي تقديره بألف
وخمسمائة ذراع وحمل علىٰ سهو الراوي ،
__________________
وانه
ثلاثة آلالف وخمسمائة فاسقط ثلاثة ، والطعن في الرواية رأساً أولىٰ من نسبته الىٰ السهو في بعضها ، وقد اوردها في من لا يحضره الفقيه .
وقدّرت المسافة في رواية
سماعة : بـ « الثمانية » .
وفي رواية ابي أيوب
عن الصادق علیهالسلام : بـ « بريدين ، أو بياض يوم » .
وفي رواية علي بن
يقطين عن الكاظم علیهالسلام : بـ « مسير يوم »
.
ولو أراد الرجوع
ليومه كفىٰ أربعة فراسخ فصاعداً ، لقول الصادق علیهالسلام في رواية معاوية بن وهب : « بريد ذاهباً ، وبريد جائياً »
.
وفي رواية محمد بن
مسلم عن الباقر علیهالسلام : « اذا ذهب بريداً ، ورجع بريداً ، فقد شغله يومه » .
فروع :
الأوّل :
لو قصد الرجوع لليلته ، أو في ليلته ويومه ، فالأقرب القصر مع اتصال السفر . نعم ، لو قطعه بالمبيت انقطع الترخص ، لحصول راحة الليل حينئذ .
وروىٰ الفضل بن
شاذان عن الرضا علیهالسلام ، قال : « انما وجب التقصير في ثمانية فراسخ ، لا أقل من ذلك ولا أكثر ، لانّ ثمانية فراسخ مسيرة
يوم
__________________
للعامة
والقوافل والاثقال ، ولم يجب في مسير يوم لما وجب في مسير سنة ، لان كل يوم يكون بعد هذا اليوم فانما هو نظير هذا اليوم ، فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره » ، وهو يدل علىٰ
ما قلناه من انقطاع سفره بالمبيت .
الثاني :
لو كان المقصد زيادة علىٰ الاربعة فكالاربعة .
ولو نقص ـ كالثلاثة
يتردّد فيها ثلاث مرات ـ لم يترخص لخروجه عن اسم المسافر ، وإلّا لزم تقصير المتردّد في أقل من
ميل ، وهو باطل .
الثالث :
ثبتت المسافة بالاعتبار بالاذرع ، وحينئذ لا فرق بين قطعها في يوم أو أقل أو اكثر .
ولو لم يتفق ذلك ، فالظاهر
ان مسير يوم كاف في الارض المعتدلة والسفر المعتدل ، لنطق الاخبار به ، وعسر المساحة .
نعم ، لو قصد مسافة
في زمان يخرج به عن اسم المسافر ـ كالسنة ـ فالاقرب عدم القصر ، لزوال التسمية .
ومن هذا الباب ، لو قارب
المسافر بلده ، فتعمد ترك الدخول إليه للترخص ، ولبث في قرىٰ تقاربه مدة يخرج بها عن اسم المسافر .
ولو أقف في هذين الموضعين
علىٰ كلام للاصحاب ، وظاهر النظر يقتضي عدم الترخص .
الرابع :
لو تعارضت البيّنتان بالنفي والاثبات في المسافة ، فالاقرب العمل ببيّنة الاثبات ، لان شهادة النفي غير مسموعة .
ولا يكفي اخبار الواحد
بها ، ويحتمل الاكتفاء به اذا كان عدلاً ، جعلاً
__________________
لذلك
من باب الرواية لا من باب الشهادة .
فعلىٰ هذا لو سافر
اثنان : احدهما يعتقد المسافة ، والآخر لا يعتقدها ، فالظاهر ان لكل منهما ان يقتدي بالآخر ، لصحة صلاته بالنسبة إليه .
ولو شك المكلف في
بلوغ المسافة أتمّ ، لاصالة عدمه .
ولو علم في أثناء السفر
بلوغ المقصد مسافة ، فالظاهر الترخص حينئذ ، وإن قصر الباقي عن مسافة .
ومبدأ المساحة
من آخر العمارة في البلد المعتدل ، ومن آخر محلته في البلد المتسع جداً .
الخامس :
لو كان لبلد طريقان ، احدهما خاصة مسافة ، فسلك الاقرب أتمّ ، وان سلك الأبعد لعلّة غير الترخص قصر ، وان كان للترخص لا غير فالاقرب التقصير للاباحة . وقال ابن البراج : يتم ، لانه كاللاهي بصيده .
ولو رجع قاصد الاقرب
بالأبعد ، قصر في رجوعه لا غير .
ولو رجع قاصد الأبعد
بالاقرب ، قصّر في ذهابه وايابه .
الشرط الرابع : كون السفر مباحاً ـ واجباً كان أو ندباً ، أو جائزاً أو مكروهاً ـ فلا يترخص العاصي ، كالآبق ، والزوجة الناشز ، وتابع الجائر ، وقاطع الطريق ، والباغي علىٰ الامام ، والتاجر في المحرمات .
وقد روىٰ عدم
تقصير العاصي لله ولرسوله ـ كطالب الشحناء ، والسعاية في ضرر علىٰ قوم من المسلمين ـ عمار بن مروان عن
__________________
الصادق
علیهالسلام
.
وروىٰ حماد بن
عثمان عنه علیهالسلام : « الباغي والعادي ليس لهما ان يقصرا الصلاة » .
والصيد لهواً وبطراً
معصية ، فلا ترخص فيه ، ورواه زرارة عن الباقر علیهالسلام .
فروع :
لا يشترط انتفاء المعصية
في سفره ، انما الشرط انتفاؤها بسفره ، سواء كان نفس السفر معصية ـ كالفار من الزحف ، ومن وقوف عرفات بعد وجوبه عليه ـ أو غايته معصية ـ كما سبق من الباغي والعادي ـ .
ولو سلك طريقاً مخوفاً
علىٰ النفس يغلب معه ظن التلف ، فالاقرب انه عاص بسفره فلا يترخص .
ولو خاف علىٰ ماله
المجحف به فكذلك .
ولو كان غير مجحف ، فالظاهر
انه يترخص ، لعدم وجوب حفظ مثل هذا القدر .
ولو رجع عن المعصية
في أثناء السفر اعتبرت المسافة حينئذ ، فلو قَصُر الباقي أتمّ .
ولو قصد المعصية في اثناء
السفر المباح انقطع ترخّصه . فلو عاد إلىٰ الطاعة ، فالظاهر انه يعود ترخّصه ولا تشترط مسافة متجددة ، لانّ المانع
__________________
كان
المعصية وقد زالت ، وقد سبق مثله في المائل الىٰ الصيد ثم يعود عنه .
الشرط الخامس : ان لا يكون سفره اكثر من حضره ، وبها عبر معظم الاصحاب .
ولم يرتضها في المعتبر
، محتجاً بانه يلزم عليه ان لو اقام في بلده عشرة ثم سافر عشرين ان يتم في سفره ، ولم يقل به أحد .
قال :
بل الأولىٰ ان يقال : ان لا يكون ممن يلزمه الاتمام سفراً ، كما تضمنته رواية السكوني عن الصادق علیهالسلام ، عن الباقر علیهالسلام من : « الجابي الذي يدور في جبايته ، والأمير الذي يدور في إمارته ، والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلىٰ سوق ، والراعي ، والبدوي »
.
وروىٰ زرارة عن
الباقر علیهالسلام : « المكاري ، والكري ، والراعي ، والاشتقان » وهو امين البيادر ، وقيل : البريد
.
وفي رواية محمد بن
مسلم عن أحدهما عليهماالسلام : « الملاحون ، والمكاري ، والجمال » .
وروىٰ اسحاق بن
عمار : الاعراب والملاحين .
__________________
ويخرجون هؤلاء عن الكثرة
بمقام عشرة أيام منويّة سواء كان ببلدهم أو غيره ، وبمقام عشرة في بلدهم وإن لم يكن بنيّة . قاله الاصحاب وقد روىٰ ذلك في المكاري عبد الله بن سنان عن الصادق علیهالسلام . ومن ثم احتمل الشيخ المحقق اختصاص هذا بالمكاري ، وجعل الباقين علىٰ التمام وان اقاموا عشرة ، وهو بعيد .
فروع :
المعتبر صدق اسم هؤلاء
علىٰ من سافر ، وكذا من كان في معناهم ، وانما يحصل ذلك غالباً بالسفرة الثالثة التي لم تتخلل قبلها تلك العشرة .
وابن إدريس اعتبر ثلاث
دفعات كما قلناه ، ثم قال : صاحب الصّنعة من المكارين والملاحين والتاجر والامير ، يجب عليهم الاتمام بنفس خروجهم الىٰ السفر ، لان صنعتهم تقوم مقام تكرر من لا صنعة له
.
وهو ضعيف ، لان العلة
كثرة السفر وهي مفقودة هنا .
وفي المختلف : يتمّون
جميعاً في الثانية اذا لم يقيموا بعد الاُولىٰ عشرة .
ويضعف بمنع التسمية
بهذا القدر ، فالاولىٰ التمام في الثالثة مطلقاً .
وربما قيل : اذا كان الاسم قد صدق عليهم ، فخرجوا لمقام عشرة أيام ثم عادوا الىٰ السفر ، اكتفي بالمرتين ، وان كانوا مبتدئي السفر فلا بد
من
__________________
الثلاثة
.
وهو ضعيف ، لان الاسم
قد زال وهو الآن كالمبتدأ ، لانه لو لم يزل وجب الاتمام في السفرة الاُولىٰ عقيب العشرة ، كما اشار إليه المحقق . وهذا ايضاً يرد علىٰ ابن إدريس ، لأنّ الصنعة ان كانت كافية ، فلا فرق بين أن يقيم عشرة أو لا ، وهذا التزام حينئذ .
والمراد بالكري في الرواية
المكتري . وقال بعض اهل اللغة : قد يقال الكري علىٰ المكاري . والحمل علىٰ المغايرة أولىٰ
بالرواية ، لتكثر الفائدة ، ولاصالة عدم الترادف .
ولو انشأ هؤلاء أسفاراً
غير صنائعهم ـ كالحج مثلا ، أو التاجر يصير ملاحاً أو مكارياً ـ فالظاهر انهم يقصرون ، وخصوصاً البدوي والملاح ، للتعليل بان « بيوتهم معهم » . وربما كان ذلك بحديثين معتبري الاسناد
:
أحدهما :
رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهمالسلام ، قال : « المكاري والجمال اذا جدّ بهما السير فليقصرا » ومثله رواه الفضل بن عبد الملك عن الصادق علیهالسلام .
ويكون المراد بـ (
جدّ السير ) ان يكون مسيرهما متصلا ، كالحج ، والاسفار التي لا يصدق عليها صنعته .
ويحتمل ان يراد انّ المكارين
يتمّون ما داموا يتردّدون في أقل من المسافة ، أو في مسافة غير مقصودة ، فإذا قصدوا مسافة قصروا ، ولكن هذا
__________________
لا
تخصص للمكاري والجمال به ، بل كل مسافر .
وقال الكليني رحمهالله ـ وتبعه الشيخ ـ : المراد ان يجعلوا المنزلين منزلاً ، فيقصرون في الطريق ويتمون في المنزل ، لما رفعه الىٰ أبي عبد الله علیهالسلام بطريق عمران الاشعري عن بعض اصحابنا :
« الجمال والمكاري اذا جدّ بهما السير ، فليقصرا فيما بين المنزلين ، ويتما في المنزل » .
قلت :
الظاهر انه أراد به المنزل الذي ينتهيان اليه مسافرين لا منزلهما ، إذ منزلهما لا اشكال فيه .
وعلىٰ تقدير أرادة
المنزل مطلقاً يكون ذلك الايضاح بالنسبة الىٰ منزلهما ، وان اريد منزلهما خاصة كان تأكيداً .
وعلىٰ كل تقدير
، يلزم ان يقال المكاري والجمال : اما ان يجعلا المنزلين منزلاً أوْ لا ، فإن جعلاه قصّرا وإلّا أتمّا ، ولعله للمشقة الشديدة بذلك ، لخروجه عن السير المعتاد . وحينئذ في اطراده في باقي الاقسام تردّد ، من حيث حصول المشقة به مع قصد المسافة ، ومن عدم النص عليه .
وربما لاح ان تخلّف القصر
فيمن عدّد في الروايات لتخلف قصد المسافة علىٰ الوجه المعتاد غالباً ، لانهم بين :
من لا قصد له في بعض الاحيان
، كالبدوي والراعي اللذين يطلبان
__________________
القطر
والنبت .
ومن له قصد لا يكون
مسافة غالباً ، كالامير والتاجر .
ومن له قصد الىٰ
المسافة لكن لا علىٰ الوجه المعتاد ، كبعض الامراء والتجار والمكارين .
ومن له قصد المسافة
علىٰ وجه المقام ، كالملاح الذي اهله معه .
فان قلت : فما يصنع بالبريد والمكاري والجمال ؟
قلت :
هؤلاء مقاصدهم تارة تستحلق المسافة ، وتارة لا تستتبع المسافة . فإن كانت الى دون المسافة فظاهر ، وان كانت الىٰ مسافة اغتفرت ، لانهم اعتادوا مطلق السفر فجروا مجرىٰ الحاضر .
واعلم ان ابن ابي
عقيل عمّم وجوب القصر علىٰ كل مسافر ، ولم يستثن أحداً .
الشرط السادس : أن يضرب في الأرض ، للتعليق عليه في الآية
. وناطه الأصحاب باُمور ثلاثة :
احدها :
أن تتوارىٰ جدران بلده .
والثاني : ان يخفىٰ عليه أذان مصره .
والأول في رواية محمد
بن مسلم عن الصادق علیهالسلام . والثاني في رواية عبد الله بن سنان عنه علیهالسلام . وكلاهما صحيحا السند .
والثالث : الاكتفاء بالخروج من منزله ، وهو قول ابن بابويه في
__________________
الرسالة
. ورواه ولده مرسلا عن الصادق علیهالسلام : « إذا خرجت من
منزلك فقصّر الىٰ ان تعود اليه » .
وابن الجنيد يقول في
ظاهر كلامه : أنّ المسافر في خروجه يقصّر إذا فارق منزله وانقطع عنه رؤية أبيات قريته ، وفي رجوعه الى دخوله منزله .
قال :
فان حيل بينه وبين منزله بعد وصوله اليه أتم .
واعتبار الاولين هو المشهور
بل يكاد يكون اجماعاً . ورواية ابن بابويه عن الصادق علیهالسلام مجملة ، والمجمل يحمل علىٰ المبيّن
.
نعم ، روىٰ اسحاق
بن عمار عن الكاظم علیهالسلام عن المسافر يدخل بيوت الكوفة ، أيتمّ الصلاة أم يكون مقصراً حتىٰ يدخل أهله ؟ قال : « بل يكون مقصراً حتىٰ يدخل اهله » .
وروىٰ العيص عن
الصادق علیهالسلام : « لا يزال المسافر مقصراً حتىٰ
يدخل اهله » .
وتأولهما بعض الاصحاب
بان المراد بدخول اهله سماع الأذان ، أو رؤية الجدران ، ولا ينافي ذلك دخول الكوفة فانها كانت واسعة الخطة ، فلعلّه دخل منها ما لا يسمع فيه اذان محلته .
__________________
تنبيه :
أكثر عبارة الاولين اعتبار
أحد الأمرين : من الخفاء ، وعدم سماع الأذان .
والمرتضىٰ اعتبر
خفاءهما معاً في خروجه ، وفي دخوله يقصر حتىٰ يبلغ منزله .
واختاره الفاضل في الدخول
والخروج . فعلىٰ هذا ادراك احدهما يجعله بحكم المقيم ، سواء كان خارجاً الىٰ السفر ، أو راجعاً منه .
والمفيد ـ رحمهالله ـ ظاهره اعتبار الأذان ، وبه صرّح سلار
.
والصدوق ـ في المقنع
ـ اعتبر خفاء الحيطان .
وابن إدريس نصّ علىٰ
ان المعتبر بالأذان المتوسط دون الجدران .
وفي المبسوط ظاهره ان
المعتبر الرؤية ، فان حصل حائل فالأذان .
والمعتمد خفاء ادراكهما
فيهما ، عملاً بالروايتين الصحيحتين أولاً .
__________________
فروع :
يكفي سماع الأذان من آخر
البلد ، وكذا رؤية آخر جدرانه . اما لو اتسعت خطة البلد بحيث تخرج عن العادة ، اعتبرنا محلته وأذانها كما أوّلنا به الرواية .
ولا عبرة باعلام البلد
كالمنائر والقلاع والقباب ، ولا بسماع الأذان المفرط في العلو ، كما لا عبرة بخفاء الأذان المفرط في الانخفاض .
والاقرب اجراء الصوت العالي
مجرى الأذان ، والتمثيل بالأذان لانه أبلغ الاصوات .
ولو كانت القرية في
علو مفرط أو وهدة اعتبر فيها الاستواء تقديراً ، وساكن الحلة ( يعتبر الاذان . وفي القرىٰ المفرطة في انخفاض البيوت يحتمل ذلك وتقدير رؤية الجدار ) ، وكذا يحتمل رؤية الجدار في حلة البادية .
وتقارب القريتين لا
يجعلهما بحكم الواحدة ، وان كثر اختلاطهما ودخول اهل كل منهما الاُخرىٰ من غير تغيير زي .
فحينئذ المسافر من احداهما
في صوب الاُخرىٰ يعتبر جدار قرينة وأذانها .
ولو منع المسافر من
تمام السفر ، فان كان قبل محل الترخّص أتمّ ، وان تجاوز محل الرخصة ورجا زوال المانع وجزم بالسفر قصّر .
ولو سافر في السفينة
، فردّته الريح الىٰ ان ادرك أحد الأمرين : من
__________________
الجدار
والأذان ، أتمّ .
ولو عاد المسافر لحاجة
قبل بلوغ المسافة أتمّ في طريقه ، لخروجه عن اسم المسافر . نعم ، لو كان غريباً فهو باق علىٰ القصر ، وإن كان قد نوىٰ المقام عشراً فيه ، أو مضىٰ عليه ثلاثون يوماً .
وها هنا اُمور اشترطها
بعض العامة ، وليست شرطاً عندنا :
فمنها :
الخوف ، ولا يشترط مجامعته السفر ، لخبر يعلىٰ بن أُمية وقول النبي صلىاللهعليهوآله : « صدقة تصدّق الله بها عليكم ، فاقبلوا
صدقته » .
وقال ابن عباس : إنّ
رسول الله صلىاللهعليهوآله سافر بين مكة والمدينة آمناً لا يخاف إلّا الله تعالىٰ ، فصلّىٰ ركعتين
.
احتج داود بظاهر الآية
.
قلنا :
الحديث مبيّن للمراد منها .
ومنها :
نيّة القصر . وليست شرطاً عندنا ، فلو دخل في صلاة ، وذهل عن نيّة القصر كانت صحيحة ، لأنّ المقتضي لتسويغ القصر الحكمة وهي لا تتغيّر بالنية .
ومنها :
عدم الائتمام بالمقيم . وليس شرطاً ، فلو ائتم المقصّر بمقيم
__________________
لم
يتمّ عندنا ، بل هو باق علىٰ قصره باجماعنا ، لاطلاق القرآن والاخبار .
احتجوا بقوله صلىاللهعليهوآله : « انما جعل الامام اماماً ليؤتم به »
.
قلنا :
نمنع امامته في الزائد عن فرض المقصّر .
ومنها :
انه لا يشترط كون السفر واجباً ، لعموم الأدلة وخلاف ابن مسعود مدفوع ، لانقراضه .
ولا يشترط كونه طاعة
. واشتراط عطاء ذلك مردود ، واحتجاجه بان النبي صلىاللهعليهوآله لم يقصّر إلّا في سبيل الخير مدفوع بان
ذلك لا يمنع من التقصير في غيره .
__________________
المطلب
الثالث : في الاحكام .
وفيه مسائل :
الاُولىٰ : لو أتمّ المقصّر عامداً بطلت صلاته ، لان القصر عزيمة . هذا مع العلم بان فرضه القصر . ولو كان جاهلاً بذلك ، فالمشهور انه لا اعادة عليه في الوقت ولا بعد خروجه :
اما مع بقائه فخالف
فيه أبو الصلاح ـ رحمهالله ـ وابن الجنيد ، وقال ابن الجنيد : يستحب له الاعادة مع خروج الوقت .
واما مع خروجه فلا
نعلم فيه خلافاً ، إلّا ما يظهر من كلام ابن أبي عقيل حيث قال : من صلّى في السفر صلاة الحضر ، فصلاته باطلة وعليه الاعادة ، لان الزيادة في الفرض مبطلة .
لنا : صحيحة محمّد بن
مسلم عن أبي جعفر علیهالسلام فيمن صلىٰ في السفر أربعاً : « ان كان قُرئت عليه آية التقصير ، وفسّرت له ، فصلّىٰ اربعاً أعاد
. وان لم يكن قُرئت عليه ، ولم يعلمها ، فلا إعادة عليه »
والنكرة في سياق النفي تعم ، فيدخل فيه بقاء الوقت وخروجه .
وسأل المرتضىٰ
ـ رضياللهعنه ـ عن ذلك الرضي ـ رحمهالله ـ فقال : الاجماع علىٰ أنّ من صلّىٰ صلاة لا يعلم احكامها فهي غير مجزئة ، والجهل باعداد
الركعات جهل باحكامها فلا تكون مجزئة .
__________________
فاجاب المرتضىٰ
بجواز تغيّر الحكم الشرعي بسبب الجهل ، وان كان الجاهل غير معذور .
الثانية : لو أتمّ الصلاة ناسياً ، ففيه ثلاثة أقوال :
اشهرها :
انه يعيد ما دام في الوقت ، فان خرج فلا اعادة عليه
. وصحيحة العيص بن القاسم عن الصادق علیهالسلام تدل عليه ، حيث سأله عن مسافر أتمّ الصلاة ، قال : « ان كان في وقت فليعد ، وان كان الوقت قد مضىٰ فلا » فانه لا يجوز حملها على العامد العالم قطعاً ، ولا علىٰ
الجاهل ، المعارضة الرواية الاُولىٰ ، فتعيّن حملها علىٰ الناسي .
القول الثاني : لابي جعفر الصدوق في المقنع : ان ذكر في يومه أعاد ، وان مضىٰ اليوم فلا اعادة . وهذا يوافق الاول في الظهرين ، واما العشاء الآخرة :
فان حملنا اليوم علىٰ
بياض النهار فيكون حكم العشاء مهملاً .
وان حملناه علىٰ
ذلك وعلىٰ الليلة المستقبلة اذ صلاة اليوم والليلة بمثابة اليوم الواحد ، وجعلنا آخر وقت العشاء طلوع الفجر كما سلف ، وافق القول الاول ايضاً وإلّا خالفه .
وان حملنا اليوم علىٰ
بياض النهار وليلته الماضية ، فيكون جزما بان العشاء تقضىٰ اذا ذكر في بياض النهار ، وهذه مخالفة للقول الاول .
__________________
ومتمسكه صحيحة أبي
بصير عن الصادق علیهالسلام في الرجل ينسى فيصلي في السفر أربع ركعات ، قال : « ان ذكر في ذلك اليوم فليعد ، وان لم يذكر حتىٰ مضىٰ ذلك اليوم فلا إعادة »
.
والأولىٰ حمل
كلامه والرواية علىٰ صلاتي النهار ، فانهما ظاهران فيه ، فيوافق الاول .
القول الثالث : الاعادة مطلقاً . وهو قول علي بن بابويه
والشيخ في المبسوط وعلل فيه بان من قال من اصحابنا : ان كل سهو يلحق في صلاة السفر يوجب الإعادة ، فظاهر ، ومن لم يقل يقول : قد زاد به فعليه الاعادة علىٰ كل حال .
ويتخرج هنا علىٰ
القول : بان من زاد خامسة في الصلاة وكان قد قعد بقدر التشهد تسلم له الصلاة ، صحة الصلاة هنا ، لان التشهد حائل بين ذلك وبين الزيادة .
فان قلت : فينبغي لو تعمّد الزيادة القول بذلك ، لتحقق الخروج من الصلاة بالتشهد ، فان هذا القول من روادف القول بندب التسليم .
قلت :
إذا زاد متعمّداً لم تكن نيّة الخروج حاصلة بالتشهد ، ولا في حكم الحاصلة ، بل نيّة البقاء علىٰ الصلاة هي الحاصلة فتتحقق الزيادة في الصلاة ، وقد اسلفنا تحقيق الخروج من الصلاة في مسألة وجوب التسليم . والناسي وان لم تكن نيّة الخروج له حاصلة إلّا انها في حكم الحاصلة .
__________________
فرع :
لو قصّر المسافر غير الرباعية
أعاد مطلقاً . وروىٰ اسحاق بن عمار في امرأة صلت في السفر المغرب ركعتين : « ليس عليها قضاء »
وهي متروكة شاذة .
الثالثة : لو صام المسافر الذي يجب عليه الفطر فرضاً عامداً عالماً وجبت الاعادة ، للنهي عن الصوم في الكتاب والسنة
.
وان كان جاهلا بالقصر
اجزأ ، للنص ورواية حماد عن الحلبي عن الصادق علیهالسلام في الصائم في السفر : « ان كان بلغه انّ
رسول الله صلىاللهعليهوآله نهىٰ عن ذلك فعليه القضاء ، وان لم يكن بلغه فلا شيء عليه »
وكذا في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عنه علیهالسلام .
ولو كان ناسياً ، فالاشبه
الاعادة ، لقول النبي صلىاللهعليهوآله : « ان الله تصدق علىٰ مرضىٰ اُمتي ومسافريها بالافطار في شهر رمضان ، ايعجب احدكم ان لو تصدّق بصدقة أن ترد عليه ! » رواه الاصحاب عن الصادق علیهالسلام عنه صلىاللهعليهوآله . وقال الصادق علیهالسلام في هذه الرواية : « الصائم في شهر رمضان
__________________
في
السفر كالمفطر فيه في الحضر » . ولان فرضه الصوم
في غير هذا الزمان فلا يجزىء عنه هذا الزمان .
وروىٰ ابن بابويه
ـ في من لا يحضره الفقيه ـ عن محمد بن بزيع ، عن الرضا علیهالسلام ، قال : سألته عن الصلاة
بمكة والمدينة ، أتقصير أم تمام ؟ قال : « قصر ما لم يعزم علىٰ مقام عشرة أيام » وبه احتج علىٰ اعتبار نيّة الإقامة
في إتمام الصلاة بالأماكن الأربعة .
الرابعة : لا فرق بين الصوم والصلاة في الشرائط والاحكام ، لما تقدم من قول الصادق علیهالسلام : « هما واحد ، إذا قصرت افطرت ، وإذا افطرت
قصرت » وقد سبق الخلاف في ذلك .
ويفترقان في الأماكن الأربعة
، فإنّ إتمام الصلاة جائز بل أفضل ، بخلاف الصوم فأنّي لم أقف فيه علىٰ نص ولا فتوىٰ ، وقضية الأصل بقاؤه علىٰ
الفطر لمكان السفر ، وإن كان في بعض الروايات في الاماكن لفظ الاتمام فإنّ الظاهر أنّ المراد به الصلاة . والله اعلم .
الخامسة : قال الشيخ : فرض السفر لا يسمّىٰ قصراً ، لأنّ فرض المسافر
مخالف لفرض الحاضر . ويشكل بقوله تعالىٰ : ( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ ) وبعض الأصحاب سمّاها بذلك . قيل : وهو
نزاع
__________________
لفظي
.
السادسة : قال رحمهالله : إذا خرج حاجّاً إلىٰ مكة ،
وبينه وبينها مسافة تقصر فيها الصلاة ، ونوىٰ أن يقيم بها عشراً ، قصّر في الطريق ، فإذا وصل إليها أتمّ
. وإن خرج إلىٰ عرفة يريد قضاء نسكه ، لا يريد مقام عشرة أيام إذا رجع إلىٰ
مكة كان له القصر ، لأنّه نقض . مقامه بسفر بينه وبين بلده يقصّر في مثله . وإن كان يريد إذا قضىٰ نسكه مقام عشرة أيام بمكة أتمّ بمنىٰ وعرفة ومكة ، حتىٰ
يخرج من مكة مسافراً فيقصر .
وتبعه المتأخرون ، وإن
عمّم بعضهم العبارة من غير تخصيص بمكة زادها الله شرفاً وظاهرهم اعتبار عشرة جديدة في موضعه الذي
نوىٰ المقام فيه بعد خروجه إلىٰ ما دون المسافة وظاهرهم أن نيّة إقامة ما دون العشرة
في رجوعه كـ : لانيّة .
السابعة : اجتزأ ابن الجنيد وحده في اتمام المسافر بنيّة مقام خمسة أيام
.
وهو مروي ـ في الحسن
ـ عن الصادق علیهالسلام بطريق أبي أيوب وسؤال محمد بن مسلم ، وحمله الشيخ علىٰ الإقامة بأحد
الحرمين ، أو علىٰ استحباب الاتمام . وفيهما نظر ، لأنّ الحرمين عنده لا
يشترط فيهما خمسة ولا غيرها ، إن كان اقل من خمس فلا اتمام . وأمّا الاستحباب فالقصر عنده عزيمة ، فكيف قصّر رخصة هنا ؟ !
الثامنة : ذهب في النهاية إلىٰ أن من سافر فقطع أربعة فراسخ ،
وصلّىٰ
__________________
قصراً
ثم اقام ينتظر رفقة ، قصّر الىٰ ثلاثين يوماً . وان كان مسيرة أقل من أربعة فراسخ أتم حتىٰ يسير فيقصّر .
وفي المبسوط : متىٰ
خرج من البلد الىٰ موضع بالقرب من مسافة فرسخ أو فرسخين بنيّة ان ينتظر الرفقة هناك والمقام عشراً فصاعداً أتمّ . وان لم ينو عشراً واقام لانتظارهم قصّر الىٰ شهر .
وكلامه ظاهر في اعتبار
خفاء الأذان أو الجدار لان الفرسخ مظنتهما .
وكلامه في النهاية
يمكن بناؤه علىٰ أمرين :
احدهما :
انّه غير جازم بحضور الرفقة وان سفره معلّق عليه .
والثاني : ان التقصير جائز في أربعة فراسخ كما هو مذهبه .
وقد قدّمنا القول في
ذلك كله .
التاسعة : اعتبر ابن البراج في محل الترخص في البدوي أن يتجاوز موضعه ، وفي المقيم في الوادي ان يتجاوز عرضه ، وان سافر فيه طولاً فأنْ يغيب عن موضع منزله .
وكانّه في هذين الآخرين
يعتبر سماع الأذان ورؤية الجدار ، وان قدرهما بما ذكره ، وفي البدوي لما لم يكن له دار انتفىٰ اعتبارهما ، والاقرب تقديرهما فيه ايضاً .
العاشرة : اعتبر ابن البراج ـ فيما يلوح من كلامه ـ في انقطاع سفر من مرّ علىٰ ضيعته أو اهله النزول ونيّة المقام عشراً
.
وصرح أبو الصلاح باشتراط
الوطن والنزول فيه ، فلو لم ينزله قصّر
__________________
الىٰ
شهر عنده ما لم ينو المقام عشرة .
وقد روىٰ اسماعيل
بن الفضل ـ في الصحيح ـ انه سأل الصادق علیهالسلام : « اذا نزلت قراك وضيعتك فأتمّ الصلاة » .
وفي موثقة عمار عنه علیهالسلام في الرجل يخرج في سفر فيمرّ بقرية له أو دارٍ فينزل فيها ، فقال : « يتمّ الصلاة ولو لم يكن له إلّا نخلة واحدة »
.
وروىٰ ابن بكير
عن الصادق علیهالسلام في الرجل له بالكوفة دار ومنزل فيمر بها مجتازاً لا يريد المقام إلا بقدر ما يتجهّز يوماً أو يومين ، قال : « يقيم في جانب المصر ، ويقصّر » . قلت : فان دخل اهله ؟ قال : «
عليه التمام » .
وفي المبسوط : اذا سافر
فمرّ في طريقه بضيعة له ، أو علىٰ مال له ، أو كانت له اصهار أو زوجة ، فينزل عليهم ولم ينو المقام عشرة أيام قصّر ، وقد رُوي انّ عليه التمام . وقد بيّنا الجمع بينهما ، وهو : انّ ما رُوي انه ان كان جاء منزله أو ضيعته مما قد استوطنه ستة أشهر فصاعداً تمّم ، وان لم يكن استوطن ذلك قصر ، واطلق .
فظاهره ان المرور كاف
، وتبعه المتأخرون وتشهد له صحيحة سعد
__________________
ابن
أبي خلف ، قال : سأل علي بن يقطين أبا الحسن علیهالسلام عن الدار تكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمرّ بها ، قال : « إن كان مما قد سكنه أتمّ فيه الصلاة ، وإن كان
ممّا لم يسكنه فليقصّر » والمراد به السكنىٰ
ستة أشهر لما سلف . وهو المعتمد .
الحادية عشرة : قال ابن الجنيد أيضاً : أنّ من لم ينزل بقريته يقصّر . وألحق بالملك منزل الزوجة والولد والوالد والاخ ، إن كان حكمه نافذاً فيه ولا يزعجونه منه لو أراد به المقام لموثقة الفضل البقباق عن الصادق علیهالسلام في المسافر ينزل علىٰ بعض أهله يوماً وليلةً أو ثلاثاً ، قال : « ما أحب أن
يقصّر الصلاة » .
وفي صحيح الفضل بن
عبد الملك عن الصادق علیهالسلام في المسافر ينزل علىٰ بعض أهله يوماً أو ليلة ، قال : « يقصّر الصلاة »
.
فجمع بينهما بحمل الأولىٰ
علىٰ نيّة المقام عشراً .
الثانية عشرة : قال بعض الاصحاب : لو قصّر المسافر اتفاقاً أعاد قصراً
. وفيه تفسيرات :
احدها :
أن يكون غير عالم بوجوب القصر ، فإنّه صلّىٰ صلاة يعتقد فسادها فيجب اعادتها قصراً . وهذا ذكره في المبسوط
.
الثاني :
أن يعلم وجوب القصر ، ولكن جهل بلوغ المسافة فقصّر فاتفق بلوغ المسافة ، فإنّه يعيد لأنّه صلّىٰ قصراً مع أنّ فرضه التمام ، فيكون
__________________
منهياً
عنه فيعيد في الوقت قصراً .
اما اذا خرج الوقت ،
فيحتمل قوياً القضاء تماماً ، لانه قد كان فرضه التمام فليقضها كما فاتته . ويحتمل القضاء قصراً ، لانه مسافر في الحقيقة ، وانما منعه من القصر جهل المسافة وقد علمها .
وهذا مطرد فيما لو
ترك المسافر الصلاة أو نسيها ، ولم يكن عالماً بالمسافة ثم تبيّن المسافة بعد خروج الوقت ، فان في قضائها قصراً أو تماماً الوجهين .
التفسير الثالث : ان يعلم وجوب القصر وبلوغ المسافة ، ولكن نوىٰ الصلاة تماماً نسياناً ، ثم سلّم علىٰ ركعتين ناسياً ثم ذكر ، فانه يعيد لمخالفته
ما يجب عليه من ترك نيّة التمام ، وتكون الاعادة قصراً سواء كان الوقت باقياً أم لا ، لان فرضه القصر ظاهراً وباطناً .
ويحتمل قوياً هنا اجزاء
الصلاة ، لان نيّة التمام لغو ، والناسي غير مخاطب ، والتسليم وقع في محله .
الثالثة عشرة : لو صلّىٰ المسافر قصراً ، ثم تبيّن انه في موضع سماع الأذان أو رؤية الجدار ، لم يجز لان فرضه التمام ، فان كان لم يأت بالمنافي أتمّها واجزأت علىٰ الاقرب ، لان نيّة جملة الصلاة كافية .
ولو نوىٰ المقام
عشرة فقصّر ناسياً فكذلك .
ولو قصّر جاهلاً ، فالاقرب
انه كالناسي . وقال الشيخ نجيب الدين بن سعيد ـ في الجامع للشرائع ـ : لا اعادة عليه . ولعلّه لانّه بنىٰ علىٰ استصحاب القصر الواجب ، وخفاء هذه المسألة علىٰ العامة ، ولما رواه
__________________
منصور
بن حازم عن الصادق علیهالسلام ، قال : سمعته يقول
: « اذا اتيت بلدة فازمعت المقام عشرة أيام فأتمّ الصلاة ، فان تركه رجل جاهل فليس عليه اعادة » .
وربما حمل الضمير في
« تركه » علىٰ القصر للمسافر وان لم يجرِ له ذكر في الرواية ، لانه قد علم انّ الجاهل معذور في التمام .
الرابعة عشرة : تستحب صلاة النوافل المقصورة في الاماكن الاربعة ، لانه من باب اتمام الصلاة المنصوص عليه . ونقله
الشيخ نجيب الدين محمد بن نما ـ رحمهالله ـ عن شيخه ابن إدريس .
ولا فرق بين ان يتمّ الفرضية
أوْ لا ، ولا بين أن يصلي الفريضة خارجاً عنها والنافلة فيها ، أو يصليهما معاً فيها .
الخامسة عشرة : يستحب ان يقول المسافر عقيب كل صلاة مقصورة : سبحان الله والحمد لله ولا اله الا والله اكبر ، ثلاثين مرة ، جبراً لما نقص منها . وروىٰ ذلك سليمان بن حفص المروزي عن العسكري علیهالسلام بلفظ ( الوجوب ) والمراد به تأكّد الاستحباب . وتوقّف الفاضل
في عموم استحباب هذا العدد غير المقصورة والرواية عن العسكري مصرّحة بالمقصورة ، وصرّح به أيضاً ابن بابويه .
السادسة عشرة : يجوز الجمع بين الصلاتين المشتركتين في الوقت للحاضر والمسافر عندنا ، لما مر .
__________________
وهل يستحب للمسافر الجمع ؟ الظاهر ذلك ، لما روي أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان يفعله ، منه رواية الحلبي عن الصادق علیهالسلام ، قال : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا كان في سفر ، أو عجلت به حاجة ، يجمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء الآخرة » .
قال :
وقال الصادق علیهالسلام : « لا بأس أن تعجل العشاء الآخرة في السفر
قبل أن يغيب الشفق » .
وفيه اشارة إلىٰ
أن تأخيرها أفضل ، ولكن روىٰ منصور عنه عليه علیهالسلام وسأله عن صلاة المغرب والعشاء بجمع ، قال : « بأذان واقامتين لا تصل بينهما شيئاً ، هكذا صلّىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله » فعلىٰ هذا لا تصلي بينهما نافلة
.
ولا فرق بين ان يجمع
بينهما في وقت فضيلة الاُولىٰ ، أو في وقت الثانية .
السابعة عشرة : روىٰ البزنطي عن الرضا علیهالسلام : حدّ المسافة بثلاثة بُرُد .
وروىٰ أبو بصير
عن الصادق علیهالسلام : « مسيرة يومين »
.
وسندهما جيد ، إلّا أنّهما
مخالفان إجماع الأصحاب ، فحملا علىٰ التقية ، أو علىٰ بُرُد لم تزد علىٰ بريدين أو مسير يوم في يومين
.
وروىٰ محمد بن
مسلم عن أحدهما علیهماالسلام : إن شيّع الرجل أخاه في
__________________
الصيام
يفطر له ، وتشييعه أفضل من صومه .
وروىٰ عبد الله
بن مسكان ومحمد بن النعمان ، عن الصادق علیهالسلام : « انّ المسافر اذا ائتم بالحاضر ، فان كان في الظهر جعل الفريضة في الركعتين الاوليين ، وان كانت العصر فليجعل الاوليين نافلة والاخيرتين فريضة »
. وفيه اشارة الىٰ كراهة الصلاة نفلاً بعد العصر ، والىٰ صحة النافلة
ممّن عليه فريضة .
وروىٰ معاوية
بن عمار عنه علیهالسلام : « انّ المسافر يقضي نافلة الليل ماشياً ، يتوجه الىٰ القبلة ثم يمشي ويقرأ ، فاذا أراد أن يركع حوّل وجهه الىٰ
القبلة وركع وسجد ثم مشىٰ » .
وفي رواية ابراهيم بن
ميمون عنه علیهالسلام . : يومئ بالسجود
.
وفي رواية يعقوب بن
شعيب عنه علیهالسلام : يومئ بهما ، ويجعل السجود أخفض .
وفي مرسلة حريز عنه علیهالسلام : لا يسوق المصلّي ماشياً الابل
.
وروىٰ علي بن
جعفر عن أخيه موسىٰ عليهماالسلام ، قال : سألته عن رجل جعل لله عليه ان يصلّي كذا وكذا ، هل يجزئه ذلك علىٰ دابته وهو مسافر ؟ قال : « نعم » ويحمل ذلك علىٰ العجز ، أو ارادة
الناذر ذلك .
__________________
الثامنة عشرة : يكره السفر في البحر ، وخصوصاً للتجارة . روىٰ محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : « كان أبي يكره الركوب في البحر
للتجارة » .
وقال علي علیهالسلام : « ما أجمل الطلب من ركب البحر »
.
وسأل محمد بن مسلم الصادق
علیهالسلام عن ركوب البحر ، فقال : « ولم يغرر الرجل بدينه ؟ ! » .
فإن ابتلىٰ
بركوبه استحب أن يقرأ في السفينة : (
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) الآية
( بِسْمِ اللَّهِ
مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ )
.
وإذا اضطرب به البحر
فليقل متكئاً علىٰ جنبه الأيمن : « بسم الله اسكن بسكينة الله ، وقرّ بقرار الله ، واهدأ باذن الله ، ولا قوة إلا بالله » .
وروىٰ قول : «
بسم الله » إلىٰ قوله : « ولا قوة إلا بالله » ابن بابويه عن أبي جعفر علیهالسلام .
ويحرم ركوبه عند هيجانه
، لوجوب التحرّز من الضرر وان كان مظنوناً ، ولنهي النبي صلىاللهعليهوآله عنه
والنهي للتحريم .
التاسعة عشرة : يتأكّد استحباب التحنّك بطرف العمامة في السفر . روى عمار عن الصادق علیهالسلام ، انّه قال : « من خرج في سفره فلم يدر
__________________
العمامة
تحت حنكه ، فأصابه ألم لا دواء له ، فلا يلومنّ إلّا نفسه »
.
قال ابن بابويه : وقال
الصادق علیهالسلام : « ضمنت لمن خرج من بيته معتمّاً ان يرجع اليهم سالماً » .
__________________

الفصل الثاني في صلاة الخوف
ومطالبه خمسة :
الأوّل :
صلاة ذات الرقاع ، واختلف في سبب التسمية بذلك ، فقيل : لأنّ القتال كان في سفح جبل فيه جدد حمر وصفر كالرقاع
.
وقيل :
كانت الصحابة حفاة فلفّوا علىٰ أرجلهم الجلود والخرق لئلا تحترق .
قال صاحب المعجم :
وقيل : سمّيت برقاع كانت في ألويتهم .
وقيل : الرقاع اسم
شجرة في موضع الغزوة .
قال :
وفسّرها مسلم في الصحيح بأنّ الصّحابة نقبت أرجلهم من المشي فلفّوا عليها الخرق .
وهي علىٰ ثلاثة
أميال من المدينة عند بئر أروما ، هكذا نقلها صاحب المعجم بالألف ، قال : وبين الهجرة وبين هذا الغزاة أربع سنين وثمانية أيام
.
وقيل :
مرّ بذلك الموضع ثمانية حفاة ، فنقبت أرجلهم وتساقطت
__________________
أظفارهم
، فكانوا يلفّون عليها الخرق .
وهذه الصلاة ثابتة بالكتاب
والسنة ، لقوله تعالىٰ : (
وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ ) الآية
، وصلّاها النبي صلىاللهعليهوآله بالموضع المذكور
والتأسي به واجب .
وحكمها ثابت به عندنا
وعند الجمهور ، إلّا أبا يوسف فإنّه زعم أنّها من خصائص رسول الله صلىاللهعليهوآله لقوله تعالىٰ : ( وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ )
.
قلنا :
ثبت وجوبها علينا بالتأسي به . ولهذا وجب أخذ الصدقة من المال ، وإن كان تعالىٰ قد قال : (
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ) ومن ثم لم يسمع من مانعي الزكاة احتجاجهم بهذه الآية علىٰ منعها .
وقيل :
إنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان قبل نزول هذه الآية متعبّداً ، إذا
خاف أخّر الصلاة إلىٰ أن يحصل الأمن ثم يقضيها ، ثم نسخ ذلك بمضمون الآية
.
وزعم بعض العامة أنّها
نسخت بفعل النبي صلىاللهعليهوآله ذلك
.
قلنا :
كان ذلك قبل نزول هذه الآية .
وتحقيقها يظهر في مسائل
:
الاُولىٰ : صلاة الخوف مقصورة سفراً ـ إجماعاً ـ إذا كانت رباعيّة ،
__________________
سواء
صليت جماعة أو فرادىٰ . وان صليت حضراً ، ففيه أقوال ثلاثة :
أحدها :
ـ وهو الاصح ـ انها تقصر للخوف المجرّد عن السفر كما تقصر للسفر المجرّد عن الخوف ـ وعليه معظم الاصحاب
ـ سواء صليت جماعة أو فرادىٰ ، لظاهر الآية ، ولصحيح زرارة عن الباقر علیهالسلام : « صلاة الخوف أحقّ أن تقصر من صلاة سفر ليس فيه خوف » .
وفي حسن محمد بن عذافر
عن الصادق علیهالسلام : « اذا جالت الخيل تضطرب بالسيوف اجزأ تكبيرتان » . وهو ظاهر في الانفراد ، لبعد الجماعة في هذه الحال .
وثانيها : أنّها لا تقصر إلّا في السفر علىٰ الاطلاق . وهو شيء
نقله الشيخ عن بعض الاصحاب اقتصاراً علىٰ موضع الوفاق ، وأصالة
اتمام الصلاة .
وجوابه : إنّما يقتصر
مع عدم الدليل وهو ظاهر الثبوت .
وثالثها : انها تقصر في الحضر بشرط الجماعة ، اما لو صليت فرادى اُتمّت وهو قول الشيخ ويظهر من كلام جماعة
وبه صرّح ابن إدريس لانّ النبي صلىاللهعليهوآله انما قصرها في الجماعة .
__________________
قلنا :
لوقوع ذلك لا لكونه شرطاً .
المسألة الثانية : هذا القصر كقصر المسافر يردّ الرباعية إلىٰ ركعتين .
وقال ابن بابويه :
سمعت شيخنا محمد بن الحسن يقول : رويت أنّه سئل الصادق علیهالسلام عن قول الله عزّ وجلّ : ( وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ
كَفَرُوا ) ؟ فقال : « هذا تقصير ثان وهو أن يردّ الرجل الركعتين إلىٰ ركعة »
، وقد رواه حريز عن أبي عبد الله علیهالسلام في الصحيح
.
وقال ابن الجنيد بهذا
المهذب ، وأنّ النبي صلىاللهعليهوآله صلّىٰ كذلك بعسفان برواية الباقر علیهالسلام ، وجابر ، وابن عباس ، وحذيفة
.
وقال بعض الرواية :
فكانت لرسول الله صلىاللهعليهوآله ركعتان ، ولكل طائفة ركعة ركعة .
وهذا قول نادر ، والرواية
به وإن كانت صحيحة فهي معارضة بأشهر منها عملاً ونقلاً ، كما رواه الحلبي عن الصادق علیهالسلام وقد وصف صلاة الخوف : أنّه يصلي بالاُولىٰ ركعة ، ثم يصلّون الثانية وهو قائم ، ثم تأتي الثانية فيصلي بهم الثانية ، ثم يتمون ثانيتهم ويسلّم بهم
ورواه أيضاً
__________________
عبد
الرحمن بن ابي عبد الله عنه علیهالسلام
.
الثالثة : شروط هذه الصلاة أربعة :
احدها :
كون الخصم قوياً بحيث يخاف هجومه في حال الصلاة . فلو ضعف بحيث يؤمن منه الهجوم انتفت هذه الصلاة ، لعدم الخوف حينئذ .
وثانيها : ان تكون في المسلمين كثرة تمكنهم ان يفترقوا فرقتين : احداهما . تصلي مع الامام ، والاُخرىٰ بإزاء العدو . فلو لم يكن ذلك لم تتحقق هذه الصلاة .
وثالثها : ان لا يحوج الحال الىٰ زيادة التفريق الىٰ اكثر
من فرقتين ، لتعذّر التوزيع حينئذ إلّا ان يكونوا في صلاة المغرب ، ولا يحتاج الىٰ الزيادة
علىٰ الثلاث فان الاقرب مشروعيتها حينئذ ، لحصول الغرض .
ولو شرطنا في الخوف السفر
، واحتاج الىٰ أربع فرق في الحضر ، فكذلك .
فلو زاد علىٰ الفرق
الثلاث في المغرب ، وعلىٰ الفرق الاربع ، انتفت الصلاة علىٰ هذه الهيئة قطعاً .
ورابعها : عند بعضهم ان يكون العدو في خلاف جهة القبلة ، إما في استدبارها أو عن يمينها وشمالها ، بحيث لا يمكنهم مقاتلته وهم يصلون إلّا بالانحراف عن القبلة ، لان النبي صلىاللهعليهوآله انما صلّاها والعدو في خلاف جهة القبلة .
فحينئذ لو كان العدو
في القبلة ، وامكنهم ان يصلّوا جميعاً ويحرس بعضهم ـ كما يأتي في صلاة عسفان ـ اُثرت علىٰ هذه الصلاة ، إذ ليس فيها
__________________
تفريق
ولا مخالفة شديدة لباقي الصلوات : من انفراد المؤتم مع بقاء حكم ائتمامه ، ومن انتظار الامام إياه ، وائتمام القائم بالقاعد .
قال الفاضل : ولو قيل
بالجواز ـ وعنىٰ ذات الرقاع ـ كان وجها ، لعدم المانع منه ، وفعل النبي صلىاللهعليهوآله وقع اتفاقا لا أنّه كان شرطاً
. وهذا حسن .
وهذه شروط لهيئة ذات الرقاع
لا لمجرد القصر ، فإنّ الخوف بمجرده موجب للقصر وإن لم تحصل باقي هذه الشروط . والمنفرد يصلّي قصراً بغير هذه الشروط . ويجوز أن تكون الفرقة واحداً إذا حصلت المقاومة به .
الرابعة : صفتها ما رواه الحلبي ـ في الحسن ـ عن الصادق علیهالسلام ، قال : « يقوم الامام ، وتجييء طائفة من أصحابه فيقومون خلفه ، وطائفة بازاء العدو ، فيصلي بهم الامام ركعة ثم يقوم ويقومون معه ، فيمثل قائماً ويصلّون هم الركعة الثانية ، ثم يسلّم بعضهم علىٰ بعض ثم ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم . ويجييء الآخرون فيقومون خلف الامام فيصلّي بهم الركعة الثانية ، ثم يجلس الامام ويقومون هم فيصلّون ركعة اُخرىٰ ، ثم يسلم عليهم فينصرفون بتسليمة » .
قال :
« وفي المغرب مثل ذلك ، يقوم الامام وتجيىء طائفة فيقومون خلفه ويصلي بهم ركعة ، ثم يقوم ويقومون فيمثل الامام قائماً ويصلّون الركعتين ويتشهدون ويسلّم بعضهم علىٰ بعض ، ثم ينصرفون فيقومون في موقف أصحابهم . ويجييء الآخرون فيقومون في موقف أصحابهم خلف الامام ، فيصلي بهم ركعة يقرأ فيها ثم يجلس ويتشهد ، ويقوم ويقومون هم معه فيصلّون ركعة اُخرىٰ ، ثم يجلس ويقومون هم فيصلّون ركعة اُخرىٰ
__________________
ويسلم
عليهم » .
وفي صحيحة عبد الرحمن
ابن أبي عبد الله ، عنه علیهالسلام قال : « صلّىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله بأصحابه في غزاة ذات الرقاع صلاة الخوف
، ففرق أصحابه فرقتين ، أقام فرقة بأزاء العدو وفرقة خلفه . فكبّر وكبروا ، فقرأ وأنصتوا ، فركع فركعوا ، وسجد فسجدوا ، ثم استتم رسول الله صلىاللهعليهوآله قائماً وصلوا لانفسهم ركعة ، ثم سلم بعضهم علىٰ بعض ثم خرجوا الىٰ اصحابهم وقاموا بأزاء العدو . وجاء أصحابهم فقاموا خلف رسول الله صلىاللهعليهوآله فصلّىٰ بهم ركعة ثم تشهد وسلم عليهم ، فقاموا فصلّوا لأنفسهم ركعة وسلم بعضهم علىٰ بعض »
.
ولم يذكر المغرب في
هذه الرواية . وذكر هناك انتظارهم للتسليم ، وهنا تسليمه من غير انتظار ، وكلاهما جائزان وان كان الاول أشهر من الثاني ، وعلىٰ الثاني ابن الجنيد وظاهر ابن بابويه
.
وقال ابن الجنيد : اذا
سبقهم بالتسليم لم يبرح من مكانه حتىٰ يسلموا .
الخامسة : يجوز في صلاة المغرب ان يصلّي بالاُولىٰ ركعة والثانية ركعتين ، كما تضمّنته رواية الحلبي . قال ابن ابي عقيل : بذلك تواترت الأخبار عنهم ، لتكون لكلتا الطائفتين قراءة . وعليه أكثر الأصحاب إذ لم يذكروا
__________________
غيره
.
وخيّر الشيخ وأبو الصلاح
بين ذلك وبين ان يصلى بالاُولىٰ ركعتين وبالثانية ركعة وجعل الاول أفضل في كتاب مسائل الخلاف
واحوط في كتاب الاقتصاد واختاره ايضاً ابن الجنيد
اعني : ايثار الاول .
وقد روىٰ زرارة
وفضيل ومحمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن الباقر علیهالسلام : « انّه يصلي بفرقة ركعتين ، ثم يجلس
ويشير اليهم بيده فيقومون فيصلّون ركعة ويسلمون ، وتجيىء الطائفة الاُخرىٰ فيصلي بهم ركعة »
.
واذا كان الحديثان
معتبري الاسناد تعيّن التخيير . نعم ، الاول افضل ، ـ وهو مروي عن فعل علي علیهالسلام ـ اما للتأسي به ، واما لفوز الفرقة الثانية
بالقراءة المتعيّنة وبما يوازي فضيلة تكبيرة الاحرام والتقدم ، وذلك يحصل بادراك الركعتين . وعليه الفاضل في التذكرة .
وبعض العامة رجّح الثاني
واختاره الفاضل في القواعد ، لئلا تكلف الثانية زيادة جلوس في التشهد . له وهي مبنيّة علىٰ التخفيف . وهذا ليس بشيء ، لان هذا الجلوس لا بد منه واستدعائه زماناً ، فلا يحصل التخفيف
__________________
بايثار
الاُولىٰ به . ولانه معارض بما انه إذا صلّىٰ بالاُولىٰ ركعتين
وبالثانية ركعة ، فانها تجلس حيث لا يجلس الامام ـ اعني في تشهدها الاول ـ واذا انعكس كان جلوسها فيه حيث يجلس الامام ، وذلك علىٰ مقتضىٰ الكلام الاول نوع تخفيف .
السادسة : قال ابن الجنيد والمرتضىٰ : اذا صلّىٰ بالأولى في
المغرب ركعة واتمّوا ، ثم قام الىٰ الثالثة التي هي ثانية للثانية ، سبّح هو وقرأت الطائفة الثانية .
وابن ادريس قال : الاجماع
علىٰ انه لا قراءة عليهم .
وسيأتي إن شاء الله
بحث مأخذ ذلك في الجماعة .
السابعة : ظاهر الاصحاب بقاء اقتداء الثانية في الركعة الثانية حكماً ، وان استقلوا بالقراءة والافعال ، فيحصل لهم ثواب الائتمام ويرجعون الىٰ الامام في السهو ، وحينئذ لا ينوون الانفراد عند القيام إلىٰ الثانية .
وابن حمزة ـ في الواسطة
والوسيلة ـ حكم بأنّ الثانية تنوي الانفراد في الركعة الثانية .
وكأنه أخذه من كلام الشيخ
في المبسوط ، حيث قال : ومتىٰ سهت هذه الطائفة ـ يعني : الثانية ـ فيما تنفرد به ، فإذا سلّم بهم الامام سجدوا هم لنفوسهم سجدتي السهو . ومتىٰ سهت في الركعة التي تصلّي مع الامام ، لم يلزمها حكم ذلك السهو ولا يجب عليها شيء . فنفىٰ الشيخ لازم الائتمام
__________________
وهو
وجوب سجدتي السهو ، ونفي اللازم يستلزم نفي الملزوم .
ويدلّ علىٰ المشهور
انهم عدّوا من جملة مخالفة هذه الصلاة : ائتمام القائم بالقاعد ، وانّه في رواية زرارة ـ الصحيحة ـ : انّ الباقر علیهالسلام قال : « فصار للأولين التكبير وافتتاح الصلاة ، وللآخرين التسليم »
.
ولا يحصل لهم التسليم
إلّا ببقاء الائتمام .
وللشيخ وابن حمزة أن
يمنعا كون ذلك مستلزماً لبقاء الائتمام حقيقة ، وإن كان مستلزماً له في ثواب الائتمام ، وهما يقولان به . علىٰ أنّ التسليم
في الرواية مصرح به انّ الامام يوقعه من غير انتظارهم ـ كما يأتي ـ وذلك مقتض لانفرادهم حتماً ، وانما قال علیهالسلام : « وللآخرين التسليم » لانهم حضروه مع الامام .
الثامنة : يستحب تخفيف الامام القراءة في الاُولىٰ وباقي الافعال ـ بالاقتصار علىٰ الواجب ـ ليخفّف عن الفرقة الاُولىٰ ما هم فيه من
حمل السلاح ، ويخفّفون هم أيضاً في ركعتهم التي ينفردون بها ليسرعوا الىٰ موقف أصحابهم ، ويسرعوا اُولئك الىٰ الصلاة ليتوفّروا علىٰ مصادمة العدو
.
التاسعة : مبدأ انفراد الاُولىٰ بعد السجود الثاني من الركعة الاُولىٰ
، لانتهاء الركعة التي اقتدوا فيها بذلك . ولو استمروا حتىٰ قام الامام وقاموا
معه جاز ، بل هو افضل ، لاشتراكهم في ذلك القيام فلا فائدة في الانفراد قبله .
قيل : ويجب عليهم ايقاع
نيّة الانفراد لوجوب نية الواجب . ويحتمل عدمه ، لان قضية الائتمام انما هو في الركعة الاُولىٰ وقد انقضت ،
__________________
وهذا
أقوىٰ .
العاشرة : يستحب تطويل الامام القراءة في انتظار الثانية ، ولو انتظرهم بالقراءة ليحضروها كان جائزاً ، فحينئذ يشتغل بذكر الله تعالىٰ إلىٰ
حين حضورهم . والاول أجود ، لان فيه تخفيفاً للصلاة ، وقراءته كافية في اقتدائهم به وان لم يحضروها كغيرهم من المؤتمين .
وإذا انتظرهم ـ لفراغ
ما بقي عليهم ـ في تشهده طوّله بالأذكار والدعوات حتىٰ يفرغوا .
ولو سكت أيضاً فالأقرب
جوازه .
الحادية عشرة : اذا صلّىٰ في المغرب بالاُولىٰ ركعتين انتظر الثانية
في قراءة الثالثة ، فيطوّلها ـ كما تقدم ـ حتىٰ يجيئوا .
ولو انتظرهم في التشهد
الاول حكم الفاضل بجوازه ، ليدركوا معه الركعة من أولها . وفي صحيح الجماعة ـ زرارة وفضيل
ومحمد بن مسلم ـ عن الباقر علیهالسلام ايماء اليه ، حيث قال : « ثم جلس بهم ،
ثم اشار اليهم بيده ، فقام كل انسان منهم فصلّىٰ ركعة ثم سلّموا وقاموا مقام اصحابهم . وجاءت الطائفة الاُخرىٰ فكبّروا ودخلوا في الصلاة ، وقام الامام فصلّىٰ بهم ركعة ثم سلم ، ثم قام كل واحد منهم فصلّىٰ ركعة فشفعها بالتي
صلّىٰ مع الامام ، ثم قام فصلىٰ ركعة ليس فيها قراءة . فتمت للامام ثلاث
ركعات ، وللأولين ركعتين في جماعة » .
الثانية عشرة : يجب أخذ السلاح علىٰ الطائفتين ، لتوقّف الحراسة
__________________
عليه
.
وقال في الخلاف : يجب
علىٰ الطائفة المصلية ، لظاهر الآية .
قلنا :
وجوبه عليها يستلزم وجوبه علىٰ الاخرىٰ بطريق الاُولىٰ ، لانها المستعدة للقتال والمناجزة . علىٰ انه روي في التفسير عن ابن عباس انّ المأمورين بأخذ السلاح هم الذين بازاء العدو .
وابن الجنيد قال :
يستحب أخذ السلاح ، والامر للارشاد .
والمراد بالسلاح هنا آلة
الدفع من السيف والخنجر والسكين ونحوه مما يفري . وفي الجوشن والدرع والمغفر ونحوه مما يكنّ ولو منع شيئا من واجبات الصلاة ـ كالجوشن الثقيل والمغفر السابغ المانع من السجود علىٰ الجبهة ـ لم يجز أخذه إلّا لضرورة .
وقال في المبسوط :
يكره أخذه إذا لم يتمكن معه من الصلاة .
الثالثة عشرة : لو كان السلاح نجساً ، فان كان مما لا تتمّ فيه الصلاة منفرداً ، فهو عفو إذا لم تتعدّ نجاسته الىٰ غيره . ولو كان علىٰ الدرع
وشبهه ، أو كان يتعدّىٰ الىٰ غيره ، وليست النجاسة معفوا عنه ، لم يجز أخذه إلّا
لضرورة .
الرابعة عشرة : يجوز في أثناء الصلاة الضربة والضربتان والطعنة والطعنتان والثلاث مع تباعدها ـ اختياراً واضطراراً ـ لانه ليس فعلاً كثيراً . ولو احتاج الىٰ الكثير فأتىٰ به لم تبطل ، وتكون كصلاة الماشي .
__________________
وكذا يجوز له إمساك
عنان الفرس وجذبه إليه ـ كثيراً وقليلاً ـ لانّه في محل الحاجة .
الخامسة عشرة : لو ترك أخذ السلاح في موضع وجوبه لم تبطل صلاته ، لان الأخذ ليس شرطاً في الصلاة ولا جزءً منها ، وانما هو واجب منفصل عن الصلاة .
ولو منع عن كمال الافعال
ـ كزيادة الانحناء في الركوع ـ كره أخذه إلّا لضرورة ، قاله الفاضل .
ولو قيل بعدم الكراهة
كان وجهاً ، لانا نتكلم علىٰ تقدير وجوب أخذه ، ولا يمنع من الواجب إلّا معارضة واجب ، وذلك الكمال غير واجب .
السادسة عشرة : لا تجب التسوية بين الطائفتين في العدد ، لأنّ الغرض ما يظنّ به القوة علىٰ المدافعة . ولا يشترط كون الطائفة ثلاثة ، والاتيان بضمير الجمع في قوله : (
فَإِذَا سَجَدُوا ) بناء علىٰ الغالب ، والطائفة قد تصدق علىٰ الواحد .
ولو علم الامام ضعف الطائفة
الحارسة عن الحراسة في أثناء صلاته أمدّهم ببعض من معه ، أو بجميعهم ، ثم يبنون علىٰ صلاتهم وإن استدبروا القبلة ، للضرورة .
السابعة عشرة : لو عرض الخوف في أثناء صلاة الأمن أتمّها ركعتين .
ولو عجز عن الركوع والسجود
أتمّها بالايماء ، لمكان الضرورة ،
__________________
ووجود
المقتضي .
ولو أمن في أثناء صلاة
الخوف ، أتمّها عدداً إن كان حاضراً ، وكيفية سواء كان حاضراً أو مسافراً .
ولا فرق بين أن يكون
قد استدبر أوّلاً أو لم يستدبر .
وقال الشيخ في المبسوط
: لو صلّىٰ ركعة مع شدة الخوف ثم أمن نزل وصلّىٰ بقية صلاته علىٰ الأرض ، وان صلّىٰ علىٰ الأرض
آمناً ركعة فلحقه شدة الخوف فكبر وصلّىٰ بقية صلاته إيماء ، ما لم
يستدبر القبلة في الحالين ، فان استدبرها بطلت صلاته . والاقرب الصحة مع الحاجة الىٰ الاستدبار ، لانه موضع ضرورة والشروط معتبرة مع الاختيار .
الثامنة عشرة : لا فرق في جواز القصر مع الخوف بين الرجال والنساء ، لحصول المقتضي في الجميع .
وابن الجنيد قال :
يقصرها كل من يحمل السلاح من الرجال ـ حراً كان أو بعداً ـ دون النساء في الحرف ولعلّه لعدم مخاطبتهنّ بالقتال ، والخوف انّما يندفع غالباً بالرجال ، فلا أثر فيه للنساء قصرن أم أتممن .
التاسعة عشرة : لو رأىٰ سواداً مقبلاً فظنه عدواً ، فقصّر أو أومأ ، ثم
ظهر خطأ الظن ، فالصلاة صحيحة سواء كان الوقت باقياً أو قد خرج ، لانه امتثل المأمور به ، فيخرج عن العهدة .
__________________
ولا فرق في ظهور الخطأ
بين ظهور كون السواد إبلاً مثلاً ، وبين كونه عدواً لكن هناك حائل ، لتحقق الخوف علىٰ التقديرين . إلّا أن يكون الحائل سهل الاطلاع عليه ، وهناك مظنّته فتركوا الاطلاع ، فحينئذ لا تصح الصلاة للتفريط .
المطلب
الثاني : صلاة بطن النخل .
وقد ورد انّ النبي صلىاللهعليهوآله صلّاها بأصحابه .
قال في المبسوط : روىٰ
الحسن عن ابي بكرة عن فعل النبي صلىاللهعليهوآله .
وصفتها : ان يصلّي الامام
بالفرقة الاُولىٰ مجموع الصلاة والاُخرىٰ تحرسهم ، ثم يسلّم بهم ، ثم يمضوا الىٰ موقف أصحابهم . ثم يصلّي بالطائفة الاُخرىٰ نفلاً له وفرضاً لهم .
قال في المبسوط : وهذا
يدلّ علىٰ جواز صلاة المفترض خلف المتنفل .
وشرطها كون العدو في
قوة يخاف هجومه ، وامكان افتراق المسلمين فرقتين لا أزيد ، وكونه في خلاف جهة القبلة .
ويتخير بين هذه الصلاة
وبين ذات الرقاع . ويرجّح هذه اذا كان في المسلمين قوة ممانعة ، بحيث لا تبالي الفرقة الحارسة بطول لبث المصلية . ويختار ذات الرقاع إذا كان الأمر بالعكس .
ولا تجوز صلاة الجمعة
علىٰ هذه الهيئة ، لانها لا تنعقد ندباً ، ولا تشرع في مكان مرتين .
وتنعقد علىٰ
هيئة ذات الرقاع اذا صليت حضراً ، فيخطب للاُولىٰ خاصة بشرط كونها كمال العدد فصاعداً ، ولا يضر انفراد الامام حال مفارقة
__________________
الفرقة
الاُولىٰ في أثناء الصلاة ، لانه في حكم الباقي علىٰ الامامة من حيث انتظاره للثانية ، وعدم فعل يعتدّ به حينئذ . ولا تعدد هنا في صلاة الجمعة ، لأنّ الامام لم يتم جمعته مع مفارقة الاُولىٰ ، فالفرقتان تجريان مجرىٰ
المسبوقين في الجمعة الذين يتمّون بعد تسليم الامام .
ولو خطب للفرقتين معاً
، ثم تفرقا حالة الصلاة ، كان أجود إذا أمكن ذلك .
فرع :
قال الشيخ : متىٰ
كان في الفرقة الاُولىٰ العدد الذين تنعقد بهم الجمعة وخطب بهم ، ثم انصرفوا وجاء الآخرون ، لا يجوز ان يصلي بهم الجمعة إلّا بعد ان يعيد الخطبة ، لان الجمعة لا تنعقد إلّا بخطبة مع تمام العدد
.
ويريد به الانصراف
قبل فراغهم من الصلاة وشروعهم فيها ، اما لو سمعوها وصلّوا معه ركعة واتموها لأنفسهم ، فلا تعاد الخطبة هنا لاجل الثانية قطعاً .
__________________
المطلب
الثالث : صلاة عُسفان .
وقد نقلها الشيخ في المبسوط
بهذه العبارة ، قال : ومتىٰ كان العدو في جهة القبلة ، ويكونون في مستوىٰ الأرض لا يسترهم شيء ، ولا يمكنهم أمر يخافون منه ، ويكون في المسلمين كثرة ، لا تلزمهم صلاة الخوف ولا صلاة شدة الخوف ، وان صلّوا كما صلّىٰ النبي صلىاللهعليهوآله بعسفان جاز .
فإنّه قام علیهالسلام مستقبل القبلة والمشركون أمامه ، فصف خلف رسول الله صلىاللهعليهوآله صفّ ، وصفّ بعد ذلك الصفّ صفّ آخر ،
فركع رسول الله صلىاللهعليهوآله وركعوا جميعاً ، ثم سجد علیهالسلام وسجد الصف الذين يلونه وقام الآخرون
يحرسونه ، فلما سجد الأولون السجدتين وقاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم ، ثم تأخر الصفّ الذين يلونه الىٰ مقام الآخرين ، وتقدم الصفّ الآخر الىٰ
مقام الصف الاول .
ثم ركع رسول الله صلىاللهعليهوآله وركعوا جميعاً في حالة ، ثم سجد وسجد الصفّ الذي يليه وقام الآخرون يحرسونه ، فلما جلس رسول الله صلىاللهعليهوآله والصفّ الذي يليه سجد الآخرون ، ثم جلسوا جميعاً وسلم بهم جميعاً .
وصلّىٰ بهم علیهالسلام ايضاً هذه الصلاة يوم بني سليم
.
وقال الفاضل ـ رحمهالله ـ : لها ثلاث شرائط :
ان يكون العدو في جهة
القبلة ، لانّه لا يمكن حراستهم في الصلاة الا كذلك .
وان يكون في المسلمين
كثرة يمكنهم معها الافتراق فرقتين .
__________________
وأن يكونوا علىٰ
قلّة جبل أو مستو من الارض ، لا يحول بينهم وبين أبصار المسلمين حائل من جبل وغيره ، ليتوقوا لبسهم والحمل عليهم ولا يخاف كمين لهم .
قال الفاضلان : وفي العمل
بمضمونها نظر ، لأنّه لم يثبت نقلها بطريق محقق عن أهل البيت علیهالسلام .
قلت :
هذه صلاة مشهورة في النقل ، فهي كسائر المشهورات الثابتة وان لم تنقل بأسانيد صحيحة ، وقد ذكرها الشيخ مرسلاً لها غير مسند ولا محيل علىٰ سند ، فلو لم تصحّ عنده لم يتعرّض لها حتىٰ ينبّه علىٰ
ضعفها ، فلا تقصر فتواه عن روايته . ثم ليس فيها مخالفة لأفعال الصلاة غير التقدم والتأخر والتخلّف بركن ، وكل ذلك غير قادح في صحة الصلاة اختياراً ، فكيف عند الضرورة .
__________________
المطلب
الرابع : صلاة شدة الخوف .
وهي ان ينتهي الحال إلىٰ
إلتحام الابطال ، وقوة النزال ، وعدم التمكن من الافتراق علىٰ الوجوه السابقة .
فالصلاة هنا قصر في العدد
، إلّا المغرب والصبح فانهما بحالهما . ويقصر الجميع في الكيفية ، فيصلّون ركباناً ومشاة ويركعون ويسجدون ، ومع التمكن يومئون بهما ويجعلون السجود أخفض من الركوع ، ومع تعذر الايماء تجزئ عن كل ركعة : سبحان الله والحمد لله ولا اله إلّا الله والله اكبر ، فعن جميع الصلوات تسبيحتان وعن المغرب ثلاث .
قال الله تعالىٰ
: ( فَإِنْ خِفْتُمْ
فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ) .
وروىٰ حماد بن
عثمان عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله علیهالسلام يقول : « إذا التقوا فاقتتلوا فانما الصلاة حينئذ بالتكبير ، فاذا كانوا وقوفاً فالصلاة ايماء » .
وفي الصحيح عن زرارة
وفضيل ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیهالسلام ، قال : « في صلاة الخوف عند المطاردة
والمناوشة وتلاحم القتال ، فانّه يصلي كل انسان منهم بالايماء حيث كان وجهه . فإذا كانت المسايقة والمعانقة وتلاحم القتال ، فأنّ أمير المؤمنين علیهالسلام ليلة صفين ـ وهي : ليلة الهرير ـ لم تكن صلاتهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء عند وقت كل
__________________
صلاة
إلّا بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء ، ولم يأمرهم باعادة الصلاة » . في أخبار كثيرة
.
فروع :
لا يضرّ هنا استدبار القبلة
والافعال الكثيرة مع الحاجة إليها .
ولو تمكن من بعضها
وجب بحسب المكنة .
ولو تمكن من السجود
علىٰ عرف الدابة ، أو قربوس السرج ، أو من النزول له ، وجب .
وان تمكن من الاستقبال
ولو بتكبيرة الاحرام وجب ، وإلّا سقط .
ولو تمكن من الاستقبال
ابتداء وتعذّر في الاثناء ، أو بالعكس ، وجب فيما تمكن خاصة .
ولا بد من النيّة والتحريمة
والتشهد والتسليم ، لقول النبي صلىاللهعليهوآله : « تحريمها التكبير وتحليلها التسليم » .
وتجب الصيغة المشار إليها
أولاً في التسبيح ، للاجماع علىٰ اجزائها . وظاهر الرواية انه يتخيّر في الترتيب كيف شاء . والاجود الاول ، ليحصل
__________________
يقين
البراءة .
وتجوز الجماعة هنا ،
ولا يشترط فيها الاستقبال مع تعذّره ، فيصلّون مقتدين به وان اختلفت الجهة ، ما لم يتقدّموا عليه في صوب وجهه ويكونون كالمستديرين حول الكعبة .
فان قلت : قد سلف انه لا يجوز اقتداء المتخالفين في الاجتهاد في الجهة ، فكيف جاز هنا ؟
قلت :
هنا القبلة معلومة ، ولكن الشرع جعل قبلة هؤلاء ما استقبل وجوههم عند الحاجة اليه ، فصار ذلك قبلته بوضع الشرع . ولا يعتقد الآخر خطأه اذ ليس هنا اختلاف في تعيين القبلة ، فجاز الاقتداء هنا بخلاف الاول ، لاعتقاده خطأ صاحبه .
المطلب الخامس : في الاحكام
وفيه مسائل :
الأولىٰ : لا فرق في أسباب الخوف بين الخوف من عدو أو لص أو سبع ، فيجوز قصر الكيفية والكمية عند وجود سبب الخوف كائناً ما كان .
ومن ذلك الأسير في أيدي
المشركين يخاف من اظهار الصلاة فانّه يومئ ، والظاهر أنّه لا يقصر العدد إذا لم يكن مسافراً .
روىٰ سماعة ، قال
: سألته عن الأسير يأسره المشركون ، فتحضر الصلاة فيمنعه الذي أسره منها ، قال : « يومئ إيماء » ، ولم يذكر قصر العدد .
وروىٰ محمد بن اسماعيل
، قال : سألته عن الصلاة في مواضع فيها الاعراب ، فقال : « إذا خفت فصل علىٰ الراحلة المكتوبة وغيرها »
.
وروىٰ علي بن
جعفر عن أخيه علیهالسلام في الرجل يلقىٰ السبع وقد حضرت الصلاة ولا يستطيع المشي مخافة السبع ، فإن قام يصلّي خاف في ركوعه وسجوده السبع ، وإن توجّه إلىٰ القبلة خاف أن يثب عليه ، قال : « يستقبل الأسد ، ويصلي ويومئ برأسه إيماءً وهو قائم ، وإن كان علىٰ غير القبلة »
.
وفي مرسل اسحاق بن عمار
عن أبي عبد الله علیهالسلام في الذي يخاف السبع أو يخاف عدواً يثب عليه أو يخاف اللصوص : يصلّي علىٰ دابته إيماء الفريضة » .
__________________
ونحوه في رواية زرارة
عن أبي جعفر علیهالسلام في خائف اللص والسبع : « يصلّي صلاة المواقفة ايماءً علىٰ دابته »
.
الثانية : يجوز للموتحل والغريق قصر كيفية الصلاة بحسب الامكان ، ولا يقصران العدد إلّا في سفر أو خوف . نعم ، لو خاف من اتمام الصلاة استيلاء الغرق ، ورجا عند قصر العدد سلامته ، وضاق الوقت ، فالظاهر انّه يقصر العدد أيضاً .
ولو كان في واد يغشيه
السيل ، وخاف الغرق إن ثبت مكانه ، جاز أن يصلي صلاة الايماء ماشياً .
ولو كان هناك موضع
مرتفع يمكنه الاعتصام به ، وجب ولم يصل مومئاً .
ولو عجز عنه ، أو
عجزت دابته ، أو خاف دوران الماء حوله وصعوبة التخلّص منه ، صلّىٰ ماشياً ولو عدواً .
الثالثة : لو كان المحرم يخاف فوت الوقوف باتمام الصلاة عدداً وافعالاً ، ويرجو حصوله بقصرهما أو أحدهما ، فالاقرب جوازهما ، لأن أمر الحج خطر وقضاؤه عسر .
ولو كان المديون معسراً
وهرب من الدين ، وخاف الحبس ان أدركه واضطر الىٰ الايماء ، جاز ايضاً .
اما من عليه قصاص
يرجو بالهرب العفو ، لسكون غليل الاولياء فهرب ، ففي جواز صلاة الشدّة وجه ضعيف ، تحصيلاً للمصلحة . ووجه المنع انّه عاص بهربه .
__________________
ولو احتاج في المدافعة
عن ماله الىٰ صلاة الايماء جاز ـ سواء كان حيواناً أو لا ـ لحرمة المال .
الرابعة : كل سهو يلحق المأمومين حال المتابعة لا حكم له ، وحال الانفراد لكل حكم نفسه . والبحث هنا في تحمل الامام ووجوب متابعة المأموم ، كما تقدم .
الخامسة : تجوز صلاة بطن النخل في الأمن . وجوّز الشيخ صلاة ذات الرقاع وصلاة عسفان فيه لعدم فحش المخالفة . أما صلاة الايماء
فلا شك في عدم جوازها في الأمن .
وأولىٰ بالجواز
في غير صلاة الايماء الصلاة في طلب العدو . وقول الشيخ بالمنع محمول علىٰ صلاة الايماء .
__________________

الفصل الثالث في صلاة الجماعة
وفضلها عظيم .
قال الله تعالىٰ
: ( وَارْكَعُوا مَعَ
الرَّاكِعِينَ ) .
وعن النبي صلىاللهعليهوآله : « صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة » . رواه العامة في صحاحهم عن أبي سعيد الخدري عنه صلىاللهعليهوآله . وروي : « بخمس وعشرين درجة » . والفذ ـ بالفاء والذال المعجمة ـ : الفرد .
وروينا ـ في الصحيح ـ
عن عبد الله بن سنان عن الصادق علیهالسلام ، قال : « الصلاة في جماعة تفضل علىٰ كل صلاة الفرد بأربع وعشرين درجة ، تكون خمسة وعشرين صلاة » .
وفي الصحيح عن زرارة
عن أبي جعفر علیهالسلام ، قال : « قال أمير المؤمنين علیهالسلام : من سمع النداء فلم يجبه من غير علة
فلا صلاة له » .
__________________
وقال ابن بابويه : قال
الباقر علیهالسلام : « من صلّىٰ الصلوات الخمس في جماعة فظنوا به كل خير » .
وعن النبي صلىاللهعليهوآله : « من صلّىٰ الغداة وعشاء الآخرة في جماعة فهو في ذمة الله تعالىٰ ، ومن ظلمه فإنّما يظلم الله ، ومن اخفره فإنما يخفر الله
جلّ وعزّ » .
وعن النبي صلىاللهعليهوآله : « من صلّىٰ الغداة فإنّه في ذمة الله ، فلا يخفرن الله
في ذمته » .
يقال :
أخفرته : إذا نقضت عهده . أي من نقض عهده فإنّما ينقض عهد الله ، لأنّه بصلاته صار في ذمة الله وجواره .
وروىٰ ابن أبي
يعفور عن الصادق علیهالسلام ، قال : « همّ رسول الله صلىاللهعليهوآله بإحراق قوم كانوا يصلون في منازلهم ولا يصلون الجماعة ، فأتاه رجل أعمىٰ فقال : يا رسول الله إنّي ضرير البصر ، وربما اسمع النداء ولا أجد من يقودني إلىٰ الجماعة والصلاة معك . فقال له النبي صلىاللهعليهوآله : شدّ من منزلك إلىٰ المسجد حبلاً واحضر الجماعة » .
وفي الصحيح عن عبد
الله بن سنان عن الصادق علیهالسلام ، قال : « صلّىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله الفجر ، فاقبل بوجهه علىٰ أصحابه
فسأل عن اُناس يسميهم بأسمائهم ، فقال : هل حضروا الصلاة ؟ فقالوا : لا يا رسول الله فقال : اُغيّب
__________________
هم
؟ فقالوا : لا . فقال : أما أنّه ليس من صلاة أشدّ علىٰ المنافقين من هذه الصلاة والعشاء ، ولو علموا أي فضل فيهما لأتوهما ولو حبواً »
.
وفي الصحيح عنه عنه علیهالسلام : « أنّ أُناساً علىٰ عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله أبطؤوا عن الصلاة في المسجد ، فقال رسول الله : ليوشك قوم يدعون [ الصلاة ] في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع علىٰ أبوابهم ، فتوقد عليهم نار فتحرق عليهم بيوتهم » .
وفي صحاح العامة عن أبي
هريرة عن النبي صلىاللهعليهوآله : « والذي نفسي بيده ، لو هممت أن آمر بحطب ، ثم آمر بالصلاة ، ثم آمر رجلا فيؤمّ الناس ، ثم أحالها في رحال لا يشهدون الصلاة فاحرق عليهم بيوتهم »
.
وروىٰ محمد بن
عمارة ، قال : أرسلت إلىٰ الرضا علیهالسلام أسأله عن الرجل يصلّي المكتوبة وحدة في مسجد الكوفة أفضل ، أو صلاته في جماعة ، فقال : « الصلاة في جماعة أفضل » .
قلت :
يعلم من هذا أنّ الصلاة في جماعة أفضل من ألف صلاة ، لأنّه قد ثبت أنّ الصلاة في مسجد الكوفة بألف صلاة .
ويستحب حضور جماعة أهل
الخلاف استحباباً مؤكداً .
__________________
قال الصادق علیهالسلام في رواية حماد بن عثمان : « من صلّىٰ معهم في الصف الأول كان كمن صلّىٰ خلف رسول الله صلىاللهعليهوآله في الصف الأول »
.
وقال علیهالسلام في رواية حفص بن البختري : يحسب لمن لا يقتدي مثل من يقتدي .
وقال علیهالسلام : « من صلّىٰ في مسجده ، ثم أتىٰ مسجدهم فصلىٰ
معهم خرج بحسناتهم » .
وقال علیهالسلام : « إذا صليت معهم غفر لك بعدد من خالفك »
.
وروىٰ زيد الشحام
عنه علیهالسلام أنه قال : « يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم ، وصلّوا في مساجدهم ، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم ، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا . أما إنّكم إذا فعلتم ذلك قالوا : هؤلاء الجعفرية رحم الله جعفراً ما كان أحسن ما يؤدّب أصحابه . وإذا تركتم ذلك قالوا : هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر ما كان أسوء ما يؤدّب أصحابه ! » .
وروىٰ العامة
عن أبي الدرداء عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « ما من ثلاثة في قرية ولا بدّ ولا تقام فيهم الصلاة إلّا استحوذ عليهم الشيطان ، فعليك
__________________
بالجماعة
، فانما يأكل الذئب القاصية » .
واستدل المحاملي ـ من
الشافعية ـ بهذا الحديث علىٰ وجوب الجماعة علىٰ الكفاية ، وانه ظاهر مذهبهم
.
وهو معارض بما رووه
عن النبي صلىاللهعليهوآله : « صلاة الرجل مع الواحد افضل من صلاته وحده ، وصلاته مع الرجلين أفضل من صلاته مع واحد ، وحيثما كثرت الجماعة فهو أفضل » .
ولا يحسن ان يقال الاتيان
بالواجب أفضل من تركه . وتفضيله أحد الفعلين علىٰ الآخر يشعر بتجويزهما جميعاً ، والفرضية تنافي ذلك . فيحمل الحديث علىٰ التغليظ في تركهم الجماعة ، أو يكون التوعد علىٰ ترك ذلك دائماً بحيث يؤذن بالاستخفاف بالسنة . علىٰ انه ليس بصريح في الجماعة ، لان اقامة الصلاة يصدق علىٰ فعلها مطلقاً ، مع انّ الخبر ليس من الصحاح .
وروينا عن زرارة والفضيل
، قلنا له : الصلوات في جماعة أفريضة هي ؟ فقال : « الصلوات فريضة ، وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها ، ولكنها سنّة ، من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين ، من غير علة ، فلا صلاة له » .
وبهذين يحتج علىٰ
من أوجبها علىٰ الاعيان ، كالاوزاعي ، وابي ثور ،
__________________
وأحمد
، وداود ، وابن المنذر .
قالوا :
روىٰ ابن عباس أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : « من سمع النداء فلم يأته ، فلا صلاة له إلّا من عذر » وقد روينا نحن مثل ذلك
.
وروينا عن الصادق علیهالسلام : « أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين إلّا من علّة ، ولا غيبة إلّا لمن صلّىٰ في بيته ورغب عن جماعتنا . ومن رغب عن جماعة المسلمين سقطت عدالته ووجب هجرانه ، وإن رفع إلىٰ إمام المسلمين أنذره وحذّره ، ومن لزم جماعة المسلمين حرمت عليهم غيبته وثبتت عدالته »
.
وهو محمول علىٰ
التأكيد ونفي الكمال ، أو علىٰ الاستهانة بصلاة الجماعة . قال الفاضل : أو علىٰ الجماعة الواجبة
وهي في الجمعة والعيدين مع الشرائط .
والاجماع علىٰ أنّ
الجماعة أفضل من الفرادىٰ .
ويستحب المحافظة علىٰ
ادراك صلاة الامام من أولها ، ففي الخبر عن النبي صلىاللهعليهوآله : « من صلّىٰ أربعين يوماً في جماعة
، يدرك التكبيرة الاُولىٰ ، كتب له براءتان : براءة من النار ، وبراءة من النفاق »
.
__________________
والمراد بادراكها أن
يكبّر الامام بحضوره ثم ينوي المأموم بعده ، فلو جرىٰ التكبير في غيبته فليس بمدرك . ولا يكفي ادراك الركوع الأول ، سواء أدرك معه شيئاً من القيام الأول أوْ لا ، وسواء كان قد منعه مانع دنيوي أو اُخروي .
وتهذيب الفضل بذكر مطالب
ثلاثة :
المطلب
الاول : في محلها
وفيه مسائل :
الاُولىٰ : محلها . وهو الصلوات الخمس المفروضة . وباقي الفرائض ـ حتىٰ المنذورة ـ عندنا . والاداء بالقضاء وبالعكس عندنا ، ووافقونا علىٰ
الجماعة في القضاء ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله صلّىٰ بأصحابه الصبح قضاء
، كما سلف .
وتشرع الجماعة في النوافل
السابقة مثل الاستسقاء والعيدين مع اختلال شروطها . وصلاة الغدير عند أبي الصلاح ـ رحمهالله ـ ويظهر من المفيد ـ رحمهالله ـ . وفيما يأتي إن شاء الله من إعادة الصلاة
خلف الامام .
وفيما عداها لا تنعقد
، لنهي أمير المؤمنين علیهالسلام عن الجماعة في نافلة رمضان وسبق أيضاً من فعل النبي صلىاللهعليهوآله ، وأنّه قال : « لا جماعة في نافلة » .
الثانية : لا فرق بين الرجال والنساء في استحباب الجماعة وإن لم يكن معهن رجل . ذكره الشيخ وابن البراج وسلار وابن زهرة
__________________
وأبو
الصلاح وابن حمزة وابن ادريس وقال : هو الاظهر في المذهب
وهو مذهب باقي الحليين إلّا الفاضل في
المختلف .
لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر اُم ورقة بنت عبد الله بن الحارث بن نوفل أن تؤمّ . أهل دارها ، وكان صلىاللهعليهوآله يزورها وجعل لها مؤذناً
.
وروينا عن ابراهيم بن
ميمون عن أبي عبد الله علیهالسلام في الرجل يؤمّ النساء ليس معهن رجل في الفريضة ، قال : « نعم »
.
وعنه علیهالسلام : لا بأس بإمامة المرأة النساء ، رواه سماعة بن مهران في الموثق ومثله أرسله عبد الله بن بكير عنه علیهالسلام .
فإن قلت : فقد روىٰ
سليمان بن خالد عنه علیهالسلام ـ في الصحيح ـ في المرأة تؤمّ النساء ، فقال : « إذا كنّ جميعاً امتهنّ في النافلة ، وأما المكتوبة فلا .
وفي الصحيح عن الحلبي
عنه علیهالسلام ، قال : « تؤمّ المرأة النساء » إلىٰ
قوله : « في النافلة ، ولا تؤمهنّ في المكتوبة »
.
__________________
وفي الصحيح عن زرارة
عن الباقر علیهالسلام في المرأة تؤمّ النساء ، قال : « لا ، إلّا علىٰ الميت » .
وقال ابن بابويه : سأل
هشام أبا عبد الله علیهالسلام عن المرأة هل تؤمّ النساء ، قال : « تؤمهنّ في النافلة ، فأما في المكتوبة فلا »
.
قال :
وروىٰ هشام عن أبي عبد الله علیهالسلام ، قال : « صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار » .
وروىٰ العامة
عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « لا تمنعوا اماءكم المساجد
، وبيوتهنّ خير لهنّ » .
وقال :
« صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها » .
وكل هذه الأخبار تؤذن
بنفي استحباب الجماعة لهنّ منفردات ، والخبران الأخيران يدلّان علىٰ أنّ صلاتهن في البيوت أفضل من إتيان الجماعة .
قلت :
قد نُقل عن المرتضىٰ رحمهالله القول بموجبها
. ويظهر أيضاً
__________________
من
الجعفي حيث قال : ولا تؤمنّ المرأة النساء في الفرائض ، ولا بأس بإمامتها لهنّ في النوافل . وفي المختلف مال
إليه لصحة الأخبار به ويمكن حملها علىٰ نفي الاستحباب المؤكّد ، لا مطلق الاستحباب توفيقاً .
وقال في المعتبر : الروايتان
بالمنع نادرتان لا عمل عليهما وعني به رواية الحلبي وسليمان بن خالد .
قلت :
ويعارضهما أيضاً ما رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي ، قال : سألته عن المرأة تؤمّ النساء ، ما حدّ رفع صوتها بالقراءة أو بالتكبير ؟ فقال : « بقدر ما تسمع » ومثله رواية علي بن جعفر عن أخيه علیهالسلام .
الثالثة : الجماعة مشروعة في غير المساجد ـ وإن كانت في المساجد أفضل ، وتتفاوت بتفاوت شرف المساجد ـ لعموم الأدلّة ، ولقول النبي صلىاللهعليهوآله : « اُعطيت خمساً ولم يعطهن أحد قبلي :
جُعلت لي الأرض طيبة طهوراً ومسجداً ، فأيما رجل أدركته الصلاة صلّىٰ حيث كان »
.
__________________
وقوله عليه الصلاة والسلام
: « لا صلاة لجار المسجد » محمول علىٰ نفي الكمال ، خصوصاً إذا كان لا يحضر أحد إلّا بحضوره ، أو تكثر بحضوره الجماعة ، فأنّ حضوره فيه أفضل .
وإذا تكثرت المساجد فالأفضل
قصد المسجد الجامع ، أو الأكثر جماعة ، أو من إمامه أفضل بورع أو فقه أو قراءة ، أو غير ذلك من المرجّحات . فقد ورد في الحديث عن النبي صلىاللهعليهوآله : « من صلّىٰ خلف عالم فكمن صلّىٰ
خلف رسول الله صلىاللهعليهوآله » .
ولو تساوت في المرجّحات
، فهل الأقرب أولىٰ مراعاة للجوار ، أو الأبعد مراعاة لكثرة الخُطىٰ ؟ نظر .
الرابعة : إذا صُلّي في مسجد جماعة كره أن تُصلّىٰ فيه جماعة اُخرىٰ
عند الشيخ ـ في أكثر كتبه ـ وابن إدريس : إذا كانوا يجمعون في تلك الصلاة بعينها
.
لما رواه أبو علي قال
: كنا عند أبي عبد الله علیهالسلام ، فأتاه رجل فقال : جعلت فداك صلينا في المسجد الفجر وانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح ، فدخل رجل المسجد فأذّن فمنعناه ودفعناه عن ذلك . فقال أبو عبد الله علیهالسلام : « أحسنت ، ادفعه عن ذلك ، وامنعه أشد المنع » . فقلت : فإن دخلوا وأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة ؟ قال : « يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر لهم امام »
.
__________________
ولما فيه من التهاون
في تأخير الصلاة ليقتدي بالامام الآخر ، وربما ادّىٰ إلىٰ اختلاف القلوب الذي تتسبب عنه العداوة .
والاقرب عدم الكراهية
، لعموم شرعية الجماعة ، ومسيس الحاجة فان اجتماع اهل المسجد دفعة واحدة يكاد يتعذّر ، فلو كره ذلك أدّىٰ إلىٰ
فوات فضيلة الجماعة .
وروىٰ زيد بن
علي ، عن أبيه ، عن آبائه ، قال : « دخل رجلان المسجد وقد صلّىٰ علي علیهالسلام بالناس ، فقال : ان شئتما فليؤمّ أحدكما
صاحبه ، ولا يؤذن ولا يقيم » .
وروي : ان رجلاً دخل المسجد
بعد ان صلّىٰ النبي صلىاللهعليهوآله فقال : « أيكم يتّجر علىٰ هذا ؟ » فقام رجل فصلّىٰ معه
.
وفي رواية : « ألا
رجل يتصدّق علىٰ هذا فيصلّي معه » ، فلما صلّيا قال : « هذا جماعة » .
وخبر ابي علي ليس
صريحاً في كراهة الجماعة ، انما هو في كراهة الأذان والاقامة ، ولا ريب في كراهيتهما إلّا مع تفرّق الصفوف . وبما قلناه قال الشيخ في النهاية والفاضل رحمهماالله .
نعم ، لو كان التخلّف
عن الامام الاول قصداً كره ذلك علىٰ معنىٰ نقص ثواب الجماعة الثانية ، لما فيه من اختلاف القلوب ، ويمكن ان يكون هذا محملاً للخبر الاول .
__________________
وقال ابن الجنيد : لا
بأس بالجمع في المسجد الذي قد جمع فيه صاحبه ، ولا اختار ان يبتدئ غير صاحبه بالجمع فيه ، ولو جمع قبله لما كان في ذلك نقص صلاته . وانما كرهته لقول النبي صلىاللهعليهوآله ، ولان ذلك يورث الضغائن . ومن أراد الجمع بعد صاحب المسجد أجزأه إلّا أن يؤذّن ويقيم ، وكذلك ان صلّىٰ فرادىٰ .
الخامسة : يباح ترك الجماعة للعذر ، كما تضمّنته الأخبار السابقة . وينقسم :
إلىٰ عام : كالمطر
، والوحل ، والريح الشديدة في الليلة المظلمة ، لما رُوي من قوله عليه الصلاة والسلام : « إذا ابتلّت النعال فالصلاة في الرحال » . قال الهروي : قال ابو منصور : النعل ما غلظ من الأرض في صلابة .
والىٰ خاص : كالخوف
من ظالم ، أو فوت رفقة ، أو ضياع مال ، أو غلبة نوم ، أو يكون مريضاً ، أو ممرضاً ، أو قد أكل شيئاً من المؤذيات رائحتها ـ كالثوم والبصل ـ للنهي عن دخول المسجد بها ، أو قد حضر الطعام مع شدة الشهوة لقول النبي صلىاللهعليهوآله : « إذا حضر العشاء واقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء » ، أو حاقناً لقوله صلىاللهعليهوآله : « إذا وجد أحدكم الغائط فليبدأ به
__________________
قبل
الصلاة » .
السادسة : يجوز اقتداء المفترض بالمفترض وان اختلف الفرضان ما لم تتغير الهيئة ، كاليومية والكسوف والجنازة . وليس له متابعة الكسوف في ركوع ثم ينفرد ، أو ينتظره حتىٰ يسجد ، ولا متابعة الجنازة في تكبيرة ثم ينفرد ، أو ينتظر فراغ صلاة الجنازة ، لما فيه من مخالفة الإمام المتبوع .
السابعة : يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل ، لما روي ان معاذاً كان يصلي مع النبي صلىاللهعليهوآله العشاء ثم يرجع فيصليها بقومه في بني
سليم ، هي له تطوع ولهم مكتوبة . ورواه الاصحاب عن الرضا علیهالسلام بطريق محمد بن اسماعيل بن بزيع .
الثامنة : يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض ، لقول النبي صلىاللهعليهوآله لرجل : « إذا جئت فصلّ مع الناس وان كنت قد صلّيت » .
وعن الصادق علیهالسلام : ان الأفضل لمن صلّىٰ ثم يجد جماعة أن يصلّي معهم .
ولا فرق بين كونه قد
صلّىٰ أولاً منفردا أو جماعة ، لعموم الأدلة .
__________________
فالظاهر
استرسال الاستحباب ايضاً ، ومنعه في التذكرة .
التاسعة : يجوز اقتداء المتنفل بمثله فيما سبق . وكذا يجوز في الاعادة اذا كان في المأمومين مفترض . اما لو صلّىٰ اثنان فصاعداً فرادىٰ
أو جماعة ، ففي استحباب اعادة الصلاة لهم جماعة نظر ، من شرعية الجماعة ، ومن انه لم يعهد مثله ، والنهي عن الاجتماع في النافلة يشمله .
العاشرة : منع الفاضل ـ رحمهالله ـ من فعل الجمعة فرضاً خلف متنفل بها ـ كالمسافر يقدم ظهره ثم يأتيها ـ أو خلف مفترض بغيرها ـ كمن يصلّي ركعتين منذورة ، أو صبحاً قضاء ، أو فريضة من الفرائض
ـ .
وهذا يتصور فيما اذا
خطب وانفض العدد ، ثم تحرّم واحد بصلاة واجبة فاجتمع العدد ، سواء كان المتحرّم الخطيب أو غيره ان جوزنا مغايرة الامام للخطيب .
وفي هذا المثال مناقشة
، لان الظاهر انه إذا اجتمع العدد بعد الخطبة وجوب الجمعة وفساد صلاة المتلبس بها إذا كانت ظهراً ليوم . نعم ، لو كان قد صلّىٰ الظهر وتلبس بالعصر ، ثم حضر العدد ، امكن أن يقال بصحة الفرض . وابلغ منه في الصحة ان يكون مسافراً أو اعمىٰ ، وقد صلّىٰ
فرضه وشرع في آخر ، فاجتمع العدد .
الحادية عشرة : لو نقص عدد صلاة المأموم عن صلاة الامام ، تخيّر المأموم بين انتظاره حتىٰ التسليم وبين تسليمه ، والاول افضل .
__________________
ولو زاد عدد صلاته علىٰ
صلاة الامام ، تخيّر المأموم بين المفارقة في الحال ، والصبر حتىٰ يسلّم الامام فيقوم المأموم إلىٰ الاتمام أفضل
وحينئذ لو انتظر الامام فراغ المأموم ثم سلّم كان جائزاً بل أفضل ، فعلىٰ هذا يقوم المأموم
بعد تشهد الامام .
وقال المرتضىٰ رضياللهعنه في الجُمل : لو دخل المقيم في صلاة مسافر ، وجب عليه أن لا ينتقل من الصلاة بعد سلامه إلّا بعد أن يتمّ المقيم صلاته
.
وقال ابن الجنيد : فإن
دخل المقيم في صلاة المسافر من غير أن يعلم لم ينتقل المسافر بعد سلامه حتىٰ يتم المقيم صلاته .
ويمكن حمل كلام المرتضىٰ
علىٰ تأكد الاستحباب ، وحمل كلام ابن الجنيد علىٰ كراهية الانتقال ، وقد أفتىٰ الشيخ وابن ادريس وجماعة باستحباب
الانتظار .
الثانية عشرة : الظاهر انّ هذه الفروض انما تتأتىٰ في صورة الاعادة . فلو
صلّىٰ مفترض خلف متنفل نافلة مبتدأة أو قضاءً لنافلة ، أو صلّىٰ متنفل
بالراتبة خلف الفرض ، أو متنفل راتبة خلف راتبة أو غيرها من النوافل ، فظاهر المتأخرين المنع .
الثالثة عشرة : إذا أعاد من صلّىٰ صلاته جماعة نوىٰ الندب ،
لخروجه عن عهدة الفرض ولو نوىٰ الفرض ، لرواية هشام بن سالم في الرجل يصلّي الغداة وحده ثم يجد جماعة ، قال : « يصلي بهم ويجعلها الفريضة إن شاء »
.
__________________
وأوّلها الشيخ بأنّ المراد
إذا وجد جماعة في أثناء صلاته ، فأنّه يعدل إلىٰ النفل ثم يصلي معهم ويجعلها الفريضة ، لأنّ من صلىٰ بنيّة الفرض لا يمكنه جعلها غير فرض .
وقد رُوي : « أنّه
يحسب أفضلهما وأتمهما » .
الرابعة عشرة : قال الصدوق رحمهالله : لو اقتدىٰ من يصلّي الظهر بمن يصلّي العصر جاز ، ولا يصلّي العصر خلف من يصلي الظهر إلّا ان يتوهمها العصر ، ثم يعلم انها كانت الظهر فتجزئ عنه .
ولا نعلم مأخذه ، إلا
أن يكون نظراً إلىٰ أنّ العصر لا تصحّ إلا بعد الظهر ، فإذا صلاها خلف من يصلي الظهر فكأنّه قد صلىٰ العصر مع الظهر مع أنّها بعدها . وهو خيال ضعيف ، لأنّ عصر المصلي مترتبة علىٰ ظهر نفسه ، لا علىٰ
ظهر إمامه .
__________________
المطلب
الثاني : في شروط الاقتداء .
وهي ستة :
الأول :
أهلية الامام للامامة ، وذلك باجتماع أوصاف تنقسم إلىٰ قسمين :
أحدهما عامّة وهي
سبعة :
أولها :
البلوغ ، فلا تصح إمامة الصبي غير المميز إجماعاً ، لعدم الوثوق بجريانه علىٰ ما يعتبر في الصلاة . وأمّا المميز :
فقال الشيخ في الخلاف
والمبسوط : يجوز امامة المراهق المميز العاقل في الفرائض .
وقال ابن الجنيد :
غير البالغ إذا كان سلطاناً مستخلفاً للامام الأكبر ـ كالولي لعهد المسلمين ـ يكون إماماً وليس لأحد أن يتقدّمه ، لأنّه أعلىٰ ذوي السلطان
بعد الامام الاكبر . وأمّا غيره من الصبيان فلا أرىٰ أن يؤمّ في الفرائض من
هو أسنّ منه .
وقال الجعفي : يؤمّ الغلام
.
وتمسّك الشيخ بالاجماع
علىٰ أنّ من هذه صفته تلزمه الصلاة ، وأيضاً فقوله عليه الصلاة والسلام : « مروهم بالصلاة لسبع » يدل علىٰ أنّ صلاتهم شرعية . ورواية طلحة بن زيد عن الصادق علیهالسلام عن أبيه علیهالسلام عن
__________________
علي
علیهالسلام ، قال : « لا بأس ان
يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم وان يؤمّ » .
وروىٰ العامة :
انّ عمرو بن أبي سلمة قال : كنت غلاماً حافظاً قد حفظت قرآناً كثيراً ، فانطلق أبي وافداً الىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله في نفر من قومه ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله : « يؤمكم أقرؤكم لكتاب الله » فقدموني
، فكنت اُصلي بهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان .
وقال في النهاية ـ وتبعه
ابن البراج ـ : لا تجوز امامته لنقصه ، وتجويز اخلاله ببعض الاركان والابعاض ولرواية اسحاق بن عمار عن الصادق علیهالسلام عن أبيه علیهالسلام عن علي علیهالسلام : « لا بأس ان يؤذّن الغلام قبل ان
يحتلم ، ولا يؤم حتىٰ يحتلم ، فان أمّ جازت صلاته وفسدت صلاة من خلفه »
.
ويقوى طريق الرواية ان
ابن بابويه أرسلها عن علي علیهالسلام ، والعمل بها أولىٰ ، عملاً بالمتيقن وقوتها علىٰ تلك ، لانّ طلحة بن زيد بتري ،
ورواة الأخرىٰ عامة .
فرعان :
الاول :
تجوز امامته الصبيان ، لتساويهم في المرتبة . والاقرب جواز امامته في النافلة ايضاً ، لانعقادها منه وصحتها علىٰ الاقوىٰ .
الثاني :
لو جوّزنا امامته في الفريضة ، فهل تستثنىٰ الجمعة من ذلك . من حيث انه غير مخاطب بها ، أوْ لا من حيث أنّها مشروعة بالنسبة اليه
__________________
ونافلة
ويجوز اقتداء المفترض بالمتنفل ؟ الاقرب الثاني ، تسوية بينها وبين غيرها من الفرائض .
وثانيها : العقل ، فلا تصح امامة المجنون اجماعاً ، لبطلان صلاته ، وعدم قصده .
ولو كان يعتوره الجنون
ادواراً صحّ في حال افاقته بعد الوثوق بها وان كان مكروهاً ، لجواز فجأة الجنون في أثناء الصلاة ، وامكان ان يكون قد عرض له احتلام حال جنونه .
فرع :
لو جُنَّ في الأثناء
بطلت صلاته ونوىٰ المأموم الانفراد حينئذ ، فلو عاد اليه العقل استأنف الصلاة . وفي جواز نقل النيّة اليه بعد ذلك وجهان مبنيان علىٰ جواز تجدّد الائتمام للمنفرد . اما لو كان المأموم قد اقتدىٰ
بآخر لم يعد الىٰ هذا ، اذ لا يشرع نقل النية من إمام الىٰ إمام في غير الاستخلاف
.
وثالثها : الاسلام ، فلا تصح امامة الكافر اجماعاً وان كان عدلاً في دينه ، لبطلان صلاته ، ولعدم جواز الركون اليه وكونه اهلاً للضمان .
فرع :
لو شُكَّ في اسلامه ،
لم يصلّ خلفه وان كان في دار الاسلام .
وقال ابن الجنيد : كل
من اظهر دين اهل الملّة في دار الاسلام علىٰ الاسلام ، الّا ان يتبين منه خلافه فاما اهل دار الهدنة المختلط فيها اهل الملة بغيرهم ـ كالفُرس ، والبلاد التي يلزم بكفر اهلها وان اظهروا الملّة لمخالفتهم في الاُصول ـ فلا أرىٰ الاقتداء بأحد منهم ، الّا اذا علم ما يوجب توليه .
والوجه المنع ، لأن الاسلام
شرط ، والشك في الشرط شك في المشروط ، والصلاة لا توجب الحكم باسلامه .
ورابعها : الايمان ، وهو اخص من الاسلام في الحكم وان ساواه في الحقيقة ، فلا تجوز امامة غير الامامي من المبتدعة ـ سواء اظهر بدعته أوْ لا ـ اجماعاً ، لأنّه فاجر وظالم ، وقد قال تعالىٰ : ( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) .
وعن النبي صلىاللهعليهوآله : « لا يؤمّن فاجر مؤمناً »
.
وروىٰ الفضيل
بن يسار عن الباقر والصادق علیهالسلام ، قالا : « عدو الله فاسق لا ينبغي لنا ان نقتدي به » .
ومنع الجواد علیهالسلام من الصلاة خلف الواقفة في مكاتبة البرقي
.
وروىٰ اسماعيل الجعفي
عن أبي جعفر علیهالسلام في رجل يحب أمير المؤمنين علیهالسلام ولا يتبرأ من عدوه ، فقال : « هذا مخلط
وهو عدو ، لا تصل خلفه إلّا ان تتقيه » .
وخامسها : العدالة اجماعا ، لما سلف من الآية والخبر
وقوله صلىاللهعليهوآله : « لا تؤمنّ امرأة رجلاً ، ولا فاجر مؤمناً » .
__________________
ولرواية الحسن بن راشد
عن أبي جعفر علیهالسلام قال : « لا تصل الّا خلف من تثق بدينه وامانته » .
وقيل للرضا علیهالسلام في رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر ، أَأُصلي خلفه ؟ قال : « لا » .
والمعتبر ظهور العدالة
لا اشتراطها في نفس الامر . فلو تبيّن كفره أو فسقه بعد الصلاة فلا اعادة . ولو كان في اثنائها نوىٰ الانفراد وأتمّ صلاته
.
وقال ابن الجنيد : لا
أرىٰ الدخول في صلاة المظهر للبدعة ، والتارك للسنّة المخالف لائمة المؤمنين ، ولا المعاون لأهل الباطل علىٰ المحققين ، لقول الله تعالىٰ : (
وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ )
، ولما رُوي انّ النبي صلىاللهعليهوآله قال لابن مسعود : « لا طاعة لمن عصىٰ
الله » يقولها ثلاثا . وإذا كان الامام انما جعل ليتبع ، وقد نهىٰ النبي صلىاللهعليهوآله عن اتباع العاصي ، فقد نهىٰ عن الدخول في صلاته والاتباع له : وقد رُوي انّ النبي صلىاللهعليهوآله قال لابي ذر : « لا تصلوا خلف فاسق » ، وقال لابي الدرداء : « لا تصلِّ خلف السفهاء » ، ولمعاذ : « لا تقدموا بين أيديكم إلّا من ترضون دينه وأمانته » .
قال :
وهذا في الفرائض ، فاما ان جعلها نافلة ولم يحتسب بها من فرضه فلا بأس ، وقد روي انّ النبي صلىاللهعليهوآله قال ذلك لابي ذر .
قال :
وحديث اسماعيل بن عباس ، عن حميد بن مالك ، عن مكحول ، عن معاذ ، انّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : « يا معاذ : أطع كل أمير ، وصل خلف كل إمام » ضعيف ، لانّ اسناده شامي ، واسماعيل بن عباس مهجور عند يحيىٰ بن معين وابن مهدي لانّه روىٰ مناكر .
__________________
ثم قال : واذا أمّ الكافر
قوماً فعلموا بذلك كان عليهم الاعادة .
ونقل ابن ادريس عن المرتضىٰ
وجوب الاعادة لو تبيّن فسقه أو كفره .
لنا : مرسلة ابن ابي
عمير عن الصادق علیهالسلام في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمّهم رجل ، فلما صاروا الىٰ الكوفة علموا انه يهودي قال : « لا يعيدون » .
وقال ابن بابويه :
يعيدون ما خافت فيه لا ما جهر .
ومن هذا الباب ، لو
تبين حدث الامام بعد الصلاة ، فالمشهور عدم الاعادة . وقال المرتضىٰ يعيدون ، وقد روىٰ : انهم ان علموا في الوقت
تلزمهم الاعادة . ولو صلىٰ بهم بعض الصلاة ثم
علموا حينئذ أتمّ القوم في رواية جميل ، وفي رواية حماد عن الحلبي : «
يستقبلون صلاتهم » .
ويعارض ما ذكره ـ رحمهالله ـ محمد بن مسلم عن الباقر علیهالسلام ، سألته عن
__________________
الرجل
يؤمّ القوم وهو علىٰ غير طهر فلا يعلم حتىٰ تنقضي صلاته ، قال : « يعيد ، ولا يعيد من خلفه وان اعلمهم انه علىٰ غير طهر »
وكذا رواه زرارة عنه علیهالسلام
، ورواه حمزة بن حمران عن الصادق علیهالسلام
.
فان قلت : فقد روي : ان علياً علیهالسلام صلّىٰ بالناس علىٰ غير طهر
، فخرج مناديه : ان أمير المؤمنين صلّىٰ علىٰ غير طهر فاعيدوا ، وليبلغ الشاهد
الغائب .
قلت :
هذا ينافي العصمة المشترطة في الامام ، فهو مردود مع شذوذه . قاله في التهذيب .
فروع :
الاول :
الاقرب اشتراط العلم بالعدالة بالمعاشرة الباطنة ، أو شهادة عدلين ، أو اشتهارها . ولا يكفي التعويل علىٰ حسن الظاهر .
وخالف هنا فريقان :
أحدهما :
من قال كل المسلمين علىٰ العدالة ، الىٰ ان يظهر منه ما يزيلها ، وهو قول سيجيىء ان شاء الله تعالىٰ . وبه قال ابن الجنيد
.
والثاني : جواز التعويل علىٰ حسن الظاهر ـ وهو قول بعض
__________________
الاصحاب
ـ لعسر الاطلاع علىٰ البواطن .
وقد روىٰ الشيخ
باسنادٍ معتبر عن أبي جعفر علیهالسلام : « اذا كان الرجل لا تعرفه يؤم الناس ، فلا تقرأ واعتدّ بصلاته »
. ويمكن ان يكون اقتداؤهم به تعديلاً له عند من لا يعرفه .
وقد روىٰ خلف
بن حماد ، عن رجل ، عن الصادق علیهالسلام : « لا تصل خلف الغالي ، والمجهول ، والمجاهر بالفسق وان كان مقتصداً »
. وهذا يصلح حجة للجانبين ، من حيث لفظ « المجهول » ، ومفهوم « المجاهر بالفسق » .
الثاني :
لو كان عدلاً ظاهراً ، ويعلم المأموم فسقه ، لم يقتد به لوجود المانع بالنسبة اليه . وهل تنعقد الجمعة بالنسبة الىٰ هذا المأموم ؟ الظاهر لا ، لعلمه باختلال الشرائط .
الثالث :
المخالف في اُصول العقائد لا يقتدىٰ به ، الّا ان يكون في مسائل لا مدخل لها في الاسلام ـ كمسألة بقاء الاعراض ، وحدوث الارادة ، والنفي والاثبات ـ فان ذلك غير ضائر ؛ لأنّ مثله خفىٰ المدارك ولا يتوقّف عليه الايمان .
الرابع :
المخالف في الفروع اذا لم يخرق الاجماع يجوز الاقتداء به ، لعدم خروجه بذلك عن العدالة .
__________________
اما لو علم المأموم انه
يترك واجباً ، أو شرطاً يعتقده المأموم ، لم يقتد به ، كالمخالفة في القبلة ، وفي التحري في الأواني ، وفي وجوب السورة .
وكذا لو اعتقد جواز الصلاة
في الثعالب وصلّىٰ فيها ، لم يقتد به من يعتقد المنع .
وسادسها : طهارة المولد ، فلا تجوز امامة عن علم انّه ولد زنا ، لنقصه . ولقولهم عليهمالسلام : « ولد الزنا شر الثلاثة »
. ولان شهادته لا تقبل فكذا امامته ، لان اداء الافعال الواجبة عليه في معنىٰ الشهادة . ولرواية زرارة
عن أبي جعفر علیهالسلام : « لا تقبل شهادة ولد الزنا ، ولا
يؤمّ بالناس » .
اما ولد الشبهة ، ومن
تناله الالسن ، فجائز ، لان الظاهر سلامة النسب .
وسابعها : صحة صلاته ظاهراً . فلو صلّىٰ غير متطهر ، أو فاقد أحد الشرائط ، والمأموم يعلم بذلك ، لم يصح الاقتداء به . ولا يشترط فيها كونها صحيحة في نفس الامر ، لما تقدم من عدم اعادة من صلّىٰ خلف المحدث ولما يعلم .
القسم الثاني : في الأوصاف الخاصة ، وهي ستة :
احدها :
الذكورة شرط في إمام الرجال والخناثىٰ . فلو أمّ الرجال امرأة بطل الاقتداء اجماعا منّاً ، ولقوله علیهالسلام : « لا تؤمّ امرأة رجلاً »
. والخنثىٰ في معنىٰ المرأة ، لعدم العلم بذكوريته اذا كان مشكلاً .
ولا فرق بين التراويح
وغيرها . وقول المزني وأبي ثور ومحمد بن
__________________
جرير
الطبري بجواز إمامة المرأة الرجال في التراويح ضعيف ، مسبوق بالاجماع وملحوق به .
ولا يؤمّ الخنثىٰ
مثله ، لجواز كون الامام امرأة والمأموم رجلاً . وجوّزه ابن حمزة لتكافؤ الاحتمالين فيهما ، والاصل الصحة . وجوابه انّ من صور الامكان تخالفهما في الذكورة والانوثة كما قلناه ، والأصل وجوب القراءة علىٰ المصلّي الّا بعد العلم بالمسقط .
ولا كراهة في إمامة الرجل
بالاجنبية وان خلا بها ، لان العدالة تمنع من تطرّق التهمة . قاله الفاضل .
ولو صلّىٰ خلف الخنثىٰ
رجل ، فبان انه رجل بعد الصلاة أعاد ، لعدم صحة الدخول . اما لو ظنه رجلا فتبيّن رجلاً فالوجه الصحة ، لمطابقة ظنه نفس الامر .
ولا يشترط نيّة الرجل
استتباع النساء في صحة اقتدائهنّ به .
وثانيها : القيام ، وهو شرط في امامة القائمين ، فلا يؤمّ القاعد القيام
، فلو فعل بطلت صلاتهم ، لما روي من قول النبي صلىاللهعليهوآله : « لا يؤمّن أحد بعدي جالساً » .
وعن أمير المؤمنين علیهالسلام : « لا يؤمّ المقيد بالمطلقين ، ولا صاحب الفالج الأصحاء » .
ولو أمّ مثله جاز ، وان
كان المأموم يرجو البرء ولا يرجوه الامام ،
__________________
لتساويهما
حال الاقتداء .
ولو أمّ الاعرج أو الأقطع
جاز مع القدرة علىٰ القيام .
وجوّز الشيخ ـ في الخلاف
ـ ائتمام القاعد بالمومىء . وكأنه عنىٰ به المضطجع والمستلقي ، ويمكن القول بالمنع ، لان صلاة المؤتمّ اكمل .
وثالثها : القراءة اذا أمّ قارئاً ، فلو أمّ الاُمي القارىء لم يصح اجماعا
ـ والاُمي من لا يحسن قراءة الفاتحة والسورة ـ فلو أمّ مثله جاز إذا عجزا عن التعلم . ولو عجز الامام دون المأموم لم يصح اقتداؤه .
ولو احسن أحدهما الفاتحة
والآخر السورة ، جاز ائتمام من يعجز عن الفاتحة بالقادر عليها دون العكس ، للاجماع علىٰ وجوبها في الصلاة بخلاف السورة .
ولو احسن أحدهما بعض الفاتحة
والآخر بعض السورة ، فصاحب بعض الفاتحة أولىٰ بالامامة .
ولو احسن الآخر كمال السورة
، ففي ترجيح من يحسن بعض الفاتحة عليه نظر ، من حيث الاجماع علىٰ وجوب ما يحسنه ، ومن زيادة الآخر عليه . والاول أقرب ، مع احتمال جواز امامة كل منهما بالآخر .
ولا يجوز ان يأتمّ
محسن السورة بمحسن الفاتحة ، ثم يأتمّ به محسن الفاتحة ليقرأ السورة ، فاذا انتهيا الىٰ الفاتحة ائتم به محسن السورة ،
وهكذا ، لما فيه من تعاكس الامامة وهو غير معهود . وفي كلام التذكرة اشارة الىٰ احتمال جوازه .
والأخرس في معنىٰ
الاُمي ، فيجوز ان يؤمّ مثله . ولو أمّ الأخرس
__________________
الاُمي
الناطق ، ففي الجواز نظر ، من عجزه عن التكبير ، ومن انّ الامام لا يتحمله ، وهما متساويان في عدم القراءة .
ولو احسن كل منهما
بعض الفاتحة ، فان تساويا في ذلك البعض صحّ اقتداء كل منهما بصاحبه . وان اختلفا ، فان زاد أحدهما علىٰ الآخر جاز امامة الناقص دون العكس ، وان اختلف محفوظاهما لم يؤمّ أحدهما الآخر لنقص كل منهما بالنسبة الىٰ الآخر .
ولو كان يلحن في القراءة
، فان قدر علىٰ الاصلاح لم تصح صلاته إماماً ولا منفرداً ، وان عجز عنه جاز ان يؤمّ مثله لا غيره ، وان كان الغير يلحن ايضاً ، لاختلاف مواضع اللحن . ولا فرق بين كون اللحن مغيّر المعنىٰ ـ مثل : ضم تاء « انعمت » أو لا ـ مثل : فتح ميم « بسم » ـ لانّ القرآن
عربي واللحن ليس بعربي .
وقول الشيخ بكراهية امامة
من يلحن في قراءته ، احال المعنىٰ أو لم يحل ، في الحمد وغيرها ، إذا تعذّر عليه الاصلاح
.
وقول ابن ادريس : لا
تجوز امامة اللحنة الذي يغير بلحنه معاني القرآن ويدلّ بمفهومه علىٰ جواز غير المغيّر للمعاني .
بعيدان . وتوجيههما بانّ
صلاته صحيحة بالنسبة اليه مدخول ، وإلّا لصحّ الاقتداء بالاُمي .
وفي حكم اللاحن مؤوف اللسان
مع عجزه عن الاصلاح تصح صلاته ، ولا يصح اقتداء غيره به . ولو أمّ مثله في ذلك الحرف صح ، وكذلك من في لسانه لكنة من آثار العجمة . ومن ذلك :
__________________
الأرتّ ، وهو الذي
يبدل حرفاً بغيره .
والالثغ ـ بالثاء المثلثة
ـ وهو الذي يجعل الراء لاماً ، قاله الفراء . قال : والارت هو الذي يجعل اللام تاء . وفي المبسوط : الالثغ الذي يبدل حرفاً مكان حرف .
والاليغ ـ بالياء المعجمة
بنقطتين من تحت ـ وهو الذي لا يبين الكلام .
فلا تصح امامتهم إلّا
بأمثالهم .
وفي المبسوط : الارت الذي
يلحقه في أول كلامه رتج ، فيتعذر عليه ، فاذا تكلم انطلق لسانه . فعلىٰ هذا تجوز امامته مطلقا ،
وكذا التمتام ـ وهو الذي يكرر التاء ـ والفأفاء ـ وهو الذي يكرر الفاء ـ اي : لا تتيسر لهما التاء والفاء الا بترديدها مرتين فصاعداً ، لان هذه زيادة غير مخرجة عن صحة القراءة . نعم يكره الائتمام بهما لمن لا يساويهما ، قاله في التذكرة . ولم يذكر الكراهية في المعتبر
.
وفي المبسوط فسّر التمتام
والفأفاء بأنه الذي لا يحسن ان يؤدي التاء والفاء ، وحكم بكراهة إمامته لصحة صلاته باعتبار عجزه . ومنعه الفاضل
كالأخرس وهو حسن .
__________________
اما من به لثغة خفيفة
مع من يخلص الحرف ولا يبلغ به تبديله بغيره ، فجائز إمامته للقارئ وان كان القارئ افضل ، لانّ ذلك يعد قرآنا .
ورابعها : ستر العورة اذا أمّ لمستورها . فلو أمّ العاري بالمستور فالاقرب المنع ، لنقص صلاته من حيث الشرط ومن حيث الاركان ، لانه يومىء بها ايماء ، وربما صلّىٰ قاعدا والقائم لا يؤمّه القاعد .
وربما قال الفاضل : ان
اقتدىٰ بالعاري مكتس عاجز عن الركوع والسجود لمرض جاز . وهذا بناءً علىٰ انّ المانع انما
هو عجزه عن الاركان ، واما اذا علّل بنقصه من حيث الستر فلا .
واطلق الشيخ جواز اقتداء
المكتسي بالعاري لان صلاته صحيحة بالنسبة اليه .
ولو امّ العاري بمثله
جاز . نعم ، لو تمكّن أحدهما من ستر احدىٰ العورتين ، وعجز الآخر ، جاز الائتمام بالمستور احداهما للآخر . وفي العكس الأوجُه .
وخامسها : القدرة علىٰ الاستقبال . فلو عجز عن الاستقبال لم يؤمّ القادر عليه ، ويجوز ان يؤم مثله .
وسادسها : الختان ـ وقد قيل انه من الشروط العامة
ـ لما روي عن زيد عن آبائه عن علي علیهالسلام : « الاغلف لا يؤم القوم وان كان أقرأهم
، لانّه ضيّع من السنة اعظمها ، ولا تقبل له شهادة ، إلّا ان يكون ترك ذلك خوفاً علىٰ نفسه » .
__________________
ويمكن ردّ هذا الىٰ
اشتراط العدالة ، وانما ذكرناه هنا لان الشيخ ابا الصلاح ـ رحمهالله ـ جوّز إمامة الاغلف للاغلف لا للمطَّهِّر
.
والأقرب انه متىٰ
تمكّن من الختان بطلت إمامته مطلقاً لفسقه ، وإلّا صحت مطلقاً ، والخبر محمول علىٰ التمكّن صريحاً .
وهنا مسائل :
الاُولىٰ : اختلف في إمامة العبد .
فقال في المبسوط والنهاية
: لا يجوز ان يؤمّ الأحرار ، ويجوز ان يؤمّ بمواليه اذا كان أقرأهم .
وقال ابن بابويه ـ في
المقنع ـ : ولا يؤم العبد إلّا أهله لرواية السكوني عن الصادق علیهالسلام عن أبيه عن علي عليهماالسلام قال : « لا يؤم العبد إلّا أهله » .
واطلق ابن حمزة ان العبد
لا يؤمّ الحر .
وجوز امامته مطلقاً ابن
الجنيد وابن ادريس .
واطلق الشيخ ـ في الخلاف
ـ جواز امامته ، قال : وفي بعض رواياتنا ان العبد لا يؤمّ إلّا مولاه .
وقال أبو الصلاح :
يكره .
__________________
والبحث عن الجواز ، وان
كان الحر مقدماً عليه عند التعارض ، لان الصفات المعتبرة كافية ، وقد قال علیهالسلام « يؤمكم أقرؤكم »
.
وقد روي في الصحيح عن
محمد بن مسلم ـ تارة يرويه عن الصادق علیهالسلام ، وتارة عن أحدهما ـ جوازه صريحا
. ولا يعارضه رواية السكوني ، مع امكان حملها علىٰ الكراهية ، كما قاله ابو الصلاح .
فرع :
المعتق بعضه أولىٰ
من القن ، وممّن انعتق منه أقل ، والحر أولىٰ منهما . وفي ترجيح من تشبث بالحرية قبل حصول حقيقتها ـ كالمدبر ، والمكاتب المشروط والمطلق قبل الاداء ، والموصىٰ بعتقه ـ علىٰ القن ، أو
ترجيح بعضهم علىٰ بعض ، نظر . ولعل الاقرب عدم الترجيح ، اذ لم يثبت جعل ذلك مرجحاً ، فتبقىٰ المرجحات المشهورة سليمة عن المعارض .
الثانية : قال المرتضىٰ ـ رحمهالله ـ : لا يؤمّ الاجذم ، والابرص ، والمحدود
، ولا صاحب الفالج الاصحّاء ، ولا المتيمم المتوضئين
.
وقال في الانتصار :
تكره إمامة الابرص ، والمجذوم والمفلوج .
وقال الصدوق : لا
يؤمّ الاعرابي المهاجرين ، ولا باس ان يؤم المتيمم المتوضئين .
__________________
وقال الشيخ ـ في الخلاف
ـ : سبعة لا يؤمّون الناس علىٰ كل حال : المجذوم ، والابرص ، والمجنون ، وولد الزنا ، والاعرابي بالمهاجرين ، والمقيد بالمطلقين ، وصاحب الفالج بالاصحاء .
وقال في المبسوط : لا
يؤمّ الاعرابي بالمهاجرين ، ولا المجذوم والابرص والمحدود من ليس كذلك ، ولا يؤمّ المقيد المطلقين ، ولا صاحب الفالج الاصحاء . ونحوه في النهاية
.
وقال ابن الجنيد : ولا
أرىٰ إمامة الاعرابي للمهاجر ، لقول الله عز وجل ( وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ )
ولا امامة المجذوم وذي العاهة التي لا يؤمن معها ترك استيفاء وظائف الصلاة ، وكذلك المقعد للاصحاء ، ولا المتيمم للمتوضئين ، إلّا ان يكون خليفة الامام أو سلطاناً له .
وقال ابن أبي عقيل :
ولا يؤمّ المفضول الفاضل ، ولا الاعرابي المهاجر ، ولا الجاهل العالم ، ولا صلاة خلف المحدود .
وقال المفيد ـ رحمهالله ـ في إمام الجمعة ، والشرائط التي تجب فيمن يجب معه الاجتماع : ان يكون حراً بالغاً طاهراً في ولادته مجنّباً من الامراض الجذام والبرص خاصة .
وقال ابن بابويه ـ فيمن
لا يحضره الفقيه ـ : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « امام القوم وافدهم ، فقدموا أفضلكم » .
__________________
وقال علیهالسلام : « ان سركم ان تزكّوا صلاتكم فقدموا خياركم »
.
وقال علیهالسلام : « من صلىٰ بقوم ، وفيهم من هو أعلم منه ، لم يزل أمرهم
في سفال الىٰ يوم القيامة » .
وقال ابو ذر : ان إمامك
شفيعك الىٰ الله ، فلا تجعل شفيعك سفيهاً ولا فاسقاً .
وروىٰ محمد بن
مسلم عن أبي جعفر علیهالسلام ، انه قال : « خمسة لا يؤمّون الناس ، ولا يصلون بهم صلاة فريضة في جماعة : الابرص ، والمجذوم ، والأعرابي حتىٰ يهاجر ، وولد الزنا ، والمحدود »
.
وقال أمير المؤمنين علیهالسلام : « لا يصلين أحدكم خلف الاجذم ، والمجنون ، والمحدود ، وولد الزنا . والاعرابي لا يؤم المهاجر »
.
وقال علیهالسلام : « لا يؤمّ صاحب القيد المطلقين ، ولا يؤمّ صاحب الفالج الاصحاء » .
وقال الباقر والصادق عليهماالسلام : « لا بأس ان يؤمّ الاعمىٰ اذا رضوا به ، وكان اكثرهم قراءة وافقههم » .
وقال أبو جعفر علیهالسلام : « إنّما العمىٰ عمىٰ القلب ( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى
__________________
الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي
الصُّدُورِ ) »
.
وقال ابو الصلاح : لا
تنعقد الجماعة إلّا بإمام عدل ، طاهر الولادة ، سليم من الجنون والجذام والبرص ، الىٰ قوله : وقد تتكامل صفات الامامة لجماعة وتنعقد علىٰ وجه دون وجه ، وتكره علىٰ وجه دون وجه .
فالاول :
المقيد بالمطلق ، والزمن بالصحيح ، والخصي بالسليم ، والاغلف بالمطهر ، والمحدود بالبرئ ، والمرأة بالرجال . ويجوز ان يؤم كل منهم باهل طبقته .
والثاني : الاعمىٰ بالمبصر ، أو المقصر بالمتم ، أو المتم بالمقصر
، والمتيمم بالمتوضىء ، والعبد بالحر . ولا كراهة في امامة كل منهم لاهل طبقته .
وقال ابن البراج ـ في
المهذب ـ : واما من يؤمّ بمثله ولا يؤمّ بغيره من الاصحاء السليمين ، فهو : الابرص ، والمجذوم ، والمفلوج ، والزمن ، ولا يؤمّ الاعرابي المهاجرين ، ولا يؤمّ المتيمم المتوضئين ، ولا يؤم المسافر الحاضرين ، وقد ذكر انها مكروهة . ولا يؤمّ المحدود ، والاعمىٰ اذا لم يسدده من خلفه ، فان سدده كانت إمامته جائزة .
وقال ابن حمزة ـ في الواسطة
ـ ويكره ان يؤمّ الناس خمسة عشر : المتيمم ، والمسافر ، والمقيد ، والقاعد ، واللاحن لمن يقدر علىٰ اصلاح لسانه ، ومن لا يؤدّي حرفاً ، ومن يبدّل حرفاً مكان حرف ، ومن يرتجّ عليه
__________________
في
أول كلامه ، ومن لا يأتي بالحروف علىٰ الصحة والبيان ، والمحدود ، والمفلوج ، والمجذوم ، والابرص ، لمن لا يكون علىٰ مثل احوالهم
. ويقرب منه الوسيلة له .
وقال الجعفي : يؤمّ الاعمىٰ
، والعبد ، والمتيممون المتوضئين . ولا يصلّىٰ خلف الاجذم ، والابرص ، والمجنون ، والمحدود ، وولد الزنا ، والاعرابي .
وقال سلار : تكره إمامة
المتيمم للمتطهر ، والمسافر للحاضر .
وقال ابن ادريس :
وتكره إمامة الاجذم والابرص وصاحب الفالج للاصحاء ، وفيما عدا الجمعة والعيدين ، فان ذلك لا يجوز . وقد ذهب بعض أصحابنا الىٰ ان أصحاب هذه الأمراض لا يجوز ان يؤمّوا الاصحاء علىٰ طريق الحظر ، والاظهر ما قلناه . ولا تجوز إمامة المحدود الذي لم يتب . ويكره ان يؤمّ الاعرابي المهاجرين ، والمتيمم بالمتوضئين ، والمسافر بالحاضرين .
قال ولا تجوز إمامة المقيد
للمطلقين ، ولا الجالس بالقيام . ولا بأس بامامة الاعمىٰ .
وقال السيد عز الدين أبو
المكارم حمزة بن زهرة ـ رضياللهعنه ـ : ولا يصح الائتمام بالابرص ، والمجذوم ، والمحدود ، والزمن ، والخصي ، والمرأة ، إلّا
__________________
لمن
كان مثلهم ، بدليل الاجماع ، وطريقة الاحتياط . ويكره الائتمام بالاعمىٰ ، والعبد ، ومن يلزمه التقصير ، ومن يلزمه الاتمام ، والمتيمم ،
إلّا لمن كان مثلهم .
والشيخ نجم الدين بن
سعيد كره ائتمام الحاضر بالمسافر وبالعكس في الرباعية ، وامامة المحدود بعد توبته . واما الاعرابي ، فان كان ممن لا يعرف محاسن الاسلام ولا وصفها لم يؤمّ ، وكذا اذا كان ممن تجب عليه المهاجرة ولما يهاجر ، وإلّا جاز مع اتصافه بالشرائط .
قال :
ولا بأس بامامة الأعمىٰ اذا كان له من يسدده ، لقوله علیهالسلام : « يؤمّكم اقرءكم » ، ولان العمىٰ ليس نقصاً فقد عمي بعض الانبياء
.
قال :
وروىٰ مرازم عن ابي عبد الله علیهالسلام ، قال : « لا بأس ان يصلي الأعمىٰ بالقوم ، وان كانوا هم الذين يوجهونه »
.
قال :
ويكره ان يؤمّ المتيمم متطهراً . والاقرب جواز ائتمام المرأة الطاهر بالمستحاضة ، والصحيح بالسلس . والوجه كراهة إمامة الاجذم والابرص .
قلت :
روىٰ الشيخ باسناده الىٰ الشعبي ، قال : قال علي علیهالسلام : « لا يؤمّ الأعمىٰ في البرية » . ويمكن حمله علىٰ المقيد
بتوجيههم اياه الىٰ القبلة ، أو علىٰ الكراهة ، كما قاله أبو الصلاح وابن زهرة
.
__________________
وقال ابن عمه الشيخ
نجيب الدين ـ في الجامع ـ : وتكره امامة الاجذم ، والابرص ، والمفلوج ، والمقيد ، والاعرابي ، الا بامثالهم . وتجوز امامة المحدود بعد توبته . ويكره اقتداء المتطهر بالماء بالمتيمم . ويؤمّ الأعمىٰ بالبصير اذا سُدّد وبمثله .
والفاضل ـ رحمهالله ـ قال بجواز امامة الاجذم والابرص ، لعموم : « يؤمكم اقرؤكم » ، ولما رواه عبد الله بن يزيد قال : سألت أبا عبد الله علیهالسلام عن المجذوم . والابرص يؤمّان المسلمين ، قال : « نعم » قلت : وهل يبتلي الله بهما المؤمن ؟ قال : « نعم ، وهل كُتب البلاء إلّا علىٰ المؤمن » .
وتجوز امامة المتيمم
بالمتطهر بالماء ، لصحيحة جميل بن دراج قال : قلت لابي عبد الله علیهالسلام : إمام قوم أصابته جنابة في السفر وليس
معه من الماء ما يكفيه للغسل ، أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم ؟ قال : « لا ، ولكن يتيمم الجنب ويصلّي بهم ، فان الله عز وجل جعل التراب طهورا » . ونحوه موثّق عبد الله بن بكير عنه علیهالسلام .
ولكنه تكره امامة هؤلاء
جمعاً بين ذلك وبين روايات المنع .
كصحيحة ابي بصير عن الصادق
علیهالسلام قال : « خمسة لا يؤمّون الناس علىٰ كل حال : المجذوم ، والأبرص ، والمجنون ، وولد الزنا ، والأعرابي » .
وكرواية السكوني عن الصادق
علیهالسلام عن ابيه عن علي علیهالسلام : « لا يؤمّ المقيد المطلقين . ولا يؤمّ صاحب الفالج الاصحاء ، ولا صاحب التيمم المتوضئين . ولا يؤم الأعمىٰ في الصحراء الّا ان يوجّه الىٰ القبلة »
.
__________________
قال الفاضل : واما المقيد
بالمطلقين ، فان تمكّن من القيام صح ان يكون اماماً ، والا فلا . واما الاعرابي ، فان عرف شرائط الصلاة ، وكان أقرأ القوم عدلاً ، جاز ان يكون امام ، وإلّا فلا .
واستدل المحقق في المعتبر
، علىٰ كراهة امامة كل من المسافر والحاضر بالآخر ـ كما قاله المفيد والمرتضىٰ
والشيخ في الخلاف وابو الصلاح وابن ادريس
ـ بموثقة العباس بن عبد الملك عن الصادق علیهالسلام ، قال : « لا يؤمّ الحضري المسافر ، والمسافر
الحضري » .
وقال علي بن بابويه :
لا يجوز إمامة المتمم للمقصر ، ولا بالعكس . وتبعه ابنه في صلاة المسافر خلف المقيم
.
__________________
وقال سلار : يكره ائتمام
الحاضر بالمسافر ، ولم يذكر العكس ، وكذا الشيخ في اكثر كتبه .
وفي المختلف [ ذهب ] الىٰ
عدم كراهة ائتمام المسافر بالحاضر ، للاصل ، ولانه كالائتمام في الصلوات المختلفة العدد ، والائتمام بالمسبوق . وطعن في الرواية ، فان في طريقها داود بن الحصين ، وهو واقفي وان كان ثقة .
المسألة الثالثة : قول ابن ابي عقيل بمنع امامة المفضول بالفاضل ، ومنع امامة الجاهل بالعالم ، ان أراد به الكراهية فحسن ، وان أراد به التحريم أمكن استناده الىٰ ان ذلك يقبح عقلاً ، وهو الذي اعتمد عليه محققو الأصوليين في الامامة الكبرىٰ ولقول الله جل اسمه : ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ
فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) وللخبرين المقدمين في كلام ابن بابويه
.
وقال ابن الجنيد : السلطان
المحقق أحقّ بالامامة ممن حضر ، ثم صاحب المنزل بعده ، ثم صاحب المسجد . فان لم يحضر أحد من هؤلاء فاقرأ القوم ، فان تساووا في القرآن فاكبرهم سناً ، فان تساووا في ذلك فاعلمهم بالنسبة وافقههم في الدين . فان أذن أهل الوصف الاول لاهل الوصف الثاني في الامامة جاز ان يؤمّوا بهم ، إلّا ان يكون الامام الاكبر فانّه
__________________
لا
يجوز ان يتقدمه غيره والحديث الذي رُوي فيه : انّ عبد الرحمن بن عوف قدم أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله فصلّىٰ بهم
وصلّىٰ النبي صلىاللهعليهوآله خلفه ركعة
، فقد قيل انّه غير صحيح ، لانه مخالف لقوله تعالىٰ : ( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) ، وقد روىٰ ابو
قتادة انّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : « اذا اقيمت الصفوف فلا تقدموا حتىٰ تروني »
.
فاعتبر ابن الجنيد في
ذلك الاذن ، ويمكن حمل كلام ابن أبي عقيل عليه .
والآية يراد فيها الامامة
الكبرى .
والخبران يحملان علىٰ
ايثار المفضول علىٰ الفاضل من حيث هو مفضول ، ولا ريب في قبحه ، ولا يلزم من عدم جواز ايثاره عليه عدم جواز أصل إمامته ، وخصوصاً مع إذن الفاضل واختياره .
واما صلاة النبي صلىاللهعليهوآله خلف غيره فقد رواها العامة في الصحيح . وقضية صلاة ابي بكر وان النبي صلىاللهعليهوآله عزله
يدلّ علىٰ ما قاله ابن الجنيد .
الرابعة : تضمّن كلام ابي الصلاح انه لا يؤمّ الخصي بالسليم
. ولا نعلم وجهه ، سواء اراد به التحريم أو الكراهة ، لان الذكورية متحققة ، وما فوات اعضاء التناسل إلّا بمثابة فوات بعض الأعضاء التي لا تخل
__________________
بالامامة
.
فان قال : ففواتها قرب من شبه النساء ، فلذلك منع منه .
قلنا :
نمنع القرب ، ولهذا لم يؤثر ذلك في شيء من أحكام الرجولية الجارية عليه قبل الخصاء . سلمنا ، لكن لا نسلم انّ القرب من الشبه له مدخل في الكراهية .
تتمة :
في ترجيح الائمة ، وفيها مباحث :
أحدها :
لا ريب انّ الامام الاعظم مع حضوره أولىٰ بالامامة ، إلّا ان يمنعه مانع فيستنيب ، ومستنابه أولىٰ من الغير ، لترجّحه بتعيّن الامام ، فانه
لا يستنيب الّا الراجح أو المساوي . فان استناب الراجح ففيه مرجّحان ، وان استناب المساوي ففيه مرجّح واحد .
وثانيها : لو لم يكن الامام الاعظم وتعدّدوا :
فاما ان يكره المأمومون
إمامة بعضهم بأسرهم .
واما ان يختاروا امامة
واحد بأسرهم .
واما ان يختلفوا في الاختيار
.
فان كرهه جميعهم لم
يؤمّ بهم ، للخبر عن النبي صلىاللهعليهوآله . وعن علي علیهالسلام ، واتاه قوم برجل فقالوا : ان هذا يؤمنا
ونحن له كارهون ، فقال له علي علیهالسلام : « انك لخَروط »
بفتح الخاء المعجمة والراء المهملة والواو والطاء المهملة .
قال ابو عبيد : الخروط
الذي يتهوّر في الاُمور ويركب رأسه في كل ما يريد بالجهل وقلة المعرفة بالاُمور . ومنه يقال : الخرط علينا فلان : اذا اندرأ
__________________
عليهم
بالقول السيء والفعل .
وقال الفاضل : الاقرب
انه ان كان ذا دين يكرهه القوم لذلك لم تكره امامته والاثم علىٰ من كرهه والّا كرهت .
وان اختار الجميع واحداً
فهو أولىٰ ، لما فيه من اجتماع القلوب والتعاضد .
وان اختلفوا ، قال الفاضل
: يقدم اختيار الاكثر واطلق الاصحاب انّه مع الاختلاف يطلب الترجيح . وفيه تصريح بانّه ليس للمأمومين ان يقتسموا الائمة فيصلي كل قوم خلف من يختارونه ، لما فيه من الاختلاف المثير للاحن .
وثالثها : ان الامير في امارته ، ورب المنزل في منزله ، والامام الراتب في مسجده ، لا يعارضه غير الامام الاعظم وان كان غيره افضل منه اذا كان بشرائط الامام .
هذا ظاهر الاصحاب ،
وصرّح به جماعة منهم الفاضل قال : ولا نعلم فيه خلافاً ـ يعني في تقدّم رب المنزل ـ لقول النبي صلىاللهعليهوآله : « لا يؤمن الرجل الرجل في بيته ، ولا في سلطانه » . وقال الصادق علیهالسلام : « لا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله ، ولا في سلطانه » . وقول النبي صلىاللهعليهوآله : « من زار قوماً فلا يؤمّهم » وهو عام في المسجد وغيره . ولان تقديم غير الراتب عليه ربما اورث وحشة وتنافرا .
__________________
ولو أذن هؤلاء لغيرهم
جاز وانتفت الكراهية ، ويكون المأذون له أولىٰ من غيره .
وهل الافضل لهم الاذن
للاكمل منهم ، أو الافضل لهم مباشرة الامامة ؟ لم اقف فيه علىٰ نص ، وظاهر الأدلّة يدلّ علىٰ ان الافضل
لهم المباشرة . فحينئذ لو اذنوا فالافضل للمأذون له ردّ الاذن ، ليستقر الحقّ علىٰ
أصله .
ولو تأخّر الامام الراتب
استحب مراسلته ليحضر أو يستنيب .
ولو بعُد منزله ، وخافوا
فوت وقت الفضيلة ، قدّموا من يختارونه .
ولو حضر في أثناء صلاتهم
دخل معهم ، وفي جواز استخلافه هنا نظر .
ولو حضر بعد صلاتهم استحب
اعادتها معه ، لما فيه من اتفاق القلوب ، مع تحصيل الاجتماع مرتين في الصلاة .
ورابعها : ان الشيخ قال في المبسوط : اذا حضر رجل من بني هاشم فهو أولىٰ بالتقدم اذا كان ممن يحسن القراءة
. والظاهر انّه أراد به علىٰ غير الامير وصاحب المنزل والمسجد ، مع انه جعل الأشرف بعد الأفقه ، الذي هو بعد الاقرأ ، والظاهر انه الأشرف نسباً .
وتبعه ابن البراج في
تقديم الهاشمي وقال بعده : ولا يتقدم أحد علىٰ
__________________
أميره
، ولا علىٰ من هو في مسجده أو منزله .
وجعل ابو الصلاح بعد الأفقه
القرشي .
وابن زهرة جعل الهاشمي
بعد الأفقه .
وابن حمزة جعل الأشرف
بعد الأفقه .
وفي النهاية لم يذكر الشرف
، وكذا المرتضىٰ وابن الجنيد
وعلي بن بابويه وابنه
وسلار وابن ادريس والشيخ نجيب الدين يحيىٰ وابن عمه في المعتبر
. وذكر ذلك في الشرائع واطلق ، وكذا الفاضل في المختلف وقال : انّه المشهور يعني : تقديم الهاشمي .
ونحن لم نره مذكوراً
في الاخبار إلّا ما روىٰ مرسلاً أو مسندا بطريق غير معلوم من قول النبي صلىاللهعليهوآله : « قدموا قريشاً ولا تقدموها »
وهو علىٰ
__________________
تقدير
تسليمه غير صريح في المدعىٰ . نعم ، هو مشهور في التقديم في صلاة الجنازة كما سبق من غير رواية تدل عليه . نعم ، فيه اكرام لرسول الله صلىاللهعليهوآله اذ تقديمه لاجله نوع
اكرام ، واكرام رسول الله صلىاللهعليهوآله وتبجيله ممّا لا خفاء بأولويته .
وخامسها : ان الأقرأ أولىٰ من الأفقه ـ ونقل عن بعض الاصحاب ان الأفقه أولىٰ ـ لقول النبي صلىاللهعليهوآله : « يؤمّ القوم اقرؤهم لكتاب الله ، فان
كانوا في القراءة سواء فاعلمهم بالسنّة ، فان كانوا في السنّة سواء فاقدمهم هجرة ، فان كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سناً » .
وقال الصادق علیهالسلام : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يتقدم القوم أقرؤهم للقرآن » .
وتمسّك من رجّح الأفقه
باهمية الحاجة اليه في الصلاة ، فانه ربما فاته فيها ما يحتاج الىٰ كثرة الفقه في معرفته . وحمل الخبر علىٰ انّ القراءة
كانت في زمن الصحابة مستلزمة للفقه ، لانهم كانوا إذا تعلموا القرآن تعلموا معه احكامه . قال ابن مسعود : كنا لا نجاوز عشر آيات حتىٰ نعرف امرها ونهيها واحكامها . فكان اقرؤهم افقههم .
وجوابه متعبدات الصلاة
محصورة ، ولا بد من كون القارئ عالما بها . وجعل الأعلم بالسنّة مرتبة بعد الاقرأ صريح في امكان انفكاك القراءة عن العلم بالسنّة . وتعلم احكام القرآن غير كاف في الفقه اذ معظمه مثبت
__________________
بالسنّة
.
وسادسها : قد يرجح القارئ علىٰ الآخر بجودة الاداء واتقان القراءة
، وان كان أقل حفظاً . فان تساويا في الاداء فاكثرهم قرآناً .
وسابعها : لو اجتمع من يقرأ ما يكفي في الصلاة لكنه أفقه ، والآخر كامل القراءة غير كامل الفقه لكن معه من الفقه ما يعرف معه أحكام الصلاة ، قال في المبسوط : جاز تقديم أيهما كان وتبعه ابن حمزة في الواسطة ، مع قولهما بتقديم الاقرأ علىٰ الافقه ولكنهما ارادا ترجيح الاقرأ علىٰ
الفقيه مع تساويهما في الفقه .
بذلك صرح في المبسوط
وقال : لو كان أحدهما فقيها لا يقرأ ، والآخر قارئ لا يفقه ، فالقارئ أولىٰ ، لان القراءة شرط في صحة الصلاة ، والفقه ليس بشرط .
والمراد بقوله : والفقه
نفي الفقه في غير الصلاة ، اذ معرفته بشرائط الصلاة وافعالها لا تصح الصلاة بدونه . ومساق كلام الشيخ يدل علىٰ قول ثالث في اجتماع القراءة والفقه وهو التخيير ، اذ موضوع المسألة إذا اجتمع الاقرأ والافقه هو ما ذكره الشيخ وحكم عليه بالتخيير .
وقال في التذكرة : اذا
اجتمع فقيهان قارئان ، وأحدهما أقرأ والآخر أفقه ، قدّم الأقرأ علىٰ الاول ـ يعني به تقدُّم الاقرأ ـ والأفقه علىٰ
الثاني . وهذا تصريح بمخالفه المبسوط .
__________________
فرع :
لو تساويا في القراءة
والفقه في الصلاة ، وزاد أحدهما بفقه في غير الصلاة ، فالظاهر انه لا يترجّح به ، لعدم تعلقه بالصلاة . ولو كان أحدهما أعرف باحكام الصلاة ، والآخر أعرف بما سواها ، فالأول أولىٰ ، لانّ له أثراً
في تكميل الصلاة .
وثامنها : لو تساويا في القراءة والفقه ، قدّم الاشرف عند الشيخ في المبسوط ، ثم الأقدم هجرة ، ثم الاسن .
وقدّم في النهاية ـ وهو
المشهور ـ الأقدم هجرة بعد الافقه .
وقدّم المرتضىٰ
الأسن بعد الافقه ، ولم يذكر الهجرة .
وفي رواية ابي عبيدة
عن الصادق علیهالسلام : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يتقدّم القوم أقرأهم للقرآن ، فان كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة ، فان كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سناً ، وان كانوا في السن سواء فليؤمّهم أعلمهم بالسنّة وافقههم في الدين » . وهذه الرواية تشهد بتقديم الهجرة والسن
علىٰ الفقه .
وصرّح ابن الجنيد وابن
ادريس بتقديم الأسن علىٰ الأفقه ، وجعل ابن ادريس الأقدم هجرة بعد الأفقه .
والاقرب تقديم الأفقه
علىٰ من عدا الأقرأ ، لقوله تعالىٰ : (
إِنَّمَا
__________________
يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي
الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ )
ولما تقدّم في حديث السفال ، وقد رواه
العرزمي مرفوعاً الىٰ النبي صلىاللهعليهوآله
.
وكذا قدم الهجرة
مقدّم علىٰ السن ، لما فيه من الشرف ، وللرواية .
وتأخّر العلم بالسنّة
في الرواية ، يحمل علىٰ القدر الزائد عما يحتاج اليه في الصلاة فانّه نوع ترجيح ، لاشتماله علىٰ الافضلية ، ليوافق الحديث السالف عن النبي صلىاللهعليهوآله .
فرعان :
الاول :
المراد بـ ( الهجرة ) من دار الحرب الىٰ دار الاسلام ، قال الفاضل : أو يكون من أولاد من تقدمت هجرته ـ كما قاله بعض العامة ـ
سواء كانت الهجرة قبل الفتح أو بعده .
وربما جعلت الهجرة في
زماننا سكنىٰ الامصار ، لانها تقابل البادية مسكن الاعراب ، لان اهل الامصار أقرب الىٰ تحصيل شرائط الامامة والكمال فيها .
وقد روىٰ عن النبي
صلىاللهعليهوآله : « ان الجفاء والقسوة في الفَدّادين »
.
__________________
فقيل :
هم المكثرون من الابل .
وقيل :
هم اهل القرىٰ والبوادي ، وهم الذين تعلو اصواتهم في حروثهم واموالهم ومواشيهم .
هذا اذا قرئ بتشديد الدال
الأول ، ويقرأ بتخفيفه وهو جمع فدّان ـ بتشديد الدال ـ وهي : بقر الحرث اي : في اصحاب الفدادين لبعدهم عن الامصار .
وعن الشيخ نجيب الدين
يحيىٰ : هي في زماننا التقدم في التعلم قبل الآخر .
الثاني :
المراد بـ ( علو السن ) في الاسلام . فلو كان احدهما ابن خمسين كلها في الاسلام ، والآخر ابن سبعين لكن اسلامه أقل من خمسين ، فالاول هو الأسن . قاله الشيخ في المبسوط
.
وتاسعها : لو تساويا في جميع ما تقدم من الصفات :
قال ابنا بابويه والشيخان
وجماعة : يقدّم الاصبح وجهاً .
وقال المرتضىٰ
ـ رضياللهعنه ـ وابن ادريس : وقد روي اذا تساووا فاصبحهم
وجهاً .
__________________
وقال في المعتبر : لا
أرىٰ لهذا أثراً في الأولوية ، ولا وجهاً في شرف الرجال .
وقال في المختلف :
يقدّم الأصبح ، لما فيه من الدلالة علىٰ عناية الله به .
وفي التذكرة حكىٰ
عن العامة فيه تفسيرين :
أحدهما :
انه الأحسن صورة ، لان ذلك فضيلة كالنسب .
والثاني : انه الأحسن ذكراً بين الناس .
قال :
والأخير أحسن .
قلت :
ويمكن ان يحتج عليه بقول أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام في عهد الاشتر رضياللهعنه : « وانما يستدلّ علىٰ الصالحين
بما يجري الله لهم علىٰ ألسن عباده » .
وعاشرها : انهم اذا تساووا في جميع ما تقدم يقدم الأتقىٰ والأورع
، لانه اشرف في الدين واكرم علىٰ الله تعالىٰ ، لقوله تعالىٰ : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) . قاله في التذكرة
.
قال :
والاقوىٰ تقديم هذا علىٰ الاشرف ، لان شرف الدين خير من شرف الدنيا .
قال :
فان استووا في ذلك كله فالأقرب القرعة .
قال :
لانهم أقرعوا في الأذان في عهد الصحابة ، فالامام أولىٰ
.
قلت :
ولو علّل بالأخبار العامة في القرعة كان حسناً .
__________________
ولا أثر عندنا
للتقديم بنظافة الثوب والبدن عن الاوساخ ، وطيب الصنعة ، وحسن الصوت . وقدّم بها بعض العامة ، لانها تفضي الىٰ استمالة القلوب ، فيكثر الجمع .
فروع :
الاول :
لو تساويا في القراءة والفقه ، وزاد احدهما في الورع ـ الذي هو العفة وحسن السيرة ، وهو مرتبة وزاء العدالة تبعث علىٰ ترك المكروهات والتجنّب عن الشبهات والرخص ـ ففي تقديمه عندي نظر ، لعدم ذكر الاخبار والاصحاب له ، ومن ان اعتبار العدالة في الامام تستتبع روادفها ، إذ الامامة سفارة بين الله تعالىٰ وبين الخلق ، فاولاهم بها أكرمهم
علىٰ الله تعالىٰ ، وكلما كان الورع أتمّ كان تحقّق العدالة اشدّ ،
فحينئذ يقدّم هذا علىٰ المراتب الباقية .
الثاني :
اذا حكمنا بترجيح الهاشمي لنسبه ، ففي ترجيح المطلبي علىٰ غيره نظر ، مما روي من قوله عليه الصلاة والسلام : « نحن وبنو المطّلب لم نفترق في الجاهلية ولا في الاسلام » . نعم ، الهاشمي أولىٰ منه قطعاً وحينئذ
في ترجيح افخاذ بني هاشم بسبب شرف الآباء ـ كالطالبي ، والعباسي ، والحارثي ، واللهبي . ثم العلوي ، والحسني ، والحسيني . ثم الصادقي ، والموسوي ، والرضوي ، والهادي ـ احتمال بيّن ، لان الترجيح دائر مع شرف النسب فيوجد حيث يوجد .
الثالث :
هل يرجح العربي علىٰ العجمي ، والقرشي علىٰ باقي العرب ؟ احتمال ايضاً . وكذا ينسحب الاحتمال في الترجيح بسبب الآباء
__________________
الراجحين
بعلم أو تقوىٰ أو صلاح . ومن عبّر من الاصحاب بالأشرف
يدخل في كلامه جميع هذا ، ولا بأس به . ومن ثم يرجّح أولاد المهاجرين علىٰ غيرهم لشرف آبائهم .
الشرط الثاني من شروط الاقتداء : نيّة الاقتداء ، لقوله صلىاللهعليهوآله : « وانما لكل امرئ ما نوىٰ » ، وعلىٰ ذلك انعقد الاجماع .
ولو نوىٰ الجماعة
مطلقاً لم يكف ، لانها مشتركة بين الامام والمأموم ، فلا تتخصص بأحدهما الا بنيّة . فلو ترك نيّة الاقتداء فهو منفرد ، فان ترك القراءة عمداً أو جهلا بطلت ، وكذا لو قرأ لا بنيّة الوجوب .
وان قرأ بنيّة الوجوب
، وتساوقت أفعاله وأفعال الامام بحيث لا تؤدي الىٰ انتظار للامام ، صحت صلاته ، ولم يفز بثواب الجماعة وان تابع الامام في أذكاره وافعاله .
وان تقدّم عليه الامام
، فترك بعض الواجب من الأذكار متابعة له ، بطلت صلاته ، لتعمّده الاخلال بأبعاضها الواجبة .
وان تقدّم هو علىٰ
الامام ـ كإن فرغ من القراءة قبله ، والتسبيح في الركوع والسجود ـ وبقىٰ منتظراً ، فان طال الانتظار بحيث يخرج به عن كونه مصلياً بالنسبة الىٰ صلاته ، قيل : تبطل ، لانّ ذلك يعدّ مبطلاً . ويمكن ان يقال باستبعاد الفرض ، فان المصلي امامه محكوم بصحة صلاته مع هذا
__________________
التطويل
، واشتغاله بالأعمال لا يكون فارقاً بينهما بحيث تصح صلاة أحدهما وتبطل في الآخر . هذا ان اشتغل المأموم بذكر أو تسبيح ، وان سكت اتجه البطلان .
وان لم يطل الانتظار
، فالأقرب الصحة إذ ليس فيه إلّا انّه قرن فعله بفعل غيره ، ولم يثبت كون ذلك قادحاً في الصلاة .
وبعض العامة حكم ببطلان
صلاته ، لانه وقف صلاته علىٰ صلاة غيره لا لاكتساب فضيلة الجماعة ، وفيه ما يشغل القلب ويسلب الخشوع ، فيمنع منه .
وجوابه بمنع الشغل والسلب
، ولو سلما فذلك نقص في ثواب الصلاة لا في حقيقتها ، وإلّا لبطلت صلاة من اشتغل قلبه وسلب خشوعه ، ولم يقل به أحد .
فروع :
الاول :
لو شك في نيّة الاقتداء ، قال في التذكرة : هو كالشك في أصل النية ، فتبطل مع بقاء المحل ، ولا يلتفت مع انتقاله
. ويمكن بناؤه علىٰ ما قام اليه ، فان لم يعلم شيئا بنىٰ علىٰ الانفراد ، لاصالة
عدم نيّة الائتمام .
الثاني :
لا فرق بين الجمعة وغيرها في اعتبار نيّة الائتمام ، بل الجمعة آكد ، لوجوب الائتمام فيها . وتخيّل ان الجمعة لا تنعقد إلّا جماعة فيستغني
__________________
عن
نيته فاسد ، لقوله صلىاللهعليهوآله : « الاعمال
بالنيّات » .
الثالث :
يشترط القصد الىٰ امام معيّن . فلو كان بين يديه اثنان ، ونوىٰ الائتمام بأحدهما لا بعينه بطل ، وكذا لو نوىٰ الاقتداء بهما ،
لتعذر المتابعة أو تعسّرها .
ولو عيّن فاخطأ
تعيينه ، بطلت وان كان الثاني اهلاً للامامة .
ولو نوىٰ الاقتداء
بالحاضر علىٰ انه زيد فبان عمرا ، ففي ترجيح الاشارة علىٰ الاسم فيصح ، أو بالعكس فبطل ، نظر . ونظيره ان يقول المطلّق لزوجة اسمها عمرة : هذه زينب طالق ، أو يشير البائع الىٰ حمار فيقول : بعتك هذا الفرس .
الرابع :
لا يشترط في صحة القدوة نيّة الامام للامامة وان أمّ النساء ، لما روىٰ أنس انّه رأىٰ النبي صلىاللهعليهوآله يصلّي فصلىٰ خلفه ، ثم جاء آخر
حتىٰ صاروا رهطاً ، فلما احسّ بهم النبي صلىاللهعليهوآله أوجز في صلاته ، وقال : « انما فعلت هذا لكم » .
نعم ، يستحب له نيّة الامامة
، ليقطع بنيل الثواب . فلو لم ينوها احتمل نيله ، لتأدىٰ شعار الجماعة بما وقع وان لم ينوه ، والاقرب المنع للخبر . وحينئذ لو اُقتدي به وهو لا يشعر حتىٰ فرغ من الصلاة ، أمكن أن ينال الثواب ، لانه لم يقع منه اهمال النيّة ، وانما نالها الجماعة بسببه ، فيبعد في
__________________
كرم
الله وفضله حرمانه .
اما الجمعة والجماعة الواجبة
، فالظاهر وجوب نيّة الامامة فيها ، لوجوب نيّة الواجب .
ولو نوىٰ الامامة
بقوم فظهر غيرهم ، لم يضر ونال ثواب الامامة ، لقصدها اجمالاً .
الخامس :
لو نوىٰ الاقتداء بالمأموم لم يصح اجماعاً ، للتنافي بين الامامة والائتمام . ولو ظنه إماماً فبان مأموماً فكذلك . وكذا لو جهل الحكم لم يعذر ايضا .
السادس :
لو نوىٰ كل من الاثنين امامة صاحبه ، صحّت صلاتهما وان لم ينالا فضيلة الجماعة ، لاتيانهما بما يجب عليهما . وهو مروي عن أمير المؤمنين علیهالسلام .
ولو نوىٰ كل
منهما الائتمام بصاحبه بطلت ، للرواية عنه علیهالسلام ولانه لم يقرأ بنيّة الوجوب .
ولو شكا فيما اضمراه
بطلت صلاتهما ، قاله جماعة .
وفصّل الفاضل ، فقطع
بالبطلان إن كان في الاثناء ، لأنّه لا يمكنهما المضي في الصلاة علىٰ الانفراد ولا علىٰ الاجتماع . وتردّد فيما إذا
شكا بعد الفراغ ، لانه شك بعد الانتقال ، ومن عدم اليقين بالاتيان بافعال الصلاة
.
__________________
قلت :
يمكن ان يقال : ان كان الشك في الاثناء وهو في محل القراءة لم يمض ما فيه اخلال بالصحة ، فينوي الانفراد وصحت الصلاة ، لانه إن كان قد نوىٰ الامامة فهي نيّة الانفراد ، وان كان قد نوىٰ الائتمام فالعدول
عنه جائز . وان كان بعد مضي محل القراءة ، فان علم انه قرأ بنيّة الوجوب ، أو علم القراءة ولم يعلم نيّة الندب ، انفرد ايضاً ، لحصول الواجب عليه . وان علم ترك القراءة ، أو القراءة بنيّة الندب ، أمكن البطلان ، للاخلال بالواجب .
وينسحب البحث في الشك
بعد التسليم ، ويحتمل قوياً البناء علىٰ ما قام اليه ، فان لم يعلم ما قام اليه فهو منفرد كما سبق .
السابع :
جوّز الشيخ ـ رحمهالله ـ عدول المنفرد الىٰ الائتمام في
أثناء الصلاة ، محتجاً بالاجماع والاخبار ، واصالة صحة الاقتداء ، وعدم المانع
.
ومنع منه بعض الاصحاب
لما رُوي عن النبي صلىاللهعليهوآله من قوله : « اذا كبّر الامام فكبّروا » . ولان هذا كان في ابتداء الاسلام ، فكان
المسبوق يصلي ما فاته ثم يدخل مع الامام فنسخ . ولورود النقل بانّ المنفرد يقطع صلاته مع امام الأصل أو مطلقاً أو ينقل الىٰ النفل
فلو ساغ العدول لم يكن ذلك .
__________________
وجوابه : ان الخبر
مخصوص بمن لم يكن قد سبق منه التكبير ، ويعارض بقوله تعالىٰ : (
وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ) وبالاخبار الباعثة علىٰ الاقتداء . والمنسوخ غير صورة النزاع . وقطع الصلاة ليحصّل كمال الفضيلة حينئذ .
ولا فرق بين ان يدخل
معه في الركعة الاُولىٰ من صلاتهما أو في غيرها ، ويراعي نظم صلاته ، ويتابع الامام في التشهد والقنوت علىٰ انهما ذكر إذا لم يكونا فرضه . فاذا قام الامام الىٰ تمام صلاته وقد انتهت صلاة المأموم تخيّر بين التسليم ، وبين انتظاره ذاكراً لله تعالىٰ ليسلّم معه ،
وهو أفضل .
الثامن :
يجوز ان يصير المأموم اماماً ، وان ينقل المؤتمّ من إمام الىٰ آخر ، وكلاهما في الاستخلاف ، سواء كان لعذر الامام ، أو لانقطاع صلاته وبقاء صلاة المسبوقين ، فيقتدي بعضهم ببعض .
التاسع :
يجوز نقل النيّة من الائتمام الىٰ الانفراد حيث لا تجب الجماعة ، لما مر في صلاة ذات الرقاع . ولأن معاذاً قرأ سورة البقرة فانفرد بعضهم ، فقال له : نافقت ، فأتىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال له : « افتان انت يا معاذ ! مرتين ، اقرأ سورة ذات البروج ، والليل اذا يغشىٰ ، والسماء والطارق ، وهل أتاك حديث الغاشية » . وقد روي عن الصادق علیهالسلام
__________________
والرضا
علیهالسلام التسليم قبل الامام
لعذر .
فعلىٰ هذا ، لو
نوىٰ الانفراد قبل قراءة الامام قرأ لنفسه .
وان كان قد قرأ الامام
قيل : يجتزئ بقراءته ثم يركع . ولو كان في الاثناء اجتزأ بما مضىٰ . والاستئناف في الموضعين متجه ، لانّه في محل القراءة وقد نوىٰ الانفراد .
العاشر :
لو اقتدىٰ بامام فحضر آخر ، فهل له العدول اليه ؟ جوّزه الفاضل ، بناءً علىٰ جواز نيّة الانفراد ، وعلىٰ تجدّد الائتمام
للمنفرد .
ويمكن المنع ، لقول النبي
صلىاللهعليهوآله : « انما جعل الامام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه » ، ولأنّ نقل المنفرد لتحصيل فضيلة الجماعة
وهي حاصلة هنا ، فلا معنىٰ للنقل .
ويمكن ان يفرق بين العدول
الىٰ الافضل وغيره .
نعم ، لو استخلف امامه
رجلاً نقل اليه ، والوجه هنا تجديد نيّة النقل . وربما احتمل عدمه ، لان الخليفة نائبه فكانّه المصلّي .
وعلىٰ جواز النقل
لا باستخلاف ، هل يجوز دور النقل وتراميه ؟ فيه ما فيه ، ويردّ هذا ايضا في الاستخلاف .
__________________
الشرط الثالث : العدد ، واقلّه اثنان في غير الجمعة والعيدين ، لقوله صلىاللهعليهوآله : « الاثنان فما فوقهما جماعة »
.
وسأل الحسين الصيقل الصادق
علیهالسلام عن أقل ما تكون الجماعة ، قال : « رجل وامرأة » .
وفي حديث الجهني عن النبي
صلىاللهعليهوآله : « المؤمن وحده جماعة »
والمراد به ادراك فضيلة الجماعة عند تعذر الجماعة .
وتنعقد الجماعة بالصبي
المميز ، لان ابن عباس ائتم بالنبي صلىاللهعليهوآله وكان اذ ذاك غير بالغ . وكذا بامرأة وصبي ان جوزنا الاقتداء
به ، وإلّا امتنع . وكلما كثر الجمع كان افضل .
الشرط الرابع : اعتبار الموقف ، وفيه مسائل :
الاُولىٰ : يجب ان لا يتقدم المأموم علىٰ الامام في الابتداء والاستدامة
عند علمائنا اجمع ، فلو تقدم بطلت ، لقوله صلىاللهعليهوآله : « انما جعل الامام اماماً ليؤتمّ به » وللتأسي به صلىاللهعليهوآله وبالائمة بعده .
__________________
وتجوز مساواة المأموم
للامام في الموقف .
واوجب ابن ادريس ـ في
ظاهر كلامه ـ تقدم الامام بقليل ، عملاً بظاهر الخبر .
ويدفعه ظاهر صحيح
محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام : « الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه » وكذا في حسن زرارة عن الصادق علیهالسلام ولو وجب التأخّر لذكره ، والّا لزم تأخير
البيان عن وقت الحاجة .
قال الفاضل ـ رحمهالله ـ : ولأنّه لو كان شرطاً لما أمكن تصور اختلاف اثنين في الامامة ، لان التقدم ان حصل فهو الامام وإلّا بطلت الصلاة
. ويشكل بانه لا اقتداء هنا حتىٰ يتأخّر المأموم ، ولان تأخّر المأموم شرط في صحة صلاته لا في صحة صلاة الامام .
والمعتبر بالاعقاب .
فلو تساوىٰ العقبان ، لم يضر تقدم أصابع رجل المأموم أو رأسه . ولو تقدم بعقبه علىٰ الامام ، لم ينفعه تأخّره عنه بأصابعه
أو رأسه .
وللفاضل احتمال اشتراط
التقدّم بالعقب والأصابع معاً وهو احوط .
الثانية : لا يجوز تباعد المأموم عن الامام بما لم تجر به العادة .
وقال الشيخ ـ رحمهالله ـ في المبسوط : ومتىٰ ما بعد ما بينهما لم تصح صلاته ، وان علم بصلاة الامام . وحدّ البعد ما جرت العادة بتسميته بعداً ،
__________________
وحدّ
قوم ذلك بثلاثمائة ذراع ، وقالوا علىٰ هذا ان وقف وبينه وبين الامام ثلاثمائة ذراع ، ثم وقف آخر بينه وبين هذا المأموم ثلاثمائة ذراع ، ثم علىٰ هذا الحساب والتقدير بالغاً ما بلغوا ، صحت صلاتهم .
قالوا : وكذلك اذا اتصلت
الصفوف في المسجد ، ثم اتصلت بالاسواق والدروب والدور ، بعد ان يشاهد بعضهم بعضاً ويرىٰ الأولون الامام ، صحت صلاة الكل .
وهذا قريب علىٰ
مذهبنا ايضاً .
فيمكن ان يشير الىٰ
جميع ما تقدم ، فيكون رضي بالثلاثمائة . ويمكن ان يشير بالقرب الىٰ الفرض الأخير خاصة ، فلا يكون راجعاً في التقدير بثلاثمائة ذراع ، وهو الانسب بقوله : وحدّ البعد ما جرت العادة بتسميته بعداً .
وقال ابو الصلاح ـ رحمهالله ـ وابن زهرة ـ قدس الله روحه ـ : لا يجوز ان يكون بين الصفين من المسافة ما لا يتخطى لحسن زرارة عن الباقر علیهالسلام قال : « إن صلّىٰ قوم ، وبينهم وبين الامام ما لا يتخطىٰ ، فليس ذلك الامام
لهم بامام . وأي صف كان اهله يصلون بصلاة الامام ، وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطىٰ ، ليس لهم تلك بصلاة »
.
وحمل علىٰ الاستحباب
، أو علىٰ ان المراد بـ « ما لا يتخطىٰ » الحائل . ذكر ذلك في المختلف ، وفيه بعد ، من ان الحائل لا يتعذّر
بذلك ، إذ
__________________
يمكن
المشاهدة معه في حال القيام .
الثالثة : لا تجوز الحيلولة بين الامام والمأموم بما يمنع المشاهدة ، وكذا بين الصفوف عند علمائنا ، لحسن زرارة عن الباقر علیهالسلام : « وان كان بينهم ستر أو جدار فليس تلك لهم بصلاة ، وهذه المقاصير انما أحدثها الجبارون ، ليس لمن صلّىٰ خلفها مقتدياً صلاة »
.
فروع :
الاول :
لا يكون الشارع حائلاً بين الصفوف ، ولا النهر ، ولا الحائط القصير المانع حالة الجلوس خاصة ، ولا الشبابيك .
والمقصورة المانعة من
الرؤية في جميع الاحوال مبطلة للائتمام . ولو ولجها الامام وشاهده الجناحان ، أو انتهت مشاهدتهما الىٰ من يشاهده ، صح الائتمام وإلّا فلا . اما الذين يقابلون الامام فصلاتهم صحيحة ، لانتهاء مشاهدتهم اليه .
ومنع ابو الصلاح وابن
زهرة من حيلولة النهر لرواية زرارة السالفة ، وقد بيّنا حملها علىٰ الاستحباب .
ولو كانت المقصورة
مخرّمة صحت كالشباك . ويظهر من المبسوط وكلام ابي الصلاح عدم الجواز مع حيلولة الشباك لرواية زرارة ، مع اعتراف الشيخ بجواز الحيلولة بالمقصورة المخرّمة
، ولا فرق بينهما .
__________________
الثاني :
تجوز الجماعة في السفينة الواحدة والسفن المتعددة ، بشرط عدم التباعد المفرط وعدم الحائل ، سواء كانت مشدودة بعضها ببعض أم لا ، وكذا لو كان الامام علىٰ الشط والمأمومون في السفينة أو بالعكس ، للاصل ، وما روي من جواز الصلاة في السفينة ، وقد سبق .
الثالث :
لو صلّىٰ في داره خلف إمام المسجد ، وهو يشاهد الصفوف ، صحت قدوته . واطلق الشيخ ذلك ، والأولىٰ تقييده بعدم البعد المفرط .
قال :
وان كان باب الدار بحذاء باب المسجد ( أو باب المسجد عن يمينه أو عن يساره ) واتصلت الصفوف من المسجد الىٰ داره ، صحت صلاتهم . فان كان قدام هذا الصفّ في داره صفّ لم تصح صلاة من كان قدامه ، ومن صلىٰ خلفهم صحت صلاتهم ، سواء كان علىٰ الارض أو في غرفة منها ، لانهم يشاهدون الصفّ المتصل بالامام ، والصفّ الذي قدامه لا يشاهدون الصفّ المتصل بالامام .
وقد روي ان أنساً كان
يصلي في بيوت حميد بن عبد الرحمن بن عوف بصلاة الامام ، وبينه وبين المسجد طريق . وفيه ايضاً دلالة علىٰ انّ الشارع ليس بحائل .
فان قلت : قد رُوي عن النبي صلىاللهعليهوآله : « من كان بينه وبين الامام حائل فليس مع الامام » .
__________________
قلت :
يحمل علىٰ البعد المفرط ، أو علىٰ الكراهة .
الرابع :
الحائل انما يمنع اذا كان المأموم رجلاً ، أو خنثىٰ علىٰ الاقرب لجواز الذكورية ، أو اُنثىٰ باُنثىٰ . اما لو اقتدت المرأة بالرجل
وبينهما حائل فانه جائز ، لرواية عمار عن أبي عبد الله علیهالسلام ، حيث قال له : وان كان بينه وبينهنّ حائط أو طريق ؟ قال : « لا بأس » .
وقال ابن ادريس : وقد
وردت رخصة للنساء ان يصلّين وبينهن وبين الامام حائط ، والاول الاظهر والاصح وعنىٰ به مساواتهنّ للرجال .
الخامس :
تجوز الصلاة بين الاساطين مع المشاهدة واتصال الصفوف ، لقوله علیهالسلام : « لا أرىٰ بالصفوف بين الأساطين
بأساً » .
الرابعة : يشترط ان يكون موقف الامام مساوياً لموقف المأموم أو اخفض منه ، فلا يجوز العلو بما يعتدّ به ، لما روي : ان عماراً ـ رضياللهعنه ـ تقدم للصلاة علىٰ دكان والناس اسفل منه ، فتقدم حذيفة ـ رضياللهعنه ـ فأخذ بيده حتىٰ انزله ، فلما فرغ من صلاة قال له حذيفة : ألم تسمع رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « اذا أمّ الرجل القوم ، فلا يقومنّ في مكان أرفع من مقامهم » ؟ قال عمار : فلذلك اتبعتك حين اخذت علىٰ يدي .
وروي ايضاً : انّ
حذيفة أمّ علىٰ دكان بالمدائن ، فاخذ عبد الله بن مسعود بقميصه فجذبه ، فلما فرغ من صلاته قال : ألم تعلم انهم كانوا ينهون عن ذلك ؟ ! قال : بلىٰ ، ذكرت حين جذبتني
.
__________________
وروىٰ عمار الساباطي
عن الصادق علیهالسلام في الرجل يصلّي بقوم وهم في موضع اسفل من موضعه الذي يصلي فيه ، فقال : « ان كان الامام علىٰ شبه الدكان ، أو علىٰ موضع أرفع من موضعهم ، لم تجز صلاتهم »
.
وقال الشيخ ـ في الخلاف
ـ : يكره ان يكون الامام علىٰ مثل سطح ، ودكان ، وما اشبه ذلك .
وقال ابن الجنيد : لا
يكون الامام اعلىٰ بحيث لا يرىٰ المأموم فعله ، إلّا ان يكون المأمومون اضرّاء ، فان فرض البصراء الاقتداء بالنظر ، وفرض الاضرّاء الاقتداء بالسماع اذا صحّ لهم التوجه .
وقال المحقق ـ في المعتبر
ـ : للشيخ قولان :
احدهما :
التحريم ، ذكره في النهاية والمبسوط .
والثاني : الكراهية ، ذكره في الخلاف ، لرواية سهل قال : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله علىٰ المنبر فكبّر وكبّر الناس
وراءه ، ثم ركع وهو علىٰ المنبر ، ثم رجع فنزل القهقري حتىٰ سجد في أصل المنبر ، ثم عاد حتىٰ فرغ ، ثم اقبل علىٰ الناس فقال : « ايها الناس فعلت كذا لتأتموا [ بي ] ولتعلموا صلاتي » .
__________________
واجاب في المعتبر
بمنع الرواية أولاً ، وبالحمل علىٰ علو لا يعتدّ به ـ كالمرقاة السفلىٰ ـ ثانياً ، وبجواز كونه من خواصه علیهالسلام ثالثاً .
قال الفاضل : ولانّه
لم يتم الصلاة علىٰ المنبر ، فان سجوده وجلوسه انما كان علىٰ الأرض بخلاف ما وقع فيه الخلاف ، أو لانه علیهالسلام علّمهم الصلاة ولم يقتدوا به .
وفي المختلف حمل كلام
الشيخ ـ رحمهالله ـ في الخلاف علىٰ انّه أراد بالكراهة التحريم ، وهو خلاف ما عقله عنه المحقق ـ رحمهالله ـ حتىٰ انه تردّد فيه في غير المعتبر لامكان حمل روايات المنع علىٰ الكراهية
.
فروع :
الاول :
لو كان الإمام أسفل من المأموم بالمعتد كان الاقتداء جائزاً ، سواء كان المأموم علىٰ سطح أم لا . وقد روىٰ عمار : وان كان الامام اسفل
من موضع المأموم فلا بأس ، وقال : « لو كان رجل فوق بيت أو غير ذلك ، والامام علىٰ الارض ، جاز ان يصلّي خلفه ويقتدي به »
.
الثاني :
لا تقدير للعلوّ الا بالعرف وفي رواية عمار : ولو كان أرفع منهم بقدر اصبع الىٰ شبر ، فان كان ارضاً مبسوطة وكان في موضع فيه ارتفاع ، فقام الامام في المرتفع وقام من خلفه اسفل منه إلّا أنّهم في موضع
__________________
منحدر
، فلا بأس . وهي تدل بمفهومها علىٰ انّ
الزائد علىٰ شبر ممنوع ، واما الشبر فيبنىٰ علىٰ دخول الغاية في المغيا وعدمه .
وقدّره الفاضل بما لا
يتخطى ولعلّه اخذ من رواية زرارة السالفة ؛ ولانه قضية العرف .
الثالث :
لو وقف الامام علىٰ الاعلىٰ ، بطلت صلاة المأموم الذي أسفل منه ولا تبطل صلاة الامام . والنهي عن قيامه في مكان أعلىٰ لاجل صحة صلاة المأموم ، لا لاجل صحة صلاة الامام .
الخامسة : في سنّة الموقف ، وهي في صور .
احداها :
ان يقتدي الرجل بالرجل ، فيستحب قيامه عن يمينه ، ويقدّم الامام بيسير ، لانّ النبي صلىاللهعليهوآله جذب ابن عباس من ورائه فاداره الىٰ
يمينه وكان قد وقف علىٰ يساره ، ولروايتي محمد بن مسلم وزرارة السابقتين .
وثانيتها : ان تقتدي المرأة بالمرأة ، فتقف ايضاً موقف الرجل بالرجل .
وثالثتها : ان تقتدي المرأة بالرجل ، فتقف خلفه ، فلو وقفت عن جانبيه بنىٰ علىٰ المحاذاة ، وقد سبقت .
ورابعتها : ان يقتدي الخنثىٰ بالرجل ، والأولىٰ وقوفه خلفه ،
لجواز
__________________
الأنوثة
.
وخامستها : ان يقتدي الرجال بالرجل ، والافضل صلاتهم خلفه بأجمعهم ، وهو منصوص عنهم عليهمالسلام .
وكونه في وسط الصف ،
فلو صلّىٰ لا في وسطه جاز ، وقد روىٰ من فعل بعضهم عليهمالسلام ، ولعلّه للضرورة لانّ الامام لا يترك الافضل
. هذا في غير العراة ، واما العراة فلا يبرز عنهم إلّا بركبتيه .
ويستحب اختصاص اهل الفضل
بالصف الاول ، ثم الثاني بمن دونهم ، وهكذا ، لقول النبي صلىاللهعليهوآله : « ليليني اُولو الاحلام ، ثم الذين
يلونهم ، ثم الذين يلونهم » ثم الصبيان ، ثم النساء .
وعن الباقر علیهالسلام : « ليكن الذين يلون الامام اُولي الاحلام منكم والنهي ، فان نسىٰ الامام أو تعايا قوّموه ، وافضل الصفوف أولها ، وافضل أولها ما دنا من الامام » .
وقد روىٰ الكليني
في خبر مرفوع : انّ الصادق علیهالسلام صلّىٰ الىٰ زاوية والقوم كلهم عن أحد جانبيه .
وليكن يمين الصف لأفاضل
الصف الاول ، لما رُوي ان الرحمة تنتقل من الامام اليهم ، ثم الىٰ يسار الصف ، ثم الىٰ الباقي
، والافضل للافضل .
__________________
وسادستها : ان تقتدي النساء بالمرأة ، فيقمن صفاً . ولو احتيج الىٰ
صفوف فعل ، وتقف التي تؤم بهنّ وسط الصف الاول غير بارزة . وروىٰ عبد الله بن بكير مرسلاً عن الصادق علیهالسلام في الرجل يؤمّ بالمرأة ، قال : « نعم ، تكون خلفه » ، وفي المرأة تؤمّ النساء ، قال : « نعم ، تقوم وسطاً بينهنّ ولا تتقدّمهن » .
وسابعتها : ان يقتدي الصبيان بالصبي ، وحكمهم حكم الرجال في جميع ما ذُكر .
وثامنتها : ان يقتدي اصناف بالرجل ـ كالاحرار ، والعبيد ، والرجال ، والنساء ، والخناثىٰ ، والصبيان ـ فيقف الاحرار من كل صنف امام العبيد من ذلك الصنف ، والرجال أمام الصبيان ، والصبيان أمام الخناثىٰ ، والخناثىٰ
أمام النساء .
وقال ابن الجنيد ـ رحمهالله ـ : يقوم الرجال أولاً ، ثم الخصيان ، ثم الخناثىٰ ، ثم الصبيان ثم النساء ، ثم الصبيات . ويقدم الاحرار علىٰ العبيد
والاماء ، والاشراف علىٰ غيرهم ، والعلماء من الاشراف علىٰ من لا علم
له . والأحق بقرب الامام من يصلح للنيابة عند احتياج الامام اليها .
فالخلاف بينه وبين الشيخ
في تقديم الصبيان علىٰ الخناثىٰ ، فالشيخ نظر الىٰ تحقق الذكورية في الصبيان ، ونظر ابن الجنيد الىٰ تحقق الوجوب
في الخناثىٰ دون الصبيان ، وهو حسن ، واختاره ابن ادريس والفاضل
.
والافضل وقوف الامام
في وسط الصف .
__________________
ويكره تمكين الصبيان
من الصف الاول ، ووقوف المأموم وحده اختياراً ، لرواية السكوني عن الصادق علیهالسلام عن آبائه عليهمالسلام : « قال أمير المؤمنين علیهالسلام : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لا تكونن في العثكل . قلت : وما العثكل ؟ قال : ان تصلي خلف الصفوف وحدك ، فان لم يمكن الدخول في الصف وقام حذاء الامام أجزأه ، فان هو عاند الصف فسد عليه صلاته »
.
وقال ابن الجنيد : إن
أمكنه الدخول في الصف من غير أذية غيره ، لم يجز قيامه وحده .
وقال :
ان دخل رجل الىٰ المسجد ، فلم ير في الصفوف موضعاً يقف فيه ، أجزأه ان يقوم وحده محاذياً مقامه ولو كان نائباً للإمام ، وان خالف ذلك الموضع لم تجز صلاته اذا ترك ما علىٰ المنفرد أن يأتي به .
ويدفع قوله صحيح ابي الصباح
عن الصادق علیهالسلام في الرجل يقوم في الصف وحده ، فقال : « لا بأس ، انما يبدو واحد بعد واحد »
.
فان احتج بما رُوي انّ
النبي صلىاللهعليهوآله ابصر رجلاً خلف الصفوف وحده فأمره ان يعيد الصلاة ، وبرواية السكوني المذكورة .
قلنا :
الخبر من طرق العامة ، ولو سلم حمل علىٰ الاستحباب .
__________________
ويعارضهما
ما رُوي ان ابا بكرة جاء والنبي صلىاللهعليهوآله راكع ، فركع دون
الصف ثم مشىٰ الىٰ الصف ، فلما قضىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : « أيكم ركع
دون الصف ثم مشىٰ الىٰ الصف ؟ » .
فقال أبو بكرة : انا
. فقال : « زادك الله حرصاً ولا تعد » ، أي : لا تعد الىٰ التأخير أو نهي كراهة عن فعل مثل هذا ، لانه لم يأمره باعادة الصلاة .
فروع :
الاول :
لا كراهة في وقوف المرأة وحدها اذا لم تكن نساء ، وكذا مع تعذر المكان علىٰ الرجل الواحد .
الثاني :
لو وجد فرجة في صف ، فله السعي اليها وان كانت في غير الصف الاخير ، ولا كراهة هنا في اختراق الصفوف ، لانهم قصروا حيث تركوا تلك الفرجة . نعم ، لو أمكن الوصول بغير اختراقهم كان أولىٰ .
الثالث :
لو لم يجد فرجة فوقف وحده ، لم يستحب له جذب رجل ليصلي معه ، لما فيه من حرمانه الفضيلة بالتقدم ، واحداث الخلل في الصف . ولو جذبه لم يستحب اجابته .
الرابع :
لو تقدّم المأموم في اثناء الصلاة متعمداً علىٰ الامام ، فالظاهر انه يصير منفرداً ، لإخلاله بالشرط . ويحتمل ان يراعىٰ باستمراره أو عوده الىٰ موقفه ، فان عاد أعاد نيّة الاقتداء .
ولو تقدم غلطاً أو
سهواً ، ثم عاد الىٰ موقفه . فالظاهر بقاء القدوة ، للحرج . ولو جدّد نيّة الاقتداء هنا كان حسنا . وكذا الحكم لو تقدمت سفينة
__________________
المأموم
علىٰ سفينة الامام ، فلو استصحب نيّة الائتمام بعد التقدّم بطلت صلاته . وقال الشيخ ـ في الخلاف ـ : لا تبطل ، لعدم الدليل
.
الخامس :
كل ما ذكرناه في سنّة الموقف ، فانّه لا يبطل الائتمام بتركه ، وان نقص الفضل .
السادس :
لو قام الواحد عن يمين الامام فدخل آخر ، فان لم يكن الاول قد أحرم تأخّر ووقفا معاً خلف الامام ، وكذا لو كان قد أحرم إذا لم يكن مؤدياً الىٰ فعل كثير .
ولو قدّم الامام ثم
تحاذيا جاز ، وان كان تأخر الاول وتحاذيهما افضل ، إلّا ان يكون لا موقف من ورائهما ، فيتقدم الإمام اذا كان امامه موقف .
وروىٰ عمار عن الصادق
علیهالسلام ، قال : سألته عن الرجل يدرك الامام وهو قاعد يتشهد ، وليس خلفه إلّا رجل واحد عن يمينه ، قال : لا يتقدّم الامام ولا يتأخّر الرجل ، ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الامام ، فاذا سلّم الامام قام الرجل فأتمّ الصلاة » .
ويجوز الوقوف بحذاء الامام
اذا لم يجد موضعاً ، رواه سعيد الاعرج عن الصادق علیهالسلام .
السابع :
يستحب اقامة الصفوف استحباباً مؤكداً .
قال ابن بابويه : قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله : « اقيموا صفوفكم ، فاني أراكم من خلفي كما اراكم من بين يدي ، ولا تخالفوا فيخالف الله بين
__________________
قلوبكم
» .
وروىٰ الشيخ باسناده
الىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله انه قال : « سدّوا بين صفوفكم ، وحاذوا بين مناكبكم ، لا يستحوذ عليكم الشيطان »
.
ورُوي في صحاح العامة
: كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يسوّي صفوفنا كانما يسوّي القداح ، وقال : « اقيموا صفوفكم فاني أراكم
من وراء ظهري » .
وقال :
« سووا صفوفكم ، فان تسوية الصفوف من تمام الصلاة »
.
وكان يمسح مناكبهم في
الصلاة ويقول : « استووا ، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم » .
الثامن :
يستحب لمن وجد خللاً في صف ان يسعىٰ . روىٰ العامة ـ في الحسان ـ عنه صلىاللهعليهوآله : « انّ الله وملائكته يصلّون علىٰ
الذين يلون الصفوف الاُول ، وما من خطوة أحب الىٰ الله من خطوة يمشيها يصل بها صفا » ونحوه ما يأتي عن أبي عبد الله علیهالسلام .
التاسع :
يستحب للامام أمرهم بتسوية الصفوف ، لانّ النبي صلىاللهعليهوآله
__________________
روي
انه كان يقول عن يمينه : « اعتدلوا سووا صفوفكم » وعن يساره : « اعتدلوا سووا صفوفكم » . اما استحباب إلتفات
الامام عن اليمين واليسار ، لا بهذا الاعتبار ، فليس بمستحب عندنا .
العاشر :
يستحب تقارب الصفوف ، فلا يزيد ما بينها علىٰ مسقط الجسد اذا سجد ، رواه زرارة عن أبي جعفر علیهالسلام .
وقدّر ايضا بمربض عنز
، ذكره في المبسوط .
الحادي عشر : يجوز التأخّر الىٰ صف فيه فرجة اذا وجد ضيقاً في صفه ، لقول أبي عبد الله علیهالسلام : « أتمّوا الصفوف اذا رأيتم خللاً ،
ولا يضرّك ان تتأخر وراءك اذا وجدت ضيقاً في الصف الاول الىٰ الصف الذي خلفك وتمشي منحرفاً » .
وروىٰ التقدّم
والتأخّر أيضاً علي بن جعفر عن أخيه علیهالسلام .
وفي رواية زرارة عن الباقر
علیهالسلام : « ينبغي للصفوف ان تكون تامة متواصلة بعضها الىٰ بعض » .
وفي رواية محمد بن
مسلم ، قال : قلت له : الرجل يتأخّر وهو في الصلاة ، قال : « لا » . قلت : فيتقدّم . قال : « نعم ، ماشياً الىٰ القبلة
» ويحمل علىٰ عدم الحاجة الىٰ ذلك فيكره .
__________________
الشرط الخامس : توافق نظم الصلاتين في الافعال لا في عدد الركعات ، فلا يقتدىٰ في اليومية بالكسوف ولا بالجنازة والعيد ، ولا بالعكس ، لقوله صلىاللهعليهوآله : « انما جعل الامام إماماً ليؤتم به »
الخبر وهو غير حاصل مع الاختلاف .
ولا يشترط توافق الصلاتين
نوعاً ولا صنفا ، فيجوز اقتداء المفترض بالمتنفل وبالعكس ، وبالظهر في العصر والمغرب والصبح وبالعكس ، وقد سبق . وروىٰ حماد بن عثمان عن الصادق علیهالسلام في رجل أمّ قوماً فصلّىٰ العصر وهي لهم ظهر ، فقال : « اجزأت عنه وعنهم »
.
فلو اقتدىٰ
مصلّي الظهر بمصلي المغرب ، فانتهىٰ الامام الىٰ التسليم ، أتمّ المأموم وله الانفراد عقيب السجدة الأخيرة ، والاول افضل .
ولو اقتدىٰ
مصلّي الصبح بمصلّي الظهر ، فحكمه ما مرّ في اقتداء المسافر بالحاضر ، فيتخيّر عند انتهاء صلاته بين التسليم والانتظار ليسلّم الامام ، وهو الافضل .
ولو اقتدىٰ في المغرب
بالظهر ، فاذا قام الامام الىٰ الرابعة لم يتابعه ، بل يجلس للتشهد والتسليم ، والاقرب استحباب انتظاره كما قلناه في الصبح وصلاة المسافر .
لا يقال : انه احدث تشهداً مانعاً من الاقتداء ، بخلاف مصلّي الصبح
__________________
مع
الظهر ، فانه تشهّد مع الامام .
لانا نقول : لا نسلم ان ذلك مانع من الاقتداء ، وما هو إلّا كتأخّر المأموم عن الامام في تشهّده اذا كان مسبوقاً .
ويجوز الاقتداء في القضاء
بالاداء وبالعكس ، كما يجوز في الاداء بالاداء وفي القضاء بالقضاء .
الشرط السادس : المتابعة للامام ، وفيه مسائل :
الاُولىٰ : يجب كون أفعال المأموم غير متقدمة علىٰ أفعال الامام اجماعاً .
فلو تحرّم قبله بطلت القدوة
. ولو تحرّم معه ففيه قولان ، أصحهما المنع .
ولو ركع قبله ، فان كان
لم يفرغ الإمام من القراءة ، وتعمّد المأموم الركوع ولما يقرأ ، أو قرأ وقلنا بعدم اجتزائه بها اذ الندب لا يجزئ عن الفرض ، بطلت الصلاة .
وان كان بعد قراءة الامام
أثم ، وفي بطلان الصلاة قولان :
ففي المبسوط : من فارق
الامام لغير عذر بطلت صلاته . ولعلّه للنهي عن المفارقة الدال علىٰ الفساد ، ولكن يمكن ان يقال : صار منفرداً ، لانّ المفارقة المنهي عنها ما دام مؤتماً .
وقال المتأخرون : لا
تبطل الصلاة والا الاقتداء وان أثم ، لقضية الاصل . وحينئذ يستمر حتىٰ يلحقه الامام ، فلو عاد الىٰ
الركوع بطلت ،
__________________
وكذا
في السجود لو سجد قبله ، وكذا في الرفع منهما .
اما لو فعل ذلك سهواً
لم يأثم ويعود مع الامام ، لرواية محمد بن سهل الاشعري عن أبيه عن أبي الحسن الرضا علیهالسلام فيمن رفع رأسه قبل الامام ، قال : « يعيد ركوعه » .
وعن الفضيل بن يسار
عن الصادق علیهالسلام في الرجل يرفع رأسه من السجود قبل ان يرفع الامام رأسه من السجود ، قال : « فليسجد »
.
وهاتان الروايتان وان
كانتا مطلقتين فانهما تحملان علىٰ الناسي ، اذ الزيادة عمداً مبطلة فلا يؤمر بالعود ، وللجمع بين ذينك وبين رواية غياث عن الصادق علیهالسلام في الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الامام
، أيرجع اذا ابطأ الامام ؟ قال : « لا » .
فرع :
لو ترك الناسي الرجوع
، ففي بطلان صلاته وجهان :
احدهما :
نعم ، لان المعتدّ به انما هو الثاني ولم يأت به متعمّداً ، فيبقىٰ في العهدة .
والثاني : لا ، لانّ الرجوع لقضاء حق المتابعة لا لكونه جزءاً من الصلاة ، ولانه بترك رجوعه يصير في حكم المتعمد الذي عليه الاثم لا غير .
وفي التذكرة لم يوجب
بالعود علىٰ الناسي وان كان جائزاً . وروى
__________________
الحسن
بن علي بن فضال ، قال : كتبت الىٰ أبي الحسن الرضا علیهالسلام : فيمن ركع لظنه ركوع الامام ، فلما رآه لم يركع رفع رأسه ، ثم اعاد الركوع مع الامام ، فكتب : « يتم صلاته ، ولا تفسد بما صنع صلاته »
.
ويمكن ان يستدل ـ رحمهالله ـ بمفهوم هذا الخبر .
الثانية : لو اضطر الىٰ الصلاة مع غير المقتدىٰ به تابعه ظاهراً
ولا ينوي الاقتداء ، ولا عبرة هنا بالتقدّم والتأخّر ، وقع عمداً أو سهواً .
ويقرأ لنفسه ولو سراً
في الجهرية ، لقول الصادق علیهالسلام : « يجزئك اذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس » .
وتجزئه الفاتحة وحدها
مع تعذّر السورة ، ولو ركع الامام قبل قراءته قرا في ركوعه ، ولو بقىٰ عليه شيء فلا بأس . وروىٰ ابو بصير عن الباقر علیهالسلام : « ان فرغ قبلك فاقطع القراءة واركع
معه » وسأله عن الائتمام بمن لا يقتدىٰ به .
ولو اضطر الىٰ القيام
قبل تشهده قام وتشهد قائماً .
وجوّز في التهذيب ترك
القراءة للضرورة هنا ، لرواية اسحاق بن عمار عن الصادق علیهالسلام ، انه قال له : « ادخل معهم في الركعة
واعتدّ بها ، فانها من أفضل ركعاتك » . قال : فسمعت أذان المغرب فقمت مبادراً ، فوجدت الناس قد ركعوا فركعت مع أول صف ادركت واعتددت بها ، ثم صليت بعد الانصراف أربع ركعات ثم انصرفت ، واذا خمسة أو ستة من جيراني من المخزوميين والأمويين قد قاموا اليّ ، وقالوا : يا ابا هاشم جزاك
__________________
الله
عن نفسك خيراً ، فقد والله رأينا خلاف ما ظننا بك وما قيل فيك ، تبعناك حين قمت الىٰ الصلاة ونحن نرىٰ انك لا تقتدي بالصلاة معنا ،
فقد وجدناك قد اعتددت بالصلاة معنا ، فرضىٰ الله عنك وجزاك خيرا . فقلت لهم : سبحان الله ألمثلي يقال هذا ! ! » .
الثالثة : للمأموم أحوال :
احداها :
ان يدرك الامام قبل ركوعه ، فيحتسب بتلك الركعة اجماعاً ، سواء ادرك تكبيرة الركوع أو لا .
الحالة الثانية : ان يدركه حال ركوعه ، فيركع قبل رفع الامام ، والأصح ادراك الركعة كما قاله المرتضىٰ وابن الجنيد
وابن ادريس والمتأخرون لصحيح سليمان بن خالد عن الصادق علیهالسلام : في الرجل اذا أدرك الامام وهو راكع فيكبر الرجل وهو مقيم صلبه ، ثم يركع قبل أن يرفع الامام رأسه ، فقد ادرك الركعة ، ونحوه حسن الحلبي عنه علیهالسلام .
وقال الشيخ وتلميذه ابن
البراج : اذا لم يلحق تكبيرة الركوع فقد فاتته الركعة لصحيح محمد بن مسلم عن الباقر علیهالسلام ، قال : قال لي : « اذا لم
__________________
يدرك
القوم قبل أن يكبر الامام الركعة ، فلا يدخل معهم في
تلك الركعة » . وفي عبارة اُخرىٰ له عنه : «
لا يعتد بالركعة التي لم يشهد تكبيرها مع الامام » .
واجيب بان التكبير
يعبّر به عن نفس الركوع ، فتتفق الاخبار .
الحالة الثالثة : ان يدركه بعد ركوعه قبل السجدتين ، فيستحب التكبير والدخول معه في السجدتين .
وهل يحتاج الىٰ
استئناف النيّة بعد ذلك ؟
قال الشيخ
: لا لانّ زيادة الركن مغتفرة في متابعة الامام .
وقال الفاضلان : نعم
، لانها زيادة عمداً ، ولا فرق هنا بين ان يكون ذلك في السجدتين من الركعة الأخيرة أو باقي الركعات .
والذي في رواية المعلىٰ
بن خنيس عن الصادق علیهالسلام : « اذا سبقك الامام بركعة ، فادركته وقد رفع رأسه ، فاسجد معه ولا تعتدّ بها »
. فهذا يحتمل عدم الاعتداد بهما من الصلاة ، وان كانت النية صحيحة . ويحتمل عدم الاعتداد بهما ولا بالصلاة .
وعبارة المبسوط كالرواية
.
__________________
الحالة الرابعة : ان يدركه وقد سجد واحدة ، فيكبر ويسجد معه الاُخرىٰ ، وفي الاعتداد بها الوجهان .
وروىٰ محمد بن
مسلم : متىٰ يكون مدرك الصلاة مع الامام ؟ قال : « اذا ادرك الامام وهو في السجدة الأخيرة من صلاته ، فهو مدرك لفضل الصلاة مع الامام » . وهنا أولىٰ بالاعتداد ، لان المزيد
ليس ركناً .
والوجه الاستئناف كالاول
، لان الزيادة عمداً مبطلة وان لم تكن ركناً .
الحالة الخامسة : ان يدركه بعد السجود ، فيكبّر ويجلس معه : اما جلسة الاستراحة ، أو جلسة التشهد الأول ، أو التشهد الأخير .
وتجزئ هذه التكبيرة
قطعاً ، فان كان قد بقي شيء من صلاة الامام بنىٰ عليه ، وإلّا نهض بعد تسليم الامام وأتمّ صلاته .
وممّن روىٰ الاجتزاء
بذلك عمار ولكن روىٰ ايضاً عن الصادق علیهالسلام في رجل ادرك الإمام جالساً بعد الركعتين ، قال : « يفتتح الصلاة ، ولا يقعد مع الامام حتىٰ يقوم » . والجمع بينهما بجواز الأمرين ، وان كان
الافضل الجلوس مع الامام حتىٰ يسلم .
وروىٰ ابن بابويه
ان منصور بن حازم كان يقول : اذا أتيت الامام وهو جالس قد صلّىٰ ركعتين فكبّر ثم اجلس ، واذا قمت فكبّر
. وفي هذا ايماء الىٰ عدم الاجتزاء بالتكبير ، إلّا أن يجعله تكبير القيام ، وهو نادر .
والظاهر انه يدرك فضل
الجماعة اذا كان التأخير لا عمداً ، لانه مأمور
__________________
به
مندوب اليه ، وليس إلّا لادراك الفضيلة ، واما كونها كفضيلة من ادرك قبله فغير معلوم .
وقال ابن بابويه فيمن
أدركه في السجدة الاخيرة أو في التشهد : انه أدرك فضل الجماعة .
وقال ابن إدريس :
يدرك فضيلة الجماعة بادراك بعض التشهد وظاهره انه يدرك ذلك وان لم يتحرّم بالصلاة .
المسألة الرابعة : كل ما يدركه المأموم فهو أول صلاته ، سواء كان أول صلاة الامام أم لا .
قال المحقق : وهو
مذهب علمائنا كافة ، لقول النبي صلىاللهعليهوآله : « ما ادركتم فصلّوا ، وما فاتكم فأتموا » ، ولرواية زرارة عن الباقر علیهالسلام قال : « اذا ادرك الرجل بعض الصلاة جعل ما ادرك أول صلاته . ان ادرك من الظهر أو العصر ركعتين ، قرأ فيما ادرك مع الامام مع نفسه اُمّ الكتاب وسورة ، فاذا سلم الامام قام فصلّىٰ ركعتين لا يقرأ فيهما ، لانّ الصلاة انما يقرأ فيها
في الاوليين » .
وروىٰ عبد الرحمن
بن الحجاج ، قال : سألت ابا عبد الله علیهالسلام عن
__________________
الرجل
يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الامام ، كيف يصنع اذا جلس الامام ؟ قال : « يتجافىٰ ولا يتمكن من القعود . فاذا كانت الثالثة للامام ـ وهي له ثانية ـ فليلبث قدر ما يتشهد ، ثم يلحق بالامام » . وسألته عن الرجل يدرك مع الامام الركعتين الاخيرتين ، قال : « اقرأ فيهما فانّهما لك اُوليان ، ولا تجعل أول صلاتك آخرها » .
فان قلت : فقد روىٰ
ما يعارض ذلك ، كرواية معاوية بن وهب عنه علیهالسلام : انه يقضي القراءة في آخر صلاته
.
قلت :
حملها الشيخ علىٰ قراءة الحمد في الاخيرتين ، ولا يلزم منه قراءة السورة .
الخامسة : لو سُبق المأموم بعد انعقاد صلاته ، أتىٰ بما وجب عليه والتحق بالامام ، سواء فعل ذلك عمداً أو سهواً أو لعذر ، وقد مر مثله في الجمعة .
ولا تتحقق فوات القدوة
بفوات ركن ولا أكثر عندنا . وفي التذكرة توقّف في بطلان القدوة بالتأخر بركن ، والمروي بقاء القدوة ، رواه عبد الرحمن عن أبي الحسن علیهالسلام فيمن لم يركع ساهياً حتىٰ انحط الامام
للسجود : « يركع ويلحق به » .
السادسة : لو احسّ الامام وهو راكع بداخل ، استحب له تطويل
__________________
ركوعه
بمقدار ركوعين ، ونقل الشيخ فيه الاجماع ، ورواه جابر الجعفي
عن أبي جعفر علیهالسلام : « انتظر مثليّ
ركوعك ، فان انقطعوا وإلّا فارفع رأسك » .
وقال في المبسوط : فان
احسّ بداخل لم يلزمه التطويل ليلحق الداخل الركوع ، وقد رُوي انه يطوّل ركوعه مقدار الركوع مرتين
. فكانّ عنده توقفاً في الرواية ، والوجه القطع باستحباب ذلك .
وقال ابن الجنيد : فان
تنحنح بالامام مريد الدخول في صلاته ، انتظره بمقدار لبثه في ركوعه مرة ثانية ، فان لحقه وإلّا رفع رأسه
.
فروع :
الاول :
لو احسّ في أثناء القراءة بداخل ، لم يستحب له تطويل القراءة ، لحصول الغرض بادراكه في الركوع .
ولو قلنا باشتراط ادراك
تكبير الركوع ، فلا بأس بتطويل القراءة ، بل يستحب .
وهل يكره تطويلها علىٰ
القول بادراكه راكعا ؟ .
قال الفاضل : لا يكره
، لما روي عن النبي صلىاللهعليهوآله انه قال : « اني أحياناً أكون في الصلاة ، فافتتح السورة اُريد ان اتمّها فاسمع بكاء صبي ، فاتجوز في صلاتي مخافة أن تفتتن امه » . فاذا جاز الاختصار رعاية لحق الطفل
__________________
جازت
الزيادة رعاية لحق اللاحق .
وتتأكد زوال الكراهية
بعلمه انه لا يلحق بتطويل الركوع ، بل يستحب هنا تطويل القراءة .
الثاني :
لا يستحب تطويل القراءة رجاءً لمن عساه يدخل ، لما فيه من الاضرار بالباقين ، بل يكره . نعم ، لو علم منهم الرضا بذلك لم يكره . ويكره ان يفرّق بين من له قدر وبين غيره في الانتظار ، لاستواء الجميع في المعونة علىٰ الفضيلة .
الثالث :
لو احسّ به بعد رفع رأسه من الركوع ، فلا انتظار هنا اجماعاً ، لأنّ الغرض من الفضيلة تحصل له بما أدرك من الافعال ، اذ لا اقتداء حقيقي هنا . نعم ، لو كان في التشهد الأخير استحب تطويله اذا توقّف ادراكه علىٰ التطويل ، لتحصل له ثواب الجماعة .
الرابع :
لو انتظر مثلي ركوعه لداخل ، ثم دخل آخر ، لم ينتظره خوفاً من التطويل علىٰ المأمومين .
السابعة : قد سبق جواز المشي راكعاً لمن خاف فوت الاقتداء ، ورواه الاصحاب أيضاً عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام .
وفي رواية : « يجر
رجليه ولا يرفعهما » .
__________________
قال في المبسوط : والافضل
السجود مكانه ، ثم الالتحاق اذا قام .
وشرط ذلك ان لا يكثر المشي
بحيث يخرج عن اسم المصلي ، وان يكون الموضع الذي يركع فيه مما يصحّ الاقتداء فيه ، فلو تباعد أو سفل بالمعتد بطل الاقتداء .
ولو سجد الامام قبل انتهائه
الىٰ الصف ، وخاف فوت السجود بوصوله الىٰ الصف ، سجد مكانه قطعاً ثم قام والتحق بالصف . ولو رفع رأسه من الركوع ومشىٰ قائماً جاز . ولو انّه سجد في غير الصف ، ثم قام ليلتحق فركع الامام ثانياً ، ركع مكانه ومشىٰ في ركوعه ايضاً .
الثامنة : لا يتحمل الامام عن المأموم شيئاً من أفعال الصلاة سوىٰ
القراءة . وفي قراءة المأموم للاصحاب اقوال نحكيها بألفاظهم .
قال ابو جعفر بن بابويه
ـ في المقنع ـ : واعلم انّ علىٰ القوم في الركعتين الاوليين ان يستمعوا الىٰ قراءة الامام ، واذا كان في صلاة لا يجهر
فيها بالقراءة سبّحوا ، وعليهم في الركعتين الاُخريين ان يسبحوا
. وروىٰ في من لا يحضره الفقيه عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیهالسلام ، قال : « كان أمير المؤمنين علیهالسلام يقول : من قرأ خلف إمام يأتمّ به فمات بُعث علىٰ غير الفطرة » .
وروىٰ عن الحلبي
عن الصادق علیهالسلام : « اذا صليت خلف إمام تأتمّ به فلا تقرأ خلفه ، سمعت قراءته أو لم تسمع ، إلّا ان تكون صلاة يجهر فيها
__________________
بالقراءة
فلم تسمع فاقرأ » .
قال : وفي رواية عبيد
بن زرارة عنه : « انه من سمع الهمهمة فلا يقرأ » .
وفي رواية زرارة عن أبي
جعفر علیهالسلام : « ان كنت خلف امام فلا تقرأنّ شيئاً في الاوليين وانصت لقرائته ، ولا تقرأنّ شيئاً في الاخيرتين »
.
وروىٰ بكر بن
محمد عن الصادق علیهالسلام : « اني لأكره للمؤمن
ان يصلي خلف الامام صلاة لا يجهر فيها فيقوم كانّه حمار » . قلت : فيصنع ماذا ؟ قال : « يسبّح » .
وقال المرتضىٰ
: لا يقرأ المأموم خلف الموثوق به في الاوليين في جميع الصلوات من ذوات الجهر والاخفات ، إلّا ان تكون صلاة جهر لم يسمع فيها المأموم قراءة الامام ، فيقرأ كل واحد لنفسه . وهذه اشهر الروايات . ورُوي : انه لا يقرأ فيما جهر فيه الامام ، وتلزمه القراءة فيما يخافت فيه الامام . ورُوي : انه بالخيار فيما خافت فيه . فاما الأخيرتان فالاولىٰ ان يقرأ المأموم أو يسبّح فيهما
.
وقال الشيخ في النهاية
: اذا تقدم من هو بشرائط الامامة فلا تقرأنّ
__________________
خلفه
، جهرية أو اخفاتية ، بل تسبح مع نفسك وتحمد الله . وان كانت جهرية فانصت للقراءة ، فإن خفىٰ عليك قراءة الامام قرأت لنفسك ، وان سمعت مثل الهمهمة من قراءة الامام جاز لك إلّا تقرأ وأنت مخيّر في القراءة . ويستحب ان تقرأ الحمد وحدها فيما لا يجهر الامام بالقراءة فيها ، وان لم تقرأها فليس عليك شيء . وكذا في المبسوط
معبراً بعبارة ، وقال في آخرها : لانّ قراءة الامام مجزئة عنه .
وقال ابن البراج :
ومتىٰ أمّ من يصح تقدمه بغيره في صلاة جهر وقرأ ، فلا يقرأ الماموم بل يسمع قراءته ، وان كان لا يسمع قراءته كان مخيّراً بين القراءة وتركها ، وان كانت صلاة اخفات استحب للمأموم ان يقرأ فاتحة الكتاب وحدها ، ويجوز ان يسبح الله ويحمده
.
وقال ابو الصلاح : ولا
يقرأ خلفه في الاوليين من كل صلاة ولا في الغداة ، الا ان يكون بحيث لا يسمع قراءته ولا صوته فيما يجهر فيه فيقرأ .
وهو في الاخيرتين من الرباعيات
وثالثة المغرب بالخيار بين قراءة الحمد والتسبيح ، والقراءة افضل .
وقال ابن حمزة ـ في الواسطة
ـ : فالواجب أربعة اشياء : متابعة الامام في أفعال الصلاة ، والانصات لقراءته ، ونية الاقتداء ، والوقوف خلفه أو عن أحد جانبيه . واذا اقتدىٰ بالامام لم يقرأ في الاوليين ، فان جهر الامام
وسمع أنصت ، وان خفي عليه قرأ ، وان سمع مثل الهمهمة فهو مخيّر . [ و ] إن
__________________
خافت
الامام سبّح في نفسه . وفي الاخيرتين : ان قرأ كان افضل ، وان لم يقرأ جاز ، وإن سبح كان افضل من السكوت .
وقال سلار ـ في قسم المندوب
ـ : ولا يقرأ المأموم خلف الامام . وروي ان ترك القراءة في صلاة الجهر خلف الامام واجب . والأثبت الاول .
وقال ابن زهرة ـ رحمهالله ـ : ويلزم المؤتم ان يقتدي بالامام عزماً وفعلاً ، فلا يقرأ في الأوليين من كل صلاة ولا في الغداة ، الا ان تكون صلاة جهر وهو لا يسمع قراءة الامام . فاما الاخريان وثالثة المغرب فحكمه فيها حكم المنفرد .
وهذه العبارة ، وعبارة
ابي الصلاح ، تعطي ، وجوب القراءة أو التسبيح علىٰ المؤتم في الاخيرتين ، وكانهما أخذاه عن كلام المرتضىٰ .
وقال ابن ادريس : اختلفت
الرواية في القراءة خلف الامام الموثوق به ، فروي انّه لا قراءة علىٰ المأموم في جميع الركعات والصلوات ، سواء كانت جهرية أو اخفاتية في اظهر الروايات ، والذي يقتضيه اُصول المذهب انّ الامام ضامن للقراءة بلا خلاف . ورُوي انّه لا قراءة علىٰ المأموم في الاوليين في جميع الصلوات الجهرية والاخفاتية ، إلّا أن [ تكون ] صلاة جهر لم يسمع فيها المأموم قراءة الامام فيقرأ لنفسه . ورُوي انه ينصب فيما جهر فيه الامام بالقراءة ولا يقرأ هو شيئا ، وتلزمه القراءة فيما خافت ؛ وروي انه بالخيار فيما خافت فيه الامام . فاما الركعتان الاخيرتان فقد روي انه لا قراءة
__________________
فيهما
ولا تسبيح . وروي انه يقرأ فيهما أو يسبّح . والأول اظهر لما قدمناه .
وقال الشيخ نجم الدين
بن سعيد : وتكره القراءة خلف الامام في الاخفاتية علىٰ الاشهر ، وفي الجهرية لو سمع ولو همهمة ، ولو لم يسمع قرأ .
وقال : تسقط القراءة
عن المأموم ، وعليه اتفاق العلماء .
وقال الشيخان : لا
يجوز ان يقرأ المأموم في الجهرية اذا سمع قراءة الامام ولو همهمة . ولعله استناداً الىٰ رواية يونس عن أبي عبد الله علیهالسلام ، قال : « من رضيت قراءته فلا تقرأ خلفه » . وفي رواية الحلبي عنه علیهالسلام : « اذا صليت خلف امام تأتم به فلا تقرأ خلفه ، ( سمعت قراءته ) ، أو لم تسمع ، الا ان تكون صلاة يجهر فيها ولم تسمع قرائته »
. والاولىٰ ان يكون النهي علىٰ الكراهة ، لرواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله علیهالسلام ، قال : « انما أمرنا بالجهر لينصت من خلفه ، فان سمعت فأنصت ، وان لم تسمع فاقرأ » والتعليل بالانصات يؤذن بالاستحباب
.
ثم قال : اذا لم تسمع
في الجهرية ولا همهمة فالقراءة أفضل ، وبه
__________________
روايات
منها : رواية عبد الله بن المغيرة عن قتيبة عن ابي عبد لله علیهالسلام ، قال : « اذا كنت خلف من ترتضي به في صلاة يجهر فيها فلم تسمع قراءته فاقرأ ، وان كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ » . ويدلّ علىٰ انّ
ذلك علىٰ الفضل لا علىٰ الوجوب رواية علي بن يقطين عن ابي الحسن علیهالسلام في الرجل يصلي خلف من يقتدي به يجهر بالقراءة فلا يسمع القراءة ، قال : « لا بأس ان صمت وان قرأ » .
ثم قال : اطلق الشيخ
ـ رحمهالله ـ استحباب قراءة الحمد في الاخفاتية للمأموم ، والأولىٰ ترك القراءة في الاوليين ، وفي الاخيرتين روايتان :
احداهما : رواية ابن
سنان عن أبي عبد الله علیهالسلام : « اذا كان مأموناً علىٰ القراءة فلا تقرأ خلفه في الاخيرتين » .
والاُخرىٰ رواية
ابي خديجة عنه علیهالسلام ، قال : « اذا كنت في الاخيرتين فقل للذين خلفك يقرؤون فاتحة الكتاب » .
وقال ابن عمه نجيب الدين
ـ رحمهالله ـ : ولا يقرأ المأموم في صلاة جهر بل يصغي لها ، فان لم يسمع وسمع كالهمهمة أجزأه وجاز ان يقرأ . وان كان في صلاة اخفات سبح مع نفسه وحمد الله ، وندب الىٰ قراءة الحمد فيما لا يجهر فيه .
__________________
وقال الفاضل الجليل الشيخ
جمال الدين بن المطهر ـ رضياللهعنه وعنهم اجمعين ـ في المختلف : ولنورد هنا أجود ما بلغنا من الأحاديث واوضحها طريقاً .
روىٰ عبد الرحمن
بن الحجاج في الصحيح ، وذكر الرواية السالفة .
ثم قال : وفي الحسن
عن الحلبي ، وذكر الرواية السابقة .
ثم قال : وفي الحسن
عن زرارة عن احدهما عليهماالسلام ، قال : « اذا كنت خلف إمام تأتم به فانصت وسبّح في نفسك » .
وفي الحسن عن قتيبة
عن الصادق علیهالسلام ، وذكر ما سبق .
وفي الصحيح عن سليمان
بن خالد ، قال : قلت لأبي عبد الله علیهالسلام : أيقرأ الرجل في الاُولىٰ والعصر خلف الامام وهو لا يعلم الذي يقرأ ؟ فقال : « لا ينبغي له ان يقرأ ، يكله الىٰ الامام » .
وفي الصحيح عن علي بن
يقطين ، قال : سألت أبا الحسن الاول علیهالسلام عن الرجل يصلي خلف إمام يقتدي به في صلاة يجهر فيها بالقراءة ولا يسمع القراءة ، قال : « لا بأس ان صمت وان قرأ » .
وفي الصحيح عن ابن سنان
عن أبي عبد الله علیهالسلام : « ان كنت خلف الامام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة وكان الرجل مأموناً علىٰ القراءة فلا تقرأ خلفه في الاوليين » . وقال : « يجزئك التسبيح في الاخيرتين » . قلت : أي شيء تقول أنت ؟ قال : « اقرأ فاتحة الكتاب » .
وفي الصحيح عن زرارة
ومحمد بن مسلم ، قال : قال ابو جعفر علیهالسلام
«
كان أمير المؤمنين علیهالسلام يقول : من قرأ خلف امام
يأتمّ به فمات بُعث علىٰ غير الفطرة » وقد تقدم .
قال :
والاقرب في الجمع بين الاخبار استحباب القراءة في الجهرية اذا لم يسمع ولا همهمة لا الوجوب ، وتحريم القراءة فيها مع السماع لقراءة الامام ، والتخيير بين القراءة والتسبيح في الأخيرتين والاخفاتية
.
__________________
وقال في التذكرة : لا
تجب علىٰ المأموم القراءة ، سواء كانت الصلاة جهرية أو اخفاتية ، وسواء سمع قراءة الامام أو لا ، ولا تستحب في الجهرية مع السماع عند علمائنا اجمع .
ثم نقل عن الشيخين انه
لا تجوز القراءة في الجهرية مع السماع ولو همهمة ، ثم قال : وتحتمل الكراهة .
وقال :
لو لم يسمع القراءة في الجهرية ولا همهمة فالافضل القراءة .
ثم قال :
لو كانت الصلاة سراً ، قال الشيخ : يستحب قراءة الحمد خاصة .
واحسن الاقوال ما
ذكره في المعتبر .
وقد روىٰ هشام
بن سالم عن ابي خديجة عن الصادق علیهالسلام ، قال : « اذا كنت إمام قوم ، فعليك ان تقرأ في الركعتين الاوليين ، وعلىٰ الذين خلفك ان يقولوا : سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر ، وهم قيام .
فاذا كان في الركعتين الاخيرتين ، فعلىٰ الذين خلفك ان يقرؤوا فاتحة الكتاب ، وعلىٰ الامام التسبيح بمثل ما سبح القوم في الركعتين الاخيرتين » .
وروىٰ الحسين ابن
بشير عن الصادق علیهالسلام وسأله عن القراءة خلف الامام ، فقال : « لا ، انّ الامام ضامن للقراءة »
.
__________________
فروع :
الاول :
اذا لم يقرأ المأموم لم يستحب له الاستعاذة ، لانها من مقدمات القراءة .
وهل يستحب له دعاء الاستفتاح
، اعني : دعاء التوجه ؟ الوجه ذلك ، للعموم . نعم ، لو كان يشغله الاستفتاح عن السماع امكن استحباب تركه . وقطع الفاضل بانّه لا يستفتح اذا اشتغل به .
الثاني :
لا تستحب القراءة في سكتتي الامام عندنا ، لعدم ذكرها في الروايات وفتاوىٰ الاصحاب ، مع اطلاق الامر بالقراءة أو النهي عنها .
الثالث :
لو قرأ ففرغ قبله ، استحب ان يبقي آية ليقرأها عند فراغ الامام ، ليركع عن قراءة ، لرواية زرارة عن الصادق علیهالسلام ، قلت : أكون مع الامام فافرغ [ من ] القراءة قبله ، قال : « امسك آية ، ومجّد الله تعالىٰ واثن
، فاذا فرغ فاقرأ الآية » . وفيه دليل علىٰ استحباب التسبيح
والتحميد في الاثناء ، ودليل علىٰ جواز القراءة خلف الامام .
وكذا يستحب ابقاء آية
لو قرأ خلف من لا يقتدي به .
الرابع :
يستحب للامام اسماع من خلفه القراءة في الجهرية ، وجميع الاذكار في الاخفاتية والجهرية ، كما يستحب للمأموم الاخفات مطلقاً ، لقول
__________________
الصادق
علیهالسلام : « ينبغي للامام أن
يسمع من خلفه كل ما يقول ، ولا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئاً مما يقول » .
__________________
المطلب
الثالث : في اللوحق .
وفيه مسائل :
الاولىٰ : يجوز الاستخلاف ـ عند علمائنا اجمع ـ للامام اذا أحدث أو عرض له مانع ، للاصل ، ولما روي عن علي علیهالسلام : « ومن وجد اذىً ، فليأخذ بيد رجل فليقدمه » . وفيه دليل علىٰ انّ حق الاستخلاف
هنا للامام ، فلو لم يفعل استناب المأمومون ، لرواية علي بن جعفر عن أخيه عليهماالسلام .
الثانية : يكره ان يستخلف المسبوق ، لاحتياجه الىٰ ان يستخلف من يسلّم بهم . ويستحب ان يكون ممن شهد الاقامة ، لرواية معاوية بن شريح عن الصادق علیهالسلام ، قال : « اذا احدث الامام وهو في الصلاة
، فلا ينبغي له ان يقدم إلّا من شهد الاقامة » .
ويجوز تقديم من لم
يعلم ما مضىٰ من صلاتهم ، فيسبّحون به عند خطئه ، رواه زرارة عن احدهما عليهماالسلام .
الثالثة : لو جنّ الامام أو اُغمىٰ عليه أو مات ، فحق الاستخلاف للمأمومين ، لرواية الحلبي عن الصادق علیهالسلام في رجل أمّ قوماً بركعة ثم مات ، قال : « يقدمون رجلاً آخر ويعتدّون بالركعة »
.
__________________
الرابعة : لو حضر الامام الصالح للامامة ومكلّف في صلاة ، فان كانت نفلاً استحب قطعها ليفوز بأفضل منها ، وان كانت فريضة نقلها الىٰ النفل ثم إئتمّ به ان لم يكن امام الاصل ، ليدرك الفضيلة ، ولرواية سليمان بن خالد عن الصادق علیهالسلام ، قال : سألته عن رجل دخل المسجد فافتتح
الصلاة فبينما هو قائم يصلي اذ أذّن المؤذن ، قال : « فليصل ركعتين ، ويستأنف الصلاة مع الامام ، ولتكن الركعتان تطوعاً » .
وروىٰ سماعة ،
قال : سألته عمن صلّىٰ ركعة من فرضه فخرج الامام ، فقال : « ان كان إماماً عدلاً فليصل اُخرىٰ ويجعلها تطوعا ويدخل مع الامام » .
ولو كان امام الاصل استحب
قطع الفريضة واستئناف الصلاة .
وتوقّف فيه الفاضلان
من حيث كمال المزية ، ومن عموم النهي عن قطع الصلاة .
وفي المختلف جزم بعدم
قطع الصلاة .
ويظهر من ابن ادريس
عدم جواز النقل الىٰ النفل ، لانه في معنىٰ الابطال .
وفي المبسوط : ان كانت
فريضة كمل ركعتين وجعلهما نافلة وسلّم
__________________
ودخل
مع الامام ، فان لم يمكنه قطعها . وهو يشعر بجواز
قطع الفريضة مع غير إمام الاصل اذا خاف الفوات ، وهو عندي قوي ، استدراكاً لفضل الجماعة الذي هو أعظم من فضل الأذان ، ولان العدول الىٰ النفل قطع لها أيضاً أو مستلزم لجوازه .
الخامسة : يجوز في الجماعة المستحبة التسليم قبل الامام بنيّة الانفراد ان كان له عذر ، لما رواه ابو المغرا عن الصادق علیهالسلام في الرجل يصلي خلف إمام فيسلم قبل الامام ، قال : « ليس بذلك بأس »
. وروىٰ علي بن جعفر عن أخيه عليهماالسلام في الرجل يكون خلف الامام فيطيل التشهد
، فيأخذه البول أو يخاف علىٰ شيء ان يفوت أو يعرض له وجع ، قال : يسلم وينصرف . لانّ الاقتداء غير واجب ابتداء فلا يجب استدامة .
ولو تعمّد السلام
قبله لا لعذر ولم ينو الانفراد ، فالظاهر انه يأثم ويجزئه . ولو كان له عذر ولم ينو الانفراد فكذلك ، لانه انفراد بالفعل .
السادسة : قال الشيخ في المبسوط : لو صلّىٰ اُميّ بقارئ بطلت صلاة
القارئ وحده ، وصحت صلاة الاُميّ . ولو صلّىٰ بقارئ واُميّ بطلت صلاة القارئ وحده .
واستدرك الفاضل بانه
ينبغي التقييد بكون القارئ غير صالح للامامة ، اذ لو كان صالحاً لوجب علىٰ الاُمي الاقتداء به ، فاذا اخلّ بطلت صلاته وصلاة من خلفه .
__________________
وهذا بناءً علىٰ
وجوب الاقتداء ، لانه يسقط وجوب القراءة لقيام قراءة الامام مقامها ، وينبغي تقييده بأمرين :
احدهما :
سعة الوقت . فلو كان ضيقاً لم يمكن فيه التعلم ، فصلاته بالنسبة اليه صحيحة ، فهي كسائر الصلوات التي لا يجب فيها الاقتداء مع امكان الوجوب ـ كما قاله رحمهالله للعدول الىٰ البدل عند تعذر المبدل
.
الثاني :
علم الاُمي بالحكم . فلو جهله فالظاهر انه معذور ، لان ذلك من دقائق الفقه الذي لا يكاد يدركه إلّا من مارسه .
تم مع سعة الوقت وامكان
التعلم ينبغي بطلان صلاة الاُمي علىٰ كل حال ، لاخلاله بالواجب من التعلم ، واشتغاله بمنافيه .
ويتفرع علىٰ
ذلك لو كان يعجز عن حرف ، أو عن اعراب ، فهل يجب عليه الائتمام ؟ فيه الكلام بعينه ، اذ حكم الابعاض حكم الجملة .
السابعة : من مشاهير الفتاوىٰ انه لا يجوز الاقتداء في النافلة ،
وقد سبق ذلك وما استثنىٰ منه ، إلّا ان في الروايات ما يتضمن جوازه ، مثل : ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق علیهالسلام ، قال : « صل باهلك في رمضان الفريضة والنافلة ، فاني أفعله » . وروىٰ الحلبي عنه علیهالسلام : « تؤمّ المرأة النساء في النافلة » وكذا في رواية سليمان بن خالد عنه علیهالسلام .
الثامنة : وردت رخصة بانه اذا اضطر الىٰ الصلاة خلف المخالف يظهر المتابعة ولا يسجد السجود الحقيقي ، ورواها عبيد بن زرارة عن أبي
__________________
عبد
الله علیهالسلام ، حيث قال علیهالسلام : « واما أنا اصلي
معهم وأريهم اني أسجد وما اسجد » .
وروىٰ ناصح المؤذن
عنه علیهالسلام انه قال له علیهالسلام : اني اُصلي في البيت واخرج اليهم ، قال : « اجعلها نافلة ، ولا تكبر معهم فتدخل معهم في الصلاة ، فان مفتاح الصلاة التكبير » . وتأويل هذا الحديث مشكل ، لانّ ظاهره انّ النافلة تنعقد بغير تكبير وهو غير معهود ، وان الصلاة تنعقد بالتكبير بحيث يتعيّن اتمامها ولم يقل به الأصحاب .
التاسعة : يجوز التشهد للمسبوق مع الامام ، رواه اسحاق بن يزيد عنه علیهالسلام ، حيث قال : أفأتشهد كلما قعدت ؟ فقال
: « نعم ، انما التشهد بركة » . ونحوه رواه داود بن الحصين
.
وقال في المبسوط : اذا
جلس للتشهد الاخير جلس معه يحمد الله ويسبحه .
وقال ابو الصلاح :
يجلس مستوفزا ولا يتشهد وتبعه ابن زهرة
وابن حمزة .
والافضل للامام ان يلازم
مقامه حتىٰ يتمّ من اقتدىٰ به الصلاة ، رواه
__________________
اسماعيل
بن عبد الخالق قال : سمعته يقول : « لا ينبغي للامام ان يقوم اذا صلّىٰ حتىٰ يقضي كل من خلفه ما قد فاته من الصلاة »
ولفظة « لا ينبغي » ظاهرة في الكراهية ، ولرواية عمار عن الصادق علیهالسلام : جواز قيام الامام من موضعه قبل فراغ من دخل في صلاته .
فان قلت : في قوله : « يقضي كل من خلفه ما فاته » دليل علىٰ ان ما
يدركه آخر صلاته لا أولها ، كما يقوله بعض العامة
ويحتج بقول النبي صلىاللهعليهوآله : « وما فاتكم فاقضوا »
.
قلت :
لما دلت الأخبار الكثيرة علىٰ انّ ما يدركه هو أول الصلاة ، وجب تأويل هذا بانّ المراد بـ ( القضاء ) : الاتيان ، والمراد بـ ( ما فات ) المماثل لما فات في العدد لا في نفس الفائت ، اعني : القراءة بالفاتحة والسورة .
العاشرة : يستحب للامام تخفيف الصلاة ، والاقتصار علىٰ السور القصار ، والتسبيح في الركوع والسجود ثلاثاً لا أزيد . روىٰ اسحاق بن عمار عن الصادق علیهالسلام ، قال : « ينبغي للامام ان تكون صلاته
علىٰ اضعف من خلفه » .
ولو احسّ بشغل لبعض المأمومين
استحب التخفيف أزيد من ذلك .
__________________
روىٰ
ابن سنان عن الصادق علیهالسلام ، قال : « صلّىٰ
رسول الله صلىاللهعليهوآله الظهر والعصر ، فخفف الصلاة في الركعتين ، فلما انصرف قالوا : خففت في الركعتين الاخيرتين ، فقال لهم : « اما سمعتم صراخ الصبي »
.
ويستحب له القعود بعد
التسليم هنيهة ، رواه سيف بن عميرة عن أبي بكر عن الصادق علیهالسلام .
ويستحب ان يعمّم الامام
دعاءه ، لرواية سماعة عن الصادق علیهالسلام عن آبائه عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال : « من صلّىٰ بقوم ، فاختص
نفسه بالدعاء ، فقد خانهم » .
الحادية عشرة : روىٰ ابراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن علیهالسلام ، قال : « لا يصلي بالناس من في وجهه آثار » . وبه افتىٰ ابن بابويه في المقنع ويمكن حملها علىٰ البرص أو الجذام لا علىٰ مطلق الآثار
.
وروىٰ شعبة بن
صدقة ، انه قيل للصادق علیهالسلام في الصلاة مع الناصبة بغير وضوء تقية لعدم امهالهم للوضوء ، فقال علیهالسلام : « اما يخاف من يصلي علىٰ غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفا » . وقال ابن بابويه ـ في المقنع ـ : « ما من عبد يصلّي في الوقت ويفرغ ، ثم يأتيهم ويصلّي معهم وهو علىٰ وضوء ، الا كتب الله له خمساً وعشرين درجة » والظاهر انه رواه . ويجمع
__________________
بينهما
بالاضطرار والاختيار .
الثانية عشرة : وقت القيام الىٰ الصلاة عند قول المؤذن : ( قد قامت الصلاة ) في المشهور ، لان حفص بن سالم سأل الصادق علیهالسلام : اذا قال المؤذن قد قامت الصلاة ، أيقوم الناس علىٰ أرجلهم أو يحتبسون حتىٰ يجيىء الامام ؟ قال : « لا بل يقومون ، فان جاء امامهم وإلّا فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم » .
وقال بعض الاصحاب :
وقت القيام عند قوله : ( حي علىٰ الصلاة ) ، لانه دعاء اليها . قلنا : دعاء الىٰ الاقبال ، (
وقد قامت ) دعاء الىٰ القيام .
وفي المبسوط : وقت القيام
الىٰ الصلاة عند فراغ المؤذن من كمال الأذان ، وكذلك وقت الاحرام بها وقت الفراغ منه علىٰ التمام
وعنىٰ به الاقامة . ومثله قال في الخلاف .
الثالثة عشرة : يكره ان يصلىٰ نافلة بعد الاقامة ، لما فيه من التشاغل بالمرجوح عن الراجح . ومنعه ابن حمزة وفي النهاية : لا يجوز
، وقد تحمل علىٰ ما لو كانت الجماعة واجبة وكان ذلك يؤدي الىٰ فواتها .
الرابعة عشرة : نقل ابن ادريس انّ من الاصحاب من يقول : ان الامام يضمن القراءة والركوع والسجود ومضمونه في رواية محمد بن سهل عن
__________________
الرضا
علیهالسلام ، قال : « الامام
يحمل أوهام من خلفه إلّا تكبيرة الافتتاح » .
وعن النبي صلىاللهعليهوآله : « الائمة ضمناء » .
ويعارضها غيرها من ان
الامام ليس بضامن ، رواها معاوية بن وهب عن الصادق علیهالسلام .
الخامسة عشرة : يفتح المأموم علىٰ الامام اذا اُرتج عليه ، وينبّهه علىٰ
الغلط واللحن ، فلو تركه لم تبطل الصلاة اذا لم يعلم انه تعمّده .
والمسبوق اذا جلس في
تشهد الامام جلس متجافياً مستوفزاً غير متمكن ، وذلك علىٰ سبيل الندب ، وقال ابن بابويه : يجب
. ويستحب له تخفيف تشهده في موضعه ثم يلحق بالامام .
السادسة عشرة : قال ابو الصلاح : ويلزم إمام الصلاة تقديم دخول المسجد ليقتدي به المؤتمون ، ويتعمّم فيتحنك ويرتدي ، ويجهر بالقراءة بحيث يجب الجهر ، ويخافت . بحيث يجب الاخفات ، ويجهر بالتكبير والقنوت والتشهد علىٰ كل حال ، ويخفف من غير اخلال
.
والظاهر انه أراد باللزوم
تأكيد الاستحباب ، ويكون المراد بالجهر في القراءة زيادته بحيث يسمع المأمومون .
قال :
ويلي اُولىٰ الاحلام العوام والاعراب ، ويلونهم العبيد ، ويلونهم
__________________
الصبيان
ثم النساء .
السابعة عشرة : روىٰ عمر بن يزيد عن الصادق علیهالسلام : جواز الائتمام بمن يسمع أبويه الكلام المغضب لهما ما لم يكن عاقاً قاطعاً
. ويحمل ذلك علىٰ انه غير مصرّ ، اذ الاصرار علىٰ الصغائر يلحقها بالكبائر ان
جعلنا هذا صغيرة وتحريم ان يقول لهما أُف يؤذن بعظم حقهما ، وبأنّ المتخطّي نهي الله تعالىٰ فيهما علىٰ خطر عظيم .
الثامنة عشرة : قال ابن بابويه : من المأمومين من لا صلاة له ، وهو الذي يسبق الامام في ركوعه وسجوده ورفعه .
ومنهم من له صلاة واحدة
، وهو المقارن له في ذلك .
ومنهم من له أربع
وعشرون ركعة ، وهو الذي يتبع الامام في كل شيء ، فيركع بعده ، ويسجد بعده ، ويرفع منهما بعده .
ومنهم من له ثمان واربعون
ركعة ، وهو الذي يجد في الصف الاول ضيقاً فيتأخّر الىٰ الصف الثاني .
قال :
وروىٰ ايضاً : « ان من صلّىٰ في مسجد القبيلة كان له ثمان واربعون ركعة » . قال : ومسجد القبيلة هو مسجد بناه من لقي الامام .
قال :
وسألت شيخنا محمد بن الحسن عن موقف من يدخل بعد من
__________________
دخل
ووقف علىٰ يمين الامام لتضايق الصفوف ، فقال : لا أدري ، وذكر انه لا يعرف في ذلك أثراً في الحديث .
التاسعة عشرة : أوجب ابن حمزة ان يكون أقرأ القوم ، لظاهر الخبر . والمشهور انه علىٰ الاستحباب ، والا ان يكون من دونه لا يؤدي الواجب من القراءة .
واوجب الانصات لقراءة
الامام علىٰ ظاهر الآية وحمله الأكثر علىٰ الندب .
وعدّ من المحظور صلاة
العصر خلف من يصلّيها ولم يصلّ المقتدي الظهر . وهذا لا خصوصية فيه للامامة ، لتحريم تقديم العصر علىٰ الظهر متعمداً ، سواء كان إماماً أو مؤتماً أو منفرداً .
وعدّ من المكروه الوقوف
عن يسار الامام ، وقال : لا يمكّن العبد ، ولا الصبي ، ولا السفيه ، ولا المخنث ، ولا الخنثىٰ ، من الصف الاول
.
العشرون : قال الشيخ في الخلاف : لا تبطل الصلاة بتقدم سفينة المأموم علىٰ سفينة الامام ، لعدم الدليل
. والظاهر انه يريد به اذا انفرد ، أو استدرك التأخّر .
وقال :
لو قلنا ان الماء ليس بحائل ، فلا حدّ فيه الا ما يمنع من
__________________
مشاهدة
الامام والاقتداء بافعاله .
ثم نقل عن الشافعي التحديد
بثلاثمائة ذراع ، فان زاد لم يجز .
ثم قال : التحديد يحتاج
الىٰ شرع ، وليس فيه ما يدل عليه . وهذا يشعر بجواز الزيادة علىٰ ثلاثمائة ، ولا يراد به مع اتصال الصفوف إذ لا صفوف في الماء ، الا في مثل السفن . ويمكن ان يريد بالتحديد المنفي نفس الثلاثمائة ، فيكون انتفاء الزائد بطريق الأولىٰ .
وليكن هذا آخر المجلد
الاول من كتاب ذكرىٰ الشيعة ، ويتلوه ان شاء الله تعالىٰ في المجلد الثاني كتاب الزكاة . وفرغ منه يوم الثلاثاء لتسع
ان بقين من صفر ختم بالخير والظفر ، سنة اربع وثمانين وسبعمائة . والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والتسليم علىٰ افضل المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين صلاة تامة باقية الىٰ يوم الدين .
__________________

فهرس الموضوعات
الفصل
الثالث : في تروك الصلاة ، وفيه مطلبان ٥
المطلب الأول : التروك الواجبة ، وفيه
مباحث
البحث الأول : حرمة الفصل الكثير الخارج
عن الصلاة إذا خرج فاعله به عن كونه مصلياً ٦
المسألة الأولىٰ
: حكم ما لو قرأ كتاباً في نفسه من غير نطق ٩
المسألة الثانية :
حكم ما لو كان الفعل الكثير متوالياً ٩
المسألة الثالثة :
قول الأصحاب : إنّ الفعل الكثير إذا وقع عمداً يبطل ٩
المسألة الرابعة :
حكم البكاء في الصلاة ١٠
المسألة الخامسة : جواز
الايماء بالرأس والاشارة باليد والتسبيح للرجل والتصفيق للمرأة ، عند إرادة الحاجة ١١
البحث الثاني : حرمة تعمّد القهقهة في
الصلاة ١٢
البحث الثالث : حرمة تعمّد الحدث في
الصلاة ١٢
البحث الرابع : حرمة تعمّد الكلام بما
ليس من الصلاة ١٢
البحث الخامس : حرمة الانحراف عن القبلة
ولو يسيراً ١٦
البحث السادس : حكم عقص الشعر ١٨
البحث السابع : في باقي المبطلات ١٩
المطلب الثاني : التروك المستحبة ، وفيه
اُمور ٢١
خاتمة الفصل : وفيها
ثلاثة مباحث :
البحث الأول : في السلام علىٰ
المصلي ، وفيه تسع مسائل ٢٣
المسألة الاُولىٰ
: لا كراهة في السلام علىٰ المصلّي ٢٣
المسألة الثانية :
وجوب الردّ عليه إذا سلّم عليه ٢٤
المسألة الثالثة :
وجوب إسماعه تحقيقاً أو تقديراً كما في سائر الردّ ٢٤
المسألة الرابعة :
قول المرتضىٰ بوجوب قول المصلّي في ردّ السلام مثل ما قاله المسلّم ٢٥
المسألة الخامسة : عدم
كفاية الاشارة بالرد عن السلام لفظاً ٢٥
المسألة السادسة :
عدم وجوب قصد القرآن بردّه ٢٦
المسألة السابعة :
فيما لو سلّم بالصباح أو المساء أو التحية ٢٦
المسألة الثامنة :
حكم ما لو كان في موضع تقية ٢٦
المسألة التاسعة :
حكم ما لو ردّ غيره ٢٦
البحث الثاني : حكم ما لو رعف في أثناء
الصلاة أو تقئ ٢٧
البحث الثالث : استحباب قول ( الحمد لله
) عند العطاس في الصلاة ٢٨
الركن الثاني : الخلل الواقع في الصلاة
المطلب الأول : في العمد . وفيه ثلاث
مسائل ٣١
المسألة الأولىٰ
: بطلان الصلاة بتعمد الاخلال بكل ما يتوقف عليه صحة الصلاة من الشروط ٣١
المسألة الثانية : لا
فرق بين الاخلال بالشروط والابعاض وبين الاخلال بما يجب تركه ٣١
المسألة الثالثة :
بطلان الصلة بزيادة واجب عمداً ٣١
المطلب الثاني : في السهو . وفيه مسائل ٣٢
المسألة الاُولىٰ
: بطلان الصلاة بالسهو إذا تضمّن الاخلال بشرط أو ركن ٣٢
المسألة الثانية :
بطلان الصلاة بزيادة ونقيصة الركن سهواً ٣٢
المسألة الثالثة :
حكم ما لو نقص من صلاته ساهياً ركعة فما زاد ٣٤
المسألة الرابعة : لا
حكم للسهو عن غير الركن إذا تجاوز محله ٣٥
المسألة الخامسة :
حكم ما لو سها عن شيء وهو في محله ٣٧
المسألة السادسة : لا
تبطل الصلاة بالسهو عن سجدة من ركعة حتىٰ يركع فيما بعدها ٣٨
المسألة السابعة : حكم
الاوليين حكم الأخيرتين في السهو عن غير ركن ٤٠
المسألة الثامنة :
حكم الأخيرتين حكم الأوليين في البطلان بترك الركن إذا تجاوز محله ٤١
المسألة التاسعة :
حكم ما لو نسي سجدة أو التشهد حتىٰ ركع من بعد ٤٢
المسألة العاشرة :
ظاهر كلام جماعة في عدم الفرق بين التشهد الأول والأخير في التدارك بعد الصلاة سواء تخلل الحدث بينه وبين الصلاة أوْ لا ٤٣
المسألة الحادية عشرة
: حكم الصلاة علىٰ النبي وآله صلّىٰ الله عليهم اذا سها عنها المصلي ٤٥
المسألة الثانية عشرة
: حكم ما لو ترك السجدة الواحدة ناسياً ثم ذكرها ٤٩
المسألة الثالثة عشرة
: هل تقضىٰ السجدة بعد التسليم أم قبله ؟ ٤٩
المسألة الرابعة عشرة
: حكم أبو الحسن بن بابويه وبعض الأصحاب في ناسي التشهد أو التسليم ٥٠
المسألة الخامسة عشرة
: في مواضع يغتفر زيادة الركن سهواً ٥١
المطلب الثالث : في الشك . وفيه مسائل ٥٤
المسألة الاُولىٰ
: هل يبني علىٰ أحد طرفي ما شك فيه لو غلب علىٰ ظنه ٥٤
المسألة الثانية : لا
حكم للشك مع الكثرة ٥٤
المسألة الثالثة : لا
حكم لشك الامام مع حفظ المأموم ولا بالعكس ٥٧
المسألة الرابعة :
حكم ما لو وجب علىٰ الامام سجدتا السهو ٥٩
المسألة الخامسة : لا
حكم للشك مع الانتقال عن المحل ٦١
المسألة السادسة :
حكم ما لو شك في السجود ٦٢
المسألة السابعة :
حكم ما لو تلافىٰ ما شك فيه ثم ذكر فعله ٦٤
المسألة الثامنة : هل
تبطل الصلاة بالشك في الأفعال ، ركناً كانت أوْ لا ؟ ٦٥
المسألة التاسعة :
بطلان الصلاة بالشك في عدد الاوليين اجماعاً إلّا من أبي جعفر بن بابويه ٦٦
المسألة العاشرة :
حكم ما لو شك فلم يدرِ كم صلّىٰ ٦٧
المسألة الحادية عشرة
: حكم ما لو شك في الثنائية فريضة ـ كالصبح والكسوف والعيدين والجمعة وصلاة السفر ـ وكذا المغرب ٦٨
المسألة الثانية عشرة
: المشهور البناء علىٰ الأكثر اذا حصّل في الرباعية الاوليين وشك في الزائد ، والاتيان بعد التسليم بما شك فيه ٧٤
تتمة : حكم ما لو فاتته السجدة أو
التشهد أو الصلاة علىٰ النبي وآله ( عليهمالسلام
) ٨٤
خمسة مباحث في سجدتي
السهو :
البحث الأول : اختلاف الأصحاب في
موجبهما ٨٥
البحث الثاني : في اتحاد السبب وتكثّره ٩٠
البحث الثالث : محلهما بعد التسليم ٩٢
البحث الرابع : هل تجب النيّة فيهما
وتعيين السبب ؟ ٩٤
البحث الخامس : هل يجب البدار بهما علىٰ
الفور ؟ ٩٥
الركن الثالث : في بقية الصلوات الواجبة
الفصل الأول : في صلاة الجمعة ، وفيه
ثلاثة مطالب ٩٩
المطلب الأول : في الشرائط ٩٩
الشرط الأول : السلطان
العادل ، وهو الإمام أو نائبه ١٠٠
الشرط الثاني : العدد
١٠٦
الشرط الثالث : كمال
المخاطب بها ١١٠
الشرط الرابع :
الجماعة ١٢٣
الشرط الخامس : وحدة
الجمعة ١٢٩
الشرط السادس : الوقت
١٣١
الشرط السابع :
الخطبتان ١٣٤
المطلب الثاني : في الآداب . وفيه مسائل
١٤٥
المسألة الاُولىٰ
: استحباب قراءة الجمعة والمنافقين فيها ، والجهر والقنوت والتنقل بعشرين ركعة والغسل وحلق الرأس . . . ١٤٥
المسألة الثانية :
استحباب الدعاء امام توجهه بقوله « اللهم من تهيأ وتعباً » إلىٰ آخره والمباكرة إلىٰ المسجد ١٤٥
المسألة الثالثة : اذا
صعد الخطيب علىٰ المنبر يستحب له الجلوس قبل الخطبة بقدر قراءة سورة الاخلاص . وتحري ساعة الاجابة في يوم الجمعة للدعاء ١٤٧
المسألة الرابعة :
استحباب تحري المأثور في الخطبة من الألفاظ عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وفي نهج البلاغة وتقصيرها ١٤٨
المسألة الخامسة :
كراهة تخطي رقاب الناس قبل خروج الامام وبعده لغيره ١٤٨
المسألة السادسة :
استحباب زيادة العمل الصالح في يوم الجمعة والصدقة ١٤٩
المسألة السابعة :
استحباب قراءة سورة الرحمن في دبر الغداة من يوم الجمعة والتوحيد بعد الفجر مئة مرة ، والاستغفار . . . ١٥٠
المطلب الثالث : في الأحكام . وفيه
مسائل ١٥٣
المسألة الاُولىٰ
: حرمة البيع بعد الأذان للجمعة ١٥٣
المسألة الثانية : هل
يشترط في الجمعة المصر ؟ ١٥٤
المسألة الرابعة : جواز
اقامة الجمعة خارج المصر ١٥٥
المسألة الخامسة :
استحباب أن يصلي الظهر في المسجد الأعظم لمن سقطت عنه الجمعة ١٥٦
المسألة السادسة :
استحباب تقديم الظهر علىٰ صلاة الجمعة مع الامام لو لم يكن الإمام مرضياً ١٥٦
الفصل الثاني : في صلاة العيدين ، وفيه
ثلاثة مطالب ١٥٧
المطلب الأول : في وجوبها وشرائطها ،
وفيه مسائل ١٥٧
المسألة الاُولىٰ
: استحباب لمن كان له عذر عن الخروج مع الامام أن يصليها في البيت ١٦٠
المسألة الثانية : قول
الشيخ في خروج العجائز ومن لا هيئة لهنّ من النساء وذوات الهيئات منهن والجمال في صلاة الاعياد ١٦١
المسألة الثالثة :
حكم ما لو فاتت هذه الصلاة بخروج وقتها ١٦٢
المسألة الرابعة :
وقتها من طلوع الشمس إلىٰ الزوال ١٦٣
المسألة الخامسة :
وقت الخروج من بعد طلوع الشمس ١٦٤
المسألة السادسة :
حكم ما لو ثبتت الرؤية من الغد ١٦٤
المسألة السابعة :
حرمة السفر علىٰ المخاطب بها بعد طلوع الشمس ١٦٥
المسألة الثامنة :
استحباب الاصحار بها إلّا بمكة تأسياً بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ١٦٥
المسألة التاسعة : علىٰ
الامام اخراج المحبوسين بالدَّين يوم الجمعة والعيد ١٦٦
المسألة العاشرة :
كراهة التنفل قبلها وبعدها إلىٰ الزوال إلّا بمسجد المدينة ١٦٧
المسألة الحادية عشرة
: عدم الجواز للامام أن يخلف من يصلي بضعفة الناس ١٦٨
المسألة الثانية عشرة
: استحباب مباشرة الأرض في صلاة العيد بلا حائل ١٦٩
المسألة الثالثة عشرة
: استحباب الاطعام قبل خروجه في الفطر وبعد عوده في الأضحىٰ ١٦٩
المسألة الرابعة عشرة
: استحباب الغسل والدعاء والتطيّب لابساً أحسن ثيابه قبل الخروج ١٧٠
المسألة الخامسة عشر
: استحباب خروج الامام ماشياً حافياً بالسكينة والوقار ١٧٠
المسألة السادسة عشرة
: هل لصلاة العيدين أذان ؟ ١٧١
المسألة السابعة عشرة
: استحباب تأخر صلاة عيد الفطر دون صلاة الأضحىٰ ١٧٢
المسألة الثامنة عشرة
: اعتبار وحدة صلاة العيدين ١٧٢
المسألة التاسعة عشرة
: المشهور بين الأصحاب استحباب الخطبتين فيها ١٧٣
المسألة العشرون :
الخطبتان كخطبتي الجمعة غير ان الامام يذكر فيهما ما يتعلق بهما ١٧٥
المسألة الحادية
والعشرون : قول كثير من الأصحاب في استحباب الافطار يوم
الفطر علىٰ
الحلواء ١٧٥
المسألة الثانية
والعشرون : يعمل منبر من طين شبيه منبر الجامع ، واستحباب الذهاب بطريق والعود باُخرىٰ ١٧٦
المسألة الثالثة
والعشرون : كراهة الخروج بالسلاح ١٧٦
المسألة الرابعة
والعشرون : استحباب احياء ليلتي العيدين بالصلاة والدعاء والذكر ١٧٧
المسألة الخامسة
والعشرون : استحباب التكبير في العيدين ١٧٨
المطلب الثاني : في الكيفية ، وفيه
مسائل ١٨٢
المسألة الاُولىٰ
: صلاة العيد ركعتان ١٨٢
المسألة الثانية :
التكبير في الركعتين معاً بعد القراءة قول معظم الاصحاب ١٨٢
المسألة الثالثة :
ظاهر الأكثر وجوب هذا التكبير ١٨٣
المسألة الرابعة :
القنوت بين التكبيرات واجب علىٰ الظاهر ١٨٤
المسألة الخامسة : هل
يتعين في القنوت لفظ مخصوص ؟ ١٨٤
المسألة السادسة :
استحباب رفع اليدين مع كل تكبيرة ١٨٧
المسألة السابعة :
وجوب قراءة الحمد وسورة معها كسائر الفرائض ١٩١
المطلب الثالث : في اللواحق ، وفيه
مسائل ١٩٣
المسألة الاُولىٰ
: حكم ما لو وافق العيد الجمعة ١٩٣
المسألة الثانية :
استحباب الغسل لهذه الصلاة ووقته بعد الفجر ١٩٥
المسألة الثالثة :
استحباب التوجّه بالتكبيرات المستحب تقديمها في اليومية ودعواتها ١٩٥
المسألة الرابعة :
حكم ما لم تجتمع شرائط الوجوب للصلاة ١٩٦
المسألة الخامسة : خروج
الامام والمأموم مشاة ١٩٦
المسألة السادسة : استحباب
التعريف عشية عرفة بالامصار في المساجد ١٩٧
الفصل الثالث : في صلاة الآيات والنظر
في سببها ، وكيفيتها ، وأحكامها ١٩٩
النطر الأول : وجوب الصلاة بكسوف الشمس
والقمر وباقي الآيات المخوفة ١٩٩
المسألة الاُولىٰ
: وقت صلاة الكسوفين منذ ابتداء الاحتراق إلىٰ الأخذ في
الانجلاء ٢٠٣
المسألة الثانية : هل
يشترط سعة الزلزلة للصلاة ؟ ٢٠٤
المسألة الثالثة :
حكم ما لو فات المكلف صلاة أحد الكسوفين مع علمه بها وتعمّده ٢٠٥
المسألة الرابعة :
حكم ما لو فاتت نسياناً أو بنوم وشبهه بعد علمه بها ٢٠٥
المسألة الخامسة :
حكم ما لو لم يعلم بالكسوف ٢٠٦
المسألة السادسة :
حكم ما لو فاتت بقية الصلوات للآيات عمداً أو نسياناً ٢٠٧
المسألة السابعة :
حكم ما لو غابت الشمس أو القمر بعد الكسوف وقبل الشروع في الانجلاء ٢٠٧
النظر الثاني : في كيفية الصلاة ٢٠٨
مسائل
المسألة الاُولىٰ
: استحباب صلاتها تحت السماء ٢١٦
المسألة الثانية :
استحباب الجماعة فيها ٢١٧
المسألة الثالثة : هل
تمنع هذه الصلاة في الاوقات الخمسة ؟ ٢١٨
النظر الثالث : في اللواحق ، وفيه مسائل
٢١٨
المسألة الاُولىٰ
: هل لهذه الصلاة خطبة ؟ ٢١٨
المسألة الثانية : هل
تصلّىٰ هذه الصلاة علىٰ الراحلة ؟ ٢١٩
المسألة الثالثة :
حكم ما لو تبين في أثناء صلاة الكسوف ضيق وقت الحاضرة ٢٢٠
المسألة الرابعة : هل
تقدم علىٰ صلاة الليل اذا اجتمعت ؟ ٢٢٣
المسألة الخامسة :
استحباب إطالة صلاة كسوف الشمس علىٰ صلاة خسوف القمر ٢٢٧
المسألة السادسة :
حكم ما لو كسفت بعض الكواكب أو كسفت الشمس بعض الكواكب ٢٢٨
المسألة السابعة : هل
تجب الصلاة علىٰ المسافر ؟ ٢٢٨
المسألة الثامنة :
حكم ما لو أدرك المأموم الامام في الركوع الأول أو باقي
الركوعات ٢٢٨
الفصل الرابع : في صلاة النذر وشبهه من
العهد واليمين ٢٣٣
الركن الرابع : في نقل الصلوات
فمنها : صلاة جعفر بن
أبي طالب علیهالسلام وتسمىٰ بصلاة الحبوة وصلاة التسبيح
٢٤١
ومنها : صلاة سيدنا
رسول الله ( صلىاللهعليهوآله ) ٢٤٦
ومنها : صلاة علي عليهالسلام يوم الجمعة ٢٤٦
ومنها : صلاة فاطمة عليهاالسلام ٢٤٦
ومنها : صلاة الحسين عليهالسلام يوم الجمعة ٢٤٧
ومنها : صلاة الاعرابي
٢٤٧
ومنها : صلاة
الاستسقاء ٢٤٧
ومنها : صلاة
الاستخارة ٢٦٤
ومنها : صلوات الحاجة
يوم الجمعة ٢٧١
ومنها : صلاة شهر
رمضان ٢٧٥
ومنها : صلاة يوم
الغدير ٢٨١
ومنها : صلاة يوم
المباهلة ٢٨٢
ومنها : صلاة أول ذي
الحجة ٢٨٣
ومنها : صلاة يوم
المبعث ٢٨٣
ومنها : صلاة ليلة
المبعث ٢٨٣
ومنها : صلاة النصف
من شعبان ٢٨٤
ومنها : صلاة طلب
الرزق ٢٨٤
ومنها : صلاة
الاستطعام ٢٨٤
ومنها : صلاة الحَملْ
٢٨٤
ومنها : صلاة الدخول
بالزوجة ٢٨٥
ومنها : صلاة
الاهتمام بالتزويج ٢٨٥
ومنها : صلاة السفر ٢٨٥
ومنها : صلاة من خاف
شيئاً ٢٨٦
ومنها : صلاة العافية
٢٨٦
ومنها : صلاة الزيارة
للنبي صلىاللهعليهوآله أو أحد الأئمّة عليهمالسلام ٢٨٧
الركن الخامس : في اللواحق
الفصل الأول : في صلاة السفر ، وفيه
مطالب ٢٨٩
المطلب الأول : في محله ، وهو الرباعيات
من الصلوات الخمس ٢٨٩
المطلب الثاني : في شروط القصر ، وهي
ستة ٣٠١
الشرط الأول : ربط
القصد بمقصد معلوم ٣٠١
الشرط الثاني :
استمرار القصد ٣٠٢
الشرط الثالث : كون
المقصود مسافة ٣١٠
الشرط الرابع : كون
السفر مباحاً ٣١٣
الشرط الخامس : أن
يكون سفره أكثر من حضره ٣١٥
الشرط السادس : أن
يضرب في الأرض ٣١٩
المطلب الثالث : في الأحكام وفيه مسائل ٣٢٥
المسألة الاُولىٰ
: حكم ما لو أتمّ المقصر عامداً ٣٢٥
المسألة الثانية :
حكم ما لو أتمّ الصلاة ناسياً ٣٢٦
المسألة الثالثة :
حكم ما لو صام المسافر الذي يجب عليه الافطار ٣٢٨
المسألة الرابعة : هل
هناك فرق بين الشرائط والأحكام في الصوم والصلاة ؟ ٣٢٩
المسألة الخامسة :
قول الشيخ فرض السفر لا يسمىٰ قصراً ٣٢٩
المسألة السادسة :
حكم ما إذا خرج حاجّاً إلىٰ مكة وبينه وبينها مسافة ٣٣٠
المسألة السابعة :
اجتزاء ابن الجنيد وحده في اتمام المسافر بنيّة مقام خمسة أيام ٣٣٠
المسألة الثامنة :
حكم من سافر فقطع أربعة فراسخ أو فرسخ أو فرسخين ٣٣٠
المسألة التاسعة : هل
محل الترخص في البدوي ان يتجاوز موضعه ؟ ٣٣١
المسألة العاشرة :
حكم المرور علىٰ الوطن والنزول فيه ٣٣١
المسألة الحادية عشرة
: حكم من لم ينزل بقريته ٣٣٣
المسألة الثانية عشرة
: حكم ما لو قصر المسافر اتفاقاً ٣٣٣
المسألة الثالثة عشرة
: حكم ما لو صلّىٰ المسافر قصراً فتبين انه في موضع سماع الأذان أو رؤية الجدار ٣٣٤
المسألة الرابعة عشرة
: استحباب صلاة النوافل المقصورة في الأماكن الأربعة ٣٣٥
المسألة الخامسة عشرة
: استحباب للمسافر قول ثلاثين مرة عقيب كل صلاة مقصورة : سبحان الله والحمد لله . . . ٣٣٥
المسألة السادسة عشرة
: هل يستحب للمسافر الجمع بين الصلاتين ؟ ٣٣٥
المسألة السابعة عشرة
: في تحديد المسافة ٣٣٦
المسألة الثامنة عشرة
: كراهة السفر في البحر ٣٣٨
المسألة التاسعة عشرة
: التحنك بطرف العمامة في السفر استحباب مؤكد ٣٣٨
الفصل الثاني : في صلاة الخوف ، ومطالبه
خمسة ٣٤١
المطلب الأول : صلاة ذات الرقاع ،
وتحقيقها في مسائل ٣٤١
المسألة الاُولىٰ
: حكم صلاة الخوف في السفر والحضر ٣٤٢
المسألة الثانية :
هذا القصر كقصر المسافر يرد الرباعية إلىٰ ركعتين ٣٤٤
المسألة الثالثة :
شروط هذه الصلاة ٣٤٥
المسألة الرابعة :
صفتها ٣٤٦
المسألة الخامسة :
حكم صلاة المغرب لطائفتين ٣٤٧
المسألة السادسة :
حكم القراءة في صلاة المغرب بالنسبة للطائفة الثانية ٣٤٩
المسألة السابعة :
حكم اقتداء الثانية في الركعة الثانية ٣٤٩
المسألة الثامنة :
استحباب تخفيف الامام القراءة وباقي الأفعال ٣٥٠
المسألة التاسعة :
ابتداء انفراد الطائفة الاولىٰ بعد السجدة الثانية من الركعة الأولىٰ ٣٥٠
المسألة العاشرة :
استحباب تطويل الامام القراءة في انتظار الثانية ٣٥١
المسألة الحادية عشرة
: هل ينتظر الثانية اذا صلىٰ بالاُولىٰ ركعتين في قراءة الثالثة ؟ ٣٥١
المسألة الثانية عشرة
: وجوب أخذ السلاح علىٰ الطائفتين ٣٥١
المسألة الثالثة عشرة
: حكم ما لو كان السلاح نجساً ٣٥٢
المسألة الرابعة عشرة
: جواز الضربة والضربتان والطعنة والطعنتان في أثناء الصلاة ٣٥٢
المسألة الخامسة عشرة
: حكم ما لو ترك أخذ السلاح في موضع وجوبه ٣٥٣
المسألة السادسة عشرة
: حكم التسوية بين الطائفتين في العدد ٣٥٣
المسألة السابعة عشرة
: حكم ما لو عرض الخوف في أثناء صلاة الأمن ٣٥٣
المسألة الثامنة عشرة
: عدم الفرق بين الرجال والنساء في جواز القصر مع الخوف ٣٥٤
المسألة التاسعة عشرة
: حكم ما لو رأىٰ سواداً مقبلاً فظنه عدواً ٣٥٤
المطلب الثاني : صلاة بطن النخل ٣٥٦
المطلب الثالث : صلاة عُسفان ٣٥٨
المطلب الرابع : صلاة شدة الخوف ٣٦٠
المطلب الخامس : في الأحكام ، وفيه
مسائل ٣٦٣
المسألة الاُولىٰ
: عدم الفرق بين الخوف من عدو أو لص أو سبع ٣٦٣
المسألة الثانية :
جواز قصر كيفية الصلاة بحسب الامكان للموتحل والغريق ٣٦٤
المسألة الثالثة :
حكم ما لو كان المحرم يخاف فوت الوقوف باتمام الصلاة عدداً وأفعالاً ٣٦٤
المسألة الرابعة : هل
للسهو الذي يلحق المأمومين حال المتابعة حكم ؟ ٣٦٥
المسألة الخامسة : جواز
صلاة بطن النخل في الأمن ٣٦٥
الفصل الثالث : في صلاة الجماعة ، وفيه
ثلاث مطالب ٣٦٧
المطلب الأول : في محلها ، وفيه مسائل ٣٧٤
المسألة الاُولىٰ
: محلها ، هو الصلوات الخمس المفروضة وباقي الفرائض ٣٧٤
المسألة الثانية :
عدم الفرق في استحباب الجماعة بين الرجال والنساء ٣٧٤
المسألة الثالثة :
الجماعة في غير المساجد مشروعة ٣٧٧
المسألة الرابعة : كراهة
صلاة جماعة اُخرىٰ في مسجد صُلّي فيه جماعة ٣٧٨
المسألة الخامسة : اباحة
ترك الجماعة للعذر ٣٨٠
المسألة السادسة :
جواز اقتداء الفرض بالفرض وان اختلفا ما لم تتغير الهيئة ٣٨١
المسألة السابعة :
جواز اقتداء المفترض بالمتطوع ٣٨١
المسألة الثامنة :
جواز اقتداء المتطوع بالمفترض ٣٨١
المسألة التاسعة :
جواز اقتداء المتنفل بمثله ٣٨٢
المسألة العاشرة :
منع الفاضل من فعل الجمعة فرضاً خلف متنفل بها أو خلف مفترض بغيرها ٣٨٢
المسألة الحادية عشرة
: حكم ما لو نقص عدد صلاة المأموم عن صلاة الامام ٣٨٢
المسألة الثانية عشرة
: تتأتىٰ هذه الفروض في صورة الاعادة علىٰ الظاهر ٣٨٣
المسألة الثالثة عشرة
: حكم من صلّىٰ وأعاد صلاته جماعة ٣٨٣
المسألة الرابعة عشرة
: حكم ما لو اقتدىٰ من يصلّي الظهر بمن يصلي العصر وبالعكس ٣٨٤
المطلب الثاني : في شروط الاقتداء ، وهي
ستة ٣٨٥
الشرط الأول : أهلية
الامام للامامة ، وهي قسمين ٣٨٥
أحدهما أوصاف عامة ،
وهي سبعة :
أولها : البلوغ ٣٨٥
ثانيها : العقل ٣٨٧
ثالثها : الاسلام ٣٨٧
رابعها : الايمان ٣٨٨
خامسها : العدالة ٣٨٨
سادسها : طهارة
المولد ٣٩٣
سابعها : صحة صلاته ٣٩٣
القسم الثاني : أوصاف
خاصة ، وهي ستة
أولها : الذكورة ٣٩٤
ثانيها : القيام ٣٩٤
ثالثها : القراءة ٣٩٥
رابعها : ستر العورة ٣٩٨
خامسها : القدرة علىٰ
الاستقبال ٣٩٩
سادسها : الختان ٣٩٩
الشرط الثاني : نيّة
الاقتداء ٤٢٢
الشرط الثالث : العدد
٤٢٨
الشرط الرابع :
اعتبار الموقف ، وفيه مسائل ٤٢٩
المسألة الاُولىٰ
: ان لا يتقدم المأموم علىٰ الامام في الابتداء والاستدامه ٤٢٩
المسألة الثانية :
حكم تباعد المأموم عن الامام ٤٣٠
المسألة الثالثة : حكم
الحيلولة بين الامام والمأموم بما يمنع المشاهدة ٤٣١
المسألة الرابعة :
اشتراط كون موقف الامام مساوياً لموقف المأموم أو أخفض منه ٤٣٤
المسألة الخامسة : في
سنّة الموقف
الشرط الخامس : توافق
نظم الصلاتين لا في عدد الركعات بل في الأفعال ٤٤٤
الشرط السادس :
المتابعة للامام ، وفيه مسائل ٤٤٦
المسألة الاُولىٰ
: عدم تقدم أفعال المأموم علىٰ الامام ٤٤٦
المسألة الثانية :
حكم ما لو اضطر إلىٰ الصلاة مع غير المقتدىٰ به ٤٤٨
المسألة الثالثة :
أحوال المأموم ٤٤٩
المسألة الرابعة : كل
ما يدركه المأموم فهو أول صلاته ٤٥٢
المسألة الخامسة :
حكم ما لو سُبق المأموم بعد انعقاد صلاته ٤٥٣
المسألة السادسة :
حكم ما لو أحس الامام وهو راكع بداخل ٤٥٣
المسألة السابعة : هل
المشي راكعاً لمن خاف فوت الاقتداء جائز ؟ ٤٥٥
المسألة الثامنة : هل
يتحمّل الامام عن المأموم شيئاً من أفعال الصلاة ؟ ٤٥٦
المطلب الثالث : في اللواحق ، وفيه
مسائل ٤٦٧
المسألة الاُولىٰ
: حكم ما لو أحدث الامام أو عرض له مانع ٤٦٧
المسألة الثانية :
كراهة استخلاف المسبوق ، لاحتياجه إلىٰ أن يستخلف من يسلم بهم ٤٦٧
المسألة الثالثة : حكم
ما لو جن الامام أو اُغمىٰ عليه أو مات ٤٦٧
المسألة الرابعة : حكم
ما لو حضر الامام الصالح للامامة ومكلّفٌ في صلاته ٤٦٨
المسألة الخامسة :
جواز التسليم قبل الامام في الجماعة المستحبة بنيّة الانفراد ان كان له عذر ٤٦٩
المسألة السادسة :
حكم ما لو صلّىٰ اُمّي بقارئ ٤٦٩
المسألة السابعة :
عدم جواز الاقتداء في النافلة ٤٧٠
المسألة الثامنة :
حكم ما لو اضطر إلىٰ الصلاة خلف المخالف ٤٧٠
المسألة التاسعة :
جواز التشهد للمسبوق مع الامام ٤٧١
المسألة العاشرة :
استحباب تخفيف الصلاة للامام ٤٧٢
المسألة الحادية عشرة
: حكم من يصلي بالناس وفي وجهه أثر ، والصلاة مع النواصب بغير وضوء تقيةً ٤٧٣
المسألة الثانية عشرة
: وقت القيام إلىٰ الصلاة ٤٧٤
المسألة الثالثة عشرة
: كراهة صلاة النافلة بعد الاقامة ٤٧٤
المسألة الرابعة عشرة
: هل أنّ الامام يضمن القراءة والركوع والسجود ؟ ٤٧٤
المسألة الخامسة عشرة
: هل ينبّه المأموم الامام علىٰ الغلط واللحن ؟ ٤٧٥
المسألة السادسة عشرة
: استحباب ان يتقدم الامام دخول المسجد ويتعمّم فيتحنك ويجهر بالقراءة والتكبير والقنوت والتشهّد ٤٧٥
المسألة السابعة عشرة
: جواز الائتمام بمن يسمع أبوية الكلام المغضب لهما ما لم يكن عاقاً قاطعاً ٤٧٦
المسألة الثامنة عشرة
: حكم من سبق الامام بالافعال أو قارنه أو تابعه ٤٧٦
المسألة التاسعة عشرة
: استحباب كون الامام أقرأ القوم والانصات لقراءة الامام ٤٧٧
المسألة العشرون :
قول الشيخ في الخلاف بعدم بطلان صلاة من تقدمت سفينته علىٰ سفينة الامام ٤٧٧
|