بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

١ ـ حمدويه بن نصير الكشّي ، قال حدثنا محمد بن الحسين بن أبي‌

______________________________________________________

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

الحمد لله العليم المهيمن المبين ، والصلاة على مصطفاه على العالمين ، ومجتبيه من الاولين والاخرين ، محمد وآله الطاهرين وعترته الاطهرين وحامته الاقربين وو أهل بيته الاطيبين.

قول الشيخ الحديث الحافظ الناقد الراوية أبى عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشى رحمه الله تعالى فيما أورده شيخ الطائفة في كتاب الاختيار من كتابه : حمدويه.

باهمال الحاء وفتحها وفتح الواو بين الدال المهملة المفتوحة والياء المثناة من تحت الساكنة « ويه » أو « ويها » كلمة اغراء بالشي‌ء واستحثاث عليه تنون بالرفع والنصب ويستوي فيها الواحد والجمع والمذكر والمؤنث ، وذهب فيها قوم الى البناء فقيل : يبنى على الضم وقيل : بل على الكسر مطلقا ، ويكون للصوت يختم به الاسم كسيبويه وسختويه وبابويه وقولويه ، وكل اسم ختم بـ « يه » ففيه لغات مختلفة بالجزم والكسر والضم والاشهر فيه الكسر.


______________________________________________________

واختاره الجوهري في الصحاح قال : وويه كلمة يقال في الاستحثاث ، واما سيبويه ونحوه من الاسماء فهو اسم مبني (١) مع صوت فجعلا اسما واحدا ، وكسروا آخره كما كسروا غاق لأنه ضارع الاصوات وفارق خمسة عشر ، لان اخره لم يضارع الاصوات فينون في التنكير ، ومن قال هذا سيبويه ورأيت سيبويه واعرابه (٢) باعراب ما لا ينصرف ثناه وجمعه ، فقال : السيبويهان والسيبويهون ، واما من لم يعربه فانه يقول في التثنيه ذوا سيبويه وكلاهما سيبويه ، ويقول في الجمع ذووا سيبويه وكلهم سيبويه (٣).

والنسخ المضبوطة مختلفة في نصير بضم النون وفتح المهملة على التصغير وبالفتح والكسر على فعيل.

واختلف قول الحسن بن داود في كتابه : ففي ترجمة الرجل خالف العلامة في ضبط اسم أبيه فقال : حمدويه بفتح الحاء وبالدال المهملتين والصوت ابن نصير بالفتح ابن شاهي بالمعجمة أبو الحسن لم جخ أوحد زمانه لا نظير له (٤).

وفي ترجمة أخيه ابراهيم كان قد طابقه في الخلاصة وقال : ابراهيم بن نصير بالتصغير والصاد المهملة الكشى لم جخ ثقة مأمون كثير الرواية (٥).

فكأنه قد ذهل عن كون حمدويه وابراهيم أخوين من جهة الاب ، أو رجع في ضبط أبيهما أخيرا عما (٦) قد ضبطه أو لا وهذا أظهر.

__________________

(١) في « ن » و « س » : بنى‌

(٢) وفي المصدر : فأعربه‌

(٣) الصحاح ٦ / ٢٢٥٨‌

(٤) رجال بن داود : ١٣٤‌

(٥) رجال ابن داود : ١٩‌

(٦) في ن : كما‌


الخطاب ، عن محمد بن سنان ، عن حذيفة بن منصور ، عن أبي عبد الله 7 قال اعرفوا منازل الرجال منا على قدر روايتهم عنا.

______________________________________________________

والكشي بفتح الكاف واعجام الشين المشددة نسبة الى كش بالفتح والتشديد ، البلد المعروف على مراحل من سمرقند منه كثير من مشيختنا ورجالنا وعلماؤنا ، وضم الكاف فيه من الاغلاط الدائرة على ألسن عوام الطلبة كما التشديد في النجاشي.

قال الفاضل المهندس البرجندي في كتابه المعمول في مساحة الارض وبلدان الاقاليم : كش بفتح الكاف وتشديد الشين المعجمة من بلاد ما وراء النهر بلد عظيم ثلاثة فراسخ في ثلاث فراسخ ، والنسبة اليه كشي.

وأما ما في القاموس : الكش بالضم الذي يلقح به النخل وكش بالفتح قرية بجرجان (١). فقد أوردت في الرواشح السماوية (٢) أنه من أغلاط الفيروزآبادي ، وعلى تقدير الصحة فليست هذه النسبة الى تلك القرية ولا في المعروفين من العلماء والمحدثين من يعد من أهلها ، فمن كش ما وراء النهر أبو عمر والكشي صاحب كتاب الرجال وشيخه حمدويه ابن نصير الكشي والعياشي محمد بن مسعود الكشي.

قال الشيخ في كتاب الرجال في باب لم : حمدويه بن نصير بن شاهي سمع يعقوب بن يزيد ، يروي عن العياشي يكنى أبا الحسن عديم النظير في زمانه كثير العلم والرواية ثقة حسن المذهب (٣).

قوله ; : عن محمد بن سنان‌

العلامة رحمه الله تعالى في المختلف والمنتهى كثيرا ما يستصح الحديث وفي الطريق محمد بن سنان ، وفي الخلاصة توقف في صحة حديثه (٤).

__________________

(١) القاموس : ٢ / ٢٨٦‌

(٢) الرواشح السماوية : ٧٦‌

(٣) رجال الشيخ : ٤٦٣‌

(٤) الخلاصة : ٢٥١ قال : والوجه عندى التوقف فيما يرويه‌


٢ ـ محمد بن سعيد الكشي ابن مزيد وأبو جعفر محمد بن أبي عوف البخاري قالا : حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن حماد المروزي المحمودي ، يرفعه ، قال : قال الصادق 7 اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا ، فانا لا نعد الفقيه منهم فقيها حتى يكون محدثا. فقيل له أو يكون المؤمن محدثا؟ قال يكون مفهما والمفهم محدث.

٣ ـ ابراهيم بن محمد بن العباس الختلي ، قال حدثنا أحمد بن ادريس القمي المعلم ، قال حدثني أحمد بن يحيى بن عمران ، قال حدثني سليمان الخطابي ، قال حدثني محمد بن محمد ، عن بعض رجاله ، عن محمد بن حمران العجلي ، عن علي بن حنظلة ، عن أبي عبد الله 7 قال ـ اعرفوا منازل الناس منا على قدر رواياتهم عنّا.

______________________________________________________

وكلام الاصحاب فيه مختلف ، وسيجي‌ء في كلام أبي عمرو الكشي (رحمه الله تعالى ) أنه يروي عن محمد بن سنان جماعة من العدول والثقات وأهل العلم ، وذلك آية حسن حاله.

وقد وثقه الشيخ المفيد ، وقول الشيخ في مواضع من كتبه قد اختلف بتوثيقه وتضعيفه ، وبالجملة لا كلام في هذا السند الا من جهة محمد بن سنان ، فان قلنا فيه بالتوثيق فهذا الخبر صحيح.

قوله ; : الختلى‌

بضم الخاء المعجمة وتشديد التاء المثناة من فوق المفتوحة وختل كسكر كورة بما وراء النهر.

قوله ; : سليمان الخطابى‌

ذكر الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي الحسن الكاظم 7 سليمان ابن خالد الخطاب (١).

__________________

(١) رجال الشيخ : ٣٥١ وفي « ن » : الخطابى.


٤ ـ حمدويه وابراهيم ابنا نصير ، قالا حدثنا محمد بن اسماعيل الرازي قال حدثني علي بن حبيب المدائني ، عن علي بن سويد النسائي ، قال كتب إليّ ابو الحسن الاول وهو في السجن ، وأما ما ذكرت يا علي ممن تأخذ معالم دينك : لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا فانك ان تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين‌

______________________________________________________

قوله ; : سويد النسائى‌

الصحيح السايي كما في نسخ كثيرة باهمال السين قبل الالف ثم الياء المثناة من تحت ، نسبة الى ساية قرية من قرى المدينة على ما هو المشهور.

وفي القاموس : السايه فعلة من التسوية وقرية بمكة أو واد بين الحرمين ، وضرب لي ساية هيأ لي كلمة (١).

قال الشيخ ; في كتاب الرجال في أصحاب أبي الحسن الرضا 7 : علي بن سويد السايي ثقة روى عن أبي الحسن موسى 7 (٢).

وقال النجاشي : وقيل انه روى أيضا عن أبي عبد الله 7 (٣).

وفي أكثر النسخ العتيقة عن علي بن سويد النسائي بفتح النون قبل السين والهمزة بعد الالف ، وهو المروي عن السيد جمال الدين أحمد بن طاوس قدس الله نفسه الزكية ، وقد كتب بخطه بخطه يعني بخط الشيخ أبي جعفر الطوسي في كتاب الاختيار من كتاب الكشي وهو هذا الكتاب.

والنسائي نسبة الى نساء بفتح النون القصبة المعروفة من خراسان.

وفي القاموس : انها قرية من سرخس (٤).

__________________

(١) القاموس ٤ : / ٣٤٦‌

(٢) رجال الشيخ : ٣٨٠ وليس فيه روى عن أبى الحسن موسى 7

(٣) رجال النجاشى : ٢١١‌

(٤) القاموس : ٤ / ٣٩٥‌


خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم ، انهم اؤتمنوا على كتاب الله جل وعلا فحرفوه وبدلوه فعليهم لعنة الله لعنة رسوله ولعنة ملائكته ولعنة آبائى الكرام البررة ولعنتي ولعنة شيعتي الى يوم القيمة ـ في كتاب طويل.

______________________________________________________

قوله 7 : وخانوا أماناتهم‌

ربما وجد في نسخة غير معول عليها وخوّنوا أماناتهم من باب التفعيل ، فاذا صحت الرواية بذلك فالتشديد للتكثير والمبالغة كما في حمده تحميدا ، لا للنسبة الى الخيانة وان كان هو السابق الى أوهام المتوهمين ، يقال خونه تخوينا أي نسبه الى الخيانة ونقض العهد وحسبه خائنا غادرا ، كما يقال جهله تجهيلا اذا نسبه الى الجهل والجهالة وحسبه جاهلا ، اذ لا يستقيم ذلك الا اعتبارا بقياس حال الخائن لا باعتبار قياس حال المخون.

والصحيح وخانوا أماناتهم على ما في عامة النسخ لا غير ، من الخيانة ضد الامانة وتعتبر بالاضافة الى من خين ونكث عهده وبالاضافة الى ما خين فيه وهو العهد والبيعة والود والخلة مثلا.

قال صاحب الكشاف في الاساس : خانه في العهد وخانه العهد واختان المال واختان نفسه (١).

وقال الراغب في المفردات : الخيانة والنفاق واحد الا ان الخيانة تقال اعتبارا بالعهد والامانة ، والنفاق يقال اعتبارا بالدين ثم يتداخلان ، فالخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر ، ونقيض الخيانة الامانة يقال : خنت فلانا وخنت أمانة فلان ، وعلى ذلك قوله عز وجل ( لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ ) (٢) وقوله تعالى ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما ) (٣)

__________________

(١) اساس البلاغة : ١٧٨‌

(٢) سورة الانفال : ٢٧‌

(٣) سورة التحريم : ١٠‌


______________________________________________________

وفي قوله تعالى ( وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ ) (١) أي على جماعة خائنة ، وقيل : على رجل خائن يقال : رجل خائن وخائنة نحو رواية وداهية ، وقيل : خائنة موضوعة موضع المصدر نحو قم قائما أي قياما وقوله عز وجل ( يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ ) (٢) على ما تقدم (٣).

وقال صاحب المغرب في المغرب : الخيانة خلاف الامانة وهي تدخل في أشياء سوى المال ، من ذلك قوله : لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ، وأريد بها في قوله تعالى ( وَإِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً ) (٤) نكث العهد ونقضه وقد خانه ، ومنه تقول : النعمة كفرت (٥) ولم اشكر وتقول : الامانة خنت ولم احفظ وهو فعلت على ما لم يسم فاعله ، وخائنة الاعين مسارقة النظر ، ومنه الحديث : ما كان لنبي ان تكون له خائنة الاعين انتهى.

وأما الاختيان فعلى الافتعال من الخيانة ومعناه مراودة الخيانة ومواثبتها والمسارعة والمبادرة اليها ، قال عز من قائل ( عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ ) (٦) ولم يقل تخونون أنفسكم فليعرف.

قوله 7 : انهم أو تمنوا على كتاب الله‌

افتعالا من الامانة على صيغة المجهول يقال : أمنته على كذا بالكسر في الماضي من باب علم ، وائتمنته عليه أيضا فيهما بمعنى واحد.

وقال في الصحاح : وقرئ ( ما لَكَ لا تَأْمَنّا عَلى يُوسُفَ ) بين الادغام وبين الاظهار ، قال الاخفش : والادغام أحسن ، وتقول : أو تمن فلان على ما لم يسم فاعله ،

__________________

(١) سورة المائدة : ١٣‌

(٢) سورة غافر : ١٩‌

(٣) المفردات : ١٦٢‌

(٤) سورة الانفال : ٥٨‌

(٥) وفي « س » و « ن » : كفلت‌

(٦) سورة البقرة : ١٨٧‌


٥ ـ محمد بن مسعود بن محمد ، قال حدثني علي بن محمد فيروزان القمّي قال حدثنا أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، قال حدثنا أحمد بن محمد بن أبي نصر عن اسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله 7 قال ، قال رسول الله 6 : يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الغالين وانتحال

______________________________________________________

فان ابتدأت به صيرت الهمزة الثانية واوا ، لان كل كلمة اجتمع في أولها همزتان وكانت الاخرى منهما ساكنة فلك أن تصيرها واوا ان كانت الاولى مضمومة ، أو ياء ان كانت الاولى مكسورة نحو ائتمنه ، أو ألفا ان كانت الاولى مفتوحة نحو آمن (١).

قوله 7 : انتحال المبطلين (٢)

انتحل الشعر وتنحله ادعاه لنفسه وهو لغيره ، ونحله القوم كمنعه نسبه اليه وهو بري‌ء عنه. فانتحال المبطلين اشراق (٣) المبطلة من المحقة شيئا من الطريقة الحقة ، وجعلهم اياه نحلة لا نفسهم واسنادهم اليهم ما ليس من مذهبهم ، ومحاولتهم بيان انطباق ما في الدين الحق على ما في عقيدتهم الباطلة ،

مثال ذلك استراق الاشاعرة من الحكماء الالهيين استناد وجود كل ممكن الى الواجب بالذات حقيقة ، وأن قدرة الباري الواجب بالذات واختياره مما لا يوجب كثرة في جهات ذاته الاحد الحق وحيثياته كما في من عداه من المختارين ، وأن ذاته الاحدية الصمدية غاية الغايات لكل تقرر ووجود على الاطلاق.

ثم اسنادهم اليهم القول بنفي تأثير ممكن في ممكن وعليّة ممكن لممكن بوجه من الوجوه أصلا ، ونفي القول بكونه سبحانه قادرا مختارا ، ونفي تعليل أفعاله تعالى بالعلة الغائية مطلقا. وهم براء عن ذلك كله فليعلم.

__________________

(١) الصحاح : ٥ / ٢٠٧١ ـ ٢٠٧٢‌

(٢) وفي النسخ كله وكذا في نسخة السيد من الرجال : تأويل المبطلين وتحريف الغالين وانتحال الجاهلين.

(٣) في « ن » : اشراف‌


الجاهلين كما ينفي الكير خبث الحديد.

______________________________________________________

قوله 7 : تحريف الغالين‌

بالتشديد أي المغشوشين في الاعتقاد الخائنين في الدين من الغل بالكسر الغش ، والغلول بالضم الخيانة. أو بالتخفيف من الغلو بضمتين وشدة الواو أي الذين يغلون في دينهم ولا يبالون من المغالاة في ملتهم.

وقال في المغرب : غل فلان كذا غلا من باب طلب اذا أخذه ودسه في متاعه ، وقد نسي مفعوله في قولهم غل من المغنم غلو لا اذا خان فيه ، وقالوا : الغلول والاغلال الخيانة الا ان الغلول في المغنم خاصة والاغلال عام ، ومنه ليس على المستعير غير المغل ضمان أي غير الخائن.

وفي الصحاح : قال ابن السكيت : لم نسمع في المغنم إلا غل غلو لا ، وقرئ ( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ) (١) ويغل قال : فمعنى يغل يخون ومعنى يغل يحتمل معنيين : أحدهما يخان يعني أن يؤخذ من غنيمته ، والاخر يخون أي ينسب الى الغلول ، وقال أبو عبيد : الغلول من المغنم خاصة ولا نراه من الخيانة ولا من الحقد ، ومما يبين ذلك أنه يقال من الخيانة أغل يغل ، ومن الحقد غل يغل بالكسر ، ومن الغلول غل يغل بالضم (٢).

وفي مجمل اللغة : فأما قوله 6 ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن ، فمن قال : لا يغل فهو من الاغلال ومن قال : لا يغل فهو من الغل وهو الضغن ، ومثل ذلك في الفائق والنهاية (٣).

قوله 7 : وتأويل الجاهلين‌

التأويل والتأول من الاول أي الرجوع الى الاصل ، ومنه الموئل للموضع الذي يرجع اليه ، يقال : أول القرآن وتأوله وهذا متأول حسن واستآله طلب تأويله وذلك هو رد الشي‌ء الى الغاية المتوخاة منه علما كان أو فعلا ، ففي العلم نحو قوله‌

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٦١‌

(٢) الصحاح : ٥ / ١٧٨٤‌

(٣) نهاية ابن الاثير : ٣ / ٣٨١‌


______________________________________________________

( ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ ) (١) » وفي الفعل كما في قوله سبحانه ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ) (٢) أي مصيره ومنتهاه الذي هو غايته المقصودة منه ، ومنه قوله جل سلطانه ( ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) (٣) قيل : أحسن معنى وترجمة وقيل : أحسن ثوابا ومثوبة في الآخرة.

والمشهور في الاصطلاح أن التفسير ما يتعلق بظاهر السياق ، والتأويل ما يتعلق بدخلة الباطن ، والمروم في هذا الحديث ما يعم السبيلين كما في حديثه 7 : منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت أنا على تنزيله. يعني به أمير المؤمنين عليا 7.

ومن طريق رئيس المحدثين أبي جعفر الكليني في الكافي عن أبي عبد الله 7 قال : ان العلماء ورثة الانبياء وذلك أن الانبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا ، وانما أورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشي‌ء منها فقد أخذ حظا وافرا ، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فان فينا أهل البيت في كل خلف عدو لا ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين (٤).

والطريق محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن أبي البختري عنه 7 وأبو البختري هذا هو وهب بن وهب القرشي المدني ، وكان قاضيا عامي المذهب كذابا ، ولو لاه لكان السند صحيحا.

فاما طريق هذا الكتاب فصحيح نقي ، والصواب فيه علي بن محمد بن فيروزان القمي كما في أكثر النسخ الموثوق بصحتها ، وكذلك أورده الشيخ في كتاب الرجال وما في نسخ عديدة محمد بن علي بن فيروزان بالتقديم والتأخير فمن غلط الناسخين.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٧‌

(٢) سورة الاعراف : ٥٣‌

(٣) سورة النساء : ٥٩‌

(٤) أصول الكافى : ١ / ٢٤ ـ ٢٥‌


٦ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثني علي بن محمد ، قال حدثني أحمد بن محمد البرقي ، عن أبيه ، عمّن ذكره ، عن زيد الشحام ، عن أبي جعفر 7 في قوله تعالى ( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ ) قال : الى علمه الذي يأخذه عمّن يأخذه.

______________________________________________________

قوله ; : محمد بن مسعود‌

هو العياشي الجليل القدر الواسع العلم الثقة من أهل سمرقند وكش. وعلي بن محمد هو ابن فيروزان القمي.

قال الشيخ في كتاب الرجال : انه كثير الرواية يكنى أبا الحسن كان مقيما بكش (١).

قوله ; : عن أحمد بن محمد البرقى عن أبيه‌

وهو أبو عبد الله محمد بن خالد البرقي عمن ذكره. ومن طريق أبي جعفر الكليني في الكافي : عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عمن ذكره الحديث بعينه (٢).

قوله 7 : علمه الذى يأخذه عمن يأخذه‌

الانسان من جوهرين : نفس مجردة عاقلة فطرة جوهرها من عالم الامر ، وموئل ذاتها ومصير أمرها الى اقليم القدس ومستقر الحياة وهي الانسان الحقيقي الذي اليه الخطاب وعليه الحساب في النشأتين ، فهيكل هيولاني طينة عنصره من عالم الخلق وصيّور عمره المسير الى مهواة الدثور والبوار في مفعات الاجداث والارماس.

فهو بما هو الانسان الحقيقي أي بحسب جوهر نفسه المجردة ، انما طعامه الروحاني وغذاه العقلاني بالذات وعلى الحقيقة حقائق العلم وأسرار الحكمة ودقائق المعارف ولطائف المعرفة ، اقتداء بملائكة الله المقرّبين ، من الأنوار العقلية والجواهر القدسية ، فان طعامهم التسبيح والتحميد وشرابهم التقديس والتمجيد.

__________________

(١) رجال الشيخ : ٤٨٧‌

(٢) اصول الكافى : ١ / ٣٩‌


______________________________________________________

وأما طعام البدن الهيولاني الذي هو آلة أدوية لما هو الانسان حقيقة في تحريكاته وتصريفاته ما دامت له هذه الحياة الظاهرية البائدة من الاغذية الجسمانية والأطعمة الجرمانية ، فربما يسند اليه بالعرض وبالمجاز العقلي اذ لم يعتبر في صحة الاتصاف بالعرض وتسويغ التجوز العقلي في الاسناد كون المسند اليه مما من شأنه في حد ذاته أن يتصف بالذات بذلك الوصف المسند اليه بالعرض.

ومن ثم يقال على التجوز العقلي أنا جالس وأنا متحرك على علم يكون المعبر عنه بأنا هو النفس المجردة التي هي وراء اقليم القيام والقعود والحركة والسكون ، فاما اذا اعتبر ذلك على ما عليه السواد الاعظم من رؤساء العلوم العقلية فلا يتصحح الاسناد بالعرض من غير تسامح وتوسع الا فيما لا يكون خارجا عن الجنس ، كما في أسناد حركة السفينة الى جالسها اسنادا بالعرض لا على سبيل التوسع والتسامح.

فاذن ان سير الى المسلك المتوسع فيه صح في تأويل قول الله الكريم وتفسيره حمل طعام الانسان المأمور بالنظر اليه على الاعم من الجسماني الذي هو طعام بدنه والروحاني الذي هو طعام جوهر ذاته وان كان الاخير أبلغ وأولى وبالاعتبار أحق وأحرى ،

وان صير الى المذهب الحق المعتبر على جادة الحقيقة لا من سبيل التوسع تعين الحمل على الاخير الذي هو الحق المحقوق بالاعتبار لا غير ، فلذلك نص عليه مولانا أبو جعفر الباقر 7 بالتعيين ، فليتعرف وليتبصر.

ومن الحديث في هذا الباب : اغد عالما أو متعلما ولا تكن أمعة (١).

قال ابن الاثير في النهاية : الامعة بكسر الهمزة و [ تشديد ] الميم الذي لا رأي معه ، فهو تابع كل أحد على رأيه ، والهاء فيه للمبالغة ، ويقال فيه امع أيضا ، ولا يقال للمرأة أمعة ، وهمزتة أصلية لأنه لا يكون أفعل وصفا ، وقيل : [ هو الذي ] يقول لكل أحد أنا‌

__________________

(١) روى نحوه في البحار : ١ / ١٩٥‌


٧ ـ أبو محمد جبريل بن محمد الفاريابي ، قال حدثني موسى بن جعفر بن وهب ، قال حدثني أبو الحسن أحمد بن حاتم بن ماهويه ، قال كتبت اليه يعني أبا الحسن الثالث 7 أسأله عمن آخذ معالم ديني وكتب أخوه أيضا بذلك فكتب‌

______________________________________________________

معك ، ومنه حديث ابن مسعود لا يكونن أحدكم أمعة قيل وما الامعة؟ قال : الذي يقول أنا مع الناس (١).

وقال أبو الحسين أحمد بن فارس في مجمل اللغة : الامعة الذي يكون مع ضعف رأيه مع كل أحد وهو ضعيف الرأي ، قال ابن مسعود : لا يكونن أحدكم امعة.

وتأمع واستامع صار أمعة قاله في القاموس (٢).

قوله ; : ماهويه‌

بفتح الواو واسكان الياء المثناة من تحت على الصوت ، كما في سيبويه ونفتويه (٣). وسيجي‌ء ذكر أخيه في الغلاة وتخصيص الذم به دونه يدل على استقامة عقيدة أبي الحسن أحمد وسلامته عن الطعن ، واياه يعنون حيث يقولون ابن ماهويه وهو كثير الروايه جدا.

قوله ; : وكتب أخوه أيضا‌

أخوه فارس بن حاتم غال ملعون كان نزيل العسكر ، وقد لعنه أبو الحسن الهادي 7 ، وكذلك أخوه الاخر طاهر بن حاتم غال كذاب انحرف عن السبيل وأظهر القول بالغلو بعد ما كان مستقيما صحيحا ، روى عنه محمد بن عيسى بن عبيد في حال استقامته.

وفي كلام الشيخ والنجاشي وابن الغضائري أن لأخيه فارس أيضا حال استقامة ثم تغير وخلط وفسد ، فهذه المكاتبة منه كانت في حال الاستقامة.

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ١ / ٦٧ وما بين المعوقين للمصدر.

(٢) القاموس : ٣ / ٢‌

(٣) وفي « م » : نفطوية‌


اليهما فهمت ما ذكرتما فاصمدا في دينكما على مستن في حبّنا وكل كثير القدم في أمرنا ، فانهم كافوكما ان شاء الله تعالى.

______________________________________________________

قوله 7 : مستن في حبنا‌

على اسم الفاعل افتعالا من السنن بالفتح بمعنى الطريق ، أو من السنة بمعنى الطريقة ، أو من استنت الطريق بمعنى وضحت واستن المطر اذا كثر جرى الوابل ، وازداد السيل في مستنه أي محل جريانه وسيلانه ، وسن الامير رعيته أحسن سياستهم والقيام بالامر فيهم ، وسن فلان ابله أرسلها في الرعي وأحسن القيام اليها حتى كأنه صقلها ، وسن الماء على وجهه صبه عليه وتعهد حسن استيعابه بالغسل.

والمعنى : فاصمدا أي اعتمدا في دينكما على مستن واضح الاستنان بسنة المعرفة وسنن الهدايه في ولايتنا ، وعلى كل كبير التقدم في سبيل الحق بطريق الامم والصراط السوي في أمرنا.

وفي طائفة من النسخ (١) « على مسن » بضم الميم وكسر السين على اسم الفاعل من باب الافعال يقال : أسن اذا كبر بكسر الباء من باب علم أي طعن في السن وصار شيخا كبيرا في العمر والتجريب ، أو بكسر الميم وفتح السين على اسم الآلة استعارة من المسن وهو ما به يحدد السكين والسيف وغيرهما.

وكل كثير القدم بالثاء المثلثة من قولهم لفلان قدم في هذا الامر أي سابقة وتقدم ، وله قدم صدق أي رسوخ معرفة وثبات يقين واثرة حسنة.

قوله 7 : فانهم كافو كما‌

على اسم الفاعل للجمع (٢) من الكفاية واسقاط نون الجمع بالاضافة الى ضمير التثنية للخطاب.

__________________

(١) كما في المطبوع منه بجامعة مشهد.

(٢) وفي « ن » : الجمع منه الكفاية.


______________________________________________________

قال في الصحاح : كفاه مؤنته كفاية وكفاك الشي‌ء يكفيك واكتفيت به واستكفيته الشي‌ء فكفايته (١) ، وهذا رجل كافيك من رجل ورجلان كافياك من رجلين ورجال كافوك من رجال (٢).

وفي عدة نسخ كافوتكما بالتاء المثناة من فوق بعد الواو على وزن التابوت ، وهو فاعول من الكفت بمعنى الجمع والقبض والضبط. يقال كفت الراعي مواشية كفتا أي جمعها وضم بعضها الى بعض ومنه في الحديث : اكفتوا صبيانكم بالليل. أي ضموهم إليكم عند انتشار الظلام. وكل ما ضممته الى شي‌ء فقد كفته. وفي رواية لا ترسلوا مواشيكم وصبيانكم اذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء واللهم اكفته إليك أي اقبضه. والارض تكفت [ عند انتشار الظلام ] (٣) الناس أحياء وأمواتا وهي كفاتهم أي تجمعهم قال عز من قائل ( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً ) (٤) والكفت أيضا السوق الشديد. ورجل كفت أي سريع شديد.

وفي الحديث حبب إلي النساء والطيب ورزقت الكفيت. قال ابن الاثير : أي ما اكفت به معيشتي يعني أضمها وأصلحها (٥).

لا فعلوة من الكوفة كما قد يتوهم يقال : تكوف القوم أي استداروا وأنه لفي كوفان أي في حرز ومنعة.

وفي النهاية الاثيرية في حديث سعد : لما أراد أن يبني الكوفة قال : تكوفوا في هذا الموضع ، أي اجتمعوا فيه وبه سميت الكوفة ، وقيل : كان اسمها قديما‌

__________________

(١) في المصدر : فكفانيه‌

(٢) الصحاح : ٦ / ٢٤٧٥‌

(٣) الزيادة من « س ».

(٤) المرسلات : ٢٥‌

(٥) نهاية بن الاثير : ٤ / ١٨٤‌


______________________________________________________

كوفان (١).

وأما التابوت أي الصندوق فليس بفاعول لقلته (٢) نحو سلس وقلق ، بل فعلوت من التوب الرجوع ، فانه لا يزال يرجع اليه ما يخرج منه ، وصاحبه يرجع اليه فيما يحتاج اليه من مودعاته ، لا فعلوت منه اذ أصله تابوة مثل ترقوة فلما سكنت الواو انقلبت هاء التأنيث تاء على مذهب الصحاح.

وفي الكشاف جعله فعلوتا قال : وأما من قرأ بالهاء فهو فاعول عنده الا فيمن جعل هاءه بدلا من التاء لاجتماعهما في الهمس ، وأنهما من حروف الزيادة ولذلك أبدلت من تاء التأنيث. قيل : كان منحوتا من خشب الشمشاد مموها بالذهب نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين (٣).

فيه سكينة : أي حكمة.

وفي المفردات : انه عبارة عن القلب والسكينة وعما فيه من العلم ، ويسمى القلب سقط العلم وبيت الحكمة وتابوته ووعاءه وصندوقه (٤).

وفي أساس البلاغة : ما أودعت تابوتي شيئا ففقدته ، أي ما أودعت صدري علما فعدمته (٥).

وقال الجوهري : قال القاسم بن المعن : لم تختلف لغة قريش والانصار في شي‌ء من القرآن الا في التابوت ، فلغة قريش بالتاء ولغة الانصار بالهاء (٦).

__________________

(١) نهاية بن الاثير : ٤ / ٢١٠‌

(٢) وفي « س » لقلة.

(٣) الكشاف : ١ / ٣٨٠‌

(٤) المفردات : ٧٢‌

(٥) أساس البلاغة : ٥٩‌

(٦) الصحاح : ١ / ٩٢‌


٨ ـ نصر بن الصباح البلخي ، قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن اسماعيل بن بزيع ، عن أبي الجارود ، قال قلت للأصبغ بن نباتة ما كان منزلة هذا الرجل فيكم؟ قال : ما أدري ما تقول الا أن سيوفنا كانت على عواتقنا فمن أومي اليه ضربناه بها ، ، وكان يقول لنا تشرطوا فو الله ما اشتراطكم لذهب ولا‌

______________________________________________________

وفي عصبة من النسخ : كانوا نكما بنونين من حاشيتي الواو كقانون على فاعول ، أي ملاك صون دينكما وحفظ سر كما وجمع شملكما ، من كننت الشي‌ء في كنه اذا صنته ، واكننت الشي‌ء أخفيته وأضمرته في نفسي ، والكنانة معروفة وهي التي تجعل فيها السهام ، والكانون الموقد والمصطلى ويقال أيضا : الكانون للرجل الثقيل الذي يلازم كما قال الشاعر :

أغربالا اذا استودعت سرا

وكانونا على المتحدثينا

وكانون القوم الذي يكنون عنه الحديث على ما في الصحاح ومجمل اللغة وأساس البلاغة (١).

قوله ; : الا أن سيوفنا‌

بفتح الهمزة وتخفيف اللام على حرف التنبيه والتحقيق ، أو بالكسر والتشديد على كلمة الاستثناء ، أو بمنزلة الواو للعطف أو للحال.

قوله 7 : تشرطوا‌

التشرط والتشارط والاشتراط تفعل وافتعال من الشرطة.

قال في الاساس : وهؤلاء شرطة الحرب لأول كتيبة تحضرها ، ومنه صاحب الشرطة ، والصواب في الشرطي سكون الراء نسبة الى الشرطة والتحريك خطأ ، لأنه نسب الى الشرط الذي هو جمع (٢).

وفي المغرب : الشرطة بالسكون والحركة خيار الجند وأول كتيبة تحضر‌

__________________

(١) أساس البلاغة : ٥٥٢‌

(٢) أساس البلاغة : ٣٢٦‌


لفضة وما اشتراطكم الا للموت ، ان قوما من قبلكم من تشارطوا بينهم فمامات أحد منهم حتى كان نبي قومه أو نبي قريته أو نبي نفسه ، وانكم لبمنزلتهم غير أنكم لستم بأنبياء.

٩ ـ محمد بن مسعود العياشي ، وأبو عمرو بن عبد العزيز ، قالا حدثنا محمد‌

______________________________________________________

الحرب والجمع شرط ، وصاحب الشرطة [ في باب الجمعة (١) ] يراد به أمير البلدة كأمير التجار ، أو قيل هذا على عادتهم لان أمور الدين والدنيا كانت حينئذ الى صاحب الشرطة فأما الان فلا ، والشرطي بالسكون والحركة منسوب الى الشرطة على اللغتين لا الى الشرط لأنه جمع.

قلت : فالشرط بضم الشين وفتح الراء جمع والشرطة بضمتين لغة في الشرطة بالضم والسكون ، والنسبة الى الشرطة بكل من اللغتين لا الى الشرط الذي هو جمع ففي كلام الاساس التباس.

قوله 7 : من تشارطوا‌

بفتح الميم أي اضمامة تشارطوا.

وفي بعض النسخ مكان من من بني اسرائيل (٢) ، فما مات أحد منهم أي من المتشارطين الا وقد جعله الله تعالى بعد ذلك التشارط وقبل الممات نبيا ، اما لقومه أي لبني اسرائيل جميعا أو لا هل قريته فقط أو لنفسه خاصة ، وانكم أنتم لبمنزلتهم فحق على الله تعالى ان يجزل أجركم ويرفع ذكركم ، غير ان النبوة ختم بمحمد 6 لا تحصل لا حد بعده ، فلا يصح لكم أن تكونوا أنبياء.

قوله ; : وأبو عمرو بن عبد العزيز‌

هو أبو عمرو الكشي صاحب هذا الكتاب نفسه ، وذلك أن محمد بن نصير يروي عنه محمد بن مسعود العياشي أبو النضر السمرقندي لا بواسطة ، ويروي عنه‌

__________________

(١) الزيادة من « س ».

(٢) كما في المطبوع من الرجال بجامعة مشهد والنجف الاشرف.


بن نصير ، قال حدثنا محمد بن عيسى ، عن أبي الحسن العرني (١) عن غياث الهمداني عن بشير بن عمرو الهمداني قال مر بنا أمير المؤمنين 7 فقال :

______________________________________________________

أبو عمرو الكشي بواسطة أبي النضر العياشى كثيرا ، ويروي عنه أيضا تارات من غير واسطة كما ذكره الشيخ في كتاب الرجال. وهذا الحديث روياه جميعا عنه وحدثهما اياه معا ، فسياق القول أن محمد بن مسعود العياشي وأبا عمرو الكشي رحمهما الله تعالى قالا جميعا حدثنا محمد بن نصير ;.

فالطريق عالي الاسناد في الطبقة الاولى.

قال العلامة في الخلاصة محمد بن نصير بالياء بعد الصاد المهملة من أهل كش ثقة جليل القدر كثير العلم وروى عنه ابو عمرو الكشي (١).

وهو حكاية قول الشيخ بعبارته.

وقال الحسن بن داود في كتابه : محمد بن نصير بضم النون والصاد المهملة المفتوحة من أهل كش لم جخ ثقة جليل القدر كثير العلم (٢).

وما في بعض النسخ وأبو عمر بن عبد العزيز من غير واو ، فاما ايهام من النساخ واما بناء على تسويغ اسقاط واو عمرو في الكنية المضافة الى المضمر أو المظهر وفي الاسم عند النسبة اليه ، وكذلك اثبات واوي داود في الكنية بالاضافة وفي الاسم بالنسبة اليه ، كما ربما يدعى ويظهر من شرح النووي لصحيح مسلم.

قوله ; : عن أبى الحسن العرنى‌

ويقال بالتصغير من أصحاب أبي الحسن الثاني الرضا 7 ، اسمه محمد بن القاسم. ذكره الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال في أصحاب أبي عبد الله الصادق 7 في باب من لم يسم عنه فقال : أبو الحسين محمد بن القاسم العرني عن‌

__________________

(١) الخلاصة : ٧٣ ط الحجرى‌

(٢) رجال ابن داود ص ٣٣٨‌


______________________________________________________

رجل من جعفي عن أبي عبد الله 7 (١).

ونسخ كتاب الرجال مختلفة فيه باهمال العين المضمومة والراء المفتوحة قبل النون واعجامه الغين والزاء ، كما نسخ هذا الكتاب مختلفة كذلك ، ولعل الاختلاف مبناه أن محمد بن القاسم من أصحاب الرضا 7 مشترك بين رجلين ذكرهم الشيخ في كتاب الرجال في اصحاب أبي الحسن علي بن موسى الرضا 7 أحدهما محمد بن القاسم النوشجاني (٢) بالنون قبل الواو والمعجمة قبل الجيم والنون بعد الالف نسبة الى قبيلة.

وفي القاموس : النوشجان قبيلة أو بلد (٣).

وهو أبو الحسين محمد بن القاسم العرني بالعين المهملة والراء الاددي بضم الهمزة ودالين مهملتين ، أو الادي بالهمزة المضمومة واهمال الدال المشددة. وأدد كعمر مصروفا بمنزلة ثقب وبضمتين أبو قبيلة من اليمن من بجيلة ، وادّ بن طابخة بن الياس بن مضر أبو قبيلة أخرى.

والاخر محمد بن القاسم البوسنجي بالموحدة قبل الواو والنون بين السين المهملة والجيم ، أبو الحسن الغزني باعجام الغين والزاء نسبة الى غزنة بالتحريك (٤).

قال في القاموس : بوسنج معرب بوشنك بلد من هراة (٥).

وقال الفاضل البرجندي : فوشنج بضم الفاء وسكون الواو وكسر الشين المعجمة وسكون النون ثم جيم من بلاد خراسان كان معمورا فخرب وهو اليوم غير عامر.

__________________

(١) رجال الشيخ ص ٣٤١ وفيه الغرلى.

(٢) رجال الشيخ ص ٣٨٧‌

(٣) القاموس : ١ / ٢٠٩‌

(٤) رجال الشيخ ص ٣٩٣ وفيه البوشنجى.

(٥) القاموس : ١ / ١٧٩‌


اكتتبوا في هذه الشرطة فو الله لا غناء لمن بعدهم الا شرطة النار الا من عمل بمثل أعمالهم.

______________________________________________________

وفي بعض نسخ الكتاب الغزلي (١) باللام بعد الزاء.

قوله 7 : اكتتبوا‌

على الافتعال من الكتيبة ، وفي نسخة اكتبوا من الكتب بمعنى الجمع ، أي اجمعوا شتاتكم واجتمعوا في هذه الكتيبة ، فو الله لا غنى بعدهم بالكسر مقصورا أو لا غناء بعدهم بالفتح ممدودا ، أي لا مغني ولا مجزأ ولا معدي ولا منصرف عنهم ينصرف اليه ويقام فيه الاشرطة النار ، كما قال عز من قائل ( فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ ) (٢) اما من غني عنهم أي استغنى عنهم ، أو من غني فيهم يغني أي أقام فيهم وعاش ، كلاهما من باب رضي.

قال في الصحاح : غني به غنية ، وغنيت المرأة بزوجها غنيانا اي استغنت ، وغني بالمكان أي أقام به ، وغني أي عاش ، واغنيت عنك مغني فلان ومغناة فلان ومغني فلان ومغناة فلان أي أجزأت عنك مجزأه ، ويقال : ما يغني عنك هذا أي ما يجدي عنك وما ينفعك (٣).

وفي القاموس : وما له عنه غنى ولا مغني ولا غنية ولا غنيان مضمومتين بد ، وأغنى عنه غناء فلان ومغناه ومغناته ويضمن ناب عنه وأجزأ مجزأه ، وما فيه غناء ذاك أي اقامته والاضطلاع به وكرضي أقام وعاش وبقي ، والمغني المنزل الذي غني به أهله ثم ظعنوا أو عام ، وغنيت لك مني بالمودة بقيت (٤).

وفي طائفة من النسخ لا غناء لمن بعدهم.

__________________

(١) كما في المطبوع منه بجامعة مشهد.

(٢) سورة يونس : ٣٢‌

(٣) الصحاح : ٦ / ٢٤٤٩‌

(٤) القاموس : ٤ / ٣٧١ ـ ٣٧٢‌


١٠ ـ وروي عن أمير المؤمنين 7 ، انه قال لعبد الله بن يحيى الحضرمي يوم الجمل : أبشر يا ابن يحيى فانك وأبوك من شرطة الخميس حقا ، لقد أخبرني رسول الله 6 باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس ، والله سماكم شرطة الخميس على لسان نبيه 7.

______________________________________________________

قوله ; : لعبد الله بن يحيى الحضرمى‌

كنيته أبو الرضا وهو من أولياء أمير المؤمنين 7 ، ذكره البرقي في كتاب الرجال (١) أعني أحمد بن أبي عبد الله البرقي على ما في فهرست الشيخ وكتاب النجاشي ، لا عمه الحسن بن خالد البرقي كما تو همه بعض المتوهمين.

وذكره الشيخ ; في كتاب الرجال في أصحاب أمير المؤمنين 7 (٢).

والعلامة في الخلاصة ذكره في الاسماء في باب العين وروى هذا الحديث مزيدا فيه في السماء في قوله : والله سماكم في السماء شرطة الخميس (٣) ، ثم في باب الكنى أورد جماعة من أوليائه 7 منهم أبو الرضا عبد الله بن يحيى الحضرمي (٤).

قوله 7 : أبشر يا بن يحيى فانك‌

في أكثر النسخ فانت (٥) وأبوك ، وفي طائفة منها فانك واباك عطفا على مدخول أن وهو ضمير الخطاب ، وفي بعضها فانك وأبوك عطفا على المحل لا على المدخول ، كما في ( فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصّالِحِينَ ) (٦) بالجزم للعطف على موضع الفاء وما بعده لا على مدخولها.

__________________

(١) رجال البرقى ص ٣‌

(٢) رجال الشيخ : ٤٧ وفيه عبد الله بن بحر الحضرمى يكنى ابا الرضا‌

(٣) الخلاصة : ٥١ ط الحجرى‌

(٤) الخلاصة : ٩٣‌

(٥) كما في المطبوع منه‌

(٦) سورة المنافقين : ١٠‌


وذكر أن شرطة الخميس كانوا ستة آلاف رجل أو خمسة آلاف.

١١ ـ وذكر هشام ، عن أبي خالد الكابلي ، عن أبي جعفر 7 قال : كان علي‌

______________________________________________________

وأبشر بفتح الهمزة على القطع يقال بشره وأبشره وبشره فبشر وأبشر وتبشر واستبشر ثلاثة في المتعدي وأربعة في اللازم ، وربما تضم الهمزة على الوصل.

قال في المغرب : بشره من باب طلب بمعنى بشره وهو متعد ، وقد روي لازما الا انه غير معروف ، وعلى هذا قوله أبشر فقد أتاك الغوث بضم الهمزة وانما الصحيح أبشر بقطع الهمزة.

قوله ; : وذكر أن شرطة الخميس‌

على ما لم يسم فاعله عطفا على وروي على صيغة المجهول ، واللفظتان لأبي عمرو الكشي.

في القاموس في خ س : الخميس الجيش لأنه خمس فرق المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة. وفي ش ط : والشرطة بالضم ما اشترطت ، يقال : خذ شرطتك ، وواحد الشرط كصرد وهم أول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت ، وطائفة من أعوان الولاة معروف ، وهو شرطي وشرطي كتركي وجهني ، سموا بذلك لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها (١).

وقد أدريناك أن قوله وشرطي كجهني خطأ والصواب شرطي بضمتين نسبة الى الشرطة (٢) على لغة من يضم فيها الشين والراء جميعا.

والرواية معناها : أن شرطة الخميس في جيش أمير المؤمنين 7 الذين سماهم الله على لسان نبيه 6 كانوا ستة أو خمسة آلاف رجل.

قوله ; : عن أبى خالد الكابلى‌

أي الذي اسمه وردان ولقبه كنكر وهو أبو خالد الكابلي الاكبر.

__________________

(١) القاموس : ٢ / ٢١١ و ٣٦٨‌

(٢) وفي « ن » : الشرط‌


ابن أبي طالب 7 عندكم بالعراق يقاتل عدوه وعنده أصحابه وما كان منهم خمسون رجلا يعرفونه حق معرفته ، وحق معرفته امامته.

سلمان الفارسى‌

١٢ ـ أبو الحسن وأبو اسحاق حمدويه وابراهيم ابنا نصير ، قالا حدثنا محمد ابن عثمان ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي جعفر 7 ، قال كان الناس أهل‌

______________________________________________________

قال الشيخ في كتاب الرجال في اصحاب أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين 7 : وردان أبو خالد الكابلي الاصغر روى عنه وعن أبي عبد الله 8 والكبير اسمه كنكر (١).

وقال في أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق 8 : وردان أبو خالد الكابلي الاصغر روى عنهما 8 والاكبر كنكر (٢).

وقال في أصحاب أبي محمد علي بن الحسين 8 : كنكر يكنى أبا خالد الكابلي وقيل ان اسمه وردان.

قلت : وما يقال ان الاكبر والاصغر يشتر كان في وردان وكنكر اسما ولقبا وهم من غير مستند.

قوله 7 : وحق معرفته امامته‌

أي بعد رسول الله 6 من غير فصل بينهما صلى الله عليهما بأحد أصلا على حق اليقين.

قوله ; : أبو الحسن وأبو اسحاق‌

الطريق موثق بحنان بالمهملة المفتوحة ونونين من حاشيتي الالف وبالتخفيف وعالي الاسناد في الطبقة الاولى.(٣)

__________________

(١) رجال الشيخ : ١٣٩‌

(٢) رجال الشيخ : ٣٢٨‌

(٣) رجال الشيخ : ١٠٠‌


ردة بعد النبي 6 الا ثلاثة. فقلت : ومن الثلاثة؟ فقال : المقداد بن الاسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي ، ثم عرف الناس بعد يسير ، قال : هؤلاء الذين دارت‌

______________________________________________________

قوله 7 : وأبو ذر الغفارى‌

بفتح المعجمة وتشديد الراء المعجمه وتخفيف الفاء.

قال في المغرب : أصل الغفر الستر ، وغفار حي من العرب اليهم ينسب أبو ذر الغفاري وأبو بصرة الغفاري.

وقد صح عنه 6 عند العامة والخاصة : ما اظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر لهجة. وفي رواية : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجه أصدق ولا أوفى من أبي ذر (١).

وفي طريق العامة من الصحاح في مصابيحهم ومشكاتهم أن أبا سفيان أتى على سلمان وأبي ذر وصهيب وبلال في نفر فقالوا : ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله فقال أبو بكر : أتقولون هذا لشيخ قريش (٢) وسيدهم ، فأتى النبي 6 فأخبره فقال : يا أبا بكر لعلك اغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك ، فأتاهم فقال : يا اخوتاه أغضبتكم؟ قالوا : لا يغفر الله لك.

قوله 7 : ثم عرف الناس بعد يسير‌

أي تنبهوا وتعرفوا واستيقنوا الامر واتبعوا الحق ورجعوا الى أمير المؤمنين 7 بعد زمان يسير ، وازاحوا عن صدورهم وساوس تشكيكات المشككين ، وعن ذلك التعبير في كتب الرجال بالرجوع الى أمير المؤمنين 7 ، كما يقولون مثلا أبو سعيد الخدري مشكور من السابقين الذين رجعوا الى أمير المؤمنين 7.

__________________

(١) راجع الطرائف : ٤٠٥ المطبوع أخيرا بقم بتحقيقنا وتعاليقنا عليه.

(٢) وفي « س » : أتقولون هذا الشيخ قريشهم الخ‌


عليهم الرحا

______________________________________________________

قوله 7 : هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا‌

فيه وجهان : الاول : أن يكون كناية عن شدة الملمة بهم وصعوبة الداهية عليهم ، يعني أنهم كانوا في مضيق اعتداء المعتدين كأن الرحا تدور عليهم وتطحنهم ، ومع ذلك فقد لازموا اتباع سبيل الحق ولم يبايعوا أمير الجور والعدوان.

الثاني : أن يرام أن هؤلاء هم الذين كانوا لملة الإسلام كالقطب والمدار عليهم تدور رحاها وبهم يستقيم أمرها ، اتبعوا سبيل الحق ولم يبايعوا أهل الضلال. يقال : دارت رحى الامر اذا قام عموده واستقام نظامه. ومنه في حديث نعت النبي 6 : تدور رحى الإسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشرا ، ثم تدور رحى الإسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمسا. على ما حققناه في المعلقات على زبور آل محمد الصحيفة الكريمة السجادية (١).

فدوران الرحا عليهم على هذا السبيل معناه دورانها حولهم كما يكون دوران الرحا والفلك على القطب والمحور. وما يقال : ان دوران الرحا اذا استعمل باللام كان للتنسيق والتنظيم ، واذا استعمل بعلى كان للتهويش والتهويل خارج عن هذا الاستعمال.

فاذن ما قاله السيد المكرم الرضي أخ السيد المعظم المرتضى رضي الله عنهما في كتاب مجازات الحديث : دور الرحا يكون عبارة عن حالين مختلفين : احداهما مذمومة والاخرى محمودة : فالمذمومة هي الحال التي بني عليها الاخبار عن از عاج الامر عن مناطه واز حافه عن قراره ، واما الحال المحمودة فهي أن يكون دور الرحا عبارة عن تحرك جد القوم وقوة أمرهم وعلو نجمهم يقال : دارت رحا بني فلان اذا اتفقت لهم هذه الاحوال المحمودة ، فهذه حال كان دور الرحا فيهما محمودا لمن دارت له ومذموما لمن دارت عليه ، وانما قالوا : دارت رحا الحرب لجولان الابطال‌

__________________

(١) راجع التعليقة على الصحيفة السجادية المطبوع على هامش نور الأنوار للجزائرى : ص ٢٢. وهذه التعليقة قد صححناه وحققناه ولكن لم يطبع.


وأبوا أن يبايعوا لأبي بكر حتى جاءوا بأمير المؤمنين 7

______________________________________________________

فيها وحركات الخيل تحتها (١).

غير مستقيم على اطلاقه.

قوله 7 : وأبوا أن يبايعوا‌

من الصحيح الثابت في الاخبار أن قيس بن سعد بن عبادة الصحابي الانصاري من خلّص أنصار رسول الله 6 ومن العشرة الذين نصروه 6 ، ومن أصفياء أولياء أمير المؤمنين 7 أيضا ممن لم يرتد ولم ينزعج ولم يبايع.

قال الشيخ في كتاب الرجال في أسماء من روى عن أمير المؤمنين 7 : قيس بن سعد بن عبادة وهو ممن لم يبايع أبا بكر (٢).

وقال العلامة في الخلاصة : قيس بن سعد بن عبادة من السابقين الذين رجعوا الى أمير المؤمنين 7 وهو مشكور لم يبايع أبا بكر (٣).

وسيجي‌ء في الكتاب ما رواه أبو عمرو الكشي : أن أنس بن مالك قال : كان قيس بن سعد من النبي 6 بمنزلة صاحب الشرطة من الامير ، وما رواه في مصالحة أبي محمد الحسن 7 ومعاوية لم يبايع قيس بن سعد بن عبادة الانصاري صاحب شرطة الخميس معاوية قال له معاوية : قم يا قيس فبايع فالتفت الى الحسين 7 ينظر ما يأمره فقال : يا قيس انه امامي يعني الحسن 7.

وكان قيس وأبوه سعد طولهما عشرة أشبار باشبارهما ، وقد كانا من جملة من كان طولهم عشرة أشبار بأشبار أنفسهم ، وكان شبر الرجل منهم يقال انه مثل ذراع أحدنا ، وسعد لم يزل سيد في الجاهلية والإسلام ، وأبوه وأجداده لم يزل فيهم الشريف‌

__________________

(١) المجازات النبوية : ١٥٦‌

(٢) رجال الشيخ : ٥٤‌

(٣) الخلاصة : ١٣٦‌


مكرها فبايع وذلك قول الله عز وجل ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ

______________________________________________________

وكان قيس ابنه مثله بعده (١).

ومن المتفق عليه أن سعد بن عبادة أيضا لم يبايع أبا بكر أبدا ، فاذن حصر من لم يرتد ولم يبايع في ثلاثة أو في سبعة محمول على أنهم قصوى الغاية في الاستيقان والاستقامة والانكار على متقمص (٢) الخلافة ولص الامامة.

قوله 7 : مكرها فبايع‌

يعني أظهر البيعة كرها ، أو أنه وقعت في البين شبهة البيعة فانه جي‌ء به 7 مكرها فكثر اللفظ واضجت الاقوال وارتفعت الاصوات فقال الناس : انه بايع لا أنه قد وقعت منه 7 المبايعة ، فان ذلك خلاف ما أطبق عليه المحدثون من العامة والخاصة ، على ما بسطنا تحقيقه في كتاب نبراس الضياء وفي شرح تقدمة كتاب تقويم الايمان.

أليس قد اتفقت أصول أحاديث العامة فضلا من الخاصة على أنه 7 كان يقول : أنتم بالبيعة لي أحق مني بالبيعة لكم واني أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الانصار ، وأنا أول من يحثو للخصومة بين يدي الله عز وجل (٣).

وانما رواية البيعة في صحيحهم البخاري على هذه الصورة باسناده : عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة : أن فاطمة بنت النبي 6 أرسلت الى أبي بكر تسأله ميراثها عن النبي 6 فيما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر : ان رسول الله 6 قال : لا نورث ما تركناه صدقة ، فأبى أبو بكر أن يدفع الى فاطمة منها شيئا ، فغضبت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي 6 ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم‌

__________________

(١) راجع رجال الكشى : ١١٠ ط جامعة مشهد‌

(٢) وفي « ن » : متغمص‌

(٣) روى نحوه العلامة المجلسى في البحار : ٨ / ١٧٢‌


أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) الاية.

______________________________________________________

يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها.

وكان لعلي من الناس وجهة حياة فاطمة ، فلما توفيت استنكر على وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الاشهر فأرسل الى أبي بكر ان ائتنا ولا يأتنا أحد معك ، كراهية ليحضر عمر ، فقال عمر : لا والله لا تدخل عليهم وحدك ، وقال أبو بكر : وما عسيتهم أن يفعلوا بي فدخل عليهم أبو بكر ، فتشهد علي فقال : انا لن ننفس عليك خيرا ساقه الله عليك ، ولكنك استبددت علينا بالامر وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله 6 نصيبا حتى فاضت عينا أبي بكر فقال علي لا بي بكر : موعدك العشية للبيعة.

فلما صلّى أبو بكر الظهر رقى على المنبر فتشهّد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة ، وتشهّد وتشهّد علي وقال : لا يحملني على التخلف عن البيعة نفاسة على أبي بكر ولا انكارا للذي فضّله الله به ، ولكنا كنا نرى لنا في هذا الامر حقا ، فاستبد علينا به فوجدنا في أنفسنا ، فسر بذلك المسلمون وقالوا : أصبت وكان المسلمون الى علي قريبا حين رجع الامر الى المعروف انتهى ما في صحيح البخاري (١). فلينظر على جبلة الانصاف هل ذلك اذعان لا بي بكر بالامامة واتيان له بالبيعة أو اعلان بأن أبا بكر متغلب بالخلافة ومستبد بالحق على أهله.

وقوله سبحانه : انقلبتم على أعقابكم‌

أي ارتددتم عن دينكم ورجعتم القهقرى ، كما فعل بنو اسرائيل بعد موت موسى على نبينا وعليه السلام.

__________________

(١) ورواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٣٨٠. وهنا تحقيقات ونكات حول هذه الرواية عن السيد بن طاوس في كتاب الطرائف ص ٢٥٨ فراجع تغتنم.


١٣ ـ جبريل بن أحمد الفاريابي البرناني ، قال حدثني الحسن بن خرزاذ قال‌

______________________________________________________

قوله ; : جبريل بن احمد الفاريابى البرنانى‌

وربما يقال الفريابي. قال الفاضل البرجندي : فارياب بفاء بعدها ألف وسكون الراء المهملة ومثناة من تحت بعدها ألف ثم باء موحدة بلد صغير قريب بلخ بينهما اثنان وعشرون فرسخا.

وفي القاموس : فرياب كجريال بلد ببلخ أو هو فيرياب ككيمياء أو فارياب كقاصعاء وكساباط ناحية وراء نهر سيحون (١).

والبرناني بنونين من حاشيتي الالف نسبة الى البرني أو الى البرنية ، وبياء مثناة من تحت قبل الف ثم النون على اختلاف النسخ نسبة الى قرية بمرو أو الى برين بن عبد الله الانصاري.

قال في القاموس : يبرين أو أبرين موضع بحذاء الاحساء ، وأبرينة وتكسر قرية بمرو ، وبرين بالضم ابن عبد الله أبو هند الداري الصحابي (٢).

قال الشيخ في كتاب الرجال في باب لم : جبرئيل بن أحمد الفاريابي أبو محمد كان مقيما بكش كثير الرواية عن العلماء بالعراق وقم وخراسان (٣).

وأورده الحسن بن داود كذلك في قسم الممدوحين من كتابه (٤).

ومن ديدن الاصحاب أن المشيخة المذكورين في باب « لم » لا يعتبرون فيهم صريح التوثيق اليه ، بل يكتفون فيهم بالمدح ، واذا لم يكن في أحدهم مطعن وغميزة كان حديثه معدودا من الصحاح عندهم.

قوله ; : الحسن بن خرزاذ‌

يشترك في هذا الاسم رجلان قمي وكشي ، ذكر الشيخ في كتاب الرجال‌

__________________

(١) القاموس : ١ / ١١٢‌

(٢) القاموس : ٤ / ٢٠١‌

(٣) رجال الشيخ : ٤٥٨‌

(٤) رجال ابن داود : ٨٠‌


حدثني ابن فضّال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن زرارة ، عن أبي جعفر 7 ، عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب 7 ، قال : ضاقت الارض بسبعة بهم ترزقون وبهم‌

______________________________________________________

أحدهما في أصحاب أبي الحسن الهادي 7 قال : الحسن بن خرزاذ قمي (١).

وربما يدعى أنه قد قيل فيه الرمي بالغلو ولست أعرف كذلك مستندا.

والاخر ذكره في باب لم : الحسن بن خرزاد من أهل كش (٢). وهو هذا الرجل.

قوله ; : ابن فضال‌

هو علي بن الحسن الفضال الفطحى الثقة الجليل القدر المختلط بأصحابنا جدا. والطريق به موثق.

قوله 7 : ضاقت الارض بسبعة‌

أي عجزت عن كفاية أمرهم والتوسعة عليهم ، مع أن نزول مطر الرحمة ومدد النصرة من السماء على أهل الارض بهم ولا جلهم ، ومن جهة دعائهم للخلق ودعوتهم اياهم الى الحق ، منهم هؤلاء الخمسة الذين هم أركان الاربعة على اختلاف القولين.

قال الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال في باب الجيم من أسماء من روى عن أمير المؤمنين 7 : جندب بن جنادة ويقال جندب بن السكن يكنى أبا ذر أحد الاركان الاربعة (٣).

وقال في باب السين : سلمان الفارسي مولى رسول الله 6 يكنى أبا عبد الله أول الاركان الاربعة (٤).

وقال في باب العين : عمار بن ياسر يكنى أبا اليقظان حليف بني مخزوم‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ٤١٣‌

(٢) رجال الشيخ : ٤٦٣‌

(٣) رجال الشيخ : ٣٦‌

(٤) المصدر : ٤٣‌


تنصرون وبهم تمطرون ، منهم سلمان الفارسي والمقداد وأبو ذر وعمار وحذيفة ( رحمة الله عليهم ) وكان علي 7 يقول : وأنا امامهم ، وهم الذين صلوا على فاطمة 3.

١٤ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثني علي بن الحسن بن فضال ، قال حدثني العباس ابن عامر ، وجعفر بن محمد بن حكيم ، عن أبان بن عثمان ، عن الحارث النصري بن المغيرة ، قال سمعت عبد الملك بن أعين ، يسأل أبا عبد الله 7 قال فلم يزل يسأله حتى قال له : فهلك الناس اذا؟ قال : أي والله يا ابن أعين هلك الناس أجمعون. قلت : من في الشرق ومن في الغرب؟ قال ، فقال : انها فتحت على الضلال أي والله‌

______________________________________________________

وينسب الى عبس بن مالك وهو مذحج بن أدد رابع الاركان (١).

وقال في باب الميم : المقداد بن الاسود الكندي وكان اسم أبيه عمرو البهرائي ، وكان الاسود بن عبد اليغوث قد تبناه فنسب اليه يكنى أبا معبد ثاني الاركان الاربعة (٢).

ومنهم من جعل حذيفة بن اليمان الانصاري رابع الاركان مكان عمار ، والشيخ رحمه الله تعالى قد نقل هذا القول في ترجمة حذيفة (٣) واختاره العلامة ; في الخلاصة (٤) والاشهر عند المتقدمين هو الاول.

قوله ; : عن الحارث النضري ابن المغيرة‌

باهمال الصاد بعد النون المفتوحة من بني نصر بن معاوية ، بصري روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن : ، وروى عن زيد بن علي ، وهو مستقيم ثقة ثقة.

وسيرد عليك في الكتاب ما رواه الكشي في مدحه وفي ذمه والتعويل على روايات المدح.

__________________

(١) المصدر : ٤٦‌

(٢) المصدر : ٥٧ وفي النسخ « قد بيناه ».

(٣) المصدر : ٣٧‌

(٤) الخلاصة : ٦٠.


هلكوا الا ثلاثة ثم لحق أبو ساسان وعمار وشتيرة وأبو عمرة فصاروا سبعة.

______________________________________________________

قوله 7 : ولكن الا ثلاثة‌

وفي نسخ عدة : هلكوا مكان ولكن.

قوله 7 : ثم لحق أبو ساسان‌

أبو ساسان الانصاري اسمه الحصين بن المنذر.

قال الشيخ في كتاب الرجال في أسماء من روى عن أمير المؤمنين 7 : حصين بن المنذر يكنى أبا ساسان اليرقاشي صاحب رايته 7 (١).

وفي طائفة من النسخ « أبو سنان » مكانه وهو الانصاري. وذكره الشيخ أيضا في كتاب الرجال (٢) وهو من الاصفياء من أصحابه 7.

و « أبو عمرة الانصاري » اسمه ثعلبة بن عمرو قاله الشيخ في كتاب الرجال في باب من روى عن النبي 6 من الصحابة (٣) وذكره بكنيته في أسماء من روى عن أمير المؤمنين 7 (٤).

و « شتيرة » وفي بعض النسخ « شتير » من دون الهاء باعجام الشين المضمومة وفتح التاء المثناة من فوق واسكان الياء المثناة من تحت ثم الراء ، على ما ضبطه ابن الاثير في جامع الاصول حيث.

قال في ترجمة شكل : هو شكل بن حميد العبسي من بني عبس بن بغيض روى عنه ابنه شتير بن شكل لم يرو عنه غيره وعداده في الكوفيين ، شكل بفتح الشين وفتح الكاف واللام وشتير بضم المعجمة وفتح التاء فوقها نقطتان ، وبغيض بفتح الباء الموحدة وكسر الغين وبالضاد المعجمتين.

__________________

(١) رجال الشيخ : ٣٩‌

(٢) المصدر : ٦٣‌

(٣) المصدر : ١٢‌

(٤) المصدر : ٦٣‌


______________________________________________________

وقال في القاموس : شتير كزبير ابن شكل وابن نهار تابعيان (١).

وما قاله العلامة في الخلاصة : ومن خواص أمير المؤمنين 7 من مضر شبير بضم الشين المعجمة أو لا والباء المنقطة تحتها نقطة والياء المنقطة تحتها نقطتين بعدها والراء أخيرا ابن شكل العبسي بالباء المنقطة تحتها نقطة أبو عبد الرحمن (٢). ضبط من غير مأخوذ من أصل.

فاما مؤاخذة الحسن بن داود عليه بقوله : وبعض المصنفين أثبت ستير بالسين المهملة. وهو وهم ، وقد اثبته الشيخ أبو جعفر في باب الشين المجمعة (٣). فزور واختلاق.

والشيخ في باب الشين المعجمة من أصحاب أمير المؤمنين 7 قال : شرحبيل وهبيرة وكريب وبريد وشمير ويقال شتير هؤلاء اخوة بني شريح قتلوا بصفين ، كل واحد يأخذ الراية بعد الاخر حتى قتلوا (٤) ، وقد نقله بالفاظه في الخلاصة (٥).

وأما « ستير » باهمال السين المضمومة من أصحاب أمير المؤمنين 7 من الاصفياء ، فقد ذكره البرقي (٦) ولم يذكره الشيخ ، وقد أورده في الخلاصة ناقلا عن البرقي (٧).

__________________

(١) القاموس : ٢ / ٥٥‌

(٢) الخلاصة : ١٩٣‌

(٣) رجال ابن داود : ١٨٣‌

(٤) رجال الشيخ : ٤٥ وفيه سمير مكان شمير.

(٥) الخلاصة : ٨٧‌

(٦) رجال البرقى : ٣ والموجود في المتن هو « شبير » ولكن قال في الهامش وفي نسخة « ستير ».

(٧) الخلاصة : ١٩٢ قال ناقلا عن البرقى : ستير بضم السين المهملة والتاء المنقطة فوقها نقطتين والياء المنقطة تحتها نقطتين والراء.


١٥ ـ حمدويه ، قال حدثنا أيوب عن محمد بن الفضل وصفوان ، عن أبي خالد القماط ، عن حمران ، قال : قلت لا بي جعفر 7 ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها! قال ، فقال : الا اخبرك باعجب من ذلك؟ قال ، فقلت : بلى. قال : المهاجرون والانصار ذهبوا ( وأشار بيده ) الا ثلاثة.

١٦ ـ علي بن محمد القتيبي النيسابوري ، قال حدثني أبو عبد الله جعفر بن محمد الرازي الخواري من قرية أسترآباد قال حدثني أبو الحسين عن عمرو بن عثمان الخزاز عن رجل ، عن أبي حمزة ، قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول : لما مروا بأمير المؤمنين 7 وفي رقبته حبل آل زريق ، ضرب أبو ذر بيده على الاخرى ، ثم قال : ليت السيوف‌

______________________________________________________

و « عمار » منسوب الى مذحج ـ بفتح الميم واسكان الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة والجيم أخيرا ـ من قبائل الانصار ، ذكره المطرزي في المغرب في ذ ـ ج وهو الصواب ، والجوهري في الصحاح أخطأ فأورده في م ـ ج ، وكأنه ظن الميم أصلية.

وبالجملة مذحج أكمة ولد بها أبو هذه القبيلة فسمى باسمها.

قال الفيروزآبادي في القاموس في ذ ـ ج : ومذحج كمجلس أكمة ولدت مالكا وطيبا أمهما عندها فسموا مذحجا ، وذكر الجوهري اياه في الميم غلط وان أحاله على سيبويه (١).

قوله ; : حدثنا أيوب‌

هو أبو الحسين أيوب بن نوح ، والطريق صحيح وعالي الاسناد في الطبقة الثالثة.

قوله 7 : في رقبته حبل آل زريق‌

الزرق باسكان الراء بين الزاء المفتوحة والقاف معروف.

قال في المغرب : وبتصغيره سمي من اضيف اليه بنو زريق وهم بطن من‌

__________________

(١) القاموس : ١ / ١٩٠‌


قد عادت بأيدينا ثانية ، وقال مقداد : لو شاء لدعا عليه ربّه عز وجل ، وقال سلمان : مولانا أعلم بما هو فيه.

١٧ ـ محمد بن اسماعيل ، قال حدثني الفصل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير عن ابراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله 7 ارتد الناس الا ثلاثة أبو ذر وسلمان والمقداد قال : فقال أبو عبد الله 7 : فأين أبو ساسان وأبو عمرة الانصارى؟

١٨ ـ محمد بن اسماعيل ، قال حدثني الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر 7 ، قال : جاء المهاجرون والانصار وغيرهم بعد ذلك الى علي 7 فقالوا له : أنت والله أمير المؤمنين وأنت والله أحق الناس وأولاهم بالنبي 7 هلم يدك نبايعك فو الله لنموتن قدامك! فقال‌

______________________________________________________

الانصار ، اليهم ينسب أبو عياش الزرقي بضم الزاء وفتح الراء ، وحبل آل زريق يتخذ مما ينبت من الارض كلحاء شجر القنب وغير ذلك وهو من أخشن الحبل وأغلظها.

قوله ; : محمد بن اسماعيل‌

هو الذي يروي عنه ابو جعفر الكليني رضوان الله تعالى عليه أيضا في الكافي ، وكثيرا ما يجعله صدر السند في الطبقة الاولى ، كما يروي عنه أبو عمرو الكشي رحمه الله تعالى ويصدر به الاسناد يكنى أبا الحسين نيسابوري فاضل.

وهو وعلي بن محمد القتيبي النيسابوري تلميذا الفضل بن شاذان ، وحديث كل منهما يعد صحيحا ، كما استمر عليه هجير العلامة في المختلف والمنتهى وشيخنا الشهيد في الذكرى وشرح الارشاد.

ولقد أوضحت الحال وحققنا المقال في الرواشح السماوية (١) وفي المعلقات على الاستبصار (٢) بما لا مزيد عليه.

__________________

(١) الرواشح السماوية : ٧٠‌

(٢) التعليقة على الاستبصار : ٤. المطبوع في الاثنى عشر رسالة للمؤلف.


علي 7 : ان كنتم صادقين فاغدوا غدا عليّ محلقين فحلق علي 7 وحلق سلمان وحلق مقداد وحلق أبو ذر ولم يحلق غيرهم.

ثم انصرفوا فجاءوا مرة أخرى بعد ذلك ، فقالوا له أنت والله أمير المؤمنين وأنت أحق الناس وأولاهم بالنبي 7 هلمّ يدك نبايعك فحلفوا فقال : ان كنتم صادقين فاغدوا علي محلقين فما حلق الا هؤلاء الثلاثة قلت : فما كان فيهم عمار؟ فقال : لا. قلت : فعمار من أهل الردة؟ فقال : ان عمارا قد قاتل مع علي 7 بعد.

١٩ ـ وروى جعفر غلام عبد الله بن بكير ، عن عبد الله بن محمد بن نهيك ، عن النصيبي ، عن أبي عبد الله 7 قال : قال امير المؤمنين 7 : يا سلمان اذهب الى فاطمة 3 فقل لها تتحفك من تحف الجنة؟ فذهب اليها سلمان فاذا بين يديها ثلاث سلال ، فقال لها يا بنت رسول الله أتحفيني؟ قالت : هذه ثلاث سلال جاءتنى بها ثلاث وصائف ، فسألتهن عن أسمائهن فقالت واحدة : أنا سلمى لسلمان ، وقالت الاخرى : أنا ذرة لا بي ذر ، وقالت الاخرى : أنا مقدودة للمقداد ، ثم قبضت فناولتني ، فما مررت بملاء الا ملئوا طيبا لريحها.

٢٠ ـ محمد بن قولويه ، قال حدثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف ، قال حدثني‌

______________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى : عن النصيبى‌

هو محمد بن سلمة البناني ، ذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق 7 وقال : نزل نصيبين أصله كوفي أسند عنه (١).

وليس في رجالنا من أهل نصيبين الا هذا الرجل يروي عنه عبد الله بن محمد بن نهيك وعبيد الله بن أحمد بن نهيك ، وهما شيخان صدوقان ثقتان جليلا القدر.

وآل نهيك ـ بفتح النون وكسر الهاء ـ بيت من أصحابنا بالكوفة ، ويرويان أيضا عن درست بن أبي منصور الواسطي.

__________________

(١) رجال الشيخ : ٢٨٨‌


علي بن سليمان بن داود الرازي ، قال حدثنا علي بن أسباط ، عن أبيه أسباط بن سالم‌

______________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى : على بن سليمان بن داود الرازى‌

نسبة الى الري روى عنه سعد بن عبد الله ، وكأنه كان رقي الاصل.

ذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي محمد العسكري 7 وقال : علي بن سليمان بن داود الرقي (١).

وفي بعض النسخ « الروياني » نسبة الى رويان ـ بضم الراء قبل الواو الساكنة والياء المثناة من تحت قبل الالف والنون بعدها ـ بلد من طبرستان.

قال الفاضل البرجندي : بينه وبين قزوين ستة عشر فرسخا.

وفي القاموس : محلة بالري وقرية بحلب وبلد بطبرستان ومنه الامام أبو المحاسن عبد الواحد بن اسماعيل وغيره (٢).

وربما يظن أن الرجل هذا من بني أعين ، وكان له اتصال بصاحب الامر 7 وخرج (٣) اليه توقيعات وكانت له منزلة في أصحابنا ، وكان ورعا ثقة وفقيها لا يطعن عليه في شي‌ء.

ويقال : انه فاسد ، فان الذي من بني أعين هو علي بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين أبو الحسن الرازي ، على ما في كتاب النجاشي وغيره مكتوبا بخط السيد المكرم جمال الدين أحمد بن طاوس. وتبعه العلامة في الخلاصة (٤).

والحسن بن داود حسبه وهما وزعم أن الصحيح أبو الحسن الزراري بالزاي‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ٤٣٣‌

(٢) القاموس : ٤ / ٢٣٠‌

(٣) وفي « س » : وخرجت‌

(٤) الخلاصة : ١٠٠‌


قال : قال أبو الحسن موسى بن جعفر 8 اذا كان يوم القيامة نادى مناد أين حواري محمد بن عبد الله رسول الله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر؟ ثم ينادي مناد أين حواري علي بن أبي طالب 7 وصي‌

______________________________________________________

المضمومة والراء قبل الالف وبعدها (١).

وكذلك ضبطه العلامة أيضا في الايضاح نسبة الى زرارة بن أعين.

وذلك عندي منظور في صحته.

قوله 7 : أين حوارى محمد بن عبد الله رسول الله 7

قال في الكشاف : حواري الرجل صفوته وخالصته ، ومنه قيل للحضريات الحواريات لخلوص ألوانهن ونظافتهن وفي وزنه الحوالي وهو الكثير الحيلة (٢).

قلت : واما الذي بمعنى حول الشي‌ء وجوانبه وأطرافه كما يقال : حوالينا وحواليكم وبين ظهرانينا وبين ظهرانيكم ، فعلى هيئة صيغة المثناة من غير ارادة معنى التثنية لا على وزن الحواري ولا على هيئة وزن الجمع. ومنه في حديث الاستسقاء : اللهم حوالينا ولا علينا (٣).

والمشهور أن الحواري أصله من الحور بمعنى خلوص البياض ، والتحوير بمعنى التبييض ، والخبز الحواري الذي نخل طحينه مرة بعد مرة. ومنه في الحديث : الحواري من امتي أي خاصتي من أصحابي وأنصاري.

والحواريون من أصحاب عيسى 7 أول من آمن به من أصفيائه وخلصائه‌

__________________

(١) رجال ابن داود : ٢٤٥ قال : وبعض الاصحاب أثبته « الرازى » وهما ، بناء على الوهم الاول. وقال في ص ٤١ : وبعض فضلاء أصحابنا ـ وهو العلامة في الخلاصة ـ أثبته في تصنيفه « أبو غالب الرازى » وأن الامام 7 قال : « وأما الرازى » وهو غلط ، وانما هو « الزرارى » نسبة الى زرارة بن أعين.

(٢) الكشاف : ١ / ٤٣٢‌

(٣) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٦١٤‌


______________________________________________________

وكانوا اثني عشر رجلا قيل : كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها فسموا الحواريين ، ثم صار هذا الاسم مستعملا فيمن أشبههم من الذين خلصوا من كل ريب ونقوا من كل عيب وأخلصوا سرائرهم ونياتهم في نصرة الانبياء والاوصياء والتصديق بهم.

وقيل : كانوا صيادين وقيل : كانوا ملوكا يلبسون البيض من الثياب قاله العزيزي في غريب القرآن وغيره.

وقال الراغب في المفردات : قال بعض العلماء : انما سموا حواريين لأنهم كانوا يطهرون نفوس الناس بافادتهم الدين والعلم المشار اليه بقوله عز وجل ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١). وقال : انما كانوا قصارين على التمثيل والتشبيه ، وتصور منه من لم يتخصص بمعرفة الحقائق المهنة المتداولة بين العامة. قال : وانما كانوا صيادين لاصطيادهم نفوس الناس من الحيرة وقودهم الى الحق (٢).

وعندي أنه يجوز أن يعتبر أصل الحواري من الحور بمعنى الرجوع ، لان حواري الرجل يرجع اليه في أموره ، وحواري النبي أو الوصي يرجع اليه في دينه لا الى غيره.

ومنه المحاورة والتحاور : أي المراجعة في التكلم والتراجع في المخاطبة ، وكلمته فلم يحر جوابا ولا أحار خطابا أي لم يرجع إليّ كلاما ، ونعوذ بالله من الحور بعد الكور ، أي من الرجوع الى النقصان بعد كمال الزيادة.

__________________

(١) سورة الاحزاب : ٣٣‌

(٢) المفردات : ١٣٥‌


محمد بن عبد الله رسول الله؟ فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي ومحمد بن أبي بكر وميثم بن يحيى التمار مولى بني أسد وأويس القرني.

قال ثم ينادي المنادي أين حواري الحسن بن علي بن فاطمة بنت محمد بن عبد الله رسول الله؟ فيقوم سفيان بن أبي ليلى الهمداني وحذيفة بن أسيد الغفاري. قال ، ثم ينادي المنادي أين حواري الحسين بن علي 7؟ فيقوم كل من استشهد معه ولم يتخلّف عنه. قال ، ثم ينادي المنادي أين حواري علي بن الحسين 7؟ فيقوم جبير ابن مطعم ويحيى بن أم الطويل وأبو خالد الكابلي وسعيد بن المسيب. ثم ينادي المنادي اين حواري محمد بن علي وحواري جعفر بن محمد؟ فيقوم عبد الله بن شريك العامري وزرارة بن أعين وبريد بن معاوية العجلي ومحمد بن مسلم وأبو‌

______________________________________________________

قوله 7 : فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعى‌

قال في القاموس : الحمق ككتف الخفيف اللحية وعمرو بن الحمق صحابي (١).

والشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال ذكره في رجال أمير المؤمنين 7 (٢) وفي أصحاب أبي محمد الحسن بن علي 8 (٣).

وسيتكرر بعده في الكتاب مدحه.

قوله 7 : جبير بن مطعم ويحيى بن أم الطويل وابو خالد الكابلى‌

جبير بن مطعم بضم الجيم وفتح الموحدة على صيغة التصغير ، وضم الميم وفتح العين على اسم المفعول من الاطعام.

ذكره الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال في باب من روى عن النبي 6

__________________

(١) القاموس : ٣ / ٢٢٣‌

(٢) رجال الشيخ : ٤٧‌

(٣) المصدر : ٦٩‌


______________________________________________________

من الصحابة قال في باب الجيم : جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف يكنى أبا محمد مات سنة ثمان وخمسين (١).

وفي مختصر أبي عبد الله الذهبي : جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل ممن حسن اسلامه ، عنه ابناه محمد ونافع وابن المسيب ، سيد حليم وقور نسابة ، مات سنة ستة وخمسين.

فمن العجب قول الحسن بن داود في كتابه جبير بن مطعم « كش » أنه من حواري « ين » ولم أره في كتب الشيخ ; (٢).

وسيرد في الكتاب من طريق أبي عمرو الكشي عن الفضل بن شاذان مسندا عن أبي عبد الله 7 : ارتد الناس بعد قتل الحسين 7 الا ثلاثة أبو خالد الكابلي ويحيى بن أم الطويل وجبير بن مطعم. وفي رواية يونس عن حمزة بن محمد الطيار مثله ، وزاد فيه وجابر بن عبد الله الانصاري ، ثم ان الناس لحقوا وكثروا (٣). وقد روى الفضل بن شاذان وغيره.

ونقله حسن بن داود في كتابه : أن يحيى بن أم الطويل أمه وشيكته كانت ظئر علي بن الحسين سيد الساجدين 7 وكان 7 يدعوها أمّا ، وهي التي زوجها فعابه على ذلك عبد الملك بن مروان بأنه زوج أمه توهما منه أنها والدته 7 وكانت والدته 7 شهر بانوى قد توفيت وهو صغير السن (٤).

قلت : فاذن قد ظهر أن يحيى بن أم الطويل أخو سيد العابدين 7 من جهة الرضاع ، وأمه من النسب أمه 7 من الرضاعة.

__________________

(١) رجال الشيخ : ١٤‌

(٢) رجال ابن داود : ٨١‌

(٣) رجال الكشى : ١٢٣‌

(٤) رجال ابن داود : ٣٧١ ـ ٣٧٢‌


بصير ليث بن البختري المرادي وعبد الله بن أبي يعفور وعامر بن عبد الله بن جداعة وحجر بن زائدة وحمران بن أعين. ثم ينادي سائر الشيعة مع سائر الائمة : يوم القيامة ، فهؤلاء المتحورة أول السابقين وأول المقربين وأول المتحورين من التابعين.

______________________________________________________

واستبان معنى ما رواه أبو جعفر الكليني رضوان الله تعالى عليه في جامعه الكافي : أن علي بن الحسين 7 كان له أخ من أمه.

وكذلك ما في كتاب المحاضرات للراغب : ان أم علي بن الحسين بن زين العابدين 7 تزوجت في زمانه بعد أبيه الحسين 7 سيد الشهداء وعابه على ذلك عبد الملك بن مروان فليعلم (١).

قوله 7 : عامر بن عبد الله بن جداعة‌

بضم الجيم واهمال الدال على ما قد ضبطه العلامة في الايضاح ، وربما يضبط باعجام الدال بعد الجيم المضمومة.

و « حجر بن زائدة » باهمال الحاء المضمومة قبل الجيم الساكنة.

و « حمران بن أعين » بضم الحاء المهملة على ما ضبطه الاكثر ، وقيل : بكسرها أخو زرارة بن أعين باهمال العين الساكنة بين الهمزة والياء المثناة من تحت المفتوحتين ، وهو من القراء المتقنين قرأ عليه حمزة ، وعلماء العامة يعرفون جلالته ويطعون فيه بالرفض.

قال الذهبي في ميزان الاعتدال : حمران بن أعين كوفي روى عن أبي الطفيل وغيره ، وقرأ عليه حمزة ، وكان يتقن بالقرآن. وقال أبو حاتم : شيخ. وقال أبو داود : رافضي. وروى حمزة عن حمران بن أعين أن النبي 6 قرأ : ان لدينا أنكالا وجحيما. فصعق.

قوله 7 : فهؤلاء المتحورة أول السابقين‌

على التفعل من الحواري أي الجاعلون أنفسهم حواريين ، فهذه الرواية معول‌

__________________

(١) راجع رجال ابن داود : ٣٧٢‌


٢١ ـ جبريل بن أحمد ، قال حدثني محمد بن عيسى ، عن ابن أبي نجران ، عن صفوان بن مهران الجمّال ، عن أبي عبد الله 7 ، قال ، قال رسول الله 6 : ان الله تعالى أمرني بحب أربعة ، قالوا : ومن هم يا رسول الله؟ قال : علي بن أبي طالب ثم سكت ، ثم قال : ان الله أمرني بحب أربعة قالوا : ومن هم يا رسول الله؟ قال علي بن أبي طالب 7 والمقداد بن الاسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي.

٢٢ ـ حمدويه بن نصير ، قال حدثني محمد بن عيسى. ومحمد بن مسعود ، قالا حدثنا جبريل بن أحمد ، قال حدثنا محمد بن عيسى ، عن النضر بن سويد ، عن محمد ابن بشير ، عمن حدثه ، قال ما بقي أحد الا وقد جال جولة الا المقداد بن الاسود فان قلبه كان مثل زبر الحديد.

______________________________________________________

عليها في ارتفاع منزلة هؤلاء المتحورين السابقين المقربين.

وقول بعض شهداء المتأخرين في حواشي الخلاصة (١) أن في طريقها علي بن سليمان وهو مجهول ، لا تعويل عليه كما دريت ومرفوعة الحسين بن سعيد في ذم عامر وحجر غير صالحة للمعارضة ، وسيستبين لك إن شاء الله العزيز العليم.

قوله ; : جبرئيل بن أحمد قال : حدثنى محمد بن عيسى‌

يعني به العبيدي اليقطيني‌

قوله 6 : ان الله أمرنى بحب أربعة قالوا : ومن هم يا رسول الله قال : على بن أبى طالب 7

هذا الحديث ثابت الصحة عند العامة من طرقهم في صحاحهم وأصولهم ومصابيحهم ومشكاتهم بأسانيد غير محصورة.

قوله ; : الا وقد جال جولة‌

بالجيم أي انزعج في سره انزعاجة ما ، وحاد قلبه عن سبيله حيدة ما.

__________________

(١) هو الشهيد الثانى رحمة الله عليه في حاشيته على الخلاصة غير مطبوع.


٢٣ ـ طاهر بن عيسى الوراق ، رفعه الى محمد بن سفيان ، عن محمد بن سليمان الديلمى ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، قال سمعت أبا عبد الله 7 يقول : قال رسول الله 6 : يا سلمان لو عرض علمك على مقداد لكفر ، يا مقداد لو عرض علمك على سلمان لكفر.

٢٤ ـ علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي ، قال : قال‌

______________________________________________________

قال في المغرب : أصاب المسلمين جولة هي كناية عن الهزيمة ولا تستعمل الا في حق الاولياء ، وأصلها من الجولان.

قوله رحمه الله تعالى : طاهر بن عيسى الوراق‌

هو أبو محمد من أهل كش من مشيخة الشيوخ.

قال الشيخ في كتاب الرجال : صاحب كتاب روى عنه الكشي ، وروى هو عن أحمد بن جعفر الخزاعي عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب (١).

وهذا الطريق بعد الرفع ضعيف بمحمد بن سليمان الديلمي عن علي بن أبي حمزة البطائني عن أبي بصير المكفوف يحيى بن القاسم ، أو أبي القاسم.

قوله 7 : لكفر‌

بالتخفيف على المجرد من الكفور بالشي‌ء والكفران به ، بمعنى الجحود والانكار ، أو بالتشديد على التفعيل للنسبة من كفره تكفيرا ، أي نسبه الى الكفر.

قوله ; : على بن الحكم عن سيف بن عميرة‌

الطريق صحيح على التعليق لان طريق أبي عمرو الكشي الى علي بن الحكم صحيح معروف.

وليعلم أن رواية ارتداد الناس الا القليل منهم بعد النبي 6 غير مختصة بطريق أصحابنا رضوان الله تعالى عليهم ، بل أن حديث أنباء رسول الله 6 أنه ترتد‌

__________________

(١) رجال الشيخ ص ٤٧٧ وفيه صاحب كتب‌


______________________________________________________

الصحابة وترجع القهقرى بعده عليه وآله السّلام ، عند علماء العامة صحيح ثابت في أصولهم الستة الصحاح وجامع أصولهم ومستدركهم ومسندهم ومصابيحهم ومشكاتهم وغيرها من كتبهم المعتبرة بأسانيدهم المتصلة ومسانيدهم المعتمدة من طرق متكثرة ، تحكم في القدر المشترك بينها بالتواتر وفي كثير منها نصوص على أن ذلك الارتداد انما هو في الامامة والخلافة ، لا بعبادة الاوثان والشرك بالله عز وجل (١).

فمن جملة ذلك في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يحدث أن رسول الله 6 قال : يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلئون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقال : انه لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى (٢).

عن ابن المسيب أنه كان يحدث عن أصحاب النبي 6 أن النبي 6 قال : يرد علي الحوض رجال من أصحابي فيحلئون عنه فأقول : يا رب أصحابي فيقول : انك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى (٣).

عن أنس عن النبي 6 قال : ليردن عليّ ناس من أصحابي الحوض حتى اذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول : أصحابي فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك (٤).

أبو حازم عن سهل بن سعد قال : قال النبي 6 : اني فرطكم على الحوض من مرّ عليّ شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ، ليردن علي اقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم. قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال : هكذا سمعت من سهل فقلت : نعم فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها فأقول :

__________________

(١) وقد أوردنا مصادر رواية الارتداد في ذيل كتاب الطرائف : ٣٧٦‌

(٢) صحيح البخارى : ٧ / ٢٠٨ ط دار الطباعة العامرة باستانبول.

(٣) نفس المصدر من البخارى.

(٤) صحيح البخارى : ٧ / ٢٠٧. وروى نحوه عن أنس مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٠٠‌


______________________________________________________

انهم مني فيقال : انك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول : سحقا سحقا لمن غير بعدي (١).

عن المغيرة قال : سمعت أبا وائل عن عبد الله عن النبي 6 قال : أنا فرطكم على الحوض ، وليرفعن معي رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول : يا رب أصحابي فيقال : انك لا تدري ما أحدثوا بعدك (٢).

عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي 6 قال : بينا أنا قائم اذا زمرة حتى اذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلم فقلت : أين؟ قال الى النار والله قلت : وما شأنهم؟ قال : انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ، ثم اذا زمرة حتى اذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلم فقلت : أين؟ قال : الى النار والله ، قلت : ما شأنهم؟ قال ، انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى بعدك ، فلا أراه يخلص فيهم الامثل همل النعم (٣).

عن عقبة أن النبي 6 خرج يوما فصلى على [ أهل ] أحد صلاته على الميت ثم انصرف الى المنبر فقال : اني فرطكم وأنا شهيد عليكم واني والله لا نظر الى حوضي الان واني أعطيت مفاتيح خزائن الارض أو مفاتيح الارض ، واني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها (٤).

ففي الصحيحين من المتفق عليه في باب الحرص على الامارة عن أبي هريرة عن النبي 6 قال : انكم ستحرصون على الامارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة (٥).

__________________

(١) صحيح البخارى : ٧ / ٢٠٧ ـ ٢٠٨ وصحيح مسلم : ٤ / ١٧٩٣‌

(٢) صحيح البخارى : ٧ / ٢٠٦ وصحيح مسلم : ٤ / ١٧٩٦.

(٣) صحيح البخارى : ٧ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩‌

(٤) صحيح البخارى : ٧ / ١٧٣ و ٢٠٩. وصحيح مسلم : ٤ / ١٧٩٥‌

(٥) جامع الاصول : ٤ / ٤٥٠ قال : أخرجه البخارى والنسائى.


______________________________________________________

وفي صحيحي الترمذي والنسائي والمصابيح والمشكاة عن كعب بن عجرة قال : قال لي رسول الله 6 : أعيذك بالله من امارة السفهاء قال : وما ذاك يا رسول الله؟ قال : أمراء سيكون بعدي من دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم ، فليسوا مني ولست منهم ولن يردوا علي الحوض ، ومن لم يدخل عليهم ولم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فاولئك مني وأنا منهم وأولئك يردون علي الحوض (١).

وعن أبي ذر قال : قال رسول الله 6 كيف أنتم وأئمة من بعدي يستأثرون بهذا الفي‌ء قلت : أما والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي فأقاتلهم حتى ألقاك قال : أولا أدلك على خير من ذلك تصبر حتى تلقاني (٢).

وفي صحيح مسلم وسنن أبي داود عن ابن عباس عن النبي 6 قال : انكم محشورون حفاة عراة غرلا ، ثم قرء ( كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنّا كُنّا فاعِلِينَ ) (٣) وأول من يكسي يوم القيامة ابراهيم 7 ، وان ناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : أصحابي أصحابي ، فيقول : انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول ، كما قال العبد الصالح : ( وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ ) الى قوله ( الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (٤) » قال أبو داود في السنن : هذا حديث متفق على صحته أخرجه مسلم من محمد بن مثنى ، وغيره عن محمد بن‌

__________________

(١) جامع الاصول : ٤ / ٤٦٠‌

(٢) جامع الاصول : ١٠ / ٣٩٤ ـ ٣٩٥. والفى‌ء ما يحصل للمسلمين من أموال الكفار وأملاكهم عن غير قتال ولا حرب. والاستئثار : الانفراد بالشي‌ء والتخصص به‌

(٣) الانبياء : ١٠٤‌

(٤) المائدة : ١١٧ و ١١٨‌


أبو جعفر 7 ارتد الناس : الا ثلاثة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد. قال : قلت فعمار؟ قال : قد كان جاض جيضة ثم رجع ، ثم قال : ان اردت الذي لم يشك ولم يدخله شي‌ء فالمقداد ، فأما سلمان فانه عرض في قلبه عارض ان عند أمير المؤمنين 7 اسم الله‌

______________________________________________________

جعفر عن شعبة عن المغيرة (١).

و « الغرل » جمع أغرل وهو الاغلف ، وقوله « لم يزالوا مرتدين ».

لم يرد به الردة عن الإسلام ، انما معناه التخلف عن بعض الحقوق الواجبة.

قال ابن الاثير في النهاية وجامع الاصول : انهم كانوا يمشون بعدك القهقرى قال الازهري : معناه الارتداد عما كانوا عليه ، وقد قهقر وتقهقر والقهقرى مصدر (٢) ،

فهذه نبذة مما في أصول المخالفين وصحاحهم ، ومن أحب الاستقصاء فعليه بما أوردناه في كتبنا (٣).

قوله 7 : قد كان جاض جيضة‌

يروى بالجيم قبل الالف والضاد المعجمة بعدها يقال : جاض عن الحق جيضة أي عدل ، وجاض في القتال اذا فر ، وأصل الجيض الميل عن الشي‌ء.

ويروى باهمال الحاء والصاد من حاشيتي الالف من حاص عن الشي‌ء اذا حاد عنه ، وحاص القوم في القتال حيصا وحيصة : أي جالوا جولة يطلبون الفرار ، والمحيص : المحيد والمهرب.

وبعض القاصرين أهمل الحاء وأعجم الضاد من حيض النساء ، وتحامل توجيهه بما لا يتفوه به ذو مسكة ما.

__________________

(١) صحيح مسلم : ٤ / ٢١٩٥ كتاب الجنة. وغر لا جمع أغرل ، وهو الذى لم يختن وبقيت معه غرلته وهى الجلدة التى تقطع في الختان.

(٢) نهاية ابن الاثير : ٤ / ١٢٩.

(٣) ومن أحسن ما كتب المصنف في ذلك هو كتاب شرح تقدمة تقويم الايمان غير مطبوع‌


الاعظم لو تكلّم به لأخذتهم الارض وهو هكذا ، فلبب ووجئت عنقه حتى تركت كالسلقة ، فمر به أمير المؤمنين 7 فقال له يا أبا عبد الله هذا من ذاك بايع ، فبايع ، وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين 7 بالسكوت ولم يكن يأخذه في الله لومة لائم فأبى الا أن يتكلم فمر به عثمان فأمر به ، ثم أناب الناس بعد فكان أول من أناب أبو سنان الانصاري وأبو عمرة وشتيرة وكانوا سبعة ، فلم يكن يعرف حق أمير المؤمنين 7 الا هؤلاء السبعة.

٢٥ ـ حمدويه بن نصير ، قال حدثنا أبو الحسين بن نوح ، قال حدثنا صفوان ابن يحيى ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، قال سمعت أبا عبد الله 7 يقول : أدرك سلمان العلم الاول والعلم الاخر ، وهو بحر لا ينزح ، وهو منّا أهل البيت.

بلغ من علمه : أنه مر برجل في رهط فقال له : يا عبد الله تب الى الله عز وجل من الذي عملت به في بطن بيتك البارحة ، قال : ثم مضى ، فقال له القوم : لقد رماك سلمان بأمر فما دفعته عن نفسك. قال : انه أخبرني بأمر ما اطلّع عليه الا الله وأنا.

وفي خبر آخر مثله ، وزاد في آخره : ان الرجل كان أبا بكر بن أبي قحافة.

______________________________________________________

قوله 7 : فلبب ووجئت عنقه‌

كلتاهما على ما لم يسم فاعله ، اللبة : المنخر. واللبب : موضع القلادة من الصدر.

قال في الصحاح : لببت الرجل تلبيبا : اذا جمعت ثيابه عند صدره ونحره في الخصومة ثم جررته (١).

وفي النهاية الاثيرية : لببت الرجل لبا ولبيته تلبيا اذا جعلت في عنقه ثوبا أو غيره وجررته ، وأخذت بتلبيب فلان : اذا جمعت عليه ثوبه الذي هو لا بسه وقبضت عليه تجره ، والتلبيب : مجمع ما في موضع اللبب من ثياب الرجل (٢).

والوجي‌ء : الضرب باليد أو بالسكين. يقال : وجأه في عنقه من باب منع ،

__________________

(١) الصحاح : ١ / ٢١٦‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ٤ / ٢٢٣‌


______________________________________________________

ومنه ليس في كذا وكذا ولا في الوجاءة قصاص ، والوجاء : بالكسر على فعال نوع من الخصاء ، وهو أن تضرب العروق بحديدة وتطعن فيها من غير اخراج البيضتين يقال : كبش موجوء اذا فعل به ذلك قاله في المغرب.

والسلقة : بالهاء واحدة السلق. باهمال السين المكسورة واسكان اللام قبل القاف ، وهو اسم لجنس النبت المعروف يؤكل يقال له في بلاد العجم « چقندر ».

قال في القاموس : السلق بالكسر مسيل الماء ، والجمع كعثمان وبقلة معروفة تجلو وتحلل وتلين وتسر النفس نافع للنقرس والمفاصل ، وعصيره اذا صب على الخمر خللها بعد ساعتين ، وعلى الخل خمره بعد أربع ، وعصير أصله سعوطا ترياق وجع السن والاذن والشقيقة ، وسلق الماء وسلق البر نباتان ، والسلق أيضا أثر التسع في جنب البعير ، وكذلك السلق بالتحريك ، وسلق فلانا طعنه وصرعه وألقاه على ظهره وسلقه باللسان أذاه بالكلام وسلق اللحم عن العظم نحاه عنه (١).

ومعنى الحديث : ان سلمان عرض في قلبه عارض الشك والاعتراض أن أمير المؤمنين عنده الاسم الاعظم فليته يدعو الله عز وجل به عليهم ، فاذا القوم قد هجموا عليه فلببوه ووجاؤا عنقه يجرونه الى أبي بكر للبيعة وهو ممتنع منها حتى تركوا عنقه الموجوء.

وتأنيث الضمير العائد اليه باعتبار معنى الرقبة ، كأنه السلقة من فرط ما وجاؤها فمر به أمير المؤمنين 7 ، وقد اطلعه الله جل وعز على ما قد خالجه في سره وعرض له في قلبه ، فقال له : يا أبا عبد الله هذا من ذاك بايعهم على التقية ، وكن بقضاء الله وقدره من الراضين ، ولا تكونن عن سر القدر من الغافلين ، ولا على ما جف به القلم في القضاء الاول من المعترضين ، فرضي سلمان وسارع وسمع وأطاع وبايع.

__________________

(١) القاموس : ٣ / ٢٤٦‌


٢٦ ـ جبريل بن أحمد ، قال حدثني الحسن بن خرزاذ ، قال حدثني أحمد بن علي وعلي بن أسباط ، قالا : حدثنا الحكم بن مسكين ، عن الحسن بن صهيب ، عن أبي جعفر 7 قال : ذكر عنده سلمان الفارسي قال فقال أبو جعفر 7 : مه لا تقولوا سلمان الفارسي ولكن قولوا سلمان المحمدي ، ذلك رجل منّا أهل البيت.

______________________________________________________

وعلى نمط آخر : أنه عرض في قلبه العارض وتخالج في صدره الخاطر ، ثم تنبه وأناب ، فأخذ بتلبيبه فوجأ عنقه حتى تركها كالسلقة زجرا وعقوبة لنفسه ، فمر به أمير المؤمنين 7 فقال له ، هذا من ذاك وأن ذاك منك حيود ما عن السبيل ، فاستأنف الانابة وجدد البيعة فأناب اليه 7 ، وبايع على تنقية السر من عوارض الشكوك وخواطر الاوهام.

قوله ; : جبرئيل بن أحمد قال : حدثنى الحسن بن خرزاذ‌

يعني بالحسن بن خرزاذ الذي هو من أهل كش من طبقات باب « لم » لا القمي المعدود من أصحاب أبي محمد الحسن العسكري 7 ،

ذكر الشيخ الاول في باب « لم » (١) والثاني في أصحاب العسكري 7 (٢).

وقال النجاشي ، الحسن بن خرزاذ قمي كثير الحديث له كتاب أسماء رسول الله 6 وكتاب المتعة ، وقيل : انه غلا في آخر عمره ، أخبرنا محمد بن محمد قال : حدثنا جعفر بن محمد قال : حدثنا محمد بن الوارث السمرقندي قال : حدثنا أبو علي بن الحسن بن علي القمي قال : حدثنا الحسن بن خرزاذ بكتابه (٣).

قوله رحمه الله تعالى : الحكم بن مسكين‌

قال النجاشي في كتابه : الحكم بن مسكين أبو محمد كوفي مولى ثقيف المكفوف روى عن أبي عبد الله 7 ، ذكره أبو العباس ، له كتاب الوصايا كتاب‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ٤٦٣‌

(٢) بل في أصحاب الهادى 7 رجال الشيخ : ٤١٣.

(٣) رجال النجاشى : ٣٥. ط طهران‌


٢٧ ـ جبريل بن أحمد ، قال حدثني الحسن بن خرّزاذ ، قال حدثني الحسن بن علي بن فضّال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن زرارة ، عن أبي جعفر 7 قال : كان علي 7 محدثا ، وكان سلمان محدثا.

______________________________________________________

الطلاق كتاب الظهار ، أخبرنا الحسين بن عبيد الله قال : حدثنا أحمد بن جعفر بن سفيان (١) قال : حدثنا حميد بن زياد قال : حدثنا الحسن بن موسى الخشاب عن الحكم بكتاب الطلاق والظهار (٢).

وشيخنا الشهيد في الذكرى نقل عن العلامة في المختلف في باب صلاة الجمعة أنه قال : في طريق رواية محمد بن مسلم « الحكم بن مسكين » ولا يحضرني الان حاله فنحن نمنع صحة السند ، ثم اعترض عليه فقال قلت : الحكم ذكره الكشي ولم يتعرض له بذم (٣) ، والرواية لا يطعن فيها كون الراوي مجهولا عند بعض الاصحاب (٤).

ونحن نقول : نعم ذكر الكشي الرجل من دون أن يتعرض لنقل طعن فيه أو غميزة آية جلالة الرجل.

ولكن الحكم بن مسكين لا ترجمة له في كتاب الاختيار هذا للشيخ رحمه الله تعالى ، ولا في كتاب اختيار السيد جمال الدين أحمد بن طاوس من كتاب الكشي ، فكأنه قدس الله لطيفه قد وجده في أصل كتاب الكشي ، أو كان رائما للنقل عن النجاشي فجرى على لسان قلمه الكشي والله سبحانه أعلم.

قوله 7 : كان على 7 محدثا وكان سلمان محدثا‌

بفتح الدال المشددة على اسم المفعول من باب التفعيل ، أما علي 7

__________________

(١) وفي المصدر : سفين ولعله هو سفيان كتب على هذا النحو.

(٢) رجال النجاشى : ١٠٥‌

(٣) وفي المصدر : بذم في الرواية مشهورة جدا بين الاصحاب لا يظهر فيها الخ.

(٤) الذكرى : ٢٣١‌


٢٨ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثني أحمد بن منصور الخزاعي ، عن أحمد ابن الفضل الخزاعي ، عن محمد بن زياد ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبد الرحمن ابن أعين ، قال سمعت أبا جعفر 7 يقول : كان سلمان من المتوسمين.

٢٩ ـ جبريل بن أحمد ، قال حدثني الحسن بن خرزاذ ، قال حدثني اسماعيل ابن مهران ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، قال سمعت أبا عبد الله 7 يقول : سلمان علّم الاسم الاعظم.

______________________________________________________

فمحدث على المعنى المصطلح عليه حقيقة ، وأما سلمان فكان محدثا على التجوز بمعنى المفهم الملهم ، وسيستبين لك شرح ذلك إن شاء الله تعالى.

قوله رحمه الله تعالى : أحمد بن منصور الخزاعى‌

هو الذي يقال له محمد بن منصور بن نصر الخزاعي من أصحاب أبي الحسن الرضا 7.

صرح بذلك الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال حيث ذكر في أصحاب علي بن موسى الرضا 7 محمد بن منصور بن نصر الخزاعي ، ثم كرر ذكره فقال : محمد بن نصر الخزاعي ، ويقال له : أحمد بن منصور (١).

قوله رحمه الله تعالى : عن محمد بن زياد‌

يعني به محمد بن الحسن بن زياد العطار فانه يقال له : محمد بن زياد أيضا ، كما قاله النجاشي في أسناد طريقه اليه وقال : كوفي ثقة روى أبوه عن أبي عبد الله 7 (٢).

قوله 7 : كان سلمان من المتوسمين‌

قال الراغب في المفردات : الوسم التأثير والسمة الاثر ، قال تعالى ( سِيماهُمْ

__________________

(١) رجال الشيخ : ٣٩١ و ٣٨٩‌

(٢) رجال النجاشى : ٢٨٥‌


٣٠ ـ جبريل بن أحمد ، قال حدثني الحسن بن خرزاذ ، عن اسماعيل بن مهران ، عن أبان عن جناح ، قال حدثني الحسن بن حمّاد ، بلغ به ، قال : كان‌

______________________________________________________

فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) (١) » وقال : ( تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ ) (٢) وقوله تعالى ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) (٣) أي للمتبرين العارفين المتعظين ، وهذا التوسم هو الذي سماه قوم الذكاء : وقوم الفطنة ، وقوم الفراسة ، وقال 6 : اتقوا فراسة المؤمن وقال : المؤمن ينظر بنور الله (٤).

قوله رحمه الله تعالى : عن أبان عن جناح‌

أبان الذي يروي عنه اسماعيل بن مهران هو أبان بن محمد البجلي ابن أخت صفوان بن يحيى ، كان ثقة وجها في أصحابنا الكوفيين قاله النجاشي (٥).

أو هو أبان بن عثمان الاحمر البجلي أحد من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم.

و « جناح » الذي روى أبان عنه هو جناح بن عبد الحميد الكوفي ، ويحتمل جناح بن رزين مولى مفضل بن قيس الاشعري ، ذكرهما الشيخ في أصحاب أبي عبد الله الصادق 7 (٦).

وما في بعض النسخ (٧) أبان بن جناح مكان « عن » فمن تصحيف الناسخين.

__________________

(١) سورة الفتح : ٢٩‌

(٢) سورة البقرة : ٢٧٣‌

(٣) سورة الحجر : ٧٥‌

(٤) المفردات : ٥٢٤‌

(٥) رجال النجاشى : ١٢‌

(٦) رجال الشيخ : ١٦٤‌

(٧) كما في المطبوع من رجال الكشى بجامعة مشهد والنجف الاشرف.


سلمان اذا رأى الجمل الذي يقال له عسكر يضربه ، فيقال له يا أبا عبد الله ما تريد من هذه البهيمة؟ فيقول : ما هذا بهيمة ولكن هذا عسكر بن كنعان الجني ، يا أعرابي لا ينفق جملك هاهنا ولكن اذهب به الى الحوأب فانك تعطى به ما تريد.

٣١ ـ جبريل بن أحمد ، حدثني الحسن بن خرزاذ ، قال حدثني اسماعيل بن مهران ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر 7 قال : اشتروا عسكرا بسبعمائة درهم وكان شيطانا.

______________________________________________________

قوله ; : اذا رأى الجمل الذى يقال له عسكر يضربه‌

كان هودج عائشة في وقعة الجمل على جمل اسمه عسكر قاله المطرزى في المغرب في : ن ك.

وقال أبو الحسن المسعودى رحمه الله تعالى في مروج الذهب : انصرف عن اليمن عامل عثمان فأتي مكه ، فصادف فيها عائشة وطلحة والزبير ومروان بن الحكم في آخرين من بني أمية ، فكان ممن حرض على الطلب بدم عثمان وأعطي عائشة وطلحة والزبير أربعمائة ألف درهم وكراعا وسلاحا وبعث الى عائشة بالجمل المسمى « عسكرا » وكان شراؤه من اليمن بمأتي دينار انتهى (١).

قلت : فلذلك كان يضربه سلمان رضي الله تعالى عنه.

قوله ; : لا ينفق جملك هاهنا‌

أي لا يروج من النفاق بمعنى الرواج ، ولكن اذهب به الى الحوأب بفتح الحاء المهملة واسكان الواو بعدها همزة مفتوحة ثم باء موحدة.

وفي طائفة من النسخ الحوب بتشديد الواو للقلب والادغام.

وفي الحديث المتواتر المشهور انه 6 قال : ايتكن صاحبة الجمل تنبحها كلاب الحوأب.

__________________

(١) مروج الذهب : ٢ / ٣٥٧ ط دار الاندلس.


٣٢ ـ حمدويه بن نصير ، قال : حدثني محمد بن عيسى ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه عن أبي جعفر 7 قال : جلس عدة من أصحاب رسول الله 6 ينتسبون وفيهم سلمان الفارسي ، وان عمر سأله عن نسبه وأصله؟ فقال : أنا سلمان بن عبد الله كنت ضالا فهداني الله بمحمد ، وكنت عائلا فأغناني الله بمحمد ، وكنت مملوكا فاعتقني الله بمحمد ، فهذا حسبي ونسبي.

ثم خرج رسول الله 6 فحدثه سلمان وشكى اليه ما لقي من القوم وما قال لهم فقال النبي 6 : يا معشر قريش ان حسب الرجل دينه ، ومروته خلقه ، وأصله عقله ، قال الله تعالي : ( إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ). يا سلمان ليس لا حد من هؤلاء عليك فضل الا بتقوى الله ، وان كان التقوى لك عليهم فأنت أفضل.

٣٣ ـ جبريل بن أحمد. قال حدثني أبو سعيد الادمي سهل بن زياد ، عن منخّل ، عن جابر ، عن أبي جعفر 7 قال : دخل أبو ذر على سلمان وهو يطبخ قدرا له ، فبيناهما يتحدثان اذا انكبّت القدر على وجهها على الارض ، فلم يسقط من مرقها‌

______________________________________________________

قال ابن الاثير في النهاية وجامع الاصول : الحوأب منزل بين بصرة ومكة وهو الذي نزلته عائشة فنبحتها الكلاب لما جاءت الى البصرة وفي وقعة الجمل (١).

قوله 7 : فبينا هما يتحدثان اذا انكبت القدر‌

اختلفت النسخ في « بينا » و « بينما » و « اذ » و « اذا » و « انكبت » و « انكفأت » والمعنى في ذلك كله واحد يزاد في بين ما او الالف فيجعل بمنزلة حين ، فيقال : بينما زيد يفعل كذا وبينا يفعل كذا ،

واذ وقتية لما مضى من الزمان ، وقد تكون للمفاجأة وهي التي بعد بينا وبينما.

واذا تكون للمفاجأة وتكون ظرفا زمانيا للماضي ، أو للمستقبل ، أو للحال ، وقد تكون ظرف مكان وتكون شرطية.

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ١ / ٤٥٦‌


ولا ودكها شي‌ء ، فعجب من ذلك أبو ذر عجبا شديدا ، وأخذ سلمان القدر فوضعها على وجهها حالها الاول على النار ثانية ، وأقبلا يتحدثان ، فبيناهما يتحدثان اذ انكبت القدر على وجهها ، فلم يسقط منها شي‌ء من مرقها ولا ودكها ، قال : فخرج أبو ذر وهو مذعور من عند سلمان ، فبينا هو متفكر اذ لقى أمير المؤمنين 7 قال له : يا أبا ذر ما الذي أخرجك من عند سلمان وما الذي ذعرك؟ فقال له أبو ذر : يا أمير المؤمنين رأيت سلمان صنع كذا وكذا فعجبت من ذلك. فقال أمير المؤمنين 7 : يا أبا ذر ان سلمان لو حدثك بما يعلم لقلت رحم الله قاتل سلمان ، يا أبا ذر أن سلمان باب الله في الارض من عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ، وان سلمان منا أهل البيت.

٣٤ ـ طاهر بن عيسى الوارق الكشي قال : حدثني أبو سعيد جعفر بن أحمد بن أيوب التاجر السمرقندي

______________________________________________________

وكببت الاناء فانكب وكفأته فانكفأ وقلبته فانقلب كلها بمعنى واحد ،

والودك وسم اللحم وهو بالتحريك كالمرق.

قوله 7 : وما الذى ذعرك‌

باعجام الذال واهمال العين. وفي بعض النسخ « أذعرك » من باب الافعال ، وهما بمعنى يقال : ذعره يذعره ذعرا بالفتح فهو مذعور من باب منع خوفه ، وأذعره اذعارا فهو مذعر أيضا أخافه ، كما فزعه يفزعه فزعا وأفزعه يفزعه افزاعا ،

و « الذعر » بالضم الخوف ، والفعل منه ذعر يذعر فهو ذاعر من باب فرح يفرح ، والذعر بالتحريك الدهش والفعل منه أيضا من باب فرح.

قوله ; : أبو سعيد جعفر بن أحمد بن أيوب التاجر السمرقندى‌

في نسخ كتاب أبي العباس النجاشي التي وقعت إليّ جميعا « العاجز » أو « المعاجز » بالعين المهملة قبل الالف وبالجيم والزاء بعدها قال : جعفر بن أحمد بن أيوب السمرقندي أبو سعيد يقال له ابن العاجز كان صحيح الحديث والمذهب روى‌


قال حدثني علي بن محمد بن شجاع عن أبي العباس أحمد بن حماد المروزي عن الصادق 7 انه قال في الحديث الذي روى فيه « ان سلمان كان محدثا » قال : انه‌

______________________________________________________

عنه محمد بن مسعود العياشي ، ذكر أحمد بن الحسين ; أن له كتاب الرد على من زعم أن النبي 6 كان على دين قومه قبل النبوة ، طريقنا اليه شيخنا أبو عبد الله محمد بن محمد عن جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي عنه (١).

والذي رأيناه في كتاب الكشي ، وفي كتاب الاختيار منه للشيخ على اتفاق النسخ ، وفي الاختيار منه للسيد بن طاوس « التاجر » مكان « العاجز » بالتاء المثناة من فوق قبل الالف والراء بعد الجيم.

وكذلك قال الحسن بن داود : جعفر بن أحمد بن أيوب السمرقندي يقال له : ابن التاجر كذا رأيته بخط الشيخ (ره) (٢).

وهو مطابق لما رأيناه مذ اشتغلنا بهذه العلوم الى الان في نسخ كتاب الرجال للشيخ ، لكن الموجود فيها بأسرها جعفر بن محمد بن أيوب يعرف بـ « ابن التاجر » أو « المتاجر » من أهل سمرقند متكلم له كتب (٣) ، لا جعفر بن أحمد كما في كتاب الكشي والنجاشي.

قوله ; : على بن محمد بن شجاع‌

وهو الذي يقال له علي بن شجاع النيسابوري ، ذكره الشيخ في أصحاب أبي محمد العسكري 7 قال : علي بن شجاع نيسابوري (٤)

__________________

(١) رجال النجاشى : ٩٣ ـ ٩٤ ط طهران.

(٢) رجال ابن داود : ٨٢‌

(٣) رجال الشيخ : ٤٥٨‌

(٤) رجال الشيخ : ٤٣٣‌


كان محدثا عن امامه لا يجوز به لأنه لا يحدث عن الله عز وجل الا الحجة.

٣٥ ـ طاهر بن عيسى قال : حدثني أبو سعيد قال : حدثني الشجاعي عن يعقوب ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن خزيمة بن ربيعة يرفعه قال : خطب سلمان الى عمر فرده ، ثم ندم فعاد اليه فقال : انما أردت أن اعلم ذهبت حمية الجاهلية عن قلبك أم هي كما هي.

٣٦ ـ حمدويه بن نصير قال : حدثنا محمد بن عيسى العبيدي عن يونس بن‌

______________________________________________________

قوله 7 : لا يجوز به‌

الباء للتعدية والعائد لكونه محدثا ، أي لا يتعدى بكونه محدثا ولا يعد به عن امامه الى ملك يحدثه عن الله عز وجل ، فان المحدثية على هذا السبيل لا تكون الا للحجة وغير الحجة انما محدثيته بتوسط النبي ، والحجة لا عن الله بواسطة الملك لا غير.

وفي بعض النسخ « لا عن ربه » وهو تصحيف لا يجوز به.

قوله رحمه الله تعالى : قال : حدثنى الشجاعى‌

الذي استبان لنا أن الشجاعي المتكرر وروده في الاسانيد اسمه الحسن بن طيب يروي عنه العاصمي ذكر أبو العباس النجاشي ذلك في كتابه ، واستفدناه منه قال : الحسن بن طيب بن حمزة الشجاعي غير خاص في أصحابنا رووا عنه له كتاب ذوات الاجنحة ، ثم أسند طريقه اليه وقال : أخبرنا محمد بن محمد عن أبي الحسن ابن داود قال حدثنا الحسين بن علان قال حدثنا العاصمي عنه بهذا الكتاب (١).

قوله 7 : ثم ندم فعاد اليه‌

يعني ثم سلمان ندم عن خطبته الى عمر ، فعاد الى عمر فقال له ذلك.

قوله رحمه الله تعالى : قال حدثنا محمد بن عيسى العبيدى‌

هذا هو الصحيح ، وفي نسخ كثيرة « العنبري » مكان « العبيدي » وذلك من‌

__________________

(١) رجال النجاشى : ٣٦‌


عبد الرحمن ومحمد بن سنان عن الحسين بن المختار عن أبي بصير عن أبي عبد الله‌

______________________________________________________

تحريفات الناسخين وتصحيفاتهم ، وان كان واردا في الانساب نسبة الى قرية باليمن ، أو كناية عن خلوص النسب ، وعنبري البلد مثل في الهداية ، لان بني العنبر أهدى قوم قاله في القاموس (١) وغيره.

قوله رحمه الله تعالى : عن الحسين بن المختار‌

هو القلانسي الكوفي قال الشيخ في كتاب الرجال : واقفي له كتاب (٢).

وقال النجاشي : أبو عبد الله كوفي مولى أحمس من بجيلة وأخوه الحسن يكنى أبا محمد ذكرا فيمن روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن 8 ، له كتاب يرويه عنه حماد بن عيسى وغيره (٣).

وقال ابن عقدة : عن علي بن الحسن أنه كوفي ثقة (٤).

وفي ارشاد شيخنا المفيد في باب النص على الرضا 7 : أنّه من خاصة الكاظم وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته (٥).

وروى أبو جعفر الكليني رضوان الله تعالى عليه في جامعه الكافي أنه قال : الحسين بن المختار قال لي الصادق 7 رحمك الله ، وقد روى جماعة من الثقات عنه نصا على الرضا 7.

قلت : فذلك يدافع كونه واقفيا ، ولذلك لم يحكم به النجاشي ولا نقله عن أحد على ما هو المعلوم من ديدن النجاشي ، وبالجملة الرجل من أعيان الثقات وعيون الاثبات والله سبحانه أعلم.

__________________

(١) القاموس : ٢ / ٩٦‌

(٢) رجال الشيخ : ١٦٩ و ٣٤٦‌

(٣) رجال النجاشى : ٤٣‌

(٤) الخلاصة : ٢١٥‌

(٥) الارشاد : ٣٠٤ ط بيروت وفيه من خاصته الخ.


7 قال : كان والله علي محدثا ، وكان سلمان محدثا قلت : اشرح لي. قال : يبعث الله اليه ملكا ينقر في اذنه يقول كيت وكيت.

٣٧ ـ جبرئيل بن أحمد حدثني محمد بن عيسى عن حماد بن عيسى عن حريز عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر 7 قال : قال لي : تروي ما يروي الناس ان عليا 7 قال في سلمان « أدرك علم الاول وعلم الاخر »؟ قلت : نعم قال : فهل تدري ما عني؟ قلت : يعني علم بني اسرائيل وعلم النبي 6. فقال : ليس هكذا يعني ولكن علم النبي وعلم علي وأمر النبي وأمر علي.

______________________________________________________

قوله 7 : قلت : اشرح لى قال : يبعث الله اليه ملكا‌

في الكافي رئيس المحدثين أبي جعفر الكليني رضي الله تعالى عنه في كتاب الحجة باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث (١).

وهذا الباب من غامضات العلم وغوامض الحكمة ، وقد شرحنا منهجه وأوضحنا سبيله في غير موضع واحد فنقول : قد استبان في علم ما فوق الطبيعة في باب الإيحاءات والنبوات وفي العلم الطبيعي في كتاب النفس ، وحقق شريكنا السالف في الرئاسة في إلهيات الشفاء وطبيعياته ، ونحن في قبسات الحق اليقين وفي سدرة المنتهى وفي الرواشح السماوية :

ان ذا القوة القدسية الصائر باستكمال نفسه المجردة في مرتبة العقل المستفاد عالما عقليا مطابقا لعوالم الوجود ، قوته العقلية كبريت ، وروح القدس الذي هو العقل الفعّال وواهب الصور باذن ربه نار ، واذا صار من حزبه وانخرط في سلكه اشتعل ناره في كبريته دفعة وأحال نفسه الى جوهر ذاته.

فالنفس المجردة العاقلة بحسب كمال هذه القوّة شجرة يكاد زيتها يضي‌ء ولو لم تمسسه نار نور على نور ، فمن كانت لشجرة نفسه القدسية ثلاث خاصيات بحسب استكمال قوى ثلاث كان نبيا ، له ضروب النبوة الثلاثة من جهة كمال قوتيه‌

__________________

(١) أصول الكافى : ١ / ١٣٤‌


______________________________________________________

النظرية التي منها انبجاس مبادي الادراكات والعملية التي منها انبعاث مبادي التحريكات.

الاولى : ما بحسب كمال القوة العاقلة ، وهي أن تكون علومه كلها بالحدس ونظريات العقلاء من المقتنصات الفكرية بالنسبة اليه جميعها حدسيات ، والمعجزات العقلية كلها من هذا السبيل.

والثانية : ما بحسب كمال القوة المتخيلة وكمال القوة المشتركة المسماة عند الفلاسفة « بنطاسيا » ، وهي أن يتيسر له الابصار والسماع في اليقظة ، لا من سبيل الظاهر من ممر الجليدية وطريق الصماخ ، بل من جنبته الباطن من سبيل الاتصال بعالم العقل والانخراط في سلك الصائرين الى اقليم نور الله سبحانه ، لشدة صقالة مرائي (١) القوى الحسية واستحكام شبهها بألواح الاذهان النقية المجردة العقلية ، ولا يتصحح ذلك للناقصين الا في النوم.

فبحسب كمال هذه القوة فتشبح وتتمثل الابصار النبي بالرؤية البصرية في اليقظة فيبصرهم ، وينتظم ويتركب لسماعه بالقوة السمعية كلام الله تعالى على لسان الملك المتشبح له فيسمعه.

وهذا سبيل باب الوحي والايحاء وله من هذا السبيل المعجزات القولية والاخبار بالمغيبات والانذار بالعقوبات قبل وقوعها.

الثالثة : ما بحسب كمال قوة النفس في جوهر ذاتها باعتبار الفطرة الاولى الجبلية المفطورة على استعدادها الفطري وتأكد علاقة الارتباط بجناب الله ، والتخلق بأخلاق الله في الفطرة الثانية المكسوبة في استعداداتها الكسبية ، وهي أن تكون له ملكة ولوج في ملكوت السماء ومصير الى ذي الملك والملكوت بحسبها تطيعه‌

__________________

(١) المرائى جمع قلة للمراء وجمع الكثرة المرايا. قال في الصحاح : المراة بكسر الميم التى ينظر فيها وثلاث مراء والكثير مرايا « منه » ٦ / ٢٣٤٩‌


٣٨ ـ علي بن محمد القتيبي قال : حدثني أبو محمد الفضل بن شاذان قال : حدثنا ابن أبي عمير عن عمر بن يزيد قال : قال سلمان : قال لي رسول الله 6 اذا حضرك أو أخذك الموت حضر أقوام يجدون الريح ولا يأكلون الطعام ، ثم أخرج صرة من مسك فقال : هيه أعطانيها رسول الله 6 ، قال : ثم بلها ونضحها حوله ثم‌

______________________________________________________

هيولى عالم العناصر وتنقاد له صور الاسطقسات (١).

ومن هذا السبيل له المعجزات الفعلية ، فالمرتبة المستجمعة لهذه الخاصيات في درجة النبوة بضروبها الثلاثة.

ثم اذا اشتعلت القوة واستعلت النبوة واختص النبي بسنة قائمة بالقسط وشريعة ناسخة للشرائع ارتفع الى درجة الرسالة ، فاذا قويت له هذه الشئون واستحكمت هذه الملكات واشتدت أشعة الاتصال بنور الأنوار واستكملت الخاصيات الثلاث واستتم نصاب استكمال ضروب الثلاث جدا استحق خاتمية الانبياء وسيدودة المرسلين ، وصار بحيث لا تتصور في مراتب سلسلة العود مرتبة صعودية تتوسط بينه وبين جناب معاد الوجود ومنتهاه ، كما لا تتصور في مراتب سلسلة البدو مرتبة هبوطية تتوسط بين جناب مبدء المبادي وغاية الغايات وبين مجعوله الاول.

واذا كان ذو القوة القدسية انما يتهيأ في الاتصال بعالم الملكوت للسماع من سبيل الباطن فقط من دون أن يبصر شبحا متمثلا ويعاين صورة متشبحة فهو المحدث بالفتح على صيغة المفعول ، وهو الامام والحجة ، وأما غيره فلا يكون محدثا على الحقيقة بل انما على سبيل التجوز والتوسع من باب المجاز فليعلم.

قوله ; : فقال : هيه اعطانيها رسول الله (ص)

هيه مبنية على الكسر وأصلها « ايه » قلبت همزتها هاء ، ولقد تكررت في الحديث جدا على الاصل وعلى القلب ، وهي كلمة الاستزادة اسما لفعل هو فعل الامر أي زدني من كذا ، أو فعل آخر يدل على ابتغاء الزيادة وطلبها مثل ابتغى زيادة كذا وأريدها وأطلبها مثلا.

__________________

(١) في « س » : الاستقسات.


______________________________________________________

قال ابن الاثير في النهاية في حرف الهاء : في حديث أمية وأبي سفيان قال : يا صخر هيه فقلت : هيها ، هيه بمعنى ايه فأبدل من الهمزة هاء ، وايه اسم سمي به الفعل ومعناه الامر ، تقول للرجل : ايه بغير تنوين اذا استزدته من الحديث المعهود بينكما ، وان نونت استزدته من حديث غير معهود. لان التنوين للتنكير ، فاذا سكته وكففته قلت : ايها بالنصب فالمعنى ان أمية قال له : زدني من حديثك ، فقال أبو سفيان كف عن ذلك (١).

وقال في باب الهمزة : فيه ـ أي الحديث ـ أنه 7 أنشد شعر أمية بن أبي الصلت فقال عند كل بيت : ايه ، هذه كلمة تراد بها الاستزادة وهي مبنية على الكسر فاذا وصلت نونت فقلت : ايه حدثنا ، واذا قلت ايها بالنصب فانما تأمره بالسكوت وقد ترد المنصوبة بمعنى التصديق والرضا بالشي‌ء. ومنه حديث ابن الزبير لما قيل له يا بن ذات النطاقين فقال : ايها ، أي صدقت ورضيت بذلك ، ويروى ايه بالكسر أي زدني من هذه المنقبة (٢).

وفي أساس البلاغة : ايه حديثا استزاده وايها لا تحدث كف (٣).

والجوهري زاد على ذلك في الصحاح قال : ايه اسم سمي به الفعل تقول للرجل اذا استزدته من حديث أو عمل : ايه بكسر الهاء ، قال ابن السكيت : فان وصلت نونت فقلت : ايه حدثنا ، اذا قلت ايه يا رجل فانما تأمره بأن يزيدك من الحديث المعهود بينكما كأنك قلت هات الحديث ، فان قلت ايه بالتنوين فانك قلت هات حديثا ما ، لان التنوين تنكير ، فاذا سكته وكففته قلت ايها عنا ، واذا أردت التبعيد قلت ، أيها بفتح الهمزة بمعنى هيهات (٤).

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ٥ / ٢٩٠‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ١ / ٨٧‌

(٣) أساس البلاغة : ٢٦ ط دار صادر.

(٤) الصحاح : ٦ / ٢٢٢٦‌


قال لا مرته : قومي أجيفي الباب فقامت وأجافت الباب فرجعت وقد قبض 2.

حكي عن الفضل بن شاذان انه قال : ما نشأ في الإسلام رجل من كافة الناس كان أفقه من سلمان الفارسي.

٣٩ ـ أبو صالح خلف بن حماد الكشي قال : حدثني الحسن بن طلحة المروزي يرفعه عن حماد بن عيسى عن ابراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد الله 7 قال : تزوج سلمان امرأة من كندة فدخل عليها فاذا لها خادمة وعلى بابها عباءة ، فقال سلمان ان في بيتكم هذا لمريضا أو قد تحولت الكعبة فيه فقيل : المرأة أرادت أن تستر على نفسها فيه. قال : فما هذه الجارية؟ قالوا كان لها شي‌ء فأرادت أن تخدم. قال انّي سمعت رسول الله 6 يقول : أيّما رجل كانت عنده جارية فلم يأتها أو لم يزوجها‌

______________________________________________________

قوله 2 : أجيفى الباب‌

من الاجافة قال في الصحاح : أجفت الباب أي رددته (١).

وأصل الاجافة الايصال الى الجوف يقال : جافه الطعن والداء اذا وصل الى جوفه وأجافه الطاعن أوصله الى الجوف وطعنة جائفة.

قوله 7 : فقال سلمان : ان في بيتكم هذا لمريضا أو قد تحولت الكعبة‌

أي في بيتكم مريض قد تخوفتم عليه فعطيتم على الباب بهذه العباءة خوفا من وصول الهواء اليه ، أو تحولت الكعبة من مكانها الى موضع بيتكم فالبستموه لباس الكعبة.

و « العباية » بفتح العين كساء واسع مخطط. والعباءة بالمد والهمزة لغة فيها ، والجمع عباء بالفتح قاله في المغرب.

__________________

(١) الصحاح : ٤ / ١٣٣٩‌


من يأتيها ثم فجرت كان عليه وزر مثلها ومن أقرض قرضا فكأنّما تصدق بشطره ، فان أقرضه الثانية كان برأس المال وآدى الحق الى صاحبه أن يأتيه به في بيته أو في رحله فيقول ها وخذه.

٤٠ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثني محمد بن يزداذ الرازي ، عن محمد بن‌

______________________________________________________

قوله (ص) : وآدى الحق الى صاحبه أن يأتيه به في بيته‌

آدى بالمد على صيغة أفعل التفضيل من الاداء ، والضمير في يأتيه وبيته ورحله لصاحب الحق وفي « به » للحق ، وهاء مبنيا على الفتح : اما صوت يفهم منه خذ ، واما من أسماء الافعال للواحد المذكر ، وهاءيا للمثنى ، وهاؤم للجمع.

والمعنى : أوثق الناس في الامانة وآداهم للحق الى أهله من يأتي صاحب الحق بحقه في بيته أو في رحله فيقول له : خذ حقك الذي أتيتك به.

خذه على التأكيد أوخذ استوف مني حقك ، على اجتماع عاملين متوجهين نحسو معمول واحد ، واعمال الاول منهما على مذهب الكوفيين ، والثاني طريقة البصريين ، كما في قوله سبحانه ( هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ) (١) ونظيره ( آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً ) (٢).

واما اسقاط المد والهمزة من هاء وجعل الكلام ها خذه على كلمة التنبيه والاحضار ، فحسبان واه ، اذ هاء التنبيهية مسلكها تنبيه الطالب على حضور مطلوبه ومبتغاه.

والحديث الكريم مغزاه : أن المرء انما يكون للحق آدى اذا أتى به صاحبه فأداه اليه من غير طلب منه فليعرف.

قوله رحمه الله تعالى : محمد بن يزداذ‌

بالياء المثناة من تحت والزاء قبل الدال المهملة والذال المعجمة بعد الالف ،

__________________

(١) سورة الحاقه : ١٩‌

(٢) سورة الكهف : ٩٦‌


علي الحداد ، عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر ، عن أبيه 7 قال : ذكرت التقيّة يوما عند علي 7 فقال : أن لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله وقد آخى رسول الله بينهما ، فما ظنّك بسائر الخلق.

٤١ ـ حمدويه وابراهيم ابنا نصير ، قالا حدثنا أيوب بن نوح ، عن صفوان ابن يحيى ، عن عاصم بن حميد ، عن ابراهيم بن أبي يحيى ، عن أبي عبد الله 7 الميثب هو الذي كاتب عليه سلمان فأفاءه الله على رسوله فهو في صدقتها ، يعني صدقة فاطمة 3.

______________________________________________________

ذكره الشيخ في أصحاب أبي محمد العسكري 7 (١).

قال أبو عمرو الكشي : قال ابن مسعود : لا بأس به (٢).

قوله ; : ابنا نصير‌

الطريق صحيح عالي الاسناد في الطبقة الاولى وابراهيم بن أبي يحيى الصواب فيه ابراهيم بن أبي البلاد يحيى. وكأنه ايهام من النساخ.

قوله 7 : الميثب‌

هو من الحوائط التي هي من أوقاف سيدة النساء 3 وهي سبعة وقفتها صلوات الله عليها وأوصت بها ، وهذا معنى قوله 7 فهو في صدقتها يعني صدقة فاطمة 3.

روى ذلك أبو جعفر الكليني في الكافي وأبو جعفر بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه (٣).

و « المئثب » بكسر الميم والهمزة قبل الثاء المثلثة والباء الموحدة أخيرا ، والميم فيه زائدة لا من جوهر الكلمة ، ويروي الميثب بالياء المثناة من تحت مكان الهمزة.

__________________

(١) رجال الشيخ : ٤٣٦ وفيه بالدال المهملة أخيرا أيضا.

(٢) رجال الكشى : ٥٣٠ ط جامعة مشهد و ٤٤٦ ط النجف الاشرف.

(٣) الفقيه : ٤ / ١٨٠ وفروع الكافى : ٧ / ٤٧.


٤٢ ـ نصر بن الصبّاح وهو غال ، قال حدثني اسحاق بن محمد البصري وهو متّهم ، قال حدثنا أحمد بن هلال ، عن علي بن أسباط ، عن العلاء ، عن محمد بن حكيم قال ذكر عند أبي جعفر 7 سلمان ، فقال : ذلك سلمان المحمدي ، ان سلمان منّا أهل البيت ، انه كان يقول للناس : هربتم من القرآن الى الأحاديث ، وجدتم كتابا رقيقا حوسبتم فيه على النقير والقطمير والفتيل وحبة خردل فضاق ذلك عليكم وهربتم الى الأحاديث التي اتبعت عليكم.

______________________________________________________

قال في القاموس في أ ـ ب : المئثب : كمنبر المشمل والارض السهلة والجدول وما ارتفع من الارض ، والمآثب جمعه وموضع أو جبل كان فيه صدقاته 6 (١).

وقال في و ـ ب : الميثب بكسر الميم الارض السهلة وما ارتفع من الارض وماء لعبادة وماء لعقيل ومال بالمدينة إحدى صدقاته 6 وموضع بمكة عند غدير خم والجدول ، وموثب كمجلس ومقعد موضع (٢).

وقال الصدوق رضوان الله تعالى عليه في الفقيه : روي أن هذه الحوائط كانت وقفا ، وكان رسول الله 6 يأخذ منها ما ينفق على أضيافه ومن يمر به ، فلما قبض جاء العباس يخاصم فاطمة 3 فيها فشهد علي 7 أنها وقف عليها.

المسموع من ذكر أحد الحوائط الميثب ، ولكني سمعت السيد أبا عبد الله محمد بن الحسن الموسوي أدام الله توفيقه يذكر أنها تعرف بالميثم (٣).

قوله ; : اسحاق بن محمد البصرى وهو متهم‌

بضم الميم وفتح المثناة من فوق المشددة ، كما يرد في الكتاب كذلك ، ومنهم بالنون تصحيف.

__________________

(١) القاموس : ١ / ٣٦‌

(٢) القاموس : ١ / ١٣٦‌

(٣) من لا يحضره الفقيه : ٤ / ١٨١‌


٤٣ ـ آدم بن محمد القلانسي البلخي ، قال حدثنا علي بن الحسين الدقاق النيسابوري ، قال أخبرنا محمد بن عبد الحميد العطار ، قال حدثنا ابن أبي عمير ، قال حدثنا ابراهيم بن عبد الحميد ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله 7 قال : مر سلمان على الحدادين بالكوفة واذا شاب قد صرع والناس قد اجتمعوا حوله. فقالوا يا أبا عبد الله هذا الشاب قد صرع فلو جئت وقرأت في أذنه! قال : فجاء سلمان فلما دنا منه رفع الشاب رأسه فنظر اليه فقال : يا أبا عبد الله ليس منه شي‌ء مما يقول هؤلاء ، لكني مررت بهؤلاء الحدادين وهم يضربون بالمرازب فذكرت قول الله تعالى ( وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ) قال : فدخلت في قلب سلمان من الشاب محبة فاتخذه أخا ، فلم يزل معه حتى مرض الشاب ، فجائه سلمان فجلس عند رأسه وهو في الموت. فقال : يا ملك الموت ارفق بأخي ، فقال : يا أبا عبد الله اني بكل مؤمن رفيق.

٤٤ ـ نصر بن صباح البلخي أبو القاسم ، قال حدثني اسحاق بن محمد البصري قال حدثني محمد بن عبد الله بن مهران ، عن محمد بن سنان ، عن الحسن بن منصور ، قال قلت للصادق 7 : أكان سلمان محدثا؟ قال : نعم. قلت : من يحدثه؟ قال : ملك كريم. قلت : فاذا كان سلمان كذا فصاحبه أى شي‌ء هو؟ قال : أقبل على شأنك.

______________________________________________________

قوله 7 : وهم يضربون بالمرازب‌

جمع المرزبة بكسر الميم وفتح الزاء وتخفيف الموحدة على اسم الاله ، ومنهم من شددها.

وقال ابن الاثير : المرزبة بالتخفيف المطرقة الكبيرة التي تكون للحدادين ، ومنه حديث الملك « وبيده مرزبة » ويقالها الارزبة أيضا بالهمزة والتشديد (١).

وكذلك في الصحاح : الارزبة التي يكسر بها المدر ، فان قلتها بالميم خففت قلت المرزبة (٢).

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ٢ / ٢١٩‌

(٢) الصحاح : ١ / ١٣٥‌


٤٥ ـ علي بن الحسن ، قال حدثني محمد بن اسماعيل بن مهران ، قال حدثنا اسحاق بن ابراهيم الصواف ، قال حدثنا يوسف بن يعقوب ، عن النهاش بن فهم ، عن عمرو بن عثمان ، قال دخل سلمان على رجل من إخوانه فوجده في السياق ، فقال : يا ملك الموت ارفق بصاحبنا! قال : فقال الاخر يا أبا عبد الله ان ملك الموت يقرئك السّلام وهو يقول : ألا وعزة هذا البناء ليس إلينا شي‌ء.

٤٦ ـ أبو عبد الله جعفر بن محمد شيخ من جرجان عامي ، قال حدثنا محمد بن حميد الرازى ، قال حدثنا علي بن مجاهد ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن عبد الاعلى ، عن أبيه ، عن المسيب بن نجبة الفزاري ، قال : لما أتانا سلمان الفارسي قادما ،

______________________________________________________

وفي المغرب : المرزبة الميتدة ، وعن الكسائي تشديد الباء.

وفي القاموس : الارزبة والمرزبة مشددتان أو الاولى فقط عصية من حديد (١).

قوله ; : وهو يقول ألا وعزة هذا البناء ليس إلينا شي‌ء‌

ألا بالفتح والتخفيف كلمة استفتاح وتزيين الكلام : اما لتنبيه المخاطب ، أو لتوجيه الخطاب نحوه ، أو لتفهيمه سر الامر ومغزاه ، واما للتحقيق والتأكيد والتسجيل على الامر ، واما للحث والتخصيص والتحريص على الطلب ، وقد تورد للتوبيخ والانكار وتكون أيضا للاستفهام على النفي ، وقد وردت في التنزيل الكريم علي وجوه الاستعمالات جميعا.

والواو للقسم وعزة هذا البناء مقسم بها.

والمعنى بهذا البناء بناء هيكل بدن العالم الصغير الذي هو الانسان ، أو بناء هيكل بدن الانسان الكبير وهو العالم الاكبر بجملة نظام الوجود من البدو الى الساقة.

والمعنى : ليس لنا من الامر إلينا شي‌ء ، بل الامر كله بيد الله وانما نحن عباد مأمورون مطيعون.

__________________

(١) القاموس : ١ / ٧٣‌


تلقّيته فيمن تلقاه فسار حتى انتهى الى كربلاء ، فقال : ما تسمون هذه؟ قالوا كربلاء فقال : هذه مصارع اخواني ، هذا موضع رحالهم ، وهذا مناخ ركابهم ، وهذا مهراق دمائهم ، قتل بها خير الاولين ، ويقتل بها خير الاخرين ، ثم سار حتى انتهى الى حروراء ، فقال : ما تسمون هذه الارض؟ قالوا : حروراء. فقال : حروراء خرج بها‌

______________________________________________________

قوله ; : تلقيته فيمن تلقاه‌

على التفعل من اللقاء ، أي استقبلته في جملة من استقبله ، ومنه النهي عن تلقي الركبان في كتاب المتاجر.

قوله رضى الله تعالى عنه : وهذا مناخ ركابهم‌

بضم الميم على اسم المكان من باب الافعال فانه يكون على هيئة اسم المفعول ، وركابهم بكسر الراء وهو اسم لجنس الابل.

قال في القاموس : المناخ بالضم مبرك الابل وقال : الركاب ككتاب الابل واحدتها راحلة (١).

قوله ; : وهذا مهراق دمائهم‌

بضم الميم وفتح الهاء على مفعل ، بالفتح أيضا اسم المكان من هراق الماء يهريقه ، بفتح الهاء فيهما هراقة بالكسر ، بمعنى أراقه يريقه اراقة صبه ، والهاء بدل من الهمزة وصارت بلزومها كأنها من نفس الحرف ، فلذلك ربما يبنى منه أهراق بفتح الهمزة يهريق بتسكين الهاء فيهما أهرياقا على الجمع بين البدل والمبدل. وبسط القول فيه في المعلقات على الفقيه وعلى الاستبصار.

قوله رضى الله تعالى عنه : قتل بها خير الاولين‌

كأنه عني به هابيل وخير الاخرين هو أبو عبد الله الحسين 7.

قوله ; : الى حرورا‌

هي بإهمال الهاء المفتوحة وضم الراء قبل الواو وبالقصر وبالمد قرية الخوارج‌

__________________

(١) القاموس : ١ / ٢٧٢ و ٧٥‌


شر الاولين ويخرج بها شر الاخرين ، ثم سار حتى انتهى الى بانقيا وبها جسر الكوفة الاول ، فقال : ما تسمون هذه؟ قالوا : بانقيا ، ثم سار حتى انتهى الى الكوفة قال : هذه الكوفة؟ قالوا : نعم. قال : قبة الإسلام.

٤٧ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إشكيب ، قال أخبرني الحسن بن خرزاذ القمي ، قال أخبرنا محمد بن حماد الساسي ، عن صالح بن فرج ، عن زيد بن المعدل ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله 7 قال : خطب سلمان‌

______________________________________________________

لعنهم الله.

قال ابن الاثير في النهاية : الحرورية طائفة من الخوارج نسبوا الى حروراء وحرورا بالمد والقصر ، هو موضع قريب من الكوفة ، كان أول مجتمعهم فيها ، وهم أحد الخوارج الذين قاتلهم علي كرم الله وجهه (١).

وفي القاموس : حروراء كجلولاء ، وقد تقصر قرية بالكوفة وهو حروري (٢).

قوله رضى الله تعالى عنه : خرج بها شر الاولين‌

شر الاولين هو عاقر ناقة صالح وشر الاخرين قاتل أمير المؤمنين 7 عبد الرحمن ابن ملجم المرادي ضاعف الله عليه العذاب واللعنة ، والحديث بذلك عنه 6 مشهور متواتر عند العامة والخاصة.

قوله ; : حتى انتهى الى بانقيا‌

بالموحدة قبل الالف والنون المكسورة بعدها قبل القاف الساكنة والياء المثناة من تحت قبل الالف.

قال في القاموس : نقيا ـ بالكسر ـ قرية بالانبار منها يحيى بن معين وبانقيا قرية بالكوفة (٣).

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ١ / ٣٦٦‌

(٢) القاموس : ٢ / ٨‌

(٣) القاموس : ٤ / ٣٩٧‌


فقال : الحمد لله الذي هداني لدينه بعد جحودى له ؛ اذ أنا مذك لنار الكفر أهلّ لها نصيبا أو أثبت لها رزقا ، حتى ألقى الله عز وجل في قلبي حب تهامة فخرجت جائعا ظمآن قد طردني قومي وأخرجت من مالي ولا حمولة تحملني ولا متاع يجهزني‌

______________________________________________________

( خطبة سلمان رضى الله تعالى عنه المحتوية على الغوامض والاسرار )

قوله رضى الله تعالى عنه : اذ أنا مذك لنار الكفر أهل لها نصيبا أو أثبت لها رزقا‌

ذكت النار والشمس تذكو اتقدت وأضاءت وذكيتها تذكية ، وذكاء اسم للشمس ، وابن ذكاء للصبح ، وذلك أن يتصور الصبح تارة ابن للشمس ، وتارة حاجبا لها فيقال : حاجب الشمس ، ومن هناك يعبر عن سرعة الادراك وحدة الفهم بالذكاء ، وعلى ذلك قولهم فلان شعله نار وذكيت الشاة ذبحتها.

وحقيقة التذكية اخراج الحرارة الغريزية ، لكن خصت في الشرع بابطال الحياة واذهاقها على وجه دون وجه.

والاهلال أصله رفع الصوت عند رؤية الهلال ، ثم استعمل لكل صوت ، وبذلك شبه اهلال الصبي واستهلاله وقوله عز من قائل ( وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ) (١) يعني ما ذكر عليه غير اسم الله ، وهو ما كان يذبح لا جل الاصنام ، وقيل : الاهلال والتهلل أن يقول : لا إله الا الله.

ومن هذه الجملة ركبت هذه اللفظة ، كما قولهم التبسمل والبسملة والتحولق والحولقة والتجعفل والجعفلة ، بناء تركيبيا من قول الرجل « بسم الله الرحمن الرحيم » و « لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم » و « جعلت فداك ».

ومنه الاهلال بالحج ، وتهلل السحاب برقه أي تلا لا تشبيها له في ذلك بالهلال.

والمعنى : كنت أهل للنار بما يكون للنيران من القرابين نصيبا ، وأثبت وأحصل من ديوان السلطان من الارتزاق لبيوت النار طسقا ورزقا.

__________________

(١) سورة المائدة : ٣ وسورة النحل : ١١٥‌


ولا مال يقويني ، وكان من شأني ما قد كان ، حتى أتيت محمدا 6 فعرفت من العرفان ما كنت أعلمه ورأيت من العلامة ما أخبرت بها ، فأنقذني به من النار فبنت من الدنيا على المعرفة التي دخلت عليها في الإسلام.

الا أيّها الناس اسمعوا من حديثي ثم اعقلوا عنّي قد أتيت العلم كبيرا ولو أخبرتكم بكل ما أعلم لقالت طائفة لمجنون وقالت طائفة أخرى ؛ اللهم اغفر لقاتل سلمان.

______________________________________________________

قوله رضى الله تعالى عنه : فبنت من الدنيا‌

بكسر الموحدة واسكان النون من بان عن الشي‌ء يبين بينا وبينونة وبينونا : انفصل عنه وانقطع وانقلع ، والبين أيضا الوصل فهو من الاضداد ، والبون : الفضل والمزية ، يقال بانه يبينه ويبونه وباينه فاضله وفضل عليه ، ومنها وبينها بون بعيد.

قال في الصحاح : والواو أفصح فأما في البعد فيقال : ان بينهما لبينا لا غير (١)

قوله رضى الله تعالى عنه : على المعرفه التى دخلت عليها‌

على بيانيه أو نهجية ، أي بينونتي من الدنيا كانت على المعرفة التي كان دخولي في الإسلام عليها.

قوله رضى الله تعالى عنه : قد أتيت العلم كبيرا‌

على صيغة المعلوم من أتاه يأتيه اتيانا ، بمعنى جاءه وحضره ، و « كبيرا » منصوب على الحال ، أي أتيته على الكبر ، أو على ما لم يسم فاعله منه ، و « العلم » منصوب على أنه منزوع الخافض ، أي أتيت بالعلم على الكبر.

ويروى (٢) أتيت العلم كثيرا على المجهول من الايتاء بمعنى الاعطاء ، اي قد اعطيت علما كثيرا.

__________________

(١) الصحاح : ٥ / ٢٠٨٢‌

(٢) كما في المطبوع منه بجامعة مشهد‌


ألا أن لكم منايا تتبعها بلايا ، فان عند علي 7 علم المنايا وعلم الوصايا وفصل الخطاب على منهاج هارون بن عمران ، قال له رسول الله 6 أنت وصيّي وخلفيتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى ، ولكنّكم أصبتم سنّة الاولى وأخطأتم سبيلكم ،

______________________________________________________

قوله رضى الله تعالى عنه : علم المنايا والوصايا وفصل الخطاب‌

المنايا الآجال جمع المنية ، وهي الاجل المقدر للحيوان ، من مناه يمنيه بمعنى قدره ، ومنى له الماني أي قدر ، فالمنية سميت منية لأنها مقدرة لكل ، ومن هناك سمي بها الموت.

وعلم الوصايا المراد به علم الشرائع.

وفصل الخطاب هو الفارق بين الحق والباطل على الفصل والقطع.

قوله رضى الله تعالى عنه : سنة الاولى‌

على اسم الاشارة ، واصابة الشي‌ء ادراكه ونيله ، والخطأ العدول عن الجهة ، وكل من عدل عن سمت شي‌ء ولم يصبه فقد أخطأه ، قالوا : وجملة الامر أن من أراد شيئا واتفق منه غيره يقال : أخطأ ، وان وقع منه كما أراده يقال أصاب ، ويقال لمن فعل فعلا لا يحسن أو أراد ارادة لا تجمل يقال : أخطأ ، ولهذا يقال : أصاب الخطأ وأخطأ الصواب وأصاب الصواب وأخطأ الخطاء.

و « أصبتم سنة الاولى » أي أصبتم طريقة أولئك الاقوام من بني اسرائيل الذين ارتدوا عن السبيل من بعد موسى 7 ، وأخطأتم سبيلكم ورجعتم في دينكم القهقرى كما أنهم رجعوا.

وقد أنبأ عن ذلك التنزيل الكريم بقوله سبحانه ( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (١) والسنة المتواترة الصحيحة الثابتة عند العامة والخاصة من طرق متشعبة على متون متلونة.

من ذلك في صحيحي البخاري ومسلم وصحيحي النسائي والترمذي وفي‌

__________________

(١) آل عمران : ١٤٤‌


والذي نفس سلمان بيده لتركبنّ طبقا عن طبق سنة بني اسرائيل القذة بالقذة.

______________________________________________________

سائر أصولهم وصحاحهم قال رسول الله 6 : انما الناس كالإبل الماية لا تكاد تجد فيها راحلة ، وانكم لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم قالوا : يا رسول الله اليهود والنصارى قال : فمن (١).

وفي رواية تكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان انس قال حذيفة : كيف أصنع يا رسول الله ان أدركت ذلك؟ قال : تسمع وتطيع الامير وان ضرب ظهرك وأخذ مالك (٢).

قوله رضى الله تعالى عنه : لتركبن طبقا عن طبق سنة بنى اسرائيل‌

اقتباس من التنزيل الكريم (٣) ( لَتَرْكَبُنَّ ) هنا بضم الموحدة لا غير على خطاب القوم.

فاما بالتنزيل فقد قرأ بالضم على خطاب الجنس ، وبالفتح على خطاب الانسان في يا أيها الانسان ، وبالكسر على خطاب النفس ، وقرأ بالياء للغيبة مكان تاء الخطاب على فتح الباء على لا يركبن الانسان.

و ( طَبَقاً ) في التنزيل متعين النصب على المفعول ، فاما هنا فيحتمل أن يكون منصوبا على المفعولية فيكون نصب سنة بني اسرائيل على البدل عنه ، أو على نزع الخافض.

أي على سنة بني اسرائيل وحذو طريقتهم ، ويحتمل الحال من ضمير خطاب الجمع فتنصب سنة بني اسرائيل على المفعول ، أي لتركبنها طبقا عن طبق.

و « الطبق » ما طابق غيره يقال : ما هذا بطبق لذا أي ليس يطابقه ، ومنه قيل للغطاء : الطبق ، واطباق الثرى ما تطابق منه ، ثم قيل للحال المطابقة لحال أخرى في الشدة‌

__________________

(١) صحيح مسلم : ٤ / ٢٠٥٤ وكتاب الطرائف : ٣٨٠‌

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٤٧٦ كتاب الامارة ح ٥٢‌

(٣) سورة الانشقاق : ١٩‌


أما والله لو وليتموها عليّا لا كلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم ، فابشروا‌

______________________________________________________

والصعوبة ، أو في الكيفية والصفة ، أو في المنزلة والمرتبة طبق ، أو هو جمع طبقة وهي المرتبة من مراتب الشي‌ء ، يقال : الناس على طبقات أي على منازل ودرجات بعضها أرفع من بعض.

ومحل « عن طبق » النصب على أنه صفة لطبقا أي طبقا مجاوز الطبق ، أو حال من ضمير الجمع في لتركبن طبقا. أي مجاوزين لطبق.

فالمعنى : لتركبن طبقا عن طبق أي منزلة بعد منزلة ، أو حالا بعد حال في الحيص والحيود عن سواء السبيل ، أو أحوالا مختلفة هي طبقات ومراتب في الزيغ والعدول عن سبيل الحق ، وأن ذلك الا سنة بني اسرائيل من قبل ، أو لتركبن سنة بني اسرائيل في الزيغ والحيود طبقا عن طبق أي منزلة بعد منزلة ومرتبة بعد مرتبة ، أو طرقا متباينة وطبقات شتى هي مراتب مترتبة وأحوال مختلفة تحذونها حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة.

وقد استفاضت رواية الحديث على هذا الطريق في أصول العامة والخاصة (١).

و « القذة » بضم القاف واعجام الذال المشددة احدى رياش السهم والجمع قذذ

قال في الاساس : قذ الريش بالمقذ حذف أطرافه ، ومنه القذة الريشة المقذوذة يقال : حذو القذة بالقذة ، وألزق القذذ بالسهم ورجل مقذوذ الشعر مقصص حوالي قصاصه كله (٢).

قوله رضى الله تعالى عنه : اما والله لو وليتموها عليا لا كلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم‌

أما بالفتح والتخفيف كلمة تنبيه وتحقيق وتأكيد وتسجيل ، ولو ولّيتموها أي‌

__________________

(١) رواه في الكشاف : ١ / ٦١٦ ، ورواه أيضا العلامة المجلسى في البحار عن صحيح الترمذى : ٢٨ / ٣٠ وأيضا السيد ابن طاوس في الطرائف ، ٣٨٠‌

(٢) أساس البلاغة : ٤٩٧‌


بالبلاء واقنطوا من الرجاء ونابذتكم على سواء وانقطعت العصمة فيما بيني وبينكم‌

______________________________________________________

الخلافة ، أو الامة أي ولو جعلتم عليا متولى الخلافة وواليها وولي الامة ومالك أمرها.

و « لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم » اقتباس من القرآن الكريم ، أي لا تسعت عليكم الارزاق الجسمانية من رزق البدن الهيولاني والارزاق الروحانية من رزق النفس العاقلة المجردة ، واتصلت أسبابها (١) السماوية والارضية من السماء والارض على النصاب الكامل والسنة العادلة.

وقد روت العامة الحديث بذلك عن النبي 6 في أصولهم من طرق كثيرة في المشكاة ومسند أحمد بن حنبل وغيرهما أنه 6 قال : ان تؤمروا عليا ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم.

قوله رضى الله تعالى عنه : ونابذتكم على سواء‌

اقتباس من قوله تعالى ( فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ ) (٢) وهو القاء الشي‌ء وطرحه لقلة اعتداد به.

قال ابن الاثير في النهاية : وفي حديث سلمان وان أبيتم نابذناكم على سواء. أى كاشفناكم وقاتلناكم على طريق مستقيم مستوفي العلم في المنابذة منا ومنكم بأن تظهر لهم العزم على قتالهم ونخبرهم به اخبارا مكشوفا ، والنبذ يكون بالفعل والقول في الاجسام والمعاني ومنه نبذ العهد اذا نقضه وألقاه الى من كان بينه وبينه (٣).

وفي الكشاف : وقيل على استواء في العداوة ، والجار والمجرور في موضع الحال كأنه قيل : فانبذ اليهم ثابتا على طريق قصد سوي ، أو حاصلين على استواء في العلم ، أو العداوة على أنها حال من النابذ والمنبوذ اليه معا (٤).

__________________

(١) في « س » : أسباب.

(٢) سورة الانفال : ٥٨‌

(٣) نهاية ابن الاثير : ٥ / ٧‌

(٤) الكشاف : ٢ / ١٦٥‌


من الولاء.

أما والله لو أني أدفع ضيما أو أعز لله دينا لو ضعت سيفي على عاتقي ثم لضربت به قدما قدما. ألا اني أحدثكم بما تعلمون وما لا تعلمون فخذوها من سنة السبعين بما فيها.

ألا ان لبني أميّة في بني هاشم نطحات. ألا ان بني أميّة كالناقة الضروس تعض بفيها وتخبط بيديها وتضرب برجلها وتمنع درها.

ألا انه حق على الله أن يذل باديها وأن يظهر عليها عدوها مع قذف من السماء وخسف ومسخ وسوء الخلق حتى أن الرجل ليخرج من جانب حجلته الى صلاة‌

______________________________________________________

قوله رضى الله تعالى عنه : فيما بينى وبينكم من الولاء‌

بفتح الواو بمعنى المحبة والوداد ، لا بكسرها بمعنى الولاية والسلطنة.

قوله رضى الله تعالى عنه : نطحات‌

بالنون وفتح الطاء والحاء المهملتين من تناطح الكباش وانتطاحها.

قوله رضى الله تعالى عنه : كالناقة الضروس‌

الضرس كالضرب العض الشديد بالاضراس ، والضروس بفتح الضاد وضم الراء على فعول الناقة السيئة الخلق تعض حالبها بفيها.

وفي بعض النسخ « بنيبها » بكسر النون جمع الناب من الاسنان كالأنياب والانيب ، وهي الاسنان التي تلي الرباعيات.

قوله رضى الله تعالى عنه : الا انه حق على الله‌

بالفتح والتخفيف على كلمة التنبيه والتحقيق.

« أن يذل ناديها » بالنون وهو مجلس القوم ومجتمعهم ما داموا مجتمعين فيه ، أو بالباء الموحدة أي يذل أعزتهم من البدو بمعنى الظهور ، وتعنى به الغلبة والعزة ، كما في قوله سبحانه ( فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ ) (١).

__________________

(١) سورة الصف : ١٤‌


فمسخه الله قردا. ألا وفئتان تلتقيان بتهامة كلتاهما كافرتان ، ألا وخسف بكلب وما أنا وكلب ، والله لو لا ما : لأريتكم مصارعهم ألا وهو البيداء ثم يجي‌ء ما تعرفون.

______________________________________________________

قوله رضى الله تعالى عنه : فئتان تلتقيان بتهامة‌

قال ابن الاثير في النهاية : ذات عرق أول تهامة الى البحر وجدة وقيل : تهامة ما بين ذات عرق الى مرحلتين من وراء مكة وما وراء ذلك من المغرب فهو غور والمدينة لا تهامية ولا نجدية فانها فوق الغور ودون نجد (١).

قوله رضى الله تعالى عنه لو لا ما لأريتكم‌

« لو لا ما » من باب الاختصار والحذف في الكلام ليذهب الوهم فيه كل مذهب تنبيها على نبالة الامر وجلالته.

والمعنى : لو لا ما أعلمه أو لو لا ما ورد في النهي عن افشاء سر الربوبية على أشد التغليظ والتحذير ، أو لو لا ما أنكم لا تستطيعون حمل الاسرار وأسبال الاستار لأريتكم مصارعهم.

والاختصار باب شايع عند العرب ، ومنه قوله ليس بالذي لا بعد له ، وربما يقال ليس لا بعد له أصله ليس بعده غاية في الجودة أو الرداءة ، فاختصر فقيل ليس بعده ، ثم ادخل عليه لا النافية للجنس واستعمل استعمال الاسم المتمكن ، وكذلك قولهم في مقام المدح أو مقام الذم « أنّه وانّه » أي انه عالم وانه كريم وانه أمين وانه عفيف مثلا ، أو أنه جاهل وأنه لئيم وأنه خائن وأنه فاجر.

ومن هذا الباب وهذا دليل على أنه ، وهذا اختصار دون الاختصار في قولهم أجنك فان ذا اختصار حذف وذاك اختصار بناء كبناء البلكفة والتبلكف من قولهم بلا كيف كما قال في الكشاف ، وكذلك بناء الباباة للصبي مثلا من قولك له بأبي أنت وأمي.

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ١ / ٢٠١‌


فاذا رأيتم أيها الناس الفتن كقطع الليل المظلم يهلك فيها الراكب الموضع والخطيب المصقع والرأس المتبوع : فعليكم بآل محمد فإنّهم القادة الى الجنّة‌

______________________________________________________

قوله رضى الله تعالى عنه : الفتن كقطع الليل المظلم‌

قد ورد ذلك عن النبي 6 في أخباره 7 عن الفتن بعده ، يروى بكسر القاف واسكان الطاء على المفرد وفتح الطاء على الجمع.

قال ابن الاثير في النهاية : قطع الليل طائفة منه وقطعة وجمع القطعة قطع ، أراد فتنة مظلمة سوداء تعظيما لشأنها (١).

وقد ورد في تفسير قوله سبحانه ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) (٢) أن المراد بها فتنة الامامة والخلافة بعده 6.

وروى ذلك صاحب الاستيعاب يوسف بن عبد البر عن عبد الله بن مسعود عنه 7. وأخرجناه في شرح التقدمة.

قوله رضى الله تعالى عنه : يهلك فيها الراكب الموضع والخطيب المصقع والرأس المتبوع‌

الموضع بضم الميم وكسر الضاد على اسم الفاعل من باب الافعال يقال : وضع البعير وغيره أي أسرع في سيره وأوضعه راكبه.

قال ابن الاثير في النهاية : في حديث الحج وأوضع في وادي محسر ، وضع البعير يضع وضعا وأوضع راكبه ايضاعا اذا حمله على سرعة السير ، وأوضعت بالراكب أي حملته على أن يوضع مركوبه ، ومنه حديث حذيفة بن أسيد شر الناس في الفتنة الراكب الموضع أي المسرع فيها ، وقد تكرر في الحديث (٣).

والمصقع بكسر الميم وفتح القاف على البناء للمبالغة.

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ٤ / ٨٣‌

(٢) سورة الانفال : ٢٥‌

(٣) نهاية ابن الاثير : ٥ / ١٩٦‌


والدعاة اليها الى يوم القيامة ، وعليكم بعلي فو الله لقد سلمنا عليه بالولاء مع‌

______________________________________________________

قال في النهاية : في حديث حذيفة بن أسيد « شر الناس في الفتنة الخطيب المصقع » أي البليغ الماهر في خطبته الداعي الى الفتن الذي يحرض الناس عليها ، وهو مفعل من الصقع رفع الصوت ومتابعته ، ومفعل من أبنية المبالغة (١).

والرأس المتبوع على صيغة المفعول من التباعة ، أي كبير القوم الذي يتبعه قوم وهو يدعوهم الى الفتنة.

قوله رضى الله تعالى عنه : فانهم القادة الى الجنة والدعاة اليها الى يوم القيامة‌

وقد صح ذلك عن رسول الله 6 بطرق متكثرة عند فرق المسلمين كلهم اتفاقا (٢) ، وفي صحاح العامة وأصولهم جميعا أن رسول الله 6 قام خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال : أيها الناس انما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ، فاني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، أذكر كم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي (٣).

وحديث الاثنى عشر خليفة الى أن تقوم الساعة متكثر الطريق متنا مستفيض الاسناد سندا في أصولهم الصحاح (٤).

ومن طرقه متنا وسندا في الصحيحين وغيرهما عن جابر بن سمرة أن النبي 6 قال : لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من‌

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ٣ / ٤٢‌

(٢) وقد أوردنا مصادر حديث الثقلين عن العامة في كتاب الطرائف : ١١٤ ـ ١٢٢‌

(٣) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٧٣ وكذا أحمد في مسنده : ٤ / ٣٦٦ والبحار : ٢٣ / ١٠٧ والسيد ابن طاوس بطرق متكثرة في الطرائف : ١١٤.

(٤) وكذا أوردنا مصادره عن العامة في كتاب الطرائف : ١٦٨‌


نبينا ، فما بال القوم أحسد قد حسد قابيل هابيل ، أو كفر فقد ارتد قوم موسى عن الاسباط ويوشع وشمعون وابني هارون شبر وشبير والسبعين الذين اتهموا موسى على قتل‌

______________________________________________________

قريش (١).

وفي رواية قال سمعت رسول الله 6 يقول : لا يزال الإسلام عزيزا الى أثني عشر خليفة كلهم من قريش (٢).

وفي رواية : لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنى عشر رجلا كلهم من قريش ، وعن عبد الله بن عمر عنه 7 مثله (٣).

قوله رضى الله تعالى عنه : فو الله لقد سلمنا عليه بالولاء مع نبينا‌

بالولاء بكسر الواو و « مع نبينا » في حيز الحال من الضمير المجرور العائد الى علي 7 ، أو من ضمير المتكلم مع الغير في سلمنا أي حين كان 7 مع نبينا ، أو حين كنا مع نبينا 7.

وذلك أي النبي 6 نصب عليا 7 يوم الغدير للإمامة والخلافة بعده وقال : ألست أولى منكم بأنفسكم؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ألا فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، ومن كنت نبيه فعلي وليه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيثما دار.

ثم قال لأصحابه : سلموا على علي 7 بامرة المسلمين فسلموا عليه بالولاية والامارة ، وفي المسلمين عليه بذلك أبو بكر وعمر وقال له عمر : بخ بخ لك يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (٤).

وفي المشكاة عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم أن رسول الله 6 لما نزل‌

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٤٥٣ وأحمد في مسنده ٥ / ٩٠‌

(٢) ذيل احقاق الحق عن الجمع بين الصحاح الستة : ٧ / ٤٧٨ والطرائف عنه : ١٧١‌

(٣) رواه البخارى في صحيحه : ٩ / ٨١ ط أميريه وأحمد في مسنده : ٥ / ٩٢‌

(٤) رواه ابن المغازلى في المناقب : ١٩ والسيد ابن طاوس بطرق كثيرة في الطرائف : ١٤٧‌


هارون فأخذتهم الرجفة من بغيهم ، ثم بعثهم الله أنبياء مرسلين وغير مرسلين ، وأمر هذه الامة كأمر بني إسرائيل.

______________________________________________________

بغدير خم أخذ بيد علي 2 فقال : ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى قال : ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا : بلى فقال : اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، ولقيه عمر بعد ذلك فقال له : هنيئا يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة (١).

قال ابن الاثير في النهاية وفي جامع الاصول : كل من ولى أمر أو أقام به فهو مولاه ووليه ، فالولاية بالفتح في النسب والنصرة والمعتق ، والولاية بالكسر في الامر والولاء في العتق ، والموالاة من والى القوم. ومنه الحديث من كنت مولاه فعلي مولاه ، قال الشافعي : يعني بذلك ولاء الإسلام لقوله تعالى ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) وقول عمر لعلي أصبحت مولى كل مؤمن أي ولي كل مؤمن.

وقيل : سبب ذلك أن أسامة قال لعلي لست مولاي انما مولاي رسول الله 6 فقال 7 : من كنت مولاه فعلي مولاه ، ومنه الحديث أيما امرأة نكحت بغير اذن مولاها فنكاحها باطل ، وفي رواية متولى أمرها انتهى كلام ابن الاثير (٢).

وفي بعض النسخ فسمعنا مكان فسلمنا وذلك تصحيف من تحريف النساخ.

قوله رضى الله تعالى عنه : ثم بعثهم الله‌

ضمير الجمع لبني اسرائيل المبعوثين بعد ذلك أنبياء مرسلين وغير مرسلين.

وقوله « وأمر هذه الامة كأمر بني اسرائيل » قد تواتر به الحديث عن النبي 6 من طرق العامة ومن طريق الخاصة اتفاقا.

__________________

(١) مشكاة المصابيح : ٥٥٧‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ٥ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩‌


فأين يذهب بكم ما أنا وفلان وفلان ويحكم والله ما أدري أتجهلون أم تتجاهلون أم نسيتم أم تتناسون! انزلوا آل محمد منكم منزلة الرأس من الجسد بل منزلة‌

______________________________________________________

قال : « فأين يذهب بكم » بضم الياء وفتح الهاء على ما لم يسم فاعله ، لان المقصود الذهاب بهم في تيه الضلال لا تعيين الذاهب بهم ، أو لظهور كون الفاعل هو الشيطان.

وقوله « وفلان وفلان » اما المعنى بهما أبو بكر وعمر أو المراد كل من لم يكن ولي الامر من تلقاء الله ولا منصوصا عليه بذلك من قبل الله على لسان رسوله الكريم.

قوله رضى الله تعالى عنه : ويحكم‌

ويح كلمة ترحم ورحمة وويس كلمة استملاح ورأفة وويل كلمة عقوبة وعذاب وكذلك ويب في الاشهر.

قال في القاموس : أصله « وي » فوصلت بحاء مرة وبلام مرة وبسين مرة وبباء مرة ، وكل منها يستعمل بالاضافة يقال مثلا ويح زيد بالرفع على الابتداء وبالنصب على اضمار فعل ، ويستعمل باللام على الرفع أو على النصب يقال : ويح لزيد وويحا له.

قال صاحب الكشاف في الفائق : النبي 6 قال لعمار : ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية.

ويح وويب وويس ثلاثتها في معنى الترحم ، وقيل : ويح رحمة لنازل به بلية وويس رأفة واستملاح ، كقولك للصبي ويسه ما أملحه. وويب مثل ويح.

وأما ويل فشتم ودعاء بالهلكة ، وعن الفراء : ان الويل كلمة شتم ودعاء سوء وقد استعملتها العرب استعمال قاتله الله في موضع الاستعجاب ، ثم استعظموها فكنوا عنها بويح وويب وويس كما كنوا عن قاتله الله بقولهم قاتعه الله وكاتعه ، وكما كنوا عن جوعا له (١) بجوسا وجودا ، وانتصابه بفعل مضمر كأنه قيل ترحم ابن سمية أي أترحمه ترحما.

__________________

(١) وفي « ن » : من جوعانه‌


العينين من الرأس ، والله لترجعن كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف يشهد الشاهد على الناجي بالهلكة ويشهد الناجي على الكافر بالنجاة ، ألا اني أظهرت‌

______________________________________________________

سمية كانت أمة أبي حذيفة بن المغيرة المخذومي زوجها ياسر ، وكان حليفة فولدت له عمارا فاعتقه أبو حذيفة (١).

وقال ابن الاثير في النهاية في شرح حديثه 7 لعمار : ويح كلمة ترحم وتوجع تقال : لمن وقع في هلكة لا يستحقها وقد تقال : بمعنى المدح والتعجب ، وهي منصوبة على المصدر ، وقد ترفع وتضاف ولا تضاف ، يقال : ويح زيد وويحا له وويح له وذكر في الحديث ويس ابن سمية وقال : ويس كلمة تقال لمن ترحم وترفق به بمعنى ويح وحكمها حكمها (٢).

ونقل الجوهري في الصحاح : أنه قد يرد ويح بمعنى ويل (٣).

وكأن ذلك هو المراد هاهنا على الاظهر.

قوله رضى الله تعالى عنه : لترجعن كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض‌

ولقد صح الحديث بذلك عن النبي 6 بهذه الالفاظ وما يجري مجراها عند الخاصة وعند العامة أيضا في صحيحهم وسائر صحاحهم ومستدركهم وجامع أصولهم ومصابيحهم ومشكاتهم وغيرها (٤).

قوله رضى الله تعالى عنه : ألا انى‌

بالفتح على كلمة التنبيه. « وأسلمت بنبيي » بالباء على تضمين الايمان.

والمعنى : آمنت بربي وأسلمت له مؤمنا بنبي واتبعت مولاي ومولي كل مسلم بأمر الله.

__________________

(١) الفائق : ٤ / ٨٥ ـ ٨٦‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ٥ / ٢٣٥‌

(٣) الصحاح : ١ / ٤١٧‌

(٤) جامع الاصول : ١٠ / ٤٢٨ أخرجه عن طرق مختلفة‌


أمري وآمنت بربّي وأسلمت بنبيي واتبعت مولاي ومولى كل مسلم.

بأبي أنت وأمي قتيل كوفان يا لهف نفسي لأطفال صغار ، وبأبى صاحب الجفنة والخوان نكاح النساء الحسن بن علي ، ألا ان نبي الله نحله البأس والحياء ،

______________________________________________________

وقوله « بأبي أنت وأمي قتيل كوفان » تبيين وتعيين لمولاي ومولى كل مسلم بأنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7.

والمعني : فديتك بأبي أنت وأمي يا قتيل كوفان.

قوله رضى الله تعالى عنه : بأبى صاحب الجفنة والخوان‌

أي فديت بأبي صاحب الجفنة.

قال في الصحاح : الجفنة كالقصعة والجمع الجفان والجفنات بالتحريك ، لان ثاني فعلة يحرك في الجمع اذا كان اسما ، الا أن يكون ياء أو واوا فانه يسكن حينئذ (١).

و « الخوان » بكسر الخاء وفتح الواو : ما يؤكل عليه الطعام كالمائدة.

في الصحاح : انه معرب ، وجمع القلة أخونة ، وجمع الكثرة خون (٢).

وفي القاموس : انه بالضم والكسر كغراب وكتاب (٣). وهو من متفرداته

« نكاح النساء » بالفتح والتشديد على صيغة المبالغة.

و « الا أن نبي الله » بالفتح على التنبيه.

« وظلم من بين ولده » على ما لم يسم فاعله في حيز العطف على نحل ، والضمير المجرور المضاف اليه في ولده للنبي 6.

« وياويح من احتقره لضعفه واستضعفه لقتله » اقتحام في البين وويح كلمة الترحم.

__________________

(١) الصحاح : ٥ / ٢٠٩٢‌

(٢) الصحاح : ٥ / ٢١١٠‌

(٣) القاموس : ٤ / ٢٢٠‌


ونحل الحسين المهابة والجود ، ياويح من احتقره لضعفه واستضعفه لقلته وظلم من بين ولده وكان بلادهم عامر الباقين من آل محمد.

______________________________________________________

وتقدير الكلام ومساقه : ألا ان النبي 7 نحل الحسن بن علي 8 البأس والحياء ، ونحل الحسين بن علي 8 المهابة والجود ، وظلم الحسين 7 واختص بأرفع درجات الشهادة وأعلى مقامات السعادة من بين ولده.

وياويح من لم يعلم ذلك ولم يعرف أن اختصاصه 7 من بين ولد رسول الله 6 بهذه المنزلة التي هي قصوى المنازل وأقصى الغايات آية كونه المجتبى المنتصى المقدس المكرم من خلص أحباء الله وروقة محبوبيه المظلومين في طريقه المذبوحين في سبيله.

فمن احتقره 7 لضعف أمره وشدة مظلوميته ومقهوريته واستضعفه لقلة خيله ورجله وقلة أنصاره وأعوانه ، فهو مرحوم في درجة عرفانه وايمانه مكفوف بصر بصيرته وايقانه مشدوه (١) بالظاهر الذي (٢) هو ظل زائل بائد مشغول عن الباطن الذي هو نور سرمد ونعيم خالد.

وفي هذا السياق ما قد قيل : المستحل توسيط الحق مرحوم من وجه ، فانه لم يطعم لذة البهجة به فسيطعمها ، انما معارفته مع اللذات المخدجة في حنون اليها غافل عما وراءها وما مثله بالقياس الى العارفين الا مثل الصبيان بالقياس الى المحنكين.

قوله رضى الله تعالى عنه : وكان بلادهم عامر الباقين من آل محمد‌

يعني ظلم الحسين 7 من ولد النبي 6 ، وسفك دمه في سبيل الله ، ولكن نور الحق في مشكاة العترة الطاهرة باق لا يطفأ الى يوم القيامة ، فكان بلادهم عامر الباقين من آل محمد ، والقائم بالامر من بعده الحسين 7 محفوظا بحفظ الله معصوما باذن الله ، والثقلان اللذان هما تريكة رسول الله أعني القرآن والعترة الطاهرة ناطقان‌

__________________

(١) في « س » مشروه.

(٢) في « ن » : الزائل.


أيها الناس لا تكل أظفاركم عن عدوكم ولا تستغشوا صديقكم فيستحوذ الشيطان عليكم ، والله لتبتلن ببلاء لا تغيرونه بأيدكم الا اشارة بحواجبكم ، ثلاثة خذوها بما فيها وارجوا رابعها وموافاها.

بأبى دافع الضيم شقاق بطون الحبالى وحمال الصبيان على الرماح ومغلي الرجال في القدور ، أما أني سأحدثكم بالنفس الطيبة الزكية وتضريح دمه بين الركن والمقام المذبوح كذبح الكبش.

______________________________________________________

بالحق القائمان بالامر الى قيام الساعة.

قوله رضى الله تعالى عنه : لا تكل أظفاركم عن عدوكم‌

« لا » للنهي. و « تكل » بفتح حرف المضارعة ، وهو من أحسن الكنايات في التحريض على معاداة الاعداء في الدين.

« ولا تستغشوا صديقكم » على الاشتغال ، أي لا تستغشوا صديقكم في الدين ولا تخونوه في المخالة والمصادقة فيستحوذ الشيطان عليكم ، أي يغلبكم ويستولي عليكم.

قوله رضى الله تعالى عنه : ثلاثة خذوها بما فيها‌

يعنى بها عليا والحسن والحسين : ، والاخذ بسنن سنتهم والسلوك في مسير سيرتهم.

« وأرجو رابعها وموافاها » ‌أراد بالرابع السجاد زين العابدين 7 ، فان الثلاثة : موافوه وموازوه في ملمات المحن وصعوبات الفتن وشدائد المجاهدة في سبيل الله بما قد جرى عليه 7 من المصائب والنوائب يوم الطف وبعده ، وان لم يقم هو بالجهاد من بعد ، لفقدان الجنود والاعوان.

وقوله « بأبي دافع الضيم شقاق بطون الحبالى » ‌يعني به قائم أهل البيت المهدي الحجة صاحب الزمان عجل الله فرجه وسهل مخرجه.

« ومغلي الرجال » بالعين المعجمة في أكثر النسخ على صيغة الفاعل من باب‌


ياويح لسبايا نساء من كوفان الواردون الثوية المستغدون عشية وميعاد ما بينكم وبين ذلك فتنة شرقية ستسير موجئا هاتفا يستغيث من قبل المغرب فلا تغيثوه لا أغاثه‌

______________________________________________________

الافعال ، وبالقاف في نسخ على اسم الفاعل من باب التفعيل.

« في القدور » جمع القدر بالكسر ، وهو معروف.

قوله رضى الله تعالى عنه : ياويح لسبايا نساء من كوفان‌

يعني بذلك حمل نساء أهل البيت مع سيد الساجدين على طريقة السبايا من كوفان الى دمشق. الواردون الثوية بالثاء المثلثة على صيغة التصغير.

قال ابن الاثير في النهاية : وفي الحديث ذكر الثوية بضم الثاء وفتح الواو [ وتشديد الياء ] موضع بالكوفة به قبر أبي موسى الاشعري والمغيرة بن شعبة (١).

و « المستغدون عشية » ‌باعجام العين واهمال الدال على الاستفعال من الغداء بفتح الغين المعجمة وبالمد ، وهو ما يتغذى به في وقت الغداة والعشاء بفتح العين المهملة ما يتعشى به في وقت العشاء بكسر العين ، أي الذين تغدوا عشية فكان غداؤهم عشاءهم من شدة الداهية عليهم وصعوبة النازلة بهم.

قوله رضى الله تعالى عنه : فتنة شرقية ستسير‌

بضم تاء المضارعة لتأنيث الفتنة التي هي الفاعل وتشديد الياء المثناة من تحت المكسورة بعد السين المهملة من التسيير على التفعيل من السير.

« موجئا » ‌بضم الميم وفتح الجيم بعد الواو الساكنة على اسم المفعول من باب الافعال وبالتنوين نصبا على المفعول ، أو بفتح الجيم المشددة بعد الواو المفتوحة على اسم المفعول من باب التفعيل والتنوين بالنصب على المفعولية ، من وجي كرضي وجاء ، فهو وج ووجي ، وهي وجياء وأوجيته أنا إيجاء ووجيته توجية.

قال صاحب الكشاف في أساس البلاغة : وجي الماشي اذا حفي ، وهو أن يرق القدم أو الفرس أو الحافر ويتشحج ، وأصابه وجي ، وفرس وج ودابة وجية‌

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ١ / ٢٣١‌


الله ، وملحمة بين الناس الى أن يصير ما ذبح على شيبته المقتول بظهر الكوفة وهي كوفان‌

______________________________________________________

وانه ليتوجي في مشيته ، ومن المجاز أوجيته عني أبعدته كأنك سيرته مسافة طويلة قد وجي فيها قال الشاعر :

وكان أبي أوصى بكم أن أضمكم

إليّ وأوجي عنكم كل ظالم (١)

وفي القاموس : الوجاء الحفاء أو أشد منه ، وجي كرضي وجاء فهو وج ووجي وهي وجياء وتوجي وأوجيته (٢).

وفي الصحاح : وجي الفرس بالكسر وهو أن يجد وجعا في حافره وأوجيته أنا (٣).

أو بكسر الجيم والهمزة الاصلية المنونة بالنصب للمفعولية على اسم الفاعل من باب الافعال من الوجأة على همزة الدخول والاصابة لا همزة التعدية ، والمراد الموجوع من شدة الوجا.

قال في المغرب : الوجاء الضرب باليد ، أو بالسكين يقال وجاءه في عنقه من باب منع.

« هاتفا يستغيث من قبل المغرب » أي صائحا يصيح ويستغيث ويستصرخ ويطلب مغيثا من قبل أهل المغرب.

قوله رضى الله تعالى عنه : وملحمة بين الناس‌

الملحمة بفتح الميم وسكون اللام على هيئة اسم المكان الوقعة العظيمة في الفتنة ، قاله الجواهري (٤) وغيره.

« الى أن يصير ما ذبح على شيبته المقتول بظهر الكوفة وهي كوفان يوشك أن يبني جسرها » الضمير المتصل المجرور في شيبته عائد الى « ما » والتذكير باعتبار‌

__________________

(١) أساس البلاغة : ٦٦٧‌

(٢) القاموس : ٤ / ٣٩٨‌

(٣) الصحاح : ٦ / ٢٥١٩‌

(٤) الصحاح : ٥ / ٢٠٢٧‌


______________________________________________________

حال اللفظ ، و « ذبح » بضم الذال المعجمة وكسر الباء الموحدة على ما لم يسم فاعله والمقتول بظهر الكوفة ، ويعنى به زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب 7 هو المفعول المقام مقام الفاعل ، والضمير المنفصل المرفوع على الابتداء أعني « هي » في « وهي » أيضا يعود الى « ما » والتأنيث باعتبار حال المعنى ، وكذلك الضمير المتصل المجرور بالإضافة في جسرها عائد اليها ، ويبنى على البناء للمجهول ، والمقام مقام الفاعل جسر المرفوع المضاف الى الضمير. و « الشيبة » بكسر الشين المعجمة وسكون الياء المثناة من تحت والباء الموحدة بعدها جبل معروف.

قال في القاموس : الشيب بالكسر جبل وبهاء جبل باندلس (١).

والمراد بها الجودي الذي استوت عليه سفينة نوح 7 وهو جبل كوفان.

والمعنى : أن الملحمة تتمادى بين الناس ولا ينطفئ طميسها الى أن تصير كوفان التي على شيبتها ذبح المقتول بظهر الكوفة عامرة يكاد ويوشك أن يبنى جسرها.

قال في المغرب : الكناسة الكساحة وموضعها أيضا ، وبها سميت كناسة كوفان وهي موضع قريب من الكوفة ، قتل بها زيد بن علي.

« تنبى » بضم تاء المضارعة واسكان النون وفتح الموحدة قبل الالف ، أي ترفع ، منه النباوة بمعنى الارتفاع.

« جنبتها » بالتحريك أي ناحيتها.

« حتى يأتي زمان لا يبقى (٢) » أي لا يقيم مؤمن « الا بها » أي فيها « أو يحن » أي يشتاق اليها من الحنين بمعنى الشوق وتوقان النفس.

__________________

(١) القاموس : ١ / ٩١‌

(٢) وفي « ن » و « س » : لا يغنى.


يوشك أن يبنى جسرها وتنبى جنبتها حتى يأتي زمان لا يبقى مؤمن الا بها أو يحن اليها ، وقينة مصبوبة نطافي خطامها لا ينهيها أحد ، لا يبقي بيت من العرب الا دخلته.

______________________________________________________

قوله رضى الله تعالى عنه : وقينة مصبوبة نطافى خطامها‌

يعني وحتى تأتي قينة بفتح القاف وسكون الياء المثناة من تحت قبل النون ، أي فتاة مغنية أو أمة مغنية نطافي خطامها مصبوبة ، وتقديم الخبر للاعتناء والاهتمام به.

« نطافي » بفتح النون قبل الطاء المهملة واسكان الياء المخففة أخيرا بعد الفاء ، اما جمع نطفي بضم النون وتشديد الياء أخيرا كما الكراسي بالتخفيف جمع كرسي بالتشديد ، أو جمع نطفية كما الاماني جمع أمنية والنجاتي جمع نجتية.

وأما جمع نطيفة على القلب والاصل نطايف حولت الياء الى حيز الفاء وعوملت معاملة الايامى في جمع أيم والاينق بالياء قبل النون في جمع ناقة ، يقال : نطف الماء أو أي مائع كان ينطف من باب طلب ، نطفا ونطافا اذا سال ، وأقبل فلان وسيفه ينطف دما وأتانا على جبينه نطاف من العرق وسقاني نطفة عذبة ونطفا ونطافا ، وهي الماء الصافي قل أو كثر.

ومنه قول أمير المؤمنين 7 في نهج البلاغة « هذه النطفة (١) » يعني بها نهر الفرات ، والنطفتان : بحر المشرق وبحر المغرب ، وقيل : ماء الفرات وماء البحر الذي يلي جدة أو بحر الروم.

والنطفة في الاداوة الوضوء بفتح الواو ، والنطفة : ماء صلب الرجل الذي منه يتكون الولد ، والناطف : القبيطي وليلة نطوف تمطر الى الصباح.

قال في المفردات : وقد يكنى عن اللؤلؤة بالنطفة ، ومنه قيل : صبي منطف ، اذا كان في أذنه لؤلؤة (٢).

وفي الصحاح : النطفة بالتحريك القرط والجمع نطف وتنطفت المرأة : أي‌

__________________

(١) نهج البلاغة : ٨٧ من خطبه عند المسير الى الشام تحت رقم ٤٨‌

(٢) المفردات : ٤٩٦‌


______________________________________________________

تقرطت ووصيفة منطفة : أي مقرطة (١).

وتنطف بكذا أي تبدى به.

« والخطام » باعجام الخاء المكسورة قبل الطاء المهملة مستعار من خطام البعير وغيره ، لما يوضع على الانف من الحلقة ونحوها ، أو على الفم من نحو اللثام والنقاب. وانصباب نطافي خطامها عبارة : عن تقاطر العرق ، منها الاهتزاز في النشاط والاسراع في المسير ، أو تقاطر ما تستعمله من مايعات الطيب.

وفي نسخ معدودات « فتنة » (٢) بالفاء المكسورة قبل المثناة من فوق الساكنة مكان « قينة » على العطف على ملحمة بين الناس وفتنة شرقية ، فتكون مصبوبية تطأ في الخطام الى ارفضاض العرق لبعير الفتنة كناية أيضا عن شدة الاهتراز في الملحمة واشتداد المسارعة اليها.

أو تكون مصبوبة صفة لفتنة لا متعلقة لما بعدها ، ويكون ما بعدها تطأ في ٣ خطامها على الفعل المضارع من وطي الشي‌ء برجله يطأه وطيا ، ووطى الارض والطريق بأقدامه والوطاءة موضع القدم على مطابقة ما في نهج البلاغة من خطبة لأمير المؤمنين 7 « فتنة تطأ في خطامها وتذهب بأحلام قومها ».

فهذه النسخة أرجح من جهة هذه المطابقة ٤ ، والنسخة الاولى أولى من جهة أنها ألزق بحيزها ومقامها وألصق ، فانها أوردت في حيز الاخبار بعمارة كوفان وبناء جسرها من بعد الخراب لا في حيز الانباء عن خراب الكوفة بالملاحم والفتن.

وقوله « لا ينهيها أحد » على رواية « قينة » بالقاف والمثناة من تحت الاشهرية الاكثرية بفتح حرف المضارعة ، والهاء قبل الالف المنقلبة عن الياء ، من نهاه عن‌

__________________

(١) الصحاح : ٤ / ١٤٣٤‌

(٢) ٢ ـ ٣ كما في المطبوع من الرجال بجامعة مشهد والنجف الاشرف.

(٣) ٤ في « س » المطالبة.


وأحدثك يا حذيفة أن ابنك مقتول ، فان عليا أمير المؤمنين 7 فمن كان مؤمنا دخل في ولايته فيفتتح على أمر يمشي على مثله ، لا يدخل فيها الا مؤمن ولا يخرج منها الا كافر.

أبو ذر‌

٤٨ ـ أبو الحسن محمد بن سعد بن مزيد ، ومحمد بن أبي عوف ، قالا حدثنا محمد بن أحمد بن حماد أبو علي المحمودي المروزي ، رفعه ، قال ، أبو ذر الذي قال رسول الله 6 : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، يعيش وحده ويموت وحده ويبعث وحده ويدخل الجنة وحده ، وهو الهاتف بفضائل‌

______________________________________________________

كذا ينهاه عنه نهيا ، أي ردعه ومنعه وصرفه وزجره.

وعلى نسخة « فتنة » بالفاء والمثناة من فوق بضم ياء المضارعة وكسر الهاء قبل الياء الساكنة ، من الانهاء بمعنى الاعلام والانباء والابلاغ والاخبار ، يقال : أنهيت اليه كذا ، أي أعلمته وأنبأته به وأبلغت اليه خبره ، وعدم انهائها اما لمباغتها ، واما لكونها بصعوبة داهيتها خارجة عن الحد ووراء النهاية.

قوله رضى الله تعالى عنه : فيفتتح على أمر يمشى على مثله‌

من الافتتاح والاستمرار ، أي برسوخ قدمه في الايمان والاستيقان يفتتح من الولاية على أمر يستمر عليه ويستقيم فيه ويستديم ثباته.

وفي نسخة « فيصبح على أمر يمسى على مثله » من الاصباح على أمر والامساء عليه.

في أبى ذر رضى الله تعالى عنه‌

قوله 7 : يعيش وحده ويبعث وحده ويدخل الجنة وحده

أي بصدق التوكل في المقامات ، ونصوح الاخلاص في الحالات ، كلها يستغني بالله عمن عداه ، وبفضله عن افضال غيره ، وبرحمته عن رحمة من سواه ،


أمير المؤمنين ووصى به رسول الله 6 واستخلافه إياه ، فنفاه القوم عن حرم الله‌

______________________________________________________

فحيث انه اعتزل عن غير الله فيعيش وحده ، ويبعث وحده ، ويدخل الجنة وحده.

قوله 7 : ووصاية رسول الله 6

عطف على فضائل ، ثم استخلافه اياه معطوف عليها.

وربما كان في بعض النسخ « ووصي رسول الله » على عطف البيان لأمير المؤمنين ، ثم عطف استخلافه اياه على فضائل ، أي هو الهاتف بفضائله 7 وباستخلاف رسول الله 6 اياه.

قوله 7 : فنفاه القوم‌

وفي نسخ عديدة « فنفوه » من باب أكلوني البراغيث ، وقد ورد في التنزيل الكريم مثله متكررا ، ولقد تواتر أخبار النبي 6 أبا ذر بنفي القوم اياه من المدينة الى ربذة عند الفرق كلهم من طرق شتى منها حديث لقابقا على التشديد من المضاعف ، ويروى لقابقا بوزن عصا على التخفيف من الناقص اليائي ، والعامة رووه في صحاحهم وأصولهم جميعا وشرحه علماؤهم عن آخرهم.

قال علامة زمخشرهم في فائقه وكشافه : قال 6 لأبي ذر : ما لي أراك لقابقا؟ كيف بك اذا أخرجوك من المدينة؟ وروي : لقى بقى يقال : رجل لق بق ولقلاق (١) بقباق كثير الكلام مسهب فيه ، وكان في أبي ذر شدة على الامراء واغلاظ لهم وكان عثمان يبلغ (٢) عنه الى أن استأذنه في الخروج الى الربذة فأخرجه.

لقى : منبوذا وبقى : اتباع. وعن ابن الاعرابي قلت لأبي المكارم : ما قولكم جائع نائع (٣)؟ قال : انما هو شي‌ء نبذ به كلامنا ، ويجوز أن يراد مبقى حيث ألقيت ونبذت لا يلتفت إليك بعد. وقوله : أراك ، حكاية حال مترقبة ، كأنه استحضرها‌

__________________

(١) وفي « ن » ولقاق بقباق.

(٢) وفي « ن » بلغ عنه.

(٣) وفي « ن » تابع.


وحرم رسوله بعد حملهم إياه من الشام على قتب بلا وطاء وهو يصيح فيهم قد خاب‌

______________________________________________________

فهو يخبر عنها يعنى انه يستعمل فيما يستقبل من الزمان من تغلظ عليه وتكثر القول فيه.

ونحوه ما يروى عن أبي ذر قال : أتاني نبي الله وأنا نائم في مسجد المدينة فضربني برجله ، وقال : ألا أراك نائما فيه قلت : يا نبي الله غلبتني عيني ، فقال : كيف تصنع اذا أخرجت منه؟ قلت : ما أصنع يا نبي الله أضرب بسيفي؟ فقال : ألا أدلك على ما هو خير لك من قولك وأقرب رشدا تسمع وتطيع ، وتنساق لهم حيث ساقوك (١) انتهى كلام الفائق بألفاظه.

وكذلك قال ابن الاثير في نهايته وجامع أصوله (٢).

قوله 7 : بعد حملهم اياه من الشام على قتب بلا وطاء‌

كتب الأحاديث والاخبار جميعا متطابقة على نقل ذلك من طرق غير محصورة ، ولنورد أوثق الروايات وأخصرها.

قال الشيخ الجليل الثقة الثبت المأمون الحديث عند العامة والخاصة علي بن الحسين المسعودي أبو الحسن الهذلي ( رحمه الله تعالى ) في كتابه مروج الذهب : ومن ذلك فعله ـ يعني عثمان ـ بأبي ذر وهو أنه حضر مجلسه ذات يوم فقال له عثمان : أرأيتم من زكى (٣) ماله هل فيه حق لغيره؟ قال كعب : لا يا أمير المؤمنين! فدفع أبو ذر في صدر كعب ، وقال : كذبت يا بن اليهوديين ثم تلى ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) (٤) الاية.

فقال عثمان : أترون بأسا أن نأخذ مالا من بيت مال المسلمين فننفقه فيما ينوب من أمرنا ونعطيكموه؟ فقال كعب : لا بأس بذلك ، فرفع أبو ذر العصا فدفع بها في‌

__________________

(١) الفائق : ٣ / ٣٢٦‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ١ / ١٤٧‌

(٣) في النسخ : ذكى.

(٤) سورة البقرة : ١٧٧‌


______________________________________________________

صدره ، وقال : يا بن اليهودي ما أجرأك في ديننا ، فقال عثمان : ما أكثر أذاك لي غيب وجهك عني فقد آذيتني.

فخرج أبو ذر الى الشام ، فكتب معاوية الى عثمان ان أبا ذر تجتمع اليه الجموع ولا آمن أن يفسدهم عليك ، فان كان لك في القوم حاجة فاحمله إليك ، فكتب اليه فحمله على بعير عليه قتب يا بس معه خمسون من الصقالبة يطردون (١) به حتى أتوا به المدينة ، وقد تسلخت بواطن أفخاذه ، وكاد يقلت (٢) فقيل : انك تموت من ذلك فقال : هيهات أن أموت حتى أنفي.

وذكر جوامع ما نزل به بعد ومن يتولى دفنه ، فأحسن اليه في داره أياما ثم ادخل عليه فجثا عليه وتكلم بأشياء ، وذكر الخبر في ولد أبي العاص اذا بلغوا ثلاثين رجلا اتخذوا عباد الله حولا ، ومر في الخبر بطوله وتكلم بكلام كثير.

وكان في ذلك اليوم قد أتي عثمان بتركة عبد الرحمن بن عوف الزهري من المال ، فنضدت البدار حتى حالت بين عثمان وبين الرجل القائم ، فقال عثمان : اني لأرجو لعبد الرحمن خيرا لأنه كان يتصدق ويقري الضيف وترك ما ترون ، فقال كعب الاحبار : صدقت يا أمير المؤمنين ، فشال أبو ذر العصا فضرب بها رأس كعب ولم يشغله ما كان به من الا لم وقال : يا بن اليهودي تقول لرجل مات وخلف هذا المال كله ان الله أعطاه خير الدنيا وخير الآخرة وتقطع على الله بذلك ، وأنا سمعت رسول الله 6 يقول : ما يسرني أن أموت فادع ما يزن قيراطا.

فقال له عثمان وأرعني وجهك قال أسير الى مكة قال : لا والله قال : فتمنعني من بيت ربي أعبده فيه حتى أموت قال : أي والله فقال : الى الشام فقال : لا والله قال : فالبصرة قال : لا والله ، فاختر غير هذه البلدان قال : لا والله ما اختار غير ما ذكرت لك‌

__________________

(١) وفي هامش النسخ : ينظرونه‌

(٢) أى يهلك.


______________________________________________________

ولو تركتني في دار هجرتي ما أردت شيئا من البلدان ، فسيرني حيث شئت من البلاد.

فقال : اني مسيرك الى الربذة قال : الله اكبر صدق رسول الله 6 قد أخبرني بكل ما أنا لاق ، قال عثمان : وما قال لك؟ قال خبرني بأني أمنع عن مكة والمدينة وأموت بالربذة ويتولى مواراتي نفر يريدون من العراق نحو الحجاز.

وبعث أبو ذر الى حميل له فحمل عليه امرأته وقيل : ابنته ، وأمر عثمان أن يتحاماه الناس حتى يسيروا الى الربذة ، فلما طلع على المدينة ومروان يسيره عنها ، طلع عليه علي بن أبي طالب 7 ومعه ابناه وعقيل أخاه وعبد الله بن جعفر وعمار بن ياسر فاعترض مروان فقال : يا علي ان أمير المؤمنين نهى الناس أن يصحبوا أبا ذر ويشيعوه ، فان كنت لم تعلم بذلك أعلمتك.

فحمل عليه علي بن أبي طالب فضرب بين أذني راحلته وقال : تنح نحاك الله الى النار ، ومضى مع أبي ذر فشيعه ثم ودعه وانصرف ، فلما أراد على الانصراف بكى أبو ذر ، وقال : رحمكم الله أهل بيت اذا رأيتك يا أبا الحسن وجهك ذكرت بكم رسول الله 6.

فشكى مروان الى عثمان ما فعل به علي ، فقال عثمان : يا معشر المسلمين من يعذرني من علي رد رسولي عما وجهته وفعل وفعل والله لنعطينه حقه ، فلما رجع علي استقبله الناس فقالوا : ان أمير المؤمنين عليك غضبان لتشييعك أبا ذر ، فقال علي : غضب الخيل على اللجم.

ثم جاء فلما كان العشي جاء الى عثمان فقال له : ما حملك على ما صنعت بمروان؟ ولم اجترأت عليّ ورددت رسولي وأمري؟ قال : أما مروان فانه استقبلني يردني فرددته عن ردي ، وأما أمرك فلم أرده ، قال عثمان : أو لم يبلغك أني قد نهيت الناس عن أبي ذر وعن تشييعه؟ قال علي : أو كلما أمرتنا به من شي‌ء نرى طاعة الله والحق في خلافه اتبعنا أمرك لعمر الله لا نفعل.


القطار يحمل النار : سمعت رسول الله 6 يقول : اذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا دين الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله دولا. فقتلوه فقرا وجوعا وذلا‌

______________________________________________________

قال عثمان : أقد مروان قال : وما أقيده؟ قال : ضربت بين أذني راحلته وشتمته فهو شاتمك وضارب بين أذني راحلتك ، قال علي : أما راحلتي فهي تملك ، فان أراد أن يضربها كما ضربت راحلته فليفعل ، فاما أنا فو الله لان شتمني لأشتمنك أنت بمثله بما لا أكذب فيه ولا أقول الا حقا ، قال عثمان : فلم لا يشتمك اذا شتمته ، فو الله ما أنت عندي بأفضل منه.

فغضب علي 7 وقال : ألي تقول هذا القول وبمروان تعدلني ، فأنا والله أفضل منك ، وأبي أفضل من أبيك ، وأمي أفضل من أمك ، وهذه نبلى قد نبلتها وهلم فانبل نبلك.

فغضب عثمان واحمر وجهه وقام فدخل ، وانصرف علي فاجتمع اليه أهل بيته ورجال من المهاجرين والانصار ، فلما كان من الغد واجتمع الناس الى عثمان شكى اليهم عليا وقال : انه يعيبني ، وبظاهر من يعيبني ، يريد بذلك أبا ذر وعمارا وغيرهما ، فدخل الناس بينهما حتى أصلحوا بينهما ، وقال له علي : والله ما أردت بتشييعي أبا ذر الا الله انتهى كلام مروج الذهب في هذا الباب (١).

قوله 7 : اتخذوا دين الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله دو لا‌

رواها أكثر الصحابة عنه 7 على هذا النسق. دخلا وخولا بالتحريك و « دولا » بضم الدال وفتح الواو.

قال ابن الاثير في النهاية في د ـ خ : في حديث قتادة بن نعمان وكنت أرى اسلامه مدخولا ، الدخل بالتحريك العيب والغش والفساد يعني : ان ايمانه كان متزلزلا فيه نفاق ، ومنه حديث أبي هريرة « اذا بلغ بنوا أبي العاص ثلاثين كان دين‌

__________________

(١) مروج الذهب : ٢ / ٣٣٩ ـ ٣٤٢‌


______________________________________________________

الله دخلا وعباد الله خولا » وحقيقته أن يدخلوا في الدين أمورا لم تجر بها السنة (١).

وقال في خ : والخول حشم الرجل وأتباعه واحدهم خائل ، وقد يكون واحدا ويقع على العبد والامة ، وهو مأخوذ من التخويل التمليك ، وقيل من الرعاية ، ومنه حديث أبي هريرة « اذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين كان عباد الله خولا » أي خدما وعبيدا يعني أنهم يستخدمونهم ويستعبدونهم ، وفيه « أنه كان يخولنا بالموعظة » أي يتعهدنا ، من قولهم فلان خولي مال وخائل مال ، وهو الذي يصلحه ويقيم به انتهى كلام النهاية (٢).

وفي الصحاح : الخائل الحافظ للشي‌ء ويقال : فلان يخول على أهله أي يرعى عليهم ، وخوله الله الشي‌ء أي ملكه اياه ، وقد خلت المال أخوله اذ أحسنت القيام عليه يقال : هو خال مال وخولي مال أي حسن القيام عليه ، والتخول التعهد وفي الحديث « كان النبي 6 يتخولنا بالموعظة مخافة السامة » وخول الرجل حشمه الواحد خائل وقد يكون الخول واحدا وهو اسم يقع على العبد والامة قال الفراء : وهو جمع خائل وهو الراعي ، وقال غيره : هو مأخوذ من التخويل وهو التمليك (٣).

و « الدول » بضم الدال وفتح الواو جمع الدولة بالضم يقال : جاء فلان بدولاته أي بدواهيه.

قال الراغب في المفردات : الدولة ـ بالفتح ـ والدولة ـ بالضم ـ واحدة وقيل : الدولة بالضم في المال ، والدولة بالفتح في الحرب والجاه ، وقيل : الدولة اسم الشي‌ء الذي يتداول بعينه ، والدولة المصدر ، قال الله تعالى ( كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ ) (٤) وتداول القوم كذا ، أي تداولوه من حيث الدولة ، وداول الله كذا بينهم‌

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ٢ / ١٠٨‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ٢ / ٨٨ وفيه أخيرا : ويقوم به.

(٣) الصحاح : ٤ / ١٦٩٠‌

(٤) سورة الحشر : ٧‌


وضرا وصبرا.

٤٩ ـ أبو علي أحمد بن علي السلولي شقران القمي ، قال حدثني الحسن بن‌

______________________________________________________

قال الله تعالى ( وَتِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ ) (١) والدؤلول الداهية ، والجمع الدآليل والدؤلات (٢).

قوله 7 : وصبرا‌

الصبر في القتل وفي اليمين في الفقه.

والحديث معروف في النهاية الاثيرية : في حديث الصوم « صم شهر الصبر » هو شهر رمضان وأصل الصبر الحبس : يسمى الصوم صبرا لما فيه من حبس النفس عن الطعام والشراب والنكاح ، وفيه « أنه نهى عن قتل شي‌ء من الدواب صبرا هو أن يمسك من ذوات الروح شي‌ء حيا ثم يرمي بشي‌ء حتى يموت ، ومنه الحديث « نهى عن المصبورة ونهى عن صبر ذي الروح » ومنه الحديث « في الذي أمسك رجلا وقتلوا آخرا اقتلوا القاتل واصبروا الصابر » أي أحبسوا الذي حبسه للموت حتى يموت كفعله به ، وكل من قتل في معركة ولا حرب ولا خطأ فانه مقتول صبرا ، ومنه حديث ابن مسعود « أن » رسول الله 6 نهى عن صبر الروح » وهو الخصاء والخصاء صبر شديد ، وفيه « من أحلف على يمين مصبورة كاذبا » وفي حديث آخر « من حلف على يمين صبرا » أي ألزم بها وحبس عليها وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم ، وقيل :

لها مصبورة وان كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور ، لأنه انما صبر من أجلها أي حبس فوضعت بالصبر وأضيفت اليه مجازا (٣).

قوله رحمه الله تعالى : أبو على أحمد بن على السلولى‌

في القاموس : سلول فخذ من قيس (٤).

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٤٠‌

(٢) مفردات الراغب : ١٧٤‌

(٣) نهاية ابن الاثير : ٣ / ٨‌

(٤) القاموس : ٣ / ٣٩٧‌


حماد ، عن أبي عبد الله البرقي ،

______________________________________________________

وفي الصحاح : سلول قبيلة من هوازن وهم بنو مرة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ، وسلول اسم أمهم نسبوا اليها ، منهم عبد الله بن همام الشاعر السلولي (١).

ثم في طائفة من النسخ في هذا الموضع « سعدان القمي » بالسين والعين والدال المهملات قبل الالف والنون أخيرا ، وذلك تصحيف وتحريف من النساخ (٢) ، والصواب ما يتكرر من بعد في الاسانيد على اتفاق عامة النسخ وهو « شقران » بضم الشين المعجمة قبل القاف الساكنة والراء بعدها قبل الالف ثم النون أخيرا ، والرجل معروف كثير الرواية.

وذكره الشيخ في كتاب الرجال قال في باب لم : أحمد بن علي السلولي المعروف بالشقران القمي المعروف بالشقران القمي المقيم بكش ، وكان أشل دوارا (٣).

وفي بعض نسخ كتاب الرجال التيملي مكان السلولي.

قوله ; : قال : حدثنى الحسن بن حماد‌

قد سبق مثله في الاسانيد السابقة ، والذي يستبين أنه من غلط الناسخ ، والصحيح خلف بن حماد بالخاء المعجمة ثم اللام والفاء أخيرا ، فهو الذي يروي عن أبى عبد الله محمد بن خالد البرقي ، ويتكرر في الاسانيد كثيرا ، وهو من الشيوخ.

ذكره الشيخ في باب الخاء المعجمة من باب لم قال : خلف بن حماد مكنى أبا صالح من أهل كش (٤).

__________________

(١) الصحاح : ٥ / ١٧٣١‌

(٢) كما في المطبوع من رجال الكشى بجامعة مشهد والنجف الاشرف.

(٣) رجال الشيخ : ٤٣٩ والموجود فيه القمى بدل السلولى.

(٤) رجال الشيخ : ٤٧٢‌


عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي حكيم ، عن أبي خديجة الجمال ، عن أبي عبد الله 7 قال : دخل أبو ذر على رسول الله 6 ومعه جبريل ، فقال جبريل : من هذا يا رسول الله؟ قال أبو ذر : قال أما أنه في السماء أعرف منه في الارض وسأله عن كلمات يقولهن اذا أصبح قال ، فقال يا أبا ذر كلمات تقولهنّ اذا أصبحت فما هنّ؟ قال أقول‌

______________________________________________________

وأبو عبد الله البرقي يروي عن خلف بن حماد الاسدي على ما في الفهرست (١).

قوله رحمه الله تعالى عنه : عن عبد الرحمن بن محمد بن أبى حكيم‌

في النسخ على التصغير ، وفي كتب الرجال محمد بن الحكم بن المختار بن أبي عبيدة الثقفي الكوفي من أصحاب الصادق 7 مكبرا (٢).

وعبد الرحمن بن محمد من أصحاب أبي جعفر الجواد 7 ، ويقال : ربما روى عن أبي الحسن الرضا 7.

قوله رحمه الله تعالى عنه : عن أبى خديجة الجمال‌

هو سالم بن مكرم على ما يستبين فيما سيرد في الكتاب إن شاء الله العزيز ، وهو الذي صرح الشيخ بتوثيقه في بعض المواضع ، وثنى توثيقه النجاشي (٣).

وزعم الحسن بن داود أن ذاك هو أبو خديجة الرواجني ، وذا أبو خديجة الجمال وهما اثنان ولا توثيق في ذا من أحد (٤).

وذلك وهم منه فاسد ، قد أوضحنا فساده في المعلقات على الخلاصة ، وعلى كتابه ، وعلى كتاب النجاشي ، وعلى غيرها من كتب الرجال ، وفي الرواشح السماوية ، وفي المعلقات على الفقيه ، وعلى الاستبصار.

__________________

(١) الفهرست : ٩٢‌

(٢) رجال الشيخ : ٣٠٦ وفيه محمد بن أبى الحكم الخ.

(٣) رجال النجاشى : ١٤٢‌

(٤) رجال ابن داود : ١٦٥‌


يا رسول الله : اللهم اني أسألك الايمان بك والعافية من جميع البلايا والشكر على العافية والغنى عن الناس.

٥٠ ـ حمدويه وابراهيم ابنا نصير ، قالا حدثنا أيّوب بن نوح ، عن صفوان ابن يحيى ، عن عاصم بن حميد الحنّاط ، عن أبي بصير ، عن عمرو بن سعيد ، قال حدثنا عبد الملك بن أبي ذر الغفاري ، قال بعثني أمير المؤمنين 7 يوم مزق عثمان المصاحف ، فقال : ادع أباك! فجاء أبي اليه مسرعا ، فقال : يا أبا ذر أتى اليوم في الإسلام أمر عظيم ، مزق كتاب الله ووضع فيه الحديد ، وحق على الله أن يسلّط الحديد على من مزق كتابه بالحديد. قال ، فقال له أبو ذر : سمعت رسول الله 6

______________________________________________________

قوله 7 : اللهم انى أسألك‌

دعاء أبي ذر رضي الله تعالى عنه معروف في كتب الدعاء وفيما أواظب عليه في وردي « اللهم اني أسألك الايمان بك ، والرضا بقضائك ، والغناء عن الناس والعافية من جميع البلاء ، والشكر على العافية يا ولي العافية ».

قوله رحمه الله تعالى : حمدويه وابراهيم ابنا نصير الى اخره‌

الطريق نقي صحيح على الأصحّ ، فان عمرو بن سعيد المدائني ثقة من أصحاب أبي الحسن الرضا 7 قد وثقه النجاشي (١) ، ولم يذكر غميزة فيه ولا طعنا في مذهبه وانما روى أبو عمرو الكشي عن نصر بن الصباح أنه فطحي ، ولكن قال نصر : لا اعتمد على قوله. وابو بصير هو ليث المرادي ، كما هو المستبين من الطبقة.

قوله رحمه الله تعالى : قال : حدثنا عبد الملك بن ابى ذر الغفارى‌

هو في الاستقامة على طريقة أبيه رضي الله تعالى عنهما.

__________________

(١) رجال النجاشى : ٢٢١.


يقول : أن أهل الجبرية من بعد موسى قاتلوا أهل النبوة فظهروا عليهم فقتلوهم زمانا‌

______________________________________________________

قوله 7 : ان أهل الجبرية (١)

بالتحريك ، وربما يقال : الجبرية بكسر الجيم والباء ، ويعني 7 بهم المجوس وهم لا يقولون بقدرة وارادة للإنسان في فعله أصلا ، بل يثبتون للعالم الاكبر بنظامه الجملي مبدئين : يسمون أحدهما يزدان واليه يسندون الخيرات بأسرها ، والاخر أهر من واليه يضيفون الشرور بأسرها على الاطلاق.

وعلى طريقتهم الاشاعرة في نفي تأثير قدرة العبد وارادته في أفعاله مطلقا ، فانهم يسندون أفاعيله من الخيرات والشرور جميعا الى قدرة الله سبحانه وارادته ابتداء ، من غير مدخلية للعبد ولا لممكن ما من الممكنات في ذلك بجهة من جهات التأثير والعلية والتقدم العقلي بالذات أصلا ، بل على مجرد المقارنة الاتفاقية المعبر عنها عندهم بالكسب لا غير.

ومن هناك استتبت علاقة التشبيه في الحديث المشهور بالمتواتر عنه 6 : القدرية مجوس هذه الامة (٢).

أليس كل من على ساهرة اقليم العقل وفي دائرة ملة الإسلام يعلم بالبرهان انه ما من ممكن ذاتي عينا كان أو فعلا ، وجوهرا كان أو عرضا ، الا ولا منتدح له في ترتب سلسلة السببية والمسببية من الانتهاء الى مسبب الاسباب من غير سبب على الاطلاق ، والاستناد الى قدرته الحقة القيومية وارادته الربوبية الوجوبية بآخره ، وان كان الفاعل المباشر قريبا ، والاخير من أجزاء العلة التامة لفعل العبد قدرته وأرادته المنبعثتان عن القدرة التامة الواجبة والارادة الحقة الفعالة.

فاذن ليس يصح التشبيه من حيث اثبات مبدئين ، اذ ليس يقول بذلك أحد من المعتزلة والامامية والحكماء الالهيين المثبتين للحيوان قدرة مباشرة للفعل ، وإرادة‌

__________________

(١) وفي المطبوع من رجال الكشى بجامعة مشهد. أهل الحبرية بالحاء المهملة.

(٢) رواه في الطرائف : ٣٤٤. وهناك مقالات حول عقائد المجبرة فراجع.


______________________________________________________

متقدمة عليه تقدما بالطبع ، فقد انصرح أن ملاك التشبيه سلب الفعل عن العبد ونفي قدرته واختياره على سبيل العلية كما قالته المجوس ، وانما ذلك مذهب الاشعرية في هذه الامة فهم القدرية في قوله 7 القدرية مجوس هذه الامة لا غيرهم.

وما تحمله امام المتشككين فخر الدين الرازي ومتابعوه في تصحيح كون المعتزلة هم القدرية مما ليس له مساق الى سبيل الصحة ومعاد الى طريق الصواب ، وان أحببت بسط القول فيه فعليك بكتابنا الايقاضات.

قال الجوهري في الصحاح : الجبر أن تغني الرجل عن فقر أو تصلح عظمه من كسر ، يقال : جبرت العظم جبرا وجبر العظم نفسه جبورا ، أي انجبر واجتبر العظم مثل انجبر ، يقال : جبر الله فلانا فاجتبر أي سد مفاقره ، والجبر خلاف القدر ، قال أبو عبيد : هو كلام مولد والجبرية بالتحريك خلاف القدرية (١).

وقال الراغب في المفردات : أصل الجبر اصلاح الشي‌ء بضرب من القهر ، يقال : جبرته فانجبر واجتبر ، وقد قيل : جبرته فجبر لقول الشاعر :

« قد جبر الدين الاله فجبر » ‌

هذا قول أكثر أهل اللغة وقال بعضهم : ليس قوله فجبر مذكورا على سبيل الانفعال ، بل ذلك على سبيل الفعل ، وكرره ونبه بالاول على الابتداء باصلاحه وبالثاني على تتميمه ، فكأنه قال قصد جبر الدين وابتدأ به فتمم جبره ، وذلك أن فعل تارة يقال لمن ابتدأ بفعل ، وتارة لمن فرغ عنه ، وتجبر يقال : اما لتصور معنى الاجتهاد ، أو المبالغة ، او لمعنى التكلف ، وقد يقال : الجبر في الاصلاح المجرد نحو قول علي 7 يا جابر كل كسير ومسهل كل عسير ، وتارة في القهر المجرد نحو قوله 6 لا جبر ولا تفويض ، والجبر في الحساب الحاق شي‌ء به اصلاحا لما يريد اصلاحه ، وسمي السلطان جبرا لقهره الناس على ما يريده ، أو لإصلاح أمورهم ،

__________________

(١) الصحاح : ٢ / ٦٠٧ ـ ٦٠٨‌


______________________________________________________

والاجبار في الاصل حمل الغير على أن يجبر الاخر ، لكن تعورف في الاكراه المجرد فقيل : أجبرته على كذا ، كقولك أكرهته وسمي الذين يدعون أن الله تعالى يكره العباد على المعاصي في تعارف المتكلمين مجبرة ، وفي قول المتقدمين جبرية وجبرية (١).

أي بالتحريك وبكسر الجيم والباء ، كما نقلناه عن الصحاح.

وقال في القاموس : الجبرية خلاف القدرية ، والتسكين لحن ، أو هو الصواب ، والتحريك للازدواج ، والجبار الله تعالى لتكبره ، والمتكبر الذي لا يرى لأحد عليه حقا ، فهو بين الجبرية والجبرياء بمكسورتين ، والجبرية بكسرات والجبرية والجبروة والجبروتي والجبروت محركات (٢).

وقال في أساس البلاغة : وقوم جبرية ، وهو كذا ذراعا بذراع الجبار أي بذراع الملك ، وفي الحديث : دعوها فانها جبارة وما كانت نبوة إلا تناسخها ملك جبرية. أي الا تجبر الملوك فيها (٣).

قلت : قول النبي 6 في هذا الحديث : ان أهل الجبرية من بعد موسى قاتلوا أهل النبوة تنصيص على أن أهل الجبرية مقابل أهل النبوة ، وهم الكفرة من المجوس الذين قاتلوا بني اسرائيل فظهروا ، أي غلبوا عليهم فقتلوهم ، واستمروا في عتوهم وغلبتهم عليهم زمانا طويلا ، وحديثه عليه وآله الصلاة والسّلام : القدرية مجوس هذه الامة. ناص على أن المجبرة القائلين بالقدر على سبيل محوضة الاجبار وصرافة الالجاء من غير مدخلية لاختيار العبد في فعله أصلا ، منزلتهم في هذه الامة منزلة المجوس الجبرية الذاهبين الى أن فعل الانسان مطلقا انما فاعله التام على الاجبار‌

__________________

(١) مفررات الراغب : ٨٥ ـ ٨٦‌

(٢) القاموس : ١ / ٣٨٤ ـ ٣٨٥‌

(٣) أساس البلاغة : ٨١‌


طويلا ، ثم ان الله بعث فتية فهاجروا الى غبر آبائهم فقاتلهم فقتلوهم ، وأنت بمنزلتهم‌

______________________________________________________

البحت يزدان أو أهرمن.

فاذن قد استبان أن الجبرية والقدرية واحدة وجعلهما متقابلين ، كما ذهبت اليه علماء الاشاعرة في الصدر الاول ، ثم جرى عليه كلام أهل اللغة ، والمتأخرون بنوا عليه الاصطلاح أخيرا لا أصل له يركن اليه ولا ركن يعتمد عليه.

ثم كيف يسوغ اثبات نسبة نفاة أمر اليه وسلب القول به عن مثبتيه. وما يقال : ان تبالغهم في النفي والانكار مصحح الاسناد والنسبة. ليس يستحق الاصاخة له والاصغاء اليه.

قوله 7 : ثم ان الله بعث فتية فهاجروا الى غبر آبائهم‌

في أكثر النسخ « فتية » بكسر الفاء واسكان المثناة من فوق قبل المثناة من تحت المفتوحة على جمع فتي بالتشديد ، كما صبية في جمع صبي ، يعني شبابا.

قال في المغرب : الفتى من الناس الشباب القوي والجمع فتية وفتيان.

وفي نسخة « فئة » بكسر الفاء وفتح الهمزة واحدة فيئين.

و « غبر » باعجام الغين قبل الباء الموحدة ، اما محركة بمعنى التراب والارض أي الى ديار آبائهم ، أو بضم الغين وتسكين الباء أو تشديدها مفتوحة بمعنى بقية آبائهم ومن بقي منهم ، والغبر والغبر بقية اللبن في الضرع وغبر المرض بقاياه ، وكذلك غبر الليل والغابر من كل شي‌ء الباقي منه قاله في الصحاح (١).

وقال في القاموس : غبر غبورا مكث وذهب ضد ، وهو غابر من غبر كركع ، وغبر الشي‌ء بالضم بقيته كغبره ، والجمع أغبار (٢).

__________________

(١) الصحاح : ٢ / ٧٦٥‌

(٢) القاموس : ٢ / ٩٩‌


يا علي. فقال علي : قتلتني يا أبا ذر. فقال أبو ذر : أما والله لقد علمت أنه سيبدأ بك.

٥١ ـ حمدويه وابراهيم ابنا نصير ، قالا حدثنا أيوب بن نوح ، عن صفوان ابن يحيى ، عن عاصم بن حميد الحنفي ، عن فضيل الرسّان ، قال حدثني أبو عبد الله عن أبي سخيلة ، قال حججت أنا وسلمان بن ربيعة ، قال فمررنا بالربذة ، قال فأتينا‌

______________________________________________________

قوله 7 : قتلتنى يا أبا ذر‌

يعنى أخبرت بقتلي فقال أبو ذر : نعم قد علمت أنه سيبدأ في العترة الطاهرة بك يا أمير المؤمنين.

قوله رحمه الله تعالى : حمدويه وابراهيم ابنا نصير‌

الطريق حسن بفضيل الرسان ، وهو الفضيل بن الزبير الاسدي مولاهم الكوفي الرسان ، ذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي جعفر الباقر وفي أصحاب أبي عبد الله الصادق 8 بالتصغير (١) ، وكذلك في كتاب أبي عمرو الكشي (٢) ، والحسن بن داود أورده في كتابه مكبرا (٣).

وأبو عبد الله هذا الذي روى عنه الفضيل الرسان هو أبو عبد الله البجلي الكوفي من أصحاب أمير المؤمنين 7 من اليمن ، ذكره العلامة في الخلاصة (٤) ، والشيخ في كتاب الرجال (٥). أو أبو عبد الله الجدلي بفتح الجيم والدال من أوليائه 7 وخواصه من مضر ، كما أورده في الخلاصة ، واسمه عبيد بن عبد.

قال في الخلاصة : قيل : انه كان تحت راية المختار ، ويقال : اسمه عبد الرحمن ابن عبد ربه (٦).

__________________

(١) رجال الشيخ : ١٣٢ و ٢٧٢‌

(٢) رجال الكشى : ٣٣٨ ط مشهد و ٢٨٧ ط نجف.

(٣) رجال ابن داود : ٢٧١‌

(٤) الخلاصة : ١٩٤‌

(٥) رجال الشيخ : ٦٣‌

(٦) الخلاصة ١٢٧‌


أبا ذر فسلمنا عليه ، قال فقال لنا : ان كانت بعدي فتنة وهي كائنة فعليكم بكتاب الله والشيخ علي بن أبي طالب 7 ، فاني سمعت رسول الله 6 وهو يقول : علي أول من آمن بي وصدقني ، وهو أول من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصديق الاكبر ، وهو‌

______________________________________________________

وذكرة الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أمير المؤمنين 7 ، ثم أورده في أصحاب أبي عبد الله 7 وقال : عبد الرحمن بن عبد ربه الخزرجي (١). طعنوا عليه بالرفض.

وقال ابن حجر في التقريب : عبد أو عبد الرحمن بن عبد أبو عبد الله الجدلي ثقة ، رمي بالتشيع من كبار الثالثة.

و « أبو سخيلة » بضم السين المهملة وفتح الخاء المعجمة ، كما قال في الخلاصة ناقلا عن البرقي (٢) ، وذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أمير المؤمنين 7 (٣).

قوله رضى الله تعالى عنه : وهى كائنة‌

يعني ألا وهي كائنة لا محال من غير امتراء ، لما قد أخبرنا به رسول الله 6 :

قوله (ص) : على أول من آمن بى وصدقنى‌

والعامة رووا هذا الحديث من طرق عديدة غير طريق أبي ذر (٤).

أورد أبو عبد الله الذهبي مع شدة عناده ونصبه في ميزان الاعتدال أنه ذكر العقيلي بالاسناد عن ابن عباس عن النبي 6 أنه قال لام سلمة : ان عليا لحمه من لحمي وهو مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ، قال ابن عباس ، ستكون فتنة فمن أدركها فعليه بخصلتين كتاب الله وعلي بن أبي طالب ، فاني سمعت‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ٥٠ و ٧٦‌

(٢) الخلاصة : ١٩٥‌

(٣) رجال الشيخ : ٦٥‌

(٤) وقد أوردنا مصادر هذا الحديث عن طرق العامة والخاصة في كتاب الطرائف : ١٨‌


الفاروق بعدي يفرق بين الحق والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة.

٥٢ ـ وبهذا الاسناد عن الفضيل الرسان ، قال حدثني أبو عمر ، عن حذيفة ابن أسيد ، قال سمعت أبا ذر ، يقول وهو متعلق بحلقة باب الكعبة ، أنا جندب بن جنادة لمن عرفني وأنا أبو ذر لمن لم يعرفني ، اني سمعت رسول الله 6 وهو يقول :

______________________________________________________

رسول الله 6 يقول وهو آخذ بيد علي : هذا أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهو فاروق هذه الامة يفرق بين الحق والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة ، وهو الصديق الاكبر ، وهو خليفتي من بعدي.

وفي ميزان الاعتدال أيضا : أن سليمان بن عبد الله روى عن معاذة عن علي :

أنا الصديق الاكبر قال مذكور في كتاب العقيلي (١) :

قوله 7 : وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة‌

أي يجتمع على اتباعه والتمسك به قلوب المؤمنين ، كما على التمسك بالمال قلوب الظلمة.

قال في الصحاح : واليعسوب ملك النحل ، ومنه قيل للسيد : يعسوب قومه والياء فيه من الزوائد لأنه ليس في الكلام فعلول غير صعفوق (٢).

قوله رحمه الله تعالى : وبهذا الاسناد عن الفضيل الرسان قال : حدثنى أبو عمر عن حذيفة بن أسيد‌

أبو عمر هو زاذان الفارسي بالزاء قبل الالف والذال المعجمة بعدها والنون بعد الالف الثانية ، أورده في الخلاصة من أصحاب أمير المؤمنين 7 من مضر (٣) ، وذكر الشيخ في باب الزاء من أصحابه 7 زاذان يكنى أبا عمر الفارسي زياد بن‌

__________________

(١) ميزان الاعتدال : ٢ / ٢١٢ ط السعادة بمصر و ١ / ٤١٧‌

(٢) الصحاح : ١ / ١٨١‌

(٣) الخلاصة : ١٩٢ وفيه أبو عمرو الفارسى.


من قاتلني في الاولى والثانية فهو في الثالثة من شيعة الدجال انما مثل أهل بيتي‌

______________________________________________________

الجعدة (١).

و « حذيفة » ذكره الشيخ في كتاب الرجال فيمن روى عن النبي 6 من الصحابة قال : حذيفة بن أسيد الغفاري أبو سريحة صاحب النبي 6 وهو ابن أمية (٢).

ثم ذكره في أصحاب أبي محمد الحسن 7 فقال : حذيفة بن أسيد الغفاري (٣).

وقد تقدم في الكتاب في حديث الحواريين أنه من حواري الحسن بن علي 8.

قال ابن الاثير في جامع الاصول : أسيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة وبالدال المهملة. وأبو سريحة بفتح السين المهملة وكسر الراء بالحاء المهملة.

وقال الحسن بن داود : وفي نسخة من كتاب الرجال للشيخ أبو سرعة (٤).

قلت : ولا تعويل عليه.

قوله (ص) : من قاتلنى في الاولى والثانية وهو في الثالثة من شيعة الدجال‌

في الاولى والثانية ، وفي نسخة وفي الثانية خبر من قاتلني.

والمعنى : من قاتلني ففي الطبقتين الاولى والثانية ، يعني بالطبقة الاولى من بارزه 6 بالمقاتلة في زمانه ، وبالطبقة الثانية من قاتل عليا 7 بعده 6.

لقوله 6 : لعلي 7 : يا علي حربك حربي.

__________________

(١) رجال الشيخ : ٤٢ وزياد بن الجعدة رجل آخر غير زاذان الفارسى ولعل وقع سهوا من المؤلف.

(٢) رجال الشيخ : ١٦ وفيه أبو سرعة.

(٣) المصدر : ٦٧‌

(٤) رجال ابن داود : ١٠١‌


في هذه الامّة مثل سفينة نوح في لجة البحر من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق. ألا هل بلّغت.

______________________________________________________

ولقوله : منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت أنا على تنزيله (١).

وعني به عليا ، فمن قاتل عليا 7 فهو كمن بارز النبي 6 بالمقاتلة ، وأما من قاتله 6 في الطبقة الثالثة فهم الذين يقاتلون المهدي من آل محمد 7 في آخر الزمان ، وهم من شيعة الدجال.

ففي الصحيفة المكرمة الرضوية بأسناده عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليهم صلوات الله وتسليماته : من قاتلنا في آخر الزمان فكأنما قاتلنا للدجال. قال الاستاذ أبو القاسم الطائي : سألت علي بن موسى الرضا عمن قاتلنا في آخر الزمان قال : من قاتل صاحب عيسى بن مريم وهو المهدي 7.

قوله (ص) : انما مثل أهل بيتى مثل سفينة نوح‌

هذا الحديث عنه 6 متشعب الطريق متنا وسندا من طريق أبي ذر رضي الله تعالى عنه ومن طريق غيره عند العامة والخاصة (٢).

__________________

(١) رواه جماعة من أعلام العامة بطرق مختلفة منهم أحمد بن حنبل في مسنده : ٣ / ٣٣ ط ميمنية بمصر والنسائى في الخصائص : ٤٠ والحاكم في المستدرك : ٣ / ١٢٢ ط حيدرآباد الدكن وأبو نعيم في حلية الاولياء : ١ / ٦٧ ط مصر والطبرى في رياض النضرة : ٢ / ١٩١ ط محمد أمين بمصر وابن كثير في البداية والنهاية : ٦ / ٢١٧ والسيوطى في تاريخ الخلفاء. ١٧٣ وغيرها مما يطول ذكرها.

(٢) واما من طريق الخاصة فرواه السيد بن طاوس عن عدة طرق في كتاب الطرائف : ١٣٢ ، وابن بطريق في العمدة : ١٨٧ ، والعلامة المجلسى في البحار : ٢٣ / ١٢٤.

واما من طريق العامة فرواه ابن قتيبة في عيون الاخبار : ١ / ٢١١ ط مصر ، والحاكم في المستدرك : ٣ / ١٥٠ ط دكن ، وابن المغازلى في المناقب : ١٣٢ ـ ١٣٤. والخوارزمى في مقتل الحسين ، والذهبى في ميزان الاعتدال : ١ / ٢٢٤ ط مصر والسيوطى في تاريخ الخلفاء : ٥٧٣ ، والقندوزى في ينابيع المودة : ٢٨ ط اسلامبول.


٥٣ ـ جعفر بن معروف ، قال حدثني الحسن بن علي بن النعمان ، قال حدثنى أبي ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، قال سمعت أبا عبد الله 7 يقول : أرسل عثمان الى أبي ذر موليين له ومعهما مائتا دينار ، فقال لهما انطلقا بها الى‌

______________________________________________________

وفي الصحيفة المكرمة الرضوية باسناده المكرم عن آبائه الطاهرين عن أمير المؤمنين عليه وعليهم السلام قال رسول الله 6 : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها زخ في النار (١).

وكذلك رواه كثير من العامة صاحب المشكاة وغيره ، وفي المشكاة ومسند أحمد بن حنبل عن أبي ذر أنه قال وهو آخذ بباب الكعبة : سمعت رسول الله 6 يقول : ألا ان مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق (٢).

قال ابن الاثير في النهاية في باب الزاء مع الخاء المعجمة : في الحديث مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من تخلف عنها زخ به في النار أي دفع ورمي يقال : زخه يزخه زخا (٣).

وقال صاحب الكشاف في أساس البلاغة : زخه في وهدة دفعه فيها ، وفي الحديث مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وزخ في النار وزخ في قفاه (٤).

قوله رحمه الله تعالى : جعفر بن معروف‌

ذكره الشيخ في باب لم ، وقال : يكنى أبا محمد من أهل كش وكيل وكان مكاتبا (٥).

__________________

(١) صحيفة الرضا : ٢٢‌

(٢) رواه بهذه الالفاظ الطبرانى في المعجم الصغير : ٧٨ ط الدهلى‌

(٣) نهاية ابن الاثير : ٢ / ٢٩٨.

(٤) أساس البلاغة : ٢٦٨‌

(٥) رجال الشيخ : ٤٥٨‌


أبي ذر فقولا له : ان عثمان يقرئك السّلام وهو يقول لك هذه مائتا دينار فاستعن بها على ما نابك ، فقال أبو ذر هل أعطي أحد من المسلمين مثل ما أعطاني؟ قالا لا. قال : فانما أنا رجل من المسلمين يسعني ما يسع المسلمين قالا له : انه يقول هذا من صلب ما لي وبالله الذي لا إله الا هو ما خالطها حرام ولا بعثت بها إليك الا من حلال. فقال : لا حاجة لي فيها وقد أصبحت يومي هذا وأنا من أغنى الناس. فقالا له عافاك الله وأصلحك! ما نرى في بيتك قليلا ولا كثيرا مما يستمتع به؟ فقال : بلى تحت هذه

______________________________________________________

وليس هو جعفر بن معروف السمرقندي الذي ذكره أحمد بن الحسين الغضائري وقال : كنيته أبو الفضل يروي عنه العياشي كثيرا.

والحسن بن علي بن النعمان صحيح الحديث له كتاب كثير الفوائد قاله النجاشي (١) ، وفي طبقته من يروي عنه الصفار وأحمد بن أبي عبد الله البرقي. وأبوه علي ابن النعمان الاعلم أبو الحسن النخعي مولاهم الكوفي من أصحاب أبي الحسن الرضا 7 ثقة ثبت وجه صحيح الحديث واضح الطريقة ، وهو الوارد في أسناد زبور آل محمد وإنجيل أهل البيت الصحيفة الكريمة السجادية ، يروي عنه كتابه محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ومحمد بن أبي عبد الله.

وعلي بن أبي حمزة الثمالي لا البطائني لكون علي بن النعمان الاعلم أكثري الرواية عنه.

وأبو بصير هو ليث بن البخترى المرادي ويقال له : أبو بصير الاصغر لا يحيى بن القاسم المكفوف ، لرواية ابن أبي حمزة الثمالي عنه ، فالطريق نقي حسن بعلي بن أبي حمزة ، بل صحيح على ما ستعلمه إن شاء الله العزيز.

قوله 2 : تحت هذه الاكاف‌

اكاف الحمار بكسر الهمزة معروف. وفي القاموس : وبالضم أيضا (٢) ،

__________________

(١) رجال النجاشى : ٣١‌

(٢) القاموس : ٣ / ١١٨‌


الاكاف التي ترون رغيفا شعير قد أتي عليهما أيام فما أصنع بهذه الدنانير ، لا والله حتى يعلم الله اني لا أقدر على قليل ولا كثير ، ولقد أصبحت غنيا بولاية علي بن أبي طالب 7 وعترته الهادين المهديين الراضين المرضيين الذين يهدون بالحق وبه يعدلون ، وكذلك سمعت رسول الله 6 يقول ، فانه لقبيح بالشيخ أن يكون كذابا ، فرداها عليه وأعلماه أنه لا حاجة لي فيها ولا فيما عنده ، حتى ألقى الله ربي فيكون هو الحاكم فيما بيني وبينه.

٥٤ ـ حدثني علي بن محمد القتيبي ، قال حدثني الفضل بن شاذان ، قال حدثني أبي ، عن علي بن الحكم ، عن موسى بن بكر ، قال قال أبو الحسن 7 قال أبو ذر : من جزى الله عنه الدنيا خيرا فجزاها الله عني مذمة بعد رغيفي شعير أتغدى باحدهما وأتعشى بالاخر ، وبعد شملتي صوف أتزر باحداهما وأرتدي بالاخرى.

______________________________________________________

والاكاف : صانعه. والجمع الاكف بضمتين.

قال في المغرب : والسرج الذي على هيئته هو ما يجعل على مقدمة شبه الرمانة ، والوكاف لغة ومنه او كف الحمار وأكفه ايكافا ووكفه توكيفا أي شد عليه الاكاف ، وأما أكف الاكاف تأكيفا فمعناه اتخذه.

قوله رحمه الله تعالى : عن موسى بن بكر الواسطى‌

ذكره الشيخ في أصحاب أبي الحسن الكاظم 7 وقال : أصله كوفي واقفي له كتاب يروي عن أبي عبد الله 7 (١).

واني لست استثبت وقف الرجل ، ولا شيخنا أبو العباس النجاشي تعرض لنقله ، وستطلع على ما رواه أبو عمرو الكشي في مدحه مما ينصرح به أن أسناد الوقف اليه اختلاق عليه ، فاذن الطريق حسن على الأصحّ.

قوله رضى الله تعالى عنه : من جزى الله عنه الدنيا‌

يعني من كان شي‌ء من الدنيا عنده مشكورا محمودا مرغوبا اليه يستحق أن يقال : جزاه الله عني خيرا فأنا على خلاف سيرته ، فان كل ما في الدنيا مذموم مقبوح‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ٣٥٩‌


قال ، وقال : ان أبا ذر بكى من خشية الله حتى اشتكى عينيه فخافوا عليهما ، فقيل له يا أبا ذر لو دعوت الله في عينيك؟ فقال : اني عنهما لمشغول وما عناني أكبر. فقيل له : وما شغلك عنهما؟ قال : العظيمتان الجنة والنار. قال : وقيل له عند الموت يا أبا ذر ما مالك؟ قال علمي. قالوا انا نسألك عن الذهب والفضة؟ قال ما أصبح فلا امسي وما أمسي فلا أصبح لنا كندوج ندع فيه حرّ متاعنا ، سمعت حبيبي رسول الله 6 يقول : كندوج المرء قبره.

______________________________________________________

منحي عن الخير لا يستحق الا أن يقال : جزاه الله عني مذمة وبعادا عن الرواء والنضارة بعد رغيفي شعير اتخذ أحدهما لي غذاء به أتغذى والاخر عشاء به أتعشى وبعد شملتي صوف أتخذ لي أحدهما ازارا وبها أتزر والاخرى رداء بها أرتدي.

قوله رضى الله تعالى عنه : وما عنانى أكبر‌

بالتشديد على التفعيل من العناء باهمال العين المفتوحة قبل النون وبالمد المشقة والشدة والاذى والالم ، عناه يعنيه تعنية فتعنى وهو يتعاني الشدائد والمشاق والآلام.

قوله رضى الله تعالى عنه : ما أصبح فلا أمسى وما أمسى فلا أصبح‌

على سياقه الدعاء عليه ، والهمزة للدخول أي ما منه أصبح ودخل في الصباح فلا أبقاه الله الى الامساء ، وما منه أمسى ودخل في المساء فلا أبقاه الله الى الاصباح والدخول في الصباح ، « لنا كندوج » أي وعاء نضع فيه « حر متاعنا » حر كل شي‌ء باهمال الحاء المضمومة قبل الراء المشددة نجيبه ونفيسه وطيبه وصميمه ، وأرض حرة لا سبخة فيها ، وطين حر لا رمل فيه ، ورملة حرة طيبة النبات ونزل في حر الوادي أي في وسطها قاله في الاساس (١).

قوله (ص) كندوج المرء قبره‌

الكندوج بالضم على وزن صندوق شبه المخزن.

__________________

(١) أساس البلاغة : ١٢١‌


٥٥ ـ محمد بن مسعود ومحمد بن الحسن البراثى ، قالا حدثنا ابراهيم بن‌

______________________________________________________

قال في القاموس : معرب كندو (١).

قوله رحمه الله تعالى : ومحمد بن الحسن البراثى‌

في طائفة جمة من النسخ بالباء الموحدة قبل الراء والثاء المثلثة بعد الالف.

قال في القاموس : قرية من نهر الملك ، أو محلة عتيقة بالجانب الغربي ، وجامع براثا معروف ، وأحمد بن محمد بن خالد وجعفر بن محمد وأبو شعيب البراثيون محدثون (٢).

وقال شيخنا الشهيد في الذكرى : مسجد براثا في غربي بغداد ، وهو باق الى الان رأيته وصليت فيه (٣).

وفي بعض النسخ البراني بالراء المشددة بعد الباء الموحدة والنون بعد الالف.

قال الشيخ في باب لم : محمد بن الحسن البراني يكنى أبا بكر كاتب له رواية (٤).

قلت : وكأنه محمد بن الحسن بن روزبه أبو بكر المدائني الكاتب نزيل الرحبة الوارد في أسناد الصحيفة الكريمة السجادية.

وفي القاموس : البرة موضع قتل فيه قابيل هابيل ، والبرانية قرية ببخارا منها سهل بن محمود البراني الفقيه والنجيب محمد بن محمد البراني المحدث (٥).

ولقد حققنا القول فيه في المعلقات على الصحيفة الكريمة (٦).

__________________

(١) القاموس : ١ / ٢٠٥‌

(٢) القاموس : ١ / ١٦٢‌

(٣) الذكرى : ١٥٥‌

(٤) رجال الشيخ : ٤٩٧‌

(٥) القاموس : ١ / ٣٧١‌

(٦) التعليقة على الصحيفة السجادية المطبوع على هامش نور الأنوار للجزائرى : ٢٦ والكتاب سيطبع قريبا بتحقيقنا وتعليقنا عليه.


محمد بن فارس ، قال حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن سنان عن الحسين بن المختار ، عن زيد الشحام ، قال سمعت أبا عبد الله 7 يقول طلب‌

______________________________________________________

وفي نسخة عتيقة كأنها أصح النسخ « البرنانى » بنونين من حاشيتي الالف وهذا هو الصحيح في هذا الاسناد.

قال الشيخ في باب لم : محمد بن الحسن البرناني روى عنه الكشي (١).

وقد أسلفنا تصحيح النسبة فيه ، وضبطه بعضهم « البرثاني » بضم الباء الموحدة والثاء المثلثة بعد الراء نسبة الى قبيلة برثن.

قال في الصحاح : وبرثن حي من بني أسد (٢).

قوله رحمه الله تعالى : قالا : حدثنا ابراهيم بن محمد بن فارس‌

هو النيسابوري من أصحاب أبي الحسن الثالث وأبي محمد العسكريين 8 ذكره الشيخ في أصحابهما (٣).

قال في الخلاصة : لا بأس به في نفسه ولكن بعض من يروي هو عنه (٤).

قلت : وهذه بعينها عبارة محمد بن مسعود العياشي على ما روى عنه الكشي (٥) وسيجي‌ء في الكتاب ، فقول بعض شهداء المتأخرين (٦) في حاشيته على الخلاصة في كتاب الكشي ثقة في نفسه نقل لا أصل له.

قوله رحمه الله تعالى : عن الحسين بن المختار‌

هو القلانسي وقد أوضحنا لك فيما سبق استقامته وثقته.

__________________

(١) رجال الشيخ : ٥٠٩.

(٢) الصحاح : ٥ / ٢٠٧٨‌

(٣) رجال الشيخ : ٤١٠ و ٤٢٨‌

(٤) الخلاصة : ٧‌

(٥) رجال الكشى : ٤٤٦ ط نجف.

(٦) هو الشهيد الثانى في حاشيته على الخلاصة غير مطبوع.


أبو ذر رسول الله 6 فقيل له انه في حائط كذا وكذا ، فتوجه في طلبه فوجده نائما فأعظمه أن ينبهه ، فأراد ان يستبري نومه من يقظته فأخذ عسيبا يابسا فكسره ليسمعه صوته فسمعه رسول الله 6 فرفع رأسه ، فقال : يا أبا ذر تخدعني أما علمت أني أرى أعمالكم في منامي كما أراكم في يقظتي ان عيني تنامان ولا ينام قلبي.

______________________________________________________

قوله 7 : فأخذ عسيبا يابسا‌

باهمال العين المفتوحة وكسر السين المهملة وتسكين المثناة من تحت قبل الياء الموحدة ، أي جريدة من النخل مستقيمة دقيقة.

قوله (ص) : ان عينى تنامان ولا ينام قلبى‌

قال السيد المكرم الرضي أخو السيد المعظم المرتضى رضي الله تعالى عنهما في كتاب مجازات الحديث : ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسّلام تنام عيناي ولا ينام قلبي. وهذا القول عند المحققين من العلماء مجاز ، لأنه 7 لو كان قلبه لا ينام على الحقيقة كقلوب الناس لكان ذلك من أكبر معجزاته وأبهر آياته ، ولوجب أن تتظاهر الاخبار بنقله ، كما تظاهرت بنقل غيره من أعلامه ودلالته.

ومما يحقق قولنا ما رواه عبد الله بن عباس رحمهما الله من أنه 6 نام ونفخ فصلى ولم يتوض ، فقيل له عليه الصلاة والسّلام في ذلك فقال : ليس الوضوء على من نام قاعدا انما الوضوء على من نام مضطجعا ، وفي بعض الروايات أو متوركا فانه اذا نام كذلك استرخت مفاصله.

فبين عليه الصلاة والسّلام أنه لو نام مضطجعا للزمه الوضوء لاسترخاء مفاصله ، فلو كان قلبه لا ينام لما وجب عليه الوضوء اذا نام مضطجعا ، كما لا يجب عليه اذا نام قاعدا ، وقد يجوز أن يكون المراد بقوله 7 : تنام عيناي ولا ينام قلبي. أنه لا يعتقد في حال نومه من الرؤيا الفاسدة والمنامات المتضادة ما يعتقده غيره من سائر البشر ، فيكون في حكم المستيقظ وبمنزلة المتحفظ (١) انتهى كلامه رفع مقامه.

__________________

(١) المجازات النبوية : ١٧٥ ـ ١٧٦‌


______________________________________________________

قلت : هذا الحديث متواتر قد تظافرت وتظاهرت طرق نقله ، وما ذكره من رواية ابن عباس خبر من باب الآحاد ولا تعويل عليه ، والعمل في المذهب من طريق أهل البيت : أن مطلق النوم الغالب على الحواس ناقض للوضوء اضطجاعا كان أو قعودا.

فاما سبيل مغزاه من طريق العلوم البرهانية فهو : أنه قد أقر في مقره في العلوم الطبيعي وفي العلم الذي فوق الطبيعة أن النفس الانسانية اذا كانت منهمكة في جنبة البدن وفي غواشي عالم الطبيعة لم يكن طريقها في الرؤية الابصارية الا من سبيل الظاهر من ممر الجليدية.

وأما الانسان المتأله اذا صار أكيد العلاقة بعالم الملكوت وقوى ارتباط قوته القدسية بالجواهر النورية والأنوار العقلية ، فتهيأ له الرؤية البصرية في اليقظة وفي النوم لا من سبيل الظاهر ، بل من سبيل الباطن بانطباع الصورة في حسه المشترك واختلاس قوته المتخيلة من فيض عالم العقل لا بحضور مادة خارجية.

ومن هناك كان النبي احدى خاصياته الثلاث التي منها تستتم ضروب النبوة أن تتشبح له الملائكة فيرى من تتنزل عليه من ملائكة الله المقربين ، ويسمع كلام الله منتظما على لسان روح القدس الامين باذن الله المهيمن الملك الحق المبين.

وهذا هو الذي يعبر عنه بالوحي والايحاء على ما قد أسمعناك فيما تلونا عليك من قبل ، وليس يتيسر ذلك للنبي متى ما أراد وحيثما أراد ، بل انما له وقت موقوت من الله سبحانه يلقى عليه فيضه اذا شاء كيف شاء ، وسواء في ذلك حال النوم وحال اليقظة.

فاذن ربما يكون النبي تنام عيناه ولا ينام قلبه فيرى ويسمع في النوم ما يراه ويسمعه في اليقظة ، ولكن لا من سبيل الظاهر ، بل من سبيل الباطن من جهة الاتصال بالملأ الاعلى والانخراط في سلك الملكوت ، ولا كذلك ساير البشر ، فهذا معنى قوله 6 تنام عيناي ولا ينام قلبي ، ولم يزد أنه يبصر ويسمع في النوم كما يبصر ويسمع في اليقظة دائما في جميع أوقات النوم واليقظة فليتعرف.


عمار‌

٥٦ ـ حدثني علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري ، قال حدثنا الفضل بن شاذان عن محمد بن سنان ، عن أبي خالد ، عن حمران بن أعين ، عن أبي جعفر 7 ، قال قلت : ما تقول في عمار؟ قال : رحم الله عمارا ، ثلاثا قاتل مع أمير المؤمنين ( صلوات الله عليه وآله ) وقتل شهيدا. قال : قلت في نفسي ما تكون منزلة أعظم من هذه المنزلة؟ فالتفت إليّ ، فقال لعلك تقول مثل الثلاثة! هيهات! قال ، قلت : وما علمه انه يقتل في ذلك اليوم؟ قال : انه لما رأى الحرب لا تزداد الاشدة والقتل لا يزداد إلا كثرة ترك الصف وجاء الى أمير المؤمنين 7 فقال يا أمير المؤمنين هو هو؟ قال : ارجع الى صفك ، فقال له ذلك ثلاث مرات ، كل ذلك يقول له ارجع الى صفك ، فلما أن كان في الثالثة قال له نعم. فرجع الى صفه وهو يقول : اليوم ألقى الاحبة محمدا وحزبه.

______________________________________________________

في عمار بن ياسر 2

هو أبو اليقظان سماه النبي 6 بالطيب المطيب شهد بدرا ، ولم يشهدها ابن من المؤمنين غيره ، وشهد أحدا والمشاهد كلها مع النبي 6 والجمل وصفين مع أمير المؤمنين 7 ، وقتل بصفين شهيدا ودفن هناك سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وتسعين سنة.

قوله ; : عن أبى خالد‌

يعني به الكابلي وقد فصلنا القول فيه سابقا.

قوله 7 : فقال يا أمير المؤمنين هو هو؟

يعني يومنا هذا هو يومي الذي خبرني رسول الله 6 أنه تقتلني فيه الفئة الباغية.


٥٧ ـ محمد بن أحمد بن أبي عوف البخاري ومحمد بن سعد بن مزيد الكشي قالا حدثنا أبو علي المحمودي محمد بن أحمد بن حماد المروزي ، قال عمار بن ياسر الذي قال فيه رسول الله 6 وقد ألقته قريش في النار : يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت بردا وسلاما على ابراهيم ، فلم تصله النار ولم يصله منها مكروه وقتلت قريش أبويه ورسول الله 6 يقول : صبرا آل ياسر موعدكم الجنة ، ما تريدون من عمار؟ عمار مع الحق والحق مع عمار حيث كان ، عمار‌

______________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى : محمد بن أحمد بن أبى عوف البخارى ومحمد ابن سعد (١) بن مزيد الكشى‌

قد مر ذكرهما وتحقيق القول فيهما في صدر الكتاب.

قوله : فلم تصله النار‌

بفتح التاء المضارعة وتسكين الصاد المهملة ، أي لم تشوه ولم تحرقه ، يقال : صلى اللحم يصليه صليا شواه وألقاه في النار للإحراق ، والصلا بالفتح والقصر ، والصلاء بالكسر والمد النار أو الوقود أو الشواء ، ولم يصله بفتح الياء وكسر الصاد من الوصول.

وفي طائفة من النسخ « فلم يصبه » منها مكروه بالباء الموحدة بعد الصاد من الاصابة.

قوله (ص) : عمار مع الحق والحق مع عمار حيث كان‌

هذا الحديث عنه 6 صحيح ثابت الصحة عند العامة والخاصة من غير طريق واحد ، وكذلك « واهدوا هدي عمار » متفق عليه لدى الجميع ، يروى بفتح الهاء وكسرها واسكان الدال.

قال ابن الاثير في النهاية : الهدي السيرة والهيئة والطريقة ، ومنه الحديث : واهدوا هدي عمار. أي سيروا بسيرته وتهيّؤا بهيئته ، يقال : هدى هدي فلان اذا‌

__________________

(١) وفي « ن » و « س » : سعيد‌


______________________________________________________

صار بسيرته (١).

ورووا : اذا سلك الناس واديا وعمارا واديا فاسلكوا مسلك عمار.

قلت : وذلك كله اخبار منه 6 بأن فيما يقع بعده من الاثرة يكون العمار مع علي 7 متبعا له متبرءا عمن يستأثر عليه صلوات الله عليه بحقه ، كالمقداد وأبو ذر وسلمان وغيرهم من السابقين ، كما قد سبق في الكتاب.

قال المسعودي في مروج الذهب : وقد كان عمار حين بويع عثمان بلغه قول أبي سفيان صخر بن حرب في دار عثمان في الوقت الذي بويع فيه عثمان ، ودخل داره ومعه بنو أمية ، قال أبو سفيان : أفيكم أحد من غيركم؟ وقد كان أعمى قالوا : لا قال : يا بني انكم تلقفتموها تلقف الكرة ، فو الذي يحلف به أبو سفيان لتصيرن الى صبيانكم وراثة ، فانتهره عثمان وساءه ما قال ، ونمى هذا القول الى المهاجرين والانصار وغير ذلك :

فقام عمار في المسجد وقال : يا معشر قريش أما اذ صرفتم هذا الامر من أهل بيت نبيكم هاهنا مرة وهاهنا مرة ، فما أنا بآمن أن ينزعه الله منكم فيضعه في غيركم ، كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله.

وقام المقداد فقال : ما رأيت مثل الذي أوذي به أهل هذا البيت بعد نبيهم ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : وما أنت وذلك يا مقداد بن عمرو فقال : اني والله لا حبهم بحب رسول الله 6 اياهم ، وأن الحق معهم وفيهم يا عبد الرحمن ، أعجب من قريش ، وانما تطولهم على الناس بفضل أهل هذا البيت ، قد أصفقوا على نزع سلطان رسول الله 6 بعده من أيديهم ، أما وايم الله يا عبد الرحمن لو أجد على قريش أنصارا لقاتلتهم كقتالي اياهم مع رسول الله 6 يوم بدر (٢).

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ٥ / ٢٥٣‌

(٢) مروج الذهب : ٢ / ٣٤٢‌


جلدة بين عيني وانفي تقتله الفئة الباغية ، وقال وقت قتلهم إياه : اليوم ألقى الاحبة محمدا وحزبه ، يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار.

٥٨ ـ حمدويه وابراهيم قالا حدثنا أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن عاصم ابن حميد ، عن فضيل الرسان ، قال سمعت أبا داود ، وهو يقول حدثني بريدة الاسلمى‌

______________________________________________________

قوله 6 : عمار جلدة بين عينى وأنفى‌

وفي بعض النسخ جلدة ما بين عيني وأنفي ، وهذا أشهر في الرواية في أصول العامة والخاصة ، وذلك كناية عن شدة الاتصال والاختصاص. الجلد : قشر البدن ، وجمعه الجلود.

قال في الصحاح : الجلد واحد الجلود ، والجلدة أخص منه (١).

ومتن الحديث منتظما : تقتله الفئة الباغية يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار.

وأما « قال وقت قتلهم اياه اليوم ألقى الاحبة محمدا وحزبه » فكلام الراوي نقلا لقول عمار وقع في البين اقحاما.

قوله رحمه الله تعالى : عن عاصم بن حميد عن فضيل الرسان‌

الطريق حسن بالفضيل الرسان ، وعالي الاسناد في الطبقة الاولى ، وأبو داود من أصحاب رسول الله 6 ذكره الشيخ ; في كتاب الرجال (٢).

وسيرد في الكتاب حديثه عن عمران بن حصين : أن رسول الله 6 أمر فلانا وفلانا ـ يعني أبا بكر وعمر ـ أن يسلما على علي 7 بإمرة المؤمنين الحديث.

وبريدة الاسلمي أخوه لأمه وهو أيضا من أصحاب رسول الله 6 من السابقين الذين رجعوا الى أمير المؤمنين 7 قاله العلامة في الخلاصة (٣) وسيرد في الكتاب‌

__________________

(١) الصحاح : ١ / ٤٥٥‌

(٢) رجال الشيخ : ٣٢‌

(٣) الخلاصة : ٢٧ وفيه بريد الاسلمى‌


قال سمعت رسول الله 6 يقول : ان الجنة تشتاق الى ثلاثة قال فجاء أبو بكر ، فقيل له : يا أبا بكر أنت الصديق وأنت ثاني اثنين اذ هما في الغار ، فلو سألت رسول‌

______________________________________________________

من ذي قبل إن شاء الله العزيز.

وذكر الشيخ في أصحاب أمير المؤمنين 7 بريدة الخصيب الاسلمي الخزاعي وقال : مدني عربي (١).

وقيل : بريدة أبو الخصيب.

الصواب فيه ضم الحاء وفتح الصاد المهملتين على التصغير كزبير كما في جامع الاصول والقاموس (٢) والمغرب ، وضبطه المصحفون باعجام الخاء المفتوحة واهمال الصاد المكسورة بعدها ويقال باعجام الضاد.

قوله : أنت الصديق‌

بكسر الصاد والدال المشددة المهملتين على فعيل بناء للمبالغة في التصديق.

ونحن نقول : يستبين من فزعه وحزنه في الغار ، وهو مع النبي الكريم الموعود من السماء بالنصر والتأييد والامن والغلبة ، وقوله « ان تصب اليوم ذهب دين الله » أنه كان ضعيف اليقين جدا في الوثوق بالله والتصديق لرسول الله 6 ، فهو بذلك خارج عن استحقاق اسم التصديق.

قوله : وأنت ثانى اثنين اذ هما في الغار‌

بسكون الياء ارتفاعا على الخبر ، أي أنت أحد اثنين اذ هما في الغار ، وأما في التنزيل الكريم فثاني اثنين عبارة عن رسول الله 6 قال الله تعالى ( إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ) (٣) الضمائر كلها لرسول‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ٣٥‌

(٢) القاموس : ٣ / ٥٥‌

(٣) سورة التوبة : ٤٠‌


______________________________________________________

الله 6 باتفاق المفسرين.

قال في الكشاف : وأسند الاخراج الى الكفار كما أسند اليهم في قوله ( مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ ) لأنهم حين هموا باخراجه أذن الله له في الخروج فكأنهم أخرجوه ( ثانِيَ اثْنَيْنِ ) أحد اثنين ، كقوله ثالث ثلاثة ، وهما رسول الله 6 وأبو بكر وانتصابه على الحال وقرئ ثاني اثنين بالسكون و ( إِذْ هُما ) بدل من اذ أخرجه ، والغار نقب في أعلى ثور ، وهو جبل في يمين مكة على مسيرة ساعة مكثا فيه ثلاثا.

( إِذْ يَقُولُ ) بدل ثان قيل : طلع المشركون فوق الغار فاشفق أبو بكر على رسول الله 6 فقال : ان تصب اليوم ذهب دين الله ، فقال 6 : ما ظنك باثنين الله ثالثهما وقيل : لما دخل الغار بعث الله حمامتين فباضتا في أسفله والعنكبوت فنسجت عليه فقال رسول الله 6 : اللهم أعم أبصارهم : فجعلوا يترددون حول الغار ولا يفطنون قد أخذ الله أبصارهم عنه « سكينة » ما ألقي في قلبه من الامنة التي سكن عندها وعلم أنهم لا يصلون اليه ، والجنود الملائكة يوم بدر والاحزاب وحنين (١).

قلت : سياق (٢) الاية الكريمة بلسان بلاغتها تنطق بوجوه من الطعن في جلالة أبي بكر :

الاول : أن همه وحزنه وفزعه وانزعاجه وقلقه حين اذ هو مع النبي الكريم المأمور من تلقاء ربه الحفيظ الرقيب بالخروج والهجرة ، والموعود من السماء على لسان روح القدس الامين بالتأييد والنصرة ، مما يكشف عن ضعف يقينه وركاكة ايمانه جدا.

الثاني : أن انزال الله سكينته عليه 6 فقط لا على أبي بكر ولا عليهما جميعا ، مع كون أبي بكر أحوج الى السكينة حينئذ لقلقه وحزنه يدل على أنه لم يكن‌

__________________

(١) الكشاف : ٢ / ١٩٠‌

(٢) وفي « س » ساقة آية الكريمة.


______________________________________________________

أهلا لذلك.

وتحامل احتمال أن يرجع الضمير في عليه على أبي بكر كما تجشمه البيضاوي مع أن فيه خرق اتفاق المفسرين وشق عصاهم خلاف ما تتعاطاه قوانين العلوم اللسانية والفنون الادبية ، أليس ضمير « أيده » و « عليه » في الجملتين المعطوفة والمعطوفة عليها يعودان الى مفاد واحد ، وضمير ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ) في الجملة المعطوفة للنبي 6 بلا امتراء ، فكذلك ضمير عليه في الجملة المعطوف عليها ، أعني ( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ).

الثالث : أن أسلوب ( إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ ) في العبارة عن أبي بكر يضاهي أسلوب ( يا صاحِبَيِ السِّجْنِ ) (١) في سورة يوسف ( فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ ) (٢) في سورة الكهف ، فلا تكونن عن ديدن القرآن الحكيم وهجيراه في رموزه وأسراره من الغافلين.

ثم اني أقول : يا سبحان الله ما أبعد البون وأبين البعد بين درجة أبي بكر في اليقين والثقة بالله ورسوله حين كان مع النبي في الغار ، وبين درجة مولانا علي بن أبي طالب 7 ليلة المبيت على فراش رسول الله 6 وحده ، فاديا اياه بنفسه ، باذلا مهجته في سبيل ربه ويقينه وثقته بالله ، كجبل راس لا تزلزله الرياح العواصف ولا تزعجه الرماح القواصف ، وقد نزل فيه التنزيل الكريم ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ ) (٣).

قال علامة علماء العامة وامام المتشككين منهم فخر الدين الرازي في التفسير الكبير : في سبب النزول روايات :

__________________

(١) سورة يوسف : ٣٩‌

(٢) سورة الكهف : ٣٤‌

(٣) سورة البقرة : ٢٠٧‌


الله 6 من هؤلاء الثلاثة؟ قال اني أخاف أن أسأله فلا أكون منهم فتعيرني بذلك بنو تيم ، قال ، ثم جاء عمر ، فقيل له : يا أبا حفص ان رسول الله (ص) قال : ان الجنة تشتاق الى ثلاثة وأنت الفاروق الذي ينطق الملك على لسانك فلو سألت رسول الله‌

______________________________________________________

احداها : أنها نزلت في الذين عذبوا في الله عمار وأبويه ياسر وسمية وبلال وصهيب وخباب.

والرواية الثانية : أنها نزلت في رجل أمر بمعروف ونهى عن منكر.

والرواية الثالثة : أنها نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بات على فراش رسول الله 6 ليلة خروجه الى الغار ، يروى أنه لما نام على فراشه قام جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجله وجبرئيل ينادي بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة ونزلت الاية انتهى كلامه (١).

وكذلك في تفسير العلامة الاعرج النيسابوري وفي سائر التفاسير.

قوله : فتعيرنى بذلك بنو تيم‌

عجبا يا بن أبي قحافة جعلت مخافتك الانحطاط عن هذه الدرجة من حيث تعيير بني تيم اياك ، لا من حيث ألم الحرمان عنها.

قوله : وأنت الفاروق‌

يروون في وجه تسميتهم اياه فاروقا ما تستشم منه رائحة الموضوعية.

فلنذكر ما في تفسير البيضاوي في ذلك فعليه يدور كلامهم جميعا ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ ) (٢) عن ابن عباس أن منافقا خاصم يهوديا ، فدعاه اليهودي الى النبي 6 ، ودعاه المنافق الى كعب بن الاشرف ، ثم احتكما الى رسول الله 6 فحكم لليهودي فلم يرض المنافق وقال : تعال نتحاكم الى عمر فقال اليهودي لعمر :

__________________

(١) التفسير الكبير : ٥ / ٢٠٤ وهو من المتفق عليه عند الخاصة والعامة.

(٢) سورة النساء : ٦٠‌


______________________________________________________

قضى لي رسول الله فلم يرض بقضائه وخاصم إليك فقال عمر للمنافق : أكذلك؟ قال : نعم ، فقال : مكانكما حتى أخرج إليكما ، فدخل عمر فأخذ بسيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق حتى برد وقال ، هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله ورسوله فنزلت وقال جبرئيل 7 : ان عمر فرق بين الحق والباطل فسمي الفاروق.

والطاغوت على هذا كعب بن الاشرف ، وفي معناه من يحكم بالباطل ويؤثر لا جله سمي بذلك لفرط طغيانه أو لتشبيهه بالشيطان ، أو لان التحكم اليه تحاكم الى الشيطان من حيث أنه الحامل عليه كما قال ( وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً ) وقرئ أن يكفروا بها على أن الطاغوت جمع لقوله ( أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ ).

( وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ ) وقرئ تعالوا بضم اللام على أنه حذف لام الفعل اعتباطا ، ثم ضم اللام لو او الضمير ( رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً ) وهو مصدر أو اسم للمصدر الذي هو الصد ، والفرق بينه وبين السد أنه غير محسوس والسد محسوس ، ويصدون في موضع الحال.

فكيف يكون حالهم ( إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ ) كقتل عمر المنافق أو النقمة من الله ( بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) من التحاكم الى غيرك وعدم الرضا بحكمك ( ثُمَّ جاؤُكَ ) حين يصابون للاعتذار ، عطف على أصابتهم وقيل : على يصدون وما بينهما اعتراض ، ( يَحْلِفُونَ بِاللهِ ) حال ( إِنْ أَرَدْنا إِلاّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً ) ما أردنا الا الفصل بالوجه الاحسن والتوفيق بين الخصمين ولم نرد مخالفتك ، وقيل : جاء أصحاب القتيل طالبين بدمه وقالوا : ما أردنا بالتحكم الى عمر الا أن يحسن الى صاحبنا ويوفق بينه وبين خصمه انتهى (١).

قلت : يا قوم أليس ما قدمت أيديهم الذي جاءوا أصحاب القتيل للاعتذار عنه‌

__________________

(١) نقل القصة بتمامه الزمخشرى في الكشاف مع تفاوت يسير : ١ / ٥٣٦‌


______________________________________________________

وهو التحاكم الى عمر باعترافكم هو التحاكم الى الطاغوت الذي عليه المعاتبة في الاية الكريمة ، وعنه اعتذروا أصحاب القتيل الطالبون بدمه بأنه انما أرادوا بذلك الاصلاح والتوفيق بين الخصمين ، لا القضاء والحكم لمن له الحق على خصمه ، والعدول عن رسول الله بالتحاكم اليه حتى يستحق القتل ويكون دمه هدرا.

فكيف يستقيم قولكم؟ والطاغوت على هذا كعب بن الاشرف بل المستبين على هذا أن يكون الطاغوت هاهنا هو عمر أو عمر وكعب بن الاشرف جميعا.

وبالجملة كل من يراد أن يتحاكم اليه لا الى رسول الله 6 فليس يصح لكم في التوجيه الا أن تقولوا سمى عمر بذلك [ كما سمى به كعب بن الاشرف على المجاز المرسل ] لان التحاكم اليه كان تحاكما الى الطاغوت ، أي الشيطان ، لان الشيطان كان الحامل عليه ، أو لما كان فيه من الفظاظة والغلظة فسمي ذلك « طغيانا » والفظّ الغليظ « طاغوتا » ، واذا كان الطاغوت جمعا كما قلتم وهو الصواب لقوله سبحانه ( أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ ) فلا يصح حمله على كعب بن الاشرف فقط.

فاذن ما أسندتموه الى جبرئيل 7 من القول وجعلتموه سببا لتسميتكم عمر بـ « الفاروق » غير مناسب لمشرع المقام ومنهل البلاغة.

ثم أقول : قد روى مفسروكم ومحدثوكم أن قوله سبحانه وتعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (١) نزل في عمر فحديث التهوك في ذلك مستفيض مشهور متلون المتن متشعب الطريق في أصولكم الصحاح وشرحه شراح الحديث من علمائكم.

قال صاحب الكشاف في الفائق : النبي 6 قال له عمر : انا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا أفترى أن نكتب بعضها فقال : أمتهوكون أنتم؟ كما تهوكت اليهود‌

__________________

(١) سورة البقره : ٢٠٨ ـ ٢٠٩‌


______________________________________________________

والنصارى ، لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، ولو كان موسى حيا ما وسعه الا اتباعي. تهوك وتهور أخوان في معنى وقع في الامر بغير روية ، قال الاصمعي : المتهوك الذي يقع في كل أمر وأنشد الكسائى :

رآني امرؤ لا هذرة متهوكا

ولا واهنا شراب ماء المظالم

وقيل : التهوك والتهفك : الاضطراب في القول وأن لا يكون على استقامة ، الضمير في بها للملة الحنفية. انتهى كلام الفائق (١).

وقال ابن الاثير في النهاية : في الحديث أنه 6 قال لعمر في كلام : أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى لقد جئت بها بيضاء نقية ، التهوك كالتهور وهو الوقوع في الامر بغير رؤية ، والمتهوك الذي يقع في كل أمر وقيل : هو المتحير ، وفي حديث آخر أن عمر أتاه بصحيفة أخذها من بعض أهل الكتاب فغضب وقال : أمتهوكون فيها يا بن الخطاب. انتهى ما في النهاية (٢).

وأيضا اعتراض عمر على النبي 6 يوم الحديبية وشكه في الامر وقوله : ما شككت في ديني منذ أسلمت الا يومي هذا (٣). من الصحيح الثابت في صحاحكم الستة ، وكذلك خطأه في كثير من أقضيته وأحكامه في زمن خلافته ، فهو ليس يستحق اسم الفاروق.

بل أن الصديق الاكبر والفاروق الاعظم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 الذي هو ديان هذه الامة بعد نبيها ، أي قاضيها ، ورباني هذه الامة ، وذو قرنيها ، وباب حطة هذه الامة ، وأقضى الناس في هذه الامة ، ومثله في الناس كمثل قل هو الله أحد في القرآن ، وهو مع الحق والحق معه يدور معه حيث ما دار ، وقد صح وثبت‌

__________________

(١) الفائق : ٤ / ١١٦‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ٥ / ٢٨٢‌

(٣) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٤١١ والسيد بن طاوس في الطرائف : ٤٤١.


من هؤلاء الثلاثة؟ فقال اني أخاف أن أسأله فلا أكون منهم فتعيرني بذلك بنو عدي ثم جاء علي 7 فقيل له : يا أبا الحسن ان رسول الله (ص) قال : ان الجنة مشتاق الى ثلاثة فلو سألته من هؤلاء الثلاثة؟ فقال أسأله ان كنت منهم حمدت الله وان لم أكن منهم حمدت الله ، قال ، فقال علي 7 يا رسول الله انك قلت ان الجنة لتشتاق الى ثلاثة فمن هؤلاء الثلاثة؟ قال : أنت منهم وأنت أولهم ، وسلمان الفارسي فانّه قليل الكبر وهو لك ناصح فاتخذه لنفسك ، وعمار بن ياسر شهد معك مشاهد غير واحدة ليس منها الا وهو فيها ، كثير خيره ، ضويّ نوره ، عظيم أجره.

______________________________________________________

واستبان واستفاض جميع ذلك في الحديث عن رسول الله 6 برواية أثبته الثقات عند العامة والخاصة (١) ، وسيان في الاعتراف بذلك كله العدو والولي واللاجّ الجدلي والمتقن المبتغي لسواء السبيل فليتبصر.

قوله : فتعيرنى بذلك بنواعدى‌

اقتدى بأبي بكر في مخافة التعيير وعدم الاكتراث للانحطاط عن هذه الدرجة.

قوله 6 : أنت منهم وأنت أولهم‌

وفي المشكاة وصحيح الترمذي وغيرهما من صحاح العامة وأصولهم عن أنس قال : قال رسول الله 6 : الجنة تشتاق الى ثلاثة علي وعمار وسلمان (٢).

قوله : ضوى نوره‌

بتشديد الياء ، وأصله ضوي‌ء بالهمزة على فعيل للمبالغة من الضوء والضياء ، قلبت الهمزة ياء وادغمت الياء في الياء ، كما تقلب وتدغم همزة الملي بمعنى الغني المقتدر على فعيل من الملاءة ، فيقال : مليّ بتشديد الياء.

وفي بعض النسخ « وضي‌ء » بتقديم الواو على الضاد اما نقلا مكانيا فيكون أيضا‌

__________________

(١) روى جميع ذلك عن طرق مختلفة في احقاق الحق المجلد الرابع الى السابع فراجع.

(٢) رواه الحاكم في المستدرك : ٣ / ١٣٧ وابن الاثير في أسد الغابة : ٢ / ٣٣٠ والذهبى في ميزان الاعتدال : ١ / ١١٦ وابن حجر في الصواعق المحرقة : ٧٥‌


٥٩ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثني جعفر بن أحمد ، قال حدثنا حمدان بن سليمان النيسابوري والعمركي بن علي البوفكي النيسابوري ، عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله الحجال ، عن علي بن عقبة ، عن رجل ، عن أبي عبد الله 7 قال : كان رسول الله 6 وعلي وعمار يعملون مسجدا فمرّ عثمان في بزّة له يخطر فقال له امير المؤمنين 7 : ارجزبه فقال عمار :

______________________________________________________

فعيلا من الضوء ، واما على أنه فعيل من الوضاءة وهي الحسن والبهجة والبهاء والنضرة.

وفي النهاية الاثيرية : الوضاءة الحسن والبهجة ، يقال : وضأت فهي وضيئة ، وهي أوضأ منك ، أي أحسن (١).

وفي المغرب : الوضي‌ء الحسن النظيف ، وقد وضأ وضاءة وتوضأ وضوءا حسنا بوضوء طاهر ، بالضم المصدر ، وبالفتح الماء الذي يتوضأ به ، والميضأة والميضاءة على مفعلة ومفعالة المطهرة التي يتوضأ فيها أو منها.

قوله ; : حمدان بن سليمان النيسابورى والعمركى بن على البوفكى‌

السند جليل جدا ، وعالي الاسناد في الطبقة الثانية ، وصحي بيونس بن عبد الرحمن عن رجل ، وان كان المرسل عن رجل هو علي بن عقبة ، لا يونس بن عبد الرحمن فليعلم.

قوله 7 : فمر عثمان في بزة له يخطر‌

بكسر الموحدة وتشديد الزاء ، أي في ثوب تجمل ، يقال : خرجوا وعليهم الخزوز والبزوز أي الثياب الجياد قاله في الاساس (٢).

وقال في المغرب : البزة بالهاء وكسر الباء الهيئة من قولهم رجل حسن البزة‌

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ٥ / ١٩٥‌

(٢) أساس البلاغة : ٣٨‌


لا يستوى من يعمر المساجد

يظل فيها راكعا وساجدا

ومن تراه عاندا معاندا

عن العباد لا يزال حائدا

______________________________________________________

وقيل : هي الثياب والسلاح.

وفي القاموس : البز الثياب ، أو متاع البيت من الثياب ونحوها ، وبايعه البزاز وحرفته البزازة والسلاح كالبزة بالكسر (١).

و « يخطر » بفتح ياء المضارعة وكسر الطاء المهملة بعد الخاء المعجمة ، أي يهتز ويرفع يديه في مشيته ، وناقة خطارة تحرك ذنبها اذا نشطت في السير قاله في الاساس والقاموس وغير هما (٢).

وفي الصحاح : خطر ان الرجل اهتزازه في المشي وتبختره ، وخطر الرمح يخطر اهتز ، ورمح خطار ذو اهتزاز ، ويقال : خطران الرمح ارتفاعه وانخفاضه (٣).

قوله رضى الله تعالى عنه : يظل فيها راكعا وساجدا‌

ظل يفعل كذا يظل بالكسر في الماضي والفتح في المضارع من باب علم.

قال في القاموس : ظل نهاره يفعل كذا وليله سمع في الشعر يظل بالفتح ظلا وظلولا وظللت بالكسر وظلت كلست وظلت كملت ، وأصله ظللت (٤).

وفي الصحاح : ومنه قوله تعالى ( فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) يكسر ويفتح وأصله وظللتم تفكهون ، فهو من شواذ التخفيف ومنه قولهم : مست الشي‌ء يحذفون منه السين الاولى ويحولون كسرتها الى الميم ، ومنهم من يذر الميم على حالها مفتوحة (٥).

__________________

(١) القاموس : ٢ / ١٦٦‌

(٢) اساس البلاغة : ١٦٨ والقاموس : ٢ / ٢٢‌

(٣) الصحاح : ٢ / ٦٤٨‌

(٤) القاموس : ٤ / ١٠‌

(٥) الصحاح : ٥ / ١٧٥٦‌


قال ، فأتى النبي 6 فقال ما أسلمنا لتشتم أعراضنا وأنفسنا! فقال رسول الله 6 : أفتحب أن تقال؟ فنزلت آيتان ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ) الاية ، ثم قال النبي 6 لعلي 7 : اكتب هذا في صاحبك : ثم قال النبي 6 : اكتب هذه الاية : انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله.

٦٠ ـ جعفر بن معروف ، قال حدثنا الحسن بن علي بن نعمان ، عن أبيه ، عن صالح الحذاء ، قال لما أمر النبي 6 ببناء المسجد قسم عليهم المواضع وضم الى كل رجل رجلا ، فضم عمارا الى علي 7 قال فبيناهم في علاج البناء اذ خرج عثمان من داره وارتفع الغبار فتمنع بثوبه وعرض بوجهه ، قال ، فقال علي 7 لعمار اذا قلت شيئا فرد علي قال ، فقال علي 7 :

لا يستوى من يعمر المساجد

يظل فيها راكعا وساجدا

كمن يرى عن الطريق عائدا.

______________________________________________________

قوله 6 : أفتحب أن تقال‌

أي أن تذكر عند الناس بهذه المقالة وينسب إليك هذا القول ، أو أن تكون مكتوبا عند الله بها وتكتبها الكتبة عليك وتثبتها في صحيفة عملك.

قوله 6 : اكتب هذا في صاحبك‌

أي في عمار ، وهذا اشارة الى ما أمر بكتبته وهو ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ) (١) أو في عثمان فيكون هذا اشارة الى ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ) (٢) والمعنى : اكتب يمنون عليك أن أسلموا في عثمان وانما المؤمنون الذين آمنوا في عمار.

قوله 7 : فتمنع بثوبه‌

أي تأبه وتعزز ، وتفعلا من المنعة بالتحريك ، أو بالتسكين أيضا بمعنى العز ،

__________________

(١) سورة الحجرات : ١٥‌

(٢) سورة الحجرات : ١٧‌


قال : فأجابه عمار كما قال : فغضب عثمان من ذلك فلم يستطيع أن يقول لعلي شيئا. فقال لعمار يا عبد يا لكع! ومضى. فقال علي 7 لعمار رضيت بما قال لك ، ألا تأتي النبي 6 فتخبره ، قال ، فأتاه فأخبره ، فقال يا نبي الله ان عثمان قال لي يا عبد يا لكع ، فقال رسول الله 6 من يعلم ذلك؟ فقال علي. فدعاه وسأله ، قال ، فقال له كما قال عمار ، فقال لعلي 7 اذهب فقال له حيث ما كان يا عبد يا لكع أنت القائل لعمار يا عبد يا لكع ، فذهب علي 7 فقال له ذلك ثم انصرف.

٦١ ـ جعفر بن معروف ، قال حدثني محمد بن الحسن ، عن جعفر بن بشير ، عن حسين بن أبي حمزة ، عن أبيه أبي حمزة ، قال والله اني لعلى ظهر بعيري بالبقيع اذ جاءنى رسول فقال : أجب يا أبا حمزة ، فجئت وأبو عبد الله 7 جالس ، فقال اني لاستريح اذا رأيتك ، ثم قال : ان أقواما يزعمون أن عليا 7

______________________________________________________

و « عرض بوجهه » بالتشديد ، أي أعرض على التفعيل بمعنى الافعال ، وفي بعض النسخ « أعرض ».

قوله 7 : فقال لعمار : يا عبد يا لكع‌

في الصحاح : رجل لكع أي لئيم ، ويقال : هو العبد الذليل النفس ، وامرأة لكاع مثل قطام ، تقول في النداء : يا لكع للاثنين يا ذوي لكع (١).

قوله رحمه الله تعالى : جعفر بن معروف قال : حدثنى‌

السند صحيح نقي ، ومحمد بن الحسن هو ابن أبي الخطاب ، وجعفر بن بشير هو قفة العلم ، وحسين بن أبي حمزة هو ابن أبي حمزة الثمالي ، عن أبيه أبي حمزة ثابت بن دينار أبي صفية.

قوله 7 : ان أقواما يزعمون‌

يعني 7 بهم الزيدية المشرطين في الامامة الخروج بالسيف.

__________________

(١) الصحاح : ٣ / ١٢٨٠‌


لم يكن اماما حتى شهر سيفه ، خاب اذا عمار وخزيمة بن ثابت وصاحبك أبو عمرة ، وقد خرج يومئذ صائما بين الفئتين بأسهم فرماها قربي يتقرب بها الى الله تعالى حتى قتل ، يعني عمارا.

______________________________________________________

قوله 7 : حتى شهر سيفه‌

في الصحاح وغيره : شهر سيفه يشهره شهرا : أي سله (١).

وفي المغرب : أشهره بمعنى شهره غير ثبت.

قوله 7 : خاب اذن عمار وخزيمة بن ثابت وصاحبك أبو عمرة‌

وكذلك أبو ذر وسلمان والمقداد وحذيفة وغيرهم من السابقين ، اذ كان علي 7 امامهم حين اذ لم يشهر سيفه.

قوله 7 : وقد خرج يومئذ صائما بين الفئتين بأسهم‌

أي قائما واقفا ثابتا للقتال ، من الصوم بمعنى القيام والوقوف يقال : صام الفرس صوما أي قام على غير اعتلاف ، وصام النهار صوما اذا قام قائم الظهيرة واعتدل ، والصوم ركود الريح ، ومصام الفرس ومصامته موقفه.

والصوم أيضا الثبات والدوام والسكون والسكوت وماء صائم ودائم وقائم وساكن بمعنى.

والباء في بأسهم للملابسة والمصاحبة. أو خرج بين الفئتين وكان صائما من الصوم المصطلح بمعنى الصيام الشرعي ، والباء أيضا للملابسة.

أو من الصوم بمعنى البيعة ، أي خرج مبايعا على بذل المهجة في سبيل الله ، أو خرج بين صفي الفئتين راميا بأسهم ، من قولهم صام النعام أي رمى بذرقه وهو صومه ، فالباء أيضا للصلة أو للدعامة ، فقد جاء الصوم بهذه المعاني كلها في الصحاح وأساس البلاغة والمعرب والمغرب والقاموس والنهاية (٢).

__________________

(١) الصحاح : ٢ / ٧٠٥‌

(٢) أساس البلاغة : ٣٦٥ ونهاية ابن الاثير : ٣ / ٦١‌


٦٢ ـ ومن طريق العامة : خلف بن محمد الملقب بمنان الكشي ، قال حدثنا محمد بن حميد ، قال حدثنا أبو نعيم ، قال حدثنا سفيان ، عن سلمة ، عن مجاهد ، قال رآهم وهم يحملون حجارة المسجد فقال رسول الله 6 ما لهم ولعمار يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار ، وذاك دار الاشقياء الفجار.

٦٣ ـ خلف بن محمد ، قال حدثنا عبيد بن حميد ، قال حدثنا هاشم بن القاسم ، قال حدثنا شعبة ، عن اسماعيل بن أبي خالد ، قال سمعت قيس بن أبي حازم ، قال ، قال عمار بن ياسر : ادفنوني في ثيابي فاني مخاصم.

٦٤ ـ خلف بن محمد ، قال حدثنا عبيد بن حميد قال أخبرنا أبو نعيم ، قال حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن أبي البختري ، قال : أتي عمار يومئذ بلبن ، فضحك ،

______________________________________________________

قوله : رآهم‌

يعني رآهم رسول الله 6 وهم يحملون حجارة المسجد فأعجبه اهتراز عمار واخلاصه في العمل ، فكأنه 6 استذكر ما كان يعلمه بالوحي من أمر الخلافة بعده وما يصيب عمارا في قتال الفئة الباغية فاستحضر الحال فقال : ما لهم ولعمار يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار ، يعني بهم الفئة الباغية من القاسطين.

قوله رحمه الله تعالى : عن حبيب‌

قال أبو عبد الله الذهبي من علماء العامة في ميزان الاعتدال : حبيب بن أبي ثابت من ثقاة التابعين.

وقال في مختصره في الرجال : حبيب بن أبي ثابت الاسدي عن ابن عباس وزيد بن أرقم ، وعنه شعبة وسفيان وأمم ، كان ثقة مجتهدا فقيها مات ١١٩.

قوله رحمه الله تعالى : عن أبى البخترى‌

اسمه سعيد بن فيروز على الاشهر ، ذكره البرقي في أصحاب علي 7 من‌


ثم قال : قال لي رسول الله 6 آخر شراب تشربه من الدنيا مذقة من لبن حتى تموت.

______________________________________________________

اليمن (١) ونقله عنه في الخلاصة (٢).

وقال الشيخ في كتاب الرجال في باب السين المهملة من أسماء من روى عن أمير المؤمنين 7 : سعد بن عمران ويقال سعد بن فيروز كوفي مولى ، كان خرج يوم الجماجم مع ابن الاشعث يكنى أبا البختري (٣).

وقال أبو عبد الله الذهبي : أبو البختري بفتح الموحدة والمثناة من فوق بينهما معجمة ساكنة سعيد بن فيروز الطائي مولاهم الكوفي ، قال : حبيب بن أبي ثابت كان أعلمنا وأفهمنا توفى ٨٣.

قوله 6 : مذقة من لبن‌

الميم فيها أصلية من جوهر الكلمة مضمومة أو مفتوحة ، على فعلة بالضم أو على فعلة بالفتح ، من الممذق بمعنى الخلط والمزج واللبن الممذوق هو الممزوج المخلوط بالماء ، والممذوق ممتزج المختلط.

قال في الفائق : (٤) المذقة الشربة من اللبن الممذوق وقال : امذقه اللبن اختلط بالماء ، ومنه رجل الممذق الممتزج المختلط.

وقال في أساس البلاغة : مذق اللبن بالماء يمذقه ومذق الشراب مزجه فأكثر ماءه ولبن مذيق وسقاني مذقا ومذقة قال أعرابي :

إذا ما أصبنا كل يوم مذيقة

وخمس تميرات صغار خوانز

فنحن ملوك الارض خصبا ونعمة

ونحن اسود الغيل عند الهزاهز

__________________

(١) رجال البرقى : ٧ ط جامعة طهران‌

(٢) الخلاصة : ١٩٤ والظاهر منها التعدد بين أبى البخترى وسعيد بن فيروز‌

(٣) رجال الشيخ : ٤٣‌

(٤) الفائق : ٣ / ٣٥٤ وفيه : أمذقه اللبن : اختلط بالماء ، ومنه رجل ممذقر : مخلوط النسب‌


وفي خبر آخر : أنه قال له : آخر زادك من الدنيا ضياح من لبن.

٦٥ ـ خلف بن محمد ، قال حدثنا عبيد ، قال حدثنا أبو نعيم ، قال حدثنا سفيان عن أبي قيس الاودي ، عن الهزيل ، قال : قيل للنبي 6 ان عمارا سقط عليه جدار‌

______________________________________________________

ومن المجاز : فلان يمذق الود ووده ممذوق وهو ممذوق الود (١).

وفي النهاية الاثيرية : المذق المزج والخلط ، يقال ، مذقت اللبن فهو مذيق اذا خلطته بالماء ، والمذقة الشربة من اللبن الممذوق انتهى (٢).

وفي القاصرين من يحسب الميم زائدة ، والصيغة مأخوذة من ذاق الشي‌ء يذوقه ذوقا ومذاقا ، وذلك حسبان فاسد فساده غير خاف على المتمهر.

قوله 6 : في خبر آخر ضياح من لبن‌

بفتح الضاد المعجمة والياء المثناة من تحت واهمال الحاء بعد الالف ، وهو اللبن الرقيق الممزوج ، وكذلك الضيح بالفتح ، وضيحت اللبن تضييحا وضوحته تضويحا مزجته بالماء حتى صار ضيحا وضياحا ، وضيحت فلانا وضوحته سقيته الضيح والضياح.

قوله رحمه الله تعالى : عن ابى قيس الاودى عن الهزيل :

بضم الهاء وفتح الزاء على تصغير الهزل.

قال الذهبي في مختصره : عبد الرحمن بن ثروان أبو قيس الاودي عن شريح وسويد بن غفلة وعنه صفوان وشعبة ثقة توفى ١٢٥.

وقال ابن الاثير في جامع الاصول : هزيل هو هزيل بن شرحبيل الاودي الكوفي سمع عبد الله بن مسعود ، روى عنه أبو قيس عبد الرحمن بن ثروان وطلحة بن مصرف وغير هما ، هزيل بضم الهاء وفتح الزاء. وشرحبيل بضم الشين المعجمة‌

__________________

(١) أساس البلاغة : ٥٨٦‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ٤ / ٣١١‌


فمات ، فقال ان عمارا لن يموت.

٦٦ ـ خلف ، قال حدثنا فتح بن عمرو الوراق ، قال حدثنا يحيى بن آدم ، قال حدثنا اسرائيل وسفيان ، عن أبي اسحاق ،

______________________________________________________

وفتح الراء. وثروان بفتح الثاء المثلثة وبالنون ومصرف بضم الميم وفتح الصاد المهملة وتشديد الراء المكسورة.

وفي القاموس : هزيل كزبير ابن شرحبيل تابعي (١).

قوله 6 : ان عمارا لن يموت‌

يعني عمارا لا يموت بل يقتل في سبيل الله تقتله الفئة الباغية ، أو أنه لن يموت أبدا لقوله سبحانه ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (٢).

قوله رحمه الله تعالى : قال : حدثنا اسرائيل‌

في مختصر الذهبي وفي ميزان الاعتدال : اسرائيل بن يونس بن أبي اسحاق السبيعي أحد الاعلام ، عن جده وزياد بن علاقة وآدم بن علي ، وعنه يحيى بن آدم ومحمد بن كثير وأمم ، قال : أحفظ حديث أبي اسحاق كما أحفظ سورة من القرآن ، وقال أحمد بن حنبل : ثقة ، وقال أبو حاتم : صدوق من أتقن أصحاب أبي اسحاق توفى ١٦٢.

قوله رحمه الله تعالى : عن أبى اسحاق‌

هذا هو أبو اسحاق السبيعي اسمه عمرو بن عبد الله يروي عنه سفيان.

قال الكرماني في شرح صحيح البخاري : عمرو بن عبد الله بفتح المهملة الكوفي (٣).

__________________

(١) القاموس : ٤ / ٦٩‌

(٢) سورة آل عمران : ١٦٩‌

(٣) شرح صحيح البخارى للكرمانى : ٢٥ / ١٨٤‌


عن هاني بن هاني ، قال : قال علي 7 استأذن عمار على النبي 6 فعرف صوته‌

______________________________________________________

وقال ابن الاثير في جامع الاصول : هو أبو اسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني الكوفي رأى عليا وابن عباس واسامة بن زيد وابن عمر ، وسمع برآء بن عازب وزيد بن أرقم ، روى عنه منصور والاعمش وشعبة والثوري ، وهو تابعي مشهور كثير الرواية ، ولد لستين من خلافة عثمان ومات سنة تسع وعشرين ومائة وقيل : سنة سبع وعشرين ، السبيعي بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة وبالعين المهملة.

وفي القاموس : السبيع كأمير ابن سبع أبو بطن من همدان ، منهم الامام ابو اسحاق عمرو بن عبد الله محله بالكوفة منسوبة اليهم أيضا (١).

والشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال قال في باب الكنى من أصحاب أمير المؤمنين 7 : أبو اسحاق الهمداني (٢).

وفي باب الكنى من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي 8 قال : أبو اسحاق الهمداني ، أبو اسحاق السبيعي (٣).

قلت : والظاهر المستبين أنهما واحد.

وفي باب العين من أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق 8 قال : عمر بن عبد الله بن علي أبو اسحاق الهمداني السبيعي الكوفي (٤).

قلت : ولعل اسقاط الواو من عمرو من تلقاء الناسخين لا من قلم الشيخ.

قوله رحمه الله تعالى : عن هانى بن هانى‌

عده البرقي من أصحاب أمير المؤمنين من اليمن (٥).

__________________

(١) القاموس : ٣ / ٣٦‌

(٢) رجال الشيخ : ٦٤‌

(٣) المصدر : ٧١‌

(٤) المصدر : ٢٤٦ وفيه عمرو بن عبد الله الخ‌

(٥) رجال البرقى : ٧‌


______________________________________________________

وكذلك ذكره الشيخ في كتاب الرجال قال في باب الهاء من أصحاب أمير المؤمنين 7 : هاني بن هاني الهمداني كان يروي أبو اسحاق عنه (١). يعني به أبا اسحاق السبيعي (٢).

وقال الحسن بن داود في كتابه : وبخط الشيخ المرادي كان أبو اسحاق يروي عنه (٣).

وربما ينقل ايراده في كتاب الرجال في أصحاب أبي عبد الله الصادق 7 ، ولست أجده هناك في نسخ عتيقة مصححة.

قال الذهبي في مختصره : هاني بن هاني عن علي ، وعنه أبو اسحاق ، قال النسائي : ليس به بأس.

وقال ابن الاثير في جامع الاصول : هاني بن نيار هو أبو بردة هاني بن نيار وقيل : هاني بن عمرو نيار وقيل : اسمه الحارث بن عمرو ، وقيل : مالك بن هبيرة ، والاول أشهر ما قيل فيه فهو هاني بن نيار بن عمرو بن كلاب بن غنم بن هبيرة بن هاني البلوي (٤) ، وفي نسبه خلاف ، حليف بني حارثة بن خزرج من الانصار ، كان عقبيا شهد العقبة الثانية مع السبعين وشهد بدرا وما بعدها من المشاهد وهو خال البراء بن عازب ، ولا عقب له مات في أول زمن معاوية بعد شهوده مع علي حروبه كلها ، روى عنه البراء بن عازب ، وجابر بن عبد الله ، وعبد الله بن أبي بكر بن أبي الجهم.

بردة بضم الباء الموحدة وسكون الراء ، وهاني بكسر النون وبعدها همزة ، ونيار بكسر النون وتخفيف الياء بعدها تحتها نقطتان وبالراء انتهى كلام جامع الاصول.

__________________

(١) رجال الشيخ : ٦٢ وفيه المرادى مكان الهمدانى‌

(٢) رد على من زعم انه أبو اسحاق النحوى ثعلبة بن ميمون‌

(٣) رجال ابن داود : ٣٦٦‌

(٤) قال في القاموس : البلى قبيلة وهو بلوى « منه » ٤ / ٣٠٥‌


فقال : مرحبا ائذنوا للطيب ابن الطيب.

٦٧ ـ خلف ، قال حدثنا حاتم بن نصير ، قال حدثنا حاتم بن يونس ، عن أبي بكر ، قال حدثنا أبو اسحاق ، عن هاني بن هاني ، عن علي 7 قال استأذن عمار على النبي 6 فقال من هذا؟ قال عمار قال : مرحبا بالطيب المطيب.

٦٨ ـ خلف قال حدثنا حاتم ، قال سمعت أحمد بن يونس ، قال سمعت أبا بكر بن عياش ، في قوله عز وجل ( أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ) ( قال ساعات الليل ) ( ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ ) ( قال : عمار ) ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ ) ( قال : عمار ) ( وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) مواليه بنو المغيرة.

٦٩ ـ خلف ، قال حدثنا حاتم ، قال حدثنا عمرو بن مرزوق ، قال حدثنا شعبة ، قال‌

______________________________________________________

قلت : يستبين من ذلك أن هاني بن هاني هو أبو بردة هاني بن نيار.

وذكره الشيخ في أصحاب رسول الله 6 (١).

ويسار في اسم أبيه بالمهملة بعد المثناة من تحت على ما في نسخ عديدة من كتاب الرجال تصحيف ، وجده الاقدم هاني فنسب اليه فقيل هاني بن هاني فاعلم فلا تكونن من الغافلين.

وقال الشيخ في باب الكنى : أبو بردة الازدي (٢).

وفي مختصر الذهبي : أبو بردة بن نيار البلوي هاني ، ويقال الحارث ، وقيل : مالك ، من كبار الصحابة ، روى عنه براء وجابر ، مات عام الجماعة.

قوله 6 : مرحبا ائذنوا للطيب بن الطيب‌

وفي المشكاة عن علي 7 قال : استأذن عمار على النبي 6 فقال : ائذنوا له مرحبا بالطيب المطيب رواه الترمذي (٣).

__________________

(١) رجال الشيخ : ٣١ وفيه هانى بن يسار أبو بردة.

(٢) المصدر : ٦٣‌

(٣) رواه ابن الاثير عن الترمذى في جامع الاصول : ١٠ / ٢٨‌


حدثنا سلمة بن كهيل ، قال سمعت محمد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن ابن زيد ، عن الاشتر ، قال كان بين عمار وخالد بن الوليد كلام فشكى خالد الى رسول الله 6 فقال انه من يعادي عمارا يعاديه الله ومن يبغض عمارا يبغضه الله ومن سبّه سبّه الله. قال سلمة : هذا أو نحوه.

٧٠ ـ خلف ، قال حدثنا أبو حاتم ، قال حدثنا أحمد بن يونس ، قال حدثنا الليث بن سعد ، عن عمر مولى غفرة ، قال : حبس عمار فيمن حبس وعذب ، قال‌

______________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى : قال : حدثنا سلمة بن كهيل‌

أورده البرقي في خواص أمير المؤمنين 7 من مضر (١) ، وذكره الشيخ في أصحابه 7 ، وفي أصحاب السجاد والباقر والصادق : ، وقال : سلمة بن كهيل بن الحصين أبو يحيى الحضرمي الكوفي تابعي (٢).

وسيرد ذكره في الكتاب في عداد البترية.

قال الذهبي في مختصره : سلمة بن كهيل أبو يحيى الحضرمي من علماء الكوفة رأى زيد بن أرقم ، وعنه سفيان وشعبة ، ثقة له مائتا حديث وخمسون حديثا.

قوله : فشكى خالد الى رسول الله (ص)

وفي المشكاة عن خالد بن الوليد قال : كان بيني وبين عمار بن ياسر كلام فأغلظت له في القول ، فانطلق عمار يشكوني الى رسول الله 6 فرفع النبي 6 رأسه ، وقال : من عادا عمارا عاداه الله ومن أبغض عمارا أبغضه الله.

قوله : قال : حدثنا الليث بن سعد عن عمر مولى غفرة‌

في مختصر الذهبي : الليث بن سعد أبو الحارث الامام ثبت من نظراء مالك وفيه عمر بن عبد الله مولى غفرة يقال : أدرك ابن عباس وسمع أنسا ، وثّقه ابن سعد ، وضعفه النسائي.

__________________

(١) رجال البرقى : ٤‌

(٢) رجال الشيخ : ٤٣ و ٩١ و ١٢٤ و ٢١١ على ترتيب المتن.


فانفلت فيمن انفلت من الناس فقدم على رسول الله 6 فقال : أفلح ابو اليقظان! قال ما أفلح ولا أنجح لفتنته لأنهم لا يزالون يعذبونه حتى نال منك ،

______________________________________________________

قوله : فانفلت فيمن انفلت‌

قال في المغرب : الانفلات خروج الشي‌ء فلتة أي بغتة ، وكذا الافلات والتفلت ، ومنه الدابة اذا فلتت من المشرك وليس لها سائق ولا قائد : أي خرجت من يده ونفرت ، وروي انفلتت وأجبر القصار اذا انفلتت منه المدقة أي خرجت من يده.

قوله رضى الله تعالى عنه : ما أفلح ولا أنجح لفتنته‌

الفلح محركة الفلاح والفوز والنجاة والبقاء في الخير ، والنجاح بالفتح والنجح بالضم الفوز والظفر بالشي‌ء ، وأفلح فلان وانجح صار ذا فلاح وذا نجح.

يعني فتنته التي ألمت به وفدحته من تعذيب المشركين اياه فوق الطاقة حجزته وأبعدته عن أن يفلح وينجح.

وفي بعض النسخ « لنفسه » (١) مكان لفتنته ، أي لم يدخل في فلاح ونجاح لنفسه بما أصابته من داهية تعذيب المشركين اياه للإتيان بكلمة الكفر.

قوله رضى الله تعالى عنه : لأنهم لا يزالون يعذبونه حتى نال منك‌

من النيل فانه اذا استعمل بمن كان بمعنى الاضرار والشتم ، أي حتى وقع فيك وعابك وسبك.

قال في المغرب ، ونال من عدوه أضربه ومنه قوله تعالى ( لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً ) (٢) وباسم الفاعلة منه سميت نائلة بنت الفرافصة الكلبية ، تزوجها عثمان على نسائه وهي نصرانية.

__________________

(١) كما في المطبوع من الرجال‌

(٢) سورة التوبة : ١٢٠‌


قال ان سألوا من ذاك فزد.

______________________________________________________

وفي الاساس : نال من عدوه ونيل فلان قتل (١).

وفي القاموس : ونال من عرضه سبه (٢).

ومن هناك قال في الفائق في و ـ ذ : بينا هو يخطب ذات يوم ـ يعني عثمان ـ فقام رجل فنال منه ، فوذأه ابن سلام فاتذأ فقال له رجل : لا يمنعك مكان ابن سلام أن تسب نعثلا فانه من شيعته ، وذاءه : زجره ، واتذأ مطاوعه. كان يشبه عثمان برجل من أهل مصر اسمه نعثل لطول لحيته. وقيل : من أهل اصبهان ، والنعثل الضبعان والشيخ الاحمق (٣).

وفي المغرب : نعثل اسم رجل من مصر أو من اصبهان كان طويل اللحية فكان عثمان اذا نيل منه شبه بذلك الرجل لطول لحيته.

وقال ابن الاثير في النهاية : كان أعداء عثمان يسمونه نعثلا تشبيها برجل من مصر كان طويل اللحية اسمه نعثل ، وقيل : النعثل الشيخ الاحمق ، وذكر الضباع ، ومنه حديث عائشة اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا تعني عثمان ، وهذا كان منها لما غاضبته وذهبت الى مكة انتهى كلامه (٤).

قوله 6 : ان سألوا من ذاك فزد‌

وفي نسخة من ذلك فزدهم. يعني لا عليك مما صدر منك من غير اختيارك من شي‌ء أصلا ، فان لحمك ودمك مسوط بالايقان ، وصدرك وقلبك منشرح بالايمان ، فان عادوا الى تعذيبك وسألوك شيئا من ذاك وعذبوك في ذلك فزدهم منه ولا تبال ، فنكال ذلك ووباله عليهم لا عليك ، وانما أنت مفلح بايمانك منجح بايقانك ، فيا طوبى‌

__________________

(١) أساس البلاغة : ٦٦٢‌

(٢) القاموس : ٤ / ٦٢‌

(٣) الفائق : ٤ / ٥٢‌

(٤) نهاية ابن الاثير : ٥ / ٨٠‌


٧١ ـ خلف ، قال حدثنا الفتح بن عمرو الوراق ، قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا العوام بن حوشب : قال أخبرني أسود بن مسعدة ، عن حنظلة بن خويلد العنزي ، قال : اني لجالس عند معاوية اذ أتاه رجلان يختصمان في رأس عمار يقول‌

______________________________________________________

لعمار قال له النبي الكريم : أفلح أبو اليقظان ونزل فيه التنزيل الحكيم ( وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) (١).

قال في الكشاف : روي أن ناسا من أهل مكة فتنوا فارتدوا عن الإسلام بعد دخولهم فيه ، وكان فيهم من أكره فاجرى كلمة الكفر على لسانه وهو معتقد للإيمان منهم عمار وأبواه ياسر وسمية وصهيب وبلال وخباب وسالم عذبوا ، فأما سمية فقد ربطت بين بعيرين ووجأ في قبلها بحربة وقالوا انك أسلمت من أجل الرجال فقتلت وقتل ياسر وهما أول قتيلين في الإسلام ، وأما عمار فقد أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها فقيل : يا رسول الله ان عمارا كفر؟ فقال : كلا ان عمارا ملي‌ء ايمانا من قرنه الى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه ، فأتى عمار رسول الله 6 وهو يبكي فجعل رسول الله 6 يمسح عينيه فقال : مالك ان عادوا فعد بما قلت انتهى ما في الكشاف (٢).

قوله : أخبرنا العوام بن حوشب‌

في مختصر الذهبي : العوام بن حوشب الواسطي أحد الاعلام ، عن ابراهيم ومجاهد ، وعنه شعبه ويزيد بن هارون وخلق وثّقوه ، له نحو مأتي حديث توفى ١٤٨‌

قوله : العنزى (٣)

في جامع الاصول : العنزي بفتح العين وفتح النون وبالزاء منسوب الى عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان ، واسم عنزة عامر العنزي مثل الذي قبله الا أن نونه ساكنة منسوب الى عنز بن وائل بن قاسط ، وقد تقدم باقي النسب في العجلى.

__________________

(١) سورة النحل : ١٠٦‌

(٢) الكشاف : ٢ / ٤٣٠‌

(٣) وفي المطبوع من الرجال بجامعة مشهد : العنبرى.


كل واحد منهما أنا قتلته ، فقال عبد الله بن عمرو :

______________________________________________________

قوله : فقال عبد الله بن عمرو‌

في جامع الاصول : هو أبو عبد الرحمن ، وقيل : أبو محمد عبد الله بن عمرو ابن العاص بن وائل بن هاشم سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب ابن لوي السهمي القرشي ، أسلم قبل أبيه وكان أبوه أكبر منه بثلاث عشرة سنة ، وقيل : باثنتي عشرة سنة ، وكان عابدا عالما حافظا ، قرأ الكتب واستأذن النبي 6 في أن يكتب حديثه فأذن له.

وقد اختلف في وفاته وقيل : مات في ليالي الحرة في ذي الحجة سنة ثلاث وستين ، وقيل : سنة ثلاث وسبعين وقيل : مات بفلسطين سنة خمس وستين ، وقيل : مات بمكة سنة خمس وستين وهو ابن اثنين وسبعين سنة ، وقيل : مات بالطائف سنة خمس وخمسين ، وقيل : مات بمصر سنة خمس وستين.

سعيد بضم السين وفتح العين وسكون الياء وهصيص بضم الهاء وفتح الصاد المهملة الاولى وسكون الياء.

روى عنه مسروق وسعيد بن المسيب ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعروة ابن الزبير ، وحميد بن عبد الرحمن ، وخلق كثير سواهم انتهى كلام جامع الاصول.

وهو في المشهور من العبادلة.

قال في المغرب : العبادلة الثلاثة ابن مسعود وابن عباس وابن عمر. هذا رأي الفقهاء وأما في عرف المحدثين فالعبادلة أربعة ابن عمر وابن عباس وابن عمرو وابن الزبير ، ولم يذكر فيهم ابن مسعود ، لأنه من كبار الصحابة. وعن طاوس في الاقعاء رأيت العبادلة يفعلون ذلك عبد الله بن عمر وابن عباس وابن الزبير ، وهي اما جمع عبدل في معنى عبد كزيدل في زيد ، أو اسم جمع غير مبني على واحده.

وقال في القاموس : عبدل بن حنظلة المعروف بالنهاس كان شريفا ومزيد (١)

__________________

(١) فمزيد كمحمد اسم رجل ومحارب اسم قبيلة من فهر قاله في الصحاح « منه » ١ / ١٠٩ و ٤٧٧‌


ليطيب به أحدكم نفسا لصاحبه فاني سمعت رسول الله 6 يقول تقتله الفئة الباغية ، فقال معاوية ألا تغني عنا مخبرتك يا بن عمرو فما بالك معنا؟ قال اني معكم ولست‌

______________________________________________________

المحاربي والحكم الكوفي ابنا عبدل شاعران ، والعبادلة من الصحابة مائتان وعشرون ، واذا اطلقوا أرادوا أربعة ابن عباس وابن عمر وابن عمرو بن العاص وابن الزبير ، وليس منهم ابن مسعود كما توهم الجوهري (١).

قوله : ليطيب به أحدكم نفسا لصاحبه‌

« نفسا » نصب على التمييز يعنى لتطيب نفس أحدكم بذلك لصاحبه ، بأن يكون قاتل عمار صاحبه لا هو.

وفي نسخة عتيقة « بصاحبه » بالباء مكان اللام ، فيكون الكلام على سياق التهكّم والباء للبدل أو للمجاوزة كما « عن » ، أي ليكن أحد كم طيب النفس بأن يكون هو قاتل عمار بدل صاحبه ، أو بأن يكون سابقا على صاحبه ومجاوزا اياه في قتل عمار ، وصرح بأنه انما قال ذلك تهكّما بقوله « فاني سمعت رسول الله 6 يقول : تقتله الفئة الباغية ».

قال في القاموس في عد معاني الباء : وللبدل فليت لي بهم قوما اذا ركبوا شنوا الاغارة فرسانا وركبانا ، وللمقابلة اشتريته بألف وكافأته بضعف احسانه ، وللمجاوزة كعن وقيل : تختص بالسؤال ( فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً ) أو لا تختص نحو ( وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ ) و ( ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ) (٢).

قوله : ألا تغنى عنا مخبرتك يا بن عمرو‌

« تغنى » بضم حرف المضارعة للخطاب على الافعال من غني بالمكان كفرح فهو غان ، أي أقام به فهو مقيم فيه ، وهمزة الافعال للإزالة والسلب ، والمعنى اما تصرف وتنحي عنا.

__________________

(١) القاموس : ٤ / ١١‌

(٢) القاموس : ٤ / ٤٠٨ والآيات على الترتيب سورة الفرقان : ٥٩ ، و ٢٥ ، وسورة الانفطار : ٦‌


______________________________________________________

قال ابن الاثير في النهاية : في حديث عثمان « أن عليا أرسل (١) اليه بصحيفة فقال للرسول : أغنها عنا » أي اصرفها وكفها كقوله تعالى ( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) أي يكفه ويكفيه ، يقال : أغن عني شرك أي اصرفه وكفه ، ومنه قوله تعالى و ( لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً ) وفي حديث علي « ورجل سماه الناس عالما ولم يغن في العلم يوما سالما » أي لم يلبث في العلم يوما تاما ، من قولك غنيت بالمكان أغني اذا أقمت به (٢).

وقال المطرزي في المغرب : الغناء بالفتح والمد الاجزاء والكفاية ، يقال : أغنيت عنك مغني فلان ومغناته اذا أجزأت عنه ونبت منابه وكفيت كفايته ، ويقال : أغن عني كذا ، أي نحه عني وبعده ، وعليه حديث عثمان في صحيفة الصدقة التي بعثها علي على يد محمد بن الحنفية « أغنها عنا » وهو في الحقيقة من باب القلب كقولهم عرض الدابة على الماء.

قلت : على ما حققناه يستقيم الحمل على الحقيقة من غير تجشم الارجاع الى باب القلب ، على أنه اذا أخذ من الغنى بمعنى ضد الفقر والاجزاء والكفاية كما ارتكبه لم يكن يستجدى فيه باب القلب أيضا فليتعرف.

و « المخبرة » بفتح الميم واسكان المعجمة وفتح الموحدة أو ضمها والراء قبل الهاء ، بمعنى الخبر بالضم ويقال : بالكسر أيضا وهو العلم ، وكذلك الخبرة.

قال الجوهري في الصحاح : الخبر واحد الاخبار : وأخبرته بكذا وخبرته بمعنى ، والاستخبار السؤال عن الخبر ، وكذلك التخبر ، والمخبر خلاف المنظر وكذلك المخبرة والمخبرة أيضا وهو نقيض المرآة ، ويقال أيضا : من أين خبرت هذا الامر؟ أي من أين علمت؟ والاسم الخبر بالضم وهو العلم بالشي‌ء والخبير العالم (٣).

__________________

(١) وفي المصدر : بعث‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ٣ / ٣٩٢‌

(٣) الصحاح : ٢ / ٦٤١‌


أقاتل ، ان أبي شكاني الى النبي 6 فقال لي رسول الله 6 أطع أباك ما دام حيا ولا تعصه ، فأنا معكم ولست أقاتل.

______________________________________________________

وفي القاموس : الخبر والخبرة بكسر هما ويضمان ، والمخبرة والمخبرة العلم بالشي‌ء كالاختبار والتخبر (١).

وقال الراغب في المفردات : الخبر العلم بالاشياء ، وأخبرت أعلمت بما حصل لي من الخبر ، وقيل : الخبرة المعرفة ببواطن الامور (٢).

فالمعنى : ألا تصرف علمك وتنحيه عنا. ولا يبعد أن تحمل المخبرة هنا على اسم المكان ، ويعنى بها الصدر فانه مكان العلم.

فيكون المعنى : ألا تولي عنا وجهك وتصرف عنا صدرك وترينا ظهرك ، أي تنصرف عنا وتتنحى عن معسكرنا ، فما خطبك تكون مع الفئة الباغية.

قوله : فأنا معكم ولست أقاتل‌

صريح هذا الكلام من عبد الله بن عمرو بن العاص أنه لم يكسن يقاتل ، ولم يخرج في معسكر معاوية بقصد القتال ، بل انما أطاع اياه ، فكان معهم اطاعة لأبيه لا مقاتلة لحرب الحق وذويه ، ولم يعلم أن اطاعة الوالد في معصية الله معصية لله ، وأن تكثير سواد الضلال ضلال ، والانخراط في سلك الفئة الباغية بغي.

وعلامة زمخشر في بعض كتبه ليس يصدقه في هذا المقال أيضا فقد ذكر حديثه « سيأتي على جهنم زمان ينبت من قعرها الجرجير » ثم أنكر عليه أشد الانكار ، وقال : أنى له الحديث عن رسول الله 6 وقد كان مع معاوية يقاتل علي بن أبي طالب بسيفين ويبارز أعلام المهاجرين والانصار برمحين.

وقال في الكشاف : وما ظنك بقوم نبذوا كتاب الله ، لما روى لهم بعض النوابت عبد الله بن عمرو بن العاص « ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ، ليس فيها أحد‌

__________________

(١) القاموس : ٢ / ١٧‌

(٢) مفردات الراغب : ١٤١‌


______________________________________________________

وذلك بعد ما يلبثون أحقابا.

وبلغني أن من الضلال من اغتر بهذا الحديث فاعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار ، وهذا ونحوه والعياذ بالله من الخذلان المبين ، زادنا الله هداية الى الحق ومعرفة بكتابه ، وتنبها على أن نغفل عنه.

ولئن صح هذا عن ابن ابن العاص فمعناه ، أنهم يخرجون من حر النار الى برد الزمهرير فذلك خلق جهنم وصفق أبوابها ، وأقول : أما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ما يشغله عن تسيير هذا الحديث (١) انتهى قول الكشاف.

ولكن السواد الاعظم من النقلة الثقات وحملة الاخبار والروايات قد أطبقوا على هذا النقل عن ابن ابن العاص مثل ما رواه أبو عمرو الكشي جزاه الله عن دين أهل البيت خير الجزاء.

قال المسعودي رحمه الله تعالى في مروج الذهب : وتقدم عمار فقاتل ثم رجع الى موضعه فاستسقى فأتته امرأة من نساء بني شيبان من مصافهم بعس فيه لبن فدفعته اليه ، فقال : الله أكبر الله أكبر اليوم ألقى الاحبة تحت الاسنة صدق الصادق وبذلك أخبرني الناطق ، هذا اليوم الذي وعدت فيه.

ثم قال : أيها الناس هل من رايح الى الله تحت العوالي ، والذي نفسي بيده لنقاتلنكم على تأويله كما قاتلناكم على تنزيله ، ويقدم وهو يقول : نحن ضربناكم على تنزيله فاليوم نضربكم على تأويله.

فتوسط القوم واشتبكت علية الاسنة ، فقتله أبو العادية العاملي وابن جون السكسكي ، واختلفا في سلبه فاحتكما في سلبه على عبد الله بن عمرو بن العاص فقال : اخرجا عني فاني سمعت رسول الله 6 يقول أو قال : قال رسول الله 6 : وولعت‌

__________________

(١) لم أظفر عليه في الكشاف‌


______________________________________________________

قريش لعمار مالهم ولعمار تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم الجنة ويدعونه الى النار ، وكان قتله عند المساء وله ثلاث وتسعون سنة وقبره بصفين وصلى عليه علي 7 ولم يغسله انتهى كلام مروج الذهب (١)

وقال أيضا في مروج الذهب وقتل بصفين سبعون ألفا من أهل الشام خمسة وأربعون ألفا ، وكان المقام بصفين مائة يوم وعشرة أيام ، وقتل بها من الصحابة ، فمن كان مع علي 7 خمسة وعشرون رجلا ، منهم عمار بن ياسر أبو اليقظان المعروف بابن سمية وهو ابن ثلاث وتسعين سنة انتهى كلامه.

في حذيفة بن اليمان رضى الله تعالى عنه

حذيفة بن اليمان العبسي أبو عبد الله أحد الاركان الاربعة على قول ، من كتاب أصحاب رسول الله 6 ، ومن السابقين من أنصار أمير المؤمنين 7 ، أنصاري سكن الكوفة ومات بالمدائن بعد بيعة أمير المؤمنين 7 بأربعين يوما قاله الشيخ (ره) في كتاب الرجال (٢).

وأبو الحسن المسعودي في مروج الذهب بعد ذكر شهادة عمار بن ياسر وهاشم ابن عتبة المر قال قال : واستشهد في هذا اليوم صفوان وسعد ابنا حذيفة بن اليمان ، وقد كان حذيفة عليلا بالكوفة في سنة ست وثلاثين ، فبلغه قتل عثمان وبيعة الناس لعلي 7 فقال : أخرجوني وادعوا الصلاة جامعة ، فوضع على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وعلى آله.

ثم قال ، أيها الناس ان الناس قد بايعوا علي بن أبي طالب فعليكم بتقوى الله وانصروا عليا ووازروه ، فو الله أنه على الحق آخرا وأولا وأنه لخير من مضى بعد‌

__________________

(١) مروج الذهب : ٢ / ٣٨١‌

(٢) رجال الشيخ : ١٦‌


حذيفة‌

٧٢ ـ حدثنا ابن مسعود ، قال أخبرني أبو الحسن علي بن الحسن بن علي ابن فضّال ، قال حدثني محمد بن الوليد البجلي ، قال حدثني العباس بن هلال ،

______________________________________________________

نبيكم ومن بقي الى يوم القيامة ، ثم أطبق يمينه على يساره ، ثم قال : اللهم اشهد أني قد بايعت عليا.

وقال : الحمد لله الذي أبقاني الى هذا اليوم ، وقال لابنيه صفوان وسعد : احملاني وكونا معه ، فستكون له حروب كثيرة يهلك فيها خلق من الناس فاجتهدا أن تستشهدا معه ، فانه والله على الحق ومن خالفه على الباطل ، ومات بعد هذا بسبعة أيام وقيل : بأربعين يوما انتهى كلام مروج الذهب (١).

قوله ; : محمد بن الوليد البجلى‌

هو أبو جعفر محمد بن الوليد البجلي الخزاز الكوفي.

قال النجاشي رحمه الله تعالى : ثقة عين نقي الحديث ، ذكره الجماعة بهذا ، روى عن يونس بن يعقوب وحماد بن عثمان ومن كان في طبقتهما ، وعمر حتى لقيه محمد بن الحسن الصفار وسعد ، له كتاب نوادر (٢) :

ولم يذكر كونه فطحيا ، وسيجي‌ء في الكتاب ذكره في عداد الاجلة الفقهاء العدول الكوفيين من الفطحية.

قوله رحمه الله تعالى : العباس بن هلال‌

في كتاب النجاشي : عباس بن هلال السايي روى عن أبي الحسن الرضا 7 ، يروي عنه محمد بن الوليد الخزاز (٣).

__________________

(١) مروج الذهب : ٣٨٤‌

(٢) رجال النجاشى : ٢٦٥‌

(٣) رجال النجاشى : ٢١٧ وفيه الشامى بدل السايى.


عن أبي الحسن الرضا 7 ذكر أن حذيفة لما حضرته الوفاة وكان آخر الليل ، قال لابنته أيّة ساعة هذه؟ قالت : آخر الليل. قال : الحمد لله الذي بلغني هذا المبلغ ولم أوال ظالما على صاحب حق ولم أعاد صاحب حق ، فبلغ زيد بن عبد الرحمن بن عبد يغوث ، فقال : كذب والله لقد والى على عثمان ، فأجابه بعض من حضره ان عثمان والله يا أخا زهرة والحديث منقطع.

______________________________________________________

قلت : السايي بالمهملة قبل الالف والمثناة من تحت بعدها قبل ياء النسبة المشددة نسبة الى سايه ، وهي قرية بمكة أو واد بين الحرمين : كما ذكرناه في أول الكتاب في علي بن سويد السايي ، والقاصرون يصحفون الياء بالباء الموحدة.

وفي كتاب الرجال للشيخ في أصحاب أبي الحسن الرضا 7 : العباس بن هلال الشامي (١).

بالميم بعد الالف والشين المعجمة قبلها ، على ما في عامة ما وقعت إلينا من النسخ ، وذلك أيضا تصحيف ، كأنه من النساخ لا من الشيخ.

قوله رحمه الله تعالى : الحديث منقطع‌

الانقطاع على أن عثمان والله يا أخا زهرة ، من باب الاختصار بالحذف كما في أنه وانه ، وقد أسلفنا بيانه في لو لا ما ، أي أن عثمان والله يا أخا زهرة جائر وظالم وعات ومنحرف عن السبيل ومستأثر بالحق على أهله.

في سهل بن حنيف رضى الله تعالى عنه‌

سهل بن حنيف باهمال الحاء المضمومة قبل النون المفتوحة واسكان المثناة من تحت قبل الفاء ، ابن واهب أبو ثابت الانصاري العقبي البدري الاحدي ، من النقباء الاثنى عشر.

عده البرقي وأخاه عثمان بن حنيف من شرطة الخميس (٢)

__________________

(١) رجال الشيخ : ٣٨٢‌

(٢) رجال البرقى : ٤‌


______________________________________________________

وقال الفضل بن شاذان : انه من السابقين الذين رجعوا الى أمير المؤمنين 7.

والشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال أورده في باب من روى عن النبي 6 من الصحابة (١).

ثم ذكره في أصحاب أمير المؤمنين 7 فقال : سهل بن حنيف أنصاري عربي ، وكان واليه على المدينة ، يكنى أبا محمد (٢).

وقال الذهبي من العامة في مختصره : سهل بن حنيف الاوسي بدري جليل ، عنه ابن أبي ليلى وأبو وائل ، مات ٣٨ ، وكبّر عليه علي 7 ستا.

قلت : وذلك بعد الرجوع من صفين. في صحيح البخاري بأسناده عن أبي حصين قال : قال أبو وائل : لما قدم سهل بن حنيف من صفين أتيناه نستخبر فقال : اتهموا الرأي فلقد رأيتني يوم أبي جندل ، ولو استطيع أن أرد على رسول الله 6 أمره لرددته والله ورسوله أعلم ، وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا لأمر يفظعنا الا أسهلن (٣) بنا الى أمر نعرفه قبل هذا الامر ، ما نسد منه (٤) خصما الا انفجر علينا خصم ما ندري كيف نأتي له.

وفيه بأسناده عن حبيب بن أبي ثابت قال : أتيت أبا وائل أسأله فقال : كنا بصفين فقال رجل : ألم تر الى الذين يدعون الى كتاب الله فقال علي : نعم فقال سهل ابن حنيف : اتهموا أنفسكم فلقد رأيتنا يوم الحديبية ، يعني الصلح الذي كان بين النبي 6 والمشركين ، ولو نرى قتالا لقاتلنا ، فجاء عمر فقال : ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟

__________________

(١) رجال الشيخ : ٢٠‌

(٢) رجال الشيخ : ٤٣‌

(٣) سهل الامر بنا الى كذا أفضى اليه « منه ».

(٤) وفي خ ل منها.


سهل بن حنيف‌

٧٣ ـ محمد بن مسعود : قال حدثني أحمد بن عبد الله العلوي ، قال حدثني علي بن محمد ، عن أحمد بن محمد الليثي ، عن عبد الغفار ، عن جعفر بن محمد 8 أن عليا 7 كفن سهل بن حنيف في برد أحمر حبرة.

______________________________________________________

قال : بلى قال : فبم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا ، فقال : يا بن الخطاب اني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا ، فرجع متغيظا فلم يصبر حتى جاء أبا بكر فقال : يا أبا بكر ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال : يا بن الخطاب انه رسول الله 6 ولن يضيعه الله أبدا. فنزلت سورة الفتح (١) انتهى ما في صحيح البخاري هاهنا.

وزاد فيه أكثرهم من طرق عديدة فقال عمر : والله ما شككت في ديني منذ أسلمت الا يومي هذا. وعلى هذه الزيادة أورده علامتهم الشهرستانى في كتاب الملل (٢) والنحل.

قوله رحمه الله تعالى : عن عبد الغفار‌

هو أبو مريم الانصاري عبد الغفار بن القاسم بن قيس بن قيس بن قهد ، بفتح القاف واسكان الهاء ، الثقة من أصحاب الباقر والصادق 8. لا عبد الغفار بن حبيب الطائي الجازي ، بالجيم والزاء ، من أهل الجازية قرية بالنهرين الثقة أيضا من أصحاب الصادق 7.

والحسن بن داود قال في كتابه : ورأيت بخط الشيخ أبي جعفر في كتاب الرجال عبد الغفار بن حبيب الحارثي بالحاء المهملة والراء والثاء المثلثة (٣).

قوله 7 : في برد أحمر حبرة‌

يستحب التكفين في القطن الابيض الا الحبرة ، فان المستحب فيها أن تكون‌

__________________

(١) صحيح البخارى : ٦ / ٤٦‌

(٢) لم أظفر عليه مع التفحص التام ولعله صحف وأسقط منه.

(٣) رجال ابن داود : ٢٢٦‌


٧٤ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثني أحمد بن عبد الله العلوي ، قال حدثني علي بن الحسن الحسيني ، عن الحسن بن زيد ، أنه قال : كبر علي بن أبي طالب على سهل بن حنيف سبع تكبيرات ، وكان بدريا ، وقال لو كبّرت عليه سبعين لكان أهلا.

٧٥ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثني محمد بن نصير ، قال حدثنا محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله 7 قال كبّر علي 7 على سهل بن حنيف وكان بدريّا خمس تكبيرات ،

______________________________________________________

بردا أحمر قاله في الذكرى ، وقال أيضا : يستحب عندنا أن يزاد الرجل والمرأة حبرة ـ بكسر الحاء وفتح الباء ـ يمنية عبرية منسوبة الى موضع باليمن أو جانب واد ، لقول أبي مريم الانصاري سمعت الباقر 7 يقول : كفن رسول الله 6 في ثلاثة أثواب : برد حبرة أحمر وثوبين صحاريين. وقال : ان الحسن بن علي 7 كفن اسامة بن زيد في برد أحمر ، وأن عليا 7 كفن سهل بن حنيف ببرد أحمر حبرة (١).

وقال المحقق في المعتبر وابن ادريس في السرائر : الحبرة من التحبير وهو التحسين والتزيين ، ويمنية منسوبة الى اليمن ، وعبرية منسوبة الى العبر ، وهو باهمال العين المكسورة أو المضمومة واسكان الباء الموحدة شط النهر وجانب الوادي (٢).

قوله رضى الله تعالى عنه : سبع تكبيرات‌

أي سبع صلوات كل منها بخمس تكبيرات فتكون جميعها خمسا وثلاثين تكبيرة.

__________________

(١) الذكرى : ٤٧ ـ ٤٨‌

(٢) المعتبر : ٧٦‌


ثم مشى به ساعة ثم وضعه ثم كبّر عليه خمس تكبيرات أخر ، فصنع به ذلك حتى بلغ خمسا وعشرين تكبيرة.

______________________________________________________

قوله 7 : ثم مشى به ساعة ثم وضعه ثم كبر عليه خمس تكبيرات‌

السيد جمال الدين أحمد بن طاوس قدس الله نفسه الزكية في اختياره من كتاب أبي عمرو الكشي ذكر هذا الحديث وقال : الطريق علي بن الحكم عن سيف ابن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر 7. ووافقه العلامة في الخلاصة (١)

والطريق في كتاب الاختيار للشيخ وهو المعروف في هذا الاعصار بكتاب الكشي في عامة النسخ على هذه الصورة : محمد بن مسعود عن محمد بن نصير قال :

حدثني محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله 7 قال : كبر علي 7 علي سهل بن حنيف الحديث.

ورواه رئيس المحدثين في جامعه الكافي (٢) والصدوق في الفقيه (٢) ، والشيخ في التهذيب (٣) من طرق مختلفة.

قال العلامة في نهايته : (٤) وصلى علي 7 على سهل بن حنيف خمسا وعشرين تكبيرة ، اما لتعظيمه واظهار شرفه ، أو لتلاحق من لم يصل (٥).

وقال شيخنا الشهيد في الذكرى : وفي الحسن عن الحلبي عن الصادق 7 قال : كبر أمير المؤمنين 7 على سهل بن حنيف وكان بدريا خمس تكبيرات ، ثم مشى به ساعة ، ثم وضعه وكبر عليه خمس تكبيرات أخرى يصنع ذلك حتى كبّر‌

__________________

(١) الخلاصة : ٨١‌

(٢) فروع الكافى : ٣ / ١٨٦‌

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٠٢‌

(٤) تهذيب الاحكام : ٣ / ٣١٧ والاستبصار : ١ / ٤٧٦‌

(٥) نهاية الاحكام : ٢٥٩ مخطوط وتوجد نسخة منها في مكتبتنا.


______________________________________________________

عليه خمسا وعشرين تكبيرة.

وفي خبر عقبة أن الصادق 7 قال : أما بلغكم أن رجلا صلى عليه علي 7 فكبّر عليه خمسا حتى صلى عليه خمس صلوات ، وقال : انه بدري عقبي أحدي من النقباء الاثنى عشر ، وله خمس مناقب فصلى عليه لكل منقبة صلاة.

وفي خبر أبي بصير عن أبي جعفر 7 قال : كبّر رسول الله 6 على حمزة سبعين تكبيرة ، وكبر علي 7 عندكم على سهل بن حنيف خمسا وعشرين تكبيرة كلما أدركه الناس قالوا : يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل ، فيضعه ويكبّر حتى انتهى الى قبره خمس مرات.

فتبيّن رجحان الصلاة بظهور الفتوى وكثرة الاخبار. وقال الفاضل : ان خيف على الميت كره تكرار الصلاة والا فلا (١) انتهى كلام الذكرى.

وما عدّه حسن الطريق عن الحلبي فهو صحيح الطريق عندي ، والفتوى عندي على استحباب التكرار لشرف الرجل ، أو تلا حق من لم يدرك الصلاة على الجنازة والجواز على كراهية عند فقد السبب والتحريم اذا خيف على الميت ظنا قويا يتأخم علما عاديا.

ومن طريق العامة : أن عليا 7 كرر الصلاة على سهل بن حنيف ستا (٢).

قلت : كل منها بخمس تكبيرات فيكون على هذه الرواية قد كبّر 7 عليه ثلاثين تكبيرة ، وقوم من علماء العامة يحملونها على أربع وعشرين ، زعما منهم أن كلا منها كانت بأربع تكبيرات.

قال في الذكرى : تجب فيها خمس تكبيرات لخبر زيد بن أرقم أنه كبر على جنازة خمسا وقال : كان رسول الله 6 يكبرها أوردها مسلم وأكثر المسانيد ، ولفظ كان يشعر بالدوام والاربع وان رويت فالاثبات مقدم على النفي ، وجاز أن يكون راوي‌

__________________

(١) الذكرى : ٥٦‌

(٢) راجع جامع الاصول وذيله : ٧ / ١٤٣‌


______________________________________________________

الاربع لم يسمع الخامسة أو نسيها. قال بعض العامة الزيادة ثابتة عن رسول الله 6 والاختلافات المنقولة في العدد من جملة الاختلافات في المباح والكل سائغ ، وفي كلام بعض شراح مسلم انما ترك القول بالخمس لأنه صار علما للتشيع ، وهذا عجيب وأما الاصحاب فمتفقون على ذلك وبه أخبار كثيرة.

قلت : عني ببعض العامة ابن شريح من الشافعية وكذلك الرافعي فانه قال : الاكثر على أن الزيادة لا تبطل لثبوتها عن رسول الله 6 الا ان الاربع استقر أمر الصحابة عليها ، وكلام النووي أيضا قريب من ذلك.

وعني ببعض شراح مسلم المازري وهو شيخهم الفقيه الامام المتقدم أبو عبد الله محمد بن علي التميمي المازري قال في شرح صحيح مسلم : ان النبي 6 كبّر أربعا ، وفي حديث آخر ، ان زيدا كبر خمسا على جنازة وقال : كان رسول الله 6 يكبرها وقد قال به بعض الناس ، وهذا المذهب الان متروك ، لان ذلك صار علما على القول بالرفض.

وفي الاخبار من طريق الاصحاب عن أبي بصير عن الصادق 7 ومن طريقهم عن أم سلمة كان رسول الله 6 اذا صلى على ميت كبر وتشهد ثم كبر وصلى على الانبياء ودعا ، ثم كبر ودعا للمؤمنين ، ثم كبر الرابعة ودعا للميت ، ثم كبر وانصرف ، فلما نهاه الله عن الصلاة على المنافقين كبر وتشهد ، ثم كبر فصلى على النبيين ، ثم كبر ودعا للمؤمنين ، ثم كبر الرابعة وانصرف ولم يدعو للميت (١).

قال في الذكرى : وفي خبر عبد الله بن سنان عن الصادق 7 ان هبة الله صلى على أبيه آدم وكبر خمسا ، وانها سنة جارية في ولده الى يوم القيامة ، وروى هشام بن سالم عنه 7 كان رسول الله 6 يكبر على قوم خمسا وعلى قوم أربعا ، فاذا كبر على رجل أربعا اتهم يعني بالنفاق ، ومثله روى اسماعيل بن همام عن أبي الحسن 7 ،

__________________

(١) جامع أحاديث الشيعة : ٣ / ٢٩٤‌


______________________________________________________

وروى اسماعيل بن سعد الاشعري عن الرضا 7 ، أما المؤمن فخمس تكبيرات وأما المنافق فأربع ، فهذا جمع حسن بين ما رواه العامة لو كانوا يعقلون الى هنا كلام الذكرى (١).

أبو أيوب الانصارى‌

اسمه خالد بن زيد ، ذكره المسعودى في مروج الذهب ، والعلامة في الخلاصة (٢) ، وهو أنصاري مشكور من السابقين الذين رجعوا الى أمير المؤمنين 7 وسيجي‌ء في ذكر السابقين ومن الذين شهدوا لأمير المؤمنين 7 أنهم سمعوا رسول الله 6 يقول يوم غدير خم : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ، وسيجي‌ء في ترجمة البراء بن عازب وأنس بن مالك ، وقد نزل رسول الله 6 منزله بالمدينة أول قدومه في الهجرة.

قال الشيخ في كتاب الرجال في باب من روى عن النبي (ص) من الصحابة : خالد بن زيد الانصاري (٣).

ثم ذكره في أصحاب أمير المؤمنين 7 وقال : خالد بن زيد مدني عربي خزرجي يكنى أبا أيوب الانصاري من الخزرج (٤).

وقال الحسن بن داود : أبو أيوب خالد بن زيد الانصاري في ي جخ كش : عظيم الشأن (٥).

وقال الذهبي في مختصره : خالد بن زيد أبو أيوب انصاري بدري جليل ، عنه جبير بن نفير وأبو سلمة وعروة ، وفد على ابن عباس البصرة فقال : اني أخرج‌

__________________

(١) الذكرى : ٥٨‌

(٢) الخلاصة : ٦٥‌

(٣) رجال الشيخ : ١٨‌

(٤) رجال الشيخ : ٤٠‌

(٥) رجال ابن داود : ٣٩٢‌


ابو ايوب الانصارى‌

٧٦ ـ روى الحارث بن حصيرة الازدي ،

______________________________________________________

عن مسكني لك كما خرجت عن مسكنك لرسول الله 6 ، فأعطاه ذلك بما حوى وعشرين ألفا وأربعين عبدا ، مات ٥١.

قوله رحمه الله تعالى : روى الحارث بن حصيرة الازدى‌

في أكثر النسخ (١) « نصير » بالنون قبل الصاد ، وهو تصحيف من غلط الناسخين ولم يتفطن القاصرون لفساد ذلك مع شدة ظهوره من وجوه عديدة.

والصواب الحارث بن حصيرة بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين والراء بعد الياء المثناة من تحت والهاء أخيرا ، وربما يذكر باسقاط الهاء.

وهو أبو نعمان الازدي الكوفي التابعي من أصحاب أمير المؤمنين 7 وبقي الى زمن أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق وروى عنهما 8 ، ثقه جليل مطعون عند العامة بالتشيع والرفض.

قال في القاموس في ح ص ر : والحارث بن حصيرة محدث (٢).

والشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال قال في أصحاب أمير المؤمنين 7 الحارث بن حصيرة (٣).

وقال في أصحاب أبي جعفر الباقر 7 : الحارث بن حصير ـ بغير هاء ـ الازدي تابعي أبو النعمان كوفي (٤).

وفي أصحاب أبي عبد الله الصادق 7 قال : الحارث بن حصيرة ـ باثبات الهاء ـ أبو النعمان الازدي كوفي تابعي (٥).

__________________

(١) كما في المطبوع من رجال الكشى بجامعة مشهد.

(٢) القاموس : ٢ / ٩‌

(٣) رجال الشيخ : ٣٩‌

(٤) رجال الشيخ : ١١٨ وفيه حصين بدل حصير.

(٥) رجال الشيخ : ١٧٨‌


عن أبي صادق ،

______________________________________________________

وقال أبو عبد الله الذهبي من العامة في ميزان الاعتدال : الحارث بن حصيرة الازدي أبو النعمان الكوفي ، عن زيد بن وهب وعكرمة وطائفة ، وعنه مالك بن مغول وعبد الله بن نمير وطائفة.

قال أبو احمد الزبيري : كان يؤمن بالرجعة. وقال يحيى بن معين : ثقة خشبي ينسبون الى خشبة زيد بن علي لما صلب عليها. وقال النسائي ثقة وقال ابن عدي : يكتب حديثه على ضعفه ، وهو من المتحرفين بالكوفة في التشيع. وقال ربيح : سئلت جريرا أرأيت الحارث بن حصيرة؟ قال : نعم رأيته شيخا كبيرا طويل السكوت يصر على أمر عظيم (١).

عباد بن يعقوب الرواجني حدثنا عبد الله بن عبد الملك المسعودي عن الحارث ابن حصيرة عن زيد بن وهب سمعت عليا يقول : أنا عبد الله وأخو رسوله لا يقولها بعدي الا كذاب.

وروى الحارث عن أبي سعيد عقيصا عن علي عن النبي 6 قال : مهما ضيعتم فلا تضيعوا الصلاة : وقال أبو حاتم الرازي هو من الشيعة العنق (٢) لو لا الثوري روى عنه لترك انتهى كلام الذهبي.

قوله رحمه الله تعالى : عن أبى صادق‌

أبو صادق هذا هو كيسان بن كليب الحرمي ، ويقال له : أبو عاصم وهو من أصحاب أمير المؤمنين وأبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين : ، ذكره البرقي في عداد أصحاب أمير المؤمنين 7 من اليمن (٣) وأورده العلامة في الخلاصة نقلا‌

__________________

(١) أى على سب الشيخين.

(٢) العنق بضمتين اما بالنون بمعنى الرؤساء الكبار ، أو بالتاء المثناة من فوق جمع العتيق بمعنى القديم « منه » ‌

(٣) رجال البرقى : ٦‌


______________________________________________________

عنه قال : وأبو صادق كليب الحرمي بالحاء المهملة والراء والميم (١).

والشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال قال في باب من عرف بكنيته أو بقبيلته من أصحاب أمير المؤمنين 7 : أبو صادق ، وهو أبو عاصم بن كليب الحرمي عربي كوفي (٢).

وقال في أصحاب أبي محمد الحسن بن علي 8 : كيسان بن كليب يكنى أبا صادق (٣) :

وكذلك في أصحاب أبي عبد الله الحسين بن علي 8 قال : كيسان بن كليب يكنى أبا صادق (٤).

في جامع الاصول : كيسان بفتح الكاف وسكون الياء تحتها نقطتان وبالسين المهملة.

ولنا أيضا في أصحاب أمير المؤمنين 7 : أبو صادق الازدي عبد خير بن ناجد ، وفي أصحاب أبي عبد الله الحسين من أصحاب أمير المؤمنين 8 ، أبو صادق بشر بن غالب الاسدي الكوفي.

ذكر هما الشيخ أيضا في كتاب الرجال في أصحاب أبي جعفر الباقر 7 : ربيعة بن ناجد بن كثير أبو صادق الكوفي ، روى عنه وعن أبي عبد الله 8 (٥). وفي أصحاب أمير المؤمنين 7 : ربعية بن ناجد الاسدي الازدي عربي كوفي (٦).

وفي مختصر الذهبي : أبو صادق الازدي مسلم. وقيل : عبد الله بن ناجد ،

__________________

(١) الخلاصة : ١٩٤‌

(٢) رجال الشيخ : ٦٣ وفيه الجرمى بدل الحرمى‌

(٣) رجال الشيخ : ٧٠‌

(٤) رجال الشيخ : ٧٩‌

(٥) رجال الشيخ : ١٢١‌

(٦) رجال الشيخ : ٤١‌


عن محمد بن سليمان قال : قدم علينا أبو أيوب الانصاري فنزل ضيعتنا يعلف خيلا له ، فآتيناه فأهدينا له ، قال ، قعدنا عنده فقلنا يا أبا ايوب قاتلت المشركين بسيفك هذا مع رسول الله 6 ثم جئت تقاتل المسلمين؟ فقال : ان النبي 6 أمرني بقتال القاسطين‌

______________________________________________________

عن على وأخيه ربيعة ، وعنه الحكم وشعيب بن جنحاب وثق ، وقيل ـ لم يلق عليا.

واما عبد خير الخيواني الهمداني من خواص أمير المؤمنين 7 فهو غير عبد خير أبي صادق الازدي.

وقد ذكره الشيخ أيضا في كتاب الرجال (١).

وفي ترجمته قال في جامع الاصول : يقال : أدرك زمن النبي 6 الا انه لم يلقه وصحب عليا ، وهو من كبار أصحابه ثقة مأمون سكن الكوفة ، يقال : أتى عليه مائة وعشرون سنة.

وقال الذهبي : عبد خير الهمداني عن أبي بكر وعلي ، وعنه أبو اسحاق وحصين ثقة محضرم (٢).

قوله رحمه الله تعالى : عن محمد بن سليمان‌

وهو محمد بن سليمان الذي يروي عن أبي امامة أسعد بن سهل بن حنيف.

قال في جامع الاصول : واسم أبي امامة أسعد بن سهل بن حنيف الانصاري الاوسي المدني سمع أباه ، روى عنه مالك بن أنس.

وذكره الذهبي في مختصره وقال : وثق.

وأبو امامة هذا من أصحاب أمير المؤمنين 7 وهو صحابي‌

قال الشيخ في كتاب الرجال : أبو امامة له صحبة ، وكان معاوية وضع عليه الحرس لئلا يهرب الى علي 7 (٣).

__________________

(١) رجال الشيخ : ٥٣ وفيه الخيرانى بالراء المهملة.

(٢) أى سكن حضرموت‌

(٣) رجال الشيخ : ٦٥‌


والمارقين والناكثين ، فقد قاتلت الناكثين وقاتلت القاسطين ، وأنا نقاتل إن شاء الله بالمسعفات بالطرقات بالنهروانات ،

______________________________________________________

وفي طبقته محمد بن سليمان بن أبي جثمة.

ذكره الذهبي أيضا وقال : عن أبيه وعمه سهل ، وعنه ابن اسحاق وغيره وثق.

وفي بعض النسخ عن محمد بن سلمة ، وليس بصحيح لبعد طبقته عن أبي صادق ، فانه لو كان لكان محمد بن سلمة الحراني لكونه أقرب من غيره ، وهو أيضا بعيد الطبقة منه.

قال الذهبي : في معناه سمع ابن عجلان وابن اسحاق ، وعنه أحمد قال ابن سعد : ثقة عالم له فضل ورواية وفتوى مات ١٩٢.

قوله رضى الله تعالى عنه : وانا نقاتل إن شاء الله بالمسعفات بالطرقات بالنهروانات‌

باء بالمسعفات ظرفية بمعنى في ، أي في أراضي القرى المسعفات ، وهي في أكثر النسخ بالميم المضمومة ثم السين المهملة الساكنة قبل العين المهملة المكسورة ثم الفاء ، على اسم الفاعل من باب الافعال الغير المتعدي في معنى الاصل المجرد ، أي المصقبات الدانيات من الطرقات ، على استعمال الباء في معنى « من » الاتصالية أو الابتدائية أو التبعيضية ، كما في التنزيل الكريم ، عينا يشرب بها عباد الله » (١) ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) (٢). ‌

قال في أساس البلاغة : أسعفته بحاجته قضيتها له وأسعفت الحاجة حانت وأسعفت الدار بفلان أصقبت وهو يساعدني على ذلك ويسافعني به ، وفلان قد ساعده جده وساعفته الدنيا وتقول : الدنيا لك شاعفة الا انها غير مساعفة (٣).

__________________

(١) سورة الانسان : ٦‌

(٢) سورة المائدة : ٦‌

(٣) أساس البلاغة : ٢٩٧‌


______________________________________________________

وقال : صقبت داره صقبا دنت : وفي الحديث. المرء أحق بصقبه وأصقب الله داره أدناها ، وأصقبت داره بمعنى صقبت ، وداره صقب مني وداره أصقب من داره ، وأتي علي 2 بقتيل وجد بين قريتين فحمله على أصقب القريتين اليه ، وصاقبه صقابا قاربه وواجهه (١).

وفي القاموس : سعف بحاجته كمنع وأسعف قضاها له وأسعف دنا وله الصيد أمكنه وباهله ألم ، والتسعيف تخليط المسك ونحوه بأفاويه الطيب وساعفه ساعده أو وأتاه في مصافاة ومعاونة ، ومكان مساعف قريب (٢).

و « الطرقات » بضمتين جمع الجمع للطريق والجمع الاطرقة والطرق.

و « النهروانات » هي مواضع وقرى قريبة من بلدة نهروان.

قال في القاموس : والنهروان بفتح النون وتثليث الراء وبضمهما ثلاث قرى أعلا وأوسط وأسفل هي بين واسط وبغداد (٣).

وفي الصحاح : ونهروان ـ بفتح النون والراء ـ بلد ، والمنهرة فضاء يكون بين أفنية القوم يلقون فيها كناستهم (٤).

وفي كتاب المساحة والبلدان للفاضل البيرجندي : نهروان بفتح النون سكون الهاء وضم الراء وو او بعدها ألف ونون بلد قديم قريب بغداد منه الى دجلة أربعة فراسخ.

وقال في المغرب : في الحديث « تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين » هم الذين نكثوا البيعة أي نقضوها واستزلوا عائشة وساروا بها الى البصرة على جمل اسمه عسكر ، ولهذا سميت الوقعة يوم الجمل ، والقاسطون معاوية وأشياعه لا نهم قسطوا‌

__________________

(١) أساس البلاغة : ٣٥٨‌

(٢) القاموس : ٣ / ١٥٢‌

(٣) القاموس : ٢ / ١٥٠‌

(٤) الصحاح : ٢ / ٨٤٠‌


______________________________________________________

أي حاروا حين حاربوا امام الحق ، والوقعة تعرف بيوم صفين ، واما المارقون فهم الذين مرقوا أي خرجوا من دين الله واستحلوا (١) القتال مع خليفة رسول الله ، وهم عبد الله بن وهب الراسبي وحرقوص بن زهير البجلي المعرف بـ « ذي ثدية » وتعرف تلك الوقعة بيوم النهروان ، وهي من أرض العراق على أربعة فراسخ من بغداد انتهى كلام المطرزي بعبارته.

وفي نسخ معدودات « بالسعفات » أي في أرض ذات السعفات بالتحريك جمع السعف محركة ، والباءات كلها للظرفية.

قال في المغرب : السعف ورق جريد النخل الذي تسف منه الزبل والمراوح وعن الليث أكثر ما يقال له السعف اذا يبس ، واذا كانت رطبة فهي الشطبة ، وقد يقال للجريد نفسه سعف الواحد سعفة.

وفي الصحاح : السعفة بالتحريك غصن النخل والجمع سعف (٢).

ويعاضد هذه النسخة أن الخوارج لعنهم الله كانوا بالرميلة اذ أشرف أمير المؤمنين 7 فقاتلهم وقتلهم ثم عسكر 7 بالنخيلة ، كلاهما على التصغير.

قال في القاموس : كجهينة موضع بالبادية وموضع بالعراق فيه قاتل علي 7 الخوارج (٣).

قال المسعودي رحمه الله تعالى في مروج الذهب : ان رسول الخوارج الى علي 7 أخبر أن القوم قد عبروا نهر طخارستان (٤) ، وهذا النهر عليه قنطرة تعرف بقنطرة طخارستان الى هذا الوقت بين حلوان وبغداد من جادة طخارستان ، فقال علي 7 : والله ما عبروا ولا يقطعونه حتى نقتلهم بالرميلة دونه.

__________________

(١) أى استحلوا مقاتلته 7 « منه » ‌

(٢) الصحاح : ٤ / ١٣٧٤‌

(٣) القاموس : ٤ / ٥٥‌

(٤) وفي المصدر كلها طبرستان‌


وما أدري أنّى هي.

______________________________________________________

ثم تواترت عليه الاخبار بقطعهم هذا النهر وعبورهم هذا الجسر ، وهو يأبى ذلك ويحلف أنهم لم يعبروه وأن مصارعهم دونه ، ثم قال : سيروا الى القوم فو الله لا يفلت منهم الا عشرة ولا تقتل منكم الا عشرة فسار علي 7 فأشرف عليهم وقد عسكروا بالموضع المعروف بالرميلة على حسب ما قال لأصحابه.

فلما أشرف عليهم قال : الله أكبر صدق الله ورسوله 6 فتصاف القوم فوقف عليهم 7 بنفسه فدعاهم الى الرجوع والتوبة ، فأبوا ورموا أصحابه ، ثم بعد ذكر القتال وقتلهم عن آخرهم إلا عشرة منهم وقتل مخدج وصفته ووقوع كل ما أخبر به علي 7 على طباق ما قد أخبر به 7.

قال : فعسكر 7 بالنخيلة فجعل أصحابه يتسللون ويلحقون بأوطانهم ، فلم يبق معه الا نفر يسير (١).

قوله 2 : وما أدرى أنى هى‌

أنّى بفتح الهمزة وتشديد النون المفتوحة بعدها ظرفية ، أي ما أدري أين تكون هذه المسعفات الصاقبات من الطرقات أو أين تكون هذه السعفات أي جرائد النخل بالطرقات.

وفي بعض النسخ « أي هي » بالياء المشددة المنونة بالرفع بعد الهمزة المفتوحة أي ما أدري أيّ مكان هي.

في مروج الذهب : ان أول من قاتل من أصحاب أمير المؤمنين 7 يوم النهروان أبو أيوب الانصاري حمل على زيد بن حصين من الخوارج فقتله (٢) ،

__________________

(١) مروج الذهب : ٢ / ٤٠٥ ـ ٤٠٧‌

(٢) مروج الذهب : ٢ / ـ ٤٠٦‌


٧٧ ـ وسئل الفضل بن شاذان عن أبي أيوب خالد بن زيد الانصاري وقتاله مع معاوية المشركين؟ فقال : كان ذلك منه قلة فقه وغفلة ، ظن أنه انما يعمل عملا لنفسه يقوي به الإسلام ويوهي به الشرك وليس عليه من معاوية شي‌ء كان معه أو لم يكن‌

______________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى : كان ذلك منه قلة فقه‌

« كان » اما ناقصة و « قلة فقه » نصب على الخبر ، أو تامة ، ونصب « قلة فقه » على التمييز.

و « غفلة » منونة بالنصب عطفا على قلة فقه ، اما على الخبر بعد الخبر ، أو على التميز ، أو الواو بمعنى أو ، أي وقع ذلك منه اما من جهة قلة الفقه أو من جهة الغفلة.

و « ظن أنه » الخ جملة فعلية بيانا للغفلة وقلة الفقه.

و « يوهي » بضم ياء المضارعة وكسر الهاء على البناء للفاعل من باب الافعال يقال : وهي يهي وهيا أي ضعف ، وأوهاه غيره يوهيه إيهاء أي أضعفه.

وفي نسخة « يوهن » بالنون من الوهن بمعنى الضعف أيضا يتعدي ولا يتعدي يقال : وهن اذا وهي وضعف ، وأوهنتهم الحمى ، ووهنتهم أيضا أي أوهنتهم وأضعفتهم.

في ابن مسعود وحذيفه ومنزلتهما‌

هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود من كبار الصحابة ، ذكر نسبه بما فيه من الاقوال في جامع الاصول ثم قال : وكان أبوه مسعود قد حالف في الجاهلية عبد الله بن الحارث بن زهرة ، وكان اسلام عبد الله قديما في أول الإسلام قبل دخول النبي 6 دار الارقم وقبل عمر بزمان ، وقيل : كان سادسا في الإسلام ثم ضمه اليه رسول الله 6

وكان من خواصه ، وكان صاحب سر رسول الله 6 وسواكه ونعليه وظهوره في السفر ، هاجر الى الحبشة وشهد بدرا وما بعدها من المشاهد ، وصلى الى القبلتين وشهد له رسول الله 6 الجنة وقال رسول الله 6 : رضيت لأمتي ما رضي لها ابن‌


حذيفة وعبد الله بن مسعود‌

٧٨ ـ وسأل عن ابن مسعود وحذيفة؟ فقال : لم يكن حذيفة مثل ابن مسعود

______________________________________________________

أم عبد ، وسخطت لها ما سخط لها ابن أم عبد (١).

وكان خفيف اللحم قصيرا شديد الادمة ، يكاد طوال (٢) الرجل يوازيه جلوسا ولي القضاء بالكوفة وبيت مالها لعمر وصدرا من خلافة عثمان ، ثم صار الى المدينة فمات بها سنة اثنين وثلاثين ، ودفن بالبقيع ، وله بضع وستون سنة.

حذيفة بن يمان أبو عبد الله العبسي من عظماء الصحابة ومن الاركان الاربعة في الاستقامة مع علي 7 بعد رسول الله 6 على قول ، وقد أسلفنا ترجمته وما ينبغي أن يذكر في معناه (٣).

واليمان اسمه حسيل بن جابر بن ربيعة العبسي ، حسيل بضم الحاء وفتح السين المهملتين واسكان الياء المثناة من تحت واللام أخيرا ، حالف بني عبد الاشهل فسماه قومهم يمان ، لأنه حالف اليمانية ، فحذيفة يعد من حلفاء الانصار.

وخرج حذيفة هو وأبوه فأخذهما كفار قريش فقالوا : انكما تريدان محمدا فقالا : ما نريد الا المدينة ، فأخذوا منهما عهد الله ان لا يقاتلا مع النبي 6 وأن ينصرفا الى المدينة.

فأتيا النبي 6 فأخبراه وقالا : ان شئت قاتلنا معك قال : بل نفي ونستعين الله عليهم ففاتتهما بدر ، وشهد حذيفة أحدا وما بعدها ، ومات بعد قتل عثمان بأيام يسيرة بعد أن بايع أمير المؤمنين 7 وهو بالكوفة وعلي 7 بالمدينة وقد بويع له.

قوله رحمه الله تعالى : لم يكن حذيفة مثل ابن مسعود‌

لان حذيفة كان ركنا بضم الراء واسكان الكاف قبل النون ، أي كان ركنا من‌

__________________

(١) رواه ابن عبد البر في الاستيعاب : ٢ / ٣١٩‌

(٢) اى الطويل من الرجال قال في القاموس : طال طولا بالضم امتد كاستطال فهو طويل وطوال كغراب وهى ـ اى يقال للمؤنث طويلة بالهاء ـ بهاء « منه » ٤ / ٩‌

(٣) أى في شأنه وأمره أو معناه اللغوى‌


لان حذيفة كان ركنا وابن مسعود خلط ووالى القوم ومال معهم وقال بهم ، وقال أيضا :

______________________________________________________

الاركان الاربعة بالاستقامة في موالاة علي بن أبي طالب 7 ومتابعته ومطاوعتة اياه بعد رسول الله 6 ، وهذا أحد القولين ، وقد نقله الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال (١)

والقول الاشهر أن رابع الاركان عمار بن ياسر مكان حذيفة بن يمان رضي الله تعالى عنهما.

قوله رحمه الله تعالى : وابن مسعود خلط ووالى القوم ومال معهم وقال بهم‌

« خلط » بتشديد اللام من التخليط ، « ووالى القوم » أي أظهر موالاتهم ، « ومال معهم » أي حاص معهم عن طريق الحق ، وحاد عن سواء السبيل ، كما حاصوا وحادوا « وقال بهم » أي أذعن لهم وانقاد في ظاهر الامر.

وقد ورد الاخبار وصح أن ابن مسعود قد رجع عما وقع منه وتندم وتظاهر بالتندم عليه.

ومن ذلك ما رواه الحاكم صاحب المستدرك على الصحيحين وشواهد التنزيل والحافظ أبو نعيم صاحب حلية الاولياء وابن عبد البر صاحب الاستيعاب وأبو بكر ابن مردويه وأبو عبد الله بن السراج ورهط غيرهم بأسانيد معتبرة عن عبد الله بن مسعود قال : قال النبي 6 يا بن مسعود انه قد نزلت في علي آية ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) (٢) وأنا مستودعكها ومسم لك خاصة الظلمة ، لكن لا أقول واعيا وعني له مؤديا ، من ظلم عليا مجلسي هذا فهو كمن جحد نبوتي ونبوة من كان قبلي.

فقال له الراوي : يا أبا عبد الرحمن أسمعت هذا من رسول الله 6؟! قال : نعم قلت له : كيف؟ وأتيت الظالمين ، قال : لا جرم جليت عقوبة عملي وذلك أني‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ٣٧‌

(٢) سورة الانفال : ٢٥‌


______________________________________________________

لم استأذن امامي كما استأذنه جندب وعمار وسلمان وأنا أستغفر الله وأتوب اليه (١).

ولهذا الحديث طرق متظافرة عن غير ابن مسعود من طريق ابن عباس ومن طريق عمار بن ياسر ومن طريق أبي ذر ومن عداهم من كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، قد أوردناها ونقلناها عن العامة والخاصة في كتاب شرح التقدمة.

و « أتيت » من المواتاة بمعنى المجازات والمماشاة والمساعفة والمساعدة.

و « جليت » بضم الجيم وتشديد اللام المكسورة على البناء للمفعول ، وأصله جلّلت بلامين مشددة مكسورة وأخرى بعدها ساكنة فاجتمعت ثلاث لا مات فقلبت الاخيرة منها ياء ، كما في التظني والتقضي ومشاكلتهما.

و « عقوبة عملي » منصوبة على أنها منزوعة الخافض.

والمعنى : غطيت بعقوبة عملي فشملتني وعمتني عقوبة ذلك ، كما يشمل الثوب البدن ويغطيه ويعمه.

قال في أساس البلاغة : وجلّله غطاه ، وتجلّل بثوبه تغطي به ، ومن المجاز تجلّله الهم والمرض (٢).

وفي الصحاح : وجلل الشي‌ء تجليلا أي عم ، والمجلل السحاب الذي يجلل الارض بالمطر أي يعم ، وتجليل الفرس أن تلبسه الجل ، وتجلله أي علاه ، وتجلله أي أخذ جلاله (٣).

__________________

(١) شواهد التنزيل : ١ / ٢٠٦ رواه عن طرق مختلفة ، والطرائف : ٣٦ والبحار ٣٨ / ١٥٥‌

(٢) أساس البلاغة : ٩٨‌

(٣) الصحاح : ٤ / ١٦٦٠‌


ان من السابقين الذين رجعوا الى امير المؤمنين 7 أبو الهيثم بن التيهان

______________________________________________________

السابقون الذين رجعوا الى أمير المؤمنين (ع)

ذكر منهم خمسة عشر رجلا باسمائهم.

قوله رحمه الله تعالى : أبو الهيثم بن التيهان‌

بالهاء المفتوحة والمثناة من تحت الساكنة ثم المثلثة المفتوحة قبل الميم ، اسمه في المشهور مالك بن تيهان بالمثناة من فوق قبل المثناة من تحت المشددة المفتوحتين وقيل : بكسر الياء المشددة البلوي ، من أصحاب أمير المؤمنين 7 وخواصه من الصحابة ، ذكره الشيخ في كتاب الرجال (١) ، والعلامة في الخلاصة (٢). والأصحّ أنه من شهداء أصحابه 7 بصفين.

قال في المغرب : علي كرم الله وجهه قال لا بن عباس : انك رجل تايه : أما علمت أن النبي 6 حرم لحوم الحمر. التيه : التحير والذهاب عن الطريق القصد ، يقال : تاه في المفازة ، وانما خاطبه بهذا حيث اعتقد أنه استحل ما حرم رسول الله ، فجعله كالتارك للقصد والمائل عنه.

و « تيهان » فيعلان ـ بالفتح ـ من تاه ، وبه سمي والد أبي الهيثم مالك بن تيهان وهو من الصحابة.

وقال ابن الاثير في جامع الاصول : أبو الهيثم مالك بن التيهان بن مالك ، وقيل : اسم التيهان مالك بن عمرو بن زيد ، وفي نسبه خلاف فمنهم من يجعله أنصاريا من الاوس ، ومنهم من يجعله بلويا من بلي بن الحاف بن فضاعة ، ويقال : انه حليف بني عبد الاشهل ، شهد العقبة الاولى والثانية مع السبعين ، وكان أحد الستة الذين لقوا رسول الله 6 قبل ذلك بالعقبة فيما زعم بنو عبد الاشهل ، وهو أحد النقباء الاثنا عشر ، وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها ، روي عنه أبو هريرة ، وقيل : مات في‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ٦٣‌

(٢) الخلاصة : ١٨٩‌


وأبو ايوب وخزيمة بن ثابت وجابر بن عبد الله وزيد بن أرقم

______________________________________________________

خلافة عمر سنة عشرين بالمدينة ، وقيل : قتل مع علي 7 بصفين سنة سبع وثلاثين وقيل : غير ذلك.

الهيثم بفتح الهاء وسكون الياء وبالثاء المثلثة ، والتيهان بفتح التاء فوقها نقطتان وتشديد الياء تحتها نقطتان وكسرها وبالنون ، وبلي بفتح الباء الموحدة وكسر اللام وتشديد الياء ، والحاف بالحاء المهملة وكسر الفاء. انتهى كلام جامع الاصول (١).

قوله رحمه الله تعالى : وأبو أيوب‌

قد سبق القول فيه في ترجمته.

قوله رحمه الله تعالى : وخزيمة بن ثابت وجابر بن عبد الله‌

وكل منهما سيأتي ما في معناه في ترجمته.

قوله رحمه الله تعالى : وزيد بن أرقم‌

ذكره الشيخ ; في كتاب الرجال في عداد من روى عن النبي 6 من الصحابة.

وذكره في أصحاب أمير المؤمنين 7 وقال زيد بن أرقم الانصاري عربي مدني خزرجي.

وذكره أيضا في أصحاب أبي محمد الحسن بن علي 8.

وفي أصحاب أبي عبد الله الحسين بن علي 8 (٢).

وقال البرقي ; : هو الذي أظهر نفاق المنافقين من بني الخزرج (٣).

يعني به ما حكاه التنزيل الكريم من قول عبد الله بن أبي رئيس المنافقين ( لَئِنْ

__________________

(١) الفوائد الرجالية من جامع الاصول غير مطبوع وهو يقع بعد الاجزاء الاثنى عشر المطبوع‌

(٢) رجال الشيخ : على الترتيب : ٢٠ و ٤١ و ٦٨ و ٧٣‌

(٣) رجال البرقى : ٢‌


وأبو سعيد الخدري وسهل بن حنيف والبراء بن مالك

______________________________________________________

رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ) (١) قال ذلك وعنى بالاعز نفسه ، فسمع بذلك زيد بن أرقم وهو حدث فقال : أنت والله الذليل القليل المبغض في قومه ، ومحمد في عزة من الرحمن وقوة من المسلمين فقال عبد الله : أسكت فانما كنت ألعب ، فأخبر زيد رسول الله 6.

وقال الذهبي في مختصره : زيد بن أرقم الخزرجي بالكوفة ، عن أسبع عشرة مرة ، عنه طاوس وأبو اسحاق ، وكان من خواص علي ، توفي ٦٨ ، وقيل ٦٦.

وليعلم أن والد زيد بن أرقم هو أرقم بن زيد بن قيس الانصاري ، وفي كنية زيد بن أرقم أقوال أربعة : أبو عمر وأبو عامر وأبو أنية (٢) ، وأما الذي كان النبي 6 يسكن داره بمكة صدر الإسلام فهو الارقم بن أبي الارقم ، واسم أبي الارقم عبد مناف بن أسد بن عبد الله عمر بن مخزوم : كانت داره على الصفا بمكة وهي التي دخلها النبي 6 أول زمان النبوة وكان يكون فيها ، ففيها دعى الناس الى دين الإسلام ، وفيها أسلم خلق كثير ، وشهد الارقم بن أبي الارقم بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع النبي 6 ، ومات سنة خمس وخمسين بالمدينة ، وهو ابن بضع وثمانين سنة.

قوله رحمه الله تعالى : وأبو سعيد الخدرى ، وسهل بن حنيف‌

قد تقدمت ترجمة سهل بن حنيف ، وأبو سعيد الخدي سيجي‌ء ما في معناه في ترجمته.

قوله رحمه الله تعالى : والبراء بن مالك‌

قال الشيخ ; في كتاب الرجال في باب من روي عن النبي 6 من الصحابة : البراء بن مالك الانصاري أخو أنس بن مالك ، شهد أحدا والخندق ، وقتل يوم تستر (٣).

__________________

(١) سورة المنافقون : ٨‌

(٢) في « ن » أبو انيسه‌

(٣) رجال الشيخ : ٨‌


وعثمان بن حنيف

______________________________________________________

وفي جامع الاصول وغيره : البراء بن مالك بن النضر بن ضمضم أخو أنس لأبيه وأمه ، وشهد أحدا وما بعدها مع النبي 6 وكان شجاعا ، روى أنس بن مالك عن النبي 6 أنه قال : رب ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لا بره ، منهم البراء بن مالك (١). فلما كان يوم تستر انكشف الناس فقالوا : يا براء اقسم على ربك فقال : اقسم عليك أي رب لما منحتنا اكتافهم والحقتني بنبيك فاستشهد.

قوله رحمه الله تعالى : وعثمان بن حنيف‌

هو أخو سهل بن حنيف ، عثمان بن حنيف بن واهب أبو عبد الله الانصاري ذكره الشيخ ; في كتاب الرجال في أصحاب أمير المؤمنين 7 قال : عثمان ابن حنيف الانصاري عربي (٢).

وذكر المسعودي في مروج الذهب مسير عثمان بن حنيف الانصاري الى البصرة على خراجها من قبل علي 7 قال : وسار القوم نحو البصرة في ست مائة راكب ، فانتهوا في الليل الى ماء لبني كلاب يعرف بالحوأب عليه أناس من بني كلاب ، فعوت كلابهم على الركب ، فقالت عائشة : ما اسم هذا الموضع؟ فقال لها السائق لجملها : الحوأب فاسترجعت وذكرت ما قيل لها في ذلك وقالت : ردوني الى حرم رسول الله لا حاجة لي في المسير.

فقال الزبير : بالله ما هذا الحوأب ولقد غلط فيما أخبرك به ، وكان طلحة في ساقة الناس فلحقها فاقسم أن ذلك ليس بالحوأب ، وشهد معهما خمسون ممن كان معهم فكان ذلك أول شهادة زور أقيمت في الإسلام ، فأتوا البصرة فخرج اليهم عثمان ابن حنيف فما نعم وجرى بينهم قتال الى آخر ما ذكره (٣).

__________________

(١) جامع الاصول : ١٠ / ٦١‌

(٢) رجال الشيخ : ٤٧‌

(٣) مروج الذهب : ٢ / ٣٥٧ ـ ٣٥٨‌


وعبادة بن الصامت ، ثم ممن دونهم قيس بن سعد بن عبادة

______________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى : وعبادة بن الصامت‌

ممن أسلم قديما وثبت في الايمان مستقيما ، وهو السبب في اسلام كعب بن عجرة ، وقد كانت بينهما صداقة.

ذكره الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال فيمن روى عن النبي 6 من الصحابة (١).

ثم ذكره في أصحاب أمير المؤمنين 7 قال : عبادة بن الصامت ابن أخي أبي ذر ممن أقام بالبصرة وكان شيعيا (٢).

وفي جامع الاصول : عبادة بضم العين وتخفيف الباء الموحدة. وقال الدارقطني وأبو بكر البرقي وغيرهما من العامة : عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم ابن فهر بن ثعلبة ، يكنى أبا الوليد شهد العقبة مع السبعين ، وهو أحد النقباء الاثنا عشر ، وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع النبي 6 ، وكان يعلم أهل الصفة القرآن ، وله من الولد الوليد ومحمد ، ومات بالرملة من أرض الشام ، وقيل : بيت المقدس سنة أربع وثلاثين ، وهو ابن اثنتين وسبعين ، وقيل : بقي حتى توفى في خلافة معاوية (٣).

قوله ; : قيس بن سعد بن عبادة‌

قد أسلفنا ذكره في حديث المتحورين من السابقين ، وهم الذين رجعوا الى أمير المؤمنين 7 وأبوا أن يبايعوا فلانا وفلانا ، وسيعاد ما في معناه مبسوطا في ترجمته‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ٢٣‌

(٢) رجال الشيخ : ٤٧‌

(٣) مخطوط لم أظفر عليه‌


وعدي بن حاتم وعمرو بن الحمق وعمران بن الحصين

______________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى : عدى بن حاتم‌

عدي بالمهملتين المفتوحة ثم المكسورة قبل الياء المشددة ابن حاتم بن عبد الله أبو طريف الطائي.

ذكره الشيخ في كتاب الرجال في الصحابة ، وفي أصحاب أمير المؤمنين 7 (١).

وفي مختصر الذهبي : عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد الطائي الجواد بن الجواد ، أسلم سنة سبع ، عنه الشعبي وأبو اسحاق وسعيد بن جبير ، نزل قرقيسا منعزلا قال ابن سعد : مات ٦٨ عن مأئة وعشرين سنة.

قوله ; : وعمرو بن الحمق‌

سيورد أمره في ترجمته من ذي قبل.

قوله رحمه الله تعالى : وعمران بن الحصين‌

هو أبو نجيد بضم النون وفتح الجيم على التصغير ، عمران بن الحصين ـ باهمال الصاد المفتوحة بعد الحاء المهملة المضمومة ـ ابن عبيد بن خلب بن عبد نهم. بفتح النون واسكان الهاء ـ الخزاعي الازدي.

ذكره الشيخ ; في الصحابة (٢).

قال أكثر علماء الحديث والرجال من العامة ، أسلم قديما ، وغزا مع النبي 6 غزوات ، ولم يزل في بلاد قومه ، ثم تحول الى البصرة الى أن مات بها في خلافة معاوية ، وكان به مرض ، فكانت الملائكة تسلم عليه فلما اكتوى انقطع التسليم ثم عاد اليه.

وقال الذهبي : منهم عمار بن حصين الخزاعي أبي نجيد أسلم مع أبي هريرة ، وكانت الملائكة تسلم عليه مات ٥٢.

__________________

(١) رجال الشيخ : ٢٣ و ٤٩‌

(٢) رجال الشيخ : ٣٢‌


وبريدة الاسلمي

______________________________________________________

وفي جامع الاصول : أسلم هو وأبوه عام خيبر ، وسكن البصرة الى أن مات بها سنة اثنتين وخمسين ، وقيل : سنة ثلاث ، وكان من فضلاء الصحابة وفقهائهم ، وسئل عمران بن الحصين عن متعة النساء فقال : أتانا بها كتاب الله وأمرنا بها رسول الله 6 ثم قال فيها رجل برأيه ما شاء فلا يتبع قوله ، ولو لم ينه عنه ما زني الا شقي.

يعني به عمر بن الخطاب ونهيه عنها برأيه في مقابلة نص الكتاب والسنة.

قوله رحمه الله تعالى : وبريدة الاسلمى‌

هو أخو أبي داود لأمه ، وقد سبق في ترجمة أبي داود في حديث أبي داود في حديث عمران بن حصين الخزاعي أن رسول الله 6 أمر فلانا وفلانا أن يسلما على علي 7 بإمرة المؤمنين. وهو أبو عبد الله الاسلمي بريدة ـ بضم الموحدة وفتح الراء واسكان المثناة من تحت ثم الدال المهملة والهاء أخيرا ـ ابن الحصيب ـ بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين على التصغير ـ ابن عبد الله بن الحارث.

وفي القاصرين من يصحف غالطا فيعجم الخاء ويفتحها ويكسر الصاد المهملة بعدها.

قال في القاموس في ح ص ب : بريدة بن الحصيب كزبير صحابي ومحمد بن الحصيب حفيده (١).

وفي المغرب : البردة بالهاء كساء مربع أسود صغير وبها كني أبو بردة بن نيار صاحب الجذعة واسمه هاني ، وبتصغيرها سمي بريدة بن الحصيب وابنه سليمان بن بريدة ، يروي عن أبيه وعنه علقمة.

والشيخ ; في كتاب الرجال ذكره في عداد الصحابة قال : بريدة بن الحصيب الاسلمي ، وقيل : أبو الحصيب (٢) ، ثم ذكره في أصحاب أمير المؤمنين 7

__________________

(١) القاموس : ١ / ٥٥‌

(٢) رجال الشيخ : ١٠ وفيه الخصيب بالخاء المعجمة‌


وبشر كثير.

______________________________________________________

وقال : بريد بن الحصيب الاسلمي الخزاعي مدني عربي (١).

وفي مختصر الذهبي : بريدة بن الحصيب الاسلمي شهد خيبر ، عنه ابناه والشعبي وعدة ، تو في ٦٢.

قوله رحمه الله تعالى : وبشر كثير‌

أي كثير من الناس من أعيان الصحابة ومن خيار التابعين ، فهذه عبارة شائعة معروفة دائرة على ألسن العلماء من العامة والخاصة ، لا سيما في علم الرجال فكثيرا ما يذكرون رجلا ويقولون : روى عنه بشر كثير ، أو خلق كثير ، أو أمم ، أو طائفة أو جماعة كثيرة.

ومن عجائب التحريفات والاغاليط ما قد وقع فيه بعض من يتمهر من القاصرين حيث (٢) حرف بشر كثير الى بشر بن كثير ثم لم يقنع بذلك ، بل بنى عليه أن بشر ابن كثير رجل من أصحاب أمير المؤمنين 7 ومن السابقين الذين رجعوا اليه ، وتمسك في ذلك بقول أبي عمرو الكشي رحمه الله تعالى ، ولم يعرف أنه ليس في الرجال من يقال له بشر بن كثير في شي‌ء من كتب الرجال ، ولم يحر له ذكر في شي‌ء من الطرق والاسانيد أصلا ، فلا تكونن من الجاهلين.

__________________

(١) رجال الشيخ : ٣٥‌

(٢) تعريض الى الرجالى الشهير الميرزا محمد الأسترآبادى في كتابه منهج المقال حيث قال : بشر بن كثير عن الفضل بن شاذان أنه من السابقين الذين رجعوا الى امير المؤمنين (ع)


______________________________________________________

بلال رضى الله تعالى عنه وصهيب موليان

بلال بن رباح بالموحدة بعد الراء المفتوحة والمهملة بعد الالف ، واسم امه حمامة مولاة بني جمح ، وكان يعذبه قومه ويذكرون اللات والعزى ، وهو يذكر الله سبحانه ويقول : أحد أحد ، شهد مع النبي 6 بدرا وأحدا والمشاهد كلها ، وهو أول من أذن لرسول الله 6 ، وكان يؤذن له حضرا وسفرا ، وكان خازنه على بيت ماله ، وهو سابق الحبشة ، فلما توفى رسول الله 6 لم يؤذن لأحد ، خرج من المدينة فذهب الى الشام ، ومات بدمشق وقيل : مات بحلب سنة عشرين وقيل : ثماني عشرة ، ودفن هنالك ، وكان نحيفا طوالا شديد الادمة.

ذكره الشيخ في الصحابة وقال : بلال مولى رسول الله 6 شهد بدرا ، وتوفى بدمشق في الطاعون ، سنة ثماني عشرة ، كنيته أبو عبد الله ، وقيل : أبو عمرو ، ويقال : أبو عبد الكريم. وهو بلال بن رياح مدفون بباب الصغير بدمشق (١).

« صهيب » يكنى أبا يحيى ، وهو ابن سنان بن مالك بن عبد عمرو النميري ، بفتحتين نسبة الى نمر بن قاسط ، بكسر الميم بعد النون المفتوحة ، سبي وهو غلام صغير كانت منازلهم بأرض الموصل فيما بين دجلة والفرات وأغارت الروم على تلك الناحية فسبته صغيرا فنشأ بالروم ، فابتاعته منهم كلب ثم قدمت به مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان التيمي فاعتقه.

ويقال : انه لما كبر في الروم وعقل وهرب منهم وقدم مكة ، فحالف عبد الله بن جدعان ، بضم الجيم واسكان الدال المهملة واهمال العين ، فأقام معه الى أن هلك وبعث النبي 6 ، فأسلم قديما بمكة.

قال في جامع الاصول يقال : انه أسلم هو وعمار بن ياسر في يوم واحد ورسول الله 6 بدار الارقم بعد بضعة وثلاثين رجلا ، وكان من المستضعفين المعذبين في الله‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ٨‌


بلال وصهيب موليان‌

٧٩ ـ أبو عبد الله محمد بن ابراهيم ، قال حدثني علي بن محمد بن يزيد القمي ،

______________________________________________________

ثم هاجر الى المدينة بعد هجرة النبي 6 ، شهد بدرا والمشاهد كلها : وهو سابق الروم.

مات بالمدينة سنة ثمان وثلاثين عن سبعين سنة ، وقيل : سنة تسع وثلاثين وهو ابن ثلاث وسبعين سنة ودفن بالبقيع.

ذكره الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال في عداد الصحابة (١) ، ولم يزد على مجرد ذكره بقوله : صهيب بن سنان شيئا.

والحسن بن داود أورده في كتابه في قسم الضعفاء وقال : صهيب مولى رسول الله 6 (٢).

قوله رحمه الله تعالى : أبو عبد الله محمد بن ابراهيم‌

هو محمد بن ابراهيم الوراق من أهل سمرقند ، ذكره الشيخ ; في باب لم (٣).

فأما محمد بن ابراهيم بن يوسف الكاتب الذي كان يتفقه على مذهب الشافعي ظاهرا ، ويرى رأي الشيعة في الباطن ، وكان فقيها على المذهبين ، وله في المذهبين كتب : فهو وان كان في هذه الطبقة يروي عنه ابن عبدون ، الا أنه ليس هذا الذي روى عنه أبو عمرو الكشي ; ، وكنيته أبو الحسن ويعرف بأبي بكر الشافعي ، لا أبو عبد الله.

قوله ; : على بن محمد بن يزيد القمى‌

في بعض النسخ « بريدة » مكان يزيد‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ٢١‌

(٢) رجال ابن داود : ٤٦٢‌

(٣) رجال الشيخ : ٤٩٧‌


قال حدثني عبد الله بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي‌

______________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى : عبد الله بن محمد بن عيسى‌

عبد الله بن محمد هذا هو أخو أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري القمي ، ولقبه بنان ، كما سيذكره أبو عمرو الكشي ; في مقامه من ذي قبل ، فيورد في الاسانيد بلقبه فيقال : عن بنان بن محمد.

وبعض شهداء المتأخرين رفع الله درجته كأنه لم يعثر على ذلك فكثيرا ما في شرح الشرائع يحكم على الحديث بعدم الصحة ، بأن في طريقه بنان بن محمد وهو مجهول ، فنحن في المعلقات على الاستبصار وعلى التهذيب وفي كتاب ضوابط الرضاع قد نبهنا على فساد قوله وأوضحنا حال الرجل.

وفي الكافي في بعض أبواب كتاب الصوم ، محمد بن يحيى عن بنان بن محمد عن أخيه عبد الرحمن بن محمد (١).

وعلى هذا فيكون أحمد وبنان وعبد الرحمن ثلاثة أخوة ، وهم أبناء محمد بن عيسى.

ومن أعاجيب الاوهام تحامل (٢) احتمال الواو مكان « ابن » في قول الشيخ في الاستبصار في باب الجهر بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فأما ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن أبي عمير (٣). ونفى البعد عن كون محمد هو محمد ابن محمد بن عيسى ، فيكون أخا أحمد بن محمد بن عيسى.

فلم يبلغني عن أحد فيما وقع إليّ الى الان أن لمحمد بن عيسى ابنا يقال له : محمد ، فلا تكونن من المتوهمين.

__________________

(١) الكافى : ٤ / ١٧٤ باب الفطرة ح ٢٢‌

(٢) تحامله صاحب المنتقى « منه » ‌

(٣) الاستبصار : ١ / ٣١٢‌


عبد الله 7 قال كان بلال عبدا صالحا وكان صهيب عبد سوء كان يبكي على عمر.

أسامة بن زيد‌

٨٠ ـ حدثنا محمد بن مسعود ، قال حدثني علي بن محمد قال حدثني محمد‌

______________________________________________________

قوله 7 : وكان بلال عبدا صالحا‌

وروى الصدوق أبو جعفر ابن بابويه رضوان الله تعالى عليه في الفقيه عن أبي بصير عن أحدهما 8 أنه قال : ان بلا لا كان عبدا صالحا فقال : لا أؤذن لا حد بعد رسول الله 6 فترك يومئذ « حي على خير العمل » (١).

وفي الفقيه أيضا : روي منصور بن حازم عن أبي عبد الله 7 قال : هبط جبرئيل 7 بالاذان على رسول الله 6 وكان رأسه في حجر علي 7 فأذن جبرئيل 7 وأقام ، فلما انتبه رسول الله 6 قال : يا علي سمعت؟ قال : نعم يا رسول الله فقال : حفظت؟ قال : نعم قال : ادع بلالا فعلمه ، فدعا بلا لا فعلمه (٢).

أسامة بن زيد‌

قال الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال في باب الصحابة : أسامة بن زيد بن شراحيل مولى رسول الله 6 أمه أم أيمن اسمها بركة مولاة رسول الله 6 كنيته أبو محمد ، ويقال : أبو زيد (٣).

شراحيل بفتح الشين المعجمة وكسر الحاء المهملة.

وقال في باب أصحاب أمير المؤمنين 7 : أسامة بن زيد بن حارثة مولى رسول الله 6 ، والاصل من كليب ونسبه معروف (٤).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٤‌

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٣‌

(٣) رجال الشيخ : ٣‌

(٤) رجال الشيخ : ٣٤‌


ابن أحمد ، عن سهل بن زاذويه ، عن أيوب بن نوح ، عمن رواه ، عن ابي مريم الانصاري ، عن أبي جعفر 7 قال : ان الحسن بن علي 7 كفّن أسامة بن زيد في برد أحمر حبرة.

______________________________________________________

وقال ابن عبد البر : أبو محمد اسامة بن زيد بن حارثة الحب بن الحب ، أمه أم أيمن ، وهاجر مع رسول الله 6 ، وكان النبي يحبه حبا شديدا ، واستعمله وهو ابن ثماني عشرة سنة (١).

وفي مختصر الذهبي : أسامة بن زيد بن حارثة حب رسول الله 6 وابن حبه ، مات ٥٤ ، الحب بالكسر المحبوب.

وفي الصحاح والقاموس : شراحيل لا ينصرف عند سيبويه في معرفة ولا نكرة ، لأنه بزنة جمع الجمع ، وعند الاخفش ينصرف في النكرة فاذا حقرته انصرف عندهما لأنه عربي ، وفارق السراويل لأنها أعجمية (٢).

فقد علم مما ذكرنا أن والد أسامة بن زيد ـ زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي ـ وليس هو زيد بن حارثة الاوسي الانصاري.

ذكره الشيخ أيضا في باب الصحابة وقال : وليس بأبي اسامة بن زيد (٣).

قوله رحمه الله تعالى : عمن رواه عن أبى مريم الانصارى‌

وهو عبد الغفار الجازي ، وقد سبق في ترجمة سهل بن حنيف.

والشيخ ; في التهذيب روى هذا الحديث عن أيوب بن نوح عمن رواه عن أبي مريم الانصاري ، كما رواه أبو عمرو الكشي ، ورواه أيضا بسند متصل صحيح عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن اسماعيل بن بزيع عن علي بن‌

__________________

(١) الاستيعاب : ١ / ٥٧ المطبوع على هامش الاصابة‌

(٢) الصحاح : ٥ / ١٧٣٤ والقاموس ٣ / ٤٠٠‌

(٣) ذكره في أصحاب على (ع) قال : زيد بن حارثة وليس بأبى أسامة بن زيد ، الرجال ص ٤٢‌


٨١ ـ محمد بن مسعود ، قال أحمد بن منصور ، عن أحمد بن الفضل ، عن محمد بن زياد ، عن سلمة بن محرز ، عن أبي جعفر 7 قال : ألا أخبركم بأهل‌

______________________________________________________

نعمان عن أبي مريم الانصاري قال : سمعت أبا جعفر يقول الحديث (١).

قوله رحمه الله تعالى : أحمد بن منصور عن أحمد بن الفضل‌

محمد بن منصور بن نصر الخزاعي من أصحاب أبي الحسن الرضا 7 يقال له : أحمد بن منصور ، وقد نقلنا ذلك فيما سبق عن الشيخ في كتاب الرجال.

وأحمد بن الفضل الخزاعي من أصحاب أبي الحسن الكاظم 7 واقفي قاله الشيخ أيضا في كتاب الرجال (٢).

فالطريق به ضعيف ولولاه لكان الطريق قويا بأحمد بن منصور وبسلمة بن محرز (٣) القلانسي الكوفي أيضا ، وهو من أصحاب أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق 8.

وأما محمد بن زياد وهو محمد بن الحسن بن زياد العطار يقال له : محمد بن زياد ثقة (٤).

قال العلامة في الخلاصة : قال الكشي : روي أنه رجع ونهينا أن نقول إلا خيرا في طريق ضعيف ، ذكرناه في كتابنا الكبير ، ثم قال : والاولى عندي الوقف في روايته (٥).

قلت : لا بل الاولى قبول روايته لصحيحة أبي مريم الانصاري من طريق التهذيب في تكفين مولانا أبي محمد الحسن 7 اياه (٦) ، وسائر الروايات المتعاضدة‌

__________________

(١) تهذيب الاحكام : ١ / ٢٩٦‌

(٢) رجال الشيخ : ٣٤٤‌

(٣) بضم الميم واسكان الحاء المهملة وكسر الراء والزاء أخيرا « منه » ‌

(٤) راجع رجال النجاشى : ٢٨٥‌

(٥) الخلاصة : ٢٣‌

(٦) تهذيب الاحكام : ١ / ٢٩٦‌


الوقوف ، قلنا : بلى. قال أسامة بن زيد وقد رجع فلا تقولوا إلا خيرا ، ومحمد بن مسلمة ، وابن عمر مات منكوبا.

______________________________________________________

في أن أمير المؤمنين 7 قد عذره في الوقوف على متابعته ومبايعته ودعوة الناس اليه ، واظهار أن الحق فيه ومعه وفيما قد وقع منه من الممايلة والمسايرة مع اولئك الاقوام والمواتاة لهم والمجازات والمماشاة معهم ، ونقض الميثاق الذي قد أخذه منهم رسول الله 6 يوم الغدير ، ومراعاة العهد الذي كان جرى بينه وبينهم بعده.

ولان الشيخ ; في كتاب الرجال أورده في أصحاب أمير المؤمنين 7 (١) ولم يطعن (٢) له أصلا.

ولتظافر الاخبار في أنه كان حب رسول الله 6 وابن حبه (٣).

ومن الصحيح الثابت عند نقلة الاخبار وجملة الروايات أن أسامة بن زيد لم يبايع أبا بكر حتى مات وقال : رسول الله 6 أمّرني عليك فمن أمرك عليّ.

قوله 7 : ومحمد بن مسلمة وابن عمر مات منكوبا‌

يعنى محمد بن مسلمة أيضا رجع بعد الوقوف كما أسامة ، فلا تقولوا فيه إلا خيرا ، وابن عمر من أهل الوقوف ولم يرجع ومات منكوبا.

أو يعنى كل منهما مات منكوبا ـ بالنون قبل الكاف والباء الموحدة بعد الواو ـ أي معدولا به عن طريق الحق وعن سبيل الاستقامة.

يقال : نكب عن الطريق اذا عدل عنه : ونكب به عنه غيره ونكبه عنه تنكيبا اذ أحرفه وأزاغه عنه ، وطريق منكوب على غير قصد واستقامة.

محمد بن مسلمة ذكره الشيخ رحمه الله تعالى في باب الصحابة (٤).

__________________

(١) رجال الشيخ : ٣٤‌

(٢) وفي « ن » فيه‌

(٣) رواه في جامع الاصول : ١٠ / ٢٦ و ٢٧‌

(٤) رجال الشيخ : ٢٧‌


______________________________________________________

وفي جامع الاصول : هو أبو عبد الله وقيل : أبو عبد الرحمن محمد بن مسلمة ابن خالد بن مجدعة بن الحارث بن عمرو بن ملك بن أوس الانصاري الحارثي الاشهلى ، وقيل : في نسبه غير ذلك.

شهد المشاهد كلها الا في تبوك ، وكان من فضلاء الصحابة ، وكان من الذين أسلموا على يد مصعب بن عمر بالمدينة ، ومات بها سنة ثلاث ، وقيل : ست ، وقيل : سبع وأربعين ، وهو ابن سبع وسبعين سنة ، وفي نسبه خلاف غير ما قيل أولا. مجدعة بفتح الميم وسكون الجيم وفتح الدال المهملة.

وفي مختصر الذهبي : محمد بن مسلمة الخزرجي بدري جليل ، مات في عشر ثمانين بالمدينة سنة ٤٣.

« ابن عمر » هو عبد الله بن عمر بن الخطاب ذكره الشيخ ; في الصحابة (١).

وفي جامع الاصول : أسلم مع أبيه بمكة وهو صغير ، وقد ذهب قوم الى أنه أسلم قبل أبيه ولم يصح ، ولم يشهد بدرا واختلفوا في شهوده أحدا.

والصحيح أن أول مشاهده الخندق وقيل : انه استصغر يوم بدر وأجازه النبي 6 يوم أحد ، وروى نافع أنه رده يوم أحد لأنه كان ابن اربع عشر سنة ، وشهد ما بعد الخندق من المشاهد ، وكان من أهل الورع والعلم والزهد شديد التحري والاحتياط والتوقي في فتياه.

ولد قبل الوحي بسنة ، ومات بمكة سنة ثلاث وسبعين بعد قتل ابن الزبير بثلاثة أشهر وقيل : بستة أشهر ، ودفن بذي طوى في مقبرة المهاجرين ، وقيل : دفن بفخ ، وله أربع وثمانون سنة ، وقيل : ستة وثمانون ، روى عنه خلق كثير ، منهم ابناه سالم وحمزة ونافع مولاه انتهى كلام جامع الاصول.

__________________

(١) رجال الشيخ : ٢٢‌


٨٢ ـ قال ابو عمرو الكشي : وجدت في كتاب أبي عبد الله الشاذاني ، قال حدثني جعفر بن محمد المدائني ، عن موسى بن القاسم العجلي ، عن صفوان ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله ، عن آبائه : قال : كتب علي 7 الى والي المدينة لا تعطين سعدا ولا ابن عمر من الفي‌ء شيئا ، فأما أسامة بن زيد‌

______________________________________________________

ومن تعاجيب الاوهام الفاسدة لبعض من أدرك عصرنا حسبانه أن ابن عمر في هذا الحديث هو الذي تقدم انه قال لمعاوية يوم قتل عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه : اني معكم ولست أقاتل ان أبي شكاني الى النبي 6 فقال لي رسول الله 6 « أطع أباك ما دام حيا ولا تعصه » فأنا معكم ولست اقاتل (١).

فيا عجبا لهذا المتوهم كيف اعتراه هذا الحسبان ، ولم يعلم أن ذاك عبد الله بن عمرو بن العاص كان في معسكر معاوية مع أبيه ، وذا عبد الله بن عمر بن الخطاب فارق معسكر معاوية اذ شاهد قتل عمار ، لقول النبي 6 : تقتله الفئة الباغية. ولم يرجع الى أمير المؤمنين 7 بل خرج من عند معاوية منصرفا الى الحجاز وأقام بمكة الى أن تو في بها.

قوله رحمه الله تعالى : وجدت في كتاب أبى عبد الله الشاذانى‌

وهو محمد بن أحمد بن نعيم النيسابوري الشاذاني ـ بالمعجمتين والنون ـ من أصحاب أبي محمد العسكري 7 ، أنفذ بما اجتمع عنده من مال الغريم اليه 7 وزاده من ماله ، فورد عليه الجواب منه 7 قد وصل إلي ما أنفذت إليّ من خاصة مالك وهو كذا وكذا تقبل الله منك.

قوله 7 : لا تعطين سعدا ولا ابن عمر من الفى‌ء شيئا‌

يعني سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر.

قال المسعودي في مروج الذهب : حدث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ،

__________________

(١) القائل هو الرجالى الميرزا محمد الأسترآبادى في كتاب منهج المقال : ٢٠٩‌


______________________________________________________

عن محمد بن حميد الرازي ، عن أبي مجاهد ، عن محمد بن اسحاق ، عن ابن ابي نجيح ، قال : لما حج معاوية طاف بالبيت ومعه سعد ، فلما فرغ انصرف معاوية الى دار الندوة وأجلسه معه على سريره ووقع في علي 7 وشرع في سبه ، فزحف سعد.

ثم قال : أجلستني معك على سريرك ، ثم شرعت في سب علي ، والله لان تكون لي خصلة واحدة من خصال كانت لعلي أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، والله لان أكون صهر رسول الله 6 وأن لي من الولد ما لعلي أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس.

والله لان يكون رسول الله 6 قال لي ما قال له يوم خيبر : « لأعطينّ الراية رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله كرارا ليس بفرار يفتح الله على يديه » أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس.

والله لان يكون 6 قال لي ما قال له في غزوة تبوك : « ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي » أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، وايم الله لا دخلت لك دارا ما بقيت ثم نهض.

ووجدت في وجه آخر من الروايات أن سعدا لما قال لمعاوية هذه المقالة ثم نهض ليقوم قال له معاوية : فهلا نصرته؟ ولم تكن قعدت عن بيعته.

وكان سعد وأسامة بن زيد وعبد الله بن عمرو محمد بن مسلمة ممن قعد عن بيعة علي بن أبي طالب ، وأبوا أن يبايعوه ، وغيرهم مما ذكرنا من القعود عن بيعته ، وذلك أنهم قالوا : انها فتنة انتهى كلام مروج الذهب (١).

وقد ذكر قبل هذا الكلام نقلا عن أبي مخنف لوط بن يحيى وغيره أن هؤلاء المتخلفين قد رجعوا اليه أخيرا وبايعوه 7 جميعا‌

__________________

(١) مروج الذهب : ٣ / ١٤‌


فاني قد عذرته في اليمين التي كانت عليه.

______________________________________________________

قوله 7 : فانى قد عذرته في اليمين التى كانت عليه‌

يقال : عذرته وأعذرته فهو معذور ومعذر ، يعني 7 قبلت عذره وصدقته في اليمين التي كانت عليه في ذلك فقد أتي فيه بما كان يجب عليه وحلف على وجه يستوجب القبول والتصديق.

قال ابن الاثير في النهاية : في الحديث « يمينك على ما يصدقك به صاحبك » أي يجب عليك أن تحلف له على ما يصدقك به اذا حلفت له (١).

قوله 7 : فانى قد عذرته في اليمين التى كانت عليه

وهي يمينه بعد قتله مرداس والمعاتبة على ذلك التنزيل الكريم ان لا يقتل من بعد من يقول : « لا إله الا الله » أبدا.

وبيانه : أن رجلا كان يقال له مرداس من أهل فدك أسلم ولم يسلم من قومه غيره ، فبعث رسول الله 6 سرية يغزوهم ، فهربوا وبقي مرداس ولم يكن من الهاربين متكلا على اسلامه ، واذ رأى الخيل ألجأ غنمه الى عاقول في الجبل وصعد.

فلما تلاقوا وكبّروا كبّر ونزل وقال : لا إله الا الله محمد رسول الله السلام عليكم ، فقتله اسامة بن زيد واستار غنمه فأخبروا بذلك رسول الله 6 فوجد عليه وجدا شديدا وقال : قتلتموه ابتغاء لما معه وطمعا فيه.

فنزل قوله سبحانه وتعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) (٢) الاية فحلف أسامة أن لا يقتل رجلا يقول لا إله الا الله ، وبذلك اعتذر الى أمير المؤمنين 7 حيث تخلف عنه في وقعة الجمل وقتال الناكثين.

وهذا عذر مدخول غير مقبول لوجوب طاعته 7 على أنه كان قد سمع‌

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ٥ / ٣٠٢‌

(٢) النساء : ٩٤‌


______________________________________________________

رسول الله 6 يقول لعلي 7 حربك حربي وسلمك سلمي وأنك تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين ، وغير ذلك مما سد على المتخلفين باب الاعتذار ، ولكن العذر عند كرام الناس مقبول ، ومولانا أمير المؤمنين صلوات الله وتسليماته عليه أعلم بالقضايا والاحكام فليعلم (١)

أبو سعيد الخدرى‌

ذكره الشيخ ; في الصحابة قال : سعد أبو سعيد الخدري (٢) ، ثم ذكره في أصحاب أمير المؤمنين 7 قال : سعد بن مالك الخزرجي يكنى أبا سعيد الخدري الانصاري العربي المدني (٣).

وأبو الحسن المسعودي أورده في عداد الذين قعدوا وتثبطوا عن بيعة أمير المؤمنين 7 ، ثم ذكر أنهم رجعوا اليه 7 واعتذروا وبايعوا جميعا.

« الخدري » بضم الخاء وسكون الدال المهملة منسوب الى خدرة ، واسمه الابحر ابن عوف بن حارث ، وقيل : خدرة أم أبحر والاول أشهر ، وهم بطن من الانصار كذا في جامع الاصول.

وفي المغرب : خدرة بالسكون حي من العرب اليهم ينسب أبو سعيد الخدري.

قال ابن عبد البر : أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة الخدري ، قال أبو سعيد : عرضت يوم أحد على النبي 6 وأنا ابن ثلاث عشرة فجعل أبي يأخذ بيدي فيقول : يا رسول الله انه عبل العظام وان كان مؤدنا أي قصيرا ، وجعل النبي 6 يصعد في ويصوب.

__________________

(١) هذه التعليقة توجد في نسخة « م » فقط ، بخط السيد الداماد ;.

(٢) رجال الشيخ : ٢٠‌

(٣) رجال الشيخ : ٤٣‌


أبو سعيد الخدرى‌

٨٣ ـ حمدويه ، قال حدثنا أيوب ، عن عبد الله بن المغيرة ، قال حدثني ذريح عن أبي عبد الله 7 قال ، ذكر أبو سعيد الخدري ، فقال : كان من أصحاب رسول الله‌

______________________________________________________

ثم قال : رده فردني فخرجنا نتلقى رسول الله حين أقبل من أحد ، فنظر إليّ فقال : سعد بن مالك؟ قلت : نعم بأبي وأمي ، فدنوت فقبلت ركبته ، فقال : آجرك الله في أبيك وكان قتل يومئذ شهيدا.

توفى أبو سعيد في يوم الجمعة سنة أربع وسبعين ودفن بالبقيع ، وهو ابن أربع وتسعين (١).

قال الذهبي : سعد بن مالك أبو سعيد الخدري من أصحاب الشجرة فقيه ، عنه ابن المسيب وابو بصيرة ، تو في ٧٤.

قلت : أبو سعيد الخدري كان على الاستقامة ومات على الاستقامة ، شهد الجمل والصفين والنهروان ، وهو ممن يروي حديث المارقة الخوارج ، ووصف المخدج ذي الثدية منهم ، وقتله يوم النهروان على صفته التي كان يخبر بها أمير المؤمنين 7

قوله رحمه الله تعالى : قال حدثنى ذريح‌

هو أبو الوليد ذريح ـ باعجام الذال المفتوحة وكسر الراء واسكان الياء المثناة من تحت واهمال الحاء أخيرا ـ ابن محمد بن يزيد المحاربي عربي من بني محارب بن خصفة.

ذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب الصادق 7 (٢). وقال في الفهرست : ثقة له أصل (٣).

__________________

(١) الاستيعاب لا بن عبد البر مطبوع على هامش الاصابة : ٤ / ٨٩‌

(٢) رجال الشيخ : ١٩١‌

(٣) الفهرست : ٩٥‌


وكان مستقيما ؛ قال : فنزع ثلاثة أيام فغسله أهله ثم حملوه الى مصلاه فمات فيه.

٨٤ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثني الحسين بن إشكيب ،

______________________________________________________

والعلامة في الخلاصة نقل عن الشيخ توثيقه (١) ، ولست أجد في الاخبار لتوثيقه مستندا.

والنجاشي لم يوثقه وقال : روى عن أبي عبد الله وأبى الحسن 8 ذكره ابن عقده وابن نوح له كتاب يرويه عدة من أصحابنا (٢) وانما ذلك ضرب من المدح.

قال السيد جمال الدين أحمد بن طاوس في اختياره من كتاب الكشي : لم أجد فيه ما يوصف به من مدح له طائل أو ذم في هذا الكتاب.

قلت : وسنتلو عليك حق القول فيه حيث يحين حينه في ترجمته إن شاء الله العزيز ، والان نقول طريق هذا الحديث صحيح أو حسن بذريح المحاربي.

قوله 7 : وكان مستقيما‌

أي كان حنيف الدين مستقيم المذهب قويم الاعتقاد ، واشتد عليه النزع ثلاثة أيام فغسله أهله.

اما بالتخفيف أي غسلوه من الاقذار أي وضئوه ، أي تولوا وضوءه ، تعبيرا عن الوضوء بالغسل الذي هو أول أجزائه.

واما بالتثقيل من التغسيل ، أي تولوا ما كان عليه من غسل الجنابة ، ثم حملوه الى مصلاه ، وذلك من السنن المأثورة ، فمات رضي الله تعالى عنه.

قوله رحمه الله تعالى : قال حدثنا الحسين بن اشكيب‌

الحسين بالتصغير ، وإشكيب بالاعجام بعد الهمزة ، وقيل : بالاهمال ، والحسين هو خادم القبر.

__________________

(١) الخلاصة : ٧٠‌

(٢) رجال النجاشى : ١٢٤‌


قال أخبرنا محمد بن أحمد ، عن أبان بن عثمان ، عن ليث المرادي ، عن أبي عبد الله 7 قال : ان أبا سعيد الخدري كان قد رزق هذا الامر ، وأنه اشتد نزعه فأمر أهله أن يحملوه الى مصلاه الذي كان يصلي فيه ففعلوا فما لبث أن هلك.

______________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى : أخبرنا محمد بن أحمد‌

هكذا في نسخ كثيرة وهو اما محمد بن أحمد بن حماد أبو علي المحمودي المروزي من أصحاب أبي الحسن الثالث الهادي 7 وهو الاظهر.

أو محمد بن أحمد بن اسماعيل بن بزيع ، من أصحاب أبي الحسن الاول الكاظم ، وأبي الحسن الثاني الرضا ، وأبي جعفر الثاني الجواد : ، وابن أخي محمد بن اسماعيل بن بزيع.

أو محمد بن أحمد بن قيس بن غيلان من أصحاب أبي الحسن الرضا 7 والمحمدون كلهم ثقاة ، فالطريق صحي على كل حال بأبان بن عثمان.

وفي طائفة من النسخ « محسن » مكان « محمد » ، وهو أبو أحمد البجلي محسن ابن أحمد القيسي من موالي قيس بن غيلان ، يروى عن أبي الحسن الرضا 7 ذكره الشيخ (١) والنجاشي (٢) والطريق به حسن.

قوله 7 : كان قد رزق هذا الامر‌

أي دين التشيع والولاية لأهل البيت : ، واشتد نزعه فأمر أهله أن يحملوه الى مصلاه الذي كان يصلى فيه ففعلوا فما لبث أن هلك.

وفي الحديث : عنه أنه قال عند موته : ائتوني بثياب جدد سمعت رسول الله 6 يقول : « يحشر المرء في ثيابه التي مات فيها » وكأنه 6 أراد بها ثياب الروح النورية الملكوتية من العلوم والاعتقادات والاخلاق والملكات ، لا ثياب البدن الظلماني الهيولاني من البرد والصوف والقطن والكتان.

__________________

(١) رجال الشيخ : ٣٩٣‌

(٢) رجال النجاشى : ٣٣١‌


٨٥ ـ حمدويه ، قال حدثنا يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسين ابن عثمان ، عن ذريح ، قال سمعت أبا عبد الله 7 يقول : كان علي بن الحسين 8

______________________________________________________

ومعنى الحديث : أن مدار السعادة في النشأة الآخرة على حسن الخاتمة في هذه النشأة ، فالمرء يحشر في ثيابه الروحانية التي هي خاتمة حال نفسها المجردة بحسب العقيدة والعمل.

قال ابن الاثير في النهاية : وفي حديث الخدري لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ، ثم ذكر عن النبي 6 انه قال : « ان الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها ».

قال الخطابي : أما أبو سعيد فقد استعمل الحديث على ظاهره ، وقد روي في تحسين الكفن أحاديث قال : وقد تأوله بعض العلماء على المعنى وأراد به الحالة التي يموت عليها من الخير والشر وعمله الذي يختم له به.

ويقال : فلان طاهر الثياب اذا وصفوه بطهارة النفس والبراءة من العيب ، وجاء في تفسير قوله تعالى ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) أي عملك فاصلح.

ويقال : فلان دنس الثياب اذا كان خبيث الفعل والمذهب ، وهذا كالحديث الاخر يبعث العبد على ما مات عليه قال الهروي : وليس قول من ذهب به الى الاكفان بشي‌ء ، لان الانسان انما يكفن بعد الموت انتهى كلام النهاية (١).

قوله رحمه الله تعالى : قال حدثنا يعقوب بن يزيد‌

الطريق صحيح على المشهور ، وحسن بذريح المحاربي على ما يستبين حاله من الاخبار ، بل صحي للإجماع على تصحيح ما يصح عن ابن أبي عمير ، فكلما صح الطريق اليه ولم تكن روايته عن محكوم عليه بالضعف كان السند صحيا ، سواء عليه أكان أرسل أم أسند عن ثقة غير أمامي ، أو امامي ممدوح لا تصريح فيه بالتوثيق ،

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ١ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨‌


يقول : اني أكره للرجل أن يعافي في الدنيا ولا يصيبه شي‌ء من المصائب ، ثم ذكر أن أبا سعيد الخدري كان مستقيما نزع ثلاثة أيام فغسله أهله ثم حمل الى مصلاه فمات فيه.

جابر بن عبد الله الانصارى‌

٨٦ ـ حمدويه وابراهيم ابنا نصير ، قالا حدثنا أيوب بن نوح ، عن صفوان‌

______________________________________________________

أو عن امامي لا مدح فيه ولا ذم أصلا ، على ما قد حققناه في الرواشح السماوية (١).

قوله 7 : انى لأكره للرجال أن يعافا في الدنيا ولا يصيبه شي‌ء من المصائب‌

وذلك لان المصيبة كفارة للذنب ، والبلية مجلبة للأجر ومقنصة للمثوبة.

وفي الخبر من طريق رئيس المحدثين أبي جعفر الكليني وغيره : المؤمن لا يخلو من قلة او علت او ذلة وربما اجتمعت الثلاث (٢).

قوله 7 : ان أبا سعيد الخدرى كان مستقيما نزع ثلاثة ايام‌

يعني 7 انه ابتلي لذلك لزيادة التمحيص ولجزالة المثوبة.

جابر بن عبد الله الانصارى‌

ليعلم ان جابر بن عبد الله الصحابي الانصاري مشترك بين اثنين ، وقد التبس الامر فيهما على غير واحد ممن لم يتمهر في المعرفة بأحوال الرجال ، بل على بعض من تمهر أيضا ، فها ابو عبد الله الذهبي من العامة قد وقع في هذا الالتباس ، وكذلك بعض من الخاصة.

احدهما : الصحابي المشهور الكبير العظيم الشأن من عظماء الصحابة ، وهو الذي نحن في ترجمته وبيان حاله ، جابر بن عبد الله بن عمرو بن حزام بن ثعلبة‌

__________________

(١) الرواشح السماوية : ٤٠‌

(٢) روى نحوه في الكافى : ٢ / ١٩٠‌


______________________________________________________

الانصاري العقبي ، شهد العقبة مع السبعين وكان اصغرهم ، كنيته ابو عبد الله وقيل ابو عبد الرحمن قاله ابن عبد البر في كتاب الصحابة (١) ، وابن الاثير في جامع الاصول وعلو مرتبته في صحة العقيدة واستقامة الطريقة وخلوص الانقطاع عن الاقوام الى اهل البيت صلّى الله عليهم مما لا امتراء فيه.

قال الشيخ ; في كتاب الرجال في باب الصحابة : جابر بن عبد الله بن عمر بن حزام نزل المدينة شهد بدرا وثمانية عشر غزوة مع النبي 6 ، مات سنة ثمان وسبعين (٢).

حزام باهمال الحاء المكسورة قبل الزاء قاله في القاموس (٣) وغيره ، وهو الصحيح ، وضبطه بعضهم بالراء بعد الحاء المفتوحة.

وقال الشيخ في باب اصحاب امير المؤمنين 7 : جابر بن عبد الله الانصاري العرني الخزرجي (٤). بالراء المفتوحة بين العين المهملة المضمومة والنون نسبة الى العرنة ، وقيل : الى العرنية بطن من بحيلة.

في المغرب : عرنة واد بحذاء عرفات ، وبتصغيرها سميت عرينية ، وهي قبيلة ينسب اليها العرنيون.

وفي القاموس : العرينة كجهينة ، منهم العرنيون المرتدون ، وبطن عرنة كهمزة بعرفات ، وليس من الموقف (٥).

وقال الشيخ في اصحاب ابي محمد الحسن بن علي 8 : جابر بن عبد الله‌

__________________

(١) الاستيعاب : ١ / ٢٢١ وفيه حرام بالراء المهملة‌

(٢) رجال الشيخ : ١٢‌

(٣) القاموس : ٤ / ٩٦‌

(٤) رجال الشيخ : ٣٨ وفيه العربى بدل العرنى‌

(٥) القاموس : ٤ / ٢٤٧‌


______________________________________________________

الانصاري (١).

وكذلك في أصحاب أبي عبد الله الحسين 7 (٢).

وقال في أصحاب سيد الساجدين أبي محمد علي بن الحسين 8 : جابر بن عبد الله بن حزام الانصاري صاحب رسول الله 6 (٣).

وقال في أصحاب أبي جعفر الباقر محمد بن على بن الحسين : : جابر بن عبد الله بن عمرو بن حزام أبو عبد الله الانصاري صحابي (٤).

وقال رحمه الله تعالى في مصباح المتهجد في زيارة الاربعين وهو العشرون من صفر : في يوم العشرين منه كان رجوع حرم سيدنا أبي عبد الله الحسين بن علي 8 من الشام الى مدينة الرسول 6 ، وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله بن حزام الانصاري صاحب رسول الله 6 ورضي عنه من المدينة الى كربلاء لزيارة قبر أبي عبد الله الحسين 7 ، وكان أول من زاره من الناس ، وتستحب زيارته 7 وهي زيارة الاربعين (٥).

قلت : ما قاله الشيخ ; أنه رضي الله تعالى عنه شهد بدرا هو الأصحّ.

وقال ابن عبد البر : وأراد جابر شهود بدر فخلفه أبوه على أخواته وكن تسعا وخلفه أبوه يوم أحد أيضا وشهد ما بعد ذلك ، وكان له من الولد عبد الرحمن ومحمد وحميد وميمونة وأم حبيب ، ومات سنة ثمان وسبعين وهو ابن أربع وتسعين.

وقال أبو الحسن المسعودي في مروج الذهب : مات جابر بن عبد الله الانصاري في أيام عبد الملك بن مروان بالمدينة ، وذلك في سنة ثماني وسبعين ، وقد ذهب بصره‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ٦٦‌

(٢) رجال الشيخ : ٧٢‌

(٣) رجال الشيخ : ٨٥. وفيه حرام بالراء المهملة‌

(٤) رجال الشيخ : ١١١‌

(٥) مصباح المتهجد ٧٣٠‌


______________________________________________________

وهو ابن نيف وتسعين سنة ، وقد كان قدم الى معاوية بدمشق فلما اذن له قال يا معاوية : أما سمعت رسول الله 6 يقول : « من حجب ذا فاقة وحاجة حجبه الله ، يوم فاقته وحاجته ، فغضب معاوية وقال : وأنت قد سمعته يقول : « انكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تردوا عليّ الحوض » فهلا صبرت.

قال : ذكرتني ما نسيت ، وخرج فاستوى على راحلته ، ومضى فوجه اليه معاوية بستمائة دينار ، فردها وقال لرسوله : قل يا بن آكلة الاكباد : والله لا وجدت في صحيفتك سنة أنا سببها أبدا انتهى كلام مروج الذهب (١).

وفي الكشاف : في قوله عز سلطانه آخر سورة يونس ( وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ) وروي أنها لما نزلت جمع رسول الله 6 الانصار فقال : انكم ستجدون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني ، يعني أمرت في هذه الاية بالصبر على ما سامتني الكفرة فصبرت فاصبروا أنتم على ما يسومكم الامراء الجورة.

قال أنس : فلم نصبر ، وروي ان ابا قتادة تخلف عن تلقي معاوية حين قدم المدينة وقد تلقته الانصار ، ثم دخل عليه فقال له : ما لك لم تتلقنا؟ فقال : لم يكن عندنا دواب فقال : أين النواضح؟ قال : قطعناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر.

وقد قال رسول الله 6 : يا معشر الانصار انكم ستلقون بعدي أثرة ، قال معاوية فما ذا قال؟ قال : فاصبروا حتى تلقوني قال : فاصبروا ، قال : اذن نصبر فقال عبد الرحمن ابن حسان :

الا أبلغ معاوية بن حرب

أمير الظالمين نثا كلامي

بأنا صابرون فمنظروكم

الى يوم التغابن والخصام

انتهى كلام الكشاف (٢).

__________________

(١) مروج الذهب : ٣ / ١١٥‌

(٢) الكشاف : ٢ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧‌


ابن يحيى ، عن عاصم بن حميد ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي الزبير المكي ، قال سألت جابر بن عبد الله ، فقلت أخبرني أي رجل كان علي بن أبي طالب؟ قال :

______________________________________________________

وثانيهما جابر بن عبد الله بن رآب السلمي الانصاري.

وذكره الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال في عداد الصحابة بعد جابر ابن عبد الله بن عمرو بن حزام فقال : جابر بن عبد الله بن رئاب السلمي سكن المدينة ، روى عن أنس حديثين كنيته أبو ياسر (١). رئاب بالراء المكسورة والهمزة بعدها.

في القاموس : رأب الصدع كمنع ، أصلحه وأشعبه كأرتابه ، ورئاب ككتاب ، والد هارون بن رئاب الصحابي البدري ، ورئاب بن عبد الله المحدث ، وجد جابر ابن عبد الله الصحابي ، وجد زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنهم (٢).

والسلمي باهمال السين المفتوحة وكسر اللام.

في المغرب : السلمة ـ بفتح السين وكسر اللام ـ الحجر ، وبها سمي بنو سلمة بطن من الانصار.

قوله ; : عن أبى الزبير المكى‌

الطريق الى أبي الزبير صحيح ، وأبو الزبير المكي معروف الرواية عن جابر رضي الله تعالى عنه ، ومعاوية بن عمار معروف الرواية عنه ، وكذلك فضيل بن عثمان.

قال الذهبي في مختصره : جابر بن عبد الله السلمي عقبي ، عنه بنوه محمد وعبد الرحمن وعقيل وابن المنكدر وأبو الزبير وخلق ، مات ٧٨.

وقال معاوية بن عمار الدهني ، ودهن بالضم حي من بحيلة ، ويقال : دهن بالتحريك ، عن أبي الزبير وجعفر بن محمد ، وعنه معبد بن راشد وقتيبة ، ثقة.

__________________

(١) رجال الشيخ : ١٢‌

(٢) القاموس.


فرفع حاجبيه عن عينيه وقد كان سقط على عينيه ، قال ، فقال ذاك خير البشر أما والله ان كنا لنعرف المنافقين على عهد رسول الله 6 ببغضهم إياه.

______________________________________________________

قوله رضى الله تعالى عنه : ان كنا لنعرف المنافقين‌

ان بكسر الهمزة واسكان النون على المخففة من المثقلة ويبطل التخفيف عملها وتدخل على الجملة الاسمية مثل ان زيد لمنطلق ، وعلى الجملة الفعلية ان كان زيد لكريما.

والفعل الذي تدخل عليه ان المخففة يجب أن يكون مما يدخل على المبتدأ والخبر ، واللام لازمة لخبرها ، وهي التي تسمى « الفارقة » لأنها تفرق بين ان المخففة وان النافية.

وتكون أيضا ان زائدة في الكلام للتحبير والتزيين ، اذا لم يكن مستعملة مع اللام.

وروى أحمد بن حنبل في مسنده مرفوعا عن أبي الزبير قال : قلت لجابر كيف كان علي فيكم؟ قال : ذاك خير البشر ، ما كنا نعرف المنافقين الا ببغضهم اياه (١).

وروى مرفوعا الى أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله 6 لعلي يا علي من فارقني فقد فارق الله ، ومن فارقك فقد فارقني (٢).

وعن أبي سعيد الخدري مسندا قال : كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله 6 ببغضهم عليا (٣).

وعن زيد بن أرقم : ما كنا نعرف المنافقين الا ببغضهم عليا (٤).

__________________

(١) رواه الخوارزمى في المناقب : ٢٣١ والطبرى في ذخائر العقبى : ٩١‌

(٢) رواه الحاكم في المستدرك : ٣ / ١٢٣ و ١٤٦ والذهبى في ميزان الاعتدال ١ / ٣٢٣‌

(٣) رواه الترمذى في صحيحه : ١٣ / ١٦٨ وابن الجوزى في تذكرة الخواص : ٣٢‌

(٤) أحمد بن حنبل في مسنده : ٦ / ٢٩٦ ومسلم في صحيحه : ١ / ٨٦ وذخائر العقبى : ٩١ والنسائى في خصائصه : ٣٧ والطرائف للسيد ابن طاوس : ٦٩‌


______________________________________________________

وروى البغوي في المصابيح من الصحاح : أن عليا 7 قال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة أنه لعهد النبي الامي إليّ أنه لا يحبني الا مؤمن ، ولا يبغضني الا منافق (١).

ورواه مسلم في صحيحه عن زر بن حبش عن علي 7 (٢).

وفي صحاح أصولهم ومسانيدهم بأسانيد متشعبة وطرق شتى أنه 6 قال لعلي 7 : لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق (٣).

وقال : لو لا انت لم يعرف حزب الله.

وقال 6 : من زعم أنه آمن بما جئت به وهو يبغض عليا ، فهو كاذب ليس بمؤمن (٤).

وانه 6 كان جالسا فدخل علي بن أبي طالب 7 فقال : كذب من زعم أنه تولاني وأحبني وهو يعادي هذا ويبغضه ، والله لا يبغضه ويعاديه الا كافر أو منافق ولد زنية (٥).

وقال : من تولاه فقد تولاني ومن تخلاه فقد تخلاني (٦).

وأنه 6 قال : علي مع الحق والحق مع علي ، يدور معه حيث ما دار (٧).

قال : يا علي أنت وشيعتك هم الفائزون يوم القيامة (٨).

__________________

(١) مصابيح السنة للبغوى : ١ / ٢٠١ ط الخيرية بمصر‌

(٢) صحيح مسلم : ١ / ٦٠‌

(٣) راجع الطرائف : ٦٩ المطبوع بقم ، ورواه احمد في مسنده ٦ / ٢٩٢‌

(٤) رواه الخوارزمى في المناقب : ٤٥ ط تبريز‌

(٥) روى نحوه احمد بن حنبل في مسنده : ١ / ٨٤ ط مصر‌

(٦) رواه ابن المغازلى في المناقب : ٢٣١‌

(٧) رواه الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٢١‌

(٨) رواه الترمذى في المناقب المرتضوية : ١١٣ ط بمبئى وابن الجوزى في التذكرة : ٥٩‌


______________________________________________________

وبالجملة من القطعيات المتواترات أن حب النبي عليه وآله الصلاة والتسليم والتصديق ما لم يكن مقرونا بحب علي 7 ومعرفة حقه والاستيقان بمنزلته ، لم يكن مخرجا للمرإ من هوة الكفر والنفاق ، ولا مدخلا اياه في طوار الدين والايمان.

نقل وتذييل

أوردت في بعض معمولاتي ومعلقاتي كلاما بهذه الالفاظ : لله درّ امام المتشككين وعلامة المتكلفين من أعاظم علماء العامة فخر الدين الرازي ، ولي فيه وجهته ، شطر كعبة الحق ، وآثر في سلوكه سبيل مسلك الانصاف ، ومن ذلك ما قد أنطقه الله بالقول الفصل الثابت في التفسير الكبير حيث قال في حجج الجهر بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : )

الحجة الثالثة أن الجهر بذكر الله يدل على كونه مفتخرا بذلك الذكر غير مبال بانكار من ينكره ، ولا شك أنه مستحسن في العقل فيكون في الشرع كذلك ، لقوله 7 « ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ».

ومما يقوى هذا الكلام أيضا ان الاخفاء والاسرار لا يليق الا بما يكون عيبا ونقصانا ، فيخفيه ويستره لئلا ينكشف ذلك العيب ، اما الذي يفيد أعظم الورع الفخر والفضيلة في الحقيقة ، فكيف يليق بالعاقل اخفاؤه؟

ومعلوم انه لا منقبة للعبد أعلى وأكمل من كونه ذاكرا لله بالتعظيم ، ولهذا قال 6 : طوبى لمن مات ولسانه رطب من ذكر الله » وكان علي بن ابي طالب 7 يقول : يا من ذكره شرف للذاكرين ، ومثل هذا كيف يليق بالعاقل ان يسعى في اخفائه؟

ولهذا السبب نقل أن عليا 7 كان مذهبه الجهر بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) في جميع الصلوات.

واقول : ان هذه الحجة قوية في نفسي راسخة في عقلي لا تزول بسبب كلمات المخالفين.

الحجة الرابعة : ما رواه الشافعي بأسناده أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم ، ولم‌


______________________________________________________

يقرء ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ولم يكبر عند الخفض الى الركوع والسجود.

فلما سلم ناداه المهاجرين والانصار يا معاوية! سرقت من الصلاة ، أين بسم الله الرحمن الرحيم؟ وأين التكبير عند الركوع والسجود؟ ثم انه اعاد الصلاة مع التسمية والتكبير.

قال الشافعي : ان معاوية كان سلطانا عظيم القوة شديد الشوكة ، فلو لا ان الجهر بالتسمية كان كالأمر المتقرر عند كل الصحابة من المهاجرين والانصار ، والا لما قدروا على اظهار الانكار بسبب ترك التسمية.

الحجة الخامسة : روى البيهقي في السنن الكبير عن أبي هريرة قال : كان رسول الله 6 يجهر في الصلاة بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ثم ان البيهقي روى الجهر عن عمر بن الخطاب وابن عباس وابن الزبير.

وأما أن عليا 7 كان يجهر بالتسمية ، فقد ثبت بالتواتر ، ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب 7 فقد اهتدى ، والدليل قوله 6 : اللهم أدر الحق مع علي حيث دار انتهى كلامه بعبارته (١).

ثم قال : وأقول : ان أنسا وابن المغفل خصصا عدم ذكر بسم الله الرحمن الرحيم للخلفاء الثلاثة ، ولم يذكرا عليا ، وذلك يدل على اطباق الكل على أن عليا 7 كان يجهر بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ).

وأيضا هاهنا تهمة أخرى وهي أن عليا 7 كان يبالغ في الجهر بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فلما وصلت الدولة الى بني أمية بالغوا في المنع عن الجهر سعيا في ابطال آثار علي 7 ، فلعل أنسا خاف منهم ، ولهذا السبب اضطربت أقواله فيه.

ونحن ان شككنا في شي‌ء ، فانا لا نشك أنه مهما وقع التعارض بين قول أنس‌

__________________

(١) التفسير الكبير : ١ / ٢٠٤‌


______________________________________________________

وابن المغفل ، وبين قول علي 7 ، والذي بقي عليه طول عمره فان الاخذ بقول علي 7 أولى ، وهذا جواب قاطع في هذه المسألة.

ثم هب أنه حصل التعارض بين راويكم وراوينا ، الا أن الترجيح معنا من وجوه : الاول راوي أخباركم أنس وابن المغفل ، وراوي قولنا علي بن أبي طالب 7 وابن عباس ، والثاني ان الدلائل العقلية موافقة لنا وعمل علي بن أبي طالب 7 معنا ، ومن اتخذ عليا 7 اماما لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى (١). انتهى كلام امام المتشككين في التفسير الكبير في هذه المسألة بألفاظه.

قلت له : يا امام قومك وعلامة أصحابك ما أحبر عقباك ، وأكرم مثواك ، وأحسن خاتمتك ، وأسعد عاقبتك لو كنت مهتديا لسواء السبيل بالاقتداء بعلي بن ابي طالب 7 في ساير ابواب الدين على العموم ، كما اقتديت واهتديت به 7 في هذه المسألة بخصوصها.

ويحك ما خطبك علماؤكم ومحدثوكم وحملة أخباركم ونقلة آثاركم وانت معهم مطبقون قاطبة على ان عليا 7 لم يبايع ابا بكر الى ستة اشهر ، وهي مدة بقاء البتول الزهراء 3 بعد رسول الله 6 ، مدعيا ان الخلافة حقه والامامة منصبه ، محتجا على الاقوام بقوله 7 : أنتم بالبيعة لي أحق مني بالبيعة لكم ، واني احتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الانصار يا ابا بكر قد استبدت علينا واستأثرت بحقنا واخرجت سلطان محمد 6 من بيته.

والشيعة مجمعون على ان ابائه 7 عن البيعة لم يكن متخصصا بستة أشهر ، وانه لم يبايع أحدا ابدا ، بل انما قعد عن القيام بمطالبة حقه ، وترك الجهاد في محاولة الاستواء على سرير منصبه ، لعدم مساعدة الزمان وقلة الانصار والاعوان ، ذلك امر مكشوف ظاهر كالشمس في الهاجرة ، مستبين من صحيحكم واصولكم ومسانيدكم‌

__________________

(١) التفسير الكبير : ١ / ٢٠٧‌


______________________________________________________

كما قد نقلناه سابقا وكنا قد فصلنا القول فيه في كتاب نبراس الضياء.

فأنت اذا كنت من المستيقنين ان الحق مع علي صلوات الله عليه دائر معه حيث دار ، وان المقتدي به 7 في دينه مستمسك بالعروة الوثقى في يقينه ، فهلا كنت قد استمسكت به مصدقا في دعواه ، مؤثرا اياه في اتخاذه اماما لدينك على من عداه.

ومثل هذه الحجة يجري على حجة اسلامكم الشيخ الغزالي حيث يقول في كتابه احياء العلوم : لم يذهب ذو بصيرة الى تخطئة علي قط. ويقول في رسالته اللدنية العاقل يقتدي بسيد العقلاء علي بن أبي طالب فليتبصر.

عبد الله أبو جابر وجابر أيضا في الترجمة ، على ما في طائفة جمة من النسخ عبد الله بن جابر بن عبد الله وجابر أيضا وهو الصواب.

وأبو جابر عبد الله بن عمرو بن حزام ـ باهمال الحاء المكسورة والزاء وقيل : حرام بفتح الحاء المهملة والراء ضد الحلال ـ الانصاري ، كان من النقباء الاثنا عشر ليلة البيعة ، ومن السبعين في بيعة العقبة ، شهد بدرا وهو من شهداء أحد.

وابنه جابر بن عبد الله الانصاري كان من السبعين ولم يكن من النقباء الاثنا عشر رضي الله تعالى عنهما ، ذكر ذلك أصحاب الحديث من أصحابنا ومن العامة جميعا.

قال ابن الاثير في جامع الاصول : عبد الله بن عمرو بن حرام الانصاري السلمي والد جابر بن عبد الله ، وقد تقدم تمام نسبه عند ذكر ابنه جابر ، وعبد الله شهد العقبة مع السبعين ، وهو أحد النقباء وشهد بدرا وقتل يوم أحد ، قال النبي 6 لجابر : ان الله أحيا أباك وكلمه كفاحا انتهى كلامه.

وقال ابن عبد البر : عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة أبو جابر ، شهد العقبة مع السبعين وهو أحد النقباء الاثنا عشر ، وشهد بدرا واحدا ، وقتل يومئذ (١).

__________________

(١) الاستيعاب : ٢ / ٣٣٩‌


______________________________________________________

ثم ان بعض النسخ الحديثة السقيمة الغير الملتفت لغتها قد صحف أبو با بن في الترجمة وفي متن الحديث ، فبعض من لم يتمهر من ابناء هذا العصر تو همه صحيحا وحسبه صوابا ، وزعم من هناك ان عبد الله بن جابر بن عبد الله الانصاري المشهور من الرجال ومن النقباء الاثنا عشر ومن السبعين ، واما أبوه ابو جابر فهو من السبعين لا من الاثنا عشر (١).

ومن له قدم معرفة في الاخبار والأحاديث يعلم ان ذلك من ضعف قوة النظر ونقص رأس مال التتبع وقلة بضاعة التحصيل ، وانه لم يكن لجابر بن عبد الله الانصاري المشهور 2 ابن مذكور في كتب الرجال اسمه عبد الله ، ولو فرضنا صحته فكيف يستقيم كونه من الاثنا عشر ومن السبعين ، وابوه من السبعين لا من الاثنا عشر‌

ثم لو صح ذلك لكان يذكر جابر بن عبد الله وعبد الله بن جابر أيضا لا بالعكس ، وكان هذا الحاسب المتوهم انما منشأ حسبانه مسبار تو همه انه رأى في كتب الرجال عبد الله بن جابر الانصاري ، فالتبس الامر عليه فحسب انه ابن جابر بن عبد الله الانصاري المعروف وليس كذلك.

قال في جامع الاصول : عبد الله بن جابر هو عبد الله بن جابر البياضي الانصاري قال ابن مندة : ان البياضي الذي روى عنه ابو حازم التمار ، وهو الذي جاء حديثه في الجهر بالقراءة في الصلاة ، واخرجه الموطأ فقال : ان اسمه عبد الله بن جابر وقال : سماه ابو عبيد عن اسحاق بن عيسى عن مالك. حازم بالحاء المهملة والزاء. والتمار بتاء فوقها نقطتان انتهى كلام جامع الاصول.

فتثبت ولا تكونن من الغالطين.

__________________

(١) ذكره الرجالى الميرزا محمد الأسترآبادى في كتابه منهج المقال : ٢٠٠ و ٧٧ ، ولكن قال في عبد الله بن جابر : وفي بعضها ـ اى بعض نسخ الكشى ـ عبد الله أبو جابر بن عبد الله وهو الصحيح انتهى. وعلى هذا فلا يستحق هذه الطعون عليه‌


٨٧ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثني علي بن محمد بن يزيد بن القمي ، قال حدثني أحمد بن محمد بن عيسى القمي ، عن ابن فضال ، عن عبد الله بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفر 7 قال : كان عبد الله أبو جابر بن عبد الله من السبعين ومن الاثنى عشر ، وجابر من السبعين وليس من الاثنى عشر.

٨٨ ـ حمدويه وابراهيم ابنا نصير ، قالا حدثنا محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن حريز ، عن أبان بن تغلب ، قال حدثني أبو عبد الله 7 قال : ان جابر بن عبد الله كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله 6 وكان رجلا منقطعا إلينا أهل البيت‌

______________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى : عن ابن فضال عن عبد الله بن بكير‌

هو الحسن بن علي بن فضال ، وهو في عداد الذين على تصحيح ما يصح عنهم الاجماع على قول ، كما سيأتي في مقامه ، وهو من ثقاة الفطحية وأجلة عدولهم.

وعبد الله بن بكير ثقة جليل فقيه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه والاقرار له بالفقه والفضل والثقة.

قوله 7 : كان عبد الله أبو جابر‌

هذا هو الصحيح كما قد علمت وفي نسخ غير مصححة « ابن » مكان « أبوه » ، وهو تصحيف غلط بني عليه ولم يتفطن على فساده بعض القاصرين ، فلا تكونن من الغافلين.

قوله ; : محمد بن سنان عن حريز‌

ورواه بعينه رئيس المحدثين أبو جعفر الكليني رضوان الله تعالى في جامعه الكافي في كتاب الحجة بهذا السند ، ولكن باسقاط حريز من البين على هذه الصورة : عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله 7 قال : ان جابر بن عبد الله الانصاري كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله 6 وكان رجلا منقطعا إلينا أهل البيت الحديث بتمامه (١).

__________________

(١) اصول الكافى : ١ / ٣٩٠ باب مولد أبى جعفر محمد بن على 8


وكان يقعد في مسجد رسول الله 6 وهو معتم بعمامة سوداء وكان ينادى يا باقر العلم يا باقر العلم ، فكان أهل المدينة يقولون جابر يهجر ، فكان يقول لا والله ما أهجر ولكني سمعت رسول الله 6 يقول : انك ستدرك رجلا من أهل بيتي اسمه اسمي وشمائله شمائلي يبقر العلم بقرا ، فذاك الذي دعاني الى ما أقول ، قال ، فبينا جابر يتردد ذات‌

______________________________________________________

وحديث جابر هذا عن رسول الله 6 مروي عند العامة والخاصة من طرق شتى وطرائق مختلفات ، والقدر المشترك بينهما متواتر بالاتفاق لدى الجميع.

قوله 7 : وهو معتم بعمامة سوداء‌

الاعتمام افتعال من العمامة ، بمعنى اتخاذها ولفها على الرأس ، وهي بكسر العين وتخفيف الميم واحدة العمائم ، وفي الكافي معتجر (١) مقام معتم ، والاعتجار أيضا لف العمامة على الرأس.

قال في المغرب : الاعتجار الاختمار والاعتمام أيضا ، وأما الاعتجار المنهي عنه في الصلاة ، وهو ليّ العمامة على الرأس من غير ادارة تحت الحنك كالاقتعاط عن الغوري والازهري ، وتفسير من قال هو أن يلف العمامة على رأسه ويبدي الهامة أقرب لأنه مأخوذة من معجر المرأة ، وهو ثوب كالعصابة تلفها المرأة على استدارة رأسها ، وفي الاجناس عن محمد المعتجر المنتقب بعمامته وقد غطى أنفه.

قوله 7 : كان ينادى يا باقر العلم‌

قال الجوهري في الصحاح : بقرت الشي‌ء بقرا فتحته ووسعته ، ومنه قولهم أبقرها عن جنينها أي شق والتبقر التوسع في العلم والمال ، وكان يقال لمحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب : الباقر لتبقره في العلم (٢).

قوله 7 : يقولون جابر يهجر‌

قال في المغرب : الهجر بالفتح الهذيان ومنه قوله تعالى « سامرا تهجرون » الهجر‌

__________________

(١) اصول الكافى : ١ / ٣٩٠‌

(٢) الصحاح : ٢ / ٥٩٤‌


______________________________________________________

بالضم الفحش اسم من أهجر في منطقه اذا أفحش ، ومنه قول عمر للنبي 6 ان الرجل ليهجر حسبنا كتاب الله ، أو أهجر على اختلاف الرواية في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما (١).

قال ابن الاثير في النهاية : يقال أهجر في منطقه يهجر اهجارا اذا أفحش ، وكذلك اذا كثر الكلام فيما لا ينبغي ، والاسم الهجر بالضم ، وهجر يهجر هجرا بالفتح اذا خلط في كلامه واذا هذي.

ومنه الحديث : اذا طفتم بالبيت فلا تلغوا ولا تهجروا ، روي بالضم والفتح من الفحش والتخليط ، ومنه حديث مرض النبي قالوا : ما شأنه أهجر؟ أي اختلف كلامه بسبب المرض على سبيل الاستفهام ، أي هل تغير كلامه واختلط لأجل ما به من المرض ، هذا أحسن ما يقال فيه ولا يجعل اخبارا ، فيكون اما من الفحش أو الهذيان ، والقائل كان عمر ، ولا يظن به ذلك (٢) انتهى قول النهاية.

وقال صاحب الكشاف في الفائق : النبي 6 قال في مرضه ايتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده أبدا فقالوا : ما شأنه أهجر أي أهذي يقال : هجر يهجر اذا هذي وأهجر أفحش (٣) انتهى كلامه.

ونحن نقول : وايم الله ان الاستفهام والاخبار هناك من الكفر والنفاق لبمنزلة واحدة ، فمن المستبين ان استناد الفحش أو الهذيان الى سيد الانبياء والمرسلين اخبارا كان أو استفهاما والرد عليه عنادا كان أو اجتهادا لا يجامع الايمان أصلا.

وأما ما تجشمه الكرماني في شرح صحيح البخاري ان عمر أراد بذلك الهجرة والمهاجرة (٤) ، فمما لا يكاد يصح ، وانما كان يكون له وجه بعيد في الاستقامة لو كان‌

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ٣ / ١٢٥٧ كتاب الوصية ، والبخارى في صحيحه ٥ / ١٢٧‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ٥ / ٢٤٦‌

(٣) الفائق : ٤ / ٩٣‌

(٤) شرح صحيح البخارى للكرمانى : ١٦ / ٢٣٥‌


يوم في بعض طرق المدينة : اذا هو بطريق في ذلك الطريق كتاب فيه محمد بن علي ابن الحسين 7 ، فلما نظر اليه قال يا غلام أقبل! فاقبل ثم قال أدبر! فأدبر ، فقال : شمائل رسول الله 6 والذي نفس جابر بيده ، يا غلام ما اسمك؟ فقال اسمي محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، فأقبل عليه يقبّل رأسه ، وقال :

______________________________________________________

قال : هاجر مكان هجر ، كما قد فصلناه في الرواشح السماوية (١) فليعلم.

قوله 7 : في ذلك الطريق كتاب‌

الكتاب بضم الكاف وتشديد التاء بمعنى المكتب ، أي مكان الكتابة على فعال في معنى مفعل.

قال في القاموس : الا كتاب تعليم الكتابة ، كالتكتيب والاملاء ، والكتاب كرمان المكتبة (٢).

وقال في المغرب : وكتبه علمه الكتابة ، ومنه وسلم علامة الى مكتب أي الى معلم الخط ، روي بالتخفيف والتشديد. أما المكتب والكتاب فمكان التعليم ، وقيل : الكتاب الصبيان.

وليكن من المعلوم عندك أن الائمة الحجج المعصومين صلوات الله وتسليماته على نفوسهم المقدسة وأجسادهم المطهرة معلمهم الله ورسوله ، وأنهم مستغنون بتأييد روح القدس باذن الله سبحانه عن الاساتذة والمعلمين الا عن آبائهم الطاهرين ، وحضور أبي جعفر الباقر 7 الكتاب لحكم ومصالح ليس يدافع ذلك ، فلا تكونن من الممترين.

__________________

(١) الرواشح السماوية ص ١٤٠‌

(٢) القاموس : ١ / ١٢١‌


بأبي أنت وأمي رسول الله 6 يقرئك السلام ويقول لك ، ويقول لك ، قال ، فرجع محمد بن علي 7 الى أبيه علي بن الحسين وهو ذعر ، فأخبره الخبر ، فقال له : يا بني قد فعلها جابر؟ قال : نعم. قال : يا بني ألزم بيتك.

______________________________________________________

قوله 7 : بأبى أنت وأمي رسول الله (ص) يقرئك السلام ويقول لك ويقول لك‌

على التكرير يعني يقول لك كذا ، وفي الكافي يقول لك (١). مرة واحدة من من غير تكرير أي يقول لك كذا وكذا.

و « يقرئك السلام » بضم حرف المضارعة من باب الافعال أي يبلغك سلامه ، فيحملك ان تقرأ السلام وترده عليه.

قال ابن الاثير في النهاية : وفي الحديث : ان الرب عز وجل يقرئك السلام. يقال : اقرأ فلانا السلام وأقرأ 7 ، كأنه حين يبلغه سلامه يحمله على أن يقرأ السلام ويرده ، واذا قرأ الرجل القرآن أو الحديث على الشيخ يقول ، أقر أني فلان أي حملني على أن أقرأ عليه ، وقد تكرر في الحديث (٢).

وقال الجوهري : قرأ 7 وأقرأ السلام بمعنى (٣).

وفي القاموس قرأ 7 أبلغه كأقرأه ، ولا يقال اقرأه الا اذا كان السلام مكتوبا (٤).

فأما صاحب المغرب فقد قال : وأقرأ سلامي على فلان وأقرأه سلامي عامي.

قلت عليه : كلا اقرأه سلامي ليس بعامي ، بل عربي صميم ، متكرر في الحديث وكذلك اقرأ عليه سلامي ، وانما العامي المولد اقراه مني السلام.

__________________

(١) أصول الكافى : ١ / ٣٩١ وفيه يقرئك السلام ويقول ذلك‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ٤ / ٣١‌

(٣) الصحاح : ١ / ٦٥‌

(٤) القاموس : ١ / ٢٤‌


قال : فكان جابر يأتيه طرفي النهار فكان أهل المدينة يقولون وا عجباه لجابر يأتي هذا الغلام طرفي النهار وهو آخر من بقي من أصحاب رسول الله ، فلم يلبث أن مضى علي بن الحسين 8 فكان محمد بن علي يأتيه على وجه الكرامة لصحبته لرسول الله 6 قال ، فجلس يحدثهم عن الله فقال أهل المدينة : ما رأينا أحدا قط أجرأ من ذا قال : فلما رأى ما يقولون حدثهم عن رسول الله ، قال أهل المدينة : ما رأينا أحدا قط أكذب من هذا يحدث عمن لم يره ، قال : فلما رأى ما يقولون حدثهم عن جابر بن عبد الله فصدقوه ، وكان جابر والله يأتيه يتعلم منه.

______________________________________________________

كما قال علامة زمخشر ، وهو شيخ صاحب المغرب في أساس البلاغة : واقرأ سلامي على فلان ، واقرأه سلامي ، ويقال : اقرأه مني السلام (١).

هذا قوله ولكن قد تكرر في الحديث اقرأه السلام أيضا فليتثبت.

قوله 7 : فجلس يحدثهم عن الله فقال أهل المدينة : ما رأينا أحدا قط أجرأ من ذا‌

بالهمزة على أفعل التفضيل من الجرأة ، حسب أنه 7 كان يحدث عن الله سبحانه فيقول : قال الله عز وجل ، لأنه كان قد أخذ عن آبائه الطاهرين عن رسول الله ورسول الله عن جبرئيل عن الله عز وجل.

وفي الكافي قال : فجلس يحدثهم عن الله تبارك وتعالى ، فقال أهل المدينة :

ما رأينا أحدا أجرأ من هذا (٢) ، بزيادة « تبارك وتعالى » واسقاط « قط » وابدال « هذا » من « ذا ».

ومن أغلاط القاصرين الناظرين في كتاب الكشي لم يهتدوا في المرام فسقموا على زعم الصحيح وصحفوا عن الله بعن أبيه (٣) ، أعاذنا الله من الجهل بعد العلم ،

__________________

(١) أساس البلاغة : ٤٩٩ وفيه ولا يقال أقرئه منى السلام انتهى. ولعل كلمة « لا » محذوفة من نسخة الاساس عند السيد ، فلا يرد عليه ما أورده.

(٢) أصول الكافى : ١ / ٣٩١‌

(٣) كما في المطبوع من رجال الكشى بجامعة مشهد‌


٨٩ ـ حدثني أبو محمد جعفر بن معروف ، قال حدثنا الحسن بن علي بن النعمان ، عن أبيه ، عن عاصم الحناط ، عن محمد بن مسلم ، قال قال لي أبو عبد الله 7 : ان لأبي مناقب ما هن لآبائي ان رسول الله 6 قال لجابر بن عبد الله الانصاري انك تدرك محمد بن علي فأقرئه مني السلام ، قال : فأتى جابر منزل علي بن الحسين 8 فطلب محمد بن علي ، فقال له علي 7 هو في الكتاب أرسل لك اليه ، قال :

______________________________________________________

ومن الحور بعد الكور ، ومن الضلال بعد الهدى.

قوله ; : حدثنى أبو محمد جعفر بن معروف‌

قد علمت فيما سبق أن أبا محمد جعفر بن معروف الذي يروي عنه أبو عمرو الكشي هو الذي من أهل كش ، وكان وكيلا مكاتبا لا مطعن (١) فيه.

فهذا الطريق من عاصم بن الحناط ـ بالنون المشددة بعد المهملة المفتوحة ـ عن محمد بن مسلم بن رباح بالباء الموحدة ، وقيل : بالياء المثناة من تحت الثقفي صحيح.

وفي نسخة : حدثني أبو محمد جعفر بن معروف ، عن محمد بن مسلمة قال : قال لي أبو عبد الله 7. وذلك من غلط الناسخ.

« محمد بن مسلمة » بفتح الميم واسكان السين على اسم المكان.

قال أبو العباس النجاشي ; : كوفي ثقة ، له كتاب يرويه علي بن الحسن الطاطري وغيره (٢).

ولم يذكر أحد أنه روى عن أبي عبد الله 7 ، وأيضا لقاء أبي محمد جعفر بن معروف اياه لا يخلو من بعد.

قوله 7 : فأقرئه منى السلام‌

ما يقال : اقرأه مني السلام عامي مولد وليس بعربي صميم ، لا تعويل عليه ،

__________________

(١) وفي « ن » لا يطعن فيه‌

(٢) رجال النجاشى : ٢٨٦‌


لا ولكني أذهب اليه ، فذهب في طلبه فقال للمعلم : أين محمد بن علي؟ قال : هو في تلك الرفقة أرسل لك اليه؟ قال : لا ولكني أذهب اليه ، قال : فجائه فألتزمه وقبّل رأسه وقال ان رسول الله 6 أرسلني إليك برسالة أن اقرئك السلام! قال : عليه وعليك السلام ، ثم قال له جابر : بأبي أنت وأمي اضمن لي أنت الشفاعة يوم القيمة ، قال : فقد فعلت ذلك يا جابر.

٩٠ ـ أحمد بن علي القمّي السلولي ، قال حدثني ادريس بن أيوب القمي ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن محبوب ، عن عبد العزيز العبدي ، عن زرارة ، عن أبي جعفر 7 قال : جابر يعلم ، وأثنى عليه خيرا ، قال ، فقلت له : وكان من أصحاب‌

______________________________________________________

لتكرره في الحديث.

قوله 7 : قال هو في تلك الرفقة‌

الرفقة بضم الراء واسكان الفاء الجماعة المترافقون ، والجمع رفاق بالكسر قاله في المغرب.

وفي الصحاح : الرفقة بالضم الجماعة ، ترافقهم في سفرك ، والرفقة بالكسر مثله ، والجمع رفاق ، تقول منه : رافقته وترافقنا في السفر (١).

قوله ; : أحمد بن على القمى السلولى‌

هو المعروف بشقران المقيم بكش ، وقد تقدم غير مرة.

قوله رحمه الله تعالى : عن ابن محبوب عن عبد العزيز العبدى‌

يعني به الحسن بن محبوب. وعبد العزيز العبدي قال النجاشي كوفي روى عن أبي عبد الله 7 ضعيف ذكره ابن نوح (٢).

وأما أن رواية الحسن بن محبوب عنه ضرب توثيق له ، على ما قاله شيخنا‌

__________________

(١) الصحاح : ٤ / ١٤٨٢‌

(٢) رجال النجاشى : ١٨٤‌


علي 7 قال : كان جابر يعلم قول الله عز وجل ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ).

______________________________________________________

الشهيد قدس الله تعالى نفسه في شرح الارشاد في رواية الحسن بن محبوب عن أبي الربيع الشامي ، فيكون الطريق صحيا للإجماع على تصحيح ما يصح عن الحسن ابن محبوب ، فانما كان يستقيم لو لم يكن عبد العزيز العبدي محكوما عليه بالضعف ، كما الامر في أبي الربيع الشامي ، فليعرف.

قوله 7 : كان جابر يعلم قول الله جل وعز ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ) (١)

الاية الكريمة منطوية في مطاوي بطونها الاشارة الى سلسلتي البدو والعود في نظام الوجود ومراتب الموجودات ، والموازات العقلية بين المراتب في الموجودات ، والموازات العقلية بين المراتب في السلسلتين ، وأن الله سبحانه هو المبدأ في سلسلة البدو ، والمعاد في سلسلة العود ، فهو مبتدء الوجود ومنتهاه ، ومبدء كل موجود ومعاده.

والاشارة الى برهان التناسب من السبيل اللمي على اثبات العقل في سلسلة البدو ، والى برهان التوازي من السبيل اللمي على تجرد النفس الناطقة العاقلة الانسانية في سلسلة العود ، وأن منزلة خاتم الانبياء في سلسلة العود منزلة العقل الاول في سلسلة البدو ، وأن وصي خاتم النبوة يتلوه في منزلته في السلسلة العودية ، كما العقل الاول يتلوه العقل الثانى في منزلته في السلسلة البدوية.

فلنشر الى هذه الاسرار اشارة اجمالية ثم نكرّ فنبين معنى الحديث ومغزاه‌

__________________

(١) لا يخفى جواز أن يكون المراد بذلك المعاد هو الرجعة في أوان ظهور قائم أهل البيت : ، وأنه (ص) يعاد أيضا ، كما نطق به الاخبار ، فالبارى الحق تعالى مجده قد وعده (ص) بأن الذى يعنى البارى جل مجده فرض عليك القرآن يردك الى معاد ، وأن جابر كان يعلم تفسير ذلك فتدبر « سيد أحمد صهر المؤلف » ‌


______________________________________________________

فنقول اذن : ان هناك مسائل :

المسألة الاولى : قال المفسرون : الذي فرض عليك أحكامه وفرائضه ، وأوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل بما فيه ، لرادك بعد الموت الى معاد ، وتنكيره لتعظيمه ، كأنه قال الى معاد وأي معاد ، وهو المقام المحمود الذي وعدك أن يبعثك فيه ليس لا حد من البشر غيرك مثله.

أو الذي فرض عليك التخلق بخلق القرآن ، وأوجب لك في بداية الامر بحسب قضائه الاول ، ولوح الاستعداد التام الكامل المفطور الفطري الذي هو العقل القرآني الفرقاني ، الجامع لقوة استجماع جميع كمالات النظر والعمل ، وجوامع الكلم والحكم في الفطرة الاولى ، لرادك في نهاية استتمام عقلك المستفاد واستكمال كمالك الممكن المكسوب الموهوب الالهي في الفطرة الثانية ، الى معاد عظيم بهي ما أعظمه وأبهاه ، لا يبلغ كنهه ولا يقدر قدره ، وهو الفناء المحض في الله في أحدية الذات والبقاء الحق به على التحقيق في جميع الاخلاق والصفات.

وقيل : المعاد مكة زادها الله شرفا وتعظيما ، والمراد رده 6 اليها يوم الفتح.

المسألة الثانية : من المنصرح لدى العقل الصراح أنه ما لم تكن بين ذات العلة التامة وخصوصية ذات معلولها المنبعث عن نفس ذاتها بذاتها ، مناسبة ذاتية ، لا تكون بينها وبين غيره من سائر الاشياء تلك المناسبة ، لم يكن يتعين ذلك المعلول بخصوصه من بين جملة الاشياء بالترتب (١) عليها ، والانبعاث عنها دون غيره من الاشياء بالضرورة الفطرية.

واذ الباري الاول جل سلطانه ذاته الاحدية الحقة الواجبة بالذات من كل جهة كمالية تامة وفوق التمام ، في أعلى مراتب المجد والكمال والعز والجلال والقدس والبهاء والعلو والكبرياء ، فيجب أن يكون مجعوله الاول الصادر عن نفس ذاته بذاته‌

__________________

(١) في « س » : بالترتيب‌


______________________________________________________

والمنبجس عن علمه وعنايته وارادته واختياره التي هي عين مرتبة ذاته قبل سائر المجعولات ، قبلية بالذات بحسب المرتبة العقلية ، أفضل ما يبلغه ادراك العقول والاذهان ، وأشرف ما وسعه طباع عالم الامكان ، وأن تكون أولى من مراتب مجعولاته ومعلولاته التي هي من جملة الموجودات في نظام الوجود ، أشرف المراتب وأفضلها وأكملها وأجملها ، فاذن وجب أن يكون أولى مراتب نظام الوجود عالم الأنوار العقلية وأن يكون العقل الاول من بينها بخصوصية جوهر ذاته هو المجعول الاول لا غير.

المسألة الثالثة : انما ملاك الشرف والكمال في مراتب الموجودات وجواهر الهويات القرب من جناب الباري الحق ، وميزان الخسة والنقص البعد عن جنابه الاعلى تعالى عزة ، فالوجود يبتدأ منه عز وجل متنازلا في المراتب المترتبة ، من الشرف الى الخسة ، ومن الكمال الى النقص ، ومن المستحيل أن يتمادي الى نهاية.

فيجب أن ينتهي التنازل الى حد محدود هو منتهى الخسة والنقصان لا يتعداه وان هو الا مرتبة الهيولى الاولى الحاملة لطباع ما بالقوة ، وهي لا محالة أخيرة مراتب البداءة ، وهى مشتملة على قوة قبول جميع الصور اشتمالا انفعاليا ، كما الجواهر العقلية التي هي أولى المراتب مشتملة عليها جميعا اشتمالا فعليا.

ثم يعود فيتدرج فيضان نظم الوجود من افاضة الباري الفعال على الانعكاس متصاعدا من الخسة الى الشرف ، ومن النقص الى الكمال ، واذ يستحيل أن يتمادى الى ما لا نهاية ، فينتهي لا محالة الى حد أخير لا يتعداه ، وهو منتهى المراتب في الشرف والكمال.

فهذه المرتبة في العود التي هي أخيرة مراتب نظام الوجود في ازاء المرتبة الاولى في البدو ، والله سبحانه هو المبدأ والمعاد ، ومنه البدو واليه العود ، وهو ولي الامر في الاولى والآخرة ، له الخلق والامر والملك والملكوت ، منه البداءة‌


______________________________________________________

واليه النهاية.

المسألة الرابعة : أخيرة المراتب العودية في ازاء أولى المراتب البدوية ، وهي مرتبة نوع الانسان ، فوجوب التوازي بين مراتب البدو ومراتب العود برهان تجرد النفس الناطقة الانسانية من طريق اللم ، وتقريره من سبيلين :

الاول : أليس من المستبين أنه يجب أن يكون مبدأ المبادي تعالى كبريائه أولا في ترتيب البدو وآخرا في ترتيب العود؟ فكما المرتبة الاولى في ترتيب البدو تبتدأ في جهة التنازل من الجناب الحق القيومي الوجوبي ، ولا شي‌ء فوقها في مرتبة الكمال إلا ذاته الواجبة الاحدية الحقة ، اذ كان من المستحيل انبجاس الناقص النذل من الكامل الحق المتعال في أقصى الكمال قريبا ، وانبعاثه عنه ابتداء لا بواسطة ما هو أكمل منه في المرتبة ، الا فيما يكون ذاته تحت الكون ووجوده مرهونا بالامكان الاستعدادي بتة.

فكذلك المرتبه الاخيرة في ترتيب العود الموازية للمرتبة المبتدئة في ترتيب البدو ، تنتهى في جهة التصاعد الى جنابه الاعلى الربوبي ، ولا شي‌ء ورائها في مرتبة الكمال إلا ذاته التامة القيومية ، اذ كان يستحيل الناقص الجراح (١) ، وانتهاؤه في ترتيب الشرف والكمال الى الكامل التام الحق من كل جهة ، واتصاله بجنابه من دون توسط ما هو أشرف مرتبة وأتم كمالا في البين.

فاذن وجب في الاصول البرهانية بالضرورة العقلية ، ان يكون النفوس الانسانية التي هي آخر ترتيب في التصاعد جواهر مجردة عاقلة ، صائرة في استكمال مرتبة العقل المستفاد على أعلى النصاب الممكن ، عالما عقليا مطابقا لنظام الوجود كله من الصدر الى الساقة مضاهيا وموازيا لعالم الأنوار المفارقة العقلية التي هي أول ترتيب البدو في التنازل ، فليتعرف.

الثاني : مقتضى الحكمة البالغة التامة الربوبية ، والعناية الاولى السابغة الكاملة‌

__________________

(١) في « ن » : الحذاح‌


______________________________________________________

الالهية تنسيق المراتب واتساق النظام على الوجه الاكمل ، ووجوب الموازاة من مراتب البدو ومراتب العود في السلسلتين على التعاكس بالتنازل والتصاعد ، فذلك مبدأ استيجاب هذه المرتبة العقلية الاخيرة العودية في نظام الوجود على أقصى النصاب الممكن في الكمال والشرف ازاءا لتلك المرتبة العقلية الاولى البدوية.

فاذن يجب لا محالة وجود النفس الناطقة المجردة العاقلة الانسانية واستكمال قصوى الغاية واستتمام نصاب الشرف والكمال في مرتبة عقلها المستفاد في آخر ترتيب العود بازاء مرتبة العقول النورية المفارقة في أول ترتيب البدو ، والا لانتقصت تمامية الحكمة التامة وانتقصت كمالية العناية الكاملة فليثبت.

المسألة الخامسة : مراتب سلسلة البدو في التنازل في البسائط وهي خمس والمتقدمة فيها أكمل وأشرف من المتأخرة ، ومراتب سلسلة العود بالتصاعد في المركبات ، وهي أيضا خمس والمتأخرة فيها أشرف وأكمل من المتقدمة.

أما مراتب السلسلة الطولية البدوية فأولها : مرتبة عالم العقول النورية المفارقة ولها عرض عريض في الكمال (١) من العقل الاول الى العقل الاخير ، وهذا العالم أتم ضربي عالم الامر ، وأفضل ضروب ملائكة الله المقربين ، ولهذا العالم من الحروف حرف « ب ».

وثانيتها : مرتبة عالم النفوس المجردة السماوية ، ولها أيضا في الشرف والكمال عرض عريض من نفس الفلك الاقصى الى نفس فلك القمر ، وهذا العالم ضرب آخر من عالم الامر من الملائكة الفاضلة المجردة والأنوار العاقلة المدبرة ، وحرفا هذا العلم « ج ـ ز ».

وثالثتها : مرتبة عالم النفوس المنطبعة السماوية على عرض عريض باختلاف درجات الكمال ، وهذا العلم أتم ضروب الملائكة الجسمانية وأعلاها.

__________________

(١) وفي « س » في اكمال‌


______________________________________________________

ورابعتها : مرتبة عالم الصورة الجرمية من صورة جرم الكرة الاقصى الى صورة جرم كرة الارض.

وخامستها : مرتبة عالم الهيوليات من هيولى الفلك الاقصى الى هيولى عالم العناصر المشتركة الواحدة بالهوية الشخصية ، وهي مركز النقصان والخسة ومحل الامكان الاستعدادي وحامل القوة الانفعالية ، وحرف هذا العلم « ط ».

وأما مراتب السلسلة الطولية العودية فالاولى منها : مرتبة الاجسام النوعية البسيطة من الفلك الاعلى الى جرم الارض ، وصورها المنوعة الجوهرية ، وطبائعها المنطبعة الجسمانية.

والثانية : مرتبة الصور الاولى الحادثة بعد التركيب المزاجي من البسائط التي هي الاسطقسات العنصرية ، كالصور الجوهر المعدنية وغيرها على اختلاف مراتبها.

والثالثة : مرتبة النفوس الجوهرية المنطبعة النباتية على اختلاف أنواعها بأسرها.

والرابعة : مرتبة النفوس الجوهرية الحيوانية بأنواعها المختلفة بأسرها.

والخامسة : مرتبة العالم الاصغر الذي هو نسخة العالم الاكبر المطابقة له الجامعة لما فيه من رطب نظام الوجود ويابسه ، أي النفوس الناطقة الانسانية بأخيرة مراتبها في استتمام القسط واستكمال النصاب.

وهي مرتبة العقل المستفاد المشتمل على صور جميع الموجودات بالفعل اشتمالا انفعاليا ، كما كانت العقول المفارقة في المرتبة الاولى البدوية مشتملة عليها اشتمالا فعليا بحرف هذا العالم العقلي ، الذي هو آخر نظام الكل من الحروف الثمانية والعشرين « س » ، كما بينه شريكنا السالف في النيروزية.

ونحن حققناها في شرحها وفي الجذوات والمواقيت وفي نبراس الضياء.


______________________________________________________

ولقد قلنا في نبراس الضياء : أن من رموز القرآن الحكيم واسراره أن مبتدأه من الحروف « ب » حرف أول سلسلة البدو ، ومختتمه « س » حرف آخر سلسلة العود ، ليكون كتاب الله المبين الايجابي التدويني مطابقا لكتاب الله الابداعي التكويني ، فيكونا متطابقين في الفاتحة والخاتمة في البداية والنهاية.

فاذن فليتدبر كيف استدار نظام الوجود فعاد في آخر سلسلة العود الى عالم العقول المستفاد ، كما كان ابتداء في أول سلسلة البدو من عالم العقول الفعالة ، فنظام الكل دائرة عقلية وجودية نصف قطرها الهبوطي من العقل المحض بالفعل الى الهيولى الاولى ، ونصف قطرها الصعودي من الجسم البسيط بالحقيقة النوعية الى العقل المستفاد.

والمحيط في الاول والاخر هو الله سبحانه ، والله بكل شي‌ء محيط ، ولجناب كبريائه المتعال بحسب اضافته الى نظام الوجود بالابداع والافاضة والعناية والاحاطة والفيض والرحمة حرفا « ١ ـ ٥ » وحق تحقيق هذه المعارف الربوبية على ذمة قبسات حق اليقين ونبراس الضياء.

المسألة السادسة : كما أفضل هويات الجواهر العقلية في عرض المرتبة الاولى البدوية ، أشرفها وأقربها الى جنات المبدأ الفياض المحيط الحق تعالى سلطانه ، هو العقل الاول الذي هو العقل العرش الاعظم ، وأول مجعولات الباري الفعال ، وأتم كلماته التامات وأجمعها.

فكذلك أكمل مراتب العقول المستفادة لجواهر النفوس القدسية الانسانية في عرض المرتبة العودية ، وأفضلها وأشرفها وأتمها على الاطلاق ، وأقربها من المعاد الحق والمحيط المطلق علا كبريائه ، مرتبة العقل المستفاد لجوهر نفس خاتم النبوة عليه وآله الطاهرين أفضل صلوات المصلين.

فمنزلة خاتم النبوة في عرض المرتبة الاخيرة من مراتب طول السلسلة العودية‌


______________________________________________________

منزلة العقل الاولى في عرض المرتبة الاولى من مراتب طول السلسلة البدوية ، كما هناك ليس تتصور درجة رتبة كمالية نزولية تتوسط بين المبدأ الحق جل عزه وبين درجة العقل الاول ، كذلك هاهنا لا يتصور درجة رتبة كمالية صعودية تتوسط بين درجة خاتم النبوة وبين معاد الحق علا كبريائه.

ومن ثم كان العقل الاول نور نفس خاتم النبوة ، لما بينهما من أتم المناسبة والموازاة ، وأشد المشابهة والمضاهاة بحسب الدرجة. فقال 6 في حديث : أول ما خلق الله العقل ، وفي حديث آخر : أول ما خلق الله نوري.

المسألة السابعة : براهين وجوب بعث النبي وارسال الرسول والسنة الالهية والعناية الربوبية ، ناهضة الحكم على وجوب اثبات وصي للرسول يقوم مقامه ، وينوب عنه منابه ، يكون خليفته وبمنزلة نفسه ، بواسطته يفيض الفيض ، وينبث الدين ويقوم العدل ، وينبسط النور ، ويستوي الهدى ، كما النفس خليفة العقل في ايصال الفيض الى عوالم الوجود : والقلب خليفة النفس ، والدماغ خليفة القلب في انبثاث القوى المدركة والقوى المحركة على جوانب البدن ، والنخاع خليفة الدماغ على سائر الاعضاء.

فكذلك النبي الرسول كالقلب في بدن العالم ، ووصيه وخليفته كالدماغ والنخاع فاذن وصي خاتم الانبياء والمرسلين خليفته على جميع الخلق ، وفي منزلة نفسه بحسب الدرجة ، فيكون لا محالة مساهمة في رتبة درجته في عرض المرتبة الاخيرة في طول السلسلة العودية ، فيشبه أن يكون درجته في عرض هذه المرتبة درجة العقل الثاني في عرض المرتبة الاولى البدوية.

فالعقل الاول نور خاتم الانبياء ، والعقل الثاني نور سيد الاوصياء ، بل العقل الاول نور هما معا ، لا نهما كنفس واحدة.

قال 6 : أنا وعلي من نور واحد (١).

__________________

(١) رواه ابن الجوزى في تذكرة الخواص : ٥٢ والقندوزى في ينابيع المودة ٢٥٦ ط اسلامبول.


______________________________________________________

وقال عليه وآله الصلاة والتسليم : أنا وعلي من شجرة واحدة والناس من أشجار شتى (١).

وقال 6 : ان الله جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب (٢).

وقال عليه وآله صلوات الله تسليماته : يا علي أنا وأنت أبوا هذه الامة ولعن الله من عق أباه.

واذا تحققت ما تلوناه عليك : فاعلمن أن قوله سبحانه ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ ) اشارة الى المبدأ الباري الاول عز سلطانه ، اذ كل حقيقة وكمال حقيقة وكل وجود وكمال وجود من صنعة وجوده ، وكل علم وحكمة وحياة وبهاء من فيضه ونوره ، والى ترتيب البدو النازل في نظام الوجود من لدنه ودرجة العقل في أول مراتب السلسلة البدوية.

اذ العقل الفعال الذي هو واهب الصور باذن ربه واسطة افاضة الفيض ، وتنزيل الوحي على النفس نسبة اشراقه الى ادراك البصيرة العقلية نسبة اشراق الشمس الى أبصار الباصرة الحسية ، كما قال في القرآن الكريم ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) (٣) وقال ( فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا ) (٤) ، وقوله تعالى ( لَرادُّكَ ) اشارة الى المعاد الحق لكل وجود موجود والى ترتيب العود الصاعد في انسياق النظام العائد اليه ، ودرجة خاتم النبيين وسيد‌

__________________

(١) رواه الحاكم في المستدرك ٢ / ٢٤١ والخوارزمى في المناقب : ٨٦ وابن حجر في الصواعق المحرقة ١٢١ والذهبى في ميزان الاعتدال ١ / ٤٦٢‌

(٢) رواه الهيثمى في مجمع الزوائد ٩ / ١٧٢‌

(٣) سورة الشعراء : ١٩٤‌

(٤) سورة مريم : ١٧‌


٩١ ـ أحمد بن علي ، قال حدثني ادريس ، عن الحسين بن بشير ، قال حدثني هشام بن سالم ، عن محمد بن مسلم وزرارة ، قالا : سألنا أبا جعفر 7 عن أحاديث فرواها عن جابر ، فقلنا : ما لنا ولجابر؟ فقال : بلغ من ايمان جابر أنه كان يقرء هذه الاية ـ ان الذي فرض عليك القرآن لرادك الى معاد.

______________________________________________________

الوصيين في أخيرة مراتب السلسلة العودية.

والى رجوع النفس الصائرة بكمالها عالما فعليا في آخر منازل سفر الاستكمال في درجات العرفان ومقامات خلع البدن بالارادة في هذه النشأة ، ومصيرها في أول أطوار طعن الروح ورفض الجسد بالطبيعة في النشأة الآخرة الى جنابه البهي الاحدي الحق.

فاذن فقد استبان سبيل قول أبي جعفر الباقر 7 في هذا الحديث وهو أن جابرا كيف لا يكون من أصحاب علي 7 وقد كان يقرأ قول الله عز وجل ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ) (١) ويعرف معناه ومغزاه ويعرف تفسيره وتأويله.

قوله ; : عن الحسين بن بشير‌

ذكر الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال في أصحاب أبي الحسن الرضا 7 الحسن بن بشير مكبرا وقال : مجهول (٢).

وقال العلامة في الخلاصة : انه من أصحاب أبي الحسن الكاظم 7 (٣).

وأما الحسين بن بشير بالتصغير ، ففي كتاب أبي عمرو الكشي رحمه الله تعالى في عامة النسخ.

قوله 7 : بلغ من ايمان جابر أنه يقرأ هذه الاية‌

أي يقرأها ويتدبرها ويعرف سرها ويعلم باطنها.

__________________

(١) سورة القصص : ٨٥‌

(٢) رجال الشيخ : ٣٧٤‌

(٣) الخلاصة : ٢١٢‌


٩٢ ـ أحمد بن علي القمي شقران السلولي ، قال حدثني ادريس ، عن الحسين ابن سعيد ، عن محمد بن اسماعيل ، عن منصور بن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر 7 قال؟ قلت ما لنا ولجابر تروي عنه؟ فقال : يا زرارة ان جابرا كان يعلم تأويل هذه الاية ـ ان الذي فرض عليك القرآن لرادك الى معاد.

٩٣ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثني علي بن محمد ، قال حدثني محمد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن الشقري ، عن علي بن الحكم ،

______________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى : شقراق السلولى‌

الشقران بضم الشين المعجمة واسكان القاف لقب أحمد بن علي القمي.

قال في القاموس : الشقران كعثمان وشقران مولى النبي 6 (١).

يروي عنه عبيد الله بن أبي رافع وكان حبشيا ، يقال : شهد بدرا قاله الذهبي وغيره.

و « سلول » باهمال السين وفتحها ، وربما قيل : بالضم ، فخذ من قيس ، وهم بنو مرة بن صعصعة ، وسلول اسم أمهم منهم عبد الله بن همام الشاعر السلولي ، وأم عبد الله بن أبي المنافق ، قاله في القاموس (٢).

وفي الصحاح : سلول قبيلة من هوازن ، وهم بنو مرة بن صعصعة بن معاوية ابن بكر بن هوازن (٣).

قوله 7 : ان جابرا كان يعلم تأويل هذه الاية‌

قد تلونا عليك باذن الله سبحانه ظاهر هذه الاية وباطنها وتفسيرها وتأويلها ، يعني 7 : أن جابرا رضي الله تعالى عنه قد كان يعلم ويستيقن ذلك كله.

قوله ; : قال حدثنى محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن الشقرى‌

في أكثر النسخ « الشقري » باعجام الشين قبل القاف محركة نسبة الى قبيلة في‌

__________________

(١) القاموس : ٢ / ٦٢‌

(٢) القاموس : ٣ / ٣٩٧‌

(٣) الصحاح : ٥ / ١٧٣١‌


عن فضيل بن عثمان عن أبي الزبير ، قال : رأيت جابرا متوكأ على عصاه وهو يدور‌

______________________________________________________

بني ضبة.

قال في القاموس : شقرة بن الحارث بن تميم ، أبو قبيلة من ضبة ، والنسبة شقري بالتحريك (١).

وقال في جامع الاصول : الشقري بفتح الشين وفتح القاف وبالراء ، منسوب الى شقرة بكسر القاف وبالراء ، منسوب الى شقرة ـ بكسر القاف ـ ابن الحارث بن تميم بن مرة ، وقيل : شقرة اسمه الحارث بن تميم ، وقيل : هو معاوية بن الحارث ابن تميم ، قلبت كسرة القاف في النسبة فتحة على القياس.

وفي بعض النسخ « السفري » (٢) بالسين المهملة والفاء ، اما بالتحريك نسبة الى عبد الله بن أبي السفر الهمداني من أصحاب أمير المؤمنين 7 أو باسكان نسبة الى سفر ابن نسير بضم النون واهمال السين المفتوحة التابعي.

قال في القاموس : الاسماء بالسكون والكنى بالحركة. وقال : أبو السفر محركة سعيد بن محمد كيعلم من التابعين ، وعبد الله بن أبي السفر من أتباعهم (٣).

وفي نسخة عتيقة « محمد بن المنقري » بكسر الميم واسكان النون وفتح القاف نسبة الى منقر بن عبيد ، وهو أبو بطن من تميم ، منهم سليمان بن داود المنقري.

وبالجملة فحيث أن أبا جعفر محمد بن الحسن بن الوليد ; ، لم يذكر محمدا هذا في عداد من استثناه من رجال نوادر الحكمة ، فيكون رواية محمد بن أحمد بن يحيى عنه مما يركن اليه ويعتمد عليه ، فليعلم.

قوله ; : عن فضيل بن عثمان ، عن أبى الزبير‌

وهو أبو الزبير المكي ، وقد أسلفنا نقلا عن الذهبي أن معاوية بن عمار وفضيل‌

__________________

(١) القاموس : ٢ / ٦١‌

(٢) كما في المطبوع من الكشى في جامعة مشهد.

(٣) القاموس : ٢ / ٤٩‌


في سكك المدينة ومجالسهم وهو يقول : علي خير البشر فمن أبى فقد كفر ، يا معشر الانصار أدبوا أولادكم على حبّ علي فمن أبي فلينظر في شأن أمّه.

______________________________________________________

ابن عثمان يرويان عنه.

قوله رضى الله تعالى عنه : على خير البشر فمن أبى فقد كفر‌

وروى الصدوق أبو جعفر بن بابويه رضوان الله تعالى عليه في أماليه بأسناده عن أبي الزبير المكي قال : رأيت جابرا متوكأ على عصاه وهو يدور في سكك الانصار ومجالسهم ، وهو يقول عن النبي 6 : علي خير البشر فمن أبى فقد كفر ، يا معشر الانصار أدبوا أولادكم على حب علي بن أبي طالب ، فمن أبى فانظروا في شأن أمه (١).

وروى بسنده عن أبي عبد الله 7 قال : من وجد برد حبنا أهل البيت على قلبه فليشكر أمّه فانها لم تخن أباه (٢).

عن طريق العامة بأسانيدهم المعتبرة عن أبي الزبير المكي وعتبة العوفي ، قال كل منهما : رأيت جابر بن عبد الله الانصاري يتوكأ على عصاه وهو يدور في سكك المدينة ومجالسهم ، ويقول : قال النبي 6 : علي خير البشر ، من أبى فقد كفر ، ومن رضي فقد شكر ، ثم يقول : معاشر الانصار أدبوا أولادكم على حب علي بن أبي طالب فمن أبى فلينظر في شأن أمه (٣).

وعن وكيع ويوسف القطان والاعمش بأسانيدهم أنه سئل جابر وحذيفة عن علي بن أبي طالب ، فقالا : علي خير البشر لا يشك فيه الا كافر (٤).

__________________

(١) أمالى الصدوق : ٦٨ ط نجف الاشرف‌

(٢) أمالى الصدوق : ٥٤٦‌

(٣) رواه المتقى الهندى في كنز العمال ١٢ / ٢٢١ والعسقلانى في لسان الميزان ٢ / ٢٥٢‌

(٤) رواه محب الدين الطبرى في ذخائر العقبى ٩٦ والقندوزى في ينابيع المودة ٢٤٦‌


______________________________________________________

وعن عائشة مثله (١) ، ورواه الطبرى وسالم عن جابر من احدى عشرة طريقة.

وعن جابر رضي الله تعالى عنه قال : وكان رسول الله 6 اذا أقبل علي يقول : جاء خير البرية (٢).

قال : قال رسول الله 6 : من لم يقل علي خير البشر فقد كفر (٣).

وعنه 6 : من لم يقل علي خير الناس فقد كفر (٤).

وفي حديث آخر : وكان أصحاب محمد 6 اذا أقبل علي قالوا : جاء خير البرية (٥).

وروى الدارمي باسناده عن عائشة ، وكذلك الديلمي في الفردوس في الولاية وأحمد بن حنبل في الفضائل وفي المسند ، والاعمش عن أبي وائل وعن عطيه العوفي عن عائشة ، وعطاء أيضا عن عائشة جميعا عن النبي 6 قال : علي خير البشر من أبى فقد كفر ، ومن رضي فقد شكر (٦).

وأورده امامهم العلامة فخر الدين الرازي في نهاية العقول وفي كتاب الاربعين عن ابن مسعود قال : قال رسول الله 6 : علي خير البشر من أبى فقد كفر (٧).

وفي مسانيدهم بأسانيدهم المعول عليها عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبي 6 : علي خير البرية (٨).

__________________

(١) رواه ابن عساكر في ترجمة الامام على ٢ / ٤٤٨ ، وابن شهاب الدين الهمدانى في مودة القربى ٤٠‌

(٢) رواه الخوارزمى في المناقب : ٦٦‌

(٣) رواه المتقى الحنفى في منتخب كنز العمال المطبوع على هامش المسند ٥ / ٣٥‌

(٤) رواه الخطيب في تاريخ بغداد ٣ / ١٩٢‌

(٥) رواه العسقلانى في لسان الميزان : ١ / ١٧٥‌

(٦) راجع في جميع ذلك احقاق الحق ٤ / ٢٤٩‌

(٧) أورده عنه في احقاق الحق ٤ / ٢٥٥‌

(٨) رواه الخوارزمى في المناقب : ٦٦ والعسقلانى في لسان الميزان ١ / ١٧٥‌


______________________________________________________

ومن المتفق عليه لدى الجميع أن رسول الله 6 قال في المخدج ذي الثدية يقتله خير الخلق والخليقة ، وفي رواية يقتله خير هذه الامة (١).

وفي روايات جمة عن عائشة قالت : سمعت النبي 6 يقول : هم ـ أي المخدج وأصحابه ـ شر الخلق والخليقة ، يقتله خير الخلق والخليقة ، وأقربهم الى الله وسيلة (٢).

ومن طرق عديدة عنها عنه 6 : هم شر الخلق والخليقة يقتلهم سيد الخلق والخليقة ، وفي أخبار كثيرة أنه 6 قال لعلي 7 : وانك أنت قاتله يا علي (٣).

ثم قد أطبقت الامة على أن عليا 7 قد قتله يوم النهروان وأخبر الناس بذلك وقد كان 7 يخبر به وبصفته من قبل ، ثم استخرجه من تحت القتلى فوجدوه على ما كان يذكر فيه من صفته ، فكبر الله وقال : صدق الله ورسوله وبلغ رسوله.

وفي صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما من صحاحهم (٤) أن النبي 6 قال فيه : ان له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يقرءون الكتاب لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية يخرجون على خير فرقة من الناس.

وكان أبو سعيد الخدري يقول ، أشهد اني سمعت هذا الحديث من رسول الله 6 وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وقتلهم وأنا معه ، ثم من بعد القتال استخرجوا من بين القتلى من هذه صفته فجاءوا به اليه ، فشاهدت فيه تلك الصفات‌

__________________

(١) رواه القاضى عضد الدين الايجى في المواقف ٢ / ٦١٥‌

(٢) رواه الحافظ نور الدين في مجمع الزوائد ٦ / ٢٣٩‌

(٣) راجع في ذلك احقاق الحق : ٨ / ٤٧٥ ـ ٥٢٢‌

(٤) مسلم في صحيحه ٣ / ١١٢ ط محمد على وأحمد بن حنبل في مسنده ٣ / ٥٦ والبخارى في صحيحه ٤ / ٢٠٠ ط الاميرية. والنسائى في الخصائص : ٤٣ ط مصر‌


______________________________________________________

التي قد كان بخبرنا بها رسول الله 6.

وروى أبو بكر بن مردويه في كتابه مرفوعا الى حذيفة قال : قال رسول الله 6 : علي خير البشر فمن أبى فقد كفر.

ورواه أيضا مسندا عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله 6 : علي خير البشر ومن أبى فقد كفر (١).

وروى أبو بكر البيهقي أن الانصار كانت تقول : انا كنا نعرف الرجل لغير أبيه ببغضه علي بن أبي طالب (٢).

وعن جابر بن عبد الله الانصاري 2 قال : قال رسول الله 6 : بوروا أولادكم بحب علي بن أبي طالب ، فمن أحبه فاعلموا أنه لرشدة ، ومن أبغضه فاعلموا أنه لغية (٣).

رشدة بكسر الراء وبفتحها أي نكاح صحيح ، وغية أيضا بكسر الغين المعجمة وفتحها وتشديد الياء المثناة من تحت ، أي لزنية وطي من غير نكاح صحيح.

ولبعض المتوهمين القاصرين من المعاصرين في ضبط هذه اللفظة عثرة ، تستعاذ بالله من خذيها وفضيحتها ، أوردناها في الرواشح السماوية (٤).

وروى الهروي في الغريبين عن عبادة : كنا نبور أولادنا بحب علي بن أبي طالب ، فاذا رأينا أحدهم لا يحبه علمنا أنه لغير رشدة (٥).

وقال ابن الاثير في النهاية : في الحديث أن داود سأل سليمان 8 وهو يتبار‌

__________________

(١) المناقب لا بن مردويه غير مطبوع‌

(٢) رواه الصفورى في نزهة المجالس ٣ / ٢٠٨ والحكم في المستدرك : ٣ / ١٢٩‌

(٣) راجع احقاق الحق : ٧ / ٢٦٦‌

(٤) الرواشح السماوية : ٨١‌

(٥) روى احقاق الحق عنه : ٧ / ٢٦٦‌


البراء بن عازب‌

______________________________________________________

علمه أي يختبره ويمتحنه ، ومنه الحديث « وكنا نبور أولادنا بحب علي بن ابي طالب » وحديث علقمة الثقفي حتى والله ما نحسب الا أن ذلك شي‌ء يبتار به اسلامنا (١).

وقال : وفي حديث جعفر الصادق « لا يحبنا أهل البيت كذا وكذا ولا ولد الميافعة » أي ولد الزنا يقال : يافع الرجل جارية فلان اذا زنى بها (٢).

وقال فيه : وفي حديث أهل البيت « لا يحبنا اللاكع ولا المحبوس » (٣).

لكع عليه الوسخ كفرح لصق به ولزمه ، ولكع بضم اللام وفتح الكاف اللئيم الخسيس الوسخ الدنس ، وأصل الخسيس الخلط ، وذلك عن خبث الطينة واختلاط النطفة وعدم طيب الولادة.

وفي النهاية الاثيرية أيضا : في حديث الصادق « لا يحبنا أهل البيت ذو رحم منكوس » قيل : هو المأبون لانقلاب شهوته الى دبره (٤) انتهى كلام النهاية.

البراء بن عازب‌

هو أبو عامر أو أبو عمار ، البراء ـ بالباء الموحدة والراء المخففة المفتوحتين وبالمد كسماء ـ بن عازب باهمال العين قبل الالف والزاء بعدها.

في القاموس : أنا براء منه لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث ، أي بري‌ء والبراء أول ليلة ، أو يوم من الشهر ، أو آخرها ، أو آخره ، كابن البراء وأبراء دخل فيه واسم ،

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ١ / ١٦١‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ٥ / ٢٩٩‌

(٣) نهاية ابن الاثير : ٤ / ٢٦٩‌

(٤) نهاية ابن الاثير : ٥ / ١١٥‌


٩٤ ـ قال الكشي : روى جماعة من أصحابنا منهم أبو بكر الحضرمي ، وأبان ابن تغلب ، والحسين بن أبي العلاء ، وصباح المزني ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله‌

______________________________________________________

وابن مالك وعازب وأوس والمعرور الصحابيون (١).

قال الشيخ ; في باب الصحابة : البراء بن عازب الانصاري الخزرجي كنيته أبو عامر (٢).

ثم ذكره في أصحاب أمير المؤمنين 7 وقال : البراء بن عازب الانصاري (٣)

وقال صاحب كتاب الصحابة : البراء بن عازب بن الحارث بن عدي بن خيثم بن مجذعة يكنى أبا عمارة ، غزى مع رسول الله 6 خمس عشرة غزوة ، واستصغره النبي يوم بدر فلم يشدها ، واجازه يوم الخندق وهو ابن خمس عشر سنة ، فنزل البراء الكوفة وتوفى بها في أيام مصعب بن الزبير (٤).

وفي مختصر الذهبي : عنه عدي بن ثابت ، وأبو اسحاق ، وخلق ، وشهد أحدا ، ومات بعد التسعين.

قوله رحمه الله تعالى : روى جماعة من أصحابنا‌

لم يذكر طريقته في الاسناد عن الجماعة ، وعني أنه من الصحيح الثابت عنهم وكذلك كلما أرسل ارسالا جاريا مجرى التعليق ، قال في صدر الطريق روي ، وأسقط الاسناد من البين ، كما سبق في ترجمة أبي أيوب الانصاري : روى الحارث بن حصيرة.

قوله رحمه الله تعالى : منهم أبو بكر الحضرمى الخ‌

أبو بكر عبد الله بن محمد الحضرمي ، قد بينا في المعلقات على الاستبصار‌

__________________

(١) القاموس : ١ / ٨‌

(٢) رجال الشيخ : ٨‌

(٣) رجال الشيخ : ٣٥‌

(٤) الاستيعاب : ١ / ١٣٩ وفيه جشم بن مجدعة‌


8 ان أمير المؤمنين 7 قال للبراء بن عازب كيف وجدت هذا الدين؟ قال كنّا بمنزلة اليهود قبل أن نتبعك ، تخف علينا العبادة ، فلما اتبعناك ووقع حقائق الايمان في قلوبنا وجدنا العبادة قد تثاقلت في أجسادنا. قال امير المؤمنين 7 : فمن ثم يحشر الناس يوم القيامة في صور الحمير وتحشرون فرادى فرادى يؤخذ بكم الى الجنة ، ثم قال ابو عبد الله 7 : ما بدا لكم! ما من أحد يوم القيامة الا وهو يعوي عواء البهائم أن اشهدوا واستغفروا لنا ، فنعرض عنهم فما هم بعدها بمفلحين.

______________________________________________________

توثيقه وصحة حديثه.

وأبان بن تغلب ظاهر الجلالة في الفضل والثقة.

والحسين بن أبي العلاء الحفاف الازدي وأخواه علي وعبد الحميد وجوه ثقاة أذكياء ، قد أوضحنا حالهم وحال أبيهم في المعلقات على الاستبصار وعلى الفقيه وأبطلنا ما تو همه المتوهمون في أبي العلاء ، وسيستبين الامر في ذلك كله حيث يحين حينه إن شاء الله العزيز.

وصباح بن يحيى ـ باهمال الصاد المفتوحة وتشديد الباء المفتوحة ـ أبو محمد المزني ـ بضم الميم وفتح الزاء قبل النون ـ كوفي ثقة.

في القاموس : مزينة كجهينة قبيلة ، وهو مزني (١).

قوله 7 : للبراء بن عازب كيف وجدت هذا الدين؟

قال له ذلك في زمن خلافته اذ كان 7 بالكوفة ، يعني كيف وجدت هذا الدين معي بعد ما كنت مع المتقمصين للخلافة قبلي؟ قال كنا بمنزلة اليهود قبل أن نتبعك تخف علينا العبادة ، أي كنا تائهين في الجهالة ، مستخفين بالعبادة ، مضيعين لحدودها وأركانها ، غير خاشعين في مناسكها آدابها ، فلما اتبعناك انبسط نور المعرفة في صدورنا ، ووقع حقائق الايمان في قلوبنا ، فتثاقلت العبادة في جوارحنا وأجسادنا ، وألذت واحلولت مع ذلك في نفوسنا وأرواحنا.

__________________

(١) القاموس : ٤ / ٢٧١‌


قال أبو عمرو الكشي : هذا بعد أن أصابته دعوة أمير المؤمنين 7 فيما روي من جهة العامة.

______________________________________________________

روى البخاري في صحيحه بأسناده عن مطرف قال : صليت أنا وعمران خلف علي بن أبي طالب ـ 2 ـ فكان اذا سجد كبر ، واذا رفع كبر ، واذا نهض من الركعتين كبر ، فلما سلم أخذ عمران بيدي ، فقال : لقد صلى بنا هذا صلاة محمد 6 أو قال : لقد ذكرني هذا صلاة محمد 6 (١).

وروى الصدوق عروة الإسلام أبو جعفر بن بابويه وغيره من أشياخنا وأصحابنا رضوان الله تعالى عليهم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وتسليماته عليه تطويل القراءة في صلاة الكسوف بمثل الانبياء والكهف.

قال في الفقيه : وانكسفت الشمس على عهد أمير المؤمنين 7 ، فصلى بهم حتى كان الرجل ينظر الى الرجل قد ابتل قدمه من عرقه (٢).

قوله ; : هذا بعد أن أصابته دعوة أمير المؤمنين (ع) فيما روى من جهة العامة‌

وقد غلط الحسن بن داود في شرح هذه العبارة ، فظن أن معناها أن اصابة دعوته 7 اياه فيما روي من جهة العامة لا من طريق الخاصة.

قال في كتابه : البراء بن عازب « ل ـ ي ـ جخ ـ كش » شهد 7 له بالجنة بعد أن روت العامة أنه 7 دعا عليه لكتمانه الشهادة بيوم غدير خم فعمي (٣).

فذلك ظن فاسد ، فان دعائه 7 عليه وإصابته دعوته اياه من الثابت ، بل من المتواتر من طريق الخاصة ومن طريق العامة جميعا ، وروى الكشي ذلك من طريق الخاصة بعد هذا الكلام.

__________________

(١) صحيح البخارى ١ / ١٩١ ط عامرة استبول‌

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٤١‌

(٣) رجال ابن داود : ٦٤‌


٩٥ ـ روى عبد الله بن ابراهيم ، قال أخبرنا أبو مريم الانصاري ، عن المنهال ابن عمرو ،

______________________________________________________

بل معنى العبارة : أن ما قاله 7 في هذا الحديث له ، وشهد له بقوله : « فيؤخذ بكم الى الجنة » روي من جهة العامة (١) ، أنه كان بعد ان أصابته دعوته 7 وعمي‌

قوله ; : روى عبد الله بن ابراهيم (٢)

أرسل اسناده عن عبد الله بن ابراهيم هذا ، وهو عبد الله بن ابراهيم أبي عمر أبو محمد الغفاري ، حليف الانصار سكن المزينة بالمدينة ، فتارة يقال له : الغفاري ، وتارة الانصاري ، وتارة المزني ، ويقال له أيضا : المدني ، يروي عن أبي مريم الانصاري عبد الغفار الجازي ومن في طبقته ، وعنه الحسن بن علي بن فضال ، ومحمد ابن عيسى.

وذكر في الفهرست عبد الله بن ابراهيم الانصاري وأسند طريقه في رواية كتابه الى محمد بن عيسى عنه (٣) ، ثم ذكر عبد الله بن ابراهيم الغفاري وطريقه في رواية كتابه بالاسناد الاول عن محمد بن عيسى عنه ، ويظهر من ذلك التعدد ، والصحيح أنهما واحد.

قوله رحمه الله تعالى : عن المنهال بن عمرو‌

قال الشيخ ; ـ في كتاب الرجال في أصحاب أبي عبد الله الحسين بن علي 8 : المنهال بن عمرو الاسدي.

وكذلك قال في أصحاب أبي محمد علي بن الحسين 8 : المنهال بن عمرو الاسدي.

__________________

(١) يعنى ان قوله فيما روى متعلق بقوله بعد ان أصابته ، لا أنه متعلق بقوله أصابته دعوته‌

(٢) والعجب من المصحح لرجال الكشى المطبوع في جامعة مشهد حيث زعم أنه من العامة لأنه رتب النسخة كذا : ٩٥ ـ فيما روى من جهة العامة : روى عبد الله بن ابراهيم الخ‌

(٣) الفهرست : ١٢٧‌


عن زر بن حبيش ، قال : خرج علي بن أبي طالب 7 من القصر ، فاستقبله ركبان متقلدون بالسيوف عليهم العمائم ، فقالوا : السّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، السّلام عليك يا مولانا.

فقال علي 7 : من هاهنا من أصحاب رسول الله 6؟ فقام خالد بن زيد أبو أيوب ، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وقيس بن سعد بن عبادة ، وعبد الله بن بديل بن ورقاء ، فشهدوا جميعا أنهم سمعوا رسول الله 6 يقول : يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه.

فقال علي 7 لأنس بن مالك ، والبراء بن عازب : ما منعكما أن تقوما فتشهدا فقد سمعتما كما سمع القوم؟ ثم قال : اللهم ان كانا كتماها معاندة فابتلهما.

______________________________________________________

وقال في أصحاب أبي جعفر الباقر 7 : منهال بن عمرو الاسدي مولاهم.

وقال في أصحاب أبي عبد الله الصادق 7 : منهال بن عمرو الاسدي مولاهم كوفي ، روى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله : (١).

وفي مختصر الذهبي : المنهال بن عمرو الاسدي مولاهم ، عن ابن الحنيفة وزر ، وعنه الاعمش ، وشعبة ، ورواية عنه في « س » ثم تركه بآخرة ، وثّقه ابن معين.

قوله ; : عن زر بن حبيش‌

زر بالزاء المكسورة والراء المشددة ، وحبيش بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة واسكان الياء المثناة من تحت واعجام الشين أخيرا ، على ما في جامع الاصول والقاموس وغيرهما من الكتب المعتبرة.

وقال العلامة في الخلاصة : بالسين المهملة (٢).

فاعترض عليه الحسن بن داود بالتصحيف والتوهم (٣).

__________________

(١) رجال الشيخ على الترتيب : ٧٩ ، ١٠١ ، ١٣٨ ، ٣١٣‌

(٢) الخلاصة : ٧٦‌

(٣) رجال ابن داود : ١٥٧‌


فعمي البراء بن عازب ، وبرص قدما أنس بن مالك ، فحلف أنس بن مالك أن لا يكتم منقبة لعلي بن أبي طالب ولا فضلا أبدا ، وأما البراء بن عازب فكان يسأل عن منزله؟ فيقال : هو في موضع كذا وكذا ، فيقول : كيف يرشد من أصابته الدعوة.

______________________________________________________

فبعض شهداء المتأخرين في حاشية الخلاصة (١) رجح كلام ابن داود ، بأنه في نسخة معتبرة لكتاب الرجال للشيخ وجد ذلك مضبوطا بالشين المعجمة ، ولم يتعرض للتصريح بذلك في الاصول المعول عليها في هذا الباب ، كأنه لم يتبعها أصلا.

وبالجملة زر بن حبيش من أفاضل رجال أمير المؤمنين 7.

قال الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أمير المؤمنين 7 : زرّ بن حبيش وكان فاضلا (٢).

وفي مختصر الذهبي : زرّ بن حبيش أبو مريم الاسدي ، عاش مائة وعشرين سنة ، مات سنة ٨٢.

قوله 7 : وأما البراء بن عازب فكان يسأل عن منزله‌

أي بعد أن أصابته دعوة أمير المؤمنين 7 وعمي ، فيقال : هو في موضع كذا وكذا ، فيقول : كيف يرشد من أصابته الدعوة ، ولعل قوله هذا قبل ما قد سبق من حديث شهادة أمير المؤمنين 7 له بالجنة.

__________________

(١) التعليقة على الخلاصة للشهيد الثانى غير مطبوع.

(٢) رجال الشيخ : ٤٢‌


عمرو بن الحمق‌

٩٦ ـ جبريل بن أحمد الفاريابي ، حدثني محمد بن عبد الله بن مهران ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي القاسم وهو معاوية بن عمار ( إن شاء الله ) رفعه ، قال :

______________________________________________________

عمرو بن الحمق‌

عمرو بن الحمق ـ باهمال الحاء وفتحها وكسر الميم ـ صاحب رسول الله 6 كان من قتلة عثمان ، وشهد مع أمير المؤمنين 7 مشاهده كلها ، وروى أبو عمرو الكشي ـ رحمه الله تعالى ـ : أنه من حواري أمير المؤمنين 7.

قال الشيخ ـ ; ـ في باب أصحاب أمير المؤمنين 7 : عمرو بن الحمق الخزاعي (١).

وكذلك قال في أصحاب أبي محمد الحسين بن علي 8 : عمرو بن الحمق الخزاعي (٢).

وفي مختصر الذهبي : عمرو بن الحمق الخزاعي صحابي ، عنه جبير بن نفير ، ورفاعة بن شداد ، وجماعة ، قتل بالموصل سنة ٥١ بعثمان.

قوله رحمه الله تعالى : جبريل بن أحمد الفاريابي‌

قد تقدم تحقيق حاله ، والطريق هذا ضعيف بمحمد بن عبد الله بن مهران وهو غال كذاب.

وفي القاموس : فراب كسحاب قرية قرب سمرقند ، ذكر تارة باصفهان ، وكحربال بلد ببلخ ، أو هو فيرياب ككيمياء ، أو فارياب كقاصعاء وكساباط ناحية وراء نهر سيحون (٣).

__________________

(١) رجال الشيخ : ٤٧‌

(٢) رجال الشيخ : ٦٩‌

(٣) القاموس : ١ / ١١٢‌


أرسل رسول الله 6 سرية ، فقال لهم : انكم تضلون ساعة كذا من الليل فخذوا ذات اليسار ، فانكم تمرون برجل في شأنه فتسترشدونه ، فيأبى أن يرشدكم حتى تصيبوا من طعامه فيذبح لكم كبشا فيطعمكم ثم يقوم فيرشدكم ، فأقرئوه مني السّلام واعلموه أني قد ظهرت بالمدينة.

فمضوا فضلوا الطريق ، فقال قائل منهم : ألم يقل لكم رسول الله 6 تياسروا ففعلوا فمروا بالرجل الذي قال لهم رسول الله 6 فاستر شدوه؟ فقال لهم الرجل لا أفعل حتى تصيبوا من طعامي ، ففعلوا ، فأرشدهم الطريق. ونسوا ان يقرءوه السّلام من رسول الله 6.

قال ، فقال لهم وهو عمرو بن الحمق 2 أظهر النبي 7 بالمدينة فقالوا : نعم. فلحق به ولبث معه ما شاء الله.

ثم قال له رسول الله 6 : ارجع الى الموضع الذي منه هاجرت فاذا تولى أمير المؤمنين 7 فآته.

فانصرف الرجل حتى اذا تولى أمير المؤمنين 7 الكوفة ، أتاه وأقام معه بالكوفة ، ثم ان أمير المؤمنين 7 قال له ألك دار؟ قال : نعم. قال : بعها واجعلها في الازد ، فاني غدا لو غبت لطلبك ، فمنعك الازد حتى تخرج من الكوفة متوجها الى حصن الموصل ، فتمر برجل مقعد فتقعد عنده ، ثم تستقيه فيسقيك ، ويسألك عن شأنك فأخبره وادعه الى الإسلام فانه يسلم ، وأمسح بيدك على وركيه فان الله يمسح ما به وينهض قائما فيتبعك.

وتمرّ برجل أعمى على ظهر الطريق ، فتستسقيه فيسقيك ، ويسألك عن شأنك فأخبره وادعه الى الإسلام فانه يسلم ، وأمسح يدك على عينيه فان الله عز وجل يعيده بصيرا فيتبعك ، وهما يواريان بدنك في التراب ، ثم تتبعك الخيل فاذا صرت قريبا من الحصن في موضع كذا وكذا رهقتك الخيل ، فأنزل عن فرسك ومرّ الى الغار ، فانه يشترك في دمك فسقة من الجن والانس.


ففعل ما قال أمير المؤمنين 7 قال ، فلما انتهى الى الحصن قال للرجلين : اصعدا فانظرا هل تريان شيئا؟ قالا نرى خيلا مقبلة ، فنزل عن فرسه ودخل الغار وعار فرسه فلما دخل الغار ضربه أسود سالخ فيه ، وجاءت الخيل فلما رأوا فرسه عائرا قالوا هذا فرسه وهو قريب ، فطلبه الرجال فأصابوه في الغار فكلما ضربوا ايديهم الى شي‌ء من جسمه تبعهم اللحم ، فأخذوا رأسه ، فأتوا به معاوية ، فنصبه على رمح ، وهو أول رأس نصب في الإسلام.

٩٧ ـ قال الكشى : وروى أن مروان بن الحكم كتب الى معاوية وهو عامله على المدينة : أما بعد. فان عمرو بن عثمان ذكر أن رجلا من أهل العراق ووجوه أهل‌

______________________________________________________

قوله : وعار فرسه‌

باهمال العين قبل الالف والراء بعدها. قال في المغرب : عار الفرس يعير ذهب هنا وهنا من نشاطه : أوهام على وجهه لا يثنيه شي‌ء ، ومنه قوله فيما لا يجوز بيعه كذا وكذا. والفرس العائر والعاند من العاند من العناد تصحيف ، ويقال : سهم عاير لا يدري من رماه.

قوله : ضربه أسود سالخ‌

باهمال السين قبل الالف واللام بعدها واعجام الخاء أخيرا.

قال في القاموس : والسالخ اسم الاسود من الحيات والانثى أسودة ، ولا توصف بسالخة وأسود وأسودان سالخ ، وأساود سالخة وسوالخ (١).

قوله أن رجلا من أهل العراق‌

بفتح الراء واسكان الجيم على جمع راجل ، أو بالزاء المضمومة والجيم المفتوحة ، أي جماعات على جمع الزجلة بالضم وهي الجماعة ، أو بالزاء المفتوحة‌

__________________

(١) القاموس : ١ / ٢٦١‌


الحجاز يختلفون الى الحسين بن علي ، وذكر أنه لا يأمن وثوبه ، وقد بحثت عن ذلك فبلغني أنه يريد الخلاف يومه هذا ، ولست آمن أن يكون هذا أيضا لما بعده ، فاكتب إلي برأيك في هذا ، والسّلام.

فكتب اليه معاوية : أما بعد : فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من أمر الحسين ، فاياك أن تعرض للحسين في شي‌ء واترك حسينا ما تركك ، فانا لا نريد أن تعرّض له في شي‌ء ما وفي ببيعتنا ولم ينز على سلطاننا ، فاكمن عنه ما لم يبدلك صفحته ، والسّلام.

______________________________________________________

والجيم الساكنة ، بمعنى ارسال الحمام للاختبار والاستخبار.

قوله عليه وعلى شجرته الملعونة الخبيثة أصلا وفصلا أشد اللعن والعذاب : ما لم ينز على سلطاننا‌

بفتح حرف المضارعة واسكان النون وضم الزاء ، من نزا على الشي‌ء ينزو نزوا ونزوانا : أي وثب وثوبا وثبانا ، وقلب فلان ينزو الى كذا ينازع ويتوق اليه ، والتنزي التوثب والتسرع.

وفي مجمل اللغة : التنزي تسرع الانسان الى الشر ، وما نزاك على كذا أي ما حملك عليه ، يقال : بالتشديد وبالتخفيف ، ورجل منزو بكذا مولع به.

قوله : فاكمن عنه ما لم يبدلك صفحته‌

من كمن له كمونا ، بمعنى تواري واستخفي.

قال في المغرب : ومنه الكمين من حيل الحرب ، وهو أن يستخفوا في مكمن لا يفطن لهم ، وكمن عنه كمونا أي اختفي.

وفي القاموس : ان الفعل منه من بابي نصر وسمع ، ويقال : في المشهور من بابي ضرب ونصر (١).

__________________

(١) القاموس : ٤ / ٢٦٣‌


٩٨ ـ وكتب معاوية الى الحسين بن علي 7 أما بعد ـ فقد انتهيت إلي أمور عنك. ان كانت حقا فقد أظنّك تركتها رغبة فدعها ، ولعمر الله ان من أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء وان كان الذي بلغني باطلا فانك أنت أعذل الناس لذلك وعظ نفسك فاذكره ولعهد الله أوف ، فانك متى ما أنكرك تنكرني ومتى أكدك تكدني فاتق شقّك عصا هذه الامة وان يردهم الله على يديك في فتنة ، وقد عرفت الناس وبلوتهم ، فانظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد 6 ولا يسخفنّك السفهاء والذين لا يعلمون.

٩٩ ـ فلما وصل الكتاب الى الحسين 7 كتب اليه : أما بعد ـ فقد بلغني كتابك ، تذكر أنه قد بلغك عني أمور أنت لي عنها راغب وأنا لغيرها عندك جدير فان الحسنات لا يهدى لها ولا يرد اليها الا الله ، وأما ما ذكرت أنه انتهى إليك عني فانه انما رقاه إليك الملاقون المشّاءون بالنميم ، وما أريد لك حربا ولا عليك خلافا ، وايم الله اني لخائف لله في ترك ذلك ، وما أظن الله راضيا بترك ذلك ، ولا عاذرا بدون الاعذار فيه إليك وفي أوليائك القاسطين الملحدين حزب الظلمة وأولياء الشياطين.

ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة ، والمصلين العابدين الذين كانوا‌

______________________________________________________

و « يبد » بضم حرف المضارعة من باب الافعال.

و « صفحة الشي‌ء » وجهه وجانبه ، أي ما لم يظهر لك وجهه وجانبه ، ولم يتكافح ولم يتظاهر لك بالمعاندة والمعاداة.

قوله : فانك أنت أعذل الناس لذلك‌

باعجام الذال بعد العين المهملة ، من العذل بمعنى الملامة ، يقال : عذلت الرجل اذا لمته ، وعذلنا فلان فاعتذل أي لام نفسه وأعتب ، يعني أنت أحق الناس بأن تكون عاذلا لمثل ذلك لائما عليه مستنكرا اياه ، فخليق بك أن لا ترتكبه أبدا.

قوله عليه وعلى شجرته الطيبة المقدسة المبارك أصلها وفرعها صلوات الله التامات وتسليماته الناميات : ألست القاتل حجر بن عدى أخا كنده‌

حجر بن عدي الكندي من خواص أمير المؤمنين 7 وأصفياء أصحابه‌


ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ولا يخافون في الله لومة لائم؟ ثم قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما كنت اعطيتهم الايمان المغلظة والمواثيق المؤكدة لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ولا بإحنة تجدها في نفسك.

أو لست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله 6 العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه وصفرت لونه؟ بعد ما آمنته وأعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو أعطيته طائرا لنزل إليك من رأس الجبل ، ثم قتلته جرأة على ربك واستخفافا‌

______________________________________________________

وأولياءه ، وذكره بعضهم في عداد الصحابة.

وفي القاموس : حجر ـ بالضم ـ والد امرء القيس وجده الاعلى ، وابن عدي وابن ربيعة وابن يزيد صحابيون ، وابن العنبس تابعي (١).

وقال يوسف بن عبد البر والحافظ أبو نعيم : حجر بن عنبس وقيل : ابن قيس الكندي وحجر بن عدي الأدبر ، ذكرا فيمن روى عن النبي 6 ، ولا تثبت لأحدهما صحبته (٢).

والشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ في كتاب الرجال قال في أصحاب أمير المؤمنين 7 حجر بن عدي الكندي وكان من الابدال (٣) ثم ذكره في أصحاب أبي محمد الحسن ابن علي 8 وقال : حجر بن عدي الكندي الكوفي (٤).

قلت : وايراده في أصحاب أبي عبد الله الصادق 7 كان خطأ لقول سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين بن علي 8 لمعاوية في هذه الرواية : ألست القاتل حجر بن عدي أخا كنده.

وقال أبو الحسن المسعودي ـ رحمه الله تعالى ـ في مروج الذهب : وفي‌

__________________

(١) القاموس : ٢ / ٥‌

(٢) الاستيعاب : ١ / ٣٥٩‌

(٣) رجال الشيخ : ٣٨‌

(٤) رجال الشيخ : ٦٧‌


______________________________________________________

سنة ثلاث وخمسين قتل معاوية حجر بن عدي الكندي ، وهو أول من قتل صبرا في الإسلام ، حمله زياد من الكوفة ومعه تسعة عشر نفرا من أهل الكوفة وأربعة من غيرها.

فلما صار الى مرج عذراء على اثنى عشر ميلا من دمشق تقدم البريد بأخبارهم الى معاوية ، فبعث اليهم برجل أعور ، فلما أشرف على حجر وأصحابه ، قال رجل منهم : ان صدق الرجل (١) فانه سيقتل منا النصف وينجو الباقون فقيل له : وكيف ذلك؟ قال : أما ترون الرجل المقبل مصابا في إحدى عينيه.

فلما وصل اليهم قال لحجر : ان أمير المؤمنين قد أمرني بقتلك يا رأس الضلال ومعدن الكفر والطغيان والمتولي لأبي تراب ، الا أن ترجعوا عن كفركم وتلعنوا أصحابكم وتتبرّءوا منه.

فقال حجر وجماعته ممن كان معه : ان الصبر على مرّ (٢) السيف لا يسر علينا مما تدعونا اليه ، ثم القدوم على الله وعلى نبيه وعلى وصيه أحب إلينا من دخول النار وأجاب نصف من كان معه الى البراءة من علي.

فلما قدم حجر ليقتل قال : دعوني أصلي ركعتين فطول في صلاته ، فقيل له :

أجزعا من الموت؟ قال : لا ، ولكني ما تطهرت للصلاة قط إلا صليت ، وما صليت قط أخف من هذه ، وكيف أجزع وأني لأرى قبرا مفتوحا وسيفا مشهورا وكفنا منشورا ثم قدم فنحر : والحق به من وافقه على قوله من أصحابه.

وقيل : ان قتلهم كان في سنة خمسين ، وذكر أن عدي بن حاتم الطائي دخل على معاوية : فقال له معاوية : أما أنه قد بقيت قطرة من دم عثمان لا يمحوها الا دم شريف من أشراف اليمن.

__________________

(١) وفي المصدر : الزجر‌

(٢) وفي المصدر : حد‌


بذلك العهد ، أولست المدعى زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف؟ فزعمت انه ابن أبيك وقد قال رسول الله 6 : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، فتركت سنة رسول الله 6 تعمدا وتبعت هواك بغير هدى من الله.

______________________________________________________

فقال عدي : والله ان قلوبنا التي أبغضاك فيها لفي صدورنا وان سيوفنا التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا ، ولئن أدنيت إلينا شبرا لندلي إليك من الشر شبرا ، وان حرجمة (١) الحلقوم وحشرجة الحيزوم لا هون علينا من أن نسمع المساءة في علي 7 فسل السيف يا معاوية يبعث السيف.

فقال معاوية : هذه كلمات حكم فاكتبوها ، وأقبل على عدي محادثا كأنه ما خاطبه بشي‌ء انتهى كلام مروج الذهب (٢).

وسيأتي في أصل الكتاب تمام القول في ترجمة حجر بن عدي إن شاء الله العزيز العليم سبحانه.

قوله 7 أولست المدعى زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف فزعمت أنه ابن أبيك‌

قال المسعودي في مروج الذهب : أن معاوية ادعى ذلك وأدخله في نسبه بشهادة أبي مريم السلولي ، وكان أخبر الناس ببدو الامر ، وذلك أنه جمع بين أبي سفيان وسمية أم زياد في الجاهلية على زنا ، وكانت سمية من ذوات الرايات بالطائف تؤد الضريبة الى الحارث بن كلدة سمية ، فقال : ايتني بها على ذفرها وقذرها.

فقال له زياد : مهلا يا أبا مريم! انما بعثت شاهدا ولم تبعث شاتما ، فقال أبو مريم : نعم لو كنت أعفيتموني لكان أحب إلي وانما شهدت بما عاينت ورأيت ، والله لقد أخذ بكور (٣) درعها وأغلقت الباب عليهما وقعدت دهشانا ، فلم ألبث أن خرج‌

__________________

(١) وفي المصدر : حز‌

(٢) مروج الذهب : ٣ / ٣ ـ ٥‌

(٣) كار الشى‌ء يكور كورا دار وكور العمامة دورها ( منه ) وفي المصدر : بكم درعها‌


ثم سلطته على العراقين ، يقطع أيدي المسلمين وأرجلهم ، ويسمل أعينهم ، ويصلبهم على جذوع النخل كأنك لست من هذه الامة وليسوا منك.

أولست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية انهم كانوا على دين علي 7؟ فكتب اليه ان اقتل كل من كان على دين علي فقتلهم ومثلهم ودين علي 7 سر الله الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك ، وبه جلست مجلسك الذي جلست ، ولو لا ذلك لكان شرفك وشرف أبيك الرحلتين.

______________________________________________________

علي يمسح جبينه فقلت : مه يا أبا سفيان فقال : ما أصبت مثلها يا أبا مريم لو لا استرخاء من ثديها وذفر من مرفقيها.

فقام زياد فقال : أيها الناس هذا الشاهد قد ذكر ما سمعتم ولست أدري حق ذلك من باطله ، وانما كان عبيد ابا مبرورا ووليا مشكورا ، والشهود أعلم بما قالوا.

فقام يونس بن عبيد أخو صفية بنت عبيد بن أسد بن علاج الثقفي ، وكانت صفية مولاة سمية ، فقال : يا معاوية قضى رسول الله 6 الولد للفراش وللعاهر الحجر وقضيت أنت الولد للعاهر وأن الحجر للفراش ، مخالفة لكتاب الله وانصرافا عن سنة رسول الله بشهادة أبي مريم على زنا أبي سفيان.

فقال معاوية : والله لتنتهين يا يونس أو لأطيرن بك طيرة بطيئا وقوعها ، فقال يونس : هل الا الى الله ثم أقع؟

فقال عبد الرحمن بن أم الحكم في ذلك :

ألا أبلغ معاوية بن حرب

مغلغلة عن الرجل اليماني

أتغضب أن يقال أبوك عف

وترضى أن يقال أبوك زان

فاشهد أن رحمك من زياد

كرحم الفيل من ولد الاتان (١)

قوله 7 : لكان شرفك وشرف أبيك الرحلتين‌

الرحلة ـ بالكسر ـ الارتحال ، الرحلة ـ بالضم ـ الوجهة التي يقصدها المرتحل‌

__________________

(١) مروج الذهب : ٣ / ٦ ـ ٨‌


وقلت فيما قلت « انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد واتق شق عصا هذه الامة وان تردهم الى فتنة » واني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الامة من ولايتك عليها ولا أعظم نظرا لنفسي ولديني ولأمة محمد 6 وعلينا أفضل من أن أجاهدك ، فان فعلت فانه قربة الى الله ، وان تركته فاني أستغفر الله لديني وأسأله توفيقه لإرشاد أمري.

وقلت فيما قلت « أني ان أنكرتك تنكرني وان أكدك تكدني » فكدني ما بدا لك فاني أرجو أن لا يضرني كيدك فيّ ، وأن لا يكون عليّ أحد أضر منه على نفسك ، على أنك قد ركبت بجهلك وتحرصت علي نقض عهدك ، ولعمري ما وفيت بشرط.

ولقد نقضت عهدك بقتلك هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والايمان والعهود والمواثيق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا ، ولم تفعل ذلك بهم الا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا ، فقتلتهم مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا أو ماتوا قبل أن يدركوا.

فأبشر يا معاوية بالقصاص وأستيقن بالحساب واعلم أن لله تعالى كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها ، وليس الله بناس لأخذك بالظنة وقتلك أوليائه على‌

______________________________________________________

في مسيره.

ويعني 7 بالرحلتين : رحلتي قريش بالشتاء والصيف ، للامتيار والاتجار ، كان لإشرافهم الرحلة في الشتاء الى اليمن وفي الصيف الى الشام ، فيمتارون ويتجرون وذلك قصارى جاههم وشرفهم.

فدين الإسلام وهو دين رسول الله 6 ودين علي بن أبي طالب 7 علاهم وشرفهم ورفع قدرهم وأعلا منزلتهم ، وجعل الله سبحانه استقرار ذلك منوطا بسيف علي 7 ، ولذلك كان ضربة علي 7 يوم الخندق توازي عمل الثقلين وأفضل من عبادة الجن والانس وأفضل من عمل الثقلين على اختلاف الروايات.


التهم ونقل أوليائه من دورهم الى دار الغربة ، وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث يشرب الخمر ، ويلعب بالكلاب ،

______________________________________________________

قوله 7 : ببيعة ابنك غلام حدث يشرب الخمر ويلعب بالكلاب‌

قال في مروج : وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وقرود وفهود ، ومنادمة على الشراب ، وعن يمينه ابن زياد وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق ، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة ، واستعملت الملاهي ، وأظهر الناس شرب الشراب.

وكان له قرد يكنى بأبي قيس يحضره مجلس منادمته ، ويطرح له متكأ ، وكان قردا خبيثا ، فكان يحمله على أتان وحشية قد ريضت وذللت لذلك بسرج ولجام ، ويسابق بها الخيل يوم الحلبة.

فجاء في بعض الايام سابقا فتناول القصبة ودخل الحجرة قبل الخيل ، وعلى أبي قيس قباء من الحرير الاحمر والاصفر مشمر وعلى رأسه قلنسوة من الحرير ذات ألوان بشقائق ، وعلى الاتان سرج من الحرير الاحمر منقوش ملون بأنواع من الالوان.

وعامله الذي استعمله على جيشه المبعوث من الشام الى المدينة قاتل في الموضع المعروف بالحرة خلقا من بني هاشم ، وسائر قريش وأنصار ، وغيرهم من خيار الناس وأفاضلهم وقتلهم.

وأخاف المدينة وألهبها وقتل أهلها وبايعهم على أنهم عبيدا ليزيد ، وسماها « نتنة » وقد سماها رسول الله « طيبة » وقال : من أخاف المدينة أخافه الله.

وليزيد وغيره من بني أمية أخبار عجيبة ومثالب كثيرة : من شرب الخمور ، وقتل ابن بنت رسول الله 6 ولعن الوصي ، وهدم البيت واحراقه وسفك الدماء المحقونة ، والفسق والفجور ، وغير ذلك مما قد ورد فيه الوعيد باليأس من غفرانه ، كوروده فيمن جحد توحيده وخالف رسله انتهى ما في مروج الذهب (١).

__________________

(١) مروج الذهب ٣ / ٦٧ ـ ٧٢‌


لا أعلمك الا وقد خسّرت نفسك وتبّرت دينك وغششت رعيتك وأخربت أمانتك وسمعت مقالة السفيه الجاهل وأخفت الورع التقي لا جلهم ـ والسّلام.

فلما قرأ معاوية الكتاب ، قال : لقد كان في نفسه ضب ما اشعر به.

فقال يزيد يا أمير المؤمنين أجبه جوابا تصغر اليه نفسه ، وتذكر فيه أباه بشي‌ء فعله قال : ودخل عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال له معاوية : أما رأيت ما كتب به الحسين؟ قال وما هو؟ قال : فأقرأه الكتاب ، فقال وما يمنعك أن تجيبه بما يصغر اليه نفسه؟ وانما قال ذلك في هوى معاوية ، فقال يزيد كيف رأيت يا أمير المؤمنين رأي؟ فضحك معاوية فقال : أما يزيد فقد أشار علي بمثل رأيك ، قال عبد الله : فقد أصاب يزيد.

فقال معاوية أخطأتما أرأيتما لو أني ذهبت لعيب عليّ محقا ما عسيت أن أقول فيه ، ومثلي لا يحسن أن يعيب بالباطل وما لا يعرف ، ومتى ما عبت به رجلا بما لا يعرفه الناس لم يخول به صاحبه ولا يراه الناس شيئا وكذبوه ، وما عسيت أن أعيب حسينا ، والله ما أرى للعيب فيه موضعا وقد رأيت أن أكتب اليه أتوعده وأتهدده ثم رأيت ألا أفعل ولا أمحله.

______________________________________________________

قوله 7 : لا أعلمك الا وقد خسرت نفسك وتبرت دينك وغششت رعيتك‌

« خسرت » باهمال السين المشددة بعد الخاء المعجمة ، أي أهلكتها من التخسير بمعنى الاهلاك.

و « تبرت » بتشديد الباء الموحدة بعد التاء المثناة من فوق ، من التتبير تفعيلا من التبر ـ بفتح التاء المثناة من فوق واسكان الباء الموحدة ـ بمعنى الكسر والاهلاك ، والتبار ـ بالفتح أيضا ـ الهلاك.

وايم الله لقد بلغ معاوية من خسارة نفسه وتبار دينه وغشه رعيته الى خيانته اياهم في الدين أمد الاحد فوقه.


خزيمة بن ثابت‌

______________________________________________________

قال المسعودي في مروج الذهب : ولقد بلغ من أمرهم في طاعتهم له أن صلى بهم في مسيرهم الى صفين الجمعة يوم الاربعاء.

وسبط ابن الجوزي في الخصائص والمناقب قال : قال المسعودي : لقد بلغ من طاعة أهل الشام لمعاوية أنه صلى بهم الجمعة يوم الاربعاء ، وغيره يقول : يوم السبت وقال : كان لنا بالامس عذر.

وكذلك قال جده أبو الفرج بن الجوزي في المنتظم.

خزيمة بن ثابت‌

هو أبو عمارة الانصاري ذو الشهادتين ، خزيمة ـ بالخاء المعجمة المضمومة والزاء المفتوحة والياء الساكنة والميم والهاء أخيرا ـ ابن ثابت بن الفاكة ، من عظماء أصحاب رسول الله 6 شهد معه بدرا وما بعدها ، ومن أصفياء أصحاب أمير المؤمنين 7 ، شهد معه جمل والصفين ، وقتل بصفين شهيدا.

ذكره الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ في كتاب الرجال في باب الصحابة قال :

خزيمة بن ثابت (١).

ثم ذكره في أصحاب أمير المؤمنين 7 وقال : خزيمة بن ثابت (١) ذو الشهادتين (٢).

ولقد أطبقت العامة والخاصة على أن رسول الله 6 سماه ذو الشهادتين وأقامه وحده في باب الشهادة مقام شاهدين.

والسيد المرتضى علم الهدى ذو المجدين ـ رضي الله تعالى عنه ـ في كتاب الانتصار في مسألة قضاء القاضي بعلمه : وأن قول أبي علي بن الجنيد بخلاف ذلك خرق الاجماع الامامية ، ومسبوق وملحوق بانعقاده سابقا ولا حقا قبل ابن الجنيد وبعده ، أورد قضية رسول الله 6 في ابتياعه الناقة من الاعرابي من طريقين.

__________________

(١) رجال الشيخ : ١٩‌

(٢) رجال الشيخ : ٤٠‌


______________________________________________________

ونقل عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ـ رضي الله تعالى عنه ـ في كتابه المعروف بمن لا يحضره الفقيه قوله : هذان الخبران غير مختلفين لا نهما في قضيتين.

ثم قال : ورووا أيضا ـ يعني العامة والخاصة ـ حديث خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين لما شهد للنبي 7 على الاعرابي فقال النبي 6 : كيف شهدت بذلك وعلمته؟ قال : من حيث علمت أنك رسول الله (١).

قلت : حديث خزيمة بن ثابت كان ابتياع الفرس لا في ابتياع الناقة ، والصدوق ـ رضوان الله تعالى عليه ـ في الفقيه روى القضايا الثلاث جميعا ، الاولى منهن بالارسال والاخيرتين بالاسناد.

قال : جاء أعرابي الى النبي 6 فادعى عليه سبعين درهما ثمن ناقة باعها منه فقال : قد أوفيتك ، فقال : اجعل بيني وبينك رجلا يحكم بيننا.

فأقبل رجل من قريش فقال رسول الله 6 : أحكم بيننا فقال للأعرابي : ما تدعي على رسول الله 6؟ قال : سبعين درهما ثمن ناقة بعتها منه ، فقال : ما تقول يا رسول الله؟ قال : قد أوفيته ، فقال للأعرابي : ما تقول : قال : لم يوفني ، فقال لرسول الله 6 : ألك بينة على انك أوفيته؟ قال : لا ، قال للأعرابي : أتحلف أنك لم تستوف حقك وتأخذه؟ فقال : نعم ، فقال رسول الله 6 : لا تحاكمن مع هذا الى رجل يحكم بيننا بحكم الله عز وجل.

فأتى رسول الله 6 علي بن أبي طالب 7 ومعه الاعرابي ، فقال علي 7 مالك يا رسول الله؟ فقال رسول الله 6 : احكم بيني وبين هذا الاعرابي فقال علي 7 : يا أعرابي ما تدعي على رسول الله؟ قال : سبعين درهما ثمن ناقة بعتها منه فقال ما تقول يا رسول الله؟ قال قد أوفيته ، ثمنها ، فقال : يا أعرابي أصدق رسول الله 6

__________________

(١) الانتصار : ٢٤٠ ط النجف‌


______________________________________________________

فيما قال؟ قال : لا ، ما أوفاني شيئا.

فأخرج علي 7 سيفه فضرب عنقه ، فقال رسول الله 6 : لم فعلت يا علي ذلك؟ فقال : يا رسول الله نحن نصدقك على أمر الله ونهيه وعلى أمر الجنة والنار والثواب والعقاب ووحي الله عز وجل ولا نصدقك في ثمن ناقة هذا الاعرابي. وأني قتلته لأنه كذبك لما قلت له أصدق رسول الله فيما قال : فقال لا ما أوفاني شيئا ، فقال رسول الله 6 : أصبت يا علي فلا تعد الى مثلها ، ثم التفت الى القرشي وكان قد تبعه فقال : هذا حكم الله لا ما حكمت به.

ثم قال الصدوق : وفي رواية محمد بن بحر [ يحيى ] الشيباني وعنعن الاسناد المتصل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : خرج رسول الله 6 من منزل عائشة فاستقبله أعرابي ومعه ناقة ، فقال : يا محمد تشتري هذه الناقة؟ فقال النبي 6 : نعم ، بكم تبيعها يا أعرابي؟ قال : بمأتي درهم فقال النبي 6 بل ناقتك خير من هذا قال فما زال النبي 6 يزيد حتى اشترى الناقة بأربعمائة درهم.

قال : فلما دفع النبي 6 الى الاعرابي الدراهم ضرب الاعرابي يده الى زمام الناقة ، فقال : الناقة ناقتي والدراهم دراهمي ، فان كان لمحمد شي‌ء فليقم البينة.

قال : فأقبل رجل فقال النبي 6 : أترضى بالشيخ المقبل؟ قال : نعم يا محمد ، فقال النبي 6 : تقضي بيني وبين هذا الاعرابي؟ فقال : تكلم يا رسول الله فقال رسول الله 6 : الناقة ناقتي والدراهم دراهم الاعرابي ، فقال الاعرابي : بل الناقة ناقتي والدراهم دراهمي ان كان لمحمد شي‌ء فليقم البينة فقال الرجل : القضية واضحة يا رسول الله ، وذلك أن الاعرابي طلب البينة.

فقال له النبي 6 : أجلس فجلس ، ثم أقبل رجل آخر فقال النبي 6 : أترضى يا أعرابي بالشيخ المقبل؟ قال : نعم يا محمد ، فلما دنا قال النبي 6 اقض فيما بيني وبين هذا الاعرابي قال : تكلم يا رسول الله قال النبي 6 : الناقة ناقتي والدراهم‌


______________________________________________________

دراهم الاعرابي ، فقال الاعرابي : لا بل الدراهم دراهمي والناقة ناقتي ان كان لمحمد شي‌ء فليقم البينة فقال الرجل : القضية فيها واضحة يا رسول الله لان الاعرابي طلب البينة.

فقال النبي 6 : اجلس حتى يأتي الله عز وجل بمن يقضي بيني وبين الاعرابي بالحق ، فأقبل علي 7 فقال النبي 6 : أترضى بالشاب المقبل؟ قال : نعم ، فلما دنا قال النبي : يا أبا الحسن اقض فيما بيني وبين الاعرابي.

فقال : تكلم يا رسول الله فقال النبي 6 : الناقة ناقتي والدراهم دراهم الاعرابي فقال الاعرابي : لا بل الناقة ناقتي والدراهم دراهمي ان كان لمحمد شي‌ء فليقم البينة قال : فدخل علي 7 منزله فاشتمل على قائم سيفه ، ثم أتى.

فقال : خل بين الناقة وبين رسول الله فقال الاعرابي : ما كنت بالذي أفعل أو يقيم البينة قال ، فضربه علي 7 ضربة فاجتمع أهل الحجاز على أنه رمى برأسه وقال بعض أهل العراق : بل قطع منه عضوا قال : فقال النبي 6 : ما حملك على هذا يا علي؟ فقال : يا رسول الله نصدقك على الوحي من السماء ولا نصدقك على أربعمائة درهم.

ثم قال الصدوق ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال مصنف هذا الكتاب : هذان الحديثان غير مختلفين لا نهما في قضيتين ، وكانت هذه القضية قبل القضية التي ذكرتها قبلها.

ثم قال : وروى محمد بن بحر الشيباني عن عبد الرحمن بن أحمد الذهلي ، وعنعن الاسناد المسلسل بلفظة التحديث متصلا ، عن الزهري ، عن عبد الله بن أحمد الذهلي ، قال : حدثنا عمارة بن خزيمة بن ثابت أن عمه حدثه ، وهو من أصحاب النبي 6.

أن النبي 6 ابتاع فرسا من أعرابي فأسرع النبي 6 ليقبضه ثمن فرسه ، فأبطأ الاعرابي ، فطفق رجال يعترضون الاعرابي فيسومونه بالفرس ، وهم لا يشعرون أن‌


______________________________________________________

النبي 6 ابتاعه ، حتى زاد بعضهم الاعرابي في السوم على الثمن ، فنادى الاعرابي فقال : ان كنت مبتاعا لهذا الفرس فابتعه وإلا بعته.

فقام النبي 6 حين سمع الاعرابي قال : أو ليس قد ابتعته منك ، فطفق الناس يلوذون بالنبي 6 وبالاعرابي وهما يتشاجران ، فقال الاعرابي : شهيدا يشهد اني قد بايعتك ، ومن جاء من المسلمين قال للأعرابي : ان النبي 6 لم يكن يقول الا حقا.

حتى جاء خزيمة بن ثابت فاستمع لمراجعة النبي 6 والاعرابي فقال خزيمة : اني أنا أشهد أنك قد بايعته ، فأقبل النبي 6 على خزيمة فقال : بم تشهد؟ قال : بتصديقك يا رسول الله ، فجعل النبي 6 شهادة خزيمة بن ثابت بشهادتين ، فسماه ذا الشهادتين.

ثم ذكر رواية محمد بن قيس ، عن أبي جعفر 7 قضية درع طلحة وقضاء شريح فيها ، وأن أمير المؤمنين عليا 7 قال : ان هذا قد قضى بجور ثلاث مرات ، فتحول شريح عن مجلسه وقال : لا أقضي بين اثنين حتى تخبرني من أين قضيت بجور ثلاث مرات.

فقال له علي 7 : اني لما قلت لك انها درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة ، فقلت : هات على ما تقول بينة ، وقد قال رسول الله 6 : حيث ما وجد غلولا أخذ بغير بينة ، فقلت : رجل لم يسمع الحديث فهذه واحدة.

ثم أتيتك بالحسن فشهد ، فقلت : هذا شاهد واحد ولا أقضي بشاهد حتى يكون معه آخر ، وقد قضى رسول الله 6 بشاهد ويمين فهاتان اثنتان.

ثم أتيتك بقنبر فشهد فقلت هذا مملوك ، وما بأس بشهادة المملوك اذا كان عدلا فهذه الثالثة.

ثم قال علي 7 : يا شريح ان امام المسلمين يؤتمن في أمورهم على ما هو‌


______________________________________________________

أعظم من هذا. ثم قال أبو جعفر 7 : فأوّل من رد شهادة المملوك رمع انتهى كلام من لا يحضره الفقيه (١).

قلت : رمع قلب عمر ، ويعني أبو جعفر 7 عمر بن الخطاب.

وهذا كما في الحديث عن أبي عبد الله الصادق 7 : ولد سابع. كناية عن بني العباس مقلوبا ، اما للتقية ، أو للاستحقار ، أو لان الكناية أبلغ ، وربما يقال : ان عباس كان سابع أولاد عبد المطلب.

ثم ان قول أمير المؤمنين 7 يا شريح ان امام المسلمين يؤتمن ، معناه أن الجور من هذه الوجوه الثلاثة فيما لا يكون المدعي ولا الشاهد معصوما. ولسماع قول المدعي من غير بينة صور معدودة في الفقه ، قد أحصى طائفة منها شيخنا الشهيد في غاية المراد في شرح الارشاد.

فاما اذا كان المدعي معصوما فلا يجوز طلبه البينة منه على دعواه ولا احلافه ولا استحلافه فيما ادعاه ، وكذلك اذا كان الشاهد الواحد معصوما ، فلا يسوغ طلب شاهد آخر معه ، وذلك لان البينة العادلة معه لا تفيد الا ظنا ، وقول المعصوم يعطي علما قطعيا.

واذن فقد استبان أن شريحا في تلك القضية قد قضى بجور من جهة الجهل بخمس مرات ، ولقد وقع مثل هذا الجور والجهل من أبي بكر أيضا فوق مرة واحدة.

قال السيد المرتضى في الانتصار : وكيف يخفى اطباق الامامية على وجوب الحكم بالعلم ، وهم ينكرون توقف أبي بكر عن الحكم لفاطمة 3 بنت رسول الله 6 بفدك لما ادعت انه 7 نحلها أبوها ، ويقولون : اذا كان عالما بعصمتها وطهارتها وأنها لا تدعي الاحقا ، فلا وجه لمطالبتها باقامة البينة ، لان البينة لا وجه لها مع القطع‌

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٦٠ ـ ٦٤‌


١٠٠ ـ روي عن الفضل بن دكين ، قال حدثنا عبد الجبار بن العباس الشامي ،

______________________________________________________

بالصدق. فكيف خفي على ابن الجنيد هذا الذي لا يخفى على أحد (١).

قوله رحمه الله تعالى : روى عن الفضل بن دكين‌

يقال له الحافظ أبو نعيم الملابي ، والحافظ أبو نعيم المشهور ليس هو اياه بل هو أحمد بن عبد الله الاصفهاني صاحب حلية الاولياء واحصاء الصحابة وغيرهما.

قال في جامع الاصول : هو أبو نعيم الفضل بن دكين ، ودكين لقب واسمه عمرو بن حماد بن زهير بن درهم مولى آل طلحة بن عبيد الله التيمي من أهل الكوفة وسمع سليمان الاعمش ، ومشعر بن كدام ، وابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري ، ومالك بن أنس ، وشعبة بن الحجاج ، وحماد بن زيد ، وحماد بن سلمة ، وسفيان بن عيينه ، وحماد بن كثير (٢).

سمع منه عبد الله بن المبارك ، وروى عنه أحمد بن حنبل ، واسحاق بن راهويه وزهير بن حرب ، ومحمد بن اسماعيل البخاري ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم الرازيان وخلق كثير من الائمة.

قدم بغداد وحدث بها ، وكان مزاحا ذا دعابة مع فقهه ودينه وامانته ، وكان غاية في الاتقان والحفظ وهو حجة.

ولد سنة تسع وعشرين ومائة وقيل : سنة ثلاثين. ومات سنة ثماني عشرة ومأتين في آخرها ، وقيل : سنة تسع عشرة في أيام المعتصم بن الرشيد.

« دكين » بضم الدال المهملة وفتح الكاف وسكون الياء وبالنون ، و « كدام » بكسر الكاف وتخفيف الدال المهملة ، و « راهويه » بالراء وفتح الهاء وفتح الواو وسكون الياء تحتها نقطتان وكسر الهاء الآخرة.

__________________

(١) الانتصار : ٢٣٨‌

(٢) في « س » : وجماعة كثيرة‌


عن أبي اسحاق قال : لما قتل عمار دخل خزيمة بن ثابت فسطاطه وطرح عنه سلاحه ثم شن عليه الماء فاغتسل ، ثم قاتل حتى قتل.

______________________________________________________

وفي مختصر الذهبي : الفضيل بن دكين الحافظ أبو نعيم الملابي مولى آل طلحة ، عن الأعمش ، وزكريا بن أبي زايدة ، وأمم ، وعنه « خ » وأبو زرعة. مات ٢١٩ في سلخ شعبان بالكوفة.

قلت : وأما الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهاني ، فمتأخر الطبقة عن الحافظ أبو نعيم هذا أمدا بعيدا ، ولد سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ، ومات في صفر سنة ثلاثين وأربعمائة باصفهان. قاله صاحب المشكاة أبو محمد الحسين بن عبد الله الطبي في خلاصته في فن دراية الحديث.

قوله ; : عن أبى اسحاق‌

يعني السبيعي بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة ، وقد تقدم ذكره فيما تقدم.

قوله : وطرح عنه سلاحه‌

وذلك لما قد تاقت نفسه تشوقا الى الشهاده ، واشتدت لوعته شوقا الى نعيم النشأة الخالدة ، حيث اذ شاهد أن عمارا ـ رضي الله تعالى عنه ـ قد فاز بذلك بقتل الفئة الباغية اياه بين يدي امامه الوصي الصفي المضطهد المبغي عليه في مسنده المغصوب منه حقه صلوات الله وتسليماته على روحه وجسده ، لا أنه متشككا في أمره فلما شاهد قتل عمار استتم بصره ، واستقامت بصيرته ، فان حال خزيمة في الاستقامة والاستيقان أجل.

قوله ثم شن عليه الماء فاغتسل‌

« شن » باهمال السين أو باعجام الشين قبل النون المشددة ، فانهما كليهما بمعنى واحد ، يقال : سن الماء على وجهه يسن ـ بالضم في المضارع ـ سنا بالسين‌


١٠١ ـ وروى أبو معشر ، عن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت ، قال : ما زال جدي بسلاحه يوم الجمل ويوم الصفين حتى قتل عمار ، فلما قتل عمار سلّ سيفه وقال سمعت رسول الله 6 يقول : عمار تقتله الفئة الباغية فقاتل حتى قتل رحمة الله عليهما.

______________________________________________________

المهملة من باب طلب ، أي صبه صبا سهلا قاله في المغرب.

ويقال : شن الماء يشنه شنا باعجام الشين من باب طلب أيضا اذا صبه متفرقا قاله في المغرب.

قوله رحمه الله تعالى : أبو معشر‌

هو أبو معشر المدني قال النجاشي في باب الكنى : أبو معشر المدني أحمد ابن كامل قال : حدثنا داود بن محمد بن أبي معشر المدني ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أبو معشر بكتابه. (١)

قوله رضى الله تعالى عنه : حتى قتل فسل سيفه (٢)

يعني فاذن اشتد شوقه الى لقاء الله سبحانه والاتصال بالنفوس الطاهرة والعقول الماحضة ، كما قال عمار ـ رضي الله تعالى عنه ـ اليوم ألقى الاحبة محمدا وحزبه ، فسل سيفه ونزع سلاحه وقاتل حتى قتل ، ولحق بنبيه وأحبته ، فليعلم.

__________________

(١) رجال النجاشى : ٣٥٥‌

(٢) وفي النسخ كلها : فلما قتل عمار سل سيفه‌


ابنا فلان‌

١٠٢ ـ روى محمد بن عيسى بن عبيد ، عن محمد بن سنان ،

______________________________________________________

ابنا فلان‌

يعنى به العباس بن عبد المطلب ، وبا بنيه عبد الله وعبيد الله ، وسيأتي في أصل الكتاب حيث يحين حينه إن شاء الله العزيز أن مولانا أبا محمد الحسن بن علي 8 بعد أبيه 7 جعل ابن عمه عبيد الله بن العباس على مقدمة الجيش.

فبعث اليه معاوية بمائة ألف درهم؟ فمر بالراية ، ولحق بمعاوية ، وبقى العسكر بلا قائد ورئيس ، فقام قيس بن سعد بن عبادة فخطب الناس.

وقال : أيها الناس لا يهولنكم ذهاب عبيد الله هذا لكذا وكذا ، فان هذا وأباه لم يأتيا قط بخير ، ثم قام بأمر العسكر.

والشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ في كتاب الرجال ذكره في أصحاب أبي محمد الحسن بن علي 8 قال : عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب ، لحق بمعاوية. (١)

فأما عبد الله بن العباس أمره في الجلالة والاستقامة مستبين فستطلع إن شاء الله تعالى.

قوله رحمه الله تعالى : روى محمد بن عيسى بن عبيد عن محمد بن سنان‌

قال السيد المكرم جمال الدين أحمد بن طاوس ـ قدس الله نفسه الزكية ـ : طريق هذا الحديث ضعيف بمحمد بن عيسى العبيدي ، وبمحمد بن سنان.

وتبعه على ذلك بعض شهداء المتأخرين.

والأصحّ عندي أن محمد بن عيسى العبيدي اليقطيني ثقة صحيح الحديث ، فقد وثقه أبو عمرو الكشي ، وأبو العباس النجاشي وغيرهما ، ولذلك كثيرا ما يستصح‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ٦٩.


عن موسى بن بكر الواسطى ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر 7 قال ، سمعته يقول : قال أمير المؤمنين 7 : اللهم العن ابني فلان ، وأعم أبصارهما ، كما عميت قلوبهما الاجلين في رقبتي واجعل عمى أبصارهما دليلا على عمى قلوبهما.

______________________________________________________

العلامة في المنتهى والمختلف روايته وان كانت عن يونس ، واستثناء محمد بن الحسن بن الوليد اياه من رجال نوادر الحكمة ومن أصحاب يونس بن عبد الرحمن ، لا يدل على ضعفه ، وقد أوضحنا الحال في المعلقات على الاستبصار بما لا مزيد عليه.

نعم محمد بن سنان ضعيف على الأصحّ ، وان كان قد وثقه الشيخ المفيد والشيخ الاعظم في بعض مواضعه ، وحديثه عند العلامة معدود من الصحاح ، وسيتضح الامر في جملة ذلك من ذي قبل إن شاء الله العزيز العليم.

قوله رحمه الله تعالى : عن موسى بن بكر الواسطى‌

قيل : انه واقفي ، ولم يثبت كما قلناه في كتاب ضوابط الرضاع ، وان كان الشيخ قد حكم به في كتاب الرجال (١) ، فان أبا عمرو الكشي وأبا العباس النجاشي لم يرويا ذلك أصلا ، والأصحّ انه ممدوح وحديثه حسن.

قوله 7 : الاجلين في رقبتى‌

بالالف الممدودة قبل الجيم واللام المفتوحة قبل الياء المثناة من تحت الساكنة والنون أخيرا على صيغة التثنية ، المثيرين الشر والمهيجين الفتنة علي ، والجانبين الساعين باثارة الشر وتهييج الفتنة في رقبتي ، والفعل منه من بابي نصر وضرب.

قال في القاموس : أجل الشر عليهم يأجله ويأجله جناه ، أو أثاره وهيجه (٢).

وفي الصحاح : أجل عليهم شرا يأجله ويأجله أي جناه وهيجه (٣).

__________________

(١) رجال الشيخ ص ٣٥٩.

(٢) القاموس : ٣ / ٣٢٧.

(٣) الصحاح : ٤ / ١٦٢١.


عبد الله بن عباس‌

______________________________________________________

وفي مجمل اللغة : أجل الرجل شرا على أهله يأجل أجلا اذا جناه.

وسيعاد هذا الحديث بعينه سندا ومتنا في الجزء الثاني في ترجمة عبيد الله بن العباس. وهناك الكاف مكان الجيم في هذه اللفظة (١).

اما بالمد على تثنية اسم الفاعل من أكل يأكل أكلا ، أي الاكل بمعنى المستأكل ، أو بفتح الهمزة وتشديد اللام على تثنية أفعلة الصفة من الكل بمعنى الثقل.

وكون الرجل محارفا بفتح الراء أي منقوص الحظ منجوس البخت ، حيث ما توجه لا يرجع بسعادة وخير ، وهو ضد المبارك ، أو من الكلال خلاف الحدة والشحاذة أي الاعياء عن الامر والطلبة والحرمان عن الخير والبغية ، وسنفصل هناك القول في تحقيق معناه إن شاء الله العزيز العليم.

عبد الله بن العباس‌

ذكره الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ في كتاب الرجال في باب الصحابة (٢).

ثم ذكره في أصحاب أمير المؤمنين 7 وقال : عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، وعد أيضا أبوه العباس من أصحابه (٣).

وقال ابن الاثير في جامع الاصول : هو أبو العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ، ابن عم النبي 6 وأمه لبابة بنت الحارث من بني عامر بن صعصعة ، أخت ميمونة بنت الحارث زوجة النبي 6.

ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ، وتوفي النبي 6 وله ثلاث عشرة سنة ، وقيل : خمس عشرة ، وقيل : عشر. وذلك قبل خروج بني هاشم من الشعب ، وهم‌

__________________

(١) رجال الكشى : ١١٣ ط جامعة مشهد.

(٢) رجال الشيخ : ٢٢.

(٣) رجال الشيخ : ٤٦.


______________________________________________________

محصورون فيه : وقيل : ولد قبل الهجرة بسنتين.

كان حبر هذه الامة وعالمها ، دعا له النبي 6 بالحكمة والفقه والتأويل ورأى جبرئيل 7 مرتين ، قال مسروق : كنت اذا رأيت عبد الله بن عباس قلت : أجمل الناس ، فاذا تكلم قلت : أفصح الناس ، فاذا تحدث قلت : أعلم الناس ، وكان عمر ابن الخطاب يقربه ويدنيه ويشاوره مع جلة الصحابة ، وكف بصره في آخر عمره.

ومات بالطائف سنة ثمان وستين في أيام ابن الزبير ، وهو ابن سبعين سنة ، أو احدى وسبعين ، وصلى عليه محمد بن الحنفية ، روى عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين.

وكان أبيض طويلا مشربا صفرة جسيما وسيما صبيح الوجه ، له وقرة ، يخضب بالحناء ، وكان قدم مصر وغزى إفريقية مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح في سنة سبع وعشرين.

« لبابة » بضم اللام وتخفيف الباء الموحدة الاولى.

وفي مختصر الذهبي : انه كان يقال له ترجمان القرآن ، عنه سعيد بن جبير ومجاهد.

وقال المسعودي في مروج الذهب : وفي سلطنة عبد الملك مات عبد الله بن العباس بن عبد المطلب في سنة ثماني وستين ، وقيل : في سنة تسع وستين بالطائف وأمه لبابة بنت الحارث بن حزن من ولد عامر بن صعصعة ، وله احدى وسبعون سنة.

وقد قيل : انه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ، وقد ذكر عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال : قبض رسول الله 6 وأنا ابن عشر سنين وصلى عليه محمد ابن الحنفية ، وقد كان ذهب بصره لبكائه على علي والحسن والحسين ، وكانت له وفرة طويلة يخضب شيبه بالحناء ، وهو الذي يقول :


١٠٣ ـ جعفر بن معروف ، قال حدثنا يعقوب بن يزيد الانباري ، عن حماد ابن عيسى ، عن ابراهيم بن عمر اليماني ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر 7 قال : أتى رجل أبي 7 فقال : ان فلانا يعني عبد الله بن العباس يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن في أي يوم نزلت وفيم نزلت.

ان يأخذ الله من عيني نورهما

ففي لساني وقلبي منهما نور

قلبي ذكي وعقلي غير مدخل

وفي فمي صارم كالسيف مأثور

وقد كان النبي 6 دعا له حين وضع له الماء الطهور في بيت خالته ميمونة زوج النبي 6 ، فقال : اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل (١).

قوله رحمه الله تعالى : جعفر بن معروف ، عن يعقوب بن يزيد الانبارى ، عن حماد بن عيسى ، عن ابراهيم بن عمر اليمانى‌

قال السيد جمال الدين أحمد بن طاوس : في الطريق ضعف من جهة ابراهيم ابن عمر اليماني ، فان ابن الغضائري قال : انه ضعيف.

وبعض شهداء المتأخرين قد تبعه على ذلك ، واستضعف كثيرا من الاخبار ، وكثيرا بأسانيد المتفق على صحتها عند أفاخم الاصحاب ، لكون ابراهيم بن اليماني في الطريق.

ونحن نقول : ابراهيم بن عمر اليمانى قد وثقه وشيخه النجاشي على البت ، ثم نقل اتفاق ابن نوح وغيره على ذلك.

قال : ابراهيم بن عمر اليماني الصنعاني شيخ من أصحابنا ثقة روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله 8 ، ذكر ذلك أبو العباس وغيره له كتاب يرويه عنه حماد بن عيسى وغيره (٢).

والشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي جعفر الباقر 7 قال : ابراهيم بن‌

__________________

(١) مروج الذهب : ٣ / ١٠١.

(٢) رجال النجاشى : ١٦‌


قال : فسله فيمن نزلت ( وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) (١) وفيم نزلت ( وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ ) (٢) وفيم نزلت ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا ) (٣).

فأتاه الرجل وقال : وددت الذي أمرك بهذا واجهني به فأسائله ، ولكن سله ما العرش ومتى خلق وكيف هو؟ فانصرف الرجل الى أبي فقال له ما قال ، فقال : وهل أجابك في الآيات؟ قال : لا.

______________________________________________________

عمر الصنعاني اليماني له أصول رواها عنه حماد بن عيسى (٤).

وفي الفهرست : له أصل رواه عنه حماد بن عيسى ، وابن نهيك ، والقاسم بن اسماعيل القرشي جميعا (٥).

فاذن تضعيف ابن الغضائري ـ وهو أبو الحسن أحمد بن الحسين لا أبوه أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله ـ اياه لا يوجب ضعفه.

ولذلك قال العلامة : الاقوى قبول روايته (٦). ويعني بذلك صحة حديثه.

وما يقال : ان الجرح مقدم على التعديل لكونه شهادة بأمر وجودي ، بخلاف التعديل ، فقد أبطلناه في الرواشح السماوية (٧) بأن التعديل أيضا شهادة بأمر وجودي بناء على أن العدالة على التحقيق هي ملكة اجتناب الكبائر لا مجرد عدم ارتكابها.

وبالجملة هذا الحديث الشريف طريقه صحيح على الأصحّ ، ومسائل الغامضة من الحكمة منطوية في متنه.

__________________

(١) سورة الاسراء : ٧٢‌

(٢) سورة هود : ٣٤‌

(٣) سورة آل عمران : ٢٠٠‌

(٤) رجال الشيخ : ١٠٣‌

(٥) الفهرست : ٣٢‌

(٦) الخلاصة : ٦‌

(٧) الرواشح السماوية : ١٠٤‌


قال : ولكني أجيبك فيها بنور وعلم غير المدعى والمنتحل ، أما الاوليان فنزلتا في أبيه ، وأما الاخيرة فنزلت في أبي وفينا ، وذكر الرباط الذي أمرنا به بعد وسيكون ذلك من نسلنا المرابط ومن نسله المرابط.

فأما ما سألت عنه : فما العرش : فان الله عز وجل جعله أرباعا لم يخلق قبله شيئا الا ثلاثة أشياء الهواء والقلم والنور ، ثم خلقه من ألوان مختلفة من ذلك ، النور الاخضر الذي منه اخضرت الخضرة ، ومن نور أصفر خلقت منه الصفرة ، ونور أحمر احمّرت منه الحمرة ، ونور أبيض وهو نور الأنوار ومنه ضوء النهار.

ثم جعله سبعين ألف طبق غلظ كل طبق كأول العرش الى أسفل السافلين ، وليس من ذلك طبق الا يسبّح بحمده ويقدسه بأصوات مختلفة وألسنة غير مشتبهة ولو سمع واحدا منها شي‌ء بما تحته لا نهدم الجبال والمدائن والحصون ولخسف البحار وأهلك وما دونه.

له ثمانية أركان يحمل كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصى عدتهم الا الله يسبّحون الليل والنهار ولا يفترون ، ولو حسّ حسّ شي‌ء مما فوقه ما أقام لذلك طرفة عين ، بينه وبين الاحساس الجبروت والكبرياء والعظمة والقدس والرحمة ثم العلم ، وليس وراء هذا مقال لقد طمع الخائن في غير مطمع.

أما أن في صلبه وديعة قد ذرئت لنار جهنم سيخرجون أقوام من دين الله أفواجا كما دخلوا فيه ، وستصبغ الارض بدماء الفراخ من فراخ آل محمد ، تنهض تلك الفراخ في غير وقت وتطلب غير ما تدرك ، ويرابط الذين آمنوا ويصبرون لما يرون حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.

١٠٤ ـ حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة ، قال حدثنا الفضل بن شاذان ، عن محمد بن أبي عمير ، عن أحمد بن محمد بن زياد قال : جاء رجل الى علي بن الحسين 8 وذكر نحوه.

١٠٥ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثني جعفر بن أحمد بن أيوب : قال حدثني‌


حمدان بن سليمان أبو الخير ، قال حدثني أبو محمد عبد الله بن محمد اليماني ، قال حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الكوفي ، عن أبيه الحسين ، عن طاوس قال : كنا على مائدة ابن عباس ، ومحمد بن الحنفية حاضر ، فوقعت جرادة فأخذها محمد ، ثم قال هل تعرفون ما هذه النقط السود في جناحها؟ قالوا الله أعلم. فقال : أخبرني أبي علي بن أبي طالب 7 أنه كان مع النبي 6 ثم قال : هل تعرف يا علي هذه النقط السود في جناح هذه الجرادة؟ قال : قلت الله ورسوله أعلم.

فقال 7 : مكتوب في جناحها أنا الله رب العالمين ، خلقت الجراد جندا من جنودي أصيب به من أشاء من عبادي ، فقال ابن عباس : فما بال هؤلاء القوم يفتخرون علينا يقولون أنهم أعلم منا ، فقال محمد : ما ولدهم الا من ولدني.

قال : فسمع ذلك الحسن بن علي 7 فبعث اليهما وهما في المسجد الحرام ، فقال لهما : أما أنه قد بلغني ما قلتما اذ وجدتما جرادة ، فأما أنت يا ابن عباس ففيمن نزلت هذه الاية ( لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) (١) في أبي أو في أبيك؟ وتلى عليه آيات من كتاب الله كثيرا.

ثم قال : أما والله لو لا ما نعلم لا علمتك عاقبة أمرك ما هو وستعلمه ، ثم انك بقولك هذا مستنقص في بدنك ، ويكون الجرموز من ولدك ، ولو أذن لي في القول لقلت ما لو سمع عامة هذا الخلق لجحدوه وأنكروه.

١٠٦ ـ حمدويه وابراهيم ، قالا حدثنا أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى عن عاصم بن حميد ، عن سلام بن سعيد ، عن عبد الله بن عبد ياليل رجل من أهل الطائف ، قال ، أتينا ابن عباس ( رحمة الله عليهما ) نعوده في مرضه الذي مات فيه قال ، فاغمي عليه في البيت فاخرج الى صحن الدار ، قال ، فأفاق.

فقال : ان خليلي رسول الله 6 قال : اني سأهجر هجرتين وأني سأخرج من هجرتي : فهاجرت هجرة مع رسول الله 6 ، وهجرة مع علي 7 ، وأني سأعمي : فعميت ، وأني سأغرق : فأصابني حكة فطرحني أهلي في البحر فغفلوا عني‌

__________________

(١) سورة الحج : ١٣.


فغرقت ثم استخرجوني بعد.

وأمرني أن أبرأ من خمسة : من الناكثين وهم أصحاب الجمل ، ومن القاسطين وهم أصحاب الشام ، ومن الخوارج وهم أهل النهروان ، ومن القدريّة وهم الذين ضاهوا النصارى في دينهم فقالوا لا قدر ، ومن المرجئة الذين ضاهوا اليهود في دينهم فقالوا الله أعلم.

قال ثم قال : اللهم اني أحيي على ما حيى عليه علي بن أبي طالب وأموت على ما مات عليه علي بن أبي طالب ، قال : ثم مات فغسّل وكفّن ثم صلى على سريره ، قال : فجاء طائران أبيضان فدخلا في كفنه فرأى الناس ؛ انما هو فقهه فدفن.

١٠٧ ـ جعفر بن معروف ، قال حدثني محمد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عن جريح ، عن أبي عبد الله 7 ان ابن عباس لما مات واخرج : خرج من كفنه طير أبيض يطير ينظرون اليه يطير نحو السماء حتى غاب عنهم.

فقال : وكان أبي يحبّه حبّا شديدا ، وكانت أمّه تلبّسه ثيابه وهو غلام ، فينطلق اليه في غلمان بني عبد المطلب ، قال فأتاه بعد ما أصاب بصره فقال : من أنت ، قال : أنا محمد بن علي بن الحسين ، فقال : حسبك من لم يعرفك فلا عرفك.

١٠٨ ـ جعفر بن معروف ، قال حدثني الحسين بن علي بن النعمان ، عن أبيه ، عن معاذ بن مطر ، قال سمعت اسماعيل بن الفضل الهاشمي ، قال حدثني بعض أشياخي ، قال : لما هزم علي بن أبي طالب 7 أصحاب الجمل ، بعت أمير المؤمنين 7 عبد الله بن عباس ( رحمة الله عليهما ) الى عائشة يأمرها بتعجيل الرحيل وقلة العرجة.

قال ابن عباس : فأتيتها وهي في قصر بني خلف في جانب البصرة قال : فطلبت الاذن عليها ، فلم تأذن ، فدخلت عليها من غير اذنها ، فاذا بيت قفار لم يعدّ لي فيه مجلس فاذا هي من وراء سترين.

قال : فضربت ببصري فاذا في جانب البيت رحل عليه طنفسة ، قال : فمددت‌


الطنفسة فجلست عليها ، فقالت من وراء الستر : يا ابن عباس أخطأت السنة دخلت بيتنا بغير اذننا ، وجلست على متاعنا بغير اذننا ، فقال لها ابن عباس ( رحمة الله عليهما ) : نحن أولى بالسنة منك ونحن علمناك السنة ، وانما بيتك الذي خفّك فيه رسول الله 6 فخرجت منه ظالمة لنفسك غاشية لدينك عاتية على ربك عاصية لرسول الله 6 فاذا رجعت الى بيتك لم ندخله الا باذنك ولم نجلس على متاعك الا بأمرك ، ان امير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 بعث إليك يأمرك بالرحيل الى المدينة وقلّة العرجة.

فقالت : رحم الله أمير المؤمنين ذلك عمر بن الخطاب ، فقال ابن عباس : هذا والله امير المؤمنين وان تزبّدت فيه وجوه ورغمت فيه معاطس ، أما والله لهو امير المؤمنين ، وأمسّ برسول الله رحما ، وأقرب قرابة ، وأقدم سبقا ، وأكثر علما ، وأعلى منارا ، وأكثر آثارا من أبيك ومن عمر ، فقالت : أبيت ذلك.

فقال : اما والله ان كان اباؤك فيه لقصير المدة عظيم التبعة ظاهر الشؤم بيّن النكل ، وما كان اباؤك فيه الا حلب شاة حتى صرت لا تأمرين ولا تنهين ولا ترفعين ولا تضعين ، وما كان مثلك الا كمثل ابن الحضرمي بن نجمان أخي بني أسد ، حيث يقول :

ما زال اهداء القصائد بيننا

شتم الصديق وكثرة الالقاب

حتّى تركتهم كأن قلوبهم

في كل مجمعة طنين ذباب

قال : فأراقت دمعتها ، وأبدت عويلها ، وتبدى نشيجها ، ثم قالت : أخرج والله عنكم فما في الارض بلد أبغض إليّ من بلد تكونون فيه ، فقال ابن عباس ; : فو الله ما ذا بلاءنا عندك ولا بضيعتنا إليك ، انّا جعلناك للمؤمنين أمّا وانت بنت أم رومان ، وجعلنا أباك صدّيقا وهو ابن أبي قحافة.

فقالت : يا ابن عباس تمنّون علي برسول الله ، فقال : ولم نمن عليك بمن لو كان منك قلامة منه مننتنا به ، ونحن لحمه ودمه ومنه واليه ، وما أنت الا حشيّة من تسع حشايا خلّفهن بعده لست بأبيضهن لونا ، ولا بأحسنهن وجها ، ولا بأرشحهن‌


عرقا ، ولا بأنضرهن ورقا ، ولا بأطرإهنّ أصلا ، فصرت تأمرين فتطاعين ، وتدعين فتجابين ، وما مثلك الا كما قال أخو بني فهر :

مننت على قومي فأبدوا عداوة

فقلت لهم كفّوا العداوة والشكرا

ففيه رضا من مثلكم لصديقه

وأحج بكم أن تجمعوا البغي والكفرا

قال : ثم نهضت وأتيت أمير المؤمنين 7 فأخبرته بمقالتها وما رددت عليها ، فقال. أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك.

١٠٩ ـ قال الكشي : روى علي بن يزداد الصائغ الجرجاني ، عن عبد العزيز بن محمد بن عبد الاعلى الجزري ، عن خلف المحرومي البغدادي عن سفيان بن سعيد ، عن الزهري ، قال : سمعت الحارث يقول : استعمل علي 7 على البصرة عبد الله بن عباس ، فحمل كل مال في بيت المال بالبصرة ولحق بمكة وترك عليا 7 ، وكان مبلغه ألفي ألف درهم.

فصعد علي 7 المنبر حين بلغه ذلك فبكي ، فقال : هذا ابن عم رسول الله 6 في علمه وقدره يفعل مثل هذا ، فكيف يؤمن من كان دونه ، اللهم اني قد مللتهم فأرحني منهم ، واقبضني إليك غير عاجز ولا ملول.

١١٠ ـ قال الكشي : قال شيخ من أهل اليمامة ، يذكر عن معلى بن هلال ، عن الشعبي ، قال : لما احتمل عبد الله بن عباس بيت مال البصرة وذهب به الى الحجاز.

كتب اليه علي بن أبي طالب : من عبد الله علي بن أبي طالب الى عبد الله بن عباس أما بعد : فاني قد كنت أشركتك في أمانتي ، ولم يكن أحد من أهل بيتي في نفسي أوثق منك لمواساتي وموازرتي وأداء الامانة إلي فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب ، والعدو عليه قد حرب ، وأمانة الناس قد خربت ، وهذه الامور قد قست ، قلبت لا بن عمك ظهر المجن ، وفارقته مع المفارقين ، وخذلته أسوأ خذلان الخاذلين.

فكأنك لم تكن تريد الله بجهادك ، وكأنك لم تكن على بينة من ربك ، وكأنك انما كنت تكيد أمة محمد 6 على دنياهم ، وتنوي غرتهم ، فلما أمكنتك الشدة في‌


خيانة أمة محمد أسرعت الوثبة وعجلت العدوة ، فاختطفت ما قدرت عليه اختطاف الذئب الازل رمية المعزى الكسير.

كأنك لا أبا لك ، انما جررت الى أهلك تراثك من أبيك وأمك ، سبحان الله ، أما تؤمن بالمعاد؟ أو ما تخاف من سوء الحساب؟ أو ما يكبر عليك أن تشترى الاماء وتنكح النساء بأموال الارامل والمهاجرين الذين أفاء الله عليهم هذه البلاد؟

اردد الى القوم أموالهم فو الله لئن لم تفعل ثم أمكنني الله منك لأعذرنّ الله فيك ، فو الله لو أن حسنا وحسينا فعلا مثل ما فعلت لما كان لهما عندي في ذلك هوادة ، ولا لواحد منهما عندي فيه رخصة حتى آخذ الحق وازيح الجور عن مظلومها ، والسّلام.

قال : فكتب اليه عبد الله بن عباس ، أما بعد ـ فقد أتاني كتابك ، تعظم علي اصابة المال الذي أخذته من بيت مال البصرة : ولعمري أن لي في بيت مال الله اكثر مما أخذت ، والسّلام.

قال : فكتب اليه علي بن أبي طالب 7 اما بعد ـ فالعجب كل العجب من تزيين نفسك ، أن لك في بيت مال الله أكثر مما أخذت وأكثر مما لرجل من المسلمين : فقد أفلحت ان كان تمنيك الباطل ، وادعاؤك ما لا يكون ينجيك من الاثم ، ويحل لك ما حرم الله عليك ، عمّرك الله أنك لانت العبد المهتدي اذا.

فقد بلغني أنك اتخذت مكّة وطنا وضربت بها عطنا تشتري مولّدات مكّة والطائف ، تختارهن على عينك ، وتعطي فيهن مال غيرك ، وأني لا قسم بالله ربّي وربك رب العزة : ما يسرني أن ما أخذت من أموالهم لي حلال أدعه لعقبي ميراثا ، فلا غرو وأشد باغتباطك تأكله رويدا رويدا ، فكأن قد بلغت المدى وعرضت على ربّك والمحل الذي يتمنى الرجعة والمضيّع للتوبة كذلك وما ذلك ولات حين مناص ـ والسّلام.

قال : فكتب اليه عبد الله بن عباس ، اما بعد ـ فقد اكثرت عليّ فو الله لان ألقي الله بجميع ما في الارض من ذهبها وعقيانها أحب إلي أن القي الله بدم رجل مسلم.


محمد بن ابى بكر‌

١١١ ـ حدثني محمد بن قولويه ، والحسين بن الحسن بن بندار القميان ، قالا :

حدثنا سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي ، قال : حدثني الحسن بن موسى الخشاب ، ومحمد بن عيسى بن عبيد ، عن علي بن أسباط ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول : كان مع أمير المؤمنين 7 من قريش خمسة نفر ، وكانت ثلاثة عشر قبيلة مع معاوية.

فاما الخمسة : فحمد بن أبي بكر رحمة الله عليه أتته النجابة من قبل أمه أسماء بنت عميس ، وكان معه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المرقال.

وكان معه جعدة بن هبيرة المخزومي ، وكان أمير المؤمنين 7 خاله وهو الذي قال له عتبة بن أبي سفيان انما لك هذه الشدة في الحرب من قبل خالك فقال له جعدة لو كان خالك مثل خالي لنسيت أباك ، ومحمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، والخامس سلف أمير المؤمنين ابن أبي العاص بن ربيعة ، وهو صهر النبي 6 أبو الربيع.

١١٢ ـ حمدويه وابراهيم ابنا نصير ، قالا حدثنا أيوب ، عن صفوان ، عن معاوية بن عمار وغير واحد ، عن أبي عبد الله 7 قال : كان عمار بن ياسر ومحمد ابن ابي بكر لا يرضيان أن يعصى الله عز وجل.

١١٣ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثني علي بن محمد القمي ، قال حدثني أحمد بن محمد بن عيسى ، عن زحل عمر بن عبد العزيز ، عن جميل بن دراج ، عن‌

______________________________________________________

محمد بن أبى بكر‌

قوله رحمه الله تعالى : عن رحل عمر بن عبد العزيز

عمر بن عبد العزيز لقبه « زحل » بالزاء المضمومة والحاء المهملة المفتوحة واللام أخيرا ، وكنيته أبو حفص ، يروي عنه أبو جعفر أحمد بن محمد بن عيسى ،


حمزة بن محمد الطيار ، قال : ذكرنا محمد بن أبي بكر عند أبي عبد الله 7 فقال أبو عبد الله 7 ; وصلى عليه.

قال لأمير المؤمنين 7 يوما من الايام : أبسط يدك أبايعك ، فقال : أو ما فعلت؟ قال : بلى ، فبسط يده ، فقال : أشهد أنك امام مفترض طاعتك ، وأن أبي في النار. فقال أبو عبد الله 7 : كان انجابه من قبل أمه أسماء بنت عميس رحمة الله عليها لا من قبل أبيه.

١١٤ ـ حمدويه بن نصير ، عن محمد بن عيسى ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة بن أعين ، عن أبي جعفر 7 أن محمد بن أبي بكر بايع عليا 7 على البراءة من أبيه.

١١٥ ـ حمدويه وابراهيم ، قالا : حدثنا محمد بن عبد الحميد ، قال : حدثني أبو جميلة ، عن ميسر بن عبد العزيز ، عن أبي جعفر 7 قال : بايع محمد بن أبي بكر على البراءة من الثاني.

١١٦ ـ حمدويه ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن‌

______________________________________________________

وأبو عبد الله محمد بن خالد البرقي ، وهو متكرر الذكر في هذا الكتاب في الاسانيد وسيجي‌ء في الجزء الخامس ذكره في أصحاب أبي الحسن الكاظم 7 وسلامته عن الغلو وفساد المذهب وان كان فيه غمز بأنه يروي المناكير.

وذكره النجاشي رحمه الله تعالى ورماه بالتخليط (١).

والشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ أورده في الفهرست (٢) وفي كتاب الرجال أيضا في باب « لم » (٣). ولم يطعن فيه أصلا.

وفي طائفة سقيمة من النسخ : عن رجل ، عن عمر بن عبد العزيز وذلك من أغلاط الناسخين وتحريفاتهم.

__________________

(١) رجال النجاشى : ٢١٨‌

(٢) الفهرست : ١٤١‌

(٣) رجال الشيخ : ٤٨٦‌


موسى بن مصعب ، عن شعيب ، عن أبي عبد الله 7 قال : سمعت يقول : ما من أهل بيت الا ومنهم نجيب من أنفسهم ، وأنجب النجباء من أهل بيت سوء ، منهم محمد ابن أبي بكر.

مالك الاشتر‌

١١٧ ـ حدثني عبيد بن محمد النخعي الشافعي السمرقندي ، عن أبي أحمد الطرسوسي ، قال حدثني خالد بن طفيل الغفاري ، عن أبيه ، عن حلام بن أبي ذر الغفاري وكانت له صحبة ، قال مكث أبو ذر ; بالربذة حتى مات.

فلما حضرته الوفاة قال لامرأته : اذبحي شاة من غنمك واصنعيها ، فاذا نضجت فاقعدي على قارعة الطريق ، فأول ركب ترينهم قولي يا عباد الله المسلسين هذا أبو ذر صاحب رسول الله 6 قد قضى نحبه ولقى ربّه فأعينوني عليه وأجيبوه ، فان رسول الله 6 أخبرني أني اموت في أرض غربة ، وأنه يلي غسلي ودفني والصلاة علي رجال من أمتي صالحون.

١١٨ ـ محمد بن علقمة بن الاسود النخعي ، قال : خرجت في رهط أريد الحج منهم مالك بن الحارث الاشتر ، وعبد الله بن الفضل التيمي ، ورفاعة بن شداد البجلي حتى قدمنا الربذة ، فاذا امرأة على قارعة الطريق ، تقول : يا عباد الله المسلمين هذا أبو ذر صاحب رسول الله 6 قد هلك غريبا ليس لي أحد يعينني عليه.

قال : فنظر بعضنا الى بعض وحمدنا الله على ما ساق إلينا ، واسترجعنا على عظيم المصيبة ، ثم أقبلنا معها فجهزناه وتنافسنا في كفنه حتى خرج من بيننا بالسواء ثم تعاونا على غسله حتى فرغنا منه ، ثم قدمنا مالكا الاشتر فصلى بنا عليه ثم دفناه.

فقام الاشتر على قبره ثم قال : اللهم هذا أبو ذر صاحب رسول الله 6 عبدك في العابدين ، وجاهد فيك المشركين ، لم يغير ولم يبدل ، لكنه رأى منكرا فغيره بلسانه وقلبه ، حتى جفي ونفي وحرم واحتقر ، ثم مات وحيدا غريبا ، اللهم فاقصم من حرمه ونفاه من مهاجره وحرم رسولك 6 قال ، فرفعنا أيدينا جميعا وقلنا آمين ثم قدمت الشاة التي صنعت ، فقالت : انها قد أقسم عليكم ألا تبرحوا حتى تتغدوا ، فتغدينا وارتحلنا.

قال الكشي : ذكر أنه لما نعي الاشتر مالك بن الحارث النخعي الى أمير المؤمنين 7 تأوه حزنا ، وقال : رحم الله مالكا ، وما مالك عز علي به هالكا ، لو كان‌


صخرا لكان صلدا ، ولو كان حبلا لكان قيدا. وكأنه قدّ منى قدّا.

زيد بن صوحان‌

١١٩ ـ جبريل بن أحمد ، قال : حدثني موسى بن معاوية بن وهب ، قال :

وحدثني علي بن سعد ، عن عبد الله بن عبد الله الواسطي ، عن واصل بن سليمان ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله 7 قال : لما صرع زيد بن صوحان رحمة الله عليه يوم الجمل ، جاء أمير المؤمنين 7 حتى جلس عند رأسه ، فقال رحمك الله يا زيد قد كنت خفيف المئونة عظيم المعونة.

قال : فرفع زيد رأسه اليه وقال : وأنت فجزاك الله خيرا يا أمير المؤمنين ، فو الله ما علمتك الا بالله عليما ، وفي أم الكتاب عليا حكيما ، وأن الله في صدرك لعظيم ، والله ما قاتلت معك على جهالة ، ولكني سمعت أم سلمة زوج النبي 6 تقول سمعت رسول الله 6 يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، فكرهت والله أن اخذ لك فيخذلني الله.

١٢٠ ـ علي بن محمد القتيبي ، قال ، قال الفضل بن شاذان : ثم عرف الناس بعده فمن التابعين ورؤسائهم وزهادهم زيد بن صوحان.

وروي أن عائشة كتبت من البصرة الى زيد بن صوحان الى الكوفة : من عائشة زوج النبي الى ابنها زيد بن صوحان الخالص ، أما بعد : فاذا أتاك كتابي هذا فاجلس في بيتك ، واخذل الناس عن علي بن ابي طالب حتى يأتيك أمري.

فلما قرأ كتابها ، قال : أمرت بأمر وأمرنا بغيره ، فركبت ما أمرنا به ، وأمرتنا أن نركب ما أمرت هي به ، أمرت أن تقر في بيتها ، وأمرنا أن نقاتل حتى لا تكون فتنة ، والسلام.

صعصعة بن صوحان‌

١٢١ ـ محمد بن مسعود ، قال : حدثني أبو جعفر حمدان بن أحمد ، قال : حدثني معاوية بن حكيم ، عن أحمد بن النصر ، قال : كنت عند أبي الحسن الثاني 7 قال : ولا أعلم الا قام ونفض الفراش بيده ، ثم قال لي يا أحمد ان أمير المؤمنين 7 عاد صعصعة بن صوحان في مرضه ، فقال : يا صعصعة ولا تتخذ عيادتي لك أبهة على قومك.


قال : فلما قال أمير المؤمنين لصعصعة هذه المقالة ، قال صعصعة : بلى والله أعدها منّة من الله عليّ وفضلا ، قال : فقال له امير المؤمنين 7 : ان كنت ما علمتك لخفيف المئونة حسن المعونة ، قال ، فقال صعصعة : وأنت والله يا أمير المؤمنين ما علمتك الا بالله عليما وبالمؤمنين رءوفا رحيما.

١٢٢ ـ محمد بن مسعود : قال : حدثني علي بن محمد قال : حدثني محمد ابن احمد بن يحيى ، عن العباس بن معروف ، عن أبي محمد الحجال ، عن داود ابن أبي يزيد ، قال قال أبو عبد الله 7 : ما كان مع أمير المؤمنين 7 من يعرف حقه الا صعصعة وأصحابه.

١٢٣ ـ محمد بن مسعود ، قال : حدثني أبو الحسن علي بن علي الخزاعي ، قال : حدثنا محمد بن علي بن خالد العطار ، قال : حدثني عمرو بن عبد الغفار ، عن أبي بكر بن أبي عياش ، عن عاصم بن أبي النجود : عمن شهد ذلك ، أن معاوية حين قدم الكوفة دخل عليه رجال من أصحاب علي 7 وكان الحسن 7 قد أخذ الامان لرجال منهم مسمين بأسمائهم ، وأسماء آبائهم ، وكان فيهم صعصعة.

فلما دخل عليه صعصعة ، قال معاوية لصعصعة : أما والله أني كنت لا بغض أن تدخل في أماني ، قال : وأنا والله أبغض أن أسميك بهذا الاسم ، ثم سلم عليه بالخلافة.

قال فقال معاوية : ان كنت صادقا فاصعد المنبر فالعن عليا! قال : فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس أتيتكم من عند رجل قدم شره وأخر خيره وأنه أمرني أن ألعن عليا فالعنوه لعنه الله فضج أهل المسجد بآمين.

فلما رجع اليه فأخبره بما قال ثم قال : لا والله ما عنيت غيري ارجع حتى تسمية باسمه ، فرجع وصعد المنبر ، ثم قال : أيها الناس أن أمير المؤمنين أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب فالعنوا من لعن علي بن أبي طالب قال : فضجوا بآمين ، قال ؛ فلما خبر معاوية قال : لا والله ما عني غيري ، أخرجوه لا يساكنني في بلد ، فأخرجوه.


جندب بن زهير وعبد الله بن بديل وغيرهما‌

١٢٤ ـ قال الفضل بن شاذان : فمن التابعين الكبار ورؤسائهم وزهادهم جندب ابن زهير قاتل الساحر ، وعبد الله بن بديل ، وحجر بن عدي ، وسليمان بن صرد ، والمسيب بن نجبة ، وعلقمة ، والاشتر ، وسعيد بن قيس ، واشباههم كثير ، أفناهم الحرب ثم كثروا بعد ، حتى قتلوا مع الحسين 7 وبعده.

محمد بن ابى حذيفة‌

١٢٥ ـ حدثني نصر بن صباح ، قال حدثني أبو يعقوب اسحاق بن محمد البصري ، قال : حدثني أمير بن علي ، عن أبي الحسن الرضا 7 قال ، كان أمير المؤمنين 7 يقول ، ان المحامدة تأبى أن يعصى الله عز وجل.

قلت : ومن المحامدة؟ قال : محمد بن جعفر ، ومحمد بن أبي بكر ، ومحمد ابن أبي حذيفة ، ومحمد بن أمير المؤمنين 7 ، أما محمد بن أبي حذيفة هو ابن عتبة بن ربيعة ، وهو ابن خال معاوية.

١٢٦ ـ وأخبرني بعض رواة العامة ، عن محمد بن اسحاق ، قال : حدثني رجل من أهل الشام ، قال : كان محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة مع علي بن أبي طالب 7 ومن أنصاره واشياعه ، وكان ابن خال معاوية ، وكان رجلا من خيار المسلمين ، فلما تو في علي 7 أخذه معاوية وأراد قتله فحبسه في السجن دهرا ، ثم قال معاوية ذات يوم : ألا نرسل الى هذا السفيه محمد بن أبي حذيفة فنبكته ، ونخبره بضلاله ، ونأمره أن يقوم فيسب عليا؟ قالوا : نعم.

فبعث اليه معاوية فأخرجه من السجن ، فقال له معاوية يا محمد بن أبي حذيفة ألم يأن لك أن تبصر ما كنت عليه من الضلالة بنصرتك علي بن أبي طالب الكذاب ألم تعلم أن عثمان قتل مظلوما ، وأن عائشة وطلحة والزبير خرجوا يطلبون بدمه ، وأن عليا هو الذي دس في قتله ، ونحن اليوم نطلب بدمه؟


رجل من أهل الشام ، قال : كان محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة مع علي بن أبي طالب 7 ومن أنصاره وأشياعه ، وكان ابن خال معاوية ، وكان رجلا من خيار المسلمين ، فلما توفى علي 7 أخذه معاوية وأراد قتله فحبسه في السجن دهرا ، ثم قال معاوية ذات يوم : ألا نرسل الى هذا السفيه محمد بن أبي حذيفة فنبكته ، ونخبره بضلاله ، ونأمره أن يقوم فيسب عليا؟ قالوا : نعم.

فبعث اليه معاوية فأخرجه من السجن ، فقال له معاوية يا محمد بن أبي حذيفة ألم يأن لك أن تبصر ما كنت عليه من الضلالة بنصرتك علي بن أبي طالب الكذاب ألم تعلم أن عثمان قتل مظلوما ، وأن عائشة وطلحة والزبير خرجوا يطلبون بدمه ، وأن عليا هو الذي دس في قتله ، ونحن اليوم نطلب بدمه؟

قال محمد بن أبي حذيفة : انك لتعلم اني أمس القوم بك رحما وأعرفهم بك ، قال : أجل.

قال : فو الله الذي لا إله غيره ما أعلم أحدا شرك في دم عثمان وألب عليه غيرك لما استعملك ومن كان مثلك ، فسأله المهاجرون والانصار ان يعزلك فأبى ، ففعلوا به ما بلغك ، وو الله ما أحد أشرك في قتله بدئيا ولا أخيرا الا طلحة والزبير وعائشة ، فهم الذين شهدوا عليه بالعظيمة وألبوا عليه الناس ، وشركهم في ذلك عبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وعمار والانصار جميعا ، قال : قد كان ذاك.

قال : والله اني لا شهد أنك منذ عرفتك في الجاهلية والإسلام لعلى خلق واحد ما زاد الإسلام فيك قليلا ولا كثيرا ، وان علامة ذلك فيك لبينة تلومني على حبي عليا كما خرج مع علي كل صوام قوام مهاجري وأنصاري ، وخرج معك أبناء المنافقين والطلقاء والعتقاء ، خدعتهم عن دينهم ، وخدعوك عن دنياك ، والله يا معاوية ما خفي عليك ما صنعت ، وما خفي عليهم ما صنعوا ، اذا حلوا أنفسهم بسخط الله في طاعتك ، والله لا أزال أحب عليا لله ، وأبغضك في الله وفي رسوله أبدا ما بقيت.

قال معاوية ، واني أراك على ضلالك بعد ، ردوه ، فردوه وهو يقرء في السجن‌


( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) (١) فمات في السجن.

قنبر‌

١٢٧ ـ محمد بن مسعود ، قال : أخبرنا محمد بن يزداد الرازي ، قال : حدثنا محمد بن علي الحداد ، عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، أن عليا 7 قال :

لما رأيت أمرا منكرا

أوقدت ناري ودعوت قنبرا

١٢٨ ـ محمد بن الحسن وعثمان بن حامد الكشيان ، قالا : حدثنا محمد بن يزداد الرازي ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن موسى بن يسار ، عن عبد الله بن شريك ، عن أبيه ، قال : بينما علي 7 عند امرأة له من عنزة وهي أم عمر اذ أتاه قنبر فقال له : ان عشرة نفر بالباب يزعمون أنك ربهم قال : أدخلهم ، قال : فدخلوا عليه.

فقال لهم : ما تقولون؟ فقالوا : نقول : انك ربنا ، وأنت الذي خلقتنا ، وأنت الذي ترزقنا ، فقال لهم : ويلكم لا تفعلوا انما أنا مخلوق مثلكم ، فأبوا وأعادوا عليه ثم ساق الحديث الى أن قذفهم في النار ثم قال علي 7 :

اني اذا أبصرت شيئا منكرا

أوقدت ناري ودعوت قنبرا

١٢٩ ـ ابراهيم بن للحسين الحسيني العقيقي ، رفعه ، قال : سئل قنبر مولى من أنت؟ فقال : أنا مولى من ضرب بسيفين ، وطعن برمحين ، وصلى القبلتين ، وبايع البيعتين ، وهاجر الهجرتين ، ولم يكفر بالله طرفة عين ، أنا مولى صالح المؤمنين ، ووارث النبيين ، وخير الوصيين ، وأكبر المسلمين.

ويعسوب المؤمنين ، ونور المجاهدين ، ورئيس البكائين ، وزين العابدين ، وسراج الماضين ، وضوء القائمين ، وأفضل القانتين ، ولسان رسول رب العالمين ،

__________________

(١) سورة يوسف : ٣٣‌


وأول المؤمنين من آل ياسين ، المؤيد بجبريل الامين ، والمنصور بميكائيل المتين ، والمحمود عند أهل السماوات أجمعين ، سيد المسلمين والسابقين ، وقاتل الناكثين والقاسطين.

والمحامي عن حرم المسلمين ، والمجاهد أعدائه الناصبين ، ومطفي نيران الموقدين ، وأفخر من مشى من قريش أجمعين ، وأول من حارب واستجاب لله أمير المؤمنين ، ووصي نبيه في العالمين ، وأمينه على المخلوقين ، وخليفة من بعث اليهم أجمعين.

سيد المسلمين والسابقين ، وقاتل الناكثين والقاسطين ومبيد المشركين ، وسهم من مرامي الله على المنافقين ، ولسان كلمة العابدين ، ناصر دين الله ، وولي الله ، ولسان كلمة الله ، وناصره في أرضه ، وعيبة علمه ، وكهف دينه ، امام الابرار ، من رضي عنه العلي الجبار.

سمح ، سخي ، حي ، بهلول ، سنحنحي ، زكي ، مطهر ، أبطحي ، باذل ، جري ، همام الصابر ، صوام ، مهدي ، مقدام ، قاطع الاصلاب ، مفرق الاحزاب ، عالي الرقاب أربطهم عنانا ، وأثبتهم جنانا ، وأشدهم شكيمة ، بازل ، باسل ، صنديد ، هزبر ، ضرغام حازم ، عزام ، حصيف ، خطيب ، محجاج ، كريم الاصل ، شريف الفضل ، فاضل القبيلة ، نقي العشيرة زكي الركانة ، مؤدي الامانة ، من بني هاشم.

وابن عم النبي 6 والامام مهدي الرشاد ، مجانب الفساد ، الاشعث الحاتم ، البطل الجماجم ، والليث المزاحم ، بدري ، مكي ، حنفي ، روحاني ، شعشعاني ، من الجبال شواهقها ، ومن الهضاب رءوسها ، ومن العرب سيدها ، ومن الوغاء ليثها ، البطل الهمام ، والليث المقدام ، والبدر التمام ، محك المؤمنين ، ووارث المشعرين ، وأبو السبطين الحسن والحسين ، والله أمير المؤمنين حقا حقا علي بن أبي طالب عليه من الله الصلوات الزكية والبركات السنية.

١٣٠ ـ حدثني محمد بن مسعود ، قال : حدثني علي بن قيس القوميني ،


قال : حدثني أحكم بن يسار ، عن ابي الحسن صاحب العسكر 7 ان قنبرا مولى أمير المؤمنين 7 دخل على الحجاج بن يوسف ، فقال له : ما الذي كنت تلي من علي بن أبي طالب؟ فقال : كنت أوضئه ، فقال له : ما كان يقول اذا فرغ من وضوئه؟

فقال : كان يتلو هذه الاية ( فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْ‌ءٍ حَتّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) (١) فقال الحجاج : أظنه كان يتأولها علينا ، قال : نعم ، فقال : ما أنت صانع اذا ضربت علاوتك؟ قال : اذا أسعد وتشقي ، فأمر به.

رشيد الهجرى‌

١٣١ ـ حدثني أبو أحمد ونسخت من خطه ، حدثني محمد بن عبد الله بن مهران؟ عن وهب بن مهران ، قال : حدثني محمد بن علي الصيرفي ، عن علي بن محمد بن عبد الله الحناط ، عن وهيب بن حفص الجريري ، عن أبي حيان البجلي ، عن قنواء بنت رشيد الهجري ، قال : قلت لها : أخبريني ما سمعت من أبيك؟ قالت : سمعت أبي يقول : أخبرني أمير المؤمنين 7 فقال يا رشيد كيف صبرك اذا أرسل إليك دعي بني أمية فقطع يديك ورجليك ولسانك ، قلت : يا أمير المؤمنين آخر ذلك الى الجنة؟ فقال : يا رشيد أنت معي في الدنيا والآخرة.

قالت : فو الله ما ذهبت الايام حتى أرسل اليه عبيد الله بن زياد الدعي ، فدعاه الى البراءة من أمير المؤمنين 7 فأبى ان يبرأ منه ، فقال له الدعي : فبأي ميتة قال لك تموت؟

فقال له : أخبرني خليلي انك تدعوني الى البراءة منه فلا أبرأ فتقد مني فتقطع يدي ورجلي ولساني ، فقال والله لأكذبن قوله فيك.

__________________

(١) سورة الانعام : ٤٥‌


قال : فقدموه فقطعوا يديه ورجليه وتركوا لسانه ، فحملت أطراف يديه ورجليه فقلت : يا أبت هل تجد ألما لما أصابك؟ فقال : لا يا بنية الا كالزحام بين الناس ، فلما احتملناه وأخرجناه من القصر اجتمع الناس حوله ، فقال : ايتوني بصحيفة ودوات أكتب لكم ما يكون الى يوم الساعة ، فأرسل اليه الحجام حتى يقطع لسانه ، فمات رحمة الله عليه في ليلته.

قال : وكان أمير المؤمنين 7 يسميه رشيد البلايا ، وكان قد ألقى اليه علم البلايا والمنايا ، وكان حياته اذا لقى الرجل قال له : فلان أنت تموت بميتة كذا ، وتقتل أنت يا فلان بقتلة كذا وكذا ، فيكون كما يقول رشيد.

وكان أمير المؤمنين 7 يقول : أنت رشيد البلايا ، أي تقتل بهذه القتلة ، فكان كما قال أمير المؤمنين 7.

١٣٢ ـ جبريل بن أحمد ، قال : حدثني محمد بن عبد الله بن مهران ، قال : حدثني أحمد بن النضر ، عن عبد الله بن يزيد الاسدي ، عن فضيل بن الزبير ، قال : خرج أمير المؤمنين 7 يوما الى بستان البرني ، ومعه أصحابه ، فجلس تحت نخلة ثم أمر بنخلة ، فلقطت فأنزل منها رطب فوضع بين أيديهم ، قالوا فقال رشيد الهجري : يا أمير المؤمنين 7 ما أطيب هذا الرطب؟ فقال : يا رشيد أما أنك تصلب على جذعها ، فقال رشيد : فكنت أختلف اليها طرفي النهار أسقيها.

ومضى أمير المؤمنين 7 قال : فجئتها يوما وقد قطع سعفها : قلت اقترب أجلي ثم جئت يوما فجاء العريف فقال أجب الامير : فأتيته فلما دخلت القصر فاذا الخشب ملقى ، ثم جئت يوما آخر فاذا النصف الاخر قد جعل زرنوقا يستقى عليه الماء ، فقلت ما كذبني خليلي فأتاني العريف فقال : أجب الامير فأتيته.

فلما دخلت القصر اذا الخشب ملقى فاذا فيه الزرنوق ، فجئت حتى ضربت الزرنوق برجلي ثم قلت : لك غذيت ولي انبت ثم أدخلت على عبيد الله بن زياد ، فقال : هات من كذب صاحبك : فقلت : والله ما أنا بكذاب ولا هو ، ولقد أخبرني‌


أنك تقطع يدي ورجلي ولساني ، قال : اذا والله نكذبه اقطعوا يده ورجله وأخرجوه.

فلما حمل الى أهله أقبل يحدث الناس بالعظايم ، وهو يقول : ايها الناس سلوني فان للقوم عندي طلبة لم يقضوها ، فدخل رجل على ابن زياد فقال له : ما صنعت قطعت يده ورجله وهو يحدث الناس بالعظايم؟ قال : ردوه وقد انتهى الى بابه ، فردوه فأمر بقطع يديه ورجليه ولسانه وأمر بصلبه.

حبيب بن مظاهر‌

١٣٣ ـ جبريل بن أحمد ، قال : حدثني محمد بن عبد الله بن مهران ، قال : حدثني أحمد بن النصر ، عن عبد الله بن يزيد الاسدي ، عن فضيل بن الزبير ، قال : مر ميثم التمار على فرس له فاستقبل حبيب بن مظاهر الاسدي عند مجلس بني أسد ، فتحدثا حتى اختلف أعناق فرسيهما.

ثم قال حبيب : لكأني بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الزرق ، قد صلب في حب أهل بيت نبيه 7 ، ويبقر بطنه على الخشب.

فقال ميثم : واني لا عرف رجلا أحمر له ضفيرتان يخرج لينصر ابن بنت نبيه فيقتل ويجال برأسه بالكوفة.

ثم افترقا ، فقال أهل المجلس : ما رأينا أحدا أكذب من هذين ، قال : فلم يفترق أهل المجلس حتى أقبل رشيد الهجري ، فطلبهما فسأل أهل المجلس عنهما؟ فقالوا : افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا.

فقال رشيد : رحم الله ميثما نسي : ويزاد في عطاء الذي يجي‌ء بالرأس مائة درهم ، ثم أدبر ، فقال القوم : هذا والله أكذبهم.

فقال القوم : والله ما ذهبت الايام والليالي حتى رأيناه مصلوبا على باب دار عمرو بن حريث ، وجي‌ء برأس حبيب بن مظاهر قد قتل مع الحسين 7 ورأينا كل ما قالوا.


وكان حبيب من السبعين الرجال الذين نصروا الحسين 7 ولقوا جبال الحديد ، واستقبلوا الرماح بصدورهم ، والسيوف بوجوههم ، وهم يعرض عليهم الامان والاموال فيأبون ، ويقولون : لا عذر لنا عند رسول الله 6 ان قتل الحسين ومنا عين تطرف حتى قتلوا حوله.

ولقد مزح حبيب بن مظاهر الاسدي ، فقال له يزيد بن خضير الهمداني وكان يقال له سيد القراء يا أخي ليس هذه بساعة ضحك ، قال : فأي موضع أحق من هذا بالسرور ، والله ما هو الا أن تميل علينا هذه الطغام بسيوفهم فنعانق الحور العين.

قال الكشي. هذه الكلمة مستخرجة من كتاب مفاخر الكوفة والبصرة.

ميثم التمار‌

١٣٤ ـ حمدويه وابراهيم ، قالا : حدثنا أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن عاصم ابن حميد ، عن ثابت الثقفي ، قال : لما مر بميثم ليصلب ، قال رجل : يا ميثم لقد كنت عن هذا غنيا ، قال : فالتفت اليه ميثم ، ثم قال : والله ما نبتت هذه النخلة الا لي ولا اغتذيت الا لها.

١٣٥ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثني علي بن محمد ، عن محمد بن أحمد الهندي ، عن العباس بن معروف ، عن صفوان ، عن يعقوب بن شعيب ، عن صالح ابن ميثم ، قال : أخبرني أبو خالد التمار ، قال : كنت مع ميثم التمار بالفرات يوم الجمعة فهبت ريح وهو في سفينة من سفن الرمان.

قال : فخرج فنظر الى الريح فقال : شدوا برأس سفينتكم ان هذه ريح عاصف مات معاوية الساعة ، قال : فلما كانت الجمعة المقبلة قدم بريد من الشام فلقيته فاستخبرته ، فقلت له : يا عبد الله ما الخبر؟ قال : الناس على أحسن حال توفى أمير المؤمنين وبايع الناس يزيد ، قال : قلت أي يوم توفى؟ قال : يوم الجمعة.

١٣٦ ـ محمد بن مسعود ، قال : حدثني أبو محمد عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي ، قال حدثني الحسن بن علي ابن بنت الياس الوشاء ، عن عبد الله بن‌


خراش المغربي ، عن علي بن اسماعيل ، عن فضيل الرسان ، عن حمزة بن ميثم ، قال خرج أبي الى العمرة ، فحدثني قال : استأذنت على أم سلمة ( رحمة الله عليها ) فضربت بيني وبينها خدرا ، فقالت لي : أنت ميثم؟ فقلت : أنا ميثم. فقالت : كثيرا ما رأيت الحسين بن علي ابن فاطمة ( صلوات الله عليهم ) يذكرك ، قلت : فأين هو؟ قالت خرج في غنم له آنفا ، قلت : أنا والله أكثر ذكره فأقرئيه السلام فاني مبادر.

فقالت : يا جارية اخرجي فادهنيه ، فخرجت فدهنت لحيتي ببان ، فقلت : أما والله لئن دهنتها لتخضبن فيكم بالدماء ، فخرجنا فاذا ابن عباس ( رحمة الله عليهما ) جالس ، فقلت يا ابن عباس سلني ما شئت من تفسير القرآن ، فاني قرأت تنزيله على أمير المؤمنين 7 وعلمني تأويله ، فقال : يا جارية الدواة وقرطاسا ، فأقبل يكتب.

فقلت : يا ابن عباس كيف بك اذا رأيتني مصلوبا تاسع تسعة أقصرهم خشبة وأقربهم بالمطهرة ، فقال لي : وتكهن أيضا خرق الكتاب ، فقلت : مه احتفظ بما سمعت مني ، فان يك ما أقول لك حقا أمسكته ، وان يك باطلا خرقته قال : هو ذاك.

فقدم أبي علينا فما ليث يومين حتى أرسل عبيد الله بن زياد ، فصلبه تاسع تسعة أقصرهم خشبة وأقربهم الى المطهرة ، فرأيت الرجل الذي جاء اليه ليقتله وقد أشار اليه بالحربة ، وهو يقول : أما والله لقد كنت ما علمتك الا قواما ، ثم طعنه في خاصرته فأجافه فاحتقن الدم فمكث يومين ، ثم انه في اليوم الثالث بعد العصر قبل المغرب انبعث منخراه دما ، فخضبت لحيته بالدماء.

١٣٧ ـ قال أبو النصر محمد بن مسعود : وحدثني أيضا بهذا الحديث علي ابن الحسن بن فضال ، عن أحمد بن محمد الاقرع. عن داود بن مهزيار ، عن علي بن اسماعيل ، عن فضيل ، عن عمران بن ميثم. قال علي بن الحسن : هو حمزة بن ميثم خطأ ، وقال علي : اخبرني به الوشاء بأسناده مثله سواء غير أنه ذكر عمران بن ميثم.

١٣٨ ـ حمدويه وابراهيم ، قالا : حدثنا أيوب ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه عن جده ، قال : قال لي ميثم التمار ذات يوم : يا أبا حكيم اني أخبرك بحديث وهو‌


حق ، قال : فقلت يا أبا صالح بأي شي‌ء تحدثني؟ قال : اني أخرج العام الى مكة فاذا قدمت القادسية راجعا أرسل إلي هذا الدعي ابن زياد رجلا في مائة فارس حتى يجي‌ء بي اليه ، فيقول لي : أنت من هذه السبائية الخبيثة المحترقة التي قد يبست عليها جلودها ، وأيم الله لا قطعن يدك ورجلك.

فأقول : لا رحمك الله فو الله لعلي كان أعرف بك من حسن حين ضرب رأسك بالدرة ، فقال له الحسن : يا أبه لا تضربه فانه يحبنا ويبغض عدونا ، فقال له علي 7 مجيبا له اسكت يا بني فو الله لأنا أعلم به منك ، فوالذي فلق الحبة وبرء النسمة انه لولي لعدوك وعدو لوليك.

قال : فيأمر بي عند ذلك فأصلب فأكون أول هذه الامة ألجم بالشريط في الإسلام فاذا كان يوم الثالث فقلت غابت الشمس أو لم تغب ابتدر منخراي دما على صدري ولحيتي. قال : فرصدناه فلما كان يوم الثالث فقلت : غابت الشمس أو لم تغب ابتدر منخراه على صدره ولحيته دما.

قال : فاجتمعنا سبعة من التمارين فاتعدنا لحمله فجئنا اليه ليلا والحراس يحرسونه ، وقد أوقدوا النار فحالت بيننا وبينهم ، فاحتملناه بخشبته حتى انتهينا به الى فيض من ماء في مراد فدفناه فيه ، ورمينا بخشبته في مراد في الخراب ، وأصبح فبعث الخيل فلم يجد شيئا.

قال ، وقال يوما : يا أبا حكيم ترى هذا المكان ليس يؤدي فيه طسق. والطسق أداء الاجر ، ولئن طالت بك الحياة لتؤدين طسق هذا المكان الى رجل في دار الوليد بن عقبة اسمه زرارة. قال سدير : فأديته على خزي الى رجل في دار الوليد ابن عقبة يقال له : زرارة.

١٣٩ ـ جبريل بن أحمد ، حدثني محمد بن عبد الله بن مهران ، قال : حدثني محمد بن علي الصيرفي ، عن علي بن محمد ، عن يوسف بن عمران الميثمي ، قال سمعت ميثم النهرواني يقول : دعاني أمير المؤمنين 7 وقال : كيف أنت يا ميثم اذا‌


دعاك دعي بنى أمية ابن دعيها عبيد الله بن زياد الى البراءة مني؟ فقال يا أمير المؤمنين أنا والله لا أبرأ منك ، قال : اذا والله يقتلك ويصلبك ، قلت ، أصبر فذاك في الله قليل ، فقال : يا ميثم اذا تكون معي في درجتي.

قال ، وكان ميثم يمر بعريف قومه ، ويقول : يا فلان كأني بك وقد دعاك دعي بني أمية ابن دعيها فيطلبني منك أياما ، فاذا قدمت عليك ذهبت بي اليه حتى يقتلني على باب دار عمرو بن حريث ، فاذا كان يوم الرابع ابتدر منخراي دما عبيطا ، وكان ميثم يمر بنخلة في سبعة فيضرب بيده عليها ، ويقول : يا نخلة ما غذيت الا لي وما غذيت الا لك ، وكان يمر بعمرو بن حريث ويقول : يا عمرو اذا جاورتك فأحسن جواري ، فكان عمرو يرى أنه يشتري دارا أو ضيعة لزيق ضيعته ، فكان يقول له عمرو : ليتك قد فعلت.

ثم خرج ميثم النهرواني الى مكة فأرسل الطاغية عدو الله بن زياد الى عريف ميثم فطلبه منه ، فأخبره أنه بمكة ، فقال له : لئن لم تأتني به لأقتلنك ، فأجله أجلا ، وخرج العريف الى القادسية ينتظر ميثما ، فلما قدم ميثم قال : أنت ميثم؟ قال : نعم أنا ميثم قال : تبرأ من أبي تراب ، قال : لا أعرف أبا التراب ، قال : تبرأ من علي بن أبي طالب ، فقال له : فان أنا لم أفعل؟ قال : اذا والله لا قتلك.

قال : أما لقد كان يقول لي أنك ستقتلني وتصلبني على باب عمرو بن حريث فاذا كان يوم الرابع ابتدر منخراي دما عبيطا ، فأمر به فصلب على باب عمرو بن حريث.

فقال للناس : سلوني ( وهو مصلوب ) قبل أن أقتل فو الله لأخبرنكم بعلم ما يكون الى أن تقوم الساعة وما يكون من الفتن ، فلما سأله الناس حدثهم حديثا واحدا ، اذ أتاه رسول من قبل ابن زياد فألجمه بلجام من شريط ، وهو أول من ألجم بلجام وهو مصلوب.

١٤٠ ـ وروي عن أبي الحسن الرضا 7 عن أبيه ، عن آبائه ( صلوات الله عليهم ) قال أتي ميثم التمار دار أمير المؤمنين 7 فقيل له انه نائم فنادى بأعلى صوته‌


انتبه أيها النائم فو الله لتخضبن لحيتك من رأسك ، فانتبه أمير المؤمنين 7 فقال : ادخلوا ميثما ، فقال له : أيها النائم والله لتخضبن لحيتك من رأسك.

فقال : صدقت وأنت والله لتقطعن يداك ورجلاك ولسانك ولتقطعن النخلة التي بالكناسة فتشق أربع قطع ، فتصلب أنت على ربعها وحجر بن عدي على ربعها ، ومحمد ابن أكثم على ربعها ، وخالد بن مسعود على ربعها.

قال ميثم : فشككت في نفسي وقلت : ان عليا ليخبرنا بالغيب ، فقلت له ، أو كائن ذاك يا أمير المؤمنين؟ فقال : أي ورب الكعبة كذا عهده إلي النبي 6 ، قال ، فقلت : لم يفعل ذلك بي يا أمير المؤمنين؟ فقال : ليأخذنك العتل الزنيم ابن الأمة الفاجرة عبيد الله بن زياد.

قال : وكان 7 يخرج الى الجبانة وأنا معه فيمر بالنخلة فيقول لي : يا ميثم ان لك ولها شأنا من الشأن ، قال : فلما ولي عبيد الله بن زياد الكوفة ودخلها تعلق علمه بالنخلة التي بالكناسة فتخرق ، فتطير من ذلك فأمر بقطعها ، فاشتراها رجل من النجارين فشقها أربع قطع.

قال ميثم : فقلت لصالح ابني فخذ مسمارا من حديد فانقش عليه اسمي واسم أبي ودقة في بعض تلك الاجذاع ، قال : فلما مضى بعد ذلك أيام أتاني قوم من أهل السوق فقالوا : يا ميثم انهض معنا الى الامير نشكو اليه عامل السوق ، ونسأله أن يعزله عنا ويولي علينا غيره.

قال : وكنت خطيب القوم فنصت لي وأعجبه منطقي ، فقال له عمرو بن حريث أصلح الله الامير تعرف هذا المتكلم؟ قال : من هو؟ قال ميثم التمار الكذاب مولى الكذاب علي بن أبي طالب ، قال : فاستوى جالسا فقال لي ما تقول؟ فقلت : كذب أصلح الله الامير ، بل أنا الصادق مولى الصادق علي بن أبي طالب أمير المؤمنين حقا فقال لي : لتبر أن من علي ، ولتذكرن مساويه ، وتتولى عثمان ، وتذكر محاسنه ، أو لأقطعن يديك ورجليك ولأصلبنك ، فبكيت ، فقال لي : بكيت من القول دون الفعل ،


فقلت : والله ما بكيت من القول ولا من الفعل ، ولكن بكيت من شك كان دخلني يوم خبّرني سيدي ومولاي ، فقال لي : وما قال لك؟

قال ، فقلت : أتيت الباب فقيل لي : أنه نائم ، فناديت انتبه أيها النائم ، فو الله لتخضبن لحيتك من رأسك فقال : صدقت وأنت والله لتقطعن يداك ورجلاك ولسانك ولتصلبن ، فقلت : ومن يفعل ذلك بي؟ يا أمير المؤمنين فقال : يأخذك العتل الزنيم ابن الامة الفاجرة عبيد الله بن زياد.

قال : فامتلأ غيظا ثم قال لي : والله لأقطعن يديك ورجليك ولأدعن لسانك حتى أكذبك وأكذب مولاك ، فأمر به فقطعت يداه ورجلاه ، ثم أخرج فأمر به أن يصلب فنادى بأعلى صوته أيها الناس من أراد أن يسمع الحديث المكنون عن علي بن أبي طالب 7؟ قال : فاجتمع الناس وأقبل يحدثهم بالعجائب.

قال : وخرج عمرو بن حريث وهو يريد منزله فقال : ما هذه الجماعة؟ قالوا : ميثم التمار يحدث الناس عن علي بن أبي طالب ، قال : فانصرف مسرعا فقال : أصلح الله الامير بادر فابعث الى هذا من يقطع لسانه ، فاني لست آمن أن يغير قلوب أهل الكوفة فيخرجوا عليك ، قال : فالتفت الى حرسي فوق رأسه فقال : اذهب فاقطع لسانه.

قال ، فأتاه الحرسي فقال له : يا ميثم! قال : ما تشاء؟ قال : أخرج لسانك فقد أمرني الامير بقطعه ، قال ميثم : ألا زعم ابن الأمة الفاجرة أنه يكذبني ويكذب مولاي هاك لساني ، قال : فقطع لسانه وتشحط ساعة في دمه ثم مات ، وأمر به فصلب ، قال صالح فمضيت بعد ذلك بأيام ، فاذا هو قد صلب على الربع الذي كنت دققت فيه المسمار.

عبد الله بن شداد الهاد‌

١٤١ ـ وجدت في كتاب محمد بن شاذان بن نعيم بخطه ، روى عن حمران بن‌


أعين ، أنه قال : سمعت أبا عبد الله 7 يحدث عن آبائه : أن رجلا كان من شيعة أمير المؤمنين 7 مريضا شديد الحمى ، فعاده الحسين بن علي 7 فلما دخل باب الدار طارت الحمى عن الرجل ، فقال له قد رضيت بما أوتيتم به حقا حقا والحمى تهرب منكم.

فقال : والله ما خلق الله شيئا الا وقد أمره بالطاعة لنا يا كناسة قال : فاذا نحن نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول : لبيك ، قال : أليس أمير المؤمنين أمرك ألا تقربي الا عدوا أو مذنبا لكي تكون كفارة لذنوبه ، فما بال هذا؟ وكان الرجل المريض عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي.

الحارث الاعور‌

١٤٢ ـ حمدويه وابراهيم ، قالا : حدثنا أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن عاصم بن حميد ، عن فضيل الرسان ، عن أبي عمر البزاز ، قال : سمعت الشعبي ، وهو يقول : وكان اذا غدا الى القضاء جلس في مكاني فاذا رجع جلس في مكاني ، فقال لي ذات يوم : يا أبا عمر أن لك عندي حديثا أحدثك به؟ قال قلت له : يا أبا عمرو ما زال لي ضالة عندك ، قال ، قال لي : لا أم لك فأي ضالة تقع لك عندي ، قال ، فأبى أن يحدثني يومئذ.

قال : ثم سألته بعد فقلت : يا أبا عمرو حدثني بالحديث الذي قلت لي؟ قال : سمعت الحارث الاعور وهو يقول : أتيت أمير المؤمنين عليا 7 ذات ليلة فقال : يا أعور ما جاءك؟ قال : فقلت يا أمير المؤمنين جاء بي والله حبك ، قال ، فقال : أما اني سأحدثك لشكرها ، اما أنه لا يموت عبد يحبني فتخرج نفسه حتى يراني حيث يحب ولا يموت عبد يبغضني فتخرج نفسه حتى يراني حيث يكره. قال ، ثم قال لي الشعبي بعد : أما أن حبه لا ينفعك وبغضه لا يضرك.

١٤٣ ـ جعفر بن معروف ، قال حدثني محمد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ،


عن أبان بن عثمان ، عن محمد بن زياد ، عن ميمون بن مهران ، عن علي 7 قال قال لي الحارث : تدخل منزلي يا أمير المؤمنين؟ فقال 7 : على شرط أن لا تدّخرني شيئا مما في بيتك ولا تكلف لي شيئا مما وراء بابك ، قال : نعم.

فدخل يتحرق ويحب أن يشترى له وهو يظن أنه لا يجوز له ، حتى قال له أمير المؤمنين 7 : يا حارث ، قال : هذه دراهم معي ولست أقدر على أن أشتري لك ما أريد ، قال : أو ليس قلت لك : لا تكلف ما وراء بابك فهذه مما في بيتك.

تم الجزء الاول ، ويتلوه حديث نعيم بن دجاجة الاسدي ، والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله الطاهرين الطيبين.




بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما

نعيم بن دجاجة الاسدى‌

١٤٤ ـ حدثنا حمدويه بن نصير ، قال حدثنا محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب : عن رجل ، عن أبي عبد الله 7 قال : بعث علي بن أبي طالب 7 الى بشر ابن عطارد التميمي في كلام بلغه عنه ، فمر به رسول علي الى بني أسد ، فقام اليه نعيم ابن دجاجة الاسدي فأفلته ، فبعث اليه علي بن أبي طالب 7 فأتوا به فأمر به أن يضرب‌

______________________________________________________

نعيم بن دجاجة الاسدى‌

قوله 7 : فمر به رسول على (ع) الضمير المجرور لبشر ، والباء بمعنى « مع » فقام اليه أي الى رسول علي 7 نعيم فافلته أي بشرا من الرسول ، فبعث اليه علي 7 أي الى نعيم بن دجاجة ليؤتى به ، فأتوه به الفاعل بنو أسد.

والضمير المنصوب لعلي 7 ، والباء في « به » للتعدية ، أو بمعنى « مع » والضمير المجرور « بها » لنعيم.

أي فأتوا بنو أسد عليا 7 بنعيم بن دجاجة فأمر علي نعيم بأن يضرب فقال نعيم لعلي 7.


فقال له نعيم : أما والله أن المقام معك لذل وان فراقك لكفر.

قال : فلما سمع ذلك علي 7 قال له قد عفوت عنك ان الله تعالى يقول ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ) (١) أما قولك ان المقام معك لذل فسيئة اكتسبتها ، وأما قولك ان فراقك لكفر حسنة اكتسبتها ، فهذه بهذه.

الاحنف بن قيس‌

١٤٥ ـ قيل : للأحنف انك تطيل الصوم؟ قال : أعده لشر يوم عظيم ، ثم قرأ ( وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) (٢).

وروي أن الاحنف بن قيس وفد الى معاوية وجارية بن قدامة والحباب بن يزيد فقال معاوية للأحنف : أنت الساعي على أمير المؤمنين عثمان ، وخاذل أم المؤمنين عائشة ، والوارد الماء على علي بصفين؟ فقال : يا أمير المؤمنين من ذاك ما أعرف ، ومنه ما أنكر.

أما أمير المؤمنين عثمان : فأنتم معشر قريش حصرتموه بالمدينة والدار منا عنه نازحة ، وقد حصره المهاجرون ، والانصار عنه بمعزل ، وكنتم بين خاذل وقاتل.

وأما عائشة : فاني خذلتها في طول باع ورحب سرب ، وذلك أني لم أجد في‌

______________________________________________________

الاحنف بن قيس‌

قوله : طول باع ورحب سرب

الباع قدر مد اليدين وما بينهما من البدن وبسط اليد بالمال ، وكذلك البوع وطول الباع كناية عن المقدرة والميسرة والاقتدار والشوكة قاله صاحب الفائق والاساس والقاموس والنهاية (٣).

__________________

(١) سورة المؤمنين : ٩٦‌

(٢) سورة الانسان : ٧‌

(٣) أساس البلاغة ص ٥٤ والقاموس ٣ / ٧ والنهاية ١ / ١٧٤‌


كتاب الله الا أن تقر في بيتها.

وأما ورودي الماء بصفين : فاني وردت حين أردت أن تقطع رقابنا عطشا ، فقام معاوية وتفرق الناس.

ثم أمر معاوية للأحنف بخمسين ألف درهم ولأصحابه بصلة ، وقال للأحنف حين ودعه : حاجتك؟ قال : تدر على الناس عطياتهم وارزاقهم ، فان سألت المدد أتاك منا رجال سليمة الطاعة شديدة النكاية.

وقيل : انه كان يرى رأي العلوية. ووصل الحباب بثلاثين ألف درهم وكان يرى رأي الاموية ، فصار الحباب الى معاوية وقال يا أمير المؤمنين تعطي الاحنف ورأيه رأيه خمسين ألف درهم وتعطيني ورأيي رأيي ثلاثين ألف درهم؟

فقال : يا حباب اني اشتريت بها دينه ، فقال الحباب : يا امير المؤمنين تشتري مني أيضا ديني! فأتمها له والحقه بالاحنف ، فلم يأت على الحباب اسبوع حتى مات ورد المال بعينه الى معاوية ، فقال الفرزدق يرثي الحباب :

______________________________________________________

وقال في الصحاح : الرحب بالضم السعة ، تقول منه : فلان رحب الصدر ، والرحب بالفتح الواسع تقول منه : بلد رحب وأرض رحبة (١).

وقال : السرب بالفتح الابل ، والسرب أيضا الطريق وفلان آمن في سربه بالكسر أي في نفسه ، وفلان واسع السرب أي رخي البال (٢).

وفي المغرب : السرب بالفتح في قولهم خل سربه أي طريقه ، ومنه قوله اذا كان مخلي السرب ، أي موسعا عليه غير مضيق عليه.

يعني : اني لم أخذلها وهي محتاجة الى الانتصار ، بل خذلتها وهي في طول باع ورحب سرب ، أي في مندوحة فسيحة عن القتال وتجهيز الجيش ، بأن تقر في‌

__________________

(١) الصحاح : ١ / ١٣٤‌

(٢) الصحاح : ١ / ١٤٦‌


أتأكل ميراث الحباب ظلامة

وميراث حرب جامد لك ذايبه

أبوك وعمي يا معاوي أورثا

تراثا فيختار التراث أقاربه

ولو كان هذا الدين في جاهلية

عرفت من المولى القليل حلائبه

ولو كان هذا الامر في غير ملككم

لا ديته أو غص بالماء شاربه

فكم من أب لي يا معاوي لم يكن

أبوك الذي من عبد شمس يقاربه

١٤٦ ـ وروت بعض العامة ، عن الحسن البصري ، قال حدثني الاحنف ، ان عليا 7 كان يأذن لبني هاشم وكان يأذن لي معهم ، قال ، فلما كتب اليه معاوية ان كنت تريد الصلح فامح عنك اسم الخلافة ، فاستشار بني هاشم.

فقال له رجل منهم : انزح هذا الاسم نزحه الله ، قالوا : فان كفار قريش لما كان بين رسول الله 6 وبينهم ما كان ، كتب هذا ما قضى عليه محمد رسول الله أهل مكة كرهوا ذلك وقالوا لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك أن تطوف بالبيت ، قال : فكيف اذا؟

______________________________________________________

بيتها ، موقرة مكرمة ، رحبة الصدر ، رخية البال ، واسع السرب.

لأنها لم تكن مأمورة بالمسير الى البصرة وتجهيز الجيش والمطالبة بدم عثمان ومقاتلة علي بن أبي طالب 7 على ذلك ، ولا مضطرة الى شي‌ء من ذلك ، بل كانت في سعة عن ذلك كله.

ومع ذلك فانها كانت في طول باع من الشوكة والمقدرة ، واجتماع الجيوش وكثرة الاعوان والانصار والعدد والعدد.

وأيضا خذلتها لأني لم أجد في كتاب الله الا أن تقر في بيتها اذ قال عزمن قائل ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) (١).

قوله : أوغص بالماء شاربه‌

غص بفتح الغين المعجمة واهمال الصاد المشددة ، وشاربه بالرفع على الفاعلية‌

__________________

(١) سورة الاحزاب : ٣٣‌


قالوا : أكتب هذا ما قضى عليه محمد بن عبد الله أهل مكة فرضي. (١) فقلت لذلك الرجل كلمة فيها غلظة وقلت لعلي أيها الرجل والله مالك ما قال رسول الله 6 أنا ما حابيناك في بيعتنا ، ولو نعلم أحدا في الارض اليوم أحق بهذا الامر منك لبايعناه ولقاتلناك معه ، أقسم بالله ان محوت عنك هذا الاسم الذي دعوت الناس اليه وبايعتهم عليه لا يرجع إليك أبدا.

أبو عبد الله الجدلى وأبو داود‌

١٤٧ ـ حدثنا محمد بن مسعود ، قال : حدثني علي بن الحسن بن علي بن فضال قال : حدثني العباس بن عامر ، وجعفر بن محمد بن حكيم ، عن أبان بن عثمان الاحمر عن عبد الرحمن بن سيابة ، عن أبي داود ، عن أبي عبد الله الجدلي ، قال : دخلت على أمير المؤمنين 7 قال : أحدثك بسبعة أحاديث قبل أن يدخل علينا داخل ، قال فقلت افعل جعلت فداك.

قال ، فقال : ما أنف الهدى وعيناه؟ فقلت : يا أمير المؤمنين قال : وحاجبا الضلالة ومنخرها تبدو مخازيهما في آخر الزمان ، قال ، قلت : أظن والله يا أمير المؤمنين قال : والدابة وما الدابة عدلها وموضع صدقها ، والحق بينها والله يهلك ظالمها.

والرابعة : يقتل هذا وانت حي لا تنصره ، قال ، فضرب بيده على كتف الحسين 7 قال ، قلت والله ان هذه لحياة خبيثة ، ودخل داخل.

______________________________________________________

وباء بالماء للتعدية.

في النهاية الاثيرية : يقال : غصصت بالماء أغص غصصا ، فأنا غاص وغصان اذا شرقت به ، أو وقف في حلقك فلم تقدر تسيغه (١).

قوله : فرضى‌

أي فرضي علي 7 بما قال ذلك الرجل الهاشمي.

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ٣ / ٣٧٠‌


١٤٨ ـ وبهذا الاسناد : عن أبان ، عن فضيل الرسان ، عن أبي داود ، قال : حضرته عند الموت وجابر الجعفي عند رأسه ، قال ، فهمّ أن يحدث فلم يقدر ، قال ، ومحمد بن جابر أرسله ، قال ، فقلت يا أبا داود حدثنا الحديث الذي أردت؟.

قال : حدثني عمران بن حصين الخزاعي أن رسول الله 6 أمر فلانا وفلانا أن يسلما على علي 7 بإمرة المؤمنين ، فقالا : من الله ومن رسوله؟ ثم أمر حذيفة وسلمان فسلما ، ثم أمر المقداد فسلم ، وأمر بريدة أخي وكان أخاه لأمه.

فقال : انكم قد سألتموني من وليكم بعدي ، وقد أخبرتكم به وقد أخذت عليكم الميثاق ، كما أخذ الله تعالى على بني آدم : ألست بربكم؟ قالوا بلى ، وأيم الله لئن نقضتموها لتكفرن.

عامر بن واثلة‌

١٤٩ ـ حدثنا محمد بن مسعود ، قال : حدثني علي بن الحسن بن علي بن فضال قال حدثني عباس بن عامر ، عن أبان بن عثمان ، عن شهاب بن عبد ربه ، قال قلت لأبي عبد الله 7 : كيف أصبحت جعلت فداك؟ قال : أصبحت أقول ، كما قال أبو الطفيل عامر بن واثلة :

وان لا هل الحق لا شك دولة

على الناس اياها أرجّي وأرقب

______________________________________________________

عامر بن واثلة‌

ذكره الشيخ في كتاب الرجال في باب الصحابة وقال : عامر بن واثلة أبو الطفيل (١) ، ثم ذكره في أصحاب أمير المؤمنين 7 وقال : عامر بن واثلة يكنى أبا الطفيل أدرك ثماني سنين من حياة النبي 6 ولد عام أحد (٢).

وقال ابن الاثير في جامع الاصول : هو أبو الطفيل عامر بن واثلة بن عبد الله‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ٢٥‌

(٢) رجال الشيخ : ٤٧‌


قال : أنا والله ممن يرجي وسيرقب ، وكان عامر بن واثلة كيسانيا ممن يقول بحياة محمد بن الحنفية ، وله في ذلك شعر ، وخرج تحت راية المختار بن أبي عبيدة وكان يقول : ما بقي من السبعين غيري ، ويقول عامر بن واثلة :

وبقيت سهما في الكنانة واحدا

سترمي به أو يكسر السهم كاسره

وكان أبو الطفيل رأى رسول الله 6 وهو آخر من رآه موتا ، وهو القائل :

ويدعونني شيخا وقد عشت حقبة

وهن من الازواج نحوي نوازع

وما شاب رأسي من سنين تتابعت

علي ولكن شيبتني الوقائع

بنو ذودان‌

١٥٠ ـ حدثنا محمد بن مسعود قال : سألت علي بن الحسن بن فضال عن بني ذودان الذين في الحديث؟ قال : هم قوم من الفرس بزّازون.

قيس‌

١٥١ ـ حدثني محمد بن مسعود ، قال أخبرنا علي بن الحسن ، قال حدثني معمر ابن خلاد قال ، قال أبو الحسن الرضا 7 : ان رجلا من أصحاب علي 7 يقال له : قيس كان يصلي فلما صلى ركعة أقبل أسود سالخ فصار في موضع السجود ، فلما نحى‌

______________________________________________________

ابن عمير بن جابر ، من بني سعد بن ليث الليثي الكناني ، ويقال : اسمه عمرو غلبت عليه كنيته ، أدرك من حياة النبي 6 ثماني سنين : ومات سنة مائة واثنتين بمكة.

وهو آخر من مات من الصحابة في جميع الارض ، روى عنه الزهري وأبو الزبير وجابر بن يزيد ، واثلة بكسر الثاء المثلثة.

قيس‌

قوله 7 : أسود سالخ

قال في الصحاح : السالخ : الاسود من الحيات يقال : أسود سالخ غير‌


جبينه عن موضعه تطوق الاسود في عنقه ، ثم أنساب في قميصه.

وأني أقبلت يوما من الفرع ، فحضرت الصلاة فنزلت فصرت الى ثمامة ، فلما صليت ركعة أقبل أفعى نحوي ، فأقبلت على صلاتي لم أخففها ولم ينتقص منها شي‌ء‌

______________________________________________________

مضاف ، لأنه يسلخ جلده كل عام ، والانثى أسودة ، ولا توصف بسالخة (١).

وفي القاموس : والانثى أسودة ، ولا توصف بسالخة ، وأسود وأسودان سالخ ، وأساود سالخة وسوالخ وسلخ وسلخة (٢).

قوله 7 : ثم أنساب‌

السيوب مجرى الماء ، وانسابت الحية انسيابا خرجت قاله في مجمل اللغة.

وفي الصحاح : ساب الماء يسيب أي جرى ، والسيب بالكسر مجرى الماء ، وأنساب فلان نحوكم رجع ، وانسابت الحية جرت (٣).

ويكون أيضا بمعنى الاسراع في المشي. وهو المراد هاهنا.

قوله 7 : من الفرع‌

الفرع بالتحريك اسم موضع بين البصرة والكوفة على ما في الصحاح والقاموس (٤).

والفرع ـ بالضم والاسكان ـ اسم موضع بين الحرمين الشريفين.

قال ابن الاثير في النهاية : في الحديث ذكر الفرع وهو بضم الفاء وسكون الراء موضع معروف بين مكة والمدينة (٥).

__________________

(١) الصحاح : ١ / ٤٢٣‌

(٢) القاموس : ١ / ٢٦١‌

(٣) الصحاح : ١ / ١٥٠‌

(٤) القاموس : ٣ / ٦٢ والصحاح : ٣ / ١٢٥٨‌

(٥) نهاية ابن الاثير : ٣ / ٤٣٧‌


فدنا مني ثم رجع الى ثمامة ، فلما فرغت من صلاتي ولم أخفف دعائي : دعوت بعضهم معي فقلت : دونك الافعى تحت الثمامة ، ومن لم يخف الا الله كفاه.

قال أبو عمرو محمد بن عمر الكشي : في أصحاب أمير المؤمنين 7 أربعة نفر وأكثر يقال لكل واحد قيس فلا أعلم أيّهم هذا ، أول الاربعة قيس بن سعد بن عبادة وهو أمير هم وأفضلهم ، وقيس بن عباد البكري وهو خليق أيضا بهذا ان كان ، وقيس بن قرّة بن حبيب غير خليق به ، لأنه هرب الى معاوية ، وقيس به مهران أيضا خليق ذلك به ، فكل هؤلاء صحبوا أمير المؤمنين 7 ولا أدري أيّهم أراد أبو الحسن الرضا 7.

المرقع بن قمامة الاسدى‌

١٥٢ ـ حدثنا حمدويه بن نصير ، قال : حدثنا الحسين بن موسى قال حدثنا عمرو بن عثمان ، عن اسماعيل بن أبان الازدي ، قال : حدثني مطهر ، عن عبد الله ابن شريك العامري ، عن المرقع بن قمامة الاسدي ، قال : اذا هزّ محمد بن علي الراية المعلية بين الركن والمقام لوددت أني في ظلّها مجزوم الانف والاذنين ذاهب البصر لا شي‌ء يسددني ، قال قلت : ان هذا الخطر عظيم! قال ، فقال مرقع : اني سمعت عليا 7 يقول : ان تلك العصابة نظراء لأهل بدر. هذا الخبر يدل على أنه كان كيسانيا.

عوف العقيلى‌

١٥٣ ـ حدثني طاهر بن عيسى ، ذكره عن جعفر بن أحمد بن سعد ، أو غيره ، عن صالح بن سلمة أبي الخير الرازي ، عن ابن أبي نجران ، عن أبي عمران ، عن‌

______________________________________________________

عوف العقيلى‌

قال الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ في باب أصحاب أمير المؤمنين 7 : عوف العقيلي (١).

__________________

(١) رجال الشيخ : ٥٤‌


فرات بن أحنف ، قال : العقيلي كان من أصحاب عليّ 7 وكان حمّارا ، ولكنه يؤدّي الحديث كما سمع.

______________________________________________________

وفي جامع الاصول : العقيلي بضم العين المهملة وفتح القاف ، منسوب الى عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن.

قوله : وكان حمارا‌

باهمال الحاء وتشديد الميم ، والحمار في رجال الحديث وأسانيد الاخبار متكرر الذكر غير محصور في رجل واحد ، ومن أصحاب أبي عبد الله الصادق 7 داود بن سليمان أبو سليمان الحمار الكوفي الثقة. ذكره أبو العباس النجاشي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه (١) ، والشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ في الفهرست (٢) وفي كتاب الرجال (٣).

وضبطه العلامة ـ ; ـ في الايضاح فقال : الحمار بالحاء المهملة والميم المشددة والراء أخيرا.

وكذلك الحسن بن داود قال في كتابه : الحمار بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم (٤).

وفي الصحاح : الحمارة أصحاب الحمير في السفر الواحد حمار مثل جماز وجمال وبغال (٥).

ومن العجائب أن القاصرين من أهل هذا العصر يصحفون الحاء المهملة بالخاء المعجمة (٦) ، ويتوهمون أن العقيلي من أصحاب أمير المؤمنين 7 كان يشرب‌

__________________

(١) رجال النجاشى : ١٢٢‌

(٢) الفهرست : ٩٤‌

(٣) رجال الشيخ : ١٩٠‌

(٤) رجال ابن داود : ١٤٤‌

(٥) الصحاح : ٢ / ٦٣٧‌

(٦) كما في المطبوع من رجال الكشى بجامعة مشهد‌


الزهاد الثمانية‌

١٥٤ ـ علي بن محمد بن قتيبة ، قال : سئل أبو محمد الفضل بن شاذان ، عن الزهاد الثمانية؟ فقال : الربيع بن خثيم ، وهرم بن حيّان ،

______________________________________________________

الخمر ، والخمار في اللغة بياع الخمر ، نعوذ بالله من هذه الاوهام الفاسدة والجهالات المضلة.

ثم ان الحسن بن داود ; قال في كتابه : العقيلى ( ي ـ جش ) جماز الحديث يرويه كما سمعه (١).

بفتح الجيم وتشديد الميم والزاي أخيرا. والجماز من الانسان والبعير السريع الشديد ، المسرع في السير والعدو والكلام والحديث والنقل وغير ذلك ، فذلك غير بعيد من مسلك الاستقامة.

وفي بعض النسخ (٢) ترجمان الحديث وهو أيضا. مستقيم.

ولكن الصحيح في كتاب الكشي على ما في عامة النسخ « وكان حمارا » باهمال الحاء المهملة وتشديد الميم والراء أخيرا على ما قد ضبطناه فليتثبت.

الزهاد الثمانية‌

قوله ; : وهرم بن حيان

هرم ـ ككتف ـ ابن حيان قاله في القاموس (٣) ، وعده صحابيا في آخرين.

وقال في المغرب : الهرم كبر السن من باب لبس وباسم الفاعل منه سمي هرم ابن حيان قال القتيبي : وانما سمي هرما لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين.

وفي جامع الاصول : هرم بفتح الهاء وكسر الراء ، وحيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء تحتها نقطتان وبالنون.

__________________

(١) رجال ابن داود : ٢٣٥ وفيه العقيلى جخ ترجمان الحديث يرويه كما سمع.

(٢) أى نسخ رجال ابن داود وهو كما في المطبوع منه بجامعة طهران.

(٣) القاموس : ٤ / ١٨٩‌


وأويس القرني ، وعامر بن عبد قيس ، وكانوا مع علي 7 ومن أصحابه وكانوا زهّادا أتقياء.

وأما أبو مسلم فانه كان فاجرا مرائيا ، وكان صاحب معاوية ، وهو الذي كان يحث الناس على قتال علي 7 ، وقال لعلي 7 : ادفع إلينا الانصار والمهاجرين حتى نقتلهم بعثمان ، فأبى علي 7 ذلك ، فقال أبو مسلم : الان طاب الضراب ، انما كان وضع فخّا ومصيدة.

______________________________________________________

قوله ; : وأويس القرنى‌

القرن بفتحتين حي من اليمن اليهم ينسب أويس القرني.

قال ابن الاثير في جامع الاصول : القرني ـ بفتح القاف وفتح الراء وبالنون ـ منسوب الى قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد. ردمان بفتح الراء وسكون الدال المهملة ، وناجية بالنون والجيم والياء تحتها نقطتان.

قلت : وأما ميقات أهل نجد فهو القرن بالتسكين ، يقال له : قرن المنازل ، وهو جبل مشرف على عرفات.

ولقد وقع الجوهري في الصحاح هنالك في الغلط مرتين اذ قال : القرن بالتحريك موضع وهو ميقات أهل نجد ومنه أويس القرني (١). فلا تكن من الغافلين.

قوله ; : وأما أبو مسلم فانه كان فاجرا‌

أبو مسلم الفاجر المرائي هذا اسمه أهبان ، أورده الشيخ ـ ; ـ في باب الصحابة وقال : أهبان بن صيفي أبو مسلم سيئ الرأي في علي 7 (٢).

وفي القاموس : أهبان كعثمان صحابي (٣).

__________________

(١) الصحاح : ٦ / ٢١٨١‌

(٢) رجال الشيخ : ٥‌

(٣) القاموس : ١ / ٣٧‌


وأما مسروق فانه كان عشّارا لمعاوية ، ومات في علمه ذلك بموضع أسفل من واسط على دجلة يقال : الرصافة وقبره هناك.

والحسن كان يلقي أهل كل فرقة بما يهوون ويتصنّع للرئاسة ، وكان رئيس القدرية وأويس القرني مفضّلا عليهم كلّهم ، قال أبو محمد : ثم عرف الناس بعد.

أويس القرنى‌

١٥٥ ـ روى يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن ابن أبي زياد ، عن ابن أبي ليلى عبد الرحمن ، قال : خرج رجل بصفين من أهل الشام ، فقال : فيكم أويس القرني؟ قلنا نعم. قال : سمعت رسول الله 6 يقول : خير التابعين ، أو من خير التابعين أويس القرني ، ثم تحول إلينا.

١٥٦ ـ وروى الحسن بن الحسين القمي ، عن علي بن الحسن العرني ، عن سعد بن طريف ، عن الاصبغ بن نباتة ، قال كنا مع علي 7 بصفين ، فبايعه تسعة وتسعون رجلا ، ثم قال : أين تمام المائة لقد عهد إليّ رسول الله 6 أن يبايعني في هذا اليوم مائة رجل.

قال : اذ جاء رجل عليه قباء صوف متقلدا بسيفين ، فقال : أبسط يدك أبايعك قال علي 7 : على ما تبايعني؟ قال : على بذل مهجة نفسي دونك ، قال : من أنت؟

قال : أنا أويس القرني ، قال : فبايعه فلم يزل يقاتل بين يديه حتى قتل فوجد في الرجالة.

وفي رواية أخرى ، قال له أمير المؤمنين 7 : كن أويسا ، قال : أنا أويس ، قال : كن قرنيّا قال : أنا أويس القرني ، وإيّاه يعني دعبل بن علي الخزاعي في قصيدته التي يفتخر فيها على نزار ، وينقض على الكميت بن زيد قصيدته التي يقول فيها :

الا حييت عنّا يا مدينا

أويس ذو الشفاعة كان منّا

فيوم البعث نحن الشافعونا

أويس ذو الشفاعة كان منّا

فيوم البعث نحن الشافعونا


وكان أويس من خيار التابعين لم ير النبي 6 ولم يصحبه ، فقال النبي 6 7 ذات يوم لأصحابه : أبشروا برجل من أمتي يقال له : أويس القرني فانه يشفع لمثل ربيعة ومضر.

ثم قال لعمر : يا عمر ان أنت أدركته فأقرئه مني السّلام ، فبلغ عمر مكانه بالكوفة فجعل يطلبه في الموسم لعله أن يحج ، حتى وقع اليه هو وأصحاب له وهو من أحسنهم هيئة وأرثهم حالا ، فلما سأل عنه أنكروا ذلك ، وقالوا : يا أمير المؤمنين تسأل عن رجل لا يسأل عنه مثلك ، قال : فلم؟ قالوا : لأنه عندنا مغموز عليه في عقله ، وربما عبث به الصبيان ، قال عمر : ذاك أحب إليّ.

ثم وقف عليه فقال : يا أويس ان رسول الله 6 أودعني إليك رسالة وهو يقرأ عليك السّلام ، وقد أخبرني أنك تشفع لمثل ربيعة ومضر ، فخرّ أويس ساجدا ومكث طويلا ما ترقى ، له دمعة حتى ظنّوا أنه قد مات ، فنادوه يا أويس هذا أمير المؤمنين ، فرفع رأسه.

ثم قال : يا أمير المؤمنين أفاعل ذلك؟ قال : نعم يا أويس فادخلني في شفاعتك فأخذ الناس في طلبه والتمسح به ، فقال : يا أمير المؤمنين شهرتني وأهلكتني ، وكان يقول كثيرا ما لقيت من عمر ، ثم قتل بصفين في الرجالة مع علي بن أبي طالب 7.

١٥٧ ـ وروي من جهة العامة : عن يعقوب بن شيبة ، قال حدثنا علي بن الحكيم الاودي ، قال حدثنا شريك ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : لما كان يوم صفين خرج رجل من الشام على دابته ، قال : أفيكم أويس؟ قلنا : نعم‌

______________________________________________________

أويس القرنى‌

قوله : أفاعل ذلك؟

يعني أربي جل وعز فاعل ذلك بي؟ أيجعلني من أهل الشافعة؟ ويشفعني في مثل ربيعة ومضر؟


ما تريد منه؟ قال : سمعت رسول الله 6 يقول : أويس القرني خير التابعين بإحسان ، قال : فعطف دابته فدخل مع علي 7.

قال شريك : وقتل أويس في الرجّالة مع علي 7.

١٥٨ ـ وقال يعقوب بن شيبة ، حدثنا يزيد بن سعيد ، قال : حدثنا شريك ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن ابن أبي ليلى ، قال : سئل أشهد أويس صفين؟ قال : نعم.

علقمة وأبى والحارث بنو قيس‌

١٥٩ ـ روى يحيى الحماني ، قال حدثنا شريك ، عن منصور ، قال قلت لإبراهيم : أشهد علقمة صفين؟ قال : نعم وخضب سيفه دما ، وقتل أخوه أبي بن قيس يوم صفين ، قال : وكان لأبي بن قيس خص من قصب ولفرسه ، فاذا غزى أهدمه واذا رجع بناه.

وكان علقمة فقيها في دينه قاريا لكتاب الله ، عالما بالفرائض شهد صفين وأصيبت احدى رجليه فعرج منها ، وأما أخوه أبي فقد قتل بصفين ، وكان الحارث جليلا فقيها وكان أعور.

______________________________________________________

علقمة وأبى والحارث بنو قيس‌

قوله ; : روى يحيى الحمانى

هو يحيى بن عبد الحميد الحماني باهمال الحاء المفتوحة وتشديد الميم والنون بعد الالف ، له كتاب المناقب ذكره النجاشي (١) والشيخ في الفهرست (٢) وفي باب لم من كتاب الرجال (٣).

وسيأتي في أصل الكتاب في ترجمة المفضل بن عمر أنه قال أبو عمرو‌

__________________

(١) رجال النجاشى : ٣٤٧‌

(٢) الفهرست : ٢٠٦‌

(٣) رجال الشيخ : ٥١٧‌


عبد الرحمن بن ابى ليلى‌

١٦٠ ـ روى يعقوب بن شيبة ، قال : حدثنا خالد بن أبي يزيد العرني ، قال حدثنا ابن شهاب ، عن الاعمش ، قال : رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وقد ضربه الحجاج حتى أسود كتفاه ، ثم أقامه للناس على سب علي 7 والجلاوزة معه يقولون سب الكذابين ، فجعل يقول : العن الكذابين علي وابن الزبير والمختار.

قال ابن شهاب : يقول أصحاب العربية سمعك

______________________________________________________

الكشي : قال يحيى بن عبد الحميد الحماني في كتاب المؤلف في اثبات امامة أمير المؤمنين 7 قلت لشريك الى آخر ما قاله (١).

فقد ظهر أن يحيي بن عبد الحميد الحماني هو الذي يروي عن شريك ، والحماني نسبة الى حمان بالتشديد.

قال في الصحاح : وحمان ـ بالفتح ـ اسم رجل.

وفي القاموس : وحمان بالكسر ـ حي من تميم. (٢)

عبد الرحمن بن أبى ليلى‌

قوله : والجلاوزة معه

الجلواز ـ بكسر الجيم واسكان اللام ـ الشرطي والجمع الجلاوز بالفتح قاله صاحب الصحاح والقاموس. (٣)

قوله : سمعك‌

بالنصب على تقدير العامل المحذوف عن اللفظ ، لا عن النية ، أى ألق سمعك.

__________________

(١) رجال الكشى : ٣٢٤ ط جامعة مشهد تحت رقم ٥٨٨.

(٢) القاموس : ٤ / ١٠١‌

(٣) القاموس : ٢ / ١٦٩ والصحاح : ٢ / ٨٦٦.


تعلم ما يقول ، لقوله على أي هو ابتداء الكلام.

حجر بن عدى الكندى‌

١٦١ ـ يعقوب ، قال : حدثنا ابن عيينة ، قال : حدثنا طاوس ، عن أبيه ، قال أنبأنا حجر بن عدي ، قال ، قال لي علي 7 : كيف تصنع أنت اذا ضربت وأمرت بلعنتي؟ قلت له : كيف أصنع؟ قال العني ولا تبرأ مني فاني على دين الله.

قال ولقد ضربه محمد بن يوسف ، وأمره أن يلعن عليا ، وأقامه على باب مسجد صنعاء ، قال فقال : ان الامير أمرني أن العن عليا فالعنوه لعنه الله ، فرأيت مجوادا من الناس الا رجلا فهمها ، وسلم.

رميلة‌

١٦٢ ـ جعفر بن معروف ، قال : حدثني الحسن بن علي بن النعمان ، عن ابيه‌

______________________________________________________

قوله : تعلم‌

بالجزم على جواب الامر المقدر المنوي والتاء اما للخطاب أو لتأنيت السمع بمعنى الاذن.

حجر بن عدى الكندى‌

قوله : فرأيت مجوادا من الناس.

النسخ مختلفة في هذه اللفظة ففي عضة منها « فرأيت محوذا » بضم الميم وتسكين الحاء المهملة والذال المجمعة أخيرا على اسم الفاعل من الباب الافعال.

وفي طائفة منها « محواذا » بكسر الميم ، على مفعال من ابنية المبالغة ، والحوذ والاحواذ السوق السريع والمحافظة على الشي‌ء ، والحواذ ـ بالكسر ـ البعد والتباعد وأحوذ ثوبه جمعه للتنحي والتباعد.

وفي نسخة اعجام الخاء من المخاوذة بمعنى المخالفة.


قال حدثني الشامي أحور بن الحسين ، عن أبي داود السبيعي ، عن أبي سعيد الخدري عن رميلة ، قال : وعكت وعكا شديدا في زمان امير المؤمنين 7 فوجدت من نفسي خفة يوم الجمعة ، فقلت : لا أصيب شيئا أفضل من أن أفيض علي من الماء وأصلي خلف أمير المؤمنين 7 ففعلت ، ثم جئت المسجد فلما صعد أمير المؤمنين 7 المنبر عاد عليّ ذلك الوعك.

فلما انصرف أمير المؤمنين 7 دخل القصر ودخلت معه ، فالتفت إليّ أمير المؤمنين 7 وقال : يا رميلة مالي رأيتك وأنت منشبك بعضك في بعض؟ فقصصت عليه القصة التي كنت فيها والذي حملني على الرغبة في الصلاة خلفه.

فقال لي : يا رميلة ليس من مؤمن يمرض إلا مرضنا لمرضه ، ولا يحزن الا حزنا لحزنه ، ولا يدعو الا آمنا له ، ولا يسكت إلا دعونا له ، فقلت : يا أمير المؤمنين جعلت فداك هذا لمن معك في المصر ، أرأيت من كان في أطراف الارض؟ قال : يا رميلة ليس يغيب عنا مؤمن في شرق الارض ولا غربها.

١٦٣ ـ جبريل بن أحمد الفاريابي ، قال حدثني محمد بن عبد الله بن مهران عن علي بن قيس ، عن علي بن النعمان ، عن بعض أصحابنا ، عن رميلة ، وكان رجلا من أصحاب أمير المؤمنين 7 وذكر مثله.

الاصبغ بن نباتة‌

١٦٤ ـ طاهر بن عيسى الوراق ، قال : حدثنا جعفر بن أحمد التاجر ، قال : حدثني أبو الخير صالح بن أبي حماد ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن الاصبغ بن نباتة ، قال : قلت للأصبغ ما كان منزلة هذا الرجل فيكم؟ فقال : ما أدري ما تقول الا أن سيوفنا على عواتقنا فمن أومي اليه ضربناه بها.

______________________________________________________

وقوله رجلا فهمها وسلم أي فهم أن ضمير المفعول في فالعنوه ولعنه الله للأمير الفاجر ، فتنطق بلعنه وقال : لعنه الله وسلم من الشر والاذى.


١٦٥ ـ محمد بن مسعود ، قال : حدثني علي بن الحسن ، عن مروك بن عبيد قال : حدثني ابراهيم بن أبي البلاد ، عن رجل ، عن الاصبغ ، قال : قلت له كيف سميتم شرطة الخميس يا أصبغ؟ قال : انا ضمنا له الذبح وضمن لنا الفتح ، يعنى أمير المؤمنين ( صلوات الله عليه ).

المهدى مولى عثمان‌

١٦٦ ـ محمد بن مسعود ، قال : حدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا عباس ابن عامر ، عن أبان بن عثمان ، عن زرارة ، عن أبي جعفر 7 أن المهدي مولى عثمان ، أتي فبايع أمير المؤمنين ، ومحمد بن أبي بكر جالس ، قال : أبايعك على أن الامر كان لك أو لا وأبرأ من فلان وفلان وفلان ، فبايعه.

سليم بن قيس الهلالى‌

١٦٧ ـ حدثني محمد بن الحسن البراثى قال : حدثنا الحسن بن علي بن كيسان ، عن اسحاق بن ابراهيم بن عمر اليماني ، عن ابن أذينه ، عن أبان بن أبي عياش ، قال : هذا نسخة كتاب سليم بن قيس العامري ثم الهلالي ، دفعه الى ابان ابن ابي عياش وقراه ، وزعم ابان انه قرأه على علي بن الحسين 8 قال : صدق سليم رحمة الله عليه هذا حديث نعرفه.

محمد بن الحسن ، قال : حدثنا الحسن بن علي بن كيسان ، عن اسحاق بن ابراهيم ، عن ابن اذينة عن أبان بن ابي عياش ، عن سليم بن قيس الهلالي ، قال قلت لأمير المؤمنين 7 اني سمعت من سلمان ومن مقداد ومن ابي ذر اشياء في تفسير القرآن ومن الرواية عن النبي 6 وسمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، ورايت في ايدي الناس اشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله 7 انتم تخالفونهم وذكر الحديث بطوله.

قال ابان : فقدر لي بعد موت علي بن الحسين 8 اني حججت فلقيت ابا‌


جعفر محمد بن علي 8 فحدثت بهذا الحديث كله لم اخط منه حرفا فاغر ورقت عيناه.

ثم قال : صدق سليم قد أتى أبي بعد قتل جدي الحسين 7 وانا قاعد عنده فحدثه بهذا الحديث بعينه ، فقال له ابي صدقت قد حدثني أبي وعمي الحسن 7 بهذا الحديث ، عن امير المؤمنين 7 فقالا لك : صدقت قد حدثك بذلك ونحن شهود ، ثم حدثاه انهما سمعا ذلك من رسول الله ، ثم ذكر الحديث بتمامه.

جون بن قتادة وجارية بن قدامة السعدى‌

١٦٨ ـ طاهر بن عيسى الوراق وغيره ، قالوا حدثنا ابو سعيد جعفر بن احمد ابن ايوب التاجر السمرقندي ، ونسخت من خط جعفر ، قال : حدثني ابو جعفر محمد بن يحيى بن الحسن ، قال جعفر : ورايته خيرا فاضلا ، قال : اخبرني ابو بكر محمد بن علي بن وهب ، قال : حدثني عدي بن حجر ، قال قال الجون بن قتادة العبسي ، في جارية بن قدامة السعدي حين وجهه امير المؤمنين 7 الى اهل نجران عند ارتدادهم عن الإسلام :

تهود أقوام بنجران بعد ما

أقروا بآيات الكتاب وأسلموا

قصدنا اليهم في الحديد يقودنا

أخو ثقة ماضي الجنان مصمم

خددنا لهم في الارض من سوء فعلهم

أخا ديد فيها للمسيئين منقم

جويرية بن مسهر العبدى‌

١٦٩ ـ حدثنا معروف ، قال أخبرني الحسن بن علي بن النعمان ، قال : حدثني علي بن النعمان ، عن محمد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن جويرية بن‌

______________________________________________________

سليم بن قيس الهلالى‌

قوله : لم أخط (١) منه حرفا اما بضم الهمزة وكسر الطاء بعد الخاء الساكنة افعالا من الخطاء على حذف‌

__________________

(١) وفي المطبوع من الرجال : « لم أحط » بالحاء المهملة‌


مسهر العبدي ، قال : سمعت عليا 7 يقول : أحب محب آل محمد ما أحبهم فاذا أبغضهم فأبغضه ، وأبغض مبغض آل محمد ما أبغضهم ، فاذا أحبهم فأحبه ، وأنا أبشرك وأنا أبشرك وأنا أبشرك ثلاث مرات.

عبد الله بن سبأ‌

١٧٠ ـ حدثني محمد بن قولويه القمّي ، قال : حدثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي ، قال : حدثني محمد بن عثمان العبدي ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن سنان ، قال : حدثني أبي ، عن أبي جعفر 7 ان عبد الله بن سبأ كان يدعى النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين 7 هو الله ( تعالى عن ذلك ).

فبلغ ذلك أمير المؤمنين 7 فدعاه وسأله؟ فأقر بذلك وقال نعم أنت هو ، وقد كان ألقى في روعي أنك أنت الله وأني نبي. فقال له أمير المؤمنين 7 : ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب ، فابى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب ، فأحرقه بالنار وقال : ان الشيطان استهواه ، فكان يأتيه ويلقى في روعه ذلك.

١٧١ ـ حدثني محمد بن قولويه ، قال : حدثني سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول وهو يحدث أصحابه بحديث عبد الله بن سبأ وما ادعى من الربوبية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فقال : انه لما ادعى ذلك فيه استتابه أمير المؤمنين 7 فأبى أن يتوب فأحرقه بالنار.

______________________________________________________

الهمزة الاخيرة بعد الطاء للتخفيف ، من قولهم أخطأ السهم الرمية اذا عدل عنها ولم يصبها.

واما بفتح الهمزة وضم الطاء من الخطوة ، أي لم أتجاوز حرفا على خطوته بمعنى أخطيته وتخطيته ، أي تعديته وتجاوزته ، استعمالا للافتعال في معني التفعل‌


١٧٢ ـ حدثني محمد بن قولويه ، قال : حدثني سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى ، عن علي بن مهزيار ، عن فضالة بن أيوب الازدي عن أبان بن عثمان ، قال سمعت أبا عبد الله 7 يقول : لعن الله عبد الله بن سبأ أنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين 7 وكان والله أمير المؤمنين 7 عبدا لله طائعا ، الويل لمن كذب علينا وأن قوما يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا ، نبرأ الى الله منهم نبرأ الى الله منهم.

١٧٣ ـ وبهذا الاسناد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير.

وأحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبيه والحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال ، قال علي بن الحسين 8 لعن الله من كذب علينا ، اني ذكرت عبد الله بن سبا فقامت كل شعرة في جسدي ، لقد ادعى أمرا عظيما ما له لعنه الله ، كان علي 7 والله عبدا لله صالحا ، أخو رسول الله ، ما نال الكرامة من الله الا بطاعته لله ولرسوله ، وما نال رسول الله 6 الكرامة من الله الا بطاعته لله.

١٧٤ ـ وبهذا الاسناد عن محمد بن خالد الطيالسى ، عن ابن أبي نجران عن عبد الله ، قال ، قال أبو عبد الله 7 انا أهل بيت صديقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس ، كان رسول الله 6 أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها ، وكان مسيلمة يكذب عليه.

وكان أمير المؤمنين 7 أصدق من برأ الله بعد رسول الله ، وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفترى على الله الكذب عبد الله بن سبأ.

الكشي وذكر بعض أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا 7 ، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بالغلو ، فقال في اسلامه بعد وفات رسول الله 6 في علي 7 مثل ذلك.

وكان أول من شهر بالقول بفرض امامة علي وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وكفرهم ، فمن هاهنا قال من خالف الشيعة أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية.


في السبعين رجلا من الزط الذين ادعوا الربوبية في أمير المؤمنين (ع)

١٧٥ ـ حدثني الحسين بن الحسن بن بندار القمي ، قال : حدثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، وعبد الله بن محمد بن عيسى ، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن الحسن بن محبوب ، عن صالح بن سهل ، عن مسمع بن عبد الملك أبي سيار ، عن رجل ، عن أبي جعفر 7 قال : ان عليا 7 لما فرغ من قتال أهل البصرة : أتاه سبعون رجلا من الزط فسلموا عليه وكلموه بلسانهم فرد عليهم بلسانهم.

وقال لهم : اني لست كما قلتم أنا عبد الله مخلوق ، قال ، فأبوا عليه وقالوا له أنت أنت هو ، فقال لهم : لئن لم ترجعوا عما قلتم في وتتوبوا الى الله تعالى لأقتلنكم.

قال : فأبوا أن يرجعوا ويتوبوا ، فأمر أن تحفر لهم آبار فحفرت ، ثم خرق بعضها الى بعض ثم فرقهم فيها ثم طم رءوسها ثم ألهب النار في بئر منها ليس فيها أحد فدخل الدخان عليهم فماتوا.

قيس بن سعد بن عبادة‌

١٧٦ ـ جبريل بن أحمد وأبو اسحاق حمدويه وابراهيم ابنا نصير ، قالوا : حدثنا محمد بن عبد الحميد العطار الكوفي ، عن يونس بن يعقوب ، عن فضيل غلام محمد بن راشد ، قال : سمعت أبا عبد الله 7 : يقول : ان معاوية كتب الى الحسن بن علي ( صلوات الله عليهما ) ان أقدم أنت والحسين وأصحاب علي.

فخرج معهم قيس بن سعد بن عبادة الانصاري وقدموا الشام ، فأذن لهم معاوية وأعد لهم الخطباء ، فقال يا حسن قم فبايع فقام فبايع ، ثم قال للحسين 7 قم فبايع فقام فبايع ، ثم قال قم يا قيس فبايع فالتفت الى الحسين 7 ينظر ما يأمره ، فقال يا قيس انه امامي يعني الحسن 7.


١٧٧ ـ حدثني جعفر بن معروف ، قال : حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن جعفر بن بشير ، عن ذريح ، قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول : دخل قيس بن سعد بن عبادة الانصاري صاحب شرطة الخميس على معاوية ، فقال له معاوية بايع! فنظر قيس الى الحسن 7 ، فقال : ابا محمد بايعت؟ فقال له معاوية : أما تنتهي أما والله أني ، فقال له قيس : ما شئت أما والله لان شئت لتناقصن ، فقال ، وكان مثل البعير جسيما ، وكان خفيف اللحية ، قال ، فقام اليه الحسن فقال له : بايع يا قيس فبايع.

______________________________________________________

قيس بن سعد بن عبادة

قوله : وكان مثل البعير جسيما‌

قال ابن الاثير في جامع الاصول : قيس بن سعد بن عبادة الانصاري الخزرجي وقد تقدم تمام نسبه عند اسم أبيه في حرف السين ، كان من كرام أصحاب النبي 6 وكان أحد الفضلاء الجلة ، وأحد دهاة العرب ، وأهل الرأي والمكيدة في الحرب مع النجدة والبسالة.

وكان شريف قومه غير مدافع هو وأبوه وجده ، وكان لرسول الله 6 لما قدم مكة مكان صاحب الشرطة من الامراء وأعطاه الراية يومئذ لما انتزعها من أبيه.

وكان واليا لعلي بن أبي طالب على مصر ، ولم يفارق عليا الى أن قتل ، ومات هو بالمدينة سنة ستين وقيل : سنة تسع وخمسين.

روى عنه أنس بن مالك ، وثعلبة بن مالك ، والشعبي ، وأبو نجيح ، وميمون ابن أبي شبيب ، وكان قيس وعبد الله بن الزبير وشريح القاضي والاحنف ليس في وجوههم شعر ، ولا لأحدهم لحية ، وكانت الانصار تقول : لوددنا أن نشتري لقيس ابن سعد لحية بأموالنا وكان مع ذلك جميلا.

نجيح بفتح النون وكسر الجيم وبالحاء المهملة. وشبيب بفتح الشين المعجمة‌


ذكر يونس بن عبد الرحمن في بعض كتبه : أنه كان لسعد بن عبادة ستة أولاد كلهم قد نصر رسول الله 6 ، وفيهم قيس بن سعد بن عبادة ، وكان قيس أحد العشرة الذين لحقهم النبي 6 من العصر الأول ممن كان طولهم عشرة أشبار بأشبار أنفسهم ، وكان شبر الرجل منهم يقال : أنه مثل ذراع أحدنا ، وكان قيس وسعد أبوه طولهما عشرة أشبار بأشبارهما.

ويقال : انه كان من العشرة خمسة من الانصار ، وأربعة من الخزرج كلها ، ورجل من الاوس.

وسعد لم يزل سيّدا في الجاهلية والإسلام ، وأبوه وجده وجدّ جده لم يزل فيهم الشرف ، وكان سعد يجير فيجار ذلك له السؤددة ، ولم يزل هو وأبوه أصحاب اطعام في الجاهلية والإسلام ، وقيس ابنه بعد على مثل ذلك.

سفيان بن ليلى الهمدانى‌

١٧٨ ـ روي عن علي بن الحسن الطويل : عن علي بن النعمان ، عن عبد الله ابن مسكان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر 7 قال : جاء رجل من أصحاب الحسن 7 يقال له : سفيان بن ليلى وهو على راحلة له ، فدخل على الحسن 7 وهو محتب في فناء داره ، قال : فقال له السّلام عليك يا مذلّ المؤمنين.

______________________________________________________

وكسر الباء الموحدة الاولى انتهى كلام جامع الاصول.

وقد كنا ذكرنا من قبل أن قيس بن سعد بن عبادة كان ممن لم يبايع أبا بكر وكان في بيعة علي 7 أو لا وآخرا رضي الله تعالى عنه.

سفيان بن ليلى الهمدانى‌

قوله 7 : وهو محتب

بضم الميم واسكان الحاء المهملة والتاء المثناة من فوق المفتوحة والباء الموحدة من الاحتباء افتعالا من الحباء.


فقال له الحسن 7 ، انزل ولا تعجل ، فنزل فعقل راحلته في الدار ، وأقبل يمشي حتى انتهى اليه ، قال ، فقال له الحسن 7 : ما قلت؟ قال : قلت السّلام عليك يا مذلّ المؤمنين ، قال : وما علمك بذلك؟ قال : عمدت الى أمر الامة فخلعته من عنقك وقلدته هذه الطاغية يحكم بغير ما أنزل الله.

قال ، فقال له الحسن 7 : ما خبرك لم فعلت ذلك قال : سمعت أبي يقول قال رسول الله 6 لن تذهب الايام والليالي حتى يلي أمر هذه الامة رجل واسع البلعوم رحب الصدر يأكل ولا يشبع وهو معاوية ، فلذلك فعلت.

______________________________________________________

والاحتباء والحبوة في القعود معروف ، وقد ورد النهي عن ذلك في المسجد يوم الجمعة والامام يخطب.

قال في القاموس : هو أن يجمع بين ظهره وساقيه بعمامته أو يديه (١).

وفي المغرب : الاحتباء أن يجمع بين ظهره وساقيه بثوب أو غيره ، ومنه يقعد كيف شاء محتويا أو متربعا.

وفي النهاية الاثيرية : الاحتباء هو أن يضم الانسان رجليه الى بطنه يجمعها به مع ظهره ويشد عليها ، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب (٢).

والفناء ـ بكسر الفاء والنون والالف الممدودة ـ متسع أمام الدار.

قوله 7 : ما خبرك لما فعلت ذلك‌

بضم المعجمة وسكون الموحدة بمعنى العلم ، أي ما علمك ومعرفتك لم فعلت ذلك ، انما فعلته لأني سمعت أبي 7 يقول : ان رسول الله 6 قد أخبر بأن ذلك مما قد جرى به قلم القضاء والقدر.

وفي عضة من الروايات أنه 7 ذكر لسفيان بن ليلى حديث نعسة النبي 6 على المنبر.

__________________

(١) القاموس : ٤ / ٣١٥‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ١ / ٣٣٥‌


ما جاء بك؟ قال : حبك قال الله قال ، فقال الحسن 7 : والله لا يحبنا عبد أبدا ولو كان أسيرا في الديلم الا نفعه الله بحبنا ، وأن حبنا ليساقط الذنوب من بني آدم ، كما تساقط الريح الورق من الشجر.

عبيد الله بن العباس‌

١٧٩ ـ ذكر الفضل بن شاذان في بعض كتبه : ان الحسن لما قتل ابوه 7 خرج في شوال من الكوفة الى قتال معاوية ، فالتقوا بكسكر وحاربه ستة أشهر ،

______________________________________________________

وأوردها امام علماء العامة فخر الدين الرازي في التفسير الكبير ، ونحن نقلناه عنه في نبراس الضياء.

قوله 7 : قال : الله‌

على النصب بتقدير فعل الذكر ، أو فعل القسم.

قوله 7 : والله لا يحبنا عبد أبدا‌

ومن طريق العامة قال أبو عبد الله الذهبي في ميزان الاعتدال : سفيان بن الليل الكوفي ، روى عنه الشعبي قال العقيلى : وكان ممن يغلو في الرفض ، عن الشعبي حدثني سفيان بن الليل قال : لما قدم الحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ من الكوفة الى المدينة أتيته فقلت : يا مذل المؤمنين فقال : لا تقل ذاك فاني سمعت أبي يقول سمعت رسول الله 6 يقول : لا تذهب الايام والليالي حتى يملك رجل وهو معاوية.

ثم قال : وقال أبو الفتح الازدي : سفيان بن الليل له حديث لا تمضي الامة حتى يليها رجل واسع البلعوم قال : وفي لفظ آخر واسع الصوم يأكل ولا يشبع.

وفي الحديث الاول من طريق الشعبي وسمعت أبي يقول : سمعت رسول الله 6 يقول : من أحبنا بقلبه وأعاننا بيده ولسانه كنت أنا وهو في عليين ، ومن أحبنا بقلبه وأعاننا بلسانه وكف يده فهو في الدرجة التي تليها ، ومن أحبنا بقلبه وكف عنا لسانه ويده فهو في الدرجة التي تليها.


وكان الحسن 7 جعل ابن عمّه عبيد الله بن العباس على مقدمته ، فبعث اليه معاوية بمائة ألف درهم فمر بالراية ولحق بمعاوية وبقي العسكر بلا قائد ولا رئيس.

فقام قيس بن سعد بن عبادة فخطب الناس وقال : أيها الناس لا يهولنكم ذهاب عبيد الله هذا لكذا وكذا ، فانّ هذا وأباه لم يأتيا قط بخير ، وقام بأمر الناس.

ووثب أهل عسكر الحسن 7 بالحسن في شهر ربيع الاول فانتهبوا فسطاطه وأخذوا متاعه ، وطعنه ابن بشير الاسدي في خاصرته ، فردّوه جريحا الى المدائن حتى تحصن فيها عند عم المختارين أبي عبيدة.

١٨٠ ـ وروى محمد بن عيسى العبيدي ، عن محمد بن سنان ، عن موسى بن بكر الواسطي ، عن الفضيل بن يسار ، قال : سمعت أبا جعفر 7 يقول : قال أمير المؤمنين 7 اللهم العن ابني فلان واعم أبصارهما ، كما عميت قلوبهما الا كلين في رقبتي ، واجعل عمى أبصارهما دليلا على عمى قلوبهما.

عمرو بن قيس المشرقى‌

١٨١ ـ وجدت بخط محمد بن عمر السمرقندي ، وحدثني بعض الثقات من أصحابنا ، قال : حدثني محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران القمي قال : حدثني محمد : ابن اسماعيل عن علي بن الحكم ، عن أبيه ، عن أبي جارود ، عن عمرو بن قيس المشرقي ، قال : دخلت على الحسين بن علي 8 أنا وابن عم لي ، وهو في قصر بني مقاتل فسلمت عليه.

______________________________________________________

عمر بن قيس المشرقى‌

ضبطه العامة (١) بالقاف.

وقال ابن الاثير في جامع الاصول : المشرقي بكسر الميم وفتح الراء وبالقاف منسوب الى بطن من همدان وقيل : مشرق موضع باليمن.

__________________

(١) وفي « م » : العلامة‌


فقال له ابن عمي : يا أبا عبد الله هذا الذي أرى خضاب أو شعرك؟ فقال : خضاب والشيب إلينا بني هاشم أسرع عجل ، ثم أقبل علينا فقال : جئتما لنصرتي؟ فقلت له أنا رجل كبير السن كثير العيال وفي يدى بضايع للناس ولا أدرى ما يكون وأكره أن تضيع أمانتي ، فقال له ابن عمى مثل ذلك.

فقال : أما لي فانطلقا فلا تسمعا لي واعية ولا تريا لي سوادا ، فانّه من سمع واعيتنا أو رأى سوادنا ، فلم يجبنا واعيتنا كان حقا على الله أن يكبه على منخريه في نار جهنم.

حبابة الوالبية‌

١٨٢ ـ محمد بن مسعود ، قال : حدثني جعفر بن أحمد ، قال : حدثني العمركي عن الحسن بن علي بن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن عنبسة بن مصعب ، وعلي ابن المغيرة ، عن عمران بن ميثم ، قال : دخلت أنا وعباية الاسدي على امرأة من بني أسد يقال لها : حبابة الوالبية ، فقال لها عباية : تدرين من هذا الشاب الذي معي؟ قالت : لا ، قال : مه ابن أخيك ميثم. قالت : أي والله أي والله.

______________________________________________________

قوله 7 : فلا تسمعا لى واعية‌

الواعية الصراخ والصوت لا الصارخة قاله في القاموس قال : ووهم الجوهري (١)

قلت : قال الجوهري : الوعي بالتحريك الجلبة والاصوات ، والواعية الصارخة (٢).

والحق ان الوعي بالتحريك الصراخ والصوت والواعية الجلبة والاصوات والواعية الصارخة أيضا ، فالواعية يقال تارة : للصارخة ، وتارة لأصواتهم المختلطة‌

قال في أساس البلاغة : الواعية الصراخ ، وواعية القوم أصواتهم (٣).

وقال في مجمل اللغة : الواعية الصارخة.

__________________

(١) القاموس : ٤ / ٤٠٠‌

(٢) الصحاح : ٦ / ٢٥٢٦‌

(٣) أساس البلاغة : ٦٨٣‌


ثم قالت : ألا أحدثكم بحديث سمعته من أبي عبد الله الحسين بن علي 7 قلنا بلى ، قالت : سمعت الحسين بن علي 7 يقول : نحن وشيعتنا على الفطرة التي بعث الله عليها محمدا 6 وسائر الناس منها براء ، وكانت قد أدركت أمير المؤمنين 7 وعاشت الى زمان الرضا 7 على ما بلغنى. والله أعلم.

١٨٣ ـ حمدويه ، عن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي نجران ، عن اسحاق بن سويد الفراء ، عن اسحاق بن عمار ، عن صالح بن ميثم ، قال : دخلت أنا وعباية الاسدي على حبابة الوالبية ، فقال لها : هذا ابن أخيك ميثم ، قالت : ابن اخي والله حقا ، ألا احدثكم بحديث عن الحسين بن علي 6 ، فقلت : بلى.

قالت : دخلت عليه وسلّمت فردّ السّلام ورحّب ثم قال : ما بطّأ بك عن زيارتنا والتسليم علينا يا حبابة؟ قلت : ما بطّأني الا علّة عرضت ، قال : وما هي؟ قالت : فكشفت خماري عن برص.

قالت : فوضع يده على البرص ودعا فلم يزل يدعو حتى رفع يده ، وكشف الله ذلك البرص ، ثم قال : يا حبابة أنه ليس أحد على ملّة ابراهيم في هذه الامة غيرنا وغير شيعتنا ، ومن سواهم منها براء.

سعيد بن المسيب‌

١٨٤ ـ قال الفضل بن شاذان : ولم يكن في زمن علي بن الحسين 7 في أول أمره الا خمسة أنفس : سعيد بن جبير ، سعيد بن المسيّب ، محمد بن جبير ابن مطعم ، يحيى بن أم الطويل ، أبو خالد الكابلي وأسمه وردان ولقبه كنكر ، سعيد بن المسيب رباه أمير المؤمنين 7 ، وكان حزن جد سعيد أوصى أمير المؤمنين 7.

١٨٥ ـ محمد بن مسعود : قال : حدثني علي بن الحسن بن فضال ، قال : حدثنا محمد بن الوليد بن خالد الكوفي ، قال : حدثنا العباس بن هلال ، قال : ذكر أبو الحسن الرضا 7 أن طارقا مولى لبني أمية نزل ذا المروة عاملا على‌


المدينة ، فلقيه بعض بني أمية ، وأوصاه بسعيد بن المسيب وكلّمه فيه وأثنى عليه ، وأخبره طارق أنه أمر بقتله ، فأعلم سعيد بذلك وقال له تغيّب ، وقيل له : تنحّ عن مجلسك فانه على طريقه ، فأبى.

فقال سعيد : اللهم ان طارقا عبد من عبيدك ناصيته بيدك وقلبه بين أصابعك تفعل فيه ما تشاء فانسه ذكري واسمي ، فلما عزل طارق عن المدينة لقيه الذي كان كلّمه في سعيد من بني أمية بذي المروة ، فقال ، كلمتك في سعيد لتشفعني فيه فأبيت وشفعت فيه غيري ، فقال : والله ما ذكرته بعد اذ فارقتك حتى عدت إليك.

وروي عن بعض السلف ، أنه لما مر بجنازة علي بن الحسين 7 انجفل الناس فلم يبق في المسجد الا سعيد بن المسيب ، فوقف عليه خشرم مولى أشجع فقال أبا محمد : ألا تصلي على هذا الرجل الصالح في البيت الصالح؟ فقال سعيد : أصلي ركعتين في المسجد أحب إلي أن أصلي على هذا الرجل الصالح في البيت الصالح.

١٨٦ ـ وروي عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، وعبد الرزاق ، عن معمر ، عن علي بن زيد ، قال : قلت لسعيد بن المسيب انك أخبرتني أن علي بن الحسين النفس الزكية ، وانك لا تعرف له نظيرا؟ قال : كذلك وما هو مجهول ما أقول فيه والله ما رأى مثله.

قال علي بن زيد : فقلت والله ان هذه الحجة الوكيدة عليك يا سعيد ، فلم لم تصل على جنازته؟ فقال : ان القراء كانوا لا يخرجون الى مكة حتى يخرج علي بن الحسين ، فخرج وخرجنا معه ألف راكب ، فلما صرنا بالسقيا نزل فصلى وسجد سجدة الشكر فقال فيها.

١٨٧ ـ وفي رواية الزهري : عن سعيد بن المسيب ، قال : كان القوم لا يخرجون من مكة حتى يخرج علي بن الحسين سيد العابدين ، فخرج وخرجت معه فنزل في بعض المنازل فصلّى ركعتين فسبّح في سجوده فلم يبق شجر ولا مدر الا سبحوا معه‌


ففزعنا فرفع رأسه فقال : يا سعيد أفزعت؟ قلت : نعم يا بن رسول الله فقال : هذا التسبيح الاعظم ، حدثني أبي عن جدي عن رسول الله 6 أنه قال : لا يبقى الذنوب مع هذا التسبيح ، فقلت : علّمنا.

١٨٨ ـ وفي رواية علي بن زيد : عن سعيد بن المسيّب ، أنه سبّح في سجوده فلم يبق حوله شجرة ولا مدرة الا سبّحت بتسبيحه ، ففزعت من ذلك وأصحابي.

ثم قال : يا سعيد ان الله جل جلاله لما خلق جبريل ألهمه هذا التسبيح فسبحت السماوات ومن فيهن لتسبيحه الاعظم ، وهو اسم الله عز وجل الاكبر.

يا سعيد ، أخبرني أبي الحسين ، عن أبيه ، عن رسول الله 6 عن جبريل عن الله جل جلاله أنه قال : ما من عبد من عبادي آمن بي وصدق بك وصلى في مسجدك ركعتين على خلا من الناس إلا غفرت له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فلم أر شاهدا أفضل من علي بن الحسين 7 حيث حدثني بهذا الحديث.

فلما أن مات شهد جنازته البر والفاجر ، وأثنى عليه الصالح والطالح ، وأنهال الناس يتبعونه حتى وضعت الجنازة ، فقلت : ان أدركت الركعتين يوما من الدهر فاليوم ، ولم يبق الارجل وامرأة ثم خرجا الى الجنازة.

ووثبت لأصلّي فجاء تكبير من السماء فأجابه تكبير من الارض فأجابه تكبير من السماء فأجابه تكبير من الارض ، ففزعت وسقطت على وجهي فكبّر من في السماء سبعا وكبّر من في الارض سبعا وصلّى على علي بن الحسين 7.

ودخل الناس المسجد فلم أدرك الركعتين ولا الصلاة على علي بن الحسين 7 فقلت : يا سعيد لو كنت أنا لم أختر الا الصلاة على علي بن الحسين 7 ان هذا لهو الخسران المبين ، قال ، فبكى سعيد ثم قال : ما أردت الا الخير ليتني كنت صليت عليه فانه ما رأى مثله.

والتسبيح هو هذا : سبحانك اللهم وحنانيك ، سبحانك اللهم وتعاليت ، سبحانك‌


اللهم والعز ازارك ، سبحانك اللهم والعظمة رداؤك ، ويقال سربالك ، سبحانك اللهم والكبرياء سلطانك ، سبحانك من عظيم ما أعظمك ، سبحانك سبحت في الا على ، سبحانك تسمع وترى ما تحت الثرى.

سبحانك أنت شاهد كل نجوى ، سبحانك موضع كل نجوى ، سبحانك حاضر كل ملأ ، سبحانك عظيم الرجاء ، سبحانك ترى ما في قعر الماء ، سبحانك تسمع أنفاس الحيتان في قعور البحار ، سبحانك تعلم وزن السماوات ، سبحانك تعلم وزن الارضين.

سبحانك تعلم وزن الشمس والقمر ، سبحانك تعلم وزن الظلمة والنور ، سبحانك تعلم وزن الفي‌ء والهواء ، سبحانك تعلم وزن الريح كم هي من مثقال ذرة سبحانك قدوس قدوس قدوس ، سبحانك عجبا من عرفك كيف لا يخافك ، سبحانك اللهم وبحمدك ، سبحان الله العلي العظيم.

١٨٩ ـ حدثني محمد بن قولويه ، قال : حدثني سعد بن عبد الله القمي ، عن القاسم بن محمد الاصفهاني ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن محمد بن عمر ، قال : أخبرني أبو مروان ، عن أبي جعفر ، قال : سمعت علي بن الحسين 7 يقول : سعيد ابن المسيب أعلم الناس بما تقدمه من الآثار وأفهمهم في زمانه.

سعيد بن جبير‌

١٩٠ ـ أبو المغيرة ، قال : حدثني الفضل ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله 7 أن سعيد بن جبير كان يأتم بعلي بن الحسين 7 وكان علي 7 يثني عليه ، وما كان سبب قتل الحجاج له الا على هذا الامر ، وكان مستقيما.

وذكر أنه لما دخل على الحجاج بن يوسف قال له : أنت شقي بن كسير ، قال : أمي كانت أعرف باسمي سمتني سعيد بن جبير ، قال : ما تقول في أبي بكر وعمر هما في الجنة أو في النار؟ قال : لو دخلت الجنة فنظرت أهلها لعلمت من فيها ، وان دخلت النار ورأيت أهلها لعلمت من فيها.


قال : فما قولك في الخلفاء؟ قال : لست عليهم بوكيل ، قال أيّهم أحب إليك قال : أرضاهم لخالقي ، قال : وأيّهم أرضى للخالق؟ قال : علم ذلك عند الذي يعلم سرّهم ونجواهم ، قال : أبيت أن تصدقني ، قال : بلى لم أحب أن اكذبك.

أبو خالد الكابلى‌

١٩١ ـ حدثني محمد بن مسعود ، قال : حدثني أبو عبد الله الحسين بن إشكيب قال : حدثني محمد بن أورمة ، عن الحسين بن سعيد ، قال : حدثني علي بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن ضريس ، قال قال لي أبو خالد الكابلي : أما أني سأحدثك بحديث ان رأيتموه وأنا حي فقلت صدقني ، وان متّ قبل أن تراه ترحّمت عليّ ودعوت لي.

سمعت علي بن الحسين 7 يقول : ان اليهود أحبّوا عزيرا حتى قالوا فيه ما قالوا فلا عزير منهم ولا هم من عزير ، وأن النصارى أحبّوا عيسى حتى قالوا فيه ما قالوا ، فلا عيسى منهم ولا هم من عيسى.

وانا على سنّة من ذلك ان قوما من شيعتنا سيحبونا حتى يقولوا فينا ما قالت اليهود في عزير ، وما قالت النصارى في عيسى بن مريم ، فلا هم منا ولا نحن منهم.

١٩٢ ـ الكشي : وجدت بخط جبريل بن أحمد ، حدثني محمد بن عبد الله بن مهران ، عن محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الحناط ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا جعفر 7 يقول : كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنفية دهرا وما كان يشك في أنه امام.

حتى أتاه ذات يوم فقال له : جعلت فداك ان لي حرمة ومودة وانقطاعا ، فأسألك بحرمة رسول الله وأمير المؤمنين الا أخبرتني أنت الامام الذي فرض الله طاعته على خلقه ، قال فقال : يا أبا خالد حلّفتني بالعظيم ، الامام علي بن الحسين 7 علي وعليك وعلى كل مسلم.

فأقبل أبو خالد لما أن سمع ما قاله محمد بن الحنيفة جاء الى علي بن الحسين‌


7 فلما استأذن عليه فأخبر أن أبا خالد بالباب ، فأذن له ، فلما دخل عليه دنا منه قال : مرحبا بك يا كنكر ما كنت لنا بزائر ما بدا لك فينا؟ فخر أبو خالد ساجدا شاكر لله تعالى مما سمع من علي بن الحسين 7 فقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت.

فقال له علي : وكيف عرفت امامك يا أبا خالد؟ قال : انك دعوتني باسمي الذى سمتني أمي التي ولدتني ، وقد كنت في عمياء من أمري ولقد خدمت محمد ابن الحنفية عمرا من عمري ولا اشك الا وأنه امام.

حتى اذا كان قريبا سألته بحرمة الله وبحرمة رسوله وبحرمة أمير المؤمنين فأرشدني إليك وقال : هو الامام علي وعليك وعلى خلق الله كلهم ، ثم أذنت لي فجئت فدنوت منك سميتني باسمي الذي سمتني أمي فعلمت أنك الامام الذي فرض الله طاعته علي وعلى كل مسلم.

ابن مهران والحسن وأبوه كلهم كذا روى.

١٩٣ ـ ووجدت بخط جبريل بن أحمد : قال : حدثني محمد بن عبد الله بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن علي بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن أبيه ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي جعفر 7 قال : سمعه يقول : خدم ابو خالد الكابلي على بن الحسين 8 دهرا من عمره.

ثم انه أراد أن ينصرف الى أهله فأتى علي بن الحسين 7 فشكى اليه شده شوقة الى والديه ، فقال : يا أبا خالد يقدم غدا رجلا من أهل الشام له قدر ومال كثير وقد أصاب بنتا له عارض من أهل الارض ، ويريدون أن يطلبوا معالجا يعالجها ، فاذا أنت سمعت قدومه : فأته وقل له أنا أعالجها لك على انني أشترط عليك أني أعالجها على ديتها عشرة آلاف درهم فلا تطمئن اليهم وسيعطونك ما تطلب منهم.

فلما أصبحوا قدم الرجل ومن معه وكان رجلا من عظماء أهل الشام في المال والمقدرة ، فقال : أما من معالج يعالج بنت هذا الرجل؟ فقال له أبو خالد : انا أعالجها على عشرة آلاف درهم ، فان أنتم وفيتم وفيت لكم على ألا يعود اليها أبدا ، فشرطوا ان يعطوه عشرة آلاف درهم.


ثم اقبل الى علي بن الحسين 7 فأخبره الخبر ، فقال : أني لا علم : أنهم سيغدرون بك ولا يفون لك انطلق يا أبا خالد فخذ بأذن الجارية اليسرى ثم قل يا خبيث يقول لك علي بن الحسين أخرج من هذه الجارية ولا تقعد.

ففعل أبو خالد ما أمره وخرج منها فأفاقت الجارية ، فطلب أبو خالد الذي شرطوا له فلم يعطوه ، فرجع مغتما كئيبا ، قال له علي بن الحسين 7 مالي أراك كئيبا يا أبا خالد؟ انهم يغدرون بك دعهم فانهم سيعودون إليك ، فاذا لقوك فقل لهم لست أعالجها حتى تضعوا المال على يدي علي بن الحسين 7 فعادوا الى أبي خالد يلتمسون مداواتها ، فقال لهم اني لا أعالجها حتى تضعوا المال على يدي علي بن الحسين فرجع أبو خالد الى الجارية وأخذ بأذنها اليسرى ثم قال : يا خبيث يقول لك علي بن الحسين 8 أخرج من هذه الجارية ولا تعرض لها الا بسبيل خير ، فانك ان عدت أحرقتك بنار ( اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ) ، فخرج منها ولم يعد اليها ، ودفع المال الى أبي خالد فخرج الى بلاده.

يحيى بن أم الطويل‌

١٩٤ ـ محمد بن نصير ، قال : حدثني محمد بن عيسى ، عن جعفر بن عيسى عن صفوان ، عمن سمعه ، عن أبي عبد الله 7 قال : ارتد الناس بعد قتل الحسين 7 الا ثلاثة أبو خالد الكابلي ، ويحيى بن أم الطويل ، وجبير بن مطعم ، ثم ان الناس لحقوا وكثروا.

وروى يونس ، عن حمزة بن محمد الطيار ، مثله وزاد فيه وجابر بن عبد الله الانصاري.

١٩٥ ـ حدثني أحمد بن علي ، قال : حدثني أبو سعيد الادمي ، قال : حدثنا الحسين بن يزيد النوفلي ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبي جعفر الاول 7 قال : أما يحيى بن أم الطويل : فكان يظهر الفتوة. وكان اذا مشى في الطريق وضع الخلوق على رأسه وبمضغ اللبان ويطول ذيله ، وطلبه الحجاج فقال : تلعن أبا تراب وأمر‌


بقطع يديه ورجليه وقتله.

وأما سعيد بن المسيب فنجا ، وذلك أنه كان يفتي بقول العامة ، وكان آخر أصحاب رسول الله 6 فنجا.

وأما أبو خالد الكابلي : فهرب الى مكه واخفى نفسه فنجا.

وأما عامر بن واثلة : فكانت له يد عند عبد الملك بن مروان فلهى عنه.

وأما جابر بن عبد الله الانصارى : فكان رجلا من اصحاب رسول الله 6 فلم يتعرض له وكان شيخا قد أسن.

وأما أبو حمزة الثمالي وفرات بن أحنف ، فبقوا الى أيام أبى عبد الله 7 وبقي أبو حمزة الى أيام أبي الحسن موسى بن جعفر 8.

القاسم بن عوف‌

١٩٦ ـ حدثني علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري ، قال : حدثني أبو عبد الله جعفر بن أحمد الرازي الخواري من قرية أسترآباد ، عن محمد بن خالد أظنه البرقي عن محمد بن سنان ، عن زياد بن المنذر أبي الجارود ، عن القاسم بن عوف ، قال : كنت اتردد بين علي بن الحسين 7 وبين محمد بن الحنفية ، وكنت آتي هذا مرة وهذا مرة.

قال : ولقيت علي بن الحسين ، قال ، فقال لي : يا هذا اياك ان تأتي أهل العراق فتخبرهم انا استودعناك علما ، فانا والله ما فعلنا ذلك واياك ان تترايس بنا فيضعك الله ، واياك أن تستأكل بنا فيزيدك الله فقرا ، واعلم أنك ان تكن ذنبا في الخير خير لك من أن تكون رأسا في الشر.

واعلم أنه من يحدث عنا بحديث سألناه يوما فان حدث صدقا كتبه الله صديقا وان حدث وكذب كتبه الله كذابا ، واياك أن تشد راحلة ترحلها فانما هاهنا يطلب العلم حتى يمضي لكم بعد موتي سبع حجج ، ثم يبعث الله لكم غلاما من ولد فاطمة 3 ينبت الحكمة في صدره كما ينبت الطل والزرع.


قال : فلما مضى علي بن الحسين ( صلوات الله عليهما ) حسبنا الايام والجمع والشهور والسنين ، فما زادت يوما ولا نقصت حتى تكلم محمد بن علي بن الحسين ( صلوات الله عليهم ) باقر العلم.

المختار بن أبى عبيدة‌

١٩٧ ـ حمدويه ، قال : حدثني يعقوب ، عن ابن أبي عمير. عن هشام بن المثنى عن سدير ، عن أبي جعفر 7 قال : لا تسبّوا المختار فانه قتل قتلتنا ، وطلب بثارنا ، وزوج أراملنا ، وقسم فينا المال على العسرة.

١٩٨ ـ محمد بن الحسن ، وعثمان بن حامد ، قالا : حدثنا محمد بن يزداد الرازي ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن عبد الله المزخرف ، عن حبيب الخثعمي ، عن أبي عبد الله 7 قال : كان المختار يكذب على علي بن الحسين 8

١٩٩ ـ محمد بن الحسن ، وعثمان بن حامد ، قالا : حدثنا محمد بن يزداد عن محمد بن الحسين ، عن موسى بن يسار ، عن عبد الله بن الزبير ، عن عبد الله بن شريك ، قال : دخلنا على أبي جعفر 7 يوم النحر وهو متكئ ، وقد أرسل الى الحلاق فقعدت بين يديه اذ دخل عليه شيخ من أهل الكوفة فتناول يده ليقبلها فمنعه ، ثم قال من أنت؟ قال : أنا أبو الحكم بن المختار بن أبي عبيد الثقفي ، وكان متباعدا من أبي جعفر 7 فمد يده اليه حتى كاد يقعده في حجره بعد منعه يده.

ثم قال : اصلحك الله ان الناس قد أكثروا في أبي وقالوا والقول والله قولك قال : وأي شي‌ء يقولون؟ قال : يقولون كذاب ، ولا تأمرني بشى‌ء الا قبلته.

فقال : سبحان الله أخبرني أبي والله ان مهر أمي كان مما بعث به المختار ، أو لم يبن دورنا؟ وقتل قاتلنا؟ وطلب بدمائنا؟ ف;.

واخبرنى والله أبى أنه كان ليسمر عند فاطمة بنت علي يمهدها الفراش ؛ ويثنى لها الوسائد ومنها أصاب الحديث ، رحم الله أباك رحم الله أباك ؛ ما ترك لنا حقا عند أحد الا طلبه ، قتل قتلتنا ، وطلب بدمائنا.


٢٠٠ ـ جبرئيل بن أحمد ، حدثني العنبري ، قال : حدثني محمد بن عمرو ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي جعفر 7 قال : كتب المختار بن أبي عبيد الى علي بن الحسين 8 وبعث اليه بهدايا من العراق ، فلما وقفوا على باب علي بن الحسين دخل الاذن يستأذن لهم ، فخرج اليهم رسوله فقال أميطوا عن بابي فاني لا اقبل هدايا الكذابين ولا أقرأ كتبهم.

فمحوا العنوان وكتبوا المهدي محمد بن علي ، فقال ابو جعفر : والله لقد كتب اليه بكتاب ما اعطاه فيه شيئا انما كتب اليه يا بن خير من طشى ومشى ، فقال ابو بصير ، فقلت لأبي جعفر 7 اما المشى فانا أعرفه ، فأي شي‌ء الطشى؟ فقال ابو جعفر 7 الحياة.

٢٠١ ـ جبرئيل بن أحمد ، قال : حدثني العنبري ، قال حدثني علي بن اسباط عن عبد الرحمن بن حماد ، عن علي بن حزور ؛ عن الاصبغ ، قال رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنين 7 وهو يمسح رأسه ويقول : يا كيّس يا كيّس.

٢٠٢ ـ ابراهيم بن محمد الختلي ، قال : حدثني أحمد بن ادريس القمي ، قال : حدثني محمد بن أحمد ، قال ، حدثني الحسن بن علي الكوفي ، عن العباس ابن عامر ، عن سيف بن عميرة ، عن جارود بن المنذر ، عن ابي عبد الله 7 قال : ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت حتى بعث إلينا المختار برءوس الذين قتلوا الحسين 7.

٢٠٣ ـ حدثني محمد بن مسعود ، قال : حدثني ابو الحسن علي بن ابي علي الخزاعي ، قال حدثني خالد بن يزيد العمري المكي ، قال الحسن بن زيد بن علي ابن الحسين ، قال : حدثني عمر بن علي بن الحسين ، ان علي بن الحسين 7 لما اتي برأس عبيد الله بن زياد ورأس عمر بن سعد ، قال : فخرّ ساجدا وقال الحمد لله الذي أدرك لي ثاري من أعدائي ، وجزى الله المختار خيرا.

٢٠٤ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثني ابن أبي علي الخزاعي ، قال خالد بن‌


يزيد العمري ، عن الحسين بن زيد ، عن عمر بن علي ، أن المختار أرسل الى علي ابن الحسين 7 بعشرين الف دينار ، فقبلها وبنا بها دار عقيل بن أبي طالب ودارهم التي هدمت ، قال : ثم أنه بعث اليه باربعين الف دينار بعد ما ظهر الكلام الذي أظهره ، فردها ولم يقبلها.

والمختار هو الذي دعا الناس الى محمد بن علي بن أبي طالب ابن الحنفية وسموا الكيسانية وهم المختارية وكان لقبه كيسان ، ولقب بكيسان لصاحب شرطه المكنى أبا عمرة وكان اسمه كيسان.

وقيل ، انه سمي كيسان بكيسان مولى على بن ابى طالب 7 وهو الذي حمله على الطلب بدم الحسين 7 ودله على قتلته وكان صاحب سره والغالب على امره.

وكان لا يبلغه عن رجل من اعداء الحسين 7 انه في دار او في موضع الا قصده ، فهدم الدار بأسرها وقتل كل من فيها من ذي روح ، وكل دار بالكوفه خراب فهي مما هدمها ، واهل الكوفة يضربون بها المثل ، فاذا افتقر انسان قالوا دخل ابو عمرة بيته ، حتى قال فيه الشاعر :

ابليس بما فيه خير من أبي عمرة

يغويك ويطغيك ولا يطغيك كسرة

شعيب مولى على بن الحسين (ع)

٢٠٥ ـ حدثني أبو الحسن عمر بن علي التفليسى ، قال : حدثني محمد بن سعيد ابن أخي سهل بن زياد الادمي ، عمن ذكره ، عن يونس بن عبد الرحمن عن داود الرقي ، عن أبي عبد الله 7 قال : شعيب مولى علي بن الحسين 8 وكان ما علمناه جبارا.

عبد الله البرقى‌

٢٠٦ ـ وجدت في كتاب محمد بن الحسن بن بندار القمي بخطه. حدثني‌


علي بن ابراهيم بن هاشم ، عن الحسين بن عبد الله البرقي المعرف بالسكري عن أبيه ، قال : سألت علي بن الحسين 8 عن النبيذ؟ فقال : قد يشربه قوم ، وحرمه قوم صالحون ، فكان شهادة الذين منعوا بشهادتهم شهواتهم أولى بأن تقبل من الذين جروا بشهادتهم شهواتهم.

عبد الله البرقي هذا عامي ، الا أن هذا حديث حسن قريب الاسناد.

الفرزدق‌

٢٠٧ ـ حدثني محمد بن مسعود ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثني أبو الفضل محمد بن أحمد بن مجاهد ، قال : حدثنا العلاء بن محمد بن زكريا بالبصرة ، قال : حدثنا عبيد الله بن محمد بن عائشة ، قال حدثني أبي ، ان هشام بن عبد الملك حج في خلافة عبد الملك والوليد ، فطاف بالبيت فاراد أن يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام ، فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام.

فبينا هو كذلك اذ أقبل علي بن الحسين 7 وعليه ازار ورداء ، من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز ، فجعل يطوف بالبيت فاذا بلغ الى موضع الحجر تنحى الناس عنه حتى يستلمه هيبة له وأجلالا ، فغاظ ذلك هشاما.

فقال له رجل من اهل الشام لهشام ، من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة وأفرجوا له عن الحجر؟ فقال هشام : لا أعرفه ، لئلا يرغب فيه أهل الشام ، فقال الفرزدق وكان حاضرا : لكني أعرفه ، فقال الشامي من هذا يا أبا فراس؟ فقال :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت تعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم

هذا التقي النقي الطاهر العلم

هذا علي رسول الله والده

أمست بنور هداه تهتدي الامم

اذا رأته قريش قال قائلها

الى مكارم هذا ينتهي الكرم

ينمي الى ذروة العز الذي قصرت

عن نيلها عرب الإسلام والعجم


يكاد يمسكه عرفان راحته

ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم

يغضي حياء ويغضى من مهابته

فلا يكلم الا حين يبتسم

ينشق نور الهدى عن نور غرته

كالشمس تنجاب عن اشراقها الظلم

بكفه خيزران ريحها عبق

من كف أروع في عرنينه شمم

مشتقة من رسول الله نبعته

طابت عناصره والخيم والشيم

حمال أثقال أقوام اذا فدحوا

حلو الشمائل يحلوا عنده النعم

هذا ابن فاطمة ان كنت جاهله

بجده أنبياء الله قد ختموا

الله فضله قدما وشرفه

جرى بذاك له في لوحه القلم

من جده دان فضل الانبياء له

وفضل أمته دانت له الامم

عم البرية بالاحسان وانقشعت

عنها العماية والاملاق والعدم

كلتا يديه غياث عم نفعهما

تستو كفان ولا يعروهما العدم

سهل الخليقة لا تخشى بوادره

يزينه خصلتان الخلق والكرم

لا يخلف الوعد ميمون نقيبته

رحب الفناء أريب حين يعتزم

من معشر حبهم دين وبغضهم

كفر وقربهم منجى ومعتصم

يستدفع السوء والبلوى بحبهم

ويستربّ به الاحسان والنعم

مقدم بعد ذكر الله ذكرهم

في كل يوم ومختوم به الكلم

ان عد أهل التقى كانوا ائمتهم

أو قيل من خير أهل الارض قيل هم

لا يستطيع جواد بعد غايتهم

ولا يدانيهم قوم وأن كرموا

هم الغيوث اذا ما أزمة أزمت

والاسد أسد الشرى والناس محتدم

يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم

خيم كريم وأيد بالندى هضم

لا ينقص العسر بسطا من أكفهم

سيان ذلك ان اثروا وان عدموا

أي الخلائق ليست في رقابهم

لأوّليّة هذا أوله نعم

من يعرف الله يعرف أولية ذا

فالدين من بيت هذا ناله الامم


قال : فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق ، فحبس بعسفان بين مكة والمدينة فبلغ ذلك علي بن الحسين 7 ، فبعث اليه باثنى عشر ألف درهم ، وقال : أعذرنا يا أبا فراس ، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به ، فردها عليه وقال : يا بن رسول الله ما قلت الذي قلت الا غضبا لله ولرسوله ، وما كنت لأرزي عليه شيئا ، فردها عليه وقال : بحقي عليك لما قبلتها ، فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك ، فقبلها فجعل الفرزدق يهجو هشاما وهو في الحبس فكان مما هجا به قوله :

أيحبسني بين المدينة والتي

اليها قلوب الناس يهوي منيبها

يقلب رأسا لم يكن رأس سيد

وعينا له حولاء باد عيوبها

فبعث اليه فاخرجه.

زرارة بن أعين‌

٢٠٨ ـ محمد بن مسعود ، قال : حدثني علي بن الحسن بن فضال ، قال : حدثني أخواي محمد وأحمد ابنا الحسن ، عن أبيهما الحسن بن علي بن فضال عن ابن بكير ، عن زرارة ، قال : قال أبو عبد الله 7 : يا زرارة ان اسمك في أسامي أهل الجنة بغير ألف ، قلت : نعم جعلت فداك اسمي عبد ربه ولكني لقبت بزرارة.

٢٠٩ ـ حدثني محمد بن مسعود ، قال : حدثني علي بن محمد القمي ، قال : حدثني محمد بن أحمد ، عن عبد الله بن أحمد الرازي ، عن بكر بن صالح ، عن ابن أبي عمير : عن هشام بن سالم ، عن زرارة ، قال : اسمع والله بالحرف من جعفر بن محمد 7 من الفتيا فازداد به ايمانا.

٢١٠ ـ حدثني جعفر بن محمد بن معروف ، قال ، حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن جعفر بن بشير ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله 7 ان أباك حدثني أن الزبير والمقداد وسلمان الفارسي حلقوا رءوسهم ليقاتلوا أبا بكر ، فقال لي : لو لا زرارة لظننت أن أحاديث أبي 7 ستذهب.


٢١١ ـ حدثني حمدويه بن نصير قال : حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن الحسن بن محبوب السراد ، عن العلاء بن رزين ، عن يونس بن عمار ، قال : قلت لأبي عبد الله 7 ان زرارة قد روى عن أبي جعفر 7 أنه لا يرث مع الام والاب والابن والبنت أحد من الناس شيئا إلا زوج أو زوجة ، فقال أبو عبد الله 7 : أما ما رواه زرارة عن أبي جعفر 7 فلا يجوز أن ترده.

وأما في الكتاب في سورة النساء فان الله عز وجل يقول ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ) (١) يعني اخوة الاب وأم وأخوة الاب ، والكتاب يا يونس قد ورّث هاهنا مع الابناء ، فلا تورث البنات الا الثلثين.

٢١٢ ـ محمد بن مسعود ، عن الخزاعي عن محمد بن زياد أبي عمير ، عن علي بن عطية ، عن زرارة ، قال : والله لو حدثت بكلما سمعته من أبي عبد الله 7 لانتفخت ذكور الرجال على الخشب.

٢١٣ ـ حدثني ابراهيم بن العباس الختلي ، قال : حدثني أحمد بن ادريس القمي ، قال : حدثني محمد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن أبي الصهبان او غيره عن سليمان بن داود المنقري ، عن ابن أبي عمير ، قال : قلت لجميل بن دراج ، ما أحسن محضرك وأزين مجلسك؟ فقال : أي والله ما كنا حول زرارة بن أعين الا بمنزلة الصبيان في الكتّاب حول المعلم.

٢١٤ ـ حدثني محمد بن قولويه ، قال : حدثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف قال : حدثني أحمد بن محمد بن عيسى ، وعبد الله بن محمد بن عيسى أخوه ، والهيثم بن أبي مسروق ، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن الحسين بن محبوب ، عن‌

__________________

(١) سورة النساء : ١١‌


العلاء بن رزين ، عن يونس بن عمار ، قال : قلت لأبي عبد الله 7 ان زرارة ، وذكر مثل الحديث الذي رواه حمدويه بن نصير ، عن محمد بن الحسين ، عن ابن محبوب‌

٢١٥ ـ حدثني حمدويه بن نصير ، عن يعقوب بن يزيد ، عن القاسم بن عروة ، عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك ، قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول : أحب الناس إلي أحياء وأمواتا أربعة : بريد بن معاوية العجلي ، وزرارة ، ومحمد بن مسلم ، والاحول وهم أحب الناس إلي أحياء وأمواتا.

٢١٦ ـ محمد بن قولويه ، قال : حدثني سعد بن عبد الله ، قال : حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، قال : سمعت أبا عبد الله 7 يوما ودخل عليه الفيض بن المختار ، فذكر له آية من كتاب الله عز وجل تأولها أبو عبد الله 7 فقال له الفيض : جعلني الله فداك ما هذا الاختلاف الذي بين شيعتكم؟ قال : وأي الاختلاف يا فيض؟

فقال له الفيض : اني لا جلس في حلقهم بالكوفة فأكاد أشك في اختلافهم في حديثهم. حتى أرجع الى المفضل بن عمر ، فيوقفني من ذلك على ما تستريح اليه نفسي ، ويطمئن اليه قلبي.

فقال أبو عبد الله 7 : أجل هو كما ذكرت يا فيض ، ان الناس أولعوا بالكذب علينا ان الله افترض عليهم لا يريد منهم غيره واني أحدث أحدهم بالحديث فلا يخرج من عندي حتى يتأوله على غير تأويله ، وذلك أنهم لا يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند الله وانما يطلبون به الدنيا ، وكل يحب أن يدعى رأسا ، أنه ليس من عبد يرفع نفسه الا وضعه الله ، وما من عبد وضع نفسه الا رفعه الله وشرفه.

فاذا أردت بحديثنا فعليك بهذا الجالس وأومى بيده الى رجل من أصحابه ، فسألت أصحابنا عنه فقالوا : زرارة بن أعين.

٢١٧ ـ حدثني حمدويه بن نصير ، قال : حدثني يعقوب بن يزيد ، ومحمد ابن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن أبي عمير ، عن ابراهيم بن عبد الحميد‌


وغيره ، قالوا : قال أبو عبد الله 7 : رحم الله زرارة بن أعين ، لو لا زرارة بن أعين ، لو لا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي 7.

٢١٨ ـ حدثني الحسين بن بندار القمي ، قال : حدثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي ، قال : حدثنا علي بن سليمان بن داود الرازي ، قال : حدثني محمد بن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبيدة الحذاء ، قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول : زرارة وأبو بصير ومحمد بن مسلم وبريد من الذين قال الله تعالى ( وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (١).

٢١٩ ـ حدثني حمدويه : قال حدثني يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد الا قطع ، قال : سمعت ابا عبد الله 7 يقول ما أجد أحدا أحيا ذكرنا وأحاديث أبي 7 الا زرارة وابو بصير ليث المرادي ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي ، ولو لا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا.

هؤلاء حفاظ الدين وأمناء ابي 7 على حلال الله وحرامه ، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة.

٢٢٠ ـ حدثني محمد بن قولويه والحسين بن الحسن ، قالا : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله المسمعي ، قال : حدثني علي بن حديد المدائني عن جميل بن دراج ، قال : دخلت على أبي عبد الله 7 فاستقبلني رجل خارج من عند أبي عبد الله 7 من أهل الكوفة من اصحابنا.

فلما دخلت على أبي عبد الله 7 قال لي. لقيت الرجل الخارج من عندي؟ فقلت بلي هو رجل من أصحابنا من أهل الكوفة ، فقال لا قدس الله روحه ولا قدس مثله.

انه ذكر أقواما كان أبي 7 ائتمنهم على حلال الله وحرامه وكانوا عيبة علمه وكذلك اليوم هم عندي ، هم مستودع سري أصحاب أبي 7 حقا ، اذا أراد الله‌

__________________

(١) سورة الواقعة : ١٠.


بأهل الارض سوءا صرف بهم عنهم السوء ، هم نجوم شيعتي أحياء وأمواتا يحيون ذكر أبي 7 بهم يكشف الله كل بدعة ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأول الغالين ، ثم بكى.

فقلت : من هم؟ فقال : من عليهم صلوات الله ورحمته احياء وامواتا ، بريد العجلي وزرارة وأبو بصير ومحمد بن مسلم ، أما أنه يا جميل سيبين لك أمر هذا الرجل الى قريب ، قال جميل : فو الله ما كان الا قليلا حتى رأيت ذلك الرجل ينسب الى أصحاب أبي الخطاب ، قلت : الله يعلم حيث يجعل رسالاته ، قال جميل : وكنا نعرف أصحاب أبي الخطاب ببغض هؤلاء رحمة الله عليهم.

٢٢١ ـ حدثني حمدوية بن نصير ، قال : حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد قال : حدثني يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن زرارة.

ومحمد بن قولويه والحسين بن الحسن ؛ قالا : حدثنا سعد بن عبد الله قال حدثني هارون بن الحسن بن محبوب ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة وابنيه الحسن والحسين ، عن عبد الله بن زرارة قال : قال لي أبو عبد الله 7 اقرأ مني على والدك السّلام.

وقل له : اني انما أعيبك دفاعا مني عنك فان الناس والعدو يسارعون الى كل من قربناه وحمدنا مكانه لا دخال الاذى في من نحبه ونقربه ، ويرمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منا ، ويرون ادخال الاذى عليه وقتله ويحمدون كل من عبناه نحن وأن نحمد أمره.

فانما أعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا ولميلك إلينا وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الاثر لمودتك لنا ولميلك إلينا ، فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ويكون بذلك منا دافع شرهم عنك يقول الله جل وعز ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً ) (١).

__________________

(١) سورة الكهف : ٧٩‌


هذا التنزيل من عند الله صالحة ، لا والله ما عابها الا لكي تسلم من الملك ولا تعطب على يديه ، ولقد كانت صالحة ليس للعيب منها مساغ والحمد لله.

فافهم المثل يرحمك الله ، فانك والله أحب الناس إلي ، وأحب أصحاب أبي 7 حيا وميتا ، فانك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر ، أن من ورائك ملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصبا ثم يغصبها وأهلها.

فرحمة الله عليك حيا ورحمته ورضوانه عليك ميتا ، ولقد أدى إلي ابناك الحسن والحسين رسالتك ، حاطهما الله وكلاهما ورعاهما وحفظهما بصلاح أبيهما كما حفظ الغلامين.

فلا يضيقن صدرك من الذي أمرك أبي 7 وأمرتك به ، وأتاك أبو بصير بخلاف الذي أمرناك به ، فلا والله ما أمرناك ولا أمرناه الا بأمر وسعنا ووسعكم الاخذ به.

ولكل ذلك عندنا تصاريف ومعان توافق الحق ، ولو أذن لنا لعلمتم أن الحق في الذي أمرناكم به ، فردوا إلينا الامر وسلموا لنا واصبروا لا حكامنا وارضوا بها ، والذي فرق بينكم فهو راعيكم الذي استرعاه الله خلقه ، وهو اعرف بمصلحة غنمه في فساد أمرها ، فان شاء فرق بينها لتسلم ، ثم يجمع بينها لتأمن من فسادها وخوف عدوها في آثار ما يأذن الله ، ويأتيها بالامن من مأمنه والفرج من عنده.

عليكم بالتسليم والرد إلينا وانتظار أمرنا وأمركم وفرجنا وفرجكم ، ولو قد قام قائمنا وتكلم متكلمنا ، ثم استأنف بكم تعليم القرآن وشرايع الدين والاحكام والفرائض ، كما أنزله الله على محمد 6 لأنكم أهل البصائر فتكم ذلك اليوم‌

______________________________________________________

زرارة بن أعين‌

قوله 7 : لأنكم (١) أهل البصائر

لام التعليل الداخلة على أن باسمها وخبرها على ما في أكثر النسخ متعلقة‌

__________________

(١) وفي المطبوع من الرجال : لا نكر أهل البصائر فتكم ذلك اليوم الخ.


انكار شديدا.

ثم لم تستقيموا على دين الله وطريقه ، الا من تحت حد السيف فوق رقابكم ،

______________________________________________________

باستيناف التعليم.

و « فتكم » بفتح الفاء وتشديد التاء المثناة من فوق جملة فعلية على جواب لو.

و « ذلك اليوم » منصوب على الظرف ، و « انكار شديد » مرفوع على الفاعلية.

والمعنى : شق عصاكم ، وكسر قوة اعتقادكم ، وبدد جمعكم ، وفرق كلمتكم.

قال في أساس البلاغة : فتات المسك وهو كسارته وسقاطته وكذلك فتات الخبز وفتات العهن ، وهذا مما يفت كبدي ، وفت عضده اذا كسر قوته وفرق عنه أعوانه (١).

وفي النهاية الاثيرية : يقال لكل من أحدث شيئا في أمرك دونك قد افتات عليك فيه ، وفلان يفتات عليه في كذا (٢).

قلت : وذلك افتعال من الفوت لا من الفت.

وفي القاموس : الفت الدق والكسر بالاصابع والشق في الصخرة ، وفت في ساعده أضعفه ، والفتات ما تفتت وأهل بيت فت مثلثة الفاء منتشرون (٣).

وفي بعض النسخ « انكارا شديدا » نصبا على التمييز ، أو على نزع الخافض وذلك اليوم بالرفع على الفاعلية.

وربما يوجد في النسخ : لأنكر ، بفتح اللام ، للتأكيد ، وأنكر على الفعل من الانكار ، وأهل البصائر بالرفع على الفاعلية ، وفيكم بحرف الجر المتعلقة بمجرورها بأهل البصائر للظرفية ، أو بمعنى منكم ، وذلك اليوم بالنصب على الظرف ، وانكارا شديدا منصوبا على المفعول المطلق ، أو على التمييز فليعرف.

__________________

(١) أساس البلاغة : ٤٦١.

(٢) نهاية ابن الاثير : ٣ / ٤٧٧.

(٣) القاموس : ١ / ١٥٣.


ان الناس بعد نبي الله 7 ركب الله به سنة من كان قبلكم ، فغيروا وبدلوا وحرفوا وزادوا في دين الله ونقصوا منه ، فما من شي‌ء عليه الناس اليوم الا وهو محرف عما نزل به الوحي من عند الله فاجب رحمك الله من حيث تدعى الى حيث تدعى ، حتى يأتي من يستأنف بكم دين الله استينافا ، وعليك بالصلاة الستة والاربعين ، وعليك بالحج أن تهل بالافراد ، وتنوي الفسخ اذا قدمت مكة وطفت وسعيت ، فسخت ما أهللت به.

وقلبت الحج عمرة أحللت الى يوم التروية ثم استأنف الاهلال بالحج مفردا الى منى وتشهد المنافع بعرفات والمزدلفة ، فكذلك حج رسول الله 6 وهكذا أمر أصحابه ان يفعلوا : ان يفسخوا ما أهلوا به ويقلبوا الحج عمرة ، وانما أقام رسول الله 6 على احرامه لسوق الذي ساق معه ، فان السائق قارن والقارن لا يحل حتى يبلغ هديه محله ، ومحله المنحر بمنى ، فاذا بلغ أحل ، فهذا الذي أمرناك به حج المتمتع.

فالزم ذلك ولا يضيقن صدرك ، والذي أتاك به أبو بصير من صلاة احدى وخمسين ، والا هلال بالتمتع بالعمرة الى الحج وما أمرنا به من أن يهل بالتمتع فلذلك عندنا معان وتصاريف لذلك ما يسعنا ويسعكم ولا يخالف شي‌ء من ذلك الحق ولا يضاده ، والحمد لله رب العالمين.

٢٢٢ ـ حدثني محمد بن قولويه ، قال حدثنا سعد بن عبد الله القمي ، عن محمد ابن عبد الله المسمعي ، وأحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن أسباط ، عن الحسين ابن زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله 8 : ان أبي يقرأ عليك السّلام ويقول لك جعلني الله فداك أنه لا يزال الرجل والرجلان يقدمان فيذكران أنك ذكرتني وقلت في فقال : اقرأ أباك السّلام ، وقل له أنا والله أحب لك الخير في الدنيا وأحب لك الخير في الآخرة ، وأنا والله عنك راض فما تبالي ما قال الناس بعد هذا.

٢٢٣ ـ حدثني محمد بن قولويه ، قال : حدثني سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن هلال ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، قال : دخل زرارة على أبي‌


عبد الله 7 فقال يا زرارة متأهل أنت؟ قال : لا ، قال : وما يمنعك من ذلك؟ قال : لأني لا أعلم تطيب مناكحة هؤلاء أم لا؟

قال : فكيف تصبر وأنت شاب؟ قال أشتري الاماء ، قال : ومن أين طاب لك نكاح الاماء؟ قال : لان الامة ان رابني من أمرها شي‌ء بعتها ، قال : لم أسألك عن هذا ، ولكن سألتك من أين طاب لك فرجها؟ قال له : فتأمرني أن أتزوج؟ قال له : ذاك إليك.

قال : فقال له زرارة هذا الكلام ينصرف على ضربين : اما أن لا تبالي أن أعصي الله اذ لم تأمرني بذلك ، والوجه الاخر أن تكون مطلقا لي ، قال : فقال عليك بالبلهاء‌

قال فقلت : مثل التي تكون على رأي الحكم بن عيينة وسالم بن أبي حفصة؟

______________________________________________________

قوله (ع) : عليك بالبلهاء‌

في حديث الزبرقان بن عمرو (١) امية الضميري : خير أولادنا الابله العقول وخير النساء البلهاء وقال : ولقد لهوت بطفلة مياله بلهاء تطلعني على أسرارها.

قال ابن الاثير في النهاية : يريد أنه لشدة حيائه كالأبله وهو عقول ، وقال في الحديث « ان أكثر أهل الجنة البله » جمع الابله ، وهو الغافل عن الشر المطبوع على الخير ، وقيل : هم الذين غلبت عليهم سلامة الصدور وحسن الظن بالناس ، لأنهم أغفلوا من دنياهم فجهلوا حذق التصرف فيها ، وأقبلوا على آخرتهم ، وشغلوا أنفسهم بها ، فاستحقوا أن يكونوا أكثر أهل الجنة ، فاما الابله وهو الذي لا عقل له فغير مراد في الحديث (٢).

قوله ; : على رأى الحكم بن عيينة‌

الحكم بن عيينة كان استاذ زرارة من قبل ، فانقطع عنه واتصل بأبي جعفر 7 كما ذكره أبو عمرو الكشي في الجزء الثالث من الكتاب.

__________________

(١) وفي « م » : عمرو بن امية‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ١ / ١٥٥‌


قال : لا ، التي لا تعرف ما أنتم عليه ولا تنصب ، قد زوج رسول الله 6 أبا العاص ابن الربيع وعثمان بن عفان ، وتزوج عائشة وحفصة وغيرهما ، فقال : لست أنا بمنزلة النبي 6 الذي كان يجري عليهم حكمه وما هو الا مؤمن أو كافر قال الله عز وجل ( فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ) (١).

فقال له أبو عبد الله 7 : فأين أصحاب الاعراف؟ وأين المؤلفة قلوبهم؟ وأين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا؟ وأين الذين لم يدخلوها وهم يطمعون؟ قال زرارة : أيدخل النار مؤمن؟ فقال أبو عبد الله 7 : لا يدخلها الا أن يشاء الله قال زرارة : فيدخل الكافر الجنة؟ فقال أبو عبد الله : لا ، فقال زرارة : هل يخلو أن يكون مؤمنا أو كافرا؟.

فقال أبو عبد الله 7 : قول الله أصدق من قولك يا زرارة ، بقول الله أقول ، يقول الله خ ج ( لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ ) (٢) لو كانوا مؤمنين لدخلوا الجنة ، ولو كانوا كافرين لدخلوا النار ، قال : فما ذا؟ فقال أبو عبد الله 7 : أرجهم حيث أرجاهم الله أما أنك لو بقيت لرجعت عن هذا الكلام ولحللت عقدك قال ، وأصحاب زرارة يقولون لرجعت عن هذا الكلام وتحللت عنك عقد الايمان.

قال أصحاب زرارة : فكل من أدرك زرارة بن أعين ، فقد أدرك أبا عبد الله 7 فانه مات بعد أبي عبد الله 7 بشهرين أو أقلّ وتوفى ابو عبد الله 7 وزرارة مريض مات في مرضه ذلك.

______________________________________________________

قوله (ع) : خ ج‌

رمز خ ج مسمى الخاء المعجمة أولا ومسمى الجيم أخيرا ، اشارة الى قول الله جل وعز ( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ ) (٣).

__________________

(١) سورة التغابن : ٢‌

(٢) سورة الاعراف : ٤٦‌

(٣) سورة التوبة : ١٠٦‌


٢٢٤ ـ حدثني ابو عبد الله محمد بن ابراهيم الوراق ، قال : حدثني علي بن محمد بن يزيد القمي قال : حدثني بنان بن محمد بن عيسى. عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن محمد بن أبي عمير ، قال : دخلت على أبي عبد الله 7 فقال كيف تركت زرارة؟ قال : تركته لا يصلي العصر حتى تغيب الشمس ، قال : فأنت رسولي اليه فقل له فليصل في مواقيت اصحابه فاني قد حرقت ، قال : فأبلغته ذلك فقال : أنا والله أعلم أنك لم يكذب عليه ولكني أمرني بشي‌ء فأكره أن أدعه.

٢٢٥ ـ حدثني محمد بن قولويه ، قال حدثني سعد بن عبد الله ، قال : حدثني أبو جعفر أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن اسماعيل بن عيسى ، عن محمد بن عمرو بن سعيد الزيات ، عن يحيى بن محمد بن عيسى أبي حبيب ، قال : سألت الرضا 7 عن أفضل ما يتقرب به العبد الى الله من صلاته؟ فقال : ست وأربعون ركعة فرائضه ونوافله ، فقلت : هذه رواية زرارة ، فقال : أترى أن أحدا كان أصدع بحق من زرارة.

٢٢٦ ـ حدثني حمدويه ، قال : حدثني محمد بن عيسى ، عن القاسم بن عروة عن ابن بكير ، قال : دخل زرارة على أبي عبد الله 7 قال : انكم قلتم لنا في الظهر والعصر على ذراع وذراعين ، ثم قلتم أبردوا بها في الصيف ، فكيف الابراد بها؟

وفتح ألواحه ليكتب ما يقول ، فلم يجبه أبو عبد الله 7 بشى‌ء ، فأطبق ألواحه فقال : انما علينا أن نسألكم وأنتم أعلم بما عليكم.

وخرج ودخل أبو بصير على أبي عبد الله 7 فقال ان زرارة سألني عن شي‌ء فلم أجبه وقد ضقت فاذهب أنت رسولي اليه ، فقل صل الظهر في الصيف اذا كان ظلك مثلك والعصر اذا كان ظلك مثليك ، وكان زرارة هكذا يصلي في الصيف ، ولم أسمع أحدا من أصحابنا يفعل ذلك غيره وغير ابن بكير.

٢٢٧ ـ حمدويه ، قال : حدثني محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمر ، عن ابن أذينة ، عن زرارة ، قال : كنت قاعدا عند أبي عبد الله 7 أنا وحمران ، فقال له حمران :


ما تقول فيما يقول زرارة فقد خالفته فيه؟ قال : فما هو؟ قال يزعم أن مواقيت الصلاة مفوضة الى رسول الله 6 وهو الذي وضعها ، قال : فما تقول أنت؟ قال : قلت أن جبريل 7 أتاه في اليوم الاول بالوقت الاول وفي اليوم الثاني بالوقت الاخير ثم قال جبريل : يا محمد ما بينهما وقت.

فقال أبو عبد الله 7 يا حمران ان زرارة يقول : انما جاء جبريل مشيرا على محمد 7 ، صدق زرارة ، فجعل الله ذلك الى محمد 7 فوضعه وأشار جبريل عليه.

٢٢٨ ـ حدثنا محمد بن مسعود ، قال حدثنا جبريل بن أحمد الفاريابي ، قال : حدثني العبيدى محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن ابن مسكان ، قال : سمعت زرارة يقول : رحم الله أبا جعفر واما جعفر فان في قلبي عليه لعنة! فقلت له :

______________________________________________________

قوله ; : فان في قلبى عليه لعنة (١)

بفتح اللام للتأكيد واهمال العين مفتوحة أو مضمومة وتشديد النون ، أي أن في قلبي عليه لعنة ، أي أن في قلبي لعارضا واعتراضا عليه ، عنّ للنفس وعرض للقلب وهجس في الصدر وخطر في الضمير معتنا معترضا.

أو أن في قلبي شدة وملاجة وهيجانا في المعانة والاعتنان أي المعارضة والاعتراض.

والعنن أي اللجاج والمحاجة والمؤاخذة عليه أو لعارضة وغائلة عليه فجأة لست أدري ما سببها ، من قولهم : أعننت بعنة ما أدري ما هي ، أي تعرضت لشي‌ء ما أعرفه‌

قال في مجمل اللغة : ولقيته عين عنة ، أي فجاءة. والعنن شبه اللجاج.

وفي بعض النسخ اعجام الغين المضمومة اما على الاستعارة من الغنة للمستور في حجاب القلب المكنون في كنان الضمير ، أو بمعنى الغلظة.

قال في المغرب : الغنه صوت من اللهاة والانف مثل نون منك وعنك ، لأنه لا حظ لها في اللسان ، والخنة أشد منها ، قال أبو زيد : الغن الذي يجري كلامه في‌

__________________

(١) وفي المطبوع من الرجال : لفتة.


وما حمل زرارة على هذا؟ قال : حمله على هذا لان أبا عبد الله 7 أخرج مخازيه.

٢٢٩ ـ حدثني حمدويه ، وابراهيم ابنا نصير ، قالا : حدثنا العبيدي ، عن هشام ابن ابراهيم الختلي وهو المشرقي ، قال قال لي أبو الحسن الخراساني 7 كيف تقولون في الاستطاعة بعد يونس فذهب فيها مذهب زرارة ، ومذهب زرارة هو الخطاء؟

فقلت : لا ، ولكنه بأبي أنت وأمي ما يقول زرارة في الاستطاعة ، وقول زرارة فيمن قدر ونحن منه براء وليس من دين آبائك ، وقال الآخرون بالجبر ونحن منه براء وليس من دين آبائك.

قال : فبأي شي‌ء تقولون؟ قلت بقول أبي عبد الله 7 وسأل عن قول الله عز وجل‌

______________________________________________________

لهاته ، والاخن الساد الخياشم ، والغنة أيضا ما يغتري الغلام عند بلوغه اذا غلظ صوته.

وقال في مجمل اللغة : واد أغن ملتف فترى الريح تجري ولها غنة ويقال : بل ذلك لكثرة ذبانه.

ثم ان السيد جمال الدين بن طاوس كأنه على ما يستذاق من كلامه ويستشم من سياقه ، قد صحف النون بالياء المثناة من تحت بعد العين المهملة ، من العي ـ بالكسر ـ وهو الجهل وخلاف البيان ، والغين المعجمة ـ بالفتح ـ وهو الجهل وخلاف الرشد كما في مجمل اللغة وغيره.

وذلك لأنه قال في اختياره من كتاب الكشي في الجواب عن هذا الحديث والطعن فيه بهذه العبارة : وقد روى من طريق محمد بن عيسى عن يونس ان زرارة استقل علم الصادق 7.

وما أبعد هذا من الحق وهل يشك مخالف أو مؤلف في جلالة علم مولانا الصادق 7 ولقد أكثر محمد بن عيسى من القول في زرارة حتى لو كان بمقام عدالة كادت الظنون تسرع اليه بالتهمة ، فكيف وهو مقدوح فيه انتهى كلامه.

وقد أسمعناك من قبل أن محمد بن عيسى غير ساقط الدرجة عن مقام العدالة‌


( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (١) ما استطاعته؟ قال ، فقال أبو عبد الله 7 صحته وما له فنحن بقول أبي عبد الله 7 نأخذ قال : صدق أبو عبد الله 7 هذا هو الحق.

٢٣٠ ـ حدثني طاهر بن عيسى الوراق ، قال : حدثني جعفر بن أحمد بن أيوب قال حدثني أبو الحسن صالح بن أبي حماد الرازي ، عن ابن أبي نجران عن علي ابن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله 7 قال : قلت الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم قال أعاذنا الله واياك من ذلك الظلم قلت : ما هو؟ قال : هو والله ما أحدث زرارة وأبو حنيفة وهذا الضرب قال : قلت : الزنا معه؟ قال : الزنا ذنب.

٢٣١ ـ حدثني محمد بن نصير قال : حدثني محمد بن عيسى ، عن حفص مؤذن علي بن يقطين يكني أبا محمد ، عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله 7 الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم؟ قال : أعاذنا الله واياك يا أبا بصير من ذلك الظلم ذلك ما ذهب فيه زرارة وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه.

٢٣٢ ـ حدثني حمدويه بن نصير ، قال : حدثني محمد بن عيسى بن عبيد عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن حمزة ، قال قلت لأبي عبد الله 7 بلغني أنك برئت من عمي يعني زرارة؟ قال ، فقال : انا لم أبرأ من زرارة لكنهم يجيئون ويذكرون ويروون عنه ، فلو سكت عنه الزمونيه ، فأقول من قال هذا فأنا الى الله منه بري‌ء.

٢٣٣ ـ محمد بن مسعود ، قال : حدثني عبد الله بن محمد بن خالد ، قال : حدثني الوشاء ، عن ابن خداش ، عن علي بن اسماعيل عن ربعي ، عن الهيثم بن حفص العطار قال سمعت حمزة بن حمران ، يقول حين قدم من اليمن : لقيت أبا عبد الله 7 فقلت له بلغنى أنك لعنت عمي زرارة قال : فرفع يديه حتى صك بها صدره ، ثم قال : لا والله ما قلت ولكنكم تأتون عنه بأشياء فأقول من قال هذا فأنا منه بري‌ء.

قال قلت فأحكي لك ما يقول؟ قال نعم قال قلت : ان الله عز وجل لم يكلف العباد‌

__________________

(١) سورة آل عمران : ٩٧‌


الا ما يطيقون ، وأنهم لن يعملوا الا أن يشاء الله ويريد ويقضي ، قال : هو والله الحق.

ودخل علينا صاحب الزطى فقال له يا ميسر ألست على هذا؟ قال : على أي شي‌ء أصلحك الله أو جعلت فداك؟ قال : فأعاد هذا القول عليه كما قلت له ، ثم قال : هذا والله ديني ودين آبائي.

٢٣٤ ـ حدثني أبو جعفر محمد بن قولويه ، قال : حدثني محمد بن أبي القاسم أبو عبد الله المعروف بماجيلويه ، عن زياد بن أبي الحلال ، قال : قلت لأبي عبد الله‌

______________________________________________________

قوله : حدثنى أبو جعفر الى قوله حدثنى محمد بن أبى القاسم أبو عبد الله المعروف بما جيلويه‌

طريق هذا الحديث صحيح بلا امتراء اتفاقا.

ومن العجب كل العجب من السيد جمال الدين بن طاوس اذ قال : الذي يظهر أن الرواية غير متصلة ، لان محمد بن أبي القاسم كان معاصرا لأبي جعفر محمد ابن بابويه ، ويبعد أن يكون زياد بن أبي الحلال عاش من زمن الصادق حتى لقيه محمد بن أبي القاسم معاصر أبي جعفر بن بابويه.

وكيف خفى عليه أن المعاصر لأبي جعفر بن بابويه محمد بن علي ما جيلويه لا محمد بن أبي القاسم ، وكثيرا ما في الفقيه وفي سائر كتبه يقول في الاسانيد : حدثني محمد بن علي ما جيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم.

ويظهر من النجاشي أن محمد بن أبي القاسم جد محمد بن علي ما جيلويه المعاصر لأبي جعفر محمد بن بابويه ، فانه ذكر في كتابه ان محمد بن أبي القاسم الملقب ما جيلويه صهر أحمد بن أبي عبد الله على ابنته وابنه محمد بن علي منها.

ثم قال أخبرنا اي علي بن أحمد ; قال : حدثنا محمد بن علي بن الحسين يعني به أبي جعفر بن بابويه قال : حدثنا محمد بن علي ما جيلويه قال : حدثنا أبي علي بن محمد عن أبيه محمد بن أبي القاسم (١) فتدبر.

__________________

(١) رجال النجاشى : ٢٧٣‌


7 ان زرارة روى عنك في الاستطاعة شيئا فقبلنا منه وصدقناه ، وقد أحببت أن أعرضه عليك ، فقال : هاته ، قلت : فزعم أنه سألك عن قول الله عز وجل ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) فقلت : من ملك زادا وراحلة ، فقال : كل من ملك زادا وراحلة ، فهو مستطيع للحج وان لم يحج؟ فقلت نعم.

______________________________________________________

قوله : روى عنك في الاستطاعة شيئا.

القول المنسوب الى زرارة وأصحابه ، وقد قال مولانا الصادق 7 أنه بري‌ء منه ، وأن ذلك ليس من دينه ودين آبائه صلوات الله عليهم ، هو تفويض الفعل واسناده الى قدرة العبد وارادته على الاستقلال بالذات من غير استناد الى الله وارادته تعالى سلطانه أصلا الا بالعرض ، وفريق جم من العامة يسمون أصحاب هذا القول بالقدرية.

ولعل من في اقليم العقل والبرهان يعلم أنه من الممتنع أن يتصحح للممكن الذاتي (١) تحقق بالفعل من دون الاستناد الى الواجب الحق بالذات.

وفي ازاء هذا القول قول الجبرية بالتحريك وأولئك هم القدرية على التحقيق واياهم عني النبي 6 « القدرية مجوس هذا الامة » كما قد أسلفنا بيانه ، وهو اسناد أفعال العباد الى الله سبحانه ابتداء ونفي مدخلية قدرة العبد وارادته في فعله مطلقا ، وكان ذا العقل الصريح والذهن الصراح ليس يحتاج في ابطال ذلك الى مؤنة تجشم.

والطريق الوسط الذي هو القول الفصل والدين الحق والكلمة السواء أنه لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين الامرين ، فان المبادي المترتبة المنبعث عنها فعل العبد مبتدأة في جهة التصاعد من القدرة الحقة الوجوبية والارادة الحقيقية الربوبية ، ومنتهية في جهة التنازل الى قدرة العبد وارادته المنبعث عنهما فعله ، والجميع في نظام الوجود مستند الى الذات الاحدية الحقة التي هي في حد نفسها عين العلم المحيط‌

__________________

(١) في « س » : الذاتية‌


فقال : ليس هكذا سألني ولا هكذا قلت ، كذب علي والله كذب علي والله لعن الله زرارة لعن الله زرارة ، لعن الله زرارة ، انما قال لي من كان له زاد وراحلة فهو مستطيع للحج؟ قلت : وقد وجب عليه الحج ، قال : فمستطيع هو؟ فقلت : لا حتى يؤذن له ، قلت : فأخبر زرارة بذلك؟ قال : نعم. قال زياد : فقدمت الكوفة فلقيت زرارة فأخبرته بما قال أبو عبد الله 7 وسكت عن لعنه ، فقال : اما أنه قد أعطاني الاستطاعة من حيث لا يعلم ، وصاحبكم هذا ليس له بصر بكلام الرجال.

______________________________________________________

التام ، والقدرة الحقيقية الواجبة ، والارادة الحقة القدوسية.

فهذا دين مولانا الصادق وآبائه الصادقين صلوات الله عليهم أجمعين وهو دين الله الحق الذي ارتضاه لعباده المؤمنين فليثبت.

قوله (ع) : قلت : وجب عليه الحج‌

مولانا الصادق 7 حيث فسر الاستطاعة للحج بالصحة البدنية والسعة المالية انما رام بها الاستطاعة المترتبة عليها وجوب الحج واستقرار التكليف به في ذمة المكلف.

فزرارة لم يفهم ذلك ، فمن سوء فهمه حسب أنه 7 أراد بها الاستطاعة المنبعث عنها فعل الحج وايقاعه.

ولم يعلم أن تلك الاستطاعة انما هي ارادة العبد المستندة الى ارادة الله تعالى ومشيته ، كما يقول القرآن الحكيم ( وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ ) (١) فالعبد مختار غير مجبور في فعله.

ضرورة أن فعله منبعث عن ارادته واختياره ، وان كانت المبادي والاسباب المترتبة الموجبة لإرادته واختياره مستندة الى إرادة الله تعالى واختياره ، فلا يريد ولا يختار الا أن يؤذن له في قضاء الله سبحانه وقدره ، والثواب والعقاب من لوازم‌

__________________

(١) سورة الانسان : ٣٠‌


٢٣٥ ـ قال أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي : وحدثني أبو الحسن محمد بن بحر الكرماني الدهني النرماشيري قال : وكان من الغلاة الحنقين قال : حدثني أبو العباس المحاربي الجزري ، قال : حدثنا يعقوب بن يزيد ، قال حدثنا فضالة بن أيوب ، عن فضيل الرسان ، قال : قيل لأبي عبد الله 7 ان زرارة يدعى أنه أخذ عليك الاستطاعة؟ قال : لهم عقرا كيف أصنع بهم ، وهذا المرادي بين يدى وقد أريته وهو أعمى بين السماء والارض فشك وأضمر أني ساحر ، فقلت :

______________________________________________________

، ماهيات الافعال ومترتبان على استحقاق العبد لهما من جهة ارادته واختياره.

وبسط القول هنالك على ذمة كتاب الايقاضات وعلى ذمة كتاب قبسات الحق المبين.

قوله ; : الدهنى‌

بضم الدال نسبة الى بني دهن.

قال في القاموس : بنودهن بالضم حي منهم معاوية بن عمار الدهني (١).

قوله : من الغلاة الحنقيين‌

بفتح الحاء المهملة وكسر النون قبل القاف ، أي المتعصبين المعاندين المتغيظين على أهل الحق.

قال في الصحاح : الحنق الغيظ ، والجمع حناق كجبل وجبال وقد حنق عليه بالكسر أي اغتاظ فهو حنق (٢).

قوله (ع) : لهم عقرا (٣)

يقال عقرا لفلان بفتح العين المهملة والتنوين وهو دعاء عليه بالقطع والهلاك والاستيصال.

__________________

(١) القاموس : ٤ / ٢٢٤‌

(٢) الصحاح : ٤ / ١٤٦٥‌

(٣) وفي المطبوع من الرجال : عفرا.


اللهم لو لم تكن جهنم الا اسكرجة لوسعها آل اعين بن سنسن ، قيل : فحمران؟ قال حمران ليس منهم.

قال الكشى : محمد بن بحر هذا غال ، وفضالة ليس من رجال يعقوب. وهذا الحديث مزاد فيه مغير عن وجهه.

______________________________________________________

قال في مجمل اللغة : وجدعا وعقرا لفلان ، وللمرأة حلقي وعقري أي عقر الله جسدها وأصابها بداء في حلقها.

وفي أساس البلاغة : ويقال في الدعاء : جدعا له وعقرا وعقري حلقي وأن بني فلان عقروا مراعي القوم اذا قطعوها وأفسدوها (١).

وفي المغرب : ولا تعقرن شجرا أي لا تقطعن وفي حديث صفيه عقري حلقي على فعلي ، وقيل : الالف للوقف ، وفيه دعاء بقطع الرجل والحلق أو بحلق الرأس وعن أبي عبيد عقر جسدها وأصيبت بداء في حلقها.

قوله : الا أسكرجة‌

في النهاية الاثيرية في الحديث « لا آكل في سكرجة » هى ـ بضم السين والكاف والراء والتشديد ـ اناء صغير يؤكل فيه الشي‌ء القليل من الادم ، وهي فارسية معربة وأكثر ما يوضع فيها الكوامخ ونحوها (٢).

وربما يقال : الا سكرجة اناء صغير لا يسع من الماء أكثر من خمسة مثاقيل.

قوله ; : مزاد فيه‌

بضم الميم على البناء للمجهول كما في مغير عن وجهه ، فان الزوادة بالواو كالزيادة بالياء سيان في المعنى ، فصح في البناء للمفعول المزاد فيه والمزيد فيه بمعنى واحد.

__________________

(١) أساس البلاغة : ٤٣٠‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ٢ / ٣٨٤.


٢٣٦ ـ حدثنا محمد بن مسعود ، قال : حدثني جبريل بن أحمد ، قال : حدثني محمد بن عيسى بن عبيد ، قال : حدثني يونس بن عبد الرحمن ؛ عن عمر بن أبان عن عبد الرحيم القصير ، قال ، قال لي أبو عبد الله 7 : ايت زرارة وبريدا فقل لهما ما هذه البدعة التي ابتدعتماها؟ اما علمتما أن رسول الله 6 قال : كل بدعة ضلالة.

قلت له : اني أخاف منهما فأرسل معي ليثا المرادي فأتينا زرارة فقلنا له ما قال أبو عبد الله 7 ، فقال : والله لقد أعطاني الاستطاعة وما شعر ، فاما بريد فقال : لا والله لا أرجع عنها أبدا.

٢٣٧ ـ حدثني حمدويه ، قال : حدثني محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن مسمع كردين أبي سيار ، قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول : لعن الله بريدا ولعن الله زرارة.

٢٣٨ ـ حدثني محمد بن مسعود ، قال حدثني جبريل بن أحمد ، عن محمد ابن عيسى ، عن يونس ، عن اسماعيل بن عبد الخالق ، عن أبي عبد الله 7 قال : ذكره عنده بنو أعين : فقال والله ما يريد بنو أعين الا ان يكونوا علي غلب.

٢٣٩ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثني جبرئيل بن أحمد ، عن العبيدي ، عن يونس ، عن هارون بن خارجة ، قال : سألت ابا عبد الله 7 عن قول الله عز وجل‌

______________________________________________________

وذلك لان اليائي يتعدى ولا يتعدى يقال : زاد مال فلان زيادة ، أي ازداد ، أو زاد هو في علمه أو ماله أي ازداد فيه ، وزاده الله خيرا أو علما على خلاف الامر في الواوي ، فلا يقال : الا أزاده اياه زوادة.

والمزادة بالفتح والمزادة بالضم كلاهما في الاصل اسم المكان ، الاول من الزيادة والثاني على هيئة اسم المفعول من باب الافعال من الزوادة والجمع المزاود وصاحب القاموس نسب الجوهري هناك الى الوهم وهو وهم (١).

__________________

(١) هذه الزيادة في « م » فقط بخط السيد الداماد (ره).


( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ ) قال : هو ما استوجبه أبو حنيفة وزرارة.

٢٤٠ ـ وبهذا الاسناد : عن يونس ، عن خطاب بن مسلمة ، عن ليث المرادي قال : سمعت ابا عبد الله 7 يقول : لا يموت زرارة الا تائها.

٢٤١ ـ بهذا الاسناد : عن يونس ، عن ابراهيم المؤمن ، عن عمران الزعفراني قال : سمعت ابا عبد الله 7 يقول لأبي بصير : يا أبا بصير وكنى أثنى عشر رجلا ما أحدث أحد في الإسلام ما أحدث زرارة من البدع ، لعنه الله ، هذا قول ابي عبد الله.

٢٤٢ ـ حدثني حمدويه بن نصير ، قال : حدثني محمد بن عيسى ، عن عمار ابن المبارك ، قال : حدثني الحسن بن كليب الاسدي ، عن أبيه كليب الصيداوي ، أنهم كانوا جلوسا ، ومعهم عذافر الصيرفي ، وعدة من أصحابهم معهم أبو عبد الله 7 قال ، فابتدأ أبو عبد الله 7 من غير ذكر لزرارة ، فقال لعن الله زرارة لعن الله زرارة لعن الله زرارة ثلاث مرات.

٢٤٣ ـ محمد بن مسعود ، قال : حدثني محمد بن عيسى ، عن حريز قال : خرجت‌

______________________________________________________

قوله : عن خطاب بن مسلمة‌

خطاب ابن مسلمة ـ بفتح الميم واسكان السين ـ الكوفي من أصحاب أبي عبد الله الصادق 7 ثقة ، يروي كتابه عدة من أجلة أصحابنا منهم أبي عمير قاله النجاشي (١) وغيره.

قوله : عن عمران الزعفرانى‌

عمران بن اسحاق الزعفراني الكوفي من أصحاب الصادق 7 ذكره الشيخ في كتاب الرجال (٢).

قوله : كنى‌

بفتح الكاف وتشديد النون من التكنية ، أي خاطب اثنى عشر رجلا بالكنية‌

__________________

(١) رجال النجاشى : ١١٨‌

(٢) رجال الشيخ : ٢٥٧‌


الى فارس ، وخرج معنا محمد الحلبي الى مكة ، فاتفق قدومنا جميعا الى حزين ، فسألت الحلبي فقلت له أطرفنا بشي‌ء ، قال : نعم جئتك بما تكره ، قلت لأبي عبد الله 7 ما تقول في الاستطاعة؟ فقال : ليس من ديني ولا دين آبائي.

فقلت : الان ثلج عن صدري ، والله لا أعود لهم مريضا ، ولا أشيع لهم جنازة ولا أعطيهم شيئا من زكاة مالي ، قال : فاستوى أبو عبد الله 7 جالسا وقال لي كيف قلت؟ فأعدت عليه الكلام فقال أبو عبد الله 7 : كان أبي 7 يقول أولئك قوم حرم الله وجوههم على النار ، فقلت : جعلت فداك فكيف قلت لي ليس من ديني ولا دين آبائي؟ قال : انما اعني بذلك قول زرارة وأشباهه.

٢٤٤ ـ حدثني محمد بن مسعود ، قال حدثني جبرئيل بن أحمد ، قال : حدثني موسى بن جعفر بن وهب ، عن علي بن القصير ، عن بعض رجاله ، قال : استأذن زرارة‌

______________________________________________________

أو كنى اثنى عشر رجلا بأبي بصير وناداهم بتلك الكنية.

قوله : فاتفق قدومنا جميعا الى حزين (١)

بفتح الحاء المهملة وكسر الزاي كفعيل ماء بنجد.

وحزن بضم الحاء وفتح الزاي كصرد الجبال الغلاظ الواحد حزنة بالضم قاله في القاموس (٢) وغيره.

قوله : عن على بن القصير‌

في أكثر نسخ هذا الكتاب علي بن القصير ، وهو اما ابن عبد الرحمن القصير أو ابن عبد الرحيم القصير.

والشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي عبد الله الصادق 7 قال : علي القصير (٣). باسقاط ابن وهذا أظهر.

__________________

(١) وفي المطبوع من الرجال بجامعة مشهد : حين ، والمصحح للمطبوع وقع هنا في تحير عجيب.

(٢) القاموس : ٤ / ٢١٣‌

(٣) رجال الشيخ : ٢٦٨‌


ابن أعين وأبو الجارود على أبي عبد الله 7 قال : يا غلام ادخلهما فانهما عجلا المحيا وعجلا الممات.

٢٤٥ ـ حدثني محمد بن مسعود ، قال حدثني جبرئيل بن أحمد ، عن موسى بن جعفر ، عن علي بن أشيم ، قال حدثني رجل ، عن عمار الساباطي ، قال : نزلت منزلا في طريق مكة ليلة فاذا أنا برجل قائم يصلي صلاة ما رأيت أحد صلى مثلها ودعا بدعا ما رأيت أحدا دعا بمثله.

فلما أصبحت نظرت اليه فلم أعرفه ، فبينا أنا عند ابي عبد الله 7 جالسا اذ دخل الرجل فلما نظر أبو عبد الله 7 الى الرجل ، قال : ما أقبح بالرجل ان يتمنه رجل من اخوانه على حرمة من حرمته فيخونه فيها.

______________________________________________________

قوله (ع) : عجلا المحيا وعجلا الممات‌

بكسر العين المهملة واسكان الجيم تثنية العجل عجل السامري ، يعني 7 ان الناس يتذللون ويختضعون لهما ، ويعتدون بهما ويسيرون على طريقهما ، ويأخذون بقولهما في محياهما وفي مماتهما ، كما بنو اسرائيل تعبدت وتذللت واختضعت للعجل فهما عجلا شيعتنا في المحيا والممات.

وكيف يسعك أن لا تأذن لهما بالدخول؟ ادخلهما ، وهذا صريح في أنه 7 كان مغتاظا عليهما في دين الله.

ولكن طريق هذا الخبر علي القصير عن بعض رجاله ، وهو غير معلوم. وأيضا انما أنكر 7 عليهما في خصوص مسألة القضاء والقدر بقولهما بالاستطاعة ، كما قد تضمنه خبر الحلبي وغيره من الاخبار ، فليعلم.

قوله (ع) أن (١) يتمنه‌

بتشديد التاء المثناة من فوق بعد ياء المضارعة افتعالا من الامانة بقلب الهمزة تاء وادغام التاء في التاء كما في تتخذه مثلا.

__________________

(١) وفي المطبوع من الرجال : تأتمنه.


قال : فولى الرجل ، فقال لي أبو عبد الله 7 : يا عمار أتعرف هذا الرجل؟ قلت : لا والله الا أني نزلت ذات ليلة في بعض المنازل ، فرأيته يصلي صلاة ما رأيت احدا صلى مثلها ، ودعا بدعاء ما رأيت أحدا دعا بمثله ، فقال لي هذا زرارة بن أعين ، هذا والله من الذين وصفهم الله عز وجل في كتابه فقال : وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا.

٢٤٦ ـ حدثني حمدويه ، قال. حدثني محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة ، عن عبد الله الحلبى ، قال : سمعت أبا عبد الله 7 وسأله انسان قال : اني كنت أنيل التيمية من زكاة مالى حتى سمعتك تقول فيهم ، أفأعطيهم أم أكف؟ قال : لا بل اعطهم فان الله حرم أهل هذا الامر على النار.

٢٤٧ ـ حدثني حمدويه ، قال : حدثني محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن محمد بن حمران ، عن الوليد بن صبيح ، قال : دخلت على أبي عبد الله 7 فاستقبلني زرارة خارجا من عنده ، فقال لي أبو عبد الله 7 يا وليد أما تعجب من زرارة يسألني عن اعمال هؤلاء ، أي شي‌ء كان يريد؟ أيريد أن أقول له لا ، فيروي ذلك عني؟ ثم قال : يا وليد متى كانت الشيعة تسأل عن أعمالهم ، انما كانت الشيعة‌

______________________________________________________

قوله : أنيل التيمية‌

في أكثر النسخ « التيمية » وهم بني ضبة نسبة الى تيم بن ضبة ، لا من بني تيم بن مرة رهط أبي بكر فليعلم.

قوله : حدثنى حمدويه قال حدثنى محمد بن عيسى‌

الطريق صحيح على ما هو الأصحّ في محمد بن عيسى العبيدي.

قوله (ع) : يا وليد متى كانت الشيعة تسأل‌

يعني 7 أن الشيعة قاطبة يعلمون بتة أن الامامة والخلافة منصب العترة الطاهرة وحق الذرية الطيبة : ، وأن بني أمية وبني العباس وعمالهم المقلدين لا عمالهم كالولاة والقضاة من قبلهم ، ظلمة وجورة غصبة لمسند من له الحكم و‌


تقول : من أكل من طعامهم وشرب من شرابهم ، واستظل بظلهم ، متى كانت الشيعة تسأل عن مثل هذا.

٢٤٨ ـ حدثني محمد بن مسعود ، قال حدثني عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي قال : حدثني الحسن بن علي الوشاء ، عن أبي خداش ، عن علي بن اسماعيل عن أبي خالد.

وحدثني محمد بن مسعود قال : حدثني علي بن محمد القمي ، قال : حدثني محمد بن أحمد بن يحيى ، عن ابن الريان عن الحسن بن راشد ، عن علي بن اسماعيل عن أبي خالد ، عن زرارة قال : قال لى زيد بن علي 7 وأنا عند أبي عبد الله 7 ما تقول يا فتى في رجل من آل محمد استنصرك؟ فقلت ان كان مفروض الطاعة نصرته ، وان كان غير مفروض الطاعة فلي أن أفعل ولي أن لا أفعل ، فلما خرج قال أبو عبد الله 7 : أخذته والله من بين يديه ومن خلفه وما تركت له مخرجا.

٢٤٩ ـ وروى عن زرارة بن أعين : قال جئت الى حلقة بالمدينة فيها عبد الله ابن محمد وربيعة الرأى ، فقال عبد الله : يا زرارة سل ربيعة عن شي‌ء مما اختلفتم؟ فقلت : ان الكلام يورث الضغائن ، فقال لي ربيعة الرأي : سل يا زرارة.

______________________________________________________

الولاية بالحق ، فآحاد الشيعة لا يسألون عن ذلك أحدا ، لكونه من المعلوم المستبين عندهم ، فضلا عن زرارة ونظائره.

انما الذي يتجه السؤال عنه عند الشيعة هو قبول جوائز هؤلاء الظلمة الجورة وعطاياهم والاكل من طعامهم والشراب من شرابهم والاستظلال بظلهم.

فسؤال زرارة اياي عن عمالهم وأعمالهم تفوح منه رائحة أنه يريد أن يسمعني أقول في الجواب أنهم ظلمة جورة غصبة لمنصب الولاية ومسند الحكم ، فيروي ذلك عني فيبلغهم أني أقول منهم كذا وكذا فليعرف.

قوله : ربيعة الرأى‌

أبو عبد الرحمن ربيعة بن عبد الرحمن المدني الفقيه ، يقال له ربيعة الرأى.


قال قلت : بم كان رسول الله 6 يضرب في الخمر؟ قال بالجريد والنعل ، فقلت لو أن رجلا أخذ اليوم شارب خمر وقدم الى الحاكم ما كان عليه؟ قال : يضربه بالسوط لان عمر ضرب بالسوط ، قال ، فقال عبد الله بن محمد : يا سبحان الله يضرب رسول الله 6 بالجريد ويضرب عمر بالسوط ، فيترك ما فعل رسول الله 6 ويأخذ ما فعل عمر.

٢٥٠ ـ حدثني حمدويه قال : حدثني أيوب ، عن حنان بن سدير قال : كتب معي رجل أن أسأل أبا عبد الله 7 عما قالت اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا : هو مما شاء أن يقولوا؟ قال : قال لي ان ذا من مسائل آل أعين ليس من دينى ولا دين آبائي ، قال ، قلت ما معي مسألة غير هذه.

______________________________________________________

قال الذهبي في ميزان الاعتدال وقد احتج به أصحاب الكتب كلها وقد قال سور بن عبد الله القاضي : ما رأيت أحدا أعلم من ربيعة الرأي قيل له ولا الحسن ولا ابن سيرين وقال : ولا الحسن ولا ابن سيرين.

وأما ربيعة بن محمد أبو قضاعة الطائي فقد قال في ميزان الاعتدال : انه الذي روى عن ذي النون ، عن ملك بن غسان ، عن ثابت ، عن أنس انقض كوكب وقال رسول الله 6 : انظروا فمن انقض في داره فهو الخليفة بعدي ، فنظرنا فاذا هو في منزل علي بن ابي طالب 7 فقال جماعة : قد غوى محمد في حب علي فنزلت ( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى ) (١).

وربيعة بن ناجذ في ميزان الاعتدال : أنه روى علي أخي ووراثي ، ورواه عنه أبو صادق.

قوله : مما شاء أن يقولوا‌

في حيز الانكار يعني ما قالت اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا كيف يسوغ أن يكون مما شاء الله أن يقولوا ، ولو لم يكن القول بالاستطاعة هو‌

__________________

(١) وقد رواه المغازلى في المناقب : ٣١٠ والبحار : ٣٥ / ٢٨٣ والعمدة : ٣٨ والطرائف : ٢٢.


٢٥١ ـ حدثني محمد بن قولويه قال : حدثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف قال : حدثنا محمد بن عثمان بن رشيد ، قال : حدثني الحسن بن علي بن يقطين ، عن أخيه أحمد بن علي ، عن أبيه على بن يقطين ، قال ، لما كانت وفاة أبي عبد الله 7 قال الناس بعبد الله بن جعفر.

واختلفوا : فقائل قال به ، وقائل قال بأبي الحسن 7 فدعا زرارة ابنه عبيدا فقال : يا بني الناس مختلفون في هذا الامر : فمن قائل بعبد الله فانما ذهب الى الخبر الذي جاء ان الامامة في الكبير من ولد الامام ، فشد راحلتك وامض الى المدينة حتى تأتيني بصحة الامر ، فشد راحلته ومضى الى المدينة.

واعتل زرارة فلما حضرته الوفاة سأل عن عبيد ، فقيل انه لم يقدم ، فدعا بالمصحف فقال : اللهم انى مصدق بما جاء نبيك محمد فيما أنزلته عليه وبينته لنا على لسانه ، وأني مصدق بما انزلته عليه في هذا الجامع ، وان عقيدتي وديني الذي يأتيني به عبيد ابني وما بينته في كتابك ، فان أمتني قبل هذا فهذه شهادتي على نفسي واقراري بما يأتى به عبيد ابني وانت الشهيد علي بذلك.

فمات زرارة ، وقدم عبيد ، فقصدناه لنسلم عليه ، فسألوه عن الامر الذي قصده فأخبرهم ان أبا الحسن 7 صاحبهم.

٢٥٢ ـ حدثني حمدويه ، قال : حدثني يعقوب بن يزيد قال : حدثني على‌

______________________________________________________

الحق للزم ذلك ، فقال مولانا الصادق 7 ان ذا من مسائل آل أعين ليس من ديني ودين آبائي.

والتحقيق أنه انما يلزم من ابطال القول بالاستطاعة دخول ذلك وامثاله من الشرور في قضاء الله سبحان بالعرض ، وأن متعلق ارادة الله تعالى ومشيته بأمثال ذلك بالعرض من حيث هي لوازم الخيرات الكثيرة في نظام الوجود لا بالذات من جهة ما هي شرور.

وتمام القول هنالك في كتاب القبسات وفي كتاب الايقاضات فليتعرف.


ابن حديد ، عن جميل بن دراج ، قال ما رأيت رجلا مثل زرارة بن أعين ، انا كنا نختلف اليه فما نكون حوله إلا بمنزلة الصبيان في الكتاب حول المعلم ، فلما مضى أبو عبد الله 7 وجلس عبد الله مجلسه : بعث زرارة عبيدا ابنه زائرا عنه ليعرف الخبر ويأتيه بصحته ، ومرض زرارة مرضا شديدا قبل ان يوافيه عبيد.

فلما حضرته الوفاة دعا بالمصحف فوضعه على صدره ثم قبله ، قال جميل : فحكى جماعة ممن حضره أنه قال : اللهم اني ألقاك يوم القيامة وامامى من ثبت في هذا المصحف امامته ، اللهم اني أحل حلاله وأحرم حرامه واومن بمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وخاصه وعامه ، على ذلك أحيا وعليه اموت ان شاء الله.

٢٥٣ ـ محمد بن قولويه ، قال : حدثني سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن علي ابن موسى بن جعفر ، عن أحمد بن هلال ، عن أبي يحيى الضرير ، عن درست ابن أبي منصور الواسطى ، قال : سمعت أبا الحسن 7 يقول ان زرارة شك في امامتي فاستوهبته من ربي تعالى.

٢٥٤ ـ حدثني محمد بن قولويه ، قال : حدثني سعد ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، ومحمد بن عبد الله المسمعى ، عن علي بن أسباط ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة ، عن أبيه قال : بعث زرارة عبيدا ابنه يسئل عن خبر أبي الحسن 7 فجائه الموت قبل رجوع عبيد اليه فأخذ المصحف فأعلاه فوق رأسه.

وقال : ان الامام بعد جعفر بن محمد من اسمه بين الدفتين في جملة القرآن منصوص عليه من الذين أوجب الله طاعتهم على خلقه ، أنا مؤمن به قال : فأخير بذلك ابو الحسن الاول 7 فقال : والله كان زرارة مهاجرا الى الله تعالى.

٢٥٥ ـ حمدويه بن نصير ، قال : حدثني محمد بن عيسى بن عبيد عن محمد ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج وغيره ، قال : وجه زرارة عبيدا ابنه الى المدينة يستخبر له خبر أبي الحسن 7 وعبد الله بن أبي عبد الله ، فمات قبل أن يرجع اليه عبيد.


قال محمد بن أبي عمير ، حدثني محمد بن حكيم ، قال : قلت لأبي الحسن الاول 7 وذكرت له زرارة وتوجيهه ابنه عبيدا الى المدينة ، فقال ابو الحسن : اني لا رجوا أن يكون زرارة ممن قال الله تعالى ( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ ).

٢٥٦ ـ حدثني محمد بن مسعود ، قال : أخبرنا جبريل بن أحمد ، قال : حدثنى محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابراهيم المؤمن ، عن نصير بن شعيب عن عمة زرارة ، قالت : لما وقع زرارة واشتد به : قال : ناوليني المصحف فناولته وفتحته فوضعه على صدره ، وأخذه مني ثم قال : يا عمة أشهدى أن ليس لي امام غير هذا الكتاب.

٢٥٧ ـ حدثني محمد بن مسعود ، قال : حدثني جبريل بن أحمد ، قال : حدثني العبيدي عن يونس ، عن ابن مسكان ، قال تدارأنا عند زرارة في شي‌ء من أمور الحلال والحرام ، فقال قولا برأيه ، فقلت أبرأيك هذا أم برواية؟ فقال : اني اعرف ، أوليس رب رأى خير من أثر.

______________________________________________________

قوله : حدثنى محمد بن مسعود قال حدثنى جبريل بن أحمد‌

هذا الحديث صحيح السند على التحقيق.

قوله : تدارأنا عند زرارة‌

تدارأنا بالهمزة تفاعلا من الدراء ، وهو الدفع أي تناظرنا وتدافعنا فدفع كل منا كلام الاخر ، أو تدارينا بالياء من الدراية بمعنى العلم والمعرفة.

وفي نسخه « تذاكرنا » من الذكر والمذاكرة والأصحّ الاول.

قوله : انى أعرف.

أعرف على صيغة أفعل التفضيل ، أي أني أعلم بما قلت ما علي ولا عليك من ذلك من شي‌ء ، سواء علي أكان برأي أم برواية.

وقوله « أوليس رب رأى خير من أثر » حق لا معدى عنه ، وذلك لأنه ربما كان‌


٢٥٨ ـ حدثني أبو صالح خلف بن حماد بن الضحاك ، قال : حدثني أبو سعيد الادمي ، قال : حدثني ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، قال قال لي زرارة بن أعين : لا ترى على اعوادها غير جعفر ، قال : فلما توفي أبو عبد الله 7 أتيته فقلت له أتذكر الحديث الذى حدثتني به؟ وذكرته له ، وكنت أخاف ان يجحدنيه ، فقال : اني والله ما كنت قلت ذلك الا برأيي.

٢٥٩ ـ حمدويه بن نصير ، قال : حدثنا محمد بن عيسى ، عن الوشاء ، عن هشام بن سالم ، عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر 7 عن جوائز العمال؟ فقال : لا بأس به ، قال ثم قال : انما اراد زرارة أن يبلغ هشاما اني أحرم أعمال السلطان.

______________________________________________________

رأى نتيجة برهان عقلي يقينى والاثر ظني ، فاليقين خير من الظن.

وربما كان اثر بصريح منطوقه مدافعا للأصول العقلية والقوانين اليقينية ، وان كان سليم الاسناد صحيح الطريق فيجب تأويله ، وان لم يكن محتملا للتأويل وجب طرحه فليعلم.

قوله لا يرى على أعوادها غير جعفر‌

لا يرى اما بضم ياء المضارعة على البناء للمجهول ، أو بفتح التاء للخطاب على صيغة المعلوم ، أو بالنون للمتكلم مع الغير. « على أعوادها » جمع عود أي على عيدان سرير الامامة والولاية ومنبر الوصاية والخلافة غير جعفر 7.

يعني أنه 7 هو المهدي القائم الموعود لخاتم الائمة ، فلما توفي أبو عبد الله جعفر بن محمد 8 اتيت زرارة فقلت له : أتذكر الحديث الذي حدثني به ابي أنه لا يرى على اعواد سرير الامامة والوصاية غير جعفر بن محمد 8 وذكرت الحديث له وكنت أخاف ان يجحدنيه فلم يجحده ولا اسنده الى الرواية عن احد.

بل قال : اني والله ما كنت قلت ذلك الا برأي مني ؛ لا برواية عن جعفر بن محمد ولا عن احد غيره ، فتبين اني كنت مخطأ في رأي ، وهذا يدل على جلالة قدر زرارة في الثقة والديانة جدا.


٢٦٠ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثنا عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي قال : حدثني الحسن بن علي الوشاء ، عن محمد بن حمران ، قال : حدثني زرارة قال ، قال لي أبو جعفر 7 حدث عن بني اسرائيل ولا حرج قال : قلت جعلت فداك والله ان في احاديث الشيعة ما هو اعجب من احاديثهم قال : وأي شي هو يا زرارة؟ قال : فاختلس من قلبي فمكثت ساعة لا أذكر ما أريد قال لعلك تريد الهفتية قلت نعم قال : فصدق بها فانها حق.

______________________________________________________

قوله : الهفتية (١)

بالهاء المفتوحة ثم الفاء ثم التاء المثناة من فوق ثم ياء النسبة المشددة أي ملمة تتهافت منها القلوب فتتساقط العقائد ويهتاج منها تهاوش الوساوس في الصدور وتثاور الشكوك في الاعتقادات.

وفي بعض النسخ « الهفية » بكسر الفاء واسكان الياء المثناة من تحت قبل التاء المثناة من فوق على الفعيلة بمعنى الفاعلة.

قال في مجمل اللغة : التهافت تساقط الشى‌ء شيئا شيئا ، وتهافت الفراش في النار تساقط ، وكل شي‌ء انخفض واتضع فقد هفت وانهفت ، ووردت هفيتة من الناس اقحمتها السنة اي ساقطة.

وفي الصحاح : هفت الشي‌ء هفتا وهفاتا ، اي تطاير لخفته ، وكل شي‌ء انخفض واتضع فقد هفت وانهفت ، والتهافت التساقط قطعة قطعة ويقال ، وردت هفيته من الناس للذين اقحمتهم السنة (٢).

وفي القاموس : المفهوت المتحير (٣).

والهفتية او الهفيتة في هذا الحديث هي غيبة القائم المنتظر 7 غيبة طويلة‌

__________________

(١) وفي المطبوع من الرجال : الغيبة‌

(٢) الصحاح : ١ / ٢٧٠‌

(٣) القاموس : ١ / ١٦٠‌


٢٦١ ـ حدثني محمد بن مسعود ، قال : حدثني جبريل بن أحمد : قال حدثني محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، قال سمعت زرارة يقول : اني كنت أرى جعفر اعلم مما هو ، وذاك أنه يزعم أنه سأل ابا عبد الله 7 عن رجل من أصحابنا مختفى من غرامه ، فقال اصلحك الله ان رجلا من اصحابنا كان مختفيا من غرامه فان كان هذا الامر قريبا صبر حتى يخرج مع القائم ، وان كان فيه تأخير صالح غرامه؟ فقال له أبو عبد الله 7 : يكون فقال زرارة ، يكون الى سنة؟ فقال أبا عبد الله 7 : يكون إن شاء الله ، فقال زرارة : فيكون الى سنتين؟ فقال أبو عبد الله : يكون إن شاء الله ،

______________________________________________________

وحيرة تتوحر منها الصدور في الاستيقان وتنزلق منها الاقدام عن الاستقامة ، وتتحير في تماديها الاحلام والبصائر ، كما قد ورد في اخباره كثيره جمة اوردنا طائفة منها في كتاب شرعة التسمية.

قوله : فقال زرارة تكون الى سنتين‌

قلت : غفر الله لزرارة وثقف بصيرته وانعم باله ما أسوأ فهمه الاسرار واسخف تدربه في معرفة الاساليب ، أليس حيث سأله 7 عن خروج القائم قال 7 في الجواب ، يكون : ولم يقرنه بالاستثناء ايذانا بأن ذلك أمر كائن واقع بتة ، لا يعتريه ريب ولا يتطرق اليه امتراء أصلا.

ثم اذ سأل عن التأجيل الى سنة اجاب 7 بقوله يكون إن شاء الله ، يعني ان الامر في ذلك الى علم الله تعالى ومشيته.

ثم ازداد في الاجل وقال : الى سنتين ، أعاد عليه الجواب بقوله يكون إن شاء الله تنبيها على ان ذلك امر موكول الى علم الله ومفوض الى مشيته.

وهو سر من اسرار الله لا يعلم وقته الا الله سبحانه ، فكل من وقت وجعل لذلك أمدا مضروبا ووقتا معلوما وأجلا معينا ، فقد أخطأ وكذب على الله وعلى الرسول والائمة عليه وعليهم السلام.

وقد ورد في أحاديثهم 7 « كذب الوقاتون ».

ولست اشعر كيف لم يوطن نفسه الى ان يكون الى سنة ، ثم تجشم توطين النفس‌


فخرج زرارة فوطن نفسه على أن يكون الى سنتين فلم يكون فقال ما كنت أرى جعفر الا أعلم مما هو.

٢٦٢ ـ محمد بن مسعود ، قال : كتب إلينا الفضل ، يذكر عن ابن ابي عمير عن ابراهيم بن عبد الحميد ، عن عيسى بن ابي منصور وابي اسامة الشحام ويعقوب الاحمر ، قالوا : كنا جلوسا عند ابي عبد الله 7 فدخل عليه زرارة فقال ان الحكم بن عيينة حدث عن ابيك أنه قال صل المغرب دون المزدلفة ، فقال له ابو عبد الله 7 انا تأملته ما قال ابي هذا قط كذب الحكم على ابي ، قال : فخرج زرارة وهو يقول : ما ارى الحكم كذب على أبيه.

______________________________________________________

على سنتين مع أنه 7 لم يزد في الجواب أولا واخيرا على قوله يكون إن شاء الله شيئا وليعرف‌

قوله : ما كنت أرى جعفرا‌

على صيغة المجهول بمعنى أظن ، وفي الحديث عن النبي 6 : البر ترون بهن. على البناء للمجهول ، أي تظنون بهن البر والخير.

قول : الا أعلم مما هو‌

أى مما هو عليه في العلم ، وقد استبان لك ان هذا الكلام من زرارة انما نشأ من سوء فهمه لكلام الامام 7.

قوله (ع) : أنا تأملته‌

سيرد هذا الحديث في ترجمة حكم بن عيينة ، وفيه بأيمان ثلاثة ، وهو الصحيح ، يعني قال ابو عبد الله 7 : والله والله والله ما قال ابي هذا قط.

فاما في هذا الموضع ففي اكثر النسخ « انا تأملته » من تأملت الشي‌ء اذا نظرت اليه مستبينا له.

ثم ان هناك ختم الحديث على قوله 7 كذب الحكم على أبي ، ولم يذكر‌


٢٦٣ ـ محمد بن يزداد ، قال : حدثني محمد بن علي الحداد ، عن مسعدة بن صدقة ، قال : قال أبو عبد الله 7 : ان قوم يعارون الايمان عارية ثم يسلبونه يقال لهم يوم القيامة المعارون ، أما أن زرارة بن أعين منهم.

٢٦٤ ـ حمدان بن أحمد : قال حدثنا : معاوية بن حكيم ، عن أبي داود‌

______________________________________________________

ما بعد ذلك ، وهو قال : وخرج زرارة وهو يقول : ما أرى الحكم كذب على أبيه.

لكن الاسناد هناك الى ابراهيم بن عبد الحميد حمدويه وابراهيم ابنا نصير قالا : حدثنا الحسن بن موسى الخشاب الكوفي عن جعفر بن محمد بن حكيم عن ابراهيم بن عبد الحميد ، فالرواية ليست بمضطربة المتن ، بل روايتان باسنادين مختلفين.

ولعل مرام زرارة ما أظن الحكم كذب على أبيه 7 ، بل انما التبس على الحكم ما قاله أبو جعفر 7 ، وانما دعا زرارة الى هذا القول ان الحكم بن عيينة كان استاذ زرارة من قبل انقطاعه الى أبي جعفر 7. فأحب أن يذب عنه بقوله هذا.

والسيد جمال الدين بن طاوس في الجواب من هذه الرواية ما زاد على قوله : ابراهيم بن عبد الحميد واقفي ضال لا يثبت بروايته القدح في مثل زرارة شيئا.

قلت : ابراهيم بن عبد الحميد الذي هو من أصحاب أبي عبد الله الصادق 7 ثقة له أصل ، يروي عنه ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى ، قاله الشيخ في كتاب الرجال (١) وغيره ، ولو كان ضعيفا كان ضعفه في هذا الحديث منجبرا برواية ابن أبي عمير اياه عنه ، فكيف وهو ثقة بشهادة المشيخة الثقات ، فالمصير في الجواب عنه الى ما قلناه فليتبصر‌

قوله : حمدان بن أحمد‌

اسمه محمد ويقال له حمدان وهو ابن خاقان النهدي القلانسي ، وسيجي‌ء في الكتاب توثيقه.

__________________

(١) الرجال للشيخ : ١٤٦‌


المسترق قال : كنت قائد ابي بصير في بعض جنائز اصحابنا ، فقلت له هو ذا زرارة في الجنازة قال لي : اذهب بي اليه ، قال ، فذهبت به اليه ، قال ، فقال له السلام عليك ابا الحسين فرد عليه زرارة السلام ، وقال له : لو علمت أن هذا من رأيك لبدأتك به ، قال ، فقال له أبو بصير : بهذا أمرت.

٢٦٥ ـ يوسف : قال : حدثني علي بن أحمد بن بقاح ، عن عمه عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله 7 عن التشهد؟ فقال : اشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله ، قلت التحيات والصلوات؟ قال التحيات والصلوات.

فلما خرجت قلت ان لقيته لا سألنه غدا فسألته من الغد عن التشهد ، فقال كمثل ذلك قلت التحيات والصلوات؟ قال التحيات والصلوات ، قلت : القاه بعد يوم لا سألنه غدا فسألته عن التشهد؟ فقال كمثله ، قلت التحيات والصلوات؟ قال التحيات والصلوات فلما خرجت ضرطت في لحيته وقلت لا يفلح ابدا.

______________________________________________________

قوله : ان هذا من رأيك‌

اسم الاشارة والضمير المتصل المجرور للمجي‌ء والتسليم ، يعني لو كنت أعلم أن المجي‌ء إلي والتسليم علي من رأيك ومن عند نفسك لبدأتك بالتسليم ، ولكني ظننت أنك في ذلك مأمور من قبل مولاك 7 ، فقال له أبو بصير : نعم الامر كما ظننت فأني قد أمرت بهذا.

قوله : يوسف‌

ابن السخت وهو ضعيف.

قوله : التحيات والصلوات‌

ظن زرارة أن تقريره 7 اياه على التحيات من باب التقية ، مخافة أن يروي عنه زرارة أنه ينكر التحيات في التشهد ، فقال : لئن لقيته غدا لا سألنه لعله يفتيني بالحق من غير تقية.

فلما سأله من الغد وأجابه بمثل ما قد كان أجابه وقرره أيضا على التحيات‌


٢٦٦ ـ علي بن محمد بن قتيبة ، قال : حدثني محمد بن أحمد ، عن محمد ابن عيسى ، عن ابراهيم بن عبد الحميد ، عن الوليد بن صبيح ، قال : مررت في الروضة بالمدينة فاذا انسان قد جذبني ، فالتفت فاذا انا بزرارة ، فقال لى : استأذن لى على صاحبك؟ قال : فخرجت من المسجد فدخلت على ابي عبد الله 7 فأخبرته الخبر فضرب بيده على لحيته ، ثم قال أبو عبد الله 7 : لا تأذن له لا تأذن له ، لا تأذن له فان زرارة يريدني على القدر على كبر السن ، وليس من ديني ولا دين آبائي.

٢٦٧ ـ محمد بن أحمد : عن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم ، عن بعض رجاله عن أبي عبد الله 7 قال : دخلت عليه فقال : متى عهدك بزرارة؟ قال ، قلت‌

______________________________________________________

كما قد كان قرره ، حمل زرارة ذلك أيضا على التقية وقال سألقاه بعد اليوم فلا سألنه عن ذلك مرة أخرى ، فلعله يترك التقية ويجيبني على دين الامامية ، فلما سأله من الغد ثالثا وأجابه 7 وقرره على قوله والتحيات بمثل ما قد أجابه وقرره بالامس والامس ، علم أنه ليس يترك التقية مخافة منه.

وقال : فلما خرجت ضرطت في لحيته فقلت : لا يفلح أبدا. والضمير عائد الى من يعمل بذلك ويعتقد صحته ، أي في لحية من يعتقد لزوم التحيات في التشهد ، كما عند المخالفين من العامة ، ويعمل بذلك ويحتسبه من دين الامامية ، لا يفلح من يأتي بذلك على اعتقاد أنه من الدين أبدا.

قوله : 7 يريدنى على القدر‌

اطلاق القدر في هذا الحديث على التفويض والاستطاعة ، والقدرية على المفوضة القائلين بالاستطاعة ، بناء على ما قد كان شاع في زمن مولانا الصادق 7 من اصطلاح العامة على ذلك.

واما على التحقيق فالقدرية هم الجبرية الذاهبون الى القدر ، أعني أسناد أفعال العباد الى قضائه وقدره من غير علية ومدخلية لقدرة العبد وارادته في فعله أصلا ، كما قد أدريناك فيما قد سبق غير مرة واحدة.


ما رأيته منذ أيام ، قال : لا تبال وان مرض فلا تعده وان مات فلا تشهد جنازته قال ، قلت زرارة؟ متعجبا مما قال ، قال : نعم زرارة ، زرارة شر من اليهود والنصارى ومن قال ان مع الله ثالث ثلاثة.

٢٦٨ ـ علي ، قال : حدثني يوسف بن السخت عن محمد بن جمهور ، عن فضالة بن أيوب ، عن ميسر ، قال : كنا عند أبي عبد الله 7 فمرت جارية في جانب الدار على عنقها قمقم قد نكسته ، قال فقال أبو عبد الله 7 : فما ذنبي ان الله قد نكس قلب زرارة كما نكست هذه الجارية هذا القمقم.

٢٦٩ ـ محمد بن نصير ، قال : حدثنا محمد بن عيسى ، عن عثمان بن عيسى عن حريز ، عن محمد الحلبي ، قال قلت لأبي عبد الله 7 : كيف قلت لي ليس من ديني ولا دين آبائى؟ قال : انما أعني بذلك قول زرارة واشباهه.

______________________________________________________

قوله 7 : انما أعنى بذلك‌

فيصل القول في زرارة أن الاخبار في مدحه وذمه متعارضة ، لكنها جميعا مطابقة على أنه ثقة صحيح الحديث متدين متورع في رواية الحديث مستقيم على دين الامامية الى حين مماته.

وانما الذم في حقه من جهة خطأه في مسألة القضاء والقدر ، وقوله بالتفويض والاستطاعة ، لشبهة عويصة عوصاء تصعب الفصية عنها ، ومن جهة إساءته في الادب بالنسبة الى الصادق 7 اتكالا على ارتفاع منزلته عنده وشدة اختصاصه به.

ثم عمدة التعويل في صحة حديث زرارة عند الاصحاب ، انعقاد الاجماع على تصحيح ما يصح عنه والاقرار له بالفقه في آخرين ، كما نقله أبو عمرو الكشي وغيره وسيرد عليك في أصل الكتاب فلا تكونن من الممترين.


في اخوة زرارة

حمران وبكير وعبد الملك وعبد الرحمن بني أعين.

٢٧٠ ـ حدثني محمد بن مسعود ، قال : حدثنا محمد بن نصير ، قال : حدثني محمد بن عيسى بن عبيد. وحدثني حمدويه بن نصير ، قال حدثنا : محمد بن عيسى ابن عبيد ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، قال : حدثني المشايخ : ان حمران وزرارة وعبد الملك وبكيرا وعبد الرحمن بني أعين كان مستقيمين ، ومات منهم أربعة في زمان أبي عبد الله 7 وكانوا من أصحاب أبى جعفر 7 ، وبقي زرارة الى عهد أبي الحسن فلقي ما لقي.

______________________________________________________

في اخوة زرارة‌

حمران

في ميزان الاعتدال في ترجمة حمران : حمران بن أعين الكوفي ، روى عن أبي الطفيل وغيره ، وقرأ عليه حمزة ، كان يتقن القرآن. قال أبو حاتم : شيخ. وقال أبو داود : رافضي.

وفي ترجمة زرارة بن أعين الكوفي أخو حمران : يترفض عن ابن السماك قال : حججت فلقيني زرارة بن أعين بالقادسية وقال : ان لي لك حاجة وعظمها فقلت : ما هي؟ فقال : اذا لقيت جعفر بن محمد فأقرئه مني السلام وسله أن يخبرني أنا من أهل النار أم من اهل الجنة؟ فأنكرت ذلك عليه فقال لى : انه يعلم ذلك ولم يزل بى حتى اجبته.

فلما لقيت جعفر بن محمد اخذته بالذى كان منه فقال : هو من اهل النار ، فوقع في نفسى مما قال جعفر فقلت : من أين علمت ذاك؟ فقال : من ادعى عليّ هذا فهو من اهل النار.

فلما رجعت لقيني زرارة فأخبرته بأنه قال لي انه من اهل النار ، فقال : كان لك من جراب النورة قلت : وما جراب النورة؟ قال : عمل معك بالتقية. ولم يذكر ابن أبي‌


٢٧١ ـ حدثني حمدويه بن نصير ، قال : حدثني يعقوب بن يزيد ؛ عن الحسن ابن علي بن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون عن بعض رجاله ، قال ، قال ربيعة الرأى لأبي عبد الله 7 : ما هؤلاء الإخوة الذين يأتونك من العراق ولم أر في أصحابك خيرا منهم ولا أهيأ؟ قال : أولئك أصحاب أبي ، يعني ولد أعين.

محمد بن مسلم الطائفى الثقفى‌

٢٧٢ ـ حدثنا محمد بن مسعود ، قال : سمعت أبا الحسن علي بن الحسن بن علي بن فضال ؛ يقول : كان محمد بن مسلم الثقفي كوفيا وكان أعور طحانا.

٢٧٣ ـ حدثني محمد بن قولويه ، قال : حدثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي ، قال حدثنا : أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الله بن محمد الحجال ، عن العلاء بن رزين ، عن عبد الله بن ابى يعفور ، قال قلت لأبي عبد الله 7 انه ليس كل ساعة القاك ولا يمكن القدوم ، ويجي‌ء الرجل من اصحابنا فيسألني وليس عندي كلما يسألني عنه ، قال : فما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي ، فإنه قد سمع من أبي وكان عنده وجيها.

______________________________________________________

حاتم في ترجمته سوى ان قال : روى عن ابي جعفر يعني الباقر انتهى كلام الذهبي في ميزان الاعتدال.

محمد بن مسلم الطائفى الثقفى‌

ذكر أبو عبد الله الذهبي في مختصره : محمد بن مسلم الطائفي ، عن عمر بن دينار وابن ابي يحيى ، وعنه ابن مهدي ويحيى بن ابي يحيى ، فيه لين وقد وثق له في « م » حديث واحد توفى ١٧٧.

قوله : قال شهد ابو كريب الازدى‌

قال ابن الاثير في جامع الاصول في حرف الكاف : اسم ابي كريب بضم الكاف وفتح الراء وسكون الياء تحتها نقطتان وبالياء الموحدة ، محمد بن العلاء الهمداني بسكون الميم وبالدال المهملة.


٢٧٤ ـ حدثني حمدويه بن نصير ، قال : حدثني محمد بن عيسى ، عن الحسن ابن على بن فضال ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة ، قال : شهد أبو كريبة الازدى ومحمد بن مسلم الثقفي عند شريك بشهادة وهو قاض ، فنظر في وجوههما مليا ، ثم‌

______________________________________________________

وقال في حرف الميم : محمد بن العلاء هو أبو كريب الهمداني الكوفي ، سمع أبا بكر بن عياش وعمر بن عبيد ، روى عنه البخاري ومسلم وغيرهما ، مات سنة ثمان وأربعين ومأتين.

« كريب » بضم الكاف وفتح الراء وسكون الياء تحتها نقطتان وبالباء الموحدة.

قلت : أبو كريب الهمداني الذي ذكره في جامع الاصول كأنه غير أبي كريبة الازدي المذكور في الكتاب ، وربما يزعم أنهما واحد.

وفي القاموس : أبو كريب كزبير محمد بن العلاء بن كريب شيخ للبخاري (١) والذهبي في مختصره وصفه بالازدي وحكم عليه بالجهالة ، ولعل ذلك من جهة تشيعه.

قوله : عند شريك‌

قال في ميزان الاعتدال : شريك بن عبد الله النخعي أبو عبد الله الكوفي القاضي الحافظ الصادق أحد الائمة ، وروى عن ابن معين أنه صدوق ثقة ، الا أنه يغلط ولا يتقن. وعن القطان أن في أصول شريك تخليطا.

وأنه قيل ليحيى بن سعيد : زعموا أن شريكا خلط بآخره فقال : ما زال مخلطا ، ثم يطعن فيه بأنه كان يتشيع. قال : وروى أبو داود الرهاوي أنه سمع شريكا يروي ويقول : ( علي خير البشر فمن أبى فقد كفر (٢) وروى شريك ( لكل نبي وصي ووارث وأن علي وصيي ووارثي (٣)

__________________

(١) القاموس : ١ / ١٢٣‌

(٢) رواه الخطيب في تاريخ بغداد ٧ / ٤٢١.

(٣) رواه ابن المغازلى في المناقب : ٢٠١‌


قال : جعفريان فاطميان! فبكيا ، فقال لهما : ما يبكيكما؟ قالا له : نسبتنا الى اقوام لا يرضون بأمثالنا أن يكونوا من اخوانهم لما يرون من سخف ورعنا ، ونسبتنا الى رجل لا يرضى بأمثالنا ان يكونوا من شيعته ، فان تفضل وقبلنا فله المن علينا والفضل ، فتبسم شريك ، ثم قال : اذا كانت الرجال فلتكن امثالكم ، يا وليد اجزهما هذه المرة قال فحججنا فخبرنا ابا عبد الله 7 بالقصة فقال : ما لشريك شركه الله يوم القيامة بشراكين من نار.

٢٧٥ ـ حدثني حمدويه ، قال حدثنا محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن محمد بن مسلم ، قال : أني لنائم ذات ليلة على السطح اذ طرق الباب طارق فقلت : من هذا؟ فقال : شريك يرحمك الله ، فأشرفت فاذا امرأة فقالت : لي بنت عروس ضربها الطلق ، فما زالت تطلق حتى ماتت والولد يتحرك في بطنها ويذهب ويجي‌ء فما اصنع؟ فقلت : يا أمة الله سأل محمد بن علي بن الحسين الباقر 7 عن مثل ذلك ، فقال : يشق بطن الميت ويستخرج الولد ، يا أمة الله افعلي مثل ذلك ، أنا يا أمة الله رجل في ستر ، من وجهك إلي؟!

______________________________________________________

ثم ذكر أن عبد الله بن ادريس قال : والله ان شريكا لشيعي. وروي أن قوما ذكروا معاوية عند شريك فقيل : كان حليما فقال شريك : ليس بحليم من سفه الحق وقاتل عليا.

ثم قال : وقد كان شريك من أوعية العلم حمل عنه اسحاق الازرق تسعة آلاف حديث قال النسائي : ليس به بأس.

قوله : يا وليد أجزهما‌

بفتح الهمزة واسكان الزاي بعد الجيم المكسورة ، على الامر من الاجازة أي أجز شهادتهما واكتبها مقبولة هذه المرة. أو أخرهما بكسر الخاء المعجمة المشددة واسكان الراء ، من التاخير أو أخر قبول شهادتهما هذه المرة حتى ننظر في شأنهما. والصحيح هو الاول.


قال ، قالت لي : رحمك الله جئت الى أبي حنيفة صاحب الرأي فقال ما عندي فيها شي‌ء ، ولكن عليك بمحمد بن مسلم الثقفي فانه يخبر ، فمهما أفتاك به من شي‌ء فعودي إلي فاعلمينيه فقلت لها : امضي بسلام فلما كان الغد خرجت الى المسجد وابو حنيفة يسأل عنها اصحابه فتنحنحت فقال : اللهم عقرا دعنا نعيش.

٢٧٦ ـ حدثني حمدويه بن نصير ، قال حدثنا محمد بن عيسى ، عن ياسين الضرير البصري ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم ، قال : ما شجر في رأيي شي‌ء قط الا سألت عنه أبا جعفر 7 حتى سألته عن ثلاثين ألف حديث وسألت أبا عبد الله 7 عن ستة عشر ألف حديث.

______________________________________________________

قوله : ما شجر في رأيى‌

أي ما وقع اختلاف الرأي في شي‌ء قط الا سألته 7 ومنه في التنزيل الكريم ( حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) (١).

قال في مجمل اللغة : شجر بين القوم اذا اختلف الامر بينهم ، واشتجروا او تشاجروا تنازعوا وتناظروا.

وفي نسخة ما « شجرني » أي ما تخالجني أمر ، ولم يختلج في صدري رأي في شي‌ء قط الا سألته عنه ، وكل والج في شي‌ء فهو مشاجر فيه.

قال في المفردات : وشجره بالرمح أي اوجره (٢) الرمح ، وذلك أن يطعنه به فيتركه فيه (٣).

وفي مجمل اللغة : ان كل متداخلين متشاجران وبذلك سمي المشجر مشجرا وهو المشجب ، وتشاجروا بالرمح تطاعنوا.

وفي اساس البلاغة : اشتجر وتشاجروا اختلفوا ، وبينهم مشاجرة ، وشجر ما‌

__________________

(١) النساء : ٦٥.

(٢) وفي المصدر : طعنه بالرمح‌

(٣) مفردات الراغب : ٢٥٦‌


٢٧٧ ـ حدثنا محمد بن قولويه ، قال : حدثني سعد بن عبد الله القمي ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن فضال ، عن أبي كهمس ، قال دخلت على أبي عبد الله 7 فقال لي : يشهد محمد بن مسلم الثقفي القصير عند ابن أبي ليلى فيرد شهادته؟ فقلت : نعم ، فقال اذا صرت الى الكوفة فأتيت ابن أبي ليلى ، فقل له اسألك عن ثلاث مسائل تفتينى فيها بالقياس ولا تقول قال أصحابنا.

ثم سله عن الرجل يشك في الركعتين الاوليين من الفريضة ، وعن الرجل يصيب جسده أو ثيابه البول كيف يغسله ، وعن الرجل يرمي الجمار بسبع حصيات فتسقط منه واحدة كيف يصنع ، فاذا لم يكن عنده فيها شي‌ء فقل له يقول لك جعفر بن‌

______________________________________________________

بينهم ، وشجرته بالرمح طعنته وتشاجروا بالرماح تطاعنوا (١).

قوله : عن أبى كهمس‌

قال في جامع الاصول : كهمس بفتح الكاف وسكون الهاء وضم الميم وبالسين المهملة.

وأبو كهمس بن عبد الله قال شيخنا أبو العباس النجاشي ـ رحمة الله ـ في كتابه هيثم بن عبد الله أبو كهمس كوفي عربي له كتاب ، ذكره سعد بن عبد الله في الطبقات (٢)

وقال الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ في كتاب الرجال في اصحاب ابي عبد الله الصادق 7 : الهيثم بن عبيد الشيباني ابو كهمس الكوفي أسند عنه (٣).

وكذلك رئيس المحدثين ابو جعفر الكلينى رضوان الله تعالى عليه ، قال في جامع الكافي في باب من حفظ القرآن ثم نسيه : عن ابي كهمس الهيثم بن عبيد قال سألت ابا عبد الله 7 (٤).

__________________

(١) أساس البلاغة : ٣٢١‌

(٢) رجال النجاشى : ٣٤٠‌

(٣) رجال الشيخ : ٣٣١‌

(٤) اصول الكافى : ٢ / ٤٤٥‌


محمد ما حملك على أن رددت شهادة رجل أعرف بأحكام الله منك واعلم بسيرة رسول الله 6 منك.

قال أبو كهمس : فلما قدمت اتيت ابن أبي ليلى قبل أن أصير الى منزلي ، فقلت له : أسألك عن ثلاث مسائل لا تفتيني فيها بالقياس ولا تقول قال أصحابنا ، قال هات! قال ، قلت : ما تقول في رجل شك في الركعتين الاوليين من الفريضة؟ فاطرق ثم رفع رأسه فقال : قال أصحابنا ، فقلت : هذا شرطي عليك الا تقول قال أصحابنا ، فقال ما عندي فيها شي‌ء.

فقلت له : ما تقول في الرجل يصيب جسده او ثيابه البول كيف يغسله؟ فأطرق ثم رفع رأسه فقال : قال أصحابنا ، فقلت : له هذا شرطي عليك ، فقال : ما عندي فيها شي‌ء.

فقلت : رجل رمى الجمار بسبع حصيات فسقطت منه حصاة كيف يصنع فيها فطأطأ رأسه ثم رفعه ، فقال : قال أصحابنا ، فقلت أصلحك الله هذا شرطي عليك ، فقال ليس عندي فيها شي‌ء.

فقلت : يقول لك جعفر بن محمد ما حملك أن رددت شهادة رجل اعرف منك بأحكام الله وأعرف بسنة رسول الله 6 منك؟ فقال لى : ومن هو؟ فقلت : محمد بن مسلم الطائفى القصير ، قال ، فقال : والله ان جعفر بن محمد قال لك هذا؟ قال ، فقلت والله انه قال لي جعفر هذا ، فأرسل الى محمد بن مسلم فدعاه فشهد عنده بتلك الشهادة فاجاز شهادته.

٢٧٨ ـ حدثني محمد بن مسعود ، قال حدثني عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي ، عن أبيه ، قال : كان محمد بن مسلم من اهل الكوفه ، يدخل على أبي جعفر 7 فقال ابو جعفر ( بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ) ، وكان محمد بن مسلم رجلا موسرا جليلا‌

فقال ابو جعفر 7 : تواضع ، قال : فأخذ قوصرة من تمر فوضعها على باب المسجد وجعل يبيع التمر ، فجاء قومه فقالوا : فضحتنا! فقال : أمرني مولاي بشي‌ء‌


فلا أبرح حتى أبيع هذه القوصرة ، فقالوا : أما اذا أبيت الا هذا فاقعد في الطحانين ، ثم سلّموا اليه رحا ، فقعد على بابه وجعل يطحن.

قال أبو النصر : سألت عبد الله بن محمد بن خالد ، عن محمد بن مسلم؟ فقال : كان رجلا شريفا موسرا ، فقال له أبو جعفر 7 : تواضع يا محمد فلما انصرف الى الكوفه أخذ قوصرة من تمر مع الميزان وجلس على باب مسجد الجامع ، وجعل ينادى عليه ، فاتاه قومه فقالوا له فضحتنا ، فقال ان مولاي أمرني بأمر فلن أخالفه ولن أبرح حتى أفرغ من بيع باقي هذه القوصرة ، فقال له قومه : اذا ابيت الا لتشتغل ببيع وشراء فاقعد في الطحانين! فهيأ رحى وجملا وجعل يطحن ، وقيل : انه كان من العباد في زمانه.

٢٧٩ ـ حدثني ابو الحسن علي بن محمد بن قتيبة ، قال : حدثني الفضل بن شاذان ، قال : حدثنا أبي ، عن غير واحد من اصحابنا ، عن محمد بن حكيم وصاحب له ، قال ابو محمد : قد كان درس اسمه في كتاب أبي ، قالا : رأينا شريكا واقفا في حائط من حيطان فلان ، قد كان درس اسمه أيضا في الكتاب.

قال أحدنا لصاحبه هل لك في خلوة من شريك؟ فأتيناه فسلمنا عليه ، فرد علينا السّلام ، فقلنا يا ابا عبد الله مسألة! قال : في أي شي‌ء؟ فقلنا : في الصلاة ، فقال : سلوا عما بدا لكم؟ فقلنا لا نريد ان تقول قال فلان وقال فلان انما نريد ان تسنده الى النبي 6 ، فقال 7 أليس في الصلاة؟ فقلنا بلى ، فقال سلوا عما بدا لكم.

قلنا في كم يجب التقصير ، قال : كان ابن مسعود يقول : لا يغرنكم سوادنا هذا وكان يقول فلان ، قال ، قلت : انا استثنينا عليك الا تحدثنا الا عن نبي الله 6 قال : والله انه لقبيح لشيخ يسئل عن مسئلة في الصلاة عن النبي 6 لا يكون عنده فيها شي‌ء وأقبح من ذلك أن أكذب على رسول الله 6 قلنا فمسألة أخرى! فقال أليس في الصلاة؟ قلنا بلى قال : فسلوا عما بدا لكم.

قلنا : على من تجب الجمعة؟ قال : عادت المسألة جذعة ما عندي في هذا عن رسول الله 6 شي‌ء ، قال : فاردنا الانصراف ، فقال : انكم لم تسألوا عن هذا الا‌


وعندكم منه علم ، قال قلت نعم ، أخبرنا محمد بن مسلم الثقفي عن محمد بن علي عن أبيه عن جده عن النبي 6 ، فقال الثقفي الطويل اللحية؟ فقلنا نعم.

قال : أما أنه لقد كان مأمونا على الحديث ، ولكن كانوا يقولون انه خشبي ثم قال ما ذا روى؟ قلنا روى عن النبي 6 ان التقصير يجب في بريدين ، واذا اجتمع خمسة أحدهم الامام فلهم أن يجمعوا.

______________________________________________________

قوله (ص) : فلهم أن يجمعوا‌

أن يجمعوا بالتشديد من باب التفعيل ، أي يأتوا بصلاة الجمعة.

قال في الصحاح : وجمع القوم تجميعا ، اي شهدوا الجمعة وقضوا الصلاة فيها (١)

وفي المغرب : وجمعنا أي شهدنا الجمعة او الجماعة وقضينا الصلاة فيها.

وفي النهاية الاثيرية : وفي حديث الجمعة « اول جمعة جمعت بعد المدينة بجواثى » جمعت بالتشديد اي صليت ، ويوم الجمعة سمى به لاجتماع الناس فيه.

وفي حديث معاذ « انه وجد اهل مكة يجمعون في الحجر فنهاهم عن ذلك » اي يصلون صلاة الجمعة ، وانما نهاهم لأنهم كانوا يستظلون بفي‌ء الحجر قبل ان تزول الشمس ، فنهاهم لتقديمهم في الوقت ، وقد تكرر ذكر التجميع في الحديث انتهى كلامه (٢).

جواثى ـ بضم الجيم وتخفيف الواو والثاء المثلثة ـ اسم حصن بالبحرين ، والمسجد الجامع المسجد الذي انعقدت فيه صلاة الجمعة.

وقال الجوهري : والمسجد الجامع وان شئت قلت مسجد الجامع بالاضافة كقولك الحق اليقين وحق اليقين ، بمعنى مسجد اليوم الجامع وحق الشي‌ء اليقين ، لان اضافة الشي‌ء الى نفسه لا تجوز الا على هذا التقدير ، وكان الفراء يقول : العرب تضيف الشي‌ء الى نفسه لاختلاف اللفظين (٣).

__________________

(١) الصحاح : ٣ / ١٢٠٠‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ١ / ٢٩٧‌

(٣) الصحاح : ٣ / ١١٩٩‌


٢٨٠ ـ قال محمد بن مسعود ، حدثني على بن محمد ، قال : حدثني محمد ابن أحمد عن عبد الله بن أحمد الرازي ، عن بكر بن صالح ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، قال : اقام محمد بن مسلم بالمدينة أربع سنين يدخل على أبي جعفر 7 يسأله ، ثم كان يدخل على جعفر بن محمد يسأله ، قال ابن أحمد : فسمعت عبد الرحمن بن الحجاج ، وحماد بن عثمان يقولان : ما كان أحد من الشيعة أفقه من محمد بن مسلم.

قال ، فقال محمد بن مسلم : سمعت من أبي جعفر 7 ثلاثين ألف حديث ثم لقيت جعفرا ابنه فسمعت منه أو قال : سألته عن ستة عشر الف حديث أو قال : مسألة.

٢٨١ ـ حدثني محمد بن مسعود ، قال : حدثني جعفر بن أحمد ، قال : حدثني العمركى بن علي قال : أخبرني محمد بن حبيب الازدى ، عن عبد الله بن حماد ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الاصم ، عن مديح ، عن محمد بن مسلم ، قال : خرجت الى المدينة وأنا وجع ثقيل.

فقيل له محمد بن مسلم وجع ، فأرسل إليّ أبو جعفر بشراب مع الغلام مغطى بمنديل فناولنيه الغلام وقال لي : اشربه فانه قد أمرني الا أرجع حتى تشربه ، فتناولته فاذا رائحة المسك منه واذا شراب طيب الطعم بارد ، فلما شربته قال لي الغلام يقول لك اذا شربت فتعال ، ففكرت فيما قال لي ولا أقدر على النهوض قبل ذلك على رجلي.

______________________________________________________

قوله : اذا شربت فتعال‌

بفتح اللام على الامر بالاتيان والمجي‌ء من تعالى يتعالى تعاليا.

قال في الصحاح : التعالى الارتفاع ، تقول منه اذا أمرت : تعال يا رجل بفتح اللام ، وللمرأة تعالى ، وللمرأتين تعالى ، وللنسوة تعالين ، ولا يجوز ان يقال منه تعاليت والى اي شي‌ء أتعالى (١).

__________________

(١) الصحاح : ٦ / ٢٤٣٧‌


فلما استقر الشراب في جوفي كأنما نشطت من عقال ، فأتيت بابه فاستأذنت عليه ، فصوت بي : صح الجسم أدخل أدخل ، فدخلت وأنا باك فسلمت عليه وقبلت يده ورأسه ، فقال لي : وما يبكيك يا محمد؟ فقلت جعلت فداك ابكي على اغترابي وبعد الشقة وقلة المقدرة على المقام عندك والنظر إليك.

فقال لي : أما قلة المقدرة : فكذلك جعل الله اوليائنا وأهل مودتنا وجعل البلاء اليهم سريعا ، وأما ما ذكرت من الغربة : فلك بأبي عبد الله اسوة بأرض ناء عنا بالفرات.

وأما ما ذكرت من بعد الشقة : فان المؤمن في هذه الدار غريب ، وفي هذا الخلق المنكوس حتى يخرج من هذه الدار الى رحمة الله.

وأما ما ذكرت من حبك قربنا والنظر إلينا وأنك لا تقدر على ذلك : فالله يعلم ما في قلبك وجزاؤك عليه.

______________________________________________________

وكذلك قال في القاموس : التعالى الارتفاع اذا امرت منه قلت تعال بفتح اللام ولها تعالى (١)

قوله (ع) : فان المؤمن في هذه الدار غريب‌

يعنى 7 بالمؤمن العارف المستيقن ، فانه يعلم ان جوهر ذاته العاقلة من عالم الامر والفيض ، ومستوطن نفسه المجردة في اقليم الحياة والبهجة ، فهو لا محالة انما يرى طائر روحه القدسى غريبا في اقفاص هذه الدار البائدة البائرة المظلمة الموحشة ، التي هي ناحية الاقذار والاخباث وحاشية الارماس والاجداث ، ودارة غسق الطبيعة وكورة ظلمة الهيولي.

وقوله 7 « المنكوس » اما بالجر على صفة هذا الخلق ، والواو العاطفة للعطف على في هذا الدار.

أي في هذا الخلق المنكوس غريب؟ سمي هذا الخلق منكوسا لانصرافهم عن‌

__________________

(١) القاموس : ٤ / ٣٦٦‌


٢٨٢ ـ حدثني محمد بن مسعود ، قال : حدثني جبريل بن أحمد ، عن محمد ابن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن عامر بن عبد الله بن جذاعة قال : قلت لأبي عبد الله 7 : ان امرأتي تقول بقول زرارة ومحمد بن مسلم في الاستطاعة وترى رأيهما؟ فقال : ما للنساء وللرأي والقول لها ، انهما ليسا بشي‌ء في ولاية ، قال : فجئت الى امرأتي فحدثتها ، فرجعت عن ذلك القول.

______________________________________________________

الاستقامة في سمك العالم الاعلى الروحاني الى الانتكاس في سجن العالم الا سفل الظلماني.

واما بالرفع على الخبر ، وتعريفه باللام لإفادة الحصر ، أو ليكون الحمل حملا أوليا ذاتيا لا حملا شايعا متعارفا ، كما هو مفاد تنكير الخبر والعاطف لعطف الجملة على الجملة.

اي والمؤمن العارف في هذا الحق وبين ظهرانيهم هو المنكوس ، حتى يخرج من هذه الدار الى دار رحمة الله وطوار بهاء الله وجوار ملائكة الله.

فان هذه الدار هاوية التسفل ودارة الانتكاس ، فالعارف منتكس متسافل فيها بالضرورة الطبيعية الى أن يخرج الى دار الحياة والبهجة ، ويطأ أرض القرار والاستقامة وان كان في دار البوار قد طار بجناح الموت الارادي في فضاء أوج الحياة الحقيقة.

فأما غير العارف من جملة الخلق فحيث أنهم نسوا الله فأنساهم انفسهم ، فهم بنسيان جوهر ذاتهم وموطن قرارهم قد استأنسوا بهذه الدار الباطلة وأهلها المنتكسين المنكوسين بالارادة وبالطبيعة فليعلم.

قوله (ع) : انهما ليسا بشى‌ء في ولايه‌

أي انهما في القول بالاستطاعة ليسا على شي‌ء من ديننا ، ولا في شي‌ء من ولايتنا.


٢٨٣ ـ حدثني محمد بن مسعود ، قال : حدثني جبريل بن أحمد ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس ، عن أبي الصباح ، قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول : يا أبا الصباح هلك المترئسون في أديانهم منهم زرارة وبريد ومحمد بن مسلم واسماعيل الجعفي ، وذكر آخر لم أحفظ.

٢٨٤ ـ حدثنى محمد بن مسعود ، قال حدثني جبريل بن أحمد ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن عيسى بن سليمان وعدة ، عن مفضل بن عمر ، قال : سمعت ابا عبد الله 7 يقول : لعن الله محمد بن مسلم كان يقول ان الله لا يعلم الشى‌ء حتى يكون.

______________________________________________________

قوله (ع) : لعن الله ـ الى قوله ـ حتى يكون‌

تفصيل القول أن هناك شكا معضلا (١) عويصا ، هو مزلقة الاقدام ومدحضة الافهام ، وذلك أن العلم بالشي‌ء : اما حصولي انطباعي بوجود المعلوم في ذهن العالم وجودا ظليا ، وتمثل صورته فيه تمثلا ارتساميا. واما حضوري انكشافي بحضور جوهر ذات المعلوم بوجوده الاصيل العيني عند العالم منكشفا عليه غير عازب عنه.

واذ قد استبان بالبرهان أن الله سبحانه بنفس حقيقته الحقة القيومية عين الوجود الحق الاصيل المتأصل المتأكد العيني ، فهو بعلو كبريائه متأبه ومتنزه عن الظلية والتمثل مطلقا ، فلا له وجود ظلي تمثلي في ذهن ما من الاذهان ، ولا لشي‌ء من الاشياء فيه وجود ذهني وتقرر ظلي انطباعي أصلا ، بل أن له التأصل الحق والحقية المحضة من كل جهة.

فاذن علمه بكل شي‌ء يجب أن يكون علما حقا حضوريا بحضوره بجوهر ذاته عنده منكشفا متكشفا ، ظاهرا غير عازب ولا متستر ولا محتجب أبدا ، فعلمه تعالى بالاشياء قبل وجودها وتقررها في الاعيان مما تكل عن بيانه ألسنة العقول والاذهان ، وتحار في سبيله أبصار الاحلام والبصائر.

__________________

(١) في « س » مفصلا.


______________________________________________________

فمحمد بن مسلم كأنه قد اعتراه هذا الشك ، ولم يجد عنه مخرجا ومحيصا فوقع فيما وقع.

ونحن قد يسرنا الله بفضله العظيم لتحقيق المعضلات وتبيين المهمات ، حققنا في كتاب التقديسات ، وفي كتاب تقويم الايمان ، وكتاب قبسات حق اليقين ، وفي شرح كتاب التوحيد من كتاب الكافي (١) : أن الجاعل التام الذي من كنه ذاته ينبعث وينبجس جوهر ذات المجعول ، فان ظهور كنه ذاته وحضور سنخ حقيقته أقوى في إفادة انكشاف المجعول ، وظهوره من حضور عين هويته ووجود جوهر ذاته.

فالله سبحان حيث أنه بنفس ذاته الاحدية هو المبدع الصانع الجاعل التام لنظام الكل ، من الصادر الاول الى أقصى نظام الوجود على الترتيب السبي والمسببي ، النازل منه والعائد اليه جل سلطانه طولا وعرضا.

وهو ظاهر بذاته لذاته أتم الظهور ، وعالم بذاته ولوازم ذاته من نفس ذاته على أكمل الوجوه ، وهو تعالى مجده ينال الكل من نفس ذاته ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ، من غير أن يكون لوجود الاشياء مدخلية ما في تصحيح ظهورها لديه وانكشافها عليه أصلا.

فعلمه التام سبحانه بكل شي‌ء قبل وجود الاشياء ومع وجودها على سبيل واحد ليس يزداد بوجود الاشياء علما ولا يستفيد من كونها خبرا ، فهذا سبيل الحق وسنن البرهان.

واذ كان المختلفون الى مولانا الصادق 7 ينسبون الى محمد بن مسلم أنه يقول : ان الله جل وعز انما يعلم الشي‌ء حين هو كائن لا قبل ان يكون ، فهو 7 قال : لعن الله‌

__________________

(١) وهو كتاب « التعليقة على الكافى » المطبوع أخيرا بقم بتحقيقنا وتصحيحنا وتعاليقنا عليه.


في أبى بصير ليث بن البخترى المرادى‌

______________________________________________________

من كان يقول : انه سبحانه لا يعلم الشي‌ء الا حين كونه ، لا قبل كون الاشياء رأسا فليعرف.

في أبى بصير ليث بن البخترى المرادى‌

ليث بن البختري المرادي الضرير هو أبو بصير الاصغر ، وكان يكنى أيضا أبو محمد. وشيخنا المعول عليه في معرفة أحوال الرجال أبو العباس النجاشي ـ رحمه الله تعالى ـ لم يوثقه ولا زاد في ترجمته على أن قال : ليث بن البختري المرادي أبو محمد وقيل : أبو بصير الاصغر ، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله 8 ، له كتاب يرويه جماعة منهم أبو جميلة المفضل بن صالح (١).

وانما وثق أبا بصير الاسدي يحيى بن القاسم وقيل : يحيى بن أبي القاسم المكفوف.

قال في ترجمته : يحيى بن القاسم أبو بصير الاسدي وقيل : أبو محمد ثقة وجيه ، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله 8 ، وقيل : يحيى بن أبي القاسم ، واسم أبي القاسم اسحاق ، وروى عن أبي الحسن موسى 7 ، له كتاب يوم وليلة ـ وذكر طريقه اليه ـ ثم قال : ومات أبو بصير سنة خمسين ومائة (٢)

والشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ أيضا لم يوثقه ولا ذكر له مدحا في الفهرست ولا في كتاب الرجال ، بل اقتصر على مجرد ذكره في أصحاب أبي جعفر الباقر وفي أصحاب أبي الحسن الكاظم 7.

وقال في أصحاب أبي عبد الله الصادق 7 : الليث بن البختري المرادي ابو يحيى ويكنى أبا بصير ، وأسند عنه (٣).

__________________

(١) رجال النجاشى : ٢٤٥.

(٢) رجال النجاشى : ٣٤٤ وفيه سنة خمس ومائة وهو غلط.

(٣) رجال الشيخ : ٢٧٨.


٢٨٥ ـ روى عن ابن أبي يعفور ، قال : خرجت الى السواد أطلب دراهم لنحج‌

______________________________________________________

وقال أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبد الله الغضائري رحمه الله تعالى وكان أبو عبد الله 7 يتضجر به ويتبرم ، وأصحابه يختلفون في شأنه ، ثم قال : وعندي أن اللعن انما وقع على دينه لا على حديثه ، وهو عندي ثقة (١).

وسيذكر أبو عمرو الكشي ـ رحمه الله تعالى ـ في الكتاب أن الذي هو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم قيل : هو أبو بصير المرادي ليث بن البختري الضرير ، وقيل : أنه أبو بصير الاسدي يحيى بن القاسم المولود مكفوفا (٢).

ثم ان الحسن بن داود في باب الكنى من كتابه قال : ان أبا بصير مشترك بين أربعة : المرادي ليث بن البختري وهو ثقة عظيم الشأن. والاسدي المكفوف يحيى ابن أبي القاسم. ويوسف بن الحارث البتري. وعبد الله بن محمد الاسدي (٣).

فشاع من ذلك عند المتأخرين الا حدثين أن الثقة من هؤلاء الاربعة انما هو أبو بصير المرادي ، وأما أبو بصير الاسدي يحيى بن أبي القاسم فحديثه ضعيف. وهذا وهم ليس له أصل.

بل الحق أن أبا بصير الاسدي يحيى بن أبي القاسم المكفوف ثقه ثبت صحيح الحديث ، كما سيظهر عليك من ذي قبل حق الظهور ، نعم علي بن أبي حمزة البطائني الذي يروي عنه ، أكثريا واقفي ضعيف فليعلم.

قوله : خرجت الى السواد‌

أي الى سواد العراق. قال في المغرب : وسمي سواد العراق لخضرة أشجاره وزرعه ، حده طولا من حديثه الموصل الى عبادان ، وعرضا من العذيب‌

__________________

(١) راجع جامع الرواة : ٣ / ٣٤.

(٢) رجال الكشى : ٢٣٨ ط جامعة مشهد.

(٣) رجال ابن داود : ٣٩٢ ـ ٣٩٣.


ونحن جماعة وفينا أبو بصير المرادي ، قال : قلت له يا أبا بصير اتق الله وحج بمالك فأنك ذو مال كثير فقال : اسكت فلو ان الدنيا وقعت لصاحبك لاشتمل عليها بكسائه.

٢٨٦ ـ حدثني حمدويه بن نصير ، قال حدثنا يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، قال سمعت أبا عبد الله 7 يقول بشر المخبتين بالجنة بريد بن معاوية العجلي ، وأبو بصير بن ليث البختري المرادي ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة ، أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه ، لو لا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست.

٢٨٧ ـ حدثني محمد بن قولويه ، قال : حدثني سعد بن عبد الله القمي ، عن محمد بن‌

______________________________________________________

الى حلوان ، وهو الذي فتح على عهد عمر ، وهو أطول من العراق بخمسة وثلاثين فرسخا.

قوله : اسكت فلو أن الدنيا‌

يعني اسكت فان المال الكثير من مكتسب حلال لا بأس به ولا مطعن فيه ، فلو أن الدنيا وقعت لصاحبك من طريق الدين لاشتمل عليها بكسائه.

والسيد جمال الدين بن طاوس في اختياره قال في الجواب عنه : ان الطريق الى ابن يعفور غير متصل فلا عبرة بالحديث ، ثم من صاحبك المشار اليه في الحديث. قلت : وفي جوابه من الوهن ما لا يخفى عنه.

قوله : لو لا هؤلاء انقطعت‌

روى الشيخ ـ ; ـ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : صلى بنا أبو بصير في طريق مكة فقال وهو ساجد ، وقد ضاعت ناقة لهم : اللهم رد على فلان ناقته ، قال محمد : فدخلت على أبي عبد الله فأخبرته فقال : وفعل؟ فقلت : نعم قال : فسكت ، قلت أفأعيد الصلاة؟ قال : لا.

والظاهر أن أبا بصير الذي صلى بهم هو ليث المرادي.


عبد الله المسمعي ، عن علي بن أسباط ، عن محمد بن سنان ، عن داود بن سرحان ، قال سمعت أبا عبد الله 7 يقول : أني لا حدث الرجل الحديث وأنهاه عن الجدال والمراء في دين الله وأنهاه عن القياس ، فيخرج من عندي فيتأول حديثي على غير تأويله ، اني امرت قوما أن يتكلموا ، ونهيت قوما فكل تأول لنفسه يريد المعصية لله ولرسوله ، فلو سمعوا وأطاعوا لا ودعتهم ما أودع أبي أصحابه ، أن أصحاب أبي كانوا زينا أحياء وأمواتا ، أعني زرارة ومحمد بن مسلم ، ومنهم ليث المرادي وبريد العجلي ، وهؤلاء القوامون بالقسط ، وهؤلاء السابقون السابقون أولئك المقربون.

٢٨٨ ـ حدثني حمدويه ، قال : حدثني محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس ابن عبد الرحمن ، عن أبي الحسن المكفوف ، عن رجل ، عن بكير ، قال : لقيت أبا بصير المرادي قلت : أين تريد؟ قال : أريد مولاك قلت : أنا أتبعك ، فمضى معي فدخلنا عليه ، وأحد النظر اليه وقال : هكذا تدخل بيوت الانبياء وأنت جنب؟! قال : أعوذ بالله من غضب الله وغضبك فقال : أستغفر الله ولا أعود.

وروى ذلك أبو عبد الله البرقي عن بكير.

______________________________________________________

قوله : وأحد النظر اليه‌

أحد ـ بفتح الهمزة وتشديد الدال ـ من الحداد بمعنى التحديد والتحديق : كأنه نظر اليه وهو غضبان فهذا الحديث فيه مطعن ما في أبي بصير المرادي ، ولكنه ليس يوجب القدح فيه ، فلعله يومئذ لم يكن يعلم أن مشهد المعصوم في الحياة وبعد الوفاة حكمه حكم المسجد.

والسيد بن طاوس أجاب عنه في اختياره بأن في الطريق ضعفا ، ثم أنه ما قال من المدخول عليه.

قلت : وهذا الجواب ركيك سخيف كما ترى ، والحق ما قلناه فلا تكن من المتكلفين.


٢٨٩ ـ محمد بن مسعود ، قال : حدثني أحمد بن منصور ، عن أحمد بن الفضل ، وعبد الله بن محمد الاسدي ، عن ابن أبي عمير ، عن شعيب العقرقوفي ، عن أبي بصير قال : دخلت على أبي عبد الله 7 فقال لي : حضرت علباء عند موته؟ قال : قلت نعم ، واخبرني أنك ضمنت له الجنة وسألني أن اذكرك ذلك قال : صدق.

قال فبكيت ثم قلت : جعلت فداك فمالي ألست كبير السن الضعيف الضرير البصير المنقطع إليكم؟ فاضمنها لي ، قال : قد فعلت ، قال : قلت اضمنها على آبائك وسميتهم واحدا واحدا ، قال قد فعلت ، قلت : فاضمنها لي على رسول الله 6 قال : قد فعلت ، قال : قلت فاضمنها لي على الله تعالى ، قال : فأطرق ثم قال : قد فعلت.

٢٩٠ ـ الحسين بن إشكيب ، عن محمد بن خالد البرقي ، عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم وابي العباس ، قال : بينا نحن عند أبي عبد الله اذ دخل أبو بصير فقال أبو عبد الله 7 : الحمد الله الذي لم يقدم أحد يشكو أصحابنا العام ، قال هشام : فظننت انه يعرض بأبي بصير.

٢٩١ ـ حمدويه ، قال حدثنا يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن شعيب العقرقوفي ، قال : قلت لأبي عبد الله 7 : ربما احتجنا أن نسأل عن الشي‌ء فمن نسأل؟ قال عليك بالاسدي ، يعنى أبا بصير.

______________________________________________________

قوله : فظننت أنه يعرض‌

يعرض بالتشديد على صيغة المضارع المعلوم من التعريض.

قوله : يعنى أبا بصير‌

كلام شعيب العقرقوفي ، وهو ابن اخت أبى بصير الاسدي يحيى بن أبي القاسم المكفوف ، ثقة عين ممدوح جليل المنزلة ، من أصحاب أبي عبد الله الصادق وأبي الحسن الكاظم 8 فهذا الحديث واضح المتن صحيح الطريق اتفاقا.

وقد اعترف بذلك السيد المكرم جمال الدين بن طاوس في اختياره.


٢٩٢ ـ حمدان ، قال حدثنا معاوية ، عن شعيب العقرقوفي ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله 7 عن امرأة تزوجت ولها زوج فظهر عليها؟ قال : ترجم المرأة ويضرب الرجل مائة سوط لأنه لم يسأل.

قال شعيب : فدخلت على أبي الحسن 7 فقلت له : امرأة تزوجت ولها زوج قال : ترجم المرأة ولا شي‌ء على الرجل ، فلقيت أبا بصير فقلت له : اني سألت أبا الحسن 7 عن المرأة التي تزوجت ولها زوج ، قال : ترجم المرأة ولا شي‌ء على الرجل ، قال : فمسح على صدره وقال : ما أظن صاحبنا تناهى حكمه بعد.

______________________________________________________

وهو أول النصوص على جلالة أبي بصير الاسدي المكفوف في الثقة والفقه والعلم وصحة الحديث وارتفاع المرتبة.

وبالجملة قول رهط من المتأخرين في رميه بالضعف والوقف مما لا مأخذ له أصلا ، وهو والمرادي كلاهما ثقتان صحيحا الحديث ، وسيجي‌ء في الكتاب نقل الاجماع على تصحيح ما يصح عنهما والاقرار لهما بالفقه.

بل الحق أن الاسدي أحق باستصحاح حديثه من المرادي ، لشهادة النجاشي له بانه ثقة وجيه. وعدم توثيقه للمرادي ، ولسلامته عن الذم في الروايات والاخبار فلا تكن من الغافلين.

قوله : عن شعيب العقرقوفى عن أبى بصير‌

أي المرادي كما يصرح به في الحديث الآتي.

قوله : فظهر عليها‌

أي فعلت زوجها عليها وأثبت عند الحاكم زوجتها له.

قوله : فمسح على صدره‌

انما مسح على صدره عند قوله : هذا ، لان الصدر موضع العلم.

قوله : تناهى حكمه بعد‌

اما بكسر الحاء المهملة واسكان اللام بمعنى العلم ، أو بضم الحاء وتسكين‌


٢٩٣ ـ علي بن محمد ، قال حدثني محمد بن أحمد ، عن محمد بن الحسن ، عن صفوان ، عن شعيب بن يعقوب العقرقوفي ، قال : سألت أبا الحسن 7 عن رجل تزوج امرأة ولها زوج ولم يعلم؟ قال : ترجم المرأة وليس على الرجل شي‌ء اذا لم يعلم ، فذكرت ذلك لأبي بصير المرادي ، قال : قال لي والله جعفر ترجم المرأة ويجلد الرجل الحد ، وقال بيده على صدره يحكّها : اظن صاحبنا ما تكامل علمه.

٣٩٤ ـ علي بن محمد ، قال حدثني محمد بن أحمد بن الوليد ، عن حماد بن عثمان‌

______________________________________________________

الكاف بمعنى كمال العلم والحكمة كما في ( رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً ) (١).

وحيث أن هذا الحديث كان في زمان الصادق 7 وأبو الحسن 7 ، لم يكن يومئذ اماما ، وعلم الامام انما يتكامل فيضانه من المبدأ الفياض على قلبه حين ما تصل نوبة الامامة اليه.

فمعنى كلام أبي بصير : ان صاحبنا أبا الحسن 7 اذ ليس هو الامام اليوم لم يتناه علمه ولم يبلغ نهاية الكمال واتمام بعده ، بل انما يبلغ النهاية عند ما تنتقل اليه الامامة.

ويرد عليه أن الامر وان كان كذلك الا أن ملكة العصمة عاصمة للنفس باذن الله تعالى عن الوقوع في الخطأ.

فالحق أن يقال : ان قول أبي الحسن 7 فيما اذا كان الرجل المتزوج بها لم يعلم رأسا أن لها زوجا ، وقول ابي عبد الله 7 فيما اذا كان يعلم ذلك ثم عقد عليها ونكحها من غير أن يثبت عند الحاكم موت زوجها ببينة شرعية ، فالقولان غير متدافعين.

والسيد بن طاوس في الجواب عن الحديث تجشم القدح في الطريق لمطالبه (٢) باتصال السند واعتباره ، وفيه مالا يخفى على الممارس المتمهر.

__________________

(١) سورة الشعراء : ٨٣‌

(٢) وفي « م » بالمطالبة‌


قال : خرجت أنا وابن أبي يعفور وآخر الى الحيرة أو الى بعض المواضع فتذاكرنا الدنيا ، فقال أبو بصير المرادي : أما أن صاحبكم لو ظفر بها لاستأثر بها ، قال : فأغفى فجاء كلب يريد أن يشغر عليه فذهبت لا طرده ، فقال لي ابن أبي يعفور : دعه قال : فجاء حتى شغر في أذنه.

______________________________________________________

قوله : الى الحيرة أو الى بعض المواضع‌

قال في المغرب : الحيرة بالكسر مدينة كان يسكنها النعمان بن المنذر وهي على رأس ميل من الكوفة.

وفي القاموس : ان الحيرة بالكسر كربلا أو موضع بها (١).

وفي النهاية الاثيرية : الحيرة بكسر الحاء البلد القديم بظهر الكوفة (٢).

قوله : لو ظفر بها لاستأثر بها‌

الكلام فيه نظير ما سبق في « لاشتمل عليها بكسائه » ‌

وقال السيد بن طاوس : مقتضاه أن الصادق 7 لو ظفر بالخلافة لاستاثر بها وان لم يصرح بالصادق 7 لكن الظاهر هذا. ثم قال : أقول ان هذا حديث حسن السند ، وانما القول في متنه حسب ما أسلفت.

قلت : سنده صحيح ومحمد بن أحمد بن الوليد ، هو محمد بن الوليد البجلى أبو جعفر الكوفي الحداد الثقة النقي الحديث ، وقد أسلفنا تحقق حاله في الحواشي.

قوله : فأغفى فجاء كلب يريد أن يشغر عليه‌

غفى غفوا نام أو نعس ، وكذلك أغفى إغفاء. وشغر الكلب يشغر بالفتح فيهما من باب منع رفع رجله فبال.

__________________

(١) القاموس : ٢ / ١٦ وفيه وحيران‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ١ / ٤٦٧‌


٢٩٥ ـ حمدويه وابراهيم قال : حدثنا العبيدي ، عن حماد بن عيسى ، عن الحسين ابن مختار ، عن أبي بصير ، قال : كنت أقرئ امرأة كنت أعلمها القرآن ، قال : فمازحتها بشي‌ء ، قال فقدمت على أبي جعفر 7 ، قال ، فقال لي : يا ابا بصير اي شي‌ء قلت للمرأة؟ قال : قلت بيدي هكذا ، وغطا وجهه ، قال ، فقال لي : لا تعودن اليها.

٢٩٦ ـ محمد بن مسعود ، قال : سألت علي بن الحسن بن فضال عن أبى بصير فقال : وكان اسمه يحيى بن أبي القاسم ، فقال : أبو بصير كان يكنى أبا محمد وكان‌

______________________________________________________

وفي القاموس : رفع احدى رجليه ليبول بال أو لم يبل (١).

قوله : فقال : وكان اسمه يحيى بن أبى القاسم‌

قلت : وقيل : اسم أبيه القاسم ، وأما يحيى بن القاسم الازدي الحذاء فهو رجل آخر غير أبي بصير الازدي المكفوف يحيى بن القاسم ، وهو أيضا من أصحاب الصادق والكاظم 8. وقيل فيه : انه كان واقفيا.

والشيخ ذكر هما كليهما في كتاب الرجال (٢) وليا من غير فصل ، وكذلك السيد المكرم جمال الدين احمد بن طاوس في كتابه واختياره.

وأبو عمرو الكشي روى عن حمدويه أنه ذكر عن بعض أشياخه أن يحيى بن القاسم الحذاء الازدي واقفي ، وأنه روى عن أبي بصير الاسدي يحيى بن القاسم المكفوف عن الصادق 7.

وروى الكشي أيضا في حديث آخر أن يحيى بن القاسم الحذاء الازدي رجع عن الوقف ، وأوردهما السيد بن طاوس في اختياره.

ثم ان رهطا من المتأخرين توهم اتحاد الرجلين ، كأنهم عن ذلك كله من الذاهلين ، فبناء على وهمهم الكاذب هذا زعموا أنه قد قيل في أبي بصير الاسدي‌

__________________

(١) القاموس : ٢ / ٦٠‌

(٢) رجال الشيخ : ص ٣٦٤‌


مولى لبنى أسد وكان مكفوفا ، فسألته هل يتهم بالغلو؟ فقال : أما الغلو : فلا لم يتهم ، ولكن كان مخلطا.

______________________________________________________

المكفوف أنه واقفي ، وان هو الازور واختلاق ، ولذلك لم يورد ابو الحسين أحمد ابن الغضائري فيه طعنا وغميزة فليعلم.

قوله : وسألته هل يتهم بالغلو؟ فقال : اما الغلو فلا‌

قلت : كما من الاختلاق اتهامه بالغلو فكذلك من التكاذيب نسبته الى الواقفة أليس قد قال النجاشي : أن أبا بصير الاسدي يحيى بن أبي القاسم المكفوف مات سنة خمسين ومائة (١)؟

وكذلك الشيخ في كتاب الرجال قال في أصحاب أبي عبد الله الصادق 7 يحيى بن القاسم أبو محمد يعرف بأبي بصير الاسدي مولاهم كوفي تابعي مات سنة خمسين ومائة بعد أبي عبد الله 7 (٢)؟

وقال في الفهرست : يحيى بن القاسم يكنى أبا بصير ، له كتاب مناسك الحج ، رواه علي بن أبي حمزة ، والحسين بن أبي العلاء عنه (٣)

ومات سنة خمسين ومائة ومولانا أبو عبد الله الصادق 7 قبض بالمدينة في شوال ، وقيل : في منتصف رجب يوم الاثنين سنة ثمان وأربعين ومائة.

وقبض مولانا أبو الحسن الكاظم 7 مسموما ببغداد في حبس السندي بن شاهك لست بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة وقيل : لخمس خلون من رجب سنة احدى وثمانين ومائة.

فيكون أبو بصير يحيى بن أبى القاسم قد توفى بعد الصادق 7 لسنتين وقبل الكاظم 7 بثلاث وثلاثين سنة أو احدى وثلاثين سنة.

__________________

(١) رجال النجاشى : ٣٤٤‌

(٢) رجال الشيخ : ٣٣٣‌

(٣) الفهرست : ٢٠٧‌


______________________________________________________

والواقفة هم الذين بعد الكاظم 7 ذهبوا الى الوقف عليه وقالوا : انه حي لم يمت وأنه الامام القائم ، ولم يقولوا بامامة مولانا الرضا علي بن موسى 7.

فاذن الطعن في أبي بصير بالوقف من باب الجهل بأحوال الرجال ، ونسبة ذلك الى الشيخ في كتاب الرجال في باب أصحاب أبي عبد الله ، أو في باب أصحاب أبي الحسن الكاظم 7 أيضا اختلاق وافتراء عليه ، وما وقع إلينا من نسخ كتاب الرجال غير موجود في شي‌ء منه ما يدل عليه أصلا.

وأقول : لعل منشأ التباس الامر على القاصرين ؛ أن يحيى بن القاسم أبا بصير الاسدي ، ويحيى بن القاسم الحذاء الازدي رجلان ذكرهما الشيخ في أصحاب الصادق 7 ولاء ، وكذلك السيد بن طاوس في كتابه وفي اختياره ، وقد قيل في يحيى بن القاسم الحذاء الازدي : أنه واقفى ، فظن أنهما واحد فنسب الى أبي بصير الاسدي أنه مرمي بالوقف.

فأما ما رواه أبو عمرو الكشي في الكتاب عن حمدويه عن بعض أشياخه أن يحيى بن القاسم الحذاء الازدي واقفي ، وأنه عن أبي بصير عن الصادق 7 قال : ان جاءكم من يخبركم أن ابني هذا ـ يعنى به أبا الحسن موسى 7 ـ مات ولبن وقبر ونفضوا أيديهم من تراب قبره فلا تصدقوا.

ففيه أولا أن في الطريق الحسن أو الحسين بن قياما وهو واقفي عنيد ملعون لا يعبأ بروايته.

وثانيا أن معنى كلام الصادق 7 على تقدير صحة الرواية : ان من جاءكم يخبركم أن ابني موسى مات في زمني كما مات ابني اسماعيل فلا تصدقوه ، فانه امام الخلق بعدي. وليس المراد أنه الامام المهدي القائم المعهود بعدي.

وبالجملة جلالة أبي بصير الاسدي يحيى بن القاسم مما ليس يخفى على متمهر‌


٢٩٧ ـ محمد بن مسعود ، قال : حدثني جبريل بن أحمد ، قال : حدثني محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن حماد الناب ، قال : جلس أبو بصير على باب أبي عبد الله 7 ليطلب الاذن ، فلم يؤذن له ، فقال : لو كان معنا طبق لإذن ، قال : فجاء كلب فشغر في وجه أبي بصير ، قال : أف أف ما هذا؟ قال جليسه : هذا كلب شغر في وجهك.

______________________________________________________

في علم الرجال ، وكفاه ما رواه الكشي عن حمدويه عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن شعيب العقرقوفى قال قلت : لأبي عبد الله 7 ربما احتجنا أن نسأل عن الشي‌ء فمن نسأل؟ قال : عليك بالاسدى يعني أبا بصير.

وروايات ضمان الصادق 7 له ، فلا تكونن من الممترين.

قوله : لو كان معنا طبق لإذن‌

في القاموس : الطبق محركة غطاء كل شي‌ء والذي يؤكل عليه ، ومن الناس والجراد الكثير ، أو الجماعة كالطبق بالكسر ومنه ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ) (١).

وفي مفردات الراغب : ذلك اشارة الى أحوال الانسان من ترقيه في أحوال شتى. وقيل : لكل جماعة متطابقة في أمر طبق (٢) ، وقيل : الناس طبقات (٣).

وفي الصحاح : الطبق واحد الاطباق ، ويقال : أتانا طبق من الناس وطبق من الجراد ، أي جماعة وطبقات الناس منازلهم في مراتبهم (٤).

وفي مجمل اللغة : الطبق الحال.

قال ابن الاثير : وقيل : الطبق المنزلة والطبقات المنازل والمراتب (٥).

__________________

(١) القاموس : ٣ / ٢٥٥ والاية سورة الانشقاق : ١٩.

(٢) وفي المصدر : لكل جماعة متطابقة هم في أم طبق.

(٣) مفردات الراغب : ٣٠١‌

(٤) الصحاح : ٤ / ١٥١٢‌

(٥) نهاية ابن الاثير : ٣ / ١١٤‌


٢٩٨ ـ محمد بن مسعود ، قال : حدثني علي بن محمد القمي ، عن محمد بن أحمد ، عن أحمد بن الحسن ، عن علي بن الحكم ، عن مثنى الحناط ، عن أبي بصير قال : دخلت على أبي جعفر 7 قلت : تقدرون أن تحيوا الموتى وتبرءوا الاكمه والابرص؟ فقال لي : باذن الله.

______________________________________________________

ويوم مطبق اذا أطبق الغيم السماء وطبقها وغطاها ، والطبق أيضا ما توضع عليه الفواكه ونحوها.

وكلام أبي بصير يحتمل الحمل على أكثر هذه المعاني ، فمعناه لو كان معنا جماعة لأذن لنا ، أو لو كان معنا حال أو منزلة لأذن لنا ، أو لو كان معنا من يكون مغطى على أمره متهما في دينه لأذن لنا من باب التقية والخوف.

وأما أنا فحيث أني رجل ضرير مسكين غير مطبق بضم الشك في ديني فلم يؤذن لي.

فهذا فيه حزازة من سوء الادب غير مفضية الى الخروج عن سبيل الدين.

فأما اذا أريد به لو كان معنا طبق موضوع عليه شي‌ء من الهدايا لأذن لنا ، فهو كما قال السيد بن طاوس في اختياره : ما أبعد هذا من الحق والحجة (١) من القول ، أين مناسبة هذا القول لعلو مكان مولانا الصادق 7 وجلالة قدره ، نعوذ بالله من اتباع الهوى والوقوع في الفتنة ونستعين.

قوله : عن مثنى الحناط‌

الذي يظهر من الكتاب في هذا الموضع ومما قد سبق في ترجمة زرارة أن أبا بصير هذا هو الليث المرادي الضرير ، والمشهور أنه الاسدي يحيى بن أبي القاسم المكفوف ، وعندي أن القصة وقعت لهما كليهما.

وقال علي بن أحمد العقيقي : يحيى بن القاسم الاسدي مولاهم ولد مكفوفا ،

__________________

(١) وفي نسخة « م » وأسمجه من القول.


ثم قال ادن مني فمسح على وجهي وعلى عيني ، فأبصرت السماء والارض والبيوت ، فقال لي : أتحب أن تكون كذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة أم تعود كما كنت ولك الجنة الخالص؟ قلت : أعود كما كنت ، فمسح على عيني فعدت.

في أبى بصير عبد الله بن محمد الاسدى‌

٢٩٩ ـ طاهر بن عيسى ، قال : حدثني جعفر بن أحمد الشجاعي ، عن محمد ابن الحسين ، عن احمد بن الحسن الميثمي ، عن عبد الله بن وضاح ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله 7 عن مسألة في القرآن؟ فغضب وقال : انا رجل تحضرني قريش وغيرهم وانما تسألني عن القرآن ، فلم أزل أطلب اليه وأتضرع حتى رضي ، وكان عنده رجل من اهل المدينة مقبل عليه.

فقعدت عند باب البيت على بثي وحزني ، اذ دخل بشير الدهان فسلم وجلس عندي ، وقال لي سله عن الامام بعده؟ فقلت : لو رأيتني مما قد خرجت من هيئة لم تقل لي سله ، فقطع أبو عبد الله 7 حديثه مع الرجل ، ثم أقبل فقال : يا أبا محمد ليس لكم أن تدخلوا علينا في أمرنا وانما عليكم أن تسمعوا وتطيعوا اذا أمرتم.

في عبد الملك بن أعين أبى الضريس‌

٣٠٠ ـ حدثني حمدويه ، قال : حدثني محمد بن عيسى ، عن أبي نصر ، عن‌

______________________________________________________

رأى الدنيا مرتين ؛ مسح أبو عبد الله 7 على عينيه وقال : انظر ما ترى؟ فقال : أرى كوة في البيت وقد أرانيها أبوك من قبلك.

في عبد الملك بن أعين أبى الضريس‌

أبو الضريس بضم الضاد المعجمة على التصغير.

قال في القاموس. وكزبير علم (١).

__________________

(١) القاموس : ٢ / ٢٢٥‌


الحسن بن موسى ، عن زرارة ، قال : قدم ابو عبد الله مكة ، فسأل عن عبد الملك ابن أعين؟ فقال : مات؟ قيل نعم فقال : لا ولكن صلى هاهنا ، ورفع يديه ودعا له واجتهد في الدعاء وترحم عليه.

______________________________________________________

والصدوق أبو جعفر بن بابويه ـ رضوان الله تعالى عليه ـ في مسندة كتاب من لا يحضره الفقيه في ذكر أسناده عن عبد الملك بن أعين قال : وكنيته أبو ضريس وزار الصادق 7 قبره بالمدينة مع أصحابه (١). وذلك أدل دليل على علو مرتبته وارتفاع منزلته فليعرف.

قوله : قال قدم أبو عبد الله مكة‌

قلت : الظاهر أن لفظة « من » سقطت هاهنا من قلم الناسخ ، فان عبد الملك بن أعين مات بالمدينة وقبره هناك وأبو عبد الله 7 لما قدم من مكة زار قبره بالمدينة مع أصحابه ، كما قد نقلناه عن الصدوق في مسندة الفقيه فليعلم.

قوله : فقال لا ، ولكن صلى هاهنا‌

ولكن صلى اما أنه تتمة كلام الامام 7 ، ورفع يده أول كلام زرارة ، وصلى بمعنى تلا السابق في السابقة : وهو مأخوذ من الصلا بالفتح والقصر أي الظهر من الانسان.

أو من كل ذي أربع ، أو ما انحدر من الوركين ، أو ما عن يمين الذئب وشماله ، وهما صلوان ، والمصلي تالي السابق مطلقا.

أو في الفرس على الحقيقة ، وفي الانسان على الاستعارة ، يقال : صلى الفرس المصلى ، وهو الذي يتلو السابق ، لان رأسه عند صلا الفرس الاول.

يعني 7 أن عبد الملك بن أعين لم يمت ، بل هو من الاحياء المرزوقين الفرحين عند ربهم رزقا قدسيا روحانيا ، وفرحا أبديا عقلانيا ، ولكنه بموته الظاهري‌

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٩٧‌


٣٠١ ـ علي بن الحسن ، قال : حدثني علي بن أسباط ، عن علي بن الحسن بن عبد الملك بن أعين ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، قال ، قال لي أبو عبد الله 7 بعد موت عبد الملك بن أعين : اللهم ان أبا الضريس كنا عنده خيرتك من خلقك ، فصيره في ثقل محمد 6 يوم القيامة ، ثم قال أبو عبد الله : أما رأيته يعني في النوم؟ فتذكرت فقلت : لا ، فقال : سبحان الله مثل أبي الضريس لم يأت بعد.

______________________________________________________

الجسداني هاهنا.

وفي نسخ عديده « ما هنا » بالميم مكان الهاء ، أي في هذه النشأة البائدة البائرة صلى ، أي تلا من سبقه في السباق الى الحياة الحقيقية العقلية والبهجة الحقة الالهية.

وفي بعض النسخ « صلى هنيئة هنا » أي تلا السابق في السباق هنا شيئا يسيرا ، واما أنه أول كلام زرارة وصلى هاهنا أي أتى هاهنا بالصلاة.

والمعنى أنه 7 قال بلسانه لا : أي لم يمت عبد الملك ولكنه 7 صلى في هذا الموضع ورفع يده بعد الصلاة ودعا لعبد الملك واجتهد في الدعاء له ، وترحم عليه كما يترحم على الميت ويدعا له ، فعلم من فعله 7 أنه انما عني بقوله لا نفي الموت الحقيقي واثبات الحياة الابدية الحقيقية ، ولم يعن به نفي الموت الظاهر الجسماني ، فليفقه.

قوله 7 : فصيره في ثقل محمد صلواتك عليه‌

ثقل الرجل ـ بالتحريك ـ حشمه أي قرابته وعياله ومن يغضب له ويذب عنه ، اذا أصابه أمر ونزلت به ملمة ، وثقل المسافر متاعه وأهل حزانته.

يعني 7 : ان أبا ضريس كان يعتقد أنا خيرتك من خلقك ، فاجعله من حشم محمد 6 وأهل حزانته صلواتك عليه وآله ، وصيره يوم القيامة في زمرتهم ومن جملتهم (١).

__________________

(١) وفي « ن » جماعتهم.


٣٠٢ ـ حمدويه ، قال : حدثني يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن علي ابن عطيه قال قال أبو عبد الله 7 لعبد الملك بن أعين : كيف سميت ابنك ضريسا؟

فقال : كيف سماك أبوك جعفرا؟ قال : ان جعفرا نهر في الجنة وضريس اسم شيطان.

في حمران بن أعين‌

٣٠٣ ـ حمدويه ، قال : حدثني محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام ابن الحكم ، عن حجر بن زايدة عن حمران بن أعين ، قال قلت لأبي جعفر 7 اني أعطيت الله عهدا ، لا اخرج من المدينة حتى تخبرني عما أسألك ، قال ، فقال لي : سل قال ، قلت : أمن شيعتكم أنا؟ قال : نعم في الدنيا والآخرة.

٣٠٤ ـ محمد ، قال : حدثني محمد بن عيسى ، عن زياد القندى ، عن أبي عبد الله 7 أنه قال في حمران : انه رجل من أهل الجنة.

محمد بن شاذان ، عن الفضل بن شاذان ، قال : روى عن ابن أبي عمير ، عن عدة من اصحابنا ، عن أبي عبد الله 7 قال ، كان يقول : حمران بن أعين مؤمن لا يرتد والله أبدا.

٣٠٥ ـ محمد بن مسعود ، قال : حدثنا علي بن الحسين بن علي بن فضال ، قال : حدثني العباس بن عامر ، عن أبان بن عثمان ، عن الحارث بن المغيرة ، قال قال حمران بن أعين : ان الحكم بن عيينه ،

______________________________________________________

ثم قال أبو عبد الله 7 لزرارة : أما رأيته؟ يعني أبا ضريس في النوم ، قال زرارة فتذكرت من حالي فقلت : لا فقال 7 : سبحان الله مثل أبي الضريس لم يأت بعد؟! وهو تعريض لزرارة.

في حمران بن أعين

قوله : أن الحكم بن عيينه‌

الدائر على الالسن في المشهور مطابقا لما في المغرب والقاموس وغيرهما من‌


يروي عن علي بن الحسين 7 أن علم علي 7 في أية مسأله فلا يخبرنا.

قال حمران : سألت أبا جعفر 7؟ فقال : ان علينا 7 كان بمنزلة صاحب سليمان وصاحب موسى ولم يكن نبيا ولا رسولا ، ثم قال : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث ، قال فعجب أبو جعفر.

______________________________________________________

كتب اللغة « عيينة » بياءين مثناتين من تحت بعد العين المهملة المضمومة ثم النون.

وقال العلامة ـ رحمه الله تعالى ـ في الايضاح والخلاصة (١) وطابقه الحسن ابن داود في كتابه (٢) : « الحكم بن عتيبة » بالتاء المنقطة فوقها نقطتين بعد العين والياء المنقطة تحتها نقطتين والباء المنقطة تحتها نقطة ، وكذلك ضبطه بعض علماء العامة أيضا.

قوله : يروى عن على بن الحسين :

يعني قال حمران بن أعين : ان الحكم كان يروي عن علي بن الحسين : أن علم علي 7 في أية مرتبة ومنزلة يصح أن يسأل عنها ويستخبر عن درجتها ، ولكن كان لا يخبرنا بذلك.

فسألت أبا جعفر 7 عن حقيقة الامر ، فقال 7 : ان عليا 7 لم يكن رسولا ولا نبيا بل كان محدثا ، منزلته في هذه الامة في العلم المنزل على قلبه باذن الله سبحانه منزلة آصف بن برخيا صاحب سليمان ، وخضر صاحب موسى 8 في الامم السابقة ، وان كان علي 7 منزلته أعلى من منزلتهما وأعظم ، ثم قال 7 في تأويل ما في التنزيل الكريم ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ) ولا محدث الاية » (٣).

ثم قال حمران : واذ ذكرت ذلك لأبي جعفر 7 تعجب أبو جعفر 7 من أمر الحكم بن عيينة.

__________________

(١) الخلاصة : ٢١٨‌

(٢) رجال ابن داود : ٤٤٩‌

(٣) سورة الحج : ٥٢‌


٣٠٦ ـ محمد بن مسعود ، قال : حدثني علي بن الحسن ، عن العباس بن عامر ، عن أبان ، عن الحارث ، قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول : ان حمران كان يقول نمد الحبل ، من جاوزه من علوى وغيره برئنا منه.

٣٠٧ ـ حدثني محمد بن الحسن البرناني ، وعثمان بن حامد ، قالا : حدثنا محمد ابن يزداد ، عن محمد بن الحسين ، عن الحجال ، عن العلاء بن رزين القلاء ، عن ابي خالد الاخرس ، قال قال حمران بن أعين ، لأبي جعفر 7 : جعلت فداك أني حلفت ألا أبرح المدينة حتى أعلم ما أنا ، قال : فقال أبو جعفر 7 : فتريد ما ذا يا حمران؟ قال : تخبرني ما أنا؟ قال : أنت لنا شيعة في الدنيا والآخرة.

٣٠٨ ـ حمدويه بن نصير ، قال : حدثني محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير عن ابن أذينه ، عن زرارة ، قال : قدمت المدينة وأنا شاب أمرد ، فدخلت سرادقا لأبي جعفر 7 بمنى ، فرأيت قوما جلوسا في الفسطاط وصدر المجلس ليس فيه أحد ورأيت رجلا جالسا ناحية يحتجم ، فعرفت برأيي أنه أبو جعفر 7 فقصدت نحوه فسلمت عليه ، فرد السّلام علي ، فجلست بين يديه والحجام خلفه.

فقال : امن بني أعين أنت؟ فقلت ، نعم أنا زرارة بن أعين ، فقال : انما عرفتك بالشبه ، احج حمران؟ قلت : لا وهو يقرئك السّلام ، فقال : انه من المؤمنين حقّا لا‌

______________________________________________________

ويحتمل أن يكون أبو جعفر كنية للحكم أيضا ، وان كان يكنى أبا محمد فيكون المعنى : اني ذكرت قول أبي جعفر 7 للحكم فعجب منه ، والله سبحانه أعلم.

قوله : نمد الحبل من جاوزه‌

يعني نحن نمد حبل الدين الحنيف القويم والصراط السوي المستقيم ، من لدن رسول الله ووصيه علي بن أبي طالب ، ثم الائمة الاوصياء الطاهرين من ولده الى الامام الثاني عشر المهدي القائم الموعود ، فمن جاوز هذا الحبل علويا كان أو غير علوي تبر أنا منه.


يرجع أبدا ، اذا لقبته فاقرئه مني السّلام ، وقل له : لم حدثت الحكم بن عيينة عني أن الاوصياء محدثون لا تحدثه وأشباهه بمثل هذا الحديث.

فقال زرارة : فحمدت الله تعالى وأثنيت عليه فقلت : الحمد لله ، فقال هو الحمد لله ثم قلت أحمده وأستعينه ، فقال : هو أحمد وأستعينه ، فكنت كلما ذكرت الله في كلام ذكره كما أذكره حتى فرغت من كلامي.

٣٠٩ ـ حدثني الحسين بن الحسن بن بندار القمي ، قال : حدثني سعد بن عبد الله القمي ، قال : حدثنا عبد الله الحجال ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة ، قال : لوددت أن كل شي‌ء في قلبي في قلب أصغر انسان من شيعة آل محمد 6.

٣١٠ ـ وبهذا الاسناد : عن الحجال ، عن صفوان ، قال : كان يجلس حمران مع أصحابه فلا يزال معهم في الرواية عن آل محمد 6 فان خلطوا في ذلك بغيره ردهم اليه ، فان صنعوا ذلك عدل ثلاث مرات قام عنهم وتركهم.

٣١١ ـ اسحاق بن محمد قال : حدثنا علي بن داود الحداد ، عن حريز بن عبد الله ، قال كنت عند أبي عبد الله 7 فدخل عليه حمران بن أعين وجويرية بن أسماء ، فلما خرجا قال : أما حمران فمؤمن ، وأما جويرية فزنديق لا يعلم أبدا ، فقتل هارون جويرية بعد ذلك.

٣١٢ ـ يوسف بن السخت قال : حدثني محمد بن جمهور ، عن فضالة بن أيوب ،

______________________________________________________

قوله : حدثنى محمد بن جمهور‌

قال النجاشي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه : محمد بن جمهور أبو عبد الله القمي ضعيف الحديث فاسد المذهب وقيل فيه أشياء الله أعلم بها من عظمها ، روى عن الرضا 7 (١).

وكذلك الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ في كتاب الرجال في أصحاب أبي الحسن‌

__________________

(١) رجال النجاشى : ٢٦٠‌


عن بكير بن أعين ، قال : حججت أول حجة فصرت الى منى ، فسألت عن فسطاط أبي عبد الله 7 فدخلت علية ، فرأيت في الفسطاط جماعة فأقبلت أنظر في وجوههم فلم أره فيهم ، وكان في ناحية الفسطاط يحتجم ، فقال : هلم إلي! ثم قال : يا غلام أمن بني أعين أنت؟ قلت : نعم جعلني الله فداك قال : أيهم أنت؟ قلت : أنا بكير بن أعين ، قال لي : ما فعل حمران؟ قلت : لم يحج العام على شوق شديد منه إليك ، وهو يقرأ عليك السّلام ، فقال : عليك وعليه السلام ، حمران مؤمن من أهل الجنة لا يرتاب أبدا لا والله لا والله لا تخبره.

الى هنا انتهى الجزء الثاني ويتلوه في الجزء الثالث حدثني محمد بن مسعود قال حدثني علي بن محمد. والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين.

______________________________________________________

الرضا 7 قال : محمد بن جمهور العمي عربي بصري غال (١).

وقال في باب لم : محمد بن الحسن بن جمهور العمي ، روى سعد عن أحمد ابن الحسين بن سعيد عنه (٢).

وهذا يدل على التعدد ، ولكن في الفهرست قال ، محمد بن الحسن بن الجمهور العمي البصري له كتب ، جماعة منها كتاب الملاحم ، وكتاب صاحب الزمان وله الرسالة الذهبية عن الرضا 7 ، وله كتاب وقت خروج القائم 7. ثم ذكر طريقه اليه بالاسناد عن العمركي بن علي عن محمد بن جمهور (٣).

فبين من ذلك أن محمد بن الحسن بن جمهور ومحمد بن جمهور واحد ، وهو العمي البصري. وايراده مرة أخرى في باب لم لان حديثه عن الرضا 7 من غير واسطة قليل ، والله سبحانه أعلم.

__________________

(١) رجال الشيخ : ٣٨٧‌

(٢) رجال الشيخ : ٥١٢‌

(٣) الفهرست : ١٧٢‌

التعليقة على إختيار معرفة الرّجال - ١

المؤلف: السيد محمد باقر الحسيني الاسترابادي ( الميرداماد )
الصفحات: 416