تذكره الفقهاء المجلد ١٩

الجزء التاسع عشر

المقصد التاسع: في السبق و الرماية

و فيه فصلان:

الفصل الأوّل: في السبق

اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: في تسويغه.

مسألة ٨٧٨: عقد السبق و الرمي شرّع للاستعداد للقتال و ممارسة النضال؛ لدعاء الحاجة إليه في جهاد العدوّ.

و قد ثبت جوازه بالنصّ و الإجماع.

أمّا النصّ: فالكتاب و السّنّة.

قال اللّه تعالى: يا أَبانا إِنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ (١) فأخبر اللّه تعالى بذلك و لم يعقّبه بإنكار، فدلّ على مشروعيّته عندنا.

و قال تعالى: أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ (٢) روى عقبة بن عامر أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله قال: «ألا إنّ القوّة الرمي» قاله ثلاثا(٣).

١- سورة يوسف: ١٧.

٢- سورة الأنفال: ٦٠.

٣- صحيح مسلم ١٩١٧/١٥٢٢:٣، سنن ابن ماجة ٢٨١٣/٩٤٠:٢، سنن أبي داود ٢٥١٤/١٣:٣، سنن الترمذي ٣٠٨٣/٢٧٠:٥، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٠: ١٣، مسند أحمد ١٦٩٧٩/١٥٨:٥.


وجه الاستدلال: أنّ اللّه تعالى أمرنا بإعداد الرمي و رباط الخيل للحرب و لقاء العدوّ، و الإعداد لذلك إنّما يحصل بالتعلّم، و النهاية في التعلّم المسابقة بذلك ليكدّ(١) كلّ واحد نفسه في بلوغ النهاية و الحذق فيه.

و أمّا السّنّة: فما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «لا سبق إلاّ في نصل أو خفّ أو حافر»(٢).

و النصل يشمل النّشّاب، و هي للعجم، و السهم، و هو للعرب، و المزاريق، و هي الردينيّات و الرماح و السيوف كلّ ذلك من النصل، و اسمه صادق على الجميع.

و أمّا الخفّ فالإبل و الفيلة.

و أمّا الحافر فيشمل الخيل و البغال و الحمير.

و سئل أنس بن مالك: هل كنتم تراهنون على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ؟ فقال: نعم، راهن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله على فرس له فسبق فسرّ بذلك و أعجبه(٣).

و روي أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله سابق بين الخيل المضمرة(٤) التي قد أضمرت من الحفياء إلى ثنيّة الوداع - و بينهما خمسة أميال أو ستّة، و الحفياء تمدّ و تقصر - و سابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنيّة إلى مسجد بني زريق(٥) ، و بينهما ميل.٦.

١- الكدّ: الشدّة في العمل و طلب الكسب، و كددت الشيء: أتعبته. الصحاح ٢: ٥٣٠ «كدد».

٢- سنن الترمذي ١٧٠٠/٢٠٥:٤، سنن النسائي (المجتبى) ٢٢٦:٦.

٣- السنن الكبرى - للبيهقي - ٢١:١٠، مسند أحمد ١٣٢٧٧/١٥١:٤.

٤- تضمير الفرس: أن تعلفه حتى يسمن ثمّ تردّه إلى القوت، و ذلك في أربعين يوما. الصحاح ٧٢٢:٢ «ضمر».

٥- صحيح البخاري ٣٨:٤، و ١٢٩:٩، صحيح مسلم ١٨٧٠/١٤٩١:٣، سنن أبي داود ٢٥٧٥/٢٩:٣، سنن النسائي (المجتبى) ٢٢٦:٦.


و المضمرة - بتسكين الضاد و تخفيف الميم - هو المشهور في الخبر، و روي بفتح الضاد و تشديد الميم.

و روي أنّه كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ناقة يقال لها: العضباء، إذا سابقت سبقت، فجاء أعرابيّ على بكر له فسبقها، فاشتدّ ذلك على المسلمين و اغتمّوا لذلك، فقيل: يا رسول اللّه سبقت العضباء، فقال صلّى اللّه عليه و اله: «حقّ على اللّه أن لا يرفع شيئا في الأرض إلاّ وضعه» و في بعضها: «أن لا يرفع شيئا في الناس إلاّ وضعه»(١).

و قال عليه السّلام: «رهان الخيل طلق»(٢) أي: حلال.

و مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بقوم من الأنصار يترامون، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:

«أنا مع الحزب الذي فيه ابن الأدرع» فأمسك الحزب الآخر و قالوا: لن يغلب حزب فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، فقال: «ارموا فإنّي أرمي معكم» فرمى مع كلّ واحد منهم رشقا فلم يسبق بعضهم بعضا، فلم يزالوا يترامون و أولادهم و أولاد أولادهم لا يسبق بعضهم بعضا(٣).

و عن سلمة بن الأكوع قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله على قوم من أسلم يتناضلون بالسيوف، فقال: «ارموا بني إسماعيل فإنّ أباكم [كان](٤) راميا»(٥).٢.

١- أورده الشيخ الطوسي في المبسوط ٢٨٩:٦-٢٩٠، و فيه في الموضعين: «في الناس»، و بتفاوت في الألفاظ في صحيح البخاري ٣٨:٤-٣٩، و سنن النسائي (المجتبى) ٢٢٧:٦.

٢- أورده ابن الأثير في أسد الغابة ٣٣٣:٥ نقلا عن ابن مندة و أبي نعيم، و كذا الرافعي في العزيز شرح الوجيز ١٧٣:١٢.

٣- أورده الشيخ الطوسي في المبسوط ٢٩٠:٦.

٤- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٥- صحيح البخاري ٢١٩:٤، مسند أحمد ٦٤٣:٤-١٦٠٩٣/٦٤٤، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٧:١٠ بتفاوت في بعض الألفاظ، و نصّه في العزيز شرح الوجيز ١٧٣:١٢.


و من طريق الخاصّة: قولهم عليهم السّلام: «إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخفّ و الريش و النصل»(١).

و أمّا الإجماع: فلا خلاف بين الأمّة في جوازه على الجملة و إن اختلفوا في تفاصيله.

مسألة ٨٧٩: و يجوز شرط المال في عقد السبق و الرمي معا عند علمائنا أجمع

- و به قال الشافعي(٢) - لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال:

«رهان الخيل طلق»(٣) أي: حلال.

و قيل لعثمان: هل كنتم تراهنون على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ؟ قال:

نعم(٤).

و قال عليه السّلام: «لا سبق إلاّ في نصل أو خفّ أو حافر»(٥).

و الأثبت من الرواية: السّبق، بفتح الباء، و هو المال الذي يدفع إلى السابق.

و روي: السّبق، بالتسكين، و هو مصدر «سبق يسبق».

و لأنّ الحاجة تدعو إليه؛ لأنّ هذا الفعل أمر مطلوب للشارع؛ لما فيه

١- الفقيه ١٣٦/٤٢:٤.

٢- الحاوي الكبير ١٨٢:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٠:١ و ٤٢١، نهاية المطلب ٢٢٩:١٨، الوجيز ٢٨:٢، حلية العلماء ٤٦٢:٥، التهذيب - للبغوي - ٧٥:٨، البيان ٣٦٤:٧ و ٣٧٩، العزيز شرح الوجيز ١٧٣:١٢، روضة الطالبين ٥٣٢:٧.

٣- تقدّم تخريجه في ص ٧، الهامش (٢).

٤- كما في الحاوي الكبير ١٨٢:١٥-١٨٣، و المهذّب - للشيرازي - ٤٢٠:١، و البيان ٣٦٤:٧، و العزيز شرح الوجيز ١٧٣:١٢.

٥- تقدّم تخريجه في ص ٦، الهامش (٢).


من فائدة الاستعداد للقتال في جهاد أعداء اللّه تعالى، الذي هو من أعظم أركان الإسلام، و شرط المال فيه يقتضي زيادة الرغبة و الشوق إليه، فكان سائغا، كالأفعال التي يصحّ بذل المال عليها، كأفعال الإجارة و الجعالة التي قد لا يندب الشارع إليها، فتسويغ هذه يكون أولى.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز شرط المال في المسابقة و لا المراماة؛ لأنّه قمار(١) ، و عنه رواية أخرى(٢).

و الدليل ممنوع.

البحث الثاني: في تفسير ألفاظ تستعمل في هذا الباب.

السّبق - بفتح الباء -: العوض، و هو الخطر و الندب و الرهن و القرع و الوجب، يقال: سبّق، بتشديد الباء: إذا أخرج السّبق الذي هو المال، و إذا أخذه و أحرزه أيضا، و هو من أسماء الأضداد.

و أمّا السّبق، بسكون الباء: فهو المصدر، و فعله: سبق.

و السابق هو المتقدّم بالعنق و الكتد، و قيل: بالأذن(٣) ، و هو المجلّي، و الكتد هو الكاهل، و هو العالي ما بين أصل العنق و الظهر، و هو من الخيل مكان السنام من البقر، و هو مجتمع الكتفين، و الهادي هو العنق، و المصلّي هو الثاني؛ لأنّه يحاذي رأسه صلا المجلّي، و الصلوان هما العظمان الناتئان

١- تحفة الفقهاء ٣٤٨:٣، بدائع الصنائع ٢٠٦:٦، الاختيار لتعليل المختار ٤: ٢٦٧، روضة القضاة ٨٢٩١/١٣٢٨:٣، النتف ٨٦٤:٢، الحاوي الكبير ١٥: ١٨٢، نهاية المطلب ٢٢٩:١٨، حلية العلماء ٤٦٩:٥، التهذيب - للبغوي - ٨: ٧٥، العزيز شرح الوجيز ١٧٣:١٢ و ١٧٧.

٢- نهاية المطلب ٢٢٩:١٨، العزيز شرح الوجيز ١٧٤:١٢.

٣- المغني ١٣٨:١١، الشرح الكبير ١٤٥:١١.


عن يمين الذّنب و شماله، و التالي هو الثالث، و البارع هو الرابع، و المرتاح هو الخامس، و الحظيّ هو السادس، و العاطف هو السابع، و المؤمّل هو الثامن، و اللطيم [هو] التاسع، و السكيت هو العاشر، و ليس لما بعد العاشر اسم إلاّ الذي يجيء آخر الخيل كلّها، فإنّه يقال له: الفسكل، و الفسكل:

الأخير بعد العاشر، و المحلّل هو الذي يدخل بين المتراهنين إن سبق أخذ، و إن سبق لم يغرم، و الغاية: مدى السباق، و المناضلة: المسابقة و المراماة.

البحث الثالث: فيما تجوز المسابقة عليه.

مسألة ٨٨٠: إنّما تصحّ المسابقة على ما هو عدّة للقتال؛

إذ الغرض الأقصى إنّما هو الاستعداد للجهاد، و هو من الحيوان كلّ ما له خفّ، كالإبل و الفيلة، أو له حافر، كالفرس و الحمار و البغل(١).

و لا خلاف في المسابقة على الخيل؛ لصدق اسم الحافر عليها.

و لقوله تعالى: وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ (٢) و لقوله تعالى: مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ (٣) و الإجماع دلّ عليه.

و يلحق بها الإبل في جواز المسابقة عليها؛ لقوله عليه السّلام: «لا سبق إلاّ في نصل أو خفّ أو حافر»(٤).

و أيضا العرب تقاتل عليها أشدّ القتال، و لا خلاف فيه أيضا، و لأنّ ما يتهيّأ للخيل من الانعطاف و الالتواء و سرعة الأقدام تشاركها الإبل فيها،

١- في الطبعة الحجريّة: و البغل و الحمار.

٢- سورة الأنفال: ٦٠.

٣- سورة الحشر: ٦.

٤- تقدّم تخريجه في ص ٦، الهامش (٢).


لكن في الخيل غنى و فائدة في القتال، فاكتفي بها.

مسألة ٨٨١: و يجوز عقد المسابقة على الفيلة أيضا؛

لدخولها تحت اسم الخفّ - و هو أصحّ قولي الشافعيّة(١) - لأنّ لها خفّا و يقاتل عليها كالإبل، و لأنّ الفيل أغنى في القتال من غيره.

و الثاني للشافعيّة: المنع - و به قال أحمد بن حنبل، و حكاه صاحب «البحر» فيه عن أبي حنيفة - للخبر(٢) ، و لأنّه لا يحصل بها الكرّ و الفرّ، فلا معنى للمسابقة عليها(٣).

و الخبر حجّة لنا؛ لأنّ لها خفّا، و هو يسبق الخيل، فهو أولى بجواز المسابقة عليه من الخيل.

مسألة ٨٨٢: و يدخل تحت الحافر الخيل و البغال و الحمير،

فتجوز المسابقة عليها أجمع عند علمائنا - و هو الذي نصّ عليه الشافعي(٤) - لدخولها تحت اسم الحافر.

و عنه قول آخر: إنّه لا تجوز المسابقة عليهما(٥) ؛ لأنّهما لا يصلحان

١- الحاوي الكبير ١٨٥:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٠:١، نهاية المطلب ١٨: ٢٣١، الوسيط ١٧٥:٧، حلية العلماء ٤٦٤:٥، التهذيب - للبغوي - ٧٦:٨، البيان ٣٦٤:٧، العزيز شرح الوجيز ١٧٤:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧، المغني ١٣٠:١١، الشرح الكبير ١٣١:١١.

٢- راجع: الهامش (٢) من ص ٦.

٣- نفس المصادر في الهامش (١).

٤- المهذّب - للشيرازي - ٤٢٠:١، حلية العلماء ٤٦٤:٥، التهذيب - للبغوي - ٨: ٧٦، البيان ٣٦٥:٧، العزيز شرح الوجيز ١٧٥:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧.

٥- أي: على البغال و الحمير.


للكرّ و الفرّ، و لا يقاتل عليهما(١).

و الأوّل أصحّ؛ للنصّ(٢).

و بعض الشافعيّة نقل عن الشافعي القطع بالجواز فيهما(٣) ، و بعضهم نقل القطع بالمنع(٤) ، و المشهور: أنّ فيهما قولين(٥).

مسألة ٨٨٣: و لا تجوز المسابقة على الأقدام إلى موضع - كجبل أو غيره - لا بعوض و لا بغيره؛

لأنّه عليه السّلام نهى عن السبق إلاّ في الأشياء الثلاثة(٦) ، و لأنّه ليس فيه استعمال آلة يستعان بها في الحرب.

و الشافعي فصّل فقال: إن كان بغير عوض جاز - و به قال أبو حنيفة - لما روي عن عائشة قالت: كنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في غزاة، فقال:

«تقدّموا» فتقدّموا، فقال صلّى اللّه عليه و اله: «أسابقك» فسابقته برجلي فسبقته، فلمّا كان في غزاة أخرى قال للقوم: «تقدّموا» فتقدّموا، فقال صلّى اللّه عليه و اله: «أسابقك» فسابقته فسبقني و كنت قد نسيت، فقال: «يا عائشة هذه بتلك» و كنت بدنت(٧).

و عن عائشة قالت: سابقت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مرّتين فسبقته في الأولى فلمّا بدنت سبقني و قال: «هذه بتلك»(٨).

و إن كان بعوض، فوجهان:

١- المهذّب - للشيرازي - ٤٢٠:١، حلية العلماء ٤٦٤:٥، التهذيب - للبغوي - ٨: ٧٦، البيان ٣٦٥:٧، العزيز شرح الوجيز ١٧٥:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧.

٢- راجع: الهامش (٢) من ص ٦.

٣- العزيز شرح الوجيز ١٧٥:١٢.

٤- العزيز شرح الوجيز ١٧٥:١٢.

٥- راجع: الهامش (١).

٦- راجع: الهامش (٢) من ص ٦.

٧- مسند أحمد ٢٥٧٤٥/٣٧٧:٧، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٨:١٠.

٨- سنن أبي داود ٢٩:٣-٢٥٧٨/٣٠، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٨:١٠.


أحدهما: يجوز - و به قال أهل العراق - لأنّ الرجل(١) قد يحتاج إلى ذلك في الحرب، كما يحتاج الفارس إلى عدو الفرس.

و الثاني - و هو المنصوص للشافعي، و به قال أحمد -: إنّه لا يجوز؛ لقوله صلّى اللّه عليه و اله: «لا سبق إلاّ في نصل أو خفّ أو حافر»(٢) و تخالف الخيل؛ لأنّها آلة له، بخلاف الرجل(٣).

و الحقّ عندنا: المنع، سواء كان بعوض أو بغير عوض؛ للرواية المشهورة(٤) ، و حديث عائشة ضعيف عندنا؛ فإنّ منصب النبوّة أجلّ ممّا اشتمل الحديث عليه، و أيّ نقص أعظم من هذا الذي نسبوه إلى النبي صلّى اللّه عليه و اله ؟ و هو أكمل أشخاص البشر.

مسألة ٨٨٤: لا تجوز المسابقة على رمي الحجارة باليد و المقلاع و المنجنيق،

سواء كان بعوض أو بغير عوض، عند علمائنا؛ لأنّ ذلك ليس من آلات الحرب، و للخبر الدالّ على المنع من المسابقة في غير الثلاثة(٥).

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: الجواز مطلقا؛ لأنّها كالسهام.

و الثاني: الجواز إن لم يكن عوض، و المنع إن كان هناك عوض(٦).

و كذا لا تجوز المسابقة على إشالة الحجر باليد؛ لأنّها لا تنفع في

١- الرجل، أي: الراجل. تهذيب اللغة ٢٩:١١ «رجل».

٢- راجع: الهامش (٢) من ص ٦.

٣- العزيز شرح الوجيز ١٧٦:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧، المغني ١٢٨:١١ و ١٢٩-١٣٠، الشرح الكبير ١٢٩:١١-١٣٠.

٤- راجع: الهامش (٢) من ص ٦.

٥- راجع: الهامش (٢) من ص ٦.

٦- العزيز شرح الوجيز ١٧٥:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧.


الحرب، و هو قول أكثر الشافعيّة(١).

و قال بعضهم بالجواز(٢).

و أمّا مداحاة(٣) الأحجار - و هو أن يرمي كلّ واحد الحجر إلى صاحبه - فلا تجوز عندنا - و هو قول الشافعيّة(٤) - كما لا يجوز أن يرمي كلّ واحد السهم إلى صاحبه.

و كذا لا يجوز أن يسابق على أن يدحو حجرا أو يدفعه من مكان إلى مكان ليعرف به الأشدّ، لا بعوض و لا بغير عوض؛ لأنّه لا يقاتل بها.

مسألة ٨٨٥: تجوز المسابقة بالسيوف و الرماح على معنى التردّد بها

- و هو أصحّ قولي الشافعيّة(٥) - لقوله صلّى اللّه عليه و اله: «أو نصل»(٦) و لأنّها من أعظم آلات القتال، و استعمالها يحتاج إلى تعلّم و تحذّق، و في تجويز السبق حمل عليه و ترغيب فيه، فكان جائزا.

و القول الثاني للشافعيّة: المنع - و به قال أحمد - لأنّها لا يرمى بها و لا تفارق صاحبها(٧).

١- العزيز شرح الوجيز ١٧٥:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧.

٢- العزيز شرح الوجيز ١٧٥:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧.

٣- في «ر»: «مراماة» بدل «مداحاة»، و راجع: النهاية - لابن الأثير - ١٠٦:٢ «دحا».

٤- العزيز شرح الوجيز ١٧٥:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧.

٥- الحاوي الكبير ١٨٦:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢١:١، حلية العلماء ٥: ٤٦٦، التهذيب - للبغوي - ٧٦:٨، البيان ٣٦٧:٧، العزيز شرح الوجيز ١٢: ١٧٥، روضة الطالبين ٥٣٣:٧، المغني ١٣٠:١١، الشرح الكبير ١٣١:١١.

٦- راجع: الهامش (٢) من ص ٦.

٧- الحاوي الكبير ١٨٦:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢١:١، حلية العلماء ٥: ٤٦٦، التهذيب - للبغوي - ٧٦:٨، البيان ٣٦٧:٧، العزيز شرح الوجيز ١٢: ١٧٥، روضة الطالبين ٥٣٣:٧، المغني ١٢٩:١١-١٣٠، الشرح الكبير ١١: ١٣٠-١٣١.


و ليس ذلك مانعا عندنا.

مسألة ٨٨٦: قد بيّنّا أنّه لا تجوز المسابقة على الأقدام،

و المسابقة على السباحة أولى بالمنع، و به قال الشافعيّة(١).

و لهم قول آخر: تجوز(٢) المسابقة على الأقدام، ففي جواز المسابقة على السباحة على هذا القول وجهان عندهم، و الفرق: أنّ الماء يؤثّر في السباحة، و الأرض لا تؤثّر في السعي(٣) ، و المشهور عندهم: المنع(٤).

و اعلم أنّ المسابقة بالأقدام ضربان، أحدهما(٥): أن يتعاديا فأيّهما سبق صاحبه فهو السابق، أو يكون المدى شيئا معلوما.

و كلاهما عندنا غير جائز لا بعوض و لا بغيره.

و تجوز عند الشافعيّة بغير عوض، و مع العوض لهم قولان(٦).

مسألة ٨٨٧: لا تجوز المسابقة على المصارعة لا بعوض و لا بغير عوض عند علمائنا أجمع؛

لعموم نهيه صلّى اللّه عليه و اله عن السبق إلاّ في ثلاثة: الخفّ و الحافر و النصل(٧) ، و لأنّه ليس بآلة للحرب، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: أنّه يجوز بعوض و بغيره(٨) ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله أنّه خرج

١- الحاوي الكبير ١٨٥:١٥، العزيز شرح الوجيز ١٧٦:١٢.

٢- في «د»: «بجواز» بدل «تجوز».

٣- الحاوي الكبير ١٨٥:١٥، العزيز شرح الوجيز ١٧٦:١٢.

٤- المهذّب - للشيرازي - ٤٢١:١، التهذيب - للبغوي - ٧٦:٨، العزيز شرح الوجيز ١٧٦:١٢.

٥- الأنسب التعبير ب «إمّا» بدل «أحدهما».

٦- العزيز شرح الوجيز ١٧٦:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧.

٧- تقدّم تخريجه في ص ٦، الهامش (٢).

٨- الحاوي الكبير ١٨٦:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢١:١، حلية العلماء ٥: ٤٦٥، التهذيب - للبغوي - ٧٧:٨، البيان ٣٦٦:٧، العزيز شرح الوجيز ١٢: ١٧٦، روضة الطالبين ٥٣٣:٧.


إلى الأبطح فرأى يزيد بن ركانة يرعى أعنزا له، فقال للنبي صلّى اللّه عليه و اله: هل لك في أن تصارعني ؟ فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و اله: «ما تسبّق لي ؟» فقال: شاة، فصارعه فصرعه النبي صلّى اللّه عليه و اله، فقال له يزيد: هل لك في العود؟ فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله: «ما تسبّق لي ؟» فقال: شاة، فصارعه فصرعه النبي صلّى اللّه عليه و اله، فقال للنبي صلّى اللّه عليه و اله: هل لك في العود؟ فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله: «ما تسبّق لي ؟» فقال: شاة، فصارعه فصرعه النبي صلّى اللّه عليه و اله، فقال للنبي صلّى اللّه عليه و اله: أعرض عليّ الإسلام فما أحد وضع جنبي على الأرض، فعرض عليه الإسلام، فأسلم و ردّ عليه غنمه(١).

و لا تجوز المسابقة على المشابكة باليد.

و للشافعي قولان(٢).

مسألة ٨٨٨: لا تجوز المسابقة على الطيور من الحمامات و غيرها بالعوض عند علمائنا

- و هو أصحّ قولي الشافعيّة(٣) - لظاهر الخبر(٤) ، و لأنّها ليست من آلات القتال.

و الثاني لهم: الجواز؛ لأنّها يحتاج إليها في الحروب، و تحمل الكتب، و يحتاج إلى استعلام أحوال العدوّ و أخباره، و تفيد التطلّع عليه، و يحتاج إلى السابق منها(٥).

١- أورده الماوردي في الحاوي الكبير ١٨٦:١٥.

٢- الحاوي الكبير ١٨٦:١٥، حلية العلماء ٤٦٦:٥، العزيز شرح الوجيز ١٢: ١٧٧، روضة الطالبين ٥٣٣:٧.

٣- الحاوي الكبير ١٨٦:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢١:١، الوسيط ١٧٦:٧، الوجيز ٢١٨:٢، حلية العلماء ٤٦٤:٥، التهذيب - للبغوي - ٧٧:٨، البيان ٧: ٣٦٦، العزيز شرح الوجيز ١٧٦:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧، المغني و الشرح الكبير ١٣٠:١١.

٤- تقدّم تخريجه في ص ٦، الهامش (٢).

٥- البيان ٣٦٥:٧، مضافا إلى المصادر المزبورة في الهامش (٣).


قال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط: فأمّا المسابقة بالطيور فإن كان بغير عوض جاز عندهم - يعني العامّة - و إن كان بعوض فعلى قولين، و عندنا لا يجوز؛ للخبر(١).

و هذا يقتضي المنع من المسابقة عليها بغير عوض، مع أنّ المشهور عندنا أنّه يجوز اتّخاذ الحمام للأنس و إنفاذ الكتب، و يكره للتفرّج و التطيير، و لا خلاف في تحريم الرهان عليها.

مسألة ٨٨٩: لا تجوز المسابقة على المراكب و السّفن و الطيّارات و الزبازب

مسألة ٨٨٩: لا تجوز المسابقة على المراكب و السّفن و الطيّارات و الزبازب(٢) عند علمائنا

- و هو أحد قولي الشافعيّة(٣) - لأنّ سبقها بالملاّح، لا بمن يقاتل فيها، و لأنّ الحرب لا تقع بها و إنّما تقع فيها.

و الثاني لهم: الجواز؛ لأنّها آلة للحرب، فإنّ الحرب قد تقع في البحر كما تقع في البرّ، و هي في الماء كالخيل في البرّ(٤).

و ليس بشيء؛ لما تقدّم من أنّ الحرب تقع فيها كالأرض، و ليست آلة للحرب.

مسألة ٨٩٠: و لا تجوز المسابقة على مناطحة الغنم و مهارشة الديكة لا بعوض و لا بغير عوض

- و به قال الشافعي(٣) - للخبر(٤).

١- المبسوط ٢٩٢:٦.

٢- الزبزب: نوع من السّفن. لسان العرب ٤٤٦:١ «زبب». (٣الى٤) الحاوي الكبير ١٨٥:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢١:١، حلية العلماء ٥: ٤٦٥، التهذيب ٧٧:٨، البيان ٣٦٦:٧، العزيز شرح الوجيز ١٧٦:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧، المغني و الشرح الكبير ١٣٠:١١.

٣- الحاوي الكبير ١٨٦:١٥، العزيز شرح الوجيز ١٧٦:١٢، روضة الطالبين ٧: ٥٣٣.

٤- راجع: الهامش (٢) من ص ٦.


و كذا لا تجوز المسابقة على ما لا ينتفع به في الحرب، كاللعب بالشطرنج و النرد و الخاتم و الصولجان و رمي البنادق و الجلاهق و الوقوف على رجل واحدة و معرفة ما في اليد من الفرد و الزوج و سائر الملاعب، و لا اللبث في الماء.

و جوّزه بعض الشافعيّة(١)(٢). و ليس بجيّد.

البحث الرابع: في الشرائط.

اشارة

و هي اثنا عشر.

الأوّل: أن يكون ما ورد العقد عليه عدّة للقتال، فإنّ المقصود منه التأهّب للقتال، و لهذا فإنّ الأجود أنّه لا يجوز السبق و الرمي من النساء؛ لأنّهنّ لسن من أهل الحرب.

الثاني: العقد، و لا بدّ فيه من إيجاب و قبول لتحقّق العلم بالرضا الباطن؛ لأنّه إنّما يعرف بواسطة الألفاظ الدالّة عليه.

و قيل: لا يشترط القبول لفظا؛ لأنّه جعالة يكفي فيها الإيجاب، و هو البذل(٣) ، فإذا بذل أحدهما المال، لم يشترط من صاحبه القبول بالقول، كما لا يشترط في الجعالة لمعيّن، و هو أن تقول لشخص معيّن: إن رددت عبدي فلك كذا، و إن قلنا بأنّه لازم، وجب شرط اللفظ في القبول.

الثالث: تقدير المسافة، و إنّما يتحقّق بتعيين الابتداء و الانتهاء، و تعيين الموقف الذي يبتدئان بالجري منه و الغاية التي يجريان إليها؛ لأنّ

١- في الطبعة الحجريّة: «بعضهم» بدل «بعض الشافعيّة».

٢- العزيز شرح الوجيز ١٧٧:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧.

٣- كما في شرائع الإسلام ٢٣٧:٢، و راجع: المبسوط - للطوسي - ٣٦٧:٢، و الخلاف ١٠٥:٦، المسألة ٩.


النبي صلّى اللّه عليه و اله سابق من الحفياء إلى ثنيّة الوداع على الخيل المضمرة، و من الثنيّة إلى مسجد بني زريق على الخيل غير المضمرة(١) ، فلو لم يعيّنا المبدأ أو لم يعيّنا المنتهى بأن شرطا المال لمن سبق منهما حيث سبق، لم يجز؛ لأنّه إذا لم تكن هناك غاية معيّنة فقد يديمان السير حرصا على المال و يتعبان و تهلك الدابّة.

و لأنّ من الخيل ما يقوى سيره في ابتداء المسافة ثمّ يأخذ في الضعف، و هو عتاق الخيل، و صاحبه يبغي قصر المسافة، و منها ما يضعف سيره في الابتداء ثمّ يقوى و يشتدّ في الانتهاء، و هو هجانها، و صاحبه يبغي طول المسافة، فإذا اختلف الغرض فلا بدّ من الإعلام و التنصيص على ما يقطع النزاع، كما يجب التنصيص على تقدير الثمن في البيع، و الأجرة في عقد الإجارة.

و لأنّ ذلك يفضي إلى إجراء الخيل حتى تنقطع فتهلك، طلبا للسبق، فمنع منه.

و لو عيّنا غاية و شرطا أنّ السبق إن اتّفق في وسط الميدان كفى و كان السابق فائزا، فالأقرب: المنع - و هو أحد قولي الشافعيّة(٢) - لأنّا لو اعتبرنا السبق في خلال الميدان لاعتبرنا السبق بلا غاية معيّنة، و لأنّه قد تسبق الفرس ثمّ تسبق، و الاعتبار إنّما هو بآخر الميدان، ألا ترى أنّهما إذا لم يشترطا أنّ السابق في خلال الميدان فائز فسبق أحدهما في خلاله و سبق الآخر في آخره يكون السابق الثاني.٧.

١- تقدّم تخريجه في ص ٦، الهامش (٥).

٢- الوسيط ١٧٧:٧، الوجيز ٢١٨:٢، البيان ٣٧٤:٧، العزيز شرح الوجيز ١٢: ١٧٨، روضة الطالبين ٥٣٤:٧.


و قال بعض الشافعيّة: يصحّ؛ لأنّه سبق كالسبق إلى الغاية(١).

و الوجه: الأوّل.

و لو عيّنا غاية و قالا: إن اتّفق السبق عندها فذاك، و إلاّ تعدّياها(٢) إلى غاية أخرى اتّفقا عليها، فالأقرب: الجواز؛ لحصول الإعلام، و كون كلّ واحد من المستبقين سبقا إلى غاية معيّنة، و هو أحد قولي الشافعيّة، و الثاني: أنّه لا يجوز؛ لتردّد المعقود عليه(٣).

تذنيب: لو استبقا بغير غاية لينظر أيّهما يقف أوّلا، لم يجز؛ لما تقدّم.

مسألة ٨٩١: يشترط تساوي المتسابقين في مبدأ السباق الذي يبتدئان بالجري منه،

و في الغاية التي يجريان إليها؛ لما تقدّم(٤) من الخبر، و هو أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله سابق بين الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنيّة الوداع، فلو شرطا تقدّم موقف أحدهما أو تقدّم غايته، لم يجز؛ لأنّه مناف للغرض؛ إذ المقصود من المسابقة معرفة فروسيّة الفارس وجودة سير الفرس، و إنّما يعرف ذلك مع تساوي المبدأ و المنتهى فيهما؛ إذ مع التفاوت لا يعرف ذلك؛ لاحتمال أن يكون السبق حينئذ لقصر المسافة، لا لحذق الفارس، و لا لفراهة الفرس.

الشرط الرابع: تعيين الخطر - و هو المال الذي تسابقا عليه - جنسا و قدرا؛ لأنّه عوض عن فعل محلّل، فشرط فيه العلم، كالإجارة، فلو شرطا

١- الوسيط ١٧٧:٧، الوجيز ٢١٨:٢، البيان ٣٧٤:٧، العزيز شرح الوجيز ١٢: ١٧٨، روضة الطالبين ٥٣٤:٧.

٢- في «د، ص»: «تعدّيناها».

٣- الوسيط ١٧٧:٧، العزيز شرح الوجيز ١٧٩:١٢، روضة الطالبين ٥٣٤:٧.

٤- في ص ٦ و ١٩.


مالا و لم يعيّناه، أو تسابقا على ما يتّفقان عليه أو على ما يحكم به زيد، بطل العقد؛ لما فيه من الغرر، و لإفضائه إلى التنازع، و هو ضدّ حكمة الشارع.

و ليس المال شرطا(١) في عقد المسابقة، بل تعيينه لو شرط.

و لو تسابقا على مثل ما تسابق به زيد و عمرو، فإن علماه حالة العقد صحّ، و إلاّ بطل.

و يجوز أن يكون المال دينا و عينا؛ لأنّه كعوض المبيع و المستأجر.

و كذا يصحّ أن يكون العوض حالاّ و مؤجّلا، كما يصحّ في الثمن و مال الإجارة و غيرهما من الأعواض ذلك.

و إذا شرط الأجل، فلا بدّ من تعيينه؛ تحرّزا من الغرر المنهيّ عنه(٢).

مسألة ٨٩٢: إذا تضمّن عقد المسابقة مالا،

فإمّا أن يخرجه المتسابقان معا أو أحدهما أو ثالث غيرهما، فالأقسام ثلاثة:

الأوّل: أن يخرج المال غير المتسابقين، فذلك الغير إمّا أن يكون هو الإمام أو غيره، فإن كان هو الإمام جاز إجماعا، سواء كان من ماله أو من بيت المال؛ لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله سابق بين الخيل و جعل بينهما سبقا(٣).

و لأنّ ذلك يتضمّن حثّا على تعلّم الجهاد و الفروسيّة و إعداد أسباب القتال، و فيه مصلحة للمسلمين و طاعة و قربة، فكان سائغا.

و إن كان غير الإمام، جاز أيضا عند علمائنا - و به قال الشافعي(٤) - لأنّه

١- في «ص»: «بشرط».

٢- الخلاف ٣١٩:٣، المسألة ١٣ من كتاب الضمان.

٣- العزيز شرح الوجيز ١٨٢:١٢.

٤- الحاوي الكبير ١٨٩:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٢:١، نهاية المطلب ١٨: -


بذل مال في طاعة و قربة و طريق مصلحة للمسلمين، فكان جائزا، و يثاب عليه إذا نوى.

و قال مالك: لا يجوز أن يخرج المال غير المتسابقين ثالث غير الإمام؛ لأنّ ذلك ممّا يحتاج إليه في الجهاد، فاختصّ بالإمام؛ لاختصاص النظر في الجهاد به(١).

و هو غلط؛ لما بيّنّا من اشتماله على بذل مال في طريق مصالح المسلمين، فكان جائزا، كما لو اشترى لهم خيلا أو سلاحا، و قد ثبت(٢) أنّ ما فيه معونة على الجهاد يجوز أن يفعله غير الإمام، كارتباط الخيل و إعداد الأسلحة، و لأنّ ما جاز أن يخرجه الإمام من بيت مال المسلمين جاز أن يتطوّع به كلّ واحد من المسلمين، كبناء المساجد و القناطر.

الثاني: أن يخرج مال المسابقة أحد المتسابقين بأن يقول لصاحبه:

أيّنا سبق فله عشرة، إن سبقت أنت فلك عشرة، و إن سبقت أنا فلا شيء عليك.

و هو جائز عند علمائنا - و به قال الشافعي(٣) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله مرّ٧.

١- الاستذكار ٢٠٤٧٠/٣١١:١٤، الحاوي الكبير ١٨٩:١٥، حلية العلماء ٥: ٤٦٩، البيان ٣٦٨:٧، العزيز شرح الوجيز ١٨٢:١٢، المغني ١٣١:١١، الشرح الكبير ١٣٦:١١.

٢- في الطبعة الحجريّة: «سبق» بدل «ثبت».

٣- المهذّب - للشيرازي - ٤٢٣:١، الوسيط ١٧٩:٧، التهذيب - للبغوي - ٨: ٧٨، البيان ٣٦٨:٧، العزيز شرح الوجيز ١٨٢:١٢، روضة الطالبين ٥٣٦:٧، الاستذكار ٢٠٤٧٦/٣١٢:١٤ و ٢٠٤٧٧.


بحزبين من الأنصار يتناضلون و قد سبق أحدهما الآخر، فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله:

«أنا مع الحزب الذي فيه ابن الأدرع»(١) فأقرّهما على ذلك، و لأصالة الجواز، و لانتفاء المانع منه، فإنّه لا مانع من أن يخرج أحد المتسابقين المال دون الآخر، و يشترطا إن سبق مخرج المال أحرز مال نفسه، و لا شيء على المسبوق، و إن سبق الآخر أخذ مال المخرج؛ لأنّه يصير غير المخرج منهما محلّلا، فخرج به عن سلك القمار.

و قال مالك: لا يجوز؛ لأنّه قمار(٢).

و هو غلط؛ لأنّ القمار لا يخلو كلّ واحد منهما أن يغنم أو يغرم، فهو متردّد بينهما، و هنا لا خطر على أحدهما، و ليس أحدهما متردّدا بين أن يغنم أو يغرم، أمّا المخرج فإنّه متردّد بين أن يغرم و بين أن لا يغرم، و أمّا الآخر فمتردّد بين أن يغنم و بين أن لا يغنم، و لا يغرم بحال.

الثالث: أن يخرج السّبق المتسابقان معا بأن يخرج كلّ واحد منهما - مثلا - عشرة، و يأخذ المالين معا السابق منهما.

و هو جائز مطلقا عندنا؛ للأصل.

و قال الشافعي: لا يجوز إلاّ بالمحلّل(٣) ، و معناه أن يكون معهما ثالث٧.

١- كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - ١٠٣:٦-١٠٤، المسألة ٦، و البيان ٧: ٣٦٨، و العزيز شرح الوجيز ٢٠٥:١٢.

٢- التهذيب - للبغوي - ٧٨:٨، البيان ٣٦٨:٧، العزيز شرح الوجيز ١٨٢:١٢، المغني ١٣١:١١، الشرح الكبير ١٣٦:١١.

٣- الأم ٢٣٠:٤، مختصر المزني: ٢٨٧، الحاوي الكبير ١٩٢:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٢:١، نهاية المطلب ٢٣٦:١٨، الوسيط ١٧٨:٧، الوجيز ٢: ٢١٨، حلية العلماء ٤٧٠:٥، التهذيب - للبغوي - ٧٩:٨، البيان ٣٦٨:٧ - ٣٦٩، العزيز شرح الوجيز ١٨٢:١٢-١٨٣، روضة الطالبين ٥٣٦:٧.


في السباق إن سبق أخذ السبقين معا، و إن سبق لم يغرم؛ لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «من أدخل فرسا بين فرسين و قد أمن أن يسبق فهو قمار، و إن لم يأمن أن يسبق فليس بقمار»(١).

وجه الدلالة: أنّه إذا علم أنّ الثالث لا يسبق فهو قمار، و إذا لم يكن معهما الثالث فهو أولى بأن يكون قمارا، و الدلالة من أوّل الخبر، و هو أنّهما لو تسابقا و أدخلا بينهما ثالثا قد أيس أن يسبق لضعف فرسه و قوّة الآخرين فهو قمار؛ لأنّه قد علم و عرف أنّه لا يسبق و لا يأخذ شيئا، فإذا لم يجز هذا و معهما ثالث قد أيس أن يسبق فبأن لا يجوز إذا لم يكن معهما ثالث بحال أولى؛ لأنّه عليه السّلام قد جعله قمارا إذا أيس أن يسبق؛ لأنّه لا يخلو كلّ واحد منهما أن يغنم أو يغرم، فإذا لم يكن معهما ثالث كان أولى بذلك.

و أمّا إذا كان بينهما محلّل - و هو أن يكون معهما ثالث إن سبق أخذ السبقين، و إن سبق لم يغرم - جاز، و به قال الشافعي(٢).

و الأصل فيه أنّ إباحة السبق معتبرة بما خرج عن معنى القمار، و القمار هو الذي لا يخلو الداخل فيه من أن يكون غانما إن أخذ أو غارما إن أعطى، فإذا لم يدخل بينهما محلّل كانت هذه حالهما، و كان قمارا، و إذا دخل بينهما محلّل غير مخرج، يأخذ إن سبق، و لا يعطي إن سبق، خرج من معنى القمار، فحلّ.٧.

١- سنن أبي داود ٢٥٧٩/٣٠:٣، سنن ابن ماجة ٢٨٧٦/٩٦٠:٢، السنن الكبرى - للبيهقي - ٢٠:١٠، المستدرك - للحاكم - ١١٤:٢.

٢- الحاوي الكبير ١٩٢:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٢:١، نهاية المطلب ١٨: ٢٣٦، الوجيز ٢١٨:٢، حلية العلماء ٤٧٠:٥، التهذيب - للبغوي - ٧٩:٨، البيان ٣٦٨:٧-٣٦٩، العزيز شرح الوجيز ١٨٣:١٢، روضة الطالبين ٥٣٦:٧.


و قال مالك: لا يجوز؛ لأنّه قمار(١) ، و هو قول(٢) ابن خيران من الشافعيّة؛ لأنّ فيهم من يغنم تارة، و يغرم أخرى فلم يجز، كما لو لم يكن بينهما محلّل(٣).

و ليس بجيّد؛ لأنّ فيهم من يغنم و لا يغرم، فأشبه ما إذا أخرج أحدهما السّبق.

و هذا الداخل سمّي محلّلا؛ لأنّ العقد صحّ به، فصار حلالا.

و الوجه: ما قلناه، و نمنع كونه قمارا بدون المحلّل.

تنبيه: إذا بذل العوض، لم يكلّف الباذل البدأة بتسليمه، بخلاف الأجر، حيث يسلّمه إلى المؤجر بالعقد المطلق؛ لأنّ الأمر في المسابقة مبنيّ على الخطر، فيعتدّ فيه بالعمل.

الشرط الخامس: تعيين ما يسابق عليه بالمشاهدة؛ لأنّ المقصود من المسابقة امتحان الفرس لتعرف شدّة سيره و تضمير الخيل و تمرينها على العدو، و كلّ واحد من هذين المعنيين يقتضي وجوب التعيين، فإن أحضرت الأفراس و عقد العقد على أعيانها جاز إجماعا.

و إن لم تحضر و وصفت و عقد العقد على الوصف ثمّ أحضرت، فالأقرب: المنع؛ لأنّ المعوّل في المسابقة على أعيان الخيل، فلا يكفي الوصف، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: الجواز؛ لأنّ الوصف و الإحضار بعده يقومان مقام التعيين في٣.

١- الاستذكار ٢٠٤٦٩/٣١١:١٤ و ٢٠٤٧٠، البيان ٣٦٩:٧.

٢- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «و به قال» بدل «و هو قول».

٣- المهذّب - للشيرازي - ٤٢٣:١، البيان ٣٦٩:٧، العزيز شرح الوجيز ١٢: ١٨٣.


العقد في السّلم و في عقود الربا، فكذا هنا(١).

و الفرق ظاهر؛ لأنّ الغرض هنا متعلّق بالشخص، و في السّلم و غيره بالكلّي، فافترقا.

تذنيب: إذا عيّنا الفرسين في العقد، لم يجز إبداله؛ لأنّه خلاف المشروط.

الشرط السادس: تساوي الدابّتين في الجنس، فلا تجوز المسابقة بين الخيل و البغال، و لا بين الإبل و الفيلة، و لا بين الإبل و الخيل - و هو أحد وجهي الشافعيّة(٢) - لأنّه مناف للغرض من استعلام قوّة الفرس و تمرينها على السباق مع جنسها.

و الأقرب: عدم اشتراط تساويهما صنفا، فتجوز المسابقة في الخيل بين العربي و البرذون، و في الإبل بين البختي و العرابي؛ لتناول اسم الجنس للصنفين، سواء تباعد الصنفان، كالعتيق و الهجين من الخيل، و النجيب و البختي من الإبل، أو لا، و هو قول أكثر الشافعيّة(٣).

و قال بعضهم: إذا تباعدا، لم يجز، و صار كالجنسين(٤). و هو بعيد.

الشرط السابع: تساوي الدابّتين في احتمال السبق، فلو كان أحدهما٧.

١- العزيز شرح الوجيز ١٨٧:١٢، روضة الطالبين ٥٣٩:٧.

٢- الحاوي الكبير ١٨٧:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢١:١، الوجيز ٢١٩:٢، الوسيط ١٨١:٧، حلية العلماء ٤٦٦:٥، التهذيب - للبغوي - ٨٥:٨، البيان ٧: ٣٧٣، العزيز شرح الوجيز ١٨٦:١٢، روضة الطالبين ٥٣٨:٧.

٣- المهذّب - للشيرازي - ٤٢١:١، الوجيز ٢١٩:٢، التهذيب - للبغوي - ٨٤:٨، البيان ٣٧٣:٧، العزيز شرح الوجيز ١٨٦:١٢، روضة الطالبين ٥٣٨:٧.

٤- المهذّب - للشيرازي - ٤٢١:١-٤٢٢، حلية العلماء ٤٦٦:٥-٤٦٧، التهذيب - للبغوي - ٨٥:٨، البيان ٣٧٣:٧، العزيز شرح الوجيز ١٨٦:١٢، روضة الطالبين ٥٣٨:٧.


ضعيفا يعلم قصوره عن الآخر، لم يجز؛ لأنّ الغرض الاستعلام، و إنّما يصحّ مع الجهل؛ لاستحالة تحصيل الحاصل، فمع العلم يكون الفعل عبثا، فوجب أن يشترط في المسابقة كون كلّ واحد من الفرسين بحيث يجوز أن يسبق الآخر، فلو كان أحدهما ضعيفا يعلم تخلّفه أو فارها يقطع بتقدّمه، لم يجز.

و كذا فرس المحلّل يجب أن يشترط فيه ذلك إن أدخلا المحلّل، فلو كان معهما فرسان عربيّان جوادان و معه برذون لا يسبقهما، لم يجز، و كان قمارا، و إن كان فرس المحلّل مكافئا لفرسهما جاز.

الشرط الثامن: إرسال الدابّتين دفعة، فلو أرسل أحدهما دابّته قبل الآخر ليعلم هل يدركه الآخر أم لا، لم يجز؛ لأنّه مناف للغرض من العقد.

الشرط التاسع: جعل العوض أو أكثره للسابق منهما أو منهما و من المحلّل، فلو جعل العوض لغيرهما لم يجز؛ لأنّه مفوّت للغرض من عقد المسابقة؛ إذ الغرض التحريض في طلب العوض و خشية المنع.

و جوّز بعض فقهائنا(١) أن يشترط أحدهما في العقد أن يطعم(٢) المال لحزبه.

العاشر: أن يستبقا على الدابّتين بالركوب، فلو شرطا إرسال الدوابّ لتجري بنفسها فالعقد باطل؛ لأنّها تتنافر بالإرسال، و لا تقصد الغاية، بخلاف الطيور إن جوّزنا المسابقة عليها؛ لأنّ لها هداية إلى قصد الغاية.

الحادي عشر: أن يجعلا المسافة بحيث يحتمل الفرسان قطعها، و لا ينقطعان دونها، فإن كانت بحيث لا ينتهيان إلى غايتها إلاّ بانقطاع و تعب».

١- لم نتحقّقه.

٢- في «د، ص»: «إطعام» بدل «أن يطعم».

بطل العقد.

الثاني عشر: عدم تضمّن العقد شرطا فاسدا، فلو قال: إن سبقتني فلك هذه العشرة و لا أرمي بعد هذا أبدا، أو: لا أناضلك إلى شهر، بطل العقد؛ لأنّه شرط ترك قربة مرغّب فيها، ففسد و أفسد العقد.

البحث الخامس: في الأحكام.

مسألة ٨٩٣: اختلف الفقهاء في

مسألة ٨٩٣: اختلف الفقهاء في(١) عقد المسابقة و المراماة هل هو لازم كالإجارة، أو جائز كالجعالة ؟

فقال بعضهم بالأوّل - و هو الأقوى - لعموم قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (٢) مقتضاه: الأمر بالإيفاء بالعقد، و أصل الأمر للوجوب، و هو يستلزم اللزوم، و لأنّه عقد يشترط فيه أن يكون المعقود عليه معلوما من الجانبين، فكان لازما، كالإجارة، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: أنّه جائز من الطرفين - و به قال أبو حنيفة، و هو الذي قوّاه الشيخ(٣) رحمه اللّه - لأنّه عقد يبذل فيه العوض على ما لا يوثق به، و لا تتحقّق القدرة على تسليمه، فكان جائزا غير لازم، كالجعالة و ردّ الآبق(٤).

ثمّ اختلف أصحاب الشافعي في محلّ القولين.

١- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة زيادة: «هذا».

٢- سورة المائدة: ١.

٣- المبسوط - للطوسي - ٣٠٠:٦.

٤- الحاوي الكبير ١٨٣:١٥، نهاية المطلب ٢٤٠:١٨، الوجيز ٢١٩:٢، الوسيط ١٨٣:٧، حلية العلماء ٤٦٣:٥، التهذيب - للبغوي - ٨٩:٨، العزيز شرح الوجيز ١٩١:١٢، روضة الطالبين ٥٤١:٧، المغني ١٣٢:١١، الشرح الكبير ١٤٣:١١.


فقال بعضهم: إن أخرج المال أحد المتسابقين أو غيرهما، فهو جعالة، و إن أخرجاه معا، ففيه القولان(١).

و الظاهر عندهم: طرد القولين في جميع الصّور، سواء أخرجاه معا أو أحدهما أو غيرهما(٢).

و نقل الجويني طريقين:

أظهرهما: إنّ القولين في من التزم المال، فأمّا من لا يغرم شيئا و قد غنم، فالعقد جائز في حقّه بلا خلاف بينهم؛ لأنّه لا يستحقّ عليه شيء، و قد يكن العقد جائزا من أحد الطرفين دون الآخر، كالرهن و الكتابة عند بعضهم.

و الثاني: طرد القولين في من لا يغرم شيئا، فكأنّ باذل المال أراد أن يستفيد من عمل صاحبه في الركض و الرمي، فهو كالمستأجر، و صاحبه كالأجير له(٣).

مسألة ٨٩٤: إن قلنا: إنّ العقد لازم، لم يكن لأحدهما فسخ العقد إلاّ بالتقايل بينهما منه.

نعم، إن بان العوض المعيّن معيبا، ثبت حقّ الفسخ.

و ليس لأحدهما أن يجلس و يترك العمل و المال إن كان مسبوقا، و كذا إن كان فاضلا و احتمل الحال أن يدركه الآخر و يسبقه، و إلاّ فله الترك؛ لأنّه

١- المهذّب - للشيرازي - ٤٢٠:١، العزيز شرح الوجيز ١٩١:١٢، روضة الطالبين ٥٤١:٧.

٢- التهذيب - للبغوي - ٨٩:٨، العزيز شرح الوجيز ١٩١:١٢، روضة الطالبين ٧: ٥٤١.

٣- نهاية المطلب ٢٤٠:١٨-٢٤١، العزيز شرح الوجيز ١٩١:١٢، روضة الطالبين ٥٤١:٧.


يترك حقّ نفسه.

و إن قلنا: إنّه جائز، فلكلّ منهما فسخ العقد، و أن يجلس و يترك العمل قبل الشروع فيه قطعا، و كذا بعد الشروع إن لم يكن لأحدهما فضل على الآخر، و إن كان لأحدهما فضل، فالأقرب: أنّه ليس له ذلك إلاّ برضا صاحبه، و إلاّ لزم أن لا يسبق أحد أحدا، و أنّه يعرض عن العمل إذا أحسّ بغلبة صاحبه له.

و لا خلاف في بطلان العقد على تقديري اللزوم و الجواز بموت الرامي و الفرس، و لا يبطل بموت الفارس إن قام الوارث بالتمام، على إشكال.

مسألة ٨٩٥: إن قلنا بجواز العقد، جازت الزيادة و النقصان في العمل و في المال بالتراضي.

و إن قلنا بلزومه، لم يكن لأحدهما الزيادة في العمل و المال و لا النقصان إلاّ أن يفسخا العقد الأوّل و يستأنفا عقدا آخر؛ لأنّ العقد تمّ و لزم بالإيجاب و القبول، فلا تتطرّق إليه الزيادة في أحد العوضين و لا النقصان منه، كالعقود اللازمة.

مسألة ٨٩٦: المال الذي جعل للسابق إمّا أن يكون دينا أو عينا.

فإن كان عينا - مثل أن يقول الباذل: سبّقتك هذه العشرة المعيّنة إن سبقتني فهي لك - لم يجز أخذ الرهن عليه و لا الضمان به؛ لأنّ الأعيان لا تستوفى من رهن و لا ضامن، فلم يصح فيها رهن و لا ضمان.

و إن كان في الذمّة، لا يصحّ الضمان و لا الرهن عليه قبل تمام العمل إن قلنا بأنّه عقد جائز، كالجعالة.

و للشافعيّة خلاف هنا كالخلاف بينهم في ضمان الجعل في الجعالة و الرهن به قبل تمام العمل(١).

و قد رتّب بعضهم الرهن على الضمان، فقال: إن لم يصح الضمان لم يصح الرهن، و إن صحّ الضمان ففي الرهن وجهان؛ لأنّ الضمان أوسع بابا من الرهن، و لذلك يجوز [ضمان](٢) الدرك، و لا يجوز الرهن به(٣).

و يخرّج من هذا الترتّب عندهم ثلاثة أوجه ثالثها: أنّه يصحّ ضمانه، و لا يصحّ الرهن به(٤).

هذا إذا(٥) قلنا بأنّه عقد جائز، و إن قلنا بأنّه لازم، جاز ضمان المال و الرهن عليه قبل العمل، و هو قول أكثر الشافعيّة(٦).

و قال القفّال منهم: إنّ وجوب البدأة بتسليم العمل يدلّ على أنّ المال لا يستحقّ إلاّ بالعمل، و حينئذ يكون ضمانه ضمان ما لم يجب، و جرى سبب وجوبه.

قال: و ضمان هذا أبعد من ضمان نفقة الغد، فإنّ الظاهر استمرار النكاح و الطاعة، و سبق من شرط له السّبق أمر [مغيّب](٧)(٨).٢.

١- العزيز شرح الوجيز ١٩١:١٢، روضة الطالبين ٥٤١:٧-٥٤٢.

٢- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٣- نهاية المطلب ٢٤٢:١٨، العزيز شرح الوجيز ١٩١:١٢، روضة الطالبين ٥٤٢:٧.

٤- نهاية المطلب ٢٤٢:١٨، العزيز شرح الوجيز ١٩١:١٢، روضة الطالبين ٥٤٢:٧.

٥- في النّسخ الخطّيّة: «إن» بدل «إذا».

٦- نهاية المطلب ٢٤٢:١٨، العزيز شرح الوجيز ١٩١:١٢، روضة الطالبين ٥٤٢:٧.

٧- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ضعيف». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز، و هو مفاد ما في نهاية المطلب.

٨- نهاية المطلب ٢٤٢:١٨-٢٤٣، العزيز شرح الوجيز ١٩٢:١٢.


و قال بعضهم: الاستحقاق موقوف مراعى، فإذا سبق تبيّنا الاستحقاق بالعقد(١).

و يجوز ضمان السبق بعد الفراغ من العمل و الرهن به على القولين، سواء قلنا: إنّه جائز أو لازم.

مسألة ٨٩٧: إذا كان العوض في المسابقة عينا،

وجب على المسبّق تسليمها إلى السابق بعد العمل، فإن امتنع أجبره الحاكم، فإن دافع، حبسه على ذلك؛ لأنّه حقّ وجب عليه دفعه إلى مالكه فيحبس على منعه.

و لو تلفت العين في يده بعد المطالبة و التقصير منه، لزمه الضمان، و لو تلفت في يده قبل العمل، انفسخ العقد؛ لتعذّر العوض.

و لو عاق مرض و شبهه، لم يبطل العقد، بل ينتظر زواله.

و لو كان العوض دينا و كمل العمل، وجب على باذله دفعه إلى السابق، فإن امتنع من دفعه مع تمكّنه منه حبس على ذلك، و لو كان معسرا أنظر إلى اليسار.

مسألة ٨٩٨: لو اشترى منه ثوبا و عاقد عقد السبق بعشرة،

فإن قلنا: إنّ عقد المسابقة لازم، فهو كما لو جمع بين بيع و إجارة، و هو جائز عندنا.

و للشافعي قولان(٢).

و إن جعلناها جائزة، فالأقوى عندي: الجواز؛ لأصالة الصحّة، و انتفاء المانع من الجواز.

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّ الجمع بين جعالة لا تلزم و بيع يلزم في

١- نهاية المطلب ٢٤٣:١٨، العزيز شرح الوجيز ١٩٢:١٢.

٢- العزيز شرح الوجيز ١٩٢:١٢، روضة الطالبين ٥٤٢:٧.


صفقة واحدة لا يمكن(١).

و هو ممنوع؛ لأنّ هذا العقد في الحقيقة قد اشتمل على معاملتين، إحداهما جائزة، و الأخرى لازمة، و لا منافاة بينهما، و لا يخرج كلّ واحد منهما عن مقتضاه باعتبار انضمام الآخر إليه، بل كلّ واحد منهما باق على حكمه الثابت له حالة الانفراد، و يقسّط العوض المسمّى على ثمن المثل و سبق المثل.

مسألة ٨٩٩: لو فسد عقد المسابقة و ركض المتسابقان على فسادها و سبق الذي لو صحّت المسابقة لاستحقّ السّبق المشروط،

قال الشيخ رحمه اللّه:

لا يستحقّ شيئا على باذل المال؛ لأنّه لم يعمل له شيئا، و فائدة عمله ترجع إليه، بخلاف ما إذا عمل في الإجارة أو الجعالة الفاسدتين، فإنّه يرجع العامل إلى أجرة المثل؛ لأنّ فائدة العمل ترجع إلى المستأجر و الجاعل(٢).

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: أنّه لا يستحقّ الناضل شيئا؛ لأنّه لم يفوّت عليه عمله، و لا عاد نفع ما فعله إليه.

و قال أكثرهم: تجب له أجرة مثله؛ لأنّ كلّ عقد استحقّ المسمّى في صحيحه فإذا وجد المعقود عليه في الفاسد وجب عوض المثل، كالإجارة، و العمل في القراض قد لا ينتفع به المالك و مع ذلك يكون مضمونا(٣).

فعلى هذا إن كان الفساد لخلل في السّبق، كتعذّر تموّله بأن يكون

١- العزيز شرح الوجيز ١٩٢:١٢، روضة الطالبين ٥٤٢:٧.

٢- راجع: المبسوط - للطوسي - ٣٠٢:٦.

٣- المهذّب - للشيرازي - ٤٢٦:١، نهاية المطلب ٢٤٤:١٨-٢٤٥، الوجيز ٢: ٢١٩، الوسيط ١٨٣:٧-١٨٤، التهذيب - للبغوي - ٩٠:٨-٩١، البيان ٧: ٣٨٧، العزيز شرح الوجيز ١٩٢:١٢-١٩٣، روضة الطالبين ٥٤٢:٧.


خمرا أو خنزيرا أو مجهولا، فالرجوع إلى أجرة المثل لا غير، و لا ينظر إلى القدر الذي سبق به، بل يعتبر جميع ركضه؛ لأنّه سبق بمجموع عمله لا بذلك القدر.

و إن كان لا يتعذّر تموّله بأن كان مغصوبا أو كان الفساد لمعنى في غير السّبق كتفاوت الموقف أو الغاية، فلهم طريقان:

أحدهما: أنّ فيه قولين: الرجوع إلى قيمة السّبق، و الثاني: الرجوع إلى أجرة المثل؛ تخريجا من القولين في الصداق و بذل الخلع إذا فسدا، ففي أحدهما يرجع إلى القيمة، و في الثاني إلى مهر المثل.

و وجه الشبه: أنّ السّبق ليس على صفات الأعواض، فإنّ معظم فائدة العمل للعامل، كما أنّ الصداق و بذل الخلع ليسا على صفات الأعواض.

و الطريق الثاني: القطع بالرجوع إلى أجرة المثل، و الفرق: أنّ النكاح و الخلع لا يفسدان بفساد العوض، فرأي الشافعي في قول: الرجوع إلى قيمة المذكور أولى، و المسابقة تفسد بفساد العوض، و تكون المنفعة مستوفاة على الفساد، فيتعيّن الرجوع إلى أجرة المثل(١).

و الظاهر عندهم: الرجوع إلى أجرة المثل(٢).

و في كيفيّة اعتبار أجرة المثل قولان:

أحدهما: أن ينظر إلى الزمان الذي استعمل بالرمي و أنّه كم قدره، فيعطى أجرة المثل؛ بناء على أنّ الحرّ إذا غصب على نفسه، يستحقّ أجرة مثل تلك المدّة.٢.

١- نهاية المطلب ٢٤٥:١٨-٢٤٦، العزيز شرح الوجيز ١٩٣:١٢، روضة الطالبين ٥٤٢:٧.

٢- العزيز شرح الوجيز ١٩٣:١٢.


و الثاني: أنّه يجب ما تجري المسابقة بمثله في مثل تلك المسافة في عرف الناس غالبا، و هذا و إن كان أقرب لكن يشكل بانتفاء العرف فيه بين الناس(١).

مسألة ٩٠٠: قد بيّنّا أنّه لا يشترط في صحّة عقد المسابقة المحلّل،

خلافا للشافعي، فإنّه شرطه(٢)سنن الدارقطني ٢١/٣٠٥:٤، مسند أحمد ١٠١٧٩/٣٠٠:٣.(٣).

و لصحّة العقد به أربعة شروط:

الأوّل: أن يكون فرسه كفؤا لفرسيهما أو أكفأ منهما لا يأمنان سبقه، فإن كان فرسه أدون من فرسيهما و هما يأمنان أن يسبقهما لم يصح؛ لقوله عليه السّلام: «من أدخل فرسا بين فرسين و هو لا يؤمن أن يسبق فلا بأس به، و من أدخل فرسا بين فرسين و هو يؤمن أن يسبق فإنّ ذلك هو القمار»(٣).

و لأنّ دخوله مع العلم بأنّه لا يسبق غير مؤثّر في أخذ السّبق.

الثاني: أن يكون المحلّل غير مخرج لشيء و إن قلّ، فإن أخرج شيئا خرج عن حكم المحلّل، و صار في حكم المسبّق.

الثالث: أن يأخذ إن سبق، فإن شرط أن لا يأخذ لم يصح.

الرابع: أن يكون فرسه معيّنا عند العقد؛ لدخوله فيه، كما يلزم تعيين فرسي المستبقين، فإن لم يكن معيّنا بطل.

إذا ثبت هذا، فمذهب الشافعي أنّ المحلّل دخل ليحلّل العقد، و يحلّل الأخذ، فيأخذ إن سبق، و يؤخذ به إن سبق(٤).

و قال أبو علي ابن خيران من الشافعيّة: إنّ المحلّل دخل ليحلّل العقد

١- العزيز شرح الوجيز ١٩٣:١٢، روضة الطالبين ٥٤٢:٧.

٢- راجع: الهامش

٣- من ص ٢٣، ضمن المسألة ٨٩٢.

٤- الحاوي الكبير ١٩٢:١٥.


و يأخذ و لا يؤخذ به(١).

و ليس بجيّد؛ لأنّ التحريض المقصود باستضمار الخيل و معاطاة الفروسيّة غير موجود إذا لم يؤخذ بالسبق شيء، فيصير مانعا من السبق، و إذا أخذ صار باعثا عليه.

مسألة ٩٠١: و يخرج كلّ واحد من المتسابقين ما تراضيا عليه إن كان السّبق منهما،

و يضعانه على يدي رجل يثقانه أو يضمنانه.

و لصحّة العقد بينهما أربعة شرائط:

الأوّل: أن يكون العوض الذي بذلاه معلوما إمّا معيّنا أو موصوفا في الذمّة، و قد سلف(٢) ، فإن كان مجهولا لم يصح؛ لأنّ الأعواض في العقود لا تصحّ إلاّ معلومة.

الثاني: أن يتساويا في جنسه و نوعه و قدره، فإن اختلفا فيه أو تفاضلا لم يصح؛ لأنّهما لمّا تساويا في العقد وجب أن يتساويا في بذله.

و عندي في اشتراط هذا إشكال.

الثالث: أن يكون فرس كلّ واحد منهما معيّنا، فإن أبهم و لم يعيّن بطل.

الرابع: أن يكون مدى سبقهما معلوما، و العلم به قد يكون بأحد وجهين: إمّا بتعيين الابتداء و الانتهاء، فيصير معلوما بالتعيين دون المسافة، كالإجارة المعيّنة، و إمّا بمسافة يتّفقان عليها مذروعة بذراع مشهورة، كالإجارة المضمونة، فإن اتّفقا على موضع من الأرض ذرعا منها تلك المسافة حتى يعرف ابتداؤها و انتهاؤها.

١- الحاوي الكبير ١٩٢:١٥.

٢- في ص ٢٠ (الشرط الرابع) ذيل المسألة ٨٩١.


فإن أغفلا ذكر الأرض، نظر فإن كانت الأرض التي عقدا فيها السبق يمكن إجراء الخيل فيها، فهي أخصّ المواضع بالسبق، و إن لم يمكن إجراء الخيل فيها لحزونتها و أحجارها، فأقرب المواضع إليها من الأرض السهلة.

مسألة ٩٠٢: إذا أخرجا المال للسابق،

فإن اتّفقا على تركه في أيديهما و يوكّل كلّ واحد منهما صاحبه، حملا على ذلك، و لا يلزم إخراج مال السّبق من يد أحدهما إلاّ بعد أن يصير مسبوقا، فيؤخذ منه باستحقاقه.

و إن اتّفقا على أمين غيرهما، أخذ مال السّبق منهما و وضع(١) على يده، و يعزل [مال](٢) كلّ واحد منهما على حدته و لا يخلطه، فإن سبق أحدهما سلّم الأمين إليه ماله و مال المسبوق، و إن سبق المحلّل سلّم إليه مال المسبّقين.

و ليس للأمين أجرة على السابق و لا على المسبوق إلاّ مع الشرط.

و لو كانت له أجرة في عرف المتسابقين، فالأقرب: حمل الإطلاق على العرف فيه، و وجوب أجرة المثل، كما لو استعمل خيّاطا أو قصّارا بغير شرط، و هو أحد وجهي الشافعيّة(٣).

و تكون الأجرة على المستبقين، و لا يختصّ بهما السابق منهما؛ لأنّها أجرة على حفظ المالين.

فإن اختلفا فإن كان اختلافهما في اختيار الأمين مع اتّفاقهما على إخراجه من أيديهما، فيختار الحاكم لهما أمينا يقطع تنازعهما.

١- في «ر»: «و يوضع».

٢- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

٣- الحاوي الكبير ١٩٣:١٥.


و هل يكون اختياره مقصورا على من تنازعا فيه، أو يكون على العموم في الناس كلّهم ؟ يحتمل أن يكون مقصورا على اختيار الأمينين اللّذين وقع التنازع فيهما؛ لانصراف المتسابقين عن اختيار غيرهما، و أن يكون عامّا في اختيار من رآه من جميع الأمناء؛ لأنّ تنازعهما قد قطع حكم اختيارهما.

و إن كان اختلافهما في إخراجه من أيديهما، فيقول أحدهما: يكون مال كلّ منّا في يده، و يقول الآخر: بل يكون موضوعا على يد أمين، فإن كان مال السّبق في الذمّة، قدّم قول من طلب قراره في يده؛ لأنّ العقد على الذمّة، فلا يؤخذ إلاّ باستحقاق، و إن كان معيّنا، قدّم قول طالب الأمين؛ لتعيين الحقّ فيه، و أنّه لا يوصل إليه من غيره.

إذا عرفت هذا، فلا أجرة للأمين إلاّ إذا قضت العادة بالأجرة فيه.

مسألة ٩٠٣: إذا أدخلا محلّلا بينهما،

ينبغي أن يجري فرسه بين فرسي المستبقين؛ لأنّه لمّا دخل بينهما للتحليل دخل بينهما في الجري، و لأنّهما بإخراج السّبق متنافران، فدخل بينهما ليقطع تنافرها.

فإن لم يتوسّطهما و عدل إلى يمين أو شمال، جاز و إن أساء بفعله إذا تراضى به المتسابقان، و إن لم يتراضيا إلاّ أن يجري فرسه بينهما، منع من العدول عن توسّطهما إلى يمين أو شمال؛ لأنّه تبع لهما، فكان أمرهما عليه أمضى.

فإن رضي أحدهما بعدوله عن الوسط و لم يرض به الآخر، قدّم اختيار من يطلب التوسّط دون الانحراف؛ لأنّه أعدل بينهما و أمنع من تنافرهما.

و لو رضيا بإخراجه(١) عن التوسّط بينهما و دعا أحدهما إلى أن يكون متيامنا و دعا الآخر إلى أن يكون متياسرا، لم يعمل على قول واحد منهما، و جعل وسطا بينهما؛ لأنّه العدل و المتعارف، فهذا موضع المحلّل.

و أمّا المتسابقان فإن اتّفقا على التيامن منهما أو التياسر، حملا على اتّفاقهما، و إن اختلفا فيه، أقرع بينهما، و أقرّ كلّ واحد منهما في موضع قرعته من يمين أو شمال.

مسألة ٩٠٤: لو تسابق جماعة و أخرج اثنان منهم فصاعدا مال المسابقة،

جاز؛ لأنّه بمنزلة ما لو أخرج أحد المتسابقين دون صاحبه(٢).

و كذا لو أخرج اثنان فصاعدا و شرطوا أنّ من سبق من المخرجين لم يحرز إلاّ ما أخرجه، و من سبق من غيرهم أخذ ما أخرجه المخرجون، جاز، و به قال الشافعي(٣).

مسألة ٩٠٥: إذا تضمّن عقد المسابقة المال، لم يخل إمّا أن يكون العقد بين اثنين أو أزيد،

فإن كان بين اثنين فإن شرطا المال للسابق منهما، صحّ، و إن شرطاه للمسبوق أو بينهما بالسويّة أو الأكثر للمسبوق، لم يصح العقد قطعا؛ لأنّ الغرض من المال الحثّ على السباق و الاجتهاد في الفروسيّة، و شرط المال أو أكثره أو نصفه للمسبوق ينافي ذلك؛ لأنّ كلّ واحد منهما يطلب الراحة و يركّ(٤) عنه و عن فرسه.

و لو شرط الأكثر للسابق و الأقلّ للآخر، فالأقرب: الجواز؛ لأنّ كلّ

١- كذا قوله: «بإخراجه» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و الظاهر: «بانحرافه».

٢- في الطبعة الحجريّة: «الآخر» بدل «صاحبه».

٣- العزيز شرح الوجيز ١٨٢:١٢، روضة الطالبين ٥٣٦:٧.

٤- الركّ: إلزامك الشيء إنسانا، تقول: رككت الحقّ في عنقه و ركّت الأغلال في أعناقهم. تهذيب اللغة ٤٤٥:٩ «ر ك».


واحد منهما يسعى و يجتهد في تحصيل الأكثر، و لأنّ التفاوت لو جعل خطرا جاز إجماعا، فكذا لو انضمّ إلى غيره، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: المنع؛ لأنّه إذا كان يتحصّل على شيء فقد يتكاسل و يضمر فرسه فيفوت مقصود العقد(١).

و هذا الوجه جيّد إن كان المال من ثالث بذل لهما، أمّا إذا كان منهما فلا.

و إن كان العقد بين ثلاثة فما زاد و شرط باذل المال للسابق، صحّ إجماعا.

و إن شرطه للمصلّي أو شرط للمصلّي أكثر ممّا شرط للسابق، فالأقرب: المنع؛ لأنّ السبق هو الغرض الذاتي في عقد المسابقة لكلّ واحد منهما، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: الجواز؛ لأنّ ضبط الفرس في شدّة عدوه ليقف في مقام المصلّين يحتاج إلى حذق و معرفة(٢).

و لو شرط للمصلّي مثل ما شرط للأوّل، فالأصحّ: الجواز؛ لأنّ كلّ واحد من الثلاثة و الحال هذه يجتهد في أن يكون سابقا أو مصلّيا، فيحصل الغرض من عقد المسابقة، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: المنع، كما لو كانا اثنين و شرط للثاني مثل ما شرط للأوّل(٣).

و إن شرط للمصلّي أن يكون له دون ما شرط للأوّل، فالأقرب:

الجواز.٧.

١- المهذّب - للشيرازي - ٤٢٢:١، التهذيب - للبغوي - ٧٨:٨، البيان ٣٧١:٧، العزيز شرح الوجيز ١٧٩:١٢-١٨٠، روضة الطالبين ٥٣٤:٧.

٢- العزيز شرح الوجيز ١٨٠:١٢، روضة الطالبين ٥٣٤:٧.

٣- العزيز شرح الوجيز ١٨٠:١٢، روضة الطالبين ٥٣٤:٧.

و للشافعيّة وجهان(١).

و قد خرج للشافعيّة من هذه الاختلافات وجوه ثلاثة:

أحدها: أنّه يجوز أن يشترط جميع المال للمصلّي.

و الثاني: لا يجوز أن يشترط له شيء.

و الثالث: يجوز أن يشترط له شيء بشرط أن يفضل السابق(٢).

و لهم وجه رابع هو أقواها، و هو: أنّه يجوز أن يشترط له شيء بشرط أن لا يفضل على السابق(٣).

و أمّا الفسكل فلا يجوز أن يشترط له جميع المال، و لا أن يخصّص بفضل، و لا أن يسوّى بينه و بين من قبله.

و هل يجوز أن يشترط له دون ما شرط لمن قبله ؟ فيه الوجهان السابقان(٤).

و على هذا القياس لو كان المسابقون أكثر من ثلاثة، فلو كانوا عشرة و شرط لكلّ واحد منهم سوى الفسكل مثل المشروط لمن قبله، يجوز على الأقوى، لكن الأولى أن يكون المشروط لكلّ واحد منهم دون المشروط للّذي قبله.

و في شرط شيء للفسكل الوجهان(٥).

و لو أهمل بعضهم بأن جعل للأوّل عشرة و للثالث تسعة و للرابع ثمانية و أهمل الثاني، احتمل الجواز، و يقام الثالث مقام الثاني، و الرابع مقام الثالث، و يقدّر كأنّ الثاني لم يكن، و المنع؛ لأنّ الثالث و الرابع يفضلان من٧.

١- البيان ٣٧١:٧، العزيز شرح الوجيز ١٨٠:١٢، روضة الطالبين ٥٣٤:٧.

٢- العزيز شرح الوجيز ١٨٠:١٢، روضة الطالبين ٥٣٤:٧-٥٣٥.

(٣الى٥) العزيز شرح الوجيز ١٨٠:١٢، روضة الطالبين ٥٣٥:٧.


قبلهما، و هو غير جائز؛ لما فيه من تفضيل المسبوق على السابق، و هو الأقوى.

و إذا بطل المشروط في حقّ بعضهم، ففي بطلانه في حقّ من بعده للشافعيّة وجهان(١).

و هذان الوجهان و الوجهان في صورة إهمال البعض بنيا على أنّ من بطل السبق في حقّه هل يستحقّ على الباذل أجرة المثل ؟ فإن قلنا: لا، بطل العقد في حقّ من بعده لئلاّ يفضل من سبقه، و إن قلنا: نعم، لم يبطل في حقّ من بعده، و لا يضرّ كون المشروط له زائدا على أجرة المثل؛ لأنّ الممتنع أن يفضل المسبوق السابق فيما يستحقّانه بالعقد، و أجرة المثل ليست مستحقّة بالعقد.

و هذه الصّور المذكورة وضعوها فيما إذا كان باذل المال غير المتسابقين.

و يمكن فرضها أو فرض بعضها فيما إذا كان بذله من أحد المتسابقين، مثل أن يتسابق اثنان يبذل أحدهما المال على أنّه إن سبق دفع إلى الآخر منه كذا، و إن سبق الآخر أمسك لنفسه منه كذا(٢).

مسألة ٩٠٦: إذا تسابقا و أدخلا المحلّل و أخرجا المال و قالا: من سبق فالمال بأجمعه له، فالأحوال سبعة:

أ: أن ينتهوا إلى الغاية على سواء لا يتقدّمهم أحدهم، فليس فيهم سابق و لا مسبوق، فيحرز كلّ واحد من المتسابقين سبق نفسه، و لا يعطي أحدا شيئا و لا يأخذ من أحد شيئا، و لا شيء للمحلّل؛ لأنّه لم يسبق أحدا.

١- العزيز شرح الوجيز ١٨٠:١٢، روضة الطالبين ٥٣٥:٧.

٢- العزيز شرح الوجيز ١٨٠:١٢-١٨١، روضة الطالبين ٥٣٥:٧.


ب: أن يسبق المخرجان فيصلا معا على سواء و يتأخّر المحلّل عنهما، فيحرز كلّ واحد من المخرجين سبق نفسه؛ لاستوائهما في السبق، و لا شيء للمحلّل؛ لأنّه مسبوق.

ج: أن يسبق المحلّل و يأتي المخرجان بعده على سواء أو تفاضل، فيستحقّ المحلّل سبق المخرجين؛ لسبقه لهما.

و هذه الثلاثة لا خلاف فيها.

د: أن يسبق أحد المخرجين ثمّ يأتي بعده المحلّل و المخرج الآخر على سواء، فيحرز السابق سبق نفسه، و أمّا سبق المسبوق ففيه خلاف.

قال الشافعي: إنّه يكون للسابق أيضا - و هو المعتمد - لقوله عليه السّلام:

«من أدخل فرسا بين فرسين و قد أمن أن يسبق فهو قمار، و إن لم يأمن أن يسبق فليس بقمار»(١).

و لأنّ دخول المحلّل عند الشافعي لتحليل الأخذ به، فيأخذ إن كان سابقا، و يؤخذ به إن كان مسبوقا، و قد حصل السّبق لغيره، فوجب أن يكون أحقّ بأخذه، فيكون جميعه للسابق(٢).

و قال أبو علي ابن خيران: إنّ السابق يأخذ سبق نفسه خاصّة، و لا يستحقّ سبق صاحبه؛ لأنّه إذا أخذ سبق صاحبه كان كلّ واحد منهما يغنم أو(٣) يغرم، و ذلك قمار، و مذهبه أنّ دخول المحلّل ليأخذ، و لا يؤخذ به، فيكون سبق المتأخّر من المخرجين مقرّا عليه لا يستحقّه السابق من».

١- تقدّم تخريجه في ص ٢٤، الهامش (١).

٢- الحاوي الكبير ١٩٥:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٣:١، حلية العلماء ٥: ٤٧١، التهذيب - للبغوي - ٧٩:٨، البيان ٣٧٢:٧، العزيز شرح الوجيز ١٢: ١٨٤، روضة الطالبين ٥٣٧:٧.

٣- الظاهر: «و» بدل «أو».


المخرجين؛ لأنّه يعطي و لا يأخذ، و لا يستحقّه المحلّل؛ لأنّه لم يسبق(١).

و هو غلط؛ لأنّ فيهم من يغنم و لا يغرم، فخرج بذلك من أن يكون قمارا.

ه: أن يسبق المحلّل و أحد المخرجين بأن يأتيا إلى الغاية على سواء و يتأخّر المخرج الآخر، فيحرز السابق من المخرجين سبق نفسه، و يكون مال المخرج المسبوق بين المخرج السابق و المحلّل؛ لتشاركهما في سبب الاستحقاق، و هو السبق، و به قال الشافعي(٢).

و على قول ابن خيران يكون سبق المسبوق للمحلّل خاصّة، و لا شيء للسابق المخرج فيه، بل يحرز مال نفسه خاصّة؛ لأنّه لو شارك المحلّل كان قمارا؛ لأنّه يحصل في القوم من يغنم تارة، و يغرم أخرى، و هذا غير جائز، و قد سبق المحلّل المخرج المسبوق، فكان سبقه له خاصّة(٣).

و: أن يسبق أحد المستبقين المحلّل و الآخر، و يكون المحلّل مصلّيا و المخرج الآخر أخيرا، فعلى ما قلناه - و به قال الشافعي(٤) - يكون مال المسبوق للمخرج الأوّل؛ لسبقه إيّاهما، و يحرز مال نفسه.

و على قول ابن خيران يكون مال المسبوق للمحلّل؛ لأنّه سبق٧.

١- الحاوي الكبير ١٩٥:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٣:١، حلية العلماء ٥: ٤٧١، التهذيب - للبغوي - ٧٩:٨، البيان ٣٧٢:٧، العزيز شرح الوجيز ١٢: ١٨٤، روضة الطالبين ٥٣٧:٧.

٢- الحاوي الكبير ١٩٥:١٥-١٩٦، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٣:١، حلية العلماء ٤٧١:٥، التهذيب - للبغوي - ٧٩:٨، البيان ٣٧٢:٧-٣٧٣، العزيز شرح الوجيز ١٨٤:١٢، روضة الطالبين ٥٣٧:٧.

٣- الحاوي الكبير ١٩٥:١٥-١٩٦، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٣:١، حلية العلماء ٤٧١:٥، التهذيب - للبغوي - ٧٩:٨، البيان ٣٧٢:٧-٣٧٣، العزيز شرح الوجيز ١٨٤:١٢، روضة الطالبين ٥٣٧:٧.

٤- الحاوي الكبير ١٩٦:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٣:١، حلية العلماء ٥: ٤٧١، التهذيب - للبغوي - ٨٠:٨، البيان ٣٧٢:٧، العزيز شرح الوجيز ١٢: ١٨٤، روضة الطالبين ٥٣٧:٧.


المتأخّر دون السابق، و يحرز السابق مال نفسه خاصّة(١).

ز: أن يسبق أحد المستبقين المحلّل و الآخر، و يكون المخرج الآخر مصلّيا و المحلّل أخيرا، فالسابق يحرز السّبقين معا، و به قال الشافعي(٢).

و على قول ابن خيران للسابق سبق نفسه، و للمسبوق الثاني سبق نفسه، و لا شيء للمحلّل؛ لأنّه تأخّر عنهما، و ليس للسابق شيء في سبق المصلّي؛ لأنّه لا يأخذ، و لا يستحقّه المحلّل؛ لأنّه لم يسبق، و يكون مقرّا على المسبوق(٣).

مسألة ٩٠٧: لو قال واحد لاثنين: أيّكما سبق فله عشرة،

صحّ؛ لأنّ كلّ واحد منهما يجتهد أن يسبق وحده، و لو جاءا معا، فلا شيء لهما.

و لو كانوا جماعة فقال: من سبق فله كذا، فجاء اثنان فصاعدا دفعة و تأخّر الباقون، فالمشروط للأوّلين بالسويّة، و لا شيء للمتأخّرين.

و لو قال: من سبق فله دينار و من صلّى فله نصف دينار، فسبق واحد و صلّى ثلاثة ثمّ جاء الباقون، فللسابق دينار، و للمصلّين الثلاثة نصف دينار بينهم بالسويّة، و لو سبق واحد و جاء الباقون معا، فللسابق دينار، و للباقين نصف دينار، و لو جاء الجميع معا، فلا شيء لهم؛ لأنّهم ليسوا بسابقين

١- الحاوي الكبير ١٩٦:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٣:١، حلية العلماء ٥: ٤٧١، التهذيب - للبغوي - ٨٠:٨، البيان ٣٧٢:٧، العزيز شرح الوجيز ١٢: ١٨٥، روضة الطالبين ٥٣٧:٧.

٢- الحاوي الكبير ١٩٦:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٣:١، حلية العلماء ٥: ٤٧١، التهذيب - للبغوي - ٧٩:٨-٨٠، العزيز شرح الوجيز ١٨٤:١٢، روضة الطالبين ٥٣٧:٧.

٣- الحاوي الكبير ١٩٦:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٣:١، حلية العلماء ٥: ٤٧١، التهذيب - للبغوي - ٨٠:٨، العزيز شرح الوجيز ١٨٤:١٢، روضة الطالبين ٥٣٧:٧.


و لا مصلّين.

و لو قال: كلّ من سبق فله دينار، فسبق ثلاثة، فالأقرب: أنّ لكلّ واحد دينارا.

و يحتمل في قوله: «من سبق فله دينار» ذلك أيضا حتى لو سبق ثلاثة استحقّ كلّ واحد دينارا.

و لو قال: من سبق فله عشرة، و من صلّى فله خمسة، فسبق خمسة و صلّى خمسة، فللخمسة عشرة، أو لكلّ واحد على الاحتمال، و للثانية خمسة، أو لكلّ واحد.

و يحتمل البطلان على الأوّل؛ لإمكان سبق تسعة، فيكون لكلّ واحد من السابقين درهم و تسع و للمصلّي خمسة.

و لو قال لاثنين: أيّكما سبق فله عشرة، و أيّكما صلّى فله عشرة، لم يصح، و لو قال: و من صلّى فله خمسة، صحّ.

و لو قال لثلاثة: من سبق فله عشرة، و من صلّى فله عشرة، صحّ.

مسألة ٩٠٨: إذا بذل السّبق لجماعة و لم يبذله لجميعهم،

مثل أن يبذل للأوّل شيئا، و لمن بعده شيئا، فإن فاضل بين المسبوق و السابق، مثل أن يجعل للأوّل - الذي هو المجلّي - عشرة، و للثاني - الذي هو المصلّي - سبعة، و للثالث - الذي هو التالي - خمسة، و للرابع - الذي هو البارع - أربعة، و للخامس - الذي هو المرتاح - ثلاثة، و لم يجعل لمن بعدهم شيئا، جاز إجماعا؛ لأنّه قد منع المسبوقين و فاضل بين السابقين، فحصل التحريض في طلب الفاضل و خشية المنع.

و لو جعل للسابق عشرة و للمصلّي خمسة، و لم يجعل لمن بعدهم شيئا و كان السابق خمسة و المصلّي واحدا، قسّمت العشرة بين الخمسة

السابقين لكلّ واحد درهمان، و للواحد المصلّي خمسة و إن صار بها أفضل من السابقين؛ لأنّه أخذ الزيادة باعتبار تفرّده و وحدته، لا باعتبار جعل الفاضل للمتأخّر، و لم يأخذ لتفضيل أهل درجته، و قد كان يجوز أن يشاركه غيره في درجته فيقلّ سهمه.

و لو سوّى بين سابق و مسبوق، مثل أن جعل للسابق عشرة و للمصلّي عشرة، و فاضل بين بقيّة الخمسة، فجعل للثالث ثمانية و للرابع خمسة و للخامس ثلاثة، لم يجز؛ لأنّ مقتضى التحريض أن يفاضل بين السابق و المسبوق، فإذا تساويا فيه بطل مقصوده، فلم يجز، و كان السبق في حقّ المصلّي الذي سوّى(١) بينه و بين سابقه باطلا، و في حقّ من عداه وجهان، بناء على اختلاف الوجهين في الذي بطل السبق في حقّه هل يستحقّ على الباذل أجرة مثله أم لا؟ وجهان:

أحدهما: عدم الاستحقاق على الباذل؛ لأنّ سبقه عائد عليه لا على الباذل، فعلى هذا يكون السبق في حقّ من بعده باطلا؛ لأنّه لا يجوز أن يفضّلوا به على من سبقهم.

و الثاني: ثبوت استحقاقه على الباذل أجرة المثل؛ لأنّ من استحقّ المسمّى في العقد الصحيح استحقّ أجرة المثل في الفاسد، فعلى هذا يكون السبق في حقّ من بعده صحيحا، و لكلّ واحد منهم ما سمّي له و إن كان أكثر من أجرة المثل لمن بطل السبق في حقّه؛ لأنّه لا يجوز أن يفضّلوا عليه إذا كان مستحقّا بالعقد، و هذا يستحقّ بغيره.

و يتفرّع على هذا ما إذا جعل للأوّل عشرة و لم يجعل للثاني شيئا».

١- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «ساوى» بدل «سوّى».

و جعل للثالث خمسة و للرابع ثلاثة و لم يجعل لمن بعدهم شيئا، فالثاني خارج من السبق؛ لخروجه من البذل.


و في قيام من بعده مقامه وجهان:

أحدهما: يقوم الثالث مقام الثاني، و يقوم الرابع مقام الثالث؛ لأنّه يصير وجوده بالخروج من السبق كعدمه، فعلى هذا يصحّ السبق فيهما بالمسمّى لهما بعد الأوّل.

و الوجه الثاني: أنّهم يترتّبون في القسمة، و لا يكون خروج الثاني منهم بالحكم مخرجا له من الذكر، فعلى هذا يكون السبق فيهما باطلا؛ لتفضيلهما على السابق لهما.

و هل يكون لهما أجرة مثلهما، أم لا؟ وجهان.

و إن بذل العوض لجماعتهم و لم يخل أحدا من عوض، نظر فإن سوّى فيهم بين سابق و مسبوق، بطل.

و إن لم يساو(١) بين السابق و المسبوق و فضّل كلّ سابق على مسبوق حتى يجعل متأخّرهم أقلّهم سهما، جاز عندنا.

و للشافعيّة وجهان.

أحدهما: الجواز؛ اعتبارا بالتفاضل في السبق، فعلى هذا يأخذ كلّ واحد منهم ما سمّي له.

و الوجه الثاني: أنّ السبق باطل؛ لأنّهم قد تكافؤوا في الأخذ و إن تفاضلوا فيه(٢).٥.

١- في الطبعة الحجريّة: «لم يسوّ».

٢- الحاوي الكبير ١٩١:١٥.

فعلى هذا هل يكون باطلا في حقّ [الأخير](١) وحده، أم في حقوق جميعهم ؟ للشافعيّة وجهان ؟

أحدهما: في حقّ [الأخير](٢) وحده؛ لأنّ بالتسمية له فسد السبق.

و الثاني: أنّه يكون باطلا في حقوق جماعتهم؛ لأنّ أوّل العقد مرتبط بآخره(٣).

و هل يستحقّ على كلّ واحد منهم أجرة مثله، أم لا؟ وجهان(٤).

تذنيب: ينبغي أن يكون في الموضع الذي ينتهي إليه السبق - و هو غاية المدى - قصبة قد غرزت في الأرض تسمّيها العرب قصبة السبق، ليحرزها السابق منهم فيقلعها حتى يعلم بسبقه البعيد و القريب فيسقط به الاختلاف، و ربما رجع بها يستقبل بها المسبوقين إذا كان مفضّلا في السبق متناهيا في الفروسيّة.

مسألة ٩٠٩: قد بيّنّا أنّه لا يشترط المحلّل عندنا،

فلو تسابق مائة أو أزيد من غير محلّل جاز.

و الشافعي أوجب دخول المحلّل(٥) ، لكن لا يشترط الكثرة مع كثرة المتسابقين؛ لأنّ كثرة المتسابقين لا توجب كثرة المحلّلين، لأنّ دخول المحلّل ليكون فيهم من يأخذ و لا يعطي حتى يصير خارجا من حكم القمار، و هذا موجود في دخول محلّل واحد(٦) بين مائة، لكن الأولى عندهم أن يكثر المحلّلون إذا كثر المتسابقون، ليكون من القمار أبعد،

١- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الأجنبي». و ذلك تصحيف.

٢- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الأجنبي». و ذلك تصحيف.

٣- الحاوي الكبير ١٩١:١٥.

٤- الحاوي الكبير ١٩١:١٥.

٥- راجع: الهامش (٣) من ص ٢٣، ضمن المسألة ٨٩٢.

٦- في «د»: «المحلّل الواحد».


و على هذا لو دخل بين الاثنين محلّلان فما زاد جاز.

و إذا عقد السبق بالمحلّل على شرط فاسد أوجب سقوط المسمّى فيه ثمّ سبق أحدهم، نظر فإن كان السابق هو المحلّل استحقّ أجرة مثله على المتسابقين تكون عليهما نصفين، و يستوي فيها من تقدّم منهما أو تأخّر، و يستحقّها وجها واحدا؛ لأنّه معهما كالأجير.

و إن سبق أحد المخرجين، فلا شيء للمحلّل(١).

و هل يستحقّ السابق على المتأخّر أجرة مثله ؟ للشافعيّة وجهان(٢).

مسألة ٩١٠: لو شرطوا أنّ المحلّل يختصّ بالاستحقاق إن سبق الاثنين،

و كلّ واحد منهما لا يأخذ إلاّ ما أخرج، جاز إجماعا.

و إن شرطوا أنّ المحلّل يأخذ السّبقين إن سبق و أنّ كلّ واحد منهما إن سبق أحرز ما أخرجه و أخذ ما أخرجه الآخر، صحّ عندنا.

و للشافعي(٣) قولان، و الأصحّ عند الشافعي: الجواز؛ لأنّ التسابق يجري بين المتكافئين المتقاربين، و لا يكاد يسمح أحدهما بأن يخرج المال دون أن يخرج الثاني(٤) ، لكن إذا لم يكن محلّل كانت المعاملة على صورة القمار عندهم، فلو لم يجز ذلك بعد دخول المحلّل فات مقصود العقد.

و الثاني: المنع - كما هو مذهب ابن خيران - لأنّ كلّ واحد من المستبقين قد يغنم و قد يغرم، و ذلك قمار(٥).

و هو ممنوع.

١- الحاوي الكبير ١٩٧:١٥.

٢- الحاوي الكبير ١٩٧:١٥.

٣- في الطبعة الحجريّة: «و للشافعيّة».

٤- في «ر، ص» و الطبعة الحجريّة: «الآخر» بدل «الثاني».

٥- نهاية المطلب ٢٣٧:١٨، العزيز شرح الوجيز ١٨٣:١٢-١٨٤، روضة الطالبين ٥٣٦:٧.


و على ما اختاره الشافعي لو كان المتسابقون مائة و ليس فيهم إلاّ محلّل واحد شرط أن يأخذ جميع ما أخرجوه إن سبق و لا يغرم شيئا إن سبق و كلّ واحد من المستبقين إن سبق غنم و إن سبق غرم، صحّ العقد و الشرط(١).

مسألة ٩١١: إذا أطلقا شرط المال للسابق،

حمل على السابق المطلق، لا على المصلّي الذي سبق غيره و إن كان مسبوقا - و هو أظهر قولي الشافعيّة(٢) - لانصراف الإطلاق إليه عرفا.

فلو تسابق اثنان و محلّل، فإن سبق المحلّل ثمّ صلّى أحد المتسابقين و تأخّر الثاني، فالمال بأجمعه للمحلّل؛ عملا بالإطلاق.

و قالت الشافعيّة: يأخذ المحلّل ما أخرجه المصلّي بلا خلاف، و فيما أخرجه الفسكل ثلاثة أوجه:

أظهرها: أنّه يأخذه المحلّل أيضا؛ لأنّه السابق المطلق.

و الثاني: أنّه للمحلّل و المصلّي جميعا؛ لأنّهما سبقاه.

و الثالث - و هو أضعفها -: أنّه للمصلّي وحده، و يجعل سابقا للفسكل، كما أنّ المحلّل سابق للمصلّي(٣).

و لو تسابق اثنان و أدخلا محلّلين و سبق أحد المحلّلين و صلّى أحد المستبقين ثمّ جاء المحلّل الثاني ثمّ المستبق الثاني، فما أخرجه المستبق الأوّل للمحلّل [الأوّل]، و أمّا ما أخرجه الثاني ففيه للشافعيّة وجهان:

أظهرهما: أنّه للمحلّل الأوّل أيضا؛ لأنّه السابق المطلق.

و الثاني: أنّه للمحلّلين و للمستبق الأوّل؛ لأنّهم جميعا سبقوا الثاني(٤).

١- العزيز شرح الوجيز ١٨٤:١٢، روضة الطالبين ٥٣٦:٧.

٢- العزيز شرح الوجيز ١٨٤:١٢، روضة الطالبين ٥٣٦:٧.

٣- العزيز شرح الوجيز ١٨٤:١٢، روضة الطالبين ٥٣٦:٧-٥٣٧.

٤- العزيز شرح الوجيز ١٨٥:١٢، روضة الطالبين ٥٣٧:٧.


و قياس الوجه الضعيف للشافعي أنّه للمحلّل الثاني(١).

و قياس قول ابن خيران أن يقال: إنّه للمحلّل الأوّل في أحد الوجهين، و للمحلّلين في الثاني(٢).

و لو جاء أحد المستبقين أوّلا ثمّ جاء أحد المحلّلين ثمّ المستبق الثاني ثمّ المحلّل الثاني، فيحرز السّبق الأوّل.

و أمّا ما أخرجه الثاني فعلى ظاهر المذهب للشافعيّة و الوجه الأظهر:

أنّه يأخذه المستبق الأوّل أيضا.

و في وجه: هو له و للمحلّل الأوّل.

و على الوجه الأضعف: هو للمحلّل الأوّل(٣).

و على قول ابن خيران هو للمحلّل الأوّل لا غير(٤).

مسألة ٩١٢: لو سبق أحد المتسابقين في وسط الميدان و الآخر في آخره،

فالسابق: الثاني؛ لأنّ الاعتبار إنّما هو بالغاية، فمن سبق إليها فهو السابق.

و كذا لو سبق أحدهما عند الغاية ثمّ جريا بعد الغاية فتقدّم المسبوق بعدها على السابق بهاديه أو كتده أو أقدامه، كان السّبق لمن سبق عند الغاية دون من سبق بعدها؛ لأنّ ما تجاوز الغاية غير داخل في العقد فلم يعتبر.

و لو عثر أحد الفرسين أو ساخت قوائمه في الأرض فتقدّم الآخر، لم يكن الآخر سابقا؛ لأنّ العثرة أخّرته.

و كذا لو وقف بعد ما جرى؛ لمرض و شبهه.

و لو وقف بلا علّة، فهو مسبوق.

١- العزيز شرح الوجيز ١٨٥:١٢، روضة الطالبين ٥٣٧:٧.

٢- العزيز شرح الوجيز ١٨٥:١٢، روضة الطالبين ٥٣٧:٧.

٣- العزيز شرح الوجيز ١٨٥:١٢، روضة الطالبين ٥٣٧:٧.

٤- العزيز شرح الوجيز ١٨٥:١٢، روضة الطالبين ٥٣٧:٧.


و لو وقف قبل أن يجري، لم يكن مسبوقا، سواء وقف لمرض أو لغير مرض.

و لو كان العاثر هو السابق، كان الاحتساب بسبقه أولى؛ لأنّه إذا سبق مع العثرة كان مع عدمها أسبق.

و لو تسابقا على أنّ من سبق منهما الآخر بأقدام معلومة فله السّبق، جاز - و هو قول بعض الشافعيّة(١) - لأنّهما يتحاطّان ما تساويا فيه، و يجعل السبق لمن تقدّم بالقدم المشروط، فهو كشرط المحاطّة في النضال.

و قال بعضهم بالمنع(٢).

و لا وجه له؛ لأنّ هذا العقد مشروط بمقدار معلوم مضاف إلى المقدار الأوّل، فصحّ؛ عملا بالشرط.

مسألة ٩١٣: قد بيّنّا أنّه يشترط في مال المسابقة العلم،

سواء كان دينا أو عينا أو بالتفريق، و سواء كان الدّين مؤجّلا أو حالاّ، لكن إن كان مؤجّلا وجب العلم بأجله.

و لا يجوز أن يكون العوض مجهولا، فلو شرط مالا مجهولا بأن قال:

أعطيك ما شئت أو ما شاء فلان، أو شرط دينارا و ثوبا و لم يصف الثوب، أو دينارا إلاّ ثوبا، بطل العقد.

و كذا لو شرط دينارا إلاّ درهما، إلاّ أن يريد قدر الدرهم و عرفا قيمته من الدينار.

و لو قال: إن سبقتني فلك هذه العشرة و تردّ إليّ صاعا من طعام، احتمل الجواز إن قصرت قيمة الصاع عن العشرة، و إلاّ بطل.

١- المهذّب - للشيرازي - ٤٢٢:١، التهذيب - للبغوي - ٨١:٨، البيان ٧: ٣٧٥، العزيز شرح الوجيز ١٨٩:١٢، روضة الطالبين ٥٤١:٧.

٢- المهذّب - للشيرازي - ٤٢٢:١، التهذيب - للبغوي - ٨١:٨، البيان ٧: ٣٧٥، العزيز شرح الوجيز ١٨٩:١٢، روضة الطالبين ٥٤١:٧.


و قالت الشافعيّة: يبطل، من غير أن يفصّلوا؛ لأنّه شرط عوضا على السابق، و هو خلاف موضوع العقد(١).

و لو تسابقا على قرض في الذمّة، فوجهان مبنيّان على جواز الاعتياض عنه قبل قبضه، و الوجه: الجواز.

و إذا أخرج المال غير المتسابقين، جاز أن يشرط لأحدهما أكثر ممّا يشرطه للآخر.

و لو أخرجاه، جاز أن يخرج أحدهما أكثر ممّا يخرجه الآخر.

و لو شرط على السابق أن يطعم السّبق لأصحابه، فسد العقد عند الشافعيّة؛ لأنّه تمليك بشرط يمنع كمال التصرّف، فصار كما لو باعه شيئا بشرط أن لا يبيعه(٢).

و قال بعضهم: إنّه يصحّ العقد، و قبوله للإطعام عدة إن شاء و فى بها، و إلاّ فلا، و لأنّ نفع هذا الشرط لا يعود على الشارط، فصار وجوده كعدمه، و به قال أبو حنيفة و أحمد(٣).

مسألة ٩١٤: السبق ضربان:

أحدهما: أن يكون مقيّدا بأقدام مشروطة باشتراطهما، كما لو شرطا

١- البيان ٣٦٩:٧، العزيز شرح الوجيز ١٨٩:١٢-١٩٠، روضة الطالبين ٧: ٥٣٩.

٢- مختصر المزني: ٢٨٧، الحاوي الكبير ٢٠٨:١٥، المهذّب - للشيرازي - ١: ٤٢٦، حلية العلماء ٤٧٨:٥، التهذيب - للبغوي - ٩٠:٨، البيان ٣٨٨:٧، العزيز شرح الوجيز ١٩٠:١٢، روضة الطالبين ٥٣٩:٧، المغني ١٣٣:١١، الشرح الكبير ١٤٢:١١.

٣- الحاوي الكبير ٢٠٨:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٦:١، حلية العلماء ٥: ٤٧٨، البيان ٣٨٨:٧، العزيز شرح الوجيز ١٩٠:١٢، روضة الطالبين ٥٣٩:٧، المغني ١٣٣:١١، الشرح الكبير ١٤١:١١-١٤٢.


أن يكون السبق بعشرة أقدام، فهذا لا يتمّ السبق إلاّ بها، فإن سبق أحدهما بتسعة أقدام، لم يكن سابقا في استحقاق البذل و إن كان سابقا في العمل.

و كذا لو شرطا أن يكون السبق بعشرة أذرع و نحوها من المقادير.

و الثاني: أن يكون مطلقا بغير شرط، فيكون سابقا بكلّ قليل و كثير.

و الأعضاء التي جرى ذكرها في كلام الفقهاء لاعتبار السبق بها ثلاثة:

الكتد، و هو الكاهل - و هو مجمع الكتفين بين أصل العنق و الظّهر - و الأقدام، و هي القوائم، و الهادي، و هو العنق.

مسألة ٩١٥: السبق يحصل بالأقدام،

فأيّ الفرسين تقدّمت يداه عند الغاية فهو السابق؛ لأنّ السعي يحصل بهما و الجري عليهما.

و قال الشافعي: أقلّ السبق أن يسبق بالهادي أو بعضه، أو الكتد أو بعضه(١) ، و قوّاه الشيخ(٢) رحمه اللّه.

و اعلم أنّ السبق إمّا أن يعتبر بالهادي أو الكتد، فإن اعتبر بالكتد فأيّهما سبق كتده فهو السابق، سواء تساويا في الطول و القصر أو اختلفا.

و إن كان بالهادي، فنقول: إنّ الفرسين إمّا أن يتساويا في قدر عنقهما في الطول و القصر أو يختلفا، فإن تساويا في الطول و القصر فمتى سبق أحدهما الآخر بعنقه أو بعضه فقد سبقه؛ لأنّ ذلك كان لسرعته، و إن اختلفا في طول العنق و قصره، فإن سبقه القصير العنق بعنقه أو بعضه فقد سبقه،

١- الأم ٢٣٠:٤، مختصر المزني: ٢٨٧، الحاوي الكبير ١٩٦:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٤:١، نهاية المطلب ٢٤٩:١٨، الوسيط ١٨٢:٧، التهذيب - للبغوي - ٨١:٨، البيان ٣٧٥:٧، العزيز شرح الوجيز ١٨٧:١٢، روضة الطالبين ٥٤٠:٧.

٢- المبسوط - للطوسي - ٢٩٥:٦.


و إن سبقه الطويل العنق بجميع عنقه أو بأكثر ممّا بينهما في طول العنق فقد سبقه، و إن كان بأقلّ من قدر الزيادة، فالقصير هو السابق؛ لأنّه يكون قد سبقه بكاهله، و لا اعتبار بسبقه بعنقه حينئذ؛ لأنّ سبقه بعنقه إنّما كان بطوله، لا لزيادة جريه.

و قد اعترض على الشافعي: بأنّه إذا كان السبق بالكتد صحيحا مع اختلاف الخلقة فلم اعتبره بالعنق الذي يختلف حكمه باختلاف الخلقة ؟(١).

و أجيب: بأنّ السبق بالكتد يتحقّقه القريب دون البعيد، و السبق بالعنق يشاهده القريب و البعيد، فربما دعت الضرورة إليه ليشاهده شهود السبق فيشهدوا به للسابق؛ لأنّ للسبق شهودا يستوقفون عند الغاية ليشهدوا للسابق على المسبوق(٢).

و قال الثوري: السبق يتحقّق بالأذن، فإذا سبق أحدهما بأذنه كان سابقا(٣) ؛ لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «بعثت أنا و الساعة كفرسي رهان و كاد أحدهما أن يسبق الآخر بأذنه»(٤).

و لا حجّة فيه؛ لأنّ القصد من الخبر ضرب المثل، و ليس بحدّ لسبق الرهان، و قد يكون ذلك مع التساوي في العنقين و مدّهما، و قد يقع المثل بما لا يكاد يوجد، قال عليه السّلام: «من بنى مسجدا و لو كمفحص قطاة بنى اللّه له بيتا في الجنّة»(٥) مع امتناع بناء مسجد كذلك، بل الأصل في الاعتبار السبق٧.

١- الحاوي الكبير ١٩٧:١٥.

٢- الحاوي الكبير ١٩٧:١٥.

٣- الحاوي الكبير ١٩٦:١٥، حلية العلماء ٥٧٢:٥، البيان ٣٧٦:٧، المغني ١٣٨:١١، الشرح الكبير ١٤٥:١١.

٤- أورده الماوردي في الحاوي الكبير ١٩٦:١٥.

٥- سنن ابن ماجة ٧٨٣/٢٤٤:١، و أورده الماوردي أيضا في الحاوي الكبير ١٥: ١٩٦، و العمراني في البيان ٣٧٧:٧.


بسرعة العدو، فقد يكون أحدهما أسرع و أذن الآخر أسبق بأن يرفع السريع رأسه قليلا و الآخر يمدّ عنقه، فلهذا لم يعتبر بالأذن.

و قال الأوزاعي: أقلّ السبق بالرأس(١).

و ليس بجيّد؛ لأنّ من الخيل ما يرخي أذنه و رأسه فيطول، و منها ما يرفعه فيقصر، فلم يدل واحد منهما على التقدّم.

و قال بعض الشافعيّة: السبق في الإبل يعتبر بالكتد، و في الخيل يعتبر بالهادي، و الفرق: أنّ الإبل ترفع أعناقها عند العدو فلا يمكن اعتبار السبق به، و الخيل تمدّ أعناقها(٢).

و قال آخرون: إنّ عند اختلاف خلقة العنق بالطول و القصر يعتبر في الخيل أيضا بالكتد(٣).

و قال بعضهم: إنّ عند اختلاف الخلقة إذا سبق الأطول عنقا ببعض عنقه و كتدهما سواء يعدّ ذلك سبقا؛ لأنّ تقدير أعناق الخيل و ضبطها عسر(٤).

و قال آخرون: إنّه إن كان في جنس الخيل ما يرفع الرأس عند العدو فيتعيّن فيه الكتد، كما في الإبل(٥).

و قال بعضهم: إنّ التقدّم بأيّهما حصل تحقّق السبق، فحينئذ لو تقدّم أحدهما بالعنق و الآخر بالكتد لم يتحقّق سبق(٦).

و قال آخرون: لا يعتبر هذا و لا ذاك، و لكن يتبع عرف الناس و ما٧.

١- الحاوي الكبير ١٩٦:١٥، حلية العلماء ٥٧٢:٥. (٢الى٦) العزيز شرح الوجيز ١٨٧:١٢، روضة الطالبين ٥٤٠:٧.

يعتبرون به السبق(١).

و قال بعضهم: المعتبر ما شرطاه من اعتبار الكتد أو الهادي(٢).

مسألة ٩١٦: قد بيّنّا أنّه لو تسابقا على أنّ من سبق منهما الآخر بأقدام معلومة فله السّبق،

جاز، لكن ذلك لا يتصوّر فيما إذا لم يبيّنا غاية، فقد بيّنّا أنّهما إذا شرطا السّبق لمن سبق من غير بيان غاية لم يجز.

و لا فرق بين هذه الصورة و بين أن يشترطا السّبق لمن تقدّم بأقدام معلومة.

و لكن التصوّر فيما إذا شرطا السّبق لمن تقدّم بأقدام معلومة إلى موضع كذا، و الغاية في الحقيقة نهاية الأقدام المشروطة من ذلك الموضع، لكنّه شرط في الاستحقاق تخلّف الآخر عنها بالقدر المذكور.

١- العزيز شرح الوجيز ١٨٨:١٢، روضة الطالبين ٥٤٠:٧.

٢- العزيز شرح الوجيز ١٨٨:١٢، روضة الطالبين ٥٤٠:٧.


الفصل الثاني: في الرمي

و فيه مقدّمة و مطلبان:

أمّا المقدّمة: ففي تفسير ألفاظ تستعمل في هذا الباب.

الرشق - بفتح الراء -: الرمي، يقال: رشقت رشقا، أي: رميت رميا، و يقال: قوس رشيقة، أي: خفيفة، و بالكسر: عدده الذي يتّفقان عليه، و أهل اللغة يقولون: هو عبارة عمّا بين العشرين إلى الثلاثين(١) ، و يسمّى أيضا: الوجه(٢).

و السباق: اسم يشتمل على المسابقة بالخيل حقيقة، و على المسابقة بالرمي مجازا، و لكلّ واحد منهما اسم خاصّ، فتخصّص الخيل بالرهان، و يختصّ الرمي بالنضال.

و إغراق السهم هو: أن يزيد في مدّ القوس لفضل قوّته حتى يستغرق السهم فيخرج من جانب الوتر المعهود إلى الجانب الآخر، فإنّ من أجناس القسيّ و السهام ما يكون مخرج السهم منها عن يمين الرامي جاريا على إبهامه، فيكون إغراقه أن يخرج السهم باستيفاء المدّ إلى يساره جاريا على سبّابته، و منها ما يكون مخرجه بالضدّ على يسار الرامي جاريا على سبّابته، فيكون إغراقه أن يخرج على يمينه جاريا على إبهامه، فإذا أغرق السهم

١- كما في المغني ١٤٠:١١.

٢- راجع: تهذيب اللغة ٣١٥:٨، و الصحاح ١٤٨١:٤، و لسان العرب ١١٧:١٠ «رشق».


لم يكن إغراقه من سوء الرمي عند الشافعي، و إنّما هو لعارض، فلا يحتسب عليه إن أخطأ به(١).

و ليس بجيّد؛ لأنّه إذا لم يمدّ القوس بقدر الحاجة حتى زاد فيه فأغرق أو نقص فقصر كان من سوء الرمي.

فعلى قول الشافعي إذا أخطأ بالسهم المغرق لم يحتسب عليه، و لو أصاب به احتسب له؛ لأنّ الإصابة مع الخلل أدلّ على الحذق من الإصابة مع الاستقامة(٢).

و اعلم أنّ السهم يوصف بأوصاف:

الأوّل: الحابي، و قد اختلف فيه.

فقيل: إنّ أبا حامد الاسفرائيني وهم هنا؛ حيث جعل الحوابي صفة من صفات السهم، و سمّاه حوابي بإثبات الياء، و فسّره بأنّه السهم الواقع دون الهدف ثمّ يحبو إليه حتى يصل إليه، مأخوذا من حبو الصبي، و هو نوع من الرمي المزدلف، يفترقان في الاسم؛ لأنّ المزدلف أحدّ، و الحابي أضعف، و يستويان في الحكم(٣).

و قال قوم: إنّ الحواب بإسقاط الياء نوع من الرمي، فإنّ أنواع الرمي ثلاثة: المحاطّة و المبادرة و الحواب، و هو أن يحتسب بالإصابة في الشنّ و الهدف، و يسقط الأقرب [إلى](٤) الشنّ ما هو أبعد من الشنّ(٥).

و المشهور: أنّ الحابي ما وقع بين يدي الغرض ثمّ وثب إليه فأصابه،ر.

١- الحاوي الكبير ٢١١:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٨:١، حلية العلماء ٥: ٤٨٨.

٢- الحاوي الكبير ٢١١:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٨:١، حلية العلماء ٥: ٤٨٨.

٣- الحاوي الكبير ٢١٤:١٥.

٤- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «من». و المثبت كما في المصدر.

٥- الحاوي الكبير ٢١٤:١٥.


و هو المزدلف.

الثاني: المارق، و هو ما نفذ الغرض و وقع من ورائه.

و كان الكسعيّ من رماة العرب فخرج ذات ليلة فرأى ظبيا فرماه فأنفذه و خرج السهم منه فأصاب حجرا فقدح(١) منه نارا فرأى ضوء النار في ظلمة الليل، فقال: مثلي يخطئ ؟! فكسر قوسه و أخرج خنجره و قطع إبهامه، فلمّا أصبح و رأى الظبي صريعا قد نفذ فيه السهم ندم، فضربت به العرب المثل(٢).

و قال شاعرهم:

ندمت ندامة الكسعيّ لمّا رأت عيناه ما عملت(٣) يداه(٤)

الثالث: الخاصر، و هو ما أصاب أحد جانبي الغرض، و منه:

الخاصرة؛ لأنّها في أحد جانبي الإنسان، و جمعه: خواصر، و يسمّى أيضا جائزا، و يقال: أجاز بالسهم إذا سقط من وراء الهدف أو وقع في وراء الهدف كان محسوبا من خطئه؛ لأنّه منسوب إلى سوء رميه، و ليس منسوبا إلى عارض في بدنه أو آلته.

و قال [أبو علي ابن أبي هريرة](٥): السهم الجائز أن يقع في الهدف عن أحد جانبي الشنّ، فعلى هذا إن كانت الإصابة [مشروطة](٦) في الشنّر.

١- في «ر، ص» و الطبعة الحجريّة: «فخرج السهم منه و أصاب حجرا و قدح».

٢- الحاوي الكبير ٢١١:١٥-٢١٢.

٣- في «ر، ص» و الصحاح: «صنعت» بدل «عملت».

٤- الحاوي الكبير ٢١٢:١٥، العين ١٩٢:١، الصحاح ١٢٧٧:٣ «كسع».

٥- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أبو حنيفة». و المثبت كما في المصدر.

٦- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.


كان الجائز مخطئا، و إن كانت الإصابة مشروطة في الهدف كان الجائز مصيبا(١).

الرابع: الطامح، يقال: سهم طامح، و له تأويلان:

أحدهما: أنّ الطامح هو الذي قارب الإصابة و لم يصب، و يكون مخطئا.

و الثاني: أنّه الواقع بين الشنّ و رأس الهدف، فيكون مخطئا إن شرطت الإصابة في الشنّ، و مصيبا إن شرطت في الهدف.

الخامس: العاضد، يقال: سهم عاضد، و هو الواقع من أحد الجانبين، فيكون كالجائز على أحد التأويلين.

السادس: الطائش، و هو السهم الذي لا يعرف مكان وقوعه، و الطائش محسوب عليه في الخطأ كالجائز.

السابع: العائر، و هو السهم المصيب الذي لا يعرف راميه، و لا يحتسب به لواحد من الراميين؛ للجهل به.

الثامن: الخاطف، و هو السهم المرتفع في الهواء يخطف نازلا، فإن أخطأ به كان محسوبا عليه؛ لأنّه من سوء رميه، و إن أصاب به، ففي الاحتساب به للشافعيّة وجهان:

أحدهما: يحتسب به من إصابته؛ لحصوله برميه.

و الثاني: لا يحتسب له من الإصابة؛ لأنّ تأثير الرمي في ارتفاع السهم، فأمّا سقوطه فلثقله، فصار مصيبا بغير فعله.

فعلى هذا هل يحتسب من خطئه ؟ وجهان:٥.

١- الحاوي الكبير ٢١٢:١٥.


أحدهما: يحتسب به من الخطأ؛ لأنّه إذا كان غير مصيب كان مخطئا.

و الثاني: لا يحتسب به من الخطأ؛ لأنّه ما أخطأ، و أسوأ أحواله إن لم يكن مصيبا أن لا يكون مخطئا(١).

و الأقوى أن يقال: إن نزل السهم بعد ارتفاعه فاتر الحدّة لا يقطع مسافة احتسب عليه خاطئا، و إن نزل في بقيّة حدّته حابيا في قطع مسافته احتسب له صائبا؛ لأنّ الرمي بالفتور منقطع و بالحدّة مندفع.

التاسع: الخاصل، و هو المصيب للغرض كيف كان، و هو يطلق على القارع، و هو ما أصاب الشنّ و لم يؤثّر فيه، و على الخازق، و هو ما أثّر فيه و لم يثبت، و على الخاسق، و هو ما ثقب الشنّ و ثبت فيه.

العاشر: المارق، و هو ما ثقب الغرض و وقع من ورائه(٢).

الحادي عشر: الخارم، و هو الذي يخرم حاشيته.

و الغرض: ما تقصد إصابته، و هو الرقعة المتّخذة من قرطاس أو زقّ أو جلد أو خشب أو غيره.

و الهدف: ما يجعل فيه الغرض من تراب أو غيره.

و المبادرة هي: أن يبادر أحدهما إلى الإصابة مع التساوي في الرشق.

و المحاطّة هي: إسقاط ما تساويا فيه من الإصابة.١.

١- الحاوي الكبير ٢١٣:١٥.

٢- كذا قوله: «العاشر: المارق... من ورائه» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و هو الوصف الثاني للسهم، المتقدّم في ص ٦١.


المطلب الأوّل: في الشرائط.

و هي خمسة، فهنا مباحث:

البحث الأوّل: اتّحاد الجنس.

مسألة ٩١٧: أنواع القسيّ تختلف باختلاف أصناف البشر،

فللعرب قسيّ و سهام، و للعجم قسيّ و سهام.

و قيل: أوّل من وضع القسيّ العربيّة إبراهيم الخليل عليه السّلام، و أوّل من وضع القسيّ الفارسيّة النمرود بن كنعان(١).

و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يحبّ القوس العربيّة، و يكره الفارسيّة و ينهى عنه(٢).

و رأى رجلا يحمل قوسا فارسيّا فقال: «ملعون حاملها، عليكم بالقسيّ العربيّة و سهامها فإنّه سيفتح عليكم بها»(٣).

و هذا غير محمول منه عليه السّلام على التحريم، بل على الكراهة، و لتأويله ثلاثة أوجه.

أحدها: ليحفظ به آثار العرب، و لا يعدل الناس عنها رغبة في غيرها، فعلى هذا يكون الندب إلى تفضيل القوس العربيّة باقيا.

الثاني: أنّه أمر بها لتكون شعارا للمسلمين بحيث لا يشتبهوا بأهل الحرب من المشركين فيقتلوا، فعلى هذا يكون الندب إلى تفضيلها مرتفعا؛

١- كما في الحاوي الكبير ٢٢٣:١٥.

٢- كما في الحاوي الكبير ٢٢٣:١٥.

٣- أورده الماوردي في الحاوي الكبير ٢٢٣:١٥.


لأنّها قد فشت في عامّة المسلمين.

و الثالث: أنّه لعن من قاتل المسلمين بها، فعلى هذا لا يكون ذلك ندبا إلى تفضيل العربيّة عليها، و يكون نهيا عن قتال المسلمين بها و بغيرها، و خصّ اللعن لأنّها كانت أنكى في المسلمين من غيرها.

و أمّا القوس الدودانيّة، و هي القوس التي لها مجرى يمرّ السهم فيه، و منها: قوس الرّجل و إن كان أغلبها قوس اليد، و هي منسوبة إلى دودان بن أسد بن خزيمة.

و قيل: دودان قبيلة من بني أسد(١).

إذا عرفت هذا، فقد ذكر صاحب الصحاح أنّ النصل نصل السهم و السكّين و السيف و الرمح(٢).

و المزاريق(٣) و الزنات(٤) كالرمح.

فإذا اختلف جنس ما يرمى به، كالسهام مع المزاريق و الحراب(٥) ، ففي الجواز إشكال.

و للشافعيّة وجهان كالوجهين في المسابقة على الإبل و الفرس، و هذه الصورة أولى بالجواز؛ لأنّ التعويل في المسابقة على الفرس، و هو يعمل و يعدو باختياره، و التعويل في الرمي على الرامي، و لا عمل للآلة و لا اختيار».

١- قال به ياقوت الحموي في معجم البلدان ٤٨٠:٢.

٢- الصحاح ١٨٣٠:٥ «نصل».

٣- المزراق: رمح قصير. الصحاح ١٤٩٠:٤ «زرق».

٤- الزانات: هي نوع من الحراب تكون مع الديلم، رأسها دقيق و حديدتها عريضة. تهذيب الأسماء و اللغات ١٣٨:٣ «زون».

٥- الحربة: هي الألّة دون الرمح، جمعها: حراب، و الألّة: هي الحربة و في نصلها عرض. لسان العرب ٣٠٣:١ «حرب»، الصحاح ١٦٢٦:٤ «ألل».


لها(١).

و أمّا اختلاف أنواع القسيّ و السهام فإنّه لا يضرّ، و ذلك كالقسيّ العربيّة مع الفارسيّة، و الدودانيّة مع الهنديّة، و كالنبل - و هو ما يرمى عن القوس العربيّة - مع النّشّاب، و هو ما يرمى عن القوس الفارسيّة.

و من أنواع القسيّ: الحسبان، و هو قوس تجمع سهامه الصغار في قصبة و يرمى بها فتتفرّق في الناس و يعظم أثرها و نكايتها، لأنّا قد ذكرنا أنّ اختلاف نوع الإبل و الفرس لا يضرّ، فاختلاف النوع في الآلة أولى.

و قال بعض الشافعيّة: لا تجوز المناضلة على النبل و النّشّاب(٢) ؛ لأنّهما ينزّلان منزلة الخيل و البغال(٣).

و لا يجوز أن يناضل أهل النّشّاب أصحاب الجلاهق(٤) ؛ لاختلاف الصنعة فيهما، و أنّه ليس الحذق بأحدهما حذقا بالآخر.

مسألة ٩١٨: المتناضلان إمّا أن يعيّنا في عقد النضال النوع و يسمّيا واحدا من الطرفين أو من أحد الطرفين،

فإن عيّنا الرمي عن قوس معيّنة لم يجز لهما العدول إلاّ برضا صاحبه الآخر، فإن عيّنا الرمي عن القوس العربيّة فليس لأحدهما أن يعدل إلى الفارسيّة؛ عملا بالشرط، فإن اتّفقا على العدول عن العربيّة إلى الفارسيّة جاز؛ لأنّ موجب الشرط أن يلتزمه كلّ واحد منهما في حقّ صاحبه ما لم يرض بإسقاط حقّه.

و لو شرطا الرمي عن القوس الفارسيّة، لم يكن لأحدهما العدول إلى

١- التهذيب - للبغوي - ٨٥:٨، العزيز شرح الوجيز ١٩٥:١٢، روضة الطالبين ٥٤٣:٧.

٢- النّشّاب: السهام. الصحاح ٢٢٤:١، «نشب».

٣- العزيز شرح الوجيز ١٩٥:١٢، روضة الطالبين ٥٤٣:٧.

٤- الجلاهق: البندق. الصحاح ١٤٥٤:٤، فصل الجيم.


العربيّة، فإن اتّفقا على العدول جاز.

و لو شرطا أن يرمي أحدهما عن القوس العربيّة و يرمي الآخر عن الفارسيّة، جاز و إن اختلف قوساهما؛ لأنّ مقصود الرمي حذق الرامي، و الآلة تبع، بخلاف ما لو شرطا في السبق أن يسابق أحدهما على فرس و الآخر على بغل، جاز عند شاذّ(١) ، و لم يجز عند الأكثر(٢) ؛ لأنّ المقصود في السبق المركوبان، و الراكبان تبع، فلزم التساوي فيه، و لم يلزم التساوي في آلة الرمي، فعلى هذا ليس لواحد منهما أن يعدل عن الشرط في قوسه و إن ساوى فيها صاحبه لأجل شرطه، فإن راضاه عليها جاز.

و لو شرطا أن يرمي كلّ واحد منهما عمّا شاء من قوس عربيّة أو فارسيّة، جاز لكلّ واحد منهما أن يرمي عن أيّ القوسين شاء قبل الشروع في الرمي و بعده، فإن أراد أحدهما منع صاحبه من خياره لم يجز، سواء تماثلا فيها أو اختلفا.

و إن أطلقا العقد من غير شرط، فإن كان للرّماة عرف في أحد القوسين، حملا عليه، و جرى العرف في العقد المطلق مجرى الشرط في العقد المقيّد.

و إن لم يكن للرّماة فيه عرف معهود، فهما بالخيار فيما اتّفقا عليه من أحد القوسين إذا كانا فيهما متساويين؛ لأنّ مطلق العقد يوجب التكافؤ، فإن اختلفا، لم يقرع بينهما؛ لأنّه أصل في العقد، و قيل لهما: إن اتّفقتما و إلاّ فسخ العقد بينكما.

مسألة ٩١٩: لو عيّنا نوعا من القسيّ، لم يجز العدول عن النوع المعيّن إلى ما هو أجود منه، و يجوز العكس،

١- الحاوي الكبير ٢٢٤:١٥، التهذيب - للبغوي - ٨٥:٨، البيان ٣٧٣:٧.

٢- الحاوي الكبير ٢٢٤:١٥، التهذيب - للبغوي - ٨٥:٨، البيان ٣٧٣:٧.


كما لو عيّنا الفارسيّة جاز إبدالها بالعربيّة؛ لأنّه انتقال من الأجود إلى ما هو دونه، و ليس فيه إجحاف، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الأظهر عندهم: المنع إلاّ برضا الشريك؛ لأنّه ربما كان استعماله لأحد النوعين أكثر، و رميه به أجود(١).

مسألة ٩٢٠: لا يتعيّن السهم و لا القوس بالشخص و إن عيّناه بالشرط،

فلو عيّنا شخصا من نوع من القسيّ أو السهام لم يتعيّن، و جاز إبداله بمثله من ذلك النوع، سواء تجدّد فيه خلل يمنع من استعماله أو لم يتجدّد، بخلاف الفرس، فإنّها تتعيّن لو عيّنا شخصها، بل التعيين الشخصي في الأفراس شرط في صحّة العقد، و لا يجوز إبداله بغيره.

و لو شرطا في القسيّ أو السهام شخصا معيّنا، لم يلزم، و جاز الإبدال، و يفسد الشرط؛ لأنّه قد تعرض له أحوال خفيّة تحوجه إلى الإبدال، و في منعه منه تضييق لا فائدة فيه، فكان بمنزلة ما لو عيّن المكتل في السّلم، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يصحّ الشرط؛ لإمكان تعلّق الغرض بذلك المعيّن، و تفاوت القوس الشديدة و اللينة قريب من تفاوت القوس العربيّة و العجميّة(٢).

و على تقدير فساد هذا الشرط ففي بطلان العقد بفساده للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه لا يفسد، و يكون ذكره لغوا.

١- نهاية المطلب ٢٦٨:١٨-٢٦٩، الوسيط ١٨٦:٧، العزيز شرح الوجيز ١٢: ١٩٦، روضة الطالبين ٥٤٤:٧.

٢- نهاية المطلب ٢٧٠:١٨، الوسيط ١٨٦:٧، العزيز شرح الوجيز ١٩٦:١٢، روضة الطالبين ٥٤٤:٧.


و الثاني - و هو الأقوى عندي -: بطلان العقد(١).

و يطّرد الوجهان في كلّ ما لو طرح من أصله لاستقلّ العقد بإطلاقه، فأمّا ما لو طرح لم يستقلّ العقد بإطلاقه، فإذا فسد فسد العقد قطعا، كما إذا لم يذكر في المسابقة الغاية المعيّنة(٢).

و على تقدير القول بصحّة الشرط يجب الوفاء به ما لم ينكسر المعيّن، فإذا انكسر جاز الإبدال للضرورة.

و لو شرط عدم الإبدال مع الانكسار، لم يكن له أن يبدله.

و قالت الشافعيّة: يفسد العقد؛ لأنّ هذه مبالغة لا يمكن احتمالها(٣).

مسألة ٩٢١: لو أطلقا المناضلة و لم يتعرّضا لنوع القوس و السهم و لا عيّنا فردا من نوع،

فإن كان عادة البلد المناضلة بنوع معيّن، حمل الإطلاق عليه، كما يحمل الإطلاق في الثمن و أوقات السير في الإجارة على عرف الناس في ذلك البلد.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: البطلان مطلقا؛ لاختلاف الأغراض في الإصابة بالأنواع.

و الثاني: الصحّة؛ لأنّ الاعتماد في المناضلة على الرامي(٤).

و على القول بالصحّة مطلقا فليتراضيا على شيء، و إذا تراضيا فينبغي

١- نهاية المطلب ٢٧١:١٨، الوسيط ١٨٦:٧، العزيز شرح الوجيز ١٩٦:١٢، روضة الطالبين ٥٤٤:٧.

٢- نهاية المطلب ٢٧١:١٨، العزيز شرح الوجيز ١٩٦:١٢، روضة الطالبين ٧: ٥٤٤.

٣- نهاية المطلب ٢٧١:١٨، الوسيط ١٨٧:٧، العزيز شرح الوجيز ١٩٦:١٢، روضة الطالبين ٥٤٤:٧.

٤- العزيز شرح الوجيز ١٩٦:١٢، روضة الطالبين ٥٤٤:٧.


تراضيهما على نوع واحد؛ لأنّ العقد مبنيّ على التساوي.

و لو تراضيا على نوع من جانب و نوع آخر من الجانب الآخر، جاز.

و لو اختلفا فاختار أحدهما نوعا و اختار الآخر غيره و أصرّا عليه، فسخ العقد إن قلنا: إنّه لازم، و إن قلنا: إنّه جائز، كان رجوعا.

و قال الجويني: إن قلنا: إنّه جائز و تمانعا، فسخ العقد، و إن قلنا: إنّه لازم، حكم بفساد الإطلاق؛ لإفضائه إلى التنازع و تعذّر الفصل(١).

إذا عرفت هذا، فقضيّة القول بأنّه رجوع: ارتفاع العقد بالتنازع، و قضيّة القول بالفسخ: بقاؤه مع التنازع إلى أن يفسخ، فيخرج من هذا وجهان للشافعيّة إذا فرّعنا على الصحّة و تنازعا في التعيين(٢).

و اعلم أنّ بعضهم قال: اختلاف السهام و إن اتّحد نوع القوس كاختلاف نوع القوس(٣) ، كما تقدّم(٤) من أنّه لا يناضل أهل النّشّاب أصحاب الجلاهق.

البحث الثاني: في اشتراط الإعلام.

مسألة ٩٢٢: يشترط في المناضلة العلم بأمور يختلف الغرض باختلافها،

فالمال الذي عقد المناضلة عليه يجب العلم بمقداره، كغيره من الأعواض، فإن أغفل ذكر العوض كان باطلا.

١- نهاية المطلب ٢٦٩:١٨، و عنه في العزيز شرح الوجيز ١٩٧:١٢.

٢- العزيز شرح الوجيز ١٩٧:١٢.

٣- الجويني في نهاية المطلب ٢٧٢:١٨، و عنه في العزيز شرح الوجيز ١٩٧:١٢، و روضة الطالبين ٥٤٤:٧.

٤- في ص ٦٦.


و في استحقاقه لأجرة مثله قولان، و قد تقدّم(١) مثله في المسابقة.

مسألة ٩٢٣: يشترط أيضا في صحّة العقد عدد الإصابة،

كخمس إصابات من عشرين رمية؛ لأنّ الاستحقاق بالإصابة، و بها يتبيّن حذق الرامي وجودة رميه، و لأنّ صفة الإصابة من القرع و الخزق و الخسق و غيرها مبنيّة عليه لا يمكن حصولها بدونه، و لأنّ معرفة الناضل من المنضول إنّما تحصل به.

و أكثر ما يجوز اشتراطه من الإصابة ما نقص من عدد الرشق المشروط بشيء و إن قلّ ليكون تلافيا للخطأ الذي يتعذّر أن يسلم منه المتناضلون.

و أحذق الرّماة في العرف من أصاب من العشرة تسعة، فلو شرطا إصابة تسعة من عشرة، فالأقرب: الجواز؛ لبقاء سهم للخطأ، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: لا يجوز؛ لأنّ إصابتها نادرة(٢).

فأمّا أقلّ ما يشترط(٣) من الإصابة ما يحصل به التناضل، و هو ما زاد على الواحد.

و لو شرطا أن تكون الإصابة محتسبة من تسعة و عدد الرشق عشرة، بطل.

و لو عقدا على أن يكون الناضل منهما أكثرهما إصابة، ففيه للشافعيّة وجهان:

١- في ص ٣٣، المسألة ٨٩٩.

٢- الحاوي الكبير ٢٠١:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٤:١-٤٢٥، الوسيط ٧: ١٨٧، حلية العلماء ٤٧٤:٥، التهذيب - للبغوي - ٨٣:٨، البيان ٣٨١:٧، العزيز شرح الوجيز ١٩٨:١٢، روضة الطالبين ٥٤٥:٧.

٣- في الطبعة الحجريّة: «يشترطا».


أحدهما: البطلان، كما بطل(١) ذلك في عقد المسابقة بالخيل إذا عقدا على السباق إلى غير غاية؛ لأنّ من الرّماة من تكثر إصابته في الابتداء و تقلّ في الانتهاء، و منهم من هو بالضدّ من ذلك، فبطل، كما في سباق الخيل.

و الثاني: الصحّة؛ للأصل، و الفرق ظاهر بين النضال و السباق؛ لأنّ إجراء الخيل إلى غير غاية مفض إلى انقطاعها، و كثرة الإصابة غير مفض(٢) إلى انقطاع الرّماة(٣).

مسألة ٩٢٤: يشترط الإعلام بعدد الرمي،

فيجب أن يكون عدده معلوما؛ لأنّه العمل المقصود المعقود عليه لتكون غاية رميهما فيه معلومة منتهية إليه.

و عرف الرّماة في الرشق أن يكون من عشرين إلى ثلاثين، فإن عقداه على أقلّ منهما أو أكثر جاز.

مسألة ٩٢٥: و لا يشترط الإعلام بصفات الإصابة من القرع و الخزق و الخسق و غيرها

- و هو قول بعض الشافعيّة، و عند الأكثر منهم أنّه يشترط إلاّ الخرم و المرق، فإنّهم لم يشترطوا التعرّض لهما، و الوجه عندهم:

الأوّل(٤) ، و هو عدم الاشتراط - كما لا يشترط في الخرم و المرق و إصابة أعلى الغرض و أسفله.

و إذا أطلقا العقد، حمل على القرع، و هو مجرّد الإصابة؛ لأنّه

١- في «ر»: «يبطل».

٢- الظاهر: غير مفضية.

٣- الحاوي الكبير ٢٠٢:١٥.

٤- العزيز شرح الوجيز ١٩٩:١٢، روضة الطالبين ٥٤٥:٧.


المتعارف، و لأنّه المطلق معنى، فيحمل المطلق لفظا عليه.

مسألة ٩٢٦: يشترط إعلام المسافة التي يرميان فيها،

و هي ما بين موقف الرامي و الهدف.

و إنّما وجب أن تكون معلومة؛ لأنّ الإصابة تكثر مع [قرب المسافة، و تقلّ مع بعدها، فلزم العمل بها، و أبعدها في العرف](١) ثلاثمائة ذراع، و أقلّها ما يحتمل أن يصاب و أن لا يصاب.

و إنّما وجب الإعلام بالمسافة؛ لأنّ الأغراض تختلف باختلاف المسافة في الطول و القصر، و الإعلام يرفع النزاع و يكشف الحال.

و يحصل الإعلام بأمرين: المشاهدة و ذكر الذّرعان.

و للشافعيّة قولان، هذا أحدهما، و الثاني: أنّه لا يجب إعلام المسافة، و ينزّل الإطلاق على العادة الغالبة للرّماة في ذلك الموضع، كما تحمل المعاليق في استئجار البعير و مواضع النزول على المعتاد(٢).

و القولان مبنيّان على أنّه إذا لم تكن هناك عادة غالبة يجب الإعلام، و إن كان هناك عادة معروفة بين الرّماة حمل الإطلاق عليه؛ عملا بقرينة الحال، كما في غيره من النظائر(٣).

و لو ذكرا غاية لا يصيبها السهم، بطل العقد.

و لو كانت الإصابة فيها نادرة، فللشافعي قولان، كالقولين في الشروط النادرة(٤).

١- ما بين المعقوفين أثبتناه من الحاوي الكبير ٢٠٢:١٥.

٢- نهاية المطلب ٢٥٨:١٨، العزيز شرح الوجيز ١٩٩:١٢، روضة الطالبين ٥٤٥:٧.

٣- العزيز شرح الوجيز ١٩٩:١٢، روضة الطالبين ٥٤٦:٧.

٤- المهذّب - للشيرازي - ٤٢٥:١، حلية العلماء ٤٧٤:٥، التهذيب - للبغوي - ٨: ٨٣، البيان ٣٨١:٧، العزيز شرح الوجيز ١٩٩:١٢، روضة الطالبين ٥٤٦:٧.


و قدّر بعض الفقهاء المسافة التي يقرب موضع الإصابة منها بمائتين و خمسين ذراعا(١).

و قد روي عن بعض أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و اله أنّه قيل له: كيف كنتم تقاتلون العدوّ؟ فقال: إذا كانوا على مائتين و خمسين ذراعا قاتلناهم بالنبل، و إذا كانوا على أقلّ من ذلك قاتلناهم بالحجارة، و إذا كانوا على أقلّ من ذلك قاتلناهم بالرماح، و إذا كانوا على أقلّ من ذلك قاتلناهم بالسيف، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «هذا هو الحرب»(٢).

و قدّروا المسافة التي [تتعذّر](٣) فيها الإصابة بما زاد على ثلاثمائة و خمسين(٤).

و روي أنّه لم يرم إلى أربعمائة إلاّ عقبة بن عامر الجهني(٥).

و قال بعض الشافعيّة: لا تجوز الزيادة على مائتي ذراع(٦).

و لو تناضلا على أن يكون السّبق لأبعدهما رميا و لم يقصدا غرضا، فالأقرب: الجواز؛ لأنّ الإصابة و إن كانت مقصودة في النضال فكذا البعد،٧.

١- المهذّب - للشيرازي - ٤٢٥:١، حلية العلماء ٤٧٤:٥، التهذيب - للبغوي - ٨: ٨٣، البيان ٣٨١:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٠٠:١٢، روضة الطالبين ٥٤٦:٧.

٢- راجع: المبسوط - للطوسي - ٣١٠:٦-٣١١، و الحاوي الكبير ٢٣٧:١٥ - ٢٣٨، و البيان ٣٨١:٧، و العزيز شرح الوجيز ٢٠٠:١٢.

٣- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «تبعد». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.

٤- التهذيب - للبغوي - ٨٣:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٠٠:١٢، روضة الطالبين ٧: ٥٤٦.

٥- الحاوي الكبير ٢٣٨:١٥، البيان ٣٨٢:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٠٠:١٢، المغني ١٤١:١١، الشرح الكبير ١٣٥:١١.

٦- العزيز شرح الوجيز ٢٠٠:١٢، روضة الطالبين ٥٤٦:٧.


و زيادته مطلوبة فيه أيضا، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: المنع؛ لتطرّق الجهالة فيه، و لانتفاء المقصود بالذات، و هو الإصابة(١).

و هو غلط؛ فإنّا قد بيّنّا أنّ الزيادة في البعد من غير إصابة مقصودة في مقابلة من بعد من العدوّ في إيقاع السهم في القلاع ليرهب العدوّ، و تعرف به شدّة الساعد و ضعفه، فعلى هذا يجب تساوي القوسين في الشدّة، و تراعى خفّة السهم و رزانته، فإنّ لهما تأثيرا عظيما في القرب و البعد.

مسألة ٩٢٧: الهدف تراب يجمع أو حائط يبنى لينصب فيه الغرض.

و الغرض هو قرطاس أو جلد أو شنّ، و هو الجلد البالي يدور عليه شنبر [و يقال للشنبر: الجريد](٢).

و قيل: ما ينصب في الهدف يقال له: القرطاس، سواء كان من كاغذ أو غيره، و ما يعلّق في الهواء فهو الغرض(٣).

و الرّقعة: عظم و نحوه في وسط الغرض.

و قد يجعل في الشنّ نقش كالهلال يقال له: الدائرة، و في وسطها نقش يقال له: الخاتم، و هذه الدائرة هي الغاية في المقصود من حذق الرّماة.

إذا عرفت هذا، فينبغي أن يرتّبا موضعا للإصابة أهو الهدف أو الغرض المنصوب في الهدف أو الشنّ في الغرض أو الدائرة في الشنّ أو

١- المهذّب - للشيرازي - ٤٢٥:١، حلية العلماء ٤٧٥:٥، التهذيب - للبغوي - ٨: ٨٤، البيان ٣٨٢:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٠٠:١٢، روضة الطالبين ٥٤٦:٧.

٢- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز ٢٠٠:١٢.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٠٠:١٢، روضة الطالبين ٥٤٦:٧.


الخاتم في الدائرة، و قد يقال له: الحلقة و الرّقعة.

و في شرط إصابته ما تقدّم من الخلاف في شرط الإصابات النادرة.

و قد تجعل العرب مكان الهدف ترسا و تعلّق فيه الشنّ.

إذا تقرّر هذا، فإنّه يجب أن يكون الغرض من الهدف معلوما؛ لأنّه المقصود بالإصابة.

و العلم به يحصل بأمور ثلاثة:

[الأوّل]: موضعه من الهدف في ارتفاعه و انخفاضه؛ لأنّ الإصابة في المنخفض أكثر منها في المرتفع.

و الثاني: قدر الغرض في ضيقه و سعته؛ لأنّ الإصابة في الواسع أكثر منها في الضيق، و أوسع الأغراض في عرف الرّماة ذراع، و أقلّه أربع أصابع.

و الثالث: قدر الدائرة من الغرض إن شرطت الإصابة فيها.

و يجب أن يكون محلّ الإصابة معلوما هل هو في الهدف أو في الغرض أو في الدائرة؛ لأنّ الإصابة في الهدف أوسع، و في الغرض أوسط، و في الدائرة أضيق، فإن أهمل ذكره، كان جميع الغرض محلّ الإصابة؛ لأنّ ما دونه تخصيص، فإن كان الشرط إصابة الهدف، سقط اعتبار الغرض، و لزم وصف الهدف في طوله و عرضه.

مسألة ٩٢٨: يجب الإعلام بعدد الأرشاق،

و هي جمع «رشق» و هو:

النوبة من الرمي يجري بين الراميين سهما سهما، أو خمسة خمسة، أو عشرة عشرة، أو ما يتّفقان عليه.

و يجوز أن يتّفقا على أن يرمي أحدهما جميع العدد ثمّ يرمي الآخر بعده الجميع، أو يرمي عدّة من العدد ثمّ يرمي الآخر مثل تلك العدّة، ثمّ الأوّل كمال العدد أو بعضه ثمّ الثاني، فإن أطلقا حمل على رمي سهم سهم.

و المحاطّة هي: أن يشترط الاستحقاق لمن خلص له من الإصابة عدد معلوم بعد مقابلة إصابات أحدهما بإصابات الآخر، و طرح ما يشتركان فيه، فإذا شرطا عشرين رشقا و خلوص خمس إصابات فرميا عشرين فأصاب أحدهما عشرة و الآخر خمسة، فالأوّل هو السابق(١) ، و إن أصاب كلّ واحد منهما خمسة أو عشرة فلا سبق(٢) هنا.

و المبادرة هي: أن يشترطا الاستحقاق لمن بدر إلى إصابة خمسة من عشرين، فإذا رميا عشرين و أصاب أحدهما خمسة و الآخر أربعة، فالأوّل ناضل.

و لو رمى أحدهما عشرين فأصاب خمسة و رمى الآخر تسعة عشر فأصاب أربعة، لم يكن الأوّل ناضلا حتى يرمي الثاني سهما، فإن أصاب فقد استويا، و إلاّ كان ناضلا.

و بهذا يظهر أنّ الاستحقاق غير منوط بمجرّد المبادرة إلى العدد المذكور.

إذا عرفت هذا، فالأقرب: أنّه يشترط في عقد المسابقة التعرّض للمبادرة و المحاطّة؛ لأنّ حكم كلّ واحد منهما مخالف لحكم الآخر، فإن أهمل بطل العقد؛ لتفاوت الأغراض، فإنّ من الرّماة من تكثر إصابته في الابتداء و تقلّ في الانتهاء، و منهم من هو على عكس ذلك، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الأصحّ عندهم: إنّه لا يشترط ذكر أحدهما، فإن أطلقا حمل العقد على المبادرة؛ لأنّها الغالب في المناضلة(٣). -

١- الظاهر: «الناضل» بدل «السابق».

٢- الظاهر: «فلا نضال» بدل «فلا سبق».

٣- المهذّب - للشيرازي - ٤٢٥:١، حلية العلماء ٤٧٥:٥، البيان ٣٨٤:٧، العزيز -


إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ للشافعي أقوالا ثلاثة:

أحدها: أنّه يشترط ذكر الأرشاق و بيان عددها في العقد في المحاطّة و المبادرة جميعا ليكون العمل مضبوطا، فإنّ الأرشاق في المناضلة كالميدان في المسابقة.

و الثاني: لا يشترط فيهما؛ لأنّ الرمي لا يجري على نسق واحد، و قد لا تستوفى الأرشاق؛ لحصول السبق في خلالها، فليكن التعويل على الإصابات.

و الثالث: أنّه يشترط في المحاطّة، لينفصل الأمر و تتبيّن نهاية العقد، و لا يشترط في المبادرة؛ لأنّ الاستحقاق متعلّق بالبدار إلى العدد المشروط، و هو سهل المدرك(١).

مسألة ٩٢٩: يجوز تعدّد الرميات و كثرتها من غير حصر،

لكن لا بدّ من التعيين، فإن شرطا عددا معيّنا كثيرا لا يمكن إيقاعه في اليوم الواحد، ففي وجوب تعيين عدد رمي كلّ يوم إشكال، فإن لم نقل به، رميا ما يتّفقان عليه كلّ يوم.

و لو عقدا على أن يرميا كلّ يوم بكرة كذا و عشيّة كذا إمّا مساو أو مفاوت، جاز.

و كذا يجوز تساوي الأيّام في عدد الرمي و تفاوتها.

و لا يتفرّقان كلّ يوم إلاّ بعد استيفاء العدد المشروط، إلاّ أن يعرض

١- نهاية المطلب ٢٥٢:١٨، الوسيط ١٨٨:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٠١:١٢، روضة الطالبين ٥٤٧:٧.


بعض الأعذار، كمرض أو ريح، ثمّ يرميان على ما مضى في ذلك اليوم أو بعده.

و لو رمى أحدهما عدد رميه بأسره ثمّ عرض عارض منع الآخر من الرمي أو من بعضه، رمى من غده كمال العدد.

و يجوز أن يشترطا الرمي طول النهار، فلا يتركانه إلاّ وقت الطهارة و الصلاة و الأكل و نظائرها من الأعذار، و تقع مستثناة، كما في الإجارات، و لو أطلقا و لم يبيّنا وظيفة كلّ يوم، فكذلك، و لا يتركان الرمي إلاّ بالتراضي أو بمانع يعرض، و الحرّ و الريح الخفيفة ليسا بأعذار.

و إذا غربت الشمس قبل الفراغ من الوظيفة المشروطة، لم يرمه ليلا؛ للعادة، إلاّ أن يشترط الرمي ليلا، فحينئذ يحتاجان إلى ضوء، كشمعة و نحوها، و يكفي ضوء القمر.

مسألة ٩٣٠: التناضل يخالف التسابق،

فإنّ المتسابقين بالخيل و شبهها يجريان معا ليغرف السابق منهما، و إنّما يكون ذلك مع التصاحب في السير، و أمّا التناضل فلا بدّ فيه من الترتيب؛ لأنّهما لو رميا معا اشتبه الحال بين المصيب و المخطئ، فلا يعلم المصيب منهما، و لما يخاف من تنافرهما، إلاّ أن يعرف بتعليم النّشّاب بما يميّز كلّ واحدة منهما عن صاحبتها، و حينئذ فلا بدّ فيه من ذكر المبتدئ بالرمي من هو منهما؟ و كيفيّة الرمي هل يتراميان سهما سهما أو خمسة خمسة ؟ ليزول التنازع بينهما، و يعمل كلّ واحد منهما على شرطه.

فإن أهملا ذكر المبتدئ، احتمل بطلان العقد؛ لاختلاف الأغراض في البدأة، و الرّماة يتنافسون في المبتدئ تنافسا ظاهرا لحكمة مقصودة عند العقلاء، فإنّ المبتدئ يجد الغرض خاليا من الخلل و هو على ابتداء النشاط، فتكون إصابته أقرب، فحينئذ لو أهمل تأثّر العقد، و الصحّة،

فيبتدئ مخرج السّبق منهما، فإن أخرجاه معا أقرع، و إن أخرجه ثالث فمن يختاره المخرج، أو يقرع بكلّ حال؛ لأنّ الشارع ردّ الناس إلى القرعة في كثير من التنازعات.

و للشافعي قولان(١) كالاحتمالين.

و إذا قلنا باشتراط تقديم واحد أو اعتمد على القرعة فخرجت لواحد، فيقدّم في كلّ رشق، أو يؤثّر سبب التقديم في الرشق الأوّل خاصّة ؟ للشافعيّة قولان(٢).

و يحتمل أن يقال: إذا ابتدأ المتقدّم في النوبة الأولى بالقرعة ينبغي أن يبتدئ الثاني في الثانية من غير قرعة، ثمّ يبتدئ الأوّل في الثالثة ثمّ الثاني.

و لو صرّحوا بتقديم من قدّموه في كلّ رشق أو أخرجت القرعة المتقدّم في كلّ رشق، اتّبع الشرط أو القرعة.

و قال الشافعي في الأمّ: إنّهما لو شرطا أن يكون المبتدئ أحدهما أبدا، لم يجز؛ لأنّ المناضلة مبنيّة على التساوي(٣).

و ليس بجيّد؛ لأنّه يجوز في كلّ عقد اشتراط الابتداء لواحد معيّن.

و إن أغفل في العقد عدد ما يرميه كلّ واحد منهما، صحّ العقد، و حمل على عرف الرّماة، فإن اختلف عرفهم رميا سهما و سهما.

مسألة ٩٣١: ينبغي أن ينصب الرّماة غرضين متقابلين...

ينبغي أن ينصب الرّماة غرضين متقابلين و يرمي

١- الحاوي الكبير ٢٠٩:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٥:١، نهاية المطلب ١٨: ٢٥٦-٢٥٧، الوجيز ٢٢١:٢، التهذيب - للبغوي - ٨٨:٨، البيان ٣٨٤:٧ - ٣٨٥، العزيز شرح الوجيز ٢٠٢:١٢-٢٠٣، روضة الطالبين ٥٤٨:٧.

٢- نهاية المطلب ٢٥٧:١٨، الوجيز ٢٢١:٢، العزيز شرح الوجيز ٢٠٣:١٢، روضة الطالبين ٥٤٨:٧.

٣- عنه في العزيز شرح الوجيز ٢٠٣:١٢، و روضة الطالبين ٥٤٨:٧.


المتناضلان أو الحزبان من عند أحدهما إلى الآخر ثمّ يأتيان الغرض الثاني الذي رميا اليه و يلقطان السهام و يرميان إلى الأوّل؛ لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «ما بين الهدفين روضة من رياض الجنّة»(١).

و قال بعض الصحابة: علّموا أولادكم الرمي و المشي بين الغرضين(٢).

و رمى بين الغرضين عقبة بن عامر و ابن عمر و أنس(٣).

و لأنّه أخفّ على الرّماة، فإنّهما إذا فعلا ذلك لم يحتاجا إلى الذهاب و الرجوع، و لا تطول المدّة أيضا.

قال الشافعي: إذا بدأ أحدهما إمّا بحكم الشرط أو بالقرعة أو بإخراج المال، فإذا انتهيا إلى الغرض الثاني يبدأ الثاني منه بالرمي إلى الأوّل؛ تحقيقا للتسوية(٤).

و الأقرب: الرجوع إلى أحد الثلاثة.

و قضيّة قول الشافعي: أن يبدأ الثاني في النوبة الثانية و إن كان الغرض واحدا، و حينئذ يتّصل رميه في النوبة الثانية برميه في النوبة الأولى.

تذنيبات:

الأوّل: إذا قلنا بالقرعة في المبتدئ، دخل المحلّل في القرعة إذا أخرجا المال.٧.

١- أورده الماوردي في الحاوي الكبير ٢١٠:١٥، و الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٢٠٣:١٢، و في الفردوس - للديلمي - ٢٢٤٥/٤٣:٢ عن أبي هريرة رفعه.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٠٤:١٢.

٣- المهذّب - للشيرازي - ٤٢٥:١، التهذيب - للبغوي - ٨٨:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٠٤:١٢.

٤- العزيز شرح الوجيز ٢٠٤:١٢، روضة الطالبين ٥٤٨:٧.


و للشافعيّة وجهان؛ بناء على أنّ إخراج المال هل يقتضي السبق ؟ فإن قلنا: يقتضيه، لم يدخل، و إلاّ دخل(١).

الثاني: إذا ثبتت البدأة لواحد فرمى الآخر قبله، فالأقرب: أنّه إن كان برضا المخصّص بالبدأة جاز، و حسب له إن أصاب، و عليه إن أخطأ.

و إن بادر بذلك من غير إذنه، لم تحسب إصابته و لا خطؤه، و يرمي ثانيا عند انتهاء النوبة إليه.

الثالث: إذا ثبت التقدّم لأحدهما إمّا بالقرعة أو بإخراج المال، فأراد بعد استحقاقه للتقدّم أن يتأخّر، لم يمنع؛ لأنّ التقدّم حقّ له، و ليس بحقّ عليه.

البحث الثالث: تعيين الرّماة.

مسألة ٩٣٢: يشترط تعيين المتراميين؛

لأنّ العقد عليهما، و المقصود به حذقهما، و إنّما يعرف حذقهما إذا تعيّنا، و لأنّ التعويل في المناضلة على الرامي، كما أنّ التعويل في المسابقة على المركوب، فاشترط تعيين الرامي هنا، كما يشترط تعيين المركوب هناك، و لا يجوز إيراده على الذمّة.

مسألة ٩٣٣: يجوز التناضل بين حزبين،

كما يجوز بين شخصين؛ لما روي أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله مرّ بحزبين من الأنصار يتناضلون، فقال: «أنا مع الحزب الذي فيهم ابن الأدرع» فأمسك القوم قسيّهم و قالوا: يا رسول اللّه من كنت معه غلب، فقال: «ارموا و أنا معكم كلّكم»(٢) فدلّ على أنّهم كانوا حزبين،

١- الحاوي الكبير ٢٠٩:١٥، حلية العلماء ٤٧٦:٥-٤٧٧، العزيز شرح الوجيز ٢٠٤:١٢، روضة الطالبين ٥٤٩:٧.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٠٥:١٢، المستدرك - للحاكم - ٩٤:٢، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - ٤٦٩٥/٥٤٨:١٠.


و به قال الشافعي و جمهور أصحابه(١) ، إلاّ أبا علي ابن أبي هريرة، فإنّه قال:

لا يصحّ أن يتناضل الحزبان؛ لأنّ كلّ واحد يأخذ بفعل غيره(٢).

و هو غلط؛ لأنّهم إذا اشتركوا صار فعل جميعهم واحدا، فاشتركوا في موجبه؛ لاشتراكهم في فعله، و لأنّ المقصود من النضال التحريض على الاستعداد للجهاد، و هو في الأحزاب أشدّ تحريضا و أكثر اجتهادا.

إذا عرفت هذا، فالمراد من تناضل الأحزاب هو أن يتناضل حزبان يدخل في كلّ واحد منهما جماعة يتقدّم عليهم واحد منهم، فيعقد النضال على جميعهم، و يكون كلّ حزب فيما يتّفق لهم من الإصابة و الخطأ كالشخص الواحد.

و ليكن لكلّ واحد من الحزبين زعيم يعيّن أصحابه، فإذا تراضيا توكّل عنهم في العقد.

مسألة ٩٣٤: يشترط في عقد النضال بين الحزبين أمور:

أ: أن يتغاير الزعيمان، فلا يجوز أن يكون زعيم الحزبين واحدا، بل يجب أن يكون زعيم كلّ واحد من الحزبين غير زعيم الحزب الآخر لتصحّ نيابته عنهم في العقد عليهم مع الحزب الآخر، فإن كان زعيم الحزبين واحدا لم يصح، كما لا يصحّ أن يكون الوكيل في البيع بائعا و مشتريا.

ب: أن تتعيّن رماة كلّ حزب منهما قبل العقد باتّفاق و مراضاة،

١- الحاوي الكبير ٢٤٢:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٧:١، الوجيز ٢٢١:٢، حلية العلماء ٤٨٣:٥، التهذيب - للبغوي - ٩٤:٨، البيان ٣٩٢:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٠٥:١٢، روضة الطالبين ٥٤٩:٧، المغني ١٤٨:١١، الشرح الكبير ١٥٢:١١.

٢- الحاوي الكبير ٢٤٢:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٧:١، حلية العلماء ٥: ٤٨٣، البيان ٣٩٢:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٠٥:١٢، روضة الطالبين ٥٤٩:٧.


فيعرف كلّ واحد منهم من يرمي معه بأن يكون حاضرا يراه أو غائبا يعرفه، فإن عقده الزعيمان عليهم ليقرعوا على من يكون في كلّ حزب، لم يصح، كما إذا كان الحزبان ثلاثة ثلاثة فيقول الزعيمان: يقرع عليهم فمن خرجت قرعتي عليه كان معي، و من خرجت قرعتك عليه كان معك، لم يصح؛ لأنّهم أصل في عقد، فلم يصح عقده(١) على القرعة، كابتياع أحد العبدين بالقرعة، و لأنّه ربما أخرجت القرعة الحذّاق لأحد الحزبين و الضعفاء للحزب الآخر، فيخرج عن مقصود التحريض في التناضل.

فإن عدّلوا بين الحزبين في الحذق و الضعف قبل العقد على أن يقرع الزعيمان على كلّ واحد من الحزبين بعد العقد، لم يصح باعتبار التعليل الأوّل من كونهم أصلا في العقد، دون التعليل الثاني من اجتماع الحذّاق في أحد الحزبين.

فإذا ثبت تعيينهم قبل العقد بغير قرعة، تعيّنوا فيه إمّا بالإشارة إليهم إذا حضروا و إن لم يعرفوا، و إمّا بأسمائهم إذا عرفوا، فإن تنازعوا عند الاختيار قبل العقد فعدلوا إلى القرعة في المتقدّم بالاختيار جاز؛ لأنّها قرعة في الاختيار، و ليست قرعة في العقد.

فإذا قرع بأحد الزعيمين اختار من الستّة واحدا ثمّ اختار الزعيم الثاني ثانيا ثمّ عاد الأوّل فاختار ثالثا و أخذ الآخر الثالث الباقي، و لم يجز أن يختار الأوّل الثلاثة في حالة واحدة؛ لأنّه لا يختار إلاّ الأحذق، فيجتمع الحذّاق في حزب و الضعفاء في حزب، فيعدم مقصود التناضل من التحريض.».

١- في الطبعة الحجريّة: «عقدهم» بدل «عقده».


و لا يجوز أن يعقد(١) عقد النضال قبل تعيين الأعوان، و طريق التعيين الانقياد و التراضي، فيختار زعيم واحدا و الزعيم الآخر في مقابلته واحدا، ثمّ الأوّل واحدا ثمّ الآخر واحدا، و هكذا إلى أن يستوعبوا الرّماة.

و لو قال أحد الزعيمين: أختار الحذّاق و أعطي السّبق، أو أختار الضعفاء و آخذ السّبق، لم يجز.

ج: يشترط تساوي الحزبين في العدد - و به قال بعض الشافعيّة(٢) - لأنّ المقصود معرفة حذق المتناضلين، و إذا اختلف عددهما و فضل الأكثر عددا لم يلزم أن يكون الفوز للحذق وجودة الرمي، بل يجوز أن يكون ذلك لكثرة العدد.

و قال بعض الشافعيّة: لا يشترط تساوي الحزبين في عدد الأشخاص، بل في عدد الرمي و عدد الإصابات، فيجوز(٣) أن يكون أحد الحزبين ثلاثة و الآخر أربعة، و الأرشاق و رمياته على كلّ حزب، فلو ترامى رجل رجلين(٤) أو ثلاثة ليرمي هو ثلاثة و يرمي كلّ واحد منهم واحدا، جاز(٥).

و على الأوّل يشترط أن يكون عدد الأرشاق بحيث ينقسم صحيحا على الأحزاب، فإن كانوا ثلاثة أحزاب فليكن للأرشاق ثلث صحيح، و إن كانوا أربعة فليكن لها ربع صحيح.٧.

١- في «د»: «يعقدا».

٢- الحاوي الكبير ٢٤٣:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٧:١، التهذيب - للبغوي - ٩٥:٨، البيان ٣٩٣:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٠٧:١٢، روضة الطالبين ٥٥٠:٧.

٣- في «ر، ص»: «بل يجوز» بدل «فيجوز».

٤- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و رجلين». و المثبت هو الصحيح.

٥- نهاية المطلب ٢٨٤:١٨، الوجيز ٢٢١:٢، الوسيط ١٩٠:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٠٧:١٢، روضة الطالبين ٥٥٠:٧.


د: يشترط أن يكون العقد بإذنهم، فإن لم يأذن آحاد كلّ حزب فيه لم يصح؛ لأنّه عقد معاوضة يتردّد بين الإجارة و الجعالة، و كلّ واحد من هذين لا يصحّ إلاّ بإذن و اختيار، فإن عقد عليهم من لم يستأذنهم بطل.

ه: أن يعين كلّ من الحزبين على من يتولّى العقد فيكون فيه متقدّما عليهم و نائبا عنهم، فإن لم يعينوا على كلّ واحد واحد منهم لم يصح العقد عليهم؛ لأنّه توكيل، فلم يصح إلاّ بالتعيين.

و ينبغي أن يكون كلّ زعيم أحذق حزبه، و يكون حزبه أشدّ طاعة له؛ لأنّ صفة الزعيم في العرف أن يكون متقدّما في الصناعة مطاعا في الجماعة، فإن تقدّموه في الرمي و أطاعوه في الاتّباع جاز، و إن لم يتقدّمهم في الرمي و لم يطيعوه في الاتّباع لم يجز؛ لأنّ غير المطاع لا تنفذ أوامره.

مسألة ٩٣٥: إذا اجتمعت الشرائط في عقد النضال بين الحزبين،

لم يخل حالهم في [مال السّبق](١) من أربعة أحوال:

أ: أن يخرج المال أجنبيّ و يشترطه للناضل من الحزبين، و هو جائز، و لا حاجة إلى المحلّل إجماعا.

ب: أن يخرجه أحد الحزبين دون الآخر، و هو صحيح، سواء انفرد زعيم الحزب بإخراجه أو اشتركوا فيه، و يكون الحزب المسبّق معطيا إن كان منضولا و غير آخذ إن كان ناضلا، و يكون الحزب الآخر آخذا إن كان ناضلا و غير معط إن كان منضولا، و هو المغني عن المحلّل؛ لأنّه محلّل.

ج: أن يكون الحزبان مخرجين، و يختصّ بإخراج المال زعيم الحزبين، و هو صحيح، و يغني عن المحلّل؛ لأنّ مدخل المحلّل ليأخذ

١- بدل ما بين المعقوفين المثبت من الحاوي الكبير ٢٤٤:١٥ في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «حال المتفق - المنفق». و ذلك تصحيف.


و لا يعطي و [رجال](١) كلّ حزب يأخذون و لا يعطون، فإذا نضل أحد الحزبين أحرز زعيمهم مال نفسه، و قسّم مال الحزب الآخر المنضول بين أصحابه.

فإن كان الزعيم راميا معهم، شاركهم في مال السّبق، و إن لم يرم معهم، فلا حقّ له فيه؛ لأنّ مال النضال لا يجوز أن يتملّكه غير الناضل، و صار معهم كالأمين و الشاهد، فإن رضخوا له بسهم منه بطيب أنفسهم جاز، و كان تطوّعا.

و إن شرط عليهم أن يأخذ معهم، بطل الشرط، و لم يبطل به العقد؛ لأنّه ليس بينه و بين أصحابه عقد يبطل بفساد شرطه، و إنّما العقد بين الحزبين، و ليس لهذا الشرط تأثير فيه.

د: أن يخرجا المال و يشترك أهل كلّ حزب في إخراجه، و هذا يصحّ عندنا و إن لم يكن محلّل.

و من شرط المحلّل - كالشافعي - لم يجوّزه حتى يدخل بين الحزبين حزب ثالث يكون محلّلا يكافئ كلّ حزب في العدد و الرمي، يأخذ و لا يعطي، كما يعتبر في إخراج المتناضلين المال أن يدخل بينهما محلّل ثالث يأخذ و لا يعطي(٢).

و هذا على رأي من يشترط المحلّل، أمّا عندنا فلا.

مسألة ٩٣٦: المال المخرج من كلّ حزب إن لم يسمّوا قسط كلّ واحد من جماعتهم اشتركوا في التزامه بالسويّة على عددهم من غير تفاضل فيه؛

لاستوائهم في التزامه، فإن كان زعيمهم راميا معهم دخل في التزامه

١- بدل ما بين المعقوفين المثبت من الحاوي الكبير ٢٤٤:١٥ في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «حال». و ذلك تصحيف.

٢- الحاوي الكبير ٢٤٤:١٥-٢٤٥، و راجع: الهامش (٣) من ص ٢٣.


كأحدهم، كما أنّه يدخل في الأخذ معهم، و إن لم يكن راميا لم يلتزم معهم، كما لا يأخذ معهم.

و إن سمّوا قسط كلّ واحد منهم في التزام مال السّبق، فإن تساووا في التسمية صحّ؛ لموافقته حكم الإطلاق، و إن تفاضلوا فيه فالأقرب: الجواز؛ لأنّه شرط تابع لاختيارهم صادر عن اتّفاق لم يتضمّنه فيما بينهم عقد، فاعتبر فيه التراضي، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: لا يجوز؛ لتساويهم في العقد، فوجب(١) أن يتساووا في الالتزام(٢). و هو ممنوع.

و لو شرطوا أن يكون المال مقسّطا بينهم على صواب كلّ واحد منهم و خطئه، لم يجز؛ لأنّه على شرط مستقبل مجهول غير معلوم فبطل، و لا يؤثّر بطلانه في العقد؛ لأنّه ليس فيما بينهم عقد و كانوا متساوين فيه.

مسألة ٩٣٧: إذا استحقّ المال أحد الحزبين،

قسّم بين جميعهم، فإن شرطوا قسمته بينهم على قدر إصاباتهم جاز، و كذا لو شرطوا قسمته بين الحزب الناضل على عدد الرؤوس.

و إن أطلقوا العقد، احتمل قسمته على قدر الإصابات؛ لأنّهم بالإصابة قد استحقّوه، فلا يساوى بين كثير الإصابة و قليلها، بخلاف التزام المنضولين حيث تساووا فيه مع اختلافهم في الخطأ؛ لأن الالتزام قبل الرمي، فلم يعتبر بالخطأ و الاستحقاق بعد الرمي، فصار معتبرا بالصواب، و حينئذ لو أخطأ من أهل الحزب الناضل واحد في جميع سهامه، لم يستحق شيئا، و قسّم على من عداه.

و يحتمل قسمته على عدد الرؤوس بالسويّة مع تفاضلهم في الإصابة؛

١- فيما عدا «د» من النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فيجب» بدل «فوجب».

٢- الحاوي الكبير ٢٤٥:١٥.


لاشتراكهم في العقد الذي أوجب تساويهم فيه، فصاروا بذلك كالشخص الواحد، فالناضلون يأخذون بالسويّة، كما أنّ المنضولين يعطون بالسويّة، و حينئذ لو أخطأ واحد من الحزب الناضل في جميع سهامه استحقّ سهما مساويا لسهم الناضل.

و يقابل هذا أن يكون في الحزب المنضول من أصاب بجميع سهامه، ففي خروجه من التزام المال وجهان.

أحدهما: يخرج من التزامه إن قيل بخروج المخطئ من استحقاقه.

و الثاني: لا يخرج من الالتزام، و يكون فيه أسوة من أخطأ إذا قيل بدخول المخطئ في الاستحقاق، و إنّه فيه أسوة من أصاب.

مسألة ٩٣٨: ينبغي أن يكون عدد الرشق ينقسم على قدر أفراد الأحزاب بجزء صحيح،

فإن كان هناك حزبان كلّ حزب اثنان، وجب أن يكون لعدد الرشق نصف صحيح، كالعشرين، و إن كان كلّ حزب ثلاثة، وجب أن يكون للعدد ثلث صحيح، كالثلاثين، و لا يجوز أن يكون أربعين أو خمسين، و إن كان عدد الحزب أربعة، كان عدد الرشق أربعين.

و لا يجوز أن يكون عدد الرشق ما ينكسر على الأحزاب، كما لو كان عدد الحزب أربعة وجب أن يكون عدد الرشق أربعين أو ما له ربع صحيح، و لا يجوز أن يكون عدد الرشق ما ليس له ربع صحيح.

و كذا إن كان عدد الحزب خمسة، وجب أن يكون عدد الرشق ما له خمس صحيح؛ لأنّه إذا لم ينقسم عدد الرشق على عدد الحزب إلاّ بكسر لم يصح التزامهم له؛ لأنّ اشتراكهم في رمي السهم لا يصحّ.

فأمّا عدد الإصابة المشروطة فيجوز أن ينكسر على عددهم؛ لأنّ الاعتبار فيها بإصابتهم لا باشتراكهم، فإذا كان عدد الحزب أربعة و شرطوا

خمس إصابات أو ثلاثة فحصل من أيّهم كان حصل النضل، فإذا استقرّ هذا عنهم احتسب لزعيم كلّ حزب بإصابات كلّ واحد من أصحابه، و احتسب عليه بخطأ كلّ واحد منهم، سواء تساوى رجال الحزب في الإصابة، و هو نادر، أو اختلفوا و تفاضلوا فيها، و هو الغالب، فإذا شرط خمسون إصابة من مائة و جمعت الإصابتان، لم يخل مجموع الإصابتين من أحوال ثلاثة:

أ: أن يكون المجموع من إصابة كلّ حزب خمسين فصاعدا، فليس فيهما ناضل و لا منضول، و إن تفاضلا في الزيادة على الخمسين فصاعدا، فليس فيهما ناضل و لا منضول.

ب: أن يكون مجموع إصابة كلّ حزب أقلّ من خمسين، فليس فيهما ناضل و لا منضول و إن تفاضلا في النقصان من الخمسين.

ج: أن يكون مجموع إصابة أحدهما خمسين فصاعدا و مجموع إصابة الآخر أقلّ من خمسين، فالأوّل ناضل و إن كان أحدهم في الإصابة مقلاّ، و الثاني منضول و إن كان أحدهم في الإصابة مكثرا، فيصير مقلّل الإصابة آخذا و مكثرها معطيا؛ لأنّ حزب المقلّل ناضل و حزب المكثر منضول.

مسألة ٩٣٩: قد بيّنّا أنّه لا بدّ و أن يعرف كلّ حزب من يرمي معه.

و هل يشترط أن يعرف الأصحاب بعضهم بعضا، أو تكفي معرفة الزعيمين ؟ فيه احتمال.

و للشافعيّة وجهان(١).

و هل يجوز أن يشترط في العقد أن يقدّم من هذا الحزب فلان و أن

١- العزيز شرح الوجيز ٢٠٦:١٢، روضة الطالبين ٥٤٩:٧.


يقابله من الحزب الآخر فلان ثمّ فلان و فلان ؟ منع منه الشافعيّة؛ لأنّ تدبير كلّ حزب إلى زعيمهم، ليس للآخر مشاركته فيه(١).

و ليس بعيدا من الصواب جوازه؛ عملا بالشرط، و هو غير مناف للكتاب و السّنّة.

مسألة ٩٤٠: إذا عقد الزعيمان العقد فحضر عندهم غريب لا يعرفونه،

فأخذه أحد الزعيمين في حزبه و دخل في عقده و شرعوا في الرمي و ظنّ المختار له أنّه جيّد الرمي و ظهر خلافه، فإن كان لا يحسن الرمي أصلا و لا يكون من أهله، بطل العقد فيه؛ لأنّه معقود عليه في عمل معدوم عنه لا يمكن صدوره عنه، فكان بمنزلة من استؤجر للكتابة و لم يكن كاتبا، يكون العقد باطلا، كذا من دخل في عقد الرمي و ليس برام.

و إذا بطل في حقّه، قال بعض الشافعيّة: يبطل العقد في واحد من الحزب الآخر؛ لأنّه في مقابلته.

و هل يبطل في من بقي من الحزبين ؟ خلاف ينشأ من تفريق الصفقة.

و قطع بعضهم(٢) بالبطلان هنا، و جعل هذا القول وهما من قائله؛ لأنّ من في مقابلته من الحزب الآخر غير متعيّن، و ليس لزعيمهم تعيينه في أحدهم؛ لأنّ جملتهم في حكم العقد سواء، و ليس أحدهم في إبطال العقد في حقّه بأولى من إثباته فيه، و لا تأثير لدخول القرعة فيه؛ لأنّها لا تدخل في إثبات عقد و لا إبطاله، فوجب أن يكون العقد في حقوق الجماعة باطلا.

١- التهذيب - للبغوي - ٩٥:٨، البيان ٣٩٣:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٠٦:١٢، روضة الطالبين ٥٤٩:٧.

٢- الماوردي في الحاوي الكبير ٢٤٨:١٥.


فإن قلنا: لا يبطل، فللحزبين خيار الفسخ و الإجازة، لتبعيض الصفقة، فإن أجازوا و تنازعوا في تعيين من يجعل في مقابلته، فسخ العقد؛ لتعذّر إمضائه(١).

و فصّل الجويني فقال: إن كان [الأخرق](٢) بحيث لا يتمكّن من أخذ قوس و نزع وتر، فالحكم كما تقدّم، و إن كان يتمكّن منهما لكنّه ما اعتاد الرمي، ففيه احتمال.

و يتطرّق الاحتمال إلى أنّ مثل هذا الشخص هل يرامى مع العلم بحاله ؟ يحتمل جوازه؛ لوجود صورة الرمي منه، و المنع؛ لأنّ إقدام مثله على الرمي خطر، فلا فائدة فيه(٣).

و إن ظهر أنّه ضعيف و قليل الإصابة و لكنّه يحسن الرمي، فلا فسخ لأصحابه و إن ظنّوا أنّه مثلهم في الرمي، و لا لهم الاستبدال، و يكون صوابه و خطؤه لحزبه، و هو بمنزلة من عرفوه.

و إن ظهر أنّه مساو لهم، فلا مجال للحزبين فيه، و يكون صوابه لحزبه و خطؤه عليهم.

و إن ظهر أنّه أجود منهم رميا، لم يكن للحزب الآخر الفسخ و لا طلب البدل عنه ممّن يساويهم؛ لأنّه قد دخل في عقدهم و صار كأحدهم في٧.

١- حلية العلماء ٤٨٦:٥، التهذيب - للبغوي - ٩٥:٨، البيان ٣٩٤:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٠٦:١٢، روضة الطالبين ٥٥٠:٧.

٢- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الاخر». و المثبت كما في المصدر، و الأخرق: أي الجاهل أو الأحمق، حيث إنّ الخرق - بالضمّ -: الجهل و الحمق، كما في لسان العرب ٧٥:١٠ «خرق».

٣- نهاية المطلب ٢٨٧:١٨-٢٨٨، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٢٠٦:١٢ - ٢٠٧.


لزومه أو جوازه، و لا يجوز إفراده منهم بفسخ و لا خيار، و يكون صوابه و خطؤه لحزبه.

قال بعض الشافعيّة: هذا مبنيّ على أنّه هل يشترط في المتراميين التقارب، أو لا يشترط فيكون أحدهما كثير الإصابة و الآخر قليلها؟ و الظاهر عدم الالتفات إلى هذا التفاوت(١).

و هذا يعطي جواز إدخال المجهول الذي لم يختبر في المراماة.

و يقرب من قياسهم: المنع؛ لما فيه من الجهالة العظيمة(٢).

لكن الشافعي صرّح بتجويزه، فلو تناضل غريبان لا يعرف واحد منهما حال صاحبه، حمل العقد على الصحّة، فإن تبيّن أنّ أحدهما لا يحسن الرمي بطل العقد، و كذا إن ظهر أنّهما معا لا يحسنان الرمي، و إن ظهر أنّ أحدهما ضعيف لا يقاوم الآخر، ففي بطلان العقد ما تقدّم من الخلاف فيما إذا عاقد ناضل ضعيفا(٣).

مسألة ٩٤١: إذا اجتمع رماة الحزبين و لم يتميّزوا في كلّ واحدة من الجهتين،

فقال أحد الزعيمين: أنا أخرج مال السّبق على أن أختار لحزبي من أشاء أو تكون أنت المخرج على أن تختار لحزبك من تشاء، لم يجز، و كان هذا الشرط فاسدا؛ لأنّ كلّ واحد من إخراج المال و تعيين الحزب لا يصحّ إلاّ عن مراضاة، فلم يجز أن يكون أحدهما مشروطا للآخر؛ لخروجه عن الاختيار إلى الالتزام.

و كذا لو قال: إن كان فلان معي فمال السّبق عليك، و إن كان معك فمال السّبق عليّ، لم يصح.

١- العزيز شرح الوجيز ٢٠٧:١٢، روضة الطالبين ٥٥٠:٧.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٠٧:١٢، روضة الطالبين ٥٥٠:٧.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٠٧:١٢، روضة الطالبين ٥٥٠:٧.

البحث الرابع: في إمكان الإصابة.

مسألة ٩٤٢: يشترط في عقد المناضلة اشتراط إصابة ممكنة يتوقّع حصولها و لا تكون ممتنعة،

فلو شرطا إصابة لا يمكن حصولها بمجرى العادة، فسد العقد؛ لأنّه غير مفض إلى المقصود، فإنّ مقصود كلّ واحد من المتناضلين من بذل المال الحثّ على المناضلة طمعا في تحصيل المال، و إنّما يتأتّى ذلك في الممكن؛ لأنّ الممتنع لا يسعى في تحصيله، و الممتنع عادة كالممتنع لذاته في بطلان العقد باشتراطه.

و له أسباب:

منها: صغر الغرض جدّا بحيث لا يمكن إصابته.

و منها: بعد المسافة بين الموقف و الغرض في الغاية.

و منها: كثرة الإصابة، كما لو شرط إصابة مائة رشق على التوالي.

و عن بعض الشافعيّة: أنّه يصحّ اشتراط إصابة عشرة من عشر رميات(١).

أمّا لو شرط الكثير من الأكثر كسبعة من عشرة، جاز.

مسألة ٩٤٣: و لا يجوز أن يشترط من الإصابة ما يجب حصوله بالعادة؛

لأنّه مناف للغرض من الحذق في الرمي و السعي في مبادرة النضال، فلو شرط إصابة واحدة من مائة على هيئة الحاصل لم يصح؛ لأنّ هذه المعاملة ينبغي أن تكون مشتملة على الخطر ليسعى العاقد و يتأنّق في

١- المهذّب - للشيرازي - ٤٢٤:١-٤٢٥، التهذيب - للبغوي - ٨٣:٨، البيان ٧: ٣٨١، العزيز شرح الوجيز ١٩٨:١٢، روضة الطالبين ٥٤٤:٧.


الرمي، و هو أحد وجهي الشافعيّة(١).

و لو كان المشروط قد يتّفق حصوله لكنّه نادر، فالأقرب: صحّة العقد؛ عملا بالشرط، و إمكان تحصيل المقصود؛ لأنّ فضل الرامي يظهر به، و هو أحد وجهي(٢) الشافعيّة، و الثاني - و هو الأظهر عندهم -: المنع؛ لأنّ الشارع إنّما شرّع هذه المعاملة و بذل المال فيها تحريضا على الرمي و الاجتهاد فيه، فإذا كان المشروط بعيد الحصول تبرّمت(٣) النفوس به(٤).

و يجري هذا الخلاف في كلّ صورة تندر فيها الإصابة المشروطة، كالتناضل إلى مسافة بعيدة تندر فيها الإصابة، و التناضل في الليلة المظلمة و إن كان الغرض قد يظهر لهما(٥).

و يقرب من هذا الخلاف الخلاف فيما إذا نوى الإقامة في مفازة ليست هي موضع إقامة هل يصير مقيما؟(٦).

و كذا المتناضلان ينبغي أن يكونا متقاربين بحيث يحتمل أن يكون كلّ واحد منهما ناضلا و منضولا.

فإن تفاوتا و كان أحدهما مصيبا في أكثر ما يرمي و يكون الآخر مخطئا في أكثر رميه، فوجهان للشافعيّة، أحدهما: المنع؛ لأنّ حذق الناضل معلوم بغير نضال، فأخذه للمال كأخذه بلا نضال(٧).٧.

١- العزيز شرح الوجيز ١٩٨:١٢، روضة الطالبين ٥٤٥:٧.

٢- في «د، ر»: «قولي» بدل «وجهي».

٣- تبرّمت: سئمت و ضجرت. العين ٢٧٢:٨، الصحاح ١٨٦٩:٥، لسان العرب ٤٣:١٢ «برم».

٤- العزيز شرح الوجيز ١٩٨:١٢، روضة الطالبين ٥٤٥:٧.

٥- العزيز شرح الوجيز ١٩٨:١٢، روضة الطالبين ٥٤٥:٧.

٦- التهذيب - للبغوي - ٨٤:٨، العزيز شرح الوجيز ١٩٨:١٢.

٧- العزيز شرح الوجيز ١٩٨:١٢، روضة الطالبين ٥٤٥:٧.


و كذا المحلّل الذي يدخله المتناضلان بينهما ينبغي أن يكون ممّا يتوقّع إصابته و قصوره، فإن علم أنّه مقصّر لم يصلح أن يكون محلّلا، و كان وجوده كعدمه، و إن كان يعلم أنّه يفوز فالوجهان(١).

البحث الخامس: في تعيين الموقف.

مسألة ٩٤٤: يشترط تعيين موقف الرّماة و تساوي المتناضلين فيه،

فلو شرطا أن يكون موقف أحدهما أقرب، لم يجز، كما في المسابقة.

نعم، يجوز لأحدهما أن يقدّم أحد قدميه عند الرمي؛ لأنّ عادة الرّماة ذلك.

و ليس لأحدهما أن يتقدّم بخطوتين أو ثلاث بل و لا بخطوة واحدة، سواء كانت عادة الرّماة فيه متّفقة أو مختلفة.

أمّا مع الاختلاف - بأن كانوا يفعلونه تارة و يسقطونه أخرى - فظاهر؛ لعدم الضبط، و الإفضاء إلى التنازع، فتجب رعاية التسمية.

و أمّا مع الاتّفاق: فلأنّهما متكافئان في العقد، فلم يجز أن يتقدّم أحدهما على الآخر بشيء؛ لأنّه يصير مصيبا بتقدّمه لا بحذقه.

و للشافعيّة في المعتاد وجهان، هذا أحدهما، و الثاني: أنّه يعتبر ذلك فيهما؛ لأنّ العرف في العقود معتبر، كإطلاق الأثمان.

فعلى هذا الوجه - و هو اعتبار العادة - إن لم تختلف العادة في عدد الأقدام بأن كانت عادتهم التقدّم بخطوتين مثلا، اعتبر هذا العدد، و حمل على العرف في العدد ليكون القرب بالأقدام في مقابلة قوّة النفس بالتقدّم،

١- العزيز شرح الوجيز ١٩٨:١٢، روضة الطالبين ٥٤٥:٧.


و إن اختلفت فكانت عادتهم تارة التقدّم بخطوتين و تارة بثلاث أو واحدة، اعتبر الأقلّ في العرف دون الأكثر(١).

تذنيب: لو تقدّم أحدهما على الآخر بما لا يستحقّ، لم يحتسب له بصوابه؛ لجواز استناد الإصابة إلى التقدّم، لا إلى الحذق، و احتسب عليه خطؤه؛ لأنّه أبلغ من الأبعد.

مسألة ٩٤٥: عادة الرّماة مختلفة على وجهين كلاهما جائز.

فمنهم من يرمي بين هدفين متقابلين، فيقف أحد الحزبين في هدف يرمي منه إلى الهدف الآخر، و يقف الحزب الآخر في الهدف المقابل فيرمي منه إلى الهدف الآخر، و هو أحسن الوجهين؛ لقوله عليه السّلام: «بين الهدفين روضة من رياض الجنّة»(٢) و لأنّه أقطع للتنافر، و أقلّ للتعب.

فإن رميا إلى هدفين، كان للمبتدئ بالرمي أن يقف في أيّ الهدفين شاء، و يرمي إلى الآخر، و يقف الثاني في الهدف الثاني، و يصير ذلك مستقرّا بينهما إلى آخر رميهما، و ليس لواحد منهما أن يدفع الآخر عن هدفه.

و منهم من يرمي إلى هدف واحد، فإذا كان كذلك وقف المبتدئ في أيّ موضع شاء من مقابلته، و يقف الثاني حيث شاء من يمين الأوّل أو يساره، فإن لم يرض إلاّ في موقف الأوّل، فوجهان:

أحدهما: أنّه يقف موقفه ليساويه فيه.

و الثاني: ليس له ذلك؛ لأنّ الأوّل إذا زال عن موقفه نسي حسن

١- الحاوي الكبير ٢٠٩:١٥-٢١٠، العزيز شرح الوجيز ٢٠٨:١٢، روضة الطالبين ٥٥١:٧.

٢- تقدّم تخريجه في ص ٨١، الهامش (١).


صنعته.

مسألة ٩٤٦: إذا وقف الرّماة صفّا،

فالواقف في الوسط أقرب إلى الغرض ممّن على اليمين و اليسار؛ لأنّا لو أخرجنا خطّا قائما على الوسط مارّا إلى الغرض قائما عليه ثمّ أخرجنا خطّين آخرين أحدهما من أحد طرفي الصفّ إلى الغرض و الثاني من الطرف الآخر من الصفّ إلى الغرض، فإنّ الخطّ الأوسط يكون أقصر؛ لأنّه يوتر زاوية حادّة، و كلّ واحد من الخطّين الخارجين من الطرفين يوتر زاوية قائمة، و وتر القائمة أطول من وتر الحادّة، و إذا ثبت أنّه أقصر كان أقرب إلى الغرض، لكن هذا التفاوت يسير جدّا محتمل بالاتّفاق، و لم يشترط أحد تناوب الرّماة على الموقف بحيث إذا رمى واحد في موقف قام و جلس مكانه غيره؛ لما في القيام و القعود من المشقّة.

و لو تنافسوا في الوقوف في وسط الصفّ، فإن لم يتعرّضوا له في العقد بطل العقد، و يحتمل اتّباع العادة، و يحتمل القرعة.

و للشافعيّة ثلاثة أوجه(١) كالاحتمالات.

و لهم وجه رابع: أنّه إذا اختلفا في موضع الوقوف، فالاختيار لمن له البدأة، [فمن](٢) يستحقّ السّبق إمّا بالشرط أو غيره يختار المكان، فيقف في المقابلة أو متيامنا أو متياسرا كيف شاء، و إذا وقف وقف الآخر بجنبه إمّا على اليمين أو على اليسار(٣).

١- العزيز شرح الوجيز ٢٠٨:١٢، روضة الطالبين ٥٥١:٧.

٢- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ممّن». و المثبت كما في المصدر.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٠٨:١٢-٢٠٩، روضة الطالبين ٥٥١:٧.


فإن لم يرض إلاّ أن يقف عند الرمي في موقف الأوّل، احتمل أن يكون له إزالة الأوّل من موقفه، و العدم.

و للشافعيّة وجهان(١).

و إذا كانا يرميان بين غرضين، فإذا انتهيا إلى الغرض الثاني فالثاني كالأوّل يقف حيث شاء.

فإن كانوا ثلاثة يقرع بين الآخرين عند الغرض الثاني، فمن خرجت له القرعة يقف حيث شاء، ثمّ إذا عادوا إلى الغرض الأوّل بدأ الثالث بغير قرعة و يقف حيث شاء.

مسألة ٩٤٧: لو رضوا بعد العقد بتقدّم واحد،

فإن كان يتقدّم بقدر يسير فلا بأس؛ لأنّ مثل ذلك يقع إذا وقفوا صفّا، و إن كان أكثر منه لم يجز؛ لأنّه مخالف لوضع العقد، و صار بمنزلة ما لو شرط الاستحقاق لواحد بتسع إصابات و الباقين بعشر.

و لو تأخّر واحد برضا الآخرين، فالوجه: الجواز؛ لأنّه يضرّ بنفسه، و يزيد المسافة، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني لهم - و هو الأظهر عندهم -: المنع؛ لأنّه إذا تأخّر كان الآخرون متقدّمين(٢).

فروع:

أ: لو تطابقوا جميعا على التقدّم أو التأخّر أو تعيين(٣) عدد الأرشاق بالزيادة أو النقصان، فإن قلنا: إنّ المسابقة و المناضلة عقدان جائزان، جاز،

١- العزيز شرح الوجيز ٢٠٩:١٢، روضة الطالبين ٥٥١:٧.

٢- الوسيط ١٩٣:٧، الوجيز ٢٢١:٢، العزيز شرح الوجيز ٢٠٩:١٢، روضة الطالبين ٥٥١:٧.

٣- في «د»: «تغيير» بدل «تعيين».


و إن قلنا: إنّهما لازمان، لم يجز.

ب: لو قال أحد المتناضلين: نستقبل الشمس في رمينا، و قال الآخر: نستدبرها، أجيب طالب الاستدبار؛ لأنّ الشعاع إذا استقبله الرامي اختلّ عليه رميه.

ج: لو شرطا في العقد استقبال الشمس، حملا عليه، عملا بالشرط، كما أنّ مطلق العقد يقتضي الرمي بالنهار، فإذا شرطا الرمي ليلا حملا عليه إمّا في ضوء القمر أو يشعلا نارا.

مسألة ٩٤٨: لا يشترط المحلّل في المناضلة عند علمائنا - خلافا للعامّة - عملا بأصالة العدم،

و قد سلف(١) في باب المسابقة ذلك.

و المال في المناضلة إمّا أن يخرجه غير المتسابقين، مثل أن يقول إمام أو أجنبيّ للمتناضلين: ارميا عشرة أرشاق فمن أصاب منها كذا فله كذا، أو يخرجه أحدهما بأن يقول أحدهما: نرمي كذا فإن أصبت منها كذا فلك عليّ كذا، و إن أصبتها فلا شيء لي عليك، أو يخرجه كلاهما بأن يشترط كلّ واحد منهما المال على الآخر إن أصاب.

و لا خلاف في عدم الاحتياج إلى المحلّل في القسمين الأوّلين، و إنّما الخلاف في الثالث، فعندنا لا يحتاج، و عندهم يحتاج إلى المحلّل، و قد سبق(٢).

مسألة ٩٤٩: قد عرفت أنّه كما تجوز المناضلة بين اثنين تجوز بين حزبين،

فإن أخرج المال غير الحزبين أو أحدهما دون الآخر، جاز من دون المحلّل، و إن أخرجه الحزبان معا، فلا بدّ من محلّل أو من حزب

١- في ص ٢٣، ضمن المسألة ٨٩٢.

٢- في ص ٢٣، ضمن المسألة ٨٩٢.


محلّلين عندهم.

و لو أخرج الحزبان المال و شرطوا لواحد من أحد الحزبين أنّه إذا كان الفوز لحزبه شاركهم في أخذ المال، و إن كان الفوز للحزب الآخر فلا شيء على ذلك الواحد، و إنّما يغرم أصحابه، جاز عندنا، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و يكفي ذلك الشخص محلّلا، و أصحّهما عندهم: المنع؛ لأنّ المحلّل هو الذي إذا فاز استبدّ بالمال، و هنا لا يستبدّ، بل يوزّع المال عليه و على أصحابه لو فاز(١).

و لو اشتمل كلّ حزب على محلّل، فللشافعيّة وجهان مرتّبان، و هذه الصورة أقرب؛ لاشتمال كلّ حزب على محلّل(٢).

المطلب الثاني: في الأحكام.

مسألة ٩٥٠: إذا تناضلا فإن شرطا مطلق الإصابة،

لم يشترط التأثير بصفات الإصابة من الخسق و الخزق و غيرهما، و اكتفي بالإصابة المطلقة؛ لأنّها الشرط، فلا يعتبر الزائد.

ثمّ إن ذكر إصابة الغرض، حسب ما أصاب الجلد و [الجريد](٣) و هو الدائر على الشنّ، و العروة، و هي الشنبر أو الخيط المشدود به الشنّ على أصل [الجريد](٤) و كلّ ذلك من الغرض، أمّا ما تعلّق به الغرض فإنّه ليس من الغرض، و هو الأشبه من قولي الشافعيّة(٥).

١- العزيز شرح الوجيز ١٩٤:١٢، روضة الطالبين ٥٤٣:٧.

٢- العزيز شرح الوجيز ١٩٤:١٢، روضة الطالبين ٥٤٣:٧.

٣- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الحديد». و المثبت هو الصحيح.

٤- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الحديد». و المثبت هو الصحيح.

٥- المهذّب - للشيرازي - ٤٢٨:١، العزيز شرح الوجيز ٢١٠:١٢، روضة الطالبين ٥٥٢:٧.


و إن ذكر إصابة الشنّ، لم تحتسب إصابة [الجريد](١) و العروة.

و إن ذكر إصابة الخاصرة - و هي يمين الغرض أو يساره - لم تحتسب إصابة غيرها.

و لا فرق بين أن يشترطا مطلق الإصابة أو القرع؛ لأنّه عبارة عن مطلق الإصابة.

و يحتسب بكلّ أنواع الإصابات من قارع و خازق و خاسق؛ لأنّ جميعها مصيب، و كلّ واحد مشتمل على زيادة على مطلق الإصابة، و كذا لو تشارطا الخواصل احتسب بكلّ مصيب.

مسألة ٩٥١: لكلّ سهم طرفان،

أحدهما: يوضع فيه الريش، و الثاني:

يوضع فيه الزجّ، فقدح السهم هو خشبته المريشة، و اختلف فيما يسمّى به منها.

فقال بعضهم: هو اسم لجميع الخشبة(٢).

و قال آخرون: هو اسم يختصّ بموضع الوتر منه، و يسمّى: فوق السهم، و هو الجزء الذي يدخل فيه الوتر(٣).

و أمّا النصل: فهو الطرف الآخر من السهم، و اختلف فيما يسمّى منه نصلا.

فقال بعضهم: إنّه(٤) اسم للحديد المسمّى زجّا(٥).

و قال بعضهم: إنّه اسم لطرف الخشبة، الذي يوضع فيه الزّجّ من

١- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الحديد». و المثبت هو الصحيح.

٢- كما في الحاوي الكبير ٢٢١:١٥.

٣- كما في الحاوي الكبير ٢٢١:١٥.

٤- في «د، ص»: «هو» بدل «إنّه».

٥- كما في الحاوي الكبير ٢٢١:١٥.


الحديد(١).

و الإصابة إنّما تكون بالنصل لا بالقدح، فإذا أصاب بالنصل لا بالقدح فقد أصاب، و إن أصاب بغير النصل لم يحتسب به مصيبا.

و ينظر فيما به أصاب(٢) من السهم، فإن أصاب بعرض السهم احتسب به مخطئا؛ لأنّه منسوب إلى سوء رميه.

و إن أصاب بقدح السهم، ففي الاحتساب به مخطئا للشافعيّة وجهان(٣) ، الأقرب: ذلك؛ لما تقدّم من انتسابه إلى سوء رميه.

مسألة ٩٥٢: لو رمى السهم فصدم السهم جدارا أو شجرا ثمّ أصاب الغرض،

فالوجه أن نقول: إن احتمل استناد الإصابة إلى الصدمة لا إلى جودة الرمي لم يحتسب له، و إن لم يحتمل ذلك احتسب له.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّ هذه الإصابة محسوبة، كما لو صرفت الريح اللّيّنة السهم فأصاب، و كما لو هتك السهم في مروره حجابا عارضا ثمّ أصاب.

و الثاني: المنع، لأنّ الإصابة حصلت بالصدمة لا بجودة الرمي(٤).

و هو جيّد إن كانت الشجرة مائلة عن قبالة الغرض ثمّ ردّته الصدمة على شنّ الغرض، فإن كانت على السمت فالانصدام بها كالانصدام بالأرض.

و لو اعترض بين السهم و الهدف حائل من بهيمة أو إنسان، فإن امتنع

١- كما في الحاوي الكبير ٢٢١:١٥.

٢- في «ر»: «أصاب به».

٣- الحاوي الكبير ٢٢١:١٥.

٤- التهذيب - للبغوي - ٩٢:٨، العزيز شرح الوجيز ٢١٠:١٢، روضة الطالبين ٧: ٥٥٢.


به السهم من وصوله إلى الهدف لم يحتسب في صواب و لا خطأ، و إن نفذ في الحائل حتى مرق منه و أصاب الهدف فهو مصيب.

و لو نفض الحائل السهم حتى عدل بالنقض عنه إلى الهدف، لم يحتسب به مصيبا؛ لأنّه إنّما أصاب بالنفض لا بالرمي.

مسألة ٩٥٣: لو انصدم السهم بالأرض ثمّ وثب منها و أصاب الغرض،

فهو المزدلف.

و قد اختلف الفقهاء في أنّه هل يعدّ إصابة أم لا؟

فقال بعضهم: إنّه يعدّ إصابة، و يحتسب له؛ لحصول الإصابة بالسهم، و الانصدام بالأرض لا يؤثّر، فإنّه يدلّ على شدّة الرمي، و انخفاض السهم نهاية الحذق في الرمي، و لهذا إذا رمى إلى إنسان سهما فأصابه مزدلفا وجب عليه القصاص، و لأنّ رمية الجمرة بالحصاة إذا وقعت كذلك أجزأت، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه لا يحتسب إصابة؛ لأنّ السهم إذا احتكّ بالأرض احتكّت به، فتكون الإصابة بمعاونة الأرض، و ربما انقطع أثر الرمي في هذا، و لأنّ الأرض تهرش رميه فتجري مجرى العارض(١).

و هو غلط؛ لأنّ الأرض لو جرت مجرى العارض لم يعتد عليه الخطأ.

و الوجه: التفصيل، و هو أن ينظر في إصابته للأرض، فإن أعانته الصدمة و زادته حدّة في جهة مروره فلا يحتسب له و لا عليه، و إن ضعّفته

١- الحاوي الكبير ٢٢٠:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٩:١، نهاية المطلب ١٨: ٢٦٢، حلية العلماء ٤٨٩:٥-٤٩٠، التهذيب - للبغوي - ٩٢:٨، البيان ٧: ٤٠١، العزيز شرح الوجيز ٢١١:١٢، روضة الطالبين ٥٥٢:٧.


و أصاب مع ذلك حسب له.

و لو أصاب بفوقه، لم تحتسب له قطعا، و تحتسب عليه؛ لأنّ ذلك من رداءة الرمي.

و فرّق بعضهم(١) بين رمي الحصاة و السهم: أنّ الغرض حصول الحجر في المرمى بفعله، و هنا بيان الحذق.

مسألة ٩٥٤: للريح تأثير في تغيير السهم عن جهته،

و حذّاق الرّماة يعرفون مخرج السهم عن القوس هل هو مصيب أو مخطئ، فإذا رمى السهم فغيّرته الريح فهو على قسمين:

الأوّل: أن يخرج مفارقا للشنّ فتعدل به الريح إلى الشنّ فيصيب أو يكون مقصرا عن الهدف فتعينه الريح حتى ينبعث فيصيب، فتعتبر حال الريح، فإن كانت ضعيفة، حسب في الإصابة؛ لأننّا على يقين من تأثير الرمي، و نشكّ في تأثير الريح، فنعتمد على المتيقّن.

و إن كانت الريح قويّة، نظر فإن كانت موجودة عند إرسال السهم، كان محسوبا في الإصابة؛ لأنّه قد اجتهد في التحرّز من تأثير الريح بتحريف سهمه فأصاب باجتهاده و رميه.

و إن حدثت الريح بعد إرسال السهم، ففي الاحتساب له إشكال.

و للشافعيّة وجهان؛ تخريجا من اختلاف قولي الشافعي في المزدلف هل تحتسب إصابته أم لا؟

أحدهما: يحتسب به مصيبا إذا احتسب بإصابة المزدلف.

و الثاني: لا يحتسب به مصيبا و لا مخطئا إذا لم يحتسب بإصابة

١- لم نتحقّقه.


المزدلف(١).

الثاني: أن يخرج السهم موافقا للهدف فتعدل به الريح حتى يخرج عن الهدف، فتعتبر حال الريح، فإن كانت طارئة بعد خروج السهم عن القوس، ألغي السهم، و لم يحتسب به من الخطأ؛ لعدم إمكان التحرّز من الريح، فلا ينسب إلى سوء الرمي.

و إن كانت الريح موجودة عند خروج السهم، فإن كانت قويّة لم يحتسب به في الخطأ؛ لأنّه أخطأ في اجتهاده الذي يتحرّز به من الريح و لم يخطئ من سوء الرمي.

و إن كانت الريح ضعيفة، ففي الاحتساب به في الخطأ وجهان:

أحدهما: يكون خطأ؛ لأنّنا على يقين من تأثير الرمي و في شكّ من تأثير الريح.

و الثاني: لا يكون محسوبا في الخطأ؛ لأنّ الريح تفسد صنيع المحسن و إن قلّت، كما تفسده إذا كثرت(٢).

مسألة ٩٥٥: إذا هبت الريح فأزالت الشنّ عن موضعه إلى غيره،

فإمّا أن يقع السهم في غير الشنّ و في غير موضعه الذي كان فيه فيحتسب به مخطئا؛ لأنّه وقع في غير محلّ الإصابة قبل الريح و بعدها، و إمّا أن يقع في الموضع الذي كان فيه الشنّ من الهدف فيحتسب مصيبا؛ لوقوعه في محلّ الإصابة، و إمّا أن يقع في الشنّ بعد زواله عن موضعه، فإمّا أن يزول الشنّ عن موضعه بعد خروج السهم فيحتسب به من الخطأ؛ لوقوعه في غير محلّ

١- الحاوي الكبير ٢٢٢:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٨:١، حلية العلماء ٥: ٤٨٧، البيان ٣٩٨:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٢٢:١٢، روضة الطالبين ٥٥٩:٧.

٢- الحاوي الكبير ٢٢٢:١٥.


الإصابة عند خروج السهم، و إمّا أن يخرج السهم بعد زوال الشنّ عن موضعه و علم الرامي بزواله، فينظر في الموضع الذي صار فيه، فإن كان خارجا من الهدف لم يحتسب به مصيبا و لا مخطئا؛ لخروجه عن محلّ الصواب و الخطأ، و إن كان مماثلا لموضعه من الهدف احتسب به مصيبا؛ لأنّه قد صار محلاّ للإصابة.

مسألة ٩٥٦: لو شرطا الخواسق فأصاب السهم الغرض و ثقبه و تعلّق النصل به و ثبت،

فهو خاسق، فإن سقط إلى الأرض بعد ما ثبت لم يضر ذلك في الخسق؛ لأنّه حصل بعد تحقّق الخسق، فصار كما لو نزعه غيره.

و إن خدشه و لم يثقبه، فليس بخاسق، و إن ثقبه و لم يثبت فيه بل سقط بعد ثقبه إلى الأرض، فليس بخاسق؛ لعدم تحقّق مسمّى الخسق؛ لأنّه يعتبر فيه الثبات و لم يتحقّق، فلم يثبت المسمّى حينئذ، و هو أظهر قولي الشافعي، و الثاني: أنّه يكون خاسقا؛ لأنّه ثقب و وجد ما يصلح لثبوت السهم فيه، و السقوط يحتمل أن يكون لسعة الثقب أو لثقل السهم أو غيرهما(١).

و لو ثقب و مرق، فالأقرب: أنّه خاسق؛ لأنّ الخرق قد حصل، و مروقه بعد خرقه يدلّ على زيادة القوّة، و ليس الغرض من ذلك الثبوت في نقرة معيّنة، و إنّما الغرض أن تقوى الرمية بحيث يتأتّى معها الثبوت، و من الرّماة من لا يحسبه خاسقا.

و للشافعيّة طريقان:

١- الحاوي الكبير ٢١٧:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٩:١، حلية العلماء ٥: ٤٩٠-٤٩١، التهذيب - للبغوي - ٩٣:٨، البيان ٤٠١:٧، العزيز شرح الوجيز ٢١١:١٢، روضة الطالبين ٥٥٢:٧.


أحدهما: أنّ فيه قولين:

أحدهما: أنّه ليس بخاسق؛ لأنّه لم يثبت، و الثبوت يفتقر إلى ضبط و حذق، فإذا مرق دلّ على قصور رميه.

و الثاني: أنّه خاسق.

و الطريق الثاني: القطع بأنّه خاسق؛ لأنّ الشافعي صرّح بأنّه خاسق عنده(١).

مسألة ٩٥٧: لو شرط الخواسق فرمى السهم فأصاب طرف الغرض و ثبت هناك،

فالأقوى: أنّه خاسق - و هو أظهر قولي الشافعيّة(٢) - لأنّه خرق بالنصل و ثبت.

و الثاني: أنّه ليس بخاسق؛ لأنّ الخسق إنّما هو الثقب في الوسط، و هذا لا يسمّى ثقبا و لا خرقا للغرض، و إنّما هو شقّ لطرفه، و يقال لهذا السهم: خارم، لا خاسق(٣).

و في موضع القولين للشافعيّة طرق:

أ: إنّ الخلاف فيما إذا كان بعض خرم النصل خارجا، و أمّا إذا أخذ الغرض خرم النصل بأسره فقد حصل الخسق إجماعا. و هو حسن.

ب: إن بقي من توابع الشنّ ما يحيط بدائر السهم فهو خاسق، و إن لم يبق مع الخرم [شيء](٤) من حاشية الشنّ و حصل ما خرج من دائر السهم مكشوفا، فلا يخلو إمّا أن يكون موضع السهم غير خارج من دائر الشنّ

١- العزيز شرح الوجيز ٢١١:١٢-٢١٢، روضة الطالبين ٥٥٢:٧.

٢- البيان ٤٠٣:٧، العزيز شرح الوجيز ٢١٢:١٢، روضة الطالبين ٥٥٢:٧.

٣- البيان ٤٠٣:٧، العزيز شرح الوجيز ٢١٢:١٢، روضة الطالبين ٥٥٢:٧.

٤- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «شيئا». و المثبت هو الصحيح.


و حاشيته، و إنّما سقط حاشية الشنّ لضعفه، فهذا يحتسب به خاسقا و إن خرمه؛ لأنّ خرمه لضعف الشنّ، لا لموضع السهم.

و الثاني(١): أن يكون خرمه لوقوع السهم في الحاشية، و يدخل بعض دائر السهم في الشنّ و يخرج بعض دائره من الشنّ، ففي الاعتداد به خاسقا قولان:

أحدهما: لا يعدّ خاسقا؛ لأنّ اختصاصه باسم الخرم قد أزال عنه حكم الخسق؛ لأنّ الخسق ما أحاط بالمخسوق، و اختلاف الأسماء يغيّر الأحكام، و لأنّ السهم قد صار بعضه واقعا في الشنّ و بعضه خارجا من الشنّ.

و الثاني: أنّه يعدّ خاسقا؛ لأنّ الخرم زيادة على الخسق؛ لأنّ كلّ خارم خاسق، و ليس كلّ خاسق خارما، و لأنّ مقصود الخسق من الثقب في الشنّ موجود فيه.

ج: إنّه إذا كان بعضه خارجا، لم يكن خاسقا بلا خلاف، و محلّ القولين ما إذا بقيت طفية - و هي الواحدة من الخوص - أو جليدة تحيط بالنصل.

د: إنّه إذا أبان من الطرف قطعة أو لم يبنها لكان الغرض محيطا بالنصل، فهو خاسق قولا واحدا، و محلّ القولين فيما إذا خرم الطرف لا على هذا الوجه.

ه: إنّه إذا خرم الطرف لم يكن خاسقا بلا خلاف، و إنّما الخلاف فيما إذا خرم شيئا من الوسط و ثبت مكانه، و هو أبعدها(٢).٣.

١- كذا قوله: «و الثاني». و الظاهر أنّ بدله: «و إمّا».

٢- الحاوي الكبير ٢١٩:١٥-٢٢٠، العزيز شرح الوجيز ٢١٢:١٢، روضة الطالبين ٥٥٢:٧-٥٥٣.


و قال بعضهم: لو كان بين النصل و بين الطرف شيء لكنّه تشقّق و انخرم ليبوسة كانت في الشنّ أو غيرها، فهو خاسق(١).

و قيل: لو شرط مطلق الإصابة فأصاب الطرف، ففي الاحتساب به وجهان:

أحدهما: الاحتساب؛ لصدق المسمّى.

و الثاني: عدمه؛ لأنّ جميع النصل لم يصب الغرض، إنّما أصابه بعضه(٢).

مسألة ٩٥٨: لو شرطا الخواسق فرمى السهم فوقع في ثقبة قديمة و ثبت فيه،

فالوجه أن نقول: إن عرف قوّة السهم بحيث يخرق، احتسب خاسقا، و إلاّ فلا.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه لا يحتسب خاسقا؛ لأنّ النصل صادف الثقب و لم يخرق شيئا، و المشروط الخرق.

و أصحّهما: أنّه يحتسب خاسقا؛ لأنّ السهم في قوّته بحيث يخرق لو أصاب موضعا صحيحا(٣).

و ما ذكرناه من التفصيل أحقّ، فعلى ما قلناه لو أشكل الحال لم يعدّ خاسقا.

و قد ذكر الشافعي أنّ السهم لو أصاب موضع خرق في الغرض و ثبت في الهدف، كان خاسقا(٤).

١- العزيز شرح الوجيز ٢١٢:١٢، روضة الطالبين ٥٥٣:٧.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢١٢:١٢، روضة الطالبين ٥٥٣:٧.

٣- الوسيط ١٩٤:٧، الوجيز ٢٢٢:٢، العزيز شرح الوجيز ٢١٣:١٢، روضة الطالبين ٥٥٣:٧.

٤- العزيز شرح الوجيز ٢١٣:١٢، روضة الطالبين ٥٥٣:٧.


و الوجه: ذلك إن كان الهدف متّخذا من خشب أو آجر أو طين يابس يساوي الغرض في الصلابة أو يكون أصلب، و إن كان متّخذا من تراب أو طين لم يحتسب خاسقا و لا عليه؛ لأنّه لا يعلم هل يثبت لو أصاب موضعا صحيحا أو لا؟

و قال بعضهم: إنّه لا يعدّ خاسقا و إن كان في صلابة الغرض أو أصلب منه(١).

مسألة ٩٥٩: لو شرطا الخواسق فخدش النصل موضع الإصابة و خرقه

بحيث يثبت فيه مثل هذا السهم لكنّه رجع لغلظ لقيه من حصاة أو نواة، فللشافعيّة قولان، أحدهما: يحسب خاسقا، و الآخر: لا يحسب(٢).

و الوجه: التفصيل الذي قلناه في المسألة السابقة.

و الأظهر عند الشافعيّة: أنّه يحسب خاسقا؛ لظهور سبب الرجوع، فإن قلنا: لا يحسب له لم يحسب عليه، كما في باقي العوارض المانعة من الاحتساب له و عليه(٣).

مسألة ٩٦٠: اشتراط الخسق إنّما يكون في الشنّ دون الهدف،

و قد بيّنّا أنّ الشنّ هو جلد ينصب في الهدف تمدّ أطرافه بأوتاد أو خيوط تشدّ في أوتاد منصوبة في الهدف، و ربما كان ملصقا بحائط الهدف، و ربما كان بعيدا منه نحو شبر أو ذراع، و هو أبعد ما ينصب، و خسق الشنّ إذا كان بعيدا من الهدف أوضح منه إذا كان ملصقا به.

فأمّا إذا رمى في الشنّ و هو ملصق بالهدف فأصاب الشنّ ثمّ سقط و الإصابة خسق فزعم الرامي أنّه خسق و لقي غلظا في الهدف من حصاة أو نواة فرجع و هو خاسق، و زعم صاحبه أنّه إنّما قرع فسقط و لم يخسق،

١- العزيز شرح الوجيز ٢١٣:١٢، روضة الطالبين ٥٥٣:٧.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢١٣:١٢، روضة الطالبين ٥٥٣:٧.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢١٣:١٢، روضة الطالبين ٥٥٣:٧.


فالأحوال ثلاثة:

الأوّل: أن يعرف صدق الرامي بأن يعرف موضع خسقه و يرى الغلظ من ورائه، فالقول قوله بغير يمين؛ لشهادة الحال بصدقه.

الثاني: أن يعلم صدق غريمه إمّا بأن لا يرى في الشنّ خسقا، و إمّا بأن لا يرى في الهدف غلظا، فيقدّم قوله بغير يمين؛ لأنّ الحال تشهد بصدقه.

الثالث: أن يحتمل صدق كلّ واحد بأن يكون في الشنّ خواسق و خروق و لم يعرف موضع الإصابة و في الهدف غلظ و أشكلت الإصابة هل كانت في مقابلة الغلظ أو لا؟ فإن كان هناك بيّنة، فالتعويل عليها، و إلاّ قدّم قول المنكر مع يمينه؛ لأصالة عدم الخسق، و لا يحتسب به مصيبا.

و في احتسابه مخطئا وجهان:

أحدهما: يحتسب به مخطئا؛ لتردّد الرمي بين الصواب و الخطأ، و قد انتفى الصواب فيثبت الخطأ.

و الثاني: لا يحتسب مخطئا؛ لأنّ الإصابة لا تحتسب إلاّ مع اليقين فكذا الخطأ.

فإن نكل المنكر عن اليمين، أحلف الرامي المدّعي، فإذا حلف احتسبت إصابته.

و كذا الحكم لو عيّن الرامي موضعا و قال: هذا الخرق حصل بسهمي، و أنكر صاحبه.

تذنيب: لو مرق السهم و ثبت في الهدف و على النصل قطعة من الغرض، فقال الرامي: هذه القطعة أبانها سهمي بقوّته و ذهب بها، و قال الآخر: بل كانت القطعة بائنة من قبل فتعلّقت بالسهم، فالقول قول الآخر؛

لأنّ الأصل أن لا خسق.

هذا إذا لم نجعل الثبوت في الهدف كالثبوت في الغرض، فإن أقمناه مقامه، فلا معنى لهذا الاختلاف.

مسألة ٩٦١: إذا شرطا المبادرة و عقدا المناضلة و جعلا المال لمن سبق إلى إصابة عشرة من مائة

فيكون الرشق مائة و الإصابة المشروطة منها عشرة، فأيّهما بدر إلى إصابتها من أقلّ العددين فقد نضل صاحبه و سقط رمي الرشق، و إن تكافئا في الإصابة من عدد متساو، سقط الباقي، و ليس بينهما تناضل.

و لو تناضلا فرمى كلّ واحد منهما خمسين فأصاب أحدهما عشرة و أصاب الآخر تسعة، أو لم يصب شيئا، فالأوّل ناضل قطعا يستحقّ المال.

و الأقرب: أنّه لا يلزمه إتمام العمل - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(١) - لأنّه قد تمّم العمل الذي تعلّق به الاستحقاق، فلا معنى لإلزام عمل بعد ذلك.

و الثاني: يلزم؛ لينتفع صاحبه بمشاهدة رميه و يتعلّم منه(٢).

و لو شرطا المال لمن سبق إلى إصابة خمسة من عشرين، فرمى أحدهما عشرة فأصاب خمسة و رمى الآخر عشرة فأصاب ثلاثة، فالأوّل ناضل، و في لزوم إتمام العمل الوجهان(٣).

مسألة ٩٦٢: لو تناضلا و شرطا المحاطّة و شرطا المال لمن خلص له عشرة من مائة،

فرمى كلّ واحد منهما خمسين فأصاب أحدهما في خمسة عشر و الآخر في خمسة، فقد خلص للأوّل عشرة، فلا يستحقّ الأوّل المال

١- العزيز شرح الوجيز ٢١٤:١٢، روضة الطالبين ٥٥٤:٧.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢١٤:١٢، روضة الطالبين ٥٥٤:٧.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢١٤:١٢، روضة الطالبين ٥٥٤:٧.


قبل إتمام العمل؛ لأنّ الاستحقاق مشروط بخلوص عشرة من مائة، و قد يصيب الآخر فيما بقي بقدر ما يمنع خلوص العشرة من المائة للأوّل، بخلاف شرط المبادرة، فإنّ الإصابة من بعد لا ترفع ابتدار الأوّل إلى ذلك العدد، و هذا أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه لا يتوقّف استحقاق المال على إتمام العمل، بل يستحقّ من سبق إلى إصابة العشرة؛ لأنّهما استويا في الأرشاق و الخلوص في المحاطّة بخلوص الإصابات المشروطة في المبادرة، و كما يثبت الاستحقاق هناك قبل استكمال العمل يثبت هنا(١).

و قد بيّنّا الفرق.

فإن قلنا: لا يستحقّ المال ما لم يكمل الأرشاق، فلا بدّ من إتمامها، و إن قلنا بالاستحقاق و قلنا: لا حطّ بعد خلوص العدد المشروط، فهل للآخر أن يكلّفه إتمام العمل ؟ فيه الوجهان المذكوران في المبادرة(٢).

مسألة ٩٦٣: لو شرطا المحاطّة و رميا بعض العدد فأصاب أحدهما القدر المشروط دون صاحبه فسأل المنضول إكمال العدد،

أجيب مع الفائدة إمّا بأن يرجو أن يرجّح عليه أو يساويه أو يمنع الأوّل من التفرّد بالإصابة أو يمنعه من استيفاء عدد الإصابات بأن يقصر مع تمام العمل عن عدد الإصابات، و لا يجاب مع عدم الفائدة.

فلو شرطا خلوص خمس إصابات من عشرين فرمى كلّ واحد منهما خمسة عشر فأصاب أحدهما في عشرة و الآخر في ثلاثة، فإنّهما إذا أكملا العدد قد يصيب الثاني في الخمسة الباقية بأجمعها، و لا يصيب الأوّل في شيء منها فلا يخلص له عشرة.

١- العزيز شرح الوجيز ٢١٥:١٢، روضة الطالبين ٥٥٤:٧.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢١٥:١٢، روضة الطالبين ٥٥٤:٧.


أمّا لو أصاب أحدهما عشرة من خمسة عشر و لم يصب الثاني شيئا منها، فلا يرجو الثاني مساواة الأوّل، و لا يمنعه من التفرّد بالإصابة؛ لأنّهما لو أكملا الأرشاق و أخطأ الأوّل في جميع الباقي و أصاب الثاني في جميعه، حصل للأوّل عشرة، و للثاني خمسة، فيتحاطّان خمسة بخمسة، و يبقى للأوّل خمسة خالصة فيفوز بالإصابة فلا يلزمه إتمام الأرشاق، و هو الأظهر من قولي الشافعيّة، و الثاني: إنّه يجاب إلى الإتمام، كما تقدّم في المبادرة(١).

مسألة ٩٦٤: لو تناضلا مبادرة و شرطا المال لمن خلص له عشرة من مائة،

فرمى أحدهما خمسين و أصاب عشرة و رمى الآخر تسعة و أربعين و أصاب تسعة، لم يكن الأوّل ناضلا، بل يرمي الثاني سهما آخر، فإن أصاب فقد تساويا، و لا يثبت للأوّل استحقاق المال.

و لو أصاب الأوّل من خمسين في عشرة و أصاب الثاني من تسعة و أربعين في ثمانية، فالأوّل ناضل؛ لأنّ الثاني لو أصاب الرمية الباقية لم يساو الأوّل.

و قد ظهر بهاتين الصورتين أنّ استحقاق المال لا يحصل بمجرّد المبادرة إلى العدد المذكور، بل يعتبر مع المبادرة مساواتهما في عدد الأرشاق، أو عجز الثاني عن المساواة في الإصابة و إن صار مساويا له في عدد الأرشاق.

و لو رميا و شرطا المحاطّة و عدد الإصابة عشرة من خمسين، فأصاب أحدهما العشرة من الخمسين، و رمى الآخر تسعة و أربعين و لم يصب في شيء منها، فله أن يرمي السهم الآخر؛ لأنّه ربما أصاب فيه، فيتحاطّان في

١- العزيز شرح الوجيز ٢١٥:١٢، روضة الطالبين ٥٥٤:٧.


السهم الذي أصاباه، و يتخلّف للأوّل تسعة، فيبطل خلوص عشر إصابات له.

مسألة ٩٦٥: إذا قال له: ارم خمسة عنّي و خمسة عن نفسك فإن أصبت في خمستك أو كان الصواب في خمستك أكثر فلك كذا،

أو قال:

ارم عشرة، واحدة عنّي و واحدة عنك إلى آخر العشرة، فإن كانت إصابتك فيما رميت عن نفسك أكثر فلك كذا، لم يجز - و به قال الشافعي في الأمّ(١) - لأنّه يكون مناضلا لنفسه، و النضال لا يكون إلاّ بين اثنين و أكثر، و يمتنع في الشخص مع نفسه؛ لأنّه يجتهد في الصواب في حقّ نفسه و يقصّر في حقّ صاحبه، و لأنّ المناضلة عقد من العقود، فلا يجري إلاّ بين اثنين، كالبيع و شبهه، و لأنّه ناضل على خطئه بصوابه بقوله: «إن كان صوابك أكثر من خطئك» و الخطأ لا يناضل عليه و لا به.

و لو قال: ارم عشرة فإن كان صوابك فيها أكثر فلك كذا، فإن قصد الجعالة جاز، و إن قصد مناضلة نفسه لم يجز؛ لما تقدّم من الوجوه، و لأنّه بذل العوض في مقابلة مجهول؛ لأنّ الأكثر لا ينضبط.

و اختلفت الشافعيّة، فبعضهم منع مطلقا؛ لأنّه قد ناضل نفسه، و بعضهم جوّزه مطلقا؛ لأنّه بذل المال على عوض معلوم، و له فيه غرض ظاهر، و هو تحريضه على الرمي و مشاهدة رميه، و قالوا: إنّه ليس بنضال، و إنّما هو جعالة، و بذل المال إنّما هو في مقابلة الصواب، و الأكثر مضبوط، و هو النصف بزيادة واحدة(٢).

١- الأم ٢٣٤:٤، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٢١٦:١٢، و روضة الطالبين ٥٥٥:٧.

٢- المهذّب - للشيرازي - ٤٢٤:١، نهاية المطلب ٢٧٧:١٨، حلية العلماء ٥: -


مسألة ٩٦٦: لو جرى لفظ المناضلة بأن قال: ارم كذا و ناضل الخطأ بالصواب فإن كان الصواب أكثر فلك كذا،

أو قال: ناضل نفسك فإن كان صوابك أكثر فلك كذا، أو قال: ارم كذا فإن كان صوابك أكثر فقد نضلتني، لم يجز قولا واحدا؛ لأنّ النضال لا يجري إلاّ بين اثنين.

و اعلم أنّ المزني نقل عن الشافعي أنّه إذا قال له: ارم عشرة أرشاق فإن كان صوابك أكثر فلك كذا، لم يجز أن يناضل نفسه(١).

و اختلف أصحابه في صورة هذه المسألة على وجهين.

أحدهما: أنّ المزني حذف منها ما ذكره الشافعي في كتاب الأمّ، فقال فيه: «و لو قال: ناضل نفسك و ارم عشرة أرشاق فإن كان صوابك أكثر من خطئك فلك كذا، لم يجز؛ لأنّه يناضل نفسه» فحذف المزني قوله:

«ناضل نفسك» و أورد باقي كلامه، و حكمه على هذه الصورة باطل باتّفاق الشافعيّة.

و اختلفوا في تعليله، فقال بعضهم - و هو الظاهر من تعليل الشافعي -:

إنّه جعله مناضلا لنفسه، و قال بعضهم: إنّه ناضل على خطئه بصوابه.

و الوجه الثاني في المسألة: أنّها مقصورة على ما ذكره المزني، و لم يذكر فيه نضال نفسه، فيكون في صحّته وجهان من اختلاف العلّتين:

أحدهما: أنّه صحيح و يستحقّ ما جعل له؛ للتعليل الأوّل؛ لأنّه بذل مال على عمل لم يناضل فيه نفسه.

و الثاني: أنّه باطل؛ للتعليل الثاني: إنّه مناضل على خطئه بصوابه.

١- مختصر المزني: ٢٨٨.


و يتفرّع على هاتين المسألتين مسألة ثالثة اختلفوا فيها بأيّهما تلحق، و هو أن يقول: ناضل و ارم عشرة أرشاق فإن كان صوابك أكثر فلك كذا، فيوافق المسألة الأولى في قوله: «ناضل» و يوافق الثانية في حذف قوله:

«نفسك».

فقال بعضهم: إنّها في حكم المسألة الأولى في البطلان؛ لقوله:

«ناضل» و إنّما يكون النضال بين اثنين، فأشبه قوله: «ناضل نفسك».

و الثاني: أنّها في حكم المسألة الثانية في حمل صحّتها على وجهين من اختلاف العلّتين؛ لأنّه إذا سقط قوله: «نفسك» صار قوله: «ناضل» بمعنى «ارم على نضال» و النضال المال، فصار كالابتداء بقوله: ارم عشرة أرشاق(١).

مسألة ٩٦٧: إذا قال: ارم عشرة و ناضل الصواب بالخطأ فإن كان الصواب أكثر فلك كذا،

أو قال: ارم عشرة فإن كان صوابك أكثر فقد نضلتني، لم يجز؛ لما تقدّم، و إن قلنا بالجواز فلو رمى ستّة و أصابها أجمع، فقد ظهر استحقاقه.

و هل للشارط أن يكلّفه استكمال العشرة ؟ يحتمل العدم؛ لأنّ الاستحقاق قد حصل، فلا فائدة في الإكمال، و الثبوت؛ لأنّه علّق الاستحقاق بعشرة إصابتها أكثر.

و لو قال لمتراميين: ارميا عشرة فمن أصاب منكما خمسة فله كذا، جاز.

و لو قال أحدهما للآخر: نرمي عشرة فإن أصبت في خمسة فلك

١- الحاوي الكبير ٢٢٩:١٥-٢٣٠.


عليّ كذا، و إن أصبت فلا شيء لي عليك، جاز أيضا.

و لو قال: إن أصبت فلي عليك كذا، فالوجه: الجواز مطلقا.

و منعه الشافعيّة إلاّ بالمحلّل(١).

مسألة ٩٦٨: إذا عقد المتناضلان على إصابة معلومة من رشق معلوم،

كاشتراطهما إصابة عشرة من عشرين، فيشرعان في الرمي و يصيب كلّ واحد منهما بعض إصابته إمّا على تساو بينهما أو على تفاضل من قليل أو كثير ثمّ يستثقلان إتمام الرمي، فيقول أحدهما لصاحبه: هو ذا أرمي هذا السهم، فإن أصبت به فقد نضلتك، و إن أخطأت به فقد نضلتني، فهو باطل لا يصير به ناضلا إن أصاب و لا منضولا إن أخطأ؛ لأنّه جعل الإصابة الواحدة قائمة مقام إصابات فيبطل، و لأنّه يؤول إلى أن يصير من قلّت إصابته ناضلا و من كثرت إصابته منضولا.

فإن تفاسخا عقدهما ثمّ قال أحدهما لصاحبه أو لغيره: ارم سهمك هذا فإن أصبت به فلك درهم، جاز، و استحقّ الدرهم إن أصاب؛ لأنّه قد أجابه إلى ما سأل و التزم له بما بذل، و لأنّه تحريض في طاعة يلزم البذل عليها، كالمناضلة، و في الحقيقة إنّه بذل مال على عمل ليس بنضال؛ لأنّ النضال لا يكون إلاّ بين اثنين و أكثر.

و لو قال: ارم سهما فإن أصبت فلك كذا، و إن أخطأت فعليك كذا، قالت الشافعيّة: إنّه قمار؛ بناء على اشتراط المحلّل في مثله(٢).

مسألة ٩٦٩: لو كانوا يتناضلون فمرّ بهم إنسان فقال لمن انتهت النوبة إليه و همّ على أن يرمي: إن أصبت بهذا السهم فلك دينار،

فأصاب في ذلك

١- العزيز شرح الوجيز ٢١٦:١٢، روضة الطالبين ٥٥٥:٧.

٢- البيان ٣٩١:٧، العزيز شرح الوجيز ٢١٦:١٢، روضة الطالبين ٥٥٥:٧.


السهم، استحقّ الدينار بمقتضى الجعالة، و تكون تلك الإصابة محسوبة من المعاملة التي هو فيها.

و لو تناضل اثنان و المشروط عشر قرعات فشرط أحدهما أن يناضل بها آخر ثمّ ثالثا إلى غير ضبط حتى إذا فاز بها كان ناضلا لهم جميعا، جوّزه الشافعيّة(١).

و هو دليل على انقطاع هذه المعاملة عن مضاهاة الإجارة؛ لأنّها لو كانت بمثابتها لما استحقّ بعمل واحد مالين عن جهتين، و سبب استحقاق المال فيها الشرط، لا رجوع العمل إلى الشارط.

و قضيّة هذه القاعدة أن لا تجب أجرة المثل عند الفساد؛ لأنّ العامل لا يعمل لغيره.

مسألة ٩٧٠: إذا تناضل اثنان على إصابة عشرة من عشرين بعشرة دراهم...

إذا تناضل اثنان على إصابة عشرة من عشرين بعشرة دراهم فحضر ثالث فقال لمخرج المال: أنا شريكك في الغنم و الغرم فإن نضلت فلي نصف العشرة و إن نضلك فعليّ نصف العشرة، كان باطلا، و كذا لو قال لكلّ واحد منهما: أنا شريكك في الغنم و الغرم، فهو باطل؛ لأنّه لم يدخل في عقدهما، فلم يجز أن يكون شريكا لهما، و لأنّه يصير آخذا بغير عمل و معطيا من غير بذل.

و كذا البحث لو تسابقا.

و كذا لو أخرجا المال و بينهما محلّل، فقال أجنبيّ لأحدهما: أنا شريكك في الغنم و الغرم، لم يجز؛ لأنّ الغنم و الغرم في المناضلة مبنيّان على الرمي، و هذا الأجنبيّ لا يرمي.

١- نهاية المطلب ٢٧٨:١٨، العزيز شرح الوجيز ٢١٧:١٢، روضة الطالبين ٧: ٥٥٦.

مسألة ٩٧١: قد بيّنّا الخلاف في تفسير الحوابي،

فبعضهم فسّره بأنّه الذي يقع بين يدي الغرض ثمّ يزحف إليه فيصيبه، من قولهم: حبا الصبي إذا أخذ في التحرّك على إسته أو بطنه، و هو كالمزدلف إلاّ أنّ الحابي أضعف حركة منه(١).

و قيل: هو الذي يصيب الهدف حوالي الغرض(٢).

و قيل: هو القريب من الهدف كأنّ صاحبه يحابي و لا يريد منه إصابة الهدف(٣).

و جماعة من الفقهاء لم تجعل الحوابي صفة للسهام، و لكن قالوا:

الرمي ثلاثة أقسام: المبادرة و المحاطّة و الحوابي، و هي أن يرميا على أن يسقط الأقرب و الأشدّ الأبعد(٤).

إذا عرفت هذا، فلو شرطا احتساب القريب من الغرض نظر، فإن ذكروا حدّ القرب من ذراع أو أقلّ أو أكثر، جاز، و صار الحدّ المضبوط كالغرض، و الشنّ في وسطه كالدارة.

و إن لم يذكروا حدّ القرب، فإن كان للرّماة عادة مطّردة حمل اللفظ المطلق على القدر المعتاد عندهم، كما يحمل الدرهم عند الإطلاق على المعتاد.

١- الحاوي الكبير ٢١٤:١٥، البيان ٣٨٣:٧، العزيز شرح الوجيز ٢١٧:١٢، روضة الطالبين ٥٥٦:٧.

٢- التهذيب - للبغوي - ٨٧:٨، العزيز شرح الوجيز ٢١٧:١٢، روضة الطالبين ٧: ٥٥٦.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢١٧:١٢، روضة الطالبين ٥٥٦:٧.

٤- كما في الحاوي الكبير ٢١٤:١٥، و العزيز شرح الوجيز ٢١٧:١٢، و روضة الطالبين ٥٥٦:٧.


و إن لم تكن عادة مطّردة، فوجهان، أصحّهما عندهم: فساد العقد؛ للجهالة.

و إن قلنا بالثاني، فوجهان:

أحدهما: أنّه ينزّل على أنّ الأقرب يسقط الأبعد كيف كان.

و الثاني: أنّه ينزّل على قرب البعيد و الأقرب للأبعد، كما إذا قالوا:

نرمي عشرين رشقا على أن يسقط الأقرب الأبعد، فمن فضل له خمسة فهو ناضل، و هو صحيح، و الشرط لازم(١).

و للشافعيّة فيه خلاف، لكن الأشهر عندهم ما قلناه؛ لأنّه نوع من الرمي معتاد بين الرّماة، و هو ضرب من المحاطّة(٢).

فإن تساوت السهام قربا و بعدا، فلا ناضل و لا منضول.

و كذا لو تساوى سهمان في القرب، أحدهما لأحد الراميين، و الآخر للآخر، و كانت سائر السهام أبعد، فيسقط قريب كلّ واحد منهما بعيد الآخر [و] يتساويان(٣).

فإذا كان بين سهم أحدهما و بين الغرض قدر شبر و بين سهم الآخر و بين الغرض [شبر دون](٤) إصبع، فيسقط الثاني الأوّل، فإن رمى الأوّل بعد ذلك فوقع أقرب، أسقط ما رماه الثاني.

مسألة ٩٧٢: قد بيّنّا أنّ الحوابي قد تفسّر

بأن يحتسب بالإصابة في

١- العزيز شرح الوجيز ٢١٧:١٢-٢١٨، روضة الطالبين ٥٥٦:٧.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢١٧:١٢-٢١٨، روضة الطالبين ٥٥٦:٧.

٣- فيما عدا «ر» من النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يتساويان» بدون الواو، و في «ر»: «فيتساويان». و الظاهر ما أثبتناه.

٤- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «شبرا و». و المثبت هو الصحيح.


الشنّ و الهدف، و يسقط الأقرب إلى الشنّ ما هو أبعد من الشنّ.

و إن أصاب أحدهما الهدف على شبر من الشنّ فاحتسب به و أصاب الآخر على دون شبر [احتسب به، و](١) أسقط إصابة الشبر؛ لأنّها أبعد.

و لو أصاب أحدهما خارج الشنّ و احتسب به و أصاب الآخر في الشنّ، احتسب به، و أسقط إصابة خارج الشنّ.

و لو أصاب أحدهما الشنّ و احتسب به و أصاب الآخر الدائرة التي في الشنّ، احتسب به، و أسقط إصابة الشنّ.

و لو أصاب أحدهما الدائرة التي في الشنّ فاحتسب به، و أصاب الآخر العظم الذي في دائرة الشنّ، احتسب به، و أسقط إصابة الدائرة، فيكون كلّ قريب مسقطا لما هو أبعد منه.

و هذا نوع من الرمي قد اختلف الفقهاء في جوازه، و الأصحّ: الجواز؛ لأنّه نوع معهود من الرمي، فأشبه المحاطّة و المبادرة، و لأنّه أبعث على الحذق فصحّ.

و منع منه بعضهم؛ لضيقه و كثرة خطره؛ لأنّه يسقط الإصابة بعد إثباتها(٢).

فإذا ثبت الجواز فلو كان عقدهما على إصابة خمس من عشرين، فالأحوال ثلاثة:

أ: أن يقصر كلّ واحد منهما عن عدد الإصابة، فيصيب أقلّ من خمسة، فيرتفع حكم العقد بنقصان الإصابة عن العدد المشروط من غير أن يكون فيهما ناضل و منضول، و لا اعتبار بالقرب و البعد مع نقصان العدد.٥.

١- ما بين المعقوفين أثبتناه من الحاوي الكبير ٢١٤:١٥.

٢- الحاوي الكبير ٢١٥:١٥.


ب: أن يستوفيا معا عدد الإصابة، فيصيب كلّ واحد منهما خمسة فصاعدا، فيعتبر حينئذ حال القرب و البعد، فإنّهما لا يخلوان فيهما من أربعة أقسام:

أحدها: أن تكون الإصابات في الهدف و قد تساوت في القرب من الشنّ، و ليس بعضها أقرب إليه من بعض، فقد تكافئا، و ليس فيهما ناضل و لا منضول.

و كذا لو تقدّم لكلّ واحد منهما سهم كان أقرب إلى الشنّ من باقي سهامه و تساوى السهمان المتقدّمان في القرب من الشنّ، كانا سواء لا ناضل فيهما و لا منضول.

و إن تقدّم لأحدهما سهم و للآخر سهمان و تساوت السهام الثلاثة في قربها من الشنّ، فوجهان:

أحدهما: أنّ المتقرّب بسهمين ناضل للمتقرّب بسهم؛ لفضله في العدد.

و الثاني: أنّهما سواء لا ناضل فيهما و لا منضول؛ لأنّ نضال الحواب موضوع على القرب دون زيادة العدد.

و القسم الثاني: أن تكون سهام أحدهما أقرب إلى الشنّ من سهام الآخر، فأقربهما إلى الشنّ هو الناضل، و أبعدهما منه هو المنضول.

و كذا لو تقدّم لأحدهما سهم واحد و كان أقرب إلى الشنّ من جميع سهام الآخر، أسقط به صاحبه، و لم يسقط به سهام نفسه، و كان هو الناضل بسهمه الأقرب.

القسم الثالث: أن تكون سهام أحدهما في الهدف و سهام الآخر في الشنّ، فيكون المصيب في الشنّ هو الناضل، و في الهدف هو المنضول.

و كذا لو كان لأحدهما سهم واحد في الشنّ و سهام الآخر جميعها خارجة عن الشنّ، كان المصيب في الشنّ هو الناضل بسهمه الواحد، و قد أسقط به سهام صاحبه [و لم يسقط به سهام نفسه و إن كانت أبعد إلى الشنّ من سهام صاحبه](١).

القسم الرابع: أن تكون سهامهما جميعا صائبة في الشنّ لكن سهام أحدهما أو بعضها في الدائرة و سهام الآخر خارجة عن الدائرة.

و إن كان جميعها في الشنّ، ففيه وجهان:

أحدهما - و حكاه الشافعي عن بعض الرّماة(٢) -: أنّ المصيب في الدائرة ناضل، و المصيب خارج الدائرة منضول؛ لأنّه [قطب](٣) الإصابة.

و الثاني: أنّهما سواء، و ليس منهما ناضل و لا منضول؛ لأنّ جميع الشنّ محلّ للإصابة، و اختاره الشافعي(٤).

ج: أن يستوفي أحدهما إصابة الخمس [و يقصر](٥) الآخر فيها، فهو على ضربين:

أحدهما: أن يكون المستوفي لإصابة الخمس أقرب سهاما إلى الشنّ أو مساويا لصاحبه، فيكون ناضلا و المقصر منضولا.

و الثاني: أن يكون المقصر في إصابة الخمس أقرب سهاما من٥.

١- ما بين المعقوفين أثبتناه من الحاوي الكبير ٢١٦:١٥.

٢- الحاوي الكبير ٢١٦:١٥.

٣- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فضلت». و المثبت كما في الحاوي الكبير ٢١٦:١٥.

٤- الحاوي الكبير ٢١٦:١٥.

٥- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «في نقص». و المثبت يقتضيه السياق و كما في الحاوي الكبير ٢١٦:١٥.


المستوفي، فليس فيهما ناضل و لا منضول؛ لأنّ المستوفي قد سقطت سهامه ببعدها، و المقصر قد سقطت سهامه بنقصانها.

مسألة ٩٧٣: لو وقع سهم أحدهما قريبا من الغرض و رمى الآخر خمسة أسهم فوقعت أبعد من ذلك السهم...

لو وقع سهم أحدهما قريبا من الغرض و رمى الآخر خمسة أسهم فوقعت أبعد من ذلك السهم ثمّ عاد الأوّل فرمى سهما فوقع أبعد من الخمسة، سقط ذلك السهم بالخمسة، و سقطت الخمسة بالأوّل.

و لو رمى أحدهما خمسة فوقعت قريبة من الغرض و بعضها أقرب من بعض و رمى الثاني فوقعت أبعد من خمسة الأوّل، سقطت خمسة الثاني بخمسة الأوّل، و لا يسقط من خمسة الأوّل شيء و إن تفاوتت في القرب؛ لأنّ قريب كلّ واحد يسقط بعيد الآخر و لا يسقط بعيد نفسه، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يسقط بعيد نفسه؛ كما يسقط بعيد غيره، و هو عادة الرّماة(١).

و لو وقع سهم أحدهما بقرب الغرض و أصاب سهم الآخر الغرض، فالثاني يسقط الأوّل، كما يسقط الأقرب الأبعد، و هو المنقول عن أكثر الشافعيّة(٢).

و قال بعضهم: ينبغي أن ينظر إلى لفظ الشرط في العقد، إن كان الشرط إسقاط الأسدّ أو الأصوب غيره، فهذا ظاهر.

و كذا إن كان الشرط [إسقاط الأقرب الأبعد، على معنى الأقرب إلى الصواب.

فأمّا إذا كان الشرط](٣) إسقاط الأقرب إلى الغرض الأبعد عنه، فينبغي

١- العزيز شرح الوجيز ٢١٨:١٢، روضة الطالبين ٥٥٧:٧.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢١٨:١٢، روضة الطالبين ٥٥٧:٧.

٣- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز ٢١٨:١٢، و روضة الطالبين ٧: ٥٥٧.


أن يتساويا؛ لأنّ الموصوف بأنّه أقرب إلى الغرض أو أبعد عنه ينبغي أن يكون خارجا عنه و هما جميعا في الغرض.

و إذا أصاب أحدهما الرقعة في وسط الغرض و الآخر الغرض خارج الرقعة أو أصابا خارج الرقعة و أحدهما أقرب إليها، قال بعض الرّماة: إنّ الذي أصاب الرقعة أو هو أقرب إليها يسقط الآخر.

و قال بعض الفقهاء(١): إنّهما سواء، و إنّما يسقط القريب البعيد إذا كانا خارجين من الشنّ(٢).

قال الشافعي: و من الرّماة من يقول: القريب الذي يسقط البعيد هو الساقط، و هو السهم الذي يقع بين يدي الغرض، و العاضد، و هو الذي يقع في جانب اليمين أو اليسار دون الخارج، و هو الذي يجاوزه و يقع فوقه.

قال: و القياس عندي أنّه لا فرق؛ لوقوع اسم القريب على الجميع(٣).

و قال الجويني: إذا شرطوا احتساب القريب من الغرض، فالاعتبار بموضع ثبوت السهم و استقراره، لا بحالة المرور حتى لو قرب مروره من الغرض و وقع بعيدا منه لم يحتسب إلاّ إذا شرطوا اعتبار حالة المرور.

و لو شرطوا إسقاط مركز القرطاس ما حواليه، احتمل الجواز؛ للأصل، و لأنّ فيه التحريض على الحذق، و المنع؛ لأنّ وسط القرطاس يتعذّر قصده، و قد يصيبه الأخرق اتّفاقا(٢).

مسألة ٩٧٤: إذا وقع السهم متباعدا عن الغرض تباعدا مفرطا

إمّا مع

١- هو الشافعي كما في المصدر. (٢الى٣) العزيز شرح الوجيز ٢١٨:١٢، روضة الطالبين ٥٥٧:٧.

٢- نهاية المطلب ٢٦٥:١٨-٢٦٦ و ٢٨٨، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٢١٨:١٢ - ٢١٩، و روضة الطالبين ٥٥٧:٧.


قصوره عن الغرض أو مع مجاوزته عنه، نظر فإن كان ذلك لسوء الرمي فهو محسوب على الرامي، و لا يردّ السهم إليه ليرميه مرّة أخرى، و إن كان لنكبة عرضت أو خلل في آلة الرمي من غير تقصير من الرامي فذلك السهم غير محسوب عليه، و يوضّحه صور تأتي إن شاء اللّه تعالى.

منها: إذا عرض في مرور السهم إنسان أو بهيمة فلم يبلغ السهم، أو حدثت في يده علّة أو ريح أخلّت بالرمي، لم تحسب عليه تلك الرمية، بل يعيدها؛ لأنّ عدم الإصابة للنكبة العارضة، لا لسوء في الرمي، فيعذر.

و انقطاع الوتر و انكسار السهم و القوس إن وقع ذلك من تقصيره و سوء رميه حسبت الرمية عليه ليتعلّم، و إن كان بسبب ضعف الآلة أو بسبب غير ذلك لا بسبب تقصيره و إساءته، فهو كما لو عرضت دابّة أو نحوها، فلا تحسب الرمية عليه.

و كذا لو حدثت في يده علّة أو ريح أخلّت بالرمي.

و قيل: إن وقع السهم عند إحدى هذه العوارض قريبا من الغرض، حسبت الرمية عليه؛ لأنّه وقع في حدّ غير بعيد من الإصابة، و كأنّ النكبة لم تؤثّر(١).

و خصّص أكثر الشافعيّة هذا الوجه بما إذا وقع السهم مجاوزا للغرض، و جعلوا المجاوزة مشعرة بأنّ النكبة لم تؤثّر، و سبب المجاوزة إساءة الرمي(٢).

و أجابوا عنه: بأنّ الإخلال يؤثّر في التقصير تارة، و في الإسراف٧.

١- نهاية المطلب ٢٥٩:١٨، العزيز شرح الوجيز ٢٢٠:١٢، روضة الطالبين ٧: ٥٥٨.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٢٠:١٢، روضة الطالبين ٥٥٨:٧.

أخرى، فإن قلنا بالاحتساب عليه، فلا شكّ أنّه لو أصاب يحتسب السهم له، و إن قلنا: لا يحتسب عليه، فلو أصاب حسب له - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة - لأنّ الإصابة مع النكبة تدلّ على جودة الرمي و قوّته.

و الثاني: لا يحسب له كما لا يحسب عليه، و لأنّ الإصابة مع انكسار الآلة قد تعدّ اتّفاقيّة(١).

و قال بعضهم: إنّ الانقطاع و الانكسار إنّما يؤثّر حدوثهما قبل خروج السهم من القوس، و أمّا بعده فلا أثر له(٢).

مسألة ٩٧٥: لو انكسر السهم بنصفين من غير تقصير من الرامي فأصاب أحد النصفين الغرض إصابة شديدة،

فإن قلنا: الإصابة مع النكبة تحسب - و هو الأقوى عندنا - فبأيّ النصفين يعتدّ؟ الأقرب: أنّ الاعتداد بالنصف الذي فيه الفوق، فإذا أصاب بمقطعه حسب له، و لا عبرة بالنصف الذي فيه النصل؛ لأنّه لم يبق فيه تحامل الوتر و اعتماده المقروع، فالمؤثّر إنّما هو النصف الذي فيه الفوق، و هو أحد قولي الشافعيّة، و الثاني: أنّ الاعتداد بالنصف الذي فيه النصل، فإن أصاب بالنصل حسب له؛ لأنّ اشتداده مع الانكسار يدلّ على جودة الرمي و غاية الحذق فيه، و النصف الذي فيه الفوق لا اعتداد به، كما إذا لم يكن انكسار(٣).

و لو أصاب بهما، قيل: [لم](١) يحسب إصابتين، و كذا لو رمى سهمين دفعة واحدة فأصاب بهما [لم](٢) يحسب له إصابتان(٣).

١- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٢- ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٢١:١٢، روضة الطالبين ٥٥٨:٧.


و لو رمى إلى غير الجهة التي فيها الهدف، فهو اشتغال منه بأمر آخر غير النضال الذي وقع العقد عليه، فلا يحسب عليه.

مسألة ٩٧٦: لو كان في الغرض سهم فأصاب سهمه فوق ذلك السهم،

و قد عرفت أنّ فوق السهم هو الجزء الذي يدخل فيه الوتر، فللسهم الثابت في الهدف حالتان:

إحداهما: أن يدخل منه في الهدف قدر نصله و يكون باقي طوله خارجا، فلا يحتسب بهذا السهم لا مخطئا و لا مصيبا؛ لأنّه لم يبلغ الهدف فصار مقصّرا فلم يعتد به مصيبا، و قد منعه حائل فلم يصر مخطئا، و لو شقّه و أصاب الغرض حسب له.

و الحالة الثانية: أن يكون السهم الثابت في الهدف قد دخل جميعه حتى غاص و لم يظهر منه إلاّ موضع فوقه فوقع عليه هذا السهم فينظر في الإصابة، فإن كانت قرعا احتسب بهذا السهم مصيبا؛ لوصول السهم إلى محلّ الإصابة من الهدف، و إن كانت الإصابة خسقا لم يحتسب به مصيبا و لا مخطئا إلاّ أن يثبت نصله في فوق ذلك السهم، فيحتسب به مصيبا في الخسق؛ لأنّ ما خسق الخشب و ثبت فيه أولى أن يخسق الشنّ و يثبت فيه، و هو أحسن أنواع الإصابات، و يمدح به الشعراء في شعرهم، فقيل:

يصيب ببعضها أفواق بعض فلو لا الكسر لا اتّصلت قضيبا(١)

و ينبغي أن ينظر إلى ثبوته فيه، و أن يقاس صلابة ذلك السهم بصلابة الغرض.

مسألة ٩٧٧: إذا انكسر السهم بعد خروجه عن القوس،

فالأحوال فيه خمسة:

١- البيت لأبي الطيّب المتنبّي، راجع ديوانه: ١٧٠.

أ: أن يسقط عادلا عن الهدف، فلا يحسب عليه من الخطأ؛ لأنّه من فساد السهم، لا من سوء الرمي.

ب: أن يصيب بعرض السهم فيردّ عليه، و لا يحتسب به مصيبا و لا مخطئا؛ لأنّه أصابه بغير محلّ الإصابة.

ج: أن تكون الإصابة بكسر القدح دون النصل، فيردّ و لا يحتسب؛ لما ذكرنا.

د: أن يصيب بكسر النصل، ينظر فإن كانت الإصابة بكسر(١) النصل بالطرف الذي فيه حديدة النصل، احتسب به مصيبا؛ لأنّه أصاب بمحلّ الإصابة، و إن أصاب منه بالطرف الآخر المتّصل بقدح الفوق، لم يحتسب به مصيبا و لا مخطئا؛ لأنّه أصاب بغير محلّ الإصابة.

ه: أن يصيب بالكسرين معا، فلا يحتسب بكسر القدح، و يكون الاحتساب بكسر النصل معتبرا بما ذكرنا: إن كان بطرف الحديدة كان مصيبا، و إن كان بالطرف الآخر كان مردودا.

مسألة ٩٧٨: لو أغرق الرامي و بالغ في النزع حتى دخل النصل مقبض القوس و وقع السهم عنده،

فالوجه: أنّه يحتسب عليه؛ لأنّ النزع ينبغي أن يكون بقدر الحاجة، فالزيادة إساءة.

و قال الشافعي: إنّه ملحق بانكسار القوس و انقطاع الوتر و سائر العوارض؛ لأنّ سوء الرمي أن يقصد شيئا فلا يصيبه، و لم يتحقّق هذا المعنى هنا، و إنّما ترك التحفّظ في النزع(٢).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ السهم إن لم يبلغ مدى الغرض لم يحسب

١- في «د، ص»: «من كسر» بدل «بكسر».

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٢١:١٢، روضة الطالبين ٥٥٩:٧.


عليه، و إن أصاب المدى و لم يصب حسب عليه(١).

مسألة ٩٧٩: قد بيّنّا أنّ الريح الليّنة لا تؤثّر حتى لو رمى زائلا عن المسامتة فردّته الريح أو رمى رميا ضعيفا فقوّته و أصاب،

حسب له، و إن [صرفته](٢) عن السمت بعض الصرف فأخطأ، حسب عليه؛ لأنّ الجوّ لا يخلو عن الريح الخفيفة غالبا، و لضعف تأثيرها في السهم على سرعة ممرّه، فلا اعتداد بها.

و هنا للشافعيّة وجهان آخران:

أحدهما: أنّها تمنع الاحتساب عليه إذا أخطأ.

و الثاني: أنّها كالعاصفة تمنع الاحتساب له و عليه(٣).

و ان كانت الريح عاصفة و اقترنت بابتداء الرمي، قال الشافعي: إنّها لا تؤثّر؛ لأنّ ابتداء الرمي و الريح تهبّ عاصفة تقصير، و لأنّ للرّماة حذقا و نظرا في الرمي في وقت هبوب الريح ليصيبوا، فإذا أخطأ فقد ترك ذلك النظر و ظهر سوء رميه(٤).

و لأصحابه وجه آخر: أنّها تمنع الاحتساب له إن أصاب، و عليه إن أخطأ؛ لقوّة تأثيرها، و لذلك يجوز لكلّ واحد منهما تأخير الرمي إلى أن تسكن، بخلاف الليّنة(٥).

و لو هجم هبوبها بعد خروج السهم من القوس، فقضيّة الترتيب الذي قلناه أن يقال: إن جعلنا اقترانها مؤثّرا فهجومها أولى بالتأثير، و إلاّ فوجهان:

١- العزيز شرح الوجيز ٢٢١:١٢، روضة الطالبين ٥٥٩:٧.

٢- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «صرفه». و الظاهر ما أثبتناه.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٢١:١٢، روضة الطالبين ٥٥٩:٧.

٤- العزيز شرح الوجيز ٢٢١:١٢-٢٢٢، روضة الطالبين ٥٥٩:٧.

٥- العزيز شرح الوجيز ٢٢٢:١٢، روضة الطالبين ٥٥٩:٧.


أحدهما: أنّها كالنكبات العارضة.

و الثاني: المنع؛ لأنّ الجوّ لا يخلو عن الريح(١).

و لو فتح هذا الباب لطال النزاع و تعلّل المخطئ به.

و الظاهر أنّه إن أخطأ عند هجوم الهبوب لم يحسب عليه، و إن أصاب احتمل أن يحسب له، و عدمه.

و قال بعض الشافعيّة: الخلاف هنا فيما إذا أصاب كالخلاف في المزدلف إذا أصاب(٢).

و قال آخرون: إنّه لا يحتسب له هنا، و يحتسب في المزدلف، و الفرق: إنّ المزدلف أصاب الغرض بحدّة الرمي، و مع الريح العاصفة لا يعلم أنّه أصاب برميه أم لا(٣).

و لو هبّت الريح و نقلت الغرض إلى موضع آخر فأصاب السهم الموضع المنتقل عنه، حسب له إن كان الشرط الإصابة.

و قال بعض الشافعيّة: لا يحتسب له؛ لأنّ المرميّ إليه قد زال(٤).

و ليس بجيّد.

و إن كان الشرط الخسق، فإن تساوت صلابة الموضع و صلابة الغرض أو زادت صلابة الموضع و خسق حسب له، و إلاّ فلا.

و لو أصاب الغرض في الموضع المنتقل إليه، حسب عليه لا له.

مسألة ٩٨٠: الخلاف في عقد المناضلة هل هو لازم كالإجارة،

أو جائز كالجعالة ؟ كالخلاف الذي تقدّم(٢) في المسابقة، فإن قلنا: إنّه لازم،

١- ورد الوجهان في العزيز شرح الوجيز ٢٢٢:١٢، و روضة الطالبين ٥٥٩:٧.

(٢الى٤) العزيز شرح الوجيز ٢٢٢:١٢، روضة الطالبين ٥٥٩:٧.

٢- في ص ٢٨، المسألة ٨٩٣.


انفسخ بموت الرامي، و ينزّل موته منزلة موت الأجير المعيّن.

و لو مرض أحدهما أو أصابه رمد، لم ينفسخ العقد، و يؤخّر الرمي.

و تنفسخ المسابقة يموت الفرس؛ لأنّ التعويل فيها على الفرس، و لا تنفسخ بموت الفارس، بل يقوم الوارث مقامه.

و يحتمل الفسخ؛ لأنّ للفارس أثرا ظاهرا في العقد، و إلزام الوارث عمل المسابقة بعيد.

و لا يجوز لهما إلحاق الزيادة بعدد الأرشاق و لا عدد الإصابات، فإن أرادا ذلك فسخا العقد و جدّدا عقدا آخر.

و ليس للمناضل أن يترك النضال و يجلس، بل يلتزم به، كمن استؤجر لبناء و شبهه، و لو أصرّ حبس و عزّر.

هذا إذا كان منضولا أو كان ناضلا و توقّع صاحبه مساواته أو نقصه(١) ، أمّا إذا لم يتوقّع ذلك، كما إذا شرطا إصابة خمسة من عشرين فأصاب أحدهما خمسة و الآخر واحدا و لم يبق لهما إلاّ رميتان، فلصاحب الخمسة أن يجلس و يترك الباقي.

و إن قلنا: إنّه جائز، جاز أن يلحق به الزيادة في عدد الأرشاق و الإصابات و المال بالتراضي، و هو المشهور من وجهي الشافعيّة(٢) ، و الثاني: المنع؛ تخريجا من الخلاف في جواز إلحاق الزيادة بالثمن٧.

١- كذا قوله: «و توقّع صاحبه مساواته أو نقصه» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و العبارة في العزيز شرح الوجيز ٢٢٣:١٢، و روضة الطالبين ٥٦٠:٧ هكذا: «و توقّع صاحبه أن يدركه فيساويه أو يفضله».

٢- نهاية المطلب ٢٧٣:١٨-٢٧٤، الوسيط ١٩٨:٧، الوجيز ٢٢٣:٢، العزيز شرح الوجيز ٢٢٣:١٢، روضة الطالبين ٥٦٠:٧.


و المثمن في زمان الخيار و مكانه(١).

و هل يستبدّ أحدهما بالزيادة ؟ الأقرب: نعم، لكن إن لم يرض صاحبه بالزيادة فسخ العقد؛ لجوازه، و هو أحد وجوه الشافعيّة، و الثاني:

المنع؛ تخريجا على أنّه لا بدّ في العقد من القبول و إن كان جائزا كالجعالة، و إذا شرط القبول في ابتداء العقد وجب اشتراطه في الزيادة، و الثالث: أنّه ليس للمنضول إلحاق الزيادة لئلاّ يجعل ذلك ذريعة إلى الدفع، فلا يتمّ النضال، و إن كان ناضلا أو مساويا فله ذلك(٢).

إذا عرفت هذا، فبم يصير منضولا؟ قيل: متى زاد صاحبه بإصابة واحدة فهو منضول(٣) ، و قيل: لا يكفي ذلك و إنّما يصير منضولا إذا قرب صاحبه من الفوز و الاستيلاء(٤).

و في الجعالة إذا زاد الجاعل في العمل كان متّهما كالمنضول، ففي زيادته الخلاف، فإن لم تلحق الزيادة [بها](٥) فذاك، و إن ألحقناها و قد عمل العامل بعض العمل و لم يرض بالزيادة، يفسخ العقد.

و الوجه: أن تثبت له أجرة المثل؛ لأنّ الترك بسبب الزيادة، بخلاف٠.

١- نهاية المطلب ٢٧٣:١٨-٢٧٤، العزيز شرح الوجيز ٢٢٣:١٢، روضة الطالبين ٥٦٠:٧.

٢- نهاية المطلب ٢٧٤:١٨، الوسيط ١٩٨:٧، الوجيز ٢٢٣:٢، العزيز شرح الوجيز ٢٢٣:١٢، روضة الطالبين ٥٦٠:٧.

٣- نهاية المطلب ٢٧٥:١٨، العزيز شرح الوجيز ٢٢٣:١٢، روضة الطالبين ٧: ٥٦٠.

٤- نهاية المطلب ٢٧٥:١٨، العزيز شرح الوجيز ٢٢٣:١٢-٢٢٤، روضة الطالبين ٥٦٠:٧.

٥- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز ٢٢٤:١٢، و روضة الطالبين ٧: ٥٦٠.


ما إذا عمل بعض العمل و ترك الباقي بلا عذر، حيث لا يستحقّ شيئا.

و إن جوّزنا النقصان فإنّما يجوز النقصان الذي قرب من أن يغلب، دون النقصان الذي قرب من الاستيلاء، فإنّه المتّهم في النقصان بالحرص على الاستيلاء.

قال الجويني: لا ينبغي أن يشبه الحطّ و النقصان هنا بإبراء البائع عن بعض الثمن؛ لأنّ الإبراء كالاستيفاء و ليس شيئا يلتحق بالعقد، ألا ترى أنّه ينفذ بعد لزوم العقد و أنّه يجري في قيم المتلفات و في العروض، و حيث لا يتوقّع إلحاق الزوائد، و حطّ الأرشاق و القرعات ليس في هذا المعنى، فهو على التردّد المذكور في الزيادة. نعم، من شرط السّبق له لو حطّ قبل الفوز فهو كالإبراء عن الشيء قبل وجوبه، و قد ظهر سبب وجوبه(١).

مسألة ٩٨١: يجوز على القول بالجواز لكلّ واحد منهما تأخير الرمي و الإعراض عنه من غير فسخ،

و كذلك الفسخ إذا لم يكن المعرض منضولا.

و إن كان منضولا متّهما، فهل له أن يجلس و يترك النضال ؟ وجهان، و للشافعي قولان على ما ذكر في المسابقة(٢).

قال الجويني: و في جواز فسخه الخلاف الذي ذكرناه في جواز الزيادة(٣).

و يفضي الأمر إذا فرّقنا بين المنضول و غيره إلى أنّ الحكم بالجواز مطلقا مقصور على ما إذا لم يصر أحدهما منضولا، فإن صار منضولا لزم

١- نهاية المطلب ٢٧٦:١٨، و عنه أيضا في العزيز شرح الوجيز ٢٢٤:١٢.

٢- نهاية المطلب ٢٧٦:١٨، العزيز شرح الوجيز ٢٢٤:١٢، روضة الطالبين ٧: ٥٦١.

٣- نهاية المطلب ٢٧٦:١٨، و عنه أيضا في العزيز شرح الوجيز ٢٢٤:١٢، و روضة الطالبين ٥٦١:٧.


في حقّه، و بقي على الجواز في حقّ الآخر.

و الخلاف في أنّ المنضول هل ينفذ فسخه ؟ أجري في فسخ الجاعل الجعالة بعد ما أتى العامل ببعض العمل، و كانت حصّة عمله من المسمّى تزيد على أجرة المثل.

و لو شرطا في العقد أنّ لكلّ واحد منهما أن يجلس و يترك الرمي إن شاء، فسد العقد إن قلنا: إنّه لازم، و كذا إن جعلناه جائزا و قلنا: ليس للمنضول الترك و الإعراض، و إن قلنا: له ذلك، لم يضر شرطه، فإنّه مقتضى العقد.

و إن شرطا أنّ المسبق إن جلس كان عليه السّبق، فهو فاسد على القولين؛ لأنّ السبق إنّما يسوغ في العمل.

و لو كانا يتناضلان فنضل أحدهما الآخر بإصابات، فقال له المنضول:

حطّ فضلك و لك عليّ كذا، لم يجز، سواء جعلنا هذه المعاملة لازمة أو جائزة، و سواء جوّزنا إلحاق الزيادة أو لم نجوّز، فإنّ حطّ الفضل لا يقابل بالمال.

مسألة ٩٨٢: المؤمّن هو المؤتمن بين المتناضلين،

و يسمّى المشير و الموطن؛ لأنّه يشير على كلّ واحد منهما بقصد يده و مخرج سهمه و موطن موقفه، و يردّ عليه سهمه بعد رميه، و يخبر بصوابه أو خطئه، و عليه أن يعدل بين المتناضلين، و لا يميل إلى أحدهما فيجور، و لا يمدح أحدهما و يذمّ الآخر، بل يكون إمّا مادحا لهما أو ساكتا عنهما، و يعجّل ردّ سهم كلّ واحد منهما إليه، و لا يحبسه عنه فينسى حسن صنيعه، فإن خالف بالميل على أحدهما منع؛ لإضراره به.

و لو ساوى بينهما في إكثار الكلام و إطالته و حبس السهم في إعادته،

صار مضرّا بهما معا، و أمر بإقلال الكلام و تعجيل السهام؛ لأنّ كثرة كلامه مدهش، فإن كفّ و إلاّ استبدل به غيره ممّن يرتضيه المتناضلان، فإن اختلفا اختار الحاكم لهما مؤتمنا.

و كذا لو كان الكلام من أحد المتناضلين مدحا لنفسه بالإصابة و ذمّا لصاحبه بالخطأ، كفّ و منع، فإن أقام عليه و لم يقلع عنه عزّر، و لم يستبدل به؛ لتعيينه في العقد الذي لا يقوم غيره فيه مقامه.

و بالجملة، إذا طوّل أحد المتراميين الكلام بالتبجّح و الافتخار إذا أصاب أو بالتعنيف لصاحبه إذا أخطأ، منع منه.

و لو كلّم أحدهما إنسان، قيل له: أجب جوابا وسطا و لا تطوّل و لا تحبس القوم.

مسألة ٩٨٣: ينبغي أن يكون الراميان على اقتصاد في التثبّت من غير إبطاء و لا إعجال،

فإن طوّل أحدهما بعد أن تقدّم رمي صاحبه على الاقتصاد و تعلّل بعد ما رمى صاحبه بمسح القوس و الوتر و أخذ النبل بعد النبل و النظر فيه، قيل له: ارم لا مستعجلا و لا مبطئا؛ لأنّه قد يتعلّل لخطئه و قد يصيب صاحبه فيؤخّر لتبرد يده أو ينسى نهج الصواب.

و إن طوّل لتبرد يد صاحبه في السهم الذي رمى به فنسي صنيعه إن أصاب فلا يستنّ بصوابه أو أخطأ فلا يعدل عن سنّته في خطئه، فإن أمسك صاحبه عن الاستعتاب، ترك هذا المتباطئ على حاله، و إن استعتب وشكا، قيل للمتباطئ: ليس لك أن تضرّ بصاحبك في الإبطاء، كما ليس لصاحبك أن يضرّ بك في الإعجال، وعد إلى القصد في تثبّتك غير متباطئ و لا معجّل.

فإن قال: هذه عادتي لا أقدر على فراقها قطّ، فإن كان ذلك معروفا

منه، قيل لصاحبه: لا سبيل إلى تكليفه غير عادته و هو عيب فيه، أنت لأجله بالخيار بين مناضلته أو فسخه، و إن كان معروفا بخلاف ما ادّعاه، لم تقبل دعواه، و أخذ بالاعتدال في قصده جبرا ما أقام على عقده.

مسألة ٩٨٤: لو شرط أحدهما على صاحبه أنّه إذا أخطأ أعيد عليه السهم و لم يحتسب به في الخطأ و يجعل كلّ خطأين خطأ واحدا،

بطل العقد.

و كذا لو شرطا أنّه إذا أصاب اعتدّ صوابه و احتسب به إصابتين، بطل أيضا؛ لأنّ هذا العقد مبنيّ على التساوي و عدم التفاضل، فاشتراط تفاضلهما فيما فيه يجب تساويهما يكون شرطا لما ينافي مقتضى العقد، فيكون باطلا، و لأنّ مقصود هذا العقد معرفة أحذقهما و أشدّهما رميا، و لا يعلم مع مناضلة التفاضل حذق الحاذق.

مسألة ٩٨٥: من عادة الرّماة أخذ النبل بين أصابعهم،

و من أخذها أكثر كان رميه أضعف، فلو شرط أن يكون ما في يد أحدهما من النبل أكثر ممّا في يد الآخر، لم يصح؛ لأنّه مناف لهذه المعاملة التي مبناها على التساوي، و كذا لا يجوز أن يحسب خاسق أحدهما بخاسقين.

و لو كان الشرط الحوابي فشرط أن يحسب خاسق بحابيين، جاز - و هو أحد قولي الشافعي(١) - لأنّ الخاسق يختصّ بالإصابة و الثبوت، فجاز أن تجعل تلك الزيادة قائمة مقام حاب.

و لو رميا و ضجرا، فقال أحدهما للآخر: ارم فإن أصبت فقد نضلتني، أو قال: ارم فإن أصبت هذه الواحدة فقد نضلتك، لم يجز؛ لأنّ

١- العزيز شرح الوجيز ٢٢٥:١٢، روضة الطالبين ٥٦١:٧.


الناضل يساوي صاحبه في عدد الأرشاق و يفضله في الإصابة، و لا يتحقّق ذلك في الإصابة الواحدة.

مسألة ٩٨٦: إذا وقع عقد المناضلة و المسابقة في الصحّة و دفع المال في مرض الموت،

فهو من رأس المال إن جعلناه إجارة، و إن جعلناه جعالة فهو من التبرّعات التي تخرج من الثلث.

و للشافعيّة وجهان(١).

و لو وقع العقد في المرض، احتمل احتسابه من الثلث، و التفصيل، فإن جعلناه جعالة فكذلك، و إلاّ فمن الأصل.

و اعلم أنّه ليس للوليّ أن يصرف مال الصبي إلى غرض المسابقة و المناضلة ليتعلّم؛ لاشتماله على إضاعة المال؛ إذ الصبي ليس أهلا لهما.

و فيه نظر.

مسألة ٩٨٧: لا تصحّ الصلاة عندنا في كلّ جلد،

بل نشترط فيه أمرين: التذكية، و أن يكون مأكول اللحم، و الشافعي يشترط الطهارة إمّا بأن يكون من ذكيّ مأكول أو من ميّته أو ما لا يؤكل إذا دبغا(٢).

إذا ثبت هذا، فالمضربة - إمّا بضمّ الميم و تشديد الراء، أو بفتح الميم و تخفيف الراء، و هو الأفصح -: جلد يلبسه الرامي في يده اليسرى يقي إبهامه إذا جرى السهم عليها بريشه، و يسمّى بالفارسيّة: «الدستوان».

و أمّا الأصابع فجلد يلبسه الرامي في إبهامه و سبّابته من يده اليمنى لمدّ الوتر و تفويق السهم.

و يشترط في الصلاة فيهما ما يشترط في غيرهما من الطهارة و كونهما

١- العزيز شرح الوجيز ٢٢٥:١٢، روضة الطالبين ٥٦٢:٧.

٢- الحاوي الكبير ٢٥٠:١٥.


من مأكول اللحم عندنا.

و أمّا عند الشافعي فلا يشترط سوى الطهارة إلاّ أنّه يجوّز لبس الأصابع في الصلاة، و في جواز لبس المضربة في الصلاة قولان؛ لأنّ بطون الأصابع لا يلزم مباشرة الأرض بها في السجود، و في لزوم مباشرة الأرض بباطن كفّه في السجود قولان إذا قيل بوجوب السجود على اليدين(١).

مسألة ٩٨٨: يجوز أن يصلّي في الجعبة التي تجمع النشّاب إذا كانت طاهرة،

و كذا يصلّي و معه القوس؛ لأنّ اللّه تعالى أباح الصلاة في السلاح(٢).

و قد روى العامّة عن سلمة بن الأكوع قال: قلت: يا رسول اللّه أصلّي و عليّ القوس و القرن ؟ فقال عليه السّلام: «اطرح القرن و صلّ في القوس»(٣).

و القرن - بتحريك الراء -: هو الجعبة، فإن كانت مغطّاة فهي جعبة، و إن كانت مكشوفة فهي قرن.

و النهي عندنا نهي كراهة، إلاّ مع النجاسة فيكون نهي تحريم.

و إنّما كان مكروها؛ لأنّه يتخشخش عند الركوع و السجود باصطكاك السهام، فيقطعه عن الخشوع في الصلاة.

مسألة ٩٨٩: إذا

مسألة ٩٨٩: إذا(٤) تسابق الفارسان لم يجلب بهما،

و معنى الجلب أن يصيح به القوم ليزيد في عدوه، و لكن يركضان بتحريك اللجام و الاستحثاث بالسوط؛ لأنّ العامّة رووا عن النبي صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «من أجلب على الخيل

١- الحاوي الكبير ٢٥٠:١٥.

٢- سورة النساء: ١٠٢.

٣- المعجم الكبير - للطبراني - ٦٢٧٧/٣١:٧، الحاوي الكبير ٢٥١:١٥.

٤- في الطبعة الحجريّة: «إن» بدل «إذا».


يوم الرهان فليس منّا»(١) و يروى: «لا جلب و لا جنب»(٢) و معنى الجنب أنّهم كانوا يجنبون الفرس حتى إذا قاربوا الأمد تحوّلوا عن المركوب الذي قد كدّه الركوب إلى الجنبة.

مسألة ٩٩٠: ينبغي إذا وقف المتناضلان في الموقف أن لا يرمي أحدهما إلاّ عن إذن صاحبه،

و ليس شرطا؛ لأنّ الابتداء بالرمي لأحدهما إنّما يكون بمخصّص، و هو كاف.

و قال بعض الشافعيّة: لا بدّ من استئذانه؛ لأنّ عادة الرّماة ذلك، فلا يرمي أحدهم حتى يستأذن صاحبه، فإن رمى من غير استئذان لم يحسب(٣) له إن أصاب، و لا عليه إن أخطأ، و عرفهم متّبع(٤). و هو ممنوع.

مسألة ٩٩١: لا يجوز أن يتناضلا على أن تكون إصابة أحدهما قرعا و إصابة الآخر خسقا حتى يتكافئا في الإصابة قرعا أو خسقا؛

لأنّ المقصود بالعقد معرفة حذقهما بالرمي، كما لا يجوز أن يتناضلا على أن تكون إصابة أحدهما خمسة من عشرين و إصابة الآخر عشرة من عشرين؛ لما فيه من التفاضل الذي لا يعلم به الحاذق منهما.

و يجوز أن يتشارطا الإصابة قرعا على أن يحسب بخاسق كلّ واحد منهما قارعين و يعتدّ به إصابتين؛ لتكافئهما فيه، لتكون زيادة الصفة مقابلة

١- مسند أبي يعلى ٣٠٣:٤-٢٤١٣/٣٠٤، العزيز شرح الوجيز ٢٢٦:١٢، المغني ١٦٠:١١، الشرح الكبير ١٤٧:١١.

٢- سنن أبي داود ٢٥٨١/٣٠:٣، سنن الترمذي ١١٢٣/٤٣١:٣، سنن النسائي (المجتبى) ٢٢٧:٦ و ٢٢٨، سنن الدارقطني ٢٨٤/٧٥:٣، و ١٧/٣٠٣:٤، السنن الكبرى - للبيهقي - ٢١:١٠.

٣- في النّسخ الخطّيّة: «لم يحسبوه».

٤- العزيز شرح الوجيز ٢٢٦:١٢، روضة الطالبين ٥٦٣:٧.


لزيادة العدد، فعلى هذا لو شرطا إصابة عشرة من عشرين على هذا الحكم فأصاب أحدهما تسعة قرعا و أصاب الآخر قارعين و أربعة خواسق فقد نضل مع قلّة إصابته؛ لأنّه قد استكمل مضاعفة بالخواسق الأربعة مع القارعين إصابة عشرة، و نقص الآخر منها(١) بإصابة واحدة صار بها منضولا.

و يجوز أن يتناضلا على مروق السهم، و لا يجوز أن يتناضلا على ازدلافه؛ لأنّ مروق السهم من فعل الرامي، و ازدلافه من تأثير الأرض، فعلى هذا ففي الاحتساب به مخطئا إذا لم يحتسب به مصيبا وجهان:

احتسابه مخطئا؛ لأنّه من سوء الرمي، و أن لا يكون مخطئا ما أصاب، فيسقط(٢) الاعتداد به مصيبا و مخطئا.

و لا يجوز النضال على أنّ أحدهما يرمي من عرض(٣) و الآخر من أقرب منه، بل في عرض واحد و عدد واحد؛ لأنّ مقتضى العقد التساوي فيه، فإن وقع التفاضل فيه أفسده، و من التفاضل اختلاف الهدف في القرب و البعد.

مسألة ٩٩٢: لا يجوز التناضل على أنّ لأحدهما خاسقا راتبا لم يرم به يحتسب له مع خواسقه،

و لا على أنّ لأحدهما خاسقا راتبا لم يرم به يطرح من خواسقه خاسقا؛ لأنّ من احتسب له بخاسق لم يصبه يصير مفضّلا به على صاحبه، فإن نضل فلتفضيله لا لحسن صنيعه، و من أسقط له خاسق قد أصابه يصير منضولا، إن نضل بحطّ(٤) إصابته، لا بسوء صنيعه، فيبطل

١- في النّسخ الخطّيّة: «منهما».

٢- في النّسخ الخطّيّة: «و يسقط».

٣- العرض: الجانب من كلّ شيء. لسان العرب ١٧٦:٧ «عرض».

٤- الظاهر: «فبحطّ».


العقد فيهما معا؛ لعدم التساوي بين المتناضلين.

و لو شرطا أن يرمي أحدهما بقوس عربيّة تصيب من مائة ذراع، و قوس الآخر فارسيّة تصيب من مائتي ذراع، فشرطا هذا التفاضل لاختلاف القوسين، فإن شرطا الخيار في كلّ واحد من القوسين، جاز؛ لأنّ هذا التفاضل لكلّ واحد منهما أن يساوي صاحبه فيه إذا عدل إلى قوسه.

و إن شرطا أنّ أحدهما يرمي بالعربيّة و لا يعدل عنها و يرمي الآخر بالفارسيّة و لا يعدل عنها، لم يجز؛ لأنه لا يقدر كلّ واحد منهما أن يساوي صاحبه فيه.

و من التفاضل المانع من العقد: أن يكون ارتفاع الشنّ في رمي أحدهما ذراعا و ارتفاعه في رمي الآخر باعا(١) ، و يبطل به العقد؛ لأنّ لارتفاع الشنّ و انخفاضه تأثيرا في الإصابة.

و كذا لا يجوز أن تكون إصابة أحدهما في الشنّ و إصابة الآخر في الدائرة التي في الشنّ.

مسألة ٩٩٣: لو أراد أحد المتناضلين أن يجلس،

فإمّا أن يريد به تأخير الرمي عن وقته، أو يريد به فسخ العقد، فإن كان الأوّل، فإن كان لعذر أخّر، و لم يجبر على التعجيل، سواء قيل بلزومه كالإجارة، أو بجوازه كالجعالة؛ لأنّه ليس بأوكد من فرض الجمعة التي يجوز التأخير عنها للعذر(٢) ، سواء كان عذره في تأخير الرمي ما أثّر في نفسه من مرض أو شدّة حرّ أو مطر، أو أثّر في أهله من موت حلّ أو حادث نزل، أو أثّر في ماله من جائحة طرقت أو خوف طرأ.

١- الباع: مسافة ما بين الكفّين إذا بسطتهما. لسان العرب ٢١:٨ «بوع».

٢- في الطبعة الحجريّة: «لعذر».

و إن لم يكن لعذر و التمس بالتأخير الدعة إلى وقت آخر، فإن قلنا:

إنّه لازم كالإجارة، جاز، و إلاّ فلا.

و للشافعي قولان(١).

و إن أراد بالجلوس فسخ العقد، فإن كان معذورا في الفسخ جاز، و أعذار الفسخ أضيق و أغلظ من أعذار التأخير، و هي ما اختصّت بنفسه من العيوب المانعة من صحّة(٢) رميه، و هي إمّا أن لا يرجى زواله، كشلل يده أو ذهاب بصره، فالفسخ واقع بحدوث هذا المانع، و لا حاجة إلى فسخه بالقول، و إمّا أن يرجى زواله(٣) ، كمرض يده أو مرض عينه أو جسده، و لا ينفسخ العقد بحدوث هذا المانع، بخلاف [الأوّل](٤) لإمكان الرمي بإمكان زواله، و يكون الفسخ بالقول، و ذلك معتبر بحال صاحبه.

فإن طلب تعجيل الرمي، فله الفسخ؛ لتعذّر التعجيل عليه، و يكون استحقاق هذا الفسخ مشتركا بينه و بين صاحبه، و لكلّ منهما فسخ العقد به.

و إن أجاب صاحبه إلى الإنظار بالرمى إلى زوال المرض، فهل يكون عذره في الفسخ باقيا؟ على وجهين:

أحدهما: يكون باقيا في استحقاق الفسخ لئلاّ تكون ذمّته مرتهنة بالعقد.٥.

١- الحاوي الكبير ٢٣٢:١٥.

٢- في الحاوي الكبير ٢٣٢:١٥: «تتمّة» بدل «صحّة».

٣- كذا قوله: «و هي إمّا أن لا يرجى زواله... و إمّا أن يرجى زواله» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و المناسب للعبارة كما في الحاوي الكبير ٢٣٢:١٥ هكذا: «و هي ضربان، أحدهما: ما لا يرجى زواله... و الضرب الثاني: ما يرجى زواله».

٤- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الإمكان». و الصحيح ما أثبتناه من الحاوي الكبير ٢٣٢:١٥.


و الثاني: أنّ عذر الفسخ قد زال بالإنظار، و ليس للمنظر أن يرجع في هذا الإنظار و إن كان له أن يرجع بالإنظار في الديون؛ لأنّه عن عيب رضي به، و جرى مجرى الإنظار بالإعسار.

و إن لم يكن لطالب الفسخ عذر في الفسخ، فإن قيل بلزومه كالإجارة، لم يكن له الفسخ، و أخذ به جبرا، فإن امتنع منه حبس عليه كما يحبس بسائر الحقوق إذا امتنع منها، فإن طال به الحبس و هو على امتناعه، عزّر حتى يجيب.

و إن قيل بجوازه كالجعالة، فله الفسخ قبل الرمي، و بعد الشروع فيه و قبل ظهور الغلبة.

فإن ظهرت الغلبة لأحدهما، فإن كانت لطالب الفسخ فله الفسخ.

و إن كانت لغيره، ففي استحقاق الفسخ قولان للشافعي:

أحدهما: لا يستحقّ؛ لتفويت الأغراض المقصودة بعد ظهورها.

و الثاني: له الفسخ؛ لأنّه قد يكون له الفضل فينضل، و قد يكون عليه الفضل فينضل(١).

مسألة ٩٩٤: قد عرفت أنّ الهدف هو بناء ينصب فيه الغرض،

و الغرض محلّ الإصابة، و يشتمل على شنّ و جريد و عرى و معاليق، فالشنّ هو الجلد، و الجريد هو الخشب المحيط بالشنّ حتى ينبسط فيه كحلقة المنخل، و أمّا العرى فهي كالحلق حول الشنّ، و أمّا المعاليق فهي أوتار تشدّ بها عرى الشنّ إلى أوتاد في الهدف.

و في الشنّ دائرة هي أضيق منه، و في الدائرة هلال هو أضيق منها، و في الهلال خاتم هو أضيق منه، فأحذق الرّماة من يشترط إصابة

١- الحاوي الكبير ٢٣٣:١٥.


الخاتم، فلا يحتسب له بإصابة الهلال و ما زاد، ثمّ يليه من يشترط إصابة الهلال، فلا يحتسب له بإصابة الدائرة و ما زاد، ثمّ يليه من يشترط إصابة الدائرة، فلا يحتسب له بإصابة الشنّ و ما زاد، ثمّ يليه من يشترط إصابة الشنّ، فلا يحتسب له بباقي الغرض و ما زاد، ثمّ يليه من يشترط إصابة الغرض، فيحتسب له بإصابة الشنّ و الشنبر(١) و العرى.

و هل يحتسب له بإصابة المعاليق ؟ إشكال ينشأ: من مشابهتها للعرى فيحتسب، و من مشابهتها للأوتاد فلا يحتسب.

و للشافعي قولان(٢).

و اعلم أنّ للرّماة في محلّ الغرض من الهدف عادات مختلفة، فمنهم من يرفعه، و يسمّونه حوابي، و منهم من يخفضه، و يسمّونه ميلاني، و منهم من يتوسّط فيه، و يسمّونه بطحاني.

و أمّا الغرض في موقف الرامي فهو مقام الرامي في استقبال الهدف يرميه من مسافة مقدّرة تقلّ الإصابة ببعدها و تكثر بقربها، و يحتاج في القريبة إلى القوس اللّيّنة حتى لا يمرق السهم، و في البعيدة إلى القوس الشديدة حتى يصل السهم.

مسألة ٩٩٥: ينبغي أن تكون مسافة الموقف مقدّرة بالشرط في العقد،

فإن أهملاه بطل إن اختلف عرف الرّماة فيه، و إلاّ حمل على العرف؛ لأنّ العرف مع عدم الشرط يقوم في العقود مقام الشرط، و هو أحد وجهي

١- في العزيز شرح الوجيز ٢٠٠:١٢: «و يقال للشنبر: الجريد».

٢- الحاوي الكبير ٢٣٤:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٨:١، التهذيب - للبغوي - ٩١:٨، البيان ٣٩٦:٧، العزيز شرح الوجيز ٢١٠:١٢، روضة الطالبين ٧: ٥٥٢.


الشافعيّة، و الثاني: أنّه لا يحمل على العرف، بل يبطل؛ لاختلاف الأغراض فيه، فإنّ القويّ في البعد أرغب، و الضعيف في القرب أرغب(١).

و إذا عيّناه لم يكن لأحدهما أن يزيد فيه أو ينقص.

و كذا ينبغي أن يسمّيا في العقد ارتفاع غرض الهدف و انخفاضه و توسّطه، فإن سمّياه في العقد حمل على ما سمّيا، و لم يكن لأحدهما أن يرفعه إذا كان منخفضا، و لا أن يخفضه إذا كان مرتفعا؛ عملا بحكم الشرط.

و لو أهملا ذكره، لم يبطل العقد بإهماله؛ لأنّه من توابع مقصوده.

ثمّ يقال لهما: إن اتّفقتما عليه بعد العقد حملتما فيه على اتّفاقكما، و لم يكن لواحد منكما بعد الاتّفاق أن يرفعه أو يخفضه، و إن اختلفتما فيه حملتما على العرف، و يكون الاتّفاق هنا مقدّما على العرف؛ لأنّ ارتفاع الغرض أمكن للطويل و الراكب، و انخفاضه أمكن للقصير و النازل.

و لو اختلف العرف و تعذّر الاتّفاق، روعي فيه أوسط الأغراض.

مسألة ٩٩٦: حدّ المسافة بالتقريب المعتاد:

مائتا ذراع، و النادر بالتقريب: ثلاثمائة ذراع، فإن عقدا النضال على أكثر المسافة المعتادة - و هي مائتا ذراع - صحّ إذا كان مثل المتراميين يصيب منها، و إن كان مثلهما لا يصيب منها لم يصح.

و إن عقدا على أكثر المسافة النادرة - و هي ثلاثمائة ذراع - و كان مثلهما لا يصيب منها، لم يصح العقد، و إن كان مثلهما قد يصيب منها، فوجهان في الصحّة و البطلان: من حيث إمكان إصابتها، كالمسافة المعتادة، و من أنّ النادر غرر، و الغرر في العقود مردود بالنهي عنه(٢).

١- الحاوي الكبير ٢٣٥:١٥.

٢- كما في الحاوي الكبير ٢٣٨:١٥.


و لو شرطا مسافة معيّنة ثمّ شرعا في الرمي فطلب أحدهما الزيادة في المسافة، مثل أن يلتمس على ما شرطاه - و هو مائتا ذراع مثلا - زيادة خمسين، فامتنع الآخر من إجابته، كان له ذلك إن قلنا(١) بلزوم العقد؛ لمقامه على عقد لازم، و إن قلنا بجوازه، فالقول قول طالب الزيادة في الخروج من العقد بطلبها، لا في الإجابة إليها.

و إن اتّفقا على الزيادة، فإن قلنا باللزوم، لم يصح إلاّ بفسخ العقد الأوّل و تجديد ثان، و إن قلنا بجوازه، صحّ، و كان ذلك قطعا لإتمامه بطلب تركه.

و الفرق بينهما على قولي اللزوم و الجواز: إنّه مع اللزوم يحتاجان إلى فسخه و إلى استئناف عقد، و يستأنفان الرمي، و لا يبنيان على الرمي المتقدّم، و على الجواز بضدّ ذلك كلّه.

مسألة ٩٩٧: إذا عقدا النضال و شرطا صفة موضع الغرض في انخفاضه...

إذا عقدا النضال و شرطا صفة موضع الغرض في انخفاضه و ارتفاعه أو صفة محلّ الإصابة في الشنّ أو الدائرة أو صفة الإصابة من قرع أو خسق و شرعا في الرمي على هذا الشرط ثمّ عزما على تغييره ليكون المنخفض من الغرض مرتفعا، أو تكون الإصابة في الشنّ مجعولة في الدائرة، أو تكون الإصابة قرعا فيصير خسقا، فإن التمس أحدهما ذلك و امتنع الآخر، قدّم قول الممتنع إن قلنا باللزوم، و إن قلنا بالجواز، قدّم قول الطالب في رفع العقد، لا فيما طلب.

و إن اجتمعا على ذلك و قلنا بجواز العقد، صحّ من غير فسخ، و إن قلنا بلزومه، فأقسامه ثلاثة:

١- في النّسخ الخطّيّة: «قيل» بدل «قلنا».


أ: ما يصحّ، و لا يحتاجان إلى فسخ عقد و تجديد آخر، و هو نقل الهدف من خفض إلى رفع؛ لأنّ إغفال ذكره في العقد لا يبطله، فيرفعان الهدف بالعقد المتقدّم.

ب: ما لا يصحّ إلاّ بفسخ العقد، و هو نقل الإصابة من الشنّ إلى الدائرة؛ لأنّ إغفال ذكره في العقد يبطله، فصار من لوازمه.

ج: ما اختلف فيه - و هو نقل الإصابة من القرع إلى الخسق - هل يحتاجان فيه إلى فسخ العقد و استئناف غيره ؟ قولان: الصحّة بغير فسخ؛ إلحاقا بمحلّ الغرض، و عدمها إلاّ بعد الفسخ؛ إلحاقا بمحلّ الإصابة من الغرض.

مسألة ٩٩٨: عقد النضال إمّا أن يعقد على رشق واحد يمكن رمي جميعه في يوم واحد،

فيجب توالي رميه أجمع من غير تفريق، و أحوالهما فيه ثلاثة:

أ: أن يعقداه معجّلا، فيلزم رمي جميعه في يوم عقده، و لا يجوز لأحدهما تأخيره، إلاّ من عذر يمنع من الرمي، كمرض أو مطر أو ريح و شبهه، فإن أخّراه عن يومهما عن تراض، لم يبطل العقد على القولين.

ب: أن يعقداه مؤجّلا في يوم معيّن، فيصحّ عندنا؛ لأنّ العمل فيه مضمون في الذمّة، و لأنّ عقده أوسع حكما ممّا عداه، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: البطلان؛ لأنّه عقد على عين شرط فيه تأخير القبض(١).

فعلى الأوّل يكون يوم الأجل هو المستحقّ فيه الرمي لا يقدّم قبله و لا يؤخّر بعده، فإن أراد أحدهما تقديمه أو تأخيره من غير فسخ، جاز

١- الحاوي الكبير ٢٣٩:١٥.


على القولين معا.

و لو بدر أحدهما فرمى قبل حلول الأجل، لم يحتسب له بصوابه و لا عليه بخطئه؛ لأنّه رمي لم يتضمّنه العقد.

ج: أن يعقداه مطلقا لا يشترط فيه حلول و لا تأجيل، فيقتضي إطلاقه الحلول؛ لأنّ الأجل في العقد لا يثبت إلاّ بشرطه.

و إن عقداه على أرشاق كثيرة لا يمكن رمي جميعها في يوم واحد، كمائة رشق، فأقسامه ثلاثة:

أ: أن يشترطا فيه ما يمكن، و هو أن يجعلا في كلّ يوم رمي أرشاق معلومة يتّسع اليوم لرميها فيه من غير إرهاق، فهذا جائز، و يختصّ كلّ يوم برمي ما شرط فيه، و ليس هذا بتأجيل يخرّج على وجهي الشافعيّة، و إنّما هو تقدير الرمي في زمانه، فصحّ عندهم وجها واحدا(١).

ب: أن يشترطا ما يمتنع بأن يضيق الزمان عنه، فيبطل العقد.

ج: أن يكون العقد مطلقا لا يشترطان فيه تقدير الرمي، فيلزم فيه أن يرميا في كلّ يوم ما يتّسع له بحسب طول النهار و قصره، و لا يلزم الرمي في الليل؛ لخروجه عن معهود العمل إلى الاستراحة، و لا يلزم الإرهاق في رمي النهار، و يكون ابتداؤه بعد طلوع الشمس، و انتهاؤه قبل غروبها، و يمسكان عنه للراحة بعد التعب و الأكل و الشرب و الطهارة و الصلاة.

و عادة الرّماة تختلف في مواصلة الترامي؛ لأنّ فيهم من تكثر إصابته إذا واصل؛ لقوّة يديه و شدّة ساعده، و منهم من تقلّ إصابته إذا واصل؛ لضعف يديه و لين ساعده، فإذا عدل بهما عن المواصلة و الفتور إلى حال٥.

١- الحاوي الكبير ٢٣٩:١٥.


معتدلة، اعتدل رميهما و تكافئا.

فإن عرض مانع من الرمي، كمطر و ريح و شبههما، أخّر إلى زواله.

فإن انكسر قوس أحدهما أو لان أو انقطع وتره أو اعوجّ سهمه، كان له الإبدال؛ لأنّ الآلة لا تتعيّن، و يجوز إبدالها مع صحّتها، فمع تغيّرها أولى، لكن يجوز تأخير الرمي لإبدالها إذا اعتلّت، و لا يجوز تأخيره لإبدالها إذا لم تتغيّر.

مسألة ٩٩٩: قد بيّنّا جواز رمي الأحزاب،

فإذا كان كلّ واحد من الحزبين ثلاثة و استقرّت البدأة بالرمي لأحد الحزبين إمّا بشرط أو قرعة، فأحوالهما ثلاثة:

أ: أن يشترطا فيه إذا رمى واحد من هذا الحزب رمى واحد من الحزب الآخر، ثمّ إذا رمى الثاني يرمي ثان من الحزب الآخر، و إذا رمى الثالث من هذا الحزب يرمي الثالث من الآخر، و هو جائز، بل هو الأولى؛ لأنّه أقرب إلى التكافؤ.

ب: أن يشترطا أن يتقدّم رماة الحزب الأوّل فيرموا جميعا، ثمّ يتلوهم رماة الحزب الثاني فيرموا جميعا، و هذا جائز أيضا؛ عملا بالشرط و إن تفاضلا فيه لأجل الشرط.

ج: أن يطلقوا العقد من غير شرط، فالواجب إذا رمى واحد من الحزب الأوّل رمى بعده [واحد من الحزب الآخر، و إذا رمى ثان من الحزب الأوّل رمى بعده](١) ثان من الحزب الآخر ليتقابل رماة الحزبين، و لا يتقدّم الجميع على الجميع؛ لأنّ مطلق العقد يوجب التساوي و إن استقرّ فيه

١- ما بين المعقوفين أثبتناه من الحاوي الكبير ٢٤٩:١٥.


التقدّم؛ لأنّه للضرورة.

و إذا أغفل ذكر التقدّم، أقرع.

و إذا أغفل ذكر الترتيب في واحد بعد واحد لم يقرع، بل يناط ذلك باختيار الزعيم، فإن أطاعه أصحابه فذاك، و إلاّ قدّم قول الزعيم إن كان هو المخرج، و قول أصحابه إن كانوا هم المخرجين للمال، فإن اتّفقوا حملوا عليه، و إلاّ أقرع بينهم.

تمّ الجزء الثاني عشر(١) من كتاب «تذكرة الفقهاء» بحمد اللّه و منّه على يد مصنّفه العبد الفقير إلى اللّه تعالى حسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّي - أعانه اللّه تعالى على طاعته - بالحلّة في خامس شوّال من سنة خمس عشرة و سبعمائة، و يتلوه في الجزء الثالث عشر(٢) - بتوفيق اللّه تعالى - المقصد العاشر في الغصب، و الحمد للّه وحده، و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد النبي و آله الطاهرين.ه.

١- حسب تجزئة المصنّف قدّس سرّه.

٢- حسب تجزئة المصنّف قدّس سرّه.


بسم اللّه الرحمن الرحيم و به ثقتي

المقصد العاشر: في الغصب

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: الماهيّة

اشارة

الغصب أخذ مال الغير على جهة التعدّي.

و قيل: الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا(١).

و قيل: الاستيلاء على مال الغير(٢).

و هو أعمّ من الأوّلين.

و قيل: الاستيلاء على مال الغير بغير حقّ، و لا حاجة إلى التقييد بالعدوان، بل يثبت الغصب و حكمه من غير عدوان، كما لو أودع ثوبا عند إنسان ثمّ جاء و أخذ ثوبا للمستودع على ظنّ أنّه ثوبه أو لبسه المستودع على ظنّ أنّه ثوبه(٣).

و هذا أعمّ من الأوائل.

١- قاله المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢٣٥:٣.

٢- كما في العزيز شرح الوجيز ٣٩٦:٥، و روضة الطالبين ٩٢:٤.

٣- قاله الجويني في نهاية المطلب ١٦٩:٧-١٧٠، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٣٩٦:٥، و روضة الطالبين ٩٢:٤-٩٣.


و قال بعض الشافعيّة: كلّ مضمون على ممسكه فهو مغصوب، حتى أنّ المقبوض بالشراء الفاسد و الوديعة إذا تعدّى فيها المستودع و الرهن إذا تعدّى فيه المرتهن مغصوب(١).

و ليس بمشهور، بل المشهور ما تقدّم أوّلا.

مسألة ١٠٠٠: الغصب حرام بالعقل و النقل.

أمّا العقل: فلأنّ الضرورة قاضية بقبح الظلم و العدوان، و الغصب نوع منه.

هذا عند المعتزلة، و الأشاعرة لم يثبتوا حكما عقليّا في الشرع، و لا أثبتوا الحسن و القبح العقليّين، بل كلّ واقع من اللّه تعالى فهو حسن، فلزمهم كون الكفر و الظلم و جميع الفواحش حسنة؛ لأنّه لا فاعل عندهم إلاّ اللّه تعالى.

و أمّا النقل: فالقرآن و السّنّة المتواترة و الإجماع.

أمّا الكتاب: فقوله تعالى: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (٢) ، و قال تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٣) و قال تعالى: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤) و قال تعالى: وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (٥) و السرقة نوع من الغصب.

و أمّا السّنّة: فما رواه العامّة عن جابر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال في

١- العزيز شرح الوجيز ٣٩٦:٥-٣٩٧، روضة الطالبين ٩٣:٤.

٢- سورة النساء: ٢٩.

٣- سورة البقرة: ١٩٠.

٤- سورة البقرة: ١٨٨.

٥- سورة المائدة: ٣٨.


خطبته يوم النحر: «دماؤكم و أموالكم حرام كحرمة يومكم هذا من شهركم هذا»(١).

و عن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول: «من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوّقه اللّه تعالى من سبع أرضين»(٢).

و عن عمرو بن زيد عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيب نفس منه»(٣).

و عن أبي بكرة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال في خطبته يوم النحر: «إنّ دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا»(٤).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «أربعة لا تجوز في أربعة:

الخيانة و الغلول و السرقة و الربا لا تجوز في حجّ و لا عمرة و لا جهاد و لا صدقة»(٥).

و قال عليه السّلام: «إذا اكتسب الرجل مالا من غير حلّه ثمّ حجّ فلبّى نودي:

لا لبّيك و لا سعديك، و إن كان من حلّه فلبّى نودي: لبّيك و سعديك»(٦).٦.

١- صحيح مسلم ٨٨٦:٢-١٢١٨/٨٨٩، سنن ابن ماجة ١٠٢٤:٢-٣٠٧٤/١٠٢٥، سنن أبي داود ١٨٢:٢-١٩٠٥/١٨٥، السنن الكبرى - للبيهقي - ٧:٥-٨، المغني ٣٧٥:٥، الشرح الكبير ٣٧٤:٥.

٢- صحيح مسلم ١٤٠/١٢٣١:٣، مسند أحمد ١٦٣٦/٣٠٧:١، المغني ٣٧٥:٥، الشرح الكبير ٣٧٤:٥.

٣- السنن الكبرى - للبيهقي - ١٠٠:٦، مسند أبي يعلى ١٥٧٠/١٤٠:٣، المغني ٣٧٥:٥، الشرح الكبير: ٣٧٤/٥-٣٧٥.

٤- مسند أحمد ١٥:٦-١٩٨٧٣/١٦، العزيز شرح الوجيز ٣٩٧:٥.

٥- الكافي ٢/١٢٤:٥، الفقيه ٣٧٧/٩٨:٣، التهذيب ١٠٦٣/٣٦٨:٦.

٦- الكافي ٣/١٢٤:٥، التهذيب ١٠٦٤/٣٦٨:٦.


و كتب محمّد بن الحسن الصفّار إلى أبي محمّد العسكري عليه السّلام: رجل اشترى ضيعة أو خادما بمال أخذه من قطع الطريق أو من سرقة هل يحلّ له ما يدخل عليه من ثمرة هذه الضيعة، أو يحلّ له أن يطأ هذا الفرج الذي اشتراه من سرقة أو قطع الطريق ؟ فوقّع عليه السّلام: «لا خير في شيء أصله حرام، و لا يحلّ استعماله»(١).

و قال الصادق عليه السّلام: «من اشترى سرقة و هو يعلم فقد شرك في عارها و إثمها»(٢).

و عن عبد العزيز بن محمّد قال: سمعت الصادق عليه السّلام يقول: «من أخذ أرضا بغير حقّها أو بنى فيها - قال -: يرفع بناؤه و تسلّم التربة إلى صاحبها، ليس لعرق ظالم حقّ» ثمّ قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: من أخذ أرضا بغير حقّها كلّف أن يحمل ترابها إلى المحشر»(٣).

و الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.

و أمّا الإجماع: فلا خلاف بين أحد من المسلمين في تحريم الغصب و تعلّق الضمان به.٧.

١- الكافي ٨/١٢٥:٥، التهذيب ١٠٦٧/٣٦٩:٦، الاستبصار ٢٢٤/٦٧:٣.

٢- الكافي ٦/٢٢٩:٥، التهذيب ١٠٩٠/٣٧٤:٦.

٣- التهذيب ٢٠٦:٧-٩٠٩/٢٠٧.


الفصل الثاني: في الضمان و أسبابه

و هي ثلاثة تشتمل عليها مباحث:

البحث الأوّل: في إثبات الضمان بالمباشرة.

مسألة ١٠٠١: الغصب و إن كان موجبا للضمان لكنّه غير منحصر فيه،

بل قد يجب الضمان بغير الغصب، فإنّ الإتلاف سبب موجب للضمان، بل هو أقوى من الغصب، فإنّه بمجرّده يوجب اشتغال الذمّة بالضمان، و الغصب بمجرّده لا يوجبه، و إنّما يوجب دخول المغصوب في ضمانه حتى إذا تلف اشتغلت الذمّة بالضمان(١) ، و الإتلاف قد يكون بالمباشرة، و قد يكون بالتسبيب، فانحصرت الأسباب في ثلاثة: التفويت بالمباشرة، و التفويت بالتسبيب، و إثبات اليد العادية، و هو الغصب.

و هنا أسباب أخر غير مقصودة بالذات في هذا الباب، كالاستيام و الاستعارة لبعض الأشياء عندنا و مطلقا عند العامّة، و غيرهما.

مسألة ١٠٠٢: كلّ ما له مدخل في هلاك الشيء و إتلافه إمّا أن يكون بحيث يضاف إليه الهلاك في العادة إضافة حقيقيّة،

أو لا يكون كذلك، و ما لا يكون كذلك فإمّا أن يكون بحيث يقصد بتحصيله حصول ما يضاف إليه الهلاك، أو لا يكون كذلك، فالذي يضاف إليه الهلاك يسمّى علّة و الإتيان به مباشرة، و ما لا يضاف إليه الهلاك و يقصد بتحصيله ما يضاف إليه يسمّى سببا و الإتيان به تسبيبا.

١- في الطبعة الحجريّة: «بضمانه».


و هذا القصد و التوقّع قد يكون لتأثيره بمجرّده فيه، و هو علّة العلّة، و قد يكون بانضمام أمور إليه هي غير بعيدة الحصول، و قد [يخصّ](١) اسم السبب بالنوع الأوّل، و قد يفسّر السبب بمطلق ما يقصد به حصول العلّة، و قد يفسّر بأعمّ، فيقال: السبب ما يحصل الهلاك عنده بعلّة سواه و لكن لولاه لما أثّرت العلّة، فلا يعتبر فيه إلاّ أنّه لا بدّ منه، و حينئذ يكون كلّ شرط سببا، فالحفر مع التردّي يسمّى سببا تارة و شرطا أخرى.

مسألة ١٠٠٣: المباشر للإتلاف ضامن بلا خلاف،

سواء كان المتلف عينا، كقتل الحيوان المملوك و تخريق الثياب و أكل الطعام و الإحراق للمتاع، أو منفعة، كسكنى الدار و ركوب الدابّة، سواء كان هناك غصب أو لم يكن.

و بالجملة، كلّ متلف عينا بالمباشرة فإنّه ضامن لها، يجب عليه ردّ مثلها إن كانت من ذوات الأمثال، و إن كانت من ذوات القيم وجب عليه القيمة؛ لقوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ (٢).

و كلّ من تثبت يده على مال الغير و لا حقّ له في إمساكه و كان المال باقيا وجب عليه ردّه على مالكه بلا خلاف؛ لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و اله: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه»(٣) و لأنّ حقّ المالك متعلّق بماليّته، و ماليّته لا تتحقّق

١- بدل ما بين المعقوفين في «ر» و الطبعة الحجريّة: «يتحقّق»، و في «ص، ع»: «تحقّق». و الظاهر ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز ٣٩٨:٥.

٢- سورة البقرة: ١٩٤.

٣- سنن ابن ماجة ٢٤٠٠/٨٠٢:٢، سنن الدارمي ٢٦٤:٢، السنن الكبرى - للنسائي - ٥٧٨٣/٤١١:٣-٣، السنن الكبرى - للبيهقي - ٩٠:٦، المستدرك - للحاكم - ٤٧:٢، مسند أحمد ١٩٥٨٢/٦٣٢:٥، و ١٩٦٤٣/٦٤١، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٦٠٤/١٤٦:٦، المنتقى - لابن الجارود -: ١٠٢٤/٣٧٦.


إلاّ بردّه إليه.

و إن تلفت وجب ردّ ما يقوم مقامها؛ لأنّه لمّا تعذّر ردّ العين وجب ردّ ما يقوم مقامها في الماليّة، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «لا يأخذنّ أحدكم مال أخيه جادّا و لا لاعبا، من أخذ عصا أخيه فليردّها»(١).

البحث الثاني: التسبيب.

مسألة ١٠٠٤: من أتلف مال غيره على جهة التسبيب وجب عليه ضمانه،

و ذلك كمن حفر بئرا في محلّ عدوان فتردّى فيها إنسان أو حيوان، فإنّ ضمان التالف على الحافر، و كذا لو طرح المعاثر في المسالك، كمن وضع حجرا في طريق المسلمين فتعثّر به إنسان فوقع فمات، أو حيوان، ضمنه طارحه، و لو أكره غيره على إتلاف مال إنسان، كانت الحوالة بالضمان على المكره؛ لأنّ الإكراه ممّا يقصد لتحصيل الإتلاف، و لا خلاف في ذلك كلّه.

مسألة ١٠٠٥: لو اجتمع المباشر و السبب،

فالحوالة في الضمان على المباشر، إلاّ مع ضعف المباشرة، فالحوالة حينئذ على السبب، فمن حفر بئرا في محلّ عدوان فرمى إنسان غيره فيها فالضمان على الرامي؛ لأنّه المباشر للرمي المتلف، و لا ضمان هنا على الحافر، و أمّا مع ضعف المباشرة فكما إذا أكره إنسان غيره على إتلاف مال ثالث، فإنّ الضمان هنا على المكره على ما تقدّم، لا على المباشر؛ لضعف المباشرة بالإكراه، فكان السبب أقوى.

١- سنن أبي داود ٥٠٠٣/٣٠١:٤، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٠٠:٦، مسند أحمد ١٧٤٨١/٢٥٨:٥ و ١٧٤٨٢.


و لو تعدّد السبب، فالضمان على المتقدّم منهما إن ترتّبا، كما لو حفر شخص بئرا في محلّ عدوان و وضع آخر حجرا فيه فتعثّر إنسان بالحجر فوقع في البئر، فالضمان على واضع الحجر؛ لأنّه السبب المؤدّي إلى سبب الإتلاف، فكان أولى بالضمان؛ لأنّ المسبّب يجب مع حصول سببه، فوضع الحجر يوجب التردّي، أمّا لو انتفى الترتّب فالضمان عليهما، كما لو حفر و وضع الحجر معا، فإنّ الضمان عليهما.

مسألة ١٠٠٦: السبب قد يكون حقيقة،

و هو ما ذكرناه، و قد يطلق بالمجاز على غير ما ذكرناه، و لا يتعلّق به الضمان، كما يقال: تلف مال فلان بسبب سعاية فلان فيه إلى ظالم، و هذا لا يوجب الضمان عندنا، بل الضمان يتعلّق بمن أخذ المال و هو الظالم، و لا شيء على الساعي من المال، بل عليه الإثم خاصّة، و الضمان يتعلّق بالقابض، و كذا الآمر بالقتل يتعلّق الضمان بالقاتل، لكن يحبس الآمر به دائما حتى يموت.

مسألة ١٠٠٧: من الأسباب الموجبة للضمان ما لو فتح رأس زقّ مشدود،

أو فتح رأس قربة أو راوية فاندفق ما فيه، فإن كان مائعا فإن كان مطروحا على الأرض فاندفق ما فيه بالفتح ضمن؛ لتحقّق السببيّة فيه، و الذي فيه لا اختيار له، فكان الدفق مستندا إلى الحلّ لا غير.

و إن كان الزقّ منتصبا لا يضيع ما فيه بالفتح لو بقي كذلك لكنّه سقط، فإن كان السقوط بفعله كما إذا كان يحرّك الوكاء و يجذبه حتى أفضى إلى السقوط، ضمن أيضا؛ لأنّه فتح رأسه و أسقطه.

و كذا يضمن لو سقط ما يقصد تحصيله بفعله، كما لو فتح رأسه فأخذ ما فيه في التقاطر شيئا فشيئا حتى ابتلّ أسفله فسقط؛ لأنّ السقوط بالميلان الناشئ من الابتلال الناشئ من التقاطر الناشئ من الفتح، و هو ممّا

يقصد تحصيله بالفتح.

و كذا لو ثقّل أحد جانبيه فلم يزل يميل قليلا قليلا حتى سقط و خرج ما فيه، فإنّه يضمنه؛ لأنّ ذلك لسراية فعله، كما لو جرح حيوانا فسرت الجراحة إلى نفسه ضمنها، أمّا لو لم يمل بالحلّ و بقي بحاله ثمّ سقط بعد ذلك بتحريك إنسان له، فإنّ الضمان على الإنسان المحرّك له؛ لأنّه كالمباشر، و الأوّل كالسبب، فلا ضمان على الأوّل؛ لأنّ السقوط حصل بفعل غيره، و إنّما كان من جهة سبب غير ملجئ، فلم يتعلّق به الضمان.

و لو سقط بأمر عارض من زلزلة أو هبوب ريح أو وقوع طائر أو سقوط حجر، ففي الضمان إشكال ينشأ: من أنّ فعله سبب تلفه، و لم يتخلّل بينهما ما يمكن إحالة الحكم عليه، فوجب عليه الضمان، كما لو خرج عقيب فعله أو مال قليلا قليلا، و كما لو جرح إنسانا فأصابه الحرّ أو البرد فسرت الجراحة، فإنّه يضمن، كذا هنا، و من أنّ الهلاك لم يحصل بفعله، و لا فعله ممّا يقصد به تحصيل ذلك العارض، و فعله غير ملجئ، و المعنى الحادث مباشرة، فلم يتعلّق الضمان بفعله، كما لو دفعه إنسان، و نحن فيه من المتردّدين.

و مالك ذهب إلى الضمان؛ لأنّه لو لا الفتح لما ضاع ما فيه بالسقوط(١).

و قال أصحاب الشافعي: لا ضمان؛ لأنّ الضياع بالريح، و لا يقصد بفتح الزقّ تحصيل الهبوب، فهو كما لو فتح الحرز فسرق غيره أو دلّ سارقا فسرق٢. -

١- الذخيرة ٢٦٠:٨، العزيز شرح الوجيز ٤٠١:٥.


و لو أنّه لمّا فتح رأسه أخذ ما فيه في الخروج ثمّ جاء آخر و نكسه مستعجلا، فضمان الخارج بعد النكس(١) على الثاني خاصّة، كما لو جرحه إنسان و قتله آخر، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّ الخارج بعد النكس(٢) عليهما كالجارحين(٣) ، و ليس بشيء.

هذا إذا كان ما في الزقّ مائعا، و أمّا إذا كان جامدا مشدودا فشرقت الشمس عليه فأذابته و ضاع أو ذاب بمرور الزمان و تأثير حرارة الهواء، فالوجه: الضمان؛ لأنّ الشمس تذيب و لا تخرج، فيكون الخروج بفعله، و لأنّ الشمس ممّا يعلم شروقها، فيكون الفاتح له معرّضا ما فيه للشمس، و ذلك تضييع، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: لا ضمان؛ لأنّ الضياع إنّما حصل بعارض الشروق، فأشبه هبوب الرياح(٤).

و الفرق: أنّ طلوع الشمس منتظر، و هبوب الرياح غير منتظر.

و يجري الوجهان فيما إذا أزال أوراق الكرم و جرد(٥) عناقيدها للشمس حتى أفسدتها، و فيما إذا ذبح شاة إنسان فهلك ولدها أو حمامة».

١- في «ص، ع»: «التنكيس».

٢- في «ص، ع»: «التنكيس».

٣- الحاوي الكبير ٢١١:٧، المهذّب - للشيرازي - ٣٨٢:١، بحر المذهب ٨٢:٩ - ٨٣، البيان ٧٤:٧-٧٥، العزيز شرح الوجيز ٤٠١:٥، روضة الطالبين ٩٤:٤-٩٥.

٤- الحاوي الكبير ٢١١:٧، المهذّب - للشيرازي - ٣٨٢:١، نهاية المطلب ٧: ٢٨٤، بحر المذهب ٨٢:٩، الوجيز ٢٠٦:١، التهذيب - للبغوي - ٣٣٢:٤، البيان ٧٤:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٠١:٥، روضة الطالبين ٩٥:٤.

٥- جرد الشيء: قشره و عرّاه. لسان العرب ١١٥:٣ و ما بعدها «جرد».


فمات فرخها؛ لفقدان ما يصلح لهما(١)(٢).

و لو جاء آخر و قرّب النار من الجامد حتى ذاب و ضاع، فالأقرب:

وجوب الضمان على الثاني؛ لأنّ سببه أخصّ؛ لكون التلف يعقبه، فأشبه المنفّر مع فاتح القفص، و لأنّ تقريب النار منه تصرّف فيه بالتضييع و الإتلاف.

و قال بعض الشافعيّة: لا ضمان على واحد منهما، كسارقين نقب أحدهما و أخرج الآخر، و لأنّ الأوّل لا ضمان عليه؛ لأنّه لم يصدر عنه سوى الفتح، و هو بمجرّده لا يوجب الضمان، و أمّا الثاني: فلأنّه لم يتصرّف في الظرف و لا المظروف(٣).

و ليس بجيّد؛ لأنّ مقرّب النار ألجأه إلى الخروج فضمنه، كما لو كان واقفا فدفعه، و المسألة حجّة عليه، فإنّ الضمان على مخرج المتاع من الحرز، و القطع حدّ لا يجب إلاّ بهتك الحرز و أخذ المال جميعا، ثمّ إنّ الحدّ يدرأ بالشبهات، بخلاف الضمان، و قد قلنا: إنّ تقريب النار تصرّف في الظرف و المظروف معا بالتضييع و الإتلاف.

و الوجهان جاريان في تقريب الفاتح النار من الظرف، و فيما إذا كان رأس الزقّ مفتوحا و جاء إنسان و قرّب منه النار(٤).

و لو أذابه أحدهما أوّلا ثمّ فتح الثاني رأسه فاندفق، فالضمان على الثاني؛ لأنّ التلف تعقّبه.٤.

١- فيما عدا «ع» من النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «حالهما» بدل «لهما».

٢- نهاية المطلب ٢٨٤:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٠١:٥، روضة الطالبين ٩٥:٤.

٣- الحاوي الكبير ٢١١:٧، المهذّب - للشيرازي - ٣٨٢:١، بحر المذهب ٩: ٨٣، الوجيز ٢٠٦:١، حلية العلماء ٢٥١:٥، البيان ٧٤:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٠١:٥، روضة الطالبين ٩٥:٤، المغني ٤٥٢:٥.

٤- العزيز شرح الوجيز ٤٠١:٥، روضة الطالبين ٩٥:٤.


و لو فتح زقّا مستعلى الرأس فخرج بعض ما فيه و استمرّ خروجه قليلا قليلا فجاء آخر فنكسه فاندفق، فضمان ما خرج بعد التنكيس على المنكّس، و ما قبله على الفاتح؛ لأنّ فعل الثاني أخصّ، كالجارح و الذابح.

تذنيب: لو حلّ رباط سفينة فذهبت أو غرقت بالحلّ، ضمن؛ لأنّه سبب في الإتلاف، سواء كان تعقّب فعله أو تراخى، و الخلاف فيهما كالطائر في القفص، و سيأتي(١).

و لو تلفت بسبب حادث من هبوب ريح أو غيره، فالأقرب: الضمان أيضا؛ لأنّها لو كانت مربوطة لم تغرق، فالحلّ سبب في تغريق الهواء إيّاها.

و قال بعض الشافعيّة: لا يضمن(٢).

و إن لم يظهر سبب حادث، فللشافعيّة وجهان(٣).

و كذا الوجهان في الزقّ إذا لم يظهر حادث لسقوطه(٤).

مسألة ١٠٠٨: لو فتح قفصا عن طائر فطار أو حلّ دابّة فذهبت،

فإن كان قد هيّج الطائر و الدابّة حتى طار و هرب ضمنه قولا واحدا؛ لأنّه ألجأه إلى الخروج و أتلفه على مالكه.

و إن لم يهيّجهما و لم يصدر منه سوى الفتح، فإمّا أن يطير في الحال من غير توقّف أو يقف، فإن طار في الحال أو هربت عقيب الحلّ بلا فصل ضمن أيضا عندنا - و به قال أحمد و مالك(٥) - لأنّه ذهب بسبب فعله، فلزمه

١- عن قريب.

٢- الحاوي الكبير ٢١٢:٧، المهذّب - للشيرازي - ٣٨٢:١، بحر المذهب ٩: ٨٣، البيان ٧٥:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٠١:٥، روضة الطالبين ٩٥:٤.

٣- الحاوي الكبير ٢١٢:٧، المهذّب - للشيرازي - ٣٨٢:١، بحر المذهب ٩: ٨٣، البيان ٧٥:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٠١:٥، روضة الطالبين ٩٥:٤.

٤- العزيز شرح الوجيز ٤٠١:٥، روضة الطالبين ٩٥:٤.

٥- المغني ٤٤٩:٥، الشرح الكبير ٤٤٤:٥، الإشراف على نكت مسائل الخلاف -

الضمان، كما لو نفّره أو ذهب عقيب فتحه و حلّه و تهييجه، و لأنّ الطائر ينفر ممّن قرب منه، فإذا طار عقيب الفتح أشعر ذلك بأنّه نفّره.


و للشافعيّة طريقان:

أظهرهما: أنّ في وجوب الضمان قولين، أحدهما: أنّه لا يلزمه الضمان - و به قال أبو حنيفة(١) - لأنّ للحيوان قصدا و اختيارا، ألا ترى أنّه يقصد ما ينفعه، و ينفر عمّا يضرّه، و يتوقّى المهالك، و أكثر ما يصدر من الفاتح التسبيب إلى تضييعه، فتقدّم مباشرة الطائر و اختياره، و لأنّ الفاتح سبب غير ملجئ، فهو كما لو وقف ثمّ ذهب.

و الوجه: الأوّل؛ لأنّ خروجه عقيب فتحه يدلّ على أنّه ألجأه إلى الخروج، فأشبه ما إذا هيّجه.

و الطريق الثاني: القطع بالضمان(٢).

و من الشافعيّة من فرّق بين أن يخرج الطائر من غير اضطراب و بين أن يضطرب ثمّ يخرج، فيدلّ ذلك على فزعه و تنفّره(٣).

و أمّا إن وقف الطائر و لم يطر في الحال ثمّ طار أو وقفت الدابّة عقيب الحلّ و لم تهرب ثمّ هربت من غير أن يهيّجهما، ضمن أيضا - و به قال٥.

١- بدائع الصنائع ١٦٦:٧، بحر المذهب ٨٠:٩، الوسيط ٣٨٥:٣، حلية العلماء ٢٤٩:٥-٢٥٠، التهذيب - للبغوي - ٣٣١:٤، البيان ٧٢:٧-٧٣، العزيز شرح الوجيز ٤٠٢:٥، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ١٠٨٤/٦٣٠:٢، المغني ٥: ٤٤٩، الشرح الكبير ٤٤٤:٥.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٠٢:٥.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٠٢:٥.


مالك و أحمد(١) - لأنّه ذهب بسبب فعله، فلزمه الضمان، كما لو نفّره أو ذهب به عقيب فتحه و حلّه؛ لأنّ فتح القفص سبب في إتلافه فضمنه، كما لو حفر بئرا فوقع فيها إنسان.

و للشافعيّة طريقان أيضا.

أحدهما: أنّه على قولين.

و أظهرهما: القطع بنفي الضمان - و به قال أبو حنيفة(٢) - لأنّ الطيران بعد الوقوف أمارة ظاهرة على أنّه طار باختياره، و المباشر مقدّم على السبب، و خصوصا و للطائر و الدابّة قصد و اختيار، و السبب هنا غير ملجئ، و إذا اجتمع السبب و المباشر لم يتعلّق الضمان بالسبب، بل بالمباشر، كما لو حفر بئرا فجاء عبد إنسان فرمى نفسه فيها، فإنّه لا ضمان على الحافر، و يفارق ما إذا وقع فيها إنسان، فإنّ السبب انفرد عن المباشرة(٣).

و ليس بجيّد؛ لأنّ المباشرة حصلت ممّن لا يمكن إحالة الحكم عليه فسقط، كما لو نفّر الطائر و أهاج الدابّة، أو أشلى كلبا(٤) على صبيّ فقتله،».

١- الإشراف على نكت مسائل الخلاف ١٠٨٤/٦٣٠:٢، المعونة ١٢٢١:٢، الذخيرة ٢٦٠:٨، المغني ٤٤٩:٥، الشرح الكبير ٤٤٤:٥، الحاوي الكبير ٧: ٢٠٨، نهاية المطلب ٢٨٢:٧، بحر المذهب ٨٠:٩، الوسيط ٣٨٥:٣، حلية العلماء ٢٥٠:٥، التهذيب - للبغوي - ٣٣١:٤، البيان ٧٢:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٠٢:٥.

٢- الحاوي الكبير ٢٠٨:٧، نهاية المطلب ٢٨٢:٧، بحر المذهب ٧٩:٩-٨٠، الوسيط ٣٨٥:٣، حلية العلماء ٢٥٠:٥، التهذيب - للبغوي - ٣٣١:٤، البيان ٧٢:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٠٢:٥.

٣- نفس المصادر مضافا إلى: المغني ٤٤٩:٥، و الشرح الكبير ٤٤٤:٥.

٤- أشلى كلبا: دعاه باسمه. العين ٢٨٥:٦، المحكم و المحيط الأعظم ١٠٤:٨ «شلى».


أو أطلق نارا في متاع إنسان، فإنّ للنار فعلا، لكن لمّا لم يمكن إحالة الحكم عليها كان وجوده كعدمه؛ لأنّ الطائر و سائر الصيود من طبعه النفور، و إنّما يبقى بالمانع، فإذا أزيل المانع ذهب بطبعه، فكان ضمانه على من أزال المانع، كمن قطع علاّقة قنديل فوقع فانكسر، و هكذا لو حلّ قيد عبد مجنون فذهب أو أسير فأفلت.

و قد ظهر أنّ أقوال الشافعي هنا ثلاثة:

أحدها: أنّه يضمن مطلقا، و به قال أصحابنا و مالك و أحمد(١).

و ثانيها: أنّه لا يضمن مطلقا.

و أظهرها: أنّه يضمن في الحال، و لا يضمن إن وقف ثمّ طار(٢) ، و يروى عن أبي حنيفة مثله و مثل القول الثاني، و هو الأشهر عنه(٣).

فروع:

أ: لو و ثبت هرّة حال فتح القفص و دخلته و قتلت الطائر، لزمه الضمان؛ لأنّ الفتح يشتمل على إغراء الهرّة، كما في تنفير الطائر.

ب: لو كان القفص ضيّقا فاضطرب بخروج الطائر و سقط فانكسر، وجب ضمانه على الفاتح.

ج: لو كسر الطائر في خروجه قارورة إنسان، لزمه الضمان؛ لأنّ فعل الطائر منسوب إليه.

د: لو كان شعير في جراب مشدود الرأس و بجنبه حمار ففتح فاتح رأسه فأكله الحمار في الحال، لزمه الضمان.٥.

١- راجع: الهامش (١) من ص ١٦٨.

٢- نهاية المطلب ٢٨٢:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٠٢:٥، روضة الطالبين ٩٥:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٠٢:٥.


ه: لو حلّ رباط بهيمة أو فتح باب الاصطبل فخرجت فضاعت، فعليه الضمان.

و فرّق بعض الشافعيّة بين الحيوان النافر بطبعه و الآنس، و يجعل خروج الآنس على الاتّصال كخروج النافر على الانفصال(١).

و: لو فتح مراح غنمه(٢) فخرجت فرعت زرع إنسان، ضمنه.

و قال بعض الشافعيّة(٣): لا يضمن؛ لأنّه [غير](٤) ملجئ(٥).

و لو كان الفاتح المالك، فإن كان نهارا فلا ضمان عليه، و إن كان ليلا فعليه الضمان؛ لأنّ عليه حفظها ليلا، فإذا ترك حفظها ضمن، كالوديعة.

و سوّى بعض الشافعيّة في الضمان مع الفتح ليلا و عدمه مع الفتح نهارا بين المالك و غيره(٦).

و منع الباقون من الضمان؛ لأنّه ليس عليه حفظ بهيمة الغير عن الزرع(٧).

ز: لو حلّ قيد العبد المجنون أو فتح باب السجن فهرب، ضمن، كما لو حلّ رباط البهيمة.

و إن كان عاقلا، فإن لم يكن آبقا فلا ضمان؛ لأنّ له اختيارا صحيحا، و ذهابه مستند إليه، محال عليه.٤.

١- نهاية المطلب ٢٨٣:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٠٣:٥.

٢- في «ص»: «غنم».

٣- في النّسخ الخطّيّة: «و قال الشافعيّة».

٤- بدل ما بين المعقوفين في «ر» و الطبعة الحجريّة: «ليس»، و هي لم ترد في «ص، ع»، و الصحيح ما أثبتناه.

٥- لم نعثر عليه في مظانّه.

٦- العزيز شرح الوجيز ٤٠٣:٥، روضة الطالبين ٩٦:٤.

٧- العزيز شرح الوجيز ٤٠٣:٥، روضة الطالبين ٩٦:٤.


و إن كان آبقا، ففي الضمان إشكال من حيث استناد فعله إليه فكان مباشرا، و مباشرته معتبرة؛ لأنّه عاقل، بخلاف المجنون، و إباقه لا ينفي صدور فعله عنه، فلا يضمن من حلّ قيده، و هو أحد قولي الشافعيّة(١) ، و من حيث إنّ المالك قد اعتمد ضبطه، فإطلاقه إتلاف عليه، و هو أحد قولي الشافعيّة(٢).

ح: لو وقع طائر على جداره فنفّره، لم يضمن؛ لأنّه كان ممتنعا من قبل، فتنفيره لم يكن سبب فدائه.

و لو رماه في الهواء فقتله، ضمن، سواء كان في هواء داره أو في غيره؛ إذ ليس له منع الطائر من هواء ملكه و قد كان يمكنه تنفيره بغير قتله.

ط: لو فتح القفص و حلّ قيد الفرس أو العبد المجنون فبقيا واقفين فجاء إنسان فنفّرهما فذهبا، فالضمان على منفّرهما، لأنّ سببه أخصّ، فاختصّ الضمان به، كالدافع و الحافر.

ي: لو فتح باب الحرز فسرق المتاع آخر أو دلّ سارقا [فسرق](٣) أو أمر غاصبا حتى غصب أو بنى دارا فألقت الريح فيها ثوبا فضاع، فلا ضمان عليه؛ لأنّه لم يوجد منه إثبات يد على المال، و لا مباشرة إتلاف، و لا سبب يمكن تعليق الضمان به.

أمّا في الصورة الأخيرة فلا سبب أصلا؛ لأنّه لا يقصد ببناء الدار ذلك.

و أمّا فيما سواها فلأنّه طرأ عليه مباشرة المختار، فانقطعت الإضافة إلى السبب.ق.

١- العزيز شرح الوجيز ٤٠٣:٥، روضة الطالبين ٩٦:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٠٣:٥، روضة الطالبين ٩٦:٤.

٣- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.


مسألة ١٠٠٩: لو ألقت الريح إلى داره ثوب غيره،

لزمه حفظه؛ لأنّه أمانة حصلت تحت يده، فلزمه حفظه، كاللقطة، فإن لم يعرف صاحبه فهو لقطة تثبت فيه أحكامها، و إن عرف صاحبه لزمه إعلامه، فإن لم يفعل ضمن؛ لأنّه أمسك مال غيره بغير إذنه من غير تعريف، فصار كالغاصب.

و هل تثبت يده عليه تبعا لإثبات يده على الدار؟ الأقرب ذلك.

و لو سقط الطائر في داره لم يلزمه حفظه، و لو عرف مالكه لم يلزمه إعلامه به؛ لأنّه محفوظ بنفسه.

و لو دخل برجه فأغلق عليه بابه ناويا إمساكه لنفسه، ضمنه؛ لأنّه أمسك مال غيره لنفسه، فهو كالغاصب، و إلاّ فلا ضمان عليه؛ لأنّ له التصرّف في برجه كيف شاء بالفتح و الغلق، فلا يضمن مال غيره بتلفه ضمنا بسبب تصرّفه في ملكه الذي لم يتعدّ فيه.

مسألة ١٠١٠: لو حبس المالك عن ماشيته و منعه من حفظها فتلفت،

ففي الضمان إشكال ينشأ من أنّ مثل هذه سبب في التلف، و من أنّه لم يتصرّف في المال، و إنّما تصرّف في المالك.

و قال بعض الشافعيّة: لا ضمان(١).

و قال آخرون منهم بنفي الضمان فيما إذا لم يقصد منع المالك عن الماشية، و إنّما قصد الحبس فأفضى الأمر إلى هلاكها(٢).

و بالجملة، فالوجهان الجاريان فيما إذا فتح الزقّ عن جامد فذاب ما فيه بشروق الشمس و ضاع آتيان هنا(٣).

١- الوجيز ٢٠٦:١، الوسيط ٣٨٤:٣، العزيز شرح الوجيز ٤٠٤:٥، روضة الطالبين ٩٦:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٠٤:٥، روضة الطالبين ٩٦:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٠٤:٥.


و لو كان له زروع و نخيل و أراد سوق الماء إليها فمنعه ظالم من السقي حتى فسدت، ففي الضمان قولان(١).

مسألة ١٠١١: لو نقل صبيّا حرّا إلى مضيعة فاتّفق سبع فافترسه،

فلا ضمان عليه؛ إحالة للهلاك على اختيار الحيوان و مباشرته، و لم يقصد الناقل بالنقل ذلك، و فيه إشكال.

أمّا لو نقله إلى مسبعة فافترسه سبع، وجب الضمان - و به قال أبو حنيفة(٢) - لأنّه قصد الإتلاف بالنقل.

و للشافعيّة وجهان، أشهرهما: أنّه لا ضمان(٣).

أمّا لو كان المنقول عبدا صغيرا أو حيوانا مملوكا للغير فإنّه يضمنه، سواء نقله إلى المضيعة أو المسبعة أو إلى غيرهما؛ لأنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه فكان ضامنا.

مسألة ١٠١٢: لو كان الحمّال قد حمل جذعا و شبهه فاستراح إلى جدار و أسنده به فوقع على شيء فأتلفه،

فإن كان الجدار ملك الغير و أسنده إليه بغير أمره ضمن الجدار و ما سقط عليه، و إن كان الجدار له و سقط في حال وضعه ضمن ما سقط عليه في الحال، و إن سقط بعد ذلك، فإن كان بضعف حصل له بإسناده الجذع إليه ضمن أيضا، و إن لم يكن كذلك لم يضمن، إلاّ أن يكون قد فرّط في الحائط و ترك عمارته فيضمن، كما يضمن في غيره.

و لو كان الساقط هو الجذع، ضمن إن كان في محلّ عدوان، أو فرّط

١- العزيز شرح الوجيز ٤٠٤:٥، روضة الطالبين ٩٦:٤-٩٧.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٠٤:٥.

٣- الوجيز ٢٠٦:١، الوسيط ٣٨٤:٣، العزيز شرح الوجيز ٤٠٤:٥، روضة الطالبين ٩٧:٤.


في ترك الاحتياط في الوضع، و إلاّ فلا.

و لو فتح باب دار إنسان أو هدم حائطه فدخل داخل و أخذ ماله، لم يضمن الهادم.

مسألة ١٠١٣: إذا أكلت بهيمة رجل حشيشا لقوم،

فإن كانت يد صاحبها عليها بأن يكون معها ضمن الحشيش، و إن لم يكن معها ضمن إن كان ليلا، و إن كان نهارا لم يضمن، و ذلك لأنّ على صاحب الدابّة حفظ دابّته ليلا، فإذا لم يحفظ ضمن ما تجنيه، و على صاحب الزرع حفظه نهارا، و به قال الشافعي(١).

و لو استعار من رجل بهيمة فأتلفت شيئا و هي في يد المستعير، فضمانه على المستعير، سواء أتلفت شيئا لمالكها أو لغير مالكها؛ لأنّ ضمانه يجب باليد و اليد للمستعير.

فإن كان قد باع الدابّة بحشيش فأكلته، فإن كان ذلك قبل قبضه فإن كانت الدابّة في يد البائع فقد استقرّ العقد؛ لأنّ تلفه من ضمانه، فكأنّه أتلفه بنفسه، و تكون الشاة للمشتري، و لا شيء للبائع، و إن لم تكن يد البائع عليها و يد المشتري عليها، فقد انفسخ العقد؛ لأنّ الثمن تلف قبل قبضه بغير جهة البائع، و يردّ المشتري الشاة، و لا شيء له.

و إن أكلت غير الثمن، فإن كانت في يد المشتري فلا ضمان، و إن كانت في يد البائع ضمن ما أتلفت و إن كانت ملكا للمشتري؛ لأنّ إتلافها في يده بمنزلة إتلافه، و هذا كما لو كانت رهنا فأتلفت شيئا للراهن ضمنه المرتهن.

١- راجع: المغني ٣٥١:١٠، و الشرح الكبير ٤٥٤:٥.

و إن كانت البهيمة في يد الراعي فأتلفت زرعا، فالضمان على الراعي دون صاحبها؛ لأنّ إتلافها للزرع في النهار لا يضمن إلاّ بثبوت اليد عليها، و اليد للراعي دون المالك، فكان الضمان عليه.

و إن كان الزرع للمالك، فإن كان ليلا ضمن أيضا؛ لأنّ ضمان اليد أقوى؛ بدليل أنّه يضمن به في الليل و النهار جميعا.

و إن كان البائع قبض الحشيش فأكلته الشاة، فإن كانت في يده فلا ضمان، و إن كانت في يد المشتري ضمنه، و كان البيع بحاله.

مسألة ١٠١٤: إذا أوقد في ملكه أو في الموات نارا فطارت شرارة إلى دار جاره فأحرقتها،

فإن لم يتجاوز قدر الحاجة و الهواء ساكن بل فعل ما جرت به العادة من غير تفريط، لم يضمن؛ لعدم تعدّيه، و لأنّها سراية فعل مباح فلم يضمن، كسراية القود، بخلاف من حلّ زقّا فاندفق ما فيه؛ لتعدّيه بحلّه، و لأنّ الغالب خروج المائع من الزقّ المفتوح، و ليس الغالب سراية هذا الفعل المعتاد إلى تلف مال غيره.

و إن كان قد فرّط في ذلك بأن أجّج نارا كثيرة تسري في العادة لكثرتها أو كانت الريح شديدة تحملها أو أوقد في ملك غيره، ضمن.

و إن سرت النار إلى غير الدار التي أوقد فيها ظلما، ضمن؛ لأنّه متعدّ في ذلك، فضمن سرايتها، كما لو جرحه عدوانا فسرى الجرح إلى النفس، فإنّه يضمن القتيل(١).

و لو أرسل في ملكه ماء فدخل في ملك غيره، فإن كان مفرّطا بأن كان الماء غالبا كثيرا أو لم يكن بينه و بين ملك غيره حاجز فأرسله، ضمن

١- في «ص، ع»: «القتل».


ما أفسد؛ لتعدّيه، فإن كان ماء قليلا و بين ملكه و ملك غيره حاجز فدخل في ملك غيره من موضع خفيّ، لم يضمن.

و لو كان لجاره شجرة فأوقد في ملك نفسه نارا فجفّت أغصان تلك الشجرة، ضمنها؛ لأنّ ذلك لا يكون إلاّ من نار كثيرة، إلاّ أن تكون الأغصان في هوائه فلا يضمنها؛ لأنّ دخولها عليه غير مستحقّ، فلا يمنع من التصرّف في داره لحرمتها.

مسألة ١٠١٥: زوائد المغصوب - مثل السمن و تعلّم الصنعة و غيرها من الصفات،

و مثل ثمرة الشجرة و بيض و ولد الحيوان من الأعيان - في يد الغاصب مضمونة ضمان الغصب، كالأصل، سواء طالبه المالك بالردّ أو لم يطالبه(١) ، متى تلفت في يد الغاصب ضمنها، سواء تلفت منفردة أو مع الأصل - و به قال الشافعي و أحمد(٢) - لأنّها مال المغصوب منه حصل في يده بالغصب، فضمنه بالتلف و الإتلاف معا، كالأصل.

و لأنّ غصب الأم يتضمّن منع حصول الولد في يد المالك، فأشبه إزالة يده عنه، كما أنّ من غرّ بحرّيّة أمة فأحبلها، كان الولد حرّا، و ضمن

١- في النّسخ الخطّيّة: «ر، ص، ع»: «أو لا» بدل «أو لم يطالبه».

٢- الإشراف على مذاهب أهل العلم ٣٢٥:٣، الحاوي الكبير ١٤٦:٧ و ١٥٠، المهذّب - للشيرازي - ٣٧٧:١، نهاية المطلب ١٩٠:٧-١٩١، بحر المذهب ٩: ٣٢ و ٣٦، الوجيز ٢٠٦:١، الوسيط ٣٨٦:٣، حلية العلماء ٢٢٥:٥، التهذيب - للبغوي - ٣٠٧:٤، البيان ٢٥:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٠٤:٥، روضة الطالبين ٩٧:٤، المغني ٣٩٩:٥-٤٠٠، الشرح الكبير ٤٠٣:٥-٤٠٤، تحفة الفقهاء ٩٠:٣، روضة القضاة ٧٧٤١/١٢٦٣:٣، المبسوط - للسرخسي - ٥٤:١١، مختصر اختلاف العلماء ١٨٦٠/١٧٤:٤، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢: ١٠٧٨/٦٢٩، الذخيرة ٢٨٣:٨، عيون المجالس ١٧٤٠:٤-١٢٢١/١٧٤١ و ١٢٢٢.


قيمته؛ لأنّه باعتقاد حرّيّة الأم منع دخول الولد في ملكه، فجعل كإتلاف ملكه.

و لأنّ اليد العادية مضمونة كالإتلاف، ثمّ الإتلاف قد يكون مباشرة و قد يكون على سبيل التسبّب، و كذا(١) اليد، و إثبات اليد على الأصول تسبّب إلى إثبات اليد على الأولاد، فليتعلّق به الضمان.

و قال أبو حنيفة و مالك: إنّه لا يضمنها، و هي أمانة تضمن بما تضمن به سائر الأمانات خاصّة، إلاّ أن يطالبه(٢) بها فيمتنع من أدائها فيضمن، كما في الأمانات؛ لأنّ إثبات يده على هذه الزوائد ليس من فعله المحرّم، لأنّه يبتنى على وجود الزوائد في يده، و وجودها ليس بفعل محرّم منه(٣).

و هو غلط؛ لأنّه بإمساك الأم تسبّب إلى إثبات يده على هذه الزوائد، و إثبات يده على الأم محرّم، و لأنّ ذلك يتوقّع فيقصد.

و قد ذهب بعضهم إلى أنّه إذا غصب هادي القطيع فتبعه القطيع أو غصب البقرة فتبعها العجل ضمن القطيع و العجل معا(٤).

و كذا يضمن حمل الأمة المبتاعة بالبيع الفاسد، و المقبوضة على وجه٤.

١- في «ص، ع»: «فكذا».

٢- في النّسخ الخطّيّة: «ر، ص، ع»: «يطالب».

٣- تحفة الفقهاء ٨٩:٣-٩٠، بدائع الصنائع ١٤٣:٧، المبسوط - للسرخسي - ٥٤:١١، مختصر اختلاف العلماء ١٨٦٠/١٧٤:٤، روضة القضاة ٣: ٧٧٣٩/١٢٦٣، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٣٢٥:٣، الحاوي الكبير ٧: ١٤٦، بحر المذهب ٣٣:٩ و ٣٦، حلية العلماء ٢٢٥:٥، الوسيط ٣٨٦:٣، البيان ٢٥:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٠٤:٥، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٦٢٨:٢-١٠٧٨/٦٢٩، الذخيرة ٢٨٣:٨، عيون المجالس ١٧٤٠:٤ - ١٢٢١/١٧٤١ و ١٢٢٢، المغني ٤٠٠:٥، الشرح الكبير ٤٠٤:٥.

٤- العزيز شرح الوجيز ٤٠٥:٥، روضة الطالبين ٩٧:٤.


السوم؛ لأنّ يده على الأم و الولد معا.

و يضمن أيضا المنافع المستوفاة بالإجارة الفاسدة بأجرة المثل، و المقبوض بالعقد الفاسد، و المقبوض على جهة السوم.

البحث الثالث: في إثبات اليد.

مسألة ١٠١٦: إثبات اليد العادية على مال الغير مباشرة

- كأن يغصب الشيء و يأخذه من يد مالكه و يستولي عليه - و تسبيبا - كما في الأولاد و سائر الزوائد - من أسباب الضمان.

و لو كانت يد أمانة ثمّ جحدها فهو من وقت الجحود غاصب.

و لا شكّ في تحقّق الغصب مع الاستيلاء و رفع يد المالك و إثبات يده.

و هل يتحقّق مع إثبات اليد عدوانا من غير أن ترفع يد المالك عن العين ؟ فأصحاب الشافعيّة على ذلك؛ لأنّ المستودع إذا جحد الوديعة فهو من وقت الجحود غاصب، و لأنّه لو طولب الغاصب بولد الغصب فامتنع كان غاصبا و إن لم تزل يد المالك(١).

و منعه آخرون و قالوا: إنّه لا غصب في الصورتين، لكنّه يضمن ضمان الغصب؛ لتقصيره في الأمانة بالجحود و الامتناع(٢).

و لا شكّ في أنّه لا يكفي في الغصب رفع يد المالك ما لم يثبت الغاصب يده، فلو منع غيره من إمساك دابّته المرسلة حتى تلفت لم يكن غاصبا.

١- الوسيط ٣٨٦:٣-٣٨٧، العزيز شرح الوجيز ٤٠٦:٥.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٠٦:٥.


و هل يضمن ؟ قال بعض علمائنا: لا يضمن(١). و فيه إشكال.

و كذا الإشكال لو منعه من القعود على بساطه حتى ألقاه الريح في البحر.

أمّا لو منعه من بيع متاعه حتى نقصت قيمته السوقيّة، فإنّه لا يضمن النقص؛ لوجود العين، أمّا لو تلفت العين فكذلك إن لم يمنعه من حفظها، و لو منعه من حفظها فالإشكال.

مسألة ١٠١٧: المغصوب إن كان من الأعيان المنقولة تحقّق بالنقل.

و هل يتحقّق بإثبات اليد من غير نقل ؟ الأقرب عندي ذلك، فلو ركب دابّة الغير و هي واقفة و لم تنتقل عن مكانها أو جلس على فراشه و لم ينقله، فالوجه: تحقّق الغصب فيه.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه لا بدّ من النقل، كما لا بدّ منه في قبض المبيع و سائر العقود.

و أصحّهما عندهم: أنّه يكون غاصبا - و هو المعتمد - لحصول غاية الاستيلاء بصفة الاعتداء(٢).

و أمّا القبض في البيع فله حكمان، أحدهما: دخوله في ضمانه، و ذلك حاصل بالركوب و الجلوس من غير نقل، و الثاني: تمكينه من التصرّف، فالركوب إمّا بإذن البائع أو من دون إذنه، فإن أذن البائع فالتمكّن حاصل، و إن لم يأذن فلا يتمكّن، لكن الحكم في النقل بغير إذنه مثله،

١- المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢٣٥:٣.

٢- نهاية المطلب ٢٣٤:٧، بحر المذهب ٥٤:٩، الوسيط ٣٨٧:٣، العزيز شرح الوجيز ٤٠٦:٥، روضة الطالبين ٩٨:٤.


فإذن لا فرق.

و يشبه أن تكون المسألة مقصورة فيما إذا قصد الراكب أو الجالس الاستيلاء، أمّا إذا لم يقصده، ففي كونه غاصبا للشافعيّة وجهان(١).

هذا إذا كان المالك غائبا، و إن كان حاضرا و أزعجه و جلس على الفراش ضمن، و كذا إذا لم يزعجه و كان بحيث يمنعه من رفعه و التصرّف فيه.

مسألة ١٠١٨: العقار يتصوّر غصبه،

و يكون غاصبه ضامنا بغصبه عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و مالك و محمّد بن الحسن(٢) - لما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «من غصب شبرا من أرض طوّقه من سبع أرضين»(٣) ، و في رواية: «من ظلم شبرا من الأرض طوّقه يوم القيامة من سبع أرضين»(٤) فأخبر عليه السّلام بأنّ العقار يغصب و يظلم فيه، و لأنّه يضمن في البيع، فيجب(٥) ضمانه في الغصب كالمنقول، و لأنّه يمكن الاستيلاء عليه على وجه يحول بينه و بين مالكه، مثل أن يسكن الدار و يمنع مالكها من

١- العزيز شرح الوجيز ٤٠٦:٥.

٢- المغني ٣٧٨:٥، الشرح الكبير ٣٧٥:٥، الحاوي الكبير ١٣٥:٧، نهاية المطلب ٢٣١:٧، بحر المذهب ٥٠:٩، الوجيز ٢٠٦:١، الوسيط ٣٨٧:٣، البيان ٥:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٠٦:٥، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢: ١٠٨٢/٦٣٠، بداية المجتهد ٣١٦:٢، المدوّنة الكبرى ٣٥٦:٥، بدائع الصنائع ١٦٥:٧، روضة القضاة ٧٧٣٣/١٢٦٢:٣، المبسوط - للسرخسي - ٧٣:١١، مختصر اختلاف العلماء ١٨٦٤/١٧٦:٤، مختصر القدوري: ١٢٩، الهداية - للمرغيناني - ١٢:٤-١٣.

٣- العزيز شرح الوجيز ٣٩٧:٥، المغني ٣٧٩:٥، الشرح الكبير ٣٧٥:٥.

٤- المغني ٣٧٩:٥، الشرح الكبير ٣٧٥:٥.

٥- في «ص، ع»: «فوجب».


دخولها، فأشبه ما لو أخذ الدابّة و المتاع.

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف: لا يتصوّر غصب العقار، و لا يضمن بالغصب، فإن أتلفه ضمنه بالإتلاف؛ لأنّه لا يوجد فيه النقل و التحويل فلم يضمنه، كما لو حال بينه و بين متاعه فتلف المتاع، و لأنّ الغصب إثبات اليد على المال عدوانا على وجه تزول يد المالك، و لا يمكن ذلك في العقار(١).

و ليس بصحيح؛ لأنّه إذا حال بينه و بين متاعه بحبسه فلم يستول عليه، فنظيره هنا أن يحبس المالك و لا يستولي على داره.

و عن أحمد روايتان:

إحداهما كما قلناه من إمكان الغصب و إثبات الضمان.

و الثانية: أنّه لا يضمن إلاّ بالإتلاف؛ لأنّه قال في رواية: من غصب أرضا فزرعها ثمّ أصابها غرق من الغاصب غرم قيمة الأرض، و إن كان شيئا من السماء لم يكن عليه شيء، و هذا يدلّ على أنّ الأرض لا تضمن بالغصب(٢).

و قد بيّنّا بطلانه.

إذا ثبت هذا، فكلّ ما أتلفه من الأرض بفعله أو بسبب فعله - كهدم٥.

١- بدائع الصنائع ١٦٥:٧، روضة القضاة ٧٧٣٢/١٢٦٢:٣، الفقه النافع ٦٤٥/٩٢٨:٣، المبسوط - للسرخسي - ٧٣:١١، مختصر اختلاف العلماء ١٨٦٤/١٧٦:٤، مختصر القدوري: ١٢٩، الهداية - للمرغيناني - ١٢:٤، المغني ٣٧٨:٥-٣٧٩، الشرح الكبير ٣٧٥:٥، الحاوي الكبير ١٣٥:٧، نهاية المطلب ٢٣١:٧، بحر المذهب ٥٠:٩، الوسيط ٣٨٧:٣، البيان ٥:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٠٧:٥، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ١٠٨٢/٦٣٠:٢، بداية المجتهد ٣١٦:٢-٣١٧.

٢- المغني ٣٧٨:٥، الشرح الكبير ٣٧٥:٥.


حيطانها و تغريقها و كشط ترابها و إلقاء الحجارة فيها - أو نقص - بغرسه أو بنائه - يضمنه إجماعا؛ لأنّ هذا إتلاف، و العقار يضمن بالإتلاف بلا خلاف.

مسألة ١٠١٩: العقار إمّا أن يكون مالكه فيه أو لا يكون،

فإن كان و أزعجه ظالم و دخل الدار بأهله على هيئة من يقصد السكنى، فهو غاصب، سواء قصد الاستيلاء أو لم يقصد، فإنّ وجود نفس الاستيلاء حقيقة يغني عن قصده.

و لو سكن بيتا من الدار و منع المالك عنه دون باقي الدار، فهو غاصب لذلك البيت دون باقي الدار.

و لو دخل دار غيره أو بستانه، لم يضمن بنفس الدخول من غير استيلاء، سواء دخلها بإذنه أو بغير إذنه، و سواء كان صاحبها فيها أو لم يكن.

و قال بعض أصحاب الشافعي: إن دخلها بغير إذنه و لم يكن صاحبها فيها، ضمنها، سواء قصد ذلك أو ظنّ أنّها داره أو أنّه أذن له في دخولها؛ لأنّ يد الداخل تثبت عليها بذلك، فيصير غاصبا، فإنّ الغصب إثبات اليد العادية، و هذا قد أثبت يده؛ بدليل أنّهما لو تنازعا في الدار و لا بيّنة لهما، حكم بها لمن هو فيها دون الخارج عنها(١).

و يشكل بأنّه دخل غير مستول عليها، فلم يضمنها، كما لو دخلها بإذنه أو دخل صحراه.

و أمّا إن أزعج المالك و لم يدخل الدار، ففي تحقّق الغصب إشكال

١- المغني ٣٧٨:٥، الشرح الكبير ٣٧٥:٥.


ينشأ: من اعتبار الدخول في غصبها أو لا؟ لكن قد سبق(١) في البيع أنّه لا يعتبر في قبض العقار دخوله و التصرّف فيه، و إنّما المعتبر التمكّن من التصرّف و التخلية و تسليم المفتاح إليه، و إذا كان حصول التمكّن بتمكين البائع قبضا، وجب أن يكون حصوله بالتسلّط و أخذ المفتاح بالقهر غصبا و إن لم يوجد الدخول، و من أنّ العرف قاض بأنّ الغصب إنّما يتحقّق بالدخول؛ لأنّ الاستيلاء به يحصل.

و المشهور عند الشافعيّة: الثاني؛ لأنّهم لم يعتبروا إلاّ الاستيلاء و منع المالك عنه(٢).

و لو لم يزعج المالك و لكنّه دخل و استولى مع المالك، كان غاصبا لنصف الدار؛ لاجتماع يدهما و استيلائهما عليه.

نعم، لو كان الداخل ضعيفا، و المالك قويّ لا يعدّ مثله مستوليا عليه، لم يكن غاصبا لشيء من الدار، و لا عبرة بقصد ما لا يتمكّن من تحقيقه.

أمّا إذا لم يكن مالك العقار فيه و دخل على قصد الاستيلاء، فهو غاصب و إن كان الداخل ضعيفا و صاحب الدار قويّا؛ لأنّ الاستيلاء حاصل في الحال، و أثر قوّة المالك سهولة إزالته و الانتزاع من يده، فكان كما لو سلب قلنسوة ملك، فإنّه يكون غاصبا و إن سهل على الملك انتزاعها و تأديبه، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه لا يكون غاصبا؛ لأنّ مثله في العرف بعيد من الاستيلاء(٣).

و إن دخل لا على قصد الاستيلاء لينظر هل تصلح له أو ليتّخذ مثلها، لم يكن غاصبا، لكن لو انهدمت في تلك الحالة، ففي الضمان إشكال٤.

١- في ج ١٠، ص ١٠١ و ما بعدها.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٠٧:٥، روضة الطالبين ٩٨:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٠٧:٥، روضة الطالبين ٩٨:٤.


ينشأ: من أنّه قد حصل التلف في يده، فكان كما لو أخذ منقولا من بين يدي مالكه لينظر هل يصلح له ليشتريه أو مثله فتلف في تلك الحالة، يضمنه، و من الفرق بينه و بين المنقول بأنّ اليد على المنقول حقيقة، فلا يحتاج في إثبات حكمها إلى قرينة، و اليد على العقار حكميّة، فلا بدّ في تحقّقها من قرينة قصد الاستيلاء.

و للشافعيّة وجهان كهذين الاحتمالين، و أصحّهما عندهم: الثاني(١).

تذنيب: الإزعاج غير معتبر في غصب العقار، فإنّه لو كان المالك غائبا و استولى بالدخول أو بإثبات اليد، صار غاصبا، و لا إزعاج هنا، و لو استولى مع المالك صار غاصبا للنصف، و لا إزعاج، بل المعتبر اليد و الاستيلاء، حتى لو اقتطع قطعة أرض ملاصقة لأرضه و بنى عليها حائطا و أضافها إلى ملكه يضمنها.

مسألة ١٠٢٠: كلّ يد ترتّبت على يد الغاصب فهي يد ضمان،

حتى يكون للمالك الخيار في المطالبة لمن شاء منهما، فإن شاء طالب الغاصب عند التلف، و إن شاء طالب من ترتّبت يده على يده.

و لا فرق بين أن يكون الثاني عالما بالغصب أو لم يعلم في ثبوت الضمان عليه؛ لأنّه أثبت يده على مال الغير بغير إذنه، و الجهل ليس مسقطا للضمان.

ثمّ الثاني إن كان عالما بالغصب فهو كالغاصب من الغاصب، للمالك مطالبته بكلّ ما يطالب به الغاصب، فإن تلف المغصوب في يده فاستقرار الضمان عليه، فلو غرّمه المالك لم يرجع على الغاصب الأوّل بشيء؛ لأنّه

١- العزيز شرح الوجيز ٤٠٧:٥.


ظالم بإمساك مال الغير في يده مع علمه بأنّه له، و قد حصل التلف في يده، و لو غرّم الأوّل رجع عليه.

هذا إذا لم تختلف قيمة العين في يدهما أو كانت في يد الثاني أكثر، و لو كانت في يد الأوّل أكثر لم يكن للمالك مطالبة الثاني بالزيادة؛ لأنّها تلفت في يد الأوّل قبل الوصول إليه، و إنّما يطالب الأوّل بها لا غير، و يستقرّ ضمانها عليه، فليس له الرجوع على الثاني بها، و لو رجع المالك عليه بالأصل و الزيادة، كان له الرجوع على الثاني بالأصل خاصّة دون الزيادة.

و إن جهل الثاني الغصب، فإن كانت اليد في وضعها يد ضمان - كالعارية مطلقا عند العامّة(١) ، و في صور الضمان عندنا، و المأخوذ بالسوم و الشراء صحيحة و فاسدة - استقرّ الضمان على الثاني.

و إن كانت يد أمانة - كالوديعة و العارية في غير صور الضمان، و الإجارة و الرهن و الوكالة - استقرّ الضمان على الغاصب.

و مذهب أكثر الشافعيّة على ما قلناه(٢).

و لهم وجه آخر فيما إذا كانت يده يد أمانة و كان جاهلا بالغصب، فإنّه لا يكون ضامنا، كما أنّه لا يستقرّ الضمان عليه(٣).

و لهم وجه آخر فيما إذا كانت يده يد أمانة، كالوديعة و الإجارة و شبههما، فإنّه يثبت قرار الضمان فيها و إن كان جاهلا(٤).

[و القرض](١) معدود من أيدي الضمان.٤.

١- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و القبض». و ما أثبتناه كما في العزيز شرح الوجيز ٤٠٩:٥، و روضة الطالبين ١٠٠:٤.


و لو وهب المغصوب من إنسان فتلف في يده، فقرار الضمان على الغاصب - و للشافعيّة قولان(١) - لأنّ يد الاتّهاب ليست يد ضمان.

و أصحّهما عندهم: أنّه على المتّهب؛ لأنّه أخذه للتملّك(٢).

و لو زوّج الجارية التي غصبها فتلفت عند الزوج، فللمالك مطالبة الزوج بالقيمة.

و للشافعيّة طريقان:

قيل: هو كالمستودع.

و منهم من قطع أنّه لا يطالب؛ لأنّ كون الزوجة في حبال الزوج ليس ككون المال في يد صاحب اليد(٣).

مسألة ١٠٢١: قد بيّنّا حكم قرار الضمان عند تلف المغصوب في يد من ترتّبت يده على يد الغاصب،

أمّا إذا أتلفه فإنّ قرار الضمان على المتلف إن استقلّ به؛ لأنّ الإتلاف أقوى من إثبات اليد العادية، فإن رجع المالك على الغاصب رجع الغاصب على المتلف، و إن رجع على المتلف لم يرجع على الغاصب.

و لو لم يستقل بالإتلاف، بل شاركه فيه غيره، فالضمان عليهما معا، فيرجع المالك على كلّ واحد منهما بالنصف، و لا يرجع أحدهما على الآخر بشيء.

و لو استقلّ كلّ واحد منهما بإثبات اليد عليه في وقتين متغايرين ثمّ أتلفاه معا، كان للمالك أن يرجع على كلّ واحد بالنصف، و إن شاء رجع

١- العزيز شرح الوجيز ٤٠٩:٥، روضة الطالبين ١٠٠:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٠٩:٥، روضة الطالبين ١٠٠:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٠٩:٥، روضة الطالبين ١٠٠:٤.


على من شاء منهما بالجميع، و على أيّهما رجع بالجميع رجع على صاحبه بالنصف الذي باشر إتلافه، و لا نعلم في ذلك خلافا.

مسألة ١٠٢٢: لو غصب طعاما فأطعمه غيره،

فلا يخلو إمّا أن يطعمه لغير صاحبه أو يطعمه لصاحبه، فإنّ أطعمه لغير صاحبه فإنّ هذا الآكل يجب عليه ضمانه لصاحبه؛ لأنّه أتلف ماله بغير حقّ و لا إذن صاحبه، و لأنّه قبضه من يد ضامنه بغير إذن مالكه، فكان عليه ضمانه.

ثمّ المالك بالخيار في الرجوع على من شاء من الغاصب أو الآكل، فإن رجع على الغاصب رجع بقيمته أكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف؛ لأنّه صار في يد الآكل مضمونا على الغاصب، و إن رجع على الآكل رجع بأكثر ما كانت قيمته من حين تناوله إلى حين أكله؛ لأنّ ما قبل ذلك لم يكن مضمونا عليه، فإن كانت قيمته قبل ذلك أكثر (رجع بما)(١) بين القيمتين على الغاصب.

إذا ثبت هذا، فإن رجع المالك على الآكل فهل يرجع الآكل على الغاصب ؟ ينظر إن كان الآكل عالما بأنّه مغصوب إمّا بقول الغاصب أو بغير قوله، لم يرجع على الغاصب، و كان قرار الضمان عليه؛ لأنّه أتلف مال غيره بغير إذنه عالما من غير غرور في أكله.

و إن كان جاهلا غير عالم بالغصب، فإن كان الغاصب قال له: «كله فإنّه ملكي، أو طعامي» استقرّ الضمان عليه باعترافه بأنّ الضمان باق عليه و أنّه لا يلزم الآكل شيء.

و هل يرجع على الآكل ؟ للشافعيّة قولان:

أحدهما: أنّه ليس للمالك الرجوع على الآكل؛ لأنّه مغرور، فاستقرّ

١- بدل ما بين القوسين في «ص، ع»: «فما».


الضمان على الغاصب؛ لأنّه غرّه حيث قدّم إليه الطعام و أوهمه أنّه لا تبعة فيه عليه، و هو قول الشافعي في القديم و بعض كتب الجديد.

و الثاني: أنّه يرجع على الآكل أيضا - و هو المشهور من الجديد للشافعي، و به قال أبو حنيفة و المزني، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة عندهم - و يستقرّ الضمان على الآكل؛ لأنّه المتلف، و عليه عادت منفعته، فعلى هذا إذا غرم الآكل لم يرجع على الغاصب، و الغاصب إذا غرم رجع على الآكل، و على القول القديم الحكم بالعكس(١).

و كذا القولان و الخلاف إذا قدّم الغاصب الطعام ضيافة حتى أكله و لم يقل: إنّه ملكي أو طعامي، و لم يذكر شيئا(٢).

و عن أحمد روايتان كالقولين فيما إذا لم يقل الغاصب شيئا، بل قدّم الطعام:

إحداهما: يستقرّ الضمان على الآكل - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في الجديد - لأنّه ضمن ما أتلف فلم يرجع به على أحد.

و الثانية: يستقرّ الضمان على الغاصب؛ لأنّه غرّه و أطعمه على أنّه لا يضمنه(٣) ، و هو الذي يقتضيه مذهبنا.

و في الصورة الأولى و هي ما إذا قدّم الطعام و قال: «هو ملكي» فأكله، ففي رجوع الآكل لو غرم على الغاصب القولان السابقان للشافعيّة(٤).

و لو غرم الغاصب، قال المزني: يرجع على الآكل، و غلّطه باقي الشافعيّة فيه؛ لأنّ في ضمن قوله: «إنّه ملكي» اعترافا بأنّ البيّنة كاذبة، و أنّه٤.

١- العزيز شرح الوجيز ٤٠٩:٥-٤١٠، روضة الطالبين ١٠٠:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٠٩:٥-٤١٠، روضة الطالبين ١٠٠:٤.

٣- المغني ٤٣٦:٥، الشرح الكبير ٤٢٤:٥.

٤- العزيز شرح الوجيز ٤١٠:٥، روضة الطالبين ١٠٠:٤.


مظلوم بأخذ القيمة منه، فلا يرجع به على غير الظالم، فأمّا إذا أباحه أو وهبه منه، فليس منه فيه تصريح بتكذيب البيّنة، فافترقا(١).

و أمّا إذا أطعمه صاحبه المغصوب منه، فإن علم أنّه طعامه فقد قبضه و برئ منه الغاصب، و إن لم يعلم و أباحه له فأكله جاهلا، ففي ضمان الغاصب للشافعيّة قولان:

المنصوص عنه: أنّه يضمنه - و هو الذي يقتضيه مذهبنا - لأنّه لم يردّ المغصوب إلى المالك ردّا تامّا، و لم يردّ سلطنته على المال و لا يده إلى ما كانت عليه، فإنّه لا يتمكّن من التصرّف فيه بكلّ ما يريد من أخذه و بيعه و الصدقة به، فلم يبرأ الغاصب، كما لو أعلفه دوابّ المغصوب منه.

و الثاني: أنّ الغاصب يبرأ من الضمان - و به قال أصحاب الرأي(٢) ، و عن أحمد روايتان(٣) كالقولين - لأنّ المالك أكل مال نفسه، فلا يجب له على غيره ضمانه، كما لو علم به، أو كان عبدا فأعتقه(٤).

و الفرق: أنّه مع العلم قد اختار إتلافه، و أمّا العتق فإن علم به نفذ عتقه، و إن لم يعلم فنمنع نفوذ عتقه (و به قال)(٥) الشافعي(٦).٤.

١- العزيز شرح الوجيز ٤١٠:٥، روضة الطالبين ١٠٠:٤.

٢- بدائع الصنائع ١٥٠:٧، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٣٥٧:٣، بحر المذهب ٧٨:٩، البيان ٦٨:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٠:٥.

٣- المغني ٤٣٧:٥، الشرح الكبير ٤٢٤:٥-٤٢٥.

٤- الحاوي الكبير ٢٠٧:٧، المهذّب - للشيرازي - ٣٨١:١، نهاية المطلب ٢٧٨:٧، بحر المذهب ٧٨:٩، الوسيط ٣٨٩:٣، حلية العلماء ٢٤٥:٥، التهذيب - للبغوي - ٣١٨:٤، البيان ٦٨:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٠:٥، روضة الطالبين ١٠١:٤.

٥- بدل ما بين القوسين في النّسخ الخطّيّة: «و هو قول».

٦- راجع: بحر المذهب ٧٩:٩، و البيان ٧٠:٧، و العزيز شرح الوجيز ٤١١:٥، و روضة الطالبين ١٠١:٤.


مسألة ١٠٢٣: لو وهب الغاصب الطعام من أجنبيّ و سلّمه إليه فأتلفه،

فإن كان المتّهب عالما استقرّ الضمان عليه، و إن كان جاهلا فللشافعي قولان، و أولى بأن يستقرّ الضمان على المتّهب؛ لجعل الملك له(١).

و لو تلف تحت يد المتّهب، فقولان:

أحدهما: أنّ القرار على الغاصب؛ لأنّ يد الاتّهاب ليست يد ضمان.

و أصحّهما عندهم: أنّ القرار على المتّهب؛ لأنّه أخذه للتملّك(٢).

و لو وهبه من المالك أو أهداه إليه فأتلفه، فهل يرجع ؟ قولان:

أحدهما: يرجع؛ لأنّه لم يعلم أنّه له، فهو بمنزلة الإباحة.

و الثاني: لا يرجع؛ لأنّه قد تسلّمه تسلّما تامّا فسقط حقّه، بخلاف الإباحة، و زالت يد الغاصب عنه بالكلّيّة(٣) ، و هو الأقوى.

و لو دفع إليه عوض حقّه عنده على سبيل الهديّة أو الهبة فأخذه المالك على هذا الوجه و نوى الدافع الدفع عن حقّه الذي كان له عليه، فيحتمل البراءة أيضا.

و قال أحمد: لا يبرأ؛ لأنّه لم يأخذه على جهة المعاوضة، بل على جهة الهبة، فلم تثبت المعاوضة، بخلاف ما لو وهب الغاصب عين الغصب من المالك مع جهل المالك؛ لأنّه ردّ عليه عين ماله، و أعاد يده التي أزالها(٤).

١- التهذيب - للبغوي - ٣١٨:٤، العزيز شرح الوجيز ٤١٠:٥، روضة الطالبين ٤: ١٠٠.

٢- راجع: الهامش (١ و ٢) من ص ١٨٦.

٣- بحر المذهب ٧٨:٩، البيان ٦٩:٧، حلية العلماء ٢٤٤:٥-٢٤٥.

٤- المغني ٤٣٧:٥، الشرح الكبير ٤٢٥:٥.


و لو باعه إيّاه و سلّمه إليه، برئ من الضمان؛ لأنّه قبضه بالابتياع، و الابتياع يوجب الضمان على المشتري.

و لو أقرضه إيّاه، برئ أيضا؛ لذلك.

و لو أعاره إيّاه عارية مضمونة أو كانت العين ممّا تضمن بالعارية، برئ أيضا؛ لأنّ هذه العارية توجب الضمان.

أمّا لو أودعه إيّاه أو آجره أو رهنه إيّاه، لم يبرأ من الضمان، إلاّ أن يكون عالما بالحال؛ لأنّه لم يعد إليه سلطانه، إنّما قبّضه إيّاه على جهة الأمانة.

و قال بعض الشافعيّة: يبرأ؛ لأنّه عاد إلى يده و سلطانه(١).

و ليس بجيّد؛ لأنّه لو أباحه فأكله لم يبرأ فهنا أولى.

فروع:

أ: لو قدّم الطعام المغصوب إلى عبد إنسان فأكله، فإن جعلنا القرار على الحرّ إذا قدّمه إليه فأكله، فهذه جناية من العبد يتبع بها بعد العتق عندنا.

و قال الشافعي: يباع فيها(٢).

و إن لم نجعل القرار على الحرّ، فلا يتبع و لا يباع، بل يطالب الغاصب.

ب: لو غصب شعيرا فأعلفه دابّة الغير من غير إذن المالك، فلا ضمان على مالك الدابّة إجماعا.٤.

١- الحاوي الكبير ٢٠٧:٧-٢٠٨، بحر المذهب ٧٨:٩، حلية العلماء ٢٤٥:٥، البيان ٦٨:٧-٦٩.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤١٠:٥، روضة الطالبين ١٠٠:٤.


و إن كان بإذنه، فإن كان عالما بالحال ضمن، و استقرّ الضمان عليه، و لو كان جاهلا، فللشافعيّة القولان(١).

و لو كانت الدابّة لمالك الشعير و كان جاهلا، لم يبرأ الغاصب.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّه لا يبرأ قولا واحدا.

و الثاني: أنّه إن كان العلف بإذن المالك فالقولان(٢).

و كذا الحكم فيما إذا غصب طعاما و أطعمه عبيد المالك للطعام.

ج: لو غصب شاة فأمر قصّابا فذبحها جاهلا بالحال، فقرار ضمان النقصان على الغاصب، و لا يخرّج على الخلاف في أكل الطعام؛ لأنّه ذبح للغاصب، و هناك انتفع به لنفسه.

د: لو أمر الغاصب إنسانا بإتلاف العين إمّا بالقتل أو بالإحراق أو نحوه ففعله، فإن كان عالما ضمن، و استقرّ الضمان عليه، و إن كان جاهلا بالغصب، فقرار الضمان على المتلف أيضا؛ لأنّه محظور، بخلاف الآكل، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه يجيء فيه القولان في آكل الطعام(٣).

و ليس بجيّد؛ لأنّ التغرير مع الحظر و التحريم لا وقع له.

ه: لو دخل المالك دار الغاصب و أكل طعاما على اعتقاد أنّه طعام الغاصب فكان طعام الآكل، برئ الغاصب؛ لأنّ المالك أتلف مال نفسه في١.

١- راجع: العزيز شرح الوجيز ٤١٠:٥، و روضة الطالبين ١٠٠:٤.

٢- راجع: الحاوي الكبير ٢٠٧:٧.

٣- التهذيب - للبغوي - ٣١٩:٤، العزيز شرح الوجيز ٤١٠:٥، روضة الطالبين ٤: ١٠١.


جهة منفعته من غير تغرير من الغاصب.

و: لوصال العبد المغصوب على مالكه فقتله المالك في الدفع، فإن كان يمكن الدفع بدونه، برئ الغاصب؛ لأنّ المالك أتلف عين ماله، و إن لم يمكن الدفع إلاّ بالقتل أو دفع على الوجه المشروع فأدّى الدفع إلى القتل، لم يبرأ الغاصب من الضمان، سواء علم أنّه عبده أو لم يعلم؛ لأنّ الإتلاف بهذه الجهة كإتلاف العبد نفسه في مصلحته.

ز: لو زوّج الجارية المغصوبة من مالكها و المالك جاهل فتلفت عنده لم يبرأ من الضمان، كما لو أودع المغصوب عنده فتلف، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(١).

فإن استولدها، نفذ الاستيلاد.

و هل يبرأ الغاصب ؟ إشكال، أقربه: العدم. و للشافعيّة قولان(٢).

ح: لو قال الغاصب لمالك العبد المغصوب: أعتقه، فأعتقه جاهلا بالحال، ففي نفوذ العتق إشكال ينشأ: من أنّه لم يرض بإعتاق عبده، و من إضافة العتق إلى رقيقه، و العتق لا يندفع بالجهل.

و للشافعيّة وجهان، أصحّهما عندهم: الثاني، فإن قالوا بالصحّة، فهل يبرأ الغاصب عن الضمان ؟ وجهان:

أحدهما: أنّه لا يبرأ، بل يرجع المالك عليه بالغرم؛ لأنّه لم يرض بزوال ملكه.

و أصحّهما عندهم: البراءة؛ لانصرافه إلى جهة صرفه إليها بنفسه، و عادت مصلحتها إليه(٣).٤.

١- العزيز شرح الوجيز ٤١١:٥، روضة الطالبين ١٠١:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤١١:٥، روضة الطالبين ١٠١:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤١١:٥، روضة الطالبين ١٠١:٤.


و لو قال: أعتقه عنّي، ففعل جاهلا، ففي نفوذ العتق وجهان، أقربهما عندي: النفوذ، و يضمن الغاصب.

و للشافعيّة وجهان، أحدهما: النفوذ، و على تقديره ففي وقوعه عن الغاصب وجهان، أحدهما: المنع(١).

و لو قال المالك للغاصب: أعتقه عنّي، أو مطلقا، فأعتق، عتق و برئ الغاصب.٢.

١- العزيز شرح الوجيز ٤١١:٥، روضة الطالبين ١٠١:٤-١٠٢.


الفصل الثالث: في المضمونات.

اشارة

المغصوبات قسمان:

أحدهما: ما ليس بمال.

و الثاني: ما يعدّ مالا، و ينقسم إلى الأعيان و المنافع، فهنا مباحث ثلاثة:

البحث الأوّل: فيما لا يعدّ مالا.

مسألة ١٠٢٤: لا يثبت الغصب فيما ليس بمال،

كالحرّ، فإنّه لا يضمن بالغصب، بل بالإتلاف، سواء كان صغيرا أو كبيرا، فلو أخذ حرّا صغيرا كان أو كبيرا فحبسه فمات عنده لا بسبب الحبس، لم يكن ضامنا؛ لأنّه ليس بمال، و إنّما يضمن الحرّ بالجناية عليه، و سيأتي - إن شاء اللّه تعالى - في باب الجنايات، و يضمن منافعه على ما يأتي.

و كذا لا يثبت الغصب فيما ليس بمال ممّا تقدّم في كتاب البيع، كالعذرات و الأبوال و كلب الهراش و الخنزير و أشباه ذلك.

مسألة ١٠٢٥: لو غصب كلب صيد أو زرع أو حائط أو ماشية،

وجب عليه ردّه إلى مالكه؛ لأنّ له قيمة في نظر الشرع، و يجوز اقتناؤه و الانتفاع به، فأشبه غيره من الأموال.

و لو أتلفه، ضمن القيمة التي قدّرها الشرع، و سيأتي.

و قال أحمد: لا يغرم شيئا(١). و ليس بجيّد.

١- المغني ٤٤٥:٥، الشرح الكبير ٣٧٦:٥.


و لو حبسه عن مالكه مدّة، لزمه أجرته عندنا؛ لأنّه يصحّ استئجاره عندنا، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: أنّه لا يلزمه أجرة؛ لأنّه لا يصحّ استئجاره عنده، و به قال أحمد(١).

و لو غصب جلد ميتة، لم يجب ردّه؛ لأنّه لا يطهر عندنا بالدباغ، و هو إحدى الروايتين عن أحمد(٢).

و بالجملة، كلّ من قال بطهارته بعد الدبغ أوجب ردّه، و إلاّ فلا؛ لأنّه يمكن إصلاحه عند القائل بطهارته، كما يمكن تطهير الثوب النجس(٣).

و عندنا نجس لا يطهر بالدباغ، فلا سبيل إلى إصلاحه، فلا يعدّ من الأموال.

و لو أتلفه أو أتلف ميتة بجلدها، لم يكن عليه ضمان؛ لأنّه لا قيمة له.

و لو دبغه الغاصب، لم يطهر بالدباغ عندنا.

و القائلون بطهارته أوجبوا إعادته؛ لأنّه بمنزلة الخمر إذا تخلّلت(٤).

و يحتمل أن لا يجب ردّه عند من طهّره أيضا؛ لأنّه صار مالا بفعله، بخلاف الخمر(٥).

و على قولنا بعدم طهارته، لم يجب ردّه عندنا، و هو ظاهر.

و قال بعض من وافقنا: إنّه يجب ردّه أيضا؛ لأنّه ينتفع به في اليابسات، لأنّه نجس يباح الانتفاع به، و كذا قبل الدبغ عندهم(٦). و ليس بمعتمد.٥.

١- المهذّب - للشيرازي - ٣٨١:١، الوجيز ٢٠٨:١، الوسيط ٣٩٤:٣، حلية العلماء ٢٤٧:٥، التهذيب - للبغوي - ٣٠٥:٤، البيان ٧٠:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٨:٥، روضة الطالبين ١٠٥:٤، المغني ٤٤٥:٥، الشرح الكبير ٥: ٣٧٦.

(٢الى٦) المغني ٤٤٥:٥، الشرح الكبير ٣٧٨:٥.


مسألة ١٠٢٦: لو أتلف خمرا أو خنزيرا،

فلا يخلو إمّا أن يكون المتلف مسلما أو كافرا، و على التقديرين فصاحبهما إمّا مسلم أو كافر، فالأقسام أربعة:

الأوّل: أن يكونا مسلمين، فلا ضمان إجماعا؛ لأنّهما غير مملوكين للمسلم، و لا يصحّ له ملكهما، و لا ماليّة فيهما بالنسبة إليه، فلا ضمان في إتلافهما.

الثاني: أن يكونا ذمّيّين، فيجب ضمانهما عندنا بالقيمة عند مستحلّيهما - و به قال مالك و أبو حنيفة، إلاّ أنّ أبا حنيفة قال: يضمنان بالمثل(١) - لأنّ الخمر مال لهم يتموّلونها؛ لأنّ عامل عمر كتب إليه: إنّ أهل الذمّة يمرّون بالعاشر(٢) و معهم الخمر، فكتب إليه عمر: ولّهم بيعها و خذ منهم عشر أثمانها(٣) ، فإذا ثبت أنّها مال لهم يجوز لهم بيعها وجب أن تضمن لهم، كسائر أموالهم، و لأنّ عقد الذمّة (إذا عصم أموالهم قوّمها، فإذا أتلف متلف عينا ضمن)(٤) كنفس الآدمي، و قد عصم العقد خمر الذمّي؛ لأنّ المسلم يمنع من إتلافها فيجب أن يغرمها.

١- المبسوط - للسرخسي - ١٠٣:١١، تحفة الفقهاء ٩٥:٣، الفقه النافع ٣: ٦٥٩/٩٣٤، بدائع الصنائع ١٦٧:٧، الهداية - للمرغيناني - ٢١:٤، الحاوي الكبير ٢٢١:٧، نهاية المطلب ٢٩٥:٧، بحر المذهب ٩٨:٩، حلية العلماء ٥: ٢٤٩، البيان ٧١:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٣:٥، المغني ٤٤٣:٥، الشرح الكبير ٣٧٧:٥.

٢- العاشر: هو الذي يأخذ عشر المال. لسان العرب ٥٧٠:٤ «عشر».

٣- الحاوي الكبير ٢٢١:٧، المغني ٤٤٣:٥، الشرح الكبير ٣٧٧:٥.

٤- بدل ما بين القوسين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عصم أموالهم، فإذا أتلف متلف عينا فوتها ضمن». و هي كما ترى، و المثبت كما في المغني ٤٤٣:٥، و الشرح الكبير ٣٧٧:٥.


و قال الشافعي و أحمد: لا يضمن المتلف شيئا؛ لما روى جابر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال: «ألا إنّ اللّه تعالى و رسوله حرّم بيع الخمر و الميتة و الخنزير و الأصنام»(١) و ما حرم بيعه لا لحرمته لم تجب قيمته، كالميتة.

و لأنّ ما لم يكن مضمونا في حقّ المسلم لم يكن مضمونا في حقّ الذمّيّ، كالمرتدّ، و لأنّه غير متقوّم فلا يضمن، كالميتة، أمّا الصغرى: فلأنّها غير متقوّمة في حقّ المسلم فكذا في حقّ الذمّيّ، فإنّ تحريمها ثبت في حقّهما، و خطاب النواهي يتوجّه إليهما، فما ثبت في حقّ أحدهما ثبت في حقّ الآخر، و الكبرى ظاهرة(٢).

و الحديث لا دلالة فيه على المطلوب؛ لأنّ التحريم لا ينافي الضمان، و كذا ما ذكروه.

هذا إذا كان الكافر مستترا به، و أمّا إن أظهره و أظهر منافعه فلا ضمان على متلفه.

الثالث: أن يكون المتلف مسلما و صاحبه كافرا، فعندنا يضمنان إن كان الذّمّي مستترا بهما غير متظاهر بهما - و به قال مالك و أبو حنيفة(٣) - -

١- صحيح البخاري ١١٠:٣، صحيح مسلم ١٥٨١/١٢٠٧:٣، سنن الترمذي ٣: ١٢٩٧/٥٩١.

٢- الحاوي الكبير ٢٢١:٧، نهاية المطلب ٢٩٥:٧، بحر المذهب ٩٨:٩، حلية العلماء ٢٤٨:٥، البيان ٧١:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٣:٥، روضة الطالبين ٤: ١٠٦، المغني ٤٤٢:٥-٤٤٣، الشرح الكبير ٣٧٦:٥-٣٧٧.

٣- المدوّنة الكبرى ٣٦٩:٥، النوادر و الزيادات ٣٥٦:١٠، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ١٠٨٦/٦٣١:٢، عيون المجالس ١٢٣٠/١٧٥٦:٤، الذخيرة ٨: ٢٧٧، مختصر القدوري: ١٣٠، تحفة الفقهاء ٩٥:٣، الفقه النافع ٦٥٩/٩٣٤:٣، بدائع الصنائع ١٦٧:٧، الهداية - للمرغيناني - ٢١:٤، الحاوي الكبير ٢٢١:٧، -


و يضمنان بالقيمة هنا عندنا و عند أبي حنيفة؛ لما تقدّم من أنّا أمرنا بتقريرهم على معتقداتهم، و لا يصحّ هنا أن يضمن المسلم بالمثل؛ لأنّه لا يثبت مثل الخمر و الخنزير في ذمّته؛ لأنّه ليس مالا.

و أمّا إذا تظاهر الكافر بهما، فإنّه يجوز إتلافه من غير ضمان؛ لأنّ الشرع إنّما ألزمنا إقرارهم عليه في دارنا مع الإخفاء، فلا نعرّض لهم فيما ألزمنا تركه، و ما أظهروه من ذلك فلا نمكنّهم منه، فإن كان خمرا جاز إراقته، و إن أظهروا صنما أو صليبا أو طنبورا جاز كسره، و إن أظهروا كفرهم أدّبوا على ذلك، و يمنعون من إظهار ما يحرم على المسلمين.

الرابع: أن يكون المتلف كافرا و صاحبه مسلما فلا ضمان؛ لأنّه لا قيمة لذلك عند المسلم، و لا يحلّ له تملّكه و لا تملّك ثمنه، فكيف يضمن له القيمة حينئذ؟!

و اعلم أنّه لا فرق بين أن يريق حيث تجوز الإراقة و حيث لا تجوز إذا كانت تحت يد المسلم، و قد وافق الجماعة على أنّه لا تراق خمور أهل الذمّة إلاّ إذا تظاهروا بشربها أو بيعها(١).

و لو غصبت الخمر من الكافر و العين باقية، وجب ردّها إن لم يتظاهر.

و إن غصبت من مسلم، وجب ردّها إن كانت محترمة، و إلاّ لم يجب ردّها - و به قال الشافعي(٢) - لأنّ أبا طلحة سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عن أيتام٤.

١- العزيز شرح الوجيز ٤١٣:٥، روضة الطالبين ١٠٦:٤.

٢- المهذّب - للشيرازي - ٣٨١:١، بحر المذهب ١٠١:٩، التهذيب - للبغوي - ٣٠٥:٤، البيان ٧١:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٤:٥، روضة الطالبين ١٠٦:٤.


ورثوا خمرا، فأمره بإراقتها(١).

و لو أتلفها المسلم أو الكافر و هي في يد المسلم أو تلفت عندهما، لم يلزمهما ضمانها؛ لأنّ ابن عباس روى عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «إنّ اللّه تعالى إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه»(٢) و لأنّ ما حرم الانتفاع به لا يجب ضمانه، كالميتة و الدم.

فإن أمسكها في يده حتى صارت خلاّ، لزم ردّها إلى صاحبها؛ لأنّها صارت خلاّ على حكم ملكه، فلزم ردّها إليه، فإن تلفت ضمنها له؛ لأنّها مال للمغصوب منه [تلف](٣) في يد الغاصب.

و إن أراقها فجمعها إنسان فتخلّلت عنده، لم يلزمه ردّ الخلّ؛ لأنّه أخذها بعد إتلافها و زوال اليد عنها.

مسألة ١٠٢٧: يجوز كسر آلات اللهو و القمار،

كالبربط و الطنبور و النرد و الشطرنج و الأربعة عشر و أشباه ذلك، و كذا هياكل العبادة، كالصنم و الصليب، و لا شيء على من كسرها؛ لأنّها محرّمة الاستعمال، و لا حرمة لتلك الصنعة و الهيئة.

و اختلفت الشافعيّة في الحدّ المشروع لإبطالها على وجهين:

أحدهما: أنّها تكسر و ترضض حتى تنتهي إلى حدّ لا يمكن اتّخاذ آلة محرّمة منها لا الأولى و لا غيرها.

و أظهرهما عندهم: أنّها لا تكسر الكسر الفاحش و لكنّها تفصّل.

١- سنن أبي داود ٣٦٧٥/٣٢٦:٣، مسند أحمد ١١٧٧٩/٥٦٦:٣، مسند أبي يعلى ٤٠٥١/١٠٥:٧، معرفة السنن و الآثار ١١٧٢١/٢٢٥:٨.

٢- سنن الدارقطني ٢٠/٧:٣، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - ٣١٢:١١ - ٤٩٣٨/٣١٣.

٣- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.


و في حدّ التفصيل وجهان:

أحدهما: أنّها تفصّل قدر ما لا تصلح للاستعمال الحرام، حتى إذا رفع وجه البربط و ترك على شكل قصعة كفى.

و الثاني: أنّها تفصّل إلى حدّ لو فرض اتّخاذ آلة محرّمة من مفصّلها لوصل إلى الصانع التعب الذي يصله في ابتداء الاتّخاذ منها، [و](١) هذا بأن يبطل تأليف الأجزاء كلّها كما كانت قبل التأليف.

و هذا الأخير أقرب إلى كلام الشافعي.

و ما ذكره من الاقتصار على تفصيل الأجزاء [فيما](٢) إذا تمكّن المحتسب منه، أمّا إذا منعه من في يده و كان يدفع عن المنكر فله إبطاله بالكسر.

و لا يكفي قطع الأوتار؛ لأنّها مجاورة لها منفصلة.

و من بالغ في الكسر من الشافعيّة توقّف في شيئين:

أحدهما: الصفائح التي توجد في يد من يصنع تلك الآلات؛ لأنّ من يبالغ في الكسر عند حصول الهيئة المحظورة قد لا يرى تلك المبالغة في الابتداء.

و الثاني: في الصليب؛ لأنّه خشبة معرّضة على خشبة، فإذا رفعت إحداهما عن الأخرى فلا معنى للزيادة عليه(٣).

إذا عرفت هذا، فمن اقتصر في إبطالها على الحدّ المشروع فلا شيء عليه، و من جاوزه فعليه التفاوت بين قيمتها مكسورة إلى الحدّ المشروع و بين قيمتها منتهية إلى الحدّ الذي أتى به، و إن أحرقها فعليه قيمتها مكسورة٥.

١- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٢- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٣- الجويني في نهاية المطلب ٢٩٤:٧-٢٩٥.


إلى الحدّ المشروع(١).

البحث الثاني: في الأعيان الماليّة.

مسألة ١٠٢٨: الأعيان الماليّة مضمونة بشرط أن تكون معصومة، فلا يضمن مال الحربيّ لو أتلفه إجماعا.

و الأعيان المضمونة إمّا حيوان أو غيره، و الحيوان إمّا آدميّ أو غيره، فالأقسام ثلاثة:

الأوّل: الآدميّ هو الرقيق: العبد أو الأمة، فيضمن النفس و الطرف من الرقيق بالجناية، كما يضمن الحرّ، و يضمن أيضا باليد العادية، أمّا نفس العبد أو الأمة فبدله قيمته ما لم يتجاوز العبد دية الحرّ فتردّ إليه، و الأمة دية المرأة، فتردّ إليها في غير الغصب عند علمائنا، و أمّا في الغصب فالأقرب عندي: أنّهما يضمنان بالقيمة [بالغة](٢) ما بلغت، سواء تجاوزت دية الحرّ و الحرّة أو لا.

و لو ماتا تحت يد الغاصب، فعليه كمال القيمة و إن تجاوزت دية الحرّ أو الحرّة.

و قال الشافعي: إنّهما يضمنان بالقيمة [بالغة ما بلغت، سواء أتلفهما الغاصب أو تلفا تحت يده أو جنى الأجنبيّ عليهما بالإتلاف؛ لأنّهما من الأموال فيضمنان](٣) ضمان المال، و المال يضمن بالقيمة إذا لم يكن

١- العزيز شرح الوجيز ٤١٤:٥-٤١٥، روضة الطالبين ١٠٦:٤-١٠٧.

٢- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بالغا». و المثبت يقتضيه السياق.

٣- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بالغا... أتلفها... أو تلفت... لأنّه... فيضمن». و المثبت يقتضيه السياق.

مثليّا(١).

و هو ممنوع؛ لأنّ الحرّ أكمل من العبد، و لا يليق بالحكمة زيادة عوض العبد على الحرّ، و كذا الحرّة.

و قال أبو حنيفة: إنّه لا يتجاوز العبد دية الحرّ و لا الأمة دية الحرّة في الغصب و غيره، إلاّ أنّه قال: إن كانت قيمة العبد عشرة آلاف درهم نقص عشرة دراهم، و كذا في دية المملوكة(٢).

مسألة ١٠٢٩: و لو كانت الجناية على العبد و الأمة فيما دون النفس إمّا في طرف أو جراحة،

فلا يخلو إمّا أن يكون في تلك الجناية مقدّر مضبوط في الحرّ، أو لا يكون، فإن لم يكن فالواجب فيه ما ينقص من قيمته.

و كذا لو تلف الطّرف أو حصلت الجراحة في يد الغاصب من غير جناية؛ لأنّه مضمون عليه.

و إن كان فيها مقدّر، كما لو قطع يد العبد أو الأمة، فإنّه يتقدّر أيضا عند علمائنا من الرقيق أيضا، و القيمة في حقّه كالدية في حقّ الحرّ، فيجب في يد العبد نصف قيمته، كما يجب في الحرّ نصف ديته، و على هذا القياس، و هو أصحّ قولي الشافعي، و هو الجديد، و الثاني: أنّ الواجب ما ينقص من القيمة (كما في سائر)(٣) الأموال(٤).

١- بحر المذهب ٣٢:٩، الوجيز ٢٠٧:١، الوسيط ٤٠٣:٣، البيان ٩:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٢:٥، روضة الطالبين ١٠٢:٤، و انظر: المغني ٣٨٣:٩، و الشرح الكبير ٥٢٦:٩.

٢- راجع: النتف ٦٧١:٢، و بحر المذهب ٣٢:٩، و العزيز شرح الوجيز ٤١٥:٥، و المغني ٣٨٣:٩، و الشرح الكبير ٥٢٦:٩.

٣- بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة: «كسائر».

٤- بحر المذهب ٣٠:٩، التهذيب - للبغوي - ٣٠٠:٤، البيان ١٠:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٢:٥، روضة الطالبين ١٠٢:٤.


و كذا البحث في الجراحات، فلو جرحه خارصة وجب عليه عشر عشر القيمة، كما يجب في خارصة الحرّ عشر عشر ديته، و هو إحدى الروايتين عن أحمد؛ فإنّ بعضهم روى عنه أنّ ضمان الغصب هو ضمان الجناية، فيجب أرش الجناية، كما لو جنى عليه من غير غصب، و في الثانية: أنّ ضمان الغصب غير ضمان الجناية، فعليه أكثر الأمرين من أرش النقص أو دية ذلك العضو؛ لأنّ سبب ضمان كلّ واحد منهما وجد، فوجب أكثرهما، و دخل الآخر فيه، فإنّ الجناية و اليد وجدا معا، فلو غصب عبدا يساوي ألفا فزادت قيمته، فصار يساوي ألفين، ثمّ قطع يده فنقص ألفا، لزمه ألف و ردّ العبد؛ لأنّ زيادة السوق مع تلف العين مضمونة، و يد العبد كنصفه، فكأنّه بقطع يده فوّت نصفه، و لو نقص ألفا و خمسمائة و قلنا: الواجب ما نقص، فعليه ألف و خمسمائة، و يردّ العبد، و إن قلنا: ضمان الجناية، فعليه ألف و ردّ العبد فحسب، و لو نقص خمسمائة فعليه ردّ العبد، و هل يلزمه ألف أو خمسمائة ؟ على وجهين(١).

مسألة ١٠٣٠: ما يحصل تحت مجرّد اليد العادية كيد الغاصب،

كما إذا غصب عبدا فسقطت يده في يده بآفة سماويّة، فالواجب فيه نصف الدية، كما لو جنى عليه.

و الأقرب: التجاوز إن زادت؛ لأنّ بين الغاصب و غيره فرق العدوان.

و الشافعيّة قالوا: الواجب قدر النقصان مطلقا، سواء زاد عن دية الحرّ أو لا(٢) ، و هو الأقوى الذي اخترناه.

و لهم وجه: أنّه إذا كان النقصان أقلّ من المقدّر وجب ما يجب على

١- المغني ٣٨٨:٥، الشرح الكبير ٣٩٩:٥-٤٠٠.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤١٢:٥، روضة الطالبين ١٠٢:٤.

الجاني(١).

و المشهور عندهم: الأوّل؛ لأنّ ضمان اليد سبيله سبيل ضمان الأموال، و لهذا لا يتعلّق به قصاص و لا كفّارة، و لا يضرب على العاقلة بحال، و لهذا إذا كان قدر النقصان أكثر من المقدّر كان هو الواجب بالاتّفاق(٢).

و على الجديد للشافعي لو قطع الغاصب يد العبد المغصوب، لزمه أكثر الأمرين من نصف القيمة أو أرش النقصان؛ لاجتماع السببين، حتى لو كانت قيمته ألفا و نقص بقطع اليد أربعمائة، وجب خمسمائة، و لو نقص ستمائة، وجب ستمائة(٣).

مسألة ١٠٣١: لو جنى الغاصب على العبد بما فيه كمال قيمته،

كما لو قطع أنفه أو يديه أو رجليه أو أذنيه، قال الشيخ رحمه اللّه: يتخيّر المالك بين دفعه إلى الغاصب و مطالبته بقيمته، و بين أن يأخذ العبد و لا شيء له(٤) ؛ تسوية بين الغاصب و غيره، و به قال أبو حنيفة و الثوري(٥) ؛ لأنّا لو جعلنا له العبد و القيمة معا لجمعنا له بين الثمن و المثمن، و ذلك لا يجوز، كما إذا وطئ جارية ابنه صارت أمّ ولد له، و وجبت عليه القيمة، و لأنّه ضمان مال، فلا يبقى ملك صاحبه عليه مع ضمانه له، كسائر الأموال.

و قال الشافعي و أحمد: لا يجب على المولى دفع العبد، بل يطالب

١- العزيز شرح الوجيز ٤١٢:٥، روضة الطالبين ١٠٢:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤١٢:٥.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤١٢:٥، روضة الطالبين ١٠٢:٤.

٤- الخلاف ٤٠٠:٣-٤٠١، المسألة ٩، المبسوط - للطوسي - ٦٢:٣.

٥- المغني ٣٨٩:٥، الشرح الكبير ٤٠١:٥، بحر المذهب ٣١:٩، حلية العلماء ٢٢١:٥، البيان ١٠:٧.


الغاصب بكمال قيمته(١) ، و هو الأقوى عندنا، و القياس على الجاني غير الغاصب باطل؛ للفرق، و بطلان أصل القياس، و القيمة بدل عن اليدين، و إنّما ذلك مقدّر بقيمة الكلّ، كما أنّه إذا قطع إحدى اليدين وجب نصف القيمة، و لا يجب تسليم نصف العبد لأخذ نصف القيمة.

و لأنّ المتلف البعض، فلا يقف ضمانه على زوال الملك عن جملته، كقطع إحدى يديه، و لأنّ المضمون هو المفوّت، فلا يزول الملك عن غيره بضمانه، كما لو قطع تسع أصابع، و لأنّه جنى على ملك غيره جناية مضمونة، فكان له المطالبة بالأرش مع إمساك ملكه، كما لو قطع إحدى يديه، أو قطع كلّ واحد من الغاصبين يدا.

و لو تلفت هذه الأعضاء بغير جناية، فالأقرب: أنّه يضمنها ضمان الإتلاف.

و للشافعيّة قولان، أحدهما هذا، و الثاني: يضمنها بما نقص(٢).

مسألة ١٠٣٢: لو جنى الغاصب على العبد جناية زادت بها قيمته،

كالخصى و سلّ الأنثيين و قطع الذكر أو قطع الإصبع الزائدة، فإنّه يجب عليه دفع كمال القيمة إلى المولى، و دفع العبد أيضا؛ لأنّه جنى عليه بما فيه مقدّر، فكان ضامنا لتلك الجناية، كالحرّ.

و لو مثّل الغاصب بالعبد، قال الشيخ رحمه اللّه: يعتق العبد، و يضمن قيمته

١- بحر المذهب ٣١:٩، حلية العلماء ٢٢١:٥، البيان ١٠:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٢:٥، روضة الطالبين ١٠٢:٤، المغني ٣٨٩:٥، الشرح الكبير ٥: ٤٠١.

٢- نسبهما ابنا قدامة في المغني ٣٨٩:٥، و الشرح الكبير ٤٠١:٥ إلى الروايتين عن أحمد.


لمولاه؛ تسوية بينه و بين تمثيل المالك(١).

و الوجه: خلاف ذلك، و أنّه يجب عليه ضمان جناياته و دفع العبد إلى مولاه، و لا يعتق العبد.

و لو كان الناقص بقطع الغاصب ليد العبد ثلثي قيمته، فالواجب ثلثا قيمته على ما اخترناه.

و على القديم و الجديد معا للشافعي ذلك أيضا، أمّا على القديم:

فلأنّه قدر النقصان، و أمّا على الجديد: فالنصف واجب بالجناية و السدس باليد العادية(٢).

و لو كان الناقص بسقوط اليد ثلث قيمته، وجب نصف القيمة عندنا، و هو أحد قولي الشافعي، و على الثاني: الثلث(٣).

مسألة ١٠٣٣: المدبّر و المكاتب المشروط و أمّ الولد حكمهم حكم القنّ في إلحاقهم بالقنّ في الضمان،

فلو غصب أحد هؤلاء ضمنه، كما يضمن القنّ، و به قال الشافعي و أحمد و أبو يوسف و محمّد(٤).

و قال أبو حنيفة: أمّ الولد لا تضمن بالغصب؛ لأنّها لا تجري مجرى الأموال؛ بدليل أنّه لا يتعلّق بها حقّ الغرماء، فأشبهت الحرّة(٥).

١- الخلاف ٣٩٨:٣، المسألة ٦.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤١٢:٥-٤١٣، روضة الطالبين ١٠٣:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤١٣:٥، روضة الطالبين ١٠٣:٤.

٤- نهاية المطلب ١٧٣:٧، حلية العلماء ٢٢١:٥، البيان ١٠:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٣:٥، روضة الطالبين ١٠٣:٤، بدائع الصنائع ١٤٦:٧، الهداية - للمرغيناني - ٢٣:٤، المحيط البرهاني ٥٠٧:٥، المغني ٤٤٩:٥، الشرح الكبير ٣٧٥:٥.

٥- بدائع الصنائع ١٤٦:٧، الهداية - للمرغيناني - ٢٣:٤، المحيط البرهاني ٥: ٥٠٧، حلية العلماء ٢٢٢:٥، البيان ١٠:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٣:٥، المغني ٤٤٩:٥، الشرح الكبير ٣٧٥:٥.


و هو غلط؛ لأنّها تضمن بالقيمة، و ما يضمن بالقيمة جنايته يضمن بالغصب كالقنّ، و لأنّها مملوكة، فأشبهت المدبّرة، و فارقت الحرّة؛ لأنّها ليست مملوكة، و لا تضمن بالقيمة، و يمنع عدم تعلّق حقّ الغرماء على ما يأتي تفصيله فيما بعد إن شاء اللّه تعالى، و لأنّه يملك تزويجها و إجارتها و يأخذ قيمتها لو قتلت، فأشبهت المدبّرة، فكان القياس عليها أولى من القياس على الحرّة.

مسألة ١٠٣٤: لو غصب عبدا أو أمة فقتله قاتل،

ضمن القاتل قيمته ما لم تتجاوز دية الحرّ فتردّ إليها، و لا يضمن القاتل الزيادة على ما يأتي، و يضمن الغاصب خاصّة الزيادة.

و لو زاد الأرش عن الجناية، طولب الغاصب بالزيادة أيضا، دون الجاني.

و كذا لو مات في يده، ضمن قيمته و إن تجاوزت قيمة الحرّ.

و لو جنى الغاصب على عضو من أعضائه فأتلفه، فقد قلنا: إنّه يضمنه بمقدّر من قيمته، كما يضمن أطراف الحرّ بمقدّر من ديته.

و حكى أصحاب الشافعي عن مالك أنّه يجب بالجناية ما نقص إلاّ في الموضحة(١) و المنقّلة(٢) و المأمومة(٣) و الجائفة(٤)(٥).

١- الموضحة: هي التي تبدي وضح العظم، أي: بياضه. النهاية - لابن الأثير - ٥: ١٩٦ «وضح».

٢- المنقّلة: هي التي تخرج منها صغار العظم و تنتقل عن أماكنها، و قيل: التي تنقل العظم، أي: تكسره. النهاية - لابن الأثير - ١١٠:٥ «نقل».

٣- أمّه: أي: شجّه آمّة - بالمدّ - و هي التي تبلغ أمّ الدماغ حين يبقى بينها و بين الدماغ جلد رقيق. الصحاح ١٨٦٥:٥ «أمم».

٤- الجائفة: هي الطعنة التي تنفذ إلى الجوف. النهاية - لابن الأثير - ٣١٧:١ «جوف».

٥- الحاوي الكبير ١٤١:٧، بحر المذهب ٣٠:٩، حلية العلماء ٢٢٢:٥، البيان ١٠:٧.


و ليس بجيّد؛ لأنّ كلّ جناية تقدّرت من الحرّ تقدّرت من العبد كهذه الجنايات.

القسم الثاني: الحيوان المملوك غير الآدميّ، كالإبل و البقر و الغنم و الخيل و سائر الحيوانات المملوكة، فإنّ الواجب فيها باليد و الجناية القيمة، فلو غصب إنسان فرس غيره فتلفت أو أتلفها، سواء كان غاصبا أو لا، وجب عليه القيمة بلا خلاف.

و أمّا ما يتلف من أجزائها فالأقرب: أنّ الواجب فيه الأرش، و هو ما تنقص به قيمتها، و لا فرق في ذلك بين نوع و نوع، و لا تقدير فيه، سواء كان مقدّرا في الآدميّ أو لا، فلو قلع عين الدابّة أو قطع يدها أو رجلها، وجب عليه الأرش، و لا تقدير فيه على الأقوى - و به قال الشافعي(١) - و من غير فرق بين الأطراف و غيرها؛ لأنّها جناية على مال محض، لا نسبة له إلى الآدميّ، فيضمن بالأرش، كغيره من الأموال، و لأنّ المثل هنا متعذّر، فوجب الرجوع فيه إلى قيمة المتلف، و القيمة هنا ما نقص عن ماليّته، و هو الأرش.

و قال الشيخ رحمه اللّه: إذا قلع عين دابّة، كان عليه نصف قيمتها، و في العينين جميع القيمة، و كذا كلّ ما يكون في البدن منه اثنان، ففي الدابّة جميع القيمة فيهما، و في الواحد نصفها(٢).

و قال أبو حنيفة: إنّ الإبل و البقر و الخيل و ما له اللحم و الظّهر معا٤.

١- الحاوي الكبير ١٣٩:٧-١٤٠، نهاية المطلب ١٧٤:٧، بحر المذهب ٢٩:٩، الوسيط ٣٩٢:٣، حلية العلماء ٢٢٤:٥، البيان ١١:٧، العزيز شرح الوجيز ٥: ٤١٣، روضة الطالبين ١٠٣:٤، الاختيار لتعليل المختار ٩٠:٣.

٢- الخلاف ٣٩٧:٣، المسألة ٤.


يجب في إحدى عينيه ربع القيمة، و في العينين معا نصف القيمة(١) ؛ لما رواه زيد بن ثابت أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قضى في عين الدابّة بربع قيمتها(٢) ، و عن عمر أنّه كتب إلى شريح لمّا كتب إليه يسأله عن عين الدابّة: إنّا كنّا ننزلها منزلة الآدميّ إلاّ أنّه أجمع رأينا أنّ قيمتها ربع الثمن(٣).

و يحتمل في الروايتين أن تكونا قد وردتا في دابّة قيمة عينها ربع قيمتها، و لو كان ذلك تقديرا لوجب في العين نصف الدية، كعين الآدميّ.

و قال أحمد: في عين الخيل و البغال و الحمير خاصّة ربع القيمة؛ لأنّ الدابّة في العرف ما يعدّ للركوب، دون بهيمة الأنعام، و سئل عن العينين، فتوقّف و أوجب الأرش؛ اقتصارا على حديث عمر(٤).

و الوجه: ما قدّمناه.

و ينتقض قول أبي حنيفة بالقياس على أطراف الدابّة، فإنّ الواجب فيها عنده الأرش(٥) ، مع أنّها مقدّرة في الآدميّ، و على ما له اللحم خاصّة، كالغنم و الطير، أو على ما له الظّهر خاصّة، كالبغال.

مسألة ١٠٣٥: و لا فرق في الأرش بين مالك و مالك في وجوب الأرش،

دون كمال القيمة؛ لأنّه جنى على بهيمة جناية نقصت بها قيمتها، فلم يجب

١- الاختيار لتعليل المختار ٩٠:٣، روضة القضاة ٧٧٨٥/١٢٧١:٣، الحاوي الكبير ١٤٠:٧، بحر المذهب ٢٩:٩، الوسيط ٣٩٢:٣، حلية العلماء ٢٢٤:٥، البيان ١١:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٣:٥، اختلاف الأئمّة العلماء ١٤:٢، المغني ٥: ٣٨٧، الشرح الكبير ٤٠٢:٥.

٢- المغني ٣٨٧:٥، الشرح الكبير ٤٠٢:٥.

٣- المغني ٣٨٧:٥، الشرح الكبير ٤٠٢:٥.

٤- اختلاف الأئمّة العلماء ١٥:٢، المغني ٣٨٦:٥-٣٨٧، الشرح الكبير ٥: ٤٠١، العزيز شرح الوجيز ٤١٣:٥.

٥- الاختيار لتعليل المختار ٩٠:٣، المحيط البرهاني ٤٦٨:٥ و ٤٦٩، المبسوط - للسرخسي - ٨٦:١١، الحاوي الكبير ١٤٠:٧.


كمال قيمتها، و به قال الشافعي و أبو حنيفة(١).

و قال مالك: لو قطع ذنب حمار القاضي وجب عليه تمام القيمة - و عن أحمد رواية مثله(٢) - و لو قطع ذنب حمار الشوكي لم يجب عليه سوى الأرش؛ لأنّه بقطع ذنبه فوّت غرض صاحبه منه؛ لأنّ القاضي لا يركب حمارا مقطوع الذنب، و الشوكي يمكنه حمل الشوك على حمار مقطوع الذنب، و لم يقل هذا في غير ما يركبه من بهائم القاضي، كالثور و غيره، و كذا لو قطع يد حماره(٣).

و الأصل عنده أنّه إذا جنى على عين فأتلف غرض صاحبها فيها، كان على الجاني كمال القيمة؛ لأنّه قد أتلف عليه المنفعة المقصودة من السلعة، فلزمته قيمتها، كما لو أتلف جميعها.

و هو غلط؛ لأنّ الاعتبار بالمجنيّ عليه، و أمّا غرض المالك فلا عبرة به؛ لأنّها إن لم تصلح له صلحت لغيره؛ لأنّ منفعتها باقية، و لا اعتبار بأغراض الملاّك، فإنّ من وطئ جارية الأب بالشبهة وجب عليه مهر المثل - كمن وطئ جارية الأجنبيّ بالشبهة - و إن تضمّن وطؤ جارية الأب التحريم المؤبّد عليه.

القسم الثالث: الأعيان الماليّة الصامتة.٥.

١- راجع: الهامش (١) من ص ٢٠٩، و الهامش (١) من ص ٢١٠.

٢- كما في العزيز شرح الوجيز ٤١٣:٥، و راجع: المغني ٣٨٦:٥، و الشرح الكبير ٣٩٠:٥.

٣- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٣٩٦:٣-٣٩٧، المسألة ٣، و راجع: الحاوي الكبير ١٤٠:٧، و بحر المذهب ٢٩:٩-٣٠، و حلية العلماء ٢٢٤:٥، و البيان ١١:٧، و العزيز شرح الوجيز ٤١٣:٥، و المغني ٣٨٦:٥، و الشرح الكبير ٣٩٠:٥.


و هي قسمان: إمّا مثليّة أو غير مثليّة.

و قد اختلف في تفسير المثليّ.

فقال الشيخ رحمه اللّه: المثليّ ما تتساوى قيمة أجزائه، كالحنطة و الشعير و غيرهما من الحبوب و الأدهان و ما أشبه ذلك، و غير المثليّ ما لا تتساوى أجزاؤه، كالحيوان و الأراضي و الأشجار، و غير ذلك(١).

و قال جماعة من الفقهاء: المثليّ ما تتماثل أجزاؤه و تتقارب صفاته، كالحبوب و غيرها(٢).

و قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد: المثليّ كلّ مقدّر بكيل أو وزن(٣).

و زاد بعضهم: اشتراط جواز السّلم فيه؛ لأنّ المسلم فيه يثبت بالوصف في الذمّة، و الضمان يشبهه؛ لأنّه يثبت في الذمّة(٤).

و زاد القفّال و غيره: اشتراط جواز بيع بعضه ببعض؛ لتشابه الأصلين في قضيّة التماثل(٥).

و اعترض على العبارات الأخيرة الثلاث: بأنّ القماقم و الملاعق و المغارف المتّخذة من الصفر و النحاس موزونة، و يجوز السّلم فيها و بيع بعضها ببعض و ليست مثليّة(٦).٥.

١- المبسوط - للطوسي - ٥٩:٣ و ٦٠.

٢- المغني ٣٧٦:٥، الشرح الكبير ٤٣٣:٥.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤١٩:٥، روضة الطالبين ١٠٨:٤، روضة القضاة ٣: ٧٧١٣/١٢٥٨، الهداية - للمرغيناني - ١١:٤.

٤- نهاية المطلب ١٧٥:٧، بحر المذهب ٢٥:٩، الوسيط ٣٩٥:٣، التهذيب - للبغوي - ٢٩٤:٤، العزيز شرح الوجيز ٤١٩:٥، روضة الطالبين ١٠٨:٤.

٥- البيان ١١:٧-١٢، مضافا إلى المصادر المزبورة في الهامش السابق.

٦- نهاية المطلب ١٧٦:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٩:٥.


و منع بعض الشافعيّة من جواز السّلم في القماقم و نحوها؛ لاختلافها، و إنّما جاز في الأسطال المربّعة و الظروف المصبوبة في القوالب(١).

و لا يبعد ممّن صار إلى العبارات الحكم عليها بأنّها مثليّة.

و قال بعضهم: المثليّات هي التي تقسم بين الشريكين من غير حاجة إلى تقويم(٢).

و يشكل بالأرض المتساوية الأجزاء، فإنّها تقسم من غير تقويم و ليست مثليّة.

و قال آخرون: المثليّ ما لا تختلف أجزاء النوع الواحد منه في القيمة، و ربما يقال في الجرم و القيمة(٣).

و يقرب منه قول من قال: المثليّات هي التي تتشاكل في الخلقة و معظم المنافع، أو ما تتساوى أجزاؤه في المنفعة و القيمة(٤).

و زاد بعضهم: من حيث الذات، لا من حيث الصنعة(٥) ، و قصد به الاحتراز عن الملاعق و المغارف و صنجات الميزان المتساوية، فإنّ تساويها جاء من حفظ التشابه في الصنعة، و إلاّ فالمصنوعات مختلفة في الغالب.

و لقائل أن يقول: الملعقة و نحوها لو وردت على الضابط المذكور إمّا ترد لتماثل أجزائها و هي ملعقة، أو لتماثل أجزاء جوهرها فقط.

و الأوّل باطل؛ لأنّ أجزاء الملعقة غير متماثلة في المنفعة.٤.

١- العزيز شرح الوجيز ٤٢٢:٤، و ٤٢٠:٥.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٢٠:٥.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٢٠:٥.

٤- نهاية المطلب ١٧٦:٧، الوسيط ٣٩٥:٣، الوجيز ٢٠٨:١، العزيز شرح الوجيز ٤٢٠:٥، روضة الطالبين ١٠٨:٤.

٥- الوجيز ٢٠٨:١، الوسيط ٣٩٥:٣، العزيز شرح الوجيز ٤٢٠:٥، روضة الطالبين ١٠٨:٤.


و أمّا الثاني فالصفر الذي هو جوهر الملعقة إذا كان مثليّا كان تماثل أجزائه من حيث الذات لا الصنعة، و إذا لم تؤثّر الصنعة في تماثل الأجزاء فكيف يقال: ما تتماثل أجزاؤه من حيث الذات لا الصنعة ؟!

و الحقّ أنّ أثر الصنعة في تماثل الأعداد و أوضاع أجزائها لا غير.

و اعلم أنّ ما ذكره أبو حنيفة ينتقض بالمعجونات.

و قول القفّال بجواز بيع البعض بالبعض بعيد عن اصطلاح الشافعيّة، فإنّهم أعرضوا عن هذا الشرط، و قالوا: امتناع بيع البعض بالبعض في الربويّات لرعاية التماثل في حال الكمال بمعزل عمّا نحن فيه(١).

و الاعتبار بالقسمة باطل بما تقدّم.

و ما لا تختلف أجزاء النوع الواحد منه إن أريد بالأجزاء فيها كلّ ما يتركّب عنه الشيء، لزم أن لا تكون الحبوب مثليّة؛ لأنّها تتركّب عن القشور و اللّبّ، و القشر و اللّبّ مختلفان في القيمة و المنفعة، و كذا التمر و الزبيب؛ لما فيهما من النوى و العجم(٢).

و إن أريد الأجزاء التي يقع عليها اسم الجملة، لزم أن لا تكون الدراهم و الدنانير مثليّة؛ لما يقع في الصحاح من الاختلاف في الوزن و الاستدارة و الاعوجاج و وضوح السكّة و خفائها، و ذلك ممّا يؤثّر في المنفعة و القيمة، و النظر إلى الجرم بعيد؛ لأنّ الحبوب و التمور متماثلة، و معلوم أنّ نوعا منها لا يخلو عن اختلاف الحبّات في الصغر و الكبر.

و استحسن بعض الشافعيّة كلّ متقدّر بكيل أو وزن يجوز السّلم فيه، إلاّ أنّه ينبغي أن يقال: المثليّ كلّ ما يحصره الكيل أو الوزن، و يجوز السّلم».

١- العزيز شرح الوجيز ٤٢٠:٥، روضة الطالبين ١٠٨:٤.

٢- العجم - بالتحريك -: النوى: نوى التمر و النّبق. لسان العرب ٣٩١:١٢ «عجم».


فيه، و لا يقال: كلّ مكيل أو موزون؛ لأنّ المفهوم منهما ما يعتاد كيله و وزنه، فيخرج منه الماء، و هو مثليّ، و كذا التراب، و هو مثليّ على الأصحّ عندهم(١).

و اعلم أنّه ينشأ من اختلاف العبارات الخلاف في الصفر و النحاس و الحديد و الرصاص؛ لأنّ أجزاءها مختلفة الجواهر، و لأنّ زبرها متفاوتة الأجرام.

و في التبر و السبيكة و المسك و العنبر و الكافور و الثلج و الجمد و القطن؛ لمثل ذلك.

و في العنب و الرطب و سائر الفواكه الرطبة؛ لامتناع بيع بعضها ببعض، و كذا في الدقيق.

و الأظهر عندهم: أنّها بأجمعها مثليّة(٢).

و في السّكر و العسل المصفّى بالنار و الفانيذ(٣) و اللحم الطري؛ للخلاف في جواز بيع كلّ منها بجنسه عندهم(٤).

و في الخبز؛ لامتناع بيع بعضه ببعض، و للخلاف في جواز السّلم فيه عندهم(٥).

و أمّا الحبوب و الأدهان و الألبان و السمن و المخيض و الخلّ الذي لم يستعن في اتّخاذه بالماء و الزبيب و التمر و نحوها فهي مثليّة بالاتّفاق، و كذا الدراهم و الدنانير.٤.

١- العزيز شرح الوجيز ٤٢١:٥، روضة الطالبين ١٠٩:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٢١:٥، روضة الطالبين ١٠٩:٤.

٣- الفانيذ - بالذال المعجمة -: ضرب من الحلواء. لسان العرب ٥٠٣:٣ «فنذ».

٤- العزيز شرح الوجيز ٤٢١:٥، روضة الطالبين ١٠٩:٤.

٥- العزيز شرح الوجيز ٤٢١:٥، روضة الطالبين ١٠٩:٤.


لكن قضيّة العبارة المستحسنة عند بعض الشافعيّة: إثبات خلاف فيها؛ لأنّ في السّلم فيها خلافا، و لأنّهم جعلوا المكسّرة على الخلاف في التبر و السبيكة؛ لتفاوت القراضات في الجرم، و مثل ذلك يفرض في الصحاح، فيلزم مجيء الخلاف فيها(١).

و هذا في الدنانير و الدراهم الخالصة، أمّا المغشوشة فأمرها عندهم مبنيّ على جواز التعامل بها، إن جوّزوه فهي مثليّة، و إلاّ فمتقوّمة؛ لأنّ ما لا يملك بالعقد لا يملك بالقبض عوضا عن متلف(٢).

و اعلم أنّ الحقّ ما نقلناه(٣) عن الشيخ رحمه اللّه.

البحث الثالث: في المنافع.

اشارة

منافع الأموال من العبيد و الثياب و العقار و غيرها مضمونة بالتفويت و الفوات تحت اليد العادية، فلو غصب عبدا أو جارية أو ثوبا أو عقارا أو حيوانا مملوكا ضمن منافعه، سواء أتلفها بأن استعملها، أو فاتت تحت يده بأن بقيت في يده مدّة و لا يستعملها، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أحمد بن حنبل(٤) - لأنّ المنافع مضمونة بالعقد الفاسد، فتضمن بالغصب، كالأعيان، و لأنّها متقوّمة، فإنّ المال يبذل لتحصيلها، و لو استأجر عينا

١- العزيز شرح الوجيز ٤٢١:٥، روضة الطالبين ١٠٩:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٢١:٥، روضة الطالبين ١٠٩:٤.

٣- في ص ٢١٢.

٤- الحاوي الكبير ١٦٠:٧، المهذّب - للشيرازي - ٣٧٤:١، نهاية المطلب ٧: ١٩٦، بحر المذهب ٤٥:٩، الوجيز ٢٠٨:١، حلية العلماء ٢١٠:٥، التهذيب - للبغوي - ٢٩٣:٤، البيان ٦:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٦:٥، روضة الطالبين ١٠٣:٤، اختلاف الأئمّة العلماء ١٦:٢، المغني ٤٣٤:٥، الشرح الكبير ٥: ٤٣٨، المبسوط - للسرخسي - ٧٨:١١، روضة القضاة ٧٧٣٦/١٢٦٢:٣، تحفة الفقهاء ٩٠:٣، الفقه النافع ٦٥٨/٩٣٤:٣، بدائع الصنائع ١٤٥:٧، الهداية - للمرغيناني - ٢٠:٤، المعونة ١٢١٧:٢.


لمنفعة فاستعملها في غيرها، ضمنها، فأشبهت الأعيان، و لأنّ كلّ مضمون بالإتلاف في العقد الفاسد جاز أن يضمنه بمجرّد الإتلاف، كالأعيان.

و قال أبو حنيفة: لا يضمنها الغاصب لا بالتلف و لا بالإتلاف، و إنّما تضمن بعقد أو شبهة عقد؛ لأنّه استوفى منفعة بغير عقد و لا شبهة ملك، فلا يضمنها، كما لو زنى بامرأة(١).

و الفرق ظاهر؛ فإنّ المرأة رضيت بإتلاف منافعها بغير عوض و لا عقد يقتضي العوض، فكان بمنزلة من أعار داره.

و قال مالك: لا تضمن بالفوات تحت اليد، و إنّما تضمن بالتفويت و الاستعمال، و اختلف أصحابه، إلاّ أنّهم نظروا في الخلاف أنّه لا يضمنها؛ لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و اله: «الخراج بالضمان»(٢) قالوا: و ضمانها عليه(٣).

و الخبر ورد في البيع، و لا يدخل فيه الغاصب؛ لأنّه لا يجوز الانتفاع بالمغصوب بالإجماع.

مسألة ١٠٣٦: كلّ عين لها منفعة تستأجر تلك المنفعة

فإنّ منفعتها

١- مختصر القدوري: ١٣٠، المبسوط - للسرخسي - ٧٨:١١، روضة القضاة ٣: ٧٧٣٥/١٢٦٢، تحفة الفقهاء ٩٠:٣، الفقه النافع ٦٥٨/٩٣٤:٣، بدائع الصنائع ١٤٥:٧، الهداية - للمرغيناني - ٢٠:٤، الاختيار لتعليل المختار ٩٢:٣، الحاوي الكبير ١٦٠:٧، نهاية المطلب ٢٣١:٧، بحر المذهب ٤٥:٩، حلية العلماء ٢١٠:٥، التهذيب - للبغوي - ٢٩٣:٤، البيان ٦:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٦:٥، اختلاف الأئمّة العلماء ١٥:٢، المغني ٤٣٥:٥، الشرح الكبير ٤٣٨:٥.

٢- سنن ابن ماجة ٢٢٤٣/٧٥٤:٢، سنن أبي داود ٣٥٠٨/٢٨٤:٣-٣٥١٠، السنن الكبرى - للبيهقي - ٣٢١:٥، مسند أحمد ٢٣٧٠٤/٧٤:٧، المستدرك - للحاكم - ١٥:٢.

٣- الإشراف على نكت مسائل الخلاف ١٠٧٩/٦٢٩:٢، عقد الجواهر الثمينة ٣: ٨٦٥-٨٦٦، الذخيرة ٢٨١:٨، العزيز شرح الوجيز ٤١٦:٥، و راجع: المغني ٤٣٥:٥، و الشرح الكبير ٤٣٨:٥.


مضمونة عندنا بالإتلاف و التلف تحت اليد العادية إذا بقيت في يده مدّة لمثلها أجرة، حتى لو غصب كتابا و أمسكه مدّة يطالعه أو لم يطالعه، أو غصب مسكا فاشتمّه أو لم يشتمّه تلزمه أجرته.

و لو كان العبد يحسن صناعات لزمه أجرة أعلاها أجرة، و لا يجب عليه أجرة الجميع.

و لو كان له صنعة يعملها بالنهار و أخرى بالليل، وجب على الغاصب أجرتهما معا؛ لأنّه قد أتلف منفعة زمانين، فكان بمنزلة ما لو أتلف منفعة يومين.

مسألة ١٠٣٧: منفعة البضع لا تضمن بالفوات تحت اليد،

بل بالإتلاف، فلو غصب جارية غيره و بقيت في يده مدّة لم يطأها لم تلزمه أجرة عن البضع و لا مهر و لا عقر، بل أجرة الخدمة الفائتة خاصّة و إن لم يستخدمها.

و الفرق بين منفعة البضع و سائر المنافع: أنّ اليد لا تثبت على منفعة البضع، ألا ترى أنّ السيّد يزوّج الأمة المغصوبة و لا يؤجرها كما لا يبيعها؛ لأنّ يد الغاصب حائلة بين المستأجر و المشتري و بين الجارية، و لو تداعى اثنان نكاح امرأة، يدّعيان عليها و لا يدّعي أحدهما على الآخر و إن كانت عنده، و لو أقرّت لأحدهما حكم بأنّها منكوحته، و ذلك يدلّ على أنّ اليد لها.

و أيضا فإنّ منفعة البضع تستحقّ استحقاق ارتفاق للحاجة، و سائر المنافع تستحقّ استحقاق ملك تامّ، ألا ترى أنّ من ملك منفعة الاستئجار(١) ملك نقلها إلى غيره بالعوض بأن يؤجر، و بغير العوض بأن يعير، و الزوج

١- كذا، و الأولى: «من ملك منفعة بالاستئجار».


المستحقّ لمنفعة البضع لا يملك نقلها لا بعوض و لا بغير عوض، و أمّا إذا فوّت منفعة البضع بالوطئ ضمن مهر المثل.

مسألة ١٠٣٨: منفعة بدن الحرّ تضمن بالتفويت لا بالفوات،

فلو قهر حرّا و استعمله في شغل ضمن أجرته؛ لأنّه استوفى منافعه و هي متقوّمة، فلزمه ضمانه(١) ، كما لو استوفى منافع العبد.

و لو حبسه مدّة لمثلها أجرة و عطّل منافعه، فالأقوى: أنّه لا يضمن الأجرة؛ لأنّ منافعه تابعة لما لا يصحّ غصبه، فأشبهت ثيابه إذا تلفت(٢) عليه و أطرافه، و لأنّ منافعه في يده، لأنّ الحرّ لا يدخل تحت اليد، فمنافعه تفوت تحت يده، فلم يجب ضمانها، بخلاف الأموال، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يضمنها؛ لأنّ منافعه تتقوّم بالعقد الفاسد، فأشبهت منافع الأموال فقد فوّتها بحبسه فضمنها، كمنافع العبد(٣).

أمّا لو منعه عن العمل من غير حبس، فإنّه لا يضمن منافعه وجها واحدا؛ لأنّه لو فعل ذلك بالعبد لم يضمن منافعه فالحرّ أولى.

و لو حبس الحرّ فمات عنده، لم يضمنه؛ لأنّه ليس بمال.

و لو حبسه و عليه ثياب، لم يلزمه ضمانها؛ لأنّ يد الحرّ عليها، و الغاصب لا تثبت يده عليه، فلا تثبت على ما في يده.

و لا فرق بين أن يكون صغيرا أو كبيرا.

١- الظاهر: «ضمانها».

٢- كذا قوله: «تلفت»، و في المغني ٤٤٨:٥، و الشرح الكبير ٣٧٩:٥: «بليت».

٣- الحاوي الكبير ١٦١:٧، المهذّب - للشيرازي - ٣٨١:١، نهاية المطلب ٧: ١٧٤، بحر المذهب ١٠١:٩، الوسيط ٣٩٣:٣-٣٩٤، التهذيب - للبغوي - ٤: ٣٠٦-٣٠٧، البيان ٧٠:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٧:٥، روضة الطالبين ٤: ١٠٤.


و هذا كمذهب أبي حنيفة و الشافعي(١).

مسألة ١٠٣٩: لو استأجر حرّا،

ففي جواز إيجاره إشكال.

و كذا الإشكال لو استأجره مدّة لعمل فسلّم المستأجر نفسه فلم يستعمله المستأجر حتى انقضت المدّة التي استأجره فيها ممكّنا من نفسه هل تتقرّر أجرته ؟

و أكثر الشافعيّة قالوا: له أن يؤجره، و تتقرّر أجرة الأجير بالتمكين و إن لم يستعمله المستأجر(٢).

و منع الحكمين القفّال منهم، فقال: ليس لمستأجر الأجير أن يؤجره، و لا تتقرّر أجرة الأجير على المستأجر إلاّ بالاستعمال، لا بانقضاء مدّة العمل مع التمكين؛ لأنّ الحرّ لا يدخل تحت اليد، و لا تحصل منافعه في يد المستأجر و ضمانه إلاّ عند وجودها(٣).

و لم يختلفوا في عدم دخول الحرّ تحت اليد، بل الأكثر جوّزوا إيجاره، و قرّروا أجرته للحاجة و المصلحة(٤).

تذنيب: لو نقل حرّا صغيرا أو كبيرا من موضع إلى موضع آخر بالقهر، فإن لم يكن له غرض في الرجوع إلى الموضع الأوّل فلا شيء عليه، و إن كان فاحتاج إلى مؤونة فهي على الناقل؛ لتعدّيه، على إشكال.

مسألة ١٠٤٠: قد بيّنّا أنّ منافع الكلب - الذي يجوز اقتناؤه

و له قيمة في

١- كما في المغني ٤٤٨:٥، و الشرح الكبير ٣٧٩:٥.

٢- التهذيب - للبغوي - ٤٥٥:٤، العزيز شرح الوجيز ٤١٧:٥، روضة الطالبين ٤: ١٠٤.

٣- التهذيب - للبغوي - ٤٥٥:٤، العزيز شرح الوجيز ٤١٧:٥، روضة الطالبين ٤: ١٠٤.

٤- كما في العزيز شرح الوجيز ٤١٧:٥، و روضة الطالبين ١٠٤:٤-١٠٥.


نظر الشرع - مضمونة على الغاصب.

و للشافعيّة وجهان مبنيّان على جواز استئجاره(١).

و أمّا الصيد الذي صاده الغاصب بالكلب المغصوب فإنّه للغاصب - و هو أظهر قولي الشافعيّة(٢) - لأنّ الغاصب هو الصائد، و الكلب آلة في الصيد، و لهذا يكتفى بتسميته عند إرساله.

و الثاني: أنّه للمالك، كصيد العبد و اكتسابه؛ لأنّه من كسب ماله، فأشبه صيد العبد و كسبه(٣).

و الوجه: الأوّل؛ لما قلنا من أنّه آلة، بخلاف العبد؛ لأنّ له فعلا مستقلاّ برأيه.

و لا فرق بين الكلب في ذلك و بين السهم و القوس و الشبكة، فإنّها آلات لا يتحقّق ملك الصيد لأربابها - بل للصائد - بها، و كذا الكلب.

و حكم باقي جوارح الصيد - كالفهد و البازي [المغصوبين](٤) - حكم الكلب، و الخلاف فيهما كالخلاف فيه.

و لبعض العامّة في القوس و السهم و الشبكة إذا غصب شيئا منها فاصطاد به وجهان(٥).٥.

١- المهذّب - للشيرازي - ٣٨١:١، بحر المذهب ٣٦:٩، الوسيط ٣٩٤:٣، حلية العلماء ٢٤٧:٥، البيان ٧٠:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٨:٥، روضة الطالبين ١٠٥:٤.

٢- الوسيط ٣٩٤:٣، البيان ٣٤:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٨:٥، روضة الطالبين ١٠٥:٤.

٣- الوسيط ٣٩٤:٣، البيان ٣٤:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٨:٥، روضة الطالبين ١٠٥:٤.

٤- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المغصوب». و الظاهر ما أثبتناه.

٥- المغني ٤٠٦:٥، الشرح الكبير ٣٩٤:٥.


و الوجه: ما قلناه من أنّه للصائد؛ لأنّ الصيد حصل بفعله، و هذه آلات، فأشبه ما لو ذبح بسكّين غيره.

قالوا: إنّه لصاحب القوس و السهم و الشبكة؛ لأنّه حاصل به، فأشبه نماء ملكه و كسب عبده(١).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الحصول من الغاصب، لا من الآلة.

إذا ثبت هذا، فإنّ الغاصب يجب عليه أجرة المثل للكلب و آلات الجوارح و القوس و باقي آلات الصيد مدّة مقامه في يده.

و على الوجه الثاني للشافعيّة: أنّ الصيد للمالك، ففي وجوب الأجرة لزمان الاصطياد وجهان:

أحدهما: أنّه لا تجب؛ لأنّه إذا كان الحاصل له كانت المنافع منصرفة إليه، فلم يتحقّق تفويت الغاصب لها على مالكها، و الأجر إنّما هو في مقابلة المنافع، و المنافع في هذه المدّة عائدة إلى مالكها، فلم يستحق عوضها(٢) على غيره، كما لو زرع أرض إنسان فأخذ المالك الزرع بمنفعته.

و الثاني: عليه أجرة المثل؛ لأنّه استولى على منافعه، فأشبه ما لو لم يصد شيئا، و لأنّ المالك ربما كان يستعمله في غير ما اشتغل به، فلا تدخل الأجرة فيما اكتسبه(٣).

مسألة ١٠٤١: إذا غصب عينا فنقصت،

كان الغاصب ضامنا للنقصان، و يجب مع الأرش الأجرة، سواء كان النقص بسبب غير الاستعمال، كما لو غصب ثوبا أو عبدا فانتقصت قيمته بآفة سماويّة كسقوط يد العبد بمرض،

١- المغني ٤٠٦:٥، الشرح الكبير ٣٩٤:٥.

٢- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «عوضا».

٣- البيان ٣٤:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٨:٥، روضة الطالبين ١٠٥:٤.


أو كان النقص بسبب الاستعمال، كما إذا لبس الثوب فأبلاه.

و الأجرة الواجبة قبل حدوث النقصان أجرة مثله سليما، و لما بعده أجرة مثله معيبا؛ لأنّ كلّ واحد من نقص الجزء و مضيّ المدّة إمّا مع الاستعمال أو بدونه موجب لعوضه، فإذا اجتمعا وجبا معا، كما لو بقي في يده مدّة ثمّ تلف.

و فصّل الشافعيّة هنا، فقالوا: إن كان النقص بسبب غير الاستعمال، كما لو سقطت يد العبد بآفة سماويّة أو نقص الثوب بنشره، وجب له الأرش مع الأجرة، و الأجرة الواجبة لما قبل حدوث النقص أجرة مثله سليما، و لما بعده أجرة مثله معيبا.

و إن كان النقص بسبب الاستعمال، فوجهان:

أصحّهما عندهم: أنّهما يجبان أيضا، كما لو حصل النقصان بسبب آخر.

و الثاني: أنّه لا يجب إلاّ أكثر الأمرين من أجرة المثل أو أرش النقصان؛ لأنّ النقصان نشأ من الاستعمال و قد قوبل الاستعمال بالأجرة، فلا يجب له ضمان آخر(١).

و نحن نمنع ذلك؛ فإنّ الأجرة لم تجب للاستعمال، و إنّما تجب لفوات المنفعة على المالك، ألا ترى أنّها تجب و إن لم يستعمل، فإذن لا يجب ضمانان بشيء واحد.

و كذا تجب الأجرة و إن لم تفت الأجزاء.

و إن لم يكن للمغصوب أجرة، كثوب غير مخيط، فلا أجرة له على الغاصب، و عليه ضمان نقصه لا غير.٦.

١- العزيز شرح الوجيز ٤١٨:٥، روضة الطالبين ١٠٥:٤-١٠٦.


مسألة ١٠٤٢: إذا غصب عينا فتعذّر ردّها،

كعبد أبق أو دابّة شردت أو غصبت منه و لم يتمكّن من استخلاصها، وجب عليه دفع القيمة إلى المالك - على ما يأتي إن شاء اللّه تعالى - للحيلولة بين المالك و عينه، و تلزمه أجرة المثل للمدّة التي مضت قبل بذل القيمة.

و هل تلزمه الأجرة لما بعدها؟ الأقرب: الوجوب؛ لأنّ حكم الغصب باق، و إنّما وجبت القيمة للحيلولة، فيضمن الأجرة لفوات المنفعة، و لأنّ العين باقية على ملكه و المنفعة له، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه لا تجب الأجرة؛ لأنّ القيمة المأخوذة نازلة منزلة المغصوب، فكأنّ المغصوب عاد إليه، و لأنّه استحقّ الانتفاع ببدله الذي أقيم مقامه، فلم يستحق الانتفاع به، و قام مقامه، كسائر ما عداه(١).

و الوجهان جاريان في أنّ الزوائد الحاصلة بعد دفع القيمة هل تكون مضمونة على الغاصب ؟ و في أنّه هل تلزمه مؤونة ردّها؟ و في أنّ جناية الآبق في إباقه هل يتعلّق ضمانها بالغاصب ؟(٢).

و لو غيّب الغاصب العبد المغصوب إلى مكان بعيد و عسر ردّه و غرم القيمة، طرّد بعض الشافعيّة الخلاف في الأحكام المذكورة فيه، و منهم من قطع بوجوب الأجرة، و ثبوت سائر الأحكام، و الفرق: إنّ من غيّبه باختياره فهو باق في يده و تصرّفه، فلا تنقطع علائق الضمان عنه، بخلاف الآبق(٣).

١- الحاوي الكبير ٢١٨:٧، المهذّب - للشيرازي - ٣٧٥:١-٣٧٦، نهاية المطلب ٢٨٨:٧، بحر المذهب ٩٣:٩، حلية العلماء ٢١٥:٥، التهذيب - للبغوي - ٤: ٣٠٣، البيان ١٦:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٩:٥، روضة الطالبين ١٠٦:٤.

٢- نهاية المطلب ٢٨٨:٧ و ٢٨٩، العزيز شرح الوجيز ٤١٩:٥، روضة الطالبين ١٠٦:٤.

٣- نهاية المطلب ٢٨٩:٧، العزيز شرح الوجيز ٤١٩:٥، روضة الطالبين ١٠٦:٤.


الفصل الرابع: في الواجب

اشارة

قد عرفت أنّ الأعيان إمّا مثليّة أو غير مثليّة، فهنا بحثان:

البحث الأوّل: المثليّ.

مسألة ١٠٤٣: كلّ من غصب شيئا وجب عليه ردّه على المالك

- سواء طالب المالك بردّه أو لا - ما دامت العين باقية، بلا خلاف؛ لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:

«على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه»(١).

و لأنّ حقّ المغصوب منه متعلّق بماله، و لا يتحقّق ذلك إلاّ بردّه.

فإن تلفت العين فقد تعذّر الردّ عليه، فلا بدّ لإبراء ذمّته من سبيل؛ دفعا للحرج، و لا سبيل إلى ذلك إلاّ بردّ بدله و ما يساويه؛ إذ الغرض الكلّي أصل الماليّة، و إنّما تتعلّق بالجزئيّات الأغراض النادرة، فيجب حينئذ ردّ بدله، و هو ما يقوم مقامه في الماليّة؛ لقوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ (٢).

ثمّ ينظر فإن كان من ذوات الأمثال وجب ردّ المثل؛ لأنّ المثل أقرب الأشياء إليه و من القيمة، و هو مماثل له من طريق الصورة و المشاهدة و المعنى، و أمّا القيمة فإنّها مماثلة من طريق الظنّ و الاجتهاد، فكأنّ ما هو من طريق المشاهدة مقدّم، كما يقدّم النصّ على القياس عند القائلين به؛ لكون النصّ طريقه الإدراك بالسماع، و القياس طريقه الظنّ و الاجتهاد، و إن

١- سنن ابن ماجة ٢٤٠٠/٨٠٢:٢، السنن الكبرى - للنسائي - ٥٧٨٣/٤١١:٣-٣، السنن الكبرى - للبيهقي - ٩٠:٦ و ٩٥، و ٢٧٦:٨، سنن الدارمي ٢٦٤:٢، المستدرك - للحاكم - ٤٧:٢، مسند أحمد ١٩٥٨٢/٦٣٢:٥، و ١٩٦٤٣/٦٤١.

٢- سورة البقرة: ١٩٤.


لم يكن مثليّا وجبت قيمته في قول أكثر العلماء(١).

و حكي عن عبيد اللّه بن الحسن العنبري أنّه يجب في كلّ شيء مثله(٢) ؛ لما روت عائشة قالت: ما رأيت صانعا مثل حفصة(٣) صنعت طعاما فبعثت به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، فأخذني الأفكل فكسرت الإناء، فقلت:

يا رسول اللّه ما كفّارة ما صنعت ؟ فقال: «إناء مثل الإناء، و طعام مثل الطعام»(٤) و الأفكل: الرعدة من الغيرة.

و عن أنس أنّ امرأة كسرت قصعة أخرى، فدفع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قصعة الكاسرة إلى صاحبة المكسورة، و حبس المكسورة في بيته(٥).

و هو محمول على جواز ذلك بالتراضي، و قد علم النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّها ترضى بذلك، أو أنّ المثليّة تحقّقت بذلك فيهما، و مع ذلك فهو معارض بما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «من أعتق شركا له من عبد قوّم عليه قيمة العدل»(٦) فأمر بالتقويم في حصّة الشريك؛ لأنّها متلفة بالعتق، و لم يأمر٧.

١- المغني ٣٧٦:٥، الشرح الكبير ٤٢٩:٥، الحاوي الكبير ١٣٦:٧ و ١٧٩، بحر المذهب ٢١:٩، الوسيط ٣٩٥:٣، حلية العلماء ٢١١:٥، التهذيب - للبغوي - ٢٩٦:٤، البيان ٧:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٣٠:٥، روضة الطالبين ١١٥:٤، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ١٠٧٤/٦٢٧:٢.

٢- الحاوي الكبير ١٣٦:٧، بحر المذهب ٢١:٩، حلية العلماء ٢١١:٥، البيان ٧:٧، المغني ٣٧٦:٥، الشرح الكبير ٤٢٩:٥.

٣- في سنن أبي داود: «صفيّة» بدل «حفصة». و في المغني و الشرح الكبير كما في المتن.

٤- سنن أبي داود ٢٩٧:٣-٣٥٦٨/٢٩٨، و عنه في المغني ٣٧٦:٥، و الشرح الكبير ٤٢٩:٥.

٥- سنن أبي داود ٣٥٦٧/٢٩٧:٣، سنن النسائي (المجتبى) ٧٠:٧.

٦- صحيح البخاري ١٨٩:٣، صحيح مسلم ١٥٠١/١١٣٩:٢، الموطّأ ٧٨٩:٢، ذيل ح ٣، السنن الكبرى - للبيهقي - ٩٦:٦، و ٢٧٤:١٠ و ٢٧٨، مسند أحمد ٣٩٩/٩١:١، و ٥٨٨٤/٢٥٧:٢، مسند أبي يعلى ١٧٦:١٠-٥٨٠٢/١٧٧.


بالمثل، و لأنّ هذه الأشياء لا تتساوى أجزاؤها، و تتفاوت صفاتها، فالقيمة فيها أعدل و إليها أقرب فكانت أولى.

مسألة ١٠٤٤: قد بيّنّا أنّ المثليّ يضمن مع تلفه بمثله،

كالدراهم و الدنانير، و الحبوب و الأدهان.

قال ابن عبد البرّ: كلّ مطعوم من مأكول أو مشروب مجمع على أنّه يجب على مستهلكه مثله لا [قيمته](١)(٢).

و أمّا سائر المكيل و الموزون فإنّها متماثلة عندنا تضمن بالمثل.

و لو كان فيه صناعة - كمعمول الحديد و النحاس و الرصاص من الأواني و الآلات و نحوها، و الحليّ من الذهب و الفضّة، و المنسوج من الحرير و الكتّان و القطن و الصوف و الشعر، و المغزول من ذلك - فالأقرب:

أنّه يضمن بالقيمة؛ لأنّ الصناعة تؤثّر في قيمته، و هي مختلفة، فالقيمة فيه أخصّ(٣) ، فأشبه غير المكيل و الموزون.

و قال بعض العامّة: إنّ النقرة و السبيكة من الأثمان و العنب و الرطب و الكمّثرى إنّما تضمن بالقيمة(٤).

و الوجه: الأوّل:

مسألة ١٠٤٥: إذا غصب عينا من ذوات الأمثال و تلفت في يده أو أتلفها و المثل موجود فلم يسلّمه حتى فقد،

أخذت منه القيمة؛ لتعذّر المثل،

١- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بقيمته». و المثبت هو الصحيح.

٢- الاستذكار ٣٢١٠٣/١٢٩:٢٢، و حكاه عنه ابنا قدامة في المغني ٣٧٧:٥، و الشرح الكبير ٤٢٨:٥.

٣- ورد في المغني ٣٧٧:٥، و الشرح الكبير ٤٣٣:٥: «أحصر» بدل «أخصّ».

٤- المغني ٣٧٧:٥، الشرح الكبير ٤٣٣:٥.


فأشبه غير المثليّ.

و المراد من الفقد أن لا يوجد في ذلك البلد و ما حواليه.

فإذا لم يقبض القيمة وقت الإعواز حتى مضت مدّة تختلف فيها القيمة، وجب عليه القيمة يوم الإقباض، لا يوم الإعواز.

و لو أعوز فحكم الحاكم بالقيمة فزادت أو نقصت، لم يلزم ما حكم به الحاكم، و حكم بالقيمة وقت تسليمها؛ لأنّ الثابت في الذمّة إنّما هو المثل.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يكون له المطالبة بقيمة يوم القبض، و لا اعتبار بحكم الحاكم به(١).

و للشافعيّة في القيمة المعتبرة عشرة أوجه:

أحدها: أنّها أقصى قيمة من يوم الغصب إلى التلف، و لا اعتبار بزيادة قيمة أمثاله بعد تلفه، كما في المتقوّمات، و لأنّ المثل جار في الوجوب مجرى المغصوب، فإذا تعذّر صار بمنزلة تلف المغصوب، و المغصوب إذا وجبت قيمته وجب أكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف.

و ثانيها: أنّها أقصى قيمة من وقت تلف المغصوب إلى الإعواز؛ لأنّ المثل هو الواجب، إلاّ أنّه لمّا فقد تعذّر الوصول إليه، فينظر إلى قيمته من وقت وجوبه إلى التعذّر.

و ربما بني هذان الوجهان على أنّ الواجب عند إعواز المثل قيمة المغصوب؛ لأنّه الذي تلف على المالك، أو قيمة المثل؛ لأنّه الواجب عند التلف، و إنّما رجعنا إلى القيمة لتعذّره ؟ و فيه وجهان لبعض الشافعيّة: إن قلنا بالأوّل، اعتبرنا الأقصى من وقت الغصب إلى وقت تلف المغصوب،ب.

١- الخلاف ٣٩٥:٣، المسألة ١ من كتاب الغصب.


[و إن قلنا بالثاني، اعتبرنا من وقت تلف المغصوب](١) لأنّ المثل حينئذ يجب إلى وقت الانقطاع و الإعواز.

و ثالثها - و هو الأصحّ عندهم -: أنّ القيمة المعتبرة أقصى القيم من يوم الغصب إلى يوم الإعواز؛ لأنّ وجود المثل كبقاء عين المغصوب من حيث إنّه كان مأمورا بتسليم المثل، كما كان مأمورا بردّ العين، فإذا لم يفعل غرّم أقصى قيمته في المدّتين، كما أنّ المتقوّمات تضمن بأقصى قيمتها لهذا المعنى، و لا نظر إلى ما بعد انقطاع المثل، كما لا نظر إلى ما بعد تلف المغصوب المتقوّم.

و رابعها: أقصى القيم من وقت الغصب إلى وقت تغريم القيمة و المطالبة بها؛ لأنّ المثل لا يسقط بالإعواز، ألا ترى أنّ المغصوب منه لو صبر إلى وجدان المثل ملك المطالبة به، و إنّما المصير إلى القيمة عند تغريمها.

و هذه الأوجه الأربعة هي المذكورة في الكتاب(٢).

و خامسها: أنّها أقصى القيم من وقت انقطاع المثل و إعوازه إلى وقت المطالبة بالقيمة؛ لأنّ الإعواز وقت الحاجة إلى العدول إلى القيمة، فيعتبر(٣) الأقصى من يومئذ.

و سادسها: أنّها أقصى القيم من وقت تلف المغصوب إلى وقت المطالبة؛ لأنّ الضمان يومئذ يجب.

و سابعها: أنّ الاعتبار بقيمة اليوم الذي تلف فيه المغصوب.».

١- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز ٤٢٢:٥.

٢- أي: كتاب الوجيز ٢٠٨:١.

٣- في الطبعة الحجريّة: «فتعيّن» بدل «فيعتبر».


و ثامنها: أنّ الاعتبار بقيمة يوم الإعواز؛ لأنّه وقت العدول إلى القيمة.

و تاسعها - و به قال أبو حنيفة و مالك(١) -: أنّ الاعتبار بقيمته يوم المطالبة، لأنّ الإعواز حينئذ يظهر و يتحقّق، و قد يبدّل لفظ المطالبة و التغريم بالحكم بالقيمة، و المرجع بهما إلى شيء واحد.

و عاشرها: أنّه إن كان منقطعا في جميع البلاد فالاعتبار بقيمته(٢) يوم الإعواز، و إن فقد في تلك البقعة فالاعتبار بقيمته يوم الحكم بالقيمة(٣).

و قال بعضهم: المعتبر قيمة يوم أخذ القيمة، لا يوم المطالبة و لا يوم التلف(٤).

و قال أبو حنيفة: الاعتبار بقيمة يوم المطالبة و القبض(٥). و هو الوجه عندي.

و قال أحمد بالوجه الثامن(٦).

و لو غصب مثليّا فتلف و المثل مفقود، فالقياس أن يجب على الوجه الأوّل و الثالث: أقصى القيم من يوم الغصب إلى التلف، و على الثاني و السابع و الثامن: قيمة يوم التلف، و أن يعود الرابع و السادس و التاسع بحالها، و على الخامس: أقصى القيم من يوم التلف إلى يوم التغريم، و على٥.

١- مختصر اختلاف العلماء ١٨٦٦/١٧٧:٤، المبسوط - للسرخسي - ٥٠:١١، روضة القضاة ٧٧٢٤/١٢٦٠:٣، تحفة الفقهاء ٩٧:٣، بدائع الصنائع ١٥١:٧، الهداية - للمرغيناني - ١٢:٤، المحيط البرهاني ٤٧٥:٥، الاختيار لتعليل المختار ٨٥:٣، المغني ٤٢١:٥، الشرح الكبير ٤٢٨:٥.

٢- في النّسخ الخطّيّة: «بقيمة».

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٢٢:٥-٤٢٣، روضة الطالبين ١١٠:٤.

٤- العزيز شرح الوجيز ٤٢٣:٥، روضة الطالبين ١١١:٤.

٥- العزيز شرح الوجيز ٤٢٣:٥.

٦- المغني ٤٢١:٥، الشرح الكبير ٤٢٨:٥، العزيز شرح الوجيز ٤٢٣:٥.


العاشر: إن كان مفقودا في جميع البلاد وجبت قيمة يوم التلف، و إلاّ فقيمة يوم التغريم.

و لو أتلف مثليّا على إنسان من غير غصب و إثبات يد(١) عليه و كان المثل موجودا فلم يسلّمه حتى فقد، فعلى الوجه الأوّل: تجب قيمة يوم الإتلاف، و على الثاني و الثالث: أقصى القيم من يوم الإتلاف إلى الإعواز، و على الرابع: من يوم الإتلاف إلى التغريم(٢) ، و القياس عود الوجوه السابقة(٣).

و لو أتلفه و المثل مفقود، فالقياس أن يقال: على الوجه الأوّل و الثاني و الثالث و السابع و الثامن: تجب قيمة(٤) يوم الإتلاف، و على الرابع و الخامس و السادس: أقصى القيم من يوم الإتلاف إلى يوم(٥) التغريم، و على التاسع: قيمة يوم التغريم، و على العاشر: إن كان منقطعا في جميع البلاد وجبت قيمة يوم الإتلاف، و إلاّ فقيمة يوم التغريم(٦).

و مهما غرم الغاصب أو المتلف القيمة لإعواز المثل ثمّ وجد المثل، هل للمالك ردّ القيمة و طلب المثل ؟ الأقرب: المنع؛ لبراءة ذمّة الغاصب بأداء بدل المثل، فلا تعود الذمّة مشغولة بالمبدل، كما لو صام الفقير عن الكفّارة ثمّ استطاع العتق، بخلاف ما لو غرم قيمة العبد ثمّ وجد؛ لأنّ القيمة٤.

١- في «ص، ع»: «يده».

٢- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «التقويم».

٣- كذا في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة من قوله: «السابقة»، و بدلها في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين: «الباقية»، و هي الأولى.

٤- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «قيمته».

٥- كلمة «يوم» لم ترد في «ص، ع».

٦- العزيز شرح الوجيز ٤٢٣:٥، روضة الطالبين ١١١:٤.


ليست بدلا عن العبد حقيقة، و إنّما هي مأخوذة للحيلولة، و لأنّ العبد عين حقّ المغصوب منه، و المثل بدل حقّه، و لا يلزم من تمكين المالك من الرجوع إلى عين حقّه تمكينه من الرجوع إلى بدل حقّه.

مسألة ١٠٤٦: لو غصب عينا من ذوات الأمثال و نقلها إلى بلد آخر،

كان للمالك مطالبته بردّه إلى مكانه الأوّل، و له أن يأخذه من المكان الثاني، و له أن يطالبه في المكان الأوّل بالقيمة في الحال؛ للحيلولة، فإذا ردّه الغاصب استردّ القيمة التي دفعها إلى المالك؛ لأنّه إنّما ملكها للحيلولة و قد زالت بالردّ إليه.

و لو تلف في البلد المنقول إليه، طالبه بمثله حيث ظفر به من البلدين؛ لتوجّه الطلب عليه بردّ الثمن في الموضعين، فإن فقد المثل غرّمه قيمة أكثر البلدين قيمة.

و لو أتلف مثليّا أو غصبه و تلف عنده في بلد ثمّ ظفر المالك به في بلد آخر، كان للمالك مطالبته بالمثل، سواء كان لنقله مؤونة أو لا.

و قال أصحاب الشافعي: إن لم يكن لنقله مؤونة كالدراهم و الدنانير، فله المطالبة بالمثل، و إن كان لنقله مؤونة، لم يكن له طلب المثل، و لا للغارم تكليفه قبول المثل؛ لما يلزم فيه من المؤونة و الضرر، و للمالك أن يغرّمه قيمة بدل المتلف(١) ، فإن تراضيا على المثل لم يكن له تكليفه مؤونة النقل(٢).

و حكى الجويني وجهين آخرين:

١- كذا، و في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين: «بلد التلف».

٢- الوسيط ٣٩٦:٣، التهذيب - للبغوي - ٢٩٥:٤، العزيز شرح الوجيز ٤٢٥:٥، روضة الطالبين ١١٢:٤.


أحدهما: أنّه يطالبه بالمثل و إن لزمت المؤونة و زادت القيمة، كما لو أتلف مثليّا في وقت الرخص و طلب المثل في الغلاء، و هو الذي اخترناه.

و الثاني: أنّه إن كان قيمة ذلك البلد مثل قيمة بلد التلف أو أقلّ طالبه بالمثل، و إلاّ فلا(١).

و على القول بالمنع لو أخذ القيمة ثمّ تراجعا في بلد التلف [هل](٢) للمالك ردّ القيمة و طلب المثل ؟ و هل لصاحبه استرداد القيمة و بذل المثل ؟ فيه الوجهان فيما إذا غرم القيمة لإعواز المثل(٣).

و لو نقل المغصوب المثليّ إلى بلد آخر و تلف هناك أو أتلفه ثمّ ظفر به المالك في بلد ثالث و قلنا: إنّه لا يطالب بالمثل في غير موضع التلف، فله أخذ قيمة أكثر البلدين قيمة.

مسألة ١٠٤٧: لو غصب المثليّ فتلف تحت يده أو أتلف المثليّ على غيره

و إن لم يكن غاصبا و مضى عليه زمان زادت قيمة المثل فيه، فله المطالبة بالمثل و إن زادت القيمة.

و لو نقصت القيمة، فله المثل خاصّة ليس له سواه، و به قال العامّة(٤) ، و فرّقوا بين مضيّ الزمان و مغايرته للأوّل و بين المكان عند القائلين بأنّه لا يطالب بالمثل في غير ذلك المكان: أنّ العود إلى المكان الأوّل ممكن

١- نهاية المطلب ١٨٢:٧-١٨٤، الوسيط ٣٩٦:٣، العزيز شرح الوجيز ٥: ٤٢٥، روضة الطالبين ١١٢:٤.

٢- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قيل». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.

٣- التهذيب - للبغوي - ٢٩٥:٤، العزيز شرح الوجيز ٤٢٥:٥، روضة الطالبين ٤: ١١٢-١١٣.

٤- العزيز شرح الوجيز ٤٢٦:٥، روضة الطالبين ١١٣:٤.


فجاز انتظاره، و ردّ الزمان الأوّل غير ممكن، فقنعنا بصورة المثل و إن لم يكن ذلك مثلا حقيقة؛ لأنّ التساوي في القيمة معتبر في المثلين، و للزمان أثر ظاهر في تفاوتها(١).

و هذا كلّه فيما إذا لم يخرج المثل باختلاف الزمان و المكان عن أن يكون له قيمة و ماليّة، أمّا إذا خرج، كما إذا أتلف عليه الماء في مفازة ثمّ اجتمعا على شطّ نهر، أو أتلف عليه جمدا في الصيف و اجتمعا في الشتاء، فالأقرب: أنّه يجب على المتلف قيمة المثل في مثل تلك المفازة و في الصيف، و إلاّ لزم تضرّر المالك بإتلاف ملكه بالحقيقة.

و إذا غرم القيمة ثمّ اجتمعا في مثل تلك المفازة أو في الصيف هل يثبت الترادّ؟ الأقوى عندي: المنع.

و للشافعيّة وجهان(٢).

تذنيب: لو انتقل المسلم إليه لم يطالب بالمثل؛ لما فيه من المؤونة، و إنّما عليه أن يوفيه إيّاه في مكان العقد.

و في مطالبته بالقيمة نظر من حيث إنّه اعتياض، فإن منع فله الفسخ و طلب رأس المال.

و لو كان قد أقرضه في موضع، فإنّ له(٣) أن يأخذ القرض منه في موضعه، و ليس له مطالبته به في غير موضعه.

و لو اتّفقا على ذلك جاز، و له المطالبة بالقيمة، فإنّ أخذ القيمة عن القرض جائز.».

١- العزيز شرح الوجيز ٤٢٦:٥.

٢- التهذيب - للبغوي - ٢٩٥:٤، العزيز شرح الوجيز ٤٢٦:٥، روضة الطالبين ١١٣:٤.

٣- في الطبعة الحجريّة: «فله» بدل «فإنّ له».


مسألة ١٠٤٨: الذهب و الفضّة إن كانا مضروبين فهما مثليّان يضمنان بالمثل.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يضمنان بنقد البلد(١) ، كما لو أتلف ما لا مثل له.

و إن لم يكونا مضروبين، فإمّا أن تكون فيه(٢) صنعة كالحليّ، أو لا تكون كالتّبر.

أمّا الأوّل فإذا أتلف حليّا وزنه عشرة و قيمته عشرون، ضمن الأصل بمثله و قيمة الصنعة، و هي عشرة أيضا، و كذا في غير النقدين و إن زاد عن الأصل، ربويّا كان أو غير ربويّ؛ لأنّ للصنعة قيمة تظهر لو أزيلت عدوانا و لو من غير غصب.

و لو كانت الصنعة محرّمة، لم تضمن.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه تضمن العين بوزنها من جنسها، و الصنعة بقيمتها من غير جنسها، سواء كان ذلك نقد البلد أو لم يكن؛ لأنّه لو ضمن الكلّ بالجنس لقابلنا عشرة بعشرين و ذلك ربا(٣). و هو ممنوع.

و أصحّهما عندهم: أنّه يضمن الجميع بنقد البلد و إن كان من جنسه، و لا يلزم الربا، فإنّ الربا إنّما يجري في العقود لا في الغرامات، و لو كان هذا ربا لكان الأوّل أيضا ربا، فإنّه كما لا يقابل دينار بدينارين لا يقابل دينار بدينار و درهم(٤).

و لهم أيضا وجهان آخران:

١- المبسوط - للطوسي - ٦١:٣.

٢- كذا قوله: «فيه» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و الظاهر: «فيهما».

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٢٧:٥، روضة الطالبين ١١٤:٤.

٤- العزيز شرح الوجيز ٤٢٧:٥، روضة الطالبين ١١٤:٤.


أحدهما: أنّ العين تضمن بوزنها من جنسها، و الصنعة بنقد البلد، كما لو أتلف الصنعة وحدها بكسر الحلّي يضمن بنقد البلد، سواء كان من جنس الحليّ أو غير جنسه.

و الثاني: أنّه يضمن الجميع بغير جنسه تحرّزا عن التفاضل و عن اختلاف الجنس في أحد الطرفين(١) ، و هو مرويّ عن أبي حنيفة(٢).

و لو أتلف آنية الذهب و الفضّة، فيبنى على أنّ اتّخاذها للاستعمال هل هو جائز؟ إن قلنا: نعم، فهو كما لو أتلف حليّا، و إن قلنا: لا، فهو كإتلاف ما لا صنعة فيه.

و إذا أتلف ما لا صنعة فيه: كالتّبر و السبيكة، ضمنه بالمثل؛ لأنّه من ذوات الأمثال؛ لتساوي الأجزاء.

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: أنّهما مثليّان، فيضمنان بالمثل.

و الثاني: أنّه يضمن قيمته بنقد البلد، سواء كان من جنسه أو من غير جنسه، كسائر المتقوّمات(٣).

و لهم وجه آخر: أنّ الأمر كذلك إلاّ إذا كان نقد البلد من جنسه و كانت القيمة تزيد على الوزن، فحينئذ يقوّم بغير الجنس و يضمن به(٤).

و فرّقوا بينه و بين ما فيه صنعة: بأنّ الزيادة هناك تقع في مقابلة الصنعة، فلا تؤدّي إلى الربا، و هنا لا قيمة للصنعة فيلزم الربا(٥).٥.

١- التهذيب - للبغوي - ٢٩٥:٤، العزيز شرح الوجيز ٤٢٧:٥، روضة الطالبين ١١٤:٤.

٢- التهذيب - للبغوي - ٢٩٥:٤-٢٩٦، العزيز شرح الوجيز ٤٢٧:٥.

٣- التهذيب - للبغوي - ٢٩٥:٤، العزيز شرح الوجيز ٤٢٧:٥، روضة الطالبين ١١٤:٤.

٤- التهذيب - للبغوي - ٢٩٥:٤، العزيز شرح الوجيز ٤٢٨:٥، روضة الطالبين ١١٤:٤.

٥- العزيز شرح الوجيز ٤٢٨:٥.


مسألة ١٠٤٩: إذا تغيّر المغصوب في يد الغاصب من حال إلى أخرى ثمّ تلف عنده،

فإمّا أن يكون متقوّما في الحالة الأولى مثليّا في الثانية، أو بالعكس، أو يكون مثليّا فيهما، أو متقوّما فيهما، فالأقسام أربعة:

الأوّل: أن يكون متقوّما في الحالة الأولى خاصّة، كما لو غصب رطبا و قلنا: إنّه متقوّم، فصار تمرا ثمّ تلف عنده، فالوجه: أنّ عليه الأكثر من قيمة الرطب أو مثل التمر، فإنّ الرطب لو كان أكثر قيمة من قيمة التمر حتى أوجبنا التمر أو قيمته، لزم تضييع الزيادة التي استحقّها المالك عليه، و لو كان التمر أكثر قيمة، وجب عليه التمر؛ لأنّه مثليّ، و هو أحد وجوه الشافعيّة، و الثاني: أنّ المالك يتخيّر بين أن يأخذ مثل التمر أو قيمة الرطب؛ لأنّه أتلف عليه ماله و هو مثليّ، و [ردّ](١) ماله و هو متقوّم، فيطالب بموجب ما شاء من الحالين. و هو حسن، و الثالث: أنّه يضمن مثل التمر خاصّة؛ لأنّه لا يمكن الجمع بين المثل و القيمة، و لا بدّ من إيجاب أحدهما، و المثل أقرب إلى التالف، فيكون إيجابه أولى(٢).

الثاني: أن يكون مثليّا في الحالة الأولى متقوّما في الحالة الثانية، كما لو غصب حنطة فطحنها ثمّ تلف الدقيق عنده، أو جعله خبزا و أكله و قلنا:

لا مثل للدقيق و الخبز، كما هو قول الشافعيّة(٣) ، أو غصب منه تمرا و اتّخذ منه الخلّ بالماء عندهم(٤) ، أو اتّخذ من الكتّان ثوبا و خرج بذلك عن كونه مثليّا، فالذين أوجبوا المثل في الأوّل من الشافعيّة أوجبوه هنا(٥) ، فيضمن الحنطة و التمر و الكتّان، و على الآخر: إن كان المتقوّم أكثر قيمة، غرمها،

١- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٢٨:٥-٤٢٩، روضة الطالبين ١١٤:٤. (٣الى٥) العزيز شرح الوجيز ٤٢٩:٥، روضة الطالبين ١١٥:٤.


و إلاّ غرم المثل(١).

و قال بعض الشافعيّة: إنّه يغرم بأقصى القيم، و ليس للمالك مطالبته بالمثل؛ لأنّ التلف حصل و هو متقوّم(٢).

و على هذا فإذا قيل: من غصب حنطة في الغلاء و بقيت عنده إلى التلف و غرّمه المالك في وقت الرخص [فيغرم](١) المثل أو القيمة ؟ فالصواب عندهم أن يقال: إن تلفت و هي حنطة، غرّمه المثل، و إن صارت إلى حالة التقوّم ثمّ تلفت، فالقيمة، و لا يصحّ إطلاق الجواب بالمثل و لا بالقيمة(٢).

الثالث: أن يكون مثليّا فيهما، كما لو غصب سمسما و اتّخذ منه شيرجا ثمّ تلف عنده، ضمن أكثرها قيمة، فإن تساويا قيمة تخيّر المالك في أيّهما شاء، و هو قول بعض الشافعيّة(٣).

و قال بعضهم: يتخيّر المالك، فيغرّمه ما شاء منهما(٤).

و هما متقاربان.

الرابع: أن يكونا متقوّمين، و يجب فيه أقصى القيم في الحالتين.

مسألة ١٠٥٠: إذا أتلف المثليّ،

وجب عليه تحصيل المثل، فإن وجده بثمن المثل وجب عليه شراؤه بلا خلاف.

و إن لم يجده إلاّ بأزيد من ثمن المثل، ففي إلزامه بتحصيله إشكال

١- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فغرم». و في العزيز شرح الوجيز: «يغرم». و في روضة الطالبين: «فهل يغرم». و الظاهر ما أثبتناه.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٢٩:٥، روضة الطالبين ١١٥:٤.

٣- البغوي في التهذيب ٢٩٧:٤، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٤٢٩:٥، و روضة الطالبين ١١٥:٤.

٤- الغزالي في الوسيط ٣٩٨:٣، و الوجيز ٢٠٩:١، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٤٢٩:٥، و روضة الطالبين ١١٥:٤.


ينشأ: من أنّ الموجود بأكثر من ثمن المثل كالمعدوم، كالرقبة في الكفّارة و الهدي، و من أنّ المثل كالعين، و ردّ العين واجب و إن لزم في مؤونته أضعاف قيمته.

و للشافعيّة وجهان، أظهرهما: الأخير(١).

و ربما يمكن الفرق بين المثل و العين: بأنّه تعدّى في العين دون المثل، فلا يأخذ المثل حكم العين.

البحث الثاني: في غير المثليّ.

اشارة

إذا غصب عينا ليست من ذوات الأمثال، وجب عليه ردّها ما دامت باقية على صفاتها.

فإن تلفت عند الغاصب أو أتلفها، قال الشيخ رحمه اللّه: يضمنها الغاصب بأكثر القيم من يوم الغصب إلى يوم التلف(٢) ، و به قال الشافعي؛ لأنّه في حال زيادة القيمة غاصب مطالب بالردّ، فإذا لم يرد ضمن بدله(٣).

و قال أبو حنيفة: تعتبر قيمتها يوم الغصب؛ لأنّ ما زاد لم يحصل فيه الغصب(٤).

١- بحر المذهب ٢٧:٩، الوسيط ٣٩٧:٣، التهذيب - للبغوي - ٢٩٤:٤، البيان ١٤:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٢٩:٥-٤٣٠، روضة الطالبين ١١٥:٤.

٢- المبسوط - للطوسي - ١٠٣:٣، الخلاف ٤١٥:٣، المسألة ٢٩.

٣- الحاوي الكبير ١٣٦:٧، المهذّب - للشيرازي - ٣٧٥:١، نهاية المطلب ٧: ١٩٥، بحر المذهب ٥٨:٩، الوجيز ٢٠٩:١، حلية العلماء ٢١١:٥، التهذيب - للبغوي - ٢٩٦:٤، البيان ٧:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٣٠:٥، روضة الطالبين ١١٥:٤، روضة القضاة ٧٧٢٣/١٢٦٠:٣.

٤- المبسوط - للسرخسي - ٥٠:١١، روضة القضاة ٧٧٢٢/١٢٦٠:٣، تحفة الفقهاء ٩٦:٣، بدائع الصنائع ١٥١:٧، الهداية - للمرغيناني - ١٢:٤، المحيط البرهاني -


و قال أحمد: تعتبر قيمتها يوم التلف؛ لأنّ زيادة السوق لا تضمن مع بقاء العين فوجب التقويم يوم التلف(١).

و قول أبي حنيفة ضعيف؛ لأنّ الإمساك منه غصب.

و كذا قول أحمد؛ لأنّ ذلك يسقط بردّ العين، فإذا أعوزت فقد تعذّر ردّها.

و قول أحمد لا بأس به.

مسألة ١٠٥١: لو غصب في بلد ثمّ تلف المغصوب في غير ذلك البلد و اختلفت قيمة البلدين،

كان له أكثر القيمتين.

و لو اختلف النقدان، فالأقرب: وجوب القيمة من نقد البلد الذي حصل فيه التلف.

و اعلم أنّ تفاوت القيمة قد يكون لزيادة و نقصان، كما إذا كان العبد ذا صنعة فنسيها، و قد يكون لارتفاع السوق و انخفاضه، فلو كانت قيمته مائة فبلغت مائتين ثمّ عادت بتراجع الأسواق إلى مائة و خمسين ثمّ هلك، لزمه مائتين، و لا عبرة بتفاوت السوق بعد التلف، و لو تكرّر ارتفاع السوق و انخفاضه، لم يضمن كلّ زيادة، و إنّما يضمن الأكثر.

و لو أتلف متقوّما من غير غصب، ضمن قيمته يوم الإتلاف، فإن حصل التلف بتدريج و سراية و اختلفت القيمة في تلك المدّة، كما إذا جنى على بهيمة قيمة مثلها يومئذ مائة ثمّ هلكت و قيمة المثل خمسون، لزمه

١- المغني ٤٢١:٥، الشرح الكبير ٤٣٠:٥، بحر المذهب ٥٨:٩، حلية العلماء ٢١٢:٥، العزيز شرح الوجيز ٤٣٠:٥.

مائة؛ لأنّا إذا اعتبرنا الأقصى في اليد العادية فلأن نعتبرها في نفس الإتلاف كان أولى، و به قال الشافعي(١).

و قال أبو حنيفة: تعتبر قيمة يوم الغصب، بناء على أنّ الزوائد غير مضمونة(٢).

و قال أحمد: تعتبر قيمة يوم التلف إذا كان التفاوت لاضطراب الأسواق(٣).

مسألة ١٠٥٢: لو غصب عبدا فأبق أو دابّة فشردت أو ضلّت أو غيّبها الغاصب أو غصب ثوبا فضاع،

فللمالك أن يضمّنه القيمة في الحال؛ للحيلولة، و لزوم الضرر، و الاعتبار بأقصى القيم من يوم الغصب إلى يوم المطالبة، و ليس للغاصب أن يلزمه قبول القيمة؛ لأنّ قيمة الحيلولة ليست حقّا ثابتا في الذمّة حتى يجبر على قبوله أو الإبراء عنه، بل لو أبرأه المالك عنها لم ينفذ، و هو قول أكثر الشافعيّة(٤).

و قال بعضهم: إنّها منزّلة منزلة الحقوق المستقرّة(٥).

ثمّ القيمة المأخوذة يملكها المالك، كما يملك عند التلف، و ينفذ تصرّفه فيها، و لا يملك الغاصب المغصوب، كما لا يملك نصف العبد إذا قطع إحدى يديه و غرم، فإذا ظفر بالمغصوب فللمالك استرداده و ردّ القيمة، و للغاصب ردّه و استرداد القيمة.

و هل له حبس المغصوب إلى أن يستردّ القيمة ؟ قال الشافعي: نعم،

١- العزيز شرح الوجيز ٤٣٠:٥، روضة الطالبين ١١٦:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٣٠:٥.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٣٠:٥-٤٣١.

٤- العزيز شرح الوجيز ٤٣١:٥، روضة الطالبين ١١٦:٤.

٥- العزيز شرح الوجيز ٤٣١:٥، روضة الطالبين ١١٦:٤.


كما أنّه يثبت الحبس للمشتري في الشراء الفاسد لاسترداد الثمن(١).

و الأقرب عند أصحابه: المنع من حبس المشتري(٢).

و الأقرب: المنع في الغاصب.

مسألة ١٠٥٣: قد بيّنّا أنّ الغاصب إذا دفع القيمة إلى المالك لأجل الحيلولة ملك المغصوب منه القيمة،

فله التصرّف فيه كيف شاء و إخراجه عن يده بالبيع و الهبة و غير ذلك، و لا يملك الغاصب العين المغصوبة، فإذا قدر الغاصب عليها بعد ذلك وجب عليه ردّها - و به قال الشافعي(٣) - لأنّ الغصب ليس سبب الملك، و دفع القيمة لا يوجب التملّك؛ لأنّه غرم ما تعذّر عليه ردّه بخروجه عن يده، فلا يملكه بذلك، كما لو كان المغصوب مدبّرا.

و قال أبو حنيفة: إنّ الغاصب يملك العين المقوّمة، فإذا قدر عليها لا يلزمه ردّها، إلاّ أن يكون دفع دون قيمتها بقوله مع يمينه، فيكون للمغصوب منه ردّ القيمة و استرجاعها(٤).

١- الوجيز ٢٠٩:١، العزيز شرح الوجيز ٤٣١:٥، روضة الطالبين ١١٦:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٣١:٥، روضة الطالبين ١١٦:٤.

٣- الحاوي الكبير ٢١٦:٧، المهذّب - للشيرازي - ٣٧٥:١، نهاية المطلب ٧: ١٨٢، بحر المذهب ٩٢:٩-٩٣، الوسيط ٣٩٨:٣، حلية العلماء ٢١٤:٥ - ٢١٥، التهذيب - للبغوي - ٣٠٣:٤، البيان ١٥:٧، العزيز شرح الوجيز ٥: ٤٣١، روضة الطالبين ١١٦:٤، المغني ٤١٧:٥، الشرح الكبير ٤٣٦:٥.

٤- روضة القضاة ٧٧٦١/١٢٦٧:٣، الفقه النافع ٦٥٤/٩٣٢:٣، الهداية - للمرغيناني - ١٨:٤، الاختيار لتعليل المختار ٨٥:٣-٨٦، الحاوي الكبير ٧: ٢١٦، نهاية المطلب ١٨٢:٧، بحر المذهب ٩٣:٩، الوسيط ٣٩٨:٣، حلية العلماء ٢١٥:٥، التهذيب - للبغوي - ٣٠٣:٤-٣٠٤، البيان ١٥:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٣١:٥.


و نقل عن أبي حنيفة و مالك: أنّهما قالا: يتخيّر المالك بين الصبر إلى إمكان ردّها فيستردّها، و بين تضمينه إيّاها فيزول ملكه عنها، و تصير ملكا للغاصب لا يلزمه ردّها إلاّ أن يكون دفع [دون](١) قيمتها بقوله مع يمينه؛ لأنّ المالك ملك البدل، فلا يبقى ملكه على المبدل كالبيع، و لأنّه تضمين فيما ينتقل الملك فيه، فوجب أن ينتقل الملك به، كما لو خلط زيته بزيته(٢).

و الفرق: أنّ الزيت يجوز بيعه، و لأنّ حقّ صاحبه انقطع عنه، فإنّه لا يمكنه تمييزه بحال، و ليس هذا جمعا بين البدل و المبدل؛ لأنّه ملك القيمة لأجل الحيلولة، لا على سبيل العوض، و لذا لو ردّ الغاصب المغصوب إليه ردّ القيمة عليه، فلم يحصل معنى الملك إلاّ في أحدهما.

و يجب على الغاصب ردّ العين و نمائها إن كانت ذات نماء و ردّ الأجرة.

و أمّا القيمة المدفوعة فإن كانت باقية بحالها عند المالك، فالأقرب:

أنّه يجب عليه ردّها على الغاصب بعينها، لا بدلها؛ لأنّه إنّما ملكها ملكا مراعى بسبب الحيلولة و قد انتفت الحيلولة، فيزول ملكه عن العين.

و قال بعض الشافعيّة: يمكن أن يجوز للمالك إمساكها و غرامة مثلها(٣).

و إن اتّفقا على ترك الترادّ، فلا بدّ من بيع ليصير المغصوب للغاصب.

و لو زادت القيمة، فإن كانت متّصلة ردّها مع الزيادة، و إن كانت منفصلة - كاللبن و الولد(٤) - لا يجب ردّها؛ لأنّها نمت على ملك المالك».

١- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٢- نقله عنهما ابنا قدامة في المغني ٤١٧:٥، و الشرح الكبير ٤٣٦:٥.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٣١:٥، روضة الطالبين ١١٧:٤.

٤- في النّسخ الخطّيّة: «كالولد و اللبن».


و انفصلت في ملكه.

و اعلم أنّ أبا حنيفة وافقنا على ما قلناه من أنّ الغاصب لا يملك الغصب في المدبّر، و فيما إذا اختلفا في القيمة و غرّمناه ما اعترف به ثمّ تبيّن عند الظفر بالمغصوب أنّها أكثر(١).

و اعلم أنّ ضمان الحيلولة ثابت في كلّ مغصوب خرج من يد المالك و تعذّر ردّه.

و اعلم أنّا قد بيّنّا أنّ منافع المغصوب مضمونة، فلو كانت الأجرة في مدّة الغصب متفاوتة ضمن في كلّ زمان من أزمان المدّة بأجرة المثل فيه، فلو كانت أجرة المثل حال الغصب تساوي عشرة مدّة شهر ثمّ صارت في شهر آخر تساوي خمس عشرة ثمّ صارت في الثالث تساوي عشرين، ضمن أجرة الشهر الأوّل: عشرة، و في الثاني: خمسة عشر، و في الثالث:

عشرين، و هو أظهر وجوه الشافعيّة.

و لهم وجهان آخران:

أحدهما: أنّه يضمن بالأكثر في جميع المدّة.

و الثاني: أنّها تضمن في كلّ وقت من أوقات المدّة بأجرة مثلها إن كانت الأجرة في أوّل المدّة أقلّ، و إن كانت في الأوّل أكثر ضمنها بالأكثر في جميع المدّة؛ لأنّه لو كان المال في يده لأمكن أن يكريه بها في جميع المدّة(٢).

و المعتمد: الأوّل.٨.

١- راجع: الهامش (٤) من ص ٢٤٢.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٣٢:٥، روضة الطالبين ١١٧:٤-١١٨.


الفصل الخامس: في الطوارئ

اشارة

و مباحثه اثنان:

البحث الأوّل: في النقصان.

اشارة

و النظر فيه يتعلّق بأمور:

النظر الأوّل: نقص القيمة السوقيّة.

إذا غصب عينا و قيمتها يوم الغصب عشرة - مثلا - فردّها بحالها من غير نقص في ذاتها و لا في صفاتها لكن صارت قيمتها يوم الردّ خمسة، فلا شيء عليه - و هو قول جمهور العلماء(١) - لأنّ الفائت إنّما هو رغبات الناس، لا شيء من المغصوب، بخلاف ما إذا تلف، فإنّ الواجب هناك البدل، فوجب الأكثر؛ لكونه مأمورا بالردّ في تلك الحالة، و إذا كانت العين باقية فالواجب ردّها و قد أتى به، و لأنّه ردّ العين و لم ينقص منها عين وجب تقويمها، بخلاف ما إذا تلفت، فإنّه يجب تقويمها، فلهذا ضمن أكثر ما كانت القيمة، و هنا لا يجب تقويمها.

و قال أبو ثور: إنّ المالك يرجع بنقص القيمة السوقيّة و تفاوت الأسعار؛ لأنّ كلّ ما يضمنه إذا تلفت العين يضمنه إذا ردّها كالسمن(٢).

و الفرق: أنّ في السمن قد تلفت عين منها يجب تقويمها، بخلاف

١- الحاوي الكبير ١٥٨:٧، المهذّب - للشيرازي - ٣٧٤:١، نهاية المطلب ٧: ١٩٥-١٩٦، بحر المذهب ٣٥:٩، الوسيط ٤٠١:٣، حلية العلماء ٢١١:٥، التهذيب - للبغوي - ٢٩٨:٤، البيان ٦:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٣٦:٥، روضة الطالبين ١٢١:٤.

٢- نهاية المطلب ١٩٦:٧، مضافا إلى المصادر المذكورة في الهامش السابق.


مسألتنا.

و بعض الشافعيّة وافق أبا ثور في ذلك(١).

و أبو ثور و إن كان داخلا في صفة أصحاب الشافعي فله مذهب برأسه، و لا يعدّ تفرّده وجها لأصحاب الشافعي، لكن بعضهم وافقه بسبب أنّ الغاصب فوّت تلك الزيادة بإدامة اليد العادية(٢).

النظر الثاني: في نقصان الأجزاء.

مسألة ١٠٥٤: إذا غصب عينا و حصل فيها نقص عين منها،

وجب على الغاصب أرش النقص و ردّ العين، سواء كان الأرش قدر القيمة أو أقلّ، كما لو قطع يدي العبد، أو قلع أذنيه على الأقوى؛ لما تقدّم(٣).

خلافا للشيخ رحمه اللّه؛ حيث سوّى بين الغاصب و الجاني في أنّه يتخيّر المالك بين دفع العين و المطالبة بقيمتها، و بين أخذها مجّانا من غير أرش(٤) ، و هو قول أبي حنيفة(٥).

و ما اخترناه ذهب إليه الشافعي(٦) ، و قد سبق(٧).

و لا فرق أيضا بين أن تفوت معظم منافعه أو لا تفوت، و به قال الشافعي(٨).

و قال أبو حنيفة: إذا كان الواجب قدر القيمة أو فوّت الغاصب معظم

١- العزيز شرح الوجيز ٤٣٦:٥، روضة الطالبين ١٢١:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٣٦:٥-٤٣٧.

٣- في ص ٢٠٥-٢٠٦، المسألة ١٠٣١.

٤- راجع: الهامش (٤) من ص ٢٠٥.

٥- راجع: الهامش (٥) من ص ٢٠٥.

٦- راجع: الهامش (١) من ص ٢٠٦.

٧- في ص ٢٠٥-٢٠٦، المسألة ١٠٣١.

٨- بحر المذهب ٢٨:٩، العزيز شرح الوجيز ٤٣٨:٥، روضة الطالبين ١٢٣:٤.


منافعه بجنايته، كما لو مزّق الثوب المغصوب خرقا أو شقّه طولا أو كسر قوائم الدابّة أو بعضها، لم يكن للمالك أن يغرّمه شيئا، إلاّ أن يترك المغصوب إليه، و كذا لو ذبح الشاة أو صبغ الثوب بما لا يقبل بعده لونا آخر و هو السواد(١).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الأصل بقاء ملك المالك على العين.

و احتجاجه: بأنّه قد أتلف بجنايته معظم منفعته، فكان له المطالبة بالقيمة، كما لو قتل شاة له.

و هو غلط؛ لأنّ الشاة قد أتلفها بأسرها بالقتل، فوجب قيمة جميعها، و المتنازع فيه ليس كذلك؛ لأنّه جنى على مال أرشه دون قيمته، فلم تكن له المطالبة بجميع قيمته، كما لو كان الخرق يسيرا.

مسألة ١٠٥٥: إذا غصب أرضا و نقل التراب عن وجهها،

كان للمالك إجباره بردّه، و مطالبته بنقله إلى الأرض كما كان مبسوطا على الأرض إن كان التراب باقيا، فإن تلف و انمحق بهبوب الرياح أو السيول الجارية، أجبر على ردّ مثله إليه، و تجب عليه إعادة وضعه و هيئته كما كانت من انبساط أو ارتفاع.

و إن لم يطالبه المغصوب منه بالردّ، نظر إن كان له فيه غرض بأن دخل الأرض نقص و كان ذلك النقص يرتفع بالردّ و يندفع عنه الأرش، أو كان قد نقل التراب إلى ملكه فأراد تفريغه، أو إلى ملك غيره أو شارع يحذر من التعثّر به الضمان، فله الاستقلال بالردّ.

و إن لم يكن شيء من ذلك، بل نقله إلى موات أو من أحد طرفي

١- العزيز شرح الوجيز ٤٣٨:٥.

الأرض المغصوبة إلى الآخر، فإن منعه المالك من الردّ لم يردّه، و إن لم يمنعه فالأقرب: أنّ الغاصب يفتقر إلى إذن المالك.

و للشافعي وجهان؛ بناء على الوجهين في أنّه إذا منعه المالك من الردّ فردّ فهل للمالك مطالبته بالنقل ثانيا؟ إن قلنا: لا، فلا ردّ من غير إذن المالك، و إن قلنا: نعم، افتقر إلى إذنه، و هو الأظهر عندهم(١).

و إذا كان له غرض في الردّ فردّه إلى الأرض فمنعه المالك من بسطه، لم يكن له بسطه و إن كان في الأرض(٢) مبسوطا.

و كذا لو غصب نقرة فطبعها دراهم، كان للغاصب أن يسبكها نقرة كما كانت إن ضربها ناقصة عن عيار السلطان أو على غير سكّته؛ لأنّ له غرضا في ذلك، و هو أن يخاف عقاب السلطان على ذلك، لأنّ الضرب إلى السلطان وحده، فوجب أن يكون له سبكها.

مسألة ١٠٥٦: لو غصب أرضا فحفر فيها بئرا أو نهرا بغير إذن المالك،

فإنّه يجب عليه طمّها إذا أمره صاحبها بالطمّ؛ لأنّ ذلك يضرّ بالأرض، و لأنّه نقل التراب - و هو ملك صاحب الأرض - عن أرضه، فكان عليه ردّه و أجرة المثل لموضعها.

و إن لم يأمره المالك، كان له أن يستقلّ بالطمّ؛ ليدفع عن نفسه خطر الضمان لو تردّى فيها إنسان أو غيره، و لأنّه قد يكون للغاصب في الطمّ غرض، مثل: أن يكون قد نقل التراب إلى ملك نفسه فيحتاج إلى أن يردّه إلى البئر، أو كان قد طرحه في ملك غيره أو طريق المسلمين و له غرض

١- العزيز شرح الوجيز ٤٤٦:٥، روضة الطالبين ١٢٩:٤.

٢- في العزيز شرح الوجيز ٤٤٦:٥، و روضة الطالبين ١٣٠:٤: «الأصل» بدل «الأرض».

في ردّه.

و إن لم يكن له غرض في طمّ البئر بأن كان قد وضع التراب في ملك المغصوب منه، فإن منعه المالك من نقله و قال: قد أبرأتك ممّا حفرته و من وضع التراب و أذنت في بقائه و رضيت باستدامة البئر، فإن كان للغاصب في الطمّ غرض سوى دفع ضمان التردّي، فله الطمّ، و إن لم يكن له غرض سواه، لم يكن للغاصب طمّه - و به قال أبو حنيفة و المزني، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(١) - لأنّه تصرّف مستأنف على جهة التعدّي في مال الغير و الغصب فكان حراما، و للمالك منعه منه.

و الثاني للشافعيّة: أنّ للغاصب الطمّ؛ لأنّ الإذن الطارئ لا يرفع حكم الحفر المتقدّم، و لأنّه لا يبرأ إذا أبرأه، لأنّه إبراء ممّا لم يجب بعد، و هو أيضا إبراء من حقّ غيره، و هو الواقع فيها(٢).

و الأوّل أصحّ؛ لأنّ الضمان إنّما يلزمه لوجود التعدّي منه، و إذا رضي صاحب الأرض فقد زال التعدّي فزال الضمان، و ليس بإبراء عمّا لم يجب، و إنّما هو إسقاط للتعدّي برضاه بذلك.

و لو لم يقل المالك: رضيت باستدامتها، و اقتصر على المنع من الطمّ، فهو كما لو صرّح بالرضا؛ لتضمّنه إيّاه، و هو أحد قولي الشافعيّة(٣).٤.

١- المغني ٣٨٣:٥، الشرح الكبير ٣٩٧:٥، مختصر المزني: ١١٨، الحاوي الكبير ١٧٤:٧، بحر المذهب ٥٤:٩-٥٥، البيان ٤٤:٧-٤٥، العزيز شرح الوجيز ٤٤٧:٥، روضة الطالبين ١٣٠:٤.

٢- بحر المذهب ٥٤:٩-٥٥، البيان ٤٥:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٤٦:٥، روضة الطالبين ١٣٠:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٤٧:٥، روضة الطالبين ١٣٠:٤.


و قال الجويني: لا يتضمّنه(١).

فروع:

أ: لو كان الغاصب قد طوى البئر من آجرّ من عنده، فله نقله، و للمالك إجباره عليه، فإن تركها و وهبها منه لم يلزمه القبول؛ لاشتماله على المنّة، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(٢).

ب: حيث قلنا: إنّه يردّ التراب إلى الأرض المغصوبة؛ لوقوعه في ملكه أو في شارع فذلك إذا لم يتيسّر نقله إلى موات و نحوه في طريق الردّ، فإن تيسّر لم يردّه إلاّ بالإذن.

هذا إذا بقي التراب الأوّل بعينه، أمّا لو تلف ففي الطمّ بتراب آخر من دون إذن المالك إشكال.

و للشافعيّة قولان(٣).

قال بعضهم: ينبغي أن يجري هذا الخلاف فيما إذا كشط(٤) التراب عن وجه الأرض و لم يحفر بئرا، و فيما إذا طلب المالك الردّ و الطمّ عند تلف ذلك التراب(٥).

و الظاهر فيهما جميعا أنّه لا فرق بين ذلك التراب و غيره عندهم(٦).

ج: إذا نقل التراب و لم يحفر أو نقل بعد الحفر أو أعاد الغاصب هيئة الأرض في الحالين إلى ما كانت إمّا بطلب المالك أو بدونه، فإن لم يبق في٤.

١- نهاية المطلب ٢٣٥:٧، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٤٤٧:٥، و روضة الطالبين ١٣٠:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٤٧:٥، روضة الطالبين ١٣٠:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٤٧:٥، روضة الطالبين ١٣٠:٤.

٤- كشط: قلع و نزع. لسان العرب ٣٨٧:٧ «كشط».

٥- العزيز شرح الوجيز ٤٤٧:٥، روضة الطالبين ١٣٠:٤.

٦- العزيز شرح الوجيز ٤٤٧:٥، روضة الطالبين ١٣٠:٤.


الأرض نقص فلا أرش عليه، و لكن عليه أجرة المثل لمدّة الحفر و الردّ، و إن بقي فيها نقص وجب عليه الأرش مع الأجرة.

و اعلم أنّ الشافعيّة قالوا: نصّ الشافعي هنا أنّه يجب أرش النقص الحاصل بالحفر، و لم يوجب التسوية؛ لأنّه نصّ على ذلك فيما إذا غرس الأرض المغصوبة ثمّ قلع بطلب المالك، و إذا باع أرضا فيها أحجار مدفونة فقلعها و نقلها، نصّ أنّه يلزمه تسوية الأرض.

و اختلفوا فيها على طريقين:

أحدهما: أنّ في الصورتين قولين بالنقل و التخريج:

أحدهما: أنّ الواجب في الموضعين أرش النقصان؛ لأنّ إلزام التسوية مقابلة فعل بمثله، فصار كما إذا هدم جدار الغير لا يكلّف بإعادته.

الثاني: أنّ الواجب التسوية لتعود الأرض إلى ما كانت، و مهما أمكن التضمين بالمثل لا يصار إلى التضمين بالقيمة، و يفارق هدم الجدار.

و الطريق الثاني: تقرير النصّين، و فرّقوا بأنّ الغاصب متعدّ، فغلّظ عليه الأمر بإيجاب الأرش، لكن لا قوّة لهذا الفرق؛ لأنّ مؤونة التسوية قد تزيد على أرش النقص الحاصل بالحفر، فلا تظهر زيادة تغليظ بإيجاب الأرش.

و أيضا فإنّا إذا أوجبنا التسوية و بقي بعد التسوية نقصان في الأرض يجب أرشه، و إلاّ كان الضمان دون الفائت، و إذا أوجبنا أرش النقصان الباقي بعد التسوية مع التسوية لم يكن فيه تخفيف(١).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الطريقين ينصرفان إلى شيء آخر، و هو: أنّ٤.

١- الوسيط ٤٠٥:٣، العزيز شرح الوجيز ٤٤٧:٥، روضة الطالبين ١٣٠:٤.


الواجب مجرّد التسوية، أم يجب مع التسوية أرش النقص الباقي ؟(١).

مسألة ١٠٥٧: لو غصب عبدا فخصاه،

فالأقرب عندي: وجوب ضمان القيمة بأسرها و إن زاد العبد(٢) بالخصاء؛ لأنّه جنى جناية مقدّرة، و لا يحمل الغاصب على الجاني، كما سوّى الشيخ بينهما(٣)راجع: المغني ٣٨٩:٥، و الشرح الكبير ٤٠١:٥.(٤) ، و يردّ العبد أيضا إلى مالكه مع كمال قيمته.

و للشافعي قولان في أنّ جراح العبد هل يتقدّر أم لا؟

ففي الجديد: أنّه مقدّر - كما هو مذهبنا - فيلزمه كمال القيمة، و لا يدفع العبد، خلافا لأبي حنيفة(٤) و للشيخ رحمه اللّه(٥).

و في القديم: أنّه لا يتقدّر.

و إن قلنا: لا يتقدّر، فالواجب ما نقص من القيمة، فإن لم ينقص شيء فلا شيء عليه(٦).

و لو سقط ذلك العضو بآفة سماويّة و زادت قيمته و ردّه، فلا شيء عليه على القولين للشافعيّة(٧).

و الأقرب: وجوب القيمة؛ لأنّه يضمن بالتلف تحت اليد العادية كما يضمن بالجناية.

مسألة ١٠٥٨: لو غصب جارية سمينة فهزلت عنده،

فلا يخلو إمّا أن يكون السمن مفرطا ليس له تأثير في زيادة قيمة الجارية، أو لا يكون مفرطا

١- العزيز شرح الوجيز ٤٤٨:٥.

٢- أي: زاد قيمة العبد.

٣- راجع: الهامش

٤- من ص ٢٠٥.

٥- المبسوط - للطوسي - ٦٤:٣.

٦- العزيز شرح الوجيز ٤٤٩:٥، روضة الطالبين ١٣٠:٤-١٣١.

٧- العزيز شرح الوجيز ٤٤٩:٥، روضة الطالبين ١٣١:٤.


و تزيد به قيمة الجارية، أو غصب عبدا سمينا تنقص به القيمة، فزال السمن عنهما و رجعا إلى حدّ الاعتدال و لم تنقص قيمتهما، لم يلزمه شيء؛ لأنّ السمن ليس له بدل مقدّر، و لا نقص في العين نقصا يوجب نقص القيمة، بخلاف الأنثيين، فإنّ فيهما مقدّرا.

مسألة ١٠٥٩: إذا غصب زيتا أو دهنا فأغلاه،

فإن نقصت عينه خاصّة دون قيمته، مثل: أن غصب صاعين يساويان أربعة دراهم ثمّ أغلاهما حتى صارا صاعا واحدا قيمته أربعة دراهم، فقد انخفضت القيمة و نقصت العين، فيجب عليه ردّ الصاع، و عليه بدل الصاع التالف، و زيادة القيمة في الصاع لا تحتسب له؛ لأنّ تلك زيادة فيه بالصنعة و الأثر، فأشبه ما إذا غصب نقرة فضربها دراهم فنقص بعضها و زادت بالضرب قيمتها، و الأصل فيه أنّ للزيت بدلا مقدّرا و هو المثل، فصار كما لو خصى العبد، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه يردّه و لا غرم عليه؛ لأنّ ما فيه من الزيادة و النقصان مستند إلى سبب واحد، فينجبر النقصان بالزيادة(١).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الزيادة الحاصلة أثر محض، فلا ينجبر النقصان، كما لا يستحقّ به الغاصب شيئا إذا لم يكن نقصان.

و إن نقصت قيمته خاصّة دون عينه كأنّه بالغليان تغيّر طعمه أو لونه فنقصت قيمته و هو بكيله كما كان، فإنّه يجب عليه ردّه و ما نقص من قيمته، كما لو خرق الثوب.

و إن نقصا معا، مثل: أن عاد إلى صاع و عادت قيمة الصاع إلى درهم،

١- التهذيب - للبغوي - ٣٢٩:٤، البيان ٢٠:٧-٢١، العزيز شرح الوجيز ٥: ٤٤٩، روضة الطالبين ١٣١:٤.


فإنّه يضمن الصاع التالف بمثله و يردّ الباقي و ما نقص من قيمته.

و لو عاد الصاعان إلى صاع واحد قيمته درهمان، لزمه مثل الصاع الذاهب بالغليان، إلاّ إذا كان ما نقص من القيمة أكثر ممّا نقص من العين كما مثّلناه أوّلا، فيلزمه مع مثل الذاهب أرش نقصان الباقي.

و لو بقيا معا على حالهما و لم تنقص واحدة من العين و لا من القيمة، ردّه و لا شيء عليه.

مسألة ١٠٦٠: لو غصب عصيرا فأغلاه فنقصت عينه دون قيمته،

مثل:

أن كان صاعين قيمتهما أربعة دراهم، فلمّا أغلاه عاد إلى صاع قيمته أربعة دراهم، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يضمن الغاصب الناقص من العين هنا؛ لأنّه مجرّد مائيّة و رطوبة لا قيمة لها(١).

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه يضمن ما نقص من العين كالزيت؛ لأنّه مضمون بالمثل.

و الثاني: أنّه لا يغرم شيئا؛ لأنّه إذا أغلاه نقصت المائيّة التي فيه و صار ربّا، و لهذا يثخن و تزيد حلاوته، فالذي نقص منه لا قيمة له، بخلاف الزيت؛ فإنّه لا مائيّة فيه، فالذاهب منه زيت له قيمة، بخلاف العصير؛ فإنّ حلاوته باقية، و الذاهب منه ليس إلاّ المائيّة و الرطوبة التي لا قيمة لها(٢).

و الوجه عندي: أنّه لا فرق في الضمان بين الزيت و العصير؛ لأنّ

١- المبسوط - للطوسي - ٨٢:٣.

٢- المهذّب - للشيرازي - ٣٧٦:١، الوسيط ٤٠٦:٣، حلية العلماء ٢٢٣:٥، التهذيب - للبغوي - ٣٢٩:٤، البيان ٢٠:٧-٢١، العزيز شرح الوجيز ٤٤٩:٥ - ٤٥٠، روضة الطالبين ١٣١:٤.


الذاهب في الزيت أيضا الرطوبة المائيّة خاصّة، إلاّ أنّ مائيّته أقلّ، قاله بعض الشافعيّة(١).

و الخلاف المذكور فيما إذا أغلى العصير يجري فيما إذا صار خلاّ و انتقص عينه دون قيمته، و كذا إذا صار الرطب تمرا، و العنب زبيبا.

مسألة ١٠٦١: لو غصب عصيرا فأغلاه،

حرم عندنا، و صار نجسا لا يحلّ و لا يطهر إلاّ إذا ذهب ثلثاه بالغليان، فلو ردّه الغاصب قبل ذهاب ثلثيه وجب عليه غرامة الثلثين.

و الوجه: أنّه يضمن أيضا غرامة الخسارة على العمل فيه إلى أن يذهب كمال الثلثين؛ لأنّه ردّه معيبا، و يحتاج زوال العيب إلى خسارة، و العيب من فعله، فكانت الخسارة عليه.

النظر الثالث: في نقص الصفات.

مسألة ١٠٦٢: الصفات تضمن كما تضمن الأعيان إذا كانت متقوّمة،

فلو غصب عصيرا فصار خمرا عند الغاصب وجب عليه دفع مثل العصير إلى المالك؛ لأنّ الماليّة قد فاتت تحت يده و هي يد عادية، فكان عليه ضمانها، كما لو تلفت.

و يجوز أن يأخذها المالك ليمسكها حتى تتخلّل عنده، و لا يجوز على قصد الخمريّة.

و لو تخلّلت في يد الغاصب، فالخلّ للمالك؛ لأنّه عين ماله، و على الغاصب أرش النقصان إن كانت قيمة الخلّ أنقص من قيمة العصير، و لو نقص وزنه وجب عليه غرم الناقص من العصير، و هو أصحّ وجهي

١- العزيز شرح الوجيز ٤٥٠:٥.


الشافعيّة، و الثاني: أنّ الغاصب يغرم مثل العصير؛ لأنّه بالتخمير كالتالف(١).

و على هذا القول ففي الخلّ عندهم وجهان:

أحدهما: أنّه للغاصب، كما لو غصب الخمر فتخلّلت يكون الخلّ للغاصب على وجه.

و أظهرهما: أنّه للمالك؛ لأنّه فرع ملكه، و يجوز أن يكون الخلّ له، و لا يسقط الضمان اللازم قبل التخلّل، كما في السمن العائد على أحد الوجهين(٢).

و بعضهم فرّق و قال: السمن الثاني غير الأوّل، و هنا العين واحدة، و إنّما تغيّرت الصفة فافترقا(٣).

مسألة ١٠٦٣: هذا الخلاف جار فيما إذا غصب بيضة فتفرّخت عنده،

أو نوى فزرعه فصار شجرا، أو بذرا فزرعه فنبت و ازداد أو بزر قزّ فصار قزّا، فالأصحّ من وجهي الشافعيّة - و هو المعتمد عندنا -: أنّ الحاصل للمالك، و لا يغرم الغاصب شيئا، إلاّ أن يكون الحاصل أنقص قيمة ممّا غصبه؛ لأنّ المغصوب قد عاد إليه زائدا.

و على الوجه الثاني يغرم المغصوب؛ لهلاكه، و الحاصل للمالك في أظهر الوجهين، و للغاصب في الآخر، و به قال أبو حنيفة و المزني و أحمد في إحدى الروايتين(٤).

١- المهذّب - للشيرازي - ٣٧٧:١، التهذيب - للبغوي - ٣٠٥:٤، البيان ٣٥:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٥٢:٥، روضة الطالبين ١٣٣:٤-١٣٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٥٢:٥، روضة الطالبين ١٣٤:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٥٠:٥.

٤- العزيز شرح الوجيز ٤٥٣:٥، روضة الطالبين ١٣٤:٤، المبسوط - للسرخسي –


و لو غصب دجاجة فباضت عنده ثمّ حضنت بيضها فصار فراخا، فهما معا للمالك، و لا شيء عليه عن علفها.

و لو غصب شاة أو دابّة فأنزا عليها فحلا، فالولد لصاحب الشاة و الدابّة، و لا شيء للغاصب؛ لأنّ الولد من نماء الأمّ.

و لو غصب فحلا فأنزاه على شاة، فالولد لصاحب الشاة و إن كان الغاصب؛ لأنّه يتبع الأم، و عليه أجرة الضراب عندنا.

خلافا لبعض العامّة، حيث لم يوجبوا له أجرة؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله نهى عن عسب الفحل(١) - (٢).

و النهي محمول على بيعه، أو على الكراهية.

و لو نقص الفحل، ضمن النقص إجماعا.

مسألة ١٠٦٤: لو غصب خمرا فتخلّلت في يده أو جلد ميتة فدبغه عند من يطهّر جلد الميتة بالدباغ،

فالخلّ و الجلد للمغصوب منه؛ لأنّه فرع ملكه، فلو تلف في يده غرمه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣).

و هذا مذهبنا في الخلّ، أمّا الجلد فلا يطهر عندنا بالدباغ، فوجود الدبغ كعدمه.

١- صحيح البخاري ١٢٣:٣، سنن أبي داود ٣٤٢٩/٢٦٧:٣، سنن الترمذي ٣: ١٢٧٣/٥٧٢، سنن ابن ماجة ٢١٦٠/٧٣١:٢، سنن النسائي (المجتبى) ٣١٠:٧ و ٣١١، سنن الدارمي ٢٧٣:٢، السنن الكبرى - للبيهقي - ٣٣٩:٥، المستدرك - للحاكم - ٤٢:٢، مسند أحمد ١٢٥٧/٢٣٧:١.

٢- المغني ٤٠٥:٥، الشرح الكبير ٣٩٨:٥.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٥٣:٥، روضة الطالبين ١٣٤:٤.


و الثاني للشافعيّة: أنّهما للغاصب؛ لحصولهما عنده ممّا ليس بمال(١).

و للشافعيّة في المسألة طريقان آخران:

أحدهما: القطع بأنّ الخلّ للمالك، و تخصيص الوجهين [بالجلد؛ لأنّ الجلد صار مالا بفعله، و الخمر تخلّلت بنفسها.

و الثاني: القطع بأنّ الجلد للمالك، و تخصيص الوجهين](٢) بالخلّ؛ لأنّ جلد الميتة يقتنى، و الخمر التي غصبها لا يجوز اقتناؤها، فإن كانت الخمر محترمة كانت كجلد الميتة.

و إذا جمعت الطّرق قلت: هما للمالك، أو للغاصب، أو الخلّ للمالك و الجلد للغاصب، أو بالعكس ؟ فيه لهم أربعة أوجه.

و إذا حكمنا بأنّهما للمالك فذلك فيما إذا لم يكن المالك معرضا عن الخمر و الجلد، و أمّا إذا كان قد أراق الخمر أو ألقى الشاة الميتة فأخذها آخذ، هل للمعرض استرداد الحاصل ؟ فيه وجهان؛ لأنّه أبطل اختصاصه بالإلقاء(٣).

مسألة ١٠٦٥: إذا غصب عينا فنقصت في يده،

ضمن النقصان.

و إن زادت بعد النقص و عادت القيمة بحالها، فإن كان الزائد من الوجه الذي حصل فيه النقصان - كما لو غصب جارية سمينة فهزلت عنده فنقصت قيمتها ثمّ سمنت بعد ذلك عنده و عادت القيمة بحالها كما كانت - فالوجه: أنّه لا ينجبر النقصان بالثاني، فتردّ العين و يغرم الناقص؛ لأنّ السمن الثاني ليس هو الأوّل؛ لاستحالة إعادة المعدوم، و لأنّ ملك الإنسان

١- العزيز شرح الوجيز ٤٥٣:٥، روضة الطالبين ١٣٤:٤.

٢- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٥٣:٥، روضة الطالبين ١٣٤:٤.


لا ينجبر بملكه؛ لأنّ الزيادة الثانية غير الأولى، و هي تابعة للعين في تملّك صاحب العين لها، و كما لو كانت الزيادة من جنس غير الجنس الأوّل، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّ النقص ينجبر بالزيادة، و يسقط الغرم، كما إذا أبق العبد فعاد، و كما لو جنى على عين فابيضّت ثمّ زال البياض(١).

و ليس بجيّد؛ لأنّ السمن عين محسوسة قد تلفت، فيضمنها الغاصب، بخلاف الإباق و البياض؛ لبقاء العين بحالها حالة البياض و عدمه.

و قال بعض الشافعيّة: الوجهان مبنيّان على الخلاف فيما إذا قلع سنّ كبير فعادت(٢).

و هو ضعيف؛ لأنّ عود سنّ الكبير نادر، و عود السمن ليس بنادر، فهو بعود سنّ الصغير أشبه.

و هذان الوجهان جاريان فيما إذا كان العبد المغصوب صانعا فنسي الصنعة ثمّ تذكّرها أو تعلّمها(٣).

و بعضهم قطع هنا بأنّ الناقص ينجبر بالمتجدّد - و هو المعتمد - لأنّ الفرق ظاهر بين السمن الثاني و بين تذكّر الصنعة؛ لأنّ السمن الثاني محسوس زائد في الجسم مشاهد، و هو مغاير لما كان، و تذكّر الصنعة لا يعدّ في العرف شيئا متجدّدا(٤).

و بعض الشافعيّة قطع في السمن بعدم الانجبار، و خصّ الخلاف بالصورة الثانية(٢).٤.

١- المهذّب - للشيرازي - ٣٧٧:١، الوسيط ٤٠٦:٣-٤٠٧، حلية العلماء ٥: ٢٢٦، العزيز شرح الوجيز ٤٥٠:٥، روضة الطالبين ١٣٢:٤. (٢الى٤) العزيز شرح الوجيز ٤٥٠:٥.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٥١:٥، روضة الطالبين ١٣٢:٤.


و لو قلنا بالانجبار، فلو لم تبلغ القيمة بالعائد إلى القيمة الأولى، ضمن ما بقي من النقصان، و انجبر ما وراءه بما عاد.

و يجري الخلاف فيما إذا كسر الحليّ و الإناء المغصوبين ثمّ أعاد تلك الصنعة من غير نقص(١).

و أمّا إن كان الكمال من وجه آخر، مثل: أن نسي صنعة كانت قيمته معها مائة فصارت القيمة إلى خمسين ثمّ تعلّم صنعة أخرى غير الأولى فعادت المائة، أو أبطل صنعة الإناء و أحدث صنعة أخرى مخالفة للأولى، لم تجبر الثانية الأولى بحال.

و على هذا لو تكرّر النقصان و كان الناقص في كلّ مرّة مغايرا بالنوع للناقص في المرّة الأولى، ضمن الجميع، حتى لو غصب جارية قيمتها مائة فسمنت في يده و بلغت القيمة ألفا و تعلّمت صنعة و بلغت ألفين ثمّ هزلت و نسيت الصنعة فعادت قيمتها إلى مائة، ردّ الجارية و غرم ألفا و تسعمائة.

و إن بلغت بالسمن ألفا ثمّ هزلت فعادت إلى مائة ثمّ تعلّمت صنعة فبلغت ألفا ثمّ نسيتها فعادت إلى مائة، فإنّه يردّها و يردّ ألفا و ثمانمائة؛ لأنّها نقصت بالهزال تسعمائة [و بالنسيان تسعمائة](٢).

و لو هزلت و كانت قيمتها ألفا فصارت بالهزال مائة ثمّ سمنت فبلغت ألفا فردّها بسمنها، ففي وجوب أرش النقصان وجهان، الأقرب: الوجوب؛ بناء على أنّ العائد غير الزائل و إن تماثلا.

و لو سمنت بعد الهزال و لم تبلغ إلى قيمتها في السمن الأوّل، ضمن ما بقي من النقصان، و كان فيما بقي من الأوّل الوجهان.٥.

١- العزيز شرح الوجيز ٤٥١:٥، روضة الطالبين ١٣٢:٤.

٢- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني ٣٩٨:٥، و الشرح الكبير ٤٠٥:٥.


و قال بعض الشافعيّة في تعلّم الصنعة كالسمن(١).

و ليس بجيّد؛ لأنّ مغايرة السمن الثاني للأوّل له وجه، بخلاف مغايرة التعلّم الثاني للأوّل، فإنّ العلم بعينه يعود.

لا يقال: العلم غير باق، فلا يكون الثاني عين الأوّل.

لأنّا نقول: نمنع عدم بقائه، سلّمنا لكن يلزم منه أنّ العلم يتجدّد و إن لم ينس.

و يلزم على قول هذا القائل في السمن و الصنعة جميعا إذا مرض العبد في يد الغاصب ثمّ برئ أن يضمن ما نقص، و كذا إذا حملت ثمّ وضعت أن يضمن ما نقصت بالحمل و إن كان قد زال.

و لو علّم(٢) العبد المغصوب سورة من القرآن أو حرفة فنسيها ثمّ علّمه حرفة أخرى أو سورة أخرى فنسيها أيضا، ضمنهما معا و إن لم تكن مغايرة للأولى، كما إذا علّمه سورة واحدة أو حرفة واحدة مرارا و هو ينساها في كلّ مرّة، فإن قلنا: لا يحصل الانجبار بالعائد، ضمن النقصان كلّ مرّة، و إن قلنا: يحصل، ضمن أكثر المرّات نقصانا.

مسألة ١٠٦٦: لو غصب جارية قيمتها مائة فسمنت في يده أو تعلّمت صنعة فبلغت قيمتها ألفا ثمّ هزلت في يده أو نسيت الصنعة فعادت قيمتها إلى مائة،

وجب عليه ردّها و ردّ تسعمائة - و به قال الشافعي و أحمد(٣) -

١- الوجيز ٢١١:١، الوسيط ٤٠٦:٣-٤٠٧.

٢- أي: علّم الغاصب.

٣- مختصر المزني: ١١٧، الحاوي الكبير ١٤٦:٧، المهذّب - للشيرازي - ١: ٣٧٧، نهاية المطلب ١٩٩:٧، بحر المذهب ٣٢:٩-٣٣، حلية العلماء ٥: ٢٢٥، التهذيب - للبغوي - ٢٩٨:٤، البيان ٢٥:٧، عيون المجالس ١٧٤٠:٤ - ١٢٢١/١٧٤١، المغني ٣٩٧:٥، الشرح الكبير ٤٠٤:٥.


لأنّها زيادة في عين المغصوب، فوجب أن يضمنها الغاصب، كما لو طالبه بردّها فلم يردّها.

و قال أبو حنيفة و مالك: لا يجب عليه ردّ ذلك إلاّ أن يطالبه بردّها في تلك الحالة فلا يردّها؛ لأنّه ردّها كما أخذها، فلم يضمن نقصان القيمة، كما لو نقصت زيادة السوق(١).

و الفرق: أنّ زيادة السوق لو كانت موجودة حال الغصب لم يضمنها، و لأنّها ليست من عينه، و الصنعة و إن لم تكن من العين إلاّ أنّها صفة فيها، و قد أجرينا الصنعة - و إن كان أثرا - كالسمن الذي هو عين؛ لأنّه صفة تتبع العين و يدخل في ملكه، و أجرينا الزيادة الحادثة في يد الغاصب مجرى الزيادة الموجودة حال الغصب في العين المملوكة للمغصوب منه، فتكون مملوكة له أيضا؛ لأنّها تابعة للعين.

فأمّا إن غصب العين سمينة أو ذات صنعة أو تعلم القرآن و نحوه فهزلت و سمنت فنقصت قيمتها، فعليه ضمان نقصها، و لا نعلم فيه خلافا.

مسألة ١٠٦٧: لو غصب جارية فزادت قيمتها بتعلّم الغناء ثمّ نسيته فنقصت القيمة بسبب النسيان،

فالأقرب: عدم الضمان؛ لأنّ الزيادة حصلت بسبب محرّم، و هي محرّمة، فلا تكون مضمونة، كما لو غصب عصيرا قيمته دينار ثمّ صار خمرا فصارت قيمته دينارين ثمّ صار خلاّ قيمته دينار واحد، لم يضمن الزيادة الحاصلة بالخمريّة، كذا هنا؛ لأنّ المضمون إنّما

١- الهداية - للمرغيناني - ١٩:٤، الاختيار لتعليل المختار ٩١:٣، التلقين: ٤٣٩، المعونة ١٢١٥:٢، الذخيرة ٢٨٣:٨، عيون المجالس ١٢٢١/١٧٤٠:٤، الحاوي الكبير ١٤٦:٧، بحر المذهب ٣٣:٩، حلية العلماء ٢٢٥:٥، البيان ٢٥:٧، المغني ٣٩٧:٥، الشرح الكبير ٤٠٤:٥.


هو الزيادة المحترمة، و هو قول الشافعي(١).

و قال بعض أصحابه: إنّه يضمن الزيادة و إن كانت محرّمة، و لهذا لو قتل عبدا مغنّيا يغرم تمام قيمته(٢).

و فيه منع.

مسألة ١٠٦٨: لو غصب عبدا صحيحا فمرض في يد الغاصب ثمّ برئ و زال المرض،

لم يكن على الغاصب سوى ردّه خاصّة، و هو قول الشافعيّة(٣).

و فيه وجه آخر لهم بعيد: أنّه يضمن النقص الحاصل بالمرض، و لا يسقط عنه بالبرء(٤).

و كذا الحكم فيما لو ردّه مريضا ثمّ برئ و زال الأثر.

و لو غصب شجرة فتساقط ورقها ثمّ أورقت، أو شاة فجزّ صوفها ثمّ نبت، يغرم الأوّل، و لا ينجبر بالثاني، بخلاف ما لو سقط سنّ الجارية المغصوبة ثمّ نبت، أو تمعّط شعرها ثمّ نبت، يحصل الانجبار؛ لأن الورق و الصوف متقوّمان يغرمهما، و سنّ الجارية و شعرها غير متقوّمين، و إنّما غرم أرش النقص الحاصل بفقدانهما و قد زال.

النظر الرابع: أن يكون النقصان فيهما معا.

مسألة ١٠٦٩: إذا غصب عينا فنقصت قيمتها و جزء من أجزائها،

ضمن الجزء التالف بقسطه من أقصى القيم من يوم الغصب إلى يوم التلف، و النقص الحاصل بتفاوت السوق في الباقي المردود غير مضمون.

١- بحر المذهب ٣٥:٩، العزيز شرح الوجيز ٤٥١:٥، روضة الطالبين ٤: ١٣٣.

٢- بحر المذهب ٣٥:٩، العزيز شرح الوجيز ٤٥١:٥، روضة الطالبين ٤: ١٣٣.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٥٢:٥، روضة الطالبين ١٣٣:٤.

٤- العزيز شرح الوجيز ٤٥٢:٥، روضة الطالبين ١٣٣:٤.


فلو غصب ثوبا قيمته عشرة و انخفضت السوق فعادت قيمته إلى درهم ثمّ لبسه فأبلاه حتى عادت قيمته إلى نصف درهم، ردّ الثوب و خمسة دراهم؛ لأنّ بالاستعمال و الإبلاء تنمحق أجزاء من الثوب، و تلك الأجزاء و الحالة هذه نصف الثوب؛ لانتهاء قيمته إلى نصف درهم بعد ما كانت قبل الاستعمال درهما، فيغرم النصف بمثل نسبته من أقصى القيم، كما يغرم الكلّ عند تلفه بالأقصى.

و لو كانت القيمة عشرين و عادت بانخفاض السوق إلى عشرة ثمّ لبسه فأبلاه حتى عادت إلى خمسة، لزمه ردّه مع عشرة.

و لو كانت عشرة و عادت بانخفاض السوق إلى خمسة ثمّ لبسه و أبلاه حتى عادت إلى درهمين، لزمه ردّه مع ستّة؛ لأنّه تلف بالإبلاء ثلاثة أخماس الثوب، فيغرمها بثلاثة أخماس أقصى القيم.

و أخطأ بعض الشافعيّة هنا، فقال: يلزمه ثلاثة؛ لأنّها الناقصة بالإبلاء، و لا عبرة بالخمسة التي هي نقصان السوق. و قياس هذا القول أن يلزم في الصورة الأولى نصف درهم، و في الثانية خمسة دراهم(١).

مسألة ١٠٧٠: لو غصب ثوبا قيمته عشرة فاستعمله أوّلا حتى عادت قيمته بالإبلاء إلى خمسة ثمّ انخفضت السوق فعادت قيمته إلى درهمين،

لزمه ردّ الثوب و ردّ الخمسة الناقصة بالإبلاء، و لا يغرم النقصان الحاصل بالسوق في البالي الباقي.

و لو غصب ثوبا قيمته عشرة و لبسه فأبلاه حتى عادت القيمة إلى خمسة ثمّ ارتفعت السوق فبلغت قيمته و هو بال عشرة، لزمه مع ردّ الثوب الخمسة الناقصة بالاستعمال، و لا عبرة بالزيادة الحاصلة بعد التلف، فإنّه لو

١- العزيز شرح الوجيز ٤٣٧:٥، روضة الطالبين ١٢٢:٤.


تلف الثوب كلّه ثمّ زادت القيمة لا يغرم تلك الزيادة، و هو قول جماعة من الشافعيّة(١).

و قال بعضهم: إنّه يغرم مع ردّ الثوب عشرة؛ لأنّ الباقي من الثوب نصفه، و هو يساوي عشرة، فلو بقي كلّه لكان يساوي عشرين، فيغرم عشرة للتالف(٢). و هو غلط.

مسألة ١٠٧١: حكم الصفات في ذلك حكم الأجزاء،

فلو غصب عبدا صانعا قيمته مائة فنسي الصنعة و عادت قيمته إلى خمسين ثمّ ارتفعت السوق فبلغت قيمته ناسيا مائة و قيمة مثله إذا أحسن تلك الصنعة مائتين، لا يغرم مع ردّه إلاّ خمسين.

و اعلم أنّ الجواب في صور إبلاء الثوب كلّها مبنيّ على أنّ أجرة مثل المغصوب لازمة مع أرش النقصان الحاصل بالاستعمال، و هو الأصحّ عند بعض الشافعيّة(٣).

و لهم وجه آخر: أنّه لا يجمع بينهما، و قد سبق، و على تقديره يلزم أكثر الأمرين من المقادير المذكورة أو أجرة المثل(٤).

و لو اختلف المالك و الغاصب في قيمة الثوب الذي أبلاه أنّها متى زادت، فقال المالك: زادت قبل الإبلاء فأغرم بقسطه منها، و قال الغاصب:

بل زادت بعده، قدّم قول الغاصب؛ لأنّه الغارم، فالقول قوله مع اليمين(٥) ، كما لو تلف كلّه و اختلفا في أنّ القيمة زادت قبل التلف أو بعده.

١- التهذيب - للبغوي - ٣٠٠:٤، البيان ٢٤:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٣٧:٥، روضة الطالبين ١٢٢:٤.

٢- التهذيب - للبغوي - ٣٠٠:٤، البيان ٢٤:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٣٧:٥، روضة الطالبين ١٢٢:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٣٨:٥، روضة الطالبين ١٢٢:٤.

٤- العزيز شرح الوجيز ٤٣٨:٥، روضة الطالبين ١٢٢:٤-١٢٣.

٥- في «ع»: «يمينه» بدل «اليمين».


النظر الخامس: في جناية الغصب و الجناية عليه.

القسم الأوّل: جناية الغصب.

مسألة ١٠٧٢: إذا غصب عبدا فجنى العبد جناية فقد حصل فيه النقص؛

لأنّه استحقّ عليه قصاص أو مال، فإن جنى العبد بما يوجب القصاص بأن قتل عمدا حرّا أو عبدا مساويا له في القيمة و اقتصّ منه و قتل فيه، غرم الغاصب أقصى قيمته من يوم الغصب إلى يوم القصاص.

و إن جنى بما يوجب القصاص في الطّرف و اقتصّ منه في يد الغاصب، غرم بدله، كما لو سقط بآفة.

و لو اقتصّ من العبد بعد الردّ إلى السيّد، غرم الغاصب أيضا؛ لأنّ سبب الفوات حصل في يده.

و كذا لو استحقّ العبد القتل في يد الغاصب أو قطع اليد، كما لو ارتدّ عن فطرة، أو سرق في يد الغاصب ثمّ قتل أو قطع بعد الردّ إلى المالك؛ لأنّ وجود السبب كوجود المسبّب.

أمّا لو غصبه بعد ارتداده في يد مولاه، أو سرقته في يده فقتل أو قطع في يد الغاصب، فالوجه: أنّ الغاصب يضمن قيمة عبد مستحقّ للقتل أو القطع.

و للشافعيّة في الغاصب هل يضمن العبد؟ وجهان مبنيّان على ما إذا اشترى مرتدّا أو سارقا فقتل أو قطع في يد المشتري فمن ضمان من يكون القتل أو القطع ؟(١).

مسألة ١٠٧٣: لو جنى العبد الغصب في يد الغاصب بما يوجب الأرش أو الدية،

أو جنى عمدا و عفا المجنيّ عليه على مال، تعلّق المال برقبة العبد، و على الغاصب تخليصه بالفداء؛ لأنّ تعلّق الأرش برقبته نقص حدث

١- العزيز شرح الوجيز ٤٤١:٥، روضة الطالبين ١٢٥:٤.


في العبد في يده فلزمه ضمانه؛ لأنّه ضامن للعبد و نقصانه، فيضمن ذلك.

و هل يفديه الغاصب بأرش الجناية بالغا ما بلغت(١) ، أو يفديه بأقلّ الأمرين من قيمته و أرش الجناية ؟ الأقرب: الثاني.

و للشافعيّة قولان، كما إذا أراد المالك تخليص العبد الجاني و فداه؛ لأنّ جناية العبد لا تزيد على قيمته(٢).

و علّل بعض الشافعيّة: بأنّ القول بوجوب الأرش بتمامه في حقّ المالك؛ لأنّه امتنع من البيع، و لو رغب فيه فربما وقع الظفر بمن يشتريه بمقدار الأرش، و مثل هذا موجود في حقّ الغاصب؛ لأنّه بالغصب مانع مالكه من بيعه، فينزّل ذلك منزلة المالك المانع، و يترتّب عليه تضمينه للمجنيّ عليه(٣).

و لقائل أن يقول: لو كان يضمنه للمنع من البيع لسقط الضمان إذا ردّه إلى المالك؛ لارتفاع الحيلولة، و لا يسقط، بل لو بيع في الجناية بعد الردّ إلى المالك غرم الغاصب أيضا.

و الوجه في التضمين: أنّ جناية العبد نقص دخله، فكان كسائر وجوه النقصان، و الظاهر في الغاصب أنّه لا يجب عليه إلاّ الأقلّ من قيمته و أرش جنايته.

مسألة ١٠٧٤: إذا ثبت أنّ الجاني و الجناية مضمونان على الغاصب،

فلا يخلو إمّا أن يتلف العبد في يد الغاصب أو يردّه، فإن تلف في يده فللمالك مطالبته بأقصى القيم، فإذا أخذها فإن كان المجنيّ عليه لم يغرّم الغاصب بعد، كان بالخيار بين أن يغرّم الغاصب، و بين أن يتعلّق بالقيمة

١- الظاهر: «ما بلغ».

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٤١:٥، روضة الطالبين ١٢٥:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٤١:٥، روضة الطالبين ١٢٥:٤.


التي أخذها المالك؛ لأنّ حقّه كان متعلّقا بالرقبة، فكان له أن يتعلّق ببدلها، كما أنّ الرهن إذا أتلفه متلف و وجبت قيمته تعلّق الدّين بها، و كان للمرتهن التوثيق بتلك القيمة التي هي بدل رهنه.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ القيمة المأخوذة تسلّم للمالك، و لا يطالبه المجنيّ عليه بها، و إنّما يطالب الغاصب لا غير، كما أنّ المجنيّ عليه لو أخذ الأرش لم يكن للمالك التعلّق به، فهما كرجلين لكلّ واحد منهما دين على ثالث(١).

و لا بأس بهذا القول عندي، لكن المشهور عند الشافعيّة الأوّل(٢).

و على القول به لو أخذ المجنيّ عليه حقّه من القيمة التي أخذها المالك، رجع المالك بما أخذه على الغاصب؛ لأنّه لم يسلم له، بل أخذ منه بجناية مضمونة على الغاصب.

ثمّ الذي يأخذه المجنيّ عليه قد يكون كلّ القيمة بأن كان الأرش مثل قيمة العبد، و قد يكون بعضها بأن تكون القيمة - مثلا - ألفا و يكون الأرش خمسمائة، فلا يأخذ المجنيّ عليه إلاّ خمسمائة، و لا يرجع المالك إلاّ بخمسمائة؛ لأنّ الباقي قد سلم له.

و كذا لو كان العبد يساوي ألفا فرجع بانخفاض السوق إلى خمسمائة ثمّ جنى و مات عند الغاصب فغرّمه المالك الألف، لم يكن للمجنيّ عليه إلاّ خمسمائة و إن كان أرش الجناية ألفا؛ لأنّه ليس عليه إلاّ قدر (قيمته يوم)(٣) الجناية.

و هذا إذا تلف العبد في يد الغاصب، و أمّا إن ردّه إلى المالك».

١- العزيز شرح الوجيز ٤٤٢:٥، روضة الطالبين ١٢٥:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٤٢:٥، روضة الطالبين ١٢٥:٤.

٣- بدل ما بين القوسين في «ر» و الطبعة الحجريّة: «قيمة».


فلا يخلو إمّا أن يردّه بعد ما غرم للمجنيّ عليه أو قبله، فإن ردّه بعد الغرم برئ، و إن ردّه قبله فبيع العبد في الجناية، رجع المالك على الغاصب بما أخذ منه؛ لأنّ الجناية حصلت حين كان العبد مضمونا عليه، و يخالف ما إذا جنى في يد المالك ثمّ غصبه غاصب فردّه ثمّ بيع في تلك الجناية؛ حيث لا يرجع المالك بشيء؛ لأنّ الجناية حصلت و هو غير مضمون عليه.

مسألة ١٠٧٥: لو كان لرجل عبد فجنى العبد على رجل جناية تستغرق قيمته...

لو كان لرجل عبد فجنى العبد على رجل جناية تستغرق قيمته ثمّ غصبه بعد ذلك غاصب و جنى في يد الغاصب جناية أخرى تستغرق قيمته أيضا ثمّ ردّه إلى المالك فبيع في الجنايتين و قسّم الثمن بينهما نصفين، رجع المالك على الغاصب بنصف قيمة العبد الذي أخذه المجنيّ عليه ثانيا؛ لأنّ الجناية كانت في يد الغاصب و العبد في ضمانه، فإذا أخذه المالك كان للمجنيّ عليه الأوّل التعلّق به و أن يأخذه، و لا حقّ فيه للمجنيّ عليه ثانيا؛ لأنّ حقّ الأوّل تعلّق بجميع الرقبة، و حقّ الثاني تعلّق بالنصف.

و هذا لا وجه له؛ لأنّ حقّ الثاني تعلّق بجميع الرقبة أيضا، ألا ترى أنّ الأوّل لو أبرأه استحقّ الثاني جميع القيمة.

و قيل في وجه ذلك: إنّ الذي يأخذه من الغاصب إنّما هو عوض عمّا أخذه المجنيّ عليه ثانيا، فلا يتعلّق حقّه به، و يتعلّق حقّ الأوّل به؛ لأنّه بدل عن قيمة الجاني لا يزاحم به، فكان له.

و أيضا سبب وجوب هذا النصف إنّما هو الغصب، فإنّه بالغصب ضمن ما يجني المغصوب، و الغصب متقدّم على الجناية الثانية، فلا يأخذ المجنيّ عليه الثاني ممّا وجب به شيئا، كما لو جنى عبد على رجل ثمّ قطعت يده ثمّ جنى على آخر ثمّ قتل أو مات من سراية القطع، فإنّ أرش اليد لا يأخذ منه المجنيّ عليه الثاني شيئا؛ لوجوبه بالقطع المتقدّم على

الجناية عليه، ثمّ إذا أخذه المجنيّ عليه الأوّل لم يرجع المالك على الغاصب؛ لأنّه أخذه بسبب جناية غير مضمونة على الغاصب(١).

و لو كانت المسألة بحالها و تلف العبد بعد الجنايتين في يد الغاصب، فله طلب القيمة من الغاصب، و للمجنيّ عليه أخذها، فإذا أخذها فللمالك الرجوع بنصفها على الغاصب؛ لأنّه أخذ منه النصف بجناية مضمونة على الغاصب، فإذا رجع به فللمجنيّ عليه الأوّل أخذه؛ لأنّه بدل ما تعلّق به حقّه قبل الجناية الثانية، و إذا أخذه لم يكن له الرجوع على الغاصب مرّة أخرى؛ لأنّه مأخوذ بجناية غير مضمونة على الغاصب، و هذا ظاهر مذهب الشافعي(٢) أيضا.

و قيل: إذا ردّ العبد و بيع في الجنايتين، فالنصف الأوّل يرجع به المالك و يسلم له و لا يؤخذ منه، و إنّما يطالب المجنيّ عليه أوّلا الغاصب بنصف القيمة، و إذا تلف في يد الغاصب بعد الجنايتين لا يأخذ المالك شيئا، و لكن المجنيّ عليه الأوّل يطالب الغاصب بتمام القيمة، و المجنيّ عليه الثاني يطالبه بنصف القيمة(٣) ، و لا بأس به عندي.

مسألة ١٠٧٦: لو غصب عبدا فجنى العبد في يد الغاصب ثمّ ردّه إلى المالك

بعد جنايته فجنى و هو في يد المالك جناية أخرى و كلّ واحدة منهما مستغرقة لقيمته فبيع فيهما و قسّم المال بينهما، فللمالك الرجوع على الغاصب بنصف القيمة للجناية التي هي مضمونة عليه.

فإذا أخذه، قال أبو علي من الشافعيّة: سمعت القفّال مرّة يقول: ليس

١- بحر المذهب ٩٩:٩، البيان ٣١:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٤٢:٥-٤٤٣.

٢- بحر المذهب ٩٩:٩-١٠٠، البيان ٣٢:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٤٣:٥، روضة الطالبين ١٢٦:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٤٣:٥، روضة الطالبين ١٢٦:٤.


لواحد من المجنيّ عليهما أخذه.

أمّا الثاني: فلأنّ الجناية عليه مسبوقة بجناية مستغرقة، و حقّ الثاني لم يثبت إلاّ في نصف القيمة و قد أخذه.

و أمّا الأوّل: فلأنّ حقّ السيّد في القيمة ثبت بنفس الغصب، و هو متقدّم على حقّ المجنيّ عليه، فما لم يصل إليه حقّه لا يدفع إلى غيره شيء.

قال: و هذا ليس بشيء، بل للمجنيّ عليه الأوّل أخذه، كما في المسألة السابقة، و لا عبرة بثبوت حقّ السيّد في القيمة، فإنّ حقّ السيّد و إن كان متقدّما يتقدّم عليه حقّ المجنيّ عليه، كما في نفس الرقبة.

قال: و قد ناظرت القفّال فرجع إلى قولي(١).

و على هذا فإذا أخذه المجنيّ عليه الأوّل رجع به المالك على الغاصب مرّة أخرى و يسلم له المأخوذ ثانيا، فإنّ الأوّل قد أخذ تمام القيمة، و الثاني لم يتعلّق حقّه إلاّ بالنصف و قد أخذه.

مسألة ١٠٧٧: لو غصب عبدا فجنى في يد الغاصب

أوّلا ثمّ ردّه إلى المالك فجنى في يده جناية أخرى و كلّ من الجنايتين مستغرقة لقيمته ثمّ قتله الغاصب أو غصبه ثانيا فمات عنده، أخذت القيمة منه، و قسّمت بين المجنيّ عليهما، ثمّ للمالك أن يأخذ منه نصف القيمة؛ لأنّه أخذ منه بسبب جناية مضمونة عليه، فإذا أخذه كان للمجنيّ عليه الأوّل أن يأخذه منه، ثمّ له أن يرجع به على الغاصب مرّة أخرى و يسلم له المأخوذ في هذه المرّة.

و قد يغرم الغاصب - و الصورة هذه - القيمة مرّتين: مرّة بجناية العبد في يده، و مرّة بالقتل.

١- العزيز شرح الوجيز ٤٤٣:٥، روضة الطالبين ١٢٧:٤.


و على الوجه الذي سبق يأخذ المجنيّ عليه الأوّل تمام القيمة من الغاصب، و الثاني نصف القيمة، و المالك نصف القيمة و لا تراجع.

مسألة ١٠٧٨: إذا جنى العبد المغصوب،

فجنايته مضمونة على الغاصب؛ لأنّه نقص في العبد الجاني، لكون أرش الجناية يتعلّق برقبته، و يباع العبد فيها، فكان مضمونا على الغاصب، كسائر نقصه، و سواء في ذلك ما يوجب القصاص أو المال، و لا يلزمه أكثر من النقص الذي لحق العبد.

و لو جنى العبد على سيّده، فجنايته مضمونة على الغاصب أيضا؛ لأنّها من جملة جناياته، فكان مضمونا على الغاصب، كالجناية على الأجنبيّ، فإن اقتصّ المولى فعلى الغاصب أرش العضو التالف بالقصاص، و إن عفا على مال ثبت المال على العبد، و فداه الغاصب بأقلّ الأمرين من أرش الجناية و قيمة العبد، كالأجنبيّ.

و لو قطع العبد يد أجنبيّ فقطعت يده قصاصا، فعلى الغاصب ما نقص العبد بذلك دون أرش اليد؛ لأنّ اليد ذهبت بسبب غير مضمون، فأشبه ما لو سقطت، و إن عفا المجنيّ عليه على مال، تعلّق أرشه برقبته، و على الغاصب أقلّ الأمرين من قيمته أو أرش اليد.

فإن زادت جناية العبد على قيمته ثمّ مات في يد الغاصب، ضمن الغاصب قيمته يدفعها إلى سيّده، فإذا أخذها تعلّق أرش الجناية بها؛ لأنّها كانت متعلّقة بالعبد فتعلّقت ببدله.

و لو كان العبد وديعة فجنى جناية استغرقت قيمته، ثمّ إنّ المستودع قتله بعد ذلك، وجبت عليه قيمته، و تعلّق بها أرش الجناية، فإذا أخذها وليّ الجناية لم يرجع على المستودع؛ لأنّه جنى و هو غير مضمون عليه.

القسم الثاني: الجناية على الغصب.

مسألة ١٠٧٩: إذا غصب عبدا فقتله قاتل عمدا و كان القاتل عبدا مساويا له في الرقّيّة،

كان للمالك القصاص، فإذا اقتصّ برئ الغاصب؛ لأنّه أخذ بدل عبده، و لا نظر مع القصاص إلى تفاوت القيمة، كما لا نظر في الأحرار إلى تفاوت الدية.

و إن كان القصاص غير واجب بأن كان الجاني حرّا، فعليه بالجناية قيمته يوم القتل، سواء قتله الغاصب أو أجنبيّ، و المالك بالخيار بين أن يطالب بها الغاصب أو الجاني، و قرار الضمان على الجاني، فإن رجع المالك عليه لم يرجع على الغاصب؛ لأنّه المباشر للإتلاف، و إن رجع المالك على الغاصب رجع الغاصب عليه؛ لدخوله في ضمانه.

ثمّ إن كانت قيمة العبد قبل يوم القتل أكثر و نقصت في يد الغاصب، فعليه ما نقص بحكم اليد.

و إن كان الجاني عبدا و الجناية خطأ، فإن سلّمه سيّده فبيع في الجناية، فإن كان الثمن مثل قيمة المغصوب أخذه، و لا شيء له على الغاصب، إلاّ إذا كانت القيمة قد نقصت عنده قبل القتل، و إن كان الثمن أقلّ أخذ الباقي من الغاصب.

و إن لم يسلّمه سيّده، بل اختار أن يفديه، فإن قلنا: يفديه بالأرش، أخذه، و لا شيء له على الغاصب، إلاّ على التقدير المذكور، و إن قلنا:

يفدي بالأقلّ من أرش الجناية أو قيمة الجاني، فإن كانت قيمة المغصوب أكثر من قيمة الجاني فالباقي على الغاصب، و إن كانت أقلّ أو مثلها أخذها المالك، و لا شيء له على الغاصب، إلاّ على التقدير المذكور.

و لو اختار المالك تغريم الغاصب ابتداء، فله ذلك، و يأخذ منه جميع

قيمة المغصوب، ثمّ يرجع الغاصب على سيّد العبد الجاني بما غرم، لا بما يطالب به الغاصب، هذا في القتل.

مسألة ١٠٨٠: إذا غصب عبدا فجني عليه جناية مقدّرة الدية،

فإن قلنا:

ضمان الغصب ضمان الجناية، فالواجب أرش الجناية، كما لو جني عليه من غير غصب، نقصته الجناية أقلّ من ذلك أو أكثر، و إن قلنا: ضمان الغصب غير ضمان الجناية - و هو الأجود - فعليه أكثر الأمرين من أرش النقص أو دية ذلك العضو؛ لأنّ سبب ضمان كلّ واحد منهما وجد، فوجب أكثرهما، و دخل الآخر فيه، فإنّ الجناية و اليد وجدا معا.

و أمّا الجراحات فإن كان لها أرش مقدّر في حقّ الحرّ أو لم يكن لها أرش مقدّر، فالواجب عليه ما تقدّم بيانه من قبل.

و إذا كان الواجب ما نقص من قيمته بالجناية، كان المرعيّ حالة الاندمال، فإن لم يكن حينئذ نقصان لم يطالب بشيء.

و إذا كان الواجب مقدّرا من القيمة كالمقدّر من الدية، فيؤخذ في الحال أو يؤخّر إلى الاندمال ؟ سيأتي في موضعه.

و للشافعي قولان، كما لو كانت الجناية على الحرّ(١).

مسألة ١٠٨١: إذا غصب عبدا و كان الجاني غير الغاصب

و غرّمناه المقدّر من القيمة و كان الناقص أكثر من ذلك المقدّر، فعلى الغاصب ما زاد على المقدّر.

و إن كان المقدّر أكثر ممّا نقص من القيمة، فهل يطالب الغاصب بالزيادة على ما نقص من القيمة ؟ الأقوى ذلك و إن كان المالك يطالب

١- العزيز شرح الوجيز ٤٤٤:٥، روضة الطالبين ١٢٨:٤.


الغاصب بالزيادة، و القرار على الجاني.

و للشافعيّة فيما إذا سقطت يده بآفة قولان، الأصحّ: أنّه لا يطالب، و هنا الظاهر عندهم أنّه يطالب(١).

و تردّدوا فيما إذا قطعت يده قصاصا أو حدّا؛ لأنّه يشبه السقوط بآفة من حيث إنّه تلف بلا بدل، و يشبه الجناية من حيث حصوله بالاختيار(٢).

و لو غصب عبدا فقطع آخر يده، فللمالك تضمين أيّهما شاء؛ لأنّ الجاني قطع يده، و الغاصب حصل النقص في يده، فإن ضمّن الجاني فله تضمينه نصف القيمة(٣) لا غير، و لا يرجع على أحد؛ لأنّه لم يضمّنه أكثر ممّا وجب عليه، و يضمن الغاصب ما زاد على نصف القيمة إن نقص من النصف، و لا يرجع على أحد.

و إن قلنا: إنّ ضمان الغصب ضمان الجناية، أو لم ينقص أكثر من نصف قيمته، لم يضمن الغاصب هنا شيئا.

و إن اختار تضمين الغاصب و قلنا: إنّ ضمان الغصب كضمان الجناية، ضمّنه نصف القيمة، و يرجع بها الغاصب على الجاني؛ لأنّ التلف حصل بفعله، فاستقرّ الضمان عليه.

و إن قلنا: إنّ ضمان الغصب بما نقص، فلمالك العبد تضمينه بأكثر الأمرين؛ لأنّ ما وجد في يده فهو في حكم الموجود منه، ثمّ يرجع الغاصب على الجاني بنصف القيمة؛ لأنّها أرش جنايته، فلم يجب عليه».

١- الوسيط ٤٠٣:٣، البيان ٩:٧-١٠، العزيز شرح الوجيز ٤٤٥:٥، روضة الطالبين ١٢٨:٤.

٢- الوسيط ٤٠٣:٣، العزيز شرح الوجيز ٤٤٥:٥، روضة الطالبين ١٢٨:٤.

٣- في «ص، ع»: «قيمته» بدل «القيمة».


أكثر منها.

مسألة ١٠٨٢: لو اجتمعت جناية المغصوب و الجناية عليه في يد الغاصب

- كما إذا قتل العبد المغصوب إنسانا ثمّ قتله في يد الغاصب عبد إنسان - فللمغصوب منه أن يقتصّ، و يسقط به الضمان عن الغاصب، و يبطل حقّ ورثة من قتله المغصوب؛ لأنّ العبد الجاني إذا هلك و لم يحصل له عوض يضيع حقّ المجنيّ [عليه](١).

نعم، لو كان المغصوب قد نقص عند الغاصب بعروض عيب بعد ما جنى، فلا يبرأ الغاصب عن أرش ذلك النقصان، و لوليّ من قتله التمسّك به.

و إن عرض العييب قبل جنايته فأدّاه، اقتصّ المغصوب منه بالأرش؛ لأنّ الجزء المقابل للأرش كان مفقودا عند الجناية.

و لو لم يقتص المغصوب منه، بل عفا على المال، أو كانت الجناية موجبة للمال، فحكم تغريمه و أخذ المال على ما مرّ من الجناية عليه من غير جناية منه.

ثمّ إذا أخذ المال كان لورثة من جنى عليه عبده التعلّق به؛ لأنّه بدل الجاني على مورّثهم، فإذا أخذوه رجع به المغصوب منه على الغاصب مرّة أخرى؛ لأنّه أخذ منه بسبب جناية مضمونة عليه، و يسلم له المأخوذ ثانيا على ما مرّ نظيره.

النظر السادس: في باقي مسائل النقصان.

مسألة ١٠٨٣: لو غصب عبدا فسمن سمنا نقصت به قيمته،

أو كان شابّا

١- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

فصار شيخا، أو كانت الجارية ناهدا فسقط ثديها، وجب أرش النقصان، و لا نعلم فيه خلافا.

و لو كان العبد أمرد فنبتت لحيته فنقصت قيمته، وجب ضمان نقصه - و به قال الشافعي و أحمد(١) - لأنّه نقص في القيمة بتغيّر صفته فضمنه، كبقيّة صور النقصان.

و قال أبو حنيفة: لا يجب ضمانه؛ لأنّ الفائت لا يقصد قصدا صحيحا، فأشبه الصناعة المحرّمة(٢).

و نمنع عدم القصد الصحيح؛ لإمكان تعلّق الغرض بالتمرين على الخدمة و الخلق الجيّد و الجمال.

مسألة ١٠٨٤: لو غصب عينا فتعيّبت عيبا غير مستقرّ

و نقصت نقصا له سراية و لا يزال يزداد إلى الهلاك، كما لو بلّ الحنطة و تمكّن فيها العفن الساري و خيف فساده أو عفن و خشي تلفه، أو اتّخذ من الحنطة المغصوبة هريسة، أو غصب تمرا وسوّس(٣) في يده، أو غصب تمرا و سمنا و دقيقا و اتّخذ منه عصيدة(٤) ، قال الشيخ رحمه اللّه: يضمن الغاصب المثل إن كان مثليّا،

١- بحر المذهب ١٠٠:٩، حلية العلماء ٢٥٥:٥، البيان ٢٨:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٨١:٥، روضة الطالبين ١٥٣:٤، المغني ٣٩١:٥، الشرح الكبير ٥: ٣٩٩.

٢- بدائع الصنائع ١٥٦:٧، المبسوط - للسرخسي - ٩٠:١١، بحر المذهب ٩: ١٠٠، حلية العلماء ٢٥٥:٥، العزيز شرح الوجيز ٤٨١:٥، المغني ٣٩١:٥، الشرح الكبير ٣٩٩:٥.

٣- السوس: العثة التي تقع في الصوف و الثياب و الطعام. لسان العرب ١٠٧:٦ «سوس».

٤- عصيدة: دقيق يلتّ بالسمن و يطبخ. النهاية - لابن الأثير - ٢٤٦:٣ «عصد».


و إلاّ فالقيمة؛ لأنّه لا يعلم قدر نقصه(١) ، فجعله كالهالك؛ لأنّه مشرف على التلف و الهلاك، و لو تركه بحاله لفسد، فكأنّه هالك، و هو أظهر أقوال الشافعي، ذكره في الأمّ(٢).

و له قول آخر: إنّه يردّه مع أرش النقصان، و ليس للمالك سوى ذلك(٣) ، و هو حسن.

و لأصحاب الشافعي هنا طريقان:

أحدهما: إثبات القولين، وجه الثاني: القياس على العيب المستقرّ الذي لا سراية له.

و الطريق الثاني: القطع بوجوب المثل أو القيمة، و جعله كالهالك.

و له قول آخر: إنّه يتخيّر المالك بينه و بين أن يغرّمه بدل ماله من مثل أو قيمة، و يجعله كالهالك؛ لأنّ أرش النقص الساري لا يكاد ينضبط، فله أن يكفي نفسه مؤونة الاطّلاع عليه.

و هذا القول بتخيّر المالك كالمتوسّط بين القول بأنّه كالتالف فيجب المثل أو القيمة، و بين وجوب ردّه مع الأرش.

و عنه قول رابع: إنّه يتخيّر الغاصب بين أن يمسكه و يغرّمه، و بين أن يردّه مع أرش النقصان، فهذه أقوال أربعة:

أ: تغريمه كما لو هلك.

ب: ردّه مع أرش النقصان.٤.

١- راجع: المبسوط - للطوسي - ٨٢:٣-٨٣.

٢- الأم ٢٥٤:٣، المهذّب - للشيرازي - ٣٧٦:١، حلية العلماء ٢١٦:٥، - البيان ١٨:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٣٩:٥، روضة الطالبين ١٢٣:٤.

٣- الأم ٢٥٤:٣، المهذّب - للشيرازي - ٣٧٦:١، حلية العلماء ٢١٦:٥، - البيان ١٨:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٣٩:٥، روضة الطالبين ١٢٣:٤.


ج: تخيّر المالك.

د: تخيّر الغاصب.

فعلى القول الأوّل للشافعيّة وجهان في أنّ الحنطة المبلولة لمن تكون ؟

أحدهما: تبقى للمالك لئلاّ يكون العدوان قاطعا، كما لو نجس زيته و هو لا يطهر بالغسل، فإنّ المالك يكون أولى به.

و الثاني: أنّها تصير للغاصب - و هو الذي يقتضيه مذهب الشيخ رحمه اللّه فيما إذا جنى على العبد بما فيه كمال قيمته - لأنّا ألحقناه بالهالك في حقّ المالك، و لو هلك لم يكن للمالك غير ما أخذه ضمانا، فكذا هنا، و إذا حكمنا بتغريمه الأرش مع الردّ فإنّما يغرم أرش عيب سار، و هو أكثر من أرش العيب الواقف(١).

و قال بعض الشافعيّة: إن رأى الحاكم أن يسلّم الجميع إليه فعل، و إن رأى سلّم أرش النقص المتحقّق في الحال إليه، و توقف الزيادة إلى أن تتيقّن نهايته(٢).

و فيه توقّف بعضهم؛ لأنّ المعقول من أرش العيب الساري أرش العيب الذي شأنه السراية و أنّه حاصل في الحال، أمّا المتولّد منه فيجب قطع النظر عنه؛ إذ الكلام في النقصان الذي لا تقف سرايته إلى الهلاك، فلو نظرنا إلى المتولّد منه لانجرّ ذلك إلى أن يكون أرش العيب الساري تمام القيمة، و هو عود إلى القول الأوّل(٣).

و قد نصّ بعضهم على صورة التخيير، فقال: إن شاء المالك ضمّن٤.

١- العزيز شرح الوجيز ٤٣٩:٥-٤٤٠، روضة الطالبين ١٢٤:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٤٠:٥، روضة الطالبين ١٢٤:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٤٠:٥، روضة الطالبين ١٢٤:٤.


ما نقص إلى الآن، ثمّ لا شيء له في زيادة فساد تحصل من بعد و ما تولّد منه؛ لأنّه ليس من فعله، و إن شاء تركه إليه و طالب بجميع البدل(١).

و الوجه عندي: أنّ المالك ليس له إلاّ استرجاع العين و أرش النقص الموجود حالة الاسترجاع.

ثمّ إن بقي المغصوب عنده، ضمن الغاصب كلّ عيب يتجدّد عليه إلى حين التلف، و إن أتلفه أو أخرجه عن ملكه فلا شيء له.

و قال أبو حنيفة: يتخيّر المالك بين إمساكه و لا شيء له، أو يسلّمه إلى الغاصب و يأخذ قيمته؛ لأنّه لو ضمن النقص لحصل له مثل كمثله و زيادة، و هو غير جائز(٢).

و هو ضعيف؛ لأنّ هذا الطعام المتعفّن عين ماله، و ليس ببدل عنه.

مسألة ١٠٨٥: لو غصب زيتا فصبّ فيه ماء و تعذّر تخليصه منه فأشرف على الفساد،

فهو بمنزلة العيب الذي لم يستقر، و حكمه ما تقدّم من الخلاف.

و قد تردّد بعض الشافعيّة في مرض العبد المغصوب إذا كان شائعا عسر العلاج، كالسل و الاستسقاء(٣).

و لم يرتضه الجويني؛ لأنّ المرض المأيوس منه قد يبرأ، و العفن المفروض في الحنطة يفضي إلى الفساد لا محالة(٤).

و لو غصب عبدا صحيحا فمرض في يده ثمّ برئ، أو ابيضّت عينه ثمّ

١- العزيز شرح الوجيز ٤٤٠:٥، روضة الطالبين ١٢٤:٤.

٢- المغني ٣٩١:٥، الشرح الكبير ٤٠٧:٥.

٣- نهاية المطلب ١٩٤:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٤٠:٥، روضة الطالبين ١٢٤:٤.

٤- نهاية المطلب ١٩٤:٧-١٩٥، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٤٤٠:٥، و روضة الطالبين ١٢٤:٤.


ذهب بياضها، أو غصب جارية حسناء فسمنت سمنا نقصها ثمّ خفّ سمنها و عادت قيمتها، ردّها و لا ضمان عليه؛ لأنّه لم يذهب ما له قيمة، و العيب الذي أوجب الضمان زال في يده.

و كذا لو حملت فنقصت ثمّ وضعت فزال نقصها، لم يضمن شيئا.

فإن ردّ المغصوب ناقصا بمرض أو عيب أو سمن مفرط أو حمل، فعليه أرش نقصه.

و إن(١) زال عيبه في يدي مالكه، لم يلزمه ردّ ما أخذ من أرشه؛ لأنّه استقرّ ضمانه بردّ المغصوب.

و كذا إن أخذ المغصوب دون أرشه ثمّ زال العيب قبل أخذ أرشه، لم يسقط ضمانه بذلك.

مسألة ١٠٨٦: لو غصب شيئين ينقصهما التفريق

- كزوجي خفّ أو مصراعي باب - فتلف أحدهما، ردّ الباقي و قيمة التالف و أرش نقصهما، فلو كانت قيمتهما معا عشرة ثمّ ردّ أحدهما و قيمته ثلاثة و تلف الآخر، لزمه سبعة؛ لأنّ بعض المغصوب قد تلف، و الباقي نقص، و به قال أكثر الشافعيّة(٢).

و لهم وجه آخر: أنّه لا يلزمه إلاّ قيمة التالف مع ردّ الباقي؛ لأنّه لم يتلف غيره، و لأنّ نقص الباقي نقص قيمة فلا يضمنه، كالنقص بتغيّر

١- في «ص، ع»: «فإن».

٢- الحاوي الكبير ٢٢٤:٧، المهذّب - للشيرازي - ٣٧٦:١، نهاية المطلب ٧: ٢٩٩، بحر المذهب ٩٠:٩، الوسيط ٤١٦:٣-٤١٧، حلية العلماء ٢٢٣:٥، التهذيب - للبغوي - ٣٠٤:٤، البيان ٢٢:٧-٢٣، العزيز شرح الوجيز ٤٦٩:٥، روضة الطالبين ١٤٦:٤، المغني ٤٠١:٥، الشرح الكبير ٤٣٤:٥.


الأسعار(١).

و الصحيح: الأوّل؛ لأنّه نقص حصل بجنايته، فلزمه ضمانه، كشقّ الثوب الذي ينقصه الشقّ إذا تلف أحد شقّيه، بخلاف نقص السعر، فإنّه لم يذهب من المغصوب عين و لا معنى، و هنا فوّت معنى، و هو إمكان الانتفاع به، و هذا هو الموجب لنقص قيمته، و هو حاصل من جهة الغاصب، فينبغي أن يضمنه، كما لو فوّت بصره أو سمعه، أو فكّ تركيب باب، و نحو ذلك.

و لو أتلف أحدهما خاصّة أو غصب أحدهما خاصّة و تلف تحت يده و كانت قيمة المجموع عشرة و عادت قيمة الباقي إلى ثلاثة، احتمل أن يضمن ثلاثة لا غير؛ لأنّ قيمة الفرد الذي أتلفه ثلاثة لا غير، و أن يضمن خمسة، كما لو أتلف رجل أحدهما و آخر الآخر، فإنّه يسوّى بينهما، و يضمن كلّ واحد منهما خمسة، و لأنّ قيمته منضمّا إلى صاحبه خمسة و قد أذهبه بهذه الصفة، فيكون ضامنا للخمسة، و لا بأس بالثاني.

و للشافعيّة وجهان كهذين، و لهم ثالث - و هو أظهر عندهم، و لا بأس به أيضا -: أنّه يضمن سبعة؛ لأنّه أتلف أحدهما و أدخل النقصان على الباقي بتعدّيه، فأشبه ما لو حلّ أجزاء الباب و السرير فنقصت قيمته، فإنّه يضمن النقصان، و لم يذهب هنا سوى الجزء الصوري، فعرفنا أنّ الجزء الصوري مضمون، و الجزء الصوري في زوجي الخفّ و شبهه قد أتلفه٥.

١- الحاوي الكبير ٢٢٤:٧، المهذّب - للشيرازي - ٣٧٦:١، نهاية المطلب ٧: ٢٩٩، بحر المذهب ٩٠:٩، الوسيط ٤١٧:٣، حلية العلماء ٢٢٣:٥، التهذيب - للبغوي - ٣٠٤:٤، البيان ٢٣:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٦٩:٥، روضة الطالبين ١٤٦:٤، المغني ٤٠١:٥، الشرح الكبير ٤٣٤:٥.


المتلف بإتلاف أحدهما، فيكون ضامنا له، كما يضمن الذي أتلفه منهما(١).

تذنيب: لو أخذ أحدهما على صورة السرقة و قيمته مع نقصان الثاني نصاب، لم يقطع إجماعا؛ لأنّ الزائد إنّما ضمنه في ذمّته بتفريقه بين الخفّين، و ما في ذمّته لم يجب لأجله القطع، كما لو ذبح شاة تساوي ربع دينار من الحرز ثمّ أخرجها و قيمتها أقلّ، فإنّه لا يقطع، كذا هنا.

و لو غصب شيئا فشقّه بنصفين و كان ثوبا ينقصه القطع، ردّه و أرش نقصه، فإن تلف أحدهما ردّ الباقي و قيمة التالف و أرش النقص، و إن لم ينقصه القطع، ردّ الباقي و قيمة التالف خاصّة، و إن كانا تامّين ردّهما، و لا شيء عليه سوى ذلك.

آخر: لو غصب شيئا تتفاوت قيمته بالنسبة إلى أربابه، فالأقرب:

ضمان التفاوت أيضا بالنسبة إلى ربّه إن غصبه منه، و إن غصبه من غيره لم يضمن الزيادة، بل ما يساوي قيمته بالنسبة إلى ذلك الغير، مثلا: لو غصب حجّة إنسان بدين أو ملك، و لا ريب في أنّ قيمة تلك الحجّة شيء يسير بالنسبة إلى غير مالكها، و أمّا بالنسبة إلى مالكها فإنّها تساوي أكثر، فإن غصبها و هي لصاحبها ضمن القيمة الزائدة، و إن غصبها و هي لغير مالكها لم يضمن الزيادة.

و كذا لو غصب شمشكا واسعا في الغاية لا يلبسه إلاّ شخص واحد، أو خاتما كذلك، و تتفاوت قيمة الشّمشك و الخاتم بالنسبة إلى كبير الرّجل و غليظ الإصبع و ضدّهما.

مسألة ١٠٨٧: لو حصل فصيل رجل في بيت آخر و لم يمكن إخراجه

١- الوسيط ٤١٧:٣، العزيز شرح الوجيز ٤٦٩:٥، روضة الطالبين ١٤٦:٤.

إلاّ بنقض الباب، فإن كان الحصول في البيت بتفريط من صاحب البيت بأن غصبه - مثلا - و أدخله فيه، أو أدخله بشبهة أنّه له و ظهر خلافه، نقض الباب، و لا غرم على صاحب الفصيل؛ لأنّه لم يوجد منه عدوان.

و إن كان بتفريط من صاحب الفصيل، نقض الباب أيضا لإخراجه؛ لأنّه محترم، و كان على صاحب الفصيل ضمان النقض؛ لأنّه المفرّط المتعدّي، فكان عليه أرش النقض.

و لو طلب صاحب الفصيل ذبحه و إخراجه قطعا من غير نقض، أجيب إليه، إلاّ أن يفسد شيء من الأرض بالدم و يمنعه المالك منه فلا يجاب إليه.

و إن لم يكن من أحدهما تفريط بأن دخل الفصيل بنفسه - مثلا - من غير مشاركة المالك أو أدخله ظالم و هرب، نقض الباب لإخراجه أيضا، و ضمن صاحب الفصيل - و هو ظاهر مذهب الشافعيّة أيضا(١) - لأنّه إنّما نقض لتخليص ملكه.

و قال بعض الشافعيّة: لا يضمن صاحب الفصيل شيئا؛ لأنّه لا تفريط من أحد، و الإخراج لا بدّ منه لحرمة الروح، و إنّما يتمّ هذا إذا كان الفرض فيما إذا خيف هلاكه أو لم يخرج(٢).

و هكذا إذا باع دارا و فيها حباب لا تخرج إلاّ بنقض الباب، فإذا نقلها كان إصلاح ذلك عليه؛ لأنّها لتخليص ملكه.

مسألة ١٠٨٨: لو وقع دينار في محبرة الغير و لم يخرج إلاّ بكسرها،

فإن

١- المهذّب - للشيرازي - ٣٨٠:١، بحر المذهب ٨٩:٩، الوسيط ٤١٦:٣، العزيز شرح الوجيز ٤٦٨:٥، روضة الطالبين ١٤٥:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٦٨:٥.


كان وقوعه في المحبرة بفعل صاحب المحبرة عمدا أو سهوا وجب كسرها و إخراج الدينار، و لا غرم على صاحب الدينار؛ لأنّ التفريط من صاحب المحبرة بطرح الدينار فيها.

و إن كان قد رمى صاحب الدينار ديناره في المحبرة، كسرت أيضا، و على صاحب الدينار الأرش، إلاّ أن يختار صاحبه تركه فيها.

و كذا لو وقع بغير تفريط من أحدهما فإنّها تكسر، و يضمن صاحب الدينار نقصها؛ لأنّ كسرها لتخليص ملكه من غير تفريط من صاحبها، و إنّما قدّمنا صاحب الدينار؛ لأنّ تركه يضرّ صاحبه، و إذا غرم كسر المحبرة فلا ضرر على واحد منهما.

و ينبغي إذا كان التفريط من صاحب الدينار أو لا تفريط منهما و ضمن صاحب المحبرة بدل الدينار أن لا تكسر؛ لزوال الضرر بذلك عن صاحب الدينار، و لا يرد ذلك في الفصيل و البيت.

و لو كان كسرها أكثر ضررا من تبقية الواقع فيها، لم تكسر، و ضمن المفرّط منهما الدينار و ترك في المحبرة.

و لو لم يفرّط أحدهما، ضمن صاحب المحبرة الدينار؛ لأنّه قد وضع الدينار في محبرته لخلاصها من الكسر.

مسألة ١٠٨٩: لو غصب فصيلا و أدخله داره فكبر و لم يخرج من الباب،

أو خشبة و أدخلها داره ثمّ بنى الباب ضيّقا لا يخرج منه إلاّ بنقضه، نقض، و ردّ الفصيل و الخشبة.

و لو كان دخول الفصيل بتفريط صاحب الفصيل، نقض له الباب، و غرم صاحب الفصيل الأرش للغاصب.

و لو لم يكن بتفريط أحد، نقض، و كان الضمان على الغاصب.

و لو غصب دارا و أدخلها فصيلا أو خشبة أو تعدّى على إنسان فأدخل داره فصيلا أو فرسا، كسرت الخشبة و ذبح الحيوان و إن زاد ضرره على نقض البناء؛ لأنّ سبب هذا الضرر [عدوانه](١) فيجعل عليه دون غيره.

و لو غصب دينارا فوقع في محبرته، أو أخذ دينار غيره فوقع في محبرته، كسرت و ردّ الدينار، و إن وقع من غير فعله كسرت ليردّ الدينار إن أحبّ صاحبه، و الضمان على غاصبه.

و لو غصب دينارا فوقع في محبرة آخر بفعل الغاصب أو بغير فعله، كسرت لردّه، و على الغاصب ضمان المحبرة؛ لأنّه السبب في كسرها، و إن كان كسرها أكثر ضررا من تبقية الواقع فيها، ضمنه الغاصب و لم تكسر.

و لو رمى إنسان ديناره في محبرة غيره عدوانا و أبى صاحب المحبرة من كسرها، لم يجبر عليه؛ لأنّ صاحبه تعدّى برميه فيها، فلم يجبر صاحبها على إتلاف ماله لإزالة ضرر عدوانه عن نفسه، و على الغاصب نقض المحبرة بوقوع الدينار فيها.

و يحتمل أن يجبر على كسرها لردّ عين مال الغاصب، و يضمن الغاصب قيمتها، كما لو غرس في أرض غيره ملك حفر الأرض بغير إذن المالك لأخذ غرسه، و يضمن ما نقصت بالحفر.

و على كلا الوجهين لو كسرها الغاصب قهرا، لم يلزمه أكثر من قيمتها.

مسألة ١٠٩٠: لو أدخلت بهيمة رأسها في قدر و لم يخرج إلاّ بكسرها،

١- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عدوان». و الظاهر ما أثبتناه.


فإن كان معها صاحبها و هو مفرّط بترك الحفظ، فإن كانت غير مأكولة اللحم لم يجز ذبحها، و وجب كسر القدر، و ضمن صاحبها أرش نقصان القدر أو من كانت يده عليها.

و إن كانت مأكولة اللحم، فهل تذبح أو تكسر القدر؟ الأقرب:

ذبحها؛ لأنّه ينتفع بلحمها، فيقلّ الضرر على صاحبها، و النقص إن كان فمن صاحبها وقع حيث وقع التفريط منه.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما، و الثاني: لا تذبح؛ لأنّ للحيوان حرمة في نفسه(١) ، و قد نهى النبي صلّى اللّه عليه و اله عن ذبح الحيوان لغير مأكلة(٢) ، و لا يجوز إتلافه لذلك.

و إن لم يكن معها أحد و لم يقع من صاحبها تفريط، فإن فرّط صاحب القدر - مثل أن يكون قد وضع القدر في موضع لا حقّ له فيه - كسرت القدر، و لا غرم له، و إن لم يكن منه تفريط، بل كانت القدر في دكّانه أو ملكه، كسرت القدر، و وجب ضمانها على صاحب البهيمة؛ لأنّ ذلك فعل لتخليص ملكه.

و كذا لو فرّطا معا، كسرت القدر، و ضمن صاحب الدابّة.

مسألة ١٠٩١: إذا ابتلعت الدابّة شيئا و كان مقتضى الشرع تضمين صاحبها ما ابتلعته،

فإن كان ممّا يفسد بالابتلاع ضمنه، و إن كان ممّا

١- بحر المذهب ٨٩:٩، البيان ٥٤:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٦٩:٥، روضة الطالبين ١٤٥:٤.

٢- لم نعثر عليه في المصادر الحديثيّة، و ورد ذلك في كتاب الخلاف - للشيخ الطوسي - ٥١٩:٥، المسألة ٤، و الحاوي الكبير ٢٠٢:٧، و التهذيب - للبغوي - ٣٣٠:٤، و العزيز شرح الوجيز ٤٦٧:٥.


لا يفسد كاللآلئ، فإن لم تكن مأكولة لم تذبح، و غرم قيمة ما ابتلعته؛ للحيلولة، و إن كانت مأكولة فكذلك؛ لأنّه مفرّط؛ إذ التقدير لزوم الضمان.

و للشافعيّة قولان كما في القدر(١).

و لو باع بهيمة بثمن معيّن فابتلعته فإن لم يكن الثمن مقبوضا، بطل البيع، و هذه بهيمة للبائع ابتلعت مالا للمشتري، إلاّ أن يقتضي الحال وجوب الضمان على صاحب البهيمة فيستقرّ العقد، و يكون ما جرى قبضا للثمن، بناء على أنّ إتلاف المشتري قبض منه، و إن كان الثمن مقبوضا، لم ينفسخ العقد، و هذه بهيمة للمشتري ابتلعت مالا للبائع.

مسألة ١٠٩٢: إذا غصب جوهرة فابتلعتها دابّة،

فإن لم تكن مأكولة اللحم، لم يجز شقّ بطنها؛ لأنّ قتلها لا يجوز، و يجب ضمان ذلك على من كانت تحت يده إن فرّط، و يغرم الغاصب قيمة الجوهرة.

و قال بعض الجمهور: إن كانت قيمة الحيوان أقلّ من قيمة الجوهرة ذبح الحيوان، و ردّت إلى مالكها، و ضمان الحيوان على الغاصب، إلاّ أن يكون الحيوان آدميّا، ففي ذبح الحيوان رعاية حقّ المالك بردّ عين ماله إليه، و رعاية حقّ الغاصب بتقليل الضمان(٢).

و لو ابتلعت شاة رجل جوهرة آخر غير مغصوبة و لم يمكن إخراجها إلاّ بذبح الشاة، ذبحت إذا كان ضرر ذبحها أقلّ، و كان ضمان قيمتها على صاحب الجوهرة؛ لأنّه لتخليص ماله، إلاّ أن يكون التفريط من صاحب

١- العزيز شرح الوجيز ٤٦٩:٥، روضة الطالبين ١٤٥:٤.

٢- المغني ٤٢٦:٥، الشرح الكبير ٣٨٢:٥.


الشاة بأن تكون يده عليها، و لا شيء(١) على صاحب الجوهرة؛ لأنّ التفريط من صاحب الشاة، فالضرر عليه.

و لو قال من عليه الضمان منهما: أنا أتلف مالي و لا أغرم شيئا للآخر، فله ذلك؛ لأنّ إتلاف مال الآخر إنّما كان لحقّه و سلامة ماله و تخليصه، فإذا رضي بتلفه لم يجز إتلاف غيره.

و لو أدخلت رأسها في قدر غيره و لا تفريط من أحدهما، كسرت القدر، و غرم صاحب الشاة أرشها؛ لأنّه لتخليص ماله.

فإن قال: لا أغرم شيئا، لم يجبر صاحب القدر على شيء؛ لأنّ القدر لا حرمة لها، فلا يجبر صاحبها على تخليصها، و أمّا الشاة فإنّ لها حرمة، فلا يحلّ تركها؛ لما فيه من تعذيب الحيوان، فيقال له: إمّا أن تذبح الشاة لتخلص من العذاب، و إمّا أن تغرم القدر لصاحبها إذا كان كسرها أقلّ ضررا عليه و تخلص الشاة؛ لأنّ ذلك من ضرورة إبقائها، أو تخليصها من العذاب فلزمه، كعلفها.

و إن كان الحيوان غير مأكول، احتمل أن يكون كالشاة للمالك ذبحه إذا كانت قيمته أقلّ من قيمة القدر، و أن لا يكون؛ لنهي النبي صلّى اللّه عليه و اله عن ذبح الحيوان لغير مأكلة(٢).

و قوّى بعض العامّة الأوّل؛ لأنّ حرمته معارضة بحرمة الآدميّ الذي يتلف ماله، و النهي عن ذبحه معارض بالنهي عن إضاعة المال(٣) ، و في كسر -

١- الظاهر: فلا شيء.

٢- راجع: الهامش (٢) من ص ٢٨٧.

٣- صحيح البخاري ١٣٩:٢، و ١٥٩:٣، و ١٢٤:٨، و ١١٨:٩، صحيح مسلم –


القدر مع كثرة قيمته إضاعة المال(١).

البحث الثاني: في الزيادة.

اشارة

و النظر في أمرين:

النظر الأوّل: زيادة الآثار.

مسألة ١٠٩٣: إذا غصب شيئا فزاد في يد الغاصب،

فإن كانت لا من فعله فهي للمالك، سواء كانت الزيادة متّصلة أو منفصلة، و سواء كانت عينا أو أثرا.

و إن كانت من فعل الغاصب و كانت أثرا محضا، لم يستحقّ الغاصب بتلك الزيادة شيئا؛ لأنّه متعدّ.

ثمّ ينظر إن لم يمكن ردّه إلى الحالة الأولى، ردّه بحاله و أرش النقص إن نقصت قيمته، و إن أمكن ردّه إلى الحالة الأولى فإن رضي به المالك، لم يكن للغاصب ردّه إلى ما كان، و لا أخذ شيء عن أثره، بل عليه أرش النقص إن نقص عمّا كان قبل الزيادة.

و هذه قاعدة كلّيّة في جميع الزيادات من الآثار التي ليست عينيّة.

مسألة ١٠٩٤: لا يملك الغاصب العين المغصوبة بتغيّر صفاتها،

فلو غصب حنطة فطحنها، أو شاة فذبحها و شواها، أو حديدا فصنعه سكّينا أو آنية أو آلة، أو ثوبا فقطعه و خاطه أو قصره، أو طينا فضربه لبنا، فإنّ حقّ المالك لا ينقطع عن هذه الأعيان، و لا يملك الغاصب العين بشيء من هذه التصرّفات، بل يردّها مع أرش النقص إن نقصت القيمة، عند علمائنا أجمع

١- المغني ٤٢٧:٥، الشرح الكبير ٣٨٣:٥، و فيهما محتمل.


- و به قال الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين(١) - لأصالة بقاء ملك المالك على صاحبه، و لم يوجد شيء من العقود الناقلة.

و لقوله تعالى: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ (٢) و تصرّف الغاصب فيه باطل، فلا يكون سببا لإباحة أكله.

و لأنّ كلّ ما فعله الإنسان بملكه لم يزل ملكه عنه، فإذا فعله بملك غيره لم يبطل حقّ صاحبه، كما لو ذبح الشاة أو ضرب النقرة دراهم، و لأنّ عين المغصوب منه قائمة فيجب ردّها، كما لو ذبح الشاة و لم يشوها، و لأنّه لا يزيل الملك لو كان بغير فعل آدميّ، فلم يزله إذا فعله آدميّ.

و قال أبو حنيفة و أحمد في الرواية الأخرى: إنّ حقّ المالك ينقطع عن العين، و يملكها الغاصب، و لا يجوز التصرّف فيها إلاّ بالصدقة، إلاّ أن يدفع قيمتها، فيجوز له التصرّف في جميعه(٣) ؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله زار قوما من الأنصار في دارهم، فقدّموا له شاة مشويّة، فتناول منها لقمة فجعل يلوكها(٤) و لا يسيغها(٥) ، فقال: «إنّ هذه الشاة لتخبرني أنّها أخذت بغير حقّ» فقالوا:

نعم يا رسول اللّه، طلبنا في السوق فلم نجد فأخذنا شاة لبعض جيراننا و نحن نرضيهم من ثمنها، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله: «أطعموها الأسرى»(٦) و هذا يدلّ -

١- الحاوي الكبير ١٩١:٧ و ١٩٤، الوجيز ٢١١:١، الوسيط ٤٠٩:٣، حلية العلماء ٢٥٧:٥، البيان ١٧:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٥٤:٥، روضة الطالبين ٤: ١٣٥، المغني ٤٠٣:٥، الشرح الكبير ٣٩٤:٥.

٢- سورة البقرة: ١٨٨.

٣- الظاهر: جميعها.

٤- اللّوك: إدارة الشيء في الفم. النهاية - لابن الأثير - ٢٧٨:٤ «لوك».

٥- ساغ الطعام: نزل في الحلق. لسان العرب ٤٣٥:٨ «سوغ».

٦- روى نحوه أبو داود في سننه ٣٣٣٢/٢٤٤:٣، و الدارقطني في سننه ٢٨٥:٤ –


على أنّ حقّ أصحابها انقطع عنها، و إلاّ كان يردّها عليهم(١).

و هو مع صحّته محمول على أن يكون أطعمه الأسرى، لأنّهم مضطرّون إليه، أو خاف هلاكه إلى أن يردّه على صاحبه.

مسألة ١٠٩٥: لو غصب ثوبا فشقّه أو إناء فكسره،

لم يملكهما بذلك على ما تقدّم، بل يردّه على المالك مع الأرش، و لا يجبر على رفاء الثوب و إصلاح الإناء - و به قال الشافعي(٢) - لأنّه لا يعود إلى ما كان عليه أوّلا بالرفاء و الإصلاح.

و قال مالك: إنّه يجبر عليهما، كما في تسوية الحفر(٣).

و الفرق ظاهر.

و لو غزل القطن المغصوب، ردّ الغزل و أرش النقص إن نقص.

و لو نسج الغزل المغصوب، فالكرباس للمالك مع أرش النقص إن نقص، و ليس للمالك إجباره على نقضه إن كان لا يمكن ردّه إلى الحالة الأولى و نسجه ثانيا، و إن أمكن كالخزّ، فللمالك إجباره عليه.

فإن نقضه و نقصت قيمته عن قيمة الغزل في الأصل غرمه، و لا يغرم ما كان قد زاد بالنسج وفات بالنقض؛ لأنّ المالك أمره بذلك، فإن نقض من

١- المبسوط - للسرخسي - ٨٦:١١ و ٨٧ و ٩٢، روضة القضاة ٧٧٥٤/١٢٦٦:٣، الفقه النافع ٩٣٠:٣-٦٤٩/٩٣١ و ٦٥٠، بدائع الصنائع ١٤٨:٧، الهداية - للمرغيناني - ١٥:٤، الاختيار لتعليل المختار ٨٨:٣، المغني ٤٠٣:٥، الشرح الكبير ٣٩٤:٥ و ٣٩٥، الحاوي الكبير ١٩١:٧ و ١٩٤، حلية العلماء ٢٥٧:٥، البيان ١٧:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٥٤:٥.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٥٤:٥، روضة الطالبين ١٣٥:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٥٤:٥.


غير إذن المالك ضمنه أيضا على إشكال.

و لو نهاه المالك عن النقض، لم يجز له نقضه، فإن نقضه و لم تنقص قيمته و لا عينه عن الغزل أوّلا بل عنه منسوجا، ففي الضمان إشكال ينشأ:

من وجوب دفعه إلى مالكه على حاله منسوجا، و من أنّ النسج من فعله و قد أزاله فلا يغرمه.

و لو غصب نقرة و ضربها دراهم أوصاغ منها حليّا أو غصب نحاسا أو زجاجا و اتّخذ منه إناء، فإن رضي المالك به ردّه كذلك، و لم يكن له ردّه إلى الحالة الأولى إلاّ أن يكون ضرب الدراهم بغير إذن السلطان أو على غير عياره؛ لأنّه حينئذ يخاف التعزير.

مسألة ١٠٩٦: قد بيّنّا أنّ الغاصب لا شيء له بعمله،

سواء زادت العين أو لم تزد - و به قال الشافعي(١) - لأنّ الغاصب عمل في ملك غيره بغير إذنه فلم يستحق لذلك عوضا، كما لو أغلى زيتا فزادت قيمته، أو بنى حائطا لغيره، أو زرع حنطة إنسان في أرضه، و سائر عمل الغاصب.

و قال بعض العامّة: إنّ الغاصب يشارك المالك بالزيادة؛ لأنّها حصلت بمنافعه، و منافعه تجري مجرى الأعيان، فأشبه ما لو غصب ثوبا فصبغه(٢).

و الفرق ظاهر؛ فإنّ الصبغ عين لا يزول ملك صاحبه عنه بجعله مع ملك غيره، و هو حجّة عليه؛ لأنّه إذا لم يزل ملكه عن صبغه بجعله في ملك غيره و جعله كالصفة فلأن لا يزول ملك غيره بعمله فيه أولى، و هذا بخلاف ما لو زرع في أرض غيره، فإنّه يردّ عليه نفقته؛ لأنّ الزرع ملك

١- العزيز شرح الوجيز ٤٥٤:٥، روضة الطالبين ١٣٥:٤، المغني ٤٠٤:٥، الشرح الكبير ٣٩٥:٥.

٢- المغني ٤٠٤:٥، الشرح الكبير ٣٩٥:٥.


الغاصب؛ لأنّه عين ماله، و نفقته عليه تزداد به قيمته، فإذا أخذه مالك الأرض احتسب له بما أنفق على ملكه، و في مسألتنا عمله في ملك المغصوب منه بغير إذنه، فكان لاغيا، على أنّا نمنع وجوب النفقة في الزرع، بل الزرع للغاصب و عليه الأجرة.

النظر الثاني: في زيادة الأعيان.

مسألة ١٠٩٧: إذا غصب أرضا و بنى فيها أو غرس أو زرع،

كان لصاحب الأرض إلزام الغاصب بالقلع - و به قال الشافعي(١) - لقوله عليه السّلام:

«ليس لعرق ظالم حقّ»(٢).

و غصب رجل أيضا فغرس فيها، فرفع ذلك إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله، فأمره بقلع النخل، قال الراوي: فلقد رأيتها و الفؤوس تعمل في أصولها و إنّها لنخل عمّ(٣)(٤).

و لأنّه شغل أرض غيره بملكه الذي لا حرمة له في نفسه بغير إذنه،

١- الحاوي الكبير ١٦٦:٧، المهذّب - للشيرازي - ٣٧٨:١، بحر المذهب ٩: ٤٨، حلية العلماء ٢٣٣:٥، التهذيب - للبغوي - ٣٢٠:٤-٣٢١، البيان ٧: ٤٢، العزيز شرح الوجيز ٤٥٥:٥، روضة الطالبين ١٣٦:٤.

٢- مسند أحمد ٤٤٦:٦-٣٢٢٧٢/٤٤٧، سنن أبي داود ٣٠٧٣/١٧٨:٣، سنن الترمذي ١٣٧٨/٦٦٢:٣، السنن الكبرى - للنسائي - ٥٧٦١/٤٠٥:٣-٣، و ٥٧٦٢ - ٤، سنن الدارقطني ٣٥:٣-١٤٤/٣٦، و ٥٠/٢١٧:٤، مسند أبي يعلى ٩٥٧/٢٥٢:٢، المعجم الأوسط - للطبراني - ٦٠٥/٢٦٢:١، و ٧٢٦٧/٢٤٥:٧، المعجم الكبير - له أيضا - ١٣:١٧-٤/١٤ و ٥، السنن الكبرى - للبيهقي - ٩٩:٦ و ١٤٢ و ١٤٣.

٣- «عمّ» جمع، واحدتها: «عميمة»، أي: تامّة في طولها و التفافها. النهاية - لابن الأثير - ٣٠١:٣ «عمم».

٤- سنن أبي داود ٣٠٧٤/١٧٨:٣.


فلزمه تفريغه، كما لو جعل فيه قماشا.

و لا خلاف في الغرس، أمّا لو زرع في الأرض المغصوبة فكذلك عندنا و عند الشافعي(١).

و قال أحمد: إن كان بعد حصاد الزرع فكذلك يكون الزرع للغاصب إجماعا؛ لأنّه نماء ملكه، و عليه الأجرة إلى وقت التسليم و ضمان النقص.

و لو جاء صاحبها و الزرع قائم فيها، لم يملك المالك إجبار الغاصب على قلعه، و خيّر المالك بين أن يقيم الزرع في الأرض إلى الحصاد، و يأخذ من الغاصب أجرة الأرض و أرش النقص، و بين أن يدفع إليه نفقته، و يكون الزرع له؛ لأنّ رافع بن خديج قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء و عليه نفقته»(٢) و فيه دليل على أنّ الغاصب لا يجبر على قلعه؛ لأنّه ملك المغصوب منه.

و روى رافع أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله رأى زرعا في أرض ظهير فأعجبه فقال:

«ما أحسن زرع ظهير» فقال: إنّه ليس لظهير، و لكنّه لفلان، قال: «فخذوا زرعكم و ردّوا عليه نفقته» قال رافع: فأخذنا زرعنا و رددنا عليه نفقته(٣).

و لأنّه أمكن ردّ المغصوب إلى مالكه من غير إتلاف مال الغاصب على٥.

١- بحر المذهب ٥١:٩، حلية العلماء ٢٣٥:٥-٢٣٦، البيان ٤٤:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٥٥:٥، روضة الطالبين ١٣٦:٤.

٢- سنن أبي داود ٢٦١:٣-٣٤٠٣/٢٦٢، سنن الترمذي ١٣٦٦/٦٤٨:٣، سنن ابن ماجة ٢٤٦٦/٨٢٤:٢، مسند أحمد ١٦٨١٨/١٣٢:٥، مسند أبي داود الطيالسي: ٩٦٠/١٢٩.

٣- سنن أبي داود ٢٦٠:٣-٣٣٩٩/٢٦١، السنن الكبرى - للنسائي - ٤٦١٦/٩٥:٣ - ٢٨، سنن النسائي (المجتبى) ٤٠:٧، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٣٦:٦، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٢٤٨٧/٩٠:٧، المعجم الكبير - للطبراني - ٢٤٤:٤ - ٤٢٦٧/٢٤٥.


قرب من الزمان، فلا يجوز إتلافه، كما لو غصب سفينة فحمل فيها ماله و أدخلها البحر، أو غصب لوحا فرقع به سفينة، فإنّه لا يجبر على ردّ المغصوب في اللجّة، و ينتظر حتى يخرج؛ صيانة للمال عن التلف، كذا هنا.

و لأنّه زرع حصل في ملك غيره فلا يجبر على قلعه على وجه يضرّ به، كما لو كانت الأرض مستعارة أو مشفوعة، بخلاف الشجر؛ لأنّ مدّته تطول، و لا يعلم متى ينقلع من الأرض، فانتظاره يؤدّي إلى ترك الأصل بالكلّيّة.

و تأوّل قوله عليه السّلام: «ليس لعرق ظالم حقّ»(١)المغني ٣٩٢:٥-٣٩٣، الشرح الكبير ٣٨٤:٥-٣٨٥، و ينظر: بحر المذهب ٥١:٩، و البيان ٤٤:٧، و العزيز شرح الوجيز ٤٥٥:٥-٤٥٦.(٢) بأنّه مخصوص بالنخل و الغرس، و حديثه في الزرع، فيجمع بين الحديثين، و عمل بكلّ منهما في موضعه(٢).

و ما قدّمناه أصحّ؛ لأنّ في ترك الزرع في أرض الغير بغير إذنه ظلما، فلا يجوز ارتكابه، و إذا كان الغاصب متعدّيا فلا فرق بين الضرر الكثير و القليل في حقّه، و الحديث محمول على ما إذا رضي الزارع، و أضاف الزرع إليهم لحصوله في أرضهم.

إذا عرفت هذا، فإن رضي المالك بترك الزرع للغاصب و يأخذ منه أجرة الأرض فله ذلك؛ لأنّه شغل المغصوب بماله، فملك صاحبه أخذ الأجرة، كما لو أحرز في الدار طعاما أو أحجارا يحتاج في نقله إلى مدّة.

و إن أراد أخذ الزرع، لم يكن له ذلك عندنا، خلافا لأحمد، فإنّ له٦.

١- تقدّم تخريجه في ص ٢٩٤، الهامش

٢- .

ذلك عنده، كما يأخذ الشفيع شجر المشتري بقيمته(١). و هو ممنوع.

و فيما يردّه على الغاصب لأحمد روايتان.

إحداهما: قيمة الزرع؛ لأنّه بدل عن الزرع فيتقدّر بقيمته، كما لو أتلفه، [و](٢) لأنّ الزرع للغاصب إلى حين انتزاع الملك منه، بدليل أنّه لو أخذه قبل انتزاع [المالك](٣) له كان ملكا له، و لو لم يكن ملكا له لما ملكه بأخذه، فيكون أخذ المالك له [تملّكا](٤) له، إلاّ أن يعوّضه، فيجب أن تكون له قيمته، كالشقص المشفوع، و يجب على الغاصب أجرة الأرض إلى حين تسليم الزرع؛ لأنّ الزرع كان محكوما له به و قد شغل به أرض غيره.

و الثانية: أنّه يردّ على الغاصب ما أنفق من البذر و مؤونة الزرع في الحرث و السقي و غيره؛ لقوله عليه السّلام: «ردّوا عليه نفقته»(٥) و قيمة الشيء لا تسمّى نفقة له(٦).

و الكلّ عندنا باطل، و به قال الشافعي(٧).

مسألة ١٠٩٨: لو كان الزرع ممّا تبقى أصوله في الأرض و يجزّ مرّة بعد أخرى

كالرطبة و الكرّاث و النعناع، فللمالك إزالته، و إلزام المالك بالأرش و طمّ الحفر و الأجرة، و به قال الشافعي(٨).

١- المغني ٣٩٣:٥، الشرح الكبير ٣٨٥:٥.

٢- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٣- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الملك». و المثبت كما في المصدر.

٤- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ملكا». و المثبت كما في المصدر.

٥- راجع: الهامش (٣) من ص ٢٩٥.

٦- المغني ٣٩٣:٥-٣٩٤، الشرح الكبير ٣٨٥:٥.

٧- راجع: الهامش (١) من ص ٢٩٤.

٨- لم نتحقّقه في مظانّه.


و عند أحمد يحتمل أن يكون حكمه حكم الزرع؛ لأنّه ليس له فرع قويّ، فأشبه الحنطة و الشعير، و احتمل أن يكون حكمه حكم الغرس؛ لبقاء أصله(١).

و لو غصب أرضا فغرسها فأثمرت فإن انتزعها المالك بعد أن أخذ الغاصب الثمرة، فهي للغاصب، و كذا إن انتزعها و الثمرة فيها؛ لأنّها ثمرة شجرته فكانت له، كما لو كانت في أرضه، و لأنّها نماء أصل محكوم به للغاصب، فكان له، كالأغصان و الورق.

و قال بعض العامّة: هي لمالك الأرض؛ لأنّ إدراكها في الغرس(٢).

و عن أحمد رواية: أنّه إذا غصب أرضا فغرسها فالنماء لمالك الأرض، و عليه من النفقة ما أنفقه الغارس من مؤونة الثمرة؛ لأنّ الثمرة في معنى الزرع، فكان لصاحب الأرض إذا أدركه قائما فيها(٣).

و هو غلط؛ لمنع حكم الأصل أوّلا، و لأنّ حكم الأصل لا يوافق القياس، و إنّما صار إليه للأثر، فيختصّ الحكم به، و لا يعدّى إلى غيره، و لأنّ الثمرة تفارق الزرع من وجهين:

أحدهما: أنّ الزرع نماء الأرض فكان لصاحبها، و الثمرة نماء الشجرة فكان لصاحبه.

و الثاني: أنّه يردّ عوض الزرع إذا أخذه مثل البذر الذي نبت منه الزرع مع ما أنفق عليه، و لا يمكنه مثل ذلك في الثمر.

مسألة ١٠٩٩: لو غصب شجرا فأثمر،

فالثمرة لصاحب الشجرة

١- المغني ٣٩٤:٥، الشرح الكبير ٣٨٦:٥.

٢- المغني ٣٩٤:٥-٣٩٥، الشرح الكبير ٣٨٦:٥.

٣- المغني ٣٩٥:٥، الشرح الكبير ٣٨٦:٥.


إجماعا؛ لأنّه نماء ملكه، و لأنّ الشجر عين ملكه نما و زاد، فأشبه ما لو طالت أغصانه، و على الغاصب ردّ الثمر إن كان باقيا، و إن كان تالفا فعليه بدله، و لو كان رطبا فصار تمرا، أو عنبا فصار زبيبا، فعليه ردّه، فإن كان تالفا فعليه بدله، و أرش نقصه إن نقص، و ليس له شيء بعمله فيه، و ليس للشجرة أجرة؛ لأنّ أجرتها لا تجوز في العقود فكذلك في الغصب، و لأنّ نفع الشجر تربية الثمر و إخراجه و قد عادت هذه المنافع إلى المالك.

و يشكل بما تقدّم(١) من جواز استئجار الشجر لنشر الثياب عليها.

و لو غصب ماشية، فعليه ضمان ولدها إن ولدت عنده، و يضمن لبنها بمثله؛ لأنّه من ذوات الأمثال، و كذا أوبارها و أشعارها.

مسألة ١١٠٠: لو غصب أرضا فترك غرسها أو زرعها فنقصت بذلك،

كما في أرض البصرة، ضمن أرش النقص و الأجرة.

و لو غرسها أو زرعها، ضمن الأجرة، فإن حصل نقص ضمنه أيضا.

و لو نقصت الأرض لطول مدّة الغراس، وجب على الغاصب أجرة المثل و أرش النقص معا.

و للشافعيّة قولان، هذا أحدهما، و الثاني: أنّه يجب أكثرهما، و الخلاف فيه كما في الثوب إذا بلي بالاستعمال(٢).

و لو أراد صاحب الأرض أن يتملّك النماء أو الغراس بالقيمة أو بنفقتها، أو الزرع بالأجرة، فالأقرب: أنّه لا يجب على الغاصب إجابته؛ إذ لا يجب على الإنسان بيع ملكه، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه يجب على الغاصب إجابته، كالمستعير، بل أولى، فإنّ

١- في ج ١٨، ص ٤٩، المسألة ٥٤٠.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٥٦:٥، روضة الطالبين ١٣٦:٤.


الغاصب متعدّ(١).

و نمنع الحكم في الأصل، و الفرق: أنّ المالك هنا متمكّن من القلع بلا غرامة، بخلاف المعير.

و لو أبى المالك إلاّ القلع، فله القلع؛ لأنّه ملكه فملك نقله، و لا يجبر على أخذ القيمة؛ لأنّها معاوضة فلم يجبر عليها.

و إن اتّفقا على تعويضه بالقيمة أو غيرها، جاز؛ لأنّ الحقّ لهما فجاز ما اتّفقا عليه.

و لو وهب الغاصب الغرس أو البناء لمالك الأرض ليتخلّص من قلعه فقبله المالك، جاز.

و إن لم يقبله و كان في قلعه غرض صحيح، لم يجبر على قبوله؛ لما تقدّم.

و إن لم يكن في قلعه غرض صحيح، فكذلك؛ لأنّ في إجباره عليه إجبارا على عقد يعتبر فيه الرضا.

و قال بعض العامّة: يجبر؛ لأنّ فيه رفع الخصومة من غير غرض يفوت(٢).

مسألة ١١٠١: لو غصب من رجل أرضا و غراسا فغرس الغراس فيها،

فالكلّ لمالك الأرض.

فإن طالبه المالك بقلعه و في قلعه غرض، أجبر على قلعه؛ لأنّه فوّت عليه غرضا مقصودا بالأرض فأجبر على إعادتها إلى ما كانت عليه، و تسوية الأرض و أرش نقصها(٣) و أرش نقص الغراس.

١- العزيز شرح الوجيز ٤٥٦:٥، روضة الطالبين ١٣٦:٤.

٢- المغني ٣٨٠:٥-٣٨١، الشرح الكبير ٣٨٨:٥.

٣- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «نقصانها».


فإن لم يكن في قلعه غرض، لم يجبر على قلعه؛ لأنّه سفه، فلا يجبر على السفه، و قد نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله عن إضاعة المال(١) ، و لا ينفكّ القلع من ضياع مال.

و يحتمل الإجبار؛ لأنّ الحكم في الملك إلى المالك يتصرّف فيه كيف شاء، و لا حكم للغاصب فيه.

و إن أراد الغاصب قلعه و منعه المالك، لم يملك قلعه؛ لأنّ الجميع من الغراس و الأرض للمالك المغصوب منه، فلا يملك غيره التصرّف فيه بغير إذنه.

و لو غصب من رجل واحد أرضا و بذرا و زرعها به، فللمالك أن يكلّفه إخراج البذر من الأرض، و يغرّمه أرش النقصان، و ليس للغاصب إخراجه إن رضي المالك ببقائه في أرضه.

و الحكم في البناء في الأرض المغصوبة كالحكم في الغرس فيها في التفصيل جميعه.

و إذا كانت الآلة من تراب الأرض و أحجارها، فليس للغاصب النقض، إلاّ أن يأمره المالك به.

و لو غصب أرضا من شخص و شجرا من آخر و غرسه في الأرض المغصوبة فلكلّ من المالكين المطالبة بالقلع، و غرامته على الغاصب، و عليه الأرش في كلّ واحد منهما إذا نقص، و الأجرة لكلّ واحد منهما إذا كان ذا أجرة.

و لو أثمر الشجر، فالثمرة لصاحب الشجرة.

و لو رضي المالكان بالإبقاء، لم يكن للغاصب القلع، فإن رضي مالك).

١- تقدّم تخريجه في ص ٢٨٩، الهامش (٣).


الأرض بالأجرة مع الإبقاء و وافقه صاحب الغرس، فالأجرة من حينئذ على صاحب الشجر، و فيما قبل على الغاصب.

مسألة ١١٠٢: إذا غصب دارا فجصّصها و زوّقها أو طيّنها،

كان لمالك الدار مطالبته بقلع الجصّ و التزويق و الطين؛ لأنّه ملك الغاصب شغل به ملك المغصوب منه.

و لو تركه الغاصب ليدفع عنه كلفة النزع، لم يجب على المالك قبوله إن كان بحيث لو حلّ الجصّ و التزويق و الطين حصل منه شيء، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني لهم: أنّه يجب قبوله(١).

و لو أراد الغاصب نزعه، فله ذلك؛ لأنّه عين ماله.

و لا فرق بين أن يكون للمنزوع قيمة أو لا يكون.

و إذا نزع فنقصت الدار عمّا كانت قبل التزويق، لزمه الأرش.

و لو كان التزويق محض تمويه لا يحصل منه عين إذا نزع، فليس للغاصب النزع إن رضي المالك.

و هل له إجباره عليه ؟ الأقوى ذلك؛ لأنّه قد تصرّف تصرّفا غير مشروع، فللمالك إلزامه بإزالته، و لأنّه قد يريد المالك تغريمه أرش النقص الحاصل بإزالته، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: لا، كما في الثوب إذا قصره(٢).

مسألة ١١٠٣: إذا غصب ثوبا فصبغه بصبغ للغاصب،

فإن كان الحاصل من الصبغ تمويها محضا، فالحكم على ما تقدّم في التزويق، و إن حصل بالصبغ عين مال، فإن لم يمكن فصله تشاركا في الثوب المصبوغ.

١- العزيز شرح الوجيز ٤٥٦:٥، روضة الطالبين ١٣٦:٤.

٢- التهذيب - للبغوي - ٣٢٤:٤، العزيز شرح الوجيز ٤٥٦:٥، روضة الطالبين ١٣٧:٤.


و قال الشافعي في القديم: إنّ الصبغ يصير ملكا لصاحب الثوب، كما لو غصب جارية فسمنت فاستردّها مولاها سمينة، فإنّ الزيادة يملكها المالك دون الغاصب، كذا الصبغ هنا؛ لأنّه لا يمكن نزعه من الثوب(١).

و المذهب المشهور عند الشافعيّة خلاف ذلك، بل يكون الثوب لصاحبه و الصبغ لمالكه؛ لأنّه عين مال له انضمّ إلى ملك المغصوب منه، بخلاف السمن، و بخلاف القصارة و الطحن؛ لأنّ أجزاء السمن ليست للغاصب، و القصارة و الطحن آثار محضة(٢).

إذا عرفت هذا، فإن بقيت قيمة كلّ واحد منهما محفوظة من غير زيادة و لا نقصان، مثل أن كانت قيمة الثوب قبل الصبغ عشرة و قيمة الصبغ بانفراده عشرة، و قيمة الثوب المصبوغ عشرين، فالثمن بينهما على نسبة ماليهما إمّا بالسويّة كما في هذا المثال، أو على نسبة أخرى، كما لو اختلف المثال، حتى لو وجدا راغبا باعاه منه بثلاثين فهو بينهما.

و إن نقصت قيمته مصبوغا عن قيمتهما بأن عاد الثمن للثوب مصبوغا - و التصوير كما سبق - إلى خمسة عشر، احتمل أن يكون النقصان محسوبا من الصبغ؛ لأنّ الأصل هو الثوب، و الصبغ و إن كان عينا إلاّ أنّه كالصفة التابعة للثوب، فيكون الثوب المصبوغ بينهما أثلاثا: الثلثان لصاحب الثوب، و الثلث لصاحب الصبغ، و هو قول بعض الشافعيّة(٣).

و قال بعضهم: إن كان النقصان لانخفاض سوق الثياب، فالنقصان محسوب من الثوب، و إن كان لانخفاض سوق الأصباغ، فالنقصان٤.

١- العزيز شرح الوجيز ٤٥٧:٥، روضة الطالبين ١٣٧:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٥٧:٥، روضة الطالبين ١٣٧:٤.

٣- المهذّب - للشيرازي - ٣٧٩:١، التهذيب - للبغوي - ٣٢٦:٤، العزيز شرح الوجيز ٤٥٧:٥، روضة الطالبين ١٣٧:٤.


محسوب من الصبغ، و كذا لو كان النقصان بسبب العمل؛ لأنّ صاحب الصبغ هو الذي عمل(١). و هذا هو المعتمد.

فإن كانت قيمته بعد الصبغ عشرة، انمحق الصبغ، و لا حقّ فيه للغاصب.

و إن تراجعت القيمة و كان الثوب مصبوغا يساوي ثمانية، فقد ضاع الصبغ، و نقص من الثوب درهمان، فيردّه مع درهمين.

و إن زادت قيمة الثوب مصبوغا على [قيمتهما](٢) قبل الصبغ بأن بلغت ثلاثين في الصورة المذكورة، فمن أطلق الجواب في طرف النقصان أطلق القول هنا بأنّ الزيادة بينهما على نسبة ماليهما، و من فصّل قال: إن كان ذلك لارتفاع سوق الثياب، فالزيادة لصاحب الثوب، و إن كان لارتفاع سوق الصبغ، فهي للغاصب، و إن كان للعمل و الصنعة، فهي بينهما؛ لأنّ كلّ واحد منهما قد زاد بالصنعة، و الزيادة الحاصلة بفعل الغاصب إذا استندت إلى الأثر المحض تسلّم للمغصوب منه(٣).

و إذا أمكن فصل الصبغ من الثوب، لم يملك المغصوب منه الصبغ، سواء كان للمفصول قيمة أو لم يكن، و هو أحد قولي الشافعيّة، و الثاني:

أنّه إذا لم يكن للصبغ بعد انفصاله عن الثوب قيمة ملكه صاحب الثوب، كالسمن(٤).

و هل يملك إجبار الغاصب على فصله ؟ الأقرب: أنّه إن كان له غرض كان له ذلك، و كذا إن كان للصبغ قيمة، و إلاّ فلا.٤.

١- العزيز شرح الوجيز ٤٥٧:٥، روضة الطالبين ١٣٧:٤.

٢- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قيمتها». و الظاهر ما أثبتناه.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٥٧:٥، روضة الطالبين ١٣٧:٤.

٤- نهاية المطلب ٢٥١:٧-٢٥٢، و ٢٥٩-٢٦٠، العزيز شرح الوجيز ٤٥٧:٥، روضة الطالبين ١٣٨:٤.


و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: له الإجبار، كما يملك إجباره على إخراج الغراس.

و الثاني: ليس له؛ لما فيه من الضرر، بخلاف الغراس، فإنّه لا يضيع بالإخراج، و لأنّ الأرض بالقلع تعود إلى ما كانت، و الثوب لا يعود، و لأنّ الأشجار تنتشر عروقها و أغصانها، فيخاف ضررها في المستقبل(١).

و قال الجويني: موضع الوجهين ما إذا كان الغاصب يخسر بالفصل خسرانا كثيرا، و ذلك قد يكون لضياع المنفصل بالكلّيّة، و قد يكون لحقارته بالإضافة إلى قيمة الصبغ، و من جملة الضياع أن يحدث في الثوب نقصان بسبب [الفصل](٢) لا تفي بأرشه قيمة المفصول(٣).

و لو رضي المغصوب منه بإبقاء الصبغ و أراد الغاصب فصله، فله ذلك إن لم ينتقص الثوب، فإن انتقص، قال الجويني: يبنى على الخلاف في أنّ المغصوب منه هل يجبره على الفصل ؟ إن قلنا: لا، لم يفصله، و إن قلنا:

نعم، فله ذلك(٤).

و لو تراضيا على ترك الصبغ بحاله، فهما شريكان، و كيفيّة الشركة ما تقدّم.

مسألة ١١٠٤: لو ترك الغاصب الصبغ على المالك و كان ممكن الانفصال،

فالأقرب: أنّه لا يجب على المالك قبوله، كما لا يجبر على قبول

١- نهاية المطلب ٢٥١:٧-٢٥٢، العزيز شرح الوجيز ٤٥٧:٥-٤٥٨، روضة الطالبين ١٣٨:٤.

٢- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.

٣- نهاية المطلب ٢٥٢:٧، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٤٥٨:٥، و انظر: روضة الطالبين ١٣٨:٤.

٤- نهاية المطلب ٢٥٢:٧-٢٥٣، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٤٥٨:٥.


البناء و الغراس إذا تركه الغاصب.

و يحتمل وجوب القبول؛ لأنّ الصبغ صار كالصفة التابعة للثوب؛ لحلوله فيه، و لأنّ المشتري إذا أنعل الدابّة ثمّ اطّلع على عيبها، كان له ردّها عند الشافعيّة(١) ، فإذا ردّها مع النعل لمكان تعيّبها لو نزع النعل، أجبر البائع على القبول، كذا هنا.

و للشافعيّة وجهان(٢) كالاحتمالين، و فرّقوا بين المشتري و الغاصب:

بأنّ المشتري غير متعدّ في النعل، و الغاصب متعدّ في الصبغ(٣).

و ذكر الجويني [شيئين: أحدهما](٤): أنّ في موضع الوجهين طريقين:

أحدهما: أنّهما يطّردان فيما إذا أمكن فصل الصبغ و فيما إذا لم يمكن.

و الأظهر عندهم: التخصيص بما إذا أمكن و قلنا: إنّ الغاصب يجبر على الفصل، و إلاّ فهما شريكان لا يجبر أحدهما على قبول هبة الآخر.

و على هذا فلهم طريقان:

أحدهما: أنّ الوجهين فيما إذا كان متضرّرا بالفصل إمّا لما يناله من الضرر، أو لأنّ المفصول يضيع كلّه أو معظمه، فإن لم يكن كذلك لم يلزم القبول بحال.

و الثاني: أنّ الوجهين فيما إذا كان الثوب ينقص بالفصل نقصا لا يفي بأرشه قيمة الصبغ المفصول، فإن وفى لم يلزم القبول بحال و إن تعيّب أو ضاع معظم المفصول.

و الثاني: إنّا إذا قلنا بلزوم القبول على المغصوب منه، فلا حاجة إلىب.

١- العزيز شرح الوجيز ٤٥٨:٥، روضة الطالبين ١٣٨:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٥٨:٥، روضة الطالبين ١٣٨:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٥٨:٥.

٤- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز و كما في نهاية المطلب.


تلفّظه بالقبول، و أمّا من جهة الغاصب فلا بدّ من لفظ يشعر بقطع الحقّ، كقوله: أعرضت عنه، أو تركته إليه، أو أبرأته عن حقّي أو أسقطته، و يجوز أن يعتبر اللفظ المشعر بالتمليك(١).

مسألة ١١٠٥: لو بذل المغصوب منه قيمة الصبغ

و أراد أن يتملّكه على الغاصب مع إمكان فصله عن الثوب أو مع عدم إمكانه، هل يجاب إلى ذلك ؟ الأقرب: المنع؛ إذ لا يجبر الإنسان على بيع ملكه.

و للشافعيّة وجهان:

هذا أظهرهما.

و الثاني - و به قال أبو حنيفة -: أنّه يجاب إليه، و يجبر الغاصب على قبوله لينفصل الأمر بينهما، كما إذا رجع المعير و قد بنى المستعير أو غرس، فإنّ له أن يتملّكه عليه بالقيمة(٢).

و الأصل ممنوع، مع قيام الفرق؛ فإنّ المعير لا يتمكّن من القلع مجّانا، فكان محتاجا إلى التملّك بالقيمة، و هنا بخلافه، و أيضا فإنّ بيع العقار عسير، و بيع الثوب سهل، و به يحصل الخلاص من الشركة.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان الصبغ بحيث لو فصل حصل منه شيء ينتفع به، ففي تملّك المغصوب منه إيّاه الوجهان المذكوران في الغراس و البناء، و إن كان لا يحصل منه شيء فله تملّكه لا محالة(٣).

و هذا عندي هو المعتمد؛ لأنّ للمالك أن يتصرّف في ثوبه باللّبس و الفرش، و هو يستلزم تصرّفه في الصبغ، فلا بدّ له من التوصّل إلى التصرّف في ثوبه كيف شاء، و لا ذريعة إلاّ بدفع قيمة الصبغ، بخلاف ما إذا كان

١- نهاية المطلب ٢٥٣:٧-٢٥٦، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٤٥٨:٥-٤٥٩، و روضة الطالبين ١٣٨:٤-١٣٩.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٥٩:٥، روضة الطالبين ١٣٩:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٥٩:٥، روضة الطالبين ١٣٩:٤.


يمكن الفصل، فإنّ له طريقا إلى استعمال ثوبه بأن يلزم الغاصب بالفصل.

مسألة ١١٠٦: إذا اشتركا في الثوب المصبوغ،

فالأقرب: أنّ لكلّ واحد منهما الانفراد ببيع ما يملكه منه؛ لأنّ للإنسان الخيار في بيع ملكه، و يكون المشتري كالبائع مع الغاصب، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الأظهر عندهم:

المنع؛ لأنّه لا يتأتّى الانتفاع بأحدهما دون الآخر، فكان كبيع دار لا طريق إليها و لا ممرّ لها(١).

و لو رغب مالك الثوب في البيع، كان له أن يبيع، و يجبر الغاصب على موافقته.

أمّا عندنا فظاهر.

و أمّا عند الشافعيّة على القول بالمنع في الأوّل: فكذلك؛ لأنّ المالك إن لم يتمكّن من بيع الثوب وحده فامتناع الغاصب منع له من بيع ماله، و إن تمكّن فلا شكّ في عسر البيع عليه؛ لقلّة الراغب فيه، و الغاصب متعدّ، فليس له الإضرار بالمالك بالمنع من البيع أو تعسيره(٢).

و إن رغب الغاصب في البيع، لم يجبر المالك على موافقته؛ لأنّه مناف لمقتضى الحكمة و الشرع، فإنّه لا يستحقّ المتعدّي بتعدّيه إزالة ملك غير المتعدّي، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يجبر؛ تسوية بين الشريكين ليصل كلّ واحد منهما إلى ثمن ملكه(٣).

١- نهاية المطلب ٢٤٩:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٥٩:٥، روضة الطالبين ١٣٩:٤.

٢- المهذّب - للشيرازي - ٣٧٩:١، التهذيب - للبغوي - ٣٢٦:٤، العزيز شرح الوجيز ٤٦٠:٥.

٣- الحاوي الكبير ١٨١:٧، المهذّب - للشيرازي - ٣٧٩:١، الوسيط ٤١١:٣، حلية العلماء ٢٤٠:٥، التهذيب - للبغوي - ٣٢٦:٤، البيان ٤٧:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٦٠:٥، روضة الطالبين ١٣٩:٤.


و لهم ثالث: أنّ واحدا منهما لا يجبر على موافقة الآخر على قياس الشركة في الأموال(١).

مسألة ١١٠٧: لو غصب ثوبا من شخص و صبغا من آخر و صبغه به،

فإن لم يحدث في الثوب نقص و لا في الصبغ و لا في المجموع، فلا غرم على الغاصب، و هما شريكان في الثوب المصبوغ، كما تقدّم في حكم الغاصب و المالك.

و إن حدث - مثل أن كانت قيمة الثوب عشرة و قيمة الصبغ عشرة و بلغت قيمة الثوب مصبوغا عشرة - فالثمن لصاحب الثوب، و غرم الغاصب الصبغ للآخر.

و هل يحتمل أن يكونا شريكين في الثوب و يغرم الغاصب لكلّ منهما ما نقصت قيمة عينه ؟ نظر.

و إن بلغت خمسة عشر، احتمل أن يكون الثوب بينهما أثلاثا، كما مرّ في الصورة الأولى، و هو أظهر قولي الشافعيّة، و الثاني: أنّ الثوب بينهما بالسويّة، و يرجعان على الغاصب بخمسة(٢).

فإن كان ممّا يمكن فصله، فلهما تكليف الغاصب بالفصل، فإن حصل بالفصل نقص فيهما أو في أحدهما عمّا كان قبل الصبغ، غرمه الغاصب.

و لصاحب الثوب وحده طلب الفصل أيضا إذا قلنا: إنّ المالك يجبر الغاصب على الفصل في صورة ما إذا كان الصبغ للغاصب.

هذا إذا حصل بالانصباغ عين مال في الثوب، فإن لم يحصل إلاّ

١- نهاية المطلب ٢٤٩:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٦٠:٥.

٢- التهذيب - للبغوي - ٣٢٧:٤، العزيز شرح الوجيز ٤٦٠:٥، روضة الطالبين ١٣٩:٤.


تمويه، فكما مرّ في التزويق.

و يقاس بما ذكرنا في صورة أن يكون الصبغ للغاصب أو لآخر ثبوت الشركة فيما إذا طيّرت الريح ثوب إنسان في إجّانة صبّاغ، لكن ليس لأحدهما أن يكلّف الآخر الفصل و لا التغريم إن حصل نقص في أحدهما؛ لانتفاء العدوان.

و لو أراد صاحب الثوب تملّك الصبغ بالقيمة فعلى ما تقدّم(١).

مسألة ١١٠٨: لو غصب ثوبا و صبغا من شخص واحد ثمّ صبغ الثوب بذلك الصبغ،

فإن لم يحدث بفعله نقص فهو للمالك، و لا غرم على الغاصب، و لو زادت القيمة فهي للمالك، و لا شيء للغاصب فيها؛ لأنّ الموجود منه أثر محض.

و إن حدث بفعله نقص، غرم الأرش، و إذا أمكن الفصل فللمالك إجباره عليه، و ليس للغاصب الفصل إذا رضي المالك.

و اعلم أنّا إذا قلنا في الثوب المصبوغ: إنّه يباع، لا نريد البيع القهري، بل الغرض منه إذا بيع كان الثمن بينهما.

ثمّ إن رضيا بالبيع فلا بحث، و إلاّ فهل يجبر الممتنع ؟ قد سلف(٢) المنع و الخلاف فيه.

مسألة ١١٠٩: إذا غصب ثوبا قيمته عشرة و صبغه بصبغ من عنده قيمته عشرة

و بلغت قيمة الثوب مصبوغا ثلاثين، ففصل الغاصب الصبغ و نقصت قيمة الثوب عن عشرة، لزمه ما نقص عن عشرة، و كذا ما نقص عن خمسة عشر إن فصل بغير إذن المالك و طلبه، و إن فصل بإذنه، لم يلزمه إلاّ نقصان

١- في ص ٣٠٧، المسألة ١١٠٥.

٢- في ص ٣٠٨، المسألة ١١٠٦.


العشرة.

و لو عادت قيمته مصبوغا إلى عشرة لتراجع السوق و كان التراجع في الثياب و الأصباغ على وتيرة واحدة، فالثوب بالسويّة بينهما كما كان، و النقصان داخل عليهما جميعا، و ليس على الغاصب غرامة ما نقص مع ردّ العين.

نعم، لو فصل الصبغ بعد تراجع القيمة إلى عشرة فصار الثوب يساوي أربعة، غرم ما نقص - و هو خمس الثوب - بأقصى القيم، و المعتبر في الأقصى خمسة عشر إن فصل بنفسه، و عشرة إن فصل بطلب المالك.

مسألة ١١١٠: إذا خلط المغصوب بغيره و تعذّر التمييز و كان من الجنس،

كما إذا غصب زيتا خلطه بزيت أو حنطة بمثلها أو شعيرا بمثله، فإن خلطه بأجود من المغصوب، فالأقرب: أنّهما شريكان، كما لو امتزج الزيتان بنفسهما(١) أو برضا المالكين.

و أيضا لو غصب صاعا من واحد و صاعا من آخر و خلطهما و جعلناهما هالكين، ينتقل الملك فيهما إلى الغاصب، و ذلك تملّك بمحض(٢) التعدّي.

و للشافعي قولان:

أحدهما: أنّه بمنزلة الهالك حتى يتمكّن الغاصب من أن يعطيه قدر حقّه من غير الممتزج.

و الثاني: قال في التفليس فيما إذا خلطه بالأجود ثمّ فلس: فعلى قولين:

١- في «ص، ع»: «بنفسيهما».

٢- في «ص، ع»: «لمحض».


أحدهما: أنّه كالهالك حتى لا يكون للبائع إلاّ المضاربة بالثمن.

و الثاني: أنّهما يشتركان في المخلوط، و يرجع البائع إلى حقّه منه.

و اختلف أصحابه على طريقين:

أظهرهما: إثبات القولين في الغصب أيضا.

أمّا جعله هالكا: فلتعذّر الوصول إليه، و أيضا فلو قلنا بالشركة لاحتجنا إلى البيع و قسمة الثمن بينهما، كما سيأتي، فلا يصل المالك إلى عين حقّه و لا إلى مثله مع وجود العين، و المثل أقرب إلى حقّه من الثمن.

و أمّا الشركة: فللقياس على مسألة الصبغ و على ما إذا اختلط الزيتان بأنفسهما أو برضا المالكين.

و الطريق الثاني: القطع بالقول الأوّل، و الفرق: أنّا إذا لم نثبت الشركة هناك لا يحصل للبائع تمام حقّه، بل يحتاج إلى المضاربة، و [هنا](١) يحصل للمالك تمام البدل.

و إن خلطه بمثله، ففيه الطريقان.

و لهم طريق ثالث، و هو القطع بالشركة؛ لأنّ في إثبات الشركة إيصال المالك إلى بعض حقّه بعينه، و إلى بدل بعضه من غير زيادة تفوت على الغاصب، فكان أولى من إيصاله إلى بدل الكلّ(٢).

مسألة ١١١١: لو مزج الزيت بزيت أردأ منه،

احتمل أن يكونا شريكين، كما لو(٣) امتزجا بأنفسهما، و يضمن الغاصب الأرش، و أن يكون كالهالك، و الأوّل أقوى.

١- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «هل». و المثبت هو الصحيح كما في المصدر.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٦٢:٥-٤٦٣.

٣- في «ص، ع»: «إذا» بدل «لو».


و للشافعيّة فيه الطريقان المذكوران في الأجود(١) ، لكنّ الشافعي قال في المفلّس: ليس هنا إلاّ القول بالشركة(٢).

و خرّج بعضهم فيه قولا آخر، فإنّ الشافعي قال: الذائب إذا اختلط انقلب حتى لا يوجد عين ماله(٣).

و الحاصل: في الخلط المطلق ثلاثة أوجه للشافعيّة، ثالثها: الفرق بين أن يختلط بغير المثل، فيكون المغصوب هالكا، سواء كان أجود أو أردأ، أو بالمثل فيشتركان(٤).

فإن جعلنا الاختلاط كالهلاك، فللغاصب أن يعطيه المثل من غير المخلوط، و له أن يعطيه منه إذا كان الخلط بالمثل، و كذا إذا خلط بالأجود؛ لأنّ المخلوط خير من المغصوب، و ليس له أن يعطيه قدر حقّه من المخلوط إذا خلط بالأردأ، إلاّ إذا رضي المالك، و إذا رضي فلا أرش له، كما إذا أخذ الرديء من موضع آخر.

و إن حكمنا بالشركة، فإن خلط بالمثل فقدر وزنه من المخلوط له، و إن خلط بالأجود، كما إذا خلط صاعا قيمته درهم بصاع قيمته درهمان، فإن أعطاه صاعا من المخلوط أجبر المالك على قبوله؛ لأنّ بعضه عين حقّه، و بعضه خير منه، و إلاّ فباع المخلوط و قسّم الثمن بينهما أثلاثا.

فإن أراد قسمة عين الزيت على نسبة القيمة، فالأقرب عندنا:

الجواز؛ لأنّ القسمة ليست بيعا عندنا، بل هي إفراز حقّ، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني: أنّه لا يجوز؛ لأنّه يكون قد أخذ ثلثي صاع لجودته في مقابلة صاع، و هو ربا.٥.

١- العزيز شرح الوجيز ٤٦٣:٥.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٦٣:٥.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٦٣:٥.

٤- العزيز شرح الوجيز ٤٦٣:٥.


و الثالث: أنّه يكلّف الغاصب تسليم صاع من المخلوط؛ لأنّ اكتساب المغصوب صفة الجودة بالخلط، كزيادة متّصلة تحصل في يد الغاصب(١).

و إن خلط بالأردأ، كما إذا خلط صاعا قيمته درهمان بصاع قيمته درهم، أخذ المالك من المخلوط صاعا مع أرش النقصان؛ لأنّ الغاصب متعدّ، بخلاف ما إذا خلط المشتري بالأردأ و فلّس، فإنّ البائع إمّا أن يقنع بصاع من المخلوط، أو يضارب مع الغرماء، فإن اتّفقا على بيع المخلوط و قسمة الثمن أثلاثا جاز.

و إن أراد قسمة عين الزيت على نسبة القيمتين، فمن الشافعيّة من جعله على الخلاف المذكور في طرف الأجود(٢) ، و منهم من قطع المنع؛ لأنّه أمكن الرجوع إلى صاع منه مع الأرش، فلا حاجة إلى احتمال القسمة المشتملة على التفاضل(٣).

و اعلم أنّ خلط الخلّ بالخلّ و اللبن باللبن كخلط الزيت بالزيت.

مسألة ١١١٢: إذا خلط الدقيق بالدقيق،

فهو كخلط الزيت بالزيت؛ لأنّ الدقيق مثليّ، و به قال بعض الشافعيّة(٤).

و قال آخرون: إنّه ليس بمثليّ، بل هو متقوّم، فإن قلنا: إنّ المختلط هالك، فالواجب على الغاصب القيمة، و إن قلنا بالشركة، فإنّه يباع و يقسّم

١- العزيز شرح الوجيز ٤٦٣:٥، روضة الطالبين ١٤١:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٦٤:٥، روضة الطالبين ١٤١:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٦٤:٥، روضة الطالبين ١٤١:٤.

٤- الحاوي الكبير ١٩٠:٧، المهذّب - للشيرازي - ٣٧٨:١، بحر المذهب ٩: ٧١، حلية العلماء ٢٣٢:٥، التهذيب - للبغوي - ٣٢٨:٤، البيان ٤١:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٦٤:٥، روضة الطالبين ١٤١:٤.


الثمن بينهما على قدر القيمتين(١).

فإن أراد قسمة عين الدقيق على نسبة القيمتين و الخلط بالأجود أو الأردأ، فهو على ما تقدّم في قسمة الزيت المخلوط، و إن كان الخلط بالمثل، فالقسمة جائزة؛ لأنّها إفراز، و هو أحد قولي الشافعيّة، و الثاني: أنّها بيع فلا تجوز؛ لأنّ بيع الدقيق بالدقيق لا يجوز(٢).

مسألة ١١١٣: إذا خلط المغصوب بغير جنسه،

كما لو خلط زيتا بشيرج أو دهن جوز، أو مزج دقيق حنطة بدقيق شعير، فالمغصوب هالك؛ لبطلان فائدته و خاصّيّته باختلاط غير الجنس، بخلاف الجيّد مع الرديء.

و يحتمل قويّا ثبوت الشركة، كما لو مزجاه بالرضا أو امتزجا بأنفسهما، فإن كان في المغصوب نقص ضمنه الغاصب، و إلاّ فلا.

و للشافعيّة وجهان: الأوّل، و ثبوت الخلاف السابق فيما إذا مزجه بالجنس(٣).

و على ما اخترناه من الشركة إن تراضيا على بيع المخلوط و قسمة الثمن جاز، و إن أراد قسمته جاز، و كأنّ المغصوب منه باع ما يصير في يد الغاصب من الزيت بما يصير في يده من الشيرج.

و هل يلحق بخلط الزيت بالشيرج لتّ السويق بالزيت ؟ قال جماعة من الشافعيّة: نعم(٤).

و هو بعيد، بل الأقوى أنّه كصبغ الثوب.

١- الحاوي الكبير ١٩٠:٧، المهذّب - للشيرازي - ٣٧٨:١، بحر المذهب ٩: ٧١، حلية العلماء ٢٣٢:٥، التهذيب - للبغوي - ٣٢٨:٤، البيان ٤١:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٦٤:٥، روضة الطالبين ١٤١:٤. (٢الى٤) العزيز شرح الوجيز ٤٦٤:٥، روضة الطالبين ١٤٢:٤.


مسألة ١١١٤: لو غصب شيئا و خلطه بغيره و أمكن التمييز بينهما،

وجب على الغاصب التمييز، سواء سهل أو عسر و شقّ، و سواء خلط بالجنس، كالحنطة البيضاء بالحنطة الحمراء، أو بغير الجنس، كالحنطة بالشعير، و يجب عليه الفصل بينهما بالالتقاط و لو طال الزمان.

و لو خلط الزيت بالماء و أمكن التمييز، لزمه التمييز و أرش النقص إن كان فيه نقص، و إن لم يمكن التمييز فهو كخلطه بالشيرج، إلاّ أن لا يبقى له قيمة، فيكون هالكا لا محالة، فإن حصل فيه مميّزا أو غير مميّز نقص سار فقد مضى الحكم فيه.

مسألة ١١١٥: لو غصب ساجة فأدرجها في بنائه أو بنى عليها أو على آجرّ مغصوب،

لم يملك الغاصب الساجة و لا الآجرّ و لو كان داخله في حائط عظيم شاهق، بل يجب عليه إخراجه من البناء و ردّه إلى المالك - و به قال الشافعي و مالك و أحمد(١) - لأنّه بنى على ملك الغير عدوانا، فلا يزول به ملك المالك، كما لو غصب أرضا و بنى عليها، و لأنّه قادر على العين و ردّها إلى مالكها، فلا يجوز الانتقال إلى القيمة، و لأنّه مغصوب ليس بمحبوس عنده بعقد له ردّه، فكان عليه ردّه، كما لو جعله أبوابا في داره.

و قال أبو حنيفة: لا يجب عليه ردّ الساجة، و يلزمه قيمتها(٢).

١- الحاوي الكبير ١٩٨:٧، المهذّب - للشيرازي - ٣٧٩:١، نهاية المطلب ٧: ٢٧٣، بحر المذهب ٧٥:٩، الوجيز ٢١٣:١، الوسيط ٤١٤:٣، حلية العلماء ٢٤٢:٥، التهذيب - للبغوي - ٣٢٩:٤، البيان ٤٩:٧-٥٠، العزيز شرح الوجيز ٤٦٥:٥، روضة الطالبين ١٤٢:٤، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢: ١٠٨٣/٦٣٠، عيون المجالس ١٧٤٨:٤-١٢٢٧/١٧٤٩، المعونة ١٢١٩:٢، الذخيرة ٣٢٤:٨، المغني ٤٢٤:٥، الشرح الكبير ٣٨١:٥.

٢- مختصر اختلاف العلماء ١٨٦٧/١٧٨:٤، مختصر القدوري: ١٣٠، المبسوط –


و حكى الكرخي أنّه إن بنى عليها بناء لا يتّصل بغيره قلعه(١).

و الأوّل هو المشهور عنه، و احتجّ بأنّها صارت تابعة لملكه يستضرّ بقلعها، فلم يلزمه ردّها، كما لو غصب خيطا فخاط به جرح عبده(٢).

و الفرق: أنّ الخيط لا يشبه المتنازع إذا كان يخاف من قلعه؛ لأنّه ليس له ردّه، و لأنّ حاجته إليه لذلك تبيح غصبه، بخلاف البناء، فافترقا.

هذا إذا لم تعفن الساجة، فإن عفنت بحيث لو أخرجت لم تكن لها قيمة، فهي مستهلكة، فإذا أخرجها و ردّها لزمه أرش النقص إن دخلها نقص، و في الأجرة ما ذكرناه في إبلاء الثوب بالاستعمال.

و الحقّ عندنا: أنّه يجب ردّ أجرتها؛ لأنّ الخشب له أجرة و يستأجر للانتفاع به.

مسألة ١١١٦: لو غصب لوحا فجعله في سفينة،

فإن كانت قريبة من الشطّ قدّمت إلى الشطّ، فإن خاف على المتاع الذي فيها بالقلع أخرج المتاع منها ثمّ قلع اللوح و ردّه على صاحبه.

فأمّا إن كانت في لجّة البحر، فإن كان اللوح في أعلاها لا يضرّها قلعه و لا يخاف من النزع هلاك نفس و لا مال، أو لم يكن فيها نفس و لا مال

١- المبسوط - للسرخسي - ٩٤:١١، روضة القضاة ٧٧٥١/١٢٦٥:٣، بدائع الصنائع ١٤٩:٧.

٢- - للسرخسي - ٩٣:١١، روضة القضاة ٧٧٥١/١٢٦٥:٣، تحفة الفقهاء ٩٣:٣ - ٩٤، الفقه النافع ٦٥٢/٩٣١:٣، بدائع الصنائع ١٤٩:٧، الهداية - للمرغيناني - ١٦:٤، المغني ٤٢٤:٥، الشرح الكبير ٣٨١:٥، الحاوي الكبير ١٩٨:٧، نهاية المطلب ٢٧٣:٧، بحر المذهب ٧٥:٩، حلية العلماء ٢٤٢:٥، التهذيب - للبغوي - ٣٢٩:٤، البيان ٥٠:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٦٥:٥.


و لا خيف هلاك السفينة نفسها، وجب قلعه.

و إن كان في أسفلها، فإن كان فيها حيوان يخاف عليه سواء كان آدميّا - إمّا الغاصب أو غيره - أو غير آدميّ، و سواء كان للغاصب أو لغيره، لم يجز قلعه؛ لأنّ الحيوان له حرمة، فلا يجوز له إتلافه لحفظ المال.

و إن لم يكن فيها حيوان يخاف عليه، فإن كان فيها متاع لغير الغاصب يخاف عليه لم يقلع؛ لأنّه لا يجوز إتلاف مال غير الغاصب لتعدّي الغاصب.

و إن لم يكن فيها إلاّ مال الغاصب أو مال من يعرف أنّ فيها لوحا مغصوبا، أو لم يكن فيها شيء إلاّ أنّه يغرق إذا قلع اللوح منها، فهل يقلع اللوح، أو ينتظر دخولها الشطّ؟ الأقرب: أنّه لا يقلع؛ لأنّه يمكن ردّه مع سلامة مال الغاصب، و هو إذا دخل إلى الشطّ، بخلاف الساجة إذا بنى عليها؛ لأنّه إنّما يبنى للتأبيد، و لا يمكن انتظار زوال البناء، فافترقا، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه يقلع؛ لأنّه ليس في قلعه إلاّ إتلاف مال الغاصب، و ذلك لا يمنع من ردّ المغصوب، كالساجة في البناء(١).

و قد تقدّم الفرق.

و خلاف أبي حنيفة(٢) عائد هنا فيما إذا لم يخف هلاك مال و لا نفس٥.

١- الحاوي الكبير ٢٠٠:٧، المهذّب - للشيرازي - ٣٨٠:١، نهاية المطلب ٧: ٢٧٦، بحر المذهب ٧٥:٩، الوسيط ٤١٥:٣، حلية العلماء ٢٤٣:٥، التهذيب - للبغوي - ٣٣٠:٤، البيان ٥٢:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٦٦:٥، روضة الطالبين ١٤٣:٤.

٢- الهداية - للمرغيناني - ١٦:٤، الحاوي الكبير ١٩٨:٧، بحر المذهب ٧٦:٩، العزيز شرح الوجيز ٤٦٥:٥.


و لا السفينة.

و كلّ موضع لا ينزع فيه اللوح إلى أن تصل إلى الشطّ فإنّه تؤخذ القيمة للحيلولة إلى أن يتيسّر الفصل، فحينئذ يردّ اللوح مع أرش النقص و يستردّ القيمة.

و إذا قلنا: لا نبالي في النزع بهلاك مال الغاصب، فلو اختلطت السفينة التي أدرج فيها اللوح بسفن الغاصب و لم يوقف على اللوح إلاّ بفصل الكلّ، ففي فصل الكلّ إشكال.

و للشافعيّة وجهان(١).

مسألة ١١١٧: إذا غصب خيطا فخاط به ثوبا و نحوه،

فالحكم فيه كما في البناء على الساجة.

و إن خيط به جرح حيوان محترم، فهو إمّا آدميّ أو غيره، فإن كان آدميّا، فإن خيف من نزعه منه هلاكه لم ينزع و إن كان هو الغاصب، و يجب على الغاصب قيمته.

فإن خاط جرح نفسه، فالضمان مستقرّ عليه.

و إن خاط جرح غيره بإذنه و هو عالم بالغصب، فقرار الضمان عليه، و إن كان جاهلا، فعلى الخلاف فيما إذا أطعم المغصوب غيره.

و في معنى خوف الهلاك خوف كلّ محذور يجوز معه العدول إلى التيمّم من الوضوء.

قال الجويني: لو رتّب انقدح وجهان:

١- الحاوي الكبير ٢٠٠:٧، المهذّب - للشيرازي - ٣٨٠:١، بحر المذهب ٩: ٧٦، حلية العلماء ٢٤٣:٥، البيان ٥٢:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٦٦:٥، روضة الطالبين ١٤٣:٤.

أحدهما: أنّ ترك الخيط أولى؛ لقيام القيمة مقامه.

و الثاني: أنّ نزعه أولى؛ لتعلّقه بحقّ الآدميّ، المبنيّ على الضيق(١).

و أمّا غير الآدميّ فإمّا أن يكون مأكول اللحم أو غير مأكوله، فغير المأكول حكمه حكم الآدميّ، إلاّ أنّه لا اعتبار ببقاء الشّين فيه.

و الثاني: المأكول، فإن كان لغير الغاصب لم ينزع.

و إن كان للغاصب، فقولان للشافعي:

أحدهما: أنّه يذبح و يردّ الخيط؛ لأنّه جائز الذبح، و بذبحه يصل الحقّ إلى المستحقّ.

و أظهرهما: المنع، كما في غير المأكول؛ لأنّ للحيوان حرمة في نفسه، و لهذا يؤمر مالكه بالإنفاق عليه، و يمنع من إتلافه، و إذا لم يقصد بالذبح الأكل منع منه(٢).

و إذا مات الحيوان الذي خيط به جرحه، فإن كان غير الآدميّ نزع منه الخيط، و في الآدميّ للشافعيّة وجهان:

أصحّهما عندهم: أنّه ينزع، و إنّما لم ينزع في الحياة لحرمة الروح.

و الثاني: المنع؛ لأنّ الآدميّ محترم بعد الموت، و لهذا قال عليه السّلام: «كسر عظم الميّت ككسر عظم الحيّ»(٣)(٤).

و إن كان الحيوان غير محترم، كالكلب العقور و الخنزير، نزع الخيط٤.

١- نهاية المطلب ٢٧٣:٧-٢٧٤، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٤٦٦:٥.

٢- التهذيب - للبغوي - ٣٣٠:٤، العزيز شرح الوجيز ٤٦٧:٥، روضة الطالبين ٤: ١٤٤.

٣- سنن ابن ماجة ١٦١٧/٥١٦:١، تاريخ بغداد ١٠٦:١٢.

٤- التهذيب - للبغوي - ٣٣٠:٤، العزيز شرح الوجيز ٤٦٧:٥، روضة الطالبين ٤: ١٤٤.


من غير مبالاة بهلاكه، أمّا كلب الصيد و الماشية و الزرع فلا يجوز النزع منه، و به قال بعض الشافعيّة(١).

و أمّا إذا خيط به جرح مرتدّ، فإن كان عن فطرة فالأقرب: جواز إخراجه و إن خيف منه التلف.

و منع منه بعض الشافعيّة؛ لأنّ المثلة بالمرتدّ محرّمة، و ليست كالمثلة بالميّت، لأنّا نتوقّع بالمرتدّ عودا إلى الإسلام(٢).

و كذا البحث لو طرأت الردّة على الخياطة.

و حكم الحربيّ حكم المرتدّ عن فطرة.

أمّا لو [خيط به](٣) جرح الزاني المحصن أو المحارب، ففيه إشكال.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ حكمه حكم الخلاف فيما إذا خاط به جرح معصوم فمات؛ لأنّ تفويت روحه مستحقّ، فألحق بالميّت(٤).

و هل يجوز غصب الخيط ابتداء ليخاط به الجرح إذا لم يوجد خيط حلال ؟ الوجه ذلك في كلّ موضع لا يجوز النزع، و كلّ موضع يجوز النزع لا يجوز.٤.

١- الجويني في نهاية المطلب ٢٧٥:٧، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٤٦٧:٥.

٢- الجويني في نهاية المطلب ٢٧٥:٧، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٤٦٧:٥، و روضة الطالبين ١٤٤:٤.

٣- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

٤- العزيز شرح الوجيز ٤٦٨:٥، روضة الطالبين ١٤٤:٤.


الفصل السادس: في تصرّفات الغاصب

مسألة ١١١٨: إذا اتّجر الغاصب بالمال المغصوب فإن باع أو اشترى بالعين،

فالأقرب: أنّه يقف على إجازة المالك، فإن أجاز ذلك البيع أو الشراء بالعين صحّ، و الربح له، و إلاّ بطل، و هو القول القديم للشافعي، و في الجديد: أنّ التصرّف باطل، سواء أجاز المالك أو لا(١).

و لو باع سلما أو اشترى في الذمّة و سلّم المغصوب فيه، صحّ العقد، و التسليم فاسد، فلا تبرأ ذمّته عمّا التزم، و يملك ما يأخذ، و أرباحه له.

و عن أحمد ثلاث روايات: هذان القولان، و أنّ البيع يصحّ و ينفذ؛ لأنّ الغصب في الظاهر تتطاول مدّته، فلو لم يصحّ تصرّف الغاصب أفضى إلى الضرر بالمالك و المشتري؛ لأنّ المالك لا يملك ثمنها، و المشتري لا يملكها(٢).

و قد تقدّم ذلك في كتاب البيع.

مسألة ١١١٩: إذا غصب جارية فوطئها،

فالأقسام أربعة:

أحدها: أن يكون الغاصب و الجارية جاهلين بالتحريم بأن كانا قريبي العهد بالإسلام أو في بلاد بعيدة عن الإسلام يخفى عليه(٣) مثل هذا، فاعتقد حلّ وطئها، أو للشبهة، اعتقد أنّها جاريته، فلا حدّ على واحد منهما؛ لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و اله: «ادرؤا الحدود بالشبهات»(٤).

١- العزيز شرح الوجيز ٤٧٠:٥، روضة الطالبين ١٤٦:٤.

٢- المغني ٤٠٩:٥-٤١٠، الشرح الكبير ٤١٩:٥.

٣- أي: على الجاهل.

٤- الفقيه ١٩٠/٥٣:٤، تاريخ بغداد ٣٠٣:٩، تاريخ مدينة دمشق ٣٤٧:٢٣، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٤١:١٢.


و يجب على الغاصب بوطئه مهر مثلها للشبهة - و هو قول العامّة(١) - لأنّ كلّ وطئ يسقط فيه الحدّ للشبهة يجب فيه المهر، و إن كانت بكرا وجب عليه مع المهر أرش البكارة؛ لأنّه ينفرد عنه بالجناية.

و للشافعيّة وجهان في أنّا نفرد أرش الافتضاض عن المهر، فنقول: عليه مهر مثلها ثيّبا و أرش الافتضاض، أو لانفرد، فنقول: عليه مهر مثلها بكرا(٢).

و رجّحوا الأوّل؛ لوجوبهما بسببين مختلفين، و انفكاك كلّ واحد منهما عن الآخر، فإنّه لو أزال البكارة بإصبعه وجب الأرش(٣).

و للوجهين فوائد تأتي إن شاء اللّه تعالى.

و قال بعض علمائنا: يجب عشر قيمة الجارية إن كانت بكرا، و نصف عشر قيمتها إن كانت ثيّبا(٤).

و قصر بعض علمائنا ذلك في عقد الشبهة على الجارية(٥).

الثاني: أن يكونا عالمين بالتحريم، فإن كانت الجارية مكرهة وجب على الغاصب الحدّ دونها، و يجب عليه أيضا المهر لسيّدها - و به قال الشافعي(٦) - لأنّه عوض ما أتلف على المالك من بضعها. -

١- المغني ٤٠٨:٥، الشرح الكبير ٤١٧:٥، الحاوي الكبير ١٥٣:٧-١٥٤، نهاية المطلب ٢٠٢:٧، بحر المذهب ٣٧:٩، التهذيب - للبغوي - ٣١١:٤، البيان ٥٨:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٧٠:٥، روضة الطالبين ١٤٦:٤.

٢- التهذيب - للبغوي - ٣١١:٤، العزيز شرح الوجيز ٤٧٠:٥-٤٧١، روضة الطالبين ١٤٦:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٧١:٥، روضة الطالبين ١٤٧:٤.

٤- حكاه المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢٤٦:٣ بعنوان «قيل».

٥- كما في شرائع الإسلام ٢٤٦:٣.

٦- الحاوي الكبير ١٥٢:٧، نهاية المطلب ٢٠٦:٧، بحر المذهب ٣٨:٩، -


و قال أبو حنيفة: لا يجب المهر(١).

و يجب عليه أرش الافتضاض إن كانت بكرا.

و إن كانت مطاوعة له على الوطء، فعليها الحدّ أيضا.

و الأقرب: وجوب المهر لسيّدها؛ لأنّ المهر حقّ للسيّد، فلا يسقط بمطاوعتها، كما لو أذنت في قطع يدها، و لأنّه حقّ يجب للسيّد مع إكراهها فيجب مع مطاوعتها، كأجرة منافعها، و به قال أحمد و بعض الشافعيّة، و هو مرويّ عن الشافعي أيضا(٢).

و قال الشافعي: إنّه لا يجب عليه المهر؛ لأنّها زانية ساقطة الحرمة، فأشبهت الحرّة إذا زنت طائعة، و قد روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه نهى عن مهر البغيّ(٣) ، و هذه بغيّ، فلا يثبت(٤) لها المهر(٥).٥.

١- العزيز شرح الوجيز ٤٧١:٥.

٢- المغني ٤٠٧:٥، الشرح الكبير ٤١٦:٥، الحاوي الكبير ١٥٢:٧، نهاية المطلب ٢٠٧:٧، بحر المذهب ٣٨:٩، التهذيب - للبغوي - ٣١١:٤، البيان ٦٠:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٧١:٥، روضة الطالبين ١٤٧:٤.

٣- الموطّأ ٦٨/٦٥٦:٢، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٣٧٥:٢/٤ و ٣٧٦، مسند أحمد ١٢٥٧/٢٣٧:١، سنن الدارمي ٢٥٥:٢، صحيح البخاري ١١٠:٣ و ١٢٢، و ٧٩:٧، صحيح مسلم ١٥٦٧/١١٩٨:٣، سنن ابن ماجة ٢١٥٩/٧٣٠:٢، سنن أبي داود ٣٤٨١/٢٧٩:٣، سنن الترمذي ١١٣٣/٤٣٩:٣، و ١٢٧٦/٥٧٥، و ٤: ٢٠٧١/٤٠٢، سنن النسائي (المجتبى) ١٨٩:٧ و ٣٠٩.

٤- في «ص، ع»: «فلم يثبت».

٥- الحاوي الكبير ١٥٢:٧، نهاية المطلب ٢٠٦:٧-٢٠٧، التهذيب - للبغوي - ٣١١:٤، البيان ٥٩:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٧١:٥، روضة الطالبين ١٤٧:٤، المغني ٤٠٧:٥، الشرح الكبير ٤١٦:٥.


و هو محمول على الحرّة.

و لو كانت بكرا، وجب أرش البكارة؛ لأنّه نقص جزء منها إذا قلنا:

إنّه يفرد عن المهر، و إذا قلنا: لا يفرد، ففي وجوب الزيادة على مهر مثلها و هي ثيّب وجهان للشافعيّة.

أحدهما: لا تجب، كما لو زنت الحرّة طائعة و هي بكر.

و الثاني: تجب، كما لو أذنت في قطع يدها(١).

الثالث: أن يكون الواطئ عالما بالتحريم و الجارية جاهلة به، و يجب على الواطئ الحدّ؛ لأنّه زان، و لا حدّ عليها، و يجب لها المهر و أرش البكارة إن كانت بكرا.

الرابع: أن تكون الجارية عالمة بالتحريم و الواطئ جاهل به، و يجب عليها الحدّ خاصّة دونه، و يجب المهر إن كانت مكرهة، و إن كانت مطاوعة فالقولان، و يجب أرش البكارة إن كانت بكرا.

تذنيب: الجهل بتحريم وطئ المغصوبة قد يكون للجهل بتحريم الزنا مطلقا، و قد يكون لتوهّم حلّها(٢) خاصّة؛ لدخولها بالغصب في ضمانه، و لا تقبل دعواهما إلاّ من قريب العهد بالإسلام أو ممّن نشأ في موضع بعيد من المسلمين، و قد يكون لاشتباهها عليه و ظنّه أنّها جاريته، فلا يشترط في قبول الدعوى ما ذكرناه.

مسألة ١١٢٠: لو غصب جارية فباعها من آخر فوطئها المشتري،

فإن كان المشتري عالما بالغصب فحكمه في الوطئ حالتي العلم و الجهل كما

١- التهذيب - للبغوي - ٣١٢:٤، العزيز شرح الوجيز ٤٧١:٥، روضة الطالبين ٤: ١٤٧.

٢- في «ص، ع»: «حلّه».


ذكر في الغاصب، إلاّ أنّ الجهل في حقّ المشتري قد ينشأ من الجهل بكونها مغصوبة أيضا، فلا يشترط في دعواه الشرط السابق من قرب العهد بالإسلام، أو خفاء ذلك؛ لبعد داره عن دائرة الإسلام، كما لا يشترط في الاشتباه.

فإذا غرم المشتري المهر، ففي رجوعه على الغاصب خلاف مبنيّ(١) على أنّ المشتري هل يرجع بما غرم عمّا حصل له في مقابلته نفع، أو لا؟ و هل للمالك مطالبة الغاصب به ابتداء؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: المنع؛ لأنّ المهر بدل منفعة البضع، و هي غير داخلة تحت اليد و لا مضمونة بالغصب.

و الثاني: الجواز؛ لأنّ الأمر إذا أفضى إلى الغرم بعد فرضه غير متعلّق بالغاصب(٢).

قال الجويني: هذان الوجهان جاريان سواء قلنا برجوع المشتري على الغاصب بالمهر أو بعدم الرجوع، و قال: إذا قلنا بعدم الرجوع، فظاهر القياس أن لا يطالب، و غيره محتمل، و إذا قلنا بالرجوع، فالظاهر المطالبة؛ لاستقرار الضمان عليه. و يمكن أن يقال: الرجوع بسبب الغرور، فيختصّ به المغرور. و طرّد الخلاف في مطالبة الغاصب بالمهر إذا وطئت بالشبهة(٣).

و اعلم أنّ كلّ ضمان يجب على المشتري فللمغصوب منه أن يرجع به على من شاء منهما؛ لأنّ يد الغاصب سبب يد المشتري، و ما وجب على٤.

١- في «ص»: «يبتنى»، و في «ع»: «يبنى» بدل «مبنيّ».

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٧٢:٥، روضة الطالبين ١٤٨:٤.

٣- نهاية المطلب ٢١١:٧ و ٢١٥-٢١٦، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٤٧٢:٥، و روضة الطالبين ١٤٨:٤.


الغاصب من أجرة المدّة التي كانت في يده أو نقص حدث عنده فإنّه يرجع به على الغاصب وحده؛ لأنّ ذلك كان قبل يد المشتري.

فإذا طالب المالك المشتري بما وجب عليه في يده و أخذه منه فأراد المشتري الرجوع به على الغاصب، نظر فإن كان المشتري عالما بالغصب حين الشراء، لم يرجع بشيء؛ لأنّ سبب الضمان كان في يده من غير تغرير، و إن لم يعلم فأقسامه ثلاثة:

الأوّل: ما لا يرجع به، و هو قيمتها إن تلفت في يده، و أرش بكارتها، و بدل جزء من أجزائها؛ لأنّه دخل مع البائع على أن يكون ضامنا لذلك بالثمن، فإذا ضمنه لم يرجع به.

الثاني: ما يرجع به، و هو بدل الولد إذا ولدت منه؛ لأنّه دخل معه في العقد على أن لا يكون الولد مضمونا و إن لم يحصل من جهته إتلاف، و إنّما الشرع أتلفه بحكم بيع الغاصب منه، و كذلك نقص الولادة.

الثالث: ما اختلف فيه، و هو مهر مثلها، و أجر نفعها، فهل يرجع به على الغاصب ؟ لعلمائنا قولان:

أحدهما: يرجع به؛ لأنّه دخل في العقد على أن يتلفه بغير عوض، فإذا غرم عوضه رجع به، كبدل الولد و نقص الولادة، و هو أحد قولي الشافعي(١).

و الثاني: لا يرجع به، و به قال أبو حنيفة(٢).٥.

١- بحر المذهب ٤٠:٩، حلية العلماء ٢٤٣:٥، التهذيب - للبغوي - ٣١٥:٤، البيان ٦٢:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٧٧:٥، روضة الطالبين ١٤٧:٤، المغني ٤١٢:٥، الشرح الكبير ٤٢٢:٥.

٢- المغني ٤١٢:٥، الشرح الكبير ٤٢٢:٥، بحر المذهب ٤٠:٩، حلية العلماء ٢٤٤:٥، العزيز شرح الوجيز ٤٧٧:٥.


و إن رجع بذلك كلّه على الغاصب فكلّ ما لو رجع به على المشتري لا يرجع به المشتري على الغاصب إذا رجع به على الغاصب رجع به الغاصب على المشتري، و كلّ ما لو رجع به على المشتري رجع به المشتري على الغاصب إذا غرّمه الغاصب لم يرجع به على المشتري.

و إذا ردّها حاملا فماتت من الوضع، فإنّها مضمونة على الواطئ؛ لأنّ التلف بسبب من جهته.

مسألة ١١٢١: إذا تكرّر الوطء إمّا من الغاصب أو من المشتري من الغاصب،

فإن كان حالة الجهل لم يجب إلاّ مهر واحد؛ لأنّ الجهل شبهة واحدة مطّردة، فأشبه ما إذا وطئ في النكاح الفاسد مرارا.

و إن كان عالما و وجب المهر؛ لكونها مستكرهة، أو على ما اختاره بعض علمائنا(١) [من القول](٢) بالوجوب مع طواعيتها، فالأقرب: تعدّده بكلّ مرّة؛ لأنّ الوجوب هنا لإتلاف منفعة البضع، فيتعدّد بتعدّد الإتلاف.

و حينئذ يحتمل أن يقال بالتعدّد في صورة الجهل أيضا؛ لأنّ الإتلاف - الذي هو سبب الوجوب - حاصل، فلا معنى للإحالة على الشبهة، و إنّما يحسن اعتقاد الشبهة حيث لا يجب المهر لو لا الشبهة.

و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: الاكتفاء بمهر واحد، كما في حالة الجهل(٣).

و لو وطئها مرّة جاهلا و مرّة عالما، وجب مهران.

مسألة ١١٢٢: من استكره امرأة على الزنا وجب عليه الحدّ دونها؛

لأنّها

١- لم نتحقّقه.

٢- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٧٢:٥، روضة الطالبين ١٤٨:٤.


معذورة؛ حيث هي مقهورة، و عليه مهرها، حرّة كانت أو أمة، فإن كانت حرّة فالمهر لها، و إن كانت أمة فالمهر لمولاها - و به قال مالك و الشافعي و أحمد(١) - لأنّه وطئ في غير ملكه، سقط به الحدّ عن الموطوءة، فإذا كان الواطئ من أهل الضمان في حقّها وجب عليه مهرها، كما لو وطئها بشبهة.

و أمّا المطاوعة فإن كانت أمة وجب مهرها على الأقوى لسيّدها، و لا يسقط برضاها، و إن كانت حرّة لم يجب لها المهر؛ لأنّ رضاها اقترن بالسبب الموجب فلم يوجب، كما لو أذنت في إتلاف مالها.

و قال أبو حنيفة: لا يجب المهر لا للحرّة و لا للأمّة إذا أكرهها أو طاوعته؛ لأنّه وطء يتعلّق به وجوب الحدّ، فلم يجب به المهر، كما لو طاوعته(٢).

و قد تقدّم بطلانه.

مسألة ١١٢٣: إذا حصل من الوطئ حبل سواء كان من الغاصب أو من المشتري منه،

نظر فإن كان الواطئ عالما بالتحريم، فالولد رقيق للمالك، و لا يلتحق بالواطئ، و لا نسب له معه؛ لأنّه زان.

فإن انفصل حيّا فهو مضمون على الغاصب.

١- الإشراف على نكت مسائل الخلاف ١٠٨١/٦٢٩:٢، بداية المجتهد ٣٢٤:٢، الذخيرة ٣٠٦:٨، مختصر المزني: ١١٧، الحاوي الكبير ١٦٣:٧، بحر المذهب ٤٦:٩، التهذيب - للبغوي - ٣١٤:٤، البيان ٦٥:٧، العزيز شرح الوجيز ٥: ٤٧١، روضة الطالبين ١٤٧:٤، روضة القضاة ٧٩١٧/١٣٠٠:٣، المغني ٥: ٤١٢.

٢- روضة القضاة ٧٩١٦/١٣٠٠:٣، المغني ٤١٢:٥-٤١٣، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٦٢٩:٢-١٠٨١/٦٣٠، الذخيرة ٣٠٦:٨، الحاوي الكبير ٧: ١٦٣، بحر المذهب ٤٦:٩، التهذيب - للبغوي - ٣١٤:٤، البيان ٦٥:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٧١:٥.


و إن انفصل ميّتا بجناية جان، فبدله لسيّده.

فإن انفصل ميّتا من غير جناية، فالأقوى: وجوب ضمانه على الغاصب؛ لثبوت اليد عليه تبعا لثبوت اليد على الأمّ، و هو قول بعض الشافعيّة(١).

و قال بعضهم: لا يجب الضمان؛ لأنّ حياته(٢) غير معلومة، و سبب الضمان هلاك رقيق تحت يده(٣). و لا بأس به.

و يجري الوجهان في حمل البهيمة المغصوبة إذا انفصل ميّتا، فإن أوجبنا الضمان فنوجب قيمة يوم الانفصال لو كان حيّا في ولد الجارية و البهيمة سواء(٤).

و قال بعض الشافعيّة: إنّه يضمن ولد الجارية بعشر قيمة الأمّ؛ تنزيلا للغاصب منزلة الجاني يترتّب على جنايته الإجهاض(٥).

و إن كان الواطئ جاهلا بالتحريم، فالولد لاحق بأبيه الواطئ، سواء كان الغاصب أو المشتري منه، حرّ؛ للشبهة، و على الواطئ قيمته لمولى الجارية يوم الانفصال إن انفصل حيّا؛ لأنّ التقويم قبله غير ممكن.

و إن انفصل ميّتا، فإمّا أن ينفصل بنفسه أو بجناية جان، فإن انفصل بنفسه ففي ضمانه إشكال، المشهور عند الشافعيّة: أنّه لا يلزمه قيمته؛ لأنّا٤.

١- بحر المذهب ٣٨:٩، التهذيب - للبغوي - ٣١٣:٤، البيان ٥٩:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٧٣:٥، روضة الطالبين ١٤٨:٤.

٢- في الطبعة الحجريّة: «جنايته» بدل «حياته».

٣- بحر المذهب ٣٨:٩، التهذيب - للبغوي - ٣٠٧:٤ و ٣١٢-٣١٣، العزيز شرح الوجيز ٤٧٣:٥، روضة الطالبين ١٤٨:٤.

٤- العزيز شرح الوجيز ٤٧٣:٥، روضة الطالبين ١٤٨:٤.

٥- العزيز شرح الوجيز ٤٧٣:٥، روضة الطالبين ١٤٩:٤.


لا نتيقّن حياته، و أنّ الغاصب أتلفه، و يخالف ما لو انفصل رقيقا ميّتا حالة العلم حين الزنا، حيث قلنا في وجوب الضمان وجهين؛ لأنّ الرقيق يدخل تحت اليد و الغصب، فجعل تبعا للأمّ فيه(١).

و لهم وجه آخر: أنّه يلزمه القيمة؛ لأنّ الظاهر الحياة(٢).

و أمّا على التقدير الثاني فعلى الجاني ضمانه؛ لأنّ الانفصال عقيب الضرب يغلب على الظنّ أنّه كان حيّا فمات بفعله، و للمالك الضمان على الغاصب، بخلاف ما إذا انفصل ميّتا من غير جناية، فإنّه لا بدل له هناك، و هنا يقوّم له فيقوّم عليه، و كان حقّ المالك يتعلّق ببدله، كما لو قتل العبد الجاني تعلّق حقّ المجنيّ عليه ببدله، و لو مات فات حقّه.

ثمّ الذي يجب على الجاني دية الجنين.

و عند الشافعيّة أنّ الذي يجب على الجاني الغرّة(٣) ، و الذي يجب للمالك عشر قيمة الأمّ؛ لأنّ الجنين الرقيق به يضمن، فإن كانت قيمة الغرّة و عشر الأمّ سواء ضمن الغاصب للمالك عشر قيمة الأمّ، و إن كانت قيمة الغرّة أكثر فكذلك، و الزيادة تستقرّ بحقّ الإرث(٤).

و إن نقصت الغرّة عن العشر، فوجهان:

أظهرهما عندهم: أنّه يضمن للمالك تمام العشر؛ لأنّه لمّا انفصل متقوّما كان بمثابة ما لو انفصل حيّا، و لأنّ بدله إنّما نقص عن العشر بسبب الحرّيّة الحاصلة بظنّه.٤.

١- العزيز شرح الوجيز ٤٧٣:٥، روضة الطالبين ١٤٩:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٧٣:٥.

٣- الغرّة: العبد نفسه أو الأمة. النهاية - لابن الأثير - ٣٥٣:٣ «غرر».

٤- العزيز شرح الوجيز ٤٧٣:٥-٤٧٤، روضة الطالبين ١٤٩:٤.


و الثاني: أنّه لا يضمن إلاّ قدر الغرّة، و يعبّر عن هذا بأنّ الواجب أقلّ الأمرين من الغرّة و العشر؛ لأنّ سبب وجوب الضمان يقوّمه عليه، فلا يضمن فوق ما يحصل له(١).

و لو انفصل ميّتا بجناية الغاصب نفسه، لزمه الضمان؛ لأنّ ما وجد منه سبب الضمان، إلاّ أنّه لا يستحقّ على نفسه شيئا.

مسألة ١١٢٤: لو أحبل الغاصب الجارية و مات و خلّف أباه ثمّ انفصل الجنين ميّتا بجناية جان،

فالغرّة تكون لجدّ الجنين.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه يضمن للمالك ما كان يضمنه الغاصب لو كان حيّا(٢).

و عنه: أنّه لو كان مع الغاصب أمّ أمّ الجنين فورثت سدس الغرّة لقطع النظر عنه، و ينظر إلى عشر قيمة الأمّ و خمسة أسداس الغرّة، و كأنّها كلّ الغرّة(٣).

و الجوابان مختلفان، فرأى الجويني إثبات احتمالين في الصورتين، فصار في أحدهما [الى](٤) أنّ من يملك الغرّة ينبغي أن يضمن للمالك، و يستبعد في الثاني تضمين من لم يغصب و لا تفرّعت يده على يد الغاصب(٥).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الغرّة تجب مؤجّلة، و إنّما يغرم الغاصب

١- العزيز شرح الوجيز ٤٧٤:٥، روضة الطالبين ١٤٩:٤.

٢- نهاية المطلب ٢٠٥:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٧٤:٥، روضة الطالبين ٤: ١٤٩.

٣- نهاية المطلب ٢٠٥:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٧٤:٥، روضة الطالبين ٤: ١٤٩.

٤- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.

٥- نهاية المطلب ٢٠٦:٧، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٤٧٤:٥، و روضة الطالبين ١٤٩:٤.


عشر قيمة الأمّ إذا أخذ الغرّة(١).

هذا ظاهر مذهب الشافعيّة في الولد المحكوم بحرّيّته.

و فيه طريقة أخرى لهم: أنّه لا ينظر إلى عشر قيمة الأمّ، و لكن تعتبر قيمته لو انفصل حيّا، و ينظر إليه و إلى الغرّة على التفصيل الذي تقدّم(٢).

و ذكر بعضهم أنّ هذه الطريقة مستمدّة من قول الشافعي القديم: في أنّ جراح العبد لا يتقدّر؛ لأنّ عشر قيمة الأمّ نوع مقدّر.

لكنّه ليس بواضح؛ فإنّ الخلاف في أنّ البدل يقدّر أو لا يقدّر في أطراف العبد، لا في جملته، و الفائت هنا جملته(٣).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الغاصب يغرم للمالك أكثر الأمرين من قيمة الولد و الغرّة(٤).

و ضعّفه بعضهم؛ لأنّ الغرّة إن كانت أكثر فثبوت الزيادة بسبب الحرّيّة فكيف يستحقّها المالك، و دعوى الجهل في هذا الضرب كدعواه في الضرب الأوّل(٥).

و نقل بعض الشافعيّة خلافا في قبولها لحرّيّة الولد و إن قبلت لدفع الحدّ(٦).

و يجب في حالتي الجهل و العلم أرش نقصان الجارية إن نقصت بالولادة، فإن تلفت عنده وجب أقصى القيم، و دخل فيه نقصان الولادة و أرش البكارة.٤.

١- العزيز شرح الوجيز ٤٧٤:٥، روضة الطالبين ١٤٩:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٧٤:٥، روضة الطالبين ١٤٩:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٧٤:٥.

٤- العزيز شرح الوجيز ٤٧٤:٥، روضة الطالبين ١٤٩:٤-١٥٠.

٥- العزيز شرح الوجيز ٤٧٤:٥-٤٧٥.

٦- العزيز شرح الوجيز ٤٧٥:٥، روضة الطالبين ١٥٠:٤.


و لو ردّها و هي حبلى فماتت في يد المالك من الولادة، قال بعض الشافعيّة: لا شيء عليه في صورة العلم؛ لأنّ الولد ليس منه حتى يقال:

ماتت من ولادة ولده [و إنّ](١) في صورة الجهل قولين(٢).

و اعلم أنّ لوجوب الضمان في هذه الصورة مأخذين:

أحدهما: أنّه أحبل جارية الغير إمّا بالشبهة أو بالزنا، و في كونه سببا للضمان إشكال.

و الثاني: أنّه حصل نقصان الحبل تحت اليد العادية، و ذلك سبب الضمان و إن وجد أثره بعد الردّ إلى المالك، كما لو جنى المغصوب عند الغاصب فردّه ثمّ بيع في يد المالك.

و أطلق بعضهم وجوب الضمان للمأخذ الثاني(٣).

تذنيب: لو وطئ الغاصب بإذن المالك، فحيث لا نوجب المهر لو لم يأذن فهنا أولى، و حيث نوجبه فهنا قولان محافظة على حرمة البضع.

و في قيمة الولد طريقان:

أحدهما: أنّه على الخلاف في المهر.

و الثاني: القطع بالوجوب؛ لأنّه لم يصرّح بالإذن في الإحبال(٤).

مسألة ١١٢٥: إذا تلفت العين المغصوبة عند المشتري،

ضمن قيمتها أكثر ما كانت من يوم القبض إلى يوم التلف، و لا يضمن الزيادة التي كانت في يد الغاصب إن كانت في يده أكثر قيمة، و لا يرجع بما يضمنه، عالما

١- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فإنّ». و الظاهر ما أثبتناه.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٧٥:٥، روضة الطالبين ١٥٠:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٧٥:٥.

٤- العزيز شرح الوجيز ٤٧٦:٥، روضة الطالبين ١٥٠:٤.


كان أو جاهلا؛ لأنّ الشراء عقد ضمان، و قد شرع فيه على أن تكون العين من ضمانه و إن كان الشراء صحيحا.

و لقائل أن يقول: إن كان المراد من كونه عقد ضمان أنّه إذا تلف المبيع عنده تلف من ماله، و يستقرّ عليه الثمن، فهذا صحيح، لكن لم يكن شارعا فيه على أن يضمن القيمة، و معلوم أنّه لو لم يكن المبيع مغصوبا لم يلزمه شيء بالتلف، فكان الغاصب مغرّرا موقعا إيّاه في خطر الضمان، فليرجع عليه.

و إن كان المراد غيره، فلم قلتم: إنّ الشراء عقد ضمان على تفسير آخر؟

و ربما انساق هذا الإشكال إلى ما حكي عن بعض الشافعيّة: أنّه يرجع من المغروم بما زاد على قدر الثمن، سواء اشتراه رخيصا في الابتداء [أم](١) زادت القيمة بعد الشراء، فإنّه إذا رجع بما زاد على الثمن و استردّ الثمن لم يلحقه ضرر(٢).

مسألة ١١٢٦: لو تعيّب المغصوب عند المشتري بعمى و شلل و نحوهما،

نظر إن كان بفعل المشتري فيستقرّ ضمانه عليه، و كذا لو أتلف الكلّ.

و إن كان بآفة سماويّة، فللشافعيّة قولان:

أحدهما: أنّه لا يرجع على الغاصب بضمانه، كما لا يرجع بالقيمة عند هلاك الكلّ، تسوية بين الجملة و الأجزاء.

١- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و». و ما أثبتناه من روضة الطالبين، و في العزيز شرح الوجيز: «أو» بدل «أم».

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٧٧:٥، روضة الطالبين ١٥٠:٤-١٥١.

و الثاني: أنّه يرجع؛ لأنّ العقد يوجب ضمان الجملة، و لا يوجب ضمان الأجزاء على الانفراد؛ لأنّه لو تعيّب المبيع قبل القبض لم يكن للمشتري أن يجيز العقد و يطالبه بجزء من الثمن، بل إمّا أن يفسخ أو يجيز بكلّ الثمن، و لو تلف يستردّ كلّ الثمن(١).

و أيضا لو اشترى عبدا بجارية و تقابضا ثمّ وجد بائع العبد بالجارية عيبا قديما فردّها و قد تلف العبد، فإنّه يأخذ قيمته، و لو لم يتلف و تعيّب بعيب حادث، لم يكن له طلب الأرش مع العبد، بل يقنع به أو يأخذ القيمة.

و في الصورة الثانية للشافعيّة وجهان، فللقائل بالقول الأوّل أن يمنع، و يقول: له استرداد العبد و طلب أرش النقصان، و أمّا الصورة الأولى فإنّ المبيع في يد البائع غير مضمون بالقيمة، بل بالثمن، فإذا تلف سقط الثمن، و إذا تعيّب أمكن ردّه و استرداد جملة الثمن، و لا يمكّن من طلب الأرش الذي هو تغيير للعقد و حطّ من الثمن، و إنّما يصار إليه عند الضرورة، فلهذا المعنى لم يثبت الأرش(٢).

مسألة ١١٢٧: منافع المغصوب يضمنها المشتري للمالك بأجرة مثلها.

و هل يرجع على الغاصب ؟

أمّا ما استوفاه بالسكون و الركوب و اللّبس ففيه قولان للشافعيّة، و كذا عند علمائنا، و كذا في الرجوع بالمهر إذا غرمه بالوطئ.

أحدهما: يرجع؛ لأنّ الغاصب قد غرّه و لم يشرع على أن يضمن المهر و الأجرة.

١- العزيز شرح الوجيز ٤٧٧:٥، روضة الطالبين ١٥١:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٧٧:٥.


و أصحّهما عندهم - و هو الجديد للشافعي، و به قال أبو حنيفة -: أنّه لا يرجع؛ لأنّ نفعه عاد إليه، و لأنّه أتلف المنفعة، و حوالة الضمان على مباشر الإتلاف أولى(١).

و أجرى الشافعيّة الخلاف في أرش الافتضاض إن كانت بكرا، و عدم الرجوع به أظهر؛ لأنّه بدل جزء منها أتلفه، فأشبه ما لو قطع عضوا من أعضائها(٢).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الخلاف فيه مبنيّ على أنّه يفرد عن المهر أو لا؟ إن أفرد لم يرجع به، و إلاّ رجع(٣).

و أمّا المنافع التي فاتت تحت يده و لم يستوفها، فإن قلنا: يرجع بضمان ما استوفاه، فبضمانها أولى، و إن قلنا: لا يرجع هناك، فوجهان:

أصحّهما عندهم: الرجوع أيضا؛ لأنّه لم يتلف و لا شرع في العقد على أنّه يضمنها.

و الثاني: لا يرجع؛ تنزيلا للتلف تحت يده منزلة الإتلاف(٤).

مسألة ١١٢٨: إذا غرم قيمة الولد عند انعقاده حرّا،

رجع به على الغاصب؛ لأنّه شرع في العقد على أن يسلم الولد حرّا من غير غرامة، و لم يوجد منه تفويت.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الرجوع بها كالرجوع بالمهر؛ لأنّ نفع حرّيّة الولد يعود إليه(٥).

١- بحر المذهب ٤٠:٩، البيان ٦٢:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٧٧:٥، روضة الطالبين ١٥١:٤.

٢- بحر المذهب ٤٠:٩، العزيز شرح الوجيز ٤٧٧:٥-٤٧٨، روضة الطالبين ١٥١:٤.

(٣الى٥) العزيز شرح الوجيز ٤٧٨:٥.


و المشهور: الأوّل.

و أرش نقصان الولادة قطع بعضهم بأنّه يرجع به(١).

و قال آخرون خلافه(٢).

قال الجويني: و سبيله سبيل النقصان الحاصل بسائر الآفات السماويّة(٣).

و يجيء فيه ما تقدّم من الخلاف السابق لهم(٤).

و لو وهب الجارية المغصوبة فاستولدها المتّهب جاهلا بالحال و غرم قيمة الولد، ففي الرجوع بها وجهان للشافعيّة، وجه الفرق: أنّ الواهب متبرّع، و البائع ضامن سلامة الولد بلا غرامة(٥).

مسألة ١١٢٩: إذا بنى المشتري أو غرس في الأرض المغصوبة فجاء المالك و نقض بناءه و غراسه،

هل يرجع بأرش النقصان على الغاصب ؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: لا، [كما لا](٦) يرجع بما أنفق على العمارة، و كأنّه بالبناء متلف ماله.

و أظهرهما: نعم؛ لشروعه في العقد على ظنّ السلامة، و إنّما جاءه هذا الضرر من تغرير الغاصب(٧).

قال بعضهم: القياس أن لا يرجع على الغاصب بما أنفق على العبد

١- العزيز شرح الوجيز ٤٧٨:٥، روضة الطالبين ١٥١:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٧٨:٥، روضة الطالبين ١٥١:٤.

٣- نهاية المطلب ٢١٧:٧، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٤٧٨:٥.

٤- العزيز شرح الوجيز ٤٧٨:٥.

٥- العزيز شرح الوجيز ٤٧٨:٥، روضة الطالبين ١٥١:٤.

٦- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

٧- العزيز شرح الوجيز ٤٧٨:٥، روضة الطالبين ١٥١:٤.


و بما أدّى من خراج الأرض؛ لأنّه شرع في الشراء على أن يضمنها(١).

مسألة ١١٣٠: لو زوّج الغاصب الجارية المغصوبة فوطئها الزوج جاهلا،

غرم مهر المثل للمالك، و لا يرجع به على الغاصب؛ لأنّه شرع فيه على أن يضمن المهر، و يخالف ما إذا غرّ بحرّيّة أمة و غرم المهر حيث يرجع على الغارّ على أحد القولين(٢) ؛ لأنّ النكاح هنا صحيح، و البضع مملوك له، فإذا فسخ اقتضى الفسخ استرداد ما بذله، و هناك النكاح باطل، و إنّما غرم لإتلافه منفعة البضع، حتى لو كان المغرور ممّن لا يحلّ له نكاح الأمة لم يثبت له الرجوع بالمهر؛ لبطلان النكاح.

و لو استخدمها الزوج و غرم الأجرة، لم يرجع على الغاصب؛ لأنّه بالتزويج لم يسلّطه على الاستخدام، بخلاف الوطئ، و يرجع بغرم المنافع التالفة تحت يده؛ لأنّه ما استوفاها و لا شرع على أن يضمنها.

و القول في قيمتها لو تلفت في يده قد تقدّم، و إن غرمها رجع بما قلنا.

و الضابط في هذه المسائل أن ينظر فيما غرمه من ترتّبت يده على يد الغاصب عن جهل: إن شرع فيه على أن يضمنه لم يرجع به، و إن شرع على أن لا يضمنه، فإن لم يستوف ما يقابله رجع به، و إن استوفاه فقولان للشافعيّة(٣).

و على هذا، فلو كان المغصوب شاة فنتجت في يد المشتري أو

١- التهذيب - للبغوي - ٣١٦:٤، العزيز شرح الوجيز ٤٧٨:٥.

٢- كما في بحر المذهب ٤٤:٩، و العزيز شرح الوجيز ٤٧٨:٥.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٧٩:٥، روضة الطالبين ١٥٢:٤.

شجرة فأثمرت فأكل فائدتهما و غرمهما للمالك، ففي الرجوع بما غرم على الغاصب قولان للشافعيّة(١) ، كالمهر.

و إن هلكت تحت يده، فالحكم كما في المنافع التي لم يستوفها، و كذا القول في الاكتساب.

و إن انفصل الولد ميّتا، فالظاهر أنّه لا ضمان، و كذا إن انفصل ميّتا في يد الغاصب.

مسألة ١١٣١: لو استرضع المشتري الجارية في ولده أو ولد غيره،

غرم أجرة مثلها.

و في الرجوع قولان للشافعيّة(٢) ، كالمهر.

و يغرم المشتري اللبن و إن انصرف إلى سخلتها و عاد نفعه إلى المالك، كما لو غصب علفا و أعلف به بهيمة مالكه.

لكن قال بعض الشافعيّة: وجب أن يرجع به على الغاصب؛ لأنّه لم يشرع فيه على أن يضمنه، و لا عاد نفعه إليه(٣).

و لو آجر العين المغصوبة، غرم المستأجر أجرة المثل للمالك، و لم يرجع بها على الغاصب؛ لأنّه شرع فيه على أن يضمنها، و يستردّ الأجرة المسمّاة.

و لو أعارها، رجع المستعير بما غرم للمنافع التي فاتت تحت يده.

و في الرجوع بما غرم للمنافع التي استوفاها القولان.

و كذا ما غرم للأجزاء التالفة بالاستعمال.

١- العزيز شرح الوجيز ٤٧٩:٥، روضة الطالبين ١٥٢:٤.

٢- التهذيب - للبغوي - ٣١٥:٤، العزيز شرح الوجيز ٤٧٩:٥، روضة الطالبين ١٥٢:٤.

٣- التهذيب - للبغوي - ٣١٦:٤، العزيز شرح الوجيز ٤٧٩:٥، روضة الطالبين ١٥٢:٤.


و اعلم أنّ كلّ ما غرمه المشتري رجع به على الغاصب، فلو طولب به الغاصب و غرمه لم يرجع به على المشتري، و كذا الحكم في غير المشتري ممّن تترتّب يده على يد الغاصب.

مسألة ١١٣٢: إذا انتقصت الجارية المغصوبة بالولادة و كان الولد رقيقا تفي قيمته ببعض نقصانها أو بكلّه،

لم ينجبر به النقصان، بل الولد له، و يأخذ الأرش عند علمائنا - و به قال الشافعي(١) - لأنّ الولد زيادة تحدث على ملكه، ألا ترى أنّه يسلّم له و إن لم يكن في الأمّ نقصان، و ملكه لا يجبر نقصان ملكه.

و قال أبو حنيفة بالجبران(٢). و ليس بجيّد.

و لو ماتت الأمّ من الولادة و الولد واف بقيمتها، فلهم فيه اختلاف(٣).

مسألة ١١٣٣: لو تعب حمّال الخشبة بحملها فأسندها إلى جدار الغير ليستريح،

فإن لم يأذن الغير في الإسناد إلى جداره، فهو غاصب يضمن الجدار إن وقع بإسناده إليه، و يضمن ما تلف بوقوعه عليه.

و لو وقعت الخشبة فأتلفت شيئا، ضمن إن وقعت في الحال، و لو وقعت بعد ساعة لم يضمن عند الشافعيّة(٤). و فيه نظر.

فلو كان الجدار له أو لغيره و قد أذن في إسناده إليه، فكذلك يفرّق

١- بحر المذهب ٣٨:٩، الوسيط ٤٢٠:٣، العزيز شرح الوجيز ٤٨٠:٥، روضة الطالبين ١٥٢:٤.

٢- مختصر القدوري: ١٣٠، روضة القضاة ٧٧٦٦/١٢٦٨:٣، الفقه النافع ٩٣٣:٣ - ٦٥٧/٩٣٤، الهداية - للمرغيناني - ١٩:٤، الاختيار لتعليل المختار ٩٢:٣، بحر المذهب ٣٨:٩، الوسيط ٤٢٠:٣، العزيز شرح الوجيز ٤٨٠:٥.

٣- العزيز شرح الوجيز ٤٨٠:٥.

٤- البيان ٥٦:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٨٠:٥، روضة الطالبين ١٥٣:٤.


بين أن تقع الخشبة في الحال أو بعد ساعة، تشبيها بفتح رأس الزقّ.

و قال الشيخ رحمه اللّه: لو خشي وقوع حائط، جاز إسناده بجذع الغير و إن لم يأذن صاحب الجذع(١). و فيه نظر.

و لو غصب دارا و نقضها و أتلف النقض، ضمن النقض و ما نقص من قيمة العرصة.

و هل يضمن أجرة مثلها دارا إلى وقت الردّ أو إلى وقت النقص ؟ إشكال.

مسألة ١١٣٤: لو غصب شاة و أنزى عليها فحلا،

فالولد للمغصوب منه.

و لو غصب فحلا فأنزاه على شاته، فالولد للغاصب، و لا شيء عليه للإنزاء؛ لنهيه صلّى اللّه عليه و اله عن عسب الفحل(٢). و ليس بجيّد.

و لو انتقص، غرم الأرش.

و لو غصب جارية ناهدا فتدلّى ثديها، أو عبدا شابّا فشاخ، أو أمرد فالتحى، ضمن النقصان، خلافا لأبي حنيفة في الأمرد(٣).

و لو غصب خشبة و اتّخذ منها أبوابا و سمّرها بمسامير من عنده، نزع المسامير، و إن انتقصت الأبواب بذلك ضمن الأرش.

و لو بذلها(٤) ، ففي إجبار المغصوب منه على قبولها وجهان للشافعيّة(٥).

١- المبسوط - للطوسي - ٨٦:٣.

٢- تقدّم تخريجه في ص ٢٥٧، الهامش (١).

٣- المبسوط - للسرخسي - ٩٠:١١، بدائع الصنائع ١٥٦:٧، المحيط البرهاني ٥: ٤٧٠، بحر المذهب ١٠٠:٩، حلية العلماء ٢٥٥:٥، العزيز شرح الوجيز ٥: ٤٨١، المغني ٣٩١:٥، الشرح الكبير ٣٩٩:٥.

٤- أي: المسامير.

٥- البيان ٣٦:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٨١:٥، روضة الطالبين ١٥٣:٤.


و لو غصب ثوبا و نجّسه أو نجس عنده، لم يكن له تطهيره، و لا للمالك أن يكلّفه التطهير، و لو غسله و انتقصت قيمته، ضمن النقصان، و لو ردّه نجسا فمؤونة التطهير على الغاصب، و كذا أرش النقصان اللازم منه.

و تنجيس المائع الذي لا يمكن تطهيره إهلاك، و الدهن إن أمكن تطهيره فهو كالثوب.

مسألة ١١٣٥: لو غصب من الغاصب فأبرأ المالك الأوّل عن ضمان الغصب،

صحّ الإبراء؛ لأنّه مطالب بقيمته، فهو كدين عليه.

فإن ملّكه المغصوب برئ، و انقلب الضمان على الثاني حقّا له.

و إن باعه من غاصب الغاصب أو وهبه منه و أذن له في القبض، برئ الأوّل.

و إن أودعه من الثاني و قلنا: إنّه يصير أمانة في يده، برئ الأوّل أيضا، و إن رهنه من الثاني لم يبرأ واحد منهما عن الضمان.

و لو ردّ المغصوب إلى المالك أو إلى وكيله أو وليّه، برئ من الضمان.

و لو ردّ الدابّة إلى اصطبله، برئ أيضا إذا علم المالك أو أخبره من يعتمد خبره، و قبل أن يعلم و يخبر لا يبرأ.

فإن امتنع المالك من الاسترداد، رفع الأمر إلى الحاكم.

و لو أبرأ المالك غاصب الغاصب عن الضمان، برئ الأوّل؛ لأنّ القرار على الثاني، و الأوّل كالضامن.

و هذا إن فرض بعد تلف المال فهو ظاهر، و أمّا قبله فليخرّج على صحّة إبراء الغاصب مع بقاء المال في يده، و فيه خلاف.

و الحقّ عندنا: أنّه لا يصحّ الإبراء من الأعيان.

الفصل السابع: في التنازع

مسألة ١١٣٦: لو ادّعى المالك الغصب و القابض الاتّهاب أو الشراء منه

أو الاستيداع أو الاستعارة أو الاستئجار، قدّم قول المالك في عدم هذه العقود دون الغصب، فإنّ القول قول المالك في عدم الإذن، فيضمن المتشبّث، لكن هل يضمن أقصى القيم ؟ إن ألحقنا غير الغاصب به فنعم، و إلاّ فلا.

مسألة ١١٣٧: لو ادّعى الغاصب تلف المغصوب و أنكر المالك،

قدّم قول الغاصب مع يمينه؛ لأنّه قد يعجز عن إقامة البيّنة عليه و يكون صادقا، فلو لم نصدّقه لتخلّد الحبس عليه، و لما وجد عنه مخرجا، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: أنّ القول قول المالك مع اليمين؛ لأنّ الأصل بقاؤه(١).

فإذا قلنا بالأوّل، فلو حلف الغاصب هل للمالك تغريمه القيمة أو المثل ؟ وجهان للشافعيّة:

أحدهما: لا يضمن؛ لبقاء العين في زعمه.

و أصحّهما: نعم؛ لأنّه عجز عن الوصول إليها بيمين الغاصب و إن كانت باقية(٢).

مسألة ١١٣٨: لو اتّفقا على الهلاك و اختلفا في قيمته،

فالقول قول

١- نهاية المطلب ٢٤٢:٧، الوسيط ٣٩٩:٣، العزيز شرح الوجيز ٤٣٣:٥، روضة الطالبين ١١٨:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٤٣٣:٥، روضة الطالبين ١١٨:٤.


الغاصب؛ لأنّ الأصل براءة ذمّته عن الزيادة، و على المالك البيّنة، و ينبغي أن تشهد الشهود بأنّ قيمته كذا.

أمّا إذا أراد إقامة البيّنة على صفات العبد ليقوّمه المقوّمون بتلك الصفات، فعن بعض الشافعيّة: أنّها تقبل، و يقوّم بالأوصاف، و تنزّل على أقلّ الدرجات، كما في السّلم(١).

و المشهور عندهم: المنع؛ لأنّ [الموصوفين](٢) بالأوصاف الواحدة [يتفاوتون](٣) في القيمة؛ لتفاوتهم في الملاحة و ما لا يدخل تحت الوصف(٤).

قال الجويني: لكن المالك يستفيد بإقامة البيّنة على الأوصاف إبطال دعوى الغاصب مقدارا حقيرا لا يليق بتلك الصفات، كما لو أقرّ الغاصب بصفات في العبد تقتضي النفاسة ثمّ قوّمه بشيء حقير لا يليق به، لا يلتفت إليه، بل يؤمر بالزيادة إلى أن تبلغ حدّا يجوز أن تكون قيمة لمثل ذلك الموصوف(٥).

و لو قال المالك: قيمته ألف، و قال الغاصب: بل خمسمائة، و جاء المالك ببيّنة على أنّها أكثر من خمسمائة من غير تقدير، منهم من قال:

لا تسمع البيّنة هكذا(٦) ، و الأكثر سمعوها و قالوا: فائدة السماع أن يكلّف٩.

١- العزيز شرح الوجيز ٤٣٣:٥، روضة الطالبين ١١٨:٤.

٢- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الموصوفات... يتفاوت». و الصحيح ما أثبتناه.

٣- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الموصوفات... يتفاوت». و الصحيح ما أثبتناه.

٤- العزيز شرح الوجيز ٤٣٣:٥، روضة الطالبين ١١٨:٤.

٥- نهاية المطلب ٢٤٤:٧، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٤٣٣:٥، و روضة الطالبين ١١٨:٤.

٦- العزيز شرح الوجيز ٤٣٣:٥، روضة الطالبين ١١٨:٤-١١٩.


الغاصب الزيادة على الخمسمائة إلى حدّ لا تقطع البيّنة بالزيادة عليه(١).

و لو قال المالك: لا أدري كم قيمته، لم تسمع دعواه حتى يبيّن.

و كذا لو قال الغاصب: أعلم أنّه دون ما ذكره و لا أعرف قدره، لم تسمع حتى يبيّن، فإذا بيّن حلف عليه.

مسألة ١١٣٩: لو قال المالك: كان العبد كاتبا أو محترفا،

و أنكر الغاصب، فالقول قول الغاصب؛ لأنّ الأصل عدمه، و براءة ذمّته.

و حكى بعض الشافعيّة وجها آخر: أنّ القول قول المالك؛ لأنّه أعرف بحال مملوكه(٢).

و لو ادّعى الغاصب به عيبا و أنكر المالك، نظر إن ادّعى عيبا حادثا بأن قال: كان أقطع أو سارقا، فالقول قول المالك؛ لأصالة الصحّة، و الغالب دوام السلامة، و هو أصحّ قولي الشافعي، و الثاني: أنّ القول قول الغاصب؛ لأنّ الأصل براءة ذمّته(٣).

و إن ادّعى عيبا في أصل الخلقة بأن قال: كان أكمه أو ولد أعرج أو عديم اليد، فالمصدّق الغاصب؛ لأنّ الأصل العدم، و المالك متمكّن من إثباته بالبيّنة.

و للشافعيّة وجهان آخران:

أحدهما: تصديق المالك؛ نظرا إلى غلبة السلامة.

و الثاني: الفرق بين ما يندر من العيوب و ما لا يندر(٤).

١- العزيز شرح الوجيز ٤٣٤:٥، روضة الطالبين ١١٩:٤.

٢- بحر المذهب ٦٠:٩، البيان ٨٠:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٣٤:٥، روضة الطالبين ١١٩:٤.

٣- بحر المذهب ٦٠:٩، البيان ٨٠:٧، العزيز شرح الوجيز ٤٣٤:٥، روضة الطالبين ١١٩:٤.

٤- العزيز شرح الوجيز ٤٣٤:٥، روضة الطالبين ١١٩:٤.


و لو ردّ الغاصب المغصوب و به عيب و قال: غصبته هكذا، و قال المالك: بل حدث العيب عندك، قال بعض الشافعيّة: القول قول الغاصب؛ لأنّ الأصل براءة ذمّته، و عدم يده على تلك الصفة(١).

مسألة ١١٤٠: لو تنازعا في الثياب التي على العبد،

فالقول قول الغاصب؛ لأنّ العبد و ما عليه في يد الغاصب.

و لو قال: غصبت منّي دارا بالكوفة، فقال: بل غصبت دارك بالمدينة، فالقول قول المدّعى عليه في أنّه لم يغصب دارا بالكوفة، و إنّما غصب دارا بالمدينة، فإن وافقه المدّعى عليه ثبت، و إلاّ ارتدّ إقراره بتكذيبه.

و لو غصب خمرا محترمة و هلكت عنده، ثمّ قال المغصوب منه:

هلك بعد أن صار خلاّ، و قال الغاصب: بل قبله و لا ضمان عليّ، فالقول قول الغاصب؛ لأنّ الأصل بقاء الخمريّة و براءة ذمّته.

و لو قال: طعامي الذي غصبته كان حديثا، و قال الغاصب: بل كان عتيقا، فهو كالخلاف في كون العبد كاتبا، فالقول قول الغاصب، فإن نكل عن اليمين حلف المالك، ثمّ له أن يأخذ العتيق، فإنّه دون حقّه.

مسألة ١١٤١: لو باع عبدا من إنسان فجاء آخر يدّعي أنّه ملكه

و أنّ البائع كان قد غصبه منه، فلا شكّ أنّ له دعوى عين العبد على المشتري، و في دعواه القيمة على البائع ما تقدّم في الإقرار.

فإن ادّعى العين على المشتري و صدّقه، أخذ العبد منه، و لا رجوع له بالثمن على البائع المكذّب.

١- العزيز شرح الوجيز ٤٣٤:٥، روضة الطالبين ١١٩:٤.


فإن كذّبه فأقام المدّعى عليه بيّنة، أخذه، و رجع المشتري على البائع بالثمن.

فإن لم يقم البيّنة و نكل المشتري، حلف المدّعي و أخذه، و لا رجوع للمشتري بالثمن؛ لتقصيره بالنكول.

فإن صدّقه البائع دون المشتري، لم يقبل إقرار البائع على المشتري، و بقي البيع بحاله، إلاّ أن يكون إقراره بالغصب في زمان الخيار، فيجعل ذلك فسخا للبيع.

ثمّ لو عاد العبد إلى البائع بإرث أو ردّ بعيب، لزمه تسليمه إلى المدّعي.

و إن صدّقه البائع و المشتري جميعا، سلّم العبد إلى المدّعي، و على البائع ردّ الثمن المقبوض على المشتري إن بقي بحاله، و ضمانه إن تلف.

و لو جاء المدّعي بعد ما أعتق المشتري العبد و صدّقه البائع و المشتري، لم يبطل العتق، سواء وافقهما العبد أو خالفهما؛ لما في العتق من حقّ اللّه تعالى، و لهذا سمعت شهادة الحسبة عليه، بخلاف ما لو كاتبه المشتري ثمّ توافقوا على تصديق المدّعي؛ لأنّ الكتابة قابلة للفسخ.

و للمدّعي في مسألة الإعتاق قيمة العبد على البائع إن اختصّ بتصديقه، و على المشتري إن اختصّ بتصديقه، و على من شاء منهما إن صدّقاه جميعا، و قرار الضمان على المشتري، إلاّ أن تكون القيمة في يد البائع أكثر، فلا يطالب المشتري بالزيادة.

و لو مات المعتق و قد اكتسب مالا، كان للمدّعي؛ لأنّ المال خالص حقّ الآدمي، و قد توافقوا على أنّه هو المستحقّ، بخلاف المعتق، فإنّ تصادقهم فيه إنّما لم يؤثّر؛ لما فيه من حقّ اللّه تعالى، هكذا أطلقه

الشافعيّة(١).

و قال الجويني: إنّه منزّل على الأكساب التي يستقلّ العبد بها، فأمّا الأكساب التي يحتاج فيها إلى إذن السيّد فإنّ المدّعي لا يستحقّها إذا اعترف بخلوّها عن الإذن(٢).٤.

١- العزيز شرح الوجيز ٤٣٥:٥، روضة الطالبين ١٢١:٤.

٢- نهاية المطلب ٢٩٣:٧، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٤٣٥:٥-٤٣٦، و روضة الطالبين ١٢١:٤.


المقصد الحادي عشر: في إحياء الموات و فيه مقدّمة و فصول:

أمّا المقدّمة ففيها مسألتان:

مسألة ١١٤٢: الموات هي الأرض الخراب الدارسة التي باد أهلها و اندرس رسمها.

و تسمّى ميتة و مواتا و موتانا بفتح الميم و الواو، و الموتان بضمّ الميم و سكون الواو: هو الموت الذريع، و موتان بفتح الميم و سكون الواو: هو عمى القلب، يقال: رجل موتان القلب إذا كان أعمى القلب لا يفهم شيئا.

و أمّا الإحياء فإنّ الشرع ورد به مطلقا، و لم يعيّن له معنى يختصّ به، و من عادة الشرع في مثل ذلك ردّ الناس إلى المعهود عندهم المتعارف بينهم، كالقبض، فإنّه ورد في الشرع مطلقا و لم ينصّ له على معنى، فيرجع الفقهاء فيه إلى الاستعمال المتداول بين الناس، و كذا الحرز، و نظائره كثيرة، و كذا الإحياء، و إنّما يظهر معناه بين الناس في عرفهم فينزّل عليه، و يكون المراد به في نظر الشرع كلّ ما يعدّ إحياء في العرف، و ذلك يختلف باختلاف ما يقصد عمارته من الموات، و سيأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى.

مسألة ١١٤٣: إحياء الموات - و هو كلّ منفكّ عن الاختصاص - جائز بالنصّ و الإجماع.

روى العامّة عن سعيد بن زيد أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال: «من أحيا أرضا ميتة فهي له، و ليس لعرق ظالم حقّ»(١).

١- سنن الترمذي ١٣٧٨/٦٦٢:٣.


قال الترمذي: إنّه حديث حسن(١). و رواه مالك في موطّئه(٢) ، و أبو داود في سننه(٣).

و قال ابن عبد البرّ: إنّه مسند صحيح، و تلقّي بالقبول عند فقهاء المدينة و غيرهم(٤).

و عن عائشة (أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال)(٥): «من أحيا أرضا ليست لأحد فهو أحقّ بها»(٦).

و عن سمرة أنّ رسول اللّه(٧) صلّى اللّه عليه و اله قال: «من أحاط حائطا على أرض فهي له»(٨).

و عن سمرة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال: «عاديّ الأرض للّه و لرسوله ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون»(٩) يريد بذلك ديار عاد و ثمود.

و روي أنّه عليه السّلام قال: «موتان الأرض للّه و لرسوله ثمّ هي لكم منّي»(١٠).

و من طريق الخاصّة: ما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن٨.

١- سنن الترمذي ٦٦٣:٣، ذيل ح ١٣٧٨.

٢- الموطّأ ٢٦/٧٤٣:٢.

٣- سنن أبي داود ٣٠٧٣/١٧٨:٣.

٤- التمهيد ٢٨٣:٢٢ و ٢٨٤، و حكاه عنه ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير ٦: ١٦٤.

٥- بدل ما بين القوسين في «ر» و الطبعة الحجريّة: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله».

٦- الأموال - لأبي عبيد -: ٧٠٣/٢٩٨، و عنه في المغني و الشرح الكبير ١٦٤:٦.

٧- في «ص، ع» بدل «رسول اللّه»: «النبيّ».

٨- مسند أبي داود الطيالسي: ٩٠٦/١٢٢، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٧: ٢٤٣٢/٧٦، مسند أحمد ١٩٦٢٠/٦٣٨:٥، و ١٩٧٢٦/٦٥٣، سنن أبي داود ٣: ٣٠٧٧/١٧٩، المعجم الكبير ٦٨٦٥/٢٥٢:٧، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٤٨:٦.

٩- أورده الجويني في نهاية المطلب ٢٨٣:٨، و الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٦: ٢٠٦.

١٠- أورده الجويني في نهاية المطلب ٢٨١:٨.


الباقر عليه السّلام قال: «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها و هي لهم»(١).

و عن السكوني عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: من غرس شجرا أو حفر واديا بديّا(٢) لم يسبقه أحد إليه أو أحيا أرضا ميتة فهي له قضاء من اللّه عزّ و جلّ و رسوله»(٣).

و في الصحيح عن معاوية بن وهب عن الصادق عليه السّلام، قال: سمعته يقول: «أيّما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها و كرى أنهارها و عمرها فإنّ عليه فيها الصدقة، فإن كانت أرضا(٤) لرجل قبله فغاب عنها و تركها و أخربها ثمّ جاء بعد فطلبها، فإنّ الأرض للّه عزّ و جلّ و لمن عمرها»(٥).

و في الحسن عن زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير و فضيل و بكير و حمران و عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الباقر و الصادق عليهما السّلام [قالا](٦):

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: من أحيا مواتا فهو(٧) له»(٨).

و في الصحيح عن أبي خالد الكابلي عن الباقر عليه السّلام قال: «وجدنا في كتاب عليّ عليه السّلام أنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتّقين،٣.

١- الكافي ١/٢٧٩:٥، التهذيب ٦٧١/١٥٢:٧، الاستبصار ٣٨٠/١٠٧:٣.

٢- البئر البديّ: التي حفرها فحفرت حديثة و ليست بعاديّة. لسان العرب ٦٨:١٤ «بدا».

٣- الكافي ٦/٢٨٠:٥، التهذيب ٦٧٠/١٥١:٧، الاستبصار ٣٧٩/١٠٧:٣.

٤- في «ع»: «الأرض»، و في الكافي: «أرض».

٥- الكافي ٢/٢٧٩:٥، التهذيب ٦٧٢/١٥٢:٧، الاستبصار ٣٨١/١٠٨:٣.

٦- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قال». و المثبت كما في المصدر.

٧- في الطبعة الحجريّة: «فهي» بدل «فهو». و في التهذيب: «من أحيا أرضا مواتا فهي...».

٨- الكافي ٤/٢٧٩:٥، التهذيب ٦٧٣/١٥٢:٧، الاستبصار ٣٨٢/١٠٨:٣.


أنا و أهل بيتي الذين أورثنا الأرض و نحن المتّقون، و الأرض كلّها لنا، فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، و له ما أكل منها، و إن تركها أو أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها، فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، و له ما أكل حتّى يظهر العالم(١) من أهل بيتي بالسيف فيحويها فيمنعها و يخرجهم منها كما حواها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و منعها، إلاّ ما كان في أيدي شيعتنا فيقاطعهم على ما في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم»(٢).

و الأخبار في ذلك كثيرة من طرق العامّة و الخاصّة.

و عامّة فقهاء الأمصار على أنّ الموات يملك بالإحياء و إن اختلفوا في شروطه.

و لأنّ الحاجة تدعو إلى ذلك، و تشتدّ الضرورة إليه؛ لأنّ الإنسان مدنيّ بالطبع، لا يمكنه أن يعيش كغيره من الحيوانات، بل لا بدّ من مسكن يأوي إليه هو و عياله، و موضع يختصّ به، فلو لم يشرع الإحياء لزم الحرج العظيم، و هو منفيّ إجماعا.

تذنيب: الإحياء مستحبّ؛ لما فيه من السعي في تحصيل الرزق المأمور به في قوله تعالى: فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَ كُلُوا مِنْ رِزْقِهِ (٣) و من إخراج العاطل من حيّز العطلة المشتملة على تضييع المال إلى حيّز العمارة، و قد روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «من أحيا أرضا ميتة فله فيها(٤) أجر، و ما».

١- في المصدر: «القائم» بدل «العالم».

٢- الكافي ٢٧٩:٥-٥/٢٨٠، التهذيب ١٥٢:٧-٦٧٤/١٥٣، الاستبصار ٣: ٣٨٣/١٠٨.

٣- سورة الملك: ١٥.

٤- في «ص، ع»: «فيه» بدل «فيها».


أكله العوافي(١) منها فهي له صدقة»(٢) و لأنّ اللّه تعالى لم يخلق الأرض عبثا، بل خلقها و الأعيان الخارجة منها - كالمعادن - و المنافع المتعلّقة برقبتها لمنافع سكّانها.ر.

١- العوافي جمع العافية، و هي كلّ طالب رزق من إنسان أو بهيمة أو طائر. النهاية - لابن الأثير - ٢٦٧:٣ «عفا».

٢- مسند أحمد ١٣٨٥٩/٢٣٨:٤، و ١٤٠٩١/٢٧٥، و ٣٢٥-١٤٤٢٥/٣٢٦، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٤٨:٦ بتفاوت يسير.


الفصل الأوّل: في المشتركات

و هي أربعة: الأراضي و المعادن فيها و المنافع منها و المياه، فهاهنا مطالب:

المطلب الأوّل: الأراضي.

اشارة

و هي إمّا أراضي بلاد الإسلام، أو أراضي بلاد الكفّار، فهاهنا بحثان:

البحث الأوّل: في أراضي بلاد الإسلام.

مسألة ١١٤٤: أراضي بلاد الإسلام إن كانت معمورة في الحال فهي لمالكها،

و لا مدخل فيها للإحياء؛ لأنّ الإحياء لإحداث الملك و هي مملوكة، فإذا كانت لمسلم أو معاهد لم يجز لأحد أن يتصرّف فيها إلاّ بإذن أربابها؛ لقوله صلّى اللّه عليه و اله: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفس منه»(١).

و قال عليه السّلام: «من أخذ شبرا من أرض طوّقه إلى سبع أرضين»(٢).

فإن كان هذا العامر مجاورا لعامر آخر، فلا بدّ من حاجز بين الملكين يتميّزان به، و ينتهي كلّ منهما إليه.

و إن كان مجاورا للموات و كان حقوق المالك(٣) فيه، لم يجز لأحد أن

١- أورده ابن عبد البرّ في التمهيد ٢٢٢:١٠، و ١٣٢:١٣، و ٢٠٦:١٤، و في سنن الدارقطني ٩٢/٢٦:٣ بدون «منه».

٢- مسند أحمد ١٦٣٦/٣٠٧:١، صحيح مسلم ١٣٩/١٢٣١:٣، مسند أبي يعلى ٩٦٢/٢٥٥:٢، السنن الكبرى - للبيهقي - ٩٨:٦.

٣- في الطبعة الحجريّة: «الملاّك» بدل «المالك».


يتعرّض له بالإحياء؛ لتعلّق حقّ مالك العامر به، و ذلك مثل طريقه إلى العامر و موضع سيل مائه على ما يأتي تفصيله.

مسألة ١١٤٥: و لو كانت أرض بلاد الإسلام خرابا غير معمورة في الحال و لا فيما مضى من الزمان،

و هي الأرض الموات التي لا ينتفع بها؛ لعطلتها، إمّا لانقطاع الماء عنها، أو لاستيلاء الماء عليها، أو لاستيجامها، أو لغير ذلك من موانع الانتفاع، و هذه للإمام عندنا لا يملكها أحد و إن أحياها ما لم يأذن له الإمام، و إذنه شرط في تملّك المحيي لها عند علمائنا.

و وافقنا أبو حنيفة على أنّه لا يجوز لأحد إحياؤها إلاّ بإذن الإمام(١).

لما رواه العامّة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «ليس للمرء إلاّ ما طابت به نفس إمامه»(٢).

و من طريق الخاصّة: حديث الباقر عليه السّلام، السابق(٣) الذي حكى فيه ما وجده في كتاب عليّ عليه السّلام.

و لأنّ للإمام مدخلا في النظر في ذلك، فإنّ من تحجّر أرضا و لم يبنها طالبه بالبناء و الترك، فافتقر ذلك إلى إذنه، كمال بيت المال.

١- الخراج - لأبي يوسف -: ٦٤، مختصر القدوري: ١٤٠، المبسوط - للسرخسي - ١٦:٣، روضة القضاة ٣٢٣٣/٥٤٤:٢، تحفه الفقهاء ٣٢٢:٣، الفقه النافع ٣: ١٠٦٣/١٣٠٨، بدائع الصنائع ١٩٤:٦، الهداية - للمرغيناني - ٩٨:٤، الاختيار لتعليل المختار ٩٥:٣، الحاوي الكبير ٤٧٩:٧، نهاية المطلب ٢٨٥:٨، الوسيط ٢٢٦:٤، حلية العلماء ٤٩٧:٥، التهذيب - للبغوي - ٤٨٩:٤، البيان ٤٠٨:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٠٧:٦، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ١١٨٦/٦٦٧:٢، عيون المجالس ١٢٨٠/١٨١٦:٤، المغني ٢٠٤:٦، الشرح الكبير ١٦٨:٦.

٢- معرفة السنن و الآثار ١٢١٧٥/٨:٩، و بتفاوت في مسند الشاميّين ٣٥٧١/٣٦٦:٤، و المعجم الأوسط - للطبراني - ٥٤:٧-٦٧٣٩/٥٥، و المعجم الكبير - له أيضا - ٢٠:٤-٣٥٣٣/٢١.

٣- في ص ٣٥٣-٣٥٤.


و قال مالك: إن كان قريبا من العمران في موضع يتشاحّ الناس فيه افتقر إلى إذن الإمام، و إلاّ لم يفتقر(١).

و قال الشافعي: إحياء الموات لا يفتقر إلى إذن الإمام - و به قال أبو يوسف و محمّد(٢) - لظاهر قوله عليه السّلام: «من أحيا أرضا ميتة فهي له»(٣) و لأنّ هذه عين مباحة، فلا يفتقر إلى إذن الإمام، كالاحتطاب و الاحتشاش(٤).

و الخبر مقيّد بغير المملوك؛ لقوله عليه السّلام في رواية أخرى: «من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد»(٥)صحيح البخاري ١٣٩:٣-١٤٠، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٤٢:٦، المعجم الكبير - للطبراني - ١٣:١٧-٤/١٤، المغني ١٦٨:٦، الشرح الكبير ١٧٠:٦.(٦) و في أخرى: «في غير حقّ مسلم»(٦) و ذلك٦.

١- الإشراف على نكت مسائل الخلاف ١١٨٦/٦٦٧:٢، عيون المجالس ٤: ١٢٨٠/١٨١٦، الذخيرة ١٥٦:٦، الحاوي الكبير ٤٧٩:٧، حلية العلماء ٥: ٤٩٧، البيان ٤٠٨:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٠٧:٦.

٢- الخراج - لأبي يوسف -: ٦٣-٦٤، مختصر القدوري: ١٤٠، المبسوط - للسرخسي - ١٨:٣، روضة القضاة ٣٢٣٤/٥٤٥:٢، تحفة الفقهاء ٣٢٢:٣، الفقه النافع ٣: ١٣٠٧-١٠٦٣/١٣٠٨، بدائع الصنائع ١٩٤:٦، الهداية - للمرغيناني - ٩٨:٤، الاختيار لتعليل المختار ٩٥:٣، الحاوي الكبير ٤٧٨:٧، البيان ٤٠٨:٧، عيون المجالس ١٢٨٠/١٨١٦:٤، المغني ٢٠٤:٦، الشرح الكبير ١٦٨:٦.

٣- الموطّأ ٢٦/٧٤٣:٢، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٢٤٢٤/٧٤:٧، مسند أحمد ١٤٢٢٦/٢٩٤:٤، سنن أبي داود ٣٠٧٣/١٧٨:٣ و ٣٠٧٤، سنن الترمذي ٣: ١٣٧٨/٦٦٢، السنن الكبرى - للنسائي - ٥٧٦١/٤٠٥:٣-٣، و ٥٧٦٢-٤، السنن الكبرى - للبيهقي - ٩٩:٦ و ١٤٢ و ١٤٣.

٤- الحاوي الكبير ٤٧٨:٧، المهذّب - للشيرازي - ٤٣٠:١، نهاية المطلب ٢٨٥:٨، الوجيز ٢٤١:١، الوسيط ٢٢٦:٤، حلية العلماء ٤٩٧:٥، التهذيب - للبغوي - ٤٨٩:٤، البيان ٤٠٨:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٠٧:٦، روضة الطالبين ٣٤٤:٤، المغني ٢٠٤:٦، الشرح الكبير ١٦٨:٦-١٦٩، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ١١٨٦/٦٦٧:٢، عيون المجالس ١٢٨٠/١٨١٦:٤، روضة القضاة ٣٢٣٥/٥٤٥:٢.

٥- تقدّم تخريجها في ص ٣٥٢، الهامش

٦- .


يوجب تقييد مطلق حديثه.

و نحن عندنا أنّ الموات للإمام، فافتقر إلى إذنه، و قال عليه السّلام: «ليس لعرق ظالم حقّ»(١)حكاه عنه الجمحي على ما نقله عنه الهروي في غريب الحديث ٢٩٥:١ «عرق»، و ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير ١٦٥:٦ نقلا عن سعيد بن منصور في سننه.(٢) قال هشام بن عروة في تفسيره: العرق الظالم أن يأتي الرجل الأرض الميتة لغيره فيغرس فيها(٢).

مسألة ١١٤٦: إذا أذن الإمام لشخص في إحياء الأرض الموات،

ملكها المحيي إذا كان مسلما، و لا يملكها الكافر بالإحياء و لا بإذن الإمام في الإحياء، فإن أذن الإمام فأحياها، لم يملك عند علمائنا - و به قال الشافعي(٣) - لما رواه العامّة في قوله عليه السّلام: «موتان الأرض للّه و لرسوله ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون»(٤).

و من طريق الخاصّة: ما تقدّم(٥) في كتاب عليّ عليه السّلام، و لأنّه كافر فلا يملك بالإحياء كالمستأمن، فإنّ عندهم إذا أحيا يصير ذمّيّا بذلك، و لأنّ موتان الدار من حقوقها و الدار للمسلمين فكانت لهم، كمرافق المملوك.

و قال مالك و أبو حنيفة و أحمد: إنّه لا فرق بين المسلم و الذمّيّ في التملّك بالإحياء؛ لعموم قوله عليه السّلام: «من أحيا أرضا ميتة فهي له»(٦) و لأنّ

١- تقدّم تخريجه في ص ٢٩٤، الهامش

٢- .

٣- الحاوي الكبير ٤٧٦:٧، المهذّب - للشيرازي - ٤٣٠:١-٤٣١، نهاية المطلب ٢٨٥:٨، الوجيز ٢٤١:١، الوسيط ٢١٨:٤، حلية العلماء ٤٩٧:٥، التهذيب - للبغوي - ٤٩٠:٤، البيان ٤١٣:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٠٧:٦، روضة الطالبين ٣٤٤:٤، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ١١٨٨/٦٦٨:٢.

٤- تقدّم تخريجه في ص ٣٥٢، الهامش (٩ و ١٠).

٥- في ص ٣٥٣-٣٥٤.

٦- تقدّم تخريجه في ص ٣٥٩، الهامش (٣).


الإحياء جهة من جهات التملّك، فاشترك فيها المسلم و الذمّيّ، كسائر جهاته من الاحتطاب و الاحتشاش و الاصطياد في دار الإسلام(١).

و الخبر مخصوص بما إذا لم يأذن له الإمام عندهم، و سائر التملّكات ليست معتبرة بأهل الدار، و لهذا يصحّ في(٢) المستأمن، بخلاف مسألتنا، و الحطب و الحشيش و الصيد يختلف، و لا يتضرّر المسلمون بأن يتملّكها الذمّيّ، بخلاف الأراضي.

و كذلك للذمّيّ نقل التراب من موات دار الإسلام إذا لم يتضرّر به المسلمون.

و للشافعيّة وجه في أنّ الذمّيّ يملك بالإحياء إن أذن له الإمام فيه(٣) ، و لا بأس به.

و المستأمن كالذمّيّ في الإحياء، و في الاحتطاب و نحوه، و الحربيّ ممنوع من جميع ذلك.

مسألة ١١٤٧: لو أحيا الذمّيّ أرضا في موات دار الإسلام،

فقد قلنا: إنّه لا يملكها بذلك، فإن أسلم بعد الإحياء فالأقرب: أنّه يصير كالمسلم، إن قلنا: يملك مطلقا من دون إذن الإمام، ملك هنا، و إن قلنا: يملك مع الإذن، ملك هنا بالإذن السابق إن قلنا: إنّ للإمام الإذن للذمّي في الإحياء.

١- الإشراف على نكت مسائل الخلاف ١١٨٨/٦٨٨:٢، عيون المجالس ٤: ١٢٨١/١٨١٧، الذخيرة ١٥٨:٦، مختصر القدوري: ١٤٠، روضة القضاة ٢: ٣٢٣٠/٥٤٤، الفقه النافع ١٠٦٤/١٣٠٨:٣، الهداية - للمرغيناني - ٩٩:٤، الاختيار لتعليل المختار ٩٥:٣، المغني و الشرح الكبير ١٦٧:٦-١٦٨، الحاوي الكبير ٤٧٦:٥، نهاية المطلب ٢٨٥:٨، حلية العلماء ٤٩٧:٥، البيان ٧: ٤١٣، العزيز شرح الوجيز ٢٠٨:٦.

٢- في «ص، ع»: «من» بدل «في».

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٠٧:٦، روضة الطالبين ٣٤٤:٤.


و لو لم يأذن له الإمام فأحيا، لم يملك، و ينزع من يده، فإن كان له فيه عين مال فله نقله، فإن بقي بعد النقل أثر العمارة فإن أحياه محيي بإذن الإمام ملكه، و إن لم يأذن له لم يملك عندنا؛ لأنّه لا يملك إلاّ بالإذن مع خلوّ الأرض فهنا أولى، و هو أحد وجهي الشافعيّة(١).

و لو ترك العمارة متبرّعا، تولّى الإمام أخذ غلّتها و صرفها إلى مصالح المسلمين، و لم يجز لأحد تملّكها، و هو قول الشافعي(٢).

مسألة ١١٤٨: لو لم تكن الأرض التي في بلاد الإسلام معمورة في الحال

و لكنّها كانت قبل ذلك معمورة جرى عليها ملك مسلم، فلا يخلو إمّا أن يكون المالك معيّنا أو غير معيّن، فإن كان معيّنا فإمّا أن تنتقل إليه بالشراء و العطيّة و شبههما، أو بالإحياء، فإن ملكها بالشراء و شبهه لم يملك بالإحياء بلا خلاف، قال ابن عبد البرّ: أجمع العلماء على أنّ ما عرف بملك مالك غير منقطع أنّه لا يجوز إحياؤه لأحد غير أربابه(٣).

و إن ملكها بالإحياء ثمّ تركها حتى [دثرت](٤) و عادت مواتا، فعند بعض علمائنا(٥) - و به قال الشافعي و أحمد(٦) - أنّه كالأوّل لا يصحّ لأحد [إحياؤها](٧) و لا تملك بالإحياء و العمارة، بل تكون للمالك أو لورثته؛

١- العزيز شرح الوجيز ٢٠٧:٦، روضة الطالبين ٣٤٤:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٠٧:٦، روضة الطالبين ٣٤٥:٤.

٣- التمهيد ٢٨٥:٢٢، و حكاه عنه ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير ١٦٥:٦.

٤- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «دثر». و المثبت يقتضيه السياق.

٥- لم نتحقّقه.

٦- المغني و الشرح الكبير ١٦٥:٦، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢: ١١٨٧/٦٦٨، عيون المجالس ١٢٧٩/١٨١٦:٤.

٧- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إحياؤه». و المثبت يقتضيه السياق.


لقوله عليه السّلام: «من أحيا أرضا ميتة في غير حقّ مسلم فهو أحقّ بها»(١).

و لأنّها أرض يعرف مالكها فلم تملك بالإحياء، كالتي ملكت بشراء أو بعطيّة.

و لقوله عليه السّلام: «ليس لعرق ظالم حقّ»(٢) و قد تقدّم(٣) أنّ العرق الظالم هو أن يأتي الرجل الأرض الميتة لغيره فيغرس فيها.

و لأنّ سليمان بن خالد سأل الصادق عليه السّلام: عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها و يجري أنهارها و يعمرها و يزرعها فماذا عليه ؟ قال:

«عليه الصدقة» قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال «فليؤدّ إليه حقّه»(٤).

و قال مالك: يصحّ إحياؤها، و يكون الثاني المحيي لها أحقّ بها من الأوّل؛ لأنّ هذه أرض أصلها مباح فإذا تركها حتى عادت إلى ما كانت عليه صارت مباحة، كما لو أخذ ماء من دجلة ثمّ ردّه إليها(٥) ، و لأنّ العلّة في تملّك هذه الأرض الإحياء و العمارة، فإذا زالا زالت العلّة فيزول المعلول و هو الملك، فإذا أحياها الثاني فقد أوجد سبب الملك فيثبت الملك له، كما لو التقط شيئا ثمّ سقط من يده و ضاع عنه فالتقطه غيره، فإنّ الثاني يكون أحقّ.

و لا بأس بهذا القول عندي.

و يدلّ عليه ما تضمّنه قول الباقر عليه السّلام حكاية عمّا وجده في كتاب٥.

١- تقدّم تخريجه في ص ٣٥٩، الهامش (٦).

٢- تقدّم تخريجه في ص ٢٩٤، الهامش (٢).

٣- في ص ٣٦٠.

٤- التهذيب ١٤٨:٧-٦٥٨/١٤٩.

٥- الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٦٦٧:٢-١١٨٧/٦٦٨، عيون المجالس ٤: ١٢٧٩/١٨١٥، المغني و الشرح الكبير ١٦٥:٦، حلية العلماء ٤٩٦:٥.


عليّ عليه السّلام(١)تقدّم تخريجه في ص ٣٥٣، الهامش (٥).(٢).

و لقول الصادق عليه السّلام: «أيّما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها و كرى أنهارها و عمرها فإنّ عليه فيها الصدقة، فإن كانت أرضا لرجل قبله فغاب عنها و تركها و أخربها ثمّ جاء بعد فطلبها فإنّ الأرض للّه عزّ و جلّ و لمن عمرها»(٢).

و إن كان المالك لهذه الأرض السابق غير معيّن ثمّ خربت و زالت آثار العمارة منها فإنّها للإمام عندنا، و لا يجوز لأحد إحياؤها إلاّ بإذنه، فإن بادر إليها إنسان و أحياها من دون إذنه لم يملكها.

و لو كان الإحياء حال غيبة الإمام عليه السّلام، كان المحيي أحقّ بها ما دام قائما بعمارتها، فإن تركها فزالت آثارها فأحياها غيره ملكها، فإذا ظهر الإمام عليه السّلام يكون له رفع يده عنها؛ لما تقدّم.

و اختلفت العامّة:

فقال أبو حنيفة: إنّما تملك بالإحياء - و به قال مالك - لما تقدّم(٣) من عموم الأخبار، و لأنّها أرض موات لا حقّ فيها لقوم بأعيانهم، فأشبهت ما لم يجر عليه ملك مالك، و لأنّها إن كانت في أرض دار الإسلام فهي كلقطة الإسلام، و إن كانت في أرض دار الكفر فهي كالركاز(٤).

و للشافعي قولان، هذا أحدهما؛ لما تقدّم، و الثاني: أنّه لا يجوز إحياؤها؛ لقوله عليه السّلام: «من أحيا أرضا ميتة في غير حقّ مسلم فهو أحقّ٧.

١- تقدّم تخريجه في ص ٣٥٤، الهامش

٢- .

٣- في ص ٣٥١ و ما بعدها.

٤- روضة القضاة ٣٢١٧/٥٤٢:٢، حلية العلماء ٤٩٥:٥، البيان ٤١٠:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٠٩:٦، المغني و الشرح الكبير ١٦٦:٦-١٦٧.


بها»(١)أورده الماوردي في الأحكام السلطانيّة: ١٩٠، و الجويني في نهاية المطلب ٨:

٢٨٣، و البغوي في التهذيب ٤٨٩:٤، و في الخراج - لأبي يوسف -: ٦٥، و السنن الكبرى - للبيهقي - ١٤٣:٦ بتفاوت يسير.(٢) قيّد بقوله: «في غير حقّ مسلم» و لأنّ هذه الأرض لها مالك فلا يجوز إحياؤها، كما لو كان معيّنا(٣).

و عن أحمد روايتان(٤) كالقولين.

و فصّل بعض الشافعيّة فقال: إن كانت العمارة السابقة على الخراب إسلاميّة فهي إمّا لمسلم أو لذمّيّ، و حكمها حكم الأموال الضائعة، و الأمر فيه(٥) إلى رأي الإمام إن أراد حفظه إلى أن يظهر مالكه، و إن رأى باعه و حفظ ثمنه، و له أن يستقرضه على بيت المال.

و عن مالك قول آخر: إنّ مالكها إن تركها مختارا عادت مواتا، و إن خربت بموته أو بغيبته فلا(٦).

و إن كانت العمارة جاهليّة، فللشافعي القولان السابقان:

أحدهما: أنّها لا تملك بالإحياء؛ لأنّها كانت مملوكة، و الموات ما لم يجر عليه ملك، و لأنّه يجوز أن يكون ملكا لكافر لم تبلغه الدعوة.

و أصحّهما عنده: أنّها تملك؛ لقوله عليه السّلام: «عاديّ الأرض للّه و رسوله ثمّ هي لكم منّي»(٦) و لأنّ الركاز يملك مع كونه مملوكا لأهل الجاهليّة،ر.

١- تقدّم تخريجه في ص ٣٥٩، الهامش

٢- .

٣- المهذّب - للشيرازي - ٤٣٠:١، حلية العلماء ٤٩٥:٥-٤٩٦، التهذيب - للبغوي - ٤٨٩:٤، البيان ٤١٠:٧-٤١١.

٤- المغني و الشرح الكبير ١٦٦:٦ و ١٦٧.

٥- تذكير الضمير هنا و فيما يأتي باعتبار الموات.

٦- العزيز شرح الوجيز ٢٠٩:٦.


فكذلك الأراضي(١).

و رفع ابن سريج الخلاف، و نزّل القولين على حالتين: إن بقي أثر العمارة أو كان معمورا في جاهليّة قريبة لم تملك بالإحياء، و إن [اندرست](٢) بالكلّيّة و تقادم عهدها ملكت(٣).

و عمّم بعضهم الخلاف، و فرّعوا على قول المنع أنّها إن أخذت بقتال فهي للغانمين، و إلاّ فهي من أراضي الفيء(٤).

و قال الجويني: موضع الخلاف ما إذا لم يعلم كيفيّة استيلاء المسلمين عليه و دخوله تحت يدهم، أمّا إذا علمت فإن دخلت تحت أيديهم بقتال فهي للغانمين، و إلاّ فهي فيء، و حصّة الغانمين تلتحق بملك المسلم الذي لا يعرف(٥).

و طرّد بعضهم الخلاف فيما إذا كانت العمارة إسلاميّة و لم يعرف مالكها، و قالوا: هي كلقطة لا يعرف مالكها(٦).

و الأكثرون فرّقوا بين ما إذا كانت لكافر و بين ما إذا كانت لمسلم(٧) ؛ لقوله عليه السّلام: «من أحيا أرضا ميتة في غير حقّ مسلم فهي له»(٨).).

١- العزيز شرح الوجيز ٢٠٨:٦-٢٠٩، روضة الطالبين ٣٤٥:٤-٣٤٦.

٢- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «اندرس». و المثبت يقتضيه السياق و كما في المصدر.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٠٩:٦، روضة الطالبين ٣٤٦:٤.

٤- التهذيب - للبغوي - ٤٩٠:٤، العزيز شرح الوجيز ٢٠٩:٦، روضة الطالبين ٤: ٣٤٦.

٥- نهاية المطلب ٢٨٣:٨، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٢٠٩:٦، و روضة الطالبين ٣٤٦:٤.

٦- العزيز شرح الوجيز ٢٠٩:٦، روضة الطالبين ٣٤٦:٤.

٧- العزيز شرح الوجيز ٢٠٩:٦، روضة الطالبين ٣٤٦:٤.

٨- تقدّم تخريجه في ص ٣٥٩، الهامش (٦).


البحث الثاني: في أراضي بلاد الكفّار.

مسألة ١١٤٩: أراضي بلاد الكفّار

إن كانت معمورة في الحال لم يكن للإحياء فيها مدخل، و كانت كسائر أموال الكفّار، فإن قهرناهم عليها ملكناها بالقهر و الغلبة، كسائر أموالهم، و إن لم تكن معمورة فهي للإمام عليه السّلام لا يجوز لأحد التصرّف فيها إلاّ بإذنه عند علمائنا؛ لما تقدّم(١) من قول الباقر عليه السّلام حكاية عمّا وجده في كتاب عليّ عليه السّلام.

و أمّا العامّة(٢) فقالوا: بلاد الشرك إمّا عامر و إمّا خراب.

فالعامر لا يملك بالإحياء، و إنّما يملك بالقهر و الغلبة.

و الخراب إذا لم يجر عليه ملك أحد ملك بالإحياء، سواء أحياه مسلم أو كافر.

و إن كان قد جرى عليه ملك مالك، فإن كان معيّنا لم يملك بالإحياء، و إن كان غير معيّن فللشافعي قولان(٣) ، كما تقدّم في الخراب من دار الإسلام.

قال أبو إسحاق من الشافعيّة: يحتمل أن يكون هذا لكافر لم تبلغه الدعوة، أو لمسلم ورثه عنه، فلم يجز إحياؤه(٤).

ثمّ اعترضوا على أنفسهم: بأنّ الموات في دار الإسلام قد كان للمشركين ثمّ قلتم: يجوز إحياؤه، و لهذا قال صلّى اللّه عليه و اله: «عاديّ الأرض للّه و لرسوله»(٥) يريد ديار عاد، و أهل الحرب مثل ذلك.

١- في ص ٣٥٣-٣٥٤.

٢- راجع: المغني و الشرح الكبير ١٦٧:٦.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢١٠:٦، روضة الطالبين ٣٤٧:٤.

٤- لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.

٥- تقدم تخريجه في ص ٣٦٥، الهامش (٦).


[و] أجابوا: بأنّ عاديّ الأرض إنّما أراد به ما تقدّم ملكه، و [مضت عليه](١) الأزمان، و ليس ذلك مختصّا بقوم عاد خاصّة، و إذا كان مثل ذلك فلا حكم للمالك، فأمّا ما قرب ملكه فيحتمل أن يكون له مالك باق و إن لم يتعيّن، فلهذا قلنا في أحد الوجهين: لا يجوز إحياؤه.

ثمّ اعترضوا: بأنّ الركاز يحلّ و إن جاز أن يكون له مالك.

و أجابوا: بأنّ ما ينقل و يحوّل يخالف الأرض، ألا ترى أنّ اللقطة في دار الإسلام يجوز تملّكها بعد الحول، و الأرض لا يجوز تملّكها إذا جهل مالكها، و إنّما افترقا لأنّ ما ينقل و يحوّل يخاف عليه التلف، بخلاف الأرض(٢).

و قال بعض الشافعيّة: الموات في دار الكفّار إن لم تكن معمورة في الحال و لا فيما تقدّم من الزمان فيملكها الكفّار بالإحياء، و أمّا المسلمون فينظر إن كان مواتا لا يذبّون المسلمين عنها، فلهم تملّكها بالإحياء أيضا، و لا تملك بالاستيلاء؛ لأنّها غير مملوكة لهم حتى تملك عليهم، و إن كان مواتا يذبّون المسلمين عنها، لم تملك بالإحياء، كالمعمور من بلادهم، فإن استولينا عليه ففيه وجوه:

أصحّها عندهم: أنّه يفيد اختصاصا كاختصاص التحجير؛ لأنّ الاستيلاء أبلغ منه.

و على هذا فسيأتي خلاف في أنّ الأحقّيّة بالتحجير هل يفيد جواز البيع ؟ إن قلنا: نعم، فهو غنيمة كالمعمور، و إن قلنا: لا - و هو الأصحّ٦.

١- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بقيت على». و المثبت كما في المصدر.

٢- المغني و الشرح الكبير ١٦٧:٦.

عندهم - فالغانمون أحقّ بإحياء أربعة أخماسه، و أهل الخمس أحقّ بإحياء خمسه، فإن أعرض الغانمون عن إحيائه فأهل الخمس أحقّ به؛ لأنّهم شركاء الغانمين، و كذا لو أعرض بعض الغانمين فالباقون أحقّ، و إن تركه الغانمون و أهل الخمس جميعا ملكه من أحياه من المسلمين.

و الثاني: أنّهم يملكونه بالاستيلاء، كالمعمور؛ لأنّهم حيث منعوا عنه فكأنّهم يملكوه، على أنّه يجوز أن يملك بالاستيلاء ما لم يكن مملوكا، كالذراري و النسوان.

و الثالث: أنّه لا يفيد الملك و لا التحجير؛ لأنّه لم يوجد عمل يظهر في الموات، فعلى هذا هو كموات دار الإسلام من أحياه ملكه.

و إن كانت معمورة من قبل و هي الآن خراب، فإن عرف مالكها فهي كالمعمورة، و إلاّ ففيه طريقة الخلاف و طريقة ابن سريج المذكورتان - فيما إذا كانت العمارة جاهليّة - في القسم الأوّل(١).

و إذا فتحنا بلدة صلحا على أن تكون لنا و لهم و هم يسكنون بجزية، فمعمورها فيء، و مواتها الذي كانوا يذبّون عنه هل يكون متحجّرا لأهل الفيء؟ فيه وجهان، أصحّهما عندهم ذلك، و على هذا فهو فيء في الحال، أو يحبّسه الإمام لهم ؟ فيه وجهان، أصحّهما عندهم: الثاني(٢).

و إن صالحناهم على أن تكون البلدة لهم، فالمعمور لهم، و الموات يختصّون بإحيائه، كما أنّ موات دار الإسلام يختصّ به المسلمون تبعا للمعمورة.

و قال بعضهم: إنّه يجب علينا الامتناع عن مواتها إذا شرطناه في٤.

١- العزيز شرح الوجيز ٢٠٩:٦-٢١٠، روضة الطالبين ٣٤٦:٤-٣٤٧.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢١٠:٦، روضة الطالبين ٣٤٧:٤.


الصلح(١).

و البيع التي للنصارى في دار الإسلام لا تملك عليهم، فإن تفانوا و هلكوا فهو كما لو تلف ذمّيّ لا وارث له فيكون فيئا.

مسألة ١١٥٠: قسّم علماؤنا الأراضي أقساما أربعة:

الأوّل: ما فتحه المسلمون عنوة بالسيف و القهر و الغلبة، كأرض العراق و الشام، و هذه إن كانت محياة وقت(٢) الفتح فهي للمسلمين قاطبة:

الغانمون و غيرهم، عند علمائنا.

و قالت العامّة: يختصّ بها الغانمون(٣).

و النظر فيها عندنا إلى الإمام يقبّلها من شاء بمهما شاء من نصف أو ثلث أو ربع أو أقلّ أو أكثر على حسب ما يقتضيه نظره، و على المتقبّل أداء مال القبالة إلى الإمام ليصرفه في جميع المصالح، كبناء القناطر و عمارة المساجد و الرّبط و سدّ الثغور و إعانة الغزاة في سبيل اللّه و أرزاق القضاة و غيرهم.

و إذا أخرج المتقبّل مال القبالة إلى الإمام، كان عليه بعد ذلك الزكاة في الباقي مع الشرائط، و لا تسقط الزكاة بالخراج.

و للإمام أن ينقلها من متقبّل إلى غيره بعد خروج مدّة القبالة، أو امتناعه من أداء مال القبالة، و بدونهما لا يجوز إزعاجه؛ عملا بالشرط.

و يدلّ على ذلك كلّه ما وجد في كتاب عليّ عليه السّلام(٤).

١- العزيز شرح الوجيز ٢١٠:٦، روضة الطالبين ٣٤٧:٤-٣٤٨.

٢- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «قبل» بدل «وقت».

٣- الحاوي الكبير ٢٥٩:١٤-٢٦٠، و ٢٦٥-٢٦٦، الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: ١٣٧، الأحكام السلطانيّة - للفرّاء -: ١٤٦، التهذيب - للبغوي - ٤٨٨:٧، البيان ١٦٢:١٢.

٤- تقدّم تخريجه في ص ٣٥٤، الهامش (٢).


و هذه الأرض لا يصحّ لأحد التصرّف فيها إلاّ بإذن الإمام، فإن تصرّف أحد فيها بدون إذنه انتزعها الإمام منه، و إن أذن الإمام له في التصرّف لم يملكها على الخصوص.

مسألة ١١٥١: و هذه الأرض لا يصحّ لأحد بيعها و لا هبتها و لا وقفها؛

لتوقّف ذلك على الملك، و قد قلنا: إنّ المتصرّف فيها غير مالك لها، و إنّها لجميع المسلمين، و قد سأل أبو بردة بن رجاء الصادق عليه السّلام، فقال له: كيف ترى في شراء أرض الخراج ؟ قال: «و من يبيع ذلك و هي أرض المسلمين ؟» قال: قلت: يبيعها الذي هي في يده، قال: «و يصنع بخراج المسلمين ما ذا؟» ثمّ قال: «لا بأس، اشتر حقّه منها، و تحوّل حقّ المسلمين عليه، و لعلّه يكون أقوى عليها و أملى بخراجهم منه»(١).

و عن محمّد بن شريح قال: سألت الصادق عليه السّلام: عن شراء الأرض من أرض الخراج، فكرهه، و قال: «إنّما أرض الخراج للمسلمين» فقالوا له:

فإنّه يشتريها الرجل و عليه خراجها، فقال: «لا بأس إلاّ أن يستحي من عيب ذلك»(٢).

و لو ماتت هذه الأرض، لم يصح إحياؤها؛ لأنّ المالك لها معروف، و هم المسلمون كافّة.

مسألة ١١٥٢: لو كانت هذه الأرض المفتوحة عنوة مواتا وقت الفتح،

فهي للإمام خاصّة عند علمائنا، و لا يجوز إحياؤها إلاّ بإذنه؛ لأنّه المالك لها؛ لما تقدّم(٣) في كتاب عليّ عليه السّلام.

١- التهذيب ١٥٥:٧-٦٨٦/١٥٦، الاستبصار ٣٨٧/١٠٩:٣.

٢- التهذيب ٦٥٤/١٤٨:٧، الاستبصار ٣٨٦/١٠٩:٣.

٣- في ص ٣٥٣-٣٥٤.


و لو تصرّف فيها أحد بغير إذنه، كان عليه طسقها يؤدّيه إليه عليه السّلام.

هذا إذا كان الإمام ظاهرا، و إن كان الإحياء حال الغيبة ملكها المحيي؛ لما تضمّنه كتاب عليّ عليه السّلام(١)بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ملكه». و المثبت يقتضيه السياق.(٢) ، فكأنّ الإذن هنا متحقّق.

القسم الثاني: أرض الصلح، و هي كلّ أرض فتحت بغير قتال و لا غلبة و لا قهر، بل صالح أهلها المسلمين، فإن صالحوهم على أن تكون الأرض لأربابها بشيء يبذلونه صحّ الصلح، و كانت ملكا لهم، و عليهم ما صالحهم الإمام عليه.

و هذه الأرض يملكها أهلها على الخصوص، و يصحّ لهم بيعها و هبتها و وقفها، و بالجملة، التصرّف بجميع التصرّفات؛ لأنّها [ملكهم](٢) هذا في العامر.

و أمّا الموات من هذه الأرض فإنّه باق على ما كان عليه، و هو للإمام خاصّة، فمن أحيا شيئا منه بإذن الإمام كان أولى به، و لو لم يأذن لم يملك، و عليه عقرها يؤدّيه إلى الإمام حالة الظهور، و أمّا حال الغيبة فيملكها المحيي المسلم.

و لو أذن الإمام للكافر في إحيائها، كان أولى(٣) بها من غيره.

و قال بعض العامّة: إذا أحياها المسلم لم يملكها، بخلاف دار الحرب حيث قلنا: إذا أحيا شيئا منها ملك؛ لأنّ دار الحرب تملك بالقهر و الغلبة فتملك بالإحياء، بخلاف هذه الدار التي حصلت لهم بالصلح؛ لأنّ».

١- تقدّم تخريجه في ص ٣٥٤، الهامش

٢- .

٣- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «أحقّ» بدل «أولى».


المسلمين لا يملكونها بالقهر و الغلبة(١).

و أمّا عندنا فلا فرق بين الدارين، الموات فيهما للإمام خاصّة.

و أمّا إذا صالحوهم على أن تكون الأرض للمسلمين، كأرض خيبر، فإنّه يصحّ، و يكون الحكم في ذلك حكم دار الإسلام؛ لأنّها صارت للمسلمين بالصلح، فحكم عامره و مواته حكم عامر بلاد المسلمين و مواتها على ما تقدّم، العامر للمسلمين كافّة، و الموات للإمام خاصّة عندنا.

و ما يحصل بالصلح فهو فيء، و حكمه حكم الفيء في أربعة أخماسه و خمسه.

فإن وقع الصلح على عامرها و مواتها، كان العامر للمسلمين، و الموات للإمام عندنا.

و عند العامّة يكون الجميع مملوكا لهم؛ لأنّهم يجعلون المقاتلة عن الموات بمنزلة التحجير يملك به على قول بعضهم(٢) ، و يكون أولى على قول آخرين(٣) ، يقوم المسلمون الذين ملكوا العامر منه مقامهم في التحجير، فيكونون أولى به من غيرهم، كما يكون المحجّر للموات أولى به من غيره.

الثالث: أرض من أسلم أهلها عليها طوعا، كأرض مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و اله، و البحرين.

و هذه الأرض لأربابها يملكونها على الخصوص، و ليس عليهم فيها شيء سوى الزكاة إذا حصلت شرائط الوجوب.

و قد روى إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السّلام: قلت له: رجل من أهل٤.

١- المغني ١٧٠:٦، الشرح الكبير ١٦٩:٦.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢١٧:٦، روضة الطالبين ٣٥٢:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢١٧:٦، روضة الطالبين ٣٥٢:٤.


نجران يكون له أرض ثمّ يسلم أيّ شيء عليه ؟ ما صالحهم عليه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله، أو ما على المسلمين ؟ قال: «عليه ما على المسلمين، إنّهم لو أسلموا لم يصالحهم النبيّ صلّى اللّه عليه و اله»(١).

الرابع: أرض الأنفال، و هي كلّ أرض خربة باد أهلها و استنكر رسمها، و كلّ أرض موات لم يجر عليها ملك لأحد و لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و قطائع الملوك و صوافيهم التي كانت في أيديهم من غير جهة الغصب من مسلم أو معاهد، و كلّ أرض مملوكة من غير قتال و انجلى أهلها عنها أو سلّموها طوعا، و الموات تقدّم الملك أو لا، و رؤوس الجبال و بطون الأودية و ما بهما، و الآجام، و كلّ غنيمة غنمها من يقاتل بغير إذن الإمام، و ميراث من لا وارث له.

و هذه كلّها للإمام خاصّة يتصرّف فيها كيف شاء، عند علمائنا أجمع.

مسألة ١١٥٣: قسّم الشافعي البلاد على ضربين:

ضرب أسلم أهلها عليها، كالمدينة و غيرها، عامرها مملوك لأهلها، و مواتها ما لم يجر عليه ملك يجوز إحياؤه، و ما جرى عليه ملك مسلم يعرف لم يجز إحياؤه، و ما لم يعلم مالكه فعلى وجهين.

و الثاني: ما فتح من بلاد المشركين، فهو على ضربين: ما فتح عنوة، و ما فتح صلحا.

فما فتح عنوة - كالعراق و غيره - عامره يكون غنيمة، و أمّا مواته فإن لم يكونوا دافعوا عنه فهو كموات دار الإسلام يملكه من أحياه، و إن كانوا دافعوا عنه فهل يكون ذلك كالتحجير له ؟ فيه وجهان:

١- التهذيب ٦٨٣/١٥٥:٧.


قال بعضهم: إنّه لا يكون تحجيرا؛ لأنّ التحجير هو عمل يؤثّر في الموات و يظهر.

و أكثرهم قالوا: إنّه تحجير، و قد يكون بغير أثر، و هو إقطاع السلطان.

و إذا لم يكن تحجيرا يكون كموات دار الإسلام.

و إن قلنا: يكون تحجيرا، فعلى قول أبي إسحاق من أنّه يجوز بيعه إذا حجّره يقتضي أن يكون مملوكا للمحجّر، فيكون هنا غنيمة للغانمين كالعامر.

و على قول غيره يكون ذلك تحجيرا للغانمين، أو يكونون أولى بإحيائه من غيرهم؛ لأنّه انتقل إليهم على الوجه الذي كان في أيدي المشركين يكون كبلاد الإسلام، إلاّ أنّه يكون بالمصالحة، و يقسّم على أهل الفيء، و يكون مواته إن مانعوا عنه ثمّ صالحوا على الوجهين، أحدهما:

لا يكون تحجيرا.

و هل يكون فيئا؟ وجهان، أحدهما: يكون فيئا، و الثاني: يكون تحجيرا لأهل الفيء.

و أمّا ما صالحوا على أن يكون لهم و يقرّون عليه فإنّ العامر لهم، و الموات يختصّون بإحيائه، و ليس للمسلمين أن يحيوه؛ لأنّ الموات تابع للعامر، كما أنّ أهل الكفر لا يجوز لهم إحياء موات دار الإسلام، و يفارق موات دار الحرب؛ لأنّ المسلمين يملكون العامر بالظهور عليه فملكوا الموات بالإحياء، بخلاف بلاد الصلح.

ثمّ قال الشافعي: إن وقع الصلح على عامرها و غامرها، فالموات ملك لمن ملك العامر.

و أجمع أصحابه على أنّه أراد الموات الذي دافعوا عنه و صالحوا

عليه.

فعلى قول أبي إسحاق يملك كما يملك العامر؛ لأنّ عنده يجوز بيعه.

و على قول غيره معناه أنّ من يده على العامر يملك إحياءه دون غيره.

و قال الشافعي أيضا: إذا وقع الصلح على مواتها صحّ، و كان الموات ملكا لمن ملك العامر(١).

و الاختلاف فيه و التأويل كالذي قبله.

و قد عرفت ما عندنا في ذلك كلّه.

مسألة ١١٥٤: كلّ أرض ترك أهلها عمارتها كان للإمام تقبيلها ممّن يقوم بها،

و عليه طسقها لأربابها؛ للنهي(٢) عن التعطيل(٣) ، و لقوله تعالى:

اَلنَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (٤) و للإمام هذا الحكم.

و يدلّ عليه أيضا ما وجد في كتاب عليّ عليه السّلام(٥).

و إذا استأجر مسلم دارا من حربيّ، صحّت الإجارة، و يملكها المسلمون، فإذا خرجت المدّة صار النظر فيها للإمام، و كانت المنافع للمسلمين.

مسألة ١١٥٥: قد بيّنّا أنّ أرض الخراج لجميع المسلمين لا يصحّ بيعها،

فإن باعها بائع كانت يده عليها كان للإمام انتزاعها من يده بعد ردّ الثمن إلى المشتري؛ لما رواه محمّد الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام أنّه سئل

١- راجع: الحاوي الكبير ٥٠٢:٧ و ما بعدها.

٢- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «لنهي النبيّ صلّى اللّه عليه و اله» بدل «للنهي».

٣- راجع: الكافي ١/٢٩٧:٥، و التهذيب ٢٣٢:٧-١٠١٥/٢٣٣.

٤- سورة الأحزاب: ٦.

٥- تقدّم تخريجه في ص ٣٥٤، الهامش (٢).


عن السواد ما منزلته ؟ فقال: «هو لجميع المسلمين، لمن هو اليوم، و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، و لمن لم يخلق بعد» فقلنا: الشراء من الدهاقين ؟ قال: «لا يصلح إلاّ أن يشتري منهم على أن يصيّرها للمسلمين، فإذا شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها» قلنا: فإن أخذها منه ؟ قال: «يردّ إليه رأس ماله، و له ما أكل من غلّتها بما عمل»(١).

و عن أبي الربيع الشامي عن الصادق عليه السّلام قال: «لا يشترى من أرض أهل السواد شيء إلاّ من كانت له ذمّة فإنّما هو فيء للمسلمين»(٢).

مسألة ١١٥٦: إذا اشترى شيئا من أرض الخراج

فقد قلنا: إنّه لا يصحّ، فإن اشتراه لم يكن بيعا حقيقيّا، بل إخراج ما في يد البائع عنه و إثبات يده عليه، فحينئذ يصير الخراج الذي على تلك الأرض للمسلمين عليه؛ لما رواه محمّد بن شريح قال: سألت الصادق عليه السّلام: عن شراء الأرض من أرض الخراج، فكرهه، و قال: «إنّما أرض الخراج للمسلمين» فقالوا له: فإنّه يشتريها الرجل و عليه خراجها، فقال: «لا بأس إلاّ أن يستحي من عيب ذلك»(٣).

و في الصحيح عن محمّد بن مسلم قال: سألته عن شراء أرضهم، فقال: «لا بأس أن تشتريها فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم تؤدّي فيها ما يؤدّون فيها»(٤).

و إذا اشترى المسلم من أرض الخراج شيئا ثمّ نزله بعض أهل الذمّة،

١- التهذيب ٦٥٢/١٤٧:٧، الاستبصار ٣٨٤/١٠٩:٣.

٢- الفقيه ٦٦٧/١٥٢:٣، التهذيب ٦٥٣/١٤٧:٧، الاستبصار ٣٨٥/١٠٩:٣، بتفاوت في بعض الألفاظ.

٣- تقدّم تخريجه في ص ٣٧١، الهامش (٢).

٤- التهذيب ٦٥٦/١٤٨:٧، الاستبصار ٣٨٩/١١٠:٣.

كان له أن يشترط عليهم أجرة عن تلك المدّة زيادة عن الجزية؛ لما رواه إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن رجل اشترى أرضا من أرض الخراج فبنى فيها أو لم يبن غير أنّ أناسا من أهل الذمّة نزلوها أله أن يأخذ [منهم](١) أجرة البيوت إذا أدّوا جزية رؤوسهم ؟ قال: «يشارطهم، فما أخذ بعد الشرط فهو حلال»(٢).

مسألة ١١٥٧: أرض سواد العراق إن أسلم أهلها عليها لم تخرج عن المسلمين؛ لأنّهم ملكوها بالقهر،

فلا تخرج عن ملكهم بتجدّد إسلام من كانت في يده.

و لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت الصادق عليه السّلام: عمّا اختلف فيه ابن أبي ليلى و ابن شبرمة في السواد و أرضه، فقلت: إنّ ابن أبي ليلى قال: إنّهم إذا أسلموا [فهم] أحرار، و ما في أيديهم من أرضهم لهم، و أمّا ابن شبرمة فزعم أنّهم عبيد، و أنّ أرضهم التي بأيديهم ليست لهم، فقال: «في الأرض ما قال ابن شبرمة» و قال: «في الرجال ما قال ابن أبي ليلى: إنّهم إذا أسلموا فهم أحرار»(٣).

و أمّا أرض أهل الجزية فإنّها لهم إذا صالحناهم على أنّ الأرض لهم و يؤدّون الجزية، فلهم حينئذ بيعها على ما تقدّم.

فإذا باع أحدهم شيئا من الأرض على مسلم صحّ البيع، و ملكها المسلم، و انتقل ما كان على تلك الأرض من الجزية إلى رؤوسهم إن كان

١- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «منها». و المثبت كما في المصدر.

٢- التهذيب ٦٧٩/١٥٤:٧ بتفاوت.

٣- التهذيب ٦٨٤/١٥٥:٧، و ما بين المعقوفين أثبتناه منه.


الإمام قد شرط الجزية حين(١) عقد الذمّة على أرضهم؛ لأنّ الجزية وضعت للاستهانة و الإذلال، و ذلك ينافي حال المسلم، و لا بدّ من الجزية، فوجب انتقالها إلى رأس الذمّي.

و كذا لو كان قد عقد الذمّة بأداء جزية عن أرضه و نفسه، انتقل ما على تلك الأرض إذا باعها من المسلم على رأسه، و أخذت الجزية بأسرها منه.

و لو شرطها الذمّي على المشتري المسلم، لم يصح الشرط.

تنبيه: كلّ أرض جرى عليها ملك لمسلم فهي له و(٢) لورثته بعده.

و إن لم يكن لها مالك معروف، فهي للإمام، و لا يجوز إحياؤها إلاّ بإذنه، و لو بادر إنسان فأحياها من دون إذنه لم يملكها حال الغيبة، و لكن يكون المحيي أحقّ بها ما دام قائما بعمارتها، فلو تركها فبادت آثارها فأحياها غيره فهو أحقّ، و مع ظهوره عليه السّلام له رفع يده عنها.

المطلب الثاني: في المعادن.

المعادن: هي المواضع التي خصّها اللّه تعالى بإيداع شيء من الجواهر المطلوبة فيها، و هي إمّا ظاهرة أو باطنة.

فالظاهرة عند أكثر علمائنا من الأنفال يختصّ بها الإمام عليه السّلام خاصّة.

و قال بعضهم: إنّ الناس فيها شرع سواء(٣) ، و هو قول العامّة(٤).

١- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «حال» بدل «حين».

٢- في «ر، ع»: «أو» بدل «و».

٣- الشيخ الطوسي في المبسوط ٢٧٤:٣.

٤- مختصر المزني: ١٣١، الحاوي الكبير ٤٩١:٧، نهاية المطلب ٣٠٥:٨، الوجيز ٢٤٣:١، البيان ٤١٧:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٢٨:٦-٢٢٩، روضة الطالبين ٣٦٥:٤، المغني ١٧٣:٦-١٧٤، الشرح الكبير ١٧٢:٦.


و المراد بالظاهرة ما يبدو جوهرها من غير عمل، و إنّما السعي و العمل لتحصيله إمّا سهلا أو متعبا، و لا يفتقر إلى إظهار، كالملح و النفط و القار(١) و القطران و المومياء و الكبريت و أحجار الرحى و البرمة(٢) و الكحل و الياقوت و مقالع الطين و أشباهها.

و هذه(٣) لا يملكها أحد بالإحياء و العمارة و إن [ازداد](٤) بها النّيل إجماعا، و لا تختصّ بالتحجير.

و هل يجوز للإمام إقطاعها؟ منع العامّة منه(٥) ؛ لأنّ أبيض بن حمّال المأربي قال: استقطعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله معدنا من الملح بمأرب فأقطعنيه، فقلت: يا رسول اللّه إنّه بمنزلة الماء العدّ، يعني أنّه لا يقطع، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «فلا إذن»(٦).

و رووا أيضا أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أراد أن يقطعه ملح مأرب لمّا استقطعه، فقال له الأقرع بن حابس: أتدري يا رسول اللّه ما الذي تقطعه، إنّما هو الماء العدّ، فقال: «فلا إذن»(٧).ت.

١- القير و القار لغتان، و هو شيء أسود تطلى به الإبل و السفن، و قيل: هو الزفت. لسان العرب ١٢٤:٥ «قير».

٢- البرمة: القدر مطلقا، و هي في الأصل: المتّخذة من الحجر المعروف بالحجاز و اليمن. لسان العرب ٤٥:١٢ «برم».

٣- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «فهذه».

٤- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أراد». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز ٢٢٨:٦، و في روضة الطالبين ٣٦٥:٤: «زاد».

٥- مختصر المزني: ١٣١، الحاوي الكبير ٤٩١:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٢٨:٦، روضة الطالبين ٣٦٥:٤، المغني ١٧٤:٦، الشرح الكبير ١٧٢:٦.

٦- المغني ١٧٤:٦، الشرح الكبير ١٧٢:٦-١٧٣.

٧- العزيز شرح الوجيز ٢٢٩:٦، و في سنن ابن ماجة ٢٤٧٥/٨٢٧:٢، و سنن أبي داود ١٧٤:٣-٣٠٦٤/١٧٥، و سنن الترمذي ١٣٨٠/٦٦٤:٣ بتفاوت.


و الماء العدّ: الدائم الذي لا ينقطع(١) ، يريد أنّه بمنزلته لا ينقطع، و لا يحتاج إلى عمل.

و لأنّ المسلمين أجمعوا على أنّه لا يجوز إقطاع مشارع الماء كذا هنا.

و هذه الروايات لا تجيء على مذهبنا؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله معصوم من الخطأ.

و يحتمل عندي جواز أن يقطع السلطان المعادن إذا لم يتضرّر بها المسلمون.

و على ما قاله بعض علمائنا(٢) من أنّها مختصّة بالإمام عليه السّلام يجوز له إقطاعها ممّن شاء، حتى أنّه لا يجوز لأحد التصرّف فيها ما ظهر و لا ما بطن، فإن أحيا أحد الباطن لم يملكه بالإحياء إلاّ بإذنه عليه السّلام.

مسألة ١١٥٨: قد بيّنّا أنّ المعادن الظاهرة لا تملك بالإحياء؛

لقوله عليه السّلام:

«الناس شركاء في ثلاث: الماء و النار و الكلأ» رواه العامّة(٣).

و من طريق الخاصّة: ما رواه محمّد بن سنان عن الكاظم عليه السّلام، قال:

سألته عن ماء الوادي، فقال: «إنّ المسلمين شركاء في الماء و النار و الكلأ»(٤).

إذا ثبت هذا، فلو حوّط واحد على بعض هذه المعادن الظاهرة حائطا و اتّخذ عليه دارا أو بستانا، لم يملك البقعة بذلك؛ لفساد قصده، فإنّ

١- النهاية - لابن الأثير - ١٨٩:٣ «عود».

٢- كالشيخ المفيد في المقنعة: ٢٧٨، و سلاّر في المراسم: ١٤٠، و ابن البرّاج في المهذّب ١٨٦:١.

٣- الحاوي الكبير ٥٠٨:٧، المهذّب - للشيرازي - ٤٣٥:١، المغني ١٧٦:٦، الشرح الكبير ١٧٥:٦.

٤- الفقيه ١٥٠:٣-٦٦٢/١٥١، التهذيب ٦٤٨/١٤٦:٧.


المعدن لا يتّخذ مسكنا و لا بستانا، و لأنّ إحياءه لا يجوز على ما تقدّم.

و للشافعيّة فيه قول: إنّه يجوز ذلك(١).

مسألة ١١٥٩: هذه المعادن الظاهرة الناس فيها شرع على ما تقدّم،

فمن سبق إليها كان له أخذ حاجته منها، و لو ازدحم اثنان و ضاق المكان، فالسابق أولى.

و بأيّ قدر يستحقّ التقدّم ؟ عبارة أكثر الأصحاب تقتضي أنّه يتقدّم بأخذ قدر الحاجة، و لم يبيّنوا أنّ المراعى حاجة يوم أو سنة.

و الأولى: الرجوع في ذلك إلى العرف، فيأخذ ما تقتضيه العادة لأمثاله.

و لو أراد الزيادة على ما يقتضيه حقّ السبق، فالأقرب: أنّ له ذلك، دفعا للحاجة مطلقا.

و لقوله عليه السّلام: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحقّ [به]»(٢).

و يحتمل أن لا يمكّن و يزعج عنه، فإنّ عكوفه عليه كالتحجير و التحويط المانع للغير.

و الفرق بينه و بين مقاعد الأسواق: شدّة الحاجات إلى نيل المعادن، فلهذا أزعجنا المقيم عليها، بخلاف مقاعد الأسواق، فإنّه لا يزعج؛ لقلّة الحاجة فيها.

و لو جاءا معا، فإن أمكن اجتماعهما و أن يأخذ كلّ منهما مطلوبه جمع بينهما، و إن لم يمكن الجمع أقرع بينهما.

١- الوسيط ٢٣١:٤، العزيز شرح الوجيز ٢٢٩:٦، روضة الطالبين ٣٦٥:٤.

٢- أورده ابنا قدامة في المغني ١٧١:٦، و الشرح الكبير ١٨٤:٦، و الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٢٢٩:٦، و ما بين المعقوفين أثبتناه منها.


و قال بعض علمائنا: ينصب الحاكم من يقسّم بينهما(١).

و للشافعية ثلاثة أوجه: هذان، و الثالث: أنّ الإمام يجتهد و يقدّم من يراه أحوج و أحقّ(٢).

و قال بعض الشافعيّة: هذه الوجوه الثلاثة إنّما هي فيما إذا كانا يأخذان للحاجة لا للتجارة، فإن كانا يأخذان للتجارة حكم بالمهايأة بينهما فيه، فإن تشاحّا في السبق أقرع، و كان الفرق: أنّ التأخير لغرض التجارة أليق(٣).

و المشهور عندهم: الحكم بالمساواة بين التجارة و الحاجة في الوجوه الثلاثة(٤).

و على القول بالفرق بين التجارة و الحاجة لو كان أحدهما يأخذ للتجارة و الآخر يأخذ للحاجة، قدّم الذي يأخذ للحاجة(٥).

تذنيب: من المعادن الظاهرة الملح الذي ينعقد من الماء، و كذا الجبليّ إن كان ظاهرا لا يحتاج فيه إلى حفر و تنحية تراب، و الكحل و الجصّ و المدر و أحجار النورة من الظاهرة أيضا.

و عدّ بعض الشافعيّة الملح الجبليّ من الباطنة(٦).

و عدّ آخرون الكحل و الجصّ منها(٧).

آخر: لو كان إلى جانب المملحة أرض موات إذا حفر فيها بئر وسيق إليها الماء صار ملحا، صحّ ملكها بالإحياء، و اختصّ بها المحجّر.٤.

١- كما في شرائع الإسلام ٢٧٨:٣.

٢- المهذّب - للشيرازي - ٤٣٢:١، حلية العلماء ٥٠٧:٥، التهذيب - للبغوي - ٤: ٤٩٦، البيان ٤١٨:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٢٩:٦، روضة الطالبين ٣٦٥:٤ - ٣٦٦.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٢٩:٦، روضة الطالبين ٣٦٦:٤.

٤- العزيز شرح الوجيز ٢٢٩:٦، روضة الطالبين ٣٦٦:٤.

٥- العزيز شرح الوجيز ٢٣٠:٦، روضة الطالبين ٣٦٦:٤.

٦- العزيز شرح الوجيز ٢٣٠:٦، روضة الطالبين ٣٦٦:٤.

٧- التهذيب - للبغوي - ٤٩٧:٤، العزيز شرح الوجيز ٢٣٠:٦، روضة الطالبين ٣٦٦:٤.


و لو أقطعها الإمام صحّ، كما لو أحيا مواتا؛ لأنّه لا ينتفع بها إلاّ بالعمل فيها، بخلاف المعادن الظاهرة حيث كان ينتفع بها من غير حاجة إلى عمل.

القسم الثاني: المعادن الباطنة، و هي التي لا تظهر إلاّ بالعمل، و لا يوصل إليها إلاّ بعد المعالجة و المؤونة عليها، كمعادن الذهب و الفضّة و الحديد و النحاس و الرصاص و البلّور و الفيروزج و الياقوت و سائر الجواهر المبثوثة في طبقات الأرض، كحجارة البرام و غيرها ممّا يكون في بطون الأرض و الجبال.

و بين الشافعيّة خلاف في كون [حجر](١) الحديد من الظاهرة أو الباطنة، و كذا ما يشبهه؛ لأنّ ما فيها من الجوهر باد على الحجر، فلا يكون من الباطنة(٢).

و الظاهر أنّها منها عندهم؛ لأنّه لا يستخرج إلاّ بالمعاناة، و البادي على الحجر ليس عين الحديد، بل هو مخيّلته(٣).

إذا عرفت هذا، فالمعادن الباطنة إمّا أن تكون ظاهرة أو لا.

فإن كانت ظاهرة لم تملك بالإحياء أيضا؛ لما تقدّم في المعادن الظاهرة، و تكون للإمام عند بعض علمائنا(٤) ، لا يجوز لأحد التصرّف فيها إلاّ بإذنه عليه السّلام، و عند الباقين تكون لجميع المسلمين؛ لأنّ الناس فيها شرع.

و إن لم تكن ظاهرة، بل إنّما تظهر بالإنفاق عليها و العمل فيها، فهي للإمام أيضا عند بعض علمائنا(٥) ، و لا تملك بالإحياء إلاّ بإذنه.

و عند الباقين أنّها لجميع من سبق إليها و أحياها، فحينئذ يملكها١.

١- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٢- نهاية المطلب ٣٢١:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٣٠:٦، روضة الطالبين ٣٦٦:٤.

٣- نهاية المطلب ٣٢١:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٣٠:٦، روضة الطالبين ٣٦٦:٤.

٤- راجع: الهامش (٢) من ص ٣٨١.

٥- راجع: الهامش (٢) من ص ٣٨١.


المحيي - و هو محكيّ عن أبي حنيفة، و هو أحد قولي الشافعي(١) - لأنّه غير مملوك، و لا يتوصّل إلى منفعته إلاّ بمعالجة و مؤونة، فأشبه موات الأرض إذا أحييت.

و الثاني للشافعي: أنّها لا تملك بالإحياء، كالمعادن الظاهرة، و ليس كإحياء الموات؛ لأنّه إذا أحيا ثبت الإحياء فيه، و استغنى عن العمل كلّ يوم، و النّيل مبثوث في طبقات الأرض يحوج كلّ يوم إلى حفر و عمل، و لأنّ الإحياء الذي يملك به إنّما هو العمارة، و هذا إنّما ينتفع بتخريبه، و لأنّ المحيا ما يتكرّر الانتفاع به بعد عمارته من غير إحداث عمارة، و هذا لا يمكن في المعادن(٢).

قال الشافعي: إنّه لو ملكه لجاز له بيعه، و لأنّ من حفر بئرا في البادية لا يملكها بذلك، كذلك هنا(٣).

و نمنع امتناع بيعه و الملازمة، و إنّما لم يملك البئر حافرها؛ لأنّه لم يقصدها، و الفرق واقع بين الباطنة و الظاهرة؛ فإنّ الظاهرة لا تفتقر إلى مؤونة و لا عمل.

و نمنع انحصار الإحياء في العمارة، سلّمنا لكن الحفر إنّما هو تخريب الأرض لا المعدن، و إظهاره بمنزلة عمارته؛ لاشتراكهما في الانتفاعيّة.».

١- المهذّب - للشيرازي - ٤٣٢:١، نهاية المطلب ٣٢١:٨، الوسيط ٢٣١:٤، الوجيز ٢٤٣:١، حلية العلماء ٥٠٨:٥، التهذيب - للبغوي - ٤٩٧:٤، البيان ٤١٩:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٣٠:٦-٢٣١، روضة الطالبين ٣٦٦:٤، المغني ١٧٥:٦، الشرح الكبير ١٧٣:٦.

٢- المهذّب - للشيرازي - ٤٣٢:١، نهاية المطلب ٣٢١:٨، الوسيط ٢٣١:٤، الوجيز ٢٤٣:١، حلية العلماء ٥٠٨:٥، التهذيب - للبغوي - ٤٩٧:٤، البيان ٤١٩:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٣٠:٦-٢٣١، روضة الطالبين ٣٦٦:٤، المغني ١٧٥:٦، الشرح الكبير ١٧٣:٦.

٣- البيان ٤١٩:٧، و فيه إلى قوله: «بيعه».


و نمنع تفسير المحيا بما ذكر(١).

تذنيب: لو أظهر السيل قطعة ذهب أو جاء بها، التحقت بالمعادن الظاهرة.

مسألة ١١٦٠: إنّما تملك المعادن الباطنة بالإحياء،

و هو أن يحفرها حتى يبلغ النّيل و يظهره مع قصد التملّك، كما إذا حفر بئرا في الموات على قصد التملّك ملكه إذا وصل إلى الماء، و لو لم يقصد التملّك لم يملك.

و كذا لو حفر المعدن و لم يصل إليه لم يملكه، و يكون ذلك تحجيرا بالسبق إليه و العمل فيه، و لهذا يجوز للسلطان إقطاعه، و يكون المحجّر أحقّ به و بمرافقه على قدر حاجته في العمل عليه، كما في البئر، و إذا انصرف عنه لم يكن لغيره العمل فيه.

و إذا اتّسع الحفر و لم يوجد النّيل إلاّ في الوسط أو بعض الأطراف، لم يقتصر الملك على محلّ النّيل، بل كما يملكه يملك ممّا حواليه ما يليق بحريمه، و هو قدر ما تقف الأعوان و الدوابّ.

و من جاوز ذلك و حفر لم يمنع و إن وصل إلى العرق، سواء قلنا: إنّ المعدن يملك بحفره أو لم نقل؛ لأنّه إن ملكه فإنّما يملك المكان الذي حفره، و أمّا العرق الذي في الأرض فلا يملكه بذلك.

و من وصل إليه من جهة أخرى فله أخذه.

و لو ظهر في ملكه معدن بحيث يخرج النّيل عن أرضه فحفر إنسان من خارج أرضه، كان له أن يأخذ ما يخرج عن أرضه؛ لأنّه لا يملكه، إنّما يملك ما هو من أجزاء أرضه، و ليس لأحد أن يأخذ ما كان داخلا في أرضه من أجزاء الأرض الباطنة، كما لا يملك أخذ أجزائها الظاهرة.

١- في النّسخ الخطّيّة: «ذكره».


و على القول الثاني للشافعي من أنّه لا يملك المعادن الباطنة بالإحياء فمن سبق إلى موضع كان أحقّ به، فإذا طال عكوفه عليه ففي إزعاجه عنه قولان، كما في المعادن الظاهرة(١).

و منهم من قطع هنا أنّه لا يزعج؛ لأنّ هناك يمكن الأخذ دفعة واحدة، فلا حاجة إلى إطالة المكث، و لأنّ النّيل هنا لا يحصل إلاّ بتعب و مشقّة، فيقدّم السابق على اللاحق(٢).

و إذا ازدحم اثنان، فعلى الوجوه المذكورة عندهم في المعادن الظاهرة(٣).

و في جواز إقطاعها على هذا القول قولان للشافعيّة:

أحدهما: المنع، كالمعادن الظاهرة.

و أصحّهما عندهم: الجواز - و هو مذهبنا - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أراد إقطاع ملح مأرب أو أقطعه، فلمّا قيل له: إنّه كالماء العدّ، امتنع منه(١) ، فدلّ على أنّ الباطن يجوز إقطاعه(٢).

و لا يبعد دخول الإقطاع فيما لا يملك، كمقاعد الأسواق.

مسألة ١١٦١: لو أحيا أرضا،

ملكها بالإحياء؛ لأنّه سبب في التملّك على ما تقدّم، فإن وجد فيها معدنا ملكه، سواء كان ظاهرا أو باطنا؛ لأنّه ملك الأرض بجميع أجزائها، و ذلك منها؛ لأنّ المعدن مخلوق خلقة الأرض، فهو جزء من أجزائها، بخلاف ما إذا وجد كنزا، فإنّه لا يملكه بإحياء الأرض؛ لأنّه مودع فيها، بل ملكه بالظهور عليه، و يخمّس إن كان

١- راجع: الهامش (٦ و ٧) من ص ٣٨٠.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٣١:٦، روضة الطالبين ٣٦٧:٤.


ركازا، و إلاّ كان لقطة، و لهذا قلنا: إذا اشترى أرضا فوجد فيها معدنا أو حجارة مثبتة دخلت في البيع، فإن كانت مودعة لم تتبع الأرض.

مسألة ١١٦٢: إذا أقطع الإمام بعض المعادن الباطنة،

لم يقطعه إلاّ بقدر ما يتمكّن المقطع من العمل عليه و الأخذ منه؛ لأنّ الزائد عليه يضيق على الناس من غير أن ينتفع به أحد، فيكون ممنوعا منه، و هو قول الشافعي(١).

و قال علماؤنا: للإمام أن يقطعه الزائد.

و يجوز العمل على المعدن الباطن و الأخذ منه من غير إذن الإمام، فإنّه إمّا كالمعدن الظاهر، أو كالموات، و به قال الشافعي على القولين بجواز الإقطاع و عدمه(٢).

و قد بيّنّا أنّه إذا أحيا أرضا ميتة فوجد فيها معدنا باطنا ملكه بالإحياء إذا لم يكن عالما بأنّ فيها معدنا، فإن كان عالما و اتّخذ عليه دارا ففي ملك المعدن للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّه على القولين السابقين.

و الثاني: القطع بأنّه ملك، كما لو لم يعلم(٣) ، و هو الأقوى عندي.

و أمّا البقعة المحياة فقد قال الجويني: ظاهر مذهب الشافعي أنّها لا تملك؛ لأنّ المعدن لا يتّخذ دارا و لا مزرعة، و القصد فاسد، و قال بعضهم: يملكها بالإحياء(٤).

مسألة ١١٦٣: إحياء المعدن الباطن الوصول إلى نيله،

و قبل ذلك يكون

١- العزيز شرح الوجيز ٢٣١:٦، روضة الطالبين ٣٦٧:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٣١:٦، روضة الطالبين ٣٦٧:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٣١:٦-٢٣٢، روضة الطالبين ٣٦٧:٤.

٤- نهاية المطلب ٣٢٣:٨، و حكاه عنه أيضا الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٦: ٢٣٢، و النووي في روضة الطالبين ٣٦٧:٤.


العمل تحجيرا يفيد أولويّة و اختصاصا لا تملّكا.

و يجوز للسلطان إقطاعه، و يكون المقطع أحقّ به و بمرافقه على قدر حاجته في العمل عليه إن كان يخرج منه بالأيدي، و إن [كان] يخرج بأعمال(١).

و إذا انصرف عنه، لم يكن لغيره العمل فيه؛ لأنّه قد حجّره الأوّل، بل يقول السلطان مع الأوّل: إمّا أن تحييه، أو تخلّي بينه و بين غيرك، فإن طلب الأوّل منه الأجل أجّله بحسب ما يقتضيه رأي الإمام.

و على أحد قولي الشافعي من أنّ المعادن الباطنة لا تملك بالإحياء ففي جواز إقطاعها قولان:

أحدهما: ليس له أن يقطعه؛ لأنّه لا يملكه بالإحياء، فلم يكن له إقطاعه، كالمعادن الظاهرة.

و الثاني: له إقطاعه(٢) ؛ لما روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أقطع بلال بن الحارث المعادن القبليّة(٣) جلسيّها(٤) و غوريّها(٥)(٦).

و على القول بجواز الإقطاع فمن أقطع كان أحقّ به، و إذا سبق إليه كان أحقّ به أيضا.٤.

١- كذا قوله: «يخرج بأعمال» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة من دون جواب الشرط.

٢- المهذّب - للشيرازي - ٤٣٣:١-٤٣٤.

٣- القبليّة: منسوبة إلى «قبل»، و هي ناحية من ساحل البحر، بينها و بين المدينة خمسة أيّام. النهاية - لابن الأثير - ١٠:٤ «قبل».

٤- نسبة إلى الجلس، و هو كلّ مرتفع من الأرض. النهاية - لابن الأثير - ٢٨٦:١ «جلس»، و ٣٩٣:٣ «غور».

٥- نسبة إلى الغور، و هو ما انخفض من الأرض. النهاية - لابن الأثير - ٣٩٣:٣ «غور».

٦- سنن أبي داود ١٧٣:٣-٣٠٦٢/١٧٤.


و إذا استبق اثنان و استويا، فللشافعيّة فيه الوجوه الثلاثة: القرعة و القسمة و أن يقدّم الإمام من يختار(١).

فقد حصل في هذه المعادن للشافعي ثلاثة أقوال:

أحدها: تملك و تقطع و تحجّر.

و الثاني: لا تملك و لا تقطع و لا تحجّر.

و الثالث: لا تملك و لا تحجّر، و يجوز إقطاعها.

مسألة ١١٦٤: إذا غنم المسلمون بلاد المشركين و فيها موات قد عمل جاهليّ فيه معدنا،

لم يكن غنيمة، و لا يملكه الغانمون، فيكون على أصل الإباحة كالموات؛ لأنّه لا يعلم هل من أظهره قصد التملّك أم لا؟ فلا يدرى أنّه كان ملكه فيغنم، و الأصل أنّه على الإباحة، و جرى ذلك مجرى من حفر بئرا في البادية ثمّ ارتحل عنها جاز لغيره الانتفاع بها؛ لأنّها لا يعلم أنّه تملّكها.

و لو اشترى دارا فظهر فيها معدن، كان للمشتري؛ لأنّه جزء من أجزائها.

و لو وجد فيها كنزا مدفونا، فإن كان من دفن الجاهليّة ملكه بالإصابة و الظهور عليه، و حكمه حكم الكنوز، و إن كان دفن الإسلام فهو لقطة.

و لو كان في أرض اشتراها، عرّف البائع، فإن عرفه كان له؛ لأنّ الكنز مودع في الأرض ليس جزءا منها، فلا يدخل في البيع.

مسألة ١١٦٥: يجوز لمالك المعدن الباطن أن يبيعه،

و هو أحد قولي الشافعي(٢).

١- العزيز شرح الوجيز ٢٣١:٦، روضة الطالبين ٣٦٧:٤.

٢- نهاية المطلب ٣٢٤:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٣٢:٦، روضة الطالبين ٣٦٧:٤.


و الظاهر عنده: المنع من البيع؛ لأنّ المقصود منه النّيل، و النّيل متفرّق في طبقات الأرض، مجهول القدر و الصفة، فصار كما لو جمع قدرا من تراب المعدن و فيه النّيل و باعه(١).

و ليس بجيّد؛ لأنّ مورد البيع رقبة المعدن، و النّيل فائدته و ريعه.

مسألة ١١٦٦: إذا ملك أرضا بالإحياء أو الشراء و شبهه فوجد فيها معدنا باطنا،

كان(٢) هذا المعدن ملكه على ما تقدّم، و به قال الشافعي(٣) ، أو أحيا المعدن فإنّه يملكه عندنا، و هو أحد قولي الشافعي(٤).

فإن عمل فيه عامل غيره و استخرج منه شيئا، فإن كان بغير إذن المالك كان ما أخرجه الغير للمالك، و لا أجرة للعامل عن عمله؛ لأنّه تعدّى بذلك.

و إن كان بإذن المالك، فإن كان قد قال له: استخرجه لنفسك، أو:

اعمل فما استخرجته فلنفسك، فالحاصل للمالك، قاله الشيخ رحمه اللّه(٥) ، و به قال الشافعي(٦) ؛ لأنّ ذلك هبة مجهول، و المجهول لا يصحّ تملّكه، إلاّ أن يستأنف له هبة بعد الإخراج و يقبضه إيّاه، و يمكن تشبيهه بإباحة ثمار البستان و نحوها.

و لا أجرة للعامل؛ لأنّه عمل لنفسه، و إنّما تثبت له الأجرة إذا عمل

١- نهاية المطلب ٣٢٤:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٣٢:٦، روضة الطالبين ٣٦٧:٤.

٢- في «ص، ع»: «فإنّ» بدل «كان».

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٣١:٦، روضة الطالبين ٣٦٧:٤.

٤- راجع: الهامش (١ و ٢) من ص ٣٨٥.

٥- المبسوط - للطوسي - ٢٧٩:٣.

٦- الحاوي الكبير ٥٠٥:٧، نهاية المطلب ٣٢٧:٨، الوسيط ٢٣٢:٤، التهذيب - للبغوي - ٤٩٩:٤، البيان ٤٢٥:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٣٢:٦، روضة الطالبين ٣٦٨:٤.


لغيره بإجارة صحيحة أو فاسدة، و يجري ذلك مجرى أن يهب الإنسان زرعه و هو مجهول و ينقله الموهوب له من موضع إلى موضع آخر فيصفّيه ثمّ يتبيّن أنّ الهبة كانت فاسدة، فلا يكون للمتّهب شيء من الزرع، و لا له أجرة عن عمله؛ لأنّه إنّما عمل لنفسه و على أنّه مالكه.

لا يقال: ينتقض بالقراض، فإنّ العامل لو قبضه على أن يكون الربح كلّه للعامل فربح، فإنّ القراض يكون فاسدا، و يكون للعامل أجرة عمله و إن كان قد عمل لنفسه.

لأنّا نقول: العمل في القراض وقع لغيره؛ لأنّه عمل في رأس المال و هو يعلم أنّه لغيره، و البيع و الشراء وقع لصاحب المال، و هنا(١) عمل لنفسه؛ لأنّه اعتقد أنّ ما يعمل فيه له، فافترقا.

و أيضا إذنه هنا تمليك لعين موجودة، و العمل فيها لا يكون بالإذن؛ لأنّ عمله في ملك نفسه، و لا يفتقر إلى إذن غيره، فلم يستحق في مقابلة عمله شيئا، و أمّا القراض فإنّه لا يملك فيه بالإذن إلاّ بالتصرّف، و يملك الربح، فإذا لم يحصل له بتصرّفه ملك ما يحصل بالتصرّف و حصل لغيره، كان له أجرة العمل الذي حصل في ملك غيره.

و قال بعض الشافعيّة: تجب الأجرة؛ لأنّ عمله وقع للمالك، و هو غير متعدّ بعمله و لا متبرّع(٢).

و أمّا إذا قال له المالك: استخرجه لي، و لم يشرط له أجرة ففعل، فحكمه حكم ما إذا قال: اغسل ثوبي، فغسله.٤.

١- في «ص، ع»: «هاهنا».

٢- نهاية المطلب ٣٢٧:٨، الوسيط ٢٣٢:٤، التهذيب - للبغوي - ٤٩٩:٤، العزيز شرح الوجيز ٢٣٢:٦، روضة الطالبين ٣٦٨:٤.


و إن كان قد شرط له أجرة على عمل، فإن استأجره مدّة معلومة ليحفر فيها جاز.

و إن قدّر العمل بغير المدّة، مثل أن يقول: احفر لي كذا و كذا ذراعا، جاز و استحقّ الأجرة.

و أمّا إن جعل الأجرة جزءا من المستخرج، لم تصح الإجارة؛ لجهالة العوض، و يكون له أجرة المثل.

و لو كان ذلك جعالة فقال: إن أخرجت لي شيئا فلك ربعه، أو:

يكون بيننا مناصفة، لم يصح أيضا؛ لأنّ عوض الجعالة يجب أن يكون معلوما، و هذا الجزء مجهول فلم يصح.

نعم، لو عيّن العوض جاز، مثل أن يقول: إن أخرجت لي كذا و كذا فلك عشرة دراهم، فإذا أخرجه استحقّ ذلك.

لا يقال: أليس في المساقاة و القراض يجوز أن يكون العوض مجهولا، و هو أن يشترط المالك له النصف أو الثلث من الربح المعدوم أو من الثمرة المعدومة، و هما مجهولان، فلم لا يجوز هنا؟

لأنّا نقول: الفرق بينهما: أنّ المالك شرط للعامل في المساقاة و القراض جزءا ممّا يكتسبه بالعمل، و هنا جعل له العوض في عمله جزءا من الأصل، فلم يصح، كما لو شرط العامل جزءا من رأس المال.

و لو قال: فما استخرجت فلك منه عشرة دراهم، لم يصح أيضا؛ لأنّه ربما لا يحصل هذا القدر.

المطلب الثالث: في المنافع المشتركة.

كلّ رقبة أرض فإمّا أن تكون مملوكة و منافعها تتبع الرقبة، فلمالكها

الانتفاع بها دون غيره، إلاّ بإذنه بالإجماع، و إمّا أن لا تكون مملوكة، فإمّا أن تكون محبوسة على الحقوق العامّة، كالشوارع و المساجد و المقابر و الرّبط، أو تكون منفكّة عن الحقوق الخاصّة و العامّة، و هي الموات، و المقصود في هذا الفصل هو القسم الأوسط من هذه الثلاثة.

مسألة ١١٦٧: المراد من الشوارع و الغرض بها الاستطراق،

و منفعتها الأصليّة التردّد فيها بالذهاب و العود، و الناس فيها شرع سواء، و يجوز الوقوف و الجلوس فيها لغرض الاستراحة و المعاملة و غيرهما(١) بشرط أن لا يتضرّر بها أحد، و لا يضيق على المارّة، سواء أذن فيه الإمام أو لا؛ لإجماع الناس على ذلك في جميع الأصقاع و الأمصار، و له أن يظلّل على موضع جلوسه بما لا يضرّ المارّة من ثوب أو بارية و نحوهما، و ليس له بناء دكّة فيها، و إذا قام بطل حقّه؛ لأنّ اختصاصه إنّما كان بسبب السبق إلى الجلوس، فإذا قام زال السبب.

و لو استبق اثنان إلى موضع، أقرع بينهما؛ لأنّها أنسب بالعدل، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني لهم: يقدّم الإمام أحدهما برأيه(٢).

و هل هذا الارتفاق يختصّ بالمسلمين، أو جائز لأهل الذمّة كما جاز للمسلمين ؟ الأقرب: الثاني؛ لأنّ لهم حقّ الاستطراق، فكان لهم حقّ الارتفاق، كالمسلمين.

١- في «ص، ع»: «و نحوهما» بدل «و غيرهما».

٢- المهذّب - للشيرازي - ٤٣٣:١، حلية العلماء ٥٠٩:٥، التهذيب - للبغوي - ٤: ٥٠٠-٥٠١، البيان ٤٢١:٧-٤٢٢، العزيز شرح الوجيز ٢٢٣:٦، روضة الطالبين ٣٥٩:٤.


و للشافعيّة وجهان(١).

مسألة ١١٦٨: إذا جلس واحد في موضع من الشوارع و الأسواق،

كان أحقّ به من غيره، و لا يجوز لأحد إزعاجه إذا لم يتضرّر به المارّة، فإن تضرّروا به لم يجز له القعود فيه؛ لمنافاته الغرض من وضع المسالك، و لو أزعجه أحد و قعد مكانه فعل حراما، و صار أولى به من الأوّل.

و لو قام عنه بنيّة العود إليه في ذلك النهار و كان له فيه بساط أو متاع و شبهه، لم يكن لأحد إزالته، و كان صاحب البساط و المتاع أولى به إلى الليل؛ لقول الصادق عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: سوق المسلمين كمسجدهم، فمن سبق إلى مكان فهو أحقّ به إلى الليل، و كان لا يأخذ على بيوت السوق كرى»(٢).

إذا عرفت هذا، فلو جلس في موضع ثمّ قام عنه، نظر إن كان جلوسه لاستراحة و ما أشبهها بطل حقّه، و إن كان لحرفة و معاملة، فإن فارقه على عزم الإعراض عن العود إليه بأن يترك تلك الحرفة أو ليقعد في موضع آخر بطل حقّه أيضا، و إن فارقه على عزم العود، فالأقوى: أنّه يكون أولى إلى الليل؛ عملا بالرواية(٣).

و ضبطه الجويني بأنّه إن مضى زمان ينقطع فيه الذين ألفوا المعاملة معه و يستفتحون المعاملة مع غيره بطل حقّه، و إن كان دونه لم يبطل؛ لأنّ الغرض من تعيين الموضع أن يعرف فيعامل، فلا فرق بين أن تكون المفارقة لعذر كسفر و مرض، أو لغير عذر، و على هذا فلا يبطل حقّه بأن

١- العزيز شرح الوجيز ٢٢٣:٦، روضة الطالبين ٣٥٩:٤.

٢- الكافي ١٥٥:٥ (باب السبق إلى السوق) ح ١، التهذيب ٣١/٩:٧.

٣- المتقدّمة آنفا.

يرجع في الليل إلى بيته، و ليس لغيره مزاحمته في اليوم الثاني، و كذلك الأسواق التي تقام في كلّ أسبوع أو في كلّ شهر مرّة إذا اتّخذ فيها مقعدا كان أحقّ به في النوبة الثانية و إن تخلّلت بينهما أيّام(١).

و ليس بشيء.

و قال بعضهم: إذا رجع إلى بيته بالليل فسبق إلى الموضع غيره، فهو أحقّ به، كما إذا فارق موضعه من المسجد و عاد للصلاة الأخرى و قد سبقه إليه غيره(٢).

و فرّقت طائفة منهم بين أن يجلس بإقطاع الإمام فلا يبطل حقّه إذا قام عنه، و ليس لغيره الجلوس فيه، و بين أن يستقلّ و يسبق إليه، فإنّه إذا قام بطل حقّه؛ لأنّه إنّما استحقّ باعتبار سبقه إليه و المقام فيه، فإذا انتقل عنه زال استحقاقه؛ لزوال المعنى الذي استحقّ به، و الأوّل استحقّ بإقطاع الإمام، فلا يزول حقّه بنقل متاعه، و لا لغيره الجلوس فيه، فإن ترك شيئا من رحله و متاعه بقي حقّه، و إلاّ فلا(٣).

و على الأوّل لو أراد غيره أن يجلس فيه في مدّة غيبته القصيرة إلى أن يعود، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: لا يمكّن؛ لأنّ معامليه يتوهّمون إعراضه عن ذلك المكان.

و الثاني: أنّه يمكّن؛ لئلاّ تتعطّل منفعة الموضع في الحال(٤).

هذا في الجلوس للمعاملة، و أمّا لغيرها فلا منع أصلا.٤.

١- نهاية المطلب ٣١٢:٨-٣١٣، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٢٢٤:٦، و روضة الطالبين ٣٦٠:٤-٣٦١.

٢- التهذيب - للبغوي - ٥٠٠:٤، العزيز شرح الوجيز ٢٢٤:٦، روضة الطالبين ٣٦١:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٢٤:٦، روضة الطالبين ٣٦١:٤.

٤- العزيز شرح الوجيز ٢٢٤:٦، روضة الطالبين ٣٦١:٤.


تذنيب: كما أنّ موضع الجلوس يختصّ بالجالس فلا يزاحم فيه، كذا ما حوله قدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه و وقوف المعاملين فيه، و ليس لغيره أن يقعد حيث يمنع من رؤية متاعه أو وصول المعاملين إليه أو يضيق عليه الكيل و الوزن و الأخذ و العطاء.

هذا في المستوطن، أمّا المتردّد الجوّال الذي يقعد كلّ يوم في موضع من السوق فيبطل حقّه إذا فارق المكان، و ما تقدّم من أولويّة الجالس إنّما هو مفروض في غيره.

تنبيه: إنّما يجوز الجلوس للبيع و الشراء في المواضع المتّسعة كالرحاب؛ نظرا إلى العادة، و لئلاّ يتضرّر المارّة و يحصل الضيق على المسلمين.

مسألة ١١٦٩: المسجد كالسوق يستوي فيه المسلمون،

و كلّ من جلس في موضع منه كان أولى من غيره.

و الجلوس في المسجد قد يكون لتدريس القرآن أو الفقه أو الاستفتاء، و حكمه حكم مقاعد الأسواق إذا قام بنيّة العود إليه كان أولى من غيره، فليس لغيره الجلوس عوضه قبل استيفاء غرضه، قاله بعض الشافعيّة(١).

و فيه نظر؛ لأنّ له غرضا في ملازمة ذلك الموضع فيألفه الناس.

و قال بعضهم بما قلناه أوّلا من أنّه متى قام بطل حقّه، و كان السابق إليه أحقّ؛ لقوله تعالى: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ (٢)(٣).

١- العزيز شرح الوجيز ٢٢٥:٦، روضة الطالبين ٣٦١:٤.

٢- سورة الحجّ: ٢٥.

٣- الحاوي الكبير ٤٩٦:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٢٥:٦، روضة الطالبين ٤: ٣٦١.

أمّا لو كان رحله باقيا فيه، فإنّه يكون أولى، و إلاّ كان مع غيره سواء.

و لو استبق اثنان فتوافيا، فإن أمكن الجمع بينهما جاز، و إن لم يمكن أقرع.

و قد يكون الجلوس فيه للصلاة، فهو أحقّ من غيره ما دام مقيما، و لا يقتضي الاختصاص لما بعدها من الصلوات، بل متى قام و حضرت صلاة أخرى لم يكن له منع السابق فيها.

و كلّ من سبق في سائر الصلوات إلى ذلك الموضع فهو أحقّ، بخلاف مقاعد الأسواق؛ لأنّ غرض المعاملة يختلف باختلاف المقاعد، و الصلاة في بقاع المسجد لا تختلف.

إذا عرفت هذا، فلو سبق إلى مكان لأجل الصلاة كان أحقّ به، و ليس لغيره أن يزعجه، فإن فارقه إجابة لمن دعاه أو لرعاف أو قضاء حاجة أو تجديد وضوء، فالأقرب: أنّ اختصاصه لا يبطل - و هو أصحّ وجهي [الشافعيّة](١)(٢) - لما رواه العامّة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «إذا قام أحدكم من مجلسه في المسجد فهو أحقّ به إذا عاد إليه»(٣).

و من طريق الخاصّة: قول أمير المؤمنين عليه السّلام: «سوق المسلمين كمسجدهم، فمن سبق إلى مكان فهو أحقّ به إلى الليل»(٤).

و الثاني للشافعيّة: أنّه يبطل اختصاصه؛ لحصول المفارقة كمّا).

١- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الشافعي». و المثبت يقتضيه السياق.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٢٥:٦، روضة الطالبين ٣٦٢:٤.

٣- أورده الجويني في نهاية المطلب ٣١٨:٨، و الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٦: ٢٢٥، و النووي في روضة الطالبين ٣٦٢:٤.

٤- تقدّم تخريجه في ص ٣٩٥، الهامش (٢).


بالإضافة إلى سائر الصلوات(١).

إذا عرفت هذا، فتقييد أمير المؤمنين عليه السّلام بالليل بناء على الغالب، فلو أقام ليلا و نهارا لم يجز إزعاجه؛ لصدق اسم السبق في حقّه.

و لا فرق بين أن يترك إزاره فيه و بين أن لا يتركه، و لا بين أن يطرأ العذر بعد الشروع في الصلاة أو قبله، و هو قول الشافعي على الوجهين(٢).

و لو اتّسع وقت الحاضرة، فإن فارقه من غير عذر حادث فهو كما تقدّم في سائر الصلوات.

مسألة ١١٧٠: يكره الجلوس في المساجد للبيع و الشراء و إنشاد الضالّة و عمل الصنائع،

فإن جلس لأحد هذه الأشياء منع منه، فإنّ حرمة المسجد تنافي اتّخاذه حانوتا.

و قد روى العامّة أنّ عثمان بن عفّان رأى خيّاطا في المسجد فأخرجه(٣).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الصدوق عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال:

«جنّبوا مساجدكم صبيانكم و مجانينكم و رفع أصواتكم و شراءكم و بيعكم و الضالّة و الحدود و الأحكام»(٤).

و سمع عليه السّلام رجلا ينشد ضالّة في المسجد، فقال: «قولوا له: لا ردّ اللّه عليك، فإنّها لغير هذا بنيت»(٥).

١- العزيز شرح الوجيز ٢٢٥:٦، روضة الطالبين ٣٦٢:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٢٥:٦-٢٢٦، روضة الطالبين ٣٦٢:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٢٦:٦.

٤- الفقيه ٧١٦/١٥٤:١.

٥- الفقيه ٧١٥/١٥٤:١.


و ينبغي منع الناس من استطراق حلق الفقهاء و القرّاء في الجامع توقيرا لهم.

مسألة ١١٧١: الرّبط المسبّلة في الطّرق و على أطراف البلاد إذا سبق واحد إلى موضع منها كان أحقّ به من غيره،

و ليس لغيره إزعاجه، سواء دخل بإذن الإمام أو بدون إذنه، و لا يبطل حقّه بالخروج لحاجة، كشراء مأكول أو مشروب أو ثوب أو قضاء حاجة و ما أشبه ذلك، و لا يلزمه تخليف أحد في الموضع و لا أن يترك متاعه فيه؛ لأنّه قد لا يجد غيره، و قد لا يأمن على متاعه سواه.

و لو ازدحم اثنان على موضع و لا سبق، حكم إمّا بالقرعة أو بتعيين الإمام.

و أمّا المدارس و الخانقاهات فمن سكن بيتا منها ممن له السكنى فهو أحقّ به و إن طالت المدّة ما لم يشترط الواقف أمدا، فيلزمه الخروج عند انقضائه.

و لو اشترط مع السكنى التشاغل بالعلم فأهمل، ألزم الخروج، و إن استمرّ على الشرط، لم يجز إزعاجه، و له أن يمنع من يشاركه ما دام متّصفا بما يستحقّ به السكنى.

و لو فارق لعذر أيّاما قليلة، فهو أحقّ إذا عاد؛ لأنّه ألفه، و إن طالت غيبته بطل حقّه.

و النازلون في موضع من البادية أحقّ به و بما حواليه بقدر ما يحتاجون إليه لمرافقهم، و لا يزاحمون في الوادي الذي سرحوا مواشيهم إليه إلاّ أن يفي بالجميع، و إذا ارتحلوا بطل اختصاصهم و إن بقيت آثار الفساطيط و الخيم و شبهها.

مسألة ١١٧٢: المرتفق بالشوارع و المساجد إذا طال العكوف عليها

فالأقرب: أنّه لا يزعج؛ لأنّه أحد المرتفقين، و قد ثبت له السبق باليد، و إن لم يفد أولويّة فلا أقلّ من المساواة، و قال عليه السّلام: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له»(١).

و أمّا الرباطات الموقوفة و المدارس فإنّها تتبع تعيين الواقف، فإن عيّن لم يمكّن الزيادة عليه، و كذا لو وقف على المسافرين.

و إن أطلق نظر إلى الغرض الذي بنيت البقعة له، و عمل بالمعتاد فيه، فلا يمكّن من الإقامة في رباطات المارّة، إلاّ لمصلحتها أو لخوف يعرض أو أمطار تتواتر، و في المدرسة الموقوفة على طلبة العلم يمكّن من الإقامة إلى استتمام غرضه، فإن ترك التعلّم و التحصيل أخرج، و لا يمكن مثل هذا الضبط في الخانقاهات، بل يحكم في طول اللبث فيها بما سبق في الشوارع.

المطلب الرابع: في المياه.

أقسام المياه ثلاثة:

اشارة

الأوّل: الماء المحرز في الآنية و شبهها من حوض و مصنع و أشباه ذلك، و هذا مختصّ بمالكه، ليس لأحد التصرّف فيه إلاّ بإذن مالكه، و يصحّ بيعه و التصرّف فيه بجميع أنواع التصرّفات كغيره من المملوكات، و هذا خاصّ.

الثاني: العامّ، و هو الذي لم يظهر بعمل و لا جرى بحفر نهر، و ينبع في مواضع لا تختصّ بأحد، و لا صنع للآدميّين في إنباطه و إجرائه، كماء الفرات و جيحون و جميع أودية العالم و العيون التي في الجبال و غيرها و سيول الأمطار، و الناس فيها شرع سواء.

١- المعجم الكبير - للطبراني - ٨١٤/٢٨٠:١.


و الأصل في استواء الناس في المباحات ما رواه العامّة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «الناس شركاء في ثلاث: الماء و النار و الكلأ»(١).

و من طريق الخاصّة: ما رواه أحمد بن محمّد عن محمّد بن سنان عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: سألته عن ماء الوادي، فقال: «إنّ المسلمين شركاء في الماء و النار و الكلأ»(٢).

و لا خلاف في ذلك بين علماء الإسلام.

الثالث: المياه المتردّدة بين العموم و الخصوص، و هي مياه الآبار و القنوات، فإنّها من حيث إنّها حاصلة في الموضع المختصّ بالإنسان تشبه الماء المحرز في الإناء، و من حيث إنّها تبذل و تبسط الناس فيها تشبه المياه العامّة، و هي مختصّة بصاحب البئر و القناة، فهنا بحثان:

البحث الأوّل: في المياه العامّة.

مسألة ١١٧٣: المياه العامّة مباحة للناس كافّة،

كلّ من أخذ منها شيئا و أحرزه في إناء أو بركة أو مصنع أو بئر عميقة و شبهه ملكه.

فإن حضر اثنان فصاعدا، أخذ كلّ واحد منه ما شاء، فإن قلّ الماء أو كان المشرع ضيّقا لا يمكن تعدّد الواردين عليه، كان السابق أولى بالتقديم.

فإن جاءا معا، أقرع بينهما؛ لعدم الأولويّة.

و لا فرق في ذلك بين المسلمين و غيرهم.

و لو أراد واحد السقي و هناك من يحتاج للشرب، قدّم الثاني؛ لأنّ مراعاة حفظ النفس أولى من مراعاة حفظ المال.

و من أخذ منه شيئا في إناء ملكه، و لم يكن لغيره مزاحمته فيه، كما

١- تقدّم تخريجه في ص ٣٨١، الهامش (٣).

٢- تقدّم تخريجه في ص ٣٨١، الهامش (٤).


لو احتشّ أو احتطب، و هو قول أكثر الشافعيّة(١).

و قال بعضهم: إنّه لا يملكه، لكنّه يكون أولى من غيره(٢).

و الحقّ: الأوّل.

و لو زاد الماء المباح فدخل شيء منه ملك إنسان بسيل أو جريان، لم يكن لغيره أخذه منه ما دام فيه؛ لتحريم الدخول في ملك غيره بغير إذنه.

و هل يملكه مالك الملك ؟ قال الشيخ رحمه اللّه: لا يملكه(٣) ، و هو أصحّ [وجهي](٤) الشافعيّة(٥) ، كما لو وقع في ملك الغير مطر أو ثلج فمكث في ملكه، أو فرّخ طائر في بستانه، أو توحّل ظبي في أرضه، أو وقعت سمكة في سفينته، لم يملكه بذلك، بل بالأخذ و الحيازة، فعلى هذا لو تخطّى إنسان إلى ملك الغير(٦) و أخذ من ذلك الماء، لم يكن لمالك الأرض استرداده، و كان ملكا للثاني باستيلاء يده عليه و تحيّزه في آنيته.

و الوجه الثاني للشافعيّة: أنّه يكون ملكا(٧) لصاحب الأرض، فإن أخذه غيره كان له استرداده(٨).

و المعتمد: الأوّل، لأنّ الإنسان لا يملك ما لم يتملّك إلاّ بالميراث،٤.

١- الحاوي الكبير ٥٠٩:٧، نهاية المطلب ٣٣٣:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٣٤:٦، روضة الطالبين ٣٦٨:٤.

٢- نهاية المطلب ٣٣٣:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٣٤:٦، روضة الطالبين ٣٦٨:٤.

٣- المبسوط - للطوسي - ٢٨٢:٣.

٤- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قولي». و المثبت يقتضيه السياق و كما في المصدر.

٥- العزيز شرح الوجيز ٢٣٤:٦، روضة الطالبين ٣٦٩:٤.

٦- في الطبعة الحجريّة: «غيره» بدل «الغير».

٧- في «ص، ع»: «مملوكا» بدل «ملكا».

٨- العزيز شرح الوجيز ٢٣٤:٦، روضة الطالبين ٣٦٩:٤.


ألا ترى أنّ من وهب لغيره شيئا أو أباحه له، لم يملكه إلاّ بتملّكه، فإذا دخل إلى ملكه لم يملكه بذلك، و يخالف وقوع السمكة في السفينة و الظبي في الأرض وقوع الصيد في الشبكة المنصوبة، فإنّ الصيد هنا يملك؛ لأنّ الشبكة كيده وضعها لذلك.

و لو خرج هذا الماء المباح من تلك الأرض، أخذه من شاء قطعا.

مسألة ١١٧٤: لو سال هذا الماء المباح في نهر عظيم عليه أملاك تحتاج إلى السقي منه و كان النهر يفي بالجميع،

سقى من شاء منهم متى شاء؛ لانتفاء التزاحم في النهر العظيم.

و إن كان النهر صغيرا غير مملوك كساقية غير مملوكة بأن انخرقت بنفسها و جرى الماء من الوادي فيها، أو واد صغير تشاحّ فيه أهل الأرضين الشاربة و لم يف بالجميع إذا سقوا في وقت واحد، و يقع في التقديم و التأخير نزاع و خصومة، فإنّ الأوّل يسقي أرضه، فإذا فرغ من قضاء حاجته منه أرسله إلى الثاني ثمّ إلى الثالث و هكذا.

و الأوّل هو الذي يلي ملكه فم النهر، و الثاني هو الذي يلي ملكه هذا الملك.

و لا فرق بين أن يستضرّ الثاني بحبس الأوّل للماء عنه أو لم يستضر.

و لو لم يفضل عن الأوّل شيء أو عن الثاني أو عمّن يليهم(١) ، فلا شيء للباقين؛ لأنّه ليس لهم إلاّ ما فضل منهم، كالعصبة في الميراث.

و هو قول مالك و فقهاء المدينة و الشافعي(٢) ، و لا نعلم فيه مخالفا.

١- الظاهر: «يليهما».

٢- النوادر و الزيادات ٢٥:١١-٢٦، عقد الجواهر الثمينة ٩٥٥:٣، الذخيرة ٦: -


لما روى العامّة عن عبادة بن الصامت أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قضى في شرب نهر في سيل: أنّ للأعلى أن يسقي قبل الأسفل، ثمّ يرسله إلى الأسفل(١).

و من طريق الخاصّة: ما رواه غياث بن إبراهيم عن الصادق عليه السّلام قال:

«قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في سيل وادي مهزور: الزرع إلى الشراك، و النخل إلى الكعب، ثمّ يرسل الماء إلى أسفل من ذلك» قال ابن أبي عمير:

و المهزور موضع الوادي(٢).

إذا عرفت هذا، فالمشهور في الرواية أنّ الزاي المعجمة متقدّمة على الواو، و الراء غير المعجمة متأخّرة عنه.

قال ابن بابويه: سمعت من أثق به من أهل المدينة أنّه وادي مهزور، و مسموعي من شيخنا محمّد بن الحسن رضي اللّه عنه أنّه «مهروز» بتقديم الراء غير المعجمة على الزاي المعجمة، و ذكر أنّها كلمة فارسيّة، و هو من «هرز الماء» و الهرز بالفارسيّة: الزائد على المقدار الذي يحتاج إليه(٣).

و لأنّ من أرضه قريبة من فوهة النهر فإنّه أسبق إلى الماء، فكان أولى، كمن سبق إلى المشرعة.

مسألة ١١٧٥: إذا حبس الأعلى،

فالمشهور عند علمائنا أنّه يحبس الماء على ملكه لسقي زرعه حتى يبلغ الماء إلى الشراك، و لسقي الشجر إلى القدم، و لسقي النخل حتى يبلغ إلى الساق.

١- سنن ابن ماجة ٢٤٨٣/٨٣٠:٢، مسند أحمد ٤٤٦:٦-٢٢٢٧٢/٤٤٧.

٢-  ١٦٠-١٦١، المغني ١٨٨:٦، الشرح الكبير ١٩٤:٦، الحاوي الكبير ٥٠٩:٧ و ٥١٠، المهذّب - للشيرازي - ٤٣٥:١، البيان ٤٣٤:٧، العزيز شرح الوجيز ٦: ٢٣٤، روضة الطالبين ٣٦٩:٤.

٣- الفقيه ٥٦:٣، ذيل ح ١٩٥.


و العامّة لم يفصّلوا، بل جعلوا حقّ الأوّل إلى الكعبين، و كذا الثاني، و هلمّ جرّا(١).

و على كلّ حال فمطلق التقدير لا بدّ منه، و إلاّ لزم تضرّر المتأخّر؛ لما رواه العامّة عن مالك عن الزهري و عروة(٢) أنّ عبد اللّه بن الزبير حدّثه أنّ رجلا من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرّة التي يسقون بها، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله: «اسق يا زبير ثمّ أرسل الماء إلى جارك» فغضب الأنصاري فقال:

يا رسول اللّه أن كان ابن عمّتك، فتلوّن وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ثمّ قال:

«يا زبير اسق ثمّ احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر» قال الزبير: فو اللّه إنّي لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك، و هي: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآية(٣)(٤).

قال أبو عبيد: الشراج جمع شرج، و الشرج: نهر صغير، و الحرّة أرض ملبسة بالحجارة السوداء، و الجدر: الجدار، يقال: جدر و جدار(٥).٦.

١- المغني ١٨٨:٦، الشرح الكبير ١٩٣:٦، الحاوي الكبير ٥١٠:٧، المهذّب - للشيرازي - ٤٣٥:١، الوجيز ٢٤٣:١، البيان ٤٣٤:٧، العزيز شرح الوجيز ٦: ٢٣٤، روضة الطالبين ٣٦٩:٤، النوادر و الزيادات ٢٥:١١-٢٦، عقد الجواهر الثمينة ٩٥٥:٣-٩٥٦، الذخيرة ١٦٠:٦-١٦١.

٢- قال ابن قدامة في المغني ١٨٨:٦ بعد ما أورد الرواية: متّفق عليه، و رواه مالك في موطّئه عن الزهري عن عروة عن عبد اللّه بن الزبير. انتهى، و بعد الفحص الكثير لم نعثر عليه في الموطّأ.

٣- سورة النساء: ٦٥.

٤- مسند أحمد ٥٦٩:٤-١٥٦٨٤/٥٧٠، صحيح البخاري ١٤٦:٣ و ٢٤٥، صحيح مسلم ١٨٢٩:٤-٢٣٥٧/١٨٣٠، سنن ابن ماجة ١٥/٧:١، و ٢٤٨٠/٨٢٩:٢، سنن أبي داود ٣١٥:٣-٣٦٣٧/٣١٦، سنن الترمذي ١٣٦٣/٦٤٤:٣، و ٢٣٨:٥ - ٣٠٢٧/٢٣٩، سنن النسائي (المجتبى) ٢٤٥:٨، السنن الكبرى - للبيهقي - ٦: ١٥٣، و ١٠٦:١٠.

٥- نقله عنه في البيان ٤٣٤:٧، و المغني ١٨٨:٦-١٨٩، و الشرح الكبير ١٩٤:٦.


و عن ثعلبة بن أبي مالك أنّه سمع كبراءهم يذكرون أنّ رجلا من قريش كان له سهم في نهر قريظة، فخاصمه(١) إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في مهزور: السيل الذي يقتسمون ماءه، فقضى بينهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أنّ الماء إلى الكعبين، لا يحبس الأعلى على الأسفل(٢) ، معنى ذلك: إذا بلغ الماء الكعبين لا يحبس الأعلى على الأسفل، و هذا موافق لحديث الزبير؛ لأنّ الماء إذا بلغ إلى الكعبين بلغ أصل الجدار.

و اختلفت العامّة في تنزيل الخبر:

فقال بعضهم: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أمره باستيفاء زيادة على القدر المستحقّ، تغليظا على الأنصاري، حيث اتّهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله(٣).

و قال آخرون - و هو الصحيح عندنا و عندهم -: إنّه صلّى اللّه عليه و اله كان قد استنزل الزبير عن بعض حقّه، فلمّا أساء الأنصاري الأدب قال له: «استوف حقّك»(٤).

و من طريق الخاصّة: ما سبق(٥) في المسألة السابقة في حديث غياث ابن إبراهيم.

و عن غياث بن إبراهيم أيضا عن الصادق عليه السّلام قال: «قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في سيل وادي مهزور أن يحبس الأعلى على الأسفل للنخل إلى الكعبين، و للزرع إلى [الشراكين](٦)»(٧).

و عن عقبة بن خالد عن الصادق عليه السّلام قال: «قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في٧.

١- في المصدر: «في بني قريظة، فخاصم».

٢- سنن أبي داود ٣٦٣٨/٣١٦:٣، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٥٤:٦.

٣- البيان ٤٣٤:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٣٥:٦.

٤- البيان ٤٣٤:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٣٥:٦.

٥- في ص ٤٠٥.

٦- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الشراك». و المثبت كما في المصدر.

٧- الكافي ٤/٢٧٨:٥، التهذيب ٦٢٠/١٤٠:٧.


شرب النخل بالسيل أنّ الأعلى يشرب قبل الأسفل، و يترك(١) من الماء إلى الكعبين ثمّ يسرّح الماء إلى الأسفل الذي يليه كذلك حتى تنقضي الحوائط و يفنى الماء»(٢).

و قال بعض الشافعيّة: إنّه ليس التقدير بالبلوغ إلى الكعبين على عموم الأزمان و البلدان؛ لأنّه مقدّر بالحاجة، و الحاجة تختلف باختلاف الأرض و اختلاف ما فيها من زرع و شجر، و بوقت الزراعة، و بوقت السقي، فحينئذ يكون المناط في التقدير إلى العادة في قدر السقي و الحاجة(٣).

و قال بعضهم - و هو محكيّ عن أبي حنيفة أيضا -: إنّ الأعلى لا يقدّم على الأسفل، و لكن يسقون بالحصص(٤).

فروع:

أ: لو اختلفت أرض الأعلى، فكان بعضها مرتفعا و بعضها منخفضا، و لو سقيا معا لزاد الماء في المنخفضة عن الحدّ السائغ شرعا، أفرد كلّ واحد منهما بالسقي بما هو طريقه؛ توصّلا إلى متابعة النصّ.

ب: لو سقى الأعلى و استوفى حقّه ثمّ احتاج إلى السقي مرّة أخرى قبل الإرسال إلى الأسفل، قيل: يمكّن من السقي مرّة أخرى، و هو قول بعض الشافعيّة(٥).

و قال بعضهم: إنّه لا يمكّن(٦) ؛ لما تضمّنه خبر عبادة من قوله عليه السّلام في رواية: «و يرسل الماء حتى تنتهي الأراضي»(٧).٥.

١- في «ص، ع» و التهذيب: «و ينزل».

٢- الكافي ٦/٢٧٨:٥، التهذيب ٦٢١/١٤٠:٧.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٣٥:٦، روضة الطالبين ٣٦٩:٤.

٤- العزيز شرح الوجيز ٢٣٥:٦، روضة الطالبين ٣٦٩:٤.

٥- العزيز شرح الوجيز ٢٣٥:٦، روضة الطالبين ٣٧٠:٤.

٦- العزيز شرح الوجيز ٢٣٥:٦، روضة الطالبين ٣٧٠:٤.

٧- كما في العزيز شرح الوجيز ٢٣٥:٦-٢٣٦، و راجع: الهامش (١) من ص ٤٠٥.


و هو الأقوى عندي؛ لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و اله في رواية الصادق عليه السّلام عنه: «ثمّ يرسل الماء إلى أسفل»(١)تقدّم تخريجه في ص ٤٠٨، الهامش (٢).(٢).

و كذا في حديث عقبة بن خالد: «ثمّ يسرّح الماء إلى الأسفل الذي يليه كذلك حتى تنقضي الحوائط و يفنى الماء»(٢).

ج: إذا تنازع اثنان أرضاهما متحاذيتان أو أرادا شقّ النهر من موضعين متحاذيين يمينا و شمالا، فالأقرب: القرعة للتقديم، و هو أحد وجوه الشافعيّة، و الثاني: أنّه يقسّم بينهما، و الثالث: أنّه يقدّم الإمام من يراه(٣).

د: لو أراد إنسان إحياء أرض ميتة و [سقيها](٤) من هذا النهر الغير المملوك، فإن لم يكن فيه تضييق فلا منع، و إن كان فيه تضييق منع من السقي منه؛ لأنّ الأوّلين بإحياء أراضيهم استحقّوا مرافقها، و هذا من أعظم مرافقها، و لأنّهم أسبق إلى النهر منه، فإن أحيا شيئا لم يكن له السقي إلاّ بعد استغناء الأوّلين عنه و إن كان أقرب إلى فوهة النهر.

و هل لأرباب الأملاك منعه من الإحياء؟ قال به بعض العامّة؛ لئلاّ يصير ذلك ذريعة إلى منعهم من حقّهم من السقي؛ لأنّه أقرب، فربما طال الزمان و جهل الحال(٥).

و قال بعضهم: ليس لهم منعه؛ لأنّ حقّهم في النهر لا في الموات(٦).٦.

١- تقدّم تخريجها في ص ٤٠٥، الهامش

٢- .

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٣٦:٦، روضة الطالبين ٣٧٠:٤.

٤- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «سقيه». و المثبت يقتضيه السياق.

٥- المغني ١٩٠:٦، الشرح الكبير ١٩٦:٦.

٦- المغني ١٩٠:٦، الشرح الكبير ١٩٦:٦.


و هو الوجه.

فحينئذ لو سبق إنسان إلى مسيل ماء أو نهر غير مملوك و أحيا في أسفله مواتا ثمّ أحيا آخر فوقه ثمّ أحيا ثالث فوق الثاني، كان للأسفل السقي أوّلا ثمّ الثاني ثمّ الثالث، و يقدّم الأسبق إلى الإحياء على الأسبق إلى أوّل النهر؛ لما تقدّم.

ه: عمارة حافّات هذه الأنهار يؤخذ ما يحتاج إليه من بيت المال؛ لأنّه معدّ لمصالح المسلمين، و هذا من جملة مصالحهم.

و: لو أراد إنسان بناء قنطرة لعبور الناس على مثل هذا النهر، فإن كان الموضع مواتا جاز؛ لاشتماله على مصلحة المسلمين و الإحسان إليهم، و ليس لأحد منعه، و إن كان بين العمران كان حكمه حكم حفر البئر في الطريق لمصلحة المسلمين.

ز: لو أراد أحد بناء رحى على هذه الأنهار، فإن كان الموضع ملكا له مكّن منه، و كذا إن كان مواتا محضا، و إن كان من الأراضي المملوكة، فإن تضرّر الملاّك لم يجز، و إن لم يتضرّر واحد منهم فكذلك - و هو أحد وجهي الشافعيّة(١) - لأنّه تصرّف في مال الغير، فلا يجوز إلاّ بإذنه، كالتصرّف في سائر مرافق العمارات.

و الثاني للشافعيّة: الجواز؛ لأنّه كإشراع الجناح في السكّة الغير المنسدّة(٢).

ح: لو استوى اثنان في القرب من أوّل النهر، اقتسما الماء بينهما إن أمكن، فإن لم يمكن أقرع بينهما، فقدّم من تقع له القرعة، فإن كان الماء لا يفضل عن أحدهما سقى من تقع له القرعة بقدر حقّه من الماء ثمّ يتركه للآخر، و ليس له أن يسقي بجميع الماء؛ لأنّ الآخر يساويه في استحقاق٤.

١- العزيز شرح الوجيز ٢٣٦:٦، روضة الطالبين ٣٧٠:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٣٦:٦، روضة الطالبين ٣٧٠:٤.


الماء، و إنّما القرعة للتقديم في استيفاء الحقّ، بخلاف الأعلى مع الأسفل؛ لأنّ للأسفل حقّا فيما فضل من الأعلى.

ط: لو كانت أرض أحدهما أكثر من أرض الآخر، قسّم الماء بينهما على قدر الأرض؛ لأنّ الزائد من أرض أحدهما مساو في القرب، فاستحقّ جزءا من الماء، كما لو كان الزائد لشخص ثالث.

مسألة ١١٧٦: هذا الذي تقدّم حكم الأنهار و السواقي التي ليست مملوكة،

أمّا لو كانت مملوكة بأن حفر إنسان نهرا فأخذ الماء من الوادي العظيم أو النهر العظيم أو من النهر المنخرق منه ليدخل ماء النهر العظيم فيه، فما لم يتّصل الحفر لا يملكه، و إنّما هو تحجير و شروع في الإحياء، فإذا اتّصل الحفر كمل الإحياء و ملكه، سواء أجرى الماء فيه أو لا؛ لأنّ الملك بالإحياء أن تنتهي العمارة إلى قصدها بحيث يتكرّر الانتفاع بها على صورتها، و هنا كذلك.

و لا يشترط إجراء الماء؛ لأنّ الإحياء يحصل بأن يهيّئه للانتفاع به دون حصول المنفعة، فيصير مالكا لقرار النهر و حافّتيه و هواه، و كذا حريمه، و هو ملقى الطين من كلّ جانب.

و قال الشافعي: إنّ ذلك غير مملوك لصاحب النهر، و إنّما هو حقّ له من حقوق الملك، كحريم البئر(١).

إذا عرفت هذا، فهل يملك حافر النهر الماء الذي جرى فيه من الوادي أو النهر العظيم ؟ قال الشيخ: لا يملكه(٢) ، و هو قول العامّة(٣) ، و يكون

١- المغني ١٩١:٦.

٢- المبسوط - للطوسي - ٢٨٤:٣.

٣- البيان ٤٣٥:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٣٦:٦، روضة الطالبين ٣٧٠:٤، المغني ١٩٠:٦ و ١٩٥-١٩٦، الشرح الكبير ١٩٦:٦ و ٢٠١.


الماء باقيا على أصل إباحته؛ لأنّه مباح دخل ملكه، فأشبه ما لو دخل صيد بستانه.

نعم، يكون صاحب النهر أحقّ بذلك الماء من غيره، كالسيل يدخل ملكه، و ليس لأحد مزاحمته لسقي الأراضي.

و أمّا الشرب و الاستعمال و سقي الدوابّ فقد قال بعض الشافعيّة:

ليس لمالك النهر المنع(١).

و منهم من جوّز المنع، و يكون للمالك منع غيره من إرسال دلو فيه و نحوه(٢).

و لا يبعد عندي أنّ صاحب النهر يملك ذلك الماء؛ لأنّ النهر اتّخذه الحافر آلة في تحصيل شيء مباح فملكه، كالشبكة.

و يجوز لغيره أن يحفر فوق نهره نهرا إذا لم يضيّق عليه، و إن ضيّق عليه لم يجز.

مسألة ١١٧٧: إذا اشترك جماعة في حفر نهر أو ساقية في أرض موات

و بلغوا حدّ الوصول إلى الوادي العظيم أو النهر العظيم، ملكوه بالشركة على قدر عملهم و نفقتهم عليه، و يملكون حقوقه؛ لأنّه إنّما ملك العمارة، و العمارة بالنفقة.

فإن شرطوا أن يكون النهر بينهم على قدر ما يملكون من الأراضي، فليكن عمل كلّ واحد على قدر أرضه، فإن زاد واحد متطوّعا فلا شيء له على الباقين، و إن أكرهوه على الزيادة أو شرطوا له عوضا رجع عليهم بأجرة ما زاد.

١- العزيز شرح الوجيز ٢٣٦:٦، روضة الطالبين ٣٧٠:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٣٦:٦، روضة الطالبين ٣٧٠:٤.


ثمّ إن كان هذا الماء يكفي جميع الأرضين فلا كلام، و كذا إن كان لا يكفي و تراضوا بقسمته، و أمّا إن كان الماء يضيق عن كفايتهم و تشاحّوا فيه قسّم الحاكم ذلك بينهم على قدر أنصبائهم فيه، و ليس للأعلى هنا حبس الماء على الأسفل، بخلاف ما إذا لم يكن الموضع مملوكا.

و قال بعض العامّة: حكم هذا الماء في هذا النهر حكمه في نهر غير مملوك، و [أنّ](١) الأسبق أحقّ بالسقي منه ثمّ الذي يليه؛ لأنّ الماء لا يملك عنده(٢) ، فكان الأسبق إليه أحقّ(٣).

و إذا قسّموا الماء بالمهايأة جاز إذا كان نصيب كلّ واحد منهم معلوما، مثل أن يجعلوا لكلّ حصّة يوما و ليلة أو أكثر أو أقلّ.

و إن قسّموا النهار فجعلوا لواحد من طلوع الشمس إلى الزوال و للآخر من الزوال إلى الغروب جاز، و كذا بالساعات إن أمكن ضبطه بشيء معلوم جاز.

و لكلّ واحد منهم الرجوع متى شاء، لكن لو رجع بعد ما استوفى نوبته و قبل أن يستوفي الشريك ضمن له أجرة مثل نصيبه من النهر للمدّة التي أجرى الماء فيها.

و إذا اقتسموا الماء نفسه جاز، و ذلك بأن تؤخذ خشبة مستوية الطرفين و الوسط ثمّ توضع الخشبة على موضع مستو من الأرض، و يجعل فيها لكلّ واحد كوّة إذا تساوت حقوقهم و تكون الكوى متساوية في السعة،٦.

١- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّ». و المثبت كما في المصدر.

٢- أي: عند بعض العامّة.

٣- المغني ١٩٢:٦، الشرح الكبير ١٩٨:٦.


و الخشبة مستوية في الوضع معتدلة فتقذف كلّ كوّة في ساقية كلّ واحد منهم، فإذا حصل الماء في ساقيته انفرد به.

و إن كانت أملاكهم مختلفة، فإن كان لأحدهم ضعف ما للآخر جعل لصاحب الضعف كوّتين و للآخر كوّة.

و إن كان لأهل ساقية مائة جريب و لأهل ساقية ألف جريب، جعل في الخشبة إحدى عشرة حفرة، لصاحب المائة حفرة، و لصاحب الألف عشر حفر.

و لو كانت الضياع متباعدة، مثل أن تكون عشرة، خمسة مجاورة، و خمسة بعيدة منها، قسّم النهر قسمين، فجعل خمس حفر لأصحاب الضياع القريبة لكلّ واحد حفرة، و خمسة يجري فيها الماء في النهر، فإذا وصل إلى الضياع البعيدة قسّم بينها قسمة أخرى.

فإن أراد أحدهم أن يجري ماءه في ساقية غيره ليقاسمه في موضع آخر، لم يجز إلاّ برضاه؛ لأنّه تصرّف في ساقية الغير و تخريب حافّتها بغير إذنه، و يخلط حقّه بحقّ غيره على وجه لا يتميّز، فلم يجز.

تذنيب: لو أراد الشركاء قسمة النهر نفسه و كان عريضا يمكن قسمته جاز، و لا يجري فيه الإجبار، كما في الجدار الحائل.

مسألة ١١٧٨: إذا كان النهر مملوكا بين جماعة لم يكن لأحدهم التصرّف فيه إلاّ بإذن الباقين،

فلو أراد من كانت أرضه أسفل توسيع فم النهر لئلاّ يقصر الماء عنه، لم يجز إلاّ برضا الباقين؛ لأنّ الشريك ممنوع من التصرّف في المشترك إلاّ بإذن باقي الشركاء، و لأنّ الأوّلين قد يتضرّرون بكثرة الماء فلا بدّ من إذنهم.

و لو أراد الأوّلون - و هم القريبون من فوهة النهر - تضييق فم النهر، لم يكن لهم ذلك إلاّ برضا الباقين. و كذا ليس لواحد منهم بناء قنطرة أو رحى عليه، أو غرس شجرة على حافّتيه إلاّ برضا الباقين.

و لو أراد أحدهم تقديم رأس الساقية التي ينساق فيها الماء إلى أرضه أو تأخيره، لم يكن له ذلك، بخلاف صاحب الدار في الدرب المرفوع لو أراد تقديم باب داره إلى رأس السكّة جاز؛ لأنّه هناك يتصرّف في الحدّ المملوك، و هنا في الحافّة المشتركة.

و لو كان لأحدهم ماء في أعلى النهر فأجراه في النهر المشترك برضا الشركاء ليأخذه من الأسفل و يسقي به أرضه، كان لهم الرجوع متى شاؤا؛ لأنّ الإذن هنا عارية، و للمعير الرجوع متى شاء.

مسألة ١١٧٩: إذا كان النهر أو الساقية مشتركا بين جماعة،

كانت تنقيته و عمارته على الشركاء بحسب الملك.

و إذا أرادوا سدّ شيء منه أو إصلاح حائطه أو شيء منه، كان ذلك عليهم على حسب ملكهم فيه.

و إذا كان بعضهم أقرب إلى فمه و بعضهم أبعد، اشترك الجميع في عمارته و إكرائه و إصلاحه من فمه إلى أن يصلوا إلى الأوّل، ثمّ لا شيء على الأوّل، ثمّ يشترك الباقون في عمارته إلى أن يصلوا إلى ساقية الثاني، فلا يجب على الثاني شيء فيما بعد، ثمّ يشترك الباقون إلى أن يصلوا إلى ساقية الثالث، فينحلّ الثالث عن المشاركة في العمارة فيما بعده، و هكذا كلّما انتهى العمل إلى موضع واحد منهم لم يكن عليه فيما بعده شيء؛ لأنّ الأوّل إنّما ينتفع بالماء الذي في موضع شربه، و ما بعده إنّما يختصّ

بالانتفاع [به](١) من دونه، فلا يشاركهم في مؤونته، كما لا يشاركهم في نفعه، و به قال الشافعي و أحمد(٢) ، و هو محكيّ عن أبي حنيفة(٣) أيضا.

و قال أبو يوسف و محمّد: يشترك جميع الشركاء في عمارته و إكرائه من أوّله إلى آخره على قدر أنصبائهم و نفقتهم عليه؛ لأنّ الأوّل ينتفع بجميعه، لأنّه ينتفع بأوّله بسقي أرضه و بالباقي لمصبّ مائه، فكان الكرى على الكلّ بقدر شربه و أرضه(٤) ، و قال به بعض الشافعيّة(٥).

إذا ثبت هذا، فلو كان الماء يفضل عن جميعهم و احتاج الفاضل إلى مصرف ينصبّ إليه، فمؤونة ذلك المصرف على جميعهم؛ لأنّهم يشتركون في الحاجة إليه و الانتفاع به، فكانت مؤونته عليهم كلّهم كأوّله.

مسألة ١١٨٠: إذا حصل نصيب إنسان من هؤلاء الشركاء في النهر المملوك في ساقية اختصّ بذلك الماء،

و كان له أن يسقي به ما شاء من الأرض، سواء كان لها رسم شرب من هذا النهر أو لم يكن، و له أن يعطيه من يسقي به - و به قال بعض الشافعيّة(٦) - لأنّه ماء انفرد باستحقاقه، و خرج

١- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

٢- حلية العلماء ٥١٨:٥-٥١٩، البيان ٤٣٧:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٣٧:٥، روضة الطالبين ٣٧١:٤، المغني ١٩٦:٦-١٩٧، الشرح الكبير ٢٠١:٦-٢٠٢.

٣- روضة القضاة ٣٣١٠/٥٥٩:٢، بدائع الصنائع ١٩٢:٦، الهداية - للمرغيناني - ١٠٥:٤، حلية العلماء ٥١٩:٥، البيان ٤٣٧:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٣٧:٦، المغني ١٩٧:٦، الشرح الكبير ٢٠٢:٦.

٤- روضة القضاة ٣٣١١/٥٦٠:٢، بدائع الصنائع ١٩٢:٦، الهداية - للمرغيناني - ١٠٥:٤، حلية العلماء ٥١٩:٥، البيان ٤٣٧:٧، المغني ١٩٧:٦، الشرح الكبير ٢٠٢:٦.

٥- العزيز شرح الوجيز ٢٣٧:٥، روضة الطالبين ٣٧١:٤.

٦- حلية العلماء ٥١٧:٥.


بدخوله في ساقيته عن حيّز الشركاء، و انتفى جواز تصرّفهم فيه، فكان له أن يسقي منه ما شاء، كما لو انفرد به من أصله.

و قال أكثر الشافعيّة: ليس له أن يسقي بمائه المختصّ به أرضا ليس لها رسم شرب من هذا الماء، سواء كانت له أو لغيره؛ لدلالة ذلك على أنّ لها سهما من هذا الماء، فربما جعل سقيها منه دليلا على استحقاقها لذلك فيتضرّر الشركاء، كما لو كانت له دار بابها في درب لا ينفذ و دار بابها في درب آخر ظهرها ملاصق لظهر داره الأولى فأراد تنفيذ إحداهما إلى الأخرى لم يجز؛ لأنّه يجعل لنفسه استطراقا من كلّ واحدة من الدارين(١).

و نمنع حكم الأصل، بل له فتح باب من إحدى الدارين إلى الأخرى، بل رفع الحائط الحاجز بينهما. سلّمنا، لكن الفرق ظاهر؛ فإنّ الدار لا يستطرق منها إلى الدرب، و إنّما يستطرق إلى الأخرى و من الأخرى إلى الدرب، و هنا يحمل الماء في الساقية إليها فيصير لها رسم في الشّرب.

و لأنّ كلّ دار يخرج منها إلى درب مشترك؛ لأنّ الظاهر أنّ لكلّ دار سكّانا [فيجعل لسكّان كلّ واحدة منهما](٢) استطراقا إلى درب غير نافذ لم يكن لهم حقّ في استطراقه، و هنا إنّما يسقي من ساقيته المفردة التي لا يشاركه غيره فيها، فلو صار لتلك الأرض رسم من الشّرب من ساقيته لم يتضرّر بذلك أحد.

و لو كان يسقي من هذا النهر بدولاب فأراد أن يسقي بذلك الماءق.

١- المهذّب - للشيرازي - ٤٣٦:١، حلية العلماء ٥١٧:٥، البيان ٤٣٦:٧-٤٣٧، المغني ١٩٢:٦-١٩٣، الشرح الكبير ١٩٨:٦.

٢- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و أنّ لكلّ واحد منها». و المثبت كما في المغني ١٩٣:٦، و الشرح الكبير ١٩٨:٦، حيث يقتضيه السياق.

أرضا لا رسم لها في الشّرب من ذلك النهر، فالخلاف كما تقدّم.

و إن كان الدولاب يغرف من نهر غير مملوك، جاز أن يسقي بنصيبه من الماء أرضا لا رسم لها في الشّرب منه إجماعا، فإن ضاق الماء قدّم الأسبق فالأسبق على ما تقدّم.

إذا ثبت هذا، فلكلّ واحد من الشركاء أن يتصرّف في ساقيته المختصّة به بما أحبّ من إجراء غير هذا الماء فيها أو عمل رحى عليها أو دولاب أو عبّارة، و هي خشبة تمدّ على طرفي النهر، أو قنطرة يعبر الماء فيها، و غير ذلك من التصرّفات؛ لأنّها ملكه لا حقّ لغيره فيها، بخلاف النهر المشترك، فإنّه ليس لأحد الشركاء فعل ذلك فيه إلاّ بإذن جميع أربابه.

و لو أراد أحد الشركاء أن يأخذ من ماء النهر قبل قسمته شيئا يسقي به أرضا في أوّل النهر أو في غيره، أو أراد إنسان غيرهم ذلك، لم يجز؛ لأنّهم صاروا أحقّ بالماء الجاري في نهرهم من غيرهم، و لأنّ الأخذ من الماء ربما احتاج إلى تصرّف في حافّة النهر المملوك لغيره أو المشترك بينه و بين غيره.

و لو فاض ماء هذا النهر إلى ملك إنسان فهو مباح، كالطائر يعشعش في ملك إنسان.

و مذهب الشافعي(١) في ذلك كلّه كما قلناه.

و لو كان النهر مشتركا و قسّموا ماءه بالمهايأة إمّا بالأيّام أو بالساعات المضبوطة أو بمنازل القمر ليلا مع الضبط فحصل لأحدهم الماء في نوبته فأراد أن يسقي به أرضا ليس لها رسم شرب من هذا أو يؤثر به إنسانا أو يقرضه إيّاه على وجه لا يتصرّف في حافّة النهر، جاز.٦.

١- المغني ١٩٤:٦، الشرح الكبير ٢٠٠:٦.


و على قول الشافعيّة ينبغي المنع(١).

و لو أراد صاحب النوبة أن يجري مع مائه ماء له آخر يسقي به أرضه التي لها رسم شرب من هذا النهر أو غيرها أو سأله إنسان أن يجري ماء له مع مائه في هذا النهر ليقاسمه إيّاه في موضع آخر على وجه لا يتضرّر النهر و لا يتضرّر به أحد، لم يجز - خلافا لبعض العامّة(٢) - لأنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه.

مسألة ١١٨١: النهر المشترك بين قوم بأعيانهم إذا تنازعوا في قدر أنصبائهم،

فالأقوى: الحكم بالتساوي فيه؛ لأنّه في أيديهم، و اليد تقضي بالملكيّة، و الأصل عدم التفاضل، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يجعل على قدر الأراضي؛ لأنّ الظاهر أنّ الشركة بحسب الملك(٣).

و كلّ أرض أمكن سقيها من هذا النهر إذا رأينا لها ساقية منه أو لم نجد لها شربا من موضع آخر حكمنا عند التنازع بأنّ لها منه شربا؛ قضاء للظاهر.

و إذا وجد نهر تسقى منه أراضي و لم يعلم أنّه حفر أو انخرق، حكم بكونه مملوكا؛ لأنّهم أصحاب يد و انتفاع، و اليد تقضي بالملكيّة ظاهرا، فلا يقدّم بعضهم على بعض، و لو لم يكن مملوكا لزم التقدّم.

البحث الثاني: في المياه المتردّدة بين العموم و الخصوص.

مسألة ١١٨٢: حفر البئر يقع على وجوه:

الأوّل: حفر البئر في المنازل للمارّة.

١- كما في المغني ١٩٥:٦، و الشرح الكبير ٢٠٠:٦.

٢- المغني ١٩٥:٦، الشرح الكبير ٢٠٠:٦.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٣٨:٦، روضة الطالبين ٣٧١:٤.


الثاني: الحفر في الموات على قصد الارتفاق دون التملّك، كمن ينزل في الموات فيحفر للشرب منها و سقي الدوابّ.

الثالث: الحفر على قصد التملّك.

الرابع: الحفر الخالي عن هذه القصود.

أمّا البئر المحفورة للمارّة فماؤها مشترك بينهم، و الحافر كأحدهم، و يجوز الاستقاء منها للشرب و سقي الزرع، فإن ضاقت عنهما فالشرب أولى.

و أمّا البئر المحفورة في الموات على قصد الارتفاق دون التملّك و إنّما غرضه السقي منها ما دام مقيما عليها ثمّ يرتحل عنها فإنّ الحافر لا يملكها بذلك، و إنّما يملك الموات إذا قصد تملّكه بالإحياء.

إذا ثبت هذا، فالحافر أولى بمائها إلى أن يرتحل؛ لأنّه كالتحجير عليها، فإن انصرف عنها كان لغيره الاستقاء منها، و من سبق إليها كان أحقّ بها، كالمعادن الظاهرة، و ليس له منع ما فضل عنه عمّن يحتاج إليه للشرب إذا أراد الاستقاء منها بدلو نفسه، و لا منع مواشيه من الشرب منها؛ لما روى العامّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال: «من منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ منعه اللّه فضل رحمته يوم القيامة»(١).

و المراد أنّ الماشية إنّما ترعى بقرب الماء، فإذا منع من الماء فقد منع من الكلأ، و حازه لنفسه.

و له أن يمنع غيره من سقي الزروع به؛ لأنّ الحيوان أعظم حرمة، قاله بعض الشافعيّة(٢).٤.

١- أورده الماوردي في الأحكام السلطانيّة: ١٨٣، و الشيرازي في المهذّب ٤٣٥:١، و البغوي في التهذيب ٥٠٤:٤.

٢- نهاية المطلب ٣٣١:٨، التهذيب - للبغوي - ٥٠٦:٤، العزيز شرح الوجيز ٦: ٢٣٩، روضة الطالبين ٣٧٢:٤.


و قال بعضهم: إنّه ليس له المنع من حيث إنّه لم يملكه، و الاختصاص إنّما يكون بقدر الحاجة(١).

و يعتبر في الفاضل الذي يجب بذله أن يفضل عن سقيه و مواشيه و مزارعه.

و إذا ارتحل المرتفق صارت البئر كالبئر المحفورة للمارّة، فإن عاد فهو كغيره.

و أمّا البئر المحفورة في الملك أو الموات للتملّك فهل يكون ماؤها مملوكا له ؟ قال الشيخ رحمه اللّه: قيل: فيه وجهان، أحدهما: أنّه يملكه، و هو الصحيح، و الثاني: أنّه لا يملكه(٢).

و للشافعيّة قولان كهذين:

أظهرهما: أنّه يملكه - و هو الذي نصّ عليه الشافعي في القديم، و حرملة - لأنّه نماء ملكه، فأشبه الثمرة و اللبن، و لأنّه معدن ظاهر، مثل سائر المعادن.

و الثاني: أنّه غير مملوك؛ لظاهر قوله عليه السّلام: «الناس شركاء في ثلاثة:

الماء و النار و الكلأ»(٣) و لأنّ من استأجر دارا كان له الانتفاع بماء بئرها، و لو كان مملوكا للمالك لم يكن له التصرّف فيه إلاّ بإذن المالك(٤).

و الملازمة ممنوعة؛ لأنّه مأذون فيه بمقتضى العادة، و لأنّه لا ضرر فيه٤.

١- نهاية المطلب ٣٣١:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٣٩:٦، روضة الطالبين ٣٧٢:٤.

٢- المبسوط - للطوسي - ٢٨٠:٣.

٣- تقدّم تخريجه في ص ٣٨١، الهامش (٣).

٤- الحاوي الكبير ٥٠٦:٧، التهذيب - للبغوي - ٥٠٢:٤-٥٠٣، البيان ٤٣١:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٣٩:٦-٢٤٠، روضة الطالبين ٣٧٣:٤.


على مالكه؛ لأنّه يستخلف في الحال بالنبع، و ما لا ضرر عليه فليس له منعه منه، كالاستظلال.

و هذا الخلاف آت فيما إذا انفجرت عين ماء في ملكه هل يملك الماء أم لا؟(١).

و على القول بأنّه غير مملوك لو نبع الماء من ملكه و خرج فأخذه إنسان، ملكه بالأخذ، و على الثاني لا يملكه.

و لو دخل إنسان دار غيره و أخذ ماء من بئره، ففي ملكه الخلاف(٢).

مسألة ١١٨٣: ماء البئر المملوكة أو العين المملوكة

- سواء قلنا: إنّه مملوك أو لا - المالك أحقّ به من غيره لسقي ماشيته و زرعه، و ليس لأحد مزاحمته فيه إجماعا.

أمّا لو فضل منه شيء عن حاجته فهل يجب عليه بذله لغيره المحتاج إليه في سقي(٣) ماشيته و زرعه، أو لا؟ الوجه: أن نقول: إن قلنا بأنّه مملوك - و هو الحقّ عندنا - فلا يجب عليه بذله لغيره؛ إذ لا يجب على الإنسان بذل ماله لغيره، لكنّه يستحبّ، و إن قلنا: إنّه غير مملوك، فالأقرب:

الوجوب؛ دفعا لحاجة الغير.

و أمّا العامّة فقد اختلفوا:

فقال الشافعي: إنّه يجب عليه بذله لغيره في سقي ماشيته إذا كان بقربه عشب لا يمكن الماشية رعيه إلاّ بشرب الماء، و لا يلزمه بذله لغيره في سقي زرعه - و به قال أبو حنيفة و مالك - لقوله عليه السّلام: «من منع فضل الماء

١- العزيز شرح الوجيز ٢٤٠:٦، روضة الطالبين ٣٧٣:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٤٠:٦، روضة الطالبين ٣٧٣:٤.

٣- في الطبعة الحجريّة: «لسقي» بدل «في سقي».


ليمنع به فضل الكلأ منعه اللّه فضل رحمته يوم القيامة»(١)(٢).

و فيه أربعة أدلّة:

أ: إنّه لا يجب عليه بذل ما يحتاج إليه؛ لأنّه توعّده على منع الفضل.

ب: إنّه خصّه بذلك الشرب؛ لأنّه بمنع الشرب يمنع من الرعي، فدلّ على أنّه لا يجب لغيره.

ج: إنّه لا يجب عوضه؛ لأنّه لم يوجبه له.

د: إنّ ذلك واجب؛ لأنّه توعّد عليه بمنع الرحمة.

و قال أحمد في إحدى الروايتين: إنّه يلزمه لسقي زرع غيره، كالماشية؛ لأنّه مال يخاف عليه التلف لأجل العطش، وجب(٣) بذل فضل الماء له، كالمواشي(٤).

و قال بعض العامّة: يلزمه بذل ذلك بعوضه؛ لأنّ مالك العين إذا لزمه بذله(٥) للحاجة استحقّ العوض، كالطعام يبذله للمضطرّ(٦).٤.

١- تقدّم تخريجه في ص ٤٢٠، الهامش (١).

٢- الحاوي الكبير ٥٠٧:٧، المهذّب - للشيرازي - ٤٣٤:١-٤٣٥، نهاية المطلب ٣٢٩:٨-٣٣٠، الوسيط ٢٣٤:٤-٢٣٥، حلية العلماء ٥١٥:٥، التهذيب - للبغوي - ٥٠٦:٤، البيان ٤٣١:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٤٠:٦، روضة الطالبين ٣٧٣:٤، روضة القضاة ٣٢٨٧/٥٥٥:٢، بدائع الصنائع ١٨٩:٦، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٢٠٦:٣، الهداية - للمرغيناني - ١٠٣:٤، الاختيار لتعليل المختار ١٠١:٣، عيون المجالس ١٨١٧:٤-١٢٨٣/١٨١٨.

٣- الظاهر: «فوجب».

٤- المغني ٣٣٦:٤، الشرح الكبير ١٧٥:٦، حلية العلماء ٥١٦:٥، العزيز شرح الوجيز ٢٤٠:٦.

٥- الظاهر: «بذلها».

٦- الحاوي الكبير ٥٠٧:٧، حلية العلماء ٥١٦:٥، البيان ٤٣١:٧، عيون المجالس ١٢٨٣/١٨١٩:٤.


و قال بعضهم: لا يجب بذله لسقي الماشية و لا لسقي الزرع، بل يستحبّ(١).

و فرّق الشافعيّة بين الماشية و الزرع: بثبوت الحرمة و انتفائها، و لهذا لا يجب على صاحبه سقيه، بخلاف الماشية، فإنّ لها حرمة في نفسها، و يجب على صاحبها سقيها(٢).

و فرّقوا بين بذل الماء و الطعام: بأنّ الطعام يتلف مع بذله من غير استخلاف، فلهذا وجب فيه العوض، بخلاف الماء، فإنّه إذا بذله لم يتلف بالبذل، فإنّه قد يستخلف غيره(٣).

إذا ثبت هذا، فإنّه لا يجب على مالك البئر بذل الدلو و لا الحبل و لا إعارتهما، و كذا البكرة، و غيرها؛ لأنّ ذلك يتلفها و الماء يستخلف.

و كذا لا يجب على من حاز الماء في آنية أو مصنع و شبهه بذله للغير، سواء استغنى مالكه عنه أو لا، و سواء فضل عن حاجته شيء أو لا بلا خلاف.

و اعلم أنّه لا فرق بين البئر و العين و القناة فيما ذكرناه.

و شرط بعض الشافعيّة(٤) لوجوب البذل شروطا:

الأوّل: أن لا يجد صاحب المواشي كلأ مباحا.

الثاني: أن يكون هناك كلأ يرعى، و إلاّ لم يجب.٣.

١- الحاوي الكبير ٥٠٧:٧، المهذّب - للشيرازي - ٤٣٥:١، حلية العلماء ٥: ٥١٦، التهذيب - للبغوي - ٥٠٦:٤، البيان ٤٣١:٧، العزيز شرح الوجيز ٦: ٢٤٠، روضة القضاة ٣٢٨٨/٥٥٥:٢، عيون المجالس ١٨١٨:٤-١٢٨٣/١٨١٩.

٢- الحاوي الكبير ٥٠٨:٧، المهذّب - للشيرازي - ٤٣٥:١، البيان ٤٣٢:٧.

٣- الحاوي الكبير ٥٠٨:٧، المهذّب - للشيرازي - ٤٣٥:١، الوسيط ٢٣٥:٤، التهذيب - للبغوي - ٥٠٦:٤.

٤- الماوردي في الأحكام السلطانيّة: ١٨٣.


و في هذا الشرط لهم وجهان.

الثالث: أن يكون الماء في مستقرّه، فأمّا المأخوذ في الإناء فلا يجب بذله و إن فضل عن [حاجته](١)(٢).

و هل البذل لعابري السبيل و لمواشيهم خاصّة، أو يندرج فيه من أراد الإقامة في الموضع ؟ وجهان؛ لأنّه لا ضرورة إلى الإقامة(٣).

و حكى بعض الشافعيّة وجهين في أنّه هل يجب البذل للرّعاة كما [أنّه](٢) يجب للمواشي؛ لأنّها لا تستقلّ بنفسها، فالمنع منهم يتضمّن(٣) المنع منها؟(٦).

و استبعدوه؛ لأنّ البذل لسقاة الناس رعاة كانوا أو غيرهم أولى من البذل للمواشي، إلاّ أن ينظر إلى أنّ منع المواشي يتضمّن الاستئثار بالكلأ المباح أو بضيعة(٧).

على أنّ الجويني نقل وجهين في المنع من الشرب على الإطلاق(٨).

و إذا قلنا: إنّ الماء مملوك - و هو المعتمد عندنا - فإذا أوجبنا البذل فهل يجوز أن يأخذ عليه عوضا؟ وجهان:

أحدهما: نعم، كالمضطرّ يطعم بالعوض.

و أصحّهما عند الشافعيّة: المنع(٤) ؛ لما رووه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله من النهي٤.

١- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «صاحبه». و المثبت - كما في العزيز شرح الوجيز - هو الصحيح. (٢الى٣) العزيز شرح الوجيز ٢٤٠:٦، روضة الطالبين ٣٧٣:٤.

٢- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أنّها». و الظاهر ما أثبتناه.

٣- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «يقتضي» بدل «يتضمّن». (٦الى٨) العزيز شرح الوجيز ٢٤٠:٦، روضة الطالبين ٣٧٣:٤.

٤- العزيز شرح الوجيز ٢٤٠:٦-٢٤١، روضة الطالبين ٣٧٣:٤.


عن بيع الماء(١).

مسألة ١١٨٤: لو حفر البئر و لم يقصد التملّك و لا غيره،

فالأقوى:

اختصاصه به؛ لأنّه قصد بالحفر أخذ الماء، فيكون أحقّ، و هنا ليس له منع المحتاج عن الفاضل عنه لا في شرب الماشية و لا الزرع، و يكون التوصّل إلى الماء مفيدا للاختصاص و إن لم يقصد، كما أنّ الإحياء قد يفيد الملك و إن لم يقصد، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الأظهر عندهم: أنّه لا اختصاص لماء البئر به، و الناس فيه كلّهم سواء(٢).

مسألة ١١٨٥: حكم القنوات حكم الآبار في جميع ما تقدّم من الأحكام.

و متى اشترك المتملّكون في الحفر اشتركوا في الملك إمّا كما اخترناه من أنّ الملك يثبت لهم على حسب اشتراكهم في العمل و النفقة عليه، و إمّا على حسب الارتفاق - على ما قال به بعض العامّة(٣) - كما تقدّم في النهر المملوك.

و لهم قسمة الماء بأن تنصب خشبة مستوية الأعلى و الأسفل في عرض النهر، و يفتح فيها ثقب متساوية أو متفاوتة على قدر حقوقهم.

و يجوز تساوي الثّقب مع تفاوت الحقوق بأن يأخذ [صاحب الثلث ثقبة، و](٤) صاحب الثلثين اثنتين ثمّ يسوق كلّ واحد منهما نصيبه(٥) في

١- مسند أحمد ١٤٤٢٨/٣٢٦:٤، و ١٥٠١٨/٤٢٨، و ١٦٧٨٥/١٢٧:٥، صحيح مسلم ٣٥/١١٩٧:٣، سنن الترمذي ١٢٧١/٥٧١:٣، سنن النسائي (المجتبى) ٧: ٣٠٧، المعجم الكبير - للطبراني - ٢٦٩:١-٧٨٢/٢٧٠ و ٧٨٣، المستدرك - للحاكم - ٤٤:٢ و ٦١.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٤١:٦، روضة الطالبين ٣٧٤:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٤١:٦، روضة الطالبين ٣٧٤:٤.

٤- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

٥- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «حصّته» بدل «نصيبه».


ساقية إلى أرضه، و له أن يدير رحى على ما صار إليه في ساقيته.

و لا يشقّ واحد منهم ساقية قبل المقسم، و لا ينصب عليه رحى.

و لهم الاقتسام بالمهايأة، و قد يكون الماء قليلا لا ينتفع به إلاّ كذلك، و لكلّ منهم الرجوع في المهايأة، كما قلنا في النهر.

و قال بعض الشافعيّة: لا تصحّ القسمة بالمهايأة؛ لأنّ الماء يزيد و ينقص، و فائدة السقي تختلف باختلاف الأيّام(١).

و قال بعضهم: إنّه تصحّ القسمة، و تكون لازمة لا يصحّ لأحدهم الرجوع فيها، ليثق كلّ واحد منهما بالانتفاع(٢).

تذنيب: الذين يسقون أراضيهم من الأودية المباحة لو تواضعوا على مهايأة و جعلوا للأوّلين أيّاما و للآخرين أيّاما جاز، و كان ذلك رضا من الأوّلين بتقديم الآخرين، و مسامحة غير لازمة، و يشبه ذلك ما إذا وهبت الضرّة نوبتها من الضرّة، و كلّ من رجع من الأوّلين كان له سقي أرضه.

خاتمة تتعلّق ببيع الماء.

الماء إن كان قد أحازه أحد في حبّ له أو جرّة أو كوز أو بركة أو مصنع أو غير ذلك ملكه بالإجماع، و جاز بيعه بلا خلاف، إلاّ في وجه للشافعيّة ضعيف عندهم(٣).

و يجب أن يكون معلوم القدر بالكيل أو الوزن، سواء كان في آنية أو مصنع أو بركة.

و عند الشافعيّة يشترط في بيعه إذا كان في مصنع و شبهه أن يكون عمقه معلوما، و إن كان في بئر ينبع الماء منها أو قناة كذلك لم يجز بيعه٤.

١- العزيز شرح الوجيز ٢٤٢:٦، روضة الطالبين ٣٧٤:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٤٢:٦، روضة الطالبين ٣٧٤:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٤٢:٦، روضة الطالبين ٣٧٥:٤.


بأسره؛ لجهالته، و لامتزاجه بغيره ممّا ينبع شيئا فشيئا، و لا يمكن التسليم(١).

و لو باع منه أصواعا معلومة، فإن كان جاريا كالقناة لم يصح أيضا؛ إذ لا يمكن ربط العقد بقدر مضبوط؛ لعدم وقوفه.

و إن لم يكن جاريا كماء البئر، فالوجه: الجواز - و به قال بعض الشافعيّة(٢) - كما لو باع [صاعا](٣) من صبرة.

و قال بعضهم: لا يجوز؛ لأنّه يزيد فيختلط المبيع بغيره(٤).

قال بعضهم: الحقّ الأوّل، كما لو باع [صاعا](٥) من صبرة، و الزيادة قليلة، فصار كبيع القتّ في الأرض بشرط القطع(٦).

و يمكن الفرق بأنّ زيادة العين الفوّارة لا تشبّه بماء الزرع الحاصل على التدريج.

و يمكن أن يقال: المبيع ليس جملة الماء حتى يقال: إذا زاد اختلط المبيع بغير المبيع و يتعذّر التسليم، و إنّما المبيع أصواع منه، و بالزيادة لا يتعذّر تسليم الآصع، كما لو باع صاعا من صبرة و صبّ عليها صبرة أخرى، فإنّ البيع بحاله إذا قلنا: إنّ المبيع صاع من الجملة و يبقى المبيع٤.

١- العزيز شرح الوجيز ٢٤٢:٦، روضة الطالبين ٣٧٥:٤.

٢- التهذيب - للبغوي - ٥٠٣:٤، العزيز شرح الوجيز ٢٤٢:٦، روضة الطالبين ٤: ٣٧٥.

٣- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

٤- التهذيب - للبغوي - ٥٠٣:٤، العزيز شرح الوجيز ٢٤٢:٦، روضة الطالبين ٤: ٣٧٥.

٥- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق و كما في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.

٦- التهذيب - للبغوي - ٥٠٣:٤، العزيز شرح الوجيز ٢٤٢:٦-٢٤٣، روضة الطالبين ٣٧٥:٤.


ما بقي صاع.

و يحتمل المنع هنا؛ لأنّ صاعا من صبرة مغاير لصاع من صبرة صبّ عليها بعد العقد صبرة أخرى.

و لو باع الماء مع قراره، فإن كان جاريا فقال: بعتك هذه القناة مع مائها، أو لم يكن جاريا و قلنا: إنّ الماء لا يملك، لم يجز البيع في الماء، و أمّا في القرار فيجوز.

و للشافعيّة قولان مبنيّان على تفريق الصفقة(١).

و إن قلنا: إنّه يملك، جاز.

و لو باع بئر الماء و أطلق أو باع دارا فيها بئر ماء جاز.

ثمّ إن قلنا: إنّ الماء يملك، فالموجود وقت البيع يبقى للبائع، و ما يحدث يكون للمشتري، فحينئذ لا يصحّ البيع عند بعض الشافعيّة حتى يشترط أنّ الماء الظاهر للمشتري، و إلاّ يختلط الماءان، و ينفسخ البيع(٢).

و إن قلنا: إنّه لا يملك، فقد أطلق الشافعيّة القول بأنّ المشتري أحقّ بذلك الماء(٣).

و ليحمل على ما ينبع بعد البيع، فأمّا ما نبع قبله فلا معنى لصرفه إلى المشتري.

و لو باع جزءا شائعا من البئر أو القناة جاز، و النابع مشترك بينهما إمّا اختصاصا مجرّدا أو ملكا.٥.

١- التهذيب - للبغوي - ٥٠٤:٤، العزيز شرح الوجيز ٢٤٣:٦، روضة الطالبين ٤: ٣٧٥.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٤٣:٦، روضة الطالبين ٣٧٥:٤.

٣- التهذيب - للبغوي - ٥٠٤:٤، العزيز شرح الوجيز ٢٤٣:٦، روضة الطالبين ٤: ٣٧٥.


و اعلم أنّ جماعة منعوا من بيع الماء المملوك إلاّ إذا كان محرزا في آنية و شبهها؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله نهى عن بيع فضل الماء(١).

و الحقّ جوازه؛ لأنّها عين مملوكة تقبل النقل بعقد البيع، كغيرها من المملوكات، فكان البيع فيها سائغا كغيرها.

و لما رواه سعيد الأعرج - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يكون له الشّرب مع قوم في قناة فيها شركاء فيستغني بعضهم عن شربه أيبيع شربه ؟ قال: «نعم إن شاء باعه بورق، و إن شاء بكيل حنطة»(٢).

و في الصحيح عن عبد اللّه الكاهلي قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام - و أنا عنده - عن قناة بين قوم لكلّ واحد منهم شرب معلوم، فاستغنى رجل منهم عن شربه أيبيعه بحنطة أو شعير؟ قال: «يبيعه بما شاء، هذا ممّا ليس فيه شيء»(٣).

و الذي رواه أبو بصير عن الصادق عليه السّلام: «أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله نهى عن النطاف و الأربعاء، قال: و الأربعاء: أن تسنّي مسنّاة فتحمل الماء و تسقي به الأرض ثمّ تستغني عنه، قال: فلا تبعه و لكن أعره جارك، و النطاف: أن يكون له الشّرب فيستغني عنه، فيقول: لا تبعه، أعره أخاك و جارك»(٤) يحمل النهي فيه على الكراهة؛ جمعا بين الأدلّة.٣.

١- مسند أحمد ١٤٢٢٩/٢٩٥:٤، و ١٤٢٣٤/٢٩٦، صحيح مسلم ١٥٦٥/١١٩٧:٣، سنن ابن ماجة ٢٤٧٧/٨٢٨:٢، سنن أبي داود ٣٤٧٨/٢٧٨:٣، سنن النسائي (المجتبى) ٣٠٧:٧، المستدرك - للحاكم - ٦١:٢، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٥:٦.

٢- الكافي ١/٢٧٧:٥، التهذيب ٦١٦/١٣٩:٧، الاستبصار ٣٧٦/١٠٦:٣.

٣- التهذيب ١٣٩:٧-٦١٧/١٤٠، الاستبصار ٣٧٧/١٠٧:٣.

٤- التهذيب ٦١٨/١٤٠:٧، الاستبصار ٣٧٨/١٠٧:٣.


الفصل الثاني: في شرائط الإحياء و هي خمسة:

الأوّل: أن لا يكون على الأرض يد مسلم؛ لأنّ ذلك يمنع من إحياء الأرض لغير المتصرّف، و لو اندرست العمارة لم يجز إحياؤها؛ لأنّها ملك لمعيّن على خلاف تقدّم(١).

الثاني: أن لا يكون حريما للعامر، فإنّ حريم المعمور كنفس المعمور لا يملك بالإحياء، كما لا يملك المعمور؛ لأنّ مالك المعمور استحقّ باستحقاقه المواضع التي هي من مرافقه، كالطريق، فإنّه لا يجوز لأحد أخذ طريق يسلك فيه المالك إلى عمارته؛ لما فيه من التضرّر المنفيّ بالإجماع.

و كذا الشّرب و حريم العين و ما شابه ذلك من مسيل ماء العامر و طرقه و مطرح قمامته و ملقى ترابه و آلاته و كلّ ما يتعلّق بمصالحه.

و لا نعلم خلافا بين فقهاء الأمصار أنّ كلّ ما يتعلّق بمصالح العامر ممّا تقدّم أو بمصالح القرية كفنائها و مرعى ماشيتها و محتطبها و طرقها و مسيل مياهها لا يصحّ لأحد إحياؤه، و لا يملك بالإحياء.

و كذا حريم الآبار و الأنهار و الحائط و العيون و كلّ مملوك لا يجوز إحياء ما يتعلّق بمصالحه؛ لقوله عليه السّلام: «من أحيا أرضا ميتة في غير حقّ [مسلم] فهي له»(٢) مفهومه أنّ ما يتعلّق به حقّ مسلم لا يملك بالإحياء، و لأنّا لو جوّزنا إحياءه لبطل الملك في العامر على أهله.

١- في ص ٣٦٢ و ما بعدها، المسألة ١١٤٨.

٢- تقدّم تخريجه في ص ٣٥٩، الهامش (٦).


هذا ممّا لا خلاف فيه، إنّما الخلاف في أنّ مالك العامر هل يملك الحريم الذي له، أو يكون أولى و أحقّ به من غيره و ليس بمالك ؟

فقال بعضهم: إنّه يملك كما يملك العامر - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - لأنّه مكان استحقّه بالإحياء فملك(٢) كالمحيا، و لأنّ معنى الملك موجود [فيه](٣) لأنّه يدخل مع المعمور في بيع المعمور، فإنّ من باع دارا دخل فيها الطريق و غيره من حقوقها، و لأنّه ليس لغيره إحياؤه و لا الاعتراض فيها، و لأنّ الشفعة تثبت بالشركة في الطريق المشترك، و هو يدلّ على أنّه مملوك.

و قال بعضهم: إنّه غير مملوك لمالك العامر؛ لأنّ الملك يحصل بالإحياء و لم يوجد فيها إحياء(٤).

و ليس بجيّد؛ لمنع المقدّمتين، فإنّ عرصة الدار تملك ببناء الدار و إن لم يوجد في نفس العرصة إحياء، و لأنّ الإحياء تارة يكون بجعله معمورا، و تارة يكون بجعله تبعا للمعمور.

و على القول بأنّه لا يكون مملوكا لمالك العامر ليس له بيع الحريم منفردا.٤.

١- الحاوي الكبير ٤٨٨:٧، حلية العلماء ٥٠٠:٥، التهذيب - للبغوي - ٤٩٠:٤، البيان ٤١٠:٧، العزيز شرح الوجيز ٢١٢:٦، روضة الطالبين ٣٤٨:٤، المغني ١٦٩:٦، الشرح الكبير ١٧٠:٦.

٢- الظاهر: «فملكه».

٣- بدل ما بين المعقوفين في صريح الطبعة الحجريّة و ظاهر النّسخ الخطّيّة: «ألبتة». و المثبت كما في المغني ١٦٩:٦، و الشرح الكبير ١٧١:٦.

٤- البيان ٤١٠:٧، العزيز شرح الوجيز ٢١٢:٦، روضة الطالبين ٣٤٨:٤.


و على الأوّل فكذلك أيضا، قاله أبو حنيفة و بعض الشافعيّة(١) ، كما لو باع شرب الأرض وحده.

و الأقرب: الجواز.

و لو حفر اثنان بئرا على أن تكون نفس البئر لأحدهما و للآخر حريمها، لم يجز، و كان الحريم لصاحب البئر و للآخر أجرة عمله.

و أمّا ما قرب من العامر و لم يتعلّق به مصلحة العامر فإنّه يجوز إحياؤه - و هو إحدى الروايتين عن أحمد(٢) - لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أقطع بلال بن الحارث المزني العقيق(٣) ، و هو يعلم أنّه بين عمارة المدينة، و لأنّه موات لم يتعلّق به مصلحة العامر، فجاز إحياؤه، كالبعيد.

و الرواية الثانية عنه: أنّه لا يجوز إحياؤه - و به قال أبو حنيفة و الليث ابن سعد - لأنّه في مظنّة تعلّق المصلحة [به](٤) فإنّه يحتمل أن يحتاج إلى فتح باب في حائطه إلى فنائه و يجعله طريقا، أو يخرب حائطه فيضع آلات البناء [في فنائه](٥) و غير ذلك، فلم يجز تفويت ذلك عليه، بخلاف البعيد(٦).

و ليس بشيء؛ إذ لا يمنع المحتاج من توهّم الحاجة.٣.

١- العزيز شرح الوجيز ٢١٢:٦، روضة الطالبين ٣٤٨:٤.

٢- المغني ١٦٩:٦، الشرح الكبير ١٧١:٦.

٣- الأموال - لأبي عبيد -: ٦٧٩/٢٨٧.

٤- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني و الشرح الكبير.

٥- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فيه». و المثبت كما في المغني و الشرح الكبير.

٦- المغني ١٦٩:٦، الشرح الكبير ١٧١:٦، مختصر القدوري: ١٤٠، روضة القضاة ٣٢٢٥/٥٤٣:٢، الفقه النافع ١٠٦٤/١٣٠٩:٣، الهداية - للمرغيناني - ٤: ١٠٠، الاختيار لتعليل المختار ٩٦:٣.


فعلى قول [أحمد](١) لا حدّ يفصل بين القريب و البعيد سوى العرف(٢).

و قال أبو حنيفة: حدّ البعيد هو الذي إذا وقف الرجل في أدناه و صاح بأعلى صوته لم يسمع المصغي إليه(٣).

و قال الليث: حدّه غلوة، و هو خمس خمس الفرسخ(٤).

و الأقرب: الأوّل؛ لأنّ التحديد لا يعرف إلاّ بالتوقيف، و لا يعرف بالرأي و التحكّم، و لم يرد من الشرع بذلك(٥) تحديد، فوجب الرجوع فيه إلى العرف، كالقبض و الإحراز.

و قولهما تحكّم بغير دليل، و ليس بأولى من تحديده بشيء آخر، و هذا التحديد يختصّ(٦) بما قرب من المصر و القرية، و لا يجوز أن يكون حدّا لكلّ ما قرب من عامر؛ لأنّه يفضي إلى أنّ من أحيا أرضا في موات حرم إحياء شيء من ذلك الموات على غيره ما لم يخرج عن ذلك الحدّ، و سيأتي تفصيل الحريم إن شاء اللّه تعالى.

الثالث: أن لا يكون مشعرا للعبادة بوضع الشارع، كعرفة و منى و المشعر؛ لأنّ الشارع وضعها موطنا للعبادة، و في تسويغ تملّكها تفويت».

١- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أبي حنيفة». و ذلك سهو.

٢- المغني ١٦٩:٦، الشرح الكبير ١٧١:٦.

٣- تحفة الفقهاء ٣٢٢:٣، الفقه النافع ١٠٦٣/١٣٠٧:٣، الهداية - للمرغيناني - ٤: ٩٨، الاختيار لتعليل المختار ٩٥:٣، البيان ٤١٢:٧، المغني ١٦٩:٦، الشرح الكبير ١٧١:٦.

٤- المغني ١٦٩:٦، الشرح الكبير ١٧١:٦.

٥- في «ر»: «في ذلك».

٦- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «مختصّ».


هذا الغرض، و منافاة لهذه المصلحة.

و للشافعيّة قولان في أنّه هل تملك أراضي عرفة بالإحياء كسائر البقاع، أم لا؟ لتعلّق حقّ الوقوف بها، و على تقدير القول بالملك ففي بقاء حقّ الوقوف فيما ملك وجهان، و على القول ببقائه فهل يبقى مع اتّساع الباقي، أم مع ضيقه عن الحجيج ؟ وجهان(١).

و ذكر [الغزالي](٢) ثلاثة أوجه في المسألة، ثالثها: الفرق بين أن يضيق الموقف فيمنع، و بين أن لا يضيق فلا يمنع(٣).

و المنع المطلق أشبه عندهم بالمذهب؛ لأنّه كالمواضع التي تعلّق بها حقّ المسلمين عموما أو خصوصا، كالمساجد و الطّرق و الرّبط في الطّرق و المواضع التي يصلّى فيها للعيد خارج الأمصار و البقاع الموقوفة على معيّن أو غير معيّن(٤).

الرابع: أن لا يكون قد سبق إليه من حجّره، فإنّ التحجير عندنا لا يفيد الملك، بل الأولويّة و الأحقّيّة، لا ملكا للرقبة و إن ملك به التصرّف، و الشارع في إحياء الموات متحجّر ما لم يتمّه، و سيأتي بيان الإحياء و التحجير إن شاء اللّه تعالى.

إذا عرفت هذا، فقد قلنا: إنّ التحجير لا يفيد الملك؛ لأنّ سبب الملك عندنا تمليك الإمام له؛ لأن الموات قد بيّنّا أنّه للإمام خاصّة، و عند٤.

١- العزيز شرح الوجيز ٢١٦:٦-٢١٧، روضة الطالبين ٣٥١:٤.

٢- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الجويني». و ما أثبتناه كما في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.

٣- الوجيز ٢٤٢:١، الوسيط ٢٢١:٤-٢٢٢، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٦: ٢١٧، و روضة الطالبين ٣٥١:٤-٣٥٢.

٤- العزيز شرح الوجيز ٢١٧:٦، روضة الطالبين ٣٥٢:٤.


العامّة سبب الملك إنّما هو الإحياء و لم يوجد(١).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ التحجير يفيد التملّك(٢).

و المشهور: أنّه يفيد الأولويّة؛ لأنّ الإحياء إذا أفاد الملك وجب أن يفيد الشروع فيه الأحقّيّة، كالاستيام مع الشراء، و أيضا فليأمن من يقصد الإحياء بالشروع في العمارة.

و لا ينبغي أن يزيد المحجّر على قدر كفايته و يضيّق على الناس، و لا أن يحجّر ما لا يمكنه القيام بعمارته، فإن فعل ألزمه الحاكم بالعمارة أو التخلّي عن الزيادة فيسلّمها إلى من يقوم بعمارتها.

و كذا لو ترك المحجّر الإحياء، ألزمه الحاكم بالعمارة أو الترك؛ لما وجد في كتاب عليّ عليه السّلام قال: «و إن تركها أو أخربها فأخذها رجل من المسلمين بعده فعمرها و أحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها»(٣).

و هو قول بعض الشافعيّة(٤).

و قال آخرون: ليس لأحد أخذ الزيادة؛ لأنّ ذلك القدر غير متعيّن(٥).

مسألة ١١٨٦: إذا حجّر أرضا من الموات،

فقد قلنا: إنّه يصير أولى و أحقّ و إن لم يكن مالكا لها.

و ينبغي له أن يشتغل بالعمارة عقيب التحجير حذرا من التعطيل، فإن طالت المدّة و لم يحي أمره السلطان بأحد أمرين: إمّا العمارة، أو رفع يده ليتصرّف غيره فيها فينتفع بها، فإنّ عمارتها منفعة لدار الإسلام.

١- العزيز شرح الوجيز ٢١٧:٦.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢١٧:٦، روضة الطالبين ٣٥٢:٤.

٣- تقدّم تخريجه في ص ٣٥٤، الهامش (٢).

٤- العزيز شرح الوجيز ٢١٧:٦، روضة الطالبين ٣٥٢:٤.

٥- العزيز شرح الوجيز ٢١٧:٦، روضة الطالبين ٣٥٢:٤.


فإن ذكر عذرا في التأخير، مثل: إباق عبده، أو احتياجه إلى إصلاح آلته، أمهله السلطان ليعمرها، و إن لم يذكر عذرا ألزمه إمّا بالعمارة أو برفع اليد عنها حتى يعمرها غيره.

فإن طلب التأخير من السلطان و المهلة عليه، أملهه مدّة قريبة يستعدّ فيها للعمارة.

و لا تتقدّر تلك المدّة بقدر، بل بحسب ما يراه السلطان، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(١).

و في الثاني: أنّها تتقدّر بثلاثة أيّام(٢).

و ليس شيئا؛ لعدم دليل عليه.

فإذا مضت مدّة الإمهال و لم يشتغل بالعمارة، بطل حقّه.

و ليس لطول المدّة الواقعة بعد التحجير حدّ معيّن، و إنّما الرجوع فيه إلى العادة.

و قال أبو حنيفة: مدّة التحجير ثلاث سنين ما لم يطالب فيها بالعمارة، فإذا مضت و لم يشتغل بالعمارة بطل حقّه(٣).

فإذا بادر إنسان إلى عمارتها و أحياها ملكها، و بطل حقّ المحجّر.

و لو كان للمحجّر عذر في التأخير عن العمل و كان حقّه بعد باقيا فبادر غيره و أحيا ما حجّره الأوّل، ففي ثبوت الملك إشكال.٦.

١- العزيز شرح الوجيز ٢١٧:٦، روضة الطالبين ٣٥٣:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢١٧:٦، روضة الطالبين ٣٥٣:٤.

٣- مختصر القدوري: ١٤٠، المبسوط - للسرخسي - ١٦٧:٢٣-١٦٨، روضة القضاة ٣٢٧٥/٥٥٣:٢، الفقه النافع ١٠٦٤/١٣٠٨:٣، بدائع الصنائع ١٩٥:٦، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٢١٩:٣، الهداية - للمرغيناني - ٤: ٩٩، الاختيار لتعليل المختار ٩٦:٣، الحاوي الكبير ٤٩٠:٧، العزيز شرح الوجيز ٢١٨:٦.


و للشافعيّة ثلاثة أوجه.

أصحّها عندهم: أنّ الثاني يملك؛ لأنّه حقّق سبب الملك و إن كان ممنوعا منه، فأشبه ما إذا دخل في سوم غيره و اشترى، و لأنّ المحجّر يستحقّ التملّك، و ذلك لا يمنع من ثبوت الملك لغيره؛ لوجود سبب الملك، كما أنّ الشفيع استحقّ أن يتملّك الشقص، و إذا باعه المشتري صحّ البيع.

و الثاني: لا يملك؛ لئلاّ يبطل حقّ المحجّر، و لأنّه أحيا في حقّ غيره فلم يملكه، كما لو أحيا في مرافق غيره، بخلاف بيع المشتري؛ لما فيه من الشفعة؛ لأنّه لا يؤدّي إلى إبطال الشفعة، و هنا يبطل حقّ غيره.

و الثالث: أنّه يفرّق بين أن ينضمّ إلى المحجّر إقطاع السلطان فلا يملك المحيي، و بين أن لا ينضمّ فيملك(١).

و فرّق الجويني بين أن يأخذ في العمارة فلا يملك المبتدر إلى الإحياء، و بين أن يكون المتحجّر برسم خطّ و نحوه فيملك(٢).

مسألة ١١٨٧: لو باع المتحجّر ما تحجّره قبل أن يخصّه،

لم يصح بيعه؛ لأنّه لا يملكه بالتحجير.

و يحتمل الصحّة؛ لأنّ له حقّا فيه.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه لا يصحّ، فإنّ حقّ التملّك لا يصحّ بيعه، و لهذا لا يصحّ بيع الشفيع قبل الأخذ بالشفعة.

و الثاني: أنّه يصحّ؛ لأنّه أحقّ من غيره، فكأنّه يبيع حقّ

١- نهاية المطلب ٢٩٨:٨، الوسيط ٢٢٢:٤، العزيز شرح الوجيز ٢١٨:٦، روضة الطالبين ٣٥٣:٤.

٢- نهاية المطلب ٢٩٨:٨، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٢١٨:٦.


الاختصاص(١).

فعلى الصحّة لو باعه المتحجّر فجاء آخر غير المشتري فأحياه قبل أن يحييه المشتري و قلنا: إنّه يملك، لم يسقط الثمن عن المشتري؛ لحصول التلف بعد القبض، و هو قول بعض الشافعيّة(٢).

و قال آخرون: يسقط(٣).

مسألة ١١٨٨: لو حجّر إنسان على أرض موات،

صار أولى من غيره على ما تقدّم(٤) ، فإن أهمل عمارتها حتى زالت آثاره بطلت الأولويّة، و عادت الأرض مواتا.

و لو طال زمان الإهمال و لم يرفع الأمر إلى السلطان و لا خاطبه بشيء، قيل: تبطل الأولويّة أيضا؛ لأنّ التحجير [لا يعتبر](٥) ممّن لا يتمكّن من تهيئة الأسباب، كفقير متحجّر منتظرا القدرة عليها، و لا من متمكّن متحجّر ليعمره في السنة القابلة، فإذا أخّر و طالت المدّة عاد الموات كما كان(٦).

و قيل: لا يبطل حقّه ما لم يرفع الأمر إلى السلطان و يخاطبه بالترك(٧).

١- الحاوي الكبير ٤٨٩:٧-٤٩٠، المهذّب - للشيرازي - ٤٣٢:١، نهاية المطلب ٣٠١:٨، الوسيط ٢٢٢:٤-٢٢٣، حلية العلماء ٥٠٤:٥-٥٠٥، التهذيب - للبغوي - ٤٩٥:٤، البيان ٤١٦:٧-٤١٧، العزيز شرح الوجيز ٢١٨:٦، روضة الطالبين ٣٥٣:٤.

٢- الحاوي الكبير ٤٩٠:٧، حلية العلماء ٥٠٥:٥، العزيز شرح الوجيز ٦: ٢١٨، روضة الطالبين ٣٥٣:٤.

٣- الحاوي الكبير ٤٩٠:٧، حلية العلماء ٥٠٥:٥، العزيز شرح الوجيز ٦: ٢١٨، روضة الطالبين ٣٥٣:٤.

٤- في ص ٤٣٥ و ٤٣٦.

٥- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

٦- نهاية المطلب ٢٩٨:٨-٢٩٩، العزيز شرح الوجيز ٢١٨:٦-٢١٩، روضة الطالبين ٣٥٣:٤.

٧- العزيز شرح الوجيز ٢١٩:٦، روضة الطالبين ٣٥٣:٤.


مسألة ١١٨٩: التحجير يفيد الأولويّة على ما تقدّم

(١) ، و لا يثمر ملك الرقبة و إن ملك به التصرّف حتى لو تهجّم عليه من يريد إحياءه كان له منعه، فإن قاهره و أحياه لم يملكه المحيي ما لم يرفع السلطان يد المتحجّر عنها أو يأذن له في الإحياء.

و يجوز للنبيّ صلّى اللّه عليه و اله و الأئمّة عليهم السّلام أن يحجّروا لأنفسهم كغيرهم، بل الموات عندنا للإمام عليه السّلام.

الخامس: أن لا يكون مقطعا من الإمام، فإنّ لإقطاع الإمام مدخلا في الموات، بل عندنا أنّه هو المالك للموات، فيجوز للإمام أن يقطع غيره(٢) أرضا من الموات خالية من التحجير لمن يحييها، و يصير المقطع أولى.

و يفيد الإقطاع التخصيص و الأحقّيّة كالتحجير، و يمنع الغير من المزاحمة له، و لا يصحّ رفع هذا الاختصاص بالإحياء.

و قد أقطع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله وائل بن حجر أرضا بحضرموت(٣).

و روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أقطع الدّور(٤).

و أقطع الزبير حضر فرسه - يعني عدوه - ما جرى، فلمّا قام الفرس رمى بسوطه، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله: «اقطعوا له مرمى سوطه»(٥).

١- في ص ٤٣٥ و ٤٣٦.

٢- الظاهر زيادة: «غيره».

٣- سنن أبي داود ٣٠٥٨/١٧٣:٣، سنن الترمذي ١٣٨١/٦٦٥:٣، المعجم الكبير - للطبراني - ١٢/١٣:٢٢، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٤٤:٦.

٤- سنن أبي داود ٣٠٦٠/١٧٣:٣، المعجم الكبير - للطبراني - ١٠٥٣٤/٢٧٤:١٠، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٤٥:٦، العزيز شرح الوجيز ٢١٦:٦ و ٢١٩.

٥- سنن أبي داود ١٧٧:٣-٣٠٧٢/١٧٨، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٤٤:٦، العزيز شرح الوجيز ٢١٩:٦، المغني ١٨٢:٦، الشرح الكبير ١٨٩:٦.


و روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله دعا الأنصار ليقطع لهم بالبحرين، فقالوا:

يا رسول اللّه إن فعلت فاكتب لإخواننا من قريش بمثلها(١).

و فائدة الإقطاع مصير المقطع أحقّ بإحيائه، كالمتحجّر.

و إذا طالت المدّة و لم يحيه المقطع أو أحياه غيره، فعند الشافعيّة يكون الحكم كما تقدّم في المتحجّر(٢).

و قال مالك: إن أحياه عالما بالإقطاع كان ملكا للمقطع، و إن أحياه غير عالم بالإقطاع فالمقطع بالخيار بين أن يأخذه و يغرم للمحيي ما أنفق عليه في العمارة، و بين أن يتركه على المحيي و يأخذ منه قيمة الموات قبل العمارة(٣).

و قال أبو حنيفة: إن أحياه قبل ثلاث سنين فهو للمقطع، و إن أحياه بعدها فللمحيي(٤).

و لا ينبغي أن يقطع الإمام إلاّ من يقدر على الإحياء و بقدر ما يقدر عليه.

مسألة ١١٩٠: الأحكام التي تتعلّق بالموات ثلاثة:

إحياء، و حمى، و إقطاع.

فالإحياء قد سبق.

و الإقطاع قسمان:

إقطاع الموات للتمليك، و قد سبق.

١- صحيح البخاري ١٥٠:٣، و ١١٩:٤، مسند أحمد ١٢٢٩٥/٦٤٧:٣، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٤٥:٦، و ١٣١:١٠، المغني ١٨٢:٦، الشرح الكبير ٦: ١٨٩.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢١٩:٦، روضة الطالبين ٣٥٤:٤.

٣- الحاوي الكبير ٤٨٢:٧، العزيز شرح الوجيز ٢١٩:٦.

٤- الحاوي الكبير ٤٨٢:٧، العزيز شرح الوجيز ٢١٩:٦.


و الثاني: إقطاع إرفاق، و هو أن يقطعه موضعا يجلس فيه من الطريق الواسعة و رحاب الجوامع و مقاعد الأسواق.

و يجوز ذلك إذا لم يضرّ بالمارّة و المصلّين؛ لأن ذلك لمرافق المسلمين و الجالس يرتفق بذلك ببيع و شراء و غير ذلك.

و اختلفت الشافعيّة في أنّه هل لإقطاع الإمام فيه مدخل ؟ على وجهين:

أحدهما: أنّه لا مدخل له في هذا الارتفاق؛ لأنّه ينتفع بها على صفتها من غير عمل، فأشبهت المعادن الظاهرة، و لأنّه لا مدخل للتملّك فيه، و لا معنى للإقطاع، بخلاف الموات.

و الثاني: أنّ له مدخلا فيه؛ لأنّ للإمام نظرا و اجتهادا في أنّ الجلوس في المواضع هل هو مضرّ أم لا، و لهذا يزعج من جلس إذا رأى جلوسه مضرّا، و إذا كان للاجتهاد فيه مدخل فكذا لإقطاعه(١).

إذا عرفت هذا، فقد قال بعض الشافعيّة: إنّ للإمام أن يتملّك من الشوارع ما فضل عن حاجة الطروق(٢).

السادس: أن لا يكون قد حماه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله.

و المراد من الحمى أن يحمي بقعة من الموات لمواش بعينها، و يمنع سائر الناس من الرعي فيها.

و الحمى قد كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لخاصّ نفسه و للمسلمين؛ لما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «لا حمى إلاّ للّه و لرسوله»(٣). -

١- العزيز شرح الوجيز ٢٢٣:٦، روضة الطالبين ٣٥٩:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٢٣:٦، روضة الطالبين ٣٥٩:٤.

٣- مسند أحمد ١٥٩٩٠/٦٢٤:٤، و ١٦٢٢١/٢١:٥، صحيح البخاري ١٤٨:٣، -


و لكنّه عليه السّلام لم يحم لنفسه، و إنّما حمى النقيع - بالنون - لإبل الصدقة و نعم الجزية و خيل المجاهدين في سبيل اللّه(١).

و عندنا أنّ للإمام أن يحمي لنفسه و لإبل الصدقة و نعم الجزية و خيل المجاهدين على حدّ ما كان للنبيّ صلّى اللّه عليه و اله، و أمّا غيرهما من آحاد المسلمين فليس لهم أن يحموا لأنفسهم و لا لغيرهم؛ لقوله عليه السّلام: «لا حمى إلاّ للّه و لرسوله»(٢)كما في الأم ٤٧:٤، و مختصر المزني: ١٣١، و نهاية المطلب ٢٨٩:٨، و العزيز شرح الوجيز ٢٢٠:٦، و المغني ١٨٥:٦، و الشرح الكبير ٢٠٢:٦ - ٢٠٣.(٣).

و إنّما قصد به النبيّ صلّى اللّه عليه و اله منع العامّة من الحمى، و ذلك لأنّ العزيز من العرب كان إذا انتجع بلدا مخصبا وافى بكلب على جبل إن كان به، أو على نشز إن لم يكن به جبل، ثمّ استعوى الكلب و وقف له من كلّ ناحية من يسمع صوته بالعواء، فحيث انتهى صوته حماه من كلّ ناحية لنفسه، و يرعى مع العامّة فيما سواه، فنهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عن ذلك(٤) ؛ لما فيه من التضييق على الناس.

و أمّا الأئمّة عليهم السّلام فقد قلنا: إنّهم عندنا في ذلك بمنزلة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله.

و منع الشافعي من تجويز الحمى لخاصّ نفسه، فإن حمى لنفسه٣.

١- الكافي ٥/٢٧٧:٥، التهذيب ٦٢٥/١٤١:٧، الأموال - لأبي عبيد -: ٣٠٩، مسند أحمد ٦٤٠٢/٣٣٢:٢، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٤٦:٦، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - ٤٦٨٣/٥٣٨:١٠، الطبقات الكبرى - لابن سعد - ١١:٥.

٢- تقدّم تخريجه في ص ٤٤٢، الهامش

٣- .

٤- - سنن أبي داود ٣٠٨٣/١٨٠:٣، المعجم الأوسط - للطبراني - ٤٦٦٩/١٣٣:٥، المعجم الكبير - له أيضا - ٩٦:٨-٧٤٢٦/٩٧-٧٤٢٨، سنن الدارقطني ٤: ١٢٢/٢٣٨، المستدرك - للحاكم - ٦١:٢، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٤٦:٦.


لم يكن له ذلك(١).

و إن أراد أن يحمي للمسلمين فقولان:

أحدهما: ليس له ذلك؛ لقوله عليه السّلام: «لا حمى إلاّ للّه و لرسوله»(٢)ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز، وفاقا لما في بقيّة المصادر.(٣) و لأنّه لا يحمي لنفسه فلا يحمي لغيره، كالعامّة.

و نقول بموجب الحديث، فإنّ الإمام قائم مقام الرسول صلّى اللّه عليه و اله، و المقدّمة الأولى ممنوعة.

و الثاني - و هو الصحيح عندنا و عندهم -: [الجواز](٣) و به قال مالك و أبو حنيفة؛ [لأنّ](٤) عمر بن الخطّاب حمى موضعا و ولّى عليه مولى له يقال له: هني، فقال: يا هني اضمم جناحك للناس، و اتّق دعوة المظلوم، فإنّ دعوة المظلوم مجابة، و أدخل ربّ الصّريمة و ربّ الغنيمة(٥) ، و إيّاك و نعم ابن عفّان و نعم ابن عوف، فإنّهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل و زرع، و إنّ ربّ الصّريمة و الغنيمة إن تهلك ماشيته يأتني بعياله فيقول: يا أمير المؤمنين أفتاركهم [أنا](٦) لا أبا لك لا أبا لك(٧) ، فالماءر.

١- الحاوي الكبير ٤٨٣:٧، المهذّب - للشيرازي - ٤٣٤:١، نهاية المطلب ٨: ٢٨٨، الوجيز ٢٤٢:١، التهذيب - للبغوي - ٤٩٢:٤، البيان ٤٢٧:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٢٠:٦، روضة الطالبين ٣٥٧:٤.

٢- تقدّم تخريجه في ص ٤٤٢، الهامش

٣- .

٤- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إنّ». و المثبت يقتضيه السياق.

٥- الصّريمة تصغير الصّرمة، و هي القطيع من الإبل و الغنم، و الغنيمة تصغير الغنم، يريد: أدخل صاحب الإبل القليلة و الغنم القليلة في الحمى و المرعى. النهاية - لابن الأثير - ٢٧:٣ «صرم».

٦- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٧- جملة «لا أبا لك» غير مكرّرة في المصادر.


و الكلأ أهون عليّ من الدينار و الدرهم، و أيم اللّه إنّهم ليقولون: إنّها لبلادنا التي قاتلنا عليها في الجاهليّة و أسلمنا عليها في الإسلام، و لو لا الخيل التي أحمل عليها في سبيل اللّه لما حميت من بلاد الإسلام شبرا(١).

و هو إجماع منهم، و لأنّ ما كان لمصالح المسلمين قامت الأئمّة فيه مقام النبيّ صلّى اللّه عليه و اله [و قد روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله](٢) أنّه قال: «ما أطعم اللّه نبيّا طعمة إلاّ جعلها طعمة لمن بعده»(٣) و أمّا الخبر فمخصوص(٤).

مسألة ١١٩١: للإمام أن يحمي لنفسه و لخيل المجاهدين

و إبل الصدقة و الضوالّ، و كذا نعم الجزية و مواشي الضعفاء - و به قال الشافعي(٥) - لأنّ ذلك كان للنبيّ صلّى اللّه عليه و اله فيكون للإمام.

و حكى أصحاب الشافعي عن مالك أنّه قال: لا يحمي إلاّ لخيل المجاهدين، و لا يحمي إلاّ الأقلّ الذي لا يبين ضرره على الناس،

١- الموطّأ ١/١٠٠٣:٢، صحيح البخاري ٨٧:٤، السنن الكبرى - للبيهقي - ٦: ١٤٧، الأم ٤٦:٤ و ٤٨، التهذيب - للبغوي - ٤٩٢:٤، البيان ٤٢٨:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٢٠:٦.

٢- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني ١٨٧:٦، و الشرح الكبير ٢٠٤:٦.

٣- مسند أحمد ١٥/٩:١، سنن أبي داود ٢٩٧٣/١٤٤:٣.

٤- الحاوي الكبير ٤٨٣:٧، المهذّب - للشيرازي - ٤٣٤:١، نهاية المطلب ٨: ٢٨٨، التهذيب - للبغوي - ٤٩٢:٤، البيان ٤٢٧:٧-٤٢٨، العزيز شرح الوجيز ٢٢٠:٦، روضة الطالبين ٣٥٧:٤، المغني ١٨٦:٦-١٨٧، الشرح الكبير ٦: ٢٠٣-٢٠٤، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ١١٨٩/٦٦٨:٢، عيون المجالس ١٢٨٢/١٨١٧:٤، روضة القضاة ٣٢٦٨/٥٥١:٢ و ٣٢٦٩.

٥- الحاوي الكبير ٤٨٣:٧، المهذّب - للشيرازي - ٤٣٤:١، التهذيب - للبغوي - ٤٩٢:٤، البيان ٤٢٧:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٢٠:٦-٢٢١، روضة الطالبين ٣٥٧:٤.


و لا يضيق الأمر عليهم(١).

و حكى أصحابه جواز الحمى لغير ذلك(٢).

إذا ثبت هذا، فإنّه يحمي قدرا لا يضيق به على المسلمين و لا يضرّ بهم؛ لأنّه إنّما جاز لما فيه من المصلحة لما يحمي، و ليس من المصلحة إدخال الضرر على أكثر الناس.

إذا عرفت هذا، فإن قلنا بجواز أن يحمي الإمام الأعظم هل يجوز لولاته في النواحي أيضا؟ الوجه: المنع إلاّ بإذن الإمام الأعظم، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: الجواز(٣).

مسألة ١١٩٢: ما حماه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أو الإمام لا يجوز إحياؤه،

فإن أحياه محي لم يملكه ما دام الحمى مستمرّا.

و ما حماه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أو الإمام لمصلحة فزالت جاز نقضه؛ لانتفاء الباعث على الإحياء، و إذا كانت باقية لم يجز نقضه.

و قال الشافعي فيما حماه الإمام قولان:

أحدهما: لا يجوز تغييره؛ لتعيّنه لتلك الجهة، كالمسجد و المقبرة.

و أظهرهما: الجواز؛ لأنّ الحمى كان نظرا للمسلمين برعاية مصلحة حاليّة، و قد يقتضي النظر نقضه و ردّه إلى ما كان(٤).

و لهم قول آخر: إنّ للحامي أن ينقض حمى نفسه، و لا يجوز لمن

١- العزيز شرح الوجيز ٢٢١:٦.

٢- الإشراف على نكت مسائل الخلاف ١١٨٩/٦٦٨:٢، عيون المجالس ٤: ١٢٨٢/١٨١٧.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٢٠:٦، روضة الطالبين ٣٥٧:٤.

٤- العزيز شرح الوجيز ٢٢١:٦، روضة الطالبين ٣٥٧:٤.


بعده من الأئمّة نقض حماه(١).

و إذا جوّزنا فلو أحياه محي بإذن الإمام ملكه، و كان الإذن في الإحياء نقضا، و إن استقلّ فقولان، أظهرهما عنده: المنع؛ لما فيه من الاعتراض على تصرّف الإمام و حكمه(٢).

و أمّا حمى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ففيه طريقان:

منهم من قال: إنّه نصّ من الشارع، فلا ينقض بحال.

و منهم من قال: إن بقيت الحاجة التي حمى لها لم يغيّر، و إن زالت فوجهان.

أحدهما - و به قال أبو حنيفة -: يجوز تغييره؛ لزوال العلّة.

و أظهرهما عند الشافعيّة: المنع؛ لأنّ التغيير إنّما يكون بالاجتهاد، و نحن نقطع بأنّ ما فعله مصلحة، فلا يرفع القطع بالظنّ(٣).

خاتمة: قد سبق(١) أنّ المعادن الظاهرة لا يجوز إقطاعها، و يجوز أن يقطع إنسانا المواضع المتّسعة في الشوارع، فيختصّ بالجلوس فيه(٢) ، و إذا قام عنه لم يكن لغيره الجلوس فيه.

و إذا لم يقطعه السلطان لكن سبق إلى الجلوس في الطريق الواسع، كان أحقّ به ما دام جالسا فيه؛ لإجماع أهل الأعصار عليه، فإنّ الباعة يجلسون على الطريق من غير إنكار أحد عليهم.

فإن قام أحد و ترك رحله، كان أحقّ به. و إن نقل رحله عنه فسبق إليه غيره، كان الثاني أحقّ، بخلاف ما إذا أقطعه السلطان؛ لأنّ ذلك كان أولىع.

١- في ص ٣٨٠.

٢- تذكير الضمير هنا و فيما بعد باعتبار الموضع.


بسبب الإقطاع و لو لم يترك، و هذا قدّم بالسبق إليه و قد زال.

ثمّ الجالس بالإقطاع أو السبق إن ظلّل على نفسه شيئا، فإن كان الظلّ ممّا ينقله معه جاز، و إن كان بناء لم يجز.

و كذا ليس له بناء دكّة و لا نصب شريجة(١) ؛ لأنّ ذلك يضرّ بالمارّة.

إذا عرفت هذا، فغير المملوك من الأرض على أقسام أربعة:

الأوّل: ما يملك بالإحياء و يحجّر و يقطع، و هو الموات من الأرض.

الثاني: ما لا يملك و لا يقطع و لا يحجّر، و هو المعادن.

الثالث: ما لا يملك و لا يحجّر و يجوز إقطاعه للإرفاق، و هو المجالس في الطرقات و الأسواق.

الرابع: المعادن الباطنة، و تملك بالإحياء. و للشافعي قولان(٢).

و اعلم أنّه ليس للإمام إقطاع بقاع المسجد، فإن المساجد للّه تعالى.

قال بعض الشافعيّة: إنّ الترتّب في المسجد للتدريس و الفتوى كالترتّب للإمامة، حتى لا يعتبر إذن الإمام في مساجد المحالّ، و يعتبر في الجوامع و كبار المساجد إذا كانت عادة البلد فيه الاستئذان(٣) ، فجعل لإذن الإمام فيه اعتبارا.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ في جملة ما يقطعه الإمام للإرفاق بالجلوس للبيع و الشراء مقاعد الأسواق و رحاب المساجد(٤).٤.

١- قال الجوهري في الصحاح ٣٢٤:١ «شرج»: الشريجة شيء ينسج من سعف النخل يحمل فيه البطّيخ و نحوه.

٢- راجع: الهامش (١ و ٢) من ص ٣٨٥.

٣- الماوردي في الأحكام السلطانيّة: ١٨٩، و حكاه عنه أيضا الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٢٢٦:٦، و النووي في روضة الطالبين ٣٦٣:٤.

٤- العزيز شرح الوجيز ٢٢٦:٦، روضة الطالبين ٣٦٣:٤.


فإن أراد بالرحاب الأفنية الخارجة عن حدّ المسجد فهو مسلّم، و إلاّ فممنوع؛ للنهي عن الجلوس في المساجد للبيع و الشراء(١).٨.

١- مسند أحمد ٦٦٣٨/٣٧٤:٢، و ٦٩٥٢/٤٢٩، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٢: ٤١٩، سنن ابن ماجة ٧٤٩/٢٤٧:١، سنن أبي داود ١٠٧٩/٢٨٣:١، سنن الترمذي ٣٢٢/١٣٩:٢، سنن النسائي (المجتبى) ٤٧:٢-٤٨.


الفصل الثالث: فيما به يحصل الإحياء المعهود

من عادة الشرع أنّه إذا أطلق لفظا و لم ينصّ على مسمّى عنده يخالف العرف فإنّه ينزّل على معناه في العرف، كالقبض و الحرز في السرقة و التفرّق، فإنّ الشرع ورد بذلك في قوله عليه السّلام: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا(١)»(٢) و أنّه نهى عن بيع ما لم يقبض(٣) ، و أنّ القطع يجب على السارق من الحرز(٤) ، و لم يبيّن كيفيّته.

و إنّما يرجع إلى العرف؛ لأنّه عليه السّلام لا يعلّق حكما إلاّ على ما إليه طريق، فلمّا لم يبيّنه دلّ على أنّ طريقه العرف، و إلاّ لزم تكليف ما لا يطاق؛ إذ لا طريق غيره.

و قد ورد الشرع بالإحياء و لم يبيّنه، فانصرف إطلاقه إلى المتعارف

١- في النّسخ الخطّيّة و بعض المصادر: «لم يفترقا».

٢- مسند أحمد ٤٥٥٢/٧٤:٢، و ١٤٨٩٠/٤٠٣:٤، و ١٩٣١٢/٥٨٦:٥، و ١٩٦٢٩/٦٣٩، صحيح البخاري ٧٦:٣ و ٧٧ و ٨٤ و ٨٥، صحيح مسلم ١٥٣٢/١١٦٤:٣، سنن ابن ماجة ٢١٨٢/٧٣٦:٢ و ٢١٨٣، سنن أبي داود ٢٧٣:٣-٣٤٥٧/٢٧٤ و ٣٤٥٩، سنن الترمذي ٥٤٧:٣-١٢٤٥/٥٥٠-١٢٤٧، سنن النسائي (المجتبى) ٢٥١:٧ و ٢٤٤-٢٤٥ و ٢٤٧-٢٤٩، السنن الكبرى - للنسائي - ٦٠٤٩/٥:٤-١، سنن الدارقطني ١٤/٦:٣، المستدرك - للحاكم - ١٦:٢، السنن الكبرى - للبيهقي - ٢٦٩:٥-٢٧١، المصنّف - لابن أبي شيبة - ١٢٤:٧-٢٦٠٧/١٢٦-٢٦٠٩ و ٢٦١١، و ٢٦١٧/١٢٧.

٣- مسند أحمد ١٨٥٠/٣٥٥:١، صحيح البخاري ٨٩:٣، السنن الكبرى - للنسائي - ٣٥:٤-٦١٨٨/٣٦-٢ و ٦١٩٢-٦، السنن الكبرى - للبيهقي - ٣١٣:٥، المعجم الكبير - للطبراني - ١٠٨٧١/١١:١١ و ١٠٨٧٢، و ١٠٨٧٤/١٢ و ١٠٨٧٥، المصنّف - لابن أبي شيبة - ١٣٧٨/٣٦٨:٦.

٤- السنن الكبرى - للبيهقي - ٢٦٣:٨.


بين الناس، و ذلك يختلف باختلاف المحيا، فالأرض قد تتّخذ للسكنى و الحظيرة و المزرعة، و إحياء كلّ واحد من ذلك بتهيئتها للانتفاع الذي أريدت له، و يظهر بصور تشتمل على مسائل:

مسألة ١١٩٣: إذا أراد السكنى في الملك الذي

مسألة ١١٩٣: إذا أراد السكنى في الملك الذي(١) يقصد إحياءه،

و إنّما يكون ذلك بصيرورته دارا، و إنّما يصير كذلك بأن يدار عليها حائط و يسقّف بعضها؛ لأن السكنى لا يكون إلاّ بذلك، و التحويط إمّا بالآجر أو اللّبن أو بمحض الطين أو ألواح الخشب أو القصب بحسب العادة، و لا يجب تعميم السقف على الحيطان الدائرة على البقعة، بل يكفي فيه ما يمكن السكنى معه، و لأنّ اسم الدار حينئذ يقع عليه.

هذا قول الشيخ رحمه اللّه(٢) ، و هو قول أكثر الشافعيّة(٣).

و بعضهم لم يشترط التسقيف في إحياء الدار(٤).

و هو إحدى الروايتين عن أحمد، فإنّه اكتفى بتحويط الجدار لا غير؛ لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال: «من أحاط حائطا على أرض فهي له»(٥).

و لأنّ الحائط حاجز منيع، فكان إحياء، كما لو جعلها حظيرة للغنم؛

١- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «التي». و الظاهر ما أثبتناه.

٢- المبسوط - للطوسي - ٢٧١:٣.

٣- الحاوي الكبير ٤٨٦:٧، المهذّب - للشيرازي - ٤٣١:١، نهاية المطلب ٨: ٢٩٢، الوجيز ٢٤٤:١، الوسيط ٢٢٥:٤، حلية العلماء ٤٩٨:٥، التهذيب - للبغوي - ٤٩٣:٤، البيان ٤١٥:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٤٤:٦، روضة الطالبين ٣٥٤:٤.

٤- نهاية المطلب ٢٩٥:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٤٤:٦، روضة الطالبين ٣٥٤:٤.

٥- المصنّف - لابن أبي شيبة - ٢٤٣٢/٧٦:٧، مسند أحمد ١٩٦٢٠/٦٣٨:٥، و ١٩٧٢٦/٦٥٣، سنن أبي داود ٣٠٧٧/١٧٩:٣، المعجم الكبير - للطبراني - ٧: ٦٨٦٦/٢٥٢ و ٦٨٦٧، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٤٨:٦.


لأنّ القصد لا اعتبار به، لأنّه لو أرادها حظيرة للغنم فبناها بجصّ و آجر و قسّمها بيوتا فإنّه يملكها، و هذا لا يعمل للغنم مثله، و لأنّه لو بناها للغنم ملكها بمجرّد الحائط، فإذا ملكها جاز له أن يبنيها دارا من غير اشتراط تسقيف(١) ، و لا بأس بذلك.

و اشترط أكثر الشافعيّة في إحياء الدار تعليق الباب؛ لأنّ العادة في المنازل أن يكون لها أبواب، و ما لا باب له لا يتّخذ مسكنا(٢).

و لم يذكره الشيخ رحمه اللّه و لا بعض الشافعيّة؛ لأنّ نصب الباب للحفظ، و السكنى لا تتوقّف عليه.

مسألة ١١٩٤: لو أراد إحياء أرض يتّخذها زريبة

(٣) للدوابّ أو حظيرة تجفّف فيها الثمار أو يجمع فيها الحطب أو الحشيش، اشترط التحويط لا غير، و لا يشترط التسقيف هنا إجماعا؛ قضاء للعرف فيه، و لا يكفي نصب سعف و أحجار من غير بناء؛ لأنّ المتملّك لا يقتصر عليه في العادة، و إنّما يفعل مثله المجتاز المرتفق.

و لو حوّط بالبناء في طرف و اقتصر للباقي على نصب الأحجار و السعف، للشافعيّة قولان، أحدهما: الاكتفاء، و الثاني: عدمه(٤).

و لا يشترط التسقيف هنا إجماعا.

و في اشتراط تعليق الباب ما سبق(٥) من الخلاف.

١- المغني ١٩٧:٦-١٩٨، الشرح الكبير ١٧٨:٦-١٧٩.

٢- المهذّب - للشيرازي - ٤٣١:١، الوجيز ٢٤٤:١، حلية العلماء ٤٩٨:٥، البيان ٤١٥:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٤٤:٦، روضة الطالبين ٣٥٤:٤.

٣- أي: حظيرة الغنم من خشب. لسان العرب ٤٤٧:١ «زرب».

٤- العزيز شرح الوجيز ٢٤٤:٦، روضة الطالبين ٣٥٤:٤.

٥- آنفا.


مسألة ١١٩٥: لو قصد الإحياء لاتّخاذ الموات مزرعة،

اعتبر في إحيائه أمور:

الأوّل: جمع التراب حواليه لينفصل المحيا عن غيره، و يسمّى المرز، و في معناه نصب قصب و حجر و شوك و شبهه، و لا حاجة إلى التحويط إجماعا، فإنّ معظم المزارع بارزة.

الثاني: تسوية الأرض بطمّ الحفر التي فيها، و إزالة الارتفاع من المرتفع، و حراثتها، و تليين ترابها، فإن لم يتيسّر ذلك إلاّ بماء يساق إليها فلا بدّ منه لتتهيّأ الأرض للزراعة.

الثالث: ترتيب مائها إمّا بشقّ ساقية من نهر أو حفر بئر أو قناة و سقيها إن كانت عادتها أنّها لا تكتفي في زراعتها بماء السماء، و إن اكتفت به فلا حاجة إلى سقي و لا ترتيب ماء.

و إذا احتاجت في السقي إلى النهر، وجب تهيئة ماء من عين أو نهر أو غيرهما.

فإذا هيّأه، فإن حفر له الطريق و لم يبق إلاّ إجراء الماء فيه كفى، و لم يشترط إجراء الماء و لا سقي الأرض، و إن لم يحفر بعد، فللشافعيّة وجهان(١).

و بالجملة، السقي نفسه غير محتاج إليه في تحقّق الإحياء، إنّما الحاجة إلى ترتيب ماء يمكن السقي منه.

و أراضي الجبال التي لا يمكن سوق الماء إليها و لا يصيبها إلاّ ماء السماء قال بعض الشافعيّة: لا مدخل للإحياء فيها، و بنى عليه أنّا إذا وجدنا

١- العزيز شرح الوجيز ٢٤٥:٦، روضة الطالبين ٣٥٤:٤.

شيئا من تلك الأراضي في يد إنسان لم يحكم بأنّه ملكه، و لا يجوز بيعه و إجارته(١).

و الوجه: أنّها تملك بالحراثة و جمع التراب على الحدود، و كثير من المزارع تستغني عن سوق الماء [إليها](٢) بالمطر.

و هل تشترط الزراعة لحصول الملك في الزراعة ؟ الوجه: العدم؛ لأنّ الزراعة استيفاء منفعة الأرض، و استيفاء المنفعة خارج عن حدّ الإحياء، كما أنّه لا يعتبر في إحياء الدار أن يسكنها، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني:

الاشتراط؛ لأنّ الدار و الزريبة لا تصير محياة إلاّ إذا حصل فيها عين مال المحيي، و كذا المزرعة(٣).

مسألة ١١٩٦: لو قصد الإحياء بزرع بستان فلا بدّ من التحويط،

و يرجع فيما به يحوّط إلى العادة، فإن كانت عادة البلد بناء الجدار لزم البناء، و إن كانت عادتهم الحظيرة بالقصب و الشوك و ربما تركوه أيضا كما في البصرة و قزوين، اعتبرت عادتهم، و حينئذ يكفي جمع التراب حواليه، كالمزرعة.

و القول في سوق الماء إليه على ما تقدّم في المزرعة.

و هل يعتبر غرس الأشجار أم لا؟ من اعتبر الزرع في المزرعة اعتبر [الغرس](٤) في البستان بطريق الأولى، و من لم يعتبره اختلفوا في الغرس على وجهين، و معظمهم اعتبره.

و الفرق: أنّ اسم المزرعة يقع على البقعة قبل الزراعة، و اسم البستان

١- العزيز شرح الوجيز ٢٤٥:٦، روضة الطالبين ٣٥٤:٤.

٢- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إليه». و المثبت يقتضيه السياق.

٣- الوسيط ٢٢٥:٤، التهذيب - للبغوي - ٤٩٤:٤، البيان ٤١٦:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٤٥:٦، روضة الطالبين ٣٥٥:٤.

٤- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.


لا يقع قبل الغراس، و لأنّ الزرع يسبقه تقليب الأرض و حرثها، فجاز أن يقام مقامه، و الغرس لا يسبقه شيء يقام مقامه، و لأنّ الغرس يدوم، فألحق بأبنية الدار، و الزرع بخلافه(١).

و الوجه: أنّه لا بدّ من أحد أمرين: إمّا الحائط أو الغرس ليتحقّق الاسم.

و كذا الأرض إذا زرعت بماء سبق إليها فقد تمّ الإحياء و إن لم يجمع التراب حولها.

تنبيه: لو كانت الأرض مستأجمة فعضد شجرها و أصلحها، أو كانت المياه غالبة عليها فقطعها عنها و هيّأها للعمارة، كان ذلك إحياء عرفا.

مسألة ١١٩٧: هل يعتبر القصد إلى الإحياء في تحقّق الملك للمحيي ؟

الوجه: أن نقول: إن كان الفعل الذي فعله للإحياء لا يفعل في العادة مثله إلاّ للتملّك - كبناء الدار و اتّخاذ البستان - ملك به و إن لم يوجد منه قصد التملّك.

و إن كان ممّا يفعله المتملّك و غير المتملّك، كحفر البئر في الموات و زراعة قطعة من الموات، اعتمادا على ماء السماء، افتقر تحقّق التملّك إلى تحقّق قصده، فإن قصد أفاد الملك، و إلاّ فإشكال ينشأ من أنّ المباحاة هل تملك بشرط النيّة أم لا؟

و للشافعيّة وجهان(٢).

و ما لا يكتفي به المتملّك - كتسوية موضع النزول و تنقيته عن الحجارة - لا يفيد التملّك و إن قصده، و هذا كنصب الأحبولة في طرق

١- العزيز شرح الوجيز ٢٤٥:٦-٢٤٦، روضة الطالبين ٣٥٥:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٤٦:٦، روضة الطالبين ٣٥٦:٤.


الصيد، فإنّه يفيد الملك في الصيد.

و إغلاق الباب إذا دخل الصيد الدار على قصد التملّك يفيد الملك، و دونه وجهان(١).

و توحّل الصيد في أرضه التي سقاها لا بقصد الصيد لا يقتضي التملّك و إن قصده.

مسألة ١١٩٨: لو قصد نوعا و فعل إحياء يملك به نوع آخر،

كما إذا حوّط بقعة بقصد السكنى، و هذا الإحياء إنّما يتحقّق في تملّك حظيرة الغنم و شبهها، هل يفيد الملك ؟ الوجه عندي ذلك، فإنّه ممّا يملك به الحظيرة لو قصدها، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه لا يملك به، و إلاّ لزم الاكتفاء بأدنى العمارات أبدا(٢).

و استحالة التالي ممنوعة.

مسألة ١١٩٩: إذا حفر بئرا في الموات للتملّك،

لم يحصل الإحياء ما لم يصل إلى الماء، و قبله يكون تحجيرا.

و إذا وصل الماء كفى في الإحياء، سواء كانت الأرض صلبة أو رخوة.

و قال بعض الشافعيّة: يكفي في الصلبة، و لا بدّ في الرخوة من طيّها(٣). و ليس بشيء.

و في حفر القناة يتمّ الإحياء بخروج الماء و جريانه.

و إذا حفر نهرا ليجري الماء فيه على قصد التملّك، فإذا انتهت فوهة

١- العزيز شرح الوجيز ٢٤٦:٦، روضة الطالبين ٣٥٦:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٤٦:٦-٢٤٧، روضة الطالبين ٣٥٦:٤.

٣- الحاوي الكبير ٤٨٨:٧، العزيز شرح الوجيز ٢٤٧:٦، روضة الطالبين ٣٥٦:٤.


النهر الذي يحفره إلى النهر القديم و جرى فيه الماء ملكه.

و الوجه: أنّه لا يتوقّف الملك على إجراء الماء فيه؛ لأنّه استيفاء منفعة، كالسكون في الدار.

و لو سقى أرضه بماء غيره المملوك لذلك الغير، فالزرع لصاحب البذر، و عليه قيمة الماء.

مسألة ١٢٠٠: ما نضب عنه الماء من الجزائر الأقرب: أنّه يملك بالإحياء؛

لعدم الاختصاص بالغير.

و عن أحمد رواية أخرى: أنّه لا يجوز إحياؤه، و لا يملك بالإحياء؛ لاشتماله على الضرر، فإنّ الماء قد يرجع، فإذا وجد الموضع مبنيّا رجع إلى الطرف الآخر فأضرّ بأهله، و لأنّ الجزائر منبت الكلأ و الحطب، فجرى مجرى المعادن الظاهرة(١).

و هو ممنوع.

و لو نضب الماء عن الجزيرة فنبت فيها نبات، لم يكن لأحد الاختصاص به، و لا منع الناس عنه، أمّا لو غلب الماء على أرض مملوكة لإنسان ثمّ نضب الماء عنها، فله أخذه، و لا يزول ملكه عنه، و لو نبت فيه شيء كان للمالك خاصّة.

و لو كان ما نضب عنه الماء من الجزائر لا ينتفع به أحد فعمّره رجل عمارة لا تردّ الماء، مثل أن يجعله مزرعة، فهو أحقّ به من غيره؛ لأنّه متحجّر لما ليس لمسلم فيه حقّ، فأشبه المتحجّر في الموات.

١- المغني ١٧٩:٦-١٨٠، الشرح الكبير ١٧٧:٦-١٧٨.


الفصل الرابع: في حدّ الحريم

الحريم إشارة إلى المواضع القريبة التي يحتاج إليها لتمام الانتفاع، كالطريق و مسيل الماء و مطرح التراب و أشباه ذلك، و قد بيّنّا أنّه لا يجوز لأحد إحياؤه؛ لتعلّق حقّ الغير به، و سبق(١) أنّ الكفّار إذا صالحونا على أنّ البلدة لهم كان عامرها ملكا لهم، فلا يجوز لأحد من المسلمين إحياؤها، و أمّا مواتها فإن كانوا يذبّون عنه فهو من حريم تلك البلدة و مرافقها، فلا يجوز إحياؤه.

مسألة ١٢٠١: حريم القرى المحياة ما حواليها من مجتمع النادي

و مرتكض الخيل و مناخ الإبل و مطرح الرماد و السماد و سائر ما يعدّ من مرافقها لا يجوز لأحد إحياؤه و لا الاختصاص به؛ لما فيه من التضييق على المسلمين، و منع حقوقهم عنها.

و أمّا مرعى البهائم ففي كونه من حريمها نظر.

و فصّل الجويني فقال: إن بعد عن القرية لم يكن من حريمها، و إن قرب و لم يستقلّ مرعى و لكن كانت البهائم ترعى فيه عند الخوف من الإبعاد، فقولان، و الظاهر عندهم أنّه ليس من حريمها(٢).

١- في ص ٣٧٥، المسألة ١١٥٣.

٢- نهاية المطلب ٣٣٥:٨، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٢١٣:٦، و روضة الطالبين ٣٤٨:٤-٣٤٩.


و أمّا ما استقلّ مرعى فقطع بعض الشافعيّة بأنّه من الحريم(١).

و قال بعضهم: مرعى البهائم من حقوق القرية مطلقا(٢).

و حكم المحتطب حكم المرعى.

مسألة ١٢٠٢: حريم الدار في الموات مطرح ترابها و الرماد و الكناسة و الثلج

و قمامة المنزل و مسيل مياهها و الممرّ في الصوب الذي يفتح إليه الباب، و ليس المراد منه استحقاق الممرّ في قبالة الباب على امتداد الموات، بل يجوز لغيره إحياء ما في قبالة الباب إذا أبقى له الممرّ، فإن احتاج إلى ازورار و انعطاف جاز؛ لأنّ الحاجة تمسّ إلى ذلك.

و عند جماعة من الشافعيّة فناء الدار من حريمها(١).

و منع بعضهم من أن يكون للدار حريم، بل لو أراد محي أن يبني بجنبها لم يلزمه أن يبعد عن فنائها. نعم، له منع ما يضرّ بالحيطان، كحفر بئر بقربها(٢).

و أمّا حريم الحائط فعندنا أنّه مقدار مطرح ترابه؛ لأنّ الحاجة تمسّ إليه عند سقوطه.

و هذا كلّه إنّما يثبت في الأرض الموات إذا ابتكر عمارة الدار و الحائط فيها، فيجب على من يريد العمارة في تلك الأرض التباعد عن الدار، و الحائط ما قلناه.

مسألة ١٢٠٣: البئر إذا حفرت للتملّك في الأرض الموات لم يجز لأحد

١- الحاوي الكبير ٤٨٨:٧، حلية العلماء ٥٠٢:٥، البيان ٤١٠:٧، العزيز شرح الوجيز ٢١٣:٦، روضة الطالبين ٣٤٩:٤.

٢- حلية العلماء ٥٠٢:٥، البيان ٤١٠:٧، العزيز شرح الوجيز ٢١٣:٦، روضة الطالبين ٣٤٩:٤.


أن يحفر بئرا أخرى إلى جنبها، بل يجب التباعد عنها قدر أربعين ذراعا إن كانت بئر المعطن، و ستّين إن كانت بئر الناضح، عند علمائنا.

لما رواه العامّة عن عبد اللّه بن مغفّل أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال: «من احتفر بئرا فله أربعون ذراعا حولها لعطن ماشيته»(١).

و من طريق الخاصّة: ما رواه مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعا، و ما بين [بئر] الناضح إلى بئر الناضح ستّون ذراعا»(٢).

و مثله روى السكوني - في الموثّق - عن الصادق عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله(٣).

و في الصحيح عن حمّاد بن عثمان قال: سمعت الصادق عليه السّلام يقول:

«حريم البئر العاديّة أربعون ذراعا حولها - و في رواية: خمسون ذراعا - إلاّ أن يكون إلى عطن أو إلى الطريق فيكون أقلّ من [ذلك] خمسة و عشرون ذراعا»(٤).

و نسب البئر إلى العاديّة؛ لأنّ المراد ما هو من زمن عاد أو ما أشبهه(٥) موات، و لم يرد النسبة به إلى عاد بالخصوصيّة، لكن لمّا كانت عاد في الزمن الأوّل كان لها آثار في الأرض نسب إليها كلّ قديم، و الضابط: أن لا يكون قد تملّكها المسلمون.».

١- سنن ابن ماجة ٢٤٨٦/٨٣١:٢ بتفاوت يسير.

٢- الكافي ٢/٢٩٥:٥، التهذيب ١٤٤:٧-٦٤٢/١٤٥، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.

٣- الكافي ٨/٢٩٦:٥، التهذيب ٦٤٣/١٤٥:٧.

٤- الكافي ٢٩٥:٥-٥/٢٩٦، التهذيب ١٤٥:٧-٦٤٥/١٤٦ و ٦٤٦، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.

٥- في «ص، ع»: «شابهه».


و قال الشافعي: حريم البئر ما يحتاج إليه في السقي منها إن كان بالسواقي فبقدر ما يحتاج إليه، أو باليد فبقدر ما يحتاج إليه الواقف عندها.

و بالجملة، الموضع الذي يقف فيه النازح و موضع الدولاب و متردّد البهيمة إن كان الاستقاء بهما، و مصبّ الماء، و الموضع الذي يجتمع فيه لسقي الماشية و الزرع من حوض و نحوه، و الموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منه، كلّ ذلك غير محدود عنده، و إنّما هو بحسب الحاجة و مقدار العرف في ذلك(١).

و من أصحابه من قال: حريم البئر قدر عمقها من كلّ جانب؛ لأنّ هذا إنّما يثبت للحاجة إليه، فينبغي أن تراعى الحاجة دون غيرها(٢).

و العمل على النقل أولى.

و قال أبو حنيفة: حريم البئر أربعون ذراعا(٣) ؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:

«حريم البئر أربعون ذراعا»(٤).

و هو قريب ممّا قلناه؛ لأنّا خصّصنا ذلك ببئر المعطن.٦.

١- الحاوي الكبير ٤٨٨:٧، المهذّب - للشيرازي - ٤٣١:١، الوجيز ٢٤٢:١، الوسيط ٢٢١:٤، حلية العلماء ٥٠٠:٥، التهذيب - للبغوي - ٤٩١:٤، البيان ٤٠٩:٧، العزيز شرح الوجيز ٢١٣:٦-٢١٤، روضة الطالبين ٣٤٩:٤-٣٥٠.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢١٤:٦، روضة الطالبين ٣٥٠:٤.

٣- مختصر القدوري: ١٤٠، المبسوط - للسرخسي - ١٦١:٢٣ و ١٦٢، روضة القضاة ٣٢٤٤/٥٤٦:٢، تحفة الفقهاء ٣٢٣:٣، الفقه النافع ١٠٦٥/١٣٠٩:٣، بدائع الصنائع ١٩٥:٦، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٢٢٠:٣، الهداية - للمرغيناني - ١٠٠:٤، الاختيار لتعليل المختار ٩٦:٣، حلية العلماء ٥: ٥٠٠، العزيز شرح الوجيز ٢١٤:٦، المغني ٢٠١:٦، الشرح الكبير ١٨٢:٦.

٤- الأموال - لأبي عبيد -: ٣٠٣-٧١٨/٣٠٤، مسند أحمد ١٠٠٣٩/٢٨١:٣، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٥٥:٦، المغني ٢٠١:٦، الشرح الكبير ١٨٢:٦.


و قال أحمد: حريم البئر خمسة و عشرون ذراعا إلاّ أن تكون عاديّة فيكون حريمها خمسين ذراعا؛ لما روي عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:

«حريم البئر البديء خمسة و عشرون ذراعا، و حريم البئر العاديّة خمسون ذراعا»(١)(٢).

و البديء هي البئر التي أحدثت في الإسلام و لم تكن عاديّة، قاله في الصحاح(٣).

و الشافعي لم يحدّ ذلك بشيء، و حمل اختلاف الروايات على اختلاف القدر المحتاج إليه(٤) ، و يحكى مثله عن مالك(٥).

مسألة ١٢٠٤: حريم العين في الأرض الصلبة خمسمائة ذراع،

و في الرخوة ألف ذراع، فإذا حفر إنسان عينا في أرض موات صلبة و أراد غيره حفر أخرى تباعد عنه بخمسمائة ذراع، و إن كانت رخوة تباعد بألف ذراع، عند علمائنا، و هو قريب من قول أبي حنيفة؛ لأنّه جعل حريم العين خمسمائة ذراع(٦) ، و أطلق و لم يفصّل الأرض إلى الرخوة و الصلبة.

و لنا على مطلق التحديد: ما رواه العامّة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال:

«حريم البئر [البديء] خمسة و عشرون ذراعا، و حريم البئر العاديّة خمسون

١- سنن الدارقطني ٦٣/٢٢٠:٤، المستدرك - للحاكم - ٩٧:٤-٩٨.

٢- المغني ٢٠٠:٦-٢٠١، الشرح الكبير ١٨١:٦-١٨٢، حلية العلماء ٥٠١:٥ - ٥٠٢، البيان ٤٠٩:٧، العزيز شرح الوجيز ٢١٤:٦.

٣- الصحاح ٣٥:١ «بدأ».

٤- كما في العزيز شرح الوجيز ٢١٤:٦، و روضة الطالبين ٣٥٠:٤.

٥- كما في العزيز شرح الوجيز ٢١٤:٦، و حكاه عنه أبو عبيد في الأموال: ٧٢٥/٣٠٥.

٦- بدائع الصنائع ١٩٥:٦، الهداية - للمرغيناني - ١٠٠:٤، الحاوي الكبير ٧: ٤٨٨، العزيز شرح الوجيز ٢١٤:٦، المغني ٢٠١:٦، الشرح الكبير ١٨٢:٦.


ذراعا، و حريم العين السائحة ثلاثمائة ذراع»(١).

و على التقدير بخمسمائة ذراع: ما رواه أبو هريرة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «حريم البئر أربعون ذراعا، و حريم العين خمسمائة ذراع لأعطان الإبل و الغنم»(٢).

و من طريق الخاصّة: ما رواه مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعا، و ما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستّون ذراعا، و ما بين العين إلى العين خمسمائة ذراع»(٣).

و في الموثّق عن السكوني عن الصادق عليه السّلام قال: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال: ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعا، و ما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستّون ذراعا، و ما بين العين إلى العين - يعني القناة - خمسمائة ذراع»(٤).

و على التفصيل: ما رواه عقبة بن خالد عن الصادق عليه السّلام قال: «يكون بين البئرين إذا كانت أرضا صلبة خمسمائة ذراع، و إن كانت أرضا رخوه فألف ذراع»(٥).

و لم يحدّ الشافعي ذلك بحدّ، بل جعل الضابط الحاجة، فمهما احتاجت العين إليه لزم، و إلاّ فلا(٦).٣.

١- سنن الدارقطني ٦٣/٢٢٠:٤، و ما بين المعقوفين أثبتناه منه.

٢- لم نعثر على نصّه في المصادر الحديثيّة.

٣- تقدّم تخريجه في ص ٤٦١، الهامش (٢).

٤- تقدّم تخريجه في ص ٤٦١، الهامش (٢).

٥- الكافي ٦/٢٩٦:٥، التهذيب ٦٤٤/١٤٥:٧.

٦- راجع: الهامش (٤) من ص ٤٦٣.

و قد روى محمّد بن عليّ بن محبوب قال: كتب رجل إلى الفقيه عليه السّلام: في رجل كانت له قناة في قرية فأراد رجل أن يحفر قناة أخرى فوقه كم يكون بينهما في البعد حتى لا يضرّ بالأخرى في أرض إذا كانت صعبة أو رخوة ؟ فوقّع عليه السّلام: «على حسب أن لا يضرّ أحدهما بالآخر»(١).

قال الشافعي: و أمّا القناة فآبارها لا يستقى منها حتى يعتبر به الحريم، فحريمها القدر الذي لو حفر فيه لنقص ماؤها أو خيف منه انهيار و انكباس، و يختلف ذلك بصلابة الأرض و رخاوتها(٢).

و لهم وجه آخر: أنّ حريمها حريم البئر التي يستقى منها، و لا يمنع من الحفر بعد ما جاوزه و إن نقص ماؤها(٣).

و قال بعضهم: لو جاء آخر و تنحّى عن المواضع التي عدّدناها حريما و حفر بئرا ينقص ماء الأولى، لم يمنع منه، و هو خارج عن حريم البئر(٤).

و الأظهر عندهم: أنّه ليس لغيره الحفر حيث ينقص ماء الأولى، كما ليس لغيره أن يتصرّف قريبا من بنائه بما يضرّ به، بخلاف ما إذا حفر بئرا في ملكه فحفر جاره بئرا في ملكه فنقص ماء الأولى حيث يجوز.

و الفرق: أنّ الحفر في الموات ابتداء تملّك، فلا يمكّن منه إذا تضرّر الغير، و هنا كلّ واحد منهما يتصرّف في الملك، و على هذا فذلك الموضع داخل في حريم البئر أيضا(٥).

و ما حكمنا بكونه حريما فذلك إذا انتهى الموات إليه، فإن كان الموضع مملوكا قبل تمام حدّ الحريم فالحريم إلى حيث ينتهي الموات.٤.

١- الفقيه ٦٥٩/١٥٠:٣، التهذيب ٦٤٧/١٤٦:٧.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢١٤:٦، روضة الطالبين ٣٥٠:٤. (٣الى٥) العزيز شرح الوجيز ٢١٥:٦، روضة الطالبين ٣٥٠:٤.


مسألة ١٢٠٥: حدّ الطريق لمن ابتكر ما يحتاج إليه في الأرض المباحة خمس أذرع،

و قيل: سبع(١) ، فالثاني يتباعد هذا المقدار؛ لما رواه مسمع ابن عبد الملك عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: و الطريق إذا تشاحّ عليه أهله فحدّه سبع أذرع»(٢).

و مثله ما رواه السكوني - في الموثّق - عن الصادق عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله(٣).

و أمّا النهر فحريمه مقدار مطرح ترابه و المجاز على حافّتيه.

و لو كان النهر في ملك الغير فادّعى الحريم، قضي له مع يمينه؛ لأنّه يدّعي ما يشهد به الظاهر، على إشكال.

مسألة ١٢٠٦: حريم الشجر ما تبرز أغصانه إليه أو تسري عروقه إليه،

فإذا أحيا أرضا و زرع في جانبها غرسا تبرز أغصانه إلى الموات أو تسري عروقه إليه لم يكن لغيره إحياء ما تصل الأغصان أو العروق إليه، فإن بادر أحد إلى إحيائه كان للغارس منعه.

و لو باع إنسان بستانا نخلا و استثنى عليه نخلة معيّنة، كان للبائع حقّ الاستطراق إلى تلك النخلة و الدخول إليها و الخروج عنها، و له مدى جرائدها من الأرض؛ لما رواه السكوني - في الموثّق - عن الصادق عليه السّلام قال: «قضى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله في رجل باع نخلا و استثنى(٤) عليه نخلة، فقضى له

١- ممّن قال به الشيخ الطوسي في النهاية: ٤١٨، و الحلّي في السرائر ٣٧٤:٢، و يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: ٢٧٦.

٢- تقدّم تخريجه في ص ٤٦١، الهامش (٢).

٣- تقدّم تخريجه في ص ٤٦١، الهامش (٣).

٤- في «ص، ع» و التهذيب: «فاستثنى».


رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بالمدخل إليها و المخرج و مدى جرائدها»(١).

و عن عقبة بن خالد أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قضى في هذا(٢) النخل أن تكون النخلة و النخلتان للرجل في حائط الآخر، فيختلفون في حقوق ذلك، فقضى [فيها](٣) أنّ لكلّ نخلة من أولئك مبلغ جريدة من جرائدها حتى تقدّر بها(٤)»(٥).

و روى ابن بابويه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال: «حريم النخلة طول سعفها»(٦).

تنبيه: جميع ما فصّلناه في حريم الأملاك مفروض فيما إذا كان الملك [محفوفا](٧) بالموات أو متآخما له من بعض الجوانب، فأمّا إذا كانت الأرض محفوفة بالأملاك فلا حريم لها؛ لأنّ الأملاك متعارضة، و ليس جعل موضع حريما لدار أولى من جعله حريما لأخرى، و كلّ واحد من الملاّك يتصرّف في ملكه على العادة كيف شاء، و لا ضمان عليه إن أفضى إلى تلف إلاّ أن يتعدّي.

و قد اختلف قول الشافعي في أنّه لو أعدّ داره المحفوفة بالمساكن حمّاما أو اصطبلا أو طاحونة، أو حانوته في صفّ العطّارين حانوت حدّادق.

١- الكافي ١/٢٩٥:٥، التهذيب ٦٤٠/١٤٤:٧.

٢- في الكافي: «هوائر» بدل «هذا».

٣- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٤- في «ص، ع»: «حتى يعدّ بها». و في الكافي: «حين بعدها». و في التهذيب: «حتى بعدها».

٥- الكافي ٤/٢٩٥:٥، التهذيب ٦٤١/١٤٤:٧.

٦- الفقيه ٢٠٢/٥٨:٣.

٧- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «مخصوصا». و المثبت يقتضيه السياق.


أو قصّار على خلاف العادة على قولين:

أحدهما: أنّه يمنع منه - و به قال أحمد - لما فيه من الضرر.

و أظهرهما عنده: الجواز - و هو المعتمد - لأنّه مالك، له التصرّف في ملكه، و في منعه من تعميم التصرّفات إضرار به(١).

هذا إذا احتاط و أحكم الجدران بحيث يليق بما يقصده، فإن فعل ما يغلب على الظنّ فيه أنّه يؤدّي إلى خلل في حيطان جاره، فأظهر الوجهين عند الشافعيّة: [المنع](٢) و ذلك كما إذا كان يدقّ الشيء في داره دقّا عنيفا تنزعج منه الحيطان، أو حبس الماء في ملكه بحيث تنتشر منه النداوة إلى حيطان الجار(٣).

و لو اتّخذ داره مدبغة أو حانوته مخبزة حيث لا يعتاد، فإن قلنا:

لا يمنع في الصورة السابقة، فهنا أولى، و إن قلنا بالمنع، فهنا يحتمل عدمه؛ لأنّ الضرر هنا من حيث التأذّي بالدخان و الرائحة الكريهة، و أنّه أهون.

و كذا البحث في إطالة البناء و منع الشمس و القمر.

و الأقوى: أنّ لأرباب الأملاك التصرّف في أملاكهم كيف شاؤا.

و لو حفر في ملكه بئر بالوعة و فسد بها بئر ماء الجار، لم يمنع منه، و لا ضمان عليه بسببه، و لكنّه يكون قد فعل مكروها، و به قال الشافعي(٤).

و قال مالك: يمنع، فإن فعل و تلف شيء ضمنه(٥).٦.

١- الوجيز ٢٤٢:١، العزيز شرح الوجيز ٢١٥:٦، روضة الطالبين ٣٥١:٤، المغني ٢٠٣:٦، الشرح الكبير ١٨٥:٦.

٢- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢١٥:٦، روضة الطالبين ٣٥١:٤.

٤- العزيز شرح الوجيز ٢١٦:٦، روضة الطالبين ٣٥١:٤.

٥- العزيز شرح الوجيز ٢١٦:٦.


فائدة: لا يمنع من إحياء ما وراء الحريم، قرب أو بعد؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أقطع عبد اللّه بن مسعود الدّور(١) ، و هي بين ظهراني عمارة الأنصار من المنازل و النخل.

و الدّور يقال: إنّه اسم موضع. و يقال: المعنى أنّه أقطعه تلك البقعة ليتّخذها دورا(٢).

و قال مالك: إنّ القريب من العمران لا يحييه إلاّ أهل العمران(٣). و هو تحكّم.

و روي مثله عن أبي حنيفة مع تحديد القرب بقدر صيحة من كلّ جانب(٤).

و ربما ينسب ذلك إلى أبي يوسف(٥).

مسألة ١٢٠٧: النهر المملوك إذا كان عليه رحى بحقّ ملك لم يكن لأرباب النهر طمّ هذا النهر

و لا صرف الماء عنه إلى أملاكهم بنهر غيره إلاّ بإذن صاحب الرحى؛ لاشتماله على تضرّر صاحب الرحى.

و لما رواه محمّد بن عليّ بن محبوب قال: كتب رجل إلى الفقيه عليه السّلام في رجل كانت له رحى على نهر قرية لرجل أو رجلين فأراد صاحب القرية أن يسوق الماء إلى قريته في غير هذا النهر الذي عليه الرحى و يعطّل هذه الرحى أله ذلك أم لا؟ فوقّع عليه السّلام: «يتّقي اللّه عزّ و جلّ، و يعمل في ذلك

١- المعجم الأوسط - للطبراني - ٤٩٤٩/٢٨٤:٥، المعجم الكبير - له أيضا - ١٠: ١٠٥٣٤/٢٧٤.

٢- كما في العزيز شرح الوجيز ٢١٦:٦.

٣- حلية العلماء ٥٠٤:٥، العزيز شرح الوجيز ٢١٦:٦.

٤- العزيز شرح الوجيز ٢١٦:٦.

٥- العزيز شرح الوجيز ٢١٦:٦.


بالمعروف، و لا يضارّ أخاه المؤمن»(١).

تتمّة: قال ابن بابويه: روي أنّ حريم المسجد أربعون ذراعا من كلّ ناحية، و حريم المؤمن في الصيف باع، و روي: عظم الذراع(٢).

و روى الشيخ عن عقبة بن خالد عن الصادق عليه السّلام قال: «قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في رجل احتفر قناة و أتى لذلك سنة، ثمّ إنّ رجلا احتفر إلى جانبها قناة، فقضى أن يقاس الماء بجوانب البئر ليلة هذه و ليلة هذه، فإن كانت الأخيرة أخذت ماء الأولى غوّرت الأخيرة، و إن كانت الأولى أخذت ماء الأخيرة لم يكن لصاحب الأخيرة على الأولى شيء»(٣).

و روى ابن بابويه نحوه عن عقبة بن خالد عن الصادق عليه السّلام: في رجل أتى جبلا فشقّ منه قناة جرى ماؤها سنة ثمّ إنّ رجلا أتى ذلك الجبل فشقّ منه قناة أخرى، فذهبت قناة الأخير بماء قناة الأوّل، قال: «يقاسان، يجعل البئر ليلة ليلة، فينظر أيتّهما أضرّت بصاحبتها، فإن رأيت الأخيرة أضرّت بالأولى فلتغوّر، و قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بذلك، و قال: إن كانت الأولى أخذت ماء الأخيرة لم يكن لصاحب الأخيرة على صاحب الأولى سبيل»(٤).ظ.

١- الفقيه ٦٥٩/١٥٠:٣، التهذيب ٦٤٧/١٦٤:٧.

٢- الفقيه ٢٠٣/٥٨:٣ و ٢٠٤.

٣- التهذيب ٦٤٤/١٤٥:٧.

٤- الفقيه ٢٠٥/٥٨:٣ بتفاوت في بعض الألفاظ.


فهرس الموضوعات

المقصد التاسع: في السبق و الرماية

الفصل الأوّل: في السبق البحث الأوّل: في تسويغه جواز السبق و الرمي كتابا و سنّة و إجماعا ٥

جواز شرط المال في عقد السبق و الرمي معا ٨

البحث الثاني: في تفسير ألفاظ تستعمل في هذا الباب

تفسير السبق بفتح الباء و سكونها ٩

تفسير السابق و الكتد و الهادي و الصلوان ٩

تفسير التالي و البارع و المرتاح و الحظيّ و العاطف و المؤمّل و اللطيم و السكيت و الفسكل ١٠

البحث الثالث فيما تجوز المسابقة عليه

جواز المسابقة على الخيل و الإبل ١٠

حكم عقد المسابقة على الفيلة ١١

حكم المسابقة على البغال و الحمير ١١

عدم جواز المسابقة على الأقدام إلى موضع معيّن لا بعوض و لا بغيره ١٢

عدم جواز المسابقة على رمي الحجارة باليد و المقلاع و المنجنيق ١٣

عدم جواز المسابقة على إشالة الحجر باليد ١٣

عدم جواز مداحاة الأحجار و السباق عليها و كذا رمي السهام كلّ إلى صاحبه ١٤


جواز المسابقة بالسيوف و الرماح ١٤

عدم جواز المسابقة على السباحة و المصارعة ١٥

عدم جواز المسابقة على الطيور ١٦

عدم جواز المسابقة على المراكب و السّفن و الطيّارات و الزبازب ١٧

عدم جواز المسابقة على مناطحة الغنم و مهارشة الديكة ١٧

عدم جواز المسابقة على ما لا ينتفع به في الحرب ١٨

البحث الرابع: في الشرائط

الأوّل: كون ما ورد العقد عليه عدّة للقتال ١٨

الثاني: العقد و الإيجاب و القبول ١٨

الثالث: تقدير المسافة ١٨

تذنيب: في عدم جواز المسابقة فيما لو استبقا بغير غاية لينظر أيّهما يقف أوّلا ٢٠

اشتراط تساوي المتسابقين في مبدأ السباق و في الغاية ٢٠

الرابع: تعيين المال الذي تسابقا عليه جنسا و قدرا ٢٠

حكم ما لو تسابقا على مثل ما تسابقا به زيد و عمرو ٢١

جواز كون المال دينا و عينا ٢١

صحّة السباق فيما لو كان العوض حالاّ و مؤجّلا ٢١

أقسام عقد المسابقة المتضمّن للمال ٢١

الأوّل: إخراج مال المسابقة من جهة غير المتسابقين من الإمام أو غيره ٢١

الثاني: إخراج مال المسابقة من قبل أحد المتسابقين ٢٢

الثالث: إخراج السّبق من قبل المتسابقين معا ٢٣

هل يشترط المحلّل في صحّة عقد المسابقة ؟ ٢٣

تنبيه: فيما إذا بذل العوض لم يكلّف الباذل البدأة بتسليمه ٢٥

الخامس: تعيين ما يسابق عليه بالمشاهدة ٢٥

حكم ما إذا لم تحضر الأفراس و وصفت و عقد العقد على الوصف ثمّ أحضرت ٢٥

تذنيب: في عدم جواز الإبدال فيما إذا عيّنا الفرسين في العقد ٢٦


السادس: تساوي الدابّتين في الجنس ٢٦

جواز المسابقة في الخيل بين العربي و البرذون و في الإبل بين البختي و العربي ٢٦

السابع: تساوي الدابّتين في احتمال السبق ٢٦

الثامن: إرسال الدابّتين دفعة ٢٧

التاسع: جعل العوض أو أكثره للسابق منهما أو منهما و من المحلّل ٢٧

العاشر: الاستباق على الدابّتين بالركوب ٢٧

الحادي عشر: جعل المسافة بحيث يحتمل الفرسان قطعها و لا ينقطعان دونها ٢٧

الثاني عشر: عدم تضمّن العقد شرطا فاسدا ٢٨

البحث الخامس: في الأحكام

هل عقد المسابقة و المراماة لازم أو جائز؟ ٢٨

فيما إذا كان العقد لازما لم يكن لأحد المتسابقين فسخ العقد إلاّ بالتقايل بينهما ٢٩

ثبوت حقّ الفسخ فيما إذا بان العوض معيبا ٢٩

بطلان العقد بموت الرامي و الفرس و عدم بطلانه بموت الفارس إن قام الوارث بالتمام ٣٠

جواز الزيادة و النقصان في العمل و في المال بالتراضي إن كان العقد جائزا ٣٠

فيما إذا كان المال الذي جعل للسابق عينا لم يجز أخذ الرهن عليه و لا الضمان به ٣٠

فيما إذا كان المال في الذمّة لا يصحّ الضمان و لا الرهن عليه قبل تمام العمل ٣٠

فيما إذا كان العوض في المسابقة عينا وجب على المسبّق تسليمها إلى السابق بعد العمل ٣٢

حكم ما لو تلفت العين في يده بعد المطالبة و التقصير منه أو تلفت في يده قبل العمل ٣٢

عدم بطلان العقد فيما لو عاق مرض و شبهه ٣٢

فيما لو كان العوض دينا و كمل العمل يجب على باذله دفعه إلى السابق ٣٢

حكم ما لو اشترى منه ثوبا و عاقد عقد السبق بعشرة ٣٢


حكم ما لو فسد عقد المسابقة و ركض المتسابقان على فسادها و سبق الذي لو صحّت المسابقة لاستحقّ السّبق المشروط ٣٣

شرائط صحّة العقد بالمحلّل ٣٥

إخراج كلّ واحد من المتسابقين ما تراضيا عليه إن كان السّبق منهما و وضعه على يدي رجل يثقانه أو يضمنانه ٣٦

شرائط صحّة العقد بين المتسابقين ٣٦

فيما يتعلّق بما إذا أخرجا المال للسابق و اتّفقا على تركه في أيديهما أو أمين غيرهما ٣٧

فيما يتعلّق بما إذا أدخلا محلّلا بينهما ٣٨

حكم ما لو تسابق جماعة و أخرج اثنان منهم فصاعدا مال المسابقة ٣٩

حكم ما إذا تضمّن عقد المسابقة المال و كان العقد بين اثنين أو أزيد ٣٩

حكم ما لو شرط أكثر المال للسابق و الأقلّ للآخر ٣٩

حكم ما لو كان العقد بين ثلاثة فما زاد و شرط باذل المال للسابق ٤٠

حكم ما لو شرط الباذل المال للمصلّي أو شرط له أكثر ممّا شرط للسابق ٤٠

حكم ما لو شرط للمصلّي مثل ما شرط للسابق أو دونه ٤٠

حكم ما لو جعل للأوّل عشرة و للثالث تسعة و للرابع ثمانية و أهمل الثاني ٤١

فيما إذا تسابقا و أدخلا المحلّل و أخرجا المال و قالا: من سبق فالمال بأجمعه له فالأحوال سبعة ٤٢

١ - أن ينتهوا إلى الغاية على سواء لا يتقدّمهم أحد ٤٢

٢ - أن يسبق المخرجان فيصلا معا على سواء و يتأخّر المحلّل عنهما ٤٣

٣ - أن يسبق المحلّل و يأتي المخرجان بعده على سواء أو تفاضل ٤٣

٤ - أن يسبق أحد المخرجين ثمّ يأتي بعده المحلّل و المخرج الآخر على سواء ٤٣

٥ - أن يسبق المحلّل و أحد المخرجين بأن يأتيا إلى الغاية على سواء و يتأخّر المخرج الآخر ٤٤


٦ - أن يسبق أحد المستبقين المحلّل و الآخر و يكون المحلّل مصلّيا و المخرج الآخر أخيرا ٤٤

٧ - أن يسبق أحد المستبقين المحلّل و الآخر و يكون المخرج الآخر مصلّيا و المحلّل أخيرا ٤٥

حكم ما لو قال واحد لاثنين: أيّكما سبق فله عشرة ٤٥

حكم ما لو كانوا جماعة فقال: من سبق فله كذا فجاء اثنان فصاعدا دفعة و تأخّر الباقون ٤٥

حكم ما لو قال: من سبق فله دينار و من صلّى فله نصف دينار فسبق واحد و صلّى ثلاثة ثمّ جاء الباقون أو سبق واحد و جاء الباقون معا ٤٥

حكم ما لو قال: كلّ من سبق فله دينار فسبق ثلاثة ٤٦

حكم ما لو قال: من سبق فله عشرة و من صلّى فله خمسة فسبق خمسة و صلّى خمسة ٤٦

حكم ما لو قال لاثنين: أيّكما سبق فله عشرة و أيّكما صلّى فله عشرة، أو قال لثلاثة:

من سبق فله عشرة و من صلّى فله عشرة ٤٦

حكم ما إذا بذل السّبق لجماعة و لم يبذله لجميعهم كبذل شيء للأوّل و شيء لمن بعده ٤٦

تذنيب: ينبغي أن يكون في الموضع الذي ينتهي إليه السبق قصبة قد غرزت في الأرض ٤٩

إيجاب الشافعي دخول المحلّل و عدم اشتراطه كثرة المحلّلين مع كثرة المتسابقين ٤٩

جواز شرط اختصاص المحلّل بالاستحقاق إن سبق و كلّ واحد منهما لا يأخذ إلاّ ما أخرج ٥٠

حكم ما لو شرطوا أخذ المحلّل السّبقين إن سبق و أنّ كلّ واحد منهما إن سبق أحرز ما أخرجه و أخذ ما أخرجه الآخر ٥٠

حكم ما إذا أطلقا شرط المال للسابق ٥١


حكم ما لو جاء أحد المستبقين أوّلا ثمّ جاء أحد المحلّلين ثمّ المستبق الثاني ثمّ المحلّل الثاني ٥٢

حكم ما لو سبق أحد المتسابقين في وسط الميدان و الآخر في آخره ٥٢

حكم ما لو سبق أحدهما عند الغاية ثمّ جريا بعد الغاية فتقدّم المسبوق على السابق ٥٢

حكم ما لو عثر أحد الفرسين أو ساخت قوائمه في الأرض فتقدّم الآخر ٥٢

حكم ما لو وقف بعد ما جرى أو وقف بلا علّة ٥٢

حكم ما لو وقف قبل أن يجري أو كان العاثر هو السابق ٥٣

حكم ما لو تسابقا على أنّ من سبق منهما الآخر بأقدام معلومة فله السّبق ٥٣

عدم جواز كون العوض مجهولا ٥٣

حكم ما لو قال: إن سبقتني فلك هذه العشرة و تردّ إليّ صاعا من طعام ٥٣

حكم ما لو تسابقا على قرض في الذمّة ٥٤

فيما إذا أخرج المال غير المتسابقين جاز أن يشرط لأحدهما أكثر ممّا يشرطه الآخر ٥٤

فيما إذا أخرج المتسابقان المال جاز أن يخرج أحدهما أكثر ممّا يخرجه الآخر ٥٤

حكم ما لو شرط على السابق أن يطعم السّبق لأصحابه ٥٤

أقسام السبق و حكمها ٥٤

١ - كونه مقيّدا بأقدام مشروطة باشتراطهما ٥٤

٢ - كونه مطلقا بغير شرط ٥٥

بيان ما يحصل به السبق ٥٥

عدم جواز شرط السّبق لمن سبق من غير بيان غاية ٥٨

الفصل الثاني: في الرمي

مقدّمة: في تفسير ألفاظ تستعمل في هذا الباب ٥٩

تفسير الرشق و السباق و إغراق السهم ٥٩

أوصاف السهم ٦٠

١ - الحابي و تفسيره ٦٠


٢ و ٣ - المارق و الخاصر و تفسيرهما ٦١

٤-٨ - الطامح و العاضد و الطائش و العائر و الخاطف و تفسيرها ٦٢

٩-١١ - الخاصل و المارق و الخارم و تفسيرها ٦٣

تفسير الغرض و الهدف و المبادرة و المحاطّة ٦٣

المطلب الأوّل في الشرائط البحث الأوّل: اتّحاد الجنس

اختلاف أنواع القسيّ و السهام باختلاف أصناف البشر ٦٤

فيما إذا عيّن المتناضلان الرمي عن قوس معيّنة لم يجز العدول إلاّ برضا صاحبه ٦٦

حكم ما لو شرطا أن يرمي أحدهما عن القوس العربيّة و يرمي الآخر عن الفارسيّة ٦٧

حكم ما لو شرطا أن يرمي كلّ واحد منهما عمّا شاء من قوس عربيّة أو فارسيّة ٦٧

حكم ما لو أطلقا العقد من غير شرط ٦٧

فيما لو عيّنا نوعا من القسيّ فهل يجوز العدول عن النوع المعيّن إلى ما هو دونه ؟ ٦٧

عدم تعيّن السهم و لا القوس بالشخص ٦٨

حكم ما لو شرطا في القسيّ أو السهام شخصا معيّنا ٦٨

حكم ما لو أطلقا المناضلة و لم يتعرّضا لنوع القوس و السهم و لا عيّنا فردا من نوع ٦٩

البحث الثاني: في اشتراط الإعلام

اشتراط العلم بمقدار المال الذي عقد المناضلة عليه ٧٠

اشتراط عدد الإصابة في صحّة العقد ٧١

اشتراط الإعلام بعدد الرمي ٧٢

عدم اشتراط الإعلام بصفات الإصابة ٧٢

اشتراط إعلام المسافة التي يرميان فيها ٧٣

حكم ما لو تناضلا على أن يكون السّبق لأبعدهما رميا و لم يقصدا غرضا ٧٤

تفسير الهدف و الغرض و الرّقعة ٧٥

وجوب كون الغرض من الهدف معلوما ٧٦

فيما به يحصل العلم بذلك ٧٦


وجوب الإعلام بعدد الأرشاق ٧٦

تفسير المحاطّة و المبادرة ٧٧

اشتراط التعرّض للمبادرة و المحاطّة في عقد المسابقة ٧٧

جواز تعدّد الرميات و كثرتها من غير حصر ٧٨

حكم ما إذا شرطا عددا معيّنا كثيرا لا يمكن إيقاعه في اليوم الواحد ٧٨

حكم ما لو عقدا على أن يرميا كلّ يوم بكرة كذا و عشيّة كذا ٧٨

جواز تساوي الأيّام في عدد الرمي و تفاوتها ٧٨

حكم ما لو رمى أحدهما عدد رميه بأسره ثمّ عرض عارض منع الآخر من الرمي أو بعضه ٧٩

جواز اشتراط الرمي طول النهار و يستثنى وقت الطهارة و الصلاة و الأكل و غيرها من الأعذار ٧٩

في أنّه لا بدّ في التناضل من ذكر المبتدئ بالرمي و كيفيّة الرمي ٧٩

حكم ما إذا أهملا ذكر المبتدئ بالرمي ٧٩

فيما ينبغي أن يفعله الرّماة من نصب غرضين متقابلين و رمي المتناضلين أو الحزبين من عند أحدهما إلى الآخر ٨٠

تذنيبات:

الأوّل: هل يدخل المحلّل في القرعة إذا أخرجا المال ؟ ٨١

الثاني: حكم ما إذا ثبتت البدأة لواحد فرمى الآخر قبله ٨٢

الثالث: فيما إذا ثبت التقدّم لأحدهما فأراد بعد استحقاقه للتقدّم أن يتأخّر ٨٢

البحث الثالث: تعيين الرّماة

اشتراط تعيين المتراميين ٨٢

جواز التناضل بين حزبين ٨٢

بيان المراد من تناضل الأحزاب ٨٣

اشتراط أمور في عقد النضال بين الحزبين ٨٣

١ - تغاير الزعيمين ٨٣


٢ - تعيّن رماة كلّ حزب قبل العقد باتّفاق و مراضاة ٨٣

٣ - اشتراط تساوي الحزبين في العدد ٨٥

أحوال الحزبين في مال السّبق ٨٦

١ - إخراج الأجنبيّ المال و اشتراطه للناضل من الحزبين ٨٦

٢ - إخراج أحد الحزبين المال دون الآخر ٨٦

٣ - إخراج الحزبين معا المال و اختصاص زعيم الحزبين بإخراجه ٨٦

٤ - إخراج الحزبين المال و اشتراك أهل كلّ حزب في إخراجه ٨٧

المال المخرج من كلّ حزب إن لم يسمّوا قسط كلّ واحد من جماعتهم اشتركوا في التزامه بالسويّة ٨٧

حكم المال المخرج فيما إذا سمّوا قسط كلّ واحد منهم ٨٨

حكم ما إذا شرطوا أن يكون المال مقسّطا بينهم على صواب كلّ واحد منهم و خطئه ٨٨

حكم ما إذا استحقّ المال أحد الحزبين ٨٨

انقسام عدد الرشق على قدر أفراد الحزب بجزء صحيح ٨٩

عدم جواز كون عدد الرشق ما ينكسر على الأحزاب ٨٩

جواز انكسار عدد الإصابة المشروطة على عدد الحزب ٨٩

أحوال ما إذا شرط خمسون إصابة من مائة و جمعت الإصابتان و أحكامها ٩٠

هل يشترط أن يعرف أصحاب كلّ حزب بعضهم بعضا أو تكفي معرفة الزعيمين ؟ ٩٠

هل يجوز أن يشترط في العقد أن يقدّم من هذا الحزب فلان و أن يقابله من الحزب الآخر فلان ثمّ فلان و فلان ؟ ٩٠

حكم ما إذا عقد الزعيمان العقد فحضر عندهم غريب فأدخله أحدهما في حزبه و شرعوا في الرمي و ظنّ المختار له أنّه جيّد الرمي و ظهر خلافه ٩١

حكم نفس الفرع المزبور و لكن ظهر أنّه ضعيف أو مساو لهم أو أجود منهم رميا ٩٢

حكم ما إذا اجتمع رماة الحزبين و لم يتميّزوا فقال أحد الزعيمين: أنا أخرج مال السّبق على أن أختار لحزبي من أشاء ٩٣


حكم ما إذا قال أحد الزعيمين: إن كان فلان معي فمال السّبق عليك و إن كان معك فمال السّبق عليّ ٩٣

البحث الرابع: في إمكان الإصابة

اشتراط إصابة ممكنة يتوقّع حصولها ٩٤

عدم جواز كون المشروط من الإصابة ممّا يجب حصوله بالعادة ٩٤

حكم ما لو كان المشروط قد يتّفق حصوله لكنّه نادر ٩٥

البحث الخامس: في تعيين الموقف

اشتراط تعيين موقف الرّماة و تساوي المتناضلين فيه ٩٦

جواز تقديم أحد المتناضلين أحد قدميه عند الرمي ٩٦

تذنيب: في حكم ما لو تقدّم أحدهما على الآخر بما لا يستحقّ ٩٧

اختلاف عادة الرّماة على وجهين و جوازهما ٩٧

فيما إذا وقف الرّماة صفّا فالواقف في الوسط أقرب إلى الغرض ٩٨

حكم ما لو تنافسوا في الوقوف في وسط الصفّ ٩٨

حكم ما لو رضوا بعد العقد بتقدّم واحد ٩٩

فروع:

١ - حكم ما لو تطابقوا جميعا على التقدّم أو التأخّر أو تعيين عدد الأرشاق بالزيادة أو النقصان ٩٩

٢ - حكم ما لو قال أحد المتناضلين: نستقبل الشمس و قال الآخر: نستدبرها ١٠٠

٣ - حكم ما لو شرطا في العقد استقبال الشمس ١٠٠

هل يحتاج إلى المحلّل فيما إذا أخرج المتسابقان المال ؟ ١٠٠

حكم الحاجة إلى المحلّل و عدمها فيما إذا أخرج المال غير الحزبين أو أحدهما دون الآخر ١٠٠

حكم ما لو أخرج الحزبان المال و شرطوا لواحد من أحد الحزبين: إن كان الفوز لحزبه شاركهم في أخذ المال و إن كان الفوز للحزب الآخر فلا شيء على ذلك الواحد ١٠١


المطلب الثاني: في الأحكام

حكم ما إذا تناضلا و شرطا مطلق الإصابة ١٠١

تعريف قدح السهم و النصل ١٠٢

حكم ما لو رمى السهم فصدم السهم جدارا أو شجرا ثمّ أصاب الغرض ١٠٣

حكم ما لو اعترض بين السهم و الهدف حائل ١٠٣

فيما لو انصدم السهم بالأرض ثمّ وثب منها و أصاب الغرض فهو المزدلف ١٠٤

اختلاف الفقهاء في الفرض المزبور هل يعدّ إصابة أم لا؟ ١٠٤

حكم ما لو رمى السهم فغيّرته الريح ١٠٥

حكم ما إذا هبت الريح فأزالت الشنّ عن موضعه إلى غيره ١٠٦

حكم ما لو شرطا الخواسق فأصاب السهم الغرض و ثقبه أو خدشه و لم يثقبه ١٠٧

حكم ما لو ثقب و مرق ١٠٧

حكم ما لو شرط الخواسق فرمى السهم فأصاب طرف الغرض و ثبت هناك ١٠٨

حكم ما لو شرطا الخواسق فرمى السهم فوقع في ثقبة قديمة و ثبت فيها ١١٠

حكم ما لو شرطا الخواسق فخدش النصل موضع الإصابة و خرقه بحيث يثبت فيه مثل هذا السهم لكنّه رجع لغلظ لقيه ١١١

أحوال ما إذا رمى في الشنّ و هو ملصق بالهدف فأصاب الشنّ ثمّ سقط و الإصابة خسق فزعم الرامي أنّه خسق و زعم صاحبه أنّه إنّما قرع فسقط و لم يخسق ١١١

تذنيب: في حكم ما لو مرق السهم و ثبت في الهدف و على النصل قطعة من الغرض فقال الرامي: هذه القطعة أبانها سهمي و قال الآخر: بل كانت القطعة بائنة من قبل. ١١٢

فيما إذا شرطا المبادرة و عقدا المناضلة و جعلا المال لمن سبق إلى إصابة عشرة من مائة ١١٣

حكم ما لو شرطا المال لمن سبق إلى إصابة خمسة من عشرين ١١٣

فيما لو تناضلا و شرطا المحاطّة و شرطا المال لمن خلص له عشرة من مائة ١١٣

فيما لو شرطا المحاطّة و رميا بعض العدد فأصاب أحدهما القدر المشروط دون صاحبه ١١٤


فيما لو شرطا خلوص خمس إصابات من عشرين فرمى كلّ واحد منهما خمسة عشر فأصاب أحدهما في عشرة و الآخر في ثلاثة ١١٤

فيما لو أصاب أحدهما عشرة من خمسة عشر و لم يصب الثاني شيئا منها ١١٥

فيما لو تناضلا مبادرة و شرطا المال لمن خلص له عشرة من مائة فرمى أحدهما خمسين و أصاب عشرة و رمى الآخر تسعة و أربعين و أصاب تسعة ١١٥

فيما لو أصاب الأوّل من خمسين في عشرة و أصاب الثاني من تسعة و أربعين في ثمانية ١١٥

فيما لو رميا و شرطا المحاطّة و عدد الإصابة عشرة من خمسين فأصاب أحدهما العشرة من الخمسين و رمى الآخر تسعة و أربعين و لم يصب في شيء منها ١١٥

حكم ما لو قال له: ارم خمسة عنّي و خمسة عن نفسك فإن أصبت في خمستك أو أكثر فلك كذا ١١٦

حكم ما لو قال: ارم عشرة فإن كان صوابك فيها أكثر فلك كذا ١١٦

حكم ما لو قال: ارم كذا و ناضل الخطأ بالصواب فإن كان الصواب أكثر فلك كذا ١١٧

حكم ما إذا قال: ارم عشرة و ناضل الصواب بالخطأ فإن كان الصواب أكثر فلك كذا ١١٨

حكم ما لو قال للمتراميين: ارميا عشرة فمن أصاب منكما خمسة فله كذا ١١٨

حكم ما لو قال أحد المتراميين للآخر: نرمي عشرة فإن أصبت في خمسة فلك عليّ كذا و إن أصبت فلا شيء لي عليك ١١٨

حكم ما لو قال: إن أصبت فلي عليك كذا ١١٩

حكم ما إذا عقد المتناضلان على إصابة معلومة من رشق معلوم فيشرعان في الرمي ثمّ يستثقلان إتمام الرمي ١١٩

حكم ما لو كانوا يتناضلون فمرّ بهم إنسان فقال لمن انتهت النوبة إليه: إن أصبت بهذا السهم فلك دينار ١١٩

حكم ما إذا تناضل اثنان على إصابة عشرة من عشرين بعشرة دراهم فحضر ثالث فقال لمخرج المال: أنا شريك في الغنم و الغرم فإن نضلت فلي نصف العشرة و إن نضلك فعليّ نصف العشرة ١٢٠


تفسير الحوابي ١٢١

حكم ما لو شرطا احتساب القريب من الغرض ١٢١

أيضا في تفسير الحوابي ١٢٢

أحوال ما إذا كان عقد المتناضلين على إصابة خمس من عشرين و أحكامها ١٢٣

حكم ما لو وقع سهم أحدهما قريبا من الغرض و رمى الآخر خمسة أسهم فوقعت أبعد من ذلك السهم ثمّ عاد الأوّل فرمى سهما فوقع أبعد من الخمسة ١٢٦

حكم ما لو رمى أحدهما خمسة فوقعت قريبة من الغرض و بعضها أقرب من بعض و رمى الثاني فوقعت أبعد من خمسة الأوّل ١٢٦

حكم ما لو وقع سهم أحدهما بقرب الغرض و أصاب سهم الآخر الغرض ١٢٦

حكم ما إذا كان الشرط إسقاط الأقرب إلى الصواب الأبعد أو إسقاط الأقرب إلى الغرض الأبعد عنه ١٢٦

فيما إذا أصاب أحدهما الرقعة في وسط الغرض و الآخر الغرض خارج الرقعة أو أصابا خارج الرقعة و أحدهما أقرب إليها ١٢٧

حكم ما لو شرطوا إسقاط مركز القرطاس ما حواليه ١٢٧

حكم ما إذا وقع السهم متباعدا عن الغرض تباعدا مفرطا ١٢٧

حكم ما لو انكسر السهم بنصفين من غير تقصير من الرامي فأصاب أحد النصفين أو كلاهما الغرض إصابة شديدة ١٢٩

حكم ما لو كان في الغرض سهم فأصاب سهمه فوق ذلك السهم ١٣٠

أحوال ما إذا انكسر السهم بعد خروجه عن القوس و أحكامها ١٣٠

حكم ما لو أغرق الرامي و بالغ في النزع حتى دخل النصل مقبض القوس و وقع السهم عنده ١٣١

حكم ما لو رمى زائلا عن المسامتة فردّته الريح أو رمى رميا ضعيفا فقوّته و أصاب ١٣٢

حكم ما لو هبّت الريح و نقلت الغرض إلى موضع آخر فأصاب السهم الموضع المنتقل عنه ١٣٣


هل عقد المناضلة لازم أو جائز؟ ١٣٣

انفساخ عقد المناضلة بموت الرامي و عدم انفساخه فيما لو مرض أحد المتناضلين أو أصابه رمد ١٣٤

انفساخ المسابقة بموت الفرس و هل تنفسخ بموت الفارس ؟ ١٣٤

عدم جواز إلحاق الزيادة بعدد الأرشاق أو عدد الإصابات ١٣٤

في أنّه ليس للمناضل ترك النضال ١٣٤

بيان ما به يصير منضولا ١٣٤

جواز تأخير الرمي لكلّ من المتراميين و الإعراض عنه ١٣٦

حكم ما لو شرطا في العقد أنّ لكلّ منهما الجلوس و ترك الرمي إن شاء ١٣٧

حكم ما لو شرطا أنّ المسبق إن جلس كان عليه السّبق ١٣٧

حكم ما لو كانا يتناضلان فنضل أحدهما الآخر بإصابات فقال له المنضول: حطّ فضلك و لك عليّ كذا ١٣٧

تفسير المؤمّن في النضال ١٣٧

فيما ينبغي من كون الراميين على اقتصاد في التثبّت من غير إبطاء و لا إعجال ١٣٨

حكم ما لو شرط أحدهما على صاحبه أنّه إذا أخطأ أعيد عليه السهم و لم يحتسب به في الخطأ و يجعل كلّ خطأين خطأ واحدا ١٣٩

حكم ما لو شرطا أنّه إذا أصاب اعتدّ صوابه و احتسب به إصابتين ١٣٩

حكم ما لو شرط أن يكون ما في يد أحدهما من النبل أكثر ممّا في يد الآخر ١٣٩

حكم ما لو كان الشرط الحوابي فشرط احتساب خاسق بحابيين ١٣٩

حكم ما لو رميا و ضجرا فقال أحدهما للآخر: ارم فإن أصبت فقد نضلتني ١٣٩

حكم ما لو وقع عقد المناضلة في الصحّة أو المرض و دفع المال في مرض الموت ١٤٠

تفسير المضربة و الأصابع و حكم الصلاة فيهما ١٤٠

جواز الصلاة في الجعبة التي تجمع النشّاب إذا كانت طاهرة ١٤١

عدم الجلب بالفارسين إذا تسابقا ١٤١


في أنّه ينبغي إذا وقف المتناضلان أن لا يرمي أحدهما إلاّ عن إذن صاحبه ١٤٢

في أنّه لا يجوز أن يتناضلا على أن تكون إصابة أحدهما قرعا و إصابة الآخر خسقا ١٤٢

في أنّه يجوز أن يتشارطا الإصابة قرعا على أن يحسب بخاسق كلّ واحد منهما قارعين و يعتدّ به إصابتين ١٤٢

في أنّه يجوز أن يتناضلا على مروق السهم و لا يجوز أن يتناضلا على ازدلافه ١٤٣

في أنّه لا يجوز النضال على أنّ أحدهما يرمي من عرض و الآخر من أقرب منه ١٤٣

في أنّه لا يجوز التناضل على أنّ لأحدهما خاسقا راتبا لم يحتسب له مع خواسقه أو لم يرم به يطرح من خواسقه خاسقا ١٤٣

فيما لو شرطا أن يرمي أحدهما بقوس عربيّة تصيب من مائة ذراع و قوس الآخر فارسيّة تصيب من مائتي ذراع ١٤٤

حكم ما لو شرطا أنّ أحدهما يرمى بالعربيّة و لا يعدل عنها و يرمي الآخر بالفارسيّة و لا يعدل عنها ١٤٤

بطلان عقد النضال بكون ارتفاع الشنّ في رمي أحدهما ذراعا و ارتفاعه في رمي الآخر باعا ١٤٤

عدم جواز كون إصابة أحدهما في الشنّ و إصابة الآخر في الدائرة التي في الشنّ ١٤٤

فيما لو أراد أحد المتناضلين أن يجلس ١٤٤

في تفسير الهدف و اشتمال الغرض على شنّ و جريد و عرى و معاليق و تعريفها ١٤٦

بطلان عقد النضال بعدم اشتراط كون مسافة الموقف مقدّرة ١٤٧

فيما ينبغي تسميته في العقد من ارتفاع غرض الهدف و انخفاضه و توسّطه ١٤٨

بيان حدّ المسافة بالتقريب المعتاد و النادر ١٤٨

حكم عقد النضال على أكثر المسافة المعتادة أو النادرة ١٤٨

حكم ما لو شرطا مسافة معيّنة ثمّ شرعا في الرمي فطلب أحدهما الزيادة في المسافة و امتنع الآخر من إجابته أو اتّفقا على الزيادة ١٤٩


حكم ما إذا عقدا النضال و شرطا صفة موضع الغرض أو صفة محلّ الإصابة أو صفة الإصابة و شرعا في الرمي على هذا الشرط ثم عزما على تغييره ١٤٩

أحوال المتناضلين في عقد النضال على رشق واحد يمكن رمي جميعه في يوم واحد ١٥٠

أقسام العقد على أرشاق كثيرة لا يمكن رمي جميعها في يوم واحد ١٥١

أحوال الحزبين المناضلين فيما إذا كان كلّ منهما ثلاثة و استقرّت البدأة بالرمي لأحد الحزبين ١٥٢

المقصد العاشر: في الغصب الفصل الأوّل: الماهيّة

تعريف الغصب ١٥٥

حرمة الغصب بالعقل و النقل ١٥٦

الفصل الثاني: في الضمان و أسبابه البحث الأوّل: في إثبات الضمان بالمباشرة

بيان أسباب الضمان و منها الغصب ١٥٩

تسمية ما يضاف إليه الهلاك علّة و الإتيان به مباشرة ١٥٩

تسمية ما لا يضاف إليه الهلاك و يقصد بتحصيله ما يضاف إليه سببا و الإتيان به تسبيبا ١٥٩

ضمان المباشر للإتلاف ١٦٠

وجوب ردّ مثل العين المتلفة إن كانت مثليّة و قيمتها إن كانت قيميّة ١٦٠

وجوب ردّ مال الغير إن كان باقيا على كلّ من ثبتت يده عليه بغير حقّ ١٦٠

البحث الثاني: التسبيب

من أتلف مال الغير على جهة التسبيب وجب عليه ضمانه ١٦١

حكم ما لو اجتمع المباشر و السبب ١٦١

حكم ما لو تعدّد السبب ١٦٢

عدم تعلّق الضمان فيما لو تلف مال فلان بسبب سعاية فلان فيه إلى ظالم ١٦٢


من أسباب الضمان فتح رأس زقّ مشدود أو فتح رأس قربة أو راوية و اندفاق ما فيه ١٦٢

حكم ما لو كان الزّقّ منتصبا لا يضيع ما فيه بالفتح لو بقي كذلك لكنّه سقط ١٦٢

ثبوت الضمان فيما لو فتح رأس الزّقّ فأخذ ما فيه في التقاطر شيئا فشيئا حتى ابتلّ أسفله فسقط ١٦٢

ثبوت الضمان فيما لو ثقّل أحد جانبي الزّقّ فلم يزل يميل قليلا قليلا حتّى سقط و خرج ما فيه ١٦٣

حكم ما لو سقط الزّقّ بأمر عارض من زلزلة و غيرها ١٦٣

حكم ما لو فتح رأس الزّقّ فأخذ ما فيه في الخروج ثمّ جاء آخر و نكسه مستعجلا ١٦٤

حكم ما إذا كان ما في الزّقّ جامدا مشدودا فشرقت الشمس عليه فأذابته و ضاع أو ذاب بمرور الزمان و تأثير حرارة الهواء ١٦٤

حكم ما لو جاء آخر و قرّب النار من الجامد حتى ذاب و ضاع ١٦٥

حكم ما لو قرّب فاتح رأس الزّقّ النار من الظرف أو ما إذا كان رأس الزّقّ مفتوحا و جاء إنسان و قرّب منه النار ١٦٥

فيما لو أذابه أحدهما أوّلا ثمّ فتح الثاني رأسه فاندفق فالضمان على الثاني ١٦٥

حكم ما لو فتح زقّا مستعلى الرأس فخرج بعض ما فيه و استمرّ خروجه قليلا قليلا فجاء آخر فنكسه فاندفق ١٦٦

تذنيب: في ثبوت الضمان فيما لو حلّ رباط سفينة فذهبت أو غرقت بالحلّ ١٦٦

حكم ما لو تلفت السفينة بسبب حادث من هبوب ريح و غيره ١٦٦

حكم ما لو فتح قفصا عن طائر فطار أو حلّ دابّة فذهبت ١٦٦

حكم ما لو وقف الطائر عقيب فتح القفص ثمّ طار أو وقفت الدابّة عقيب الحلّ و لم تهرب ثمّ هربت من غير تهييجهما ١٦٧

فروع:

١ - ثبوت الضمان فيما لو وثبت هرّة حال فتح القفص و دخلته و قتلت الطائر ١٦٩

٢ - ثبوت الضمان فيما لو كان القفص ضيّقا فاضطرب بخروج الطائر و سقط فانكسر ١٦٩


٣ - ثبوت الضمان فيما لو كسر الطائر في خروجه قارورة إنسان ١٦٩

٤ - ثبوت الضمان فيما لو كان شعير في جراب مشدود الرأس و بجنبه حمار ففتح فاتح رأسه فأكله الحمار ١٦٩

٥ - ثبوت الضمان فيما لو حلّ رباط بهيمة أو فتح باب الاصطبل فخرجت فضاعت ١٧٠

٦ - حكم ما لو فتح مراح غنمه فخرجت فرعت زرع إنسان ١٧٠

حكم ما لو كان الفاتح المالك و كان نهارا أو ليلا ١٧٠

٧ - ثبوت الضمان فيما لو حلّ قيد العبد المجنون أو فتح باب السجن فهرب ١٧٠

حكم ما لو كان العبد في الفرض المزبور عاقلا ١٧٠

٨ - حكم ما لو وقع طائر على جداره فنفّره أو رماه في الهواء فقتله ١٧١

٩ - حكم ما لو فتح القفص و حلّ قيد الفرس أو العبد المجنون فبقيا واقفين فجاء إنسان فنفّرهما فذهبا ١٧١

١٠ - عدم ثبوت الضمان فيما لو فتح باب الحرز فسرق المتاع آخر أو دلّ سارقا فسرق أو أمر غاصبا حتى غصب ١٧١

حكم ما لو ألقت الريح إلى داره ثوب غيره أو سقط الطائر في داره ١٧٢

ثبوت الضمان فيما لو دخل الطائر برجه فأغلق عليه بابه ناويا إمساكه لنفسه ١٧٢

حكم ما لو حبس المالك عن ماشيته و منعه من حفظها فتلفت ١٧٢

عدم ثبوت الضمان فيما لو نقل صبيّا حرّا إلى مضيعة فاتّفق سبع فافترسه ١٧٣

حكم ما لو نقل الصبي إلى مسبعة فافترسه سبع ١٧٣

ثبوت الضمان فيما لو كان المنقول عبدا صغيرا أو حيوانا مملوكا للغير فافترسه سبع ١٧٣

حكم ما لو كان الحمّال قد حمل جذعا و شبهه فاستراح إلى جدار و أسنده به فوقع على شيء فأتلفه ١٧٣

حكم ما لو فتح باب دار إنسان أو هدم حائطه فدخل داخل و أخذ ماله ١٧٤

حكم ما إذا أكلت بهيمة رجل حشيشا لقوم ١٧٤

حكم ما لو استعار من رجل بهيمة فأتلفت شيئا و هي في يد المستعير ١٧٤


حكم ما إذا باع الدابّة بحشيش فأكلته أو أكلت غير ثمنها ١٧٤

حكم ما إذا كانت البهيمة في يد الراعي فأتلفت زرعا ١٧٥

حكم ما إذا أوقد في ملكه أو في الموات نارا فطارت شرارة إلى دار جاره فأحرقتها ١٧٥

حكم ما لو أرسل في ملكه ماء فدخل في ملك غيره ١٧٥

ثبوت الضمان فيما لو كان لجاره شجرة فأوقد في ملك نفسه نارا فجفّت أغصان تلك الشجرة ١٧٦

هل يثبت الضمان في زوائد المغصوب ؟ ١٧٦

ثبوت ضمان حمل الأمة المبتاعة بالبيع الفاسد و المقبوضة على وجه السوم ١٧٧

ثبوت ضمان المنافع المستوفاة بالإجارة الفاسدة و المقبوض بالعقد الفاسد أو على جهة السوم ١٧٨

البحث الثالث: في إثبات اليد

من أسباب الضمان إثبات اليد العادية على مال الغير مباشرة و تسبيبا ١٧٨

تحقّق الغصب مع الاستيلاء و رفع يد المالك و إثبات يد الغاصب ١٧٨

هل يتحقّق الغصب مع إثبات اليد عدوانا من غير رفع يد المالك عن العين ؟ ١٧٨

عدم تحقّق الغصب فيما لو منع غيره من إمساك دابّته المرسلة حتى تلفت ١٧٨

هل يضمن المانع في الفرض المزبور؟ ١٧٩

فيما لو منعه من القعود على بساطه حتى ألقاه الريح في البحر فهل يضمن ؟ ١٧٩

حكم ما لو منعه من بيع متاعه حتى نقصت قيمته السوقيّة ١٧٩

تحقّق الغصب بالنقل في الأعيان المنقولة ١٧٩

هل يتحقّق الغصب بإثبات اليد من غير نقل ؟ ١٧٩

هل يتصوّر غصب العقار؟ ١٨٠

فيما إذا كان مالك العقار فيه و أزعجه ظالم و دخل الدار بأهله فهو غاصب ١٨٢

فيما لو سكن بيتا من الدار و منع المالك عنه دون باقي الدار فهو غاصب لذلك البيت ١٨٢


حكم ما لو دخل دار غيره أو بستانه من غير استيلاء ١٨٢

حكم ما إذا أزعج المالك و لم يدخل الدار ١٨٢

حكم ما لو لم يزعج المالك و لكنّه دخل الدار و استولى مع المالك ١٨٣

حكم ما إذا لم يكن مالك العقار فيه و دخل على قصد الاستيلاء ١٨٣

حكم ما لو دخل الدار لا على قصد الاستيلاء لينظر هل تصلح له أو ليتّخذ مثلها ١٨٣

تذنيب: في عدم اعتبار الإزعاج في غصبيّة العقار ١٨٤

من ترتّبت يده على يد الغاصب فيده يد ضمان ١٨٤

عدم الفرق في من ترتّبت يده على يد الغاصب بين كونه عالما بالغصب أو لا في ثبوت الضمان عليه ١٨٤

حكم ما لو وهب المغصوب من إنسان فتلف في يده ١٨٦

حكم ما لو زوّج الجارية التي غصبها فتلفت عند الزوج ١٨٦

فيما إذا أتلف المغصوب من ترتّبت يده على يد الغاصب فإنّ قرار الضمان عليه ١٨٦

فيما إذا شاركه غيره في الإتلاف فالضمان عليهما ١٨٦

حكم ما لو استقلّ كلّ واحد منهما بإثبات اليد على المغصوب في وقتين متغايرين ثمّ أتلفاه معا ١٨٦

حكم ما لو غصب طعاما فأطعمه غيره ١٨٧

حكم ما إذا أطعم الطعام صاحبه المغصوب منه ١٨٩

حكم ما لو وهب الغاصب الطعام من أجنبيّ و سلّمه إليه فأتلفه ١٩٠

فروع:

١ - حكم ما لو قدّم الطعام المغصوب إلى عبد إنسان فأكله ١٩١

٢ - حكم ما لو غصب شعيرا فأعلفه دابّة الغير من غير إذن المالك ١٩١

حكم ما لو كانت الدابّة - في الفرض المزبور - لمالك الشعير و كان جاهلا ١٩٢

حكم ما إذا غصب طعاما و أطعمه عبيد المالك للطعام ١٩٢

٣ - حكم ما لو غصب شاة فأمر قصّابا فذبحها جاهلا بالحال ١٩٢

٤ - حكم ما لو أمر الغاصب إنسانا بإتلاف العين ففعله ١٩٢


٥ - حكم ما لو دخل المالك دار الغاصب و أكل طعاما على اعتقاد أنّه طعام الغاصب فكان طعام الآكل ١٩٢

٦ - حكم ما لو صال العبد المغصوب على مالكه فقتله المالك في الدفع ١٩٣

٧ - حكم ما لو زوّج الجارية المغصوبة من مالكها و المالك جاهل فتلفت عنده ١٩٣

٨ - فيما لو قال الغاصب لمالك العبد المغصوب: أعتقه فأعتقه جاهلا بالحال فهل ينفذ عتقه ؟ ١٩٣

حكم ما لو قال الغاصب لمالك العبد: أعتقه عنّي ١٩٤

الفصل الثالث: في المضمونات

تقسيم المغصوب إلى: ما ليس بمال و ما يعدّ مالا ١٩٥

البحث الأوّل: فيما لا يعدّ مالا

عدم ثبوت الغصب فيما ليس بمال ١٩٥

وجوب ردّ كلب الصيد أو الزرع أو الحائط أو الماشية المغصوب إلى مالكه ١٩٥

حكم ما لو حبس كلب الصيد عن مالكه مدّة ١٩٦

عدم وجوب ردّ جلد ميتة مغصوب إلى مالكه ١٩٦

فيما لو أتلف الجلد المغصوب أو أتلف ميتة بجلدها لم يكن عليه ضمان ١٩٦

حكم ما لو أتلف خمرا أو خنزيرا و صاحبهما مسلم أو كافر و كذا المتلف ١٩٧

حكم ما لو غصبت الخمر من الكافر أو من مسلم و العين باقية ١٩٩

حكم ما لو أتلفها المسلم أو الكافر و هي في يد المسلم أو تلفت عندهما ٢٠٠

حكم ما لو أمسكها في يده حتى صارت خلاّ أو أراقها فجمعها إنسان فتخلّلت عنده ٢٠٠

جواز كسر آلات اللهو و القمار ٢٠٠

اختلاف الشافعيّة في الحدّ المشروع لإبطال آلات اللهو و القمار ٢٠٠

البحث الثاني: في الأعيان الماليّة

الأعيان الماليّة مضمونة بشرط عصمتها ٢٠٢

عدم الضمان في مال الحربيّ لو أتلفه ٢٠٢


أقسام الأعيان المضمونة ٢٠٢

ثبوت ضمان النفس و الطرف من الرقيق و الحرّ بالجناية و اليد العادية ٢٠٢

حكم ما لو مات العبد أو الأمة تحت يد الغاصب ٢٠٢

حكم ما لو كانت الجناية على العبد و الأمة فيما دون النفس من طرف أو جراحة ٢٠٣

حكم ما إذا غصب عبدا فسقطت يده في يده بآفة سماويّة ٢٠٤

حكم ما لو جنى الغاصب على العبد بما فيه كمال قيمته ٢٠٥

حكم ما لو تلف بعض أعضاء العبد المغصوب بغير جناية ٢٠٦

حكم ما لو جنى الغاصب على العبد جناية زادت بها قيمته ٢٠٦

حكم ما لو مثّل الغاصب بالعبد المغصوب ٢٠٦

حكم ما لو كان الناقص بقطع الغاصب ليد العبد ثلثي قيمته ٢٠٧

حكم ما لو كان الناقص بسقوط اليد ثلث قيمته ٢٠٧

ثبوت ضمان المدبّر و المكاتب المشروط و أمّ الولد ٢٠٧

حكم ما لو غصب عبدا أو أمة فقتله قاتل ٢٠٨

ثبوت الضمان بالقيمة فيما لو تلف الحيوان المملوك غير الآدمي أو أتلفه ٢٠٩

ثبوت الضمان بالأرش فيما لو تلف جزء من أجزاء الحيوان المملوك ٢٠٩

عدم الفرق في وجوب الأرش بين مالك و مالك ٢١٠

تقسيم الأعيان الماليّة الصامتة إلى مثليّة و غير مثليّة ٢١٢

تفسير المثليّ على اختلاف التعاريف و بيان مصاديقه ٢١٢

البحث الثالث: في المنافع

منافع الأموال مضمونة بالتفويت و الفوات تحت اليد العادية ٢١٦

كلّ عين لها منفعة تستأجر تلك المنفعة فإنّ منفعتها مضمونة بالإتلاف و التلف تحت اليد العادية ٢١٧

عدم ضمان منفعة البضع بالفوات تحت اليد ٢١٨

ضمان منفعة بدن الحرّ بالتفويت لا بالفوات ٢١٩

حكم ما لو حبس الحرّ مدّة لمثلها أجرة و عطّل منافعه ٢١٩


حكم ما لو منع الحرّ عن العمل من غير حبس أو حبسه فمات عنده أو عليه ثياب ٢١٩

فيما لو استأجر حرّا فهل يجوز إيجاره ؟ ٢٢٠

فيما لو استأجر مدّة لعمل فسلّم المستأجر نفسه فلم يستعمله المستأجر فهل تتقرّر أجرته ؟ ٢٢٠

تذنيب: حكم ما لو نقل حرّا من موضع إلى موضع آخر بالقهر ٢٢٠

حكم الصيد الذي صاده الغاصب بالكلب المغصوب أو الفهد و البازي المغصوبين ٢٢١

حكم الصيد الذي صيد بالسهم أو القوس أو الشبكة المغصوبة ٢٢١

حكم ما إذا غصب عينا فنقصت ٢٢٢

حكم ما إذا غصب عينا فتعذّر ردّها ٢٢٤

حكم ما لو غيّب الغاصب العبد المغصوب إلى مكان بعيد و عسر ردّه و غرم القيمة ٢٢٤

الفصل الرابع: في الواجب

كلّ من غصب شيئا وجب عليه ردّه ما دامت العين باقية ٢٢٥

حكم ما إذا تلفت العين المغصوبة و كانت من ذوات الأمثال أو لم تكن ٢٢٥

سائر المكيل و الموزون غير الحبوب و الأدهان متماثلة تضمن بالمثل ٢٢٧

فيما لو كان في المكيل و الموزون صناعة فهل يضمن بالقيمة ؟ ٢٢٧

حكم ما إذا غصب عينا من ذوات الأمثال و تلفت في يده أو أتلفها و المثل موجود فلم يسلّمه حتى فقد ٢٢٧

فيما إذا غرم الغاصب أو المتلف القيمة لإعواز المثل ثمّ وجد المثل فهل للمالك ردّ القيمة و طلب المثل ؟ ٢٣١

حكم ما لو غصب عينا من ذوات الأمثال و نقلها إلى بلد آخر ٢٣٢

حكم ما لو أتلف مثليّا أو غصبه و تلف عنده في بلد ثمّ ظفر المالك به في بلد آخر ٢٣٢

حكم ما لو غصب المثليّ فتلف تحت يده أو أتلف المثليّ على غيره و مضى عليه زمان زادت قيمة المثل فيه أو نقصت ٢٣٣


حكم ما إذا أتلف عليه الماء في مفازة ثمّ اجتمعا على شطّ نهر أو أتلف عليه جمدا في الصيف و اجتمعا في الشتاء ٢٣٤

فيما إذا غرم القيمة في الفرض المزبور ثمّ اجتمعا في تلك المفارة أو في الصيف فهل يثبت الترادّ؟ ٢٣٤

تذنيب: حكم ما لو انتقل المسلم إليه ٢٣٤

الذهب و الفضّة إن كانا مضروبين فهل يضمنان بالمثل أو بنقد البلد؟ ٢٣٥

حكم ما إذا لم يكن الذهب و الفضّة مضروبين و تكون فيهما صنعة أو لم تكن ٢٣٥

حكم ما إذا تغيّر المغصوب في يد الغاصب من حال إلى أخرى ثمّ تلف عنده و كان متقوّما في الحالة الأولى مثليّا في الثانية أو بالعكس ٢٣٧

حكم الفرع المزبور فيما إذا كان المغصوب مثليّا في الحالتين أو متقوّما فيهما ٢٣٨

حكم ما إذا أتلف المثليّ و لم يجد مثله إلاّ بأزيد من ثمن المثل ٢٣٨

البحث الثاني: في غير المثليّ

حكم ما إذا غصب عينا ليست من ذوات الأمثال و تلفت أو أتلفها ٢٣٩

حكم ما لو غصب في بلد ثمّ تلف المغصوب في غير ذلك البلد و اختلفت قيمة البلدين أو النقدان ٢٤٠

حكم ما لو أتلف متقوّما من غير غصب ٢٤٠

حكم ما لو غصب عبدا فأبق أو دابّة فشردت أو ضلّت أو غيّبها الغاصب أو غصب ثوبا فضاع ٢٤١

فيما إذا دفع الغاصب القيمة إلى المالك فهل يملك الغاصب العين المغصوبة ؟ ٢٤٢

الفصل الخامس: في الطوارئ البحث الأوّل: في النقصان النظر الأوّل: نقص القيمة السوقيّة

حكم ما إذا غصب عينا و قيمتها يوم الغصب عشرة فردّها بحالها و لكن صارت قيمتها يوم الردّ خمسة ٢٤٥


النظر الثاني: في نقصان الأجزاء

حكم ما إذا غصب عينا و حصل فيها نقص عين منها ٢٤٦

حكم ما إذا غصب أرضا و نقل التراب عن وجهها ٢٤٧

حكم ما لو غصب أرضا فحفر فيها بئرا أو نهرا بغير إذن المالك ٢٤٨

فروع:

١ - حكم ما لو كان الغاصب قد طوى البئر من آجرّ من عنده ٢٥٠

٢ - وجوب ردّ التراب إلى الأرض المغصوبة إنّما هو فيما إذا لم يتيسّر نقله إلى موات و نحوه في طريق الردّ ٢٥٠

فيما إذا تلف التراب الأوّل فهل يطمّ بتراب آخر من دون إذن المالك ؟ ٢٥٠

٣ - حكم ما إذا نقل التراب و لم يحفر أو نقل بعد الحفر أو أعاد الغاصب هيئة الأرض في الحالين إلى ما كانت ٢٥٠

حكم ما لو غصب عبدا فخصاه أو جارية سمينة فهزلت ٢٥٢

حكم ما إذا غصب زيتا أو دهنا فأغلاه فنقصت عينه أو قيمته أو هما معا ٢٥٣

حكم ما لو غصب عصيرا فأغلاه فنقصت عينه دون قيمته ٢٥٤

فيما لو غصب عصيرا فأغلاه حرم و صار نجسا لا يحلّ و لا يطهر قبل ذهاب ثلثيه بالغليان ٢٥٥

فيما يجب على الغاصب لو ردّ العصير المغصوب قبل ذهاب ثلثيه ٢٥٥

النظر الثالث: في نقص الصفات

حكم ما لو غصب عصيرا فصار خمرا عند الغاصب أو تخلّلت في يده ٢٥٥

حكم ما إذا غصب بيضة فتفرّخت عنده أو نوى فزرعه فصار شجرا أو بذرا فزرعه فنبت و ازداد أو بزر قزّ فصار قزّا ٢٥٦

حكم ما لو غصب دجاجة فباضت عنده ثمّ حضنت بيضها فصار فراخا ٢٥٧

حكم ما لو غصب شاة أو دابّة فأنزى عليها فحلا أو غصب فحلا فأنزاه على شاة ٢٥٧


حكم ما لو غصب خمرا فتخلّلت في يده أو جلد ميتة فدبغه عند من يطهّر جلد الميتة بالدباغ ٢٥٧

حكم ما إذا غصب عينا فنقصت في يده أو زادت بعد النقص و عادت القيمة بحالها ٢٥٨

حكم ما لو غصب جارية قيمتها مائة فسمنت في يده أو تعلّمت صنعة فبلغت قيمتها ألفا ثمّ هزلت في يده أو نسيت الصنعة فعادت قيمتها إلى مائة ٢٦١

حكم ما إذا غصب العين سمينة أو ذات صنعة أو تعلم القرآن و نحوه فهزلت و سمنت فنقصت قيمتها ٢٦٢

حكم ما لو غصب جارية فزادت قيمتها بتعلّم الغناء ثمّ نسيته فنقصت القيمة بسبب النقصان ٢٦٢

حكم ما لو غصب عبدا صحيحا فمرض في يد الغاصب ثمّ برئ و زال المرض ٢٦٣

حكم ما لو غصب شجرة فتساقط ورقها ثمّ أورقت أو شاة فجزّ صوفها ثمّ نبت ٢٦٣

النظر الرابع: أن يكون النقصان فيهما

حكم ما إذا غصب عينا فنقصت قيمتها و جزء من أجزائها ٢٦٣

حكم ما لو غصب ثوبا قيمته عشرة فاستعمله أوّلا حتى عادت قيمته بالإبلاء إلى خمسة ثمّ انخفضت السوق فعادت قيمته إلى درهمين ٢٦٤

حكم ما لو غصب ثوبا قيمته عشرة و لبسه فأبلاه حتى عادت القيمة إلى خمسة ثمّ ارتفعت السوق فبلغت قيمته و هو بال عشرة ٢٦٤

حكم ما لو غصب عبدا صانعا قيمته مائة فنسي الصنعة و عادت قيمته إلى خمسين ثمّ ارتفعت السوق فبلغت قيمته ناسيا مائة و قيمة مثله إذا أحسن تلك الصنعة مائتين ٢٦٥

حكم ما لو اختلف المالك و الغاصب في قيمة الثوب الذي أبلاه أنّها متى زادت ؟ ٢٦٥

النظر الخامس: في جناية الغصب و الجناية عليه القسم الأوّل: جناية الغصب

حكم ما إذا غصب عبدا فجنى العبد بما يوجب القصاص في النفس أو في الطّرف ٢٦٦


حكم ما لو جنى العبد المغصوب في يد الغاصب بما يوجب الأرش أو الدية أو جنى عمدا و عفا المجنيّ عليه على مال ٢٦٦

حكم ما إذا ردّ الغاصب العبد المغصوب الجاني إلى مالكه أو تلف في يده ٢٦٧

حكم ما لو جنى عبد رجل على رجل جناية تستغرق قيمته ثمّ غصبه بعد ذلك غاصب و جنى في يد الغاصب جناية أخرى تستغرق قيمته أيضا ثمّ ردّه إلى المالك فبيع في الجنايتين و قسّم الثمن بينهما نصفين ٢٦٩

حكم ما لو كانت المسألة بحالها و تلف العبد بعد الجنايتين في يد الغاصب ٢٧٠

حكم ما لو غصب عبدا فجنى العبد في يد الغاصب ثمّ ردّه إلى المالك فجنى في يده جناية أخرى و كلّ واحدة منهما تستغرق قيمته فبيع فيهما و قسّم المال بينهما ٢٧٠

حكم ما لو غصب عبدا فجنى في يد الغاصب أوّلا ثمّ ردّه إلى المالك فجنى في يده جناية أخرى و كلّ من الجنايتين مستغرقة لقيمته ثمّ قتله الغاصب أو غصبه ثانيا فمات عنده ٢٧١

جناية العبد المغصوب مضمونة على الغاصب ٢٧٢

القسم الثاني: الجناية على الغصب

حكم ما إذا غصب عبدا فقتله قاتل عمدا و كان القاتل عبدا أو حرّا ٢٧٣

حكم ما إذا غصب عبدا فجني عليه جناية مقدّرة الدية ٢٧٤

حكم ما إذا غصب عبدا و كان الجاني غير الغاصب و غرّم المقدّر من القيمة و كان الناقص أكثر من ذلك المقدّر أو كان المقدّر أكثر ممّا نقص من القيمة ٢٧٤

حكم ما لو اجتمعت جناية المغصوب و الجناية عليه في يد الغاصب ٢٧٦

النظر السادس: في باقي مسائل النقصان

حكم ما لو غصب عبدا فسمن سمنا نقصت به قيمته أو كان شابّا فصار شيخا أو كانت الجارية ناهدا فسقط ثديها ٢٧٦

حكم ما لو كان العبد المغصوب أمرد فنبتت لحيته فنقصت قيمته ٢٧٧

حكم ما لو غصب عينا فتعيّبت عيبا غير مستقرّ و نقصت نقصا له سراية و لا يزال يزداد إلى الهلاك ٢٧٧


حكم ما لو غصب زيتا فصبّ فيه ماء و تعذّر تخليصه منه فأشرف على الفساد ٢٨٠

حكم ما لو غصب عبدا صحيحا فمرض في يده ثمّ برئ أو ابيضّت عينه ثمّ ذهب بياضها أو غصب جارية حسناء فسمنت سمنا نقصها ثمّ خفّ سمنها و عادت قيمتها ٢٨٠

حكم ما لو حملت الجارية المغصوبة فنقصت ثمّ وضعت فزال نقصها ٢٨١

فيما إذا ردّ المغصوب ناقصا فعليه أرش نقصه ٢٨١

حكم ما لو غصب شيئين ينقصهما التفريق ٢٨١

حكم ما لو أتلف أحد الشيئين - في الفرض المزبور - أو غصب أحدهما خاصّة و تلف تحت يده و كانت قيمة المجموع عشرة و عادت قيمة الباقي إلى ثلاثة ٢٨٢

تذنيب: حكم ما لو أخذ أحدهما على صورة السرقة و قيمته مع نقصان الثاني نصاب ٢٨٣

حكم ما لو غصب شيئا فشقّه بنصفين و كان ثوبا ينقصه القطع ٢٨٣

تذنيب آخر: حكم ما لو غصب شيئا تتفاوت قيمته بالنسبة إلى أربابه ٢٨٣

حكم ما لو حصل فصيل رجل في بيت آخر و لم يمكن إخراجه إلاّ بنقض الباب ٢٨٣

حكم ما لو وقع دينار في محبرة الغير و لم يخرج إلاّ بكسرها ٢٨٤

حكم ما لو غصب فصيلا و أدخله داره فكبر و لم يخرج من الباب أو خشبة و أدخلها داره ثمّ بنى الباب ضيّقا لا يخرج منه إلاّ بنقضه ٢٨٥

حكم ما لو كان دخول الفصيل - في الفرض المزبور - بتفريط صاحب الفصيل أو لم يكن بتفريط أحد ٢٨٥

حكم ما لو غصب دارا و أدخلها فصيلا أو خشبة أو تعدّى على إنسان فأدخل داره فصيلا أو فرسا ٢٨٦

حكم ما لو غصب دينارا فوقع في محبرته أو أخذ دينار غيره فوقع في محبرته ٢٨٦

حكم ما لو غصب دينارا فوقع في محبرة آخر بفعل الغاصب أو بغير فعله ٢٨٦

حكم ما لو رمى إنسان ديناره في محبرة غيره عدوانا و أبى صاحب المحبرة من كسرها ٢٨٦


حكم ما لو أدخلت بهيمة رأسها في قدر و لم يخرج إلاّ بكسرها ٢٨٦

حكم ما إذا ابتلعت الدابّة شيئا و كان مقتضى الشرع تضمين صاحبها ما ابتلعته ٢٨٧

حكم ما لو باع بهيمة بثمن معيّن فابتلعته ٢٨٨

حكم ما إذا غصب جوهرة فابتلعتها دابّة ٢٨٨

حكم ما إذا ابتلعت شاة رجل جوهرة آخر غير مغصوبة و لم يمكن إخراجها إلاّ بذبح الشاة ٢٨٨

حكم ما لو أدخلت الشاة رأسها في قدر غيره و لا تفريط من صاحبيهما ٢٨٩

البحث الثاني في الزيادة النظر الأوّل: زيادة الآثار

حكم ما إذا غصب شيئا فزاد في يد الغاصب ٢٩٠

عدم ملك الغاصب للعين المغصوبة بتغيّر صفاتها ٢٩٠

فيما إذا غصب ثوبا فشقّه أو إناء فكسره فهل يجبر على رفاء الثوب و إصلاح الإناء؟ ٢٩٢

حكم ما لو غزل القطن المغصوب أو نسجه ٢٩٢

حكم ما لو غصب نقرة و ضربها دراهم أو صاغ منها حليّا أو غصب نحاسا أو زجاجا و اتّخذ منه إناء ٢٩٣

هل الغاصب يستحقّ شيئا بعمله في المغصوب ؟ ٢٩٣

النظر الثاني: في زيادة الأعيان

حكم ما إذا غصب أرضا و بنى فيها أو غرس أو زرع ٢٩٤

حكم ما لو كان الزرع في الأرض المغصوبة ممّا تبقى أصوله فيها و يجزّ مرّة بعد أخرى ٢٩٧

حكم ما لو غصب أرضا فغرسها فأثمرت أو شجرا فأثمر ٢٩٨

حكم ما لو غصب ماشية من ضمان ولدها إن ولدت عند الغاصب و كذا ضمان لبنها بمثله ٢٩٩

حكم ما لو غصب أرضا فترك غرسها أو زرعها فنقصت بذلك ٢٩٩


حكم ما لو نقصت الأرض المغصوبة لطول مدّة الغراس ٢٩٩

حكم ما لو أراد صاحب الأرض تملّك النماء أو الغراس بالقيمة أو بنفقتها أو الزرع بالأجرة ٢٩٩

حكم ما لو غصب من رجل أرضا و غراسا فغرس الغراس فيها ٣٠٠

حكم ما لو غصب من رجل واحد أرضا و بذرا و زرعها به ٣٠١

حكم ما لو غصب أرضا من شخص و شجرا من آخر و غرسه في الأرض المغصوبة ٣٠١

حكم ما إذا غصب دارا فجصّصها و زوّقها أو طيّنها ٣٠٢

حكم ما إذا غصب ثوبا فصبغه بصبغ للغاصب ٣٠٢

حكم ما لو ترك الغاصب الصبغ على المالك و كان ممكن الانفصال ٣٠٥

فيما لو بذل المغصوب منه قيمة الصبغ و أراد أن يتملّكه على الغاصب فهل يجاب إلى ذلك ؟ ٣٠٧

فيما إذا اشتركا في الثوب المصبوغ فهل لكلّ واحد منهما الانفراد ببيع ما يملكه منه ؟ ٣٠٨

حكم ما لو رغب مالك الثوب أو الغاصب في البيع ٣٠٨

حكم ما لو غصب ثوبا من شخص و صبغا من آخر و صبغه به ٣٠٩

حكم ما لو غصب ثوبا و صبغا من شخص واحد ثمّ صبغ الثوب بذلك الصبغ ٣١٠

حكم ما إذا غصب ثوبا قيمته عشرة و صبغه بصبغ من عنده قيمته عشرة و بلغت قيمة الثوب مصبوغا ثلاثين ففصل الغاصب الصبغ و نقصت قيمة الثوب عن عشرة ٣١٠

حكم ما إذا خلط المغصوب بغيره و تعذّر التمييز و كان من الجنس ٣١١

حكم ما إذا مزج الزيت بزيت أردأ منه ٣١٢

فيما إذا خلط الدقيق بالدقيق فهل هو كخلط الزيت بالزيت مثليّ؟ ٣١٤

حكم ما إذا خلط المغصوب بغير جنسه كما لو خلط زيتا بشيرج و... ٣١٥

هل يلحق بخلط الزيت بالشيرج لتّ السويق بالزيت ؟ ٣١٥


حكم ما لو غصب شيئا و خلطه بغيره و أمكن التمييز بينهما ٣١٦

حكم ما لو غصب ساجة فأدرجها في بنائه أو بنى عليها أو على آجرّ مغصوب ٣١٦

حكم ما لو غصب لوحا فجعله في سفينة ٣١٧

حكم ما إذا غصب خيطا فخاط به ثوبا و نحوه أو خيط به جرح حيوان محترم ٣١٩

الفصل السادس: في تصرّفات الغاصب

حكم ما إذا اتّجر الغاصب بالمال المغصوب بالبيع أو الشراء بالعين أو سلما ٣٢٣

أحوال وطئ الجارية المغصوبة ٣٢٣

١ - كون الغاصب و الجارية جاهلين بالتحريم و بيان حكمهما ٣٢٣

٢ - كونهما عالمين بالتحريم و بيان حكمهما ٣٢٤

٣ و ٤ - كون الواطئ عالما بالتحريم و الجارية جاهلة به و بالعكس و بيان حكمهما ٣٢٦

تذنيب: في بيان منشأ الجهل بتحريم وطئ المغصوبة ٣٢٦

حكم ما لو غصب جارية فباعها من آخر فوطئها المشتري ٣٢٦

حكم ما إذا تكرّر الوطء إمّا من الغاصب أو من المشتري منه ٣٢٩

حكم من استكره امرأة على الزنا ٣٢٩

حكم ما إذا حصل من الوطئ حبل و انفصل الولد حيّا أو ميّتا و كان الواطئ عالما بالتحريم أو جاهلا به ٣٣٠

حكم ما لو أحبل الغاصب الجارية و مات و خلّف أباه ثمّ انفصل الجنين ميّتا بجناية جان ٣٣٣

تذنيب: حكم ما لو وطئ الغاصب بإذن المالك ٣٣٥

حكم ما إذا تلفت العين المغصوبة عند المشتري ٣٣٥

حكم ما لو تعيّب المغصوب عند المشتري بعمى و شلل و نحوهما ٣٣٦

منافع المغصوب المضمونة للمالك من جهة المشتري هل يرجع بها على الغاصب ؟ ٣٣٧

فيما إذا غرم قيمة الولد عند انعقاده حرّا رجع به على الغاصب ٣٣٨


حكم ما لو وهب الجارية المغصوبة فاستولدها المتّهب جاهلا بالحال و غرم قيمة الولد ٣٣٩

فيما إذا بنى المشتري أو غرس في الأرض المغصوبة فجاء المالك و نقض بناءه و غراسه فهل يرجع بأرش النقصان على الغاصب ؟ ٣٣٩

حكم ما لو زوّج الغاصب الجارية المغصوبة فوطئها الزوج جاهلا ٣٤٠

فيما لو استخدمها الزوج و غرم الأجرة لم يرجع على الغاصب ٣٤٠

فيما لو استرضع المشتري الجارية غرم أجرة مثلها ٣٤١

حكم ما لو آجر العين المغصوبة أو أعارها ٣٤١

حكم ما إذا انتقصت الجارية المغصوبة بالولادة و كان الولد رقيقا تفي قيمته ببعض نقصانها أو بكلّه ٣٤٢

حكم ما لو تعب حمّال الخشبة بحملها فأسندها إلى جدار الغير ليستريح ٣٤٢

حكم ما لو وقعت الخشبة - في الفرض المزبور - فأتلف شيئا ٣٤٢

فيما لو غصب دارا و نقضها و أتلف النقض ضمن النقض و ما نقص من قيمة العرصة ٣٤٣

هل يضمن - في الفرض المزبور - أجرة مثلها دارا إلى وقت الردّ أو إلى وقت النقص ؟ ٣٤٣

حكم ما لو غصب شاة و أنزى عليها فحلا أو غصب فحلا فأنزاه على شاته ٣٤٣

حكم ما لو غصب جارية ناهدا فتدلّى ثديها أو عبدا شابّا فشاخ أو أمرد فالتحى ٣٤٣

حكم ما لو غصب خشبة و اتّخذ منها أبوابا و سمّرها بمسامير من عنده ٣٤٣

حكم ما لو غصب ثوبا و نجّسه أو نجس عنده ٣٤٤

فيما يتعلّق بما لو غصب من الغاصب و أبرأ المالك الأوّل عن ضمان الغصب أو أبرأ غاصب الغاصب عن الضمان ٣٤٤

الفصل السابع: في التنازع

حكم ما لو ادّعى المالك الغصب و القابض الاتّهاب أو الشراء منه أو الاستيداع أو الاستعارة أو الاستئجار ٣٤٥


حكم ما لو ادّعى الغاصب تلف المغصوب و أنكر المالك ٣٤٥

حكم ما لو اتّفقا على الهلاك و اختلفا في قيمته ٣٤٥

حكم ما لو قال المالك: كان العبد كاتبا أو محترفا و أنكر الغاصب ٣٤٧

حكم ما لو ادّعى الغاصب بالعبد عيبا و أنكر المالك ٣٤٧

حكم ما لو ادّعى الغاصب عيبا في أصل الخلقة ٣٤٧

حكم ما لو ردّ الغاصب المغصوب و به عيب و قال: غصبته هكذا و قال المالك: بل حدث العيب عندك ٣٤٨

حكم ما لو تنازعا في الثياب التي على العبد ٣٤٨

حكم ما لو قال المالك: غصبت منّي دارا بالكوفة فقال الغاصب: بل غصبت دارك بالمدينة ٣٤٨

حكم ما لو غصب خمرا محترمة و هلكت عنده ثمّ قال المغصوب منه: هلك بعد أن صار خلاّ و قال الغاصب: بل قبله و لا ضمان عليّ ٣٤٨

حكم ما لو قال: طعامي الذي غصبته كان حديثا و قال الغاصب: بل كان عتيقا ٣٤٨

حكم ما لو باع عبدا من إنسان فجاء آخر يدّعي أنّه ملكه و أنّ البائع كان قد غصبه منه ٣٤٨

حكم ما لو جاء المدّعي - في الفرض المزبور - بعد ما أعتق المشتري العبد و صدّقه البائع و المشتري ٣٤٩

المقصد الحادي عشر: في إحياء الموات

مقدّمة يذكر فيها تعريف الموات و الإحياء و جواز إحياء الموات نصّا و إجماعا ٣٥١

تذنيب: في استحباب الإحياء ٣٥٤

الفصل الأوّل: في المشتركات

بيان المشتركات ٣٥٧

المطلب الأوّل: الأراضي

تقسيم الأراضي إلى بلاد الإسلام و بلاد الكفّار ٣٥٧


البحث الأوّل: في أراضي بلاد الإسلام

عدم جواز التصرّف في أراضي بلاد الإسلام إن كانت معمورة في الحال ٣٥٧

في أنّ الأرض الموات التي لا ينتفع بها لعطلتها للإمام لا يملكها أحد ٣٥٨

هل هناك فرق بين المسلم و الذمّي في التملّك بالإحياء؟ ٣٦٠

حكم ما لو أحيا الذمّي أرضا في موات دار الإسلام ثمّ أسلم ٣٦١

حكم ما لو لم تكن الأرض التي في بلاد الإسلام معمورة في الحال و لكنّها كانت قبل ذلك معمورة جرى عليها ملك مسلم ٣٦٢

البحث الثاني: في أراضي بلاد الكفّار

حكم أراضي بلاد الكفّار معمورة في الحال أو غير معمورة ٣٦٧

تقسيم الأراضي إلى أربعة أقسام ٣٧٠

١ - ما فتحه المسلمون عنوة بالسيف و القهر و الغلبة و بيان حكمه ٣٧٠

عدم صحّة التصرّف في الأرض المفتوحة عنوة إلاّ بإذن الإمام ٣٧١

عدم صحّة بيع الأرض المفتوحة عنوة و لا هبتها و لا وقفها ٣٧١

حكم ما لو كانت هذه الأرض المفتوحة عنوة مواتا وقت الفتح ٣٧١

٢ - أرض الصلح و بيان حكمها ٣٧٢

٣ - أرض من أسلم أهلها عليها طوعا و بيان حكمها ٣٧٣

٤ - أرض الأنفال و بيان حكمها ٣٧٤

تقسيم الشافعي البلاد على ضربين و بيان أحكامهما ٣٧٤

كلّ أرض ترك أهلها عمارتها كان للإمام تقبيلها ممّن يقوم بها ٣٧٦

حكم ما إذا باع بائع أرض الخراج التي كانت يده عليها ٣٧٦

فيما إذا اشترى شيئا من أرض الخراج يصير الخراج الذي على تلك الأرض للمسلمين عليه ٣٧٧

حكم أرض سواد العراق و أهل الجزية ٣٧٨

تنبيه: فيما يتعلّق بالأرض التي جرى عليه ملك لمسلم ٣٧٩


المطلب الثاني: في المعادن

تعريف المعادن و تقسيمها إلى ظاهرة و باطنة ٣٧٩

حكم المعادن الظاهرة ٣٧٩

بيان المراد بالمعادن الظاهرة ٣٨٠

هل يجوز للإمام إقطاع المعادن الظاهرة ؟ ٣٨٠

عدم تملّك المعادن الظاهرة بالإحياء ٣٨١

حكم ما لو حوّط واحد على بعض هذه المعادن الظاهرة حائطا و اتّخذ عليه دارا أو بستانا ٣٨١

فيما لو ازدحم اثنان على المعدن الظاهر و ضاق المكان فالسابق أولى ٣٨٢

في أنّ السابق بأيّ قدر يستحقّ التقدّم ؟ ٣٨٢

حكم ما لو أراد الزيادة على ما يقتضيه حقّ السبق ٣٨٢

حكم ما لو جاءا معا إلى المعدن ٣٨٢

تذنيب: في أنّ من المعادن الظاهرة الملح الذي ينعقد من الماء ٣٨٣

هل الملح الجبليّ و الكحل و الجصّ من المعادن الظاهرة أو الباطنة ؟ ٣٨٣

المدر و أحجار النورة من المعادن الظاهرة ٣٨٣

تذنيب آخر: في حكم أرض موات في جانب المملحة إذا حفر فيها بئر و سيق إليها الماء ٣٨٣

تفسير المعادن الباطنة ٣٨٤

تقسيم المعادن الباطنة إلى ظاهرة و غيرها و بيان حكمهما ٣٨٤

تذنيب: في حكم ما لو أظهر السيل قطعة ذهب أو جاء بها ٣٨٦

تملّك المعادن الباطنة بالإحياء و بيان المراد منه ٣٨٦

حكم ما لو أحيا أرضا فوجد فيها معدنا ٣٨٧

فيما يتعلّق بإقطاع الإمام بعض المعادن الباطنة ٣٨٨

جواز العمل على المعدن الباطن و الأخذ منه من غير إذن الإمام ٣٨٨


بيان ما يتحقّق به إحياء المعدن الباطن ٣٨٨

هل يجوز للسلطان إقطاع المعدن الباطن ؟ ٣٨٩

حكم ما إذا غنم المسلمون بلاد المشركين و فيها موات قد عمل جاهليّ فيه معدنا ٣٩٠

حكم ما لو اشترى دارا فظهر فيها معدن أو وجد فيها كنزا مدفونا ٣٩٠

هل يجوز لمالك المعدن الباطن بيعه ؟ ٣٩٠

حكم ما إذا ملك أرضا بالإحياء أو الشراء و شبهه فوجد فيها معدنا باطنا ٣٩١

المطلب الثالث: في المنافع المشتركة

منافع الشوارع و المساجد و المقابر و الرّبط غير مملوكة لأحد ٣٩٤

بيان المراد من الشوارع و الغرض بها و منفعتها الأصليّة ٣٩٤

جواز الوقوف و الجلوس في الشوارع لغرض الاستراحة و المعاملة و غيرهما بشرط عدم تضرّر أحد و عدم الضيق على المارّة ٣٩٤

حكم ما لو استبق اثنان إلى موضع ٣٩٤

هل هذا الارتفاق يختصّ بالمسلمين أو جائز لأهل الذمّة أيضا؟ ٣٩٤

فيما يتعلّق بما إذا جلس واحد في موضع من الشوارع و الأسواق من الأحكام ٣٩٥

تذنيب: في اختصاص ما حول موضع الجلوس بالجالس بقدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه و وقوف المعاملين فيه ٣٩٧

تنبيه: في اختصاص جواز الجلوس للبيع و الشراء بالمواضع المتّسعة ٣٩٧

حكم المسجد كالسوق ٣٩٧

كراهة الجلوس في المساجد للبيع و الشراء و إنشاد الضالّة و عمل الصنائع ٣٩٩

في أنّ الرّبط المسبّلة في الطرق و على أطراف البلاد إذا سبق واحد إلى موضع منها كان أحقّ به من غيره ٤٠٠

حكم ما لو ازدحم اثنان على موضع و لا سبق ٤٠٠

حكم المدارس و الخانقاهات ٤٠٠

في أنّ المرتفق بالشوارع و المساجد إذا طال العكوف عليها لا يزعج ٤٠١


حكم الرباطات و المدارس الموقوفة ٤٠١

المطلب الرابع: في المياه

تقسيم المياه إلى ثلاثة ٤٠١

١ و ٢ - الماء المحرز و العامّ و بيان حكمهما ٤٠١

٣ - المياه المتردّدة بين العموم و الخصوص ٤٠٢

البحث الأوّل: في المياه العامّة

إباحة المياه العامّة للناس كافّة ٤٠٢

حكم ما لو حضر اثنان فصاعدا أو جاءا معا ٤٠٢

حكم ما لو أراد واحد السقي و هناك من يحتاج للشرب ٤٠٢

في أنّه من أخذ من المياه العامّة شيئا في إناء ملكه ٤٠٢

حكم ما لو زاد الماء المباح فدخل شيء منه ملك إنسان بسيل أو جريان ٤٠٣

هل يملك هذا الماء الزائد مالك الملك ؟ ٤٠٣

حكم ما لو سال هذا الماء المباح في نهر عظيم عليه أملاك تحتاج إلى السقي منه و كان النهر يفي بالجميع ٤٠٤

حكم ما إذا كان النهر صغيرا غير مملوك تشاحّ فيه أهل الأرضين الشاربة و لم يف بالجميع إذا سقوا في وقت واحد ٤٠٤

فيما يتعلّق بمقدار حقّ حبس الماء لسقي الزرع و الشجر و النخل ٤٠٥

فروع:

١ - حكم ما إذا اختلفت أرض الأعلى فكان بعضها مرتفعا و بعضها منخفضا ٤٠٨

٢ - حكم ما لو سقى الأعلى و استوفى حقّه ثمّ احتاج إلى السقي مرّة أخرى ٤٠٨

٣ - حكم ما إذا تنازع اثنان أرضاهما متحاذيتان أو أرادا شقّ النهر من موضعين متحاذيين يمينا و شمالا ٤٠٩

٤ - حكم ما لو أراد إنسان إحياء أرض ميتة و سقيها من هذا النهر الغير المملوك ٤٠٩

٥ - عمارة حافّات هذه الأنهار تؤخذ من بيت المال ٤١٠


٦ - حكم ما لو أراد إنسان بناء قنطرة لعبور الناس على مثل هذا النهر ٤١٠

٧ - حكم ما لو أراد أحد بناء رحى على هذه الأنهار ٤١٠

٨ - حكم ما لو استوى اثنان في القرب من أوّل النهر ٤١٠

٩ - حكم ما لو كانت أرض أحدهما أكثر من أرض الآخر ٤١١

فيما يتعلّق بما لو حفر إنسان نهرا فأخذ الماء من الوادي العظيم أو النهر العظيم أو من النهر المنخرق منه ليدخل ماء النهر العظيم فيه ٤١١

فيما يتعلّق بما إذا اشترك جماعة في حفر نهر أو ساقية في أرض موات و بلغوا حدّ الوصول إلى الوادي العظيم أو النهر العظيم ٤١٢

تذنيب: فيما لو أراد الشركاء قسمة النهر نفسه و كان عريضا يمكن قسمته جاز ٤١٤

فيما لو كان النهر مملوكا بين جماعة و أراد من كانت أرضه أسفل توسيع فم النهر لئلاّ يقصر الماء عنه لم يجز إلاّ برضا الباقين ٤١٤

فيما لو أراد القريبون من فوهة النهر تضييق فم النهر أو بناء قنطرة أو رحى عليه أو غرس شجرة على حافّتيه لم يكن لهم ذلك إلاّ برضا الباقين ٤١٥

فيما لو أراد أحدهم تقديم رأس الساقية التي ينساق فيها الماء إلى أرضه أو تأخيره لم يكن له ذلك ٤١٥

فيما لو كان لأحدهم ماء في أعلى النهر فأجراه في النهر المشترك برضا الشركاء ليأخذه من الأسفل و يسقي به أرضه كان لهم الرجوع متى شاؤا ٤١٥

فيما إذا كان النهر أو الساقية مشتركا بين جماعة كانت تنقيته و عمارته و سدّ شيء منه أو إصلاح حائطه عليهم بحسب الملك ٤١٥

فيما إذا كان بعض الشركاء أقرب إلى فم النهر و بعضهم أبعد اشترك الجميع في عمارته و إكرائه و إصلاحه من فمه إلى أن يصلوا إلى الأوّل... ٤١٥

فيما إذا حصل نصيب إنسان من هؤلاء الشركاء في النهر المملوك في ساقية اختصّ بذلك الماء و كان له أن يسقي به ما شاء من الأرض ٤١٦

فيما لو أراد أحد الشركاء أخذ شيء من ماء النهر قبل قسمته يسقي به أرضا في أوّل النهر أو في غيره لم يجز ٤١٨


فيما لو كان النهر مشتركا و قسّموا ماءه بالمهايأة فحصل لأحدهم الماء في نوبته فأراد أن يسقي به أرضا ليس لها رسم شرب من هذا... جاز ٤١٨

فيما لو أراد صاحب النوبة أن يجري مع مائه ماء له آخر يسقي به أرضه التي لها رسم شرب من هذا النهر أو غيرها لم يجز ٤١٩

فيما يتعلّق بالنهر المشترك بين قوم بأعيانهم إذا تنازعوا في قدر أنصبائهم ٤١٩

البحث الثاني: في المياه المتردّدة بين العموم و الخصوص

وجوه حفر البئر و بيان أحكامها ٤١٩

ماء البئر أو العين المملوكة المالك أحقّ به من غيره ٤٢٢

فيما لو فضل من ذلك الماء شيء عن حاجته فهل يجب عليه بذله لغيره المحتاج إليه ؟ ٤٢٢

حكم ما لو حفر البئر و لم يقصد التملّك و لا غيره ٤٢٦

حكم القنوات حكم الآبار في جميع ما تقدّم من الأحكام ٤٢٦

تذنيب: في أن الذين يسقون أراضيهم من الأودية المباحة لو تواضعوا على مهايأة و جعلوا للأوّلين أيّاما و للآخرين أيّاما جاز ٤٢٧

خاتمة تتعلّق ببيع الماء ٤٢٧

الفصل الثاني: في شرائط الإحياء

١ - عدم كون يد مسلم على الأرض ٤٣١

٢ - عدم كونه حريما للعامر ٤٣١

هل مالك العامر يملك الحريم الذي له أو يكون أولى و أحقّ به من غيره ؟ ٤٣٢

جواز إحياء ما قرب من العامر و لم يتعلّق به مصلحة العامر ٤٣٣

هل هناك حدّ يفصل بين القريب و البعيد سوى العرف ؟ ٤٣٤

٣ - عدم كونه مشعرا للعبادة بوضع الشارع ٤٣٤

٤ - عدم كونه مسبوقا بالتحجير من قبل أحد ٤٣٥

حكم ما إذا حجّر أرضا من الموات ٤٣٦

حكم ما لو باع المتحجّر ما تحجّره قبل أن يخصّه ٤٣٨


حكم ما لو حجّر إنسان على أرض موات و أهمل عمارتها حتى زالت آثاره ٤٣٩

إفادة التحجير للأولويّة و عدم إفادته ملك الرقبة ٤٤٠

٥ - عدم كونه مقطعا من الإمام ٤٤٠

بيان الأحكام المتعلّقة بالموات ٤٤١

تقسيم الإقطاع إلى إقطاع الموات للتمليك و إقطاع إرفاق ٤٤١

٦ - أن لا يكون قد حماه النبي صلّى اللّه عليه و اله ٤٤٢

بيان المراد من الحمى و أنّ الحمى قد كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لخاصّ نفسه و للمسلمين ٤٤٢

هل للإمام عليه السّلام أن يحمي للمسلمين ؟ ٤٤٤

في أنّه للإمام أن يحمي لنفسه و لخيل المجاهدين و إبل الصدقة و الضوالّ و نعم الجزية و مواشي الضعفاء ٤٤٥

عدم جواز إحياء ما حماه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أو الإمام ٤٤٦

هل يجوز نقض ما حماه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أو الإمام لمصلحة فزالت ؟ ٤٤٦

خاتمة في عدم جواز إقطاع المعادن الظاهرة و جواز إقطاع المواضع المتّسعة في الشوارع ٤٤٧

فيما إذا سبق إلى الجلوس في الطريق الواسع كان أحقّ به ما دام جالسا فيه ٤٤٧

في أنّ الجالس بالإقطاع أو السبق إذا ظلّل على نفسه شيئا ممّا ينقله معه جاز و إلاّ فلا ٤٤٨

تقسيم غير المملوك من الأرض إلى أربعة أقسام ٤٤٨

الفصل الثالث: فيما به يحصل الإحياء المعهود

انصراف إطلاق الإحياء إلى المتعارف بين الناس ٤٥١

إرادة السكنى في الملك الذي يقصد إحياءه تتحقّق بأن يدار عليه حائط و يسقّف بعضها ٤٥٢

هل يجب تعميم السقف على الحيطان الدائرة على البقعة ؟ ٤٥٢

فيما لو أراد إحياء أرض يتّخذها حظيرة للدوابّ يشترط التحويط لا غير ٤٥٣


فيما لو قصد الإحياء لاتّخاذ الموات مزرعة يعتبر في إحيائه أمور... ٤٥٤

١-٣ - جمع التراب حواليه و تسوية الأرض و ترتيب مائها ٤٥٤

فيما لو قصد الإحياء بزرع بستان فلا بدّ من التحويط بحسب العادة ٤٥٥

تنبيه: في أنّ من الإحياء عرفا ما لو كانت الأرض مستأجمة فعضد شجرها و أصلحها ٤٥٦

هل يعتبر القصد إلى الإحياء في تحقّق الملك للمحيي ؟ ٤٥٦

حكم ما لو قصد نوعا و فعل إحياء يملك به نوع آخر ٤٥٧

فيما إذا حفر بئرا في الموات للتملّك لم يحصل الإحياء ما لم يصل إلى الماء ٤٥٧

فيما إذا حفر نهرا ليجري الماء فيه على قصد التملّك فإذا انتهت فوهة النهر إلى النهر القديم ملكه ٤٥٧

حكم ما لو سقى أرضه بماء غيره المملوك لذلك الغير ٤٥٨

في أنّ ما نضب عنه الماء من الجزائر هل يملك بالإحياء؟ ٤٥٨

فيما لو نضب الماء عن الجزيرة فنبت فيها نبات لم يكن لأحد الاختصاص به و لا منع الناس عنه ٤٥٨

حكم ما لو كان ما نضب عنه الماء من الجزائر لا ينتفع به أحد فعمّره رجل عمارة لا تردّ الماء ٤٥٨

الفصل الرابع: في حدّ الحريم

بيان المراد من الحريم ٤٥٩

بيان حريم القرى المحياة ٤٥٩

بيان حريم الدار في الموات و حريم الحائط ٤٦٠

بيان حريم البئر ٤٦١

بيان حريم العين في الأرض الصلبة و الرخوة ٤٦٣

بيان حدّ الطريق لمن ابتكر ما يحتاج إليه في الأرض المباحة ٤٦٦

بيان حريم النهر و الشجر ٤٦٦

تنبيه: في أنّ الأرض إذا كانت محفوفة بالأملاك فلا حريم لها ٤٦٧


فائدة: في عدم المنع من إحياء ما وراء الحريم قرب أو بعد ٤٦٩

في أنّ النهر المملوك إذا كان عليه رحى بحقّ ملك لم يكن لأرباب النهر طمّ هذا النهر و لا صرف الماء عنه إلى أملاكهم ٤٦٩

تتمّة: في حريم المسجد و القناة ٤٧٠

فهرس الموضوعات ٤٧١

تذكرة الفقهاء - ١٩

المؤلف: الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
الصفحات: 454
ISBN: 978-964-319-520-5