
تراثنا
|
صاحب
الامتیاز
مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام
لإحياء التراث
المدير المسؤول :
السيّد جواد
الشهرستاني
|
العدد
الثالث [١٣٩]
|
السنـة الخامسة
والثلاثون
|
محتـويات العـدد
* إجازة العلاّمة السيّد عبد الله شبّر للعلاّمة السيّد محمّد تقي القزويني.
.................................................. الشيخ ناصر الدين الأنصاري ٧
* ثلاث قضايا لُغوية
في مقدِّمة الشيخ ميثم البحراني على نهج البلاغة (٢).
.................................................. علي عبد النبي علي حسين ٣٤
* من التراث التفسيري
لمدرسة النجف (مقاربات في الدرس القرآني عند الشيخ البلاغي).
.................................................... السيّد علي محمود البعّاج ٨٧
* نسخة مدوّنة من
التراث ممّا جاء في إيمان أبي طالب رضياللهعنه.
............................................... الشيخ محمّد مهدي صباحي ١٦٩
* (الفَوائِدُ الحِسانُ الغَرائِبُ)
روايةُ (ابنِ الجندي) (٣٠٥ ـ ٣٩٦هـ) (١).
.................................................. الشيخ أمين حسين پوري ١٩٥
* المنهج الموسوعي في
الفقه الإمامي (الحدائق والجواهر أنموذجاً) (١).
..................................................... الشيخ مهدي البرهاني ٢٢١
* من ذخائر التراث :
* ذكرى ذوي النهى في
حرمة حلق اللّحى للسيّد حسن الصدر (ت ١٣٥٤ هـ).
...................................... تحقيق : الشيخ عبد الحليم عوض الحلّي ٢٥٥
* من أنباء التراث.
............................................................. هيـئة التحرير ٣٠٧
* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة (ذكرى ذوي النهى في
حرمة حلق اللّحى للسيّد حسن الصدر (ت ١٣٥٤ هـ)) والمنشورة في هذا العدد.

إجازة العلاّمة السيّد عبد الله شبّر
للعلاّمة السيّد محمّد تقي القزويني
|
|
الشيخ ناصر الدين الأنصاري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ
العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم
أجمعين.
هذه ذخيرة من
ذخائر الأيّام، ونفيسة من نفائس الأعوام، كانت محبوسة في زوايا إحدى مكتبات وطننا
العزيز طيلة قرون ، وهي إجازة ثمينة فريدة لعَلَم من الأعلام، أنشرها لأوّل مرّة،
وقفت عليها صُدفةً ـ حيث لم يرد لها ذكر في الفهرس مستقلاًّ ، بل ذكرت في ضمن نسخة
أخرى ـ في إحدى أسفاري إلى مدينة قزوين ـ بلد الحضارة والعلم والتاريخ ـ في مكتبة
الإمام الصادق عليهالسلام
، فوجدت فيها
نفائس مخزونة، ولآلئ محفوظة ، منها هذه الإجازة المشتملة على فوائد وفرائد كثيرة ،
ألا وهي إجازة العلاّمة السيّد عبد الله شبّر الكاظمي لتلميذه وخرّيج مدرسته
العلاّمة السيّد محمّد تقي القزويني ، وعرّفها المحقّق الطهراني بقوله :
«إجازة السيّد
عبد الله بن محمّد رضا شبّر الحسيني الكاظمي المتوفّى سنة (١٢٤٢هـ) للسيّد محمّد
تقي بن الأمير مؤمن بن الأمير محمّد تقي (نقي صح) بن الأمير رضا الحسيني القزويني
المتوفّى سنة (١٢٧٠هـ) ، مبسوطة ، تاريخها ١٥ رمضان المبارك سنة (١٢٤٠هـ) أوّلها :
الحمد لله الذي أجاز المستجيزين».
وهذه الإجازة
موجودة في أوّل كتاب سُلّم
الأصول ، للسيّد
محمّد باقر بن محمّد علي المازندراني من تلاميذ السيّد محمّد تقي القزويني ،
والمحفوظة في خزانة المكتبة برقم ٤٤٢ ، المستنسخة من الأصل بقلم محمّد رضا كولجي
في محرّم الحرام (١٢٦٠هـ).
وكتب مالك
النسخة المرحوم حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ أبو القاسم ابن محمّد علي خرّمشاهي ـ
والد الأستاذ بهاء الدين خرمشاهي ـ المعاصر ـ ما هذا لفظه :
«اين كتاب كه
مجموعه اى است از چند قسمت ، من جمله شرح فارسي بر منظومه أصول سيّد بحر العلوم
قدسسره
وملحقات ديگر ؛
از جمله كتب ملكى اين أحقر است. حرّره الفقير الفاني أبو القاسم بن محمّد علي
خرّمشاهي عفى عنهما (١٣٦٥)».
ولا يفوتني أن
أشكر الأخ كاظم كشاورز والأخ السيّد رضا الموسوي ـ من
__________________
موظّفي المكتبة ـ حيث ساعداني في التصوير والقراءة ـ وأمينها الفاضل البارع
الحاج كريم باريك بين أمين المخطوطات والمفهرس لها. راجين من الله العظيم أن
يتغمّد هؤلاء الأعلام الذين ذكروا في هذه الأجازة برحمته الواسعة. إنّه قريب مجيب.
المجيز :
هو الإمام
العلاّمة الكبير السيّد عبد الله ابن العلاّمة السيّد محمّد رضا شبّر ، ابن محمّد
بن الحسن بن أحمد بن علي بن أحمد بن ناصر الدين ابن شمس الدين محمّد بن نجم الدين
بن حسن شبّر بن محمّد بن حمزة بن أحمد بن علي ابن طلحة بن الحسين بن علي بن عمر بن
الحسن الأفطس ابن علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
عليهمالسلام
، الحسيني
الكاظمي (١١٨٨ ـ ١٢٤٢) ، أحد علماء الشيعة الأكابر وفقهاء الطائفة الأعلام وحجج
العلم الأثبات وأساطين الشريعة الأجلاّء ، ومن المؤلّفين المكثرين ، تمكّن من كثرة
الانتاج وجودته ، فهو من القلائل النوادر الذين جمعوا بين الكثرة والإجادة وكان
يلقّب بـ : (المجلسي الثاني) إذ ترك أكثر من ستّين مؤلّفاً قاربت مئة مجلّد ولم
يزد عمره على ٥٤ سنة. وقد حظي المترجم له بعناية إلهيّة خاصّة وتوفيق عظيم من
ناحية التأليف ، فقد طرح الله البركة في وقته وعمله فتمكّن من تأليف عشرات الكتب
العلمية الرصينة القيّمة مع مشاغل زعامته ومرجعيّته ومواظبته على زيارة الأئمّة
عليهمالسلام
، وصلاته
بالناس ، وتصدّيه لقضاء الحوائج ، وحلّ الخصومات ، وإصدار الفتاوى ، وغير
ذلك من مشاغل الرئاسة الدينية.
وحيث إنّه عدّد
مؤلّفاته بالتفصيل في هذه الإجازة ، فلا نحتاج إلى ذكرها ثانية.
ولد في سنة (١١٨٨هـ)
في النجف الأشرف ، وتتلمذ على الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، والسيّد علي صاحب الرياض ، والسيّد ميرزا مهدي الشهرستاني ، والشيخ أحمد
الأحسائي ، والمحقّق الميرزا أبي القاسم القمّي ، والسيّد محسن الأعرجي ووالده
العلاّمة ، وصار مرجعاً كبيراً في التدريس والفُتيا والقضاء ونشر الأحكام وهداية
الأنام.
تتلمذ عليه
جماعة من العلماء الأجلاّء ، منهم : السيّد محمّد تقي القزويني ، (المجاز المترجَم
له) ، والشيخ إسماعيل التستري الكاظمي ، والشيخ عبد النبي الكاظمي ، والسيّد محمّد
تقي الپشت مشهدي الكاشاني ، والمولى محمود الخوئي ، والسيّد محمّد بن مال الله
القطيفي ، والمولى محسن التبريزي ، والشيخ حسين محفوظ ، والشيخ محمّد إسماعيل
الخالصي ، والشيخ جعفر الدجيلي ، والشيخ رضا العاملي ، والشيخ أحمد البلاغي ،
والسيّد محمّد علي بن كاظم الأعرجي ، والسيّد هاشم بن السيّد راضي الأعرجي ، والشيخ
مهدي التستري الكاظمي وعشرات غيرهم.
توفّي ـ رحمه
الله ـ في رجب سنة (١٢٤٢هـ) ودفن في الرواق الكاظمي الشريف ، في الحجرة المعروفة
بالخزينة قرب باب القبلة على يمين الداخل منه ،
مع والده الأجلّ ، وبقيت منه أسرة شريفة جليلة إلى الآن. كثّر الله أمثالهم.
المجاز :
هو العلاّمة
الفقيه السيّد محمّد تقي بن مير مؤمن بن مير محمّد نقي الحسيني القزويني ، من
أركان الإسلام ودعائم الدين ونوابغ علماء عصره. تتلمذ في كربلاء على شريف العلماء
وفي النجف على السيّد باقر القزويني والمولى إسماعيل العقدائي والسيّد سليمان
الطباطبائي اليزدي ، وله الرواية عن السيّد محمّد المجاهد والسيّد عبد الله شبّر ـ
وهي هذه الإجازة التي بين يديك ـ والشيخ أحمد الأحسائي والميرزا علي رضاخان ـ
تلميذ كاشف الغطاء ـ.
قال الشيخ جابر
الكاظمي عنه : «إنّه في الحكمة والفقه والأصول وفنون الكمال على حدّ الكمال، وله
يد مباركة في الدعاء ، يقصده الناس من أقاصي البلدان وما أخذ أحد دعاءً منه لمقصد
إلاّ وحصل له أو لمريض إلاّ وشفي ، وهو ذو كرامة ومن المشهورين ، وله مقام عظيم في
قزوين يزوره الناس في ليالي الجمعة ، وله يد طولى في العلوم الغريبة ، وطرق يستخرج
منها الجواب عن كلّ سؤال تامّاً. وبالجملة فقد كان أعلى الله مقامه من العلماء
الجامعين المتفنّنين المتبحّرين في أكثر العلوم ، ومن الصلحاء الأخيار المتورّعين
الزهّاد المعرضين عن الدنيا وزخارفها ، لم تفته فضيلة».
__________________
وله من الآثار :
١ ـ برهان
العصمة في الأنبياء والأئمّة.
٢ ـ أصول الفقه.
عنوانه : بديعة ، بديعة.
٣ ـ شرح نهج
البلاغة.
٤ ـ طرائف
الحكمة. المنتخب من نهج البلاغة.
٥ ـ مناظر
الأنوار في تفسير القرآن.
٦ ـ الردّ على
الفادري النصراني.
٧ ـ رسالة في تسمية
الحجّة عليهالسلام.
٨ ـ حاشية رياض
المسائل.
٩ ـ رسالة في
ماء البئر.
١٠ ـ منظومات
كثيرة في : الإمامة ، والنحو ، والصرف ، والعرفان ، والمنطق ، والفقه ، والبيان ،
والطب ، ومدائح المعصومين وغيرها.
توفّي عن عمر
طويل في (١٢٧٠هـ) ودفن بقزوين في بقعة مشهورة مزورة ومادّة تاريخ وفاته بالفارسية
: (بشكست رونق اسلام).
__________________


إجازة العلاّمة السيّد عبد الله شبّر
للعلاّمة السيّد محمّد تقي القزويني
الحمد لله الذي
أجاز المستجيزين من جزيل عطيّته ، وأجار المستجيرين من عظيم سطوته ، والصلاة على
ناشري أحاديث قدسه وأزليّته وأخبار وحدته ، الهادين لاحتجاج براهين قدرته ، وحسان
أدلّة عدله وحكمته ، محمّد وآله أنوار الله في بريّته.
أمّا بعد :
فقد استجازني
من يجب إطاعة أمره وإشارته ، فضلا عن إجابة سؤله وطلبته ، وهو السيّد السند ،
الفرد الأوحد ، العالم العامل ، والفاضل الكامل ، الجامع للفواضل ، الحائز للفضائل
، الفائق على الأقران والأماثل ، المقيم للبراهين والدلائل ، الناصب نفسه لكلّ
سائل ، التقيّ النقيّ ، المهذّب ، الحسيني جناب السيّد محمّد تقي سلّمه الله تعالى
وأبقاه ، وأدام فضله وعلاه ، ورفعه لما يرضاه وأعطاه ما يتمنّاه ، وأصلح دينه
ودنياه ، وآخرته وأُولاه ، وجعل خير يوميه غده وخير داريه عقباه ، فبادرت إلى
إجابته بالسمع والطاعة ، معترفاً بقلّة البضاعة في هذه الصناعة ، وأنّ المشار إليه
أجلّ قدراً ، وأعظم شأناً ، وإنّ شأني في امتثال هذا
__________________
الأمر كحامل الحاقل إلى هَجَر حَشَفَ التمر ، وحيث إنّ المأمور معذور ، والميسور لا يترك بالمعسور
، استخرت الله سبحانه وأجزت له ، أدام الله فضله أن يروي عنّي ، عن مشايخي الذين
حضرت مجالسهم واستفدت من أنفاسهم نفائسهم ، وغيرِهم ممّن عاصرتهم ، كلّما صحّ لي
روايته ، وجازَتْ لي إجازته ، من كتب الأخبار ، الساطعة الأنوار ، والخطب والمواعظ
العليّة المنار ، والأدعية والأذكار ، سيّما الأصول الأربعة التي عليها المدار ،
في الأبرار والأصدار ، المشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار ، والصحيفة السجّادية ونهج البلاغة المحتويين على كنوز الحقائق والأسرار ، وغيرها من أصول
قدمائنا الأبرار ، وسائر ما صنّف وألَّف علماء الإسلام من الخاصّ والعام ، ممّا
يتعلّق بفنون العلوم العقلية والنقلية ، الأصلية والفرعية ، والتفسيرية والأدبية ،
واللغوية والرجالية ، فإنّي أروي جميعها سماعاً وقراءة وإجازة ، وهي أعمّها فائدة
عن جملة من مشايخنا الكرام وعلمائنا العظام.
[طرق السيّد عبد الله شبّر]
[الأوّل]
منهم : وهو أوّل من
أجازني العالم الأعلم ، والأستاذ الأقوم ، قدوة الأنام ، وعَلَم الأعلام ، علاّمة
العصر ، وفريد الدهر ، جليل القدر ، المجاهد في الله ، الذابّ عن دين الله ،
المشيّد لشريعة رسول الله صلّى الله عليه وآله ، المؤيّد باللّطف
__________________
الجليّ والخفيّ شيخنا الشيخ جعفر [الـ] نجفي.
و
[الثاني] منهم : العلم العلاّمة ، والفاضل الفهّامة ، خرّيت طريق التحقيق ، ومالك أزمّة
الفضل بالنظر الدقيق ، ومهذِّب مسائل الدّين الوثيق ، ومقرِّب مقاصد الشريعة من
كلّ فجّ عميق ، السيّد علي الطباطبائي ، كليهما جميعاً عن الشيخ الأعظم ، والركن الأقوم ، كشّاف الحقائق لشريعة
الطرائف من البيان ، لم يطمثهنّ إنس ولا جانّ ، زبدة المحقّقين ، خلاصة العلماء
العاملين ، العالم الربّاني ، المولى
__________________
محمّد باقر الإصفهاني البهبهاني قدّس الله روحه ، ونوّر ضريحه ، عن والده الأجلّ الأفضل
الأكمل ، المولى محمّد أكمل ، عن العَلَم الأعلم ، بحر العلوم والأسرار والحكم ،
الذي لم تسمح بمثله الأعصار والأدوار ، ولم تشاهد نظيره الأمصار ، غوّاص بحار الأنوار ، ومستخرج كنوز الأخبار وجواهر الآثار ، المسدّد بالفيض
القدسي ، شيخنا العلاّمة ، المولى محمّد باقر المجلسي طاب ثراه ، وجعل في الجنّة
مثواه ، عن مشايخه المذكورين في إجازاته في آخر مجلّدات بحار
__________________
الأنوار ، فاضل بعد فاضل ، وصالح بعد صالح ، حتّى اتّصل
بالأئمّة الطاهرين ، صلوات الله عليهم أجمعين.
و
[الثالث] منهم : غرّة الدهر ، فيلسوف العصر ، ترجمان الحكماء والعارفين ، لسان الفقهاء
والمتكلّمين ، وجمال المحدّثين ، السائر في معارج المتألّهين ، أعجوبة الزمان ،
ونادر الأوان ، الفرد الأوحد ، الشيخ أحمد اللحساوي زين الدين عن جملة من مشايخه الأعلام منهم : الإمام الهمام ، والبحر القمقام ، كشّاف قواعد
الإسلام ، حلاّل معاقد الأحكام ، أعجوبة الدهر ، ناموس العصر ، جامع المعقول
والمنقول ، حاوي الفروع والأصول ، خيرة أرباب النهي والعقول ، ذي الفضائل الظاهرة
للداني والنائي ، السيّد محمّد مهدي الطباطبائي ، عن الحبر الماهر آقا محمّد باقر البهبهاني ، عن والده الأفضل ،
__________________
المولى محمّد أكمل ، عن عدّة من العلماء العظام والفضلاء الكرام.
منهم : المدقّق الأوحد الميرزا الشيرواني ، والشيخ الفقيه النبيه الأفخر الشيخ جعفر القاضي ، والشيخ المحقّق الأمجد الشيخ محمّد الخونساري ، بحقّ رواياتهم عن العالم العامل ، وحيد دهره وفريد عصره ، صاحب الكرامات
الظاهرة والمقامات القاهرة ، التقيّ النقيّ ، المولى محمّد تقي المجلسي شارح من
__________________
لا
يحضره الفقيه بالعربية والفارسية ، عن عيبة العلم والعمل ، وجامع الفضل الجليل ، نبراس
التحقيق ومشكاة التدقيق ، بهاء الملّة والحق والدين ، محمّد العاملي عن شيخه ووالده الأوحد الفقيه ، المحدّث الأرشد النبيه ،
الشيخ حسين ابن عبد الصمد الحايري العاملي عن شيخه العلم الإمام الجامع لعلوم الإسلام ، المبيّن
لمسالك الأحكام ، الموضح للحلال والحرام ، عمدة الفقهاء ، وزين المحدّثين علي بن
أحمد الملقّب بزين الدين الشهير بالشهيد الثاني.
__________________
و
[الرابع] منهم : العالم العامل ، والفاضل الكامل ، ذو الفكر الصائب والحدس الصائب ،
خرّيت طريق التحقيق ، ومالك أزمّة الفضل بالنظر الدقيق ، العَلَم الفرد الأوّاه ،
المولى أسد الله بن المولي الجليل الحاجّ إسماعيل ، عن جملة من مشايخه
العظام وأساتيده الأعلام.
[طرق الشيخ أسد الله التستري]
منهم : لسان الفقهاء والمتكلّمين ، وسيّد المحقّقين
والمدقّقين ، السيّد محمّد مهدي الطباطبائي.
ومنهم : السيّد السند ، الأكمل الأفضل الأنبل ، الفقيه النبيه
، النحرير الوجيه ، نادرة الزمان ، عين الأفاضل والأعيان ، حاوي العلوم العقلية
والنقلية ، جامع المزايا العلّية الأميرزا محمّد مهدي الإصفهاني الشهرستاني شكر الله مساعيه وأنزله من الفردوس أعاليه.
__________________
ومنهم : الشيخ المعظّم ، والعَلَم المقدَّم ، مسهّل سبيل
التدقيق والتحقيق ، مبيّن قوانين الأصول ومناهج الفروع كما هو به محقّق ، المولى
آميرزا أبو القاسم الجيلاني القمّي قدسسره كلّهم ، عن المولى الأعظم محمّد باقر البهبهاني المقدّم ذكره ، عن والده محمّد أكمل ، عن غوّاص بحار الأنوار العلاّمة المجلسي ، عن مشايخه الذين قرأ عليهم ، أو استجاز منهم ، أو سمع منهم
والده النقي الربّاني ، ومنهم : المولى المحدّث العارف المولى محسن القاساني صاحب الوافي والشافي والمفاتيح
والأصفى والصافي وغيرها ، عن المولى الفيلسوف صدر الدين الشيرازي صاحب شرح
أصول الكافي وتفسير جملة من القرآن والأسفار
والشواهد والمشاعر ومفاتيح الغيب وكسر الأصنام وغيرها ، عن سيّد الحكماء والمتكلّمين ، وفخر المحقّقين والمدقّقين
، السيّد السند العماد المولى أمير محمّد باقر الداماد شارح : الاستبصار وأصول
الكافي ، وصاحب الرواشح السماوية ،
ونبراس الضياء ، والإيماضات ، والجذوات ، وتقويم الإيمان ، والأفق المبين ،
والصراط المستقيم ، والقبسات ، والسبع الشداد ، وعيون المسائل ، وغيرها من
__________________
الكتب والرسائل ، عن خاله العَلَم العلاّمة الفاضل الفهّامة ، الشيخ عبد
العالي عن أبيه [علي بن عبد] العالي الكركي ، عن الشيخ نور الدين علي بن هلال الجزائري ، عن الشيخ جمال الدين أحمد بن فهد الحلّي ـ نوّر الله رمسه
ـ عن الشيخ الجليل الشيخ علي بن خازن والشيخ عليّ بن عبد
الحميد ، عن أفضل العلماء وأجلّ الفضلاء ، العارج إلى منازل الشهداء
الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي قدسسره.
ح : وعن السيّدين المقدّمين ، عن المحقّق الكامل والمحدّث الفاضل ، العالم العَلَم
الربّاني ، والفريد الذي ليس له ثاني ، شيخنا الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق الناضرة والدرر
النجفية وغيرهما من
الكتب والرسائل السنية ، عن مشايخه المعروفين المعلومين المذكورين في إجازته.
[طرق المحقّق القمّي]
ح : وعنهما ، وعن الآميرزا أبي القاسم القمّي ، عن شيخهم وأستاذهم
__________________
الأجلّ الأكمل ، قدوة العلماء والمحدّثين الكُمَّل ، الشيخ محمّد مهدي
الفتوني العاملي النجفي ، عن
شيخه وأستاذه
الشهير في الآفاق ، شيخ المشايخ في عصره على الاطلاق ، المولى أبي الحسن الشريف
العاملي النجفي صاحب الفوائد
الغروية ، عن عدّة من المشايخ الكرام منهم : العلاّمة المجلسي
رحمهالله.
[طرق الشهيد الثاني]
ح : وبالأسانيد
المتقدّمة عن
الشهيد الثاني
، عن
الشيخ نور
الدين علي بن عبد العالي الميسي العاملي ، عن ابن عمّ الشهيد شمس الدين محمّد بن محمّد بن داود الشهير
بابن المؤذّن الجزّيني ، عن
الشيخ ضياء
الدين علي بن الشهيد ، عن
أبيه الشهيد
الأوّل. عن
جملة من
العلماء الأعلام.
__________________
[طرق الشهيد الأوّل]
منهم : فخر المحقّقين ، والشيخ قطب الدين ، والسيّد عميد
الدين ، والسيّد ضياء الدين ، والسيّد ابن زهرة الحلّي ، والسيّد مهنّا بن سنان ،
جميعاً عن
آية الله في
العالمين العلاّمة الحلّي أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر ، عن جملة من مشايخه :
منهم : الشيخ نجم الدين المحقّق صاحب المعتبر والشرائع
والمختصر ، والسيّد
رضيّ الدين أبو القاسم ، والسيّد جمال الدين أبو الفضائل ، ابنا السيّد أبو
إبراهيم موسى
بن جعفر بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن محمّد الطاوس ، والفيلسوف الحكيم القدّوسي
الخواجة نصير الدين ، ووالده الأعظم الأزهر الشيخ يوسف بن المطهّر.
ح : وعن العلاّمة ، عن والده ، عن الشيخ مهذّب الدين حسين بن برده ، عن
الشيخ الأجل
الحسن بن الفضل ، عن
والده عماد
المفسّرين ، أمين الملّة والحقّ والدين الشيخ أبي علي [الفضل] بن الحسن بن الفضل
الطبرسي صاحب مجمع
البيان وجامع الجوامع ، عن
الشيخ الفقيه السديد
السعيد المفيد أبي علي الحسن ، عن
والده الشيخ
المعظّم الصمصام ، والبحر الزاخر القمقام ، رئيس المذهب وشيخ الطائفة وقدوة الفرقة
الناجية الشايعة أبي جعفر محمّد بن الحسن
__________________
الطوسي بأسانيده المتّصلة بأصحاب العصمة الموجودة في كتبه ، ومنه يُعلم
الطريق إلى الصدوق والكليني.
[طرق الشيخ الطوسي]
ح : وعن الشيخ الطوسي ، عن شيخ المشايخ العظام ، وحجّة الحجج الهداة الكرام ، ملهم
الحقّ ودليله ، ومنار الدين وسبيله ، الشيخ المفيد أبي عبد الله محمّد ابن محمّد
بن النعمان الحارثي العكبري البغدادي ، عن الشيخ المعظّم والعَلَم المقدّم رئيس المحدّثين ، محيي
معالم الدين ، محمّد بن علي بن موسى بن بابويه القمّي بأسانيده الموجودة في كتبه
المتّصلة بأصحاب العصمة.
[بقيّة طرق الشهيد الأوّل]
ح : وعن الشهيد ، عن جلال الدين أبي محمّد الحسن بن نما ، عن نجيب الدين يحيى بن سعيد ، عن السيّد محيي الدين أبي حامد محمّد بن ضياء الدين ،
والشيخ أبي الفتوح أحمد بن علي الرازي ، والشيخ أبي عبد الله محمّد بن أخيه أبي
الحسن علي بن علي بن عبد الصمد النيشابوري ، وأبي علي محمّد بن الفضل الطبرسي
جميعاً ، عن
الشيخين أبي
علي الحسن وأبي الوفاء عبد الجبّار المقدمي كليهما ، عن الشيخ الطوسي
رحمهالله.
ح : وبالإسناد
، عن
الشيخ ابن شهر
آشوب ، عن
الشيخ أبي
منصور أحمد ابن [علي بن] أبي طالب الطبري مؤلّف الاحتجاج ، عن
السيّد أبي
جعفر مهدي
__________________
أبي حرب الحسيني المرعشي ، عن الشيخ أبي عبد الله جعفر بن محمّد بن أحمد الدوريستي ، عن أبيه ، عن الشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه.
ح : ونروي
بالإسناد ، عن
الطوسي جميع
مصنّفات ومرويّات السيّدين السندين : المرتضى علم الهدى ، والسيّد الرضي ، وسالار
بن عبد العزيز الديلمي ، والشيخ أبي عمرو محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي ،
بواسطة الشيخ هارون بن العبّاس التلعكبري وجميع مصنّفات ومرويات ومقروءات الشيخ
المفيد.
ح : وبالإسناد عن المفيد ، جميع مصنّفات ومرويّات ومقروءات الشيخ الصدوق ،
والشيخ أبو القاسم جعفر بن قولويه.
وعن الصدوق رحمهالله جميع مصنّفات والده علي بن بابويه.
وعن ابن قولويه جميع مصنّفات ومرويّات ثقة الإسلام محمّد بن
يعقوب الكليني.
وقد أجزت
لسيّدنا السيّد محمّد تقي المشار إليه أن يروي عنّي إجازة بحقّ روايتي ، عن هؤلاء الأعلام المذكورين بطرقهم إلى مشايخهم ، المثبتة
أساميهم في المواطن المألوفة ، والمواضع المعروفة جميع ما تقدّم من الكتب والأخبار
والآثار ، وكذلك جميع ما لمشايخي من المصنّفات والفتاوى التي صحّ نسبتها إليهم
فليروها عنّي بالإجازة ، وكذلك جميع ما ظهر من تأليفات هذا العبد الأحقر المذنب
العاصي الغريق في بحار الآثام والمعاصي عبد الله بن محمّد رضا شبّر الحسيني ، وهي
وإن لم تكن من تلك الدُّرج ، ولكن قد ينضمّ مع اللؤلؤ السَّيح ، سيّما وقد اشتملت
جلّها بل كلّها على جمع متفرّقات الأخبار ، ونظم متشتّتات
الآثار ، الصادرة عن النبيّ وآله الأطهار ـ عليهم صلوات الله الملك الغفّار
ـ فإنّ في نشرها وبثّها واستكتابها واستنساخها إحياء لآثار الأئمّة الطاهرين
ونشراً لطريقة المعصومين ، وتشييداً لأركان الدين المبين ، ولْنُشِر إلى أسماء
جملة منها لعلّ الله سبحانه وتعالى يشيّد بذلك ذكرها ويحيي أمرها.
[مصنّفات العلاّمة شبّر]
منها : مصابيح الظلام في شرح
مفاتيح شرائع الإسلام: في اثني عشر مجلّداً ، يقرب مائتين ألف بيت أو يزيد.
ومنها : المصباح الساطع في
شرح مفاتيح الشرائع: في ستّ مجلّدات ، مائة ألف بيت تقريباً.
ومنها : جلاء العيون في أحوال
النبيّ والأئمّة عليهمالسلام ولادة ووفاة: اثنان وعشرون ألف بيتاً تقريباً.
ومنها : منتخب الجلاء: في أحد عشر ألف بيت.
ومنها : مثير الأحزان في
تعزية سادات الزمان: في سبعة آلاف بيت.
ومنها : تحفة الزائرين في
زيارات النبيّ والأئمّة الطاهرين: في اثني عشر ألف بيت تقريباً.
ومنها : أنيس الزائرين: مزار مختصر، في ستّة آلاف بيت تقريباً.
ومنها : مزار مختصر: بهذا القدر أيضاً.
__________________
ومنها : ذريعة النجاة: في تعقيب الصلاة وأدعية الصباح والمساء، في سبعة آلاف
وخمسمائة بيت.
ومنها : أنيس الذاكرين: يشتمل على الأعمال والأذكار والأوراد في الأيّام
والأسبوع والشهور والسنين والحوادث والأمراض.
ومنها : روضة العابدين: النصف الأوّل فيما يتعلّق بعمل اليوم والليلة وأدعية
الأسبوع وسائر ما يحتاج إليه والثاني بأعمال السنة، أربعة عشر ألف بيت.
ومنها : تسلية الفؤاد في
الموت والمعاد: ثمانية آلاف بيت تقريباً.
ومنها : تسلية الحزين في فقد
الأقارب والبنين: أربعة آلاف بيت تقريباً.
ومنها : تسلية الفؤاد في فقد
الأولاد: ألفان بيت
تخميناً.
ومنها : الدرّ المنظوم في
مشكلات العلوم: لم يتمّ.
ومنها : شرح الحقائق: في الأخلاق، لم يتمّ.
ومنها : منهج السالكين: في الأخلاق فارسي، ستّة آلاف بيت.
ومنها : رسالة أخرى في
الأخلاق: ألفان
وخمسمائة بيت.
ومنها : شرح خطبة الزهراء: ألف وخمسمائة بيت.
ومنها : شرح دعاء سمات: ألفان بيت تقريباً.
ومنها : شرح الجامعة: أربعة آلاف بيت تقريباً.
[ومنها] : المواعظ المنثورة: أحد عشر ألف بيت.
[ومنها] : المواعظ المرتّبة: عشرون ألف بيت.
[ومنها] : عجائب الأخبار ونوادر
الآثار: في إثني عشر
ألف بيت.
[ومنها] : العلوم الأربعة: في ثمانية آلاف بيت تقريباً.
[ومنها] : الرسالة الفقهية: تمام الفقه مع الإشارات إلى الدليل، ستّة آلاف بيت.
[ومنها] : الرسالة الفقهية: في العبادات وأصول الدين، خمسة آلاف بيت.
[ومنها] : الرسائل الفقهية: في العبادات مع الإشارة إلى الدليل والخلاف، سبعة آلاف
بيت تقريباً.
ومنها : الرسالة الفقهية: فارسية في العبادات، ثلاثة آلاف بيت وكسر.
[ومنها] :
والآخر ألف بيت وكسر.
[ومنها] : مطلع النيّرين: في لغة القرآن والحديث فيه لب اللباب.
[ومنها] : مجمع البحرين: وزيادة من غيره، في ثلاثين ألف بيت.
[ومنها] : منية المحصّلين في
حقيقة طريقة المجتهدين: في إثني عشر ألف بيتاً.
[ومنها] : بغية
الطالبين: في ستّة آلاف بيت.
ومنها : طب الأئمّة في الطبّ
المرويّ عنهم عليهمالسلام
: أحد عشر ألف
بيت.
[ومنها] : الأصول الأصلية
والقواعد الشرعية: عن الأئمّة، اثنا عشر ألف بيت تقريباً.
[ومنها] : الكلّيّات الرجالية: كذلك تقريباً.
ومنها : جامع المعارف
والأحكام: المشتمل على
موارد الأخبار والمحيط بمتفرّقات الآثار المروية عن النبيّ وآله الأطهار، حتّى
أخبار الوافي
والوسائل
والبحار الذي لم يكتحل بمثله الأبصار ولم تسمح بمثله الأعصار
وذلك من فضل الملك الغفّار المختار ، الفيّاض لفضله على من يشاء نسأل الله تمامه
على وفق طاعته ورضاه وفروعه تامّة ليس فيها نقص من الطهارة إلى الديات والفرائض
وخرج من الأصول كتاب العقل والعلم ، كتاب التوحيد ، كتاب المبدأ والمعاد ، كتاب
الإيمان والكفر ، كتاب الخطب والمواعظ ، كتاب القرآن ، كتاب الدعاء.
البرهان
المبين في فتح أبواب
عليهم الأئمّة المعصومين تقرب من ثلاثين ألف بيت.
ومنها : الحقّ اليقين في أصول
الدين: خمسة عشر ألف
بيتاً.
ومنها : البرهان المبين في
أصول الدين: في ثلاثة آلاف بيت.
ومنها : الجوهرة المضيئة: في الطهارة والصلاة، ثلاثة آلاف بيت.
[ومنها] : مصباح الأنوار في حلّ
مشكلات الأخبار: تقرب من سبعة وعشرين ألف بيتاً.
[ومنها] : الجوهر الثمين في
تفسير القرآن المبين: أربعة وثلاثون [ألف]بيت.
[ومنها] : التفسير المختصر: في ثمانية عشر ألف بيت.
[ومنها] : التفسير الآخر الأكبر: سبعون ألف بيتاً تقريباً.
[ومنها] : درر الأخبار: ملخّص فروع جامع الأحكام، أربعون ألف بيتاً تقريباً.
[ومنها] : درر الآثار والأخبار: على نحو ذلك في ثلاثين ألف بيت تقريباً.
[ومنها] : مكارم الأخلاق
البهيّة وجامع الآداب الدينية: في اثنى عشر ألف بيت تقريباً.
[ومنها] : طريق النجاة: في ألف وثلاثمائة بيت تقريباً.
[ومنها] : أربعون حديث: على ترتيب كلّ من حروف الهجا.
[ومنها] : رسالة عمل اليوم والليلة: فارسي.
[ومنها] : رسالة الاستخارات: في ألف وخمسمائة بيت تقريباً.
إلى غير ذلك من
الكتب والرسائل التي لا تحضرني الآن والمأمول من ذلك الجناب العالي واللباب الغالي
أدام الله عليه لطفه المتوالي ووقاه من طوارق الأيّام والليالي ، أن يجعل ذلك
ذريعة لا مزيد تذكرة للدّاعي في خلواته ، وأعقاب صلواته ، وشرط عليه دام فضله ما
اشترط عليّ مشايخي في الدين من العلماء الربّانيين ، الملازمة على الاحتياط في
الدين ، وسلوك طريق الورعين المتّقين ، وأن يبذل جهده في نشر أخبار الأئمّة
الطاهرين ، وإحياء آثار الأئمّة المعصومين قراءة ومطالعة وتدريساً وتأليفاً ، في
كتابه وإملائه. اللهمّ أيّده بتأييدك ، وسدّده بتسديدك.
وكتب بيده
المذنب الجاني والأسير الفاني أفقر الخلق إلى ربّه الغنيّ
عبد الله ابن
محمّد رضا الحسيني
في تاريخ شهر
رمضان المبارك سنة ألف ومائتين وأربعين. [١٢٤٠]
كتبت هذه
النسخة الشريفة في يوم السبت شهر محرّم الحرام
في سنة ١٢٦٠.
حرّره محمّد
رضاى كولجى
ثلاث قضايا لُغوية
في مقدِّمة الشيخ ميثم البحراني على نهج البلاغة
(٢)
|
|
علي عبد النبي علي حسين
بسم الله الرحمن الرحیم
لقد تناولنا في
العدد السابق القسم الأوّل من البحث ونستأنف الكلام فيه:
* ثالثاً : شروط دلالتَيْ التضمّن والالتزام
ينتقل الشيخ مَيْثَم
البحراني إلى الشروط التي تتقوّم بها دلالتا التضمّن والالتزام.
أمّا دلالة التضمّن
فيُشترط فيها أنْ يكون المعنى المدلول عليه بدلالة المطابقة مركّباً ، أي أنْ لا يكون
بسيطاً ، وذلك لأنّ دلالة التضمّن هي أنْ يدلّ اللفظ على جزء معناه ، فإذا لم يكن لذلك
المعنى جزءاً انتفت هذه الدلالة.
وأمّا دلالة الالتزام
فيُشترط فيها أنْ يكون اللزوم (ذهنيّاً) ، إذْ إنّ اللازم
__________________
على قسمَيْن :
الأوّل
: لزومٌ خارجي ، «كونه بحيث يلزم
من تحقّق المسمّى في الخارج تحقّقه فيه ، ولا يلزم من ذلك انتقال الذهن ، كوجود النهار
لطلوع الشمس».
الثاني
: لزومٌ ذهني ، «بمعنى أنّ الذهن
ينتقل إليه عند فهم المعنى ، ويلزم من تصوّر الشيء تصوّره ، سواءٌ كان لازماً في الخارج
أيضاً أو لم يكن».
فأمّا ما كان متصوّراً
في الذهن ولازماً في الخارج فنحو السرير في الارتفاع عن الأرض ، إذ السرير كلما وُجِد
كان مرتفعاً عن الأرض ، ومهما تُصوّر في الذهن فإنّه مرتفع ، وكالزوجية للاثنين ، فإنّها
كذلك في الذهن وفي الخارج ، فلا ينفكّ الاثنين عن الزوجية لا في الخارج ولا في الذهن.
وأمّا ما كان متصوّراً في الذهن ولم يكن لازماً في الخارج ، فنحو الملكة وعدمها ،
كالبصر والعمى ، فإنّ تصوّر البصر في الذهن يلزمه تصوّر العمى أيضاً ، وهو خلاف ذلك
في الخارج ، بل هما متنافيان في الخارج لا يجتمعان أبداً كونها ضدّيْن ، وكالبياض والسواد
، فكلّما تصوّر الذهن البياض تصوّر السواد أيضاً ، في حين لا نجد في الخارج اجتماع
البياض والسواد معاً أبداً.
إذا تقرّر هذا ،
فاعلم إنّ الشيخ مَيْثَم البحراني يذهب إلى اشتراط (اللزوم
__________________
الذهني) في دلالة الالتزام ، ويعلّل ذلك بالقول إنّه «لولا اللزوم الذهني لم
يُفد إطلاق اللفظ في المعنى الخارج عن الماهية» ، وذلك لأنّ اشتراط اللزوم الخارجي يعني اشتراط وضع الألفاظ للوازم معانيها
الخارجة عنها ، أي أنّ الواضع عندما وضع لفظاً ما لمعنى معيّن ، فإنّه كان ناظراً لذلك
المعنى المطابقي وللوازمه أيضاً في الوقت نفسه ، وهو ممّا يأباه العقل والطبع
الإنساني ، فالعقل البشري لا يتصوّر أنْ يكون الواضع قد نظر إلى جميع لوازم اللفظ المحتملة؛
لاختلاف تلك المعاني التي يمكن أنْ يتحمّلها اللفظ بالدلالة الالتزامية؛ لأنّ اللفظ
الموضوع لمعنى معيّن بدلالة المطابقة قد يتحمّل دلالات التزامية مختلفة تختلف باختلاف
أفراد المجموعة اللغوية وباختلاف الزمن.
ولندلّل على كلامنا
نأتي بالمثال الآتي :
لفظ (الخيل) ، فإنّه
يدلّ على (الحيوان الصاهل) المعروف بدلالة المطابقة ، وربّما يدلّ في زمن معيّن مضى
وعند جماعة العرب أو بعضهم على (الحرب) أو على (البطولة) بالدلالة الالتزامية ، في
حين أنّه قد يدلّ عند آخرين في زمن آخر كما في زمننا ـ عند بعض الناس ـ على سباق الخيول
وما إلى ذلك دون أنْ يتبادر إلى ذهن هؤلاء المعنى الالتزامي السابق ، مع أنّ
المعنى المطابقي هو ذاته.
كما أنّه لم يعهد
أنْ يوضع اللفظ لمعناه المطابقي ومعانيه الالتزامية ، فلم يُعهد من أحد ما أنّه قال
إنّ لفظ (البصر) ـ مثلاً ـ وضع للبصر ولعدمه أيضاً!
__________________
في حين أنّ (العمى) دلالة التزامية للبصر من قبيل تلازم الملكة وعدمها ، فإنّ
الذهن عندما يتصوّر (البصر) فإنه يتصوّر أيضاً (عدم البصر) ، وهو الأمر نفسه في غيره
من الملكات.
ويقول القرافي (ت
٦٨٤ هـ) في اشتراط اللزوم الذهني : «أنّ اللفظ إذا أفاد مسمّاه واستلزم مسمّاه لازمه
في الذهن كان حضور ذلك اللازم في الذهن والشعور به منسوباً لذلك اللفظ ، فقيل : اللفظ
دلّ عليه بالالتزام ، أمّا إذا لم يلزم حضوره في الذهن من مجرّد النطق بذلك اللفظ وحضور
مسمّاه في الذهن كان حضوره في الذهن منسوباً لسبب آخر؛ إذ لا بدّ في حضوره من سبب؛
فإفادته منسوبة لذلك السبب لا للفظ ، فلا يقال : إنّه فهم من دلالة الألفاظ التي نطق
بها».
كما أنّ اشتراط
اللزوم الذهني دون الخارجي لأمر في غاية الأهمّية ، ذلك أنّ اللفظ قد يدلّ على معنى
يستلزم مدلولاً في الذهن غير مستلزم إيّاه في الخارج ، كما في تلازم الملكة وعدمها
، فالذهن حينما يتصوّر الملكة فإنّه سرعان ما يتصوّر أيضاً عدمها ، مع أنّ اجتماع الملكة
وعدمها منتف في الخارج قطعاً ، وذلك نحو البصر والعمى كما بيّنّا سابقاً.
واشتراط الشيخ مَيْثَم
لا يتوقّف عند اللزوم الذهني فحسب ، بل إنّه يحدّده بـ : (اللزوم البيّن) دون غيره
، وقد مرّ تعريفه.
__________________
ثُم ينبّه الشيخ
مَيْثَم إلى أمر آخر ، وهو أنّ هذا اللزوم الذي اشترطه قبلاً ـ أي اللزوم الذهني ـ
إنّما هو شرطٌ لتحقّق دلالة الالتزام لا تمام ما تتوقف عليه هذه الدلالة ، وبلفظ آخر
: إنّ «هذا اللزوم شرطٌ لا موجب» ، فبتوافر هذا الشرط مع غيره تتقوّم دلالة الالتزام ، فأوّلاً لا بدّ من تصوّر
الملزوم ، أي المعنى المطابقي ، وهذا متوقّف هو الآخر على ما وضع اللفظ بإزائه ، إضافة
إلى وضع اللفظ بإزاء معنىً ما ، والعلم بالوضع ، ثمّ سماع اللفظ أو حضوره بالبال ،
وبذلك يكون اللزوم الذهني شرطٌ ضمن عدّة شروط تتقوّم بها دلالة الالتزام ، فكما أنّه
لا دلالة التزام من غير لزوم ذهني ، فكذلك لا دلالة التزام من غير تصوّر الذهن للملزوم
، أي للمعنى المطابقي ، ولا دلالة التزام من غير العلم بوضع اللفظ بإزاء المعنى ، ولا
دلالة التزام من غير سماع اللفظ الموضوع للمعنى المطابقي أو حضوره بالبال.
* رابعاً : الدلالات اللفظية بَيْن الحقيقة والمجاز
في هذه المسألة
يتناول الشيخ مَيْثَم البحراني مسألة جديدة ومهمّة مرتبطة بما سبق ، وهي : هل استعمال
الدلالات الثلاث ـ المطابقة والتضمّن والالتزام ـ استعمالٌ حقيقي أو مجازي؟ أو أنّه
في بعضها حقيقي وفي بعضها الآخر مجازي؟ أو أنّ للشيخ تصنيف ورأي مختلفَيْن؟
يرى الشيخ مَيْثَم
أنّ استعمال الدلالة المطابقية استعمالٌ حقيقي ، وقد
__________________
عبّر عنها بـ : (الدلالة الوضعية الصرفة) ، ويعني بها دلالة المطابقة لما مرّ
في (ثانياً) من هذا المبحث ، وذلك لأنّها استعمال اللفظ فيما وُضِع له استعمالاً
مقصوداً بالذات ، وهو واضح ، فإنّ لفظ (بيت) مثلاً وضع لهذا البناء المعروف ، فحينما
يُستخدم في ذلك فإنّه استعمالٌ حقيقي.
وهذا التعريف للحقيقة
مستسقى من كلام الشيخ مَيْثَم نفسه وإنْ لم يصرّح به ، فالشيخ يصرّح بأنّ المجاز (استعمال
اللفظ في غير ما وُضِع له استعمالاً مقصوداً بالذات) ، وينبغي لنا الالتفات إلى قوله
(مقصوداً بالذات) ، إذْ ينطلق منه الشيخ للحكم على دلالتَيْ التضمّن والالتزام ، ومنه
حكم على دلالة المطابقة بالحقيقة.
فـ : (الإرادة)
أو (القصد) ـ كما عبّر الشيخ ـ و (القصد بالذات) دون سواه ركيزة أساسية في الحكم على
استعمال الدلالات ، ومنها حكم على استعمال دلالتَيْ التضمّن والالتزام بأنّه استعمالٌ
(لا حقيقي ولا مجازي) ، وهو حكمٌ قد يبدو غريباً لا سيّما وأنّه لا يبدو أنّ ممّن تقدّم
الشيخ قد ألمح إلى هذا الرأي أو اعتنى بتصنيف هذه الدلالات (بحسب ما وقعت عليه يدي
من التصانيف).
أمّا (الإرادة)
أو (القصد) فهو واضح ، وهو إرادة المتكلّم من إطلاق اللفظ وقصده ، وأمّا (بالذات) فقد
احترز به عن القصد (بالعرض) لا بالذات ، فالمتكلّم قد يطلق اللفظ قاصداً المعنى الموضوع
له بذاته ، ويكون ناظراً في الوقت نفسه لمعنى آخر ثانوي بالقياس إلى قصده للمعنى الأوّل
المقصود بذاته ، فمثلاً ، قد يطلق المتكلّم لفظ (البيت) ويقصد به البناء المعروف ،
ويكون ناظراً في الوقت نفسه للجدران كونها جزءاً من البيت ، فإنّ قصده من
إطلاق اللفظ وإرادة البناء المعروف قصداً له بالذات ، في حين إنّ قصده من الجدران حال
إطلاقه للّفظ هو قصدٌ عرضي لا ذاتي ، فإنّه لو لم يتصوّر الجدران حال إطلاقه للّفظ
فإنّ ذلك لن يؤثّر في قصده؛ لأنّه لا يقصدها بذاتها حال إطلاقه اللفظ ، وإنّما قصد
البناء المعروف.
وعوداً إلى دلالتَيْ
التضمّن والالتزام ، فإنّ الشيخ يقرّر أنّهما ليستا حقيقيّتَيْن؛ لأنّهما ليستا من
قبيل (استعمال اللفظ فيما وُضِع له استعمالاً مقصوداً بالذات) ، فلم يُعهد أنّ أحداً
ما ادّعى أنّ الألفاظ موضوعةٌ لمعانيها التضمّنية والالتزامية ، وإنّما إجماع العلماء
على وضعها لمعانيها المطابقية فحسب ، فلفظ (بيت) مثلاً وضع للبناء المعروف ، ولم يوضع
بإزاء معنى (السقف) كون معنى (بيت) يتضمّنه ، كما أنّه ـ أي لفظ (بيت) ـ لم يوضع
بإزاء معنى (ساكني البيت) كونه معنىً التزامياً للمعنى المطابقي للفظ (بيت).
ومع كون هاتَيْن
الدلالتَيْن ليستا حقيقيّتَيْن ، فإنّهما ليستا مجازيّتَيْن أيضاً ، فهما وإنْ كانتا
استعمالاً للّفظ في غير ما وُضِع له ، إلاّ أنّهما استعمالٌ (غير مقصود بالذات) ، وذلك
لأنّ هاتَيْن الدلالتَيْن قد تحصلان من استعمال اللفظ في مسمّاه ، أي في معناه المطابقي
، ولكن حصولاً عرضيّاً ، لا مقصوداً بالذات ، فقد ينتقل الذهن عند إطلاق اللفظ وإرادة
مسمّاه المطابقي إلى جزئه أو إلى لازمه ، غير أنّه انتقالٌ عرضي ، لأنّ مطلق اللفظ
لا يريد جزء المسمّى أو لازمه ، وإنّما يريد المسمّى نفسه ، بل قد ينتقل الذهن عند
إطلاق اللفظ
وإرادة مسمّاه إلى جزء جزئه ، ولازم لازمه ، وهكذا في مراتب كثيرة ، فكلّ
ذلك الانتقال لم يقصده المتكلّم ، وإنّما قصد المعنى المطابقي الموضوع له اللفظ.
وبالتمثيل بمثالنا
السابق ـ وهو لفظ (بيت) ـ فإنّ المتكلّم إذا أطلقه مريداً مسمّاه الموضوع له ، وهو
البناء المعروف ، فكما أنّ الذهن قد ينتقل إلى جزئه (الدلالة التضمّنية) كـ : (السقف)
، فإنّه قد ينتقل إلى جزء (السقف) من (حجر) وغيره ممّا يدخل في مفهوم (السقف) ، وربّما
إلى (جزء جزء الجزء) وهكذا في عدّة مراتب. وكذلك الأمر في اللوازم ، فكما أنّ الذهن
قد ينتقل إلى لازم معنى لفظ (بيت) ، كـ : (ساكني البيت) ، فإنّه قد ينتقل إلى لازم
اللازم ، كـ : (اللبس) ، فإنّه من لوازم (ساكني البيت) ، كما قد ينتقل إلى مراتب
أخرى من اللوازم ، كـ : (لازم لازم اللازم) وغيرها من المراتب ، كل ذلك والمتكلّم لم
يرد هذه الدلالات وهذه الانتقالات من الذهن ، وإنّما أراد المعنى الموضوع له اللفظ
فحسب.
كلّ ذلك يأتي إذا
فرضنا إطلاق اللفظ وإرادة مسمّاه فقط ، فإنّه يكون استعمالاً (حقيقيّاً) في مسمّاه
، أي في المعنى المطابقي الذي وُضِع اللفظ بإزائه ، و (لا حقيقيّاً ولا مجازيّاً) في
دلالتَيْ التضمّن والالتزام ، أي في انتقال الذهن إلى الضمن واللازم مع إرادة دلالة
المطابقة ، كما بيّنّا قبلاً.
وتبقى حالة ثالثة
يُشير إليها الشيخ في جملة واحدة من دون تفصيل ، بل معتمداً على الإيجاز ، وكأنّه يُعيد
القارئ إلى سابق كلامه ليفهم ما أجازه.
يقول الشيخ مَيْثَم
في ختام كلامه في هذه المسألة : «نعم استعمال اللفظ الموضوع ، وإطلاقه بالذات لإرادة
المعنى ، لا يخلو من أنْ يكون حقيقيّاً أو مجازيّاً». أمّا الاستعمال الحقيقي فقد مرّ ذكره ، ويبقى الاستعمال
المجازي ، وهو المتحقّق من إطلاق اللفظ الموضوع للمعنى وإرادة جزء ذلك المعنى أو
لازمه ، كأنْ يُطلق أحدهم لفظ (بيت) ويريد (السقف) أو (ساكني البيت) لا المعنى الموضوع
له اللفظ وهو البناء المعروف ، فإنّه يكون حينئذ استعمالٌ مجازي ، وذلك لأنّه ينطبق
عليه (استعمال اللفظ في غير ما وُضِع له استعمالاً مقصوداً بالذات) ، فلفظ (بيت) موضوعٌ
للبناء المعروف ، وقد (استُعمل هنا في غير ما وُضِع له) ، وهو جزء المعنى (السقف) أو
لازمه (ساكني البيت) ، وهو استعمالٌ (مقصودٌ بالذات) ، أي أنّ المتكلّم مريدٌ قاصدٌ
هذا الاستعمال.
وتلخيص ما تقدّم في هذه المسألة :
استعمال الدلالات
الوضعية اللفظية الثلاث؛ المطابقة والتضمّن والالتزام محصورٌ في ثلاثة استعمالات :
الأوّل : استعمالٌ حقيقي ، وذلك باستعمال اللفظ الموضوع لمعنى ما فيما وُضِع له استعمالاً
مقصوداً بالذات ، ويتحقّق في دلالة المطابقة ، أي في إطلاق اللفظ وقصد معناه الموضوع
له.
الثاني : استعمالٌ مجازي ، وذلك باستعمال اللفظ الموضوع لمعنى ما
__________________
في غير ما وُضِع له استعمالاً مقصوداً بالذات ، ويتحقّق في دلالتَيْ التضمّن
والالتزام إذا أُطلِق اللفظ وقصد جزء معناه أو لازمه.
الثالث : استعمالٌ لا حقيقي ولا مجازي ، وذلك باستعمال اللفظ الموضوع لمعنى ما في غير
ما وُضِع له استعمالاً غير مقصود بالذات ، ويتحقّق في دلالتَيْ التضمّن والالتزام إذا
أُطلِق اللفظ وقصد معناه الموضوع له لا جزؤه أو لازمه.
فهنا ثلاثة استعمالات
، ولا يرد الاستعمال الرابع الذي تفرضه القسمة العقلية ، وهو (استعمال اللفظ الموضوع
لمعنى ما فيما وُضِع له استعمالاً غير مقصود بالذات) ، فإنّه يندرج ضمن الاستعمال الثاني
، وبيانه أنّه لمّا كان استعمال اللفظ فيما وُضِع له استعمالاً غير مقصود بالذات ،
فإنّه لا بدّ أنْ يكون استعمالاً عرضيّاً ، ولمّا كان استعمالاً عرضيّاً فإنّ هذا يعني
أنّ اللفظ قد استُعمِل في غير ما وُضِع له ، إذْ أنّه لو استُعمِل فيما وُضِع له لكان
هذا الاستعمال مقصوداً بالذات ، فلمّا كان استعمال اللفظ في غير ما وُضِع له فإنّه
قد خرج عن دائرة الحقيقة ، ولما كان استعمال اللفظ فيما وُضِع له استعمالاً
عرضيّاً ، فإنّه لا بدّ أنْ يعتمد على استعمال ذاتي لمعنى ما ، إذْ لا بدّ من إطلاق
اللفظ لمعنى ما مقصود بالذات ، فيكون حينئذ متساو مع (إطلاق اللفظ الموضوع لمعنى ما
في غير ما وُضِع له استعمالاً مقصوداً بالذات).
وقد استغنى الشيخ
مَيْثَم عن هذه الإفاضة بالشرح مكتفياً بالإشارة إلى الاستعمالات الثلاث والبرهنة عليها
باقتضاب شديد.
المبحث الثاني
تقسيم الألفاظ
في هذا المبحث ،
ينتقل الشيخ مَيْثَم البحراني رحمهالله
من البحث في
(المعاني) إلى البحث في (الألفاظ) ، فالمبحث الأوّل كان منصبّاً على الدلالة وما تستلزمه
والشروط التي تتقوّم بها وما إلى ذلك ، وهنا يطرح الشيخ بعض قضايا الألفاظ كالآتي :
* أوّلاً : المفرد والمركّب
يبدأ الشيخ مَيْثَم
البحراني بحثه في الألفاظ بتقسيمها من حيث الإفراد والتركيب ، وقبل الخوض في كلامه
، يجدر بنا الإشارة إلى أنّ مصطلح (المفرد) في الدرس النحوي يختلف مدلوله باختلاف الباب
الذي يورد فيه ، فهو مصطلحٌ غير مستقرّ الدلالة ، ويمكن القول إنّ (المفرد) في اصطلاح
النحويين على أربعة معان :
الأوّل : مقابل المثنّى والجمع.
الثاني : مقابل المضاف والشبيه بالمضاف في باب النداء.
الثالث : مقابل الجملة في باب المبتدأ والخبر ، وأعني بالتحديد في أنواع الخبر.
__________________
الرابع : مقابل المركّب ، «فالمفرد كزيد وأسامة ، والمركّب ثلاثة أقسام :
١) مركّب تركيب
إضافة ، كعبد الله.
٢) مركّب تركيب
مزج ، كبعلبك وسيبوَيْه.
٣) مركّب تركيب
إسناد ، وهو ما كان جملة في الأصل ، كشابَ قرناها».
وبالعودة إلى كلام
الشيخ مَيْثَم ، فإنّه يبدأ البحث بتعريف المفرد ثمّ المركّب ، فالمفرد هو «ما لا يُراد
بالجزء منه دلالة أصلاً على شيء» ، ويقابله المركّب وهو «ما يُراد بالجزء منه دلالة على شيء».
وعنى بـ : (اللفظ)
هنا اللفظ الموضوع لمعنى ، وإنّما ترك هذا القيد لظهوره ممّا سبق.
ثُمّ يدفع الشيخ
ما قد يُتوهّم من إشكال على تعريفه ، وذلك أنْ يُقال إنّ هذَيْن التعريفَيْن منتقضان
بـ : (عبد الله) وما جرى مَجراه ممّا يسمّى في النحو بالمركّب تركيب إضافة ، فإنّه
مفرد مع أنّ كلّ جزء من أجزائه ذات دلالة ، وذلك في نحو إذا كان علماً ، فـ : (عبد)
تدلّ على المملوك والعبودية والتذلّل وما إلى ذلك ، و (الله) لفظ الجلالة المعبود تعالى
، وفي المجموع فإنّه يدلّ على نسبة العبودية إلى مستحقّها تعالى ، فمثل هذا يخرج عن
تعريف المفرد ويدخل في تعريف المركّب ، فانتقض كلّ منهما.
__________________
وحقيقة هذا الوهم
هو عدم الالتفات إلى أمر في غاية الأهمّية ، وهو المفرّق الفعلي بين المفرد والمركّب
، وهو (الإرادة) ، أي إرادة المتكلّم ، فإنّ (عبد الله) وأمثاله كـ : (عبد شمس) وسواهما
من الأمثلة ، قد يريد اللافظ بالجزء منها دلالة فعلاً ، فتكون حينئذ مركّبة ، وذلك
في مثل الوصف ، كأنْ يُقال : (محمّد عبد الله) ، أي : محمّد عبدٌ ومملوكٌ لله تعالى
، وقد لا يريد اللافظ بالجزء منها دلالة أبداً ، وذلك في نحو الأعلام ، فإنّ (عبد الله)
حينما يكون علماً على شخص ما ، فإنّ المتكلّم لا يلحظ معنى العبودية من (عبد) ثمّ معنى
الألوهية من (الله) ، وإنّما يتساوى عنده (عبد الله) و (زيد) ، فكما أنّ الزاي والياء
والدال ليس لشيء منها دلالة ، كذلك ليس للعين والباء والدال ، ولا لعبد ولا (الله)
دلالة.
وقد عمد المتأخّرون
ـ بحسب وصف الشيخ مَيْثَم ـ ، أو لنقل بعضهم إلى زيادة قيد في تعريفَيْ المفرد والمركّب
لتجنّب ما قد يتوهّم من أنّه إشكال كما ظهر ، فزادوا في التعريفَيْن جملة (من حيث هو
جزؤه). ولا حاجة إلى هذه الزيادة ـ كما يرى الشيخ ـ ، فإنّ قوله في تعريف المفرد :
«ما لا يُراد بالجزء منه دلالة أصلاً» جعل معيار تحديد المفرد من المركّب هو إرادة
اللافظ ، فانتفى الإشكال ، ولذلك يتساوى تعريف الشيخ مَيْثَم والمتقدّمين مع تعريف
المتأخّرين فيما يفضيان إليْه من نتيجة.
فتعريف الأقدمين
يلحظ إرادة المتكلّم ، فإذا أراد اللافظ دلالة جزء اللفظ فإنّ هذا اللفظ يكون مركّباً
، وإلاّ فهو مفرد ، «فدلالة اللفظ لمّا كانت
وضعية كانت متعلّقة بإرادة اللافظ الجارية على قانون الوضع ، فما يتلفّظ به
، ويراد به معنى ما ، ويفهم منه ذلك المعنى ، يقال له : إنّه دالّ على ذلك المعنى.
وما سوى ذلك المعنى ممّا لا تتعلّق به إرادة المتلفّظ ، وإنْ كان ذلك اللفظ ، أو جزء
منه ـ بحسب تلك اللغة أو لغة أُخرى أو بإرادة أُخرى ـ يصلح لأنْ يدلّ به عليه ، فلا
يقال له : إنّه دالّ عليه» ، ولهذا لا يأتي عليهم اعتراض من اعترض بمثل (عبد الله) الذي مثّل به الشيخ
مَيْثَم ، فهذا الاعتراض منتف.
أمّا المتأخّرون
، فإنّهم حاولوا تلافي وهم الاعتراض بتقييدهم الزائد لتعريف المتقدّمين بقولهم : (من
حيث هو جزؤه) ، أي أنّهم حدّدوا زاوية النظر ، فإذا نُظِرَ إلى اللفظ من حيث إنّه مكوّن
من أجزاء ذات دلالات فإنّه يكون مركّباً ، وإلاّ فهو مفرد ، أي إذا لم يُلحَظ في اللفظ
كونه متكوّناً من أجزاء ذات دلالات ، بل نُظِرَ إليه كونه وحدة واحدة.
والتعريف ، أو الرسم ـ بتعبير الشيخ مَيْثَم ـ في الحقيقة لا يستدعي هذا التقييد كما بيّنا ، فاللفظ
الذي لا يُراد بجزئه دلالة على جزء معناه إمّا أنْ يكون هذا الجزء دالاًّ على أمر خارج
عن معناه ، أو لا يكون دالاًّ على شيء
__________________
أصلاً.
أمّا الثاني فواضح
شمول تعريف الأقدمين له ، ولا داع لإطالة الكلام فيه.
وأمّا الأوّل ،
فنقول : إذا كان هذا الجزء دالاًّ على شيء خارج عن معنى اللفظ كما هو الفرض ، فلا يكون
هذا الجزءُ دالاًّ لكونه جزءاً من هذا اللفظ ، بل يكون دالاًّ بإرادة أخرى ، وقد يكون
بهذا النظر لفظاً بنفسه دالاًّ على معنى آخر ، كما لو قيل في العَلَم (عبدالله) إنّ
(عبد) تدلّ على معنىً خارج عن العلمية ، وهو (العبودية) مثلاً ، فإنّ (عبد) هناك بهذا
اللحظ يكون لفظاً قائماً بنفسه ذات دلالة مختلفة عن معنى (عبد) في العلم ، وهي موضوعة
في هذا المعنى الخارجي ، أي الخارج عن العلم ، بإرادة أخرى غير إرادة وضع لفظ (عبد
الله) للعلمية ، كأنْ يُراد منها الوصف ، وليس كلامنا في هذا ، بل كلامنا في (عبد الله)
بلحاظ إرادة المتكلّم لمعنى العلمية ، وعلى هذا ، لا يكون للجزء من حيث هو جزء اللفظ
دلالة أصلاً ، فيتساوى تعريفا المتقدّمين والمتأخّرين ، فهما يؤدّيان الغرض نفسه ،
غير أنّ احتراز المتأخّرين لا طائل منه سوى زيادة في التنبيه ، كونَ تعريف المتقدّمين
مانعاً طالما هؤلاء المتأخّرون يصرّحون في التعريف بالإرادة.
نعم ، نستطيع أنْ
نوجِد سبباً لزيادة هذا التقييد ، إذْ يبدو أنّ تعريف الأقدمين للمفرد والمركّب لم
يكن ينصّ على (الإرادة) ، ولهذا يقول الطوسي في شرحه للإشارات إنّ ابن سينا «زاد في
الرسم القديم ذكر (الإرادة) تنبيهاً
على أنّ المرجع في دلالة اللفظ هو إرادة المتلفّظ» ، ولهذا يقول الرازي في تعريفه المفرد : «اللفظ الدالّ (بالمطابقة) إمّا أنْ
لا يدلّ شيء من أجزائه على شيء ـ حين هو جزؤه ـ وهو : (المفرد) كالأبكم» ، من غير ذكر (الإرادة) ، فلعلّ هؤلاء (المتأخّرين) أو (بعضهم) خافوا وهم القارئ
وغفلته عن (الإرادة) ، فزادوا هذا القيد تحرّزاً ، ولعلّ بعضهم لا يرى (الإرادة) شرطاً
للدلالة فقيّد تعريفي المفرد والمركّب بهذا القيد.
وهنا تظهر بعض نباهة
الشيخ مَيْثَم ، فذكر (الإرادة) في تعريفه مستغنياً بها عن ذلك القيد المستحدث.
والشيخ مَيْثَم
إذْ يعترض على زيادة قيد (من حيث هو جزؤه) ، فإنّه ينسبها إلى (المتأخّرين) دون أنْ
يذكرهم ، كما ينسب تعريفه إلى (المتقدّمين) دون أنْ يذكرهم أيضاً ودون أنْ يدّعي الريادة
لنفسه في ذلك ، ومن خلال نظرة سريعة يمكننا القول إنّ ممّن زاد هذا القيد الإمام فخر
الدين الرازي ، وقد ظهر في المبحث الأوّل من هذا الفصل عناية الشيخ مَيْثَم واحترامه
للإمام الرازي مما يدفعنا إلى الظنّ أنّه ممّن يعنيهم الشيخ مَيْثَم.
يقول الإمام الرازي
: «اللفظ (بالمطابقة) إمّا أنْ لا يدلّ شيءٌ من أجزائه على شيء ـ حين هو جزؤه ـ وهو
(المفرد) كالأبكم. وإمّا أنْ يدلّ كلّ واحد
__________________
من أجزائه على شيء ـ حين هو جزؤه ـ وهو (المركّب)».
كذلك ، زاد هذا
القيد الشيخ الرئيس ابن سينا في إشاراته ، إذْ يقول : «اعلم أنّ اللفظ قد يكون مفرداً
وقد يكون مركّباً. واللفظ المفرد : هو الذي لا يراد بالجزء منه دلالة أصلاً ، حين هو
جزؤه».
وأيضاً ، ممّن زاد
هذا القيد أحد كبار أئمّة النحو ، وهو ابن يعيش النحوي (ت ٦٤٣ هـ) في شرح المفصّل.
قال ابن يعيش : «أنْ يدلّ مجموع اللفظ على معنىً ولا يدلّ جزؤه على جزء من معناه ولا
على غيره ، من حيث هو جزء له».
وهذا ما يدفعنا
إلى الإشارة إلى أنّ تعريف الشيخ مَيْثَم للمفرد والمركّب يوافق في الحقيقة تعريف بعض
النحويين ، فإذا كان ابن يعيش قد أخذ التعريف وزاد فيه ذلك القيد ، فإنّ من النحويين
من أخذ به من غير الزيادة ، كالشلوبين (ت ٦٥٤ هـ) في شرحه إذْ يقول : «اللفظ المفرد
: هو الدالّ على معنىً بشرط ألاّ يكون جزءٌ من أجزاء ذلك اللفظ يدلّ على جزء من أجزاء
ذلك المعنى» ، ورضي الدين الأسترابادي (ت ٦٨٨ هـ) في شرحه تعريف ابن الحاجب للكلمة ، إذْ
يعرّف (المعنى المفرد والمركّب) ، ثمّ (اللفظ المفرد والمركّب) بالقول : «اللفظ المفرد
: لفظٌ لا يدلّ جزؤه على جزء معناه ...
__________________
واللفظ المركّب : الذي يدلّ جزؤه على جزء معناه» ، وابن هشام (ت ٧٦١ هـ) يصرّح في شرحه لتعريف الكلمة (قولٌ مفردٌ) ، وبعدما
يفسّر (القول) باللفظ الدالّ على معنى ، يعرّف (المفرد) بالقول : «ما لا يدلّ جزؤه
على جزء معناه».
فإذا كان الأمر
كذلك ، فإنّه يحق للباحث الاستغراب من تعليق الرضي بعدما أورد تعريف (اللفظ المفرد
والمركّب) إذْ يقول : (والمشهور في اصطلاح أهل المنطق؛ جعل المفرد والمركّب صفة للفظ
، فيقال : اللفظ المفرد ، واللفظ المركّب) ، فإنّ ظاهر كلام الرضي يُشير إلى أنّ صفتي
(المفرد) و (المركّب) من صفات المعاني لا الألفاظ ، في حين أنّنا نجد بعضاً من أئمّة
النحو يذهب إلى ما ذهب إليه الشيخ مَيْثَم وأهل المنطق من وصف الألفاظ بهما.
* ثانياً : المفرد : كلّي وجزئي
بعد أنْ ينتهي الشيخ
من بيان تقسيم اللفظ إلى مفرد ومركّب ، يشرع في تناول عدّة مسائل ، في تقسيم اللفظ
المفرد أوّلاً ، ثمّ اللفظ المركّب.
وأولى هذه التقسيمات
هي تقسيم اللفظ المفرد إلى (كلّي) و (جزئي) ، وهو إنْ كان ظاهره تقسيماً للفظ ، إلاّ
أنّ جوهره تقسيم للمعنى لا للفظ كما
__________________
سيظهر.
وممّا تجدر الإشارة
إليْه أنّ الشيخ مَيْثَم بعدما ينتهي من هذا التقسيم ، ينتقل إلى عرض مجموعة مسائل
يختصّ بعضها بهذا التقسيم وبعضها بتقسيم آخر ، وذلك في بحثَيْن ، مستطرداً في تفصيل
مسائل بعيدة عن بحثنا اللغوي فيما أظن ، ولذلك سأكتفي بعرض مسألة واحدة منها كوْنها
تُفيدنا في المبحث اللاحق ، إذْ يرد فيه مصطلحا (الكلّي) و (الجزئي) ، وهما سيكونان
محور هذا المبحث باختصار شديد ، أمّا باقي المسائل من نحو (الكلّي المنطقي) و (الكلّي
الطبَعي) و (الكلّي العقلي) ، و (الماهية الكلّية) وما يتفرّع منها من (تمام الماهية)
و (جزئها) و (خارج عنها) وسواها من المباحث غير اللغوية فقد أعرضت عنها بغية استغلال
الوريقات المحدودة وحصر البحث وحرصاً على عدم تشتّت القارئ.
إنّ اللفظ المفرد
«إمّا أنْ يكون نفس تصوّر معناه مانعاً من وقوع الشركة فيه ، وهو الجزئي ، أو غير مانع
، وهو الكلّي».
والكلام هنا عن
(التصوّر) لا عن الوجود الخارجي ، أي المصاديق ، فالتصوّر وجودٌ ذهنيّ بغضّ النظر عن وجوده
الخارجي ، فهو حضور صورة الشيء في الذهن ، فقد يكون موجوداً فعلاً في الخارج ، مثل
تصوّر (الإنسان)
__________________
وتصوّر (الأشجار) وغيرها من الموجودات الخارجية ، وقد لا يوجد في الخارج ، كتصوّر
(طائر العنقاء) و (اجتماع النقيضَيْن) وغيرها من المفاهيم الذهنية التي يمكن تصوّرها
في الذهن دون أنْ يكون لها تحقّق في الخارج ، فهو تصوّر مجرّد «لا يستتبع جزماً ولا
اعتقاداً».
وعوداً إلى الجزئي
والكلّي ، فلبيانهما نورد التوضيح الآتي تقريباً للفكرة قبل تبيان تعريف الشيخ مَيْثَم :
إنّ الإنسان ليدرك
الموجودات التي تحيط به ويعيها بما يرسم في ذهنه صورة لها ، نحو : هذا الكتاب ، وهذا
القلم ، ويوسف (حال كوْنه موضوعاً علماً لشخص معيّن) ... إلخ ، وإذا تأمّلها يجد أنّ
كلاًّ منها لا ينطبق على فرد آخر ، فهي موضوعة لذلك المعيّن دون سواه ، وهو المفهوم
(الجزئي).
ثمّ إنّ الإنسان
إذا أدرك جزئيّات متعدّدة ، وقاس بعضها إلى بعض ، فوجد أنّها تشترك في أمر ما أو عدّة
أمور ، انتزع منها صورة أحد تلك الأمور التي تشترك فيها جميعها ، كما لو رأى (خيلاً)
و (نسراً) و (سلحفاةً) ، فإنّ للذهن أنْ ينتزع أمراً تشترك فيه هذه الأمثلة الثلاثة
، وهي (الحيوانية) ، فإذا انتزع الذهن «مفهوماً شاملاً ينطبق على كلّ واحد منها ، فإنّ
هذا المفهوم الشامل أو (الصورة المنتزعة) هو المفهوم (الكلّي)».
__________________
إذا كان الأمر كذلك
فيما يدركه الإنسان بالحواس ، فهو نفسه فيما قد يتصوّره في ذهنه وإنْ لم يكن موجوداً
خارج الذهن ، كما ذكرت سابقاً ، وإنّما كان البيان التقريبي فيما يُدرك بالحواس تقريباً
للفكرة لا حصراً لها.
إذا وضح ذلك ، فيمكننا
القول : إنّ اللفظ الذي يكون تصوّر معناه في الذهن مانعاً من اشتراك غيره فيه ، كما
في تصوّر لفظ (محمّد) العلم المعيّن في شخص ، كأنْ يكون المشار إليْه محمّد بن عبد
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكما في تصوّر لفظ (القلم) المشار إليْه في قولهم
: (هذا القلم) ، فإنّ (محمّداً) هنا لا يتصوّر الذهن سوى شخص واحد ، والأمر نفسه
في لفظ (القلم) ، فإنّهما معيّنان ويمتنع اشتراكهما مع غيرهما ، إنّ مثل هذَيْن اللفظَيْن
هو (الجزئي) ، ولذلك صحّ تعريف الشيخ : «[ما كان] نفس تصوّر معناه مانعاً من وقوع الشركة
فيه».
في حين إنّ هناك
ألفاظاً لا يكون تصوّر معناها في الذهن مانعاً من اشتراك غيرها فيه ، فلو تصوّر الذهن
ـ مثلاً ـ ألفاظ (زيد) و (محمّد) و (علي) ، فمع أنّ كلاًّ منها لفظٌ جزئي (حال كوْنها
أعلاماً) ، إلاّ أنّ للذهن أنْ ينتزع مفهوماً مشتركاً بينها ، وهو مفهوم (الإنسان)
، فيصحّ وصف كلّ واحد منهم بـ : (الإنسان) ، فإنّ تصوّر الذهن لمعنى لفظ (الإنسان)
لا يمنع اشتراك أكثر من واحد فيه ، فيكون لفظ (الإنسان) لفظاً كلّياً.
والشيخ مَيْثَم
إذْ يعرّف اللفظ الجزئي ، فإنّه يكتفي به من دون أنْ يورد تعريفاً كاملاً للكلّي ،
وإنّما يكتفي بالقول (أو غير مانع) ، أي : أو أنْ يكون
__________________
نفس تصوّر معناه غير مانع من وقوع الشركة فيه ، وهو أسلوبٌ شائعٌ في كتابات
الأقدمين.
وأكتفي في هذه النقطة
بالبيان السابق ، لما ذكرته من استطراد الشيخ في طرح مسائل بعيدة عن بغيتنا من تقسيمات
للفظ المفرد الكلّي وسواها.
* ثالثاً : وحدة اللفظ والمعنى وتعدّدهما
يتطرّق الشيخ مَيْثَم
هنا إلى بيان النسبة بَيْن الألفاظ ومعانيها في تقسيم ثالث للفظ المفرد كما صنّفه بعضهم ، والشيخ لم يفعل ذلك ، وإنّما جعله مبحثاً من غير أنْ يجعله قسيماً لآخر أو
أنْ يُشير إلى ذلك ، وهو في ذلك إمّا أنّه أهمل هذا التقسيم تجاوزاً أو أنّه لا يراه
قسماً من اللفظ المفرد ، خصوصاً وأنّه بدأ البحث السابق لهذا البحث واللاحق له بقوله
: (اللفظ المفرد) ، خلافاً لهذا البحث ، فإنّه يشرع فيه بالقول : (اللفظ والمعنى
...) من غير أنْ يخصّص اللفظ بالمفرد كما فعل في البحث الذي يسبقه والبحث الذي يليه.
هذا مع ملاحظة أنّ الشيخ مَيْثَم في هذا البحث يتعامل في أمثلته مع ألفاظ مفردة ولم
يورد أي لفظ مركّب.
وفي الحقيقة يمكننا
أنْ نعدّ هذا البحث مقدّمة مناسبة لمباحث (فقه
__________________
اللغة) التي تدور حول أحوال (اللفظ) ، من نحو (الترادف) و (الاشتقاق) و (المشترك
اللفظي) وغيرها من المباحث التي يمهّد لها الشيخ مَيْثَم قبل أنْ يستعرضها ، فالشيخ
مَيْثَم يستبق تلك الموضوعات بهذا البحث ، وهو إذْ يتعرّض لبعض هذه الموضوعات ضمن هذا
البحث بإجمال ظاهر ، فإنّه يفصّل فيها لاحقاً إذْ يُفرد بحثاً خاصّاً (للاشتقاق) ثمّ
(الترادف والتوكيد) ، وأخيراً (المشترك اللفظي).
وفي هذا البحث ،
يقرّر الشيخ مَيْثَم أنّ «اللفظ والمعنى ، إمّا أنْ يتّحدا ، أو يتكثّرا ، أو يتكثّر
اللفظ ويتّحد المعنى ، أو بالعكس» ، أي يتّحد اللفظ ويتكثّر المعنى ، فهذه إذاً أقسامٌ أربعة.
أمّا
القسم الأوّل ، وهو ما اتّحد
فيه اللفظ والمعنى ، فإنّ المعنى هنا إمّا أنْ يكون كلّيّاً أو جزئيّاً ، أي أنّ المعنى
إمّا أنْ لا يمتنع صدقه على أكثر من واحد ، وهو الكلّي ، أو أنْ يمتنع صدقه على أكثر
من واحد ، وهو الجزئي ، وقد سبق تعريف الكلّي والجزئي والتمثيل لهما في البحث السابق.
فإذا كان المعنى
كلّياً ، فإنّه لا يخلو من أحد أمرَيْن :
«أنْ تكون
نسبته [أي هذا المعنى الكلّي] إلى أفراده المعقولة بالسويّة ، وهو المتواطئ» ، وذلك أنّه لو لاحظ أحدهم كلّياً كـ : (الإنسان) ، ولاحظ أفراده ،
__________________
فإنّه لن يجد تفاوتاً بين الأفراد في صدق معنى هذا الكلّي عليهم ، فـ :
(زيد) و (محمّد) و (علي) إلى آخر أفراد الإنسان من حيث الإنسانية هم سواء ، فليست
إنسانية أحدهم أشد ولا أضعف من الآخرين ، وإنْ كانوا متفاوتِين ففي نواح أخرى غير الإنسانية
، كتفاوتهم في الطول والقوّة واللون وما إلى ذلك.
والأمر الآخر ،
أنْ تكون نسبة هذا المعنى الكلّي إلى أفراده لا بالسويّة ، «بل في بعضها أوّل وأوْلى
، وأشدّ وأضعف ، وهو المشكّك» ، وذلك أنّه
لو لاحظ أحدهم كلّياً
مثل (البياض) ، أو مثل (الوجود) ـ كما مثّل الشيخ ـ ثمّ لاحظ أفراده ، فإنّه سيجد ـ
خلافاً للصنف السابق ـ تفاوتاً بين تلك الأفراد في صدق ذلك المعنى عليها ، فـ : (بياض
الثلج) أشدّ من (بياض الورقة) ، مع أنّ كلاًّ منهما (بياض) ، وهذا الاختلاف من حيث
هذا المعنى الجامع لهما الذي ينطبق عليهما ، وهو (البياض) ، لا من حيث نواح أخرى. والأمر
نفسه في مثال الشيخ مَيْثَم ، وهو (الوجود) ، فوجود الخالق أوْلى من وجود المخلوق ،
ووجود العلّة متقدّم على وجود المعلول ، وكلّ هذا التفاوت من حيث المعنى الكلّي الجامع
لها جميعاً ، وهو (الوجود) نفسه.
هذا كلّه إذا اتّحد
اللفظ والمعنى ، وكان المعنى كلّياً ، أمّا إذا كانا متحدَيْن
__________________
وكان المعنى جزئيّاً ، فـ : (هو العَلَم ، كزيد) ، أي أنّ المعنى يمتنع صدقه على أكثر من واحد ، فهو موضوع لهذا المعيّن فقط
دون غيره ، فإذا كان الأمر كذلك ، فإنّ هذا التعريف نفسه نجده عند بعض النحويين وإنِ
اخْتلف اللفظ ، كابن الحاجب في كافيته ، إذْ يقول : «العَلَم ما وُضِعَ لشيءْ بعيْنه غير متناول غيره بوضع واحد» ، فالشيخ مَيْثَم إذاً يطرح تعريفاً يبدو (منطقياً) يوافق التعريف (النحوي).
أمّا القسم الثاني من العلاقة بين اللفظ والمعنى ، فهو ما يتكثّران فيه ، وهي (الأسماء المتباينة)
، أي غير المتطابقة في اللفظ ولا في المعنى ، فالمتباين «ما كان لفظه ومعناه مخالفاً
لآخر».
وهذه الألفاظ قد
تتباين من حيث حقيقتها وذاتها ، (أي يمتنع اجتماعها) ، كتباين (الإنسان) و (الفرس) ، فإنّ معناهما متباينان كما هو ظاهر ، وقد يكون
بَيْن اللفظَيْن أو الألفاظ علاقة ما من جهة ، ومن جهة أخرى بينها تباين ، أي (مع إمكان
اجتماعها) ، بأنْ يكون بعضها اسماً للذات والأخرى اسم للصفة ، كما في (السّيْف) و (الصارم)
، فإنّ بينهما علاقة ما ، وهي أنّ (السّيف) اسم للذات ، و (الصارم) صفة للذات ، فـ
: (الصارم) هو
__________________
(السّيْف القاطع) ، ولذلك كلّ صارم سَيْف ، وبعض السّيْف صارم ، فالنسبة بينهما (عموم وخصوص مطلق)
كما في اصطلاح أهل المنطق ، غير أنّ بينهما تباين من جهة أنّ (السّيْف) اسم للذات ،
و (الصارم) صفة لا اسم للذات.
كما أنّه قد يكون
هناك وجهاً آخر للتباين بين الألفاظ والمعاني ، وهو أنْ يكون بعضها اسماً للصفة ، والآخر
اسماً لصفة الصفة ، كما هو في (الناطق) و (الفصيح) ، فـ : (الناطق) صفة للإنسان ، و
(الفصيح) صفة للناطق ، كما أنّ الفصاحة صفة للنطق ، فالناطق قد يكون فصيحاً وقد لا
يكون.
أمّا في تسميتها
(المتباينة) فقيل «من البَيْن الذي هو التباعد ، لأنّ مسمّى هذا غير مسمّى ذاك ، أو
من البَيْن الذي هو الفراق ، لمفارقة كلّ واحد من الآخر لفظاً ومعنىً».
أمّا القسم الثالث ، فهو ما تكثّر فيه اللفظ واتّحد المعنى ، وهو ما يُعرف بـ : (الترادف). ويعرّفه
الشيخ مَيْثَم في بحث لاحق يفرده لبحث الترادف بقوله : «هو كوْن لفظَيْن مفردَيْن ـ أو ما زاد عليهما ـ
دالَّيْن بالوضع على معنىً واحد باعتبار واحد».
وممّا يلفت النظر
أنّ الشيخ مَيْثَم لا يقصر الترادف في اللغة الواحدة ، بل يتعدّى الترادف اللغة الواحدة
إلى لغتَيْن متباينتَيْن ، أمّا الترادف في اللغة
__________________
الواحدة فيمثّل له بـ : (الليث) و (الأسد) ، وأمّا الترادف في لغتَيْن فنحو
(ماء) و (آب) وهي كلمة فارسية بمعنى (ماء).
إلى هنا ينتهي كلام
الشيخ مَيْثَم في (الترادف) ، وهو كلام مجمل يفصّله لاحقاً في بحث ضمن مقدّمته على
نهج
البلاغة يفرده لبحث هذه المسألة ، وهو ما سنراه لاحقاً في هذا البحث
إنْ شاء الله تعالى.
أمّا
القسم الرابع من هذه القسمة ،
فهو ما اتّحد فيه اللفظ وتكثّر المعنى ، أي أنّ اللفظ الواحد له أكثر من معنىً واحد
، وهو إمّا أنْ يكون قد وُضِع اللفظ أوّلاً لأحد المعنَيَيْن (أو المعاني) ، ثمّ نُقِل
منه إلى الآخر ، أو أنّه قد وُضِع لهما معاً ، فهنا فرضان :
الفرض
الأوّل : أنْ يكون اللفظ قد وُضِع أوّلاً لأحد المعنَيَيْن ثمّ نُقِل
منه إلى الآخر ، فهذا النقل إمّا لمناسبة ما بَيْن المعنَيَيْن أو ليس لمناسبة بَيْنهما.
فإنْ كان الأخير ـ أي لم يكن لمناسبة بَيْن المعنَيَيْن ـ فإنّه يسمّى (مرتجلاً) ، ومنه ـ كما ذكر بعضهم ـ أكثر الأعلام الشخصية ، وذلك لأنّها توضع للشخص من دون أنْ تُلحَظ مناسبة
بَيْن المعنى الأوّل والشخص الموضوع له ، نحو اسم العَلَم (جعفر) ، فقيل إنّ معناه
(النهر) (سواءٌ كان الأصل النهر
__________________
عامّة أو الملآن أو الصغير أو الكبير الواسع).
وإنْ كان لمناسبة
بَيْن المعنَيَيْن ـ المنقول عنه والمنقول إليْه ـ فهنا احتمالاتٌ ثلاثة :
الاحتمال
الأوّل : أنْ تتساوى دلالة اللفظ في المعنَيَيْن عند الفهم ، أي عندما يطلق المتكلّم
اللفظ لا يُعلَم المعنى الذي يقصده ، فيبقى الذهن متردّداً ، فلا بدّ حينها من قرينة
حتّى يتعيّن المعنى المُراد ، ففي هذه الحالة يسمّى اللفظ (مشتركاً).
الاحتمال
الثاني : أنْ تكون دلالة اللفظ على المنقول عنه (الأصل) أقوى من
دلالتها على المنقول إليْه ، فإذا كان الأمر كذلك سمّي اللفظ بالنسبة إلى المعنى المنقول
عنه (حقيقة) ، وبالنسبة إلى المعنى المنقول إليْه (مجازاً).
والشيخ إنْ لم يصرّح
بمعيار القوّة والضعف ، إلاّ أنّ بإمكاننا أنْ نستنتجه من خلال جعله (الفهم) معياراً
في تساوي دلالة اللفظ على المعنَيَيْن ، كما رأينا في الاحتمال الثاني من هذا الفرض
، فمعيار تحديد قوّة اللفظ في المعنى المنقول عنه أو في المعنى المنقول إليْه هو (الفهم).
أمّا حقيقة مُراد
الشيخ مَيْثَم من الفهم ، فإنّه لا يذكره في هذا الإجمال ،
__________________
فهل هو فهم كلّ شخص على حدة ، فتكون قوّة دلالة اللفظ في أحد المعنَيَيْن
خاضعة لكلّ شخص وثقافته وقوّته اللغوية ، فهل يختلف تقدير المسألة من شخص إلى آخر؟
أو هو الفهم العام بين الجماعة اللغوية؟
غير أنّ الشيخ يُشير
إلى ذلك وإلى غيرها من المسائل المتعلّقة بهذا البحث في المبحث الذي يُفرده للبحث في
(المشترك اللفظي) ضمن هذه المقدّمة اللغوية على نهج البلاغة ، وهو (القسم الخامس) من (القاعدة الأولى) بحسب تقسيم الشيخ للمقدّمة ، وفي
ذلك القسم أو البحث يُشير الشيخ في أثناء حديثه عن وجود المشترك اللفظي وتردّد الذهن
في تعيين المقصود من اللفظ حتّى تظهر قرينة معيّنة له ، إلى أنّ عدم تبادر المعنى المقصود
إلى الذهن يختلف باختلاف كثرة استعمال اللفظ في أحد المعنَيَيْن وقلّته ، غير أنّه
«يكفينا في ذلك تردّد بعض الأذهان فيه» ، مما يُشير إلى أنّ مُراده من (الفهم) هو الفهم العامّ للجماعة اللغوية لا
الفهم الخاصّ لكلّ شخص.
الاحتمال
الثالث : أنْ تكون دلالة اللفظ على المنقول إليْه بعد النقل
أقوى من دلالتها على المنقول عنه (الأصل) ، أي أنّ المتكلّم حينما يطلق اللفظ فإنّ
ذهن السامع ينتقل إلى المعنى المنقول إليْه ، ولو أنّ المتكلّم أراد المعنى المنقول
عنه (الأضعف) لاحتاج إلى قرينة لتصرف المعنى المنقول إليْه (الأقوى) ، فهنا يسمّى اللفظ
بالنسبة إلى المنقول إليْه (منقولاً).
ولم يذكر الشيخ
مَيْثَم ، ولم أجد أحداً ذكر تسميةً للفظ في هذه الحالة
__________________
بالنسبة إلى المنقول عنه!
وبالنظر إلى (الناقل)
، فإنّ اللفظ يُنسب إليْه ، أي إلى الناقل ، فإذ كان الناقل هو الشرع ، بأنْ يكون الشرع
قد نقل لفظاً من معناه الموضوع له إلى معنىً آخر ، وتكون دلالة اللفظ فيما بعد في هذا
المعنى المنقول إليْه أقوى منه في المعنى المنقول عنه ، فإنّه يسمّى (لفظاً شرعيّاً)
، وذلك نحو (الصلاة) و (الزكاة).
وإذا كان الناقل
غير الشرع ، فإنّ الشيخ مَيْثَم يطلق عليه (العُرف) ، فهو يميّز بين الناقل (الشرعي) والناقل (العرفي) ـ إنْ صحّ التعبير ـ ، وهذا
الأخير قد يكون عُرفاً عامّاً وقد يكون عُرفاً خاصّاً ، أمّا العُرف العامّ فنحو لفظ
(الدابّة) للفرس بعدما كان موضوعاً لكلّ ما يدبّ ، و (الغائط) للفضلة الخارجة من الإنسان
بعدما كان موضوعاً للمكان المطمئن.
أمّا العُرف الاصطلاحي
فكاصطلاحات العلوم والفنون ، كاصطلاحات علم النحو من (رفع) و (نصب) و (جر) وسواها ،
و (الجمع) و (القلب) و (الفرق) عند الفقهاء ، و (الموضوع) و (المحمول) و (الجنس) و
(الفصل) عند أهل المنطق ، وهكذا ، وكلّها أمثلة جاء بها الشيخ مَيْثَم.
الفرض
الثاني : وهو أنْ يكون اللفظ قد وُضِع للمعنَيَيْن معاً ، أي أنّ
__________________
الواضع قد وَضَع اللفظ الواحد لأكثر من معنىً واحد ـ بغضّ النظر عن السبب
أو عن كوْن الواضع واحداً أو متعدّداً ـ ، فهنا احتمالان :
الاحتمال
الأوّل : أنْ تتساوى دلالة اللفظ على المعنَيَيْن الموضوع لهما
عند الفهم ، وذلك بأنْ يكون معنى اللفظ عند إطلاقه متساوياً في ذهن المتلقّي ، ويُدرك
ذلك من خلال الحاجة إلى قرينة عند إطلاق اللفظ حتّى يتبيّن المعنى المقصود ، فتصرف
القرينة المعنى غير المراد أو تستحضر المعنى المراد.
وفي هذه الحالة
يسمّى اللفظ بالنسبة إلى المعنَيَيْن الموضوع لهما (مشتركاً) ، وبالنسبة إلى كلّ واحد
منهما (مجملاً). أمّا (الاشتراك)؛ فذلك لأنّ اللفظ موضوعٌ لكلّ واحد من المعنَيَيْن
، أي «لأنّ كوْن اللفظ موضوعاً لهذا [المعنى] ـ وحده ـ ولذاك [المعنى] ـ وحده ـ معلومٌ
: فكان مشتركاً من هذا الوجه» ، وأمّا كوْنه (مجملاً)؛ فلأنّ اللفظ لا يُدرى عَيْن المراد منه ، أي لا
يُدرى أي معنَيَيْه هو المقصود ، فهو من هذه الجهة مجمل.
الاحتمال
الثاني : أنْ تترجّح دلالة اللفظ في أحد المعنَيَيْن الموضوع
لهما.
والغريب أنّ الشيخ
يسكت عن بيان هذا الاحتمال ، فلم يتطرّق إليْه ـ
__________________
وهو كما يظهر ـ سهوٌ من الشيخ ، وذلك لأنّه يُشير إليْه ضمن بيانه إلى نسبة
أقسام هذا التقسيم إلى بعضها ، وربّما اكتفى الشيخ بتلك الإشارة المتأخّرة.
وحتّى يكتمل
البحث نبيّن هذا الاحتمال باختصار. فدلالة اللفظ على أحد المعنَيَيْن الموضوع لهما
إذا ترجّحت في أحدهما دون الآخر ، أي كانت أقوى فيه من الآخر ، سمّي اللفظ بالنسبة
إلى المعنى الراجح (ظاهراً) ، وسمّي بالنسبة إلى المعنى المرجوح (مؤوّلاً)؛ لأنّه يؤوّل
إلى الظهور عند مساعدة الدليل».
نُلاحظ من التقسيم
الماضي ، أنّ صفة (المشترك) تُطلق على اللفظ في حالتَيْن :
الأولى : أنْ يكون اللفظ قد وُضِع أوّلاً لأحد المعنَيَيْن ثمّ نُقِل منه إلى
الآخر لمناسبة بَيْن المعنَيَيْن ، ودلالته متساوية فيهما ، فحينها يسمّى اللفظ
(مشتركاً).
الثانية : أنْ يكون اللفظ قد وُضِع للمعنَيَيْن معاً ، ودلالته متساوية فيهما ،
فهنا أيضاً يسمّى اللفظ ـ بالنسبة إليهما ـ (مشتركاً).
* رابعاً : اللفظ المفرد : حرف وفعل واسم
بعد أنِ انتهى الشيخ
مَيْثَم من بيان النسب بَيْن الألفاظ والمعاني ، يعود إلى تقسيم اللفظ المفرد ، ولكن
من جهة أخرى ، فاللفظ المفرد ينقسم إلى
__________________
حرف وفعل واسم.
وقبل أنْ نشرع في
بيان كلام الشيخ مَيْثَم ، نشير إلى أنّ للنحويِين في حصرهم لأقسام الكلمة بهذه الأقسام
الثلاثة اتجاهَيْن :
الاتجاه
الأوّل : وهو يقسّم الكلمة من وجهة نظر تأليفية لفظية ، أي من
ناحية صلاحية وقوع المفرد (ركناً) في تأليف الجملة ، فما كان صالحاً لأنْ يقع في الجملة
مسنداً ومسنداً إليْه ، فهو الاسم ، وما لا يصلح إلا أنْ يكون مسنداً فقط فهو : الفعل
، وما لا يصلح للوقوع مسنداً ولا مسنداً إليْه فهو الحرف.
الاتجاه
الثاني : وهو يقسّم الكلمة من وجهة نظر معنوية ، أي أنّ القسمة الثلاثية
تنبني على أساس التمايز في (دلالة) أقسام الكلمة على المعاني التي وُضِعت لها ، فالكلمة
إنْ لم تدلّ على معنىً في نفسها فهي الحرف ، وإنْ دلّت على معنىً في نفسها واقترنت
بأحد الأزمنة الثلاثة فهي الفعل ، وإنْ لم تقترن بأحد الأزمنة الثلاثة فهي الاسم.
إذا ظهر ذلك ، نعود
إلى كلام الشيخ مَيْثَم في تقسيمه للفظ المفرد ، فاللفظ المفرد «إما أنْ لا يستقلّ
معناه بالمفهومية» ، أي أنّ دلالة هذا اللفظ على معناه تتوقّف على أمر خارج عنه ، فهذا اللفظ «مشروطٌ
في دلالته على معناه ذكر متعلّقها» ، وهو المسمّى (الحرف) ، فالحرف إذاً هو «الكلمة الدالّة
__________________
على معنىً لا في نفسها» ، و (إمّا أنْ يستقل) ، أي وإمّا أنْ يستقلّ معنى اللفظ المفرد بالمفهومية ،
ومعنى ذلك أنْ يدلّ اللفظ على معنىً في نفسه ، لا أنْ تتوقّف دلالته على معناه بأمر
خارج عنه كما هو في الحرف ، وهذا اللفظ ـ المستقلّ بالمفهومية ـ إمّا (أنْ يستلزم معناه
الوقوع في أحد الأزمنة الثلاثة المعيّنة) ، وهي المضي والحال والاستقبال ، وهو (الفعل)
، أو لا يستلزم معناه الوقوع في أحد الأزمنة الثلاثة ، وهو (الاسم). «فهذه القسمة دائرة
بَيْن النفي والإثبات فتكون حاصرة ، أي لا يمكن الزيادة فيها ولا النقصان».
وبعد أنْ يحدّد
الشيخ مفاهيم الحرف والفعل والاسم ، يستطرد فيما يمكن أنْ نطلق علَيْه (توضيح التحديد)
أو ردّ ما يُمكن أنْ يُتوهّم ، وذلك في أسلوب غير مباشر ، وكأنّ الشيخ يردّ على مَن
قد يتوهم أنّ المائز بَيْن (الفعل) و (الاسم) هو ارتباط (الفعل) بأحد الأزمنة الثلاثة
فحسب ، فإنّ الاسم أيضاً قد يرتبط بأحد الأزمنة الثلاثة ، فليس كلّ لفظ ارتبط بالزمان
هو فعل. نعم ، الفعل (يستلزم) الوقوع في أحد الأزمنة الثلاثة ، فلا يُتصوّر فعلٌ من
غير الوقوع في أحد الأزمنة ، بخلاف الاسم ، فإنّه قد يرتبط بأحد الأزمنة أو بالزمان
مطلقاً وقد لا يرتبط ، فكأنّما الشيخ مَيْثَم يُشير إلى وجود مائز آخر دون أنْ يصرّح
به ، ولذلك ذهب بعضهم إلى القول : إنّ اللفظ المفرد المستقلّ بالمفهومية «إمّا أنْ
يدلّ بهيئته ـ أي بحالته التصريفية ـ على أحد الأزمنة
__________________
الثلاثة ، الماضي والحال والاستقبال فهو الفعل ... ».
والشيخ مَيْثَم
إذْ لا يصرّح بالمائز بَيْن (الفعل) و (الاسم) فإنّه يعمد إلى تقسيم الاسم مستنداً
إلى ارتباطه بالزمان ، فالاسم قد لا يدلّ على الزمان ، وقد يدلّ عليه ، فإنْ دلّ عليه
فإنّه قد يدلّ على معنىً هو الزمان نفسه ، كلفظ الزمان ، أو يدلّ على معنىً هو جزءٌ
من الزمان ، كلفظ اليوم ولفظ الغد ، فاليوم جزءٌ من الزمان لا الزمان كلّه ، وكذلك
الغد ، وقد يدلّ على معنىً مركّب أحد أجزائه الزمان ، كلفظ الصبوح ولفظ الغبوق.
المبحث الثالث : الترادف
في هذا المبحث ،
يتناول الشيخ مَيْثَم قضية (الترادف) ، وهي قضية يدرسها اللغويون عادة في مباحث علم
(فقه اللغة) بوصفها ظاهرة لغوية تتميّز بها اللغة العربية ، وناقشها بعضهم محاولاً
تفنيد وجودها ، إمّا مطلقاً أو مقيّداً إيّاها ، كما تناولها علماء أصول الفقه والمنطق
نظراً لبحثهم في دلالات الألفاظ ، وقد توسّع البحث فيه بَيْن مُثبت ومنكر ، ومضيّق
وموسّع ، ومقيّد ومقسّم ، وهنا لن نتناول كلّ الجوانب التي نالتها دراسات الأقدمين
والمتأخّرين ، وإنّما سنكتفي بما أوْرَده الشيخ مَيْثَم.
وقبل الشروع في
استعراض ما طرحه الشيخ مَيْثَم في هذا المبحث ، نذكر بما مرّ في المبحث السابق عن الترادف
، إذْ ذكره الشيخ ضمن بيانه
__________________
النسب بين الألفاظ ومعانيها ، وأشار إلى أنّ الترادف يكون في لغة واحدة ،
ومثّل له بـ : (الليث) و (الأسد) ، وكذلك في لغتَيْن نحو (ماء) و (آب) وهي كلمة فارسية
بمعنى (ماء).
* أولاً : تعريف الترادف
الترادف هو «كوْن
لفظَيْن مفردَيْن ، أو ما زاد عليْهما دالَّيْن بالوضع على معنىً واحد باعتبار واحد» ، وهو نفسه تعريف الإمام الرازي مع اختلاف بسيط وزيادة لافتة ، فالرازي يعرّف
الألفاظ المترادفة بالقول : «هي الألفاظ المفردة الدالّة على مسمّى واحد ، باعتبار
واحد».
فالترادف قد يكون
بَيْن لفظَيْن أو أكثر ، وهو ما يصرّح به الشيخ مَيْثَم في تعريفه ، وإذا كان الرازي
جعلها جمعاً فربما يُقال لأنّه أراد أنْ يعرّف جمعاً ، وهو لا يمنع أنْ يكون الترادف
بَيْن لفظَيْن ، فليس هنا مَوْضع النقاش ، وإنّما النقاش في زيادة الشيخ مَيْثَم لقَيْد
(الوضع) ، فبه أخرج الألفاظ الدالّة بالدلالة الطبَعية والعقلية ، وهو ما لم يفعله
الرازي في تعريفه السابق.
وقد احترز بـ :
(الإفراد) عن الاسم والحدّ؛ لأنّ الحدّ مركّب ، وبـ : (اعتبار واحد) عن اللفظَيْن ـ
أو أكثر ـ الدالَّيْن على الشيء الواحد بأكثر من اعتبار ، كاعتبار الصفة والذات ، كما
في مثال الشيخ (الصارم والسّيْف) ، فـ :
__________________
(الصارم) صفة للسّيْف بمعنى (القاطع) ، و (السّيْف) اسم للذات ، فكلّ صارم
سَيْف ، وبعض السّيْف صارم ، أو كاعتبار الصفة وصفة الصفة ، نحو : الناطق والفصيح ،
فـ : (الناطق) صفة للإنسان ، و (الفصيح) صفة للناطق ، فإنّ هذه الألفاظ كلّها من الألفاظ
(المتباينة) كما مرّ في المبحث الثاني من هذا الفصل.
* ثانياً : أسباب الترادف
اعتاد الباحثون
في تناولهم لموضوع الترادف على سرد أسباب عدّة لهذه الظاهرة اللغوية ، والشيخ مَيْثَم
يستعرض سببَيْن لتوافر هذه الظاهرة ، أحدهما أقلّ وجوداً من الآخر ، وتتفرّع من هذَيْن
السببَيْن أسبابٌ ثلاثة.
فالأسماء المترادفة
إمّا أنْ تكون من واضع واحد أو من واضعَيْن اثنَيْن ، والسبب الأوّل أقلّ وجوداً من
السبب الثاني ، أي أنّ الأسماء المترادفة بوَضْع واضع واحد أقلّ وجوداً من تلك الأسماء
المترادفة بوضع واضعَيْن.
أمّا السبب الأوّل ، وهو وحدة الواضع ، فإنّ له سببَيْن :
الأوّل : طلباً للتسهيل والقدرة على الفصاحة ، «والتوسّع في مجال البديع أي في سلوك
طرق الفصاحة وأساليب البلاغة في النظم والنثر» ، فربّما احتاج الشاعر إلى التعبير عن معنىً ما ، وهذا المعنى يحمله لفظٌ معيّن
لا يتناسب وقافية القصيدة أو وزنها ، فيلجأ حينئذ إلى لفظ آخر يتناسب وقافية
القصيدة أو وزنها يحمل المعنى ذاته ، والأمر نفسه ينطبق على مراعاة أساليب
__________________
البلاغة من سجع وترصيع وسواهما ، ولا يختلف الأمر كثيراً في النثر ، فقد
يعمد الخطيب أو الكاتب أو سواهما إلى مراعاة أصناف البديع المختلفة من دون الإخلال
بالمعنى المُراد ، فيستطيع انتقاء اللفظ المناسب مراعياً التجنيس والسجع وسواهما.
الثاني : القدرة على تأدية المُراد إذا ما نَسِيَ المتكلّم أحد اللفظَيْن ، فيمكنه
حينئذ الاستعانة باللفظ الآخر للإفصاح عن مقصده ، من دون أنْ يكون نسيانه أو غفلته
سبباً في تعسير الإبانة أو حجب الإفصاح عن القصد.
يقول ابن جنّي (ت
٣٩٢ هـ) في ذلك : «فإذا ورد شيءٌ من ذلك ـ كأنْ يجتمع في لغة رجل واحد لغتان فصيحتان
ـ فينبغي أنْ تتأمّل حال كلامه؛ فإنْ كانت اللفظتان في كلامه متساويتَيْن في الاستعمال
، كثرتهما واحدة ، فإنْ أخلق الأمر به أنْ تكون قبيلته تواضعت في ذلك المعنى على (ذينك
اللفظَيْن)؛ لأنّ العرب قد تفعل ذلك للحاجة إليْه في أوزان أشعارها ، وسعة تصرّف أقوالها».
وأمّا السبب الثاني ، فهو تعدّد الواضع ، وهو السبب الأكثر لوجود الترادف في اللغة.
فربّما اصطلحت إحدى
القبائل العربية اسماً معيّناً لمعنىً ما ، وتصطلح قبيلة أخرى اسماً آخر للمعنى نفسه
، ثمّ يذيع الاصطلاحان.
__________________
يقول ابن جني :
«وكلمّا كثُرت الألفاظ على المعنى الواحد كان ذلك أولى بأنْ تكون لغات لجماعات ، اجتمعت
لإنسان واحد ، من هَنَّا ومن هَنَّا».
والشيخ مَيْثَم
لا يفصّل في المسألة ، وإنّما يكتفي بالقول : «يجوز أنْ تصطلح إحدى القبيلتَيْن على
اسم للشيء غير الاسم الذي اصطلحت علَيْه القبيلة الأخرى ثمّ يشتهر الوضعان بعد ذلك
معاً». غير أنّ بعض الباحثين يُرجِع شيوع عدّة أسماء للمعنى الواحد بسبب اصطلاح كلّ
قبيلة إلى جملة أسباب ، منها : احتكاك القبائل العربية ببعضها بعضاً ، ونشأة اللغة
العربية المشتركة ممّا أدّى إلى جمع ألفاظ القبائل ، وما نُقل من أنّ بعض القبائل كانت تتخيّر أفضل الكلام وأصفاه. يقول ابن فارس
(ت ٣٩٥ هـ) : «كانت قُرَيْش ، على فصاحتها وحُسن لغاتها ورِقّة ألسنتها ، إذا أتتهم
الوفود من العرب تخيّروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتهم وأصفى كلامهم. فاجتمع ما تخيّروا
من تلك اللغات إلى نحائزهم وسلائقهم التي طبعوا عليها».
* ثالثاً : صحّة إقامة كلّ واحد من المترادفَيْن مقام الآخر
يطرح الشيخ مَيْثَم
هنا سؤالاً مفاده : هل يصحّ إقامة كلّ واحد من
__________________
المترادفَيْن مقام الآخر دائماً ، أو لا؟
وقبل استعراض ما
أورده الشيخ في الإجابة عن السؤال ، نشير إلى أنّ الترادف مرّةً نتناوله من جهة الألفاظ
حال كونها مفردة أو في سياق التركيب ، وأعني بالمفردة أي خارج سياق التركيب ، أي مرّة
ننظر إلى اللفظَيْن فقط ، ومرّة ننظر إلى اللفظَيْن في سياق جملة أو تركيب ، فنسأل
: هل يصحّ إقامة كلّ واحد من المترادفَيْن حال كونهما مفردَيْن مقام الآخر ، وهل يصحّ
ذلك حال كونها في التركيب؟ ومرّةً أخرى نتناوله من جهة وِحدة اللغة وتعدّدها ، أىْ
هل يصحّ إقامة كلّ واحد من المترادفَيْن في اللغة الواحدة ، وهل يصحّ ذلك في اللغتَيْن
المتباينتَيْن؟
فهذه إذاً أربعة
أسئلة ، نصيغها في صورة أخرى بعد جمعها :
هل يصحّ إقامة كلّ
واحد من المترادفَيْن المفردَيْن مقام الآخر في اللغة الواحدة؟
هل يصحّ إقامة كلّ
واحد من المترادفَيْن المفردَيْن مقام الآخر في لغتَيْن؟
هل يصحّ إقامة كلّ
واحد من المترادفَيْن حال كونهما في سياق التركيب مقام الآخر في اللغة الواحدة؟
هل يصحّ إقامة كلّ
واحد من المترادفَيْن حال كونهما في سياق التركيب مقام الآخر في لغتَيْن؟
والشيخ مَيْثَم
يستعيض عن هذه الأسئلة كلّها بلفظ واحد ، هو (دائماً) للدلالة على الأحوال المختلفة
السابقة.
أمّا بخصوص الألفاظ
المترادفة المفردة ، سواءٌ في لغة واحدة أو لغتَيْن ، فإنّ الشيخ لا يتناوله هنا ،
وإنّما سبق أنْ أشار إلى ذلك في مبحث سابق عندما تحدّث عن النسبة بين اللفظ والمعنى
، وهو ما ذكّرنا به قبل الشروع في هذا المبحث. والشيخ هناك لا يحدّد الترادف بالألفاظ
حال كونها مفردة أو في سياق التركيب ، وإنّما يطلق تجويز الترادف من غير تقييد ، غير
أنّ الأمثلة التي جاء بها كلّها من الألفاظ المفردة ، هذا كلّه فيما أشار إليْه سابقاً.
في حين إنّ مفهوم
كلام الشيخ هنا يُشير إلى أنّ مُراده الألفاظ حال كونها في سياق التركيب ، فهو يتحدّث
ـ كما سيظهر ـ عن أنّ (ضمّ معنىً إلى آخر) من عوارض المعاني ، فهو أقرب ما يكون تصريح
بأنّ الحديث هنا عن التركيب لا الإفراد.
وبالعودة إلى جواب
الشيخ عن السؤال الذي طرحه ، فإنّه يُجيب بأنّ ما قد يتبادر إلى الذهن بادئ الأمر جواز
ذلك؛ أي جواز أنْ يقوم كلّ واحد من المترادفَيْن في سياق التركيب مقام الآخر مطلقاً
، وذلك لأنّ المترادفَيْن هما اللذان يُفيد كلّ واحد منهما ما يُفيده الآخر عَيْنه
، وتعليل ذلك أنّ التركيب وضمّ معنىً إلى آخر من عوارض المعاني ، أي أنّ النظر في صحّته
وعدمه متوقّف على صحّة المعاني لا الألفاظ ، فلمّا صحّ أنْ يُضمّ معنى اللفظ
المترادف إلى غيره ، جاز استبدال اللفظ المترادف الآخر به؛ لأنّه لم يطرأ على
المعنى أيّ تغيير.
والحقّ خلاف ذلك
، فكما أنّ صحّة التركيب متوقّفة على صحّة المعاني ، فكذلك هي متوقّفة على صحّة الألفاظ
، ويدلّل الشيخ مَيْثَم على ذلك بمثال مفاده أنّنا لو أبدلنا لفظ (من) بمرادفه من الفارسية
لم يصحّ ذلك ، وهو امتناع من جهة الألفاظ لا من جهة المعاني ، فالمعنى لم يتغيّر ،
وإنّما التغيّر قد طرأ في الألفاظ ، «فإذا قلتَ : (خرجتُ مِن الدار) استقام الكلام؛
ولو أُبدِلَت صيغة (مِنْ) ـ وحدها ـ بمرادفها من الفارسية لم يجُز» ، فإنّ الجملة ستكون : (خرجتُ (أز) الدار) ، وهذا يستلزم اختلاط اللغتَيْن ،
«واختلاط اللغتَيْن يستلزم ضمّ مهمل إلى مستعمل ، فإنّ إحدى اللغتَيْن بالنسبة إلى
اللغة الأخرى بمثابة المهمل».
هذا الكلام كلّه
يختصّ بإقامة كلّ واحد من المترادفَيْن حال كونهما في سياق التركيب مقام الآخر في لغتَيْن
، وهو ظاهر من كلام الشيخ وتمثيله ، ولكن ماذا عن إقامة كلّ واحد من المترادفَيْن مقام
الآخر في لغة واحدة؟
قال الإمام الرازي
: «إذا عُقِل ذلك في لغتَيْن فلِمَ لا يجوز مثلُه في لغة واحدة؟». ويُفهم من كلام الرازي أنّه يمنع ذلك في لغة واحدة أيضاً
كما
__________________
هو ممنوع في لغتَيْن ، وهو ما يُخالفه فيه الشيخ مَيْثَم ، فالشيخ مَيْثَم يورد
عبارة الرازي ثمّ يعلّق عليها بأنّ الحقّ صحّة إقامة أحد المترادفَيْن مقام الآخر ،
ولكنّه تجويزٌ مشروطٌ بشرطَيْن :
الأوّل : أنْ يكون اللفظان المترادفان من لغة واحدة ، كـ : (الأسد) و (الليث) ، لا
كـ : (مِن) و (أز) مرادفها في الفارسية.
الثاني : أنْ يتساوى اللفظان المترادفان في فهم المعنى منهما (حال التخاطب) بهما ،
أو يقربا من التساوي.
فالشيخ مَيْثَم
يرى ضرورة أنْ تتساوى الألفاظ المترادفة في المعنى ، لا حال كونها مفردة خارج أيّ سياق
تركيبي ، بل في حالة التخاطب ، أي أنّ الألفاظ المترادفة قد تتساوى في المعنى حال كونها
مفردةً خارجةً عن كلّ سياق تركيبي ، ولكنّها في سياق تركيب معيّن وفي حال التخاطب قد
تؤدّي معان تبعدها عن معنى مرادفاتها ، فيكون لها معان مميّزة لا تؤدّيها مرادفاتها
من الألفاظ لو استبدلت بها ، وهذا ما يُشير إلى إدراك الشيخ لأهمّية (السياق) الذي
ترد فيه الألفاظ وتأثيره فيها ممّا يجعلها تكتسب ظلالاً معينة تختلف عن كونها مفردة
خارج السياق.
كما أنّنا نُلاحظ
الشيخ لا يشترط التساوي التام ، بل يكفي أنْ يكون المعنى متقارباً جداً يقرب من التساوي
، وهذه النظرة المميّزة للترادف قد
تقترب في شيء منها من نظرة بعض المحدثين إلى الترادف ، إذْ ذهب بعض المحدثين إلى اشتراط عدّة شروط لإثبات الترادف في
اللغة ، فالألفاظ التي لا تنطبق عليها هذه الشروط لا تعدّ عندهم من المترادفات ، ولذلك
أوجدوا مصطلحات أخرى تكون قسيمة الترادف ، أو ما سمّي (الترادف التام) ، من نحو : (شبه
ترادف) و (نصف ترادف).
والترادف التام
هو الترادف الذي يصحّ فيه أنْ تتبادل المفردتان أو المفردات فيما بَيْنها في جميع السياقات
المختلفة ، وهو عندهم نادر الوقوع ، وإذا وقع فإنّه يكون محدود بمدّة زمنية معيّنة
، وسرعان ما تظهر فروق معنوية دقيقة بين هذه الألفاظ.
أمّا الترادف الجزئي
، أو شبه الترادف ، فهو المفردات التي يمكن أنْ تتبادل فيما بَيْنها في بعض السياقات
دون أخرى؛ لوجود اشتراك أو تقارب في المعنى.
والشيخ مَيْثَم
إذْ يُجيز وقوع الترادف في اللغة الواحدة بين مفردتَيْن في سياق التركيب ، فإنّه يكتفي
أنْ يكون المعنى بَيْن المفردتَيْن متقارباً ، وهو ما يُشير إلى (الترادف الجزئي) أو
(شبه الترادف) بحسب اصطلاح بعض
__________________
المحدثين.
وهنا تجدر الإشارة
إلى أنّ الشيخ باشتراطه أنْ يكون المعنى بين المفردتَيْن متساوياً أو قريباً من التساوي
فإنّه يُعبّر عن منهج وسط في الاعتراف بوجود الترادف في اللغة ، فهو من جهة لا ينفي
وجود ترادف تامّ بين الألفاظ ، إلاّ أنّه أيضاً لا ينفي وجود فروق بين بعض الألفاظ
، وإنْ كانت هذه الفروق غير مؤثرة في حال التخاطب كما يبدو من تجويزه.
الخاتمة
في ختام هذا البحث
، نجد أنّنا نقف بإزاء قامة شمّاء يصعب الإحاطة بجميع جوانبها وآثارها ، أعني العالم
الربّاني وصاحب الشرح المشهور لنهج
البلاغة ، كمال الدين مَيْثَم بن علي بن مَيْثَم البحراني ، فبالوقوف
على ثلاث مسائل من مسائل لغوية عدّة ، ومسائل أخرى بلاغية وكلامية وغيرها يتضمّنها
شرح
نهج البلاغة عموماً ، ومقدّمته
خصوصاً ، من خلال استعراض هذه المسائل الثلاث نسلّم بتلك الحقيقة التي ابتدأت بها هذه
الخاتمة.
ومن خلال استعراضنا
السابق ، نجد الشيخ مَيْثَم لا يسلّم دائماً بالنتائج التي وصل إليْها مَن سبقه من
العلماء ، فبعد أنْ يطرح الآراء وينسبها إلى أصحابها ، يعمد إلى مناقشتها نقاشاً علميّاً
يعتمد على الدليل ، كما في قوله : «الدلالة الأولى هي التي بحسب الوضع الصرف ، وأمّا
الباقيتان فزعم فخر الدين وجماعة من الفضلاء أنّهما عقليّان ...» ، فبعد هذا يعمد الشيخ إلى الردّ عليه منتصراً لرأيه القائل بوضعيّتهما.
وممّا يدلّل على
عظمة الشيخ مَيْثَم انفراده ببعض الآراء والمسائل ، فإذا كانت هذه المسائل قد تناولها
مَن سبقوه من العلماء ، فهذا لا يعني أنّه يتماهى معهم ويسير في إثرهم دائماً ، وهذا
ما نجده في النقطة الرابعة من المبحث الأوّل من الفصل الثاني ، فالشيخ مَيْثَم ينفرد
بذكر مسألة (الدلالات اللفظية بين
__________________
الحقيقة والمجاز) ، فلم أجد فيما وقعتُ عليه من المصادر مَن ذكر هذه
المسألة فضلاً عن الحكم فيها.
وفي هذا السبيل
أيضاً ، تقييد الشيخ مَيْثَم لتعريف الترادف الذي أورده الإمام الرازي ، فالشيخ يُضيف
قَيْد (الوضع) على التعريف ، فيقول : «كوْن لفظَيْن مفردَيْن ، أو ما زاد عليْهما دالَّيْن
بالوضع على معنىً واحد باعتبار واحد» ، وقد بيّنّا في محلّه أثر هذا القيد.
والشيخ مَيْثَم
في بحثه ، يقدّم لمباحث (الاشتقاق) و (الترادف) و (المشترك اللفظي) بمبحث يتناول فيه
أحوال اللفظ ، وهو في الحقيقة مقدّمة مناسبة لمباحث (فقه اللغة) التي تدور حول أحوال
اللفظ ، فالشيخ ميثم يستبق تلك الموضوعات بهذا البحث ، وهي لفتة مميّزة من الشيخ وإنْ
لم يصرّح بهذا الهدف.
وممّا ظهر في هذا
البحث نظرة الشيخ مَيْثَم للترادف ، واقترابها من نظرة بعض المحدثين ، والذين عمدوا
إلى تقسيمه إلى تامّ وشبه تامّ أو جزئي ، فالشيخ يرى أنّ الترادف يكون بألفاظ متساوية
المعنى أو قريبة منه.
وكما ذكرتُ في المقدّمة
، فإنّ هذا البحث وأمثاله لا يكتمل إلا ببحث آخر يآزره ، هو البحث التطبيقي ، والنظر
في كيفية استثمار الشيخ مَيْثَم لمقدّمته في شرحه.
المصادر
١
ـ القرآن الكريم
٢
ـ الإبهاج في شرح المنهاج للسبكي : السبكي ، عبدالوهاب بن علي ، تحقيق : شعبان محمّد إسماعيل ، د.ت.
٣
ـ الإجازة الكبيرة : السماهيجي ، عبدالله
بن صالح ، تحقيق : مهدي العوازم ، قم : المحقّق ، ١٤١٩ هـ.
٤
ـ الإحكام في أصول الأحكام : الآمدي ، علي بن محمّد ، تعليق : عبد الرزّاق عفيفي ، الرياض : دار الصميعي
للنشر والتوزيع ، ٢٠٠٣م.
٥
ـ اختلاف الأصوليين في طرق دلالات الألفاظ على معانيها وأثره في الأحكام الفقهية (رسالة
دكتوراه) : الملاّ ، أحمد صباح
، القاهرة : الطوبجي ، د.ت.
٦
ـ الإشارات والتنبيهات : ابن سينا ، الحسين بن عبدالله ، شرح : نصير الدين الطوسي ، تحقيق : سليمان دنيا
، القاهرة : دار المعارف ، ١٩٦٠م.
٧
ـ الأعلام : الزركلي ، خير الدين
، بيروت : دار العلم للملايين ، ١٩٨٠م.
٨
ـ أمل الآمل : الحرّ العاملي ،
محمّد بن الحسن ، تحقيق : السيد أحمد الحسيني ، بيروت : مؤسّسة التاريخ العربي ، ٢٠١٠م.
٩
ـ أنوار البدرين : البلادي ، علي بن
حسن ، صحّحه : محمّد علي الطبسي ، د.ن ، ١٩٨٦م.
١٠
ـ البحث النحوي عند الأصوليين : جمال الدين ، مصطفى ، قم : دار الهجرة ، ١٤٠٥ هـ.
١١
ـ البحر المحيط في أصول الفقه : الزركشي ، محمّد بن بهادر ، تحرير : عبدالقادر عبدالله العاني ، الكويت : وزارة
الأوقاف والشئون الإسلامية ، ١٩٩٢م.
١٢
ـ تاريخ الخليج وشرق الجزيرة العربية : خليل ، محمّد محمود ، القاهرة : مكتبة مدبولي ، ٢٠٠٧م.
١٣
ـ التجريد الشافي : الدسوقي ، محمّد
بن أحمد ، القاهرة : مطبعة كردستان العلمية ، ١٣٢٨ هـ.
١٤
ـ تحرير القواعد المنطقية : الرازي ، محمّد بن محمّد ، تعليق : الشريف الجرجاني ، قم : منشورات بيدار ،
١٤٢٦ هـ.
١٥
ـ التصوّر اللغوي عند علماء أصول الفقه : عبدالغفار ، أحمد ، الإسكندرية : دار المعرفة الجامعية ، ١٩٩٦م.
١٦
ـ التعريفات : الجرجاني ، علي
بن محمّد ، بيروت : دار الكتاب اللبناني والقاهرة : دار الكتاب المصري ، ١٩٩٠م.
١٧
ـ حاشية على التهذيب : اليزدي ، الملاّ
عبد الله ، تعليق : السيّد مصطفى الدشتي ، قم : انتشارات دار التفسير ، ١٤٢٧ هـ.
١٨
ـ الحاشية على المطوّل : الجرجاني ، علي بن محمّد ، تحقيق : رشيد أعرضي ، بيروت : دار الكتب العلمية
، ٢٠٠٧م.
١٩
ـ الخصائص : ابن جنّي ، عثمان
، تحقيق : محمّد علي النجار ، القاهرة : دار الكتب المصرية ، ١٩٥٢م.
٢٠
ـ دور الكلمة في اللغة : أولمان ، ستيفن
، ترجمة : كمال محمّد بشر ، القاهرة : مكتبة الشباب ، ١٩٧٥م.
٢١
ـ الذخائر في جغرافيا البنادر والجزائر : آل عصفور ، محمّد علي بن محمّد تقي ، تحقيق : محمّد آل مكباس ، قم : آل مكباس
للطباعة والنشر ، ١٤٢٢ هـ.
٢٢
ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة : الطهراني ، آغا بزرگ ، قم : إسماعيليان ، ١٤٢٩ هـ.
٢٣
ـ السلافة البهية في الترجمة الميثمية : الماحوزي ، سليمان بن عبد الله ، طبعت هذه الرسالة ضمن كتاب : (الكشكول) ليوسف
البحراني.
٢٤
ـ شرح تنقيح الفصول : القرافي ، أحمد
بن إدريس ، بيروت : دار الفكر ، ٢٠٠٤م.
٢٥
ـ شرح الرضي على الكافية : الأسترابادي ، محمّد بن الحسن ، تحقيق : يوسف حسن عمر ، بنغازي : جامعة قار
يونس ، ١٩٩٦م.
٢٦
ـ شرح شافية ابن الحاجب : الأسترابادي ، محمّد بن الحسن ، تحقيق : محمّد محيي الدين عبد الحميد وآخرين
، بيروت : دار الكتب العلمية ، ١٩٨٢م.
٢٧
ـ شرح المطالع : الرازي ، محمّد
بن محمدّ ، تعليق : الشريف الجرجاني وآخرون ، قم : ذوي القربى ، ٢٠١٢م.
٢٨
ـ شرح المفصّل : ابن يعيش ، يعيش
بن علي ، القاهرة : مكتبة المتنبّي ، د.ت.
٢٩
ـ شرح المقدّمة الجزولية الكبير : الشلوبين ، عمر بن محمّد ، تحقيق : تركي بن سهو العتيبي ، الرياض : مكتبة ابن
رشد ، ١٩٩٣م.
٣٠
ـ شرح نهج البلاغة : البحراني ، ميثم
بن علي ، بيروت : دار الثقلين ، ١٩٩٠م.
٣١
ـ شرح نهج البلاغة : البحراني ، ميثم
بن علي ، طهران : مؤسّسة النصر ، ١٣٦٢ هـ.ش.
٣٢
ـ الشيعة وفنون الإسلام : الصدر ، السيد حسن ، تحقيق : السيد مرتضى الميرسجّادي ، قم : مؤسسة السبطين
العالمية ، ١٤٢٧ هـ.
٣٣
ـ الصاحبي : ابن فارس ، أحمد
، تعليق : أحمد حسن بسج ، بيروت : دار الكتب العلمية ، ١٩٩٧م.
٣٤
ـ الصحاح : الجوهري ، إسماعيل
بن حمّاد ، تحقيق : محمّد محمّد تامر وآخرون ، القاهرة : دار الحديث ، ٢٠٠٩م.
٣٥
ـ صحيفة الوسط البحرينية : صفحة منوّعات ، العدد ١٤٤٢ ، الجمعة ١٨ أغسطس ٢٠٠٦م.
٣٦
ـ العالم الربّاني الشيخ ميثم البحراني : الزاكي ، فاضل ، المنامة : دار العصمة ، ٢٠٠٨م.
٣٧
ـ علم الدلالة : لاينز ، جون ، ترجمة
: مجيد عبد الحليم الماشطة وآخرون ، البصرة : جامعة البصرة ، ١٩٨٠م.
٣٨
ـ عوالي اللآلي العزيزية : الأحسائي ، محمّد بن علي ، تحقيق : آغا مجتبى العراقي ، بيروت : دار إحياء التراث
العربي ، ٢٠٠٩م.
٣٩
ـ فصول في فقه اللغة : عبد التوّاب ، رمضان
، القاهرة : مكتبة الخانجي ، ١٩٩٠م.
٤٠
ـ فهرست علماء البحرين : الماحوزي ، سليمان بن عبد الله ، تحقيق : فاضل الزاكي ، المنامة : المحقّق ،
٢٠٠١م.
٤١
ـ القاموس المحيط : الفيروزآبادي
، محمّد بن يعقوب ، بيروت : المؤسّسة العربية للطباعة والنشر ، ١٩٥٢م.
٤٢
ـ قطر الندى وبلّ الصدى : ابن هشام ، عبد الله ، تحقيق : محمّد محيي الدين عبدالحميد ، بيروت : المكتبة
العصرية ، ١٩٩٤م.
٤٣
ـ الكشكول : البحراني ، يوسف
، طهران : مكتبة نينوى الحديثة ، د.ت.
٤٤
ـ الكشكول : البهائي ، محمّد
بن حسين ، قم : منشورات لسان الصدق ، ٢٠٠٦م.
٤٥
ـ لسان العرب : ابن منظور ، محمّد
بن مكرم ، بيروت : دار صادر ، ١٩٩٤م.
٤٦
ـ المحصول في علم أصول الفقه : الرازي ، محمّد بن عمر ، تحقيق : طه جابر العلواني ، الرياض : جامعة الإمام
محمّد بن سعود ، ١٩٧٩م.
٤٧
ـ مختصر منتهى السؤل والأمل في علمي الأصول والجدل : ابن الحاجب ، عثمان بن عمر ، تحقيق : نذير حمادو ، بيروت : دار ابن حزم ، ٢٠٠٦م.
٤٨
ـ مذكّرة المنطق : الفضلي ، عبدالهادي
، قم : دار الكتاب الإسلامي ، د.ت.
٤٩
ـ المرشد في علم المنطق : الموسوي ، يوسف أحمد ، بيروت : دار المحجّة البيضاء ، ٢٠٠٧م.
٥٠
ـ المعجم الأصولي : علي ، محمّد صنقور
، قم : عترت ، ١٤٢١ هـ.
٥١
ـ المعجم الذهبي (فارسي ـ عربي) : التونجي ، محمّد ، بيروت : دار العلم للملايين ، ١٩٨٠م.
٥٢
ـ مقاييس اللغة : ابن فارس ، أحمد
، تحقيق : عبد السلام هارون ، القاهرة : شركة مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي ، ١٩٦٩م.
٥٣
ـ مقدّمة شرح نهج البلاغة : البحراني ، ميثم بن علي ، تحقيق : عبدالقادر حسين ، القاهرة : دار الشروق
، ١٩٨٧م.
٥٤
ـ المقرّر في شرح منطق المظفّر : الحيدري ، رائد ، قم : ذوي القربى ، ١٣٨٦ هـ.ش.
٥٥
ـ منتظم الدرين : التاجر ، محمّد
علي بن أحمد ، تحقيق : ضياء بدر آل سنبل ، بيروت : مؤسّسة طيبة لإحياء التراث ، ١٤٣٠
هـ.
٥٦
ـ نهاية الوصول في دراية الأصول : الهندي ، محمّد بن عبد الرحيم ، تحقيق : صالح اليوسف وسعد السويح ، مكّة المكرمة
: المكتبة التجارية ، د.ت.
من التراث التفسيري لمدرسة النجف
مقاربات
في الدرس القرآني عند الشيخ البلاغي
|
|
السيّد علي محمود البعّاج
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ
العالمين ... والصلاة والسلام على عبادهِ الذين اصطفى محمّد وآله الهداة الطاهرين.
وبعد ...
فقد قيّضت المشيئة
الإلهية والعناية الربّانية للكتاب المجيد حفظة تداولوه بالدرس والتدريس والإبانة والتوضيح
ما كرّ الجديدان ، ولم تثنهم عن ذلك طوارق الحدثان ، وذهبوا في ذلك مذاهب شتّى ، ولا
ضير في هذا ، فإنّ الوصول إلى الله جلّ عُلاه بعدد أنفاس الخلائق.
وأمّا البلاغي ،
فهو وريث البلاغة من أئمّة المفسّرين والرعيل الأوّل في
الفقهاء والمحدثّين من شيوخ العربية ورجال الكلام ، هو الذي ارتحل لينشئ (المدرسة السيّارة) ، ويدعو الناس إلى (الهدى
إلى دين المصطفى) ، وغاص في عالم من المعرفة فسيح لينظم (آلاء الرحمن) أنموذجاً تفسيريّاً يرقى بين عنوانات التفاسير إلى جنب
مجمع
البيان والتبيان والكشّاف والميزان.
وأمّا بالنسبة لي
فالقصور والتقصير مجسّداً في اثنتين : فيّ وفي هذه الوريقات ، وما عساي إلاّ أن تنال
رضا منزّل القرآن والتوراة والإنجيل والزبور (تَعَالَى اللهُ عَمّا
يُشْرِكُوْنَ) ، وأن تنعم بقبول القرّاء الكرام ، ومن الله نستمدّ الاعتصام.
وأقول كما قال صاحب
الذكرى نفسه : «أتطفّل في هذا الشأن ، وأتقحّم في هذا الميدان ، جارياً على ما تقتضيه
أصول العلم ، متنكّباً ما لا حجّة فيه من نقل الأقوال ، متحرّياً للاختصار مهما أمكن
، مستعيناً بالله ومستمدّاً من فضله ، وما توفيقي إلاّ بالله ، عليه توكّلت وإليه أنيب».
مقدّمة
بلاغ عن البلاغي
أجدني غير ملزم
بسرد تاريخي حول نشأة البلاغي ولا بسيرة ذاتية
__________________
حول بلوغ البلاغي شأواً سامقاً في عالم الفقه والتفسير والرجال والنحو ،
لكنّني بعد هذا أودّ الإلماع إلى بعض شذرات من مجريات أيّامه وإثارات من سنيّه وأعوامه.
ولقد قضاها بين
البلدان مهاجراً ...
وبين المعاجم والمصادر
متنقّلاً ...
ذاهلاً عن شؤون
الحياة وشجونها.
١ ـ أصبح من الناس
في عزلة كبارح الأروى من سانح النعام.
٢ ـ على يد تاجر
يهودي في سامرّاء تلقّى اللغة العبرانية وأجادها بعد أن اشتغل أجيراً عند ذلك التاجر
، ثمّ ما لبث أن طردهُ بأمر من الحاخام اليهودي.
٣ ـ عاد إلى الكاظمية
المقدّسة حين احتلّ الإستعمار الإنكليزي سامرّاء المشرّفة وأقام فيها عامين كان له
مشاركات فاعلة في سبيل القضية العراقية الوطنية وإنجاز الاستقلال ، تتلمذ حينها على
السيّد حسن الصدر صاحب كتاب تأسيس
الشيعة لفنون الإسلام.
٤ ـ ذكر بعض من
أرّخ للبلاغي أنّهُ أقام عشر سنين في سامرّاء ، وذلك مستبعدٌ؛ إذ أنّ أستاذه الشيخ محمّد تقي الشيرازي ارتحل إلى كربلاء
__________________
المقدّسة بعد وفاة الميرزا الشيرازي ـ صاحب فتوى التنباك ـ بعد أن آلت الزعامة
الدينية في سامراء إلى السيّد إسماعيل الصدر الذي بقي فيها سنتين وارتحل هو بدوره إلى
كربلاء كذلك ، مضافاً إلى ذلك مراجعة زعماء الثوّار للشيرازي إبّان ثورة العشرين وما
قبلها في كربلاء المقدّسة.
٥ ـ إثارة الرأي
العام ضدّ البهائية في الكرخ من بغداد ، وإقامة الدعوى في المحاكم لمنع تصرّفهم في
الملك الذي استولوا عليه واتّخذوه كعبة لهم ـ وباصطلاحهم (حظيرة) ـ لإقامة شعائر الطاغوت
، فقضت المحاكم بنزعه منهم واتُّخِذَ مسجداً إسلاميّاً تقام فيه الصلوات الخمس والمآتم
الحسينية في ذكرى الطفّ.
٦ ـ كان شاعراً
مرهف الحسّ رقيق الأسلوب متين النظم ، ولعلّ لأخواله السادة آل الهندي أثراً في صقل
موهبته الشعرية ومنهم الشاعر المفوّه المبرّز الحجّة السيّد رضا الهندي الذي قال في رثاء البلاغي :
إنْ تمسي في
ظلم اللحود موسّدا
|
|
فلقد أضئت
بهنّ (أنوار الهدى)
|
فليندب
(التوحيد) يوم مماته
|
|
سيفاً على
(التثليث) كان مجرّدا
|
مشيراً فيها إلى
آثار الشيخ المباركة.
__________________
٧ ـ مؤلّفاته وفوات مترجميه :
أ ـ عدّ الأوسي
ثلاثة وخمسين مؤلّفاً ما بين مخطوط ومطبوع.
وأمّا فواته :
أوّلاً : البلاغ المبين (في الإلهيّات).
ثانياً : أجوبة المسائل البغدادية في (أصول الدين).
ثالثاً : رسالة في وضوء الإمامية وصلاتهم وصومهم (بالنصّ العربي).
رابعاً : رسالة في البداء وقد قدّم لها سماحة الحجّة العلاّمة المغفور له الشيخ محمّد
حسن آل ياسين.
ب ـ فوات الفكيكي
عند ترجمته في مقدّمة الهدى
إلى دين المصطفى :
أوّلاً : أجوبة المسائل الجليّة.
ثانياً : رسالة في الاحتجاج لكلّ ما انفردت به الإمامية.
ثالثاً : رسالة في ردّ بعض الشبهات الواردة إليه من جبل عامل حول القرآن الكريم.
رابعاً : إلزام المتديّن بأحكام دينه.
خامساً : داروين وأصحابه.
سادساً : رسالة في الردّ على جرجيس صال وهاشم العربي.
__________________
سابعاً : رسالة في الردّ على الدهرية.
ثامناً : رسالة في عدم تزويج أمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين
عليهالسلام.
تاسعاً : عمانوئيل في المحاكمة مع بني إسرائيل.
عاشراً : المسيح والأناجيل (في الردّ على النصارى).
أحد
عشر : نور الهدى (في الردّ على مسائل وردت من لبنان).
٨ ـ مصادر ترجمته :
أحصى منها الأوسي
تسعة عشر مصدراً فقط ، بينما ذكر منها توفيق الفكيكي اثنين وعشرين مصدراً فقط ، وإليك ثبتاً بأهمّ مصادر ترجمة البلاغي وهي خمسٌ وثلاثون :
١ ـ أعلام الشيعة
للشيخ آقا بزرك الطهراني (ت ١٣٨٩ هـ).
٢ ـ الطليعة في
شعراء الشيعة للشيخ محمّد السماوي.
٣ ـ أعيان الشيعة
للسيّد محسن الأمين.
٤ ـ الرحيق المختوم
للسيّد محسن الأمين.
__________________
٥ ـ الحصون المنيعة
للشيخ علي كاشف الغطاء.
٦ ـ الأعلام لخير
الدين الزركلي.
٧ ـ التوحيد والتثليث
للبلاغي ، يحتوي على مقدّمة في ترجمة المؤلّف بقلم (م. ع. ج) قم المقدّسة.
٨ ـ الذريعة إلى
تصانيف الشيعة للشيخ آقا بزرك الطهراني.
٩ ـ الرحلة المدرسية
(أو المدرسة السيّارة) للبلاغي ، تحوي مقدّمة عن البلاغي بقلم أحمد الحسيني.
١٠ ـ ريحانة الأدب
في تراجم المعروفين بالكنية واللقب للميرزا محمّد علي مدرّس التبريزي.
١١ ـ شعراء الغري
لعلي الخاقاني.
١٢ ـ آلاء الرحمن
للبلاغي ، يحوي ترجمةً متفرّقة على جزئيه ، وفي أواخره كتب السيّد حسن اللواساني نبذة
مختصرة عن حياة البلاغي.
١٣ ـ البداء ، كتابٌ
للبلاغي بمقدّمة فيها ترجمة بقلم الشيخ محمّد حسن آل ياسين.
١٤ ـ مجلّة الاعتدال
النجفية ، مؤسّسها محمّد علي البلاغي.
__________________
١٥ ـ أنوار الهدى
للبلاغي ، قدّم له آية ا ... الشيخ محمّد مهدي الآصفي.
١٦ ـ ماضي النجف
وحاضرها للشيخ جعفر محبوبة.
١٧ ـ مشهد الإمام
، لمحمّد علي جعفر التميمي.
١٨ ـ رجال الفكر
والأدب في النجف الأشرف للشيخ محمّد هادي الأميني.
١٩ ـ الروض النضير
في شعراء القرن الأخير مخطوط للشيخ جعفر النقدي.
٢٠ ـ آل البلاغي
، مخطوطةٌ بقلم موسى الموسوي.
٢١ ـ وقائع الأيّام.
٢٢ ـ مجلّة الرضوان.
٢٣ ـ كشف الأستار
عن وجه الغائب عن الأبصار للميرزا حسن موسى الطبرسي ، يحوي ترجمةً في آخره مع قصيدة
حول الإمام المهدي(عج)
__________________
للشيخ البلاغي.
٢٤ ـ الكُنى والألقاب
للشيخ الحاج عبّاس القمّي.
٢٥ ـ مجلّة التوحيد
بقلم عبد الكريم آل نجف.
٢٦ ـ مجلّة دراسات
وبحوث بقلم الشيخ رضا الأستادي.
٢٧ ـ مجلّة رسالة
القرآن بقلم علي الكعبي.
٢٨ ـ مجلّة نور
العلم بقلم الشيخ ناصر الدين الأنصاري القمّي.
٢٩ ـ معارف الرجال
للشيخ محمّد حرز الدين.
٣٠ ـ معجم المؤلّفين
لعمر رضا كحّالة.
٣١ ـ مجلّة الهدى
العمارية بقلم محمّد علي الأوردبادي.
٣٢ ـ المنجد في
الأعلام.
٣٣ ـ مقدّمة كتاب
الهدى إلى دين المصطفى بقلم المحامي توفيق الفكيكي.
٣٤ ـ الدكتور علي
الأوسي. البلاغي مفسّراً رسالة دكتوراه من جامعة طهران ١٩٩٥.
__________________
٣٥ ـ نقباء البشر
في القرن الرابع عشر للشيخ آقا بزرك الطهراني.
٣٦ ـ موسوعة
العلاّمة البلاغي ـ مؤتمر العلاّمة البلاغي دفتر تبليغات إسلامي حوزة علمية ـ قم المقدّسة.
__________________
الفصل الأوّل
في مباحث علوم القرآن
(الوجيز في معرفة كتاب الله العزيز)
توطئة :
هي دراسة وافية
ومقدّمة تمهيدية لكتاب آلاء
الرحمن في تفسير القرآن ، تحوي هذه المقدّمة
فصولاً أربع وخاتمة ، وهي في الكثافة المعلوماتية وبلاغة الحجّة وقوّة السبك وأسلوب
المناظرة ما ينبئك عن ضخامة البلاغي وناهضيّته في الدرس القرآني ، فلا مندوحة عنها
لأيّ باحث في علوم القرآن أو من شاء تفسير كتاب الله العظيم بكفاءة واقتدار ، وهي من
الأهمّية بمكان بحيث جُعلت كمقدّمة لتفسير شبّر بمراجعة الأستاذ الدكتور أحمد حفني داود المصري ، وفي تصوّري القاصر أنّ هذه المقدّمة أرست أصول التفسير الإسلامي للكتاب المجيد ، ثمّ هي بالتقييم العلمي تكافئ أطروحة التفسير نفسها في (آلاء الرحمن) ، ويمكن أن تستلّ هذه المقدّمة لتصبح بحثاً أكاديميّاً
ودراسة منهجية لما تضمّنته من مواضيع استثنائية وقضايا
__________________
مصيرية ، حيث تندرج هذه المقدّمة ضمن أبحاث علوم القرآن ، حيث يمكن اعتبارها
واحدة من الكثير من المصادر في هذا المضمار مثل :
النشر
في القراءات العشر.
المعجم
الحديث للقراءات القرآنية.
وكذلك كتب الدفاع
عن القرآن : كالأمالي للسيّد المرتضى وما
وراء الفقه للسيّد الشهيد محمّد
الصدر ومنّة
المنّان في الدفاع عن القرآن للشهيد الصدر أيضاً.
ومفردات
الراغب الإصفهاني التي كانت مرجعاً
لبيان لغة القرآن وكذلك مجمع
البحرين للطريحي.
وكتب علوم القرآن
مثل كتب عبد القاهر الجرجاني والإتقان
في علوم القرآن للسيوطي وبيان السيّد الخوئي وكذا علوم
القرآن للشهيد السيّد محمّد باقر الصدر التي كتبها كمقرّرات تدريسية
لطلبة كلّيّة أصول الدين في بغداد وله في هذا المضمار المدرسة القرآنية كذلك.
وكذلك الكتب الحديثة
حول الفهم العلمي الحديث للقرآن مثل : الآيات الكونية في القرآن لحنفي أحمد والطبيعة في القرآن الكريم للدكتور كاصد ياسر الزيدي.
__________________
وكذلك كتب التاريخ
الديني كالكتب المختصّة بقصص الأنبياء والحديث عن الأمم السابقة أو الحديث عن الجنّة
والنار ويوم القيامة.
ومنها الكتب المعتمدة
لدفع الشبهات مثل : كتاب
الرازي المطبوع في هامش كتاب العكبري وتنزيه
القرآن عن المطاعن للقاضي عبد الجبّار
وتلخيص
البيان في مجازات القرآن للسيّد الشريف الرضي.
كلّ ذلك يصلح كمقدّمة
لفهم التفسير.
إنّ مقدمة تفسير
آلاء الرحمن
ـ الوجيز في معرفة كتاب الله العزيز ـ ظاهرة استثنائية في المسار التطوّري للدراسات القرآنية
، فالمفسّر البلاغي لم يلجْ النصّ القرآني بدون استئذان ، فغدت المقدمة هذه مكتنزة
لرؤى معرفيّة وآراء ناهضة يرتبط أغلبها بعلوم القرآن ، ويحلو للبحث أن يُطلق عليها
(علوم القرآن المقارنة) لما حوته من منهجية المقارنة مع أعلام المذاهب الإسلامية الأخرى
في هذا المضمار ، مبتدئاً بالإعجاز ، والإعجاز من مشتركات الدراسة الأدواتية عند المذاهب
، وكذلك هو موقف إسلامي عامٌّ ضدّ خصوم القرآن باختلاف توجّهاتهم ، ودراسات الإعجاز
دراسات أدواتية غير أنّ البلاغي خاض غمار الإعجاز المضموني الذي أغفله كثير من الدارسين
ثمّ عرّج على (نصوص مزعومة) من القرآن الكريم مستفيضاً في تفنيدها خلافاً
__________________
لـ : (نصوص معصومة). وإنّك لواجدٌ هنا ـ قارئي العزيز ـ أنّ البلاغي إذا وجّه
نقداً موضوعيّاً لكتب أهل السنّة من قبيل مقدّمة ابن خلدون والملل والنحل فإنّه يوجّه نقداً لاذعاً وتحاملا علميّاً أكثر لكتب الإمامية من مثل فصل الخطاب كما سيتّضح لاحقاً ويعطف على (القراءات) ويتناول البلاغة القرآنية (المجاز والكناية
...).
المبحث الأوّل
إعجاز القرآن
صدّر مفسّرنا البلاغي
الفصل الأوّل من مقدّمته بالوضع الاصطلاحي للمعجزة ، حيث يقول في تعريفه للمعجز :
«وهو الذي يأتي
به مدّعي النبوّة بعناية الله الخاصّة خارقاً للعادة وخارجاً عن حدود القدرة البشرية
وقوانين العلم والتعلّم ، ليكون بذلك دليلاً على صدق النبيّ وحجّته في دعواه النبوّة
ودعوته».
واستوفى الحديث
حول :
وجه شهادة المعجز.
حكمة تنوّع المعجز.
__________________
حكمة كون المعجز
للعرب هو القرآن.
امتيازه عن غيره
من المعجزات ، حيث يذكر في هذا المقام عدّة امتيازات :
الأوّل : إنّه تكفّل بدعوى النبي للنبوّة والرسالة في سائر النبوّات.
الثاني : إنّه تكفّل في صراحة بيانه بالشهادة للنبوّة والرسالة فلم تبق حاجة لدلالة
العقل ودفع الشبهات عنها.
الثالث : إنّه تكفّل في صراحته المتكرّرة ببيانه لكمالات مدّعي رسالته وأطرى بصلاحه
وأخلاقه الفائقة ويستنطق النصوص القرآنية في هذا المجال : (مَا
ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) ، (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَد مِن
رِّجَالِكُم ...).
الرابع : إنّه تكفّل بنفسه دفع الموانع عن الرسالة والنبوّة إذ بيّن موادّ الدعوة وأساسيّاتها
ومعارفها : (إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي
هِيَ أَقْوَمُ).
الخامس : إنّه زاد على كونه معجزاً بنفسه بأن كرّر النداء والمصارحة في الاحتجاج بإعجازه
وتحدّيه الناس ويستشهد البلاغي بحشد مبارك من النصوص الجليلة : (أَمْ
يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَر مِثْلِهِ مُفْتَرَيَات)(قُل
لَّئِنِ ، اجْتَمَعَتِ الأنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ
لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهِيراً).
ويعالج الشيخ مسألة
الإعجاز على نمطيّة ثنائية هي الإعجاز القرآني من وجهة العرب والإعجاز القرآني من
وجهة البشر بما نصّه :
«هذا في وجهة الإعجاز
الذي تقوم به الحجّة على العرب ، وأنّ للقرآن المجيد وجوهاً من الإعجاز ممّا يشترك
في معرفتها كلّ بشر ذي رشد».
ومن ذلك ما نحاول
تفصيله وتبيانه في المباحث التالية :
إعجازه من وجهة التأريخ
من موارد الإعجاز
التي يشترك في معرفتها البشرية إعجازه من وجهة التاريخ ، فلم يجعل مفسّرنا من قضية
عدم القراءة والكتابة معجزاً في أخبار القرآن عن الحوادث الماضية والأمم الخالية ،
وإنّما اعتبر اشتراك بعض قصص القرآن الكريم مع التوراة الرائجة التي اتّفق اليهود
والنصارى على أنّها كتاب الله المنزل على رسوله موسى
عليهالسلام
، حيث اعتبره
إعجازاً كاشفاً ـ في آن واحد ـ للتناقضات المريرة في التوراة كما في تحريفهم : قصّة
آدم عليهالسلام
، وشكّ إبراهيم
عليهالسلام
في وعد الله له
بإعطائه الأرض في سوريا ، ومجيء الملائكة إلى إبراهيم بالبشرى بإسحاق ، وإخباره هلاك
قوم لوط ، وحكاية ذهابهم إلى لوط عليهالسلام وذهابهم معه ، وخطاب الله لموسى من الشجرة ، وفي هارون من
أنّه هو الذي عمل العجل ليكون إلهاً لبني إسرائيل ودعى لعبادته وبنى له رسوم
العبادة.
أمّا القرآن الكريم
فقد أورد القصة الأولى في الأعراف وطه ، والثانية في أواخر سورة البقرة ، والثالثة
في سورتي هود والذاريات ، والرابعة في سورة
__________________
طه والنمل والقصص ، والخامسة في سورتي الأعراف وطه ، فجاءت هذه القصص بكرامة
الوحي الإلهي منزّهة عن كلّ خرافة وكفر وعن كلّ ما ينافي قدس الله وقدس أنبيائه.
وفي هذا الموضوع
يحيل البلاغي كثيراً إلى مؤلّفاته التي تعنى بشكل كبير بهذه المواضيع.
يُشار إلى أنّه
قدس سره كتب تفسيره هذا بعد كتابيه الهدى والرحلة المدرسية وذلك بدلالة إحالته إليهما في مواضع كثيرة.
ولهذا الأمر نراه
قد أسهب في الإعجاز التاريخي للقرآن الكريم فكان ناقداً بارعاً وموضوعيّاً دقيقاً.
إعجازه من وجهة الاحتجاج
مقايسةً مع احتجاجات
المسيح عليهالسلام
يعقد المفسّر البلاغي
مع ما ورد عن المسيح ـ حاشا قدسه ـ في الأناجيل وممّا ذكرته من الحجج الساقطة والفاسدة على أمور أكثرها ضلال كالاحتجاج على
تعدّد الآلهة وعلى تعدّد الأرباب وعلى المنع من الطلاق.
__________________
إعجازه من وجهة الاستقامة
والسلامة من الاختلاف
والتناقض
يشير إلى ذلك عندما
يتناول الآيات التي تشير إلى هذا المعنى كما في الآية الشريفة : (وَلَوْ
كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً).
إعجازه من وجهة التشريع العادل ونظام المدنية
فهو يذكر في هذا
الخصوص ما في الكتب الرائجة «من شريعة قتل الأطفال والنساء من البلاد المفتوحة بالحرب
، وانظر إلى العهد الجديد وإلغاءه لنظام المدنية والأخذ أمام الظلم والعدوان بحيث ترك
العالم بلا نظام رادع ولا شريعة تأديب عادلة» مقارناً بالإدارة الإسلامية لجميع العالم إلى الإدارة العائلية والزوجية والبيتية
بل وإلى شؤون الكاتب والشاهد كما في سورة البقرة الآية مأتين وإثنان وثمانين.
إعجازه من وجهة الأخلاق
يستحضر البلاغي
النصّ المبارك : (إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأحْسَانِ
__________________
وَإِيتَاءِ
ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ). ويعقب بقوله :
«أنّ القرآن الكريم
أقام أشرف مدرسة زاهرة ، وأعلا فلسفة مرشدة ، وأبلغ خطابة واعظة ... ، بينما التوراة
الرائجة التي فيها وشلٌ من تعاليم التوراة الحقيقية ... فأمرت بني إسرائيل ... بالوشاية
وشهادة الزور ...».
ويستطرد الشيخ حول
الأناجيل أيضاً :
«ولك العبرة أيضاً
بأنّ الأناجيل الرائجة قد أفرطت بتصوّفها البارد فنهت عن ردع الظالمين بالانتصاف من
الظالم ، وقطع مادّة الفساد بالحدود الشرعية ودفاع الظالمين ، بل علّمت : بأنّ من لطمك
على خدّك الأيمن فأدر له الآخر أيضاً ، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء
أيضاً ، ومن أخذ الذي لك فلا تطالبه».
إعجازه من وجهة علم الغيب
وهي من آخر الدلائل
التي يشير إليها بالتفاصيل شيخنا البلاغي حول الإعجاز؛ فاستشهد بجملة من المغيّبات
في القرآن الكريم التي أثبتت بمرور الأيّام صدقيّتها وحقيقتها وحتميّتها كما في الآية
٢ و ٣ من سورة الروم :
__________________
(غُلِبَتِ الرُّومُ فِي
أَدْنَى الأرْضِ ...) وأخباره بشأن أبي لهب وزوجته : (سَيَصْلَى
نَاراً ذَاتَ لَهَب وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ).
وكذلك (هُوَ
الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
لكن ما ورد في إنجيل
متّي من خبر واحد غيبي عن المسيح كان كاذباً؛ وذلك حول صلبه ودفنه.
تعقيب :
يُشار إلى أنّ السيّد
الخوئي في (بيانه) فصّل القول في تلك الوجوه الإعجازية متّكئاً على مباحث أستاذه البلاغي
هذه.
المبحث الثاني
جمع القرآن
يتعرّض المفسّر
في الفصل الثاني من مقدّمته ويتطرّق بمزيد من
__________________
الإسهاب والتوسعة حول قضية بدت خلافية في فترات متأخّرة ألا وهي (جمع القرآن
في مصحف واحد) فهو يفرد حيّزاً واسعاً لتلك القضية إذ يخصّص الفصل الثاني لها ولما
يستتبع من طرحها ، وبالإمكان إجمال أطروحته تلك بالآتي :
١ ـ أظهر أنّ (جمعه
في مصحف واحد) كان على عهد النبي(صلى الله عليه وآله).
٢ ـ عضّد ذلك بجمهرة
من المرويّات والأخبار الواردة عن الصحابة(رض).
٣ ـ استعان بالدليل
التاريخي لأيّام العرب ومنها شدّة حافظتهم وفطرتهم في التلقّي والاستيعاب ، مضافاً
لذلك اهتمامهم بالقرآن وعنايتهم الفائقة به.
٤ ـ أوضح أنّ أمير
المؤمنين عليّاً عليهالسلام
جمع القرآن بعد
وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله)على ترتيب نزوله وتقديم منسوخه على ناسخه.
٥ ـ ثمّ عرّج على
تضارب الروايات وتناقضها في جمع القرآن.
٦ ـ واستطرد إلى
بعض من الآيات المكذوبة والتي ألصقت بالقرآن حسب تعبيره ولا سيّما حول الآية المدّعاة
المنتحلة (لو أنّ لابن آدم واديين لسأل وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب)
وكذا سورتي القنوت
__________________
وآية الرجم؛ وردت تلك الآيات كما يقرّر الشيخ في أمّهات المصادر الإسلامية
للمذاهب الأخرى ، وقد ناقشها الشيخ نقاشاً مستفيضاً بأدلّة عقلية ونقلية منتهياً إلى
إثبات ضحالتها وأنّها ممّا لا يعبأ به من هذر الكلام.
وتحدّث عن (الإجماع)
وهو مطلق تقريبي متسائلا في إلتفاتة باهرة لتفنيد تلك الآيات الموهومة : «أن يقيّد
الأمر بالشيخ والشيخة مع إجماع الأمّة على عمومه لكلّ زان محصن بالغ من ذكر أو أنثى
، وأن يطلق الحكم بالرجم مع إجماع الأمّة على اشتراط الإحصان فيه»ب ، ومن مؤاخذاته على هذا النصّ المزعوم : أورد البلاغي رواية عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : «لولا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطّاب في كتاب الله ، لكتبتها
(الشيخ والشيخة ...). ولم يعقّب البلاغي على هذه الرواية لوضوحها فبيان المراد
منها تصدير عمر مقولته : بـ : (لولا) وهي أداة إمتناع لوجود ، يدلّ دلالة قطعية على
أنّ النصّ ليس قرآنيّاً في شيء ، ويستدلّ الشيخ البلاغي في تضعيف أو تقويض النصّ المزعوم
برواية أخرى عن الخليفة الثاني ذاته : «رجم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ورجم
أبو بكر ورجمت ، ولولا أنّي أكره أن أزيد في كتاب الله
__________________
لكتبته في المصحف» ، وهذا اعتراف صريح في أنّ النصّ ليس نصّاً قرآنياً.
٧ ـ قطع بشكل متيقّن
بقول الإمامية : عدم النقيصة بالقرآن معزّزاً ذلك بما أورده أساطين المحدّثين ومنهم
الصدوق والشيخ المفيد في (أوائل المقالات) والسيّد المرتضى والشيخ الطوسي.
٨ ـ ردّ على صاحب
كتاب فصل
الخطاب ما نقله عن كتاب دبستان
مذاهب حيث قال في نهاية ردوده وإفحامه إيّاه بآراء الإمامية : «هذا بعض الكلام في
هذه المهزلة ، وأنّ صاحب فصل
الخطاب من المحدّثين المكثرين المجدّين في التتبّع للشواذّ ، وأنّه
ليعدّ أمثال هذا المنقول في دبستان
المذاهب ضالّته المنشودة».
المبحث الثالث
القراءات القرآنية
لقد أفرد مفسّرنا
الفصل الثالث من مقدّمته لأطروحة القراءات القرآنية.
ويمكن أن نستقرأ
منها ما يلي :
١ ـ إنّ القراءات
السبع فضلاً عن العشر إنّما هي صورة بعض الكلمات
__________________
لا بزيادة أو نقصها ، ومع ذلك ما هي إلاّ روايات آحاد عن آحاد لا توجب
اطمئناناً ولا وثوقاً.
٢ ـ أوضح اختلاف
القرّاء في ما بينهم في القراءات.
٣ ـ أكّد أنّ أسانيد
هذه القراءات الأحادية لا يتّصف واحدٌ منها بالصحّة في مصطلح أهل السنّة في الأسناد
فضلاً عن الشيعة.
٤ ـ أكّد رأي الإمامية
في قراءتهم كما يقرأ الناس.
٥ ـ عالج الرواية
الشهيرة : «أنّ القرآن نزل على سبعة أحرف» وحقّقها بعين الناقد البصير مثبّتاً عدم صحّتها وإبطالها فهو يصرّح : «ولا نتشبّث
لذلك بما روي من أنّ القرآن نزل على سبعة أحرف فإنّه تشبّث واه واهن».
٦ ـ حمل على تلك
(السبعة أحرف) مظهراً تناقضات الرواية نفسها والرواة.
٧ ـ فصل الخطاب
عند الإمامية : إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد.
٨ ـ أوضح أنّ القراءات
القرآنية ليست درس معاجم اللغة وإنّما تحرّي قراءته وتحقيقها تبعاً لما أوحي إلى الرسول(صلى
الله عليه وآله) وخوطب به.
__________________
المبحث الرابع
في تفسير القرآن
إنّ مسألة التفسير
هي صلب البحث ومادّته الرئيسة ، فهو يتناولها بالفصل الرابع من مقدّمته ويقسّم الفصل
إلى ما يصطلح عليه ـ هو ـ بالمقامات ، ونستشف من مبحثه هذا :
١ ـ إنّ محض الركون
إلى آحاد اللغويّين تعبّداً بكلامهم وتقليداً لآرائهم فذاك ممّا لا مساغ له.
٢ ـ استشهد بكثير
من الاضطراب عند المفسّرين ومنها تفسيرهم : اللّمس والمسّ ، ونقل في ذلك كثير من آراء
اللغويّين المخالفة.
٣ ـ اعتبر أنّ «الفقهاء
أحذق في استفادة المعنى من تتبّع موارد الاستعمال؛ وذلك لما اعتادوه وشحذوا به أذهانهم
من بذل الجهد بالبحث والتحقيق».
٤ ـ ذكر من موارد
اضطراب المفسّرين معنى (التوفّي).
٥ ـ وردّ على روايات
قائلة : بعدم معرفة ابن عبّاس بمعنى تنوء في
__________________
قوله تعالى (مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ
لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي الْقُوَّةِ). ولكن ابن عبّاس أجاب عن ذلك :
تمشي فتثقلها
عجيزتها
|
|
مشي الضعيف
ينوء بالوسق
|
مرجعية التفسير
«أنّ المفزع في
التفسير هو ما يحصل به العلم من إجماع المسلمين اتّفاقهم في الرواية للتفسير ، أو في
الرواية عن الرسول(صلى الله عليه وآله) في الدلالة على من يفزع إليه بعده في تفسير
كتاب الله وذلك كحديث الثقلين المتواتر القطعي».
هكذا تحدّث البلاغي
في المقام الثالث من الفصل الرابع لمقدّمته وترشّح من خلال تفصيلاتها :
١ ـ إنّ المفسّر
البلاغي من رجال الحديث وعلومه أيضاً ، فله القدرة الواسعة والكفاءة المقتدرة في هذا
المجال.
٢ ـ يتعرّض إضافةً
إلى حديث الثقلين لحديث الغدير المتواتر المشهور القطعي في تعزيز أطروحاته.
٣ ـ البلاغي يكرّر
ما ذكره سلفاً من اختلاف المفسّرين والقرّاء ، وينعى
__________________
على الذين قالوا بالتفسير الباطن ركوناً بآرائهم إلى مزاعم المكاشفة والوصول.
٤ ـ يتألّق المفسّر
البلاغي كداعية من دعاة الوحدة الإسلامية ورجل من رجال التقريب بين المذاهب فهو يؤكّد
: «حديث الثقلين المتواتر القطعي الذي ذكره إخواننا أهل السنّة في كتبهم وأوردوا من
روايته عن الصحابة (رض) الذين سمعوه من رسول الله(صلى الله عليه وآله) أكثر من ثلاثين
صحابيّاً».
ولا أعلم كلاماً
أرقّ من هذا ولا حديثاً يوحّد أبلغ منه.
المبحث الخامس
أسرار البلاغة القرآنية
من المقام الثاني
في الفصل الرابع للمقدّمة تتّضح أبعاد الرؤية البلاغية للبلاغي عن القرآن :
١ ـ نعى على النحاة
جمودهم على التقليد الذي أدّى بهم إلى عثرات الوهم وأحجام الشكوك ومنهم شرّاح ألفية
ابن مالك.
٢ ـ شدّد النكير
على إمام من أئمّة البلاغة ـ الزمخشري ـ وذلك لاعتقاده ـ ضمن مؤاخذات كثيرة عليه ـ بزيادة (لا) في قوله تعالى (لاَ
أُقْسِم) الواردة بمواضع عديدة من القرآن.
__________________
٣ ـ لم يترك الشيخ
البلاغي في هذا الصدد المنهج البياني في توضيح المراد ، بل أشار إلى أصوله وقواعده
وفرّق بين مجازه والحقيقة ووضّح الاستعارة في التنبيه والكناية ، وناقش الزمخشري في
كشّافه ونقد آرائه ولكنّه كعادته التجأ إلى الاختصار بدلا من الإطناب وصرّح بأنّه ترك الكثير فقال : «ولولا الحمل على التحامل لذكرنا من الكشّاف وغيره أكثر من ذلك وفي ذلك كفاية لأولي الألباب».
٤ ـ كما شنّ هجوماً
ضارياً على بعض المفسّرين في تتابعهم على رأي الزمخشري بخصوص (لا) وفي بعض آرائهم بزيادة
(الواو) في قوله تعالى (وَلَوِ افْتَدَى بِهِ) ، (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) ، (وَفُتِحَتْ أبْوَابُهُا). وهو يقطع برأيه ـ البلاغي ـ بأنّها واو عطف على محذوف
يدلّ عليه سياق القرآن.
٥ ـ اعتبر البلاغي
أنّ دعوى الزيادة تلك يغتنمها أعداء الإسلام في فرصة الاعتراض.
٦ ـ حول أسرار البلاغة
القرآنية ينصّ البلاغي : «إنّ جماعة وقفوا عن الوصول في بعض ما في القرآن الكريم من
فرائد البراعة وفوائد البلاغة حتّى صار يلوح من تردّدهم أنّ ذلك مخالف لقواعد اللّغة
العربية فاغتنم أعداء
__________________
القرآن من ذلك فرصة الاعتراض». ومن ذلك أثناء المعالجة العلمية للمجاز كباب من أبواب البلاغة
التي سفّه فيها أحلام ابن تيمية ومحمّد بن عبد الوهّاب وفنّد عقائدهم حيث ذهبوا ـ الوهّابية
ـ في تفسير الآيات الكريمة :
(الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ
اسْتَوَى).
(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَواتِ
وَالأَرْضَ).
(عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ
رَبُّكَ مَقَامَاً مَحْمُوْدَاً).
إلى التجسيم دون
الالتفات إلى مرامي القرآن من المجازات والتشبيه والاستعارات حتّى بلغ بهم أن قالوا
عن الآية الأولى : يسمع له أطيط الرحل.
المبحث السادس
الآفاق العلمية
من مزايا تفسير الآلاء هو اهتمامه بالظواهر العلمية والحقائق الكونية ، بمداخلة علمية تشريحية ـ لو
جاز التعبير ـ يعتقد مفسّرنا البلاغي في المقام الرابع من الفصل الرابع للمقدّمة ميزان
الرجاحة بين العقل والقلب وذهب إلى :
١ ـ مركز التعقّل
والإدراك والاهتداء كما نسبه القرآن الكريم ـ حسب
__________________
البلاغي ـ القلب ، أمّا المتجدّدون فينسبون الإدراك وآثاره إلى الدماغ.
٢ ـ نمو الدماغ
يتوقّف في الأربعين من عمر الإنسان ثمّ يأخذ بالتناقص تدريجاً ، بينما القلب لا يزال
يأخذ بالنموّ والزيادة إلى الأدوار الأخيرة من حياته.
٣ ـ يقرّر الشيخ
أنّ الدماغ هو محفظة لصور المدركات التي يستودعها القلب إيّاه.
٤ ـ خلاصة الحجّة
: «هو أنّ وجوه الإعجاز في القرآن الكريم حجّة على أنّه منزل من الله خالق القلب والدماغ
بعلمه وحكمته ، وقد أخبر بأنّ محلّ الإدراك والتعقّل وآثاره هو القلب».
وبذلك انتهت المقدّمة
وكانت خاتمتها للمصادر والمراجع.
ولم تقتصر مصادره
في الوجيز
في معرفة كتاب الله العزيز على علماء الإمامية وآرائهم بل نظر في آراء الفرق الإسلامية الأخرى بحيث يلفت
مصادره من الفرق الإسلامية الأخرى أكثر من المصادر الإمامية.
__________________
الفصل الثاني
تفسير آلاء الرحمن
مقدّمة تمهيدية
مباحث التفسير :
التفسير
لغةً : البيان والكشف ، وفي القرآن الكريم جاء هذا المعنى في قوله تعالى (وَلاَ
يَأْتُوْنَكَ بِمَثَل إلاّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيْرا).
فتفسير الكلام ـ
أيّ كلام كان ـ معناه الكشف عن مدلوله وبيان المعنى الذي يشير إليه اللفظ.
أمّا
التفسير اصطلاحاً : علمٌ يبحث فيه
عن القرآن الكريم بوصفه كلاماً لله تعالى ، وبهذا الاعتبار يتميّز عن علم (الرسم القرآني)
الذي يُعنى بكلامه تعالى من حيث إنّه حروف ، في حين علم (القراءة والتجويد) يتميّز
عنه بوصفه معنيّاً بقراءات الكلام الإلهي ، وهناك تعريفات أخرى كثيرة لكنّنا نرى أنّ هذا التعريف فيه جامعيةٌ واختصار.
ومن خلال قراءة
تاريخية لتطوّر علم التفسير عند المسلمين يمكن تقسيم المراحل التي مرّ بها إلى :
__________________
الأولى : مرحلة الصحابة.
الثانية : مرحلة التابعين.
الثالثة : مرحلة المؤلّفين. وامتدّت إلى القرن الرابع الهجري.
الرابعة : مرحلة التفاسير العلمية وفقاً لتنوّع المشارب والاختصاصات الفكرية. ولا شكّ في تنوّع التفسير واختلاف مذاهبه وتعدّد مدارسه
والتباين في الكثير من الأحيان في اهتماماته واتّجاهاته ، حيث يمكن تلخيصها كالتالي
:
فهناك التفسير الذي
يهتمّ بالجانب اللّفظي والبلاغي والتصوير الأدبي ، كتفسير الكشّاف وفي ظلال القرآن
والتفسير البياني.
وهناك التفسير بالباطن
، وهي صادرة ـ عادةً أو غالباً ـ من مشايخ الصوفية كابن عربي وغيره.
والتفسير بالحديث
، بمعنى تورّع المؤلّف عن إبداء رأيه والاقتصار على سرد السنّة الشريفة للمعصومين
عليهمالسلام
أو المأثور عن الصحابة
والتابعين ومثاله : الدرّ المنثور والبرهان.
والتفسير بالرأي
المعتبر أو من خلال محاولة الفهم من ظواهر وسياقات القرآن الكريم نفسه ، وهي عامّة
التفاسير لدى المذاهب الإسلامية
__________________
ومنها تفسير الميزان.
والتفسير بالمنطق
والجدل والفلسفة مثل تفسير الفخر الرازي.
وهناك التفسير المتحيّز
الذي يتّخذ مواقف مذهبية مسبقة يحاول أن يطبّق النصّ القرآني عليها.
وهناك التفسير الغير
متحيّز الذي يحاول أن يستنطق القرآن نفسه ويطبّق الرأي على القرآن لا القرآن على الرأي.
والتفسير بالمادّة
العلمية كتفسير الجواهر للشيخ طنطاوي جوهري.
وتفسير النصّ القرآني
بحسب تاريخ نزوله وهو تفرّد بحثي لحدّ الآن.
وهناك التفسير الذي
يعالج مسائل الفقه وتناول تفسير الآيات وفق الضوابط الفقهية التي اصطلح عليها (آيات الأحكام) ومن ذلك كنز العرفان للمقداد وأحكام
القرآن للجصّاص.
إلى غير ذلك من
الاتجاهات المتباينة في التفاسير الإسلامية ، وبرغم تغاير مناهجهم في البحث والتدوين
التفسيري إلاّ أنّهم ظلّوا أسرى منهج واحد هو (المنهج التجزيئي) ويراد به : المنهج
الذي يتناول المفسّر ضمن إطاره القرآن الكريم آية فآية وفقاً لتسلسل تدوين الآيات في
المصحف
__________________
الشريف.
إنّ هذا التطوّر
في الحركة التفسيرية سرعان ما كفّ عن الاستمرار مع تفاقم الحاجة إلى فهم جديد للقرآن
في ظلّ بروز المعطيات الفكرية الجديدة للانتصارات التي حقّقتها المناهج المعرفية الحديثة
ونأى المسلمون عنها ونأت عنهم.
في ظلّ هذه الأجواء
طرح الشيخ البلاغي محاضراته في التفسير : (آلاء الرحمن) وتمّ تدوينها بعد ذلك.
وقام بعده الشهيد
السيّد محمّد باقر الصدر بحركة جديدة في التفسير من خلال المنهج الموضوعي أو ما اصطلح عليه بـ : (التفسير الموضوعي) أو (التوحيدي) ويعني به ـ الشهيد
الصدر ـ «إنّ المفسّر يبدأ من الموضوع والواقع الخارجي ويعود إلى القرآن الكريم
وهو توحيدي باعتبار أنّه يوحّد بين التجربة البشرية وبين القرآن الكريم لا بمعنى أنّه
يخضع القرآن للتجربة البشرية بل بمعنى أنّه يوحّد بينهما في سياق بحث واحد لكي يستخرج
نتيجة هذا السياق الموحّد من البحث المفهوم القرآني الذي يمكن أن يحدّد موقف الإسلام
تجاه التجربة أو المقولة الفكرية التي أدخلها في سياق بحثه ، هذا من جهة ، ومن جهة
أخرى يسمّى (موضوعيّاً) باعتبار أنّه يختار مجموعة من
__________________
الآيات تشترك في موضوع واحد».
حيث يمكن أن نصل
من خلال ما سلف إلى نتاج (النظرية القرآنية) المتكاملة وهو أمر بالغ الأهمّية وبالغ
الدقّة ضمن متطلّبات واحتياجات العصرنة والحداثة.
مدخلية البحث
بين يدي (آلاء الرحمن)
لقد كان للمؤسّسة
الدينية في النجف الأشرف وأخواتها من حواضر العلم وموئل الشريعة ومثابة العلماء اهتمام
أقلّ بالدرس القرآني ـ تفسيراً وعلوماً ـ إن على مستوى التدريس أو التدوين مما هو عليه
الحال بالنسبة للفقه والأصول ، وتلك لعمري مفارقة جدُّ مؤلمة غير أنّ الشيخ البلاغي
النجفي ـ وهو نتاج مدرسة تقليدية ووريث أطروحة كلاسيكية في تحصيل العلوم الحوزوية المقتصرة
تقريباً على الفقه والأصول ـ قد انبرى للتفسير محاضرةً وكتابةً وكان من نتاجه (آلاء الرحمن) وهو : مجموعة البحوث والمحاضرات التي ألقاها على تلامذته
ومريديه في المسجد أو على فراش المرض ابتدأ بها ـ طاب ثراه ـ سنة (١٣٥٠هـ) واستمرّ
يلقيها على ما هو عليه
__________________
من شدّة المرض وغاية الضعف وشيخوخة قاربت من العمر السبعين وحتّى عام (١٣٥٢ هـ).
يستذكر الشيخ محمّد
رضا المظفّر في بعض من خواطره المدوّنة بقلمه : «في عام (١٣٤٩ هـ) عندما هاجمت النجف كتب عدائية حسّست الشعور العامّ ، اتّخذه
جماعة منّا ـ وأكثرهم من هاتين الجماعتين السابقتين وأعضاء في المنتدى أيضاً الآن ـ
وسيلة للنهضة بتأسيس جمعية للنشر والتأليف وكان ينوي بعض القائمين بالحركة الذين اتّصلت
بهم استغلال هذه الجمعية إذا تمّت لإصلاح الدراسة الدينية ...».
إلى أن يستطرد في
مذكّراته : «وقد تمكّن القائمون بالنهضة أن يشركوا معهم أشهر رجالات النجف وعلمائها ومفكّريها حتّى انتخبوا هيئة عاملة
تتألّف من سبعة أشخاص وهيئة عليا من ثلاثة مجتهدين وباقتراح من الهيئة العليا نهض العلاّمة
الأكبر المرحوم الشيخ محمّد جواد البلاغي لتأليف تفسير مختصر للقرآن العظيم ليكون باكورة
الأعمال أسماه (آلاء
الرحمن)
__________________
وعاجلته المنيّة قبل إكماله وخرج منه جزءان وطبعا ...».
طبعات (آلاء الرحمن) :
لقد كان (آلاء الرحمن) آخر نتاجاته الفكرية ونهاية المطاف في حياته العلمية وطبع
عدّة طبعات :
الأولى في حياته
بمطبعة العرفان في صيدا لبنان بجزئين سنة (١٣٥٢ هـ).
ثمّ توالت طبعاته
ومنها طبعة دار إحياء التراث العربي في لبنان وهي المعتمدة في بحثنا المبسّط هذا.
الطبعة الأخيرة
بحسب اطّلاعي طبعة محقّقة بجزئين في مؤسّسة البعثة بقم المشرّفة.
ابتدأ مفسّرنا الآلاء
بسورة الفاتحة وانتهى إلى الآية ٥٧ النساء (وَالَّذِيْنَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنّات تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأَنْهَارُ
خَالِدِيْنَ فِيْها أبَدَا) وفي تصوّري القاصر أنّ هذا خير مختتم يتفأّل به في حياته المباركة مقبلاً على
حياته الأخرى ، وقد تعرّض لتفسير آية الوضوءمن سورة المائدة بالرغم من عدم توفيقه لتفسير هذه السورة
وما بعدها من
__________________
السور حيث قال : «وحيث إنّ الآية السادسة من سورة المائدة لها مشاركة مع آية
التيمّم في كثير من الأحكام آثرنا أن نتعرّض لتفسيرها في هذا المقام
قياماً بحقّ المناسبة ، وما نحاوله من الاختصار وتعجيلاً للخير ومن الله التوفيق
والتسديد».
إلى هنا وقد جفّ
المداد وتعطّل يراعهُ الثبت رضياللهعنه.
المبحث الأوّل
التوصيف الإجمالي لمنهج (آلاء الرحمن)
يصنّف البعض تفسير
(آلاء
الرحمن) ضمن المذهب التفسيري
الاجتماعي مقارناً بتفسير (الذكر
الحكيم) للشيخ محمّد عبده
(ت ١٣٢٣ هـ) ، وبوصف عبده والبلاغي مجدّدان بلحاظ البعد الزمني المشترك في مطلع القرن
العشرين ، وقد اعتمد البلاغي المفسّر في آلاء الرحمن المنهج التجزيئي ، وقد بيّنّا سابقاً ما هو المنهج التجزيئي ، وما قصد إليه
البلاغي كان متناغماً مع طريقة القدماء في تجزئة التفسير ، غير أنّ البحث هاهنا يرى
أنّ منهجيّته في التفسير وإن كانت تجزيئية إلاّ أنّها أقرب إلى التفسير الموضوعي أو
__________________
التوحيدي؛ وذلك واضح من خلال معالجته للعناوين والموضوعات التالية :
الشفاعة ، التوحيد
، السبط ، العول ، التعصيب ، الحجّ.
وفي حقيقة الحال
أنّ البلاغي على الرغم من طابعه الفقهي المميّز فهو المجتهد المطلق ووريث مملكة الفقه
(النجف) فإنّه جمع كلّ هذا الطيف في تفسيره المميّز : من تاريخ أديان ، وكتب العهدين
، والبلاغة وأسرارها ، والعربية وصرفها ، والحديث ورجاله ، وما شئت فعبّر.
وأنّه ليعتمد طريقة
(الفنقلة) التي تعدّ من سمات التفكير المنطقي والبحث العقلي بنحو : فإن قيل ... قيل
لهم وما إلى ذلك.
وتراه دائماً يقطع
برأيه بعد كلّ خلاف فيقول : أقول ويستطرد بذكر آرائه.
ورأيته دائب التوثيق
للمصادر والمراجع وذلك من ثوابت المناهج الأكاديمية اليوم على العكس من بعض المفسّرين
الكبار ومنهم الطباطبائي في الميزان فهو يدلي بالمعلومة من غير أن يذكر المصدر أو يتذكّره
لأنّها صارت جزءاً من ثقافته.
وعند اعتماده المصادر
والمراجع فإنّه يتعرّض لآرائها إذا كانت سلبية ـ على الأعمّ الأغلب ـ ثمّ ينقضها ويقوّضها
فلا يستبدّ به الأسلوب البلاغي أو جماليّات التراكيب.
__________________
وقراءتنا لهذا النتاج
الضخم والأثر الناهض على محدوديّته (بجزئين) : أنّه جمع بين المعقول والمنقول وهو يصلح
للمبتدئين وللمنتهين نظراً لتركيزه الشديد ودقّة عبارته واختصاره غير المخلّ.
أمّا المؤاخذات
التي عليه فقد لاحظ البحث عدم التعرّض إلى أغراض السور ، وأسباب النزول ، والمكّي والمدني
، والقراءات القرآنية ، والحجّة ، كما تعرّض لها مثلاً صاحب مجمع البيان الذي يعدّ أحد المصادر المهمّة لآلاء الرحمن.
وسوف نسهب في الحديث
ونفصّل الموضوع ونقترب من مقاربات المنهج التفسيري عند البلاغي
رضياللهعنه.
المبحث الثاني
المنحى الوحدوي في تفسير (آلاء الرحمن)
لعلّ التفاسير تشكّل
أقوى دعامة وثابتة مشتركة تلتفّ حول مركزيّتها المذاهب الإسلامية ، ولم لا وهي تلتقي
حول (مأدبة الله).
وعندما أُنشئت دار
التقريب بالقاهرة في أربعينيّات القرن المنصرم ـ وهي حين ذاك بادرة استثنائية وفاصلة
تاريخية ـ انتخب مجمع
البيانكتفسير أمثل للمذاهب كلّها ، وقد امتدحت الدار التفاسير الإسلامية
الإمامية
__________________
ومنها الميزان للطباطبائي ، إذ وصفته بأنّه «قوّة علمية متعمّقة في البحث مع
السهولة واليسر والبعد عن التشدّد والتخفّف من المذهبية الخاصّة إلى حدّ بعيد ، والرجوع
إلى القرآن نفسه بتفسير بعضه ببعض» ، ومن إرهاصات المنحى الوحدوي في آلاء الرحمن :
أوّلاً : اعتماده على المصادر غير الإمامية كاعتماده على مصادر الإمامية ، والتي بلغت
بمجموعها ٢٠٤ مصدراً جلّها من المذاهب الأخرى.
ثانياً : كان ينأى عن التعصّب والتقليد الأعمى ، وكان رائده الحقّ أينما كان ، والحكمة
ضالّة المؤمن.
ثالثاً : متبنّياته منهجية (أنا والآخر) أوّلاً وعرفانيّته وتواضعه ثانياً ، جعلاه
محاوراً فريداً ومناظراً عنيداً.
رابعاً : عدم اطلاقه الأحكام جزافاً بسبق العلم منه ، وإنّما يعرض وجوه الرأي فيستقبل
الرأي الصائب ويقطع بالقول الصادع.
خامساً : ما ذكر الصحابة الكرام إلاّ وأعقبها بالدعاء لهم ، وكان بعيداً غاية البعد
عن التهجّم والقذف والسباب والتحامل حتّى مع أعتى خصومه.
سادساً : من دعاة حوار الأديان أو ما عرف اليوم بحوار الحضارات والثقافات من خلال مخاطبته لأهل الكتاب.
سابعاً : تمكّن البلاغي من التنظير للتفسير المقارن ـ لو جاز التعبير ـ
__________________
وأضحت مداولاته كاشفةً عن فقه مقارن يمثّل إحدى مرتكزات الوحدة والتقريب.
المبحث الثالث
اللمحات العرفانية في تفسير (آلاء الرحمن)
ليس البلاغي من
أولئك الذين ادّعوا المكاشفة وأصحاب الباطن وأرباب الطريقة ، بل إنّ الأخلاق والعرفان
منجز عنده تنظيراً وتطبيقاً ، فلأوّل وهلة يطالعك الآلاء مُصدّراً باسمه المبارك متجرّداً ـ محمّد جواد البلاغي النجفي ـ هكذا عن كلّ
لقب وعن أيّ نعت أو أيّة إضافات ، وهي تشير إشارة حقيقية إلى الجذبات العرفانية ، حتّى
أنّه ابتداءً لم يشرع بتدوين اسمه على مؤلّفاته خشية الذاتيات ، وأنّك لواجد في ثنايا
بحوثه لفتات معمّقة ولمحات عرفانية : «أنّه عرفاني من العرفاء وأصحاب الحكمة ، يستحضر
كلّ مفردات المتألّهين في عبادته ، ويسلك مهيع المتهجّدين في معاملاته ، كان يحمل على
علمه وفقهه شؤون بيته ، ومن مؤلّفاته حذف اسمه لاغياً لإنّيّته ، بيد أنّ الحاجة دعت
إلى ذلك فاضطرّ إلى توقيعه ، وفي مطارحاته يدعو في البدء لخصمه ويحيّيه ويطلب التوفيق
والتسديد له».
__________________
في قوله تعالى :
(قَالَ الَّذِيْنَ يَظُنُّوْنَ أنَّهُمْ مُلاقُوا
اللهَ) يذكر الشيخ : «أي الذين لم يلههم الأمل ، بل قرّبوا الموت في كلّ حين إلى ظنّهم
، شوقاً إلى الله برفع الحجاب الشهواني كما قدّمناه في ٤٣ ، قالوا من قوّة إيمانهم
وثبات عزمهم وحسن ظنّهم بالله».
وفي معالجته للنصّ
القرآني (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ
وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ
وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا ...) يقول شيخنا المفسّر : «أيّها المسلمون (أنْ تَدْخُلُوا الجَّنَّةَ)وتنالوا درجاتها
الرفيعة جزاءً ومكافأةً بدون إخلاص ثابت وصبر وثبات على نصر الدين وشدائده وبدون تمحيص
للصادق من الكاذب (يَمُنُّوْنَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ
لاَ تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلاَمَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ) بلطفه (لِلإيْمَانِ إنْ كُنْتُمْ
صَادِقِيْنَ)الحجرات. (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ
تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ الْمُجَاهِدِيْنَ مِنْكُم وَيَعْلَمَ
الصّابِرِيْنَ)؛ أي ولمّا يجاهد المجاهدون منكم ويصبر الصابرون فيكون قد
علم بعلمه التابع في الأزل أنّهم سيجاهدون ويصبرون باختيارهم رغبةً في ما عند الله
ونصراً لدين الحقّ».
وخذ إليك أنفاسه
في تهذيب النفس وتزكية الباطن فعند الآية المباركة (إنِّي أعْلَمُ مَا لاَ
تَعْلَمُوْنَ) يقول :
__________________
«فإنّ في ذلك حكمة
شريفة ولطفاً خفيّاً إذ يكون من البشر أنبياء ورسل وأئمّة فيهم شهوة وغضب وهم مع ذلك
في أعلى درجات الطهارة والعصمة الاختيارية والطاعة والعبادة لله والتفاني في خدمة الناس
وإصلاحهم».
وفي هذا الصدد يحدّد
البلاغي منهجه هذا ويميّزه من دعاة الكشفية وأرباب الباطنية بقوله :
«وأمّا الذين تهاجموا
بآرائهم على تفسير القرآن بما يسمّونه ـ تفسير الباطن ـ ركوناً بآرائهم إلى مزاعم المكاشفة
والوصول ونزعات التفلسف أو التجدّد وحبّ الانفراد والشهرة بالقول الجديد ـ وإن كان
فيها ما فيها ـ قد أثروا متاهة الرأي على النهج السويّ عن أصول العلم وفارقوه على أوّل
خطوة».
المبحث الرابع
الإيجاز غير المخلّ والإسهاب غير المملّ
أسلوب البلاغي في
تفسيره جامعاً مانعاً ، ففي معرض حديثه نجده من السهل الممتنع ، وكان ديدنه الاختصار
وعدم التفصيل إلاّ لما به ضرورة ، وسمة الإيجاز طبعت تفسيره ولكن فيه من التركيز ودقّة
الأداء ما جعله صالحاً للمبتدئين والمنتهين فمن ذلك أنموذجاً :
__________________
١ ـ عند تفسيره
لقوله تعالى : (فَتَلَقّى آدَمُ مِن رَّبِهِ كَلِمَات).
يقول
رضياللهعنه
: «ولأجل الاختصار
لم نذكر هنا توبة حوّاء ولأنّها معلومة مذكورة في سورة الأعراف».
٢ ـ كما لحظنا تطويلاً
بطائل في بعض المقامات وإسهاباً غير مملّ ليفي الموضوع حقّه منه حديثه حول العول والتعصيب والميراث.
٣ ـ وقد توافر إيجازه
غير المخلّ على آليّات :
أ ـ الإحالة على
مؤلّفاته الأخرى.
ب ـ الإحالة على
مواقع أخرى من الآلاء.
ج ـ الإحالة ضمن
الأبحاث الفقهية على مصادر الفقه.
د ـ الإحالة على
مؤلّفات الآخرين.
٤ ـ المعالجات الفطرية
لبعض الآيات :
يدع المفسّر البلاغي
القارئ وفطرته السليمة وتصوّراته النقية وخواطره مع الآية الكريمة : (وَإِلهُكُمْ
إِلهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) ، وتلك لعمري آية في الفنّ فلا يثقلها بقواعد القراءات وأساليب
التلاوة ونحو
__________________
الإعراب ، وهو يعزف عن تفسير بعض النصوص لإظهارها الواضح وبيانها اللائح ضمن
السياق القرآني ، وهذا ما ينطبق على معالجته للآية (وَعَسَى أَنْ
تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُم).
٥ ـ ومن إيجازاته
في تحليله للآية (وَإذْ قَالَ إبْرَاهِيْمُ رَبِّ أَرِنِي
كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى) :
«جرت في ذلك شؤون
، ويدلّ على تلك الشؤون ويفسّرها ما في الآية وهو (قال) الله له بالاستفهام التقريري
(أَوَ لَمْ تُؤْمِنُ)».
المبحث الخامس
مصادر التفسير
أحصى الباحثون وممّن
ترجموا لسيرة الشيخ البلاغي مصادره في (آلاء الرحمن) فبلغت مئتين وأربع مراجع ومصادر ، مثّلت الطيف الإسلامي للمذاهب وللعلوم الإسلامية كذلك ، وتلك قرينة أكيدة
ودالّة حميدة على تراث المفسّر الثرّ وخصوبة اطّلاعه وتنوّع مصادره ، ممّا انعكس إيجاباً
على تفسيره الأمثل فكان دورة معارف. والمثير للدهشة إفادته من مصادر غير إسلامية ،
واطّلاعه الواسع عليها مثل : التلمود اليهودي والإنجيل المسيحي.
__________________
من ناحية أخرى رأيته
متحرّجاً في نقل النصّ إلاّ بعد توثيقه ، يقول في مبحث الشفاعة عند تفسيره لفاتحة الكتاب
: «وللشيخ محمّد عبده ـ على ما حكاه تلميذه في سورة الفاتحة ص ٤٦ وص ٤٧ من الطبعة الثالثة
ـ كلام ألقاه على عواهنه في زوبعة الهياج المذكور ، وهو غريب من تحرّيه تهذيب كلامه
، وتدبّر القرآن الكريم وتفسيره ، والتحرّز من عبودية الأهواء ، ولم يحضرني كتاب تقسيره
لأرى ما فيه في هذا المقام».
ومن هذا المرتكز
استعان البلاغي بالمصادر الإسلامية من غير الإمامية التفسيرية منها والحديثية والفقهية
وغيرها ، كاعتماده تماماً على المصادر الإمامية ، فهو يعلن على الملأ في مختتم مقدّمته
عناوين المؤلّفات وأسامي المصادر ما لا يحصى كثرةً ، وعلى سبيل الاستشهاد لا التعداد
: تفسير
الطبري والكشّاف والدرّ المنثور ، ومن كتب الحديث جوامع أهل السنّة الستّة وموطّأ مالك ومسند أحمد ومستدرك الحاكم.
مضافاً لميزة التفسير
العظمى وهي اعتداله في نقد المصادر ، وشفّافيّته في مجابهة الآراء المناقضة ، ولين
العريكة في معترك الأفكار :
يشتدّ في سبب
الخصومةِ لهجةً
|
|
لكن يرقُّ
خليقةً وطباعا
|
وكذلك
العلماء في أخلاقهم
|
|
يتباعدون
ويلتقون سراعا
|
__________________
كما نصّ بهذا المعنى
(طاب ثراه) :
«هذا وأنّي عند
مقايستي للقرآن الكريم بما ينسب إلى الوحي الإلهي من كتب الأمم المتدينة ومنهم البراهمة
والبوذيّون وغيرهم لم يحضر عندي إلاّ كتب العهدين ، فلا ينبغي أن يجعل مقايستي بهما
تحاملاً على خصوص اليهود والنصارى».
المبحث السادس
الإفادة من تجاربه الأخرى
دراسة الكتب المقدّسة
للعهدين من التوراة والأناجيل مكّنته من فهم النصّ واستيعاب المفردة القرآنية ، فلقد
أتقن اللغة العبرية وأجاد اللغة الإنكليزية وذلك ممّا أثّر إيجاباً على تفسيره وطبعه
بسمات لا نظير لها في تفاسير أخرى ، وتلك من انفراداته المتميّزة واستثناءاته القيّمة ، فعند تفسير قوله تعالى
:
__________________
(لاَ تَقُوْلُوا رَاعِنا
وَقُوْلُوا انْظُرْنا ...) تتبّعها في مظانّها من التوراة الرائجة فوجدها تعني : الشرّ والقبح.
ومن تضلّعه بالعبرانية
يقول : أنّ الأصل العبراني للخمر (وببايين) وهو اسم الخمر الصريح (وبسكار) وهو اسم
صريح للمسكر.
ومن المفارقات اللافتة
للتأمّل قوله عند تفسير الآية : (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا
هذِهِ الْقَرْيَةَ ...) يذكر : «لا أعرف قرية في زمان موسى أمروا بدخولها ودخول بابها سجّداً ، ومن
البعيد جدّاً أن يراد بها خيمة الاجتماع التي نصبها في البرّ وقدّسها للعبادة».
ثمّ يستدرك في هامش
التفسير : «ذُكرت في دعاء السمات بعنوان (قبّة الزمان) هذه ترجمة حرفية في التوراة
العبرانية الرائجة : أهل موعد ، أهل قبّة ، موعد الزمان ، والمترجمون للتوراة يترجمونها
تحريفاً بخيمة الاجتماع ، إلاّ طبعة بيروتية قديمة ترجمتها في بعض الموارد (قبّة
الزمان)» ، ثمّ يرجّح البلاغي أنّها تكون قرية (بيت المقدس).
وفي هذا المضمار
ردّ على ما ذكره (الواحدي) : وهو أنّ نبوخذ نصّر خرّب (بيت المقدس) وأعانته النصارى ، ثمّ يعقّب البلاغي
: «وليت شعري أين بوختنصر من النصارى؟ وهو قبل المسيح بنحو ستمائة سنة».
__________________
ومن اللّغة الفارسية
انطلق لتضفي على نتاجاته ثقافات متنوّعة ، وفي ما واكب المستحدثات العصرية فإنّه اطّلع
على نظرية (النشوء والارتقاء) وغيرها من النظريّات العلمية المحدثة ، وكانت تلك قفزةً
نوعية في تاريخ الحوزات التي حجبت تدريس حتّى بعض العلوم الإسلامية.
المبحث السابع
الشواهد الأدبية
اتّكأ الشيخ المفسّر
على الأدب العربي كثيراً ، والشعر الجاهلي على الأخصّ ، وتلك ميزة أصيلة تحسب من مزاياه
، فكان ينأى عن شعر المولّدين ويستحضر من الشعر الجاهلي.
ويرى البحث أنّ
أكثر ما استدلّ به هو شعر (عمرو بن كلثوم) صاحب المعلّقة الشهيرة من ذلك قوله :
ألا لا يجهلن
أحد علينا
|
|
فنجهل فوق
جهل الجاهلينا
|
فهو يستحضر هذا
المعنى عند قوله تعالى (الله يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ
وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
وعند تفسيره للآية
: (وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً).
__________________
يقول : «الثمن يشتريه
الإنسان في معاملته كما أنّ الآخر يشتري ... قال أبو ذؤيب الهذلي :
وأن تزعميني
كنت أجهل فيكم
|
|
فإنّي شريت
الحلم بعدك بالجهل»
|
وفي تفسيره لـ :
(يَوْمِ الدِّيْنِ) من سورة الفاتحة يستنشد شهل بن ربيعة في أبياته :
صفحنا عن بني
ذهل
|
|
وقلنا القوم
أُخوان
|
ولمّا صرّح
الشرّ
|
|
وأمسى وهو
عريان
|
عسى الأيّام
أن يرجعن
|
|
قوماً كالذي
كانوا
|
ولم يبق سوى
العدوان
|
|
دنّاهم كما
دانوا
|
أي بمعنى كما تجازي
غيرك إذا أساء فإنّك تجازى.
البلاغيُّ بلاغيٌّ
شاعرٌ أديبٌ ، كان ذا حسّ مرهف في انتقاء النصوص الأدبية ، فمن ذلك في معنى (الصر)
في الآية (كَمَثَلِ رِيْح فِيْهَا صِرٌّ أصَابَتْ
حَرْثَ قَوْم ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ) يقول : الصرّ هو البرد ، ويستشهد له بقول النابغة الذبياني :
لا يبردون
إذا ما الأرض جلّلها
|
|
صرّ الشتاء
من الأمحال كالأدم
|
__________________
المبحث الثامن
المفردة القرآنية
للإحاطة بالمعنى
الشامل والفهم الكامل للنصّ القرآني يلاحق البلاغي المفردة القرآنية متأمّلاً في مواقعها
الأُخر ، فهو يعي أنّ مضمون النصّ من مضمون المفردة ، ثمّ يعزّز دراسته للمفردات بشواهد
الشعر والعرف المتداول.
بهذا الصدد تتبّع
معنى (التوفّي) من خلال موارد استعمالها (يا عِيْسى إنّي مُتَوَفِّيْكَ
وَرَافِعُكَ إلَيَّ) فقد ذهب الكثير من مفسّري المسلمين إلى المعنى (مميتك) ، وردّ الشيخ على هذا
الوهم بحشد مبارك من الآيات لينتهي منه إلى فهم دقيق ومعنى عميق :
(اللهُ يَتَوَفّى الأنْفُسَ
حِيْنَ مَوْتِها).
(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ
بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنّهَارِ).
(حَتّى يَتَوَفَّيهُنَّ
الْمَوْتُ).
وحاصل الكلام عنده
أنّ التوفّي : إنّما هو أخذ الشيء وافياً أي تامّاً كما يقال : درهم واف ، ثمّ ميّز
مفسّرنا بين التوفّي والاستيفاء (استفعال) يشير إلى
__________________
طلب الأخذ واستدعاءه ومعالجته ، ولذا اختصّ القرآن بلفظ التوفّي وهو الأخذ
تامّاً ووافياً إمّا من عالم الحياة وإمّا من عالم اليقظة ، وإمّا من عالم الأرض
والاختلاط بالبشر إلى العالم السماوي.
ثمّ نعى على المفسّرين
اضطرابهم في (اللمس) و (المسّ) وهما مفردتان أولى عناية فائقة لمواردهما في القرآن
، وكذلك أنكر على اللغويّين أيضاً خبطهم ، وقد حقّق في مراجعة العرف المتبادر وتتبّع
موارد الاستعمال قديماً وحديثاً لينتهي إلى معناهما؛ قال البلاغي : «ففي النهاية مسست
الشيء إذا لمسته بيدك ، وفي القاموس لمسه : مسّه بيده ، وقال الفارابي : اللمس
المسّ» ويذكر بهذا الصدد عدّة معاجم لغوية وأمّهات المصادر ثمّ يقطع : «وغير خفيّ أنّ
المعروف والمتبادر تبادراً يجزم معه بعدم النقل عن المعنى اللغوي الأصلي هو أنّ اللمس
هو الإصابة بما به الإحساس من البدن بقصد الإحساس للملموس لا خصوص اللمس باليد ولا
مطلق المسّ نعم كثير من موارد اللّمس ما يكون باليد باعتبارها أنّها آلة عادية وأقوى
إحساساً ، كما أنّ المسّ هو : مطلق الإصابة لا بقصد الإحساس».
ويعتقد البلاغي
أنّ كثيراً من الألفاظ القرآنية فُهم منها معنى معيّن بسبب النزول ، فدلالتها كانت
قرينة حالية.
__________________
ويستنطق الأحاديث
في تفسير المفردة ومن ذلك في معالجة مفردة الظلم؛ فهو يبيّن أنّ الظلم في اللغة : «يساوق
وضع الشيء في غير محلّه ، وضدّ الإنصاف أو العدول ، ومنه الحديث : لزموا الطريق فلم
يظلموه أي لم يعدلوا عنه» جاء ذلك خلال بحثه القرآني في الآية المباركة (فَتَكُوْنَا مِنَ
الظَّالِمِيْن).
ويستشهد بالشعر
العربي وعلى وجه أخصّ بالشعر الجاهلي لترصين موقفه اللّغوي ففي النصّ المبارك : (يَسُوْمُوْنَكُمْ
سُوْءَ الْعَذَاب) يوضّح البلاغي : قريب من معنى يولونكم سوء العذاب. قال عمرو بن كلثوم :
إذا ما الملك
سام الناس خسفاً
|
|
أبينا أن
يقرّ الخسف فينا
|
المبحث التاسع
المعالجة النحوية
من خلال قراءة واعية
لـ : (آلاء
الرحمن) يتّضح البلاغي
كونه أنحى المفسّرين وأبلغ الفقهاء ، فهو إمام في العربية يردّ على سيبويه ويناقش
الزمخشري وآراءه لا يعتريها اللبس والإبهام.
أخذ على النحاة
تهافتهم ومنهم شرّاح ألفية ابن مالك عند قول الراجز :
__________________
(جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط؟) ، ومن مؤاخذاته الكثيرة على الزمخشري قضية (لا)
المتكرّرة في القرآن على نحو واحد كقوله تعالى (لا أقسم) واعتبرها الزمخشري مزيدة ، وتابعه على ذلك جماعة من النحاة والمفسّرين ، بينما
اتّسم رأي البلاغي عكس ذلك ، كذلك في قوله تعالى : (فَبِمَا رَحْمَة مِنَ
الله) يعتقد البلاغي عدم زيادة ما ، وإنّ دعوى الزيادة تلك جرّأت الكثير من المعارضين
للقرآن.
وقضية الواو في
(وَلِيُنْذَرُوا بِهِ). باعتبار أنّها زائدة كما حكاه الشريف الرضي ، في ما اعتبرها
البلاغي واو عطف على محذوف يدلّ عليه سياق القرآن بكرامة منهجه وبراعة أسلوبه.
ومن معالجاته النحوية
: اعتباره (لو) ليس فيها معنى التمنّي كما هو ظاهر ، وبدليل إنّ ما يقع بعد الفاء متفرّعاً
على ما بعدها لم يجيء من القرآن إلاّ مرفوعاً في (ودّوا لَوْ تَكْفُرُوْن).
و (لو) كيفما كانت
لا تدخل على الجملة الاسمية ، بل لابدّ فيها من تقدير فعل ، فالتقدير (لو يمكن) أو
(لو يتيسر) كما تقول : تودّ أن يتيسّر أنّ
__________________
()
بينها وبينه أمداً بعيداً ، وعبّر بذلك التعبير لخصوصية (لو) و (ظهور المقام)
وخصوص الجملة الاسمية في الكلام.
وعند تفسيره : (أيّاماً
مَعْدُوْدَات) و (أَنْ تَصُوْمُوا) مصدره في مقام المبتدأ وعدل إلى الفعل ليتجلّى منه الصدور من الفاعل والترغيب
في اختياره في المستقبل ، وأنكر عليهم اعتبار (الذي) بمعنى (الذين) في (كَالَّذِي
اسْتَوْقَدَ نَارَاً) ، وهو يذهب إلى أبعد من ذلك في صميم (فلسفة النحو) كما في العطف عند قوله تعالى
(وَالَّذِيْنَ يُؤْمِنُوْنَ بِمَا أُنْزِلَ
إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) حيث رأى بأنّ : «واو العطف استلفاتاً إلى فضيلة هذه الصفة ، فإنّ التعدّد بالعطف
يمثّل للذهن كلاًّ من الصفات مستقلّة بمزاياها لا كما إذا طرحت من غير عطف».
وفي صيغة المضارع
عند قوله تعالى : (هُمْ يُوْقِنُوْنَ) يقول : «صيغة المضارع تدلّ على ثبات اليقين ودوامه».
وفي معالجته للنصّ
القرآني (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ
كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِلْءُ الأرْضِ ذَهَباً) يقول : «دخلت (الفاء) في الخبر لخروج المبتدأ باعتبار صلته
مخرج الشرط». وفي الآية (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ
__________________
لِلْمَلاَئِكَةِ
إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) يعرض وجوهاً مختلفة : «وقيل إنّ (إذ) مفعول به أي : (اذكر في القرآن ذلك الحين
للناس) كقوله تعالى : (وَاذْكُر فِي الْكِتَابِ
مَرْيَمَ إذِ انْتَبَذَتْ ...) ، ولكن يلزم من هذا القول أن يكون الذكر مختصّاً بقول الله تعالى للملائكة (إنِّي
جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيْفَةً) ويكون ما بعده أجنبياً لأنّه لم يفرّع عليه ليكون مرتبطاً كالارتباط الذي في
قوله تعالى : (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ) ، فالمناسب إذاً أن تكون (إذ) ظرفاً متعلّقاً بمحذوف يدلّ
عليه سوق الكلام الذي يفسّره ، وذلك بأن يكون التقدير : (وحين قال ربك للملائكة إنّي
جاعل في الأرض خليفة)».
المبحث العاشر
البلاغة في تفسير البلاغي
١ ـ لا يغفل الشيخ
المفسّر الأسلوب البياني وأبواب البلاغة من مثل (الحذف) وذلك في تفسيره لقوله تعالى
: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي
جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) فهو يستنطق عند معالجته لهذا النصّ الحارث بن حلّزة اليشكري :
لا تخلنا على
غرّاتك إنّا
|
|
قبل ما قد
وشي بنا الأبرار
|
__________________
ويفرد البلاغي حقلاً
معنوناً بعنوان (تنبيه) يقول فيه :
«لنذكر له شيئاً
من شعرهم لمناسبة المقام وتوطئة لما يأتي في بلاغة القرآن الكريم من نوع (الحذف)؛ قال
لبيد بن ربيعة العامري :
قالت :
غداة أنتجينا
عند جارتها
|
|
أنت الذي كنت
لولا الشيب والكبر»
|
فحذف خبر (كنت)
أي (جميلاً) ـ ونحو ذلك ـ وغيّرك الشيب والكبر.
٢ ـ ومن جمالية
النصّ القرآني يستوحي البلاغي (المجاز) في قوله تعالى : «(ثُمَّ
اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ) أي جهة العلوّ ، والتعبير بالاستواء مجاز باعتبار توجيه إرادته وحكمته إلى خلق
السماوات في العلوّ».
٣ ـ ومن الصور البلاغية
التي يرسمها البلاغي (الكناية) ، فعند تفسيره للنصّ المبارك : (فَالآنَ
بَاشِرُوْهُنَّ ...) يقول : «الأمر للإباحة ، والمباشرة إيصال بشرة ، إلى بشرة وهي ظاهر الجلد ،
كنّى بذلك عن الجماع لأنّ المباشرة من مقدّماته اللازمة».
وشبيه من ذلك قوله
تعالى : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ) «التولّي
__________________
بمعنى الاستدبار ، واستعمل هنا كنايةً عن الإعراض عمّا أخذ عليهم من
الميثاق». والقصّة كما هو معروف حول بني إسرائيل.
وقد أفاد البلاغي
في تفسيره البياني البلاغي من آليّات التعبير الكنائي فعند معالجته النصّ القرآني (هُوَ
الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ...) معتمداً على ما طرق في الدرّ المنثور وأخرجه ابن جرير وابن الأنباري من طريق
مجاهد عن ابن عبّاس قوله : «أنا ممّن يعرف تأويله» ، وكذلك أخرجه أحمد والطبراني وأبو
نعيم في الحلية عن ابن عبّاس أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال : «اللهمّ اعط
ابن عبّاس الحكمة وعلّمه التأويل» ، وما أخرجه الحاكم في مستدركه وابن أبي شيبة : «اللّهم
فقّهه في الدين وعلّمه التأويل».
ويعلّق الشيخ البلاغي
: «لو كان علم التأويل منحصراً بالله ولم يعلّمه رسوله والراسخين في العلم لما دعا
به رسول الله(صلى الله عليه وآله) لابن عبّاس وما معنى الدعاء بما لا يُرجى وقوعه».
٤ ـ كشف عن المطابقة
الدلالية في مناسبة اللفظ للموضوع أو مناسبة اللفظ للحكم كاستعمال مفردة عوضاً عن أخرى
يستوجبها السياق ويقتضيها النظم.
٥ ـ ومن أطروحاته
البلاغية حول التعبير المجازي والتعبير الحقيقي :
__________________
«لا يجوز استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والمعنى المجازي معاً» وذلك عندما يتعرّض إلى قوله تعالى : (يُخادِعُونَ الله وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) فقد قال بعض المفسّرين : إنّ المخادعة جاءت هنا على نحو التجوّز والاستعارة
باعتبار أنّ قولهم ذلك يشبه المخادعة وإن لم يريدوها.
٦ ـ ثمّ يتعرّض
إلى الجملة الخبرية والجملة الإنشائية كما في الآية : (وَإِذْ
أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّة
وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فيقول في ذلك حول بلاغية النصّ : «وحده لا شريك له في العبادة والإلهية والجملة
خبرية يراد بها النهي ، والخبرية في مقام الطلب أبلغ من الإنشائية ، هي والجمل المعطوف
عليها معمولة للقول المدلول عليه بأخذ الميثاق».
٧ ـ وفي التصوير
القرآني يتفاعل مع الآية التالية : (قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ
بِهِ إيْمَانُكُم إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِيْنَ) «وأين منكم الإيمان ولكن قيل : (إنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِيْنَ) للمجاراة في خطابهم والتنازل من النفي إلى صورة التشكيك ، وهذا
__________________
من بديع الأساليب في التقريع والتوبيخ».
٨ ـ وعند قوله تعالى
: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ
النِّسَاءِ وَالْبَنِيْنَ وَالْقَنَاطِيْرِ الْمُقَنْطَرَةِ ...) يؤكّد المفسّر : «(من) بيانية ، ولو كان لفظ الشهوات على حقيقته لعدّيَ وربط
بما بعده باللام».
المبحث الحادي عشر
(آلاء الرحمن) تفسير الفقهاء
ربّما كان بالإمكان
الاصطلاح على (آلاء الرحمن) أنموذجاً لتفسير الفقهاء ، فالبلاغي وريث مدرسة النجف الفقهية
، ونشأ في حوزات سامرّاء والكاظمية متتلمذاً على كبار علمائها ، وهي حواضر العلم وعشّ
الاجتهاد ومعهد الفقاهة.
إنّ بصمات الاجتهاد
جليّة في تفسيره ، وأصباح الفقه تتنفّس عن تشريعات النصوص وأحكام الآيات :
١ ـ في الوضوء عند
تحليله لآية (يَا أَيُّها الَّذِيْنَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ
إلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا بِوُجُوْهِكُمْ وَأَيْدِيْكُم ...) ، يقول : «(وَامْسَحُوا
بِرُؤُوسِكُم) قد بيّنا سابقاً من مكان الباء ـ التي هي للآلة ـ أنّ المسح بالرأس
__________________
يكون ببعضه ، كما كان المسح بالتيمّم بالوجه ببعضه ، وقد سبقت الحجّة من
الباقر عليهالسلام
على أنّ المسح يكون
ببعض الرأس».
٢ ـ وعند تحليله
للنصّ الكريم (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم)يقول في ذلك : «على هدايتكم إلى الدين والشريعة ، وهذا التكبير
مستحبّ عندنا بالإجماع ، ولا يضرّ الخلاف النادر ، وبذلك قال الشافعي وأحمد وأبو
حنيفة على ما نقل عنه ونسبه في الخلاف إلى الفقهاء».
٣ ـ وفي فقه الحجّ
: «(فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أيّام
...)متواليات في الحج ، وهي يوم التروية وما قبله ويوم عرفة ،
وعليه إجماع الإمامية ورواية الفريقين ، ولو فاته ذلك لم يصمه أيّام التشريق ، وفي
الخلاف عليه إجماع الإمامية».
٤ ـ وفي لفتاته
الفقهية ما يرتبط بالواقع المعاش ومستجدّات العصرنة فيقول في معرض النصّ المبارك (يَا
أَيُّها الَّذِيْنَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ) : «إنّ المشهور ـ ولعلّه إجماع ـ أنّ المسلم إذا اعتاد قتل أهل
__________________
الذمّة قُتل تأديباً ولا كرامة له».
٥ ـ ويرسم الفقيه
المفسّر آفاق فقه مقارن إذ وجدناه في أكثر من مورد يحصي مواضع الخلاف والإجماع بين
الفقهاء كمسألة التعصيب والعولوالإرث مستطرداً بذكر آراء فقهاء المدرستين.
٦ ـ فهو يجد في
التفسير الفقهي ضالّته وفي تطويعه (الفقه الاستدلالي المقارن) ينقل آراء أصحاب المذاهب
الأخرى والمشهور من فقهائهم واستدلالاتهم على تلك الآراء كآيات الأحكام : آيات القصاص وفي تفسيره آيات الصوم ، وفي الاختلاف والفقه المقارن يقول :
«وعليه علماؤنا
وهو المحكيّ عن مالك وأحمد والشافعي في أحد قوليه وفي القول الآخر خصّه بالكفّار وعن
أبي حنيفة».
٧ ـ يعتقد فقيهنا
المفسّر : أنّ الفقهاء أحذق في استفادة المعنى من تتبّع موارد الاستعمال ، وذلك لما
اعتادوه وشحذوا به أذهانهم من بذل الجهد بالبحث والتنقيب. من ذلك معالجته لمعنى (اللّمس) و (المسّ) ـ اللذين مرّ
__________________
ذكرهما في (المفردة القرآنية) ـ مستشهداً بما صرّح به جماعة من أساطين الفقهاء
كما في المعتبر
والمنتهى وروض الجنان والحدائق والمهذّب البارع ، وهو عين ما ذكره الشيخ الفقيه البلاغي من مدلولهما.
٨ ـ فصّل القول
في كلّ (آيات الأحكام) الواردة ضمن النصوص المباركة أينما حلّ بها ولم يبق في القوس منزعاً.
ومن الشواهد ـ وهي
كثر في الآلاء ـ التي يشتدّ النزاع الفقهي حولها هو ما جاء في تفسير قوله
تعالى (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم) في جواز أو حرمة وطء المرأة من المكان الثاني وذلك متعلّق بمعنى (أَنّى) فكان البلاغي فقيهاً لغوياً إذ يبيّن أنّ من معانيها (المكان)
، وهو أمر متيقّن في اللغة ، وأورد من الدرّ المنثور رواية في سبب نزولها على أثر أنّ رجلا أصاب امرأة من مكانها الثاني فأنكر الناس
عليه ذلك ثمّ يورد حشداً روائيّاً من الفريقين مؤيّداً لما ذهب إليه.
__________________
المبحث الثاني عشر
المبحث الحديثي في التفسير
١ ـ وضع البلاغي
السيرة النبوية الشريفة والروايات على محكّ الاختبار والتمحيص ، مفادها : أنّ الجرح
مقدّمٌ على التعديل. لقد أخضعها سنداً ومتناً ضمن منهج التفكير المنطقي والمرتكزات
العقلائية. وعن آراء التابعين قال : «لا حاجة لي فيها».
٢ ـ بطبيعة الأمر
ـ عنده ـ أنّ السنّة شارحة للكتاب المجيد ، وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي
الأصيلة والرئيسة ، بيد أنّ السنّة المطهّرة وأقوال المعصومين
عليهمالسلام
لها الحاكمية في
ما لم يرد فيه نصّ قرآني ، وفي الوقت ذاته لا اجتهاد مقابل نصّ.
٣ ـ البلاغي مفسّراً
وفقيهاً يعتمد المصادر الروائية للمذاهب الإسلامية الأخرى كاعتماده مصادر الإمامية
، وهو مشهور بكثرة الرجوع إليها والنقول عنها. يعقد شيخنا البلاغي مباحث روائية مهمّة
ضمن تفسيره هذا من أمثال : حديث الثقلين ، وفضائل الإمام علي عليهالسلام ، وعن المتعة ، وعن حديث يوم الغدير.
__________________
فهو لا يعتمد في
المنهج الأثري هذا على ما روي عند الشيعة فقط وإنّما يستعين بالروايات المروية عند
المذاهب الإسلامية الأخرى ، توخّياً للموضوعية المنهجية في البحث وكثيراً ما صرّح بأنّه
: «تكاثرت روايات الفريقين من الشيعة وأهل السنّة ، عن رسول الله(صلى الله عليه
وآله)وأمير المؤمنين والصادق عليهالسلام » أو قوله : «استفاضت الرواية من الفريقين» أو قوله : «بل
الأحاديث في روايات الفريقين متواترة في ذلك».
وتراه يقابل الرواية
بالآية أو يعتمدها بناءً على اعتماد المفسّرين عليها من الفريقين ، أو الاتّفاق أو
إجماع أهل العلم عليها فيشير إلى درجة وثوق الروايات فيقول : «وفيها الصحاح الحسان
ـ باصطلاحهم ـ متكاثرة في ذلك».
وعودٌ إلى حديث
الثقلين الذي يؤسّس للمرجعية الحاكمة في التفسير ـ بنظر البلاغي ـ والمشهور بكثرة أسانيده
، بحيث لم يخل مسندٌ أو جامع أو كتاب في الفضائل من قبل أهل السنّة من رواية الحديث
وعدم رواية البخاري له ـ وهو بهذا القدر من الشهرة ـ لا يقلّل مطلقاً من اعتباره ولا
سيّما أنّ أشهر من استدركه عليه الحاكم النيسابوري.
٤ ـ في حديث (سدّ
الأبواب إلاّ باب علي) يذكر الحديث في معرض تفسيره للآية (يَا
أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتّى
__________________
تَعْلَمُوا
مَا تَقُوْلُوْنَ وَلاَ جُنُباً إلاّ عَابِرِي سَبِيْل) في المقام مسائل ثلاثة :
الأولى : لا يجوز مرور الجنب وكذا الحائض في المسجد الحرام ومسجد رسول الله(صلى
الله عليه وآله).
الثانية : لا يدخل في هذا النهي والتحريم رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته ،
ثمّ يستطرد بهذا الخصوص ذاكراً أحاديث وروايات أهل السنّة كالترمذي والنسائي والطبراني
والسيوطي.
الثالثة : المحصّل من حديث سدّ الأبواب وما في الدرّ المنثور من رواية جابر وزيد بن
حبيب أنّ تحريم المرور للجنب في مسجد النبي(صلى الله عليه وآله) من باب النسخ لا التخصيص.
٥ ـ وفي معالجاته
الروائية لآية (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ
إنَّهُ لَكُمْ عَدُو مُّبِيْن) يروي عن الكافي
والتهذيب بروايتهما عن الصادقين
عليهماالسلام
أنّ الحلف على ذبح
الولد ، والحلف بالطلاق والعتاق والنذر ، وأن يقول عليّ ألف بُدنة وأنا محرم بألف
حجّة ، أو أنّ جميع مالي هدي وكلّ مملوكي حرّ أن كلّمت فلاناً ، إنّ هذا كلّه من
خطوات الشيطان كما في البرهان مسنداً عن العيّاشي مرفوعاً.
ومن الملاحظ أنّ
الاستشهاد بالمرويّات غالباً ما يلجأ إليه البلاغي في المواضع الخلافية في الفقه والعقائد؛
ففي صدد رواية الحديث «ليس من البرّ
__________________
الصيام في السفر» رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن حبّان
وابن ماجه في حين أنّ البلاغي قد استخدم الأحاديث الواردة عن طريق أهل البيت
عليهمالسلام
في مواضع ينتزع
منها راجحية ما يراه استنطاقاً من متون تلك الروايات.
المبحث الثالث عشر
الجانب الكلامي والعقائدي
١ ـ في عناوين يمكن
أن تندرج ضمن ما اصطلح عليه بـ : (التفسير الموضوعي) تتبلور مباحث كلامية في آلاء الرحمن مثل الجبر والاختيار عند النصّ القرآني : (خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوْبِهِمْ
وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ) حيث تطرّق إلى موقف مذهب العدلية ـ وهم الإمامية والمعتزلة ـ من هذه القضية
التي تمحورت حولها آراء الفرق الإسلامية ، وانتصر لمذهب العدلية في ردّه على ابن المنير
عند تعليقته على الكشّاف في مورد تفسيره للآية المباركة المذكورة. فيتحدّث عن المعدّل الإلهي ويناقش اعتراضات الأشاعرة على
قول العدلية.
٢ ـ أفرد مباحث
منفصلة حول : العبادة والاستعانة والشفاعة.
__________________
٣ ـ وبعبارات موجزة
لكنّها عالية المعنى في التركيز يعالج الشيخ قضية (خلق القرآن) التي شغلت الأوساط الفكرية بل والسياسية الإسلامية ردحاً من الزمن ، بحيث أفضت
إلى كثير من الاضطهاد والتنكيل لبعض الأعلام ، وهي : هل أنّ القرآن قديم أم مخلوق؟
يقول شيخنا ـ طاب
ثراه ـ واجب الوجود هو الله سبحانه وتعالى ، وأنّ القرآن الكريم يصدع : (إنَّا
جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً) والجعل هو الخلق ، وهذه من الاستدلالات المنطقية التي اشتهر بها الشيخ.
٤ ـ وخاض في نفي
التجسيم الذي آمنت به الظاهرية من الوهابية ومن اتباع ابن تيمية عند قوله تعالى (الرَّحْمنُ
عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) أو عند قوله تعالى (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضَ). ونفى (الرؤية) في محاولة لتنزيه الذات المقدّسة.
٥ ـ من محاججات
الشيخ المفسّر حول المعني بهذه الآيات الكريمة (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ
كُلَّهَا ...) إنّهم الحجج والهداة وأصحاب العصمة الاختيارية مدلّلاً عليهم بالرموز الواردة
والإشارات : هؤلاء ، الأسماء ،
__________________
عرضهم ....
٦ ـ دحض البلاغي
أوهام الفرق المبتدعة والطرق الشاذّة كالوهّابية والبهائية والبابية والقاديانية بأسلوب
متين ومنهج حواري وسلوك حضاري ، فقد هاجم ترّهاتهم ألا تراه في معرض ردّه على الوهّابيين
يصرّح :
«وما عشت أراك الدهر
عجباً فقد نشأ في بدع قوم في عصورنا يمنعون ويضربون من يتوجّه في مسجد الرسول(صلى
الله عليه وآله) عند دعائه واستشفاعه بالرسول من جهة قبره الشريف في ناحية المشرق كأنّ
الله تعالى لم ينزل الآية المتقدّمة ولم يعرفوا أن المشفع يقدّم شفيعه بين يديه».
٧ ـ مرّ فيما سبق
من الأبحاث ولا سيّما حول المقدّمة من انتصار لإعجاز القرآن ودفاع عن ساحة قدسه.
٨ ـ ويشنّ حملة
عاتية على الخوارج القدامى والمحدّثين من خلال تفسيره لمعنى العبادة ضمن سورة الفاتحة
: «إنّ من يوفّي النبي أو الإمام شيئاً من الاحترام بعنوان أنّه عبد مخلوق لله مقرّب
عنده لأنّه عبده وأطاعه ، ويرمونه بأنّه عبد ذلك المحترم وأشرك بالله في عبادته».
٩ ـ ولا يتوسّع
كثيراً في المباحث الكلامية الخلافية بين الفرق الإسلامية فكأنّه يتوفّى القواسم المشتركة
بين المسلمين.
__________________
المبحث الرابع عشر
الحداثة في (الآلاء)
الشيخ المفسّر من
العلماء الواعين ومن الفقهاء التجديديّين والمجتهدين العصريين ، واكب المستجدات العصرية
وانتهج الأساليب الحضارية ، تصدّى لهجمات العصرنة بأدوات العصرنة ، فقد أتقن اللغات
الإنكليزية والعبرية والفارسية روماً إلى أهدافه العظمى في مواجهة أعداء الإسلام والمسلمين
، فقد هاجر الهجرتين إلى سامرّاء والكاظمية.
عقلن التراث الإسلامي
وأظهره ناصعاً جليّاً أرغم به أنوف المستشرقين وذوي الحملات الغربيّين وإرساليّات المبشّرين
من اليهود والنصرانيّين ، كما نهض بوجه أصحاب البدع والضلالات والأهواء
والإنحرافات من البهائيّين والوهّابيّين بمنهج الحوار ، يقول فيه القرآن الكريم في
مناظرة الخصوم : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابَ تَعَالَوا إلَى
كَلِمَة سَوَاء ...) فهو يدعو في بدء المناظرة لخصمه بالتأييد والتسديد ويحيّيه قبل ذلك بالتحيّة.
برؤية حداثوية يتحدّث
الشيخ عن الآية (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِيْنَ) : «إنّ الفطرة
وحكم العقل بعثت جميع الحكومات المتمدّنة على أن تجعل قوانينها الأساسية : من حكم عليه
بجريمة توجب العقوبة ولو بسجن مدّة قليلة يكون ساقطاً باصطلاحهم عن الحقوق المدنية».
__________________
ويدلّل هذا التفسير
للشيخ على طول باعه وسعة اطلاعه على العلوم العصرية ومنها الجغرافيا ، ذكر في تفسير
قوله تعالى : «(وَتَصْرِيْفِ الرِّياحِ)التي يسمّونها قطبية
واستوائية وموسمية وتجارية وما في استقامتها وهدوّها في البحر المسمّى بالمحيط الهادي
ـ أي الساكن ـ وهو الواقع بين آسيا وأمريكا ، وإنّ مساحة قطره من المشرق إلى المغرب
تزيد على ...».
وهناك تفصيلات راقية
تشريحية ـ لو صحّ التعبير ـ إذ يعقد الشيخ فصل مقارنة وميزان رجاحة بين الدماغ والقلب
، ويتعرّض إلى تفاصيل طبّية لطيفة من خلال تلافيف الدماغ وأوعية القلب ليثبت عندها
أنّ القلب هو مركز الإدراك والتعقّل لا الدماغ ، وأنّ الدماغ هو محفظة لصور المدركات
التي يستودعها القلب إيّاه.
ويتطرّق إلى نظرية
داروين التي شغلت آنذاك الأوساط العلمية ومن ثمّ الدينية وأخذت مأخذها حين يتعرّض إلى
تفسيره للآية (يَا أيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الْذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة ...).
ولا يجد البلاغي
مندوحة عن دحض بعض الأقوال وهو نقد علمي تفسيري بحدّ ذاته فعلى سبيل الاستشهاد لا التعداد
يردّ البلاغي رأي محمّد رشيد رضا في (المنار) في تفسيره (للنفس الواحدة) في مطلع سورة النساء فصاحب المنار لا يرى أنّها (آدم) لا نصّاً ولا ظاهراً. ويبلغ البلاغي مرامه في
__________________
النقد التفسيري ، أنّ ذلك جاء منهم حذراً من اصطدام المعرفة القرآنية مع
الآراء الجديدة ، فأسمع به ناقداً بعد مقولة رشيد رضا : «إنّ أهل الصين يدّعون أباً
آخر غير آدم عليهالسلام
» حيث يقول : «ومن
العجيب أن تنبذ المعلومات الإسلامية من القرآن الكريم والحديث المتواتر والإجماع ظهرياً
لأجل زعم أهل الصين أو حذراً من الآراء الجديدة كتسلسل الأنواع والتولّد الذاتي كما
أحدثه داروين» ..
مناقشة وتعقيب :
لقد تمادت المعالجات
التفسيرية في المنار في السير وراء بعض الإنجازات العلمية الغربية آنئذ ، ففي أخريات القرن التاسع
عشر الميلادي كانت هناك مدرستان : أحداهما في العراق هي مدرسة الشيخ البلاغي والأخرى
في مصر هي مدرسة محمّد عبده ومن بعده تلميذه محمّد رشيد رضا لكنّما الأخيرة انتهت في
صيرورتها إلى القطب الإصلاحي العظيم السيّد جمال الدين الحسيني المعروف بـ : (الأفغاني)
وهو إمامي خرّيج مدرسة النجف.
إنّ محمّد رشيد
رضا لم يكن وفيّاً في امتداده المعرفي لـ : (عبده) ومن قبل للسيّد الأفغاني. وما نتج
عن (عبده) قد يكون أمراً نافعاً لمعرفة كثير من
__________________
عوامل التعامل مع أزمة تاريخية عاشتها الأمّة الإسلامية تكمن في غلبة الفكر
الأوربي لكن المنار تمادى في خروقاته لخطّ (الأفغاني ـ عبده) ، رأى رشيد رضا أنّ الكون
المنظور أعظم تفسيراً من الكون المقروء ومن هنا فلا بدّ من الاستفادة من العلوم المتنوّعة
والثقافات الإنسانية المتعدّدة الحديثة في تفسير القرآن ، بيد أنّه غالى في تلك الرؤية
، لقد كاد رشيد رضا أن يكون أقدر تعبيراً عن منهج (الأفغاني ـ عبده) لو لا حماسه الشديد
الذي اتّخذ أحياناً كثيرة صورة التطرّف في النزعة المذهبية حتّى انقلب الكثير من صفحات
المنار إلى صفحات في الصراع المذهبي ممّا قد يكشف عن فهم قاصر للتعصّب المذهبي المنبوذ
وهذا بلا شكّ فهم مختلف عن نهج الأفغاني الذي كان انموذجاً في التوازن وكان (مالك بن
نبي) أوّل من لحظ هذه الحقيقة في هذا المنهج حين قال : «لكن يبدو أنّ جهود هؤلاء العلماء
ـ رغم أنّها لا تغفل الجانب الاجتماعي في علم التفسير ـ لم تحدّد منهجها الكامل فالتفسير
الكبير الذي ألّفه الشيخ طنطاوي جوهري إنتاج علمي أشبه بدائرة معارف أمّا تفسير
الشيخ رشيد رضا فلم يضع هو الآخر هذا المنهج فقد كان همّه أن يخلع على المنهج القديم
صبغة عقل جديدة ومع أنّه لم يعدّل طريقة التفسير القديم تعديلا جوهرياً فإنّه قد خلق
في الصفوة المسلمة التي تعشق التجديد الأدبي اهتماماً بالنقاش الديني».
__________________
الفصل الثالث
في باقي مصنّفاته
١ ـ الرسائل القرآنية:
أوّلاً : رسالة في التفسير المنسوب للإمام العسكري
عليهالسلام.
أوضح البلاغي في
رسالة منفردة في شأنه «أنّه مكذوب موضوع وممّا يدلّل على ذلك نفس ما في التفسير من
التناقض والتهافت في كلام الراويين وما يزعمان أنّه رواية وما فيه من مخالفة الكتاب
المجيد ومعلوم التاريخ كما أشار إليه العلاّمة في الخلاصة وغيره».
لقد اختلف الفقهاء
والمفسّرون من قبل في مدى صحّة انتساب التفسير المنسوب للعسكري
عليهالسلام
منذ القرن الرابع
الهجري حتّى يومنا هذا ، غير أنّ المعلوم هو أنّ العسكري قد أُثرت عنه مجموعة لا بأس بها من النصوص
في مجال تفسير القرآن الكريم ، وقد تناثرت جملة من هذه النصوص في المصادر الموجودة ما بين أيدينا اليوم ،
فالخلاف إذاً هو حول الكتاب الذي ينسب إليه وليس في ظاهرة التفسير التي اختصّ بها في
عصره.
__________________
ثانياً : رسالة في ردّ الشبهات الواردة إليه من جبل عامل حول القرآن الكريم.
٢ ـ مصنّفاته الأخرى:
لا ريب أنّ أشهر
أثرين له هما (الهدى) و (الرحلة) ، وهما من الآثار الغير تخصّصية في علوم القرآن أو
التفسير ، لكن فيهما ما يعدّ من الدرس القرآني الكثير ، ولذا أرجأنا البحث عنها والخوض
في مضمونها إلى فسحة أخرى من عمر الزمن ، والحال هذه أنّ المقام هنا لا تشرحه العبارة
وسنخرج عن ضوابط البحث.
عسى الله عزّ وجلّ
أنّ يبعث فينا من همم البلاغي وبلاغة الآلاء ما يبلّغنا مرضاة الرب ويعيننا على ذلك
إنّه لطيف خبير وبالإجابة جدير.
الخاتمة
نتائج البحث :
١ ـ إنّ للبلاغي
النجفي انعطافة استثنائية في تاريخ المفسّرين الإسلاميّين ، فقد أجاد اللغات العبرية
والإنكليزية والفارسية ما مكّنه من فهم النصّ القرآني ومحاربة أعداء القرآن الكريم.
٢ ـ إنّ بعضاً ممّن
كتبوا في سيرته الذاتيه أو أرّخوا لحياته فاتهم جزءاً منها كبعض من مؤلّفاته أو قسم
من مصادر ترجمته فاستدرك البحث هذا على تلك الثغرات.
٣ ـ تميّز بهجراته
داخل العراق ، وله أياد بيضاء في سبيل القضية الوطنية العراقية.
٤ ـ الدرس القرآني
ـ كمقاربة ـ عند البلاغي النجفي يتمحور في آثاره التخصّصية على علوم القرآن والتفسير
والرسائل القرآنية ، وفي محور آخر يتركّز على جهوده القرآنية في كتبه الأخرى كالرحلة والهدى وغيرها.
٥ ـ تفسير الآلاء يصلح للمبتدئين والمنتهين نظراً لإيجازه غير المخلّ وإسهابه غير المملّ ، ولدقّة
معالجاته وتركيز عبارته.
٦ ـ منهجية البلاغي
النجفي في التفسير تجزيئية ، إلاّ أنّه خاض في مباحث كثيرة كانت أقرب إلى التفسير الموضوعي
أو التوحيدي.
٧ ـ أهم سمتين في
تفسيره :
أوّلاً : الطابع الفقهي المميّز الذي طغى على أبحاث التفسير وفي آيات الأحكام كونه
علماً من أعلام الاجتهاد وفقيهاً نجفياً لامعاً.
وثانياً : المنحى النحوي الذي تميّز به تفسيره.
٨ ـ البلاغي النجفي
رائد من روّاد التقريب وداعية من دعاة الوحدة ، كما أنّه نادى بحوار الأديان وحوار
الثقافات.
٩ ـ البلاغي النجفي
: البلاغي ، الشاعر ، اللغوي ، تفاعل مع النصّ القرآني بروحية الشاعر وبعلمية الأصولي.
١٠ ـ تنوّعت مصادر
درسه القرآني فاستوعبت الطيف الإسلامي للمذاهب الإسلامية والتلمود اليهودي والإنجيل
المسيحي والنظريّات العلمية
__________________
المستجدّة.
١١ ـ تفسير آلاء
الرحمن ـ إجمالاً ـ من التفاسير الموسوعية ، فمن النحو والبلاغة إلى الفقه والرجال
، وقد ولج علم الكلام والعقائد برهبانية العارف المتألّه وليس بتصوّف الكشفية ، مجاهداً
البهائية والوهّابية والقاديانية والبابية.
١٢ ـ لم يلحظ البحث
حول التفسير : معالجة أسباب النزول والمكّي والمدني والقراءات القرآنية ، كما رصد ضعفاً
في الدراسة التاريخية فيه.
١٣ ـ أطال المفسّر
في بعض المواقع من الآلاء كمبحث : (بعض ما أُلصق بكرامة القرآن) وفي (جمع القرآن) وفي (اضطراب اللغويّين)
وفي (القصاص) وفي (التعصيب).
١٤ ـ مثّلت ظاهرة
الإعجاز عند البلاغي قضية محورية ومن أولويات المحاججة دفاعاً عن المرسل والرسول والرسالة
، مرتكزاً على القرآن الكريم ، والبديهيات المنطقية ، والمقدّمات العقلية التي آلت
إلى نتائج منطقية ، فهي من ثوابت العقيدة الإسلامية ، دالّةً على مصداقية النبوّة والرسالة.
١٥ ـ عالج الشيخ
مسألة الإعجاز على نمطية ثنائية هي : الإعجاز القرآني من وجهة العرب ، والإعجاز القرآني
من وجهة البشر ، لاطّلاعه الواسع على كتب العهدين واتقانه اللغات الإنكليزية والعبرية
والفارسية ، وهي سابقةً استثنائية غير حاصلة في تاريخ التفسير والمفسّرين قدامى ومحدثين.
١٦ ـ وظّف الشيخ
المفسّر الآلية السالفة ـ في صدّ حملات الاستشراق
ونتاجات المستشرقين والبعثات التبشيرية والارساليات الاستكبارية المستندة لكتبهم
الرائجة المقدّسة.
١٧ ـ من ناحية الإعجاز
يثبت البلاغي النجفي ثبات معارف القرآن في الإلهيات وتاريخ الأنبياء وكتب العهدين وأسرار
الخليقة ، وأنّ تعدّد وجوه إعجازه يدلّل على إعجاز القرآن نفسه.
١٨ ـ أفاد البلاغي
النجفي من ظاهرة الإعجاز في تقويض البناء الفكري الديني والموروث العقائدي لليهود والنصارى
كاشفاً عن تحريف هذه الأديان وتناقضاتها وأضاليلها ، ولا يفهم من هذا أنّه تحامل على
اليهود والنصارى ، وإنّما على كلّ الأباطيل ، والضلالات بغية الوصول إلى الدين الحقّ.
١٩ ـ كما أفاد من
الظاهرة ذاتها في تقويض الحركات الداخلية الهدّامة والعقائد الانحرافية والفرق المبتدعة
من الوهّابية والبهائية والبابية والقاديانية.
٢٠ ـ انطلق البلاغي
النجفي إلى مديات أرحب في الدعوة الإسلامية لتحقيق أممية الإسلام وعالمية الدعوة وعمومية
الزمان والمكان للقرآن المجيد ، وبالأخصّ في مخاطبة أهل الكتاب ، إذ أنّ القرآن كان
حافظاً لنفسه ولغيره من الكتب المقدّسة في هذا المجال.
٢١ ـ أثّر بشكل
متميّز في تلاميذه ، وهم أثرّ من تراثه الفكري ، فقد اتّكأ السيّد الخوئي على قضية
الإعجاز عند أستاذه البلاغي من خلال فصول كتابيه : البيان في تفسير القرآن وكتاب نفحات
الإعجاز الذي كتبه ردّاً على حسن الإيجاز الصادر من المطبعة الإنكليزية
الأمريكية في بولاق (١٩١٢م).
المصادر
القرآن
الكريم.
١
ـ آلاء الرحمن : لمحمّد جواد البلاغي
، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان.
٢
ـ الاتقان : للسيوطي ، دار الفكر
، بيروت ، لبنان.
٣
ـ أصول التفسير الإسلامي : للدكتور محسن عبد الحميد ، دار الثقافة ، الدار البيضاء ، المغرب.
٤
ـ اعلام الهداية : المجمع العالمي
لأهل البيت ، قم ، إيران.
٥
ـ البحث الدلالي في تفسير الميزان : للدكتور مشكور العوادي ، مؤسّسة البلاغ ، طهران ، إيران.
٦
ـ البلاغي مفسّراً (رسالة دكتوراه من جامعة طهران) : للدكتور علي الأوسي ، مؤتمر البلاغي ، قم ، إيران.
٧
ـ البيان : للسيّد الخوئي ـ
مطبعة العمال المركزية ـ بغداد.
٨
ـ التفسير الحديث : لمحمّد عزه دروزه
، دار إحياء الكتب العربية ، بيروت ، لبنان.
٩
ـ تفسير شبّر : للسيّد عبد الله
شبّر ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان ، ١٩٩٧م.
١٠
ـ تفسير المنار : لمحمّد رشيد رضا
، الهيئة المصرية العامّة للكتاب ، القاهرة ، مصر.
١١
ـ التوحيد والتثليث : البلاغي ، مؤتمر
البلاغي ، قم ، إيران.
١٢
ـ حياة الإمام العسكري : للشيخ باقر القرشي ، دار الأضواء ، بيروت ، لبنان.
١٣
ـ الرحلة المدرسية : لمحمّد جواد البلاغي
، دار المرتضى ، بيروت ، لبنان.
١٤
ـ الشهيد الصدر سنوات المحنة وأيّام الحصار : لمحمّد رضا النعماني ، انتشارات إسماعيليان ، قم ، إيران.
١٥
ـ علوم القرآن : للسيّد الشهيد محمّد
باقر الصدر ، كلّية أصول الدين ، بغداد ، العراق.
١٦
ـ قضايا إسلامية : مجلّة فكرية إسلامية
تصدرها مؤسّسة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) ، قم ، إيران عام (١٩٩٢م).
١٧
ـ لسان العرب : لابن منظور ، نشر
أدب الحوزة ، قم ، إيران.
١٨
ـ لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث : للدكتور علي الوردي ، انتشارات الشريف الرضي ، قم ، إيران.
١٩
ـ المبادئ العامّة لتفسير القرآن الكريم : للدكتور محمّد حسين الصغير ، المؤسّسة الجامعية للدراسات ، والنشر.
٢٠
ـ مجموعة مقالات المؤتمر العالمي للعلاّمة البلاغي : مركز العلوم والثقافة الإسلامية ، قم ، إيران.
٢١
ـ مدخليّات التفسير (أثر الآلاء في البيان ـ دراسة مقارنة) : علي محمود البعّاج ـ مجموعة بحوث المؤتمر العلمي الدولي حول حياة الإمام السيّد
الخوئي وإنجازاته العلمية ، مؤسّسة الإمام الخوئي الخيرية ٢٠١٤م.
٢٢
ـ المدرسة الإسلامية : للسيّد الشهيد محمّد
باقر الصدر ، دار التعارف ، بيروت ، لبنان.
٢٣
ـ معارف الرجال : للشيخ محمّد حرز
الدين ، منشورات مكتبة المرعشي ، قم ، إيران.
٢٤
ـ منّة المنّان في الدفاع عن القرآن : للسيّد الشهيد محمّد الصدر. ط١ دار النجوى ، بيروت ، لبنان.
٢٥
ـ منهج الشيخ الطوسي في التبيان : للدكتور كاصد الزيدي ، بيت الحكمة ، بغداد ، العراق.
٢٦
ـ منهج الطباطبائي في الميزان : لعلي الأوسي ، معاونية الرئاسة للعلاقات العامّة ، منظّمة الإعلام الإسلامي
، طهران ، إيران.
٢٧
ـ الهدى إلى دين المصطفى : لمحمّد جواد البلاغي ، دار الكتب الإسلامية ، بيروت ، لبنان.
نسخة مدوّنة من التراث
ممّا جاء في إيمان أبي طالب رضياللهعنه
|
|
الشيخ محمّد مهدي صباحي
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد :
لقد تطرّق
سماحة آية الله العظمى الشيخ بهجت قدسسره سنة (١٤٣٠هـ) في درسه خارج الفقه إلى ذكر الموضوع التالي
وذلك لمناسبة حصلت أثناء البحث فقال :
لقد كتب أحد
أعلام أهل السنّة ـ حيث كان يبدو من ظاهره أنّه منهم ـ رسالةً يستدلّ بها على
إيمان أبي طالب رضياللهعنه
بنفس الأدلّة
التي يُستدلُّ بها على كفره ، وهنا تكمن فذلكة البحث؛ إذ أنّه لم يأتِ بأدّلة على
إيمانه وإنّما يستدلّ بأدلّة الكفر التي ذكرها الآخرون ليثبت بها إيمان أبي طالب
رضياللهعنه
وقد جاء في هذه
الرسالة : «لمّا أكملت تسويده في أوائل شهر الله الحرام ذي القعدة من شهور سنة
ثمان وثمانين
__________________
وألف بالمدينة النبوية ـ على ساكنها الصلاة والتحية ـ في منزلي بالزقاق
المشهور بزقاق الدور ـ وهو داخل سور ـ أرسلت إلى بعض خدّام الحرم الشريف ممّن كان
له قدم في طريق الله ، وله أذكار ، وأوراد ، وله سلوك ، وهو متوسّم بالصلاح ،
ليُدخله الحُجرة الشريفة تحت أستار [كسوة]القبر المعظّم ـ صلى الله على ساكنه وسلم
ـ فإنّه هديّته [صلى الله عليه وآله وسلم] ، فإن وقع في حيّز القبول بيّضته ،
وإلاّ ضيّعته قبل أن ينشر [تنتشر ـ خ] منه النسخ.
فأدخله تحت
الستر واستمرّ فيه ليلتين ، ثمّ ردّه إليّ وبشّرني بأنّه وقع في حيّز القبول من
حضرة الرسول وشفّعه في جميع الفروع والأصول. فحمدت الله على ذلك وبيّضته ...».
مدوّنة من التراث
ممّا جاء في إيمان أبي طالب
رضياللهعنه
من خلال
التنقيب عن الكتب المصنّفة حول شخصية أبي طالب
رضياللهعنه
عثرنا على
عنوانين في كتاب الذريعة في هذا المضمار ، لكنّنا لم نعثر على أيّ نسخة خطّية أو
مطبوعة لهذين الكتابين فظننّا أنّها موجودة إلاّ أنّها غير متوفّرة اليوم :
الأولى : (بغية الطالب لإيمان أبي طالب
رضياللهعنه وحسن خاتمته).
تأليف : الحافظ
جلال الدين عبد الرحمن السيوطي الشافعي المتوفّى سنة (٩١١ هـ) وقد ذكرها صاحب الذريعة في كتابه ، وقد تبعه على ذلك مؤلّف كتاب أهل البيت في المكتبة
العربية ، وقد ذكرها العلاّمة الأميني في كتاب الغدير.
وذكرها صاحب الذريعة قائلاً : «ونسخته توجد في مكتبة قولة بمصر ضمن مجموعة
برقم وهي بخطّ السيّد محمود ، فرغ من الكتابة سنة (١١٠٥ هـ)».
الثانية : (بغية الطالب لإيمان أبي طالب).
تأليف : السيّد
محمّد بن عبد الرسول البرزنجي ، الشهرزوري ، المدني
__________________
(١٠٤٠ ـ ١١٠٣ هـ).
هذه الرسالة في
هديّة
العارفين ، وفي معجم المؤلّفين ، وفي بروكلمان ، وفي أعلام الزركلي ، قد عدّها هؤلاء من مصنّفات البرزنجي.
وقد أشار صاحب الذريعة في كتابه إلى رسالة السيّد محمّد بن رسول البرزنجي هذه.
كما ذكرت هذه
الرسالة أيضاً في كتاب أهل
البيت في المكتبة العربية كما أحال ترجمة المؤلّف إلى كتب سلك الدرر ، وتاريخ
السليمانى) ، ومشاهير الكرد.
إنّ هذه
الرسالة هي خاتمة كتاب آخر من البرزنجي ألّفه في نجاة أبوي النبيّ صلّى الله عليه
وآله وسلّم تحت عنوان : سَداد
الدِّين وسِداد الدَّين في إثباة النجاة والدرجات للوالدين ، وقد اختصّت الصفحات من الصفحة (٢٨١) إلى
__________________
الصفحة (٣٢٨) من هذا الكتاب بالخاتمة ، وقد قال المؤلّف في أوّل تلكم
الخاتمة : «خاتمة ، نسأل الله تعالى حسنها في بيان حسن خاتمة أبي طالب» ، وقال :
«أحببنا أن نختم الكتاب بإثبات نجاة أبي طالب تتميماً للفائدة ، وتكميلا لبيان جاه
سيّد الأوّلين والآخرين المبعوث رحمة للعالمين فضلا عن الأهل والأقربين ..».
هذا وأنّ كتاب
(سَداد
الدِّين وسِداد الدَّين في إثباة النجاة للوالدين) ، قد لخِّص بواسطة علمين من أعلام العلم والتحقيق من
أهل السنّة؛ أحد التلخيصين شمل كلّ الكتاب ، والتلخيص الآخر شمل قسم خاتمة الكتاب
في نجاة أبي طالب :
١ ـ التلخيص الكامل : وهو للعلاّمة سليمان بن عمر بن منصور العجلي اللاذقي
المصري الأزهري الشافعي والمعروف بـ : (جَمَل) ، وهو من أعلام
__________________
المذهب الشافعي ، توفّي في سنة (١٢٠٤هـ) ، وهذا التلخيص تحت عنوان : بلوغ المآرب في نجاة
آبائه (صلى الله عليه وآله) وعمّه أبي طالب
رضياللهعنه
، حيث قال في
مقدّمته (ص ٣٩ ـ ٤٠) : «ظفرت بمؤلَّف حافل للعلاّمة ... الشهير بالبرزنجي مشتمل
على نجاة أبويه الشريفين ، بل على نجاة جميع آبائه وأمّهاته ، وفيه خاتمة مشتملة
على نجاة أبي طالب ، بل إيمانه ، وأنّ جميع أصوله صلّى الله عليه وآله وسلّم
مؤمنون طاهرون ، مطهّرون ، ناجون ، ببركة نبيّه الأمين المأمون ، وقد طالعت ذلك
المؤلَّف مراراً ، فرأيته درّة يتيمة ، وجوهرة ثمينة ، فيه أبحاث شريفة ، وفوائد
منيفة ، ودلائل محقّقة ، وبراهين مدقّقة.
ذكر أنّ سبب
تأليفه لهذا الكتاب أنّه اطّلع على رسالة ألّفها ملاّ علي القاري الهروي في كفر الأبوين الشريفين ، وأظهرها مفتخراً بها.
والحال أنّ
الافتخار بمثلها فضيحة وعار ، وربّما دلّت على سوء الأدب وقلّة الوقار ، بل ربّما
دلّت على الكفر والبوار.
__________________
ثمّ أخبر : أنّ
إمام المسجد الحرام العلاّمة عبد القادر الطبري ألّف رسالة في الردّ عليه ، وأبدع
وأغلظ عليه ، وشنّع.
والمصنّف تصدّى
للردّ عليه بإنصاف ، وإقامة الأدلّة ، وإثبات البراهين ، من غير اعتساف ، فلذلك
طال كتابه ، فأردت اختصاره ، اقتصاراً على المقصود ، ليرغب فيه القاصر مثلي ،
وسمّيته (بلوغ
المآرب في نجاة آبائه(صلى الله عليه وآله) وعمّه
أبي طالب رضياللهعنه)».
يبدو أنّ هذه
الرسالة قد طبعت لأوّل مرّة في قم سنة (١٤٢١ هـ. ق) بتحقيق وتعليق الشيخ سامي
الغريري رحمهالله
في (٢٤٠ صفحة)
وقد قامت مؤسّسة (زهراء أكاديمي) بطباعتها ونشرها ، وقد اعتمد الغريري
رحمهالله
على نفس النسخة
الوحيدة التي أشار إليها صلاح الدين المنجّد في كتاب (معجم ما ألّف عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)) (ص ٥١) والموجودة في المكتبة
التيمورية في دار الكتب العلمية في القاهرة ضمن المجموعة الحديثية تحت رقم : (٣٣٣).
٢ ـ أمّا تلخيص (خاتمة
الكتاب) : فقد تمّ من
قِبَل عَلَم آخر من أعلام العلم والتحقيق من أهل السنّة وهو العلاّمة أحمد بن زيني
دحلان ، مفتي الشافعية في مكّة المشرّفة (١٢٣٢ ـ ١٣٠٤هـ) وإمام المسجد الحرام ،
وقد ألحقت بهذا التلخيص إضافات وكان بمجموعة تحت عنوان : (أسنى المطالب في نجاة
أبي طالب) حيث قال في
مقدّمته :
«فيقول .. خادم
طلبة العلم بالمسجد الحرام ، أحمد بن زيني دحلان : قد
وقفت على تأليف جليل للعلاّمة النبيل مولانا السيّد محمّد بن رسول البرزنجي
المتوفّى سنة (١١٠٣هـ) في نجاة أبوي النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وذيّله
بخاتمة في نجاة أبي طالب عمّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وأثبت نجاته ،
وأقام أدلّة على ذلك وبراهين من الكتاب والسنّة وأقوال العلماء ، يحصل لمن تأمّلها
أنّه ناج بيقين ، مع بيان معان صحيحة للنصوص التي تقتضي خلاف ذلك ، حتّى صارت جميع
النصوص صريحة في نجاته.
وسلك في ذلك
مسلكاً ما سبقه إليه أحد ، بحيث ينقاد لأدلّته كلّ من أنكر نجاته وجحد ، وكلّ دليل
استدلّ به القائلون بعدم نجاته قَلَبَهُ عليهم وجعله دليلا لنجاته ، وتتبّع كلّ
شبهة تمسّك بها القائلون بعدم النجاة ، وأزال ما اشتبه عليهم بسببها ، وأقام دليلا
على دعواه ، وكان في بعض تلك المباحث مواضع دقيقة ، لا يفهمها إلاّ الفحول من العلماء
، ويعسر فهمها على القاصرين من طلبة العلم».
ثمّ قال :
«وبعض تلك المباحث زائدة عن إثبات المطلوب ذكرها تقوية لما أثبت».
إلى أن قال :
«فأردت أن ألخّص في هذه الوريقات المقاصد التي أثبت بها نجاة أبي طالب ، ليكون من
عرفها في كلّ محفل هو الغالب.
واجتهدت في تسهيل
عبارات تلك المباحث الدقيقة حسب الإمكان ، وحذفت ما كان زائداً عمّا هو مقصود
بالبيان ، وزدت كلاماً يتعلّق بذلك وجدته في المواهب اللدنّية والسيرة الحلبيّة له مناسبة لهذه القضية ، فجاء الجميع وافياً بالمراد ..».
وقد طبع تلخيص الخاتمة ونشر بواسطة ثلّة من الناشرين نذكرهم كما
يلي :
١ ـ طبعة مصر ،
مطبعة محمّد أفندي مصطفى ، ١٣٠٥هـ ، ٣٩ص ، ق ٢٧ × ١٩.
٢ ـ طبعة مكّة
المكرّمة ، المطبعة الميرية ، ١٣٢١ هـ ، ٢٦ ص.
٣ ـ طبعة
المطبعة الميمنية بمحروسة القاهرة المعزّية في جمادى الأولى من سنة (١٣٢٣ هجرية) ،
صحّحه : محمّد الزهري الغمراوي.
٤ ـ طبعة
القاهرة ، مكتبة صبيح (١٩٧٦ م).
٥ ـ طبعة عُني
بها وعلّق عليها السيّد علي بن الحسين الخطيب الهاشمي ، طهران ، المطبعة الإسلامية
، ١٣٨٢ هـ ش ، ٦٤ ص ، ٢١ × ١٤ سم.
٦ ـ طبعة
بإعداد وتقديم الأستاذ الورداني المصري ، الناشر : الهدف للإعلام ، ١٩٩٩م ، ١١٤ ص
، ق ٢٤ × ١٧.
٧ ـ طبعة دار
كنز السعادة / أدرب الأتراك / الأزهر / الطبعة الأولى.
٨ ـ الطبعة
المصوّرة من رقم بشيكاگو.
٩ ـ طبعة
بتحقيق الشيخ مصطفى بن صبحي بن حسين بن علي الخضر ، المولود بحمص (سنة ١٩٦٩م) ،
عنونه المنتفكي في معجم
ما ألّف عن أبي طالب رضياللهعنه تحت الرقم (٣٥ / ٤١) ، وقال : «أخبرنا المحقّق أنّه معدّ
للطبع بحدود ١١٥ صفحة».
١٠ ـ طبعة
بتحقيق وتعليق حسن بن علي السقّاف ـ في الحجم الوزيري ـ
في ١٥٢ صفحة / من منشورات : دار الإمام النووي / عمّان / الأردن / سنة :
١٤٢٨ هـ. ق ـ ٢٠٠٧م.
١١ ـ وطبعة
بتحقيق وتعليق الشيخ أحمد فريد المزيدي / دار الكتب العلمية / بيروت / مع سبل السلام في حكم
آباء سيّد الأنام للشيخ بالي زادة الحنفي المدني / من علماء القرن الثالث عشر / ١٤٢٩ هـ ـ
٢٠٠٨م.
وقد وجدت نسخة
من الطبعتين الأخيرتين في مكتبة (مؤسّسة تحقيقات أبو طالب
رضياللهعنه).
وقد ترجم هذا
التلخيص باللغتين الفارسية والأردو :
أ ـ الترجمة الفارسية :
ترجمت بعنوان :
أبو
طالب چهره درخشان إسلام وهي ترجمة بالفارسية لكتاب أسنى المطالب لأحمد بن زيني دحلان المكّي المتوفّى (١٣٠٤ هـ). ترجمة
: محمّد مقيمي. ط١ طهران ، ١٣٧١ هـ. ش ، ق ٢٢ × ١٤، ٧٦ ص، انتشارات سعدي ـ شارع
ناصر خسرو ـ مطبعة آفتاب.
ب ـ ترجمة الأُردو :
١ ـ ترجمة
المولوي الحكيم السيّد مقبول أحمد بن غضنفر علي بن مراد علي الدهلوي (دلهي ١٢٨٧ هـ
، دلهي ١٣٤٠هـ) ، وكان نائب الأمين العامّ في المدرسة الاثنا عشرية في دلهي ،
وطبعت هذه الترجمة أيضاً في دلهي ، مطبعة
اليوسفي ، عبّاس كتب خانه ، ١٨٤ ص ، سنة (١٣١٣هـ. ق).
ذكره العلاّمة
الطهراني في الذريعة : ج٤ ، ص ٧٨؛ وذكره صاحب تذكره علماي إمامية باكستان : هامش ص ٢٥٤. وذكره صاحب مطلع الأنوار : ص ٦٤٢.
٢ ـ ترجمة
بعنوان: محبوب
الرغائب ، ترجمة محمّد
نجم الدين علي صاحب المدراسي السنّي.
عنونه قاموس الكتب الأوردية ، ج١ ، ص ٨٥٨ ، عن فهرست كتب خانة آصفية / حيدر آباد دكن / ج٣ ، ص ٥٦٦ ، وقال : طبع في مطبعة
محبوب شاهي في حيدر آباد الدكن سنة (١٣١٣ هـ. ق) في (٢٣٥ صفحة) باسم محبوب الرغائب وعنونه المنتفكي في معجم ما ألّف عن أبي طالب
رضياللهعنه
بالرقم : ١٥٧ /
٨ ، عن قاموس
الكتب ، وقال : طبعة
طهران.
واختصر هذا
التلخيص : محمّد بن محمّد بن عبد السلام بن أحمد بن عبد الله جنون ، أبو عبد الله
ـ فقيه مالكي متصوّف ، من أهل فاس ، المتوفّى(١٣٢٨هـ)
__________________
باسم: إتحاف
الطالب بنجاة أبي طالب.
ذكره في أهل البيت في المكتبة
العربية ، بالرقم : ١٨؛
وذكره الدكتور المنجّد في معجم
ما ألّف عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ص ٥٦ وقال : «خلاصة من كتاب أسنى المطالب في نجاة أبي
طالب ، للشيخ أحمد
زيني دحلان».
ثمّ قال :
«مخطوطه في الرباط ، الفهرست الثالث ٢٩٩٨».
وكما لاحظتم
فإنّ نسخة بغية
الطالب للسيوطي لها
نسخة خطّية مذكورة ولكن بغية
الطالب للبرزنجي لم
تذكر لها نسخة قط.
لقد بادرنا مع
بعض الزملاء سنة (١٣٩٢ هـ. ش) للحصول على نسخة مصوّرة من الرسالة المنسوبة
للعلاّمة السيوطي في مصر ولكن نظراً للاضطرابات التي شهدتها مصر آنذاك فقد باءت
جهودنا بالفشل ، وفي الوقت الذي كنّا فيه في غاية اليأس أُخبرنا أنّ النسخة قد
أرسلت من مصر ووصلت إلينا في إيران ولله الحمد ، ولكن في مدّة الانتظار هذه قد
عثرنا من خلال سعينا المتواصل على نسخة البرزنجي في فهرست دنا ، كما طلبت من صديقي القديم حجّة الإسلام
__________________
والمسلمين الشيخ جعفريان ـ الرئيس الأسبق لمكتبة مجلس الشورى الإسلامي ـ أن
يسعفني بنسخة مصوّرة منها ، وبعد أمد غير بعيد أخبَرَنا بإعداد النسخة المشار
إليها آنفاً من المكتبة العامّة لمجلس الشورى وأضاف أنّه عثر على نسخة أخرى من نفس
رسالة البرزنجي موجودة أيضاً في مكتبة مجلس الشورى إلاّ أنّها لم تذكر في فهرست دنا حيث أعددنا منها نسخة مصوّرة.
فإنّ هاتين
النسختين أصبحتا أساساً للعمل والمثابرة إلى طباعتها وتعريفها.
وهنا نتناول
التعريف بنسختي مجلس الشورى الإسلامي :
١ ـ النسخة برقم ١٥٥٠٩ : ففي هذه النسخة وردت صورة إجازة المؤلّف إلى الشيخ
عبد الرحمن بن تاج الدين الخطيب ، وقد وهب المؤلّف النسخة إليه ؛ وبناءً على هذا
فإنّ النسخة من وجهة نظر المصنّف مفروغ من صحّتها.
كذلك الخطيب
المذكور فإنّه بعد أن استفاد من النسخة قد منح روايتها إلى نقيب السادات في بعلبك
، كما وهبه النسخة ، وذلك تحقّقاً للإجازة ، وقد كتب الخطيب هذه الإجازة بخطّه في
أواسط شعبان سنة (١١٠١هـ).
وقد امتازت هذه
النسخة بمزايا نسبةً إلى سائر النسخ الأخرى :
أوّلا : إنّ المؤلّف ذكر في بغية الطالب هذه رسالته الأخرى وهي تحت عنوان سَداد الدِّين وسِدادُ
الدَّين في صحّة نجاة
أبوي النبيّ(صلى الله عليه وآله) ويبحث في خاتمتها ـ تتميماً للفائدة ـ في بحث
نجاة أبوي النبي(صلى الله عليه وآله) نجاة أبي طالب
رضياللهعنه.
__________________
ثانياً : أنّها استنسخت في حياة المؤلّف.
ثالثاً : وجود صورة الإجازة التي منحها المؤلّف للشيخ عبد
الرحمن الخطيب في تلك النسخة.
رابعاً : نفس الخطيب المذكور يعطي إجازة برواية الكتاب إلى
نقيب السادات في بعلبك.
وقد كتبت هذه
النسخة بخطّ النسخ بواسطة محمّد سعيد بن حسين القريشي الكوكني ثمّ المدني
النقشبندي في ٢٨ جمادى الآخرة سنة (١١٠١ هـ) في دمشق.
٢ ـ النسخة رقم ٦٧١٣ في
مكتبة مجلس الشورى الإسلامي : وهي موجودة في مجموعة تحتوي على خمس رسائل ، الرسالة
الأولى (أپ ـ ١٨ پ) غنية
الطالب ، وهي مطابقة
لما جاء في الصفحة الأولى من الرسالة ، وقد ذكرت بهذا الاسم في فهرست مجلس الشورى والحال أنّ الاسم الصحيح لها هو بغية الطالب ، ومن الرسائل الأربع الأخر ثلاث رسائل من تأليفات جلال
الدين السيوطي وهي بالعناوين التالية : أ ـ إحياء الميّت في فضائل أهل البيت
عليهمالسلام. ب
ـ الثغور الباسمة في مناقب السيّدة فاطمة. ج ـ العجاجة الزرنبية في السلالة
الزينبية. ورسالة أخرى
تحت عنوان محجّة
القرب بمحبّة العرب ، لأبي الفضل عبد الرحيم بن حسين بن إبراهيم العراقي (ت ٨٠٦ هـ).
الخطّ : نسخ ،
الكاتب : عبد الله بن محمّد حسن الهشترودي التبريزي ، تاريخ الكتابة : (١٣٣٧ هـ) ـ
ملحقة في آخر الرسالة الثالثة ـ صحِّحت بخطّ الكاتب ،
وفي أوّل كلّ رسالة جاء اسمها واسم المؤلّف بخطّ الشنگرف العريض.
ومن خصوصيّات
النسخة هو أنّ المؤلّف ذكر في آخرها ما يلي :
«لما أكملت
تسويده في أوائل شهر الله الحرام ذي القعدة من شهور سنة ثمان وثمانين وألف
بالمدينة النبوية ـ على ساكنها الصلاة والتحية ـ في منزلي بالزقاق المشهور بزقاق
الدور ـ وهو داخل سور ـ أرسلت إلى بعض خدّام الحرم الشريف ممّن كان له قدم في طريق
الله ، وله أذكار ، وأوراد ، وله سلوك ، وهو متوسّم بالصلاح ، ليُدخله الحُجرة
الشريفة تحت أستار [كسوة]القبر المعظّم ـ صلى الله على ساكنه وسلم ـ فإنّه هديّته [صلى
الله عليه وآله وسلم] ، فإن وقع في حيّز القبول بيّضته ، وإلاّ ضيّعته قبل أن ينشر
[تنتشر ـ خ] منه النسخ.
فأدخله تحت الستر
واستمرّ فيه ليلتين ، ثمّ ردّه إليّ وبشّرني بأنّه وقع في حيّز القبول من حضرة
الرسول وشفّعه في جميع الفروع والأصول.
فحمدت الله على
ذلك وبيّضته ...».
وقد ذُكر هذا
الكلام أيضاً في نسخة بغية
الطالب في مكتبة
(قولة) في مصر.
وكذلك قد وجدت
هذه العبارة في كلا الطبعتين المتوفّرتين في المؤسّسة من كتاب أسنى المطالب في نجاة
أبي طالب رضياللهعنه. أي : طبعة دار الكتب العلمية / بيروت تحت عنوان (تتمّة)
، وفي طبعة دار الإمام النووي / عمّان / الأردن تحت عنوان (تكملة).
__________________
النسخة الثالثة وهي المنسوبة للسيوطي في مصر :
فلم نعثر على
عنوان لهذه الرسالة من بين مصنّفات جلال الدين السيوطي المذكورة في كتاب هديّة العارفين : ج١ ، ص ٥٣٧ في تسعة صفحات.
وفي فهرست مؤلّفات
السيوطي تأليف : د.
عصام الدين عبد الرؤوف الذي تمّت طباعته ونشره بواسطة دار الكتب العلمية في بيروت
، كذلك لم يذكر اسم الرسالة المذكورة بعنوان : بغية الطالب لإيمان أبي طالب
رضياللهعنه
وحسن
خاتمته ولا أيّ عنوان
آخر في موضوع إيمان أبي طالب رضياللهعنه وحسن خاتمته.
فإنّ الوحيد
الذي ذكر هذا المؤلّف ونسخته إنّما هو العلاّمة آقا بزرك الطهراني في الذريعة وتبعه على ذلك العلاّمة الأميني في هامش الغدير والعلاّمة السيّد عبد العزيز الطباطبائي في كتابه أهل البيت في المكتبة
العربية.
النسخة
المذكورة رآها العلاّمة الطهراني قدّس سرّه في مكتبة (قولة) وهي من المكتبات
الخاصّة في مصر ، وعلى ما ذكره عزّت ياسين أبو هيبة في كتاب : المخطوطات العربية ،
فهارسها وفهرسها ومواطنها في جمهورية مصر العربية : ص ٢٥٩ ، أنّها انتقلت حاليّاً إلى (دار الكتب
المصرية).
وفي مجلّة المرشد طبعة دمشق العدد ٢١ ـ ٢٢ (١٤٢٩ هـ ـ ٢٠٠٨م) ص ٧٣ (عدد
خاصّ في أبي طالب عمّ النبيّ ، ووالد الوصيّ ، المؤمن قبل الإسلام). ذكر
__________________
العلاّمة السيّد حسن بن علي السقّاف الشافعي قائلا : «هذا الكتاب منسوب إلى
الإمام العلاّمة الحافظ السيوطي ، ولمّا أتينا بمخطوطته من دار الكتب المصرية
وجدناه للعلاّمة البرزنجي ، وهو موضوع بين رسائل للحافظ السيوطي».
وبعد أن قرأت
نسخة مصر بعد أن صارت في حوزة (مؤسّسة أبي طالب
رضياللهعنه) توصّلت إلى :
١ ـ إنّ نسخة
مصر مطابقة مع النسختين من بغية
الطالب الموجودة في
إيران وقد مضى الكلام عنها.
٢ ـ لقد نقل
المؤلّف من كتاب أستاذه قصد
السبيل عدداً من
الأحاديث في موضوع الإيمان ، وقد ذكر عن البرزنجي هذا النقل من كتاب قصد السبيل في كتاب بلوغ المآرب في نجاة
آبائه(صلى الله عليه
وآله) وعمّه
أبي طالب رضياللهعنه
في خلاصة بغية سَداد
الدّين وسِداد الدّين في إثباة النجاة والدرجات للوالدين ونجاة عمّه أبي طالب : ص ١٣٦.
وقد عثرنا على
اسم أحد الأعلام في نفس الفترة الزمنية من حياة البرزنجي (١٠٤٠ ـ ١١٠٣هـ) باسم
إبراهيم بن الحسن الكوراني (١٠٢٥ ـ ١١٠١هـ) حيث
__________________
ذُكر في تآليفه كتاب قصد
السبيل ، فلربّما
يكون مراد البرزنجي من أستاذه وكتاب قصد السبيل هو نفس هذا الشخص ، ولكن لم نعثر إلى الآن على مصدر يذكر
مثل هذه النسبة ـ بأنّ الكوراني هو أستاذ البرزنجي أو البرزنجي تلميذه ـ.
٣ ـ لقد استفيد
في هذه النسخة من كتاب الفتح
المبين في شرح الأربعين حديث النووي لابن حجر الهيتمي (ت ٩٧٣هـ) في موضوع الإيمان.
٤ ـ ذُكر فيها
سائر مؤلّفات البرزنجي مثل أنهار
السلسبيل ومزاج الزنجبيل ومرقاة الصعود كما أحال إليها بعض المواضيع.
٥ ـ لقد نقل في
هذه النسخة من كتابي الدرّ
المنثور والخصائص الكبرى للسيوطي ، كما نقل فيها حديث «إذا كان يوم القيامة شفعت
...» وضمّ إليها كلاماً للسيوطي يقول فيه : «فهذه عدّة أحاديث يشدّ بعضها بعضاً ،
فإنّ الحديث الضعيف يتقوّى بكثرة الطرق ...» ، ويذكرها شواهد للمواضيع المعنية
بالبحث.
٦ ـ في مقدّمة
نسخة مكتبة مجلس الشورى برقم (١٥٥٠٩) تمّ الإرجاع في مبحث شأن النزول للآية : (مَا
كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِيْنَ آمَنُوا ..) وفي أربع
مواضع أخرى إلى كتاب سداد الدين للبرزنجي.
فبناءً على كلّ
ذلك يمكن القول بشكل قطعي أنّ الكتاب الذي نسب إلى السيوطي إنّما هو نفس كتاب بغية الطالب لإيمان
أبي طالب وحسن خاتمته تأليف محمّد بن رسول البرزنجي (المتوفّى سنة ١١٠٣هـ) والله أعلم.
النسخة الرابعة من كتاب بغية الطالب :
أُخبرنا في شهر
رمضان المبارك سنة (١٤٣٥هـ) أنّ ثمّة نسخة من هذه
الرسالة موجودة في (مركز ميكروفيلم) في شبه القارّة الهندية ، فواصلنا
متابعة الأمر واتّصلنا بالمركز وحصلنا على تأييد من المسؤول هناك على وجود هذه
النسخة لديهم ، ثمّ طلبنا منه ليرسل إلينا نسخة منها ، لتتمّ مقابلتها مع سائر
النسخ ، ونرفع عنها إبهاماتها ، فأكّد المسؤول بأنّه سوف يرسلها ، وبعد مضيّ فترة
أعلمنا أنّ الرسالة المستنسخة قد وصلت إلى إيران ، ولكن مع الأسف تبيّن فيما بعد
أنّها هي نفس النسخة الموجودة في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي.
إشارة إجمالية إلى محتوى بغية الطالب تأليف العلاّمة البرزنجي :
١ ـ يبتدئ في
المقدّمة بتعريف (الإيمان) وذكر قول أبي حنيفة في رسالة العالم والمتعلّم حول هذا الموضوع ، ويذكر أنّ هذا التعريف أيّده ثلّة من
أكابر العلماء ، ثمّ ينقل أنموذجاً من مقولة أحد كبار العلماء وهو العلاّمة العيني
في شرح
صحيح البخاري : «من صدّق الرسول في جميع ما جاء به؛ فهو مؤمن فيما بينه وبين الله وإن
لم يقرّ بلسانه ...» ثمّ يذكر روايات عديدة في هذا المجال ، وفي النهاية يذكر عن
العلاّمة الحليمي في المنهاج أنّه لا يعتبر في انعقاد الإيمان إنشاء لفظ خاصّ بل
ينعقد الإيمان بألفاظ تدلّ على معنى (لا إله إلاّ الله).
٢ ـ ثمّ يقول :
«تواترت الأخبار أنّ أبا طالب كان يُحبّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم ويحوطه
وينصره ، ويُعينه على تبليغ دينه ويصدّقه فيما يقول ، ويأمر أولاده كجعفر وعليّ
باتّباعه ونصره ، وكان يمدحه في أشعاره ، وأنّه قد نطق بحقيّة دينه ...».
٣ ـ ثمّ يدخل
في موضوع الشفاعة ويقول : «ورد عندنا في الحديث : (شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي)
أو في تعبير آخر : (لمن لم يشرك بالله شيئاً) وأبو طالب فقد شملته الشفاعة وفقاً
لرواية (الشفاعة) الصحيحة ، فإن قلنا بأنّ عدم تلفّظه بالشهادتين معصية منه فإنّ
الشفاعة تشمل المعاصي حتّى الكبيرة منها إلاّ الشرك لا تشمله الشفاعة؛ ويمكننا أن
نحمل قول رسول الله(صلى الله عليه وآله) : (أرجو له من ربّي كلّ خير) حين سئل :
(أترجو لأبي طالب خيراً؟) على أنّه معنى آخر للشفاعة فتشمله
رضياللهعنه
».
٤ ـ يذكر
الروايات التي أوردها ابن حجر العسقلاني في الإصابة في ترجمة أبي طالب على عدم إيمانه ويردّ عليه بأنّ هذه
الروايات إمّا أنّها تدلّ على إيمانه أو أنّها لا تدلّ على عدم إيمانه :
أ ـ يذكر
روايات صلاة أبي طالب ويردّ عليها : أنّ الصلاة لم تكُ واجبة في تلك الفترة
الزمنية.
ب ـ يذكر ما
شكته قريش إلى أبي طالب في قولها : «إنّ ابن أخيك هذا قد آذانا ...» وقول أبي طالب
: «والله ما كذب ابن أخي قطّ» وأنّه دليل على تصديق أبي طالب بما أتى به رسول الله
من الله تبارك وتعالى.
ج ـ يذكر حديث
طلب الدعاء من رسول الله(صلى الله عليه وآله) لشفاء أبي طالب من مرضه الذي كان فيه
، ويعتقد أنّ قول رسول الله(صلى الله عليه وآله) في جوابه يدلّ على صدق إيمان أبي
طالب فيقول : «وذلك كما شرط لسائر المسلمين استجابة دعائهم عند الله ما أطاعوا
أوامره ونواهيه».
د ـ فسّر الآية
الشريفة من قوله تعالى : (مَا كَانَ
لِلنَّبِيِّ وَالَّذِيْنَ آمَنُوا مَعَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِيْنَ) بروايات صحيحة
وقال : «فظهر بهذه الأخبار أنّ الآية نزلت في استغفار المسلمين لأقاربهم المشركين»
، وقد أضاف إلى ذلك :
أوّلا : أنّ السورة كلّها مدنية ، نزلت بعد تبوك ، وبينها
وبين موت أبي طالب رضياللهعنه
نحواً من اثنتي
عشرة سنة.
ثانياً : يذكر رواية الإمام علي
عليهالسلام
في شأن نزول
هذه الآية مع ذكر الشواهد الصحيحة عليها ويعتقد أنّها دليل على أنّ الآية لا تشمل
أبي طالب.
ثالثاً : إنّ عمّ إبراهيم
عليهالسلام
(آذر) كان
يتّخذ أصناماً آلهة ... ولم ينقل عن أبي طالب
رضياللهعنه
بطريق صحيح
أنّه اتّخذ صنماً إلهاً ، أو عبد حجراً ، أو نهى النبي(صلى الله عليه وآله)يوماً
عن عبادة ربّه ، غايته أن يكون ترك النطق بالشهادتين (لفظهما) ، أو ترك بعض
الواجبات ، ومع ذلك قلبه مشحون بتصديق النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، ثمّ قال :
«ومثل هذا ناج في الآخرة على مقتضى ديننا ، فلا يليق بالحكمة ، ولا بمحاسن الشريعة
الغرّاء ، ولا بقواعد الأئمّة من أهل الكلام ، أن يكون هو وآذر ـ عمّ إبراهيم
عليهالسلام
ـ في قرن. حاشا
من كرم الله ، فإنّ أبا طالب رضياللهعنه : ربّاه صغيراً ، وآواه كبيراً ، ونصره ، وعزّزه ،
ووقّره ، وذبّ عنه ، ومدحه بقصائد غرٍّ ، ووصّى باتّباعه ...».
وأخيراً وليس
آخراً يبقى التساؤل قائماً من أنّ ما ذكره آية الله الشيخ بهجت
قدسسره
في درس خارج
الفقه في أواخر حياته فيما يخصّ إيمان أبي طالب
رضياللهعنه
من أنّ أحد
علماء أهل السنّة قد قام بتأليف رسالة في ذلك ، من أين جاء به الشيخ
بهجت قدسسره؟ ومن هو مؤلف هذه الرسالة القائل بإيمان أبي طالب؟
فإنّ الجواب عن
السؤال يبدو بديهيّاً وفي غاية الوضوح بعد كلّ مابيّناه في هذه العجالة ، فبالرغم
من أنّ أصل الرسالة ـ ظاهراً ـ لم يطبع حتّى الآن ، ولكن أوّل خلاصة لـ : سَداد الدِّين وسِداد
الدَّين ... قد طبعت
لأوّل مرّة في قم سنة (١٤٢١ هـ).
والخلاصة
الثانية من خاتمته تحت عنوان : أسنى
المطالب في نجاة أبي طالب وهي لأحمد بن زيني دحلان قد طبعت منذ سنة (١٣٠٥هـ) حتّى
الآن أكثر من سبع مرّات بطبعات محقّقة لعدّة محقّقين.
وأمّا نسخة
المجلس المرقّمة (١٥٥٠٩) من بغية
الطالب فقد طبعت
مرّتين إلى الآن :
١ ـ طبعت في
مجلّة (سفينة) رقم ٤٩ ، سنة (١٣٩٤هـ. ش) العدد المختصّ بأبي طالب (من
ص ١٢٣ إلى ص ١٦٢).
٢ ـ طبعت من
قبل مجمع الإمام الحسين عليهالسلام العلمي لتحقيق تراث أهل البيت
عليهمالسلام
، مع تحقيق
حيدر عبد الرسول عوض / ١٥٤ صفحة (١٤٣٩ هـ ـ ٢٠١٧م).
فالظاهر أنّ
الشيخ بهجت قدسسره
كان قد رأى
أحدى طبعات الخلاصة الثانية من بغية الطالب بعنوان : أسنى المطالب في نجاة أبي
طالب ونقل منها ذلك والله أعلم.
المصادر
١
ـ أسنى المطالب : لأحمد بن زيني دحلان المكّي المتوفّى (١٣٠٤ هـ. ق) تحقيق : حسن بن علي
السقّاف القرشي الهاشمي الحسيني الباعلوي / دار الإمام النووي ـ عمّان ـ الأردن
(١٤٢٨ هـ. ق) وتحقيق : أحمد فريد المزيدي / دار الكتب العلمية ـ بيروت / الطبعة
الأولى (١٤٢٩ هـ. ق ـ ٢٠٠٩ م).
٢
ـ الإ صابة في تمييز الصحابة : للحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
المتوفّى (٨٥٣ هـ. ق) دار صادر ـ المصورة من الطبعة الأولى سنة (١٣٢٨ هـ) ـ مطبعة
السعادة مصر. ودارالفكر ـ بيروت الطبعة الأولى (١٤٢١ هـ. ق ـ ٢٠٠١م) تحقيق : صدقي
جميل العطار.
٣
ـ الأعلام : لخيرالدين الزركلي. دارالعلم للملايين ـ بيروت / الطبعة السادسة (١٩٨٤ م).
٤
ـ أهل البيت في المكتبة العربية : للعلاّمة المحقّق السيّد عبد العزيز الطباطبائي (١٣٤٨ ـ
١٤١٦ هـ. ق) الإعداد والنشر : مؤسّسة آل البيت
عليهمالسلام
لإحياء التراث.
قم.الطبعة الأولى (١٤١٧ هـ. ق).
٥
ـ بحار الأنوار : للمجلسي المتوفّى (١١١١ هـ. ق) دارالكتب الإسلامية / طهران.
٦
ـ البدر الطالع : للقاضي محمّد بن علي الشوكاني ، المتوفّى سنة (١٢٥٠ هـ. ق). وضع حواشيه :
خليل المنصور. دار الكتب العلمية / بيروت / الطبعة الأولى / (١٤١٨ هـ. ق ـ ١٩٩٨م).
٧
ـ بلوغ المآرب في نجاة آبائه صلّى الله عليه وآله وعمّه أبي طالب : لسليمان بن عمر ابن منصور العجلي اللاذقي المصري
الأزهري الشافعي ، المعروف بـ : الجمل ، توفي (سنة ١٢٠٤ هـ. ق) تحقيق : سامي
الغريري. الناشر : زهراء آكادمي ـ الطبعة الأولى ـ (١٤٣١ هـ. ق).
٨
ـ تاريخ الأدب العربي : لكارل بروكلمان ـ بالألمانية. المشرف على الترجمة العربية : ا. د. محمّد
فهمي حجازي. الهيئة المصريّة العامّة للكتاب. (١٩٩٣ م).
٩
ـ تاريخ مشاهير الكُرد : بابا مردوخ روحاني (شيوا). سروش / طهران / الطبعة
الأولى / (١٣٦٦ هـ. ش).
١٠
ـ تبيين كذب المفتري في ما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري : لابن عساكر الدمشقي المتوفّى في سنة (٥٧١ هـ. ق) /
دارالكتاب العربي ـ بيروت / عنى بنشره : القدسي. (١٣٩٩ هـ. ق ـ ١٩٧٩ م).
١١
ـ الخصائص الكبرى : للسيوطي المتوفّى (٩١١ هـ. ق) دارالكتب العلمية / بيروت / الطبعة الثالثة
/ (٢٠٠٨ م).
١٢
ـ الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور : للسيوطي المتوفّى (٩١١ هـ. ق) منشورات مكتبة آية الله
العظمى المرعشي النجفي / قم / (١٤٠٤ هـ. ق).
١٣
ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة : للعلاّمة الشيخ آقا بزرگ الطهراني. مكتبة صاحب الذريعة
العامة ـ النجف الأشرف. والمكتبة الإسلامية ـ طهران. الطبعة الأولى : (١٣٥٦ هـ. ش.
١٣٩٨ هـ. ق ـ ١٩٧٨ م).
١٤
ـ الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية : لإسماعيل بن حماد الجوهري المتوفّى (٣٩٣ هـ. ق). أحمد
عبد الغفار عطار. دار العلم للملايين ، بيروت ، (١٣٩٩ هـ. ق).
١٥
ـ الضوء اللامع لأهل القرن التاسع : للسخاوي شمس الدين محمّد بن عبد الرحمن ، الشافعيّ
المذهب (٨٣١ ـ ٩٠٢ هـ. ق). دار مكتبة الحياة / بيروت.
١٦
ـ العالِم والمتعلّم : للإمام ، أبي حنيفة النعمان بن ثابت (٨٠ ـ ١٥٥ هـ. ق) بتحقيق : محمّد زاهد
الكوثري. مطبعة الأنوار / القاهرة / شعبان سنة (١٣٦٨ هـ. ق).
١٧
ـ عمدة القاري شرح صحيح البخاري : لبدر الدين أبي محمّد محمود بن أحمد العيني المتوفّى
(٨٥٥ هـ. ق) عنى بنشره وتصحيحه والتعليق عليه جمع من العلماء ـ دار الفكر ـ بيروت.
١٨
ـ الغدير : للعلاّمة الشيخ عبد الحسين الأميني النجفي (١٣٢٠ ـ ١٣٩٠ هـ. ق). دار
الكتاب العربي ـ بيروت. الطبعة الثالثة : (١٣٨٧ هـ. ق ـ ٩٦٧ م). تحقيق : مركز
الغدير للدراسات الإسلامية ـ مؤسّسة دائرة معارف الفقه الإسلامي ـ قم ، الطبعة
الرابعة : (١٤٢٧ هـ. ق ـ ٢٠٠٦ م).
١٩
ـ الفتح المبين في شرح الأربعين : لابن حجر الهيتمي. دار إحياء الكتب العربية ـ عيسى
البابي الحلبي وشركاؤه.
٢٠
ـ القاموس المحيط : لمجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي المتوفّى (سنة ٨١٧ هـ). ضبط
وتوثيق : يوسف الشيخ محمَّد البقاعي. مكتب البحوث والدراسات ـ دار الفكر بيروت ـ
(١٤٢٨ / ١٤٢٩ هـ. ق ـ ٢٠٠٨ م).
٢١
ـ كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون : للمولى مصطفى بن عبد الله القسطنطيني الرّومي الحنفي
الشهير بملاّ كاتب الجلبي ، والمعروف بحاجي خليفة. دار الفكر / (١٤٠٢ هـ. ق ـ ١٩٨٢
م).
٢٢
ـ الكشف والبيان (تفسير الثعلبي) : للثعلبي (ت٤٢٧ هـ. ق) دراسة وتحقيق : أبو محمّد بن
عاشور ـ دار إحياء التراث العربي / بيروت / الطبعة الأولى / (١٤٢٢ هـ. ق ـ ٢٠٠٢ م).
٢٣
ـ مجلّة المرشد : العددان (٢١ ـ ٢٢) عدد خاص في أبي طالب / (١٤٢٩ هـ. ق ـ ٢٠٠٨ م) ، دمشق.
٢٤
ـ معجم ما ألّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم : لصلاح الدين المنجّد. تقديم ومراجعة : نادي العطّار.
دار القاضي عياض للتراث / القاهرة.
٢٥
ـ معجم المؤلّفين : لعمر رضا كحّالة. مكتبة المثنّى ودار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
٢٦
ـ المنهاج في شعب الإيمان : للشيخ الإمام الحافظ أبي عبد الله الحسين بن الحسن
الحليمي ، المتوفّى (سنة ٤٠٣ هـ. ق) ، تحقيق : حلمي محمّد فودَه. دار الفكر /
بيروت / الطبعة الأولى / (١٣٩٩ هـ. ق ـ ١٩٧٩م).
٢٧
ـ هديّة العارفين في أسماء المؤلّفين وآثار المصنّفين من كشف الظنون : إسماعيل باشا البغدادي. دار الفكر / (١٤٠٢ هـ. ق ـ ١٩٨٢
م).
(الفَوائِدُ الحِسانُ الغَرائِبُ)
روايةُ الشيخِ الجَليلِ الأَقدمِ محدِّثِ الشيعَةِ في عَصرِهِ
أَبِي الحَسَنِ أَحمَدَ بنِ محمَّدِ بنِ عِمرانَ البَغدادِي
المعروفِ بـ : (ابنِ الجندي)
(٣٠٥ ـ ٣٩٦هـ)
(١)
|
|
الشيخ أمين حسين پوري
بسم الله الرحمن الرحیم
والحمد لله ربّ
العالمين وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وآله المطهّرين
واللعن على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
الشيخ ابن الجندي ومكانته العلمية
اسمه ونسبه:
هو الشيخ:
«أحمد بن محمّد بن عمران بن موسى بن عروة بن الجرّاح بن علي بن زيد بن بكر بن
حريش، أبو الحسن النهشلي، ويعرف بابن الجندي»
هكذا نسبه الخطيب البغدادي ثمّ قال: «نسبه أبو عبد اللّه بن كثير فيما قرأته بخطّه».
وعلى غرار
الخطيب سار الشيخ النجاشي ـ وهو من أبرز تلامذة الشيخ ابن الجندي ـ قائلاً: «أحمد
بن محمّد بن عمران بن موسى أبو الحسن المعروف بابن الجندي».
أمّا الشيخ
الطوسي فنسبه كان أقصر من الخطيب فقال: «أحمد بن محمّد بن عمر بن موسى بن الجرّاح،
أبو الحسن، المعروف بابن الجندي» وهناك اختلاف ـ كما ترى ـ في اسم جدّه فقد قال الخطيب
والنجاشي: (عمران) وقال الشيخ الطوسي: (عمر) والصحيح قولهما دونما أيّ ريب لتصريح
الكثيرين من تلامذته بلفظ: (عمران) في عشرات الأسانيد التي وقع ابن الجندي فيها
ولتفرّد الشيخ الطوسي في ذلك حيث لم يوافقه على ذلك أحد من تلامذة ابن الجندي أومن
ترجم له من معاصريه فيما نعلم.
أضف إلى ذلك
تصريح النجاشي وهو من أبرز تلامذة المترجم له وهو
__________________
طبعاً أعرف بنسب أستاذه من الشيخ الطوسي الذي لم يدرك ابن الجندي. فما ذهب إليه ابن داوود من أنّ لفظة (عمر) هي الأصحّ خطأ واضح. ويشار إلى أنّ محقّق تنقيح المقال قد سرد أسماء الكثير من مصادر المتأخّرين ممّن اختار
لفظة (عمر) ثمّ نصّ على ترجيح لفظة عمران على ضوء عدد من القرائن ولكن يبدو لنا
أنّ الحديث عن الترجيح لا مبرّر له بل من المقطوع به أنّ لفظة (عمران) هي الصحيح
دون غيرها لأجل قرائن كثيرة أشرنا إلى بعضها أعلاه وسيقف القارئ على بعض آخر فيما
بعد.
مولده:
قال الخطيب
البغدادي: «ذكر [أبو عبدالله بن كثير] أنّ مولده آخر سنة ستّ وثلاثمائة. وقرأت
بخطّ أبي الفضل بن دودان الهاشمي: مولد أبي الحسن بن الجندي يوم الخميس التاسع من
المحرّم سنة سبع وثلاثمائة.
وقال لي علي بن
المحسّن: أخبرني أبو الحسن بن الجندي أنّه ولد سنة خمس وثلاثمائة، وأنّ أوّل سماعه
سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة». واللافت أنّ الاختلاف بين قول أبي عبدالله بن كثير
والقول الثاني طفيف لا يكاد يذكر إذ أنّ
__________________
الفترة ما بين آخر سنة (٣٠٦ق) وبين التاسع من محرّم سنة (٣٠٧ق) لا تتعدّى
بضع أسابيع على أقصى التقادير.
والأرجح من هذه
الأقوال هو الثالث ـ أي سنة (٣٠٥هـ) ـ لأنّه نُقِل عن ابن الجندي نفسه ومن ثمّ
فنحن نأخذ هذا القول في الحسبان في هذه الدراسة.
أمّا عن مسقط
رأسه فلم ينصّ المترجمون له على مكان ولادته إلاّ ما قاله السمعاني في الأنساب: (من أهل بغداد). ولنا أن نجزم بأنّه كان بغدادي المولد والمنشأ والموطن
على ضوء الإلمام بتلامذته وشيوخه الذين نأتي على ذكرهم لاحقاً إن شاء الله تعالى.
أمّا عن نسبة
(الجندي) فنقول: إنّ هناك عدداً من الرواة والأعلام المتقدّمين قد لُقّبوا بـ :
(الجندي) أو (ابن الجندي) وهذه النسبة في غالبية الموارد نسبة إلى الجند بمعنى
العسكر.
وعلى كلّ فمن
الغريب ما في طبعة الفهرست للشيخ الطوسي التي حقّقها المرحوم المحقّق الفاضل
السيّد عبد العزيز الطباطبائي فإنّه
رحمهالله
نقل عبارة
الشيخ هكذا : «أحمد بن محمّد بن عمر بن موسى الجرّاح أبوالحسن المعروف بابن أمّ
الجندي» ثمّ أشار في الهامش إلى وجود لفظة (بابن الجندي) في نسختين أخريين ولم أفهم لحدّ الآن السبب في ترجيح نسخة (بابن أمّ
الجندي) على
__________________
نسخة (بابن الجندي).
لأنّ من
المستغرب جدّاً أن يكون الشيخ الطوسي
رحمهالله
قد عبّر عن
شيخنا المترجم بـ : (ابن أمّ الجندي) في حين أنّه كان من معاصري ابن الجندي ولم
نجد أحداً من أصحاب كتب التراجم أو التاريخ ذكره بهذا التعبير مع أنّ ابن الجندي
كما اتّضح معنا كان من أبرز المعنيّين بالوسط الحديثي الشيعي والسنّي معاً فلو كان
يعرف بـ : (ابن أمّ الجندي) لوجدنا مصدراً واحداً آخر على الأقلّ ذكره بهذا
التعبير.
وعلى كلّ فمن الواضح
خطأ هذه النسخة من الفهرست فلا ينبغي الإسهاب في التدليل على ذلك.
أقوال العلماء فيه:
يمكننا التعرّف
على مكانة الراوي العلمية من خلال نظرة العلماء إليه المتمثّلة في آرائهم حوله
وعليه فنحن نبدأ بأقوال علمائنا الأمامية فيه ثمّ نتبعها بأقوال علماء العامّة:
أقوال الإمامية:
١ ـ الشيخ الطوسي رحمهالله
(م ٤٦٠ ق):
قال في الفهرست: «أحمد بن محمّد بن عمر بن موسى بن الجرّاح، أبو الحسن،
المعروف (بابن أمّ الجندي) صنّف كتباً، منها : كتاب الأنواع، وهو كتاب كبير، حسن، كتاب عقلاء المجانين، كتاب الهواتف. أخبرنا بجميع (كتبه ورواياته)
أبو طالب ابن غرور (كذا) عنه». كما اقتصر في الرجال على قوله: «أحمد بن محمّد بن عمر بن موسى بن الجرّاح،
أبو الحسن، المعروف بابن الجندي، روى عنه ابن عزور» وسنتعرّض لترجمة أبي طالب بن عزور عند الحديث عن تلامذة
ابن الجندي.
٢ ـ الشيخ النجاشي رحمهالله
(م ٤٥٠ ق):
قال: «أحمد بن
محمّد بن عمران بن موسى أبو الحسن المعروف بابن الجندي أستاذنا
رحمهالله
، ألحقنا
بالشيوخ في زمانه، له كتب، منها : كتاب الأنواع ـ كتاب كبير جدّاً، سمعت بعضه يقرأ
عليه ـ كتاب الرواة والفلج، كتاب الخطّ، كتاب الغيبة، كتاب عقلاء المجانين، كتاب
الهواتف، كتاب العين والورق، كتاب فضائل الجماعة وما روي فيها».
وهناك أمرٌ حول
قوله: «ألحقنا بالشيوخ في زمانه» لابدّ أن نتوسّع فيه بعض الشيء لأنّا لم نجد مَن
أعطاه حقّه فنقول:
قال سيّدنا
الأمين مفسّراً لهذه العبارة: «أي أجاز له الرواية عنه فدخل في سلسلة مشايخ
الإجازة والرواية» لكن أتصوّر أنّ هذا التفسير لا يشفي غليل السائل لأنّ
الإجازة للنجاشي كانت من شؤون كافّة أساتذته ولم يتفرّد بها ابن الجندي؛ وبعبارة
أخرى: لا تُعتبر الإجازة ـ والحالة هذه ـ من ميزات الشيخ ابن
__________________
الجندي بل يشارك ابن الجندي فيها غيرُهُ من أساتذة النجاشي أيضاً لأنّ من
الواضح أنّ الشيوخ آنذاك كانوا يجيزون لتلامذتهم رواية الكتاب الفلاني فيدخل
التلميذ بفضل هذه الإجازة في سلسلة رواة الكتاب أو الحديث؛ إذن كان من المتوقّع أن
يستخدم الشيخ النجاشي هذه العبارة أو ما يضاهيها في ترجمة كافّة شيوخه في حين لا
نجد العبارة إلاّ في هذا الموضع. أضف إلى ذلك أنّه لو كان الأمر كذلك لأصبح معنى
قول النجاشي هكذا : «شيخنا رحمهالله أجازنا رواية عدد من الكتب» وهو يشبه لغواً من القول
لأنّ إجازة الحديث أو الكتاب من أبرز مهمّات المشايخ ولا سيّما في الفترة التي
عاشها الشيخ النجاشي ومن ثمّ فلا يمنح القارئ قولُه «أجازنا ...» معرفةً زائدة
للمترجم له.
وهناك رأي آخر
للشيخ آقا بزرگ الطهراني حيث قال: «هو [= ابن الجندي]أوّل مشايخ النجاشي الذي ولد [سنة]
(٣٧٢ ق)، وقال في ترجمته: (إنّه ألحقنا بالشيوخ في زمان) فيظهر أنّه أجاز النجاشي
قبل بلوغه ثمانية عشر سنة»، والملفت أنّه
رحمهالله
قال في موضع
آخر: « ... فيكون للنجاشي وقت وفاة شيخه ثلاثون سنة ونيّفاً (كذا) فتكون وفاة شيخه
أوائل المائة الخامسة وقبل (٤٠٨ [ق]) التي ورد الطوسي فيها على العراق ...» فيبدو أنّه
رحمهالله
لم تكن بباله
عند كتابة هذا الموضع سنة وفاة ابن الجندي بالتحديد في حين أنّه نفسه قد أرّخ
وفاته نقلاً عن
__________________
الخطيب في سنة (٣٩٠ ق) مواضع أخرى.
وفي الحقيقة
إنّ قول شيخنا يكتنفه شيءٌ من الضبابية ولم يتّضح لي بالتحديد ما يقصده من وراء
قوله؛ نعم، لا نستغرب أن يكون ابن الجندي من طلائع الذين تتلمذ عليهم النجاشي
نظراً إلى تاريخ مولده ووفاته وكونه أقدم طبقة ـ إلى حدٍّ ما ـ من كثير من مشايخه
الآخرين ولكن هل أنّ ابن الجندي هو أوّل من أخذ عنه النجاشي؟
يبدو أنّه لا
نستطيع الجزم بذلك، وليس هناك ثمرة من ذلك فيما نحن بصدده، ولعلّ الأرجح أن يكون
والد النجاشي ـ وهو الشيخ علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي ـ هو أوّل من أخذ عنه
ابنه لاسيّما وأنّ والد النجاشي كان من وجوه الطائفة ومشايخ الإجازة على حسب
المعلومات المتوفّرة لدينا عنه ومن الطبيعي أن يأخذ على عاتقه مهمّة تعليم ابنه
وإدخاله في سلسلة إجازات الكتب والروايات كما نجد ذلك فعلاً حيث روى عنه ابنه
عدداً من الكتب الحديثية.
ومهما يكن
موقفنا من أوّل من أخذ عنه النجاشي فيبدو أنّ قوله: «ألحقنا بالشيوخ في زمانه»
يشير إلى حقيقة أخرى نوضّحها من خلال النقاط التالية:
__________________
١ ـ ولد الشيخ
ابن الجندي سنة (٣٠٥ ق) في حين أنّ مواليد عدد لابأس به من مشايخ النجاشي متأخّرة
بكثير عن هذه السنة من نحو أبي علي الحسن بن أحمد بن شاذان (٣٣٩ ـ ٤٢٦ ق) والشيخ
المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان (٣٣٦ ق ـ ٤١٣ ق) وأبي أحمد عبد السلام بن الحسين
الأديب (٣٢٩ ـ ٤٠٥ ق) وأحمد بن محمّد بن الصلت الأهوازي (٣٢٤ ـ ٤٠٩ ق) وإبراهيم بن
مخلد الباقر (حيٌّ ٣٢٠ ـ ٤٢٠ ق).
وهناك عدد آخر
من مشايخه لا نعلم مواليدهم بالتحديد إلاّ أنّ من المحتمل قويّاً تأخّرها عن مولد
ابن الجندي تأخّراً لا يستهان به إذا أخذنا في الحسبان نقطتين:
أ ـ تاريخ
وفياتهم التي قد حدّدتها لنا المصادر.
ب ـ من المفترض
أنّ أعمارهم لا تتجاوز عن عمر الإنسان الاعتيادي وهم من نحو أحمد بن عبد الواحد بن
عبدون (ت ٤٢٣ ق) والعبّاس بن عمر الكلوذاني (ت ٤١٤ ق) والحسين بن عبد الله
الغضائري (ت ٤١١ ق) والحسن ابن محمّد بن يحيى الفحّام (ت ٤٠٨ ق).
٢ ـ تتطلّب
النقطة السابقة أن يكون ابن الجندي قد تمكّن ـ بفضل تقدّم ولادته الذي يؤدّي إلى
تقدّم طبقته بشكل تلقائي ـ من الرواية عن مشايخ لم يدركهم الكثير من شيوخ النجاشي
الآخرين ولاسيّما إذا علمنا أنّ ابن الجندي قد بكّر إلى السماع وهو في الثامنة من
عمره في سنة (٣١٣ ق) كما نصّ على ذلك الخطيب فيما سبق.
أمّا ميدانيّاً
فوجدنا ابن الجندي يروي للنجاشي عن عدد من الشيوخ مباشرة وفي الوقت نفسه نجد
النجاشي يروي من غير طريق ابن الجندي عن أولئكم الشيوخ بواسطتين ولنضرب مثلاً بابن
عقدة (ت ٣٣٣ ق) الذي روى النجاشي عن ابن الجندي عنه في حين يفترض أن يكون كثير من مشايخ النجاشي ممّن ولدوا
بعد سنة(٣٢٠ هـ) لم يتمكّنوا عادة من لقاء ابن عقدة والرواية عنه مباشرة نتيجة لتأخّر
مواليدهم ـ الذي ينجم عنه تأخّر طبقاتهم طبعاً ـ وهم من نحو الشيخ المفيد والحسين
بن عبيد الله الغضائري وغيرهما ممّن أشرنا إليهم آنفاً.
وفي نفس السياق
قد روى النجاشي عن الشيخ الثقة الجليل أبي علي محمّد ابن همّام الإسكافي (ت ٣٣٦ ق)
بتوسّط ابن الجندي في الكثرة الكاثرة من المواضع وفي نفس الوقت روى عن غير طريق ابن الجندي عن أبي علي
بن همّام بواسطتين ما يكشف عن علوّ إسناد ابن الجندي بشكل ملحوظ.
٣ ـ هناك
تعابير تصادفنا في ثنايا كتب التواريخ والتراجم تضاهي تعبير النجاشي إلى حدّ ما
وبإمكانها أن تزيح الستار عنه وذلك مثل قول ابن النجّار (ت ٦٤٣ ق) عند ترجمة أبي
الفرج عبد المنعم بن عبد الوهّاب الحرّاني (٥٠٠ ـ
__________________
٥٩٦ ق): «ألحق الصغار بالكبار ... وكان بين سماعه وروايته إحدى وتسعون سنة» كما قال الذهبي عن نفس المترجم له: «وانتهى إليه علوّ
الإسناد».
ومن ذلك ما
نجده في ترجمة أبي الوقت عبد الأوّل بن عيسى السجزي (٤٥٨ ـ ٥٥٣ ق) الذي بادر إلى
السماع في سنة (٤٦٥ هـ) وهو ابن سبع سنينحيث نقل الذهبي عن بعض من عاصر أبا الوقت أنّه قال: «
.... قد صحب الأشياخ وعاش حتّى ألحق الصغار بالكبار ... وكان آخر من روى في الدنيا
عن الداوودي [٣٧٤ ـ ٤٦٧ هـ] وبقيّة أشياخه» ونحو ذلك قول ابن النجّار عن المحدّث الحافظ الكبير أبي
طاهر أحمد بن محمّد السلفي (٤٧٥ ـ ٥٧٦ ق) حيث قال: «عمّر السلفي حتّى ألحق الصغار
بالكبار» والملفت للنظر أنّ السلفي أيضاً ممّن بكّر في السماع
حيث حضر مجلس رزق الله التميمي الحنبلي بأصبهان وقد توفّي التميمي سنة (٤٨٨ ق) وهذا يعني أنّ السلفي قد
سمع منه وله أقلّ من ثلاث عشرة سنة.
وممّن وصف بهذا
التعبير أيضاً أبو الفرج مسعود بن الحسن الثقفي الأصفهاني (٤٦٢ ـ ٥٦٢ ق) فقد قال
عنه الذهبي: «طال عمره حتّى ألحق الصغار
__________________
بالكبار وتفرّد في الدنيا عن كثير من شيوخه» كما أنّ منهم أبا محمّد عبد الحقّ ابن محمّد الزهري
(٥٣٨ ـ ٦٢٢ق) الذي قال عنه الذهبي أيضاً : «عمّر وأسنّ حتّى ألحق الصغار بالكبار».
وعلى كلّ
فنستخلص من جميع هذه المعطيات الرجالية والتاريخية أنّ النجاشي يريد بقوله:
«ألحقنا ...» أنّ ابن الجندي كان ممّن طعن في السنّ حتّى علا إسناده فتمكّن بفضل
هذا العمر الطويل والسماع المبكّر للحديث الذي حظي بهما من أن يروي عن شيوخ لم
يدركهم الكثير من مشايخ النجاشي فاستطاع أن يروي لتلامذته ومنهم الشيخ النجاشي ما
سمعه من مشايخه وأن يجيزهم ما صحّت له روايته فألحق تلامذته بشيوخه فأصبح من خلال
ذلك حلقة من حلقات الأسانيد العالية قليلة الوسائط. ومن ثمّ فلو كان الشيخ النجاشي
يتوخّى الرواية عن بعض شيوخ ابن الجندي من غير أن يمرّ السند به لازداد عدد
الوسائط عادةً حيث لم يكن له بدّ من أن يروي بواسطتين ـ على الأقلّ ـ عن أولائكم
الشيوخ.
ولا أدلّ على
ذلك من أنّ غالبيّة من وصف في كتب التراجم بأنّه: «ألحق الصغار بالكبار» توفّوا
وقد ذرّفوا على التسعين كما أنّ المترجمين لهم نصّوا على علوّ أسانيدهم وطلبهم
المبكّر للحديث.
__________________
٣ ـ ابن شهر آشوب المازندراني (م ٥٨٨ ق):
ذكر نسبه ثمّ
أشار إلى كتبه قائلاً : «تصنيفه كتاب الأنواع حسن كبير، كتاب عقلاء المجانين، كتاب الهواتف» ومن الواضح بعد المقارنة بين كلامه وكلام الشيخ الطوسي
أخذ هذه المعلومات عن الفهرست للشيخ.
٤ ـ العلاّمة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر (م ٧٢٦ ق):
قال بعد ذكر
نسبه: «قال النجاشي: (إنّه أستاذنا رحمهالله ألحقنا بالشيوخ في زمانه) وليس هذا نصّاً في تعديله».
أقول: سنتحدّث في بحث مستقلّ عن وثاقة شيخنا ابن الجندي
وسنوضّح هناك أن التردّد في وثاقته وعدالته ممّا لا مبرّر له بوجه حتّى فيما إذا
لم نعتقد بنظرية وثاقة كافّة مشايخ النجاشي.
٥ ـ ابن داوود الحلّي (م بعد ٧٠٠ ق):
أورده في القسم
الأوّل من رجاله ـ الذي خصّه لذكر من يعتمد عليه ـ اقتصر على نسبه والمعلومات التي
أوردها النجاشي.
وهناك مصادر
متأخّرة أخرى دأبت على الاقتصار على ذكر أقوال الشيخ الطوسي والنجاشي والعلاّمة
الحلّي طوينا عن ذكرها كشحاً إذ لا تزيدنا علماً بأحوال الشيخ ابن الجندي.
__________________
أقوال العامّة:
١ ـ الخطيب البغدادي (م ٤٦٣ ق):
ترجم له الخطيب
في تاريخ
بغداد فذكر نسبه
ومولده ـ وقد أشرنا إلى نصّه فيما سبق ـ ثمّ قال: «فروى ابن الجندي عن أبي القاسم
البغوي، وأبي بكر بن أبي داود، ويحيى بن محمّد بن صاعد وأبي سعيد العدوي، ويوسف بن
يعقوب النيسابوري، ومن في طبقتهم وبعدهم. حدّثنا عنه أبو القاسم الأزهري، والحسن
ابن محمّد الخلاّل، ومحمّد بن علي بن مخلد الورّاق، ومحمّد بن عبد العزيز البرذعي،
وأحمد بن محمّد العتيقي، وعدّة غيرهم، وكان يُضَعَّف في روايته، ويُطعَن عليه في
مذهبه. سألت الأزهري عن ابن الجندي فقال: ليس بشيء. وقال لي الأزهري أيضاً :
حضرت ابن
الجندي وهو يُقرَأُ عليه كتاب ديوان
الأنواع الذي سمعه
فقال لي أبو عبد اللّه بن الآبنوسي: ليس هذا سماعه، وإنّما رأى نسخة على ترجمتها
اسم وافق اسمه فادّعى ذلك. أخبرنا الحسن بن محمّد الخلاّل، وأحمد بن محمّد العتيقي
قالا : توفّي أبو الحسن ابن الجندي في جمادى الآخرة سنة ستّ وتسعين وثلاثمائة قال
العتيقي: وكان يُرمَى بالتشيّع، وكانت له أصول حسان».
أقول: ولنا ملاحظات عدّة على قدح الخطيب وغيره من العامّة في
الشيخ ابن الجندي ومذهبه نؤجّلها إلى نهاية ما نذكره من أقوال العامّة.
٢ ـ أبو سعد السمعاني صاحب كتاب الأنساب (م ٥٦٢ ق):
قال: «أبو
الحسن أحمد بن محمّد بن عمران بن موسى بن عروة ابن
__________________
الجرّاح بن علي بن زيد بن بكر بن حريش النَهشَلِي المعروف بابن الجندي، من
أهل بغداد، كان قاضي الطيور يعرف طبائع الحمامات ويسأله الناس عنها، روى عن جماعة
من المشهورين والمجهولين، حدّث عنه أبو مسعود البجلي وأبو ثابت القاضي وأبو الفتح
السالار وأبو الحسين بن النقور وغيرهم، ذكره أبو كامل البصيري في المضافات: سمعت أبا مسعود أحمد بن محمّد الحافظ يقول: (لم يقرأ
لنا ـ يعني أبا الحسن بن الجندي ـ تاريخ أبي معشر مجّاناً؛ أخذ منّا الدراهم،
وأنتم تسمعونه مجّاناً)، حدّث عن أبي القاسم البغوي وأبي بكر بن أبي داود ويحيى بن
محمّد بن صاعد وأبي سعيد الحسن بن علي العدوي ويوسف بن يعقوب النيسابوري، روى عنه
أبو القاسم الأزهري والحسن بن محمّد الخلاّل ومحمّد بن علي بن مخلد الورّاق ومحمّد
بن عبد العزيز البرذعي وأحمد بن محمّد بن أحمد العتيقي وغيرهم، وكان يضعَّف في
روايته و ...» ثمّ نقل ما جاء في كلام الخطيب ومن الواضح أنّ السمعاني قد عوّل في قسم كبير من هذ الترجمة
على ما أورده الخطيب من معلومات.
أمّا ما لا
نجده في كلام الخطيب فسوف نتناوله بحثاً وتقويماً أيضاً في نهاية هذا القسم كما
وعدنا.
٣ ـ أبو عبد الله محمّد بن عثمان الذهبي (٧٤٨ ق):
ترجم الذهبي في
غير واحد من كتبه للشيخ ابن الجندي ولكن الأكثرية
__________________
الساحقة من المعلومات التي أوردها عنه نجدها في كلام الخطيب البغدادي إلاّ قوله «كان آخر من بقي ببغداد من أصحاب ابن صاعد،
شيعي» وسنتحدّث عنه عند دراسة أساتذة ابن الجندي.
٤ ـ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (م ٥٩٧ ق):
لم يخصّه ابن
الجوزي بترجمة مستقلّة ولكنّه أورد في كتابه الموضوعات من طريق ابن الجندي حديثاً في فضائل أمير المؤمنين
عليهالسلام
وإليك نصّه:
«أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بن مُحَمَّدِ بن عبد الله الْبَيْضَاوِي قَالَ:
أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمد بن مُحَمَّد ابن عِمْرَانَ بن مُوسَى
الْمَعْرُوفُ بِابن الجندي قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِي إِبْرَاهِيمُ بن أَحْمَدَ
قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بن الْحُبَابِ قَالَ: أَنْبَأَنَا خَالِدُ بن خِدَاش
قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابن سَلَمَةَ عَنْ ثَابِت عَنْ أَنَس قَالَ: كُنَّا
يَوْماً مَعَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي اللَّهُ عَنْهُ فِي السُّوقِ فَرَأَى
بَطِّيخًا فَحَلَّ دِرْهَمًا ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى بِلال وَقَالَ: اذْهَبْ بِهِ
فَاشْتَرِي بِهِ بَطِّيخاً، فَمَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَأَتَى
بِلالٌ بِالْبَطِّيخِ فَأَخَذَ عَلِيٌّ مِنْهُ وَاحِدَةً فقوّرها ثمَّ ذاقها
فَإِذا مُرَّةٌ فَقَالَ: يَا بِلالُ خُذِ الْبَطِّيخَ فَرُدَّهُ وَائْتِنَا
بِالدِّرْهَمِ، وَأَقْبِلْ حَتَّى أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ بِحَدِيث.
فَلَمَّا
رَجَعَ بِلالٌ قَالَ: يَا بِلالُ إِنَّ حَبِيبِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ [وآله]وَسَلَّمَ قَالَ لي وَيَده على منكبي: يَا أَبَا الْحَسَنِ إِنَّ
اللَّهَ قَدْ أَخَذَ مَحَبَّتَكَ عَلَى الْبَشَرِ
__________________
وَالشَّجَرِ وَالثَّمَرِ وَالْمَدَرِ، فَمَنْ أَجَابَ إلَى حُبِّكَ عَذُبَ
وَطَابَ، وَمَا لَمْ يُجِبْ إِلَى حُبِّكَ خَبُثَ وَمَرَّ، وَإِنِّي أَظُنُّ هَذَا
الْبَطِّيخُ لَمْ يُجِبْ.
ثمّ قال من
فوره هَذَا حَدِيث مَوْضُوع وواضعه أبرد من الثَّلج، فَإِن أَخذ المواثيق اِنَّمَا
يكون لما يعقل وَمَا يتَعَدَّى الجندي. قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب: كَانَ يضعّف
فِي رِوَايَته ويطعن عَلَيْهِ فِي مذْهبه، سَأَلت الأزْهَرِي عَن ابن الجندي
فَقَالَ: لَيْسَ بشيء. وَقَالَ العتيقي: كَانَ يُرْمى بالتشيّع»؛ وسنبحث عن طعنه بعد قليل.
وهناك مصادر
متأخّرة أخرى من العامّة ترجمت لابن الجندي أو أشارت إليه مقتصرة على ما في
المصادر المذكورة أعلاه.
أضواء على وثاقة الشيخ أبي الحسن بن الجندي:
لاحظنا لحدّ
الآن أنّ الرجاليّين القدامى من أصحابنا لم يصرّحوا بوثاقة الشيخ ابن الجندي على
الرغم من معاصرة الشيخ الطوسي والشيخ النجاشي له لاسيّما الأخير الذي كان من أبرز
تلامذته كما أشرنا إليه وهذا ممّا جعل العلاّمة الحلّي يعلن عن موقفه الذي قرأناه
وكأنّه لم يتأكّد بعد من وثاقة الرجل بالكامل على الرغم من أنّه ذكر ابن الجندي في
القسم الأوّل من خلاصة
الأقوال الذي خصّه
لذكر الموثوقين عنده.
__________________
ومهما يكن
فيبدوا أنّا بحاجة ماسّة إلى تزويد القارئ الكريم بعدد من القرائن والمعلومات حول
الشيخ ابن الجندي ـ ربّما لم يأخذها العلاّمة في الحسبان على الرغم من توفّرها
ووضوحها ـ ممّا نتمكّن في ظلّها من تسليط الأضواء على شخصيّة شيخنا ومكانته
العلمية ووثاقته وتبديد الضبابيّة التي أحاطت به والدفاع عنه أمام ما وجّهته إليه
العامّة من طعون وافتراءات وذلك من خلال تبيين الأمور التالية:
١ ـ فيما يخصّ
عدم تصريح الشيخ النجاشي بوثاقة الشيخ ابن الجندي على الرغم من تتلمذه عليه فيبدو
لنا أنّه ناجم عن وضوح وثاقته واشتهاره بشكل كان النجاشي يرى نفسه في غنىً عن
التعرّض له فكيف يعقل أن يروي الشيخ النجاشي عن ابن الجندي في أكثر من مورداً ويجعله طريقاً إلى رواية كمٍّ هائل من تراث
أصحابنا وكتبهم التي تحمل بين طيّاتها مئات الروايات ومع ذلك كلّه لم يكن ابن
الجندي عنده ثقة معتمداً عليه؟
لو فعل اليوم
ذلك باحث لكان ذلك شططاً منه في الرأي فما ظنّك بالشيخ النجاشي وهو الرجالي الكبير
الذي أخذ على عاتقه مهمّة سرد أسماء مصنّفي الشيعة وكتبهم فهل يكون بإمكانه
التأكّد من صحّة انتساب الكتاب إلى الراوي دون أن يرى صحّة طريقه؟ والطريف أنّ هذه
الحقيقة هي التي نلاحظها بوضوح عند الشيخ النجاشي حيث قال في معرض ذكر طريقه إلى
كتاب الوصية لـ: (عيسى ابن المستفاد): «رواه شيوخنا عن أبي القاسم جعفر بن محمّد
قال: حدّثنا أبو عيسى عبيد الله بن الفضل بن هلال بن الفضل بن محمّد بن أحمد بن
سليمان
الصابوني قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن
محمّد قال: حدّثنا أبو يوسف الوحاظي الأزهر بن بسطام بن رستم الحسن بن يعقوب قالوا
: حدّثنا عيسى بن المستفاد. وهذا الطريق طريق مصري فيه اضطراب وقد أخبرنا أبو
الحسن أحمد بن محمّد بن عمران قال: حدّثنا يحيى بن محمّد القصباني، عن عبيد الله
بن الفضل» فتراه عندما لم يقتنع بصحّة الطريق الأوّل أردفه
بالطريق الذي كان يرتضيه والملفت للنظر أنّه الطريق الذي تبدأ بشيخه ابن الجندي.
وممّا يزيد
الفكرة إيضاحاً أنّ النجاشي ترجم لأستاذه الآخر وهو الشيخ أحمد بن عبد الواحد ولم
يستخدم لفظة (ثقة) حيث قال: «أبو عبد الله شيخنا المعروف بابن عبدون. له كتب، منها
: [كتاب] أخبار
السيّد بن محمّد، كتاب تاريخ، كتاب تفسير
خطبة فاطمة عليهاالسلام معربة، كتاب عمل الجمعة، كتاب الحديثين المختلفين، أخبرنا بسائرها، وكان قويّاً في الأدب، قد قرأ كتب
الأدب على شيوخ أهل الأدب، وكان قد لقي أبا الحسن علي بن محمّد القرشي المعروف
بابن الزبير، وكان علوّاً في الوقت» فهل يا ترى يدور في خلدك أنّ النجاشي لم يتأكّد بعد من
وثاقة شيخه على الرغم من هذه المدائح؟
٢ ـ بالنسبة
لعدم توثيق الشيخ الطوسي له فيبدو لنا أنّ هناك عدداً من العوامل تسبّبت بشكل أو
بآخر في ذلك أحدها اشتهار الشيخ ابن الجندي ووثاقته
__________________
الذي تحدّثنا عنه والعامل الآخر يكمن في أنّ الشيخ الطوسي وإن ضمن في خطبة
كتاب الفهرست أن يذكر في تراجم المؤلّفين ما قيل فيهم من التعديل
والتجريح هل يعوّل على روايته أو لا؟ ولكنّه رحمهالله لم يلتزم بذلك لأمر هو أعلم به فإنّ الفهرست يشتمل على ترجمة أكثر من (٩٠٠) شخص في حين أنّ عدد من
أشار إلى وثاقته أو ضعفه لا يبلغ (١٤٠) شخصاً والنسبة بينهما (١٥ / ١٠٠) وهي نسبة ضئيلة جدّاً.
ولنأخذ في
الاعتبار أيضاً أنّ الشيخ لم ينصّ في الفهرست على وثاقة عدد لا بأس به من أعلام رواتنا الثقات ممّن
هو أعظم دوراً في رواياتنا وتراثنا وأبرز حضوراً ـ بكثير ـ من الشيخ ابن الجندي
مثل زكريّا بن آدم القمّي وصفوان بن مهران الجمّال وظريف بن ناصح وعلي بن إبراهيم بن هاشم القمّي وعلي ابن أسباط الكوفي وعبد الرحمن بن الحجّاج وكثيرين غيرهم. ومن المعلوم أنّ وثاقة هؤلاء الأعلام
ممّا اتّفقت عليها كلمات الرجاليّين ـ أو كادت ـ. وفي ظلّ ذلك فلا يدلّ عدم التصريح
بوثاقة ابن الجندي على عدم ثبوتها عند الشيخ
__________________
إطلاقاً.
أمّا كتابه الرجال فالأمر فيه أوضح بكثير حيث إنّ الشيخ لم يهدف فيه إلاّ
إلى ذكر أصحاب المعصومين عليهمالسلام ولم يعنِه قطّ ذكر وثاقتهم أو ضعفهم كما يتّضح ذلك
جليّاً من خطبة الكتاب وتتبّع منهجه في ترجمة الرواة في هذا الكتاب.
٣ ـ أمّا
بالنسبة لتضعيف العامّة له فمردّ الكثير من طعونهم كما مرّ معنا إلى أبي القاسم
الأزهري (٣٥٥ ـ ٤٣٥ق) وهو أستاذ الخطيب البغدادي وقد وجّه طعوناً إلى شيخنا ابن
الجندي وهي كالتالي:
ألف) قال: «ليس
بشيء» ومن حقّنا أن نسأل الأزهري عن السبب في ذلك؟ فهل رأى منه منكراً أو إضاعة
طاعة أم ماذا؟ وسيتّضح الجواب لنا بعد قليل.
ب) قال أيضاً:
«حضرت ابن الجندي وهو يقرأ عليه كتاب ديوان الأنواع الذي سمعه فقال لي أبو عبد اللّه بن الآبنوسي: ليس هذا
سماعه، وإنّما رأى نسخة على ترجمتها اسم وافق اسمه فادّعى ذلك». ولنا أن نسأله من
جديد: كيف تدّعي الكذب والتدليس على شيخ شهير من شيوخ الإجازة ولم يوافقك على هذا
الاتّهام أحد؟ لولا تأتي عليه بسلطان بيّن؟
والطريف في
الأمر أنّ الراوي الشيعي لو أطاح بمنزلته العلمية مجرّد ما يوصم به من افتراءات ـ
ولا سيّما إذا كان من يكيل له التهم من العامّة ـ لكان الأولى بالشيخ الآبنوسي أن
يبدأ بنفسه ويدلّل على أهليّته العلمية أوّلاً ثمّ يناقش منهج الآخر المخالف له في
المذهب وذلك لأنّ الخطيب البغدادي وهو من العامّة أنفسهم كشف عن حقيقة مرّة في
المنهج العلمي للشيخ الآبنوسي ويتّهمه بنفس
الطعن الذي وجّهه إلى الشيخ ابن الجندي فلنستمع إليه: «سمعت أبا بكر
البرقاني ذكر ابن الآبنوسي فلم يحمد أمره، وقال: سألني عن كتاب الجامع الصحيح لأبي عيسى الترمذي فقلت: هو سماعي لكن ليس لي به نسخة،
وقال أبو بكر: فوجدت في كتب ابن الآبنوسي بعد موته نسخة بكتاب أبي عيسى قد ترجمها
وكتب عليها اسمي واسمه، وسمّع لنفسه في النسخة منّي، فذكرت أنا هذه الحكاية لحمزة
بن محمّد بن طاهر الدقّاق فقال: لم يكن ابن الآبنوسي ممّن يتعمّد الكذب، لكنّه كان
قد حُبِّبَ إليه جمع الكتب، فكان إذا دخل له كتاب ترجمه وكتب عليه اسم راويه واسمه
قبل أن يسمعه، ثمّ يسمعه بعد ذلك».
ولا نريد هنا
الخوض في غمار دراسة هذه النسبة إلى الآبنوسي ومدى صحّتها بقدر ما نريد القول إنّ
ممارسة مثل هذه التهم من مثل الآبنوسي ليس من المنهج العلمي في شيء ويذكّرنا
بالمثل المشهور: رمتني بدائها وانسلّت.
وهناك نقطة
أخرى يجب التنبيه عليها وهي أنّ نسبة الكذب والتدليس انتحال تراث الآخرين والتي
جاءت من قبل الآبنوسي لو كانت صحيحة لاشتهرت في الأوساط العلمية آنذاك وتناقلها
الشيوخ والرواة ولم تعد تبقى لشيخنا ابن الجندي مكانة علمية سامية وهو على العكس
تماماً ممّا نراه في الواقع الخارجي حيث نجد الكثيرين من أعلام أهل السنّة وفطاحلهم
في الحديث ـ كما سنلاحظ عند سرد أسماء تلامذة الشيخ ابن الجندي ومواضع رواياتهم
عنه ـ قد اعتمدوا على شيخنا ورووا عنه الجمّ الغفير من الروايات ولنضرب مثلاً
بالشيخ
__________________
أبي محمّد الحسن بن محمّد الخلاّل وهو من أساتذة الخطيب البغدادي المشهورين
والذي روى عنه الخطيب في تاريخه (٥٨٤) نصّاً ـ وفقاً للإحصاء الذي قدّمه مصطفى عبد
القادر عطا محقّق تاريخ
بغداد ـ والخلاّل هذا أحد أهمّ تلامذة الشيخ ابن الجندي ـ كما
سنلاحظ ـ والجدير بالذكر أنّ كمّاً هائلاً من مرويّات الخلاّل في تاريخ بغداد إنّما هي عن ابن الجندي ـ وسنشير إلى موضعها فيما بعد ـ
وقد وصف الخطيب الخلاّل قائلاً: «كتبنا عنه وكان ثقة له معرفة وتنبّه».
وإلى جانب ذلك
كلّه فيجب أن نأخذ في الحسبان أنّ النجاشي نسب كتاب الأنواع إلى ابن الجندي صراحةً
ودون أيّ تردّد بل حضر بعض المجالس التي قرأ فيها الكتاب على ابن الجندي كما
أسلفنا فلو وقف على تدليس وانتحال ادّعاء السماع كاذباً لم يتردّد في اتّخاذ موقف
حاسم منه متمثّل في الإحجام عن الرواية عنه ومن الطريف أنّ النجاشي قد ترجم بعد
ابن الجندي للشيخ أبي عبد الله أحمد ابن محمّد بن عبيد الله بن عيّاش الجوهري (م
٤٠١ ق) دون أيّ فاصل فقال في نهاية ترجمته: «رأيت هذا الشيخ، وكان صديقاً لي
ولوالدي، وسمعت منه شيئاً كثيراً، ورأيت شيوخنا يُضعّفونه، فلم أروِ عنه شيئاً
تجنّبته، وكان من أهل العلم والأدب القويّ وطيّب الشعر وحسن الخطّ، رحمه الله
وسامحه».
__________________
إذن فلو كان
واقع الحال كما ادّعاه الآبنوسي لتعامل النجاشي مع ابن الجندي تعامله مع الشيخ
الجوهري ولم يكترث بما سمعه منه في حين أشرنا فيما سبق إلى كثرة ما نقله النجاشي
عنه.
وأجدني في غنىً
عن الإسهاب في دراسة هذا الاتّهام بأكثر من هذا، وأستبعد أن يولي الباحث الذي أوتي
حظّاً من الإنصاف والتجرّد من الأهواء قيمةً علمية لمثل هذا الاتّهام ولا سيّما
إذا أرجف به مثل الآبنوسي.
٤ ـ أمّا
بالنسبة لقول الخطيب: «كان يضَعّف في روايته» فلم نجد ما يحطّ من قدر رواية الشيخ
ابن الجندي إلاّ ما حكاه الأزهري عن الآبنوسي والظاهر أنّ الخطيب يصدر في هذا
الطعن عنه وقد أشبعنا القول فيه فلا نُعيد. أمّا قوله: «يطعن عليه في مذهبه» ففي
تصوّري أنّ هذا هو حجر الزاوية الذي يتمحور حوله كلّ ما وجّهوه إليه من طعون وهو
العامل الرئيس لمحاولة الغضّ من شأن هذا الشيخ الموسوعي الذي ضرب في كلّ من
الوسطين السنّي والشيعي بسهم فإنّ كون الرجل شيعيّاً أو رافضيّاً ـ على حدّ تعبير
الكثيرين من العامّة ـ يكفي بمفرده لأن يفقد الراوي كافّة ما يتمتّع به من خبرات
وأهليّات وكفاءات علمية وحديثية أن يسقطه من الحساب تماماً حتّى لو كان من أعلام
عصره وكان ثقة في الحديث متحرّجاً عن الكذب وبقيّة الذنوب وملتزماً بأحكام الشريعة
وآدابها.
وهذه ظاهرة
مرّة يلمسها بوضوح من ألقى نظرة عابرة على ما كتبه العامّة في الرجال والتراجم
والتاريخ والفقه و ... وزبدة المخض أنّ الشيعة «كأنّهم قد جنوا ما ليس يُغتَفَرُ».
ومهما يكن
فنفضّل هنا أن نوكل القارئ إلى ضميره الواعي كي يحكم هو
بين الشيخ ابن الجندي وبين من اتّهمه.
٥ ـ أمّا قول
السمعاني: «روى عن جماعة من المشهورين والمجهولين» فسنلاحظ عند دراسة شيوخ ابن
الجندي أنّ غالبية مشايخه من المعروفين في الوسط الحديثي السنّي أو الشيعي إذن
فليس من المنطق العلمي في شيء التهويل بهذه الموارد من المجهولين والتعامي عن كثرة
كاثرة من أساتذته المعروفين المعتمد عليهم في مجال الحديث وليس بمستغرب عندنا
تعرّف الشيخ ابن الجندي عن كثب على هذه القلّة من المشايخ الذين لا نعرف عنهم
اليوم شيئاً نتيجة ضياع المعلومات التاريخية الدقيقة وغيابها عنّا.
٦ ـ وحول ما
نقله السمعاني عن أبي كامل البصيري عن أبي مسعود أحمد ابن محمّد الحافظ أنّه قال:
«لم يقرأ لنا ...» إلى آخره فلا نعتبر ذلك قادحاً في وثاقته ولا وصمة عار يوصم بها
لأنّ رواية تاريخ أبي معشر لم تكن واجبة عليه فكان له أن يطالب بثمن رواية الكتاب.
هذا كلّه فيما لو افتُرِضت صحّة ما قاله أبو مسعود.
أمّا إن ارتبنا
فيه كما ارتبنا نحن فعلاً ـ على أساس أنّ قدح العامّة في الراوي الشيعي عرضة
لاحتمال العداوة له كما أشبعنا القول فيه ـ فلا ضير في أن نرمي قول أبي مسعود
جانباً ولا نقيم له وزناً.
وهناك مصادر
متأخّرة عامّية اقتصرت على التضعيف الجملي للشيخ ابن الجندي ولم تخض غمار الحديث
التفصيلي عن أسباب هذا التضعيف والظاهر أنّها إنّما عوّلت في ذلك على كلامَي
الخطيب والسمعاني فلسنا بحاجة إلى نقل موادّها ونقدها في هذا المجال.
__________________
أمّا بالنسبة
لقدح ابن الجوزي فيما رواه الشيخ ابن الجندي فمن الواضح أنّ طعنه يبتني على المبادئ
العقائدية والحديثية عند العامّة والّتي برهن أصحابنا على زيفها في كتبهم.
والجدير بالذكر
أنّ هناك روايات كثيرة جدّاً وردت عن أئمّة أهل البيت
عليهمالسلام
تؤكّد على أنّ
الله تعالى عرض ولاية أمير المؤمنين
عليهالسلام
على جميع الخلق
حتّى الجمادات والأشجار وغيرها فما أجاب إلى حبّه عذُب وما لم يجب خبُث وقد عقد
العلاّمة المجلسي أبواباً تخصّ هذا الموضوع وأورد فيها الكثير من الروايات عن
مختلف مصادرنا الشيعية المتقدّمة كما أوضح من خلالها كيفية هذا العرض والمحتملات فيها ومهما يكن فلم يقم هناك برهان على استحالة مثل هذا
العرض عقلاً وليس من المنهج العلمي في شيء أن نناقش الآخرين على أساس مسبقاتنا
ومبادئنا التي لم يؤمنوا بها ما دمنا لم نثبت لهم تلك المبادئ والطريف في الأمر
أنّ الرواية التي طعن فيها ابن الجوزي قد ورد مثلها من طرق أصحابناأيضاً.
وللبحث صلة ...
__________________
المنهج الموسوعي في الفقه الإمامي
(الحدائق والجواهر أنموذجاً)
(١)
|
|
الشيخ مهدي البرهاني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ
العالمين وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيّدنا محمّد
المبعوث هدىً ورحمةً للعالمين وعلى آله وعترته الطيّبين الطاهرين.
تُعتبر
التعاليم الإلهية في غاية الدقّة والمتانة ، وهي شاملة لكلّ زمان ومكان ، بل
لاتخلو أيّ واقعة من حكم شرعي يخصّها ، لأنّ المشرّع هو الحكيم العليم ، وبما أنّ
الشريعة الإسلامية هي خاتمة الشرائع الإلهية فقد جاءت مستوعبة لكلّ ما يحتاجه
الإنسان من قوانين وأحكام تنظّم حياته في جميع الأصعدة وعلى شتّى المجالات ؛ ومن
هنا جاء دور الفقه والفقهاء في التصدّي لهذه المهمّة والتي هي في غاية الأهمّية
والمتمثّلة في استنباط تلك الأحكام الإلهية من مظانّها الشرعية ، وقد دُوّنت من
أجل ذلك المُدوّنات والموسوعات الفقهية على مرّ العصور
وتعاقب الدهور.
ومن المعلوم
بداهة إدراك الدور الكبير الذي يلعبه المنهج الفقهي الموسوعي في حفظه لمعالم
الشريعة وقوانينها من خلال تناوله لبيان جميع الأحكام الشرعية ذات الصلة
والمتعلّقة بمختلف شؤون الحياة وعلى جميع الأصعدة وشتّى المجالات ، مستَنبَطة من
أدلّتها ضمن الضوابط المقرّرة لعملية الاستنباط ؛ ولذا يعتبر هذا البحث من
الأهمّية بمكان.
وإنّ معرفة
المنهج الفقهي الموسوعي لكلٍّ من كتابَي الحدائق والجواهر كنموذج لهذا المنهج لكونهما يمثّلان أضخم موسوعتين
فقهيّتين استدلاليّتين في الفقه الإمامي ، أحدهما يمثّل المدرسة الأخبارية أو ما
يعرف بمدرسة المحدِّثين ، بخلاف الثاني أي: مدرسة الأصوليّين أو ما يُصطلَح عليهم
بالمجتهدِين.
واعتمدت في هذا
البحث على المنهج التوسّعي التحليلي ، وذلك بتتبّع متون كلّ من الكتابين وذكر بعض
التطبيقات الفقهية ومن ثمّ إعطاء النتائج عن المنهجية.
لا شكّ ـ
وباعتبار أهمّية الموضوع ـ أنّ هناك بعض البحوث والمقالات التي تطرّقت لذكر
المناهج الفقهية لدى علماء الطائفة بصورة عامّة والتي يدخل في ضمنها ما هو مورد
البحث أعني الموسوعية منها بشكل خاصّ ، بل هناك بعض الدراسات الخاصّة التي سلّطت
الأضواء على التعريف ببعض المناهج الفقهية الموسوعية المعيّنة ، بيد أنّني لم أعثر
على من كتب في خصوص مورد هذا البحث ، أعني منهجية كلّ من الكتابين المذكورين بما
يمثّلانه من مدرستين
فقهيّتين عرفتا بالخلاف الشديد في وجهة النظر فيما يتعلّق بعملية الاستنباط
الفقهي سواء أكان من حيث ضبط الأدلّة وتحديدها أم من حيث طريقة التعامل معها
وكيفيّة الاستدلال بها على الأحكام الفرعية الفقهية.
وفي هذا الصدد
أرى أنّ من المناسب الإشارة إلى ما قام به الشيخ خالد العطية من دراسة له قيّمة
خصّصها عن حياة المحدّث البحراني وعن سيرته العلمية وعصره وعصر مدرسته الأخبارية،
وذكر أبرز علماء تلك المدرسة وما يميّزها عن المدرسة الأصولية فقهاً وطريقةً واستنباطاً
، وكذا تطرّق لبيان منهجه في كتابه الحدائق سواء أكان في بحث مسائل الكتاب المتفرّقة وطريقة
استنباط الحكم الشرعي منها على ضوء منهجه الأخباري ، أم في الخصائص العامّة
للكتاب، والتي تميّزه عن غيره ممّا كان قد أُلِّف في هذا الحقل الفقهي لعلماء
آخرين بما في ذلك الأخباريّين منهم ، وقد أشار في هذا الصدد إلى نكات مهمّة لعلّه
لم يكن قد أشير إلى الكثير منها ـ حسب التتبّع القاصر ـ من قِبَل أحد ممّن سبقه ،
وبذلك يُعدّ ما قدّمه في بحثه ودراسته تلك جهداً موفّقاً.
كما وأُشير
أيضاً لما كتبه يراع المحقّق السيّد زهير الأعرجي في هذا المجال ، إذ تطرّق هو
الآخَر ولكن بنحو الاختصار وفي بضع صفحات لمنهجية كلٍّ من صاحب الحدائق والجواهر ، وذلك في ضمن دراسة له مُمَنهَجة ومفصَّلة خصّصها عن
بيان مناهج الفقهاء في المدرسة الإمامية ، موضِّحاً خلالها منهجيّتهما في كلٍّ من
الكتابين المذكورين عن طريق ذكر بعض التطبيقات التي أوردها من نصّ الكتاب ، وأيضاً
يُعدّ ما قام به على اختصاره جهداً مشكوراً.
وكذا لا يفوتني
أن أشير إلى ما تناوله الباحث السيّد محمّد الحسيني في سلسلة دراسات فقهية له تحت
عنوان: (فقهاء
ومناهج) ركّز فيها
القول على جملة من النقاط الأساسية المعتمدة في منهج بعض العلماء والتي شكّلت
إسهاماتهم الفقهية دفعاً للعملية الاستنباطية ، ومن أولئك الذين تناولهم البحث ـ
وبشكل مختصر ـ الشيخ محمّد حسن النجفي صاحب الجواهر ، وقد أجاد فيما أفاد ـ على اختصاره ـ بحثاً ودراسة.
الفصل الأوّل
المناهج الموسوعية الفقهية في المدرسة الإمامية
المبحث الأوّل
أهمّ المناهج الموسوعية في الفقه الإمامي
مقدّمة :
قلنا سابقاً :
إنّ المنهج الموسوعي هو المنهج الذي يعرض الأحكام الشرعية مع أدلّتها التفصيلية
ببحث ونقاش علميّين ، وذلك على نحو الإحاطة بالأدلّة الشرعية من الآيات القرآنية
والروايات المسندة والمباني المؤيّدة وسائر الأمارات والأصول الشرعية والعقلية
المعتبرة ، بحيث تتّسع المسائل الفقهية لمساحات من البحث العلمي وتستقصي المسألة
جُلّ فروعها وتقع مورداً للبحث والنقض والمناقشة والاستدلال.
ولا شكّ أنّ
بناء المنهج الموسوعي يرجع فضله إلى عصبة من فقهاء الإمامية الأجلاّء ، ذلك
بمثابرتهم في فهم أفق الشريعة الواسع ، واستحداثهم أسلوب البحث العلمي عن الدليل ،
ومن ذلك : الشمولية والاستيعاب عند الشيخ النجفي في جواهر الكلام ، ونقد الروايات ومؤاخاة الآراء عند الشيخ البحراني في الحدائق الناضرة ، ومناقشة الآراء الفقهية بعد عرضها عند السيّد جواد
العاملي في
مفتاح
الكرامة ، والتفصيل في
شرح المسائل الفقهية عند الفاضل الهندي في كشف اللثام ، ودقّة نقل الرواية وقوّة
الاستدلال عند السيّد محمّد العاملي في مدارك الأحكام ، وكثرة التفريعات وتشعّبها عند الشيخ النراقي في مستند الشيعة.
ومن أجل فهم
طريقة تلك المناهج الفقهية في المدرسة الإمامية ومقدار ما تحويه من قيمة علمية
وفقهية وتاريخية لذلك المصدر، انتخبنا ذكر بعض منها باختصار من باب الأمثلة
للتدليل على طبيعة تلك المناهج وطرق الفقهاء فيها كمقدّمة لما نرومه من بحثنا عن
المنهج الموسوعي في كلّ من كتابي الحدائق والجواهر.
منهج السيّد العاملي في كتابه مدارك الأحكام :
كتاب مدارك الأحكام في شرح
شرائع الإسلام للسيّد السند والركن المعتمد السيّد محمّد بن علي الموسوي العاملي الجبعي
(ت١٠٠٩هـ) في ثماني مجلّدات.
ذاع صيت الكتاب
في الحوزات العلمية ومنه أخذ المصنّف اسمه ونسبته ، فيقال له : السيّد محمّد صاحب المدارك ، وهو من أحسن الكتب الفقهية الاستدلالية كما عبّر عنه
الأفندي في رياضه والخوانساري في روضاته ،
__________________
والكتاب بمنزلة التتمّة لكتاب المسالك ، لأنّه مختصر في العبادات ومطوّل في المعاملات ، وقد
خرج منه العبادات في ثلاثة مجلّدات ، وكان فراغ مؤلّفه منه سنة (٩٩٨هـ).
ويمتاز هذا
الكتاب بمتانة الاستدلال والاعتماد على الروايات المسلّمة الاعتبار ، ومن هذه
الروايات يختار ما كانت دلالتها واضحة وينتقي من الأدلّة العقلية ما كان متسالماً
عليه.
ومن مميّزاته
أيضاً أنّه ينقل الرواية بكاملها مع الدقّة في نقلها ، ولذا كان من الكتب المعتمدة
في نقل الرواية وقوّة الاستدلال.
وكان من منهج
المصنِّف ومبناه هو اعتقاده بضعف ما يرويه غير الإمامي الاثني عشري أيّاً ما كان ،
ولذلك تعرّض إلى بعض الانتقادات ، ومنها انتقاد الشيخ البحراني للمصنّف بأنّه قد
سلك في الأخبار مسلكاً وعراً ونهج منهجاً عسراً ، قال قدّس سرّه ما لفظه :
«فإنّه [صاحب المدارك] ردّ أكثر الأحاديث من الموثّقات والضعاف باصطلاحه ،
وله فيها اضطراب كما لا يخفى على من راجع كتابه ، فيما بين أن يردّها تارة ، وما
بين أن يستدلّ بها أخرى ، وله أيضاً في جملة من الرجال مثل إبراهيم بن هاشم ومسمع
بن عبد الملك ونحوهما اضطراب عظيم ، فيما بين أن يصف أخبارهم بالصحّة تارة وبالحسن
أخرى ، وبين أن يطعن فيها ويردّها ، يدور في ذلك مدار غرضه في المقام ، مع جملة من
المواضع التي سلك فيها سبيل
__________________
المجازفة ، كما أوضحنا جميع ذلك ممّا لا يرتاب فيه المتأمّل في شرحنا على
كتاب المدارك الموسوم بـ : تدارك المدارك ، وكتاب الحدائق الناضرة».
ورُدَّ ذلك
بأنّ المصنّف لم يضطرب مبناه ، والتمسّك بالمبنى الأصولي أو الفقهي أو الرجالي لا
يدلّ على الاضطراب ، فقد يَردُّ المصنّفُ روايةً معيّنةً ولكن يستدلّ بها إذا كانت
مشهورة عند الفقهاء ، فالمبنى عنده هو الأخذ بعمل الأصحاب لا الأخذ بالرواية ،
وهذا الفارق ينبغي ملاحظته في مباني الفقهاء.
منهج الفاضل الهندي في كتابه كشف اللثام :
كتاب كشف اللثام عن قواعد
الأحكام ـ والذي
يُسمّى أيضاً : كشف
اللثام والإبهام عن قواعد الأحكام ، و : كشف اللثام عن حدود قواعد الأحكام ، بل وصفه المصنّف في مقدّمة الكتاب بـ : كشف لثام الإبهام
وظلام الأوهام عن خرائد قواعد الأحكام ـ للشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسن الأصفهاني المعروف
بالفاضل الهندي المتوفّى (١١٣٧هـ) ، في عشرة مجلّدات.
وهو كتاب فقهي
استدلاليّ موسّع ، ذكر فيه مصنّفه آراء أعمدة المذهب من فقهاء الإمامية المتقدّمين
منهم والمتأخّرين بشكل مختصر وبأسلوب فنّي متين ، فامتاز باستيعابه الآراء الفقهية
عند فقهاء الشيعة وعرضها باختصار ، فأضحى
__________________
السِّفْر الذي لايُستغنى عنه والمصدر الذي سدّ فراغاً في المكتبة الفقهية
طالماً ظلّ شاغراً.
وقد تصدّى
المحقّق الكركي مؤسّس المسلك الفقهي الاستدلالي ـ والذي يُعدّ الفاضل الهندي من
أتباع هذا المسلك ـ لشرح كتاب القواعد قبل الفاضل الهندي ، وسمّاه : جامع المقاصد في شرح
القواعد ، ولكنّه لم
يتمّه بل توقّف إلى نصف كتاب النكاح من القواعد ، وكان هذا هو السبب الذي دفع بالفاضل الهندي للشروع في
كشفه للثامه من كتاب النكاح ، وكان تاريخ الانتهاء من شرح كتاب النكاح هو عشرين
ربيع الثاني سنة (١٠٩٦هـ) وكان عمر الفاضل آنذاك ٣٤ سنة ، أمّا كتاب الإرث فتمّ في
سنة (١٠٩٨هـ) ، وبعد أنّ أتمّ أبواب القواعد إلى الأخير فكّر بشرح الأبواب الأولى منه ، فكان تاريخ
ختم كتاب الطهارة جمادى الأولى سنة (١١٠٥هـ) وتاريخ إتمامه كتاب الحجّ ١٦ شوّال
(١١١٠هـ).
ولكتاب كشف اللثام تأثير مهمّ في الكتب الفقهية المتأخّرة عنه ، والسرّ في
ذلك هو كثرة الأقوال المنقولة في هذا الكتاب من الكتب الفقهية للمتقدّمين ، وقد
استطاع المؤلّف أن يجمع أكبر عدد ممكن من الكتب ، فكان ينقل عنها مباشرة وبلا
واسطة ، وكثرة النقولات هذه مثيرة للدهشة والتعجّب.
ويعتبر الفاضل
الهندي في منهجه الموسوعي الاستدلالي الخلف لفقهاء الشيعة المعتمدين ، وهو وإن لم
يبتدع طريقة جديدة في الفقه الشيعي لكنّه في طرحه للفروع والاستدلال لها بأدلّة
جديدة يعدّ سعياً منه جديراً بالإكبار والتبجيل ،
__________________
والشاهد على ذلك هو اعتماد صاحب الجواهر عليه اعتماداً أساسيّاً في كتابه الجواهر بشكل حتّى قيل : إنّه لم يستغنِ في أيّ فصل من فصول
الكتاب عن كشف
اللثام ، واستفاد منه
أيضاً صاحب رياض
المسائل استفادة كبيرة
، وبهذا يعدّ كشف اللثام من مصادر رياض المسائل أيضاً.
ابتدأ المصنِّف
شرحه على قواعد
الأحكام بكتاب النكاح
وما تلاه من الكتب الفقهية ، فقد جاء الكتاب ليتمّم كتاب جامع المقاصد في شرح
القواعد ، ثمّ عاد
مبتدئاً بكتاب الطهارة ثمّ الصلاة حيث توقّف في نهاية مبحث (ما يوجب إعادة الصلاة)
، وعليه فهذه الدورة الفقهية ناقصة لبعض الكتب ، ككتاب الزكاة والخمس والأنفال
والصوم والمتاجر وكتب أخرى.
ويمكن ملاحظة
طريقة المصنّف في تسلسل الأفكار وضغط العبارة ونقل الآراء المتفاوتة بحيث تبدو
ظاهراً وكأنّها فقرة واحدة منسجمة في الترتيب والعرض.
منهج السيّد العاملي في كتابه مفتاح الكرامة :
كتاب مفتاح الكرامة في شرح
قواعد العلاّمة الذي سجّله يراع الفقيه المحقّق والعالم المدقّق السيّد محمّد جواد
العاملي المتوفّى (١٢٢٦هـ) ، وهو أيضاً من الكتب الفقهية الموسوعية الاستدلالية ،
ويعدّ الكتاب المذكور من أشهر وأوسع وأنفع ما كتب من شروح على كتاب قواعد الأحكام للعلاّمة الحلّي ، ذلك
__________________
لأنّ المؤلّف إنّما أعدّه للاستيفاء الشامل لأقوال الفقهاء المتقدّمين منهم
والمتأخّرين ولمواقع إجماعاتهم وموارد الاشتهارات المدوّنة في بطون مصنّفاتهم ،
حتّى أضحى مصدراً من مصادر فقه الشريعة الإسلامية وأحد الموسوعات الفقهية الضخمة
للطائفة الإمامية ، وصار مورداً لاعتماد أساتذة الفقه ومعلّميه في ذلك الزمان عليه
في نقل الإجماع والشهرة ونقل الأقوال الواردة في كلّ مسألة فقهية ، فهذا صاحب جواهر الكلام الذي لم يسبق له نظير في تأريخ تأليف فقه الشيعة اعتمد
في نقل الأقوال والإجماع والشهرة على كلّ مورد نقله صاحب مفتاح الكرامة.
ذكر المحقّق
للكتاب عن بعض مشايخه الفضلاء عن العلاّمة الفقيه المحقّق آية الله آقا حسين
الطباطبائي البروجردي أنّ هذا الكتاب كان مرجعاً لصاحب الجواهر في تحقيقاته
الفقهية كثيراً ، وقال رحمه الله : «إنّه لم يكن معروفاً في حوزة قم المباركة قبل
نزول السيّد البروجردي تلك البلدة ، وهو الذي عرّف هذا الكتاب وكتاب كشف اللثام للفاضل الهندي بين محصّلي علوم الدين ومحقّقي مسائل
الشريعة».
ألّفه على ما
صرّح به نفسه في أوّل الكتاب بأمر من شيخه وأستاذه الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، حيث
كان طلب منه أن يؤلّف كتاباً يذكر فيه جميع الأقوال الواردة في كلّ المسائل الفقهية
، وينقل في كلّ مسألة من تلك المسائل الإجماعات والشهرات المذكورة أو المنقولة في
كتب الفقهاء ، وجعل عليه أن
__________________
يصرّح فيه بأسامي مصادر تلك الأقوال والإجماعات ويذكر فيه الدليل الذي لم
يتعرّض له الأصحاب.
ما ذكره المصنّف في خطبة الكتاب :
«وقد امتثلت
أمر سيّدي وأستاذي ومَن عليه بعد الله سبحانه وأوليائه صلّى الله عليهم معوّلي
واعتمادي الإمام العلاّمة المعتبر المقدّس الحبر الأعظم الشيخ جعفر جعلني الله
تعالى فداه وأطال الله تعالى للمؤمنين بقاءه ، قال أدام الله تعالى حراسته : أحبّ
أن تعمد إلى قواعد الإمام العلاّمة أعلى الله تعالى في الجنان مقامه فتنظر
إلى كلّ مسألة اختلفت فيها كلمات الأصحاب وتنقل أقوالهم وتضيف إلى ذلك نقل شهرتهم
وإجماعهم ، وتذكر أسماء الكتب التي ذكر فيها ذلك ، وإذا عثرت على دليل في المسألة
لم يذكروه فاذكره ومتنه ، واذكر عند اختلاف الأخبار مذاهب العامّة على وجه
الاختصار ، ليكمل نفعه ويعظم وقعه ... فامتثلت أمره الشريف ورجوته أن يسعفني
بدعائه الصالح المقبول ، وفوّضت أمري إلى الله وتوكّلت على الله ولاحول ولاقوّة
إلاّ بالله».
وبالفعل فقد
عُرف مصنّف الكتاب بغزارة الاطّلاع وسعة البال والضبط والإتقان وخبرته الطويلة في
مجالي الفقه والأصول ، حتّى قال عنه صاحب روضات الجنّات : «كان من فضلاء الأواخر ومتتبّعي الأكابر» وقال في وصف
__________________
كتابه : «لم يرَ عين الزمان أبداً بمثله كتاباً مستوفياً لأقوال الفقهاء
ومواقع الإجماعات وموارد الاشتهارات وأمثال ذلك من غير خيانة في شيء منها،
والاجتهاد له في فهم ذلك كما هو عادة تلميذه بما لا مزيد عليه لكلّ مَن يريد
اجتهاداً في مسألة من مسائل الفقه».
يحتوي الكتاب
على جميع كتب الفقه عدا مقدار من كتاب الزكاة وتمام كتاب الخمس والحجّ والصوم
والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسبق والرماية وبعض الوصايا وكتب
متفرّقة أخرى.
نقل المصنّف عن
ابن عقيل وابن الجنيد والشيخ المفيد والسيّد المرتضى والشيخ الطوسي والعلاّمة
الحلّي ، وما وجده في المقنع
والهداية والنهاية والخلاف والمبسوط ، وروايات الكافي والاستبصار والتهذيب ومن لا
يحضره الفقيه ، وكذا ما وجده في التذكرة
والتحرير والمختلف والمنتهى وغيرها من تصنيفات الطائفة ومصنّفيهم.
ومنهجه يبدأ
بتقديم نصّ القواعد ثمّ يعقبه بما وافقه من كتب الفقهاء ، ثمّ ينقل الإجماع
والشهرة ، ثمّ يُذكّر بحجّة المخالِف وأدلّته ، ثمّ ينهي القول بإبداء رأيه
بديباجة : قلتُ.
منهج المولى النراقي في كتابه مستند الشيعة :
كتاب مستند الشيعة في
أحكام الشريعة للمولى أحمد بن محمّد مهدي بن
__________________
أبي ذر النراقي الكاشاني المتوفّى سنة (١٢٤٥هـ) في عشرين مجلّداً ، من كتب
الفقه الموسوعي الاستدلالي.
لقد صنّف
فقهاؤنا العظام الكثير في الفقه الاستدلالي الموسوعي ، ولكلّ واحد من تلك الكتب
سماته ومميّزاته من متانة الاستدلال والجامعية وكثرة التفريعات ونقل الأقوال
وغيرها ، وقد حاز مستند الشيعة على كلّ هذه الامتيازات بالإضافة إلى ذلك الدقّة
البليغة والأسلوب العميق مع فرز جهات المسألة وجوانبها المختلفة وبيان تعارض
الآراء وأسانيدها بالنقض والإبرام.
يقوم المصنّف
في الغالب وبعد أن يعرّف موضوع البحث بالاتّكاء على وسادة فتاوى بقيّة الفقهاء عن
طريق إجماعهم على ذلك أو عن طريق تسمية آرآئهم في كتبهم المعروفة ، وغالباً ما
يستدلّ بالآيات والروايات الصحيحة المسندة عنده ، ولو كان هناك ضعف في سند الرواية
فإنّه قد يأخذ بها لأنّها منجبرة بعمل الأصحاب ، وعندها يكون ملزَماً بالتصريح
بمنهجه بالخصوص ، وعندما يتهيّأ له ثبوت الدليل وقوّته يقوم عندئذ بنسف حجّية
الدليل الأضعف عبر دحضه من مختلف الجهات العلمية ، كحمله على التقية ، أو منافاته
للإجماع المتّفق عليه ، أو القصور في فهم الأخبار العلاجية ، أو فقدان المرجّحات
المنصوصة ، وربّما استدلّ بالقرائن الموضوعية أو الشرعية والقواعد الأصولية
كالاستصحاب.
ذكر بعض
الأعلام في مقدّمة الطبعة الحجرية للكتاب بأنّه لايعادله كتاب في الجامعية
والتمامية ، لاشتماله على الأقوال مع الإحاطة بأوجز مقال ، من غير قيل وقال ،
وارتجاله في الاستدلال وما به الإناطة بأخصر بيان ومثال ، من دون خلل وإخلال ،
فلقد أجمل في الإيجاز والإعجاز وفصّل في الإجمال حقّ الامتياز ،
فهو بإجماله فصيل وفي تفصيله جميل ، سيّما كتاب القضاء وما فيه من الفصل
والقضاء ، فقد اشتهر بين الفضلاء أنّه لم يكتب مثله.
ثمّ إنّه لايدع
برهاناً أو دليلا إلاّ واستقراه واستقصاه إثباتاً لمختاره ومدّعاه ، غير غافل عن
التعرّض لما تمسّك به للأقوال الأخرى من الوجوه والأسانيد ، خائضاً فيها خوض البحر
المتلاطم ، ناقضاً عليها بألوان الوجوه والحجج ، ولعلّ ما يكسب الكتاب قيمة ومكانة
تفرّسه رحمهالله
في سائر العلوم
كالفلك والرياضيّات ، وترى آثار هذه المقدرة الفذّة بارزةً في بحث القِبلة وكتاب
الفرائض والمواريث وغيرها من المباحث التي اشتمل عليها الكتاب.
والمشهور
والمعروف عن مستند الشيعة أنّه اختصّ وامتاز بكثرة تفريعاته إلى غاية ما يمكن ،
وذلك بعد تحقّق أصل المسألة عنده وإثبات مشروعيّتها ، وتراه على سبيل المثال لا
الحصر في مبحث الخمس لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من أهله
عليهالسلام
دون غيرهم يذكر
أوّلاً اعتبار السيادة أو عدمها ، ثمّ يعرِّف السادة ويبيّن أدلّة استحقاقهم الخمس
، ثمّ يتناول كيفية النسبة إلى بني هاشم ، هذا مع أنّه يذكر لكلّ فقرة من فقرات
البحث الأقوال المختلفة فيها مع ذكر أدلّتها ، ثمّ الإشكال والردّ على المخالف
منها وتدعيم وتوجيه المختار ، وحكي عن الفقيه المتتبّع السيّد محمّد كاظم اليزدي
الطباطبائي صاحب الأثر الجليل العروة
الوثقى أنّه كان
يراجع كتاب المستند في تفريعاته الفقهية ويأمر تلامذته بالاستخراج منها.
__________________
زبدة المخض :
وبالإجمال يمكن
القول واستناداً لما مرّ ذكره وبيانه أنّ المنهج الموسوعي في المدرسة الإمامية
تميّز بالشمولية والسعة في فهم المسألة الفقهية والاستدلال عليها بالطريق المعهود
بين الفقهاء عن طريق تطبيق الأصول على الفروع ، وقد ربط جميع أهل العلم والمعرفة
قدماء الفقهاء بمتأخّريهم ولم يشذّ عن تلك القاعدة أحد ، فالفاضل الهندي ينقل ما
قاله ابن أبي عقيل وابن الجنيد والصدوقان ، والشيخ الجواهري ينقل ما قاله الشيخ
المفيد والسيّد المرتضى والشيخ الطوسي ، والسيّد العاملي ينقل ما قاله المحقّق
الحلّي والعلاّمة والشهيد الأوّل والثاني. وهكذا نجد المدرسة الفقهية الاستدلالية
الإمامية مترابطة ومتماسكة تماسكاً محكماً في الفتوى ونقل الأحكام وتسلسل الأفكار
ونقد الآراء وتحكيم الأصول.
المبحث الثاني
نبذة عن كتاب الحدائق ومؤلّفه
المؤلّف :
هو العلاّمة
المحدّث الشهير الشيخ يوسف، نجل العلاّمة الشيخ أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صالح
بن أحمد بن عصفور ... البحراني الدرازي ، عالم
__________________
وفقيه ومحدّث ، عُدَّ من الأخباريّين المعتدلين في القرن الثاني عشر الهجري
(أي ما بين : ١١٠٧ ـ ١١٨٦هـ) ، اشتهر بـ : (صاحب الحدائق) انتساباً لأثره الشهير : الحدائق الناضرة في أحكام العترة
الطاهرة.
وكان أبوه
الشيخ أحمد من أجلاّء تلامذة الشيخ سليمان الماحوزي ، وقد ترجمه الشيخ يوسف في
كتابه اللؤلؤة ووصفه بالمجتهد الفاضل الجليل الذي لايجاريه في البحث
مجار ولايباريه فيه مبار ، مضيفاً على ذلك قوله بأنّه كان مجتهداً صرفاً كثير
التشنيع على الأخباريّين.
الولادة :
يمكن القول :
إنّ معظم من تطرّق لذكر ترجمة الشيخ المحدّث البحراني بما يرتبط بولادته ونشأته
وعائلته وأسرته إنّما استند في أغلب ذلك على كتابه لؤلؤة البحرين ، حيث إنّه قدّس سرّه في أواخر هذا الكتاب بعنوان
(تتمّة) ذكر نفسه وترجم حاله من حين الولادة ، وذكر بعض ما يرتبط بنشأته وسيرته
وأحواله وأحوال عائلته وفاء لما كان قد وعد به.
وأنا بدوري
أيضاً أنقل مقتبساً ممّا ذكره هناك مع بعض الإضافات التي وردت عن غيره ممّن ترجم
له :
ذكر قدّس سرّه
أنّ مولده كان في السنة السابعة بعد المائة والألف
__________________
(١١٠٧هـ) في قرية (الماحوز) إحدى قرى البحرين.
أمّا سبب كون
الولادة في الماحوز مع أنّ أصله من قرية دراز (على بعد فرسخين ونصف جنوبي المنامة)
فهذا ما أشار إليه في كتابه لؤلؤة
البحرين ، فقد جاء
فيها : «إنّ مولدي كان في سنة (١١٠٧هـ) في قرية الماحوز ، حيث إنّ الوالد كان
ساكناً هناك لملازمته الدرس عند شيخه الشيخ سليمان».
الحياة والنشأة :
وأمّا فيما
يرتبط بنشأته فذكر أنّه أمضى مرحلة طفولته تحت إشراف جدّه الشيخ إبراهيم الذي كان
يعمل في تجارة اللؤلؤ ، واتّخذ هذا الجدّ للحفيد معلّماً للقرآن وتعليم الكتابة في
المنزل ، ثمّ بعد ذلك لازم الدرس عند والده ، والتزم أبوه ـ الذي كان على مسلك
المجتهدين ومخالفاً بشدّة للأخباريّين ـ بتربيته العلمية.
قال في اللؤلؤة : «ورُبيت في حجر جدّي المرحوم الشيخ إبراهيم قدّس الله
روحه ، وكان مشغولاً بأمر الغوص والتجارة في اللؤلؤ ... وانتحلني وربّاني وجعل لي
معلّماً في البيت للقرآن وعلّمني الكتابة ... ثمّ لازمت الدرس عند الوالد قدّس
سرّه ، إلاّ أنّه لم يكن لي يومئذ رغبة تامّة لغلبة جهالة الصبا ، وقرأت على
الوالد كتاب قطر
الندى وأكثر ابن الناظم».
وتزامنت حياة
الشيخ يوسف البحراني مع أحداث مهمّة ملؤها البلايا
__________________
والرزايا والفتن والمحن ممّا جعلته دائم الانتقال من مدينة إلى أخرى ، ففي
بداية طفولته عايش الحروب القبلية بين قبيلتي الهولة والعتوب ، كما دارت حروب بين
القوّات العمانية والإيرانية ، كما وعاصر الشيخ أيّام سقوط الحكومة الصفوية
وانقراضها في إيران.
الهجرة إلى الحجاز :
في بداية الأمر
هاجرت أسرته إلى معقل الشيعة القطيف على إثر الهجمات المتتالية لسلطان عُمان
(الخوارج آنذاك) على البحرين ، وبقي هو في البحرين لحفظ ما في خزانة والده من كتب
، حيث كان والده قد كلّفه بجمع ما يمكنه جمعه من الكتب التي انتهبها الغزاة، ومن
ثمّ إرسالها إليه ، لكنّه بعد السيطرة الكاملة للمهاجمين واحتراق منزل العائلة ترك
البحرين والتحق بالأُسرة ، وبوفاة والده بعد أشهر من وصوله للقطيف تولّى مسؤولية
رعاية أسرته، وكان عمره حينها يناهز الرابعة والعشرين عاماً ، وبقي في القطيف
لمدّة سنتين تتلمذ خلالهما على يد الشيخ حسين الماحوزي (ت١١٨١هـ) الفقيه المجتهد
والمعارض لـلنهج الأخباري
الهجرة إلى إيران :
وبعد المصالحة
بين حكومتي إيران وسلطنة عمان وتحرير البحرين عاد إلى الموطن ودرس عند العلماء
هناك لعدّة سنوات ، وأخيراً بعد عودته من فريضة
الحجّ وتوقّفه في القطيف، اضطرّ أن يسافر إلى إيران بسبب الضغوط المالية
واضطراب الأوضاع الداخلية في البحرين ، وذلك بعد سقوط الصفوية ومقتل السلطان
الصفوي سنة (١١٤٠هـ).
ثمّ بعد إقامته
القصيرة في مدينة كرمان سافر إلى شيراز التي حظي فيها باحترام حاكمها محمّد تقي
خان وتكريمه له ، فتمكّن من قضاء عدّة سنوات مستقرّة وهادئة اشتغل فيها بالتدريس
والتأليف وتأدية المهامّ الدينية.
جاء في اللؤلؤة : « ... ثمّ رجعت إلى البحرين وضاق بي الحال لما ركبني
من الديون التي أوجبت لي الهموم بسبب كثرة العيال وقلّة ما في اليد ... ففررت إلى
بلاد العجم وبقيت مدّة في كرمان ، ثمّ رجعت إلى شيراز ، فَوفَّق الله سبحانه فيها
بالإكرام والإعزاز ، وعطف الله سبحانه على قلب سلطانها وحاكمها يومئذ ، فأكرم
وأنعم ، جزاه الله تعالى بالإحسان».
الإقامة في فسا :
اضطربت أوضاع
شيراز الداخلية هذه المرّة ، فاجتيحت المدينة في العامين (١١٥٦هـ و ١١٥٧هـ) ،
فتوجّه الشيخ إلى قصبة فسا آنذاك حيث أكرمه حاكمها وحظي فيها أيضاً بالطمأنينة
وراحة البال ، وبقي فيها لمدّة قضاها في التأليف والتحقيق وبالزراعة لتحصيل الرزق
، وهناك بدأ في تاليف كتابه الحدائق وأوصله إلى باب الأغسال ، لكن ما لبث أن هاجم المدينة
عليمردان سنة (١١٦٥هـ) وقتل
__________________
حاكمها ، وتعرّضت المدينة للنهب ، فذهبت ممتلكات الشيخ وكتبه أدراج الرياح
، فهاجر إلى منطقة اصطهبانات ، ومن ثمّ إلى كربلاء.
قال في اللؤلؤة : « ... واستوطنت قصبة فسا بعد أن أرسلت العيال إلى
البحرين ، وجددت عيالا من تلك البلاد ، فبقيت فيها مشتغلاً بالمطالعة ، وصنّفت
هناك كتاب الحدائق
الناضرة إلى باب
الأغسال ، وأنا مع ذلك مشتغل بالزراعة لأجل المعاش والكفّ عن الحاجة إلى الناس».
الإقامة في كربلاء :
انتقل الشيخ
البحراني إلى مدينة كربلاء المشرّفة ، وحينها كانت البلدة تعدّ من أكبر معاهد
العلم للشيعة ، وكانت تضاهي النجف بمعاهدها الدينية وعلمائها الأفذاذ ، وعلى رأسهم
العلاّمة محمّد باقر بن محمّد أكمل المعروف بالوحيد البهبهاني مجدّد المذهب في
القرن الهجري الثالث عشر.
وذكر المحقّق
المتتبّع السيّد عبد العزيز الطباطبائي
رحمهالله
في مقدّمته على
الحدائق أنّه لم يقف على تاريخ استيطانه كربلاء ، إلاّ أنّ الذي ظهر له من تاريخ
بعض تأليفات الشيخ أنّه حلّ بها قبل عام (١١٦٩هـ) ، مضيفاً على ذلك قوله :
«ولمّا هبط
كربلاء رحّب بقدومه أعلامها وسُرّ به فطاحلها ، فتوسّط أندية العلم وحلقات التدريس
، وانضوى إليه عِير يسير من أولئك الأفذاذ يرتشفون
__________________
من بحر علمه المتدفّق ، كأربعة من المهديّين الخمسة ـ وهم من أشهر مشاهير
تلامذة الأستاذ الأكبر ـ والعلمين الحجّتين صاحبَي الرياض والقوانين ، وغيرهم من كبار المجتهدين ممّن تخرّجوا عليه».
ويظهر أنّه كان
عازماً على البقاء في كربلاء إلى بقايا عمره وسنىّ حياته ، وأنّه وُفّق تمام
التوفيق فيها مع ما أنعم الله عليه من راحة البال وسعة الرزق ، فأبدع وألّف وصنّف
ودرَّس وأفاض وأفاد في تلك الفترة من حياته بالأخصّ ، وفيها شرع في إتمام تأليف
كتابه الفخم الحدائق بعد ما كان ابتدأ تأليفه سابقاً ، مضافاً لمصنّفات أخرى
له.
قال قدّس سرّه
بعد ما ذكر فراره من قصبة فسا :
« ... فقدمت
العراق وجلست في كربلاء المعلّى على مشرّفها وآبائه وأبنائه صلوات ذي العلى ،
عازماً على الجلوس بها إلى الممات ... ووفّق الله سبحانه بمزيد كرمه وفضله العميم
وحسن عوائده القديمة على عبده الخاطئ الأثيم بانفتاح أبواب الرزق مع جميع الآفاق ،
وصرت بحمد الله فارغ البال مرفّه الحال ، فاشتغلت بالمطالعة والتدريس والتصنيف ،
وشرعت في إتمام الحدائق
الناضرة المتقدّم
ذكره».
الأخباري المعتدل :
يُعدّ المحدّث
الشيخ يوسف البحراني من أحد أبرز العلماء المدافعين عن
__________________
الطريقة الأخبارية في مجاليها الفقهي والحديثي ، وكذلك عُدَّ آخر شخصية
جديرة بالذكر من أصحاب هذه الطريقة العلمية ، وقد ناظر بعض الاجتهاديّين المعاصرين
له كما ذكر ذلك في المقدّمة الثانية عشرة من الحدائق.
وكما مرَّ في
أوّل الترجمة فإنّه في الواقع كان من الأخباريّين المعتدلين في عصره ـ أي القرن
الهجري الثاني عشر ـ ومن هنا قال في حقّه تلميذه الشيخ محمّد بن إسماعيل
المازندراني المعروف بـ : (أبو علي الحائري) : «كان أخباريّاً صرفاً ثمّ رجع إلى
الطريقة الوسطى ، وكان يقول : إنّها طريقة العلاّمة المجلسي غوّاص بحار الأنوار».
وعلّق السيّد
الأمين على ما ذكره الحائري بقوله : «وكأنّ مراده بالطريقة الوسطى ترك بعض ما
يقوله الأخباريّون من أنّهم لايعملون إلاّ بالقطع وأنّ الأخبار قطعية وغير ذلك من
الأمور ، وإلاّ فالرجل أخباريّ صرف لايدخل في شيء من طرق المجتهدين كما تشهد بذلك
مصنّفاته ، نعم ربّما يكون قد ترك شيئاً من مقالاتهم فقيل فيه : إنّه كان على
الطريقة الوسطى».
ويُعدّ قول
السيّد الأمين هذا شهادة منه أيضاً على اعتدالية الرجل في مذهبه الأخباري.
مقامه العلمي :
اهتمّ المحدّث
البحراني بالتأليف والتصنيف وإعداد الطلبة وتدوين أجوبة
__________________
الاستفسارات الدينية وغير ذلك من النشاطات العلمية الدينية رغم كلّ الظروف
التي أحاطت به وساقته إلى رحلات متعدّدة ، وقد نال إجازة الحديث من أساتذته ومن
أربعة من مشايخ الحديث ، منهم : المولى رفيعا الجيلاني (ت١١٦٠هـ) الذي كان لديه
إجازة من المجلسي ويوصل البحراني إلى المجلسي بعلوّ الإسناد.
لقد أثنى معظم
كتّاب التراجم المتأخّرون على مكانته المرموقة في الفقه والحديث ، وأشاروا إلى
كثرة تتبّعه وذاكرته القوية وزهده على الرغم من انتقاد البعض منهم لمنهجه العلمي ،
كما وصفوا آثاره العلمية بأنّها مثمرة ومفيدة ، ومن هؤلاء الكتّاب :
تلميذه أبو علي
المازندراني الحائري في منتهى
المقال ، والميرزا محمّد باقر الخوانساري في روضات الجنّات ، والعلاّمة المامقاني في تنقيح المقال ، والسيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة ، والمحدّث عبّاس القمّي في الفوائد الرضوية ، والشيخ آقا بزرك الطهراني في طبقات أعلام
الشيعة ، وغير هؤلاء من أعلام العلماء.
__________________
أساتذته ومشايخه في الرواية :
تتلمذ الشيخ
قدسسره
عند جماعة من
العلماء قد ذُكرت أساميهم من قبل مترجميه ، لكن الذين عدّهم هو من مشايخه وأساتذته
في كتابه اللؤلؤة أربعة ، وهم :
١ ـ والده
الفقيه الشيخ أحمد البحراني ، وهو أوّل أساتذته بعد معلّم القرآن ، وقد ترجم له
ابنه الشيخ يوسف في كتابه اللؤلؤة ـ كما تقدّم ـ ووصفه بقوله : «إنّه كان مجتهداً فاضلاً
جليلاً وفقيهاً نبيلاً» مضيفاً له هذه السمة : «وكانت له مَلَكة في التدريس لم
يسبق لها غيره ممّن رأيت وحضرت درسه من علماء عصرنا».
وقد تقدّمت
الإشارة إلى أنّه كان مجتهداً صرفاً كثير التشنيع على الأخباريّين. وإليك نصّ ما
قاله الشيخ يوسف في حقّ والده بهذا الشأن :
«وكان الوالد
نوّر الله تربته شديد التعصّب للمجتهدين ، جرى قلمه بالتعريض بالأخباريّين ، وقد
عرّفت في المقدّمة الثانية عشرة من مقدّمات الكتاب ما هو الأليق بالعلماء الأنجاب
من سدّ هذا الباب حذراً من طغيان الأقلام بمثل هذا الخطاب وانجراره للقدح في
العلماء الأطياب».
٢ ـ الشيخ أحمد
بن عبد الله بن الحسن البلادي البحراني. والظاهر أنّه كان من أوائل أساتذته كما
يشير لذلك قوله في ترجمته للشيخ سليمان بن عبد الله البحراني : «وقد رأيت الشيخ
المذكور [أي: الشيخ سليمان] وأنا يومئذ ابن عشر
__________________
سنين أو أقلّ ، وكنت في تلك الأيّام أقرأ في كتاب قطر الندى عند الشيخ أحمد ابن الشيخ عبد الله».
٣ ـ الشيخ عبد
الله بن علي البلادي البحراني ، قال عنه الشيخ يوسف : «كان فاضلاً سيّما في الحكمة
والمعقولات ، إلاّ أنّه كان قليل الرغبة في التدريس والمطالعة في وقتنا الذي
رأيناه».
٤ ـ الشيخ حسين
ابن الشيخ محمّد الماحوزي ، وهو عمدة مشايخه في علوم الفقه والحديث والكلام ، قال
عنه في التذكرة : «شيخنا وأستاذنا الكامل جامع المعقول والمنقول ومستنبط الفروع من
الأصول ، الجامع بين درجتي العلم والعمل ... ومن العجب أنّه قدّس سرّه مع غاية
فضله لم يكن له ملكة التصنيف ولم يبرز له شيء في قالب التأليف».
مشايخ الرواية :
ومضافاً
لأساتذته ومشايخه ممّن تلمَّذ عليهم ودرس عندهم وحضر درسهم فإنّ له أيضاً شيوخاً
في الإجازة والرواية يروي عنهم بطرقهم الكثيرة
تلاميذه :
زاول الشيخ
البحراني التدريس مدّة مديدة من حياته في شيراز وكربلاء ،
__________________
فما كان يحلّ في مكان إلاّ وتراه مثابراً معطاءً تلتفّ حوله جموع الفضلاء
من روّاد العلم للاستفادة من فيض علمه ، وقد تتلمذ على يديه كثير ممّن أصبحوا بعد
ذلك من كبار العلماء ، غير أنّ التاريخ كما يقول مترجمه السيّد عبد العزيز
الطباطبائي أهمل ذكر جميع من تلمّذوا له وتخرّجوا على يديه في أثناء إقامته في
إيران ولاسيّما معهدها الديني شيراز ، كما أنّه قصّر في ضبط الكثير من أولئك
الجموع الغفيرة الذين تخرّجوا على يديه في مقرّه الأخير كربلاء ، حيث لبث بها
أستاذاً ومرجعاً دينيّاً ما يقرب من عشرين سنة ، ولعلّ من أبرز هؤلاء التلاميذ
ممّن وصل إلى الزعامة الدينية وصدرت عنه المؤلّفات المشهورة :
١ ـ السيّد
محمّد مهدي ابن السيّد مرتضى المعروف ببحر العلوم ، صاحب المؤلّفات العديدة ،
أشهرها المصابيح
في الفقه ، وكتاب الرجال المعروف بـ : رجال بحرالعلوم.
٢ ـ الملاّ
أحمد النراقي صاحب كتاب مستند
الشيعة ، وهو ابن المحقّق
محمّد مهدي النراقي صاحب كتاب جامع
السعادات.
٣ ـ الشيخ أبو
علي الحائري المازندراني الرجالي الشهير ، صاحب كتاب منتهى المقال في أحوال الرجال.
٤ ـ الشيخ حسين
بن محمّد ابن أخ الشيخ البحراني ومتمّم كتاب الحدائق الموسوم بـ : عيون الحقائق الناظرة في تتميم الحدائق
الناضرة.
٥ ـ الشيخ خلف
بن عبد علي ابن أخ الشيخ البحراني ، وله ولابن أخيه الآخر الشيخ حسين كتب البحراني
إجازته المعروفة بـ : لؤلؤة
البحرين في الإجازة لقرّتي العين.
٦ ـ السيّد علي
ابن السيّد محمّد علي الحائري الطباطبائي صاحب كتاب رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل ومؤلّفات أخرى ، وهو ابن أخت الوحيد البهبهاني.
٧ ـ المحقّق
القمّي الميرزا أبو القاسم الجيلاني صاحب كتاب القوانين المحكمة
في الأصول والمعروف
اختصاراً باسم القوانين.
شيخوخة الإجازة :
وكان المترجَم
له ـ فضلاً عن مقامه العلمي ـ من مشايخ الحديث والرواية ، وقد اتّصل العديد من
كبار مشايخهم في الأدوار اللاحقة من طريقه بسلسلة الإجازات ، وقد ذكر المحقّق عبد
العزيز الطباطبائي أسماء من وقف عليهم ممّن أجاز لهم الشيخ البحراني بطرقه إليهم
وأنهاهم إلى أربعة وعشرين راوياً.
آثاره ومصنّفاته :
ترك المحدّث
الشيخ يوسف البحراني تراثاً ضخماً أثرى به المكتبة الشيعية الإسلامية وأغنى الفكر
الشيعي بسوانح يراعه ، وأنهى السيّد الطباطبائي مؤلّفات الشيخ البحراني وآثاره إلى
خمسة وأربعين عنواناً بين مؤلّف مستقلّ وجواب مكتوب عن الأسئلة وما كتبه حاشية
وتعليقة على كتب غيره ، ومعظم هذه الآثار
__________________
كتبها في الحديث والكلام والفقه ، وكما ذكر هو نفسه في اللؤلؤة فإنّ بعض كتاباته كان قد فُقد في حادثة نهب بيته في فسا.
أهمّ كتبه ومصنّفاته :
ومن أهمّ ما
كان قد ألّفه هو :
١ ـ كتاب الحدائق الناضرة في
أحكام العترة الطاهرة : وسيأتي الكلام عنه إن شاء الله.
٢ ـ الدرر النجفية من
الملتقطات اليوسفية : ألّفه أثناء إقامته في النجف الأشرف ، قال عنه في اللؤلؤة : «هو كتاب لم يعمل مثله في فنّه ، مشتمل على تحقيقات
رائقة وأبحاث فائقة».
٣ ـ لؤلؤة البحرين في
الإجازة لقرّتي العين : وهي إجازة كبيرة مبسوطة كتبها لابني أخويه الشيخ خلف ابن الشيخ عبد علي
والشيخ حسين ابن الشيخ محمّد ، وهي مشتملة على ذكر أكثر علمائنا وأحوالهم
ومؤلّفاتهم ومدّة أعمارهم ووفياتهم من عصره إلى عصر الكليني والصدوقين.
٤ ـ الكشكول : واسمه جليس الحاضر وأنيس المسافر كما جاء في اللؤلؤة ، وهو كتاب يشتمل على مختاراته من الأشعار والأخبار
والمواعظ والطرائف.
__________________
٥ ـ الصوارم القاصمة
لظهور الجامِعِين بين ولد فاطمة : أثبت فيها تحريم الجمع في الزواج بين فاطميّتين.
أمّا سائر
مؤلّفاته الأخرى من كتب أو رسائل أو كتيّبات فقد ذكر معظمها نفس المؤلّف في كتابه لؤلؤة البحرين ، ونقلها عنه الحائري في منتهى المقال.
وفاته ومدفنه :
وبعد عمر ناهز
الثمانين عاماً كرّسه في خدمة العلم والدين والمذهب لبَّى المترجَم له الفقيه
المحدّث الشيخ يوسف البحراني الدرازي نداء ربّه راضياً مرضيّاً ـ بعد زعامة دينية
ألقيت عليه مقاليدها وقام بتحمّل أعبائها زهاء عشرين عاماً من حياته ـ وذلك في
الرابع من ربيع الأوّل سنة (١١٨٦هـ) ، وكلّل تقواه وإيمانه بوصيّة تعبّر عن مدى
الروح الإيمانية العالية لديه ، فقد أوصى أن يصلّي على جنازته زعيم المدرسة
الأصولية ورائد فكرها الوحيد البهبهاني.
وخرجت كربلاء
من كلّ حدب وصوب لتشييع جنازته على الرغم من أنّها كانت تعاني آنذاك من مشكلة
الطاعون الذي ضرب العراق في تلك السنة.
قال الحائري في
المنتهى : «واجتمع خلف جنازته جمع كثير وجمّ غفير مع خلوّ
البلاد من أهاليها وتشتّت شمل ساكنيها ، لحادثة نزلت بهم في ذلك العام من حوادث
الأيّام التي لا تُنيم ولا تنام».
__________________
وفي الفوائد الرضوية : «ومقصوده من الحادثة هو الطاعون العظيم الذي كان في
تلك السنة في العراق».
وتولّى تغسيله
اثنان من تلامذته ، هما : المقدّس التقي الشيخ محمّد علي (الشهير بـ : ابن
السلطان) والحاج معصوم ، وصلّى عليه الأستاذ الأكبر الوحيد البهبهاني ومن بعده
السيّد علي الطباطبائي صاحب الرياض.
ودفن في البقعة
المطهّرة بجوار مرقد سيّد الشهداء بالرواق الحسيني عند رجلي الشهداء.
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة :
وهو الكتاب
الذي تقدّم أنّه بدأ بتأليفه في قرية (فسا) قرب مدينة شيراز ، وقد بلغ فيه إلى باب
الأغسال من كتاب الطهارة في أثناء إقامته في إيران ، ثمّ واصل تأليفه في كربلاء
بعد هجرته إليها ، فبلغ إلى كتاب الظهار ، ثمّ وافته المنية فحالت دون إكماله.
يقول قدّس سرّه
عن بعض ما يتعلّق بتصنيف الكتاب حين إقامته في كربلاء : «وشرعت في إتمام كتاب الحدائق الناضرة المتقدّم ذكره ، فخرج منه من المجلّدات كتاب الطهارة
يشتمل على مجلّدين ، وكتاب الصلاة يشتمل على مجلّدين ، وكتاب الزكاة وكتاب الصوم
في مجلّد ، وكتاب الحجّ في مجلّد» ثمّ قال
__________________
بعد ذلك : «وأنا الآن في الاشتغال بكتاب المتاجر».
وذكر السيّد
محمّد صادق بحر العلوم: أنّ المؤلّف كتب من الحدائق كتاب النكاح والطلاق وجعله المجلّد التاسع وفرغ من تأليفه
في اليوم الثاني من شهر جمادى الثانية سنة (١١٨٥هـ) كما صرّح في آخره (أي: قبل
وفاته بسنة) ، ثمّ ألّف كتاب الظهار ولم يتمّه ، فوصل فيه إلى قوله : «بخلاف ما
مال إليه قضاتهم وحكّامهم أميل» وأدركه المرض ووافاه الأجل المحتوم ، فتوفّي سنة
(١١٨٦هـ).
ما قيل في الكتاب :
وقد قيلت في الحدائق كثير من كلمات الثناء والإطراء التي تكشف عن مكانته
العلمية عند العلماء ، وأنا أنقل اختصاراً ومن باب المثال لا الحصر ما قاله
المحدّث البحراني نفسه عن كتابه هذا ، قال
رحمهالله
:
«لم يُعمل مثله
في كتب الأصحاب ولم يَسبق إليه سابق في هذا الباب ، لاشتماله على جميع النصوص
المتعلّقة بكلّ مسألة وجميع الأقوال وجميع الفروع التي ترتبط بكلّ مسألة ، إلاّ ما
زاغ عنه البصر وحسر عنه النظر».
وذكر أيضاً
الغاية من تأليفه لهذا الكتاب بقوله :
__________________
«وبالجملة :
فإنّ قصدنا فيه إلى أنّ الناظر فيه لايحتاج إلى مراجعة غيره من الأخبار ولا كتب
الاستدلال ، ولهذا صار كتاباً كبيراً واسعاً كالبحر الزاخر باللؤلؤ الفاخر».
وقال تلميذه
الرجالي الكبير أبو علي الحائري في منتهى المقال : «وهو كتاب جليل لم يعمل مثله جدّاً ، جمع فيه الأقوال
والأخبار الواردة عن الأئمّة الأطهار ، إنّه طاب ثراه لميله إلى الأخبارية كان
قليل التعلّق بالاستدلال بالأدلّة الأصولية التي هي أمّهات الأحكام الفقهية وعُمد
الأدلّة الشرعية ، خرج منه جميع العبادات ـ إلاّ كتاب الجهاد ـ وأكثر المعاملات
إلى أواخر الطلاق ، وأعرض عن ذكر كتاب الجهاد لقلّة النفع المتعلّق به الآن
وإيثاراً لصرف الوقت فيما هو أهمّ تبعاً لبعض علمائنا الأعيان».
وقال عنه
المحدّث الشيخ عبّاس القمّي في الفوائد
الرضوية : «صاحب
التصانيف النافعة الجامعة التي أحسنها الحدائق الناضرة في أحكام العترة
الطاهرة ، وهو كتاب
جليل في الغاية كثير النفع».
وقال العلاّمة
الأمين في أعيان
الشيعة : «له مؤلّفات
نافعة ، منها وهو أحسنها الحدائق
الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ، وكتابه الحدائق الدائر السائر بين الفقهاء ينمّ عن غزارة علم مؤلّفه
وتضلّعه في العلوم وتبحّره في الفقه
__________________
والحديث».
إلى غير ذلك من
كلمات الثناء الكثيرة التي قيلت في إطراء هذا الكتاب ومدحه.
تتميم الحدائق :
من المأسوف
عليه أنّ القضاء لم يمهل المصنّف حتّى يبلغ أقصى آماله ويتمّم غاية مراده ، وحالت
المنيّة دون هذه الأمنية ، فاخترمه الأجل ولمّا يكمل الكتاب بأجمعه حيث بلغ في
تأليفه إلى كتاب الظهار ، غير أنّ ابن أخيه وتلميذه المحدّث الشيخ حسين بن محمّد
بن عصفور أكمله بعده ، متّبعاً خطى عمّه في طريقة تأليفه ، واسِماً له بـ : عيون الحقائق الناظرة
في تتمّة الحدائق الناضرة.
وهذا الكتاب
وكما نصّ السيّد عبد العزيز الطباطبائي يحتوي على تسعة من كتب الفقه ، وهي :
الظهار والإيلاء واللعان والعتق والإقرار والجعالة والأيمان والنذر والكفّارات.
قال رحمهالله
: «وبعضهم سمّى
الكتاب : الحقائق
الفاخرة».
وللبحث صلة ...
__________________
من ذخائر التّراث
ذكرى ذوي النهى في حرمة حلق اللّحى
(المتوفّى سنة
١٣٥٤ هجرية)
تأليف
آية الله السيّد حسن الصدر
(المتوفّى سنة ١٣٥٤ هجرية)
تحقيق
الشيخ عبد الحليم عوض الحلّي
مقـدّمة التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على سيّد المرسلين محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
أمّا بعد :
بين حين وآخر
يكثر الكلام في مسألة شرعية بين النفي والإثبات لأجل شبهة تطرح من هنا وهناك ،
وهذا يكون دافعاً ومحفّزاً لبعض علماء الدين لأن يكتب في تلك المسألة رسالة
استدلالية مستقلّة رغم وجود مباحث المسألة في بطون الكتب ، فتراه يتابع الأدلّة
الشرعية كتاباً وسنّة وإجماعاً وعقلاً وسيرة ، بل ويتابع أقوال الفقهاء وكيفيّة
معاملتهم مع الأدلّة ثمّ ينتخب القول المختار عنده.
ومن جملة
المسائل الشرعية التي كثر فيها الكلام قبل حوالي مائة سنة وإلى الآن مسألة حرمة
حلق اللحية ، فقد تناولها العلماء الأعلام وأحسنوا وأجادوا كما هو دأبهم في
مباحثهم الاستدلالية.
الرسائل المؤلّفة في المسألة :
والآن أعرض
للقارئ الكريم فهرس الرسائل المكتوبة في هذه المسألة.
إبقاء
الحلية في وجوب إعفاء اللحية : للسيّد محمّد بن السيّد سلطان علي المرعشي النجفي
المولود سنة (١٣٠٨ هـ) ، فرغ منها سنة (١٣٥٧ هـ) تقرب من سبعمائة بيت.
أصفى
المشارب في حكم حلق اللحية وتطويل الشارب : للسيّد محمّد علي بن الحسين بن محسن الحسيني الشهير
بالسيّد هبة الدين الشهرستاني ، مختصر في خمسمائة بيت أوّله (الحمد لله كثيراً). وقد حقّقت الرسالة ونشرت أخيراً ضمن موسوعة العلاّمة
الأوردبادي التي صدرت من العتبة العبّاسية المقدّسة.
تفتيش
أز مضرّت تراشيدن ريش : فارسي في بيان مضرّات حلق اللحية وتطويل الشوارب ، للسيّد الشهير هبة
الدين الشهرستاني فرغ منه سنة (١٣٣٢هـ) مطبوع.
توضيح
المآرب في أحكام اللحى والشارب : للسيّد عبد الله بن أبي القاسم الموسوي البلادي.
__________________
جواهر
الإرشاد : فارسي في
حرمة حلق اللحية التي هي من المسائل المختلف فيها ، للشيخ محمّد باقر اليزدي
السيرجاني المعاصر ، طبع في (١٣٢٣هـ) وعليه تقريظ السيّد نجم الحسن والسيّد محمّد
باقر بن أبي الحسن الكشميري والسيّد ناصر حسين والسيّد محمّد حسين الملقب بعلي
قبلة.
حذف
الشعور على النهج المأثور : في أحكام شعر بدن الإنسان وحرمة حلق اللحية ، للشيخ
الشريف الميرزا محمّد جواد بن الميرزا محمّد رضا الواعظ الدارابي المولود في رابع
ربيع الثاني سنة (١٣٠٩هـ) وتوفّي والده بالوباء سنة (١٣٢٢هـ). رآه الميرزا محمّد
علي القاضي بخطّ مؤلّفه عنده بشيراز في سنة (١٣٦٧هـ).
سؤال
وجواب (فارسي) في حرمة حلق اللحية : للميرزا محمّد جواد بن محمّد رضا الدارابي الشيرازي
نشر سنة (١٣٤٢ هـ) كما في مقدّمة كتابه النجعة في أحكام الجمعة.
حسن
المحاسن في حرمة حلق اللحية : فارسي للشيخ يوسف الرشتي صاحب الآيات البيّنات.
حرمة
حلق اللحية : لمؤلّف مجهول جاءت بعد رسالة بالفارسية اسمها : حكمة الحجاب وأدلة النقاب المطبوعة بطهران ، وقد تعرّض لها وذكر رواياتها ،
__________________
والمؤلّف لم يسمِّ نفسه وإنّما ذكر أنّ والده توفّى بمكّة بعد عمل الحجّ ،
ومراده بوالده هو الحاجّ الشيخ محمّد حسين بن محمّد علي الخراساني المتوفّى بمكّة
في اليوم السابع عشر من ذي الحجّة سنة (١٣٤٧ هـ) ، لكنّه صرّح باسمه في كتاب أحسن
الحكايات.
حلق
اللحية : للشيخ محمّد
الجواد بن الشيخ حسن البلاغي مؤلّف آلاء الرحمن ويوجد عند الشيخ عزّ الدين
الجزايري في كرّاسة. وقد حقّقت الرسالة ونشرت أخيراً ضمن موسوعة العلاّمة
الأوردبادي التي صدرت من العتبة العبّاسية المقدّسة.
حلق
اللحية : للشيخ محمّد
حسن كبّة مؤلّف حاشية
الفرائد وغيرها ، وقد حقّقت الرسالة ونشرت أخيراً ضمن موسوعة العلاّمة
الأوردبادي التي صدرت من العتبة العبّاسية المقدّسة.
حلق
اللحية : للشيخ علي
الأصفهاني الكتبي الفاضل الماهر ، المتوفّى بالنجف حدود سنة (١٣٣٠ هـ) ذكر السيّد
هبة الدين الشهرستاني أنّه رآها في حياة مؤلّفه بخطّه.
__________________
حلق
اللحية : للسيّد علي
بن محمّد علي الحسيني الميبدي نزيل كرمانشاهان والمتوفّى بها في سنة (١٣١٣ هـ) ،
فرغ منه في قرمسين (كرمانشاه) في سنة (١٣٠١ هـ) رأيته عند حفيده السيّد محمّد.
حلق
اللحية : للمولى
محمّد بن الحسن المدعو بملاّ مؤمن التبريزي نزيل النجف ، ألّفه بها وطبع في سنة
(١٣٠٠ هـ). وقد حقّقت الرسالة ونشرت أخيراً ضمن موسوعة العلاّمة
الأوردبادي (٤ / ٣٦٩) التي صدرت من العتبة العبّاسية المقدّسة.
دين
حنيف : فارسي في
إثبات حرمة حلق اللحية. للشيخ على أكبر الصبوري القمّي المولود (سنة ١٣٤٤ هـ).
راهنماى إصلاح: في
إثبات مضارّ حلق اللحية طبّاً وحرمته شرعاً : بقلم حسين عبد اللهي مع تصديق جمع من الدكاترة
المعاصرين والقدماء. طبع بأصفهان سنة (١٣٢٧ هـ. ش).
رسالة
في حرمة حلق اللحية : للشيخ الأوردبادي نشرت في موسوعته التي نشرتها العتبة العبّاسية
المقدّسة.
__________________
دليل
في حكم حلق اللحية والشارب : للسيّد أبي الفضل البرقعي ابن السيّد حسن الرضوي
المولود سنة (١٣٢٩ هـ).
حلق
اللحية في الفقه الاسلامي : للسيّد عبد الرزاق بن محمّد بن عبّاس الموسوي آل مقرم
، المولود سنة (١٣١٢ هـ).
اللواء
في حرمة حلق اللحية بالأردوية : للسيّد سبط الحسن الفتحپوري طبع في سنة (١٣١٦ هـ).
المحاسن
في حرمة حلق اللحية : للسيّد نجم الحسن ابن السيّد أكبر حسين النقوي اللكنهوي ، المولود سنة
(١٢٧٩ هـ) بلغة أردو ، طبع بلكهنور.
تحفة
الطالب في حكم حلق اللحية والشارب : للسيّد جعفر بحر العلوم ، فرغ منه سنة (١٣٤٤ هـ) نشر
مؤخراً من مركز تراث السيّد بحر العلوم.
رسالة
في حرمة حلق اللحية : للسيّد علي بن محمّد رفيع الطباطبائي. فقيه ، مفسّر ، حكيم ، متكلّم.
توفّي بأصفهان سنة (١١٩٥ هـ) ، ودفن بمقبرة الست فاطمة.
زينة
الرجال : لمحمّد
الحسين الأديب. نشر المطبعة الحيدرية سنة
__________________
(١٣٨١ هـ).
الحلّية
في حلق اللحية : للسيّد أبي الحسن مولانا (١٣٤٣ هـ) فقيه وأصولي. ولد في مدينة النجف. درس
مقدّمات العلوم الدينية عند والده والشيخ علي أكبر النحوي وغيرهما بحوزة تبريز
العلمية. واصل دراسته بمدينة قم منذ سنة (١٣٦٢ هـ) فاجتاز مرحلة السطوح على يدي
بعض الأساتذة والرسالة منشورة من قبل نور الولاية في تبريز سنة (١٤٢١
هـ).
مطلوب
الراغب في حكم اللحى والشارب : للخطيب ذبيح الله المحلاتي مؤلّف تاريخ سامراء.
مقالة
في حلق اللحية: نشرتها بعض المجلات الشرقية ذكر ذلك الشيخ الأوردبادي كما جاء في موسوعته
وقال : ولكني لم أظفر بها.
نظم
قصّة أخذ الشارب : لجمال الدين أحمد بن عبد الله بن محمّد بن المتوّج البحراني.
إلى غير ذلك
ممّا لم نعثر عليه من المخطوط والمطبوع في هذه المسألة الشرعية.
حياة المؤلّف :
المؤلّف هو
السيّد حسن صدر الدين أبو محمّد ابن السيّد العلاّمة السيّد
__________________
هادي ابن السيّد محمّد علي ، بن السيّد الكبير السيّد صالح ابن السيّد
العلاّمة السيّد محمّد بن إبراهيم شرف الدين الذي ينتهي نسبه إلى الإمام موسى
الكاظم عليهالسلام.
ولد رضي الله
عنه في مشهد الكاظمين عليهماالسلام
يوم الجمعة ٢٩
/ شهر رمضان / سنة (١٢٧٢ هـ). وتوفّي في منتصف ربيع الأوّل (عام ١٣٥٤ هـ).
لقد نشأ
المترجم له في أحضان والده العالم الكبير السيّد هادي الصدر نشأة علمية منذ نعومة
أظفاره ، وقد أنهى المؤلّف المراحل الأولى من دراسته في مدينة الكاظمية على يدي
مجموعة من العلماء ، كالشيخ العلاّمة باقر بن محمّد حسن آل ياسين ، والشريف
العلاّمة السيّد باقر بن المقدّس السيّد حيدر ، حيث قرأ عليهما النحو والصرف ،
والشيخ العلاّمة أحمد العطّار قرأ عليه المعاني والبيان والبديع ، والشيخ محمّد بن
الحاجّ كاظم والميرزا باقر السلماسي قرأ عليهما المنطق ، كما قرأ الفقه والأصول على
يد والده رحمه الله.
وما أن بلغ
الثامنة عشر من عمره حتّى رحل إلى مدينة النجف الأشرف عام (١٢٩٠ هـ) لإكمال دراسته
في جامعتها العلمية (الحوزة) ، فبدأ بدراسة علمي الكلام والحكمة على يد المولى
الشيخ محمّد باقر الشكي ثمّ على المولى الشيخ محمّد تقي الكلبايكاني والشيخ عبد
النبي الطبرسي.
انتقل إلى
مدينة سامراء عام (١٢٩٧ هـ) حيث التقى بالمجدّد الكبير الإمام الشيرازي الذي ارتحل
إلى هناك من قبل عام (١٢٩١ هـ). وقد حظي الطالب المجدّ بمكانة عند سيّده الأستاذ
حيث اهتمّ به اهتماماً متميّزاً ، وخصّه بالمذاكرة والمباحثة.
رجع إلى مدينة
الكاظمية مسقط رأسه (عام ١٣١٤ هـ) عالماً ، بارعاً ، قد أحاط بالكثير من العلوم
وأتقنها ، فلعب دوراً في ترويج الدين وتبليغ رسالة سيّد المرسلين ، كما اشتغل
بالتدريس والتأليف فترك لنا جملة من الكتب القيّمة ، ولم يتصدَّ
رحمهالله
للافتاء رغم
درجته العلمية العالية حتّى وفاة السيّد إسماعيل الصدر سنة (١٣٣٨ هـ) حيث ظهرت
رسالته العلمية رؤوس
المسائل المهمة.
وقد صدرت كلمات
ثناء مختلفة عن الكثير من العلماء والأدباء والكتّاب مثل السيّد عبد الحسين شرف
الدين والسيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة وأمين الريحاني وغيرهم من الكتّاب
والصحفيين.
وقد خلّف لنا
السيّد حسن الصدر ثروة طائلة من الكتب والرسائل، ومنها:
١ ـ إحياء
النفوس بآداب ابن طاووس. ٢ ـ الدرر الموسوية في شرح العقائد الجعفرية. ٣ ـ سبيل
الصالحين. ٤ ـ إبانة الصدور. ٥ ـ أحكام الشكوك الغير منصوصة. ٦ ـ تبيين الإباحة. ٧
ـ تبيين الرشاد في لبس السواد على الأئمة الأمجاد. ٨ ـ تبيين مدارك السداد للمتن
والحواشي من نجاة العباد. ٩ ـ تحصيل الفروع الدينية في فقه الإمامية. ١٠ ـ تعليقة
على رسالة التقية للشيخ الأنصاري. ١١ ـ تعليقة على مباحث المياه من كتاب الطهارة
للشيخ الأنصاري. ١٢ ـ تعليقة مبسوطة على ما كتبه الشيخ الأنصاري في صلاة الجماعة.
١٣ ـ حواشيه على العروة الوثقى ، وعلى الغاية القصوى ، وعلى نجاة العباد ، وعلى
التبصرة ، وعلى الفصول الفارسية. ١٤ ـ الدر النظيم في مسألة التتميم. ١٥ ـ الرسائل
في أجوبة المسائل. ١٦ ـ الرسالة في حكم ماء الغسالة. ١٧ ـ رسالة في بعض مسائل
الوقف.
١٨ ـ رسالة في تطهير المياه. ١٩ ـ رسالة في حكم الظنّ بالأفعال والشك فيها.
٢٠ ـ رسالة في حكم ماء الاستنجاء. ٢١ ـ رسالة في شروط الشهادة على الرضاع. ٢٢ ـ
رسالة في الماء المضاف. ٢٣ ـ رسالة في مسألة تقوي العالي بالسافل. ٢٤ ـ رسالة
وجيزة في رواية الإخفات في التسبيحات في الركعتين الأخيرتين. ٢٥ ـ سبيل الرشاد في
شرح نجاة العباد. ٢٦ ـ سبيل النجاة في المعاملات. ٢٧ ـ الغرر في نفي الضرار والضرر.
٢٨ ـ كشف الالتباس عن قاعدة الناس ، (الناس مسلطون على أموالهم). ٢٩ ـ لزوم قضاء ما
فات من الصوم في سنة الفوات. ٣٠ ـ المسائل المهمّة. ٣١ ـ المسائل النفيسة. ٣٢ ـ
منى المناسك في المناسك. ٣٣ ـ نهج السداد في حكم أراضي السواد. ٣٤ ـ أحاديث الرجعة.
٣٥ ـ تحية أهل القبور بالمأثور. ٣٦ ـ تعريف الجنان في حقوق الإخوان. ٣٧ ـ الحقائق
في فضائل أهل البيت عليهمالسلام
من طريق
الجمهور. ٣٨ ـ رسالة في المناقب. ٣٩ ـ شرح وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة. ٤٠ ـ
صحيح الخبر في الجمع بين الصلاتين في الحضر. ٤١ ـ مجالس المؤمنين في وفيات الأئمة
المعصومين. ٤٢ ـ مفتاح السعادة وملاذ العبادة. ٤٣ ـ النصوص المأثورة. ٤٤ ـ هداية
النجدين وتفصيل الجندين. ٤٥ ـ نهاية الدراية. ٤٦ ـ انتخاب القريب من التقريب. ٤٧ ـ
بغية الوعاة في طرق طبقات مشايخ الإجازات. ٤٨ ـ بهجة النادي في أحوال أبي الحسن
الهادي (والده). ٤٩ ـ البيان البديع في أنّ محمّد بن إسماعيل المبدوء به في أسانيد
الكافي إنّما هو ابن بزيع. ٥٠ ـ التعليقة على منتهى المقال. ٥١ ـ تكملة أمل الآمل.
٥٢ ـ ذكرى المحسنين (في ترجمة المقدّس محسن الأعرجي). ٥٣ ـ عيون الرجال. ٥٤ ـ
مختلف
الرجال. ٥٥ ـ نكت الرجال. ٥٦ ـ الإبانة عن كتب الخزانة (خزانة كتبه). ٥٧ ـ
تأسيس الشيعة الكرام لعلوم الإسلام. ٥٨ ـ رسالة في أنّ مؤلّف مصباح الشريعة إنّما
هو سليمان الصهرشتي تلميذ السيّد المرتضى. ٥٩ ـ الشيعة وفنون الإسلام. ٦٠ ـ فصل
القضا في الكتاب المشهور بفقه الرضا. ٦١ ـ رسالة في السلوك. ٦٢ ـ رسالة وجيزة في
المراقبة. ٦٣ ـ البراهين الجلية في ضلال ابن تيمية. ٦٤ ـ رسالة شريفة في الرد على
فتاوى الوهابيين. ٦٥ ـ عمر وقوله هجر. ٦٦ ـ الفرقة الناجية. ٦٧ ـ قاطعة اللجاج في
تزييف أهل الاعوجاج. ٦٨ ـ التعادل والتعارض والترجيح. ٦٩ ـ تعليقة على رسائل الشيخ
مرتضى الأنصاري. ٧٠ ـ حدائق الأصول. ٧١ ـ رسالة في تعارض الاستصحابين. ٧٢ ـ اللباب
في شرح رسالة الاستصحاب. ٧٣ ـ اللوامع. ٧٤ ـ خلاصة النحو. ٧٥ ـ كشف الظنون عن
خيانة المأمون. ٧٦ ـ محاربو الله ورسوله يوم الطفوف. ٧٧ ـ المطاعن. ٧٨ ـ محاسن
الرسائل في معرفة الأوائل. ٧٩ ـ نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين. ٨٠ ـ وفيات
الأعلام من الشيعة الكرام.
هذا ومن شاء
المزيد فعليه بمراجعة ترجمته المفصّلة في مقدّمة كتابه نهاية الدراية ، ومقدّمة تكملة أمل الآمل ، الشيعة وفنون الإسلام.
نحن والرسالة :
قال الشيخ
الطهراني في الذريعة
: ذكرى ذوي النهى في حرمة حلق اللحى
__________________
مختصر لسيّد مشايخنا السيّد حسن صدر الدين (ت ١٣٥٤ هـ) طبع بمطبعة
الاستقلال في بغداد (١٣٤٣ هـ).
كما أنه رحمه
الله قد كان كتب قبلها رسالة في هذا الموضوع بالفارسية وقال عنها العلاّمة
الطهراني : الغالية
لأهل الأنظار العالية رسالة فارسية في تحريم حلق اللحية لسيّدنا أبي محمّد الحسن بن هادي ، آل
صدر الدين العاملي الكاظمي ، (ت ١٣٥٤ هـ). ألّفه في (١٣١٥ هـ) ، يوجد بخطّه في
مكتبته. ونسخة منه عند السيّد أحمد الروضاتي.
عملنا في هذا الكتاب :
بعد السعي
الجادّ في البحث عن مخطوطات هذه الرسالة عثرنا على الصفحة الأولى من مسودّة
المخطوط وعلى صفحة أولى من رسالة اُخرى في هذا الموضوع ممّا ألجأنا إلى الاعتماد
في تحقيقنا هذا على ما كان منشوراً من مطبعة الاستقلال في بغداد ، وكانت خطوات
ومراحل عملنا في هذا الكتاب على الشكل التالي :
١ ـ صفّ الأصل
بالآلة الكاتبة (الحاسوب).
٢ ـ مقابلة
المكتوب بالآلة الكاتبة (الحاسوب) مع الأصل.
٣ ـ تخريج
الآيات القرآنية ، والأحاديث الشريفة ، والآثار من المصادر التي
__________________
اعتمدها المؤلّف ، وإسنادها بمصادر أخرى سبقت أو عاصرت تلك المصادر.
٤ ـ شرح
المفردات الغريبة الواردة في متون الأحاديث.
٥ ـ تقويم
النصّ وضبطه ، وتثبيت الصحيح في المتن أو الأقرب إلى الصحّة ، مع الإشارة إلى ما
به التفاوت في الهامش.
وفي الختام :
نحمد الله
تعالى ونصلّي ونسلّم على رسوله وآله الكرام صلوات الله عليهم أجمعين أن وفّقنا
لإحياء هذا التراث الإسلامي ، لنضعه بين يدي القارئ الكريم ، وبهذه الصورة التي
أتمنّى أن تكون مرضيةً ومقبولةً عنده ، وأطلب من القارئ العزيز أن يرشدني إلى كلّ
خلل أو اشتباه صادفه عند مطالعته لهذه الرسالة.




ذكرى ذوي النهى في حرمة حلق اللحى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على
هدايته لدينه ، والتوفيق لما دعا إليه من سبيله ، والصلاة على من جاء بالملّة
الحنيفية ، ودلّ على الفطرة الإسلاميّة ، محمّد وآله سادات البريّة.
أمّا بعد :
فقد سألني بعض
الإخوان تحرير رسالة في حرمة حلق اللحى بالعربيّة بعد ما كنت قد كتبت ذلك
بالفارسيّة ، فاستخرت الله وأجبته متوكّلاً على الله ، فأقول وبالله التوفيق : إنّ
التتبّع يدلّ على أنّ حرمة إزالة اللحية من الأحكام المسلّمة عند فقهاء الإسلام من
الخاصّة والعامّة ، وعليها الإجماع على الظاهر.
[أقوال أصحابنا الإمامية]
أمّا أصحابنا
الإماميّة ، فقد عدّ الشيخ البهائي في رسالة اعتقادات الإماميّة حرمة حلق اللحية
في عداد حرمة الرشوة والسحر والقمار ، وغير ذلك من الكبائر ، وظاهره حكاية الإجماع والضرورة على حرمتها عند الكلّ.
وعن الميرداماد
في شارع
النجاة ظهور الإجماع
أيضاً على الحرمة ، ويشهد له التتبّع وعدم نقل الخلاف في الحرمة ،
وإرسالها إرسال المسلّمات من
__________________
كبار الشيوخ ، كما رأيته في جامع ابن سعيد في أحكام الحمّام ، وفي الحواشي الفخريّة لفخر الدين ابن العلاّمة رضي الله عنه ، وفي القواعد لشيخنا شمس الدين الشهيد ، حيث حكم على الخنثى بحرمة
حلق اللحية ، لاحتمال أن تكون رجلاً ، فلولا أنّ الحرمة من المسلّمات لما كان لِما ذكره
واقع.
وفي شرح الفقيه للتقي المجلسي رضي الله عنه ، حيث حكى أنّ حرمة حلق
اللحى هي ظاهر أكثر العلماء ، واعترف بأنّ ظاهر الشهيد في القواعد نفي الخلاف في الحرمة ، وفي الحلية نسب العلاّمة المجلسي رضي الله عنه الحرمة إلى المشهور
، وجزم هو بها أيضاً ، وكذا في الوافي والمفاتيح نقل الفاضل الكاشاني التصريح بالحرمة عن جماعة من
العلماء ، وأفتى هو بها.
__________________
وفي كشف
الغطاء في ذيل ماء
الحمّام أرسل الحرمة الشيخ جعفر إرسال المسلّمات ، وكذا في الجواهر في كتاب الحجّ أرسل الشيخ صاحب الجواهر الحرمة إرسال
المسلّمات أيضاً ، وكذا في الدرّ المنثور للشيخ علي السبط ، وكذا في الحدائق للمحدّث البحراني ، وكذا في الدرّة للسيّد بحر العلوم ، وكذا في المواهب لشارحها.
وفي الوسائل عقد الشيخ الحرّ العاملي باباً مستقلاًّ لحرمة حلق
اللّحى ، وفي شرح
المفاتيح وأحسن التقويم ذكر الحرمة أيضاً المتبحّر الشبّري ، وكذا
__________________
في العوالي للشيخ ابن أبي جمهور ، وكذا في شرح العوالي للسيّد نعمة الله الجزائري.
وبذلك أيضاً
صرّح مشايخي كلّ من أدركته من العلماء ، كشيخنا العلاّمة المرتضى الأنصاري ، وسيّدنا الأستاذ الميرزا ، وشيخنا المحقّق صاحب البدائع ، وسائر المعاصرين كصاحب الكفاية ، والسيّد صاحب العروةوغيرهم.
والمسألة ليس
لها عنوان مخصوص في الكتب الفقهيّة ، ولم يفهْ أحد بما يشمّ منه وجود مخالف كلفظ
على الأصحّ ، أو على الأقوى ، أو نحو ذلك كما هي عادتهم في المسائل الخلافيّة ،
حتّى الطريحي في مجمع
البحرين لمّا نقل في
مادّة
__________________
حفاء حديث: «حفوا الشوارب واعفوا اللحى» قال : وفي كراهة حلق اللحية وتحريمها وجهان ، ولم يقُل قولان ، لأنّه لم يعثر على قائل بالكراهة ،
لكنّه لم يجزم بدلالة الأمر على الوجوب.
وكذلك التقي
المجلسي احتمل في الحديث المذكور الحرمة والكراهة ، قال : وإن كان ظاهر أكثر
العلماء الحرمة ، لأنّهم يرون الأمر للوجوب ، ثمّ حكى عن الشهيد الأوّل ما تقدّم ،
وقال : إنّ ظاهره نفي الخلاف ، إلاّ إنّه هو أفتى بوجوب الاحتياط ، وغير خفي أنّ ذلك
لا يضرّ في تحصيل الإجماع في المسألة ، فإنّ الفقيه إذا رأى تسالمهم على الحرمة ،
وإرسالها إرسال المسلّمات ، وعدّها في عداد الكبائر من غير نقل خلاف لأحد يشرف على
القطع بالإجماع.
في ذكر كلمات علماء الجمهور :
وأمّا ما رأيته
من تصريحات علماء أهل السنّة ، فهذا الغزالي حجّة الإسلام عندهم عدّ ذلك من
المنكرات والمحرّمات الكبائر. قال في الإحياء : نتف الشيب مكروه كراهة التحريم ومشوّه للخلقة.
وفي شرح الإحياء للزبيدي نقل ذلك أيضاً عن النووي وإرساله الحرمة
__________________
إرسال المسلّمات ، ثمّ قال الغزالي : ونتف الفنيكين بدعة ، وهي الشعر من الشفّة السفلى ، وقيل : هي الشعر الذي
بينها وبين الذقن (مجمع).
وأمّا نتفها في
أوّل النبات تشبيهاً بالمرد فمن المنكرات الكبار.
قال الشارح :
وكذا حلقها بالموس وإزالتها بالنورة ، وحكى عن النووي في كتاب السياق أنّه قال :
ونتفها: أي اللحية أوّل طلوعها إيثار للمرودة وحسن الصورة أشبه المنكرات ، انتهى.
فيعلم أنّ
الحرمة عندهم أيضاً من المسلّمات ، وأنّها من الكبائر ، فهذا الإجماع من علماء
الإسلام على حرمة إزالة اللحية.
في الآيات الدالّة على الحرمة :
ويدلّ على
الحرمة من الكتاب قوله تعالى في سورة النساء : (إِن يَدْعُونَ مِن
دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَرِيداً لَعَنَهُ
الله وَقَالَ لاَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً
وَلاَُضِلَّنَّهُمْ وَلاَُمَنِّيَنَّهُمْ وَلاََمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ
آذَانَ الأنْعَامِ وَلأمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ
وَلِيّاً مِن دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً) ، فلو لم تكن مكروهة كراهة التحريم لما حصل في ذلك ذمّ
، وذلك
__________________
حيث ذمّ الشيطان بصفة المرودة.
ولا ريب أنّ
حلق اللحى من مصاديق تغيير خلق الله ، والتغيير في الآية عامّ للتغيير الحسّي
والمعنوي ، وقد جاء النصّ بكون النتف من تغيير خلق الله تعالى في حديث لعن
الواشرات ، والمتنمّصات ، والمستوشمات المغيّرات خلق الله تعالى ، والنمص هو نتف
شعر الوجه ، والوشر إصلاح أسنان المرأة ، والوشم معروف ، وهو غرز البدن بالإبر ،
ثمّ يحشّى ذلك الموضع بالنيل والكحل (مجمع).
فإذا كان كلّ
ذلك من تغيير خلق الله تعالى فلا ريب حينئذ في عموم التغيير لحلق اللحى. فإنّ قوله
صلّى الله عليه وآله : «المغيرات خلق الله تعالى» إشارة إلى الآية الكريمة ، بل هو من التغيير القبيح
المشوّه ، بخلاف الوشم ووشر الأسنان ، فليس فيه إلاّ كونه تغييراً لخلق الله ،
ونصّ غير واحد من المفسّرين من علمائنا وعلماء الجمهور على أنّ المراد كلّ تغيير
لخلق الله صورة وصفة ما لم يأذن الله به ، فالأصل المستفاد من الآية حرمة كلّ تغيير ، وهو حاكم
على أصالة الإباحة وأصالة البراءة.
__________________
وما جاء به
الإذن لا يمنع من التمسّك بعموم التغيير كما قرّر في محلّه.
ودعوى لزوم
تخصيص الأكثر مجازفة كدعوى أنّ المراد من التغيير خصوص تغيير الدين ، فإنّ نصّ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وتمسّك الأئمّة عليهم السلام بكون الوشم والتنمّص ووشر
الأسنان من تغيير خلق الله نصّاً في إرادة عموم التغيير في الآية ، وصحّة التمسّك
بها ، واعتراف الفقهاء والمفسّرين بكون كلّ ذلك من تغيير خلق الله تعالى لا يبقي
في هذا الإشكال وجهاً.
لا يقال : لو
سلّمنا عموم التغيير للحسّي فلا يشمل إلاّ التغيير القبيح ، مثل الجبّ ، وهو قطع
الذكر وما لا يبقى منه مقدار الحشفة (مجمع) ، والخصي بالكسر والمدّ، هو سلّ الخصيتين (مجمع).
لأنّا نقول :
أمّا أوّلاً : فقد عرفت نصّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) على كون
الوشم ووشر الأسنان والتنمّص من تغيير خلق الله تعالى ، فلا يختصّ التغيير
بالتغيير القبيح.
وثانياً : فقد جاء النصّ في الصحيح على أنّ حلق اللحى من
المُثلة كما ستعرف ، فهو داخل في التغيير المحرّم على كلّ تقدير
، حتّى لو حصرنا التفسير في التغييرات القبيحة كالمُثلة ونحوها ، فلم يبقَ إشكال
في دلالة الآية على الحرمة.
__________________
في الروايات الدالّة على الحرمة من طرقنا :
وأمّا الروايات
الدالّة على الحرمة فكثيرة ، منها : ما رويناه من عدّة طرق صحيحة من كتاب الجعفريات ، عن محمّد بن محمّد الكوفي ، عن أبي الحسن موسى بن
إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
عليهمالسلام
، قال : قال
موسى : حدثّنا أبي عن أبيه عن جدّه جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه علي بن
الحسين عليهالسلام
، عن أبيه ، عن
علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهالسلام ، قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : حلق اللحية
من المُثلة ، ومن مثّل فعليه لعنة الله.
وهذا الحديث
حجّة قاطعة على المطلوب لصحّته وصراحته ، ولو لم يكن دليل على حرمة حلق اللحى إلاّ
هذا الحديث لكفى.
ومنها : ما رويناه بأسانيدنا الصحيحة عن ثقة الإسلام الكليني
في الكافي بإسناده الصحيح عن حبابة الوالبيّة ، قالت : رأينا أمير المؤمنين
عليهالسلام
في شرطة الخميس
، ومعه دِرّةٌ لها سبّابتان ، يضرب بها بيّاعي الجرّي والمارماهي (المارماهي: حيوان
في الماء يقال له : حيّة الماء) والزّمير ، والطافي: (الطافي
__________________
وهو ما يطفو على الماء من ميّت السمك) ، ويقول لهم : يا بيّاعي مسوخ بني إسرائيل ، وجند بني
مروان ، فقام إليه فرات بن الأحنف ، فقال له : يا أمير المؤمنين : وما جند بني
مروان؟
فقال : أقوام
حلقوا اللحى وفتلوا الشوارب ، فمسخهم الله تعالى ، وغير خفي أنّ المسخ لا يقع من الله إلاّ على المعاصي
الكبيرة.
وقد اكتفى
العلاّمة المجلسي والمحدّث البحراني في الحدائق والفيض الكاشاني في الوافي بهذا الحديث في الحكم بالحرمة ، وهو حجّة كافية للفقيه ، واحتمال كون الحرمة بمجموع
الحلق والفتل معاً كاحتمال اختصاص الحكم ببني إسرائيل من الواهيات التي لا يحتملها
أهل العلم ، ومن رزقه الله لحن الخطابات ومساق المحاورات.
ومنها : ما رواه الشيخ الصدوق في الفقيه في باب غسل يوم الجمعة ، ودخول الحمّام مرسلاً عن رسول
الله(صلى الله عليه وآله) ، أنّه قال : «حفّوا الشوارب واعفوا اللحى ، ولا تشبّهوا
باليهود ، وفي بعض نسخ الرواية : ولا تشبّهوا بالمجوس».
__________________
وقوله صلّى
الله عليه وآله : حفّوا الشوارب قبال تركها حتّى تصل إلى الفم ، كما هو شعار
اليهود والمجوس والصابئة ، فالأمر في حفّوا واعفوا كليهما للوجوب ، فقد روى الصدوق
أيضاً عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، أنّه قال : أنّ المجوس جزّوا لحاهم
ووفّروا شواربهم ، وأمّا نحن نجزّ الشوارب ونعفي اللحى ، وهي الفطرة ، فيعلم أنّ ما عليه المجوس خلاف الفطرة الإسلاميّة ،
وأنّه من تغيير خلق الله.
وبالجملة
المراد من الحديثين واحد ، ومحصّلهما أنّ شعار أعداء الدين حلق اللحى ، وهو من
منافرات الدين ومنافيات الفطرة الإسلامية ، وحيث تواترت الأحاديث بحرمة التشبّه
بأعداء الدين ، فتكون تلك الروايات قرينة على أنّ الأمر هنا للوجوب ،
بل حديث حبّابة المتقدّم أيضاً ممّا يشهد بأنّ الأمر في المرسلين النبويّين للوجوب.
فيما رواه علماء الجمهور :
فقد روى علماء
الجمهور هذه النصوص عن رسول الله صلّى الله عليه وآله في صحاحهم ، ففي مسند أحمد بن حنبل من طريق أبي هريرة عن رسول
__________________
الله(صلى الله عليه وآله) ، أنّه قال : قصّوا الشوارب واعفوا اللحى.
وروى مسلم في صحيحه ، قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : جزّوا
الشوارب واعفوا اللحى ، وروى البخاري في صحيحه ومسلم أيضاً من طريق ابن عمر عن رسول الله(صلى الله
عليه وآله) : حفّوا الشوارب واعفوا اللحى.
وروى أحمد في مسنده من طريق أبي أمامة في طيّ حديث ، فقلنا : يارسول الله :
فإنّ أهل الكتاب يقصّون عثانينهم ، ويفرون سبالهم ، فقال صلّى الله عليه وآله :
قصّوا سبالكم ووفروا عثانينكم ، وخالفوا أهل الكتاب ، والعثانين جمع عثنون ، وهي اللحية ، وذكر العراقي في شرح التهذيب ، وهو من علمائهم ، قال : روى ابن حبّان في صحيحه من حديث ابن عمر ، قال : ذكر لرسول الله(صلى الله عليه
وآله)المجوس ، فقال : إنّهم يوفّرون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم.
وفي الإتحاف (شرح
الإحياء) ، عن كتاب القوت ، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، «حفّوا الشوارب
واعفوا اللحى».
قلت : رواه
مسلم أيضاً في صحيحه كما عرفت.
وعن تاريخ الكازروني أنّه ذكر في حوادث السنة السادسة من الهجرة أنّ
__________________
النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، كتب إلى كسرى كتاباً يدعوه إلى الإسلام ،
فلمّا وصل الكتاب إلى كسرى ملك الفرس كتب إلى عامله على اليمن أن يرسل من يأتيه
بالنبيّ(صلى الله عليه وآله) ، فأرسل عامل اليمن كاتبه بانويه ورجل آخر يسمّى خرخسك إلى المدينة ، فلمّا مثلوا بين يدي رسول الله(صلى الله
عليه وآله) ، وقد حلقا اللحى وفتلا الشوارب ، فقال لهما رسول الله(صلى الله عليه
وآله) : ويلكما مَن أمركما بذلك؟ فقالا : ربّنا يعنون كسرى ، فقال صلّى الله عليه
وآله : ولكن ربّنا أمرنا بإبقاء اللحى وأخذ الشارب.
وأخرج جلال
الدين السيوطي في الجامع
الصغير في باب ما
أوّله العين ما رواه ابن عساكر ، عن الحسن ، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ،
قال : عشر خصال عملها قوم لوط ، بها اُهلكوا ، وتزيدها أمّتي بخلّة إتيان الرجال
بعضهم بعضاً ورميهم بالجُلاهق (الجُلاهق: بضمّ الجيم البندق المعمول من الطين) والخدن (هو الصديق في السرّ للزنا) ولعبهم بالحمام وضرب الدفوف وشرب الخمور وقصّ اللحية
وطول الشارب والصفير والتصفيق ولباس الحرير ، وتزيدها أمّتي بخلّة ، وهي إتيان النساء
بعضهنّ بعضاً.
وإنّما ذكرت
هذه الروايات من طرق علماء الجمهور ومن صحاحهم
__________________
وجوامعهم لمحض بيان أنّهم رووا ما رويناه وحكموا بما حكمناه في المسألة ،
وأنّ الإماميّة غير متفرّدين في حرمة حلق اللحى ، بل كلّ علماء الإسلام على حرمة
ذلك فتوىً ونصّاً.
[عودة إلى الروايات من طرقنا]
ومنها : ما رويناه بأسانيدنا عن الشيخ ابن أبي جمهور من كتاب العوالي ، رواه عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، أنّه قال :
ليس منّا من سَلَقَ ولا خَرِقَ ولا حَلَقَ.
والسلق الوكيح
الكثير الكلام في عيوب الناس مع قلّة الحياء ، والخرق تبذير المال وصرفه فيما لا
يصحّ ، والحلق حلق اللحية كما نصّ عليه أهل العلم بالغريب وشرح الحديث ، ومعنى ليس منّا أنّه خارج عن الملّة الإسلامية
والفطرة الدينيّة.
ومنها : ما رويناه بأسانيدنا عن علي بن جعفر من أصل كتابه ،
ورواه البرقي في المحاسن عنه ، ورواه أيضاً الحميري في قرب الإسناد ، قال : سألت أخي عليه السلام عن الرجل يأخذ من لحيته ،
قال : أمّا من عارضيه فلا بأس ، وأمّا من مقدّمها فلا يأخذ.
__________________
والنهي عن
الأخذ من المقدّم مطلقاً يدلّ على تحريم جميع مراتب الأخذ ، ولا ينافي التمسّك
بالإطلاق ما جاء في الرخصة وفي الإصلاح ، فيبقى الإطلاق حجّة على تحريم الأخذ على
وجه الاستئصال ، والمراد بالأخذ من العارضين الأخذ من الخدّين ، وهو الإصلاح
المتعارف.
ومنها : ما رويناه عن الصدوق من أصل كتاب الخصال ، رواه في الصحيح عن أبي عبدالله
عليهالسلام
، أنّه قال :
ثلاث طوائف لا يكلّمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولهم عذاب أليم ،
الناتف شيبه ، والناكح نفسه ، أي: المستمني ، وهو اللاعب بآلته حتّى يخرج المني ،
والمنكوح في دبره.
ولا ريب أنّ
المراد نتف اللحية واستئصال إزالتها ، لا مطلق النتف بقرينة التهديد المذكور
والتعبير بالنتف ، لأنّه المتعارف عندهم ، وإلى الآن نوع الأعراب عادتهم نتف الشعر
وإزالته بالنتف ، فالمراد حرمة أزالة شعر اللحية بأيّ سبب كان.
ومنها : ما رويناه عن الشيخ ابن بابويه من أصل كتابه معاني الأخبار ، رواه بإسناده عن أبي عبدالله الصادق
عليهالسلام
، عن أبيه ، عن
جدّه ، قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : حفّوا الشوارب ولا تشبّهوا بالمجوس. يعني ولا تحفّوا اللحى كالمجوس الذين يحفّون اللحى
ويفتلون الشوارب ، ويشهد لهذا التفسير عدّة روايات تقدّمت من طرقنا وطرق العامّة.
__________________
ومنها : ما جاء في عدّة طرق عن الصادق والرضا
عليهماالسلام
في حديث طويل ،
قال فيه : ثمّ أنزل الله على إبراهيم الحنيفية (الحنفية) ، وهي عشرة أشياء ، خمسة
منها في الرأس ، وخمسة منها في البدن ، فأمّا التي في الرأس فأخذ الشارب وإعفاء
اللحى ، الحديث.
وبقرينة ما جاء
من اللعن على مَن حلق لحيته ، وأنّها من المُثلة ، وأنّها من تغيير خلق الله ،
وأنّه خروج عن الفطرة الإسلامية يحمل هذا الحديث على أنّ إعفاء اللحى واجب ، والحالق
لها خارج عن الملّة الحنيفية ، فهو، أي: الحلق محرّم شرعاً.
منها : الروايات المتضافرة المستفيضة المصرّحة بحرمة التشبّه
بأعداء الدين ، فقد عرفت النصوص المصرّحة بأنّ حلق اللحى وحفّها من
شعار اليهود والمجوس ، فتكون محقّقة لمصداقيّة الأخبار الناهية كلّية عن التشبّه
بأعداء الدين ، فتشملها حينئذ هذه الأخبار.
ومنها : الروايات الناهية عن تشبّه الرجال بالنساء وبالعكس ، وقد جاء النصّ في حديث المفضّل بأنّ حلق اللحية من
مصاديق تشبّه الرجال بالنساء ،
__________________
قال : قال الصادق عليهالسلام في حديث طويل ما نصّه : ولو لم يخرج الشعر في وجهه في
وقته ألم يكن سيبقى في هيئة الصبيان والنساء ، فلا ترى له جلالة ولا وقاراً ، قال
المفضّل : فقلت : يامولاي فقد رأيت من يبقى على حاله ولا ينبت الشعر في وجهه ، وإن
بلغ حال الكبر ، فقال عليهالسلام
: ذلك بما
قدّمت أيديهم ، وإنّ الله ليس بظلاّم للعبيد.
فدلّ على أنّ
من حُرِم اللحية كان كالنساء والصبيان ، فلو تعمّد حلق لحيته كان من المتعمّد بتشبّهه
بالنساء والصبيان ، وقد تضافرت الأحاديث بالنهي والتحريم على ذلك ، ودلّ على أنّه
لو حرمه الله اللحية كان ذلك ظلماً من الله تعالى ، لكن قد تسبّب بهذا الظلم وهو
الحرمان هو العبد نفسه أو أبوه ، فيكون الحرمان نكالاً وعقوبة للعبد لعلمه تعالى
بصدور الحلق منه باختياره أو عقوبة للآباء العاملين ما يوجب هذا النكال ، فإنّ
معاوية كان كوسج اللحية ، فقال للحسن عليه السلام : أيّ آية تجمع بين لحيتي ولحيتك
، تقولون : إنّ القرآن فيه تبيان كلّ شيء. فقال الحسن عليه السلام : قوله تعالى : (وَالْبَلَدُ
الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ
إلاّ نَكِدَا).
وفيه دلالة
ظاهرة على أنّ المحروم من اللحية بأصل الخلقة إنمّا حرمها الله لخبث طينته وقبح
سريرته ، فالحرمان نكال من الله وغضب ، وإليه الإشارة في
__________________
حديث المفضّل بقوله عليه السلام : «ذلك بما قدّمت أيديهم» فحلق اللحية
اختياراً أيضاً كاشف عن غضب الله على الحالق وأنّه خبيث السريرة ، فيلزم منه وضوح
الحكم بالحرمة كما هو ظاهر.
وأمّا حكم العقل :
فالعقلاء
يقبّحون حلق اللحية ، لأنّه المُذهِب بجلالة الرجل ووقاره ، كما هو نصّ الصادق
عليه السلام في حديث المفضل ، وعمل يوجب المُثلة والهتك وزوال البهاء والهيبة ويوجب
الانضمام في سلك المخنّثين والخصايا والنساء.
ألا ترى تظلّم
الأحنف عامل أمير المؤمنين عليهالسلام على البصرة لما نتف أصحاب طلحة والزبير لحيته وكسروا
رجله وعوّروا عينه وأنزلوا عليه المصائب جاء إلى أمير المؤمنين
عليهالسلام
متظلّماً فقال
: يا أمير المؤمنين بعثتني ذا لحية وجئتك أمرداً ، فقال له أمير المؤمنين
عليهالسلام
: أصبت خيراً
وأجراً.
قال محمّد
مرتضى الزبيدي في شرح
إحياء العلوم : ولم يذكر الأحنف حتفه في رجله ولا عوره في عينه ، وذكر كراهة عدم اللحية
، وكان الأحنف رضي الله عنه رجلاً عاقلاً حليماً كريماً.
وحكى الغزالي
في الإحياء عن أصحاب الأحنف بن قيس أنّهم قالوا : وددنا
__________________
أن نشتري لحية للأحنف [ولو] بعشرين ألفاً ، قال : وقال شريح القاضي ـ وكان
أطلس لا لحية له ـ : وددت أنّ لي لحية بعشرة آلاف وما ذلك إلاّ لكونها زينة الرجال ، وحكم العقلاء يقبح
حلقها ، قال الغزالي : فإنّ لله سبحانه وتعالى ملائكة يقسمون
ويقولون : والذي زيّن بني آدم باللحى ، وهو من تمام الخلقة ، قال : وعن غريب
التأويل : اللحية هي المراد بقوله تعالى : (وَيَزِيْدُ فِي
الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ) وفيها تعظيم الرجل والنظر إليه بعين العلم والوقار
والرفع في المجالس وإقبال الوجوه إليه والتقديم على الجماعة ، انتهى.
ولا ريب في حكم
العقل بقبح حلق ما هو بهذه الصفات ، ألا ترى أنّ الرجال المُعَنوَنين من المليين
وغيرهم كالرهبان والقسّيسين والأحبار والمعلّمين وكبار الهنود والملوك لا يحلقون
لحاهم محافظة على وجاهتهم وجلالتهم ، لأنّهم يرون أنّ الحلق يزري ذلك وما ذلك إلاّ
لاتّفاق العقلاء على قبح الحلق وحسن اللحية ، فيطلقون لحاهم ولا يحلقونها ، لا عن
دين ، بل لمحض الاستقباح للحلق والتشبّه بما ذكرناه آنفاً ، وبناء العقلاء إذا جاء
إمضاؤه من الشارع يكون حجّة ، وقد جاء متواتراً ما يفيد الإمضاء عن رسول الله صلى
الله عليه وآله كما عرفت.
__________________
تنبيه :
المستفاد من
مجموع الروايات أنّ المحرّم هو إزالة شعر اللحية بحيث يصير ممّن لا لحية له بأيّ
سبب كانت الإزالة بالموس أو بالمكينة أو النتف أو النورة أو حفّها بحيث لا يبقى
معه صدق اللحية.
والمسمّى موجين
بالفارسيّة (هو أخذ اللحية بحيث لا يبقى معه اسمها) أيضاً حرام ، وكذا لو عمل
عملاً لا ينبت الشعر بوجهه في مكان اللحية ، بل الإصلاح الذي يشبه الاستيصال أيضاً
حرام ، كما صرّح به العلاّمة المجلسي وشيخنا المرتضى رضي الله عنه.
وبالجملة
المدار بالحرمة على عدم صدق اللحية ومع بقاء الصدق لا حرمة في التنقيص عن القبضة.
وفي البيان يكره الأخذ من اللحية إلاّ أن تجاوز القبضة في الطول ، فيأخذ الزائد ، انتهى.
فالقبضة هي
المستحبّة والزائد على القبضة مكروه ، وحدّ القبضة أنّه لو وضع يده على ذقنه يكون
ما على الذقن وما استرسل منها بقدر القبضة لا خصوص ما استرسل. وربّما يوهم بعض
الإطلاقات تحريم مانقص عن القبضة ، والأظهر ما عرفته من الكراهة ، وأنّه لا بأس به
مع بقاء صدق اللحية وإن كان المستحبّ القبضة ، وما زاد في النار ، يعني أنّه
يستحقّ حرقه في النار ، ومعناه
__________________
الكراهة ، وليس فيما نقص عن القبضة نصّ غير الإطلاقات والعمومات ، فلو دلّت
على الحرمة فمقتضاها وجوب القبضة وحرمة التنقيص عنها خصوصاً إطلاق النهي عن الأخذ
من مقدّم اللحية في صحيحة علي بن جعفر ، ولكن الإجماع على عدم وجوب إبقاء القبضة واستحبابها ،
فليس حينئذ إلاّ استحباب القبضة.
وما قلنا من
أنّ الأمر بالإعفاء في مقابل الأمر بالإحفاء وإنّ المستفاد من مجموع الروايات أنّ
المحرّم هو إزالة اسم اللحية من ذي اللحية لا مطلق تنقيصها أو التنقيص عن القبضة.
خاتمة :
لا إشكال في
استحباب حفّ الشارب ، واستئصال شعره لقوله صلى الله عليه وآله : أحفّوا الشوارب بالهمزة في أوّله ، فيكون من الثلائي المزيد ، يقال :
أحفا شاربه إذا بالغ في قصّه ، وأمّا حلق الشارب فقد استشكله في الحدائق ، واحتمل أن يكون داخلاً في عموم (فَلَيُغَيُّرُنَّ
خَلْقَ الله) وعن مالك أنّه مثلة ويأمر بأدب صاحبه ، وهو وهم ، فقد يستفاد من قول أمير المؤمنين عليه
__________________
السلام : لو لم أخَف من عذاب الله لكويت موضع الشارب.
وفي الحديث
الآخر : أحفى شاربه حتّى ألصقه بالعسيب الذي هو منبت الشعر ، فالأقوى أنّه لا بأس به ، وهو من مصاديق الإحفاء ،
وقد جاء من طريق الجمهور : خمس من الفطرة ، فذكروا حلق الشارب ، رواه النسائي من
حديث أبي هريرة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وإن كان لا حجّة فيه لكنّه يصلح مؤيّداً لإطلاق
الإحفاء.
هذا ما يسّر
الله جلّ جلاله جمعه ، والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله
الطيّبين الطاهرين.
تم ّ على يد
مؤلّفه العبد الراجي فضل ربّه ذي المنن ابن السيّد العلاّمة الهادي حسن المشتهر
بالسيّد حسن صدر الدين الموسوي الكاظمي في أيّام شهر جمادى الآخرة سنة (١٣٤٣ هـ).
[الرجز]
أكرم بها
ذكرى لأرباب النُهى
|
|
ضمّنها
الماجدُ أحكامَ اللحى
|
قد حازَ
تالله الذي صنّفها
|
|
ما لم يحزه
غيرُه إذ وضّحا
|
ما كان من
قبل عليه رقما
|
|
ولم يكن من
قبل ذا متّضحا
|
وهو سميّ
المجتبى سامي الذُرى
|
|
خادمُ شرعِ
المصطفى ما برحا
|
علي الحميري
__________________
مصادر الكتاب
١
ـ القرآن الكريم.
٢
ـ إتحاف السادة المتّقين في شرح إحياء علوم الدين : لمحمّد مرتضى الزبيدي (ت ١٢٠٥) نشر المطبعة الميمنية
بمصر.
٣
ـ أحسن التقويم : للعلاّمة السيّد عبدالله شبّر (ت ١٢٤٢) هـ) ، تحقيق مشتاق المظفّر ، نشر
مكتبة فدك في قم.
٤
ـ اعتقادات دين الإمامية (ضمن نصوص ورسائل) : للشيخ بهاء الدين العاملي ، (ت ١٠٣٠ هـ) ، نشر مكتب
الإعلام الإسلامي فرع إصفهان.
٥
ـ إحياء علوم الدين : لأبي حامد الغزالي (ت ٥٠٥ هـ) ، نشر دار الندوة الجديدة في بيروت.
٦
ـ الاختصاص : لأبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان التلعكبري البغدادي الملقّب
بالشيخ المفيد ، (ت ٤١٣ هـ) ، طبع في مكتبة بصيرتي في قم.
٧
ـ الاستبصار فيما اختُلف فيه من الأخبار : للشيخ الطوسي أبي جعفر محمّد بن الحسن ، (ت ٤٦٠ هـ) ،
نشر دار الكتب الإسلامية في طهران.
٨
ـ أعيان الشيعة : للسيّد محسن الأمين العاملي ، (ت ١٣٧١ هـ) ، تحقيق حسن الأمين ، نشر دار
التعارف في بيروت.
٩
ـ بحار الأنوار : للشيخ العلاّمة محمّد باقر المجلسي ، (ت ١١١١ هـ) ، نشر مؤسّسة الوفاء في
بيروت.
١٠
ـ البيان : للشهيد الأوّل محمّد بن مكي العاملي ، (ت ٧٨٦ هـ) ، نشر مطبعة صدر في قم ،
واستفدنا من الطبعة المحقّقة أيضاً.
١١
ـ تاج العروس من جواهر القاموس : لمحمّد مرتضى الحسيني ، (ت ١٢٠٥ هـ) ، نشر دار الفكر
للطباعة والنشر في بيروت.
١٢
ـ تاريخ مدينة دمشق : لأبي القاسم علي بن الحسن ، المعروف بابن عساكر ، (ت ٥٧١ هـ) ، نشر دار
الفكر للطباعة والنشر في بيروت.
١٣
ـ تحفة الطالب في حكم اللحية والشارب : للسيّد جعفر بحرالعلوم ، (ت ١٣٧٧ هـ) ، نشر مركز السيّد
بحر العلوم في قم.
١٤
ـ تذكرة الفقهاء : للحسن بن يوسف ، المعروف بالعلاّمة الحلّي ، (ت ٧٢٦ هـ) ، نشر مؤسّسة آل
البيت عليهمالسلام
في قم.
١٥
ـ التفسير الأصفى : للفيض الكاشاني (ت ١٠٩١ هـ) نشر مؤسّسة الأعلمي في بيروت.
١٦
ـ تفسير الصافي : للفيض الكاشاني (ت ١٠٩١ هـ) نشر مؤسّسة الأعلمي في بيروت.
١٧
ـ تفسير مجمع البيان : لأمين الإسلام الشيخ الطبرسي (ت ٥٤٨ هـ) نشر مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات في
بيروت.
١٨
ـ تهذيب الأحكام : للشيخ الطوسي أبي جعفر محمّد بن الحسن ، (ت ٤٦٠ هـ) ، نشر دار الكتب
الإسلاميه في طهران.
١٩
ـ التوحيد : إملاء الإمام أبي عبد الله الصادق
عليهالسلام
على المفضّل بن
عمر الجعفي نشر مؤسّسة الوفاء في بيروت.
٢٠
ـ ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : لأبي جعفر محمّد بن علي ، المعروف بالشيخ الصدوق ، (ت
٣٨١ هـ) ، منشورات الشريف الرضي في قم.
٢١
ـ جامع البيان عن تأويل آي القرآن : لمحمّد بن جرير الطبري المتوفّى سنة (٣١٠ هـ) ، نشر دار
الفكر في بيروت.
٢٢
ـ الجامع الصغير : لجلال الدين السيوطي (ت ٩١١ هـ) ، نشر دار الفكر في بيروت.
٢٣
ـ الجامع للشرايع : ليحيى بن سعيد الحلّي ، (ت ٦٨٩ هـ) ، نشر مؤسّسة سيّد الشهداء العلمية في
قم.
٢٤
ـ الجعفريات (الأشعثيات) : برواية محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي ، من أعلام
القرن الرابع الهجري (الطبعة الحجرية).
٢٥
ـ جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام : للشيخ محمّد حسن النجفي المعروف بصاحب الجواهر ، (ت
١٢٦٦ هـ) نشر دار الكتب الإسلامية في طهران ، واستفدنا أيضاً من الطبعة المحقّقة.
٢٦
ـ الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة : للشيخ يوسف البحراني (ت ١١٨٦ هـ) ، نشر مؤسّسة النشر
الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في قم المشرفة.
٢٧
ـ حلية المتّقين (المعرب) : للعلاّمة محمّد باقر المجلسي (ت ١١١١ هـ).
٢٨
ـ الحواشي الفخرية (المسائل الظاهرية) : لفخر المحقّقين محمّد بن العلاّمة الحلّي.
٢٩
ـ الخصال : للشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، (ت
٣٨١ هـ) ، نشر جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية في قم.
٣٠
ـ الدرّ المنثور من المأثور وغير المأثور : للشيخ علي بن محمّد العاملي (ت ١١٩٣ هـ) نشر مكتبة
السيّد المرعشي.
٣١
ـ الدرّة النجفية أو النجفية (منظومة في الفقه) : للسيّد مهدي بحر العلوم ، (ت ١٢١٢
هـ) ، نشر مكتبة الرضا في النجف.
٣٢
ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة : للشيخ آقا بزرگ الطهراني ، (ت ١٣٨٩ هـ) ، نشر دار
الأضواء في بيروت ، الطبعة الثالثة سنة (١٤٠٣ هـ).
٣٣
ـ ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة : للشهيد الأوّل محمّد بن مكي العاملي ، (ت ٧٨٦ هـ) ، نشر
مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام
لإحياء التراث
في قم.
٣٤
ـ رسائل فقهية (مخطوط) : للشيخ محمّد حسن النجفي المعروف بصاحب الجواهر ، (ت
١٢٦٦ هـ).
٣٥
ـ رسالة أصفى المشارب : للسيّد هبة الدين الشهرستاني ، محقّقة ضمن موسوعة العلاّمة الأوردبادي من
منشورات العتبة العبّاسية المقدّسة.
٣٦
ـ الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية : للشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي ، (ت ٩٦٥ هـ) ،
نشر جامعة النجف الدينية.
٣٧
ـ روضة الطالبين : لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي (ت ٦٧٦ هـ) ، نشر دار الكتب
العلمية في بيروت.
٣٨
ـ روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه : لمحمّد تقي المجلسي الأوّل ، (ت ١٠٧٠ هـ) ، نشر بنياد
فرهنك إسلامي حاجّ محمّد حسين كوشانبور.
٣٩
ـ زاد المعاد : للعلامة محمّد باقر المجلسي ، (ت ١١١١ هـ) ، نشر مؤسّسة الأعلمي في بيروت.
٤٠
ـ سعد السعود : للسيّد علي بن طاووس (ت ٦٦٤ هـ) ، منشورات الرضي في قم.
٤١
ـ سنن أبي داود : لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ، (ت ٢٧٥ هـ) ، نشر دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت.
٤٢
ـ سنن الدارمي : عبد الله بن الرحمن الدارمي (ت ٢٥٥ هـ) ، نشر مطبعة الاعتدال في
دمشق.
٤٣
ـ السنن الكبرى : لأحمد بن الحسين البيهقي (ت ٤٥٨ هـ) ، نشر دار الفكر في بيروت.
٤٤
ـ سنن النسائي : لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب المعروف بالنسائي ، (ت ٣٠٣ هـ) ، نشر دار
الفكر للطباعة والنشر في بيروت.
٤٥
ـ شارع النجاة (اثنا عشر رسالة فارسي) : للسيّد الميرداماد (ت ١٠٤١ هـ) ، طبع ونشر في طهران
بعناية جمال الدين ميردامادي.
٤٦
ـ شرح صحيح مسلم : المؤلّف : النووي (ت ٦٧٦ هـ) ، نشر دار الكتاب العربي في بيروت.
٤٧
ـ شرح نهج البلاغة : لابن أبي الحديد (ت ٦٥٦ هـ) ، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، نشر دار
إحياء الكتب العربية لعيسى البابي الحلبي وشركاه ومؤسّسة مطبوعاتي إسماعيليان.
٤٨
ـ الصحاح : إسماعيل بن حماد الجوهري (ت ٣٩٢ هـ) ، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار نشر دار
العلم للملايين.
٤٩
ـ صحيح ابن حبّان : لابن حبّان (ت ٣٥٤ هـ) ، تحقيق شعيب الأرنؤوط نشر مؤسّسة الرسالة في بيروت.
٥٠
ـ صحيح البخاري : لمحمّد بن إسماعيل البخاري المتوفّى ٢٥٦ هجرية ، نشر دار الفكر للطباعة
والنشر في بيروت.
٥١
ـ صحيح مسلم : لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيشابوري ، (ت ٢٦١ هـ) ، نشر دار
الفكر في بيروت.
٥٢
ـ صراط النجاة (فارسي) : للشيخ مرتضى الأنصاري تحقيق محمّد حسين فلاح زاده كنگره
بزرگداشت دويستمين سالگرد تولّد شيخ أعظم أنصاري قدّس سرّه.
٥٣
ـ طبقات أعلام الشيعة : للشيخ آقا بزرگ الطهراني ، (ت ١٣٨٩ هـ).
٥٤
ـ الطهارة : للشيخ مرتضى الأنصاري ، (ت ١٢٨١ هـ) ، الطبعة الحجرية القديمة ، واستفدنا
من الطبعة الجديدة المحقّقة ، الصادرة عن مؤتمر العلاّمة مرتضى الأنصاري.
٥٥
ـ علل الشرائع : لأبي جعفر محمّد بن علي بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق ، (ت ٣٨١
هـ) ، نشر المكتبة الحيدرية في النجف الأشرف.
٥٦
ـ عوالي اللآلي : للشيخ محمّد بن علي بن إبراهيم الإحسائي المعروف بابن أبي جمهور ، (ت ٨٨٠
هـ) ، نشر مطبعة سيّد الشهداء في قم.
٥٧
ـ عيون أخبار الرضا عليهالسلام : للشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن علي بن بابويه القمّي ،
(ت ٣٨١ هـ) ، نشر مؤسّسة الأعلمي في بيروت.
٥٨
ـ الفصول الغروية في الأصول الفقهية : للشيخ محمّد حسين بن عبد الرحيم الطهراني الحائري ، (ت
١٢٥٠ هـ) ، نشر دار إحياء العلوم الإسلامية في قم.
٥٩
ـ الفصول المهمّة في أصول الأئمّة : للشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي ، (ت ١١٠٤ هـ) ،
نشر مؤسّسة المعارف الإسلامية للإمام الرضا
عليهالسلام.
٦٠
ـ قرب الإسناد : لعبد الله بن جعفر الحميري من أعلام القرن الثالث الهجري نشر مؤسّسة آل
البيت عليهمالسلام
في قم.
٦١
ـ القواعد والفوائد : للشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي ، (ت ٧٨٦ هـ) ، نشر مكتبة المفيد في
قم.
٦٢
ـ القاموس المحيط : للفيروز آبادي (ت ٨١٧ هـ).
٦٣
ـ الكافي : لأبي جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي ، (ت ٣٢٩ هـ) ، نشردار
الكتب الإسلامية في طهران.
٦٤
ـ الكامل في التاريخ : لعلي بن أبي الكرم المعروف بابن الأثير ، (ت ٦٣٠ هـ) ، نشر دار صادر
للطباعة والنشر ، ودار بيروت للطباعة والنشر.
٦٥
ـ الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل : للزمخشري (ت ٥٣٨ هـ) نشر شركة مكتبة ومطبعة مصطفى
البابي الحلبي وأولاده بمصر.
٦٦
ـ كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء : لجعفر كاشف الغطاء (ت ١٢٢٨ هـ) ، نشر مكتب الإعلام
الإسلامي ، واستفدنا من الطبعة القديمة.
٦٧
ـ كفاية الأحكام : لمحمّد باقر السبزواري ، (ت ١٠٩٠ هـ) ، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة
لجماعة المدرّسين في قم.
٦٨
ـ لسان العرب : لابن منظور (ت ٧١١ هـ) ، نشر أدب الحوزة في قم.
٦٩
ـ مجمع البحرين : للشيخ فخر الدين الطريحي ، (ت ١٠٨٥ هـ) ، نشر مرتضوي في تهران ناصر خسرو.
٧٠
ـ المجموع شرح المهذب : لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي (ت ٦٧٦ هـ) نشر دار الفكر في بيروت.
٧١
ـ المحاسن : لمحمّد بن خالد البرقي ، (ت ٢٧٤ هـ) ، نشر دار الكتب الإسلامية في طهران.
٧٢
ـ مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها : لعلي بن الإمام جعفر الصادق
عليهالسلام
من علماء القرن
الثاني الهجري ، نشر المؤتمر العالمي للإمام الرضا
عليهالسلام
في مشهد
المقدّسة.
٧٣
ـ مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل : للحاجّ حسين النوري الطبرسي ، (ت ١٣٢٠ هـ) ، نشر مؤسّسة
آل البيت عليهمالسلام
لإحياء الترات
في بيروت.
٧٤
ـ مسند أحمد بن حنبل : لأحمد بن حنبل ، (ت ٢٤١ هـ) ، نشر دار صادر في بيروت.
٧٥
ـ مصابيح الأحكام : للسيّد محمّد مهدي بحر العلوم (ت ١٢١٢ هـ) ، تحقيق ونشر
مؤسّسة آية الله البروجردي في قم.
٧٦
ـ مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع : للسيّد عبد الله شبّر غير مطبوع.
٧٧
ـ مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع : لمحمّد باقر الوحيد البهبهاني ، (ت ١٢٠٥ هـ) ، نشر
مؤسّسة العلاّمة المجدد الوحيد البهبهاني في قم.
٧٨
ـ المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : لمحمّد بن علي المقري الفيّومي ، (ت ٧٧٠ هـ) ، نشر دار
الفكر للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت.
٧٩
ـ معالم التنزيل : للبغوي (ت ٥١٠ هـ) ، تحقيق خالد عبد الرحمن العك نشر دار المعرفة في بيروت.
٨٠
ـ معاني الأخبار : للشيخ الصدوق محمّد بن علي بن بابويه القمّي ، (ت ٣٨١ هـ) ، نشر مؤسّسة
النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في قم.
٨١
ـ المغني : لابن قدامة ، (ت ٦٢٠ هـ) ، نشر دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع في بيروت.
٨٢
ـ مفاتيح الأصول : للسيّد المجاهد محمّد بن السيّد علي صاحب الرياض (ت ١٢٤٢) بقزوين ،
اعتمدنا على الطبعة الحجرية.
٨٣
ـ مفاتيح الشرائع : لمحمّد محسن الفيض الكاشاني ، (ت ١٠٩١ هـ) ، نشر مجمع الذخائر الإسلامية
في قم.
٨٤
ـ مكارم الأخلاق : للشيخ الطبرسي (ت ٥٤٨ هـ) ، من منشورات الشريف الرضي.
٨٥
ـ المناهل : لمحمّد بن علي الطباطبائي ، (ت ١٢٤٢ هـ) ، الطبعة الحجرية القديمة.
٨٦
ـ من لا يحضره الفقيه : للشيخ الصدوق محمّد بن علي بن بابويه القمّي ، (ت ٣٨١ هـ) ، نشر مؤسّسة
النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في قم.
٨٧
ـ المواهب السنية في شرح الدرّة الغروية : للميرزا محمود الطباطبائي البروجردي (ت ١٣٠٠ هـ) الطبعة
الحجرية نشر طهران.
٨٨
ـ موسوعة طبقات الفقهاء : مؤسّسة الإمام الصادق
عليهالسلام
بإشراف الشيخ
جعفر السبحاني في قم.
٨٩
ـ موطأ مالك : لمالك بن أنس ، (ت ١٧٩ هـ) ، نشر دار إحياء التراث العربي في بيروت.
٩٠
ـ النهاية في مجرد الفقه والفتاوى : للشيخ الطوسي أبي جعفر محمّد بن الحسن (ت ٤٦٠ هـ) ، نشر
انتشارات قدس محمّدي في قم.
٩١
ـ نهج البلاغة : للإمام علي عليهالسلام
، جمع وترتيب
الشريف الرضي ، (ت ٤١٦ هـ).
٩٢
ـ هداية المسترشدين : لمحمّد تقي الرازي النجفي الأصفهاني ، (ت ١٢٤٨ هـ) ، نشر مؤسّسة النشر
الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في قم.
٩٣
ـ الوافي : للفيض الكاشاني محمّد محسن ، (ت ١٠١٩ هـ) ، نشر مكتبة الإمام أمير
المؤمنين علي عليهالسلام
العامة في
أصفهان.
٩٤
ـ وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة : للشيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي ، (ت ١١٠٤ هـ) ، نشر
مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام
لإحياء التراث
في قم.
من أنبـاء التـراث
هيئة التحرير
كتب صدرت محقّقة
* حياة ما بعد الموت.
تأليف: العلاّمة السيّد محمّد حسين الطباطبائي (ت ١٤٠٢
هـ).
دراسة عقائدية في المعاد خامسُ أصول الدين، تناول فيها
المصنّف مرحلة ما بعد الموت وحتّى قيام الساعة، قال
رحمهالله
: «هذا
الكتاب يتضمَّن رسالة كتبناها في موضوع المعاد، نخوض فيها ـ بعون من الله سبحانه
وتعالى ـ بحال الإنسان في مرحلة ما بعد الحياة الدنيا، استناداً إلى ما يوصلنا
إليه البرهان، وما يقدّمه لنا القرآن والسنّة في هذا المجال، وقد آثرنا الاختصار
والاقتصار على المفاهيم
|
|
العامّة، ذلك أنّ المنهج الذي نتّبعه والقائم على
تفسير الآية بآية أُخرى، والرواية برواية أُخرى منهج عميق ليس من السهل بلوغ
مداركه».
اشتمل الكتاب على مقدّمة القسم، ومقدّمة التحقيق،
وترجمة المؤلّف، وعلى تسعة فصول في: الموت والأجل، البرزخ، النفخ في الصور، صفات
يوم القيامة، بعث الإنسان للمساءلة، الصراط، الميزان، صحيفة الأعمال، الشُّهداء
في يوم البَعْث.
تحقيق: السيّد علي القصير.
الحجم: وزيري.
عدد الصفحات: ٣١٨.
نشر: قسم الشؤون الفكرية والثقافية التابع للعتبة الحسينية
ـ كربلاء ـ العراق.
|
* كتاب القضاء ج.
تأليف: الشيخ علي الكني الطهراني.
كتاب فقهي في باب القضاء، وهو من كتاب تحقيق الدلائل
في شرح تلخيص المسائل، من تصنيف حجّة الإسلام والمسلمين الحاج المولى علي الكني
الطهراني.
يعتبر هذا الكتاب من الكتب الثمينة التي كتبت في
القضاء وصفه الشيخ آقا بزرك الطهراني بقوله: «هذا الكتاب وبناءً على أقوال
العلماء الذين أدركناهم هو أدقّ وأكثر إحكاماً من الجواهر» وهو جهد علمي كبير،
وعصارة ما توصّلت له عقول فقهاء الشيعة من معارف وقواعد فقهية.
تحقيق: معجم البحوث الإسلامية في العتبة الرضوية
المقدّسة.
الحجم: وزيري.
عدد الصفحات: ٥٠٠.
نشر مجمع البحوث الإسلامية للعتبة الرضوية المقدّسة ـ
مشهد ـ إيران.
|
|
* شرح الجامي على الكافية.
تأليف: نور الدين عبد الرحمن بن أحمد الجامي الخراساني
(ت ٨٩٨ هـ).
كتاب في علم النحو ، وهو أحد شروح كتاب الكافية
المعروف والذي يعدّ من مصادر النحو العربي، قدّم فيه الشارح دراسة عن علم النحو
والصرف بأسلوب تعليمي، كما قدّم ردّاً على ابن الحاجب عرض فيه آراء النحاة
وأقوالهم وفصّل القول فيها مبيّناً مواطن الصواب أو الخلل منها، مردفاً بالشواهد
من الكتب المعتبرة والمعتمدة في علم النحو.
اشتمل الكتاب على دراسة علمية في المقدّمة حول الكتاب
والمؤلّف وآرائه النحوية ونسخ من مخطوطاته وفهرس المطالب، تعريف الكلمة والكلام
وتقديم الكلمة، والكلام وتعريفه، الاسم تعريفه وخواصّه، تقسيم الاسم إلى معرب
ومبني، المفعول المطلق وسبب توصيفه بالإطلاق،
|
المنادى المفرد المعرفة، المستثنى وتقسيمه إلى قسمين،
خبر كان وأخواتها، اسم إنّ وأخواتها، تقسيم الإضافة إلى اللفظية والمعنوية
وغيرها.
تحقيق: محمّد زكي الجعفري.
الحجم: وزيري.
عدد الصفحات: ٩٧٦.
نشر: مؤسّسة دار الحجّة (عج) للثقافة، قم ـ إيران.
* الدرّة البهيّة في فضل كربلاء وتربتها الزكية.
تأليف: السيّد حسين البراقي النجفي (ت ١٣٣٢ هـ).
اعتمد المصنّف في كتابه الروايات الواردة في فضل أرض
كربلاء وتربتها الزكية التي شرّفها الله بخامس أصحاب الكساء الحسين بن علي عليهماالسلام ، وذكر المسافات الشرعية التي تدلّ على شرف هذه البقعة
الطاهرة المباركة، كما تناول قصصاً تاريخية عن شرف زيارة
|
|
الحسين
عليهالسلام
وإعمار قبره
الشريف.
تحقيق: العلاّمة المرحوم السيّد علي الهاشمي الخطيب.
الحجم: وزيري.
عدد الصفحات: ٦١.
نشر: الأمانة العامّة للعتبة الحسينية ـ كربلاء
المقدّسة ـ العراق.
* مقصد الراغب الطالب في فضائل الإمام علي بن أبي طالب
عليهالسلام وأهل بيته أئمّة الهدى ومصابيح الدجى.
تأليف: أحد أعلام أهل السنّة في القرنين السادس
والسابع الهجريّين.
كتاب المناقب، تناول المؤلّف فيه أهمّ فضائل الإمام
علي بن أبي طالب وأولاده الأئمّة الاثني عشر
عليهمالسلام
، بقلم عالم
من أعلام أهل السنّة الذي أدرك جمعاً من كبار المشايخ، وله إجازات وروايات
متنوّعة، وقد خصّص المصنّف لكلّ واحد من الأئمّة الاثني عشر باباً على حدة، كما
روى مطالب يصعب على
|
بعض القرّاء تعيين مذهب المصنّف هل أنّه من الشيعة أو
من السنّة؟ وهذا ما وقع عند بعض علماء الشيعة كالعلاّمة المجلسي والمحقّق
الأفندي وغيرهما، ولكنّ الحقّ أنّه من أعلام السنّة كما يعرف هذا من مشايخه
ومصادره، وقد أشار إلى هذا الأمر المحقّق في مقدّمة التحقيق.
اشتمل الكتاب على مقدّمة التحقيق وسبعة وثلاثين باباً
من فضائل أهل البيت عليهمالسلام ، منها: في ذكر مولد الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام ، في ما جرى بعد الرسول في بيعة أبي بكر، في الآيات
التي أنزلت في فضائل أهل البيت
عليهمالسلام
، في ذكر
زيارة تعرف بالهاشمية، في الزيارة الجامعة لسائر الأئمّة، في الردّ على الآثم
المعتدي المستهزئ بالإمام المهدي وما قال فيه من الشعر الردي، في الردّ على
الخصوم في قذف الإمام المعصوم.
تحقيق: رضا الرفيعي.
|
|
الحجم: وزيري.
عدد الصفحات: ٦٤٨.
نشر: مكتبة العلاّمة المجلسي
رحمهالله
، قم ـ
إيران.
* الإفتاء والتقليد والمواهب السنية والصوارم العقلية.
تأليف: الميرزا مهدي الإصفهاني (ت ٣٦٥هـ).
كتاب فقهي احتوى على ثلاث رسائل علمية، الرسالة الأولى
تضمّنت أبحاث أصولية فقهية أدلى فيها المصنّف بآرائه، حيث يعتقد أنّ الإفتاء
والتقليد يمثّل مقدّمة لعلم الأصول والفقه وحلقة وسيطة تربط المعارف العقائدية
مع الأحكام العملية والأخلاقية، كما تناول في الرسالة الثانية أهمّ شروط الفقاهة
في مذهب آل البيت عليهمالسلام في معرفة معاريض كلامهم وأحاديثهم عليهمالسلام ، وقد تناول في الرسالة الثالثة الردّ على آراء الشيخ
أحمد الأحسائي، وهي رسالة تشير إلى بحث
|
التورية والمعاريض وقد اشتملت كلّ من هذه الرسائل على
مقدّمة التحقيق وصور من النسخة الخطّية.
تحقيق: مؤسسّة معارف أهل البيت عليهمالسلام.
الحجم: وزيري.
عدد الصفحات: ٦٤٢.
نشر: مؤسّسة معارف أهل بيت
عليهمالسلام
، قم ـ
إيران.
* قواعد المرام في علم الكلام.
تأليف: كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني (من
أعلام القرن السابع).
كتاب في علم الكلام تصدّى به المصنّف إلى تبيين وشرح
أصول الدين الخمسة بأسلوب علمي رصين، وقد رتّبه على المنهج الذي سلكه فخر الدين
الرازي في كتابه (المحصّل) مع تهذيب لأقسامه، وتمييز بين أبحاثه، وقد جعل المعاد
بعد النبوّة وختم كتابه بالإمامة، ولكنّ السائد في مدرسة الحلّة هو وضع
|
|
الإمامة بعد النبوّة والختام بالمعاد.
اشتمل الكتاب على خطبة وثمان قواعد في: المقدّمات،
أحكام كلّية للمعلومات، حدوث العالم، إثبات العلم بالصانع وصفاته، في أفعاله ـ
تعالى ـ وأقسامها وأحكامها، النبوّة، المعاد، الإمامة.
وقد اعتمد في تحقيق الكتاب على خمس نسخ ذكرت في مقدّمة
التحقيق.
تحقيق: أنمار معاد المظفّر.
الحجم: وزيري.
عدد الصفحات: ٥٣٤.
نشر: قسم الشؤون الفكرية والثقافية التابع للعتبة
الحسينية ـ كربلاء المقدّسة ـ العراق.
كتب صدرت حديثاً
* مستدرك الكافي.
تأليف: د. علي عبد الزهرة الفحّام.
كتاب روائي جمع فيه المؤلّف
|
روايات ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني الرازي
الذي رويت عنه في غير كتاب الكافي، اهتماماً وتتبُّعاً منه لمنهجية تدوين السنّة
الشريفة وإبقاءً عليها بعد التحقّق من نسبة الرواية للشيخ الكليني، كما قدّم
دراسة عن مدرسة رواية الحديث وتدوين السنَّة الشريفة وترجمة الشيخ الكليني.
وقد اشتمل الكتاب على ثلاثة فصول في: مستدرك أصول
الكافي، مستدرك فروع الكافي، مستدرك روضة الكافي.
الحجم: وزيري.
عدد الصفحات: ٣٦٨.
نشر: قسم الشؤون الفكرية والثقافية للعتبة الحسينية ـ
كربلاء المقدّسة ـ العراق.
* فضائل أهل البيت عليهمالسلام
بين تحريف
المدوّنين وتناقض مناهج المحدّثين.
تأليف: الشيخ وسام برهان البلداوي.
|
|
كتاب روائي تناول فيه المؤلّف ذكر فضائل أهل البيت عليهمالسلام بدراسة لإثبات وقوع التحريف والتناقض في مصادر الحديث
وقواعده عند العامّة وأثر ذلك في فضائل أهل البيت
عليهمالسلام
، ونسب بعض
فضائلهم إلى بعض الصحابة زوراً وبهتاناً.
وقد اشتمل الكتاب على مقدّمة وخمسة فصول في:
السنّة النبوية المطهّرة وأهمّيتها ومراحل تدوينها
حتّى العصر العبّاسي، تدوين السنّة النبوية في العصر العبّاسي بين تدخّل السلطة
وتحريف المدوّنين، تناقضات مناهج المحدّثين واضطراب قواعد الجرح والتعديل عندهم،
بعض فضائل أهل البيت
عليهمالسلام
وموقف محدّثي
أهل السنّة منها، اختلال موازين أهل الحديث وتساهلهم المفرط في معالجة فضائل
الصحابة ... بعض فضائل أبي بكر وعمر أنموذجاً.
الحجم: وزيري.
عدد الصفحات: ٧١٩.
|
نشر: قسم الشؤون الفكرية والثقافية للعتبة الحسينية ـ
كربلاء المقدّسة ـ العراق.
* معجم إعراب ألفاظ رسالة الحقوق.
تأليف: محمّد جليل عبّاس.
هذا هو الكتاب الثاني من سلسلة المعاجم الإعرابية
لتراث أهل البيت عليهمالسلام ، بيّن فيه المؤلّف ماهية الحقوق وأهمّ المضامين
الرسالية الواردة فيها، ثمَّ عمد إلى نصوص الرسالة فعالجها ـ بعد أن طابقت
رواياتها في النسخة الواردة عنها ـ معالجة نحوية لغوية تسهم في فهم أفضل لمراد
الإمام عليهالسلام ومبتغاه وصولاً إلى كشف تراث أهل البيت عليهمالسلام الثرّ.
الحجم: وزيري.
عدد الصفحات: ٤٦٣.
نشر: الأمانة العامّة للعتبة الحسينية ـ كربلاء
المقدّسة ـ العراق.
|
|
* تفسير القرآن برواية الإمام علي ابن الحسين السجّاد
عليهالسلام.
تأليف: محمّد الحسناوي.
كتاب في تفسير القرآن الكريم جمع فيه المؤلّف الآيات
التي ورد تفسيرها عن الإمام السجّاد
عليهالسلام
في الكتب
الروائية والتفسيرية، ثمّ مرّ بها إرجاعاً إلى مصادرها، وقد ذكر أحاديث الإمام عليهالسلام في فضل القرآن وخواصّه، كما ذكر الأدعية الدالّة على
سيرة الإمام عليهالسلام أو المتضمّنة للآيات القرآنية باعتبارها مفسّرة لآيات
الكتاب، وقد ذكر في الخاتمة دعاء الإمام
عليهالسلام
في ختم
القرآن، وفرّق النصّ الوارد فيه عدّة آيات كلاًّ حسب مورده من الآيات مع بيان
بعض معاني المفردات الواردة في الأخبار ممّا يعين على فهم النصوص، وقد ترجم لبعض
رواة أحاديث الإمام عليهالسلام وأصحابه، وقد رتّب الكتاب على ترتيب سور القرآن
الكريم.
الحجم: وزيري.
|
عدد الصفحات: ٥٩٥.
نشر: الأمانة العامّة للعتبة الحسينية ـ كربلاء
المقدّسة ـ العراق.
* الإفصاح عن المتواري من أحاديث المسانيد والسُّنَن والصِّحاح ج(١ ـ ٢).
تأليف: الحاج محسن الخيّاط.
كتاب روائي عمد فيه المؤلّف إلى مصادر أهل السنّة
ليستخرج الغثّ والسمين من تلْكُم الروايات؛ مبيّناً في عرضها مدى الخرق الفاصل
والبون الحاصل بين مدرسة الحقّ والباطل بما أثّرت على تغيير مسار الأمّة في
اعتقاداتها وأعمالها وسائر شؤونها، كما ذكر أقوال العلماء وآراءهم رواية
ودرايةً؛ ليكون الأمر أقرب إلى الصواب.
اشتمل الكتاب على اثني عشر فصلا في: الذات الإلهية،
القرآن الكريم، الرسول الأكرم، أبو طالب عمّ النبي(صلى الله عليه وآله)،
الأنبياء، أمّهات المؤمنين، أبو بكر، عمر
|
|
ابن الخطّاب، عائشة، معاوية، صحابة النبي(صلى الله
عليه وآله)، الأكاذيب والتناقضات والتدليس.
الحجم: وزيري.
عدد الصفحات: ٥٧٢، ٦٢٢.
نشر: قسم الشؤون الفكرية والثقافية للعتبة الحسينية ـ
كربلاء المقدّسة ـ العراق.
* إلى استدراك الذريعة ج(١ ـ٢).
تأليف: السيّد محمّد الطباطبائي البهبهاني.
قام المؤلّف بتأليف فهرسة لمصنّفات الشيعة استدراكاً
على كتاب الذريعة لآقا بزرگ الطهراني ليسدّ به ما فات الشيخ من المصنّفات
الشيعية وأصلح ما جاء في الذريعة من أخطاء وقام بترتيب في فهرسة كتاب الذريعة،
وقد قدّم مقدّمة لعمله العلمي ليجعل القارىء على اطّلاع وعلم كامل بمحصوله وجهده
العلمي من هذه الفهرسة.
|
الحجم: وزيري.
عدد الصفحات: ٣٨٥، ٤١٨.
نشر: مجمع الذخائر الإسلامية ـ مركز كربلاء للدراسات
والبحوث ـ قم ـ إيران، كربلاء ـ العراق.
* مستدرك الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج (١ ـ ٢).
تأليف: السيّد أحمد الأشكوري.
فهرسة مهذّبة لكتاب الذريعة، قال المؤلّف في مقدّمته:
«وكنت أرى ضرورة هذا العمل لتَسَرُّب كثير من التصرّفات غير اللائقة إليها من
قبل المشرفين على طبعها، بالإضافة إلى بعض الهِنات غير المقصودة من الشيخ نفسه
التي وقع فيها لقلّة وسائل البحث للموضوع الذي تصدّى له في عصره وسعة أطراف ما
أراد القيام به وحده وبجهده الفردي، وقد أشرت إلى جملة منها في كتابي المطبوع
(على هامش الذريعة)».
ثمّ ذكر خطّة العمل وهي باختصار
|
|
كما يلي: تسمية الكتب بالأسماء الصحيحة، ذكر موضوع
الكتاب ولغته إلى جانب العنوان، اسم المؤلّف وما يشتهر به بشكل واحد عند تعدّد
مؤلّفاته، التعريف بالكتاب بالمقدار الضروري ، حذف الزوائد التي أشار إليها
الشيخ لأغراض خاصة أوّل الكتاب وآخره بما يميّزه عن مشابهه، ذكر محلّ النسخة،
إضافة عناوين جديدة لم يطّلع عليها الشيخ، حذف عناوين ليست للشيعة.
الحجم: وزيري.
عدد الصفحات: ٤١٢، ٧٢٢.
نشر: مجمع الذخائر الإسلامية ـ مركز كربلاء للدراسات
والبحوث ـ قم ـ إيران، كربلاء ـ العراق.
* أُصول وقواعد التفسير الموضوعي للقرآن.
تأليف: مازن شاكر التميمي.
يتناول الكتاب بحثاً منهجياً علمياً في أصول وقواعد
التفسير الموضوعي
|
للقرآن، فرّق فيه المؤلّف بين التفسير والتأويل،
مشيراً إلى أسس التفسير الموضوعي للقرآن وشروطه ونماذجه، حيث وقف على الكثير من
مهامّ التفسير التي يحتاجها المفسّر والباحث الطامح في الوصول إلى معالم
المنهجية التفسيرية الموضوعية وذلك تثبيتاً منه لمشروعية التفسير الموضوعي ودفعاً
لشبهة التفسير بالرأي.
اشتمل الكتاب على:
مقدّمة اللجنة العلمية، مقدّمة البحث، وخمسة فصول في:
كلّيات البحث، طرق البحث في القرآن الكريم، أُصول التفسير الموضوعي، قواعد
التفسير الموضوعي، نماذج من التفسير الموضوعي.
الحجم: وزيري.
عدد الصفحات: ٤٦٤.
نشر: قسم الشؤون الفكرية والثقافية التابعة للعتبة
الحسينية ـ كربلاء المقدّسة ـ العراق.
|
|
* الحائريّون.
تأليف: الشيخ رحيم قاسمي.
كتاب تراجم ذكر فيه المؤلّف تراجم من هاجر من العلماء
من إصفهان وتوابعها ونواحيها إلى كربلاء المقدّسة؛ لطلب العلوم الدينية والتلمّذ
بمدرسة أهل البيت عليهمالسلام تيمّناً بخامس أصحاب الكساء الحسين بن علي عليهماالسلام.
بدأ الكتاب بترجمة رائد الحركة الأصولية الوحيد
البهبهاني، وقد زوّد الكتاب بصور بعض العلماء ومؤلّفاتهم وإجازاتهم.
وقد ذكر في مقدّمة الكتاب عن تأليفه في تراجم من هاجر
من إصفهان إلى النجف الأشرف على مشرّفها أفضل التحية والسلام في خمس مجلّدات.
الحجم: وزيري.
عدد الصفحات: ٢٢٣.
نشر: مجمع الذخائر الإسلامية ومركز كربلاء للدراسات
والبحوث ـ قم ـ إيران، كربلاء المقدّسة ـ العراق.
|
* المفصَّل في تراجم الأعلام ج(١ ـ ٥).
تأليف: السيّد أحمد الحسيني.
كتاب من كتب التراجم عكف المؤلّف همّته في جمع
المعلومات عن العلماء المترجم لهم ورصدها وتنظيمها وترتيبها، والتزم ذكر ما يكون
له فائدة تاريخية علمية للباحث دون إطناب وإسهاب.
وقد سبر في لمّ شتاتها ووضع تلكم التراجم مرتّبةً على
سنيّ وفيات المترجَم لهم، وقد زوّد بعضها بصور شخصية للمترجم له، كما ألحق
بتراجمهم صوراً عن نسخة خطّهم وأشعارهم، كما زوّد الكتاب بفهارس عامّة.
الحجم: رحلي.
عدد الصفحات: ٤٤٢، ٤٤١، ٤٨٣، ٤٣٥، ٢٨٧.
نشر: مركز الذخائر الإسلامية ـ قم ـ إيران.
|
|
* معجم إعراب ألفاظ الصحيفة السجّادية ج(١ ـ ٣).
تأليف: محمّد جليل عبّاس.
مجهود أدبي علمي توجّه فيه المؤلّف إلى إعراب أدعية
الصحيفة السجّادية المعروفة بزبور آل محمّد(صلى الله عليه وآله)، وقد عدّه
المؤلّف أوّل كتاب في سلسلة المعاجم الإعرابية لتراث أهل البيت عليهمالسلام قائلاً: «عالجت فيه ما ورد من أدعية معالجة نحوية
لغوية تسهم ـ إن شاء الله ـ في فهم أفضل لمراد الإمام
عليهالسلام
ومبتغاه،
وصولاً إلى الكشف عن كنوز هذا التراث الإسلامي العظيم».
وهو إعراب تفصيلي يبدأ بالمفردة ضمن التركيب اللغوي
وينتهي بالجملة ومحلّها الإعرابي، كما تضمّن الكتاب شرحاً لغويّاً لألفاظ الأدعية
التي يصعب فهمها حيث اعتمد فيها على المصادر اللغوية وشروح الصحيفة السجّادية.
الحجم: وزيري.
عدد الصفحات: ٧٢٧، ٧٢٨، ٧٠٢.
|
نشر: الأمانة العامّة للعتبة الحسينية ـ كربلاء
المقدّسة ـ العراق.
* الإمام الحسين بن علي في الشعر العراقي الحديث.
تأليف: علي حسين يوسف.
كتاب أدبي عمد فيه المؤلّف إلى شعراء أرض الرافدين
ليبيّن أسلوباً شعريّاً رائعاً في تجسيد وتخليد واقعة الطفّ وتفجّعهم وتأثّرهم
بحقيقة تلْكُم الواقعة والمصاب الجلل، وذلك بدراسة موضوعية فنّية حيث عدّهم
بأنّهم الأجدر بأرضهم وواقعهم لينالوا قصبة السبق في نصرة قضية أبي الأحرار.
اشتمل الكتاب على المقدّمة، التمهيد، أوّلاً: الرثاء
في اللغة والاصطلاح، ثانياً: رثاء الإمام الحسين
عليهالسلام
، لمحة
تاريخيه، وعلى بابين في: الدراسة الموضوعية، الدراسة الفنية.
الحجم: وزيري.
|
|
عدد الصفحات: ٢٧١.
نشر: قسم الشؤون الفكرية والثقافية التابع للعتبة
الحسينية ـ كربلاء المقدّسة ـ العراق.
* المعجم المفصّل في أحوال الإمام السجّاد
عليهالسلام.
تأليف: رسول كاظم عبد السادة.
تناول المؤلّف حياة الإمام السجّاد علي بن الحسين عليهالسلام ليجعل منها معجماً مفصّلاً ملمّاً بجميع جوانب حياته عليهالسلام معتمداً على نصوص المصادر المعتمدة لدى الفريقين ليصبح
هذا الكتاب من نتاج مهرجان (تراتيل سجّادية) التي أقامته العتبة الحسينية
بمناسبة شهادة الإمام
عليهالسلام
في الخامس
والعشرين من محرّم الحرام سنة (١٤٣٨ هـ).
الحجم: وزيري.
عدد الصفحات: ١٠٨٨.
نشر: الأمانة العامّة للعتبة الحسينية ـ كربلاء
المقدّسة ـ العراق.
|
|