مقدّمة الكتاب

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله حمد الشّاكرين الذّاكرين ، المعترفين بجميل (١) آلائه وجزيل نعمائه ، المستبصرين بتبصيره (٢) المتذكّرين (٣) بتذكيره ، الّذين تأدّبوا بتثقيفه (٤) ، وتهذّبوا (٥) بتوفيقه ، واستضاءوا بأضوائه ، وتروّوا من أنوائه حتّى هجموا بالهداية إلى الدراية (٦) ، وعلموا بعد (٧) الجهالة ، واهتدوا بعد الضّلالة ، فلزموا القصد ، ولم يتعدّوا الحدّ ، فيقلّوا في موضع الإكثار ، ويطيلوا في مكان الاختصار ، ويمزجوا بين متباينين ، ويجمعوا بين متنافرين ، فربّ مصيب حرم في صوابه ترتيبه له في مراتبه وتنزيله في منازله ، فعدّ مخطئا ، وعن الرّشاد مبطئا. وصلى الله على أفضل بريّته وأكمل خليقته سيّدنا محمّد وآله الطّاهرين (٨) وسلّم.

أما بعد : فإنّني (٩) رأيت أن أملى كتابا متوسّطا في أصول الفقه (١٠) لا ينتهى بتطويل إلى الإملال (١١) ، ولا باختصار إلى الإخلال ، بل يكون

__________________

(١) ب : المعرفين لجميل.

(٢) ج : ـ بتبصيره.

(٣) ب وج : المذكرين.

(٤) الف : بتشفيقه.

(٥) ب : تهذبه.

(٦) ب : الدراية.

(٧) ب : + أبعد.

(٨) ب وج : + من عترته.

(٩) ج : فانى.

(١٠) ج : + و.

(١١) ج : الامتلال.


للحاجة سدادا وللبصيرة زنادا ، وأخصّ مسائل الخلاف بالاستيفاء والاستقصاء ، فإن مسائل الوفاق تقلّ الحاجة فيها إلى ذلك.

فقد وجدت بعض من أفرد في أصول (١) الفقه كتابا ، وإن كان قد أصاب في كثير من معانيه وأوضاعه ومبانيه ، قد شرد (٢) من (٣) قانون أصول الفقه وأسلوبها ، وتعدّاها كثيرا وتخطّاها ، فتكلم على حدّ العلم والظّن وكيف يولّد النّظر العلم ، والفرق بين وجوب المسبّب عن السّبب ، وبين حصول الشيء عند غيره على مقتضى العادة ، وما تختلف (٤) العادة وتتّفق ، والشّروط الّتي يعلم بها (٥) كون خطابه تعالى دالاّ على الأحكام وخطاب الرّسول عليه‌السلام ، والفرق بين خطابيهما بحيث يفترقان أو يجتمعان ، إلى غير ذلك من الكلام الّذي هو محض صرف خالص للكلام (٦) في أصول الدّين دون أصول الفقه.

فإن كان (٧) دعا إلى الكلام على هذه المواضع أنّ أصول الفقه (٨) لا تتم ولا تثبت إلاّ بعد ثبوت هذه الأصول ، فهذه العلّة تقتضي أن يتكلّم (٩) على سائر أصول الدّين من أوّلها إلى آخرها وعلى ترتيبها ، فإنّ أصول

__________________

(١) ب وج : لأصول.

(٢) ج : تشرد.

(٣) ب وج : عن.

(٤) ج : + فيه.

(٥) ب : ـ بها.

(٦) ج : في الكلام.

(٧) ب : ـ كان.

(٨) ج : ـ فان كان تا اينجا ، + مما.

(٩) ج : نتكلم.


الفقه مبنيّة على جميع أصول الدين مع التّأمّل (١) الصّحيح ، وهذا يوجب علينا أن نبتدئ في أصول الفقه بالكلام على حدوث الأجسام وإثبات المحدث وصفاته وجميع أبواب التّوحيد ، ثمّ بجميع (٢) أبواب التّعديل و(٣) النّبوّات ، ومعلوم أنّ ذلك ممّا لا يجوز فضلا عن أن يجب. والحجّة في إطراح الكلام على هذه الأصول هي (٤) الحجّة (٥) في إطراح الكلام على النّظر وكيفيّة توليده وجميع ما ذكرناه (٦).

وإذا كان مضى (٧) ذكر العلم والظّنّ (٨) في أصول الفقه اقتضى أن يذكر ما يولّد العلم ويقتضى (٩) الظّنّ ويتكلّم (١٠) في أحوال الأسباب وكيفية توليدها ، فألاّ اقتضانا (١١) ذكرنا (١٢) الخطاب الّذي هو العمدة في أصول الفقه والمدار عليه أن نذكر (١٣) الكلام في الأصوات و(١٤) وجميع أحكامها ، وهل الصّوت جسم أو صفة لجسم (١٥) أو عرض ؟ وحاجته إلى المحلّ (١٦) وما يولّده ، وكيفيّة توليده ، وهل الكلام معنى في النّفس أو هو جنس الصّوت أو معنى يوجد مع الصّوت ؟ على ما يقوله أبو عليّ. فما التّشاغل

__________________

(١) ج : تأمل.

(٢) ج : جميع.

(٣) ب : ـ بجميع أبواب التعديل و.

(٤) ج : متى.

(٥) ب وج : حجة.

(٦) ب : حكيناه.

(٧) ب : معنى.

(٨) ب : الظن والعلم.

(٩) ب : يفضي.

(١٠) ج نتكلم.

(١١) ج : اقتفتاتا.

(١٢) ب وج : ـ نا.

(١٣) ب : يذكر.

(١٤) ب : في.

(١٥) ب : بجسم.

(١٦) ب وج : محل.


بذلك كلّه إلاّ كالتّشاغل بما (١) أشرنا إليه ممّا تكلّفه ، وما تركه إلاّ كتركه (٢). والكلام في هذا الباب إنّما هو الكلام في أصول الفقه بلا واسطة من الكلام فيما هو أصول لأصول الفقه. و(٣) الكلام في هذا الفنّ إنّما هو مع (٤) من تقرّرت معه أصول الدّين (٥) وتمهّدت ، ثمّ تعدّاها إلى غيرها ممّا هو مبنىّ عليها. فإذا كان المخالف لنا مخالفا في أصول الدّين ، كما أنّه مخالف في أصول الفقه ، أحلناه (٦) على الكتب الموضوعة للكلام في أصول الدّين ، ولم نجمع له في كتاب واحد بين الأمرين.

ولعلّ القليل التّافه من مسائل أصول الفقه (٧) ، ممّا لم أملل (٨) فيه مسألة مفردة مستوفاة مستقلّة مستقصاة ، لا سيّما مسائله (٩) المهمّات الكبار. فأمّا الكلام في الإجماع فهو في الكتاب الشّافي والذّخيرة مستوفى. وكذلك (١٠) الكلام في الأخبار. والكلام في القياس والاجتهاد بسطناه وشرحناه في جواب مسائل أهل الموصل الأولى (١١).

وقد كنّا قديما أمللنا (١٢) قطعة من مسائل الخلاف في أصول الفقه ،

__________________

(١) ب وج : التشاغل فيما.

(٢) ج : لتركه.

(٣) ب : فانما هذا ، ج : وانما.

(٤) ج وب : يقع بين ، ودر حاشيه الف نيز : يقع بين (خ ل). بجاى هو مع.

(٥) ب : الفقه.

(٦) ج : أجبناه.

(٧) ج : الأصول الفقهية.

(٨) ب وج : لم أملك ، ودر حاشيه ب : ظ : لم أمل ، ص.

(٩) ب : مسائل.

(١٠) ب : كذا.

(١١) ج : الأول.

(١٢) ب : أملينا ، ج : أجبنا.


وعلّق عنّا دفعات لا تحصى من غير (١) كتاب يقرؤه (٢) المعلّق علينا من مسائل (٣) الخلاف على غاية (٤) الاستيفاء دفعات كثيرة. وعلّق عنّا كتاب العمدة (٥) مرارا لا تحصى. والحاجة مع ذلك إلى هذا الكتاب الّذي قد شرعنا فيه ماسّة تامّة ، والمنفعة به عامّة ، لأنّ طالب الحقّ من هذا العلم يهتدى بإعلامه عليه ، (٦) فيقع من قرب عليه. ومن يعتقد من الفقهاء مذهبا (٧) بعينه (٨) تقليدا أو إلفا في أصول الفقه ، ينتفع (٩) بما أوضحناه من نصرة ما يوافق فيه ، ممّا كان لا يهتدى إلى نصرته وكشف قناع حجّته ، ولا يجده في كتب موافقيه ومصنّفيه ويستفيد أيضا فيما يخالفنا فيه ، إنّا حرّرنا في هذا الكتاب شبهه (١٠) الّتي هي عنده حجج وقرّرناها ، وهذّبناها (١١) ، وأظهرنا من معانيها (١٢) ودقائقها ما كان مستورا ، وإن كنّا من بعد عاطفين على نقضها وإبانة فسادها ، فهو على كلّ حال متقلّب بين فائدتين متردّدتين منفعتين.

فهذا الكتاب إذا أعان الله تعالى على إتمامه وإبرامه ، كان بغير نظير (١٣) من الكتب المصنّفة في هذا الباب. ولم نعن (١٤) في تجويد (١٥) وتحرير وتهذيب ، فقد يكون ذلك فيما سبق إليه من المذاهب والأدلّة ،

__________________

(١) ب : ـ غير.

(٢) ب : يقرى و.

(٣) ب : المسايل.

(٤) الف : ية.

(٥) ج : العمد.

(٦) ب وج : إليه.

(٧) ب : مذهبنا.

(٨) ب : + اتفاقا.

(٩) ب : تنتفع.

(١٠) ج : شبهته.

(١١) ب : هديناها.

(١٢) ب : روايتها.

(١٣) الف : نضير.

(١٤) ب وج : يعن.

(١٥) ب : تجريد.


وإنّما أردنا (١) أنّ مذاهبنا في أصول الفقه ما اجتمعت لأحد من مصنّفي كتب أصول الفقه. و(٢) على هذا فغير ممكن أن يستعان بكلام أحد من مصنّفي الكلام في هذه الأصول ، لأنّ الخلاف في المذاهب والأدلّة والطرق والأوضاع يمنع (٣) من ذلك ، ألا ترى (٤) أنّ الكلام في الأمر والنّهى الغالب على مسائله والأكثر والأظهر أخالف (٥) القوم فيه ، والعموم والخصوص فخلافيّ لهم ، وما (٦) يتفرّع عليه أظهر ، وكذلك (٧) البيان والمجمل والإجماع والأخبار والقياس والاجتهاد ممّا خلافيّ (٨) جميعه أظهر من أن (٩) يحتاج إلى إشارة ، فقد تحقّق استبداد (١٠) هذا الكتاب بطرق مجددة (١١) لا استعانة عليها بشيء من كتب القوم المصنّفة في هذا الباب. وما توفيقنا إلاّ بالله تعالى.

وقد سمّيته (١٢) بالذّريعة إلى (١٣) أصول الشّريعة ، لأنّه سبب ووصلة إلى علم (١٤) هذه الأصول. وهذه اللّفظة في اللّغة العربيّة وما تتصرّف إليه تفيد هذا المعنى الّذي أشرنا إليه ، لأنّهم يسمّون الحبل الّذي يحتبل به

__________________

(١) ج : أوردنا.

(٢) ب : ـ و.

(٣) ب وج : تمنع.

(٤) ب : يرى.

(٥) ظ : خالف

(٦) ج : فيما.

(٧) ب : كذا.

(٨) ج : + في.

(٩) ب وج : + يكون.

(١٠) ب : استبدا.

(١١) ب : محردة.

(١٢) ب وج : وسمته.

(١٣) ب : في.

(١٤) ب : ـ علم.


الصّائد الصّيد (١) ذريعة ، واسم الذّراع من هذا المعنى اشتقّ ، لأنّ بها يتوصّل إلى الأغراض والأوطار ، (٢) والذّراع أيضا صدر القناة. وذرع القيء (٣) إذا غلب ، وبلغ من صاحبه الوطر. فبان أنّ التّصرّف يعود إلى المعنى (٤) الّذي ذكرناه. وما توفيقنا إلاّ بالله عليه توكّلنا وإليه ننيب (٥).

باب الكلام في الخطاب وأقسامه وأحكامه

اعلم أنّ الكلام في أصول الفقه إنّما هو على الحقيقة كلام (٦) في أدلّة الفقه ، يدلّ عليه أنّا إذا تأمّلنا ما يسمّى بأنّه أصول الفقه ، وجدناه لا يخرج من أن يكون موصلا إلى العلم بالفقه أو (٧) متعلّقا به وطريقا إلى ما هذه صفته ، والاختبار يحقّق (٨) ذلك. ولا يلزم على ما ذكرناه (٩) أن تكون (١٠) الأدلّة والطّرق إلى أحكام فروع الفقه الموجودة في كتب الفقهاء أصولا للفقه ، لأنّ الكلام في أصول الفقه إنّما هو كلام في كيفيّة دلالة ما يدلّ من هذه الأصول على الأحكام على طريق الجملة دون التّفصيل ، وأدلّة

__________________

(١) ب : ـ الصيد.

(٢) ج : أوطاء.

(٣) ب : + و.

(٤) ب وج : ـ المعنى.

(٥) ب وج : أنيب.

(٦) ب : كلامه.

(٧) ب : و.

(٨) ب : فالاختيار تحقق.

(٩) ب : + من.

(١٠) ب وج : يكون.


الفقهاء إنّما هي على تعيين المسائل ، والكلام في الجملة غير الكلام في التّفصيل.

وإذا كان مدار الكلام في أصول الفقه إنّما هو على الخطاب وجب أن نبدأ بذكر أحكام الخطاب.

والخطاب (١) هو الكلام إذا وقع على بعض الوجوه ، وليس كلّ كلام خطابا ، وكلّ خطاب كلام. والخطاب يفتقر في كونه كذلك إلى إرادة المخاطب لكونه خطابا لمن هو خطاب له ومتوجّها (٢) إليه والّذي يدلّ على ذلك أنّ الخطاب قد يوافقه (٣) في جميع صفاته من وجود وحدوث وصيغة (٤) وترتيب (٥) ما ليس بخطاب ، فلا بدّ من أمر زائد به كان خطابا ، وهو قصد المخاطب. ولهذا قد يسمع كلام الرّجل جماعة (٦) ويكون الخطاب (٧) لبعضهم دون بعض لأجل القصد الّذي أشرنا إليه المخصّص لبعضهم من (٨) بعض ، ولهذا جاز أن يتكلّم النّائم ، ولم يجز أن يخاطب ، كما لم يجز أن يأمر وينهى.

(٩) وينقسم الخطاب (١٠) إلى قسمين. مهمل ومستعمل. فالمهمل : ما لم يوضع

__________________

(١) ج : ـ الخطاب. در هامش ب در اينجا نوشته است : تعريف الخطاب.

(٢) ب وج : ومتوجه.

(٣) ب : توافقه.

(٤) ج : صفة.

(٥) ج : + و.

(٦) ج : جماعته.

(٧) ب وج : خطابا.

(٨) ج وب : دون ، والف نيز (خ ل).

(٩) در هامش ب در اينجا نوشته است : أقسام الخطاب.

(١٠) الف در متن : الكلام ، ودر هامش : الخطاب.


في اللّغة الّتي أضيف أنّه مهمل إليها لشيء (١) من المعاني ، والفوائد. و(٢) أمّا المستعمل : فهو الموضوع لمعنى ، أو فائدة. وينقسم إلى قسمين.

أحدهما : ما له معنى صحيح وإن كان لا يفيد فيما سمّى به كنحو الألقاب مثل قولنا : زيد وعمرو ، وهذا القسم (٣) جعله القوم بدلا من الإشارة ولهذا لا يستعمل في الله تعالى. والفرق بينه وبين المفيد أنّ اللّقب يجوز تبديله وتغييره (٤) ، واللّغة على ما هي عليه ، والمفيد لا يجوز ذلك فيه. ولهذا (٥) كان الصّحيح أنّ لفظة شيء (٦) ليست لقبا ، بل (٧) من (٨) قسم مفيد (٩) الكلام ، لأنّ تبديلها وتغييرها لا يجوز ، واللّغة على ما هي عليه.

وإنّما لم تفد لفظة شيء ، لاشتراك جميع المعلومات في معناها ، فتعذّرت (١٠) فيها طريقة الإبانة والتّمييز. فلأمر يرجع إلى غيرها لم (١١) تفد ، واللّقب لا يفيد لأمر (١٢) يرجع إليه.

والقسم الثّاني من القسمة المتقدّمة : هو المفيد الّذي يقتضى الإبانة. وهو على ثلاثة أضرب. أحدها : أن يبيّن (١٣) نوعا من نوع ، كقولنا :

__________________

(١) ج : بشيء.

(٢) ب : ـ و.

(٣) الف : الاسم.

(٤) ب : تعيين ، ودر حاشيه تعيينه ، وج تغييره وتبديله.

(٥) ب وج : فلهذا.

(٦) ب : شيا.

(٧) ج : + هي.

(٨) ب : هو.

(٩) ج : مفيدا.

(١٠) ب : فتعددت.

(١١) ب : ثم.

(١٢) ب : لا يفسد لشيء.

(١٣) بنيتن.


لون ، وكون ، واعتقاد ، وإرادة. وثانيها : أن يبيّن (١) جنسا من جنس كقولنا : جوهر ، وسواد ، وحياة ، وتأليف. وثالثها : أن يبيّن عينا من عين كقولنا : عالم ، وقادر ، وأسود ، وأبيض.

البحث في الحقيقة والمجاز (٢)

وينقسم المفيد من الكلام إلى ضربين : حقيقة ومجاز. فاللّفظ الموصوف بأنّه حقيقة هو ما أريد به ما وضع ذلك اللّفظ لإفادته إمّا في لغة ، أو عرف ، أو شرع. ومتى تأمّلت ما حدّت به الحقيقة (٣) وجدت (٤) ما ذكرناه أسلم وأبعد من القدح (٥). وحدّ المجاز (٦) هو اللّفظ الّذي أريد به ما لم يوضع لإفادته في لغة ، ولا عرف ، ولا شرع.

ومن حكم الحقيقة وجوب حملها على ظاهرها إلاّ (٧) بدليل. والمجاز بالعكس من ذلك ، بل يجب حمله على ما اقتضاه الدليل. والوجه في ثبوت هذا الحكم للحقيقة أنّ المواضعة قد جعلت ظاهرها للفائدة المخصوصة ، فإذا خاطب الحكيم قوما بلغتهم وجرّد كلامه عمّا يقتضى

__________________

(١) ج : نتبين.

(٢) اين عنوان از مصحح است ، ودر هيچيك از نسخ نيست ، تنها در حاشيه نسخه الف است « في الحقيقة والمجاز ».

(٣) ب : ـ به الحقيقة ، ج : + و.

(٤) ب : وحدث.

(٥) ج وب ونسخه بدل الف : القدوح.

(٦) ب : + و.

(٧) ج : لا.


العدول عن ظاهره ، فلا بدّ من أن يريد به (١) ما تقتضيه (٢) المواضعة في تلك اللّفظة الّتي استعملها.

ومن شأن الحقيقة أن تجري (٣) في كلّ موضع تثبت (٤) فيه فائدتها من غير تخصيص ، إلاّ أن يعرض عارض سمعيّ يمنع (٥) من (٦) ذلك. هذا إن (٧) لم يكن في الأصل تلك الحقيقة وضعت لتفيد (٨) معنى في جنس دون جنس ، نحو قولنا : أبلق ، فإنّه يفيد اجتماع لونين مختلفين في بعض الذّوات (٩) دون بعض ، لأنّهم يقولون : فرس أبلق ، ولا يقولون : ثور (١٠) أبلق.

وإنّما أوجبنا اطّراد الحقيقة في فائدتها ، لأنّ المواضعة تقتضي (١١) ذلك ، والغرض فيها لا يتمّ إلاّ بالاطّراد ، فلو لم تجب (١٢) تسمية (١٣) كلّ من فعل الضّرب بأنّه ضارب ، لنقض ذلك القول بأنّ أهل اللّغة إنّما سمّوا (١٤) الضّارب ضاربا ، لوقوع هذا الحدث المخصوص الّذي هو الضّرب منه.

__________________

(١) ب : ـ به.

(٢) ب وج : يقتضيه.

(٣) الف : يجري.

(٤) ب : يثبت.

(٥) ب : بمنع.

(٦) ب : ـ من.

(٧) ب : إذا.

(٨) ج : ليفيد.

(٩) ج : الدواب.

(١٠) الف : ثوب (خ ل).

(١١) ج : يقتضى.

(١٢) ج : يجب.

(١٣) ج : تسميتها.

(١٤) ب وج : يسمون.


و(١) إنّما استثنينا المنع السّمعيّ (٢) لأنّه ربما عرض في إجراء الاسم على بعض ما فيه فائدته مفسدة ، فيقبح إجرائه ، فيمنع (٣) السّمع منه ، كما قلنا في تسميته تعالى بأنّه فاضل (٤).

واعلم أنّ الحقيقة يجوز أن يقلّ استعمالها ، ويتغيّر حالها فيصير (٥) كالمجاز. وكذلك المجاز غير ممتنع أن يكثر استعماله في العرف (٦) فيلحق بحكم الحقائق وإنّما قلنا ذلك ، من حيث كان (٧) إجراء هذه (٨) الأسماء على فوائدها في الأصل ليس بواجب ، وإنّما هو بحسب الاختيار ، وإذا صحّ في أصل اللّغة التّغيير والتّبديل ، فكذلك (٩) في فرعها (١٠) ، والمنع من جواز ذلك متعذّر. وإذا كان جائزا ، فأقوى ما ذكر في وقوعه وحصوله أنّ قولنا : غائط (١١) ، كان في الأصل اسم للمكان المطمئنّ (١٢) من الأرض ، ثمّ (١٣) غلب عليه الاستعمال العرفيّ ، فانتقل إلى الكناية عن قضاء الحاجة والحدث المخصوص ، ولهذا لا يفهم من إطلاق هذه اللّفظة في العرف إلاّ ما ذكرناه ، دون ما كانت

__________________

(١) ج : ـ و.

(٢) ب : المسمى.

(٣) ب : فيمتنع.

(٤) ب : واصل.

(٥) ب : فتصير.

(٦) ج : العرب.

(٧) ج : ـ كان.

(٨) ج : هذا.

(٩) ب : فلذلك+ قال.

(١٠) ج : عرفها.

(١١) ج : غاية.

(١٢) الف : المطمئن.

(١٣) ب : ـ ثم.


عليه في الأصل. وأمّا استشهادهم على ذلك بالصّلاة والصّيام ، وأنّ المفهوم في الأصل من لفظة (١) الصّلاة الدّعاء ، ثمّ صار بعرف الشّرع المعروف سواه ، وفي (٢) الصّيام الإمساك ، ثمّ صار في الشّرع لما كان (٣) يخالفه ، فإنّه يضعف ، من حيث أمكن يقال إنّ ذلك ليس بنقل ، وإنّما هو تخصيص ، وهذا غير ممكن في لفظة (٤) الغائط (٥).

وأقوى ما يعرف به كون اللّفظ حقيقة (٦) هو نصّ أهل اللّغة ، وتوقيفهم على ذلك ، أو يكون معلوما من حالهم ضرورة.

ويتلوه في القوّة أن يستعملوا اللّفظ (٧) في بعض الفوائد ، ولا يدلّونا على أنّهم متجوّزون بها مستعيرون لها ، فيعلم (٨) أنّها حقيقة ، ولهذا نقول : إنّ (٩) ظاهر استعمال أهل اللّغة اللّفظة في شيء دلالة (١٠) على أنّها حقيقة فيه إلاّ أن ينقلنا ناقل عن هذا الظّاهر.

وقد قيل فيما يعرف به الحقيقة أشياء (١١) غيرها (١٢) عليها ـ إذا تأمّلتها (١٣)

__________________

(١) ب : لفظ.

(٢) ب وج : من.

(٣) ب وج : كأنه.

(٤) ب : لفظ ، وج : لفظه.

(٥) ج : الغاية.

(٦) ب : + و. در هامش ب در اينجا نوشته است : ما به تعرف الحقيقة.

(٧) ب : اللفظة.

(٨) ب وج : فتعلم.

(٩) ج : + في.

(١٠) ج : دالة.

(١١) ب : أشياء ، ج : شيئا.

(١٢) ب وج : ـ غيرها.

(١٣) ب وج : تأملت.


حقّ التّأمّل ـ طعن ، وفيها قدح. وما ذكرناه أبعد من الشّبهة (١).

ويمضى في الكتب كثيرا أنّ المجاز لا يجوز استعماله إلاّ في الموضع الّذي استعمله (٢) فيه أهل اللّغة من غير تعدّ له. ولا بدّ من تحقيق هذا الموضع فإنّه تلبيس (٣).

والّذي يجب ، أن يكون المجاز مستعملا فيما استعمله فيه (٤) أهل اللّغة أو في نوعه وقبيله. ألا ترى أنّهم لمّا حذفوا المضاف ، وأقاموا المضاف إليه مقامه في قوله تعالى : واسأل القرية الّتي كنّا فيها والعير الّتي أقبلنا (٥) فيها ، أشعرونا بأنّ حذف المضاف توسّعا جائز ، فساغ لنا أن نقول سل المنازل الّتي نزلناها ، والخيل الّتي ركبناها ، على هذه الطّريقة في الحذف. ولمّا وصفوا (٦) البليد (٧) بأنّه حمار تشبيها له به (٨) في البلادة ، والجواد بالبحر تشبيها له به في كثرة عطائه ، جاز أن نصف البليد بغير ذلك من الأوصاف المنبئة (٩) عن عدم الفطنة ، فنقول : إنّه صخرة ، وإنّه جماد ، وما أشبه ذلك. ولمّا أجروا (١٠) على الشّيء

__________________

(١) ب وج : الشبه.

(٢) ج : استعماله. در هامش ب در اينجا نوشته است : تحقيق معنى قولهم : المجاز لا يستعمل في غير مواضعه.

(٣) ب : متلبس ، وج : ملتبس.

(٤) ب : ـ فيه.

(٥) ج : + ها.

(٦) ج : وضعوا.

(٧) ب : البلد.

(٨) ج : ـ به.

(٩) ب : المبنية ، وج : المبينة.

(١٠) الف : أخروا.


اسم ما قارنه (١) في بعض المواضع ، فقلنا مثل (٢) ذلك للمقارنة (٣) في موضع آخر. ألا ترى أنّهم قالوا (٤) سل القرية في قرية معيّنة ، وتعدّيناها إلى غيرها بلا شبهة للمشاركة في المعنى. وكذلك في النّوع والقبيل. وليس هذا هو القياس في اللّغة (٥) المطرح ، كما لم يكن ذلك قياسا في تعدّى العين الواحدة في القرية.

وبعد فإنّا نعلم أنّ ضروب المجازات الموجودات (٦) الآن في اللّغة لم يستعملها القوم ضربة واحدة (٧) في حال واحدة ، بل في زمان بعد زمان ، ولم يخرج من استعمل (٨) ذلك ـ ما لم يكن بعينه مستعملا ـ عن قانون اللّغة ، فكذلك (٩) ما ذكرناه.

واعلم أنّ الخطاب إذا انقسم إلى لغويّ ، وعرفيّ ، وشرعيّ ، وجب بيان مراتبه وكيفيّة تقديم بعضه على بعض ، حتّى يعتمد ذلك فيما يرد منه تعالى من الخطاب.

وجملة القول فيه أنّه إذا ورد منه تعالى خطاب ، وليس فيه عرف ، ولا شرع ، وجب حمله على وضع اللّغة لأنّه الأصل.

__________________

(١) ب وج : قاربه.

(٢) ب : بمثل.

(٣) ب وج : للمقاربة.

(٤) ب : قالوا ، وبجاى سل ، سيل است.

(٥) ب : في اللغة.

(٦) ج : الموجودة.

(٧) الف : + و.

(٨) ج : + من.

(٩) ج : فلذلك


فإن كان فيه وضع ، وعرف ، وجب حمله على العرف دون أصل الوضع ، لأنّ العرف طار على أصل الوضع ، وكالنّاسخ له والمؤثّر فيه.

فإذا كان هناك (١) وضع ، وعرف ، وشرع ، وجب حمل الخطاب على الشّرع دون الأمرين المذكورين. للعلّة (٢) التي ذكرناها. ولأنّ الأسماء (٣) الشّرعيّة صادرة عنه (٤) تعالى ـ ، فتجري مجرى الأحكام في أنّه لا يتعدّى (٥) عنها.

واعلم أنّ النّاس قد طوّلوا في أقسام الكلام ، وأورد بعضهم في أصول الفقه ما لا حاجة إليه.

وأحصر (٦) ما قسّم الكلام المفيد إليه ، أنّه أمّا أن يكون خبرا أو ما معناه معنى الخبر. وعند التأمّل يعلم دخول جميع (٧) أقسام الكلام تحت ما ذكرناه. لأنّ الأمر من حيث دلّ على أنّ الآمر مريد للمأمور به ، كان في معنى الخبر. والنّهى إنّما كان نهيا لأنّ النّاهي كاره لما نهى عنه ، فمعناه معنى الخبر. ولأنّ المخاطب غيره إمّا أن يعرّفه حال نفسه ، أو حال غيره ، وتعريفه حال غيره يكون بالخبر دون الأمر ، وتعريفه حال نفسه يكون بالأمر والنّهى ، وإن (٨) جاز أن يكون بالخبر.

__________________

(١) ب : هنالك.

(٢) ج : للقلة.

(٣) ج : أسماء.

(٤) ج : عن.

(٥) ج وب : معدل ، والف نيز (خ ل).

(٦) ب وج : أخصر.

(٧) ب : جميع.

(٨) ج : فان.


واعلم أنّ المفيد من الأسماء إمّا أن يختصّ بعين واحدة ولا يتعدّاها ، أو يكون مفيدا لما زاد عليها. فمثال الأوّل قولنا (١) : إله وقديم وما جرى مجرى ذلك ممّا يختصّ به القديم تعالى ولا يشاركه (٢) فيه غيره. فأمّا ما يفيد (٣) أشياء كثيرة فينقسم (٤) إلى قسمين : إمّا أن يفيد في الجميع فائدة واحدة ، أو (٥) أن يفيد (٦) فوائد مختلفة ، فمثال الأوّل قولنا : لون ، وإنسان. ومثال الثاني قولنا (٧) : قرأ (٨) ، وعين ، وجارية.

ومن خالف في جواز وقوع الاسم على مختلفين أو على ضدّين (٩) ، لا يلتفت إلى خلافه ، لخروجه عن الظاهر من مذهب أهل اللّغة.

و(١٠) اعلم أنّه غير ممتنع أن يراد باللفظة الواحدة في الحال الواحدة (١١) من المعبّر (١٢) الواحد المعنيان المختلفان. وأن يراد بها أيضا الحقيقة والمجاز. بخلاف ما حكى عمّن خالف في ذلك من أبي هاشم وغيره. والّذي يدلّ على صحّة ما ذكرناه أنّ ذلك لو كان ممتنعا لم يخل امتناعه (١٣) من أن يكون

__________________

(١) ج : ـ قولنا.

(٢) الف : تشاركه.

(٣) الف : تفيد.

(٤) الف : فتنقسم.

(٥) ب : و.

(٦) الف : تفيد.

(٧) ج : قولنا.

(٨) ب : فرد ، ج : قرو.

(٩) ج : + و.

(١٠) ب وج : ـ و.

(١١) الف : ـ في الحال الواحدة.

(١٢) ب وج : المعتبر.

(١٣) ب : اتساعه.


لأمر يرجع إلى المعبّر (١) ، أو لما يعود إلى العبارة ، وما يستحيل لأمر (٢) يرجع إلى المعبّر (٣) ، تجب (٤) استحالته مع فقد العبارة ، كما أنّ ما صحّ لأمر يعود إليه ، تجب (٥) صحّته مع ارتفاع العبارة ، وقد علمنا أنّه يصحّ من أحدنا أن يقول لغيره لا تنكح ما نكح أبوك ، ويريد به لا تعقد على من عقد عليه ولا (٦) من وطئه. ويقول أيضا لغيره إن لمست امرأتك فأعد الطهارة ، ويريد به (٧) الجماع واللّمس باليد. وإن كنت محدثا فتوضّأ (٨) ، ويريد (٩) جميع الأحداث. وإذا جاز أن يريد الضدين في الحالة الواحدة ، فأجوز منه أن يريد المختلفين. فأما العبارة فلا مانع من جهتها يقتضى تعذّر ذلك ، لأنّ المعنيين المختلفين قد جعلت هذه العبارة في وضع اللّغة عبارة عنهما ، فلا مانع (١٠) من (١١) أن يرادا بها. وكذلك (١٢) إذا استعملت هذه اللّفظة في أحدهما (١٣) مجازا (١٤) شرعا أو عرفا ، فغير ممتنع أن يراد بالعبارة الواحدة ، لأنّه لا تنافي ولا تمانع (١٥).

__________________

(١) ب وج : المعتبر.

(٢) ب : الأمر.

(٣) ب وج : المعتبر ، الف : + بحيث.

(٤) ب وج : يجب.

(٥) ب وج : يجب.

(٦) ب وج : + على.

(٧) ب وج : ـ به.

(٨) ب : فتوض.

(٩) ب : + به.

(١٠) ب وج : + يمنع.

(١١) ج : ـ من.

(١٢) ب : فكذلك.

(١٣) ب : إحداهما.

(١٤) ب وج : + أو.

(١٥) ب وج : مانع.


وإنّما لا يجوز أن يريد باللّفظة الواحدة (١) الأمر والنّهى ، لتنافي موجبيهما ، لأنّ الأمر يقتضى إرادة المأمور به ، والنّهى يقتضى كراهة (٢) المنهيّ عنه ، ويستحيل أن يكون مريدا كارها للشّيء الواحد على الوجه الواحد. وكذلك لا يجوز أن يريد باللّفظة الواحدة الاقتصار على الشّيء وتعدّيه ، لأنّ ذلك يقتضى أن يكون مريدا للشّيء وأن لا يريده.

وقولهم لا (٣) يجوز أن يريد باللّفظة الواحدة استعمالها فيما وضعت له والعدول بها (٤) عمّا وضعت له ، ليس بصحيح ، لأنّ المتكلّم بالحقيقة والمجاز ليس يجب أن يكون قاصدا إلى ما وضعوه وإلى (٥) ما لم يضعوه ، بل يكفي في كونه متكلّما بالحقيقة ، أن يستعملها فيما وضعت له في اللّغة ، وهذا القدر كاف في كونه (٦) متكلّما باللّغة ، من غير حاجة إلى قصد استعمالها فيما وضعوه. وهذه الجملة كافية في إسقاط (٧) الشبهة.

واعلم أنّ الغرض في أصول الفقه التي بيّنّا أنّ مدارها إنّما (٨) هو على الخطاب ـ وقد ذكرنا مهمّ (٩) أقسامه ، وما لا بدّ منه من أحواله. ـ لمّا كان لا بدّ فيه من (١٠) العلم بأحكام الأفعال ، ليفعل ما يجب فعله ، ويجتنب

__________________

(١) ب وج : باللفظ الواحد.

(٢) ب وج : كراهية.

(٣) ب : الا.

(٤) ب : ـ بها.

(٥) ب : ولا.

(٦) ب : ـ القدر كاف في كونه.

(٧) ب : ـ الجملة كافية في إسقاط ، وج : + هذه.

(٨) ب وج : ـ انما.

(٩) ج : مهمهم.

(١٠) ب وج : ـ لا بد فيه من.


ما يجب اجتنابه ، وجب أن (١) نشير (٢) إلى العلم ما هو ، و(٣) ما يشتبه (٤) به من الظّنّ ، وما يقتضى كلّ واحد منهما من دلالة أو أمارة بأخصر قول ، فإنّ الجمل (٥) المعقولة في هذه المواضع (٦) كافية.

فأمّا الأفعال وأحكامها ومراتبها ، فسيجيء (٧) القول فيه من هذا الكتاب عند الكلام على أفعال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وكيفيّة دلالتها بإذن الله تعالى (٨) ومشيّته.

واعلم أنّ العلم ما اقتضى سكون النّفس. وهذه حالة معقولة يجدها الإنسان من نفسه عند المشاهدات ، ويفرّق فيها (٩) بين خبر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ (١٠) زيدا في الدّار وخبر غيره. غير (١١) أنّ ما (١٢) هذه حاله ، لا بدّ من كونه اعتقادا يتعلّق بالشّيء على ما هو به. و(١٣) إن لم يجز (١٤) إدخال ذلك في حدّ العلم ، لأنّ الحدّ يجب أن يميّز (١٥) المحدود ، ولا (١٦) يجب أن يذكر في جملة ما يشاركه فيه ما خالفه. ولئن جاز لنا أن

__________________

(١) ج : ـ ان.

(٢) ب : يشير.

(٣) الف : ـ و.

(٤) ج : يشبهه.

(٥) ب : الحمل.

(٦) ب وج : هذا الموضع.

(٧) ج : فيجيء.

(٨) ج : ـ تعالى.

(٩) ب : فيما.

(١٠) ب : ان.

(١١) ب وج : ـ غير.

(١٢) ب : + في.

(١٣) ب : ـ و.

(١٤) ج : تجز.

(١٥) ب : يتميز ، ج : تميز.

(١٦) الف : فلا ، (خ ل) ، ونيز در ب وج.


نقول في حدّ العلم : إنّه (١) اعتقاد للشّيء على ما هو به مع سكون النّفس. ونعتذر (٢) ، بأنّا أبنّاه ، بقولنا اعتقاد ، من سائر الأجناس. وبتناوله (٣) المعتقد على ما هو به ، من الجهل. وبسكون النّفس ، من التّقليد. فألاّ جاز أن نقول (٤) في حدّه عرض (٥) ، لبيّنه (٦) عن (٧) الجوهر. ويوجب حالا للحيّ ، لبينه (٨) ممّا يوجب حالا للمحلّ. ويحلّ القلب ولا يوجد إلاّ فيه ، لبينه (٩) ممّا يحلّ الجوارح.

والعلم ينقسم إلى (١٠) قسمين. أحدهما : لا يتمكّن العالم به (١١) من نفيه (١٢) عن نفسه (١٣) بشبهة (١٤) إن انفرد ، وإن شئت قلت لأمر يرجع إليه ، وإن شئت قلت على حال من الحالات. والقسم الآخر : يتمكّن من نفيه عن نفسه على بعض الوجوه. والقسم الأوّل على ضربين. أحدهما (١٥) : مقطوع على أنّه علم ضروريّ و(١٦) من فعل الله تعالى فينا ، كالعلم بالمشاهدات وكلّ ما (١٧) يكمل به العقل من العلوم. والقسم الثّاني :

__________________

(١) ب وج : بأنه.

(٢) ب وج : يعتذر.

(٣) الف : يتناوله ، وج : تناوله.

(٤) ب وج : يقول.

(٥) ب : ـ عرض.

(٦) ج : لنبينه.

(٧) ب وج : من.

(٨) ب : وبنيته ، وج : لنبينه.

(٩) ب : لبنيته ، وج : لنبينه.

(١٠) ب : ـ إلى.

(١١) ب : ـ به.

(١٢) ب : نفسه.

(١٣) ج : نفعه.

(١٤) ب وج : لشبهة.

(١٥) ب : إحداهما.

(١٦) ب : ـ و.

(١٧) ج : كلما.


مشكوك فيه ويجوز أن يكون ضروريّا و(١) من فعل الله (٢) فينا ، كما يجوز أن يكون من فعلنا ، كالعلم بمخبر الإخبار عن (٣) البلدان والحوادث الكبار. وهذا ممّا (٤) يستقصى في الكلام على الأخبار من هذا الكتاب بعون الله ومشيئته. و(٥) إنّما شرطنا ما ذكرناه من الشروط ، احترازا من العلم المكتسب إذا قارنه علم ضروريّ ، ومتعلّقهما واحد. وأمّا العلم الّذي يمن نفيه عن العالم على الشروط الّذي ذكرناها ، فهو مكتسب ، ومن شأنه أن يكون من فعلنا ، لا من فعل غيرنا فينا (٦). وما بعد هذا من أقسام العلوم الضروريّة ، وما يتفرّع عليه (٧) ، غير محتاج إليه في هذا الكتاب.

والنّظر في الدّلالة على الوجه الّذي (٨) يدلّ عليه ، يجب عنده العلم و(٩) يحصل لا محالة. وهذا القدر كاف لمن ينظر في أصول الفقه ، و(١٠) لا حاجة به ماسّة لا يتمّ ما قصده من أصول الفقه إلاّ بها ، إلى (١١) أن يحقّق (١٢) كيفيّة كون النّظر سببا للعلم وشروط (١٣) توليده.

__________________

(١) ب : ـ و.

(٢) ج : + تعالى.

(٣) ب : على.

(٤) ج : انما.

(٥) ب : ـ و.

(٦) ب : ـ فينا.

(٧) ب وج : إليه.

(٨) ب وج : ـ الّذي.

(٩) ب : + لا.

(١٠) ب : ـ و.

(١١) الف : إلاّ

(١٢) ب : يتحقق.

(١٣) ب : فشروط.


و(١) أمّا الظّنّ فهو ما يقوّى كون ما ظنّه على ما يتناوله الظنّ ، وإن جوّز خلافه. فالّذي (٢) يبيّن به الظّنّ التّقوية والتّرجيح. ولا معنى لتحقيق كون الظّنّ من غير قبيل الاعتقاد هاهنا ، وإن (٣) كان (٤) ذلك (٥) هو الصّحيح ، لأنّه لا حاجة تمسّ (٦) إلى ذلك.

وما يحصل (٧) عنده الظّنّ ، يسمّى أمارة (٨).

ويمضى في الكتب كثيرا (٩) ، أنّ حصول الظّنّ عند النّظر في الأمارة (١٠) ليس بموجب عن النّظر ، كما نقوله (١١) في العلم الحاصل عند النّظر في الدّلالة ، بل يختاره النّاظر في الأمارة لا محالة لقوّة الدّاعي.

وليس ذلك بواضح ، لأنّهم إنّما يعتمدون في ذلك على اختلاف الظّنون من العقلاء والأمارة واحدة ، وهذا يبطل باختلاف العقلاء في الاعتقادات والدّلالة واحدة. فان ذكروا اختلال (١٢) الشروط وأنّ عند تكاملها يجب العلم ، أمكن أن يقال مثل ذلك بعينه في النّظر (١٣) في

__________________

(١) ج : ف.

(٢) ب : والّذي.

(٣) ب : فان.

(٤) ب : ـ كان.

(٥) ب : + وما.

(٦) ج : + و.

(٧) الف : حصل.

(٨) ب وج : + وربما يسمى دلالة والأولى افراد الدلالة بما يحصل عنده العلم.

(٩) الف : كثيرة.

(١٠) ج : + و.

(١١) ج : يقوله.

(١٢) الف : اختلاف ، (خ ل).

(١٣) ب : ـ في النّظر.


الأمارة. وتحقيق ذلك أيضا ممّا لا يحتاج إليه هاهنا (١) لأنّ الأغراض في أصول الفقه (٢) تتمّ (٣) بدونه (٤).

وإن (٥) قيل ما دليلكم على أنّ (٦) تكليفكم في أصول الفقه إنّما هو العلم دون العمل التّابع للظّنّ وإذا كنتم تجوّزون أن (٧) تكليفكم (٨) الشرائع تكليف يتبع الظّنّ الرّاجع إلى الأمارة فألاّ كان التكليف في أصول الفقه كذلك.

قلنا ليس كلّ أصول الفقه يجوز فيه أن يكون الحقّ في جهتين مختلفتين (٩) لأنّ القول بأنّ المؤثّر في كون الأمر أمرا إنّما (١٠) هو إرادة المأمور به وأنّه لا تعلّق لذلك بصفات الفعل في نفسه وأنّه تعالى لا يجوز أن يريد إلاّ ما له صفة زائدة على حسنه ولا ينسخ الشيء قبل وقت فعله (١١) وما أشبه ذلك وهو (١٢) الغالب والأكثر فلا (١٣) يجوز أن يكون الحقّ فيه إلاّ واحدا (١٤) كما لا يجوز في أصول الدّيانات أن يكون الحقّ إلاّ في واحد (١٥).

__________________

(١) ب : ضمنا.

(٢) ب : ـ في أصول الفقه.

(٣) ج : يتم.

(٤) ب وج : من دونه.

(٥) ب : فان.

(٦) ب : ـ أن.

(٧) الف : + يكون.

(٨) ج : يكلفكم.

(٩) ج : مختلفين.

(١٠) ب وج : ـ انما.

(١١) ج : فعل.

(١٢) ب وج : فهو.

(١٣) ب وج : ولا.

(١٤) ب : في واحد. وج : في أحد.

(١٥) ب وج : شماره ١٤ تا ١٥.


اللهمّ إلاّ أن يقول جوّزوا أن يكلّف الله تعالى من ظنّ بأمارة مخصوصة تظهر (١) له أنّ الفعل واجب ، أن يفعله على وجه (٢) الوجوب ، ومن ظنّ بأمارة أخرى أنّه ندب ، أن يفعله على (٣) هذا الوجه (٤) ، وكذلك القول في الخصوص والعموم (٥) ، وسائر المسائل (٦) ، لأنّ العمل فيها على هذا الوجه (٧) هو المقصود دون العلم ، واختلاف أحوال المكلّفين فيه جائز ، كما جاز في فروع الشريعة.

فإذا سئلنا (٨) على هذا الوجه ، فالجواب أنّ ذلك كان جائزا ، لكنّا قد علمنا الآن خلافه ، لأنّ الأدلّة الموجبة للعلم قد دلّت على أحكام هذه الأصول ، كما دلّت على (٩) أصول الديانات ، وما إليه طريق علم لا حكم للظّنّ فيه ، وإنّما يكون للظّنّ حكم فيما لا طريق إلى العلم (١٠) به ٧ ألا ترى أنّنا لو تمكّنّا من العلم بصدق الشهود ، لما (١١) جاز أن نعمل (١٢) في صدقهم على الظّنّ ، وكذلك (١٣) في أصول العقليّات.

__________________

(١) الف : يظهر.

(٢) ج : هذا الوجه.

(٣) ب : + وجه الندب.

(٤) ج : ـ الوجوب تا اينجا.

(٥) ب : ـ والعموم.

(٦) ب : + فيها.

(٧) ب وج : ـ على هذا الوجه.

(٨) ب : سلينا.

(٩) ج : ـ هذه ، تا اينجا.

(١٠) ب : + الا.

(١١) ب : ما ، ج : بما.

(١٢) ب وج : يعمل.

(١٣) ب : فكذلك.


لو أمكن أن نعلم (١) أنّ في الطريق سبعا ، لما علمنا (٢) على قول من نظنّ (٣) صدقه من المخبرين عن ذلك ، وإذا ثبتت (٤) هذه الجملة ، وعلمنا أنّ على هذه الأصول أدلّة ، يوجب النّظر فيها العلم ، لم يجز أن نعمل فيما يتعلّق بها على الظّنّ والأمارات ، ومعنا علم وأدلّة.

وأيضا فلو كانت العبادة وردت بالعمل فيها على الظّنون ، لوجب أن يكون على ذلك دليل مقطوع به ، كما نقول لمن ادّعى مثل ذلك في الأحكام الشرعيّة (٥) ، وفي فقد دلالة على ذلك صحة ما قلناه.

وأيضا فليس يمكن أن يدّعى أنّ المختلفين يعذر بعضهم بعضا في الخلاف الجاري في هذه (٦) الأصول ، ويصوّبه ، ولا يحكم بتخطئته (٧) ، كما أمكن أن يدّعى ذلك في المسائل الشرعيّة (٨) ، فإنّ (٩) من نفي القياس في الشريعة ، لا يعذر مثبتيه (١٠) ، ولا يصوّبه ، ومن أثبته ، لا يعذر نافيه ، ولا يصوّبه (١١) ، وكذلك القول في الإجماع وأكثر مسائل الأصول.

__________________

(١) ب وج : يعلم.

(٢) ظ : عملنا.

(٣) ب وج : يظن.

(٤) ب : ثبت.

(٥) ج : الشريعة.

(٦) ب : هذا.

(٧) ج : بتخطئة.

(٨) ج : الشريعة.

(٩) ب : وان.

(١٠) ج : مثبته.

(١١) ب وج : ـ ومن أثبته لا يعذرنا فيه ولا يصوبه.


باب القول في الأمر وأحكامه وأقسامه.

فصل في ما (١) الأمر

اختلف النّاس في هذه اللفظة ، فذهب قوم إلى أنّها مختصّة بالقول ، دون الفعل ، ومتى (٢) عبّر بها عن الفعل كانت (٣) مجازا. وقال آخرون (٤) هي مشتركة بين القول والفعل ، وحقيقة فيهما معا. والّذي يدلّ على صحّة ذلك ، أنّه لا خلاف في استعمال لفظة الأمر في اللّغة العربيّة تارة (٥) في القول وأخرى (٦) في الفعل ، لأنّهم يقولون : أمر فلان مستقيم (٧) وإنّما يريدون طرائقه (٨) أفعاله ، دون أقواله ، ويقولون : هذا أمر عظيم ، كما يقولون : هذا (٩) خطب عظيم ، ورأيت من فلان أمرا أهالني ، أو (١٠) أعجبني ، ويريدون بذلك الأفعال لا محالة ، ومن أمثال العرب في خبر الزّبّا (١١) : لأمر ما جدع (١٢) قصير أنفه (١٣) ، و(١٤) قال الشاعر : لأمر ما يسود (١٥) من يسود (١٦).

__________________

(١) ج : منها.

(٢) ب : فمتى.

(٣) ب وج : كان.

(٤) ج : + و.

(٥) ب : ثان.

(٦) ب : أجرى.

(٧) ج : + وأمره غير مستقيم.

(٨) ب : طريقه+ و، ج : + و.

(٩) ج : ـ هذا.

(١٠) ب وج : و.

(١١) ج : الزنا ، القاموس المحيط زباء را بفتح زاء وتشديد باء ضبط ، ودر معرفى آن گويد : ملكة الجزيرة وتعد من ملوك الطوائف ، (ج ١ ، ص ٨٧ ، ط مصر).

(١٢) ج : جذع.

(١٣) ج : أنفه.

(١٤) ب : ـ و.

(١٥) ب : يسود بضم حرف مضارعت وفتح واو مشدد ، وج : يسود بواو مشدد.

(١٦) اين دو مثل بنحو مذكور در متن ، در المنجد ، فرائد الأدب ، ضبط شده ، (ص ١٠٤٤ ، ط ١٥).


وممّا يمكن أن يستشهد به على ذلك من القرآن قوله تعالى : حتّى إذا جاء أمرنا وفار التّنّور ، وإنّما يريد الله تعالى بذلك الأهوال والعجائب ، التي فعلها ـ جلّ اسمه ـ ، وخرق (١) بها (٢) العادة ، وقوله (٣) تعالى : أ تعجبين من أمر الله ، وأراد الفعل لا محالة (٤).

وإذا صحّت هذه الجملة ، وكان ظاهر استعمال أهل اللّغة اللّفظة في شيئين أو أشياء ، يدلّ على أنّها حقيقة فيهما ، ومشتركة بينهما ، إلاّ أن يقوم دليل (٥) قاهر يدلّ (٦) على أنّه مجاز في أحدهما ـ وقد بسطنا هذه الطريقة في مواضع كثيرة من كلامنا ، وسيجيء مشروحة مستوفاة في مواضعها من كتابنا هذا ـ وجب القطع على اشتراك هذه اللّفظة بين الأمرين ، ووجب على من ادّعى أنّها مجاز في أحدهما ، الدليل.

فإن قالوا : قد استعمل لفظ الخبر فيما ليس بخبر على الحقيقة ، كما قال الشاعر : تخبرني (٧) العينان ما القلب كاتم. قلنا : قد بيّنّا أنّ ظاهر الاستعمال يدلّ على الحقيقة ، إلاّ أن يقوم دلالة (٨) ، ولو خلّينا وظاهر استعمال لفظة الخبر في غير القول ، لحكمنا (٩) فيه بالحقيقة ، لكنّا علمنا ،

__________________

(١) ب : جرت.

(٢) ج : به.

(٣) ب : قول.

(٤) الف : محال.

(٥) ب : تقوم دلالة.

(٦) الف : ـ يدل.

(٧) الف : تجبرني ، ج : ـ نى.

(٨) ب : ـ شماره ٥ تا ٨.

(٩) الف : حكمنا.


ضرورة من مذاهب القوم أنّهم لذلك مستعيرون و(١) متجوّزون ، فانتقلنا عمّا يوجبه ظاهر الاستعمال ، وليس ذلك معنا في (٢) استعمالهم لفظة الأمر في الفعل.

وقد تعلّق المخالف لنا في هذه المسألة (٣) بأشياء :

منها : أنّ الأمر يشتقّ منه في اللّغة العربيّة الوصف لفاعله بأنّه آمر ، وهذا لا يليق إلاّ (٤) بالقول دون الفعل ، لأنّهم لا يسمّون من فعل فعلا ليس بقول بأنّه آمر.

ومنها : أنّه لو كان اسما (٥) للفعل في الحقيقة لاطّرد في كلّ فعل حتّى يسمّى الأكل والشرب بأنّه أمر ، ألا ترى أنّ القول لمّا كان أمرا ، اطّرد في كلّ ما هو بصفته.

ومنها : أنّ من شأن الأمر أن (٦) يقتضى مأمورا ومأمورا به ، كما يقتضى الضرب ذلك ، ومعلوم أنّ ذلك لا يليق إلاّ بالقول دون الفعل.

ومنها : أنّ الأمر يدخل فيه الوصف بمطيع وعاص ، وذلك لا يتأتّى إلاّ في القول.

ومنها : أنّ الأمر نقيضه (٧) النّهى ، فإذا لم يدخل النّهى إلاّ في الأقوال دون الأفعال ، فكذلك الأمر.

__________________

(١) ب وج : ـ و.

(٢) ب وج : ينافى. (بجاى معنا في).

(٣) ج : المسايلة.

(٤) ب : ـ الا.

(٥) ب : ـ اسما.

(٦) ب : ـ ان.

(٧) ج : يقتضيه.


ومنها : أنّ الأمر يمنع من (١) الخرس والسكوت ، لأنّهم يستهجنون في الأخرس والساكت أن يقولوا وقع منه أمر ، كما يستهجنون أن يقولوا وقع منه خبر ، أو (٢) ضرب من ضروب الكلام.

ومنها : أنّ لفظة الأمر لو كانت مشتركة بين القول والفعل ، لم تخل (٣) من أن يفيد فيهما فائدة واحدة ، أو فائدتين مختلفتين ، وفي تعذّر (٤) الإشارة إلى فائدة تعمّهما (٥) ، أو فائدتين يخصّ كلّ واحدة (٦) منهما ، دلالة على فساد كون هذه اللّفظة حقيقة في الأمرين.

فيقال لهم فيما تعلّقوا به أوّلا من دلالة الاشتقاق : ما أنكرتم أن يكون الاشتقاق (٧) الّذي أوجبه أهل اللّغة لفاعل الأمر إنّما هو (٨) الّذي هو قول دون ما ليس بقول من الأفعال ، ومعلوم ضرورة أنّهم إنّما اشتقّوا آمرا من الأمر الّذي هو القول ، فأيّ (٩) دلالة في ذلك على أنّ الفعل لا يسمّى أمرا ، ومن الّذي يحفظ عن أهل اللّغة القول بأنّ كلّ ما يوصف بأنّه أمر على الحقيقة يوصف فاعله بأنّه آمر ، وإذا لم يكن هذا محفوظا عنهم ، ولا منقولا ، فلا دلالة فيما ذكروه. وهذه الطريقة

__________________

(١) ب وج : ـ من.

(٢) ب : و.

(٣) الف : يخل.

(٤) ج : تفد.

(٥) ب : يعمهما.

(٦) ج : واحد.

(٧) ب : ـ ما أنكرتم أن يكون الاشتقاق.

(٨) ب وج : ـ انما هو.

(٩) ب وج : وأي.


توجب عليهم أن تكون (١) لفظة عين غير مشتركة ، لأنّ لقائل (٢) أن يقول إنّ (٣) هذه اللّفظة إنّما تجري على ما يشتقّ (٤) منه أعين و(٥) وعيناء ، وهذا لا يليق (٦) بالجارحة ، فيجب أن تكون (٧) مقصورة (٨) عليها. وبمثل ما يدفعون به هذا القول ، يدفع قولهم.

ويقال (٩) لهم فيما تعلّقوا به ثانيا : نحن نقول بما ظننتم أنّا نمنع منه ، ولا نفرّق (١٠) بين وقوع هذا الاسم الّذي هو الأمر على الأفعال كلّها ، على اختلافها وتغايرها ، وإلاّ فضعوا أيديكم على أيّ فعل شئتم ، فإنّا نبيّن أنّ أهل اللّغة لا يمتنعون من أن يسمّوه أمرا.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثالثا : إنّ اقتضاء الأمر لمأمور ومأمور به إنّما هو في الأمر الّذي هو القول دون الفعل ، وإنّما كان كذلك ، لأنّ الأمر له تعلّق بغير فاعله ، والفعل لا تعلّق له بغير فاعله ، فلذلك احتاج الأمر (١١) بمعنى القول (١٢) من مأمور به ومأمور ، إلى ما لا (١٣) يحتاج

__________________

(١) ب وج : يكون.

(٢) ب : القائل.

(٣) ج : ـ ان.

(٤) ج : اشتق.

(٥) ج : ـ و.

(٦) ب : + الا.

(٧) ج : يكون.

(٨) ب : مقصود مرة.

(٩) ب : فيقال ، ج : ـ و.

(١٠) ج : يفرق.

(١١) ب وج : للأمر.

(١٢) ب وج : ـ بمعنى القول.

(١٣) ب : ـ لا.


إليه الفعل ، وإن سمّى أمرا ، وأنتم لا يمكنكم أن تنقلوا (١) عن أهل اللّغة أنّ كلّ ما سمّى أمرا ـ وإن لم يكن قولا ـ يقتضى مأمورا به ومأمورا.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به رابعا : إنّ الوصف بالطّاعة والمعصية أيضا لا يليق إلاّ بالأمر الّذي هو القول للعلّة الّتي ذكرناها ، وهو أنّ (٢) المطيع من فعل ما أمر به ، والعاصي من خالف ما أمر به ، والأمر الّذي هو الفعل لا يقتضى طاعة ولا معصية (٣) ، لأنّه لا يتعلّق (٤) بمطيع ولا عاص. على أنّ قولهم إنّ دخول الطّاعة والمعصية علامة لكون الأمر أمرا ، ينتقض (٥) بقول (٦) القائل العلامة : أريد أن تسقيني الماء ، ونحن نعلم أنّه إذا لم يفعل يوصف بأنّه عاص ، وإذا (٧) فعل يوصف بأنّه مطيع ، وقد علمنا أنّ قوله : أريد أن تفعل ، ليس بأمر ، لفقد صيغة الأمر فيه ، فبطل (٨) أن تكون (٩) الطّاعة أو (١٠) المعصية موقوفة على الأمر.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به خامسا : إنّ (١١) النّهى نقيض (١٢) الأمر الّذي هو القول ، دون الفعل ، فمن أين لكم أنّ النّهى نقيض (١٣) كلّ ما

__________________

(١) ب : تفعلوا.

(٢) ب : ـ ان.

(٣) ب : + و.

(٤) الف : يليق (خ ل).

(٥) ج : ينقض.

(٦) ج : لقول.

(٧) الف : فإذا.

(٨) ج : فيبطل.

(٩) ب وج : يكون.

(١٠) ب : و.

(١١) ب وج : انما.

(١٢) ب وج : يقتضى.

(١٣) ب وج : يقتضى.


سمّى أمرا ، وإن لم يكن قولا. والّذين قالوا لنا من أهل اللّغة : إنّ النّهى نقيض الأمر ، هم الّذين قالوا لنا : إنّ الفعل يسمّى بأنّه أمر وجرى ذلك في كلامهم وأشعارهم.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به سادسا : إنّ الخرس والسّكوت يمنعان من الأمر الّذي هو القول ، ولا يمنعان من الأمر الّذي هو (١) الفعل ، يدلّ على هذا (٢) أنّا نقول في الأخرس (٣) : إنّ أمره مستقيم أو (٤) غير مستقيم ، ورأيت منه أمرا جميلا أو قبيحا (٥) ، وكذلك في السّاكت. ويوضح ما ذكرناه أنّه لو كان الأخرس لا يقع منه ما يسمّى أمرا من الأفعال ، ـ كما لا يكون آمرا ـ لوجب أن يستقبحوا وصف فعله بأنّه أمر ، كما استقبحوا وصفه بأنّه آمر. فقد (٦) علمنا الفرق بين الأمرين ضرورة. و(٧) لمن خالف في اشتراك لفظة عين أن يطعن بمثل ما ذكروه ، فيقول (٨) : إنّ هذه اللّفظة تجري على (٩) ما يؤثّر فيه العمى و(١٠) الآفة ، وهذا لا يليق إلاّ بالجارحة (١١) ،

__________________

(١) ب : ـ القول ، تا اينجا.

(٢) ب : ـ هذا.

(٣) الف : ـ في الأخرس.

(٤) ب : ـ مستقيم أو.

(٥) الف : ـ أو قبيحا.

(٦) الف : وقد.

(٧) ب : ـ و.

(٨) ب : فنقول.

(٩) ب : ـ على.

(١٠) ج : العماد.

(١١) ب : في الجارحة.


فيجب (١) أن تكون (٢) مخصّصة بها. ولا (٣) جواب عن هذا الطّعن إلاّ ما قدّمناه من الجواب عن طعنهم.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به سابعا : إنّا لا ندّعي (٤) أنّ الفائدة واحدة ، فيما سمّى أمرا من القول ، وسمّى أمرا من الفعل ، بل ندّعي (٥) اختلافهما ، ويجري وقوع هذه التّسمية على المختلف ، مجرى وقوع قولهم عين على أشياء (٦) مختلفة لا تفيد (٧) في كلّ واحد منها فائدتها في الآخر ، لأنّ العين الّتي هي الجارحة لا تشارك العين الّتي هي الذّهب أو (٨) عين الماء في فائدة واحدة ، بل الفوائد مختلفة ، وكذلك لفظة أمر تفيد (٩) تارة القول الّذي له الصّيغة المعيّنة وتارة الفعل ، وهما فائدتان مختلفتان (١٠). ولهذا نقول (١١) : إنّ هذه اللّفظة تقع (١٢) على كلّ (١٣) فعل ، ولا تقع إذا استعملت في القول على كلّ قول ، حتّى يكون بصيغة (١٤) مخصوصة.

__________________

(١) ب : فتجب.

(٢) ج : يكون.

(٣) الف : فلا.

(٤) الف : لا ندع.

(٥) ب : يدعى ، الف : ـ ٤ تا ٥.

(٦) ج : الأشياء.

(٧) ج : يفيد.

(٨) ب : و.

(٩) ج : يفيد.

(١٠) الف : مختلفان.

(١١) ج : يقول.

(١٢) ج : يقع.

(١٣) ج : + حال.

(١٤) ج : لصيغة.


فصل : في وجوب اعتبار الرّتبة في الأمر

اعلم أنّه لا شبهة في اعتبارها ، لأنّهم يستقبحون قول القائل أمرت الأمير ، أو نهيته ، ولا يستقبحون أن يقولوا أخبرته ، أو (١) سألته ، فدلّ على أنّها معتبرة ، ويجب أن لا تطلق إلاّ إذا كان الآمر أعلى رتبة من المأمور. فأمّا إذا كان دون رتبته (٢) ، أو كان مساويا له ، فإنّه لا يقال أمره. والنّهى جار مجرى الأمر في هذه القضيّة. وما له معنى الأمر وصيغته (٣) من الشّفاعة تعتبر (٤) أيضا فيه الرّتبة ، لأنّهم يقولون شفع الحارس إلى الأمير ، ولا يقولون شفع الأمير إلى الحارس ، فالشّفاعة (٥) إنّما يعتبر فيها الرّتبة بين الشّافع والمشفوع إليه ، كما أنّ الأمر إنّما تعتبر (٦) الرّتبة فيه (٧) بين الآمر والمأمور. ولا اعتبار بالرّتبة (٨) في المشفوع فيه ، على ما ظنّه من خالفنا (٩) في الوعيد ، لأنّ الكلام على ضربين (١٠) ، ضرب لا تعتبر فيه الرّتبة ، وضرب تعتبر (١١) فيه (١٢) ، فما اعتبرت

__________________

(١) ج : و.

(٢) ج : رتبة.

(٣) ب : صيغه.

(٤) ب وج : معتبر.

(٥) الف : والشفاعة.

(٦) ج : يعتبر.

(٧) ب وج : فيه الرتبة.

(٨) الف : ـ بالرتبة.

(٩) ج : مخالفنا.

(١٠) ب : ضرب من ، بجاى ضربين.

(١١) ج : يعتبر.

(١٢) ب : + الرتبة.


فيه الرّتبة ، إنّما اعتبرت بين المخاطب والمخاطب ، دون من يتعلّق به الخطاب (١) ، ولذلك جاز أن يكون أحدنا شافعا لنفسه ، وفي حاجة نفسه ، ولو اعتبرت الرّتبة في المشفوع فيه (٢) ، لما جاز ذلك ، كما لا يجوز أن يكون آمرا نفسه وناهيها (٣).

وقد تعلّق من خالفنا بأشياء : أوّلها أنّهم حملوا الأمر على الخبر في إسقاط الرّتبة.

و(٤) ثانيها قوله تعالى : ﴿ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ والطّاعة تعتبر (٥) فيها (٦) الرّتبة (٧) كالأمر.

وثالثها قول الشّاعر : « ربّ من أنضجت غيظا (٨) قلبه (٩) ، قد تمنّى لي موتا لم يطع » والموت من فعل الله تعالى ، والطاعة لا تجوز عليه تعالى (١٠) عند من اعتبر الرّتبة.

فيقال لهم في الأول : لو كان الأمر كالخبر في (١١) سقوط اعتبار الرّتبة ، جاز أن يقال أمرت الأمير ، كما يقال أخبرت الأمير ، فلمّا لم يجز ذلك ، بان الفرق.

__________________

(١) ب وج : الخطاب به.

(٢) ب : ـ فيه.

(٣) ب : ناهيا.

(٤) ج : ـ و.

(٥) ب وج : يعتبر.

(٦) الف : فيه.

(٧) ج : ـ الرتبة.

(٨) الف : غيضا.

(٩) ب : صدره ، ج : مدره.

(١٠) ب وج : سبحانه.

(١١) الف : + اعتبار.


والجواب عن (١) الثّاني أنّه استعار للإجابة (٢) لفظة (٣) الطّاعة بدلالة أنّ أحدا لا يقول إنّ الله (٤) أطاعني في كذا ، إذا أجابه (٥) إليه.

وأيضا فظاهر (٦) القول يقتضى أنّه ما للظّالمين من (٧) شفيع يطاع وليس يعقل من ذلك نفي شفيع يجاب فإذا قيل : فكلّ شفيع لا يطاع على مذهبكم ، كان في ظالم أو في (٨) غيره ، لأنّ الشّفيع يدلّ على انخفاض (٩) منزلته عن منزلة المشفوع إليه ، والطّاعة تقتضي (١٠) عكس ذلك. قلنا : القول بدليل الخطاب باطل ، وغير ممتنع أن يخصّ الظّالمون بأنّهم (١١) لا شفيع لهم يطاع ، وإن كان غيرهم بهذه المنزلة (١٢).

وأيضا فيمكن أن يكون المراد (١٣) بيطاع غير الله تعالى من الزّبانية والخزنة ، والطّاعة من هؤلاء لمن هو أعلى منزلة منهم ، من الأنبياء عليهم‌السلام والمؤمنين صحيحة واقعة في موقعها (١٤).

__________________

(١) ج : ـ عن.

(٢) الف : الإجابة.

(٣) الف : بلفظ.

(٤) ج : + تعالى.

(٥) ب : أجابني ، ج : جابني.

(٦) ج : فان ظاهر ، ب : وان ظاهر ، الف : فضاهر.

(٧) ج : ـ من.

(٨) ب وج : ـ في.

(٩) ب : انحفاظ.

(١٠) ج وب : يقتضى.

(١١) ب وج : بأنه.

(١٢) الف : الصفة.

(١٣) ب وج : أن يريد.

(١٤) ج : موضعها ، ب : وأوقعه في موضعها.


والجواب عن الثّالث أنّ الشّاعر تجوّز (١) ، واستعمل لفظة يطع (٢) في موضع يجب ، وهذه عادة الشّعراء.

وأيضا (٣) فيمكن (٤) ان يكون إنّما تمنّى في عدوّه أن يقتله (٥) بعض البشر ، ـ فقد يسمّى القتل موتا ، والموت قتلا ، للتّقارب بينهما ـ فلم يطعه (٦) ذلك القاتل ، ولم يبلغه أمنيّته. والشّبهة في مثل هذه المسألة ضعيفة (٧)

فصل في صيغة الأمر

اختلف النّاس في صيغة الأمر ، فذهب الفقهاء كلّهم (٨) وأكثر المتكلّمين إلى أنّ للأمر صيغة مفردة مختصّة به ، متى استعملت في غيره كانت مجازا ، وهي قول القائل لمن (٩) دونه في الرّتبة افعل. وذهب آخرون إلى أنّ هذه اللّفظة مشتركة بين الأمر وبين (١٠) الإباحة ، وهي حقيقة فيهما ، و(١١) مع الإطلاق لا يفهم أحدهما ، إنّما يفهم واحد دون صاحبه بدليل ، و(١٢) هو الصّحيح.

__________________

(١) ج : يجوز.

(٢) الف : يطاع.

(٣) الف : ايظ.

(٤) الف : فممكن.

(٥) ج : يقبله.

(٦) ج : يطعمه.

(٧) ج : + جدا.

(٨) ب : ـ كلهم.

(٩) ج : + هو.

(١٠) ب : ـ بين.

(١١) الف : ـ و.

(١٢) ج : ـ و.


والّذي يدلّ عليه أنّ هذه اللّفظة مستعملة بلا خلاف في الأمر والإباحة في التّخاطب والقرآن والشّعر (١) ، قال الله تعالى : (٢)﴿ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وهو آمر ، وقال تعالى (٣)﴿وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وهو مبيح ، وكذلك قوله تعالى : ﴿ فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ والانتشار مباح و(٤) غير مأمور به ، وظاهر الاستعمال يدلّ على الحقيقة ، إلاّ أن تمنع دلالة ، وما نراهم يفزعون (٥) إذا أرادوا أن يبيحوا إلاّ إلى هذه اللّفظة ، كما يفزعون (٦) إليها في الأمر. ولا يعترض على هذا بقولهم (٧) : أبحت ، لأنّ ذلك خبر محض. وهو جار مجرى أمرت في أنّه خبر ، وإذا أرادوا أن يبيحوا بغير لفظة الخبر ، فلا مندوحة لهم عن هذه اللّفظة ، كما لا مندوحة لهم في (٨) الأمر.

وأمّا (٩) ما تعلّق (١٠) المخالف في اختصاص هذه الصّيغة بالأمر ، بأنّ معنى الأمر ـ وهو الطّلب ـ (١١) يهجس (١٢) في النّفس ، وتدعوا الحاجة إليه (١٣) ، فلا بدّ من أن يضعوا له لفظا تتمّ (١٤) به أغراضهم. وإذا وجب ذلك ،

__________________

(١) ب وج : والشعر والقرآن.

(٢) ج : + و.

(٣) ب وج : سبحانه.

(٤) ب : ـ و.

(٥) ب : يفرعون.

(٦) ب : يفرعون.

(٧) ب وج : قولهم.

(٨) ج : ـ في.

(٩) الف : فاما.

(١٠) الف : + به.

(١١) ب : ـ وهو الطلب.

(١٢) ب : يعحس.

(١٣) ب وج : إليه الحاجة.

(١٤) ب وج : يتم.


فلا لفظ (١) إلاّ هذه الصّيغة المخصوصة.

فإنّه يبطل بالإباحة ، لأنّ هذا المعنى موجود فيها ، وما وضعوا عندهم (٢) لها لفظا مخصوصا. على أنّ أكثر ما في اعتلالهم أن يضعوا له لفظا ، فمن أين لهم أنّه لا بدّ من أن يكون خاصّا غير مشترك.

وأمّا (٣) تعلّقهم بما سطره أهل العربيّة في كتبهم من قولهم : باب الأمر ، وأنّهم لا يذكرون شيئا سوى هذه اللّفظة المخصوصة ، فدلّ على أنّها مخصوصة غير مشتركة.

فباطل أيضا ، لأنّ أهل العربيّة أكثر ما قالوا هو (٤) أنّ الأمر (٥) قول القائل : افعل ، وأنّ هذه الصّيغة صيغة الأمر (٦) ، ولم يذكروا اختصاصا ولا اشتراكا ، فظاهر قولهم لا ينافي مذهبنا ، لأنّنا نذهب إلى أنّ هذه صيغة الأمر (٧) وأنّ الآمر إذا أراد أن يأمر (٨) فلا مندوحة له عنها ، لكنّها مع ذلك صيغة للإباحة.

وبعد ، فإنّ أهل اللّغة (٩) كما نصّوا في الأمر على لفظة افعل ، فقد نصّوا في الإباحة على هذه اللّفظة ، فلا يبيحون إلاّ بها. فإن (١٠) كان ما

__________________

(١) الف : لفظة.

(٢) ج : غير مقرو.

(٣) الف : فاما.

(٤) ب وج : ـ هو.

(٥) ب وج : + هو.

(٦) الف : أمر.

(٧) ب وج : للأمر.

(٨) ب وج : + غلامه.

(٩) ج : + العربية.

(١٠) ب : وإذا.


ادّعوه (١) دليل الاختصاص بالأمر ، فهو بعينه دليل الاختصاص بالإباحة ، والصّحيح نفي الاختصاص وثبوت الاشتراك.

فصل فيما به صار الأمر أمرا (٢)

اختلف النّاس في ذلك (٣) ، فذهب قوم (٤) إلى أنّ الأمر إنّما كان أمرا (٥) بجنسه (٦) ونفسه. وقال آخرون (٧) إنّما كان كذلك بصورته (٨) وصيغته (٩). وقال آخرون (١٠) إنّما كان كذلك (١١) لأن الآمر أراد كونه أمرا ، وأجروه في هذه القضيّة مجرى الخبر. وقال آخرون (١٢) إنّما كان الأمر أمرا ، لأنّ الآمر أراد الفعل المأمور به ، وهو الصّحيح.

والّذي يدلّ عليه أنّ الأمر إذا ثبت أنّه (١٣) قد يكون من جنس (١٤) ما ليس بأمر ، وأنّ الأمر بعينه يجوز أن يقع (١٥) غير أمر ، فلا بدّ والحال هذه من أمر يقتضى كونه أمرا. وإذا بيّنّا أنّه لا مقتضى لذلك سوى

__________________

(١) ج : أعده.

(٢) ب : + وما وضع لتقييد.

(٣) ج : + اما وضع لتقييد.

(٤) ج : ـ فذهب قوم.

(٥) الف : ـ أمرا.

(٦) ب وج : لجنسه.

(٧) ج : ـ وقال آخرون ، + فذهب.

(٨) ج : لصورته.

(٩) ب : ـ وقال ، تا اينجا.

(١٠) ج : الآخرون.

(١١) ب وج : أمرا بجاى كذلك ، والف (نسخه بدل).

(١٢) ج : الآخرون.

(١٣) ب : + يكون.

(١٤) ب وج : جنسه.

(١٥) ب : تقع.


كون فاعله مريدا للمأمور به ، تمّ ما أردناه (١).

والّذي يدلّ على أنّ الجنس واحد (٢) التباسهما على الإدراك ، كالتباس السّوادين ، فكما نقضي (٣) بتماثل السوادين (٤) ، كذلك (٥) يجب أن نقضي (٦) بتماثل ما جرى مجراهما.

وإنّما قلنا : إنّهما (٧) يشتبهان على الإدراك ، لأنّ من سمع قائلا يقول : قم ، وهو آمر ، لا يفصل بين قوله هذا ، وبين نطقه بهذه اللّفظة مبيحا ، أو متحدّيا (٨) ، أو ساهيا (٩) ، أو حاكيا عن غيره. ولقوة هذا الالتباس كان من يجوز (١٠) على الكلام الإعادة ، يجوّز أن يكون ما سمعه ثانيا هو ما سمعه أوّلا ، وكذلك من اعتقد بقاء الكلام.

وأمّا (١١) الّذي يدلّ على أنّ نفس ما يقع فيكون أمرا ، كان يجوز أن يقع (١٢) غير أمر ، فوجوه :

منها أنّ الألفاظ العربيّة إنّما تفيد بالتّواضع من (١٣) أهل اللّغة ، و

__________________

(١) ج : أوردنا.

(٢) ج : واحدا.

(٣) ج : يقتضى.

(٤) ب : ـ فكما نقضي بتماثل السوادين.

(٥) ج : لذلك.

(٦) ج : تقتضي.

(٧) ج : انما.

(٨) الف : متهددا ، بالاى متحديا نوشته شده.

(٩) الف : مباهيا.

(١٠) ج : تجوز.

(١١) الف : فاما.

(١٢) ب وج : يوجد ، الف (خ ل).

(١٣) ج : بين.


تواضعهم يتبع اختيارهم ، وليس هناك وجوب ، وقد كان يجوز أن لا يتواضعوا في هذا (١) اللّفظ المخصوص أنّه (٢) للأمر (٣) ، ولو كان كذلك ، لكانت هذه الحروف بعينها توجد (٤) ، ولا تكون (٥) أمرا (٦).

ومنها أنّه لو كان الأمر يتعلّق بالمأمور من غير قصد المخاطب به ، لم يمتنع (٧) أن يقول أحدنا لغيره : افعل ، ويريد منه الفعل ، ولا يكون قوله أمرا ، أو (٨) لا يريد منه الفعل ، فيكون قوله أمرا ، وقد علمنا خلاف ذلك.

ومنها أنّ لفظ الأمر لو كان مغايرا للفظ ما ليس بأمر ، لوجب أن يكون للقادر سبيل إلى التّمييز بين ما يوجد فيكون أمرا ، وبين ما يوجد فيكون تهديدا ، أو (٩) إباحة ، وفي علمنا بفقد طريق التّمييز دليل على أنّ اللّفظ واحد.

ومنها انّ هذا القول يقتضى صحة أن نعلم (١٠) أن (١١) أحدنا أمر (١٢) وإن لم نعلمه (١٣) مريدا ، إذا كان القصد لا تأثير له ، ولا خلاف في أنّ أحدنا إذا كان آمرا ، فلا بدّ من كونه مريدا لما أمر به. وإنّما الخلاف

__________________

(١) ج : هذه.

(٢) ب : ـ انه.

(٣) الف : بأنه أمر.

(٤) ج : يوجد.

(٥) الف وج : يكون.

(٦) الف وب : امر.

(٧) ج : يمنع.

(٨) ب وج : و.

(٩) ج : و.

(١٠) ب وج : يعلم.

(١١) ب وج : ـ ان.

(١٢) ج : امرا.

(١٣) ب وج : يعلمه.


بيننا وبين المجبّرة (١) في الله تعالى.

ومنها أنّ هذا القول يقتضى انحصار عدد (٢) من نقدر (٣) أن نأمره (٤) في كلّ (٥) حال (٦) حتّى يكون القويّ بخلاف الضّعيف ، وإنّما أوجبنا ذلك ، لأنّ القدرة (٧) الواحدة لا تتعلّق (٨) في الوقت الواحد في المحلّ الواحد من الجنس الواحد بأكثر من جزء واحد ، وحروف قول القائل قم مماثلة لكلّ ما هذه صورته من الكلام ، فيجب أن يكون أحدنا قادرا من عدد هذه الحروف في كلّ وقت على قدر ما (٩) في لسانه من القدرة (١٠) ، وهذا يقتضى انحصار عدد من يصحّ أن نأمره (١١) ، ومعلوم خلاف ذلك.

وليس لأحد أن يقول : إذا جاز أن يفعل أحدنا بالقدرة الواحدة في كلّ محلّ كونا في جهة بعينها ، ولم يجب أن يقدر على كون واحد يصحّ وجوده في المحالّ على البدل بالإرادة ، فإلا جاز مثله في الألفاظ.

وذلك أنّ القدرة الواحدة لا ينحصر متعلّقها في (١٢) المتماثل إذا اختلفت (١٣) المحالّ ، كما لا ينحصر متعلّقها في المختلف والوقت والمحلّ

__________________

(١) ج : المخبر.

(٢) ب وج : ـ عدد.

(٣) ب وج : يقدر+ على.

(٤) ج : يأمره.

(٥) الف : ـ كل.

(٦) ب وج : + حال.

(٧) ج : قدرة.

(٨) ج : يتعلق.

(٩) الف : ما قدر.

(١٠) ب وج : القدر.

(١١) الف وج : يأمره.

(١٢) ب وج : من.

(١٣) ب : اختلف.


واحد ، وليس كذلك ما يتعلّق به من (١) المتماثل في المحلّ الواحد والوقت واحد ، لأنّها لا تتعلّق (٢) على هذه الشروط بأكثر من جزء واحد.

وليس له أن يدّعى أنّ محالّ الحروف المتماثلة متغايرة (٣) كما قلناه (٤) في الأكوان.

وذلك أنّ من المعلوم أنّ مخرج الزّاء مثلا كلّه مخرج واحد ، وكذلك مخارج كلّ حرف ، و(٥) لهذا متى لحقت بعض محالّ هذه الحروف آفة ، أثّر (٦) ذلك في كلّ حروف ذلك المخرج.

فإذا صحّ ما ذكرناه من (٧) أنّ نفس ما وقع أمرا قد كان يجوز أن يكون غير أمر ، فلا بدّ مع (٨) وقوعه أمرا من وجه له اختص (٩) بذلك.

ولا يخلو ذلك الأمر من أن يكون ما يرجع إليه ويتعلّق به ، أو ما يرجع إلى فاعله ، والّذي يرجع إليه (١٠) ، لا يخلو من أن يكون (١١) جنسه ، أو وجوده ، أو حدوثه ، أو حدوثه (١٢) على وجه ، أو عدمه ، أو عدم معنى أو وجود معنى.

فإن كان المؤثّر حالا يرجع إلى فاعله ، لم يخل من أن يكون

__________________

(١) ب : ـ من.

(٢) ج : يتعلق.

(٣) ج : مغايرة ، ب : متعاين.

(٤) الف : قلنا.

(٥) ج : ـ و.

(٦) ج : آثر.

(٧) الف : في.

(٨) ب وج : من.

(٩) الف : أخص.

(١٠) ب : ـ إليه.

(١١) ب : ـ يكون.

(١٢) الف : ـ أو حدوثه.


ذلك كونه (١) قادرا ، أو عالما ، أو مدركا ، أو مشتهيا (٢) ، أو مريدا ، لأنّ (٣) ما عدا ما ذكرناه ، من كونه موجودا ، أو (٤) حيّا ، لا تعلّق له بغيره ، ونحن نبطل من الأقسام ما عدا ما ذهبنا إليه منها (٥).

ومعلوم أنّ ما معه يكون الكلام تارة أمرا ، وأخرى غير أمر ، لا يجوز أن يكون مؤثّرا في كونه أمرا ، فسقط بذلك أن يكون أمرا لوجوده ، و(٦) ، وحدوثه ، وجنسه ، وصفته (٧) ، لأنّ كلّ ذلك يوجد ، و(٨) لا يكون أمرا.

وممّا يفسد أن يكون أمرا لجنسه أيضا ، أنّ صفة النّفس ترجع إلى الآحاد دون الجمل ، فكان (٩) يجب في كلّ جزء من الأمر أن يكون أمرا. ولأنّه كان يجب أن يتناوله الإدراك على هذه الصّفة ، فيعرف بالسمع كونه أمرا من لا يعرف اللّغة. ولأنّ صفات النّفس تحصل في حال العدم والوجود ، فكان يجب أن يكون في حال العدم أمرا.

وليس يجوز أن يكون أمرا لحدوثه على وجه ، ويراد بذلك ترتيب صيغته ، لأنّا قد بيّنّا أنّ نفس هذه الصّيغة قد تستعمل (١٠) في غير الأمر. و

__________________

(١) ب : ـ كونه.

(٢) الف : مشهيا ، ج : مشتهيا بتشديد ياء.

(٣) الف : لا.

(٤) ب وج : و.

(٥) ب : ـ منها.

(٦) ج : ـ و.

(٧) ب وج : صيغته.

(٨) ب : يوجده.

(٩) ب : وكان.

(١٠) ب وج : يستعمل.


إن أرادوا غير ما ذكرناه (١) ، فلا وجه يشار إليه ، إلاّ وقد تحدث (٢) عليه ولا يكون أمرا ، حتّى يكون فاعله مريدا.

ولا يصحّ أن يكون كذلك لعدمه ، لأنّ عدمه يحيل (٣) هذه الصّفة ، وما أحال الصّفة لا يكون علّة فيها.

ولا يجوز أن يكون كذلك لعدم معنى ، لأنّ ذلك لا اختصاص (٤) له به دون غيره.

ولا يجوز أن يكون كذلك لوجود معنى ، لأنّ كلّ معنى يشار إليه دون الإرادة (٥) قد يوجد ولا يكون أمرا ، على أنّ المعنى لا بدّ من اختصاصه به (٦) حتّى يوجب الحكم له ، فلا يخلو من أن يختصّه بالحلول فيه ، أو في محلّه ، والأمر لا يصحّ أن يكون محلا لغيره ، وما يحلّ (٧) محلّه (٨) ليس بأن يوجب كونه أمرا بأولى (٩) من أن (١٠) يوجب كون غيره أمرا ممّا يحلّ (١١) ذلك المحلّ ، لأنّ الصّدى قد يحلّه (١٢) في حال واحدة (١٣) الكلامان من زيد وعمرو ، فيكون أحدهما أمرا والآخر غير أمر.

__________________

(١) ج : ذكرنا.

(٢) الف : يحدث.

(٣) ج : يجعل.

(٤) الف : لاختصاص.

(٥) ج : + و.

(٦) ب : ـ به.

(٧) ج : يحمل.

(٨) ج : محل.

(٩) ج : باوإلى.

(١٠) ج : ـ ان.

(١١) ج : يخل.

(١٢) الف : يحل.

(١٣) الف وب : + و.


وأمّا كون فاعله قادرا فلا يجوز أن يكون المؤثّر في كونه أمرا ، لأنّ تعلّق هذه الصّفة به وهو آمر كتعلّقها به وهو غير آمر. ولأنّ كونه قادرا لا يؤثّر إلاّ في الإيجاد ، وكونه أمرا حكم زائد على الوجود.

وأمّا كونه عالما فلا يخلو من أن يراد به كونه عالما بذات الآمر ، أو (١) بالمأمور (٢) به ، أو يراد بذلك كونه عالما بأنّ الكلام أمر (٣) ، والوجهان (٤) الأوّلان يفسدان بأنّه قد يكون عالما بذات الآمر وبالمأمور به (٥) ولا يكون كلامه أمرا ، والوجه الثّالث يفسد بأنّ (٦) كلامنا إنّما هو فيما به (٧) صار أمرا ، فيجب أن يذكر الوجه فيه ، ثمّ يعلّق (٨) العلم به ، لأنّ العلم لا يؤثّر في المعلوم ، وإنّما يتعلّق به على ما هو به (٩) من غير أن يصير (١٠) لأجله على صفة ، بل لو قيل : إنّ العلم إنّما كان علما لأجل أنّ المعلوم على ما هو به ، كان أقرب من القول بأنّ المعلوم على ما هو به (١١) بالعلم ، ألا ترى أنّ العلم كالتّابع للمعلوم ، من حيث يتعلّق به (١٢) على ما هو عليه. ويجري هذا القائل مجرى من قال : إنّ الجسم إنّما صار متحرّكا بعلم العالم بأنّه يتحرّك (١٣). وبعد

__________________

(١) ب : و.

(٢) ج : المأمور.

(٣) الف : امرا.

(٤) ج : فالوجهان.

(٥) ب : المأمور به.

(٦) ب : ان يكون ، بجاى بان.

(٧) ب : له.

(٨) الف : تعلق.

(٩) ج : ـ به.

(١٠) ب : يصر.

(١١) ج : ـ به.

(١٢) ج : ـ به.

(١٣) ج وب : متحرك.


فهذا (١) يؤدّى إلى أن يكون علمنا بصفات القديم تعالى وصفات الأجناس هو المؤثّر في كونه تعالى على صفاته ، وكون الأجناس على ما هي عليه ، وبطلان ذلك ظاهر.

والّذي يفسد أن يكون (٢) المؤثّر في الأمر كون فاعله مدركا أو مشتهيا أو نافرا أنّه قد يكون كذلك ، ويكون كلامه تارة أمرا وأخرى غير أمر.

فلم يبق بعد ما أفسدناه إلاّ أن يكون المؤثّر هو كون فاعله مريدا.

وإذا كان المؤثّر هو كون (٣) فاعله مريدا ، فلا يخلو من أن يكون المؤثّر كونه مريدا للمأمور به ، أو كونه مريدا (٤) لكونه أمرا ، والأوّل هو الصّحيح. والّذي يبطل الثّاني أنّه يقتضى أن يكون أمرا بما لا يريده ، أو بما يكرهه غاية الكراهية ، وقد علمنا تعذّر ذلك (٥) ، وأنّه محال أن يأمر أحدنا (٦) بما يكرهه.

وممّا يدلّ على ما ذكرناه أنّه لا يصحّ أن يأمر الآمر (٧) إلاّ بما يصحّ أن يريده ، ألا ترى أنّه لا يصحّ أن يأمر بالماضي ولا بالقديم (٨) لما لم يصحّ أن يراد ، فلو لا أنّ الإرادة المؤثّرة في كونه أمرا هي المتعلّقة بحدوث

__________________

(١) ب وج : فان هذا.

(٢) ب : كون ، بجاى ان يكون.

(٣) ج : كونها.

(٤) ب : ـ للمأمور به أو كونه مريدا.

(٥) ب وج : + فينا.

(٦) ب : أحدا.

(٧) ب : ـ الأمر.

(٨) ج بالتقديم.


المراد ، لم يجب ذلك ، ألا ترى أنّ الخبر (١) لما احتاج إلى إرادة تتناول (٢) كونه خبرا ، ولا تتناول (٣) المخبر عنه ، جاز أن يخبر عن القديم والماضي ، فدلّ هذا الاعتبار على مفارقة الأمر للخبر فيما يتناوله (٤) الإرادة.

فأمّا الكلام فيما (٥) وضع له الأمر ليفيده (٦) ، فهو أنّه وضع ليفيد أنّ الآمر مريد للمأمور به. ولهذا نقول (٧) : إنّ الأمر ـ من (٨) حيث كان أمرا ـ لا يدلّ إلاّ على حال الآمر ، ولا (٩) يدلّ على حال المأمور به ، لأنّه قد يأمر بالحسن ، والقبيح (١٠) ، والواجب ، وما ليس بواجب ، فإذا كان الآمر حكيما لا يجوز أن يريد القبيح ، ولا المباح ، علمنا أنّه لم يأمر (١١) إلاّ بما (١٢) له صفة زائدة على حسنه من واجب أو ندب.

والّذي يدلّ على ما ذكرناه أنّه لا فرق عند أهل اللّغة بين قول القائل لغيره : أريد منك (١٣) أن تفعل وبين قوله : افعل.

وأيضا فإنّ الظّاهر من (١٤) أهل اللّغة أنّهم (١٥) يجعلون قول القائل لغيره :

__________________

(١) ج : المخبر.

(٢) ج : يتناول ، ب : تناول.

(٣) ب وج : يتناول.

(٤) ج : تناوله.

(٥) ب وج : فما.

(٦) ب : ليفسده.

(٧) ج : يقول.

(٨) ج : ـ من.

(٩) ج : الا.

(١٠) ج : القبح.

(١١) ج : يأمره.

(١٢) ج : + هو.

(١٣) ج : منكم.

(١٤) الف : عند ، ج : عن.

(١٥) الف : ان ، بجاى انهم.


« افعل » أمرا ، إذا كان فوقه في الرّتبة ، وسؤالا ، إذا كان دونه ، فجعلوا الرّتبة فاصلة بين الأمرين ، ولا خلاف في أنّ السّؤال يقوم مقام قول السّائل للمسئول : أريد منك أن تفعل كذا وكذا. فلم يفصلوا بين السّؤال والأمر إلاّ بالرّتبة ، وإلاّ فلا فصل بينهما في الفائدة والمعنى.

فصل في هل الأمر يقتضى الوجوب أو الإيجاب

اختلف النّاس في ذلك ، فذهب جميع (١) الفقهاء وطائفة من المتكلّمين إلى أنّ الأمر يقتضى إيجاب الفعل على المأمور به ، وربّما قالوا وجوبه. وقال آخرون : مطلق الأمر إذا كان من حكيم ، اقتضى كون المأمور به مندوبا إليه ، وإنّما يعلم الوجوب بدلالة زائدة ، وهذا هو (٢) مذهب أبي عليّ وأبي هاشم ومن وافقهما. وذهب آخرون إلى وجوب الوقف في مطلق الأمر بين الإيجاب والنّدب ، والرّجوع في كلّ واحد من الأمرين إلى دلالة غير الظّاهر ، وهو الصّحيح.

وتحقيقه أنّ الأمر إذا صدر من حكيم نأمن (٣) أن يريد القبيح (٤) أو (٥) المباح ، فلا بدّ من القطع (٦) على أنّ للمأمور به مدخلا في استحقاق المدح والثّواب ، إلاّ أنّ هذا القدر غير (٧) كاف في أنّه ندب ، ولا كاف في أنّه

__________________

(١) ج : جمع.

(٢) ب وج : ـ هو.

(٣) ب : من ، بجاى نأمن.

(٤) ب : الفسخ.

(٥) ب : و.

(٦) الف : للقطع ، بجاى من القطع.

(٧) ج : ـ غير.


واجب ، فيحتاج إلى دلالة إمّا على أنّ تركه قبيح ، فيعلم أنّه واجب. أو أنّه ليس بقبيح ، فيعلم أنّه ندب.

والّذي يدلّ على صحّة ما ذهبنا إليه ، أنّا قد بيّنّا أنّ الأمر إنّما يكون أمرا ، لأنّ الآمر أراد المأمور به ، وإرادة (١) الحكيم له (٢) تقتضي (٣) ما ذكرناه (٤) من الصّفة الزّائدة على حسنه ، وهذه الصّفة الزّائدة على الحسن قد تثبت (٥) في النّدب والواجب ، فلا بدّ من دلالة زائدة تدلّ على حكم الترك ، فيبنى على ذلك الوجوب أو النّدب.

وليس لأحد أن يقول : أراد الفعل على جهة الإيجاب ، لأنّ ذلك لا يعقل ، إن لم يكن المقصود به أنّه أراده (٦) وكره تركه ، فإذا كان مطلق الأمر لا تعلّق بينه وبين هذه الكراهية (٧) ، لم يجز أن يدلّ عليها.

ويدلّ أيضا على ما اخترناه من المذهب (٨) أنّه لا شبهة في استعمال صيغة الأمر في الإيجاب والنّدب معا في اللّغة ، والتّعارف ، والقرآن والسّنّة ، وظاهر الاستعمال يقتضى الحقيقة ، وإنّما يعدل عنها بدليل ، وما استعمال اللّفظة الواحدة في الشّيئين (٩) أو الأشياء (١٠) إلاّ كاستعمالها

__________________

(١) ب : أراد.

(٢) الف وب : ـ له.

(٣) ب وج : يقتضى.

(٤) الف : ذكرنا.

(٥) ج : يثبت.

(٦) ج : إرادة.

(٧) ج : الكراهة.

(٨) ب : المذاهب.

(٩) ب وج : شيئين.

(١٠) ب : في أشياء ، ج : أشياء.


في الشّيء الواحد في الدّلالة على الحقيقة. وإذا ثبت اشتراك هذه الصّيغة بين الوجوب والنّدب ، لم يجز أن يفهم أحدهما من ظاهر القول إلاّ بدليل منفصل.

ونحن وإن ذهبنا إلى أنّ هذه اللّفظة مشتركة في اللّغة بين النّدب والإيجاب ، فنحن نذهب إلى أنّ (١) العرف الشّرعيّ المتّفق المستمرّ قد أوجب أن يحمل مطلق هذه اللّفظة ـ إذا وردت عن الله « تعالى » أو عن الرّسول (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله على الوجوب ، دون النّدب ، وعلى الفور ، دون التّراخي ، وعلى الإجزاء ، وتعلّق الأحكام الشّرعيّة به. وفي النّهى أنّه يقتضى فساد المنهي عنه ، وفقد (٣) إجزائه. وكذلك نقول في اللّفظ (٤) الّذي يذهب الفقهاء إلى أنّه موضوع (٥) للاستغراق والاستيعاب في اللّغة ، ونذهب نحن إلى اشتراكه ، فنذهب (٦) إلى أنّ العرف الشّرعي قرّر (٧) ومهّد حمل هذه الألفاظ ـ إذا وردت عن الله « تعالى » أو عن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع (٨) الإطلاق والتّجريد على الاستغراق ، وإنّما يرجع في التّخصيص إلى الدّلالة.

والّذي يدلّ على صحّة هذه الجملة (٩) ما هو ظاهر لا يدخل على أحد

__________________

(١) الف : ـ ان.

(٢) ب وج : رسول الله.

(٣) ج : قد.

(٤) ج : ـ اللفظ.

(٥) ج : موضع.

(٦) ج : فيذهب.

(٧) ج : قرأ.

(٨) ب : ـ مع.

(٩) ب وج : + التي ذكرناه.


فيه شبهة ، من حمل الصّحابة كلّ أمر وارد في قرآن أو سنّة على الوجوب ، وكان يناظر (١) بعضهم بعضا في مسائل مختلفة ، فمتى أورد أحدهم على صاحبه أمرا من الله تعالى أو (٢) رسوله عليه‌السلام ، لم يقل صاحبه : هذا أمر ، والأمر يقتضى النّدب ، أو الوقوف بين الوجوب والنّدب ، بل اكتفوا في الوجوب واللّزوم (٣) بالظّاهر (٤). وكذلك في جميع المسائل الّتي ذكرناها (٥) ، لأنّهم ما زالوا يكتفون في وجوب تعجيل الفعل بأنّ الله تعالى أو رسوله عليه‌السلام أوجبه وألزمه ، وفي فساده وعدم إجزائه ، أنّه نهى عنه ، وحظره ، والعموم يجري مجرى ما ذكرناه. وما كانوا (٦) يطلبون عند المنازعة والمناظرة والمطالبة في ألفاظ العموم الّتي يحتجّ بها عليهم إلاّ المخصّصات لها (٧) ، وقد كان يجب أن يقولوا : هذه ألفاظ مشتركة بين العموم والخصوص ، فكيف يحتجّ بها في العموم بغير (٨) دلالة. وهذا معلوم ضرورة (٩) من عاداتهم الّتي (١٠) ما (١١) اختلفت ، ومعلوم أيضا أنّ ذلك من شأن التّابعين لهم وتابعي التّابعين ، فطال ما اختلفوا وتناظروا فلم يخرجوا عن القانون

__________________

(١) الف : يناضر ، ب : يناقض.

(٢) ب : + من.

(٣) ب وج : اللزوم والوجوب.

(٤) ب : الظاهر.

(٥) ب : ذكرها.

(٦) الف : كان.

(٧) ب : ـ لها ، ج : لنا.

(٨) ب : من غير.

(٩) ب : ضرورات.

(١٠) ج : ـ التي.

(١١) الف : ـ ما.


الّذي ذكرناه ، وهذا يدلّ على قيام (١) الحجّة عليهم بذلك ، حتّى جرت عادتهم به (٢) ، وخرجوا عمّا يقتضيه مجرّد وضع اللّغة في هذا الباب ، وأمّا أصحابنا معشر الإماميّة فلا يختلفون (٣) في هذا الحكم الّذي ذكرناه ، وإن اختلفوا في أحكام هذه الألفاظ في وضع اللّغة ، ولم يحملوا قطّ ظواهر الألفاظ (٤) إلاّ على ما بيّناه ، ولم يتوقّفوا (٥) على الأدلّة ، وقد بيّنّا في مواضع من كتبنا أنّ إجماع أصحابنا حجّة.

وقد تعلّق من ذهب إلى وجوب الأمر بطرق اعتباريّة ، وطرق سمعيّة ، وهي على ضربين ، قرآنيّة وأخباريّة. ونحن نذكر أقوى ذلك شبهة ، فإنّ الّذي تعلّق به الفقهاء في (٦) ذلك لا يكاد ينحصر وينتظم.

فأمّا (٧) الطّرق الاعتباريّة ، فأوّلها قولهم : السّيّد إذا أمر غلامه بفعل ، عقل منه الإيجاب ، ولذلك يوبّخه العقلاء ، ويذمّونه ، إذا خالفه.

وثانيها قولهم : لو لم يكن لفظة افعل موضوعة للإيجاب ، لم يكن للإيجاب لفظة موضوعة في اللّغة مع الضّرورة الدّاعية إلى ذلك.

وثالثها أنّه لا شبهة في تسمية (٨) من خالف الأمر المطلق بأنّه عاص ، والمعصية لا تكون (٩) إلاّ في خلاف الواجب (١٠).

__________________

(١) ج : مقام.

(٢) الف : ـ به.

(٣) ج : يختلفوا.

(٤) ج : ـ في وضع ، تا اينجا.

(٥) ج : يتفقوا.

(٦) ب : من.

(٧) ب : واما.

(٨) ج : قسيه.

(٩) ج : يكون.

(١٠) ب : الوجوب.


ورابعها قولهم (١) : إنّ غاية ما يفعله من يريد الإيجاب والإلزام أن يقول لغيره افعل.

وخامسها أنّ الأمر بشيء بعينه يقتضى أنّه حصر المأمور به (٢) ، وقصره عليه ، وذلك يمنع من تعدّيه وتجاوزه.

وسادسها أنّه لو لم يقتض (٣) الإيجاب ، لم يكن بعض الوجوه بأن يستفاد به (٤) أولى (٥) من بعض مع (٦) تضادّها ، فيجب (٧) أن يقتضى الوجوب.

وسابعها قولهم : إذا كان الآمر لا بدّ من أن يكون مريدا للمأمور به ، و(٨) إذا أراده ، فقد كره تركه ، وربّما قال بعضهم : إنّ إرادة (٩) الفعل كراهة (١٠) لضدّه.

وثامنها قولهم : إنّ الأمر بالشّيء يقتضى في المعنى النّهى عن ضدّه ، كما أنّ النّهى عن الشّيء يقتضى الأمر بتركه.

وتاسعها أنّ لفظ الأمر يجب أن يقتضى ضدّ ما يقتضيه لفظ النّهى في (١١) المعنى ، وإذا كان النّهى يقتضى التّحريم ، فالأمر يقتضى الإيجاب.

__________________

(١) ج : ـ قولهم.

(٢) ب وج : ـ به.

(٣) ب وج : يقتضى.

(٤) ج : ـ به.

(٥) ج : من أولى ، بجاى به أولى.

(٦) ب : ـ مع.

(٧) ج : فهو يجب.

(٨) ج : ـ و، وعلى أي حال فالعبارة لا تخلو من فساد ، والظاهر الفاء مكان الواو.

(٩) ج : أراد.

(١٠) ب وج : كراهية.

(١١) ب : عن.


وعاشرها قولهم : إنّ الأمر لا يخلو من أقسام ثلاثة ، إمّا أن يقتضى الإيجاب ، أو المنع ، أو التّخيير ، والمنع معلوم أنّه لا يستفاد بالأمر ، وإنّما يستفاد المنع بالنّهي ، ولا يجوز أن يفيد التّخيير لفقد ألفاظ التّخيير ، فلم يبق إلاّ الإيجاب.

وحادي عشرها قولهم : إذا احتمل لفظ الأمر الإيجاب والنّدب ، وجب حمله على الإيجاب ، لأنّه أعمّ فوائده ، كما يقال في ألفاظ العموم.

وثاني عشرها طريقة الاحتياط ، وأنّ حمله على الإيجاب أحوط للدّين.

وثالث عشرها أنّ الأمر لا بدّ له من فائدة ، ومحال حمله على الإيجاب والنّدب معا ، لتنافي الفائدتين ، فلو كانت فائدته هي النّدب ، لوجب أن يكون متى حمل على الإيجاب أن يكون مجازا ، وأجمعنا على خلاف ذلك.

فأمّا (١) الطّرق القرآنيّة : فأوّلها (٢) قوله تعالى « فليحذر الّذين يخالفون عن أمره » ، والتّحذير يقتضى (٣) وجوب الامتثال (٤)

وثانيها (٥) قوله تعالى : فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ، ثمّ لا يجدوا (٦) في أنفسهم حرجا ممّا قضيت.

__________________

(١) ج : وأما.

(٢) ج : ـ فأولها ، وجاى آن سفيد است.

(٣) ب : ـ يقتضى.

(٤) ج : ـ والتحذير يقتضى وجوب الامتثال.

(٥) ب : فأولها.

(٦) ج : لا تجدوا.


وثالثها (١) قوله تعالى : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ، إذا قضى الله ورسوله أمرا ، أن يكون (٢) لهم الخيرة من أمرهم.

ورابعها قوله تعالى : ﴿ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ .

وخامسها قوله تعالى : ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ (٣).

والطّرق الأخباريّة : أوّلها ما روى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) من قوله (٥) « لو لا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسّواك عند كلّ صلاة » وقد ندب إلى ذلك عند كلّ صلاة ، فثبت أنّه أراد (٦) الإيجاب.

وثانيها خبر بريرة (٧) حين أشار عليها بمراجعة زوجها ، وأنّها (٨) قالت له عليه‌السلام : أ تأمرني بذلك ، فقال (٩) : إنّما أنا شافع (١٠) ، فقالت عند ذلك : فلا حاجة لي فيه ، وفرقت (١١) بين الأمر والشّفاعة ، وليس ذلك إلاّ لوجوب الأمر.

وثالثها قوله عليه‌السلام للأقرع بن حابس ـ وقد سأله عن

__________________

(١) ج : وثانيها.

(٢) ب : تكون.

(٣) ب وج : آيه پنجم را بجاى چهارم وبالعكس ذكر نموده ، ج : پس از خامسها ، « قوله تعالى » ندارد ، ب : قبل از « أطيعوا » واو دارد.

(٤) ج : صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٥) ج : + عليه‌السلام.

(٦) ب : إرادة.

(٧) القاموس المحيط أين كلمه را بهمين شكل ضبط ، وگفته است : بريرة صحابية ، (ج ١ ، ص ٣٧٠ ، ط مصر).

(٨) ج : فانها.

(٩) ج : + عليه‌السلام.

(١٠) ب وج ، ونسخه بدل الف : اشفع ، نسخه بدل ديگر : شفيع.

(١١) الف : ففرقت.


الحج (١) : أ (٢) لعامنا هذا (٣) أم (٤) للأبد ـ فقال عليه‌السلام : لا (٥) للأبد ، ولو قلت : نعم ، لوجب ، ولو لم تفعلوا ، لضللتم. وهذا صريح في أنّ الأمر يقتضى (٦) الإيجاب.

ورابعها توبيخه عليه‌السلام أبا سعيد الخدريّ (٧) لمّا دعاه وهو في الصّلاة ، فلم يجبه ، وقوله عليه‌السلام (٨) أ لم تسمع الله تعالى يقول (٩) : ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ (١٠) إِذا دَعاكُمْ (١١).

فيقال (١٢) لهم فيما تعلّقوا به أوّلا : إنّنا (١٣) لا نسلّم ما ادّعيتموه لا حكما ولا علّة ، لأنّه (١٤) ليس كلّ عبد يستحقّ الذّمّ ، إذا لم يفعل ما أمره مولاه ، ومن استحقّ الذّمّ منهم فليس العلّة في استحقاقه مجرّد خلاف الأمر ، لأنّا لو فرضنا عبدا سمع مجرّد الأمر من مولاه ، وهو لا يعرف العادة العامّة ، ولا عادة مولاه الخاصّة ، وفوّت منفعة مولاه بمخالفة أمره ، فانّه لا يستحقّ الذّمّ. ولو أمره مولاه بما يختصّ بمصالح (١٥) العبد ، من (١٦) غير أن يعود على السّيّد منه نفع أو ضرر ، لما ذمّه أحد من العقلاء

__________________

(١) الف : ـ عن الحج.

(٢) ب : ـ أ.

(٣) ب وج : ـ هذا.

(٤) الف : أو ، در بالاى أو ، أم نوشته شده.

(٥) ب وج : ـ لا ، + بل.

(٦) ج : تقتضي.

(٧) بضم خاء وسكون دال ، وبنو خدرة بطن من الأنصار منهم أبو سعيد الخدريّ. (لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٢٣٤ ، ط بيروت).

(٨) ج : + له.

(٩) ب : قول الله تعالى.

(١٠) الف : الرسول.

(١١) ب وج : ـ إذا دعاكم.

(١٢) ب : ويقال.

(١٣) ب : انا.

(١٤) ب : ـ لأنه.

(١٥) ج : بما لصح.

(١٦) ب : ـ من.


إذا لم يفعل (١) ، فالحكم الّذي قضوا به ، نحن نخالف فيه ، ثمّ لو عرف العبد كراهية مولاه لمخالفته ، إمّا (٢) بالعادة ، أو بشاهد الحال ، نحو (٣) أن يأمره بأن يسقيه الماء وقد غصّ بلقمة ، فاستحق الذّمّ على خلافه (٤) ، وما (٥) كانت العلّة في ذلك ما ادّعى من مجرّد خلاف الأمر ، بل ما ذكرناه. وممّا يوضح ما ذهبنا إليه أنّ الأمر لو أفاد الإيجاب لأمر يرجع إليه ، لم يفترق (٦) الحال بين الكبير والصّغير ، والجليل والوضيع فكيف (٧) يختصّ (٨) الإيجاب (٩) بأمر الأعلى للأدون (١٠) ، لو لا أنّ ذلك ليس بموجب عن الأمر. وإنّما يقتضى الإيجاب لأسباب عارضة من أحوال وعادات.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثانيا : قد وضعوا للإيجاب لفظا في اللّغة ، وهو (١١) أوجبت (١٢) ، وألزمت ، ومتى لم تفعل استحققت الذّمّ والعقاب ، فإذا قالوا : هذه (١٣) صيغة الخبر ، وأردنا (١٤) ما هو بصيغة الأمر ، قلنا (١٥) : هذا

__________________

(١) الف : يغفل.

(٢) ب : ـ اما.

(٣) الف : يجوز.

(٤) ج : خلاف ظ.

(٥) ب وج : لما.

(٦) ج : تفترق.

(٧) ب وج : وكيف.

(٨) ج : تختص.

(٩) ج : بالإيجاب.

(١٠) ج : الأدون ، ب : لو لا دون.

(١١) ج : قد.

(١٢) الف : أجبت ، ب : أوجب.

(١٣) ب : بهذه.

(١٤) ج : أوردنا.

(١٥) ب : قلت.


تحكّم على (١) أهل اللّغة ، وإذا أوجبنا أن يضعوا لهذا المعنى لفظا (٢) ، فأيّ فرق في الإنباء عن مرادهم بين ما هو بصيغة (٣) الخبر وبين ما هو بصيغة (٤) الأمر. على أنّ ذلك يعكس عليهم ، فيقال (٥) : معنى النّدب معقول لهم ، فيجب أن يضعوا له لفظا ينبئ عنه ، ولا لفظ إلاّ قولهم : افعل. فإن عدلوا إلى أن يقولوا : قد وضعوا لذلك ندبت ، قلنا في الإيجاب مثله.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثالثا : لا نسلّم لكم أنّ لفظة عاص لا تدخل (٦) إلاّ في الوجوب أو الإيجاب ، لأنّ من خالف في الشّاهد ما ندب إليه أو أرشد إليه يقال : عصى ، بل يقال ذلك في المشورة (٧) ولا خلاف أنّه لا إيجاب فيها ، ولفظة (٨) عاص لا تفيد (٩) فعل قبيح ، كما أنّ إطلاق لفظ مطيع لا يدلّ على فعل (١٠) حسن ، وإذا أضفنا فقلنا : أطاع الله تعالى فهو دالّ (١١) على زيادة على الحسن ، فإنّ الله تعالى لا يأمر إلاّ بما له صفة الوجوب أو النّدب ، وإذا قلنا : عصى الله ـ سبحانه ـ في كذا ، فالمعنى أنّه خالف (١٢) أمره و(١٣) إرادته. وقد يدخل ذلك في الوجوب (١٤) والنّدب معا ، فإذا

__________________

(١) الف : من.

(٢) ج : لفظ.

(٣) الف : بصنعة.

(٤) ب : ـ الخبر وبين ما هو بصيغة.

(٥) الف : فقال.

(٦) ج : يدخل.

(٧) الف وج : المشهورة.

(٨) ب : فلفظة

(٩) ج : يفيد.

(١٠) ج : ـ فعل.

(١١) ج : ذاك.

(١٢) ج : خلاف.

(١٣) ب : أو.

(١٤) ب : الواجب.


اقترن بذلك ذمّ أو توبيخ ، خلص للإخلال بالواجب.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به رابعا : ما زدتم على الدّعوى ، فمن أين قلتم إنّه غاية ما يفعله الموجب هي أن يقول : افعل ، ففي (١) ذلك الخلاف ، بل إذا أراد الإيجاب والإلزام قال : أوجبت أو (٢) ألزمت أو إن لم تفعل ذممتك.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به خامسا : هذه عبارة موهمة ، فما مرادكم بقولكم : حصره وقصره ، أ تريدون أنّه أراد المأمور بعينه دون غيره ، فهو مسلّم ولا (٣) إيجاب في ذلك ، أم تريدون أنّه حصره على وجوبه ، ففيه الخلاف ، ولصاحب النّدب أن يقول : حصره وقصره على أن ندب (٤) إليه.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به سادسا : هاهنا وجه معقول مستفاد من مطلق (٥) الأمر ، وهو دلالته على أنّ الآمر مريد للفعل ، وإذا كان الآمر حكيما ، استفدنا كون الفعل عبادة ، وممّا يستحقّ به (٦) الثّواب (٧) ، وهذه فائدة معقولة.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به سابعا : لو كان الآمر بالشّيء إذا أراده فلا بدّ (٨) من كونه كارها لتركه ، لوجب أن تكون (٩) النّوافل كلّها واجبة ولا حقة بالفرائض ، والّذي يدلّ على أنّه تعالى أمر بالنّوافل أنّه لا خلاف

__________________

(١) (١) ـ : نفى.

(٢) ب وج : و.

(٣) ب وج : فلا.

(٤) ب وج : ندبه.

(٥) ب وج : بمطلق.

(٦) ب : ـ به.

(٧) ج : الثواب به.

(٨) الف : لا بد.

(٩) ب وج : يكون.


في وصفنا فاعلها بأنّه مطيع لله تعالى ، والطاعة إنّما هي امتثال الأمر أو (١) الإرادة. ولا خلاف في أنّه تعالى رغّب في (٢) النّوافل ، وذلك يقتضى كونها مرادة لله (٣) تعالى. ولا خلاف أيضا في أنّ النّوافل كالفرائض في تناول التّكليف لها ، وذلك يقتضى كونه تعالى مريدا لها. وقوله ـ سبحانه ـ (٤) ( إنَّ اللهَ (٥) يَأمُرُ بِالعدلِ والإحسان ) دليل على أنّ النّوافل مأمور بها ، لأنّ الإحسان له صفة النّفل دون الوجوب. فأمّا من ذهب إلى أنّ نفس إرادة الفعل تكون (٦) كراهة لتركه ، فقوله يفسد بما ذكرناه في النّوافل. ولأنّه محال أن يكون الشّيء بصفة ضدّه ، وما كون الإرادة كراهة إلاّ ككون العلم جهلا ، والقدرة عجزا.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثامنا : من أنّ الأمر بالشّيء نهى عن ضدّه ، سنبيّن بطلان هذه الشّبهة في باب مفرد (٧) على أنّ ذلك ينتقض بالنّوافل.

ويقال فيما تعلّقوا به تاسعا : ما أنكرتم أن يكون الأمر يقتضى ضدّ ما يقتضيه النّهى فيما يجوز أن يدلّ (٨) عليه الأمر و(٩) النّهى ، والأمر إذا

__________________

(١) ب : و.

(٢) ج : عن.

(٣) ب وج : له.

(٤) ج وب : تعالى.

(٥) ج : + تعالى.

(٦) ج : يكون.

(٧) ب : مفردة ، الف+ و.

(٨) الف : ـ ان يدل.

(٩) ج : أو.


دلّ على كون الآمر مريدا للفعل ، فالنّهي يدلّ على أنّه كاره (١) له ، والتحريم ما علمناه في متناول النّهى إلاّ (٢) بواسطة ، وهي أنّ الله تعالى إذا نهى عن فعل ، فلا بدّ من كونه (٣) كارها له ، وهو تعالى لا يكره إلاّ القبيح ، والقبيح محظور محرّم ، وهذا الاعتبار ليس بموجود في الأمر ، لأنّه إذا أمر بشيء ، وأراده ، فلا بدّ من كونه طاعة وممّا يستحقّ به المدح والثّواب ، وما هو بهذه الصّفة ينقسم إلى واجب وندب ، فلا يجب أن يقطع على أحدهما (٤) ، وما (٥) يكرهه تعالى فهو غير منقسم ، ولا يكون إلاّ قبيحا ، فافترق الأمران.

ويقال لهم (٦) فيما تعلّقوا به عاشرا : قد أخللتم في القسمة بقسم ، وهو مذهبنا ، ونحن نعلم أنّ التّرغيب في الفعل وجه معقول كالإلزام (٧) وليس كونه ندبا يقتضى التّخيير لأنّ التّخيير (٨) إنّما يقتضى المساواة بين الشيئين المخيّر بينهما ، وليس النّدب مساويا لتركه فيكون (٩) التّخيير بينهما (١٠).

ويقال لهم فيما تعلّقوا به حادي عشر : قد اقتصرتم على دعوى ، فمن أين قلتم : إنّه يجب حمله على أعمّ الفوائد وما الفرق بينكم ، وبين من

__________________

(١) ب : كان ، بجاى كاره.

(٢) ب : لا.

(٣) ب وج : ان يكون ، بجاى من كونه.

(٤) ب : إحداهما.

(٥) ب : أو مما.

(٦) الف : ـ لهم.

(٧) ج : كإلزام.

(٨) ب وج : ـ لأن التخيير.

(٩) ج : فيجوز.

(١٠) ب : ـ وليس تا اينجا.


يقول بل يجب حمله على اليقين وهو الأقلّ في الفائدة (١) ، وذلك هو النّدب. وإنّما يسوغ (٢) ما قالوه ، إذا كان اللّفظ يتناول الجميع تناولا واحدا ، فأمّا (٣) إذا كان محتملا ، وما يحتمله كما لمتضادّ ، فما ادّعاء الأعمّ إلاّ كادّعاء (٤) الأخصّ.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثاني عشر : الّذي ذكر تموه ضد الاحتياط ، لأنّه يقتضى أفعالا (٥) قبيحة ، منها اعتقاد وجوب (٦) الفعل ، وذلك جهل ، وعزم على أدائه على هذا الوجه ، وهو أيضا قبيح. ولا بدّ من أن يعتقد هذا الفاعل قبح ترك (٧) هذا الفعل ، فيكون جهلا ثانيا. وربّما كرهه ، فيكون قبيحا زائدا. فما هذه (٨) حاله ، كيف (٩) يكون احتياطا. وليس يجري ذلك مجرى من ترك صلاة من خمس صلوات (١٠) من غير أن يعرفها بعينها ، والقول في إيجاب كلّ الصّلوات (١١) عليه ، لأنّ ذلك يقتضى دخول ما أخلّ به في جملة ما فعله ، من غير فعل قبيح وقع منه.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثالث عشر : إنّا قد بيّنا أنّ الأمر يفيد كون الآمر مريدا للفعل ، وليس يفيد في الأفعال حكما على وجه ، فالنّدب

__________________

(١) ج : الفوائد.

(٢) ب : ـ يسوغ.

(٣) ب : وأما.

(٤) ج : الادعا ، بجاى الا كادعاء.

(٥) الف : فعالا.

(٦) ب وج : لوجوب.

(٧) ب : ـ ترك.

(٨) ج : ـ هذه.

(٩) ب : فكيف.

(١٠) ج : صلاة.

(١١) ج : الصلاة.


كالواجب في معنى دلالة الأمر ، وهو أنّ الآمر مريد للفعل ، فإذا قامت دلالة على وجوبه ، فإنّما هي دالّة (١) على أنّ تركه مكروه (٢) ، وذلك لا يوجب كونه مجازا ، لأنّ (٣) دلالته (٤) وهو واجب ، كدلالته وهو ندب فيما يرجع إلى (٥) الأمر به. وبعد ، فإنّ كلّ لفظة مشتركة بين أمرين (٦) على سبيل الحقيقة ، لا يجب أن تكون (٧) مجازا في كلّ واحد منهما ، إذا أريد بها كسائر الألفاظ (٨) المشتركة مثل عين (٩) ولون.

ويقال لهم في (١٠) أوّل ما تعلّقوا به من القرآن : أوّل ما نقوله : أنّه لو ثبت في القرآن أو (١١) السنّة ما يدلّ على وجوب المأمور به ، لم يكن ذلك نافعا (١٢) لمخالفنا ، ولا ضارّا (١٣) لنا ، لأنّنا (١٤) لا ننكر على الجملة أن يدلّ دليل على وجوب الأمر ، وإنّما ننكر أن يكون (١٥) ذلك يجب بوضع اللّغة. وإنّما نتكلّم فيما استدلّوا به من قرآن أو سنّة على وجوب الأمر (١٦) لا لأنّه إن صحّ ، قدح فيما أصّلناه ، وإنّما نتكلّم فيه لأنّه

__________________

(١) ب وج : دلالة.

(٢) ب : مكررة.

(٣) الف : الا

(٤) ب : دلالة.

(٥) ج : الا.

(٦) ج : الأمر.

(٧) ج : يكون.

(٨) الف : الألفاض.

(٩) ب وج ، كعين.

(١٠) ج : فيما.

(١١) ب وج : و.

(١٢) ب : مانعا.

(١٣) ج : خفاء.

(١٤) الف : لأنا.

(١٥) ب : ـ يكون

(١٦) الف : ـ الأمر.


لا يدلّ على المقصود. وهذه جملة يجب أن تكون (١) محصّلة مراعاة.

ثمّ نقول : اقتران الوعيد بهذا الأمر هو الدّلالة على وجوبه ، فمن أين لكم (٢) أنّ الأمر المطلق يدلّ على الوجوب.

ثمّ إنّ (٣) المراد ظاهر ، وهو أنّه (٤) أراد الخلاف على الرّسول ـ عليه‌السلام ـ على سبيل جحد النبوة ، بدلالة أوّل الآية بقوله تعالى ﴿ لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ، وهذا إنكار على من لم يلتزم (٥) الانقياد له لأجل النّبوة ، ولا محالة إنّ خلافه على هذا الوجه كفر.

وبعد ، فإنّ مخالفة الأمر هو ضدّ الموافقة ، وفعل ما ندب إليه على وجه الوجوب مخالفة له ، كما أنّ فعل ما أوجبه مقصودا به إلى النّدب مخالفة أيضا ، والآية تضمّنت التّحذير من المخالفة فمن أين لهم (٦) وجوب ما أمر به ، حتّى يكون من فعله على غير (٧) هذا الوجه مخالفا. فعلم أنّ ظاهر الآية مشترك بيننا وبينهم ، وأنّه لا حجّة فيها لهم.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثانيا : ليس المراد بالقضاء هاهنا الأمر المطلق ، بل الإلزام ، كما نقول (٨) : قضى القاضي بكذا وكذا ، بمعنى حكم وألزم ، ولهذا لا تسمّى (٩) الفتوى (١٠) قضاء.

__________________

(١) ج : يكون.

(٢) ج : ـ لكم.

(٣) الف : ـ ان.

(٤) ب : ـ انه.

(٥) الف : يلزم نفسه.

(٦) ج : له.

(٧) ب : ضمير.

(٨) ب وج : يقول.

(٩) ب : يسمى.

(١٠) ب : + بأنه ، ج : + بأنها.


والكلام فيما تعلّقوا به ثالثا ، كالكلام في هذه الآية ، فلا معنى لإعادته.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به رابعا ، من قوله تعالى ﴿ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ* : إنّ (١) هذا أمر ، والخلاف فيه نفسه (٢) ، فكيف يستدلّ به على نفسه. والطاعة هي (٣) امتثال الأمر ، وقد بيّنّا أنّ الطّاعة تدخل في النّدب والإيجاب جميعا ، فكيف يعقل من الظّاهر أحدهما.

وأيضا فإنّ الطّاعة هي امتثال الأمر على الوجه الّذي تعلّق به الأمر إمّا بإيجاب (٤) أو ندب ، حسبما مضى من (٥) الكلام في المخالفة ، فمن أين لهم أنّ أمره على الوجوب ، حتّى يكون من فعله على هذا الوجه مطيعا له ، وإلاّ كان على النّدب ، وطاعته إنّما هي فعله على هذا الوجه.

ويقال لهم (٦) فيما تعلّقوا به خامسا : إنّا قد بيّنّا أنّ المعصية قد تدخل في النّدب كما تدخل (٧) في الواجب ، وأنّه قد يكون عاصيا لمخالفة (٨) الأمر على وجه لا يستحقّ به الوعيد ، فيجب أن تحمل الآية لأجل الوعيد على مخالفة الأمر الواجب.

ويقال لهم في (٩) أوّل الطّرق الأخباريّة : إنّه (١٠) ليس يجوز أن يثبت

__________________

(١) ج : ـ ان.

(٢) الف : ـ نفسه.

(٣) ب وج : في.

(٤) ب وج : إيجاب.

(٥) الف : ـ من.

(٦) ج : ـ لهم.

(٧) ج : ـ في الندب كما تدخل.

(٨) الف : بمخالفة.

(٩) ج : ـ في.

(١٠) ب وج : ـ انه.


حكم الأمر في وجوب أو ندب وهو أمر معلوم ، بأخبار (١) الآحاد الّتي لا توجب إلاّ الظّنّ.

وبعد ، فإنّ قوله ـ عليه وآله (٢) السّلام ـ : لو لا أن (٣) أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسّواك عند كلّ صلاة ، لو تجرّد ، ما علمنا به الوجوب (٤) ، لكنّا لمّا علمنا أنّ السّواك مندوب إليه ، كان ذلك قرينة في أنّه أراد الوجوب.

ويقال لهم في خبر بريرة (٥) : أكثر ما فيه التّفرقة بين الأمر والشّفاعة ، وبينهما تفرقة (٦) وان لم يكن لأجل وجوب (٧) الأمر ، وهي أنّ الأمر منه عليه‌السلام يتعلّق بالدّيانات والعبادات ، والشّفاعة ليست كذلك ، لأنّها (٨) تكون (٩) في المنافع الحاضرة (١٠) العاجلة ، وفي الأغراض الدّنياويّة.

(١١) وأمّا (١٢) خبر الأقرع بن حابس (١٣) ، فإنّه لم يسأل عن مطلق الأمر ، وإنّما سأل عن تكرار ما ثبت وجوبه ، وهو الحجّ ، فأجاب صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه لو قال نعم ، لوجب ، لأنّ قوله نعم يكون بيانا ، وبيان الواجب واجب.

__________________

(١) الف : من أخبار.

(٢) ب وج : ـ وآله.

(٣) ب وج : انى.

(٤) ب : + و.

(٥) ج : بريدة.

(٦) ج : ـ وبينهما تفرقة.

(٧) ج : الوجوب.

(٨) ب : + لا.

(٩) ج : يكون.

(١٠) الف : + و.

(١١) ج : + ويقال.

(١٢) الف وج : فأما.

(١٣) ج : الوقوع الحابس.


وأمّا الجواب عن خبر أبي سعيد الخدريّ ، فإنّ دعاء الرّسول (١) بخلاف أمره ، لأنّ إجابة دعائه واجبة (٢) ولذلك صحّ أن يأمره لمكان الإجابة (٣) بقطع الصّلاة ، ومثل ذلك لا يصحّ في الأمر والدّعاء (٤) هو أن يناديه : يا فلان ، فيجب عليه الإجابة ، والأمر أن يقول (٥) له : افعل ، وقد بيّنّا أنّه متردّد بين النّدب والإيجاب.

وقد تعلّق من (٦) قطع (٧) في مجرّد الأمر على (٨) أنّ المراد به النّدب بأن (٩) قال إذا كان الأمر من الحكيم لا بدّ من أن يريد المأمور به ، ولا بدّ من كونه مع الحكمة ، ممّا له مدخل في العبادة واستحقاق الثّواب ، فيجب أن يكون ندبا ، لأنّه أقلّ أحواله ، وما لا بدّ منه ، وإنّما (١٠) يكون واجبا إذا علمنا كراهة (١١) التّرك.

فيقال (١٢) لهم : هذا الّذي قدّمتموه (١٣) صحيح ، لكنّكم بنيتم عليه (١٤) ما (١٥) لا يليق به ، فمن أين لكم أنّه إذا أراد المأمور به ، فإنّه لم يكره

__________________

(١) ج : + عليه‌السلام.

(٢) ب : واجب.

(٣) ب : ـ لمكان الإجابة.

(٤) ب : + و.

(٥) ج : تقول.

(٦) ب : بمن.

(٧) الف : يقطع.

(٨) الف : ـ على.

(٩) الف : ان.

(١٠) ب : فانما.

(١١) ب : كراهية.

(١٢) ب : ويقال.

(١٣) ب : قدمتهن.

(١٤) ج : ـ عليه.

(١٥) ب : عليهما.


تركه ، وأنتم لا تستفيدون (١) من مطلق الأمر (٢) حكم الترك (٣) ، وإنّما تستفيدون (٤) أنّ الآمر مريد للمأمور به (٥). وقولكم : نحمله على أقلّ أحواله ، تحكّم ، ولم يجب ذلك ، ومن الجائز أن يكون هذا الآمر مع أنّه مريد للمأمور به ، كارها لتركه ، كما أنّه من الجائز أن لا (٦) يكون كارها لتركه (٧) ، فالقطع على أحد الأمرين بغير دليل ظلم.

فإن قالوا : لو كره الترك ، لبيّنه. قلنا : ولو لم يكن كارها ، لبيّنه.

فإن (٨) قالوا : الأصل في العقل كون (٩) الفعل والتّرك جميعا غير مرادين ولا مكروهين ، فإذا (١٠) تعلّق الأمر بأحدهما ، علمناه (١١) مرادا ، وبقي التّرك على ما كان (١٢) عليه ، فلو تغيّرت حاله ، وصار قبيحا ، وممّا يجب أن يكرهه الحكيم ، وجب على المخاطب بهذا الأمر أن يبيّن ذلك من حاله (١٣) ، فإنّ البيان لا يتأخّر عن حال الخطاب. وهذا الّذي حكيناه أقوى ما يمكن أن يتعلّق به في نصرة مذهبهم.

والجواب عن ذلك (١٤) أنّا لا (١٥) نسلّم أوّلا ـ أنّ الفعل والتّرك جميعا

__________________

(١) ج : يستفيدون.

(٢) الف : ـ الأمر.

(٣) ب : التروك.

(٤) ج : يستفيدون ، ب : يفيد.

(٥) الف : المأمور به.

(٦) ج وب : الا ان.

(٧) ج : ـ لتركه.

(٨) ب : وان.

(٩) ب وج : ان ، بجاى كون.

(١٠) الف : وإذا.

(١١) ج : علمنا.

(١٢) ج : مكان.

(١٣) ب : حالة.

(١٤) ب : ـ عن ذلك.

(١٥) ج : ـ لا.


كانا في العقل سواء في أنّهما غير مرادين ولا مكروهين ، لأنّه إذا أمرنا بالصلاة مثلا ، فقد أمرنا بفعل (١) كان في العقل ـ لو لا هذا الأمر ـ محظورا ، وكان تركه واجبا ، لأنّه إدخال مشقّة وكلفة على النّفس بغير فائدة ، فإذا (٢) قال لنا صلّوا ، فقد دلّ (٣) ذلك على أنّ للصّلاة صفة (٤) زائدة على حسنها ، يستحقّ بها المدح والثّواب ، ولا بدّ من أن يكون صفة ترك الصّلاة الّذي كان في العقل واجبا ، قد تغيّرت عند ورود هذا الأمر ، وتغيّرها ينقسم إلى أن يكون مكروها ، فيكون الفعل واجبا ، وإلى أن لا (٥) يكون (٦) مرادا ولا مكروها ، فيكون الفعل ندبا ، وإلى أن يكون مرادا ، فيكون مخيرا بين الفعل والترك ، فثبت بهذه الجملة أنّه لا يجوز مع ورود الأمر بهذه العبادات أن تبقى (٧) في تروكها على الأصل العقلي (٨) ، بل لا بدّ من تغيّره (٩) على ما بيّنّاه (١٠).

على أنّا لو سلّمنا (١١) أنّ حكم التّرك في أصل العقل (١٢) ما ذكروه ، لكان إنّما يجب البيان في وقت الحاجة ، لا في وقت الخطاب ، على ما سنبيّنه في موضعه من هذا الكتاب بمشيّة الله تعالى وعونه ، فلو قال

__________________

(١) ج : بالفعل.

(٢) ب : وإذا.

(٣) ب : + وجوب.

(٤) ج : صيغة.

(٥) الف : ـ لا.

(٦) الف : + لا.

(٧) الف وب : نبقى.

(٨) ب وج : أصل العقل.

(٩) ج : تغييره.

(١٠) ج : بينا.

(١١) ج : سلما.

(١٢) الف : + على.


الحكيم لغيره افعل كذا وكذا غدا أو بعد شهر ، لما وجب أن (١) يبيّن (٢) له حكم التّرك في هذا الوقت ، وليس بوقت للحاجة ، وأنتم لا تفرّقون في حمل الأمر على النّدب بين أن يكون على الفور أو على التّراخي. وهذه جملة كافية في الاطّلاع (٣) على سرّ (٤) هذا الباب فليحسن تأمّلها.

فصل في حكم الأمر الوارد بعد الحظر

اعلم أنّ أكثر المتكلّمين في أصول الفقه أطبقوا على أنّ الأمر الوارد بعد الحظر يقتضى الإباحة وإطلاق الحظر الّذي تقدّم (٥) ، وإن كانوا يذهبون إلى أنّه لو انفرد ، وكان مبتدأ ، اقتضى الوجوب ولسنا ندري ما (٦) السّبب في استمرار هذه الشّبهة الضّعيفة (٧).

والصّحيح أنّ حكم الأمر الواقع بعد الحظر (٨) هو حكم الأمر المبتدأ ، فان كان مبتدؤه (٩) على الوجوب أو النّدب أو الوقف بين الحالين ، فهو كذلك بعد الحظر.

والّذي يدلّ على ذلك أنّ الأمر إنّما يدلّ على ما يدلّ عليه ، لأمر يرجع إلى كونه أمرا ، وإذا كانت هذه الصّفة لا تتغيّر (١٠) بوقوعه بعد الحظر ،

__________________

(١) ج : ـ أن.

(٢) ج : تعين.

(٣) ب : الإطلاق.

(٤) ج : سفير.

(٥) ج : يقدم.

(٦) ب : ـ ما.

(٧) ج : الضيقة.

(٨) ب وج : حظره.

(٩) الف : مبتدأ.

(١٠) ج : يتغير.


فدلالته يجب ألاّ تتغيّر (١).

وأيضا فإنّ الحظر (٢) العقليّ آكد من السّمعيّ ، وقد علمنا أنّ ورود الأمر بعد الحظر العقلي (٣) لا يمنع من اقتضائه الوجوب ، وكذلك وروده بعد الحظر الشّرعي.

وبعد ، فإنّ (٤) كونه محظورا لا يمنع من وجوبه أو كونه ندبا بعد هذه الحال ، وإذا كان لا يمنع من ذلك ، لم تتغيّر الدّلالة.

فإن قيل : ورود الأمر بعد الحظر يقتضى إطلاق الحظر ، قلنا : لا شبهة في ذلك غير أنّ إطلاق الحظر يكون بالإيجاب والنّدب ، كما يكون بالإباحة ، فمن أين أنّه يقتضى إطلاق الحظر من غير زيادة على ذلك.

واعتلالهم بأنّهم لم يجدوا في الكتاب أمرا واردا بعد الحظر إلاّ و(٥) يقتضى الإباحة المحضة (٦) ، باطل (٧) ، لأنّ (٨) الوجود إذا صحّ ، ليس بدلالة لأنّه يمكن خلاف ما استمرّ عليه الوجود ، ولأنّا لا نسلّم ذلك أيضا ، لأنّ الله تعالى يقول : ﴿ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ، وحلق الرّأس هاهنا (٩) نسك ، وليس بمباح (١٠) صرف (١١).

__________________

(١) ب وج : يتغير.

(٢) الف : الحضر.

(٣) ج : ـ آكد ، تا اينجا.

(٤) ب : فانه.

(٥) ج : والا.

(٦) ج : المختصة.

(٧) ب : بأصل.

(٨) ب : در حاشيه دارد : ظ : عدم.

(٩) ج : + هو.

(١٠) ج : بمحتاج.

(١١) ج : ـ صرف.


فصل في أنّ الكفار مخاطبون بالشرائع

وهل يدخل العبد والصبيّ في الخطاب ؟

الصّحيح أنّ الكفّار مخاطبون بالعبادات الشّرعيّة ، وذهب كثير من المتكلّمين وأكثر الفقهاء إلى أنّهم غير مخاطبين. وفائدة الخلاف في هذه المسألة ـ وإن كانوا (١) متّفقين على أنّ الكفّار مع عقابهم (٢) على كفرهم ، لا نطالبهم (٣) بفعل العبادات الشّرعيّة (٤) أنّ من قال : إنّهم مخاطبون ، يذهب إلى أنّهم يستحقّون مع عقابهم (٥) على الكفر العقاب من الله تعالى على الإخلال (٦) بهذه العبادات ، ومنّا الذّمّ على ذلك ، ومن ذهب إلى أنّهم غير مخاطبين ، يلزمه ألاّ يستحقّوا عقابا ولا ذمّا على الإخلال (٧) بالعبادات.

والّذي يدلّ على صحّة ما ذهبنا إليه أشياء :

أوّلها (٨) أنّ الاعتبار في دخول المكلّف في التّكليف (٩) إنّما هو بشيئين : أحدهما صفة المكلّف ، والآخر صفة الخطاب ، وقد علمنا (١٠) أنّ الكافر كالمؤمن في استيفاء شروط التّكليف ، لأنّه يتمكّن (١١) من أن

__________________

(١) ب : كان الكل ، ج : ـ كانوا ، + الكل.

(٢) ج : بقائهم.

(٣) ج : يطالبهم.

(٤) ب وج : + هو.

(٥) ج : مقامهم.

(٦) ج : الخلاف.

(٧) ج : الخلال.

(٨) ب : أحدها.

(٩) ج : بالتكليف.

(١٠) ج : ـ علمنا.

(١١) ج : يمكن.


يؤمن فيصحّ (١) وقوع جميع العبادات منه ، فصحّة تكليفه العبادات كصحّة تكليفه نفس الإيمان والإسلام. وأمّا (٢) اعتبار صفة الخطاب ، فإنّه إذا كان مطلقا و(٣) متوجّها إلى النّاس ، دخل الكافر فيه لتناوله إيّاه (٤).

ومنها أنّ الكفّار لو لم يتعبّدوا بالشّرائع ، (٥) لكانوا (٦) معذورين في تكذيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والامتناع من تصديقه ، لأنّ الغرض في إيجاب تصديقه عليه‌السلام هو المعرفة بشرائعه ، كما أنّ الغرض في بعثته (٧) هو (٨) أداؤه (٩) الشّرائع ، فمن (١٠) لم يكلّف ما هو الغرض في إيجاب التّصديق ، لا يجوز أن يكون مكلّفا بالتّصديق (١١) ، ولا خلاف في وجوب (١٢) تصديقه عليه‌السلام على كلّ الكفّار.

ومنها أنّه لا خلاف في أنّ الكفّار يحدّون على الزّنا على وجه العقوبة والاستحقاق (١٣) ، فلو (١٤) لم يكونوا مخاطبين بهذه الشّرعيّات ، لم يستحقّوا العقوبة على فعل القبائح منها. وليس لهم أن يقولوا (١٥) أنّما عوقب

__________________

(١) ب وج : ويصح.

(٢) الف : فأما ، ب : فلا

(٣) الف : أو.

(٤) الف : له.

(٥) ب وج : بالشرعيات.

(٦) ب : لكان.

(٧) ج : بعثه.

(٨) الف : ـ هو.

(٩) الف : أداء.

(١٠) الف : فمتى.

(١١) الف : للتصديق.

(١٢) الف : إيجاب.

(١٣) ب : الاستخفاف.

(١٤) ب : فان.

(١٥) ج : يقول.


على أنّه لم يخلّص نفسه من الكفر ، فيعرف قبح (١) الزّنا ، لأنّ هذا تصريح بأنّه يعاقب على كفره لا على الزّنا ، وهذا يوجب أن يعاقبه (٢) وإن لم يزن. وقد كان شيخ من متقدّمي أصحاب الشّافعيّ (٣) ، وقد استدللت بهذه الطّريقة ، قال لي : فأنا أقول : إنّ (٤) الكفّار مخاطبون (٥) من الشرائع بالتّروك دون الأفعال ، لأنّ الأفعال تفتقر (٦) إلى كونها قربة ، ولا يصحّ ذلك مع (٧) الكفر ، والتّروك (٨) لا يفتقر إلى ذلك. فقلت له : هذا ـ والله ـ خلاف الإجماع ، لأنّ النّاس بين قائلين ، قائل (٩) يذهب إلى (١٠) أنّ الكفّار مخاطبون (١١) بكلّ الشّرائع من غير تفرقة ، و(١٢) قائل يذهب إلى أنّهم غير مخاطبين بالكلّ ، فالفصل بين الأمرين خلاف الإجماع (١٣).

ثمّ إنّ (١٤) القربة معتبرة في تروك هذه القبائح ، كما أنّها معتبرة (١٥) في الأفعال الشرعيّة (١٦) ، لأنّا إنّما أمرنا بأن نترك الزّنا ولا نفعله قربة إلى الله تعالى ، فمن لم يتركه لذلك ، لا يستحقّ مدحا ولا ثوابا ،

__________________

(١) الف : قبيح.

(٢) الف : نعاقبه.

(٣) ب : الشن ، ج : الشن.

(٤) ج : بان.

(٥) ج : مخاطبو.

(٦) ج : يفتقر.

(٧) ج : عن.

(٨) الف : الترك.

(٩) الف : امامن.

(١٠) ج : ـ إلى.

(١١) ج : مخاطبو.

(١٢) الف : أو.

(١٣) ج : ـ وقائل ، تا اينجا.

(١٤) الف : ـ ان.

(١٥) ب : ـ في تروك ، تا اينجا.

(١٦) ب وج : الشرعيات.


ولا يكون مطيعا لله تعالى ، ولا ممتثلا لأمره ، فالقربة (١) إذا لم تصحّ من الكافر وهو كافر (٢) ، لم يجز أن يقع (٣) منه على الوجه المشروع لا فعلا ولا تركا.

ومنها قوله تعالى حاكيا عن الكفّار (٤) : ما سلككم في سقر. قالوا : لم نك من المصلّين ، ولم نك نطعم المسكين ، وكنّا نخوض مع الخائضين ، وكنّا نكذّب بيوم الدين ، وهذا يقتضى أنّهم عوقبوا مع كفرهم على أنّهم لم يصلّوا ، وهذا يقتضى كونهم مخاطبين بالصّلاة.

وليس لأحد أن يقول : (٥) أيّ حجّة في قول أصحاب (٦) النّار ، ولعلّ الأمر بخلاف ما قالوه ، وذلك أنّ (٧) جميع معارف (٨) أهل (٩) الآخرة ضروريّة ، فلا (١٠) يجوز أن يعتقدوا جهلا ، وهم ملجئون (١١) إلى الامتناع من فعل القبيح (١٢) ، فلا يجوز أن يقع منهم كذب ، ولا ما جرى مجراه.

وليس له أن يحمل قوله تعالى : (١٣) لم نك من المصلّين ، على

__________________

(١) ب وج : والقربة.

(٢) ب : ـ وهو كافر.

(٣) ب : تقع.

(٤) ب وج : أهل النار.

(٥) الف : + و.

(٦) ج وب : أهل.

(٧) ج : ـ ان.

(٨) ب وج : معارف جميع.

(٩) ب وج : + النار في.

(١٠) الف : ولا.

(١١) ج : ملجاؤه ، الف : ملجئون.

(١٢) الف : القبائح.

(١٣) ج : + أ.


أنّ المراد (١) لم نكن (٢) من أهل الصلاة والإيمان. وذلك أنّ هذا يقتضى التّكرار للمعنى الواحد ، لأنّ قوله ـ سبحانه ـ (٣) : ﴿ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ، يغنى عن أن ينفي أن يكونوا من أهل الصلاة والإيمان. وأيضا فإنّ الظّاهر (٤) من قول القائل : لم أك مصلّيا ، نفي فعل الصلاة ، دون الإيمان بها.

وقد تعلّق من خالفنا بأنّ الكافر لا يصحّ منه مع كفره شيء من العبادات ، فيجب أن لا يكون مخاطبا بها ، كما لو كان عاجزا أو ممنوعا.

والجواب عن ذلك أنّ الكافر تصحّ (٥) منه العبادات (٦) ، بأن يقدّم الإيمان عليها ، ثمّ يفعلها ، وجرى مجرى المحدث الّذي (٧) هو مخاطب بالصّلاة ، وإن لم تصحّ (٨) منه مع الحدث ، لكنّه يقدر على تقديم إزالة الحدث ثمّ فعل الصلاة. ويجب على هذا أن لا يكون القاعد مخاطبا بالصلاة ، ولا (٩) القائم أيضا إليها (١٠) ، لأنّه (١١) لا يتمكّن في الحال الثّانية من جميع أركان الصّلاة ، وإنّما يقع (١٢) منه على ترتيب. والعاجز أو

__________________

(١) الف : + انه ، ج : + به.

(٢) ج : نك.

(٣) ب وج : تعالى.

(٤) الف : الض.

(٥) الف : يصح.

(٦) الف : العبادة.

(٧) ج : + و.

(٨) الف وج : يصح.

(٩) ج : ـ لا.

(١٠) الف : إليها ايظ.

(١١) ب وج : فانه.

(١٢) ج : تقع.


الممنوع لا يشبه الكافر ، لأنّه لا يتمكّن من إزالة عجزه أو (١) منعه ، والكافر متمكّن من إزالة كفره.

وقد (٢) تعلّقوا أيضا بأنّ الكفّار لو (٣) كانوا مخاطبين بالعبادات ، لوجب (٤) متى أسلموا أن (٥) يلزمهم قضاء ما فات منها ، وقد علم خلاف ذلك.

والجواب (٦) : أنّ القضاء لا يتبع في وجوبه وجوب المقضيّ (٧) ، بل هو منفصل عنه ، وقد يجب كلّ واحد من الأمرين وإن لم يجب الآخر ، أ لا ترى أنّ الحائض يلزمها قضاء الصوم وإن لم يكن الأداء عليها واجبا ، والجمعة إذا فاتت لا يجب قضاؤها ، وإن وجب أداؤها ، فما المنكر من وجوب العبادات على الكفّار (٨) ، وإن لم يجب عليهم (٩) قضاء ما فات منها ؟.

وأقوى ما يعترض به هاهنا شبهة قولهم : ما ذكرتموه إنّما يتمّ في العبادات المختصّة بأوقات ، فأمّا الزّكاة فالأوقات كلّها متساوية (١٠) في أنّ فعلها فيها (١١) هو الأداء (١٢) لا قضاء ، ولا خلاف في أنّ الكافر إذا

__________________

(١) ج : و.

(٢) ج : ـ قد.

(٣) ج : ـ لو.

(٤) ب : لوجبت.

(٥) ج : ـ ان.

(٦) ج : فالجواب.

(٧) ب : المقتضى.

(٨) الف : الكافر.

(٩) الف : عليه.

(١٠) الف : ـ متساوية.

(١١) الف : ـ فيها.

(١٢) ب : أداء.


أسلم وقد حال الحول على ماله وهو قدر النّصاب ، أنّ الزّكاة عن (١) الماضي لا تجب (٢) عليه.

والجواب (٣) الصّحيح أنّ الزّكاة وجبت ، ثم سقطت (٤) بالإسلام لأنّ الإسلام (٥) على ما روى في الخبر ـ يجبّ (٦) كلّ ما تقدّمه.

وأمّا (٧) العبد فيدخل في الخطاب ، إذا تكامل شروطه (٨) في نفسه ، وكان ظاهر الخطاب يصحّ أن يتناوله. وإنّما يكون الخطاب بهذه الصّفة ، إذا لم يكن مقيّدا بالحرّية (٩) ، أو يتعلّق بالأملاك ، لأنّ (١٠) العبد لا يملك (١١) ، والعبد (١٢) في هذه القضيّة كالحرّ (١٣) ، وكونه مملوكا (١٤) عليه (١٥) تصرّفه (١٦) لا يمنع من وجوب العبادات عليه ، لأنّ المولى إنّما يملك تصرّفه عليه في غير وقت وجوب عبادة ، فأوقات (١٧) العبادات مستثناة من ذلك.

__________________

(١) ب وج : على.

(٢) ج : يجب.

(٣) الف : فالجواب.

(٤) ج : سفت.

(٥) الف : ـ لأن الإسلام.

(٦) ج : ـ يجب.

(٧) ج : فاما.

(٨) الف : شرطه.

(٩) ج : بالحرمة.

(١٠) ب وج : فان.

(١١) ج : يمكن.

(١٢) ب : + هو.

(١٣) ج : كالجر.

(١٤) الف : مملوك.

(١٥) ب : + و.

(١٦) ب : + و.

(١٧) الف : وأوقات ، ج : أوقات.


ودخول امرأة في الخطاب كدخول الرجل. والصّحيح أنّها تدخل بالظّاهر و(١) من غير حاجة إلى دليل في خطاب المذكّر ، لأنّ قولنا « القائمون » عبارة عن الذّكور والإناث ، إذا اجتمعا ، كما أنّه عبارة عن الذّكور ، على الانفراد. وليس يمنع من دخول المؤنّث تحت هذه الصيغة أنّهم خصّوا المؤنّث بصيغة أخرى ، لأنّ تلك الصيغة (٢) خصّ بها المؤنّث ، إذا انفرد ، ومع الاقتران بالذّكر ، لا بدّ (٣) من الصيغة الّتي ذكرناها.

وأمّا الصّبي فإن (٤) كان في المعلوم أنّه يبلغ ، وتتكامل (٥) له شروط التّكليف ، فالخطاب (٦) يتناوله على هذا الوجه (٧) ، وهو داخل في قوله تعالى : أقيموا الصّلاة ، لأنّ الخطاب لا يتجدّد بتجدّد كمال (٨) هذا الصبيّ وبلوغه ، وفي (٩) حال الطّفوليّة لا يتعلّق عليه خطاب بفعل في (١٠) هذا الوقت ، لا فيما يتعلّق ببدن ، ولا بمال ، لأنّه في حال (١١) الصّبا ليس من أهل الأفعال. ومعنى القول بأنّ الخطاب يتعلّق بماله ، أنّ وليّه مخاطب بما يفعله في ماله من أخذ أرش متلف وقيمة جناية وما جرى (١٢) مجرى ذلك.

__________________

(١) الف : بالظاهر ، ـ و.

(٢) الف : الصيغة.

(٣) ب : ـ بد.

(٤) ب : وان.

(٥) الف وج : يتكامل.

(٦) الف وب : والخطاب.

(٧) ب : هذه الصفة.

(٨) ب : كما.

(٩) الف : على ، (بجاى وفي).

(١٠) ج : ـ في.

(١١) ج : حالتي.

(١٢) ب وج : يجري.


فصل في هل الأمر بالشيء أمر بما لا يتمّ (١) إلا به

اعلم أنّ كلّ (٢) من تكلّم في هذا الباب أطلق القول بأنّ الأمر بالشيء هو بعينه أمر بما لا يتمّ ذلك الشّيء إلاّ به ، والصّحيح أن يقسّم (٣) ذلك ، فنقول : إن كان الّذي (٤) لا يتمّ ذلك الشّيء إلاّ به سببا ، فالأمر بالمسبّب (٥) يجب أن يكون أمرا به ، وإن كان غير سبب ، وإنّما هو مقدّمة للفعل وشرط فيه (٦) ، لم يجب أن يعقل من مجرّد الأمر أنّه أمر به.

والّذي يدلّ على صحّة ما ذكرناه أنّ ظاهر الأمر يقتضى ما تناوله (٧) لفظه ، وليس يجوز أن يفهم منه وجوب غيره ممّا لم (٨) يتناوله اللّفظ إلاّ بدليل غير الظّاهر ، لأنّه (٩) إذا قال (١٠) صلّ فالأمر يتناول الصلاة ، والوضوء الّذي ليس بصلاة إنّما نعلم (١١) وجوبه بدليل غير الظّاهر.

وممّا يوضح ذلك أنّ الأمر في الشريعة قد ورد على ضربين : أحدهما يقتضى إيجاب الفعل دون إيجاب مقدّماته ، نحو الزّكاة والحجّ ، فإنّه لا يجب علينا أن نكتسب المال لتحصيل (١٢) النّصاب ، أو لنتمكّن

__________________

(١) الف : + ذلك الشيء.

(٢) ب وج : ـ كل.

(٣) ب : نقسم.

(٤) الف : ـ الّذي.

(٥) الف : بالسبب.

(٦) ب : ـ فيه.

(٧) ج : + و.

(٨) ج : ليس.

(٩) الف : الا انه.

(١٠) ب وج : + له.

(١١) ج : يعلم.

(١٢) الف : ليحصل.


به من الزّاد والراحلة ، بل متى اتّفق لنا النّصاب ، وحال عليه الحول ، وجبت الزّكاة ، وكذلك في الزّاد والرّاحلة (١). والضّرب الآخر يجب فيه مقدّمات الفعل ، كما يجب هو في نفسه ، وهو الوضوء للصّلاة (٢) ، وما جرى مجراها ، وإذا انقسم الأمر في الشرع إلى قسمين ، فكيف نجعلهما قسما واحدا.

فإذا قيل : مطلق الأمر يقتضى تحصيل مقدّماته ، فأمّا ما كان مشروطا منه بصفة كالزّكاة والحجّ فلا يجب ذلك فيه (٣) ، قلنا : هذه دعوى ، ما الفرق بينكم ، وبين من عكسها ، فقال : إنّ مطلق الأمر يقتضى إيجابه دون غيره ، فإذا علمنا وجوب المقدّمات كالوضوء في الصّلاة ، علمناه (٤) بدليل خارج عن الظاهر.

والصحيح أنّ الظّاهر يحتمل الأمرين (٥) : احتمالا واحدا ، وإنّما يعلم كلّ واحد منهما (٦) بعينه (٧) بدليل.

فان تعلّقوا بالسّبب (٨) ، والمسبّب ، و(٩) أنّ إيجاب المسبّب إيجاب للسّبب (١٠) لا محالة.

__________________

(١) الف : ـ بل ، تا اينجا.

(٢) ب : والصلاة ، ج : في الصلاة.

(٣) ب : فيه ذلك مطلقا.

(٤) الف : علمنا.

(٥) ب وج : محتمل للأمرين.

(٦) ج : منها.

(٧) الف : ـ بعينه.

(٨) الف : فان قالوا أو تقول في السبب.

(٩) الف : ـ و.

(١٠) الف : السبب.


قلنا هو كذلك ، والفرق بين الأمرين أنّه محال أن (١) يوجب علينا المسبّب (٢) بشرط اتّفاق وجود (٣) السبب ، وإنّما فسد ذلك ، لأنّ مع وجود السّبب لا بدّ من وجود المسبّب ، إلاّ لمنع (٤) ، ومحال أن يكلّفني الفعل (٥) بشرط وجود الفعل ، وليس كذلك مقدّمات الأفعال ، لأنّه يجوز أن يكلّفني الصلاة بشرط أن أكون قد تكلّفت الطهارة ، كما جرى ذلك في الزكاة والحجّ ، فبان الفرق بين الأمرين.

وإذا كان إيجاب المسبّب إيجابا لسببه ، فإباحة المسبّب إباحة للسّبب (٦). وكذلك تحريمه. وفي الجملة أحكام المسبّب لا بدّ من كونها متعدّية إلى السّبب ، فأمّا أحكام السبب (٧) في إباحة أو حظر أو إيجاب فغير متعدّية (٨) إلى المسبّب ، لأنّه يمكن مع وجود (٩) السبب (١٠) المنع من المسبّب (١١).

فصل في أنّ الأمر بالشيء ليس بنهي (١٢)

عن ضدّه لفظا ولا معنى

اعلم أنّه من البعيد أن يذهب محصّل إلى أنّ (١٣) لفظ (١٤) الأمر

__________________

(١) ب : انه.

(٢) ب : + الا.

(٣) ج : وجوب.

(٤) ج : المنع.

(٥) الف : الصلاة ، بجاى الفعل.

(٦) الف : ـ فإباحة المسبب إباحة للسب.

(٧) الف : ـ فاما أحكام السبب.

(٨) الف : تعديه.

(٩) ب : وجوب.

(١٠) الف : المسبب.

(١١) الف : السبب.

(١٢) الف : نهى.

(١٣) الف : ـ ان.

(١٤) ب : اللفظ.


يكون نهيا عن ضدّه ، لأنّ الأمر مسموع ، وما يدرك لا يجب أن يقع فيه خلاف بين العقلاء مع السّلامة ، وما يسمع من قول القائل : افعل ، لا تفعل (١).

وإنّما الخلاف في أنّه (٢) هل يجب أن يكون الآمر في المعنى ناهيا عن ضدّ ما أمر به ، والمجبّرة (٣) يبنون ذلك على أنّ إرادة الشيء كراهة لضدّه ، وكراهته إرادة (٤) لضدّه. والفقهاء يقولون : إنّ الموجب للشّيء يجب (٥) أن يكون حاظرا لضدّه ، وهذا معنى النّهى. وفيهم من يقسّم (٦) ، ويقول : إذا لم يكن للفعل إلاّ ضدّ واحد (٧) ، فالأمر بأحدهما نهى عن الآخر ، والنّهى عن أحدهما أمر بالآخر ، وإذا (٨) كانت (٩) له أضداد كثيرة ، لم تجب فيه (١٠) هذه القضيّة.

وقد دللنا فيما تقدّم على ما يبطل هذا المذهب ، وبيّنّا أنّ الّذي يقتضيه الأمر كون فاعله مريدا للمأمور به ، وأنّه ليس من الواجب أن يكره التّرك ، بل (١١) يجوز أن يكون مريدا له ، أو لا مريدا ولا كارها.

وهذا كلّه يسقط بالنّوافل ، فإنّ الله تعالى قد أمر بها ، وما نهى

__________________

(١) ج : يفعل.

(٢) الف : ـ انه.

(٣) ب : فالمجبرة.

(٤) الف : + فيه.

(٥) ب وج : لا بد من.

(٦) ج : + ذلك.

(٧) ج : الفعل الأضداد واحدا.

(٨) ب وج : ان.

(٩) ب : كان.

(١٠) ب وج : يجب ، ـ فيه.

(١١) الف : و.


عن تروكها (١) ولا كره أضدادها ، وكون نفس الإرادة كراهة قد بيّنّا فساده ، وأنّه يؤدّى إلى انقلاب الجنس.

فإن قيل : أ فيجب عندكم في الأمر إذا كان بفعل واجب أن يكون الآمر به كارها لتركه.

قلنا : لا يجب ذلك ، ولهذا جاز عندنا أن يجتمع الضدّان بل الأضداد في الوجوب ، ألا ترى أنّ المصلّي في آخر الوقت هو مخيّر بين أن يصلّي في أيّ زوايا (٢) البيت شاء ، والصلاة في الزّوايا متضادّة ، وكلّ واحد يقوم مقام الآخر في الوجوب ، مع التّضادّ (٣).

فإن قدّرنا أنّه لا ينفكّ عن (٤) الواجب إلاّ بفعل واحد أو (٥) أفعال ، فذلك محرّم عليه ، لأنّ الواجب المضيّق هو الّذي ليس له أن يخلّ به ، فكلّ (٦) فعل لا يكون مخلا بالواجب إلاّ به ، ولا ينفكّ مع الإخلال منه ، فلا بدّ من كونه محظورا.

وأمّا النّهى ، فيقتضى أن لا يفعل المكلّف (٧) ذلك المنهيّ عنه ، وأضداد (٨) هذا الفعل موقوفة على الدليل ، فإن كان المكلّف لا ينفكّ متى لم يفعل ، من أمر واحد ، فهو واجب عليه (٩) بلا شبهة ، لأنّ ما أوجب مجانبة الفعل

__________________

(١) الف : تركها.

(٢) الف : الزوايا+ من.

(٣) ج : ـ وكل واحد ، تا اينجا.

(٤) ب وج : من.

(٥) ب : و.

(٦) ب وج : وكل.

(٧) الف : ـ المكلف.

(٨) الف : فأضداد.

(٩) ج : عليهم.


المحرّم ، وأن لا يفعله ، يقتضى فعل ذلك.

وممّا يبيّن (١) فساد مذهب من ذهب إلى أنّ الأمر بالشيء في المعنى نهى عن ضدّه (٢) ، أنّ الله تعالى (٣) قد كره الزّنا وأراد الصّلاة ، وأمر بالصّلاة ونهى عن الزّنا ، وهذا يقتضى أن يكون الفعل الواحد الّذي هو قعوده (٤) عنهما مرادا مكروها ، أو (٥) مأمورا به (٦) منهيّا عنه.

وكان يجب أيضا أن يكون أحدنا متى أراد خروج الغاصب من أحد بابي الدّار (٧) ، أن يكون كارها لخروجه من الباب الآخر ، كما يكره تصرّفه في الدّار ، وفساد ذلك ظاهر.

فصل في الأمر بالشيء على وجه التخيير

اعلم أنّ الصّحيح أنّ الكفّارات الثّلاث في حنث اليمين واجبات كلّهنّ ، لكن على جهة التّخيير ، بخلاف ما قاله (٨) الفقهاء من أنّ الواجب منهنّ واحدة لا بعينها ، وفي كشف المذهب هاهنا وتحقيقه إزالة للشّبهة (٩) فيه.

ونحن نعلم أنّ تكليفه تعالى للشّرائع (١٠) تابع للمصلحة والألطاف ، وليس يمتنع أن يعلم في أمر معيّن أنّ المكلّف لا يصلح في

__________________

(١) ج : تبين.

(٢) ج : أضداده.

(٣) الف : سبحانه.

(٤) الف : قعود.

(٥) الف : ـ أو ، ج : و.

(٦) ب : + و.

(٧) ج : بعض الدور ، ب : الداور.

(٨) الف : قال.

(٩) ب وج : الشبهة.

(١٠) ب وج : الشرائع.


دينه إلاّ عليه ، وأنّه (١) لا يقوم غيره في ذلك مقامه (٢) ، فلا بدّ من إيجابه على جهة التّضييق. وغير ممتنع أن يعلم في أمرين أو أمور مختلفة (٣) أنّ كلّ واحد في مصلحة المكلّف في دينه كالآخر من غير ترجيح ، فلا بدّ والحال هذه من الإيجاب على طريقة التّخيير ، للتّساوي في وجه المصلحة والشاهد يقضى بما ذكرناه ، لأنّ أحدنا إذا أراد مصلحة ولده ، وعلم ، أو غلب في (٤) ظنّه أنّه لا يصلح إلاّ بأن يفعل به فعلا مخصوصا ، وجب ذلك الفعل معيّنا ، وإذا غلب في ظنّه تساوى فعلين أو أفعال في مصلحته (٥) ، كان مخيّرا فيها. والقول بوجوب بعض ذلك دون بعض كالمتناقض.

وأقوى ما دلّ على (٦) ما ذكرناه أنّ الكفّارات الثّلاث متساوية في جميع الأحكام الشّرعيّة ، لأنّ كلّ واحدة (٧) منها يقوم (٨) مقام الأخرى (٩) في براءة ذمّة المكلّف (١٠) وإسقاط الحنث عنه ، وكلّ حكم شرعيّ لواحدة (١١) منها (١٢) فهو (١٣) للأخرى (١٤) ، فلا يجوز مع التّساوي في الأحكام أن يختلف في الصفة ، لأنّ اختلاف الصفات يقتضى اختلاف الأحكام ،

__________________

(١) ج : فانه.

(٢) الف : مقامه في ذلك.

(٣) الف : مختلفات.

(٤) الف : على.

(٥) ب وج : مصلحة.

(٦) الف : ـ ما دل على.

(٧) الف وج : واحد.

(٨) ب : تقوم.

(٩) الف : الاخر.

(١٠) ج : التكليف.

(١١) ج : بواحدة.

(١٢) الف : ـ منها.

(١٣) الف : هو.

(١٤) ج : الأخرى.


من حيث كانت الأحكام (١) صادرة عن الأحوال و(٢) الصفات ، فكيف يجوز أن يكون الواجب من الكفّارات واحدة ، وأحكام الكلّ الشرعيّة (٣) متساوية متعادلة ، وهل ذلك إلاّ مناقضة (٤). ولو جاز أن يتساوى أمور في الأحكام ، ويختصّ الوجوب بأحدها ، جاز أن يتساوى (٥) أمور (٦) في كونها مفسدة في الدين ، وتكون (٧) مختلفة في القبح أو (٨) التّحريم والحظر. وأيّ (٩) فرق بين القول بأنّ الواجب من الكفّارات واحدة ، والكلّ متساو في الأحكام ، وبين القول (١٠) بأنّ (١١) المحظور من أمور متساوية في المفسدة هو (١٢) واحد لا بعينه.

وممّا يستدلّ به (١٣) أنّ الواجب من الكفّارات لو كان واحدا لا بعينه ، لوجب أن يجعل الله تعالى (١٤) للمكلّف طريقا إلى تمييزه قبل أن يفعله ، لأنّ تكليفه أن يفعل واحدا لا بعينه من جملة (١٥) ثلاث يجري (١٦) مجرى تكليفه (١٧) ما لا يطلق.

__________________

(١) ب : أن يختلف ، تا اينجا.

(٢) ب : أو.

(٣) ب : + غير.

(٤) ج : متناقضه.

(٥) ب : تتساوى.

(٦) ج : أمورا.

(٧) ج : يكون.

(٨) الف : و.

(٩) ج : فأي.

(١٠) ب : ـ بان الواجب ، تا اينجا.

(١١) ب وج : في أن.

(١٢) ب : ـ هو ، ج : وهو.

(١٣) ب : + على ، ج : + من.

(١٤) الف : ـ تعالى.

(١٥) ج : حمل.

(١٦) ج : تجري.

(١٧) الف : تكليف.


وليس لهم أن يقولوا : أيّ حاجة به إلى التّمييز (١) ، وأيّ شيء فعله (٢) كان الواجب ، وذلك أنّ الأمر إذا كان على ما ذكروه ، فهو تصريح بوجوب الثّلاث ، لأنّه إذا كان أيّ شيء فعله منها فهو الواجب ، فهل هذا إلاّ تصريح بأنّ الكلّ واجب.

فإن (٣) قالوا : ليس يمتنع أن يكون اختيار المكلّف له (٤) علما على وجوبه وتعيّنه (٥) ، قلنا : هذا يؤدّى إلى مذهب مويس (٦) بن عمران ، في أنّ الله تعالى يكلّف العبد أن يختار ما يشاء (٧) من العبادات ، ويكون مصلحة باختياره ، لأنّ الله تعالى (٨) علم (٩) أنّه لا يختار إلاّ الصّلاح من غير أمارة مميّزة متقدّمة. ويلزم عليه أن يكلّف تمييز نبيّ صادق ممّن ليس بنبيّ من غير أمارة ولا دلالة مميّزة متقدّمة (١٠).

وبعد ، فإنّ اختيار المكلّف إنّما يكون تابعا لأحوال الفعل وصفاته ، ولا تكون (١١) أحوال الفعل تابعة لاختيار المكلّف وإرادته ، ألا ترى أنّ وجوب الفعل هو الدّاعي إلى اختياره له على غيره ، فيجب أن يتقدّم العلم بالوجوب على الاختيار ، ولا يجعل الاختيار متقدّما (١٢) على الوجوب.

__________________

(١) ج : التميز.

(٢) ب : فعلمه.

(٣) ب : وان.

(٤) ب : ـ له.

(٥) الف : تعيينه ، ج : بعينه.

(٦) ب : مونس ، القاموس المحيط گويد : مويس كأويس ابن عمران متكلم. (ج ٢ ، ص ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، ط مصر).

(٧) ب وج : شاء.

(٨) الف : ـ تعالى.

(٩) ج : ـ علم.

(١٠) ج : ـ ويلزم ، تا اينجا.

(١١) ب وج : يكون.

(١٢) الف : ـ بالوجوب ، تا اينجا.


وبعد ، فليس يخلو الاختيار من أن يكون مؤثّرا في وجود الفعل ، أو مؤثّرا في حصول الصفة الّتي لأجلها كان مصلحة في الدين ، والأوّل ، هو الصحيح ، والثاني باطل ، لأنّ (١) كونه مصلحة لا يجوز أن يؤثّر فيه حال القادر ، لأنّ (٢) حال القادر لا يؤثّر إلاّ (٣) في مجرّد الوجوب (٤) ، ألا ترى أنّ ما أوجبه الله تعالى (٥) من الفعل المعيّن لا يؤثّر حال القادر (٦) في الصفة الّتي لأجلها كان واجبا ، بل (٧) في (٨) مجرّد الوجود (٩) ، فكذلك (١٠) الواجب على جهة التّخيير.

فإذا قالوا : أ ليس قد (١١) يصحّ البيع لقدر (١٢) مخصوص من الكيل من جملة صبرة ، ويتعيّن باختيار القابض وقت القبض (١٣) ، فكيف أحلتم أن يكون للاختيار مدخل (١٤) في التّعيين.

قلنا : إنّما أنكرنا أن يكون للاختيار مدخل في المصالح الدّينيّة ووجوب الواجبات منها ، فأمّا ما لا يتعلّق بالمصالح الدّينيّة (١٥) من المعاملات

__________________

(١) ب : لأنه.

(٢) الف : و، بجاى لأن.

(٣) ب : ـ أل.

(٤) ب : الوجود.

(٥) الف : سبحانه.

(٦) ج : ـ لأن حال القادر ، تا اينجا.

(٧) الف : ـ بل.

(٨) ب : ـ في.

(٩) ب : الوجوب.

(١٠) ب : فذلك.

(١١) ج : ـ قد.

(١٢) ب : بقدر.

(١٣) ج : ـ القبض.

(١٤) الف وب : مدخلا.

(١٥) ج : ـ ووجوب ، تا اينجا.


فقد (١) يجوز أن (٢) يتعيّن عند القبض بالاختيار.

وممّا يدلّ أيضا أنّه لو كان الواحدة (٣) من الكفّارات هو الواجب لا بعينه ، لما صحّ القول بأنّ للمكفّر أن يكفّر بأي الثّلاث شاء.

وأيضا فإنّ الواجب (٤) وإن لم يتعيّن للمكفّر (٥) ، فإنّ (٦) الله تعالى يعلمه ، لأنّه يعلم ما الّذي يكفّر به المكفّر من جملة الثّلاث ، فيجب على هذا القول أن يكون الله تعالى موجبا لذلك بعينه ، ولو كان كذلك لما اجتمعت الأمّة على أنّه لو كفّر بغيره (٧) ، لأجزاه (٨) ، كما لا يجوز أن يجزيه ، لو كفّر برابع.

وليس لهم أن يقولوا : جوازه عند الأمّة لا يدلّ على وجوبه ، لأنّه قد يجزى ما ليس بواجب عن الواجب كالطّهارة قبل دخول الوقت ، وذلك أنّهم لمّا (٩) أجمعوا (١٠) على جواز ما لم يكفّر به وإجزائه ، فقد أجمعوا على أنّه كان يجزى على وجه لا فرق بينه وبين ما اختاره.

وقد تعلّق من خالفنا بأشياء :

منها أنّ القول بالتّخيير يؤدّى إلى أن يكون (١١) المكلّف مخيّرا (١٢)

__________________

(١) ب : قد.

(٢) ب : ـ ان.

(٣) ب : الواحد.

(٤) الف : الواحد.

(٥) ب : للمتكفر.

(٦) ب وج : و، بجاى فان.

(٧) ج : لغيره.

(٨) ج : لإجزائه.

(٩) الف : كما.

(١٠) ج : اجتمعوا.

(١١) الف : ـ يكون.

(١٢) الف : مخير.


بين عبيد الدّنيا (١) كلّها ، وكذلك الكسوة والإطعام (٢) ، وذلك فاسد.

ومنها أنّه تعالى لو نصّ على أنّى أوجبت (٣) واحدا لا بعينه ، لكان هو الواجب ، فكذلك (٤) إذا خيّر فيه ، لأنّ المعنى واحد.

ومنها أنّه لو فعل الكلّ ، لكان الواجب واحدا (٥) بإجماع ، فكذلك يجب أن يكون (٦) الواجب واحدا قبل أن يفعل.

ومنها أنّ الجميع لو وجب على جهة التّخيير ، والجمع (٧) بين الثلاث ممكن ، لوجب (٨) أن يكون واجبة على سبيل الجمع ، كما (٩) أنّ ما نهى عنه تخييره كجمعه (١٠).

فيقال لهم فيما تعلّقوا به أوّلا : إنّ التّخيير لا يكون إلاّ بين أمور تدخل (١١) في الإمكان (١٢) ، فالمكفّر مخيّر بين (١٣) عتق من يتمكّن من عتقه في الحال ، وكذلك القول (١٤) في الإطعام والكسوة ، فإذا لم يملك المكفّر إلاّ رقبة واحدة ، زال التّخيير في الرّقاب ، لأنّه لا يجوز

__________________

(١) ب : للدنيا.

(٢) ج : الطعام

(٣) ب : أوجب.

(٤) ب : وكذلك.

(٥) ج : واحد.

(٦) ج : ـ ان يكون.

(٧) ب : المجمع.

(٨) ب وج : فيجب.

(٩) الف : فكما.

(١٠) ج : تخيره كجمعة.

(١١) ب : يدخل.

(١٢) ج : الأحكام.

(١٣) ج : + من.

(١٤) ج : + و.


أن يكون مخيّرا بين عتق عبد (١) يملكه وبين عتق (٢) عبد لا يملكه ، ولهذا نقول : أنّه (٣) متى ضاق وقت الصّلاة ، فالمصلّي مخيّر بين البقاع المتقاربة دون المتباعدة ، وإذا (٤) كان الوقت واسعا ، جاز أن يتعدّى التّخيير إلى (٥) الأماكن المتباعدة.

على أنّ هذا المعترض يلزمه أن يكون المكفّر مأمورا بعتق واحد من عبيد الدنيا كلّها ، وكذلك في الإطعام والكسوة ، فليس ينفصل من (٦) ذلك إلاّ بمثل ما ذكرناه من اعتبار الطاقة والإمكان.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثانيا : ومن الّذي يسلّم لكم جواز أن ينصّ الله تعالى على أنّى (٧) أوجبت واحدا لا بعينه ؟ ، أو ليس قد بيّنّا أنّ ذلك لا يصحّ في التّكليف ، وبيّنّا أيضا (٨) أنّ الأمور المتساوية (٩) في وجه المصلحة لا يجوز أن يوجب (١٠) بعضها دون بعض ؟.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثالثا : إنّا لا نقول فيما فعله : أنّه واجب إلاّ على وجه دون وجه ، ولا بدّ من (١١) تفصيل بيان هذه الجملة ، فنقول : إنّ قولنا : واجب ، قد يطلق ، وقد يضاف : فإذا أطلق ، أفاد وقوعه

__________________

(١) الف : عبيد.

(٢) الف : ـ عتق.

(٣) ب وج : ـ انه.

(٤) الف : فإذا.

(٥) ب : في.

(٦) ج : ـ من.

(٧) الف : إنني.

(٨) الف : ـ أيضا.

(٩) ج : ـ المتساوية.

(١٠) ج : توجب.

(١١) ح : ـ من.


على وجه الوجوب (١) ، ولم يجز (٢) إجراء هذه العبارة على المعدوم إلاّ مجازا واتّساعا ، ويجري (٣) « واجب » في هذه القضيّة مجرى قولنا في الفعل : إنّه حسن. فأمّا المضاف فقولنا : واجب على المكلّف ، وهذا وجه يختصّ المعدوم (٤) ، فإنّ الموجود لا يصحّ أن يفعل ، وكلامنا في الكفّارات الثّلاث (٥) أيّها هو (٦) الواجب ؟ و(٧) إنّما المراد به ما الّذي يجب أن يفعله المكلّف منها ؟ فإذا فعل واحدا منها ، فقد خرج من أن يجب عليه ، وإنّما نقول (٨) : كان واجبا عليه ، وكذلك (٩) : إذا فعل الثّلاث ، فقد خرجت من أن تكون (١٠) واجبة عليه (١١) على سبيل التّخيير لأنّه لا تخيير بعد الوجود.

فإن قيل : فإذا (١٢) جمع بين الكلّ ، ما الواجب المطلق منها ؟ قلنا : إن كان جمع بينها (١٣) ، لم يخل من أن يكون فعل واحدا بعد الآخر ، أو كان وقت الجميع واحدا ، فإن كان الأوّل ، فالّذي يستحقّ عليه ثواب الواجب هو الأوّل ، وإن (١٤) جمع بينها (١٥) في وقت واحد ،

__________________

(١) الف : ـ دون وجه ، تا اينجا.

(٢) ج : يجر.

(٣) الف : مجرى.

(٤) الف : للمعدوم.

(٥) الف : ـ الثلاث.

(٦) الف : ـ هو.

(٧) الف : ـ و.

(٨) ج : يقول.

(٩) الف : لذلك نقول.

(١٠) ج : يكون.

(١١) الف : ـ عليه.

(١٢) ج : إذا.

(١٣) ب : بينهما.

(١٤) الف : فان.

(١٥) ب : بينهما.


استحقّ (١) ثواب (٢) الواجب على أعلاها وأكثرها ثوابا ، ولا معنى للنّظر في تعيين ما يستحقّ به ثواب الواجب (٣) ، لأنّه لا فائدة له فيما يتعلّق بالتّكليف ، ولا حجّة للفقهاء (٤) فيما اختلفنا فيه ، لأنّا إنّما (٥) نخالفهم فيما يجب أن يفعله المكلّف من الكفّارات قبل أن يفعله ، فنقول : إنّ الجميع (٦) واجب على سبيل التّخيير ، ويقولون : الواجب واحد (٧) لا بعينه ، فأيّ منفعة لهم في أن يكون المستحقّ به ثواب الواجب بعد الفعل هو واحد ؟ ومعنى قولنا هاهنا : إنّه واجب ، غير المعنى فيما (٨) اختلفنا فيه ، ولا شاهد في أحد (٩) الأمرين (١٠) على الآخر مع اختلاف المعنى ، وإنّما تشاغل بذلك من الفقهاء من لا قدرة له على التّفرقة بين هذه المعاني وترتيبها (١١) مراتبها.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به رابعا (١٢) : ليس بواجب فيما وجب على سبيل التّخيير أن يكون واجبا على طريقة الجمع ، ـ وإن كان الجمع (١٣) بينه ممكنا ـ لأنّا قد بيّنّا أنّ الأمور المتساوية في حكم من الأحكام (١٤)

__________________

(١) الف : يستحق.

(٢) ج : الثواب.

(٣) الف : الآخرة.

(٤) الف : + به.

(٥) ب : انا.

(٦) ج : الجمع.

(٧) ج : واحدا.

(٨) ب : فيها.

(٩) ب وج : إحدى.

(١٠) ج : الأمر.

(١١) الف : فيرتبها.

(١٢) الف : أيضا ، بجاى رابعا.

(١٣) ب : ـ وان كان الجمع.

(١٤) ب : + و.


إنّما تجب (١) على التّخيير دون الجمع ، لأنّه لا وجه لوجوبها جميعا ، ألا ترى أنّ من غلب في ظنّه أنّ مصلحة ولده تكون (٢) في أفعال متغايرة يقوم كلّ واحد منها مقام صاحبه ، إنّما يجب عليه هذه الأفعال على سبيل التّخيير ، ولا يجوز أن يجب عليه الجمع بينها (٣) ، لأنّه لا وجه لوجوبه على هذا الوجه (٤). فأمّا قياسهم ذلك على ما يتناوله (٥) النّهى ، فسيجيء الكلام فيه في باب النّهى ، ونذكر الصّحيح منه بمشيّة الله تعالى.

واعلم أنّ ما كلّفه الله تعالى ينقسم إلى وجوه ثلاثة :

أوّلها أن يكلّف الله تعالى الفعل بأن يريده ، ويكره كلّ تروكه ، فعبّرنا عمّا هذه حاله بأنّه واجب مضيّق.

والقسم الثّاني أن يريد تعالى الأفعال ، ولا يكره ترك (٦) كلّ واحد منها إلى الآخر ، ويكره تروكها أجمع ، فعبّرنا عنها بأنّها واجبة (٧) ، على سبيل التّخيير ، كالكفّارات.

والقسم الثّالث أن يريد تعالى الفعل ، ولا يكره شيئا من تروكه ، فعبّرنا عن ذلك بأنّه ندب.

وينقسم ما خيّر الله تعالى فيه إلى ثلاثة أقسام :

__________________

(١) ب وج : يجب.

(٢) ج : يكون.

(٣) ب : بينهما.

(٤) ب وج : الحد.

(٥) الف : تناوله.

(٦) الف : ـ ترك ، ج : تر.

(٧) ب : واجب.


أحدها أن يريد (١) تعالى ـ كلّ أحد من (٢) ما خيّر فيه مجتمعا أو (٣) منفردا ، وإن كان عند الوجود الواجب منه الواحد ، كالكفّارات.

وثانيها أن يريد كلّ واحد ، ويكره فعله مع الآخر ، مثاله أمر الوليّ بتزويج من إليه أمره من النّساء ، لأنّه أريد منه تزويجها (٤) من كلّ زوج بانفراده ، وكره ذلك منه (٥) مع غيره (٦).

وثالثها أن (٧) يريد (٨) كلّ واحد على الانفراد ، ومع اجتماع غيره إليه لا يريده ، ولا يكرهه ، ومثاله ستر العورة للصّلاة ، لأنّه مخيّر في سترها ، والجمع في ذلك مباح ، ليس بمراد ولا مكروه.

فصل في الأمر المطلق هل يقتضى المرّة الواحدة

أو التكرار

اختلف في ذلك ، فذهب قوم إلى أنّ (٩) مطلق الأمر يفيد التّكرار ، وينزّلونه منزلة أن يقول له : افعل أبدا. وذهب آخرون إلى أنّه يقتضى بظاهره المرّة الواحدة من غير زيادة عليها. وذهب آخرون إلى الوقف في مطلق الأمر بين التّكرار والاقتصار على المرّة الواحدة.

__________________

(١) ب : + الله.

(٢) الف : ـ أحد من.

(٣) الف : و.

(٤) ج : تزوجها.

(٥) ب : ـ منه.

(٦) ج : + له.

(٧) الف : ما.

(٨) ج : ـ يريد.

(٩) الف : ـ ان.


وتحقيق موضع الخلاف إنّما هو في الزّيادة على المرّة الواحدة ، لأنّ الأمر قد تناول المرّة الواحدة بلا خلاف (١) بين الجماعة ، وإنّما ادّعى أصحاب التّكرار أنّه أرادها وأراد الزّيادة عليها ، وقال المقتصرون على المرّة الواحدة (٢) : أنّه أرادها ولم يرد زيادة عليها ، وقال صاحب الوقف : أراد المرّة بلا شكّ ، وما زاد عليها لست أعلم هل (٣) أراده (٤) ، كما قال أصحاب التّكرار ، أو لم يرده ، كما قال أصحاب (٥) المرّة ، فأنا واقف فيما زاد على المرّة لا فيها نفسها ، وهذا هو الصحيح.

والّذي يدلّ عليه أشياء :

أوّلها أنّه لا يجوز أن يفهم من اللّفظ ما لا يقتضيه ظاهره ، وكيفيّة تناوله لما هو متناول له ، وقد علمنا أنّ ظاهر قول القائل : « اضرب » غير متناول لعدد (٦) في كثرة و(٧) قلّة ، كما أنّه غير متناول لمكان ولا زمان (٨) ولا آلة يقع بها الضرب (٩) ، فيجب أن لا يفهم من إطلاقه ما لا يقتضيه لفظه ، وإنّما يقطع (١٠) على المرّة الواحدة ، لأنّها أقلّ ما يمتثل به الأمر ، فلا بدّ من كونها (١١) مرادة.

__________________

(١) ج : بخلاف.

(٢) ب وج : ـ الواحدة ، ب+ على.

(٣) الف : ـ هل.

(٤) ج : أراد.

(٥) ج : صاحب.

(٦) ب : العدد.

(٧) ب وج : + لا

(٨) ب : ـ ولا زمان.

(٩) الف : الضرب بها.

(١٠) ب : يقع.

(١١) ب : كونه.


وثانيها أنّه لا خلاف أنّ لفظ (١) الأمر قد يرد (٢) في القرآن وعرف الاستعمال ، ويراد به تارة التّكرار ، وأخرى المرّة الواحدة من غير زيادة ، وقد بيّنّا أنّ ظاهر استعمال اللّفظة في معنيين مختلفين يدلّ على أنّها حقيقة فيهما ومشتركة (٣) بينهما إلاّ أن تقوم (٤) دلالة.

وثالثها حسن استفهام (٥) من أمر أمرا (٦) مطلقا ولا عهد (٧) ولا عادة ولا قرينة على (٨) المراد ، وهل هو الاقتصار على (٩) المرّة الواحدة أو التّكرار ، وحسن الاستفهام (١٠) دالّ على اشتراك (١١) اللّفظ (١٢) وعدم اختصاصه.

ورابعها أنّا نعلم (١٣) حسن قول القائل لغيره : افعل كذا وكذا (١٤) أبدا ، أو (١٥) : افعله مرّة واحدة بلا زيادة عليها ، فلو كان مطلق اللّفظ موضوعا للتّكرار ، لما حسن أن يقول له : افعل أبدا ، لأنّه مفهوم من قوله الأوّل ، ولو كان موضوعا للمرّة الواحدة بلا زيادة عليها (١٦) ، لما حسن أن يقول : افعل مرّة واحدة (١٧) ولا تزد عليها ، لأنّ ذلك عبث غير مفيد.

__________________

(١) ج : لفظة.

(٢) ج : يراد.

(٣) ج : مشترك.

(٤) ج : يقوم.

(٥) الف وج : الاستفهام.

(٦) ج : امر.

(٧) ج : عيد.

(٨) ب وج : تنبئ عن.

(٩) ج : من.

(١٠) ج : استفهام.

(١١) ج : الاشتراك.

(١٢) ب : اللفظة.

(١٣) ج : ـ انا نعلم.

(١٤) الف : وكذا.

(١٥) ب : و.

(١٦) ج وب : ـ عليها.

(١٧) الف : ـ واحدة.


فإن ذكروا : أنّه يفيد التّأكيد وهو معنى مقصود قلنا : التّأكيد إن لم يفد فائدة زائدة على فائدة اللّفظ المؤكّد ، كان (١) عبثا (٢) ، ولغوا ، والكلام موضوع للإفادة ، فلا (٣) يجوز أن يستعمل منه ما لا فائدة فيه.

وقد تعلّق من قال بالتّكرار بأشياء :

أوّلها قولهم « إنّ أو امر القرآن المطلقة تقتضي (٤) التّكرار ».

ثانيها قياس الأمر على النّهى في اقتضائه التّكرار.

ثالثها إنّ الأمر المطلق ليس بأن يتناول بعض الأوقات أولى (٥) من بعض ، فيجب تناوله الكلّ (٦).

ورابعها قولهم « لو لم يقتض التّكرار ، لما صحّ دخول النّسخ فيه (٧) ».

وخامسها قولهم « لو لم يقتض التّكرار ، لما حسن أن يقول افعل مرّة واحدة ».

وسادسها قولهم « لو لم يقتض التّكرار ، لكان المفعول ثانيا (٨) قضاء لا أداء (٩) ».

فيقال لهم فيما تعلّقوا به أوّلا : إنّا لا نسلّم لكم أنّ أو امر القرآن

__________________

(١) ب : ـ كان.

(٢) ب : عبث.

(٣) الف : ولا.

(٤) ج وب : يقتضى.

(٥) ج : بأولى.

(٦) الف : للكل.

(٧) الف : ـ فيه.

(٨) ب وج : الثاني.

(٩) ب : الأدا ، بجاى لا أداء.


كلّها تقتضي (١) التّكرار ، فإنّ فيها ما يقتضى المرّة الواحدة كالحجّ والعمرة عند من أوجبها ، والّذي يتكرّر من ذلك فتكرّره (٢) مختلف غير متّفق ، ألا ترى أنّ الصّيام والزكاة يتكرّران في كلّ عام مرّة ، والصلاة تتكرّر (٣) في كلّ يوم خمس مرّات ، فالتّكرار مختلف كما تراه ، ولو كان مجرّد الأمر يقتضى التّكرار ، لما اختلف هذا الاختلاف.

وبعد ، فالتّكرار إنّما علم بدليل ، وخلافنا إنّما هو في موضوع اللّغة ومقتضى الأمر المطلق ، والصّحيح أنّ كلّ أمر في القرآن حملناه على المرّة الواحدة فإنّما (٤) حملناه (٥) عليها بدليل غير الظّاهر ، وكلّ أمر حملناه على التّكرار فإنّما (٦) حملناه عليه (٧) بدليل سوى الظّاهر.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثانيا : إنّ النّهى عندنا كالأمر في أنّه لا يقتضى التّكرار بإطلاقه وبمجرّده (٨) ، وإنّما نحمله عليه متى حملناه (٩) بدليل غير الظّاهر ، ونحن نسوّي بين الأمر والنّهى في هذه القضيّة.

وقد فصّل قوم (١٠) بين الأمر والنّهى بأنّ النّهى يقتضى قبح الفعل ، وقبحه مستمرّ ، فتكرّر لذلك. وهذا ليس بشيء ، لأنّ نهى الحكيم (١١)

__________________

(١) ب وج : يقتضى.

(٢) ج : فيكرره.

(٣) ج : يتكرر.

(٤) ج : وانما.

(٥) الف : حملناه.

(٦) ج : فانا.

(٧) الف : على التكرار.

(٨) ج : مجرده.

(٩) ب : ـ متى حملناه.

(١٠) ج : القوم.

(١١) ج : الحكم.


يقتضى قبح الفعل (١) لا محالة ، غير أنّ قبحه ربما اختصّ (٢) بوقت دون وقت ، فلا يجب استمراره في جميع الأوقات المستقبلة ، ولا يمتنع أن يختصّ ببعضها دون بعض ، كما قلناه في الوجوب الصّادر عن الأمر ، فإذا لم يجب في الأمر التّكرار ، فكذلك (٣) في النّهى.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثالثا : إنّما يجب ـ إذا لم يختصّ لفظ الأمر وقتا دون وقت ـ أن لا يحمل (٤) على شيء من الأوقات ، إلاّ بدليل ، ولا نحمله على الجميع ، وكيف (٥) نحمله على الجميع (٦) ، ولم يتناول بلفظه (٧) الجميع ، كما لم يتناول المرّة الواحدة بلفظه (٨) ، وهذه الطّريقة تدلّ (٩) على وجوب التّوقّف على الدّليل والبيان.

ويعارض (١٠) من سلك هذه الطريقة بقول (١١) القائل : لقيت رجلا ، أو أكلت شيئا ، ونحن نعلم أنّ قوله ليس بأن يتناول بعض من له صفة (١٢) مخصوصة من الرّجال بأدون (١٣) من (١٤) بعض ، وكذلك في الشّيء المأكول : إنّه ليس بأن

__________________

(١) ج : العقل.

(٢) ب : اقتص.

(٣) ب : فكذا.

(٤) ب : تحمل.

(٥) ج : فكيف.

(٦) ب : ـ وكيف نحمله على الجميع.

(٧) ج : بلفظ.

(٨) ب : ـ الجميع ، تا اينجا.

(٩) ب : يدل.

(١٠) ج : تعارض.

(١١) ج : لقول.

(١٢) الف : صيغة.

(١٣) الف : دون.

(١٤) الف وج : ـ من.


يتناول مأكولا بعينه أولى من غيره (١) ، ولا يجب مع ذلك أن يحمل قوله : لقيت رجلا ، على أنّه لقي رجلا له كلّ الصّفات الّتي تكون (٢) للرّجال ممّا ليس بمتضادّ ، كأنّه لقي رجلا طويلا أسود عاقلا فقيها قرشيّا له كلّ الصفات الّتي ليس قوله بأن يتناول بعضها أولى من (٣) بعض ، وكذلك في المأكول وصفاته ، ومعلوم خلاف ذلك.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به رابعا : إنّا وإن لم نقل : أنّ التّكرار مفهوم من مطلق الأمر ، فعندنا أنّا قد نعلمه بدليل ، ومن جملة أدلّة التّكرار دخول النّسخ ، فبدخول (٤) النّسخ يعلم (٥) أنّه متكرّر.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به خامسا : قد بيّنّا أنّ قول القائل عقيب الأمر : أبدا أو مرّة واحدة ، يدلّ على صحّة ما ذهبنا إليه من (٦) احتماله للأمرين ، ومن تعلّق بما حكيناه ، ينتقض (٧) كلامه بقول القائل : افعل (٨) أبدا ، فإنّه لو كان لفظ « افعل » يقتضى التّكرار ، لما جاز أن يقول : افعل أبدا ، لأنّه مفهوم من قوله الأوّل ، ولو كان موضعا للمرّة الواحدة (٩) لما حسن أن

__________________

(١) الف : ـ أولى من غيره.

(٢) ج : يكون.

(٣) الف : دون ، بجاى أولى من.

(٤) ج : فيدخل.

(٥) ب : نعلم ، ج : ـ يعلم.

(٦) الف : مذهبنا في.

(٧) ب وج : انتقض.

(٨) ب : ـ افعل.

(٩) الف : ـ لما جاز ، تا اينجا.


يقول أبدا : مرّة (١) ، فإن قال (٢) إنّما حسن ذلك تأكيدا ، فقد بيّنّا ما في التّأكيد. على أنّه إن (٣) رضى بالتّأكيد فليرض بمثله فيمن قال افعل مرّة واحدة (٤).

ويقال لهم فيما تعلّقوا به سادسا : إنّ من يقول : أنّ الأمر على الفور ، وأنّه يقتضى المرّة الواحدة ، يقول : أنّ المفعول ثانيا قضاء (٥) في المعنى ، وليس بأداء (٦) ، والصّحيح أنّه ليس بقضاء ، لأنّا قد بيّنّا أنّ مطلق الأمر لا يقتضى بلفظه (٧) لا مرّة ولا مرّات ، وسنبيّن أنّه لا يقتضى فورا ولا تراخيا ، وأنّ اللّفظ محتمل (٨) لذلك كلّه ، وإن لم يعلم إلاّ بدليل ، فلا يجب أن يكون المفعول في شيء من هذه الأوقات قضاء لأنّ اللّفظ يحتمله كما يحتمل (٩) غيره.

وأمّا (١٠) من ذهب إلى أنّ مجرّد الأمر يقتضى المرّة الواحدة بلا زيادة عليها. فإنّه تعلّق بأشياء :

أوّلها (١١) أنّ أهل اللّغة لا يختلفون (١٢) في أنّ (١٣) من أمر غيره بفعل ـ

__________________

(١) الف : ـ مرة.

(٢) ب : قيل.

(٣) ج : ـ ان.

(٤) الف : ـ واحدة.

(٥) ج : قضى.

(٦) ب : لا أداء ، ج+ الأداء.

(٧) ج : بلفظ.

(٨) ج : متحد.

(٩) ج : يحتمله.

(١٠) الف وج : فاما.

(١١) ج : ـ أولها.

(١٢) ج : يختلفوا.

(١٣) ج : ـ في ان.


ولا عادة متقدّمة ـ إنّه يعقل (١) مرّة واحدة بلا زيادة عليها.

وثانيها (٢) أنّ أهل اللّغة اشتقّوا من المصدر الّذي هو الضّرب أمثلة : من جملتها (٣) ضرب ويضرب وسيضرب ، ومن جملتها اضرب ، وقد علمنا أنّ جميع ما اشتقّوه لا يفيد التّكرار ، فيجب أن يكون الأمر بمثابته.

وثالثها (٤) أنّ الآمر غيره بأن يضرب إنّما أمره بأن يجعل نفسه ضاربا ، وهو قد يكون بهذه الصّفة بالمرّة الواحدة ، فلا يجب ما زاد عليها.

ورابعها (٥) أنّهم (٦) حملوا الأمر على الإيقاعات والتّمليكات والتّوكيلات في أنّه لا يفيد التّكرار.

فيقال لهم فيما تعلّقوا به أوّلا : قد اقتصرتم على الدّعوى ، لأنّا لا نسلّم لكم أنّ المأمور بأن يفعل ولا عهد ولا عادة (٧) ولا علم بقصد المخاطب (٨) يعقل المرّة الواحدة ، فدلّوا على ذلك ، فهي (٩) دعوى منكم.

ثمّ نعارضهم بمن أمر (١٠) غيره في الشّاهد ، وعقل منه التّكرار ، فإذا (١١) قالوا : إنّ ذلك بدلالة وقرينة ، قلنا فيما تعلّقوا به مثله.

__________________

(١) ب : تعقل.

(٢) ج : أولها.

(٣) ج : جملة.

(٤) ج : ثانيها.

(٥) ج : ثالثها.

(٦) ب : انما.

(٧) ج : ولا عادة ولا عهد.

(٨) الف : ـ المخاطب.

(٩) ب : وهي.

(١٠) الف : امره.

(١١) ب : فان.


ويقال لهم فيما تعلّقوا به (١) ثانيا : و(٢) من سلّم لكم في الأمثلة المشتقّة من الضّرب : مثل (٣) ضرب ويضرب أنّ المراد به دفعة واحدة من غير زيادة ؟ وأيّ عاقل يقطع وقد سمع قائلا يقول : ضرب زيد عمراً ، على (٤) أنّه ضربه مرّة واحدة بلا زيادة عليها (٥) ؟ والاحتمال في أمثلة الأمر كالاحتمال في أمثلة الخبر ، ولهذا يحسن أن يستفهم من قال : ضرب زيد عمراً ، هل ضربه مرّة أو مرّات ؟ كما يحسن أن يستفهم مع الأمر ، فالخلاف في الجميع واحد ، فلا ينبغي أن يستشهد بأحد الأمرين على الآخر.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثالثا : لا شبهة في أنّ الآمر غيره بأن يضرب إنّما أمره بأن يصير ضاربا (٦) ، غير أنّه يصير ضاربا بالدّفعة و(٧) بالدّفعات ، فمن أين أنّه أمره بأقلّ ما يستحقّ به هذا (٨) الاسم ، فهذا موضع الخلاف ، ولذلك يحسن أن يستفهمه عن مراده ، ولو (٩) كان مفهوما ، لما حسن الاستفهام.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به رابعا : فيما ذكرتموه ما لا يمكن فيه

__________________

(١) الف : ـ به.

(٢) ب : ـ و.

(٣) ج : مثله.

(٤) ب : ـ على.

(٥) الف : ـ عليها.

(٦) ج : ضربا.

(٧) ب : أو.

(٨) الف : ـ هذا.

(٩) الف : فلو.


التّكرار ، ولا يصحّ تزايده في الشّريعة ، وهو الملك والعتق ، وأمّا (١) الطلاق فإنّ التّكرار إنّما يصحّ فيه إلى حدّ ، وهو بلوغ الثّلاث ، ثمّ لا يصحّ التّزايد ، وإنّما حمل أهل الشّرع قول القائل : أنت طالق على الواحدة شرعا وتوقيفا ، ولو لا ذلك لكان إطلاق القول محتملا ، ولذلك اختلفوا في أنّه إذا قال : أنت طالق ثلاثا ، فذهب قوم إلى وقوع الثّلاث وآخرون إلى وقوع واحدة (٢) ، وآخرون إلى أنّه لم يقع شيء ، وهذا بحسب ما (٣) قادتهم إليه الطّرق الشّرعيّة.

فصل في أنّ الأمر المعلّق بشرط (٤) أو صفة هل

يتكرّر بتكرارهما

قد ذهب (٥) قوم إلى أنّه يتكرّر بتكرارهما. والصّحيح أنّ الأمر المطلق في هذه القضيّة كالمشروط ، وأنّ الشّرط لا يقتضى فيه زيادة على ما اقتضاه إطلاقه ، فإن كان إذا أطلق اقتضى المرّة الواحدة ، فكذلك (٦) حكمه (٧) مع الشّرط ، وإن كان مطلقا يقتضى التّكرار ، فكذلك إذا كان مشروطا ، وإن كان التّوقّف بين الأمرين واجبا مع الإطلاق ، فكذلك (٨)

__________________

(١) الف : فاما.

(٢) ج : واحد.

(٣) الف وب : حسبما.

(٤) ج : بالشرط.

(٥) الف : فذهب.

(٦) الف : فذلك.

(٧) ج : حمله.

(٨) ج ـ إذا كان ، تا اينجا.


مع الشّرط (١).

والّذي يدلّ على ذلك كلّ شيء دللنا به على أنّ الأمر المطلق لا يقتضى التّكرار من الوجوه الأربعة فلا معنى لإعادتها.

ويدلّ على ذلك أيضا (٢) أنّ من شأن الصّفة أو (٣) الشّرط إذا ورد عقيب الأمر أن يختصّ (٤) ما يتناوله (٥) الأمر بذلك الشّرط أو بتلك الصّفة من غير تأثير في تكثير له ولا تقليل ، ولا يجري تعقّب (٦) الصّفة أو الشّرط للأمر (٧) مجرى (٨) تعقّب الاستثناء ، لأنّ الاستثناء يؤثّر في عدد ما تناولته الجملة المتقدّمة ، فيقلّل (٩) منها ، فإذا (١٠) خالف حكم الشّرط في هذا الباب حكم (١١) الاستثناء ، و(١٢) وجب أن يفهم من مشروط (١٣) الأمر ما كنّا نفهمه من مطلقه في قلّة أو كثرة.

وقد تعلّق من ذهب إلى التّكرار بتكرّر الصّفة أو الشّرط بأشياء :

أوّلها أنّ كلّ أمر ورد في القرآن مقيّدا بشرط أو صفة يتكرّر بتكرّرهما (١٤) ، كقوله تعالى : ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً ، فَاطَّهَّرُوا ، وقوله

__________________

(١) ب : الشروط.

(٢) ب وج : أيضا على ذلك.

(٣) ج : و.

(٤) الف : يخص.

(٥) الف : تناوله.

(٦) ج : لعقب.

(٧) ب وج : ـ للأمر.

(٨) الف : مجراه.

(٩) ج : فيعلل.

(١٠) ب وج : وإذا.

(١١) ب : لحكم ، ج : بحكم.

(١٢) ب وج : ـ و.

(١٣) ب : شروط.

(١٤) الف : بتكرارهما.


سبحانه ـ (١) : ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ .

وثانيها حملهم الشّرط (٢) على العلّة ، فإنّها (٣) إذا تكرّرت تكرّر الحكم ، وكذلك الشّرط.

وثالثها أنّه لو لم يتكرّر ، لكان الفعل إذا لم يفعل مع الشّرط الأوّل وفعل مع الثّاني ، يكون قضاء لا أداء (٤).

ورابعها حمل الأمر المعلّق بشرط على النّهى المعلّق بشرط (٥) في وجوب التّكرار.

فيقال لهم فيما تعلّقوا به أوّلا : قد مضى في الفصل الأوّل أنّ وجود الشّيء لا يدلّ على أنّه لا يجوز سواه ، وأنّ الّذي علم تكرّره في أوامر (٦) القرآن إنّما علم بدليل (٧) غير الظّاهر.

ثمّ إنّ التّكرار أيضا مختلف لا يجري على طريقة واحدة ، فعلم أنّ اللّفظ لا يقتضيه وإنّما المرجع فيه إلى الدّليل ، كقوله تعالى : ﴿ إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ (٨) ، يعنى إذا عزمتم عليها ، ونحن لا نسلّم أنّه يفيد إيجاب الوضوء لكلّ صلاة عند تكرارها ، كصلاة

__________________

(١) ج : تعالى.

(٢) ب : الشروط.

(٣) ب وج : وانها.

(٤) ب : أداء لا قضا.

(٥) ج : بالشرط.

(٦) ج : امر.

(٧) ب وج : + هو.

(٨) ب : ـ وجوهكم.


الجنازة ، لا تجب (١) فيها طهارة ، وإن كانت صلاة (٢).

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثانيا : ليس العلّة كالشّرط ، لأنّ العلّة مؤثّرة في المعلول وموجبة له ، فلا بدّ من تكرّره بتكرّرها (٣) ، والشّرط (٤) ليس بموجب ولا مؤثّر (٥) ، وإن (٦) وقف الحكم عليه ، فلا يجب أن يتكرّر المشروط بتكرّره ، اللهمّ (٧) إلاّ أن يصير الشّرط مع كونه شرطا علّة ، فيتكرّر (٨) من حيث كان علّة لا من حيث كان شرطا ، ولذلك تكرّر (٩) وجوب الغسل بتكرّر (١٠) الجنابة ، لأنّها علّة فيه وموجبة له. والشّروط (١١) العقليّة في أنّها غير موجبة كالشّروط (١٢) السّمعيّة ، لأنّ الشّرط في صحّة كون أحدنا قادرا هو كونه حيّا ، ولا يصحّ كونه قادرا وليس بحيّ ، وقد يكون حيّا وإن لم يكن قادرا (١٣) ، ولا تحلّه القدرة إلاّ ويجب كونه قادرا. ويعلم (١٤) الفرق بين العلّة والشّرط عقلا وسمعا.

__________________

(١) ب : يجب.

(٢) الف : ـ كقوله تعالى ، تا اينجا ، ج : + ثم ان التكرار ، تا الدليل ، كه در متن پيش از « كقوله » است.

(٣) الف : تكراره بتكرارها ، ب : تكريره بتكرارها.

(٤) ج : ـ الشرط.

(٥) ج : يؤثر.

(٦) ب : فان.

(٧) الف : ـ اللهم.

(٨) ب وج : ويتكرر.

(٩) الف : يكرر.

(١٠) ج : ـ وجوب الغسل بتكرر.

(١١) ج : الشرط.

(١٢) ج : كالشرط.

(١٣) ج : ـ هو كونه ، تا اينجا.

(١٤) الف : نعلم.


ويقال (١) لهم فيما تعلّقوا به ثالثا : إنّ (٢) في النّاس من يذهب إلى أنّه قضاء غير أداء ، لأنّه علم وجوبه بدليل (٣) آخر. والصّحيح أنّه ليس بقضاء ، لأنّا قد بيّنّا أنّ مطلق الأمر ومشروطه محتمل للمرّة والمرّات على وجه واحد ، فإذا عرف بالدّليل أنّه يكون (٤) متى فعله مع الشّرط الثّاني مؤدّيا لا قاضيا ، علمنا أنّ الأمر المشروط أريد به كلّ شرط مستقبل.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به رابعا : إنّ النّهى المشروط في أنّه غير مقتض بظاهره (٥) التّكرار كالنّهي المطلق ، والأمر والنّهى جميعا مع الإطلاق والشّرط احتمال التّكرار (٦) والمرّة فيهما ثابت ، وإنّما يعلم في كلّ واحد منهما المرّة والمرّات بدليل سوى الظّاهر ، و(٧) أخطأ من فرّق بين النّهى المطلق وبين النّهى المشروط ، فقال (٨) في المطلق : أنّه يقتضى الاستمرار والتّكرار ، وقال في المقيّد : أنّه يقتضى مرّة واحدة.

وتعلّق من فرّق بين الأمرين بأنّ القائل إذا قال لغلامه : لا تخرج إلى بغداد ، وأطلق ، ولم يشترط ، اقتضى ذلك الدّوام ، وإذا (٩) قال له (١٠)

__________________

(١) ب : قال.

(٢) الف : ـ ان.

(٣) ب : بدليله.

(٤) ب : ـ يكون.

(٥) ب : ـ بظاهره ، ج : بظاهر.

(٦) ج : الاحتمال للتكرار.

(٧) ب : + أخطأ من فرق بين الأمر والنهي المطلقين في وجوب التكرار كما.

(٨) الف وب : فيقال.

(٩) الف : فإذا.

(١٠) الف : ـ له.


لا تخرج إذا جاء الصّيف ، أو هجم الشّتاء ، تخصّص بالمرّة الواحدة ، غير صحيح ، لأنّا لا نسلّم أنّ الأمر على ما ذكره ، بل يجوز أن يريد مع الإطلاق المرّة الواحدة (١) ، ومع الاشتراط الاستمرار (٢) ، ولهذا يحسن مع عدم العادات والأمارات أن يستفهم (٣) هذا القائل عن مراده في عموم أو خصوص ، والمتعلّق بذلك مقتصر على دعوى لا برهان لها.

فإن استشهد على قوله بانعقاد اليمين ، لأنّه (٤) لو حلف ليفعلنّ كيت وكيت ، (٥) لم ينعقد إلاّ على (٦) مرّة واحدة ، وإذا (٧). حلف على (٨) ألاّ يفعله ، انعقد على التّأبيد (٩) ، ومتى حلف على (١٠) الوجهين بشرط ، تعلّق به ، ولم يتكرّر ، لأنّه لو حلف أن (١١) لا يكلّم زيدا إذا قدم عمرو ، لم يتكرّر.

فالجواب عن ذلك أنّا إذا سلّمنا أنّ الحكم على ما قاله في اليمين المشروطة ، وغير المشروطة ، والمتعلّقة (١٢) بالنّفي و(١٣) الإثبات ، ولم ننازع (١٤) في شيء من الأحكام ، كان لنا (١٥) أن نقول له : من أين لك أنّ (١٦)

__________________

(١) ب : ـ غير صحيح ، تا اينجا.

(٢) ب : ـ الاستمرار.

(٣) ج : أي يستقيم.

(٤) ب وج : بأنه.

(٥) ج : ليت ، + و.

(٦) الف : ـ على.

(٧) ب : فإذا.

(٨) الف : ـ على.

(٩) ب : الثانية.

(١٠) الف : في.

(١١) الف : انه.

(١٢) ج : المتعلق.

(١٣) الف : أو.

(١٤) الف وب : ينازع.

(١٥) ب : له.

(١٦) ج : انما.


ذلك إنّما علم بأصل الوضع دون أدلّة الشّرع ، وإنّما خلافنا (١) فيما يقتضيه وضع اللّغة أو عرفها ، ولا خلاف في أنّ الأدلّة الشّرعيّة تدلّ (٢) على ذلك.

فأمّا ما تعلّق به من ذهب إلى أنّ الأمر المشروط يقتضى المرّة الواحدة من غير زيادة عليها ، من أنّ المولى إذا أمر عبده أن يشتري (٣) له (٤) لحما إذا دخل السّوق ، لم يعقل من ذلك التّكرار ، فباطل لأنّا لا نسلّم له (٥) ، لأنّ (٦) العبد لا (٧) يعقل من ذلك مع الإطلاق وعدم كلّ عهد وعادة وأمارة (٨) لا مرّة ولا مرارا ، ولهذا حسن منه الاستفهام ، ولو لا احتمال اللّفظ لما حسن ذلك.

واستشهادهم بأنّ القائل لو قال لوكيله : طلّقها إن دخلت الدّار ، اقتضى المرّة الواحدة من غير تكرار ، باطل ، لأنّ (٩) ذلك إنّما عقل شرعا وسمعا ، والخلاف إنّما هو فيما يقتضيه الوضع (١٠) والعرف (١١) اللغويّ ولو لا الشّرع ، لكان قول القائل : طلّقها إن دخلت الدّار ، محتملا للأمرين متردّدا بينهما.

__________________

(١) ب وج : الخلاف.

(٢) ب : يدل.

(٣) ج : تشتري.

(٤) ب : ـ له.

(٥) ب وج : ـ له.

(٦) الف وج : أن.

(٧) الف وب : ـ لا.

(٨) ب : أمان.

(٩) ب وج : بأن.

(١٠) ب : الوضيع.

(١١) الف : العرف والوضع.


فصل في أنّ ما يفعل بحكم الأمر هو مرّة واحدة

وما زاد عليها يحتاج في (١) إثباته إلى دليل

اعلم أنّ الأمر إذا ورد موقّتا بوقت معيّن ، ولم يفعل (٢) فيه ، احتيج في وجوبه مستقبلا إلى دليل آخر. وذهب قوم إلى أنّ الأمر يقتضى الفعل عقيبه ، فإن (٣) لم يفعل (٤) اقتضى فعله (٥) من بعد ، وعلى ذلك أبدا حتّى يفعل.

والدّليل على صحّة ما اخترناه أنّ الأمر متناول بلفظه الوقت الأوّل ، سواء (٦) أطاع المأمور ، أو عصى (٧) ، وإذا (٨) كان لو أطاع لم يتناول سواه ، فكذلك إذا عصى ، لأنّ الطاعة أو المعصية لا تغيّر (٩) متعلّق (١٠) الأمر.

وأيضا فإنّ إيجاب الفعل في وقت (١١) مخصوص كإيجابه على صفة مخصوصة فكما (١٢) أنّه لا يتناول ما ليس له تلك الصّفة ، فكذلك لا يتناول ما هو في (١٣) غير ذلك الوقت. وممّا (١٤) يؤكّد ما ذكرناه أنّ تغاير الوقتين

__________________

(١) ب : إلى.

(٢) ج : يفعله.

(٣) الف : وان.

(٤) ب وج : يفعله.

(٥) ب : ـ فعله.

(٦) ب : سوى.

(٧) ب : مضى.

(٨) ب وج : فإذا.

(٩) ج : يغير.

(١٠) ب : مطلق.

(١١) ب : الوقت في الفعل.

(١٢) ب وج : وكما.

(١٣) ب : ـ في.

(١٤) ج : + لا.


يوجب (١) تغاير (٢) الفعل ، وليس كذلك تغاير الصّفتين ، فإذا وجب ما ذكرناه في الصّفة ، كان أوجب في الوقت ، لأنّه آكد (٣) من حيث ما (٤) ذكرناه.

فإن قيل : وما الدّليل على أنّ الوقت كالصّفة في هذا الحكم.

قلنا : لا شبهة في أنّ العبادة قد تكون مصلحة في وقت دون غيره ، كما تكون (٥) مصلحة لبعض الشّروط أو الصّفات ، ألا ترى أنّ الإمساك المخصوص يكون مصلحة في النّهار دون اللّيل ، وفي شهر رمضان دون غيره ، والوقوف بعرفة يكون مصلحة في وقت مخصوص ، فقد جرى الوقت في المصالح والقرب مجرى سائر الشّروط.

فإن قالوا : إذا تعلّق الفعل بذمّة المكلّف (٦) وجب إلاّ يبرأ منه إلاّ بأن يفعله.

قلنا : إنّما تعلّق وجوب فعله في الوقت المخصوص بذمّته ، وقد فات الوقت ، فهو غير متمكّن (٧) في المستقبل من فعل ما كلّفه (٨) بعينه ، ولا شبهة في أنّ الأمر إذا (٩) تعلّق بوقت معيّن ، لم يصحّ دخول النّسخ فيه ، وإنّما يدخل في المتكرّر من مقتضى الأمر.

__________________

(١) ب وج : موجب.

(٢) ب وج : لتغاير.

(٣) ج : أكد بتشديد الدال.

(٤) الف : ـ ما.

(٥) ب وج : يكون.

(٦) ج : التكليف.

(٧) ج : ممكن.

(٨) يعنى ما كلف به ، فيكون الهاء منصوبا بنزع الخافض ، ولعل ذكر الباء أولى من تركه.

(٩) ب : ـ إذا.


فإن قيل : فيجب أن يسمّى ما يفعل بعد هذا الوقت (١) قضاء لا (٢) أداء.

قلنا (٣) : كذلك يجب.

فإن قيل : فما المراد بلفظة (٤) « قضى » في اللّغة والشّرع.

قلنا : معناها في اللّغة ينقسم إلى وجهين :

أحدهما بمعنى خلق وتمّم ، كقوله تعالى : فقضاهنّ (٥) سبع سموات في يومين.

والوجه (٦) الثّاني الإلزام نحو قوله ـ سبحانه ـ : وقضى ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه ، وقولهم : قضى الحاكم (٧) بكذا (٨) ، إذا ألزمه (٩). وأدخل قوم (١٠) في هذا القسم قوله تعالى : وقضينا إلى بنى إسرائيل في الكتاب ، من حيث كان ما أخبر تعالى به (١١) حقّا ثابتا. وذهب آخرون إلى أنّ معنى هذه الآية الإعلام. وقيل في معنى قضى فلان دينه : أنّه على القسم الأوّل ، بمعنى أنّه وفره على مستحقّه (١٢) بتمامه وكماله.

وأمّا (١٣) معنى هذه اللّفظة في عرف الشّرع فإنّهم يسمّون الفعل قضاء. إذا جمع شروطا ثلاثة :

__________________

(١) الف : ـ الوقت.

(٢) الف : الا.

(٣) ب : ـ قلنا.

(٤) الف وب : لفظ.

(٥) ج : وقضاهن.

(٦) الف وج : القسم.

(٧) ب : الحكم.

(٨) ب وج : + وكذا.

(٩) ب : لزمه.

(١٠) ب : قولهم.

(١١) ب وج : به تعالى.

(١٢) ب : المستحق.

(١٣) الف : فاما ، ج : فان.


أوّلها أن يكون مثلا للمقتضيّ في الصّورة (١) أو الغرض.

وثانيها أن يكون سبب (٢) وجوب تلك العبادة (٣) قد تقدّم حقيقة أو تقديرا.

وثالثها أن يثبت التّعبّد (٤) بالقضاء بسبب هو غير السّبب الأوّل.

ولا بدّ زائدا على ذلك من أن تكون (٥) العبادة متعلّقة بوقت عرض فيه فوت ، ولهذا لم نقل (٦) في الصّلاة : أنّها قضاء للصّوم ، لاختلاف الصّورة. ولا قيل (٧) في فعل إحدى الكفّارات : أنّها قضاء ، لما كان سبب (٨) وجوب الكلّ واحدا ، و(٩) يفعله (١٠) ثانيا لما لم (١١) يفعله أوّلا. ولذلك من (١٢) قصّر في قضاء صلاة عند ذكرها لا يقال فيما (١٣) يفعله من بعد : أنّه قضاء للقضاء (١٤) الأوّل ، من حيث كان السّبب واحدا. ولذلك لم نقل في صلاة الظّهر إذا (١٥) أدّيت في وسط (١٦) الوقت أو آخره : أنّها قضاء. و(١٧)

__________________

(١) ج : الصور.

(٢) ج : بسبب.

(٣) ج : + و.

(٤) الف : تثبت العبادة.

(٥) ج : يكون.

(٦) ج : يقل.

(٧) ج : قبل.

(٨) ج : بسبب.

(٩) ج : ـ و.

(١٠) ج : بفعله.

(١١) الف : ـ لم.

(١٢) ج : متى.

(١٣) ج : فما.

(١٤) ب : ـ للقضاء.

(١٥) ج : إذا.

(١٦) الف : أول.

(١٧) ج : ـ و.


لا يقال فيمن أخّر الحجّ : إنّه قضاه (١) ، لا سيّما على قول من يقول بأنّه على الفور ، لما كان متى فعل فلسبب (٢) واحد ، لأنّ أوقات عمر المكلّف فيه بمنزلة وقت الصّلاة.

وإنّما قيل في الحائض : إنّها تقتضي الصّوم ، لأنّ لما (٣) تقضيه (٤) سببا متقدّما (٥) يقدّر (٦) دخولها فيه. ولذلك لو كانت مجنونة ، لم يلزمها القضاء ، لما (٧) لم يقدّر (٨) ذلك ، وعلى مذهب من يوجب القضاء على المجنون إذا أدرك بعض الشّهر ، يجب أن يقدّر فيه مثل ما يقدّره في الحائض.

وإنّما قيل في ما يؤدّيه من الصّلاة وقد فات مع الإمام : إنّه يقتضيه (٩) لما كان (١٠) في حكم ما تقدّم سبب وجوبه ، لأنّ السّبب الّذي له يفعله (١١) أخيرا (١٢) غير (١٣) السّبب الّذي له (١٤) يجب (١٥) أوّلا.

وإنّما قيل في المفسد لحجّه : إنّه (١٦) يقضى الحجّ ، لأنّه لزمه بسبب ثان ، إذ كان الأوّل لزمه (١٧) بالدّخول في الإحرام (١٨) ، والثّاني لزمه لأجل الفساد الّذي وقع.

__________________

(١) ب : قضا ، ج : قضاء.

(٢) ج : فليست.

(٣) ب : ما.

(٤) ج : يقتضيه.

(٥) ج : متعديا.

(٦) ب : بقدر.

(٧) ب وج : ـ لما.

(٨) ب وج : يتعذر.

(٩) ج : يقتضيه.

(١٠) الف : ـ كان.

(١١) ب : يفعل.

(١٢) ج : خيرا.

(١٣) الف : هو ، بجاى غير.

(١٤) ب وج : ـ له.

(١٥) ب : + عليه ، ج : + له.

(١٦) ج : أن.

(١٧) الف : ـ بسبب ، تا اينجا

(١٨) ج : الاحران.


فإن (١) قيل : فكيف يصحّ دخول القضاء في النّوافل ، وليس هناك سبب وجوب ، ولا سبب تعبّد متكرّر.

قلنا : من يقول بدخول القضاء في النّوافل لا بدّ (٢) من أن يجعل للتّعبّد (٣) ، الثّاني سببا ثانيا ، فكأنّه إذا لم يفعل (٤) ركعتي الفجر في وقتهما ، يجعل (٥) الفوت سببا ثانيا للتّعبّد بفعل مثله (٦) بنيّة مخصوصة (٧) ، ويسمّى قضاء ، و(٨) لا بدّ من أن يجعل لهذا السّبب مزيّة في فعل ركعتي الفجر ، ولذلك (٩) لا يجعل هذا القضاء بمنزلة ما يبتديه من النّوافل. وأمّا النّوافل وإن لم يكن لها سبب وجوب تقدّم ، فالسّبب (١٠) في النّدب إليها (١١) والتّعبّد بها متقدّم لا محالة.

فصل في الأمر (١٢) هل يقتضى إجزاء الفعل المأمور به

اعلم أنّ (١٣) جميع الفقهاء يذهبون إلى أنّ امتثال الفعل (١٤) المأمور به يقتضى إجزاءه. وذهب قوم إلى أنّ إجزاءه إنّما يعلم بدليل ، وغير ممتنع ألاّ يكون مجزيا. والكلام في هذا الموضع إنّما (١٥) هو في مقتضى

__________________

(١) ب : وان.

(٢) ب : ـ لا بد ، + وليس هناك سبب وجوب.

(٣) الف : التعبد.

(٤) ب : لم يصل.

(٥) الف : فجعل.

(٦) ب : ـ مثله.

(٧) الف : ـ بنية مخصوصة.

(٨) ج : ـ و.

(٩) الف : فلذلك.

(١٠) ب : والسبب.

(١١) ج : أيضا.

(١٢) الف : ـ في الأمر.

(١٣) ب : ـ ان.

(١٤) الف : ـ الفعل.

(١٥) ج : ـ يعلم ، تا اينجا.


وضع اللّغة وعرفها ، وأمّا (١) عرف الشّرع فإنّا قد بيّنّا أنّه قد (٢) استقرّ على أنّ فعل المأمور به على الحدّ الّذي تعلق (٣) به الأمر يقتضى الإجزاء.

والّذي يدلّ على (٤) أنّ وضع اللّغة لا يقتضى ذلك أنّ الإشارة بقولنا « إجزاء » هو إلى أحكام شرعيّة ، كنحو وقوع التّملّك بالبيع ، وحصول الاستباحة بعقد النّكاح ، ووقوع البينونة والفرقة بالطلاق ، وفي الصّوم أنّه وقع موقع الصحّة فلا يجب إعادته ، وكذلك في الصّلاة ، وقد علمنا أنّ هذه الأحكام لا تتعلّق (٥) بالأمر ، لا في لفظه (٦) ، ولا في معناه ، نفيا ، ولا إثباتا ، فكيف يدلّ امتثاله على ثبوتها ولا علقة بينها وبينه ، وإنّما يدلّ امتثال أمر الحكيم على أنّ (٧) الفاعل مطيع مستحقّ للمدح (٨) والثّواب ، لأنّ للأمر (٩) تعلّقا بذلك ، ولا تعلّق له بما تقدّم ذكره من الأحكام الشّرعيّة.

وربّما تعلّق في ذلك بأنّ الظانّ في آخر الوقت كونه متطهّرا يلزمه بإجماع (١٠) فعل الصّلاة ، فلو ذكر (١١) أنّه لم يكن متطهّرا ، لما أجزأه (١٢) فعله ، و(١٣) لوجب عليه القضاء ، وكذلك (١٤) المفسد لحجّه

__________________

(١) الف وب : فاما.

(٢) الف : ـ قد.

(٣) ب وج : يتعلق.

(٤) ج : + ذلك.

(٥) ج : يتعلق.

(٦) ج : ـ لفظه.

(٧) ب : ـ ان.

(٨) الف : المدح ، ج : لمدح.

(٩) ج : الأمر.

(١٠) ج : باجتماع.

(١١) ج : ذكره.

(١٢) ج : إجراؤه.

(١٣) ب : ـ و.

(١٤) ب : لذلك.


يلزمه المضي فيه ، وإن لزمه القضاء ، فقد اجتمع ـ كما تراه ـ وجوب الفعل مع أنّه غير مجز.

وقد طعن قوم (١) في ذلك بأن قالوا : إنّما جاز في الظّانّ كونه متطهّرا والمفسد (٢) حجّه ما ذكرتم ، (٣) لوقوع الاختلال (٤) في فعله ، لأنّه لما تيقّن أنّه لم يكن متطهّرا ، كان مؤدّيا للصّلاة على غير الوجه الّذي أمر بأدائها عليه ، وكذلك المفسد لحجّه ، وإنّما يوجب الإجزاء والصّحة في الفعل الّذي وقع على شرائطه كلّها المشروعة.

وهذا من الطاعن به غير صحيح ، لأنّه (٥) إن ادّعى أنّ تكامل (٦) شرائط (٧) الفعل الشّرعيّ (٨) يقتضى إجزاءه ، وأنّه إنّما لا يجزى لفساد أو إخلال (٩) بشيء من الشّرائط ، مع استقرار شرعنا هذا ، فالأمر على ما ذكره ، وقد زدنا على ذلك بأنّ (١٠) أهل الشّريعة قد تعارفوا وأجمعوا على أنّ امتثال الأمر يقتضى الإجزاء. وإن (١١) ادّعى أنّ ذلك واجب على كلّ حال ، ومع كلّ شرع ، ومن غير (١٢) دلالة الإجماع الّتي أشرنا إليها (١٣) ، فمن أين

__________________

(١) الف : ـ قوم.

(٢) الف : مفسد.

(٣) الف : ذكرناه.

(٤) ج : الاختلاف.

(٥) ب : لأن.

(٦) ب : يكامل.

(٧) ج : الشرائط.

(٨) الف : الشرعية.

(٩) ج : إذ اختلال.

(١٠) ب : ان.

(١١) ج : فان.

(١٢) ب وج : قبل.

(١٣) ب وج : إليه.


قال ذلك ، وهل هو إلاّ محض الدّعوى ، وما (١) المانع من أن يأمر بالبيع تقديرا وفرضا ، فيكون فاعله مطيعا له (٢) و(٣) مستحقّا للمدح والثّواب ، من غير (٤) أن يتعلّق بهذا العقد هذه الأحكام المخصوصة ، وكذلك القول في النّكاح والطلاق ، و(٥) إذا كنّا (٦) لا نوجب (٧) تعلّق هذه الأحكام في كلّ حال ومع كلّ (٨) شرع ، فما المانع من انتفائها مع امتثال الأمر.

واعتمادهم على أنّ القضاء في الشّريعة إنّما يقتضيه إخلال أو فساد يقع فيها صحيح ، والشّرع هذا والحال هذه ، فمن أين (٩) وجوبه على كلّ حال.

وقول من يقول منهم ، كيف يجوز أن يقول : صلّ الظهر أربعا على شرائط يذكرها ، ثمّ يقول (١٠) : فإذا فعلت ذلك فاقضها بأربع ركعات ، وهو إذا (١١) تعبّد بذلك ، كانت الثّانية عبادة مستأنفة غير قضاء للأولى ، عجيب ، لأنّه غير ممتنع ذلك فرضا وتقديرا ، وإنّما يمتنع (١٢) و(١٣) الشّرع هذا ، وما المانع من أن تكون (١٤) العبادة بالصّلاة الثّانية تسمّى (١٥) قضاء

__________________

(١) ب : ولا.

(٢) ب : ـ له.

(٣) ب : أو.

(٤) ب : غيره.

(٥) الف وج : ـ و.

(٦) الف : كانا.

(٧) الف : يوجب.

(٨) ب : ـ كل.

(٩) ج : + على.

(١٠) ج : نقول.

(١١) ب : ـ إذا.

(١٢) ج : ممتنع.

(١٣) الف : في ، بجاى « و ».

(١٤) ج وب : يكون.

(١٥) ج وب : يسمى.


على عرف هو غير عرفنا (١) الآن. على أنّه قد يتعلّق بالصّلاة المجزية أحكام هي (٢) غير سقوط الإعادة ، مثل حقن دم المصلّي وكونها على بعض الوجوه دلالة على إيمانه وإسلامه ، فما المانع من (٣) أن يفعل الصّلاة ، ولا يثبت لها شيء من هذه الأحكام.

فصل (٤) هل يتكرّر المأمور به بتكرّر الأمر

اعلم أنّ الصّحيح هو أنّ الأمر إذا تكرّر ، فالظّاهر يقتضى تناول الثّاني لغير ما تناوله الأوّل.

والّذي يدلّ على ذلك أنّ هذين الأمرين إذا (٥) افترقا ، لدلا (٦) على مأمورين متغايرين ، وكذلك إذا اجتمعا ، لأنّ الاجتماع (٧) لا يغيّر مقتضاهما.

وأيضا فإنّ الكلام موضوع للإفادة ، ومقترنه (٨) في ذلك كمنفصله (٩) ومتى لم يحمل قول القائل : اضرب اضرب ، على أنّ الضّرب الثّاني غير الأوّل ، كان الأمر الثّاني لغوا ، لأنّه لا يفيد إلاّ ما أفاده الأوّل ، والاعتذار

__________________

(١) ج : عرف.

(٢) ب : ـ هي.

(٣) ج : ـ من.

(٤) الف : + في.

(٥) ج وب : لو.

(٦) ب : ـ لدلا.

(٧) ب : اجتماع.

(٨) ج : مقترنة.

(٩) ب وج : كمفصله.


بالتّأكيد ليس بشيء ، لأنّ التّأكيد (١) متى لم يفد غير ما (٢) يفيده (٣) المؤكّد ، كان عبثا ولغوا.

فأمّا (٤) قول من يشترط (٥) في تغاير متناول الأمر المتكرّر ألاّ (٦) يكون (٧) الأمر الأوّل يتناول الجنس أو العهد ، وادّعى (٨) أنّ الجنس يقتضى الاستغراق ، فلا يجوز أن يفضل (٩) منه ما يتناوله الأمر الثّاني ، وأنّ العهد يقتضى صرف مقتضى الثّاني إلى مقتضى الأوّل ، فليس بصحيح ، لأنّ القائل إذا قال افعل الضّرب (١٠) ، وكرّر (١١) ذلك ، فإنّ (١٢) قوله (١٣) الأوّل يحتمل أن يريد به الاستغراق للجنس ، ويحتمل أيضا أن يريد به بعض الجنس ، والظّاهر من تغاير الأمرين تغاير مقتضاهما ، حتّى يكون كلّ واحد منهما مفيدا لما لا (١٤) يفيده (١٥) الآخر ، وأمّا العهد ، فإن كان بين المتخاطبين (١٦) ، وعلم المخاطب أنّ المخاطب أراد الأوّل ، بعرف ، أو عادة ، حملناه على (١٧) ذلك ، ضرورة ، ولقيام الدّلالة ، فأمّا مع الإطلاق ، فيجب حمل الثّاني على غير مقتضى الأوّل.

__________________

(١) ب : ليس ، تا اينجا.

(٢) ب : ـ يفد غير ما.

(٣) ب : يفسده.

(٤) ج : واما.

(٥) الف : يشترط.

(٦) ب وج : الا ان.

(٧) الف : يكرر.

(٨) الف : ادعاء.

(٩) ب : يفصل ، ج : يفعل.

(١٠) ج : الضرث.

(١١) الف : تكرر.

(١٢) ب : وان ، ج : فانه.

(١٣) ج : قول.

(١٤) ج : ـ لا.

(١٥) ب : يفيد.

(١٦) ب وج : من المخاطبين.

(١٧) ج : ـ على.


والّذي يحكى عن ابن عبّاس رحمه‌الله في قوله تعالى : فإنّ (١) مع العسر يسرا ، إنّ مع العسر يسرا ، وأنّه قال : لا يغلب عسر يسرين ، من حيث حمل العسر المعرّف على أنّ الثّاني هو الأوّل ، واليسر المنكّر على التّغاير ، فممّا يربأ (٢) بابن عبّاس ـ رحمة الله عليه ـ (٣) عنه (٤) ، لموضعه من الفصاحة والعلم بالعربيّة.

والمراد بالآية أنّ مع جنس العسر جنس (٥) اليسر ، وإن عرّف أحدهما ونكّر (٦) الآخر (٧) ولا فرق (٨) بين ذلك وبين أن يقول : إنّ مع العسر اليسر (٩) ، ويكرّر ، أو يقول : إنّ مع عسر يسرا ، ويكرّر ، لأنّ : المنكّر (١٠) يدلّ على الجنس كالمعرّف ، كما يقول القائل : مع خير شرّ (١١) ، ويقول تارة أخرى : إنّ (١٢) مع الخير الشّرّ ، وأراد الله تعالى أن يبيّن أنّ العسر واليسر لا يفترقان (١٣).

فإن (١٤) قيل : فما الوجه في (١٥) التّكرار ، إذا لم تذهبوا (١٦) إلى حسن التّأكيد.

__________________

(١) الف : ان.

(٢) ب : يريا.

(٣) الف : ـ رحمة الله عليه.

(٤) الف : منه ، ب : ـ عنه.

(٥) الف : ـ جنس.

(٦) ب : تكرر.

(٧) ج : الآخرون.

(٨) الف : ـ فرق.

(٩) ج : + وان عرف ، تا اينجا ، ولى در أين تكرار بجاى « الآخرون » « الاخر » است.

(١٠) الف : المكرر ، ج : النكر.

(١١) الف : شرا.

(١٢) ب وج : ـ ان.

(١٣) ج : لا يفترقا.

(١٤) ج : فإذا

(١٥) ج : ـ في.

(١٦) الف وج : يذهبوا.


قلنا : الوجه في ذلك التّكرار (١) هو الوجه فيما تكرّر من القرآن في سورة الرّحمن والمرسلات وغيرهما ، وقد ذكرنا في كتاب الغرر الوجوه المختلفة (٢) فيه (٣).

فصل في الأمرين المعطوف أحدهما على الأخر

اعلم (٤) أنّ الصّحيح أنّ قول القائل : اضرب واضرب ، يقتضى أنّ الضّرب الثّاني غير الأوّل ، وكلّ شيء دللنا به على أنّ الأمر إذا تكرّر من غير حرف العطف اقتضى أنّ الثّاني غير الأوّل هو دلالة في هذا الموضع.

وهاهنا مزيّة ليست هناك ، وهي حرف العطف ، لأنّ الشّيء لا يعطف على نفسه ، وإنّما يعطف على غيره ، ولذلك فارق النّعت والصّفة العطف (٥)

وليس يقدح فيما ذكرناه قول الشّاعر : إلى الملك (٦) القرم وابن الهمام وليث (٧) الكتيبة (٨) في المزدحم ، والصّفات راجعة إلى موصوف واحد مع العطف ، لأنّهم أجروا اختلاف الصّفات في جواز عطف بعضها

__________________

(١) ب وج : ـ التكرار.

(٢) ج : الوجه المختلف.

(٣) ب : ـ فيه.

(٤) ج : على ، بجاى اعلم.

(٥) الف : للعطف ، ب : ـ العطف.

(٦) ب : ملك.

(٧) ج : ليس.

(٨) ب : الكثيبة ، ج : الكتية.


على بعض مجرى (١) اختلاف الموصوفين (٢).

واعلم أنّ المعطوف على غيره لا يخلو من أن يكون مثله ، أو خلافه ، أو ضدّه :

فإن كان خلافه ، فلا شبهة (٣) في اختلاف (٤) الفائدة ، نحو قوله ـ تعالى ـ : ﴿ أَقِيمُوا الصَّلاةَ ، وَآتُوا الزَّكاةَ ، وعطف أعضاء الطّهارة بعضها على بعض.

وإن كان المعطوف ضدّ المعطوف عليه ، فإن كان الوقتان مختلفين حمل كلّ واحد منهما على مقتضاه في وقته ، وإن كان الوقت (٥) واحدا ، فلا يصحّ التّكليف إلاّ على جهة التّخيير.

وإذا (٦) كان المعطوف مثلا للمعطوف عليه ـ وهو المشتبه ـ فالظّاهر أنّ الثّاني غير الأوّل ، على ما ذكرناه ، فإن كان المعطوف يقتضى بعض ما دخل تحت المعطوف عليه ، نظر (٧) ، فإن كان ذلك (٨) ممّا يجوز إفراده بالذّكر على جهة التّعظيم والتّفخيم (٩) كإفراد جبرئيل وميكائيل ممّن (١٠) ذكر من الملائكة (١١) عليهم‌السلام ، والصّلاة الوسطى عن ذكر باقي

__________________

(١) ب : ـ مجرى.

(٢) ب : الموضعين.

(٣) الف : فلا يشبهه.

(٤) الف : ـ اختلاف.

(٥) ب وج : ـ الوقت.

(٦) ب : ان.

(٧) ب وج : نظرنا.

(٨) ب : كذلك.

(٩) الف : التفخيم والتعظيم.

(١٠) ب : عمن.

(١١) ج : + عن ذكر الملائكة.


الصّلوات (١) ، احتمل الكلام (٢) أن يكون الأوّل على عمومه ، والثّاني أفرد تعظيما ، وإن كان التّعظيم غير لائق بالموضع ، نظرنا ، فإن كان المعنى يمكن فيه التّكرار ، كقول القائل : اضرب القوم الّذين فيهم زيد ، واضرب زيدا ، فيحمل الأوّل على عمومه ، و(٣) الثّاني على تكرّر (٤) بعضه ، وهو ضرب زيد ، وإن كان ذلك ممّا لا يمكن فيه التّكرار ، كالعتاق ، إذا قال قد أعتقت جميع عبيدي ، وأعتقت فلانا ، ويذكر واحدا من جملة (٥) العبيد ، ففي هذا الموضع يجب حمل الثّاني على ما تناوله (٦) ، وهو عتق (٧) العبد المخصوص ، والأوّل على أنّ المراد به جماعة العبيد سوى العبد المفرد بالذكر ، لأجل أنّ العطف يقتضى تغاير ما عطف به لما عطف (٨) عليه ، وإن كان المعطوف به أعمّ من المعطوف عليه ، احتمل من القسمة ما ذكرناه في المعطوف به (٩) إذا كان أخصّ ، فليتأمّل ذلك (١٠).

فصل في (١١) أنّ (١٢) الأمر هل (١٣) يقتضى الفور

أو التراخي

اختلف النّاس في ذلك ، فذهب قوم إلى أنّ الأمر المطلق يقتضى

__________________

(١) الف : الصلاة.

(٢) ب : ـ الكلام.

(٣) الف : ـ و.

(٤) الف : تكرار.

(٥) الف : جملتها.

(٦) الف : + الأول.

(٧) ج : العتق.

(٨) ج : عطفت.

(٩) ب : ـ به.

(١٠) الف : + فهو واضح.

(١١) ب : ـ في.

(١٢) الف : ـ ان.

(١٣) ب : ـ هل.


الفور والتّعجيل وإيقاع الفعل عقيبه. ثمّ (١) اختلفوا فقال بعضهم : متى لم يفعل ، اقتضى أن يفعل بعد (٢) ذلك ، وكذلك أبدا حتّى يوقع الفعل ، وفيهم من لم يوجب بالأمر إلاّ إيقاع (٣) الفعل (٤) عقيبه ، فقط. وقال آخرون إنّ (٥) الأمر يقتضى إيقاع الفعل من غير اختصاص بوقت من (٦) الأوقات المستقبلة ، وهي (٧) متساوية في إيقاعه فيها ، وهؤلاء هم أصحاب التّراخي. وقال آخرون : الواجب على من سمع مطلق الأمر ولا عهد ، ولا قرينة ، ولا دلالة ، أن يعلم أنّه مأمور بإيقاعه ، ويتوقّف في (٨) تعيين الوقت أو التّخيير فيه على دلالة تدلّ (٩) على ذلك ، وهو الصّحيح.

والدّلالة عليه (١٠) أنّ اللّفظ خال من توقيت لا بتعيين (١١) ولا تخيير (١٢) وليس يجوز أن يفهم من اللّفظ ما لا يتناوله كما لا يجوز أن يفهم منه الأماكن والأعداد وكلّ شيء لم يتناوله لفظ (١٣) الأمر.

وأيضا فلا خلاف (١٤) في (١٥) أنّ الأمر قد (١٦) يرد في القرآن واستعمال

__________________

(١) ج : فقط وقال ، بجاى ثم.

(٢) ب : ـ بعد.

(٣) الف : الإيقاع ، ج : اتباع.

(٤) الف : للفعل.

(٥) الف : ـ ان.

(٦) ب وج : و، بجاى من.

(٧) ب وج : ـ وهي.

(٨) الف : عن.

(٩) الف : تدله ، ج : نزله.

(١٠) ب : على ، ج : ـ عليه.

(١١) الف : ولا تعيين.

(١٢) ج : بتخيير.

(١٣) ب : لفظة.

(١٤) ب : فالإحلاف.

(١٥) ب : على.

(١٦) ب : ـ قد.


أهل اللّغة ويراد به تارة الفور ، وأخرى التّراخي ، وقد بيّنّا أنّ ظاهر استعمال اللّفظة في شيئين يقتضى أنّها حقيقة فيهما ، ومشتركة بينهما.

وأيضا ، فإنّه يحسن بلا شبهة أن يستفهم المأمور مع فقد العادات والأمارات هل أريد منه التّعجيل أو التّأخير ، و(١) الاستفهام لا يحسن إلاّ مع احتمال اللّفظ واشتراكه ، و(٢) دفع حسن الاستفهام هاهنا كدفعه (٣) في كلّ موضع.

وأيضا ، فإنّه يحسن بغير إشكال أن يتبع القائل قوله : قم وما أشبه ذلك من الأمر ، أن يقول : السّاعة (٤) ، وفي الثّاني ، أو بأن يقول : متى شئت ، فلو كان اللّفظ موضوعا (٥) لفور أو تراخ ، لما حسن ذلك ، ولكان ذكره عبثا ولغوا (٦).

وقد استدلّ من ذهب إلى الفور بأشياء :

أوّلها أنّ الأمر قد اقتضى وجوب الفعل ، وتجويز تأخيره يلحقه بالنّوافل الّتي لا يجب فعلها.

وثانيها أنّ الأمر في الشّاهد يقتضى التّعجيل ، بدلالة ذمّهم وتوبيخهم من أخّر ذلك.

__________________

(١) ج : أو.

(٢) ب وج : + من.

(٣) ب وج : كدافعه.

(٤) ج : ذا لساعة.

(٥) ب : موضعا.

(٦) ب : ـ ولغوا.


وثالثها أنّه لا يخلو من أن يكون لجواز تأخيره غاية ، أو لا غاية له ، والأوّل لا يقتضيه لفظ الأمر ، ولا غاية تذكر (١) فيه أولى (٢) من غاية ، وإن كان لا إلى غاية ، فالمكلّف لا يكون أبدا مفرّطا ، وهذا يقتضى إخراجه من كونه واجبا.

ورابعها أن يحملوا مقتضى الأمر على مقتضى الإيقاعات من طلاق وعتاق وتمليك وغير ذلك في (٣) اقتضاء الفور والتّعجيل.

وخامسها أنّ الإيجاب بالأمر يقتضى فعلا واحدا ، وقد ثبت بالدّليل العقلي أنّ أفعال العباد لا يصحّ فيها التّقديم والتّأخير ، فيجب أن يكون المراد أن يفعل عقيبه ، ليكون الفعل (٤) واحدا ، ويقوّى ذلك أنّ الفعل إذا علمنا كونه واحدا (٥) ، واتّفقوا على أنّ المفعول عقيبه مراد وصلاح ، فيجب حمل الخطاب عليه.

وسادسها أنّ القول بالتّراخي والتّخيير يقتضى إثبات بدل له (٦) ، لأنّه إذا خرج من كونه واجبا مضيّقا ، فلا بدّ من بدل ، ولا دليل على وجوب هذا البدل من جهة الأمر والإيجاب ، فيجب بطلان التّخيير ، ولا قول بعد ذلك إلاّ القول بوجوبه عقيبه.

__________________

(١) ج : يذكر.

(٢) ج : أولا.

(٣) الف : ـ في.

(٤) ب : ـ فيجب ، تا اينجا.

(٥) الف : ـ ويقوى ، تا اينجا.

(٦) ج : ـ له.


وسابعها طريقة الاحتياط وأنّها في الفور دون التّراخي.

وثامنها قوله ـ تعالى (١) : ﴿ وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ، وقوله ـ سبحانه ـ (٢) : ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ، وما روى عنه عليه‌السلام (٣) من قوله (٤) من نام عن صلاة ، أو نسيها ، فليصلّها ، إذا ذكرها ، فذلك وقتها ، فنبّه ـ عليه‌السلام ـ بذلك على أنّ وقت المأمور به هو عقيب الأمر.

فيقال لهم فيما تعلّقوا به أوّلا : ليس القول بجواز التّأخير ملحقا للواجب بالنّفل ، لأنّه وإن جاز تأخيره فلا بدّ من عزم على أدائه مستقبلا ، ووجوب هذا العزم عليه إذا لم يفعله مميّز له من النّافلة ، لأنّ النّافلة يجوز تأخيرها بلا بدل هو العزم ، والواجب لا يجوز تأخيره إلاّ ببدل هو العزم.

فإن قيل : هذا يقتضى إثبات بدل بغير دليل.

قلنا : إذا علمنا بالدّليل أنّ الآمر الموجب للفعل لم يرد الفور ، وإنّما أراد التّراخي والتّخيير ، فلا بدّ مع (٥) التّخيير من إثبات هذا البدل ، فما أثبتناه (٦) إلاّ بدليل ، وإنّما يستمرّ وجوب هذا الكلام على من ذهب إلى (٧)

__________________

(١) الف : ـ تعالى.

(٢) ب وج : تعالى.

(٣) ب : + ان.

(٤) الف : ـ من قوله.

(٥) ج : فلا يدفع.

(٦) ج : أثبتنا.

(٧) ج : على.


أنّ مطلق الأمر بظاهره (١) يقتضى التّراخي من غير دليل منفصل ، وأمّا (٢) من قال : أنّ مطلق الأمر محتمل للأمرين (٣) احتمالا واحدا ، و(٤) أنّه متى (٥) قطع على أحدهما ، فبدليل منفصل ، فلا يلزمه هذا الكلام.

فإن قيل فمن أين (٦) إذا ثبت أنّه (٧) لا بدّ من بدل ، فإنّ (٨) البدل هو العزم (٩).

قلنا : إذا ثبت وجوب البدل ، فبالإجماع يعلم (١٠) أنّه العزم ، لأنّ كلّ من أثبت بدلا لم يثبت سوى العزم.

وأيضا ، فإنّ العزم في العقول هو البدل عن كلّ واجب تأخّر نحو قضاء الدين وسائر وجوه التّصرّفات (١١) لأنّه لو خلا من (١٢) الفعل الواجب لعارض ، وخلا من العزم على أدائه مستقبلا ، لكان ملوما مذموما.

ويقال (١٣) لهم فيما تعلّقوا به ثانيا : إنّا (١٤) لا نسلّم لكم في الشّاهد ما ادّعيتموه ، لأنّه قد يؤمر (١٥) في الشّاهد بما يكون على التّراخي ، كما

__________________

(١) الف : ظاهره.

(٢) الف وب : فاما.

(٣) الف : يحتمل الأمرين.

(٤) ب : أو.

(٥) ب : مع.

(٦) الف : ـ فمن أين.

(٧) ب : ـ انه.

(٨) الف : ان.

(٩) الف : ـ هو العزم.

(١٠) ب : نعلم ، ج : تعلم.

(١١) ب وج : الإنصاف ، بجاى التصرفات.

(١٢) ج : + ان.

(١٣) ب : فيقال.

(١٤) ب وج : ـ انا.

(١٥) الف : يأمر.


يؤمر بما يكون على الفور ، فإذا (١) حمل على الفور أو التّراخي ، فبعادة ، أو دلالة ، أو أمارة ، وكلامنا في مطلق الأمر ومجرّده.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثالثا : من أين قلتم : أنّه إذا جاز تأخيره من غير غاية معلومة مضروبة ينتهى جواز التّأخير إليها أنّ ذلك يلحقه (٢) بالنّافلة ، أو ليس قد مضى أنّ النّافلة يجوز تأخيرها (٣) بلا (٤) غاية ، ولا بدل عنها يجب عليه فعله ، وأنّ الواجب على التّراخي لا يجوز تأخيره إلاّ ببدل (٥) ، وهذا كاف في الفرق بين الواجب والنّفل ، وليس يمتنع أن يستمرّ تكليف المكلّف (٦) على ما ذكرناه ، فيكون مكلّفا أن يفعل الفعل أو العزم على أدائه مستقبلا ، فإن (٧) أخّر الفعل ، وفعل العزم على أدائه مستقبلا (٨) فلا يستحقّ ذمّا ، وتكليف الفعل في المستقبل ثابت عليه ، وإن فعل الفعل ، سقط وجوب العزم ، لأنّ من حقّ العزم أن لا يكون بدلا إلاّ بشرط بقاء الوجوب في الفعل ، وإنّما يستحقّ المكلّف (٩) الذّمّ إذا لم يكن (١٠) يفعل الفعل الواجب ، ولا العزم على أدائه مستقلا.

وقد ذهب قوم إلى (١١) أنّ الحجّ على التّراخي ، وقالوا : أنّ المكلّف

__________________

(١) الف : وب : وإذا.

(٢) ج : يلحق.

(٣) ج : تأخيره.

(٤) الف : ولا.

(٥) ب وج : بدل.

(٦) ج : ـ المكلف.

(٧) ج : فإذا.

(٨) ب : ـ فان اخر ، تا اينجا.

(٩) الف : ـ المكلف.

(١٠) ب وج : ـ يكن.

(١١) ب وج : على.


إنّما يصير مفرّطا إذا غلب في ظنّه أنّه (١) أن (٢) لم يحجّ فاته. ومنهم من يقول : إذا لحقه مرض فلم يوص (٣) به ، أو لم يستأجر من يحجّ عنه ، كان مذموما مفّرطا.

واعلم أنّه لا يجوز أن يثبت استحقاق الذّمّ فيمن لا يفعل الحجّ مع تكامل شروطه إلاّ ويجعل له في الوجوب وقتا أو غاية ، ولا بدّ من كونهما معلومين ، لأنّه لا يجوز أن يؤاخذ المكلّف بأن لا يفعل فعلا ومع ذلك يجوز له أن يؤخّره أبدا ، والمرض أو (٤) الضّعف (٥) ربّما كانا سببا لغلبة الظّنّ للموت ، وهذه غاية متميّزة ، فيجوز أن تجعل (٦) سببا لاستحقاق الذّمّ بترك الحجّ ، وقد يجوز أيضا (٧) أن يحمل الوعيد الوارد في ترك الحجّ على من تركه وترك العزم على أدائه مستقبلا ، أو يكون متوجّها إلى من غلب على ظنّه فوته بالموت ، إمّا لمرض (٨) أو ضعف (٩) وأمّا (١٠) مع غير هذه الوجوه المتميّزة وأمثالها ، فلا يجوز أن يلحق به (١١) الوعيد ، ويستحقّ الذمّ.

وقول من يقول من الفقهاء : أنّ المكلّف يكون مفرّطا في الحجّ

__________________

(١) ب : ـ انه.

(٢) ج : ـ ان

(٣) ج : يوصى.

(٤) الف : و.

(٥) ب : + و.

(٦) الف وب : يجعل.

(٧) الف : ايظ.

(٨) ج : أو المرض.

(٩) ج : ضعيف.

(١٠) ج : فاما.

(١١) ب : ـ به.


إذا مات ، ويقول : بموته يتبيّن (١) لي ذلك ، من غير بيان وقت ، أو غاية ، غير محصّل ، لأنّ الموت لا يجوز أن يكون شرطا في تكليف المكلّف ، ولا الحكم بتقصيره ، وإنّما ينبغي أن يتميّز للمكلّف الشّرط الّذي يتضيّق به الفعل عليه ، ولا منفعة له في أن يتميّز لغيره ، أو بعد موته.

وليس يشبه هذا ما لا يزالون يقولونه من أنّه إذا جاز أن يكلّف المجاهد الرّمي (٢) بشرط ألاّ يصيب مسلما ، وإن لم يتميّز له ذلك ، جاز ما قلناه ، وذلك أنّ المجاهد لم يكلّف الرّمي بالشّرط الّذي ذكروه ، فإنّه مجهول له غير معلوم ، وإنّما أمر أن يرمى مع غلبة ظنّه (٣) أنّه يصيب الكافر ، دون المسلم وهذا شرط متميّز له (٤) معلوم ، وهذا هو الجواب عن قولهم : أنّ الإمام كلّف التّعزير بشرط السّلامة ، وكذلك المؤدّب فلا معنى لإعادته.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به رابعا : هذه العقود والإيقاعات إنّما علمنا في أحكامها أنّها على الفور بدليل الشّرع ، ولولاه لما علمناه (٥) ، ونحن لا ننكر القول بالفور بدلالة منفصلة عن (٦) إطلاق الأمر.

وأيضا فهذا قياس ، والقياس في مثل هذا الأصل لا يسوغ.

__________________

(١) ب : تبين ، ج : بدون نقطه حرف مضارع ، الف : يك دنده كم.

(٢) الف : ـ الرمي.

(٣) الف : الظن.

(٤) الف : + و.

(٥) ج : علمنا.

(٦) ب : على.


وأيضا (١) ، فإنّ أحكام العقود والإيقاعات ليست بأفعال ، وإنّما هي أحكام ، والأمر يقتضى فعلا ، وإنّما يطلب وقتا لما هو فعل.

وأيضا (٢) ، فإنّ الأمر (٣) له (٤) دلالة (٥) وجوب الفعل ، وليس بسبب (٦) فيه ، والإيقاعات والعقود أسباب في هذه الأحكام ، ومع وجود السّبب لا بدّ من حصول المسبّب ، وليس كذلك الدّلالة.

وأيضا ، فإنّ العقود إنّما اقتضت الفور لأنّ الثّمن بإزاء (٧) المثمن وملك أحدهما في الحال يقتضى ملك الآخر عينا كان أو دينا ، ومثل ذلك ليس بموجود في مقتضى الأمر.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به خامسا (٨) ليس يجب إذا كان الفعل واحدا أن يبطل (٩) التّراخي والتّخيير لأنّ من يذهب إلى ذلك يجعل الفعل واحدا وإن كان مخيّرا في أوقاته ، وصورة الفعل إذا كانت معلومة للمكلّف ، صحّ أن يقال له : افعل ما له هذه الصّورة مرّة واحدة ، ولهذا يقول (١٠) : أنّ المكلّف أمر بصلاة الظّهر مرّة واحدة في الوقت الموسّع ، ولا يلزم أن يكون قد كلّف صلوات (١١) كثيرة في ذلك الوقت.

__________________

(١) الف : ايظ.

(٢) الف : ايظ.

(٣) الف : الأزمنة.

(٤) ب : ـ له.

(٥) ب : + من.

(٦) ج : لسبب.

(٧) الف : بان.

(٨) ج : خامسها.

(٩) ج : يطلب.

(١٠) الف : نقول.

(١١) ج : صلاة.


فأمّا قولهم : أنّهم اتّفقوا على أنّ المفعول عقيبه مراد وصلاح فغلط لأنّ من يذهب إلى وجوب الوقف (١) مع الإطلاق لا يوافق (٢) على ذلك.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به سادسا : هذا الطّعن إنّما يتوجّه إلى من حمل الأمر المطلق على التّراخي من غير دليل منفصل ، فأمّا من ذهب إلى الوقف ، ولم يثبت فورا ولا تراخيا إلاّ بدليل منفصل ، فالطّعن لا يتوجّه عليه.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به سابعا : الاحتياط إنّما يكون فيما لا يقتضى فعلا قبيحا يقع من الفاعل ، وقد بيّنّا في مسألة وجوب الأمر في هذه الطّريقة ما فيه كفاية.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثامنا : أمّا قوله تعالى (٣) سارعوا إلى مغفرة (٤) فهو مجاز من حيث ذكر المغفرة وأراد ما يقتضيها ، ومجمل من حيث كان مبنيّا على كيفيّة وجوب الواجبات من فور أو تراخ ، لأنّا إنّما نتقرّب (٥) إلى الله (٦) تعالى ، بأن نفعل ما أوجبه علينا أو ندبنا إلى فعله ، بأن نفعله (٧) على ذلك الوجه ، وفي الوقت الّذي علّق به ، فلا دلالة فيه للمخالف (٨). وكذلك قوله ـ سبحانه ـ (٩) فاستبقوا الخيرات. على أنّ

__________________

(١) ب : وج : الوقت.

(٢) ج : يوفق.

(٣) الف : ـ تعالى+ و.

(٤) ب وج : + من ربكم.

(٥) ج : يتقرب.

(٦) ب وج : إليه.

(٧) ج : يفعله.

(٨) ج : للمخاطب.

(٩) ب وج : تعالى.


الفزع (١) إلى هذه الآيات تسليم لما نريده من أنّ (٢) مقتضى الأمر في الوضع لا يدلّ على ذلك ، وإنّما يرجع فيه إلى دليل منفصل. والخبر ـ أيضا ـ المتضمّن لقضاء (٣) الصّلاة مختصّ بحكم الصّلاة ، فكيف يعدّيه (٤) إلى الأمر ، وقد بيّنّا أنّ القياس في مثل ذلك لا يدخل.

فأمّا من حمل الأمر المطلق على التّراخي قاطعا ، فالّذي يعتمده أن يقول : أنّ (٥) الأمر المطلق لا توقيت (٦) فيه ، فلو أراد به وقتا معيّنا ، لبيّنه ، فإذا فقدنا البيان ، علمنا أنّ الأوقات في إيقاعه متساوية (٧).

وأيضا فإنّ لفظ (٨) الأمر في اقتضاء الاستقبال كلفظ الخبر المنبئ عن (٩) الاستقبال ، فإذا كان قولنا (١٠) : فلان سيفعل ، لا ينبئ عن (١١) أقرب الأوقات ، فكذلك (١٢) الأمر.

وأيضا فإنّ قول القائل : اضرب زيدا ، إنّما يقتضى (١٣) أمره له بأن يصير ضاربا من غير تعيين ، فليس بعض الأوقات أولى من بعض.

وأيضا (١٤) فإنّ الأمر يجري مجرى أن يقول : هذا الفعل مراد منكم

__________________

(١) ب : الفرع ، ج : النزع.

(٢) ب : ـ ان.

(٣) الف : ـ لقضاء.

(٤) الف : نعديه.

(٥) الف : ـ ان.

(٦) ب : وقت.

(٧) ب وج : متساوية في إيقاعه.

(٨) ب : لفظة.

(٩) ب : المبنى على.

(١٠) ب وج : قلنا.

(١١) ج : من.

(١٢) ب : فلذلك ، ج : وكذلك.

(١٣) ب : يقتضيه.

(١٤) ج : ـ وأيضا.


في المستقبل ، أو واجب عليكم ، ومعلوم أنّه ليس في ذلك تعيين لوقت.

فيقال لهم فيما تعلّقوا به أوّلا (١) : هذه الطريقة تقتضي (٢) التّوقّف وترك القطع على فور أو تراخ لأنّ مع عدم التّوقيت (٣) والتّعيين (٤) أو التّخيير ليس غير التّوقّف ، وقولهم : لو أراد وقتا معيّنا لبيّنه ، يعكس عليهم ، فيقال : ولو أراد تخييرا (٥) في الأوقات كلّها ، و(٦) أنّها متساوية ، لبيّنه ، فمن أين يجب إذا لم يبيّن (٧) التّعيين القطع (٨) على التّخيير ، ولا يجب إذا لم يبيّن (٩) التّخيير أن يقطع على التّعيين ؟

فإن قيل : كيف القول عندكم في أمر الله تعالى إذا ورد مطلقا عاريا من التّوقيت.

قلنا : يجب ـ إذا خلا من بيان (١٠) توقيت ـ أن يقطع على أنّه لم يرد الوقت الثّاني من غير فصل ، لأنّه لو كان مراده (١١) ، لبيّنه في هذه الحالة (١٢) وهي وقت الحاجة إلى البيان ، لأنّ (١٣) البيان لا يتأخّر عن وقت الحاجة ، وإن جاز تأخيره عن وقت الخطاب ، ثمّ يتوقّف ، ويجوز في الأوقات

__________________

(١) الف : ـ أولا.

(٢) ج : يقتضى.

(٣) ج : توقيت.

(٤) ج : فالتعيين.

(٥) ج : تخيرا.

(٦) ب : أو.

(٧) الف : يتبين.

(٨) ب : ـ القطع.

(٩) ج : يتبين.

(١٠) الف : ـ بيان.

(١١) الف : مرادا.

(١٢) الف وب : الحال.

(١٣) الف : و، بجاى لأن ، ب : + وقت.


المستقبلة أن يكون مرادا (١) في كلّ وقت منها ، إمّا تعيينا (٢) ، أو تخييرا ، و(٣) ينتظر (٤) البيان عند وقت الحاجة ، وكلّما صرنا (٥) إلى حال لم يرد فيها بيان ، علمنا أنّ الفعل الموجب علينا لم يرد (٦) منّا في الحال الثّانية من هذه الحاضرة (٧) ، للعلّة الّتي تقدّم (٨) ذكرها.

فإن قيل : قد اتّفق الكلّ على أنّا لو بادرنا إلى الفعل في الوقت الثّاني لكان واقعا موقعه ومبرئا للذّمّة.

قلنا : إنّما (٩) اتّفق على ذلك أصحاب الفور والتّراخي ، فأمّا من يذهب إلى الوقف (١٠) فلا يوافق (١١) عليه ، فلا ينبغي أن يدّعى الإجماع في موضع الخلاف (١٢).

ثمّ نقول لمن قطع مع الإطلاق على التّراخي : لا بدّ من حملكم الأمر على التّراخي من إثبات بدل هو العزم ، وإثبات بدل واجب من غير دليل لا يجوز ، وصاحب الوقف إنّما يثبت هذا البدل إذا علم بدليل منفصل أنّ المراد بالأمر التّخيير ، فأثبته (١٣) بدليل ليس لمن قال بالتّراخي مثله.

__________________

(١) الف : ـ مرادا.

(٢) ج : يقينا.

(٣) ب : أو.

(٤) ج : ينظر.

(٥) ب : صيرنا.

(٦) ب : ـ فيها بيان ، تا اينجا.

(٧) ب : الحاصرة ، الف : الحاظرة.

(٨) ج : يقدم.

(٩) الف : ـ انما.

(١٠) ج : الوقت.

(١١) ج : يواقف.

(١٢) الف وج : خلاف.

(١٣) الف : ـ فأثبته.


فإن قالوا (١) : إذا ثبت وجوب الفعل ، ولم يتضمّن لفظ الأمر (٢) تعيينا وتوقيتا ، فليس غير التّخيير ، ومع التّخيير (٣) لا بدّ من إثبات بدل ، ولا بدل إلاّ العزم.

قلنا : قد مضى عكس هذا الاعتبار عليكم ، وقلنا : اللّفظ خال من تخيير بين الأوقات ، وإذا بطل التّخيير ، فليس إلاّ (٤) التّعيين ، ومع التّعيين (٥) فلا بدّ من القطع على الوقت الثّاني.

وبعد ، فأيّ فرق بين أن يثبتوا بدلا ليس في اللّفظ وبين أن يثبت القائلون بالفور وقتا معيّنا ليس في اللّفظ ؟.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثانيا (٦) : هذا الوجه لازم لمن قال بالفور ، لأنّني ما أظنّ أنّهم يرتكبون (٧) أنّ الخبر في اقتضاء الفور كالأمر ولا يلزم أصحاب الوقف ، لأنّهم يقولون في الخبر والأمر قولا واحدا ، من التّوقّف وترك القطع إلاّ بدليل منفصل.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثالثا. إنّ الخلاف في المثال الّذي ذكرتموه قائم ، وهو نفس المسألة ، ومن يدّعى الفور يقول : المفهوم من قول القائل : اضرب زيدا ، أن يصير ضاربا في الثّاني من غير تراخ ، ومن يقول بالوقف

__________________

(١) ب : قيل.

(٢) الف : ـ الأمر.

(٣) ج : التأخير.

(٤) ب وج : غير.

(٥) الف : ـ ومع التعيين.

(٦) ج : ثالثا.

(٧) ج : يربلون.


يسلّم أنّ المراد كن ضاربا ، غير أنّه يتوقّف عن الحال الّتي يكون فيها بهذه الصّفة ، لاحتمال اللّفظ ، ويتوقّع الدّليل.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به رابعا : إنّ الكلام على هذا الوجه هو الكلام على ما تقدّمه ، فلا معنى لإعادته ، ولعمري إنّه لا توقيت في قول القائل : هذا الفعل واجب مستقبلا ، أو مراد ، ومع عدم التّوقيت يجب التّوقّف ، ولا نقول (١) بتخيير ، ولا فور ، فما (٢) ذلك إلاّ ما هو توقيت بغير دليل.

فصل في حكم (٣) الأمر إذا تعلّق لفظه بوقت

اعلم أنّ القسمة تقتضي (٤) في هذه المسألة ثلاثة أقسام :

أحدها (٥) أن يكون الوقت مطابقا للعبادة ، ولا يفضل عليها ، ولا تفضل (٦) عنه.

والقسم الثّاني أن يفضل الوقت عن العبادة.

والثّالث أن يفضل العبادة عن الوقت.

والقسم الأخير لا يدخل في تكليف الله تعالى لأنّه يقبح (٧) من

__________________

(١) ج : يقول.

(٢) الف وب : + في.

(٣) ب : لفظ ، بجاى في حكم.

(٤) ج : يقتضى.

(٥) ب : أولها.

(٦) الف : يفضل ، ج تفضل بتشديد الضاد.

(٧) ب : تقبيح.


حيث كان تكليفا لما لا يطلق، فإذا (١) وجدت (٢) الفقهاء يمرّ(٣) في كلامهم وجوب ما لا يصحّ أداؤه ، فيجب حمله على القضاء ، كما ذكروا في الإحرام بحجّتين ، وإن لم يصحّ فعلهما ، فمن جعل لهذا الإحرام حكما ، قال : أنّه يتضمّن أداء إحدى الحجّتين وقضاء الأخرى.

وكذلك اختلافهم فيمن ألزم نفسه صوم يوم يقدم فيه فلان ، فمن أوجب صحّة هذا النّذر مع قدومه وقد مضى من النّهار بعضه ، يجعله سببا للقضاء ، ومن لا يوجب ذلك يلغيه. ومثال (٤) الوقت الموافق (٥) بلا زيادة ولا نقصان إيجاب صوم يوم بعينه (٦).

وأمّا (٧) القسم الثّاني (٨) فإنّ العلماء اختلفوا على أقاويل ثلاثة : فمنهم (٩) من علّق الوجوب بأوّل الوقت ، دون آخره ، ومنهم (١٠) من علّقه (١١) بآخره ، ومنهم (١٢) من جعل الوجوب متعلّقا بجميع الوقت ، وأنّ المأمور مخيّر بين أن يفعله في أوّله وبين أن يؤخّره (١٣) إلى آخره أو وسطه ، بعد أن يفعل عزما على أدائه ، وأنّ الفعل يتضيّق عليه في آخر الوقت ، فيجب

__________________

(١) الف : وإذا.

(٢) ج : وجد.

(٣) ج : غير.

(٤) ج : يقال.

(٥) ج : المواقف.

(٦) ب وج : يعينه.

(٧) ج : فمنهم.

(٨) ب وج : الثالث.

(٩) الف : ففيهم ، ج : ومنهم.

(١٠) الف : فيهم.

(١١) ج : علق.

(١٢) الف : فيهم.

(١٣) ج : يؤخر.


فعله بغير بدل ، وهو الصّحيح.

والّذي يدلّ عليه أنّ الوجوب إذا تعلّق بجميع الوقت فلا بدّ مع تأخيره عن الأوّل (١) من بدل هو العزم.

فامّا من يقول : أنّ الوجوب موقوف على الحال الأوّل (٢) ، فضرب الوقت كلّه للفعل يمنع من ذلك. ولأنّه لا فرق بين قائل هذا القول وبين من خصّ الوجوب بآخره. على أنّه لا يخلو هذا القائل من أن يذهب إلى أنّه متى لم يفعله في أوّل الوقت ، استحقّ الذّمّ ، أو لا يستحقّ ذلك ، ويبطل الأوّل ضرب الوقت الموسّع للفعل ، والقسم الثّاني يؤل إلى خلاف في عبارة.

فإن قيل : ما أنكرتم أن يكون أوّل الوقت ضرب لإيجابه. وما بعده ضرب لقضائه.

قلنا : الوقت المضروب الأوّل والأخير فيه سواء ، فكيف يختلف الحكم ، وما (٣) الفرق بين هذا القائل ، وبين من يقول : أنّ الوقت الأخير ضرب للإيجاب ، والأوّل ضرب لجواز (٤) تقديمه ، وإن لم يكن واجبا ؟. على أنّه لا خلاف في أنّ من يصلّي (٥) الظّهر في وسط الوقت أو آخره لا يسمّى قاضيا.

__________________

(١) ج : الأولى.

(٢) الف : الأولى.

(٣) ج : اما.

(٤) ج : للجواز.

(٥) الف : مصلي ، بجاى من يصلى ، ب : صلى.


فأمّا من جعل الوجوب متعلّقا بآخره ، فقد ترك الظّاهر ، ولا فرق في فساد قوله بينه وبين من علّقه بأوّله.

ومدار الخلاف في هذه المسألة على جواز تأخير الصّلاة إلى آخر الوقت وقد بيّنّا انقسام الخلاف فيه إلى ثلاثة أقوال.

ومن علّق الوجوب بآخره دون أوّله ربما يقول : أنّه إذا فعل (١) في الأوّل كان نفلا ، وأنّه مع ذلك يجزى عن الفرض ، كتقديم (٢) الزكاة على الحول ، وربما يقول : أنّه موقوف مراعى ، فإن أتى آخر الوقت وهو من أهل الخطاب بهذه (٣) الصّلاة ، كان ما وقع في أوّل الوقت فرضا ، وإن تغيّرت حاله ، وخرج عن حكم الخطاب ، إمّا (٤) بجنون (٥) ، أو حيض ، ـ إن كانت امرأة ـ كان ما فعله نفلا ، وقالوا بمثل ذلك في الزكاة المعجّلة. والّذي يدلّ على بطلان ما ذهب مخالفنا إليه أشياء :

منها أنّه لا خلاف في أنّ النّيّة في الواجب من الصّلوات تخالف (٦) النّيّة في النّفل منها ، وأجمعوا على أنّ شرط النّيّة في جميع ما يؤدّى من صلاة الظهر لا يختلف ، فبان بذلك (٧) أنّ الصّلاة في الوقت كلّه واجبة واقعة على وجه واحد.

__________________

(١) الف : فعله.

(٢) ب : كتقدم.

(٣) ج : لهذه.

(٤) ب : أو.

(٥) ج : لجنون.

(٦) ب وج : يخالف.

(٧) ج : ذلك.


ومنها أنّ قولنا : « صلاة الظّهر » يقتضى كونها واجبة مكتوبة ، لأنّه ينبئ عن الوجوب وزيادة عليه ، فمن قال : أنّ في الظّهر نفلا ترك الإجماع ، وبهذا الوجه أيضا يبطل كونها موقوفة ، لأنّ كونها ظهرا قد بيّنّا أنّه يقتضى الوجوب في الحال ، ويمنع من كونها مراعاة.

ومنها أنّ النّيّة المطابقة للصّلاة (١) أولى بأن يؤثّر فيها من المخالفة ، ولا شبهة في أنّه لو نوى بالظّهر في أوّل الوقت النّفل ، لم يجز له (٢) ذلك ، فعلمنا أنّها واجبة.

ومنها أنّهم قد أجمعوا على أنّ الأذان والإقامة من شرط الصّلاة الواجبة ، فإذا (٣) استعملا (٤) في صلاة الظهر المفعولة (٥) في أوّل الوقت ، دلّ على وجوبها في تلك الحال ، وأنّها ليست بنفل ولا بموقوفة.

ومنها أنّ أوّل الوقت لو لم يكن وقتا للوجوب ، لحلّ (٦) في ارتفاع الإجزاء محلّ ما يفعل قبل الزّوال.

ومنها أنّهم اختلفوا في هل الأفضل تقديم الصّلاة في أوّل الوقت أو في آخره ، وهذا يدلّ على أنّها تكون (٧) في الجميع واجبة ، لأنّه

__________________

(١) ب : ـ للصلاة.

(٢) الف : يجزه.

(٣) الف : وإذا.

(٤) ج : استعمل.

(٥) ب : لمفعوله.

(٦) ج : تحل.

(٧) ج : يكون.


لا يجوز أن يختلفوا في هل النّفل أفضل أو الفرض ، لأنّ من المعلوم أنّ الفرض والنفل إذا اتّفقا في المشقّة ، فالفرض أفضل.

ومنها أنّ كون الصّلاة واجبة وجه يقع عليه (١) الصّلاة (٢) ، فكيف يؤثّر في هذا الوجه ما يأتي بعده ، ومن شأن المؤثّر في وجوه (٣) الأفعال أن يكون مقارنا لها ولا يتأخّر عنها (٤).

فإن قيل : أ ليس الدّاخل في الصّلاة وجوب ما دخل (٥) فيه موقوف على تمامه.

قلنا : معاذ الله أن نقول (٦) ذلك ، بل كلّ فعل يأتيه (٧) في الوقت فهو (٨) واجب ، ولا يقف على أمر منتظر ، وإنّما تقف (٩) صحّته على الاتّصال ، والمراد بذلك أنّه إذا اتّصل ، فلا قضاء عليه ، وإذا (١٠) لم يتّصل ، فالقضاء واجب ، فأمّا الوجوب واستحقاق الثّواب فلا يتغيّر بالوصل والقطع ، يبيّن ذلك أنّه ربما وجب القطع ، وربما وجب الوصل ، فلو تغيّر بالقطع (١١) وجوبه ، لم يصحّ دخوله في الوجوب.

__________________

(١) الف : عليها.

(٢) الف : الصلات.

(٣) ج : وجوده.

(٤) ج : وجه أخير را تكرار كرده با أين فرق كه بجاى « فكيف » « كيف » ، وبجاى « وجوده » مطابق متن « وجوه » آورده است.

(٥) ج : دل.

(٦) ج : يقول.

(٧) ج : ماتية ، بجاى يأتيه.

(٨) ج : وهو.

(٩) ج : يقف.

(١٠) ج : فإذا.

(١١) ج : يغير ما يقطع.


وقد تعلّق من ذهب إلى أنّ (١) الوجوب متعلّق بآخر الوقت بأشياء :

أوّلها أنّه (٢) لو تعلّق الوجوب بأوّل الوقت ، لأثم (٣) بتأخيره عنه من غير بدل.

وثانيها أنّ كلّ ما لا يأثم بتأخير الصّلاة عنه لا تكون (٤) الصّلاة واجبة فيه ، قياسا على قبل الزّوال.

وثالثها أنّ كلّ ما للمكلّف أن يتركه (٥) بغير عذر فليس بواجب ، كالنّوافل.

ورابعها أنّ الشّمس إذا زالت وهو مقيم ، ثمّ مضى من الوقت ما يتمكّن فيه (٦) من أن يصلّي (٧) الظّهر ، ثمّ سافر ، وجب عليه قصر الصّلاة ، فلو وجبت عليه بأوّل الوقت ، لما جاز أن يقصّر ، كما لو سافر بعد خروج الوقت.

وخامسها أنّ ما بعد الزّوال من الأوقات مدّة يتكرّر فيها امتثال المأمور به ، فيجب أن يكون وقت الجواز غير وقت الوجوب ، كمدّة

__________________

(١) ب : ـ ان.

(٢) ب : انها.

(٣)ـ « إثم » وهمينطور « يأثم » در دليل بعد بصيغه مجهول بأشد أنسب است ، زيرا فاعل بهيچ وجه در كلام ذكر نشده ، ولى بقرينه رسم الخطّ « يأثم » در دليل بعد كه در هر سه نسخه موجوده در دست بهمين صورت است ، معلوم بوده ، ودر أين صورت فاعل هر دو فعل ضمير راجع بمكلف است.

(٤) ب وج : يكون.

(٥) الف : يترك.

(٦) ب : ـ فيه.

(٧) ج : يصل.


الحول ، لمّا جاز أن يتكرّر فيها امتثال المأمور به ، انفصل (١) وقت الجواز من وقت الوجوب.

فيقال لهم أكثر (٢) الأقيسة الّتي ذكرتموها تقتضي ـ إذا صحّت ـ (٣) الظّنّ ، ولا توجب العلم (٤) ، ونحن في مسألة (٥) طريقها العلم ، فلا يجوز أن يعتمد (٦) فيها على (٧) طرق (٨) الظّنّ.

والّذي ذكروه أوّلا غير لازم ، لأنّه (٩) عندنا لا يجوز أن تؤخّر (١٠) الصّلاة عن أوّل الوقت إلاّ ببدل. هو العزم ، فلم يشبه (١١) النّافلة ، وقد قدّمنا ذلك ، وبيّنّا (١٢) أنّا لم نثبت هذا البدل إلاّ بدليل ذكرناه.

فإن قيل أ يكفيه عزم في الجملة على أداء الواجبات مستقبلا ، أم يجب عزم على أداء هذه الصّلاة بعينها.

قلنا : لا بدّ من عزم معيّن ، كمن أخّر ردّ وديعة ، فإنّه لا يكفيه عزم مجمل على أداء الواجبات ، بل لا بدّ من عزم على ردّها بعينها (١٣) مع الإمكان.

__________________

(١) ب : ـ الحول ، تا اينجا.

(٢) الف : + هذه.

(٣) الف : ـ إذا صحت.

(٤) ب وج : علما.

(٥) ب : المسألة.

(٦) ج : نعتمد.

(٧) ب : ـ على.

(٨) الف : طريق.

(٩) ب : لأنا ، ج : لأن.

(١٠) الف : تأخر ، ج : يوخر.

(١١) الف : تشبه.

(١٢) ج : بنينا.

(١٣) ب : ـ بعينها.


فإن قيل : كيف يكون العزم بدلا من فعل الصّلاة ، ومن حقّ البدل ألاّ يثبت حكمه مع القدرة على المبدل ، كالتّيمّم مع الطّهارة بالماء (١).

قلنا : هذا الحكم الّذي ذكرتموه ليس بثابت في كلّ بدل ، لأنّ كلّ واحدة (٢) من كفّارات اليمين بدل من الأخرى ، ويجوز له أن ينتقل إلى كلّ واحدة مع القدرة على الأخرى.

وبعد ، فهذا خلاف في عبارة ، ويجوز أن نقول (٣) : ليس (٤) له أن يترك فعل الصّلاة في أوّل الوقت إلاّ بفعل (٥) ما يقوم مقامها ، ولا نذكر البدل.

فإن قيل : من شأن ما قام مقام الشّيء (٦) أن يسقط فعله وجوب ذلك الشّيء ، كالكفّارات ، و(٧) عندكم أنّ العزم لا يسقط وجوب الصّلاة ، وإن أسقط فعل الصّلاة وجوب العزم.

قلنا : غير ممتنع اختلاف (٨) أحكام (٩) ما يقوم مقام غيره ، فيكون منه ما يسقط ما قام مقامه ، ومنه ما لا يكون كذلك ، والواجب الرّجوع فيه إلى الأدلّة (١٠) ، ألا ترى أنّ المسح على الخفّين عند من أجازه يقوم مقام غسل

__________________

(١) ب وج : طهارة الماء.

(٢) الف : واحد.

(٣) الف وب : يقول.

(٤) ب : ـ ليس.

(٥) الف : يفعل.

(٦) الف : ـ الشيء.

(٧) الف : ـ و.

(٨) الف : ـ اختلاف.

(٩) ج : الأحكام.

(١٠) الف : الأداء ، ب : دلالة.


الرّجلين ، ولم يسقط مع ذلك فعل المسح وجوب الغسل ، كما أسقط الغسل المسح على الخفّين ، ألا ترى أنّ من (١) مسح على خفّيه ، ثمّ ظهرت قدماه ، يجب عليه غسلهما ، فلم يتقابلا (٢) في قيام كلّ واحد منهما (٣) مقام الآخر ، وكذلك القول في الوضوء (٤) بالماء والتّيمّم ، فغير منكر أن يكون العزم لا يسقط وجوب الصّلاة ، وإن قام مقامها (٥) في سقوط اللوم والإثم.

فإن قيل : من شأن ما قام مقام غيره ألاّ ينتقل إليه إلاّ لعذر (٦) ، كالمسح على الخفّين.

قلنا : غير مسلّم ذلك ، لأنّا ننتقل (٧) من كفّارة إلى أخرى بلا (٨) عذر ، ومن ردّ الوديعة باليمين إلى اليسار ولا عذر ، ومن الصّلاة في مكان طاهر إلى غيره من الأمكنة الطّاهرة بلا عذر.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به (٩) ثانيا : ليس بواجب فيما انتفى الإثم عن تأخيره أن ينتفي وجوبه ، لأنّ هذا هو حدّ الواجب المضيّق ، والموسّع بخلافه ، والفرق ما بين قبل الزّوال وبعده (١٠) أنّ الصّلاة قبل

__________________

(١) ب : ـ من.

(٢) ج : تتقابلا.

(٣) ب : ـ منهما ، ج : واحدها.

(٤) ب : الوضوء و.

(٥) ج : مقامهما.

(٦) ج : العذر.

(٧) ج : ينتقل.

(٨) ب : ولا.

(٩) الف : ـ به.

(١٠) الف : ـ وبعده.


الزّوال لا يأثم بتأخيرها من غير بدل يفعله ، وبعد الزّوال إذا أخّرها ، وجب أن يفعل بدلا منها ، ومتى ترك الأمرين أثم.

على أنّ هذا ينتقض بالكفّارات ، لأنّه لا خلاف في أنّ الّذي يفعله ويختاره من الثّلاث واجب ، وهو لا يأثم بتأخير ذلك والعدول عنه.

وينتقض أيضا على أصولهم ، لأنّ عندهم إذا بقي من الوقت قدر ما يفعل فيه تلك الصّلاة ، أثم بتأخير الصّلاة عنه ، وإن لم تكن (١) واجبة في تلك الحال ، لأنّ عندهم الوجوب يتعيّن إذا بقي من الوقت قدر تحريمة.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثالثا : الكلام في هذا الوجه هو الكلام على ما تقدّمه (٢) ، لأنّ النّوافل له تركها من غير عذر ولا بدل ، والصّلاة لا يجوز تأخيرها من غير عذر إلاّ ببدل.

وينتقض أيضا بما يختاره (٣) من الكفّارات الثّلاث ، إنّه يجوز تركه من غير عذر (٤) وهو واجب بلا (٥) خلاف ، ودفع الوديعة باليد اليمنى واجب ويجوز تركه بلا عذر بأن يدفعها باليسرى.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به رابعا من اعتبار تعيّن (٦) الفرض بآخر الوقت

__________________

(١) ج : يكن.

(٢) ج : يقدمه.

(٣) ب : تختاره.

(٤) ج : ـ الا ببدل ، تا اينجا.

(٥) ب وج : بغير.

(٦) ج : تعيين.


دون أوّله : إنّما كان (١) كذلك ، لأنّ للوجوب (٢) في آخر الوقت مزيّة (٣) على أوّله ، وإن اشتركا في تعلّق الوجوب بهما ، لأنّه يتضيّق ، ويتعيّن في الوقت الأخير ، وهو موسّع (٤) في الأوّل ، ولهذا (٥) اعتبر في الحائض والمسافر آخر الوقت دون أوّله.

وبعد ، فإنّ كيفيّة أداء الصّلاة معتبرة (٦) بحال المكلّف في وقت الأداء ، يوضح ذلك أنّ (٧) فرض العبد بعد زوال الشّمس أن يصلّي الظّهر أربع ركعات ، وليس عليه جمعة ، فإن أعتق وفي أوّل (٨) الوقت بقيّة لزمته الجمعة ، وعلى هذا لا يمتنع أن يلزم الحاضر الصّلاة تامّة إذا أدرك أوّل وقتها ، ثمّ (٩) سافر قبل خروج الوقت ، أدّاها مقصورة ، لأنّ حاله في وقت الأداء تغيّرت من إقامة إلى سفر ، كما تغيّرت حال العبد من رقّ إلى حرّيّة ، فتغيّرت صفة العبادة الّتي تلزمه ، وكذلك (١٠) لو كان في أوّل الوقت صحيحا ، لزمته الصّلاة قائما مستوفيا للرّكوع والسّجود ، فإذا مرض قبل آخر الوقت ، ولم يتمكّن من الصّلاة قائما (١١) ، صلّى قاعدا ، وموميا ، بحسب ما يمكنه ، فتغيّرت (١٢) صفة العبادة بتغيّر حاله في وقت أدائها ،

__________________

(١) الف : يكون.

(٢) الف : + مزية.

(٣) الف : ـ مزية.

(٤) ب : موضع.

(٥) الف : فلهذا.

(٦) ج : معتبر.

(٧) ب : ـ ان.

(٨) الف : ـ أول.

(٩) الظاهر سقوط أداة شرط في هذا الموضع.

(١٠) الف : لذلك.

(١١) ج : ـ مستوفيا ، تا اينجا.

(١٢) ب : فبغير ، ج : فتغير.


ولا يلزم على هذا أن يقصّر الصّلاة متى سافر بعد خروج الوقت ، لأنّه بعد خروجه يكون قاضيا لا مؤدّيا ، والقاضي يجب عليه أن يقتضى (١) ما فاته على صفته (٢) الّتي وجبت عليه مع التّمكّن وزوال الأعذار ، وليس كذلك من سافر في بقيّة من الوقت (٣) ، لأنّه مؤدّ للصّلاة في وقتها ، فوجب عليه القصر ، لاختلاف صفته (٤) من إقامة إلى سفر.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به خامسا : الفصل بين الصّلاة والزكاة (٥) أنّ مدّة الحول المتقدّمة لم تضرب في الشّريعة لوجوب أداء الزكاة ، والوقت (٦) من بعد الزّوال مضروب لوجوب أداء الظّهر ، وقد دللنا (٧) على ذلك.

وبعد ، فإنّ المؤدّى من الزكاة قبل الحول لمّا كان جائزا غير واجب ، تميّز من المؤدّى بعد انقضاء الحول بالصّفة والنّيّة والاسم ، وقد بيّنّا (٨) أنّ الصّلاة المؤدّاة في أوّل الوقت لا تتميّز (٩) من المؤدّاة في آخره بشيء من الأحكام.

وبعد ، فإنّا لا نقول : أنّ الصّلاة من (١٠) أوّل الوقت إلى آخره تداخل (١١)

__________________

(١) ج : يقتضى.

(٢) ج : صفة.

(٣) الف : وقت.

(٤) ب : صفة.

(٥) ج : + و.

(٦) الف : ـ الوقت.

(٧) ج : دللنا ، بالتشديد.

(٨) ج : بنينا.

(٩) ب : يتميز ، ج : تميز.

(١٠) الف : في.

(١١) الف : يداخل.


جوازها لوجوبها ، بل نقول : أنّها واجبة من أوّل الوقت إلى آخره من (١) غير أن تكون (٢) جائزة ، لأنّ ذلك يوهم أنّها نفل ، اللهمّ إلاّ أن يراد (٣) أنّه جائز تركها والعدول عنها ، وإذا أريد ذلك ، لم يجز أن يقال فيها نفسها : أنّها جائزة ، بل نقول : العدول عنها إلى بدل منها جائز ، فقد انفصل بهذا التّفسير وقت الجواز من وقت الوجوب.

فإن قيل : قد تعلّق كلامكم (٤) بأنّ وقت الصّلاة يتضيّق بآخره ، فبيّنوا كيفيّة التّضيّق.

قلنا : الواجب أن يكون الوقت المضيّق هو ما يغلب على ظنّ المكلّف أنّ إيقاع الصّلاة فيه يصادف الوقت ، ولا تخرج (٥) الصّلاة ولا بعضها عنه ، والفقهاء يحدّون المضيّق بأنّه قدر التّحريمة (٦) ، وربما قال بعضهم : حدّ المضيّق ما وقع فيه أقلّ جزء من الصّلاة بعد أن يكون متميّزا ، وهذا الّذي ذكروه (٧) إنّما هو حدّ في إدراك الصّلاة ، وسبب للقضاء ، ولا يجوز أن يكون حدّا للأداء ، لأنّه من المحال أن توقّت (٨) الصّلاة بوقت لا يمكن إيقاعها فيه.

وليس لأحد أن يعيّبنا (٩) بتشعيب هذه المسألة ، والخروج منها إلى (١٠)

__________________

(١) ب : ـ من.

(٢) ب وج : يكون.

(٣) الف : + به.

(٤) الف : كلامهم.

(٥) الف وج : يخرج.

(٦) ج : التحريم.

(٧) الف : قالوه.

(٨) الف وج : يوقت.

(٩) ج : يعينا.

(١٠) ب : لا ، بجاى إلى.


الكلام في الفرع (١) ، لأنّ قصدنا (٢) إنّما كان إلى إيضاح الأصل بهذا التّفريع ، فربّ فروع أعان شرحها (٣) على تصوّر الأصول.

فصل في أنّ الآمر لا (٤) يدخل (٥) تحت أمره

اعلم أنّ الرّتبة إذا اعتبرت بين الآمر والمأمور على ما بيّنّا ، لم يجز أن يأمر الإنسان نفسه منفردا ، ولا مجتمعا مع غيره ، والخبر لمّا لم (٦) يعتبر فيه الرّتبة ، جاز أن يخبر (٧) نفسه ، وفي العقليّات شاهد بذلك ، وهو أنّ أحدنا لا يجوز أن يكون محسنا إلى نفسه ، ولا متفضّلا (٨) عليها ، وإن جاز ذلك مع غيره.

فإن قيل : ليس معنى (٩) الآمر أكثر (١٠) من أن يقول (١١) « افعل » ، ويريد المأمور به ، وهذا يتأتّى للإنسان مع نفسه.

قلنا : ذلك وإن تأتّى ، فإنّ أهل اللّغة لا يسمّونه أمرا ، لاعتبار (١٢) الرّتبة ، كما لا يسمّون قول الصّغير القدر للعظيم القدر (١٣) « افعل » ـ وإن

__________________

(١) الف : الفروع.

(٢) ج : قصرنا.

(٣) الف : ـ شرحها ، ب : سرحها.

(٤) ب : ـ لا.

(٥) ج : + في.

(٦) الف : ـ لم.

(٧) الف : + عن.

(٨) ج : منفصلا.

(٩) ج : في ، بجاى معنى.

(١٠) الف : ـ أكثر.

(١١) ب : نقول.

(١٢) ج : الاعتبار.

(١٣) الف : ـ القدر.


أراد الفعل منه ـ أمرا ، لأجل الرّتبة ، ومعنى الأمر حاصل في الموضعين (١).

والصّحيح أنّ الرّسول عليه‌السلام إذا أدّى إلينا خطابا عن الله ـ تعالى ـ (٢) عامّا لو (٣) سمعناه (٤) من غيره كان (٥) عليه‌السلام ـ داخلا فيه ، فإنّه (٦) يجب دخوله فيه ، وإن كان هو المؤدّى (٧) له ، لأنّه وإن سمع من لفظه ـ عليه‌السلام ـ فإنّه يحكيه عن ربّه تعالى ، فإذا حكى عنه ـ تعالى : يا أيّها النّاس اعبدوا ربّكم ، كان داخلا فيه ، لأنّه لا فرق في عموم لفظه بين سماعه منه ، وبين سماعه من غيره ، وليس إذا حكى الرّسول ـ عليه‌السلام ـ أمرا عن ربّه تعالى يكون الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الآمر به بل الآمر به (٨) هو الله تعالى وإنّما يحكى الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كلامه ويؤدّيه على هيأته.

ومن فرّق بين أن يؤدّى الرّسول عليه‌السلام كلامه تعالى ابتداء وبين أن يتقدّم ذلك الكلام ثمّ يؤمر (٩) الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله (١٠) بأدائه فجعله في الأوّل غير داخل فيه وفي الثّاني داخلا (١١) ، فتوهّم (١٢) لما

__________________

(١) الف : الصغير ، بجاى الموضعين.

(٢) ب : عزوجل.

(٣) ب : و، ج : أو.

(٤) ب : أسمعناه.

(٥) ب وج : ـ كان.

(٦) ب : فان.

(٧) ج : المردي.

(٨) الف : ـ به.

(٩) الف : يأمر.

(١٠) ج : عليه‌السلام.

(١١) ب : داخل.

(١٢) الف : متوهم.


لا أصل له ، و(١) في الحالتين (٢) يجب دخوله في عموم الخطاب ، والوجه الّذي له يدخل فيه إذا تقدّم ثمّ أدّاه قائم في أدائه له على سبيل الابتداء ، وليس يجب اعتبار الرّتبة فيما يؤدّيه (٣) ويحكيه ، لأنّه في الحقيقة غير آمر بما فيه من أمر ، ولا مخبر بما فيه من خبر ، والآمر والمخبر غيره ، فلا يلزم أن يكون آمرا نفسه ، وكيف يخفى على أحد أنّ (٤) أحدنا لو قال لأحد غلمانه : قل لغلماني عنّي : إنّي (٥) قد أمرت جميع عبيدي بكذا ، إنّ ذلك العبد المؤدّى داخل في الخطاب ، كما هو داخل فيه لو سمع من غيره.

فصل في ذكر الشّروط الّتي معها (٦) يحسن

الأمر بالفعل

اعلم أنّ للأمر تعلّقا بفعل المكلّف والمكلّف والأفعال الّتي يتناولها الأمر ، فيجب بيان الشّروط الرّاجعة إلى كلّ شيء ممّا ذكرناه ، وربما تداخلت هذه الشّروط للتّعلّق بين هذه الوجوه.

والّذي يجب أن يكون الله تعالى عليه حتّى يحسن منه الأمر بالفعل شروط أربعة:

أوّلها أن يمكّن العبد من الفعل المأمور به ، ويدخل في التّمكين القدر والآلات والعلوم وما أشبه ذلك.

__________________

(١) ج : ـ و.

(٢) ب وج : الحالين.

(٣) ب : يرد به.

(٤) ب : ـ احدان.

(٥) ج : ـ انى.

(٦) ب : + ما.


وثانيها أن يكون (١) الفعل ممّا يستحقّ به الثّواب ، بأن يكون واجبا أو ندبا.

وثالثها أن يكون الثّواب على ذلك الفعل مستحقّا ، ويعلم (٢) تعالى ـ (٣) أنّه سيفعله به (٤) لا محالة.

وشرط قوم هاهنا ، فقالوا : إذا لم يحبطه ، وإنّما يشترط (٥) ذلك من يرى الإحباط (٦) ، وإذا كان الإحباط باطلا ، فلا معنى لاشتراطه.

ورابعها أن يكون قصده تعالى بذلك الإيصال إلى الثّواب ، حتّى يكون تعريضا ، وهذه الجملة صحيحة لا شبهة فيها ، لأنّ الغرض في التّكليف التّعريض (٧) للمنافع الّتي هي الثّواب ، ولن يتمّ (٨) ذلك إلاّ (٩) بتكامل الشّروط الّتي ذكرناها.

فأمّا الآمر منّا فحاله (١٠) تخالف في هذه الشّروط حال القديم ـ سبحانه ـ (١١) ، لأنّه قد يأمر بما (١٢) يتعلّق بالديانات ، والظّنّ في ذلك لا يقوم (١٣) مقام العلم ، فأمّا تمكّن (١٤) المأمور فالظّنّ فيه يقوم (١٥) مقام

__________________

(١) ج : كون.

(٢) الف : تعلم.

(٣) ج : ـ تعالى.

(٤) ب : ـ به.

(٥) الف : يشرط.

(٦) ج : للإحباط.

(٧) ب : التعرض.

(٨) ب : تتم.

(٩) الف : ـ الا.

(١٠) ج : محالة.

(١١) ب وج : تعالى.

(١٢) ب : + لا.

(١٣) ب : + فيه.

(١٤) ج : تمكين.

(١٥) ج : يقوم فيه.


العلم ، وأمّا (١) إن كان أمره بما يخصّه (٢) فيكفي فيه أن يكون حسنا ، وإن كان مباحا ، لأنّ الغرض يتمّ بذلك ، وإنّما شرطنا (٣) الحسن ، لأنّ الأمر بالقبيح لا يكون إلاّ قبيحا.

وأمّا (٤) أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) فالشّروط فيه كالشّروط في أمره تعالى إلاّ (٦) العلم بإيصال الثّواب ، لأنّ ذلك ممّا لا يتعلّق به ، وقد يجوز أن يقوم (٧) الظّنّ فيه مقام العلم فيما يرجع إلى تمكّن (٨) المكلّف ، وأمّا (٩) ما يرجع إلى صفة الفعل من حسن وغير ذلك فلا بدّ من أن يكون معلوما ، ويعلم (١٠) استحقاق الثّواب به ، وأنّه تعالى سيوفّره عليه.

وفي (١١) الفقهاء والمتكلّمين من يجوّز أن يأمر الله تعالى بشرط أن لا يمنع المكلّف في المستقبل (١٢) من الفعل (١٣) ، أو بشرط أن يقدره ، ويزعمون أنّه يكون مأمورا بذلك مع المنع. وهذا غلط ، لأنّ هذه (١٤) الشّروط (١٥) إنّما تحسن (١٦) فيمن لا يعلم العواقب ، ولا طريق له إلى علمها ،

__________________

(١) ج : فأما ، ب : ـ تمكن ، تا اينجا.

(٢) ج : يلخصه.

(٣) ب : شرطت.

(٤) ج : فاما.

(٥) ب : عليه‌السلام.

(٦) ب : لا ، ج : إلى.

(٧) ج : يقام.

(٨) ج : يمكن.

(٩) الف وج : فأما.

(١٠) ب وج : فيعلم.

(١١) ب : ـ في.

(١٢) ب وج : ـ في المستقبل.

(١٣) ج : النفل.

(١٤) ب وج : ـ هذه.

(١٥) ب وج : الشرط.

(١٦) ب وج : يحسن.


وأمّا (١) العالم (٢) بالعواقب وأحوال المكلّف فلا يجوز أن يأمره بشرط (٣) ، والّذي يبيّن ذلك أنّ الرّسول عليه‌السلام لو أعلمنا أنّ زيدا لا يتمكّن من الفعل في وقت مخصوص ، قبح منّا أن نأمره بذلك لا محالة ، وإنّما حسن (٤) دخول هذه (٥) الشّروط (٦) فيمن نأمره ، لفقد علمنا بصفته في المستقبل ، ألا ترى أنّه لا يجوز الشّرط فيما يصحّ فيه العلم ، ولنا إليه طريق ، نحو حسن الفعل ، لأنّه ممّا (٧) يصحّ أن نعلمه ، وكون المأمور متمكّنا لا يصحّ أن يعلم عقلا ، فإذا فقد الخبر ، فلا بدّ من الشّرط.

ولا بدّ من أن يكون أحدنا في أمره يحصل في حكم الظّانّ لتمكّن من يأمره من الفعل (٨) مستقبلا ، فيكون الظّنّ في ذلك قائما مقام العلم ، وقد ثبت أنّ الظّنّ يقوم مقام العلم إذا تعذّر العلم ، فأمّا مع حصوله فلا يقوم مقامه ، وإذا كان القديم تعالى عالما بتمكّن من يتمكّن وجب أن يوجّه الأمر نحوه (٩) ، دون من يعلم أنّه لا يتمكّن ، فالرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله (١٠) حاله (١١) كحالنا ، إذا أعلمنا (١٢) الله ـ سبحانه ـ (١٣) حال

__________________

(١) الف وج : فاما.

(٢) ج : العلم

(٣) الف : + ان لا يمنع ويقدر.

(٤) الف : يحسن.

(٥) ب وج : ـ هذه.

(٦) ب وج : الشرط.

(٧) ب : + لا.

(٨) ب وج : بالفعل.

(٩) ج : نحو.

(١٠) ب وج : عليه‌السلام.

(١١) ب : ـ حاله.

(١٢) ب : علمنا.

(١٣) ب وج : تعالى.


من يأمره ، فعند ذلك يأمر بلا شرط.

ويلزم من سلك هذه الطّريقة أن يأمر الله تعالى الميّت بشرط أن يصير حيّا ، ويأمر بما لا يكون صلاحا بشرط أن يصير (١) صلاحا ، وهذا يوجب عليهم أن لا يقطعوا في من أمره الله تعالى بالفعل أنّ ذلك من صلاحه ، كما لا (٢) يقطعون بأنّه متمكّن (٣) لا محالة منه.

وأمّا (٤) تعلّقهم بالقطع على أنّ أمر الله تعالى يتناول (٥) جميع المكلّفين ، مع اختلاف أحوالهم في التّمكّن ، فباطل ، لأنّا لا نسلّم ذلك ، بل نذهب إلى أنّه لا يتناول إلاّ من يعلم أنّ التّمكّن يحصل له ، ويتكامل فيه ، ولهذا نذهب إلى أنّه لا يعلم بأنّه مأمور (٦) بالفعل إلاّ بعد تقضّي الوقت وخروجه ، فيعلم أنّه كان مأمورا به ، وليس يجب إذا لم يعلم قطعا أنّه مأمور أن يسقط عنه وجوب التّحرّز (٧) لأنّه إذا جاء وقت الفعل وهو صحيح سليم ـ وهذه أمارة (٨) يغلب معها (٩) الظّنّ ببقائه ـ فيجب أن يتحرّز (١٠) من ترك الفعل والتّقصير فيه ، ولا يتحرّز (١١) من ذلك إلاّ بالشّروع في الفعل والابتداء به ، ولذلك مثال في العقل ، وهو أنّ

__________________

(١) الف : يكون.

(٢) الف : ـ لا.

(٣) الف : يتمكن.

(٤) الف وج : فاما.

(٥) الف : ـ تعالى يتناول.

(٦) ب : أمور.

(٧) ب : التجوز ، ج : التخيير ، + منه.

(٨) ب وج : أمارات.

(٩) ب : تغلب على.

(١٠) ب : يتحرر.

(١١) ب : يتحرر.


المشاهد للسّبع من بعد ـ مع تجويزه أن يخترم (١) السّبع قبل أن يصل إليه ـ يلزمه التّحزّر منه ، لما ذكرناه ، ولا يجب ـ إذا لزمه التّحرّز ـ أن يكون عالما ببقاء السّبع ، وتمكّنه من الإضرار به.

وأمّا (٢) من جعل من شرط حسن الأمر أن يعلم الآمر أنّ المأمور سيفعله ، فخلافه خارج عن أقوال المختلفين في أصول الفقه ، لأنّهم لا يختلفون في أنّ الله تعالى قد يأمر من يعلم أنّه يطيع (٣) ، كما يأمر من يعلم أنّه يعصى ، ولو كان ما ذكر شرطا في حسن الأمر ، لما حسن منّا في الشّاهد أمر ، لأنّا لا نعلم العواقب.

وليس لهم أن يقولوا : أنّه حسن منّا من حيث إنّا نظنّ أنّه يفعل ، لأنّا قد نأمر مع الظّنّ بأنّه (٤) لا يفعل ، نحو أن ندعو (٥) إلى الطّعام من نظنّ أنّه لا يقبل ، وإلى الدّين من نظنّ أنّه (٦) لا يطيع.

وأمّا من أجاز أن يأمر الله تعالى بالشّيء بشرط أن لا ينهى عنه ، فقوله (٧) باطل ، وسيجيء عليه الكلام في النّاسخ والمنسوخ من هذا الكتاب بمشيّة الله تعالى (٨) وعونه (٩).

__________________

(١) ب وج : يحترم.

(٢) ج : فاما.

(٣) الف : سيطيع.

(٤) الف : انه.

(٥) الف وج : يدعو.

(٦) ب وج : ـ لا يقبل ، تا اينجا.

(٧) ب : + تعالى.

(٨) ج : ـ تعالى.

(٩) ب : عقوبته.


وأمّا الصّفات الّتي يجب كون الفعل المأمور به عليها ، فتنقسم (١) إلى أقسام :

أوّلها أن يدخل في الصّحة ويخرج عن الاستحالة.

وثانيها (٢) أن يصحّ ممّن كلّفه لأنّ صحّته من غيره كاستحالته في الغرض (٣) المقصود.

وثالثها (٤) صحّته (٥) منه على جهة الاختيار (٦).

ورابعها أن يكون للفعل في نفسه صفة الحسن.

وخامسها أن يحصل له صفة زائدة يدخل بها في أن يكون نفلا أو فرضا ، وهذه شروط (٧) لا بدّ منها في حسن الأمر بالفعل.

وإذا (٨) كان الكلام في الواجب ، فلا بدّ من كلّ ما تقدّم ، ومن شرط زائد (٩) ، وهو حصول (١٠) وجه يقتضى وجوبه.

والقسم الأوّل يثبت بأن (١١) يعلم أنّ الفعل (١٢) ممّا لا يستحيل وقوعه ، بأن يكون وقته مستقبلا ، ولا يكون ماضيا ولا حاضرا ، لأنّ

__________________

(١) الف وج : فينقسم.

(٢) ب : ثالثها.

(٣) ب : العرض ، ج : الفرض.

(٤) ب : ثانيها.

(٥) الف : صحتها.

(٦) الف : الاختبار.

(٧) الف : فهذه الشروط.

(٨) ب وج : فإذا.

(٩) ج : فائدة.

(١٠) ب : حصوله.

(١١) ب : ان.

(١٢) ب : لفعل.


ما لم يكن كذلك تقبح (١) إرادته (٢) و(٣) الأمر به (٤).

والقسم الثّاني وهو صحّته منه يدخل فيه ألاّ يكون الفعل ممّا يستحيل قدرة العبد عليه كالجواهر وما لا يتناوله قدرنا من الأعراض (٥) ويدخل فيه أن يكون غير ممنوع منه ، وأن يمكنه تمييزه ، وإنّما أوجبنا ذلك ، لأنّ مع فقده يتعذّر الفعل ، ويقبح الأمر بما يتعذّر.

والقسم الثّالث يدخل فيه زوال الإلجاء ، وأن تكون (٦) الدّواعي متردّدة ، لأنّ (٧) بالإلجاء يلحق (٨) الملجأ بالممنوع ، ومع فقد تردّد الدّواعي لا يستحقّ الثّواب الّذي هو الغرض بالتّكليف.

والقسم الرّابع أن يكون الفعل غير قبيح ، ولا عار من القبح والحسن ، وإنّما وجب ذلك ، لأنّ الأمر بالقبيح (٩) قبيح ، وكذلك (١٠) إرادته ، والأمر (١١) بما لا غرض (١٢) فيه كذلك.

والقسم الخامس يدخل فيه ألاّ (١٣) يكون مباحا ، وأن يقع على وجه زائد على الحسن (١٤) يدخل به (١٥) إمّا في (١٦) كونه ندبا ، أو فرضا ، وإنّما

__________________

(١) ب : يقبح.

(٢) ب : إرادة.

(٣) ب : ـ و.

(٤) ج : ـ والقسم الأول ، تا اينجا

(٥) ج : الأغراض.

(٦) الف وج : يكون.

(٧) الف : لأنا.

(٨) الف : نلحق.

(٩) ج : بالقبح.

(١٠) ج : فكذلك ، ب : فكذا.

(١١) ج : والآمر ، بالمد.

(١٢) ب : عوض ، ج : عرض.

(١٣) ج : الا ان.

(١٤) ب : + و.

(١٥) ب وج : فيه.

(١٦) ج : ـ في.


قلنا ذلك ، لأنّ المباح كما لا يستحقّ بفعله في الشّاهد المدح ، كذلك لا يستحقّ به الثّواب ، وتكليف ما هذه حاله عبث.

وإنّما شرطنا في الإيجاب أن يكون له وجه وجوب ، لأنّ ما لا وجه له يقتضى وجوبه ، فإيجابه (١) قبيح ، يجري (٢) مجرى تقبيح (٣) الحسن وتحسين القبيح (٤) ، ولهذا لو أنّه تعالى أوجب كفر نعمه (٥) ، لم يصير ذلك واجبا.

وأمّا الصّفات الّتي يجب كون المأمور عليها ، فجملتها أن يكون متمكّنا من إيقاع الفعل على الوجه الّذي أمر به ، وتتفرّع (٦) هذه الجملة إلى أن تكون (٧) القدرة و(٨) العلوم والآلات والأسباب والأدلّة كلّها حاصلة ، لأنّ بوجودها يكون التّمكّن ، ومع فقدها يحصل التّعذّر.

واعلم أنّ هذه الشّروط (٩) تنقسم إلى أقسام ثلاثة : أوّلها أن يكون ممّا لا يصحّ إلاّ من الله تعالى ، فلا بدّ من أن يزيح (١٠) جلّ اسمه ـ علّة (١١) المكلّف (١٢) فيه ، وذلك نحو القدرة والحاسّة وكثير من الآلات ونحو كمال العقل.

__________________

(١) الف : إيجابه.

(٢) ب : فيجري ، ج : فجرى.

(٣) ب : القبيح.

(٤) ج : القبح.

(٥) ج : نعمته.

(٦) الف وج : يتفرع.

(٧) الف وج : يكون.

(٨) ج : ـ و.

(٩) ج : المشروط.

(١٠) ب : يريح ، ج : يذيح.

(١١) الف : علته.

(١٢) الف : ـ المكلف.


وثانيها ما لا يصحّ على الوجه المحتاج إليه إلاّ من العبد ، كنحو الإرادة والكراهة ، لأنّهما لا يؤثّران في فعله فيكون أمرا وخيرا (١) وعبادة (٢) لله تعالى إلاّ بأن يكونا من جهة العبد.

وثالثها أن يكون ممّا يصحّ من الله تعالى و(٣) من جهة العبد ، نحو كثير من الآلات (٤) وكثير من العلوم ، و(٥) في هذا الوجه يجوز أن يفعله تعالى للعبد (٦) ، ويجوز أن يلزمه فعله ، ويمكّنه منه (٧).

وأمّا (٨) الّتي يجب أن يكون الأمر (٩) عليها ، فأن (١٠) يكون متقدّما لوقت الفعل المأمور به ، ولا يحدّ (١١) في ذلك حدّا معيّنا ، بل يعلّق (١٢) ذلك بصفة معقولة (١٣) ، وهو أن يتمّ بذلك التّقدّم (١٤) الغرض (١٥) في الأمر من دلالة على وجوب الفعل ، وترغيب فيه ، و(١٦) بعث عليه ، فهذا القدر هو الّذي لا بدّ منه ، وما زاد على ذلك من التّقدّم فلا بدّ فيه من مصلحة زائدة.

والمجبّرة (١٧) تخالف في ذلك ، وتقول : أنّ الأمر إذا كان إلزاما

__________________

(١) الف : خبرا.

(٢) ب : عبادا.

(٣) ب : أو.

(٤) ج : الآيات.

(٥) ب : ـ و.

(٦) ب : بالعبد.

(٧) ج : فيه.

(٨) الف : + الصفات.

(٩) الف : الأمر ، بالمد.

(١٠) الف : بان.

(١١) ب وج : تحد.

(١٢) الف : نعلق ، ج : تعلق.

(١٣) ب : معلوله.

(١٤) ب وج : + و.

(١٥) ب : العرض.

(١٦) ج : ـ و.

(١٧) ج : المجبر.


فلا يكون إلاّ في حال الفعل ، وما يتقدّم ليس بأمر ، وإنّما هو إعلام.

و(١) في أهل العدل من يذهب إلى أنّه لا يجوز تقدّمه (٢) إلاّ بوقت واحد ، وفيهم من يجوّز تقدّمه بأوقات بشرط (٣) أن يكون (٤) المكلّف من حين حصول (٥) الأمر إلى وقت التّكليف متمكّنا مزاح (٦) العلل ، ومنهم من يجوّز تقدّمه (٧) بأوقات ـ وإن لم يكن المكلّف كذلك ـ إذا كان في تقدّمه (٨) مصلحة لبعض المكلّفين ، وهو الصّحيح ، وفيهم (٩) من يجوّز تقديمه (١٠) من غير اعتبار مصلحة. ومن يعتبر المصلحة (١١) منهم من يقول : يجوز أن تكون (١٢) المصلحة تحمّل (١٣) البعض إلى من كلّف الفعل ، ومنهم (١٤) من لا يجوّز أن يكون الصّلاح هذا القدر ، بل يوجب أن يستفيد (١٥) به مع التّحمّل.

وأمّا الّذي يدلّ على أنّه لا بدّ من تقدّمه (١٦) أنّه يفيد إيجاب الفعل

__________________

(١) ج : ـ و.

(٢) ب وج : تقديمه.

(٣) ب : يشترط.

(٤) ج : ـ ان يكون.

(٥) ب : حصل.

(٦) ج : فراخ ، ب : مراح.

(٧) ب : تقديمه.

(٨) الف : تقديمه.

(٩) ج : منهم.

(١٠) ج : تقدمه.

(١١) ج : + و.

(١٢) ب وج : يكون.

(١٣) ب وج : بحمل.

(١٤) الف : فيهم.

(١٥) الف : يتعبد.

(١٦) ج : مقدمة.


على المكلّف ، وترغيبه ، وبعثه عليه ، وكلّ هذا لا يتمّ بالتّقدّم.

وخلاف المجبّرة مبنىّ على قولهم : أنّ القدرة (١) مع الفعل (٢) ، فأجروا الأمر مجراها ، وذلك باطل بما ذكر في مواضعه ، لأنّه يبطل الإيثار والاختيار ، ويقتضى تكليف ما لا يطلق ، وأنّ القاعد عن الصّلاة معذور بترك القيام إليها ، لأنّه لا يقدر عليه.

و(٣) قولهم : أنّ (٤) المتقدّم إعلام ، فإن (٥) أرادوا به أنّه (٦) إعلام بلزوم الفعل في وقته ، فهو خلاف في عبارة ، وإن أرادوا غير ذلك ، فهو غير معقول ، ونحن نعلم أيضا أنّ الأوامر في الشّاهد لا تكون (٧) إلاّ متقدّمة ، وأجمعت الأمّة على أنّ أوامر القرآن متناولة للخلق إلى يوم القيامة ، وإن كانت متقدّمة لهم.

وأمّا تقدّم الأمر على الفعل أوقاتا (٨) كثيرة ، فإذا (٩) كان للمصلحة ، حسن لا محالة.

وأمّا (١٠) من شرط (١١) في (١٢) جواز تقدّمه أن يكون المكلّف متمكّنا

__________________

(١) ج : القدر.

(٢) ج : ـ الفعل.

(٣) ج : ـ و.

(٤) ب : بان.

(٥) الف : ان.

(٦) الف : ـ انه.

(٧) ج : يكون.

(٨) ج : أوقات.

(٩) ب : وإذا.

(١٠) الف وج : فاما.

(١١) ب : يشترط.

(١٢) ج : ـ في.


في الأحوال كلّها ، فقوله باطل ، لأنّ المكلّف إنّما يحتاج إلى التّمكّن ليفعل ، لا لكونه مأمورا ، لأنّه لو كان في حال الأمر متمكّنا ، وفي حال الفعل عاجزا ، قبح أمره ، فلا مانع من حسن أمره بفعل (١) يعلم الله ـ تعالى ـ أنّه سيتمكّن منه في حال (٢) الحاجة ، وإن كان في حال الأمر عاجزا وأوامر (٣) القرآن متناولة للخلق كلّهم إلى آخر التّكليف ، وإن كان أكثرهم في حال وجود هذه الأوامر (٤) غير متمكّنين (٥) بل غير موجودين (٦).

والصّحيح أنّ تقديمه لا يجوز أن يحسن للتّحمّل فقط ، لأنّ من حقّ الكلام أن يفعل للإفادة ، فلا بدّ في (٧) المصلحة الحاصلة فيه أن يكون راجعة إلى الإفادة (٨).

ولا يجب على هذا أن تكون (٩) الملائكة عليهم‌السلام مكلّفة بهذه الشّرعيّات لأجل التّحمّل ، وذلك أنّا إنّما أوجبنا في المتحمّل للكلام أن يفهمه ، وأن يكون مصلحة له في تحمّله ، ولم نوجب أن يكون الشّرائع المذكورة في ذلك الكلام تلزم (١٠) ذلك المتحمّل ، فالملائكة

__________________

(١) ج : يفعل.

(٢) ب : الحال.

(٣) ب : امر.

(٤) الف : ـ الأوامر.

(٥) الف : متمكن.

(٦) الف : موجود.

(٧) ب وج : من.

(٨) ب : الإعادة.

(٩) ب وج : يكون.

(١٠) ب : وج : يلزم.


على هذا يجب أن تفهم (١) المراد بالقرآن ، إذا تحمّلته (٢) ، وأدّته ، وأن يكون لها (٣) في ذلك مصلحة دينيّة (٤) ، وإن لم تلزمها (٥) الشّرائع.

باب في (٦) أحكام النّهي

فصل (٧)

اعلم أنّ النّهي لا صورة له في اللّغة تخصّه ، على نحو ما قلناه في الأمر ، لأنّ قول القائل « لا تفعل » قد يستعمل ولا يكون نهيا ، بل على سبيل التّوبيخ والتّعنيف ، ألا ترى أنّ (٨) أحدنا (٩) قد يقول (١٠) لغلامه (١١) لا تطعني ولا تفعل شيئا ممّا أريده ، وهو غير ناه له (١٢) ، لمفارقة (١٣) الكراهة الّتي بها يكون النّهي نهيا ، وإنّما يريد التّعنيف ، كما قال تعالى : ﴿اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ ، ولم يرد الأمر.

والكلام في (١٤) أنّه لا صيغة له تخصّه كالكلام في الأمر ، فلا معنى لإعادته.

__________________

(١) الف وج : يفهم.

(٢) ج : تحمله.

(٣) ب وج : لنا.

(٤) ب : دنية.

(٥) الف وج : يلزمها.

(٦) الف : ـ في.

(٧) ج : فضل.

(٨) الف : انه.

(٩) الف : ـ أحدنا.

(١٠) الف : + القائل.

(١١) ب : + و.

(١٢) الف : ـ له.

(١٣) ج : لمقارنة.

(١٤) ب : ـ في.


والرّتبة معتبرة في النّهي كما أنّها معتبرة في الأمر ، والدّلالة على الأمرين واحدة.

وقولنا « نهى » يخصّ القول ، بخلاف الأمر ، لأنّا قد بيّنّا اشتراك هذه اللّفظة (١) بين الفعل والقول.

والنّهي إنّما كان نهيا لأنّ النّاهي كاره للفعل الّذي تناوله (٢) النّهي ، والكلام في ذلك كالكلام (٣) في أنّ الأمر إنّما كان أمرا لإرادة الآمر المأمور به ، وقد تقدّم مستقصى.

والقول في أنّ النّهي لا يدلّ على أحكام الفعل كالقول في الأمر ، وإنّما يحكم فيما نهى الله عنه بالقبح بدلالة منفصلة ، وهي أنّه تعالى مع حكمته لا يجوز أن ينهى عن الحسن ، ولا ينهى إلاّ عن القبيح (٤) ، كما قلنا (٥) في أمره تعالى أنّه لا (٦) يدلّ (٧) من حيث الظّاهر بل لحكمته تعالى على أنّ لما أمر به صفة زائدة على حسنه ، وأنّ له مدخلا في استحقاق المدح والثّواب ، وإنّما نقول (٨) أنّ نهيه تعالى على الوجوب وإن لم يكن أمره كذلك (٩) ، لأجل أنّه يقتضى قبح الفعل ، والقبيح (١٠) يجب ألاّ يفعل.

__________________

(١) ج : هذا اللفظ.

(٢) ج : يتناوله.

(٣) ب : الكلام.

(٤) ج : القبح.

(٥) ج : قلناه.

(٦) ب : ـ لا.

(٧) ب : وج : + لا.

(٨) ج : يقول.

(٩) ج : ـ امره كذلك.

(١٠) ب وج : القبح.


والقول في احتمال النّهي المطلق للتّكرار والمرّة (١) الواحدة مطلقا ومشروطا (٢) كالقول في الأمر ، وقد مضى ، واحتماله مع الإطلاق لكلّ وقت مستقبل إمّا منفردا أو مجتمعا كالقول في الأمر.

والقول بالفور (٣) ممكن فيه كما بيّنّاه في الأمر ، غير أنّ التّخيير في الأوقات المستقبلة غير ممكن فيه (٤) كما أمكن في الأمر ، لأنّ الأمر إنّما يتناول على سبيل التّخيير كلّ (٥) فعل مستقبل على البدل ، للتّساوي (٦) في الصّفة الزّائدة على الحسن ، والنّهي يقتضى القبح ، فلو تساوت الأفعال (٧) كلّها في القبح ، لوجب العدول عن الجميع ، لا على جهة التّخيير ، وسنحقّق دخول التّخيير في النّهي في الفصل الّذي يلي هذا بعون الله تعالى.

وليس النّهي عن الشّيء أمرا (٨) بضدّه لفظا ولا معنى كما مضى (٩) ذلك في الأمر.

__________________

(١) الف : للمرة.

(٢) ب : شروطا.

(٣) ج : في الفور.

(٤) ب : ـ فيه.

(٥) ب : كما ، بجاى كل.

(٦) ب : البدن المتساوي ، ج : المتساوي.

(٧) الف ، نسخه بدل : الأقوال.

(٨) الف : امر.

(٩) الف : معنى.


فصل في صحّة دخول التّخيير في النّهي

اعلم أنّ هذا الباب يقتضى بيان ما يصحّ النّهي (١) عنه من (٢) الأفعال المختلفة على جمع أو بدل ، وهو من لطيف (٣) الكلام ، والنّفع به تامّ ، و(٤) قد دلّت الأدلّة الّتي ليس هاهنا (٥) موضع ذكرها على أنّ المكلّف يمكن أن يخلو من كلّ أفعاله ، إذا كان مستندا أو مستلقيا و(٦) كانت الأكوان مقطوعا على بقائها (٧) ، فلا يمتنع والحال هذه في أفعال جوارحه أن تكون (٨) كلّها قبيحة ، وإذا جاز ما ذكرناه (٩) ، جاز تناول النّهي لذلك (١٠) أجمع ، فأمّا إذا كانت الحال (١١) حالا لا يصحّ خلوه فيها من (١٢) الأفعال ، فلا يجوز قبح الجميع ، لأنّ ذلك يقتضى ألاّ ينفكّ من (١٣) القبيح ، وأن (١٤) يكون معذورا فيه.

فأمّا قبح ضدّين ولهما ثالث يمكنه أن ينفكّ منهما إليه ، فممّا (١٥) لا شبهة في جوازه.

__________________

(١) ب : ـ النهي.

(٢) ج : عن.

(٣) ج : لطف.

(٤) الف : ـ و.

(٥) ب وج : هذا.

(٦) ب : أو.

(٧) ج : إبقائها.

(٨) ب وج : يكون.

(٩) ب : ذكرنا.

(١٠) ج : كذلك.

(١١) ج : + حال.

(١٢) ج : عن.

(١٣) ج : عن.

(١٤) ج : انما.

(١٥) ب : فمرا.


وقد يصحّ أن يقبح (١) منه كلّ أفعاله على وجه ، ويحسن على وجه آخر ، وعلى هذا الوجه يصحّ القول بأنّ من دخل زرع غيره على سبيل الغصب أنّ (٢) له الخروج عنه بنيّة التّخلّص ، وليس له التّصرّف بنيّة الإفساد (٣) ، وكذلك من قعد على صدر حيّ إذا كان انفصاله منه يؤلم ذلك الحيّ كقعوده ، وكذلك المجامع زانيا ، له الحركة بنيّة التّخلّص ، وليس له الحركة على وجه آخر.

وأمّا (٤) بعض تصرّفه ، فقد يصحّ أن يقبح (٥) على كلّ حال.

فأمّا حسن جميع ذلك أو (٦) بعضه على البدل والجمع (٧) ، وعلى وجه دون وجه ، فلا شبهة فيه.

والنّهي (٨) عن ضدّين على الجمع يقبح من حيث يستحيل وجودهما معا ، فلا يقع ذلك من حكيم.

واعلم أنّه غير ممتنع في فعل أن يقبح لكون (٩) ما يسدّ مسدّه معدوما (١٠) كما لا يمتنع أن يكون صلاحا إذا كان غيره معدوما ، فغير ممتنع على هذه الجملة أن ينهى الحكيم عن فعلين مختلفين على التّخيير والبدل ، بأن يكون في المعلوم أنّ كلّ واحد منهما يقبح بشرط

__________________

(١) ب : يفتح.

(٢) ج : انما.

(٣) ب : الفساد.

(٤) الف وج : فاما.

(٥) ب : يفتح.

(٦) ب وج : و.

(٧) ب : الجميع.

(٨) الف : فالنهي.

(٩) ج : + ان.

(١٠) ج : معلوما.


عدم الآخر ، فلا يمكن القول بقبحهما جميعا على الإطلاق ، لأنّ الاشتراط الّذي ذكرناه يقتضى أنّهما متى وجدا لم يقبح (١) واحد منهما ، ومتى وجد أحدهما قبح لا محالة ، فالنّهي عن المختلفين ـ إذا صحّ ما ذكرناه ـ على سبيل التّخيير صحيح جائز ، وليس يجري (٢) المختلفان (٣) في هذا الحكم مجرى الضدّين ، لأنّ كلّ واحد من الضّدّين متى وجد وجب عدم الآخر ، وما يجب لا محالة يبعد كونه شرطا في قبحه ، وهذا في المختلفين أشبه بالصّواب ، وكذلك المتماثلان.

فصل في النّهي (٤) هل يقتضى (٥) فساد المنهيّ عنه

اعلم أنّ المنهيّ عنه على ضربين : أحدهما لا يصحّ فيه معنى الفساد والصّحة والإجزاء ، والضّرب الآخر يصحّ ذلك فيه ، فمثال الأوّل الجهل والظّلم وما جرى مجراهما ممّا لا يتعلّق به أحكام شرعيّة ، ومثال الثّاني الطّلاق والنّكاح والبيع والصّلاة لتعلّق الأحكام بكلّ (٦) ما ذكرناه ، فإذا أطلق القول بأنّ النّهي هل يقتضى الفساد أو الصّحّة ، فالمراد به القسم الّذي يصحّ فيه ذلك (٧)

__________________

(١) ب : يفتح.

(٢) ب : + مجرى.

(٣) ب : المختلفين.

(٤) ج : نهى.

(٥) الف : + فيه.

(٦) ب : بل كل.

(٧) الف : ذلك فيه.


وقد اختلف العلماء في ذلك فمنهم من جعل النّهي دالاّ على الفساد كدلالته على التّحريم من جهة اللّغة ، ومنهم من جعله (١) دالاّ على الفساد من جهة أدلّة الشّرع ، ومنهم من لم يجعله دالاّ على الفساد ، وقال : لا يمتنع مع النّهي كون (٢) المنهيّ عنه مجزيا ، كما لا يمتنع كونه غير مجز (٣) ، ونقف (٤) على الدّليل.

والّذي نذهب (٥) إليه أنّ النّهي من حيث (٦) اللّغة وعرف أهلها (٧) لا يقتضى فسادا ولا (٨) صحّة ، وإنّما نعلم (٩) في متعلّقه الفساد بدليل منفصل ، فأمّا من ذهب إلى أنّ أدلّة الشّرع دلّت على تعلّق الفساد بالمنهيّ عنه ، فإن أراد بدليل الشّرع ما ذكرناه فيما تقدّم من هذا الكتاب من أنّ الصّحابة ومن يليهم قضوا بفساد المنهيّات من غير توقّف على دليل ، فذلك صحيح ، وقد أوضحناه ، وإن أشار بدليل الشّرع إلى غير ذلك ، فنحن نتكلّم عليه.

والّذي يدلّ على صحّة مذهبنا أنّ النّهي لا تعلّق للفظه ولا لمعناه بشيء من الأحكام الّتي نشير (١٠) بقولنا في (١١) الفعل « إنّه مجز » (١٢) إلى

__________________

(١) ج : جعل.

(٢) ج : عن ، بجاى كون.

(٣) الف : مجزي.

(٤) الف وج : يقف.

(٥) ب وج : يذهب.

(٦) ب وج : جهة.

(٧) ب وج : عرفها.

(٨) ج : ـ لا.

(٩) ب وج : يعلم.

(١٠) ج : يشير.

(١١) الف : إلى.

(١٢) الف : مجزي.


ثبوتها ، وفي قولنا « إنّه فاسد » إلى انتفائها ، وما لا تعلّق له بالنّهي في لفظ (١) ولا معنى كيف يصحّ أن يستفاد منه ، يوضح هذه الجملة أنّ الفقيه إذا قال في العقد : إنّه صحيح ، فلم يفد بذلك حسن العقد ولا قبحه ، وإنّما غرضه إثبات (٢) أحكام مخصوصة (٣) له ، وكذلك إذا قال : هو فاسد أو موقوف ، والإيقاعات من طلاق وغيره إذا قلنا :

إنّه صحيح ، فمعناه أنّ الفرقة تقع (٤) به ، والأحكام تتعلّق (٥) عليه ، وإذا (٦) قلنا : إنّه فاسد ، فالمعنى أنّه لا يؤثّر فراقا (٧) ولا تحريما (٨) وإذا (٩) اعتبرت سائر ما نقول (١٠) : إنّه صحيح وفاسد (١١) ، وجدته (١٢) مفيدا لثبوت أحكام شرعيّة أو (١٣) انتفائها ، وإذا (١٤) كان النّهى بظاهره ومعناه لا يقتضى إلاّ هذا القدر الّذي ذكرناه ، فلا يدلّ (١٥) في المنهيّ عنه على فساد ولا صحّة ، وهذه الجملة إذا اعتبرت تجلّى (١٦) الكلام في هذا الباب ، وتعرّي (١٧) من كلّ شبهة.

__________________

(١) ج : لفظه.

(٢) ب : + نحو.

(٣) ج : حكم مخصوص.

(٤) ج : يقع.

(٥) ب : تعلق ، ج : يتعلق.

(٦) الف : فإذا.

(٧) ب وج : في فرقة.

(٨) ب وج : تحريم.

(٩) ب : فإذا.

(١٠) ب : تقول ، ج : يقول.

(١١) ب : + فالمعنى انه لا يؤثر في فرقة.

(١٢) ب : غير مقروء

(١٣) ب : و.

(١٤) الف : فإذا.

(١٥) ج : فلا بد.

(١٦) ب : تحلى.

(١٧) ب : فتعرى.


و(١) ممّا يدلّ أيضا على ما ذكرناه أنّ النّهى لو (٢) اقتضى فساد الفعل (٣) المنهيّ عنه لشيء (٤) يرجع إليه ، لما صحّ في النّهى (٥) إذا تناول ما ليس بفاسد في الشّرع بل كان صحيحا مجزيا أن يكون نهيا على (٦) الحقيقة ، والإجماع بخلافه ، لأنّهم وإن اختلفوا في كثير من الأمثلة الّتي تذكر (٧) في هذا الباب ، فلم يختلفوا في أنّ المكلّف وقد ضاق عليه وقت الصّلاة في آخر وقتها أنّه منهيّ عن البيع والشّراء (٨) ، ومع ذلك فبيعه صحيح ، ونكاحه كذلك ، ولم يختلفوا في أنّه منهيّ عن إزالة النّجاسة بالماء المغصوب ، لأنّه تصرّف فيما لا يملكه (٩) ، ومع ذلك فإنّ حكم النّجاسة يزول (١٠) كما يزول (١١) بالماء المملوك ، والوطء في الحيض يتعلّق به أحكام الصّحّة كما يتعلّق بالوطي المباح ، من لحوق (١٢) الولد ، ووجوب المهر ، والتّحليل للزّوج الأوّل ، فلو لا أنّ النّهى لا يقتضى من حيث كان نهيا للفساد (١٣) ، لما صحّ شيء ممّا ذكرناه.

وممّا يدلّ أيضا على ذلك أنّ لفظ النّهى قد يرد فيما هو صحيح ،

__________________

(١) ج : ـ و.

(٢) ب : ـ لو.

(٣) ج : ـ الفعل.

(٤) ج : بشيء.

(٥) ب : + لشيء.

(٦) ب : عن.

(٧) ج : يذكر.

(٨) الف : الشرى.

(٩) ب : يملك.

(١٠) الف : ـ يزول.

(١١) الف : تزول.

(١٢) ج : طوق.

(١٣) ب : لفساد ، ج : الفساد.


وفاسد ، وقد قدّمنا أنّ استعمال اللّفظة في شيئين مختلفين دليل على أنّها حقيقة فيهما إلاّ أن يقوم (١) دليل ، فيجب أن يكون لفظ النّهى محتملا للفساد كاحتماله للصّحة ، ولا يقطع على أحدهما إلاّ بدليل.

وقد تعلّق من حكم بفساد المنهيّ عنه (٢) وعلّقه (٣) بظاهر النّهى بأشياء : أوّلها أن الأمر بالشّيء إذا اقتضى الإجزاء والصّحة ، فيجب أن يكون النّهى الّذي هو ضدّه يقتضى الفساد والبطلان.

وثانيها أنّ النّهى عن الفعل إذا منع (٤) منه ، فيجب أن يكون مانعا من أحكامه ، وإذا منع من أحكام البيع أو الطّلاق فليس إلاّ الفساد (٥).

وثالثها أنّ الإجزاء يعاقب الفساد ، فإذا كان بالنّهي (٦) ينفى (٧) كون الشّيء شرعيّا ، فالإجزاء (٨) لا يعلم إلاّ شرعا ، فليس (٩) بعد ذلك إلاّ الفساد.

ورابعها أنّ النّهى لو لم يعقل منه الفساد ، لم يكن التّحريم دلالة على (١٠) الفساد (١١) ، فكان لا يعقل من قوله تعالى : حرّمت عليكم أمّهاتكم إلى آخر الآية (١٢) فساد هذه الأنكحة وبطلانها ، ولا يعقل

__________________

(١) ج : تقوم.

(٢) ب : علقه ، بجاى عنه.

(٣) ب : علفه.

(٤) ب : امتنع.

(٥) ب : الإنفاد ، بجاى الا الفساد.

(٦) الف : النهي.

(٧) ب : ينتفي.

(٨) الف : والاجزاء.

(٩) الف : وليس.

(١٠) ب : ـ على.

(١١) الف : للفساد.

(١٢) الف : الآيات.


من قوله تعالى : وحرّم الرّبا ، فساد أحكام عقد (١) الرّبا.

وخامسها أنّ المنهيّ عنه لو كان مجزيا لكان الطّريق إلى معرفة (٢) ذلك الشّرع ، وإنّما ينبئ الشّرع عن إجزائه (٣) إمّا بالأمر و(٤) الإيجاب أو الإباحة ، وكلّ ذلك مفقود في المنهيّ عنه (٥).

وسادسها الخبر المرويّ عنه عليه‌السلام (٦) من قوله (٧) من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو ردّ ، والمنهيّ عنه ليس من الدّين ، فيجب أن يكون باطلا مردودا (٨).

وسابعها أنّ عادة السّلف والخلف (٩) من لدن الصّحابة وإلى يومنا هذا جارية بأن يحملوا (١٠) كلّ منهيّ عنه على الفساد.

فيقال لهم فيما تعلّقوا به أوّلا : إنّا قد بيّنّا أنّ الأمر بظاهره ومن غير دليل منفصل لا يقتضى الإجزاء ، وأنّه (١١) كالنّهي (١٢) في أنّه لا يقتضى الفساد ، فسقط هذا الوجه.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثانيا : قد اقتصرتم على دعوى ، ومن أين

__________________

(١) ج : عند.

(٢) ب : ـ معرفة.

(٣) ج : + و.

(٤) الف : أو.

(٥) ب : ـ اما بالأمر ، تا اينجا.

(٦) ج : عليهم‌السلام.

(٧) ج وب : ـ من قوله.

(٨) الف : مردودا باطلا.

(٩) ب : ـ والخلف.

(١٠) الف : تحمل.

(١١) ب : فانه.

(١٢) ج : كان النهي.


قلتم أنّ النّهى إذا منع من الفعل ، وجب أن يكون مانعا من أحكامه ، وهل الخلاف إلاّ في ذلك ، ثمّ الفرق بين الأمرين أنّه إنّما منع من الفعل للتّعلّق بينه وبين الفعل ، لأنّ الحكيم (١) إذا نهى عن شيء فقد كرهه ، وهو لا يكره إلاّ القبيح ، والقبيح ممنوع منه ، وأحكام الفعل غير متعلّقة بمعنى النّهى و(٢) لا لفظه ، فلا يجوز أن يكون النّهى مانعا منها.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به (٣) ثالثا : إن أردتم بأنّ النّهى ينفى (٤) كونه شرعيّا أنّه ينفي كونه مرادا وطاعة و(٥) قربة ، فذلك صحيح. وإن (٦) أردتم نفي الأحكام الشّرعيّة ، فهو غير مسلّم وإذا كان الإجزاء والفساد لا يعلمان إلاّ شرعا (٧) ، فيجب ألاّ يستفاد (٨) أحدهما من مطلق الأمر.

فإذا قال : إجزاؤه لا يعلم إلاّ شرعا ، ولا شرع فيه (٩) ، فيجب أن يكون فاسدا.

قلنا : وفساده لا يعلم إلاّ شرعا ، ولا شرع فيه (١٠) ، فيجب أن يكون صحيحا ، والصّواب غير ذلك ، وهو التّوقّف عن الحكم (١١) بصحّة أو فساد على الدّليل المنفصل.

__________________

(١) ب : الحكم.

(٢) ج : ـ و.

(٣) ب : ـ به.

(٤) ب : يبقى.

(٥) ج : ـ و.

(٦) ج : فان.

(٧) ب : شرعيا.

(٨) ب : يستنقيا ، ج : يستفيد.

(٩) الف : ـ فيه.

(١٠) الف : ـ فيه.

(١١) ب وج : حكم.


ويقال لهم فيما تعلّقوا به رابعا : نحن نقول في التّحريم : أنّ مطلقه لا يدلّ على الفساد ، مثل قولنا في النّهى ، وإنّما (١) علم (٢) فساد نكاح (٣) الأمّهات بغير وضع النّهى في اللّغة ، وعلى الجملة بدليل.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به خامسا : إنّ الإجزاء قد (٤) يعلم بغير الإيجاب والأمر والإباحة ، وهو أن يقول : لا تفعلوا كذا ، فإن فعلتموه كان مجزيا ، أو (٥) بأن يبيّن أنّ الحكم الشّرعيّ يتعلّق بصورة للفعل (٦) مخصوصة ، فيعلم (٧) إيقاع الحكم لها (٨) سواء كانت منهيّا عنها (٩) أو مأمورا بها.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به سادسا : إنّ الخبر الّذي اعتمدتم عليه خبر واحد ، أحسن (١٠) أحواله أن يقتضى الظّنّ ، فكيف يحتجّ به (١١) في مسألة علميّة.

وبعد ، فإنّما يصحّ (١٢) التّعلّق به لو ثبت أنّ إجزاء الفعل المنهيّ عنه ليس من الدّين ، حتى يحكم بأنّه مردود ، وهذا لا يستفاد من الخبر.

__________________

(١) الف : + نحن نقول في التحريم ان مطلقه لا يدل على.

(٢) الف : ـ علم.

(٣) ب : ـ نكاح.

(٤) ب : ـ قد.

(٥) ج : ـ أو.

(٦) ب : الفعل.

(٧) الف : فنعلم.

(٨) ب : ـ لها.

(٩) ج : ـ عنها.

(١٠) ب : آخر.

(١١) ب : ـ به.

(١٢) ج : + و.


وأيضا فلفظة الرّدّ (١) كلفظة النّهى في وقوع الخلاف فيها ، بل النّهى أبلغ ، لأن الطّاعات الواقعة من الكفّار عند من أجاز ذلك توصف بأنّها مردودة (٢) ، لأنّها غير مقبولة ، وإن لم تكن (٣) منهيّا عنها ، والمردود في العرف هو الّذي لا يستحقّ عليه الثّواب ، وهو ضدّ المقبول الّذي هو استحقاق الثّواب (٤) ، وكون الفعل (٥) لا يستحقّ به الثّواب لا يمنع من إجزائه.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به سابعا : هذه الطّريقة هي الّتي نصرناها فيما سلف من كتابنا هذا (٦) ، وبيّنّا أنّ بهذا العرف الشّرعيّ يعلم أنّ مطلق النّهى يقتضى فساد المنهيّ عنه إلاّ أن تقوم (٧) دلالة.

ومن يطعن على هذه الطّريقة بأن يقول من أين لكم أنّ السّلف والخلف حكموا (٨) ببطلان المنهيّ عنه لأجل النّهى دون دلالة دلّتهم على ذلك.

فالجواب (٩) له (١٠) أن نقول (١١) إنّنا لا نذهب إلى أنّ الصّحابة إنّما حكموا بفساد المنهيّ عنه لأجل حكم النّهى في اللّغة أو عرفها ، بل

__________________

(١) الف : ـ الرد.

(٢) ب : مردود.

(٣) ب وج : يكن.

(٤) ب : ـ وهو ضد ، تا اينجا.

(٥) ب وج : + الّذي.

(٦) الف : ـ هذا.

(٧) ب : يقوم ، ج : يقول.

(٨) ب : + بان السلف حكموا.

(٩) ب وج : والجواب.

(١٠) الف : ـ له.

(١١) الف وج : يقول.


إنّما عوّلوا في ذلك على عرف الشّريعة ، وأنّ الأمر في عرف الشّرع يجب أن يكون محمولا على الوجوب والفور والإجزاء ، وأنّ النّهى يقتضى بهذا العرف فساد المنهيّ عنه ، إلاّ أن تقوم (١) دلالة ، ولم يعوّلوا (٢) إلاّ (٣) على (٤) هذه العادة ، ومثلهم لا يجمع (٥) على باطل ، إلاّ (٦) على ما قطع عذرهم عن الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه ، وكيف لا يعلم أنّ ذلك لمكان النّهى عنه (٧) ، وعند علمهم بالنّهي (٨) يحكمون بالفساد ، كما يحكمون عند الأمر بالوجوب ، ولو كان ذلك معلوما بدلالة منفصلة ، لوجب التّوقّف عليها ، وأن يقولوا (٩) فيمن روى لهم نهيا عن الرّسول عليه‌السلام في فعل بعينه : هذا النّهى إنّما يقتضى قبح الفعل ، وأنّه معصية ، ولا (١٠) يقتضى فسادا ، فلا يجب (١١) إن كان عقد (١٢) بيع ـ أن يحكم بأنّ (١٣) التّمليك ما وقع ، وإن كان طلاقا فلا يجب إن يحكم بأنّ الفرقة لم تقع (١٤) ، بل رأيناهم يحكمون في كلّ مأمور به بالصّحّة والإجزاء ، وفي كلّ

__________________

(١) ج : يقوم.

(٢) الف : + في.

(٣) ب : ـ الا ، ج : ان ، بجاى الا.

(٤) الف : ـ الا على ، در حاشيه : نسخه ، الا على ، ص.

(٥) ب : يجتمع ، ج : يحتج.

(٦) ب : + ما وقع عندهم.

(٧) الف : ـ عنه.

(٨) ج : بالنبيى.

(٩) ج : يقول.

(١٠) ج : فلا.

(١١) ب وج : + و.

(١٢) الف : ـ عقد.

(١٣) ب : ان.

(١٤) الف : ـ لم تقع ، ج : يقع.


منهيّ عنه بالفساد على اختلاف الحالات ، ومع المناظرة والمنازعة ، و(١) من طبقة بعد طبقة ، وفي زمان بعد زمان ، وهذا معلوم ضرورة من حالهم (٢) ، وتكلّف الدّلالة عليه كالمستغنى (٣) عنه ، وكذلك وجدنا كلّ من أبطل أن يكون عقد نكاح المتعة مبيحا للاستمتاع إنّما يعوّل (٤) على مطلق ما رواه من نهى الرّسول عليه‌السلام عنها ، وتحريمه لها ، ولم يقل له قائل : التّحريم إنّما يقتضى القبح والمعصية ، فمن أين أنّ (٥) الاستباحة لا (٦) تقع به ، وكذلك نكاح المحرم ، اكتفوا في ارتفاع أحكامه الشّرعيّة بالنّهي (٧) عنه ، وكذلك القول في عقد الرّبا (٨) ، ونكاح (٩) الشّغار (١٠).

فإن قيل : فقد حرّموا أشياء كثيرة ، وإن ذهبوا إلى أنّها مجزية صحيحة إذا وقعت.

قلنا : إنّما ذهبوا إلى إجزائها مع النّهى والتّحريم بدليل منفصل ، وليس (١١) ينكر (١٢) أن يقوم دليل على خلاف ما يقتضيه عرف الشّرع ، كما لا ينكر أن يقوم دليل على خلاف ما يقتضيه (١٣) وضع اللّغة ، فيصار إليه

__________________

(١) ج : ـ و.

(٢) الف : حالتهم.

(٣) ب : كالمفصى.

(٤) ج : يقول.

(٥) ب : ـ ان.

(٦) الف : ـ لا.

(٧) ج : ما نهى.

(٨) ج : الزنا.

(٩) ج : ـ نكاح.

(١٠) ب : الشعار ، ج : الشفاه.

(١١) ب : + ان.

(١٢) الف : ننكر.

(١٣) الف : ـ عرف الشرع ، تا اينجا.


بالدّليل ، ولا يكون ذلك قادحا في أصل الوضع على الوجهين.

فإن قيل : فبأيّ شيء تحدّون (١) الفاسد (٢) من المنهيّات ، وتميّزونه (٣) من غيره فقد تعاطى (٤) النّاس (٥) ذلك.

قلنا : الواجب أن نقول الّذي يقتضيه عرف الشّرع في نهى الله ـ سبحانه ـ (٦) ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٧) أن يقتضى بالظّاهر فساد المنهيّ عنه (٨) ، وألاّ (٩) تتعلّق (١٠) به الأحكام الّتي تتعلّق (١١) بالصّحيح إلاّ أن يقوم دليل على أنّ (١٢) المنهيّ عنه (١٣) في هذه الأحكام كالمأمور به ، فيقال بذلك اتّباعا للدّليل.

وأجود ما ميّز (١٤) به ذلك أن يكون وقوعه منهيّا عنه (١٥) مخلا بشروطه الشّرعيّة ، فيكون فاسدا ، وإذا (١٦) لم يختلّ شروطه الشّرعيّة ، لم يمتنع إجزاؤه.

وينقسم (١٧) تأثير المنهيّ هعنه في الشّروط الشّرعيّة ثلاثة أقسام :

__________________

(١) ب : تجدون ، ج : وجه يحدون.

(٢) ج : الفساد.

(٣) ب : يميزونه.

(٤) ب : طعامي.

(٥) ج : + في.

(٦) ب وج : تعالى.

(٧) ب : عليه‌السلام ، ج : رسول عليه‌السلام.

(٨) الف : ـ عنه

(٩) ج : ان.

(١٠) ب وج : يتعلق.

(١١) ج : يتعلق.

(١٢) ج : ـ ان.

(١٣) الف : ـ عنه

(١٤) ج : يميز.

(١٥) ب : + و.

(١٦) الف : فإذا.

(١٧) ب : تنقسم.


فالأوّل يؤثّر بأن يكون شرط الفعل (١) عدمه.

والثّاني بأن يكون شرط الفعل ضدّه ، أو ما يجري مجرى ضدّه ، ممّا لا يجتمع معه.

والثّالث يؤثّر بأن يمنع من وقوع شرط (٢) سواه ، فمثال الأوّل الصّلاة مع الحدث ، لأنّ من شرطها عدمه. ومثال الثّاني صلاة القادر على القيام قاعدا ، لأنّ من شرط هذه الصّلاة ضدّ القعود. ومثال الثّالث صلاة (٣) المتطوّع ، لأنّها لا تجزى عن الفرض و(٤) إن كانت الصّورة واحدة (٥) ، لما كان الشّرط نيّة (٦) مخصوصة.

ولأجل هذا الوجه الأخير كانت الصّلاة في الدّار المغصوبة لا تجزى (٧) ، لأنّ من شرط الصّلاة أن تكون (٨) طاعة وقربة ، وكونها واقعة في الدّار المغصوبة يمنع من ذلك.

وأيضا (٩) فإنّ من شرطها إذا كانت واجبة أن ينوى بها أداء الواجب ، وكونها في الدّار المغصوبة يمنع من ذلك.

وفي الفقهاء من يظنّ أنّ الصّلاة في الدّار المغصوبة ينفصل من الغصب ، وذلك ظنّ بعيد ، لأنّ الصّلاة كون في الدّار ، وتصرّف

__________________

(١) ب : العقل.

(٢) ب : شرطه.

(٣) الف : ـ صلاة.

(٤) الف : ـ و.

(٥) ج : واحد.

(٦) الف : سر ، بجاى نية.

(٧) ج : يجزى.

(٨) ج : يكون.

(٩) الف : ايظ.


فيها ، وذلك نفس الغصب ، لأنّه لا فرق بين تصرّفه فيها بالسّكنى وبين تصرّفه بالصّلاة ، لأنّ صاحب الدّار لو أراد أن يقف فيها بحيث المصلّي واقف ، لتعذّر عليه (١) ذلك ، فهو مانع من تصرّف المالك ، والغصب ينقسم إلى وجهين : إمّا بأن يحول بين المالك وبين التّصرّف في ملكه ، وإمّا بأن يتصرّف الغاصب فيه تصرّفا يمنعه من تصرّفه.

وفيهم من يقول في أنّ الصّلاة في الدّار المغصوبة (٢) تجزى (٣) ، على أنّ الصّلاة تنقسم (٤) إلى فعل وذكر ، فالفعل متعلّق (٥) بالدّار ، والذّكر لا يتعلّق بها ، فلا يمتنع أن تجزى (٦) ، وطن كانت في الدّار المغصوبة ، من حيث يقع ذكرها طاعة ، وتكون (٧) نيّته (٨) تنصرف (٩) إلى الذّكر.

وهذا غير صحيح ، لأنّ الذّكر تابع للفعل الّذي هو الصّلاة ، والفعل (١٠) هو المعتمد (١١) ، والذّكر شرط ، فيجب أن تكون (١٢) النّيّة منصرفة (١٣) إلى الفعل الّذي هو (١٤) العمدة (١٥).

__________________

(١) الف : ـ عليه.

(٢) ب : ـ لا تجزى لأن ، (شماره ٧ صفحه ١٩١) تا اينجا.

(٣) ب : تجري ، ج : يجزى.

(٤) ج : ينقسم.

(٥) ب : يتعلق.

(٦) ب : تجري ، ج : يجزى.

(٧) ب وج : يكون.

(٨) ب : بنية ، ج : نية.

(٩) ج : بتصرف.

(١٠) الف : + الّذي.

(١١) الف : المعتمد م.

(١٢) ج : متصرفه.

(١٣) ب وج : يكون.

(١٤) ج : + الصلاة والفعل هو المعتمد.

(١٥) ج : ـ العمدة.


وعلى أنّ (١) أقلّ الأحوال أن يكون الفعل والذّكر مجموعهما (٢) هو (٣) الصّلاة ، فتنصرف (٤) النّيّة إليهما ، وقد بيّنّا أنّ ذلك يقتضى كونه متقرّبا بالمعصية.

وقد قيل في التّمييز بين الصّلاة في هذا الحكم وغيرها : أنّ كلّ عبادة ليس من شرطها (٥) الفعل أو ليس من شرطها (٦) أن يتولّى الفعل بنفسه ، بل ينوب فعل الغير مناب فعله ، أو ليس من شرطها (٧) أن يقع منه بنيّة الوجوب ، أو ليس من شرطها (٨) النّيّة (٩) أصلا ، لم يمتنع في المعصية منها أن يقوم مقام الطاعة ، وهذا قريب.

ومن احتجّ في جواز الصّلاة في الدّار المغصوبة بأنّ إجراءها مجرى من شاهد طفلا يغرق (١٠) وهو في الصّلاة ، وقال : إذا صحّت صلاته مع المعصية ، فكذلك الصّلاة في الدّار المغصوبة.

فقوله باطل ، لأنّا نقول في المسألتين قولا واحدا ، والصّلاتان معا فاسدتان ، ويجب أن يقول في الغاصب : أنّه لو حبس (١١) في الدّار لأجزأته صلاته ، لأنّه بأن حبس فيها خرج من كونه غاصبا (١٢) ، لأنّه لا يتمكّن

__________________

(١) الف : ـ ان.

(٢) ب وج : بمجموعهما.

(٣) ب : عن.

(٤) ب وج : وينصرف.

(٥) الف : شروطها.

(٦) ب : ـ الفعل (شماره ٥) تا اينجا.

(٧) الف : شروطها.

(٨) الف : شروطها.

(٩) ب : النسبة.

(١٠) ب : تصرف.

(١١) ب : جلس.

(١٢) ب : عاصيا.


من المفارقة لها ، ويجب أن يقول (١) فيمن لزمه ردّ وديعة أو قضاء دين ، ثمّ دخل في الصّلاة : أنّه إن كان الوقت موسّعا ، فسدت الصّلاة ، لأنّ الواجب عليه تقديم الرّد ، وإن (٢) صلاّها في وقت مضيّق ، لم يفسد ، لأنّ الواجب عليه تقديمها على الرّد ، إلاّ أن ينتهى (٣) الحال فيمن له الحقّ إلى حال ضرورة (٤) وضرر يدخل على صاحب الوديعة ، فتفسد (٥) صلاته ، وإن أدّاها في آخر الوقت ، لهذه العلّة.

فأمّا من ليس بغاصب لكنّه دخل الدّار مجتازا ، فيجب ألاّ تفسد (٦) صلاته ، لأنّ المتعارف (٧) بين النّاس أنّهم (٨) يسوّغون ذلك لغير الغاصب ، ويمنعونه (٩) في الغاصب.

وأمّا الضّيعة (١٠) المغصوبة فالصّلاة فيها مجزية ، لأنّ العادة جرت بأنّ (١١) صاحبها لا يحظر على أحد الصّلاة فيها ، والتّعارف يجري مجرى الإذن ، فيجب الرّجوع إليه.

ولا يلزم على ما ذكرناه أن يكون من صلّى وهو يدافع الأخبثين (١٢)

__________________

(١) ب : تقول ، ج : نقول.

(٢) الف : فان.

(٣) ج : ينهى.

(٤) ب وج : الضرورة.

(٥) ب وج : فيفسد.

(٦) ب وج : يفسد.

(٧) الف : التعارف.

(٨) ب : انه.

(٩) ب : يمنعون.

(١٠) الف : الصيعة ، ج : الصيغة.

(١١) ب : ان.

(١٢) ب : الأخبتين.


أن تكون (١) صلاته فاسدة غير مجزية (٢) ، للنّهي (٣) منه عليه‌السلام عن ذلك ، وذلك أنّ هذا النّهى لو أوجب كون الصّلاة معصية ، للحقت (٤) في الفساد بالصّلاة في الدّار المغصوبة ، لكنّا قد عرفنا أنّ وجه النّهى تأثير المدافعة في التّثبّت (٥) والخشوع والطّمأنينة ، ونحن نعلم أنّ كثيرا من ذلك لو فقد (٦) لأجزأت (٧) الصّلاة ، وقد يدافع الأخبثين ويتصبّر (٨) على أداء ما (٩) يجب عليه في الصّلاة واستيفائه ، فلا يجب كون ذلك مفسدا.

وأمّا (١٠) حمل بعضهم جواز الصّلاة في المكان المغصوب على جواز الإيمان فغلط فاحش ، لأنّ الإيمان لا تعلّق له بالدّار ، اعتقادا كان بالقلب أو قولا باللّسان ، وقد بيّنّا أنّ الصّلاة بها يكون غاصبا ومتصرّفا في ملك غيره.

__________________

(١) ب وج : يكون.

(٢) ب : مجرى.

(٣) ب : + عنه.

(٤) ب وج : للحق.

(٥) ج : ـ في التثبت.

(٦) ج : « لو فقد » قلم زده شده ، ودر عوض « لدفعة » اضافه شده.

(٧) ج : لأجزت.

(٨) ب وج : يتصير.

(٩) ب : ما إذا ، بجاى أداء ما.

(١٠) ب : فاما.


فصل فيما يقتضيه الأمر من جمع أو آحاد

اعلم أنّ الخطاب إذا ورد وظاهره يحتمل (١) الخصوص والعموم ، وعلمنا بالدّليل المنفصل شموله واستغراقه ، قطعنا على أنّ الفرض لازم لكلّ واحد منهم ، ولا يستفيد (٢) بظاهر ذلك أنّه لازم لكلّ واحد (٣) بعينه ، من غير أن يسقط عنه الفرض فعل غيره. كما لا نستفيد (٤) أنّ فعل البعض يسقط الفرض عن البعض. ولا (٥) نستفيد (٦) أنّ اجتماع بعضهم شرط فيه. وكلّ ذلك موقوف على الدّليل.

والخطاب العامّ لا يخرج عن ثلاثة أقسام : إمّا أن يلزم كلّ واحد ، ولا يتعلّق فعله بفعل غيره ، وإمّا أن يتعلّق فرضه بفعل غيره (٧) في الصّحّة ، فيكون الاجتماع شرطا ، كصلاة (٨) الجمعة ، وإمّا (٩) أن يتعلّق فرضه (١٠) بفعل غيره ، فيكون أداء الغير له (١١) مسقطا عنه ، وهذا هو المسمّى فرض الكفاية ، ومن أمثلته (١٢) الجهاد ، والصّلاة على الجنائز ، ودفن الموتى ،

__________________

(١) ب وج : يقتضى.

(٢) ظ : نستفيد.

(٣) ب : أحد.

(٤) ب وج : يستفيد.

(٥) ب : + يفيد.

(٦) ب وج : يستفيد.

(٧) ج : + واما ، تا اينجا.

(٨) ج : لصلاة.

(٩) ج : ـ واما.

(١٠) ب وج : فعله.

(١١) ج : إليه.

(١٢) ج : أمثلة.


والفرض في هذا الوجه يتعلّق (١) بالكلّ ، لكنّه مشروط بأن لا يقوم البعض به ، فمتى وقع من البعض ، زال الفرض عن الجماعة.

باب الكلام في العموم والخصوص وألفاظهما

اعلم أنّ العموم ما تناول لفظه شيئين (٢) فصاعدا ، والخصوص ما تناول (٣) شيئا واحدا ، وقد يكون اللّفظ عموما من وجه وخصوصا من وجه آخر ، لأنّ القائل إذا قال (٤) : ضربت غلماني (٥) ، وأراد بعضهم ، فقوله عموم ، لشموله ما زاد على الواحد ، وخصوص ، من حيث أراد به بعض ما يصحّ أن يتناوله هذا اللّفظ (٦).

وقولنا « عموم وخصوص » يجري مجرى قليل وكثير في أنّه يستعمل بالإضافة (٧) ، فقد يكون الشّيء الواحد قليلا و(٨) كثيرا بإضافتين مختلفتين ، وقد (٩) يثبت (١٠) عموم لا خصوص فيه ، وهو ما أريد به الاستيعاب

__________________

(١) ب وج : متعلق.

(٢) ب : ستين.

(٣) ب : يتناول.

(٤) الف : ـ إذا قال.

(٥) ب وج : الغلمان.

(٦) ب وج : هذه اللفظة.

(٧) ب : بالأصالة.

(٨) الف وج : ـ و.

(٩) ب : فقد.

(١٠) ب وج : ثبت.


والاستغراق ، وقد (١) يثبت (٢) أيضا (٣) خصوص لا عموم فيه ، وهو الّذي يراد به العين الواحدة ، كما يثبت قليل ليس بكثير ، وهو الواحد ، وكثير ليس بقليل ، وهو ما عمّ الكلّ ، ومع الإضافة في الأمرين يختلف الحال.

وليس في الكلام عندنا لفظ وضع للاستغراق فإن استعمل فيما دونه كان مجازا ، وسندلّ على ذلك.

والألفاظ (٤) الموضوعة للعموم على سبيل الصّلاح على ضربين :

فمنها ما يصحّ تناوله للواحد ولكلّ بعض وللكلّ على حدّ واحد ، وهو حقيقة في كلّ شيء من هذه الأمور ، كلفظة « من » إذا كانت نكرة في الشّرط أو الاستفهام ، وتختصّ (٥) العقلاء ولفظة (٦) ما فيما لا يعقل ، فإنّ حكمها (٧) فيما ذكرناه كحكم من ، وهكذا (٨) حكم متى في الأوقات ، وأين في الأماكن.

و(٩) الضّرب الثّاني ما يتناول الكلّ صلاحا ، ويتناول البعض وجوبا ، ولا يستعمل فيما نقص عن ذلك البعض ، مثل ألفاظ (١٠) الجموع (١١) ، بألف ولام أو بغيرهما (١٢)

__________________

(١) الف : ـ وقد.

(٢) ب وج : ثبت.

(٣) الف : ايظ.

(٤) الف : الألفاض.

(٥) ب وج : يختص.

(٦) الف : لفظ.

(٧) ب : حكم.

(٨) الف : هذا.

(٩) ج : ـ و

(١٠) الف : الفاض.

(١١) ب : الحموم ، ج : المجموع.

(١٢) ب : لغيرهما.


كقولنا : رجال والرّجال ومسلمون والمسلمون (١) ، فهذه ألفاظ (٢) تتناول (٣) كلّ الرّجال وجميع المسلمين (٤) صلاحا ، إذا لم يكن بين المخاطب والمخاطب عهد ينصرف (٥) ذلك إليه ، ولثلاثة بغير أعيانهم (٦) وجوبا ، ولا يجوز أن يستعمل في الواحد ولا (٧) الاثنين البتّة على سبيل الحقيقة.

فأمّا ألفاظ (٨) الجنس مثل قولنا الذّهب والفضّة والرّقيق (٩) والنّساء والنّاس فهي على ضربين.

أحدهما لا يجوز أن يراد به عموم (١٠) ولا خصوص (١١) ، ولا يتصوّران في مثله ، وإنّما يراد به (١٢) محض الجنسيّة (١٣) الّتي تميّزت من غيرها كقولنا ذهب وفضّة ورقيق ، فإنّ القائل إذا قال : الذّهب أحبّ إليّ من الفضّة ، وادّخار العين أولى من ادّخار الورق ، فلا عموم يتصوّر في قوله ولا خصوص ، بل الإشارة إلى (١٤) الجنسيّة من غير اعتبار لتخصيص (١٥) ولا تعميم ، وكذلك إذا قال : استخدام الرّقيق أحمد من استخدام الأحرار.

__________________

(١) ج : مسلمون.

(٢) الف : الفاض.

(٣) الف وج : يتناول.

(٤) ج : مسلمين.

(٥) ب : يتصرف.

(٦) ب : أعيانيهم ، ج : أنبيائهم.

(٧) الف : ـ لا.

(٨) الف : الفاض.

(٩) الف : الرفيق.

(١٠) الف : عموما.

(١١) الف : خصوصا.

(١٢) ج : ـ به.

(١٣) ج : الجنس.

(١٤) ب : في.

(١٥) ب : التخصيص.


وأمّا (١) لفظة النّاس والنّساء فقد يراد بهما في بعض المواضع المعنى الّذي ذكرناه من الجنسيّة من غير عموم ولا خصوص (٢) ، وقد تكون (٣) في موضع محتملة للعموم والخصوص ، كما قلناه في ألفاظ (٤) الجموع (٥) المشتقّة من الأفعال ، مثال القسم الأوّل قول القائل : فلان يحبّ النّساء ويميل إلى عشرتهنّ (٦) ، والنّاس خير من الجانّ ، ومثال الثّاني لقيت (٧) النّساء ، وجاءني النّاس. وأبو هاشم (٨) يوافقنا فيما ذكرناه من ألفاظ (٩) الجنس (١٠) خاصّة ، وإنّما أبو عليّ هو الذّاهب إلى استغراق ألفاظ (١١) الجنس (١٢) للكلّ.

فأمّا استعمال لفظ العموم في المعاني نحو قولهم : عمّهم الخصب (١٣) أو (١٤) الجدب (١٥) أو (١٦) المرض أو (١٧) الصّحّة فالأشبه أن يكون مستعارا مشبّها (١٨) بغيره ، لأنّا لا نفهم من إطلاق قولنا عموم وخصوص بالعرف المستقرّ إلاّ ما يعود إلى الألفاظ (١٩).

__________________

(١) الف : فأما.

(٢) ج : ـ بل الإشارة ، (ذيل صفحه قبل) تا اينجا.

(٣) الف وب : يكون.

(٤) الف : الفاض.

(٥) ب وج : المجموع.

(٦) ب : عشيرتهن.

(٧) الف : ـ لقيت.

(٨) ب : من ، بجاى وأبو هاشم ، ج : ـ وأبو هاشم.

(٩) الف : الفاض.

(١٠) ب : الحسن.

(١١) الف : الفاض.

(١٢) ب : الحسن.

(١٣) ب وج : الحصب.

(١٤) ج : و.

(١٥) الف : الجذب.

(١٦) ب وج : و.

(١٧) ب : و.

(١٨) الف : تشبها.

(١٩) الف : الألفاض.


ومن خالفنا من المتكلّمين والفقهاء يقول في كلّ ما قلنا (١) : « أنّه يستغرق من هذه الألفاظ (٢) صلاحا » : « أنّه يستغرق وجوبا ». وسيجيء الكلام في ذلك بعون الله ومشيّته.

فصل في ذكر الدّلالة على أنّه ليس للعموم المستغرق

لفظ يخصّه (٣)

واشتراك هذه الألفاظ (٤) الّتي يدّعى (٥) فيها الاستغراق.

الّذي يدلّ على ذلك أنّ كلّ لفظة (٦) يدّعون أنّها (٧) للاستغراق (٨) تستعمل (٩) تارة في الخصوص (١٠) ، وأخرى في العموم (١١) ، ألا ترى أنّ القائل إذا قال : من دخل داري أهنته أو أكرمته ، لا يراد به إلاّ الخصوص ، وقلّما يراد به العموم ، و(١٢) يقول : لقيت العلماء ، وقصدت الشّرفاء (١٣) ، و(١٤) هو يريد العموم تارة ، والخصوص أخرى ، وهذا معلوم ضرورة ، ممّا لا يقع

__________________

(١) ب وج : قلناه.

(٢) الف : الألفاض.

(٣) الف : لفظة تخصه.

(٤) الف : الألفاض.

(٥) ج : تدعى.

(٦) ب : لفظ.

(٧) ب : انه.

(٨) ج : ـ الّذي ، تا اينجا ، ب وج : + قد.

(٩) ب وج : يستعمل.

(١٠) ب وج : للعموم ، بجاى في الخصوص.

(١١) ب وج : الخصوص.

(١٢) ب : ـ و.

(١٣) ب : الشرق.

(١٤) ب : أو.


في مثله خلاف ، والظّاهر (١) من استعمال اللّفظة في شيئين أنّها مشتركة فيهما ، وموضوعة لهما ، إلاّ ان يوافقونا (٢) ، أو يدلّونا بدليل قاطع على أنّهم (٣) باستعمالها في أحدهما متجوّزون ، وهذه الجملة تقتضي (٤) اشتراك هذه الألفاظ (٥) ، واحتمالها العموم والخصوص ، وهو الّذي اعتمدناه.

فإن قيل : دلّوا على أنّ بنفس الاستعمال تعلم الحقيقة ، وهذا ينتقض بالمجاز ، لأنّهم قد استعملوه ، وليس بحقيقة ، ثمّ دلّوا على أنّهم استعملوا هذه الألفاظ (٦) في الخصوص على حدّ ما استعملوها (٧) في العموم ، فإنّا (٨) نخالف في ذلك ، ونذهب إلى أنّ كيفيّة الاستعمال مختلفة.

قلنا : أمّا الّذي يدلّ على الأوّل فهو أنّ لغتهم إنّما تعرف باستعمالهم ، وكما (٩) أنّهم إذا استعملوا اللّفظة (١٠) في المعنى الواحد ولم يدلّونا على أنّهم متجوّزون ، قطعنا (١١) على أنّها حقيقة فيه ، فكذلك (١٢) إذا استعملت في المعنيين المختلفين.

ويوضح ذلك أنّ الحقيقة هي الأصل (١٣) في اللّغة ، والمجاز طار

__________________

(١) ج : ظاهر.

(٢) ب وج : يوفقونا.

(٣) ب : انهما.

(٤) ب وج : يقتضى.

(٥) الف : الألفاض.

(٦) الف : الألفاض.

(٧) الف : استعملها.

(٨) ب : وانا.

(٩) الف : فكما.

(١٠) ج : اللفظ.

(١١) ب : قطعا.

(١٢) ب وج : وكذلك.

(١٣) الف : أصل.


عليها ، بدلالة أنّ اللّفظة (١) قد تكون (٢) لها حقيقة في اللّغة ولا مجاز لها ، ولا يمكن أن يكون مجاز (٣) لا حقيقة له ، فإذا (٤) ثبت ذلك ، وجب أن يكون الحقيقة هي الّتي يقتضيها (٥) ظاهر الاستعمال ، وإنّما ينتقل (٦) في (٧) اللّفظ المستعمل إلى أنّه مجاز بالدّلالة ، وأمّا المجاز فلا يلزم على ما ذكرناه ، لأنّ استعمال المجاز لو تجرّد عن توقيف أو دلالة على أنّ المراد به المجاز والاستعارة ، لقطعنا به على الحقيقة ، لكنّا عدلنا بالدّلالة عمّا يوجبه ظاهر الاستعمال ، ألا ترى أنّه لا أحد خالط (٨) أهل اللّغة إلاّ وهو يعلم من حالهم ضرورة أنّهم إنّما (٩) سمّوا البليد حمارا والشّديد أسدا (١٠) على سبيل التّشبيه والمجاز ، فكان يجب أن يثبت مثل ذلك في إجراء (١١) لفظ العموم على الخصوص.

وأمّا المطالبة لنا بأن ندلّ على أنّ كيفيّة الاستعمال واحدة ، فإنّا (١٢) لم ندّع ذلك في استدلالنا فيلزمنا الدّلالة عليه ، وإنّما ادّعينا الاستعمال ، ولا شبهة فيه ، ومن ادّعى أنّ كيفيّة الاستعمال مختلفة ، فعليه الدّلالة.

__________________

(١) ب : اللفظ.

(٢) ب وج : يكون.

(٣) ب : مجازا.

(٤) الف : وإذا.

(٥) ج : بعضها.

(٦) ج : ينقل.

(٧) الف : من.

(٨) ب : خالطا.

(٩) ب : ـ انما.

(١٠) ب : اسرا.

(١١) ب : أجزأ ، ج : آجر ، بالمد.

(١٢) ج : واما.


على أنّا (١) نقول لمن ادّعى اختلاف كيفيّة الاستعمال : أ تريد (٢) بذلك أنّ الصّيغة الّتي يراد بها العموم لا تستعمل (٣) على صورتها في الخصوص ، أم تريد (٤) أنّ اللّفظ يستعمل مجرّدا في العموم ، وفي الخصوص يفتقر (٥) إلى قرينة ودلالة.

والأوّل يفسد بأنّا ندرك الصّيغة متّفقة عند استعمالها في الأمرين ، ولو اختلفتا (٦) لأدركناهما كذلك ، وقد بيّنّا في هذا الكتاب (٧) أنّ نفس الصّيغة الّتي يراد بها العموم كان يجوز أن يراد بها الخصوص ، حيث تكلّمنا في أنّ ما يوجد أمرا كان يجوز أن يوجد نفسه ولا يكون أمرا.

على أنّ أكثر مخالفينا في العموم يذهبون إلى أنّ لفظ العموم إذا أريد به الخصوص كان مجازا ، وعندهم أنّ اللّفظ لا يكون مجازا (٨) إلاّ إذا استعمل على صورته وصيغته فيما لم يوضع له.

وأمّا القسم الثّاني فهو محض الدّعوى ، وبناء على المذهب الّذي نخالف (٩) فيه ، فكأنّهم قالوا : أنّ اللّفظ موضوع في اللّغة (١٠) على الحقيقة

__________________

(١) ج : ـ انا.

(٢) ب : يريد.

(٣) ج : يستعمل.

(٤) ب : تريدون.

(٥) ب : مفتقرا ، ج : مفتقر.

(٦) ج : اختلفنا.

(٧) الف : الباب.

(٨) الف : ـ مجازا.

(٩) ب : يخالف.

(١٠) ب وج : العموم ، بجاى اللغة.


للعموم (١) ، وإنّما يتجوّز (٢) به (٣) في الخصوص ، وفي ذلك (٤) الخلاف ، وعليه يطالبون بالدّلالة ، ولا فرق بينهم وبين من عكس هذا عليهم ، وقال لهم : بل هذه اللّفظة موضوعة على الحقيقة للخصوص ، وإذا استعملت في العموم فبالقرينة (٥) والدّلالة ، فقد ذهب قوم إلى ذلك ، وهم أصحاب الخصوص.

وقد مثّل أصحابنا حالنا وحال مخالفينا (٦) في هذه النّكتة بمن ادّعى أنّ زيدا في الدّار ، وادّعى خصمه أنّ زيدا وعمراً فيها (٧) ، و(٨) قالوا : من ادّعى أنّ عمراً مع زيد في الدّار فقد (٩) وافق (١٠) في أنّ زيدا في الدّار (١١) ، وإنّما ادّعى أمرا زائدا على ما اتّفق مع خصمه عليه (١٢) ، فالدّلالة لازمة له ، دون خصمه ، فإذا (١٣) قال خصومنا : الصّيغة لا تستعمل (١٤) في الخصوص إلاّ مع قرينة ، فقد (١٥) سلّموا لنا الاستعمال ، وادّعوا أمرا زائدا عليه ، فالدّلالة تلزمهم (١٦) دوننا (١٧).

__________________

(١) ب وج : ـ للعموم.

(٢) ب : يجوز.

(٣) ب : فيه.

(٤) ج : + هو.

(٥) ب : القرينة ، بجاى فبالقرينة.

(٦) الف : مخالفنا.

(٧) ب وج : في الدار.

(٨) الف وج : ـ و.

(٩) الف : قد.

(١٠) ب وج : وافقه.

(١١) الف : فيها.

(١٢) ب : ـ عليه.

(١٣) الف : وإذا.

(١٤) ج : يستعمل.

(١٥) الف : قد.

(١٦) ج : يلزمهم.

(١٧) الف : ـ دوننا.


و(١) قد يمكن الطّعن على هذا بأن نقول (٢) : أنتم تدّعون استعمالا (٣) عاريا من قرينة ، لأنّكم لو ادّعيتم محض الاستعمال ، للزمكم أن يكون المجاز كلّه حقيقة ، لأنّه مستعمل ، وإذا ادّعيتم نفي القرينة ، لزمكم أن تدلّونا (٤) ، فإنّا لا نسلّم ذلك ، كما يلزمنا أن ندلّ (٥) على إثبات القرينة إذا ادّعيناها ، وتجرون (٦) في هذا الحكم (٧) مجرى من ادّعى أنّ زيدا وحده في الدّار ، وآخر (٨) يدّعى أنّ معه عمراً ، في أنّ كلّ واحد يلزمه الدّلالة ، واتّفاقهما على أنّ زيدا في الدّار ليس باتّفاق على (٩) موضع الخلاف من التّوحّد (١٠) أو (١١) الاقتران ، وهذا (١٢) أجود شيء يمكن أن يسألونا عنه.

والجواب أنّ الأصل في الاستعمال التّعرّي من القرائن والدّلائل ، لأنّ الأصل هو الحقيقة الّتي لا تحتاج (١٣) إلى قرينة ، وإنّما يحتاج المجاز للعدول به (١٤) عن الأصل إلى مصاحبة القرينة ، (١٥) فلمّا (١٦) ادّعينا

__________________

(١) ج : ـ و.

(٢) الف : يقولوا ، ج : يقول.

(٣) ج : الاستعمال.

(٤) الف : تدلوا ، ب : تداونا.

(٥) ج : تدل.

(٦) ج : يجرون.

(٧) ج : حكم ، بجاى هذا الحكم.

(٨) ب : فاخر.

(٩) ج : ـ على.

(١٠) ب : التوحيد.

(١١) ب : و.

(١٢) ج : هنا.

(١٣) ب وج : يحتاج.

(١٤) ج : ـ به.

(١٥) ب وج : + ونحن.

(١٦) ب وج : فانما.


ما هو الأصل فلا دلالة علينا ، وادّعى خصومنا أمرا زائدا على الأصل فعليهم الدّلالة.

وأيضا فإنّنا (١) نتمكّن من الدّلالة على صحّة ما ادّعيناه (٢) من غير بناء (٣) على موضع الخلاف ، لأنّا نقول : إن كانت القرينة هي العلم الضّروريّ بتوقيف أهل اللّسان على ذلك ، كما علمناه في حمار وأسد ، فكان (٤) يجب ألاّ يقع خلاف في ذلك مع العلم الضّروريّ ، كما لم يقع (٥) خلاف في أسد وحمار ، وإن كانت القرينة مستخرجة (٦) بدليل وتأمّل ، وقد نظرنا (٧) فما عثرنا على ذلك ، ومن ادّعى طريقا إلى إثبات هذه القرينة فواجب عليه أن يشير إليه ، ليكون الكلام فيه ، وخصمنا لا يمكنه أن يدلّ على أنّ استعمال هذه اللّفظة في الخصوص لا بدّ فيه من قرينة إلاّ بأن يصحّ مذهبه في أنّ ذلك مجاز وعدول عن الحقيقة ، وهذا (٨) هو نفس المذهب.

وممّا يقال لهم كيف وجب في كلّ شيء تجوّز (٩) أهل اللّغة به (١٠) من الألفاظ (١١) ، واستعملوه في غير ما وضع له ، كالتّشبيه الّذي ذكرناه

__________________

(١) ب وج : فانا.

(٢) ب وج : ادعينا.

(٣) ب : غيرنا.

(٤) ب : وكان.

(٥) ج : ـ خلاف ، تا اينجا.

(٦) ب : تستخرجه.

(٧) ج : ـ نظرنا.

(٨) ج : هنا.

(٩) ج : يجوز.

(١٠) ب : ـ به.

(١١) الف : الألفاض.


في حمار وبليد ، وكالحذف في قوله تعالى : ﴿ وَجاءَ رَبُّكَ و﴿ اسْألِ (١) الْقَرْيَةَ ، والزّيادة في قوله : ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، ونظائر ذلك وأمثاله ، وما يتفرّع (٢) إليه ويتشعّب (٣) ، أن يعلم أنّهم بذلك متجوّزون ، وقارنون إلى اللّفظ ما يدلّ على المراد ضرورة بغير إشكال ، ولا حاجة إلى نظر واستدلال ، ولم يجب مثل ذلك في استعمال صيغة العموم في الخصوص ، وهو ضرب من ضروب المجاز عندكم (٤) ؟ ، فألاّ (٥) لحق بهذا الباب كلّه في حصول العلم ؟.

ويمكن أن يترتّب (٦) استدلالنا على هذه العبارة ، فنقول : قد ثبت بلا شكّ استعمال هذه اللّفظة في العموم والخصوص ، وما وقّفنا (٧) أهل اللّغة ولا علمنا ضرورة من حالهم مع المداخلة لهم أنّهم متجوّزون بها في الخصوص ، كما علمنا منهم ذلك (٨) في صنوف المجازات على اختلافها ، فوجب أن تكون (٩) مشتركة.

فإن (١٠) قيل لنا : فلعلّ كونهم متجوّزين بها في الخصوص يعلم بالاستدلال ، دون الضّرورة ، فلم قصرتم هذا العلم على الضّرورة.

__________________

(١) ب سيل ، ج سئل.

(٢) ب : يفرع ، ج : تفرع.

(٣) ب وج : تشعب.

(٤) الف : عندهم ، نسخه بدل عندكم.

(٥) ب : والا.

(٦) ب : ترتب ، ج : يرتب.

(٧) ج : وقفناه.

(٨) ب وج : ذلك منهم.

(٩) ج : يكون.

(١٠) ب : فإذا.


قلنا : كيف وقف هذا الباب من المجاز على الاستدلال ، ولم يقف غيره من ضروب (١) المجازات في كلامهم (٢) على الاستدلال (٣) ، لو لا بطلان هذه الدّعوى ، وفي (٤) خروج هذا (٥) الموضع عن بابه دلالة على خلاف مذهبكم ، وليس تجد (٦) هذا الدّليل مستقصى (٧) في شيء من كتبنا السّالفة على هذا الحدّ ، فقد (٨) بلغنا غايته.

دليل آخر : وممّا يدلّ أيضا (٩) على صحّة مذهبنا أنّ استفهام المخاطب بهذه الألفاظ (١٠) عن مراده (١١) في خصوص أو عموم يحسن من المخاطب بغير ريب وموضوع الاستفهام إذا وقع طلبا للعلم والفهم (١٢) يقتضى احتمال اللّفظ واشتراكه بدلالة أنّه (١٣) لا يحسن دخوله فيما لا احتمال فيه ولا اشتراك ألا ترى أنّه لا (١٤) يحسن أن يستفهم عن مراده من قال (١٥) : ركبت فرسا ، ولبست ثوبا ، لاختصاص

__________________

(١) ج : الضروب.

(٢) ج : كلام.

(٣) الف : ـ على الاستدلال.

(٤) ب : ـ في.

(٥) ج : هذه.

(٦) ب وج : نجد.

(٧) ب : مستفضى ، ج : مستغنى.

(٨) ب وج : وقد.

(٩) الف : ـ أيضا.

(١٠) الف : الألفاض.

(١١) ب : مرادو.

(١٢) الف : + ان.

(١٣) ج : انهم.

(١٤) ج : ـ لا.

(١٥) ج : فلان ، بجاى قال.


اللّفظ وفقد احتماله ، ويحسن أن يستفهم من قال : رأيت عينا ، عن (١) أيّ عين رأى ؟ وهذه الجملة (٢) تقتضي (٣) اشتراك هذه الألفاظ (٤) بين الخصوص والعموم.

ومن خالف في حسن الاستفهام بحيث ذكرناه (٥) ، لا يخلو من أن يكون قائلا بحسن (٦) الاستفهام في موضع من الكلام ، أو (٧) ليس يحسن (٨) أصلا ، فإن ذهب إلى الأوّل ، قيل (٩) له : بيّن (١٠) لنا (١١) حسن الاستفهام أين (١٢) شئت من الكلام ، حتى نسوّي (١٣) بينه وبين حسنه (١٤) في الخصوص والعموم (١٥) ، وإن أراد (١٦) الثّاني ، كان مكابرا دافعا للضّرورة ، فكيف (١٧) يقال ذلك ، وقد جعل أهل اللّغة الاستفهام ضربا مفردا (١٨) من ضروب الكلام ، وخصّوه (١٩) بحروف ليست لغيره.

__________________

(١) الف : ـ عن.

(٢) ج : ـ الجملة.

(٣) ب وج : يقتضى.

(٤) الف : الألفاض.

(٥) ب وج : ذكرنا.

(٦) ب : يحسن.

(٧) ب : + لا.

(٨) ج : بحسن.

(٩) ج : ـ قيل.

(١٠) ب : نيز.

(١١) الف وج : ـ لنا.

(١٢) ب وج : ان ، بجاى اين.

(١٣) ج : تسوى.

(١٤) ج : جنسه.

(١٥) ج : العموم والخصوص.

(١٦) ب : اطراد.

(١٧) الف : وكيف.

(١٨) ب وج : منفردا.

(١٩) ج : خصوصه.


فإن قيل : وجه حسن الاستفهام في ألفاظ (١) العموم تجويز المخاطب أن يريد مخاطبه الخصوص على وجه (٢) المجاز.

قلنا : هذا يقتضى حسن الاستفهام في كلّ خطاب ، وعن كلّ حقيقة ، لأنّ هذه العلّة موجودة ، وقد علمنا اختصاص حسن الاستفهام بموضع دون غيره ، فعلمنا أنّ علّته خاصّة غير عامّة.

وبعد ، فإنّ المخاطب إذا كان حكيما ، وخاطب بالمجاز ، فلا بدّ من أن يدلّ من يخاطبه على أنّه عادل عن الحقيقة ، وهذان الوجهان يسقطان قولهم. أنّ وجه حسن الاستفهام أنّ السّامع يجوّز أن يكون مخاطبه أراد المجاز ، ودلّ عليه بدلالة خفيت على (٣) السّامع.

فإن قيل : ما أنكرتم أن يكون الاستفهام إنّما يحسن مع اقتران اللّفظ ، لا مع إطلاقه.

قلنا : اللّفظ الوارد لا يخلو من أقسام ثلاثة : إمّا أن يرد مطلقا ، أو مقترنا بما يقتضى العموم ، أو يقترن بما يقتضى الخصوص ، ومع الوجهين الآخرين لا يحسن الاستفهام ، لحصول العلم بعموم أو خصوص ، فثبت أنّه إنّما يحسن مع الإطلاق.

فإن قيل : الاستفهام يحسن على أحد وجهين : إمّا أن يكون

__________________

(١) الف : الفاض.

(٢) ب وج : جهة.

(٣) ب وج : عن.


المخاطب يعتقد أنّ لفظ العموم مشترك ، فيستفهم لذلك (١) ، أو يكون المخاطب قد (٢) يعتقد ذلك ، فيحسن استفهامه ، لتجويز أن يعدل من (٣) معنى إلى معنى في الألفاظ (٤) المشتركة.

قلنا : كلامنا إنّما هو في حسن (٥) استفهام أهل اللّغة ، ومن لا مذهب له في العموم والخصوص يعرف (٦).

وبعد ، فقد يحسن استفهام من لا يعرف مذهبه في هذا الباب ، ويستحسن النّاس أيضا استفهام من يرونه يستفهم عن هذه الألفاظ (٧) ، وإن لم يعرفوا شيئا (٨) ممّا ذكر في السّؤال.

فإن قيل : هذه الطّريقة تقتضي (٩) اشتراك جميع الألفاظ (١٠) ، لأنّه يحسن ممّن سمع قائلا يقول : ضربت أبى ، أو شتمت الأمير ، أن يقول مستفهما أباك (١١) ؟ الأمير ؟ فيجب بطلان الاختصاص في الألفاظ (١٢).

قلنا : الاستفهام إنّما يطلب به (١٣) المعرفة وقد يرد بصورته ما ليس باستفهام فقول القائل : أباك ! الأمير ! إنّما هو استكبار واستعظام (١٤) وليس باستفهام ، ألا ترى أنّه لا يحسن أن يقول أضربت

__________________

(١) ب وج : بذلك ، الف : + أو يكون ، ج : + ان يكون.

(٢) الف : ـ قد.

(٣) ب : عن.

(٤) الف : الألفاض.

(٥) الف : ـ حسن.

(٦) ج : يعترف.

(٧) الف : الألفاض.

(٨) ب : سببا.

(٩) ب وج : يقتضى.

(١٠) الف : الألفاض.

(١١) ب : أتاك.

(١٢) الف : الألفاض.

(١٣) الف : ـ به.

(١٤) الف : استعضام.


أباك أم لم تضربه ؟

فإن قيل (١) : فقد يستفهم من قال : « صمت شهرا » ، و « له عندي عشرة » ، عن (٢) كمال الشّهر ، و(٣) العشرة ، وكذلك إذا قال : « لقيت الأمير » ، و « جاءني فلان » ، يحسن أن يقال لقيت (٤) الأمير نفسه ؟ أو (٥) جاءك فلان بنفسه ؟

قلنا : أمّا لفظة شهر ، فإنّها تقع (٦) على الثّلاثين ، وعلى التّسعة وعشرين ، وهو في الشّريعة والعرف اسم للأمرين (٧) ، فالاستفهام (٨) في (٩) موضعه ، وقد أجرى قوم العشرة هذا المجرى ، وعوّلوا على قوله ـ سبحانه ـ ﴿ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ والأجود أن يقال : أنّ أحدا (١٠) لا يستحسن (١١) استفهام حكيم (١٢) إذا أطلق قوله : « عندي عشرة » عن كمالها و(١٣) نقصانها.

ومن قال لمن (١٤) يسمعه يقول : « جاءني الأمير » : أ جاءك الأمير

__________________

(١) ج : قلنا.

(٢) ج : ـ عن.

(٣) ب وج : + عن.

(٤) الف : ـ لقيت.

(٥) ب وج : و.

(٦) الف : فيقع ، بجاى فانها تقع ، ج : يقع ، بجاى تقع.

(٧) الف : الأمرين.

(٨) ب : والاستفهام.

(٩) ب : ـ في.

(١٠) ب : ـ أحدا.

(١١) ج : يستحق.

(١٢) الف : ـ الحكيم ، + الا.

(١٣) ب : أو.

(١٤) ب : + لم.


بنفسه ! ليس بمستفهم ، وإنّما هو مستكبر مستعظم ، كما تقدّم ، ولا يجوز أن يقال في غير الأمير ومن جرى مجراه (١) ذلك إلاّ على سبيل الاستفهام ، دون التّعجّب والاستكبار ، والتّأمّل يكشف عن ذلك.

ووجدت بعض من يشار إليه في أصول الفقه يطعن على هذا الدّليل بأنّ الاستفهام في ألفاظ العموم إنّما حسن طلبا للعلم الضّروريّ ، أو (٢) لقوّة الظّنّ بالأمارات.

وهذا يقتضى حسن الاستفهام في كلّ كلام ، وعن (٣) كلّ حقيقة ، لعموم هذه العلّة (٤).

وقد تعلّق القائلون بالعموم بأشياء :

أوّلها أنّ المستفهم لغيره بقوله : من عندك ؟ يحسن أن يجاب بذكر آحاد العقلاء (٥) وجماعتهم (٦) ، ولا عاقل (٧) إلاّ ويصحّ أن يكون مجيبا بذكره ، ولا يصحّ أن يجيبه بذكر البهائم ، فلو لا استغراق اللّفظ (٨) ، لما وجب هذا الحكم ، ولجاز (٩) في بعض الأحوال أن

__________________

(١) ج : مجرى.

(٢) الف : و.

(٣) ب : على.

(٤) الف : + للكلام.

(٥) ب : العقد.

(٦) ج : جماعاتهم.

(٧) ج : + و.

(٨) الف : اللفظة.

(٩) ب : يجاز ، ج : مجاز.


يكون الجواب عنها بذكر بعض (١) العقلاء جاريا (٢) مجرى الجواب بذكر بعض البهائم. وأكّدوا هذه الطّريقة بأن قالوا : إنّما عدلوا عن الاستفهام عن كلّ شخص باللّفظ الموضوع له ، حتّى يقولوا : أ زيد عندك ؟ أ فلان عندك ؟ (٣) ويعدّوا (٤) كلّ عاقل ، لاستطالة ذلك ، فاختصروا بالعدول إلى لفظة من ، فيجب أن تقوم (٥) في الغرض مقام الاستفهام عن كلّ عاقل باسمه ، وقالوا في عموم لفظة ما مثل ذلك.

وثانيها أنّ القائل إذا قال : « من دخل داري ضربته » حسن أن يستثنى كلّ عاقل من هذه الجملة ، ومن شأن الاستثناء أن يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله تحته (٦) بدلالة قبح استثناء البهائم من هذه الجملة ، لما لم يجب دخولها فيه (٧).

وثالثها أنّ الاستغراق معنى معقول لأهل اللّغة ، وممّا تدعوهم الدّواعي إلى الإخبار عنه ، فلا بدّ أن يضعوا له عبارة تنبئ عنه ، كما فعلوا ذلك في كلّ شيء عقلوه من المعاني ، ودعتهم (٨) الدّواعي إلى الإخبار عنه ، وإذا (٩) وجب أن يضعوا عبارة ، فلا شيء من الألفاظ (١٠) بذلك

__________________

(١) الف : ببعض.

(٢) الف : جار.

(٣) ب وج : ـ أ فلان عندك.

(٤) ب : تعدوا.

(٥) ب وج : يقوم.

(٦) الف : ـ تحته.

(٧) الف : ـ فيه.

(٨) ج : دعوتهم.

(٩) ب وج : فإذا.

(١٠) الف : الألفاض.


أولى من الألفاظ (١) الّتي (٢) نذهب (٣) إلى عمومها.

ورابعها أنّ العموم قد أكّد بتأكيد معيّن ، وكذلك الخصوص ، فكما اختلف (٤) التّأكيدان (٥) في وضع (٦) اللّغة ، لا بالقصد ، فكذلك (٧) يجب في المؤكّد.

وخامسها أنّ لفظة من لا بدّ لها من حقيقة في وضع اللّغة ، وإذا لم يجز أن تكون (٨) موضوعة لبعض من العقلاء معيّن أو غير معيّن ، ولا لجميعهم على البدل ، وجب أن يكون (٩) الجميع على الاستغراق.

وسادسها أنّا قد علمنا أنّ كلّ من أراد أن يخبر عن الاستغراق لا بدّ (١٠) له من استعمال هذه الألفاظ (١١) الّتي نذهب إلى أنّها مستغرقة ، فيجب (١٢) أن تكون (١٣) موضوعة له ، لأنّه لا مندوحة عنها ، وجرى ذلك مجرى كلّ الحقائق الّتي يفزع (١٤) فيها إلى (١٥) العبارات الموضوعة (١٦) لها.

__________________

(١) الف : ـ الألفاظ.

(٢) الف : الّذي.

(٣) ب : يذهب.

(٤) ب : نكاله خلف ، بجاى فكما اختلف.

(٥) ب وج : التأكيد

(٦) ب وج : موضع.

(٧) ب وج : وكذلك.

(٨) ج : يكون.

(٩) الف : تكون.

(١٠) ب وج : فلا بدّ.

(١١) الف : الألفاض.

(١٢) ج : فيكون.

(١٣) ج وب : يكون.

(١٤) ب : تفرع.

(١٥) ب : ـ إلى.

(١٦) ج : الموضوعات.


والجواب (١) عمّا ذكروه أوّلا أنّكم قد اقتصرتم في قاعدة هذه الشّبهة على الدّعوى ، ونحن لا نسلّم لكم أنّ من استفهم بلفظة من ولم (٢) يعرف من قصد المخاطب (٣) بعادة (٤) أو قرينة أنّه أراد الشّمول يحسن أن يجيبه (٥) بذكر كلّ عاقل ، وإنّما يحسن أن يجيبه بذلك إذا علم عموم استفهامه بطريق منفصل ، فما الدّليل على ما ادّعيتموه.

والّذي يوضح ما ذكرناه (٦) أنّه يحسن إذا قيل له : « من عندك » أن يقول (٧) : أ (٨) من النّساء أو الرّجال ؟ ومن (٩) الأحرار أو العبيد ؟ وكذلك (١٠) إذا قيل له : ما أكلت (١١) ؟ يقول : أ (١٢) من الحلو أو الفاكهة ؟ ومن كذا أو كذا ؟ وهذا (١٣) يدلّ على اشتراك اللّفظ بين العموم والخصوص.

وأمّا (١٤) قولهم (١٥) : « جاز أن يكون ذكر بعض العقلاء كذكر بعض البهائم » فباطل ، وذلك أنّ لفظة من عندنا وإن لم تكن (١٦) موضوعة لوجوب استغراق العقلاء ، فهي تصلح (١٧) لأن (١٨) يقصد بها إلى

__________________

(١) الف : فالجواب.

(٢) ب وج : لا.

(٣) الف : + أو.

(٤) ج : بعبادة.

(٥) ب : يحسبه.

(٦) ج : ذكره.

(٧) ب : يقال.

(٨) ب وج : ـ أ.

(٩) ج : أو ، بجاى ومن.

(١٠) ج : + و.

(١١) ج : أكلت بضم التاء.

(١٢) ب وج : ـ أ.

(١٣) ج : هنا.

(١٤) الف : فاما.

(١٥) الف : + و.

(١٦) ج : يكن.

(١٧) ب : يصلح.

(١٨) الف وج : ان.


الاستفهام عن جميعهم ، كما يصلح أن يقصد بها إلى (١) الاستفهام عن بعضهم ، وهي حقيقة في الأمرين ، ولا يصلح في (٢) وضع اللّغة للاستفهام (٣) بها عن البهائم.

وليس معنى قولنا أنّها لا تصلح هو أنّ المتكلّم لا يصحّ أن يقصد بها (٤) إلى ذلك ، فتكون (٥) عبارة عنه ، لأنّه لا لفظ من الألفاظ إلاّ ويمكن أنّ يقصد به إلى كلّ معنى ، فيكون عبارة عنه (٦) ، وإن لم يصلح (٧) له ، ومعنى (٨) قولنا (٩) أنّها لا تصلح أي لا تكون (١٠) حقيقة في ذلك متى قصد بها (١١) إليه ، ويكون المتكلّم بها عادلا عن (١٢) مذهب أهل اللّغة.

فأمّا عدولهم عن ألفاظ (١٣) الاستفهام إلى لفظة من فلأنّهم لا يبلغون بغيرها ما يبلغون بها ، وذلك أنّ (١٤) الاستفهام بذكر كلّ واحد باسمه إمّا ان لا يمكن (١٥) ، أو يطول ، وليس في سائر الألفاظ (١٦) ما يصلح أن يقصد به إلى الاستخبار عن سائر العقلاء جمعا (١٧) وافتراقا (١٨)

__________________

(١) ب وج : ـ ان يقصد بها إلى.

(٢) ب : ـ في.

(٣) الف : الاستفهام.

(٤) ب : يقصدها.

(٥) الف وج : فيكون.

(٦) ج : ـ لأنه ، تا اينجا.

(٧) الف : تصلح.

(٨) ج : فاما.

(٩) ب : قولها.

(١٠) ب وج : يكون.

(١١) الف : قصدتها.

(١٢) ج : على.

(١٣) الف : الفاض.

(١٤) ج : ـ ان.

(١٥) ج : لا يكون ، بجاى ان لا يمكن.

(١٦) الف : الألفاض.

(١٧) ب وج : جميعا.

(١٨) ج : افترقا.


إلاّ لفظة من ، فهذه مزيّة (١) لها على غيرها ظاهرة.

وممّا يبطل ما ادّعوه (٢) من قيامها مقام ذكر كلّ عاقل بعينه (٣) ، أنّه لو كان كذلك لقبح من الاستفهام عند ذكر هذه اللّفظة ما يقبح (٤) مع ذكر كلّ عاقل بعينه ، وقد علمنا حسن (٥) أحد الأمرين وقبح الآخر.

والجواب عمّا ذكروه ثانيا أنّ المعروف في الاستثناء من (٦) مذهب أهل اللّغة (٧) خلاف ما ادّعيتم ، وإنّما يخرج الاستثناء عندهم ما جاز أو صحّ دخوله ، دون ما وجب ، وإنّما صحّ استثناء كلّ عاقل من قول القائل : من دخل داري أكرمته (٨) ، لصحّة دخوله (٩) تحت هذه اللّفظة ، وصلاح هذه اللّفظة للاشتمال (١٠) على الكلّ ، ولمّا لم تصلح (١١) أن تشتمل على البهائم ، لم يحسن (١٢) استثناؤها ، لأنّ استثناء ما لا يصحّ (١٣) دخوله تحت اللّفظ ليس يحسن.

__________________

(١) ج : مزيد.

(٢) ج : ادعوا.

(٣) الف : ـ بعينه.

(٤) ب : يفتح.

(٥) ج أحسن.

(٦) ب : ـ من.

(٧) ب وج : + و.

(٨) الف : ـ من قول ، تا اينجا.

(٩) ب وج : دخول كل عاقل.

(١٠) ب : الاشتمال.

(١١) ب وج : يصلح.

(١٢) ب : يصح.

(١٣) الف : يصلح


فإن قالوا : الاستثناء من لفظ العموم كالاستثناء من ألفاظ (١) الأعداد ، فكما أنّ الاستثناء من العدد يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله ، فكذلك (٢) الاستثناء من لفظ العموم.

قلنا (٣) : ليس بواجب أن يكون الاستثناء من الأعداد إذا كان يخرج ما لولاه لوجب دخوله أن يكون جميع الاستثناء كذلك ، وغير منكر أن يكون (٤) الاستثناء إنّما وضع لأن يخرج ما لولاه لصحّ (٥) دخوله في الكلام ، فإن (٦) أخرج في بعض المواضع ما لولاه لوجب دخوله ، فلأنّ (٧) فيما يجب دخوله الصحّة وزيادة ، وهذا كما يقول (٨) أهل التّوحيد أنّ الحيّ من صحّ أن يكون عالما و(٩) قادرا ، فإذا عورضوا بالقديم ـ سبحانه ـ قالوا : الوجوب يشتمل على الصّحّة ويزيد عليها.

وقد كان الخالديّ وجماعة ممّن (١٠) خلاف في العموم سوّوا (١١) في الاستثناء بين ألفاظ (١٢) العموم والأعداد ، والّذي ذكرناه أوّلا (١٣)

__________________

(١) الف : الفاض.

(٢) ب : فلذلك ، ج : ـ فكذلك.

(٣) ج : فكذلك ، بجاى قلنا.

(٤) الف : ـ يكون.

(٥) الف : لصلح.

(٦) الف ج : وان.

(٧) الف : لأن ، ب : + لدخول ، ج : + لدخل.

(٨) ب يقوله.

(٩) الف : ـ و.

(١٠) ج : مما.

(١١) الف : سوى ، ج : السور.

(١٢) الف : الفاض.

(١٣) ب : ـ أولا.


أولى بالاعتماد (١) عليه.

فإن قالوا : هذا الّذي ذهبتم إليه يؤدّى إلى جواز وقوع الاستثناء في النّكرات ، وقد علمنا فساده.

قلنا : إنّ (٢) الاستثناء من النّكرات ينقسم إلى استثناء معرفة من نكرة ، وإلى استثناء نكرة من نكرة : فأمّا استثناء المعرفة من النّكرة ، فلا شبهة في حسنه وجوازه عند أهل (٣) العربيّة ، لأنّهم يقولون : الق (٤) قوما إلاّ زيدا (٥) ، واضرب جماعة إلاّ عبد الله. فأمّا استثناء النّكرة من النّكرات فقد قال أبو بكر ابن السّرّاج في كتابه المعروف بالأصول في النّحو : ولا يجوز أن يستثنى النّكرة من النّكرات في الموجب ، لأنّه (٦) لا يجوز أن تقول (٧) جاءني قوم (٨) إلاّ رجلا ، لأنّ هذا لا فائدة فيه ، قال : فإن خصّصته ، (٩) أو نعته ، جاز ، فهذا تصريح بحسن الاستثناء من النّكرة.

وممّا يبطل ما (١٠) اعتمدوه (١١) في باب الاستثناء أنّ القائل إذا قال

__________________

(١) ب وج : في الاعتماد.

(٢) ب وج : ـ ان.

(٣) الف : + اللغة و.

(٤) ج : التي.

(٥) ب : ـ الا زيدا.

(٦) الف : ـ لأنه.

(٧) ج : يقول.

(٨) الف : قومه.

(٩) الف : خصصه.

(١٠) ب : فما.

(١١) ج : ادعتموه.


لغيره : الق جماعة من العلماء ، واقتل (١) فرقة من الكفّار ، حسن أن يستثنى ، كلّ واحد من العلماء والكفّار (٢) ، فيقول : إلاّ فلانا ، وإلاّ الفرقة الفلانيّة ، ولا أحد (٣) منهم إلاّ ويحسن أن يستثنى ، فلو كان الاستثناء يخرج من الكلام (٤) ما لولاه لوجب دخوله في اللّفظ (٥) ، لوجب أن يكون قولنا « فرقة » و « جماعة » مستغرقا لجميع الكفّار والعلماء ، كما قالوا في لفظة من ، وليس هذا قولهم ، ولا (٦) قول أحد.

وبعد ، فإنّ أبا هاشم ومن ذهب مذهبه في أنّ ألفاظ (٧) الجنس والجموع لا تستغرق (٨) ، لا يستمرّ له دليل الاستثناء ، لأنّ حسن استثناء (٩) كلّ عاقل من قولنا : جاءني النّاس ، واستثناء كلّ مشرك (١٠) من قوله : اقتلوا (١١) المشركين (١٢) ، ظاهر ، وإن لم تكن (١٣) هذه الألفاظ (١٤) عنده مستغرقة كلفظة من وما ، فما المانع من أن يكون الاستثناء من لفظة من وما بهذه المنزلة.

والجواب عمّا ذكروه ثالثا أنّ هذا منهم إثبات لغة بقياس واستدلال ،

__________________

(١) ج : استقل.

(٢) ج : الكافر.

(٣) ج : أحدا.

(٤) ج : الكافر.

(٥) الف : ـ في اللفظ.

(٦) الف : ليس.

(٧) الف : الفاض.

(٨) ب وج : يستغرق.

(٩) ج : الاستثناء.

(١٠) ج : مشترك.

(١١) ب وج : اقتل.

(١٢) ج : المشتركين.

(١٣) ب وج : يكن.

(١٤) الف : اللفظة.


وذلك ممّا (١) لا يجوز فيما طريقه اللّغة.

وبعد ، فليس يخلو قولهم : لا بدّ أن يضعوا (٢) عبارة ، من أن يريدوا (٣) أنّه واجب عليهم أن يفعلوا (٤) ذلك ، أو لا بدّ أن يقع على سبيل القطع : فإن كان الأوّل ، فمن أين لهم أنّهم لا بدّ أن يفعلوا (٥) الواجب ، ولا يخلّوا (٦) به ، وليس في وجوب الشّيء دلالة على وقوعه ، إلاّ أن يتقدّم العلم بأنّ من وجب عليه لا يترك الواجب ، وهذا ممّا لا يدّعى (٧) على (٨) أهل اللّغة. وإن أرادوا القسم الثّاني ، فيجب أن يكون القوم ملجئين إلى وضع العبارات ، وهذا بعيد (٩) ممّن بلغ إليه ، لأنّه لا وجه يلجئ (١٠) القوم إلى ذلك ، لا سيّما وهم متمكّنون من إفهام ما عقلوه من المعاني ـ إذا قويت دواعيهم إلى إفهامها (١١) ـ بالإشارة ، على اختلاف أشكالها.

وقد كان يجب أيضا أن يقطع على ثبوت لفظ (١٢) الاستغراق في كلّ لغة ، للعلّة الّتي ذكروها (١٣).

__________________

(١) الف : ما.

(٢) الف : تضعوا.

(٣) ج : + به.

(٤) الف : ـ أن يفعلوا.

(٥) ج : يفعل.

(٦) ج : يخل.

(٧) الف وب وج : يدعى.

(٨) الف : في.

(٩) الف : بعد.

(١٠) الف : يلجي ، ج : ملجئ.

(١١) الف : إفهامهم.

(١٢) الف : لفظة.

(١٣) ب وج : ذكرناها.


وكان يجب أيضا في كلّ من عقل معنى من المعاني ، وكان ممّا يجوّز أن تدعوه (١) الدّواعي (٢) إلى إفهامه ، والعبارة عنه ، أن يضع (٣) له عبارة ، وأن (٤) يكون ملجأ إلى وضعها ، ومعلوم خلاف ذلك ، لأنّا نعلم (٥) أنّ المتكلّمين الّذين قد استدلّوا ، فعلموا اختلاف الأكوان في الأماكن ، والاعتمادات (٦) في الجهات والطّعوم والأراييح (٧) ، لم يضعوا للمختلف من ذلك عبارات ، وإن كانوا (٨) قد عرفوه ، وميّزوه ، ولا يمكن أن يقال فيهم ما يقال في أهل اللّغة : أنّهم إنّما لم يضعوا لسائر ما عدّدناه ، من حيث لم يعرفوه ، وإذا لم يضعوا ذلك ، ثبت أنّ (٩) أهل اللّغة غير ملجئين إلى وضع الألفاظ (١٠) لما عقلوه من المعاني ، لأنّ الإلجاء لا يختلف فيمن تكامل له شروطه (١١).

وبعد ، فإنّا نصير إلى (١٢) ما آثروه ، ونقول : قد وضعوا للاستغراق عبارة (١٣) تنبئ (١٤) عنه ، إلاّ أنّه من أين لهم أنّها يجب (١٥) أن تكون خاصّة

__________________

(١) ج : يدعوه.

(٢) ب ، + و.

(٣) ج : يوضع.

(٤) ج : فان.

(٥) ج : نسلم.

(٦) ب : الاعتمالات ، ج : الاعتقادات.

(٧) ب : الأرابيح.

(٨) ج : كان.

(٩) ب : ـ ان.

(١٠) الف : الألفاض.

(١١) ج : شروط.

(١٢) ج : ـ إلى.

(١٣) ج : + عما.

(١٤) ج : ينبئ.

(١٥) ب : ـ انها يجب.


وغير مشتركة.

فإن قالوا : لا بدّ أن يضعوا عبارة خاصّة ، كما فعلوه (١) في كلّ ما عقلوه.

(٢) قيل لهم : و(٣) من أين لكم (٤) أنّهم (٥) قد فعلوا ما ادّعيتموه في كلّ (٦) ما عقلوه ، ففيه (٧) الخلاف ، لأنّا نذهب إلى أنّ ما عقلوه على ضربين : منه ما وضعوا له عبارة تخصّه ، ومنه ما وضعوا له عبارة مشتركة بينه وبين غيره ، وما فيه عبارة تخصّه ينقسم (٨) ، ففيه ما تخصّه (٩) عبارة واحدة بلا مشاركة لغيره في سواها ، وفيه ما تخصّه (١٠) عبارات كذلك (١١) ، وفيه ما يشارك غيره في عبارات ، وإن اختصّه (١٢) غيرها.

على أنّا (١٣) ما وجدناهم يفعلونه في بعض المعاني ، وبعض الألفاظ (١٤) لا يجب القياس عليه ، ولا القضاء بأنّهم فاعلون لمثله في كلّ موضع ، لأنّا قد رأيناهم (١٥) وضعوا للمعنى الواحد عبارات كثيرة ، وأسماء عدّة ، ولم يجز

__________________

(١) الف : فعلوا.

(٢) ج : + و.

(٣) ج : ـ و.

(٤) ب : ـ لكم ، ج : لهم.

(٥) ج : ـ انهم.

(٦) ب : ـ كل.

(٧) الف : وفيه.

(٨) الف : فينقسم.

(٩) الف : يخصه.

(١٠) الف وج : يخصه.

(١١) الف : لذلك.

(١٢) ج : + في.

(١٣) ب وج : ان.

(١٤) الف : الألفاض.

(١٥) الف : + قد.


لأحد أن يعلّل ذلك ، فيقول : إنّما فعلوه من حيث عقلوه ، فيجب أن يكون لجميع (١) المعاني عدّة (٢) أسماء ، وكذلك (٣) لا يجب ما قالوه.

والجواب عمّا ذكروه رابعا أنّا (٤) نقول بموجب اقتراحهم ، لأنّا نذهب إلى أنّ لفظ العموم في نفسه مخالف للفظ الخصوص ، ألا ترى أنّ لفظ العموم يتناول ما زاد على الواحد ، ويتعدّى ، و(٥) لفظ (٦) الخصوص لا يتعدّى ، لأنّ لفظ العموم (٧) إن كان من وما وما أشبههما ، فهذا اللّفظ عندنا يصلح لكلّ عدد من العقلاء ، قليل ، أو (٨) كثير ، ولجميعهم ، فهو مخالف في نفسه للفظ الخصوص ، وإن كان لفظ الجمع (٩) كقولنا المسلمون ، فهذا لفظ (١٠) يجب تناوله (١١) لثلاثة ، ونشك (١٢) فيما زاد على الثّلاثة ، ويجوز في الزّيادة الكثرة (١٣) والقلّة ، وأنّ تبلغ إلى (١٤) الاستغراق والشّمول ، فقد فارق عندنا لفظ العموم لفظ الخصوص ، كما افترقا في التّأكيد.

والجواب عمّا ذكروه خامسا أنّكم (١٥) قد أخللتم في القسمة

__________________

(١) ب : الجميع.

(٢) ب : ـ عدة.

(٣) الف : فكذلك.

(٤) ج : انما.

(٥) ج : ـ و.

(٦) ج : لفظا.

(٧) ب وج : + و.

(٨) ب : و.

(٩) ج : الجميع.

(١٠) ج : اللفظ.

(١١) ج : تناول.

(١٢) ب وج : يشك.

(١٣) ج : الكثيرة.

(١٤) الف : يبلغ في.

(١٥) الف : انه.


بالقسم الصّحيح ، وهو ان يكون موضوعة (١) لأن يعبّر بها عن كلّ العقلاء ، وعن بعضهم ، وآحادهم ، صلاحا لا وجوبا ، و(٢) قول بعضهم عقيب هذه الطّريقة : « وهذا إنّما يدلّ على أنّ هذه اللّفظة تتناول (٣) الكلّ ، فأمّا الّذي يدلّ على (٤) وجوب استغراقها فدليل (٥) الاستثناء وطريقة (٦) الاستفهام » من العجيب (٧) ، لأنّ الخلاف إنّما هو في وجوب الاستغراق ، وتناول هذه اللّفظة للكلّ على سبيل الاستغراق ، فأمّا في الصّلاح ، فلا خلاف فيه بيننا ، فنحتاج (٨) إلى تكلّف دلالة عليه. وهذا يدلّ على قلّة تأمّل معتمدي (٩) هذه الطّريقة.

والجواب عمّا ذكروه سادسا أنّ الفزع (١٠) عند العزم على (١١) العبارة عن العموم إلى هذه (١٢) الألفاظ (١٣) إنّما يدلّ على أنّها موضوعة لهذا المعنى ، ونحن نقول بذلك ، ولا نخالف فيه ، فمن أين أنّها (١٤) موضوعة لذلك على سبيل الاختصاص به من (١٥) غير مشاركة فيه ، فإنّ القدر الّذي تعلّقتم به لا يدلّ على ذلك.

__________________

(١) ب وج : موضوعه ، ب : + و.

(٢) ج : ـ و.

(٣) ب : متناول.

(٤) ب : ـ على.

(٥) ب : ـ فدليل.

(٦) ب وج : طريقه.

(٧) ب : العجب.

(٨) ب وج : فيحتاج.

(٩) الف : معتمد.

(١٠) الف : الفرع.

(١١) الف : إلى.

(١٢) ج : لفظة ، بجاى هذه.

(١٣) الف : الألفاض.

(١٤) الف : ـ انها.

(١٥) ب : وهو ، بجاى من.


ثمّ نقول لهم : أما يجوز ـ على جهة التّقرير (١) ـ أن يضع أهل اللّغة لفظة لمعنى (٢) من المعاني لا عبارة عنه سواها ، وتكون (٣) هذه اللّفظة بعينها يحتمل (٤) أن تكون (٥) عبارة عن غيره على سبيل الاشتراك.

فإن قالوا (٦) : لا يجوز ذلك ، طولبوا بالدّلالة عليه ، فإنّهم لا يجدونها ، وإن أجازوه ، انتقض اعتمادهم على الفزع (٧) في (٨) العموم إلى هذه العبارة ، لأنّه قد يمكن أن يفزع (٩) إليها وإن لم تكن (١٠) خاصّة له ، بل مشتركة بينه وبين غيره ، إذا كان لم يضعوا له عبارة سواها.

وتحقيق الخلاف في ذلك بيننا وبينهم أنّ ألفاظ (١١) العموم يدّعون (١٢) أنّها موضوعة للاستغراق في اللّغة مختصّة به (١٣) ، إذا استعملت فيما دونه كانت (١٤) مجازا ، ونحن نقول : أنّ هذه اللّفظة تصلح (١٥) في وضعهم للاستغراق وما دونه ، وهي في الأمرين حقيقة ، فمن تكلّم بها وأراد العموم ، كان متكلّما بها على حقيقتها ، وكذلك

__________________

(١) ب وج : التقدير.

(٢) ج : بمعنى.

(٣) ج : يكون.

(٤) الف وب : تحتمل.

(٥) ج : يكون.

(٦) ج : قيل.

(٧) ب : الفرع ، ج : القوم.

(٨) ب : ـ في

(٩) ب : يفرع.

(١٠) ج : يكن.

(١١) الف : الفاض.

(١٢) ج : يدعوا.

(١٣) ب وج : + و.

(١٤) ب وج : كان.

(١٥) ج : يصلح.


إذا أراد الخصوص ، فإنّها حقيقة فيه ، فكونها حقيقة في العموم (١) لا نزاع فيه وإنّما الاختلاف (٢) في الاشتراك أو الاختصاص.

فصل في ذكر أقلّ الجمع والخلاف فيه

ذهب قوم إلى أنّ أقلّه اثنان ، والصّحيح أنّ أقلّه ثلاثة.

والّذي يدلّ عليه أنّ أهل اللّغة فصلّوا بين الجمع والتّثنية ، كما فصّلوا (٣) بينهما وبين الوحدة ، فكما تفارق (٤) التّثنية الوحدة ، كذلك تفارق (٥) التّثنية الجمع.

وأيضا فإنّ أهل اللّغة فصّلوا بين ضميريهما (٦) ، والكناية عنهما ، فيقولون : « فعلا » في الاثنين ، وفي الثّلاثة « فعلوا » ، وفي الاثنين (٧) « هما قاما » (٨) ، فأمّا في الثّلاثة (٩) « هم قاموا » ، وفي الأمر للاثنين « افعلا » ، وللثّلاثة « افعلوا » ، وهذا كلّه (١٠) دليل على صحّة ما قلناه (١١) ، وقولنا

__________________

(١) ب وج : فالعموم ، بجاى فكونها ، تا اينجا.

(٢) ج : الخلاف.

(٣) ب : ـ فصلوا.

(٤) الف : تفاق ، ب : يفارق.

(٥) ب : يفارق.

(٦) ب : ضميرهما ، ج : ضمير.

(٧) الف : ـ في الاثنين.

(٨) ب : ـ قاما.

(٩) ج : و، بجاى فاما في الثلاثة ، ب : و، بجاى في الثلاثة.

(١٠) ب : ـ كله.

(١١) ب وج : ذكرناه.


« جمع » و « جميع » و « جماعة » واحد (١) في أنّه واقع على الثّلاثة فصاعدا.

وقد تعلّق من خالفنا بأشياء :

أوّلها أنّ (٢) لفظ الجمع مشتق من اجتماع الشّيء إلى غيره ، وهذا المعنى موجود في الاثنين.

وثانيها قوله تعالى : ﴿ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ (٣) شاهِدِينَ ، وهو يعنى (٤) داود وسليمان ، وقوله تعالى (٥) : ﴿ إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ ، فَفَزِعَ مِنْهُمْ ، قالُوا : لا تَخَفْ ، خَصْمانِ بَغى (٦) بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ (٧) ، في الخصمين. و(٨) قوله تعالى خطابا لامرأتين : ﴿ إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما .

وثالثها (٩) قوله عليه‌السلام : « الاثنان فما فوقهما جماعة ».

ورابعها (١٠) أنّ أحدنا (١١) يخبر (١٢) عن نفسه ، فيقول : فعلت كذا ، وإذا أراد أن يخبر عن نفسه ، وآخر معه ، يقول : فعلنا كذا (١٣) ،

__________________

(١) ج : واحدة.

(٢) ج : أي.

(٣) ج : نحكمهم.

(٤) ج : معنى.

(٥) الف : سبحانه.

(٦) ب : يعنى.

(٧) الف : ـ خصمان ، تا اينجا.

(٨) الف : + ثالثها.

(٩) الف : رابعها.

(١٠) الف : خامسها.

(١١) ب : أحد.

(١٢) ج : نخبر.

(١٣) الف : ـ كذا.


كما يقول ذلك مع الجماعة (١) إذا شاركته (٢).

والجواب عن الأوّل أنّا لا ننكر أن يكون أصل اشتقاق (٣) هذه اللّفظة يقتضى ما ذكروه (٤) ، و(٥) لكنّه اختصّ بالعرف بما ذكرناه ، ولذلك نظائر ، لأنّ قولهم « دابّة » اشتقّ من الدّبيب ، ثمّ اختصّ (٦) بالعرف ببعض ما يدبّ ، وقولنا « ملائكة » مشتق من الألوكة ، وهي الرّسالة ، واختصّ ببعض الرّسل ، وأمثال ذلك (٧) لا تحصى (٨).

والجواب عمّا ذكروه ثانيا أنّه (٩) تعالى كنى (١٠) عن المتحاكمين مضافا إلى كنايته عن الحاكم عليهما ، فالمصدر قد يضيفه (١١) أهل اللّغة إلى الفاعل والمفعول جميعا ، وهذا من بليغ الفصاحة.

ومن أجاب عن هذا الوجه بأنّ العبارة بالجمع هاهنا كانت للتّعظيم ، كما قال تعالى : ﴿ إِنَّا (١٢) نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ، وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ غلط ، لأنّ التّعظيم على عادة أهل اللّغة إنّما هو في إدخال المخاطب النّون في كلامه ، وما جرت عادتهم بأن يخاطبوا

__________________

(١) الف : في جماعة.

(٢) ب : ـ إذا شاركته.

(٣) ب : استيقاف.

(٤) ب : ذكرتموه ، ج : ذكره.

(٥) ب وج : ـ و.

(٦) ب وج : خص.

(٧) ب : لذلك.

(٨) الف : يحصى.

(٩) ج : قوله.

(١٠) ج : كنا.

(١١) ب : يضفه.

(١٢) ج : و، بجاى انا.


واحدا بخطاب (١) الجمع (٢) على سبيل التّعظيم ، لأنّ الملك يقول : فعلنا ، وقلنا ، ولا يقال له : قلتم ، وفعلتم ، ولا يكنى عنه بفعلوا.

ومن قال ـ أيضا ـ : « أنّه (٣) أضاف الحكم إلى سائر الأنبياء المتقدّمين لداود وسليمان » مبطل (٤) ، لأنّه خلاف الظّاهر ، و(٥) لم تجر عادة باستعمال مثله ، وهذا يقتضى جواز أن يقول (٦) في اثنين : « قاموا » ويضيف (٧) إليهما غيرهما ، والّذي سبقنا إليه هو المعوّل عليه ، دون غيره.

(٨) فأمّا قوله تعالى : ﴿ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما ، ففيه تصرّف مليح فصيح ، لأنّا نعلم أنّ القلب نفسه لا يصغى ولا يتعلّق بغيره ، وإنّما المتعلّق (٩) بغيره ما يحلّ فيه من دواع ، ومحبّات (١٠) ، وإرادات ، فحذف ذكر الحالّ فيه (١١) ، وأقام المحلّ مقامه ، وجمع المحلّ الّذي هو القلب ، لما كان هو و(١٢) الحالّ جمعا (١٣) ، ومن عادتهم (١٤) ذلك ،

__________________

(١) ج : واحد مخاطب.

(٢) الف : الجميع.

(٣) ب : ان.

(٤) ب وج : يبطل.

(٥) الف : + من.

(٦) الف : نقول.

(٧) ج : يضيفوا.

(٨) الف : + والجواب عما ذكروه ثالثا وهو.

(٩) ب : يتعلق.

(١٠) الف : محيات.

(١١) الف : ـ فيه.

(١٢) ب وج : ـ هو و.

(١٣) الف : جميعا.

(١٤) ج : عاداتهم.


لقرب (١) الحالّ من محلّه ، والمحلّ (٢) من الحالّ (٣) ، ويجوز أن يكون شاهدا (٤) له قوله تعالى : ﴿ واسأل القرية الّتي و﴿ جاءَ رَبُّكَ لإقامة المضاف إليه مقام المضاف.

والجواب عمّا ذكروه ثالثا أنّ بيان (٦) النبيّ عليه‌السلام إنّما يجب حمله على الأحكام ، دون وضع اللّغة ، لأنّه عليه‌السلام لبيان أحكام الشّرع (٧) بعث ، لا للتّوقيف على اللّغات.

وقد قيل : إنّ المراد بذلك أنّ الاثنين في حكم صلاة الجماعة وفضلها (٨) كالجماعة.

و(٩) قيل : إنّه ورد في إباحة السّفر للاثنين ، فإنّهما (١٠) في ذلك كالجماعة ، لأنّه قد كان نهى عن (١١) أن يسافر الرّجل وحده (١٢).

والجواب عمّا ذكروه رابعا أنّ القائل من أهل اللّغة : أنّ الإنسان يخبر عن نفسه وآخر معه بمثل ما يخبر به (١٣) عن الجماعة هو الّذي

__________________

(١) ج : القرب.

(٢) الف : + هو.

(٣) ج : + فيه.

(٤) ب : مشاهدا.

(٥) الف وج : ـ التي.

(٦) ب : ـ بيان.

(٧) ب وج : الشريعة.

(٨) ب : فضلهما :

(٩) ب : + قد.

(١٠) ب : بأنهما ، ج : بأيهما.

(١١) ب وج : ـ عن.

(١٢) ب : واحده.

(١٣) الف : ـ به.


قال (١) : أنّ الكناية عن الجماعة والضّمير والخطاب بخلاف الواحد والتّثنية (٢) ، وقد قال النّحويّون : أنّه لا يمكن التّثنية في إخبار الرّجل عن نفسه وعن (٣) آخر معه ، كما يمكن التّفرقة في المواجه والغائب ، وما لا يمكن لا يجوز استعماله. والله الموفّق للصّواب (٤).

فصل في بيان (٥) قولنا : « إنّ (٦) العموم مخصوص »

اعلم أنّ معنى قولنا : « إنّ لفظ العموم مخصوص » أنّ المتكلّم به (٧) أراد (٨) بعض ما يصلح له هذا اللّفظ ، دون بعض ، لأنّه إذا أطلق صلح لأشياء كثيرة (٩) على سبيل العموم لها ، فإذا دلّ (١٠) الدّليل على أنّه أراد بعض ما وضعت هذه اللّفظة لأن تستعمل (١١) فيه على سبيل الصّلاح ؛ قيل : « إنّ العموم مخصوص » ومخالفونا في العموم يذهبون إلى أنّ معنى قولهم : « إنّ العموم مخصوص » أنّ المتكلّم به أراد بعض ما وضع

__________________

(١) ب وج : + لنا.

(٢) الف : ـ والتثنية.

(٣) الف : + واحد.

(٤) ب وج : ـ والله الموفق للصواب.

(٥) الف : معنى.

(٦) ج : أي ، بجاى ان.

(٧) ب : ـ به.

(٨) ب : + به.

(٩) ب : + لا.

(١٠) الف : ـ دل.

(١١) ج : يستعمل.


اللّفظ لتناوله وجوبا ، لا صلاحا ، وقد بيّنّا بطلان ذلك. وقد يقال على هذا الوجه : إنّ فلانا خصّ العموم ، بمعنى أنّه علم من حاله ذلك بالدّليل. وقد يقال ـ أيضا (١) ـ : خصّه ، إذا اعتقد فيه ذلك ، وإن كان اعتقاده باطلا (٢). ويقال : إنّ الله تعالى أو غيره خصّ العموم (٣) ، بمعنى أنّه أقام الدّلالة على ذلك.

وأمّا (٤) الفرق بين التّخصيص و(٥) النّسخ ، فربما اشتبها على غير المحصّل ، فإنّهما يفترقان في حدّهما ، (٦) وأحكامهما :

لأنّ حدّ التّخصيص هو ما بيّنّاه من أنّ (٧) المخاطب بالكلمة أراد بعض ما تصلح (٨) له ، دون بعض ، وأمّا حدّ النّسخ فهو ما دلّ على أنّ مثل الحكم الثّابت بالخطاب زائل في المستقبل ، على وجه لولاه لكان ثابتا ، مع تراخيه (٩) عنه ، فاختلاف حدّيهما يوجب اختلاف معنييهما.

ومن حقّ التّخصيص أن لا يصحّ (١٠) إلاّ فيما يتناوله اللّفظ ،

__________________

(١) الف : ايظ.

(٢) ج : + ويقال أيضا خصه بمعنى وصفه.

(٣) الف : ـ ان الله تعالى أو غيره خص العموم ، + ايظ خصه.

(٤) الف : فاما ، ج : ـ واما.

(٥) ب وج : + بين.

(٦) ب وج : إحداهما.

(٧) ب : ـ ان.

(٨) ج : يصلح.

(٩) ج : تراخي.

(١٠) ب وج : يصلح.


والنّسخ قد يصحّ فيما علم بالدّليل أنّه مراد ، وإن لم يتناوله اللّفظ.

وأيضا ، فإنّ النّسخ يقتضى أنّ المخاطب أراد (١) في حال الخطاب الفعل (٢) المنسوخ ، وإنّما تغيّرت حاله في المستقبل ، والتّخصيص يقتضى فيما يتناوله (٣) إلاّ (٤) يكون مرادا في حال الخطاب.

وأيضا ، فإنّ التّخصيص لا يدخل إلاّ على جملة ، والنّسخ يدخل على العين (٥) الواحدة (٦).

وأيضا ، فإنّ التّخصيص في الشّريعة يقع بأشياء لا يقع النّسخ (٧) بها ، والنّسخ يقع بأشياء لا يقع التّخصيص بها (٨) ، فالأوّل القياس (٩) وأخبار الآحاد عند من مذهب إلى العبادة بهما ، والثّاني نسخ شريعة بأخرى وفعل بفعل ، وإن كان التّخصيص لا يصلح (١٠) في ذلك.

__________________

(١) ج : أراه.

(٢) الف : للفعل.

(٣) ب وج : تناوله

(٤) ج : الا ان.

(٥) الف : ـ العين.

(٦) ب : الواحد.

(٧) ج : يدخل على ، تا اينجا.

(٨) الف : ـ بها.

(٩) الف : للقياس.

(١٠) الف : يصح.


فصل في أنّه (١) تعالى ـ يجوز أن يخاطب بالعموم

ويريد به الخصوص

اعلم أنّه لا شبهة في ذلك على مذهبنا في العموم (٢) ، لأنّا نذهب إلى أنّ ألفاظ (٣) العموم حقيقة في العموم والخصوص معا ، فمن أراد كلّ واحد من الأمرين بها ، فما خرج عن الحقيقة إلى المجاز. وعلى مذهب (٤) من خالفنا وقال : أنّ هذه الألفاظ (٥) موضوعة للاستغراق دون غيره ، وأنّها إذا استعملت في الخصوص ، كانت مجازا ، فكلام (٦) واضح ، لأنّ الله تعالى قد يجوز أن يخاطب بالمجاز ، كما يخاطب بالحقيقة ، و(٧) في القرآن من ضروب المجاز ما لا يحصى. وأكثر (٨) ألفاظ (٩) القرآن الّتي ظاهرها العموم (١٠) قد أريد بها الخصوص.

غير أنّه لا بدّ في الخطاب بالمجاز من وجه في المصلحة زائد (١١) على وجهها في الخطاب على جهة الحقيقة (١٢) ، ويمكن أن يكون

__________________

(١) ب وج : ان الله.

(٢) ب : ـ في العموم.

(٣) الف : الفاض.

(٤) الف : مذهبنا.

(٥) الف : الفاض.

(٦) الف : الكلام.

(٧) الف : ـ و.

(٨) ب وج : + عمومات.

(٩) ب : ـ ألفاظ ، الف : الفاض.

(١٠) ج : للعموم.

(١١) ج : زائدة.

(١٢) الف : الجملة ، بجاى الحقيقة.


الوجه في ذلك التّعريض لزيادة الثّواب ، لأنّ النّظر في ذلك والتّأمّل له يشقّ ، ويستحقّ به زيادة الثّواب (١) ، كما نقوله في حسن الخطاب بالمتشابه. ويجوز أن يعلم أنّه يؤمن عند ذلك ويطيع من لولاه لم يطع.

ولا يجوز أن تتساوى الحقيقة والمجاز عند الحكيم في جميع الوجوه ، ويكون مخيّرا في الخطاب بأيّهما شاء ، على ما ظنّه بعض من تكلّم في هذا الباب ، لأنّ الخطاب بالمجاز عدول عن الحقيقة الموضوعة ، وتعدّ إلى ما لم يوضع ، وذلك لا يكون إلاّ لغرض زائد. وربما يكون الكلام (٢) على وجه المجاز أفصح ، وأبلغ ، وأخصر ، فهذا وجه يجوز أن يكون مقصودا.

فصل (٣) هل العموم إذا خصّ يكون (٤) مجازا (٥) أم (٦) لا

اعلم أنّ هذا الفرع لا يتمّ على مذهبنا ، وإنّما هو تفريع على أنّ (٧) للعموم صيغة مستغرقة (٨) متى استعملت في غيره كانت مجازا ، وقد

__________________

(١) الف : ثواب.

(٢) ب : ـ الكلام.

(٣) ب وج : + في.

(٤) ب : ـ إذا خص يكون ، ج : ـ يكون.

(٥) ب وج : مجاز.

(٦) الف : أو.

(٧) الف : ـ ان.

(٨) ج : + و.


يجوز أن يتكلّم (١) على هذا الفرع ، ويبيّن (٢) الصّحيح فيه من غيره ، وقد ذهبنا إلى أنّ عرف الشّرع قد اقتضى حمل هذه الألفاظ (٣) على العموم والاستغراق.

والقائلون بذلك اختلفوا على (٤) خمسة أقوال :

أوّلها قول من ذهب إلى أنّه يكون (٥) مجازا (٦) بأي دليل خصّ.

وثانيها (٧) قول من نفي كونه مجازا بأي دليل خصّ.

وثالثها قول من ذهب إلى أنّه مجاز (٨) إلاّ أن يخصّ بدليل لفظيّ منفصل عنه (٩) أو متّصل.

ورابعها قول من يجعله مجازا إلاّ أن يخصّ بقول (١٠) منفصل.

وخامسها قول من يقول أنّه مجاز إلاّ أن (١١) يخصّ بشرط (١٢) أو استثناء.

وليس يمتنع أن يكون اللّفظ ـ إذا دخله التّخصيص بالاستثناء ـ (١٣)

__________________

(١) ج : نتكلم.

(٢) ج : نبين.

(٣) الف : الألفاض.

(٤) ب : في.

(٥) ب : ـ يكون.

(٦) ب : مجاز.

(٧) الف : ثالثها.

(٨) الف : ـ بأي دليل ، تا اينجا.

(٩) الف : ـ عنه.

(١٠) ب وج : بلفظ.

(١١) ب : + يكون.

(١٢) ب : شرط.

(١٣) الف : ـ غير.


غير مجاز (١) ، على تسليم أنّ لفظ العموم مستغرق وجوبا لا صلاحا ، لأنّ اللّفظ إذا تعقّبه (٢) غيره تغيّرت حاله في صورته ، وليس يجري مجرى المخصّصات المنفصلة ، من دليل عقليّ (٣) ، أو (٤) غيره ، ألا ترى (٥) أنّ أكثر الكلام مركّب (٦) ممّا (٧) إذا فصلنا بعضه من بعض أفاد (٨) ما لا يفيده المركّب (٩) ، نحو قولنا : « سما (١٠) » و « رمى (١١) » و « جرى (١٢) » ، لأنّ سما (١٣) يفيد العلوّ (١٤) ، ورمى يفيد (١٥) الرّمي المخصوص ، وجرى يفيد الرّكض ، ومع التّركيب والزّيادة يفيد فائدة أخرى ، ولا يقول أحد : أنّ ذلك مجاز في حال تركيبه ، من حيث وجد اللّفظ الّذي يفيد إذا انفرد فائدة. لا يفيد (١٦) مع التّركيب (١٧) تلك الفائدة (١٨) ، وكذلك الاستثناء

__________________

(١) الف : مجازا.

(٢) الف : تعقب.

(٣) الف : ـ عقلي.

(٤) ب : من ، بجاى أو.

(٥) الف : ان تبنى ، بجاى ترى.

(٦) ب وج : متركب.

(٧) ج : فيما.

(٨) ب : ـ من بعض أفاد ، + أو.

(٩) ب وج : المتركب.

(١٠) الف : سماد ، ب : اسما ، ج : سماء ، بصورت فعل ماضي چنانكه در متن آمده از مصحح است.

(١١) الف : رماد ، ج : رماء.

(١٢) الف : جراد ، ج : جراء.

(١٣) الف : سماد.

(١٤) ب : العلوا.

(١٥) الف : ـ يفيد.

(١٦) الف : ـ لا يفيد ، ب : تفيد.

(١٧) الف : فقد ، بجاى التركيب.

(١٨) الف : الزيادة.


قد غيّر (١) حكم (٢) الجملة في صورتها ، فلا يجب أن تكون (٣) معه مجازا ، وإن كانت (٤) مجازا (٥) إذا تغيّر (٦) حكمها بدليل منفصل ، لأنّ الدّليل المنفصل ما أثّر في الصّورة ، وإنّما أثّر في المعنى.

ولا يجري ذلك ـ على ما ظنّه بعضهم ـ مجرى قول القائل : « واسأل القرية ، وإنّما أردت أهلها » ، لأنّ قوله : (٧) « أريد أهلها » دليل كالمنفصل لم يغيّر صورة الكلام وصيغته ، وذلك جار مجرى قوله : « واسأل القرية ، وإنّما أردت المجاز » في أنّ الصّيغة غير متغيّرة به.

وإن لم يكن هذا على ما ذكرناه (٨) ، لزم عليه أن يكون الكلام كلّه (٩) مجازا ، وأن تكون (١٠) الأمثلة الّتي أوردناها مجازا ، وهذا حدّ لا يبلغه متأمّل (١١).

__________________

(١) ج : غيرا.

(٢) ج : الحكم.

(٣) ب وج : يكون.

(٤) الف : كان.

(٥) ج : ـ وان كانت مجازا.

(٦) ج : تغيرت.

(٧) الف : + و.

(٨) ب : ذكرنا.

(٩) ب : ـ كله.

(١٠) ب وج : يكون.

(١١) ب : متماثل.


فصل فيما يصير به العامّ خاصّا

اعلم أنّ اللّفظ الموضوع لأن يستعمل في الاستغراق وفيما دونه (١) إنّما يصير خاصّا وعبارة عن (٢) البعض دون الكلّ بقصد (٣) المخاطب به ، وكذلك (٤) متى كان عامّا (٥) ومتناولا للكلّ (٦) إنّما يصير كذلك لكون (٧) فاعله مريدا لذلك وقاصدا إليه ، فإذا قلنا : إنّ الدّليل : إمّا العقليّ (٨) ، أو السّمعيّ ، خصّص اللّفظ ، فالمراد أنّه دلّ على كونه مخصوصا ، وعلى (٩) أنّ المخاطب به (١٠) قصد إلى التّخصيص ، فالدّليل (١١) دالّ (١٢) على القصد الّذي هو المؤثّر في الحقيقة.

وكيف (١٣) يجوز أن تكون (١٤) الأدلّة هي المؤثّرة في (١٥) تخصيص العامّ ، وقد يتقدّم ويكون من فعل غير المخاطب ، وإنّما يؤثّر (١٦) في كلامه ، فيقع على وجه دون آخر ما كان من جهته (١٧).

__________________

(١) ب وج : + و.

(٢) ب : عيان على.

(٣) ب وج : لقصد.

(٤) ب وج : لذلك.

(٥) الف : ـ عاما.

(٦) ج : + و.

(٧) ج : يكون.

(٨) ج : عقلي.

(٩) ج : على و.

(١٠) ب : ـ به.

(١١) الف : والدليل.

(١٢) الف : ـ دال.

(١٣) ب وج : فكيف.

(١٤) ب وج : يكون.

(١٥) ب : و، بجاى في.

(١٦) ج : تؤثر.

(١٧) ج : جهة ، بجاى من جهته.


وقد يتجوّز ، فيقال في الدّليل (١) : إنّه مخصّص (٢) ، والمعنى أنّه دلّ (٣) ذلك (٤) على التّخصيص (٥) ، وربما اشتبه ذلك على من لا يتأمّله.

باب (٦) ذكر (٧) جمل الأدلة التي يعلم بها

خصوص العموم

اعلم أنّ الأدلّة الدّالة على التّخصيص على ضربين : متّصل بالكلام ، ومنفصل عنه.

والمتّصل قد يكون استثناء ، أو (٨) تقييدا بصفة. وقد ألحق قوم (٩) بذلك الشّرط ، وهذا غلط ، لأنّ الشّرط لا يؤثّر في زيادة ولا نقصان ، على ما كنّا قدّمناه ، ولا يجري مجرى الاستثناء والتّقييد بصفة.

فأمّا المخصّص المنفصل ، فقد يكون دليلا عقليّا وقد يكون سمعيّا ، فالسّمعيّ (١٠) ينقسم إلى ما يوجب العلم وإلى ما يوجب الظّنّ ،

__________________

(١) الف : ـ في الدليل.

(٢) ب : محض.

(٣) الف : دال ، ج : ـ دل.

(٤) الف : ـ ذلك.

(٥) الف : المخصص.

(٦) الف : فصل.

(٧) الف : ـ ذكر.

(٨) الف : و.

(٩) ب : القوم.

(١٠) ج : وسمعي.


كالقياس وأخبار الآحاد ، وليس يخرج عن هذه (١) الجملة شيء من المخصّصات ، وتفصيل هذه الجملة يأتي بإذن الله تعالى (٢) ومشيّته (٣).

فصل في تخصيص العموم بالاستثناء وأحكامه

اعلم أنّ الاستثناء لا يؤثّر في المستثنى منه حتّى يتّصل به ، ولا يكون منقطعا عنه ، وذلك ممّا لا خلاف فيه بين المتكلّمين والفقهاء (٤) وقد حكى عن ابن عبّاس ـ رحمه‌الله ـ خلاف فيه.

والّذي يدلّ على ذلك أنّ كلّ مؤثّر في الكلام لا بدّ من اتّصاله بما يؤثّر فيه ، كالشّرط والتّقييد (٥) بصفة ، فالاستثناء كذلك ، يبيّن (٦) ما ذكرناه أنّا لو سمعنا قائلا يقول بعد تطاول سكوته : « إلاّ واحدا » لعددناه عابثا هاذيا ، كما نعدّه (٧) كذلك ، إذا اشترط (٨) ، أو قيّد بعد انقضاء الكلام وتراخيه بمدّة طويلة.

وأيضا لو جاز ما ذكروه ، لم يكن أحدنا (٩) حانثا في يمينه ، لأنّه

__________________

(١) ج : هذا.

(٢) ب وج : ـ تعالى.

(٣) ب وج : عونه.

(٤) ب : ـ والفقهاء.

(٥) ج : القيد.

(٦) ج : نبين.

(٧) ب : يفسده.

(٨) ج : أشرط.

(٩) الف : أحد.


يستثنى فيما بعد زمان (١) ، فتخرج (٢) يمينه (٣) من أن تكون (٤) منعقدة (٥).

ويجب على هذا القول ألاّ يوثق بوعد ولا وعيد ، ولا يستقرّ أيضا حكم العقود ولا الإيقاعات من طلاق وغيره.

فأمّا طول الكلام ، فغير مانع من تأثير الاستثناء فيه ، لأنّه مع طوله متّصل غير منقطع ، ولذلك (٦) ينقطع (٧) الكلام بانقطاع النّفس وما يجري مجراه ، و(٨) لا يخرجه من أن يكون متّصلا ، وقد بيّنّا أنّ الاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لصحّ (٩) دخوله ، وذكرنا الخلاف فيه ، ودللنا على الصّحيح منه.

فأمّا (١٠) استثناء الشّيء من غير جنسه ، فالأولى أنّ يكون مجازا و(١١) معدولا به عن الأصل ، لأنّ من حقّ الاستثناء أن يخرج من الكلام ما يتناوله اللّفظ دون المعنى ، فإذا أخرج ما لا يتناوله اللّفظ ، فيجب أن يكون مجازا ، كاستثناء الدّرهم من الدّنانير ، وقول الشّاعر :

__________________

(١) ب : بزمان.

(٢) ب وج : فيخرج.

(٣) الف : ـ يمينه.

(٤) ب وج : يكون.

(٥) ب : منعقدا.

(٦) الف : كذلك.

(٧) الف : تقطع.

(٨) الف : ـ و.

(٩) الف : لصلح.

(١٠) ب : وما ، بجاى فاما.

(١١) الف وج : أو.


« وما بالرّبع من أحد إلاّ (١) أواريّ (٢) ».

وإنّما جاز استثناء الدّرهم (٣) من الدّنانير (٤) على المعنى لا على اللّفظ ، لأنّه لمّا كان الغرض بالإقرار إثبات المال (٥) ، وكان الدّنانير كالدّراهم. في أنّها مال ، جاز استثناؤها منها.

والشّاعر أراد (٦) ما بالرّبع من حالّ ولا ثاو به (٧) ، فاستثنى الأواريّ على هذا المعنى.

فأمّا قوله (٨) تعالى ـ : ﴿ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ ، فإنّما (٩) جاز (١٠) استثناؤه من الملائكة وإن (١١) لم يكن منهم ، من حيث كان مأمورا بالسّجود كما أمروا به ، فكأنّه (١٢) تعالى ـ (١٣) قال فسجد المأمورون بالسّجود إلاّ إبليس.

فأمّا قوله تعالى : ﴿ وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً ؛

__________________

(١) ب : ـ الا.

(٢) الأرى : محبس الدّابّة ، وحبل تشد به في محبسها ، ج أواري وأوار (اقرب الموارد ، مادة أرى). الأرى بالمد والتشديد : الركاسة المدفونة تحت الأرض المثبتة فيها تشد الدّابّة من عروتها البارزة فلا تقلعها لثباتها في الأرض ، وـ الأصل الثابت ، وقيل الأرى اسم لما كان بين السهل والحزن ، ج أواري ، اللسان (ذيل اقرب الموارد).

(٣) ب : الدراهم.

(٤) ج : وقول الشاعر ، تا اينجا.

(٥) ج : الحال.

(٦) الف : ـ أراد.

(٧) ب : ناوية ، ج : ثاوية.

(٨) الف وج : قول الله.

(٩) ب : وانما.

(١٠) ج : أجازا.

(١١) ب : فان.

(١٢) ب : وكأنه.

(١٣) ج : ـ تعالى.


فالتّأويل المعروف أنّ إلاّ هاهنا ليست استثناء ، وإنّما هي (١) بمعنى لكن ، فكأنّه تعالى قال (٢) : لكن من قتله خطأ فحكمه كذا وكذا.

وقد ذكر أبو هاشم على مذهبه وجها قريبا ، وهو أنّ المراد أنّ مع كونه مؤمنا يقع منه الخطأ ، ولا يقع منه العمد.

ويمكن وجه آخر ، وهو أنّه ليس له أن يقتل من يعلمه مؤمنا أو يظنّه كذلك إلاّ خطأ ، بأن لا يحصل (٣) له أمارة ظنّ ولا (٤) طريقة علم. وقد جوّز الفقهاء ذلك فيمن يختلط بالكفّار من المؤمنين إذا لم يتميّز.

واختلفوا في استثناء الأكثر ممّا يتناوله المستثنى منه (٥) ، فمنع منه قوم ، والأكثر (٦) يجوّزونه.

والّذي يدلّ على جواز ذلك أنّ استثناء الأكثر في المعنى المقصود كاستثناء الأقلّ ، فيجب جوازه.

وأيضا فإنّ الاستثناء كالتّخصيص في المعنى ، فإذا جاز أن يخصّص الأكثر ، جاز أن يستثنيه.

__________________

(١) ب : هو.

(٢) الف : ـ قال.

(٣) ج : تحصل.

(٤) ب وج : أو ، بجاى ولا.

(٥) ب : ـ منه.

(٦) ب : الأكثرون.


وليس لأحد أن يلزم ـ على ذلك ـ جواز استثناء (١) الكلّ ، لأنّ ذلك يخرجه من كونه استثناء ، لأنّ من حقّه أن يخرج بعض ما تناوله الكلام.

وتعلّق المخالف بأنّه (٢) لم يجد أهل اللّغة استثنوا الأكثر ، غير صحيح ، لأنّه ليس كلّ شيء لم يجدهم (٣) فعلوه لا يجوز فعله ، ألا ترى أنّا ما وجدناهم يستثنون (٤) النّصف وما قاربه ، وإن كان جائزا بلا خلاف ، وليس كلّ شيء هو الأحسن لا يجوز خلافه ، لأنّ الأحسن عندهم تقديم الفاعل على المفعول ، ثمّ لم يمنع ذلك من خلافه.

فإن قيل : أ فيدلّ دخول الاستثناء على الجملة على عموم اللّفظ بعد ما أخرجه.

قلنا : قد ذهب قوم إلى ذلك ، والصّحيح أنّه (٥) يبقى على ما كان عليه من الاحتمال ، وإنّما تأثير الاستثناء إخراج (٦) ما تناوله (٧) ، يوضح ذلك أنّ القائل إذا قال : « ضربت غلماني إلاّ زيدا » يجوز له (٨) أن يقيم (٩) لنا أيضا (١٠) دليلا على أنّه ما ضرب أيضا عمراً ، فالاحتمال باق.

__________________

(١) ج : الاستثناء.

(٢) الف : انه.

(٣) الف : نجدهم.

(٤) ب : يستثنوا.

(٥) ب وج : ان.

(٦) ب : خراج.

(٧) ب : يناوله.

(٨) ب وج : ـ له.

(٩) ب : يقسم.

(١٠) الف : ـ أيضا.


فصل في أنّ الاستثناء المتصل بجمل هل يرجع

إلى جميعها أو إلى ما يليه ؟

اختلف العلماء في هذه المسألة : فمنهم من ذهب إلى أنّ الاستثناء إذا تعقّب جملا يصحّ رجوعه إلى كلّ واحدة منها بانفراده ، فالواجب أن يرجع إلى كلّ ما تقدّمه ، وهو مذهب الشّافعيّ وأصحابه (١) وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنّ الاستثناء يرجع إلى ما يليه فقط.

والّذي أذهب إليه أنّ الاستثناء إذا تعقّب جملا ، وصحّ رجوعه إلى كلّ واحدة منها (٢) لو انفردت ، فالواجب تجويز رجوعه إلى جميع الجمل كما قال الشافعيّ (٣) ، وتجويز (٤) رجوعه إلى ما يليه على ما قال أبو حنيفة (٥) وألاّ (٦) يقطع على ذلك إلاّ بدليل منفصل ، أو عادة (٧) ، أو أمارة ، و(٨) في الجملة لا يجوز القطع على ذلك لشيء

__________________

(١) ج : الش.

(٢) ب : منهما.

(٣) ب وج : ما يليه على ما قاله أبو حنيفة ، ولى در ج قال ، بجاى قاله آمده.

(٤) ب : يجوز.

(٥) ب وج : تقدمه على ما قاله الش ، ولى در ج : على ما ندارد.

(٦) الف : لا.

(٧) ج : إعادة.

(٨) ج : ـ و.


يرجع إلى اللّفظ.

والّذي يدلّ على صحّة ما ذهبنا إليه أنّ القائل إذا قال لغيره : « اضرب غلماني ، والق (١) أصدقائي ، إلاّ واحدا » يجوز أن يستفهمه (٢) المخاطب ، هل أراد استثناء الواحد من الجملتين ، أو من (٣) جملة واحدة ، والاستفهام لا يحسن (٤) إلاّ مع احتمال اللّفظ واشتراكه.

دليل آخر : وممّا (٥) يدلّ على ذلك أيضا (٦) أنّ الظّاهر من استعمال اللّفظة في (٧) معنيين مختلفين من غير أن تقوم (٨) دلالة على أنّها (٩) متجوّز بها في أحدهما (١٠) أنّها حقيقة فيهما ، وقد بيّنّا صحّة هذه الطّريقة فيما سلف من هذا الكتاب ، ولا خلاف في وجودنا (١١) في القرآن واستعمال أهل العربيّة استثناء تعقّب جملتين عاد إليهما تارة ، وعاد إلى أحدهما (١٢) أخرى ، وإنّما يدّعى أصحاب أبي حنيفة أنّه إذا عاد إليهما فلدلالة دلّت ، وأصحاب الشّافعيّ يدّعون أنّه إذا اختصّ بالجملة (١٣) الّتي تليه (١٤) فلدلالة (١٥) ، وهذا من الجماعة اعتراف

__________________

(١) ج : ألق ، بفتح الهمزة وسكون اللام.

(٢) الف : يستفهم.

(٣) ب : ـ من.

(٤) ب : يحبس.

(٥) الف : الّذي ، بجاى مما.

(٦) الف : ايظ على ذلك.

(٧) ب : ـ في.

(٨) ب وج : يقوم.

(٩) ب : انه.

(١٠) ب : إحداهما.

(١١) ب : وجودهما ، ج : وجودها.

(١٢) الف : أخراهما ، بجاى أحدهما

(١٣) ب : الجملة.

(١٤) الف : يليه.

(١٥) ج : للدلالة.


بأنّه مستعمل (١) في الأمرين ، وإذا (٢) كان الأمر على ما ذكرناه ، فيجب أن يكون تعقّب الاستثناء الجملتين محتملا لرجوعه إلى الأقرب كما أنّه محتمل لعمومه للأمرين (٣) وحقيقة في كلّ واحد منهما ، فلا (٤) يجوز القطع على أحد الأمرين إلاّ بدلالة منفصلة.

دليل آخر : ويدلّ أيضا (٥) على ذلك أنّه لا بدّ في الاستثناء المتعقّب لجملتين من أن يكون إمّا راجعا إليهما معا ، أو إلى ما يليه منهما ، لأنّه من المحال ألاّ يكون راجعا إلى شيء منهما ، وقد نظرنا في كلّ شيء يعتمده (٦) من قطع على رجوعه إليهما ، فلم نجد فيه دلالة على وجوب ما ادّعاه على ما سنبيّنه من بعد إن شاء (٧) الله تعالى (٨) ونظرنا أيضا (٩) فيما يتعلّق به من قطع على عوده إلى الأقرب إليه من الجملتين من غير تجاوز لها (١٠) ، فلم نجد (١١) فيه ما يوجب القطع على اختصاصه بالجملة الّتي تليه ، دون ما (١٢) تقدّمها ، فوجب مع عدم ما يوجب القطع على كلّ واحد من الأمرين أن نقف بينهما

__________________

(١) الف : يستعمل.

(٢) ب : فإذا.

(٣) ب : لعموم الأمرين.

(٤) ب وج : ولا.

(٥) الف : ايظ.

(٦) ج : نعتمده.

(٧) ب وج : بمشية.

(٨) الف : ـ تعالى.

(٩) الف : ايظ.

(١٠) ب : لهما.

(١١) ب : يجد.

(١٢) ب : من.


ولا نقطع بشيء (١) منهما إلاّ بدلالة.

دليل آخر : وهو أنّ القائل إذا قال (٢) : « ضربت غلماني ، وأكرمت جيراني ، وأخرجت زكاتي قائما » أو قال « صباحا » أو « مساء » أو « في مكان كذا » ، احتمل ما عقّب بذكره من الحال ، أو ظرف (٣) الزّمان أو ظرف المكان ، أن (٤) يكون العامل فيه والمتعلّق (٥) به (٦) جميع ما عدّده (٧) من الأفعال ، كما يحتمل أن يكون المتعلّق به ما هو أقرب إليه ، وليس لسامع ذلك أن يقطع على أنّ العامل فيما عقّب بذكره الكلّ (٨) ولا البعض ، إلاّ بدليل غير الظّاهر (٩) فكذلك (١٠) يجب في الاستثناء ، و(١١) الجامع بين الأمرين أنّ كلّ واحد من الاستثناء والحال والظّروف الزّمانيّة والمكانيّة فضلة (١٢) في الكلام يأتي (١٣) بعد تمامه واستقلاله ، وليس لأحد أن يرتكب أنّ الواجب فيما ذكرناه القطع على أنّ العامل فيه جميع الأفعال المتقدّمة ، إلاّ أن يدلّ دليل على خلاف ذلك ، لأنّ هذا من مرتكبه مكابرة ، ودفع للمتعارف (١٤) ، ولا

__________________

(١) الف وج : على شيء.

(٢) الف : يقول ، بجاى إذا قال.

(٣) ب : طرف.

(٤) ب : ، بان.

(٥) ب : المعلق.

(٦) ب : ـ به.

(٧) ج : عدوه.

(٨) الف : للكل.

(٩) الف : الضاهر.

(١٠) ب : وكذلك.

(١١) ج : ـ و.

(١٢) ج : فضلية.

(١٣) ج : تأتى.

(١٤) الف : المتعارف.


فرق بين من حمل نفسه عليه ، وبين من قال : بل الواجب القطع على أنّ الفعل الّذي تعقّبه الحال أو (١) الظّرف (٢) هو العامل ، دون ما تقدّمه (٣) ، وإنّما يعلم في بعض المواضع أنّ الكلّ عامل بدليل.

وقد استدلّ أبو حنيفة وأصحابه بأشياء :

أوّلها أنّ الاستثناء إنّما وجب تعليقه بما (٤) تقدّمه ، من حيث لم يكن مستقلا بنفسه ، ولو استقلّ بنفسه (٥) ، لما علّق بغيره ، ومتى علّقناه بما يليه ، استقلّ ، وأفاد ، فلا (٦) معنى لتعليقه بما بعد عنه ، لأنّه لو جاز مع إفادته واستقلاله أن يعلّق بغيره ، لوجب فيه (٧) لو كان مستقلا بنفسه ـ أن يعلّقه بغيره (٨).

وثانيها أنّ من حقّ العموم المطلق أن يحمل على عمومه وظاهره إلاّ لضرورة تقتضي (٩) خلاف ذلك ، ولمّا خصّصنا الجملة الّتي يليها الاستثناء بالضّرورة ، لم يجز تخصيص غيرها ، ولا ضرورة.

وثالثها (١٠) أنّه لا خلاف في أنّ الاستثناء من الاستثناء يرجع إلى ما يليه دون ما تقدّمه ، لأنّ القائل إذا قال : « ضربت غلماني إلاّ ثلاثة ،

__________________

(١) ب : و.

(٢) ب : الطرف.

(٣) ج : تقدم.

(٤) الف : + يليه دون ما.

(٥) ج : ـ ولو استقل بنفسه.

(٦) الف : ولا.

(٧) ب : ـ فيه.

(٨) ج : ـ لوجب ، تا اينجا.

(٩) ب وج : يقتضى.

(١٠) ب : ثانيها.


إلاّ واحدا » ، فإنّ الواحد المستثنى يرجع إلى الجملة الّتي تليه ، دون ما تقدّمه ، فكذلك (١) كلّ استثناء تعقّب (٢) جملا.

و(٣) الكلام على الطّريقة الأولى أنّ أكثر ما تقتضيه (٤) هذه الطّريقة أنّه (٥) لا يجب تعدية الاستثناء وقد استقلّ بالرّجوع إلى ما يليه إلى ما تقدّم من الجمل ، وهكذا نقول : أنّ ذلك غير واجب ، وإنّما يتوجّه هذا الكلام إلى أصحاب الشّافعيّ ، لأنّهم (٦) يوجبون رجوع الاستثناء إلى جميع ما تقدّمه من الجمل (٧) ، فأمّا من وقف في (٨) ذلك ، وجوّز عوده إلى الجميع ، كما جوّز (٩) اختصاصه بما (١٠) يليه ، فلا يلزمه هذا الكلام. وهذه الطّريقة توجب (١١) على أبي حنيفة ألاّ يقطع (١٢) بالظّاهر (١٣) من غير دليل على أنّ الاستثناء ما تعلّق بما تقدّم ، ويقتضى أن يتوقّف في ذلك ، كما نذهب نحن إليه ، لأنّه بنى دليله (١٤) على أنّ الاستقلال (١٥) يقتضى ألاّ (١٦) يجب تعليقه بغيره ، وهذا صحيح ،

__________________

(١) الف : وكذلك ، ج : فلذلك.

(٢) ب وج : يعقب.

(٣) الف : ـ و.

(٤) ب وج : يقتضيه.

(٥) ب : لأنه.

(٦) ب : + لا.

(٧) ب : ـ من الجمل.

(٨) ب : على.

(٩) الف : يجوز.

(١٠) ب : بها.

(١١) ب : يوجب.

(١٢) ج : يقع.

(١٣) ج : + و.

(١٤) ج : دليل.

(١٥) الف : الاستثناء.

(١٦) ج : ان ، بجاى ان لا.


غير أنّه وإن (١) لم يجب ، فهو جائز ، فمن أين قطع على أنّ هذا الجائز (٢) الّذي (٣) ليس بواجب لم يرده المتكلم (٤) ، وليس فيما اقتصر عليه دلالة على ذلك.

وقوله : « لو جاز ذلك لجاز في الاستثناء ـ إذا كان مستقلاّ بنفسه ـ أن يعلّقه (٥) بغيره » باطل ، لأنّ ما يستقلّ بنفسه و(٦) لا تعلّق له بغيره جائزا (٧) ولا واجبا لا يجوز أن يعلّقه (٨) بغيره ، والاستثناء المتعقّب (٩) لجملتين (١٠) غير مستقلّ بنفسه ، فبالضّرورة تعلّقه بما يليه حتّى يستقلّ ، غير أنّه وإن استقلّ بذلك ، فمن الجائز أن يتعلّق بما تقدّمها ، وإن لم يكن ذلك واجبا ، ففارق (١١) الاستثناء (١٢) المفتقر إلى غيره ما (١٣) يستقلّ من الكلام بنفسه ولا يحتاج إلى سواه.

وهذا الكلام ينتقض على من تعلّق به بالشّرط (١٤) ، لأنّ الشّرط تقدّم ، أو تأخّر ، متى علّقناه (١٥) ببعض الجمل ، أفاد ، واستقلّ ، وعندهم

__________________

(١) ج : ـ وان.

(٢) الف : ـ الجائز.

(٣) ب : ـ الّذي.

(٤) ب : ـ المتكلم.

(٥) الف : تعلقه.

(٦) ب : ـ و.

(٧) ج : جائز.

(٨) الف : تعلقه.

(٩) ب : المتعلق.

(١٠) ب : بجملتين.

(١١) ب : تفارق.

(١٢) ج : + و.

(١٣) ب : مما ، ج : + ما.

(١٤) ب : الشرط.

(١٥) ج : علقنا.


كلّهم أنّه يجب أن يعلّق بالجميع (١) مع حصول الاستقلال ، وهذا نقض ظاهر.

ويقال لهم على الطّريقة الثّانية : إنّا أوّلا لا نسلّم أنّ لفظ العموم يجب حمله بظاهره على الاستغراق إلاّ لضرورة ، لأنّا قد بيّنّا (٢) في هذا الكتاب (٣) أنّ هذه الألفاظ (٤) مشتركة محتملة ، ولا يجب حملها على كلّ ما تصلح (٥) له إلاّ بدليل ، فليس (٦) من الواجب ـ إذا (٧) خصّصنا الجملة الّتي يليها الاستثناء للضّرورة ، وطلبا لاستقلال الكلام ـ أنّ نقطع على أنّ (٨) الجملة الأولى عامّة لا محالة ، بل هي على احتمالها قبل تعقّب الاستثناء. فإن دلّ (٩) دليل على أنّ هذا (١٠) الاستثناء مخصّص لها (١١) ، قلنا بذلك ، و(١٢) إلاّ ، فالتّوقّف هو الواجب. وهذه الطّريقة تتوجّه (١٣) إلى أصحاب الشّافعيّ ، لأنّهم يوجبون استغراق ألفاظ (١٤) العموم ، وإذا لم تدع الضّرورة إلى تعليق الاستثناء بالجملة الأولى كما دعت فيما يليه ، فيجب حملها على ظاهرها من العموم.

__________________

(١) ب : الجميع.

(٢) ج : تبينا.

(٣) الف : الباب.

(٤) الف : الألفاض.

(٥) ب وج : يصلح.

(٦) ب : وليس.

(٧) ج : ـ إذا.

(٨) ب : ـ الجملة التي ، تا اينجا.

(٩) ج : ـ دل.

(١٠) الف : ـ هذا.

(١١) ب : لما.

(١٢) ب : ـ و.

(١٣) ج : يتوجه.

(١٤) الف : الفاض.


وبعد ، فهذه الطّريقة تنتقض أيضا بالشّرط على ما قدّمنا (١) ذكره.

فأمّا (٢) الكلام على الطّريقة (٣) الثّالثة ، فإنّ الاستثناء من الاستثناء إنّما وجب رجوعه إلى ما يليه ، دون ما تقدّمه ، لأنّا متى ما علّقناه بالأمرين ، لغا (٤) وسقطت (٥) الفائدة فيه ، لأنّ القائل إذا قال (٦) : « لك عندي عشرة (٧) دراهم إلاّ درهمين » لو لم يستثن بعد ذلك ، لفهمنا إقراره بثمانية (٨) ، فإذا قال عقيب ذلك : « إلاّ درهما » استفدنا أنّه أقرّ بتسعة ، فلو رجع الدرهم المستثنى إلى العشرة كما رجع إلى الدّرهمين ، لكان وجوده كعدمه ، و(٩) لم يفدنا إلاّ ما استفدناه (١٠) بقوله : « لك عندي عشرة إلاّ درهمين » وهو الثّمانية من غير زيادة عليها أو نقصان منها ، لأنّا إذا جعلنا قوله : « إلاّ درهما » يرجع إلى العشرة ، صار كأنّه قال : « لك عندي عشرة إلاّ ثلاثة » ، لأنّ الدّرهم المستثنى إذا انضاف (١١) إلى الدّرهمين المستثنيين (١٢) ، كانت ثلاثة ، وإذا أنقصنا الدّرهم من الثّلاثة ، بقيت ثمانية ، فعاد (١٣)

__________________

(١) ج : قدم.

(٢) ب : وان ، بجاى فاما ، ج : ـ اما.

(٣) ب : ـ الطريقة.

(٤) ج : لنا.

(٥) ج : سقط.

(٦) الف : ـ إذا قال.

(٧) ج : عشر.

(٨) ج : ثمانية.

(٩) ب : + لو.

(١٠) ب : استفتدناه ، ج : استفدنا.

(١١) ج : يضاف.

(١٢) ج : المستثنى.

(١٣) ج : + قطعا.


الأمر إلى أنّ الإقرار بثمانية (١) ، وهو المفهوم من قوله : « لك عندي عشرة إلاّ درهمين » وصار استثناء الدّرهم الثّاني لغوا غير مفيد ، وإذا جعلناه راجعا إلى ما يليه ، دون ما تقدّمه ، أفاد ، لأنّه يصير مقرّا بتسعة ، فلهذه العلّة لم يعلّق (٢) الاستثناء الدّاخل على الاستثناء بجميع ما تقدّمه ، وليس هذا المعنى فيما اختلفنا فيه.

ووجدت بعض من تكلّم (٣) في أصول الفقه من المجوّدين (٤) المحقّقين يقول : رجوع الاستثناء الدّاخل على الاستثناء (٥) إلى جميع ما تقدّم متعذّر ، لأنّ قول القائل : « إلاّ ثلاثة إلاّ واحدا (٦) » لو رجع إليهما ، لانقلب الواحد وصار اثنين (٧).

وقال ـ أيضا ـ : إنّ الاستثناء الثّاني لو رجع إليهما ، لصار نفيا وإثباتا ، وذلك مستحيل ، لأنّ الاستثناء من الإثبات نفى ، ومن النّفي إثبات.

فيقال له : لفظ الواحد ومعناه لا يبطل إذا علّق بجمل متغايرة (٨) ، ألا ترى أنّ القائل إذا (٩) قال : « قد (١٠) أعطيتك من كلّ

__________________

(١) الف : بثمنيه :

(٢) ب : تعلق ، ج : يتعلق.

(٣) ب : كلم.

(٤) ب : المحودين ، ج : المجردين.

(٥) ب : ـ الداخل على الاستثناء.

(٦) الف : واحد.

(٧) ج : الاثنين.

(٨) ب : بحمل مغايرة.

(٩) الف : إذ.

(١٠) ب : ـ قد.


عشرة واحدا » فربما اجتمع بهذا القول (١) العدد الكثير ، وإن كان لفظ (٢) الواحد ومعناه لم يتغيّر ، لأنّ الواحد من كلّ عشرة هو واحد على الحقيقة ، وإن كان يتكثّر بانضمام غيره إليه ، فكذلك (٣) الواحد المعلّق بكلّ واحدة من الجملتين واحد في الحقيقة (٤) ما بطل لفظه ولا معناه.

وقوله : « أنّ ذلك يتناقض من حيث النّفي والإثبات » غير صحيح ، لأنّ النّفي إنّما يناقض (٥) الإثبات إذا تقابلا ، وتعلّقا جميعا (٦) بالشيء الواحد (٧) ، على وجه واحد ، فأمّا النّفي من (٨) جملة ، فليس بمناقض للإثبات في الأخرى ، وإن كان الاستثناء ـ كما قال ـ من الإثبات نفيا ، ومن النّفي إثباتا ، إلاّ أنّ التّنافي زائل مع تغاير الجملتين ، فبان أنّ المانع من ذلك هو ما ذكرناه ، دون غيره.

وقد تعلّق الشّافعيّ وأصحابه بأشياء :

أوّلها أنّ الشّرط قد ثبت أنّه متى تعقّب جملا كثيرة عاد إليها كلّها ، ولم ينفرد بما قرب منه ، فكذلك الاستثناء ، والجامع بينهما أنّ كلّ واحد منهما لا يستقلّ (٩) بنفسه ، ويفتقر (١٠) في استقلاله

__________________

(١) ب : + له.

(٢) ج : بلفظ.

(٣) ب وج : وكذلك.

(٤) الف : + و.

(٥) ج : يتناقض.

(٦) ب : جمعا.

(٧) ج : بالواحدة.

(٨) الف : في.

(٩) ب : تستقبل.

(١٠) ج : يقتضى.


وفائدته (١) إلى غيره.

ولأنّ كلّ واحد منهما يقتضى ضربا من التّخصيص ، لأنّ الاستثناء يخصّص (٢) الأعيان ، ويخرجها ممّا تناوله ظاهر الكلام ، كقولك : « ضربت القوم إلاّ زيدا » والشّرط يخصّص الأحوال ، كقولك : « أعطه درهما إن دخل الدّار » ، والأمر (٣) بالعطيّة مع الإطلاق يقتضيها على كلّ حال ، فإذا شرط (٤) ، تخصّصت بحال معيّنة.

وأيضا فمعناهما واحد ، لأنّ قوله ـ تعالى في آية القذف : ﴿ إِلَّا مَنْ تابَ جار مجرى قوله : وأولئك هم الفاسقون إن لم يتوبوا.

وثانيها أنّ حرف العطف يصيّر الجمل المعطوف بعضها على بعض في حكم الجملة الواحدة ، لأنّه لا فرق بين أن تقول (٥) : رأيت زيد (٦) بن عبد الله ، ورأيت زيد (٧) بن عمرو (٨) وهما جملتان ، وبين أن تقول (٩). رأيت الزّيدين ، وإذا (١٠) كان الاستثناء الواقع عقيب الجملة الواحدة (١١) راجعا إليها لا محالة ، فكذلك ما صار بحرف العطف كالجملة (١٢) الواحدة.

__________________

(١) الف : ـ وفائدته.

(٢) ج : تخصيص.

(٣) الف : فالامر.

(٤) ج : شرطت.

(٥) الف وج : يقول.

(٦) ظ : زيدا.

(٧) ظ : زيدا.

(٨) الف : ـ ورأيت زيد بن عمرو ، ب : عمر.

(٩) الف : يقول ، ج : نقول.

(١٠) ب : فإذا.

(١١) ب وج : ـ الواحدة

(١٢) ب وج : في حكم.


وثالثها أنّه قد ثبت بلا خلاف أنّ الاستثناء بمشيّة الله تعالى إذا تعقّب جملا ، عاد إلى جميعها ، فكذلك (١) الاستثناء بغير المشيّة (٢) ، والجامع بينهما أنّ كلّ واحد منهما استثناء ، وغير مستقلّ بنفسه.

ورابعها أنّا (٣) قد علمنا أنّ الاستثناء إذا تعقّب جملا يصحّ أن يعود إلى كلّ واحد منها (٤) ، فليس هو بأن يعود إلى بعض أولى من بعض ، فيجب عوده إلى الجميع ، كما أنّ ألفاظ (٥) العموم (٦) لمّا لم تكن (٧) بتناول (٨) بعض أولى من بعض (٩) ، تناولت الجميع.

وخامسها أنّ طريقة العرب الاختصار وحذف فضول الكلام ما استطاعوا ، فمتى أوردوا استثناء عقيب جمل (١٠) كثيرة من الكلام ، فكأنّهم ذكروه (١١) عقيب كلّ واحدة ، وإنّما حملهم الاختصار (١٢) على العدول عن ذكره عقيب كلّ جملة ، ألا ترى أنّه تعالى لو

__________________

(١) ج : فكذا.

(٢) الف : إذا تعقب جملا بلا مشية ، بجاى بغير المشية.

(٣) ب وج : قولهم ، بجاى انا.

(٤) ب وج : منهما.

(٥) الف : الفاض.

(٦) الف : + وكذلك ألفاظ العموم.

(٧) الف وج : يكن.

(٨) جميع النسخ الموجودة عندي « يتناول » بصيغة المضارع المفرد المذكر الغائب لكن الظاهر « بتناول » بصيغة المصدر المجرور بالباء.

(٩) ج : ـ بعض.

(١٠) ج : جملا.

(١١) الف : فكان كوروده ، ج : ذكروا.

(١٢) ج : الاقتصار.


قال : « فاجلدوهم ثمانين جلدة إلاّ الّذين تابوا ، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا إلاّ الّذين تابوا ، و(١) أولئك هم الفاسقون إلاّ الّذين تابوا » لكان تطويلا ، فأقام مقام ذلك ذكر التّوبة مرّة واحدة عقيب الجمل كلّها.

وسادسها أنّ لواحق الكلام وتوابعه من شرط أو استثناء يجب أن يلحق الكلام ما دام الفراغ لم يقع منه ، وما دام الكلام متّصلا لم ينقطع ، فاللّواحق لاحقة و(٢) مؤثّرة فيه ، فالاستثناء (٣) إذا تعقّب (٤) جملا متّصلة (٥) معطوفا بعضها على بعض ، فالواجب أن يؤثّر في جميعها.

فيقال لهم فيما تعلّقوا به أوّلا : إنّا (٦) لا نسلّم لكم ما ادّعيتموه ، من أنّ الشّرط متى تعقّب جملا كثيرة ، عاد إلى جميعها ، بل نقول في الشّرط مثل ما نقوله في الاستثناء : من أنّه متى تعقّب جملا ، احتمل الكلام عوده إلى كلّ ما تقدّم ، كما يحتمل عوده إلى ما يليه ، وإنّما يقطع على أحد الأمرين بدليل.

فإن قيل : هذا دفع (٧) لعرف اللّغة.

قلنا : ما يعرف (٨) للعرب الّذين قولهم في هذا (٩) حجّة في الشّرط

__________________

(١) الف : ـ و.

(٢) ج : ـ و.

(٣) الف : والاستثناء.

(٤) ج : عقب.

(٥) ج : متصلا.

(٦) ب : ـ انا.

(٧) الف : رفع.

(٨) الف : نعرف.

(٩) ج : ـ هذا.


والاستثناء ما يقطع (١) به على أحد هذين المذهبين اللّذين وقع الخلاف فيهما ، ومن صنّف كتب النّحو إنّما هم مستقرءون (٢) لكلام العرب ، ومستدلّون على أغراضهم ، فربما أصابوا ، وربما أخطئوا ، وحكمهم (٣) في ذلك كحكمنا (٤). على أنّ قولهم في هذا يختلف ، ولم يحقّقوه كما حقّقه المتكلّمون منّا في أصول الفقه.

وأصحاب أبي حنيفة يفرّقون بين الاستثناء والشّرط ، ويقولون : أنّ (٥) الشّرط له صدر (٦) الكلام ، فإذا تعقّب الجمل ، فهو واقع في غير موضعه ، وكأنّه مذكور في أوّل الكلام ، فلهذا تعلّق بالجميع ، والاستثناء إذا تعقّب الجمل (٧) ، فهو مكانه.

وهذا ليس بمرضيّ ، لأنّه لو قيل لهم : فإذا (٨) كان الشّرط متأخّرا (٩) كأنّه متقدّم (١٠) ، لم يجب تعلّقه بالجميع ، وهو (١١) لو تقدّم على الجمل في اللّفظ لا في المعنى ، لم يجب ذلك فيه على ما بيّنّاه ، و(١٢) لم يجدوا حجّة.

__________________

(١) ب : يقع.

(٢) الف : مستقرون ، ب : مستقربون ، ج : مستعريون ، والظاهر ما في المتن.

(٣) الف : حكموا.

(٤) الف : حكمنا.

(٥) الف : ـ ان.

(٦) ب : أصل.

(٧) ب : جملا.

(٨) ب وج : وإذا.

(٩) ب : مستأخرا.

(١٠) ج : مقدم.

(١١) الف : ـ وهو.

(١٢) الف : ـ و.


ويقال (١) لهم فيما تعلّقوا به ثانيا : كيف تصير الجملتان أو الجمل كالجملة الواحدة لأجل العطف ، ومعلوم أنّ الجملتين إذا تعقّبهما (٢) استثناء صحّ من (٣) المستثنى أن يصرّح بأنّه إنّما (٤) استثنى من إحداهما دون الأخرى (٥) ، ولا يجوز في الجملة الواحدة أن يصرّح بأنّ الاستثناء غير عائد إليها.

وبعد ، فما معنى قولكم (٦) : إنّ الجملتين قد صارتا كالواحدة ، أ تريدون أنّ جميع أحكام هذه قد (٧) صارت للأخرى ، أم تريدون أنّهما قد اشتركا في حكم ما ، فإن أردتم الأوّل ، فسد بما لا يحصى ، لأنّ (٨) أحكام الجمل وصفاتها قد تختلف (٩) مع عطف بعضها على بعض ، ألا ترى أنّ القائل إذا قال : « أكرمت القوم ، وضربت الغلمان » فعطف جملة على أخرى ، فإنّ أحكام الجملتين مختلفة ، لأنّ الأولى (١٠) تقتضي (١١) وقوع الإكرام ، والثّانية تقتضي (١٢) وقوع الضّرب ، وهما مختلفتان ، وغير ممتنع أن تكون (١٣) صفات

__________________

(١) ج : فيقال.

(٢) الف : تعقبها.

(٣) الف : ـ من.

(٤) الف : ـ انما.

(٥) ب : الاخر.

(٦) الف : قولهم.

(٧) ب : ـ قد.

(٨) الف : فان.

(٩) ج : يختلف.

(١٠) الف : الأول.

(١١) الف : يقتضى ، ج. يقتضى.

(١٢) ب وج : ـ وقوع الإكرام ، تا اينجا ، الف : ـ تقتضي.

(١٣) الف وج : يكون.


المكرمين تخالف (١) صفات المضروبين من وجوه شتّى ، وإنّما (٢) العطف يقتضى الجمع بينهما في بعض الأحكام ، فإذا قال (٣) : « ضربت زيدا وعمراً » ، فالعطف سوّى بينهما في الضّرب ، وإذا قال : « ضربت زيدا ، وأكرمت عمراً » ، فالتّسوية بينهما (٤) من حيث أوقع بكلّ واحد (٥) منهما حدثا من جهة (٦) فأمّا ساير الأحكام ، فلا تسوية بينهما فيها فلا يجب إذا (٧) أن يستويا (٨) في رجوع الاستثناء إليهما.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثالثا : إنّ ذكر مشيّة الله عقيب الجمل (٩) ليس باستثناء ولا شرط ، لأنّه لو كان استثناء ، لكان فيه بعض حروف الاستثناء ، ولا حرف (١٠) هاهنا من حروفه. ولو كان شرطا على الحقيقة ، ـ وإن كان فيه لفظ الشّرط ـ لما صحّ دخوله على الماضي ، وقد تذكر (١١) المشيّة في الماضي ، فيقول (١٢) القائل : لقيت زيدا ، وأكلت البارحة كذا ، ثمّ يقول : إن شاء الله ، وإنّما دخلت (١٣) المشيّة في كلّ هذه

__________________

(١) الف وج : يخالف.

(٢) ج : واما.

(٣) ج : يقال.

(٤) ج : في الضرب ، تا اينجا.

(٥) ب : واحدة.

(٦) الف : جهته.

(٧) ب : ـ إذا.

(٨) ج : تسوى ما ، بجاى يستويا.

(٩) الف : + التي.

(١٠) ج : عرف.

(١١) ج : نذكر.

(١٢) ج : فنقول.

(١٣) ج : أدخلت.


المواضع ، ليقف (١) الكلام عن النّفوذ والمضي ، لا لغير ذلك.

فإذا قيل لنا : فلم إذا تعقّبت (٢) المشيّة جملتين أو جملا ، اقتضت وقوف حكم الجميع ، وألاّ أجزتم تعلّقها بما يليها ، دون غيره.

قلنا (٣) : ذلك كان ممكنا لو لا الدّليل ، وقد أجمعت (٤) الأمّة على أنّ حكم الجميع يقف ، فلم يرد حكم المشيّة إلى الجميع إلاّ بدليل ، وما نأبى أن يرجع الاستثناء أو الشّرط إلى جميع الجمل بدليل (٥) ، وإنّما نأبى (٦) القطع على ذلك بالظّاهر من غير دليل (٧).

ويقال لهم فيما تعلّقوا به رابعا : إنّ صحّة عود الاستثناء إلى كلّ واحد من الجمل لا يقتضى القطع على عوده إليها بأسرها ، وإنّما يقتضى التّجويز لذلك (٨) والشّكّ فيه ، فرقا بين ما يصحّ عوده إليه وبين ما لا يصحّ ذلك فيه. والعموم (٩) عند من قال : أنّ لفظه (١٠) بظاهره يتناول الجميع ، لم يقل (١١) فيه بذلك (١٢) لصحّة التّناول ، بل (١٣)

__________________

(١) ج : لتقف.

(٢) ج : تعقب.

(٣) ج : ـ قلنا.

(٤) ج : اجتمعت.

(٥) ب : ـ وما نأبى ، تا اينجا.

(٦) ج : تأبى.

(٧) الف : + لا يصح.

(٨) ب وج : كذلك.

(٩) الف : كالعموم.

(١٠) الف وب : لفظة.

(١١) ج : ينقل.

(١٢) ب وج : ذلك.

(١٣) الف : ـ بل.


لأنّ اللّفظ موضوع للشّمول والاستغراق وجوبا.

وهذه الطّريقة تنتقض (١) بأنّ قول القائل : « رأيت رجلا » يصحّ أن يريد بالرّجل زيدا ، و(٢) عمراً ، وكلّ من يصحّ تناول هذا الاسم له ، ومع ذلك فلا يقطع من حيث الصّحة على أنّه قد أراد الجميع ، وكذلك إذا قال : « ضربت رجالا » يصحّ أن يريد السّودان ، والبيضان ، والطّوال ، والقصار ، ومع ذلك غير واجب القطع على أنّه قد أراد كلّ من صلح هذا اللّفظ له.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به خامسا : إنّ طريقة العرب (٣) الاختصار كما ذكرتم ، و(٤) متى أرادوا الاستثناء من كلّ جملة من الجمل المعطوف بعضها على بعض (٥) ، واعتمدوا (٦) الاختصار ، أخّروا ذكر الاستثناء في أواخر الجمل هربا من التّطويل بذكره عقيب كلّ جملة وجرى (٧) ذكره في أواخر الجمل (٨) مجرى ذكره عقيب كلّ جملة (٩) ، و(١٠) دلّوا

__________________

(١) ج : ينتقض.

(٢) ج : أو.

(٣) ج : + طال.

(٤) ج : ـ و.

(٥) ب وج : + طال.

(٦) ب وج : فاعتمدوا.

(٧) ب : أجرى ، الف : + مجرى ، ولى چون زياد است در متن نيامد.

(٨) ب : ـ ذكره ، تا اينجا.

(٩) ج : ـ وجرى ، تا اينجا.

(١٠) الف : ـ و.


على أنّهم قد أرادوا عوده إلى كلّ واحدة ، لأنّهم كما (١) يريدون الاستثناء من كلّ جملة فيختصرون بذكر ما يدلّ على مرادهم ، كذلك قد لا يريدون الاستثناء من كلّ جملة ، بل من جملة واحدة ، فلا بدّ من (٢) مراعاة الدّلالة ، حتّى يحكم بالاختصار ، ولا يجب الحكم بالاختصار (٣) تبخيتا (٤) وتخمينا.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به سادسا : إنّ الكلام إذا كان الفراغ لم يقع منه ، وكان المتكلّم متشاغلا به (٥) ، صحّ أن تعود (٦) إليه اللّواحق المؤثّرة من شرط ، واستثناء ، ومشيّة ، فأمّا القطع على وجوب تعلّقها بجميعه ، فإن (٧) كان منفصلا (٨) وبعيدا عن محلّ المؤثّر ، فغير مسلّم. وإنّما راعوا اتّصال (٩) الكلام وانقطاعه لينفصل (١٠) حكم ما يصحّ أن يلحق بالكلام ممّا لا يصحّ لحوقه للفراغ والانفصال. ولو كان بهذا (١١) الّذي اقتصر عليه اعتبار ، لوجب إذا

__________________

(١) ب : لا ، بجاى كما.

(٢) ج : ـ من.

(٣) الف : ـ ولا يجب الحكم بالاختصار.

(٤) ب : تنخيتا ، ج : تنحيتا.

(٥) الف : ـ به ، + و.

(٦) ب وج : يعود.

(٧) ب وج : وان.

(٨) ب وج : متصلا.

(٩) ب : انضال.

(١٠) ب : ليفصل.

(١١) ب : لهذا.


قال القائل : « أكرمت جيراني ، وضربت غلماني الطّوال » أن يردّ لفظة الطّوال إلى الجملتين ، لأنّ الفراغ ما حصل من الكلام ، كما يفعل في (١) الاستثناء.

فإذا قيل : لو رددناه إلى ما تقدّم ، لكنّا قد فصلنا بين الصّفة والموصوف.

قلنا : قد فعل ذلك في مواضع ، وكذلك لو رددنا (٢) الاستثناء إلى الجميع ، لكنّا قد فصلنا بين الاستثناء (٣) والمستثنى منه ، وكلّ (٤) ذلك مكروه عندهم مذموم.

فإن قيل : فعلى ما اخترتموه (٥) من المذهب (٦) في الاستثناء كيف قولكم في الآية الّتي أحوجت (٧) الفقهاء إلى الكلام في هذه المسألة ، وهي قوله تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ، وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً ، وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ، إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ ، وَأَصْلَحُوا ، فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وهل الاستثناء بالتّوبة عائد إلى

__________________

(١) الف : من أراد ، بجاى في.

(٢) الف : ـ لو رددنا.

(٣) ب : المستثنى.

(٤) ب وج : ـ كل.

(٥) الف : اخترتم.

(٦) الف : المذاهب.

(٧) ج : أخرجت.

(٨) ب وج : ـ و.


جميع (١) الجمل ، ومؤثّر فيها ، أو هو (٢) مختصّ بما يليه.

قلنا (٣) : إنّ القاذف عندنا إذا تاب وكذّب نفسه في القذف تقبل شهادته ، وهذا إنّما قلناه بدليل هو غير ظاهر الاستثناء ، لأنّا قد بيّنّا أنّ تعقّب الاستثناء للجمل (٤) لا يجب القطع على عوده إليها (٥) أجمع إلاّ بدلالة ، وقد أجمعت (٦) الإماميّة على الحكم الّذي ذكرناه في الآية ، وإجماعهم حجّة ، على ما دللنا عليه في غير موضع (٧) ، ولو لم يثبت ذلك وثبت أنّ إجماع المؤمنين حجّة بالآيات ، أو بغيرها (٨) على ما يذهب إليه مخالفونا ، لكان إجماع الإماميّة هو الحجّة ، لأنّ الحقّ فيهم ، والمؤمنون هم ، ولمّا أجمعوا على انّ الاستثناء بالتّوبة يزيل اسم الفسق ، وهذا لا خلاف بين أحد فيه ، وأجمعوا أيضا على أنّه (٩) يفيد (١٠) حكم قبول الشّهادة ، قلنا به ، ولمّا لم (١١) يجمعوا على أنّ التّوبة تزيل (١٢) الحدّ ، و(١٣) تسقطه (١٤) ، لم

__________________

(١) ج : الجميع.

(٢) ب : ـ هو.

(٣) ب : قيل.

(٤) الف : الجمل.

(٥) الف : إليه.

(٦) ج : اجتمعت.

(٧) ج : موضوع.

(٨) الف : غيرها.

(٩) الف : ان التوبة للاستثناء ، بجاى انه.

(١٠) الف : تفيد ، ب : يعتد.

(١١) ب : ـ لم.

(١٢) ب : تنزيل ، ج : يزيل.

(١٣) ب : + لم.

(١٤) ج : يسقطه.


نجعل (١) الاستثناء راجعا إلى إقامة الحدّ خاصّة.

وممّا يمكن الاستدلال به على قبول شهادة القاذف بعد توبته ـ لا من جهة الإجماع الّذي أشرنا إليه ـ كلّ ظاهر في القرآن يقتضى قبول شهادة الشّاهدين العدلين ، مثل قوله تعالى : ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا (٢) شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ وقوله تعالى : ﴿ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ وكلّ هذا يتناول القاذف بعد توبته (٣) وإذا تناوله ، صار هذا العموم بظاهره دليلا على أنّ اشتراط التّوبة وإن كان متأخّرا فهو عائد إلى (٤) قبول الشّهادة ، لأنّا قد بيّنّا أنّ استثناء التّوبة في آخر الكلام يقتضى وجوب تعليقه بما يليه ، ويجب التّوقّف عن رجوعه إلى ما يصحّ عوده إليه من الجمل المتقدّمة إلاّ بدليل ، فظاهر (٥) الآيات (٦) الّتي تلوناها يقتضى (٧) قبول شهادة القاذف بعد التّوبة لتناول الظّاهر له (٨) فيقطع (٩) بذلك على عود الاستثناء إليه ، لا من حيث الظّاهر.

__________________

(١) ب : يجعل.

(٢) الف : فاستشهدوا.

(٣) ب : ـ لا من جهة الإجماع ، تا اينجا.

(٤) الف : على.

(٥) الف : وظاهر.

(٦) ج : الآية.

(٧) الف : تقتضي.

(٨) الف : ـ له

(٩) الف : نقطع.


ويمكن أيضا (١) أن يستدلّ على أنّ الاستثناء راجع ، إلى قبول الشّهادة بقوله (٢) تعالى ـ (٣) : ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ ، وَأَصْلَحُوا ومعلوم أنّ التّوبة كافية في إسقاط حكم الفسق ، وأنّ (٤) إصلاح العمل ليس بشرط في ذلك ، وهو شرط في قبول الشّهادة ، فيجب أن يعود الاستثناء أيضا إلى قبول الشّهادة (٥).

فإن قيل : قوله تعالى : ﴿ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لا يليق إلاّ بإسقاط عقاب الفسق ، دون قبول الشّهادة.

قلنا : وصفه تعالى بالغفران والرّحمة ممّا يستحقّه جلّ (٦) اسمه على كلّ حال ، ولا يحتاج فيه إلى مطابقة بعض ما يتعقّبه من الكلام.

على أنّ الرّحمة هي النّعمة ، والله تعالى منعم بالأمر بقبول شهادة (٧) التّائب من القذف بعد أن (٨) كانت مردودة ، والغفران في الأصل مأخوذ من الغفر الّذي (٩) هو السّتر ، ومنه المغفر (١٠) لأنّه ساتر ، وإنّما (١١) سمّى الإسقاط للعقاب غفرانا ، من حيث كان السّاتر

__________________

(١) الف : ايظ.

(٢) ب : يقولوا له.

(٣) ب وج : ـ تعالى.

(٤) الف : فان.

(٥) ب : فيجب ، تا اينجا.

(٦) ج : جعل.

(٧) الف : ـ شهادة.

(٨) ب : ـ ان.

(٩) الف : و، بجاى الّذي.

(١٠) ج : المغفرة.

(١١) الف : كأنما.


للشّيء المخفي له (١) كأنّه مزيل له ، وماح لرسمه ، و(٢) الله تعالى إذا أمرنا بقبول شهادة التّائب من القذف ، فقد أسقط ما كان تعبّد به قبل التّوبة من ردّ شهادته ، وأزاله (٣) وهذا كلّه بيّن.

فصل في تخصيص العموم بالشرط

اعلم أنّ الشّرط وإن (٤) لم يكن مؤثّرا في نقصان عدد (٥) المشروط كالاستثناء ، وبذلك فصلنا بينهما فيما تقدّم ، فإنّه يخصّص المشروط من وجه آخر ، لأنّه إذا قال : « اضرب القوم ، إن دخلوا الدّار » فالشّرط لا يؤثّر في تقليل عدد القوم ، وإنّما يخصّص (٦) الضّرب بهذا (٧) الحال ، لأنّه لو أطلق لتناول الأمر بالضّرب على كلّ حال ، فتخصّص (٨) بالشّرط ، ومن أمثلته (٩) قوله تعالى : ﴿ فَلَمْ (١٠) تَجِدُوا ماءً ، فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً (١١) وقوله ـ جلّ اسمه ـ (١٢) :

__________________

(١) ج : ـ له.

(٢) ب : قال ، ج : فان.

(٣) الف : إذائه.

(٤) ج : فان.

(٥) ج : تعدد.

(٦) ج : وان تخصص.

(٧) الف : وهذا.

(٨) ج : فيخصص.

(٩) ج : أمثلة.

(١٠) الف : ولم.

(١١) الف : ـ صعيدا طيبا.

(١٢) ب وج : تعالى.


﴿ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ (١) فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً .

ولا فصل (٢) في الحكم الّذي ذكرناه بين تقدّم الشّرط في صدر الكلام (٣) وبين تأخّره.

ولا يمتنع أن يشترط (٤) الشّيء بشروط كثيرة ، كما (٥) لا يمتنع أن يكون الشّرط الواحد شرطا في أشياء كثيرة. وكلّما زيد في الشّرط (٦) زاد (٧) التّخصيص.

ومن حقّ الشّرط أن يكون مستقبلا ، وكذلك (٨) المشروط.

والغاية تجري في هذا (٩) المعنى مجرى الشّرط. وقوله تعالى : ﴿ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ معناه إلى (١٠) أن يطهرن (١١) فإن (١٢) طهرن فاقربوهنّ (١٣). وكذلك قوله تعالى : ﴿ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ .

__________________

(١) ب : + منكم.

(٢) ب : فضل.

(٣) ج : كلامه.

(٤) يشرط.

(٥) ب : ـ كما.

(٦) ج : المشروط.

(٧) ج : + في.

(٨) ب : ـ الشرط زاد ، تا اينجا.

(٩) الف : ـ هذا.

(١٠) الف : الا.

(١١) ب : يتطهرن.

(١٢) ج : وان.

(١٣) الف : فآتوهن.


فصل في المطلق والمقيد

اعلم أنّ التّقييد هو (١) مثل قوله تعالى : ﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وقوله تعالى : ﴿ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ فإذا (٢) ولى هذا (٣) التّقييد جملة واحدة ، فلا شبهة في تغيّر (٤) حكمها. والخلاف فيه (٥) متى ولى (٦) جملتين ، في رجوعه إليهما ـ إذا صحّ ذلك فيه ـ أو رجوعه إلى ما يليه ، كالخلاف في الاستثناء ، وقد تقدّم (٧) مشروحا.

ولا خلاف في أنّ الحكم المقيّد إذا خالف الحكم المطلق ، ولم يكن من جنسه ، فإنّ التّقييد لا يتعدّى إلى المطلق. وإنّما اختلف (٨) فيما قيّد (٩) و(١٠) أطلق ، والجنس واحد ، كالكفّارات ، لأنّه ـ تعالى ـ أطلق الرّقبة في (١١) كفّارة الظّهار ، وقيّدها في كفّارة القتل ، فقال قوم : أنّ المطلق يصير مقيّدا للظّاهر ، لا للدّليل (١٢) وقال

__________________

(١) ب : ـ هو.

(٢) الف : وإذا.

(٣) ب : ـ هذا.

(٤) ب : تعيين ، ج : تغيير.

(٥) ب وج : ـ فيه.

(٦) الف : ولى ، بتشديد اللام.

(٧) ج : يقدم.

(٨) ب وج : اختلفوا.

(٩) ج : يقيدوا.

(١٠) ج : ـ و.

(١١) الف : للرقبة في الكفارات أعني ، بجاى الرقبة في.

(١٢) ب : لدليل.


قوم : يقيّد بالدّليل (١) والقياس ، وقال آخرون : لا يصحّ تقييده بالقياس ، من حيث يتضمّن (٢) الزّيادة ، والزّيادة (٣) في النّصّ نسخ (٤).

والدّليل على أنّ المطلق لا يقيّد لأجل تقييد غيره أنّ كلّ كلام له حكم نفسه ، ولا يجوز أن يتعدّى إليه حكم غيره ، ولو جاز تقييد المطلق لأجل تقييد غيره ، لوجب أن يخصّ العامّ لتخصيص غيره ، ويشترط المطلق على هذا الوجه ، وهذا يبطل الثّقة بشيء من الكلام.

واحتجاجهم (٥) بأنّ القرآن كالكلمة الواحدة ، يبطل بالاستثناء والتّخصيص.

وقولهم : « الشّهادة لمّا أطلقت في موضع ، وقيّدت في آخر ، حكمنا بتقييدها في كلّ موضع » يبطل (٦) بأنّ العدالة معتبرة (٧) في كلّ موضع ، و(٨) إنّما اشترطت (٩) لدليل هو (١٠) غير ظاهر (١١) تقييدها

__________________

(١) ج : الدليل.

(٢) ب : تضمن.

(٣) ب : ـ والزيادة.

(٤) ج : بعض النسخ ، بجاى النص نسخ.

(٥) الف : احتجاجه.

(٦) ج : تبطل.

(٧) الف : ـ معتبرة.

(٨) الف : ـ و.

(٩) ب : اشترت.

(١٠) الف : ـ هو.

(١١) ب : + في.


في بعض المواضع.

فأمّا من (١) يجعل القياس دليلا وطريقا إلى إثبات الأحكام ، فليس له أن يمتنع من تقييد الرّقبة بدليل (٢) القياس ، إن اقتضى ذلك ، وإن كان زيادة ، وليس في الحقيقة زيادة ، لأنّ تقييد الرّقبة بالإيمان يقتضى أنّ المجزي (٣) أقلّ ممّا كان يجزى (٤) وهذا في المعنى تخصيص ، لا زيادة ، ولا معتبر بزيادة اللّفظ ، لأنّ كلّ تخصيص (٥) بدليل شرعيّ لا بدّ من كونه زيادة في اللّفظ.

فصل في ذكر مخصصات العموم المنفصلات

الموجبة (٦) للعلم

اعلم أنّ تخصيص العموم بكلّ دليل أوجب العلم من عقل وكتاب وسنّة مقطوع عليها وإجماع لا شبهة فيه ، ولا خلاف من (٧) محقّق في مثله ، لأنّ الدّليل القاطع إذا دلّ على ضدّ حكم العامّ (٨)

__________________

(١) ب : ان ، بجاى من.

(٢) ج : ـ دليل.

(٣) ج : المجرى.

(٤) ج : يجري.

(٥) ج : يخصص.

(٦) ب : الموجه.

(٧) الف : ـ من.

(٨) الف : + و.


لم يجز تناقض الأدلّة ، فلا بدّ من سلامة الدّليلين ، ولا يسلمان (١) إلاّ بتخصيص ظاهر العموم.

فإن قيل : لم كنتم بأن تخصّوا العموم بدليل العقل أولى (٢) ممّن خصّ دليل العقل بالعموم.

قلنا : دليل العقل لا يدخله (٣) الاحتمال والحقيقة والمجاز ، والعموم يصحّ فيه كلّ ذلك ، فلهذا خصصنا (٤) العموم بالعقل.

فإن قيل : دليل العقل يجب تقدّمه على العموم ، فكيف يخصّ به ، ولو جاز تخصيصه (٥) به ، لجاز نسخه.

قلنا : دليل العقل ليس بمخصّص على الحقيقة ، وإنّما هو دالّ على المخصّص ، والمؤثّر في الحقيقة (٦) هو قصد المخاطب ، والدّليل يجوز تقديمه على المدلول ، لأنّه ليس بمؤثّر.

على أنّ دليل العقل كما يتقدّم ، فهو مصاحب ، فلو كان مؤثّرا ، لكان مصاحبا.

وأمّا النّسخ (٧) بدليل العقل ، فغير ممتنع في المعنى ، لأنّ سقوط

__________________

(١) ج : يسلما.

(٢) ب وج : بأولى.

(٣) ب : يدخل.

(٤) ج : اختصاص.

(٥) ج : يخصصه.

(٦) ب : ـ وانما ، تا اينجا ، + بل.

(٧) ب : الشيخ.


فرض القيام في الصّلاة بالزّمانة (١) كسقوطه بالنّهي (٢) فمعنى النّسخ حاصل ، وإن لم يطلق الاسم.

وأمّا (٣) تخصيص الكتاب بالكتاب ، فلا شبهة في جوازه ، ومن خالف في ذلك من أهل الظّاهر و(٤) سمّى (٥) التّخصيص بيانا إنّما هو مخالف في العبارة (٦).

وأمّا تخصيصه بالسنّة ، فلا خلاف فيه ، وقد وقع كثير منه ، لأنّه تعالى قال (٧) : ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (٨) وخصّص عموم هذا الظّاهر قوله عليه‌السلام : « لا يرث القاتل ولا يتوارث أهل ملّتين ».

وجملة القول في هذا الباب أنّ كلّ شيء هو حجّة في نفسه لا بدّ من تخصيص العموم به ، وإنّما الخلاف في عبارة ، أو في وقوع ذلك ، ولا حاجة (٩) بنا (١٠) إلى ذكر الوقوع في هذا الموضع.

وأمّا (١١) تخصيصه بالإجماع ، فصحيح ، لأنّ الإجماع (١٢) عندنا

__________________

(١) ج : بزمانة.

(٢) ب : لأن سقوط ، تا اينجا.

(٣) الف : فاما.

(٤) ج : ـ و.

(٥) ج : يسمى.

(٦) الف : عبارة.

(٧) ب : قال تعالى.

(٨) الف : ـ للذكر مثل خط الأنثيين.

(٩) ب : حجه.

(١٠) ج : هنا.

(١١) ب : أو انما.

(١٢) ب : ـ فصحيح ، تا اينجا.


لا يكون إلاّ حجّة ، لما سنذكره في باب الإجماع ، بمشيّة الله تعالى (١) والخلاف بيننا وبين أصحاب الإجماع إنّما هو في التّعليل والدّليل.

فصل في التخصيص بأخبار الآحاد

اختلف العاملون في الشّريعة بأخبار الآحاد في تخصيص عموم الكتاب بها ، فمنهم من أبى أن يخصّ بها على كلّ حال ، ومنهم من جوّز تخصيصه بأخبار الآحاد إذا دخله التّخصيص بغيرها ، ومنهم من راعى سلامة اللّفظة في كونها حقيقة ، ولم يوجب التّخصيص بخبر الواحد مع سلامة الحقيقة ، وأجازه إذا لم تكن (٢) سالمة ، وإنّما تسلم الحقيقة عنده إذا كان تخصيصه بكلام متّصل به ، ومنهم من يجيز (٣) تخصيص العموم بأخبار الآحاد على كلّ حال بغير (٤) قسمة.

والّذي نذهب (٥) إليه أنّ أخبار الآحاد لا يجوز تخصيص العموم بها على كلّ حال ، وقد كان جائزا أن يتعبّد الله ـ تعالى (٦) ـ بذلك ،

__________________

(١) الف : ـ تعالى.

(٢) ب وج : يكن.

(٣) ب : تجيز.

(٤) ج : تغير.

(٥) ج : يذهب.

(٦) ج : ـ تعالى.


فيكون واجبا ، غير أنّه ما تعبّدنا به.

والّذي يدلّ على صحّة ما ذهبنا إليه أنّ النّاس بين قائلين (١) ذاهب إلى وجوب العمل بخبر الواحد في الشّريعة ، وناف لذلك ، وكلّ من نفي وجوب العمل بها (٢) في الشّرع نفى (٣) التّخصيص بها ، وليس في الأمّة من (٤) جمع بين نفي العمل بها في غير التّخصيص وبين القول بجواز التّخصيص ، فالقول بذلك يدفعه الإجماع ، وسندلّ بمشيّة الله (٥) تعالى (٦) إذا انتهينا إلى الكلام في الأخبار على أنّ الله تعالى ما تعبّدنا بالعمل بأخبار (٧) الآحاد في الشّرع (٨) فبطل التّخصيص بها لما ذكرناه ، ولا شبهة في أنّ تخصيص العموم بأخبار الآحاد فرع على القول بالعمل بأخبار الآحاد.

على أنّا لو سلّمنا أنّ العمل بها (٩) لا على وجه التّخصيص واجب (١٠) قد ورد الشّرع به ، لم يكن في ذلك دلالة على جواز التّخصيص بها ، لأنّ (١١) إثبات العبادة بالعمل في موضع لا يقتضى تجاوزه إلى غيره ،

__________________

(١) ج : القائلين.

(٢) ب : ـ بها.

(٣) ج : عن ، بجاى نفى.

(٤) ج : + نفى.

(٥) ج : بمشيته.

(٦) ج : ـ تعالى.

(٧) الف : في اخبار.

(٨) الف : بالشرع.

(٩) ب : + جائز.

(١٠) ج : + و.

(١١) ب وج : + في.


ألا ترى أنّهم لم (١) ينسخوا بها وإن عملوا بها في غير النّسخ ، وكذلك (٢) يجوز ثبوت العمل بها في غير التّخصيص وإن لم يثبت (٣) التّخصيص ، لاختلاف الموضعين ، لأنّ خبر الواحد ليس بحجّة من جهة العقل ، وإنّما كان حجّة عند من ذهب إلى ذلك بالشّرع ، فغير ممتنع الاختصاص (٤) في ذلك.

واعلم أنّ شبهة من أحال التّعبّد بالعمل (٥) بخبر (٦) الواحد في تخصيص أو غيره الّتي عليها المدار ومنها يتفرّع (٧) جميع الشّبه أنّ العموم طريقه (٨) العلم ، فلا يجوز أن يخصّ (٩) بما طريق إثباته غالب الظّنّ ، والّذي يفسد أصل هذه الشّبهة أنّ التّعبّد إذا ورد بقبول خبر الواحد في (١٠) تخصيص أو غيره ، فطريق هذه العبادة العلم ، دون الظّنّ ، فإنّما (١١) خصّصنا معلوما بمعلوم ، وأدلّة العقول (١٢) شاهدة (١٣) بذلك ، وسنشبع هذا في الكلام على نفي جواز العبادة

__________________

(١) ب : قد.

(٢) الف : فكذلك.

(٣) ب وج : أثبت.

(٤) ب : للاختصاص.

(٥) ج : ـ بالعمل.

(٦) ج : بالخبر.

(٧) الف : تتفرع.

(٨) ب : طريقة.

(٩) الف : ـ ان يخص.

(١٠) ج : أو.

(١١) ب : وج : وانما.

(١٢) ج : المعقولة.

(١٣) ج : شاهد.


بخبر الواحد عقلا عند الانتهاء (١) إليه بعون الله (٢).

وبعد ، فلا خلاف بين الفقهاء في جواز الرّجوع إلى أخبار الآحاد في الاسم العامّ ، فما الّذي يمنع من الرّجوع إليها (٣) في الحكم المعلّق بالاسم ، ألا ترى أنّا عند الاختلاف نثبت الأسماء بالرّجوع إلى أهل اللّغة ، فما الّذي يمنع (٤) من الرّجوع إلى الآحاد (٥) في تخصيص الأحكام (٦).

وأمّا من جوّز (٧) التّخصيص بأخبار الآحاد بشرط (٨) دخول التّخصيص قبل ذلك ، أو بشرط سلامة الحقيقة ، فشبهته في ذلك أنّ التّخصيص يصيّر اللّفظ مجازا ، وقد بيّنّا أنّ الأمر بخلاف ذلك.

فصل في تخصيص العموم بالقياس

اعلم أنّ هذا الفصل نظير (٩) الّذي تقدّمه ، والخلاف في تخصيص العموم بالقياس إنّما هو فرع من فروع القائلين بأنّ العبادة قد وردت

__________________

(١) ج : انتهاء.

(٢) ج : + وتوفيقه.

(٣) ج : إليهما.

(٤) ب وج : منع.

(٥) الف : ـ إلى الآحاد.

(٦) ج : الكلام.

(٧) ب : جواز.

(٨) ب : يشترط.

(٩) ج : نظيره.


بالقياس في الشّريعة ، ومن دفع جواز القياس في شيء من الشّريعة لا شغل له بهذا الفرع ، وإذا دللنا على أنّ العبادة لم ترد بالقياس في حكم من أحكام الشّريعة ، بطل (١) القول بأنّه مخصّص بالإجماع ، على ما قلناه (٢) في أخبار الآحاد.

وقد اختلف مثبتو (٣) القياس في هذه المسألة ، فذهب أبو عليّ الجبّائيّ وجماعة من الفقهاء إلى أنّه لا يخصّص العموم به ، وهو قول أبي هاشم الأوّل ، ومنهم من قال : يخصّ بالقياس الجليّ ، دون القياس (٤) الخفيّ ، وهو مذهب كثير من أصحاب الشّافعيّ ، ومنهم من قال : يخصّ به إذا دخله التّخصيص ، ومنهم من جوّز تخصيصه بالقياس على كلّ حال ، وهو مذهب أكثر الفقهاء ، ومذهب أبي هاشم الأخير (٥).

وقد ذكرنا طريقتنا (٦) في نفى (٧) التّخصيص بأخبار الآحاد ، وهي الطّريقة في نفي التّخصيص بالقياس.

__________________

(١) ب : يبطل.

(٢) ب : قلنا.

(٣) ب : مثبتون.

(٤) الف : ـ القياس.

(٥) الف : الاخر.

(٦) ب : طريقنا.

(٧) الف : ـ نفى.


ويمكن ـ إذا سلّمنا أنّ العبادة قد (١) وردت به في غير التّخصيص ـ أن نسلك مثل الطّريقة الّتي سلكناها في نفي تخصيصه بأخبار الآحاد ، فنقول : قد علمتم أنّ القياس ليس بحجّة في نفسه بدليل (٢) العقل ، وإنّما يثبت (٣) كونه حجّة بالسّمع (٤) فمن أين إذا كان في غير التّخصيص حجّة أنّه كذلك في التخصيص.

وأمّا (٥) دعواهم أنّ الأمّة إنّما حجبت الأمّ بالأختين فما زاد بالقياس ، وذلك أبلغ من التّخصيص ، وأنّ العبد كالأمة في تنصيف الحدّ ، فباطلة لأنّا لا نسلّم ذلك ، ولا دليل على صحّته ، وإنّما المعوّل (٦) في ذلك على إجماع الأمّة ، دون القياس.

ومن منع من القياس من حيث أوجب الظّنّ ، والعموم (٧) طريقه (٨) العلم ، قد بيّنّا الكلام عليه في (٩) التّخصيص بأخبار الآحاد ، وقلنا : دليل العبادة بالقياس يقتضى العلم ، فما خصّصنا معلوما إلاّ بمعلوم (١٠) ولا اعتبار بطريق هذا العلم ، كان ظنّا (١١) أو غيره.

__________________

(١) الف : ـ قد.

(٢) ب : كدليل ، ج : لدليل.

(٣) ب : ثبت.

(٤) ج : بما يسمع.

(٥) الف وج : فاما.

(٦) ب : القول.

(٧) ج : فالعموم.

(٨) ب وج : طريقة.

(٩) ب وج : + جواز.

(١٠) ج : معلوم.

(١١) ب : ظنا كان.


و(١) من أقوى ما احتجّ به من نفي تخصيص العموم بالقياس أنّه لا خلاف بين (٢) مثبتيه في (٣) أنّ الشّرط في استعماله الضّرورة إليه ، وسلامته من أن تكون (٤) الظّواهر دافعة (٥) له ، وهذا الشّرط يمنع من تخصيص الكتاب و(٦) السّنّة المعلومة المقطوع عليها به.

و(٧) وجدت بعض (٨) من خالف في ذلك يقدح في هذه الطّريقة ، بأن يقول (٩) : إذا خصّصنا العموم بالقياس ، فقد استعملناه فيما لا نصّ فيه يخالفه ، وإنّما يدفع النّصّ القياس إذا كان المراد بذلك النّصّ معلوما ، فأمّا ما (١٠) يتناول اللّفظ في الظّاهر لا يكون دافعا ، فإن أردتم الأوّل ، فهو مسلّم ولا يمنع (١١) من التّخصيص بالقياس ، وإن أردتم الثّاني ، فغير مسلّم وهو موضع الخلاف.

هذا ليس بصحيح ، لأنّ مراد الله تعالى إنّما يعلم بخطابه ، فإذا كان ظاهر (١٢) خطابه ينافي القياس ، فقد زال الشّرط في صحّة

__________________

(١) ج : ـ غيره و.

(٢) ب : في ، بجاى بين.

(٣) ب : ـ في.

(٤) ج : يكون.

(٥) الف : دافقة ، ج : واقفة.

(٦) الف : أو.

(٧) ج : ـ و.

(٨) الف : ـ بعض.

(٩) ب : نقول.

(١٠) ج : ـ ما.

(١١) الف : نمنع.

(١٢) ج : الظاهر.


القياس ، فكيف (١) السّبيل إلى العلم بمراده إلاّ من جهة خطابه.

وبعد ، فمعلوم بغير شبهة أنّ للقياس (٢) في تخصيص العموم شرطا ليس هو للدّليل العقليّ ، ولا للسّنّة المقطوع (٣) عليها ، وقد بيّنّا (٤) أنّا نترك ظاهر الكتاب ونخصّ عمومه بدليل العقل (٥) والسنّة المعلومة ، والإجماع ، فيجب مع هبوط درجة (٦) القياس عنها (٧) ألاّ ندع (٨) به ظاهر العموم ، وأن نكتفي (٩) في الدّفع له بتناول (١٠) ظاهر الكتاب (١١) بخلاف موجبه ، حتّى يكون القياس بخلاف الأدلّة القاطعة.

وليس يمكن أن يدّعوا أنّ الفرق بين القياس وغيره من الأدلّة القاطعة أنّ القياس لا يستعمل مع العلم بأنّ مراد الله ـ تعالى ـ بخطابه خلافه.

قلنا : ولا شيء من الأدلّة يستعمل مع ذلك.

__________________

(١) الف : وكيف.

(٢) ب وج : القياس.

(٣) ج : المقطوعة.

(٤) الف : علمنا.

(٥) ج : العقلي.

(٦) الف : دوحة.

(٧) ج : منها.

(٨) الف : يدفع.

(٩) ج : يكتفى.

(١٠) ظ : بتناول ، چنانكه در متن است ، ولى در ب وج : يتناول ، ودر الف : تناول آمده است.

(١١) ج : الكلام.


فإذا قيل ما عدا القياس من الأدلّة يمنع من أن يعلم (١) من (٢) مراد الله خلافها ، لأنّ ذلك يقتضى تعارض الأدلّة وتناقضها ، وهذا جائز في القياس.

قلنا : هذا صحيح ، غير أنّه فرق بين القياس (٣) وغيره في غير الموضع الّذي حقّقناه ، لأنّ الاتّفاق إنّما حصل في (٤) أنّ شرط التّخصيص بالقياس يخالف شرط التّخصيص بغيره ، فإن (٥) لم يكن الأمر على ما ذكرناه من أنّ ظاهر تناول (٦) لفظ العموم يمنع من (٧) القياس ، ولا يمنع من سائر الأدلّة ، فلا (٨) مزيّة بين الكلّ ، ويجب (٩) التّساوي ، ومعلوم خلافه.

فصل في تخصيص العموم بأقوال الصحابة

اعلم أنّه لا خلاف في أنّ كلّ ما هو حجّة في نفسه يصحّ تخصيص

__________________

(١) ب وج+ به.

(٢) ب : ـ من.

(٣) ب : ـ قلنا ، تا اينجا.

(٤) الف : ـ في.

(٥) ب : وان.

(٦) ج : تتناول.

(٧) ب : ـ من.

(٨) الف : ولا.

(٩) ج : تجب.


العموم به ، وإجماع الصّحابة حجّة ، فيجب التّخصيص به. ونحن و(١) إن كنّا نخالفهم (٢) في تعليل كون ذلك حجّة (٣) أو في دليله ، فالحكم لا خلاف فيه بيننا.

فأمّا قول بعضهم ، ففي النّاس من يذهب إلى أنّه إذا ظهر ، وانتشر ، و(٤) لم يقع فيه خلاف ، جرى مجرى الإجماع ، فيخصّ بذلك ، كما يخصّ بالإجماع. وفيهم من يقول (٥) : إمساكهم عن الخلاف لا يدلّ على الوفاق ، فلا يجعله (٦) إجماعا ، ولا يخصّص به. وتحقيق ذلك يأتي فيما بعد بمشيّة الله (٧) تعالى (٨).

وأمّا (٩) نحن ، (١٠) فنذهب (١١) إلى أنّ في الصّحابة من قوله بانفراده حجّة ، وهو أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لقيام الدّليل على عصمته ، وقد دللنا على ذلك في كتب الإمامة ، وليس هذا موضع ذكره ، فقوله (١٢) عليه‌السلام منفردا يخصّ به العموم لا محالة.

__________________

(١) ج : ـ و.

(٢) الف : نخالف.

(٣) الف : ـ حجة.

(٤) ج : ظهروا انتشروا.

(٥) الف : ـ يقول.

(٦) الف : نجعله.

(٧) ب وج : إن شاء الله.

(٨) الف : ـ تعالى.

(٩) ب : فاما.

(١٠) ب وج : + فاننا.

(١١) ب وج : نذهب.

(١٢) ج : وقوله.


فصل فيما ألحق (١) بالعموم وهو خارج منه

اعلم أنّ العموم من أحكام الألفاظ (٢) فما ليس بلفظ لا يصحّ ادّعاء العموم فيه ، وإذا كان الفعل غير متعدّ (٣) في نفسه ، ولا يتعلّق بسواه ، فكيف يصحّ ادّعاء العموم فيه ، والعموم كيفيّة في التّعلّق ، والكيفية في التّعلّق (٤) فرع على (٥) حصول التّعلّق. وهذه الجملة تغني عن تفريع هذا الباب وتشعيبه (٦) والكلام على تفصيل المسائل ، لكنّا نذكر طرفا (٧) من ذلك ينتفع به (٨).

إذا روى عنه (٩) عليه‌السلام ـ أنّه (١٠) قضى (١١) بالشّاهد واليمين ، فليس (١٢) بواجب أن يكون منه عليه‌السلام في ذلك قول ، فنحمله على عمومه ، لأنّ الحكم لا (١٣) يفتقر إلى قول (١٤) عامّ في هذا الباب.

__________________

(١) ب : لحق.

(٢) الف : الألفاض.

(٣) الف : معتد.

(٤) ب : ـ والكيفية في التعلق.

(٥) ج : ـ على.

(٦) ج : تشبيه.

(٧) ب : طرقا.

(٨) ب : ـ ينتفع به.

(٩) ج : منه.

(١٠) ب وج : ـ انه.

(١١) ج : + ما.

(١٢) الف : وليس.

(١٣) ب : ـ لا.

(١٤) ج : قوم.


وفعله عليه‌السلام لا يخلو من وجهين : إمّا أن يكون الوجه الّذي وقع عليه غير معلوم ، نحو أن يأخذ عليه‌السلام من يد رجل ملكا من غير أن يعلم (١) جهة أخذه بعينها ، فيكون ذلك مجملا. أو أن يعلم (٢) الوجه ، مثل أن يقضى (٣) بالشّاهد واليمين ، وهذا حكم في عين لا يجب (٤) تعيّنها (٥) ولا تخطّيها. ولو لا أنّ الدّليل قد (٦) دلّ على تساوى (٧) كلّ المدّعين (٨) والمدّعى عليهم في (٩) هذا الحكم ، لما عدّينا هذا الحكم (١٠) إلى غير موضعه. وكذلك لا يجوز أن يحتجّ فيمن أفطر في شهر رمضان ـ بأي وجه كان فطره (١١) ـ بما روى : أنّ رجلا أفطر في شهر رمضان (١٢) فأمره ـ عليه‌السلام ـ بالكفّارة ، لأنّ ذلك ـ كما قلناه ـ (١٣) قضيّة في (١٤) عين لا يجب عمومها.

فإن قيل : فما قولكم في جوابه عليه‌السلام عن سؤال (١٥)

__________________

(١) الف : نعلم.

(٢) الف : نعلم.

(٣) الف : نقضي.

(٤) ج : تجب.

(٥) الف : تعديها.

(٦) ب : ـ قد.

(٧) ج : التساوي.

(٨) ب وج : المدعيين.

(٩) ب : و، بجاى في.

(١٠) ب : ـ لما ، تا اينجا.

(١١) ج : + فعليه الكفارة.

(١٢) ب : ـ بأي وجه ، تا اينجا.

(١٣) الف : + في.

(١٤) الف : و، بجاى في.

(١٥) الف : قول.


سائل له هل يكون عامّا أو خاصّا.

قلنا : إذا سئل عليه‌السلام عن حكم المفطر (١) فلا يخلو جوابه عن ثلاثة أقسام : إمّا أن يكون عامّ اللّفظ ، نحو (٢) أن يقول : « كلّ مفطر فعليه الكفّارة ». والقسم الثّاني أن يكون الجواب في المعنى عامّا ، نحو أن يسأل عليه‌السلام (٣) عن رجل أفطر ، فيدع الاستكشاف عمّا به أفطر ، ويقول عليه‌السلام : « عليه الكفّارة (٤) » فكأنّه قال : « من أفطر ، فعليه الكفّارة (٥) ». والقسم الثّالث أن يكون السّؤال خاصّا ، والجواب مثله ، فيحلّ (٦) محلّ الفعل.

وعلى هذا لا يصحّ أن يحتجّ في الجمع (٧) بين الصّلاتين بما روى عنه عليه‌السلام أنّه (٨) جمع بين الصّلاتين في السّفر (٩) لأنّ ذلك ليس بعامّ ، وإنّما يدلّ على أنّه عليه‌السلام (١٠) جمع ، وليس بمتناول لموضع (١١) الخلاف.

__________________

(١) الف : الفطر.

(٢) ب : مثل.

(٣) الف : ـ عليه‌السلام.

(٤) الف : كفارة.

(٥) الف : كفارة.

(٦) ج : فيحتمل.

(٧) ب : الجميع.

(٨) الف : الله ، بجاى انه.

(٩) الف : ـ في السفر.

(١٠) الف : ـ عليه‌السلام.

(١١) ب : لموضوع.


فأمّا الرّواية الواردة بأنّه (١) عليه‌السلام كان يجمع بين الصّلاتين في السّفر ، وأنّ (٢) هذا اللّفظ يقتضى التّكرار ، فيدخل موضع الخلاف فيه ، فغير صحيح ، لأنّه وإن اقتضى التّكرار بالعرف ، فلا (٣) يدلّ على أنّ التّكرار قد دخل فيه موضع الخلاف بعينه (٤) وإنّما يدلّ على تكرار (٥) الجمع ، ويجوز أن يتكرّر جمع مخصوص لا خلاف فيه ، مثل الجمع بين الصّلاتين بعرفة و(٦) غيرها (٧).

ومن النّاس (٨) من فرّق بين أن يروى عنه عليه‌السلام أنّه قضى بكذا (٩) وبين أن يروى أنّه قضى أنّ كذا فيه كذا ، وادّعى أنّ الأوّل يفيد الفعل ، والثّاني يقتضى القول. وفي النّاس من سوّى بين الأمرين. والأقرب الفرق ، فإنّ التّعارف في الثّاني يقتضى أن يكون ذلك قولا ، إلاّ أنّه من أين (١٠) يفيد العموم ، والرّاوي ليس بحاك لفظ النّبيّ عليه‌السلام بعينه ، وإنّما يحكى معناه ، والحجّة هي (١١) لفظ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لا لفظ الحاكي.

__________________

(١) ج : فانه.

(٢) الف : فان.

(٣) الف : ولا.

(٤) الف : ـ بعينه.

(٥) الف : تكرر.

(٦) ج : أو.

(٧) ب : ـ وغيرها.

(٨) ج : + و.

(٩) ب : + وكذا.

(١٠) الف : + انه.

(١١) ب : ـ هي ، ج : هو.


وأمّا تعليله عليه‌السلام الحكم في عين ، كقوله عليه‌السلام في الهرّ : « إنّها (١) من الطّوّافين عليكم ، والطّوّافات (٢) » ، فهذا التّعليل إنّما يصحّ أنّ يتعدّى موضعه ، بأنّ يتعبّد (٣) الله تعالى بالقياس ، وأمّا (٤) قبل العبادة به ، فالصّحيح ما ذكرناه ، ويوافق على هذا الموضع المحصّلون من أصحاب القياس. ومثله « الزّعيم غارم » لأنّ فيه معنى التّعليل والإشارة (٥) إليه.

فأمّا روايتهم : « أنّه (٦) عليه‌السلام ـ سها فسجد » ، فهو محتمل للتّعليل ، كأنّه قال : « فسجد لأجل سهوه » ، ويحتمل أن يكون ذلك خبرا محضا عن أنّ السّجود تعقّب السّهو ، لا من حيث كان جبرانا (٧) له ، ويحتمل أيضا (٨) أن يكون المراد به (٩) أنّه سجد ساهيا ، فالظّاهر (١٠) لا يعلم به (١١) أنّ السّجود سببه السّهو ، وإنّما يعلم (١٢) ذلك بالدّليل.

__________________

(١) ج : لأنها.

(٢) ب : الطوافان.

(٣) ج : يعبد.

(٤) ج : فاما.

(٥) ب : الاستتارة.

(٦) الف : عنه ، بجاى انه.

(٧) الف : جوابا ، ج : جبرانا.

(٨) الف : ايظ.

(٩) الف : ـ به.

(١٠) ب وج : والظاهر.

(١١) ب وج : ـ به.

(١٢) ب : انا نعلم.


فصل في تمييز (١) ما يصحّ دخول التخصيص

فيه مما لا يصحّ (٢)

اعلم أنّ التّخصيص إنّما يصحّ دخوله ـ على جهة الحقيقة ـ فيما هو عموم على جهة الحقيقة ، فأمّا ما ليس بعامّ حقيقة من حيث كان لفظه لا يتناول أشياء كثيرة ، فالتّخصيص لا يصحّ فيه. وهذا القسم على ضربين : أحدهما ما هو من جهة دليل اللّفظ ومعناه يتناول أعيانا (٣) فمعنى التّخصيص يصحّ فيه ، كما أنّ معنى العموم ثابت فيه. والقسم الآخر يتناول أشياء كثيرة ، لا بظاهر اللّفظ ، ولا بدليله (٤) لكن من جهة القياس ، فمن أجاز تخصيص العلّة الشّرعيّة ، أجازه ، ومن منع تخصيص العلّة الشّرعيّة (٥) منعه.

__________________

(١) ج : تميز.

(٢) ب وج : + ذلك.

(٣) ب : أحيانا.

(٤) ج : بدليل.

(٥) ج : ـ الشرعية.


فصل في تخصيص الإجماع

اعلم أنّ الإجماع إذا كان على قول عامّ ، نظرنا ، فإن علمنا قصدهم فيه (١) باضطرار (٢) لم يدخله (٣) التّخصيص ، وإن لم نعلم (٤) قصدهم به (٥) ساغ (٦) التّخصيص. وهكذا في عموم كلامه (٧) عليه‌السلام (٨) إن التّخصيص إنّما يسوغ فيه إذا لم نعلم (٩) قصده. وهذا (١٠) الشّرط متعذّر في خطابه تعالى ، فلا وجه لذكره. فأمّا إذا كان إجماعهم على فعل ، أو رضى (١١) بفعل ، فلا تخصيص فيه على الحقيقة ، وإنّما يصحّ دخول معنى (١٢) التّخصيص فيه متى علم بالدّليل أنّ حكم غيره فيه كحكمه.

__________________

(١) الف : ـ فيه.

(٢) ب : باضطراب.

(٣) ج : يدخل.

(٤) ب وج : يعلم.

(٥) الف : ـ به.

(٦) ب : ساع.

(٧) ب : قوله.

(٨) الف : ـ عليه‌السلام.

(٩) ب وج : يعلم.

(١٠) ب : فهذا.

(١١) ب : رمى.

(١٢) الف : ـ معنى.


فصل في الغاية (١) التي يبلغ تخصيص العموم إليها

اعلم أنّه لا غاية إلاّ ويجوز أن يبلغ (٢) تخصيص ما ظاهره العموم إليها ، غير أنّ ألفاظ الجمع (٣) كالمشركين و(٤) الرّجال متى بلغ التّخصيص فيها (٥) إلى أقلّ من ثلاثة ، كان اللّفظ مجازا ، وإذا بلغ ثلاثة ، كان اللّفظ حقيقة ، كما يكون فيما زاد (٦). وليس كذلك لفظة من (٧) فيما يعقل ، وما فيما لا يعقل ، لأنّ التّخصيص إذا بلغ في هاتين اللّفظتين إلى الواحد ، لم يخرج الكلام من (٨) كونه حقيقة.

وقد حكى عن أبي بكر القفّال (٩) الخلاف (١٠) في ذلك ، وأنّه كان يذهب إلى أنّ لفظة من يجوز أن يبلغ (١١) التّخصيص فيها إلى الواحد ، ولا يجوز في ألفاظ (١٢) الجمع أن ينتهى التّخصيص إلى الواحد.

__________________

(١) ب : غاية.

(٢) ج : تبلغ.

(٣) ج : الجميع.

(٤) ب : أو.

(٥) ج : فيه.

(٦) ب وج : ـ وإذا ، تا اينجا.

(٧) ب : + وما.

(٨) ب : عن.

(٩) ب : + و.

(١٠) ب : الخلاق.

(١١) ج : تبلغ.

(١٢) الف : الفاض.


وهذا منه تحجّر (١) طريف (٢) وإذا كان البلوغ عنده في « من » إلى الواحد يجعل اللّفظ مجازا ، فألاّ جاز في ألفاظ (٣) الجمع مثل ذلك ؟ !. وإذا كان ـ أيضا ـ التّخصيص في ألفاظ (٤) الجمع إلى أن ينتهى إلى ثلاثة يجعل القول مجازا عنده ، لأنّه يقتضى الاستغراق على مذهبه ، فأيّ تخصيص عرض فيه ، اقتضى كونه مجازا ، فأيّ فرق في بلوغ التّخصيص بين ما نقص عن ثلاثة وبين ما زاد عليها (٥) ؟ !.

فصل في أنّ الاستثناء والشرط إذا تعلقا ببعض

ما دخل تحت العموم لا يجب الحكم بأنّ ذلك

هو المراد بالعموم

اعلم أنّ من (٦) المتكلّمين في أصول الفقه من ذهب إلى أنّ الشّرط إذا تعقّب عموما ، وكان الشّرط يتعلّق ببعض ذلك العموم ، فإنّه غير واجب أن يحمل (٧) العموم على أنّ المراد به بعض ما تناوله

__________________

(١) ج : لحجز.

(٢) ب : ظريف.

(٣) الف : الفاض.

(٤) الف : الفاض.

(٥) ب وج : عليه.

(٦) ب : ـ من.

(٧) ب : + على.


لفظه (١) بل يحمل على ظاهر (٢) عمومه ، وضربوا لذلك مثلا ، من قوله تعالى (٣) : ﴿ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ إلى قوله ـ تعالى ـ (٤) : ﴿ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ، وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً ، فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ، إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ ، أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ومعلوم أنّ العفو لا يصحّ من كلّ مطلّقة ، وإنّما يصحّ من البالغات الكاملات ، وهنّ (٥) بعض من تقدّم ذكره ، و(٦) ـ مع هذا ـ القول الأوّل على عمومه وذكروا مثالا (٧) آخر ، وهو قوله تعالى : ﴿ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فإنّه (٨) عامّ في جميع المطلقات ، وإن تعقّبه ما يقتضى الاختصاص ، من قوله تعالى : ﴿ فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ، فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وذلك لا يتأتّى إلاّ في الرّجعيّة.

والّذي نقوله في هذا الباب : أنّ الشّرط الخاصّ إذا تعقّب عموما ، فجائز أن يتعلّق ببعض ما تناوله العموم ، ويكون اللّفظ الأوّل على عمومه ، وجائز أن يكون المخاطب بالعموم إنّما أراد به (٩)

__________________

(١) ج : لفظة.

(٢) الف : ـ ظاهر.

(٣) الف : ـ تعالى.

(٤) الف : ـ تعالى.

(٥) ب : هي.

(٦) ب : ـ و.

(٧) ج : أمثالا.

(٨) الف : وانه.

(٩) ب وج : ـ به.


بعض ما تناوله اللّفظ ، وهو الّذي تعلّق الشّرط به ، ومع الاحتمال للأمرين لا بدّ من دليل يعلم به أيّهما وقع.

والّذي يبيّن (١) ما ذكرناه أنّ القائل إذا قال (٢) : « اضرب (٣) الرّجال إلاّ من افتدى ضربك له بماله » وإن شئت : « اضرب الرّجال إن لم يفتدوا ضربك بمالهم » حتّى يكون (٤) قد أثبت بحرف الشّرط ، وإن كان المثال الأوّل فيه معنى الشّرط ، وهذا شرط خاص لا يليق بجميع الرّجال ، لأنّ لفظ (٥) الرّجال يدخل فيه الحرّ والعبد ، والعبد (٦) لا يملك ، فالشّرط الّذي تعقّب الكلام مخصوص لا يتعلّق إلاّ بالأحرار ولا يجب أن يقطع على أنّ المخاطب بذلك أراد بقوله « الرّجال » الأحرار والعبيد (٧) وإن خصّ بالشّرط الأحرار ، كما لا يجب أن يقطع على (٨) أنّه أراد باللّفظ الأوّل الأحرار ، دون العبيد ، بل ذلك موقوف على الدّلالة ، ومع فقدها لا (٩) يجب القطع على أحد الأمرين.

__________________

(١) ج : نبين.

(٢) ج : ـ قال.

(٣) ج : ضرب.

(٤) ج : تكون.

(٥) الف : لفظة.

(٦) الف وج : ـ والعبد.

(٧) ج : العبد.

(٨) ب : ـ على.

(٩) ج : ـ لا.


يوضح (١) ما ذكرناه أنّ في كلّ واحد من الأمرين مجازا و(٢) عدولا عن الظّاهر ، ألا ترى أنّا إذا حملنا لفظة الرّجال على الأحرار دون غيرهم ، كانت مجازا ، وإذا (٣) حملناها على العموم ، وحملنا الشّرط على بعض ما دخل تحتها ، كان ذلك أيضا مجازا وعدولا عن الظّاهر من وجه آخر ، لأنّ تقدير الكلام إلاّ أن يفتدي بعضهم (٤) بما له ضربك ، والظّاهر يقتضى أنّ المفتدي هو المأمور بأن تضربه (٥).

والكلام في الآية يجري على مثل (٦) ذلك ، لأنّ قوله تعالى : ﴿ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَ (٧) مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ، وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً ، فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ، إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ (٨) متى حملنا الشّرط على بعض المطلّقات ، صار تقدير الكلام إلاّ أن يعفو بعضهنّ ، وظاهر الكلام يقتضى أنّ العفو يقع من جميع المطلقات ، فبان أنّ القول محتمل للأمرين ، وما في كلّ واحد منهما إلاّ ضرب من المجاز والعدول (٩) عن الظّاهر (١٠).

__________________

(١) الف : لو صح.

(٢) الف : أو.

(٣) ب : فإذا ، ج : ـ إذا.

(٤) الف : ـ بعضهم.

(٥) ب : يضربه.

(٦) ب : ـ مثل.

(٧) الف : طلقتموه.

(٨) الف : يعفوون.

(٩) ب : عدول.

(١٠) ج ـ من وجه آخر (چند سطر قبل) ، تا اينجا.


فإن (١) قيل : فإنّ الأمّة كلّها إنّما عملت في كلّ مطلّقة طلّقت قبل الدّخول بها (٢) بأنّ لها نصف المهر من هذه الآية ، فهي (٣) عامّة في المطلّقات ، وإن اختصّ الشّرط.

قلنا : إن كانت الأمّة قد أجمعت (٤) على ذلك ، فإجماعها دليل يثبت به أحد المحتملين ، وقد قلنا : إنّ الخطاب (٥) محتمل للأمرين معا.

على أنّ الأمّة إنّما أجمعت في كلّ مطلّقة طلّقت قبل الدّخول بأنّ لها نصف المهر ، وإجماعها (٦) على هذا الحكم حجّة ، وإن لم يكن مستفادا من عموم الآية ، فمن أين رجوعهم في عموم هذا الحكم إلى عموم لفظ الآية ؟

فأمّا المثال الثّاني من قوله تعالى : ﴿ إِذا (٧) طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ، وأنّه عامّ في المطلّقات كلّهن ، وإن اختصّ الشّرط (٨) الّذي هو قوله تعالى : ﴿ فَإِذا (٩) بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ،

__________________

(١) الف : فإذا.

(٢) الف : ـ بها.

(٣) ب : وهي.

(٤) ج : اجتمعت.

(٥) الف : ـ الخطاب.

(٦) ب : إجماعنا.

(٧) الف : فإذا.

(٨) ب وج : بالشرط.

(٩) الف : وإذا.


أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ(١) فإنّه لا يليق إلاّ بالرّجعيّة ، فالكلام في هذه الآية كالكلام في الّتي قبلها ، فلا معنى لإعادته.

وذهب من أشرنا إليه ـ أيضا ـ إلى (٢) أنّ الجملتين إذا عطف إحداهما (٣) على الأخرى ، فخصوص (٤) إحداهما لا يقتضى خصوص الأخرى ، مثل قوله تعالى (٥) : ﴿ وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ إلى قوله تعالى (٦) : ﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فالجملة الثّانية خاصّة ، لأنّها لا تليق (٧) إلاّ بالرّجعيّة ، والأولى عامّة في كلّ مطلّقة ، والشّبهة في ذلك أنّ كلّ جملة لها حكم نفسها ، ولا يتعدّى إليها التّخصيص من غيرها.

والصّحيح أن يجري (٨) الكلام في هذه الآية مجرى ما تقدّم ، ونقول (٩) : إنّ (١٠) قوله تعالى : ﴿ وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ (١١) يحتمل أن يريد به الرّجعيّات ، ليطابق (١٢) الجملة الثّانية ، ويحتمل أن يريد به العموم ، ويكون (١٣) تقدير الكلام وبعولة (١٤) بعضهنّ

__________________

(١) ج : ـ بمعروف.

(٢) ب : ـ إلى.

(٣) ب : أحدهما.

(٤) الف وج : مخصوص.

(٥) الف : ـ تعالى.

(٦) الف : ـ تعالى.

(٧) ج : يليق.

(٨) ب وج : مجرى.

(٩) ب : تقول ، ج : يقول.

(١٠) ج : انه.

(١١) ب وج : ـ بأنفسهن.

(١٢) ب وج : لتطابق.

(١٣) ج : ـ يكون.

(١٤) الف : بعولتهن.


أحقّ بردّهنّ ، لأنّ في كلا (١) الأمرين وجها من المجاز والعدول عن الظّاهر ، فلا بدّ من دليل يقتضى القطع على أحد الأمرين. وإنّما كان يترجّح (٢) حمل الأوّل على عمومه لو لم يكن في الثّاني تجوّز وعدول عن الظّاهر ، فلا بدّ من دليل يقتضى القطع على أحد الأمرين.

و(٣) يكون لكلّ جملة حكم نفسها إذا لم يتعلّق كلّ واحدة بالأخرى هذا التّعلّق ، مثل أن يقول القائل : « ضربت القوم ، وأكرمت العلماء » فأمّا إذا (٤) قال بعد ذكر المطلّقات : ﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ فالظّاهر يقتضى أنّ الكناية عائدة إلى كلّ من تقدّم ذكره ، والصّفة تكشف (٥) عمّا قلناه ، فإنّ القائل إذا قال : « اضرب الرّجال السّودان » فهذه الصّفة (٦) تعود إلى جميع الرّجال ، ولا يجوز أن يحمل محصّل الصّفة بالسّودان على أنّها لبعض (٧) الرّجال المضروبين ، وأنّ (٨) لفظ الرّجال على عمومه ، لأنّه (٩) لا فرق بين أن يقول : « اضرب الرّجال السّودان ، » وبين أن يقول : « اضرب سودان الرّجال » فمتى

__________________

(١) ج : كل.

(٢) الف : يرجح.

(٣) ج : ـ كان يترجح ، تا اينجا ، ب : + انما.

(٤) الف : + ما.

(٥) الف : فالصفة يكشف.

(٦) ب وج : صفة.

(٧) ب : البعض.

(٨) ج : فان.

(٩) ج : ـ لأنه.


حمل هذا اللّفظ على أنّ المراد به اضرب الرّجال الّذين (١) السّودان بعضهم ، وجعل لفظ (٢) الرّجال عامّا ، فذلك جار مجرى أن يحمل قوله تعالى : ﴿ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ على أنّ المراد به إلاّ أن (٣) يعفو (٤) بعضهنّ في أنّه عدول عن الظّاهر ، وإن كان في الصّفة أقبح وأفحش فأمّا الاستثناء ، فتعليقه (٥) ببعض ما تناوله العموم الصّحيح (٦) أنّه (٧) جائز لا يقتضى تخصيص العموم ، والقضاء بأنّه ما أريد به إلاّ الجنس (٨) الّذي تناول الاستثناء بعضه ، لأنّ القائل إذا قال : « اضرب الرّجال إلاّ فلانا الأسود » فلفظ الرّجال عامّ في البيضان (٩) والسّودان ، وإن كان الاستثناء خاصّا ، وإنّما (١٠) الإشكال هو (١١) في الشّرط والصّفة ، وقد قلنا ما عندنا في ذلك (١٢) وبسطناه.

__________________

(١) الف : ـ الذين.

(٢) ج : لفظة.

(٣) ب : ـ ان.

(٤) ب : يعفوا.

(٥) الف : فتعلقه.

(٦) ب وج : صحيح.

(٧) ب وج : ـ انه.

(٨) ب : الحسن.

(٩) ب : الصبيان.

(١٠) الف : فانما.

(١١) ب : ـ هو.

(١٢) الف : ـ في ذلك.


فصل في تخصيص قول النبيّ عليه‌السلام بفعله

اعلم أنّ فعله عليه‌السلام للشّيء (١) يدلّ على أنّه مباح لا محالة منه ، فإذا علمنا بالدّليل أنّ حالنا كحاله (٢) عليه‌السلام في الشّرائع ، علمنا ـ أيضا (٣) ـ أنّه مباح منّا ، فإن كان قد سبق منه عليه‌السلام قول عامّ في تحريم ذلك الفعل على العموم ، فلا بدّ من الحكم بتخصيصه ، وإنّما أوقع الشّبهة في هذه المسألة الخلاف في هل حكمنا في الشّرائع (٤) كحكمه ، وهل الأصل (٥) ذلك أو غيره.

فصل في تخصيص العموم بالعادات

اعلم أنّ العموم لا (٦) يجوز تخصيصه بأن يعتاد النّاس أن يفعلوا خلافه ، لأنّ أفعالهم يجب أن تكون (٧) تابعة لخطاب الله تعالى

__________________

(١) الف : الشيء.

(٢) الف : ـ كحاله.

(٣) الف : ايظ.

(٤) ج : بالشرائع.

(٥) ب : + في.

(٦) ج : ـ لا.

(٧) ب وج : يكون.


وخطاب رسوله (١) ـ عليه‌السلام (٢) ـ ، فكيف (٣) يجعل (٤) التّابع متبوعا. وإن كانت هذه العادة أثّرت في حكم اللّفظ وفائدته ، وجب (٥) أن يخصّ (٦) العموم بها ، لأنّ التّعارف له تأثير في فوائد الألفاظ (٧) فلا يمتنع (٨) تخصيص العموم بما يجري هذا المجرى.

فصل في أنّ العموم إذا خرج على سبب خاصّ

لا يجب قصره عليه (٩)

اعلم أنّ المراد بقولنا « سبب » في الكلام الدّاعي إلى الخطاب به والباعث عليه ، وليس المراد بهذه اللّفظة (١٠) ـ هاهنا (١١) ـ الأسباب المولّدة للأفعال (١٢) والحكيم لا يجوز أن يريد بخطابه إلاّ ماله داع إليه ، فلا بدّ في خطابه من أن يكون مقصورا على أسبابه ، وغير متعدّ لها (١٣) ولا فاضل عليها ، فقد (١٤) اتّفقنا على هذه الجملة ، غير

__________________

(١) ب : رسول الله ، ج : الرسول.

(٢) ب وج : صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٣) ج : ـ فكيف ، جاى آن سفيد است.

(٤) ج : تجعل.

(٥) ج : ويجب.

(٦) ب : يختص.

(٧) الف : الألفاض.

(٨) ج : يمنع.

(٩) الف : ـ عليه.

(١٠) ب : اللفظ.

(١١) الف : ـ هاهنا.

(١٢) ج : والأفعال.

(١٣) ب : غيره متصد له.

(١٤) الف : قد.


أنّه لا يجيء منها (١) أنّه إذا سأله عليه‌السلام (٢) سائل عن (٣) حكم حادثة ، فأجابه بقول عامّ ، أنّا نقصره على ذلك السّؤال ، لأنّه إذا عمّ بخطابه سؤال السّائل وغيره ، فما أضاف إلى بيان حكم ما سئل (٤) عنه بيان حكم غيره ، إلاّ لسبب (٥) آخر وداع هو غير سؤال السّائل ، لأنّه لو لم يكن كذلك ، لأجاب بما يكون وفقا (٦) للسّؤال من غير أن يكون فاضلا عليه ، وليس (٧) يجب عليه (٨) أن يكون الخطاب مقصورا على الأسباب الّتي تظهر (٩) لنا ، بل يكون مقصورا على أسبابه الظّاهرة لنا ، والخافية (١٠) عنّا. وهذا التّلخيص يزيل الشّبهة في المسألة. ونعود (١١) إلى الكلام المألوف في هذه المسألة.

فنقول : قد اختلفوا فيها فقال قوم : يجب حمل الكلام على سببه دون ظاهره ، وقال آخرون : يجب حمله على ظاهره إذا أمكن ذلك.

__________________

(١) ب : عنها.

(٢) ب : + عن حكم.

(٣) ج : من.

(٤) ب : يسأل.

(٥) ج : بسبب.

(٦) ب وج : وقفا.

(٧) ج : فليس.

(٨) الف : ـ عليه.

(٩) ج : يظهر.

(١٠) ج : فالخافية.

(١١) الف : يعود ، ج : تعود.


وكلامه عليه‌السلام ينقسم إلى مطابق للسّبب (١) غير فاضل (٢) عنه ، وإلى ما (٣) يكون أعمّ منه : والأوّل لا خلاف فيه ، والثّاني ينقسم إلى قسمين : أحدهما (٤) أن يكون أعمّ منه في الحكم المسئول عنه ، نحو قوله عليه‌السلام وقد سئل عمّن ابتاع عبدا ، و(٥) استعمله (٦) ثمّ وجد به عيبا ، : « الخراج بالضّمان » والقسم الآخر أن يكون أعمّ منه في غير ذلك الحكم المسئول عنه ، نحو قوله عليه‌السلام وقد سئل عن الوضوء بماء البحر ، فقال عليه‌السلام (٧) : « هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته (٨) » فأجاب عليه‌السلام بما يقتضى شربه ، وإزالة النّجاسة به ، وغير ذلك. وفي جوابه عليه‌السلام ما (٩) لو (١٠) لم يعلّق بالسّبب ، لم يكن مفيدا ، ولا مستقلاّ بنفسه ، نحو ما روى عنه ـ عليه‌السلام ـ وقد (١١) سئل عن بيع الرّطب بالتّمر ، فقال عليه‌السلام « أ ينقص إذا يبس ؟ » ، فقيل : « نعم » ، فقال عليه‌السلام : « فلا إذا ».

__________________

(١) ب : المسبب.

(٢) ب : فاصل.

(٣) الف : قد ، بجاى إلى ما ،

(٤) ب : إحداهما.

(٥) الف : أو.

(٦) ب : اشتعله ، ج : استغله.

(٧) ب وج : ـ فقال عليه‌السلام.

(٨) ب : الحمل ميتة ، ج : ميتة.

(٩) ب : + ان.

(١٠) الف وج : ان.

(١١) الف : انه ، بجاى وقد.


والّذي يدلّ على صحّة ما ذكرناه من حمل الكلام على ظاهره أنّ كلامه عليه‌السلام هو الدّلالة على الأحكام ، فيجب أن يعتبر صفته في عموم أو خصوص ، كما تعتبر (١) صفة أمره ونهيه.

دليل آخر : ويدلّ ـ أيضا ـ (٢) على ذلك (٣) أنّ العموم لو انفرد عن السّبب ، يحمل (٤) على عمومه بلا خلاف ، فيجب مثل ذلك إذا خرج (٥) على سبب ، لأنّ السّبب لا يخرجه عن (٦) صفته الّتي من جهتها كان دليلا ، (٧) لأنّه لا تنافي بين حدوث السّبب وبين عموم اللّفظ ، يقوّى ما ذكرناه أنّ آية (٨) اللّعان نزلت في هلال بن أميّة العجلانيّ ، وحملته الأمّة على كلّ رام زوجته. وكذلك آية الظّهار وردت في خولة بنت خويلد ، وحمل هذا الحكم على كلّ من ظاهر من امرأته (٩).

دليل آخر : وممّا يدلّ ـ أيضا ـ (١٠) على ذلك أنّه لا فرق بين قصر الخطاب ـ مع عمومه ـ على السّبب ، وبين قصره على العين الّتي تعلّق

__________________

(١) ب وج : يعتبر.

(٢) الف : ايظ.

(٣) ب : على ذلك أيضا.

(٤) ب : لحمل.

(٥) الف : ـ خرج.

(٦) الف : من.

(٧) الف : + و.

(٨) ب : أراد به ، بجاى ان اية.

(٩) الف : ـ من امرأته.

(١٠) الف : ـ أيضا.


السّبب بها ، حتّى لا يدخل في الخطاب إلاّ تلك (١) العين ، دون غيرها. ولوجب ـ أيضا ـ إذا كان للحادث تعلّق بمكان (٢) مخصوص أو وقت مخصوص ألاّ يتعدّاهما الحكم ، وفي فساد ذلك دلالة على وجوب اعتبار اللّفظ ، دون أسبابه وأماكنه وأوقاته.

دليل آخر : وممّا يدلّ ـ أيضا ـ (٣) على ذلك أنّ السّائل لا يعرف ما الّذي يجاب به ، ولهذا جاز أن يدخل تحت السّؤال (٤) النّفي والإثبات على سواء ، وكيف (٥) يجوز أن يبنى الجواب الّذي لا يصدر إلاّ عن معرفة ، ولا يجوز أن يتضمّن نفيا وإثباتا ، على السّؤال مع اختلاف حكمهما (٦).

دليل آخر : وأيضا فإنّ السّبب فائدته البعث (٧) على البيان ، فإذا كان سائر ما يدعو إلى البيان لا يوجب تغيّر حال الخطاب في (٨) اعتبار عمومه وصفته ، فكذلك السّبب.

__________________

(١) ج : بتلك.

(٢) ب : لمكان.

(٣) الف : + دلالة.

(٤) ج : سؤال.

(٥) الف : فكيف.

(٦) الف : حكميهما.

(٧) ج : العبث.

(٨) ب : ـ البيان لا ، تا اينجا.


فصل في تخصيص العموم بمذهب الرّاوي

اعلم أنّ هذه المسألة كالفرع على قبول أخبار الآحاد ، والعمل بها ، وسنذكر ما عندنا في ذلك إذا انتهينا إلى الكلام في الأخبار بمشيّة الله تعالى وعونه (١). وإذا (٢) فرضنا العمل بما يرويه الواحد ، لم يجب أن يخصّص عموم ما (٣) يرويه بمخالفته (٤) له (٥) لأنّ غاية حسن الظّنّ بالرّاوي أنّه ما عدل عن عموم ما (٦) رواه هوى (٧) ولا تقليدا (٨) لكن لوجه (٩) من الوجوه ، وذلك الوجه يحتمل أن يكون لأنّه علم قصده عليه‌السلام ، ويحتمل ـ أيضا ـ (١٠) أنّه عمل على رواية غيره ، أو لوجه من الاستدلال والقياس ، إمّا أن يكون مخطئا فيه أو مصيبا (١١) فكيف يجوز أن يعدل عن ظاهر العموم ، والعمل به واجب ، لأمر محتمل للحقّ والباطل والصّحيح والفاسد. والأشبه

__________________

(١) ب : ـ وعونه ، ج : بعونه.

(٢) ب : فإذا.

(٣) ب وج : بما.

(٤) ب وج : لمخالفته.

(٥) ب : ـ له.

(٦) ب وج : العموم فيما.

(٧) الف : لهوا.

(٨) ب : تعليلا.

(٩) ج : بوجه.

(١٠) الف : ايظ.

(١١) ب : مضيا.


أن يكون الرّاوي ما عمل بخلاف ما رواه لعلمه بقصده عليه‌السلام (١) لأنّه لو كان الأمر على ذلك ، لوجب أن يبيّن (٢) الرّاوي هذه الحال ، ويذكرها ، إزالة للتّهمة (٣) عن نفسه ، فإذا لم يذكرها ، فالأولى أنّها ما كانت ، ولهذا نقول : أنّ الرّاوي إذا ذهب فيما رواه إلى أنّه منسوخ ، لا يجب القول بنسخة على سبيل إحسان الظّنّ به ، وأيّ فرق بين تقليده (٤) في التّخصيص ، وتقليده في النّسخ ، وهذا المذهب أضعف من أن يحتاج إلى الإكثار فيه (٥).

فصل في أنّ الاخبار كالأوامر في جواز

دخول (٦) التخصيص

اعلم أنّ الأخبار كالأوامر (٧) في جواز (٨) دخول (٩) التّخصيص فيها بل هو في الأخبار أظهر ، وإذا كان معنى التّخصيص هو ان يريد المخاطب بعض ما تناوله اللّفظ ، فهذا المعنى قائم في الأخبار

__________________

(١) الف : + و.

(٢) ج : نبين.

(٣) الف : التهمة.

(٤) ب : تقييده.

(٥) ج : ـ فيه.

(٦) الف : ـ دخول.

(٧) ب : كالأمر.

(٨) ب : جواب.

(٩) ب : ـ دخول.


أظهر من قيامه (١) في غيرها. والكلام بين أهل الوعيد وأهل الإرجاء في آيات الوعيد إنّما هو في تخصيص هذه الآيات. ومن امتنع من (٢) ذلك ، فلقلّة تأمّله. واعتلال من أبى ذلك بأنّ النّسخ لمّا لم يدخل في الأخبار فكذلك التّخصيص باطل ، لما (٣) سنذكره عند الكلام في الأخبار بعون الله. ولو عكس عاكس هذا القول ، وذهب إلى أنّ التّخصيص إنّما يدخل في الخبر دون الأمر ، لما (٤) أمكن دفعه إلاّ بما (٥) يدفع من أبى تخصيص الأخبار.

فصل في أنّ ذكر بعض الجملة لا يخصّ به (٦) العموم

اعلم أنّ التّخصيص (٧) إنّما يكون بطريقة التّنافي ، ولا تنافي بين الجملة الخاصّة إذا عطفت على العامّة ، فكيف يخصّ (٨) بها ؟ ! وأيّ (٩) شبهة تدخل على متأمّل في أنّ قول القائل : « أعط الرّجال وزيدا »

__________________

(١) ب : قيامها.

(٢) ج : في.

(٣) ج : بما.

(٤) ب : ما.

(٥) ب : + بمثله ، ج : بمثله ، بجاى بما.

(٦) ب وج : يخصص ، بجاى يخص به.

(٧) ب : ـ ان التخصيص.

(٨) ج : يختص.

(٩) الف : فأي.


لا يقتضى إفراد زيد إلاّ أن (١) يكون دخل في الجملة الأولى ، وإنّما أفرد تفخيما أو تأكيدا ، على مذهب من يراه. وإنّما بنى بعض الشّافعيّة قوله هذا على دليل الخطاب ، وهو باطل بما سيأتي بمشيّة الله (٢) تعالى.

فصل في بناء (٣) العامّ على الخاصّ

اختلف النّاس في العامّ والخاصّ إذا وردا و(٤) بينهما تناف كان الخاصّ منهما ينفى (٥) الحكم عن بعض ما تناوله العامّ ، فذهب الشّافعيّ وأصحابه وأهل الظّاهر وبعض أصحاب أبي حنيفة إلى (٦) أنّ العامّ يبنى على الخاصّ. وقال آخرون مع عدم التّاريخ يجب أن يرجع في الأخذ بأحدهما إلى دليل ، ويجرونهما مجرى عامّين تعارضا ، وهو مذهب عيسى بن أبان وأبى (٧) الحسن الكرخيّ وأبى (٨) عبد الله البصريّ.

__________________

(١) الف : ان لا ، بجاى ، الا ان.

(٢) ب : إن شاء الله.

(٣) ج : بنى.

(٤) ب : وردوا ، بجاى ، ورداو ، ج : ـ و.

(٥) الف : نفى.

(٦) ب : على.

(٧) الف : أبا.

(٨) ج : أبو.


والّذي يجب تحقيقه في هذه المسألة أنّ الخلاف فيها مبنىّ على فقد التّاريخ ، وارتفاع العلم بتقدّم أحدهما أو تأخره ، وهذا الشّرط لا يليق بعموم (١) الكتاب ، فإنّ تاريخ نزول آيات القرآن مضبوط (٢) محصور لا خلاف فيه. وإنّما يصحّ تقديره في أخبار الآحاد ، لأنّها هي الّتي ربما عرض فيها هذا التّعارض. ومن لا يذهب إلى العمل بأخبار الآحاد ، فقد (٣) سقطت عند كلفة هذه المسألة ، فإن (٤) تكلّم فيها ، فعلى سبيل الفرض والتّقدير.

والّذي يقوى (٥) في نفوسنا ـ إذا فرضنا ذلك ـ التّوقّف عن البناء ، والرّجوع إلى ما يدلّ عليه الدّليل من العمل بأحدهما ، ولا حاجة بنا إلى تفصيل ما يجوز أن يدلّ على ذلك من الأدلّة من إجماع ، أو غيره ، لأنّ الفرض أنّه لا يجب البناء على مذهب من أوجبه (٦) بل الرّجوع إلى الأدلّة.

والّذي يدلّ على صحّة ما اخترناه أنّ بناء العامّ على الخاصّ له شرط لا بدّ من اعتباره ، وهو أن يكونا واردين معا ، والحال

__________________

(١) ب : لعموم.

(٢) ج : مضبوطة.

(٣) الف : قد.

(٤) ب : وان.

(٥) ب : يقوينا.

(٦) ج : أوجه.


واحدة ، لأنّ تقدّم أحدهما (١) على الآخر يقتضى عندهم النّسخ (٢) فلا بدّ من تقدير المقارنة ، وإذا كان هذا الشّرط غير معلوم ، فما هو مبنىّ عليه من البناء (٣) لا يصحّ.

فإذا قيل : فقد التّاريخ يقتضى ورودهما (٤) معا.

قلنا (٥) : ومن أين قلتم ذلك ، ونحن مع فقد روايته بالتّاريخ (٦) نجوّز (٧) التّقدّم والتّأخّر ، كما نجوّز (٨) المصاحبة.

فإن (٩) قيل : لو كان بينهما تقدّم و(١٠) تأخّر ، لروى.

قلنا : ولو كان بينهما مصاحبة (١١) أو مقارنة (١٢) لرويت. وأيّ فرق بينكم إذا اعتمدتم على البناء وهو مشروط بما لم تعلموه من المقارنة (١٣) وبين من ذهب إلى أنّ أحدهما ناسخ لصاحبه وإن كان (١٤) النّسخ مفتقرا (١٥) إلى علم التّقدّم و(١٦) التّأخّر ؟.

فأمّا اعتمادهم على أنّ الغرقى (١٧) لمّا لم يعلم تقدّم موت بعضهم

__________________

(١) ج : إحداهما.

(٢) الف : ـ النسخ.

(٣) ج : + و.

(٤) ج : ورودها.

(٥) ج : قلناه.

(٦) الف : رواية التاريخ.

(٧) ج : يجوز.

(٨) ج : يجوز.

(٩) ب : وإذا.

(١٠) الف : أو.

(١١) ج : ـ فان قيل ، تا اينجا.

(١٢) ب : مفارقة ، الف : مقاربة.

(١٣) ب : المقاربة.

(١٤) ج : ـ كان.

(١٥) ج : مفتقر.

(١٦) ج : أو.

(١٧) ج : الغراقي.


على بعض ، ولم يكن لنا إلى ذلك طريق ، حكمنا بأنّ موتهم وقع في حال واحدة ، حتى تورّث (١) بعضهم من بعض ، فليس بمعتمد ، لأنّ الدّليل لمّا دلّ على توريث (٢) بعضهم من بعض ، كان ذلك موجبا لإثبات وقوع الموت في حالة (٣) واحدة ، فما استند في ذلك إلاّ إلى دليل قاطع ، وليس في بناء العامّ على الخاصّ مثل ذلك ، لأنّه لم يدلّ دليل على وجوب البناء ، فيثبت ما لا (٤) يتمّ البناء إلاّ معه.

وليس لأحد أن يقول : هذا يقتضى اطّراح الخبرين معا ، لأنّ (٥) التّوقّف على طلب الدّليل ليس باطّراح ، ويجري ذلك مجرى العمومين إذا تعارضا. ويمكن أن يقال : إنّ الله تعالى لا يخلّي المكلّف من دلالة تدلّه على ما يجب أن يعمل به ، من بناء ، أو غيره ، كما يقال ذلك في العمومين المتعارضين.

فأمّا ترجيحهم البناء بأنّ ذلك يقتضى العمل بالخبرين معا على وجه صحيح ، والعمل بالعامّ يقتضى اطّراح الخاصّ جملة ، فإنّما (٦)

__________________

(١) ب : يورث ، الف : نورث.

(٢) الف : تورثه ، ظ : تورث.

(٣) الف وب : حال.

(٤) ج : لم.

(٥) الف : قلنا ، بجاى لأن.

(٦) ج : وانما.


هو متوجّه إلى من رأي العمل بالعامّ ، فأمّا المتوقّف (١) فلا يلزمه هذا الكلام ، وله أن يقول : كما أنّ العامل بالعامّ مطرح للخاصّ ، فالعامل (٢) بالخاصّ بان على ما لا يعلمه من ورودهما معا (٣) والشّرط إذا لم يكن معلوما ، فلا يجوز إثبات المشروط.

ولمن قال بالنّسخ تقرير في (٤) هذا التّرجيح ، وهو أن يقول : إذا عملت بالنّسخ ، فقد استعملت جميع الخبرين من غير (٥) اطّراح (٦) لشيء منهما (٧) ومن بنى (٨) العامّ على الخاصّ ، فقد (٩) اطّرح من العامّ ما لا يستعمله جملة فقول من حمل على النّسخ أرجح من قوله (١٠).

فأمّا قولهم : « إنّ العموم إذا جاز أن يخصّ بالقياس ، والنّصّ أقوى منه ، وجب بناء العامّ على الخاصّ » فباطل (١١) وذلك أنّا لا نرى تخصيص العموم بالقياس ، وقد سلف الكلام في ذلك.

__________________

(١) ج : فالمتوقف ، بجاى فاما المتوقف.

(٢) ج : فالعام.

(٣) ب : ـ معا.

(٤) ب وج : أقوى من ، بجاى تقرير في.

(٥) ج : ـ من غير.

(٦) ب : لم أطرح ، بجاى من غير اطراح.

(٧) ب : ـ منهما.

(٨) ب وج : بناء.

(٩) ج : قد.

(١٠) الف : ـ ومن بنى ، تا اينجا.

(١١) الف : ـ فباطل.


ثمّ الفرق بينهما أنّ الخاصّ إنّما يبنى عليه العامّ (١) بشرط المصاحبة ، وليست (٢) معلومة ، وليس هذا (٣) الشّرط معتبرا (٤) في القياس.

فصل في حكم العمومين إذا تعارضا

اعلم أنّ العمومين إنّما يتعارضان على الحقيقة بأن يصيرا (٥) بحيث لا يمكن العمل بهما معا (٦) وذلك يكون على وجهين : أحدهما (٧) أن (٨) يقتضى أحدهما (٩) نفي كلّ ما اقتضى الآخر إثباته ، أو إثبات كلّ ما اقتضى الآخر نفيه.

أو يقتضى حكما مضادّا لكلّ ما يقتضيه الآخر.

ولا يكاد يوجد هذا فيما طريقه (١٠) العلم من الأخبار ، إلاّ وهناك ما يدلّ على العمل بأحدهما ، أو يكون المكلّف مخيّرا بين الحكمين. وإنّما قلنا ذلك ، لأنّ الأدلّة لا تتناقض وبمثل ذلك

__________________

(١) الف : ـ العام.

(٢) ج : ليس.

(٣) ب : ـ هذا.

(٤) الف : معتبر.

(٥) ب : تصيرا.

(٦) ب وج : جميعا.

(٧) ب : إحداهما.

(٨) الف : ـ ان.

(٩) الف : ـ أحدهما.

(١٠) ج : طريقة.


أفسدنا قول من يذهب إلى تكافؤ الأدلّة. وأمّا (١) ما طريقه غالب الظّنّ ، فقد يجوز مثل ذلك فيه ، لأنّه قد يجوز فيما هذا طريقه أن يكون التّكليف على زيد بخلاف التّكليف على عمرو ، ولهذا صحّ تعارض البيّنتين (٢).

وإذا كان فيما هذه (٣) حاله تاريخ معلوم ، فلا تعارض (٤) كما أنّ مع التّخيير لا تعارض.

فأمّا معارضة كلّ واحد من العمومين صاحبه من وجه دون آخر (٥) نحو قوله تعالى : ﴿ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وقوله ـ سبحانه ـ (٦) : ﴿ وَأَنْ تَجْمَعُوا (٧) بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ، فإنّ ذلك ليس بتعارض حقيقيّ ، وإنّما هو تعارض (٨) في أمر مخصوص ، لأنّ العمل بهما (٩) ممكن إلاّ في ذلك الأمر المخصوص ، وما هذه (١٠) حاله لا يعدّ تعارضا (١١) بالإطلاق ، بل يقيّد ، فيقال : إنّ أحدهما عارض الآخر (١٢) في كذا وكذا.

__________________

(١) ب وج : فاما.

(٢) ج : السنتين ، بالاى البينتين.

(٣) ب : هذا.

(٤) ب : يعارض.

(٥) ب وج : وجه ، بجاى آخر.

(٦) الف : ـ سبحانه ، ج : تعالى.

(٧) ج : يجتمعوا.

(٨) ج : يعارض.

(٩) ج : بها.

(١٠) ب : هذا.

(١١) الف : معارضا.

(١٢) الف : ـ الاخر.


فإن قيل : أ ليس إذا تعارضا في الوجه المخصوص ، اقتضى ذلك تناقض الأدلّة.

قلنا : لا يقتضى ذلك ، لأنّه يمكن حمل العموم في الإباحة على ما عدا الأختين. أو يطلب قرينة يعلم بها أيّ الأمرين أولى (١) ؟ ولو قدّرنا عدم الأمرين ، كان لا يمتنع (٢) أن يكون التّكليف على (٣) طريقة (٤) التّخيير. ووجوه ترجيح آية (٥) تحريم الجمع على آية الإباحة ليس هذا موضع ذكرها.

وقد قيل : إنّ آية التّحريم هي المفيدة شرعا و(٦) حكما زائدا ، فيجب أن يكون مستثناة من الإباحة.

وأيضا قد (٧) ثبت بالسّمع أنّ جهة الحظر فيما يتعلّق بالفروج (٨) أولى ، فيجب تقديم آية التّحريم.

وأيضا فإنّ آية التّحريم موردها البيان للحكم ، وآية ملك اليمين وردت على سبيل المدح ، فيجب تقديم تلك (٩) على هذه (١٠)

__________________

(١) الف : ـ أولى.

(٢) ب : يمنع.

(٣) ج : ـ على.

(٤) ب وج : طريق ، ج : + على.

(٥) الف : ـ آية.

(٦) جميع النسخ التي عندي بالواو ، والظاهر زيادتها.

(٧) الف : فقد.

(٨) ب : بالفرج.

(٩) الف : ذلك.

(١٠) الف : هذا.


وأقوى من ذلك كلّه إجماع الإماميّة على تحريم الجمع بين الأختين على كلّ حال ، وقد بيّنّا أنّ إجماعهم (١) حجّة ، فتخصيص آية الإباحة بآية التّحريم أولى.

باب (٢) الكلام في المجمل والبيان (٣)

اعلم أنّ المجمل هو الخطاب الّذي لا يستقلّ (٤) بنفسه في معرفة (٥) المراد به ، والمفسّر ما استقلّ بنفسه.

والمستقلّ (٦) بنفسه على أقسام : أحدها ما يدلّ على المراد بلفظه (٧). وثانيها ما يدلّ بفحواه. وثالثها ما ألحقه قوم به من الدّال على المراد بفائدته. ورابعها ما ألحق ـ أيضا ـ ممّا (٨) يدلّ بمفهومه.

ومثال الأوّل قوله تعالى : ﴿ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ و﴿ أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ و﴿ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً وما لا يحصى من الأمثلة. ومثال الثّاني قوله تعالى : ﴿ فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ . ومثال الثّالث طريقة التّعليل. ومثال الرابع الزّجر (٩) وتعلّق الحكم بالأسباب ، ووجوب ما لا يتمّ ما كلّفناه إلاّ به.

__________________

(١) ب : ـ الإمامية ، تا اينجا.

(٢) الف : فصل.

(٣) ج : المبين.

(٤) ب : يستقبل.

(٥) ب : معروف.

(٦) ب : المستقبل.

(٧) الف : بلفظه.

(٨) الف : بما.

(٩) ب : الرجز.


ومن خالف في فحوى اللّفظ يجب موافقته ، فيقال له : أ يدخل على عاقل عرف عادة العرب في خطابها شبهة في أنّ القائل إذا قال : « لا تقل له (١) أفّ » ، فقد منع من كلّ أذيّة له (٢) وأنّه أبلغ (٣) من قوله : « لا تؤذه (٤) » فمن خالف (٥) في ذلك ، أعرض عنه. و(٦) من لم يخالف ، وادّعى أنّ بالقياس والتّأمّل (٧) يعلم ذلك ، قيل له : فمن لا يثبت القياس يجب ألاّ يعرف ذلك ، ولو ورد (٨) التّعبّد بالمنع من القياس ، لكان يجب ألاّ يكون ما ذكرناه مفهوما ، ونحن نعلم ضرورة أنّ (٩) قولهم : « (١٠) فلان مؤتمن على القنطار » أبلغ من قولهم : « أنّه مؤتمن على كلّ شيء » ، وقولهم : « ما يملك نقيرا ولا قطميرا » أبلغ من قولهم : « إنّه لا يملك شيئا » ، وإنّما اختصروا (١١) للبلاغة والفصاحة ، ولهذا يعدّون مناقضا من قال : « لا تقل له (١٢) أفّ ، واستخفّ به (١٣) » ، أو قال : « فلان لا يملك نقيرا ، ومعه ألوف الدّنانير ».

__________________

(١) الف : لهما.

(٢) الف : ـ له.

(٣) ب : لا بلغ.

(٤) الف : لاده.

(٥) الف : يخالف.

(٦) ب : + لا.

(٧) ب : بالتأويل والقياس ، ج ، : بالتأمل والقياس.

(٨) ب : لورود.

(٩) ب : ـ ان.

(١٠) ب : + ان.

(١١) ب : اقتصر ، ج : اقتصروا.

(١٢) الف : لهما.

(١٣) الف : بهما.


وأمّا (١) طريقة التّعليل ، فأكثر ما فيها أن (٢) يعقل (٣) من قوله ـ عليه‌السلام ـ : « إنّها من الطّوّافين عليكم والطّوّافات » تعليق (٤) الحكم بهذه الصّفة ، فمن أين تعدّيه (٥) إلى كلّ (٦) ما كانت له هذه الصّفة ، وذلك إنّما يكون بالعبادة (٧) بالقياس ، وإلاّ لم يكن مستفادا.

فأمّا الزّجر ، فالأولى أن يكون قوله تعالى : ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ ـ إذا ثبت أنّه زجر عن السّرقة ـ أنّ القطع إنّما كان لأجل السّرقة. والأغلب في العادة والتّعارف (٨) أنّ من أوجب شيئا ، فقد أوجب (٩) ما لا يتمّ إلاّ به.

فأمّا ما لا يستقلّ بنفسه ، ويحتاج إلى بيان ، فهو على ضربين :

أحدهما (١٠) يحتاج إلى بيان ما لم يرد به ممّا (١١) يقتضى ظاهره كونه مرادا به كقوله تعالى : ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما و﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ

__________________

(١) الف وب : فاما.

(٢) ب : ـ ان.

(٣) ب : تعقل ، ج : نعقل.

(٤) الف : تعلق.

(٥) ج : تعدية.

(٦) ب : ـ كل :

(٧) ب : + و.

(٨) ب : التقارب.

(٩) ب : ـ شيئا فقد أوجب.

(١٠) ب : إحداهما.

(١١) الف : ما.


جَلْدَةٍ (١) . وقد ذهب قوم إلى أنّ ذلك كالمجمل في أنّ ظاهره لا يدلّ على المراد ، وهذا الوجه له باب مفرد يذكر في موضعه والخلاف فيه ، بمشيّة الله ، ويدخل في هذا القسم النّسخ ، لأنّ الدّليل المتقدّم إذا علم بلفظه أو بقرينة أنّ المراد به الامتثال في جميع الأوقات المستقبلة ، فلا بدّ من الحاجة إلى بيان ما لم يرد به (٢) ممّا يفيده (٣) النّسخ. ويدخل في هذا القسم ضروب المجازات (٤) لأنّ الخطاب إذا ورد ، فلو (٥) خلّينا وظاهره ، لاقتضى (٦) ما لم يرد منّا ، فلا بدّ من الحاجة (٧) إلى البيان.

والقسم الثّاني ممّا (٨) يحتاج إلى بيان ما يحتاج إليه في معرفة ما أريد به ، وهو على ضروب : فمنه ما يكون كذلك لوضع اللّغة ، ومنه ما يؤثّر فيه النّقل ، أو حصول مقدّمة ، أو مؤخّرة (٩) أو قرينة.

فالّذي (١٠) يرجع إلى الوضع فهو أن يكون (١١) اللّفظ وضع

__________________

(١) الف : آيه جلد را قبل از آيه قطع ذكر كرده ، وتا ﴿ فَاجْلِدُوا و﴿ فَاقْطَعُوا بيش نياورده.

(٢) الف : المراد ، بجاى لم يرد به.

(٣) ب : يفيد.

(٤) ب وج : المجاز.

(٥) الف : ولو.

(٦) لا يقتضى.

(٧) ب : الحاجب.

(٨) الف : ما.

(٩) ب : مرخوة.

(١٠) ب وج : والّذي.

(١١) ب : + وضع.


في اللّغة محتملا. ثمّ احتماله ينقسم ، فربما احتمل أمرا من جملة أمور ، مثل قوله تعالى : ﴿وَآتُوا (١) حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ و﴿ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وربما احتمل شيئا من جملة أشياء معيّنة ، أو شيئين ، كقولنا قرأ ، وجون ، وشفق ، وقوله تعالى : ﴿ فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً .

فأمّا ما (٢) يرجع إلى النّقل ، فكالأسماء الشّرعيّة ، كقولنا صلاة ، وزكاة ، لأنّ المراد بها في الشّرع غير ما وضعت (٣) له في اللّغة.

وأمّا (٤) مثال ما يرجع إلى مقدّمة ، فهو كلّ عموم يعلم بأمر متقدّم أنّه لا يراد به إلاّ البعض ، ولا دليل على التّعيين ، فما هذه حاله لا بدّ فيه من بيان ، نحو قوله تعالى : ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٥).

وأمّا (٦) ما يرجع إلى مؤخّرة وقرينة (٧) فهو كلّ ظاهر يعلم (٨) أنّه مشروط بشرط مجمل ، أو استثناء مجمل ، كقوله تعالى :

__________________

(١) الف : فأتوا.

(٢) ج : ـ ما.

(٣) ب وج : وضع.

(٤) الف : وج : فاما.

(٥) الف وج : ـ ولها عرش عظيم.

(٦) الف وج : ـ اما.

(٧) ب : قرينته.

(٨) الف : ـ يعلم.


﴿ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ، وتفصيل ذلك وذكر جميع أمثلته فيه طول. و(١) خلاف ذلك (٢) في الأمثلة ، لأنّ الأمر ربما (٣) اشتبه فيها. وفيما ذكرناه كفاية (٤).

فصل في ذكر معاني (٥) الألفاظ (٦) التي يعبر بها

في هذا الباب

اعلم أنّ النّصّ هو كلّ خطاب أمكن معرفة المراد به. وقد ذهب قوم إلى أنّ النّصّ ما لا تعترض (٧) الشّبهة في المراد به. ومنهم من قال كلّما (٨) تناول الحكم (٩) بالاسم ، فهو نصّ. ولا يجعل المجمل نصّا. وما قلناه في حدّ النّصّ أولى ، لأنّه لا (١٠) خلاف بين الأمّة في أنّ الله تعالى قد نصّ على الصّلاة والزكاة (١١) مع حاجتهما إلى البيان ، ويسمّون اللّفظ نصّا ، وإن كان فيه احتمال واشتباه.

__________________

(١) ب : + لا.

(٢) الف : وب : ـ ذلك.

(٣) الف : الأمور بما.

(٤) الف : ـ كفاية.

(٥) ب : ـ ذكر معاني.

(٦) الف : الألفاض.

(٧) ب وج : يعترض.

(٨) ب وج : كل ما.

(٩) ج : الحكيم.

(١٠) ب : ـ لا.

(١١) ب : + و.


وأمّا (١) المفسّر (٢) فهو الّذي يمكن معرفة المراد به.

وأمّا المجمل في عرف الفقهاء ، فهو كلّ خطاب يحتاج إلى بيان ، لكنّهم لا يستعملون هذه اللّفظة إلاّ فيما يدلّ على (٣) الأحكام. والمتكلّمون يستعملون فيما يكون له هذا المعنى لفظ (٤) المتشابه ، ولا يكادون يستعملون لفظ المجمل في (٥) المتشابه.

وأمّا قولنا « ظاهر » ، فالأولى أن يكون عبارة عمّا أمكن (٦) أن يعرف المراد به ، ولا معنى لاشتراط الاحتمال أو التّقارب على ما اشترطه (٧) قوم ، فقد يطلق هذا الاسم مع فقد الاحتمال.

فصل في حقيقة البيان

اعلم أنّ (٨) البيان هو الدّلالة على اختلاف أحوالها ، وإلى ذلك ذهب أبو عليّ وأبو هاشم. وذهب أبو عبد الله الحسن بن عليّ (٩)

__________________

(١) ب وج : فاما.

(٢) ج : المفيد.

(٣) الف : عليه.

(٤) الف : لفظة.

(٥) ب : و، بجاى في.

(٦) ب : كما اسكن ، بجاى عما أمكن.

(٧) ب وج : شرطه.

(٨) ب : ـ ان.

(٩) ج : ـ على.


البصريّ إلى أنّ البيان هو العلم الحادث الّذي به يتبيّن الشّيء. وللفقهاء في ذلك حدود مختلفة مضطربة (١) لا معنى للتّطويل (٢) بذكرها.ةوالمحصّل هذان المذهبان.

والّذي يدلّ على أنّ البيان هو الدّلالة وقوع الاتّفاق على أنّ الله تعالى قد بيّن (٣) جميع الأحكام (٤) لأنّه (٥) تعالى بنصب (٦) الأدلّة في حكم المظهر لها ، وقد يوصف الدّالّ بأنّه مبيّن ، وقد يجري هذا الوصف مع فقد حدوث العلم ، فكيف (٧) يقال : إنّه عبارة عن حدوث العلم. وكان يجب على هذا القول أن يكون من لم يعلم الشّيء فما (٨) بيّنه الله تعالى له ، ولا (٩) نصب له دلالة (١٠) عليه (١١) ولا شبهة في بطلان ذلك ، ولهذا يقولون : قد بيّنت لك هذا الشّيء ، فما تبيّنته (١٢) فلو كان البيان هو العلم ، لكان هذا الكلام متناقضا. وهذا (١٣) خلاف في عبارة ، والخلاف في العبارات ليس من المهمّات.

__________________

(١) ج : + و.

(٢) ب : للنظر بل.

(٣) ج : تبين.

(٤) الف : + لأنه قد بين.

(٥) ج : لأن الله.

(٦) الف وج : ينصب.

(٧) ب : وكيف.

(٨) الف : ومما ، بجاى فما ، ب : ـ فما.

(٩) الف : ـ لا.

(١٠) ب : بيانا ، ج تبيانا.

(١١) الف : + لا يكون مبينا له.

(١٢) ب : بينته.

(١٣) ج : + لا.


فصل في ذكر الوجوه التي يقع بها البيان

اعلم أنّ (١) بيان الأحكام الشّرعيّة إنّما يكون (٢) بما يدلّ (٣) بالمواضعة ، وبما (٤) يتبع ذلك. فمثال ما يدلّ بالمواضعة الكلام والكتابة. والّذي يتبع ما يدلّ (٥) بالمواضعة (٦) على ضربين : أحدهما حصل فيه ما يجري مجرى المواضعة ، وهو الإشارة والأفعال. والثّاني لم يحصل فيه ذلك ، وذلك طريقة القياس والاجتهاد ، عند من ذهب إليهما. والنّبيّ عليه‌السلام يصحّ أن يبيّن الأحكام بجميع (٧) الوجوه الّتي ذكرناها. ولا (٨) يصحّ منه تعالى أن يبيّن إلاّ بالكلام والكتابة ، فإنّ الإشارة لا تجوز (٩) عليه جلّ اسمه ، والأفعال الّتي تكون (١٠) بيانا (١١) يقتضى مشاهدة فاعلها على بعض الوجوه ، وذلك لا يصحّ عليه تعالى. وقد بيّن (١٢) للملائكة ما كتبه

__________________

(١) ب : ـ ان.

(٢) الف : تكون.

(٣) الف : ـ بما يدل.

(٤) ج : ما.

(٥) الف : ـ ما يدل.

(٦) ج : ـ الكلام ، تا اينجا.

(٧) ج : لجميع.

(٨) ب وج : فلا.

(٩) الف وج : يجوز.

(١٠) الف : يكون ، + بها ، ب : يكون.

(١١) ج : بيان.

(١٢) ب وج : + تعالى.


في اللّوح المحفوظ (١) حتّى تحمّلوه ، وأدّوه. وبيّن لنا بالكلام جميع الأحكام.

فصل في أنّ (٢) تخصيص العموم لا يمنع من

التعلق بظاهره (٣)

اختلف العلماء في قوله تعالى : ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (٤) وما أشبهه : فقال قوم : بأي شيء خصّ صار (٥) مجملا يحتاج إلى بيان ، وإلى ذلك ذهب عيسى بن أبان. وقال آخرون : يصحّ مع التّخصيص التّعلّق بظاهره ، وهو قول الشّافعيّ وبعض أصحاب أبي حنيفة. ومنهم من قال : متى خصّ باستثناء ، أو بكلام متّصل ، صحّ التّعلّق به ، وإذا كان التّخصيص بدليل منفصل ، فلا تعلّق (٦) به ، وهو قول أبي الحسن الكرخيّ. وكان أبو عبد الله الحسن (٧) بن عليّ (٨) البصريّ يقول : إذا كان التّخصيص لا يخرج الحكم

__________________

(١) الف : المحفوض.

(٢) ب : ـ ان.

(٣) ب : بظاهر.

(٤) الف : ـ فاقطعوا أيديهما ، ج : ـ أيديهما.

(٥) ب : كان.

(٦) الف : يعلق.

(٧) الف : الحسين.

(٨) ج : ـ على.


من أن يكون متعلّقا بالاسم على الحدّ الّذي تناوله الظّاهر ، فإنّه يحلّ محلّ الاستثناء في أنّه لا يمنع (١) من التّعلّق بالظّاهر. فمتى كان التّخصيص مانعا من أن يتعلّق الحكم بالاسم ، بل يحتاج إلى صفة أو شرط حتّى يتعلّق الحكم به ، فيجب أن يمنع ذلك من التّعلّق بظاهره. ويقول (٢) في قوله تعالى (٣) : ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ : (٤) قد ثبت أنّ القطع لا يتعلّق بالاسم ، بل يحتاج إلى صفات وشرائط حتّى يتعلّق القطع (٥) وتلك الشّرائط والصّفات لا تعلم إلاّ بدليل ، فجرت (٦) الحاجة إلى بيان هذه الصّفات والشّروط (٧) مجرى الحاجة إلى بيان المراد بقوله تعالى : ﴿ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ . ويقول (٨) : لا شبهة في أنّ القطع (٩) محتاج إلى أوصاف سوى السّرقة ، فجرى ذلك مجرى أن يحتاج القطع إلى أفعال سوى السّرقة ، ولو كان كذلك ، لمنع (١٠) من التّعلّق بالظّاهر (١١) فكذلك الأوصاف. وهذه الطّريقة أقوى شبهة من كلّ شيء

__________________

(١) ب : يمتنع.

(٢) ب : نقول.

(٣) ب وج : ـ في قوله تعالى.

(٤) ب : + و

(٥) الف : + بها.

(٦) ب : فجرجت.

(٧) ج : + و.

(٨) ب : تقول.

(٩) الف : ـ القطع.

(١٠) ج : يمنع.

(١١) ج : بظاهر.


قيل (١) في هذا الباب.

و(٢) الّذي نقوله (٣) : أنّ كلّ خطاب لو خلّينا وظاهره لكنّا نفعل ما أريد منّا ، وإنّما كنّا (٤) نخطئ في ضمّ ما لم يرد منّا إلى ما أريد ، فيجب أن يكون المحتاج إليه في بيانه التّخصيص ، والأصل ممكن التّعلّق بظاهره ، وكلّ خطاب لو خلّينا مع ظاهره ، لما أمكن تنفيذ (٥) شيء من الأحكام على وجه ولا سبب ، فيجب أن يحتاج في أصله إلى بيان (٦). ومثال الأوّل قوله تعالى (٧) : ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ ، لأنّا (٨) لو (٩) خلّينا وظاهره ، لقطعنا من أراد منّا قطعه (١٠) ومن لم يرد (١١). وكذلك قوله تعالى : ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ، لأنّا لو عملنا بالظّاهر ، لقتلنا من أراد قتله ومن لم يرد (١٢) فاحتجنا إلى (١٣) تمييز (١٤) من لا يقتل ولا يقطع ، دون من (١٥) يقتل أو يقطع (١٦). ومثال الثّاني قوله تعالى : ﴿ أَقِيمُوا الصَّلاةَ ، وقوله ـ جلّ

__________________

(١) ج : فعل.

(٢) ج : ـ و.

(٣) ج : بقوله.

(٤) الف : كان ، ب : ـ كنا.

(٥) ب : تقييد ، ج : يفسد.

(٦) ب : البيان.

(٧) ب وج : ـ قوله تعالى.

(٨) ب وج : لو انا ، بجاى لأنا.

(٩) ب : ـ لو.

(١٠) ب : قطعة.

(١١) ب : ـ ومن لم يرد.

(١٢) ج : ـ وكذلك ، تا اينجا.

(١٣) ج : + بيان.

(١٤) ج : تميز.

(١٥) ب : ـ من.

(١٦) ب وج : يقطع أو يقتل.


اسمه ـ (١) : ﴿ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ، لأنّا لو خلّينا والظّاهر ، لما أمكننا (٣) أن نعلم (٤) شيئا ممّا أريد منّا ، فاحتجنا إلى بيان ما أريد منّا (٥) لأنّا غير مستفيدين له من ظاهر (٦) اللّفظ ، وفي الأوّل الأمر بخلافه ، وجرى ذلك مجرى الاستثناء إذا دخل على (٧) العموم ، أو غيره من الأدلّة المنفصلة ، في أنّه وإن جعل الكلام مجازا ، فالتّعلّق بالظّاهر في الباقي صحيح ممكن.

وإنّما دخلت (٨) الشّبهة في هذا الموضع ، من جهة أنّ البيان في آية السّرقة وقع فيمن يقطع ، لا فيمن (٩) لا يقطع ، وفي صفات السّرقة الّتي يجب بها (١٠) القطع ، لا في صفة ما لا يجب به القطع ، فأشكل ذلك على من لم ينعم النّظر ، فظنّ (١١) أنّه مخالف للتّخصيص في قوله تعالى : ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ وما جرى مجراه.

والوجه الّذي من أجله علّقوا الشّروط بما يجب به (١٢) القطع

__________________

(١) ب وج : تعالى.

(٢) الف : ـ معلوم.

(٣) ب وج : أمكنا.

(٤) ب وج : نعمل.

(٥) الف : ـ منا.

(٦) ب وج : الظاهر ، + و.

(٧) ب : ـ على.

(٨) ج : أدخلت.

(٩) ج : فيما.

(١٠) ب وج : فيها.

(١١) الف : وظن.

(١٢) ب وج : فيه.


دون ما لا يجب فيه القطع هو طلب الاختصار ، والعدول عن التّطويل.

ولمّا كان الغرض تمييز (١) من يقطع ممّن لا يقطع ، ولم (٢) يمكن التّمييز باستثناء الأعيان ، عدل من تمييزه (٣) بالأعيان إلى تمييزه (٤) بالصّفات.

ولمّا كان التّمييز (٥) بالصّفات فيمن لا يقطع يطول ، لأنّ من لا يقطع من السّرّاق أكثر ممّن (٦) يقطع ، فميّز (٧) بصفات من يقطع ، طلبا للاختصار.

وإذا كنّا قد اتّفقنا على أنّه (٨) لو ميّز باستثناء الأعيان ، لصحّ التّعلّق بالظّاهر فيما بقي ، وكذلك إذا ميّز بذكر صفات من (٩) لا يقطع ، حتّى يقول : « اقطعوا السّرّاق إلاّ من (١٠) صفته كذا » ، فكذلك (١١) يجب أن يتعلّق بظاهر ما بقي متى ميّز باستثناء من يقطع ، لأنّ هذا التّمييز إنّما اعتمد لإخراج من لا (١٢) يقطع وإبانته ، وإنّما عدل

__________________

(١) ج : تميز.

(٢) ج : لا.

(٣) ج : تميزه.

(٤) ج : تميزه.

(٥) ج : التميز.

(٦) ب : من.

(٧) ب وج : ميز.

(٨) ب : لونه.

(٩) ج : ممن.

(١٠) الف : ـ من.

(١١) الف : ولذلك.

(١٢) ب : ـ لا.


إليه للاختصار (١).

فان قيل : ميّزوا بين المجاز الّذي لا يصحّ (٢) التّعلّق بظاهره ، وبين المجاز الّذي يجب التّعلّق بظاهره.

قلنا : أمّا (٣) مثال المجاز الّذي لا يصحّ التّعلّق بظاهر العموم معه ، فهو أن يقول : « اضرب القوم ، وإنّما أردت بعضهم » أو يقول : « وإنّما أردت المجاز ، دون الحقيقة » ومثاله (٤) قوله ـ تعالى ـ : ﴿ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ . وأمّا المجاز الّذي لا (٥) يمنع من التّعلّق بالظّاهر ، فهو أن يقول القائل : ضربت القوم ، وينصب دليلا أو يعلم من حاله أنّه ما ضرب واحدا معيّنا منهم ، فإنّ اللّفظ يصير مجازا لا محالة ، لكنّه لا يمنع من التّعلّق (٦) بالظّاهر فيمن (٧) عدا من قام الدّليل على تخصيصه. وهذه الجملة يطّلع (٨) بها على جميع ما يحتاج إليه في هذا الباب.

__________________

(١) ج : للاختيار.

(٢) الف : لا يجوز.

(٣) ج : ان.

(٤) الف : + من.

(٥) الف : ـ لا.

(٦) ج : + لا يمنع.

(٧) الف : من.

(٨) ج : تطلع.


فصل في ذكر ما يحتاج من الأفعال إلى بيان (١)

وما (٢) لا يحتاج إلى ذلك

اعلم أنّ وقوع الإجمال (٣) وجواز الاحتمال في الفعل كوقوعهما في القول ، فيجب حاجة كلّ واحد منهما مع الاحتمال والإجمال (٤) إلى بيان.

فإن قيل : كيف تقسّمون (٥) الأفعال إلى ما يحتاج إلى بيان وإلى ما لا يحتاج (٦) ومن مذهبكم أنّ الأفعال أجمع (٧) لا مواضعة فيها ، ولا ظاهر لها ، وهي مفارقة للخطاب في هذا الباب.

قلنا : الأصل في الأفعال (٨) أنّه لا ظاهر لها ، لكنّها تفيد بالشّرع (٩) لأمارات تحصل فيها (١٠) تجري مجرى المواضعة في القول ، فيسوغ أن نقسّمها (١١) قسمة الأموال ، يبيّن ذلك أنّا (١٢) إذ رأيناه صلّى الله

__________________

(١) الف : بيانه.

(٢) ب : مما.

(٣) ج : الإجماع.

(٤) ب وج : الإجمال والاحتمال.

(٥) ج : يقسمون.

(٦) ج : لا يحتاج ، بجاى يحتاج وبالعكس.

(٧) ب : أجمع أن الأفعال.

(٨) ب : بالافعال.

(٩) ب : يقيد بالنزع ، بجاى تفيد بالشرع ، الف : بعد الشرع.

(١٠) ب : منها.

(١١) ج : يقسمها.

(١٢) ج : انما.


عليه وآله (١) يفعل صلاة عقيب إقامة ، علمنا أنّ الصّلاة واجبة ، لأنّ الإقامة علامة الوجوب. وإذا أمر عليه‌السلام بالقتل في دين بعد الاستتابة ، علم أنّ المقتول (٢) مرتدّ (٣) لأنّ هذه أمارته ، وإذا رأيناه عليه‌السلام تاركا (٤) للصّلاة على ميّت لأجل دين ، علمناه كافرا.

فأمّا مثال المجمل من الأفعال ، فهو ما لا أمارة عليه ، ومثاله أن يفعل عليه‌السلام صلاة ينفرد بها ، فيجوز أن تكون (٥) واجبة ، ويجوز أن تكون (٦) نفلا ، فقد بان ما قصدناه (٧).

فصل في وقوع البيان بالأفعال

اعلم أنّه لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الأفعال (٨) يقع بها البيان (٩) في (١٠) المجمل ، كما يقع بالقول. وقد رجعوا إلى أفعاله ـ عليه‌السلام ـ في البيان ، كما رجعوا إلى أقواله. ومن قال أخيرا

__________________

(١) ج : عليه‌السلام.

(٢) ج : المعقول.

(٣) الف : مرتدا.

(٤) الف : تارك.

(٥) ب وج : يكون.

(٦) ج : يكون.

(٧) الف : قصدنا.

(٨) ب : العلم ، ج : النفل.

(٩) ب وج : به بيان.

(١٠) ب وج : في.


بخلاف ذلك مخالف للإجماع.

ثمّ لا يخلو خلافه من وجوه : إمّا أن ينكر كون الفعل بيانا ، من حيث لا مواضعة فيه ، ولا ظاهر (١) له ، أو من حيث لا يصحّ تعلّقه (٢) بالقول المجمل ، أو (٣) لا يتصل به ، أو لم يثبت في أفعاله ـ عليه‌السلام ـ أنّها بيان ، كما ثبت (٤) في (٥) أقواله.

فأمّا الأوّل ، فإنّ الفعل وإن لم يكن فيه مواضعة ، فقد نعلم بوقوعه (٦) على بعض الوجوه ضرورة ، أو بدليل ، فيجري (٧) ذلك مجرى المواضعة ، وقد علم بالعادات أنّ التّعليم ربّما يكون بالفعل أقوى منه بالقول والوصف ، ألا ترى أنّ الواصف ربما لا يفهم غرضه بوصفه (٨) فيفزع (٩) إلى التّفهيم بالفعل ، وما فزع (١٠) إلى الفعل في البيان لمّا اشتبه بالقول إلاّ لأنّه أقوى.

فأمّا التّعلّق بالفعل (١١) المبيّن ، فيمكن أن يعلم منه ـ عليه‌السلام ـ على أحد وجهين : إمّا أن علمنا بالضّرورة (١٢) من

__________________

(١) الف : ظاهرا.

(٢) ب وج : تعليقه.

(٣) ب : و.

(٤) الف : يثبت.

(٥) ج : ـ في.

(٦) ب وج : يعلم وقوعه.

(٧) ب وج : فجرى.

(٨) ب : بوصف.

(٩) الف : فيفرع ، ب : فبقرع.

(١٠) الف : فرع.

(١١) الف : نعلق الفعل ، + بالقول.

(١٢) ب : يعلمنا ان ضرورة ، ج : يعلمنا ضرورة.


قصده أنّه يبيّن (١) بفعله الخطاب (٢) المجمل ، فنعلم (٣) التّعلّق على أقوى الوجوه. أو يقول عليه‌السلام : « إنّني (٤) مبيّن لهذا المجمل بفعلي (٥) » ثمّ يفعل ، فيكون (٦) ـ أيضا ـ التّعلّق معلوما. وليس يجوز أن يرتجع في التّعلّق إلى ما يقوله قوم : من أنّه عليه‌السلام إذا قال : « صلّوا » وهذا (٧) لفظ مجمل ، ثمّ فعل عقيبه ما يمكن أن يكون بيانا له ، كأن (٨) صلّى ركعتين. لأنّ هذا الوجه غير صحيح ، لأنّه قد يجوز أن تكون (٩) صلاة الرّكعتين غير بيان ، بل هما مبتدأ (١٠) بهما ، فكما (١١) يجوز فيهما أن يكون بيانا يجوز غير ذلك ، فالتّعلّق غير معلوم. فالمعتمد (١٢) ما ذكرناه.

فأمّا الاتّصال ، فغير ممتنع أن يكون بين الفعل الّذي يقع به البيان وبين المجمل ما يجري مجرى الاتّصال ، فيكون مؤثّرا فيه ، والعادات (١٣) شاهدة بذلك ، ولا (١٤) معنى لدفعه.

__________________

(١) ب وج : مبين.

(٢) ب وج : للخطاب.

(٣) ب وج : فيعلم.

(٤) ب وج : انى.

(٥) ب وج : بفعل.

(٦) الف : لكان.

(٧) ب : فهذا.

(٨) الف وج : كأنه.

(٩) الف وج : يكون.

(١٠) ب : بهما مسندا ، الف : مبتدأ.

(١١) الف : وكما.

(١٢) الف : والمعتمد على.

(١٣) الف : فالعادات.

(١٤) الف : فلا.


فأمّا ثبوت البيان بالفعل كثبوته بالقول ، فهو إجماع الأمّة (١) ولهذا رجعوا إلى فعله عليه‌السلام في المناسك والصّلاة ، وجعلوا ذلك بيانا لقوله تعالى : ﴿ (٢) أَقِيمُوا الصَّلاةَ ولقوله عزوجل : ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ، وقول (٣) النّبيّ عليه‌السلام : « صلّوا كما رأيتموني أصلّي » و « خذوا عنّي مناسككم » ممّا يدلّ ـ أيضا (٤) ـ على ذلك.

فصل في تقديم القول في البيان على الفعل

اعلم أنّ القول والفعل إذا ترادفا ، واجتمعا ، وكان كلّ واحد منهما يصحّ التّبين (٥) به ، كصحّته (٦) بالآخر ، فكلّ (٧) واحد منهما يصحّ وصفه بأنّه بيان وإنّما الاشتباه في قول متى جعلناه (٨) بيانا لم يصحّ أن يجعل الفعل (٩) بيانا ، إمّا لتناف ، أو ما يجري مجراه

__________________

(١) الف : الإمامية.

(٢) ج : + و.

(٣) ب وج : فقول.

(٤) ب : ـ أيضا.

(٥) الف : التبين.

(٦) ج : لصحته.

(٧) ج : وكل.

(٨) الف : من جعل للقول ، بجاى متى جعلناه.

(٩) ج : للفعل.


فمن رجّح القول ، اعتمد على أن شرط (١) في كون الفعل بيانا الحاجة إلى التّبين (٢) وهذا الشّرط مفقود مع وجود القول. ولأنّ تعلّق القول (٣). أوكد ، لأنّه الحالّ محلّ الاستثناء والشّرط. ومن سوّى بين الأمرين ، أنزلهما (٤) منزلة قولين ، أو دليلين ، تضمّن (٥) كلّ واحد منهما من البيان مثل ما تضمّنه الآخر.

فصل في هل يجب أن يكون البيان كالمجمل

في القوّة وغيرها ، أو (٦) لا يجب ذلك

اعلم أنّ هذا الفصل ينقسم إلى قسمين : أحدهما ما معنى قولهم (٧) : « بيان الشّيء في حكمه ». والثّاني هل يجب أن يكون البيان كالخطاب المبيّن في الرّتبة والقوّة (٨).

وليس معنى قولنا : « إنّ بيان الشّيء في حكمه » أنّ الشّيء إذا كان واجبا ، فبيانه واجب ، لأنّ بيان الواجب والنّدب معا

__________________

(١) الف : يشرط.

(٢) الف : التبين.

(٣) الف : ـ ولأن تعلق القول.

(٤) الف : فلا نيز لهما.

(٥) ج : يضمن.

(٦) ب : و.

(٧) ب : ـ قولهم.

(٨) ج : القوم.


ممّا (١) يجب على الحكيم (٢). ولا يجوز أن يريد بذلك أنّه في قوّته ، ورتبته ، وحصول العلم به ، وإنّما المراد به (٣) أنّ الفعل إذا كان في نفسه واجبا ، وتضمّن البيان صفاته ، وتفصيل أحواله ، فهذه التّفاصيل واجبة ، لأنّها صفات الواجب (٤) وكذلك الفعل إذا كان في نفسه مندوبا إليه ، فبيان أوصافه وأحواله (٥) بهذه الصّفة.

وأمّا (٦) الكلام في الفصل الثّاني ، فقد اختلف فيه (٧) : فقال قوم يجب أن يكون البيان في رتبة المبيّن ، وطريقة (٨) العلم به (٩). وقال قوم يجب في أصول صفاته وشروطه أن يكون (١٠) كذلك ، دون التّفصيل. ومنهم من وقّف ذلك على الدّليل ، وجوّز أن يكون البيان بخبر الواحد والقياس.

والصّحيح أنّ البيان يجب أن يكون إليه (١١) طريق ، وعليه دليل ، وكيفيّة ذلك في رتبة أو قوّة (١٢) ليست بواجبة ، وذلك موقوف على ما يعلمه الله تعالى من المصلحة ، وليس يمتنع

__________________

(١) ب : وما.

(٢) الف : الحكم.

(٣) ب وج : ـ به.

(٤) ب : ـ لأنها صفات الواجب.

(٥) ب وج : أحواله وأوصافه.

(٦) ب وج : فاما.

(٧) ج : ـ فيه.

(٨) الف : طريقه.

(٩) الف : ـ به.

(١٠) ب تكون.

(١١) الف : له.

(١٢) ب : قوته.


تجويزا و(١) تقديرا (٢) أن يثبت البيان بخبر الواحد أو القياس ، كما أجزنا (٣) أن نخصّ بهما العموم المعلوم (٤) في كتاب الله تعالى ، وإنّما الكلام في وقوع ذلك وحصوله ، ولا شبهة في أنّ العلم بالصّلاة وأنّا بها مخاطبون ضروريّ ، وإن لم يجب مثل ذلك في بيانها.

فصل في تمييز (٥) ما ألحق بالمجمل وليس

منه أو أدخل (٦) فيه وهو خارج عنه

اعلم أنّ في الشّافعيّة من يلحق بالمجمل قوله تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ ، إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ ، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ وقوله تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ من حيث خرج الكلام مخرج المدح في إحدى (٧) الآيتين ، ومخرج الذّمّ في الأخرى.

وهذا باطل ، لأنّه لا تنافي بين وجه المدح والذّمّ (٨) وبين

__________________

(١) ج : أو.

(٢) الف : تقدير أو تجويز.

(٣) ج : أخبرنا.

(٤) ب : ـ المعلوم.

(٥) ج : تميزه.

(٦) ب : دخل.

(٧) الف : أحد ، ج : ـ إحدى.

(٨) ب وج : الذم والمدح.


ما يقتضيه العموم من الحكم الشّامل ، وإذا (١) كان الرّجوع في دلالة العموم إلى ظاهر اللّفظ ، فبكونه (٢) مدحا أو ذمّا لا يتغيّر الظّاهر ، كما أنّ قوله تعالى : ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ عموم و(٣) غير مجمل ، وإن كان القصد (٤) به الزّجر (٥) والتّخويف ، من حيث لا تنافي بين ذلك وبين عموم الحكم ، فكذلك (٦) الأوّل.

وفي النّاس من ذهب إلى (٧) أنّ التّعلّق بلفظ الجمع من غير دخول ألف (٨) ولام مثل قول القائل : « أعط فلانا دراهم » لا يصحّ ، وقالوا : أنّه (٩) يجوز أن يكون المراد به أكثر من ثلاثة ، وظنّوا أنّه كالمجمل.

والواجب موافقة القائل بذلك على مراده ، لأنّه إن أراد أنّ (١٠) حقيقة هذه اللّفظة ليست مقصورة (١١) على ثلاثة في اللّغة ، فهو كما قال ، لأنّه يتناول كلّ (١٢) جمع. وإن قال : إذا ورد من حكيم (١٣) وتجرّد ،

__________________

(١) الف : فإذا.

(٢) ب : فيكون.

(٣) الف : ـ و.

(٤) الف : المقصد.

(٥) ج : الزخير.

(٦) الف : وكذلك.

(٧) ب : على.

(٨) الف : ـ الف ، ب : الألف.

(٩) ب : لأنه.

(١٠) ب : ـ ان.

(١١) ب : متصورة.

(١٢) ب : لكل.

(١٣) ب : حكم.


لا أقطع (١) على أنّ المراد به ثلاثة ، بل أقف في الثّلاثة ، كما أقف فيما زاد عليها (٢) فهذا غلط ، لأنّ هذا اللّفظ في اللّغة لا بدّ من تناوله (٣) ـ إذا كان حقيقة (٤) ـ ثلاثة ، من غير نقصان منها ، وإن جاز الزّيادة عليها.

وألحق قوم ما روى عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) من قوله : في الرّقة (٦) ربع العشر » بالمجمل ، دون العموم ، وقالوا : إنّما يدلّ على وجوب ربع (٧) العشر في هذا (٨) الجنس ، ويحتاج إلى بيان القدر الّذي يؤخذ منه ذلك ، وجعلوا خبر الأواقيّ (٩) مبيّنا (١٠) لا مخصّصا ، وكذلك (١١) خبر العشر ، وخبر الأوساق (١٢).

وردّ قوم عليهم ، فقالوا : إنّ قوله : « في الرّقة ربع العشر »

__________________

(١) الف : يقطع.

(٢) ب : عليهما.

(٣) الف : + ثلاثة.

(٤) الف : حقيقته.

(٥) الف : عنه عليه‌السلام.

(٦) الرقة : الدراهم المضروبة ، والهاء عوض من الواو ، ج رقون (اقرب الموارد ، مادة ورق).

(٧) ب : ـ ربع.

(٨) ج : هذه.

(٩) ب : الا أو ، ج : الأول في ، بجاى الأواقي. وهي جمع أوقية بضم الهمزة وتشديد الياء : سبعة مثاقيل ، وأربعون درهما (اقرب الموارد ، مادة وقى).

(١٠) ب : مبنيا.

(١١) ج : فكذلك.

(١٢) الأوساق جمع الوسق بفتح الواو وسكون السين : ستون صاعا (اقرب الموارد ، مادة وسق).


يقتضى العموم والاستغراق ، حتّى لو خلّينا ومجرّدة ، لأمكننا الامتثال ، فكنّا نوجب (١) ربع (٢) العشر في (٣) قليله وكثيره ، فخبر الأواقيّ (٤) مخصّص ، لا مبيّن.

ويقوّى عندنا القول الأوّل ، لأنّا قد بيّنّا عند الكلام في العموم أنّ لفظ الجنس لا يفيد في كلّ موضع الاستغراق والشّمول ، وإذا كان الأمر على ذلك ، فقوله عليه‌السلام (٥) : « في الرّقة ربع العشر » إنّما هو إشارة إلى الجنس الّذي (٦) تجب (٧) فيه هذه الزكاة ، وليس فيه بيان المقادير ، فغير منكر أن يكون خبر الأواقيّ (٨) مبيّنا ، لا مخصّصا (٩).

وممّا يدخل في هذا الباب قول من يقول : ﴿ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ مجمل ، وجعل بيانه فعله عليه‌السلام ، فاعتمد هذا القائل على أنّ الباء تقتضي (١٠) الإلصاق ، من غير أن تقتضي (١١) القدر الّذي يمسح من الرّأس ، فيحتاج فيها إلى بيان.

وهذا يجب أن يتأمّل ، لأنّ في النّاس من ذهب في الباء إلى

__________________

(١) ج : يوجب.

(٢) الف : ـ ربع.

(٣) ب : ـ في.

(٤) ب : الأوافي ، ج : الأوالي.

(٥) ب : ـ السّلام.

(٦) الف : التي.

(٧) ب وج : يجب.

(٨) ب : الأوافي ، ج : الأوالي.

(٩) الف : غير مخصص.

(١٠) ب وج : يقتضى.

(١١) ب وج : يقتضى.


أنّها لإلصاق الفعل بالمفعول ، وفيهم من ذهب إلى أنّها للتّبعيض. ومن قال بالأوّل اختلفوا : فمنهم من يقول : أنّها (١) تقتضي (٢) الإلصاق بكلّ العضو المذكور ، وهو مذهب الحسن البصريّ ومالك (٣) وأبي عليّ الجبّائيّ ، ومنهم (٤) من يقول : أنّها تقتضي (٥) الإلصاق على الجملة ، من غير اقتضاء لكلّ (٦) أو بعض. وعلى المذهب الأوّل لا إجمال (٧) في الآية (٨) لأنّها إذا دلّت على مسح جميع (٩) الرّأس ، فقد زال الإجمال. وعلى المذهب الثّاني ـ وهو الإلصاق المطلق ـ لا بدّ من ضرب من (١٠) الإجمال ، لأنّنا لا نعلم من هذا الظّاهر أنّ المراد مسح الجميع ، أو مسح (١١) بعض غير معيّن أو بعض معيّن (١٢) فلا بدّ من بيان. وكذلك القول في مذهب من قال : أنّها تقتضي (١٣) التّبعيض ، لأنّه بمنزلة أن (١٤) يقول : « امسحوا بعض رءوسكم » فإذا لم يبيّن (١٥) تعيينا ولا تخييرا ، فهو مجمل.

فإذا قيل : لو تعيّن البعض ، لبيّنه ، فإذا لم يبيّنه (١٦) دلّ (١٧)

__________________

(١) ب : + لا.

(٢) ب وج : يقتضى.

(٣) الف : ملك.

(٤) الف : فيهم.

(٥) ب وج : يقتضى.

(٦) ج : الكل.

(٧) ج : إجماع.

(٨) الف : فيها.

(٩) ج : جميع مسح.

(١٠) ب : ـ من.

(١١) ب : ـ مسح.

(١٢) الف : مبين.

(١٣) ج : يقتضى.

(١٤) ب : أو.

(١٥) ج : يتبين.

(١٦) ب وج : ـ فإذا لم يبينه.

(١٧) ب وج : فدل.


على أنّا مخيّرون.

قلنا : ولو كان المراد التّخيير ، لبيّنه (١) فيجب أن يكون معيّنا. وقد سلف الكلام على نظير هذه الطّريقة في باب أحكام الأوامر.

وقد ألحق قوم بالمجمل قوله تعالى : ﴿ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ، لأنّ هذه اللّفظة تقع (٢) على ما بلغ إلى الزّند ، وإلى ما بلغ إلى المرفق (٣) والمنكب ، فلا بدّ من بيان.

وامتنع قوم من كون هذه الآية مجملة.

والأقرب أن يكون فيها إجمال ، لأنّ قولنا « يد » يقع (٤) على هذا العضو بكماله ، ويقع (٥) على أبعاضه ، وإن كانت (٦) لها أسماء (٧) تخصّها (٨) فيقولون : (٩) غوّصت (١٠) يدي في الماء إلى الأشاجع ، و(١١) إلى الزّند (١٢) وإلى المرفق ، وإلى المنكب ، وأعطيته كذا

__________________

(١) ب : لبينت.

(٢) ج : يقع.

(٣) ب : + وإلى ما بلغ إلى المرفق ، ج : المرافق.

(٤) ب : يرتفع ، بجاى يد يقع.

(٥) ب : تقع.

(٦) ج وب : كان.

(٧) ج : اسما ، بصيغة المفرد المنصوب.

(٨) ب : تخصيصها ، ج : يخصها.

(٩) ج : + و.

(١٠) ب : عوضت.

(١١) ج : أو.

(١٢) ب : الوتد.


بيدي ، وإنّما أعطاه (١) بأنامله ، وكذلك كتبت بيدي ، وإنّما كتب (٢) بأصابعه.

وليس يجري قولنا « يد » مجرى قولنا : « إنسان » ـ كما ظنّه قوم ـ لأنّ الإنسان يقع على جملة يختصّ كلّ بعض منها باسم ، من غير أن يقع اسم إنسان على أبعاضها ، كما يقع اسم اليد على كلّ بعض من هذا العضو ، فبان أنّ الإجمال حاصل في الآية. ومن قال : أحمله (٣) على أقلّ ما يتناوله الاسم يحتاج إلى دليل.

وممّا ألحقه قوم بالمجمل وليس في الحقيقة كذلك قوله تعالى (٤) : ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وما جرى مجرى ذلك من تعليق التّحريم بالأعيان ، ومعلوم أنّ الأعيان من الأجسام لا تدخل (٥) تحت القدرة (٦) والتّحريم إنّما يتناول مقدورنا ، ففي الكلام حذف ، وتقديره حرّم عليكم الفعل في هذه الأعيان ، وجرى ذلك في أنّه مجاز ولا يجوز التّعلّق بظاهره (٧) مجرى قوله تعالى (٨) : ﴿ وَسْئَلِ (٩) الْقَرْيَةَ .

__________________

(١) الف : أعطى.

(٢) ب : كتبت.

(٣) ج : جملة.

(٤) الف : ـ تعالى.

(٥) ج : يدخل.

(٦) ب وج : مقدورنا.

(٧) ج : بظاهر.

(٨) الف : ـ تعالى.

(٩) ب : سيل.


وهذا غير صحيح ، لأنّ التّعارف قد اقتضى في (١) تعليق التّحريم أو التّحليل (٢) بالأعيان الأفعال (٣) فيها ، وصار (٤) ذلك بالعرف (٥) يجري (٦) مجرى تعليق الأملاك بالأعيان ، لأنّهم يقولون : « فلان يملك داره وعبده » وإنّما يريدون أنّه يملك التّصرّف فيهما (٧). ثمّ المفهوم من هذا (٨) التّصرّف ما يليق بالعين الّتي أضيفت إلى الملك من استمتاع ، وانتفاع (٩) وغير ذلك.

وإنّما حملهم على هذا الحذف (١٠) في الملك والتّحريم والتّحليل طلب الاختصار ، فاستطالوا (١١) أن يذكروا جميع الأفعال ، ويعدّدوا (١٢) سائر المنافع ، فحذفوا ما يتعلّق التّحريم أو (١٣) الملك به ، اختصارا.

ولا يمكن أحدا (١٤) أن يقول : أنّ (١٥) إضافة الملك إلى الأعيان

__________________

(١) ب : ـ في.

(٢) ب : التحريم ، بجاى التحليل.

(٣) ب : وبالافعال.

(٤) ب : فصار.

(٥) ج : ما يعرف.

(٦) ب : تجري.

(٧) ج : فيها.

(٨) ب وج : هذه.

(٩) ب وج : انتفاع واستمتاع ولى درج : أو ، بجاى واو است.

(١٠) ب : ـ الحذف ، + التصرف ما يليق بالعين الخلاف.

(١١) الف : واستطالوا.

(١٢) ب : تعددوا.

(١٣) ب وج : و.

(١٤) ب : أحد.

(١٥) ب : ـ ان.


هو مجاز (١) وغير ظاهر (٢) بل بالتّعارف قد (٣) صار هو الظّاهر ، وكذلك القول في التّحريم والتّحليل (٤). وأيّ منصف (٥) يذهب عليه أنّ قولنا (٦) : « إنّ الميتة محرّمة (٧) » أو (٨) « الخمر... » ظاهر ، وحقيقة ، وليس على سبيل المجاز.

وممّا ألحقه قوم بالمجمل ـ وإن لم (٩) يكن مع التّأمّل كذلك ـ ما روى عن النّبيّ عليه‌السلام (١٠) من قوله (١١) : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » ، و « لا نكاح إلاّ بوليّ » ، و « لا صلاة إلاّ بطهور » ، واعتمدوا على أنّ لفظة (١٢) « لا » لا (١٣) يمكن أن تكون نافية (١٤) للفعل مع علمنا بوقوعه ، فيجب أن يكون داخلا فيه (١٥) على (١٦) أحد الأمرين : إمّا الإجزاء (١٧) ، وإمّا التّمام والفضل ، وإذا (١٨) لم يكن في اللّفظ ما يقتضى ذلك ، فهو مجمل. وربما قالوا : أنّ الإجزاء (١٩)

__________________

(١) ب : مبيحان.

(٢) الف : الظاهر.

(٣) الف : ـ قد ، ج : فقد.

(٤) ب وج : التحليل والتحريم.

(٥) ج : يصف.

(٦) ب : قوله.

(٧) ب وج : + علينا.

(٨) الف : و.

(٩) ب : ـ لم.

(١٠) ب وج : صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(١١) ب : ـ من قوله.

(١٢) الف : اللفظ.

(١٣) الف : ـ لا.

(١٤) الف وج : يكون نافيا.

(١٥) ج : ـ فيه.

(١٦) ب : تحت ، بجاى فيه على.

(١٧) ب : الاحرا.

(١٨) ب وج : فإذا.

(١٩) ب : الاحرا.


والتّمام لا يصحّ أن يرادا (١) بعبارة واحدة.

والّذي نقوله في هذا الباب : أنّ الّذي ذكروه وإن كان في اللّفظ نفيا ، فهو في (٢) المقصد (٣) والغرض إثبات ، والغرض (٤) أنّ (٥) من شرط الصّلاة الطّهور ، وقراءة فاتحة الكتاب ، والوليّ في النّكاح ، فجعلوا (٦) النّفي منبئا (٧) عن الإثبات ، وهو أوكد منه ، لأنّ قول القائل : « لا صلاة إلاّ بطهور » أوكد من قوله : من شرط الصّلاة الطّهور ، والنّفي (٨) واقع في الحقيقة على الصّلاة ، لأنّ (٩) فقد الطّهارة ينفى (١٠) كونها صلاة مشروعة. وكذلك الظّاهر في كلّ ما دخل عليه هذا الحرف من نكاح ، أو (١١) صيام ، أو (١٢) غير ذلك.

وإنّما قادتنا (١٣) الضّرورة فيما روى (١٤) من قوله عليه‌السلام (١٥) : « لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد » إلى (١٦) أن نحمله على نفى

__________________

(١) الف وج : يراد.

(٢) ج : ـ في.

(٣) ب : القصد.

(٤) ج : ـ إثبات والغرض.

(٥) ب : ـ ان.

(٦) ب وج : فيجعلوا.

(٧) الف : مبنيا.

(٨) ج : النهي.

(٩) ب : لا.

(١٠) ب : + عن.

(١١) ب وج : و.

(١٢) ج ٦ و.

(١٣) الف : إفادتنا.

(١٤) الف : + عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(١٥) الف : ـ من قوله عليه‌السلام.

(١٦) ب وج : على.


الفضل والتّمام ، لحصول الإجماع على أنّ الصّلاة في غير المسجد شرعيّة مجزية.

وأمّا (١) ما ألحقه قوم بالعموم ، وهو عند آخرين من المجمل ، فهو قوله تعالى (٢) : ﴿أَقِيمُوا الصَّلاةَ ، فإنّ أصحاب الشّافعيّ اعتمدوا على هذه الآية في وجوب الصّلاة على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) في التّشهّد الأخير ، من حيث كان لفظ الصّلاة يفيد الدّعاء.

وأنكر (٤) آخرون ذلك ، وادّعوا أنّ لفظة (٥) الصّلاة قد انتقلت بالعرف الشّرعيّ إلى ذات (٦) الرّكوع والسّجود ، فلا (٧) يجوز أن يحمل لفظ الصّلاة على ما كان في اللّغة.

والصّحيح أنّ ذلك يصحّ التّعلّق به ، لأنّ لفظ الصّلاة في أصل اللّغة هو (٨) الدّعاء بلا شبهة ، ولم ينتقل بعرف الشّرع عن (٩) هذا المعنى ، وإنّما تخصّص ، لأنّه كان محمولا قبل الشّرع على كلّ دعاء ، في أيّ موضع كان ، وفي الشّريعة تخصّص (١٠) بالدّعاء في ركوع (١١) وسجود وقراءة. وجرى في أنّه تخصيص (١٢) مجرى لفظ

__________________

(١) الف وج : فاما.

(٢) الف : ـ تعالى.

(٣) الف : ع.

(٤) ب : فأنكر.

(٥) ب وج : لفظ.

(٦) الف وج : ـ ذات.

(٧) الف : ولا.

(٨) ب : ـ هو.

(٩) ب : من.

(١٠) الف : يختص ، ب : تخصيص.

(١١) ب : الركوع.

(١٢) ج : يخصص.


الصّيام (١) لأنّه كان (٢) في اللّغة عبارة عن الإمساك ، وصار في الشّرع عبارة عن الإمساك (٣) عن أشياء مخصوصة في أوقات مخصوصة (٤). فأمّا الزكاة ، فهي النّماء والزّيادة في اللّغة ، وجعل في الشّرع عبارة (٥) عن سبب ذلك من الصّدقة المخصوصة. فالتّعلّق به (٦) على ما بيّنّاه في وجوب الصّلاة على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في التّشهّدين الأوّل (٧) والأخير صحيح مطّرد.

ولو أنّ أصحاب الشّافعيّ احتجّوا في وجوب الصّلاة على النّبيّ في التّشهّد بقوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ، فإنّ (٩) ظاهر الأمر (١٠) يقتضى الوجوب ، ويدخل فيه جميع الأحوال الّتي من جملتها حال التّشهّد ، لكان أقوى ممّا تعلّقوا به في ذلك.

فأمّا قوله تعالى : ﴿ (١١) أَقِيمُوا الصَّلاةَ ، فيدخل تحته الصّلاة الواجبة والنّفل والقضاء والأداء (١٢).

__________________

(١) الف : صيام.

(٢) الف : ـ كان.

(٣) ب وج : إمساك.

(٤) ب : ـ مخصوصة.

(٥) ج : ـ عبارة.

(٦) الف : ـ به.

(٧) ب : الشهادتين الأولين.

(٨) الف : ـ ان ، تا اينجا.

(٩) الف : وان.

(١٠) الف : هذه الآية ، بجاى الأمر.

(١١) ج : + و.

(١٢) ج : الأداء والقضاء.


وذهب قوم إلى أنّه لا يدخل تحت اللّفظة إلاّ واجب الصّلوات (١) دون نفلها ، وأصولها دون قضائها ، واعتلّوا بالوعيد في خروج النّافلة ، وبأنّ الفائت تابع للأصل ، ويوجبه الإخلال بالأصل ، فكيف يرادان معا.

وهذا ليس بصحيح ، لأنّه ليس في كلّ موضع من القرآن أمر فيه بالصّلاة اقترن به الوعيد ، وما اقترن بالوعيد يحمل الوعيد على أنّه يتناول من ترك الواجب من الصّلاة ، وإن كان الأمر بالكلّ (٢) عاما. ولا (٣) تنافي (٤) بين أن يريد أداء (٥) الأصل وقضاءه (٦) إذا فات ، ولو صرّح بذلك (٧) حتّى يقول : قد أوجبت (٨) عليك فعل الصّلاة مؤدّيا ، فإن (٩) فرّطت فهي واجبة قضاء ، لكان ذلك صحيحا لا تنافي (١٠) فيه.

وممّا يجري مجرى ما ذكرناه (١١) ما (١٢) تعلّق قوم به (١٣) في أنّ الرّقبة في كفّارة الظّهار يجب أن تكون مؤمنة ، لقوله (١٤) تعالى :

__________________

(١) ب وج : الصلاة.

(٢) ج : بكل.

(٣) الف : فلا.

(٤) ج : تناف.

(٥) ج : أو ، بجاى أداء ،

(٦) ج : قضاء.

(٧) ب : تلك ، بجاى بذلك.

(٨) ب : وجبت.

(٩) ب : وان.

(١٠) ب : ينافى.

(١١) ج : + و.

(١٢) الف : ـ ما.

(١٣) الف : ـ به.

(١٤) ب وج : بقوله.


﴿ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ .

وأنكر آخرون ذلك عليهم (١) من أنّ الكافر ليس بخبيث على التّحقيق ، وأنّ العتق (٢) لا يسمّى (٣) نفقة (٤).

وليس ما (٥) أنكروه بمستبعد ، لأنّ الخبيث لا خلاف بين الأمّة في إطلاقه على كلّ كافر ، كما أطلقوا الطّهارة في كلّ مؤمن. وغير ممتنع أن يسمّى العتق إنفاقا (٦) في سبيل الله تعالى ، لأنّهم يسمّون من أعتق عبده (٧) لوجه الله تعالى أنّه منفق لماله في سبيل الله تعالى (٨) والإنفاق اسم لإخراج الأموال في الوجوه المختلفة ، فلا وجه لاستبعاد ذلك.

ويجري مجرى هذه الآية قوله تعالى : ﴿ لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ ، أَصْحابُ الْجَنَّةِ (٩) هُمُ الْفائِزُونَ ، فإنّ (١٠) أصحاب الشّافعيّ يستدلّون بهذه الآية على أنّ المؤمن لا يقتل بكافر.

وطعن قوم على هذا الاعتماد منهم بأن قالوا : ما تعلّق الاستواء

__________________

(١) الف : عليهم ذلك.

(٢) الف : الفسق.

(٣) الف : يسما.

(٤) الف : ـ نفقة ، جاى آن سفيد است.

(٥) الف : الّذي.

(٦) الف : ـ إيقاعا.

(٧) ب وج : عبيده.

(٨) ج : ـ تعالى.

(٩) ج : ـ أصحاب الجنة.

(١٠) ب وج : وان.


به غير (١) مذكور ، ولا يمكن ادّعاء العموم فيه ، فهو (٢) كالمجمل الّذي لا ظاهر له.

وليس يمتنع (٣) التّعلّق بهذه الآية ، لا سيّما على مذهب من يقول في كلّ شيء يحتمل (٤) لأشياء (٥) مختلفة : أنّ اللّفظ إذا أطلق ، ولم يبيّن المتكلّم به (٦) أنّه (٧) قصد وجها بعينه ، حمل على العموم ، ولهذا يقولون في الأمر ـ إذا عري من ذكر وقت أو مكان ـ : أنّه عامّ في الأوقات والأماكن ، فما المانع من أنّ الاستواء إذا لم يتخصّص (٨) وجب حمله على كلّ الصّفات.

على أنّا كما علمنا من عادة الصّحابة والتّابعين وعرفهم أن يحملوا ألفاظ (٩) العموم على الاستغراق إلاّ أن يقوم دليل ، كذلك (١٠) علمنا (١١) منهم أن يحملوا الألفاظ المطلقة (١٢) المحتملة على كلّ ما تصلح (١٣) له إلاّ أن يمنع دليل.

__________________

(١) ب : ـ غير.

(٢) ب وج : وهو.

(٣) ج : يمنع.

(٤) ب وج : محتمل.

(٥) ب : الأشياء.

(٦) ج : فيه.

(٧) ب : إذا ، بجاى انه.

(٨) الف : يخصص.

(٩) الف : الفاض.

(١٠) الف : لذلك.

(١١) ب : اعتدنا ، ج : اعتمدنا

(١٢) ب : ـ المطلقة.

(١٣) ب وج : يصلح.


فصل في ذكر جواز تأخير التبليغ

اعلم أنّ التّبليغ من النّبيّ عليه‌السلام موقوف على المصلحة ، فإن اقتضت تقديمه ، تقدّم. وإن اقتضت (١) تأخيره ، تأخّر.

فمن قال من الفقهاء : أنّ التّبليغ لا يجوز أن يتأخّر ، وأراد عن (٢) وقت الحاجة والمصلحة ، فالأمر على ذلك. وإن أراد أنّه لا يتأخّر عن وقت إمكان الإبلاغ والأداء ، فذلك باطل ، لأنّه غير ممتنع أن يكون وقت إمكان الإبلاغ (٣) لا تتعلّق (٤) به المصلحة ، فلا يحسن (٥) الإبلاغ.

ثمّ ذلك يلزم فيه تعالى ، حتّى يكون متى أمكنه تعريفنا (٦) ذلك أن يكون التّعريف واجبا إمّا بخطاب منه تعالى أو برسوله (٧) وهذا يقتضى أن لا يقف التّقديم على حدّ (٨).

فأمّا قوله تعالى : ﴿ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ

__________________

(١) ج : اختصت.

(٢) ب : ـ عن.

(٣) ب : ـ والأداء ، تا اينجا.

(٤) ب وج : يتعلق.

(٥) ج : يصح.

(٦) الف : ـ تعريفنا.

(٧) الف : رسول ، ج : برسول.

(٨) ب : أحد.


رَبِّكَ (١) ، فإنّه يقتضى إيجاب التّبليغ على الوجه المأمور به ، فمن أين تقدّمه دون تأخّره ؟. ثمّ بهذا القول (٢) وجب التّبليغ ، وقد كان ـ قبل نزوله (٣) ـ التّبليغ ممكنا ، وليس بواجب. وحملهم ذلك على تأخير بيان المجمل غير صحيح ، لأنّا نجوّز تأخير بيان المجمل ، وسندلّ (٤) عليه بعون الله تعالى (٥). ومن منع من ذلك ، فلأنّ تأخير بيان المجمل (٦) يقتضى قبح الخطاب ، وليس هذا في التّبليغ ، لأنّه عليه‌السلام لم يخاطب بشيء ، فبيّنه.

فصل في أنّ البيان لا يجوز تأخيره

عن وقت (٧) الحاجة

اعلم أنّ هذه المسألة لا خلاف فيها ، والّذي يدلّ ـ مع ذلك ـ على صحّة (٨) ما ذكرناه أنّ تعذّر العلم بالواجب أو بسببه (٩) يقتضى قبح التّكليف ، ويجري مجرى تكليف ما لا يطاق ، ولا (١٠) فرق عند (١١)

__________________

(١) الف : ـ من ربك.

(٢) ج : + و.

(٣) ب وج : نزول.

(٤) الف : نستدل.

(٥) الف : ـ تعالى.

(٦) ب : + غير صحيح.

(٧) ب وج : حال.

(٨) ب : صحته.

(٩) ب : تسببه.

(١٠) الف : فلا.

(١١) ب وج : بين.


العقلاء في القبح بين تكليف من (١) لا يقدر ، ومن (٢) لا يتمكّن من العلم ، والتّبيين (٣) وإن لم يحصل في وقت الحاجة ، فلأجل تفريط المكلّف ، وإنّما أتى به (٤) من قبل نفسه ، والتّبيين (٥) في إمكان المكلّف (٦) و(٧) إن فرّط فيه.

فصل في تأخير البيان عن وقت (٨) الخطاب

اختلف النّاس في هذه المسألة فمنهم من امتنع من تأخير بيان المجمل والعموم عن وقت الخطاب ، وقال بمثل ذلك في الأوامر ، وهو قول أبي عليّ وأبي هاشم وأهل الظّاهر. ومنهم (٩) من قال بجواز تأخير بيان المجمل والعموم إلى وقت الحاجة ، وهو قول أكثر الشّافعيّة ، وبعض أصحاب أبي حنيفة. ومنهم من أجاز تأخير بيان المجمل ، ولم يجز ذلك في العموم وما جرى مجراه ، وهو قول جماعة من أصحاب الشّافعيّ وأبي الحسن الكرخيّ. ومنهم

__________________

(١) ج : ما.

(٢) ج : ـ بين.

(٣) ج : التبين.

(٤) ب : فيه ، ج : أوتي فيه.

(٥) ب وج : التبين.

(٦) ب وج : إمكانه.

(٧) الف : ـ و.

(٨) ب وج : ـ وقت.

(٩) ب وج : فيهم.


من أجاز تأخير بيان الأوامر ، ولم يجزه في الأخبار.

والّذي نذهب (١) إليه أنّ المجمل من الخطاب يجوز تأخير بيانه إلى وقت الحاجة. والعموم لو (٢) كان باقيا على أصل اللّغة في (٣) أنّ ظاهره (٤) محتمل لجاز ـ أيضا ـ تأخير بيانه ، لأنّه في حكم المجمل ، وإذا (٥) انتقل بعرف الشّرع إلى وجوب الاستغراق بظاهره ، فلا يجوز تأخير بيانه.

والّذي يدلّ على جواز تأخير (٦) بيان المجمل أنّه غير ممتنع أن تعرض (٧) فيه مصلحة دينيّة فيحسن لها.

وليس لهم أن يقولوا : هاهنا وجه قبح (٨) و(٩) هو الخطاب بما لا يفهم المخاطب معناه ، والمصلحة لا تقتضي (١٠) حسن ما فيه وجه قبح ثابت » ، لأنّا سنبيّن (١١) أنّ الّذي ادّعوه غير صحيح ، وأنّه لا وجه قبح فيه.

وـ أيضا ـ فتأخّر العلم (١٢) بتفصيل صفات الفعل (١٣) ليس بأكثر

__________________

(١) ج : يذهب.

(٢) ب : و، بجاى لو.

(٣) الف : و.

(٤) ب : الظاهر.

(٥) ب وج : فإذا.

(٦) ج : تأخيره.

(٧) الف وج : يعرض.

(٨) ج : قبيح.

(٩) الف : ـ و.

(١٠) ب وج : يقتضى.

(١١) الف : نبين ، ج : + و.

(١٢) الف : + فيه.

(١٣) الف : العلم.


من تأخير إقدار المكلّف على الفعل ، ولا خلاف في أنّه لا يجب أن يكون في حال الخطاب قادرا (١) ولا على سائر وجوه التّمكّن ، فكذلك العلم (٢) بصفة الفعل (٣).

وـ أيضا ـ فقد نطق الكتاب بتأخير البيان في قوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً. قالُوا : أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً ؟ ! قالَ : أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ. قالُوا (٤) : ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ ؟ قالَ : إِنَّهُ يَقُولُ : إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ ، عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ ، فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ. قالُوا : ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها ؟ ، قالَ : إِنَّهُ يَقُولُ : إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ، قالُوا : ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ ؟ ، إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا ، وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ. قالَ : إِنَّهُ يَقُولُ : إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ ، مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها. قالُوا : الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ، فَذَبَحُوها ، وَما كادُوا يَفْعَلُونَ. ووجه الدّلالة من الآية أنّه تعالى أمرهم بذبح بقرة لها هذه الصّفات المذكورة كلّها ، ولم يبيّن في أوّل وقت (٥) الخطاب ذلك (٦) حتّى راجعوه واستفهموه ،

__________________

(١) ب : قاديا.

(٢) الف : ـ العلم.

(٣) الف : العلم.

(٤) ج : قال.

(٥) ب وج : ـ وقت.

(٦) الف : ـ ذلك.


حتّى بيّن (١) لهم المراد شيئا بعد شيء ، وهذا صريح في جواز تأخير البيان.

فإن قيل : لم (٢) زعمتم أنّ الصّفات كلّها هي للبقرة الأولى الّتي أمروا بذبحها ، وما أنكرتم أن يكونوا أمروا في الخطاب الأوّل بذبح (٣) بقرة من عرض البقر (٤) فلو امتثلوا وذبحوا (٥) أيّ بقرة اتّفقت ، كانوا قد فعلوا الواجب ، فلمّا توقّفوا ، وراجعوا ، تغيّرت المصلحة ، فأمروا بذبح بقرة (٦) غير فارض ولا بكر ، من غير مراعاة لباقي الصّفات. فلمّا توقّفوا ـ أيضا ـ ، تغيّرت المصلحة في تكليفهم ، فأمروا بذبح بقرة صفراء. فلمّا توقّفوا ، تغيّرت المصلحة ، فأمروا بذبح (٧) ما له كلّ الصّفات. وإنّما يكون لكم في ذلك حجّة لو صحّ (٨) لكم أنّ الصّفات كلّها كانت للبقرة الأولى.

قلنا هذا سؤال من لا (٩) يعرف عادة أهل اللّغة في كناياتهم ،

__________________

(١) ب وج : فبين.

(٢) الف : لما.

(٣) ج : يذبح.

(٤) ب : البقرة.

(٥) الف : أمسكوا ، بجاى امتثلوا وذبحوا.

(٦) ج : البقرة.

(٧) الف : ـ فأمروا بذبح ، ودر حدود يك سطر ونيم جاى آن سفيد است.

(٨) ج : صحة.

(٩) ج : ـ لا.


لأنّ الكناية في قوله : ﴿ ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ لا يجوز عند متأمّل أن يكون كناية إلاّ عن البقرة الّتي تقدّم ذكرها ، لأنّه لم يجر (١) ذكر لغيرها ، فيكنى عنه.

ولا يجوز على ما ذهب القوم إليه (٢) أن تكون (٣) كناية عن البقرة الّتي يريد (٤) تعالى أن يأمرهم بذبحها ثانيا ، لأنّهم (٥) لا يعرفون ذلك ، ولا يخطر لهم ببال (٦) فكيف (٧) يسألون عن صفة بقرة لا يعلمون أنّهم يؤمرون (٨) بذبحها ؟ ويجري (٩) ذلك مجرى قول أحدنا لغلامه (١٠) : « أعطني تفّاحة » فيقول غلامه : « بيّن لي ما هي » فلا يصرف أحد من العقلاء هذه الكناية إلاّ إلى التّفاحة المأمور بإعطائها.

ثمّ قال تعالى (١١) بعد ذلك : إنّه يقول : ﴿ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ ، عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ وقد علمنا أنّ الهاء في قوله تعالى :

__________________

(١) ب وج : يجز.

(٢) ج : إليه القوم.

(٣) ب وج : يكون.

(٤) ب : + الله.

(٥) الف : ـ لأنهم.

(٦) ج : ببالهم.

(٧) الف : وكيف.

(٨) ج : يأمرون.

(٩) ب : يجر.

(١٠) ج : لغلامي.

(١١) الف : ـ تعالى.


﴿ إِنَّهُ (١) يَقُولُ هي كناية عنه تعالى ، : لأنّه لم يتقدّم ما يجوز ردّ هذه الكناية إليه إلاّ (٢) اسمه تعالى. فكذلك يجب أن يكون قوله تعالى : ﴿ إِنَّها كناية عن البقرة المتقدّم ذكرها ، وإلاّ ، فما الفرق بين الأمرين.

وكذلك الكلام في الكناية بقوله تعالى : ﴿ ما لَوْنُها ، وقوله : ﴿ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ ، والكناية في قوله تعالى (٣) : ﴿ ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا ، ثمّ (٤) الكناية في قوله تعالى (٥) : ﴿ إِنَّهُ يَقُولُ : إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ .

ولا يجوز أن تكون (٦) الكناية في قوله تعالى : ﴿ إِنَّها في المواضع كلّها (٧) للقصّة (٨) والحال ، لأنّ (٩) الكناية في ﴿ إِنَّها لا بدّ (١٠) أن تتعلّق بما تعلّقت به الكناية في قوله : ﴿ ما (١١) هِيَ ، و(١٢) لا شبهة في أنّ المراد بلفظة ﴿ (١٣) هِيَ البقرة (١٤) الّتي أمرهم (١٥) بذبحها ، فيجب أن

__________________

(١) ب : ان.

(٢) ب : لا.

(٣) الف : ـ تعالى.

(٤) الف : ـ تعالى.

(٥) ج : + ان.

(٦) ج : يكون.

(٧) ب : + كناية.

(٨) ب وج : عن القصة.

(٩) ج : ان.

(١٠) ج : + من.

(١١) الف وج : ـ ما.

(١٢) الف : ـ و.

(١٣) ب وج : + ما.

(١٤) ج : العبرة.

(١٥) هذا هو الظاهر ولكنّ النسخ « أمرتنا ».


يكون كناية (١) الجواب تعود (٢) إلى ما كني (٣) عنه بالهاء في السّؤال ، ولو جاز تعليق ﴿إِنَّها بالقصّة والشّأن (٤) جاز تعليق ﴿ ما هِيَ بذلك ، وجاز ـ أيضا ـ أن يكون الكناية في قوله تعالى : ﴿ إِنَّهُ يَقُولُ عن غير الله تعالى ، و(٥) يكون عن الأمر والقصّة ، كما قالوا : « إنّه زيد منطلق » ، فكنوا عن الشّأن والقصّة (٦). وكيف يكون قوله : « إنّها كذا وكذا » كناية عن غير ما كني (٧) عنه بما هي وبما لونها ، أو (٨) ليس ذلك موجبا (٩) أن يكون جوابا عن غير المسئول عنه ؟ لأنّهم سألوا عن صفات البقرة الّتي تقدّم ذكرها ، وأمرهم بذبحها ، فأجيبوا عن غير ذلك. و(١٠) سواء جعلوا الهاء في ﴿ إِنَّها عن الشّأن (١١) والقصّة ، أو عن البقرة الّتي أمروا ثانيا وثالثا بذبحها ، (١٢) كيف يجوز أن يسألوا عن صفة ما تقدّم أمره (١٣) لهم بذبحها ، فيترك ذلك جانبا ، ويذكر صفة ما لم يتقدّم

__________________

(١) ج : + و.

(٢) الف : يعود.

(٣) ب وج : كنا.

(٤) الف : بالبيان ، بجاى والشأن.

(٥) ج : أو.

(٦) الف : ـ كما ، تا اينجا.

(٧) ج : كنا.

(٨) ج : بدون أداة استفهام.

(٩) ج : موجب.

(١٠) ج : ـ و.

(١١) ب : البيان.

(١٢) النسخ « وكيف » بالواو لكن الظاهر زيادتها الا ان يكون الواو في قوله « وسواء » زائدا كما في نسخة ج.

(١٣) ج : أمروه.


الأمر بذبحه ، وإنّما أمروا أمرا مستأنفا به.

ولو كان الأمر على ما قالوه من أنّه تكليف بعد تكليف ، لكان الواجب لمّا قالوا : ﴿ ما هِيَ وإنّما عنوا البقرة الّتي أمروا ابتداء بذبحها ، أن يقول لهم : أيّ بقرة شئتم ، وعلى أيّ صفة كانت ، وما أمرتكم بذبح (١) بقرة لها صفة معيّنة ، والآن فقد تغيّرت مصلحتكم ، فاذبحوا الآن ما صفتها (٢) كذا وكذا (٣). وإذا (٤) قالوا له : ﴿ ما لَوْنُها يقول. أيّ لون شئتم ، وما أردت لونا بعينه ، والآن (٥) فقد تغيّرت المصلحة ، والّذي (٦) تؤمرون به الآن بقرة (٧) صفراء. ولمّا قالوا في الثّالث : ﴿ ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا أن يقول : المأمور به صفراء ، على أيّ صفة كانت بعد ذلك ، وقد تغيّرت المصلحة ، فاذبحوا بقرة ، لا ذلول تثير الأرض ، إلى آخر الصّفات. فلمّا عدل تعالى ـ عن ذلك إلى نعت بعد آخر ، دلّ على أنّها ـ نعوت للبقرة الأولى.

__________________

(١) ب : يذبح.

(٢) الف : صفاتها.

(٣) الف : ـ وكذا ، ج : كذلك ، بجاى كذا وكذا.

(٤) ب وج : فإذا.

(٥) ب وج : فالآن.

(٦) ب : الذين.

(٧) ج : لغيره.


على أنّه لو جاز صرف الهاء في قوله تعالى : ﴿ إِنَّها (١) إلى الشّأن والقصّة ـ وإن كان المفسّرون كلّهم قد (٢) أجمعوا على خلاف ذلك ، لأنّهم كلّهم قالوا : هي كناية عن البقرة المتقدّم ذكرها ، وقالت المعتزلة بالأسر (٣) : أنّها كناية عن البقرة الّتي تعلّق التّكليف المستقبل بذبحها ، ولم يقل أحد : أنّها للقصّة والحال ـ لكان ذلك يفسد من وجه آخر ، وهو أنّه إذا (٤) تقدّم ما يجوز أن تكون (٥) هذه الكناية راجعة إليه ، ولم يجر (٦) للقصّة (٧) والحال ذكر ، فالأولى أن تكون (٨) متعلّقة بما ذكر وتقدّم الإخبار عنه ، دون ما لا ذكر في الكلام (٩) له ، وإنّما استحسنوا الكناية عن الحال والقصّة في بعض المواضع ، بحيث تدعوا (١٠) الضّرورة ، ولا يقع اشتباه ، ولا يحصل التباس.

وبعد ، فإنّما يجوز إضمار القصّة والشّأن بحيث يكون الكلام مع تعلّق الكناية (١١) بما تعلّقت (١٢) به مفيدا مفهوما ، لأنّ

__________________

(١) الف : ـ انها.

(٢) الف : ـ كلهم قد.

(٣) هذا هو الصحيح كما في العدة لكن النسخ كلها « بالأمس »

(٤) الف : ان ما ، بجاى انه إذا.

(٥) ب وج : يكون.

(٦) الف وب : يجز.

(٧) ب : القصة.

(٨) ج : يكون.

(٩) ب وج : ـ في الكلام.

(١٠) الف : تدع.

(١١) الف : الكلام.

(١٢) الف : تعلق.


القائل إذا قال : « إنّه زيد منطلق » و « إنّها قائمة هند » ، فتعلّقت الكناية بالحال والقصّة ، أفاد ما ورد في الكلام ، وصار كأنّه قال : « زيد منطلق » و « قائمة هند » ، والآيات بخلاف هذه المواضع ، لأنّا متى جعلنا (١) الكناية في قوله : ﴿ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ و﴿ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ و﴿ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ متعلّقة بالحال والقصّة ، بقي (٢) معنا في الكلام ما لا فائدة فيه ولا يستقلّ بنفسه ، لأنّه لا فائدة في قوله (٣) : ﴿ بَقَرَةٌ صَفْراءُ و﴿ بَقَرَةٌ لا فارِضٌ ، ولا بدّ من ضمّ كلام (٤) إليه ، حتّى يستقلّ (٥) ويفيد (٦) فإن (٧) ضممنا إلى قوله (٨) : ﴿ بَقَرَةٌ لا فارِضٌ أو ﴿ بَقَرَةٌ صَفْراءُ الّتي أمرتم بذبحها ، أفاد لعمري. فبطل (٩) صرف الكناية إلى غير البقرة ، ووجب أن تصرف (١٠) الكناية إلى البقرة حتى لا (١١) يحتاج ان يحذف (١٢) خبر المبتدأ (١٣) و(١٤) الاكتفاء بما في الكلام أولى من تأويل يقتضى العدول

__________________

(١) ب : حملنا.

(٢) ج : نفى.

(٣) ب وج : قولنا.

(٤) الف : الكلام.

(٥) ب : يستقبل.

(٦) ج : ـ ويفيد ، وجاى آن سفيد است.

(٧) ب : وان.

(٨) ب وج : إليه : بجاى إلى قوله.

(٩) ب وج : وبطل.

(١٠) ج : يصرف.

(١١) ب : ـ لا.

(١٢) ب وج : يحدث ، الف تحذف ، وما في المتن من المصحح.

(١٣) ج : + والا.

(١٤) الف : ـ و.


إلى غيره ، وحذف شيء ليس بموجود في الكلام (١).

وممّا يدلّ على صحّة ما نصرناه أنّ جميع المفسّرين للقرآن أطبقوا على أنّ الصّفات المذكورات للبقرة أعوز اجتماعها للقوم (٢) حتّى توصّلوا (٣) إلى ابتياع بقرة لها هذه الصّفات كلّها بملء جلدها (٤) ذهبا ، ولو كان الأمر على ما قاله (٥) المخالفون ، لوجب أن لا يعتبر (٦) فيما يبتاعونه ويذبحونه (٧) إلاّ الصّفات الأخيرة ، دون ما تقدّمها ، ويلغى (٨) ذكر الصفراء ، أو (٩) الّتي ليست بفارض ولا بكر ، وأجمعوا على أنّ الصّفات كلّها معتبرة. فعلم أنّ البيان تأخّر وأنّ الصّفات كلّها (١٠) للبقرة الأولى (١١).

فإن قيل : فلم (١٢) عنّفوا (١٣) على تأخيرهم امتثال الأمر الأوّل ، وعندكم (١٤) أنّ البيان للمراد (١٥) بالأمر الأوّل تأخّر ولم قال ـ

__________________

(١) ب : ـ أولى ، تا اينجا.

(٢) ب : القوم.

(٣) ب وج : وصلوا.

(٤) ج : جدها.

(٥) ب : قالوه.

(٦) ب : يعتبروا ، ج : تعتبروا.

(٧) الف : فيذبحونه.

(٨) ب : يلقى.

(٩) ب وج : ـ أو.

(١٠) الف : معتبرة ، تا اينجا.

(١١) الف : + وهذا وجه.

(١٢) الف : لما.

(١٣) ب : عتقوا ، ج : عنقوا.

(١٤) الف : عندهم.

(١٥) ج : المراد للبيان المراد و.


ـ سبحانه ـ (١) : ﴿ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ .

قلنا (٢) : ما عنّفوا بتأخير (٣) امتثال الأمر الأوّل ، وليس في القرآن ما يشهد بذلك ، بل كان البيان (٤) شيئا بعد شيء ، كلّما طلبوه واستخرجوه ، من غير تعنيف ، ولا قول يدلّ على أنّهم عصاة بذلك (٥). فأمّا قوله تعالى (٦) في آخر القصّة : ﴿ فَذَبَحُوها (٧) وَما كادُوا يَفْعَلُونَ فإنّما يدلّ على أنّهم (٨) كادوا يفرّطون في آخر القصّة وعند تكامل البيان ، ولا (٩) يدلّ على أنّهم فرّطوا في أوّل (١٠) القصّة. ويجوز أن يكونوا ذبحوا بعد تثاقل ، ثمّ فعلوا ما أمروا به.

دليل آخر : وممّا يدلّ على جواز تأخير البيان أنّا قد علمنا ضرورة أنّه يحسن من الملك أن يدعو بعض (١١) عمّا له فيقول له : قد ولّيتك البلد الفلانيّ ، وعوّلت (١٢) على كفايتك ، فأخرج إليه

__________________

(١) الف : + وتعالى وجل وعلا وتقدست أسماؤه.

(٢) ج : قلت.

(٣) ب : بتأخيره.

(٤) الف : + يأتي.

(٥) ب : بذلك عصاة.

(٦) الف : قول الله سبحانه وتعالى وجل وعلا وتقدست أسماؤه.

(٧) ب : ـ فذبحوها.

(٨) ج : ـ عصاة ، تا اينجا.

(٩) الف : فلا.

(١٠) ج : الأول.

(١١) ب وج : ببعض.

(١٢) ب : عزلت.


في غد ، أو في وقت بعينه (١) وأنا أكتب لك (٢) تذكرة بتفصيل ما تعمله ، و(٣) تأتيه ، وتذره ، أسلّمها إليك عند توديعك لي (٤) أو أنفذها (٥) إليك عند استقرارك في عملك. وكذلك يحسن من أحدنا أن يقول لغلامه : أنا آمرك أن تخرج (٦) إلى السّوق يوم الجمعة ، وتبتاع ما أبيّنه لك غداة يوم الجمعة ، ويكون القصد بذلك إلى (٧) التّأهّب لقضاء الحاجة ، والعزم (٨) عليها ، وقطع العوائق والشّواغل دونها. وهذا هو نظير ما أجزناه من تأخير بيان المجمل ، بل هو هو (٩) بعينه. ولم يجر ذلك عند أحد مجرى خطاب العربيّ بالزّنجيّة.

دليل آخر : وهو أنّا قد أجمعنا (١٠) على أنّه تعالى يحسن منه تأخير بيان (١١) مدّة الفعل المأمور به والوقت الّذي ينسخ (١٢) فيه عن وقت الخطاب ، وإن كان مرادا بالخطاب (١٣) لأنّه

__________________

(١) ب وج : تعينه.

(٢) ب : إليك.

(٣) ج : أو.

(٤) ب : ـ لي.

(٥) الف : إنفاذها.

(٦) ج : يخرج.

(٧) الف : ـ بذلك إلى.

(٨) ب : العموم.

(٩) ب وج : هو ، بجاى هو هو.

(١٠) ب وج : اجتمعنا.

(١١) ج : البيان.

(١٢) الف : + عنه.

(١٣) ج : بالمراد الخطاب.


إذا قال : صلّوا ، وأراد بذلك غاية معيّنة ، فالانتهاء (١) إليها من غير تجاوز لها مراد في حال الخطاب ، وهو من فوائده ، ومراد المخاطب به. وهذا هو (٢) نصّ مذهب القائلين بجواز تأخير بيان المجمل ، ولم يجر ذلك عند أحد مجرى خطاب العربيّ بالزّنجيّة.

فإن قالوا : ليس يجب أن يبيّن في حال الخطاب كلّ مراد بالخطاب.

قلنا : قد (٣) أصبتم ، فاقبلوا في الخطاب (٤) بالمجمل مثل ذلك.

فإن قالوا : لا حاجة به إلى بيان مدّة النّسخ وغاية العبادة ، لأنّ ذلك بيان لما يجب أن يفعله ، وهو غير محتاج الآن إلى بيان ما (٥) لا يجب أن يفعله ، وإنّما يحتاج في (٦) هذه الحال (٧) إلى بيان صفة ما يجب أن يفعله.

قلنا : هذا هدم لكلّ ما تعتمدون (٨) عليه في تقبيحكم تأخير البيان لأنّكم توجبون البيان لشيء يرجع إلى الخطاب ، لا لأمر

__________________

(١) الف : والانتهاء.

(٢) ب وج : ـ هو.

(٣) الف : ـ قد.

(٤) الف : بالخطاب.

(٥) الف : ـ يجب ، تا اينجا.

(٦) ب : إلى.

(٧) ج : الحالة.

(٨) ج : يعتمدون.


يرجع إلى إزاحة علّة المكلّف في الفعل ، فإن كنتم إنّما تمنعون من تأخير البيان لأمر يرجع إلى إزاحة العلّة والتّمكّن من الفعل ، فأنتم تجيزون أن يكون المكلّف في حال الخطاب غير قادر ولا متمكّن بالآلات ، وذلك أبلغ في رفع التّمكّن من فقد العلم بصفة الفعل. وإن (١) كان امتناعكم لأمر يرجع إلى وجوب حسن الخطاب ، وإلى أنّ المخاطب لا بدّ من أن يكون له طريق إلى العلم بجميع فوائده ، فهذا ينتقض بمدّة الفعل ، وغايته ، لأنّها (٢) من جملة المراد ، وقد أجزتم تأخير بيانها ، وقلتم بنظير قول من يجوّز تأخير بيان المجمل ، لأنّه يذهب إلى أنّه مستفيد (٣) بالخطاب المجمل بعض فوائده دون بعض وقد أجزتم مثله. والرّجوع إلى إزاحة العلّة نقض منكم لهذا الاعتبار كلّه.

فأمّا الّذي يدلّ على قبح تأخير بيان (٤) العموم ، فهو أنّ العموم لفظ موضوع لحقيقته (٥) والحكيم لا يجوز أن يخاطب بلفظ له حقيقة وهو لا يريدها من غير أن يدلّ في حال خطابه على أنّه متجوّز باللّفظ (٦) ولا إشكال في قبح ذلك ، والعلّة في قبحه أنّه

__________________

(١) ب : إذا.

(٢) ب : لا ، بجاى لأنها.

(٣) ب وج : + له.

(٤) ج : البيان.

(٥) الف : لحقيقة.

(٦) الف : باللفظة.


خطاب أريد به غير ما وضع له من غير دلالة.

والّذي يدلّ على ذلك أنّه لا يحسن أن يقول الحكيم منّا لغيره : « افعل كذا » وهو يريد التّهديد والوعيد أو « اقتل زيدا » وهو يريد اضربه (١) الضّرب الشّديد الّذي جرت العادة بأن يسمّى قتلا مجازا ، ولا أن يقول : « رأيت حمارا » وهو يريد رجلا بليدا ، من غير دلالة تدلّ على ذلك ، أو اضطرار إلى قصده ، ومن فعل ذلك ، كان عندهم سفيها مذموما ، وبهذا (٢) المعنى بانت الحقيقة من غيرها ، لأنّ الحقيقة تستعمل بلا دليل ، والمجاز لا بدّ معه من دليل. وليس تأخير بيان المجمل جاريا هذا المجرى ، لأنّ المخاطب بالمجمل ما أراد به إلاّ ما هو فيه (٣) حقيقة ، ولم يعدل عمّا وضع له ، ألا ترى أنّ (٤) قوله تعالى : ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ (٥) إذا أراد به قدرا مخصوصا ، فلم يرد إلاّ ما اللّفظ بحقيقته موضوع له ، وكذلك إذا قال : « (٦) عندي شيء » فإنّما استعمل اللّفظ الموضوع في اللّغة للإجمال فيما وضعوه له ، وليس كذلك مستعمل لفظ العموم وهو يريد الخصوص ، لأنّه

__________________

(١) الف : ان يضربه.

(٢) ب : لهذا.

(٣) ب وج : ـ فيه.

(٤) ج : انا.

(٥) ب وج : ـ تطهرهم.

(٦) الف : + له.


أراد باللّفظ ما لم يوضع له ، ولم يدلّ عليه.

دليل آخر : وممّا يدلّ على (١) ذلك أنّ الخطاب وضع للإفادة ، ومن سمع لفظ العموم مع تجويزه أن يكون خصوصا ويبيّن (٢) له في المستقبل لا يستفيد في هذه الحال به شيئا ، ويكون وجوده كعدمه.

فإن قيل : يعتقد (٣) عمومه بشرط أن لا يخصّ.

قلنا : ما الفرق بين قولك وبين (٤) قول من يقول : يجب أن يعتقد خصوصه إلى (٥) أن يدلّ (٦) مستقبلا (٧) على ذلك ، لأنّ اعتقاده للعموم مشروط ، وكذلك اعتقاده للخصوص. وليس بعد هذا إلاّ أن يقال : يعتقد أنّه على أحد الأمرين إمّا العموم أو الخصوص وينتظر وقت الحاجة ، فإمّا أن يترك (٨) على حاله فيعتقد العموم ، أو يدلّ على الخصوص فيعمل عليه. وهذا هو نصّ (٩) قول أصحاب الوقف في العموم قد صار إليه من يذهب إلى أنّ لفظ العموم مستغرق بظاهره على أقبح الوجوه ، فإنّ أصحاب الوقف في العموم

__________________

(١) ج : ـ على.

(٢) ب : تبين.

(٣) ج : تعتمد.

(٤) الف : ـ قولك وبين.

(٥) ب : بشرط ، ج : الا.

(٦) ج : دل.

(٧) ب : في المستقبل.

(٨) الف : يكون.

(٩) ج : النص.


يقطعون على أنّ القائل إذا قال : « اضرب الرّجال » على أنّ المراد ثلاثة ، وإنّما (١) يشكّ فيما زاد على هذا العدد ، ومن جوّز (٢) تأخير بيان العموم يجوّز في وقت الحاجة أن يبيّن أنّ المراد واحد من الرّجال.

دليل آخر : وممّا يدلّ على ذلك أنّ القول بجواز تأخير بيان تخصيص العموم يقتضى أن يكون المخاطب قد دلّ على الشّيء بخلاف ما هو به ، لأنّ لفظ العموم مع تجرّده يقتضى الاستغراق ، فإذا خاطب به مطلقا ، لا يخلو من أن يكون دلّ به على الخصوص ، وذلك يقتضى كونه دالاّ بما لا دلالة فيه ، أو يكون قد دلّ به (٣) على العموم ، فقد دلّ على خلاف مراده ، لأنّ مراده الخصوص فكيف يدلّ عليه بلفظ (٤) العموم.

فإن قيل : إنّما يستقرّ كونه دالاّ (٥) عند الحاجة إلى الفعل. قلنا : حضور (٦) زمان الحاجة ليس بمؤثّر في دلالة اللّفظ ، فإن دلّ اللّفظ على العموم فيها ، فإنّما يدلّ لشيء (٧) يرجع إليه ، وذلك

__________________

(١) الف : فانما.

(٢) ج : جواز.

(٣) ب : ـ به.

(٤) الف : لفظ.

(٥) ب وج : دلالة.

(٦) ج : خصوصا.

(٧) ب : بشيء.


قائم قبل وقت الحاجة.

على أنّ وقت الحاجة إنّما يعتبر في القول الّذي يتضمّن تكليفا (١) فأمّا ما لا يتعلّق بالتّكليف من الأخبار وضروب الكلام ، يجب أن يجوّز تأخير بيان ضروب المجاز فيه عن وقت الخطاب إلى غيره من مستقبل الأوقات ، وهذا يؤدّى إلى سقوط الاستفادة من الكلام ، وأنّ وجوده في الفائدة كعدمه.

وقد استدلّ من دفع جواز تأخير بيان المجمل بأن قال : خطاب (٢) العربيّ بالزّنجيّة لا إشكال في قبحه ، ومثله الخطاب بالمجمل ، والعلّة الجامعة بينهما (٣) أنّه خطاب لا يفهم منه المراد.

قالوا : وليس لأحد أن يفرّق بين الأمرين بأنّ الخطاب بالزّنجيّة لا يفهم منه شيء من الفوائد ، والمجمل (٤) يستفاد منه على كلّ حال ، لأنّه تعالى إذا قال : ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ... بِها (٥) ، و﴿ أَقِيمُوا الصَّلاةَ ، فالمخاطب (٦) يستفيد (٧) أنّه مأمور بأخذ الصّدقة (٨) من المال (٩) وإن جهل

__________________

(١) ب : تكليفنا.

(٢) الف : ـ خطاب ، وجاى آن سفيد است.

(٣) الف : ـ بينهما.

(٤) ج : + لا.

(٥) ب وج : ـ بها.

(٦) ج : + انه.

(٧) ج : + و.

(٨) ج : صدقة.

(٩) ب : المحال.


مبلغها ، و(١) وقف ذلك على البيان ، وهو مكلّف للعزم (٢) على ذلك ، وتوطين النّفس على فعله متى بيّن (٣) له. وكذلك في الصّلاة يعلم أنّه مكلّف لفعل هو (٤) عبادة ، إلاّ أنّه لا يعرف كيفيّة هذه العبادة ، وهو منتظر بيانها. والخطاب بالزّنجيّة بخلاف (٥) هذا كلّه.

قالوا : وذلك أنّه يمكن في الخطاب بالزّنجيّة مثل ما خرّجتموه (٦) في المجمل ، لأنّ الحكيم إذا خاطب العربيّ بالزّنجيّة ، فلا بدّ من أن يقطع (٧) المخاطب على أنّه قد (٨) قصد بخطابه ـ وإن كان بالزّنجيّة ـ إلى أمره ، أو نهيه ، أو إخباره (٩) ويجب عليه أن يعزم على فعل ما يبيّن (١٠) أنّه أمره (١١) به ، والكفّ عمّا (١٢) لعلّه يبيّن له أنّه نهاه (١٣) عنه ، وكرهه منه (١٤) ويوطّن نفسه على ذلك ،

__________________

(١) ج : ـ و.

(٢) ب : تكلف للعموم.

(٣) ب وج : تبين.

(٤) الف : ـ هو.

(٥) الف : خلاف.

(٦) الف : خرجوه.

(٧) ج : يقع.

(٨) ج : ـ قد.

(٩) ب : إجباره.

(١٠) الف : يتبين.

(١١) ب وج : امر.

(١٢) الف : عنه.

(١٣) ج : نهى.

(١٤) ج : عنه.


وتتعلّق (١) مصلحته به (٢) فلا (٣) فرق بين الأمرين.

وإن (٤) فرّق (٥) بينهما بأنّ الفائدة في الخطاب بالزّنجيّة (٦) أقلّ أو أشدّ إجمالا (٧) جاز أن يقال : لا اعتبار في حسن الخطاب بكثرة (٨) الفائدة ، لأنّه يحسن من الخطاب ما خرج من كونه عبثا ، وقليل الفائدة في هذا الباب ككثيرها.

والجواب أنّ من المعلوم قبح خطاب العربيّ بالزّنجيّة كما قرّرتم ، ومن المعلوم ـ أيضا ـ الّذي لا يختلف العقلاء في حسنه استحسان العقلاء من الملك أن يأمر بعض أمرائه بالخروج إلى بعض البلدان ، وأن (٩) يعمل في تدبيره على ما يكتب به إليه ويوصيه (١٠) قبل خروجه (١١) على ما تقدّم بيانه ، ولا يجري ذلك في القبح مجرى خطاب العربيّ بالزّنجيّة. وإذا (١٢) كنّا قد علمنا من حسن المثال الّذي ذكرناه ، مثل الّذي (١٣) علمناه من قبح خطاب العربيّ

__________________

(١) ب وج : يتعلق.

(٢) ب : به مصلحة ، ج : ـ به.

(٣) ب وج : ولا.

(٤) ب وج : فان.

(٥) ج : فرقنا.

(٦) الف : ـ بالزنجية.

(٧) الف : احتمالا.

(٨) الف : بكثير.

(٩) ب : فان.

(١٠) ج : يوجبه.

(١١) ج : + به.

(١٢) الف : فإذا ، ب : وإذ.

(١٣) ب وج : ما.


بالزّنجيّة ، ومعلوم أنّ الّذي أجزناه من تأخير بيان المجمل إنّما يشبه المثال الّذي (١) أوردناه ، دون الخطاب بالزّنجيّة ، فيجب حسن الخطاب بالمجمل ، كما وجب حسن نظائره (٢).

وبقي أن نعلّل (٣) قبح ما علمنا (٤) قبحه من خطاب العربيّ بالزّنجيّة ، ونعلّل (٥) حسن (٦) ما علمنا (٧) حسنه من أمر الملك لأميره ، فيعلم (٨) من علّة ذلك ما يلحق به ما يشاركه (٩) في علّته.

وليس يجوز أن يعلّل قبح الخطاب بالزّنجيّة بعلّة (١٠) يلحق به الخطاب الّذي ذكرناه من أمر الملك لخليفته (١١) لأنّ ما علمنا حسنه لا يجوز أن يكون فيه وجه قبح ، وكذلك أن يعلّل حسن الأمثلة الّتي ذكرناها (١٢) بما يلحق الخطاب بالزّنجيّة بها ، لأنّ ما علمنا قبحه لا يجوز أن (١٣) يلحق بعلّة من العلل بما هو حسن في نفسه.

وتفسير هذه الجملة أنّا متى علّلنا (١٤) قبح الخطاب بالزّنجيّة

__________________

(١) ب : ـ أجزناه ، تا اينجا.

(٢) الف : نظيره.

(٣) ب وج : يعلل.

(٤) ج : علمناه.

(٥) ب وج : يعلل.

(٦) الف : ـ حسن.

(٧) ج : علمناه.

(٨) الف : فنعلم.

(٩) الف : يشركه.

(١٠) الف : لعله.

(١١) ب : الخليفة.

(١٢) ج : ذكرها.

(١٣) الف : ـ يكون فيه وجه قبح ، تا اينجا.

(١٤) ج : عللناه.


بأنّا لا نفهم (١) بها مراد المخاطب ، وجدنا ذلك فيما علمنا حسنه ضرورة من خطاب الملك لخليفته ، لأنّ (٢) خليفة الملك لا يعرف من خطابه المجمل الّذي حكيناه (٣) مراده الّذي أحاله في تفصيله على البيان. وإن علّلنا قبحه بأنّه ممّا (٤) لا فائدة فيه ، فقد بيّنا أنّه يمكن أن يدّعى فيه فائدة ، فإنّه (٥) لا يعدو (٦) أحد أقسام الكلام المعهودة ، ولا بدّ من أن يكون المخاطب ـ إذا كان حكيما ـ مريدا لبعضها. وإن علّلنا حسن الأمثلة الّتي علمنا (٧) حسنها بأنّها تفيد (٨) فائدة ما ، أو ممّا يتعلق مصلحة المخاطب بها ، بأن يعتقد ويعزم على الامتثال عند البيان ، فهذا كلّه قائم في الخطاب بالزّنجيّة. فلا بدّ من التّعليل بما لا يقتضى قبح ما علمنا حسنه ، ولا حسن ما علمنا (٩) قبحه.

ويمكن تعليل قبح الخطاب بالزّنجيّة بأنّه غير مفهوم منه نوع الخطاب ، ولا أيّ ضرب هو من ضروبه ، ألا ترى أنّه لا يفصل المخاطب بين كونه أمرا أو نهيا أو خبرا أو استخبارا أو استفهاما

__________________

(١) ج : يفهم.

(٢) الف : + خليفته أعني.

(٣) ج : حكينا.

(٤) الف : ـ مما.

(٥) الف وج : وانه.

(٦) ج : يعدوا.

(٧) الف : عللنا.

(٨) ج : يفيد.

(٩) الف : حسنه ، تا اينجا.


أو عرضا أو تمنّيا ، ويجوّز أن يكون شاتما له و(١) قاذفا ، كما يجوّز أن يكون مادحا له ومثنيا عليه. وهذه النّكتة تبطل فرقهم بين الأمرين بأنّ الخطاب بالزّنجيّة إذا وقع من حكيم ، فلا بدّ من (٢) أن يكون أمرا أو نهيا ، فيجب على المخاطب أن يعزم على فعل ما يبيّن له ، لأنّا قد بيّنّا أنّه قد يجوز (٣) أن يخلو الخطاب (٤) بالزّنجيّة من كلّ تكليف ، وإلزام (٥) إلى أن يكون شتما وقذفا وما جرى مجراهما ممّا لا نفع فيه ، فلا يمكن (٦) أن يقال : إنّا (٧) نعزم (٨) على فعل ما يبيّن لنا ، وقد علمنا أنّ المجمل يفصّل فيه بين أنواع الخطاب وضروبه ، وإنّما يلتبس على المخاطب (٩) تفصيل ما تعلّق الأمر به ممّا (١٠) هو واقف على البيان ، فهذه علّة (١١) صحيحة في قبح الخطاب بالزّنجيّة لا نجدها (١٢) فيما علمنا حسنه من الأمثال.

وإن شئت أن تقول (١٣) : العلّة في قبح الخطاب بالزّنجيّة أنّ

__________________

(١) ب : أو.

(٢) ب وج : ـ من.

(٣) ب : ـ ان يعزم ، تا اينجا.

(٤) الف : المخاطب.

(٥) لعل هذا هو الصحيح لكن في نسختي ب وج : « ألزم » بلا الف : ونسخة الف مكان الكلمة بياض.

(٦) الف : ولا يكفى.

(٧) ب وج : انما.

(٨) ج : يعزم.

(٩) ب : ـ يفصل : تا اينجا.

(١٠) ب : فما.

(١١) ب : على ، بجاى علة.

(١٢) ج : تجدها.

(١٣) ب وج : نقول.


المخاطب لا يستفيد منه فائدة معيّنة منفصلة ، ولا بدّ في كلّ خطاب من أن يستفاد منه فائدة مفصّلة (١) وإن جاز (٢) أن يقترن بذلك فائدة أخرى مجملة ، والخطاب المجمل يستفاد منه فائدة معيّنة مفصّلة ، وإن استفاد أخرى مجملة (٣) لأنّه تعالى إذا قال : ﴿ أَقِيمُوا الصَّلاةَ و ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ، فقد استفاد المخاطب أنّه مأمور ، وقطع على ذلك ، و(٤) أنّه مأمور بعبادة هي الصّلاة أو الصّدقة (٥) وإن شكّ في صفتها.

فإن قيل : و(٦) أيّ فائدة في تقديم (٧) الخطاب (٨) بالمجمل وتأخير بيانه إلى وقت الحاجة ؟.

قلنا : لا بدّ من (٩) أن يتعلّق على الجملة (١٠) بذلك مصلحة دينيّة حتّى يحسن تقديم الخطاب على وقت الحاجة. وممّا يمكن أن يكون وجها لحسن (١١) ذلك أنّ المكلّف يعزم ويوطّن نفسه على (١٢)

__________________

(١) الف : منفصلة.

(٢) ب : جاء.

(٣) ج : ـ والخطاب ، تا اينجا.

(٤) ب : ـ و.

(٥) ب وج : صلاة أو صدقة.

(٦) ب وج : ـ و.

(٧) ب : تقدم.

(٨) الف : المخاطب.

(٩) ج : ـ من.

(١٠) الف : ـ على الجملة.

(١١) ج : يحسن.

(١٢) ج : عن.


الفعل إلى وقت الحاجة ، وهذا العزم وما يتبعه طاعة. وهو ـ أيضا ـ مسهّل للفعل المأمور به.

وما لا يزال يصول به المخالف (١) من قوله : « إنّ العزم والاعتقاد تابعان للفعل المعزوم عليه ، فلا يكونان أصلا مقصودا » غير صحيح ، لأنّا لم نجعل العزم والاعتقاد (٢) أصلين ، بل تابعين ، لأنّه يستفيد بالمجمل على كلّ حال وجوب الفعل عليه ، وإن جهل صفاته ، فيجب عليه الاعتقاد والعزم تابعين لذلك (٣) ولكنّهما على سبيل الجملة ، لأنّه يعتقد وجوب فعل على الجملة عليه (٤) ينتظر بيانه ، ويعزم على أدائه على هذا الوجه.

ومن قويّ ما يلزمونه أن يقال لهم : إذا جوّزتم أن يخاطب بالمجمل ويكون (٥) بيانه في الأصول ، ويكلّف المخاطب الرّجوع إلى الأصول ، فيعرف المراد ، فما الّذي (٦) يجب أن يعتقد هذا المخاطب إلى أن يعرف (٧) من الأصول المراد ؟.

فإن قالوا : يتوقّف عن (٨) اعتقاد التّفصيل ، ويعتقد على الجملة

__________________

(١) ج : المخاطب.

(٢) ب : فالاعتقاد.

(٣) ب : ـ لذلك ، ج : كذلك.

(٤) الف : + لأنه.

(٥) الف : يكونه.

(٦) ب : فالذي.

(٧) ج : تعرف.

(٨) ب : على.


أنّه يمتثل ما يبيّن (١) له.

قلنا : أيّ فرق بين هذا القول وبين من جوّز تأخير بيان المجمل ؟.

فإذا قالوا : الفرق بينهما أنّه إذا خوطب وفي الأصول البيان ، فهو متمكّن من الرّجوع إليها ، ومعرفة المراد (٢) وأنتم تجيزون خطابه بالمجمل من غير تمكّن (٣) من معرفة المراد.

قلنا : إذا كان البيان في الأصول ، فلا بدّ من زمان حتّى يرجع فيه إليها ، فيعلم المراد ، وهو في هذا الزّمان قصيرا كان أو طويلا مكلّف بالفعل (٤) ومأمور (٥) باعتقاد وجوبه ، والعزم على أدائه ، على طريق الجملة من غير تمكّن من معرفة المراد وإنّما (٦) يصحّ أن يعرف (٧) المراد بعد هذا الزّمان ، فقد عاد الأمر إلى أنّه مخاطب بما لا يتمكّن في الحال من معرفة المراد به (٨) وهذا قول من جوّز تأخير البيان ، ولا فرق في هذا الحكم بين طويل الزّمان وقصيره.

فإن قالوا : هذا الزّمان الّذي أشرتم إليه لا يمكن فيه معرفة المراد ، فيجري مجرى زمان مهلة النّظر الّذي لا يمكن وقوع

__________________

(١) ب : تبين.

(٢) ب وج : + بها.

(٣) ج : متمكن.

(٤) الف وج : للفعل.

(٥) الف : مأمورا.

(٦) ب : فانما.

(٧) ب وج : يعلم.

(٨) ب : ـ به.


المعرفة فيه.

قلنا : ليس الأمر كذلك لأنّ زمان مهلة النّظر لا بدّ منه ، ولا يمكن أن تقع المعرفة الكسبيّة (١) في أقصر منه ، وليس كذلك إذا كان البيان في الرّجوع إلى الأصول لأنّه تعالى قادر على أن يقرن (٢) البيان إلى الخطاب ، فلا يحتاج إلى زمان للرّجوع إلى تأمّل الأصول (٣).

ثمّ يقال له : إذا كان تمكّنه من الرّجوع إلى الأصول في معرفة البيان وإن طال الزّمان كافيا في حسن الخطاب ، فألاّ جاز أن يخاطب بالزّنجيّة ، ويكلّفه (٤) الرّجوع في التّفسير إلى من يعرف لغة الزّنج أو (٥) أن يتعلّم لغة الزّنج ومواضعتهم ، فليس ذلك بأبعد من تكليفه الرّجوع إلى الأصول الّتي ربما طال الزّمان في معرفة المراد منها.

فإن قالوا : هذا تطويل (٦) في البيان.

قلنا : وتكليفه الرّجوع إلى تصفّح الأصول ومعرفة المراد منها تطويل في البيان فإذا جاز ذلك لمصلحة ، جاز هذا.

__________________

(١) ب وج : المكتسبة.

(٢) ج : يقترن.

(٣) الف : ـ للرجوع إلى تأمل الأصول.

(٤) ج : مكلفة.

(٥) الف وب : و.

(٦) ج : طويل.


فإن قالوا (١) : الخطاب بالزّنجيّة وإن أمكن معرفة المراد به من جهة مترجم ، أو بتعلّم (٢) مواضعة الزّنج قبيح ، لأنّ المخاطب لا يستفيد به شيئا من الفوائد.

قلنا : هذا صحيح ، وبه فرقنا (٣) بين الخطاب بالمجمل (٤) وبالزّنجيّة.

وإنّما لم نذكر (٥) ما حكى في الكتب من طرق مختلفة لمن أجاز تأخير البيان من تعويل على أخبار (٦) آحاد (٧) وذكر أوقات الصّلاة ، وأشياء مختلفة مذكورة ، لأنّه لا شيء من ذلك كلّه (٨) يدلّ على موضع الخلاف. وقد تكلّم (٩) عليه بما يبطله فلا معنى للتّطويل بذكره.

فصل في (١٠) جواز سماع (١١) المخاطب العامّ (١٢)

وإن لم يسمع الخاصّ

اختلف النّاس (١٣) في هذه المسألة (١٤) فقال قوم من الفقهاء ، أنّ تخصيص

__________________

(١) ج : قال.

(٢) ج : بتعليم.

(٣) ب : فرقنا به.

(٤) الف : المجمل.

(٥) ب وج : يذكر.

(٦) الف : ـ اخبار.

(٧) ج : الآحاد.

(٨) الف : ـ كله.

(٩) ب : نكلم.

(١٠) ج : + ذكر.

(١١) هكذا في النسخ ، ولعل الأصل « اسماع ».

(١٢) الف : للعام ، ب : العدم ، بجاى العام.

(١٣) الف : قوم.

(١٤) ب : هذا المثال.


العامّ إذا لم يكن بالأدلّة (١) العقليّة ، فلا يجوز أن يسمع العامّ إلاّ مع الخاصّ ، بل يصرف الله تعالى عن سماع ذلك إلى حين سماع الخاصّ ، وهو قول أبي عليّ الجبّائيّ وقول أبي هاشم الأوّل. و(٢) قال آخرون : يجوز أن يسمع العامّ وإن لم يسمع الخاصّ ، و(٣) يكون مكلّفا لطلب الخاصّ وتأمّله في الأصول ، فإن وجده ، عمل به ، وإلاّ ، عمل في (٤) ظاهر العامّ ، وهو قول النّظّام وقول أبي هاشم الأخير.

والّذي يدلّ على صحّة المذهب الثّاني أنّه لا خلاف في حسن خطابه بالعامّ وفي أدلّة العقول تخصيصه ، سواء استدلّ المكلّف بالعقل على ذلك ، أو لم يستدلّ ، لأنّ التّمكّن من معرفة المراد في الحالين حاصل ، فكذلك (٥) الحكم إذا خاطبه بالعامّ وفي الأصول التّخصيص ، سواء أسمعه (٦) المخصّص أم لا ، لأنّ التّمكّن من العلم بالمراد حاصل. وإذا لم يقتض (٧) ما اتّفقنا (٨) عليه إباحة الجهل ، ولا كان مثل خطاب (٩) العربيّ بالزّنجيّة ، فكذلك ما قلناه.

__________________

(١) ب وج : في الأدلة.

(٢) ج : ـ و.

(٣) ب : + ان.

(٤) ب : عول على.

(٥) الف : وكذلك ، ج : فلذلك.

(٦) ب : سمعه.

(٧) الف : تقتض ، ب : يقبض.

(٨) ب : اتفقا.

(٩) ب وج : مثلا لخطاب.


فصل في أنّ (١) تعليق (٢) الحكم بصفة لا يدلّ (٣)

على انتفائه (٤) بانتفائها.

اختلف النّاس في ذلك ، فقال قوم : إنّ انتفاء الصّفة الّتي علّق الحكم عليها لا يدلّ على انتفاء الحكم عمّا ليس له تلك الصّفة ، وإنّما يفيد تعليقه بها إثبات الحكم فيما وجدت فيه (٥) من غير إفادة الحكم في غيره نفيا ولا إثباتا. و(٦) إلى هذا المذهب ذهب أبو عليّ الجبّائيّ وابنه أبو هاشم والمتكلّمون كلّهم إلاّ من لعلّه شذّ منهم ، وهو الصّحيح المستمرّ على الأصول. وقد صرّح بهذا المذهب أبو العبّاس بن (٧) شريح ، وتبعه على ذلك جماعة من شيوخ أصحاب الشّافعيّ كأبي بكر الفارسي والقفّال وغيرهما. وذكر أبو العباس بن شريح انّ الحكم إذا علّق بصفة فإنّما يدلّ على ما (٨) تناوله لفظه إذا تجرّد وقد يحصل فيه قرائن يدلّ (٩) معها (١٠) على أنّ ما عداه بخلافه ، نحو

__________________

(١) الف : ـ ان.

(٢) الف : تقييد.

(٣) ج : تدل.

(٤) ب : انتهائه.

(٥) الف : ـ فيه.

(٦) ب : ـ و.

(٧) الف : ـ بن.

(٨) ج : ـ ما.

(٩) ج : تدل.

(١٠) ب : بها.


قوله تعالى : ﴿ إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا وقوله ـ جلّ اسمه ـ : ﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ وقوله تعالى : ﴿ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وقوله تعالى : ﴿ فَلَمْ تَجِدُوا (١) ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً (٢) وقوله عليه‌السلام : « في سائمة الغنم الزكاة ». قال (٣) : وقد يقتضى (٤) ذلك أنّ حكم ما عداه مثل حكمه ، نحو قوله تعالى : ﴿ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً وقوله تعالى : ﴿ فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وقوله تعالى : ﴿ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ. وهذا تصريح منه (٥) بالمذهب الصّحيح ، وأنّ القول ـ إذا تجرّد (٦) ـ لم يقتض (٧) نفيا ولا إثباتا فيما عدا (٨) المذكور ، و(٩) أنّ بالقرائن (١٠) تارة يعلم (١١) النّفي ، وأخرى الإثبات. وقد أضاف ابن شريح قوله هذا إلى الشّافعيّ ، وتأوّل كلامه (١٢) المقتضى بخلاف ذلك وبناه (١٣) عليه. وذهب أكثر أصحاب الشّافعيّ وجمهورهم إلى

__________________

(١) ج : يجدوا.

(٢) الف وج : ـ صعيدا.

(٣) ج : ـ قال.

(٤) ب : تقتضي.

(٥) ج : + تعالى.

(٦) ب : + و.

(٧) ب : يقتضى.

(٨) ب : + لفظ.

(٩) الف : ـ و.

(١٠) الف : القرائن.

(١١) ب وج : يعلم تارة.

(١٢) ج : تأمل كلام والصحيح « أول ».

(١٣) ج : بناء.


أنّ تعليق الحكم بصفة دالّ بمجرّده على نفي الحكم عمّا ليس له تلك الصّفة. وفيهم من ذهب إلى أنّ الاسم في هذا الباب كالصّفة. وفيهم من فرّق بين الاسم والصّفة.

والّذي يدلّ على صحّة ما اخترناه أنّه قد ثبت أنّ تعليق الحكم بالاسم اللّقب لا يدلّ على أنّ ما عداه بخلافه ، وثبت أنّ الصّفة كالاسم في الإبانة والتّمييز ، وإذا ثبت هذان الأمران صحّ مذهبنا.

والّذي يدلّ على الأوّل أنّ تعليق الحكم بالاسم لو دلّ على أنّ ما عداه بخلافه ، لوجب أن يكون قول القائل « زيد قائم » و « عمرو طويل » و « السّكّر حلو (١) » مجازا (٢) معدولا به عن (٣) الحقيقة ، فإنّه (٤) قد يشارك زيدا وعمراً (٥) في القيام (٦) والطّول غيرهما ، ويشارك السّكّر في الحلاوة غيره. ويجب ـ أيضا ـ أن لا يمكن أن نتكلّم (٧) بهذه الألفاظ على سبيل الحقيقة ، ومعلوم ضرورة خلاف ذلك من مذهب أهل اللّغة وأنّ هذه الألفاظ حقيقة ، وممّا لا يجب كونها مجازا.

__________________

(١) ب : حاوا ، ج : + حامزا.

(٢) ج : ـ مجازا.

(٣) ج : ـ عن.

(٤) ب : لأنه ، ج : بأنه.

(٥) ج : زيد وعمرو.

(٦) ب وج : القائم.

(٧) ب وج : يتكلم.


ويلزم على هذا المذهب أن يكون أكثر الكلام مجازا ، لأنّ الإنسان إذا أضاف إلى نفسه فعلا من قيام ، وأكل ، وضرب ، وما جرى مجرى ذلك ، ليس يضيف إليها إلاّ ما له فيه مشارك ، والإضافة إليه (١) يقتضى (٢) ظاهرها على مذهب من قال بدليل الخطاب نفي ذلك الأمر عمّن عداه ، فلا (٣) تكون هذه الأوصاف في موضع من المواضع إلاّ مجازا ، وهذا يقتضى أنّ الكلام كلّه مجاز (٤).

ويدلّ ـ أيضا ـ على ذلك أنّ من (٥) المعلوم أنّه لا يحسن أن يخبر مخبر بأنّ زيدا طويل إلاّ وهو عالم بطوله ، فلو كان قوله : « زيد طويل » كما يقتضى الإخبار عن طول زيد ، يقتضى نفي الطّول (٦) عن كلّ من عداه ، لوجب أن لا يحسن منه (٧) أن يخبر بأنّ زيدا طويل إلاّ بعد أن يكون عالما بأنّ غيره لا (٨) يشاركه في الطّول ويجب أن يكون علمه بحال غير المذكور شرطا في حسن الخبر ، كما كان علمه بحال المذكور شرطا في حسن الخبر ، ومعلوم خلاف ذلك.

__________________

(١) الف : ـ إليه.

(٢) الف : تقتضي.

(٣) ب : ولا.

(٤) ج : مجازا.

(٥) ب : ـ من.

(٦) ج : طول.

(٧) الف : معه.

(٨) ب وج : ـ لا.


وـ أيضا ـ فإنّ ألفاظ النّفي مفارقة لألفاظ الإثبات في لغة العرب ، ولا يجوز أن يفهم من ألفاظ الإثبات النّفي كما لا (١) يفهم من لفظ النّفي الإثبات (٢) وقولنا « زيد طويل » لفظه لفظ إثبات (٣) فكيف يعقل (٤) منه نفي الحكم عن غير المذكور ، وليس هاهنا لفظ نفى.

ويمكن أن يستدلّ بهذه الطّريقة خاصّة على أنّ تعليق الحكم بصفة لا يدلّ على نفيه عمّا ليست له ، من غير حمل الصّفة على الاسم.

وربما قوّى ـ أيضا ـ ما ذكرناه بأنّ أحدا من العلماء لم يقل في ذكر الأجناس السّتّة في خبر الرّبا أنّ تعليق الحكم بها يدلّ على نفي الرّبا عن غيرها ، لأنّ العلماء بين رجلين : أحدهما يقول ببقاء غير هذه الأجناس على الإباحة ، والآخر يقيس عليها غيرها.

فإن تعلّق من سوّى بين الاسم والصّفة بأنّ جماعة من أهل العلم استدلّوا (٥) على أنّ غير (٦) الماء لا يطهّر كالماء بقوله (٧) تعالى : ﴿ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ، فنفوا الحكم عن غير الماء وهو

__________________

(١) ب : ـ لا.

(٢) ب : ـ الإثبات.

(٣) ج : ـ النفي كما ، تا اينجا.

(٤) ب : يفعل.

(٥) الف : استدل.

(٦) ب : الغير.

(٧) الف : لقوله.


معلّق (١) بالاسم لا بالصّفة ، فالجواب (٢) أنّ من فعل ذلك فقد أخطأ في اللّغة ، وقد حكينا أنّ في (٣) النّاس من يسوّي مخطئا بين الاسم والصّفة في تعلّق (٤) الحكم بكلّ واحد منهما.

ويمكن أن يكون من استدلّ بهذه الآية إنّما عوّل (٥) على أنّ الاسم فيها يجري مجرى الصّفة ، لأنّ مطلق اسم (٦) الماء يخالف مضافه ، فأجراه مجرى كون (٧) الإبل سائمة وعاملة.

وأمّا الدّلالة على أنّ الصّفة كالاسم في الحكم الّذي ذكرناه ، فهي أنّ الغرض من (٨) وضع الأسماء في أصل اللّغة هو التّمييز (٩) والتّعريف ، و(١٠) ليمكنهم أن يخبروا (١١) عمّن غاب عنهم بالعبارة ، كما أخبروا (١٢) عن الحاضر بالإشارة ، فوضعوا الأسماء لهذا (١٣) الغرض ، ولمّا وقع الاشتراك بالاتّفاق في الأسماء ، بطل الغرض الّذي هو (١٤) التّمييز والتّعريف ، فاحتاجوا إلى إدخال الصّفات ، وإلحاقها بالأسماء (١٥)

__________________

(١) ب : متعلق.

(٢) ب : والجواب.

(٣) الف : من.

(٤) ج : تعليق.

(٥) ج : عدل.

(٦) ب : ـ اسم.

(٧) الف : ـ كون.

(٨) ب وج : في.

(٩) ج : التميز.

(١٠) ج : ـ و.

(١١) ج : تجروا.

(١٢) ج : أخروا.

(١٣) ب : لهذه.

(١٤) ب : في ، بجاى هو.

(١٥) ب : ـ بالأسماء.


ليكون الاسم مع (١) الصّفة بمنزلة الاسم لو لم يقع فيه اشتراك ، ولو لا الاشتراك الواقع في الأسماء ، لما احتيج إلى الصّفة ، ألا ترى أنّه لو لم يكن في العالم من اسمه (٢) « زيد » إلاّ شخص واحد ، لكفى (٣) في الإخبار عنه أن يقال : « قام زيد » ولم يحتج إلى إدخال الصّفة فبان بهذه الجملة أنّ الصّفة كالاسم في الغرض ، وأنّ الصّفات لبعض (٤) الأسماء ، فإذا ثبت ما ذكرناه في الاسم ، يثبت (٥) فيما يجري مجراه ، ويقوم مقامه.

و(٦) ممّا يبيّن (٧) أنّ الاسم كالصّفة أنّ المخبر قد يحتاج إلى أن يخبر عن شخص بعينه ، فيذكره بلقبه ، وقد يجوز أن يحتاج إلى أن يخبر عنه في حال دون أخرى (٨) فيذكره بصفته ، فصارت (٩) الصّفة مميّزة للأحوال ، كما أنّ الأسماء مميّزة (١٠) للأعيان ، فحلاّ (١١) محلا (١٢) واحدا في الحكم الّذي ذكرناه.

وممّا يدلّ ابتداء على بطلان دليل الخطاب أنّ اللّفظ إنّما يدلّ

__________________

(١) ج : + بقاء.

(٢) الف : اسم.

(٣) ب : يكفى.

(٤) الف : كبعض.

(٥) ب وج : ثبت.

(٦) ج : ـ و.

(٧) ج : تبين.

(٨) ب : اخر.

(٩) ب : وصارت.

(١٠) ج : متميزة.

(١١) الف : ـ فحلا.

(١٢) ج : فخلا فحلا.


على ما يتناوله أو على ما يكون بأن يتناوله أولى ، فأمّا (١) أن يدلّ على ما (٢) لم يتناوله ولا (٣) هو بالتّناول أولى ، فمحال ، و(٤) إذا كان الحكم المعلّق بصفة لم يتناول غير (٥) المذكور ، ولا هو بأن يتناوله أولى ، لم يدلّ إلاّ على ما اقتضاه لفظه.

وشرح هذه الجملة أنّ (٦) قوله عليه‌السلام : « في (٧) سائمة الغنم الزكاة معلوم (٨) حسّا وإدراكا أنّه لم يتناول المعلوفة ، ولا يمكن الخلاف (٩) فيما يدخل تحت الحسّ ، ولا (١٠) هو بتناولها (١١) أولى ، بدلالة أنّ لو قال عليه‌السلام : » في سائمة الغنم الزكاة وفي معلوفتها (١٢) » ، لما (١٣) كان متناقضا ، ومن شأن اللّفظ إذا دلّ على ما لم يتناوله بلفظه لكنّه بأن يتناوله أولى أن يمنع من التّصريح بخلافه ، ألا ترى أنّ قوله تعالى : ﴿ فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ لمّا تناول النّهى (١٤) عن التّأفيف بلفظه ، وكان بأن يتناول (١٥) سائر المكروه

__________________

(١) الف : واما.

(٢) ب : من.

(٣) الف : ـ لا.

(٤) الف : ـ و.

(٥) الف : الخبر ، بجاى غير.

(٦) ب : بان.

(٧) ب : ـ في.

(٨) ب : معلوما.

(٩) ب : للخطاب ، بجاى الخلاف.

(١٠) ج : الا.

(١١) ج : يتناولها.

(١٢) الف : معلوفها.

(١٣) الف : ما.

(١٤) ج : النفي.

(١٥) ب : يتناوله.


أولى ، لم يجز أن (١) يتبعه ويلحقه بأن يقول : « لا تقل لهما أفّ (٢) واضربهما واشتمهما ، » لأنّه نقض (٣) لما تقدّم ، فبان أنّ قوله ـ عليه‌السلام ـ : « في سائمة الغنم الزكاة (٤) » ليس بتناوله للمعلوفة (٥) أولى.

والّذي يدلّ على أنّ اللّفظ لا يدلّ على ما لا يتناوله ولا يكون بالتّناول (٦) أولى أنّه لو دلّ على ذلك لم ينحصر مدلوله ، لأنّ ما لا (٧) يتناوله اللّفظ لا يتناهى ، وليس بعضه بأن يدلّ عليه اللّفظ (٨) مع عدم (٩) التّناول بأولى من بعض.

وممّا يدلّ ـ أيضا ـ على ما ذكرناه حسن استفهام القائل : « ضربت طوال غلماني ولقيت أشراف جيراني » فيقال : « أ (١٠) ضربت القصار من غلمانك أو لم تضربهم ؟ ، ولقيت العامّة من جيرانك أو لم تلقهم ؟ » ، فلو كان تعليق الحكم بالصّفة يقتضى وضعه نفي الحكم عمّا (١١) ليس له تلك الصّفة كاقتضائه ثبوته (١٢) لما له تلك الصّفة ،

__________________

(١) الف : بان.

(٢) الف : ـ أف.

(٣) ج : تقتضي ، بجاى نقض.

(٤) ج : زكاة.

(٥) ب : تناوله للمعلومة.

(٦) الف : ما يتناول.

(٧) ج : ـ لا.

(٨) ب : ـ لم ينحصر ، تا اينجا.

(٩) ج : ـ عدم.

(١٠) الف : له ، بجاى أ

(١١) ج : مما.

(١٢) ب : بثبوته.


لكان هذا الاستفهام قبيحا ، كما يقبح أن يستفهمه عن حكم ما يتعلّق اللّفظ به ، فلو كان الأمران مفهومين من اللّفظ ، لاشتركا في حسن (١) الاستفهام وقبحه.

فإن قيل : إنّما يحسن الاستفهام عن (٢) ذلك لمن لم يقل بدليل الخطاب ، فأمّا من تكلّم بما ذكرتموه من الذّاهبين إلى دليل الخطاب فهو لا يستفهم عن مراده إلاّ على وجه واحد ، وهو أن يكون أراد على سبيل المجاز خلاف ما يقتضيه دليل الخطاب ، فحسن استفهامه لذلك (٣).

قلنا : حسن استفهام كلّ قائل أطلق مثل هذا الخطاب معلوم ضرورة ، سواء علمنا (٤) مذهبه في دليل الخطاب أو شككنا (٥) فيه ، وأهل اللّغة يستفهم بعضهم بعضا في (٦) مثل هذا الخطاب ، وليس لهم مذهب مخصوص في دليل الخطاب. فأمّا تجويزنا أن يكون المخاطب عدل عن الحقيقة إلى المجاز ، وأنّ هذا هو علّة حسن الاستفهام ، فباطل ، لأنّه يقتضى حسن دخول الاستفهام في كلّ كلام ، لأنّه لا

__________________

(١) ج : ـ حسن.

(٢) ج : من.

(٣) ب وج : كذلك.

(٤) ج : علما.

(٥) الف : سألنا.

(٦) الف : ـ في.


كلام نسمعه (١) إلاّ ونحن نجوّز من طريق التّقدير أن يكون المخاطب به (٢) أراد المجاز ، و(٣) لم يرد الحقيقة ، وفي علمنا بقبح الاستفهام في مواضع كثيرة دلالة على فساد هذه العلّة. على أنّ المخاطب لنا إذا كان حكيما ، وأراد المجاز بخطابه (٤) قرن به ما يدلّ على أنّه متجوّز (٥) ولا يحسن منه الإطلاق.

وقد استدلّ المخالف (٦) لنا في هذه المسألة بأشياء :

منها أنّ تعليق الحكم بالسّوم لو لم يدلّ على انتفائه إذا انتفت الصّفة ، لم يكن لتعليقه بالسّوم معنى ، وكان عبثا.

ومنها أنّ تعليق الحكم بالسّوم يجري مجرى الاستثناء من الغنم ، ويقوم مقام قوله : « ليس في الغنم إلاّ السّائمة الزكاة » فكما (٧) أنّه لو قال ذلك ، لوجب أن تكون (٨) الجملة المستثنى منها بخلاف الاستثناء ، فكذلك تعليق الحكم بصفة.

ومنها أنّ تعليق الحكم بالشّرط لمّا دلّ على انتفائه بانتفاء الشّرط ، فكذلك الصّفة ، والجامع بينهما أنّ كلّ واحد منهما

__________________

(١) ج : يسمعه.

(٢) ج : + ان.

(٣) ج : ـ و.

(٤) ج : بخاطبه.

(٥) ج : مجوز.

(٦) ب : المخاطب.

(٧) ب : + لو.

(٨) ج : يكون.


كالآخر في التّخصيص ، لأنّه لا فرق بين أن يقول : « في سائمة الغنم الزكاة » ، وبين أن يقول : « فيها إذا كانت سائمة الزكاة ».

ومنها ما روى عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عند نزول (١) قوله تعالى : ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ ، أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ، إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ، فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ أنّه قال : « لأزيدنّ على السّبعين » ، فلو لم يعلم (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) من جهة دليل الخطاب أنّ (٤) ما فوق السّبعين بخلافها ، لم يقل ذلك.

ومنها ما (٥) روى عن عمر بن الخطّاب (٦) : أنّ (٧) يعلى (٨) بن منبّه (٩) (الف : منية) سأله ، فقال له : « ما بالنا نقصّر ، وقد أمنّا » فقال له : « عجبت ممّا عجبت منه ، فسألت عنه (١٠) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١١) فقال : صدقة تصدّق (١٢) الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته » فتعجّبهما من ذلك يدلّ على أنّهما فهما من تعلّق القصر بالخوف أنّ حال الأمن بخلافه.

ومنها ما روى أنّ الصّحابة كلّهم قالوا : « الماء من الماء منسوخ »

__________________

(١) الف : ـ نزول.

(٢) ب : + الله.

(٣) ب : صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ج : عليه‌السلام.

(٤) ج : ا (بلا نون).

(٥) ب وج : تعلقهم بما.

(٦) ج : خطاب.

(٧) ب : انه.

(٨) ب : ـ يعلى ، ج : لعلى.

(٩) ب : منبه ، ج : منية بتشديد الياء.

(١٠) الف : ـ عنه.

(١١) ج : ع.

(١٢) ب : يصدقه.


ولا يكون ذلك منسوخا إلاّ من جهة دليل الخطاب ، وأنّ لفظ الخبر يقتضى نفي وجوب الاغتسال بالماء من غير إنزال الماء.

ومنها أنّ الأمّة (١) إنّما رجعت في أنّ التّيمّم لا يجب إلاّ عند عدم الماء إلى ظاهر قوله تعالى : ﴿ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا وكذلك الصّيام في الكفّارة ، وأنّه لا يجزى إلاّ عند عدم الرّقبة إنّما رجع فيه إلى الظّاهر.

والجواب عن الأوّل أنّ في تعليق الحكم بالسّوم فائدة ، لأنّا (٢) به (٣) نعلم وجوب الزكاة في السّائمة ، وما كنّا نعلم ذلك قبله. ويجوز أن يكون حكم المعلوفة في الزكاة حكم السّائمة ، وإن علمناه بدليل آخر. وليس يمتنع في الحكمين المتماثلين أن يعلما بدليلين (٤) مختلفين بحسب المصلحة ، ألا ترى أنّ حكم ما لا يقع عليه (٥) النّصّ (٦) من الأجناس في الرّبا حكم المنصوص عليه ، ومع ذلك دلّنا على ثبوت الرّبا في الأجناس المذكورة بالنّصّ ، ووكلنا في إثباته في غيرها إلى دلالة أخرى من قياس أو غيره.

__________________

(١) ب : الآية.

(٢) ج : لأنه.

(٣) ب : ـ به.

(٤) الف : بدليل.

(٥) ب : ـ عليه.

(٦) ج : ـ النص عليه.


والجواب عن الثّاني أنّ الاستثناء عن العموم لم يدلّ بلفظ نفسه على أنّ ما لم يتناوله بخلاف حكمه ، وإنّما دلّ العموم على دخول الكلّ فيه ، فلمّا أخرج الاستثناء (١) بعض ما تناوله (٢) العموم ، علمنا حكم المستثنى بلفظ الاستثناء وتناوله (٣) وعلمنا أنّ حكم ما لم يتناوله (٤) بخلافه بلفظ العموم. مثال (٥) ذلك أنّ القائل إذا قال : « ضربت (٦) القوم إلاّ زيدا » ، فإنّما يعلم بالاستثناء أنّ زيدا ليس بمضروب ، ويعلم أنّ ما عداه من القوم مضروب بظاهر العموم ، لا من دليل الخطاب في الاستثناء ، وليس هذا موجودا في قوله ـ عليه‌السلام ـ : « في سائمة الغنم الزكاة » لأنّه عليه‌السلام ما استثنى من جملة مذكورة ، و(٧) لو كان لسائمة الغنم اسم يختصّ بها من غير إضافة إلى الغنم ، لتعلّق (٨) الزكاة به. وليس كلّ شيء معناه معنى الاستثناء له حكم الاستثناء ، لأنّ للاستثناء (٩) ألفاظا موضوعة له (١٠) فما (١١) لم يدخل (١٢) فيه ، لم يكن مستثنى منه ولا يكون

__________________

(١) ج : + و.

(٢) ج : لم يتناوله.

(٣) ب وج : + لما تناوله.

(٤) ب : ـ وعلمنا ، تا اينجا.

(٥) ج : مثاله.

(٦) الف : اضرب.

(٧) ب وج : ـ و.

(٨) الف : تعلق.

(٩) ب : الاستثناء.

(١٠) ب : ـ له.

(١١) ب ، فلما.

(١٢) ب : تدخل.


الاستثناء واردا إلاّ (١) على جملة مستقلّة بنفسها ، وكلّ هذا إذا وجبت (٢) مراعاته ، لم يجز أن يجري قوله عليه‌السلام : « في سائمة الغنم الزكاة » مجرى الجمل المستثنى منها.

والجواب عن الثّالث أنّ الشّرط عندنا كالصّفة في أنّه لا يدلّ على أنّ (٣) ما عداه بخلافه ، وبمجرّد الشّرط لا يعلم ذلك ، وإنّما نعلمه (٤) في بعض المواضع بدليل منفصل ، لأنّ تأثير الشّرط أن يتعلّق الحكم به ، وليس (٥) يمتنع أن يخلفه وينوب عنه شرط آخر يجري مجراه ، ولا يخرج من أن يكون شرطا ، ألا ترى أنّ قوله تعالى ـ : ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ إنّما منع من قبول الشّاهد الواحد حتّى ينضمّ (٦) إليه الآخر ، فانضمام الثّاني إلى الأوّل شرط في القبول (٧) ثمّ يعلم (٨) أنّ ضمّ امرأتين إلى الشّاهد الأول يقوم مقام الثّاني ، ثمّ يعلم بدليل أنّ ضمّ اليمين إلى الشّاهد الواحد يقوم مقام الثّاني ، فنيابة بعض الشّروط عن (٩) بعض أكثر من أن يحصى.

__________________

(١) ج : لا.

(٢) ج : أوجبت.

(٣) ج : ـ ان.

(٤) ب وج : يعلمه.

(٥) ج : + به.

(٦) الف وج : ينظم.

(٧) ب : ـ في القبول.

(٨) الف : نعلم.

(٩) ج : من.


والصّحيح أنّ الحكم إذا علّق (١) بغاية أو عدد ، فإنّه لا يدلّ بنفسه على أنّ ما عداه بخلافه ، لأنّا إنّما نعلم أنّ ما زاد على الثّمانين في (٢) حدّ القاذف (٣) لا يجوز ، لأنّ نفى (٤) ما زاد على ذلك محظور بالعقل ، فإذا وردت العبادة بعدد مخصوص خرجنا عن الحظر بدلالة ، وبقينا فيما زاد على ذلك العدد على حكم الأصل ، وهو الحظر. وكذلك إذا قال الرّجل لغلامه : « أعط زيدا مائة درهم » فإنّا نعلم (٥) حظر الزّائد على المذكور بالأصل. ولو قال : « أعطيت فلانا مائة درهم (٦) » ، لم يدلّ لفظا ولا عقلا على أنّه لم يعطه أكثر من ذلك. فأمّا تعليق الحكم بغاية فإنّما يدلّ على ثبوته إلى تلك الغاية ، وما بعدها يعلم انتفاؤه أو إثباته بدليل. وإنّما علمنا في قوله تعالى : ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ (٧) الْأَسْوَدِ ، وقوله تعالى : ﴿ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ، وقوله ـ سبحانه (٨) : ﴿ حَتَّى يَطْهُرْنَ (٩) أنّ ما بعد الغاية بخلافها بدليل ،

__________________

(١) الف : تعلق

(٢) ج : على.

(٣) ج : الحاذف.

(٤) هكذا في النسخ لكن زيادة كلمة « نفى » غير خفي.

(٥) ب وج : فانما يعلم.

(٦) ب وج : ـ درهم.

(٧) ب : + من.

(٨) ج : تعالى.

(٩) ب : يتطهرن.


وما يعلم بدليل غير ما يدلّ اللّفظ عليه ، كما نعلم (١) أنّ ما عدا السّائمة (٢) بخلافها (٣) في الزكاة ، وإنّما علمناه (٤) بدليل.

ومن فرّق بين تعليق الحكم بصفة وبين تعليقه بغاية ليس معه (٥) إلاّ الدّعوى ، وهو كالمناقض ، لفرقه (٦) بين أمرين لا فرق بينهما.

فإذا قال (٧) : فأيّ معنى لقوله تعالى : ﴿ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ إذا كان ما بعد اللّيل يجوز أن يكون فيه الصّوم (٨).

قلنا : « وأيّ معنى لقوله عليه‌السلام : « في سائمة الغنم الزكاة » ، والمعلوفة مثلها.

فإن قيل : لا يمتنع أن يكون المصلحة في أن يعلم ثبوت الزكاة في السّائمة بهذا النّصّ ، ويعلم (٩) ثبوتها في المعلوفة بدليل آخر.

قلنا : كذلك لا يمتنع (١٠) فيما علّق (١١) بغاية حرفا بحرف (١٢).

__________________

(١) الف : يعلم.

(٢) ب : الغاية.

(٣) ب : + بدليل وما يعلم بدليل غير ما يدل اللفظ عليه.

(٤) ب : علمنا.

(٥) الف : منه.

(٦) ب : لفرقة.

(٧) الف : فان قيل ، (خ ل).

(٨) ب وج : صوم.

(٩) الف وج : نعلم.

(١٠) ج : يمنع.

(١١) ب : تعلق.

(١٢) ب : حرف ، بجاى حرفا بحرف ، ج : حرف بحرف.


والصّحيح أنّ تعليق الحكم بالصّفة لا يدلّ على أنّ (١) ما عداه بخلافه على كلّ حال ، بخلاف قول (٢) من يقول : إنّه يدلّ على ذلك إذا كان بيانا ، وإنّما قلنا (٣) ذلك ، لأنّ ما وضع له القول (٤) لا يختلف بأن يكون مبتدأ أو بيانا ، وإذا لم يدلّ تعليق الحكم بالصّفة على نفي ما عداه ، فإنّما لم (٥) يدلّ (٦) على ذلك ، لشيء يرجع إلى اللّفظ ، فهو في كلّ موضع كذلك.

والجواب عن الرّابع أنّ ما طريقه (٧) العلم لا يرجع فيه إلى أخبار الآحاد ، لا سيّما إذا كانت ضعيفة. وهذا الخبر يتضمّن أنّه ـ عليه‌السلام ـ يستغفر للكفّار ، وذلك لا يجوز ، و(٨) أكثر ما فيه أنّه عليه‌السلام عقل أنّ ما فوق السّبعين بخلاف السّبعين ، فمن أين أنّه (٩) فهم ذلك من ظاهر الخبر من غير دليل سواه ؟ !.

ولقائل أن يقول : أنّ الاستغفار لهم كان في الأصل مباحا ، فلمّا ورد النّصّ بحظر السّبعين ، بقي ما زاد عليه على الأصل.

__________________

(١) ب : ـ ان.

(٢) ب : ـ قول.

(٣) ج : قلناه.

(٤) الف : ما يقول.

(٥) ج : ـ لم.

(٦) ب : ـ تعليق الحكم ، تا اينجا.

(٧) ب وج : طريقة.

(٨) ب : ـ و.

(٩) ب : لهم.


وقد روى في هذا الخبر أنّه عليه‌السلام قال : « لو علمت أنّى إن زدت على السّبعين يغفر (١) الله لهم ، لفعلت. » ، وعلى هذه الرّواية لا شبهة في الخبر. والنّبيّ عليه‌السلام أفصح وأفطن لأغراض العرب ، من أين يجوز عليه مثل ذلك ؟ ! لأنّ معنى الآية النّهى عن الاستغفار للكفّار ، فإنّك لو أكثرت في الاستغفار للكفّار ، ما غفر الله لهم ، فعبّر عن الإكثار بالسّبعين ، ولا فرق بينها (٢) وبين ما (٣) زاد عليها ، كما تقول (٤) العرب : « لو جئتني (٥) سبعين مرّة ما جئتك (٦) » ولا فرق بين الأعداد المختلفة في هذا الغرض (٧) فكأنّه يقول : « لو جئتني (٨) كثيرا أو قليلا ما جئتك (٩) » وأيّ عدد تضمّنه لفظه ، فهو كغيره (١٠).

والجواب عن الخامس أنّه ـ أيضا (١١) ـ خبر واحد لا يحتجّ بمثله في هذا الموضع. ومع ذلك لا يدلّ على موضع الخلاف ، لأنّا لا نعلم أنّ تعجّبهما (١٢) من القصر مع زوال (١٣) الخوف (١٤) لأجل تعليق

__________________

(١) ب : على اليغفر.

(٢) ج : بينهما.

(٣) ج : من.

(٤) ج : يقول.

(٥) ب : حييتني.

(٦) ب : حيتك.

(٧) ب : الفروض.

(٨) ب : حييتني.

(٩) ب : حييتك.

(١٠) ج : لغيره.

(١١) ب : أيضا انه.

(١٢) ب : تعجيبهما.

(١٣) ج : الزوال.

(١٤) ب : الخرف ، ب وج : + هو.


القصر بالخوف (١) ويجوز أن يكون تعجّبهما لأنّهما عقلا من الآيات الواردات في إيجاب الصّلاة (٢) وجوب الإتمام في كلّ حال ، واعتقدا (٣) أنّ المستثنى من ذلك هو حال الخوف ، فتعجّبا لهذا (٤) الوجه.

والجواب عن السّادس أنّه إذا صحّ قولهم : « إنّ الماء من الماء منسوخ » ، من أين لهم (٥) أنّهم عقلوا من ظاهره نفي وجوب الغسل من غير الماء ؟ ، ولعلّهم عملوه بدليل سوى اللّفظ ، لأنّهم إذا حكموا بأنّه منسوخ ، فلا بدّ من أن يكونوا قد فهموا أنّ ما عداه بخلافه ، فمن أين أنّهم فهموا ذلك باللّفظ دون دليل آخر ؟.

وقد روى (٦) هذا الخبر بلفظ آخر ، وهو « إنّما الماء من الماء » و(٧) بدخول (٨) لفظة « إنّما » يعلم (٩) أنّ (١٠) ما عداه بخلافه ، لأنّ القائل إذا قال : « إنّما لك عندي درهم » يفهم من قوله « وليس لك سواه ». وعلى هذا الوجه تعلّق ابن عبّاس ـ رحمه‌الله ـ في نفي الرّبا عن غير النّسيئة ، لقوله (١١) ـ عليه‌السلام : « إنّما الرّبا في النّسيئة ».

__________________

(١) ب : بالحرف.

(٢) الف وب : + و.

(٣) ب : اعتقدوا : ج : اعتقد.

(٤) ج : بهذا.

(٥) ب وج : ـ لهم.

(٦) ب : ورد.

(٧) ب وج : ـ و.

(٨) الف : مدخول.

(٩) ب : فيعلم.

(١٠) الف : ـ ان.

(١١) ب : بقوله.


وقد روى هذا الخبر بلفظ آخر ، وهو أنّه عليه‌السلام قال : « لا ماء إلاّ من الماء » ، وعلى هذا اللّفظ (١) لا شبهة في الخبر. إنّ الصّحابة لم تبيّن جهة قولها (٢) في هذا الخبر (٣) أنّه منسوخ ، وهل النّسخ يتناوله (٤) أو دليله ، أو ما علم منه بقرينة ، وقد علمنا أنّ المذكور من الحكم في اللّفظ وهو وجوب الغسل بالماء من إنزال الماء ليس بمنسوخ ، فمن أين أنّ النّسخ تناول دليل اللّفظ دون ما علم بقرينة ؟

وليس لهم أن يقولوا : « (٥) المراد بذلك الاقتصار (٦) من الماء على الماء » ، لأنّهم ليسوا بأولى منّا أن نقول : « (٧) المراد به أنّ التّوضّؤ (٨) من الماء منسوخ بوجوب الاغتسال منه (٩) » فقد (١٠) روى أنّهم كانوا يتوضّئون (١١) من التقاء الختانين (١٢) فأوجب (١٣) عليه‌السلام الغسل في ذلك.

والجواب عن السّابع أنّ آية التّيمّم ، وآية الكفّارات بيّن

__________________

(١) ب : ـ اللفظ.

(٢) ج : قولنا.

(٣) ب : ـ ان الصحابة ، تا اينجا.

(٤) ب وج : تناوله.

(٥) الف : + ان.

(٦) الف : الاقتضاء ، ج : الاختصار.

(٧) الف : + ان.

(٨) الف : الوضوء ، ج : توضؤا.

(٩) ب وج : ـ منه.

(١٠) الف : ـ فقد.

(١١) ب وج : يتوضون.

(١٢) ب : الختارنين ، ج : الخطانين.

(١٣) ب : وأوجب.


فيهما (١) حكم الأصل وحكم البدل ، لأنّه تعالى أوجب الطّهارة عند وجود الماء ، وأوجب (٢) التّيمّم عند عدمه. وكذلك في (٣) الكفّارة لأنّه أوجب الرّقبة في الأصل ، وعند عدمها (٤) أوجب الصّيام ، فعلمنا حكم البدل والمبدل جميعا بالنّصّ ، وليس (٥) لدليل الخطاب في هذا مدخل.

باب الكلام في (٦) النّسخ وما يتعلّق (٧) به

فصل في حدّ النّسخ ومهمّ أحكامه

اعلم أنّه لا حاجة بناء إلى بيان معنى النّسخ في أصل اللّغة ، ففي ذلك خلاف (٨) لا فائدة في بيان الصّحيح منه ، والمحتاج إليه بيان حدّه في الشّرع ، وعلى مقتضى الأدلّة الشّرعيّة.

__________________

(١) ب : فيها.

(٢) الف : ـ عليه‌السلام الغسل ، تا اينجا.

(٣) ب : ـ في.

(٤) الف : + و.

(٥) ج : ـ وليس.

(٦) الف : ـ الكلام في.

(٧) الف : تعلق.

(٨) ب وج : اختلاف.


والدّليل الموصوف بأنّه ناسخ (١) هو ما دلّ على أنّ مثل الحكم الثّابت بالنّصّ الأوّل غير ثابت في المستقبل ، على وجه لولاه لكان ثابتا بالنّصّ الأوّل مع تراخيه عنه.

والّذي يجب العلم به (٢) وتقريره في النّفس المعاني الّتي يبتنى حدّ النّسخ عليها ، ثمّ تكون (٣) العبارة بحسب (٤) ما تقرّر من المعاني.

والتّكليف على ضربين : أحدهما مستمرّ ، والآخر لا يستمرّ. فما لا يستمرّ لا يدخل النّسخ فيه (٥). والمستمرّ على ضربين : أحدهما أن يكون الطّريق (٦) الّذي به (٧) يعلم ثباته (٨) واستمراره به يعلم (٩) زواله عند غاية ، ولا مدخل للنّسخ في ذلك. والضّرب الثّاني يعلم بالنّصّ أو بقرائنه استمراره ، ويحتاج في معرفة زواله إلى أمر سواه ، وذلك على ضربين : أحدهما أن يكون ما علم زواله به يعلم عقلا كالعجز والتّعذّر ، ولا مدخل للنّسخ ـ أيضا ـ (١٠) في ذلك. والقسم الآخر يعلم زواله بدليل شرعيّ ، والنّسخ يدخل في هذا الوجه خاصّة (١١).

__________________

(١) ب : + و.

(٢) ب : ـ به.

(٣) ب وج : يكون.

(٤) ج : يجب.

(٥) الف : فيه النسخ.

(٦) ب وج : ـ الطريق.

(٧) ب : ـ به.

(٨) الف : بيانه.

(٩) الف : نعلم.

(١٠) ب : أيضا للنسخ.

(١١) ج : حاجته.


وإذا تحصّلت هذه الجملة ، فالواجب في العبارة أن تقع بحسبها ، فلك (١) أن تحدّ (٢) النّسخ بأنّه (٣) ما دلّ على تغيير (٤) طريقة الحكم الثّابت بالنّصّ الأوّل في باب الاستمرار ، لأنّ ذكر الطّريقة في الحدّ يبيّن (٥) أنّ التّغيير (٦) لم (٧) يلحق (٨) نفس المراد ، وإنّما يلحق الإيجاب ، وكان الدّليل (٩) الثّاني كشف (١٠) عن تغيّر (١١) الإيجاب.

والدّليل على الحقيقة هو الموصوف بأنّه ناسخ ، وإذا وصفوه ـ تعالى ـ بأنّه ناسخ للأحكام ، فمن حيث فعل تعالى ما هو نسخ. وإذا قيل في الحكم أنّه ناسخ ، فمن حيث كان دليلا ، ولذلك (١٢) لا يكون نسخا (١٣) إلاّ (١٤) مع المضادّة. فأمّا المنسوخ ، فهو الدّليل الّذي تغيّر حكمه بالدّليل النّاسخ. وقد يوصف ـ أيضا ـ الحكم (١٥) بذلك ، لأنّه المقصود بالدّلالة. ولأنّه هو الّذي يتغيّر.

__________________

(١) الف : ولك ، ج : ذلك.

(٢) ج : يحد.

(٣) ج : بان.

(٤) ج : تعين ، ب : تغير.

(٥) الف : الحدين.

(٦) الف وب : التعبير.

(٧) الف : ـ لم.

(٨) ج : + في.

(٩) ب : فكالدليل.

(١٠) ج : كشفا.

(١١) ب : تغيير.

(١٢) الف : كذلك.

(١٣) الف : ـ نسخا.

(١٤) ج : إذا.

(١٥) ج : الحكيم.


واعلم أنّ النّاسخ والمنسوخ (١) يجب أن يكونا شرعيّين ، ولا يكونا عقليّين ، ولا أحدهما ، لأنّه لا يقال : « (٢) تحريم الخمر نسخ إباحتها » ولا : « أنّ (٣) الموت نسخ عن المكلّف ما كان تكلّفه (٤) » (٥) لما كانت هذه الأحكام عقليّة (٦).

ومن حقّ النّاسخ أن يكون المراد به غير المراد بالمنسوخ (٧) وسيأتي بيان ذلك فيما بعد (٨) بمشيّة الله تعالى.

ومن حقّه أن يكون منفصلا عن (٩) المنسوخ. ولا يوصف بهذه الصّفة مع الاتّصال ، ولا خلاف في ذلك.

ومن شرطه أن لا (١٠) يكون موقّتا بغاية يقتضى ارتفاع ذلك الحكم.

والموقّت بغاية على ضربين : أحدهما أن يعلم باللّفظ من غير حاجة إلى غيره ، كقوله تعالى : ﴿ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ والضّرب الآخر أن تعلم (١١) الغاية على سبيل الجملة ، ويحتاج في تفصيلها إلى دليل سمعيّ ، نحو قوله تعالى (١٢) : دوموا (١٣) على هذا (١٤) الفعل

__________________

(١) ب وج : + معا.

(٢) ب : + ان.

(٣) ب : لأن.

(٤) الف وب : كلفه.

(٥) ج : + و.

(٦) الف : العقلية.

(٧) الف : بالناسخ.

(٨) الف : ـ فيما بعد.

(٩) الف وج : من.

(١٠) ب : ـ لا.

(١١) ج : يعلم.

(١٢) ليس القول من كلامه تعالى فالظاهر ان كلمة « تعالى » من اشتباه الناسخ.

(١٣) الف : وداوموا.

(١٤) ج : هذه.


إلى أن أنسخه عنكم (١) » والدّليل الشّرعيّ الوارد بزوال الحكم (٢) يوصف (٣) بأنّه ناسخ.

ومن شرط النّسخ أن يكون في الأحكام الشّرعيّة ، دون أجناس الأفعال.

وينقسم إلى ثلاثة أقسام : أحدها (٤) أن يزول الحكم لا إلى بدل والثّاني أن يزول إلى بدل يضادّه ، ويكون نسخا (٥). والثّالث أن يزول إلى بدل يخالفه.

فأمّا زواله لا إلى بدل ، فإنّما يكون نسخا ، لأنّه علم به أنّ (٦) مثل الحكم الثّابت بالنّصّ المتقدّم مرتفع في المستقبل. ولأنّه إذا زال (٧) إلى بدل ، فالّذي أوجب كونه منسوخا زواله لا ثبوت البدل ، لأنّه إن ثبت من دون زوال الأوّل ، لم يكن نسخا (٨). ومن حقّ هذا الضّرب أن لا (٩) يعلم نسخه إلاّ بدليل دون الأحكام.

فأمّا ما يرتفع إلى بدل مخالف ، فمن حقّه ـ أيضا ـ أن لا (١٠)

__________________

(١) الف : يأتيكم.

(٢) ب : ـ الحكم.

(٣) ب : الوصف.

(٤) ج : أحدهما.

(٥) الف : ناسخا.

(٦) ب : ـ به ان.

(٧) ج : ـ زال.

(٨) ب : ناسخا.

(٩) الف : ـ لا.

(١٠) ج : ـ لا.


يعلم إلاّ بدليل سوى الحكم ، لأنّ الحكم إذا لم ينافه (١) لم يعلم به كونه منسوخا ، ومثاله ما روى في وجوب صوم (٢) شهر رمضان أنّه نسخ وجوب صوم (٣) عاشوراء ، وأنّ الزكاة نسخ وجوبها سائر الحقوق. ومتى قيل فيما هذه حاله : « إنّ (٤) كذا نسخ بكذا » فمجاز (٥) والمراد به أنّ عنده (٦) علم نسخ (٧) الأوّل.

وأمّا النّسخ بحكم يضادّه ، فقد يقع بثبوت (٨) الحكم ، وقد يقع ـ أيضا ـ بدليل ، وإنّما كان (٩) كذلك ، لأنّ تضادّ الحكمين دليل على زوال أحدهما بالآخر من حيث علم أنّهما لا يصحّ أن يجتمعا في التّكليف. ولا شبهة في أنّ الحظر يضادّ الإباحة والنّدب (١٠) و(١١) الوجوب ـ أيضا ـ في حكم الضّدّ للنّدب والإباحة ، لأنّ كونه مباحا يقتضى نفي ما له يكون ندبا وواجبا (١٢) وكونه ندبا يقتضى نفي ما يكون له (١٣) واجبا (١٤).

__________________

(١) ب وج : ينافيه.

(٢) ب : ـ صوم.

(٣) الف : ـ صوم.

(٤) ب : + يكون.

(٥) ب : فمحال.

(٦) الف : عدم ، بجاى ان عنده.

(٧) ب : ـ نسخ.

(٨) الف : ثبوت.

(٩) الف : ـ كان.

(١٠) ج : + والوجوب.

(١١) ب : ـ و.

(١٢) ب : ـ وواجبا.

(١٣) ج : ـ له.

(١٤) ب : واحدا.


ومن شرط النّاسخ أن يكون في وقوع العلم به كالمنسوخ وسيأتي بيان ذلك في إبطال النّسخ بخبر الواحد بمشيّة الله تعالى.

وليس من شرط النّاسخ أن يكون لفظ (١) المنسوخ ، متناولا له ، لأنّه لا فرق بين أن يعلم استمرار الحكم بظاهر الخطاب ، أو يعلم ذلك بقرينة.

وليس من شرطه أن لا (٢) يتأخّر عن المنسوخ ، كما قلنا في تخصيص العامّ ، وبيان المجمل ، عند من ذهب إلى ذلك ، بل النّاسخ يجب تأخّره كما صرّحنا به في حدّه.

وليس من شرط النّسخ التّنبيه في حال الخطاب (٣) في الجملة عليه ، على ما ظنّه بعضهم ، وذلك أنّه لا وجه لوجوب (٤) ذلك ، بل هو موقوف على المصلحة ، فربّما اقتضته ، وربما لم تقتضه (٥).

وليس من شرطه (٦) أن لا (٧) يكون اللّفظ مقتضيا للتّأبيد ، ففي النّاس من ذهب إلى أنّه تعالى لو قال : « افعلوا الصّلاة (٨) أبدا » ، ما جاز النّسخ ، وإنّما يجوز (٩) مع الإطلاق. وهذا باطل ، لأنّ

__________________

(١) ب : ـ لفظ.

(٢) الف : ـ لا ، ج : الا ان.

(٣) ب : ـ الخطاب.

(٤) ج : للوجوب.

(٥) ب وج : يقتضه.

(٦) ج : + الا.

(٧) ج : ـ لا.

(٨) ج : افعلوها الصفة.

(٩) الف : + النسخ.


لفظة (١) التّأبيد في التّعارف يقتضى التّوقيت ، كقول القائل : « لازم الغريم أبدا » و « تعلّم العلم أبدا » وقد ثبت أنّ التّكليف منقطع ، وأنّ (٢) انقطاعه متوقّع من وجوه ، فكيف يمنع هذا اللّفظ من النّسخ ولو منع من ذلك ، لمنع من العجز ، ووجوه التّعذّر.

وليس من شرط النّسخ أن (٣) يقع (٤) بما هو أخفّ في (٥) التّكليف على ما ذهب إليه بعض أهل الظّاهر ، وذلك أنّ التّكليف على سبيل الابتداء ، و(٦) على جهة النّسخ إنّما هو تابع (٧) للمصلحة ، وقد تتّفق (٨) المصلحة في الأشقّ والأخفّ معا ، وفي الأشقّ من زيادة التّعريض (٩) للثّواب ما ليس في الأخفّ. والشّبهة في هذا (١٠) ضعيفة جدّاً. وقد ذكر من وقوع النّسخ في القرآن بما (١١) هو أشقّ منه ما فيه كفاية ، وهو معروف (١٢)

__________________

(١) الف : لفظ.

(٢) ج : ـ ان.

(٣) ب : + لا.

(٤) ب : + الا.

(٥) الف : من.

(٦) ج : أو.

(٧) الف : مانع.

(٨) ب وج : يتفق.

(٩) ب : التعرض.

(١٠) الف : ـ في هذا.

(١١) الف : لما.

(١٢) ب : معرف.


فصل في الفرق (١) بين البداء والنّسخ (٢) والتّخصيص

اعلم أنّ البداء في وضع اللّغة هو الظّهور ، وإنّما يقال : « بدا لفلان في كذا » إذا ظهر له من علم أو ظنّ ما لم يكن ظاهرا (٣).

وللبداء شرائط ، وهي أربعة : أن يكون الفعل المأمور به واحدا ، والمكلّف واحدا ، والوجه كذلك ، والوقت كذلك ، فما اختصّ بهذه (٤) الوجوه الأربعة من أمر بعد نهى ، أو نهى بعد أمر ، اقتضى البداء.

وإنّما قلنا : إنّ (٥) ذلك يدلّ على البداء ، لأنّه لا وجه له إلاّ تغيّر حال المكلّف في العلم أو الظّنّ ، لأنّه لو كانت حاله على ما كانت (٦) عليه ، لما أمر بنفس (٧) ما نهى عنه ، أو نهى عن نفس ما أمر به مع باقي الشّرائط ، وكان أبو هاشم يمنع في الله تعالى أن يأمر بما نهى عنه مع باقي الشّرائط لوجهين : أحدهما أنّه (٨) دلالة البداء ، والآخر أنّه (٩) يقتضى إضافة قبيح إليه تعالى إمّا الأمر (١٠) أو النّهى ، وهو

__________________

(١) ج : الفصل.

(٢) ب وج : النسخ والبداء.

(٣) ج : ظاهر.

(٤) ب : هذه.

(٥) الف : ـ ان.

(٦) ب : كان.

(٧) ج : بنفسه.

(٨) ب وج : لأنه.

(٩) ب وج : لأنه.

(١٠) ب وج : للأمر.


أحد قولي أبي عليّ. والقول الآخر له أنّه (١) يمنع من وقوعه منه ـ تعالى ـ للوجه الأخير الّذي ذكرناه ، من اقتضائه إضافة قبيح إليه تعالى ، لأنّ البداء لا يتصوّر (٢) فيمن (٣) هو عالم بنفسه (٤).

والأولى أن يمنع منه للوجهين ، لأنّ ما من شأنه أن يدلّ على أمر من الأمور ألاّ (٥) يختاره القديم تعالى مع فقد مدلوله (٦) لأنّ ذلك يجري مجرى فعل (٧) قبيح ، ألا ترى أنّ فعله تعالى ما يطابق (٨) اقتراح الطّالب (٩) لتصديقه ، لمّا كان دلالة التّصديق ، لم يجز أن يفعله من (١٠) الكذّاب (١١) لأنّه يدلّ على خلاف ما الحال عليه.

والنّسخ إنّما يخالف البداء بتغاير (١٢) الفعلين ، فإنّ فعل المأمور به غير المنهيّ عنه. وإذا تغاير الفعلان ، فلا بدّ من تغاير الوقتين. فكان النّسخ يخالف البداء بتغاير الفعلين والوقتين.

__________________

(١) ب : ان.

(٢) ب : البداه لا يتور.

(٣) الف : فيما.

(٤) ب وج : لنفسه.

(٥) العبارة لا تخلو من زيادة أو نقصان : فاما ان يكون « ان » في « الا » زائدا ، أو يكون فعل من قبيل « يجب » قبل « الا » ساقطا.

(٦) الف : حلوله.

(٧) ب وج : + كل.

(٨) ب : يطالب.

(٩) ب : المطالب.

(١٠) ج : مع.

(١١) ب : الكذب.

(١٢) الف : ببقاء.


وأمّا (١) الفرق بين النّسخ والتّخصيص ، فقد مضى فيما تقدّم ، فلا وجه لإعادته.

فصل فيما يصحّ فيه معنى النّسخ من أفعال المكلّف

اعلم (٢) أنّ معنى النّسخ إنّما يصحّ دخوله في حكم مستمرّ ، لأنّ ما لا (٣) يستمّر لا يدخل فيه معنى النّسخ ، ولا النّسخ (٤) نفسه.

ولا بدّ ـ أيضا ـ أن يكون ممّا يصحّ تغيّره (٥) بعد استمراره ، لأنّه متى كان ممّا يستمرّ على حالة واحدة ، لم يصحّ دخول النّسخ ولا معناه (٦) فيه.

ويختصّ النّسخ نفسه (٧) بأن يكون الحكم المستمرّ ثابتا بالشّرع (٨) وكذلك زواله متى زال.

وما يجب استمراره على وجه واحد من الأفعال ينقسم إلى قسمين : أحدهما أن يكون وجب (٩) استمراره لصفة هو عليها ، كوجوب الإنصاف ،

__________________

(١) ب وج : فاما.

(٢) ب : ـ اعلم.

(٣) الف وج : لم.

(٤) الف وب : + في.

(٥) ج : تغير.

(٦) ج : معنى.

(٧) الف : ـ نفسه.

(٨) ب وج : في الشرع.

(٩) ب : وجه.


وقبح الكذب ، والجهل. والقسم الآخر لا يجوز تغيّره (١) من حيث كان كونه لطفا لا يتغيّر ، كالمعرفة بالله تعالى وعدله وتوحيده ، والّذي يجوز تغيّره من الأفعال نحو الضّرر والنّفع والقيام والقعود ووجوه التّصرّف ـ لأنّه قد يحسن تارة ، ويقبح أخرى ـ فمعنى النّسخ يجوز دخوله فيه.

فأمّا نفس النّسخ ، فإنّما يدخل فيما تقدّم ذكره فيما (٢) ثبت (٣) حكمه شرعا ويزول ـ أيضا ـ كذلك.

فصل فيما يحسن من (٤) النّهي بعد الأمر (٥) والأمر بعد النّهي

اعلم أنّ الأمر والنّهى لا يخلو من أن يكون متناولهما واحدا ، أو متغايرا :

فإن كان واحدا ، فلن يحسنا إلاّ على وجه واحد ، وهو أن يأمر بالفعل على وجه ، وينهى عنه على وجه آخر ، وربما كانت وجوهه كثيرة يصحّ أن ينهى عن إيقاعه على بعضها ، أو يأمر (٦) بذلك

__________________

(١) ب وج : تغييره.

(٢) الف : فما.

(٣) ب : تثبت.

(٤) الف : فيه ، بجاى من.

(٥) الف : ـ بعد الأمر.

(٦) ب : يومر.


فأمّا إذا تغاير المتناول ، فهو على قسمين : أحدهما أن يكون المكلّف ـ أيضا ـ متغايرا ، فيحسن الأمر بأحدهما ، والنّهى عن الآخر على كلّ وجه ، إذا قبح أحدهما ، وحسن الآخر. والقسم الثّاني أن يكون المكلّف واحدا ، وينقسم إلى قسمين : أحدهما أن لا يتميّز له (١) أحد الفعلين من الآخر ، بأن تكون (٢) الصّورة واحدة ، والوجه واحدا ، فلا يجوز أن يأمره تعالى بأحدهما ، وينهاه عن الآخر مع فقد التّمييز ، فأمّا إذا تميّز له أحدهما من الآخر ، حسن الأمر والنّهى بحسب الحسن والقبح.

فصل في الدّلالة (٣) على جواز نسخ (٤) الشّرائع

اعلم أنّه لا خلاف بين المسلمين في هذه المسألة ، وإنّما الخلاف فيها مع اليهود. ولا معنى للكلام على اليهود في أبواب أصول الفقه ، وقد تكلّمنا عليهم في كتابنا المعروف بالذّخيرة وغيره بما فيه كفاية. ومن شذّ من جملة المسلمين فخالف (٥) في هذه المسألة ،

__________________

(١) ب : ـ له.

(٢) ب وج : يكون.

(٣) الف : ـ في الدلالة.

(٤) ج : النسخ.

(٥) الف : ـ فخالف.


فإنّما خلافه يرجع إلى عبارة ، ولا مضايقة في العبارات مع سلامة المعاني. وقد ورد في الشّرع من نسخ القبلة بالقبلة والعدّة بالعدّة ما هو واضح. وإذا كان الشّرع تابعا للمصلحة فلا بدّ مع تغيّرها (١) من النّسخ.

فصل في دخول (٢) النّسخ في الاخبار

اعلم أنّ النّسخ إذا دخل في الأمر والنّهى ، فإنّما (٣) هو على (٤) الحقيقة داخل على مقتضاهما ، ومتناولهما ، لا عليهما أنفسهما ، والخبر في هذا الحكم كالأمر والنّهى ، لأنّ مقتضاه كمقتضاهما. وإذا كان جواز النّسخ في فعل المكلّف إنّما يصحّ (٥) لأمر يرجع إلى تغيّر (٦) أحوال الفعل في المصلحة ، لا (٧) لأمر يرجع إلى صفة الدّليل ، فلا فرق ـ إذا تغيّرت المصلحة ـ بين أن يدلّ على ذلك من حالها بما هو خبر ، أو أمر ، أو نهى ، وقد بيّنّا أنّ قول القائل :

__________________

(١) ب : تغييرها.

(٢) ب : ـ دخول.

(٣) ب : وانما.

(٤) ب : في.

(٥) الف : صح.

(٦) ب : تغيير.

(٧) ج : ـ لا.


« افعل » كقوله : « أريد منك أن تفعل » ، وأنّ قوله : « لا تفعل » بمنزلة قوله : « إنّي أكره أن تفعل » ، وهذه الجملة تقتضي (١) جواز دخول النّسخ في مقتضى الأخبار ، كما دخلت في مقتضى الأمر والنّهى.

وإذا (٢) قيل : إنّ الخبر متى دخله النّسخ ، اقتضى تجويز (٣) الكذب.

قلنا : والأمر متى دخله النّسخ ، أوجب البداء.

فإذا قيل : إنّ النّسخ لا يتناول عين (٤) ما أريد بالأمر.

قلنا مثل ذلك في الخبر (٥).

وإنّما قال المتكلّمون قديما أنّ النّسخ لا يدخل في الأخبار ، وأرادوا الخبر عمّا كان ، ويكون ، ممّا لا يتعلّق بالتّكليف. ولا شبهة في جواز أن يدلّ الله تعالى على جميع الأحكام الشّرعيّة بالأخبار. ومعلوم أنّ النّسخ ـ لو كان الأمر على ما قدّرناه (٦) ـ متأتّ في الشّريعة. فوضح أنّ الأمر على ما ذكرناه.

فأمّا دخول معنى النّسخ في نفس الأخبار ، فجائز ، لأنّه لا خبر

__________________

(١) ب وج : يقتضى.

(٢) الف : فإذا.

(٣) ب : ـ تجويز.

(٤) ب : غير.

(٥) الف : الأمر ، بجاى الخبر.

(٦) ب : قررناه.


كلّفنا الله(١) تعالى أن نفعله إلاّ ويجوز أن يزيل عنّا التّكليف في أمثاله ، حتّى الخبر عن التّوحيد، ألا ترى أنّ الجنب قد منع من قراءة القرآن، وقد(٢) كان يجوز مثله في الشّهادتين. وكون هذا الخبر صدقا لا يمنع من إزالة التّعبّد به إذا عرض في ذلك أن يكون(٣) مفسدة.

فإن قيل : أ تجيزون مثل ذلك في العلم والاعتقاد.

قلنا : أمّا العلم الّذي علمنا وجوبه لكونه مصلحة لا يتغيّر ، كالمعرفة بالله تعالى ، فلا يجوز فيه النّسخ ، لامتناع (٤) تغيّر حاله في وجه الوجوب.

وأمّا العلم بغيره ، فيجوز أن يكون مفسدة ، وذلك وجه قبح ، فيجوز دخول (٥) النّسخ فيه (٦).

فصل في جواز نسخ الحكم دون التّلاوة

ونسخ التّلاوة دونه

اعلم أنّ الحكم والتّلاوة عبادتان (٧) يتبعان المصلحة ، فجائز

__________________

(١) ج : ـ الله.

(٢) الف : ـ قد.

(٣) ب : تكون.

(٤) ج : فلامتناع.

(٥) ب وج : فدخول ، (بدون يجوز).

(٦) ب وج : + جائز.

(٧) الف : عباداتان.


دخول (١) النّسخ فيهما معا ، وفي كلّ واحدة دون الأخرى ، بحسب (٢) ما تقتضيه (٣) المصلحة. ومثال نسخ الحكم دون التّلاوة نسخ الاعتداد بالحول ، وتقديم الصّدقة أمام المناجاة. ومثال نسخ التّلاوة دون الحكم غير مقطوع به ، لأنّه من جهة خبر الآحاد ، وهو ما روى أنّ (٤) من جملة القرآن « والشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة » فنسخت تلاوة ذلك. ومثال (٥) نسخ الحكم والتّلاوة معا موجود ـ أيضا ـ في أخبار الآحاد ، وهو ما روى عن عائشة أنّها قالت : « كان فيما أنزل الله ـ سبحانه ـ « عشر رضعات يحرّمن » فنسخ (٦) بخمس ، وأنّ ذلك كان (٧) يتلى ».

فصل في جواز نسخ العبادة قبل فعلها

اعلم أنّ الشّبهة في هذه المسألة كالمرتفعة ، وإنّما المشتبه (٨) المسألة الّتي تلي هذا الفصل ، ولا بدّ (٩) من بيان الحقّ فيما

__________________

(١) ج : ـ دخول.

(٢) ج : يجب.

(٣) ب وج : يقتضيه.

(٤) ب : ـ ان.

(٥) ج : فمثال.

(٦) ج : فنسخن.

(٧) ب : ـ كان.

(٨) الف : الشبهة.

(٩) ج : فلا بد.


يشتبه (١) ولا يشتبه (٢).

والصّحيح أنّ نسخ الشّيء قبل فعله وبعد مضيّ وقته جائز ، لأنّ الله تعالى قد يحسن أن يأمر بالفعل من يعصيه ، كما يحسن أن يأمر من يطيعه ، وإذا كان لو أمر من أطاع (٣) لجاز النّسخ بلا خلاف ، فكذلك (٤) أمر من يعصى (٥) لأنّ بالطّاعة أو المعصية لا يتغيّر حسن (٦) النّسخ التّابع لتعريف المصالح في المستقبل.

وـ أيضا ـ فقد دللنا على أنّ الشّرائع لازمة للكفّار ، فالنّسخ قد تناولهم (٧) وإن عصوا ولم يفعلوا ، وإذا (٨) جاز ذلك فيهم (٩) جاز في غيرهم.

فصل في أنّه لا يجوز نسخ (١٠) الشّيء

قبل وقت فعله

اختلف النّاس في ذلك : فذهب قوم من المتكلّمين ومن

__________________

(١) الف : تشتبه.

(٢) الف : شبهه ، ب : ـ ولا يشتبه.

(٣) ب وج : فأطاع ، بجاى « من أطاع ».

(٤) ب وج : + إذا.

(٥) ب وج : فعصى.

(٦) ج : من ، بجاى حسن.

(٧) ج : يتناولهم.

(٨) ب : فإذا.

(٩) ج : فهم.

(١٠) ج : النسخ.


أصحاب الشّافعيّ إلى أنّه جائز (١) أن تنسخ (٢) العبادة قبل وقت فعلها ، وذهب أكثر المتكلّمين وأصحاب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشّافعيّ إلى أنّه غير جائز ، وهو الصّحيح.

والّذي يدلّ عليه وجهان : أحدهما أنّه يقتضى البداء (٣) لأنّ شروط البداء (٤) الّتي (٥) تقدّم ذكرها حاصلة هاهنا. والوجه الآخر أنّ ذلك يقتضى إضافة قبيح إلى الله تعالى إمّا الأمر أو النّهى ، لأنّ الفعل لا يخلو من أن يكون قبيحا ، فالأمر به قبيح ، أو حسنا ، فيكون النّهى عنه قبيحا.

وليس يمكنهم (٦) أن يقولوا : أنّ المكلّف ليس بواحد ، ولا الوقت ، لأنّه إبطال للمسألة ، من حيث كان الخلاف في هل يجوز أن ينسخ عن كلّ (٧) مكلّف بعينه ما أمر (٨) به في وقت بعينه بالنّهي قبل حضور الوقت ، فعدلوا عن ذلك إلى الشّرطين الأخيرين (٩) إمّا كون الفعل (١٠) واحدا ، أو كون الوجه أو الشّرط واحدا.

__________________

(١) الف : جاز.

(٢) الف : ينسخ.

(٣) ب : البدأة.

(٤) ب : ـ لأن شروط البداء.

(٥) ب : الّذي.

(٦) ب وج : لهم ، بجاى يمكنهم.

(٧) ب وج : ـ كل.

(٨) ب : امره.

(٩) ب : الآخرين.

(١٠) ج : النفل.


و(١) تغير الفعل لا يمكن فيه (٢) إلاّ وجوه ثلاثة : أحدها أنّ النّهى متناول للفعل ، والأمر الأوّل يتناول (٣) الاعتقاد (٤). وثانيها أنّ النّهى تناول مثل الفعل الّذي تناوله الأمر الأوّل. وثالثها أن يتناول (٥) الثّاني خلاف ما تناوله الأوّل (٦). لأنّه لا يمكنه أن يقول : يتناول (٧) ضدّ ما تناوله الأوّل ، لأنّه يوجب أنّه تعالى لم يكن ناهيا عن ضدّ ما يوجبه ويلزمه ، وصار الآن ناهيا عنه ، وضدّ الواجب لا يجوز أن يتغيّر ، فلا مدخل لذلك (٨) في النّسخ.

والّذي يبطل أن يكون النّهى (٩) تناول مثل ما تناوله الأمر أنّ الفعلين إذا اختصّا بوقت واحد (١٠) والوجه واحد (١١) لم يجز أن يكون أحدهما مصلحة والآخر مفسدة ، والأمر الأوّل يجمعهما ، فكذلك (١٢) النّهى الثّاني. ولأنّ التّمييز بينهما غير ممكن ، فلا يجوز أن يتناول التّكليف أحدهما دون الآخر.

__________________

(١) الف : إذ ، بجاى و.

(٢) الف : ـ فيه.

(٣) ب وج : تناول.

(٤) الف : الاعتداد.

(٥) الف : تناول.

(٦) ج : الأولى.

(٧) ب : تتناول ، ج : تناول.

(٨) ج : كذلك.

(٩) ب : للنهي.

(١٠) ج : واحدة.

(١١) الف : ـ والوجه واحد.

(١٢) ب وج : وكذلك.


وأمّا الاعتقاد فإنّهم يقولون : إنّه تعالى (١) أمر بالفعل الأوّل وأراد الاعتقاد ، وتناول النّهى الّذي (٢) بعده (٣) نفس الفعل.

والجواب عنه أنّ لفظ الأمر تناول الفعل ، فكيف نحمله على الاعتقاد ، ونعدل عن الظّاهر.

وهذا لو صحّ لسقط (٤) الخلاف في المسألة ، لأنّه أمر (٥) بشيء ، ونهى عن غيره ، والخلاف إنّما هو في أن ينهى عن نفس ما أمر به.

ثمّ هذا الاعتقاد لا يخلو من أن يكون اعتقادا لوجوب (٦) الفعل ، أو لأنّا نفعله (٧) لا محالة : فإن كان اعتقادا لوجوبه ، فذلك يقتضى وجوب الفعل (٨) ويقبح النّهى عنه. وإن كان اعتقادا لأنّ المكلّف يفعله لا محالة ، فذلك محال ، لأنّ المكلّف (٩) يجوّز الاخترام (١٠) والمنع.

فإن قيل : هو أمر باعتقاد وجوب الفعل بشرط استمرار حكم الأمر (١١) أو بأن لا يرد (١٢) النّهى.

__________________

(١) الف : ـ تعالى.

(٢) ب وج : ـ الّذي.

(٣) ب : بعد.

(٤) الف : سقط.

(٥) ب : الأمر ، بجاى لأنه امر.

(٦) ج : لوجود.

(٧) ج : نفعل.

(٨) ب : أولانا ، تا اينجا.

(٩) ب : ـ يفعله ، تا اينجا.

(١٠) ج : الاحترام.

(١١) الف : الا.

(١٢) ج : الأمر ، بجاى لا يرد.


قلنا : هذا الاشتراط يمكن أن يقال في نفس الفعل ، ولا يحتاج إلى ذكر الاعتقاد.

وبعد ، فإنّ الاعتقاد تابع للفعل : فإن وجب الفعل مطلقا ، كان الاعتقاد كذلك ، وإن كان مشروطا ، فالاعتقاد (١) مثله ، لأنّه تابع له (٢) والشّرط المذكور إن دخل في الاعتقاد ، فلا بدّ من دخوله في الفعل نفسه.

والّذي يفسد أن يكون لهذا الشّرط تأثير أنّ بقاء الأمر وانتفاء النّهى لا يكون وجها في قبح الفعل ولا حسنه ، ولا يؤثران في وقوعه على وجه يقتضى مصلحة أو مفسدة ، ولا يجري ذلك مجرى ما نقوله : من أنّ الله تعالى قد (٣) أمر بالصّلاة في وقت مخصوص على جهة العبادة له ، ونهى عنها في ذلك الوقت على جهة العبادة لغيره ، لأنّ هذين الوجهين معقولان ، ولهما تأثير في الحسن والقبح ، وليس كذلك بقاء الأمر وانتفاء النّهى ، لأنّ الفعل لا يحسن بالأمر ، ولا يقبح بالنّهي ، ولا لهما تأثير في الوجوه الّتي يقع عليها.

ويمكن أن يعترض (٤) هذا الكلام بأن يقال : الأمر والنّهى

__________________

(١) ب : والاعتقاد.

(٢) ب : ـ له.

(٣) الف : ـ قد.

(٤) الف : يفرض.


وإن لم يقتضيا قبح فعل ولا حسنه ، ولم يؤثّرا في وجه يقع الفعل عليه ، فلا بدّ إذا وقعا من الحكيم تعالى من أن يدلاّ ، فالأمر إذا (١) وقع يدلّ على حسن الفعل ، والنّهى على قبحه ، وإذا دلاّ على قبح أو حسن ، فلا بدّ من ثبوت وجه يقتضى إمّا القبح أو الحسن ، لأنّ الدّلالة لا تدلّ إلاّ (٢) على صحّة ، ألا ترى أنّ الأمر والنّهى وإن كانا (٣) عندنا لا يؤثّران ، فإنّا كلّنا نستدلّ بأمر الله تعالى على كون الفعل واقعا على وجه يستحقّ به الثّواب ، وبنهيه (٤) على قبحه ، وكونه ممّا يستحقّ به العقاب ، ونعلم (٥) على (٦) جهة الجملة أنّ كلّ شيء أوجب علينا في الشّرع فلا بدّ فيه (٧) من وجه وجوب ، وكلّ شيء حرّم فلا بدّ فيه من وجه قبح ، وإن كنّا لا نعلم جهات الوجوب والقبح على سبيل التّفصيل ، ولا نجعل الأمر والنّهى مؤثّرين (٨) في تلك الجهات ، بل يدلاّن عليها (٩) فما المنكر على هذا من أن يأمر الله تعالى المكلّف بالصّلاة في وقت زوال الشّمس ، وتكون (١٠) هذه الصّلاة واجبة في الوقت المضروب متى استمرّ حكم

__________________

(١) ج : فالمرادا ، بجاى « فالامر إذا ».

(٢) ب : ـ الا.

(٣) ب : كان.

(٤) الف وج : نهيه.

(٥) ب وج : يعلم.

(٦) ب : ـ على.

(٧) ب : ـ فيه.

(٨) ب وج : يؤثران.

(٩) ب وج : عليهما.

(١٠) ب : يكون.


الأمر بها ، ولم يرد نهى عنها ، وإن ورد النّهى عنها (١) دلّ على (٢) تغيّر حالها ، واختصاصها بوجه يقبح عليه ؟ فإذا أمر بالصّلاة ، اعتقد وجوبها عليه متى لم ينه عنها ، فإذا ورد النّهى اعتقد قبحها ويكون الغرض في هذا التّكليف مصلحة المكلّف ، كأنّا قدّرنا أنّه تعالى علم (٣) أنّه إن (٤) كلّفه على هذا الوجه ، كان مصلحة له (٥) في واجب عليه يفعله (٦) أو قبيح يتجنّبه (٧).

والجواب أنّ هذه الصّلاة المأمور بها عند زوال الشّمس لا يخلو من أن يكون فعلها في هذا الوقت مصلحة في الدّين أو مفسدة : فإن كانت مصلحة (٨) فبورود النّهى لا يتغيّر حالها ، ويجب قبح النّهى المتناول لها ، وإن كانت مفسدة في نفسها ، فبتناول (٩) الأمر أو باستمراره لا يتغيّر حالها ، فيجب قبحها ، وقبح الأمر المتناول لها.

اللهمّ إلاّ أن يقال : لهذه الصّلاة في هذا الوقت المخصوص وجهان (١٠) تقع (١١) على كلّ (١٢) واحد منهما ، فتكون (١٣) ـ متى وقعت على

__________________

(١) الف : ـ وان ورد النهي عنها ، ب : ـ عنها.

(٢) ب وج : ـ على.

(٣) ج : اعلم.

(٤) ب : ـ ان.

(٥) ب : ـ له.

(٦) الف : بفعله.

(٧) الف : بتجنبه.

(٨) الف : ـ في الدين ، تا اينجا.

(٩) ب وج : فيتناول.

(١٠) ب : وجهات.

(١١) الف وج : يقع.

(١٢) ب وج : ـ كل.

(١٣) ج : فيكون.


أحدهما ـ واجبة ، وإذا (١) وقعت على الآخر قبيحة ، والأمر تناولها (٢) على جهة الحسن ، والنّهى تناولها على جهة القبح.

وهذا ـ إن قيل ـ (٣) باطل ، لأنّه لو كانت لهذه (٤) الصّلاة جهتان (٥) يقع عليهما ، لوجب تمييز (٦) ذلك للمكلّف وإعلامه إيّاه ، ليفصل بين جهة الحسن وجهة (٧) القبح ، كما فصل (٨) بين جهة (٩) كون (١٠) هذه الصّلاة عبادة لله تعالى ، وبين (١١) كونها عبادة لغيره. وبين وقوعها بطهارة ونيّة مخصوصة (١٢) وبين وقوعها على خلاف ذلك. وتميّز (١٣) له فيما (١٤) ذكرناه (١٥) جهة الحسن من جهة القبح ، فقد كان يجب أن يتميّز (١٦) له ـ أيضا ـ (١٧) الجهة الّتي تكون (١٨) هذه الصّلاة عليها مصلحة من جهة كونها مفسدة ، فلمّا قيل له : « صلّ الظّهر بطهارة وبنيّة

__________________

(١) ب وج : فإذا.

(٢) ج : يتناولها.

(٣) ج : هذان قبل.

(٤) ج : هذه.

(٥) ج : وجهان.

(٦) ج : تميز.

(٧) الف : ـ جهة.

(٨) ب : فعل.

(٩) الف : ـ جهة.

(١٠) ب : + الحسن وجهة القبح كما فعل بين جهة كون.

(١١) ب : ـ بين ، ج : أو ، بجاى « وبين ».

(١٢) ج : مخصوص.

(١٣) الف : يميز.

(١٤) ج : مما.

(١٥) ب : + من.

(١٦) الف : يميز.

(١٧) ج : + من.

(١٨) ج : يكون.


مخصوصة (١) » ، ولم يشترط (٢) له شيئا (٣) زائدا على الشّرائط الشّرعيّة المعقولة ، علمنا أنّ الصّلاة على هذه الشّروط متى وقعت في هذا الوقت كانت مصلحة ، فيقبح للنّهي عنها. وهذه غاية ما بلغ النّهاية (٤) مع (٥) كثرة تكرار (٦) الكلام على هذه المسألة في الكتب المختلفة.

وقد تعلّق من خالفنا (٧) في هذه المسألة بأشياء :

أوّلها قوله تعالى : ﴿ يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ويدخل في هذا الظّاهر موضع (٨) الخلاف.

وثانيها أمره (٩) تعالى (١٠) إبراهيم عليه‌السلام بذبح ابنه ، ثمّ (١١) نسخه عنه قبل وقت الفعل ، وفداه بذبح.

وثالثها ما روى في ليلة المعراج من أنّ الله تعالى أوجب في اليوم واللّيلة خمسين صلاة ، ثمّ راجع النّبيّ عليه‌السلام إلى

__________________

(١) ج : مخصوص.

(٢) الف : يشرط.

(٣) ب : سببا.

(٤) ج : إليها ، بجاى النهاية.

(٥) ج : ـ مع.

(٦) ج : تكرر.

(٧) ب وج : خالف.

(٨) ج : مع ، بجاى موضع.

(٩) الف : ـ امره.

(١٠) ج : + إلى.

(١١) ب وج : ـ ثم.


أن عادت إلى (١) خمس ، وهذا نسخ (٢) قبل وقت الفعل.

ورابعها أنّ النّسخ إنّما يتأتّى فيما لم يفعل ، وما فعل كيف ينسخ.

وخامسها أنّه (٣) إذا جاز منع المكلّف ممّا أمر به بالإحرام (٤) فكذلك يجوز بالنّهي ، وإلاّ فما الفرق بين الأمرين (٥).

وسادسها أنّ السّيّد منّا قد يأمر عبده بالتّجارة وغيرها بشرط أن لا ينهاه.

وسابعها أنّ الطّهارة إنّما تجب لوجوب الصّلاة ومع ذلك فقد يمنع المكلّف بالموت عن الصّلاة ، وإن كان قد توضّأ ، فأيّ فرق بين منعه بالموت ومنعه بالنّهي ؟.

وثامنها ما روى من قوله عليه‌السلام في وصف مكّة : « أحلّت لي ساعة من نهار » ثمّ لم يقع منه عليه‌السلام قتال في ساعة ولا ساعات.

والجواب عمّا تعلّقوا به أوّلا أنّ ظاهر الآية يقتضى محوا وإثباتا على الحقيقة ، وذلك لا يليق بالنّسخ ، وإن استعمل فيه على

__________________

(١) الف : ـ إلى.

(٢) ج : النسخ.

(٣) ب وج : ـ انه.

(٤) لعل الأصل « بالاخترام ».

(٥) الف : الأمر.


جهة المجاز ، فالأشبه (١) بظاهر الآية ما روى من أنّه تعالى يمحو من اللّوح المحفوظ (٢) ما يشاء ، ويثبت ما يشاء ، لما يتعلّق بذلك من صلاح الملائكة. وإن (٣) عدلنا عن (٤) الظّاهر ، وحملناه على النّسخ ، فليس فيه أنّه (٥) يمحو نفس (٦) ما أثبته ، ونحن نقول : أنّه ينسخ الشّرائع على الوجه الصّحيح ، فإذا حملنا الآية على (٧) النّسخ ، فهي كالمجمل من غير تفصيل.

والجواب عمّا تعلّقوا به ثانيا أنّه تعالى لم يأمر إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ بالذّبح الّذي هو فري الأوداج ، بل بمقدّماته ، كالإضجاع له (٨) وتناول المدية ، وما جرى مجرى ذلك ، والعرب تسمّى الشّيء باسم مقدّماته ، والدّليل على هذا قوله تعالى : ﴿ وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا . فأمّا (٩) جزع إبراهيم ، فلأنّه أشفق من أن يأمره (١٠) بعد مقدّمات الذّبح بالذّبح نفسه ، لأنّ العادة بذلك جارية ، وأمّا (١١) الفداء ، فلا يمتنع أن يكون عمّا ظنّ أنّه سيؤمر (١٢) به

__________________

(١) الف : والأشبه.

(٢) ج : المحفوظة.

(٣) ج : فان.

(٤) الف : على.

(٥) ج : ان.

(٦) ج : أنفس.

(٧) ب : عن.

(٨) ب وج : ـ له.

(٩) ج : واما.

(١٠) ب : يومر ، ج : يأمر.

(١١) الف : فاما.

(١٢) الف : سيأمر.


من الذّبح ، ولا يمتنع ـ أيضا ـ أن يكون (١) عن مقدّمات الذّبح زائدة على ما فعله لم يكن قد أمر بها ، فإنّ الفدية لا يجب (٢) أن تكون (٣) من جنس المفديّ ، لأنّ حلق (٤) الرّأس (٥) قد (٦) يفدى بدم ما يذبح (٧).

وقد قيل ـ أيضا ـ (٨) : « إنّه عليه‌السلام فرّى أوداج ابنه ، لكنّه كلّما (٩) فرّى جزءا ، عاد في الحال ملتحما » فقد فعل ما أمر به من الذّبح ، وإن لم تبطل (١٠) الحياة.

والجواب عمّا تعلّقوا به ثالثا أنّ خبر المعراج خبر واحد ، وبمثله لا يثبت الخلاف في هذه المسألة. وفيه مع ذلك من الشّبه (١١) والأباطيل ما يدلّ على فساده ، لاقتضائه نسخ الفعل قبل أن يعلم المكلّف أنّه مأمور به وتضمّنه أنّ المصالح الدينيّة تتعلّق (١٢) بمشورة الخلق وإيثارهم.

__________________

(١) ج : + أيضا.

(٢) ب : تجب.

(٣) ج : يكون.

(٤) ج : حق.

(٥) الف : الرّأي.

(٦) ج : فقد.

(٧) ب : بصوم أو ذبح ، بجاى « بدم ما يذبح ».

(٨) الف : ـ أيضا.

(٩) الف : كلها.

(١٠) الف : يبطل.

(١١) ب وج : التشبيه.

(١٢) ج : يتعلق.


والجواب عمّا تعلّقوا به رابعا أنّ النّسخ إذا كان لما لم يفعل فمن أين أنّه لما لم يفعل (١) وقد تناوله الأمر ، دون أن يكون لما لم يفعل ممّا قد تقدّم فعل نظائره ، أو الأمر بها ، فكأنّه قيل له : « لا تفعل نظير (٢) ما كنت أمرت به من الصّلاة الموقّتة » ؟ !.

والجواب عمّا تعلّقوا به خامسا أنّا قد بيّنّا فيما تقدّم أنّ الله تعالى لا يأمر بالفعل من يعلم أنّه يخترم دونه.

والجواب عمّا تعلّقوا به سادسا أنّ السّيّد إنّما حسن منه ذلك مع عبده لجواز البداء عليه ، وذلك لا يجوز على الله تعالى.

والجواب عمّا تعلّقوا به سابعا أنّ الطّهارة لم تجب (٣) على الواحد منّا لأجل وجوب الصّلاة عليه ، وكيف يكون كذلك ، وهو لا يعلم قبل مضيّ وقت الصّلاة وجوبها عليه ؟ ! وإنّما تجب (٤) الطّهارة لظنّ وجوب الصّلاة عليه ، وهو يظنّ وجوبها عليه ، وإن جوّز المنع.

والجواب عمّا تعلّقوا به ثامنا أنّ هذا الخبر إنّما يصحّ التّعلّق به (٥) في جواز النّسخ قبل إيقاع الفعل ، لا قبل وقته ، وغير (٦) ممتنع أن يباح له عليه‌السلام من قتلهم وسلبهم ما لم يفعله ، ومثل ذلك لا شبهة فيه.

__________________

(١) الف : ـ فمن اين ، تا اينجا.

(٢) الف : نضير.

(٣) ج : يجب.

(٤) ج : يجب.

(٥) الف : ـ به.

(٦) ب : غيره.


فصل في الزّيادة على النّصّ

هل يكون نسخا أم لا

اختلف النّاس في ذلك : فذهب قوم إلى أنّ الزّيادة إذا غيّرت حكم المزيد عليه كانت نسخا. وقال آخرون : أنّ الزّيادة على النّصّ لا تكون (١) نسخا على كلّ حال ، وهو مذهب أكثر أصحاب الشّافعيّ ، وإليه ذهب (٢) أبو عليّ ، و(٣) أبو هاشم. وقال آخرون : أنّ الزّيادة تقتضي (٤) النّسخ إذا كان المزيد عليه قد دلّ على أنّ ما عداه بخلافه.

واعلم (٥) أنّ الزّيادة على النّصّ تنقسم (٦) إلى قسمين : زيادة متّصلة ، وزيادة منفصلة.

والمتّصلة على ضربين : مؤثّرة (٧) في المزيد عليه ، وغير مؤثّرة فيه (٨).

فأمّا الزّيادة المتّصلة المؤثّرة ، فهي الّتي تغيّر (٩) حكم المزيد عليه

__________________

(١) ج : يكون.

(٢) ج : ـ ذهب.

(٣) ج : ـ و.

(٤) ب وج : يقتضى.

(٥) ج : أعلى.

(٦) ج : ينقسم.

(٧) ج : مؤثرا.

(٨) ب : ـ فيه.

(٩) ب : + الله.


في الشّريعة ، حتّى يصير لو وقع مستقبلا (١) من دون تلك الزّيادة ، لكان عاريا من كلّ (٢) تلك الأحكام الشّرعيّة الّتي كانت له ، أو بعضها ، فهذه الزّيادة تقتضي (٣) النّسخ. ومثاله زيادة ركعتين على سبيل الاتّصال ، كما روى أنّ فرض الصّلاة كان ركعتين ، فزيد في صلاة الحضر.

وإنّما قلنا : إنّ هذه الزّيادة قد غيّرت (٤) الأحكام الشّرعيّة ، لأنّه لو (٥) فعل بعد زيادة الرّكعتين على ما كان يفعلهما (٦) عليه أوّلا ، لم يكن لهما (٧) حكم ، وكأنّه ما فعلهما (٨) ويجب عليه (٩) استئنافهما. ولأنّ مع هذه الزّيادة يتأخّر ما يجب من تشهد وسلام ، ومع فقد هذه الزّيادة لا يكون كذلك. وكلّ ما ذكرناه يقتضى تغيّر الأحكام الشّرعيّة بهذه (١٠) الزّيادة.

ولا يلزم على هذا ما نقوله من أنّ كلّ جزء من الصّلاة له في استحقاق الثّواب حكم نفسه ، ولا يقف على غيره ، لأنّ النّسخ إنّما يدخل في الأحكام الشّرعيّة ، واستحقاق الثّواب من الأحكام

__________________

(١) الف : مستقلا.

(٢) ب : ـ كل.

(٣) ج : يقتضى :

(٤) ج : تغيرت.

(٥) ج : لا ، بجاى لو.

(٦) ج : يفعلها.

(٧) ج : لها.

(٨) ج : فعلها.

(٩) ب وج : ـ عليه.

(١٠) ب : فهذه.


العقليّة ، وقد بيّنّا تغيّر الأحكام الشّرعيّة (١).

وعلى هذا الأصل الّذي قرّرناه (٢) لو زيد في زمان (٣) الصّوم زيادة ، لكانت هذه الزّيادة تقتضي (٤) النّسخ ، للعلّة الّتي ذكرناها في الرّكعتين المتّصلتين (٥).

فأمّا زيادة ركن على أركان الحجّ ، فليس يبين فيه أنّه (٦) يكون نسخا (٧) لانفصال بعض أركان الحجّ من بعض ، و(٨) أنّه ليس بجار مجرى الصّلاة والصّيام.

والأولى أن تكون (٩) زيادة تطهير عضو على أعضاء الطّهارة ليس بنسخ.

فأمّا إيجاب الصّلاة من غير طهارة ، ثمّ اشتراط (١٠) الطّهارة فيما (١١) بعد ذلك ، فالواجب تقسيمه (١٢) : فنقول : إن كانت هذه الصّلاة يحصل (١٣) لها بالطّهارة حكم شرعيّ ما كان لها من قبل ذلك ، فقد تغيّر بهذه

__________________

(١) ج : ـ واستحقاق ، تا اينجا.

(٢) ج : + و.

(٣) ج : الزمان.

(٤) ب وج : يقتضى.

(٥) الف : المتصلين.

(٦) ب : ان.

(٧) الف : ناسخا.

(٨) ب : ـ انه يكون ، تا اينجا.

(٩) ب وج : يكون.

(١٠) ج : اشترى.

(١١) ب : فيها.

(١٢) ب وج : ان نقسمه.

(١٣) ج : بحصول.


الزّيادة حكمها الشّرعيّ (١) فيجب أن يكون نسخا. وإن لم يكن لها (٢) بهذه الزّيادة حكم شرعيّ لم يكن ، وليس (٣) إلاّ تقديم (٤) فعل (٥) الوضوء عليها ، لم تكن (٦) الزّيادة نسخا.

ولو زاد (٧) الله تعالى في كفّارة الحنث رابعة ، لم يكن ذلك (٨) نسخا (٩) للثّلاثة ، لأنّ الحال في جميع الأحكام الشّرعيّة في فعل الثّلاث لم يتغيّر (١٠) وهي مفعولة (١١) بعد الزّيادة على الحدّ الّذي كانت تفعل (١٢) عليه قبلها. وإنّما تقتضي (١٣) هذه الزّيادة نسخ ترك الكفّارات الثّلاث ، لأنّ تركها كان محرّما قبل (١٤) هذه الزّيادة ، فارتفع (١٥) تحريمه بالزّيادة.

فأمّا ورود التّخيير على التّضييق ، أو (١٦) التّضييق على التّخيير ، فالأولى أن يقال فيما تضيّق (١٧) بعد التّخيير : أنّه نسخ ، لأنّ أحد

__________________

(١) ج : الشرعية.

(٢) ب : ـ لها.

(٣) الف : وليس (خ ل).

(٤) الف وج : ـ تقديم.

(٥) ج : + تقديم.

(٦) ب : يكن.

(٧) ب : أراد.

(٨) ب : لم تكن الزيادة.

(٩) الف : نسخ.

(١٠) ب : تتغير.

(١١) الف : معقولة.

(١٢) ج : يفعل.

(١٣) ب : يقتضى.

(١٤) الف : + ترك.

(١٥) ج : فان يقع.

(١٦) الف : و.

(١٧) الف : يضيق.


المخيّر فيه خرج عن حكمه (١) الشّرعيّ ، فصار (٢) منسوخا. ومثاله لزوم صوم (٣) شهر رمضان بعد التّخيير بينه وبين الفدية.

فأمّا ورود التّخيير بعد التّضييق ، فالأشبه أنّه (٤) لا يكون نسخا ، لأنّ حكم الأوّل في نفسه لم يتغيّر ، وإنّما تغيّر (٥) حكم التّرك ، لأنّه كان محرّما ، ثمّ صار مباحا (٦).

فأمّا ورود (٧) الخبر بالشّاهد واليمين ، فإنّه لا يكون نسخا للآية ، لأنّا (٨) قد بيّنّا فيما تقدّم أنّ الشّاهد الثّاني شرط ، وليس يمتنع (٩) أن يقوم مقام الشّرط سواه ، وإذا (١٠) لم تمنع (١١) الآية ممّا ورد به الخبر ، لم يكن فيه نسخ (١٢) لها.

فإذا قيل : الآية تمنع في المعنى من اليمين مع الشّاهد من حيث كانت اليمين هي (١٣) قول المدّعى ، فجرت مجرى دعواه.

قلنا : غير ممتنع أن لا يكون لدعواه حكم ، ويكون ليمينه

__________________

(١) ج : حكمة.

(٢) الف : وصار.

(٣) ب : ـ صوم.

(٤) ب وج : ان.

(٥) الف وب : يتغير.

(٦) ب وج : غير محرم ، ودرج محرما است.

(٧) ج : ورد.

(٨) ج : فلانا.

(٩) ج : ـ يمتنع.

(١٠) الف : إذ ، ب : ان.

(١١) ب : يمنع ، ج : يمتنع.

(١٢) ب : نسخا.

(١٣) الف : من ، بجاى هي.


حكم ، وإن كانا معا قولا له ، ألا ترى أنّه لا حكم لإنكاره ، ولنكوله عن اليمين حكم ، ولم يجريا (١) في الشّريعة (٢) مجرى واحدا ، وإن كانا راجعين إلى قوله. وكذلك (٣) لإنكاره في إسقاط الدّعوى واليمين ، وليمينه (٤) هذا الحكم ، لأنّها (٥) تسقط الدّعوى. فكذلك (٦) لا يمتنع إذا حلف مع شاهد (٧) أن يكون لقوله (٨) من الحكم ما لا يكون لدعواه إذا تجرّدت (٩).

فأمّا مثال (١٠) الزّيادة المتّصلة ، وإن كانت غير مؤثّرة ، فكزيادة العشرين على حدّ القذف ، وزيادة النّفي على حدّ الزّاني البكر ، وزيادة الرّجم على حدّ المحصن.

فأمّا مثال (١١) الزّيادة (١٢) المنفصلة ، فكزيادة صلاة سادسة ، وشهر للصّيام (١٣) ثان ، ولا خلاف في أنّ ذلك لا يقتضى نسخا ، وإنّما هو ابتداء عبادة.

__________________

(١) الف : يجرما.

(٢) ج : الشرعية.

(٣) ج : فكذلك ، الف : + لا حكم.

(٤) ب وج : + في.

(٥) ب : + لا.

(٦) ب : فلذلك.

(٧) الف : الشاهد.

(٨) ج : كقوله.

(٩) الف : تحررت ، ج : تجرت.

(١٠) ج : منا ، بجاى مثال.

(١١) ج : المثال.

(١٢) الف : + على ، ج : ـ الزيادة.

(١٣) ب : الصيام.


والخلاف إنّما هو في الزّيادة المتّصلة المتعلّقة (١) بالمزيد عليه ، كالزّيادة في الحدّ : فمن النّاس من ألحق ذلك بزيادة الرّكعتين على الرّكعتين ، وفيهم من (٢) أجراه مجرى زيادة صلاة سادسة.

والّذي يدلّ على أنّ الزّيادة في الحدّ لا توجب (٣) النّسخ أنّها لا تؤثّر في تغيّر حكم شرعيّ معقول للمزيد عليه (٤) لأنّ من المعلوم أنّ المزيد عليه يفعل بعد التّعبّد (٥) بالزّيادة على الحدّ الّذي (٦) يفعل عليه قبلها ، وإنّما يجب ضمّ هذه الزّيادة إليه من غير أن يكون إخلاله بضمّ هذه الزّيادة مؤثّرا في الأوّل ، فوجب إلحاق ذلك بابتداء التّعبّد.

وتعلّقهم بأنّ الاسم واحد والسّبب واحد ليس بشيء ، لأنّه غير ممتنع أن يكون الاسم واحدا (٧) والسّبب (٨) كذلك ، ويكون ذلك ابتداء تعبّد ، إذا كانت الأحكام الشّرعيّة لم تتغيّر (٩) وهي الّتي عليها المعوّل (١٠) في باب النّسخ.

__________________

(١) الف : ـ المتعلقة.

(٢) ج : ـ وفيهم من ، + على.

(٣) ج : يوجب.

(٤) ب : ـ عليه.

(٥) ج : بفعل تعبد ، بجاى يفعل بعد التعبد.

(٦) الف : + كان.

(٧) ب : ـ واحدا.

(٨) ج : ـ واحد ليس ، تا اينجا.

(٩) ج : يتغير.

(١٠) ب : العول.


وليس لهم أن يقولوا : قد تغيّر حكم شرعيّ من حيث صارت الثّمانون بعض الحدّ وكانت قبل الزّيادة كلّه ، لأنّ قولنا « بعض » و « كلّ » ليس من الأحكام الشّرعيّة ، وكذلك قولنا « نهاية » و « غاية ». ولأنّه يلزم مثل ذلك في فرض صلاة اليوم واللّيلة ، لأنّ الصّلاة لو زيد فيها سادسة ، لكان الوصف بالكلّ والبعض والنّهاية يتغيّر (١) ومع ذلك فليس بنسخ ، ولو أنّه تعالى أوجب بدلوك الشّمس صلاة أخرى ، لكان سبب (٢) الوجوب واحدا ، وإن لم يكن نسخا.

فأمّا تعلّقهم بردّ الشّهادة (٣) وأنّه كان متعلّقا بالثّمانين ، ثمّ تعلّق بما زاد عليها ، فقد تغيّر الحكم الشّرعيّ ، فليس بشيء ، لأنّ ردّ الشّهادة (٤) إنّما يتعلّق بالقذف ، لا بإقامة الحدّ ، كما يتعلّق بفعل سائر الكبائر (٥).

ولو سلّمنا أنّ ردّ الشّهادة يتعلّق بالحدّ ، لا بالقذف ، لكان لنا أن نقول : إنّه يتعلّق بكونه محدودا (٦) ولا اعتبار بزيادة عدد الحدّ ونقصانه في الحكم الّذي هو ردّ الشّهادة ، كما أنّ الإحرام

__________________

(١) ب : تتغير.

(٢) ج وب : السبب ، ب : + في.

(٣) ج : بردة الشاهدوة.

(٤) ج : + و.

(٥) ج : الكبار.

(٦) ج : محدوما.


لمّا كان علّة في تحريم الصّيد ، لم يختلف في ذلك كونه محرما ، بحجّ وعمرة ، أو بأحدهما ، لأنّ المعتبر كونه محرما. وكذلك لا فرق بين كونه محدثا بجهة واحدة ، أو بجهات ، لأنّ المعتبر في الأحكام الشّرعيّة كونه محدثا ، من (١) غير أن يكون (٢) لزيادة الأحداث أو نقصانها تأثير. وجرى ذلك أيضا مجرى إباحة تزويج المعتدّة إذا انقضت عدّتها في أنّ عدّتها زادت أو نقصت فالحكم فيما ذكرناه لا يتغيّر ، ولا تكون (٣) الزّيادة في العدّة أو النّقصان نسخا لإباحة تزويج المعتدّة.

على أنّ هذا بعينه لازم للمخالف ، لأنّ زيادة العبادة قد تؤثّر (٤) في ردّ الشّهادة وإن (٥) لم يتعلّق بالمزيد (٦) عليه كتأثيرها (٧) إذا تعلّقت ، لأنّ ردّ الشّهادة إذا كان شرطه الفسق ـ وقد علمنا أنّ الفسق يتغيّر (٨) بزيادة عبادات ونقصانها إذا وقع الإخلال (٩) بها ـ فيجب لذلك (١٠) تغيّر الحكم في ردّ الشّهادة ، وهذا يقتضى أنّ زيادة كلّ عبادة وإن

__________________

(١) ب وج : ـ من.

(٢) ب : تكون.

(٣) ج : يكون.

(٤) ب : يؤثر.

(٥) ب : انما.

(٦) ب : بالمرتد.

(٧) الف : كبائرها ، ج : كتا تأثيرها.

(٨) ج : بتغير.

(٩) ج : الخلاف.

(١٠) ب وج : كذلك.


لم يتعلّق بغيرها ، ولا (١) كانت متّصلة بها ، تقتضي (٢) النّسخ.

فصل في أنّ النّقصان من النّصّ هل

يقتضى النّسخ أم لا (٣)

اعلم أنّه لا خلاف في أنّ النّقصان من العبادة (٤) يقتضى نسخ المنقوص ، وإنّما الكلام في هل يقتضى ذلك نسخ المنقوص منه : فذهب قوم إلى أنّه يقتضى نسخ العبادة المنقوص منها ، وذهب آخرون إلى أنّه لا يقتضى ذلك.

والواجب أن يعتبر (٥) هذا النّقصان ، فإن كان ما بقي بعده من العبادة ، متى فعل ، لم يكن له حكم في الشّريعة ، ولم يجر مجرى فعله قبل النّقصان ، فهذا النّقصان نسخ له ، كما قلناه في زيادة ركعتين على ركعتين على جهة الاتّصال ، لأنّ العلّة في الموضعين واحدة. وإن لم يكن الأمر على ذلك ، فالنّقصان ليس بنسخ لتلك العبادة (٦). ومثال ذلك أن ينقص من الحدّ عشرون ، فإنّ (٧) ذلك لا يكون نسخا

__________________

(١) ب : الا.

(٢) الف وج : يقتضى.

(٣) ب وج : أم لا.

(٤) ب : + هل.

(٥) ب : نعتبر.

(٦) الف : ـ لتلك العبادة.

(٧) ب وج : وان.


لباقي الحدّ. وعلى هذا لو نقصت (١) ركعتان من جملة ركعات ، لكان هذا النّقصان نسخا لجملة الصّلاة ، لأنّ الصّلاة بعد النّقصان (٢) قد (٣) تغيّر حكمها الشّرعيّ. ولو فعلت على الحدّ الّذي كانت تفعل عليه من قبل ، لم يجز (٤) فجملتها منسوخة.

فأمّا نسخ الطّهارة بعد إيجابها ، فهو غير مقتض لنسخ الصّلاة ، لأنّ حكم الصّلاة باق على ما كان عليه من قبل. ولو كان نسخ الطّهارة يقتضى نسخ الصّلاة ، لوجب مثله في نجاسة الماء وطهارته ، وقد علمنا أنّ تغيّر أحكام نجاسة الماء وطهارته لا يقتضى (٥) نسخ الطّهارة ، لأنّه إنّما قيل له : تطهّر (٦) بالماء الطّاهر ، ثمّ الماء (٧) الطّاهر منه والماء (٨) النّجس موقوف على البيان ، وقد يتغيّر بزيادة ونقصان ، ولا يتعدّى ذلك (٩) التّغيّر إلى نسخ الطّهارة.

فأمّا نسخ القبلة ، فذهب قوم إلى أنّه نسخ للصّلاة ، وذهب آخرون إلى أنّه ليس بنسخ ، وجعل القبلة شرطا كتقديم (١٠) الطّهارة.

__________________

(١) ج : انقصت.

(٢) ب : ـ نسخا ، تا اينجا.

(٣) ج : فلو ، بجاى قد.

(٤) ب : تجر.

(٥) الف : تقتضي.

(٦) ب : يظهر.

(٧) ب : ماء الماء ، ج : ماء.

(٨) ب وج : ما.

(٩) ب : + إلى.

(١٠) ب وج : كتقدم.


والّذي يجب تحصيله في هذه المسألة أنّ نسخ القبلة لا يخلو من أن ينسخ بالتّوجّه إلى جهة غيرها ، أو بأن يسقط وجوب التّوجّه إليها ويخيّر (١) فيما عداها من الجهات ، لأنّه من المحال (٢) أن تخلو (٣) الصّلاة من توجّه إلى جهة من الجهات. فإن كانت نسخت بضدّها ، كنسخ (٤) التّوجّه إلى بيت المقدّس بالكعبة ، فلا شبهة في نسخ الصّلاة ، ألا ترى أنّه بعد هذا النّسخ لو أوقع الصّلاة إلى بيت المقدّس على حدّ (٥) ما كان يفعله (٦) من قبل ، لكان لا حكم له ، بل وجوده في الشّرع كعدمه. وإن كانت القبلة نسخت ، فإن حظر (٧) عليه التّوجّه إلى الجهة المخصوصة (٨) الّتي كان يصلّي إليها ، وخيّر فيما عداها ، فهذا ـ أيضا ـ يقتضى نسخ الصّلاة ، لأنّه لو أوقعها على الحدّ الّذي كان يفعلها عليه من قبل ، لكانت غير مجزية ، فصارت منسوخة على ما اعتبرناه (٩). وإن نسخ وجوب التّوجّه إلى القبلة بأن خيّر في جميع الجهات ، لم يكن ذلك نسخا للصّلاة ، ألا ترى

__________________

(١) هذا هو الظاهر ، لكن في نسخة الف : يجيز ، وفي ب : تخير ، وفي ج : يخبر.

(٢) الف : محال.

(٣) ج : يخلو.

(٤) ج : لنسخ.

(٥) ب : عد.

(٦) الف : فعله.

(٧) الف : حضر.

(٨) ج : المخصوص.

(٩) ب وج : اعتقدناه.


أنّه لو فعلها على الحدّ الّذي كان (١) يفعلها عليه من قبل ، لكانت صحيحة مجزية ، وإنّما نسخ التّضييق بالتّخيير.

فأمّا صوم شهر رمضان ، فلا يجوز أن يكون ناسخا لصوم عاشوراء ، لأنّ الحكمين إنّما يصحّ أن يتناسخا إذا لم يمكن اجتماعهما ، وصوم شهر رمضان يجوز أن يجتمع مع صوم عاشوراء ، فكيف يكون ناسخا له. ومعنى هذا القول أنّ عند سقوط وجوب صيام عاشوراء أمر (٢) بصيام (٣) شهر رمضان.

فصل في جواز نسخ الكتاب بالكتاب (٤)

والسّنّة بالسّنّة

اعلم أنّ كلّ دليل أوجب العلم (٥) والعمل فجائز النّسخ به ، وهذا حكم الكتاب مع الكتاب ، والسّنّة المقطوع بها مع السّنّة المقطوع بها (٦) فلا خلاف في ذلك.

وإنّما الخلاف في نسخ الكتاب بالسّنّة المقطوع بها ، ونسخ

__________________

(١) ج : ـ كان.

(٢) الف : لم ، ب : أم.

(٣) الف : يصام.

(٤) ب : ـ بالكتاب.

(٥) ج : علم.

(٦) الف وج : ـ مع السنة المقطوع بها.


السّنّة بالكتاب ، وسيأتي الكلام على ذلك بإذن الله تعالى.

فأمّا السّنّة الّتي لا يقطع (١) بها ، فالكلام في نسخ بعضها ببعض مبنىّ على وجوب العمل بأخبار الآحاد : فمن عمل بها في الشّريعة ، نسخ بعضها ببعض. ومن (٢) لم يعمل (٣) بها ، لم ينسخ بها ، لأنّ النّسخ فرع وتابع لوجوب العمل. وسيأتي الكلام على تفصيل ذلك بمشيّة الله تعالى (٤).

فصل في نسخ الإجماع والقياس وفحوى القول

اعلم أنّ مصنّفي أصول الفقه ذهبوا كلّهم إلى أنّ الإجماع لا يكون ناسخا ، ولا منسوخا ، واعتلّوا (٥) في ذلك بأنّه دليل مستقرّ بعد انقطاع الوحي ، فلا يجوز نسخه ولا النّسخ به.

وهذا القدر غير كاف ، لأنّ لقائل (٦) أن يعترضه ، فيقول (٧) : أمّا الإجماع عندنا (٨) فدلالته مستقرّة (٩) في كلّ حال قبل انقطاع الوحي ،

__________________

(١) ج : يقع.

(٢) ج : ـ من.

(٣) ج : يعلم.

(٤) ب وج : عزوجل.

(٥) ج : اغتلوا.

(٦) ج : القائل.

(٧) ج : فنقول.

(٨) الف : ـ عندنا.

(٩) ب : يستقر.


وبعده ، وسنبيّن ذلك (١) عند الكلام في الإجماع ، فإذا ثبت ذلك سقطت هذه العلّة.

على أنّ مذهب مخالفينا في كون الإجماع حجّة يقتضى أنّه في الأحوال كلّها (٢) مستقرّ ، لأنّ الله تعالى أمر باتّباع سبيل (٣) المؤمنين ، وهذا (٤) حكم (٥) حاصل قبل انقطاع الوحي ، وبعده (٦). والنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٧) أخبر (٨) على مذاهبهم بأنّ أمّته لا تجتمع على (٩) خطأ ، وهذا ثابت في سائر الأحوال (١٠) فإذا كان الإجماع ثابتا في سائر الأحوال (١١). وإذا كان الإجماع دليلا على الأحكام ، كما يدلّ الكتاب والسّنّة ـ والنّسخ (١٢) لا يتناول الأدلّة ، وإنّما يتناول الأحكام الّتي تثبت (١٣) بها ـ فما المانع من أن يثبت حكم دليل (١٤) بإجماع الأمّة قبل انقطاع الوحي ، ثمّ ينسخ بآية تنزل (١٥) أو يثبت حكم بآية تنزل (١٦) فينسخ (١٧) بإجماع الأمّة على خلافه.

__________________

(١) ب وج : ـ ذلك.

(٢) ب : ـ كلها.

(٣) ب وج : ـ سبيل.

(٤) ب وج : ـ هذا.

(٥) ب : + ذلك.

(٦) ج : بعد.

(٧) الف وج : ع.

(٨) ب وج : خبر.

(٩) ج : ـ على.

(١٠) ب : الأحكام.

(١١) ب وج : ـ فإذا ، تا اينجا.

(١٢) ج : فالنسخ.

(١٣) ج : يثبت.

(١٤) ب : ـ دليل.

(١٥) ج : ينزل.

(١٦) ج : ينزل.

(١٧) الف : فنسخ ، ب : فتنسخ.


والأقرب أن يقال : إنّ الأمّة مجتمعة على أنّ ما يثبت (١) بالإجماع لا ينسخ ، ولا ينسخ به. ولا يلتفت إلى خلاف عيسى بن أبان ، وقوله : إنّ الإجماع ناسخ لما وردت به السّنّة من وجوب الغسل من (٢) غسل الميّت.

فأمّا فحوى القول ، فغير ممتنع نسخه ، والنّسخ به ، لأنّه جار في فهم المراد (٣) به مجرى الصّريح ، فما جاز في الصّريح ، جاز فيه.

وأمّا (٤) نسخ الفحوى دون الصّريح ، والصّريح دون الفحوى ، فيجب أن يرتّب القول فيه على ما (٥) نبيّنه (٦) والواجب حراسة (٧) الغرض فيه ، ودفع (٨) المناقضة. وقد علمنا أنّه لا يحسن أن يقول : « لا تقل لهما : أفّ ، واضربهما » (٩) لكن يحسن أن يقول : « لا تضربهما : وإن قلت لهما : أفّ » ، فيجوز نسخ الأكبر ، ويتبعه (١٠) الأصغر ، ولا يجوز عكس ذلك.

وغير ممتنع أن يقال : إنّ الحال فيما (١١) بيّنّا (١٢) يخالف (١٣) المصالح

__________________

(١) ب وج : ثبت.

(٢) الف : ـ الغسل من.

(٣) الف : مراد.

(٤) ب وج : فاما.

(٥) ج : ـ ما.

(٦) ج : بينه.

(٧) ج : حراسته.

(٨) الف : رفع.

(٩) ب : + و.

(١٠) ب وج : تبقية.

(١١) الف : ـ فيما.

(١٢) الف وج : بيننا.

(١٣) ج : تخالف.


الدّينيّة ، لأنّه يمتنع أنّ يمنع من التّأفيف (١) في الشّاهد (٢) إلاّ لأجل التّرفيه والتّنزيه عن الإضرار به ، فلا (٣) يجوز أن يجامع ذلك إرادة الإضرار (٤) الأكبر ، ومصالح الدّين غير ممتنع أن يختصّ تارة بالأكبر (٥) والأخرى بالأصغر (٦) فالأولى (٧) جواز نسخ كلّ واحد مع تبقية (٨) صاحبه.

فأمّا نسخ القياس والنّسخ به (٩) فمبنيّ على أنّ القياس دليل في الشّريعة على الأحكام ، وسندلّ (١٠) على بطلان ذلك عند الكلام في القياس ، وإذا لم يكن دليلا من أدلّة الشّرع لم يجز أن ينسخ ، ولا ينسخ (١١) به.

ومن ذهب إلى ورود العبادة به (١٢) يدفع (١٣) النّسخ به (١٤) بأن يقول : من شرط صحّته أن لا يكون في الأصول ما يمنع منه ، و

__________________

(١) ب : التأليف.

(٢) ب وج : المشاهد.

(٣) ب وج : ولا.

(٤) ج : + و.

(٥) الف : الأكبر ، ب : ـ ومصالح ، تا اينجا.

(٦) الف : الأصغر.

(٧) ب وج : والأولى ، ج : + ان.

(٨) الف : تيقنه.

(٩) ب : ـ والنسخ به.

(١٠) الف : سنرد ، بتشديد الدال.

(١١) ب : نسخ.

(١٢) ب : فيه.

(١٣) الف : يرفع.

(١٤) الف : ـ به.


هذا يمنع (١) من كونه ناسخا. ويمنعون من أن يكون القياس منسوخا (٢) بأنّه (٣) تابع لأصله ، و(٤) لا يجوز نسخه مع بقاء أصله.

فصل في جواز نسخ القرآن بالسّنّة

اعلم أنّ السّنّة على ضربين : مقطوع عليها معلومة ، وأخرى واردة من طريق الآحاد :

فأمّا المقطوع عليها ، فإنّ الشّافعيّ ومن وافقه يذهبون إلى أنّها (٥) لا ينسخ بها القرآن ، وخالف باقي العلماء في ذلك.

وأمّا السّنّة الّتي لا يقطع بها فأكثر النّاس على أنّه لا يقع بها نسخ القرآن ، وخالف أهل الظّاهر وغيرهم في جواز ذلك ، وادّعوا ـ أيضا ـ وقوعه.

والّذي يبطل أن ينسخ القرآن بما ليس بمعلوم من السّنّة أنّ هذا فرع (٦) مبنىّ على وجوب العمل بخبر الواحد في الشّريعة ، لأنّ من يجوّز النّسخ يعتمد على أنّه كما جاز (٧) التّخصيص به ، وترك

__________________

(١) الف : يمتنع.

(٢) ج : + و.

(٣) الف : لأنه.

(٤) ج : ـ و.

(٥) ب : انه.

(٦) ب وج : ـ فرع.

(٧) الف : يجوز.


الظّاهر لأجله ، والعمل به في الأحكام المبتدأة (١) جاز النّسخ ـ أيضا ـ به. وأنّ دليل وجوب (٢) العمل بخبر الواحد مطلق (٣) غير مختصّ (٤) فوجب حمله على العموم ، وإذا بطل العمل بخبر الواحد في الشّرع ، بما سنتكلّم عليه عند الكلام في الأخبار بمشيّة الله تعالى ، بطل النّسخ ، لأنّ كلّ من لم يعمل به في غير النّسخ لا ينسخ به ، فالقول (٥) بالنّسخ مع الامتناع من العمل أصلا خارج (٦) عن (٧) الإجماع.

وهذا أولى ممّا يمضى في الكتب من (٨) أنّ الصّحابة ردّت اخبار الآحاد إذا كان فيها ترك للقرآن (٩) لأنّ الخصوم لا يسلّمون ذلك (١٠) ولأنّه يلزم عليه أن (١١) لا يخصّص الكتاب بخبر الواحد ، لأنّ فيه (١٢) تركا لظاهره (١٣).

وليس يجب من حيث تعبّدنا الله (١٤) بالعمل بخبر الواحد في غير

__________________

(١) ج : المبتدأ.

(٢) ب : الوجوب.

(٣) ب : مطلقا ، ج : + من.

(٤) ج : مخصوص.

(٥) ج : فالجواب.

(٦) ج : خارجا.

(٧) ب : من.

(٨) ب : ـ من.

(٩) ب : القرآن.

(١٠) الف : ـ ذلك.

(١١) ج : ـ ان.

(١٢) ب : فيها.

(١٣) الف : للظاهر ، ج : لظاهر.

(١٤) الف : نا الله ، ج : ـ الله.


النّسخ ـ إذا سلّمنا ذلك وفرضناه ـ أن نعدّيه (١) إلى النّسخ بغير دليل ، لأنّ العبادة لا يمتنع اختصاصها بموضع دون موضع ، فمن أين إذا وقعت العبادة بالعمل به في غير النّسخ ، فقد وقعت في النّسخ ، وأحد الموضعين غير الآخر ، وليس هاهنا لفظ عامّ يدّعى دخول الكلّ فيه ؟ !.

وخلاف الشّافعيّ في أنّ السّنّة المعلومة لا ينسخ بها القرآن ضعيف جدّاً ، لا ندري كيف استمرّت الشّبهة فيه ؟.

والّذي (٢) يدلّ على فساد هذا المذهب أنّ السّنّة المعلومة تجري (٣) في وجوب العلم والعمل مجرى الكتاب فكما (٤) ينسخ الكتاب بعضه ببعض ، كذلك (٥) يجوز فيه نسخه بها.

ولأنّ النّسخ إنّما يتناول الحكم ، والسّنّة في الدّلالة عليه كدلالة القرآن ، فيجب جواز النّسخ بها.

وليس لأحد أن يقول : إنّ السّنّة تدلّ (٦) كدلالة القرآن ، لكنّها (٧) إذا وردت بحكم يضادّ القرآن ، أنزل الله تعالى قرآنا

__________________

(١) ج : نعبد به.

(٢) ب : فالذي.

(٣) ج : يجري.

(٤) الف : ـ فكما.

(٥) ب : كذا.

(٦) ب : تدل ، ج : يدل.

(٧) ب : لأنها.


يكون هو النّاسخ. وذلك أنّ هذه دعوى لا برهان لمدّعيها ، ومن أين أنّ الأمر على ذلك ؟ ! ولو قدّرنا أنّه تعالى لم ينزل ذلك القرآن ، كيف كان يكون حال تلك السّنّة ؟ ، فلا بدّ من الاعتراف باقتضائها النّسخ. ثمّ إذا اجتمعا لم صار النّاسخ هو القرآن ، دون السّنّة ، وحكم كلّ واحد من الدّليلين حكم صاحبه. وإذا كان نسخ الحكم بحكم يضاده ، فلا فرق بين أن يكشف عن ذلك الحكم المضادّ سنّة ، أو قرآن (١).

فأمّا اختصاص القرآن بوجه الإعجاز ، فلا تأثير له في وجه دلالته على الأحكام ، ولذلك قد يدلّ على الأحكام منه القدر الّذي لا يبين فيه (٢) وجه الإعجاز. ولو كان هذا الفرق (٣) صحيحا ، لوجب مثله في ابتداء الحكم بالسّنّة والتّخصيص والبيان. ولو أنّه تعالى جعل دليل نبوّته إحياء ميّت ، ثمّ أنزل قرآنا ليس بمعجز ، لكان في الدّلالة على الأحكام كهو الآن.

وقد اختلف كلام أصحاب الشّافعيّ في هذه المسألة : فتارة يقولون : إنّ ذلك لا يجوز عقلا ، من حيث يقدح في النّبوّة ، و

__________________

(١) الف : قرآنا.

(٢) ج : + و.

(٣) الف : القرآن.


يقتضى التّنفير (١) وتارة أخرى يقولون : إنّه جائز ، إلاّ أنّ (٢) السّمع ورد بالمنع منه. وربما (٣) قالوا : إنّه لم يوجد ما هذه حاله في الشّرع.

فأمّا (٤) العقل ، فلا وجه فيه للمنع من ذلك عند التّأمّل الصّحيح ، لأنّه تعالى إذا أراد أن يدلّ على الحكم ، فهو مخيّر بين أن يدلّ عليه بكتاب ، أو سنّة مقطوع بها (٥) لأنّ دلالتهما لا يتغيّر ، ويجريان مجرى آيتين ، أو سنّتين.

وأمّا التّنفير (٦) فلا شبهة في ارتفاعه ، لأنّ المعجز إذا دلّ على صدقه عليه‌السلام ، لم يكن في نسخه (٧) الأحكام بسنّة (٨) إلاّ مثل ما في نسخه لها (٩) بما يؤدّيه من القرآن ، وتطرّق التّهمة في الأمرين يمنع منه المعجز.

وأمّا (١٠) ادّعاؤهم أنّه لم يوجد ، فخلاف في غير هذه المسألة ، لأنّ كلامنا الآن على جوازه ، لا على وقوعه.

__________________

(١) ب : التفسير ، ج : التنفيز.

(٢) ج : الآن.

(٣) ب : فربما.

(٤) الف : واما.

(٥) الف وج : عليها.

(٦) ب : التفسير ، ج : التغيير.

(٧) ب : ـ نسخه ، ج : نسخة.

(٨) الف : ـ بسنة ، ج : نسبة.

(٩) ج : بها.

(١٠) ب : فاما.


وأمّا من ادّعى أنّ السّمع منع منه ، فإنّه تعلّق بأشياء :

أوّلها قوله تعالى : ﴿ وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ فبيّن تعالى أنّ تبديل (١) الآية إنّما يكون (٢) بالآية (٣).

وثانيها قوله تعالى : ﴿ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا : ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا ، أَوْ بَدِّلْهُ ، قُلْ : ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ (٤) مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي فنفي تبديله إلاّ بمثله (٥).

وثالثها قوله تعالى : ﴿ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ (٦) إِلَيْهِمْ فجعله الله ـ تعالى (٧) ـ مبيّنا للقرآن ، والبيان ضدّ (٨) النّسخ ، والإزالة.

ورابعها قوله تعالى : ﴿ ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ، أَوْ نُنْسِها ، نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها . وذكروا في التّعلّق (٩) بهذه (١٠) الآية وجوها : منها (١١) أنّه لمّا قال تعالى : ﴿ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ، كان الكلام محتملا للكتاب (١٢) وغيره ، فلمّا قال بعد ذلك : ﴿ أَ لَمْ تَعْلَمْ

__________________

(١) الف : يبدل.

(٢) الف : ـ انما يكون.

(٣) ج : الآية.

(٤) ج : ـ أبدله.

(٥) ب : بمثلها.

(٦) ب : أنزل.

(٧) الف : ـ تعالى.

(٨) الف : صفة.

(٩) ب وج : النطق.

(١٠) ب : بعده.

(١١) الف : فمنها.

(١٢) ج : للكلام.


أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، علم أنّه أراد ما يختصّ هو (١) تعالى بالقدرة عليه من القرآن المعجز. ومنها أنّه قال (٢) تعالى : ﴿ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها ، فأضاف ذلك إلى نفسه ، والسّنّة لا تضاف إليه حقيقة. ومنها أنّ الظّاهر من (٣) قول القائل : « لا آخذ منك ثوبا إلاّ وأعطيك (٤) خيرا منه » أنّ المراد أعطيك (٥) ثوبا من جنس الأوّل. ومنها أنّ الآية إنّما تكون (٦) خيرا من الآية بأن تكون (٧) أنفع منها (٨) والانتفاع بالآية يكون بتلاوتها وامتثال (٩) حكمها ، فيجب أن يكون ما يأتي به يزيد في النّفع على ما ينسخه في كلا الوجهين ، والسّنّة لا يصحّ لها إلاّ أحدهما.

والجواب عمّا تعلّقوا به أوّلا (١٠) هو أنّ الظّاهر لا دلالة فيه على أنّه (١١) لا يبدّل الآية إلاّ بالآية (١٢) وإنّما قال تعالى : ﴿ وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ . ولأنّ (١٣) الخلاف في نسخ حكم الآية ، والظّاهر يتناول نفس الآية.

__________________

(١) ج : + الله.

(٢) الف : قوله ، بجاى انه قال.

(٣) ب : في.

(٤) ب وج : أعطيتك.

(٥) ب وج : أعطيتك.

(٦) ب وج : يكون.

(٧) ج : يكون.

(٨) ج : عنها.

(٩) ب وج : بامتثال.

(١٠) ب : + و.

(١١) ج : ان.

(١٢) ب : ـ الا بالآية.

(١٣) الف وب : كان.


والجواب (١) عن الثّاني أنّه ـ أيضا ـ لا يتناول موضع الخلاف ، لأنّه إنّما نفي أن يكون ذلك من (٢) جهته (٣) بل بوحي (٤) من الله تعالى سواء كان ذلك قرآنا أو سنّة.

والجواب (٥) عن الثّالث أنّ النّسخ يدخل في جملة (٦) البيان ، لأنّه بيان مدّة (٧) العبادة وصفة (٨) ما هو (٩) بدل (١٠) منها. وقد قيل : إنّ المراد هاهنا بالبيان التّبليغ والأداء ، حتّى يكون القول عامّا في جميع المنزّل ، ومتى حمل على غير ذلك كان خاصّا في المجمل. على أنّ النّسخ لو انفصل عن البيان ، لم نمنع (١١) أن يكون ناسخا وإن كان مبيّنا ، كما لم يمنع كونه مبيّنا من كونه مبتدئا للأحكام (١٢) وقد وصف الله تعالى القرآن (١٣) بأنّه بيان (١٤) ولم يمنع ذلك من كونه ناسخا.

__________________

(١) الف : ـ الجواب.

(٢) الف : ـ من.

(٣) ب وج : جهة.

(٤) الف : يرجى.

(٥) ج : فالجواب.

(٦) الف : جهة.

(٧) الف : هذه.

(٨) ج : صفته.

(٩) ج : ـ هو.

(١٠) ج : يدل.

(١١) هكذا في نسخة الف ، وفي نسخة ب : يمتنع ، وفي ج : تمنع ، ولعل الأصل بقرينة المشبه به « يمنع ».

(١٢) الف : بالكلام.

(١٣) الف : القول ، ج : بالقرآن.

(١٤) الف : بيانا.


والجواب عن الرّابع أنّ الآية ـ أيضا ـ لا تتناول (١) موضع الخلاف ، لأنّها تتناول (٢) نفس الآية ، والخلاف في حكمها. على أنّ الظّاهر لا يدلّ على أنّ الّذي يأتي (٣) به يكون ناسخا ، وهو موضع الخلاف ، وهو إلى أن يدلّ على (٤) أنّه غير ناسخ أقرب ، لأنّه تعالى قال : ما ننسخ من آية نأت ، وهذا يدلّ على تقدّم النّسخ على إنزال ما هو خير منها ، فيجب أن لا (٥) يكون النّسخ بها وهو متقدّم عليها ، ومعنى « خير منها » (٦) أي أصلح لنا ، وأنفع في ديننا ، وأنّا نستحقّ به مزيد الثّواب ، وليس يمتنع ـ على هذا ـ أن يكون ما يدلّ عليه السّنّة من الفعل النّاسخ أكثر ثوابا وأنفع لنا ممّا دلّت عليه الآية من الفعل المنسوخ. والشّناعة بأنّ السّنّة خير من القرآن تسقط بهذا البيان ، وبأنّ القرآن (٧) ـ أيضا (٨) ـ لا يقال بأنّ (٩) بعضه خير من بعض بالإطلاق ، وقد ينسخ بعضه ببعض (١٠). فإذا فصّلوا (١١) وفسّروا

__________________

(١) ب وج : يتناول.

(٢) ج : يتناول.

(٣) الف : يوتى.

(٤) ب : إلى.

(٥) ج : ـ لا.

(٦) ب : ـ فيجب ، تا اينجا.

(٧) ب : ـ تسقط ، تا اينجا.

(٨) الف : ـ تسقط ، تا اينجا.

(٩) الف وج : ان.

(١٠) ب : ـ بالإطلاق ، تا اينجا.

(١١) ب : فضلوا.


فعلنا (١) مثل ذلك. فأمّا إضافة ذلك إليه تعالى وأنّ ذلك بالكتاب (٢) أليق منه بالسّنّة ، فالإضافة صحيحة على الوجهين ، لأنّ السّنّة إنّما هي بوحيه (٣) تعالى وأمره ، فإضافتها إليه كإضافة كلامه. وقوله تعالى : ﴿ أَ (٤) لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لا يدلّ على صفة ما يكون به النّسخ ، وإنّما يقتضى أنّه تعالى (٥) قادر على أن ينسخ الفعل بما هو أصلح في الدّين منه ، كان الدّليل على ذلك (٦) كتابا أو سنّة. وغير مسلّم أنّ القائل إذا قال لأحد (٧) : لا آخذ منك كذا وكذا إلاّ وأعطيك (٨) خيرا منه ، أنّ الثّاني يجب أن يكون من جنس الأوّل ، بل لو صرّح بخلاف ذلك لحسن ، لأنّه لو قال : « لا آخذ منك ثوبا إلاّ وأعطيك (٩) فرسا (١٠) خيرا منه » لما كان قبيحا (١١) وقد بيّنّا معنى « خيرا (١٢) منها ». فليس يمتنع أن يكون السّنّة وإن (١٣) انتفع بها من وجه واحد (١٤) أصلح لنا من الآية وإن كان

__________________

(١) الف : فعلمنا.

(٢) ب : ـ بالكتاب.

(٣) ب : توجبه ، ج : يوجبه.

(٤) ج : ـ أ.

(٥) الف : ـ تعالى.

(٦) الف : ـ على ذلك.

(٧) ب وج : ـ لأحد.

(٨) ج : أعطيتك.

(٩) ج : أعطيتك.

(١٠) ج : قريبا.

(١١) ب وج : قبحا.

(١٢) ج : خير.

(١٣) ج : ـ ان.

(١٤) ج : واحدا.


الانتفاع بها من وجهين ، لأنّ الانتفاع الّذي هو الثّواب قد يتضاعف ، فلا ينكر (١) أن يزيد والوجه واحد على الوجهين. على أنّ في درس السّنّة وتلاوتها ـ أيضا ـ ثوابا وقربة وعبادة.

فصل في جواز نسخ السّنّة بالكتاب

إنّما خالف (٢) الشّافعيّ في هذه المسألة ، والنّاس كلّهم على خلاف قوله. وكلّ شيء دللنا به على أنّ السّنّة المقطوع (٣) بها تنسخ القرآن يدلّ على هذه المسألة ، بل هو هاهنا آكد (٤) وأوضح ، لأنّ للقرآن المزيّة (٥) على (٦) السّنّة. وقولهم : لو نزلت آية تقتضي (٧) نسخ سنّة ، لأمر الله تعالى بأنّ يستنّ (٨) سنّة ثانية (٩) تكون ناسخة للأولى (١٠) تحكّم بغير دلالة ، فمن أين لهم ذلك ؟ ! وأيّ فرق بينهم وبين من قال : إنّ الله تعالى إذا أراد أن ينسخ سنّة بسنّة أخرى أنزل

__________________

(١) الف : يمكن.

(٢) ج : خلاف.

(٣) ب وج : المقطوعة.

(٤) ب وج : أوكد.

(٥) ج : المزيقة.

(٦) ج : + ان.

(٧) ب وج : يقتضى.

(٨) الف وب : ليس ، ولعل الأصل « يسن » أو ـ كما في العدة ص ٢١٤ ط تهران ـ « يبين » لأن الاستنان بمعنى العمل بالسنة لا وضع السنة المناسب للمقام.

(٩) الف وب : ثابتة.

(١٠) الف : للأول.


قرآنا ليكون النّسخ به لا بالسّنّة ؟ ! وبعد فلو سلّم لهم ما اقترحوه ، لم يخرج القرآن من أن يكون ناسخا للسّنّة ، بل كانا معا ناسخين ، وليس ذلك بملتبس بالبيان ، ولا مخرج له صلى‌الله‌عليه‌وآله عن (١) كونه مبيّنا.

وقد استدلّ على جواز نسخ السّنّة بالقرآن بوقوع ذلك ، والوقوع أكثر من الجواز ، و(٢) ذكر أنّ تأخير الصّلاة في وقت الخوف كان هو الواجب أوّلا ، ثمّ نسخ بقوله تعالى : ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً . وإنّما كان ذلك نسخا من حيث كان جواز التّأخير مع استيفاء الأركان كالمضادّ للأداء في الوقت مع الإخلال ببعض ذلك. وذكر ـ أيضا ـ أنّ (٣) قوله تعالى : ﴿ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ نسخ مصالحته صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) ـ قريشا على ردّ النّساء (٥). وأقوى من ذلك نسخ القبلة الأولى وكانت ثابتة بالسّنّة ، بالقبلة الثّانية وهي معلومة بالقرآن.

فصل فيما يعرف به كون النّاسخ ناسخا

والمنسوخ منسوخا

اعلم أنّ كون النّاسخ ناسخا إنّما يعلم بأن يكون لفظه يقتضى

__________________

(١) ب وج : من.

(٢) الف : ـ و.

(٣) الف : + في.

(٤) الف : ع.

(٥) ج : الثناء.


ذلك أو معناه ، فمثال اقتضاء اللّفظ أن يقول : نسخت كذا بكذا ، ويجري مجراه (١) قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) : « كنت نهيتكم عن (٣) زيارة القبور ، ألا فزوروها ، وعن (٤) ادّخار لحوم (٥) الأضاحيّ ، ألا (٦) فادّخروا ما بدا لكم (٧) ». ومثال الثّاني أن يتضادّ (٨) حكم النّاسخ والمنسوخ ، ويمتنع (٩) اجتماعهما في التّعبّد ، فيعلم (١٠) بذلك أنّ أحدهما ناسخ للآخر.

فصل فيما يعرف به تاريخ النّاسخ والمنسوخ

اعلم أنّ أقوى ما علم به التّاريخ أن يكون في اللّفظ ، وإنّما يصحّ أن يكون في لفظة النّاسخ دون المنسوخ إذا كان مذكورا على جهة التّفصيل ، وقد يكون على جهة الجملة في لفظ (١١) المنسوخ ، نحو أن يقول : افعلوا كذا إلى أن أنسخه (١٢) عنكم ، ولو قال : إلى أن أنسخه (١٣) في وقت كذا ، لكان وقت زوال العبادة معلوما بلفظ

__________________

(١) الف : مجرى.

(٢) ب وج : ع.

(٣) ج : من.

(٤) ب وج : حتى ، بجاى وعن.

(٥) ب وج : لحم.

(٦) ب وج : الآن.

(٧) هكذا في النسخ ، لكن المنقول في كتب الأصول « فادخروها » فراجع العدة ص ٢١٤ ط تهران وغيرها.

(٨) ج : يضاد.

(٩) ج : يمنع.

(١٠) ج : يعلم.

(١١) ج : لفظه.

(١٢) ج : النسخة.

(١٣) ج : النسخة.


إيجابها ، فيخرج بذلك من باب النّسخ.

وقد يعلم التّاريخ ـ أيضا ـ بأن يضاف إلى وقت أو غزاة (١) يعلم بها (٢) تقدّم وقت المنسوخ ، لأنّ الغرض معرفة المتأخّر والمتقدّم (٣) فلا فرق بين ذكر الزّمانين ، أو ذكر ما يضاف إليهما (٤) ممّا يعلم به التّقدّم والتّأخّر.

وقد ذكر ـ أيضا ـ أن يكون (٥) المعلوم من حال أحد الرّاويين أنّه صحب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) بعد ما صحبه الآخر (٧) وأنّ عند صحبته انقطعت صحبة الأوّل. ولا بدّ من أن يشترط (٨) في ذلك أن يكون الّذي صحبه أخيرا لم يسمع منه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٩) شيئا قبل صحبته له ، لأنّه غير ممتنع أن يراه أوّلا ، فيسمع منه وهو كافر ، أو (١٠) غير مصاحب ، ثمّ يراه ثانيا ، ويختصّ بمصاحبته.

فأمّا إذا علم تقدّم (١١) أحد الحكمين وتأخّر الآخر بالعادة (١٢) أو ما يجري مجراها ، فلا شكّ في أنّ (١٣) الثّاني هو النّاسخ ، ومثال

__________________

(١) الف : عراه ، ب : غراه.

(٢) الظاهر ان هذا هو الصحيح ، لكن النسخ كلها « بما » مكان « بها ».

(٣) ب وج : التأخر والتقدم.

(٤) الف : إليها.

(٥) الف : ـ يكون.

(٦) ب وج : ع.

(٧) ج : الأخرى.

(٨) الف : يشرط.

(٩) ب وج : ع.

(١٠) الف : و.

(١١) الف : ـ تقدم ، ج : القوم.

(١٢) ج : بالعبادة.

(١٣) ج : ـ ان.


ذلك أن يكون حكم أحدهما مستمرّا على حكم العقل (١) والآخر ثابت بالشّرع. ويدخل فيه أن يكون أحدهما شرعا (٢) متقدّما ، والآخر متجدّدا ، أو (٣) أن يكون أحدهما يتضمّن ردّا (٤) على الأوّل ، أو شرطا في الأوّل ، إلى غير ذلك من الوجوه الدّالّة على التّقدّم والتّأخّر.

وقد ذكر من تكلّم في أصول الفقه بأنّ التّاريخ ـ أيضا ـ يعلم بقول الصّحابيّ ، وأن يحكى أنّ أحد الحكمين كان بعد الآخر ، قالوا : لأنّ التّاريخ نقل وحكاية لا مدخل للاجتهاد فيه ، فيجب أن يقبل قول الصّحابيّ فيه.

وهذا الوجه مبنىّ على وجوب العمل بخبر الواحد في الشّريعة ، وفرع (٥) من فروعه ، فإذا (٦) بطل وجوب العمل بخبر الواحد ، بطل هذا الفرع ، وإن صحّ فهو صحيح.

ومنهم من فرّق بين قول الصّحابيّ : إنّ كذا نسخ كذا ، وبين نقله التّاريخ ، فقبل قوله في التّصريح بالتّاريخ ، ولم يقبله في قوله : نسخ ذلك (٧).

__________________

(١) الف : الفعل.

(٢) الف : شرطا ، ب : ـ شرعا.

(٣) الف : و.

(٤) ب وج : زيادة.

(٥) ج : فرع ، بتشديد الراء.

(٦) ب : وإذا.

(٧) ب : كذا.


ومنهم من قبل قوله في الأمرين.

والأولى على تسليم قبول أخبار الآحاد (١) أن لا يرجع إلى قوله في (٢) أنّ كذا نسخ كذا ، لأنّ ذلك قول صريح في ذكر مذهبه ، وإنّما يثبت التّاريخ تبعا للمذهب ، وإذا لم يجز عند الكلّ الرّجوع في المذاهب إلى قوله ، حتّى تثبت (٣) صحّتها (٤) فكذلك (٥) في هذا الباب. ونقل التّاريخ مخالف لذلك ، لأنّه لا يتضمّن ذكر مذهب يصحّ فيه طريقة الاجتهاد ، و(٦) كما لو قال في الشّيء : إنّه محرّم ، (٧) لا يعمل عليه ، ولو قال : زمان تحريمه الزّمان (٨) الفلانيّ ، لعمل (٩) عليه ، فكذلك (١٠) القول فيما تقدّم ذكره.

__________________

(١) ج : + و.

(٢) ج : ـ في.

(٣) ب وج : يثبت.

(٤) ج : صحتهما.

(٥) ب : وكذلك.

(٦) الف : ـ و.

(٧) ب : + و.

(٨) الف : ـ تحريمه الزمان.

(٩) ب : يعمل.

(١٠) ج : وكذلك.


تذكار

لمّا كان كتاب « الذريعة إلى أصول الشّريعة » ضخما كبير الحجم ، رأيت أن أجعله في مجلّدين ، ليكون سهل التّناول للمراجع ، فأنهيت مجلّده الأوّل إلى هنا ، (آخر مباحث النسخ) وسأبدأ مجلّده الآخر بمباحث الخبر. هذا ، وسيضاف الفهارس في آخر الجزء الثّاني إن شاء الله. وأرجو منه تعالى أن يوفّقني لإتمامه ، إنّه وليّ التّوفيق.

الدّكتور أبو القاسم

الگرجي

الذّريعة إلى أصول الشريعة - ١

المؤلف: علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]
الصفحات: 476