«... واستنبطوا عقوبة للسارق ، وذلك أنهم اتخذوا صندوقا مقسوما نصفين ، مقبوضا من غاربه بقريقيات ، وفتح لوحته العليا دائرتين نصفهما في كل نصفي اللوحة الفوقية ، يفتح هذا الصندوق ويدخل إليه السارق ويسد على ما فوق ركبتيه ، وتغل يداه بين خشبتين منصوبتين فوق الصندوق ، ثم يضرب بسياط خمسين سوطا بين كتفيه ، وقد نزعت ثيابه ، وصاحب السوط يضرب به بغاية جهده ، وصفة السوط قضيب رقيق ، طوله يزيد على ذراع يسيرا في رأسه جلدة ركب فيها تسعة خيوط من القنب الرقيق فيها ، عقد طول هذه الخيوط كطول القضيب ، قيل كل ضربة به يتفجر منها الدم ، وأن من ضرب به خمسين سوطا يموت لا محالة.»

نص الرحلة ص ٢٧٧

«ورأينا في نسائهم حياء كبيرا لأنهن يرفعن إلينا من بعد ، فإذا قربن ووقع بصرنا على إحداهن نكست بصرها إلى الأرض.»

نص الرحلة ص ٢٨٢

«... فبينما نحن مارون بتأن ومهلة إذ رأينا شعاعا عظيما خارجا من كوة عالية في جدار مرتفع ، جرم تلك الكوة مستدير فيما يظهر كجرم الشمس والشعاع كشعاعها ، إلا أنه أبيض يميل إلى الخضرة ، ويمكن للإنسان إمعان النظر فيه ، وبانتشار ذلك الشعاع انتشر الضوء على جميع تلك الخلائق الذين كانوا هناك حتى كأنه النهار ، ويرى البعيد منهم كما يرى القريب ، ويرى ظلال المارين على الأرض وبالجدران كما ترى الظلال بالنهار ، وتعجبنا من عقول هؤلاء الشطار كيف تخيلوا وصيروا الليل كالنهار، وليس ذلك من قبيل قلب الأبصار والأعيان ، بل هو محقق الوجود ظاهرة للعيان ...».

نص الرحلة ص ٣٥٥



استهلال

تهدف هذه السّلسلة بعث واحد من أعرق ألوان الكتابة في ثقافتنا العربية ، من خلال تقديم كلاسيكيّات أدب الرّحلة ، إلى جانب الكشف عن نصوص مجهولة لكتاب ورحّالة عرب ومسلمين جابوا العالم ودوّنوا يوميّاتهم وانطباعاتهم ، ونقلوا صورا لما شاهدوه وخبروه في أقاليمه ، قريبة وبعيدة ، لا سيما في القرنين الماضيين اللذين شهدا ولادة الاهتمام بالتجربة الغربية لدى النّخب العربية المثقفة ، ومحاولة التعرّف على المجتمعات والنّاس في الغرب ، والواقع أنه لا يمكن عزل هذا الاهتمام العربي بالآخر عن ظاهرة الاستشراق والمستشرقين الذين ملأوا دروب الشّرق ، ورسموا له صورا ستملأ مجلدات لا تحصى عددا ، خصوصا في اللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية ، وذلك من موقعهم القوي على خارطة العالم والعلم ، ومن منطق المستأثر بالأشياء ، والمتهيء لترويج صور عن «شرق ألف ليلة وليلة» تغذّي أذهان الغربيين ومخيّلاتهم ، وتمهّد الرأي العام ، تاليا ، للغزو الفكري والعسكري لهذا الشرق. ولعل حمله نابليون على مصر، بكل تداعياتها العسكرية والفكرية في ثقافتنا العربية ، هي النموذج الأتمّ لذلك.

فقد دخلت المطبعة العربية إلى مصر مقطورة وراء عربة المدفع الفرنسي


لتؤسس للظاهرة الإستعمارية بوجهيها العسكري والفكري.

على أن الظّاهرة الغربية في قراءة الآخر وتأويله ، كانت دافعا ومحرضا بالنسبة إلى النخب العربية المثقفة التي وجدت نفسها في مواجهة صور غربيّة لمجتمعاتها جديدة عليها ، وهو ما استفز فيها العصب الحضاري ، لتجد نفسها تملك ، بدورها ، الدوافع والأسباب لتشدّ الرحال نحو الآخر ، بحثا واستكشافا ، وتعود ومعها ما تنقله وتعرضه وتقوله في حضارته ، ونمط عيشه وأوضاعه ، ضاربة بذلك الأمثال للناس ، ولينبعث في المجتمعات العربية ، وللمرة الأولى ، صراع فكري حاد تستقطب إليه القوى الحيّة في المجتمع بين مؤيد للغرب موال له ومتحمّس لأفكاره وصياغاته ، وبين معاد للغرب ، رافض له ، ومستعدّ لمقاتلته.

وإذا كان أدب الرحلة الغربي قد تمكن من تنميط الشرق والشرقيين ، عبر رسم صور دنيا لهم ، بواسطة مخيّلة جائعة إلى السّحري والأيروسيّ والعجائبيّ ، فإن أدب الرحلة العربي إلى الغرب والعالم ، كما سيتّضح من خلال نصوص هذه السلسلة ، ركّز ، أساسا ، على تتبع ملامح النهضة العلميّة والصناعيّة ، وتطوّر العمران ، ومظاهر العصرنة ممثلة في التطور الحادث في نمط العيش والبناء والاجتماع والحقوق. لقد انصرف الرّحالة العرب إلى تكحيل عيونهم بصور النهضة الحديثة في تلك المجتمعات ، مدفوعين ، غالبا ، بشغف البحث عن الجديد ، وبالرغبة العميقة الجارفة لا في الاستكشاف فقط ، من باب الفضول المعرفي ، وإنما ، أساسا ، من باب طلب العلم ، واستلهام التجارب ، ومحاولة الأخذ بمعطيات التطور الحديث ، واقتفاء أثر الآخر للخروج من حالة الشّلل الحضاريّ التي وجد العرب أنفسهم فريسة لها. هنا ، على هذا المنقلب ، نجد أحد المصادر الأساسية المؤسّسة للنظرة الشرقية المندهشة بالغرب وحضارته ، وهي نظرة التطلّع إلى المدنيّة وحداثتها


من موقعه الأدنى على هامش الحضارة الحديثة ، المتحسّر على ماضيه التليد ، والتّائق إلى العودة إلى قلب الفاعلية الحضارية.

إن أحد أهداف هذه السّلسلة من كتب الرحلات العربية إلى العالم ، هو الكشف عن طبيعة الوعي بالآخر الذي تشكّل عن طريق الرحلة ، والأفكار التي تسرّبت عبر سطور الرّحالة ، والانتباهات التي ميّزت نظرتهم إلى الدول والناس والأفكار. فأدب الرحلة ، على هذا الصعيد ، يشكّل ثروة معرفيّة كبيرة ، ومخزنا للقصص والظواهر والأفكار ، فضلا عن كونه مادة سرديّة مشوّقة تحتوي على الطريف والغريب والمدهش مما التقطته عيون تتجوّل وأنفس تنفعل بما ترى ، ووعي يلمّ بالأشياء ويحلّلها ويراقب الظواهر ويتفكّر بها.

أخيرا ، لا بد من الإشارة إلى أن هذه السّلسلة التي قد تبلغ المائة كتاب من شأنها أن تؤسس ، وللمرة الأولى ، لمكتبة عربية مستقلّة مؤلّفة من نصوص ثريّة تكشف عن همّة العربيّ في ارتياد الآفاق ، واستعداده للمغامرة من باب نيل المعرفة مقرونة بالمتعة ، وهي إلى هذا وذاك تغطي المعمور في أربع جهات الأرض وفي قارّاته الخمس ، وتجمع إلى نشدان معرفة الآخر وعالمه ، البحث عن مكونات الذات الحضارية للعرب والمسلمين من خلال تلك الرحلات التي قام بها الأدباء والمفكرون والمتصوفة والحجاج والعلماء ، وغيرهم من الرّحالة العرب في أرجاء ديارهم العربية والإسلامية.

محمد أحمد السويدي



المقدّمة

الفصل الأول :

رحلة الجعيدي (١) نموذج للرحلات المغربية لأوربا خلال ق ١٩ م

إن حقبة القرن ١٩ على الصعيد المغربي ، تبدو إلى حد ما غنية بالتصورات المبدعة من قبل النخبة المثقفة ، اتجاه النهضة الأوربية الحديثة ، فطبيعة الظروف الدولية التي كانت قد أحاطت بالمغرب خلال هذه الحقبة والتي تتجلى في تزايد الأطماع الأوربية وتراجع مركز المغرب الدولي ، نشطت الديبلوماسية المغربية بشكل مكثف صوب أوربا ، محاولة التأثير في هذا الواقع ، فكانت لها مردودية سياسية كما أنها أسهمت في بلورة العديد من الإنتاجات الفكرية (٢) التي اهتمت بتصوير المدنية الأوربية الحديثة ،

__________________

(١) تكتب اليوم حسب سجلات الحالة المدنية بالجعيدي بدون ألف وهي التي اعتمدتها في الدراسة والتحقيق.

(٢) وهي رحلة الصفار التطواني إلى فرنسا سنة ١٨٤٥ م ، ورحلة الفاسي إلى أنجلترا سنة ١٨٦٠ م ، ورحلة العمروي إلى فرنسا سنة ١٨٦٠ م. ورحلة بنسعيد السلاوي إلى فرنسا سنة ١٨٦٦ م ، ورحلة الكردودي إلى إسبانيا سنة ١٨٨٥ م ، ورحلة الغسال إلى أنجلترا سنة ١٩٠٢ م ، وقد استمر هذا الإنتاج الفكري حتى في عهد الحماية.


ويؤرخ هذا الانتاج الفكري لأولى انطباعات المغاربة عن أوربا. وتندرج رحلة الجعيدي (١) في هذا الإطار كأكبر رحلة سفارية إلى أوربا ، بقيت مخطوطة أكثر من قرن من الزمن قابعة داخل إحدى الخزانات العائلية السلاوية لا نجد ذكرا (٢) لها في كل الدراسات التي تعالج فترة حكم السلطان الحسن الأول. حتى تفضل حفيد صاحب «الرحلة» سيدي محمد الجعيدي مشكورا فزودنا بها ، كما أننا لم نعثر على نسخة أخرى للمخطوط ، إن وجدت رغم قيامنا بالتفتيش الجدي في مظان وجود المخطوطات المغربية ، لذلك اعتمدنا على هذه النسخة الأصلية التي هي بين أيدينا ، وواصلنا البحث داخل خزانة (٣) ولده سيدي عبد القادر الجعيدي الكائنة بباب حساين بسلا.

التعريف بالمخطوط (٤)

إن المخطوط الذي نحن بصدد تحقيقه ودراسته هو رحلة سفارية من تأليف إدريس الجعيدي كاتب سفارة الحاج محمد الزبيدي الرباطي إلى أوربا سنة ١٨٧٦ م ، وتبلغ عدد ورقات هذه النسخة ١٧٨ ورقة. وبكل ورقة صفحتان واحدة عن اليمين والثانية عن اليسار ، ما عدا الأوراق التالية ، ٣ و١٠ والأخيرتين ١٧٧ و١٧٨ ، بها صفحة واحدة فقط. إذن عدد الصفحات الموجودة بهذه النسخة ٢٥٦ صفحة ، ومقياس كل ورقة ١٨* ٢٦ سم وفي كل صفحة ما بين ١١ و١٨ سطرا ، وفي كل سطر ما بين ١٠ إلى ١٨

__________________

(١) يسمي هذه الرحلة ـ خطأ ـ أحمد الناصري بالاستقصاء ج ٩ : ١٥١ ؛ وعبد الله الجراري بأعلام الفكر ، ج ٢ : ٢٧٥ ؛ وأحمد الصبيحي في كناشته الفالودج ـ تحفة الأخيار بغرائب الأخبار ـ.

(٢) لم يذكر هذه الرحلة المؤرخ بن سودة في دليله ، وإنما ذكر رحلة إدريس بن محمد بن ادريس الجعيدي السلاوي المتوفى سنة ١٩٤١ م ، وهي رحلة حجازية نشرت بجريدة «السعادة» مع ترجمته بالعدد ٥١٠٨.

(٣) تفضل سيدي محمد الجعيدي ، ووهب هذه الخزانة بكاملها ، إلى الخزانة العلمية الصبيحية بسلا.

(٤) انظر الصفحة الأولى والصفحة الأخيرة من المخطوط في ملحق الرسوم والصور صفحة ٣٠ و٣١).


كلمة ، وهي نسخة سليمة من الخروم ، كتبت بخط مغربي رقيق عدلي بيد صاحبها بالحبر الأسود فقط ، إضافة إلى هذا لاحظنا أن المؤلف قد لجأ في البداية إلى كتابة فهرس عناوين رحلته مع أرقام الصفحات دون أن يوظف هذه العناوين بكاملها في مكانها المناسب أو يكتفي بالإشارة إليها في الهامش مما اضطرنا إلى إعادة توظيفها بكاملها كعناوين بارزة تساعد القارئ على التعرف عن الأحداث التي يتحدث عنها. تتخلل المخطوط أحيانا نقط مثلثة () يبدو أن الجعيدي وضعها بدل الفواصل والنقط دون الرجوع إلى السطر ، وقد حرص على وضع التعقيبة في آخر كل صفحة حتى يطمئن القارئ على تسلسل المضمون. وتتضمن هذه النسخة العديد من الحواشي بعضها من نفس خط المتن وتكون في اتجاهه ، وهي مرتبة بالمتن كتخريجات أو توقيفات أو تصحيحات أو تعليقات ، أدرجتها في مكانها المناسب داخل المتن بين نجمتين ، وبعض هذه الحواشي بخطوط مختلفة تبين لنا أن أحدها خط ابنه عبد القادر الجعيدي ، والثانية خط المؤرخ ابن علي الدكالي السلاوي. فأشرت إلى كل حواشيهما باسم صاحبها.


المتن (١)

وردت في النص أخطاء لغوية وإملائية كثيرة ، قمنا بتصحيحها وأثبتنا في الهامش العبارة في شكلها غير الصحيح ، وإذا تكرر الخطأ نصححه دون ذكر ذلك على الهامش تلافيا لإثقال النص بالهوامش ، أما بالنسبة لبعض الأخطاء الناتجة عن استعمال الكلام الدارج فإننا آثرنا تركها كما وردت حتى لا يؤدي ذلك إلى تشويه النص ، وقمنا بشرح بعضها في الهامش ، وإذا تكررت كثيرا أحلنا القارئ إلى ملحق خاص لشرح الكلمات العامية المغربية. وقمنا بترك الأشعار الواردة كما هي بدون تصحيح وذكرنا بحورها العروضية فقط.

واستعملنا المزدوجتين للآيات القرآنية والأحاديث ، أما العلامات (//) التي تتخلل النص فقد وضعناها لتشير إلى المكان الذي تنتهي فيه كل صفحة من صفحات المخطوط.

__________________

(١) قسمهم الجعيدي إلى مقدمة وستة أجزاء.

المقدمة كتوطئة للرحلة.

الجزء الأول : من الدخول إلى طنجة إلى الركوب إلى مرسيليا (ستة أبواب).

الجزء الثاني : في أخبار مرسيليا وباريس (اثنان وعشرون بابا).

الجزء الثالث : الخروج إلى جنس البلجيق وما رأينا في بعض مدنهم (ثمانية عشر بابا).

الجزء الرابع : في بعض أخبار بلاد النجليز (ستة عشر بابا).

الجزء الخامس : الرجوع إلى بر الفرنصيص والتوجه منه للطليان. (أربعة أبواب)

الجزء السادس : في أخبار بعض بلاد الطليان (ثلاثة عشر بابا).

الخاتمة : لم يكتبها.

وقاعدته في ذكر الأعلام والمدن أنه يوردها بنطقها الأعجمي.


الصفحات الفارغة من المتن

ذكر صاحب الرحلة في فهرس رحلته وكذلك في الصفحة / ١٢٥ / «.....» (١). وفي الصفحة / ٢٣ / «هذا الفصل سيقدم ويلحق بموضعه المناسب بحول الله» ، نستنتج من كلامه هذا أن رحلته ما زالت مسودة أي مبيضة وأنه لم ينته بعد من كتابة جميع أجزاءها.

لهذا توجد بعض صفحات هذه الرحلة بيضاء فارغة وهي حسب الجدول التالي :

١_ فهرس العناوين الذي وضع صاحب الرحلة جزءه الأخير غير كامل (٢).

٢ _ مقدمة الجعيدي جزءها الأخير ناقص«... الطالب السيد ...»عند الصفحة/٩/.

٣_ الصفحات الفارغة في المخطوط (٣).

٤_ الصفحة الوحيدة التي يوجد بها بثر في وسطها بواسطة آلة حادة / ٢٠٢ / هي رقم/ ٢٠٢ /.

٥_ الصفحتان / ١٢٣ / و/ ١٢٤ / مكررتان.

٦_ تنفرد رحلة الجعيدي السفارية بوجود بعض الرسوم التوضيحية بحواشي بعض الصفحات ، كما أنني طعمتها ببعض الرسوم الأخرى تقريبا للفهم (انظر جدول الرسوم بالملحق).

__________________

(١) «هذا الفصل يقوم عند الخروج من هذه المبيضة بحول الله». والمبيضة هي مشروع مرسوم أو رسالة أو مقولة وغير ذلك. وأصلها المسودة ودعيت مبيضة تفاؤلا.

(٢) كما أن أحداث الرحلة أحيانا غير متسلسلة كمثال «أثناء إقامتهم بباريس في المرة الأولى يقول : في يوم الخميس ١٥ ـ ٦ ـ ١٨٧٦ م حضروا استعراض الجيش الفرنسي ، ثم يعود بالحديث أنه في يوم الأربعاء ١٤ ـ ٦ ـ ١٨٧٦ م تناولوا طعام العشاء بدار كبير الدولة ، ثم يعود إلى يوم الخميس ١٥ ـ ٦ ـ ١٨٧٦ م ليستمر في مذكراته من جديد حسب التسلسل الزمني ...».

(٣) وهي / ٢٥ / و/ ٢٦ / و/ ١١٠ / و/ ١١١ / و/ ٢٠٣ / و/ ٢٠٤ / و/ ٢٠٥ / و/ ٢١٢ / و/ ٢١٣ / و/ ٢١٤ / و/ ٢١٥ / و/ ٢٤٤ / و/ ٢٤٥ / و/ ٢٤٦ / و/ ٢٤٧ / و/ ٢٤٨ / و/ ٢٤٩ / و/ ٢٧٢ / و/ ٢٧٢ / و/ ٢٧٣ / و/ ٣٠٦ / و/ ٣٠٧ / و/ ٣٠٨ / و/ ٣٠٩ / و/ ٣٤٢ / و/ ٣٤٣/.


ترجمة صاحب الرحلة :

ترجمة مختصرة لآل الجعيدي

ينتمي إدريس الجعيدي السلاوي إلى أسرة شريفة ، كانت تستوطن مدينة تطوان ، التي يوجد بها ضريح جده الشيخ أبو الحسن علي بن مسعود الجعيدي (١) المتوفى عام ٠٣٢ ه‍. «... ودفن بزاويته الخاصة قرب جامعه الكبير بحومة العيون ، وما زال ضريحه قائما تقام به الصلوات ، ويزوره الناس ويتبركون به ، ومسجده من أعظم مساجد تطوان» (٢) وقد احتفظ أبناء الشيخ بعد وفاته بكل احترام وتوقير ومكانة (٣) هامة.

احتل حفدته مناصب مخزنية هامة في الدولة المغربية أيام السلطان سيدي محمد بن عبد الله ، الذي عين عبد السلام بن الخياط بن علي الجعيدي قائدا بأحواز فاس لحل المشاكل والدعاوي عام ١١٩٨ ه‍. وتولى محمد الجعيدي قيادة مدينة صفرو وأحوازها أيام السلطان مولاي سليمان عام ١٢٣٥ ه‍. وعين عبد القادر بن الخياط الجعيدي كاتب الديوان الجهادي بسلا ، كما جاء ذلك عند ابن زيدان (٤) : «أنه في سنة ١٢٠٣ ه‍ أرسل السلطان سفارة مهمة للسلطان عبد الحميد كما جاء بخط كاتب الديوان الجهادي بسلا في ذلك العهد سيدي عبد القادر الجعيدي أوائل شعبان ١٢٠٣ ه‍ ...».

وبالتالي هو أول من استوطن مدينة سلا من آل الجعيدي بسبب الوظيفة المذكورة،

__________________

(١) انظر ترجمته الكاملة عند محمد داود «تاريخ تطوان» ، القسم ٣ من المجلد الأول : ٣٣٢. وذكر أن هذه العائلة انقرضت من تطوان سنة ١٩٥٧ م. (انظر صورة صاحب الرحلة في ملحق الرسوم والصور صفحة ٣٢).

(٢) عبد الله محمد بن الطيب القادري ، التقاط الدرر ... ، ج ١ : ١٤٠.

(٣) كما تدل على ذلك الظهائر السلطانية الموجودة ضمن وثائق آل الجعيدي بالخزانة العلمية الصبيحية بسلا.

(٤) الإتحاف ، ج ٣ : ٣٠٦.


واتصل إذ ذاك بالقبطان الشهير الحاج الهاشمي عواد ، وانعقدت بينهم المصاهرة التي ما زالت محكمة بين العائلتين (١) وبعد حوالي نصف قرن من استيطان الجعيديين مدينة سلا ، ولد صاحب الترجمة.

__________________

(١) مما يدل على ذلك عقود الصداق الموجودة ب خ. ع. ص. بسلا.


__________________

(١) صاحب قعود آل الجعيدي بتاريخ ١١٠٨ ه‍.

(٢) كاتب الديوان بسلا عام ١٢٠٣ ه‍ (أول من استوطن مدينة سلا).

(٣) أولاده من زوجته الأولى خديجة الصابونجي توفيت عام ١٢٩٢ ه‍.

(٤) أولاده من زوجته الثانية فاطمة بنت الأمير الحاج محمد بن أحمد عواد.

(٥) عضو مجلس الاستئناف الأعلى ، ترجمته ب «أعلام الفكر المعاصر بالعدوتين» ، عبد الله الجراري ، ج ٢، ٢٧٥. وهو صاحب الرحلة الحجازية ذكرها عبد السلام بن سودة ب «دليل مؤرخ المغرب الأقصى» : ٩٩.


نسبه

سيدي إدريس ابن محمد بن إدريس بن عبد القادر بن الخياط بن علي بن عبد الله بن الوالي الصالح سيدي علي ابن مسعود ، دفين تطوان ، ابن مسعود حسب وثيقة خطية (١).

ويستمر نسب صاحب الترجمة مسترسلا ، حسب قعود آل الجعيدي الموجود ب. خ. ص. بسلا ، والمكتوب في ورقة عدلية من الحجم الكبير بتاريخ أواسط جمادى عام ١١٠٨ ه‍.

__________________

(١) هذه الشجرة التي استنتجتها من وثائق آل الجعيدي ب : خ. ص. بسلا ، تطابق ما جاء بخط سيدي عبد القادر بن إدريس الجعيدي السلاوي في كناشة صغيرة توجد بخزانته العائلية بحي باب حساين بسلا من الحجم الصغير.

إن نسبه هو عبد القادر بن ادريس بن محمد بن ادريس بن عبد القادر بن الخياط بن علي بن عبد الله بن علي بن مسعود الجعيدي الأنجري الأصل التطواني المزار ، وبها ضريحه الأسمى المتصل نسبه بفاتح المغرب مولانا ادريس ـ رضي الله عنه ـ وقد كان انتقال أجداد الشيخ المذكور لفاس صدر الدولة العلوية الشريفة دام عزها ، وأسندت لهم مناصب مخزنية أيام السلطان المقدس سيدي محمد بن عبد الله ... ولا زال محلهم مشهورا بحومة العيون من فاس ... قد كتب بزليجة خضراء بنقش بديع صدر السقاية بجدارها المواجه أبياتا نصها :

شاد حسني وجمالي

نزهة للناظرينا

ماء واد من نداه

به قد زان العيونا

نزه الألحاظ واشرب

واغترف ماء معينا

سيدي عبد السلام

أشرف الحكام فينا

وادع للاسم الجعيدي

وأمير المؤمنينا

نقش تاريخ ويغفر

للذ قال آمينا

.. وقوله ويغفر إشارة لتاريخ ولاية سيدي عبد السلام عام : ي ـ ١٠ ، ع ـ ٩٠٠ ، ف ـ ٨٠ ، ر ـ ٢٠٠.

المجموع ـ ١١٩٦ ه‍.


مسعود بن تكال بن يجعد بن سليمان بن محمد بن إسماعيل بن عيسى ابن يعلي بن عبد العزيز بن خليفة بن هاشم بن سمرة بن هلال بن عمر بن كثير بن إدريس بن إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن فاطمة بنت مولانا رسول الله ... حتى نصل إلى بن عدنان. (رقم الوثيقة ٢٢) ومصادق على صحة هذا القعدود اثنا عشر من الشهود من أهل مدينة تطاوين بتاريخ رجب ١٠٨ ه‍.

وقابل هذا القعدود عدلان وشهدا بصحة المقابلة والمماثلة بتاريخ ١٩ جمادى الأولى عام ١٣٢٨ ه‍ ، كما اطلع عليه عدلان من حضرة فاس يوم ١٥ شعبان عام ١٣٢٩ ه‍.

نشأته ودراسته

أما تاريخ ولادة الشريف سيدي إدريس بن محمد بن إدريس

عبد القادر الجعيدي ، إلى حد الآن لم أستطع أن أضبطها أو أعثر عليها ، وإنما أقدرها فقط أوائل الخمسينات من القرن ١٣ ه‍. وهي تصادف الفترة التي ولد فيها المؤرخ أبو العباس أحمد بن خالد الناصري ، المزداد بسلا بتاريخ ٢٢ ذي الحجة ١٢٥٠ ه‍ ، الموافق (٢٢ مارس عام ١٨٣٥ م).

إذن يمكننا أن نستشف ونتلمس من خلال ترجمة سيدي أحمد الناصري ـ المنشورة بالاستقصا (١). الجو الثقافي والعلمي والأدبي الذي كانت تعيشه مدينة سلا ، وبالتالي نتعرف على نشأته ودراسته عن طريق المقارنة والمماثلة ، لأن كلا من الناصري والجعيدي قرينان في العمر ومن أبناء مدينة واحدة.

تقول ترجمة الناصري «... كانت هذه المدينة (سلا) إذ ذاك زاهرة بالعلوم الإسلامية والعربية ، وفيها جماعة وافرة من العلماء والمدرسين والأساتذة القراء الذين يعتمد عليهم في تحقيق الفنون ودرس أصول العلوم والمتون».

__________________

(١) الجزء ١ : ٩ من طرف ولديه جعفر ومحمد الناصري.


وذكرت الترجمة العديد من الأساتذة والشيوخ منهم «... الأستاذ محمد العلو السلاوي ... الأستاذ محمد بن الجيلاني الحمادي في مبادئ علوم قراءة القرآن ... الأستاذ محمد بن طلحة الصباحي ... الأستاذ عبد السلام بن طلحة ... العلامة محمد بن عبد العزيز محبوبة السلاوي ... العلامة أبي بكر بن محمد عواد السلاوي ...»، وغيرهم.

مما لا شك فيه أن صاحب الترجمة سيدي ادريس الجعيدي ، لما يوصف به من شغف بالعلم وحب أهله ، أنه درس هو الآخر على هؤلاء الأساتذة وانتفع بعملهم واستفاد من الجو الثقافي الذي كانت تعرفه مدينة سلا ، وكانت (١) «... تصل إليها بعض المجلات العلمية والجرائد السيارة تأتي من مصر والشام وفرنسا ...». هذا في ما يخص الدراسة أو الثقافة العامة ، غير أن إدريس الجعيدي اهتم بدراسة العلوم الحديثة كالرياضيات ، وعلم الفلك الذي برع فيه كاختصاص.

أهم شيوخه في علم الفلك

كما جاء عند ولده عبد القادر الجعيدي في إحدى أوراقه المخطوطة بخزانته بباب حساين بسلا «إن والدي رحمه الله كان تبرز في هذا الفن وغيره ، وتميز تحقيقا وتدقيقا وتنظيرا واستخراج الكنوز الغامضة من قعر معادنها ، وقد أخذ هذه العلوم عن عدة علماء ... منهم سيدي الجيلاني الرحالي بمكناس (٢) هو الذي صنع رخامات بجامع مكناس ... ثم أخذ والدي أيضا على الشريف المتفنن سيدي عبد السلام العلمي (٣)

__________________

(١) الاستقصا ، الناصري ، جزء ١ : ٩.

(٢) ميقاتي مكناس السيد الجيلاني بن عزوز الرحالي ، انتدبه السلطان الحسن الأول لتدريس نجباء طلبة الجيش عام ١٣٠٢ ه‍ ، وتوفي عام ١٣٠٩ ه‍. (انظر ترجمته بإتحاف أعلام الناس ، ج ٢ : ٢١٢ ، ٢١٤ ، ٢٤١).

(٣) الميقاتي عبد السلام بن محمد بن أحمد الحسني الفاسي ، المتوفى ١٣٢٣ ه‍ / ١٩٠٥ م ، عينه الحسن الأول ليدرس الطب الحديث بقصر العيني بالقاهرة عام ١٢٩١ ه‍ / ١٨٧٥ م. (انظر مظاهر يقظة المغرب ، المنوني ، ج ١ : ١٨٥. الطبعة الأولى عام ١٩٧٣ م).


وله تآليف عديدة وصنع رخامات ...، كما أخذ والدي المقدس عن مولاي أحمد السويري (١) قرأ الفنون بأوربة بأمر مولوي ، وأخذ عن علماء أربعة قرأ بإيطاليا وغيرها، منهم الحاج ادريس الشاوي (٢) برز في الهندسة وعلم الرماية بالمدافع وغيرها، وعن السيد المختار الرغاي (٣).

وعن السيد أحمد بناني الفاسي (٤) الذي ، كلف آخر عمره بمكينة ضرب السكة بفاس ، وكلفهم مولاي الحسن رحمه الله بتصوير البلدان ، ووالدي كان يأخذ عنهم ويباشر معهم العمل ، وأخذ والدي رحمه الله عن العلامة أحمد بورقية (٥) ، كان يدرس تأليف أقليدس في الهندسة برباط الفتح ، وإذا أصابه عذر كالمرض يستنيب والدي في الدروس بالرباط ... وأخذ عن الحاج محمد التريكي الرباطي (٦) وهلم جرا ، كما أخذ أيضا عن الأحبابي (٧) الكبير الموقت بالقرويين عام ١٣٠٣ ه‍ ...».

__________________

(١) أحمد بن عبد الله الإدريسي التناني المعروف بالصويري ، له عدة مؤلفات في الحساب والجبر والمقابلة واللوغاريتيمية. (الاعلام ، عباس بن إبراهيم ، ج ٢ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧ ؛ واليقظة للمنوني ، ج ١ :١٦٩).

(٢) الذي صار في قيادة المدفعية المغربية. (إتحاف أعلام الناس ، ج ٢ : ٤٦٦).

(٣) (الإتحاف ، ج ٤ : ٤٩٨) ذكره ضمن طلبة البعثة المتخرجة من مدارس فرنسا ، استخدمهم السلطان الحسن الأول بدار السلاح بفاس.

(٤) لعله يقصد محمد بناني الفاسي الذي توجه في بعثة طلابية لإيطاليا سنة ١٢٩١ ه‍ لدراسة العلوم الحربية والهندسية (العز والصولة لابن زيدان ، ج ١ : ١٥٠ ، ١٦٠).

(٥) أحمد بن عبد الرحمن بورقية المكناسي ثم الرباطي درس مع الأمير محمد الرابع بمراكش المتوفى ١٣٢٤ ه. درس علم الفلك بالرباط بأمر من مولاي الحسن الأول (ترجمته بمجالس الانبساط ... لدينية الرباطي ن. م. م ٧٧٩ ـ ج ٢ : ١٣١).

وكان ينوب عنه كذلك عبد الرحمن بن عبد العزيز عواد ، وثائق آل بن سعيد.

(٦) لم أتعرف عليه.

(٧) الفلكي الحاج محمد بن الطاهر الحبابي الفاسي المتوفى عام ١٢٦٧ ه‍ / ١٨٨٩ م ، انتصب لتدريس التوقيت بالقرويين ، ترجمته ب» سلوة الأنفاس» ، ج ٢ : ٣٦٠.


وقد شهد له بذلك المؤرخ الناصري (١) «... الفقيه الأديب فلكي العصر وحاسبه الشريف أبو العلاء ادريس بن محمد الجعيدي السلاوي ...».

كما وصفه الأستاذ عبد الله الجراري (٢) «... أبو العلاء الجعيدي من المولعين بالرياضيات والهندسة والتعديل والرصد ، مع ولوع بالأسفار والتجوال ، رحل إلى أوربا وسواها ... له تقييد حافل يقع في ثمانية كراريس ...». وبنفس الوصف ذكره العباس بن إبراهيم (٣)» ... الشريف الأديب فلكي العصر ...» ، ووصفه الأستاذ أحمد الصبيحي «... وكان رحمه الله بارعا في الأدب والعلوم الرياضية إليه المنتهى في الهندسة وأحكام النجوم والتوقيت والتعديل والحساب والفرائض وغير ذلك ، مع مشاركة في فنون شتى وجال في بلاد الشرق وحج ...» (٤) ، أكد هذا صاحب الترجمة في رحلته المخطوطة : ١٢٣«... في أواسط شعبان عام ١٢٧٧ ه‍ كنا نتهيأ للسفر لحج بيت الله الحرام ...».

كما هو معروف ومتوارث أن جل من يقصد البلاد الحجازية من الأدباء والعلماء ... ينتهز فرصة هذا السفر الطويل لطلب العلم ولقاء المشاييخ الكبار ونيل الإجازات وارتياد المكاتب المشهورة ، فكثير ما كانت الغاية الدراسية تتحد مع أداء فريضة الحج ، ومما لا شك فيه أن صاحب الترجمة استفاد من سفريته هذه إلى الشرق العربي الناهض. وبعد عودته من رحلته السفارية إلى أوربا عام ١٢٩٤ ه‍ ، وفد على حضرة السلطان ومدحه بقصيدة جيدة نشر بعضها الناصري (انظر نصها بالملحق : ٢) وبعدها همش من أية مهمة مخزنية ، حتى عينه السلطان الحسن الأول في ربيع الثاني من سنة ١٢٩٧ ه‍ لإحصاء صائر بمراكش بدلا عن الفقيه عبد الله بن خضراء ، فمدح السلطان بقصيدة طويلة نشرها الناصري (٥) حوفظ فيها على الأوزان

__________________

(١) الإستقصا ، ج ٩ : ١٥١.

(٢) أعلام الفكر المعاصر بالعدوتين ، ج ٢ : ٢٧٥.

(٣) إعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام ، ج ٣ : ٣٩.

(٤) الفالوج (كناشة علمية ب خ. ع. ص. بسلا) رقم ٤٢٦.

(٥) الاستقصا ، ج ٩ : ١٧٠.


الشعرية (نصها الكامل بالإستقصا).

يقول في مطلعها :

لبيك يا منقذي من لجة العدم

سعيا على الجفن لا مشيا على القدم

فذا أوان سعود كنت أوصده

وذي مناي كما في سابق القدم

إلى أن يقول :

مولاي أنت الذي تغني الضعيف إذا

ما الدهر أفضى به لقبضة الهرم

مولاي جد برضاك لي وخذ بيدي

واحرس جنابي به من سائر الألم

حياته العائلية

زواجه الأول كان من السيدة خديجة الصابونجي عام ١٢٧١ ه‍. حسب عقد الصداق (رقم الوثيقة ١) ب. خ. ع. ص. بسلا.

«عقد بين الشاب سيدي إدريس بن الشريف الحاج محمد الجعيدي ، والطالب الشريف سيدي محمد بن الشريف مولاي أحمد الصونجي». الأول عقد على نفسه والثاني على ابنته خديجة بتاريخ ١١ ذي القعدة عام ١٢٧١ ه‍.

السيدة الصابونجي خلفت معه عائشة ومولاي محمد والطاهرة والبتول وزينب وصفية ومولاي محمد ، وماتت نفاسا يوم ٦ ربيع الثاني عام ١٢٩٠ ه‍ ، حسب كناشة بخزانة ولده عبد القادر الجعيدي ، وكتب صاحب الترجمة بخطه تواريخ ازدياد أولاده من السيدة الصابونجي.

وبنفس الخزانة عثرت على تريكة صاحب الترجمة ، والتي تذكر أنه تزوج بعد وفاة زوجته خديجة الصابونجي ، بالسيدة فاطمة بنت الأمين الطالب السيد الحاج


محمد بن أحمد عواد وخلفت معه.

ـ سيدي عبد القادر (صاحب الخزانة بباب حساين بسلا).

ـ سيدي محمد دعي ابن إدريس ، وسيدي أحمد ، وزهراء وحبيبة.

وترك كذلك خزانة مهمة من الكتب الفقهية والأدبية المتداولة في عصره ، بالإضافة إلى العديد من الكتب في علم الفلك والتوقيت وعلم التنجيم ، ومجموعة من أدوات الرصد والقياس (انظر لائحة الكتب والأدوات بالملحق).

وفاته

وتوفي ـ رحمه الله تعالى ـ في عصر يوم الأحد الثاني والعشرين من صفر عام ثمانية وثلاثمائة وألف (١٣٠٨ ه‍) ، ودفن بضريح ولي الله تعالى سيدي علي المليح ـ رضي الله عنه ـ من بلده سلا حرسها الله (١).

__________________

(١) أحمد الصبيحي ، الفالوج ، خ. ص. بسلا.

(انظر صورة السفير الحاج محمد الزبيدي في ملحق الرسوم والصور صفحة ٣٣).


الفصل الثاني الإطار

التاريخي للرحلة

عرفت العلاقات المغربية الأوربية في السنوات الأولى من القرن ١٩ م تقلصا كبيرا بسبب انشغالهم بحروب الثورة الفرنسية وحروب نابليون بونابرت ، ويتجلى هذا في ضعف التمثيل القنصلي المتركز بطنجة ، وإغلاق السلطان مولاي سليمان جل الموانئ المغربية أمام التجارة الخارجية وإبطال سنة الجهاد البحري سنة ١٨١٧ م ، إلا أن سياسة الاحتراز التي تبناها المولى سليمان لم تعد ممكنة في عهد السلطان المولى عبد الرحمن الذي شعر بخطورة احتلال فرنسا للجزائر سنة ١٨٣٠ م والتي أخلّت بالتوازن السياسي والعسكري في المنطقة» (١) وأرغمت المغرب على الدخول في حرب مفتوحة مع فرنسا عند وادي إيسلي سنة ١٨٤٤ م ، فكانت أول معركة عسكرية ينهزم فيها المغرب منذ أزيد من قرنين ، وقد انهار على أثرها صيته العسكري ، واضطر المولى عبد الرحمن إلى التوقيع مع فرنسا (٢) على معاهدة سنة ١٨٤٥ م والتي قسمت الحدود المغربية الجزائرية من الشواطئ المتوسطية إلى مدينة فكيك.

كما شهدت هذه الفترة نموا ملحوظا في المبادلات التجارية مع أوربا نظرا لحاجتها إلى الأصواف والجلود والحبوب وغير ذلك من المواد الخام ، بيد أن هذا النمو لم يكن

__________________

(١) مراجع معددة تؤكد هذه الحقيقة من بينها :

شارل أندري جوليان ، «التدخل المغربي في الجزائر غداة احتلالها» ، ترجمة محمد البوزيدي ، مجلة البحث العلمي ، العدد ٣ ، السنة ١ ، سبتمبر ـ دجنبر ١٩٦٤ ، ص. ١٦٥ ؛ عبد العزيز بن عبد الله تاريخ المغرب الحديث والفترة المعاصرة ، مصر ، ج ٢ ، ص ٥٧ ؛ الناصري ، الاستقصا ، ج ٩ ص. ٢٩.

Robert Comavin, Histoire de l'Afrique, Tome II : P ٤٣٣; AzanP, Lemir Abdelkader, Hach ـ ette, Paris, ١٩٢٥, ١٤٢.

(٢) انظر النص الكامل للاتفاقية عند ابن زيدان ، الإتحاف ، ج ٥ : ١٦٦ وما بعدها ، ودراسة أحمد العماري ، «مشكلة الحدود الشرقية» ، مجلة كلية الآداب ، فاس ، عدد ٨ ، سنة ١٩٨٦ ، ص ١٩٧.


منتظما وكان مرتبطا بالظروف الدولية ، وظل المغرب بالنسبة للتجارة الأوربية سوقا تكميليا تلتجئ إليه في فترة الأزمات. في هذه المرحلة كان المخزن ما زال مسيطرا نسبيا على الموقف في تعامله مع الدول الأوربية ، وكان التشريع الجمركي سلاحه الفعال في ميدان التجارة البحرية ، إلا أن الأوساط الأوربية المهتمة بالمغرب تضايقت من هذا الوضع ، وأمام ضغطها تجندت الدول الأوربية لإرغام المغرب على عقد معاهدات تجارية لترسيخ قواعد التحكم الأجنبي في التجارة المغربية ، وربط مصالح الخزينة السلطانية بمصالح التجارة الأوربية ، وقد تحقق هذا الهدف بعقد ثلاث معاهدات (١) ، الأولى مع أنجلترا سنة ١٨٦٥ م والثانية مع إسبانيا بعد حرب تطوان مباشرة سنة ١٨٦١ والثالثة مع فرنسا سنة ١٨٦٣ م ، غيرت بعمق (٢) طبيعة العلاقات المغربية الأوربية ، لأنها نصت على تقوية مكانة الحماية القنصلية بالمغرب ، والتي أصبحت في تصاعد مستمر ، وبالتالي انعكس كل هذا على مالية المخزن فأصبحت الحماية حاجزا أمام كل إصلاح. من هنا ندرك مدى اهتمام السلطان الحسن الأول لإيجاد حل لهذا المشكل الذي اعتبره أصل جميع الخلافات القائمة بينه وبين أوربا. فخلال هذه الحقبة الحاسمة من تاريخ المغرب المعاصر ، نشطت الديبلوماسية المغربية ، بشكل مكثف محاولة التأثير في هذا الواقع ، والدفاع عن وضع المغرب الدولي ، ومستهدفة في آن واحد استثمار التناقضات السائدة في صفوف القوى الأوربية لمصلحتها.

أوفد المخزن المغربي خلال هذه الحقبة الممتدة من سنة ١٨٤٥ إلى سنة ١٨٧٦ م

__________________

(١) انظر نص هذه المعاهدات بكتاب عبد الوهاب بن منصور ، مشكل الحماية القنصلية من نشأتها إلى مؤتمر مدريد سنة ١٨٨٠» ، الرباط ، ١٩٧٧ م.

(٢) انظر دراسة جرمان عياش ، «جوانب من الأزمة المالية في المغرب بعد حرب ١٨٦٠» ، مجلة البحث العلمي ، عدد ٤ ـ ٥ ، السنة ٢ يناير ، غشت ١٩٦٥ ، ص ٢٠ ؛ ومحمد داود ، تاريخ تطوان ، المجلد ٤ ، ص ١٦٧ ؛ والناصري ، الاستقصا ، ج ٩ : ١٨٢.


أربع (١) بعثات دبلوماسية. الأولى بقيادة الحاج عبد القادر أشعاش إلى فرنسا على عهد المولى عبد الرحمن ، والثانية برآسة إدريس العمراوي إلى فرنسا والحاج عبد الرحمان العاجي صحبة الكاتب محمد الطاهر الفاسي إلى أنجلترا ، أما الثالثة فبقيادة محمد بن عبد الكريم الشرقي سنة ١٨٦٦ م صحبة محمد بن سعيد السلاوي ، أما الرابعة فكانت بقيادة محمد الزبيدي الرباطي والكاتب إدريس الجعيدي وذلك على عهد السلطان الحسن الأول إلى فرنسا وبلجيكا وأنجلترا وإيطاليا دون إسبانيا التي حاولت عرقلة سفر الزبيدي ورفاقه إلى أوربا ، بقيامها بتحركات عسكرية شمال المغرب ، بهدف استفزاز المخزن المغربي وتخويفه من مغبة الإقدام على ما يتعارض مع المصالح الإسبانية بالمغرب مما دفع وزارتي الخارجية لكل من فرنسا وأنجلترا أن تطلب من الحكومة الإسبانية عن طريق سفيريهما (٢) بمدريد توضيحات عن هذه التحركات

__________________

(١) نتيجة هذا النشاط الدبلوماسي المتجه صوب أوربا ، تخلفت عدة أدبيات اهتمت بتصوير المدنية الغربية ، وبلورت في هذا الصدد أفكارا وآراء شكلت في مجموعها ما يقرب من رؤية حضارية هي في عداد الرؤى الاستراتيجية. ولا أرى كبير فائدة من أن استقصى كل الرحلات السفارية المغربية كخلفية عامة ، لأن ذلك يتطلب أن أفرد له بحثا خاصا ومستقلا لا يتسع مداه داخل دراستي ، وإنما الذي أهتم به هو أن أضع رحلة الجعيدي إلى أوربا في مكانها التاريخي وسط باقي الرحلات السفارية المغربية التي سجلت لنا المظاهر الأولى للحضارة الأوربية خلال القرن ١٩ م ، حتى تكون دراستي شاملة وواعية بتطور هذا النوع من الرحلات ، والتي كانت تهتم بمشكلة تبادل الأسرى والقرصنة البحرية في ما سبق كما يلاحظ ذلك من عناوينها.

(٢) أبرق سفير فرنسا بطنجةTissot إلى وزيره Decasses يخبره بتشكرات السلطان الحسن الأول على ما قام به من مجهودات لوقف الحملة الإسبانية ، والحق بهذه البرقية الرسالة التي توصل بها من السيد بركاش نيابة عن السلطان وهي على سبيل السر ، وهذا نصها العربي «إن سيدنا نصره الله بلغه خبر سري بأن باشدور الدولة الفرنسية بمدريد مع باشدور النجليز حين سمعوا بأن دولة الصبنيول مرادها في توجيه المراكب لطنجة والمحلة لسبتة ، كانا سألا وزير الصبنيول فيما هو سبب ذلك ، وما قصروا في الكلام مع الوزير المذكور لدفع ما يجب الغيار ، وسيدنا أيده الله أمرني نجازيكم خيرا على ذلك إذ بذلك ثبت مرادكم في الخير ودوام المهادنة في إيالته والسلطان أيده الله دائما موجود لإعطاء الحق لجميع الدول ولا يحتاج لمراكب ولا لمحلة ، ونحن نجدد المجازات على لسانه لجانبكم طالبين


العسكرية قصد منعهم من أية حملة عسكرية جديدة على المغرب ، كما أخبر بذلك سفير إيطاليا بلندن وزارته بروما ، بعد حديثه مع الوزير البريطاني اللورد دربي الذي أكد له «بكون الحكومة الإسبانية ستبعث بمجموعة من الجنرالات إلى المغرب لملئ أوقات فراغهم وإشباع رغباتهم وذلك لعدم إيجاد شغل لهم ، وأنجلترا وألمانيا قد أخبروا بهذه البعثات الإسبانية ولم تعارض على ذلك ، ولهذا فإن سفارة الزبيدي ستحاول الوصول إلى معرفة رأي الحكومات الثلاث فرنسا وأنجلترا وإيطاليا عن هذه الحالة ، والذي أظن أنه في صالحنا استمرار استقلال المغرب وعدم احتلاله خصوصا من طرف إسبانيا ، والكونت دربي يشاطرني هذا الرأي ، والحالة المحتملة هو كون أنجلترا وإيطاليا مع فرنسا يمكنهم عرقلة ما تريد القيام به إسبانيا بالمغرب ... وبهذه العرقلة سنصل إلى رتبة ممتازة لعلاقاتنا التجارية مع المغرب ...» (١).

في هذا الجو من الضغوط العسكرية والملابسات السياسية ، توجهت سفارة الزبيدي إلى أوربا في صيف سنة ١٨٧٦ م على متن الفركاطة الحربية Cassard إلى فرنسا ثم بلجيكا وأنجلترا وإيطاليا ، بعدما فشل مشروعها الأول سنة ١٨٧٥ م حيث كانت ستقتصر في رحلتها على فرنسا فقط.

__________________

دوام سيرتكم على هذا الوجه والسلام» البرقية بتايخ ١٨ / ٦ / ١٨٧٦ م.

CP. Maroc, Volume ٠٤, ٦٧٨١) S. I. M (CorresPondence Politique, Paris, N ١٨٤, ١٨٣.

(١)

S. P. E. I.) D. M. Smith (. M. D. A. E. I) Arch, Stor. DiPl RCM( N 265, P. 320,322.

وأكدت جريدة Corriere Della Sera حقيقة الأطماع الإيطالية «... جاءت أخبار من روما ونابولي تدور حول مردودية زيارة السفير المغربي لإيطاليا ... فقد وجدوا اهتماما وحفاوة غير مصطنعة بل تلقائية من طرف حكومتنا وملكنا وشعبنا. وهذا يرجع بنا للمشروع أو الفكرة التي قام بها احد الإطاليين من جنوة منذ مدة من الزمن ، وكان قصده هو حصول إيطاليا على مستعمرة بالشواطئ الأطلسية ... إلا أن حقد وحسد الفرنسيين أرجعوا : الجنوفيزي» من الرحلة ... أما الآن فقد اكتشف العديد من الإيطاليين أن المغرب بلد يمكن أن يربح فيه العديد من الإيطاليين دون أن يغامروا بأرواحهم بالذهاب إلى الجزائر أو يعرضون أنفسهم للأمراض مثل الحمى الصفراء بذهابهم للبرازيل ... مما سيجعل إيطاليا توسع سوقها التجاري حتى بلاد السودان ...».


المشروع الأول لسفارة الزبيدي

عين السلطان الحسن الأول محمد الزبيدي الرباطي ، الرجل الخبير في المشاكل التي عرفها المغرب منذ بداية القرن ١٩ م. سفيرا عنه إلى دولة فرنسا فقط في البداية وهي تأتي ردا عن زيارة السفير الفرنسي طيسوTissot لمدينة فاس (١) سنة ١٨٧٣ م حسب ما جاء في الرسالة السلطانية التالية إلى نائبه بطنجة محمد بركاش.«... (٢) وبعد ، فقد وجهنا حامله خديمنا الأرضى الحاج محمد الزبيدي بقصد التوجه سفيرا لدولة الفرنصيص للغرض الذي قدمناه لك ، فقد حملناه ما يتكلم فيه من المصالح مع الدولة التي تعود بدوام الخير بين الدولتين ، ودفعنا له تقييدا متضمنا لذلك. فلا بد تفاوض معه فيه ، وتبين له ما يحتاج إليه من كيفية الكلام معهم فيه ، والأمور التي تسهل له التوصل لقضاء الغرض المطلوب ، ولا بد. وقد وجهنا معه من يرافقه من الأمناء والمخازنية المقيدين بالطرة (٣) ، وفي الأثر يرد عليكم الكتاب

__________________

(١) استقبله الأمير الحسن بن السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن الذي كان عصرئد وليا للعهد ، وقد حمل معه طيسو وساما رفيعا لتأكيد ما يجب من «حقوق الجوار» وتكلف بجواب الرئيس الفرنسي الشيخ تياريس

«... إنكم وجهتموه لتجديد عهد المحبة والعهد بين الدولتين ، ولتأكيد ما يجب من حقوق الجوار الذي بين الإيالتين ... وقد تجددت بقدومه فيكم محبة عظيمة زيادة على المحبة القديمة ...» بتاريخ ١١ صفر عام ١٢٩٠ ه‍ / الموافق ل ٢٨ أبريل ١٨٧٣ م. الإتحاف ، ج ٢ : ٣١٨ ـ ٣١٩.

Jacques Caille et Charles ـ Roux," Missions DiPlomatique FranCaise aFez", Paris, 1955, P, 38,39,43.

(٢) من خزانة الأستاذ عبد الهادي التازي (البحث العلمي بالرباط).

(٣) وهم الحاج محمد الزبيدي وأصحابه الذين يأخذون بيده ٤+ الطالب بناصر غنام وصاحباه+ القائد الغازي (ابن المكي) وأربعة مقدمون من الحناطر (وهم حسب المصادر الأجنبية : ١. علي بن العروسي ؛ ٢. الجيلاني رابح ؛ ٣. الجيلالي بن الحاج ؛ ٤. عبد الله بن محمد+ مقدم من الأروى السعيد بقصد مقابلة الخيل الموجهة+ الطالب الذي يكتب له (لم يذكر اسمه لأن الجعيدي لم يعين بعد). (انظر الصورة في ملحق الرسوم والصور رقم ٣٤).


الشريف الذي يصحبه معه لعظيم الدولة والسلام». في ٢١ من ذي القعدة عام ١٢٩٢ ه‍.

بالفعل أشعر بركاش القائم بأعمال فرنسا بطنجة بنية السلطان الحسن الأول إرسال سفارة مغربية إلى فرنسا في شهر غشت عام ١٨٧٥ م.» (١) إلّا أن بعض الحوادث قد أخرت تطبيق المشروع إذ لم يغادر مندوب السلطان مدينة طنجة إلّا في السنة التالية عام ١٨٧٦».

أما أسباب التأخير (٢) الحاصل في توجه الزبيدي إلى فرنسا فهي مجهولة ربما نرجعها للوضعية المغربية الداخلية التي كانت تعرف الكثير من الفتن والثورات (٣) وكذلك إلى الظرفية السياسية التي كانت تعرفها أوربا (٤) خاصة دولة فرنسا سنة ١٨٧٦ م.

كما أن الجعيدي أكد في رحلته (٥) أن الخروج الأول لسفارة الزبيدي كان من

__________________

(١) جاك كيلي ، «السفارات والبعثات المغربية إلى فرنسا» ، مترجم بمجلة تطوان ، عدد ٦ ، عام ١٩٦١ م.

(٢) أو التأجيل الذي حصل لسفارة الزبيدي ، يتضح لنا كذلك من تاريخ الرسالة السلطانية إلى المارشال ماك مهون ، والتي حملها معه الزبيدي أثناء سفارته سنة ١٨٧٦ م ، رغم أن تاريخ كتابتها يعود إلى ٢٧ ذي القعدة عام ١٢٩٢ ه‍ / الموافق ل ٢٥ دسمبر ١٨٧٥ م (انظر صورتها ب» الإتحاف» لابن زيدان ، ج ٢ : ٢٨١).

(٣) انظر تفاصيل هذه الفتن والثورات ب» الاستقصا» ، ج : ٩.

(٤) أما فرنسا ففي إبان هذه الفترة صوت المجلس الوطني الفرنسي في مارس ١٨٧٥ م على قانون القيادات ، الذي زاد عدد الكتائب بمقدار اربع ، والذي رأى فيه بسمارك وسيلة تهدف تسهيل التعبئة ، وبالتالي دلالة على إعداد فرنسا للحرب الانتقامية ، وتحدثت الصحافة الألمانية بسرعة عن قرب وقوع حرب وقائية ، لولا طلب التأييد البريطاني والروسي لسياسة فرنسا الجديدة ، والتي تخالف معاهدة فرانكفورت ١٨٧١ م التي جاءت بعد حرب ١٨٧٠ م. تاريخ العلاقات الدولية (١٨١٥ ـ ١٩١٤ لبيير رنوفان ، تعريب جلال يحيى ، ١٩٨٠ م.

(٥) «... الخروج الحقيقي كان تقدم قبل ذلك في الحضرة العالية بالله حمراء مراكش ..» التي كان يقيم بها السلطان الحسن الأول في ذي القعدة ١٢٩٢ ه‍ كما جاء عند الناصري ، الاستقصا ، ج ٩ : ١٤٨.


مدينة مراكش ، وليس من فاس عند الانطلاقة الثانية لسفارة الزبيدي.

في نفس التاريخ وجه السلطان رسالة إلى خديمه الحاج محمد بن سعيد السلاوي يخبره بتعيينه الزبيدي سفيرا إلى فرنسا ، ويطلب منه مساعدته على اختيار أحد الكتاب من أهل سلا لمرافقته وهذا نصها :

«... (١) وبعد فقد عينا خديمنا الحاج محمد الزبيدي للتوجه سفيرا لدولة الفرنصيص ، فإن عين لك كاتبا يصحبه معه من خدامنا أهل سلا فامره بالتوجه معه لقضاء الغرض والسلام ، ٢١ ذي القعدة عام ١٢٩٢ ه‍ ..». وبعد تفاوض الزبيدي مع بعض أعيان الرباط يقول الجعيدي «.. (٢) .. أشاروا عليه بصاحب هذا التقييد ...» فطلب الزبيدي من القائد بن سعيد أن يرسله عاجلا إليه «... فتوجهت إلى الباشدور فتلاقيت به ... فأخبرني بخبر هذه الحركة السعيدة ...».

بسبب العديد من المشاكل تأجل موعد ذهاب سفارة الزبيدي (٣) إلى فرنسا من أبريل سنة ١٨٧٥ م إلى شهر يونيو سنة ١٨٧٦ م وهذه المرة إلى أربعة دول وهي فرنسا وبلجيكا وأنجلترا وإيطاليا.

__________________

(١) رسالة محفوظة بخزانة الحاج العربي بن سعيد السلاوي بسلا.

(٢) انظر رحلة الجعيدي : ص ١٠٠.

(٣) تشكيلة أعضاء السفارة المغربية ، يوجد بينهم فروق في السن والثقافة ، فالزبيدي كان عمره ٧٣ سنة سياسي محنك كمرجع يستند عليه المخزن ، استمر يزاول مهامه طيلة أيام حياته ، الأمين غنام لا يزال في ربيع شبابه عمره ٣٠ سنة لأول مرة ينصبه الزبيدي كأمين مرافق له ، هو الآخر بقي يزاول مهامه حتى فرض الحماية على المغرب. أما الكاتب الجعيدي الفقيه كان يشتغل بالعدالة. عمره يناهز ٤٣ سنة ، يهتم بعلم الفلك ويرجع له الفضل في تخليد هذه الرحلة السفارية. فقد همش من أية مهمة مخزنية بعد عودته من أوربا حتى سنة ١٢٩٧ ه‍ حيث أعيد إليه الاعتبار وعينه الحسن الأول لإحصاء صائر مراكش ، أما القواد المرافقون لهم فكل واحد ينتمي لحنطة من الحناطي التابعة لدار المخزن ، ومستواهم الثقافي كان في الغالب ضعيفا. (انظر ما ذكره الجعيدي في حق أحدهم ب «رحلته».


المشروع الثاني لسفارة الزبيدي

بسبب النشاط الديبلوماسي المكثف الذي قام به سفراء أنجلترا وإيطاليا إبان هذه المدة القصيرة من حكم السلطان الحسن الأول ، ففي أبريل ١٨٧٥ م ، قام ممثل بريطانيا بطنجة دريموند هاي بمقابلة السلطان بفاس ، وعرض عليه مشروع إصلاح (١) الإدارة المغربية ، التي قال عنها أنها أكثر الإدارات فسادا في العالم ، كما أخذ موافقة السلطان على إرسال ٢٠٠ جندي مغربي لجبل طارق ، ولا يستبعد أن د. هاي طلب مرور الزبيدي على أنجلترا ، ووعده أن ابنه روبرت سيكون الترجمان المرافق لهم أثناء هذه الزيارة. أما ممثل بلجيكا بطنجة دالوان ، فقد طلب هو الآخر إرسال بعثة طلابية من المغاربة للتدريب على الأسلحة الحديثة ببلاده ، وكذلك لزيارة العديد من المعامل الحربية (٢) وأخبر المخزن المغربي بتوفرهم على سلاح خفيف متعدد الطلقات (الرشاش) ، كما أبدى رغبة سلطانهم في تجديد المحبة القديمة وتعزيز العلاقات التجارية مع المغرب.

كما استقبل السلطان الحسن الأول السفير الإيطالي (٣) Stefano Scovasso الذي

__________________

(١) تضمن مشروع د. هاي الميادين التالية : ١) التجارة والصناعة. ٢) نظام الحمايات. ٣) الجيش. ٤) الإدارة. ٥) تحسين أحوال السجون حسب رغبة اليهود المغاربة. (روجرز ، تاريخ العلاقات الأنجليزية ـ المغربية ، تعريب لبيب رزق (خاصة أن أنجلترا بعد حرب ١٨٧٠ م أفاقت من سياسة العزلة بعد ظهور ألمانيا القوية الموحدة ، حين تولى ديزرائلي زعيم المحافظين الحكم ، فهو أب الإمبرالية الأنجليزية وأب الفكرة اليهودية في ق ١٩ (مؤتمر برلين سنة ١٨٧٨ م وأثره في البلاد العربية. محاضرات ، د. محمد مصطفى صفوت ، جامعة الدول العربية).

(٢) انظر الجانب العسكري في الرحلة (الدراسة).

(٣) التاريخ الدبلوماسي للمغرب من أقدم العصور إلى اليوم ، تأليف عبد الهادي التازي ، سنة ١٩٨٩ ، المجلد العاشر ، عهد العلويين : ٩٤.


قدم أثناءه صورة لملك إيطاليا (١) مهداة من صاحبها إلى ملك المغرب ، طلب هو الآخر أن تمر سفارة الزبيدي على بلاده ، وغادر فاس يوم تاسع يونيه سنة ١٨٧٦ م. وقد سجل كاتب السفارة الإيطالية دي أميسيس رحلته هذه ، وذكر أن عدد سكان المغرب على ذلك العهد ثمانية ملايين وأنه أوسع من فرنسا مساحة ... (٢). لهذا عمل الحسن الأول لمواجهة هذه الهجمة الأوربية المتسترة وراء الإصلاح على ضرب سفارة بسفارة أخرى ، بتغيير برنامج سفارة الزبيدي الأحادية إلى فرنسا ، إلى سفارة متعددة الاتجاهات ، مستغلا بذلك المنافسة الدولية لصالح استقلالية بلاده ، ولإخراج قضية الحماية القنصلية من إطارها الضيق إلى مجال الدراسة والتقنين ومن أجل تدويل القضية المغربية بأسرها ، والاستفادة من التناقضات التي كانت سائدة في صفوف القوى الأوربية لحسابه.

__________________

(١) إيطاليا قد أتمت وحدتها في نفس الوقت الذي تمت فيه الوحدة الألمانية بمساعدات أجنبية والتي انتهزت هي الأخرى هزيمة فرنسا سنة ١٨٧٠ م لتدخل جيوشها روما وتعلنها عاصمة الدولة الإيطالية الجديدة ، وأخذت تعالج مشاكلها ، حتى أخذت الدول الكبرى تعترف بها كأصغر وأضعف الدول الكبرى بعد مؤتمر برلين. وقد ذكر الجعيدي «أما التجارة فأمرها ضعيف هناك (إيطاليا) والله أعلم ...» في رحلته :

(٢) «... إن المغاربة لا يختلفون عن الأتراك من حيث العقيدة ، لكنهم لا يولون لسلطان القسطنطينية وللباب العالي إلا الاحترام الذي يفرضه الدين ، وعلى الصعيد السياسي والمدني فالمغاربة يتمتعون باستقلال كامل ... والمسلم المغربي يعيش حياة عزلة كثيرا ما تكون حياة فراغ ، كما أن القدرية تسيطر عليه بشكل مطلق الأمر الذي يجعل منه إنسانا عديم التبصر ، ويؤدي تعدد الزوجات إلى سيادة عدم الثقة في إطار العائلة ويجعل الاستبداد العائلي ضروريا ... مما يدفع إلى عدم الثقة وإلى التخوف من إظهار ثروته وإلى إخفائها ... ولذلك فإن المدح والإفراط في تكريم السفراء المغاربة ، لن يكون لها من مفعول في أحسن الأحوال ... وللمغرب نفس مناخ وتربة الأراضي الإسبانية .. لكن عند المقارنة بين البلدين تكون الغلبة لإسبانيا ... ونتمنى أن لا يتم إدخال الحضارة إلى المغرب بنفس الوسائل التي تمت محاولة إدخالها إلى تركيا ، وهي محاولة باءت بالفشل ...» تعليق بجريدة (جنوة في ٣١ غشت ١٨٧٦) Digenova Gazetta معتمدة على كتاب دي اميسيس.


دوافع تسجيل الرحلة

ذكر صاحب الرحلة الجعيدي في مقدمته أنه بعد تعيينه كاتبا في سفارة الزبيدي ، لم تكن عنده فكرة تسجيل تفاصيل هذه الرحلة السفارية ، غير أن انتشار خبرها«...(١). سمع به بعض علماء بلدتنا الغائبين عن حضرتنا ... سيدي أحمد الناصري اقترح علي أن أجعل رحلة في سفري واستغرق نهاري وسهري ، تكون جامعة لكل خبر غريب ، ولما نراه في الأوطان من كل أمر عجيب ، إلى غير ذلك مما لا يخطر بالضمير ... فكتبت له مجيبا (٢) ... سأجعل بحول الله تقييدا ... وأجبته بضمن ذلك تسلية لخاطره ، من باب الوعد الذي لا يجب الوفاء به ...».

فعلا لم يشرع في كتابة رحلته عند خروجه من سلا إلى طنجة صحبة الأمين بناصر غنام لمقابلة الزبيدي هناك ، غير أن أمين مرسى طنجة عبد القادر غنام ذكره من جديد بضرورة تسجيل تفاصيل رحلته هذه إلى أوربا ، فشرع حينئذ في كتابتها. وذكر أنه لقي تشجيعا حتى من لدن الأوروبيين لحمله أثناء تنقله القلم والورقة ولكثرة الأسئلة التي يطرحها على التراجمة ، غير أننا نجد السلطان الذي بعث السفير أحيانا هو الذي يحثه على كتابة ما رأى وما سمع في البلاد التي يرحل إليها (٣) ، وفي حالة أخرى يطلب السفير الإذن من السلطان بالكتابة كما فعل أحمد الكردودي (٤) ،

__________________

(١) كان المؤرخ الناصري إبان هذه المدة يعمل بمرسى الدار البيضاء من سنة ١٨٧٥ إلى نهاية سنة ١٨٧٦ م. الاستقصا ، ج ١ : ١٩.

(٢) هذه الرسالة مسجلة بفهرسة الخزانة الناصرية بسلا تحت رقم ١٩١ ، لم أتمكن من الاطلاع عليها.

(٣) يقول الغزال في رحلته «نتيجة الاجتهاد في المهادنة والجهاد» «وما أمرت به من الجانب المولوي ... من أن أقيد في هذه الوجهة الميمونة ما سمعت ورأيت ، ووعيت ودريت ، وأحدث عما أشاهده في المدن والقرى ، واصف جميع ما أبصرته في الإقامة والمسرة ... «ص ٧.

(٤) كمثال الكردودي في «التحفة السنية» .. ص ١٣ «.. أخانا وحاجب مولانا .. وبعد فقد شرعنا في تقييد رحلة اقتداء بمن تقدم من سفراء ملوك الإسلام لم ندر هل يوافق الغرض الشريف تقييدها وها أول كراسة قيدناها تصلك فنحبك أن تطالع به مولانا أعزه الله ، وما اقتضاه نظره العالي بالله في أمرها للعمل بمقتضاه ..».


فأجابه بخط يده بما نصه «أصاب ، أصاب فيه فليكمل عمله». أما الجعيدي فإنه لم يتلق أوامر سلطانية بكتابتها ولم يطلب (١) الإذن بذلك. ربما كانت هذه الأسباب هي التي جعلت رحلته تبقى مغمورة طيلة هذه المدة ومتحررة من كل القيود المخزنية ..

ومما لا شك فيه أنه بعد عودته إلى مسقط رأسه سلا ، كشف على ما سجله في رحلته لعلماء بلدته وأصحابه وخاصة صديقه المؤرخ أحمد الناصري. «.. قيد صاحبنا أبو العلا المذكور رحلته البديعة المسماة بتحفة الأحبار بغرائب الأخبار قد اشتملت على كل نادرة وغريبة ، وأفصحت عن صنائع الفرنج وحيلها العجيبة ..» (٢).

ووصفها عبد الله الجراري «.. رحل إلى أوربا وسواها من البلاد التي زادته اتساعا في معلوماته ، له تقييد حافل ضمنه مشاهداته وما وقف عليه من عجائب وغرائب برا وبحرا ، يقع في ثمانية كراريس ..» (٣).

وذكر الأديب أحمد الصبيحي في كناشته (٤) «.. وله اختصار بعض مقالات إقليدس في الهندسة ، وكتاب الرحلة المسمى «تحفة الأحبار بغرائب الأخبار» وهي نسختان صغرى وكبرى اشتملت الصغرى على أخبار سفره من بلاد الغرب إلى بلاد الفرنج وما شاهده فيها من العجائب والغرائب وغير ذلك ، والكبرى على ذلك أيضا وعلى أخبار الفرنج من لدن الهجرة النبوية إلى عصر مؤلفها وضم لذلك أخبار الدولة العلوية من أولها إلى أواسط مدة مولاي الحسن ـ رحمه الله ـ وكان هذا السفر مع رفقاء بإذن من السلطان لغرض له ..».

الرحلة الكبرى ومختصر مقالات أقليدس في الهندسة لم أعثر عليهما رغم البحث الطويل الذي قمت به بخزانة ولده سيدي عبد القادر الجعيدي بباب حساين بسلا ، كما لا توجد عند حفدته.

__________________

(١) بقي هذا المخطوط مجهولا بالرغم من اعتماده من طرف بعض المؤرخين ، كذلك بقيت شخصية السفير الزبيدي بدون بحث ودراسة رغم قصر المسافة الزمنية التي تفصلنا عليه.

(٢) أشار إلى ذلك في كتابه : الاستقصا ، ج ٩ : ١٥١.

(٣) أعلام الفكر ، ج ٢ : ٢٧٥.

(٤) الفالوج ب ، خ. ع. ص. بسلا.


منهجية الجعيدي

أبدى الجعيدي في مقدمة رحلته الخطوط الأساسية لمذكرة سفره ، حيث قسمها إلى أجزاء وأبواب مع تصور للموضوع وتحديد الغاية منه في تواضع واعتذار عن عدم استيفائه للمقصود ، لهذا فإن منهجيته (١) تعكس مستواه الفكري والعلمي ، فتكوينه في علم الحساب والهندسة جعلت مكانته بارزة بين أفراد البعثة المغربية ، بل فرض وجوده إلى حد ما على السفير الزبيدي في التعامل مع الأشياء التي تحتاج إلى الدراية العلمية والإحصائية وما أكثرها إذ ذاك في أوربا الناهضة في مختلف المجالات.

لهذا فإن منهجيته في الكتابة تختلف عن منهج التدوين الذي كان سائدا في عصره عند الفئة المثقفة. لذلك ابتعد من الاستطراد وحشو مؤلفه بكتابة الغير ، فأسلوبه جاء أسلوبا متميزا بالسرعة والحركة والتداخل. كما تميز أسلوبه بالدقة في وصف الأحداث ، غير أنه اصطدم لغويا كغيره بالحضارة الأوربية العصرية ، خاصة في التعبير العلمي باللغة العربية عن المستحدثات العلمية ، ولملء هذا الفراغ اضطر الجعيدي كغيره في القرن ١٩ م ، إلى إدخال المصطلحات الأجنبية (٢) والعامية المغربية في كتابته قصد التعبير على ما شاهدوه في أوربا. ومن الناحية الشكلية يؤخذ على صاحب الرحلة كثرة الأخطاء الإملائية واللغوية ، ويختصر في الكلام عند حديثه

__________________

(١) المنهج أو الطريقة سلسلة من العمليات المبرمجة للوصول إلى النتائج المرغوب فيها أو تحقيق الخطة المنشودة ، وما أكثر سلسلة هذه العمليات في عالم الرحلة الحافلة بالمفاجأة والصدف. لهذا اختلفت مناهجهم باختلاف مستواهم الفكري وصنف الرحلة ، وبالتالي اختلفت كتابتهم لغة وأسلوبا وشكلا ومضمونا تبعا لمشارب أصحابها وتكوينهم.

(٢) اصطدمت اللغة العربية السالفة بالحضارة الأوربية العصرية منذ ما يقرب من قرنين أو أكثر و«دخول المصطلحات الأجنبية بكثرة فاحشة في اللغة مثل أجسام أجنبية دخيلة على البدن الأصل ، وما دامت لم تتمثل فإن مصيرها الرفض لا محالة ، إلا إذا غلب البدن على أمره فيكون مصيره الموت لا محالة». أحمد الأخضر غزال ، مجلة البحث العلمي ، عدد ١٤ و١٥ ، السنة ٦ : ٥١ بتاريخ ٦ دجنبر ١٩٦٩ م.


عن الأنشطة السياسية إلا أن هذا الأسلوب ظل واضحا ومفهوما يتخلله السجع ويستشهد بأبيات شعرية بدون أن يذكر أصحابها ويكتفي بعبارة (كما قيل) بدون إفراط في ذلك. وطبيعة الرحلة فرضت على صاحبها تعدد المواضيع التي تشهد له باطلاعه الواسع ، لأنه عالج الكثير من الأمور التي كانت تشغل الفكر المغربي في ذلك العصر ، وكأن الرحلة هي مفتاح لطرحها ووسيلة للتعارف والتعريف.

فأحداث الرحلة فرضت على الجعيدي ضرورة اختيار منهج علمي واضح ، مبني على العناصر التالية : السماع والمشاهدة والوصف والوعي والدراية. ويتمسك بموضوعية الرحلة التي تنبغي أن ترتبط أخبارها بالصدق والجدية وألا تكون المعلومات منقولة وإنما مأخوذة من المشاهدة والبحث والاتصال باعتبار مرتبته العلمية التي تجعل منه رسول فكر وحضارة وثقة من حيث (١) كفاءته وشهادته ، مع العمل على التجديد الذي ينبغي أن يبتدئ من الرحالة نفسه ، في تفكيره وتكوينه وتمدنه وتطوره الحضاري ، لهذا استطاع أن ينفذ إلى عمق المواضيع الرئيسة التي أجبر على دراستها وفهمها قصد كشفها واختبارها لباعثه الذي ينتظر منه الكثير ليساعده أن يكون في مستوى اتخاذ القرار الصائب ، الذي يعود بالمنفعة عليه وعلى بلاده ، وبذلك يكون اجتهاده الفكري في مستوى تطلعات حكامه لتظهر بلاده بالمظهر اللائق بها ، وقد نحاسبه إذا ظهر منه تقصير في جهده من أجل تجديد فن الرحلة ، ويبدو جليا أن

__________________

(١) لكل رحلة رحالتها الذي قام بها وعانى مراحلها وظروفها وحوادثها الخاصة به فهي من هذه الناحية ترجمة نفسية وذاتية وأخلاقية للرحالة من حيث يشعر أو لا يشعر ـ مهما ألزم نفسه عدم التحدث عن شخصه ـ فهناك من انبهر بمنجزات الغرب إلى حد الدعوة إلى (التغريب) إذا أراد المسلمون إصلاح تخلفهم ، كرحلة سكيرج في رحلته إلى فرنسا عام ١٣٣٤ ه‍ الذي دافع ومجد شعارات الدولة الحامية الفخيمة ، وفي المقابل هناك من يرفض كل فكر دخيل ، ويتخذون من عراقة الماضي درعا يحميهم من كل إغراءات الحداثة كرحلة الغيغاني الحجازية (مخطوط ب خ. ع. بالرباط رقم ج ٩٨) إلا أن الفئة الثالثة حاولت أن تتخذ موقفا وسطا بين هذا التضاد الفكري ، والرحالة السفاريون أهم من يمثل هذه الفئة مع تقديرهم للوطن والأهل لا تجد في ذكر التفوق أن وجد ، كرحلة الجعيدي والصفار وعبد السلام السائح وغيرهم ، وذلك بثقة وأمانة وبعين بصيرة ذكية ... نافذة.


ظاهرة الاتباع وكثرة النقول وتكرار ملامح من الماضي الثقافي والحضاري هي التي كانت سائدة في الرحلات الحجازية ، أما الرحلات السفارية فهي أكثر تجددا في الجانب الحضاري والتنظيم السياسي ، والتقدم الاجتماعي والعسكري والصناعي والعلمي وغير ذلك. فتميزت رحلة الجعيدي بهذه المعطيات عن الأصناف الأخرى. خاصة أن الجعيدي يتحدث عن الحضارة الغربية في رحلته بلهجة إيجابية توحي بالتبني بعيدا عن الانبهار الغيبي ، وفي نفس الوقت يعارض من يفتخر بها ويعتبره خارجا عن الطريق المستقيم ، فالمؤلف يفرق بين الصنائع المستحدثة من جهة وبين طريقة عيش الأوربيين كالنصارى ، واحتكامهم إلى قوانينهم غير الشريعة الإسلامية فيستحسن الأولى ويستنكر الثانية مستعيذا بالله ممن يغتر بهذه الأشياء.

طريقتنا في التحقيق

إن دراسة وتحقيق «إتحاف الأخيار بغرائب الأخبار» تلاقي عدة صعوبات لعل أولها طريقة التعامل مع هذه النسخة الفريدة والتي تمثل نموذجا لقراءة مغربية للمجتمع الأوربي ، فهي ليست قراءة للمجتمع الآخر أو وصفه بقدر ما هي تعبير عن مجتمع الجعيدي وتعريف له بالسلب المنطقي ، حيث لا يسجل الجعيدي في رحلته إلا الأشياء التي يفتقدها في مجتمعه الأصلي ، ليصل في النهاية إلى تحديد مجتمعه الذي يخطو خطواته الأولى نحو الإصلاح. ويمكننا القول أن الرحلات السفارية قد ساهمت بقدر كبير في الدفع بهذه الخطوات نحو الأمام ، كما ستثبته الدراسة ، لأن معظم الرحلات السفارية التي تم تحقيقها وطبعها لم تتطلب من المحقق سوى الحصول على النسخة الأصلية أو على أقرب النسخ إلى الأصل ، وهي أدنى درجة من درجات التحقيق لتوزع في أسواق الكتب باعتبارها كانت مفقودة أو نادرة (١) جدا. أما

__________________

(١) هذا في نظري ضروري نظرا للطبيعة الاستعجالية للمرحلة التي أفرزتها (حاجة الباحثين والمهتمين والطلبة إلى توفر هذه المصادر بأثمان مناسبة) لكن المرحلة الحالية يجب أن تتجاوز هذا المستوى من التحقيق بإعادة قراءته وتوضيحه عبر قنوات تعبر النص في عمقه ، وتكشف خباياه المدفونة ، وتنير المكشوف من محتوياته بأضواء جديدة لإبراز بعدها المستقبلي ، قصد إغناء النص.


الصعوبة الثانية فهي تقنية قراءة النص خاصة أن المؤلف غالبا ما لا يفصح عن أسماء الأماكن التي يزورها وأسماء الأشخاص الأجانب الذين يستقبلهم. والصعوبة الثالثة تتجلى في اتساع الرقعة الجغرافية التي تجري فيها أحداث الرحلة وتعدد وتنوع المصادر والمراجع ، وصعوبة الترجمة خاصة بالنسبة للوثائق الإيطالية.

ـ فما هي السبل التي سلكناها قصد تجاوز هذه الصعوبات؟

انطلاقا من النص الذي هو عبارة عن مذكرات يومية ومتسلسلة زمنيا شبيهة (بالحوليات) إلا أنها تعالج أحداثا متنوعة ومختلفة. حاولنا أن نخضعه لعمليتي التفكيك والتركيب ، قصد توسيع مجال التفكير حول هذه الفترة والأحداث التي تعرض لها ، على أساس أن يبقى النص محترما في هيكله ليحتفظ دائما بقيمته الذاتية. أما الصعوبة الثانية فانطلاقا من الوصف الذي سجله صاحب الرحلة اعتمدنا على ما يقابله في الموسوعات العالمية حتى تمكنا من استخراج معظم أسماء الأماكن التي أشار إليها. واستعنا لشرح التقنيات الميكانيكية التي أشار إليها الجعيدي عند زيارته للفابريكات الصناعية ببعض مصادر تاريخ تطورها. كما اعتمدنا على ما كانت تنشره الصحف والجرائد من أخبار عن أنشطة الزبيدي ، خاصة الجرائد البلجيكية والإيطالية (١) ، حتى تمكنا من مواكبة تحركات السفارة المغربية داخل أوربا ، وكذلك تعرفنا على بعض الوثائق الرسمية الأجنبية والمحلية التي تحدثت عنها ، حتى استطعنا في الأخير أن نسلط الأضواء على الكثير من الجوانب الغامضة في الرحلة ، ونناقشها عن مصداقيتها من خلال هذه الوثائق ، كما قارناها مع بعض الرحلات السفارية المغربية الأخرى لنتعرف على مدى التطور الحاصل في فن أدب الرحلات خلال ق ١٩ م ، كما حاولنا ربط التوجهات الرئيسية للرحلة بما عرفه عهد السلطان الحسن الأول من إصلاحات في شتى الميادين ، أثناء وبعد رجوع السفارة المغربية ، خاصة أن السفير الزبيدي قد بقي يمارس مهامه المخزنية حتى الأيام الأخيرة من

__________________

(١) أما الصحافة الفرنسية فكانت مهتمة بالأزمة العثمانية. وحفر قناة السويس سنة ١٨٧٥ ، وكذلك بموت الكاتبة الفرنسية (١٨٧٦ـ ١٨٠٤) Sand ترجمتها ب Tom EncycloPédie, grande ,La Gerge

  ١٣:٣٨.


حياته ، مع مراعاة الظرفية السياسية الدولة التي كانت تعيشها أوربا بعد حرب ١٨٧٠ م وقبل مؤتمر برلين.

أما مشكلة ترجمة الوثائق الإيطالية فقد ساعدني فيها أخي المتخرج من جامعة بولونيا الإيطالية.


الفصل الثالث

الجانب السياسي والعسكري في الرحلة :

سياسيا

انطلاقا من الرسائل الرسمية (١) التي كان يتبادلها السفير الزبيدي ، إما مع حكومات الدول التي زارها أو مع المخزن المغربي ، استطاع المؤرخون التعرف على بعض الجوانب السياسية لمهمة هذه السفارة المغربية ، وتتلخص في كون السلطان لم يكن يطلب أكثر من احترام المعاهدات والاتفاقيات التي منحتها الحماية القنصلية في ظروف خاصة ، غير أن ممثلي الدول الأجنبية كانوا يتجاوزونها أو يتعمدون (٢) تأويلها على غير حقيقتها وهذه المطالب هي (٣) :

١ ـ قصر الحماية على المستخدمين مع القناصل ، وعلى السماسرة الذين يعملون مع التجار الأجانب ، على أن لا يتجاوز عدد المحميين منهم سمسارين لكل دار تجارية كبيرة.

٢ ـ قصر الحماية التي يمنحها القناصل على سكان الموانئ وحدهم دون أن تمد إلى

__________________

(١) هذه الرسائل منشورة بكتاب «الإتحاف ... ، لابن زيدان ، من ص ٢٧٩ إلى ص ٣١٥ ، الطبعة الأولى ، سنة ١٩٣٠ م ، وبمجلة «الوثائق» المجموعة الخامسة انطلاقا من محفظة الزبيدي الموجودة بمديرية الوثائق الملكية بالرباط.

(٢) «.. يحذر عظماءهم مما يرتكبه نوابهم ومن في حماهم من الخدم ، من مجاوزة الحدود ورفض العهود ، وارتكاب موجبات التفاقم وأسباب الندم ...» من رحلة الجعيدي ، وهي إشارة عارضة تلميحية إلى المهمة السفارية التي شارك فيها.

(٣) كما جاء في الرسالة التي بعث بها السفير الزبيدي إلى وزير خارجية فرنسا السيد دي كازDecas بتاريخ ٣٠ جمادى الأولى عام ١٢٩٣ ه‍ / الموافق ل ٢٣ يونيه ، سنة ١٨٧٦ م ، يعرض عليه كتابة هذه المطالب ، والذي أجابه أن فرنسا لم تكن تمنحها إلا باعتدال ، وصرح باستعداده لإسناد كل هذه المطالب لدى الدول الأوربية الأخرى لتقنين تلك الحماية ، جاك كيلي ، «السفارات والبعثات ...» ، مجلة تطوان ، عدد ٦ ، ص ١٥٥ سنة ١٩٦١.


سكان المدن الداخلية.

٣ ـ إلغاء سكوك الحماية التي منحها القناصل لبعض سكان الأرياف بحيث لا يجوز منح الحماية لمن يسكن في البادية (١).

كما تعرض الزبيدي لقضية الشرفاء العلويين ـ أولاد السلطان عبد الملك بن السلطان مولاي إسماعيل العلوي ـ المستقرين بقرية تيوت ، وهي قرية مغربية ألحقها الجيش الفرنسي بالجزائر بعد انهزام الجيش المغربي أمامهم في معركة إيسلي سنة ١٨٤٤ م وأجبروا (٢) على أداء بعض الضرائب التي كانوا معفيين منها من قبل. وحول هذا الموضوع جرت العديد من الاتصالات التلغرافية (٣) بين وزارة الخارجية الفرنسية بباريس ، والقيادة العسكرية العليا بالجزائر العاصمة ووهران ، حول كيفية تسوية المشاكل المتعلقة بقرية التيوت. وفي الأخير قبل وزير الشؤون الخارجية الفرنسية أن

__________________

(١) ألغى السلطان سيدي محمد في يونيه سنة ١٨٦٤ م ، القرار الذي كان أصدره من قبل بمنع التسوق من الأسواق الداخلية ، فبسبب هذا القرار الجديد صار في إمكان الأجانب أن يتجروا ـ بيعا وشراء ـ مع غير أسواق الموانئ من مدن المغرب وقراه الأخرى ، ويجعلون من سكانها خلطاء لهم فيما يبيعون وفيما يشترون ، فاتسع نطاق أعمال الأجانب التجارية إلى القرى والأرياف الداخلية «الوثائق» ج ٥.

(٢) هؤلاء السكان بقوا على تعلقهم بالمغرب وسلطانه ، لذلك تدخل لفائدتهم لدى فرنسا ، لما يتعرضوا له باستمرار من لدن الجيش الفرنسي بالجزائر ، لحملهم على الهجرة من أرضهم وبالفعل هاجرت منهم بطون من قبيلة الأحلاف العربية التي كانت تسكن مع الشرفاء العلويين إلى داخل المغرب من مقاطعة العين الصفراء إلى تاوريرت بإقليم وجدة ، وبقيادة الكارة بسطات (انظر : مقدمة بن منصور «الوثائق» ، (العدد ٦ : ٢٦١). ولقد سبق أن تحدث السفير الحاج عبد الرحمان العاجي سنة ١٨٦٥ م مع الحكومة الفرنسية عن قضية أولاد سيدي الشيخ والحدود المغربية الجزائرية (انظر : «الإتحاف» لابن زيدان ، ج ٣ ، من ص ٥٣٠ إلى ص ٥٣٤) وللمزيد من التوسع في الموضوع انظر دراسة الأستاذ أحمد العماري عن «التوات».

(٣) انظر الوثائق التالية بأرشيف وزارة الخارجية الفرنسية :

Maroc. vol 04 6781) CorresPondance Politique (. Paris, N 159, 190, 191, 204, 205, 213, 215, 216.


يحتفظ للشرفاء بامتيازهم (١) القديم على شرط أن يمسكوا عن القيام بأي نشاط سياسي.

وفي نهاية زيارته لأنجلترا أدرك الزبيدي أن لا فائدة ترجى من وراء مذاكراته مع الساسة الأوربيين حول إصلاح الوضع المتدهور في المغرب. فأخذ المبادرة بسرعة وكتب رسالتين في يوم ٣ غشت ١٨٧٦ م. الأولى (٢) إلى اللورد إدوارد ستانلي دربي يطلب منه إصدار توصيات إلى وزيره المفوض بطنجة للمساعدة على تتميم المذاكرة هنا. والثانية (٣) إلى الحاجب السلطاني موسى بن أحمد البخاري يخبره بمحادثاته في لندن ويشير إلى فكرة نقل المذكرات في موضوع الحماية القنصلية إلى طنجة.

فاقتراح الزبيدي الذي نستطيع أن نجزم أنه (٤) صاحب فكرة نقل المذكرات في موضوع الحماية القنصلية إلى طنجة ، قد لقي القبول من طرف أنجلترا والسلطان بهدف تدويل القضية المغربية. وبالفعل بعد عودة الزبيدي إلى طنجة يوم ٢٢ شعبان عام ١٢٩٣ ه‍ / الموافق ١٢ شتمبر سنة ١٨٧٦ م ، بدأ المخزن المغربي يعد نفسه لهذه الاجتماعات الدولية وتوجيه الدعوة إلى ممثلي الدول الأجنبية مصحوبة بمذكرة (٥) ١٠ مارس سنة ١٨٧٧ م. وقد استمرت الاجتماعات ثلاثة أعوام بحضور السيد بركاش والزبيدي الذي ألزمه السلطان (٦) «بالرجوع من فاس إلى طنجة لتتميم المسائل المحالة

__________________

(١) جاك كيلي ، «السفارات والبعثات المغربية إلى فرنسا» ، مجلة تطوان ، العدد ٦ ، سنة ١٩٦١ م ، ص ١٥٥.

(٢) نسخة مصورة منها بمديرية الوثائق الملكية بالرباط (ملف الحاج محمد الزبيدي).

(٣) هذه الرسالة مفقودة ، لكن توجد الرسالة التي أجابه بها الحاجب السلطاني وهي تتضمن على العادة كل ما ورد فيها بتاريخ ٣ شتمبر ١٨٧٦ م (نفس المحفظة السابقة).

(٤) إن الفكرة ظهرت أول مرة في مراسلات الزبيدي خلال وجوده بأنجلترا ، لا يستبعد أن تكون الفكرة موحى بها من طرف الأنجليز ، فهذا مجرد تخمين وافتراض.

(٥) انظر نصها بكتاب عبد الوهاب بنمنصور «الحماية القنصلية بالمغرب من نشأتها إلى مؤتمر مدريد سنة ١٨٨٠» ، المطبعة الملكية ، سنة ١٩٧٧ ص ١٩.

(٦) الإتحاف لابن زيدان ، ج ٢ : ٣١١.


على القناصل والباشدورات القاطنين هنالك في حل مبرمها». هذه الاجتماعات تخللتها مراوغات ومناورات ولم تفض إلى نتيجة مرضية ، فكانت الدعوة لعقد مؤتمر دولي بمدريد سنة ١٨٨٠ م ، بإيعاز واضح من أنجلترا هذه المرة.

هنا يتوقف كلام الباحثين عن مردودية سفارة الزبيدي بأنه (١) «لم يحصل على طائل وعاد إلى موفده بوعود غامضة ...».

انطلاقا من الرحلة

إن رحلة الجعيدي ، التي تعتبر أكبر وأضخم رحلة سفارية ألفها المغاربة خلال القرن ١٩ م ، تكشف لنا جوانب أخرى كانت غامضة إلى حد ما ، عن مهمة سفارة الزبيدي ويجعلنا نعيشها من أولها إلى آخرها. ونتتبع مراحلها عن كثب ، والتي لم تكن مقتصرة على الجانب السياسي فقط ، بل تتعداه لتشمل باقي الجوانب الأخرى ، كالجانب العسكري والمالي والثقافي وغير ذلك. الأمر الذي يجعلنا نعتبر سفارة الزبيدي من خلال رحلة الجعيدي ، بمثابة أرضية دراسية أولية افتتح بها السلطان الحسن الأول عهد حكمه ، واستند عليها كمرجع للإصلاحات التي كان ينوي إدخالها للمغرب طوال النصف الثاني من العقد السابع ، وبداية العقد الثامن من القرن التاسع عشر. بحكم أن الزبيدي أشرف بعد عودته من سفارته الأوربية على معظم الإصلاحات التي قام بها السلطان في الكثير من المجالات ، حتى الأيام الأخيرة من حياة الزبيدي ، كما سيتضح لنا ذلك من خلال هذه الدراسة.

__________________

(١) انظر مقدمة بنمنصور «الوثائق» العدد ٥ : ٨. أما ابن زيدان فيقول عن عودة الزبيدي من سفارته إلى أوربا «... مقضى الأوطار وخلف في مدن أوربا بما أبداه من السياسة وقام به من التبرعات على الجمعيات الخيرية ذكرا جميلا حفظه التاريخ للمرسل والمرسل بل لسائر الإيالة المغربية» الإتحاف ج ٢ : ٣١١.


أولى الانطباعات السياسية (١) التي تبرزها رحلة الجعيدي هي المكانة المرموقة التي كانت تحظى بها الدولة المغربية في أوربا بالذات ، لاعتبارات تاريخية وجيوسياسية واقتصادية ، فلقد حظيت السفارة المغربية بالكثير من الاعتبار والتقدير والاحترام من لدن الأوربيين ، خاصة في بلجيكا الدولة الفتية التي تسعى إلى ربط المزيد من علاقات الود والصداقة مع السلطان المغربي قصد تنمية مبادلاتها التجارية والعسكرية معه ، فالجعيدي يصف لنا حرارة الاستقبال الذي خصهم به ملكها (٢) «... حتى أنه قال : إنه يرجو الله أن يشرح صدورنا لبلده حتى نقيم فيها في عافية وراحة ويأذن في المسير للفابريكات التي بداخل المدينة (بروكسيل) وخارجها ، وزور الأماكن التي تصنع فيها العدة والسلاح. ونستوعب ذلك كله بحول الله ...».

أما في أنجلترا فقد خصتهم ملكتهم وإمبراطورة الهند ، بالتفاتة خاصة ، فإبان وصول السفارة المغربية لمدينة لندن ، وجدوا الملكة فكتوريا بنزلها الخاص Osborne House التي لها به العديد من الذكريات التي تربطها بزوجها الراحل ألبيرت ، والموجود بجزيرة Isle of Wight جنوب لندن ، قصد الراحة ومعالجة أحد أبنائها «... (٣) والعادة عندهم أنها إذا خرجت من البلاد لا تتلاقى مع أحد ممن يفد إليها حتى ترجع ، ووجدنا هناك باشدورات آخرين من الأتراك والهند ، سبقونا بنحو شهرين ، ولم يتلاقوا بها إلى الآن ، وكان ساءنا ذلك غاية ، وكان ولد باشدور أنجلترا يطلب من الباشدور الإكثار من الخروج للفرجات والملاقاة بالناس ، فكان يمتنع ويجيبه بقوله : إننا لم نات للفرجات ولا للملاقاة مع الناس الأجانب ، ولا غرض لي في ذلك حتى يتم الغرض الشريف الذي أتيت لأجله ، وبقي مصمما على ذلك حتى أذنت سلطانتهم بالطلوع إليها ...». هذا الموقف يبرز لنا مدى القوة التي كان يتمتع

__________________

(١) الرحلات السفارية كما هو معروف لا تحتوي على معلومات قيمة عن مهمة السفارة وأسبابها ، لأن الكاتب لا يتعرض في رحلته للغرض السياسي الرسمي الذي توجهت من أجله إلا سطحيا كما بين ذلك الجعيدي في رحلته «... لأنه يوجهه إليهم باشا دورا وسفيرا ، ويحمله أسرارا إليهم ...».

(٢) رحلة الجعيدي ، ص ٢١٥.

(٣) الرحلة ، ص ٢٨٦.


بها المغرب عند البريطانيين رغم الظروف الصعبة التي كان يجتازها ، ونفس الشيء حدث عند وصولهم لإيطاليا التي خصتهم باستقبال حار وكبير ، توج بالاستقبال العظيم (١) الذي خصهم به ملكها الذي قطع إجازته الصيفية وعاد إلى مدينة طورين خصيصا لاستقبالهم وكلف ولي عهده بالعناية بهم وتكريمهم بالعودة على متن أكبر السفن الإيطالية إلى المغرب.

كما أشير في هذه الدراسة إلى اللقاء الهام الذي أجراه السفير الزبيدي مع ولي عهد ابروسيا آنذاك غليوم (٢) الثاني (١٨٥٩ ـ ١٩٤١) أثناء مأدبة العشاء التي أقامتها الأسرة المالكة ببلجيكا على شرفيهما ، كما جاء في رحلة الجعيدي (٣) دون أن يتطرق إلى تفاصيل هذا اللقاء كعادته في كل اللقاءات السياسية. غير أن التطورات السريعة للعلاقات المغربية الألمانية ، بعد عودة السفارة المغربية تجعلنا نربط بين الحدثين ونستنتج أن الزبيدي لعب دورا في إقناع ألمانيا القوية برغبة المغرب في تطوير علاقاته معها ، وهذا ما حدث بالفعل ، فبعد سبعة أشهر فقط من عودة الزبيدي إلى المغرب ، وفد على السلطان الحسن الأول بفاس السفير الألماني الجديد السيد تيودور ويبرTheodor Weber يوم ٧ ماي ١٨٧٧ م ، خلفا للقنصل السابق كوليش (٤) Gulich

__________________

(١) رحلة الجعيدي ، ص ٢١٤ ـ ٢١٥.

(٢) والده هو غليوم الأول (١٧٩٧ ـ ١٨٨٨) ملك ابروسيا ١٨٦١ م اتخذ بسمارك مستشارا ، وأنشأ جيشا قويا انتصر به على فرنسا ١٨٧٦ م ونودي به امبراطور ألمانيا سنة ١٨٧١ م. أما ابنه غليوم الثاني فأبعد بسمارك سنة ١٨٨٨ م وحكم بنفسه. زار طنجة ١٩٠٥ م معترفا باستقلالية سلطان المغرب ودخل الحرب العالمية الأولى ١٩١٤ م ، وتنازل عن العرش بعد هزيمة ١٩١٨ م. (المنجد).

(٣) «.. ثم خرج كبير دولتهم من قبة أخرى ومعه ولد سلطان ابروصيا ، لأنه استدعاه لهذه الضيافة تعظيما وفرحا بالجانب الشريف ، فتقدم إلى الباشدور وظهر منه بسط وسرور ، وعرف به لولد السلطان المذكور ، فظهر منه أدب كبير ...». الرحلة.

(٤) كشفت حرب ١٨٧٠ م لبسمارك عن الأهمية السياسية والاستراتيجية للمغرب المجاور لفرنسا المحتلة للجزائر ، خاصة أن السلطان محمد بن عبد الرحمان أخذ موقف الحياد إزاء ذلك الصراع ، فاتخذ قرار فتح قنصلية بطنجة سنة ١٨٧٢ م لتمثيل ألمانيا لدى البلاط المغربي (التاريخ الدبلوماسي للمغرب ، المجلد العاشر ، تأليف عبد الهادي التازي سنة ١٩٨٩ م).


ومن جملة الهدايا التي رفعها ويبر إلى السلطان ماكينة تصنع الثلج ، التي تحدث عنها الجعيدي كثيرا في رحلته ، وفي أعقاب هذه السفارة توجه في نفس السنة الحاج العربي بريشة لاقتناء كمية من الأسلحة من معامل دار كروب KruPP الألمانية ، ثم أرسل السلطان سفارة مغربية إلى الإمبراطور غليوم الأول برئاسة قائد مدينة آسفي الطيبي ابن هيمة في ماي ١٨٧٨ م.

وكذلك أشير إلى الحوار الذي فتحه الزبيدي مع زعماء الطائفة اليهودية بالبلاد الأنجليزية ، والتي أقامت حفلا خاصا على شرفه ، والذي بقي مكانه فارغا في رحلة الجعيدي رغم إشارته في فهرسته إلى «إكرام بعض التجار للباشدور باللوندريز». وقد سلموا إليه (١) رسالة رفعوها إلى السلطان الحسن الأول تلفت فيها نظره إلى بعض المشاكل التي كان (٢) يعاني منها اليهود المغاربة. وتذكره بالظهير الذي أصدره سيدي محمد بن عبد الرحمان بعدما زاره السيد موسى حييم مونطيفيوري أحد زعماء اليهود ببريطانيا سنة ١٨٦٤ م.

وكختام للانطباعات السياسية الواردة في رحلة الجعيدي ، فإنها تعرفنا على التقاليد الدبلوماسية (٣) العريقة التي أتقن المغاربة فن ممارستها من أجل حسن المعاملة والذوق السليم والارتفاع بمستوى العلاقات الإنسانية الحضارية إلى مكانة رفيعة ، لأن حقيقة المهنة تتطلب من الممثل الدبلوماسي الناجح أن يكون فعالا. وينتظر منه الكثير من أجل البلاد التي يمثلها.

__________________

(١) الرسالة منشورة ب «الإتحاف» لابن زيدان ب ج ٢ : ٢٩٨ بتاريخ ٢٥ يوليوز سنة ١٨٧٦ م / الموافق ليوم الثلاثاء ٣ رجب سنة ١٢٩٣ ه‍.

(٢) كانت الصحافة الأوربية التي يشرف عليها اليهود تبالغ في تهويل حالة اليهود المغاربة ، كمثال على ذلك ما نشرته جريدة La Perseveronze بإيطاليا ، من قذف شديد اللهجة في حق السفير الزبيدي والمخزن المغربي بل طالبوا الحكومة الإيطالية بوقف أية مساعدة للمغرب ، غير أن الصحافة الإيطالية التابعة للحكومة ردت عليهم بعنف.

(٣) البروتوكول هو فن المعاملة مع الغير تحكمه مجموعة قواعد اكتسبتها الدبلوماسية المغربية وطورتها حسب التقاليد الإسلامية المغربية العريقة عبر قرون طويلة.


الأنظمة السياسية

إن انطباعات الجعيدي لم تتطرق لأهمية الأنظمة السياسية ولم يشر إلى الحياة النيابية بالوضوح المعهود فيه ، يمكن أن يعلل ذلك لقصر المدة الزمنية التي قضاها في كل دولة لم تمكنه أن يستوعب تلك الأنظمة المعقدة (١) بسرعة ، بالإضافة لكونه موظف في الدولة وبالتالي يمثل وجهة نظرها في الأمور السياسية على الخصوص. إلا أننا نجد الصفار يشير في رحلته (٢) إلى توزيع الاختصاصات بين النواب والملك عندما زار القمرتين كما سمى مجلس النواب ومجلس الشيوخ ، غير أن الباحثة الأمريكية S.Miller ، انتقدت الصفار وقالت : انه شبّه جلساتهم بالعرض المسرحي ولم يفهم أية كلمة من لغتهم ، وإنما كان يستعين بما قدمه الطهطاوي (٣) من جزئيات عن قواعد الانتخابات بالهيئة المذكورة. على أن فهم الصفار للحكم السياسي مأخوذ عن ابن خلدون. غير أن هذه المقارنة في نظري غير عادلة بحكم أن الطهطاوي قد أرسل في

__________________

(١) هذا لا يعني أن المخزن المغربي كان يجهل تماما شكل الأنظمة السياسية الحديثة ، وهو على مرمى السهم منها ، فقد كانت تصله أصداء هذه التغييرات. انظر ما كتبه الكردودي الفاسي في مؤلفة «كشف الغمة ببيان حرب النظام حق على هذه الأمة» في عهد المولى عبد الرحمن عن قيام النظام البرلماني في أوربا وتركيا ص ٤٦.

(٢) الرحلة إلى باريس ، ص ١٢٣ و١٢٤ قامت بدراستها الأمريكية

Miller Susan," The" Rihla" of the Moroccan Mohammed al ـ Saffas 1976" A. Voyage to the land of Run" To France.

(٣) في رحلته يعطينا عرضا منهجيا لتطور الحياة السياسية في فرنسا منذ الثورة ومناقشة فصل السلطة ، ترجمة كاملة للدستور الفرنسي ، وكذلك اطلع على رحلته «تلخيص الإبريز في تلخيص باريس» الرحالة العمراوي كما جاء في رحلته «تحفة الملك العزيز بمملكة باريس». أما الرحالة الغسال «رحلة لأنجلترا» فيحكي زيارته لقبة البرلمان الأنجليزي ص ٢٢ و٢٣ سنة ١٣٢٠ ه‍. تم مخطوط مجهول المؤلف «الابتسام عن دولة ابن هشام» الذي يتناول ما استحدثه محمد علي بمصر من تقنيات مستوردة من الغرب حوالي ١٨١٥ م. خ. م. بالرباط. رقم ١٢٤٩٠ م. ز.


مهمة ثقافية ودينية لمدة خمسة أعوام تعلم خلالها اللغة الفرنسية وأتقنها وقد أسس عند عودته (١) لمصر مدرسة الألسن وترجم العديد من الكتب. أما الصفار فلم تتعد مدة إقامته بفرنسا أربعة أشهر ، بالإضافة إلى أن حركة الإصلاح في المغرب كانت تخطو خطواتها الأولى. فقنوات التواصل كانت ممتدة مع أوربا ، إلا أن المؤثرات الخارجية المتسربة عن هذه القنوات كانت (٢) محدودة وغير قادرة على تغيير الإديولوجية القديمة. فنظام الملكية المطلقة كانت متجذرة في العقلية الشعبية والمخزنية المغربية ، حتى مطلع القرن ٢٠ م. نجد مولاي عبد العزيز قد جالت في رأسه فكرة الشورى فأيده سفراؤه بهذه الأفكار ، فعجل بإقامة (٣) مجلس الشورى أو الأعيان سنة ١٩٠٥ م في ظروف سياسية خاصة.

فالرحلات السفارية المغربية تبدو كأنها تعكس رغبة دفينة في إدراج هذه الإصلاحات في النظام السياسي المغربي (٤) ، غير أنها لا تبقى سوى بوادر أولية لتوجه ديمقراطي ساد لدى النخبة المثقفة في مغرب ق ١٩ م.

عسكريا

قد يعتقد البعض أن مهمة السفارة المغربية كانت مقتصرة على الجانب السياسي فقط ، لكن أبعاد سفارة الزبيدي كانت متعددة وهذا راجع إلى تنوع المشاكل التي كان

__________________

(١) طبعت رحلة الطهطاوي إلى فرنسا سنة ١٨٣٤ م (بولاق) وهي محاولة للتعرف على كيفية قراءة العرب للمجتمع الأوربي عصرئد ويعتبر أول مؤلف شرقي عن أوربا في العصر الحديث أنه يأخذ بفكرة التطور الحضاري ويفتح باب البحث في أسباب الرقي والتأخر.

(٢)

Laroui, Les origines sociales et culturelles du nationalisme marocain, MasPe ? ro,1977

(٣) المؤلفات التي أرخت لهذه الفترة سكتت عن تحديد أصول أهمية هذا المجلس وبالتالي نتائج أعماله باستثناء محمد بن الحسن الحجوي في رحلته الوجدية. مخطوط ب خ. ع. بالرباط تحت رقم ١٢٣.

(٤) انظر إشارة علال الفاسي إلى هذا ضمن «حفريات عن الحركة الدستورية في المغرب قبل الحماية» ، ص ٨.


يواجهها المخزن المغربي وإلى كثرة حاجياته لإصلاح هياكله العتيقة وتقويتها ، علما منه أن المواجهة السياسية تتطلب دعما عسكريا ، وذلك بتحديث الجيش المخزني الذي انهزم مرتين أمام الجيوش الأوربية ، وتزويده بالمعدات الحربية المتطورة وتدريبه عليها ، وإرسال البعثات الطلابية إلى أوربا قصد التكوين والدراسة. وغير ذلك من التجديدات التي يتطلبها العصر ، والتي عزم الحسن الأول على القيام بها منذ توليه حكم المغرب سنة ١٨٧٣ م ، غير أن العروض كثيرة وتتداخل معها المساومات والمراهنات. لهذا كلف السلطان (١) الزبيدي بمهمة التعرف على المعامل الحربية الأوربية والبحث والتقصي عن المعدات وكتابة تقارير حولها ، ونبهه على الاهتمام والتركيز على بعض العينات بل طالبه بجلبها إذا أمكن.

في إطار هذه المهمة العسكرية الصعبة ، شرع الجعيدي في تسجيل تقاريره وارتساماته بأسلوب علمي ناقد. أولى الأشياء التي عالجها في رحلته هي وصفه لأكبر الاستعراضات العسكرية التي شهدتها باريس برآسة المارشال ماك ماهون الذي تولى السلطة سنة ١٨٧٣ م. مهتما بإعادة تنظيم الجيش الفرنسي الذي انهزم أمام ابروسيا (٧٠ ـ ١٨٧١ م) ، متجاوزا بذلك معاهدة (٢) فرانكفورت ، وذلك قصد إعادة الاعتبار والثقة لسمعة فرنسا الدولية ، ومرهبا بطريقة غير مباشرة السفارة المغربية الممثلة للإمبراطورية المغربية والجارة للجزائر. وقد ركز الجعيدي في رحلته على

__________________

(١) المخزن كان يحتكر مبدئيا تجارة السلاح ، لأسباب أمنية وسياسية وعسكرية ، لكن فساد الإدارة وتعذر المراقبة ، فعرفت تجارة تهريب الأسلحة تطورا كبيرا فالأوربيون وجدوا في بيع الأسلحة للقبائل تجارة رائجة. انظر دراسة برادة ثريا «الجيش المغربي وتطوره في ق ١٩ م» ..

(٢) تاريخ العلاقات الدولية القرن التاسع عشر ١٨١٥ ـ ١٩١٤ ، تأليف بيير نوفان ، تعريب د. جلال يحيى ، سنة ١٩٨٠ ، دار المعارف ، ص ٤٤٧.


الجانب التنظيمي (١) لهذه القوات ، وكيفية سير طوابره ، لما كان يعلمه من أحوال بلاده التي تعتمد على الأساليب القديمة والإمدادات الطفيفة والأسلحة العتيقة ، التي لا ترقى لمستوى التنظيمات العسكرية للجيش الفرنسي الحديث. غير أن المهمة السياسية قد طغت في المرحلة الأولى من زيارتهم لفرنسا ، على المهمة العسكرية التي أخذت حصة الأسد عند زيارتهم لبلجيكا بالتعرف على الأسلحة الحديثة ، والتي تتميز بخفض الوزن وذات فعالية حربية كبيرة من بينها نجد مدفعا صغيرا متعدد الطلقات المعروف (٢) باسم المدفع الرشاش Mitrailleux والذي يمكن حمله بسهولة على ظهر الدواب ونقله بسرعة إلى الأماكن البعيدة أو المناطق الجبلية بدون عناء كبير ، لقمع الفتن والثورات الداخلية ، خاصة أن هذا السلاح أثبت فاعلية كبيرة في القضاء على جماعات بشرية والخيالة في الحرب الأهلية الأمريكية (٦١ ـ ١٨٦٥ م) وحرب ابروسيا مع فرنسا (٧٠ ـ ١٨٧١ م) وغير ذلك. وتتضح لنا هذه المهمة من خلال المراسلات التي كانت قائمة بين الحاجب السلطاني والسفير الزبيدي (٣) ، الذي كان يخبره بتفاصيل عن هذا السلاح الفتاك الذي تعرفوا عليه بمعامل السلاح ببروكسيل ، وقد خصه الجعيدي (٤) بالبحث والتدقيق والتجريب مع رسم شكل فوهته تقريبا للفهم بما كانوا يعتقدونه أنه يتوفر على جعبة واحدة.

__________________

(١) الرحالة محمد الفاسي الذي أذهلته الاستعراضات والمناورات العسكرية بأنجلترا يرد ذلك التفوق إلى أن حظ الكفار من الطيبات يعجل لهم في الدنيا «الرحلة الإبريزية» الصفحة. ١٩ أما الرحالة أحمد الغزال بعد مشاهدته لعرض عسكري إسباني ضخم فقال : «... إن جنود الإسلام لا يلتفتون للمدافع ولا للبنب حال القتال ..». أما الصفار فيقول بعد مشاهدته لمناورات عسكرية بفرنسا «... ومن طبعهم أن يوروا ما عندهم ، ولا يتركون عندهم شيئا جليا أو خفيا إلا أطلعونا عليه ... مما هو في الظاهر فرحة وفي الباطن تخويف وفرحة ، مع أنا والحمد لله لا نخافهم ، وإنما نخاف الله ...» في رحلته إلى فرنسا ، ص ٥٢ و٥٣ و٥٤.

(٢) الموسوعة العسكرية ج ١ : ٨٣ إلى ٨٥.

(٣) انظر «الإتحاف» لابن زيدان ، ج ٢ : ٢٩١.

(٤) انظر رحلة الجعيدي ، ص ٢١٦.


كان يساعدهم في هذه المهمة سفير بلجيكا بطنجة السيد دالوان الذي سبق له أن أخبر المخزن عن هذا الرشاش ، كما أقنع الحسن الأول بإيفاد (١) بعثة طلابية إلى بلجيكا سنة ١٨٧٥ م وضرورة مرور سفارة الزبيدي على بلاده. غير أن دالوان عمل جهده على احتكار كل صفقات الأسلحة التي اشتراها المغرب من بلجيكا بمساعدة السفير الأنجليزي د. هاي. وقد ربح أموالا طائلة من هذه التجارة. كما أوضح ذلك الجعيدي في رحلته (٢) ، «لما استفسر الزبيدي عن ثمنها قيل له إن ذلك عند الباشدور الذي لهم بطنجة» ، غير أن الجعيدي نظرا لخبرته في هذا الميدان أخذ إحدى البنادق البلجيكية في ميدان الرماية الوطنية ببروكسيل وجربها وتفطن لبعض عيوبها ، فوجد نيشان الخزنة ضعيفا جدا لا ينحصر به المرمى وظهر له أن فورمة المكحلة أعظم من المرمى ، وحينما أخرج الطلقة لم يصب الهدف ، لهذا فضل عليها المكاحيل التقليدية المعروفة بالمغرب ، وأشاد بمهارة المغاربة في الرمي بها ، غير أن المخزن لم يعط لملاحظاته هذه أية أهمية وقام بشراء كميات كبيرة (٣) من هذه الأسلحة التي

__________________

(١) مظاهر يقظة المغرب الحديث ، المنوني ، ج ١.

(٢) الرحلة ، ص ٢١٨.

(٣) بعد عودة الزبيدي سنة ١٨٧٦ م جلب معه بعض النماذج من البنادق من نوع Wrendl التي تتميز بتعميرها من أسفلها عكس الأصناف المغربية التقليدية ، فاستشار السلطان د. هاي قبل جلب هذا الصنف. بعد ذلك وافق على جلب عدد هائل من بنادق Wrendl من بلجيكا. إلا أنه ما لبث أن اكتشف حقيقة أمر تلك المكاحل فأجاب د. هاي بواسطة حاجبه موسى بن أحمد «... العدة البلجيكية التي جلب الأمين الزبيدي عربونا استحسنتها أنت (هاي) فإن سيدنا أيده الله لما رءاها بديهة استحسنها ، واقتضى نظره السديد أولا جلب ٠٠٠ ، ١٠ منها للرجلي (المشاة) ثم لما أمعن النظر فيها وتأملها وجدها مرقعة ومصلوحة وأن جعبتها من الجعاب القديمة ، قطعت من أسفلها وألصقت بها برمة جديدة ، وكذا سريرها كان بالزناد فأزيل ورقع محله ، ولما رءاها مولانا على هذه الحالة رجع عما كان عليه من جلب العدد المذكور منها لما فيها من الترقيع ، خوفا من ظهور العيب فيها عند استخدامها ...» ، غير أن د. هاي تراجع عن أقواله السابقة ، وأكد للمخزن بأن المكاحل البلجيكية الصنع التي نصح هو بشرائها هي غير التي جلبها الزبيدي ، وتأجل ذلك لعام ١٨٧٨ م ، وثائق المحفوظات البريطانية ٣٢ / ٤٧١ / F.O يناير ١٨٧٧ م.


كانت عاجزة وفاسدة. كما أشار إلى ذلك المؤرخ الناصري «.. إنهم لا يبيعون منها إلا ما انعدمت فائدته عندهم ، لكونهم ترقوا عنها إلى ما هو أجود منها ، واستنبطوا ما هو أتقن وأنفع ..» (١) رغم أن السلطان كان يتتبع بنفسه هذه العمليات ويوجهها حسب رغبته وحاجياته ، فقد طلب من الزبيدي في رسالة أخرى (٢) أن يحضر معه عند عودته كل عينة من العينات المعتبرة الجديدة والتي لم تصل إلى المغرب ، ولا جلبها أحد للآن خاصة من مدينة الياج (٣) المشهورة بمعاملها الحربية. وقد اجتهد الجعيدي على التعرف على طرقهم التقنية لصناعة هذه العدة ولم ينبهر منها بل اكتشف بعض عيوبها.

كما أشار إلى أهمية تخزين الأسلحة بكميات وافرة مع تعهدها بالمسح والصيانة ، كاحتياط حربي يستغل عند وقت الحاجة ، وقد تعجبوا أمام تراكم أكثر من ٠٠٠ ، ٨٠ بندقية داخل إحدى الثكنات العسكرية بمدينة أنفيرس ، رغم ذلك كان الجعيدي يتشكك في ما (٤) يقوله الأجانب ، ويخضع ذلك إلى تجربته الخاصة بالمعاينة

__________________

(١) الاستقصا د ٩ : ١٨٤.

(٢) الإتحاف لابن زيدان ج ٢ : ٢٩١.

(٣) ما أرسلت بعثة للتدريب في معمل السلاح بلييج ببلجيكا انظر «مظاهر يقظة المغرب» للمنوني ج ١ :١٢٨ ـ ١٣١.

(٤) وجه د. هاي صحبة الضابط ماكلين Maclean نموذجا مصحوبا بشهادة صاحب المصنع بجودتها وثمنها فوافق السلطان على تنفيذ اقتراح د. هاي. وطلبها من السفير البلجيكي ، حوالي ١٠٠٠ بندقية. وبمجرد معاينة ماكلين لها اكتشف عيوبها فأخبر المخزن بذلك فكان جواب السلطان «... هذه المكاحيل عيبها أصلي وليس بطارئ والمعيب لا يحل فيه البيع ولا الشراء وأعظم عيب فيها لا دواء له ... مع أن جعابها من عينات شتى ...». ٨٩ / ٧٤ / ٨٢F.O ماي ١٨٧٨ م .. وعاتب الحاجب موسى بن أحمد على ذلك ورفض المخزن رفضا باتا شراء المزيد منها ، فدعي د. هاي المخزن لجلب المعدات الأمريكية المتينة. من أصناف Winchestes فجلبت منها خلال سنة ١٨٨٥ م ألف بندقية ، وكان الثمن الإجمالي لتلك الصفقة أزيد من عشرين ألف ريال. ١٤٤ / ١٧٤F.O. هاي إلى بركاش بتاريخ ٩ مارس ١٨٨٥ م.


والتجريب ويخبر الزبيدي بذلك ليكون على بال. وتعرض لأهمية تموين الجيوش ليس فقط بالأسلحة والذخيرة بل بالمواد الغذائية الضرورية لتحركها وزيادة قدراتها ، فتطرق لكيفية تحضير (١) الخبز لحوالي ثمانين ألف جندي بواسطة آلات ضخمة لطحن الزرع وعجنه وطهيه خلال يوم واحد فقط ، وذلك استعدادا لأيام الحرب.

وبأنجلترا دولة السفير د. هاي الذي كان يدعو المخزن إلى القيام بإصلاحات عسكرية في النصف الثاني من القرن ١٩ م ، والذي تحول إلى سمسار لبيع الأسلحة لفائدة بلاده ودول أخرى ، والذي بعث ابنه روبرت كترجمان رسمي مرافق لأعضاء السفارة المغربية ، توجه بهم إلى ترسانة ولويش Woolwich الشهيرة بصناعة الأسلحة بمختلف أنواعها ، جعلت الجعيدي يهتم بما يراه مناسبا لبلاده وتحدث بإسهاب عن كيفية صناعة رويضات العود أي العجلات (٢) التي تركب في العربات والكراريط التي تحمل العدة والمدافع ، ولا تخفى علينا أهمية العجلات ودورها في العمل على نقل البضائع والمسافرين ، خاصة أن المغرب لم يكن يتوفر على طرق معبدة بمعناها الأوربي ، ولا على قناطر وجسور متينة لربط مدنه وأقاليمه لإخراجها من العزلة ، لأن الحمل كان في الغالب على البغال والجمال ، ولم يكن يخطر بالبال أن الطرق ووسائل الجر التي تستعمل العجلات ذات منافع اقتصادية واستراتيجية ، فلم تكن تعرف العجلة إلا لجر المدافع السلطانية أثناء الحركات العسكرية ، لهذا اهتم الجعيدي بكيفية صناعتها ودقق في الأمر وتتبع جميع المراحل بمهارة نادرة.

كما اهتم بالسلاح البحري (٣) الخطير الذي استنبطه المهندس البريطاني Robert Whitehead المعروف باسم الطوبيدTorPedo سنة ١٨٦٦ م وهو صاروخ بحري يخضع لتوجيه مسافي بدفع ذاتي يحمل كمية كبيرة من المتفجرات يمكن القذف به من البر

__________________

(١) الرحلة ، ص ٢٦٠.

(٢) انظر رحلة الجعيدي : ٣١٨ و٣١٩ و٣٢٠.

(٣) كان اهتمام المغاربة كبيرا بعلم أو فن المدفعية (تاطبجيت) بحكم موقعه الجغرافي وامتداد شواطئه المفتوحة على المتوسط والمحيط. هذه الترسانة زارها كذلك محمد الفاسي «الرحلة الإبريزية ..» : ٢٣. حققها محمد الفاسي.


أو من باخرة إلى باخرة أخرى قصد تفجيرها.

ومن اهتمامات الحسن الأول كذلك معرفة كيفية صناعة الذخيرة الحربية لهذا تطرق الجعيدي لأسلوبهم التقني لصناعة الخفيف أي الرصاص والكور أي القذائف والقنابل داخل أوراش كبيرة تحوى حوالي ستة آلاف من العمال ، جعلت السلطان يقتنع بضرورة إنشاء (١) معمل صنع القرطوش بأكدال مراكش بمساعدة فرنسا أواخر عام ١٣٠٤ ه‍ ومعمل آخر بدار السلاح بفاس قصد توفير الذخيرة الحربية بكمية كبيرة محليا ، بدل جلبها من الخارج بأثمنة مرتفعة وتنازلات سياسية. وكذلك الحال بالنسبة للمدافع التي اشتراها (٢) الزبيدي من أنجلترا نظرا لما اكتسبته من فعالية عسكرية خلال القرن ١٩ م ، بفضل المدفعية استطاع الحسن الأول أن يخرج منتصرا في كل حركات الجنوب ويركز السلطة المركزية في الأطلس والريف وإرهاب القبائل بها دون حرب ، غير أن مسطرة الشراء كانت معقدة بالإضافة إلى عدم وجود جهاز إداري مغربي مختص للقيام بهذه العمليات جعل المغرب يواجه عدة مشاكل من جراء ذلك ، لهذا تتبع الجعيدي معظم المراحل التقنية بدار صناعة المدافع (٣) فوصفها ونقل صورا حية عن عمل صناعها ، كل فئة على حدة ، وكان في وصفه دقيقا ومستقصيا وكأنه يكتب تقريرا مفصلا من أجل بناء مثيلة لها لكثرة التفاصيل التي يوردها.

__________________

(١) «الإتحاف» لابن زيدان ج ٢ : ٤٩٩.

(٢) انظر رسالة الحسن الأول ب «الجيش المغربي وتطوره في القرن ١٩ م» ، (د. د. ع برادة ثريا ، ص ٢٨١ ، كلية الآداب بالرباط). الذي قام أواخر سنة ١٨٧٦ م ، بتزويد طنجة بستة مدافع كبيرة وطلب من السفير دراموندهاي تدريب المغاربة عليها وإصلاح أبراج طنجة من طرف بعض الضباط البريطانيين إلا أن المشروع قد تأخر بسبب تماطل المهندسين البريطانيين فعوضهم المغاربة ولم يتم وضع المدافع الثقيلة فوق أبراج طنجة حتى عام ١٨٨٩ م. بعد أن كلف مالية المخزن مصاريف ثقيلة. (الإتحاف ، ج ٢ : ٤٧٤ ـ ٤٨٤ ظهائر سلطانية إلى الزبيدي كلها مؤرخة سنة ١٨٨١ م في موضوع أثمان وتكاليف المدافع الستة البريطانية الصنع).

(٣) رحلة الجعيدي ، ٣١٤ ـ ٣١٥.


وأثناء عودتهم مرة ثانية إلى التراب الفرنسي ، خصصت لهم الحكومة الفرنسية عدة زيارات إلى منشآتها العسكرية بعدما علمت أن المغاربة خلال إقامتهم ببلجيكا وأنجلترا اطلعوا على الكثير من الصناعات الحربية ، بينما أثناء إقامتهم الأولى بفرنسا اقتصرت زياراتهم على المرافق الثقافية والاقتصادية والعمرانية فقط ، لهذا ركزت على هذا الجانب لإظهار عظمتها في هذا الميدان وذلك في إطار المنافسة الشديدة بين باعة الأسلحة. فأخذتهم إلى فابريكة صنع رويضة الكراريط من العود ، وفابريكات صنع الخفيف والكور وخزائن العدة مثل ما تقدم بيانه أثناء إقامتهم بلندن ، وقد تجنب الجعيدي تكرار الخوض في ذلك واختصر ذلك في سطرين (١) فقط ، وتطرق فقط لخاصية متميزة تعرف عليه بفرنسا ، هي أنهم يتوفرون على مختبر خاص به (٢) عدد من المعلمين المهندسين يوتى لهم بعدد من العينات الجديدة من المكاحيل التي تظهر عند كل جنس من الأجناس الأخرى ، ليختبروها ويقلبوها ويخبروهم بما يظهر لهم منها ، وذلك لمسايرة التطور التقني الحربي ، بدل الاكتفاء بشراء الأسلحة الجديدة جاهزة فقط ، حتى لو كانت عاجزة إن فاسدة كما سبق القول. وأكد أن سبب هذا التفوق راجع إلى مدارسهم المتعددة ، لتكوين أبنائهم تكوينا ثقافيا عسكريا منذ الصبا ، عند زيارتهم «لسكويلة» أي المدرسة العسكرية بباريس. وذكر «أنهم (٣) يأتون إلى هذه الدار في الساعة الخامسة من صباح كل يوم ، ولا يخرجون منها حتى تصل الساعة الحادية عشرة ليلا ، وتبقى لهم من اليوم بليلته ست سوائع للنوم والاستراحة ...» وهي إشارة ضمنية لأهمية الدراسة المتخصصة والمكثفة.

أما الحكومة الإيطالية فقد توصلت هي الأخرى بعدة تقارير من سفرائها بعواصم الدول المعنية عن أنشطة السفارة المغربية بها ، بالإضافة إلى تواجد سفيرهم بطنجة السيد ستيفانو سكوفاصو الذي سبق وصول السفارة إلى طورين ، كان يغازل المخزن

__________________

(١) انظر رحلة الجعيدي : ص ٣٢١.

(٢) نفس الرحلة : ص ٣٢٢.

(٣) نفس الرحلة : ص ٣٢٣.


المغربي بتزويده بالأسلحة الإيطالية (١) من أجل كسب ثقته ، لهذا أقيمت مناورات حربية بالذخيرة الحية على شرف المغاربة ، وقد استحسن الجعيدي المدفعية الإيطالية الحديثة التي تعمر من الخلف ، وقد وصفها بشكل علمي دقيق ساعدني على إدراك شكلها فرسمتها بطرة الصفحة تقريبا للفهم ، خاصة أنه تشكك في أقوال الطبجية الإيطاليين الذين أخبروهم أن القذيفة قد أصابت الهدف البعيد عن أنظارهم ، فحين رأوهم على ذلك الحال طلبوا منهم التوجه إلى مكان سقوط القذيفة لمعاينة الإصابة ، ثم أعادوا الكرة بضربها مرة ثانية ، حينئذ تأكدوا من جودة ودقة وقوة هذه المدافع الكبيرة ، ثم بين كيف تتم عملية مسامتة الهدف مع نيشان المدفع بتفصيل ساعدني على تصور ذلك فرسمته بطرة الصفحة كذلك. وهذا راجع لمعرفته الكييرة بقواعد الحساب والهندسة التي كان يلقنها لبعض أصدقائه الذين يتدربون على فن المدفعية بسلا ، لهذا أعجب بهذه المدافع فتمنى لو كانت في مراسي المغرب شيء في أبراجها «.. (٢) لكان ذلك من الاستعداد بالقوة الظاهرة في الوقت بحسب الاستطاعة ، لا بحسب العناد بحيث تكون العدة التي عندنا مماثلة للعدة التي عند النصارى كيفية وعددا ، لأن في ذلك حرجا ومشقة والمولى جل علاه سلك بهذه الأمة المحمدية مسلك اللطف والفرج فقال عز وجل: ﴿ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وإنما أمرنا سبحانه بالاستعداد بحسب الاستطاعة فقال تعالى : ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ

__________________

(١) سلما وجه مولاي عبد العزيز العساكر لقتل الثائر أبي حمارة أعطاهم السلاح الذي صنع في معامل فاس الذي بناه والده وأنفق فيه الملايين الكثيرة في شراء معمل من إيطاليا وبنائه مع المواد التي كانت تصنع البنادق ، وكانت تلك البنادق بيضاء مفضضة فأطلقوا عليها اسم «البويضة» فلما ضربوا بها الفتان صارت تتكسر في أيديهم ، فكم من واحد كسرت يده ، وكم من واحد قتلته ، وأنا بنفسي رأيت بعض البنادق مكسرة في أيدي العساكر الذين رجعوا منكسرين يوم دخولهم لفاس في يوم مشهود. فهذه نصيحة إيطاليا للمغرب». هذه شهادة يقدمها محمد بن الحسن الحجوي في رسالته الطويلة إلى الوزير الأول الجباص (مخطوط خ. ع. الرباط ج ٢٠٤ ص ٢٤) انظر مجلة كلية الآداب ، الرباط ، عدد ١٠ ، ١٩٨٤ ، ص ٥٢ سعيد بنسعيد «المثقف المخزني ...».

(٢) رحلة الجعيدي : ص ٣٧٧.


مِنْ قُوَّةٍ (١) ولم يقل : مثل استعدادهم لطفا بهذه الأمة ورحمة بها ...».

من خلال هذا المجهود الذي بذلته السفارة المغربية في المجال العسكرية طبقا لتعليمات السلطان الحسن الأول تظهر لنا الآمال التي كانت تعقد من وراء هذه الرحلة السفارية.

غير أن تعدد أنواع الأسلحة ومصادرها ، كان يخلق مشكل تعدد أنواع العدة وأنواع قطع الغيار مما كان يجعل إصلاحها مشكلا صعبا ، خاصة أن الكثير منها غير صالح للاستعمال لأدنى عطب ويجعل تدريب العسكر على استعمالها صعبا.

فالإصلاحات العسكرية التي قام بها الحسن الأول طوال فترة حكمه ورغم المجهودات التي قامت بها سفارة الزبيدي وغيره لتمهد له الطريق في التعرف على المعامل الحربية بأوربا وأجود العينات ، لم تكلل مجهوداته بالنجاح المطلوب لتستجيب إلى حاجيات المغرب بقدر ما كانت فرصة للسماسرة وتجار الأسلحة والمهندسين الأجانب للإثراء السريع على حساب مالية الدولة المغربية. وبهذا تكون الإصلاحات قد فشلت في تحقيق الأهداف المرجوة ، لأنها كانت نابعة ومرتبطة بمصالح الدول الأجنبية أكثر من كونها نابعة من رغبة محلية هادفة إلى إصلاح حقيقي.

الجانب العلمي والفني في الرحلة :

البحث العلمي

بحكم الثقافة العلمية التي يتميز بها الجعيدي عن باقي رفاقه في ميدان الهندسة والحساب وعلم الفلك والاستكشاف ، اهتم كثيرا بالبحث العلمي في شتى الميادين ، محاولا تسليط الضوء على أهم المنجزات العلمية التي توصل إليها الغرب ، وقد سخر لبلوغ هذه الغاية كل قدراته العقلية والمعرفية قصد الوصول إلى الهدف. (كما رأينا في الجانب العسكري) خاصة أنهم تعرفوا على الكثير من الدور العلمية والثقافية ، كحدائق الحيوان والمتاحف المتنوعة والمعارض العلمية ، وغيرها.

__________________

(١) سورة الأنفال : الآية ٦٠.


علم الحيوان ، (١)

اهتم به كثيرا وتتبع في دراسته أنواعها وأشكالها ، وخاصة الحيوانات النادرة أو المجهولة منها في بلاده سواء منها البرية أو البحرية فيكثر من وصف شكلها الخارجي ، كالحمار الوحشي أو الزرد والقنقر الأسترالي والكركدن وغيرها ، أما البحرية فقد تعرف عليها وهي تعيش داخل أحواض السمك (٢) Aquariums في بيئة مصطنعة مصغرة توفر لها شروط الحياة التي نجدها في المحيطات والبحار.

أما في متاحف التاريخ الطبيعي فقد تعرف على بعض الحيوانات المنقرضة ، كالماموث الذي وصف شكل هيكله العظمي وتساءل (٣) هل انقرض قبل أو بعد الطوفان الذي أصاب الأرض كما جاء في القرآن الكريم.

متاحف التاريخ الطبيعي (٤)

التي تحفظ وتصنف وتدرس وتحلل عالم الطبيعة بتعاون مع الجامعات المتخصصة. فقد تعرف هناك على بعض (٥) العينات من المعادن (علم المناجم) والنباتات الطبيعية أو المجففة (٦) (علم النبات) والبقايا البشرية (٧) (علم الأجناس البشرية) ، إلا أنه تعامل

__________________

(١) رحلة الجعيدي ، ص ١٧٨ ـ ١٨٢.

(٢) رحلة الجعيدي ، ص ١٨٢.

(٣) هذا التساؤل طرح نوعا من الجدال بين ابنه عبد القادر الجعيدي والمؤرخ بن علي الدكالي في الهوامش التي كتبوها بطرر بعض صفحات الرحلة قصد الشرح أو التعليق على أحداث أو ظواهر واردة في النص.

(٤) نفس الرحلة : ص ٢٢٧.

(٥) رحلة الجعيدي : ص ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

(٦) رحلة الجعيدي : ص ٢٢٩.

(٧) رحلة الجعيدي : ص ٢٣٠.


معها بشكل سطحي نظرا لضعف خرته في هذا الميدان ، وكذلك الحال بالنسبة لمتاحف العلوم التقنية.

المعارض الصناعية الدولية

قد كانت ظاهرة حضارية اجتاحت العالم الصناعي ، بسبب جو التنافس العلمي الذي كان قائما بينهم ، وقد برزت أنجلترا في هذا الميدان بإقامتها أول معرض عمومي (دولي) اشتركت فيه معظم الأمم ، وأنشأوا لهذا الغرض الدار الرحيبة المعروفة بقصر (١) البلورCrystal Palace منذ سنة ١٨٥١ م ، حيث يتلاقى فيه أهل الأبحاث والأشغال والملاهي ، هذا المعرض الفريد من نوعه خصه الجعيدي بدراسة مطولة ، تناول خلالها جل الأشياء التي أثارت انتباهه واستغرابه ، كألعاب السرك والبهلوان ، والمحاولات الأولى للغطس تحت الماء بالاستعانة بأجهزة الهواء المضغوط المتصل بالخرطوم على سطح الأرض ، وأجهزة اللعب الكهربائية ، وقاعة عرض الصور الفوتوغرافية بواسطة آلات علمية كهربائية كبيرة ، والتي سبقت ظهور السينما الحقيقية (٢) على يد الأخوان Lumiere سنة ١٨٩٥ م. ومن حسن الصدف أنهم تعرفوا عليهم وهم صغار صحبة والدهم السيدAntoine Lumiere عند زيارتهم لورش عمله الخاص بتطوير فن التصوير الشمسي (الفوتوغرافيا) بجبل MontPlaisir بضواحي ليون الفرنسية وغير ذلك. وبمعرض العلاج والإنقاذ ببروكسيل (٣) وصف لنا في رحلته بعض الوسائل المستحدثة في هذا الميدان ، نظرا لتضخم المدن ، وتطور وسائل النقل ، وذلك بهدف مواجهة الحوادث والنكبات ، مثل عمل رجال

__________________

(١) رحلة الجعيدي : ٢٩٢ إلى ٢٩٥.

(٢)

L'EncycloPe ? die du cine ? ma, Roger Boussinot Bordas I, P. 37.

 (٣) ب ص ٢٦٢ من الرحلةL ص d ExPosition ص souvetage de et hygiene


المطافئ (١) ومراكب الإنقاذ وجهاز التلغراف وغير ذلك. أما بمعرض العلوم بمدينة فرنسي الإيطالية فقد اهتم بأجهزة الرصد الفلكية كالإسطرلاب ، وأخضع نفسه لتجربة علمية تتلخص في تحويل الطاقة الميكانيكية إلى طاقة كهربائية. (مثل دينامو الدراجة العادية) كما أطلعه الأطباء على علم تشريح الأعضاء والأنسجة التي تتكون منها الكائنات الحية (الإنسان والحيوان والنبات) وعلى مراحل حمل المرأة والهيكل العظمي لجسم الإنسان وغير ذلك.

اهتمامات الرحالة

الاهتمامات الخاصة التي أثارت فضول الجعيدي العلمي كثيرة وفي شتى الميادين ، أخص بالذكر منها ، أنه لاحظ وجود الثلج في أيام فصل الصيف ، فسأل أحد ضباط الجيش الفرنسي العاملين بالجزائر والذي كان يجلس بجواره في إحدى الحفلات الرسمية بباريس ، عن سبب عدم ذوبان الثلج رغم بقائه في الهواء مثل ما يحدث في بعض بلاد المغرب ، فأخبره أنهم يخزنونه في المطامير ويغطونه بالتبن كما يفعل المغاربة عند خزن الزرع ، وعند الاحتياج يأخذون منه القدر المحتاج بعد غسله ، غير أن الجعيدي لم يكتفي بما سمع ، ولم يقتنع حتى اكتشف الحقيقة العلمية لطريقة صناعة الثلج بعد تزايد الطلب عليه بسبب ضرورة نقل وحفظ المواد الغذائية وغير

__________________

(١) بقيت مكافحة الحرائق لزمن غير بعيد مبادرة شعبية لا تملك من الوسائل سوى دلو الماء ، ولم تبدأ الاستعاة بالمضخات المائية إلا سنة ١٦٩٩ م. ثم تأسست فرق حرس المضخات ، وكانت تضم نخبة من الرجال ، ثم استبدلت بفوج من الإطفائيين العسكريين ، وفي ق ١٩ م بدأت تنتشر المؤسسات الإطفائية المنظمة بأوربا. (الموسوعة العربية).


ذلك. وذلك أثناء عودته على متن باخرة إيطالية إلى طنجة حيث طلب من قائد الباخرة أن يصاحبه لمشاهدة آلة يدوية لصنع الثلج في مدة قصيرة ، فوصف تجربته ورسم شكل الآلة الخارجي. كما تعرف على قبة الغاز التي تطير بالناس في الجو قصد معرفة حالة الطقس ببلادهم ولأسباب عسكرية كذلك. وتتبع معاينة الأساليب التقنية المستعملة في المطبعة الوطنية الفرنسية (١) لطبع الكتب وكيفية خياطتها وتسفيرها ، وتأسف لعدم اشتغال المطبعة العربية هناك بسبب قلة الطلب عليها.

وخص بالبحث المستفيض ببروكسيل آلية تغويز الفحم الحجري الذي يستعمل في الإنارة والطهي في المدن الكبرى ، ويسمى عادة غاز الاستصباح كطاقة رخيصة ، بعد حرق الفحم الحجري في أفران كبيرة ، لإزالة غاز ثاني أكسيد الكبريت وهو غاز سام ذو رائحة كريهة غير مرغوب في وجوده مع الغازات الهيدروكاربونية ، التي توزع بواسطة أنانيب باطنية على الدور والحوانيت التي تتوفر على (٢) عدادات تسجل مقدار استهلاك كل دار أو حانوت خلال الشهر.

اكتفي بهذا القدر لأن رحلته في الحقيقة علمية أكثر منها أدبية.

الجانب الفني إلى جانب اهتمامات الجعيدي بالفن الهندسي والمعماري ، كانت له اهتمامات بالفن المسرحي والموسيقى ، كباقي الرحال العرب إلى أوربا خلال القرن ١٩ م.

__________________

(١) «.. ويطبع في هذه الدار بجميع الأقلام الموجودة في الوقت عدا القلم العربي ، فلم نر مطبعة هناك ، وإن كانت موجودة هناك فلم يصادف وقت الطبع بها ، ولعله لقلة طالبها ..». رحلة الجعيدي :

(٢) رسمت شكل هذه العدادات بطرة الصفحة من الرحلة ، حسب ما ذكره الجعيدي في وصفه لها تقريبا للفهم.


كان تأثير المسرح عليهم تأثيرا واضحا كفن قائم بذاته. باعتباره الأداة التصويرية الهادئة في التعبير عن مشكلات المجتمع الأوربي. ومن الطريف أن نسمع رأي الرحالة الصفار في المسرح الذي زاره لأول مرة في باريس ، وتنبه إلى دوره في التثقيف والترفيه ، يقول : «(١) .. من محال فرجاتهم ، المحال المسماة بالتياترو أو الكومدية وتسمى الأوبرا وهو محل يلعب فيه بمستغربات اللعب ومضحكاته وحكاية ما وقع من حرب أو نادرة أو نحو ذلك ، فهو جد في صورة هزل ، لأنه يكون في اللعب اعتبار أو تأديب أو أعجوبة أو قضية مخصوصة ويكتسبون من ذلك علوما جمة ..» ، وهذا الرأي يقارب ما كتبه الطهطاوي (٢) الذي يراه جدا في صورة هزل ، واتخاذ الجد صورة الهزل إنما مرده استنباط العبرة منها. أما الجعيدي فقد تعرف هو الآخر على المسرح بدار الأوبرا بباريس وشاهد به بعض المسرحيات واعتبر مشاهده من الأمور الحقيقية البعيدة عن الخدعة. «.. أما ما يفعله بعمل السيمياء المسماة عندنا «بخنقاطرة» فأمرها مسلم مفرز مشهور ، رأينا من ذلك في بعض الديار ما سأذكره ، وذلك أنهم يرسلون سترا بأحد أرباع الدار ، يصير حاجزا بين جميع من في الدار الذين أتوا للفرجة ، وبين محل اللعب ، حتى يتناولوا العمل الذي يريدون ظهوره ، فإذا فرغوا من تهيئه يرفعون الستر فترى ذلك المحل المتخذ للعب قد انبسط وامتد غاية .... وحين

__________________

(١) «الرحلة إلى باريس» ، ص ٦٢ ، مخطوط ب خ. ح. بالرياط ، رقم ١١٣.

(٢) رفاعة رافع الطهطاوي الذي عاد من فرنسا ليبراليا وكان يدعو إلى الديمقراطية على طريقة المثاليين في رحلته «تخليص الإبريز في تلخيص باريس» لهذا لم يكن يخفى عليه قيمة المسرح في الحياة الديمقراطية ، راجع كتاب «العرب وفن المسرح» ، د. أحمد شمس الدين الحجاجي ، القاهرة ، ١٩٧٥ م.


لعبهم يكون أصحاب الموسيقا مشتغلين بها ، وعددهم أظنه يزيد على المائة ...» ، كما وصف لنا الجعيدي المسرح الملكي بلندن من الناحية الهندسية ، وتأسف لأنه لم يسعفه الحظ من حضور إحدى عروضه ، وتطرق لأهمية المداخل المالية التي تجنيها التجار من كرائهم للمسرح أو حجزهم لعدد من مقاعده. وبإيطاليا شاهد المغاربة بعض العروض المسرحية وخاصة المتعلقة بفن الرقص المعروف «البالي» لم يذكرها في رحلته بل أشارت إليها الصحف الإيطالية ضمن أنشطة السفارة ، وهي التي تولدت عليها المستملحة الفكاهية التي أشرت إليها في الجانب الفكاهي من هذه الدراسة.

أما عن الجانب الموسيقي في الرحلة ، فإننا نجد الجعيدي يشير في كل مرة إلى وجود الأجواق الموسيقية عند كل الاستقبالات الرسمية ، فيصفها ويحاول رصد أوجه الاختلاف في ما بين هذه الأجواق من حيث اللباس أو الآلات التي يعزفون بها وأحيانا حتى النغمة الموسيقية. بل يطلعنا في رحلته أنهم خلال إقامتهم بروما كانت بعض الفرق الموسيقية تزورهم بمقر إقامتهم قصد الترحيب والترفيه عليهم «... جماعة من أصحاب الطرب بنحو أربعة عشر رجلا بأيديهم كثرات وأعواد مثل الآلة التي تستعمل في الغرب .. وطلع معهم جماعة من النسوة اللواتي كن جالسات في براح الدار ... وصاروا يخدمون بتلك الآلات بنغم مستعذبة تشبه النغم التونسية ...» ، كما ركز على الجانب التطبيقي لهذه الأجواق الحديثة باعتبارها تعزف قطعا موسيقية مكتوبة على الأوراق ويسيرها بما يعرف بالمايسترو» ... قدمت جماعة كبيرة من أصحاب الطرب أيضا للدار التي نحن نازلون بها ... وهم ممن يخدمون بالطرنبطات على أشكال من الهيئة ومن الكبر والصغر وبالمزامير وغيرها ... يخدمون واقفين يصنعون دائرة منهم ، ... كحلقة المداح ، وكل واحد ينصب قدامه ثلاثة أعمدة تجتمع رؤوسها قدامه ، فينصب على رأسها أعوادا رقاقا مربعة الشكل ليضع عليها الأوراق التي تبين له فيها خدمة طبائع الموسيقا التي يخدمون بها ، ... فيتقدم واحد منهم ويقف في وسط الحلقة ، وينصب ثلاثة أعمدة كذلك قدامه ، ويوقد له الضوء ويأخذ بيده قضيبا ويشتعل ...».

نستنتج اهتمام الجعيدي بفن الموسيقى من خلال المؤلفات المخطوطة التي تركها لنا


المؤرخ أحمد الناصري والمسجلة بكتابه (١) ، «الاستقصا» ، أنه ترك رسالتين في فن الموسيقى. إحداهما خاطب بها صديقه العلامة الفلكي ، إدريس الجعيدي السلاوي ، والأخرى قيدها في الموضوع نفسه ، وبحث فيهما في النغمات العربية والمقابلة بينها وبين الموسيقى العجمية.

الجانب العمراني والمنشآت العمومية والاجتماعية في الرحلة

لرحالة الجعيدي ميل كبير إلى فن المعمار كواجهة حضارية نظرا لتعوده على مشاهدة روائع العمران في المغرب من مساجد ومدارس وقصور وسواق وأقواس وأضرحة وغير ذلك.

بالإضافة إلى معرفته الجيدة لعلم الهندسة والحساب واطلاعه على كتاب أقليدس الرياضي اليوناني الشهير في علم الرياضيات والهندسة ، لهذا أعار هذا الفن باهتمام كبير في رحلته هاته. فكان يقف أمام العمران الأوربي (٢) بإعجاب يحصي الأعمدة والسواري والأبواب وأنواع الأثاث والحمامات ويقيس الطول والعرض ويذكر أشكال الزخرفة والتمويه وسعة الأماكن ويستعمل مصطلحات الحرفيين كالتخريم والقريسة والتشجير والدرابيز والسبنية والتوريق والفورمة والجوائز والبارات وغير ذلك بصفته العارف المتمكن بخبايا هذا الفن.

فمعرفته بالهندسة المعمارية المغربية التقليدية ، جعلته يلاحظ التجديد الحاصل في الهندسة المدنية في أوربا ، التي أخذت بأسباب العلم والتغيير باستحداث كل ما يجعلها سهلة ومنظمة وممتعة. وبالاهتمام بها هو قديم والعمل على صيانته والحفاظ عليه لحمايته من الضياع والاضمحلال.

__________________

(١) «الاستقصا» ، الجزء الأول ، ص ٣٢ ، رقم ٢١ من جدول مؤلفاته.

(٢) معظم الرحالة المغاربة لأوربا خلال القرنين ١٨ و١٩ ، اهتموا بهذا التطور الحضاري والعمراني الذي كانت تشهده المدن الأوربية.


العمران

المدن الحديثة (١) التي اكتشفها الجعيدي لأول مرة في حياته ، لا تمت بصلة إلى المدن العتيقة التي تركها في المغرب ، فهي مدن ذات شوارع فسيحة ومبلطة وسطها خاص لمرور العربات والأكداش والجانب الأيمن والأيسر خاص بالراجلين ، ومع امتدادها تنتشر أشجار مخضرة مصطفة بقصد استحسان المنظر ، وبين كل شجرتين قطعة نحاسية قائمة برأسها فنار كبير يوقد ليلا «... لاشتغال أهل البلد بأمور دنياهم بالليل بكامله كأشغالهم بها بالنهار ...». ولكثرة النشاط التجاري والاقتصادي ونقل السلع.

«... كأن الحرب مشتعلة بينهم وكل يجري حسب جهده وطاقته ... كأن المحلة دخلت البلاد ...» ، وعند الفجر تقريبا تنطلق عملية تنظيف وكنس الشوارع من روث الخيل والغبرة بالماء الذي يجري بسرعة ، وكذلك الحال عند نزول المطر ، لكون الطرق محدبة الشكل تنتهي إلى مجاري المياه ، أما الأزبال المنزلية فلها أماكنها المعينة (٢) وهي مدن ذات بنايات عالية من أربع إلى سبع طبقات ، نوافذها وشرفاتها مفتوحة نحو الخارج بدل الداخل كما كان سائدا في البناء المغربي ، وعند ملتقى الطرق الأربعة توجد النافورات ذات المياه المتدفقة وبعض التماثيل المستعذبة ، وبأسفل العمارات توجد المقاهي والمكاتب والحوانيت التي تعرض التحف البديعة ،

__________________

(١) مثلا «... باريس ذات الحسن الفريد ، الجامعة لما تشتهيه النفس في الأرض على وجه ما تحب وتريد ، إذ هي جنة الدنيا بلا منازع ومأوى الحكماء والعقلاء والنبلاء بلا معارض ...». رحلة الجعيدي :.

(٢) «... قيل لي ذات يوم الذباب لا يوجد في مدينة باريز ، فقلت له وهل يتركون له شيئا من القاذورات التي ينزل عليها ... عدا يوما واحدا رأيت فيه ذبابة واحدة في حانوت جزار ما أنظفها وما أظرفها ...»! ، رحلة الجعيدي :.


وبقربها بعض رجال الأمن لتنظيم المرور وحفظ الأمن مع انتشار الحدائق (١) والمنتزهات «... فتخاله كزريبة بديعة التزويق في غاية التنميق ، والصبيان يمرون بها مع أمهاتهم ، ولا ترى واحدا ينزع شيئا من ذلك النوار إنما يتركون ذلك تحسينا للنظر ومصلحة البصر ...» وبها العديد من المقاعد العمومية قصد الاستراحة والاستجمام وغير ذلك من التنظيمات العمرانية الحديثة التي اقتحمت اهتمام الجعيدي وعقله.

كما أعجب كثيرا بعظمة الفنادق الأوربية باعتبارها تضم أرقى التحف البديعة والأثاث المستظرفة والخدمات السريعة والتجهيزات الحديثة قصد توفير الراحة لرواد الفندق ، فخصها بالبحث والوصف الدقيق الممتع حتى قال «... إذا استحضرت ذلك وتأملته ووسعته دائرة خيالك على تفاصيله المبينة ، فكأنك تشاهد ذلك عيانا ...». بل تجاوز ذلك بمحاولته الجادة لكشف شكل فندق مرسيليا الهندسي رغم عدم اطلاعه على أصل تخطيطه في تقرير طويل بلغ حوالي عشر صفحات ، ورغبة منه في تفادي التكرار والإطناب ، اختصر الكلام عن فندق لندن رغم عظمته في بضعة أسطر فقط. وتوسع في وصفه القصور الملكية البريطانية والبلجيكية والإيطالية التي تزخر بالتحف النادرة والمتوارثة عند أسرهم الملكية أو المستوردة من المستعمرات.

وصف الجعيدي العديد من المنشآت العمومية والاجتماعية بعد أن رتبت لهم الزيارات إليها من طرف البلد المضيف ، فوقف في رحلته على وصف العديد من المتاحف باعتبارها المكان الذي تجمع فيه الأشياء ذات الأهمية التاريخية والعلمية

__________________

(١) كانت الهيئة الدبلوماسية تقوم بالضغط على السلطان الحسن الأول لإنجاز إصلاحات حضرية بطنجة تتعلق بترصيف طرقها وتزويدها بالماء الصالح للشرب وبناء مجزرة عمومية بها ، وغير ذلك حسب المناهج الأوربية (راجع رسالة محمد الأمين البزاز» ، المجلس الصحي الدولي بالمغرب من ١٧٩٢ إلى ١٩٢٩») وذلك لتسهيل حركة الاستيطان الأوربي.


والتقنية والفنية ، بغية حفظها وعرضها للمتفرجين ، كمتاحف العلوم التقنية التي تبرز الأدوات والآلات والأجهزة القديمة وتطورها ، التي بواسطتها يستطيع المشاهد تتبع تطور الاختراعات التي توصلت إليها العبقرية البشرية في كل الميادين. ثم متاحف التاريخ الطبيعي ودار الوحوش الميتة وحديقة الحيوان ومتحف الشمع الشهير ببريطانيا ، ومتحف ليزانفليد ومتحف المعادن الملكي ببروكسيل ومدرج كوليسير بروما باهتمام كبير خاصة أن أخباره قد انتشرت عبر المعمور خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وكان يعتبر من عجائب وغرائب الوقت فوصف لعبة رقص الأفيال ولعبة الكلاب ، والغريب في الأمر أنه تعرف على ثلاثة مغاربة واحد مراكشي والآخران من سوس ، يقومون بألعاب بهلوانية فوق الخيل من أتباع أولاد سيدي أحمد وموسى بلندن. وقد سبق له أن تعرف على السرك بباريس وحاول استنباط أنواع الخدعة التي يستعملونها في حركاتهم فوق الخيل وغيره ، «... ليس في ذلك كبير مزية ، بل ذلك كله من قبيل الرياضيات والممارسات ، والنشأة في ذلك من حال الصبي حيث يعتاد ذلك ويصير ذلك لمتعاطيه طبيعة وعادة ...» وقارنهم بما يقومون به أصحاب البارود في المغرب من ألعاب الفروسية التي يتعجب منها «... ولا يأخذون عن ذلك أجرى ولا لهم عنه وظيف بخلاف هؤلاء ، فإن لهم فيه تجارة كبيرة وصائرا عظيما ..» (١).

وقد أشار إلى أن العلامة ابن خلدون قد تطرق إلى هذا الجانب في مقدمته «... إنها من قبيل المدارك التي يدركها الإنسان بالتدريج والرياضة ...» (٢). ويقصد

__________________

(١) ختم زيارته لدار البلار بلندن «بأن هدفه لم يكن الفرجة فقط بل في هيئة الدار وكيفيتها». مع العلم أن فكرة إقامة المعارض الدولية قد تنبهت لها الكثير من الدول في أوربا وأمريكا وتنافست في ما بينها في إقامة المعارض العامة وحققت من وراء ذلك أرباحا كبيرة ، بالإضافة إلى تشجيع الأبحاث والأشغال والمناظرة وغير ذلك.

(٢) انظر رحلة الجعيدي ، وكذلك دراسة محمد عابد الجابري «إبستيمولوجيا المعقول واللامعقول في مقدمة ابن خلدون. «أعمال ندوة ابن خلدون» ، ص ٧٣ ، كلية الآداب بالرباط ، سنة ١٩٧٩.


بذلك أن المعارف النفسانية إما مصدرها الوحي الذي يلقى في صنف خاص من البشر وهم الأنبياء والرسل ، وإما مصدرها الرياضة والاكتساب لا الوحي.

ومن أهم الزيارات التي يذكرها زيارته دار المطبعة الوطنية بباريس وشرحه كيفية الطبع والتسفير وغير ذلك ، في الوقت الذي لم يعرف المغرب إلا المطبعة الحجرية (١) التي أدخلها إلى المغرب قاضي تارودانت من مصر سنة ١٨٦٦ م ، فكان المغرب يتطلع لهذا الاختراع العلمي. ثم زيارتهم للمكتبة الوطنية الضخمة بباريس. فتحدث عن كيفية توزيع الكتب على رواد المكتبة ، وأشار إلى وجود بعض المخطوطات العربية معروضة هناك. فطلب منهم أن يدفعوا له تقييدا بما عندهم من كتب العربية فوعدوا به ، ولم يكن وفاء بهذا الوعد. كما تعرف بروما على دار المرضى أو المستشفى الخاص بالعميان تشرف عليه الرهيبات ، خاصة أن السفارة المغربية كانت تقدم الهبات المالية إلى الكثير من دور الإحسان والأيتام والعجزة والمستشفيات الفقيرة في كل مدينة نزلت بها ، وتتلقى عن ذلك العديد من (٢) رسائل الشكر والتقدير ، وتترك انطباعات حسنة لدى حكومات وشعوب هذه الدول.

نقل الجعيدي الكثير عن هذا الجانب وحاول (٣) رصد هذه الحركية القوية التي تهدف التجديد والتغيير والبناء والتطور في جميع مظاهره ، رغم قصر مدة إقامتهم بأوربا ، لم يتعرض لمساوئهم ولا لجوانبهم السلبية التي تتمثل في استخدام قوة التطور والاختراع والمال لإخضاع الشعوب الضعيفة المتخلفة وقهرها واستعبادها.

__________________

(١) مظاهر يقظة المغرب الحديث ، محمد المنوني ، ج ١ : ٢٠١ ، الرباط ، ١٩٧٣.

(٢) «الإتحاف» لابن زيدان ، ج ٢ : ٢٧٩.

(٣) رغم توسعه في وصف مدنهم ، وجه دعوة مباشرة لزيارتها لمن له القدرة على ذلك حتى يتعرف على حضارتهم مباشرة «... فليس من سمع كمن رأى ... بهذا نبأتك ولكن لست بخبير ، فإن كنت من الأعيان ، فانهض إليها فليس الخبر كالعيان وإن كنت من العاجزين فاقنع بما أتيتك وكن من الشاكرين ...».


بعض المظاهر الاجتماعية :

الطعام والمجتمع الأوربي والمغربي

القصد من هذه الدراسة ليس نظام الطعام وترتيبه في مضمونه المادي فحسب ، وإنما في دلالاته الاجتماعية ورموزه الثقافية أيضا. لأن أهميته كونه وسيلة لتغذية الجسم بغية الحياة. بل أيضا يرتبط (١) بالبيئة والاقتصاد وبالدين والمعتقدات الشعبية ، وربما بكافة مظاهر الحياة الإنسانية المادية والفكرية ، وعلى هذا الأساس يشكل الطعام مركبا حضاريا في الفكر الأنثروبولوجي ، خاصة أن احتفالية النظر والأكل والشراب تشكل (٢) سمة جلية في الثقافة العربية (الكرم ، الضيافة ....).

من هنا تأتي الأهمية التي أعطاها الجعيدي لآداب المائدة عند الأوربيين والتي أكثر الحديث عنها في رحلته ، خاصة أنهم حضروا العديد من مآدب الأكل الرسمية بأوربا ، فوصفها بدقة متناهية تنم عن إدراكه التام بطقوسها وآدابها ، لهذا حاولت تتبع وصفه لها خطوة خطوة أثناء تحقيق رحلته ، فكنت أجد تطابقا تاما بين ما ذكره وبين ما تذكره المراجع المختصة بدارسة التقاليد البروتوكولية لكيفية الأكل أثناء المآدب الدبلوماسية. وهي طقوس تطورت مع نمو الطبقة البورجوازية وارتفاع مستوى الدخل والمعيشة ، وهي مغايرة بطبيعة الحال لما كان سائدا في المجتمع المغربي والإسلامي على العموم ، لا من حيث الشكل أو المضمون ، وقد انعكس هذا على سلوك أعضاء

__________________

(١) انظر الفصل الخامس من كتاب «أدب الرحلات» تأليف د. حسين محمد فهيم ، سلسلة عالم المعرفة ١٣٨ في ذكر الطعام واستنباط أحوال المجتمعات.

(٢) تجدر الإشارة إلى الدراسة التي وصف فيها المستشرق الفرنسي أشتور وجبات الطعام لدى طبقات المجتمع العربي خلال العصر العباسي مسترشدا بالكثير من كتابات الرحالة الطوافين منهم والمؤرخين ، ومن هذه الدراسة استنبط الباحث الأوضاع الاجتماعية وتأثيرها في التركيبة السكانية ، كما ربط بين صلة التغذية بالأمراض التي كانت منتشرة في بعض المجتمعات العربية إبان عصر النهضة الإسلامية. وحالة النمو السكاني في تلك الحقبة الزمنية.


السفارة المغربية عندما امتنعوا عن الأكل لاعتبارات دينية (الأكل الحلال ، والأكل الحرام) ، ففي باريس لم يكن هناك مشكل ، لأن الحكومة الفرنسية المطلعة على أحوال وعادات العرب. استدعت بعض الضباط الفرنسيين العاملين بالجزائر للجلوس بجوار المغاربة لمساعدتهم «... ثم سرنا نحو القبة التي فيها الغداء ، فدخلناها فالتفت إلينا كبير الدولة ، وتكلم بلغته ، فقال لي رجل من عسكره كان بقربي ، إنه يقول لكم مرحبا بكم ، وإنه وكلني بالجلوس معكم لأبين لكم الطعام الحلال عليكم من غيره ، ووجدته يحسن اللغة العربية ...».

أما الحكومة البلجيكية على ما يظهر لن تنتبه إلى طبيعة ضيوفها المغاربة المتشبثين بالشريعة الإسلامية (١) ، والذين امتنعوا عن مشاركتهم في الأكل ، أثناء حضورهم حفلة غذاء أقامها الملك اليوبولد الثاني على شرفهم «... ثم أخذوا يخرجون بالطعام وأنواع الحلواء في أواني كبيرة ، ويطوفون بها على من بالمائدة ، فكل واحد يأخذ منها بمغرفة ما يريد ويضعه في الطبسيل الذي قدامه ... وهكذا حتى فرغ من الطعام ، ونحن تناولنا من ذلك يسيرا من حلواء معقودة على الثلج مع غيرها من الحلواء

__________________

(١) كان وسق المواد الغذائية إلى أوربا ، يفرض على السلطان المغربي أن يستشير الفقهاء والأمناء والتجار في الإباحة والمنع ، لأن المعاملة مع «الكفار» كانت بمثابة إعانة لهم على المسلمين مثلما ذكر صاحب الاستقصا. وكان مصدر بعض الهلع الذي كان يصيب التجار وخاصة السفير البريطاني بالمغرب هاي الذي كان يطلب تصدير الثيران إلى جبل طارق «وسمعنا أناسا لا عقل لهم ولا تجربة في هذا الأمر يقولون أن وسق الطعام حرام لبر النصارى وقائل ذلك من قلة عقله ، لا يتنبه للكسوة الجديدة التي عليه كونها عملا بيد النصارى ورأسه الخارج منه هذا الكلام ملتف برزة من عمل النصارى ... ويذهب لداره يشرب القهوة والشاي الواردين من بلد النصارى ، والسكة التي تحرث بها الأرض وصفيحة بهائمه وسيفه ومكحلة ، كل ذلك وارد من بر النصارى ، ومن يقل ذلك جاهل ولا عقل له ... إن الله سبحانه جعل تحت سلطاتنا عددا كثيرا من المسلمين بالهند أربعين مليونا ولا نمنعهم من نعم الله ...» وثائق المخطوطات البريطانية ١٣٣ / ١٧٤ ...F.O النص العربي لمذكرة ٢٧ مارس ١٨٥٥ م.


الطازجة ...» ، ونفس المشكل البروتوكولي يتكرر في إيطاليا «... ثم أخذوا يأتون بأطعمتهم على عادتهم ، فما تناولنا منها إلا الخبز والزبدة وأنواع الحلواء ، وكانوا يعرضون علينا أنوع الطعام التي يطوفون بها عليهم ، فكنا نشير إليهم بالامتناع منها فيعرضونها على غيرنا ...» ، غير أن الأمير الإيطالي تنبه إلى ذلك واعتذر لهم عن هذا التقصير «... ذكر أنه رآنا لم نأكل شيئا من طعامهم في تلك الوليمة ، وألمه ذلك غاية ، لكنه سره عدم أكلنا منه من جهة محافظتنا على شرعنا ...». هذه المواقف دفعت الأوربيين إلى البحث عن أسباب هذا الامتناع. لهذا نشرت الصحافة البلجيكية تقريرا مفصلا عن نمط عيش المغاربة داخل إحدى فنادقهم ببروكسيل.«.. (١) .. المطبخ (المغربي) به آلات الطبخ Goudin وتنكات مغربية في منتهى الغرابة ... إن وجباتهم تتكون من لحم الخروف ، والأرز ، والشاي والحلويات ، والجزار بعد توجيه دعواته للنبي ، على السنة المحمدية يبدأ في ذبح وسلخ الخرفان الذكور والدجاج في البهو الخلفي ، ولا يأكل اللحم إلا مرة واحدة في اليوم ، لا خمرة على الطاولة ، شاي ، شاي دائما ...» ، وفي إطار الفضول الصحفي كذلك استطاع أحد الصحفيين الإيطاليين الدخول إلى (٢) مقر إقامة السفارة المغربية صحبة الترجمان Bo ـ sio وكتب التقرير التالي في جريدته (٣) La.Lombardia «... ضيوفنا الأعزاء لا يأكلون لحم الخنزير ولا مشتقاته ، كل ما يطبخ في المطابخ الأجنبية غير المسلمة ، وهم يكتفون بأكل اللحوم المذبوحة ، حيث يوجه الشاة إلى القبلة أي مكان قبر الرسول ،

__________________

(١)

G. D. B. R. A. LER) M. A. E. R. B. (Arch; Hist, DiP, J 18 / 479 )Bruxelles(

(٢) كانت للسفارة المغربية استقلاليتها من حيث تحضير الطعام كما يقول الجعيدي «... وأصحابنا الذين في المطبخة يذبحون كل يوم شاة من الضأن ويوتى لهم بالدجاج كل يوم والحوت ، وما يحتاجونه من الإدام ، ويوتى لنا في كل صباح بالقهوة والحليب والزبدة وغير ذلك من الأشربة ، كشراب اللوز وشراب أحمر قان يضاف مع الماء بنحو الثلثين منه والثلث من الماء ...».

(٣)

BIB ,COM.DI Milano (La lombardia).


ويذبح وينتظر حتى تسيل دماؤها وتسلخ وتقدم مطبوخة ، وهذه الطريقة صعبة ولكنها صحية ...».

كما كانت للجعيدي التفاتة أخرى تخص المستوى الرفيع للوجبات الغنية والشهية التي كانت تقدم في إحدى السجون الأنجليزية التي زارها بلندن «... وفيه مطبخة كبيرة يطبخ فيها للمساجين من أزكى الطعام ، وجدنا فيها أكوابا ممتلئة حريرة جامدة ، رفع منها صاحب المطبخة مغرفتين كبيرتين في زلافة ، وقطع من خبزة طرفا نحو نصف رطل ميزانا ، وقطعة لحم نحو أوقيتين أو أقل مع إدام يسير ، وقال الترجمان هذا ما يطعم للمساجين كل يوم ...» في إطار إعجابه بنظام السجون الجديد الذي يهدف الإصلاح والتأهيل بواسطة أساليب التربية والتهذيب مثل عقوبة العمل في الأعمال الزراعية والصناعية بدل تعذيب المحكوم عليه «.... حتى قيل لهم من ضاقت عليه المعيشة منهم فيدخل لهذا السجن فلعله يجده أفضل من محله ، فانبسطوا لذلك ...». إن الحديث عن العمران والمنشآت العمومية والاجتماعية وما يستنبط منه يحتاج إلى المزيد من التحليل والدراسة ليزودنا ولا شك بالكثير من المعلومات والإيضاحات ، لأن وصفه للمجتمع الآخر هو تعبير عن مجتمع الرحالة وتعريف له بالسلب المنطقي ، حيث لا يسجل الرحالة في رحلته إلا الأشياء التي يفتقدها في مجتمعه الأصلي ، ليصل في النهاية إلى تحديد مجتمعه.

المرأة

الحديث عن المرأة في الرحلة السفارية ، كما هو الشأن بالنسبة لبقية القضايا الأخرى هو نتيجة انطباعات أولية ، ووصف لمظاهر خارجية لم يكن الوقت من النفوذ لبواطينها.

ولا ريب أن إسهام المرأة الأوربية في الحياة العامة اقتضى تحررها من تقاليد المجتمع القديم ، وتغيير المقاييس الأخلاقية تبعا لذلك.

ورحلة الجعيدي عموما إشارات إلى مساهمة المرأة الأوربية إلى جانب الرجل في العمل داخل الأوراش والفابريكات «... ثم أوتي بنا إلى محل آخر فيه خلق كثير


من النساء والرجال ، ينشرون القالب الكبير من السكر ...» نظرا لحاجة سوق العمل التي تحتاج إلى المزيد من الأيدي العاملة. بل يذكر كذلك تواجد الصبيان بكثرة في المراكز الصناعية والتجارية. غير أن الجعيدي لا يتردد لحظة في التغزل بسيدات المجتمع الأوربي ، فإن هذا الغزل هو ودون شك تجسيد لإعجابه بالتطور الذي كانت تمر به المرأة الأوربية آنذاك ، فعند زيارته لإحدى الدور التجارية الكبرى بباريس التي تعرض التحف المصنوعة من البلار ، أعجب بإحداهن «.... حين سمع نساؤهن بأننا هناك خرج بعضهن بقصد رؤيتنا لأنهن يستغربن زيّنا ويتعجبن منا ، فالتفتت إلينا إحداهن ، فتذكرت ما قيل في مثل ذلك :

بدار الزاج قمر

فضحت زين العجم

سلبت عقل رامق

سلب عقل بمدام

هام من حسنها وجدا

ذو عفاف وكرم

وهي من نور حسنها

تقتبس محو الظلام

قلت جذلى بوصال

قالت : فاقرأه سلامي

إن بالحل وطني

وأنتم أهل الحرم

صدقت فيما نطقت

وحقا قالت حذام ...» (١)

__________________

(١) يقول بعض الشعراء :

إذا قالت حذام فصدقوها

فإن القول ما قالت حذام

اسم امرأة عربية ، والإشارة من المؤلف إلى هذا الشعر واضحة على سبيل الاقتباس.


فهو يقصد بهذا التغزل إشاعة روح المرح في ما بين أعضاء السفارة قصد التسلية والترفيه (١). بل نجد في إحدى قصائده الشعرية يقسم بكل المناظر المكشوفة من المرأة التي أكره على مشاهدتها وهي ترقص على خشبة المسرح وهي دعابة أدبية مقصودة ، نظرا لما يتيمز به من روح مرحة.

كما أشار لهذا التحرر من خلال مشاركتها في الحفلات والسهرات واختلاطها بالرجل وهي في كامل زينتها وأبهتها «.. (٢) ... والنساء يجررن ثياب الحرير بنحو ثلاثة أذرع في الأرض ، وغالبها مرصع بالديمانض ، وكذلك في نحورهن وعلى رؤوسهن ... ورأينا في نسائهم حياء كبيرا لأنهن يرفعن إلينا من بعد ، فإذا قربن ووقع بصرنا على إحداهن نكست بصرها إلى الأرض ، وغالبهن على هذه الحالة ...».

هذا الموقف يجعلنا أمام حالة ربما نادرة من حالات التكيف السريع مع التحرر الأخلاقي ، على أن المرأة الأوربية يغلب عليها النبل والطهر والعفاف ، عكس (٣) من يصفها بالفجور والرذيلة ، ونحن نعلم وضعية المرأة المغربية في تلك العصور ، وما كانت عليه من الجهل الفكري والتخلف الاجتماعي والانغلاق ، ونعلم أيضا موقف الإسلام من المرأة وما يوجبه عليها من الأخلاق والاستقامة مع العلم والوعي المشاركة في الحياة.

__________________

(١) انظر الجانب الفكاهي من الدراسة والقصيدة. كما أن الرحالة الصفار يتغزل في المرأة الفرنسية «... وتسدل ذلك الثوب حتى يستر بناءها ، فلا يظهر شيء من أسفلها بالكلية ، فإذا أقبلت عليك تشتهي أن تمسكها من ذلك الخصر ...» «رحلة إلى فرنسا» ص ١٠٥ و١٠٦ و٧٠ مخطوطا.

(٢) رحلة الجعيدي ، عند حضورهم حفلة شاي أقامها وزير المستعمرات البريطانية بلندن.

(٣) كمثال على ذلك ما أبداه ابن رعثمان المكناسي في رحلته «البدر السافر لهداية المسافر» من امتعاض عند حضوره بعض الحفلات الليلية بنابولي ، ص ٢٥٢.


مظاهر التقدم الصناعي والمالي والفلاحي في الرحلة :

الصناعة

قامت أساسا على القوة البخارية التي تعتبر أعظم اكتشاف توصلت إليه أوربا خلال القرن ١٩ م ، والتي فتحت الباب أمام اختراعات لا حصر لها في جميع الميادين ، فقد حلت الآلات البخارية مكان الأيدي العاملة في الصناعة. وانتشرت خطوط السكة الحديدية بشكل كثيف في أوربا ، مما شجع تنقل الأشخاص والبضائع ، وساعد على تنمية الهجرة القوية ونمو المدن ، غيرت معالم العهد القديم.

الفحم الحجري

المصدر الطاقي الوحيد الذي اعتمد عليه الاقتصاد الأوربي ، لهذا خصه الجعيدي في «رحلته» بالبحث المستفيض ، فوصف لنا (١) طريقة استخراجه عبر آبار عميقة ومتعددة ينزل إليها الخدمة بالتناوب بواسطة المصاعد التي حاول رسم شكلها الخارجي بطرة الورقة ، وتهوية المناجم لاستخراج الغازات السامة ، وضخ المياه الباطنية ، وغير ذلك. وإن احتراقه ينتج عنه غاز الاستصباح الذي يخصص للطهي والإنارة ، ويولد كذلك (٢) حرارة هائلة داخل الأفران العالية لصهر الحديد وغيره.

مما لا شك فيه أن التقارير التي كانت تصل إلى الحسن الأول من الزبيدي ، قد

__________________

(١) رحلة الجعيدي ، عند زيارتهم لأوراش شركة كوكريل Kockrill المجتمعة حول مناجم الفحم عند مدينة سوران Seraing البلجيكية.

(٢) «... لم أقف على أصل الحركة الأولى التي ينشأ عنها سائر الحركات ...».

فعلق المؤرخ محمد بن علي الدكالي في الطرة «هي قوة البخار الذي نشأ من تسخين الماء الحار الشديد الغليان» لكن الجعيدي تدارك هذه الهفوة في ما بعد.


أطلعته على أهمية استخراج الفحم بطرق علمية ، فابتداءا من سنة ١٨٧٨ م وجه السلطان أوامره إلى الحاجب موسى بن أحمد ليستفسر فابتداء من السفير هاي عن ذلك. (١) وطلب منه مد المخزن المغربي بالخبراء في هذا الميدان ، وبالفعل توافد على المغرب العديد من المهندسين المتخصصين منهم البريطاني E.Silva الذي تمكن من العثور على منجم فحمي بالقرب من طنجة (٢) بمساعدة المهندس المغربي الزبير سكيرج والإشراف الإداري لمحمد الزبيدي ، الذي أوضح للسلطان بأن بداية الاستخراج يمكن أن تتم «... بحفر آبار ثلاثة كآبار السواني متفرقة ليعرف منها الجهة القريبة للمنفعة فيقع الشروع منها ...» (٣) ، كما طلب الزبيدي «التوجيه على عشرين معلما من أهل تدغة الذين يحفرون الخطاطير بالحوز يحفرون الآبار بصائر قريب الأجرة ..» بعد أن رفض السلطان استغلاله من طرف المؤسسات الأجنبية ، بل طلب المساعدة في البحث والتنقيب فقط ، لأنه كان يرى في ذلك أداة للتغلغل الأجنبي ، كما رفض باقي العروض الأجنبية الأخرى.

وسائل النقل : كان على رأسها «بابور البر» أو القطار البخاري (٤) الذي أثار إعجابه خاصة أنه كان الوسيلة الوحيدة لتنقلهم عبر التراب الأوربي ، ووفر لهم الراحة ومتعة

__________________

(١) رسالة موسى بن أحمد إلى د. هاي بتاريخ ١٧ رجب ١٢٩٥ ه‍ / ١٧ يوليوز سنة ١٨٧٨ م وثائق المفوطات البريطانية ٨٩ / ١٧٤.F.O ..

(٢) الكناش ٣٤٨ الخزانة الحسنية ص ٥٤ رسالة السلطان إلى بركاش بتاريخ ٥ صفر ١٣٠١ ه‍ / ٦ دجنبر ١٨٨٣ م.

(٣) نفس الكناش ١٢٥ رسالة الزبيدي إلى السلطان بتاريخ ١٦ ربيع الأول ١٣٠١ ه‍ / ١٥ فبراير ١٨٨٤ م وب «الإتحاف» خ. ح ٤٦٣.

(٤) في سنة ٢٩٤ ه‍ ، وفد على السلطان عدة باشدورات الأجناس «... وتكلم الفرنسيس في شأن بابور البر والتلغراف وإجرائهما بالمغرب ، كما هو في سائر بلاد المعمور ، وزعم أن في ذلك نفعا كبيرا للمسلمين والنصارى ، وهو والله عين الضرر ، وإنما النصارى جربوا سائر البلاد فأرادوا أن يخربوا هذا القطر السعيد الذي طهره الله من دنسهم ، نسأله سبحانه أن يكبت كيدهم ويحفظ المسلمين من شرهم ...». «الاستقصا» ، الناصري ، ج ٩ : ١٦٢.


السفر والسرعة في التنقل عبر خطوط حديدية قوية تشق الجبال وتقطع السهول وتعبر الأنهار والوديان بدقة ونظام بديع. وقد أشار الجعيدي إلى الكثير من أسماء المحطات التي كانوا يمرون عليها ومدة التوقف فيها.

كما أشار إلى أهمية المواصلات عبر الأنهار (١) والحيل التي استنبطوها في الربط بينها ، بواسطة قنوات وسدود صغيرة لرفع أو حفظ مستوى المياه حسب الحاجة ، ويستغلونها كذلك في صيد الأسماك بها ، واستغلال مياهها في سقي المزروعات عند ضفافها.

صناعة السكر : التي لها ارتباط بحاجيات السوق المغربية الاستهلاكية ، والتي انتشرت عادة استهلاكه بكثرة ، وكان (٢) دخوله للمغرب أيام سيدي محمد بن عبد الله ، وقد خلق عصرئد بعض المشاكل الفقهية واضطرابا كبيرا ، فالبعض يحرمه والبعض يحلله ، مما دفع السلطان مولاي سليمان أن يبعث بمن يثق بدينه وعلمه ليتعرفوا عن طرق صناعته «فأخبروا بطهارة أصله وإباحة فرعه» ، إنما حرم الجامد منه أي «سكار القالب» نظرا لأنهم يضيفون مادة كحولية بقدر معين إلى البلورات السكرية وقد تعرف على ذلك الجعيدي وتظاهر بجهله لها «.... انظر من أي شيء هو ذلك الماء المتخذ للتصفية ...» ، غير أن هذه النتيجة التي توصلوا إليها لم تحترم مع

__________________

(١) قد نرجع اهتمام الجعيدي بأهمية الأنهار ، لاستقراره على إحدى ضفاف نهر أبي رقراق الذي لعب دورا تاريخيا إبان الجهاد البحري وقبله كمرسى للمجاهدين ، لولا الحاجز الرملي الذي أصبح مانعا لدخول السفن الكبيرة لمرسى العدوتين خشية التحريث والجنوح ، وقد انعكس ذلك على اقتصاد المدينتين.

(٢) انظر مخطوط محمد المامون بن عمر بن الطائع الكتاني الحسني (ب. خ. ع. بالرباط ، رقم ٥٣٢ ، ص ١٣٣ و١٤٥ فقد كان المغاربة لا يشربون الشاي إنما يحتسون نقيع النعنع أو الشيبة معطر بورق الورد أو ماء زهر البرتقال والليمون. انظر مقال ليلى أبو زيد «نحن والأنجليز ونقط الالتقاء» في مجلة دعوة الحق ، نوفمبر ١٩٨٠ م ص ٧٣ وتختلف الروايات في تاريخ دخول عادة الشاي إلى المغرب.


مرور الزمن ، بل حصل العكس حيث تزايد الاستهلاك بشكل صاعدي ، وكان يكلف ميزانية المخزن مبالغ باهضة ، مما دفعه إلى التفكير في العمل على استحداث (١) معمل لصناعة السكر بالمغرب.

لهذا نجد السفارة المغربية بمجرد وصولها إلى مرسيليا ، تقوم بزيارة لفابريكة السكر ، وقد خصه الجعيدي بالبحث المستفيض لما شاهده من عمل الخدمة به ، وكيفية نشره إلى قطع صغيرة على شكل مربعات صغيرة ، وأشار في الأخير «.... وسمعنا بأن حكيما هناك التزم على نفسه أن يخدم السكر القالب ويوجده في أربع وعشرين ساعة ، وأنه لا يضيف إليه شيئا مما يصفى به الآن (يقصد المادة الكحولية دون أن يذكرها) ... فقيل له إن القائمين بخدمة المكينة الآن حيث يستوفون مدة «كنطردتهم» يكون الكلام في ذلك ...» إشارة إلى أنهم قد فتحوا باب الحوار معهم لجلب أحد الحكماء إلى المغرب لدراسة موضوع صناعة السكر الذي أصبح مع مرور الوقت مادة شعبية.

الصناعات النسيجية : التي أصبحت تجد في السوق المغربية رواجا كبيرا ، نظرا لجودتها وثمنها المناسب ، وكان لذلك تأثير سلبي على الطبقات الحرفية التقليدية المغربية لفائدة طبقات من التجار المغاربة والأجانب الذين يستوردون الأثواب والمنتوجات. وقد أدى ذلك إلى تحطيم الهياكل الاقتصادية التقليدية (٢) الموجودة وتعويضها بغيرها مع تسرب الاقتصاد النقدي والتجاري. لهذا وصف طرقهم الميكانيكية التي تشتغل لوحدها مع مراقبة من طرف الخدمة من غزل ونسج الصوف والقطن والحرير والكتان والماركان ، وتعرف على بعض الأثواب التي تصل إلى المغرب

__________________

(١) كان في أكدال مراكش معمل لتكرير السكر جلب إليه محمد بن عبد الرحمان الصناع من مصر.

الإتحاف ج ٣ : ٥٥٦. كما أسس الحسن الأول مصنعا بتجهيزات أنجليزية وبمساعدة المهندس jOHN Guy Jachson عام ١٢٩٦ ه‍ / ١٨٧٨ م وكلفه نفقات باهضة ولكنه أحيل بعد سنوات إلى مدبغة للجلود بمنطقة الحوز.

(٢) انظر دراسة إدريس بنعلي عن علاقة بعض المغاربة بالتجارة الخارجية في القرنين الحالي والماضي في «المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد» ، عدد ٨ : ٩٧ سنة ١٩٨١ م.


كالموبر البرانية والثوب المسوس والديباج والبرتك والملف وغيرها من الأثواب الفاخرة والمشجرة بخيوط الذهب. والحرير خصه بدراسة خاصة عن كيفية غسله ووزنه والتفريق بين أنواعه وثمنه «.... فالثوب الذي وجدناه منسوجا ... ثمنه أربعون ريالا ، فإذا قسم هذا المنكب الذي طوله خمسة أمتار ، وهي تعدل تسعة أذرع تقريبا ، على قالة ونصف يكون فيه ستة مناكب ، وإذا قسمت هذه القطعة نصفين عرضا صارت اثنتي عشرة شقة ، طول كل واحدة أزيد من خمسة عشر ذراعا ، وهو إذن أرخص بكثير من المسوس المصنوع من الخيط الذي يجلب للغرب ...» إشارة إلى الأرباح الطائلة التي كان يجنيها التجار من بيع بعض الأثواب.

غير أن ازدهار هذه الصناعة يحتاج إلى احتكار الأسواق العالمية ومناطق المواد الأولية ، لهذا كانت تسعى الدول الأوربية في الحصول على امتيازات لزراعة القطن (١) بالمغرب مثل ما حصل بمصر والهند والولايات المتحدة الأمريكية ، فواجهتهم أولا طبيعة الملكية الزراعية بالبادية المغربية ، وتخوف المخزن من أن يجلب ذلك المزيد من الأوربيين إلى البلاد.

صناعة الزجاج والبلار والمرايا (٢) : التي لم تكن معروفة في المغرب ، ولم تكن

__________________

(١) نستنتج من تقييد السفير هاي إلى السلطان «... إن فلاحة القطن فيها الغني لإيالة سيدنا أيده الله في بعض المواضع التي تناسب أرضها ذلك ... ولا بد من رد البال لغرس التوت أيضا وصنع الحرير ، إن عددا كثيرا من الحرير يجلب لهذه الإيالة ... حيث إيالة مراكش قادرين على صنع الحرير في إيالتهم لما يكفيهم وللوسق ... وأيضا قصب الحلو (قصب السكر) فغرسه في هذه الإيالة كثير منه ...» بتاريخ ٦ ماي ١٨٦٢ م من وثائق المحفوظات البريطانية ١٣٧ / ١٧٤.F.O. وانظر الكناش رقم ٤٧ ب خ. ح. بالرباط رسالة بتاريخ ١٢ ربيع الثاني ١٢٨٣ ه‍ / ٢٤ غشت حول زراعة قصب السكر بحاجة.

(٢) رحلة الجعيدي : وقد أعرب الحسن الأول ل د. هاي عن رغبته في إقامة مصنع للزجاج بالمغرب ومعامل حربية ، غير أنه أبلغ السلطان بجسامة تكاليف مثل هذه المشروعات وأنه من الأرخص أن يشتري ما يريد من بريطانيا وغيرها من الأمم. «تاريخ العلاقات الأنجليزية ـ المغربية» ، روجرز ، ترجمة لبيب رزق ، ص ٢٤٢.


تشكل طبقة حرفية بل كانت تستورد من الخارج ، لهذا تناول هذا الصناعة انطلاقا من الحرفي الصغير الذي يشغل في ورشه الصغير ، وتتبع الخطوات التي يتبعها للحصول على المصنوعات الزجاجية ، بل دقق حتى في بعض المواد الأولية التي يقيمها قصد الوصول إلى العجينة النهائية التي تتحول بمجهوده الفني إلى تحفة جميلة ، ونفس الشيء بالنسبة لصناعة المرايات والثريات الضخمة داخل فابريكات مختصة في ذلك.

باقي الصناعات الأخرى : كالتعدينية التي أشار فيها إلى كيفية صنع «الصواني» وتفضيضها أو تذهيبها وأواني الطبخ ، ومواد البناء ، والتماثيل والفلايل والإبر ، ثم صناعة أدوات البناء من النحاس ، إلى أن ينتهي إلى أفران صهر الحديد لصناعة محركات البواخر والقاطرات وخطوط السكة الحديدية وغير ذلك من الآلات الكبيرة ، والتي كانت تعتبر من الأمور العجيبة عصرئد عند المغاربة.

عمل الجعيدي أمام هذا التطور المادي الهائل الذي يهدف التجديد والتغيير والبناء كل جهده لنقل نشاط هذه الحركية التقنية في جميع مظاهرها. يصف أصعب مراحل الصنعة بكل تدقيق وتفصيل وبلغة واضحة يستعمل فيها بعض الكلمات الدارجة للوصول لغرضه ، ويطرح الكثير من الأسئلة عندما تستوقفه بعض الأشياء المغربية ، وكأنه يجمع المعلومات لغرض معين ، فقد استطاع هذا الفقيه الذكي أن يقربنا من الوسط الذي عاش فيه بضعة شهور ، فقد بحث ودقق وحقق وسأل واستفاد ، وقارن ولا حظ ... يأتي بذلك على وجه الاستغراب لأنه مفقود في بلاده المغربية.


الجانب المالي

إلى جانب المهام السياسية والعسكرية والاقتصادية التي كلفت بها السفارة المغربية من قبل السلطان الحسن الأول ، تأتي المهمة المالية المتعلقة بإعادة تجديد (١) ضرب السكة المغربية ، التي كانت قيمتها في تدهور مستمر لأسباب كثيرة ومتنوعة ، أمام السكة الأجنبية التي كانت تروج بجانبها لاحتياج المغاربة لها في شراء حاجياتهم من الخارج والداخل. بالإضافة إلى ظهور نقود مزورة ومقلدة للسكة المغربية ، وتهريب العملة الذهبية والفضية إلى الخارج وغير ذلك. «(٢) فانعكس الحال على التجار وتقاعدوا على الريال والبسيطة وفاضت الفلوس في الأسواق حتى صارت معاملة الناس ليست إلا بها ، وحصل للتجار من الضرر في رخص الريال ، ما كان للضعفاء في قلة الفلوس ...» فأصبح المغرب يتخبط في أزمة مالية جديدة جعلت الحسن الأول يبحث عن طريقة مثلى لإعادة تجديد ضرب السكة ، وقد اقترحت عليه بعض الحلول من طرف المندوب البريطاني د. هاي سنة ١٨٧٥ م (٣) ضمن برنامجه الإصلاحي الذي تقدم به إلى السلطان ، وذلك بإعادة ضرب السكة المغربية وفق معايير جديدة تساير التطورات الحاصلة في أوربا بدل ضربها بالطرق

__________________

(١) عندما ولي محمد الرابع ، عمد إلى ضرب «الدرهم الشرعي» عام ١٢٦١ ه‍ / ١٨٤٥ م كمحاولة لتأسيس عملة مغربية جديدة لا تتأثر بتقلبات السكة الأجنبية ، وحمل المغاربة على أن لا يذكروا في معاملاتهم وأنكحتهم وسائر عقودهم إلا الدرهم الشرعي «مظاهر يقظة المغرب الحديث» محمد المنوني ، ج ١ : ٨٥.

(٢) الاستقصا ، الناصري ، ج ٤ : ٢٥٤ و٢٥٥ أثناء حوادث عام ١٢٩٤ ه‍.

(٣) في أبريل ١٨٧٥ سافر د. هاي إلى فاس لتقديم احتراماته للسلطان الجديد ، وعبر له بصراحة على ضرورة إجراء إصلاح إذا ما أراد أن يبقى المغرب بلدا مستقلا ، فاعترف له السلطان بأن السبب الرئيسي لتدهور البلاد هو استمرار النظام الحكومي القائم على الموظفين الذين لا يتقاضون أجورا ، واعتراض عدد من كبار رجال البلاط لأي تجديد ، مما يجعل من المستحيل عليه القضاء على الفساد في يوم واحد. «تاريخ العلاقات الأنجليزية ـ المغربية» ، روجرز ، ترجمة لبيب رزق ، ص ٢٤١.


العتيقة التي كانت متبعة في المغرب ، وبكميات كافية لسد حاجيات السوق المغربية.

دار ضرب السكة بباريس

بالفعل كفلت سفارة الزبيدي بدراسة موضوع إمكانية إعادة ضرب السكة المغربية بإحدى الدول الأوربية ، وتنفيذا لرغبة السلطان زارت السفارة المغربية بنك فرنسا ودار ضرب السكة بباريس ، كما جاء في «رحلة الجعيدي» الذي سجل لنا تفاصيل هذه الزيارة الاستطلاعية انطلاقا مما شاهدوه في معرض النقود القديمة التي كانت سائدة عند الكثير من الدول بما فيها (١) المغرب ، ثم تناول كيفية ضرب النقود المعدنية الفرنسية من الفضة والنحاس بواسطة آلات ميكانيكية انطلاقا من تذويب المعدن إلى أن يصبح قطعة نقدية جاهزة ، «... فيخرج عنده وقد رقم في حرفه ما يرقم في حرف الريال من حروفهم ..» ، وقد أبدى الجعيدي إعجابا كبيرا بذلك «... مكينة أخرى يرت منا الأذهان وصار كل منا كالحيران الولهان ، وهي في غاية اللطافة والظرافة والنظافة ...».

مما لا شك فيه أن الزبيدي الذي كان يراسل الحاجب السلطاني باستمرار ليطلعه على نشاطه هناك ، قد أبلغه بالأهمية التقنية التي كانت تتوفر عليها دار ضرب السكة بباريس.

__________________

(١) «... ووجدنا في بعضها ريالات ثلاثة من الريال ذي شعب أربع المسمى عندنا بالريال المقنت ، من سكة مولانا السلطان سيدي محمد بن عبد الله ...».


دار ضرب السكة بلندن

في نفس السياق فقد خصت الحكومة البريطانية السفارة المغربية بزيارة «لدار البانكة وضرب السكة» قصد إطلاعهم على ما وصلوا إليه من تقنية ميكانيكية لضرب الليبرة الأنجليزية ، وهذا يدخل بطبيعة الحال في إطار التنافس الذي كان قائما بين الأبناك الفرنسية والأبناك الأنجليزية لاستقطاب المخزن المغربي لضرب عملته ببلادهم «.. وهي دار عظيمة كأنها مدينة مشتملة على ديار. وطرق دففها من الحديد ... فسألنا عن عددهم فقيل في هذه الدار من الكتاب ثلاثة آلاف ، وألف واحد من سائر الخدمة ، ثم أوصلنا كبيرهم إلى مطبعة سكة الكاغد ...». العملة الورقية أثارت فضوله العلمي فخصها ببحث مستفيض وتتبع مراحل الطبع «..... وحيث رآني كبيرهم أرصد دوران بعض النواعير والمجانبة في يدي ، فأخبر أن هذه الدار يطبع فيها في كل يوم مليون من الإبرة ... هناك أوقفونا على بعض الكواغد زورها عليهم بعض من الفرنصيص ، وتداولها أناس بالدفع ، وعند رجوعها لدار المطبعة تفطن لها الكتاب من جهة النمروس لا غير ... والتاريخ لا زال لم يخرج من الدار ، أخبروا به ، وجدوا في طلب من زوره حتى وجدوه ، وحكم عليه بالسجن ثلاثين عاما ...» ، وهذا الإخبار يدخل هو الآخر في إطار المنافسة. كما حاولوا الأنجليز إبراز أهمية (١) العملة الورقية وصعوبة تزويرها وإمكانية حرقها بعد أن تتقادم بحضور الكتاب والأمناء ثم إعادة طبعها من جديد وهي تحمل أرقام الأوراق التي تم حرقها بدار المطبعة مرة أخرى. وهكذا ، كما أطلعوهم على كيفية ضرب السكة الذهبية ، غير أن المغاربة على ما يظهر استحسنوا السكة المعدنية التي ألفوها في بلادهم منذ قرون طويلة ، خوفا من جهل العامة للعملة الورقية.

__________________

(١) ذكر الطاهر الفاسي في رحلته الإبريزية : ٣٥ «... وقد أحدثوا هذه السكة (الورقية) في القرب ، وسبب إحداثه كما يقال ، أن الدولة الأنجليزية بلغها عن بعض أجناس النصارى ، يقولن إن دولة انجليز حصل لها ضعف وفلس مثلا ، فاتفقوا على استعمال ذلك إظهارا للقوة دمرهم الله ...».


الصراع الفرنسي الأنجليزي لضرب السكة المغربية : بعد عودة السفارة المغربية برز الزبيدي كخبير في هذا الميدان نظرا لخبرته الطويلة وكذلك لمعرفته لدور ضرب السكة بأوربا ، فأوكل إليه الحسن الأول مهمة الإشراف على المفاوضات المتعلقة بضرب السكة المغربية بالخارج ، وأعطاه حرية مفاوضة سفيري فرنسا وأنجلترا ، وهذا نص ما كتبه سفير أنجلترا للزبيدي «... كنا أطلعنا العلم الشريف بالضرر الصادر للعامة في رواج (١) سكة النحاس القبيحة التي كل واحد قادر على تزويرها ويسعى بذلك الربح لنفسه ... فقد كنا أشرنا على السلطان أيده الله بجعلها تضر بفبريكة سكة النحاس في مدينة برمنكهام ... أجابني بأنه استحسن نصيحتنا وعزم على العمل بمقتضى إشارتنا وقت الإمكان ، وذكر لنا إسمكم بأنكم أنتم إن شاء الله مكلفون بتأمل هذه الأمور .. فنطلب منكم رفعه للسلطان ..» يظهر أن السلطان أظهر استحسانه لطلب السفير دريموند. هاي لترضية خاطره ، وعلق أمر الموافقة النهائية على أمينه الحاج محمد الزبيدي والذي أخبره بضرورة التنصل من ذلك «(٢) .. وطلب منك (د. هاي) أن تتلاقى مع نائب أرباب السلف الذي بطنجة فسوفته. وظهر لك عدم الملاقاة به ، والتنصل إن وجدت السبيل لذلك ... وحين ترجع لحضرتنا الشريفة تشافه بما ظهر لك في ذلك صار بذلك بالبال والعمل على ما ظهر لك في ذلك ...».

__________________

(١) انظر : نص هذه الرسالة ب «الإتحاف» لابن زيدان ، ج ٢ : ٤٤٥ و٤٤٦ بتاريخ ٢٠ مارس سنة ١٨٨١ / موافق ١٩ ربيع الثاني عام ١٢٩٨ ه‍ بتوقيع د. هاي.

(٢) رسالة سلطانية سرية إلى الأمين الحاج محمد الزبيدي. الإتحاف ، ج ٢ : ٤٤٤ ، بتاريخ ٣ صفر عام ١٢٩٨ ه‍.


حصول فرنسا على الصفقة

أصدر السلطان ظهيرا شريفا إلى النائب محمد بركاش بضرب السكة المغربية بفرنسا بدل أنجلترا «(١) .. وبعد ، وصل جوابك بأن السدد الذي ظهر للخديم الزبيدي في شأن السكة ... وتوجيه تلك السكة لبر النصارى ... لأنها إذا كانت مساوية لسكة الفرنصيص وزنا وعيارا مقبولة بإيالته تكون مقبولة في إيالات أخرى مثل سكته ولم يظهر لكفى ذلك ضرر ... فقد ساعدنا عليه على نحو ما عمله معهم الخديم الحاج محمد الزبيدي ..». هكذا تعاقد المخزن مع دار سييرSeillie ? re الفرنسية لصنع ٢٠ مليونا من الريال الحسني ، مما أغضب السفير البريطاني الذي كتب إلى الأمين الزبيدي فيما بلغه من عدم مساعدته فيما أراده من ضرب السكة النحاسية المغربية بأنجلترا (٢) «... فقد عز بي حيث سمعت أن السلطان لم يساعد لما أشرنا به ... وأرباب فبريكة سكة النحاس (بأنجلترا) يجعلون الفلوس لبلادنا وللطليان ولعدد دول أخرى هذه مدة سنين معددة بدون شكاية من أحد لا من حيثية المعدن ولا من السكة كما يقع عند الغير ..».

النتيجة النهائية

لكن حدث ـ مع الأسف ـ ما عكس النتيجة ، فإن الدولة التي ضربت هذه العملة بدار سكتها بباريس ، لم تستطع أن تنفد التصميم المثقف عليه بدقة ، ولم تجعل العملة المغربية الجديدة مساوية للفرنك الفرنسي ، وإنما جعلتها تزيد عليه خلافا للمتفق عليه ، وقد أرغم المخزن المغربي على قبولها على علاتها ، ومن هنا جاءت الكارثة ، فصارت قيمتها تنحط شيئا فشيئا.

__________________

(١) ظهير سلطاني ب «الإتحاف» ، لابن زيدان ، ج ٢ : ٤٤٢ بتاريخ ١٧ جمادى الأولى عام ١٣٠١ ه.‍

(٢) رسالة من دريموند هاي إلى الأمين الحاج محمد الزبيدي ، ب «الإتحاف» لابن زيدان ، ج ٢ : ٤٥٠ بتاريخ ١٤ يوليوز عام ١٨٨١ م / موافق ١٦ شعبان عام ١٢٩٨ ه‍.


فقرر الحسن الأول سنة ١٨٨٨ م الاستغناء مؤقتا عن الضرب بأوربا ، وأمر بشراء آلة من بلجيكا لضرب النقد ، ولكن دواليبها لم يكتب لها الدوران ، ثم أمر ببناء المكينة بفاس لصياغة العملة النحاسية وكانت حتى سنة ١٨٩١ م لم تخرج هي الأخرى نقودا ، وبالتالي عجز المخزن في التحكم للحد من هذه الأزمة المالية التي حلت بالاقتصاد المغربي (١) وآلت محاولة الإصلاح إلى فساد.

الزراعة

كانت للجعيدي التفاتات قليلة لميدان الزراعة لاعتبارات بيئية واجتماعية كثيرة ، رغم أن النهضة الحديثة أولت لهذا القطاع عناية فائقة ، لأن أنشطة السفارة المغربية كانت متمركزة في المدن والعواصم ، فلم يتمكنوا من زيارة الضيعات النموذجية المتواجدة في البوادي والقرى ، لكن الجعيدي شاهد ذلك التطور الهائل في هذا الميدان من نوافذ القطار الذي كان يمر بهم وسط الأراضي الزراعية «... ثم أخذ البابور في السير .. ونحن بين جنتين عن اليمين واليسار ، والأنهار جارية ، وأشجار البساتين متقاربة لا متجافية ...» وهي إشارة إلى استغلالهم المجال الفلاحي بكثافة ونظام متقن.

التسييج

الجانب الذي اهتم به الجعيدي كثيرا وأشار إليه عدة مرات ، هو نظام

__________________

(١) حديث هذه النكسة التي وقعت في ضرب السكة الحسنية في «الاستبصار» للطاهر الأودي ، ص ١٤٧ و١٤٨ و١٧٤ و٢٠٠.


التسييج (١) المنتشر بكثرة ، والذي يحيط بالبساتين والمزارع والعراصي باعتبارها ضيعات نموذجية غير مفتوحة ، على عكس ما كان سائدا في المغرب من أنظمة عقارية معقدة ومتخلفة كانت تتأثر بالجفاف وتسلط الجراد ، مما كان يؤدي إلى انهيار المحصولات وارتفاع الأسعار ، وبالتالي إلى مجاعات عامة ، وتنقلات واسعة لحشود بشرية جائعة ، كانت الأوبئة تجد (٢) مرتعا خصبا لها ، مما يؤدي إلى كوارث اجتماعية واقتصادية ، كما حدث خلال كارثة القرن التي دامت زهاء سبع سنوات. من ١٨٧٨ إلى ١٨٨٤ م وهي الكارثة التي واكبت إصلاحات مولاي الحسن الأول ، على عكس ما كانت تعرفه أوربا من نمو ديمغرافي ، وتطور في القرى والأرياف (٣).

__________________

(١) عرفت كل من أنجلترا وغرب فرنسا في البداية ثم باقي أوربا الغربية ، ثورة زراعية عميقة تمثلت في التسييج. فقد حل الحقل المسيج محل الحقل المفتوح OPen field وبالتالي مهدت لتحول البنية الزراعية حيث اختفت الخدمة الجماعية وإطلاق المواشي في الحقول بعد الحصاد بل تجمع في الاصطبلات ، حيث تعطى أسمدة وافرة وتزايد كميات الصوف ، وزراعة الأراضي المستريحة بالنباتات العلفية والزيتية والخضروات ، وقد حاربت الحكومات هذه الإجراءات بمراسيم برلمانية في ق ١٥ م ، لكن في ق ١٨ م أصبحت الحكومات تساند هذا الاتجاه ، لأن التسييج ساعد على التقدم التقني وارتفاع المردودية والدخول في الحركة التجارية ، وبالتالي تزايد التداول النقدي بشكل متعمق في العالم القروي. انظر رحلة الجعيدي :.

(٢) انظر رسالة محمد الأمين البزاز ، المجلس الصحي الدولي بالمغرب ، كلية الآداب بالرباط ، أبريل ١٩٨٠ م.

(٣) كتب «الصفار التطواني» مبديا إعجابه بانتشار مظاهر المدنية بالبوادي الأوربية «... اعلم أن هؤلاء القوم ليس عندهم في مساكنهم اخصاص ولا خيم ولا نواويل ، وإنما يعرفون البناء لا غير ، إلا أن بناء البوادي متميز عن بناء الحواضر ، فقراهم في الحقيقة من جملة المدن ، يوجد فيها ما يوجد في الحاضرة من الأسواق ، وما يباع فيها وغير ذلك ، وقد رأينا في طريقنا هذا ما يشهد شهادة حق لأهل هذه البلاد بالاعتناء التام والتبصر العام بأمر دنياهم وإصلاح معاشهم وإتقان تدبيرهم ..». رحلة إلى فرنسا ، مخطوط ، ص ٢٩.


وفرة الإنتاج الفلاحي

لاحظ الجعيدي ذلك في رحلته عند وصفه لأسواقهم ومتاجرهم الكبيرة ومآدبهم وغير ذلك ، ومن المقارنات اللطيفة التي أوردها حول طرق زراعة العنب أو الكرمة في كل من المغرب وإيطاليا عند خروجهم لمشاهدة مناورات حربية بضواحي طورين (١) «.. هم ينصبون مع كل ساق دالية خشبة برأسها أعمدة تنزل عليها أغصان الدالية ، لما يرون في ذلك من المصلحة لها ، فتخلخل الريح والهواء فيما بين أغصان الدالية وما تحتها ، وتشرق أشعة الكواكب عليها ، بخلاف الدالية التي في بعض مدن الغرب ، فإنهم يتركون أغصان الدالية يترامى بعضها فوق بعض حتى يلتئم غالبها ، ولا يمكن السلوك بينها إلا بمشقة ... ويبقى غالب عنا قيد العنب إذ ذاك منحجبا بين الأغصان والأوراق عن تمام نفوذ الهواء والأشعة ، وربما يكون تتولد آفة للعنب من ذلك والله أعلم ...» ، بمعنى تبقى عرضة للحشرات والطفيليات التي تقلل من جودة الإنتاج ومن مردودية الحقل كذلك.

الاهتمام بغرس الورود

استحسنه كثيرا وتذوق جمالية غرس الورود والأزهار في الحدائق والبساتين وعند ضفاف الأنهار ، وحتى داخل البيوت والفنادق والأماكن الآهلة ، علما أن زراعة النباتات الصغيرة في الأواني أصبحت صناعة رائجة وعلما وراثيا يسخران لرفاهية الإنسان ، باستحداث نباتات قادرة على النمو في الأماكن المغلقة ، وطرق حمايتها أيام البرد.

لكن رغم هذا التطور الكبير في الإنتاج الفلاحي ، فإن معظم الرحلات السفارية لم توليه اهتماما كبيرا يناسب أهمية هذا القطاع الذي ظل متخلفا وجامدا بالمغرب لمدة طويلة من الزمن ، حتى عهد الحماية التي عملت على استغلاله وتطويره قصد ربطه بالاقتصاد الأوربي كسوق تكميلي.

__________________

(١) انظر رحلة الجعيدي : ٣٨١.


الجانب الفكاهي في الرحلة

ـ يتميز أسلوب الجعيدي في الكتابة بروح المرح والفكاهة الأدبية التي تهدف النقد في صورة الهزل ، وقد أخذ ذلك حيزا لا بأس به داخل رحلته ، نستنتج منه بطريقة غير مباشرة المعاناة التي كان المغاربة يعانون منها من جراء ضرورة تكيفهم مع المجتمع الأوربي المتشبع بالعلمانية والليبرالية والحرية ، والبعيد كل البعد عن بيئتهم التقليدية ومجتمعهم المتشبث بالروح الإسلامية ، وبالفعل فقد سايروا الوضع الجديد بديناميكية الدبلوماسي العصامي الذي لا يهتز للمغريات والمتشبث بمبادئه الإسلامية ، رغم الفوارق الكبيرة التي كانت بين أفراد السفارة المغربية من ناحية السن والثقافة.

مستملحة

أتحفنا الجعيدي بها وما هي إلا تصوير جريء وصريح لمعايشة رفاقه ، من خلال ما يروج في دائرتهم ، مما يبعث على إشاعة روح المرح فيما بينهم للتسلية والتزجية ، وتوثق لنا كل ما يحدث له ولغيره على سبيل الفكاهة الأدبية ، لذلك توزعت عليهم الأدوار في هذه المستملحة الهزلية حسبما لهم من خدمة ومكانة واعتبار ، وتتلخص أن الأمين غنام هدد الجعيدي أنه سيشتكيه إلى القاضي لينال من عدالته ويسقط شهادته ، بسبب مشاهدته رقص البنات (١) شبه عاريات (البالي) على المسرح ، فدافع الجعيدي عن نفسه بنثر مسجوع وقصيدة شعرية من الإيقاع الخفيف تتجلى فيها قمة

__________________

(١) ذهب السفير تميم إلى مسرح الأكاديمية الموسيقية الملكية بباريس وشاهد عرض «بالي» ولقد سببت تلك المناظر عجبا شديدا لدى أعضاء الوفد المغربي الذين كانوا برفقة تميم لدرجة أن أحدهم امتنع عن النظر إلى ما يجري على خشبة المسرح قائلا «أن ذلك ضرب من السحر». انظر : تاريخ تطوان ، القسم الثاني من المجلد الأول ، ص ٢٦٢ تطوان ١٩٥٩.


الدعابة المقصودة إذ يقسم الجعيدي بكل المناظر المكشوفة التي أكره على مشاهدتها. والاتهام الثاني الذي وجه إليه على وجه المداعبة الأدبية كذلك أنه سيقال للقاضي أنه يشاركهم بشرب شراب أحمر اللون قان (يشبه لون الخمرة) فأجابهم بقصيدة شعرية مرتجلة مما جاء فيها :

فقلت :

وكيف الصبر وهي من وصفها

يسلى بها قلب الكئيب بنظرة

فاملأ الأواني منها فهي مباحة

ولى أذن صماء عن ذي ملامة

السرقة التي تعرضت لها السفارة المغربية

أدرج ضمن أدبياته الفكاهية قصة السرقة التي تعرضت لها السفارة المغربية بإيطاليا وعنوانها «نادرة من نوادر الزمان ترشد إلى اتخاذ الحذر في بلاد الأمان» تصور لنا كيف اكتشف الأمين غنام سرقة كيس به ألف لويزة ذهب من مال المخزن «... فطار لبه واضطرب قلبه واعترته ألوان ، وتقلصت منه الشفتان ......» فتشكك في رفاقه المغاربة وقال : «.. (١) .. لا بد من تقليب حوائجكم ظنا منه أن النصارى لا يمدون اليد لمثل ذلك ... وقلب بمحضر مقيده (الجعيدي) حوائج الجماعة فلم يجد لذلك أثرا ولا وقف له على خبر ، ثم أخبر بذلك الباشدور ...» الذي دخل عليه الترجمان صدفة واكتشف الأمر بنفسه ، رغم أن الزبيدي لم يكن في ظنه إخباره

__________________

(١)

Lalombardia et Corriere Dellasera


بذلك ، وانتشر الخبر ونشرت الصحف (١) الإيطالية تفاصيل السرقة ، خاصة أن السفارة المغربية كانت تستعد لاستقبال ملك إيطاليا في الغد ، وقد استطاعت الشرطة الإيطالية إلقاء القبض على اللصوص ، وأرجعت المبلغ المالي إلى الزبيدي الذي رفض تسلمه ، لأنه ظن أن إرجاع الفلوس إليه ما هو إلا تغطية من طرف الحكومة الإيطالية للموضوع ، وطالبهم بإحضار الكيس الذي كانت به الدراهم ، فأجيب إن الكيس قد ألقاه اللصوص من القطار في إحدى الأودية ، فوجه الأمين والجعيدي إلى سجن طورين الجديد للتأكد من حقيقة القضية. هذه التغطية (٢)

__________________

(١) اهمت الصحافة الإيطالية كثيرا بهذا الحدث ، وتابعت القضية من أولها إلى آخرها وخاصة جريدة Sera Corriere Della كما هو مبين في تحقيق الرحلة.

(٢) هناك أوجه من التشابه بين هذه القضية وما وقع للحاج عبد الكريم بن محمد بريشة التطواني (١٨٣٠ ـ ١٨٧٩ م) الذي توجه سفيرا لإسبانيا في يناير ١٨٩٥ م للمذاكرة مع ملكة إسبانيا ضوناReina Dona بمدريد ، لطمه أحد الجنرالات المتقاعدين على ملأ من الناس والشارع ، فامتنع بريشة على المشي لمقابلة الملكة ، حتى قدمت الحكومة والملكة الإسبانية اعتذارا رسميا عن هاته الإهانة ، ومن أجل جبر خاطره تنازلت إسبانيا على نصف الدين الذي كان لها على المغرب وتعديل مدة الدفع للقسط الباقي ، وبذلك نجح نجاحا لم يسبق له مثيل (انظر ترجمته بقلم ح. أحمد معنينو «دعوة الحق» ، عدد ٤ ، أبريل ١٩٧١ ، ص ١٦٦ ، وعند محمد داود ، مختصر تاريخ تطوان ، ص ٣٢١ ، أما الزبيدي فإننا لا نعرف كيف تم جبر خاطره من هاته السرقة ، لأن الحديث الذي دار بين الزبيدي شخصيا وملك إيطاليا عند لقائه به ظل من الأسرار التي لم تكشف بعد كما جاء عند الجعيدي «... كان عندنا الإذن بالوقوف بباب القبة (الملك) عند دخول الباشدور ، حتى يؤذن لنا بالدخول وعند دخوله سد ذلك الباب ، ووقفنا ست دقائق ثم فتح الباب ، وأذن لنا بالدخول ... فلم يكن في القبة إلا عظيم الدولة والباشدور والترجمان لا غير ... وظهر فيه من الفرح والسرور ما لم نره من غيره ...». انظر ص من الرحلة ، وقد ذكرت الصحافة الإيطالية أن أعضاء السفارة المغربية تلقوا هدايا ثمينة. وقد أشار إلى ذلك الجعيدي ص وذكر أنه امتنع على أخذها حتى تعرض على السلطان الذي هو صاحبها الحقيقي ليجود عنهم برضاه ، ثم عادوا في أجود السفن الإيطالية إلى طنجة.


المشوقة لهذا الحدث لم يشر إليها ابن زيدان في «الإتحاف» ولا غيره ، والتي تظهر بأسلوب مرح مواقف المغاربة المشرفة والتلقائية أمام المشاكل الطارئة التي تعتريهم أثناء مهماتهم السفارية.

الرمز كتعبير ثاني

استعمل الجعيدي الرموز أحيانا في فكاهاته الأدبية ، عندما تحدث عن مقارنة لطيفة بين الجواهر الشقية والسعيدة عند حضوره حفلة شاي مختلطة بلندن ، لاحظ خلالها أن النساء الحاضرات متزينات بالجواهر السعيدة في نحورهن وعلى رؤوسهن أما الشقي منها «.. فهو كالأسير في طبقات اللظى والسعير ، يطلب لسان حاله الإنقاذ من محنه وأهواله ...» نتحسس منها بعض الرموز التي لم تفصح صاحب الرحلة عنها ، ربما يرمز لحال المرأة والمال.

من تهكماته الهزلية

أولا : على الأوربيين لكثرة ما يعرضونه من أندر الأشياء في متاحفهم أنه لما رأى صورة سيدنا آدم وحواء وصفهما في رحلته وقال لهم : «... إن من اعتنائهم بهذه الأمور أن تكون عندكم بلغة نبينا آدم فأين هي ، قالوا تركها في الجنة عند خروجه فلذلك لا توجد هنا ..».

ثانيا : وكختام لهذا الجانب بما قاله في حق السفير الزبيدي ، أنه ذات يوم كانوا يمرون بالعربات قرب رجل مسن بلجيكي (١) «... فحين رءا الباشدور المغربي قفز

__________________

(١) انظر الرحلة ، وقد اهتمت الصحف البلجيكية والإيطالية بشخصية السفير الزبيدي ووصفت ملامحه «... رجل مسن وجميل المحيا ، ذو لحية بيضاء يلبس الجلباب التقليدي والعمامة البيضاء ، وله ما يقارب الستين عاما ، وجهه مجع يتحرك كثيرا وضعيف ، عينه متقدة ، ويحمل معه على الدوام ابتسامة ...». صحيفة ابروكسيل البلجيكية. «... إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ...». الرحلة :.


من موضعه وصاح صيحة عظيمة كأنه فاجأه أسدا أو حل به ما هو أشد ...».

وبهذا الجانب الفكاهي من الرحلة نختتم دراستنا لرحلة الجعيدي إلى أوروبا.



ديباجة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم

١

حمدا لمن فضل هذه الأمة المحمدية على سائر الأمم ، وشرفها باتباع شريعة سيد العرب والعجم ، جعل فيها في كل ذ عصر إماما على هذه الشريعة ثابت القدم ، يقاوم من بغى من أهل الملل ويسد ما انخرم ، ويحذر (١) عظماءهم مما يرتكبه نوابهم ومن في حماهم من الخدم ، من مجاوزة الحدود ورفض العهود ، وارتكاب موجبات التفاقم وأسباب الندم ، إخمادا لنار الفتن ، واستفادا من أهوال تلك الظلم. نحمده تعالى ونشكره أن جعلننا من خير أمة أخرجت للناس الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، يسعون في الصلاح والسداد بين الأجناس ، فازدادت شرفا على شرف ،

__________________

(١) خطبة الكتاب ، يشير فيها المؤلف إشارة عارضة تلميحية إلى المهمة السفارية التي يشارك فيها ، وتعمل أساسا على تنبيه عظماء الدول وملوكها إلى ما يرتكبه نوابهم (القناصل ...) ومن يحتمي بهم.


واشتهر فضلها كنار على علم. من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلله فلا راد لما سبق القضاء في سابق القدم. والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا ومولانا محمد الآمر على لسان الشرع للوقوف عند الحدود والوفاء بالعهود ، تبشيرا لمن استسلم ، وتحذيرا لمن تعدى وظلم. وعلى آله وأصحابه القائمين بنصرته وإعلاء كلمته ، القامعين شوكة من عاند وشتم ، صلاة وسلاما تحط بهما عنا الخطايا الكبائر واللمم ، وتجر بركتها عاجلا بتوالي المنن والنعم ، آملا بالحفظ من فضل الله من كل الأسواء والنقمذ (١). وبعد فيقول العبد الفقير إلى ربه الوجل من عظم وزره ، وسوء كسبه ، إدريس بن محمد بن إدريس بن عبد القادر الجعايدي الحسني.

/٢/ أحسن الله بمنه عاقبته وأدام في مرضاته وطاعته عافيته ، لما أشرقت في هذا القطر المغربي أنوار طلعة مولانا الأمير الأفخم ، ذي الجناب المهاب الأعظم ناشر لواء العدل في الأقطار ، المتلقى بالطاعة والاستسلام في القرى والأمصار ، من أتته الإمارة طالبة وبايعته الحواضر والبوادي قاطبة ، صاحب المفاخر التي شهد بفضلها الخاص والعام ، والمآثر التي ترتفع على الثريا وتكاثر الغمام القائم بنصرة الدين ، إمام الغزاة والمجاهدين ، وارث مناصب الإمارة كابرا من كابر ، وقد افتخرت بطلعته السعيدة على

__________________

(١) أثبت المؤلف في المقدمة الأولى ما يلي : وجعل فيها في كل (وقت وأوان من يرد من بغى من أهل العلن أصحاب القوانين والديون ، ويحذر عظماءهم مما يرتكبه خلفاؤهم النواب من مجاوزة الحدود والميل عن سبيل الصواب ، خمدا لنار الفتن والأهوال ، وارتكابا لأشرف الأحوال. نحمده تعالى ونشكره أن جعلنا من خير أمة أخرجت للناس ، الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسعون في الصلاح والسداد بين الأجناس ، حسما لمادة البغي والادناس ، وإرشادا لسلوك سبيل العقلاء الأكياس ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا ومولانا محمد الآمر على لسان الشرع الكريم بالوقوف عند الحدود ، فمن تلقى ذلك بالإذعان والقبول ، فاز من فضل الله بالمنى والمقصود ، ومن بغى وطغى فبئس الورد المورود ، وعلى آله وأصحابه الحاملين لواء العدل الممدود ، صلاة وسلاما دائمين متواليين بلا حد محدود. ونرجو من الله بركتهما في اليوم المشهود) وبعد ... ثم رأى أن يغير ذلك بفقرة فنية مسجعة كتبها بنفس الخط في الهامش نسخة للفقرة المذكورة.


الأوائل الأواخر ، السالك سبيل العدل على أوضح سنن.

الشريف العلوي علامة زمانه سيدنا ومولانا الحسن (١) ، خلد الله ملكه ، وجعل الدنيا بأسرها ملكه ، وأدام سعادة أيامه ، وجعل البسيطة قبضة يده وطوع أحكامه ولا زال لواء عدله المنشور إلى يوم النشور. بادر أهل المودة من الروم (٢) بالنهوض والقدوم (٣) ، على هذا الإمام ، الليث المقدام ، بتهنئة سيادته باستقراره على كرسي الملك الموروث خلفا عن سلف وارتقائه معارج العز والمجد والشرف ، سائلين تجديد عهود تمهيد طرق الرشاد بما يعود نفعه على الدول من الصلاح والسداد ، اقتفاء لما أسسه أسلافه الكرام ووصلا لتلك العقود من غير انصرام ، فنالوا المنى من عدله ، وبسط عليهم أردية نواله وفضله. وبعد رجوع كل منهم (٤) لأوطانه ، وتبليغه / ما كلف به

__________________

(١) الحسن بن محمد بن عبد الرحمان العلوي ، أو الحسن الأول تولى ملك المغرب سنة ١٨٧٣ م ، وارثا عن والده العديد من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، العاصفة بسيادة المغرب واستقراره ، وذلك في جو من التشتت الداخلي والتنافس الخارجي ، فعمد داخليا إلى إصلاح هياكل المخزن وتجديدها مع قمع كل الفتن والثورات الداخلة ، وخارجيا عمل على الانفتاح التدريجي عن أوربا بإرسال البعثات العلمية واستيراد الأسلحة لتقوية الجيش المغربي وتنشيط العمل الدبلوماسي وتكثيفه لمواجهة التسرب الأوربي الاستعماري إلى داخل المغرب. توفي سنة ١٨٩٤ م. «الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى» ، ٩ : ٢٧٤ ، الدار البيضاء ، سنة ١٩٥٤ م.

(٢) يقصد الأوربيين ، وهذه الكلمة أكثر تلطفا مما استعمله باقي الرحالة المغاربة لأوربا خلال القرن ١٩ م ، مثلا نجد في رحلة الصفار التطواني إلى فرنسا صحبة السفير أشعاش ينعتهم بالكفار وعبدة الأوثان وأهل الضلال ، وعند الطاهر الفاسي في رحلته الإبريزية ينعتهم بالقوم الكافرين ، وعند أحمد الكردودي في تحفته السنية بالنصارى وأعداء الدين وغير ذلك.

(٣) استقبل السلطان الحسن الأول وهو ما زال ولي العهد السفير الفرنسي المقيم بطنجة السيد طيسوTis ـ so في أبريل سنة ١٨٧٣ م ، والسفير الأنجليزي هاي ادريموند هاي بفاس في أبريل سنة ١٨٧٥ م ، كما استقبل فيما بعد سفراء إسبانيا والبرتغال وألمانيا وغيرهم. الذين قدموا لتعزيته وتهنئته بتولية عرش المغرب.

(٤) يقصد أهل المودة من الروم ، وكان السياق يقتضي أن يقول : وبعد رجوع كل منهم.


لدولته وسلطانه ، اقتضى نظر مولانا السديد ، ورأيه الموفق الرشيد ، أن يرسل لهؤلاء الأجناس ـ الذين وفدوا على حضرته الشريفة ـ سفيرا من خاصة خدامه المقربين ، وخدام أسلافه المقدسين المنعمين ، ويتوجه معه إليهم كاتب وأمين ، ونفر من جيشه السعيد من ذوي الوجاهة والتمكين ، ليجازي أولئك الأجناس على ما صدر منهم من الاعتناء بجانبه العالي بالله ، كما هي العادة في ذلك وسعيا في طاعة مولانا ، وليشرح هذا السفير لعظمائهم حال بعض نوابهم من نقض بعض العهود ، ورفض بعض الشروط (١) التي أسست على السنن المعهود ، فوقع اختياره أعزه الله على خديمه الأنصح ، وخديم أسلافه الأنجح الأملح الفقيه النزيه الذكي النبيه ، السيد الحاج محمد بن المرحوم السيد الطاهر الزبدي الرباطي أصلا ، خديم أعتابه الشريفة وأعتاب أسلافه الكرام ، ثبت الله قدمه على تلك الخدمة الشريفة من غير انصرام ، ولشهرته استغنيت به عن التعريف ، إذ التعريف به مع جليل مرتبته قد يكون فيه تحريف أو تعنيف ، وعينه ـ أعزه الله ـ لأن يوجهه إليهم باشدورا (٢) وسفيرا ، ويحمله أسرارا (٣) إليهم ويكون في ذلك معينا وظهيرا لما تحقق لديه ـ أيده الله ـ من أهليته لذلك ، وتقديمه على غيره في هذا الباب ممن هنالك ، وفوض إليه ـ أعزه الله ـ أن يعين كاتبا من خدامه أهل سلا ، وأمينا من رباط الفتح من أهل المروءة واليقظة والعلا. ثم إن هذا الباشدور تفاوض ـ كما قيل ـ مع بعض أعيان أهل الرباط ، وكان ممن / لهم في جنابنا محبة واغتباط ، في شأن هذا الكاتب الذي يقوم بتلك الكلفة ، ويراعي حقوق المعاشرة والألفة ، فأشاروا عليه بصاحب هذا التقييد ، وبالغوا في إطرائه بما

__________________

(١) تصاعد تنافس النواب الأجانب بالمغرب في منح الحماية القنصلية بطرق غير مشروعة ، وبالتالي خلطوا بين سياسات حكوماتهم وبين مصالحهم الخاصة وجمعوا بينهما فصاروا يتجرون في الحماية علانية مخالفين بذلك نصوص المعاهدات والاتفاقيات التي تربطهم بالمخزن المغربي.

(٢) كلمة إسبانية معناها سفير وهي تكتب Embajador وتنطق اليوم في لغتهم امباخضور.

(٣) الرحلات السفارية لا تحتوي على معلومات صريحة عن موضوع السفارة وأسبابها ، لأنها تعتبر ذلك من قبيل أسرار الدولة ، التي لا تذاع على الجمهور في حياة المؤلف ، وإنما تؤخذ المعلومات عن العلائق الدبلوماسية من الوثائق والمذكرات الرسمية المتبادلة بين رؤساء الدول والوزراء والسفراء ..


ليس عليه مزيد مع أنه عن هذه الرتبة لبعيد ، بل هو في ميدانها قصير وبليد ، ولكن حملهم حسن الظن على تلك الإشارة ، فساعدهم في غير برهان واضح ولا أمارة ، وفي الحين وجه الباشدور كتاب (١) مولانا الشريف لخديمه الأسعد الأنصح الأنجد ، ذي الرأي السديد ، القائد السيد الحاج محمد (٢) بنسعيد ، بتنفيذ الكاتب الذي يعينه الباشدور من الأهلة والبدور ، وعين له الكاتب الذي أشاروا به عليه ، وأن يرسله عاجلا إليه ، ليكلمه في شأن ذلك علانية ، وليأخذ بالحزم والتأهب ويكون من ذلك على نية. فأخبرني الخديم المذكور بهذا الخبر ، وطالعني بذلك الكتاب الشريف فقلت أين السها من القمر ، فلست من أولائك الفرسان ، وليس لي قلم ولا لسان ، ويعرف هذا مني كل إنسان. فقال لا يقبل لك في هذا عذرا ، والمعين أعرف بحالك وأدرى ، فأجب من دعاك طوعا ، فأنت معروف بالصبر والاستسلام دأبا وطبعا. ثم توجهت إلى الباشدور فتلاقيت به ومخائل السرور عليه تدور ، فأخبرني بخبر هذه الحركة السعيدة ، وأنها قصيرة الأمد غير بعيدة. ودفع لي من الزاد ، للتهيئ ما فيه الكفاية وغاية المراد ، وأخبرني أن مولانا ـ أيده الله ـ ، وأدام مجده وعلاه ، أمر بصنع كساوي

__________________

(١) انظر نص هذا الكتاب الدراسة.

(٢) ينتمي الحاج محمد بن الحاج محمد بن الحاج محمد بن أحمد بن أحمد بن سعيد السلاوي ، إلى أسرة بن سعيد المشهورة بسلا ، والمنحدرين من الأندلس ، وتعتبر من العائلات المغربية المخزنية ، كان أول منصب تقلده الحاج محمد بن سعيد في خدمة المخزن ، هو أمانة مرسى آسفي ثم عين على رأس باشوية سلا ونواحيها سنة ١٢٧٧ ه‍ / ١٨٦١ م وفي سنة ١٨٦٥ م أرسله السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن صحبة السفير محمد بن عبد الكريم الشركي إلى ملك فرنسا نابليون الثالث (١٨٠٨ ـ ١٨٧٣ م) ، وتوفي الباشا الحاج محمد بنسعيد وهو ما زال يشغل منصب الباشا بمسقط رأسه سلا يوم ٨ ربيع الثاني ١٣١٠ ه‍ / ٣٠ أكتوبر ١٨٩٢ م ، كما تشهد على ذلك رسالة السلطان الحسن الأول إلى ابن الفقيد عبد الله بن سعيد يوليه باشوية سلا خلفا لوالده بتاريخ ١٣ نوفمبر ١٨٩٢ م ، والذي عين في ما بعد عضوا بدار النيابة السلطانية بطنجة. ـ العدد العديد من الظهائر السلطانية المتعلقة بعائلة آل بن سعيد توجد بخزانة الحاج العربي بن سعيد بسلا ـ. نشر الكثير منها مصطفى بوشعراء في جزءين «التعريف ببني سعيد السلاويين وبنبدة عن وثائقهم» ، الرباط ، سنة ١٩٩١ م.


منتخبة بفاس / ، له ولمن معه من الناس ، وأنها تدفع بطنجة لأصحابها ، للتجمل بها في ذهابها وإيابها ، فتلقيت منه ذلك الزاد ، بالشكر والثناء كما هو المعتاد ، بعد ما أطال معنا في ذلك الكلام ، بما يسرنا وانصرفنا بسلام.

وأما الأمين الذي ارتضاه لهذه المرتبة ، واصطفاه بهذه القربة ، فهو التاجر الصادق الحازم الضابط الفائق ، الذي فاق في باب التجارة كل من يدعيها ، وسلم له تلك الخاصية كل من يزعم أنه يحيط بها ويعيها ، كيف لا وقد ظهرت عليه أمارات ذلك وهو شاب غلام ، وهذا الطالب (١) النجيب السيد بناصر غنام ، فلمعمري أن هذا الباشدور قد سقط على الخبير ، وأنه بحاله خبير بصير ، ولقد أسكن الدار بانيها ، ومكن القوس لباريها ، ثم لما شاع هذا الخبر في البلدان ، وتواتر حتى لدى الولدان ، وسمع به بعض علماء بلدتنا ، الغائبين عن حضرتنا ، وكان من خاصة أهل محبتنا ، علامة الزمان ، الأديب الفرد في هذا الأوان ، قرة ناظري ، وإنسان باصري ، المشارك المتفنن سيدي أحمد الناصري (٢) أحمد الله عاقبتي وعاقبته ، وجعلني وإياه ممن يخشاه ويراعي مراقبته ، اقترح علي أن أجعل رحلة في سفري وتستغرق نهاري وسهري ، تكون جامعة لكل خبر غريب ، ولما نراه في تلك الأوطان من كل أمر عجيب ، إلى غير ذلك مما لا يخطر بالضمير حتى تكون قائمة مقام الأنيس السمير /. فكتبت له مجيبا ، إني ليست راكبا في هذا المجال حمارا ولا نجيبا ، فكيف يا سيدي تلقيني في هذه الوحلة وتقترح علي تلك الرحلة ، وإني ذو باع

__________________

(١) أصلها طالب العلم ، وتعني المثقف أو العارف بالقراءة والكتابة كان ينعت بها الموظفون المخزنيون أما الوزراء والسفراء فيطلق على الواحد منهم الفقيه.

(٢) المؤرخ أحمد بن خالد الناصري السلاوي سني الطريقة ، شديد الإنكار على أهل البدع مندد بالطوائف وأرباب الأهواء ، من آرائه الرجوع إلى كتب السلف المدونة أيام ازدهار العلوم وإحياء ما اندثر منها كالطب والفلسفة والتاريخ وما إليها ، تنقل في عدة وظائف بأنحاء المغرب ، كان يتراسل أثناءها مع الكاتب إدريس الجعيدي السلاوي ، وتوجد مقدمة رحلة الجعيدي ضمن مخطوطات الخزانة الناصرية حسب فهرس الخزانة المذكورة تحت رقم ١٩١ ، وقد وجه له الجعيدي رسالة أخرى حول فن الموسقى «الاستقصا» ، م. س ، ١ : ٣٢.


قصير ، ولست أعد من أصحاب هذا الشأن في عير ولا نفير.

لكن سأجعل بحول الله تقييدا ، يكون في بابه مفيدا ، يشتمل على ما يستغرب من الأخبار ، وتميل النفس إليه من عجائب تلك الأمصار ، وأجبته بمضمن ذلك تسلية لخاطره ، من باب الوعد الذي لا يجب الوفاء به ، لاعتقادي أني لا قدرة لي على ذلك التكليف ، ولقصوري عن رتبة التصنيف ، وبمثله اقترحه علينا ونحن بطنجة الأمين الأخير ، الصادق الأطهر ، الجامع لأنواع الفضائل والفواضل في كل مقام ، الطالب الأخير السيد عبد القادر غنام (١) ، فذكرني ذلك الوعد ، وكنت معه ساهيا وكاد يكون عندي نسيا منسيا ، وكتب كذلك الآخر يذكرني خوف النسيان ، ويتعاهدني في شأنه بعض الأحيان ، فتبين أن لا بد من المساعدة ، وأن لا محيد عن تقييد ما تقتضيه المشاهدة إذ ذاك أولى من أن أولي الأدبار ، أو أعتذر أني لست من أولائك الأحبار ، فشرعت إذ ذاك في هذا العمل ، طالبا من الله الإعانة على بلوغ المنى وحصول الأمل ، وجعلت أقيد ما أراه على سبيل العيان ، وأدع ما ضاع الوقت عن تقييده في بعض الأزمان (٢) ، وهكذا دأبي حالتي الإقامة والظعن ، مساعدا لطالبه ومستقلا من شتم وطعن ، ودمت على ذلك في مدن الروم وأمصارها حتى / استحسن ذلك الحال الحذاق (٣) من الدول وأعيان أنصارها ، فجاء تقييدا شاملا لكل غريبة أدناها وأقصاها ، لا يغادر كبيرة أو صغيرة إلا أحصاها ، وسميته إتحاف الأخيار

__________________

(١) عبد القادر غنام الرباطي ، عينه السلطان الحسن الأول أمينا بفاس بعد إبعاد الأمين محمد بن المدني بنيس سنة ١٢٩١ ه‍ / ١٨٧٤ م ، ثم كلف بتسجيل المدخولات بالعدوتين صحبة الأمين محمد مخا التازي سنة ١٢٩٣ ه‍ ، ثم انتقل للعمل بطنجة حيث التقى بالجعيدي وذكره بضرورة تسجيل تفاصيل رحلته السفارية ، توفي الأمين عبد القادر غنام عام ١٣١٣ ه‍. (انظر جواب رسالة التعزية لمحمد بركاش التي توجد بالمكتبة العامة بتطوان ، رسائل وزارية ، محفظة رقم ٣٣).

(٢) ستأتي في ما بعد أمثلة لبعض ما أغفله الجعيدي في رحلته ، وأثبتته مصادر أخرى.

(٣) أثار الجعيدي بفضوله وشغفه في تسجيل كل ما يثير انتباهه بالبلاد الأوربية ، انتباه الأجانب واستحسانهم لعمله هذا ، فعملوا على مساعدته على فهم وإدراك بعض الأنظمة والمستحدثات لينقل تلك المعلومات في رحلته.


بغرائب الأخبار (١) ورتبته على مقدمة وستة أجزاء وخاتمة. فالمقدمة في بيان الأجناس الذين وجه إليهم مولانا ـ أيده الله ـ هذا الباشدور ومن معه ، وذكر المدن التي دخلنا إليها من بر الروم وغيرها ومدة الإقامة والسفر من مدينة إلى أخرى برا وبحرا. وأما الأجزاء الستة فإن كل جزء منها يشتمل على أخبار وغرائب وفوائد وعجائب ، والخاتمة ـ رزقنا الله حسنها ـ في بيان معتقدنا في ذلك ، والتبري (٢) مما يتحدث به العوام الذين يجولون في بلاد الروم من مدح أحوالهم وحمد قوانينهم وافتخارهم بذلك ، نعود بالله من هذا الاعتقاد ونسأله العصمة والتوفيق إلى سبيل الرشاد ، والثبات على طاعته ومرضاته وأن يجعلنا من الآمنين يوم الحشر والمعاد.

٢

أقوال طالبا من الله الإعانة وبلوغ المأمول ، كان شروعنا في هذا التقييد حيث كنا بطنجة وتجددت الكتابة إلينا والطلب في شأنه كما قدمنا ذكر ذلك. لكن ينبغي أن نلحق هنا أولا بيان وقت خروج الباشدور من الرباط ، وقت خروجنا بعده إلى وصولنا لطنجة ، بحسب ما علق بذهني الآن.

أما خروج الباشدور ونهوضه من رباط الفتح إلى الحضرة الإدريسية / ، وقاها الله وحرسها من كل بلية ، فكان في يوم الاثنين السادس من ربيع الثاني (٣) عام أربعة وتسعين ومائتين وألف (٤) ، لغرض مولوي هنالك ثم يتوجه منها إلى ثغر طنجة

__________________

(١) يسمي هذه الرحلة ـ خطأ ـ كل من أحمد النصاري وعبد الله الجراري وأحمد الصبيحي في كناشه الفالودج. «تحفة الأحبار بغرائب الأخبار».

(٢) هذا الموقف من المؤلف يطرح إشكالية موقفه من الحضارة الأوربية التي يتحدث عنها في مخطوطة بلهجة إيجابية توحي بالتبني بعيدا عن الانبهار الغيبي ، وفي نفس الوقت يعارض من يفتخر بها ويعتبره خارجا عن الطريق المستقيم ، فالمؤلف يفرق بين الصنائع المستحدثة من جهة وبين طريقة عيش الأوربيين كالنصارى واحتكامهم إلى قوانينهم غير الشريعة الإلهية ، فيستحسن الأولى ويستنكر الثانية مستعيذا بالله ممن يغتر بهذه الأشياء.

(٣) ١ ماي سنة ١٨٧٦ م.

(٤) سبق قلم ، إذ كان خروجه عام ١٢٩٣ ه‍ / ١٨٧٦ م.


المحروسة بعناية الله بوجود مولانا ـ نصره الله ـ وكان هذا الباشدور المذكور عين لنا اليوم الذي يكون نهوضنا فيه من العدوتين إلى طنجة ليكون دخولنا معه إليها في يوم واحد بحول الله ، وتأخر نهوض مقيده مع الأمين المذكور ليوم السبت الخامس والعشرين من ربيع (١) المذكور ، وخرجت من بيت سكناي بعد صلاة ركعتي الضحى به وتلاوة (٢) ما ينبغي للمسافر قراءته عند خروجه من منزله وهو : «بسم الله الرحمن الرحيم لا تخف دركا ولا تخشى ، لا تخف نجوت من القوم الظالمين ، إنك من الآمنين. لا تخف ولا تحزن ، لا تخف إنا منجوك. لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى لا تخف نجوت من القوم الظالمين. والله يعصمك من الناس. إنا كفيناك المستهزئين فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم ، لبست ستر الملك العظيم ، وتحصنت بإسمك القديم الأزلي ، وترديت برداء عائشة أم المؤمنين ، وتقلدت بسيف علي ، ودخلت في خزائن بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين إلى آخرها».

وكنت تلقيت هذا عن الشيخ الجليل الشريف الأصيل العارف بالله سيدي محمد الدباغ الفاسي نفع الله به وبأسلافه (٣) وذلك في أواسط شعبان عام سبعة وسبعين ومائتين وألف ، وكان إذ ذاك بسلا ، حرسها الله من كل بلا ، وكنا نتأهب للسفر لحج بيت / الله الحرام وزيارة قبر نبيه عليه الصلاة والسلام ، وكان أفادني هذا الشيخ الجليل إذ ذاك أن من تلا ذلك وقت خروجه مسافرا فإنه لا يلقى إلا خيرا ، ولا يرى

__________________

(١) ٢٠ ماي سنة ١٨٧٦ م.

(٢) عثرت في خزانة بيت ابنه سيدي عبد القادر بن إدريس الجعيدي الكائنة (باب احساين بسلا) على كناشة لصاحب الرحلة بخط يقول : «في يوم ٨ شعبان عام ١٢٧٩ ه‍ أفادنا الشيخ ... سيدي محمد الدباغ ... إذا أردت السفر فاقرأ الفاتحة ٣ ـ وقل اللهم احفظني واحفظ ما معي وبلغني وبلغ ما معي ، ثم اقرأ سورة الإخلاص ٣ ، ثم قل مثل ذلك ثم اقرأ آية الكرسي ٣ ، ثم قل مثل ذلك ، فإنك إذا قلته حفظت ومن معك».

(٣) (روى عن والده الفقيه العلامة سيدي عمر ، وأن ذلك مروي عن سيدي عبد الله البرنوي). نفس الكناشة السابقة.


مكروها في سفره ، فكان الأمر كذلك والحمد لله. وخرج لوداعنا جماعة من الأخلاء والأصدقاء والأحباب من أهل العدوتين والخاصة من أعيان البلدتين ، وودعناهم بعد مجاوزة الأجنة ، واستوهبنا منهم صالح الدعاء وأرسلنا الأعنة ، وبتنا الليلة الأولى والثانية (١) عند بعض أحبتنا من أهل قبيلة الغرب. وفي يوم الاثنين السابع والعشرين (٢) من الربيع المذكور في الساعة التاسعة منه. وصلنا لضريح الولي الأشهر سيدي أبي سلهام (٣) نفع الله به ، فاغتنمنا زيارته كما ينبغي واسترحنا هناك هنيئة ، ثم جددنا السير وكان وصولنا لمدينة العرائش بعد صلاة العصر بقريب ، وحين أشرفنا على الدخول إليها قدم الأمين التاجر السيد بناصر السابق ذكره فارسا بكتابه لعامل العرائش (٤) يطلب منه تعيين محل نبيت به الليلة القابلة ، فعينه وجدناه من أشرف الأماكن المخزنية هناك ، ووجه ما لا بد منه من الإكرام ، وفي الحين اكتشف خبر قدومنا الأمينان (٥) الفاضلان السلويان الطالب السيد الحاج محمد بن القايد السيد أحمد زنيبر وابن عمه الطالب السيد عبد الهادي بن القايد الطالب السيد ...

__________________

(١) الأحد ٢٦ ربيع الثاني / ٢١ ماي ١٨٧٦ م.

الاثنين ٢٧ ربيع الثاني / ٢٢ ماي ١٨٧٦ م.

(٢) ٢٢ ماي ١٨٧٦ م.

(٣) (... يوجد ضريحه .. عند مصب وادي الخضر .. جوار مدينة سوق الأربعاء الغرب أصله من مصر تدل عليه النسبة ، واسمه عثمان وكنيته أبو سعيد وكنية الكنية أبو سلهام .. وبها يعرف عند العامة .. وهم يقصدونه للتبرك والاستشفاء من العاهات ..) وكانت وفاته سنة نيف وأربعين وثلاثمائة. انظر ترجمته عند : أعلام المغرب العربي ، عبد الوهاب بن منصور ، ج ٢ : ١٨٧ ؛ الناصري ، الاستقصاء ، ١ : ١٩٣ و١٩٤ ؛ مرآة المحاسن ، أبو عبد الله محمد العربي الفاسي : ٤٠.

(٤) الحاج علي بن محمد العرائشي سنة ١٨٦٢ م بعد أن كان في سلك الأمناء ، وحتى سنة ١٨٧٧ م ، كان لا يزال عاملا على العرائش وأصيلا. محمد داود ، تاريخ تطوان ، ٥ : ٥١ ؛ عبد الرحمان ابن زيدان ، إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس ، ٢ : ٣٩٧ ، الطبعة الثانية ، ١٩٩٠ م.

(٥) شغل السلاويون العديد من المناصب المخزنية. «كتابا .. وحسابا أمناء .. بمراسي الإيالة المولوية منهم حصة وافرة من العدول والأمناء يقومون بضبط الداخل والخارج بها ..» الإتحاف الوجيز ، ابن علي الدكالي : ٣٠.


نصّ الرّحلة

الجزء الأول :

/١٠/ ذكر الدخول لثغر طنجة

ومدة المقام فيها إلى الوصول لمرسيلية

ففي يوم الأربعاء التاسع والعشرين من ربيع (١) الثاني دخل إليها الفقيه الأسعد الذكي الأنبل الأرشد خديم سيدنا المنصور بالله أدام علاه ، الباشدور الذي لا زالت ضروب السعادات ، ولسيادته تسدى ، وعلى يده الكريمة أنواع الفتوحات ، تظهر وتبدي ، أوحد النبلاء سيدي الحاج محمد الزبدي أبقاه الله محفوظا بعين الإجلال والإقبال ملحوظا بمنه آمين. وكان دخوله للثغر المذكور في ضحى اليوم المشار إليه ، وحيث أشرف على الدخول وتحقق بذلك عامل البلد خديم مولانا المؤيد بالله الباشا الأطهر المسن

__________________

(١) ٢٤ ماي ١٨٧٦.


الأكبر السيد أجلالي بن حم (١) أعانه الله وسدده ، ركب من معه هناك من الجيش السعيد والعسكر الجديد (٢) وخرج لملاقاة الباشدور المذكور اهتماما بشأنه ، وتنويها بمكانته وقدره ، وتلاقى معه هناك خارج البلاد ، ودخل مصاحبا له مع من ذكر من الجيش والعسكر السعديين إلى المحل المعين لنزوله وهي دويرة رياض قصبة المخزن هناك. فنزل بها حامدا لمولاه ، على ما خوله من منن العافية وأولاه. وبعد غروب شمس اليوم المذكور ظهر هلال جمادى الأولى الموالي لربيع الثاني (٣) المذكور ، فتبين أن دخول الباشدور المذكور لذلك الثغر كان بعد مفارقة جرم القمر لجرم الشمس وانفصاله عنها وشروعه في الاستمداد من نورها ، وفي ذلك من الدلائل الواضحة عند أرباب ذلك

__________________

(١) الباشا الجيلاني بن حم البخاري المكناسي : «حاله بطل شجاع ... فقيه ماهر في فن الحساب والوقت ... خرج بأهله من مكانة ... آخر الدولة السليمانية ... إلى أن تم الأمر للسلطان مولاي عبد الرحمن ... رجع لمكناسة ... ونظمه في سلك خاصة حاشيته إلى أن أسند إليه رياسة مشوره ... خلفه من بعده السلطان سيدي محمد ... فرشحه لعمالة مراكش ثم رده لوظيفة رياسة المشور ، وتولى عاملا على الزراهنة ، ثم ولاه ولده السلطان مولاي الحسن الأول عاملا بفاس. بعد ... واقعة ابن المدني بنيس الشهيرة وذلك عام ١٢٩٠ ه‍». ابن زيدان ، الإتحاف ، ٢ : ١١٠. ثم عينه عاملا على طنجة في الوقت الذي تزايد فيه مدى عتو سيرة بعض الدبلوماسيين وتجرئهم على الحكام الشرعيين. ووقعت له العديد من الاصطدامات مع أعضاء السفارة الفرنسية بطنجة سنة ١٢٩٤ ه‍. دورية مديرية الوثائق الملكية ، الرباط ، العدد ٤ : ٥٦. وتوفي سنة ١٢٩٥ ه‍ بطنجة.

(٢) الأول يقصد به الجيش المغربي التقليدي الذي تعرض لهزيمتي إيسلي وتطوان ، فأرغم المخزن المغربي على القيام بتجديده ، في البداية على نسق نظام الجيش التركي الحديث. إتحاف أعلام الناس ، ٥ : ٢٣٨ ، ٢٣٩ ؛ والعز والصولة في معالم نظم الدولة ، الرباط ، (١٩٦٢ ، ٢ : ٢١٤ ، ٢١٥) منذ عام ١٢٦١ ه‍. وكثيرا ما كان يطلق عليه إسم «العسكر» الجديد أو النظام (كشف الغمة : ١٥) فأخذ يباشر مهمته إلى جانب الجيش المغربي التقليدي وأحدث لهذا العسكر وزارة على حدة يدعى صاحبها العلاف الكبير ، وكان لهم لباس خاص من الملف الرفيع (إتحاف ، م. س ٣ : ٥٦٨).

(٣) الخميس ٢٥ ماي ١٨٧٦ م.


الفن الدالة (١) على السعادة الكبرى له في هذه الوجهة المباركة ، ولا يقال أن خروجه من حضرة فاس كان في أواخر الشهر المذكور ، وكان الهلال إذ ذاك مشرفا على الدخول تحت شعاع الشمس ، وذلك الوقت ينهي عنه أرباب ذلك الفن من الشروع في الأمور المهمة كالسفر والزواج وغيرهما لأنا نقول : ليس ذلك أي خروجه من فاس / ١٢ / خروجا حقيقيا إنما هو انتقال من محل لآخر على حسب مقتضيات هذه الوجهة السعيدة ، والخروج الحقيقي (٢) كان تقدم قبل ذلك في الحضرة العالية بالله بحمراء مراكش ـ حرسها الله ـ. ولا شك أن أفعال العقلاء مصونة عن العبث.

دخول الرئيس ومرافقيه لطنجة

رجع. وفي فاتح جمادى الأولى المذكور (٣) دخل للثغر المذكور الأمين الأمجد ، الحازم الضابط الأنجد ، الذي صلحت بفضل الله أحواله ونشأته ، وتميزت بمنه وكرمه مروءته وديانته ونجدته ، ذو الأيادي والإنعام ، ووافر الفضل والإكرام التاجر الطالب السيد بناصر غنام أصلح الله حاله وحالنا في سائر الأحوال ، وكان بجميعنا معينا وحافظا في الإقامة والارتحال ، مصاحبا له مقيده تولاه مولانا الكريم الرؤوف الرحيم. وحين أشرفنا على الدخول لطنجة أنهض الأمين المذكور فارسا كان معنا بكتاب

__________________

(١) يقصد علم المنجمين وغيره من العلوم التي تهتم بوصف الأجرام وأبعادها وحركاتها وكيفية رصدها ، ويستخدم كذلك في معرفة المستقبل ، وطبائع الأوقات من نحوس وسعود (دائرة المعارف ، المجلد ٧ : ٤٨١).

(٢) كانت الانطلاقة الأولى من مراكش سنة ١٢٩٢ ه‍ ، مقتصرة على دولة فرنسا ، وقد أخبر بذلك القائم بأعمال فرنسا بطنجة من قبل النائب محمد بركاش في غشت عام ١٨٧٥ م «إلا أن بعض الحوادث قد أخرت تطبيق المشروع إذ لم يغادر مندوب السلطان مدينة طنجة إلا في السنة التالية عام ١٨٧٦ م».

ونحو أربع دول أوربية انطلاقا من مدينة فاس. (جاك كيلي ، السفارات والبعثات المغربية إلى فرنسا) ، مجلة  Tamuda HesPeris-، العدد ٦ عام ١٩٦١ م.

(٣) ٢٥ ماي سنة ١٨٧٦ م.


يخبره بإشرافنا إلى الدخول ، فطار به ورجع وصادفنا قرب باب / المدينة ، فرجع معنا متقدما أمامنا ونحن في أثره قاصدين محل النزول الذي تقدم ذكره ، إلى أن وصلنا إليه سالمين ، ولمولانا سبحانه حامدين شاكرين. وبعد هنيهة تلاقينا بالباشدور المذكور مهنئين لسيادته بسلامته وعافيته (١) ، فسر بقدومنا وانبسط ، وارتفع عنه ما كان يتوهمه بتأخيرنا حسبما ذلك مضى وفرط ، ووجدناه نازلا بقبة الدويرة المذكورة ، وفيها قبالة الداخل إليها صالة مزخرفة ذات سراجم (٢) كبار لها دفف (٣) من الساج (٤) وأخرى من الزاج (٥) مشرفة على الأسد الضاري بغاز البحر الجاري (٦).

وهناك نظرة فائقة ، ومسرة للقلب رائقة ، فحين رأينا ذلك المنظر البهي والرونق الشهي ، أخبرنا الباشدور المذكور أنه عينه لنزولنا فيه مع أنه مرتفع من مقعده ، فكان اللائق بمنصبه أن يكون منزله به لمناسبته لمرتبته العظيمة ، وإنما تأخر عنه ورفعنا إليه رفع الله / قدره ، برورا منه وواضعا ، خلد الله في الصحائف مآثره الحسنى وذكره ، وأخبرنا رعاه الله أن نائب مولانا المفوض إله المعول في الأمور البرانية (٧) عليه ، قطب العقلاء ، وأوحد النبلاء ، ذا الرأي السديد والجد والإجتهاد السديد ، الذي انتعش بتصدره لتلك الرتبة غربنا أتم انتعاش.

__________________

(١) سفيري فرنسا بطنجة أخبر وزارته بباريس بقدوم السفير الزبيدي إلى طنجة ، مع تقرير مفصل عن مرافقيه. طنجة ٢٧ ماي عام ١٨٧٦ م.

M. A. E. F.) A. D (, CorresPondance Politique. Maroc, Volume 04, Folio 151, 152.

(٢) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.

(٣) نفس الملحق : ٤.

(٤) نفس الملحق : ٤.

(٥) نفس الملحق : ٤.

(٦) مضيق جبل طارق يربط بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي.

(٧) نفس الملحق : ٤.


الفقيه سيدي محمد بركاش (١) أدام الله إليها انتصابه ، وأبقى له ولأعقابه لتلك الرتبة انتسابه. قدم في الساعة العاشرة من يوم الخميس (٢) فاتح جمادى المذكورة في البابور (٣) ، لأنه كان تركه برباط الفتح (٤) وحين قدم الباشدور المذكور لطنجة ولم يجده بها ضاق صدره لأنه كان متوقفا عليه في أمور مهمة ، وأعظمها غرض مهم يتوقف سفرنا في البحر عليه ولا يتأتى بدونه ، وكان يقال بقدوم الفركاطة (٥) للسفر بعد أربعة أيام ، وذلك الغرض متعذر لا بد فيه من مراجعة الحضرة العالية (٦) بالله ، ولا أقل في مدة / المراجعة وحصول ذلك الغرض من نحو نصف شهر ، وانظر ما يترتب على مقام الفركاطة التي ترد للسفر جل تلك المدة. وبقدوم النائب المفوض إليه المذكور دبر برأيه السديد ودهائه الفريد ، في حصول ذلك الغرض من غير

__________________

(١) ولد بالرباط سنة ١٢٢٥ ه‍ / ١٨٠٨ م وهو ينتمي إلى أسرة أندلسية عملت بعد هجرتها في أسطول الجهاد ، اشتغل منذ صغره بالتجارة في مدينة جبل طارق ، ثم عين عاملا لمدينة الدار البيضاء ، وبعد حرب تطوان أعفى محمد الخطيب نائب السلطان في الشؤون الخارجية وعين محمد بركاش مكانه حوالي ١٨٦٢ م ، مثل المغرب في عدة سفارات إلى الخارج ، وفي مؤتمر مدريد سنة ١٨٨٠ م كما ضربت على يده السكة المغربية في الخارج ، واشتري بواسطته وواسطة ابنه الحاج محمد ، السلاح الحديث للجيش المغربي ، وما زال في منصه حتى ساءت حالته الصحية وضعف بصره ، فسافر إلى أوربا للتداوي ، وبدأ ينوب عنه في غيبته الحاج محمد بن العربي الطريس ، إلى أن مات سنة ١٣٠٣ ه‍ / ١٨٨٦ م ودفن بمقبرة العلو بالرباط في الروضة المعروفة لأسرته. (الوثائق الملكية ، عدد ٤ : ٢٠ و٢١).

(٢) ٢٥ ماي سنة ١٨٧٦ م.

(٣) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.

(٤) كان بركاش ينتقل بين الرباط وطنجة بحرا لأن الطرق البرية كانت غير آمنة على النفس والبضاعة تتطلب زمنا طويلا لأن الحمل كان على البغال والجمال. مصطفى بوشعراء ، الاستيطان والحماية ، ١ :٣٩٢).

(٥) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.

(٦) القصر السلطاني بفاس.


مراجعة (١) ولا توقف ، وما ذلك بأول بركاته ، ولا بنقطة من فيض بحر ذكائه ، وهذا من سعادة الباشدور المذكور التي اكتسبها واقتبسها من سعادة مولانا المنصور ، ضاعف الله نصره وتأييده بتضاعف الأعصار والدهور ، وأبقى له ولأعقابه الكرام البررة كمال الاستيلاء وتمام الظهور. وبعد استقرار الباشدور تلاقى (٢) بنواب الأجناس وتلاقوا به حكم قوانينهم. وفي يوم الجمعة ثاني جمادى المذكور (٣) ، ركبنا معه بعد الصلاة لزيارة ولي الله الأكبر ذي السر الواضح الأشهر والكرامات الباهرة والأسرار المشاهدة الظاهر الذي أقر بولايته كل غني / ١٦ / ومحتاج العارف بالله تعالى سيدي محمد الحاج (٤) أفاض الله علينا من بحره الزاخر ، وأمدنا من مدده العميم الوافر ، فزرناه زيارة راغب خاشع ، بتدلل وقلب خاضع. ولمقامه قدس الله سره هيبة ربانية وسطوة عرفانية ، رضي الله عنه مستغنية عن التعريف. ومن يكن في مقام التعريف ففي

__________________

(١) دون مراجعة السلطان بفاس وذلك لربح الوقت والمصاريف وتجنب المماطلة الإدارية المخزنية.

(٢) سفير فرنسا بطنجة أبرق إلى وزارته بباريس بوصول السفير الزبيدي إلى طنجة ، وأنه أجرى معه لقاءين تعرف خلالهما على الرسالة التي يحملها إلى رئيس الجمهورية وما تحتويه من مطالب وموقفه منها. طنجة ٢٧ ماي ١٨٧٦ م.

M. A. E. F) A. D (, Corresoendance oilitique, Maroc, Volume 40, Falio 153.

(٣) ٢٦ ماي سنة ١٨٧٦ م.

(٤) محمد الحاج المدعو بوعراقية ، دفين مدينة طنجة توفي سنة ١١٣٠ ه‍. وقد حبس أملاكه على ضريحه ونسبه : محمد الحاج بن عبد الله الحاج بن عيسى ابن محمد الحاج صاحب زاوية فاس بن علال الحاج يتصل نسبه بالمولى إدريس. المكنى «بو عراقية الخضراء» لما كان يتوج به رأسه من قلنسوة منسوبة إلى القطر العراقي ، رمزا واشعارا إلى انتسابه إلى دفين النجف سيدنا علي بن أبي طالب ، ولد هو وأخوه سيدي الحاج الغزاوي بقبيلة بن حسان ، ثم انتقل القطبان إلى قبيلة الأخماس ، في عهد أسد الدولة العلوية مولاي إسماعيل ، نقلهما إلى ثغر طنجة للجهاد في سبيل الله ، التي كانت محتلة من طرف الأنجليز ، وهناك التقيا بالمجاهد علي بن عبد الله الريفي وولده أحمد ، فحاصروا المدينة ... (زعامة سياسية ودينية) إلى أن هجها الأنجليز أيام سنة ١٠٩٥ ه‍ .. وتوفي سيدي محمد الحاج في طنجة سنة ١١٣٠ ه‍ (حسب ما جاء في الرخامة الحائطية التي وجدتها بضريحه بطنجة).


تعريف القاصر مثلي به عين التحريف.

ورود الفركاطة للسفر

وفي عشية يوم السبت (١) ٣ منه قدمت الفركاطة (٢) المعينة للسفر ، وأخبر بها رايس المرسى أولا فظن أنها غيرها لعدم انصرام الأمد المعين لقدومها ، فصرنا شاكين فيها مترددين في أمرها من عدم إخبار باشدور جنس الفرنصيص (٣) بها ، وفي ضحى

__________________

(١) ٢٧ ماي عام ١٨٧٦ م.

(٢) الفركاطة الحربية الفرنسيةCassard التي نقلت السفارة المغربية من طنجة إلى مرسيليا. وثائق أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية بباريس.

(٣) شارل جوزيف تيسو Tissot JosePh Charles ولد بتاريخ ٢٩ غشت ١٨٢٢ م وبدأ حياته الدبلوماسية سنة ١٨٤٩ م ، متلقبا في عدة مناصب بالإدارة المركزية الفرنسية ، ثم عين وزيرا مفوضا لفرنسا بطنجة التي التحق بها وم ٢٥ ماي سنة ١٨٧١ م بعد إقالة البارون إيمي داكان الذي له علاقة طيبة مع المخزن.

وظل يواصل مهمته من سنة ١٨٦٤ م إلى سنة ١٨٧١ م ، غير أنه «ذهب ضحية جهوده في سبيل الحد من الحماية ... وضد بنشيمول ترجمان المفوضية الفرنسية التي كان يسيطر عليها يهود طنجة ...» ، جان لوي مييج ، المغرب وأوربا ، ١ : ١٧١ و٣ : ١٩٠ ، ١٢٩. و٥ : ٨٨. وقد وصفه بركاش بأنه «رجل مليح ، يبحث عن دوام الهدنة وتأسيس المحبة والوقوف مع الحق ... وكانت تقدمت له خدمة بتونس ، ويعرف شيئا من العربية». رسالة بركاش إلى السلطان الحسن الأول في ٢ شعبان ١٢٨٨ ه‍ / ١٧ أكتوبر ٢٨٧٢ م.

كان تيسو من علماء التاريخ والآثار ، وقد أجرى خلال مقامه بالمغرب عددا من الأبحاث الجغرافية والجيولوجية نشرت في المجلات العلمية بباريس ، ويبدو أن معرفته بالعربية واهتمامه بالثقافة جعلاه أحد المقربين إلى السلطان ، ويعتني بإصلاح الهياكل المخزنية ويتفق في ذلك مع جون درموند هي ، وظل في منصفه حتى سمي بعده السفير ده فيرنوبي A.de Vernouillet في نونبر ١٨٧٧ م وعين هو سفيرا لفرنسا بمدينة أثينا ثم بإسطنبول فلندن.

Miege, Le Maroc et l'EuroPe, ome 2: 483, 190. Tome 1: 170.


يوم الأحد الرابع (١) منه أخبر بقدومها الباشدور المذكور فسأله بواسطة الباشدور المذكور ، هل تتهيئون (٢) للركوب فيها عاجلا أو لا بد من مقامها شيئا ما؟

فأجاب / ١٧ / على لسانه ترجمانه (٣) ، أمر هذه الفركاطة إليك وحكمها بيدك فإن شئت أن تسافر الآن أو بعد مضي شهر من الزمان فكبيرها مأمور بذلك ، وبمساعدتك في مرادك ، ومن هنا يعلم اللبيب ويتيقن الفطن الحاذق الأريب ، بحصول السعادة العظمى في هذه الوجهة المباركة الممنونة لفضل الله وكرمه ، لأن المعهود في شأن الباشدور الذي يطلع من الغرب (٤) لبعض الأجناس أن يقيم بطنجة عدة شهور حتى ترد الفركاطة أو بابور السفر وشتان ما بين ذا وذاك ، هدانا الله وإياك ، ومن باب الفضل دعاني ودعاك ، ثم أجاب الباشدور والترجمان المذكور بعد المفاوضة في ذلك

__________________

(١) ٢٨ ماي عام ١٨٧٦ م.

(٢) في الأصل تتهيوءا ـ خطأ ـ.

(٣) حول مونج Monge Julesالترجمان الأول بمفوضية فرنسا بطنجة ، يهودي مغربي محمي ، رافق الوزير المفوض الفرنسي بطنجة أثناء زيارته لفاس لتهنئة السلطان الحسن الأول. كما رافق السفير الزبيدي في سفارته إلى أوربا ، ويظهر أن هذا الترجمان لوح للسفير برغبته في مصاحبته بدعوى مساعدته ، وهو في الحقيقة يبغي التجسس عليه لإطلاع حكومته على مفاوضاته مع حكومات الدول الأخرى انجلترا وبلجيكا وإيطاليا ، ومع أنه لم يجب إلى مرغوبه فإن المسؤولين المغاربة قد قدروا محبته واعتناءه ، وطلبوا من حكومته حسن مكافأته! كما جاء ذلك في جواب من النائب السلطاني محمد بركاش إلى السفير الحاج محمد الزبيدي حول المذاكرات التي أجراها بباريس مع وزير الخارجية الفرنسية بتاريخ ٣ جمادى الثانية عام ١٢٩٣ ه‍. (الاثنين ٢٦ يونيو عام ١٨٧٦ م) مكتبة الحاج أحمد الزبيدي بالرباط. إتحاف أعلام ، ٢ :٣٠٩.

«... وما ذكره لك موسى مونج من أنه لو وجد السبيل للتوجه معك لمباشرة ذلك لفعل ، غير أنه لا يقدر على التوجه معك لدولة أخرى بغير إذن من دولته ، مع ما أجبته به قد علمناه وجازه خيرا على ذلك غاية ، ولا شك عندنا في محبته واعتنائه ، وقد أخبرنا باشدوره هنا وطلبنا منه المجازاة له ، والنيابة عنا في ذلك ، إلا أنه غير لائق أن تتعبه ولا سيما في الأمور الغير الموافقة للطباع ...».

(٤) يقصد المملكة المغربية.


مع النائب المفوض إليه ، بأن ركوبه في تلك الفركاطة يكون يوم الأربعاء السابع (١) منه على الساعة الحادية عشرة ، فبقيت بمحل ترسيتها إلى اليوم المذكور لتهيئ بعض المقتضيات بثغر طنجة وتجديد ما أبلاه السفر في البر وتبديله بما يناسب سفر البحر ، وفي ليلة الأربعاء أمر الباشدور بحضور كبير المخازنية (٢) ، فحضر وأعلمه أن يخبر أصحابه بالتيقظ قبل الفجر وخروج الخيل المهدية شيئا فشيئا كل اثنين منفردان ، ونزع صفائحها ، ونزولها للمرسى بقص طلوعها للبابور ، فأجاب بالسمع والطاعة ، وقام بذلك أتم قيام حتى طلعت الخيل كلها للبابور بل لتلك الفركاطة ، وفي الساعة الثامنة من يوم (٣) الأربعاء المذكور نزلت الصناديق (٤) التي فيها الأغراض الشريفة ، مع صناديق حوائج السفر المحتاج إليها ، وطلعت للسفر بالفركاطة وترك الفراش كله ببيت بتلك الدويرة المذكورة مختوم عليه ، عدا شيء يسير من فراش الباشدور فإنه أمر بطلوعه للفركاطة فطلع ، وكانت مدة إقامته بطنجة نحو سبعة أيام نسأل الله الإعانة على التمام بجاه خير الأنام عليه فضل الصلاة والسلام.

__________________

(١) ٣١ ماي عام ١٨٧٦ م.

(٢) هو قائد المحلة أو قائد الرحى (١٠٠٠ جندي).

(٣) ٣١ ماي عام ١٨٧٦ م.

(٤) نظرا لكثرة وتنوع الهدايا ، كتب عبد الله بن أحمد المكلف بالسهر على صنعها بفاس رسالة إلى الحاجب السلطاني يستفسر في أمر الطلب السلطاني الضخم. ابن زيدان ، إتحاف ، م. س ، ٢ : ٢٩٥.

«أخانا الفقيه ... موسى بن سيدي أحمد ... وبعد ، إن المعلمين ذكروا أنهم إن صنعوا ذلك بأجمعه ربما يستغني عن بعضه فيبقى بيدهم كاسدا لا يجدون مشتريا له منهم لعدم صلاحيته هنا ، وعليه فإن كان المراد صنع الجميع من غير أن يرد لهم شيء ، فيعتمدون على ذلك وإن كان المراد صنع البعض المختار من ذلك فليبين المراد لهم ، حتى تطمئن نفوسهم فيما يقدمون على صنعه».


الخروج من ثغر طنجة والركوب في البحر

إلى الوصول لمدينة مرسيلية

لما طلعت تلك الحوائج كلها للفركاطة ومعها المخازنية (١) والخدمة (٢) ، / المعينين للسفر في هذه الوجهة السعيدة ، أذن للأمين المذكور وكاتبه بالتقدم للمرسى ، فتقدمنا فوجدنا بها جما غفيرا من أعيان أهل (٣) البلد عامة وخاصة ، ومن أجناس النصارى خلقا كثيرا فجلسنا هنيئة بنبح (٤) المرسى ، وإذا بالعسكر السعيد قد أقبل متحرفا للبعض مطرفا ولآخرين مرهبا ، فمر على نسقه المعهود ، وكل عند حده المحدود. ثم أقبل الباشا (٥) الذي تقدم ذكره آنفا ، وعرف ببعض أوصافه سالفا وبقي راكبا أحسن جواد ، في وسط ذلك السواد (٦) ، وبعده أقبل النائب المفوض إليه المذكور (٧) راجلا وفي حلل سيادته رافلا ، فمر على باب المرسى فقابله الأنام

__________________

(١) هم أعوان أحد ممثلي المخزن أي السلطة ، يبلغون أوامره ويوجهون لتنفيذها وخدمة من يعملون تحت إمرته.

(٢) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.

(٣) بلغ سكان طنجة في شتى الفترات أعدادا مختلفة يقدرها بعض المؤلفين كما يلي :

سنة ١٨٧٤ م نسبة السكان ١٥٠٠٠ نسمة

Miege ,Le Maroc et l'EuroPe ,Tome.٣

سنة ١٨٨٤ م نسبة السكان ٢١٠٠٠ نسمة. ٤٦١ ، ١٤

مثل ذلك قاله الطبيب الانجليزي ليرد عن سنة ١٨٧٢ م إذ كان مجموع السكان بطنجة ١٤٦٠٠ نسمة منهم : (٩٠٠٠ مسلم و٥٠٠٠ يهودي و٦٠٠ نصراني). حسب ما ذكره عبد المجيد بن جلون ، جولات في مغرب أمس ، ١٨٧٢ م ، ص ١٩ ، الرباط ، ١٩٧٤ م.

ثم تعاظمت الهجرة إلى المغرب بعد سنة ١٨٧٢ م ، بحيث أصبحت نسبة الأوربيين بطنجة مرتفعة وكذلك بالدار البيضاء والعرائش والجديدة والصويرة والرباط.

(٤) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.

(٥) الباشا الجيلاني البخاري المكناسي عامل طنجة.

(٦) المراد به كثرة الملئ.

(٧) محمد بركاش النائب السلطاني بطنجة ، كان بمثابة وزير للخارجية.


بالتبجيل والاحترام ، ولم يكن غير قليل وقد أقبل الباشدور ذو القدر الجليل الذي من الله تعالى برفقته على مقيده العاجز الذليل ، وهو غير راكب بل ماش (١) ومعه من ليس للعهود والشروط ناسيا ، من قوم الأجناس ، الحكماء الأكياس والعيون ترمقه بالتوقير والعظيم ، وتصافحه الخاصة / مصافحة وداع بالتجليل والتفخيم ، فودعه وداع الأخلاء ، وشيعوه تشييع الأحباء الأجلاء ، وهم بفضله معترفون ، ومن بحر سيادته وسعادته يغترفون ، وقلت في هذه المعنى سالكا سبيل هذا المبنى.

تبارك من حباك بكل فضل (٢)

وخصك بالمزايا وبالكمال

فسدت القوم كلهم جميعا

ومأواك بينهم دروة المعالي

ولا غرو أن تسود الكل طرا

وليس الأمر من حيز المحال

فإن المولى يختص من يشاء

بإنعامه على مر الليالي

ولعمري أنه لجدير بقول من قال وأجاد في المقال :

فإن تفق الأنام وأنت منهم

فإن المسك بعض دم الغزال

ثم صعد فلكا (٣) جارية سابحة ، واقتفت أثره أخرى ألحقت به جماعته الرابحة قاصدين فركاطة السفر ، راجين بفضل الله / أمن مخوف وحسن الظفر ، فوصلوا إليها وصعدوا عليها.

__________________

(١) في الأصل ماشيا ـ خطأ ـ.

(٢) الأبيات من البحر الوافر لكن إيقاعها منكسر.

(٣) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.


طلوع الباشدور للفركاطة

فتلقى له الرئيس والكبراء والأعيان والنظراء ، وفئة من العسكر لابسة آلة حربها مصطفة بناحيتي شرقها وغربها ، والكل يشير بالترحيب ، والعسكر مشتغل بالتحريب ، لأن في ذلك قام مقام سلاحه ، عن إفصاحه بكلامه ، ثم نزل الرئيس إلى القامرة (١) التي هي بكل زخرف ومستلذ عامرة ، واتبعه بإشارته الباشدور وأمينه وكاتبه خائفا وجلا مما هو كاسبه ، ثم بين لكل واحد من القامرة فراشه ووطاءه ، فتبين ، وعين ما يحتاج إليه من الضروريات فظهر وتعين كل بما يناسب مرتبته ويلائم مقامه ومنزلته ، وللكل في ذلك غاية التوسعة ، ومسرة للقلب نابعة ، ولما استقر بنا المكان ، وكانت الساعة الحادية عشرة والنصف بإن من الزمان طلبنا من الله الأمن والأمان. استأذن الرئيس ، الباشدور ذا المقام النفيس ، هل يسرح الفركاطة / للسفر ولا زال معنا من أهل الوداع نفر ، فأذن له بالتسريح بإشارة أبلغ من التصريح ، وتلا بعد التعوذ والبسملة قوله جل علاه وقال : ﴿ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٢)﴿ وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إلى يشركون (٣) وغير ذلك من الأدعية الواردة في ذلك ، المرغّب فيها عند المرور في تلك المسالك. ثم أخذت الفركاطة في السير (٤) كأنها باز خرج من قفاز ، قاصدة طريق البغاز (٥) ، والبحر

__________________

(١) كلمة إسبانية هي Camera اللغة القديمة ، ومنها الكلمة المغربيةCamara اليوم ، وهي الحجرة أو القاعة أو المكان الرفيع في المنزل ، والمغاربة يخصصون اللفظة للغرف الفاخرة في الباخرة.

(٢) سورة هود ، الآية ٤١.

(٣) سورة الأنعام ، الآية ٩١.

(٤) أذن وزير البحر قائد الفركاطةCassard بالإبحار نحو مرسيليا ، وأوصاه بالاهتمام بأعضاء السفارة المغربية والعناية بالخيل. ـ مرسيليا بتاريخ ٢٧ ماي سنة ١٨٧٦ م.

M. A. E. F) A. D (, CorresPondance Politique, Maroc, Volume 04, Folio 051.

(٥) أو البوغاز يكتب بالواو وهي كلمة تركية معناها في الأصل الحلق ، واستعيرت للمضيق أي مجرى الماء الضيق في البحر بين قطعتين من الأرض ، ويقصد به هنا مضيق جبل طارق بين المغرب وإسبانيا.


غاية في السكون والخمود والركون ، وكان الباشدور المذكور أمر الطباخين (١) بتهييء مؤنة السفر بما للجميع فيه تمام الكفاية ، كما اقتضت ذلك منه حسن الدراية ، فاشتروا جميع الضروريات وأتوا على جميع المقتضيات مراقبين ما عليهم من الإشراف ، متنكبين طريقي الأقتار والإسراف ، فأحسنوا القيام بتلك الكلفة ، مع مراعاة آداب المعاشرة والألفة ، جزاهم الله أحسن الجزاء ، وضاعف أجرهم يوم العرض والجزاء ، وتقبل عملهم وبلغءامالهم.

/ هذا الفصل سيقدم ويلحق بموضعه المناسب بحول الله.

رجع ، قد يقال إن من القوانين المشهورة والشروط المقررة المأثورة أن تخرج المدافع (٢) برا وبحرا عند ركوب الباشدور.

علة عدم خروج المدافع

فما بال هذا المقيد لم يعرج عليه ، ولا أومأ بشيء إليه ، قلت : لما طلعنا إلى الفركاطة وجدنا مدافعها عامرة ، وهي منصوبة في فرج البوردو (٣) بارزة ، والمكلفون بها يترقبون خروج المدافع ٢١ من البر ليجيبوهم على العادة. لكن كان أخبر الرئيس أنه حين طلعت خيل الهدية للفركاطة واستقر كل واحد منها بموضعه ، سمع بعضها حركة قوية حركت نفسه الأبية ، فتحرك بذلك حركة مرهبة حتى كاد يكسر الصندوق المحيط به ، وأنه إن أخرجت المدافع بالفركاطة لا شك في نفورها نفور ينشأ

__________________

(١) توجه رفقة السفارة مجموعة من الطباخين المغاربة المكلفين بمهمة شراء لوازم الأكل والشرب الطازجة ، والعمل على طهيها وتحضيرها لهم طيلة مدة الرحلة السفارية ، وهذا راجع بالدرجة الأولى إلى أسباب دينية وشرعية إذ يتولون بأنفسهم عملية ذبح الأكباش وغير ذلك. سورة الأنعام ، الآية ٢١ ﴿ وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ... مما جعلهم في استقلالية تامة من ناحية الأكل والشرب عن ضيوفهم كما سأوضح ذلك فيما بعد.

(٢) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.

(٣) نفس الملحق : ٤.


عنه فسا كبير ، إما في ذاتها أو في شيء من آلة الفركاطة ، وأعلم بذلك النائب المفوض إليه ، وكان الباشدور حاضرا فأذن الباشدور بعدم خروج المدافع من الأبراج ، دفعا وسدا لبابي الضيق والحرج. فهذا سبب عدم خروج المدافع / ٢٤ /. بسطته هنا بوجه لكل ريب وشك مدافع. ثم لم يزل البحر راكضا لا رافعا ولا خافضا إلا شيئا من ذلك قليلا حصل به ميد (١) لمن كان قلبه عليلا ، ولكنا أصابه منه ما أصابه ، وغير انتصابه ، حتى بلغ حده ونصابه ، عدا الباشدور فكان قلبه بفضل الله من الميد في حصون. وهذا من شجاعته وثبات قلبه زاده الله من الثبات والرسوخ ، ما يصير به ناسخا غير منسوخ (٢) * ومع ذلك الميد كان القوم مواظبين على الصلوات في وقتها المعتاد ، وما فاتهم بحمد الله شيء من الأوراد ، والحمد لله على هذه النعم الجليلة المقدار ، الواجب شكرها بعدم عصيان الرحيم الغفار*. وكانت منا الأفئدة والعيون تراقب وتخشى هول (غلف اليون) (٣) إذ شأنه غالبا الهيجان ، وشدة الاضطراب والفيضان. وربما تؤدي إلى العطب ، أو كثير التعب والنصب ، فألقيناه والحمد لله ساكنا ، وهيجانه بمنة الله تعالى كامنا ، وبقي البحر على هذا الحال إلى الترسية بمرسى مرسيلية (٤) في الحادي عشر من جمادى الأولى (٥) على الساعة الثامنة من

__________________

(١) هو دوار البحر أي ما يصيب راكب السفينة من غثيان وانزعاج في المزاج وضعف جسمي.

(٢) تكملة بطرة الصفحة. أدرجتها في مكانها بين نجمتين* ...*.

(٣) Golf du Lion أو حلق الأسد يوجد غرب البحر الأبيض المتوسط ، بين رأس جيو غربا ودلتا الرون شرقا ، سواحله منحدرة وعلى جوانبها برك ذات عمق ضعيف لا يتعدى ٢٠٠ متر.

! Grand Larousse) enclycloPedique (, n 6, P. 775.

(٤) تقع شرق خليج الأسد ، قرب مصب نهر الرون Rhone وكان عدد سكانها يناهز ٠٠٠ ، ٣٠٠ نسمة سنة ١٨٦٦ ، واحتل ميناؤها المرتبة الثالثة في العالم سنة ١٨٣٢ م ، ثم المرتبة السادسة في العالم سنة ١٨٨٩ م ، وكان يمثل ٣ / ١ التجارة البحرية الفرنسية. نفس الموسوعة السابقة.

انظر الخريطة في ملحق الرسوم والصور صفحة ١.

(٥) ٤ يونيو سنة ١٨٧٦ م.


النهار ، والناس في فرح وسرور من السلامة من سطوة الواحد القهار. (١)

 ...

/٢٧/ تنبيه ، تقدم أن الفركاطة شرعت في السفر من طنجة في الساعة الحادية عشرة ونصف من يوم الأربعاء السابع من جمادى (٢) المذكور ، وأرست بمرسى مرسليية في الساعة الثامنة من يوم الأحد الحادي عشر (٣) منه ، فيكون مدة السفر أربعة أيام عدا ثلاث ساعات ونصف ساعة. وفي هذه المدة اثنتان وتسعون ساعة ونصف ساعة.

مدة السفر في البحر إلى مرسيلية

ونقل عن رئيس هذه الفركاطة أن قانونها في السير من طنجة إلى مرسيلية ثنتان وسبعون بموحدة ساعة ، وهي مدة ثلاثة أيام ، لكنه خفف من سيرها محافظة على تلك الخيل ومراعاة لمن أوصاه بمحافظتها وسلوك سبيل التلطف في كل ما يرجع إليها. فانظر أيها العاقل اللبيب ، الفطن الأريب ، بعين بصيرتك ونور سريرتك ، إلى هذه الخيل حين فارقت برها المألوف ، وركبت هذا البحر المهول المخوف ، كيف قيض لها الحي الخلاق والمنان / الرزاق من يقوم بما تحتاج إليه من الماء والعلف ، والتبن والربيع ، وسائر الكلف مع مراعاة أحوالها في جل الأوقات ، وتقديم ما يناسبها فيه من الأقوات ، فكيف بك يا مسيء الظن مثلي بربك الحميد الذي تكفل برزقك كما أفصح به القرءان المجيد. ﴿ إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٤).

__________________

(١) الصفحتان / ٢٥ / و/ ٢٦ / من المخطوط فارغتان.

(٢) ٣١ ماي سنة ١٨٧٦ م.

(٣) ٤ يونيو عام ١٨٧٦ م.

(٤) سورة ق ، الآية ٣٧.



الجزء الثاني :

أخبار مرسيلية وباريس

ثم لما أرست الفركاطة بمرسى مرسيلية ، وهي مرسى المخزن ، لا بمرسى التجار ، سمعنا بخروج المدافع (١) وعددها سبعة عشر مدفعا إذ هي قانون ورود الباشدور كما قيل. وبهذه المرسى مباني هائلة ومخازين عديدة يمنا ويسارا ، فوقها مباني أخرى مشيدة ، اختلفت أوضاعها لاختلاف مقاصدها. وكلها في غاية الإتقان والإحكام والاختصار ، مع كثرة المرافق بحسب الإمكان ، ومن هناك امتد البناء وانتشر ، وإحصاؤه وتتبعه ليس في طوق البشر.

/٢٩/ طلوع الكبراء من مرسيلية لملاقاة الباشدور

بادر كبير مرسيلية ومتولي حكومتها إلى القدوم لتلك الفركاطة ، ومعه خليفته

__________________

(١) سبعة عشر طلقة كإعلان رسمي عن وصول السفير المغربي إلى التراب الفرنسي ، وهو تقليد متبع بين الدول ، ذلك لعدم علمهم بوجود الخيل داخل الفركاطة على عكس ما حدث بمرسى طنجة كما ورد سابقا بالرحلة.


والجنرال كبير العسكر بها ، وترجمان الدولة (١) بباريز ، لكونه كان وجهوه لمرسيلية بقصد الملاقاة مع الباشدور المذكور ، ووصل إليها وبقي ينتظر قدومه مدة من أربعة أيام (٢)وهم لابسون ثيابهم الفاخرة ، وعلى كل منهم سلاحه ونشان (٣) مرتبته ، وبعد ما طلعوا للفركاطة أخبر الباشدور المذكور ، فطلع من القامرة لملاقاتهم فتلاقوا به بأدب كبير ، مظهرين لخضوع كثير. فهشوا ومرحبوا وسروا بقدومه وأطربوا وجلسوا بإزائه على الشوالي (٤) مراعين مراتب التوالي. وجرى بينهم كلام ليس لمقيده به إلمام ، لكن مضمنه مع اختصار العبارة المقابلة ، فالتعظيم والسرور قضاء الأوطار كما يفهم من الإشارة.

ذكر الدخول لمرسيلية والمقام فيها والخروج منها

ثم نهضوا إلى النزول إلى مرسيلية ، فنزل وهم معه / من الفركاطة إلى بابور صغير ، ونزل الأمين ومقيده بعده في غيره ، وباقي المخازنية والخدمة بعدنا ، فحين وصلوا إلى البر بالسلامة ، كانت هناك فئتان عظيمتان من العسكر خيل ورماة كل

__________________

(١) شيفرScheffer كان سنة ١٨٦٦ م السكرتير الأول بسفارة أمبراطور فرنسا «نابليون الثالث» بالمغرب (محفظة المغرب فرنسا) ، عين سابقا ترجمان مرافق لسفارة محمد بن عبد الكريم الشركي والباشا الحاج محمد بنسعيد أواخر ١٨٦٥ م وبداية ١٨٦٦ م كما جاء ذلك في رحلة محمد بنسعيد المخطوطة(قسم منها نشره بو شعراء كملحق بالإتحاف الوجيز ، الطبعة الثانية) ورافق سفارة ابن ادريس العمراوي سنة ١٨٦٠ م ورافق سفارة الزبيدي طيلة مدة مقامها بفرنسا.

(٢) وزارة الداخلية الفرنسية تخبر الجنرال رئيس الفرقة العسكرية الأولى بمرسيليا بالتوجه لاستقبال السفير المغربي ، رفقة الترجمان Scheffer الذي عينته وزارة الخارجية كمرافق خاص. باريس ٢٨ ماي ١٨٧٦ م.

M. A. E. F.) A. D (, CorresPondance Politique, Maroc, Volume 04, Folio 163.

(٣) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.

(٤) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.


واحد بسلاحه ، وجرابه وراء ظهره على أكمل الصفات. ثم الطنابرية (١) وأصحاب الموسيقا منهم بعملهم ، وانقسم جميع العسكر فئتين : فئة تقدمت أمام الباشدور ومن ذكر معه في كدش خاص ، واتبعه الرفقاء في أكداش أخرى ، وتأخرت الفئة الأخرى وراء الجميع ، وسار الكل على هذه الحالة الموصوفة إلى أن وصلوا إلى المحل المعين للنزول. وكلما مررنا بوسط محج يبقى المحجان اللذان (٢) عن اليمين واليسار في غاية الازدحام من أهل البلد رجالهم ونسائهم وكهالهم وصبيانهم وهم منا يتعجبون ، ومن زينا يستغربون ، فقلت إذ ذاك في ضميري لعدم الكلام إذ ذاك مع سميري ، إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم / ٣١ / كما تسخرون.

صفة الدار التي نزل بها الباشدور وأصحابه

وأما المحل الذي كان معينا لنزولنا فيه ، وهو الذي به نزلنا فيسمى بلغتهم أوطيل مرسيلية (٣) ، وهي دار مربعة الشكل نحو خمسين خطوة طولا ومثلها عرضا ، وفيها سبع طبقات ، في كل طبقة عدة بيوت مربعة ، تسمى صالات وكل صالة بها سراجم عديدة ، طول كل سرجم أزيد من خمسة أذرع ، ودفتان بالزاج وأخريان بفتقيات الساج. وعلى كل سرجم ستران من خفيف الثوب ، مثل طول ذلك الباب من الثوب المعروف بالعدوتين (٤) المنقر عليه في الأبيض ، وتوريقه في غاية الرونق والكمال ، والحسن والجمال ، والستر الآخر من الكمخة (٥) خضراء أو حمراء مثل ذلك الطول المذكور بأعلاه ، وبأسفله ترييشان (٦) من الحرير على لونه وبخدي كل سرجم

__________________

(١) نفس الملحق : ٤.

(٢) في الأصل المحجين الذين وهو خطأ.

(٣) فندق أو نزل المدينةville de L'hotel. وثائق أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية بباريس.

(٤) يقصد الرباط وسلا.

(٥) انظر شرحها في الملحق رقم : ٤.

(٦) نفس الملحق : ٤.


مسماران على رأس كل واحد منهما توءمة صفر تملأ كف اليد ، بها توريق عجيب ذو شكل غريب. وفي كل مسمار مجدول (١) حرير في غلظ السبابة / ٣٢ / بطرفيه (٢) ، وهما شرابتان من الحرير أيضا على لون تلك الكمخة ، بأعلى كل واحدة توأمات ثلاث متفاوتة. أكبرها خمائل الشرابة وهي أكبر من دائرة الريال ، وهما لربط إزار الكمخة في خدي السرجم ، على كيفية خاصة اقتضتها صنعة تظفير المجدول. وفي كل صالة ماريو عود فوقه مجانة (٣) محققة ، وتصاوير وحسك بشمعها ، والوقيد ، وبإحدى زوايا كل صالة بويت صغير بدفته ، فيه ماريو أيضا فوقه غراريف (٤) بديع كبيرة طولها أزيد من نصف قالة (٥) مملوءة ماءا وطبسيل (٦) بديع كبير فارغ ، وصابونة في حك (٧) مربع بديع أيضا ، وزيوف بيضاء نقية كما يقال من طي الصابون مطوية ، وهي من الثوب المكمخ الأبيض الرفيع ، وذلك عندهم معد لغسل أطرافهم حين يستيقظون من النوم ، إذ ذاك عادة أولائك القوم. ثم ماريو آخر صغير عرضه نحو قالة ، والطول كذلك في علو الكنابي الآتي ذكره ، فوقه رخامة وبه مخزنان / ٣٢ / أحدهما وهو الأسفل به قدح الحاجة ليلا والآخر فارغ ، ثم كنابي للنوم فيه مضربتان (٨) صوف من ثوب قطن مشجر ، وصوفتهما في غاية الليونة ، وفيه مسند ينمط (٩) عليه وعلى المضربتين بالثوب المكمخ ، أبيض أغلظ من الملفة ، وينمط فوقه بتنميطة كمخة حمراء ، ويجعل فوقها سبنية أصغر من المضربتين بشيء يسير من الكمخة أيضا ـ

__________________

(١) نفس الملحق : ٤.

(٢) بياض في الأصل بقدر كلمتين.

(٣) نفس الملحق : ٤.

(٤) نفس الملحق : ٤.

(٥) نفس الملحق : ٤.

(٦) نفس الملحق : ٤.

(٧) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.

(٨) نفس الملحق : ٤.

(٩) نفس الملحق : ٤.


فوقها سبنية من البرنتق الأبيض ، بترييش محيط بها. وفوق هذا الكنابي كسوة من الكمخة أيضا ممسوكة من فوقه قرب السقف بمربع لعله من ساج مموه بتمويه كالذهب. وفي كل صالة شوالي معددة ، تقل وتكثر على حسب تفاوت بقاعها ، والسراجم التي تقدم ذكرها هي مشرفة على المحج والحوانيت المقابلة في الجهة الأخرى ، وفي كل صالة أيضا مرءاة كبيرة طولها ثلاثة أذرع وفي عرض نحو الذراعين ، وفيها مائدة عود مصبوغ وهي مربعة / ٣٤ / مرفوعة على أربعة أرجل مخروطة للأكل ، وهذه الأوصاف من صفة الأماكن المعدة لعامة الناس.

صفة الصالة المعينة للباشدور

وأما الصالة التي نزل بها الباشدور المذكور فهي نمر (١) واحد من الطبقة الثانية من الأسفل ، وهي الركنية من جهة الغرب ، طولها ستة وثلاثون قدما والعرض ثلاثون بقدم مقيدة. وفيها ستة سراجم : اثنان من جهة الجوف ، وثلاثة من جهة الغرب ، وواحد مفخم بينهما ، كما اقتضاه الوضع ، وفي كل واحدة من الجهتين الباقيتين مرءاة عظيمة ، أكبر من المرءاة المتقدمة ، وبأسفل كل واحدة منهما طبلة من العود المذكور ، بإحداهما التي عن يمين الداخل محبقتان فيهما ربيع أخضر يانع ، أوراقه أعظم من أوراق الذرة ، وتراب المحبقة مغطى بأسلاك (٢) من صوف مصبوغة بالألوان. والعلة في ذلك ـ والله أعلم ـ هو ستر التراب لئلا يقع البصر على شيء تمجه النفس ، ويقابل هاتين المحبقتين في الجهة الأخرى غرافان (٣) / ٣٥ / من البديع ، عليهما مشمومان من نوار النبات ، بينهما مجانة عن جهتيها تصويرتان

__________________

(١) نفس الملحق : ٤.

انظر صورة قاعة الاستقبالات المخصصة للسفير المغربي في ملحق الرسوم والصور صفحة ٢.

(٢) في الأصل بسلوك ـ خطأ ـ.

(٣) نفس الملحق : ٤.


سوداوتان (١) ، ويقابله أيضا ماريو كبير فيه موسيقا رومية (٢) تخدم بدس الأصابع ، فيها واحد وخمسون نقطا ، وفي الوسط طبلة كبيرة دائرة مغطاة بملف أخضر ، فوقها محبقة فيها نبات طول أصوله نحو نصف ذراع ، وأوراقه كأوراق الليمون الصغيرة ، تنفتح بأعلا أصوله مشاميم كبار من النوار الأبيض ، كالياسمين ، إلا أنه لا رائحة له ، والشوالي محيطة بهذه المائدة بالموبر الأخضر ، وكذلك بين كل سرجم وماريو شيلية كبيرة في شكل آخر ، وفي مقابلة السراجم الثلاث كنابي كبير يسع جلوس ثلاثة أناس عليه. وعلى كل شيلية من الكبار سباني من ثوب كالمسوس المغربي. إلا أنه في ثوب يحيط به ترييش كبير على لونه. وسقف هذه الصالة سقف سما بطلاء أبيض به توريق عجيب. وفي وسطه / ٣٦ / ثرية كبيرة قضبانها من الصفر يجري فيها الغاز ، ورؤوس القضبان معكوفة إلى نحو السقف ، مغروز فيها فتائل داخل جعب (٣) بيض ، لا يشك رائيها أنها شمع توقد ليلا ، ويخلل هذه القضبان قطع من البلار مثلثة الشكل ، مثقوبة منظم بعضها ببعض في خيوط في كل خيط استرخاء ، كأنه نصف دائرة ، وبوسطها كرة (٤) من بلار بيضاء ، بسطحها دوائر ، سطحها مستو ، وحولها خمس (٥) كرات صغيرة مثلها ، وبحذاء المشمومين المذكورين ثريتان صغيرتان من الصفر ، كما ذكر. في كل واحدة منهما نحو ستة قضبان من الصفر ، وبراح هذه الصالة (٦) مفرش بمربعات (٧) من العود. لكن كل مربعة مقسومة إلى أقسام مختلفة الأشكال ، فعند النظر إلى المربعة بخصوصها أن قسمتها على تلك الأشكال المختلفة ليس بشيء ، وعند النظر إليها مجموعة مع ما يحيط بها من المربعات يتبين / ٣٧ /

__________________

(١) في الأصلب سوداءتان ـ خطأ ـ.

(٢) يقصد المعزف أو البيان (البيانو).

(٣) في الأصل جعبات ـ خطأ ـ.

(٤) في الأصل كورت ـ خطأ ـ.

(٥) في الأصل خمسة كورات صغار ـ خطأ ـ

(٦) في الأصل الصلاة ـ خطأ ـ.

(٧) في الأصل بمربع ـ خطأ ـ.


للناظر وجه قسمة كل مربعة إلى تلك الأشكال لمعاينته لمناسبتها وترتيبها ترتيبا عجيبا ، والعلة في التفريش بالعود هو ـ والله أعلم ـ حفظ الزرابي من البرودة التي تفرش بها الصالة. هذا ما استحضرته الآن من أوصاف هذه الصالة. وإذا استحضرت ذلك وتأملته ووسعته دائرة خيالك على تفاصيله المبينة ، فكأنك تشاهد ذلك عيانا. ثم تذكرت الآن ما سأذكره ، وذلك أن بين كل سرجمين لوحا معلقا فيه صورة شخص مكتوب بالعربي على صورة منها بركش بن سعد (١) قيل هو سلطان اللينجيار (٢) ، والصورة الأخرى صور من دخل تلك الصالة من كبراء دول النصارى. هكذا قيل انتهى.

وقد تقدم أن هذه الدار فيها سبع طبقات ، وتقدم مقدار طولها وعرضها فلا بأس أن نبين كيفية شكلها على سبيل الإجمال ، على حسب ما فهمته ، لأن تفصيل ذلك / على حقيقته لم أحط به علما ولا وجدت لسبيله فهما ، لأنه يتوقف على الإطلاع على أصل تخطيط (٣) أساس الجدران السفلية ، واختلاف ما بني فوقها على حسب تفصيل الأماكن والمنافع ، وذلك مما لم أطلع عليه ، لكن حيث تبين الطول والعرض حين يكون الإنسان ببراحها السفلي ، لم أجد في الطول والعرض إلا نحو ثنتي عشرة خطوة. وبهذه الطبقة السفلى مخازن ومواضع للطبخ ، محيطة بذلك البراح ، والمعارج التي يظهرون عليها بهذه الطبقات ترى أسافلها كلها من وسط البراح ، وهي ناتئة وبارزة من جدران تربيع البراح ، وسقفها يرى من أسفل سقف ، لها

__________________

(١) أو برغش بن سعيد (١٨٣٥ـ ١٨٨٨) سلطان زنجبار ، ألغى النساخة في بلاده وأحسن العلاقات مع الأجانب (المنجد الكبير).

(٢) زنجيبار أو زنزيبارا (Zanzibar ٠٠٠ ، ١٣٨ كلم ٢) تطل على ساحل المحيط الهندي بشرق إفريقيا ، أصبحت تكون مع تانجنيقا جمهورية تنزانيا كانت تحت الانتداب البريطاني وأعلن عن استقلالها عام ١٨٦٤ م قرب دار السلام (المنجد).

(٣) يقصد هندسة تصميم قاعدة الفندق التي يستند عليها البناء العمودي.


وليست مرفوعة على أكياش من عود (١) كما في عرف البناءين عندنا. لكنها ـ والله أعلم ـ موضوعة على قناطر ، والقناطر موضوعة على السواري ، وسقف الدرج ممتد / من جدران تربيع البراح إلى تلك القناطير مجلد عليه من أسفل الدرج ، وعلى التجليد طلاء أبيض ، بسببه يظهر لناظره أن سقف الدرج كذات واحدة غير متصل بعضه ببعض ، وفي كل طبقة ثلاثون درجة ، في كل تربيع عشرة مبسوط مستو ليس فيه درج ، والدرابيز (٢) من الحديد دائرة مع الدرج من ابتدائها إلى انتهائها وهي مفرشة بالزرابي ، بين كل درجتين قضيب ، لعله حديد مموه ممتد على عرض الدرجة ، وهو الماسك للزربية بأسفل كل درجة. فإذا صعد الصاعد الثلاثين درجة المحيطة بالثلاثة أرباع المذكورة ، وصل إلى الربع الرابع المبسوط الذي ليس فيه درج. فإذا سار إلى منتهاه يجد في الربع الذي عن يمينه ساباط طويل ، هو الذي طوله خمسون خطوة ، وعن يمينه ويساره بيوت الصالات ، وبالركن اليساري / أي الذي عن يسار منتهى ذلك الربع الذي ليس فيه درج ، باب صالة ركنية ، والداخل إليها إذا وصف ببابها يجد بالزاوية التي عن يمينه بابا آخر ، وهو مقفول ، ولعله إذا فتح يقابل الواقف به ساباط آخر مواز للساباط الذي تقدم ذكره ، بينهما بيوت صالات المتقدم ذكرها ، ويجد ـ الله أعلم ـ عن يساره صالات أخر مقابلة للأخرى. ودليله أننا إذا أسقطنا تربيع (اثنتي عشر) براح الدار من جملة خمسين تربيعا شكلها يبقى نحو ثمان وثلاثين خطوة بين منتهى البراح والجدار المحيط بالدار من كل جهة من الجهات الأربع ، وإذا أسقطت من الثمان والثلاثين خطوة عرض الساباط المذكور ثانيا ، وهو الحاجز بين الصالات الممتدة يمينا ويسارا قدر عرضه نحو أربع خطوات مع أساس

__________________

(١) يطرح نوع من المقارنة بين البناء المغربي التقليدي الذي يعتمد على الجوائز الخشبية والحجر والجير والطين وغير ذلك ، ثم البناء الأوربي الحديث الذي يعتمد على الأعمدة والقناطر المدعمة بالحديد والإسمنت والآجور ...

(٢) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.


الجدار وانظر كم هو (١) ، فالباقي هو مساحة / ٤١ / الصفين اللذين بهما الصالات عن اليمين واليسار ، لأن طول كل صالة نحو ثنتي عشرة خطوة ، ومثلها هو قدر البراح ، ومجموعهما أربع وعشرون خطوة ، ثم أربع خطوات عرض الساباط الثاني. والباقي وقدره ثنتان وعشرون خطوة ، هو عرض صف الصالة المظنون أنها كائنة مقابلة للصف المشاهد إنشاؤه ، الحاجز بين الساباطين. لكن الثنتين والعشرين خطوة المذكورة يسقط منها عرض الأساسات الأربع أولا ، وعرض أساس الجدار الخارج للزقاق ، ثانيا : أساس الجدار المحيط بالبراح ، ثالثا ورابعا : أساسا جداري الساباطين ، والباقي هو عرض الصالة المبرهن على وجودها بما سبق ، وسيرسم (٢) هنا شكل ذلك بحول الله تقريبا للفهم إن شاء الله. / ٤٢ / وفي طبقة بيت الخلاء يجعلونه بزاوية الطبقة. وإذا صعدت طبقة أخرى وجدت بيت الخلاء فوق بيت الخلاء الذي في الطبقة تحتها ، وهكذا تتابعها ، وليس فيه من الماء إلا الماء الذي ينزل في آنية قضاء الحاجة لتنظيفها بعد الفراغ. فكنا نحتاج أن نصحب الماء معنا للوضوء. وفيه هناك كلفة من حيثية التحفظ على نظافة المحل. ولو كان الماء هناك في موضع آخر يوخد منه القدر المحتاج إليه ، وفاضله ينصرف في مصرف آخر ، لكان ذلك غاية المراد. والعذر لهم لأن ذلك ليس من عوائدهم. وغاية نظافتهم في ذلك المحل أنهم يمسحون النجاسة من مخرجهم بالكاغد ، وهو معد عندهم هناك مع زيف أبيض معلق أظنه للإستجمار. فالحمد لله على هذه الملة السمحاء. ورزقنا الله الثبات على سبيلها القويم ، وعدم الميل

__________________

(١) طول الفندق ٥٠ خطوة

تربيع البراح ١٢ خطوة

٣٨ ـ خطوة

عرض الساباط ٤ خطوة

٣٤ ـ خطوة

(٢) لم يتمكن الجعيدي من ذلك ، لأن أصحاب الفندق لم يسلمو له التصميم.


عن صراطها المستقيم.

٤٣ / كراء هذه الدار في السنة

وهذا الأوطيل الموصوف ، قيل إنه مكترى بخسة عشر ألف ريال في السنة ، وفيه من الرجال والنساء خلق كثير مكلفون بتلك الصالات التي به وبمن ينزل بها ، وبما يحتاج إليه. وفي كل صالة أيضا شيء كالمسمار ناتئ بأحد الجدران فمن احتاج لشيء يدفع ذلك المسمار إلى نحو الجدار ، فيسمع للناقوس نقرات (١) متتابعة ، فيسمعه المكلف بتلك الصالة ، فيأتي إليها سريعا ، ليتكلم معه فيما يحتاج إليه ، والعجب من ذلك فإنه إذا تكلم ناقوس يعرفونه ويقولون : هذا ناقوس صالة كذا في طبقة كذا لا يخطئه أصلا.

وفي مساء يوم الأحد (٢) الذي دخلنا فيه لمرسيلية بعد صلاة العصر أوتي إلينا بكدشين اثنين يجر كل واحد منهما فرسان بقصد الركوب فيهما للطواف ببعض زقاق البلد على عاداتهم ، بقصد الفرجة والانبساط ، وذلك من مزيد الاعتناء والبرور بما حصل لمتولي البلد (٣) بقدوم الباشدور. / من الفرح والسرور ، فنهضنا إلى العربتين أي الكدشين المذكورين ، فتقدم الباشدور إلى الكدش الأول وركب فيه وركب معه الترجمان الوارد معه من طنجة ، واسمه مونج الفرنصيص (٤) وركب الأمين

__________________

(١) يقصد المنبه أو الجرس.

(٢) ١١ جمادى الأولى عام ١٢٩٣ ه‍ / ٤ يونيو سنة ١٨٧٦ م.

(٣) الترجمان Scheffer أخبر وزارة الخارجية الفرنسية بباريس بوصول السفير الزبيدي إلى مرسيليا مرهق بالسفر ، ويرغب في الاستراحة بعض الوقت وزيارة أهم المرافق الصناعية بها ، وأنه لن يسافر حتى يوم الأربعاء ٧ يونيو ١٨٧٦.

M. A. E. F.) A. D (, CorresPondance Politique, Maroc, Volume 40, Folio 171.

مرسيليا في ٥ يونيو سنة ١٨٧٦ م.

(٤) ترجمته ستأتي فيما بعد.


وكاتبه في كدش آخر. وركب معه الفقيه السيد محمد المصوري (١) الطنجي ، وهو كاتب الباشدور نائب جنس الفرنصيص بطنجة ورد في صحبتنا منها مع الترجمان المذكور ، لقضاء أغراضهم.

بعض أوصاف مرسيلية

وصار صاحبا الكدشين يطوفان بنا بزقاق البلد وبأسواقها ، فنرى بأبواب (٢) حوانيتها من التحف البديعة والأثاث المستظرفة العجيبة ما لا يكاد يصفه قلم ولا لسان ، ولا تبقى به وبأوصافه عبارة إنسان ، وزقاقها في غاية التوسعة. فالمحج الوسط فيه أربعة طرق ، الغالب لمشي الكروصات والأكداش ، وعن يمينه ويساره طريقان آخران لمشي الراجلين من الذكور والإناث ، وعرض كل طريق / ٤٥ / من هذه الطرق الأربع أزيد من ثلاثة أذرع (٣) ، وقد يوجد ما هو أعرض من ذلك في بعض المواضع ، حتى أنه يكون في عرض طرق الراجلين نحو ستة أذرع وأزيد ، فيظهر من هذا أنه يمكن أن تكون مساحة طرقها تعدل المساحة التي فيها الديار وسائر الأبنية ، أو تقرب منها والله أعلم.

__________________

(١) محمي فرنسي كان يشغل منصب كاتب أهلي بالسفارة الفرنسية بطنجة ، حتى توفي قبل سنة ١٨٧٩ م ، ومما جاء في رسالة سلطانية «... هذا المصوري شأنه من قديم لا يسعى إلا في الإفساد بين الدولتين وفتح أبواب الشنآن وكم لفعله هذا من نظير ...». ٤ محرم ١٢٩٥ ه‍ / ٨ يناير ١٨٧٨ م نصها في : الوثائق الملكية ، ٤ : ٤٣٣. وقد كلف السلطان نائبه بطنجة بمخاطبة الفرنسيين «في إخراج المصوري المذكور من خدمتهم ، وإبعاده من طنجة ، إما بالانتقال إلى داخل الإيالة أو بنقله إلى مكان آخر لأن إبقاءه بطنجة لا يؤدي إلى خير» وذلك لأن «هذا المصوري شأنه هو هذا من قديم». الوثائق الملكية. ٤ : ٥٦ ، ولا سيما في الواقعة التي نشبت بين قنصل فرنسا بطنجة وباشا المدينة الجيلالي بن حمو سنة ١٨٧٨ م.

(٢) في الأصل حوانيتها بأبوابها والسياق يقتضي أن يكون العكس.

(٣) سبق قلم ـ ثلاث خطوات ـ.


ومع امتداد هذه الطرق أشجار مغروسة في غاية الارتفاع والخضرة مصطفة ، عندما يقرب من منتهى المحجين اللذين يمشي فيهما الراجلون ، فنراها مصطفة عن اليمين واليسار ، وذلك بقصد الزينة واستحسان المنظر. وبين كل شجرتين ست عشرة خطوة ، وبين كل شجرتين قطعة نحاسية قائمة مخروطة بخرط عجيب ، طولها نحو ثلاثة أذرع أو أزيد ، برأسها فنار كبير. شكله مستدير ، دائرته العليا أعظم من السفلى بكثير ، وهذه الفنارات توقد كلها ليلا ولا تنطفئ حتى يمضي من الليل نحو ثلاثة أرباعه ، / ٤٦ / لاشتغال أهل البلد بأمور دنياهم بالليل كاشتغالهم بها بالنهار ، وبعد الفجر بيسير يأتي أناس من رجالهم ، فيفتحون تفاجير (١) الماء عن اليمين واليسار بين ملتقى طرق الأكداش وطريقي الراجلين ، فترى الماء يجري في الحدين المذكورين ، يحده من جهة طريق الراجلين الرافد المرصف هناك ، ومن جهة طرق الأكداش الانحداب الذي في الطرق ، ليلا ينبسط الماء من الجهتين إذا كانت طريق الأكداش منبسطة ، فيتلاقى ببعضه البعض فيكثر الوحل في ذلك الطريق. وعند تفجير الماء واتصال بعضه ببعض يأخذ البعض من الناس المذكورين في تشطيب سائر الطرق. وآخرون وراءهم يجمعون ما يشطبونه ، ويجعلونه في الكروصات ، ويرمونه في مواضعه المعروفة عندهم. وهذا الذي يجمع من التشطيب إنما هو روث الخيل التي تجر الأكداش والكروصات مع شيء من غبرة الأرض. فإياك أن تتوهم / ٤٧ / أنها أزبال ترمى في وسط الطريق ، كلا ما رأينا شيئا من ذلك ، فإذا رفعت تلك الأزبال أخذ أناس آخرون يرشون تلك الطرق كلها رشا معتدلا ، لا كثيرا ولا قليلا ، تمهيدا وركضا لغبرة الأرض ، وما ذكرناه من الأشجار والفنارات والنظافة هو ليس خاصا بطريق واحد أو عدة طرق ، بل الطرق كلها كذلك ، إلا النادر منها في أطراف البلد ، وديارها جلها من أربع طبقات وتنتهي إلى سبع طبقات (٢) ، وسراجيمها مفتوحة إلى الطرق وطولها على طول ارتفاع تلك الصالات ، وبين السرجم والسرجم من البناء مثل

__________________

(١) يقصد المضخات المائية.

(٢) نظرا لشدة المنافسة بين القطاع الثاني والثالث داخل المدن ، ترتفع أثمنة الأرض فيتم اللجوء إلى البناء العمودي ، من أجل أن تكون المردودية أحسن.


عرض السرجم أو أزيد بقليل ، وإذا فتح السرجم تكون أرض الصالات مستوية مع أرض سقف (١) خارج عن السرجم بنحو ذراعين ، يحدها ـ أي الأرض ـ دربوز حديد في غاية الإتقان ، ممتد مع امتداد سراجيم الصالات كلها ، أو مع امتداد عرض الدار ، فيعلم عدد طبقات الدار بعدد السراجيم المرتفع / ٤٨ / بعضها فوق بعض ، وحدود السراجيم الخارجة للطرق بارزة عن الجدار بالراقد المنجور ، ونجره في غاية اللطافة والإتقان ، وفوق كل باب سرجم قوس بديع الشكل مرونق ، وفوق قسي أبواب السراجم مادة تعرف في عرف البنائين بالسبنية ، بها توريق رفيع ، تكفيف لطيف ، والبناء جله بالراقد ، ويتركونه على أصله ، ولونه رمادي مفتوح ، وبواطن الصالات أفضل من ظاهرها لأن ما بين السرجمين أو بعض الجدران من داخل الصالة إما أن يجعلوا له طلاءا أبيض أو يجلدونه بالكاغط المورق المزخرف.

وحيث ركبنا في الوقت المذكور ، بقي يطوف بنا صاحبا الكدشين المذكورين نحو ساعتين إلى أن غربت الشمس ، فرأينا في بعض تلك الطرق زيادة على ما ذكر من التصاوير الثابتة في بعض الجدران شيئا كثيرا ، منها ما هو على صورة الآدمي ، ومنه ما هو رافع يديه إلى شيء فوق رأسه كلحية سارية بني عليها / ٤٩ / ما فوقه ، وكأنه حامل لما فوقه. فما أعظم كربته ، وأخسر صفقته! ومنها ما هو على غير ذلك من الصفات والأحوال. ومن الصور ما هو على صورة الأسود كاشرة أنيابها ، شائلة أذنابها ، ومنها ما هو على صفة البقر وغير ذلك من الصور المستغربة ، والتماثيل المستعذبة في زيهم وعاداتهم.

وفي يوم الاثنين (٢) الثاني عشر من جمادى الأولى المذكورة بعد صلاة العصر ، أوتي إلينا بكدشين آخرين ، فركبنا كما ذكرنا قبل ، وصار بنا إلى ناحية أخرى من البلد ، فوجدناها مثل الناحية التي طفنا بها بالأمس في البناء والطرق والأشجار

__________________

(١) يقصد الشرفة (البالكون) التي تميز النمط المعماري الأوربي الحديث المفتوح على الخارج بدل الداخل كما كان سائدا في المغرب

(٢) ٥ يونيو سنة ١٨٧٦ م.


والفنارات والحوانيت والتحف ، وكنت أرى شيئا مبنيا بالطرق على هيئة المعدة (١) مخروط الشكل ، قطر دوره أزيد من ذراع ، فوقه قبيبة ، وارتفاعه نحو خمسة أذرع ، له بويب مفتوح ، وهو متعدد في الطرق ، فسألت عنه ، فقيل : إن تلك مواضع العساسة (٢) من العسكر ، فوجدته كذلك لأن بقربه عسكريا (٣) / ٥٠ / واحدا أو أكثر في بعض المواضيع.

هيئة رأس الماء الجاري عليها

ثم انتهى بنا صاحبا الكدشين إلى رأس الماء اداخل للبلد ، وليس هو خارجا عنها بل في طرفيها ، فرأيناه من بعد يخرج من بين حجرين ، ومواضع خروجه متعددة متصل بعضها ببعض ، وفيها تحديب حتى صار جميع الماء الخارج بانضمامه كأنه نصف دائرة ، قطرها أظنه يزيد على نحو خمس عشرة قالة (٤). ذ فتأمل في خيالك هذه النظرة العجيبة عند انصباب الماء على تلك الحالة منحدرا إلى الأسفل (٥) ، لأنه مرتفع في ربوة ، وينزل هذا الماء في صهريج أسفله يحده. منه ـ والله أعلم ـ يتفرق على البلد وهو أحد الأنهار الداخلة إلى البلد (٦) ، وحين وصولنا إليه رأينا عليه قبة

__________________

(١) انظر شرحها في الملحق رقم : ٤.

(٢) نفس الملحق : ٤.

(٣) في الأصل عسكر واحد ـ خطأ ـ.

(٤) في الأصل خمسة عشرة قالة ـ خطأ ـ.

(٥) تكملة بطرة الصفحة أدرجتها في مكانها بين نجمتين* ...*.

(٦) قناة مرسيلياMarseille de Canalالتي تم تشييدها ما بين ١٨٣٧ و١٨٤٨ م ، طولها حوالي ٨٣ كلم منها ١٦ كلم تحت الأرض ، تنبع من نهر لاديرانس durance La أحد روافد نهر الرون. وتنتهي عند قصر الماء Le château d'eau الذي يصل علوه ٣٩ مترا وينزل منه الماء إلى صهاريج اصطناعية تزود المدينة بالماء الصالح للشرب بمعدل ٠٠٠. ٩ لتر في الثانية ، وتسقى به الأراضي الفلاحية والمنتزهات القريبة منه. Encycloedie. N”٢٣. p. ٣٠٨.  Grande La


مبنية مرتفعة على سوار ، فوقها تصاوير منها رجل عظيم الخلق ، في أحد طرفي القبة خارجا عنها بيده شيء كالبوق وكأنه ينفخ فيه ملتفتا (١) إلى يساره لناحية الجنوب ، وآخر مثله ملتفت ببوقه في فيه ، ماسكه بيده إلى ناحية الشمال ، وبينهما صور ثيران باركة ، نحو أربع صور في مواضع بقرب القبة أسفل هذه الصور ، / ٥١ / صور أسود عديدة كاشرة أنيابها كما تقدم تحت كل أسد صورة ثور. والأسد إحدى يديه موضوعة على الثور والأخرى على المحل الذي هو به ، ثم رأينا صاحب السر المذكور حيث رأى تلك القبة وخروج الماء من أسفلها على تلك الصفة ـ خرج من الكدش قاصدا الصعود إلى تلك القبة ، فتبعنا أثره فوجدنا لها معارج عن اليمين واليسار ، ابتداؤها معكوف كأنه نصف دائرة ، سببه ـ والله أعلم ـ هو ارتفاع القبة وضيق المساحة التي بينها وبين الطريق الممرور عليه. فلولا انعكافها لكانت الدرج مرتفعة غير منبسطة وبانعكافها صارت منبسطة ، فارتقينا فيها إلى القبة فأشرفنا على الماء الجاري الذي يخرج من تحتها وهو واد عظيم (٢) عريض غاية. ووجدنا هذه القبة من ناحية ذلك الوادي محملة على خمس سوار ، وفي رأس كل سارية صورة رأس آدمي فوق رأسه لحية حجر منجورة ، كاللحية التي تكون / ٥٢ / فوق السارية التي يبنى عليها ، والقبة مرفوعة فوق هذه الرؤوس التي تقدم لها هذا العذاب الأليم في دار الدنيا ، فكيف بها بدار المقيم. ورأينا بحافتي النهر المذكور عراصي (٣) قابلنا منها من جهتنا أشجار متصل بعضها ببعض ، مخضرة أوراقها كأنها هي الزرب ، ومنها إلى نواحي الطرق بمقدار ثلاثة أذرع كالسياج لكنه منحدر غاية ، وقد غرس في ترابه من النوار المختلفة الألوان والأشكال ، كل لون في محل يناسبه. فتخاله كزربية بديعة التزويق في غاية التنميق ، والصبيان يمرون بها مع أمهاتهم ، ولا ترى واحدا ينزع شيئا من تلك النوار ، وإنما يتركون ذلك تحسينا للنظر ومصلحة للبصر. وبعض العراصي

__________________

(١) في الأصل ملتفة : ـ خطأ ـ.

(٢) يقصد قناة مرسيليا Marseille Canal (نفس المرجع السابق).

(٣) انظر شرحها في الملحق رقم : ٤.


رأينا بها جدرانا محيطة (١) بها أطول من القامة. وليس فيها شيء يؤذي. وبعض العراصي بأعلا جدرانها قطع الزاج متقارب بعضها من بعض ، بحيث لا يمكن لأحد الصعود إلى أعلا الجدار ، وانظر ما سبب ذلك ، لأننا كما ذكرنا رأينا / بعض العراصي زربها هو تلك النوار التي تقدم وصفها ، وبعضها لها جدار لا زاج فيه ، وبعضها مرصف بالزاج مع أن هذه العراصي في طريق واحد ، وحيث انتهينا إلى هذا المحل رجع بنا صاحبا الكدشين إلى أوطيل نزولنا على طريق أخرى ، فرأينا فيه أسواقا وحوانيت وطرقا كالطرق الموصوفة ، حتى انتهى بنا إلى محل النزول.

فابريكة صنع السكر القالب

وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى (٢) المذكور أوتي إلينا بكدشين أيضا بقصد المسير إلى رؤية مكينة صنع السكر القالب ، فركبنا فيهما كل بمرتبته كما تقدم بعد صلاة العصر ، وسرنا في طريق آخر فوجدنا ، مثل الطريق المرصوف ، حتى انتهينا إلى دار تلك المكينة ، فرأينا بأسفلها العجب العجاب ، ما يتحير فيه الدهاة من أولى الألباب ، فما أكثر ما هناك من النواعير التي تدور واختلافها صغرا وكبرا على نسبها المقرر عندهم المشهور ، والنواعير السفلى بدورانها تدور نواعيرا أخرى ، / ٥٤ / في الطبقة فوقها والرباط بينهما شيء كالحزام ولعله من القنب ، محيط بحرف بعض الرحي السفلى ، وارتفع إلى الرحي العليا فالتوى بحرفها الأعلى كالحيط الذي على ناعورة الشراط الممتد منها إلى فلك مغزلها. وهناك آلات حديد متفاوتة في القدر والشكل. منها ما تراه يتحرك يمينا ويسارا ، ومنها ما يكون تحركه من الأعلى إلى

__________________

(١) في الأصل جدران محيط ـ خطأ ـ ويقصد تسييج الأراض الفلاحية عوض الأراض المفتوحة.

(٢) ٦ يونيو سنة ١٨٧٦ م.


الأدنى ارتفاعا وانخفاضا. ولم أقف على أصل الحركة الأولى (١) التي ينشأ عنها سائر الحركات.

ثم صعدنا إلى طبقة فوق هذه ، فوجدنا في التي فوقها طناجير عديدة عظيمة قطر دائرتها يقرب من خمسة أذرع ، والنار توقد تحتها ، وفيها شيء ذائب (٢) يغلي ويضطرب من شدة النار التي تحته ، وحول كل طنجير براميل عظيمة ، تسع أزيد من عشرة قناطير من السكر الغبراء ، وخناشي منها ، تدور عدة من الخدمة بذلك البرميل / ويزحلقونه عن محله شيئا فشيئا إلى أن يبقى بينه وبين الطنجير نحو طول البرميل ، فيفرغونه فيه حتى يقلب فمه على فم الطنجير (٣) على أعواد ثابتة عليه ، وما يتساقط من السكر حول الطنجير يجمع ويلقى فيه ، وأوتي بشيء من ذلك الماء

__________________

(١) في الهامش طرة من إنشاء المؤرخ محمد بن علي الدكالي السلاوي (١٨٦٨ ـ ١٩٤٥ م) صاحب «الإتحاف الوجيز تاريخ العدوتين» نشرته الخزانة العلمية الصبيحية بسلا سنة ١٩٨٥ م و١٩٩٦ م.

«هي قوة البخار الذي ينشأ من سجن الماء الحار الشديد الغليان ، كما شاهدنا ذلك مباشرة قاله مقيده محمد بن علي سامحه الله».

(٢) لم يقف صاحب الرحلة على المراحل الأولى لعملية تصفية السكر من الشمندر. وهي باختصار :

١ ـ يغسل الشمنذر بتيار مائي قوي لإزالة الأحجار والأعشاب.

٢ ـ يقطع على شكل شرائح صغيرة ويخلط مع ماء ساخن ، فنحصل على عصير سكري خام.

٣ ـ يخضع هذا العصير لعملية فيزيائية ، ـ كيميائية بواسطة لبن الجيرCao وثاني أوكسيد الكربون Co ٢ لإزالة أكبر كمية ممكنة من الشوائب.

٤ ـ يسخن العصير حيث تتبخر كمية معينة من الماء نسبتها المئوية حوالي ٧٥% وبذلك نحصل على عصير سكري مركز ، وهذه المرحلة الرابعة هي التي وقف عليها الجعيدي.

La Bettrave Sucriere. EncycloPedie Agricole Pratique) AGRI ـ NATHAVN (, Nouvelle Li ـ brairie France, 1987 ISEN, P. 5. 7. 9.

(٣) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.


الذي يطبخ في الطنجير (١) في كأس زجاج ، فإذا هو أحمر يضرب إلى السواد ، ثم ارتقينا طبقة أخرى وجدنا فيها طناجير كذلك وخدمة أيضا ، وأوتي بشيء من ماء هذه الطناجير ، فإذا هو أحمر إلى لون الأتاي ، والغبراء التي تصفى من هذه الطناجير أبيض من التي تحتها ، والتي بالطبقة الرابعة أصفى من الثالثة وهكذا. ولم أثبت على عدد الطبقات لأن في كل طبقة نارا عظيمة ومكينات تدور كما وصفنا ، بل وأعظم بكثير ، ومن شدة النار ضاق صدري أن أرجع وأخرج. فلم أثبت على الطريق التي دخلنا منها لتشابه / الطرق وتماثلها إلى أن وصلنا إلى الماء الذي يجعل في القوالب ، فوجدنا ناعورة معلقة كبيرة تدور دوران الجرارة وعليها سلاسيل حديد تنزل في حفرة كالبئر ، وهذه السلاسيل النازلة في هذه الحفرة بدوران ناعورتها تمسك القوالب الفارغة التي يفرغ فيها السكر ، وهي متتابعة بعضها فوق بعض على هيئة طونس السانية (٢). لكن القوالب ليست مربوطة في السلاسل ، وإنما فيها فرج يترك الواقف منها فرجة فارغة ، ويجعل في التي تليها قالبا فارغا ، فينزل في السلسلة إلى تلك الحفرة ، فتطلع عامرة من الجهة الأخرى ، وهناك رجل آخر يرصد طلوع القالب العامر ، فينزعه ويناوله لآخر ، فيضعه في حفرة تمسكه في مكان متسع غاية ، مملوء بالقوالب التي تملأ من تلك الحفرة فتبقى هناك زمنا (٣) حتى تجمد فعند ذلك يصب في كل قالب ماء أبيض ، يقرب من لون الحليب ، مقدار نصف أصبع ، يقال إ هذا الماء هو الذي يصفي لون القالب حتى يصير أبيض كما / يرى ، وانظر من أي شيء هو (٤) ذلك الماء المتخذ للتصفية. وعندما تجمد هذه القوالب وتبيض يبقى

__________________

(١) عملية البلورة وهي الخامسة والأخيرة ، وتتلخص في تركيز العصير المركز إلى درجة تسمح بتحويل جزئيات السكروز المذابة في العصير إلى بلورات سكرية.

La Bettr ave Sucriere, EncycloPedie Agricole Pratique) AGRI ـ NATHAN (, P. 7.

(٢) نفس الملحق : ٤.

(٣) في الأصل زمانا ـ خطأ ـ.

(٤) لعله يقصد البذرة وهي خليط من السكر المطحون مع الكحول ، يضاف بقدر معين إلى البلورات السكرية وبذلك نحصل على بلورات السكر الخالص.

La Bettr ave Sucriere, EncycloPedie Agricole Pratique) AGRI ـ NATHAN (, P. ٩.


برأس القالب أقل من شبر زروقة ، كأن هناك ماء ، فعند ذلك تنقل تلك القوالب إلى محل آخر كمحلها المذكور ، ويوضع كل قالب في حفرته لتصفية تلك المائية الباقية فيه ، لأن في أسفل كل حفرة إما تقبة أو تقب تنشف القالب ولا تبقي به شيئا من المائية والزرقة ، ونزع منها قالب بمحضرنا فخرج من حفرته صوت يصفر ولم يخرج منه ريح. وهذا كله وكبير المكينة أمامنا يطوف بنا فيها ، ويطلعنا على أطوار السكر طورا بعد طور ، حتى أتى بنا إلى محل تخرج منه القوالب التي تم تيبيسها وتصفيتها ، فوجدنا هناك خدمة عديدة ، وقوالب من السكر مرصفة بعضها فوق بعض كالجبال ، وأكثرها القوالب التي من نحو ربع قنطار في القالب ، وأقلها وأضعفها قوالب صغيرة هي التي تأتي إلى الغرب (١). وهؤلاء الخدمة كل اثنين متقابل على مائدة بينهما يمسك كل / ٥٨ / واحد منهما قالبا من يد الآخر ، ويضعه بين يديه فوق رزمة الكاغد المعد للفّه فيه ، فيلفّه في كاغدين كأسرع ما يكون ، وأمام كل واحد منهما متعلمان (٢) يشدان القوالب في الخيط بحيث يلف قالبين في الكاغد ، يشدها بالخيط المتعلمان اللذان أمامه ، فيمسكه آخران يناولانه لغيرهما حتى يصل لمحل وضعه.

__________________

(١) ذكر محمد المامون بن عمر بن الطائع الكتاني الحسني في مخطوطه «هداية الضال المشتغل بالقيل والقال» «... ولما ظهر وقت الأمير سيدي محمد بن عبد الله ... وقع وقتئذ اضطراب كثير وخلاف شهير فمن يحل ومن يحرم ـ السكر ـ ولقد أرسل ولد الأمير المذكور وهو السلطان أبو داود سليمان من يوثق بدينه وعلمه ... وحكمه حتى وقف على عينءالاته وماهية صنعه ، ورجع فأخبر بطهارة أصله وإباحة فرعه ... إنما حرم ما عدا الجامد منه ، وهو ما يعرف بسكار القالب ، وأما غبرته المعروفة بلباته فلا ...». خ. العامة بالرباط ، رقم ٣٢٠ ك ، ص ١٣٣ ـ ١٤٥.

وقد تزايد استيراد المغرب لهذه المادة أواخر القرن التاسع عشر ، كما يدل على ذلك الجدول التالي:

١٨٧١ م

 ١٤٤. ٨٩٥. ١ كيلو ـ ٧٢٠. ٩٨٠. ١ بالفرنك

١٨٧٦ م

 ٠٨٨. ٤٥٨. ٢ كيلو ـ ٥٤٠. ٧٦٤. ٢ بالفرنك

١٨٧٧ م

 ٧٠٢. ٢٧٣. ٣ كيلو ـ ٧٧٩. ٤٩٠. ٣ بالفرنك

Miege, Le Marc et l'EuroPe, Tome, 3: 274. 249.

(٢) في الأصل متعلمين ـ خطأ ـ.


نشر قوالب السكر وتقريضها

ثم أوتي بنا إلى محل آخر فيه خلق كثير من النساء والرجال ينشرون القالب الكبير من السكر كما ينشر العود حتى يصير القالب الواحد مثلثة على هيئة المثلث ، وكيفية نشره أن الرجال المكلفين بالنشر جالسون (١) على الشوالي وأمام كل واحد منهم بقربه ناعورة تدور دورانا سريعا حرفها كالمنشار والله أعلم. وهي على قدر ناعورة الشراط ، من حديد مهند رقيقة كرقة المنشار. هكذا ظهر لي بحسب الأمارات الدالة على ذلك ، فيعمد هذا الرجل المقابل للناعورة فيمسك رأسه بيديه ، فيجعل طرف القالب من جهة قعره متصلا بتلك الناعورة ، أي بحرفها ، ويدفعه إليها دفعة واحدة ، فتقطعه الناعورة / ٥٩ / وعند ذلك يكون متعلم قبالته ، والناعورة بينهما ، فاللوحة التي تنفصل من القالب أولا هي أصغر ألواحه ، يتلقاها حين النشر ذلك المتعلم ، والباقي من القالب بيد صاحب الناعورة ، فيعيد عمله بأن يقدم قعر القالب إلى الناعورة ، ويدفعه إليها فتشقه أيضا فتنفصل منه لوحة أخرى أكبر من الأولى فيتلقاها المتعلم أيضا وهكذا ثالثا ورابعا وخامسا وهلم جرا حتى يتم القالب. وغلظ اللوحات بقدر واحد غير مختلف لما ستعلمه بعد بحول الله.

ثم إن هذا المتعلم حين يتلقى اللوحة المنفصلة من القالب يدفعها عاجلا من غير تراخ لرجل آخر ، عن يمينه صاحب ناعورة النشر أو يساره جالس كجلسة صاحب الناعورة. فيقبض تلك اللوحة من السكر من المتعلم ، وينشرها على طولها نشرا مستويا خطوطه ، بحيث يدفعها إلى نواعير صغيرة تدور كأسرع ما يكون ، فتخرج تلك اللوحة مقسومة طولا قسمة مستوية ، كل قسمة منها كالفتقية مربعة ، ثم تأتي متعلمة أخرى وتأخذ / ٦٠ / تلك الفتاقي ، وتدفعها شيئا فشيئا لمتعلمة أخرى جالسة على كرسي ، وأمامها مكينة صغيرة تقرض بها تلك الفتاقي من السكر تقريضا مستويا بسرعة ، والمكينة تخدمها بيد واحدة ، ويدها الأخرى تناول بها الفتقية إلى المكينة ، بحيث تدخلها في فرجة وهي تحرك يد المكينة ، فتخرج الفتقية مقسومة

__________________

(١) في الأصل جالسين ـ خطأ ـ.


بمربعات صغيرة (١) ومع هذا تخرج الفتقية مقسومة كما قلنا ، ومربعاتها يوالي بعضها بعضا على سمت (٢) واحد ، مصطفة ، فتأتي متعلمة أخرى فتدفع الفتقية بتمامها في دفعة واحدة جامعة يديها على طرفيها ، وتضعها في صندوق مبطن بكاغد الصرف لكي تزيل من كل فتقية المربعة الأخيرة التي تكون من ناحية رأس القالب لأنها لا تكون مربعة فتتركها. وهناك نحو مائة من المتعلمات ، ومعهن الرجال المشتغلون بالنشر المذكور ، ونواعير النشر كثيرة وإنما وصفت لكل منها كيفية نشر / ٦١ / قالب واحد ، والقوالب التي تنشر تجعل في الصناديق على الكيفية التي ذكرت ، ولا يسبق لفهمك أن تلك المربعات المستوية من السكر ترمى في الصناديق كيف ما تأتي ، بل توضع فيه مصطفة شيئا فوق شيء حتى تملأ الصناديق وتسمر ، وهذا السكر هو الذي يباع في مرسيلية وباريس للقهوة والأتاي وغيرهما. وأما تلك المربعات التي تترك من السكر لكسرها فإنها تجمع مع الغبرة التي تسقط حين النشر فيجمع بعضها إلى بعض لبانه ، هذا ما استحصرته من أوصاف تلك المكينة.

وأما الطناجير المعدة للطبخ ففي طولها اثنا عشر مترا. مقدار أربع وعشرين قالة (٣) غير شيء. وهناك كرات نحاس عظيمة (٤) قطر دائرتها العظمى أزيد من أربعة أذرع ، وآلات أخرى لا يسع بسطها قرطاس ، ولم تبق في قابلية إذ ذاك لا يمكن تتبعه والبحث فيه لسخونة المحل ، حتى أن بعض الخدمة يخدمون عراة عدا (٥) المآزر يأتزرون / ٦٢ / بها. وسئل عن الخدمة القائمين بخدمة هذه المكينة فقيل إنها تمانمائة من الرجال ومائة من الإناث ، والخدمة لا تفتر ولا تعطل أصلا ، وكل واحد يخدم

__________________

(١) في الأصل صغار ـ خطأ ـ.

(٢) في الأصل صمت ـ خطأ ـ.

(٣) ١٢ متر ـ ٢٤ قالة (بحكم أن القالة تساوي ٥١ سنتم).

١٢٠٠ سنتم – ٢٤ * ٥١ سنتم ـ ١٢٢٤ سنتم.

(٤) في الأصل كورات نحاس عظيمات ـ خطأ ـ.

(٥) في الأصل الميازير يقصد ما آزر جمع مئزرة أي الإزار وهو ما ستر الإنسان (منجد اللغة).


ثنتي عشرة ساعة. ويبدل بغيره. وسئل عن إقامة (١) المكينة ما ثمنها ، فقيل النحاس الذي بالطبقة السفلى ثمنه مائة ألف ريال ، فما بالك بما فوقها ، وسمعنا بأن حكيما هناك التزم على نفسه أن يخدم السكر القالب ويوجده في أربع وعشرين ساعة ، وأنه لا يضيف إليه شيئا مما يصفى به الآن ، فقيل له إن القائمين بخدمة المكينة الآن حيث يستوفون مدة كنطردتهم (٢) يكون الكلام في ذلك.

وسمعنا بأن بمرسيليا ثمان مكينات (٣) تخدم السكر مثل هذه. وحين هممنا بالرجوع وجدنا أنفسنا بنا من العرق كمن في بحر غرق. فطلب منا محل نجلس فيه بقصد الاستراحة مما جل بنا من التعب وكثير النصب. فأوتي بنا إلى صالة مستملحة ، وجدنا فيها شوالي ومائدة حلاوي والقهوة / ٦٣ / وبعض تلك الحلاوي معقودة على الثلج ، تناولنا شيئا منها فعن قريب استرحنا مما كنا نجده من العرق والتعب ، ثم خرجنا وركبنا الكدشين ورجعنا إلى محلنا بسلامة وعافية والحمد لله ، وقد قام كبير (٤) مرسيلية بضيافتنا مدة

__________________

(١) انظر شرحها في الملحق رقم : ٤.

(٢) نفس الملحق : ٤.

(٣) منذ ١٨١١ م شجع الإمبراطور الفرنسي المزارعين على تطوير ونشر زراعة الشمندر ، وبالتالي تزايد عدد مصانع إنتاج السكر في حدود سنة ١٨٣٠ م أصبحت لفرنسا ٦٠٠ معمل تصفي ٠٠٠ ، ١٠ طن من السكر ، وقد تضاعف هذا العدد عدة مرات ، وكانت مرسيليا تستأثر بحصة كبيرة بحكم مينائها المتوسطي.

La Bettrave Sucriere, EncycloPedie Agricole Pratique) AGRI ـ NATHAN (, P. 9.

(٤) أخبر حاكم مرسيليا وزارة الداخلية بباريس ، أن السكرتير الأول بالسفارة المغربية سلم لهم ٥٠٠٠ فرنك ليفرقها على مساكين المدينة ، وأنه يستعد لإرسال الخيل القادمة من المغرب بسرعة إلى باريس. مرسيليا في ٦ يونيو سنة ١٨٧٦ م.

M. A. E. F.) A. D (, CorresPondance Politique, Maroc, Volume 40 , Folio 1731.


الإقامة (١) بها أتم قيام وأحسن غاية الإحسان ، كثر الله ماله وولده ذو أطال عمر مولانا أمير المؤمنين في عافية وسلامة ، وجعله ممن شيد أركان السنة والدين على أساس الحفظ وكمال الرعاية بمنه جل جلاله (٢) وأطال عمره في حياة الدنيا في سلام وعافية.

الخروج إلى باريس

وفي يوم الأربعاء رابع عشر جمادى المذكور (٣). قبل العصر توجهنا لطريق الحديد بقصد الرحيل لقاعدة باريس ، ذات الحسن الفريد ، الجامعة لما تشتهيه النفس في الأرض على وجه ما تحب وتريد ، إذ هي كما قيل جنة الدنيا بلا منازع ، ومأوى الحكماء والعقلاء والنبلاء بلا معارض فإليها تصبو نفوس العشاق ، ويحن لوطنها قلب المشتاق ، وقلت فيها مخاطبا لها ومنبها لمن عنها قد لها :

__________________

(١) أقام السفير المغربي بمرسيليا أربعة أيام تبرع خلالها بمبالغ مالية مهمة كالتالي :

+ لرئيس المركب الحربي المقل للسفارة من طنجة إلى مرسيليا وعلى البحارة بها

 ٥٠٠٠ فرنك

+ ولأصحاب الموسيقى عند النزول بمرسيليا

١٠٠ فرنك

+ ولأصحاب حاكم مرسيليا عند زيارة السفير له

٦٠٠ فرنك

+ لضعفاء مرسيليا.

 ٠٠٠ ، ٥ فرنك

+ وللخدمة بمحل النزول (الفندق)

٠٠٠ ، ١ فرنك

+ وللعسكر الملازم للسفارة بمرسيليا

٥٠٠ فرنك

 

المجموع ـ ١٠٠ ، ١٣ فرنك

إتحاف أعلام الناس ، ابن زيدان ، ٢ : ٢٨٦.

لم يذكر الجعيدي كل هذه التبرعات ، وسيتبع هذه العادة خلال رحلته.

(٢) إستدراك بطرة الصفحة درجته في مكانه بين نجمتين* ...*.

(٣) ٧ يونيو سنة ١٨٧٦ م.


أباريس إن كانت على الأرض جنة

فأنت هي المأوى على رغم حاسد

فما تشتهيه النفس من كل رائق

كثير بها لكنه غير خالد

بعض أوصاف الطريق بينهما (١)

/ ٦٤ / فوصلنا إلى سكة تلك الطريق ، مع أحفل مرافق وأجل رفيق ، فجلسنا هنيئة بمقعد المكلف بالبابور ذي السعي المبرور ، والفضل المأثور ، وأظهر من المحبة والفرح ما انبسط به الصدر وانشرح ، ثم نودي للركوب ، وهيأ عربية (٢) أنيقة أجمل مركوب ، فصعدناها بعضنا بأقصاها وآخرون (٣) بأدناها ، ووجدنا بها سباطين مرتفعين وشيليتين كبيرتين وبها سراجم زاج بستور زرق ، ترسل عليها حين الاحتياج ، فجلس

__________________

(١) قبل أن يغادر السفير الزبيدي مرسيليا كتب إلى الحاجب السلطاني موسى بن أحمد يشرح ما قوبل به في هذا الثغر (لم يعثر عليها) فأجابه بما لفظه بعد الحمدلة والصلاة : «.. خديم سيدنا ... الحاج محمد الزبيدي أمنك الله ... وبعده ، فقد وصلنا كتابك وعلمنا وصولك لمرسيلية وما قوبلت به من الترحيب ... حسبما شرحت ، وأنك بصدد التوجه لباريس وطالعنا سيدنا أعزه الله مسطورك وصار على بال من جميع ما قررته ... ولا تغيب عنا خبرا بكل ما تجدد لديك ومهما انتقلت من محل إلى محل آخر ، فأخبرنا بذلك ولا بد ... والكتاب الشريف الذي تتوجه به لسلطانه النجليز ها هو يصلك على يد نائب سيدنا محمد بركاش وكذلك كتاب الطليان وعلى المحبة والسلام ٢٧ جمادى الأولى عام ١٢٩٣ ه‍».

إتحاف أعلام الناس ، ابن زيدان ، ٢ : ٢٨١.

لم يذكر الجعيدي في رحلته موضوع المراسلات التي كانت قائمة بين الزبيدي من جهة والحاجب السلطاني من جهة أخرى.

(٢) يقصد العربة.

(٣) في الأصل آخرين ـ خطأ ـ.


كل منا في محل يناسب مرتبته ، ويلائم مقداره ومنزلته. ثم أخذ البابور في السير بلا مشقة ولا ضير ، قاصدا سمته ، ما ماد ، ولا مال ، ونحن بين جنتين عن يمين وشمال ، والأنهار جارية ، وأشجار البساتين متقاربة لا متجافية ، والأنهار قارة تسير بمسيرنا ، وتارة تعارضنا فنشقها على قناطير بطريقنا وتارة تلقانا الجبال الشاهقة ، فترى الطريق تشقها كأنها دكتها صاعقة. وكم في الطريق من المدن والمداشر. / فيها فابريكات الصنائع ، وعجائب المفاخر ، وامتدت السكة على هذا المنهاج الذي فيه غاية السرور والابتهاج من البداية إلى النهاية ، بما فيه من المصالح فوق الكفاية ، إذ ليس ترى بعد الجبال اليسيرة والقرى ، إلا جنات تجري خلالها الأنهار ، أو مزارع وصفوف البلنز من الأشجار ، عن اليمين واليسار ، تروق المبصرين ، وتسر الناظرين ، هذه بعض أوصاف (١) هذه الطريق على سبيل الاختصار ، وليس ذلك مني محضر اختصار ، لأننا أدركنا الليل ، وجر علينا من النوم كجر السيل ، فحصل لي من الملل وموحيات الكسل ما هو مغروز في طباعي ، ولا قدرة به لساعدي وباعي ، وكأن الشأن في مسيرنا ودأبا في طريقنا كلما وصل البابور إلى مدينة ، يفق يسيرا لقانون مشهور، فيوتي لنا بما هناك من الأطعمة والأشربة ، مستلذة غير مطربة ، فنتناول منها شيئا يسيرا ، ومنا من يتزود منها قدرا كثيرا، فكانت النعم تصحبنا في السفر كما كنا نجدها في الحضر(٢).

__________________

(١) وقد وصف هذه الطريق الفقيه محمد الصفار التطواني في رحلته السفارية «رحلة إلى باريس ١٨٤٥ ـ ١٨٤٦ م» صحبة السفير أشعاش إلى فرنسا سنة ١٨٤٥ م ، مخطوط خ. م. رقم ١١٣ بالرباط.

«... وقد رأينا في طرقنا هذه ... إنهم جادون في عمارة الأرض بالبناء والغرس وغيره ، لا يسلكون في ذلك طريق التساهل ، ولا يصحبهم فيه تغافل ولا تكاسل ، فلا ترى عندهم شيئا من الأرض ضائعا أصلا ، ولا ترى عندهم خرابا ولا أرضا مواتا ، حتى إن الأرض التي ترابها رديء ، ينقلون لها التراب الجيد من أرض أخرى ، ويعطون لكل نوع من الأرض ما يستحقه ...». رحلة الصفار ، درستها وحققتها سوزان ميلار جامعة هرفارد ، وعرب الدراسة خالد بن الصغير ، سنة ١٩٩٥ م ، منشورات كلية الآداب بالرباط ، رقم٢.

(٢) بياض صفحتين كاملتين / ٦٦ / و/ ٧٦ /. المخطوط.


/ ٦٨ / فليس من سمع كمن رأى ، فهي غرة العاجلة بلا نكير ، وبهذا نبأتك ولكن لست بخبير ، فإن كنت من الأعيان ، فانهض إليها فليس الخبر كالعيان ، وإن كنت من العاجزين فاقنع بما أتيتك وكن من الشاكرين. وقد سبق أننا ركبنا في تلك الأكداش ، وكان ذلك على يد المخزن ، فصرنا فيها في طريق على سمت واحد خمسا وثلاثين دقيقة مجانية (١).

وصف الدار المعينة للنزول

فوصلنا إلى الدار التي عينت لنزولنا وهي دار عظيمة أعظم بكثير من دار مرسيلية ، إذ طولها مائتان وخمس وعشرون خطوة ، وعرضها مائة وخمسة وسبعون ، وقد اختلفت أوضاع طبقاتها الخمس بحسب المقاصد ، ولم أجد سبيلا لحصر شكلها وضبطه ، إذ فيها سبعمائة صالة كما قيل ، وطرق الطبقات متشابهة ، وأشكال الأبواب متماثلة ، حتى إني ذهبت مع الأمين ذات يوم للصالة التي بها أصحابنا لتفقد حال أحدهم كان شاكيا ، فوجدنا أحدهم من خدامهم في الطريق التي بها صالتهم متحيرا ، يريد من يرشده إليها بعد ما كان خرج منها قريبا لوطر. وله هناك نحو ثلاثة أيام ، والعذر له ، لأنه / ٦٩ / لا يعرف الحساب ليهتدي بها إلى رقم محلهم. ونحن نزلنا في الطبقة الثانية في صالات متعددة ، وهي أفضل بكثير من صالات أو طيل مرسيلية ، إذ الموائد التي توضع عليها الأطعمة والأشربة مساحة سطحها مورق بالتذهيب مع الألوان ، وأرجلها مرصعة بالصفر المورق ، وكم فيها من ماريو على هذه الصفات ، ومرآتها أكبر كثيرا من تلك المرآت ، وبشواليها تذهيب وصدف ، وفيها أواني عمل التينة ، يجعل لها مقعد متصل بها تقف عليه من الصفر وبحرفها من الأعلى كذلك ، وغير ذلك من الأثاث والتحف والثريات مما يطول وصفه.

__________________

(١) انظر الملحق رقم : ٤.


الحمّامات

ووجدنا في الطبقة الثالثة حمامات متعددة في محل واحد ، منها ما فيه الماء البارد فقط ومنها ما فيه البارد والحار ، لكل واحد مجاري تخصه ، فأما الذي فيه البارد فقط ففيه صهريج صغير ، في طوله نحو ثلاثة أذرع ، وعرضه نحو ذراع ونصف وبسقف هذا الصهريج جعبة نازلة منه مسامتة لوسطه بحيث تكون فوق رأس الواقف فيه / ٧٠ / في وسطه ، وبرأس هذه الجعبة آنية على هيئة المكب الصغير ، وهي من بعض المعادن ، أضيقها متصل بالجعبة وأعرضها نازل إلى ناحية الصهريج. فإذا أخذت قنبة هناك بيدك وجذبتها إلى أسفل ينزل الماء في تلك الآنية فتلقاه ورقة ملصقة بمحيط الآنية ، وبها ثقب صغيرة ، فترى الماء ينزل منها كالمطر الغزير ، يقال إن ذلك يستعملونه لبعض المرضى ، والماء الذي ينزل في الصهريج ينصرف منه في مصرف الآخر ، وفي هذا المحل أيضا بويت صغير مستدير الشكل كهيئة البرميل الكبير ، أطول من قامة الإنسان بيسير ، وبداخله دوائر مجعوبة متصاعدة بعضها فوق بعض جلها ثقب ، فإذا جذب أيضا القنبة التي هناك ترى الماء يخرج من الثقب كلها ، كل جهة ترمي الماء إلى الجهة المقابلة لها ، وذلك من الأدوية عندهم كما قيل. وأما الذي فيه الماء الحار ففيه صهريج كالذي وصفته ، وفي أعلاه بزبوزان يجري لأحدهما الماء الحار وللآخر البارد فيوخذ منهما القدر المحتاج. / ٧١ / وهناك زيوف بيضاء وملابس كذلك إذا أحب الإنسان أن يلبسها أولا بعد الفراغ من الغسل فله ذلك بحيث ينزعها عند الخروج. فدع عنك الطمع ، وكن عاقلا وارفع همتك ، ولا تكن غافلا وخذ بحذرك ليلا يزدرى بقدرك ، وبهذا المحل حمامات عديدة كما سبق ، والسر فيه أنهم جعلوا لها في بيت واحد طنجيرا عظيما يجري منه الماء الحار إلى المواضع التي يحتاج إليه فيها. وفي هذه الحمامات سراجم كبيرة من زاج به طلاء ، بحيث يدخل الضوء مع وجوده إلى الحمام ويبقى الرجل به مستورا لا يرى ولا يرى ، وفي كل طبقة بيوت الخلاء ، كبيوت الخلاء التي بمرسيلية ، لكن بقربه متصلا به بيت آخر ، مستقل فيه الماء في بزبوز يوخذ منه القدر المحتاج. وكنا في مرسيلية في غاية الضيق من فقد الماء على هذه الحالة ، ووجدنا بقرب صالتنا قنوطا طويلا عريضا


مقبيا قريبا من قنوط مرسى العدوتين ، له أبواب عديدة ، ومرآة طويلة وسقفه مزخرف بالتمويه. بتوريق أنيق. ٧٢/ وحين وصلت في الكتابة إلى هذا المحل ، وذلك في الساعة السادسة من بكرة يوم الثلاثاء العشرين من جمادى الأولى المذكور (١) ، دخلت إلى هذا القنوط ، لكونه كان فارغا ليس فيه أحد إلا رجلان يكنسانه.

أوصاف هذه الصالات

فأخذت قلما من مكاتبهم الموضوعة هناك ، وقيدت بطرة الورقة (٢) يمنته بعض صفاته. أما طوله فخمس وخمسون خطوة متوسطة. وعرضه ثنتا عشرة خطوة ، وامتد مع طوله تربيعات سبع كأنها أبواب طول التربيعة إلى ناحية القبوة نحو سبعة أذرع ، وامتدادها أعني عرضها نحو خمسة أذرع ، وهذه التربيعة عمرت بورقات ثمان من زاج ، منها أربع كبيرة طولها نحو أربعة أذرع ونصف ، والعرض نحو ذراع ، والأربع الأخرى فوقها ، طولها نحو ذراع ونصف والعرض واحد. وفي الورقات المذكورة فتقيات

__________________

(١) بعد ما وصف Baignoire تكلم عن المراحيض التي تتوفر على محل الاستنجاءLavabo. ١٧ يونيو سنة ١٨٧٦ م.

(٢) ما قيده الجعيدي بطرة الورقة ، ويقصد بذلك شكل مطعم الفندق.

شيليات (كراسي)

١٠٠

موائد صغار

٤ وكبيرة ١

ثريات

 ٣

أبواب

 ٧ ومقابلتها ٧ طول التربيعات ٧ أذرع وعرضها ٥ أذرع

طولها

 ٥٥ خطوة

وعرضه

 ١٢ خطوة

ورقات الزاج

 ٨ ـ ٤ منها طولها ٥ ، ٤ أذرع وعرضها ١ ذراع.

 

٤ الباقية طولها ٥ ، ١ ذراع وعرضها ١.

انظر صورة أعضاء السفارة المغربية يتناولون طعام الغذاء بملحق الصور صفحة ٣.


عود المموه ، وفي كل باب نصف دائرة سطحها زاج ممسوك بالفتقيات كما ذكر ، وهذه التربيعات السبع التي كأنها أبواب تقابلها مثلها في الجهة الأخرى ، والغاربان / فيهما الزاج كما ذكر ، وبسقفه ثريات ثلاث. بالغاربين (١) مجانتان كبيرتان ، وفيه مائة شليه محيطه به مبطنة بالموبر الأحمر الرفيع منها نحو ثلاثين شلية كبيرة والباقي دونها ، وبوسطه مائدة كبيرة ممتدة مغطاة بالموبر محيط به ترييش حرير كبير من لونه ، وأربع موائد أصغر منها بالموبر أيضا ، كل اثنتين في طرف ، وبأرضه زربية على قدر طوله وعرضه ، وهو معد عندهم للأكل يأتي إليه التجار النازلون في صالات هذه الدار ، في وقت الفطور والغذاء. وفي الليل يكون معمورا ولا تسمع فيه كلاما ولا عتابا ولا ملاما ، وإنما ترى كل واحد جالسا على شليته يشرب الدخان وهو مشغول بكزيطته (٢). فما أعظم تولعهم بهذه الكزيطات! ولعلها عندهم من المفرحات المنشطات ، وإن كانت هذه من ذلك القبيل ، فصن نفسك عنها يا نبيل.

صائر هذه الدار وتحفها

وسئل عن قدر صائر هذه الدار التي بنيت به ، فقيل قدره ثمانية عشر مليونا من الإفرنك ، وفيها مليونان منه من التحف والأواني ، وتكرى بخمسة / عشر ألف

__________________

(١) مفردها الغارب وهو أعلى كل شيء ، جمعها غوراب (المنجد).

(٢) جمع كزيطةLa Gazetta أي الصحيفة أو الجريدة في العامية المغربية القديمة ، يقال أن بعض فقهاء المغرب الجامدين ألف في بداية القرن الرابع عشر الهجري ، كتابا سماه «الضرب بالزراويط على رأس من يقرأ الكوازيط». الأعلام ، ٣ : ١٨٣. غير أننا نجد في رحلة الصفار ما يوضح لنا وعي المغاربة بأهمية الصحيفة ، فبعد زيارته لدار إحدى الصحف الكبرى سجل لنا كيفية تكوينها وجمع أخبارها وطبعها وتوزيعها وطريقة الاشتراك فيها ، وموضوعات أبحاثها وفوائدها وعلاقاتها بالحكومة والشعب ، خاصة وأنها ظهرت بالشرق العربي منذ وقت مبكر. رحلة الصفار حققتها وترجمتها الباحثة الأمريكية Miller Susan Gilson جامعة كاليفورنيا سنة ١٩٩٢ م تحت عنوان «صدفة اللقا مع الجديد».


ريال في كل شهر.

بعض أوصاف باريس

وأما طرقها فهي أعرض بكثير من طرق مرسيلية ، والأشجار ممتدة معها من الجهتين ، والفنارات بينها مرفوعة على أعمدة من النحاس المخروط المورق. من أسفله عريض ، ثم يتناقص تدريجيا إلى أعلاه. وكنت أتعجب من استقامة تلك الأشجار بحيث لا ترى في أصولها شيئا من الاعوجاج ، حتى وقفت على العلة في ذلك في الأشجار الصغيرة ، وذلك أنهم يتخذون خشبة طويلة مستقيمة ولعلها تغرس في آن واحد حين غرس الشجرة ويربطونه معها ، ويجعلون حائلا رطبا بما يلي الشجرة ، وبأصولها دوائر حديد يوصل بعضها ببعض بقضبان منه ، ويبقى تحتها فضاء بينها وبين أصل الشجرة ، وانظر ما السر في ذلك ، وفي بعض الطرق أماكن في غاية التوسعة ، مغروسة كلها بالأشجار ، محدقة بألوان النوار ، وبين الأشجار شيليات ، فبعض هذه المواضع يتخذ للقهوة ، ويوجد مثله يتخذ أسواقا للخضر والنوار وغيرهما ، وتلقى في بعض الطرق خصات / لعلها من رخام أسود على كيفية عجيبة ، وذلك أن أصل الخصة يحيط به صور آدميين سود ، بين أرجلهم صورة حوت ، ينبع الماء من فيه ، يرمى أمامه ، وفوق هذه الصور بنحو ثلاثة أذرع بحسب ما يرى الرائي من بعد خصة مستديرة ، وفي وسطها بناء مرتفع على هيئة المظل ، ينبع الماء من رأسه ، وينزل في تلك الخصة. وأمام تلك الصور السفلية صور آدميين دائرين بتلك الصور ، بينهم بعد أمامهم وهم ماسكون شيئا بأيديهم قد ضموه إلى صدورهم ، والماء يخرج منه مرتفعا يرمى وراءهم إلى تلك الخصة التي فوقها المظل. ثم صهريج كبير مستدير محيط بالجميع ، وتتبع وصف ذلك كله يطول.

وفي اليوم الذي دخلنا فيه لباريس وهو يوم الخميس منتصف جمادى الأولى المذكور (١) بعدما نزلنا بتلك الديار ، قدم رجل من كبراء الدولة وهو قائد المشور عندهم

__________________

(١) يقصد الحدائق العمومية ومن أشهرها بباريس لوكسمبورغ. ٨ يونيو سنة ١٨٧٦ م.


إلى الباشدور صاحب السر المذكور ، وأخبره أن كبير دولتهم / ٧٦ / أرسله إليه يحمد الله تعالى لسلامته وعافيته ، وأنه يقول له : مرحبا بكم وبقدومكم ، وقد حصل له فرح وسرور بورودكم ، فأجابه بما يقتضيه المقام من حسن الخطاب ولين الكلام ثم أخبره أن كبير (١) الدولة يأذن له في الطلوع إلى دار المخزن عندهم في مساء غد ، يعني يوم الجعة (٢) ، فأخبره أن الخيل لا زالت بمرسيلية ، تأخرت هناك بإذن الطبيب بقصد الاستراحة ، وكيف تتأتى الملاقاة بذلك. فقال إن كبير الدولة يعلم بذلك ، ومقصوده بهذا الطلوع الاهتمام بكم ، ومزيد الاعتناء بجانبكم ، وحين ترد الخيل تطلعون بها مع الهدية ثانيا ، فوعده بالطلوع.

الخروج لملاقات عظيم دولتهم

وفي الساعة الرابعة من مساء يوم الجمعة المذكور ، وجه كبير الدولة كدشه الذي يركب فيه لصاحب السر المذكور ، وكدشين آخرين بقصد الطلوع والملاقاة معه ومع بعض خواص عسكره ، فتأنينا حتى دخل وقت صلاة العصر وصلينا ، ثم خرجنا

__________________

(١) رئيس الجمهورية الفرنسية ماك ماهون ـ,MAHON MAC Patrice Maurice  Edine من عائلة إرلندية الأصل ، استقال خلال ثورة يوليوز ١٨٣٠ م ، وحصل على عصا الماريشالية في واقعة ماجنتا (Mageanta ١٨٥٩ م الحملة الإيطالية). ثم عين عاملا على الجزائر من سنة ١٩٦٤ إلى ١٨٧٠ م ، أسر خلال مشاركته في الحرب الفرنسية الألمانية (٧٠ ـ ١٨٧١ م). وبعد فشل محاولة إعادة الملكية تمكن ماك ماهون سنة ١٨٧٣ م من رئاسة الجمهورية لمدة سبع سنوات بمساعدة الإئتلاف الملكي داخل الجمعية الوطنية ، فاختار أغلبية وزراءه من صفوف الملكيين ، وبعد أن أسفرت انتاخابات سنة ١٨٧٦ م على فوز الجمهوريين ، عمد ماك ماهون إلى حل البرلمان ، إلا أن انتخابات أكتوبر ١٨٧٧ م أعطت من جديد الأغلبية للجمهوريين ، وبذلك لم يبق للرئيس إلا أن يستسلم ويستقيل قبل نهاية يناير ١٨٧٩ م.

Dicitionnaire d'histoire Universelle, Bordas, P. 5311.

(٢)

Michel Mourre ,V ,1 ,Jean Pierre Delarge  8 يونيو سنة 1876م


فركب صاحب السر كدشه الخاص ، ومعه ترجمان الدولة وقائد المشور ، وركب / ٧٧ / الأمين وكاتبه في كدش آخر ، والمخازنية الخمسة في كديشين بعد ، وذلك بعدما لبسنا الكساوي التي أنعم بها مولانا علينا أنعم الله عليه بخر الدارين ، وتقبل عمله وبلغه قصده وأمله ، وهي لكل واحد قفطان عجمي ، وسروال وسلهام سكري من ملف البحر الكبير ، وفرجية وقميص بالحرير وقلنسوة ، وشقة حياتي ، وحايك فاسي رفيع. وللمخازنية مضمات جلد بالحرير ، ثم سرنا وصاحب السر أمامنا ، ونحن بعده إلى أن وصلنا لدار المخزن ، فدخلنا إلى المشور فوجدنا صفين من العسكر محيطين بجدرانه ، مع كل واحد آلة حربه ، فزدنا إلى القبة التي فيها كبير الدولة فارتقينا إليها في درج بين صفين من العسكر يمينا ويسارا ، لم أتحقق بوصف كساويهم لعدم الإلتفات إليهم إذ ذاك ، فدخل صاحب السر أولا وتبعه كاتبه وكان بيده الكتاب الشريف في غشائه من موبر مرقوم بالصقلي الذي صاحبه معه صاحب السر المذكور لكبير الدولة ، والأمين قريب منا والمخازنية / ٧٨ / الخمسة وراءنا ، فوجدنا كبير الدولة واقفا في وسط القبة ووزراؤه واقفون خلفه ، ورؤوسهم مكشوفة على عادة أدبهم. ونحن دخلنا على زينا وأجنحة سلاهمنا مرسلة. ثم إن صاحب السر كان أراد أن يتكلم دون ورقة بيده ، فكن طلب منه ترجمان الدولة قبل أن يكتبه في ورقة ويأخذ منه نسخة يعربها (١) ، وعند الملاقاة يقرأ تلك الورقة على كبير الدولة ، فيجيبه في ورقة يقرأها كذلك ، فقرأ تلك الورقة (٢) جهرا كبير الدولة ، فلما وصل إلى الكلام على

__________________

(١) يقصد ترجمتها إلى اللغة الفرنسية.

(٢) «... نعلمك أنه أيده الله مسرور بهذه المحبة الجديدة ... ويراعى حق الجوار ونجازيكم على لسانه ... بتوجيه سفيركم المسيو «طيسو» لتهنئته بالجلوس على سرير ملك أسلافه ... ونرجو أن نرجع من حضرتكم بما يزيد هاتين الدولتين رسوخا ... ونؤمل أن يوصي من يعينه للمفاوضة معنا في الأمور ... ويسهل طريق البلوغ إلى رفع الضرر الحاصل فيها ...». النص الكامل لخطبة الزبيدي. ابن زيدان ، إتحاف ، ٢ : ٢٨٢ ، ٢٨٣.


ذلك الكتاب الشريف (١) ، إلتفت إلى صاحب السر المذكور ، فناولته له باصطلاح ما تقدم ، فأخذه من يدي وناوله لكبير الدولة فأظهر به فرحا وتعظيما وناوله لوزير الأمور البرانية (٢) كان متأخرا عنه عن يمينه ، وعند تمام قراءة تلك الورقة عربها الترجمان لكبير الدولة ، بل قرأها ، وكانت عنده معربة. ثم أخرج كبير الدولة ورقة وقرأها (٣) كالسر بأدب وانخفاض رأس ، وضمنه ما تقدم / ٧٩ / من الترحيب والفرح والسرور. ثم خرجنا ووصف تلك القبة لم أحط به لعدم الالتفات لذلك. وإذا كانت الأماكن العامة على الصفة السابقة ، فكيف بقبة الأمير. فخرجنا ، فأخذ أصحاب الموسيقى في عملهم ثانيا حتى خرجنا من المشور ، ورجعنا إلى الدار.

وبنفس وصولنا إليها رجع قائد المشور ، وأخبرنا أن وزير الأمور البرانية يطلب منا الطلوع إلى داره في تلك الساعة ، فرجعنا ثانيا ، ودخلنا إلى القبة الثالثة ، فوجدناه واقفا فيها ومعه رجل آخر كاشفين رأسيهما وجرى بينهما كلام (٤) ببعض ما تقدم

__________________

(١) انظر نص هذه الرسالة السلطانية المؤرخة عام ١٢٩٢ ه‍ بالإتحاف ، ومما جاء فيها : «... فالمحقق عندنا أن تقابلوه ومن معه بما عودتهم المرة بعد المرة ... وتصدقوه فيما يذكره لكم من المصالح التي تعود بالخير على الإيالتين ... وتنظروا فيها بعين الإنصاف ... حتى يرجع مقضي الأوطار ...».

(٢) الدور ديكاز Decazes - Elie Charles Louis ولد بباريس (١٨١٩ ـ ١٨٨٦ م) شغل منصب وزارة الخارجية الفرنسية ما بين (١٨٧٣ و١٨٧٧ م) ، BordasUniverselle d'histoire Dictionnaire.

(٣) ومما جاء في جواب ماك ماهون «.. فالمرجو من سعادة السفير أن يعتبر اقتبال بلدنا وفرحها به دليلا مبينا لمحبتنا في الحضرة الشريفة ... وتجعلونه أقوى دليل لتسهيل ماموريتكم بما يعود بالمنفعة على الدولتين ...». (المرجع السابق).

(٤) قدم الزبيدي خلال لقائه الأول مع وزير خارجية فرنسا يوم الجمعة ٨ يونيو سنة ١٨٧٦ م ، ما تراه الدولة المغربية من حلول مناسبة للحد من تفاحش مشكلة الحماية القنصلية ـ نسبيا ـ المطلب الأول : محفظة سفارة الزبيدي (الوثائق الملكية ، عدد ٥ : ٦٢٨).

١ ـ قصر الحماية على المستخدمين مع القناصل ، وعلى السماسرة الذين يعملون مع التجار الأجانب ، على أن لا يتجاوز عدد المحميين منهم سمسارين لكل دار تجارية كبيرة.

٢ ـ قصر الحماية التي يمنحها القناصل على سكان الموانئ وحدهم دون أن تمد إلى سكان المدن الداخلية.


عند كبير الدولة ، وناولنا القهوة بتلك القبة ، ثم خرجنا من عنده فتبعه صاحب السر إلى باب القبو الأولى وأعلمه أنه يأتي إليه غدا. يعني يوم السبت (١) السابع عشر منه ، لكن لم يعين وقت المجيء. ثم عرض لهم مجلس في ذلك اليوم ، وتعذر عليه القدوم ، فوجه رجلا معتذرا عنه بسبب عدم مجيئه ، وأخبر أنه سيأتي في الساعة الأولى من يوم الأحد / الثامن عشر منه (٢). فقدم في تلك الساعة وجرى بينهما كلام بمضمن ما تقدم (٣) ، وأخبره أن كبير الدولة أمر بإنشاء فرجة مسابقة الخيل عندهم ، وذلك لأجل فرحه بقدومنا. وأن نطلع بقصد الفرجة فيها في تلك الساعة لمحلها.

فرجة المسابقة

فركبنا في الأكداش ، وصرنا إلى محل بطرف البلد متسع غاية. وإذا به خلق كثير

__________________

٣ ـ إلغاء صكوك الحماية التي منحها القناصل لبعض سكان الأرياف ، بحيث لا يجوز منح الحماية لمن يسكن في البادية.

كما سيأتي ملخصا في رسالة الزبيدي إلى الوزيرDecazes بتاريخ ٢٣ يونيو سنة ١٨٧٦ م أثناء استعداد السفارة لمغادرة باريس في اتخاه ابروكسيل.

المطلب الثاني : عرض فيه قضية الشرفاء العلويين ـ أولاد السلطان عبد الملك ابن إسماعيل المستقرين بقرية تيوت المغربية ، كان الاحتلال الفرنسي قد ألحقها بالجزائر بعد معركة إيسلي سنة ١٨٤٤ م.

(١) ١٠ يونيو سنة ١٨٧٦ م.

(٢) ١١ يونيو سنة ١٨٧٦ م.

(٣) خلال اللقاء الثاني أبدى الوزير دي كازي استعداد حكومته لإجابة المغرب إلى بعض مطالبه ، كما رفض الاستجابة لمطالب أخرى ، كعدم منح الحماية لسكان الأرياف ، رغم أن اتفاقية ابن ادريس ـ بيكلار تنص عليه ، فكتب السفير الزبيدي إلى بركاش يخبره بما جرى بينهما من حديث (هذه الرسالة مفقودة) لكن يوجد جوابه عنها ، وهو يتضمن خلاصة ما ورد فيها حسب الطرق المتبعة في مراسلات ذلك العهد. انظر نص هذا الكتاب إتحاف ، م. س ، ج ٢.


وجم غفير ، كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداع. فدخلنا إلى محل خاص لا يدخله إلا المأذونون لدخوله من أهل القرب والاختصاص (١). وفيه قبب مبنية مرتفعة. فطلعنا إلى إحدى القبب ، فوجدنا فيها بعض الناس من خواص الدولة ، وإذا بكبير الدولة معهم. فحين رأى الباشدور صاحب السر المذكور ، قام إليه ، ونزع ما كان على رأسه بشماله ، وصافحه باليمين ومرحب وما قصر في البشاشة والتعظيم ، ثم زاد معه إلى دربوز مشرف على تلك الخلائق ، ورجع إلينا حيث رآنا بقينا واقفين لم نتبعهما إلى المحل الذي زادا إليه ، وتكلم معنا / ٨١ / فقال لنا ترجمان كان هناك / : يقول لكم إن شئتم فادخلوا معه إلى ذلك المحل الذي دخل إليه الباشدور ، وإن شئتم فاصعدوا إلى القبة الفوقية ، فصعدنا إليها أدبا مع الباشدور ، لأن ذلك المحل كان معه فيه كبير الدولة وزوجته وبعض خواص الدولة ، وحين ارتقينا إلى الأعلى أشرفنا على جميع تلك الخلائق ، وهم على فرقتين ، فرقة في الجهة التي فيها قبة كبير الدولة ولا يدخلها إلا من يعطي قدرا موظفا للمخزن ، وهم نحو النصف من تلك الخلائق ، وامتدوا يمينا ويسارا ، والفرقة الأخرى في الجهة المقابلة لهم ، وهم لا وظيف عليهم ، وبين الفرقتين فضاء متسع ممتد بامتداد الفرقتين (٢). فيه تتسابق الخيل ، والعرف عندهم في هذه المسابقة أنه يخرج عدة من الفرسان ، ويشرعون في العدو في آن واحد حتى يصلوا علامة قبالة القبة التي كان فيها كبير الدولة ، ثم يستمرون على عدوهم وجريهم إلى منتهى الفرقة التي عن يمينهم فيرجعون ويلوون عن اليمين ، ويستمرون

__________________

(١) ابتداء من سنة ١٨١٤ م انتشرت مسابقات الفروسية بمجموع القارة الأوربية ، وكانت أنجلترا سباقة في هذا الميدان. وقد نظم نابليون الأول منذ سنة ١٨٠٧ م أولى مسابقات الخيول بفرنسا ، فأصبحت تقاليد هذا اللعب مع مرور الوقت تدخل المجتمع الفرنسي وتتطور تدريجيا بدعم من الدولة.

Grand Larousse EncycloPedique, L. Larousse, Tome 2, P.853.

(٢) حلبةChantilly لسباق الخيل افتتحت لأول مرة في ماي ١٨٣٤ م بحضور أزيد من ٠٠٠ ، ٣٠ متفرج. وأصبحت أهم حلبة بباريس ، تمتد على مدار بيضوي الشكل طوله ٣٢٠٠ متر. (نفس المرجع).


كذلك وهم يدورون / ٨٢ / بتلك الفرقة إلى أن يرجعوا (١) إلى المحل الذي كان منه ابتداء مسابقتهم ، ويستمرون كذلك حتى يصلوا إلى قبالة تلك العلامة ، قبالة كبير الدولة المذكورة. فمن سبق ووصل إليها أولا يقبض ستة آلاف ريال من المخزن ، ولعلها من الوظيف الذي يوخذ من الفرقة التي فيها قبة كبير الدولة. وقد وقعت المسابقة عندهم في ذلك اليوم بمحضرنا ثلاث مرات ، فحين كان يعزم أحد المتسابقين إلى تلك العلامة ، يسمع ضجيج عظيم من الفرقتين كأنهم يمدحون السابق ويسخرون ممن تأخر. وقد قيل إن مقدار ما قطعته الفرسان في جريها في المرة الثالثة هو واحد وعشرون مائة متر (٢). وكنت إذ ذاك أحاول ضبط ذلك القدر ، فرصدتهم حين الابتداء في المسابقة في المرة الثانية إلى أن وصلوا إلى العلامة ، فكان ما بين صدورهم عنها ورجوعهم إليها مقدار عشر دقائق. وذلك في المرة / ٨٣ / الثانية التي قيل فيها إنهم قطعوا في مسابقتهم اثنتين وثلاثين مائة متر. فانظر في ذلك لأنك إذا قسمت هذا العدد على ستمائة التي هي مقدار أجزاء العشر دقائق مدة مسابقتهم في هذه المرة الثانية ، كان مقدار ما ينوب الجزء الواحد من أجزاء الدقيقة الواحدة المجزءة إلى ستين جزءا هو خمسة مياتير وثلث ، وهي مقدار أحد عشر ذراعا عندنا تقريبا.

__________________

(١) في الأصل يرجعون ـ خطأ ـ.

(٢) في الهامش طرة من إنشاء نجله عبد القادر بن إدريس الجعيدي (١٨٨٠ ـ ١٨٥٨ م) حسب سجلات الحالة المدنية بسلا ، والذي حاول إصلاح ما ذكره والده من أن الخيل تقطع في الساعة الواحدة ـ ٣٣. ١٦ ميل. فسجل ما يلي :

والله أعلم. وكتبه نجله عبد القادر لطف ومتع برضاه آمين.


فتكون تلك الخيل قطعت في العشر دقائق على هذا ستة آلاف ذراع وستمائة ذراع ، هي مقدار ثلاثة أميال وثلث ميل تقريبا ، فعلى هذا تقطع الخيل في جريها في الساعة الواحدة بذلك الاعتبار ستة عشر ميلا وثلث ميل أيضا (١). فإذا جعلت تلك المياتير محيط دائرة كان تكسيرها مياتير ثمانمائة ألف ميتر ، وأربعة عشر ألف متر ، وتسعون مترا وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من المتر الواحد (٢) هكذا ٨١٤٠٩٠ م / ٨٤ / قطرها ألف متر وثمانية عشر مترا وزيادة ، وذلك قريب من ميل واحد ، والمحل الذي كانت فيه المسابقة كان بمرأى منا وأرضه مبسوطة ، وبينه وبين منتهى البصر بعد كثير ، لهذا استبعدت ما ذكر من عدد المياتير ٣٢٠٠ التي قيل إن الخيل قطعتها في المرة الثالثة. وعند انفصال هذه الفرجة ونزولنا من تلك القبة وجدنا كبير الدولة في سقف القبة الوسطى ، فتكلم مع الأمين المشار إليه كلاما عربه مترجمه بقوله : إن كبير الدولة عزم أن يجعل لكم عزومة ، يعني ضيافة ويحبكم أن تطلعوا لداره يوم الأربعاء (٣) قليلا. فقال له حبا وكرامة. ثم رجعنا إلى محلنا في الأكداش.

فابريكة أواني المعدن

في يوم الإثنين التاسع عشر (٤) منه ، ركبنا في أكداش المخزن أيضا في المساء حتى وصلنا إلى دار فابريكة صنع الأواني والأثاث المعدنية ، فوجدنا فيها خلقا كثيرا

__________________

(١) يقصد جائزةDiane التي تجري في مسافة ٢١٠٠ متر. وجائزةJockey ـ Club مسافتها ٢٤٠٠ متر المشهورتين. (EncycloP) G.Dictionnaire Larousse .

(٢) إذا راجعنا حساب مساحة هذه الدائرة (١٤ ، ٣ ـ) القطر ـ المحيط مقسوم على ١٤ ، ٣ ـ ١٠١٩ م. وعند الجعيدي القطر ـ ١٠١٨ م مساحة الدائرة ـ (الشعاع) ٢* ١٤ ، ٣ ـ ٦ ، ١١٢. ٨١٥ أكبر بقليل من المساحة التي ذكرها الجعيدي ـ ٠٩٠ ، ٨١٤ م. لاختلاف في تقدير نسبة

(٣) ١٤ يونيو سنة ١٨٧٦ م.

(٤) ١٢ يونيو سنة ١٨٧٦ م.


وأواني وأثاثا مختلفة الأشكال ، لا تكاد تحى ، / ٨٥ / فرأينا الأواني المستديرة كالصينيات وغيرها تدور في المخرطة ، وكذلك صينيات أتاي على شكل البيضة كذلك تدور في المخرطة ، غير أنها ليست مقبوضة في ناعورة المخرطة من الوسط ، بل من الطرف. وحين الخرط تراها ترتفع وتنزل فتخرج الدوائر التي بها على شكل البيضة موازية لها ، من غير انحراف ولا تفاوت ، مع أن شكل البيضة يحتاج في رسمه إلى عمل هندسي صعب المباشرة ، كما في الشكل العاشر من المقالة الثالثة من كتاب أوقليدس (١). وهذا من العجب والأمر المستغرب. وهذه الأواني أصلها نحاس أحمر كما شاهدنا. وكلها لها قوالب عديدة ، منها ما فيه نقش ، ومنها ما ليس فيه نقش. وعند فرغها تدفع لمن يمسحها ويصقلها ، ومن الأواني ما يكون مركبا من أجزاء ، كبعض براريد المعدن وغيرها. بعد فرغها ثم تضم أجزاؤها / ٨٦ / بعضها إلى بعض ، وتشد بالسلك ، وتوضع فوق مجمر كبير مملوء فحما ورجل يقابله ، وعن يمينه كير يمسك جعبته بشيء بيده ، ويقابله بتلك الآنية ، ويحرك خيطا عن يمينه فتخرج من فم تلك الجعبة نار زرقاء تلتهب ، ويرسلها على تلك الآنية التي فوق ذلك المجمر ، وعلى الفاخر الذي فيه ، فيدير لهبها على الآنية يمينا ويسارا ، فلم يكن غير هنيئة إلا وترى تلك الآنية تلتهب وبذلك تلتئم أجزاؤها.

__________________

(١) أقليدس الرياضي اليوناني المشهور بالهندسة ، ألف في علم الرياضيات عدة تآليف قد فقد أكثرها ، ومن أشهرها كتابه المعروف بأصول أقليدس أو كتاب أوقليدس ، وهو مقسوم إلى ١٥ كتابا على شكل موسوعة للفنون الرياضية ، ومع أنه ألف منذ ٢٣ قرنا لم يزل إلى الآن يعتبر دستورا لتلك الفنون ، وقد شرحه العرب في شروح كثيرة وصلت إلى أوربا بواسطة الترجمة إلى العربية.

دائرة المعارف ، المجلد ٤ : ٩٣.


صفة تذهيب بعضها

فإذا أرادوا صبغها بالمعدن (١) يأتون بها إلى صناديق من نحاس مملوء ماء ، طوله نحو ذراعين وعرضه نحو ذراع ونصف ، وعلوه كذلك. وهذه الصناديق هناك كثيرة غاية ، وعلى كل وجه صندوق فتقيات نحاس بها ثقب كثيرة ، معقود فيها خيوط من سلك نحاس ، فيعقد في أطرافها الآخر الأواني ، وترسل في ذلك الماء الذي في الصندوق. وهذه الفتقيات الموضوعة / ٨٧ / على وجه الصندوق أعني موضوعة على عرضه ، ويقاطعها جعبات موضوعة على طوله ، ولعلها فيها كهرباء الصبغة ، لأن الأواني التي تكون في الماء الذي في الصندوق لها اتصال بتلك الجعبات بواسطتي السلك والفتقية الموضوعة على الجعبة ، ولو لم تكن هذه الجعبات ما أفاد ذلك الماء شيئا في الأواني ، لكن مع وجود صندوق به ورقات فضة خالصة كما قيل ، رأيناها موضوعة في الصناديق ، فرأينا في بعض الصناديق معاليق معلقة في تلك الفتقيات بالسلك ، فتبقى هناك قدرا معلوما عندهم ، ثم يستخرجونها بيضاء كالفضة ، فتدفع لمن يمسحها ويصقلها ، وقيل لنا هناك إنهم إذا أرادوا صنع أواني يزنوها حتى يعرفوها أي قدر وزنها ، وعند خروجها من الصناديق يزنونها أيضا ليعرفوا قدر ما أخذت من المعدن. ورأينا في صهريج عندهم ماء كثيرا ، وفي أحد جوانبه حجر أزرق موضوع في الماء ، لعله يذوب / ٨٨ / فيه. وكبير هذه المكينة يدور معنا ببشاشة ، ويساعدنا غاية المساعدة فيما نطلب منه. ثم انتقل بنا إلى محل آخر وجدنا فيه صناديق أخر مملوءة

__________________

(١) يقصد أساليب التعدين الكهربائي. يمكن إحداث تفاعلات كيميائية بتحريرنا التيار الكهربائي ، ونلجأ إلى هذا الأسلوب حين نريد أن نكسو معدنا ما بطبقة رقيقة من معدن آخر (تلبيس المعاد).

الرسم أ ـ مخطط لأسلوب تلبيس المعادن ، حيث نرسل التيار ، يذوب المعدن (١) الفضة مثلا ،المثبت في الآنود+ (قطب موجب) ، ويستقر على المعدن الذي نريد تلبيسه. والذي وضع في الكاتود ـ (قطب سالب). بهذه الطريقة نحصل على الزرنخة أو التلبيس الكرومي ، وعلى التنحيس أو التصفيح بالنحاس ، والتفضيض والتزنيك. (الموسوعة العربية). (انظر الرسم في ملحق الصور والرسوم صفحة ٤).


ماء ، والجعبات موضوعة عليها ، وتكلم مع بعض الخدمة ، فأخذ سكينا صغيرا بيده وعقده في قطعة سلك وأرسله في ذلك الماء ، وقبض رأس السلك الآخر وحكه في تلك الجعبة ، ثم استخرجها عاجلا فإذا بالقدر الذي كان في الماء خرج مفضضا حينه ، ثم أرسلها كذلك في صندوق آخر مراعيا لذلك العمل ، وترك منها قدرا مفضضا وأخرجها ، فإذا بالقدر الذي كان منها في ذلك الماء خرج مذهبا تذهيبا جيدا ، ثم أرسلها في صندوق آخر ، وأخرجها منه بعدما حك رأس السلك في الجعبة ، وترك منها قدرا مذهبا ، وأخرجها فإذا بالقدر الذي كان منها في ذلك الماء خرج مذهبا تذهيبا دون الآخر ، يضرب إلى الخضرة. ثم رجعنا في الأكداش إلى محل نزولنا.

الدار التي تباع فيها أواني البلار

وفي مساء / ٨٩ / يوم الثلاثاء العشرين منه (١) ركبنا في أكداش المخزن أيضا ، وسارت بنا إلى أن وصلنا إلى محل قيل لنا (٢) تباع فيه أواني الزاج والثريات وغيرها. فدخلنا إليها فوجدنا في أسفلها صناديق عود تملأ بالأواني لتسافر لمحل آخر. فصعدنا إلى طبقة فوجدنا فيها كتابا عديدين بيد كل واحد كناش ومكتبة. ثم صعدنا إلى الطبقة التي فوق هذه فوجدنا براحها متسعا غاية. طوله مائة وسبعون رخامة ، كل رخامة طولها أقل من ذراع بقليل ، وعرضها نحو ست وثلاثين (٣) رخامة ، وهي مقبية

__________________

(١) ١٣ يونيو سنة ١٨٧٦ م.

(٢) حتى بداية ق ١٩ م كان المخزن أو الدكان الصغير أو المتوسط ، وتجارة الباعة الجوالين ، هما الشكلان التقليديان للتجارة ، ومع بداية التصنيع (وارتفاع مستوى الاستهلاك) ظهرت أنواع جديدة من المشاريع وهي المؤسسات الكبرى التي يمكننا أن نتفحص ونلمس البضائع ، وأن نشتريها من أجنحة مختلفة ..إلخ. وأول مخزن كبير وجد في فرنسا مثلا هو «لوبون مارشيه» سنة ١٨٣٢ م ، ثم تطورت إلى صيغة المخازن المتعددة الفروع. (موسوعة عربية عالمية). ولعله يقصد Galeries Lafayette.

(٣) في الأصل خطأ ، ست وثلاثون.


بالزاج ، وبجدرانها خزائن عود محيطة بها ، وبوسطها صفان ممتدان على طولها فيه خزائن أخرى عود. وفي هذه الخزائن من أواني الزاج ما لا يقدر على وصفه ، وهناك أواني عمل التينة. وأما الخزائن التي في الوسط فطولها أقل من قامة الإنسان (١) ، وعلى وجهها أواني وأثاث ومحابق النوار / ٩٠ / مصنوع فيها صور طيور صغيرة أصغر من البرطال. في ريشها ألوان ، في أسفل كل محبقة مكينة ، داخلها تملأ (٢) بساروتها ويحرك بعد ذلك شيء بارز قرب فرجة المفتاح ، فيأخذ ذلك الطائر يتكلم بصوت الطائر المعروف عندنا بأم الحسن (٣) ، وعند تكلمه يدور يمينا ويسارا ، وفي المحبقة طائر آخر بارك كأن تحته بيضا ، لا يتكلم وإنما يلتفت كذلك عند تكلم الآخر. وهذه المحابق هناك كثيرة بقصد البيع. وهناك ثريات معلقة في السقف ، وهي ثلاثة صفوف منها على طول ذلك البراح كبيرة وصغيرة مختلفة الأشكال والمقدار. وبالجملة فهناك من أواني الزاج والأثاث عمل التينة (٤) مصطفة بتلك الخزائن مع طول هذه البقعة وعرضها ، في محيطها ووسطها ما لا سبيل إلى حصره أو وصفه. وهناك كتّاب عديدون نساءا ورجالا. وحين سمع نساؤهن بأننا هناك خرج بعضهن بقصد رؤيتنا لأنهن يستغربن زيّنا ويتعبن منا / فالتفتت إلينا إحداهن ، فتذكرت ما قيل في مثل ذلك :

بدار الزاج قمر (٥)

فضحت زين العجم

__________________

(١) تقدر ب ٥٦،١ متر.

(٢) في الأصل تملؤ. سبق قلم.

(٣) أو الحسون طائر صغير حسن الصوت ذو ألوان جميلة ، وقد هام بصوته الشعراء بالمغرب والأندلس. (المنجد).

(٤) يقصد التحف الفخارية الآتية من بلاد الصين المزخرفة بماء الذهب وألوان زاهية ، والتي تتميز بها الصناعة الصينية ، التي تنطق من طرف بعض المغاربة التينة ، وقد انتقل فن هذه الصناعة الفخارية اليدوية إلى البلاد الأوربية ، وبقيت تسمى باسمها. (الشينة أو الصينية).

(٥) هذا الشعر به خلل ببعض أشطاره. تتأرجح بين إيقاعات مختلفة : مضارع ومجتث ومجزوء الرمل.


سلبت عقل رامق

سلب عقل بصدام

هام من حسنها وجدا

ذو عفاف وكرم

وهي من نور حسنها

نقتبس محو الظلام

قلت جد لي بوصال

قالت فاقرأ سلامي

إن بالحل وطني

أنتم أهل الحرم

صدقت فيما نطقت

وحقا قالت حدم

ثم رجعنا في الأكداش إلى محلنا.

فابريكات صنع الماريوس (١)

في يوم الثلاثاء العشرين من جمادى المذكور (٢) ، ركبت مع الأمين المذكور في كدش في الضحى ، وانتهينا إلى فابريكة صنع الماريو ، فوجدنا بأسفلها معلمين نجارة مشتغلين (٣) بنشر العود بالمكينة. وكيفية النشر هنا مثل كيفية نشر النشار التي / ٩٢/ سبق بيانها. فرأينا بيد أحد المعلمين قطعا من العود مثل جوازي (٤) السقف مخططة طولا بجعل الخيط وهو الخيط المعروف عندنا مسامتا للناعورة ، ويدفعه إليها دفعة

__________________

(١) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.

(٢) ١٣ يونيو سنة ١٨٧٦ م.

(٣) في الأصل خطأ ، معلمون نجارة مشتغلون.

(٤) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.


واحدة فتشقه في لظة على طولها في حال دورانها. وبعض هذه الجوائز ينشرها عرضا قطعا صغيرة فتراه كأنه يأخذ الزبدة بالحديد ، وبعض المعلمين وجدناه ينشر فتقيات صغيرة مرسومة فيها دوائر وتعريج منشار الدور. وله كيفية خاصة ، وذلك أنهم يأخذون خيطا من الهند مبسوطا رقيقا ، عرضه كحرف الريال ، ويفتحون في أحد حرفيه منشارا ، ويصلون بين طرفيه وصلا متقنا حتى لا يكاد يتميز الوصل من غيره ، ويدخلون فيه ناعورتين. إحداهما عليا والأخرى سفلى. ثم يحرك بعضهم (١) آلة المكينة فتدور الناعورتان دورانا خفيفا ، وبدورانهما يدور المنشار المذكور ، فيأخذ المعلم الفتقية التي يريد نشر ما رسم فيها من الدوائر والتعريج ، ويحادي بها المنشار فيشقها / ٩٣ / متابعا لتلك الدوائر ، ثم صعدنا للطبقة الأولى وجدنا فيها صناديق كبيرة تسمى ماريو. منها ما هو بالزاج ، ومنها ما هو بدونه ، ووجدنا براح هذه الطبقة مملوءا بهذه الصناديق. وهناك طبقة أخرى فيها صناديق أيضا على أشكال كثيرة. وبهذه الدار تصنع أحكاك (٢) الباعة الرفيعة ، منها ما هو منبت بالحجر النفيس ، ومنها ما عليه الكتابة بالتذهيب. فمن أحب حكا منها وأراد كتابة شيء على ظهره يكتب له فيه الإسم الذي أحب ، أو حكمة بخط مشرقي رفيع. وأما ثمن كل حاجة من ذلك فيكاد يستبعد.

قشلة مرضى العسكر وقبر نابليون (٣)

وفي مساء هذا اليوم ركبنا في الأكداش المخزنية ، وتوجهنا إلى قشلة فيها المرضى

__________________

(١) في الأصل خطأ ، بعض.

(٢) يقصد أحقاق أي صناديق صغيرة الحجم منقوشة ومزخرفة.

(٣) يقصد متحف ليزانفاليد invalides Les أو قصر العساكر العاجزين ، عبارة عن قصر كبير به غرف كثيرة بها قدماء المحاربين أنشأنها الملك لويس الرابع عشر (XIV Louis ١٧١٥ـ ١٦٣٨م) لإيوائهم ، ولما جاء نابليون جدد بنيتها وزاد فيها. P. ٩١٧. N: ٨. EncycloPedie, Grand


من العسكر ، من وقت حربهم مع ابروسيا (١) ، فوجدنا هناك أناسا كبارا مصفرة وجوهها ، وعليها سلاحها ونواشين مراتبها. فتلقوا صاحب السر بالتعظيم والترحيب ، وتكلم معهم بما يناسب الحال ، ودخلنا إلى مطبخة / عامة العسكر ، فوجدناها متسعة غاية ، وفيها ثمانية طناجير كبيرة ، كل أربعة في تربيعة خاصة ، وطنجير كبير تطبخ فيه القهوة لهم. ثم في مطبخة الخواص من العسكر طناجير أيضا منفصلة عن مطبخة العامة بقريب.

قبر نابليون

وبقرب هذه القشلة قبر ملكهم نابليون الأول (٢) ، قيل لي إنه أوصى (٣) بأن يدفن بتلك القشلة ، لأن فيها عسكره ، وهم أولاده ، وهو أحب أن يدفن بين أولاده ، والقبر على كيفية خاصة ، وهي أنك إذا وصلت إليه تجد حفرة عظيمة مستديرة مبنية بالرخام ، ...... (٤) ويحيط بها سوار من الرخام ، بني عليها قبة عظيمة ،فنزلوا بنا في درج عديدة متسعة ، حتى أشرفنا على القبر من دربوز من الرخام محيط بالدارة التي في وسطها القبر ، وفي وسط براحها رخامة سوداء طولها نحو ستة أذرع ، في عرض أربعة أذرع ، وعلوها نحو ذراع. وفوق هذه / الرخامة رخامة أخرى طولها

__________________

(١) مقاطعة من ألمانيا الشمالية عاصمتها برلين ، كان لملوكها الدور الأول في توحيد ألمانيا بعد أن هزمت فرنسا عسكريا في حرب (٧٠ ـ ١٨٧١ م) بقيادة بسمارك.

(٢) I NaPoleon ولد في أجاكسيو (١٧٦٩ م) ، من أشهر قواد الحروب والحملات ، توج إمبراطورا لفرنسا (١٨٠٤ م). انكسر في معركة واترلو ، ونفوه الأنجليز إلى جزيرة سانت هيلين بإفريقيا الغربية ، ومات بها سنة (١٨٢١ م). فاستخلصت جثته منهم ودفن بهذا المتحف (١٨٤٠ م).

Grand EncycloPedie, N: 8. P. 917.

(٣) وصيته منقوشة على أحد جدران ضريحه نصها : «إني أحب أن تدفن رفاتي على ضفاف نهر السين بين أبناء شعبي الذين أتفانى في حبهم». (نفس المرجع).

(٤) بياض بقدر ثلاثة كلمات.


نحو أربعة أذرع ، وعرضها نحو ثلاثة أذرع ، وعلوها نحو ثلاثة أذرع أيضا. وفق هذه الرخامة صندوق رخام أسود أيضا ، يقال إن نابليون المذكور في ذلك الصندوق ، وقدام هذه القبة قريبا منها قبة أخرى أعلا منها ، مقبية بالزاج ، به طلاء كالتذهيب ، والشمس مشرقة عليه ، فتحسبها نارا تتوقد في تلك القبة ، وتحتها صورة آدمي مرفوع على شيء لم أدر ما هو (١). ومن يرى ذلك بعين المباهاة والافتخار ، فإنا رأيناه والحمد لله ببصيرة الاعتبار ، ونفوذ حكم الواحد الجبار ، لمن الملك اليوم لله الواحد القهار.

صور المحاربين وآلات الحرب في سالف الزمان (٢)

ثم خرجنا من تلك البقعة وأوتي بنا إلى بيوت فيها صور محاربين فيما سلف بنحو ثلاثمائة سنة كما قيل ، وهم لابسون الزرد (٣) والبيض (٤) على رؤوسهم ، لا يرى من وجوههم شيء وتلك البيضة مسبلة على وجوههم ، فيها ثقب مسامتة / لأعينهم وأنوفهم وأفواههم. منهم من هو راكب على فرس ولجامه بيد الراكب عليه ، والطرادة بيده ، وعن يمينه ويساره صور أخرى. وهم متتابعون (٥) على هذه الكيفية ، والدبابيز التي كانوا يقاتلون بها موضوعة هناك ، لأن ذلك كان قبل ظهور البارود كما قيل. ووجدنا هناك المكاحيل التي صنعت حين ظهور البارود ، وطولها نحو ستة أذرع ، وهي غليظة جدا لها نجش يقال إنهم كانوا يخرجونها بلا زناد ، بل كما يخرج المدفع ، وهي مختلفة في الطول والقصر. وهناك صور بعض أهل الهند فرسانا ورماة ،

__________________

(١) بوسط الضريح مقصورة يتوسطها المسيح وهو مصلوب. (نفس المرجع).

(٢) يوجد بقصر ليزانفاليد متحف للعدة الحربية القديمة. (نفس المرجع السابق).

(٣) الدرع المزرودة يتداخل بعضها في بعض. ج. زرود. (المنجد).

(٤) مفردها البيضة وتعني الخودة التي تجعل على الرأس للتوقي من ضربات السيوف والقنابيل. (الموسوعة العسكرية ، ٢ : ١٨٩.).

(٥) بحيث يخيل للمرء أنه وسط جيش من القرون الوسطى.


يتخيل للناظر أنهم موتى ، وعليهم الكافور ، وعليهم السيوف وآلة الحرب ، وهناك سيوف عديدة ، وأسلحة كبيرة قديمة هناك وهي مصقولة ممسوحة تحسبها جديدة. وهناك طرادات بالية متلاشية ، قيل إنها طراريد ما ملكوه (١) من الأجناس عند محاربتهم. وعند خروجنا من / ٩٧ / هذه البيوت إلى تربيعة كالمشور ، فيه مدافع صغيرة وكبيرة قائمة على قعرها مع الجدرات ، قيل إنها أخذت للأجناس عند محاربتهم معهم.

الحضور لتسراد العسكر وكيفيته

وفي يوم الخميس الثاني والعشرين من جمادى الأولى (٢) طلعنا بإذن كبير الدولة لحضور تسراد عسكره ، وذلك في الساعة الثانية ، فركبنا في الأكداش المخزنية ، فلما قربنا إلى ذلك المحل وهو المحل الذي كانت تتسابق فيه خليهم (٣) ضاقت بنا الطرق ، وضاق ذلك الفضاء من كثرة ازدحام الخيل والأكداش المارة لهذه الفرجة ، وبقينا واقفين (٤) هنيئة حتى ظننا أننا لا سبيل لنا إلى الوصول للمحل المعين لنا ، فلم يكن غير قليل إلا وقد أتى عدد من العسكر يفسحون لنا الطريق ، فبقيت الخيل والأكداش التي فيها غيرنا واقفة في محلها حتى مررنا ووصلنا إلى القبة المعينة لنا ، فصعدناها وارتقينا سطحها فأشرفنا على جميع ما هناك من الخلائق ، عسكر وغيرهم ، لا سبيل لحصر عددهم إلا للمتكفل / ٩٨ / بمددهم ، ولم يكن كبير الدولة في هذه القبة ، لأنه كان راكبا بقصد تسراد العسكر بيده ، وإنما وجدنا فيها بعض أعيانه وخاصيته ، وكان

__________________

(١) الأسلحة التي غنمها العساكر الفرنسيون ، مع رايات الأقسام العسكرية. وبعض من أسلحة رجال الثورة الفرنسية ، ومدافع ضخمة من عهد نابليون الأول ، والكثير من الآثار والآلات الحربية.

Grand EncycloPedie, N: 8. P. 917.

(٢) ١٥ يونيو سنة ١٨٧٦ م. يقصد الاحتفال السنوي بعيدي النصر والجمهورية.

(٣) حلبة الخيل (Cantilly) المذكورة سابقا تتحول إلى ساحة لإجراء الاستعراض العسكري.

(٤) في الأصل خطأ ، واقفون.


العسكر إذ ذاك مفرقا فرقا فرقا ، كل فرقة بمحل فرق الفرسان وحدها ، وفرق الرماة وحدها ، وهم متتابعون ، كل فرقة تلي الأخرى. وكان كبير الدولة واسمه المارشال (١) قد خرج راكبا فرسه ، ومعه نحو مائتين من كبراء عسكره ، وأتى إلى محل متسع ، والفرق من العسكر وراءه ، وعن يمينه ويساره عن بعد منه ، بحيث استقر كبير الدولة بذلك الموضع وهو قبالة القبة التي نحن في سطحها. أخذت فرق عسكر الرماة تمر أمام كبير الدولة يتقدمها الطنابرية ، وأصحاب الموسيقا وعددهم نحو مائة ، يقفون قبالة كبير الدولة ، ثم يتبعهم واحد لا يحلق لحيته ، ووراءه عشرة ، ووراء هؤلاء العشرة فرسان متتابعون ، نحو العشرة ، بحيث / ٩٩ / يقرب الفارس الأول منهم لمقابلة كبير الدولة فيخفض سيفه إلى الأرض مسلما بذلك على كبير الدولة ، فيجيبه بالسلم بنزع شمريره من رأسه ، بحيث يمر هؤلاء الفرسان يتبعها ثمانية صفوف ، كل صفين متقاربان ، وبينهما ، وبين الصفين اللذين بعدهما بعد ، نحو عشر خطوات يكون في هذا البعد نحو عشرة رماة ، كل واحد في موضع على غير نسق ولا تتابع ، وفي كل صف من هذه الصفوف الثمانية نحو مائة ، لأنه لم يتأت حسابها. وبمرور هذه الصفوف أمام كبير الدولة ، يكون الطنابرية وأصحاب الموسيقا ملازمين لمحلهم الذي تقدم ذكره ، مشتغلين بعملهم ، متابعين (٢) لإشارة واحد منهم قدامهم ، ويشير لهم بيده لا غير ، كلما غير الإشارة يغيرون الضرب متابعة له ، حتى تمر الفرق التي هي مضافة إليهم ، وهي إما ثلاث فرق أو أربع أو أكثر. ولكل فرقة طنابرية ، وأصحاب الموسيقا يمرون أمام كبير الدولة على الكيفية السابقة / ١٠٠ / بحيث يسلم كبير الفرقة

__________________

(١) حصل ماك ماهون على عصا المارشالية في واقعة ماجنتا (Magonta ١٨٥٩ م الحملة الإيطالية).

Dictionnaire d'histoire Universelle ـ Bordas, V. 1. P. 1935.

(٢) في الأصل ملازمون لمحلهم الذي تقدم ذكره ، مشتغلون بعملهم متابعون ـ خطأ ـ.


الفارس على المارشال (١) ويجيبه على الكيفية المذكورة ، ومع كل فرقة طرادة واحدة بيد الأخير من الصف الثاني من جهة الطنابرية لا من جهة كبير الدولة ، وظهر لي أن كل فرقة فيها ألف واحد من العسكر بحسب الطنابير ومن بعدهم من أول الفرقة إلى آخرها ، لأن ثمانية صفوف بثمانمائة ، ونحو مائة من الطنابرية ، وأصحاب الموسيقا والأحد عشر التي خلف الطنابرية مع الرماة الذين بين الصفوف ، وعددهم نحو السبعين لأن بين كل صفين نحو عشرة ، فتكون جملة كل فرقة تقرب من الألف ، لأن ذلك ليس معدودا عندي عدا حقيقيا ، وإنما هو تقديري مع احتياط عدم الزيادة في ذلك. والطرادة الواحدة التي في كل فرقة تؤذن بأن عددها ألف واحد ، والله أعلم. وحيث تمر الفرق الثلاث أو الأربع التي في حكومة الكبير الأول ، يشير صاحب الغزولة الذي مع الطنابرية (٢) / ١٠١ / بها فيشير لهم الآخر بيده للذين هم متابعون له إشارة فيسكتون ويسيرون تابعين الصف الأخير من فرقهم التي مرت ، وعند سكوتهم يشرع (٣) طنابرية آخرون في الضرب مع أصحاب الموسيقا الآتين بعدهم ، ويأتون للمحل الذي كان الطنابرية الذين مروا به مع الفرق التي مرت

__________________

(١) عمل المارشال ماك ماهون بعد فوزه في انتخابات فرنسا ماي ١٨٧٣ م ، على الشيخ أدولف تييرا Thiers AdolPhe المعتدل ، والذي كان ينفذ معاهدة فرانكفورت بولاء ، بالاهتمام بإعادة تنظيم الجيش الفرنسي بعد هزيمته أمام ابروسيا (٧٠ ـ ١٨٧١ م) ، فرأى بسمارك فيه وسيلة تهدف تسهيل التعبئة ، وبالتالي دلالة على إعداد فرنسا للحرب ، وتحدثت الصحافة الألمانية بسرعة عن قرب وقوع (حروب وقائية) سنة ١٨٧٥ م. فأعطى الوزير ديكاز لهذا الحدث اتساعا أوربيا حينما طلب التأييد الدبلوماسي لبريطانيا العظمى وروسيا وقال : «إن ألمانيا عرضت أن من حقنا أن نبدأ ، وفي ظل استقلالنا الكامل في إعادة إنشاء قواتنا العسكرية». وكان هذا نجاحا للحكومة الفرنسية خاصة بعد تعاطف الجانب البريطاني والروسي معها ، فعمل بسمارك في انتخابات ١٨٧٧ م على إسقاط ماك ماهون لفائدة الاتجاه الجمهوري بدعوى ضمان السلام في أوربا.

تاريخ العلاقات الدولية ـ القرن التاسع عشر (١٨١٥ ـ ١٩١٤م) ، بيير رنوفان ، ص. ٤٤٧.

(٢) المايسترو ينسق العزف بحركات يديه ، ويعطي تعليمات إيمائية حسب تفاريق الانطباعات المطلوبة.

(٣) في الأصل خطأ ، يشرعون.


ويشتغلون بعملهم كما تقدم ، ثم يمر الواحد ذو اللحية والعشرة بعده والفرسان ، فيسلم كبيرهم على كبير الدولة ، فيجيبه كما تقدم. ثم تتبعهم الصفوف الثمانية على الصفة المتقدمة. هكذا كان دأب هذه العساكر الرجلية في التسراد. وعدد الفرق التي مرت على هذه الصفة أربعون فرقة. فهي مشتملة ـ والله أعلم ـ على أربعين ألفا. ثم تبعتهم فرسان يجرون الكراريط حاملة صناديق مقفلة ، قيل فيها الشواقير وغيرها من الآلة المحتاج إليها في السفر ، وعددهم نحو ألفين ، ثم أتت فرسان العسكر ومعها الطنابرية وأصحاب الموسيقا ومروا صفا بعد صف / ١٠٢ / وهم خمس فرق ، وفي كل فرقة نحو ألف كما تقدم ، ومرت بعدهم أربعون فرقة من الخيل تجر المدافع ، في كل فرقة ستة مدافع ، كل مدفع يجره خمسة من الخيل ، والعسكر راكب عليها ، وعلى كل كريطة (١) مدفع أربعة من العسكر. وعدد الفرق التي مرت على هذه الصفة أربعون فرقة ، ففيها أزيد من ألفين ، لأن بعض الفرق كان يمر فيها صفان من المدفع صفا إثر صف ، فعلى هذا يكون جملة العسكر الذي حضر التسراد في ذلك نحو خمسين ألفا بين فرسان وراجلين ، ومن الناس من كان يقول إن ذلك العسكر قدره خمسة وستون ألفا ، ومنهم من كان يقول ثمانون ألفا ، وانظر ما مستندهم في ذلك. وقيل إن ذلك العسكر الذي حضر التسراد هو عسكر باريس لا غير.

ضيافة عظيم الدولة للباشدور مرحبا به

وفي يوم الأربعاء الواحد والعشرين من جمادى الأولى (٢) ركبنا في الأكداش / ١٠٣ / المخزنية في الساعة الرابعة غير ربعها للطلوع لدار كبير الدولة بقصد الضيافة ، لأنه كان تقدم أنه أعلمنا بذلك يوم المسابقة ولم يكتف بذلك. بل في يوم

__________________

(١) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.

(٢) ١٤ يونيو سنة ١٨٧٦ م.


الثلاثاء (١) بعده وجه لنا ثلاث ورقات ، عين في كل ورقة منها اسم (٢) من يطلع منا لهذه الضيافة. منها ورقة للباشدور صاحب السر المذكور ، والورقتان الباقيتان للأمين والكاتب. فتوجهنا لداره ، وهي خارجة عن البلد بنحو ساعتين بسير خيلهم (٣) بالأكداش ، وكان عين لنا أن يكون وقت قدومنا عليه في الساعة السابعة ونصف قبل الغروب بأزيد من نصف ساعة. بحيث قربنا من الدار ، نزلنا وطلعنا لصالة وسرنا حتى وصلنا إلى دار كبير الدولة ، فتقدم صاحب السر المذكور ونحن في أثره ودخلنا إليها في وسط ملإ من العسكر والأعيان ، / ١٠٤ / فتلاقى به صاحب السر المذكور ، فرأينا به سرورا كبيرا ، وفرحا عظيما ظاهرا عليه وعلى خاصته. ثم سرنا نحو القبة التي فيها الغذاء (٤) فدخلناها فالتفت إلينا كبير الدولة ، وتكلم بلغته ، فقال لي رجل من عسكره كان بقربي (٥) : إنه يقول لكم مرحبا بكم ، وأنه وكلني بالجلوس معكم لأبين لكم الطعام الحلال عليكم من غيره ، ووجدته يحسن اللغة العربية ، فجلسنا على الشوالي المحيطة بمائدة الطعام ، فجلس صاحب السر المذكور عن

__________________

(١) ١٣ يونيو سنة ١٨٧٦ م.

(٢) توجه الدعوات إلى مآدب الغذاء أو العشاء الرسمية قبل موعدها بوقت كاف ، ويذكر في بطاقة الدعوة نوعها (عشاء ـ غذاء ـ شاي ـ ...) وساعتها وعنوان المكان ونوع الملابس المطلوب من المدعو ارتدائها (الدبلوماسية ـ البروتوكول الإتيكيت المجاملة ـ أحمد حلمي إبراهيم).

(٣) يخصص الكدش الأول لرئيس الوفد أو السفير ، ثم يليه الأمين ثم كاتب السفارة ، وأخيرا المخازنية ، وكذلك في حالة السير على الأقدام أو الدخول من الباب والصعود على السلم يتقدم الشخص الأول في السفارة للسلام على رب البيت الداعي (نفس المرجع : ١٤).

(٤) بعد ساعة تقريبا من المحادثات والترحيب والتعارف من الموعد الذي حدد في بطاقة الدعوة ، يقوم السيد بدعوة ضيوفه إلى الانتقال إلى غرفة الطعام بإشارة بسيطة إلى باب الغرفة مصطحبا ضيف الشرف ، يتوجه كل مدعو إلى مكانه الذي سيتأكد منه بوجود بطاقة صغيرة باسمه موضوعة في مكان ظاهر أمام أطباق الطعام. (نفس المرجع : ١٥).

(٥) يراعي عند توجيه الدعوات إلى المآدب أن يختار من يتوقع منهم الانسجام من حيث الثقافة واللغة والميول السياسية. (نفس المرجع : ١٥).


يمين كبير الدولة (١) وجلسنا نحن قبالتهما منحرفين عنهما يسيرا إلى جهة يمينهما ، وجلس مع الأمين المذكور عن يمينه عسكري آخر يحسن العربية ، فكان يبين لنا ما يحل أكله لنا ، ومع ذلك فما تناولنا من تلك الأطعمة العديدة إلا يسيرا من الخبز بالزبدة ، وشيئا من الأرز مطبوخا في الزبدة ، وشيئا من الحلوى معقودة على الثلج لا غير ، مع أنه حضرت أطعمة عديدة ، وأنواع / ١٠٥ / كثيرة ، وحضر على هذه المائدة ما يزيد على الأربعين من كبراء الدولة كل واحد على شليته وقدامه (٢) زيف أبيض من المكمخ يضعه على حجره وقت الأكل. وقدامه أيضا طبسيل فارغ وكأس للماء ، وجنوي وفيجكة ، وعند دفع الطعام يخرج رجال بيدهم طباسيل من المعدن كبيرة مملوءة بالطعام (٣) ، فيمرون بها على الجالسين على المائدة ، فكل واحد منهم يأخذ مما في ذلك الطبسيل بمغرفة القدر الذي يريده ، ويضعه في الطبسيل الذي قدامه ، وحين يوتى بطعام آخر ترفع تلك الطباسيل الصغيرة من بين أيديهم ، وتوضع غيرها. ويدور صاحب الطعام الثاني عليهم جميعا فيأخذون منه كما ذكر ، ثم يأتي طعام ثالث ورابع وهكذا حتى مرت ستة عشر شكلا من أنواع الطعام كما هي مبينة عندهم في

__________________

(١) إذا كانت المائدة مقتصرة على الرجال وتكريما لشخصية (ضيف شرف) يكون الجلوس حولها على الشكل التالي:

مكان الشرف على المائدة يكون في منتصف جانب المائدة على يمين الداعي ، ثم توزع الأمكنة عن يمين وعن يسار مكان الشرف بأن يرتب المدعوون في كشف حسب أسبقياتهم ويعطون أرقاما توزع على المائدة طبقا للرسم التالي : (انظر الرسم في ملحق الرسوم والصور صفحة ٥).

(٢) يكون طاقم الطعام والشراب أمام كل جالس مكونا من عدد من الأكواب مساويا لعدد المشروبات المزمع تقديمها بالإضافة إلى كوب الماء ، السكين عن يمين الطبق ، والشوكة على اليسار ، وتوضع المناديل بشكل خاص للاستعمال ، ومعلقة الشربة وطبق صغير خاص بالخبز وأطباق صغيرة أخرى بها قطع من الزبدة المثلج. (نفس المرجع السابق).

(٣) عندما يكتم الجلوس يبدأ رئيس الخدم ومساعدوه في الدخول إلى صالة الأكل بأطباق الطعام ، ومن ورائهم طاقم الخدم الذين يوزعون المشروبات التي تقدم على المائدة ، ويمر الخدم بالأطباق مرة ثانية على جميع المدعوين بالترتيب فقد يرغب أحدهم في تناول المزيد من صنف معين (نفس المرجع السابق).


ورقة بكتابتهم (١) دفعوها لنا عند الشروع في الأكل ، وهم مع ذلك يخللون الأكل بالشرب ، ونحن / ١٠٦ / يجعلون لنا الماء الصرف في الكؤوس التي قدامنا ويجعلون فيها حجرا من الثلج كأنه حجر الشب ، فقلت للذي كان بقربي هذا الثلج شأنه أن يذوب عند بقائه في الهواء ، فما باله لم يذب إلى الآن في بلدكم ، ونحن حين ينزل بقرب بلادنا شيء منه يذوب عاجلا ، فقال لي إننا نخزنه في الأرض كما تخزنون الزرع أنتم في المطامير فلذلك نحن نجعل (٢) المطامير ونفرش له التبن ، ويوضع فيها ويوضع فوقه التبن أيضا ويغطى بالتراب ، وعند الاحتياج يدخل إليه من محل آخر (٣) ، ويوخذ منه القدر المحتاج ، وإن نزل عليه تراب يغسل ، وكان فوق هذه المائدة ست ثريات موضوعة عليها في كل ثرية عشرون شمعة. وفي كل ثريتين محبقة فيها من ألوان النوار المصنوعة ، وليس عليها زاج ، يحسبها الرائي أنها مشموم التقطت له تلك النوار / ١٠٧ / ورتبت فيه ببديع الاختيار. وبسقف هذه القبة ثلاث ثريات كبيرات من الزاج موقودة كلها بالشمع ، ثم أخبرني هذا الذي كان بقربي أنه تقدمت له حروب كثيرة مع أولاد سيدي الشيخ (٤) وأنه يعرف تلك

__________________

(١) قائمة الطعام Menu على يسار الطبق ، ومنها يعلم كل مدعو ما سيقدم له خلال المأدبة ، فإن لم يستسغ صنفا مقدما فيمكنه الامتناع عن تناوله مع الاعتذار. (نفس المرجع السابق).

(٢) في الأصل نجعلوا ، بصيغة الجمع.

(٣) يلعب الذوق الجميل دوره في ترتيب المائدة من حيث كيفية تزيينها بالزهور والشمعدانات الفضية أو الكرستال ، والأغطية الجميلة والرائحة الطيبة وغير ذلك.

(٤) تنقسم قبيلة أولاد سيدي الشيخ إلى فصيلتين ، الشرقية دخلت تحت النفوذ الفرنسي بموجب اتفاقية الحدود لعام ١٨٤٥ م ، والغربية بقيت تحت النفوذ المغربي. وما بين ١٨٤٩ و١٨٦٢ م كان يسود فيها التفاهم والوئام ، إلى أن اشتعلت الثورة ضد الفرنسيين في يبراير ١٨٦٤ م بعد تحالف فصيلتي أولاد سيدي الشيخ مع بعض واحات توات ، بزعامة سي سليمان بن حمزة الذي هزم الجيش الفرنسي شرق فيكيك وجنوبها ، فأرغم الحاكم العام في الجزائر على توجيه فيالق من الجيش الفرنسي لإخماد الثورة ، والتي استمرت إلى سنة ١٨٨٢ م. للمزيد من التوسع في الموضوع انظر : «التوات» ، د. أحمد العماري.


المواطن (١) وسكانها ، وشرع يعدها. فقلت له ما اسمك؟ فقال اسمه شلطون وأنه كبير على ثلاثة آلاف من العسكر ، لأنه كان استفهمني عن اسمي فبينته له. وأخبرني أن زوجة كبير الدولة تكلمت معه في السلك في الساعة العاشرة ليلا من أمسه ، لأن السلك مركب من دار كبير الدولة إلى دور الكبراء والأعيان ، كما أخبرني به. وقالت له ما مضمنه : إننا نستدعيك للحضور عندنا غدا ليلا ، لأن باشدور سلطان مريكوا (٢) يأتي لدارنا ، ثم قال كيف جاءتك بلدنا ، فقلت : ما رأيت أحسن منها نظافة وتزويقا ، وصنائع وعجائب لم أرها في غيرها. فقال لي أنتم معشر العرب لكم ألسن كالعسل / ١٠٨ / ما أحسنها لو كانت مثل قلوبكم ، فقلت له الناس ليسوا على صفة واحدة ، وطبيعة متحدة ، بل هم كما قيل :

الناس كالأرض ومنها هم

من خشن الطبع ومن لين

نجندل تدمى به أرجل

وإثمد (٣) يجعل في الأعين

وفهمته في مضمن البيتين حتى فهمهما ، فقال حقا ما تقول ، ولكن الكثير من الناس على ما ذكرت لك ، وحين فرغوا من الأكل خرجوا لقبة أخرى فيها شوالي عديدة (٤) ، وكنابي كثيرة كلها بالموبرة الحمراء وصاروا واقفين كل اثنين أو ثلاثة

__________________

(١) حصلت فرنسا عن طريق الرحلات الدراسية والاستطلاعات التي قام بها عدد من الضباط والجواسيس ، مثل رحلة الضابطان كولونيوColonnien وبورين Burin عام ١٨٥٧ م ، ورحلة كولونيو سنة ١٨٦٠ م ، ورحلة الألماني رولف Rholfs سنة ١٨٦٤ م ، ورحلة الضابطGalliffet سنة ١٨٧٣ م وغيرهم.

على معلومات جغرافية واقتصادية وبشرية وثقافية حول أوضاع التوات. (نفس المرجع / ٧٤).

(٢) حسب النطق العجمي أي المغرب.

(٣) معدن الكحل الذي تزين به الأعين. والبيتان من بحر السريع.

(٤) عندما ينتهي تناول الطعام ، ويتأكد سيد البيت من أن الجميع قد أنهوا طعامهم ، يبدي بإيماءة بسيطة إلى الحاضرين إيذانا بقيامه من مقعده ، فيقوم كل رجل بعده إلى الصالون الكبير حيث تدار القهوة ، والمشروبات. (نفس المرجع السابق).


منفردين في محل ، وجلس صاحب السر على شيلية ، وبقي معه من يحسن العربية ، وجلسنا نحن قريبين منه ، وجلس معنا من يحسن لغتنا أيضا ، فأخبرنا أنه يحب العرب لأنه نشأ في بلادهم ، ومهما رأى رجلا من العرب ينشرح له صدره غاية ، وأنه تقدمت له الخدمة في العسكر في قسنطينة أربعة عشر عاما / ١٠٩ / مع أنه صغير السن يمكن أن يكون سنه نيفا وثلاثين سنة والله أعلم. وبقي المارشال أي كبير الدولة ، واقفا يتكلم مع كل واحد من الكبراء الذين كانوا على المائدة واحدا بعد واحد. ثم دخلت زوجته (١) وصارت تكلمهم أيضا كذلك مع طلاقة وجه وبشاشة ، ودخل بعدها نساء أخر إما أربع أو خمس ، وصرن يتكلمن مع البعض دون البعض وهن يتعجبن من زينا ولباسنا ، وكان من جملة ما تكلم به كبير الدولة بواسطة ترجمانه مع صاحب السر المذكور : أن هذه الضيافة جعلتها فرحا بقدومكم تعظيما لجانب سلطان المغرب ، سيدي الحسن نصره الله ، فأجابه بما يقتضيه المقام من حسن الكلام ، ثم انصرفنا إلى محلنا في الأكداش ، ووصلنا في الساعة الحادية عشرة ونصف من الليل ، وتذكرت ما كان تكلم معي به بعض من له صلة بهذه الدولة حين طالع الأبيات (٢).

الطلوع بالهدية لعظيم الدولة

وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من جمادى الأولى المذكور (٣) ، طلعنا لحضرة كبير الدولة مع الخيل والهدية ، بعدما ركبنا في أكداس المخزن على العادة ، وجعل على تلك الخيل جلالاتها المرصعة بالذهب ، المصنوعة بحضرة فاس الطيبة الأنفاس

__________________

(١) وقد يستدعي سيد البيت السيدة قرينته للترحيب بالضيوف صحبة رفيقاتها ، ولتشكر كذلك على المائدة الأنيقة التي أشرفت على إعدادها ، ولتوديعهم والسماح للمدعوين بالانصراف. (نفس المرجع السابق).

(٢) بياض في صفحتين كاملتين / ١١٠ / و/ ١١١ / المخطوط.

(٣) ١٦ يونيو سنة ١٨٧٦ م.


حرسها الله ووقاها من كل باس ، وتقدمت قبلنا بقريب لأروى (١) دار المخزن هناك يقوم بها العساكرية ، فحين وصلنا لتلك الأروى وجدناها لا فرق بينها وبين ديارهم في البناء والنظافة ، ووجدنا العساكرية هناك واقفين مع الخيل ، ماسكين رصنها وهم معها في غاية التعب ، لكونها كانت تأبى الانقياد إليهم ، وتتأخر وتصهل وترفع أيديها على عادة عتقاء الفرسان والأحرار منها. فما أوصلوها لباب قبة دار المخزن إلا بجهد جهيد ، وكان كبير المخازنية يروم أن المخازنية والأعوان الذين معنا هم يقودون الخيل (٢) ، فنهاه صاحب السر المذكور عن / ١١٣ / الخوض والتكلم عن ذلك وزجره ، فسكت طالبا من سيادته الصفح عن ذلك. ثم ذكر الترجمان إذ ذاك أن المقصود من كون العسكر هو الذي يتولى قيادة الخيل هو استراحتهم من ذلك التعب ، وملاحظتهم بعين الوقار وعدم استعمالهم فيما يشق عليهم ، هذا مضمن ما ذكره الترجمان. وحين وصلنا إلى دار المخزن أذن لنا بالدخول للقبة الثالثة ، فدخلنا إليها ، فرأينا فيها من الزخاريف ما لا أحصره ، لأن المقام لم يقتض إمعان النظر في جهاتها وكثرة الالتفات. لكن هناك شوالي كبيرة وكنابيس عديدة ، كلها مبطنة بالموبر الأحمر ، وفيها أبواب كبيرة كأبواب البيوت عندنا عند نزع دففها ، ودففها بالبلار ، والعود المحيط بها مذهب ، وسواريها مورقة بالتذهيب ، وفيها ثريات عظيمة من البلار إلى غير ذلك مما لا يكيف. فلما دخلنا إلى تلك القبة قام الأمين المذكور وفتح صندوق الهدية

__________________

(١) الإصطبل أو مربط الخيل والبغال. أصحابها يكونون حنطة في القصور الملكية المغربية ، تقوم بسياسة وصيانة الخيل والبغال ومباشرة السروج (العزة والصولة ، ابن زيدان ، ١ : ١٤٥).

(٢) أصحاب الأروى ينفسمون إلى قسمين.

١ ـ العوامة يختصون بتعويم الخيل أي غسلها وسرجها وقيادتها ورعايتها وقيادة خيول السلطان والأشراف والقواد وأعيان الجند.

٢ ـ الشطابين يقومون بكنس المزابل وتوزيع التبن والعلف ... (نفس المرجع السابق).


وأخذ من هناك من كبراء الدولة / ١١٤ / ينقلون تلك التحف (١) ويضعونها على الشوالي كل عينة من تلك التحف في جهة منفردة ، فازدادت تلك القبة بها ضوء وإشراقا وسناء ، فعند ذلك دخل علينا كبير الدولة من باب مقابل للمحل الذي كان مقابلا للباشدور صاحب السر المذكور ، فتلاقينا وما قصر في إظهار الفرح والسرور والترحيب والبرور ، وجرى بينهما كلام فيما يناسب الحال والمقام ، ثم تقدم كبير الدولة إلى تلك التحف ، وصار يمعن النظر في كل حاجة منها بخصوصها ، فاستحسنها غاية الاستحسان ، ورآها من أجل ما تقربه عين الإنسان ، ثم خرج لباب القبة ، وكانت الخيل مجللة مصطفة عن يمين باب القبة بيد العساكرية فأخذوا يمرون بها واحدا بعد واحد ، وبعضها يصهل ، والبعض يجيب ، وكلها على ذلك الرونق الجميل والشكل الغريب. وحين تم مرورها ، وأمعن فيها النظر أميرها ، تكلم مع الترجمان بلغته / ١١٥ / فأخبر أنه شرّبها وأنها من غاية منائه وبغيته ، بكلام هذا مضمن تصريحه ، الكامن في تلويحه ، وعلى ذلك انفصل ذلك المجلس الذي عم نواله الصغير والكبير السالم عهوده بمن الله وفضله من التبديل والتغيير ، فحمدنا الله تعالى للاستراحة من عهدة هذا الكلفة ، ورجعنا إلى محل النزول والألفة.

جنان الوحوش

وفي يوم السبت الرابع والعشرين (٢) منه خرجنا لجنان الوحوش (٣) ، وهو بعيد عن

__________________

(١) قائمة ما يتوجه من التحف لكبير الدولة : ١٠ جلالة ، و٤ رسون ، و٢ سروج بإقامتها ، و٤ سفاري موبر ، و٦ سطارم موبر مطروزة ، و٦ كساوي حريرا ، و٦ رواحي ، و٦ موبر مطروزة وبابوجات ، و٣ زرد خان ، و٣ حزم جزيرية ، و٦ زرابي كبار عمل الرباط. ثم مجموعة ثانية من الهدايا للوزير الكبير ، ومجموعة ثالثة من الهدايا لوزير الأمور البرانية. (إتحاف أعلام ، ابن زيدان ، ٢ : ٢٩٦ و٢٩٧).

(٢) ١٧ يونيو سنة ١٨٧٦ م.

(٣) يقصد zoologique Bois de Vincennes ,Parc وهي حديقة عامة لتوطين الحيوانات من مختلف البيئات الجغرافية لغرض الفرجة أو الدراسة العلمية ، وتتميز بمساحات فسيحة من الخضرة وأحواض الزهور والبرك الصناعية ، وتقسم الحيوانات على أساس علمي بحسب رتبها وأنواعها وخصائصها ونوع البيئة الطبيعية لكل حيوان ما أمكن.

Grand EncycloPedie, N. 5. P. 327.


المحل الذي كنا فيه بنحو ثلثي ساعة ، وليس هو جنانا حقيقيا ، بل هو موضع من غابة عظيمة ، والطرق الموصلة إليه في وسط هذه الغابة واسعة عريضة جدا ، وفيها من يقوم بكنسها ورشها من المساء إلى الصباح ، كغيرها من الطرق ، وفي هذه الغابة مواضع محوطة بقضبان من حديد ، امتدادا أو ارتفاعا ، والسلك الرقيق ممتد معها في التربيعات الناشئة من تقاطع قضبان الحديد ، وهذه المواضع مختلفة في الكبر والصغر على مقدار / ١١٦ / يناسب الحيوان الذي فيه ، وفي هذه المواضع طرق عريضة طولا وعرضا ، فحين دخلنا لهذا الجنان وجدنا في مدخله بيتا فيه أقفاص صغيرة وكبيرة. فيها أنواع من الطير شتى ، وبه من هو مكلف بها يأتيها بالحب والماء في الوقت المعين. وهي تتوالد هناك ، ووجدنا في بعض الأقفاص طيرين صغيرين أصغر من البرطال (١) بكثير ، وهما متلازمان وكلما طار أحدهما يتبعه الآخر ، قيل إن هذا دأبهما لا يفترقان أبدا. وعند دخولنا لهذا البيت رأينا عربة يجرها حيوان دون البغل وأكبر من الحمار ، وهو على صورة الحمار ، وذاته مخططة بخطوط سود مستديرة (٢) ، بينها كذلك خطوط بيض ، قيل هو من حمر الوحش ، وهو في غاية (٣) ، وأنه قبض من الغابة ، ووكل به من يحرسه ويباشره حتى ألف واستأنس ، وصار يجر الأكداش ، ثم دخلنا لبيت آخر فوجدنا فيه أقفاصا من عود كبير مستديرة ، طولها نحو خمسة أذرع ، وقطر دورها نحو أربعة / ١١٧ / أذرع ، وفي كل قفص طبقات بعضها فوق بعض ، في كل طبقة أبواب صغيرة ، مربعة في محيط القفص ، قدر ما

__________________

(١) لعله الأبلق الأبيض وصاحبته وما يدور بينهما من مناوشة ، تبدأها الأنثى بوثوبها إلى مكان عال ، ليلتحق بها الذكر في التوّ متمتما بصوت خفيض ، ثم يبدأ اللف والدوران حولها مرات عديدة ، فتضربه بمنقارها ، وتهرب له إلى مكان آخر فيتبعها ، ثم يرفع عقيرته بالتصديح والترنيم ، تستمتع إليها الأنثى وهي ساكنة وهكذا ... عالم الطير ، أحمد محمد عبد الخالق ، القاهرة ، ١٩٦٢ : ٩.

(٢) الزردZebre الحمار الوحشي ، أنواعها أربعة أما ضروبها ، وسلالاتها عديدة ، الموسوعة في علوم الطبيعة ، إدوار غالب ، بيروت ، ١٩٦٦ ، مجلد ١ : ٣٢٢.

(٣) بياض بقدر كلمتين.


تدخل الدجاجة ، وفي كل طبقة دجاج قدر ما تسعه الطبقة. ووجدنا رجلا جالسا بين قنبتين ممسوكتين في جرارتين في السقف ، وأمامه شيء كالزق مملوء بدقيق مختلط بالماء ، وهو يدير هذا القفص ، لأنه غير ثابت ، فتقابله دجاجة من الطبقة المسامتة ليديه ، فتخرج عنقها إليه ، فيدخل في فمها قطيعا من البلار ، طوله نحو شبر ، وهو متصل بذلك الزق المذكور ، بواسطة بينهما كالمصران (١) فتشرب الدجاجة من ذلك السويق بواسطة القطيع ما فيه الكفاية لها. ثم ينزع القطيع من فمها بسرعة ، ويدير القفص ، فيجد دجاجة أخرى في الباب الموالي لذلك الباب مخرجة عنقها ، فيطعمها كذلك حتى يأتي على جميع الأبواب التي في ذلك الصف ، فإذا أراد أن يطعم الدجاج الذي في الطبقة التي فوق ، أطعم دجاجها ، / ١١٨ / يمسك القنبة التي هو جالس عليها بعد ما يفك ما كانت متقفة به ، فيرتفع مقعده إلى الطبقة الأخرى ، فيطعم ما فيها من الدجاج كذلك ، وهكذا حتى يأتي على جميع ما في ذلك القفص من الدجاج ، وذكر لنا أن الدجاج الذي يدخل لهذا القفص حين تمر عليه ثمانية عشر يوما يصير وزن ذاته ضعف ما كانت عليه حين الدخول (٢) لذلك القفص. ثم خرجنا منه أي ذلك البيت ، فوجدنا تربيعا كبيرا محوطا بالحديد والسلك كما ذكر ، وفيه قرود عديدة صغيرة وكبيرة وهي تطلع وتنزل في ذلك القفص ، على عادتا ، ولها فيه بيوت ، بعضها فوق بعض من عود ، تأوي إليها يلا ، ثم في آخر طيور بلارج (٣) المعروف في بلادنا. وطير البقر (٤) وطيور على هيئة بلارج ،

__________________

(١) اوامصرة مفردها المصير وهو (الأمعاء) ما ينتقل الطعام إليه بعد المعدة استعملها الجعيدي قصد التشبيه بالأنبوب الذي ينقل الطعام من الزق إلى فم الدجاج. (المنجد).

(٢) حقل تجريبي يعتمد التغذية الاصطناعية كعلف قصد تسمينها في أقصر وقت.

(٣) لقلاق Cigogne وأصل الكلمة من اليونانيةPelargos. الموسوعة في علوم الطبيعة ، إدوار غالب.

(٤) النورس Mouette أو زمج البحر. (وحيش المغرب) الطيور ، مطبوعات معهد الدراسات والأبحاث للتعريب ، الرباط.


وهي أعظم منه بكثير ، ولونها رمادي وفيها ألوان أخرى (١) ، ثم طيور النعامة المعروفة عندنا. ثم طيور ريشها كله أحمر. ثم طير النحاف المعروف ، وهي طويلة بيضاء ، طول عنقها نحو ذراع. / ١١٩ / ثم دجاج (٢) الماء في برك من الماء هناك. وطيور فيها ألوان ، طويلة الأذناب ، تشبه الطاووس ، وطيور رمادية اللون ، تشبه الدجاج ، فوق رؤوسها ريش طويل ، وطيور أخر طويلة الأذناب يزيد طول أذنابها على جرم ذات بأزيد من ضعفين (٣) ، وفي ريش أذنابها دوائر ملونة خضراء وزرقاء وسوداء كالدوائر التي في جلد النمر ، ومن شدة طول أذنابها حتى أنها تجر في الأرض ، ثم الحمام المغربي البري وغيره ، ثم طير الباز. رأينا واحدا منه لا غير ، بيد رجل يده مجلدة. ووجدنا في هذا الطريق ثلاثة أفيال ، أصغرها قدر البقر مربوط ، وأكبرها أعظم من الجمل بكثير ، عليه سرج ، وفوقه أربعة راكبون عليه ، وهو يمشي بهم ، فقربنا منه ، فنزل الراكبون عليه ، وصعد عليه رجل كان معنا ، وناداني تعال ، فاركب معي. فقلت أنتم ألفتموه وألفكم ونحن لا ألفة بيننا وبينه ، ثم حيوان على صورة الغزال ، رجلاه أطول من يديه بكثير (٤) ، وهو يمشي على رجليه فقط ، يقفز كالغراب ، وإذا وقف / ١٢٠ / يستند على يديه ، ومما يستغرب أننا رأينا في بطنه جرابا من خلقته ، ومن لها من هذا الحيوان مولود صغير ، فحين يرى الآدمي يصعد إلى ذلك الجراب ويتوارى فيه ، بحيث لا يبقى يظهر منه إلا رأسه بأسفل بطن أمه ، حتى يتخيل لمن يراه بديهة أن ذلك الحيوان له رأسان. ثم الغزال المعروف رأينا منه هناك عددا كبيرا ، ويعدو ويجري في مكان متسع ، محوط بما ذكرناه ، ثم البقر الوحشي ، لونه رمادي ، ثم جمالا لكل

__________________

(١) يقص نحام Flamaul من الطيور ذات الأساوق الكبيرة ، لونه بيض ووردي ، طويل الساقين وله أشكال كثيرة تختلف في اللون وطول العنق. (نفس المرجع).

(٢) يسمى حذف Sarcelle ، وهو نوعان رخامي أو شتوي ، أما قار أو مهاجر (نفس المرجع).

(٣) ببغاةPerroquet.

(٤) قنقرKangourou حيوان ثديي يعيش بأستراليا ، والأنثى لها كيس تحت بطنه لحمل صغارها مدة ستة أشهر تقريبا ، وتتميز بقصر اليدين واستطالة الرجلين والذنب. الموسوعة في علوم الطبيعة ، إدوار غالب ، مجلد ٢ : ٣٢٨.


واحد حدبتان فوق ظهره ، بينهما من أعلاهما نحو ذراع. ثم نعامة تجر كروصة ، ثم فرسين قصيري القامة قيل إنه ولدتهما بغلة زرقاء (١) ... (٢) ثم اللين فوق رأسه قرون مشتبكة أكبر من العجل ، وفي قده أيضا. ثم حيوان بحري في صهريج مستدير ، ينزل إليه الماء ، رأسه كرأس الكلب (٣) ، وعنقه أغلظ من عنق الكلب ، وذاته كذات المعز ، له ذنب كذنب الحوت ، / ١٢١ / الشابل إلا أنه أي الذنب أعظم ، بين ريشتي ذنبه ذنب قصير كالأصبع ، وبين منتهى عنقه وصدره ريشتان قصيرتان ، ولا قشور في ذاته ، بل جلده رطب إلى السواد كلون الفرخ الذي يصطاد من بعض الأودية ، رأينا منه في هذا الصهريج خمسة وهو يسبح فيه ويغوص ، فبينما نحن نراه إذ وقف رجل يقابلنا على ظهر الصهريج ، وبيده حوت بل كوب فيه حوت رقيق كالحوت البوري ، فعندما رآه هذا الحيوان ، بعضه صعد فوق تلك اللوحة ، وصار يصيح كصياح العجل ، والبعض منه طلع على ظهر الصهريج يمشي على ذنبه مع تلك الريشتين حتى وصل إلى ذلك الرجل ، فصار تارة يرمي من ذلك الحوت إلى الذي فوق تلك اللوحة فيلتهمه بفيه لا يخطئه غالبا. وإذا أخطأ غاص عليه. وتارة يناول منه بيده للذي طلع / ١٢٢ / منه إليه. والعجب من هذا الحيوان أنه يفهم الإشارة من ذلك الرجل الذي يطعمهم ، فإذا أشار إلى الذي فوق اللوحة بالإتيان إليه ، فينزل منها إلى الماء ، ويطلع إليه ، وإذا أشار إليه بالنزول ينزل ، ويعلو تلك اللوحة.

ثم دخلنا بيتا طويلا مظلما ، في جداره من جهة اليسار صناديق من زاج مملوءة بالماء ، وبسببها يرى الضوء في هذا البيت ، وفيها من أنواع الحوت عدد كثير ، وفي

__________________

(١) حمار الزرد البرشيلي de Burchell موطنه الأصقاع الإفريقية القائمة جنوب خط الاستواء ، يتميز بشكله القريب من شكل الخيل ، رأسه يشبه رأس الحصان ، أذناه صغيرتان. نفس المرجع : ٣٢٢.

وتعتبر الجدعةPoney أصغر الأنواع.

(٢) بياض بقدر كلمتين.

(٣) كلب البحرPhoque من جنس الحيوانات اللبونة أتارية (Otarie) ، من الفقميات زعنفيات الأقدام ، موطنها بعض المناطق الباردة ، مستطيلة العنق والرأس لها أذنان صغيرتان ، يغلب عليها اللون البني الغامق ، تدرب على بعض الألعاب البهلوانية (نفس المرجع السابق ، ٢ : ٣٢٨).


الصناديق مع الماء بأسفله صم رقيق ، وفي بعضها حجر كأنه طين ، وفي بعض الصناديق عكرايشة (١) التي توجد عندنا بساحل البحر ، وفي بعضها حيوان ملتصق بالحجر ، يوجد بالساحل عندنا أيضا ، وذاته منتشرة ، وفيها شيء ناتئ كشوك القنفود ، إلا أنه أحمر (٢). فأتى رجل من وراء البيت ونزع لوحة الصندوق وناول هذا الحيوان ما يأكله بواسطة قضيب طويل ، بحيث جعل له ما يقتاته في رأس ذلك القضيب وأدلاه إليه حتى وصله ، / ١٢٣ / إلى وسط بطنه ، فانكمش عليه ، ونزع القضيب لا شيء فيه ثم طعم آخر كذلك ، فسبحان الملك الخلاق المنعم الرزاق. كيف أوصل إلى هذا الحوت ما قدر له من القوت ، على يد بعض البشر ، حيث ضاق عنه محله المنتشر ، فلا إلاه سواه ، ولا معبود بالحق إلا الله ، وفي بعض الصناديق الحوت البوري ، وحوت موسى (٣) في أسفل صندوقه الرملة يغوص فيها ، وفي بعض الصناديق الفرخ الذي ذكرناه يلتوي خلال الحجر هناك ، ثم حوت قصير أسود اللون له أيد وأرجل يشبه فارة الخيل ، وحوت الهند فيه ألوان ، في ذنبه ريش ، به استرخاء ، ووجدنا بركة ماء فيه حوت واحد طويل ، قيل أصله من بلاد الموسكو! ووجد بواد باريس ، فقبض وأتى به إلى ذلك المحل ، وطوله نحو ذراعين ونصف ، في جرم الشابل ، ولونه إلى السواد. ووجدنا قبة مبنية ، ومستديرة كالصومعة أو أطول ، فيها حمام ، قيل إنه الذي يسافر بالرسائل (٤). ثم حيوان كالغزال إلا أنه بلا قرون / لكن الذكر منه له قرون (٥) مشتبكة ، ثم قفص كبير محوط بقضبان الحديد والسلك كما ذكر ، وفيه كلاب الصيد عديدة ، وكل اثنين منها بيتان من عود

__________________

(١) سرطان البحرCraPe.

(٢) كستناء البحر من جنس الشوكيات جسمها مغطى بأشواك متحركة ، وجسمها مستدير الشكل ومسطح بعض الشيء في قسم منه ، وفمه يفتح ويغلق باستمرار فيه عدد من الأسنان المتحركة.

(نفس المرجع السابق).

(٣) طوربيدTorPille سمك يغوص في الرمل رعاش أو رعاد.

(٤) الحمام الزاجل Voyagear.

(٥) أيل Cerf له أنواع كثيرة عاشبة لبونة مجترة.


يخصهما ، يأويان إليهما ليلا ، وبينهما وبين غيرهما حائل من الحديد والسلك ، بحيث لا يدخل عليهما غيرهما ، ولا يخرجان إلى غيرهما ليلا يعدو بعضهما على بعض. ولها أناس موكلون بها ، يدخلون إليها من أبواب تخصهما ، وأما الطيور التي تقدم ذكرها ، فلكل نوع منها قفص يخصه ، في وسطه خصة صغيرة ، قدر طبلة الأتاي الصغيرة ، ينبع الماء فيها بقدر يسير ، وأما الحيوان الذي يرعى النبات فمرعاه خصب أخضر يانع ، لا ينقطع الماء عنه ، لأنهم يركبون في مواضع منه جعبة الطرنبة ، قائمة مقدار نصف القامة ، ويركبون في رأسها جعبة حديد ، فيها ثقب كثيرة ، والماء يخرج منها ، وهي تدور بسرعة (١) ، فينفصل الماء عنها وينزل ممتدا نزوله منها إلى مكان بعيد ، فنرى / ١٢٥ / ذلك الماء ينزل كنزول المطر ، فبسببه يكثر النبات هناك ، ولا ينقطع ، وذكر لنا أن هذا الجنان أحدث في ذلك المكان هذه مدة من سبعة عشر عاما. وفيه رجل مسن ذو سمت حسن ، هو كبير القوم هناك ، وأخبر أنه كان من كبراء الدولة في أيام نابليون قبل ، وأنه الآن أخر من مرتبته ووكل بما وكل به في هذا الجنان ، وطلب من الباشدور أن يتكلم عنه في ذلك فأجابه بما يسلي خاطره ، انظر حال من كان في رتبة وساء فيها الأدب كيف أدب بالرد إلى سياسة الدواب. اللهم من علينا بحسن الأدب معك ومع عبادك ، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك ، ودبر لنا بأحسن التدبير ، وكن لنا وليا ونصيرا ، فأنت نعم المولى ونعم النصير. وأما (٢) غير هذا من الوحوش كالسباع وغيرها ، فقيل أنها في جنان آخر يخصها أبعد من هذا ، فاقتصرنا على ما رأيناه منها في هذا الجنان حيث لم يبق / ١٢٦ / عندنا شك وصار الخبر كالعيان ، فلم يسعنا إذ ذاك إلا الرجوع لوطننا الرحيب ، وكيف لا وقد كادت الشمس أن تغيب.

__________________

(١) الري بالرش SPrinkling هو تقليد للري المطري الطبيعي ، ونظامه يتكون أساسا من أنابيب لنقل المياه ورشاشات ، يقذف الماء في شكل رذاذ ، ومضخة لدفع الماء في الأنابيب تحت ضغط مناسب. عالم المعرفة التكنولوجيا الحديثة ، رقم ٥٠ ؛ ١٧٧ د ، محمد السيد عبد السلام.

(٢) طرة في هامش الصفحة من إنشاء صاحب الرحلة «هذا الفصل يقوم عند الخروج من هذه المبيضة بحول الله».


بعض أوصاف دور السكة

وفي يوم الاثنين السادس والعشرين (١) من جمادى الأولى (٢) المذكور توجهنا إلى دار ضرب السكة (٣) ، وحيث وصلنا إليها تلقانا كبراؤها بالفرح والتعظيم فأدخلنا إلى صالة كبيرة وجدنا فيها تنتي عشرة مائدة مصطفة في براحها ، كل مائدة مرفوعة من الأرض نحو نصف القامة على ست أعمدة من عود ، وجعل على كل طبقة غطاء مثلث ، قاعدته في وجه الطبلة ، وضلعاه من ورقات الزاج ، ممسوكة بين فتقيات من عود ، في كل ضلع ست ورقات زاج تقابلها ست أخر في الضلع الآخر ، وهذه الورقات من الزاج تحتها ورقات من الكاغد الغليظ ، فيه دوائر متفاوتة ، نزع من هذه الدوائر مقدار من الكاغد من جميع مساحة الدوائر ، ووضعت فيها أنواع من / ١٢٧ / من السكة القديمة لجميع الأجناس (٤) من الذهب والفضة والنحاس ، فصار المأخوذ من الكاغد من مساحة تلك الدوائر بمقدار جرم السكة الموضوعة فيه ، فيصير جرم السكة تحيط به مساحة الدائرة التي وضع فيها بعدما نزع منها بقدره الكاغد ، وهذه الموائد كلها على هذه الكيفية ، وهي محفوظة عندهم ملحوظة غاية. ووجدنا في بعضها ريالات ثلاثة من الريال ذي شعب أربع المسمى عندنا بالريال المقنت (٥) ، من سكة مولانا السلطان سيدي محمد بن عبد الله تغمده الله برحمته وأسكنه بمنه

__________________

(١) في الأصل السادس والعشرون. سبق قلم.

(٢) الاثنين ١٩ يونيو سنة ١٨٧٦ م.

(٣) بنك فرنسا France Banque de تصنع به المسكوكات على اختلاف أنواعها وأحجامها من ذهب وفضة ونحاس وغيرها. بني سنة ١٧٧٠ م.

Grand EncycloPedie, N. 4. P. 371.

(٤) معرض المسكوكات الفرنسية القديمة والحديثة ، وبعض من مسكوكات الدول الأخرى. ويهتم علم المسكوكات أو علم النميات من الكلمة الفرنسية Numismatique Laبدراسة أنواع النقود والأوسمة.

(الكرملي ، النقود العربية وعلم النميات ، القاهرة ، ١٩٣٩ : ١٢١).

(٥) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.


فسيح الجنان. في أحدها تاريخ ١١٨٩ وفي آخر تاريخ ١١٩٠ وفي الثالث تاريخ ١١٩١.

ثم نزلنا إلى محل خدمة السكة ، فوجدنا في موضع منها مكينة عظيمة مثل مكينة البابور بل أعظم بكثير باعتبار ما يدور بسببها من مكينة الخدمة. إذ لكل عاملها مكينة تخصه بالخدمة في غاية الاجتهاد ، الخدمة في كمال الراحة والصدق والانقياد / ١٢٨ / وحين دخلنا إلى ذلك المحل الذي فيه المكينة الكبرى دخلنا منه إلى بيت آخر ، فيه بيوت النار كبيرة عليها أواني كبيرة الجرم منصوبة عليها ، والنار توقد تحتها ، وبيد رجل مغرفة يغرف بها الفضة من تلك الآنية ، ويفرغ في القوالب ، فأفرغ بمحضرنا ثلاث غرفات من كل مغرفة ، في ثلاثة قوالب ، ثم فتح ألواح القالب ، فتساقطت سبائك الفضة ، أخذ بعضها بلقاط وأدخله في آنية ماء ، وأخرجها ومسحها فإذا هي سبكة فضة ، طولها مقدار ذراع واحد ، وعرضها يزيد على عرض الريال بيسير ، وغلظها قريب من الأصبع (١) ، وعند فرغ هذه السبابك يأخذها أناس آخرون ، فيأتون بها لمكينة أخرى ، يدخلون رأس كل سبيكة في فرجة مربعة على قدرها بل أصغر منها. فتجر هذه السبيكة بالمكينة كما يجر الصواغ السلك في المزرة فتخرج أرق مما كانت وأطول. ولا يزالون معها بهذا العمل حتى يصير حرفها في الرقة كحرف الريال ، وتطول حينئذ ، / ١٢٩ / ولا تقع زيادة في عرضها ـ والله أعلم ـ بل تبقى على عرض الريال ، فعند ذلك يأخذها آخرون ، ويضعونها أمام رجال بين أيديهم مكينات صغيرة خارجة فوق مائدة مبسوطة ، مرفوعة بمقدار نصف القامة ، وهي أي المكينة الخارجة فوق هذه المائدة ، تشبه الزيار ، فيقبض الرجل الجالس قبالتها تلك السبيكة التي صارت في رق الريال ، ويدخل رأسها أسفل المكينة ، ويحرك إحدى رجليه ، ويصير يدفع هذه السبيكة ويخرجها من أسفل المكينة ، فتصير ترتفع وتنزل بسرعة على السبيكة ، وكلما نزلت عليها ارتفعت عنها ينفصل منها ريال مستدير ، وتبقى تلك السبيكة فيها دوائر الريال الذي سقط منها ، فترد إلى النار وعند خدمة هذه المكينة فتحت مجانة كانت عندي ، ورصدت مقدار ما تقطعه هذه المكينة من الريال ، فوجدتها قطعت خمسة عشر ريالا في ربع دقيقة. وهناك رجال

__________________

(١) ٢ سنتمتر.


متعددون ، هذا عملهم. وعند خدمة تلك المكينة نرى الريال / ١٣٠ / يتساقط من أسفلها متواليا (١) بسرعة كما بيناه. وهذا الريال الذي يتساقط ليس فيه حينئذ نقش ولا طابع ، ولا بحرفه شيء. ثم يجمع هذا الذي يتساقط ويوضع في أيدي رجال آخرين يجعلونه في جعبة على قدره ، بل هو أكبر (٢) ويخدم المكينة فيتساقط من أسفلها وقد أخذت من دائرة حرفه شيئا يسيرا ، كأن لا عبرة فيه في رأس العين ، قبل مروره في هذا المكينة. وهذه المكينة تصفي حرفه ، وتتركه متساويا في الوزن ، ثم يجمع ولا شيء فيه من النقش ، ويوضع في وسط زنبيل كبير ، طوله نحو ذراعين ، وقطره نحو نصف ذراع. وفيه ثقب كثيرة ، فإذا ملئ هذا الزنبيل أو قرب ملؤه يسد ويرفع بين حافتي صندوق. ويخدم المكينة فتراه يدور كما يدور الراقد الذي على بئر السانية. إلا أنه أي الزنبيل أسرع دورانا منه ، وبدورانه يدخل إليه ماء من ذلك الماء المملوء به للصندوق ، فترى الماء يضطرب في الزنبيل بين الريال ، وذلك / ١٣١ / الماء مشوب ـ والله أعلم ـ بما تشبب به الفضة ويبيضها ، فيتركه يدور في ذلك الصهريج نحو دقيقة مجانية أو أزيد بقليل ، ثم ينزعه ويفتحه ويفرغه ، فيخرج الريال أبيض فيجف ويمسح ويدفع لصاحب الطابع ، وهو بين يديه مكينة ، وهي دور من حديد كدور السانية ، مرفوع من وسطه على قطعة حديد طويلة مستديرة ، يدير بها وشك محفور فيها ، فيأخذ الريال واحدا بعد واحد ويضعه على طرف من حديد بارز قدامه ، ويحرك المكينة بين دفتي ذلك الدور نازلا يدور كدوران الرحى حتى ينزل ذلك الدور بقوته بطرف القطعة التي في وسطه على الريال ، ويضربه ضربة واحدة ، ثم يحرك المكينة فيصعد الدور مرتفعا ، فيرفع الريال وقد نقش من وجهين ، ثم يأخذ من بين يديه ، ويوضع في جعبة مكينة أخرى على قدر دوره ، ويملأ تلك الجعبة ريالا ، ويحرك المكينة فيأخذ يتساقط من أسفلها واحدا بعد / ١٣١٢ / بعد واحد وكلما سقط واحد

__________________

(١) بدل طرق ضرب السكة العتيقة التي تشكل عائقا ، في صنع الكميات الكافية ، مما يعطل حاجة السوق من كمية النقود المطلوبة. (مشكلة النقود ومحاولات الإصلاح في مغرب القرن التاسع عشر ، أفا عمر الرباط ، كلية الآداب ، سنة ١٩٨٥ م).

(٢) بياض بقدر كلمتين.


من تلك الجعبة تخطفه حديدة أخرى رأسها مستدير ، بقدر نصف دور الريال ، وتجذبه إلى محل آخر ، فيسقط في داخل ثقبة هناك ، وينزل إلى الطرف الموضوع لجمعه ، فيخرج عنده وقد رقم في حرفه ما يرقم في حرف الريال من حروفهم. وبهذا يتم عمله.

ولم نر في ذلك الوقت خدمة اللويز (١) ، لكن رأينا أناسا يخدمون من النحاس على قدر اللويز ، وخدمته كخدمة الريال ، لا فرق. والله أعلم. ووجدنا رجلين قدامها أواني مملوءة لويزا ذهبا ، وآنية أخرى كالصقعة فيوسطها صم ، وهو يأخذ اللويز من ذلك الطرف ، ويرمي به واحدا بعد واحد على ذلك الصم ، فإذا وجد واحدا طنينه ناقص على طنين الذهب المعهود يجعله في مكان وحده وذلك إما لتشعير به أو شبهه ، قيل إنه يرجع إلى محل تدويب الذهب ، وهذا اللويز الذي يقلبه هؤلاء ، ويعزلون / ١٣٣ / الجيد منه لا يكتفي بهذا التقليب ، بل يجمع هذا الجيد ويوزن في مكينة أخرى حيرت منا الأدهان ، وصار كل واحد منا كالحيوان الولهان ، وهي في غاية اللطافة والظرافة والنظافة أجزائها من صغر لطيفة ، وصورة ما شاهدته منها أنهم اتخذوا طبلة مربعة من عود ـ والله أعلم ـ قائمة على أربعة أرجل أزيد من نصف قامة الإنسان ، وفي وسطها ناعورة من صفر ، في حرفها مسمار بل مسامير ناتئة منه ، بعضها صغير طوله قدر حرف اللويز ، وهي في صف واحد بل صفوف محيطة بحرف الناعورة ، والمسامير الأخرى أطول من الصغيرة بيسير. وتحت الناعورة صندوق مربع من صفر ، لكن شكله كقطعة دائرة رأسه الذي أسفل الناعورة لا يرى وهو ـ والله أعلم ـ رقيق قدره ما يخرج منه خمسة من اللويز ، مصطفة مبسوطة من اليمين إلى اليسار ، وطرف الصندوق الآخر مرتفع منفرج ، فيوتى باللويز ، فيوضع / ١٣٤ / في المحل المنفرج من الصندوق المرتفع ، فتلقاه الناعورة ومساميرها ، لأن حرف الناعورة فيه ستة صفوف من المسامير الطويلة ، بين كل صفين منه قدر قطر اللويز ، وبين كل صفين من هذه الصفوف صفوف المسامير الصغيرة ، وقد ظهرت لي علة ذلك ـ والله أعلم ـ كما

__________________

(١) قطعة ذهبية قديمة وتنسب لملك فرنسا لويس الرابع عشر ، وتسمى اللويز الفرنسوي. وهي تقتنى حتى الآن ، وإن كان التعامل غير جار بها.


سأصفه لك بحول الله. وذلك أنهم حيث يفرغون اللويز في المحل المذكور ، ليرجع للمكينة ، فترى الناعورة تدور بالمسامير الطوال ، بدورانها تحرك اللويز وتدفعه قدامها لينحدر اللويز شيئا فشيئا وكلما وصل إلى محل أضيق من الذي كان فيه ، تحركه المسامير الطوال حتى يصل إلى المحل الذي تماس فيه رؤوس المسامير الكبيرة لوحة الصندوق السفلى. فعند ذلك تكون رؤوس المسامير الطويلة مماسة كلها للوحة الصندوق ، وحيث تكون على هذه الكيفية تكون تلك المسامير الصغيرة التي بين الكبيرة وبين رؤوسها وبين / ١٣٥ / اللوحة التي ينزل عليها اللويز مصطفا كما ذكر ، مقدار حرفه في العلو. فإذا نزلت هذه الخمسة من اللويز مصطفة كما ذكر للعلة التي بينا ، تأتي لوحة أخرى من رصاص أو شبهه رقيقة كرقة اللويز ، عرضها مثل عرض خمسة من اللويز. وحرفها فيه أنصاف دوائر مثل أنصاف دوائر جرم اللويز ، فيدخل كل لويز منها في نصف دائرة من أنصاف دوائر حروفها وترفعها بلطافة إلى صنجيات صغيرات قدر اللويز ، كل واحدة ممسوكة وحدها ، وهي مصطفة فينزل كل لويز في كل صنجة ، فتقف هنيئة ، ثم تنحدر إلى أسفل ، فيتساقط منها اللويز وينزل منحجبا عنا ، وتخرج الخمسة من اللويز من مخارج ثلاثة ، كل مخرج تحته آنية ، فالآنية الوسطى لا ينزل فيها إلا المعتدل الذي صفا وزنه ، ولا زيادة فيه ولا نقصان ، ولو كان هذا المعتدل في أحد الصفين الطرفين والآنيتان الأخريان ، لا ينزل في أحدهما إلا الناقص الوزن ، ولو / ١٣٦ / كان في الجهة المقابلة للآنية التي ينزل فيها الخفيف والأخرى لا ينزل فيها إلا الخفيف ولو كان مقابلا للآنية التي ينزل فيها الناقص أو المعتدل ، وهنا تعجبت عقول الحاضرين من ذلك ، وهناك مكينتان أخريان لكن يوضع في كل واحدة منهما اللويز في جعبة على قدر دائرة جرمه ، فيخرج من أسفلها إلى صنجة واحدة ، ثم يسقط منها فينزل في إحدى الأواني الثلاث ، المعتدل في آنية وغير المعتدل في محلين (١) ، ذو ذكر أنه يطبع فيها في كل يوم ثمانمائة ألف ريال منها

__________________

(١) استدراك في طرة الصفحة أدرجته في مكانه بين نجمتين* ...*.


مائتان ألف ريال لجنس الفرنصيص وباقيها لأجناس أخرى (١) هناك ، ويدفعون عنه وظيفا للمخزنذ. وكان هذا آخر ما رأينا بهذه الدار.

دار المطبعة

وفي يوم الثلاثاء السابع والعشرين من جمادى الأولى المذكور (٢) خرجنا لدار المطبعة (٣) فدخلنا لبيت منها وجدنا في وسطه تأليف الإمام سيدي خليل (٤) بخط المطبعة بالعربي ، والقاموس (٥). لكنه مميز بخطهم ، وهذا البيت مربع يحيط به

__________________

(١) بهذه الدار تم ضرب الريال الحسني ، كما جاء في رسالة السلطان الحسن الأول إلى نائبه بطنجة (... وبعد ، اقتضى نظرنا الشريف ضرب سكة شرعية تتصارف بها رعيتنا ، في إيالتنا السعيدة ... أن يضرب مقدار خمسة ملايين من العشرين مليونا من الفرنك المذكور. ريالا وزنه عشرة دراهم شرعية يكون مماثلا لريال الفرنسيس في المعيار والصفاء ، ومقدار مليونين منها يضرب نصف ريال وزنه خمسة دراهم شرعية يكون مماثلا للفرنك الفرنسيسي في المعيار والصفاء ، ...) الإتحاف ، ابن زيدان ، ٢ :٤٣١ ـ ٤٣٣. وبعد أن ضرب بفرنسا رفض المغرب قبول هذه السكة المخالفة للمتفق عليه في شأنها ، لكنه أرغم في النهاية على قبولها على علاتها ، من هنا جاءت الكارثة ، فصارت قيمتها تنحط شيئا فشيئا عن الريال الفرنسي مما أدى إلى أزمات الاقتصاد المغربي ، وآلت محاولة الإصلاح إلى فساد.

محمد المنوني ، مظاهر يقظة المغرب الحديث ، الرباط ، سنة ١٩٧٣ م ، ١ : ٨٥ ـ ٨٦) وذلك سنة ١٢٩٨ ه‍ / ١٨٨١ م.

(٢) ٢٠ يونيو سنة ١٨٧٦ م.

(٣) يقصد المطبعة الوطنية Nationale ImPrimerie وهي معمل ضخم أسسه الملك لويز الثالث عشر سنة ١٦٤٠ م ، وفي سنة ١٨٠٩ م اختصت بطبع قوانين الدولة وكتب العلوم والصنائع التي تعينها الدولة ، مع طبع ما يتعلق بالوزارات والإدارة العامة ، وتطبع بها الكتب المؤلفة باللغات الشرقية ومنها العربية

Grand.EncycloPedie ,N. ١٣. P. ١٧٥.

(٤) ابن إسحاق ، فقيه مالكي من مؤلفاته «المختصر» توفي بالقاهرة حوالي ١٣٧٤ م. المنجد.

(٥) المحيط ألفه الفيروز ابادي المتوفى ١٤١٤ م ، رتبه البستاني في كتاب «محيط المحيط» المنجد.


خزانات عديدة ، قيل إن جميع الخطوط التي تقدمت في سالف الدهر ، مع الموجود منها اليوم ، كلها مقيدة محفوظة هناك حتى الخط السرياني ، وسموا لنا خطوطا كثيرة ما سمعتها قط ، وعددت هناك ما يزيد على العشرين خطا ، فما استوعبت نصفها. وخرجت تابعا لأصحابنا ، فدخلنا لدار المطبعة ، وهي دار عظيمة في أسفلها طرق كثيرة يوصل بعضها إلى / ١٣٧ / بعض ، والداخل إليها وحده ممن لا خبرة له بها إذا توسطها لا أظنه يهتدي إلى طريق الخروج منها ، لشدة كبرها. ومع ذلك فهي مقبية بالزاج في غاية النظافة ، لا ترى فيها غبراء ولا بها شيئا يستقدر ، وفي هذه الطبقة السفلى أناس كثيرون ، بيدهم الألواح ، وأمامهم الحروف (١) في صناديقها ، وهم يركبون الحروف في الألواح ويصففونها في سطور ويجعلون بين كل سطرين فتقية (٢) حديد تمسك الحروف ، هذا شغل هؤلاء الناس ، وهناك آخرون ، وهم قليلون ، بين أيديهم رزم من الكاغد الأبيض يضعونه في صهريج ماء ويخرجونه ليصير قابلا لطبع الحروف فيه ، وهناك مكينة حديد عظيمة ، بها تتحرك جميع المكينات التي في الطبقات ، ثم صعدنا الطبقة الثانية ، فوجدنا فيها الأناس المشتغلين بالطبع فمنها مطبعة الحجر ، لكن لم نجد واحدا منهم يطبع بها ، وإنما هناك أناس مشتغلون بنقش الحروف في الحجر وهو حجر صلب أظنه رخاما (٣) ـ والله أعلم ـ ، ومنها ألواح كبيرة على قدر صفحة الكاغد الكبيرة ، يأخذ رجلان الصفحة (٤) ويضعانها عليها وينزلان فوقها ، لوحة حديد على قدرها ، ويدفعها المقابل للمكينة فتنزل عليها بلطافة وترتفع

__________________

(١) هي الأداة التي توضع فيها الحروف ، وتصنع عادة من الخشب التك (Teak Wood) أو الزان ، وتقسم إلى خانات ، الضيقة تملأ بالحروف القليلة الاستعمال ، والمتوسطة بالحروف الأكثر استعمالا حتى تلتقط بأسرع وأيسر وسيلة.

(٢) المصف الخاص بجمع الحروف الصغيرة يسحب ، ويوضع فوق السطر المجموع بالمصف ، لتسهيل جمع سطر آخر فوقه ، وهكذا إلى أن يملأ المصف بالأسطر فيفرغ دفعة واحدة. الطباعة الحديثة ، علي حسين عاصم ، ١ : ٢٦.

(٣) الحروف تنقش على الحجر المتوسط الصلابة ، وليس الرخام. (نفس المرجع السابق).

(٤) في الأصل يضعونها عليها وينزلون.


فيقربها / ١٣٨ / إليه ذلك المقابل لها ، ويفك تلك اللوحة التي فوق الصفحة وينزعها فتخرج مكتوبة كلها لا نقص فيها ، ثم يرفع الآخر طرفا من عود ـ والله أعلم ـ مستدير ، طوله كعرض صفحة الكاغد ، وله يدان بطرفين خارجتين ، وهو مبطن بشيء لين ، ويمر به على المداد الذي فوق رخامة أخرى أمامه ، ويمر به فوق الحروف ، ثم توضع صفحة أخرى فوق لوحة الحروف وهكذا كما تقدم (١) ، وكلما طبعت صفحة يقبلها آخر من الخدمة ويضعها فوق أخرى والخدمة هناك على هذه الكيفية كثيرون. ومنهم خدمة آخرون يطبعون بالكيفية الأخرى ، والفرق بينهما وبين الأخرى أن هذه لوحة حروفها قائمة قبالته فحين يوضع عليها الصفحة ، وتشد تنحدر قدامه ، كأنها تريد النزول ، فتلقاها المكينة ، من أسفلها ومن فوقها بلطافة ، ثم ترسلها فترجع إلى الذي هو مقابل لها ، فينزع هذه الصفحة مطبوعة كلها ، وأما الأولى فإن لوحة الحروف مبسوطة أمام المقابلين كما تقدم ، وهناك مطبعة على كيفية أخرى (٢) ، وذلك أنهم اتخذوا حرفا من حديد مستديرا ، طوله كعرض الصفحة التي تطبع فيه ، ومحيط دائرته / ١٣٩ / ، بقدر طول السطور التي تكتب في تلك الصفحة ، وبأسفله جرم آخر مثله طولا وعرضا ، وهما متسامتان ، أعني أحدهما فوق الآخر ، بينهما من الفضاء مقدار حرف الكاغد الذي يطبع بهما. وهذان الجرمان سطحهما مغروز بالحروف كسطح لولب الموسيقا المعروف بمسامير خدمتها ، وهما يدوران فيوضع رأس الصفحة بين ذلك الجرمين ، فيجذبانه إليهما ، فتراها خارجة من الجهة الأخرى بسرعة مطبوعة من كلتا الجهتين ، فيمسكها آخر واقف هناك ، فلا ينزل ورقة على أخرى إلا ويرفع ذانك الجرمان صفحة أخرى مطبوعة ، وهذا شغله لا راحة له لسير

__________________

(١) ذكر السفير الحاج إدريس العمراوي في رحلته «تحفة الملك العزيز بمملكة باريس» (حققه زكي مبارك ، طنجة ١٩٨٩ م) في أواخر سنة ١٨٥٩ م «ونطلب الله بوجود مولانا أمير المؤمنين أن يكمل محاسن مغربنا بمثل هذه المطبعة ويجعل في ميزان حسناته هذه المنفعة». نفهم من هذه الجملة كنص تاريخي في هذا المجال ، أن المغرب كان يتطلع لهذا الاختراع العلمي. على أن المطبعة الحجرية دخلت إلى المغرب على يد قاضي تارودانت سنة ١٨٦٦ م ، بعد أن اشتراها من مصر.

(٢) بعد المطبعة الحجرية يتحدث عن المطبعة الميكانيكية الحديثة ، التي أخذت محلها شيئا فشيئا.


تلك الخدمة ، والخدمة هناك كثيرون هذا عملهم بسبب تعدد المكينات ، ثم صعدنا طبقة أخرى فوجدنا فيها نواعير تدور ، كل ناعورتين تدوران على رابط بينهما كالحائط ، يدور عليهما منشور وتدور بدورانه صفحات الكاغد المكتوبة ، بل المطبوعة. قيل إن بدورانها يصفيها الهواء فيتم يبسها ، ولعلها أن بمرور الصفحة بين الناعورة والحديد ترتدع الحروف التي تكون بارزة في الكاغد ، وتنبسط ، ثم يصيبها الهواء ، وبمرورها يقبضها خدمة آخرون ، فيدفعونها / ١٤٠ / لنسوة فيشتغلن بطيها ويضعنها بعضها فوق بعض على حسب تواليها وتتابعها. وهناك نسوة أخر يفصلن الورقات ، ويضعن كل ورقة فوق أخرى على حسب تتابعها أيضا ، ثم صعدنا طبقة أخرى فوجدنا فيها نسوة يخدمن الكتب بالمكينات ، بحيث يجعلن حروف الكتاب أسفل حديدة ويرسلها عليه فتمر عليه بسرعة ، فتأخذ منه قدرا ، وتترك ذلك الحرف في غاية الاستواء.

وفي الطبقة التي فوق هذه المسفرون (١) ، والكتب موضوعة أمامهم مصطفة من الأرض إلى السقف ، ممتدة مع طول هذه الطبقة. فمنهم من هو مشتغل بوضع التذهيب في ألواح الأسفار ، ومنهم من هو مشتغل بخياطة الكتب ، وسئل عن عدد الخدمة الذين بهذه الدار ، فقيل ثنتا مائة خدام ، بين رجال ونساء ، وهذه الكتب تفرق في سائر الأقاليم ، ويطبع في هذه الدار بجميع الأقلام الموجودة في الوقت عدا القلم العربي (٢) ، فلم نر مطبعته هناك ، وإن كانت موجودة هناك فلم نصادف وقت الطبع بها ، ولعله لقلة طالبها.

__________________

(١) في الأصل السفارة.

(٢) انتقلت الطباعة إلى مصر مع الحملة الفرنسية سنة ١٧٩٨ م ، ولما انتهت الحملة أعيدت أدوات الطبع وآلاتها إلى فرنسا ، حتى أسس محمد علي باشا مطبعة بولاق عام ١٨٢٠ م وغدت المطبعة الرسمية للحكومة المصرية وتضم ٤٦٩ حرفا. (الطباعة الحديثة ، علي حسين عاصم ، ١٩٥٦ ، ١ : ١٢).


دار الكتب المطبوعة

وفي يوم الأربعاء (١) توجهنا للدار التي / ١٤١ / فيها الكتب المطبوعة (٢) فوجدناها في الكبر مثل دار المطبعة أو تقرب منها ، وهي مع عظمتها وكبرها مقبية بالزاج ، لا تدخلها غبراء ، وهي في غاية النظافة والمحافظة. وفيها طبقات بعضها فوق بعض ، وسقف هذه الطبقات أشراك من حديد لنفاذ الهواء فيها من الأسفل إلى الأعلى. ويرتقون للطبقة العليا في معارج عديدة هناك من حديد ، وهناك أناس قائمون بأمر كتبهم ، لأننا وجدنا في بعض الطبقات أناسا مشتغلين بالمطالعة (٣) ، فمتى احتاج أحدهم كتابا يأخذه من القيمين هناك ، فيقتضي منه غرضه هناك ، ولا يخرجه بل عند خروجه يرده له. والقائمون بالكتب الذين في الطبقة العليا عندهم هناك ظرف كالكوب ، يمسك بقنبة طويلة من يده ويرسله إلى أسفل ، بين مخازين الكتب ، فتراه كأنه نازل في بئر ، فيضع الذين كانوا يطالعون فيه الكتب التي كانت عندهم في وقت واحد ويخرجون ، ثم يصعد ذلك الكوب إلى الطبقة التي يريد القيم وقوفه بها ، فيقف فيرد الكتب التي فيه لمواضعها ، وذكر لنا أن هذه الدار عندها (٤) من الكتب العربية القديمة ألفا كتاب ، وإنما أوتي لنا منها بمصحف / ١٤٢ / من القرءان العظيم ،

__________________

(١) ٢١ يونيو سنة ١٨٧٦ م.

(٢) يقصد المكتبة الوطنية Nationale Bibliothequeكانت تسمى مكتبة الملك أو الملوكية ثم الإمبراطورية ، وهي من أغنى المكتبات بالعالم إذ تحتوي على كثير من الأسفار في شتى الفنون والمواضيع ، في وقت الثورة لما أزيلت من فرنسا المآثر الدينية ضم إلى هذه المكتبة الكثير من الكتب الدينية ، بالإضافة إلى الإهداء والشراء وكل ما يطبع بالمطابع المحلية ، وتنقسم الكتب الموجودة بها إلى أقسام.

Grand EncycloPedie, N. 6. P. 47.

(٣) قاعة المطالعة بها حوالي ١٠٠٠ مقعد مفتوحة للعموم (نفس المرجع).

(٤) أدخل إلى هاته الخزانة سنة ١٧٣٩ م قسم اللغات الشرقية ، بها عشرات الآلاف من الكتب المخطوطة ، منها المخطوطات العربية. (نفس المرجع السابق).


بقلم كوفي (١) ، وطوله نحو ذراع وربع ، وعرضه يقرب من ذراع ، وآخر يقرب منه كذلك ، ثم أوتي لنا بمصحف بخط من خطوط الجزيرة ، وبآخر صغير جدا ، عرضه نحو أصبعين ، وطوله كطول السبابة ، بحروف دقيقة متداخلة ، ووجدنا هناك سفرا كبيرا ، مثل المصحف الأول ، في ترجمته هذه المقالة الأولى من كتاب أرسططاليس (٢) ، وهو سفر ضخم ، ثم سفر الإحاطة في أخبار غرناطة (٣) بقلم مشرقي ، وطلبنا منهم أن يدفعوا لنا تقييدا بما عندهم من كتب العربية (٤) فوعدوا به ، ولم يكن وفاء بهذا الوعد ، وذكر أن بتلك الدار من كتبهم مليونين اثنين من عدد الكتب الخاصة بهم.

بعض صفات دار الفرجات

وفي بعض الليالي السالفة لنا في باريز كان كبراء الدولة يتخذون لنا المواضع

__________________

(١) قد يكون مصحف قرآن بخط الخليفة هارون الرشيد ، الذي ما زال بها ضمن المخطوطات العربية.

(نفس المرجع السابق).

(٢) كتاب أرسطوطاليس( Aristote ٣٢٢ ـ ٣٨٤ ق. م) فيلسوف يوناني تأثرت بوادر التفكير العربي بتآليفه التي نقلها إلى العربية النقلة السريان ، مؤلفاته كثيرة ومتنوعة ، وله مخطوطة في الخطابة السوفسطائية.

(٣) لذي الوزارتين لسان الدين بن الخطيب ، وهو عبارة عن موسوعة شاملة بكل ما يتعلق بالمدنية الأندلسية. ألّف سنة ٧٧٢ ه‍ ، وتوجد نسخ الإحاطة بجامع الزيتونة بتونس ، ومكبتة مدريد والإسكوريال ، وبدار الكتب المصرية ، وبالخزانة الملكية بالرباط ، وخزانة القرويين بفاس ، والمتحف البريطاني ، ومكتبة لين بهولندا ، والخزانة الوطنية بباريس. (حقق نصه محمد عبد الله عنان ، القاهرة ، ١٩٧٣).

(٤) من المخطوطات العربية كذلك (تاريخ الطبري ، ومقامات الحريري بالصور ، ووصية أبي حنيفة ...).

(نفس المرجع السابق).


الخاصة ، المنتخبة بديار الفرجات عندهم ، المسماة عندهم بديار الطياطرو (١). ويرون ذلك من وجوه المبرات بنا والإكرام لنا ، فكنا نتوجه إليها مساعدة ، وهي ذات أشكال بديعة مشتملة على قبب رفيعة ، مرفوعة على سوار من رخام ، في وسطها ثريات تشغل بالغاز مع لانبات منه (٢) / ١٤٣ / في أماكن محيطة بداخل الدار ، ومن العجب أنهم إذا أرادوا إطفاء الثريات وغيرها من جميع الضوء الذي في الدار ، فيدار لولب واحد فتنطفئ كلها دفعة واحدة ، وأحسن ما يبين هنا من هذه الفرجات أن عند أرباب بعض هذه (٣) الديار حيلا معلمة ، تعلم اصطلاح نقر طنبور العسكر وموسيقاه ، وعددها ثمانية ، تخرج إلى وسط الدار فمهما تكلم الطنابري الذي هناك مع صاحب الموسيقا بشيء تجيبه العسكر من الآدمي ، فتراهما في بعض الأوقات تقبل واحدا بعد واحد مع تتابع أيديها وأرجلها في الخطى ، وحيث يتغير نقر الطنبور والموسيقا تراها تصطف وتقبل في صف واحد ، وتارة يدور بعضها على بعض كما يفعله العسكر في بعض الأوقات ، وتارة ترفع أيديها وتقف على أرجلها ، وتقبل في صف واحد ، ثم ترجع إلى مرابطها عندما يؤذن لها بذلك. وفي بعض الأوقات خرج منها فرس واحد مسرج وتبعه صبي صغير السن نحيف الجسم لا أظن سنه يبلغ ثمانية أعوام ، وهو عاري الجسد عدا عورته مستورة فعمد إلى ذلك الفرس وقفز قفزة واحدة ، فإذا به فوق ظهره ، فصار الفرس يعدو به دائرا مع محيط الدار / ١٤٤ / حتى دار به نحو ثلاث مرات ، ثم قفز فوق ظهره فإذا به واقف ، فصار ينقلب فوقه ، تارة أمامه ، وتارة وراءه ، وتارة تراه يرقص فوق الفرس ، وتارة تراه في حال قيامه مائلا إلى جهة

__________________

(١) يقصد السرك أو الملعب البهلواني داخل مسرح مدرج AmPhitheatre يعرف بالروماني.

(٢) انظر شرحها في الملحق رقم : ٤.

(٣) ظهر السرك الحديث لأول مرة بانجلترا ، في شكل متنقل ، داخل إطار مؤسسة خاصة بالألعاب البهلوانية وترويض بعض الحيوانات المتوحشة والأليفة. شيد السيد Astler PhiliPفي لندن أول مسرح مدرج AmPhithetre سنة ١٧٨٠ م. وانتقل هذا الفن بسرعة إلى فرنسا ، وشيد بها سرك Elysees ChamPs وسرك نابليون. وبعد حرب ١٨٧٠ م تزايد عددهم داخل مدينة باريس بعد النجاح الكبير الذي عرفته هذه الدور.

G. Dictionnaire Ency. Larousse, Paris


البراح ، فيكون بين قدميه وظهر الفرس زاوية منفرجة ، وتارة ينصبون في وسط هذه الدار عصا قائمة ويربطون في رأسها أطراف ثياب طويلة كالعمائم عندنا ، ويمدونها من العصا إلى محيط الدار ، وعددها أربعة ، كل عمامة في ربع ، فيصير الفرس يجري تحتها ، وهذا الولد يقفز عليها عند وصوله إليها ، وهو مع ذلك بين كل عمامتين إما ينقلب أماما أو وراء على ظهر الفرس ، أو يرقص مع شدة قرب ما بين العمامتين ، وكأنه يفعل ذلك على شيء لا يتحرك ، وتارة يقف أناس آخرون بين هذه العمائم ، ويمسك كل واحد منهم قضيبا مستديرا ، قطر دائرته نحو ذراعين ونصف ، واتخذت ورقة كبيرة من كاغد رقيق أرق من العنكبوت. / ١٤٥ / ووضع هذا المستدير عليها ومسكت عليه ، وجعل في هذه الدوائر ، في كل واحدة منها يد خارجة عنها من عود أو حديد ، فيقف أربعة رجال بين تلك العمائم ، كل واحد ماسك لتلك الدائرة المجلدة بذلك الكاغد ، فيأخذ الفرس في جريه مع محيط الدار والصبي واقف على ظهره ، فإذا عارضته العمامة قفز فوقها ، وإذا لقيته تلك الدائرة المجلدة قفز وخرقها برأسه ، ويتمزق ذلك الكاغد ، ويخرج منه منقلبا ، ويأتي واقفا على ظهر الفرس ، فتلقاه العمامة الثانية فيقفز فوقها ، ثم الدائرة المجلدة ثانيا فيخرقها كما ذكر ، ويصير واقفا على ظهر الفرس ، وهكذا حتى يخرق الدوائر الأربع ، ويقفز على العمائم الأربع في دورة واحدة ، وتراه في هذه الحالة كالبرطال ، لا يكاد يثبت على ظهر الفرس ، لأنه كلما استوى عليه تعرض له العمامة أو الدائرة. وهذا يكاد أن يستغربه السامع لكني تأملت في أحوال الماسكين للعمائم مع تلك الدوائر ، فرأيتهم يرتكبون ما يسهل / ١٤٦ / العمل على ذلك الصبي ، لأنه إذا وصل إلى صاحب العمامة يرخيها يسيرا من يده حتى تقرب من سرج الفرس ، فيسهل عليه القفز عليها ، وكذلك صاحب الدائرة المجلدة بالكاغد ، إذا وصل إليها ترى الماسك لها كأنه يضرب رأس ذلك الصبي بالكاغد المجلد بها تلك الدائرة ، وفي وسطه تمزيق يسير ، وذلك كله تسهيل لخرق الصبي ذلك الكاغد والخروج منه بسرعة ، عند الوصول إليه ، وليس في ذلك كبير مزية ، بل ذلك كله من قبيل الرياضات والممارسة ، والنشأة (١) في ذلك من حال

__________________

(١) في الأصل خطأ ، النشئة.


الصغر حيث يعتاد ذلك ويصير ذلك لمتعاطيه طبيعة وعادة. نعم ، لو كان كل فرد منهم كبيرا وصغيرا يفعلون ذلك لكانت لهم به مزية وخصوصية ، ولكنه في أفراد نادرة قليلة جدا. كما يوجد عندنا في بعض الأفراد الذين يركبون الخيل ، فإنهم يقفون عليها ويلتفتون إلى الوراء يخرجون البارود ، ومنهم من يدور على بطن الفرس ، ومنهم من يرفع / ١٤٧ / شيئا من الأرض توضع له ، كالعمامة توضع له على الأرض ممتدة على طولها ، فيأخذها من طرفيها معا إلى غير ذلك من الأعمال التي يتعجب منها. ولا يأخذون عن ذلك أجرة ، ولا لهم عنه وظيف (١) ، بخلاف هؤلاء فإن لهم فيه تجارة كبيرة وصائرا عظيما. ولو كان الفرسان المسلمين (٢) جعل عن ذلك لشوهد منهم العجب الكبير ، ولكن الشجاعة الغريزية هي التي تحمل بعضهم على استعمال ذلك. وهذه الرياضة الموصلة إلى هذه الخفة علق بذهني أن ابن خلدون تكلم عليها في المقدمة ، وأنها من قبيل المدارك التي يدركها الإنسان بالتدريج والرياضة (٣) ، حتى إن بعض أصحاب الرياضة من ذلك يمشون على الحبل الرقيق المنصوب في الهواء ، ولا يخشى سقوطا ، كأنه يمشي على الأرض ، وتنفى عنه مادة وهم السقوط ، فلا يبقى بخياله شيء من توهّم السقوط ، ذكر ذلك ـ والله أعلم ـ في الكلام على الوهم وأثره في الإنسان ، فراجعه إن شئت (٤) ، ومنهم رجال يقف بعضهم فوق بعض ، وينقلبون إلى وراء وأمام ، كما يفعله بقربنا أولاد سيدي / ١٤٨ / أحمد وموسى

__________________

(١) يركز الجعيدي على أهمية الاختصاص والاحتراف بدل الهواية.

(٢) في الهامش طرة من إنشاء نجله عبد القادر الجعيدي «قد حضر بمكة المشرفة أيام الحج عام ١١٩٤ ه‍ من فعل ذلك بفناء دار الأمير الشريف عبد الله بمرأى من الوفود وجعل يمشي تارة على الخيل وتارة يرقص فوقه».

(٣) حسب نظر المؤرخ ابن خلدون أن المعارف النفسانية مصدرها الوحي الذي يلقى في صنف خاص من البشر وهم الأنبياء والرسل ، وهناك معارف نفسانية كذلك مصدرها الرياضة والاكتساب لا الوحي ، أي معارف مكتسبة.(إبستيمولوجيا المعقول واللامعقول ، محمد عابد الجابري ، أعمال ندوة ابن خلدون ، ١٩٧٩ : ٧٣).

(٤) «... في أصناف المدركين للغيب من البشر بالفطرة أو الرياضة ...». المقدمة ، الفصل ٦ الباب ١.


 ـ نفع الله به ـ وأما ما يفعله بعمل السيمياء المسماة عندنا بخنقاطرة (١) فأمرها مسلم مغرز مشهور (٢).

رأينا من ذلك في بعض الديار ما سأذكره ، وذلك أنهم يرسلون سترا بأحد أرباع الدار ، يصير حاجزا بين جميع من في الدار الذين أتوا للفرجة ، وبين محل اللعب ، حتى يتناولوا العمل الذي يريدون ظهوره ، فإذا فرغوا من تهيئه يرفعون الستر ، فترى ذلك المحل المتخذ للعب قد انبسط وامتد غاية ، حتى ترى منه دائرة الأفق كأن بها بحرا فيه سفن كبيرة ، والفلك محيط بالبحر ، وفيه سحب حمر وغيرها ، وتارة حين يرفعون الستر ترى جبالا شاهقة ، وتارة ترى أشجارا عظيمة كأشجار الغابة ، فيخرج عند ذلك من كهوف الجبال رجال لابسون لباس العسكر ، لابسون السلاح ويأتون معه مصطفين صفا بعد صف ، وكل فرقة منهم تباين الأخرى في الزي واللباس. وهم يحكون بذلك محاربة أهل الهند لهم ، وليس هذا العسكر من قبيل السيميا / ١٤٩ / بل ذلك حقيقة من تمام فرجتهم وتارة حين يرفع الستر تجد بابور النار حقيقة لا سيميا مارا ، وصاحب الصفارة يصيح بها ، وهو يجر عربات وكل ذلك معد عندهم بهذه الدار بقصد الفرجة ، وعند مرور العربات يخرج الناس من كهوف تلك الجبال ويأتون إلى العربة الأخيرة ، يفصلونها من العربية التي تجرها ، فيسافر البابور وتبقى تلك العربة بأيديهم ، فيأخذون منها ما شاءوا ، وتارة يكون بها أناس كالمسافرين ، فيخرجون إليهم منها فيخرجون فيهم كوابيس البارود خروجا حقيقيا ، لكنه لا يصيب

__________________

(١) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.

(٢) في الهامش طرة من إنشاء نجله عبد القادر الجعيدي «هذا العمل ليس من أعمال الخنقطرة في شيء ، وإنما هو تصاوير في كاغد يتحرك بآلة كهربائية». اعتقد الجعيدي أن ذلك حقيقة ، والصفار تحدث في رحلته السفارية عن المسرح والأوبرا ، من الصفحة ٦٥ إلى ٨٦ ، وسرد ما يعرض على الخشبة من أنواع القصص وتعجب لملائمة الأزياء للأدوار والأزمنة ، وملائمة الصور للأماكن التي دارت فيها الأحداث ، وذكر أنه شاهد تمثيلية حول حياة القسيسين الخادعة ، وكيف أنهم يتظاهرون بالصلاح والزهد وهم يتعاطون في الخفاء لشتى أنواع المنكرات ، فرأى فيها تأديبا للنفوس وتهذيبا للأخلاق وراحة للقلب والبدن.


الذين خرجوا من الكهوف ، لكنهم عند خروج البارود تراهم يتساقطون على الأرض ، وكأنهم أصابهم البارود وماتوا به ، فلا ترى أحدا منهم يتحرك ، فعند ذلك يرسلون ذلك الستر ، ويشرعون في أعمال أخر لا حاجة إلى ذكرها ، ومع هذا حين لعبهم يكون أصحاب الموسيقا مشتغلين بها ، وعددهم أظنه يزيد على المائة ، ولم أدر هل كل واحد منهم بيده آلة (١) / ١٥٠ / مغايرة لغيرها ، أو تتعدد آلة الطرب عندهم ، وهذه الديار متعددة في باريز ، في كل حومة منها عدد كثير ومبدأ الفرجة عندهم من الغروب وكان عنهم في الوقت الذي كنا فيه يزيد على الساعة الثامنة بخمس دقائق (٢) ، وهي الغاية عندهم ، وتمتد الفرجة إلى ثلاث سوائع أو أربع أو أقل.

صفة طرق باريس وأحوال الخدمة

وأما طرق هذه المدينة فيبيت الضوء مشعولا في فناراتها المنصوبة في الطرق إلى الشروق. وأما الخدمة أصحاب الأكداش الذين يحملون السلع من البابورات إلى المدينة ، وينقلون السلع منها إلى البابورات ، فلا تفتر خدمتهم ليلا ولا نهارا ، وإنما تقل الخدمة قرب الفجر لا غير. وأما في وسط النهار ومنتصف الليل ، فتراهم بين غاد ورائح ، كأن الحرب مشتعلة بينهم وكل يجري حسب جهده وطاقته ، وإذا نظرت إلى الطرق من الأعلى ترى كأن المحلة دخلت البلاد ، وبعضهم يجري على بعض ، وعند

__________________

(١) ابتداء من الصفحة / ١٥٠ / نجد صفحات مخطوط الرحلة مسطرة بخطوط أفقية ، وازداد عدد الأسطر من ١٢ إلى ١٦ في الصفحة الواحدة.

(٢) في الهامش طرة من إنشاء نجله عبد القادر الجعيدي (وذلك لأن عرض باريس ٤٩ والميل المعدل ٢٣ فيكون نصب القوس إذن ٨٥ فيزيدون تعديل الغروب في ذلك. أن تكون الشمس وقتئذ في أول السرطان والشهر العجمي يونيو في اصطلاحنا وليس اصطلاحهم ٢١ منه والله أعلم).

حسب التوهيمات الفلكية تقسم الأرض إلى ٣٦٠ درجة ، والشمس في حركتها الظاهرية تقطع هذه المسافة في ٢٤ ساعة (١ ساعة ـ ١٥ درجة) ، وعدد درجات الطول التي بينهما ـ ٥ ، ٨ أدرج* ٤ ـ ٣٤ دقيقة ، وباريس شرقية من سلا والرباط فيتقدم الوقت فيها بمقدار ذلك.


تزاحم الأكداش تسمع لمرورها صوتا هائلا كالبحر عند هيجانه ، أو صوت الرعد. وعند مرورنا (١) في الأكداش بينهم إذا لم تتكلم بغاية جهدك مع الجالس معك لا يسمعك نطقا ، ومع هذا كله ، فالمكلفون بتنظيف الطرق بالكنس والرش قائمون بذلك ليلا ونهارا لا يفترون ، فأصحاب الرش يركبون الطرنبات في تفجيرة مع رديف الطريق ، وهي أي الطرنبة جعبة طويلة ، بل جعبات طويلة ، وكل واحدة نحو خمسة أذرع ، ويوصل بين كل جعبتين بجعبة من الجلد. ويجعل عند الملتقى جرارتين كأنهما رجلان ، تمشي عليها الطرنبة ، والماء يخرج من فم الطرنبة فينصب على الطريق مقدار عشرة أذرع طولا وقربها عرضا ، ففي المدة القريبة تراه يرش سطحها /١٥١/ عظيما ، وإذا لقيته أكداش ينقص من طول رمي الماء ليلا يصيب منه المارين. وتجد وراء هذا الذي يرش بهذه الطرنبة رجلا آخر بيده طرنبة أخرى تابعا له يرش المواضع التي أخذت في الجفاف واليبس ، وآخرون وراءه على هذه الكيفية ، والطرق كلها هكذا. وإذا نزل المطر ـ ونزوله كثير عندهم ـ لا يبقى من مائه شيء بوسط الطرق ، لأنها محدبة فينحدر الماء إلى الرديفين يمينا ويسارا ، فيأتي أناس كل واحد بيده

__________________

(١) بهذه المناسبة دفع السفير الزبيدي لفقراء باريس عشرة آلاف فرنك فرنسي حسب ما جاء في كتاب الشكر الذي وجهته له الحكومة الفرنسية على ذلك بتاريخ : ٢٥ يونيو ١٨٧٦ م ، «لقد تفضلتم سعادتكم فأبلغتموني بواسطة الكاتب الثاني بسفارة جلالة سلطان المغرب جملة ٠٠٠ ، ١٠ فرنك برسم توزيعها على مختلف ملاجئ الإحسان في باريس ... أعرب لسعادتكم عن ممونية الحكومة مما منحتموه ...». الإتحاف ، ٢ : ٢٨٦. كما تبرع بالمبالغ التالية بباريس :

للموسيقى وأصحاب العربات الملازمة لهم

٢٠٠٠

للمكلفين بخيل الهدية

١٠٠٠

للخدمة والبوابة يوم ضيافة رئيس الجمهورية

٣٠٠٠

لأصحاب وزير الخارجية

٢٠٠٠

ولعسة العسكر وللخدمة المقابلين للسفارة بمحل النزول

٣٠٠٠

ولضعفاء باريس

١٠٠٠٠

المجموع :

٠٠٠ ، ٢١ فرنك


شطابتان من شعر على هيئة الشيطة التي يمسح بها الملف ، وهما أكبر بكثير ، ويجعل كل واحد برأس عصا ويدفع بهما الماء وهما منصوبتان أحدهما بجنب الأخرى طولا فترى الماء يجري قدامه ، وإذا كان كبيرا وخرج منه شيء وبقي وراءه يتبعه آخر يدفعه بشطابتين كذلك ، ولم أدر هل يوصله إلى مصرف خاص به أو إلى غير ذلك ، وإذا ارتفع المطر وأخذت الأرض في الجفاف يرجعون إلى الرش والتنظيف في يوم واحد مرة أو مرارا ، وهذا دأب هؤلاء ليلا ونهارا. وقيل لي ذات يوم إن الذباب لا يوجد في مدينة باريز ، فقلت له وهل يتركون له شيئا من القاذورات التي ينزل عليها ، مع أن براح ديارهم وغالب أسواقهم مقبية بالزاج ، ثم تتبعت ذلك فلم أر شيئا منه في الدار التي كنا فيها ، ولا في محل الطبخ ، ولا في الزقاق ، مع أن الوقت في نهاية الحرارة ، عدا يوما واحدا رأيت فيه ذبابة واحدة في حانوت جزار ، ما أنظفها وما أظرفها ، وبراحها كالكاغد المورق بالألوان ، واللحم الذي يباع فيها يابس لا شيء فيه من البلل ، وحين نقله من محل / الذبح إلى الحوانيت يجعل في الخناشي (١) كالسراويل ، محافظة على النظافة ، والحوانيت التي يباع فيها اللحم ، رأينا في حومة واحدة فندقا عظيما مربعا في طول ربعه أزيد من مائتي خطوة ، وله أبواب كثيرة في كل ربع. ويقابله فندق آخر مثله لبيع اللحم أيضا ، وما عرفنا فيها شيئا من النعم المأكولات والمشروبات لأن كبير الدار التي كنا نازلين بها ، مأمور بأن يأتي إلينا بجميع ما نطلبه منه من ذلك. وأصحابنا الذين في المطبخة يذبحون كل يوم شاة من الضأن ويوتى لهم بالدجاج كل يوم والحوت ، وما يحتاجونه من الإدام ، ويوتى لنا في كل صباح بالقهوة والحليب والزبدة وغير ذلك من الأشربة ، كشراب اللوز وشراب أحمر قان يضاف مع الماء بنحو الثلثين منه والثلث من الماء ، وحضر هذا الشراب ذات يوم ، فحين تناولت منه قيل لي سيقال للقاضي إنك تشرب معنا هذا الشراب ، فقلت أو ليس فيه من بأس أو يشمله شيء من الالتباس ، وتذكرت قول القائل :

فعندي ميزان يفرق بينها

وبين ذوات السكر لست بزاهق

__________________

(١) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.


وقلت في ذلك ارتجالا (١) :

كؤوس الصفا دارت من بين الأحبة

فهمت لها شوقا لتفريج علتي

نهاني عنها لائم متداعبا

أخ لي نصيح صادق في الأخوة

وأوعدني أني إذا ما شربتها

يوضح للقاضي النزيه ضلالتي

فقلت : وكيف الصبر وهي من وصفها

يسلّى بها قلب الكئيب بنظرة

فخذها جهارا لا تراقب من الورى

قضاة. ولا شيئا فأنت في ذمتي

فأمل الأواني منها فهي مباحة

ولي أذن صماء عن ذي ملامة

وهذا الشراب قيل إنه يتخذ عندهم من ثمار يشبه ساسنوا (٢) الذي بالغرب عندنا ، ويضيفون له شيئا من السكر ، ولم أر فرقا بينه وبين الماء الصرف إلا في الحلاوة وشدة الاحمرار لا غير.

وفي يوم الخميس التاسع والعشرين (٣) ، قدم ولد باشدور أنجليز بطنجة (٤) علينا

__________________

(١) الأبيات من بحر الطويل مع بعض الخلل في الوزن.

(٢) يسمى حاليا «بوخنو» وهو من الفواكه البرية الطبيعية.

(٣) ٢٢ يونيو سنة ١٨٧٦ م.

(٤) يقصد الترجمان روبترRoberts نجل الوزير المقيم بطنجة جون هاي دريموند هاي (١٦ ـ ١٨٩٣ م) ممثل بريطانيا العظمى بالمغرب مدة تقرب من نصف قرن. وقد شغل روبتر منصب نائب قنصل بريطانيا بالصويرة. (رسالة السلطان الأولى إلى بركاش بتاريخ ٦ رجب ١٢٩٦ هئ) الخميس ٢٦ يونيو ١٨٧٩ م.

(والرسالة الثانية في ٧ رمضان ١٢٩٦ ه‍ / الاثنين ٢٥ غشت سنة ١٨٧٩ م) (نص الرسالتين بالوثائق الملكية ، العدد ٤ : ٤٥٧ و٦٠٥) من سنة ١٨٧٤ م إلى سنة ١٨٧٩ م.


لباريس ، ففرحنا لقدومه لأن والده المذكور ، كان وعد بأن يرسله معنا لدولتهم الفخيمة ، بقصد أن يترجم هناك ، وهو رجل ذو عقل ومروءة ، وذو سمت حسن ، فتلاقى بالباشدور صاحب السر المذكور ، وسر بقدومه سرورا كبيرا.


الجزء الثالث

الإكرام الذي وجهته الدولة للباشدور وأصحابه

وفي يوم الجمعة متمه (١) ، وجهت الدولة الفرنصوية للباشدور المذكور الإكرام لسيادته وكذلك للأمين وكاتبه ، وللمخازنية الخمسة الذين معنا ، كل واحد بما يناسب مرتبته فتلقى ذلك منهم بالقبول والسرور ، وجازيناهم بالشكر والقول المبرور ، فعند ذلك كتب (٢) الباشدور المذكور لوزير الأمور البرانية بهذه الدولة ، يعلمه بأنه عزم على النهوض والسفر إلى دولتي بلجيق ، وأنجلترا في يوم /١٥٤/ الاثنين ، ثالث جمادى الأخيرة (٣) ويطلب منه التسريح للسفر والمساعدة (٤) على ذلك ،

__________________

(١) ٢٦ يونيو سنة ١٨٧٦ م.

(٢) قبل أن يغادر الزبيدي باريس قدم للوزير دي كازي مطالب المغرب مكتوبة نصها الكامل (الوثائق الملكية ، عدد ٥ : ٦٢٨).

(٣) ٢٦ يونيو سنة ١٨٧٦ م.

(٤) «... أعلمت جنابكم لتكونوا على بال على العادة في ذلك ، وعند رجوعنا في قريب إن شاء الله نرجو المقابلة لتتميم المذاكرة ، كما نرجو منكم المقابلة مع رئيس الجمهورية الأفخم للوداع ...». ٣٠ جمادى الأولى عام ١٢٩٣ ه‍.


فأجيب (١) إلى هذا المطلب فأخذ يتهيأ للسفر إلى مدينة ابروكصيلا ، وهي دار الملك عند جنس بلجيق لأن سلطان هذا الجنس (٢) حين سمع بخروج الباشدور المذكور ، لبعض الأجناس دونه مع أنه مكتنف بينهم ، اقتضت محبته القديمة أن طلب من الحضرة العالية بالله بواسطة بعض نوابه المرور عليه ، والدخول لبلدته المذكورة ، بقصد النزول والاستراحة والضيافة وكمال الراحة ، فأجابته أدام الله عزها ـ إلى قصده ، وأذنت بالدخول إليه ، والمقام في بلده.

الخروج من باريس إلى جنس البلجيق وما رأيناه في بعض مدنهم

وفي يوم الاثنين المذكور وجهت لنا الدولة الفرنصوية الأكداش المخزنية بقصد الركوب فيها إلى السكة الموصلة لمدينة بلجيق المذكورة ، فركب كل منا في تلك الأكداش وركب مع الباشدور المذكور في كدشه ترجمان هذه الدولة ، بقصد وداعه وتشييعه ، حتى يوصله إلى حكومة جنس البلجيق ، وهو الذي كان طلع للبابور لملاقاته حين وصلنا لمرسيلية. ومن الأكداش ركبنا في عربية منتخبة من عربات سكة البابور ، وكان ابتداء السفر في الساعة السابعة وزيادة ثلث / ساعة أخرى من الثامنة ، وهذه الطريق من باريس إلى مدينة جنس بلجيق هي كالطريق التي تقدم وصفها من مرسيلية إلى باريس في المزارع التي فيها والبساتين والأنهار والقرى والمدن والأشجار ، وكان البابور كلما وصل إلى مدينة له فيها غرض يقف يسيرا نحو

__________________

(١) «... يكون رجوعكم منها لبلادنا لتتميم الأشغال المنوطة بماموريتكم ... تعلمنا قبل نهوضكم من مملكة اكريت بريطن بثلاثة أيام بطريق السلك ليهيأ لكم البابور الخاص بكم بمدينة كالي ...» ، إتحاف ، بن زيدان ، ٢ : ٢٨٥.

(٢) ليوبولد الثاني II LeoPold ولد ببروكسيل سنة ١٨٣٥ م وتولى ملك بلجيكا سنة ١٨٦٥ م خلفا الوالده ليوبولد الأول ، وتوفي في لاكن سنة ١٩٠٩ م.

Dictionnaire d'histoire Universelle, Michel Mourre. 1207.

تجول بالمغرب سنة ١٨٦٣ م متنكرا. م. بو شعراء ، الاستيطان والحماية ، م. س ، ٤ : ١٥٤٢.


خمس دقائق فأقل ، فوقف أولا في بلدة تسمى اكراي (١) ، وفيها فابريكات بعض المصانع ، وبقي واقفا خمس دقيقات ، ووقف في أخرى دقيقة واحدة ، تسمى الوريورا (٢) ، ثم في شولي (٣) دقيقتين ، ثم في بلدة طرني (٤) ثلاث عشرة دقيقة ، ووقف في خمس مدن أخرى لم أدر ما اسمها ثلاث عشرة دقيقة ، فجملة وقوف البابور في مدن الدول الفرنصوية أربع وثلاثون دقيقة ، وفي الساعة الثانية عشرة وخمس دقائق بعدها وصل البابور إلى الحدادة ، التي بين الدولتين المذكورتين ، في بلدة لجنس البلجيق ، تسمى كيفي (٥) ، فعند ذلك ودع ترجمان الدولة الفرنصوية الباشدور المذكور ، ورجع لباريس ، بعدما كان طلع إلينا للعربة من تلك المدينة ولد وزير الأمور البرانية ببلجيق (٦) ، واستدعانا للدخول لبلدهم وهو في أحسن زي ، لابس أجمل ثيابه. ورأينا من أدبه وتواضعه وتلطفه ما ليس فوقه مزيد ، وأنشدنا لسان حاله (٧).

__________________

(١) Criel.

(٢) محطة صغيرة لم أجد ذكرا لها في الخرائط.

(٣) Chauly.

(٤) Tergnier.

(٥) كيفي Quevy (انظر خريطة بلجيكا في ملحق الرسوم والصور صفحة ٦).

(٦) يقصد السفير أرنيست دالون Ernest Daluin ، كان نائبا قنصليا لبلجيكا بمدينة قادس الإسابنية ، وعين سنة ١٨٥٦ م قنصلا بطنجة ، بعد أن قام برحلة استطلاعية إلى المغرب نشرت نتائجها سنة ١٨٥٥ م. ثم صار سنة ١٨٧٧ م وزيرا مقيما بالمغرب بعد أنكان قبل ذلك قنصلا لبلاده بشاطئ إفريقيا الغربية ، (مييج ، ١ : ٩٦ ، ٢ : ٢٧٥) وكانت له علاقة طيبة مع المخزن ، فاستطاع أن يقنع السلطان الحسن الأول بإيفاد بعثة طلابية إلى بلجيكا حوالي ١٨٧٥ م. انظر كلمة الزبيدي أمام ملك بلجيكا (إتحاف ، ابن زيدان. ٢ : ٢٩٣) وأن يوقع مع المغرب معاهدة في يونيو ١٨٦٢ م حصلت بموجبها بلاده على نفس الامتيازات التي ظفرت بها أنجلترا وإسبانيا سنة ١٨٥٦ م وسنة ١٨٦١ م. ثم أحيل على المعاش ، حتى مات بأوربا سنة ١٨٨٤ م وخلف ثروة طائلة من تجارة السلاح و٩ منازل بطنجة وحدها. وقد خلفه البارون فينطال Whetnall في دجنبر ١٨٨٤ م.

(٧) من بحر الكامل مع بعض التكسير في الإيقاع.


/١٥٦/عرج على روضناالأنيق وعج به

فأولوا العقول تحيرت من عجبه

وانظر حدائق بهجة ما أجّلها

يسلو بها قلب الكئيب من كربه

واقطف ثمارا دانيات قطوفها

فلك الهنا يا واردا لمحبه

فأنتم وفود على مدينة بلجيق

أكرم بهم من وافدين لبابه

فلكم هنا كل المقاصد والمنا

أهلا بذى الوفد الزكي من غربه

ثم دعانا ولد الوزير المذكور إلى النزول إلى بلدة الحدادة المذكورة (١) بقصد الملاقاة مع كبير عسكرها ، فأجيب إلى ذلك ، وكان من اعتنائه وكمال محبته أن وجدنا فئة عظيمة بهذه البلدة من العسكر متهيئة لقدومنا ، مصفوفة صفا بعد صف ، لابسة آلة حربها. فنزلنا ، وقدمنا إلى دار كبيرهم ، فتأدب أدبا كبيرا مع الباشدور ، وجرى بينها كلام بما يناسب الحال. ثم رجعنا إلى العربة ومعنا ولد الوزير المذكور ، وجد في سيره إلى أن وصلنا إلى مدينة ابركصلاص (٢) المذكورة ، فدخلنا إليها في الساعة الثانية من يوم الاثنين المذكور ، فإذا أسقطت مدة المقام في المدن المتقدمة مع خمس عشرة دقيقة

__________________

(١) استقبلت السفارة المغربية بكيفي من طرف السيد Bossche Yendenمدير ديوان وزير العلاقات الخارجية البلجيكية ، والقنصل دالوان الذي سبق وصول السفارة ببضعة ايام ، وبمحطة مدينةMond ، استقبل من طرف العامل المدني والحاكم العسكري لمنطقةHaunaut وكتيبة من الفيلق التاسع.

أرشيف وزارة الخارجية البلجيكية ببروكسيل (Arch.Hist.DiP) .M.A.E.R.B.

(٢) ببروكسيل استعرض الزبيدي بساحةMidi كوكبتان من جنود الطليعة بقيادة ماجوره ثم توجهوا على متن عربات خاصة إلى فندق منجيل Mengelle يوم الاثنين ٢٦ يونيو سنة ١٨٧٦ م. (نفس المرجع السابق).


مدة ملاقاتنا مع كبير العسكر في الحدادة ، تبقى مدة السفر خمس سوايع وإحدى وعشرين دقيقة. وعند دخولنا لهذه البلدة وجدنا (١) ذببابها قبة عظيمة والعسكر أيضا في زي مخالف لزي عسكر الفرنصيص ، لأن الشمارير التي على رؤوسهم على هيئة الدلاء محدبة القعر ، وهي من جلد المعز لا زال بشعره وبأيديهم السيوف لا غير ، كل واحد موقف سيفه بين جبهة عينيه ، فتلاقى كبيرهم بالباشدور وتأدب كما يجب ، ودخلنا للمدينة فوجدنا في طرقها متسعة ، وأناسا مكلفين بالكنس والرش والبناء الذي يجدد بها حينئذ /١٥٧/ يبنى على كيفية الأبنية بباريس.

صفة الدار التي نزلنا بها في ابركصلاص

فأتى معنا ولد الوزير المذكور إلى الأوطيل الكبير في تلك البلدة ، وأنزلنا به في الطبقة الأولى قائلا : ليلا يصيبكم التعب في صعود الدرج والنزول منها. فنفد لنا منه مواضع منتخبة (٢). وأماكن مزخرفة في كل مكان منها موائد للأكل ، وشيليات عديدة ، وكنابيس كذلك ، وفرش لينة مع أغطية ، ووطاءات من قطن باردة ، قد تبدى

__________________

(١) طرة بالهامش أدرجتها في مكانها بين نجمتين* ...*.

(٢) هذه بعض التفاصيل التي أوردتها الصحافة البلجيكية عن كيفية تهييء الغرف التي يسكنها أعضاء السفارة المغربية بفندق منجيل ، البهو الخلفي يستعمل كغرفة للطعام ـ الرئيس الكبير ـ وضباطه ، وعلى اليسار قاعة حولت إلى مطبخ به آلات الطبخ coudin وتنكات مغربية ، إن هذا في منتهى الغرابة. بالجانب هناك مرقد مشترك حيث يكون فيه منفذ الأعمال السامية أي الجزار ، قائما بالصلاة على الساعة الثالثة والنصف ، إن تكبيراته لمحمد لا تنقطع. الخدم الآخرون وهم ـ خادم الغرفة ، والحلاق ، وخادم السفير وأجيروا القرآن ، تلقوا التعليمات بعدم الخروج أثناء غياب السفير. إن وجباتهم تتكون من لحم الخروف ، والأرز ، والشاي وحلويات ، والجزار بعد توجيه دعواته للنبي ، على السنة المحمدية بدأ يسلخ الخرفان الذكور والدجاج في البهو الخلفي ، ولا يأكل اللحم إلا مرة واحدة في اليوم ، لا خمرة على الطاولة ، شاي ، شاي دائما. (j.de ,Bruxelles) Belgique G.D.B.R.A.ler ابروكسيل.


للبدن برودتها من فوق الثياب ، وكذلك فيها من الثريات والماريو وغير ذلك من الزرابي والأواني المحتاج إليها. وفي وسط هذا الأوطيل خصة كبيرة ، وبقطبها الذي في وسطها ثلاث خصص متصاعدة متفاوتة في الصغر والكبر. وبين السفلى والعليا نحو خمسة أذرع ، والماء ينبع من الأنبوب الذي في وسط العليا عن ثقب ضيقة متعددة ، فتراه يخرج منها متصاعدا ، ثم ينحدر إلى الخصة العليا ، ومنها ينزل إلى التي تحتها ، ومنها ينصب إلى التي أسفلها ، وبينها وبين الخصة الكبرى ثلاث تصاوير على صور الآدمي ، كأنهم هم الحاملون للخصص التي فوقهم. وبمحيط جدران براح هذا الأوطيل أشجار صغيرة ومحابق عديدة. وفيها قفص كبير ، فيه طيور كثيرة ، على أشكال منها : طيور في جرم البرطال. لونها أخضر (١) ذو وجهها مع نصف رأسها أحمرذ ، ومنها ما هو في جرم الطير المعروف عندنا بشرقراق (٢) ، وهي تترنم في بعض الأوقات ، /١٥٨/ وتتكلم بصوت مستحسن ، وبالجملة فهي دار منتخبة ظريفة ذات مرافق ومنابع ، قيل إن فيها نحو ثلاثمائة منزل ، وليس عندهم في بلدهم أحسن منها ، وليست كالدار التي كنا نازلين فيها في باريس ذبل تلك أعظم وأكبرذ فشتان ما بين السماء والقمر.

الملاقات مع الوزير

وبمجرد وصولنا ونزولنا بهذه الدار أتي قائد مشورهم (٣) إلى الباشدور يحمده في السلامة ، وطلب منه بأدب كبير ، أن يعين له الوقت الذي يتلاقى فيه مع وزير الأمور البرانية في الغد ، يريد يوم الثلاثاء الرابع منه ، فاعتذر له بتلطف عن اللقاء في ذلك

__________________

(١) طرتين بهامش الصفحة أدرجتهما في مكانهما بين نجمتين* ...*.

(٢) أو الشرقرق هو الأخيل مرقط ، في أجنحته سواد كريه الرائحة كثير الصوت (المنجد).

(٣) وبعد نصف ساعة ، حضر المرافق العسكري للملك الجنرال Ponthoz nder CPaien لتقديم الترحاب باسم جلالته. : ٥١٨(ARCH.HIST.DIP) M.A.E.R.B.


اليوم ، وواعده به في يوم الأربعاء في الساعة الحادية عشر منه (١) ، وفيها تلاقى معه بداره بعد أن ركبنا في الأكداش ، وتوجهنا معه ، فوجدنا فئة عظيمة من العسكر رجلية بباب داره ، فحين رأونا تكلمت الموسيقا على العادة ، وحين تلاقى به كنا نحن وراءه بقرب منه ، فظهر منه فرح كبير وسرور عظيم بقدومنا عليهم لبلدهم ، وجرى بينهما كلام بما يناسب الحال. وأخبر أنه يحب المغرب وأهله ، ولأنه كان فيما سلف في تفيلالت ، وأقام بها خمسة أشهر (٢) ، وأحسن معه أهلها غاية الإحسان ، فلذلك يحب الغرب وأهله ، وأنه يرجو الله أن لا يموت حتى يرده إلى الغرب ، لأنه يحن إليه ، فقال له الباشدور إنه لرجل عاقل ، ومن تمام عقله حسن معاشرته مع أهل /١٥٩/ تفيلالت ، حتى أقام فيها تلك المدة ورجع بسلام. ثم ودعه فأخذ نائبه الذي تقدم ذكره يمشي قدامه ، وهو مواجه له أدبا معه حتى وصل إلى الباب فودعه بأدب كبير ورجع.

بعض أوصاف هذه المدينة

وفي مساء ذلك اليوم ، ركبنا في الأكداش وخرجنا نطوف بناحية من نواحي البلد ، فوجدناهم مشتغلين بكنس الطرق والرش أيضا ، وسرنا حتى انتهينا إلى طرف

__________________

(١) نظرا لعياء السفير لم يغادر شقته طيلة يوم الثلاثاء ، حتى يوم الأربعاء ٢٨ يونيو سنة ١٨٧٦ م ، توجه لاستقبال وزير الخارجية صحبة القنصل دالوان ، وبعد نصف ساعة قام الكونت Lyn  D'AsPremoneـ denرفقة مدير ديوانه برد الزيارة لمحمد الزبيدي. (نفس المرجع السابق).

(٢) لقد سبق للسفير البلجيكي دالوان أن قام برحلة استطلاعية إلى الجنوب المغربي نشرت نتائجها سنة ١٨٥٥ م. وكانت بلجيكا ترغب في الحصول على «موضع قدم» بالساحل الجنوبي من أجل أن يكون مكان استراحة يربط بلجيكا بالكونغو ، وقد كلف دالوان بزيارة العاهل المغربي في يونيو سنة ١٨٧٩ م بمعسكره قرب الرباط لمعرفة موقفه من ذلك. كما كلف السفيرWhetnall بتقديم طلب الحصول على موضع قدم في وادي الشبيكة على الأطلسي في بداية ١٨٨٨ م.


البلد ، فوجدنا هناك غابة عظيمة (١) والطرق واسعة فيها ، تتخللها من جهات كثيرة ، وبعض الأماكن منها يتخذ بقصد الاستراحة ، فيوضع فيه شوالي طويلة وأخرى مستديرة ، فمن أحب الجلوس هناك فله ذلك. ورأينا بعض الشوالي هناك مستديرة مرفوعة على قضبان بعضها خارج من بعض كأغصان الشجر ، فظننا أنها من عود ، فقيل لنا بل هي من حديد ، وعليها طلاء يشبه لون العود ، فنزلنا في بعض بقاع هذه الغاية وصلينا العصر بها (٢) ، فاجتمع علينا خلق كثير من نسائهم ورجالهم ، لأن ذلك المحل أي الغابة امتدت معها بعض المساكين والأبنية ، وهم يتعجبون منا لأنهم قلما يصل المسلمون إلى بلدهم. وبعد صلاة العصر أخذنا نتمشى في هذه الغابة على أرجلنا فرأينا /١٦٠/ فيها أشجارا عظيمة الخلقة ، وهي في غاية ارتفاع ، وجلها لا ترى في طوله من ساقه إلى رأسه اعوجاجا. ووجدنا أصول شجرة موضوعة هناك ، قد فصل بعضها عن بعض. فعبرت نصف دور بعضها فوجدته فيه اثني عشر شبرا ، فيكون في دور ساق (٣) هذه الشجرة أربعة وعشرون شبرا. ثم بقينا نتمشى حتى عرضت لنا طريق أخرى ، فأتت الأكداش إلينا ، فركبنا ورجعنا. فكنا نجدهم في بعض الطرق يغرسون بها من تلك الأشجار مع طولها ، وفي بعضها أشجار كبيرة ، غرسها قديم لكن في بعض الطرق دون بعض ، وفنارات الضوء ممتدة معها تشعل الليل

__________________

(١) بعد الاستقبالات الرسمية ، قامت السفارة المغربية بنزهة بغابةLa Camba على متن العربات.

. M. A. E. R. B (ARCH. HIST. DIP): 518.

(٢) «بعد أن تقدموا بعض الخطوات داخل الغابة شوهدوا وهم يركعون رافعين أيديهم وعيونهم شاخصة باتجاه الشرق ، كانت ساعة الصلاة وكانت غابةLa Camba ، هي المسجد. وقد تابعت الشخصيات المتواجدة على بعد وباهتمام بالغ الشكل المعقد لهذه العبادات الشرقية في الهواء الطلق ، وقد تميز هذا المنظر الإسلامي تحت ظلال الغابة بطابع أصيل».

جريدة ابروكسيل

G.D.B.R.A.ler Belgique (J.de Bruxelles).

(٣) الجدع الذي ينمو عموديا ، تتنامى سماكته بشكل غير منتظم حسب الفصول ، وتكون حلقات متميزة ، تساعدنا على تحديد عمر الشجرة (شبر ـ ٢٦ ، ٠ متر إذن محيط الشجرة هو ٢٤ شبر* ٢٦ ، ٠ م ـ ٢٤ ، ٦ م.(الموسوعة العربية).


كله. وبعض المواضع التي بوسط المدينة وجدناه مغروسا كأنه غاية. وقد أحيط بها قضبان حديد قائمة على رؤوسها كالحربات مذهبة ، وهي متقاربة بين كل قضيبين أقل من نصف شبر ، وقضبان أخر ممتدة مقاطعة لها ، قد أحكم وصل بعضها ببعض ، حتى صارت هذه القضبان زربا لتلك الغابة لا يدخل لها إلا من أبوابها المصنوعة فيها. وقد امتد مع هذا الزرب وداخله أشجار صغيرة ، وهي في غاية الاستواء ، لا اعوجاج فيها ، وقد نقيت من أصولها إلى حيث أخذت /١٦١/ الفروع في الانتشار ، فتركوها تنتشر ، لكن من محل واحد ، بعدها من الأرض بقدر متحد ، وبين كل شجرتين نحو ثمان خطى. فحين طالت الفروع السفلية الأولى قرن ما بين بعضها ببعض ، وكذلك ما فوقها حتى التأمت الفروع من أعلا الأشجار وبقيت الأصول متجردة. وامتدت على هذه الحالة كامتداد قضبان الحديد على المثال بالطرة (١). ويا لها من نظرة هناك ما أجملها ، ومسرة ما أجلها. وهذه البقاع بداخلها شوالي موضوعة ، وقد تتخذ للفرجات وغيرها. وهذا المحل قريب من دار كبير دولتهم ، وهو مباح يدخله من شاء. وحين رجعنا إلى محل نزولنا تذاكرنا في كبر هذه المدينة فألقيناها كبيرة في رؤية العين. وطلبت من الترجمان أن يبين لي كم متر في طولها وعرضها ، فوعدني بأنه يأتيني بورقة هيئتها ، لأن من عادتهم طبع هيئة البلد في ورقات (٢) لا تكاد تحصى ، يدفعون كل ورقة لمن ينزل في منزل منها من البرانيين ، ويرقم فيها جميع ما يحتاجه ، بحيث يكون فيها كل ما يريد أن يسأل عنه ، لا من الأماكن ولا من أكريتها ، وبيان المواضع والطرق الموصلة إليها ، وعدد البابورات التي تخرج منها ، وفي أي وقت ليلا ونهارا ، ومقدار الكراء بحسب السكة وغير ذلك من ضروريات التجارة. وعند إتيانه بهذه الورقة وبسطه لحالها لنا. نرجع إلى /١٦٢/ تمام الكلام على البلد بحول الله.

__________________

(١) رسمين توضيحيين من إنشاء الجعيدي : (أ) مثال الأشجار المتناسقة. (ب) مثال الزرب الحديدي.

(انظر ملحق الرسوم والصور صفحة ٧).

(٢) يقصد رسم أو دليل ابروكسيل ، الذي يرشد السائح لما قد يحتاجه من معلومات أو عناوين أو غير ذلك ، أثناء إقامته بها ، ويكون مدعما بالصور والرسوم والبيانات.


الملاقات مع عظيم دولتهم

وبعد ذلك بل عند رجوعنا وجد الباشدور (١) كتابا مطبوعا وجهه له وزير الأمور البرانية ، تضمن الإذن له ولأصحابه بالطلوع إلى دار ملكهم ، وأنه هو وزوجته يأذنان في الطلوع بقصد الملاقاة معهم ، في الساعة الثانية من يوم الخميس السادس من شهر تاريخه ، فحين قربت هذه الساعة وجه ثلاثة أكداش من الأكداش التي يركبها هو ووزراؤه. كل كدش يجره ستة من الخيل ، يتولاه نفر من خاصة عسكره ، كساويهم جلها ذهب ، وكذلك سرج هذه الخيل ، وآلات الجر جلها مرصع بالذهب ، فركب الباشدور في كدشه أمامنا ، وتبعناه في كدشين في أثره ، وأخذت الخيل في السير هونا ، تتحرك قليلا قليلا حتى كأن في ذلك إشارة إلى أن هذه الخيل تجر أمرا عظيما لملكهم (٢) ، وحين قربنا من داره وجدنا صفوفا كثيرة من العسكر صفا وراء صف ، وأصحاب الموسيقا والطنابرية مشتغلون بعملهم ، وكبراؤهم يشيرون بالسلام بتأدب على عادتهم. وعند وصولنا إلى دار ملكهم ودخلنا إليها وصعدنا معارج للدخول عليه

__________________

(١) «... أتشرف بإعلامكم أن جلالة الملك وجلالة الملكة يقتبلانكم في قصر بروكسيل في الساعة الثالثة من هذا اليوم ...». ابن زيدان ، الإتحاف ، ج ١٢ : ٢٨٨. كما طلب منه نسخة من الخطبة التي سيلقيها أمام الملك ليهيء جوابها فدفعها له.

(٢) «.. الخميس ٢٩ يونيو على الساعة الثانية ، استقبل سيادته استقبالا رسميا من طرف ملك بلجيكا وبحضور الملكة مرفوقين بحاشية الشرف ، وقد غاب عن الاحتفال الضباط السامين للتاج ، وقد حضر السفير المغربي في العربتين المخصصتين للحفلات الكبيرة ، يجر كل واحدة ستة خيول وطاقمها ، التي نقلته خصيصا من الفندق ، وقد رافقه أمام القصر كتيبة من المشاة بقيادة مقدم ، وعلم موسيقى الفيلق ، وكانت مراسيم الحفل هي المراسيم الخاصة باستقبال السفراء ، وقد حضرها القنصل العام بالمغرب. السفير الزبيدي لم تكن لديه أوراق اعتماد خاصة ، ألقى خطابا أمام الملك الذي قبل الرد عليه بكلمة جوابية ، وبعد ذلك استقبل السفير من طرف الأمراء والأميرات». نلاحظ التشابه الكبير بين ما ذكره الجعيدي ، وبين ما جاء في تقرير وزارة الخارجية البلجيكية.

M. A. E. R. B) ARCH. HIST. DIP): 518.


للقبة التي هو فيها. دخلنا لقبب بعضها يوصل إلى بعض ، وكل واحدة تنسيك محاسن الأخرى ، حتى وصلنا إلى القبة الثامنة ، فوجدنا فيها وزراءه وخاصة دولته ، نحو العشرة. ثم خرج كبير دولتهم من القبة التاسعة ، ومعه زوجته (١) ، وتلاقى بالباشدور متأدبا غاية /١٦٣/ وكاتبه والأمين وراء الباشدور قريبان منه ، والمخازنية الخمسة وراءنا ، فشرع الباشدور في الكلام (٢) معه بما هو مأمور به ، وترجمه المترجم ، وأجاب عنه كبير الدولة بأنه حصل له فرح وسرور عظيم بقدومنا عليهم ودخولنا لبلدهم ، حتى أنه قال : إنه يرجو الله أن يشرح صدورنا لبلده حتى نقيم فيها في عافية وراحة ، ويأذن لنا في المسير للفابركات التي بداخل المدينة وخارجها ، وزور الأماكن التي تصنع فيها العدة والسلاح ، ونستوعب ذلك كله بحول الله ، فجازاه الباشدور بكلام طيب عن كلامه هذا ، ثم طال الكلام بينهما في غير هذا. ثم انصرفنا من عنده ، ورجعنا لمحل نزولنا.

فابريكات المدافع والرماية بها

وبعده بقريب أتى الترجمان بأكداش أخر ، وأذننا بالركوب فيها بقصد الذهاب إلى دار فابريكات المدافع ، ودار تعليم الرماية بها وبالمكاحيل ، فسرنا إلى دار فابريكات المدافع (٣) ، فوجدناهم يصنعون بها المدافع التي ظهرت في الوقت ، فوجدنا فيها مدفعا

__________________

(١) ملكة بلجيكا السيدة D'Autriche Henriette Marie -.

(٢) «.. فإنني أمرت من جلالة سلطان المغرب ... تجديد أسباب المحبة ... وشكركم بتوسط نائبكم دالوان في شأن المتعلمين وغيرهم ... وإنني لمسرور جدا بتبليغ كلام جلالة سلطاننا ... مشافهة ... ولجلالة الملكة المعظمة ... وأرجو من سموكم الإذن لمن تختارون للمخابرة معنا فيما يعود بالمصلحة على الدولتين». الإتحاف ، ج ٢ : ٢٨٩. يقصد المتعلمين ، البعثة الطلابية المغربية التي توجهت إلى الدراسة بالمعاهد البلجيكية.

(٣) يقصد معمل السيد كريسطوف CristoPhe في مولابريك سان جان Jean Molenbreek St لصناعة الأسلحة : ٥١٨.(ARCH.HIST.DIP)  M.A.E.R.B


صغيرا تم عمله ، وهو من مدافع الجر (١) منصوبا على كريطته ، وطوله بخزنته نحو ذراع ونصفه ، وقطر فورمته أقل من ربع ذراع ، وفيه تسع عشرة عمارة ، وكنا نسمع بهذه العينة ، فكنا نظن أن العمارات لها جعبة واحدة هي فورمة المدفع ، والخزنة فيها التسعة عشرة ، كما نعتاده في بعض الكوابيس الرومية ، فوجدناه بخلاف ذلك. وبيانه أن هذا المدفع ملفق من أجزاء ، أما جعبته أعني جرمه ما عدا خزنته فهي جزء مستدير /١٦٤/ أسطواني كالمعهود ، لكن منه نحو أصبعين أو أزيد صنع من صفر. ثم أفرغ في جوفه الحديد المذاب حتى ملئ منه جوفه كله. ثم ثقب في هذا المذاب بالبريمة تسع عشرة ثقبة ، نافدة من خزنته إلى فمه على المثال الذي سطرته. ثم صنع قعره من صفر مفصولا عنه. ثم عمدوا إلى قطعة حديد مبسوطة وفتحوا فيها تسع عشرة دائرة على الكيفية التي بالطرة (٢). وجعلوا لهذه الحديدة علامة ترفع منها خارجة عن الدوائر التي فيها. وفتحوا في قعر المدفع المفصول قدرا يسع هذه الحديدة دون علاقتها. وهذه الحديدة يركب فيها القرطوس (٣) من البارود ، كل قرطوس في دائرة حتى تملأ دوائر الحديدة بقراطيس البارود برصاصها ، لأنه كقرطوس المكاحيل في الجرم ، فإذا أريد عمارة المدفع ، تحرك يد من حديد كيد الزيار قرب الخزنة من جهة اليمين ، فينفصل قعر المدفع من بقية جرمه ، فيوضع تلك الحديدة في محلها الذي حفر لها على قدر جرمها ، ثم تحرك تلك اليد فينطبق قعر المدفع على فم الخزنة ، فتدخل كل عمارة قرطوس في كل ثقبة من الثقب الذي في جرم المدفع (٤) ، لمراعاة المسامتة عند الوضع ، ويسد عليها بتلك اليد ، فيصير كأنه ذات واحدة. وعن يسار

__________________

(١) يقصد الرشاش سلاح ناري جماعي للرمي المستقيم ، يتم تموينه بالذخيرة بواسطة أشرطة أو مخازن مستطيلة أو أسطوانية ، ويمتاز بقدرته على إنتاج رمايات غزيرة بسرعة كبيرة. الموسوعة العسكرية ، ج ١ : ٨٣ ـ ٨٥.

(٢) رسم من إنشاء الجعيدي يوضح فوهات الرشاش المتعدد الطلقات.(انظر ملحق الرسوم والصور صفحة٨ و٩.

(٣) انظر شرحه بالملحق رقم : ٤.

(٤) الرشاش يستخدم مجموعة دائرية من السبطانات التي تدور حول محور مركزي داخل حجرة أسطوانية تؤمن التلقيم بالتتابع ، ويتم إطلاق النار عن طريق ذراع تدوير يدوية ، تتصل بإبر التفجير المخصصة لكل طلقة من الطلقات الموجودة في المخزن. (الموسوعة العسكرية ، ج ١ : ٨٤).


الخزنة الآلة التي يعرف بها مسامتة الشيء الذي يرمي بالمدفع ، وهي بنية معروفة. ثم تكلم كبير الدار مع بعض الخدمة التي فيها ، وهو ولد صغير يبلغ سنه ثلاثين سنة والله أعلم. /١٦٥/ فعمد إلى ذلك المدفع وفصله عن كريطته ، ورفعه ووضعه على كتفه ، وبقي واقفا به هنيئة ، ووضعه على كريطته ، ثم أتى معه ولد آخر في قده وجعلا كالعصا على رجل الكريطة لأنها لها رجل واحدة ، وأخذ كل واحد منهما بطرفها بيد واحدة ، وخرجا به إلى وسط الدار ، وصارا يجريان به وهما يحركانه ، فوهته وراءهما ، ولم يكن عليهما في ذلك كبير مشقة ، ثم رداه إلى محله ، ووجدنا (١) مدفعا آخر مصنوعا مثل هذا أكبر منه بنحو نصف ذراع ، فيه ثنتان وثلاثون عمارة كما في الآخر ، ووجدنا آخر فيه سبع وثلاثون عمارة ، قيل إنه يرمي في الدقيقة الواحدة ستمائة رصاصة ، وغاية البعد الذي يرمي به ثنتان وعشرون مائة متر ، وهي تنيف عندنا على ثلاث وأربعين مائة ذراع والله أعلم. وجدنا آخر أكبر من تلك المدافع ، طوله نحو ثلاثة أذرع ، وليس فيه إلا سبع عمارات ، فورمة كل واحدة قدر دور نصف الريال ، قيل إنه يرمى بمقدار خمس وثلاثين مائة متر. وسئل (٢) عن

__________________

(١) كانت الحرب الأهلية الأمريكية (٦١ ـ ١٨٦٥ م) المناسبة المثلى لاختبار وتطوير رشاش غاتلينغ.R Gailing وغيره ، مما ألحق خسائر بشرية ضخمة.

وبفرنسا سمي Mitrailleuse (عنقود أو حزمة الطلقات) استخدم في الحرب البروسية (٧٠ ـ ١٨٧١ م) ، وكما استخدمته بريطانيا ضد الثورة المهدية بأم درمان سنة ١٨٩٨ م ، حيث أثبت فاعلية كبيرة في القضاء على جماعات المشاة والخيالة السودانيين ، وكانت الحرب العالمية الأولى هي حرب الرشاشات التي حتمت اختراع الدبابة والعربة المدرعة ... (الموسوعة العسكرية ، ج ١ : ٨٥).

(٢) نقتطف من جواب الحاجب السطاني المغربي عن مكاتب الزبيدي ما يأتي : (تواصل دائم بواسطة البريد) «... وصار بالبال جميع ما سطرته في المكاتب الثلاثة واطلعنا عليها سيدنا واستوعبها سيادته قراءة وفهما ... وقد استحسن سيدنا مدفع الجر الصغير الخفيف ذا العمائر ، والذي نبهت عليه ، وقال أيده الله لا بد من بيان ثمنه ، أي المدفع الصغير الذي تحمله بغلة واحدة فتحقق لنا ثمنه وبين لنا كيفية السريجة التي يحمل عليها ، ولا بد وحينئذ يظهر لسيادته ما يحتاج لجلبه منه ، وقد كتبنا عن أمره الشريف للمحب السيد محمد بركاش ليتكلم مع نائب البلجيك في ذلك ...». ٢٦ رجب عام ١٢٩٣ ه‍. موس ابن أحمد لطف الله به. ابن زيدان ، الإتحاف ، ج ٢ : ٢٩١.


ثمن هذا المدفع فقيل أربع عشرة مائة ريال ، فقيل : وكم معه من عمارة ، فقال : خمسون بقصد التجريب ، وما عداها فلها ثمن يخصها ، فسئل عن ثمن الصغار ، فقال : إن ذلك عند الباشدور الذي لهم بطنجة ، ووجدنا مكينات هناك تدور ، وكل واحدة جالس قبالتها رجل ، قد ركب جزءا من أجزاء المدفع في محل وأحكم وثاقه ، وهو يدور بدوران المكينة وبيده آلة /١٦٦/ من هند محددة الرأس ، وهو يخرط بها تلك الآلة ، كما يخرط الخراط العود بالحديد. ثم خرجنا من هذه الفابريكة ، وتوجهنا إلى الدار التي يتعلمون فيها الرماية (١) ، فدخلنا إليها فوجدنا فيها بيتا طويلا عريضا ، وفي جداره فرج مربعة مفتوحة يشرف منها على ربوة بعيدة ، فيها أشجار ، وجعل في أسفل تلك الربوة حفيرا أطول من قامة الإنسان ، وفيه ألواح كبيرة مربعة من عود ، يظهر من المحل الذي كنا فيه أن تربيعها قدر ذراع في مثله ، وهي مصبوغة بالسواد ، في وسطها بياض ، تركب هذه الألواح في رؤوس عصي طويلة ، يباشر تركيبها من يكون في ذلك الحفير ، وينصبها للرمي. ووجدنا أناسا بذلك البيت يرمون تلك الألواح من الفرج التي في جداره ، وتكرر رميهم لها ، فما أصابها واحد منهم ، فناولني واحد منهم مكحلة بعدما عمرها من خزنتها ، وأذنني في الرمي بها ، فأخذتها فوجدت نيشان الخزنة ضعيفا جدا لا ينحصر به المرمي ، فحين شايعت بها المرمى ظهر لي في رأي العين أن فورمة المكحلة أعظم من المرمي (٢) ، ولعله من صغر النيشان وشكل الجعبة ، فحين أخرجت المكحلة لم أصب ذلك المرمى ، فلم

__________________

(١) في مكان الرماية الوطني National Tir جربت هذه الأسلحة أمام أنظار أعضاء السفارة المغربية.

M. A. E. R. B) ARCH. HIST. DIP): 518.

(٢) تنبه الجعيدي إلى بعض عيوب هذه الأسلحة البلجيكية وهي في طور التجريب ، وفضل الأسلحة التقليدية المغربية عليها ، وهذا يفسر لنا أن الجنود المغاربة كانوا يفضلون المكاحيل القديمة المحلية على المكاحيل الأوربية الحديثة ، كما يظهر من رسائل السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان بتاريخ غشت ١٨٦٢ م «... وأخبرت أنك كنت دفعت لمخازنية تطوان المكاحيل الرومية ولم تصلح لهم وطلبت أن تفرق عليهم هذه المكاحيل التي تعمل من الطريحية فقد أذناك في ذلك ، فاجمع الرومية التي كنت فرقتها عليهم ...».


تكن له علينا في ذلك مزية والحمد لله. ووددت الآن لو كان معنا مكحلة من مكاحيل غربنا ،لأن أمور الرماية عندنا مما يكاد يستحيله السامع ، كضرب المحمدي الذي يكون في أذن الواقف ، والطائر في حال طيرانه على أحوال متعددة ، ثم خرجنا من هذا /١٦٧/ البيت ، وأوتي بنا إلى آخر ، فوجدنا فيه مربعين ، أحدهما فيه تسع عشرة عمارة ، والآخر فيه سبع وثلاثون ، وأوتي بالحديدات المتحدة عنها ، في كل واحدة تسعة عشر قرطوشا مركبا فيها ، فوضعت تلك الحديدة في قالبها المحفور لها في سطح قعر المدفع ، وشدت على الخزنة ، وكان في رجل الكريطة مسماران معكوفان إلى جهة الأرض ، فضربهما برجليه حتى غاصا في الأرض ، وكان أمامه في بعد جدار مربع مصبوغ بصبغة سوداء ، في وسطه دائرة ببيضاء ثم أخذ يباشر مسامتة المدفع للدائرة البيضاء ، وبعدها رفع تلك اليد من الحديد التي عن اليمين إلى فوق ، فخرجت العمارة كلها ، فكان رجل منهم في الحفير الذي فيه ذلك الجدار ، وبيده قضيب طويل ، وهو يعين لهم المواضع التي أصابها رصاص العمارة ، فكانت كلها حول الدائرة البيضاء ، وتكرر الرمي منه بهذا المدفع وبالآخر ، فما أصابت الدائرة البيضاء ولو رصاصة واحدة (١) ، ومن المشهور عندنا في الغرب أن الطبجية يجعلون

__________________

(١) بعض رجال المخزن المغربي كان يعرف أن الأسلحة التي كان يشتريها كانت عاجزة أو فاسدة أكل الدهر عليها وشرب ، وكلام المؤرخ الناصري في هذا الموضوع واضح «... صاروا من القوة والاستعداد والتفنن في أنواع الآلات الحربية التي حيث صارت آلاتنا عندهم هي والحطب سواء ، والدليل على ذلك أنهم يبيعوننا أنواعا من الآلات الحربية نقضي العجب من جودتها وإتقانها ، ومع ذلك فينقل لنا عنهم أنهم لا يبيعونا منها إلا ما انعدمت فائدته عندهم ، لكونهم ترقوا عنها إلى ما هو أجود منها ، واستنبطوا ما هو أتقن وأنفع ...»، الاستقصا ، ج ٩ : ١٨٤.

رغم أن المخزن المغربي كان يشترط على الشركات الأوربية التي يتعامل معها ضمان حكوماتها لجودة السلعة ، فإن الأسلحة كثير ما كانت تظهر فيها أعطاب غير صالحة للاستعمال كما جاء ذلك في إحدى رسائل القنصل البلجيكي بطنجة للزبيدي.«... إنا نكتب لك اليوم على شأن أمر أوقعني في غبينة كبيرة .. وإنني تغيرت كثيرا لما سمعت أن السلطان أيده الله ليس على خاطره من أجل هذا الحرب (الأسلحة) الذي من بلادي ...» ، سنة ١٨٨٥ م. الجيس المغربي وتطوره في ق ١٩ ، برادة ثريا ، ص. ٢٧٧. د. د. ع ، كلية الآداب بالرباط.


دائرة في جدار أبيض ، وفي مركزها طلاء أسود أو أحمر ، ويضربونه بالمدفع بكورة واحدة ، فيصيبون ذلك الطلاء بخصوصه في بعض الأوقات مع صغر جرمه. وهذه العمارة التي تجعل في تلك المدافع ، لصاحبه الاختيار ، إن شاء أخرجها دفعة واحدة ، فتخرج كالحاضرون المعروف ، وإن شاء أخرج منها رصاصة أو ثنيتين أو أكثر ، وإن شاء أخرجها متتابعة فعل ، فالسبت في يده أي اليد التي يحركها /١٦٨/ إن شاء طوله وإن شاء قصره ، وكذلك إذا أراد أن يضرب بعمارة واحدة الصف المقابل له ، من اليمين إلى اليسار ، يجذب المدفع إليه حالة رفع تلك اليد ، فتجد فمه يدور إلى جهة اليسار حين خروج العمارات ، ثم شكر لهم الباشدور تلك الأعمال ، فلين الأقوال فتأدبوا منكسرين بخضوع غير مستكبرين ، وركبنا الأكداش ورجعنا إلى مستقرنا.

الملاقات مع أخ عظيم الدولة وعامل البلد وصفة داره

وفي يوم الجمعة السابع (١) منه ركبنا وتوجهنا لدار أخ كبير الدولة (٢) ، وتلاقينا به بداره فرأينا منه من الفرح والسرور مثلما وجدناه في كبير الدولة ، وبعدما خرجنا من عنده توجهنا لدار عامل البلد (٣) ، فالقينا فئة كبيرة من العسكر بباب داره متحربة ، وأصحاب الموسيقى يتكلمون بها ، فتلاقينا به في قبة بداره ، وما قصر في البشاشة والتعظيم ، وأحضر موائد القهوة ، وموائد الحلواء المعقودة على الثلج ، فتناولنا من ذلك شيئا خفيفا. ووجدنا عنده بتلك القبة كنانيش فيها الشروط والعهود المعقودة بينهم وبين الدولة الفرنسوية ، ربما يزيد على تسعمائة سنة كما قيل. وهي محفوظة

__________________

(١) ٣٠ يونيو سنة ١٨٧٦ م.

(٢) الأمير فليب دوق فلاندر Flander PhiliPPe Conte de وزوجته ، انظر نص برقية الاستدعاء بالإتحاف ، ج ٢ : ٣٠٠.

M. A. E. R. B) ARCH. HIST. DIP): 518.

(٣) بقصر البلدية استقبل الزبيدي من طرف عمدة المدينة وطاف على أهم مرافقها (نفس المرجع).


عندهم ، ووجدنا عنده في تلك القبة سلك التلغراف (١) مجموعا عنده في محل واحد ، ومنه يتفرق على جميع الطرق التي حول المدينة لأجل إخباره بما يحدث في أطراف البلد وفي غيرها عاجلا. ثم إنه أخذ لولبا واحدا من لواليب مركوزة في لوحة ، فحركه قليلا ، فقال الترجمان : إنه سأل صاحب السلك الذي في خارج المدينة عن الجالس معه حينئذ ، فأجابه عاجلا في ربيعة بيضاء ملوية على ناعورة /١٦٩/ صغيرة رأيناها تدور ، فيخرج الجواب مكتوبا في تلك السفيفة (٢) بقلم الخفيف ، قائلا له معي فلان وفلان ، كذا أخبرنا الترجمان. ثم دخلنا إلى قبة أخرى فيها كراسي وشوالي من الموبر ، ذكر لنا أن هذا المحل يجتمع فيه كبراء الدولة في خمسة عشر يوما لتفقد أحوال البلد ، وما يحدث فيها ، والمفاوضة في أمره وهذه الدار ، قيل إنها تزيد على تسعمائة سنة منذ بنيت ، وهذا المحل معروف فيها لهذا الغرض ، ما بدلوه قط ، ودخلنا إلى قبة أخرى ، رأينا فيها تصاوير في الجدران والسقف لا جسم بها ، قيل إن لها في ذلك المحل أزيد من ثلاثمائة عام. ثم دخلنا إلى قبة أخرى وجدنا فهيا كراسي قيل إن في ذلك يعقد نكاحهم على يد العامل (٣) ، وأن في كل يوم يعقد النكاح لعشرة أو أزيد ، ثم خرجنا من هذه القبة إلى سرجم خارج عن جدار الدار ، وأشرفنا

__________________

(١) معناه «الكتابة من بعيد» وهذا الجهاز يعتمد على تيار كهربائي ضعيف متقطع في سلك معدني ممتد بين نقطتين تعرفان بمحطتي الإرسال والاستقبال (الموسوعة العربية).

(٢) تتم المخابرة عندما ينقر المرسل بواسطة مفتاح الآلة ، فينقل ذلك كهربائيا إلى جهاز الاستقبال ، ويظهر في شكل نقط أو خطوط هي أساس الشفرة التلغرافية على سفيفة أو شريط رقيق ، وللإشارة فقد وفد على السلطان الحسن الأول باشادورات فرنسا وأنجلترا وإسبانيا والبرتغال عام ١٨٧٥ م في شأن إدخال التلغراف للمغرب (الإعلام ، المراكشي ، ج ٧ : ٧٣). والذي استفاد منه التجار والهيئات الدبلوماسية الأجنبية فقط.

(٣) شاهد الزبيدي بقصر بلدية ابروكسيل قاعة اجتماع ممثلي السكان ، وقاعة عقد الزواج العرفي المدني ، وتعرف على أحدث وسائل مكافحة الحرائق ، وبالمركز الثقافي والأدبي شاهدوا عرضا لفرقة Hall ـ Vau بقيادة Monnate ، وبالتالي تعرفوا على أهمية المجالس البلدية ، ودورها في خدمة سكان الحواضر.

M. A. E. R. B) ARCH. HIST. DIP): 518.


فيه على سوق متسع البراح ، وفيه خلق كثير ، فتكلم القائد مع رجل به ، فنصب طرونبة (١) قائمة ، وفتح فاها ، فصار الماء يخرج منها ويتصاعد حتى جاوز الأسطحة العالية بجهد عظيم. وسئل عما يتصاعد هذا الماء فقيل يصعد عشرة مياتير ، وأخبرنا أنه وقع حريق في أربع عشرة دورا فركبت الطرونبات مثل هذه وأطفئت تلك النار في ثلث ساعة ، ثم هممنا بالرجوع فتكلم الترجمان (٢) وذكر أن القائد يطلب من الباشدور فابورا بتأنيه هنا نحو ربع ساعة ، ليلبس ثيابه /١٧٠/ ويخرج معنا لمحل مكينة الغاز الذي تشعل منه المدينة ، فدخلنا للقبة التي وجدناه فيها أولا ، وجلسنا فأوتي إلينا بموائد القهوة والحلواء ثانيا ، من جملتها حلواء معقودة على حبوب العنب الذي يصنع عندهم بالمكينة ، فتناولنا شيئا يسيرا ، ثم قدم علينا القائد وقد نزع ثياب لباسه الفاخرة المرصعة بالذهب ، ولبس الثياب التي تلبسها العامة منهم.

توجهه مع الباشدور لمحل صنع الغاز وشرح كيفيته

وخرجنا فركب مع الباشدور في كدشه المعين له ، وركبنا نحن في أكداشنا تابعين له ، إلى أن وصلنا إلى محل صنع الغاز ، فوجدنا بقربه كدي عظيمة من الفاخر (٣) تأتي به البابورات البرية من نواحي كثيرة ، فمنه ما هو من معدن بلادهم ، ومنه ما هو

__________________

(١) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.

(٢) ابراهام سكسAbraham Succic، كان منذ سنة ١٨٦٦ م يضطلع بمنصب الترجمان الأول بالقنصلية البلجيكية بطنجة ، ورافق سفارة الزبيدي طيلة مقامها ببلجيكا كترجمان رسمي للدولة. وحسب رسالة الطريس إلى السلطان بتاريخ ٢٦ أبريل ١٨٩٠ م أنه تورط صحبة منصور ملحمة ترجمان ألمانيا بطنجة ، في شراء أرض لفائدة شركة فرنسية بوهران ب ٦٠٠ ريال بناحية المنار ، وادعيا أنهما فعلا ذلك ب ٠٠٠ ، ٢٦ ريال ، وكان معه أحد أقاربه يدعى يعقوب سكس كترجمان ثاني منذ ١٨٨٥ م. الاستيطان والحماية ، بو شعراء ، ج ٢ : ٥٤٢).

(٣) يستخرج من الفحم الحجري الغاز (آلية تغويز الفحم) الذي يستعمل في الإنارة والطهي في المدن ، ويسمى عادة غاز الاستصباح كطاقة رخيصة. (البخار والآلات البخارية ، د. عبد الله صبري ، د. محمد مصطفى أنور ، د. محمد أبو بكر إبراهيم ، القاهرة ، ١٩٥٧).


من معادن أجناس آخرين. ووجدنا ثلاثة بيوت معدة عندهم لحرق ذلك الفاخر ، لكننا وجدنا الخدمة في بيت واحد. وكيفية خدمته أنهم يتخذون في نصف جدار كل بيت ثمان فرج ، وينصبون في نصف عرض جدار كل فرجة سبعة بيوت النار ، أفواهها قيل إنها من حديد مستدير كشكل البيضة ، وامتد كل بيت في نصف عرض الجدار وتمام بيت النار يبنى كما ذكر من الطين الذي يثبت (١) مع النار ، أما ثلاثة بيوت منها فهي مصطفة مع طول الجدار من اليمين إلى اليسار ، وفوقها بيتان ، وآخران أسفلها ، ومجموعها في السبعة بيوت المذكورة المبنية في نصف عرض الجدار ، ونصف عرضه الآخر يجعلون فيه مثلها في البيت المتصل بهذا البيت /١٧١/ ثم يجمعون في كل بيت منها جعبة حديد أسفلها متصل ببيت النار قرب فمه ، تمتد مع علو الجدار ، حتى تنتهي إلى جعبة عظيمة مقاطعة لها ، ممتدة مع امتداد طول الجدار ، وجميع جعبات بيوت النار هكذا ، خارجة منها كما ذكر وتنتهي إلى تلك الجعة العظيمة ، فإذا أرادوا الخدمة يجعلون من الفاخر المذكور في بيوت النار وتوقد ، ويقفلون على أفواهها بألواح من حديد مماثلة لهيئة أفواهها المذكورة ، ويجعلون عليها طينا أبيض مبلولا ، يدخل عند السد بها بين الألواح وأفواه البيوت ، ليلا يخرج الدخان ، فعند ذلك يصير ذلك الفاخر يشتعل في تلك البيوت ، وله لهيب عظيم ، ودخانه يخرج من تلك الجعبات المتصلات بأفواهها ، ويصعد فيها حتى ينتهي إلى تلك الجعبة العظيمة ، وتحت كل فرجة من الفرج المذكورة سواني يجري الماء فيها بحرارة. وهو ظاهر من أسفلها قيل ليلا يذوب الحديد الذي تحته من شدة النار ، ويبقى ذلك الفاخر يشتعل في ذلك المجمار خمس سوائع ، فإذا مضت له هذه المدة يأتي رجل من الخدمة ويعد تلك اللوحة الملصقة في فم المجمار ، ويضع آخر أسفله صندوقا حديديا ، ويوخذ قضيب طويل من حديد معكوف الرأس ، ويشتغل بإخراج الفاخر المشعول من ذلك المجمار ، فيسقط في ذلك الصندوق ، فيصب عليه الماء فينطفىء فيخرجونه إلى الفضاء ، ويجمع هناك في مواضع فيباع بعد ذلك لأهل البلد ، /١٧٢/ وبه يطبخون

__________________

(١) تحاط الأفران بمواد عازلة من الطوب الحراري ، حتى لا تضيع الحرارة وتتسرب من الأفران عن طريق الإشعاع إلى الخارج. (نفس المرجع السابق).


طعامهم ويجعلونه في مجامير بيوت مساكنهم في البرد ، لأنه لا تبقى له رائحة كريهة (١) ولا كثير دخان ، هكذا أخبرنا (٢). ذومهما فرغ بيت من الفاخر المشعول يملأه اثنان بغير المشعول ، كل واحد بيده مدرة من الحديد يغترف بها الفاخر ويرميه إلى داخل المجمار حتى يجعلا فيه كفايته ثم يسد بلومته مع ذلك الطينذ ، وقد بينا أن نصف جدار كل بيت فيه ثمان فرج ، وفي كل فرجة سبعة مجامير عينية ، في نصف عرض الجدار ، وفي نصف عرضه الآخر المقابل لها مثلها ، فيكون في نصف البيتين المتصلين من بيوت النار مائة بيت واثنا عشر بيتا كلها في نصف جداره ، وفي النصف الآخر مثلها تصير مائتي بيت وأربعة وعشرين بيتا ، جميع دخانها الخارج من جعباتها ينتهي إلى تلك الجعبة العظيمة ، وتقدم أن هذا المحل فيه ثلاثة بيوت لخدمة الفاخر فيكون في جملتها من بيوت النار ستمائة بيت واثنان وسبعون بيتا ، قيل كلها يخدم بها في أوان البرد ، وأما في وقتنا وهو شهر يوليوز والشمس في برج السرطان ، فوجدناهم مقتصرين على الخدمة في نصف بيت ، لحرارة الوقت ، وحيث ينتهي الدخان إلى تلك الجعبة العظيمة الممتدة في أعلا الجدار ، ينزل منها إلى الأرض في مجاري لا ترى حتى ينتهي إلى بيوت أخر عظيمة. قد جعل في براحها صهاريج (٣) عظيمة من الحديد وفرشت بغبراء الجير ، وكل صهريج منها يحيط به آخر أعظم منه ، وبينهما بعد بقدر الشبر يكون الماء جاريا فيه. وهذه الصهاريج ينزل إليها

__________________

(١) الكبريت الموجود في الفحم الحجري ، عند الاحتراق يعطي غاز ثاني أكسيد الكبريت ، وهو غاز سام ذو رائحة كريهة غير مرغوب في وجوده مع غاز الاستصباح الناتج ، لهذا معظم الأفحام المستعملة من نوع الدسمةAntracite أو النصف دسمة ، والتي تتميز بوجود نسبة قليلة من الكبريت ١%.(نفس الرجع السابق).

(٢) استدراك بطرة الصفحة أدرجته في مكانه بين نجمتين ذ ... ذ.

(٣) صهاريج تكثيف وتجميع الغاز المتولد عن تسخين الفحم الحجري ، وتحوله إلى مادة سائلة تحت ضغط كبير. فعندما يراد الحصول على غاز للإنارة تخفض درجة حرارة التسخين ، أما إذا ارتفعت درجة حرارة التسخين فتتحول الغازات الإيدروكاربونية إلى إيدروجين تستخدم في آلات الاحتراق الداخلي. (نفس المرجع السابق).


الدخان الوارد من تلك الجعبة العظيمة ، ولها أي هذه الصهاريج أغطية على هيئتها ، وفي مقدار /١٧٣/ جرمها ، وجدنا أحدها قد رفع غطاؤه بمكينة فوقه ، كما ترفع عندنا المدافع ، ورجلان يخدمان البوجي (١) المنصوب على قنطرة عظيمة فوق هذه الصناديق. وهي مع عظمتها غير ثابتة في موضع ، بل بطرفيها ناعورتان ، في حرفها درج تمشي بها على الجدارين البنيين لها إلى حيث يراد بها ، لأن بها ترفع أغطية تلك الصهاريج التي في هذا البيت. وبهذا توضع الأغطية بحركة البوجي الذي في وسط القنطرة ، فإذا نزل الدخان إلى الصهريج الأول بعد سده بالصهريج الآخر الذي فوقه ، يسلب عنه الجير ، ومع ذلك الماء ماء فيه من العفونات والأضرار المؤذية ، ومن الصندوق الأول يخرج إلى الثاني فيسلب عنه البقايا التي فيه. ثم إلى الثالث وإلى الرابع وهكذا ، حتى لا تبقى فيه رائحة ولا ضرر ولا أذى ، فعند ذلك تخرجه مكينة مبنية في بيت آخر عظيمة الجرم ، مثل مكينة البابور ، فتسفه وتجذبه من تلك الصناديق ، ويخرج منها مختفيا تحت الأرض ، حتى يصل إلى (٢) ذمخازينه الآتي ذكرها ومنها يخرج إليذ قادوسين عظيمين ممتدين مع الأرض ، قطر دائرة كل منهما يزيد على ذراع واحد ، ومنهما يتفرق على المدينة في قواديس صغيرة وكبيرة بحسب الديار والحوانيت التي في البقاع كثرة وقلة ، ودخلنا إلى بيت آخر ، وجدنا فيه ناعورتين كبيرتين قيل لنا بهما يعرف ما دخل من الدخان للبلد ، في كل يوم وبين لنا بعض ذلك في دائرة صغيرة مثل رخامة المجانة المستديرة ، قد قسم نحو ثلاثة /١٧٤/ أرباعها بمقدار واحد وجعل في كل قسم دائرة صغيرة قد قسمت على عشرة أجزاء ، وفي وسطها موري (٣) مثل المجانة ، فإذا تحرك الدخان وخرج منه مقدار متر واحد ، تحرك ذلك الموري الذي في الدائرة الأولى (٤) درجة واجدة من الدرج العشر التي في محيط الدائرة ، وإذا دخل متران تحرك درجة أخرى وهكذا ، فإذا تحرك عشر درج ، وقطع

__________________

(١) انظر شرحه بالملحق رقم : ٤.

(٢) استدراك بطرة الصفحة أدرجته في مكانه بين نجمتين ذ ... ذ.

(٣) يتحرك عقرب الساعة بشكل تصاعدي داخل هذه الدوائر مسجلا مقدار استهلاك الغاز.

(٤) الدائرة الأولى (من الدرجة ٠ إلى ١٠)


محيط الدائرة ، وذلك عند دخول عشرة مياتير من الدخان للبلد ، يتحرك موري الدائرة الثانية (١) درجة واحدة من عشر درجها ، فإذا دخلت عشرة مياتير من الدخان تحرك درجة ثانية ، فإذا دخلت منه مائة متر تحرك عشر درج ، وقطع الموري جميع الدائرة ، ويتحرك موري الدائرة الثالثة (٢) درجة واحدة ، فإذا دخلت مائتا متر تحرك موري الثالثة درجتين ، فإذا دخل ألف متر تحرك عشر درج ، وقطع دائرته. ويتحرك موري الدائرة الرابعة (٣) درجة واحدة ، وإذا دخل منه ألفا متر تحرك درجتين ، وإذا دخل منه عشرة آلاف ميتر تحرك عشر درج وقطع دائرته وتحرك موري الدائرة الخامسة درجة واحدة. وهكذا حتى يكون موري الدائرة الثامنة ينبئ تحركه عن عدد عشرات الملايين ، لأن مراتب هذه الدوائر بنيت على مراتب أسس مطلق العدد. وذكر لنا أن كل دار أو حانوت أو غيرهما مما يشعل فيه الغاز ، فيه دائرة فيها موري ينبئ عن القدر الذي يشعل منه في ذلك المحل كل ليلة ، /١٧٥/ وهذا الدخان الذي يخرج في كل يوم ، ليس كل ما يخرج منه يدخل للبلد ، بل ينصرف إلى مخزنين عظيمين من حديد مستديرين ، ومنهما يخرج منه القدر المحتاج ، ووجدناهم يصنعون خزينا ثالثا مثل الآخرين ، وهو ملفق من ورقات. ورأيناهم يلفقون الطبقة العليا منه بمسامير كبيرة ، يخرجونها من بيت النار قريبا منهم ، ويدخلونه في ثقبتي الورقتين اللتين في حرفيها ، ويكعبون أرباع رأس المسمارة ، ثم يوضع على رأسه قطعة حديد فيها قالب رأس المسمار كهيئة نصف كرة ، ويضربونه بمقامع من حديد. ثم ينزعون ذلك القالب فيبقى رأس المسمار كهيئة نصف كرة. وسألت عن قطر دائرة هذا الخزين ، فأخبر مهندسهم أن قطرها ثمانية وأربعون مترا ، وسألت عن علو هذا الخزين ، فقال عشرون مترا ، فقلت وكم يملأ هذا الخزين من الأمتار؟ فقال عشرون مليونا من الأمتار ، لكن إذا

__________________

(١) الدائرة الثانية (من الدرجة ١٠ إلى ١٠٠)

(٢) الدائرة الثالثة (من الدرجة ١٠٠ إلى ١٠٠٠).

(٣) الدائرة الرابعة (من الدرجة ١٠٠٠ إلى ٠٠٠ ، ١٠).

(انظر الرسم بملحق الرسوم والصور صفحة ١٠).


ضربنا نص قطره في نصف محيطه والخارج في علوه كان الخارج (١) ستة وثلاثين ألف متر ، ومائتي متر وعشرين ، ولعل المراد عنده بالميتر شيء (٢) آخر باعتبار مصطلحه. وهذا كله وعامل البلد يطوف معنا في تلك الأماكن.

دار الوحوش الميتة

وفي يوم السبت الثامن (٣) منه توجهوا بنا في الأكداش إلى دار فيها وحوش كثيرة ، لكنها ميتة وحشيت جلودها حتى ملئت ، فيتخيل للناظر أنها أحياء ، فدخلنا إليها فرأينا فيها أسدا من أسد الغرب في خزانة زاج ، ذكر أن مولانا السلطان المقدس بالله سيدنا ومولانا عبد الرحمان /١٧٦/ أسكنه الله فسيح الجنان كان وجهه لكبير دولة البلجيك ، وأنه عاش عنده اثني عشر عاما ومات ، فأخذ جلده وحشي ، وجعل الكافور في رأسه فبقي على حالته حين كان حيا. ووجدنا في أسطوانها أقفاصا من حديد ، وسلك ممتدة طولا وارتفاعا مع جدران الأسطوان ، معلقة بشيء ظنناه حجرا ، فقيل لنا إن ذلك عظام حيوان محفوظة هناك ، وفي هذه الدار من هيئات الحيوان مثل ما في جنان باريز من الحيوان الحي ، إلا ما قل. وفيها زيادة على ذلك هيئة حيوان أعظم من الجمل ، لكن لم يبق منه إلا العظام ، قد ربط بعضها مع بعض بالسك

__________________

(١) بالفعل العملية الحسابية التي قام بها الجعيدي صحيحة وهي كالتالي : القطر ٤٨ سنتم ،

الارتفاع ـ ٢٠ متر ، الشعاع ـ ٢٤ سنتم. ١٤ ، ٣ ـ ١١

المحيط ـ ٢ (الشعاع) * ١١S ـ R ٢ *١١

الحجم ـ المحيط* الارتفاع V ـ S *h

الحجم العادي ـ ١٤ ، ٣* ٢ (٢٤) * ٢٠ ـ ٢٠٠ ، ٣٦ متر مكعب.

(٢) الحجم يقاس بالمتر المكعب.

(٣) ١ يوليوز سنة ١٨٧٦ م.


وقضبان الحديد ، وله نابان في الفك الأسفل منعكفان إلى ناحية أعلا رأسه (١) ، في كل ناب نحو ثلاثة أرباع ، دائرة قطرها نحو ذراعين ونصف ، وطوله أي هذا الحيوان نحو ستة أذرع ، وفي ذنبه نحو أربعة أذرع ، وفك فمه الأسفل في دوره نحو ستة أشبار ، ورأسه كبطن بقرة. قيل إن هذا الحيوان كان قبل الطوفان (٢). ورأينا فكرونا عظيم الخلقة ، طوله مثل عرضه نحو ذراعين في مثلهما عرضا ، والتمساح طوله نحو سبعة أشبار ، وبلينه لم يبق منها إلا بعض عظام بطنها مع عظام فقار ظهرها ، في طولها ثلاثون خطوة وأفاعي عظيمة الخلقة ، ملتوية على ذاتها ، غلظ كل واحدة قدر ما يحيط به الإبهامان والسبابتان عند اقتران رؤوسها. وكل ذلك في خزانات من الزاج عدا /١٧٧/ الحيوان الذي قبل الطوفان والبلينة. وفي صناديق كثيرة (٣) ، أغطيتها من الزاج جميع ما في الأقاليم من المعادن ، كل معدن أخذ منه حجرا وتراب ، ووضع

__________________

(١) الماموث Mammouth معاصر للإنسان كما تثبت لنا الرسوم الكثيرة على جدران الكهوف ، قد انقرض في العصر الحجري (موسوعة عربية عالمية).

(٢) تعليق بالطرة من إنشاء نجله عبد القادر الجعيدي «لم يدر هل كان مع نوح في السفينة أو انفرد عنه في ناحية لم يصلها فناء على أنه خاص ، فتأمل بفكرك السوابق واللواحق». وأسفله تعقيب لابن علي الدكالي «لا غرض لنا في أن يكون مع نوح في السفينة أو لم يكن معه لأن المؤلف قال إنه كان قبل الطوفان وعبارته تقتضي وجوده في الأرض قبل الطوفان ولا ندري هل انقرض قبل وقوع الطوفان أو بعده ، فإن كان انقرض قبل وقوع الطوفان ، فلا شك أنه لم يكن مع نوح في السفينة ، وإن كان انقرض بعده فلا شك أنه كان معه في السفينة بدليل آياته «قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين». وعلى كل حال فإن عظامه بقيت محفوظة في طبقات الأرض حتى عثر عليها الباحثون في هذا العصر ، وركبوها على الكيفية التي رآها عليها المؤلف كما هو الشأن في عدة آثار ، حفظت تحت طبقات الأرض منذ آلاف من السنين إلى الآن ، والحاصل أنه لا اعتراض على المؤلف ، ولو كان كاتب الطرة أعلاه له إلمام بعلم التاريخ الطبيعي لما كتب ما كتب والله أعلم».

(٣) تعرض متاحف التاريخ الطبيعي الأحافير (علم الجيولوجيا) وكميات من المعادن (علم المناجم) والنباتات المجففة (علم النبات) ، والبقايا البشرية (علم الأجناس البشرية) وغير ذلك ، وتكون تحت تصرف الباحثين لدراستها وتحليلها وصيانتها.


الحجر في حك من كاغد ، والتراب في قطيع زاج ، وكتب على كل معدن من أي محل هو ، وما يخرج منه ، منها صندوقان فيهما حجر معادن الغرب (١) ، وعدد ما في هذين الصندوقين من المعادن المغربية سبعون معدنا. منها ما هو من الجديدة ، ومن طيط وغيرهما ، وصناديق أخرى بالزاج ، فيها النبات الذي يكون في قعر البحر على أشكال ، وفي صناديق عظام حيوان البحر الصغير والكبير ، حتى عظام غلالتة التي تكون بالشاطئ ، وهناك قرود ممتدة الأفواه كالكلاب ، والقاموس وحيوان عظيم الخلقة ، أما ذاته ما عدا الرأس والأرجل فأعظم من ذات الفيل الذي رأيناه في جنان الوحوش ، ويداه ورجلاه مثل ما للفيل ، إلا أنها قصيرة ، طولها نحو ذراع ، وعنقه قصير جدا ، ورأسه (٢) قرنة جسم كأنه مربع الشكل إلا أن زاويتي الفكين مثل قطع دائرة ، قيل إنه وجد في بعض الأودية. ثم أكباشا من الغنم صوفها أسود. والكركران والقنية والفيران كبار وصغار ، منها فأر عظيم كالحوت الشابل ، له ذنب مبسوط ، قيل إنه يعبر الواد ويرفع ذنبه للريح ، والضربان ، وهناك من الطير ما لا حاجة إلى تفصيلها ، سئل عن عددها فقيل ثمانية عشر ألفا ، فقيل كم أجناسها ، فقيل ثلاثمائة ، ورأينا هناك القنفود والهر /١٧٨/ والنمس. ومن تلك الطيور الباز والرخمة والحدية (٣) والنسر والنعام إلى غيرها. مما لا نعرفه ، ثم دخلنا لثماني قبب ، أربع مصفوفة بعد أربع إنما فيها أي في جدرانها مرايا كبيرة ، فيها صور آدميين ، وفي وسطها شوالي وكنابيس ، ووجدنا في بعضها صورة رجل وزوجته لا شيء عليهما من الثياب ، والرجل بيده اليمنى بل اليسرى أغصان شجرة بأوراقها ، قد وضعها على عورته ، وفي يده شيء مثل التفاحة وبيد زوجته مثلها ، وقد جمعت فخذيها على فرجها ، وهما تحت شجرة

__________________

(١) المهندس البلجيكي ديكان Desguins ورد على المغرب سنة ١٨٦٨ م للتنقيب عن المعادن والثروات الطبيعية ، ودراسة إمكانيات صناعية وغيره. ربما تكون العينات التي أخذها معه إلى بلجيكا هي المعروضة في المتحف المذكور. ابن زيدان ، الإتحاف ، ج ٢ : ٤٦١.

(٢) وحيد القرن Rhinoceroc ، أو خرتيت كركدن (المنجد).

(٣) الحدأة طائر من الجوارح (معجم الفصحى في العامية ، محمد الحلوي).


قيل أنهما صورتا نبينا آدم وأمنا حواء (١) ، ووصفه صورة الآدمي وجهه للطول أقنى الأنف ، أبيض مشوب بحمرة ، ضيق العينين أسودهما ، أسود شعر الرأس ، مرسله إلى ناحية ظهره ، رقيق الأطراف ، وأما الأنثى فهي بيضاء اللون ، مدورة الوجه للطول يسيرا ، نجلاء العينين واسعتهما بوجهها حمرة ضعيفة ، ناتئة البطن كأنها حامل ، ناتئة الثديين ، مسبولة ، شعر الرأس يميل إلى الحمرة والبياض ، ثم خرجنا من هذه الدار.

دار فابريكة النحاس والصفر

وتوجهنا إلى دار فابريكة النحاس والصفر ، وليس يصنع فيها شيء من أواني الطبخ والأكل والشراب ، وإنما يصنع فيها الحوائج المحتاج إليها للأبنية ، كالسراجيم وآلة الدفف والتصاوير والثريات ، ولكل حاجة من تلك الحوائج قالب تفرغ فيه ، فدخلنا للبيت الأول فوجدنا فيه خدمة بين أيديهم ألواح من حديد ، يجعلون في وسطها قوالب الحوائج التي يريدون فرغها ، وهم /١٧٩/ يسجنون عليها بالتراب ، ويشدون القوالب أجزاء بعضها ببعض ، ثم ترفع لأناس آخرين في بيت آخر ، فيه بيوت النار ، يذيبون النحاس والصفر ، ويفرغونه في تلك القوالب. وقد أفرغوا بمحضرنا من ذلك المذاب في قوالب ، فكان يصب منها في القوالب كما ينصب الماء من القواديس. وبعد حين فتحت فألقيت فيها حوائج مورقة مما يستعمل في الدرابيز والله أعلم (٢). ووجدنا آخرين في بيت ثالث مشتغلين بفك القوالب التي تكون فيها الصور

__________________

(١) تعليق من أنشاء نجله عبد القادر بطرة الصفحة : «لا أدري لم أقتصر على هذا الجنس من البشر دون غيره من أولاده ، ولعله كان بارا بهما أكثر ، إلا أنه كان من حسن البرور أن يكسوهما».

(٢) «زار الزبيدي ببروكسيل مصنع البرونز ومصنع الطناجير والفخار ، ثم ورش السيد فاشيرWasher بزنقة طيرنوف Terre Neuve لصناعة القماش ، ثم مستودع التخريم لسيد بوشلتزBuchoctz بزنقة ليوبولد ، ثم مصنع المدخات للسيد بييرPierre بزنقةMuysbroeck مويسابروك. وفي أغلب هذه المحلات الصناعية والتجارية عمل السيد السفير على شراء بعض هذه المنتجات التي ستظهر للمغرب جودة منتوجاتنا التي نتمنى أن تتبعها طلبات جديدة».

M. A. E. R. B) ARCH. HIST. DIP): 518.


العظيمة ، ووجدنا بين أيديهم صورة بطن آدمي هائل الخلقة ، وهم ينزعون منه ما هو زائد على ذاته حين الفرغ ، ويحاولون وقوفه بالبوجي بعدما ربطوه من تحت إبطيه بالقنانيب ، ثم وجدنا خدمة في بيت آخر يبردون بعض الأثاث الرقيقة التي خرجت من القوالب ، واحتاجت إلى التصفية. ووجدنا مكينة عظيمة في بيت آخر ، يخرج الريح من بعض جهاتها كصوت الثور ، ويمر بعضه على كير مجمر حداد هناك يصنع حوائج أخرى ، وهذه المكينة تدير نواعير كثيرة كل ناعورة قبالتها رجل أمامه آلة الخرط ، يركب الحاجة التي يريد خرطها في محلها ، منها ما يكون كالقضيب فيمسك من الرأسين ، ومنها ما يدخل في فرجة كبعض خواء المسك. وتصير الناعورة تدور ، وهو يأخذ بآلة الخرط من ذلك المخروط على الكيفية المرادة ، وتفعل آلة الهند في ذلك الصفر والنحاس مثل ما تفعله عندنا في العود.

الحوائج المصنوعة عندهم في بعض الأماكن

وفي يوم الأحد /١٨٠/ التاسع من جمادى الثانية (١) ركبنا مع الباشدور إلى دار تسمى عندهم دار موزي (٢) ، وهي عندهم لحفظ السلاح القديم وآلة الحرب القديمة ، مثل الدار التي رأينا في باريس ، فعند دخولنا لها وجدنا في سفيلها المدافع التي استنبطوها أولا ، وهي رقيقة طويلة ، كل مدفع موجود في سريره كالمكحلة ، وله رويضتان ، وفي خزنته فرجة يخرج منها قطعة من دائرة من حديد ، ثابتة في أجزاء الكريطة ، مأخوذة هناك لارتفاع المدفع أو خفضه. وفي أحد البيوت تصاوير خيل ، وأناس بالزرد راكبون عليها وبأيديهم المزارد. وخزانة فيها سلاح كثير قديم ، وفي صندوق من زاج مكاحيل تركية على أشكال ، وخزانتان فيها شواقير مفضضة ، وأخريان فيهما كوابيس (٣) منبتة بالفضة من عمل الترك. ووجدنا معها مكحلة

__________________

(١) ٢ يوليوز سنة ١٨٧٦ م.

(٢) المتحف الحربي الملكي ببروكسيل يقارنه مع متحف ليزانفاليد بباريس (نفس المرجع السابق).

(٣) انظر شرحه بالملحق رقم : ٤.


ريفيت ، وفي آخر حناجير وسبائل ، وفيه مهمازان مفضضان ، وخلخال فضة من عمل الغرب ، وكميات عمل سوس ، وخزانتان فيهما مكاحيل عظيمة من عمل الأقدمين ، وآخر فيه مدافع صفر صغيرة ، على كراريطها نحو نصف ذراع في المدفع ، وابورز تناسبها في الصفر ، وفي صندوقين عدة مختلطة بأحدهما تاج من ذهب ، ومكحلة بقربه من صفر طويلة غليظة ، كأنها مدفع البحر ، وفورمتها تسع الضوبلي ولها سرير المكحلة ، ثم فرس كان يركبه بعض الملوك ، وبعد موته حشي باطنه ، واستعمل الكافور لجلده. وفي خزانة عدة قيل كانت لسلطان السويد /١٨١/ وللسلطان فلب اسكونر (١) بإصبانيا ، ومكحلة في خزنتها أربع عمارات تخرج في صفتها الأصلية ، كانت لسلطان إصبانيا أيضا ، وأخرى تعمر من خزنتها ، فيها ست عمارات ، تخرج بالزناد قيل إن لها هناك عندهم هذه مدة من نحو ثلاثمائة عام ، وأنها من استنباطاتهم ، ومنها عدد في صندوق خاص بها ، وفي خزانة سيوف كانت بيد الأكابر من الدول ، ومعها سكين كانت عندهم معدة لقطع الرؤوس ، وقد ربط مع مقبضها شعر كثير ، عدده كعدد ما قطع بها من الرؤوس ، وبقربها كابوس تجريب البارود ، ضلعته قائمة ، وليست قطعة دائرة ، وفي صندوق مكاحيل من العينة التي أحدثوها في الوقت ، تعمر من الخزنة ، وبقربه فرس كان لسلطان إصبانيا ، قيل له هناك ثلاثمائة عام وخمسون عاما ، وفي خزين آخر فوق هذا أواني فخار عمل أجناس شتى محفوظة فيه. منها مجبنة بديع كانت لنابليون ، وخواتيم عمل إيطاليا قديما ، وسرج منبت بألوان الأحجار بين ثورين بالذهب ، ذكر أنهم لا يدرون لمن كان ، وخزانات فيها أواني بلار ، ة منها غراف كبير خفيف جدا قيل في وزنه ثمن أوقية ، وفي أخرى بعض سكك الريال القديم ، وفي أخرى صروف الوزن قيل لها سبعمائة عام هناك ، ومهارس نحاس بأيديها منه كالتي تتخذ في الغرب للتوابل ، وفي أخرى أثاث عاج ، منها ناب فيل طوله كذراع ونصف ، قد شد طرفاه / بالصفر أو غيره ، ومعه جناوي مقابضها من عاج.

__________________

(١) فليب الثاني ملك إسبانيا (١٥٢٧ ـ ١٥٩٨) أرسل أسطول «الأرمادة» لفتح أنجلترا ، فحطمته الزوابع البحرية (المنجد).


صورة آدم وحواء على ما زعموا

وفي الخزين الثالث الذي فوق هذا آدميون موتى في صناديق ، قيل وجدوا كل واحد بداخل ثلاثة صناديق ، ومنهم واحد كشف عنه فإذا كفنه متلاشى عليه ، وقدماه قائمة قيل له بعد موته ستة آلاف سنة (١). ورأيت بلغة (٢) عظيمة في خزانة زاج ، فقلت لمن كانت تلك البلغة ، فقيل لي ، لم يدر لمن كانت ، فقلت إن من اعتنائكم بهذه الأمور أن تكون عندكم بلغة نبينا آدم فأين هي ، قالوا تركها في الجنة عند خروجه فلذلك لم توجد هناذ ، وأن ذلك أوتي به من مصر ، وفيه فخار عمل الهند ، وأثاث منها سلسلة ذهب لها ستة آلاف سنة كما قيل. ومن هذا الفخار ما هو موضوع على ألواح من البلار ، غلظها كنصف أصبع ، وهذه الألواح داخل الخزانات ، وفي طوابيل أنواع معادن المرمر ، كل نوع موضوع وحده ، وغطي بالزاج ، وفي خزانة أخرى قناديل فخار كهيئة آنية زيت المنارة ، كانت للأقدمين. ثم صعدنا للقبة العليا التي وضع عليها الجامور (٣) ، فوجدنا في قطر دورها عشرين خطوة ، وفيها أمثلة صور المراكب ، وآدميين موتى لم تبق إلا عظامهم ملتئم بعضهم على بعض ، ومنهم صبي كان أسود اللون وجلده يابس على عظامه لم يظهر شيء منها ، أي عظامه. ومنهم آخر جالس على إليتيه ورأسه واقف ويداه قد رمى بهما على كتفيه خلف ظهره وأسنانه وأضراسه ظامرة ، ولم تبق منه إلا العظام ملتئمة ، وجماجم موضوعة بينهما ، وذلك في صندوق من الزاج (٤) ، وأشرفنا من هذه القبة على هذه المدينة ، فرأينا بنيانها قد امتد من كل جهة مع امتداد البصر ، فوجدناها عظيمة ، /١٨٣/ وقيل لي

__________________

(١) مستملحة استدراك بطرة الصفحة أدرجته في مكانه بين نجمتين ذ .. ذ.

(٢) استعملت الكلمة في الأندلس والمغرب للحذاء المغربي المعروف ، كما عرفتها مصر التي كانت تستورد البلغة المغربية (معجم الفصحى ، الحلوي).

(٣) قطع حديد أو نحاس توضع على قمة صومعة المسجد تعلق فيها الخرقة أو علم الصومعة.

(٤) طرة من إنشاء نجله عبد القادر الجعيدي «قد رأينا بالإسكندرية أذنا معلقة على باب حانوت من حارة النصارى لعلها كانت لذلك الآدمي»؟


عند ذلك على وجه المداعبة ، أخبرنا يا مهندس عن كل هذه المدينة وعن طولها وعرضها. فقلت : ناولني المرءاة التي كان أمر مولنا المنصور بالله بشرائها ، التي تقدر بها الأبعاد (١) ، ونخبرك ـ بحول الله ـ عن مطلبك. ثم نزلنا إلى الأسفل فكان عدد الدرج التي ارتقيناها مائة وثمانين درجة. وهي تدور حول شكل مثمن بني بالرافد المنجور قد فتحت فيه كوات تشرف منها على أسفله فيرى باطنه كالبئر.

التوجه إلى مدينة الياج (٢) لرؤية فابريكاتها

وعند رجوعنا أخبرنا بأن كبير هذه الدولة أذن لنا بالتوجه في بابور البر لمدينة تسمى الياج ، بقصد رؤية الفابريكات التي فيها ، اعتناء منه بالجانب العالي بالله ، فخرجنا إليها وركبنا في بابور البر في الساعة العاشرة من نهار الاثنين العاشر منه ((٣) ، بعدما كان هيّأ لنا عربة مزخرفة ، فيها أربع كنابيس وشليتان كبيرتان ، ذلك بالموبر الأخضر ، فجلس كل منا في محل يناسبه ، وحين سافرنا رأينا الأرض التي عن يميننا وشمالنا كلها مزارع ، والأشجار والأنهار ممتدة معها. ومررنا بجبال خرقت للبابور فكان يمر تحتها ، ولو لا الضوء المتخذ في سقف العربية ما كان أحدنا يرى غيره ، فمر ثابتا في هذه الطريق تحت أحد عشر جبلا ، منها ما قطعه في دقيقة ، وفي دقيقتين ، وفي ست دقائق ، وما بين ذلك ، ومنها ما قطعه في عشر دقائق مجانية ، وقد اتخذ فيه مواضع توقد دائما ، والطرق في وسطه متعددة ، وكثيرا ما يلتقي فيه بابوران ، كل منهما يجري على طريقه /١٨٤/ يتقدم لهم من الإعلام بذلك ، ويتقرر عندهم على حسب مصطلحهم ليلا تقع المصادمة والعياذ بالله ، وأما القناطير التي مررنا تحتها فهي كثيرة جدا ، ومررنا على مدن وقرى عديدة ، فكان البابور يقف في

__________________

(١) نظارة مزدوجة للأبعاد أو آلة المقراب البصري Jumelles.

(٢) Liege.

(٣) ٣ يوليوز سنة ١٨٧٦ م.


بعضها لما له في ذلك من الأغراض ، وسقا ووضعا ، فوقف أولا في مدينة لوفاير (١) في الساعة العاشرة ونصف ، وفي طرلام (٢) في الحادية عشرة وربع ، وفي أنس (٣) في ثنتي عشرة وست دقائق ، وفي أوبرى (٤) في ثنتي عشرة وربع ، ووصلنا لمدينة الياج بعد منتصف النهار بثلث ساعة ، فتلقى للباشدور عاملها وكبراؤها ، وأخبروا أن كبير دولتهم أمره بالوقوف معنا حتييطوف بما في هذه البلدة وفي أخرى قربها ، لنرى ما لهم هناك من الفبريكات العظام التي لا توجد عند غيرهم من الأجناس ، ثم أتانا بأكداش ركبناها وسرنا إلى محل النزول ، فأنزلونا في أشرف المواضع عندهم وأنظفها ، فنزلنا في الطبقة الثانية منه ، فاتخذنا فيه صالة مزخرفة غاية لللأكل ، وأخريين للنوم. ووجدنا في هذه الطبقة بيتين من بيوت الخلاء وآخر فيه بانيو (٥) للوضوء ، وهو صندوق يتخذونه من بعض المعادن والماء ينزل إليه عند الحاجة في بزبوزين. وفي هذه المدينة من التحف واللطائف شيء كثير لا نرى في غربنا إلا أقل قليل ، وخرجت في بعض الأوقات مع الأمين ومعنا ترجمان دولتهم /١٨٥/ ورجل من كبراء عسكرهم.

وتوجهنا لبعض أسواقهم ، فاجتمع علينا جم غفير من الرجال والنساء والصبيان ، حتى كادت تسد الطريق ، وهم يتعجبون منا أكثر من تعجب غيرهم منا ، فحين رأينا ذلك رجعنا لمحلنا ، لأنهم لا يطرقهم أحد من المسلمين إلا نادرا. ومع ذلك قيل لنا نلبس بلغة من بلاغهم ، وكسوة من مساويهم إلا الطربوش فنتركه ، فنزع العمامة ليلا نصير عندهم مثلة وأعجوبة ، وهم مع ذلك لا تصدر منهم إذاية ولا مضرة ، لا من الكبير ولا من الصغير إلا ما كان من كثرة الضحك واللغط جهرا فيما بينهم. ومررنا ذات يوم في الأكداش على رجل كبير السن ، فحين رأى الباشدور قفز من موضعه

__________________

(١) محطةLouvain.

(٢) محطةTerieuant.

(٣) محطةAns.

(٤) محطةWavre

(٥) كلمة إسبانية تعني مستحم أو مغتسل (المنجد).


وصاح صيحة عظيمة كأنه فاجأه أسد ، أو حل به ما هو أشد (١).

الدار القديمة بها وبعض صفاتها وما فيها

وفي مساء هذا اليوم وجهت إلينا الأكداش ، فركبنا مع الباشدور وسرنا إلى دار قديمة عندهم في هذه البلدة لم يقفوا لها على تاريخ ، إلا أنها في ملكهم بنحو إحدى عشرة مائة عام ، وهي عندهم من ديار المخزن ، فوجدنا عامل البلد بباب هذه الدار ومعه المكلفون بها. وأخبروا أن هذه الأرض كانت بيد غيرهم من الأجناس ، وأنهم أخذوها من أيديهم فدخلنا القبة الأولى والثانية والثالثة ، وليس فيها إلا التصاوير والمرءات والشوالي. وفي الثالثة خزان معدن فيها حجر من بعض المعادن وسلاح قد صنع منه ، وفي القبة الرابعة فخار عمل التينة ، وأواني الزاج وفخار عمل النامسا ، وطبسيل كبير من عمل الهند ، /١٨٦/ وفي الخامسة لوحة فيها آلة النجارة التي تخرج عندهم الآن. وفي السادسة فخار أيضا وأثاث ومبخرة نحاس أكبر من قامة الإنسان ، كروي حرفها ، قطره أزيد من ذراع ، وناقوس معلق قيل له خمس عشرة مائة سنة ، ومقرج بديع كروي الشكل مذهب ، يده من صفر قد حبست فيه بصنعة عجيبة ، قيل كان لبعض ملوك الهند واشتري من بعض وصفائه ، وفيها حيوان ككلب النصارى الصغير قد شال ذنبه إلى ظهره وفتح يده ، وشفته العليا عظيمة كشفة الجمل (٢) ، وهو أخضر اللون ، وفي ذاته كالدماميل ناتئة كغلالة البحر، قيل

__________________

(١) الصحف البلجيكية وصفت السفير المغربي على النحو التالي : «... الحاج محمد الزبيدي رجل مسن وجميل المحيا ، ذو لحية بيضاء ، يلبس الجلباب التقليدي والعمامة البيضاء ، وله ما يقارب الستين عاما وجهه مجعد يتحرك كثيرا وضعيف ، عينه متقدة ، ويحمل معه على الدوام ابتسامة».

جريدة ابروكسيل. (j.de Bruxelles)G.D.B.R.A.ler Belgique .

(٢) يقصد التنين ، وحش جبار ليس له وجود إلا في خيال الشعب الصيني ، يصورونه بمخالب الأسد وبأجنحة الوطواط ، وذنب كذنب الحية ، شخصية خرافية تتحلى بقوة خارقة ، يحظى في بلادهم برمز قوة الإمبراطور وتفوقه على أعداء الصين. (المنجد).


يعبده بعض أهل الهند. السادسة فارغة ، وليس في وسطها سوى زربية ، وبجدرانها سراجم ، وفي السابعة شوالي وموائد بالملف الأخضر ، وسراجم تشرف على مشور هذه الدار ، وهو براح مربع محيط بالأنباح ، في وسطه خصة ، وفي الثامنة شوالي وموائد أيضا بالملف الأخضر ، وفيها كناش يضع فيه خط يده من يدخل ذلك المحل من ملوك وأكابر الملل وأعيانهم. ثم توجهنا إلى دار فيها عينات من المكاحيل التي تعمر من الخزنة ، منها عينة بخزنتها يد حديد تجذب فتفتح خزنتها من غير كسر السرير إلى أسفل ، ويجعل القرطوس في محله ، وترك تلك اليد إلى محلها فتطبق على القرطوس ، وهي المعتبرة في هذا الوقت لم يكن حينئذ أخصر منها عملا ، وفتح خزنتها بمحضرنا فإذا هي مشتملة على طرفين من حديد ، بهما ثقب وتعريج وآخر كالخيط لا غير. ثم ركبها /١٨٧/ وردها إلى محلها. ومنها نوع آخر بأسفل الخزنة حديدة مدورة كالحاضي في مكاحيل غربنا ، وهي في محله تجذب من أسفل ، فتنفتح الخزنة إلى آخر العمل. ومنها عينات كثيرة ، كل عينة لجنس من الأجناس يصنعون له مثلها ، حتى أنهم يصنعون للسودان مكاحيل طوال ذات الزناد ، ويصبغون سرائرها بالزنحفور.

فابريكة الصفر والنحاس

ثم سرنا إلى فابريكة صنع الصفر والنحاس فدخلنا إليها فوجدنا في بيت فيه سلل مصنوعة من قضبان في كل واحدة قدر من النحاس وروح التوتية والصفر ، وفي بيت آخر تقصيص ما يتساقط من ورقات الصفر والنحاس عند قطعها أو تدويرها. وصبيان هناك يجمعونه في المهاريس ، ويدقونه حتى يلتئم بعضه ببعض ليرد للتذويب. ودخلنا البيت آخر وجدنا فيه مجامير محفورة في الأرض ، مبسوطة معها مع أساس الجدار ، والنار تلتهب فيها بريح المكينة. وهي مغطاة بألواح لعلها من حديد ، قد رفعت عن فم المجمار بسلسلة من وسطها وركبت في الجدار. ووجدنا في هذا البيت قوالب مربوطة ، شكلها مستطيل ، وفم القالب مفتوح بمقدار عرض القالب ، وقد وقف ونصب مائلا إلى الأرض إلى جهة المجامير ليسهل تعميره ، ثم رفعوا غطاء مجمر


وأخرجوا منه بوطا (١) عظيما طوله نحو ثلاثة أرباع ذراع ، وهو مستدير ، قطر دائرته كثلث ذراع. ووضعوه على خرصة قد التحمت من طرفي وسطها /١٨٨/ بقضيبين من حديد ، وبهما يرفع البوط رجلان ، ويصبان منه في القالب ، فأفرغا هذا البوط الذي أخرجاه من بيت النار بمحضرنا في قالبين فملأهما ، ولم يفضل في البوط شيء ثم ملأه بالفاخر ورداه إلى بيت النار ليلا يبرد ، ثم فتحا بعض القوالب وأخرجا من كل واحد قطعة نحاس طولها ذراعان ، وعرضها نحو نصف ذراع ، وغلظها أزيد من أصبعين.

فابريكة صنع الفلايل

ثم صعدنا إلى طبقة بهذه الدار فوجدنا فيها مكينات تصنع الإبر (٢) من سلك الصفر المسماة بالفليلة. فرأس السلك تمسكه آلة من المكينة كهيئة الزيار ، وتدفع منه مقدار طول الفليلة ، فيسقط عليه طرف منها محدد يقطعه من السلك ، فيسقط إلى آنية موضوعة له ، ثم يجمع منها ويجعل بين قطعتين من حديد غلظهما مثل طول الفليلة ، ورأس القطعتين محدب ، وبينهما رحى تدور غلظها كغلظ إحدى القطعتين ، وحرفها مفتوح فيه مقدار جرم الفليلة ، فإذا وضعت الفلائل على تلك الرحى وبين القطعتين المحدبتين ، فبالضرورة تنحدر الفلايل بالطبع إلى الجهة الأخرى إلى أسفل ، فتتزاحم حال النزول ولا يزال يتضايق الموضع الذي تريد الخروج فيه على حسب التقاء الخطين المحدبين من جهة تحديبهما ، حتى لا يبقى بين التقائهما إلا مقدار خروج فليلة واحدة بعد واحدة ، فإذا خرجت ودارت بها تلك الرحى وأرادت الفليلة

__________________

(١) رسم توضيحي من إنشاء إدريس الجعيدي (انظر ملحق الرسوم والصور صفحة ١١)

(٢) قضت السفارة المغربية ثلاثة أيام بمدينة الييج زاروا خلالها مصنع الآلات الحربية للسيد مشيرب Ma ـ cherbe وورش ليجوازLiegoise ، ثم مقلدة السيد كليمان كروكوت Graucotte Clement، وورش أنبوب البنادق ، ومصانع المسامير.

M. A. E. R. B.) ARCH. HIST. DIP): 518.


السقوط /١٨٩/ فإنها تتساقط داخل دور من حديد قد فتحت فيه قوالب لها بمقدار رقتها ، وحرفه أقصر من طولها بنحو نصف أصبع. فعند تساقطها في هذه القوالب تبقى رؤوسها خارجة من القوالب ، وحيث ينتهي بها إلى غاية الانخفاض لما بين رؤوسها رحى من حجر تدور أسفلها ، فتحدد رؤوسها عند مرورها على تلك الرحى ، ثم تأخذ في الصعود وهي لا زالت في تلك القوالب ، حتى تلقاها مكينة أخرى فيها طرف حديد لطيف ، ينزل بلطافة على رأس الفليلة فيخرجها من ذلك الدور ، فتمر عند خروجها مماسة لحديدة أخرى. وعند التماس تنزل عليها حديدة أخرى ، فتصير الفليلة مقبوضة بينهما وذنبها خارج تلك الحديدة التي كانت تماسها أولا عند خروجها ، فإذا صارت ممسوكة بينهما وذنبها خارج ، تنزل عليه مطرقة صغيرة بثلاث ضربات ، ثم ترجع المطرقة مع الحديدة الماسكة ، فتسقط الفليلة في آنية تحتها ، وقد تم عملها ، فتجمع وتدفع لصبيات في طبقة أخرى فوق هذه ، فيضعنها في الكاغد مقروة فيه على كيفيته المعهودة ، ولا حاجة إلى بسط عملهن وإن كان مما يتعجب منه ، لكن بسطه يطول.

وفي طبقة أخرى ورقات من الصفر والنحاس والسلك على أنواع ، منه ما هو رقيق كالإبر وأرق. ومنه ما هو مثل الأصبع في الغلظ ، وفيه طاسات وأكواب من صفر ، وصفر مستدير ، أظنه منه يصنع الصواني في غربنا.

دار فابريكات صنع المكاحيل وغيرها

/١٩٠/ وفي يوم الثلاثاء الحادي عشر من جمادى الثانية (١) ، توجهنا لدار فابريكة صنع المكاحيل ، فحين وصلنا إليها تلقانا كبيرها بالترحيب والتعظيم كما هي عادة كل كبير محل معنا. فصعد بنا لخزين بأعلاها ، فوجدنا فيه جميع العينات التي تصنع للأجناس كما تقدم ، وجميع عينات الكوابيس. ومن المكاحيل ما له جعبتان ، وثمن هذه العينة أربعون ريالا ، ومنها ما لها جعبة واحدة ، وتعمر من الخزنة ، وهي

__________________

(١) ٤ يوليوز سنة ١٨٧٦ م.


من العينة المختصرة ، في الوقت التي لم يظهر (١) بعد حينئذ أرخص منها ، ثمانية عشر ريالا ، وهناك بأقل من ذلك. حتى أن هناك عينة بالزناد ذات جعبة واحدة ، ذكر أن ثمنها ريال واحد وخمس ريال. ثم نزلنا ودخلنا للمكينة ، فوجدنا بعض الجعبات موضوعات أمام رجال ، وقدر كل واحدة ذراع واحد في الطول ، وغلظ حرفها كالأصبع ، فيدخلون الجعبة لبيت النار ، ثم يدخلونها بين ناعورتين تدور إحداهما على الأخرى ، وهما كقطعتي سارية مدورة الشكل ، وفتح في كل واحدة منها أنصاف دوائر بحرفها متفاوتة في الصغر والكبر ، وعند دوران إحداهما على الأخرى تنطبق أنصاف دوائر إحداهما على أنصاف دوائر الأخرى ، فتكمل دوائر منهما معا ، متصاعدة كما بالطرة (٢) ، فيدخلون الجعبة في الدائرة الأولى فتدور عليها الناعورتان ، فتخرجها منها بسرعة أطول مما كانت. ثم في الثانية وفي الثالثة وفي الرابعة كذلك حتى يصير في طولها نحو ذراعين ونصف ، فيلقيها رجل آخر يقطع من طرفيها القدر الزائد بمنشار /١٩١/ رحوي يدور ويدخل في فمها قضيبا من حديد ، ويصير يرفعها ويسقطها على لوحدة حديد مبسوطة لزوال ما فيها من الاعوجاج ، ثم يبالغ في استقامتها بمطرقة بيده ، ويرميها آخر فينصبها أمامه على قرب رحى (٣) من حجر تدور ، فيمرها عليها وعن يمينه قضيب حديد كالمخطاف ، يلقي الجعبة عند امتداد خروجها عن الرحى فتبردها هذه الرحى في أقرب مدة ، فمنها ما تكون خزنتها مثمنة ، وباقيها مدور كعمل عينة أفرقان ، ومنها ما هو بخلاف ذلك ، فإذا تم بردها

__________________

(١) جواب الحاجب السلطاني موسى بن أحمد على مراسلات السفير الزبيدي.«... فهلا وجهت مكحلة من كل عينة من العينات المحدثات التي لم تصل للمغرب ولا جلبها أحد للآن ، لا من التي وصلت للمغرب منها كالمعمرة من وراء فلا ، وعليه فإن أمكنك أن تصحب معك عينات من العدة المعتبرة الجديدة المحدثة ، التي لم تصل للمغرب فافعل إن تيسر لك تدارك الإتيان بها وببيان ثمنها ....» ، بتاريخ ٢٦ رجب عام ١٢٩٣ ه‍. الإتحاف ، ابن زيدان ، ج ٢ : ٢٩١.

(٢) رسم توضيحي من إنشاء إدريس الجعيدي (أ) (انظر ملحق الرسوم والصور صفحة ١٢).

(٣) رسمين توضيحيين من إنشاء صاحب الرحلة إدريس الجعيدي (أ) و(ب): (انظر ملحق الرسوم والصور صفحة ١٣).


دفعت لآخر ينصبها أمامه ويشتغل بتبريمها فتدخل البريمة فيها كما يدخل رأس المشعاب في العود ، والماء يتقاطر عليها من فوق ليلا تذوب. ورأيت في بعض جهاتها ناعورتين كاللتين حوله ، لكن أنصاف الدوائر المحفورة في إحداهما يسامتها من الأخرى نصف دائرة بارز عن جسمها أصغر من نصف دائرة الرحى الأخرى ، وهي هناك متعددة متفاوتة ، فظننت أن في هاتين الناعورتين بنيديان طي الجعبة حين تكون بارة مبسوطة والله أعلم. ووجدناهم يصنعون هذه الجعبات من أول وهلة أجساما صلبة كهيئة الزكروم ، ثم يبرمونها على حسب غرض الطالب.

الفابريكة العظمى في مدينة سراين (١) وما يخدم فيها

وفي منتصف هذا اليوم ركبنا في بابور يسافر في الوادي الذي يشق هذه المدينة ، لأن فيها بابورات عديدة ليس فيها صوار ، وهي كبيرة تسافر فيه إلى المدن التي بشاطئيه ، وتوجهنا إلى مدينة تسمى سراين ، فسار البابور بنا في هذا الوادي ثلثي ساعة ، وعرضه من المحل الذي ركبنا /١٩٢/ فيه نحو عشرين خطوة ، والمون يحده من الشاطئين. ثم خرجنا من قنطرة منصوبة عليه فوجدناه انبسط غاية ، يمينا ويسارا حتى صار في العرض مثل مجاز العدوتين. ثم لقيتنا قنطرة أخرى فيها خمسة قسي ،

__________________

(١) «من مدينة الياج أخذ أعضاء السفارة المغربية الباخرة البخاريةـ Orban Michel Le ، التي قطعت بهم نهرMeuse ، وفي ظرف ٤٠ دقيقة أوصلتهم إلى رصيف ميناء سوران Seraing الداخلي ، حيث توجد المركبات الصناعية الضخمة ...».

G. D. B. R. A. ler Belgique) j. de Bruxelles (.

ولهذه المركبات الصناعية توجهت بعثة مغربية طلابية تتكون من سبعة أفراد لدراسة هندسة المدفع ومكينات فبريكة القرطوش ، انظر مكاتب محمد بن الكعاب الشرقي أحد أفراد البعثة الحسنية إلى فرنسا ثم إلى بلجيكا سنة ١٨٧٩ م والتي كان يبعث بها من مدينة صيرن يقصد سوران Seraing البلجيكية نيابة عن جماعة طلاب ككريل يقصدCockerill. (المنوني ، مظاهر يقظة المغرب ، ج ١ : ١٩١ و١٩٢).


وعند مرورنا تحت إحداهما مرّ فوقنا بابور البر. ثم انتهينا إلى قنطرة أخرى امتدت من الشاطئ إلى الشاطئ ، وليس فيها قسي ، وطولها نحو خمسين خطوة ، وانظر كيف تأتى لهم ذلك ، وفي هذا الوادي سد ببارات حديد يترك للماء فرجا يخرج (١) منها ، قيل إن العلة في ذلك ليلا يتموج الماء فتصير البابورات تضطرب فيه.

وعند نزولنا من هذا البابور ركبنا إلى دار اشتملت على اثنتي عشرة (٢) فابريكة ، يخدم فيها كل ما يحتاج إليه عندهم من آلات الحديد ، ومثل مكينات بابورات النار وبابورات البر وطرقها وآلات القراصن ، والفرقاطات التي تصنع من الحديد والمدافع وتصفية المعادن الحديد والنحاس والهند وغير ذلك من كل ما يحتاج إليه. وهذه الدار تخدم لجميع الأجناس (٣) من جميع ما يطلبون من المكينات ، وليس يوجد في بر النصارى أعظم منها ولا ما يماثلها. وطولها كما ذكر عشرون ميلا.

ومعدن الفاخر تحتها ينزل إليه الخدمة بالضوء ، كل واحد في حزامه فنار ، يقفون على مائدة ستة أناس وتلك المائدة مربعة ، في كل زاوية قنبة ككفة الميزان ، تنتهي إلى أعمدة (٤) من حديد مساوية في القدر لأرباع المائدة ، ثم يجمع بين أطراف القنانيب فوق الأعمدة وتربط في شريطة مبسوطة /١٩٣/ ملتوية على ناعورة عظيمة ،

__________________

(١) سدود صغيرة لرفع أو خفض مستوى المياه لتسهل مرور البواخر النهرية في العمق المناسب.

(٢) الأوراش الكيرى لشركة كوكريل Cockerill في سوران.

G. D. B. R. A. ler Belgique) j. de Bruxelles (.

(٣) «السيد أرمان سادوان Sadoine ، مدير الشركة استقبل الزوار المرافقين لعمدة لييج ورافقهم ابنه وعدد من المهندسين حيث زاروا الأوراش الشاسعة وآلات صقل الورق ، وصناعة خطوط السكة الحديدية والعجلات ، كما تتبعوا صناعة الصلب وتعجبوا لهذا المجمع الصناعي المتنوع الذي يعتبر أهم الوحدات لصناعة الصلب الحديثة ، وفي كل مكان كانت تعطى شروح دقيقة من طرف السادة رؤساء المصالح وتترجم بواسطةSuccie et Monge وكان كاتب السفير يأخذ نقطا لهذه الشروح ...».(نفس المرجع السابق).

(٤) رسم من إنشاء الجعيدي يوضح فكرة المصاعد والمهابط الخاصة بالمناجم (Ascenseur المصعد(أ) :

(انظر ملحق الرسوم والصور صفحة ١٤).


وعند استقرار الخدمة الستة محل تلك المائدة يرسلون تلك الناعورة ، فتسير تدور دورانا مثل دوران ناعورة الشراط في غاية جهدها ، وبدورانها تنزل المائدة بالخدمة إلى معدن الفاخر بمقدار خمسمائة متر كما ذكر ، وعند نزول هؤلاء الخدمة يطلع آخرون من تربيعة أخرى حداء التربيعة التي ينزل فيها الآخرون ، وهؤلاء الخدمة يخدمون الفاخر هناك ست ساعات ، ويطلعون على أسوأ حال كأنهم من عبيد الزنج. وينزل لهذا المعدن ريح عظيم (١) من مكينة عظيمة خاصة له لتوليد الريح ، ولولاه ما تأتي الخدمة فيه ، فقلت إذ ذلك أنتم قلتم إن بين الأرض والمعدن خمسمائة متر والأودية في أرضكم كالبحار ، فبالضرورة يكون آبارها قريبا. وهؤلاء الذين حفروا تلك المياتر لم يصلوا إلى الماء ، قيل بلى حين وصلوا إليه نزحوه بالطرونبات ونبوا عليه بناء محكما من جميع الجهات فرجع إلى مواضع آخر ، وقيل إنه يخرج من هذا المعدن عشرون ألف قنطار كل يوم لخدمة مكينات هذه الدار. وفيها من الخدمة تسعة آلاف (٢) واثنا عشر مهندسا ، قدم علينا أحدهم فرأيته ولدا صغيرا نحيف الجسم ، قلت لا أظن هذا الرجل يدرك الثلاثين سنة ، فسئل عن سنه فقال : في هذا الشهر يكمل ستا وشرين سنة ولا غرابة في ذلك لمن نشأ في علوم الهندسة والرياضيات. وهذه الدار في طرقها سكك لبابور البر يأتي إليها بالمعادن وغيرها ، ويخرج منها المكينات والمصنوعات التي /١٩٤/ تخدم فيها ، ورأينا في بعض أماكنها حجرا أحمر قيل إنه يضيفونه إلى معدن آخر ويخرجون منه الحديد والنحاس ، وذكروا أن في غربنا من ذلك معادن

__________________

(١) حقيقة المناجم ذات عمق ٥٠٠ متر عن سطح الأرض تتطلب التهوية التي يتخصص بها أحد الآبار ، وبئر آخر يخصص لإخراج الهواء الملوث ، وامتصاص غازGrisou السام ، والغبار الذي يؤدي بالعمال إلى مرض تنفسي السيليكوز وكذلك للتقليل من السخونة. (البخار والآلات البخارية).

(٢) استغلال الفحم الجوفي مع ضعف المكننة ، يتطلب أعداد هائلة من اليد العاملة التي كانت وما زالت طليعة نقابية للطبقة الشغيلة (نفس المرجع السابق).


كثيرة (١). وأخبرنا أن هذه الدار صير عليها في بنائها وإقامتها ثلاثون مليونا من الريال ، وأن صاحبها ربح في هذا العام فيها أربعة ملايين من الريال.

ومن جملة ما رأيناه فيها من الصنائع ، أننا وجدنا ساقية تجري بالحديد المذاب كما يجري الماء في سواني العراصي ، وينصب في برمة عظيمة أعظم من برمة الحمام بكثير ، والنار (٢) توقد في باطنها ، ويخرج منها لهب عظيم ، فإذا قرب ملؤها تدور فينحدر فمها إلى أسفل ، فتبعد الخدمة عنها وتصير ترمي بشرر من النار ، ثم يوضع تحتها برمة أصغر منها كبرمة الحمام ، وتملأ هي الأخرى من المعدن المذاب فيها. فإذا ملئت يفتحون مخرجا فيها من أسفلها ويضعون تحته قوالب مختلفة الأشكال على القدر المراد عندهم ، وكلما ملئ قالب ينزع وينصب آخر ، وهكذا حتى تفرغ البرمة. وهذه القوالب منها ما هو معد لفرغ رويضات بابور البر وطوله أقل من ذراع والعرض والغلظ مثل ثلث ذراع. ومنها ما هو يصنع منه بارات طريق الحديد ، ويكون طول قالبه أزيد من ذراعين ، والعرض والغلظ كثلث ذراع ، ومنها ما هو لغير ذلك من آلات المكينات ، إذ كل آلة يصنعون لها قالبا بقدرها أو أزيد بيسير في بعضها فقط. ثم رأينا خدمة يخدمون البارات التي تنصب في طريق الحديد ، فيأتون أولا إلى القطعة من الحديد المفروغة لأجلها ، بعدما يخرجونها /١٩٥/ من النار يجعلون رأسها بين ناعورتين كساريتين كما ذكر ، قد حفر فيهما قوالب البارات متفاوتة في الكبر

__________________

(١) فعلا عثر على الفحم الحجري بأنجرة وطنجة ، والإثمد بالريف وقرب سبتة ، والرصاص والنحاس بالجنوب وسوس والحديد بجبل الحديد قرب الصويرة ، وغير ذلك إلا أن السلطان الحسن الأول كان يحترز كثيرا ، ولا يأذن للأجانب ولا لغيرهم في التنقيب فضلا عن الاستغلال خصوصا أن المناجم كائنة بداخل المغرب وواقعة بنواحي نائية منعزلة.

Miege) Le Maroc et l'EuroPe (, Tom 4: 335.

(٢) المواد الأولية الأكثر أهمية هي الكوك التعديني الناتج من تكرير الفحم الحجري ، في بواتق مغلقة بمعزل عن الهواء لصهر حديد الزهر في المسابك وداخل الأفران العاية. (الموسوعة).

رسم توضيحي لشكل الفرن العالي من إنشاء إدريس الجعيدي (أ): (انظر ملحق الرسوم والصور صفحة ١٥).


والصغر ، فتدوران عليها فتخرج من تحتها بل من بينهما أطول مما كانت وأرق. ثم يمرونها تحت التي هي أضيق منها ، وهكذا حتى تصير هذه البارة في طولها ثلاثين خطوة ، وعند خروجها من القالب الأخير والذي قبله تصير وترتفع وتنحدر كما يشاهد في قضبان الحلواء عند خدمتها ، ثم يخرجونها من المزرة الأخيرة وينصبونها فوق جريرات من حديد مدفون جلها في الأرض ، وهي على سمت واحد لتبقى مستقيمة ليس فيها اعوجاج ، فيأتي رجل آخر بمنشار رحوي ويأخذ من طرفيها القدر الزائد ، ثم يقسمها نصفين به.

ورأينا أناسا آخرين يصنعون الرويضات التي تنصب فوقها كروصات البابور ، وذلك أنهم يأتون بتلك القطعة من الحديد المفروغة لأجلها ، بعدما يخرجونها ويضعونها فوق مزبرة كمزبرة الحداد ، مربعة نحو ذراع ونصف طولا وعرضا ، وفوقها قطعة من حديد مربعة ، وزنها كما قيل مائة قنطار ، ورجل واقف يحرك يدا من حديد قربها ، فتصير هذه القطعة ترتفع وتنزل بجهد عظيم على التي نصبت تحتها ، حتى تصير مستديرة منبسطة ، فيضعون في وسطها مثقبا مستديرا قطره نحو ثلث ذراع ، فتنزل عليه تلك القطعة ثلاث مرات ، فيقوص جله في القطعة أسفله ، فينزعون ويقلبون تلك القطعة ، وينصبون المثقب في وسطها /١٩٦/ وتنزل عليه مرتين ، وينزعونه فتنفذ الثقبة في تلك الرويضة ، فيذهبون بها لمكينة أخرى فيها يد من حديد خارجة ، يدخلونها في فرجة الرويضة وتدور عليها فتنبسط تلك الفرجة ، ولا تزال كذلك حتى يصير في قطر دائرة الرويضة نحو ذراع ونصف ، وفي غلظ حرف الرويضة نحو أربعة أصابع ، وتخرج بحرفها ناتئا فيها الذي يحدها عند دوراتها على حرف بارات طريق الحديد ، فعند ذلك يخرجونها ويضعونها على أرض منبسطة ، ويرقمون فيها الحروف التي يطلب الأجناس وضعها عليها. ومن جملة ذلك وجدنا رويضات كثيرة موضوعة قد فرغت في ذلك اليوم ، ورقم عليها طابع حروف أنجلترا ، فذكر أنهم يخدمونها له ويعملونها له بعلامته كما يطلب. وقال لنا كبير (١) الدار الذي يطوف معنا انظروا فإننا نخدم

__________________

(١) كانت الصحافة البلجيكية تتتبع تحركات السفارة المغربية وتنقل أخبارها إلى الجمهور. «السيدSa ـ doine ، شكر الزبيدي على الزيارة وطلب منه أن يخبر جلالة إمبراطور المغرب ، أنه يرحب-


للنجليز ما يحتاجه ونطبعه له بطابعه ، والناس يقولون أنه أجهد منا. ووجدنا الخدمة في بعض المواضع يلفقون ناعورة عظيمة لمكينة البابور أو غيره ، وهي من أجزاء ، كل جزء يرفعونه بالبوجي ، ويركبونه في موضعه حتى تلتئم الناعورة ، كما يلفق دور العراصي. وفي موضع آخر خدمة يصنعون قنطرة عظيمة ، طولها سبعون خطوة ، وعرضها اثنتا عشر خطوة ، فالطول مركب من أجزاء (١) وكل جزء مثلث الطرفين ، ويأخذون كل مثلث نحو نصف عرضه ، ومن آخر كذلك ، ويقرن بينهما بطراريش حتى يظن أنه قطعة واحدة ، ويتركون في وسط الأجزاء أجراما ناتئة من الحديد توضع عليها قناطر حديد أي عرض القنطرة /١٩٧/ ويوصل بين ذلك باللوالب والطراريش ، ثم أناس آخرون يصنعون المدافع ، فرأينا قطعة من الحديد مثل الصندوق فوق مزبرة مناسبة بجرمها ، والمطرقة ترفعها المكينة وتنزل عليها فيها ثلاثمائة قنطار كما قيل. ثم خرجنا من هذه الفابريكة.

__________________

- بالصناع المغاربة لزيارة معامله بسوران ليزودهم بجميع الشروح الممكنة. وأجابه الزبيدي أنه سيبلغ ذلك لملكهم بعد ما بدأ العياء يخيم على الوفد بعد ثلاثة ساعات من الدوران ، بين أروقة الورش وخصوصا أنهم متعودون في بلادهم الخروج على ظهر الحصان ، زيادة على الأحذية التي يلبسونها ، ليست مريحة للمشي على الرصيف ، رغم كل هذا فإن الأهمية التي يعيرونها لهذه المعجمات الصناعية تجعلهم يقظين ... «. جريدة ابروكسيل.

G. D. B. R. A. ler Belgique) j. de Bruxelles (.

وقد ذكر محمد المنوني في (مظاهر يقظة المغرب الحديث ، ج ١ : ١٢٨ و١٣١) تقييد المتعلمين الواردين من البلجيك وبيان أسمائهم ، وعددهم يقارب ٥٥ متعلما ؛ كما أرسلت بعثة أخرى للتدريب في معمل السلاح بلييج ، وورد على المغرب البلجيكي المهندس Grignard الذي تكلف بمعمل القرطوش بمراكش بعد تعاقده مع المخزن المغربي.

(١) رسم توضيحي من إنشاء صاحب الرحلة (أ): (انظر ملحق الرسوم والصور صفحة ١٦).


مكينة البلار والزاج

ودخلنا إلى فابريكة صنع الأثاث من الزاج والبلار (١) ، فوجدنا فيها بيوت النار متعددة والخدمة بل المعلمون بيدهم جعبة (٢) حديد أرق من المكحلة ، فإذا أراد صنع حاجة يدخل رأس الجعبة في بيت النار ، ويأخذ التخليطة التي في داخله القدر الذي يكفيه للآنية التي يريد صنعها ، وينفخ في الجعبة فتنتفخ تلك التخليطة لأنها تكون مثل العجين فيفتح له متعلم قالب تلك الآنية قد حفر فيها كهيئتها فيضعها في القالب وهي لاصقة في رأس الجعبة ، فيسد المتعلم القالب فينفخ المعلم في الجعبة حتى يعلم أن الريح الخارج من فيه قد ملأ القالب ، ويبقى بينهما جرم الآنية ، فيفتح القالب وينزعها ويقطعها من الجعبة بعدما يدخلها بيت النار ، ويدخل في فمها قضيبا من حديد ويديرها به على حديد مبسوط ، ويجعل عليها شيئا من الماء أو الدهن ، ويصير يعدل فاها بذلك القضيب ، بعدما يمسكها بآخر من قعرها وبآخر في رأسه شيء يسير من تلك التخليطة ، فإذا تم تعديلها يضرب القضيب الماسك لها ضربة خفيفة فينفصل عن قعرها ، فيأخذها متعلم ويضعها بمحل آخر. هكذا رأيناهم يصنعون جعبات (٣) لآنيات وقود الغاز ، وآخرون يصنعون الأباريق بالأيدي هكذا ، بعد ما يعدل فم الإبريق الذي يكون /١٩٨/ فمه معكوفا إلى أسفل يأخذ رجل آخر

__________________

(١) «... بعد ذلك توجهوا إلى Lambert Val St لصناعة الزجاج والكريسطال ، التي أثارت غرابة وإعجاب السفير ومرافقيه لأنهم حضروا تلفيق أجزاء الزجاج ، كزجاج المصابيح ، والكؤوس والقارورات ... وجابوا المخازين وتفحصوا باهتمام المواد التي أصبحت جميلة». جريدة ابروكسيل.

G. D. B. R. A. ler Belgique) j. de Bruxelles (.

(٢) انظر شرح طريقة صناعة الزجاج بالصفحات : ١٥٥ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٥٨.

(٣) انظر شرحها بالملحق رقم : ٤.


من التخليطة (١) التي ببيت النار بقضيب ، ويخرجه فتنحدر منه التخليطة نازلة إلى أسفل كقضيب الحلواء ، فإذا صارت رقيقة في القدر الذي يريد صنع اليد منه ، يلقي المعلم رأس القضيب من التخليطة بعن الإبريق في محل وضع اليد منه من أعلاه ، فيلتئم رأسه هناك ، فيقطع من ذلك القضيب النازل مقدار اليد بمقراض ، ويمسك رأسه الآخر بلقاط ، ويضعه ببطن الإبريق خارجا ، ويعدل اليد بقضيب آخر ، وعلى الكيفية التي يريد. ووجدنا آخرين يصنعون كؤوسا كبيرة مثل التي نتخذها لإقامة الأتاي ، ولها قوالب قد حفر في جرمها مقدارها مع التوريق الذي يرى بها ، فيأخذ المعلم القالب ، ويجعل فيه مقدار ما يصنع منه الكأس الواحد ، ثم يحرك المكينة فينزل طرف من الحديد مثل باطن الكأس في القدر ، فيقوص التخليطة التي في وسط القالب ، حتى لا يبقى بين رأس هذا الطرف وقعر القالب إلا مقدار قعر الكأس ، فيرتفع القالب عنه ، فيخرجون القالب ، ويفتح ويخرج منه كأس مورق تام الهيئة ، فيوضع في محل آخر حتى يبرد ، وهكذا عملهم. ثم خرجنا من هذا الدار بعد ما رأينا في محل منها صناديق مملوءة بتراب أحمر ورماد.

فسئل عنها فقيل هي تخليطة الزاج (٢) ، فقيل ما هي فقيل ثلاثة أجزاء من الرملة ، وجزءان من الزرقطون ، وجزء واحد من رماد العود ، وفي هذه الدار عشرون مائة من الخدمة كما ذكر ، في طباقاتها أواني من الزاج والبلار أشكال مختلفة ، /١٩٩/ ولا أظن شيئا من ذلك يجلب لغربنا بقصد التجارة لغلائه وارتفاع ثمنه.

__________________

(١) علميا يصنع من أجود أنواع الرمال التي ينعدم فيها أوكسيد الحديد ، وتتكون خلطة البلار من مواد وأكاسيد تدخل في أنواع متعددة من الزجاج بلمعانه ونقاء مادته وشفافيته ، وكان عنوان الرفاهية والغنى يستعمل خاصة عند الطبقات البورجوازية وعظماء الدول والملوك حتى كان يعرف في القرن ١٩ م بأنه ـ زجاج الملوك ـ وذلك لدقة صناعته التي تبهر الأنظار. (صناعة الزجاج ، فؤاد سعود).

(٢) يصنع عادة عن طريق صهر ١٠٠ جزء من أجود أنواع الرمال ، مع ٦٦ جزءا من الرصاص الأحمر و٣٣ جزءا من كربونات البوتاسيوم ، و٥٠ جزءا من خميرة ، ويضاف إلى هذا الخليط كميات بسيطة من نترات البوتاسيوم والمانغنيز. وزجاج البلار ذو لمعة جذابة ولا لون له خصوصا بعد صقله. (نفس المرجع السابق). هناك تقارب بين وصفة الجعيدي والوصفة العلمية.


فابريكة صنع الملف

وفي يوم الأربعاء الثاني عشر (١) منه ، توجهنا راجعين (٢) من مدينة الياج إلى مدينة بروكصلا ، فمررنا في الطريق على دار فابريكات صنع الملف ، فدخلنا إليها فوجدناهم يجعلون الصوفة أولا في صناديق مثل الصهاريج ، وهي متصل بعضها ببعض طولا ، والماء يجري فيها مثل ما يجري في الساقية المنحدرة ، والصوف تجعل في الصندوق الأول ، ونصب على كل صندوق ثلاثة قضبان من الحديد ، وألصق في كل قضيب ثلاثة قضبان مقاطعة له ، والماء يدور بها ، وبدورانها يحرك القضبان الأولان الصوفة من داخل الصندوق إلى أمامه ، وبجره لها ومرور الماء عليها يبتدئ الوسخ في الخروج منها ، وعند وصول الصوف إلى القضبان المعكوفة في الصف الأخير تعلو بها الصوف (٣) مع شيء من الماء في مجرى من حديد ، فيرتفعان أي الماء والصوف ، كل في محله يدوران الماء الذي في الصندوق إلى أن يصلا إلى غاية الارتفاع ، ثم تنزل هذه القضبان الحاملة للصوف على حرف صندوق آخر ، فينزل ذلك الماء المرتفع معها عليها ، فينزل بها في الصندوق الثاني وقد خرجت منه نقية يسيرا ، وتخرج من الثاني أنقى مما كانت في الأول ، ومن الثالث أصفى مما كانت في الثاني وهكذا حتى لا يبقى بها شيء من الوسخ ، وبقرب الصندوق الأخير جعبة من حديد أقل من القامة ، وقطر دائرها نحو ذراعين ، تدور دورانا سريعا فتخرج الصوف من

__________________

(١) ٥ يوليوز سنة ١٨٧٦ م.

(٢) في الأخير أعادت عربات Sadoine الجميع إلى الباخرة Le Michel Orban التي نقلتهم إلى الياج ، فوجدوا عربات مؤسسةDrey التي نقلتهم إلى فندق Suede ، ومثل وقت الذهاب تجمعت حشود كثيرة من الناس في الطريق. وبعد تناولهم الوجبة التقليدية الكسكس غادرواLie ? ge إلى Vervirers بعد ما شكرهم السفير الزبيدي عن حسن الاستقبال ، ومنها إلى ابروكسيل.

جريدة ابروكسيل

G.D.B.R.A.ler Belgique (j.de Bruxelles)

(٣) رسم توضيحي لصهاريج غسل الصوفة من إنشاء الجعيدي ، (أ): (انظر ملحق الرسوم والصور صفحة ١٧). جريدة ابروكسيل.


الصندوق الأخير أجزاء لطيفة ، /٢٠٠/ وتثبت بباطن تلك الجعبة فيصيبها الريح بسبب دوران تلك الجعبة فتيبس عاجلا وتخرج مغسولة بيضاء غاية ، ثم يجعلونها في صناديق أخر تدور في (١) وسطها نواعير كالطبل بل كهيئة الطبل ، وهي أعظم ، وبدورانها تجدب الصوف إليها وتخرجها من تحتها قطعا قطا صغيرة جدا ، وتنقيها من الشوك الذي يكون بها فيخرج وحده ، ثم يضعون هذه الصوفة في صناديق أخرى قد نصبت فيها نواعير مثل السوار ، تدور وتجدب الصوفة إليها بمسامير (٢) من سلك رقيقة ، قد أثبتتها المكينة فيها بصفة عجيبة ، فتخرج الصوفة منها مقرشلة لطيفة ، فتتلقاها جعبة أخرى مثل السارية تدور عليها ، وقد نصب على حرفها مثل المنشار ينزع الصوفة التي علقت بها ، فإذا نزعها عنها تبقى ملتئمة على طول تلك الجعبة ، وطولها أزيد من ذراعين ، وهي ترى مع ذلك كالعباء فتوصل إلى طرف من عود يدور أمامها فتلتوي عليه وقد جمع طرفيها فترجع مسبولة من الصوف ملتوية على مغزل ، وبهذه الدار قراشيل على هذه الكيفية عديدة مصطفة صفا أمام صف ، وكل صف موكل به متعلم أو متعلمة ، فإذا ملئ ذلك المغزل بسبولة الصوف تكلم ناقوس بقربه فيأتي المتعلم فينزعه ويركب آخر فيتكلم ناقوس آخر فينزع مغزله ويضع آخر. هذا شغل هؤلاء المتعلمين هناك لا يفترون ، كل واحد منهم مقابل لصف من تلك المغازل ، وهناك بمحل آخر صفوف فيها مغازل قائمة تغزل (٣) هذه الصوف. /٢٠١/ وعدد صفوف هذه المغازل ثمانية وأربعون صفا ، في كل صف ثلاثون مغزلا ، وبها

__________________

(١) بعد فرز وتفتيح الصوف تأتي مرحلة الغسيل ، وتتم داخل أحواض مختلفة أوتوماتيكيا بحركة الشوكة المتحركة أو الجراريف المتوازية ، مع إضافة الصابون والقلويات المذيبة أو المحللة تحت درجة حرارة معينة قصد إزالة الرمال والأتربة والقاذورات. وفي النهاية تمر الصوف بأسطوانات عاصرة ، ثم تنقل إلى المجففات بالهواء الساخن.

(٢) عملية تسريح الصوف تتم بواسطة أسطوانات مغطاة بأسنان معدنية رفيعة تدور في اتجاه عكس بعضها (القراشيل). (موسوعة عربية).

(٣) الغزل هو العملية التي يتم بها استطالة وبرم ألياف الصوف لينتج عنها الصوف المبروم أو المغزول. و(نفس المرجع).


مواضع أخر للغزل على كيفية أخرى ، عددها ـ والله أعلم ـ مثل الأخرى. وفي محل آخر فيها متعلمات يركبن هذه الصوف المغزولة على نواعير أمامهن ، كنواعير الطرازة ، إلا أنها أعرض ، حتى يصيّرنها على الكيفية التي تراد للنسج (١) ، فتركب في المناسج كمناسج الطرازة بالغرب ، إلا أنها أخصر عملا ، فيخدمها رجل واحد برجل واحدة ، والنزق يدخل ويخرج وحده ، فكلما خرج النزق عن المنسج تلقاه لوحة تضربه ضربة واحدة فيرجع نزقان يخدمان في كل منسج ، وبعد ذلك يصبغون الملف على الكيفية المطلوبة. وهذه الدار تخدم كما قيل لأجناس كثيرة ، فمنهم من يخدم فيها الملف ، ومنهم من يغسلها فيها لا غير. ووجدنا فيها براحا عظيما فيه مكينات صغيرة لطيفة ، تصنع قراشيل للصوف وحدها ، لا يقابلها أحد إلا عند التركيب أو النزع. أما الجلد الذي تركب فيه أسنان القرشال ، فيفصل باليد وتلصق أطرافه بعضها ببعض حتى يصير طرفا واحدا طويلا ، فيلوى على ناعورة أعلا المكينة ، ويمسك طرفه أسفلها ، ثم يجعل السلك الذي يصنع منه القرشال في آنية في الأرض عن يسار المكينة ، ويرفع رأس السلك حتى تقبضه المكينة بطرفي حديد مثل الأصبعين ، وهو بينهما فيصير هذان الأصبعان يرفعان من السلك طرفا بعد طرف على قدر واحد ، ومهما دفعت طرفا نزلت عليه قطعة من حديد ، فتفصله ، وعند الفصل تخرج إبرتان تثقبان ذلك الجلد ثقبتين متقاربتين ، ثم تأتي حديدة أخرى /٢٠٢/ تثني تلك القطعة من السلك ، وتقرن بين رأسيها حتى يبقى بينهما مقدار ما بين تلك الثقبتين ، فيجر بل يدخل فيهما بعد انعكافه من أسفل كما تعكف أسنان القرشال. وهكذا خدمته والمكينة مارة مع صف أسنان القرشال ، حتى يتم صف الذي تصف فيه الأسنان ، فيعلو الجلد بمقدار صف آخر فتأخذ راجعة في خدمه (٢). (..... /٢٠٢/) بارات حديد (......) (٣) ، والماء يخرج من بين البارات ، وعند وصولنا إلى ذلك الباب

__________________

(١) يتم نسج الصوف بتداخل وتشابك مجموعتين أو أكثر من خيوط الغزل مع بعضها ليكونا النسيج. (نفس المرجع).

(٢) بتر بوسط الصفحة بمقدار خمس أسطر.

(٣) بتر بمقدار نصف سطر.


وجدناه مسدودا ، فوقفنا هنيئة حتى خرج الماء المحصور في ذلك المضيق ، ونزل واستوى (١) مع الماء الذي يخرج من بين البارات ، فعند ذلك أخذ رجلان بطرفي القنطرة يدوّر كل واحد منهما ناعورة ، ودفتا الباب تفتحان بسبب ذلك حتى وصت الدفتان إلى حائط القنطرة ، فعند ذلك خرج البابور وساربنا إلى أن وصلنا إلى البر ، فوجدنا هناك خلقا عظيما من الرجال والنساء والصبيان ، واقفين ينتظرون قدومنا ، وعند نزولنا إلى البر أخذ بعضهم ...! (٢)

القبة العظيمة القريبة من دار (٣) عظيم الدولة والأثاث

وعينات الحوائج التي فيها

/٢٠٦/ ... الماء تجر التراب من الذي بأسفل الساقية ، والماء يخرج من ثقب بذلك اللوح الذي يجر التراب ، فيبقى الماء صافيا عند دخوله للبلد. ومثال السلك الذي يعلم به عند اشتعال النار ، في بعض المواضع ، مراكب صغيرة موضوعة ، منها مركب قسم طولا ليرى باطنه وظاهره ، ومثال مدرسة للموسكو ، وصومعة من عود ينزل أحدهم من أعلاها في قنبة يمسكها بحديدة بيده ، فيها ثقب يدخل فيها تلك القنبة بعد ما يجعل في رأس القنبة علاقتين إحداهما يجلس عليها والأخرى يجعلها تحت إبطيه وبين كتفيه كهيئة المشمار الذي يشمر به الإنسان ، وينزل بعد ذلك ، وإذا أراد الوقوف وهو نازل فيقف بعد أن يلوي القنبة على تلك الحديدة فيقف ، ووجدنا فلكا كبيرا لعله من ثوب حشوه ريح ، لا تغرق بسبب ذلك ، وفلكا آخر اتخذ بقعره عنبرا

__________________

(١) النقل النهري يظل حتى يومنا هذا الوسيلة الأكثر سهولة لنقل البضائع الثقيلة والكثيفة ، ومن أجل تسهيل عملية النقل شيدت قنوات وهويسات Ecluses لرفع السفن أو خفضها من مستوى إلى آخر تسمح بقطع المعابر حيث تزيد سرعة التيار (بسبب حدة نقطة الانحناء) الموسوعة.

(٢) الصفحات / ٢٠٣ / و/ ٢٠٤ / و/ ٢٠٥ بيضاء فارغة.

(٣) زار أعضاء السفارة المغربية المعرض الدولي للعلاج والإنقاذ ببروكسيل. جريدة ابروكسيل.

G. D. B. R. A. ler Belgique) j. de Bruxelles (.


أي فضاء ، وجلد عليه لا شيء فيه كما قيل ، وبسبب ذلك الفضاء لا يغرق هذا الفلك ، ومركبا فيه قنبة كبيرة ، قيل هي مثال للمركب الذي يكون وقت الحرب في البحر ، وتصيبه كورة وتخرقه فيوضع على تلك الثقبة صوف ملبدة غليظة ، ويمسكها بالزّيار على تلك الثقبة ، فلا يدخل الماء منها للمركب. ومعدة ينزل تحتها كأس بلار على ورقة من المعدن ، وبنزوله عليها ينزل الماء من المعدة في ذلك الكأس ، فإذا رفع انقطع الماء. ثم الآلة التي ينزلون بها إلى المعدن إذا تقطع بهم السبيل أثناء النزول تنتشر الأعمدة من الفنار النازلين /٢٠٧/ فيه وتثبت في الجدارات فيبقى الفنار واقفا بهم في أثناء النزول. وفيها من آلة البحر أشياء عجيبة. وجملة ما فيها يحتاج إلى مجلد كبير (١).

ثم توجهنا منها إلى دار فابريكة خدمة البرنتك ، فوجدنا فيها مناسج كثيرة ، عرض المنسج أربعة أمتار وخمس متر كما ذكر كبيرها. ونصف هذا المناسج من الأعلى إلى الأسفل ، وليست كما نعلم من امتدادها أماما ، وخيوط السداد (٢) النازلة من المنسج تذهب أماما وترجع ثلاث مرات ، وعند ذلك يطلع منشار بين خيوط السداد يحصر تلك العقد التي انعقدت بتردد الخيوط ، وهكذا العمل في نسج (٣) البرنتك ، فهو سداء دون طعمة ، والمكينة هي التي تخدم المناسج كلها.

__________________

(١) لقد قام سعادة سفير جلالة إمبراطور المغرب السيد محمد الزبيدي البارحة على الساعة الثالثة بزيارة معرض العلاج والإنقاد (L'ExPesition d'hygiène et de Sauvetage) ولقد كان أثناءها مرفوقا بالسادة الجنرالات رناردRenard ومونتيفيورG.Montefiore وإفراردEvrqrd بتقديم محتويات المعرض تشريفا للسيد السفير ، فيما أبدى الزوار المحترمون اهتماما كبيرا لكل ما كانوا يشاهدونه ، وكانوا يطلبون معلومات بواسطة مترجم السفارة. جريدة ابروكسيل.

G. D. B. R. A. ler Belgique) j. de Bruxelles (.

(٢) الخيوط الطويلة المغزولة على الأنوال تسمى السدادةWarP والخيوط العرضية باللحمة.

(٣) الحياكة تأتي بعد النسيج Knitting لصناعة الملابس بواسطة آلة الحياكة تعمل على الخام العقد والخيات مع بعضها ، بدلا من تداخل مجموعتين من الخيوط الغزلية كما يحدث في نسج الصوف على الأنوال (الموسوعة العربية).


ما رأيناه في ساقية الماء الجاري في البلد

وفي يوم الجمعة (١) بعد صلاة الظهر توجهنا لدار عامل البلد بعد ما استدعانا لذلك ، فحين دخلنا لاسطوان داره وجدنا فيه ساقية مربعة على قدر طول الاسطوان ، وطوله يقرب من ثلاثين خطوة ، وعرضها نحو ذراع واحد ، وغرقها نحو عشرين خطوة ، والماء يجري من تحت الاسطوان بين قوسين عظيمين ، قطر كل قوس إحدى عشرة ، خطوة. وليس هو قطرا حقيقيا وإنما هو خط وصل بي طرفي قوس دائرة أقل من نصفها ، كقطعتي قوسي دائرة شكل البيضة الممتدين مع طولها ، وقد جعل دفتين عظيمتين بين ساريتي كل قوس نازلة من أصل القوس إلى الماء ، حاصرة له بحيث لا يخرج من تحتها إلا القدر المطلوب ، فإذا أرادوا كنس الساقية يحرك ناعورة مركبة في آلة حديد بالاسطوان. فترتفع الدفتان إلى أعلا فيمر /٢٠٨/ الماء بسرعة بما تحته من التراب والعفونات ، ثم إنه نزل بنا من الاسطوان إلى أسفل بنحو ثلاثين درجة ، فانتهينا إلى ساقية عظيمة ، عرضها نحو عشر خطوات ، وهي مقببة بناء في غاية الإتقان والإحكام. ووجدنا بابور النار منصوبا على مصطبتين مارتين مع الساقية والقوس محيط بها. فركبنا في هذا البابور ، وأوتي بفنار في داخله قضيب قيل من الهند ، لكن في وسطه شيء يضيء ويخرج منه شعاع كشعاع الشمس ، لا يستطيع أحد النظر إليه ، وبه استضاءت الساقية. ثم تحرك البابور ، وكان في طرفه وراءنا كير عظيم ، يخرج منه ريح كثير عند مروره في هذه الساقية على المسطبتين المذكورتين ، والماء جار تحت البابور ، بينه وبين الماء بعد كبير. فسار البابور بنا في هذه الساقية بالضوء والريح المذكورين ميلين. فكنا نرى في بعض المواضع في القوس عن اليمين واليسار فرجا نافذة ـ والله أعلم ـ إلى وجه الأرض بسبب الضوء النازل منها. وهذه الساقية تارة تنعطف يمينا وتارة يسارا ، وعند الانعطاف يجدب رجلان البابور إلى جهة الانعطاف ، ليلا يسقط في الماء. وانتهى بنا في سيرنا إلى محل عن يسار الساقية إلى قوس ، دخلنا فيه فوجدنا قوسين عظيمين مقبيين ، وهما متصلان

__________________

(١) ٧ يوليوز سنة ١٨٧٦ م.


كقنوطي مرسى العدوتين ، والماء يجري أسفلهما ، وأحدهما فيه ماء قليل والآخر فيه ماء كثير يقرب من مبدأ القوس في غاية الصفا /٢٠٩/ وانتهينا في مسيرنا في البابور في تلك الساقية إلى قوس آخر ، بقربه فوق القوس حجر فيه كتابة بقلمهم منقوشة فيه ، ذكر لنا أن كبير دولتهم وضع تلك الحجرة بيده هناك. فطلعنا في درج من ذلك القوس حتى انتهيت بنا إلى وجه الأرض ، فحين خرجنا أطبق الباب على المحل الذي خرجنا منه ، وهو دائرة مقسومة بستة أقسام ، في كل قسمة لوحدة حديد فيها توريق ، وثقب فتنبسط على الفرجة التي خرجنا منها. ويقفلونها. وذكر لنا أن هذه الساقية طولها ثمانية عشر ميلا ، وأن كبير دولتهم الموجود الآن هو الذي أمر ببنائها على تلك الكيفية ، واشترى مواضع ، وديار من أربابها بثمن له بال ، وإن جملة ما صيره في بنائها وثمن البقاع ثلاثة وستون مليونا من الافرنك. وحين تم بناؤها باع البقاع الفاضلة التي حولها بثلاثة وخمسين مليونا من الافرنك. قبقيت الساقية في عشرة ملايين من الافرنك. وأن أولاد الملوك والأعيان من الدول يأتون إليهم بقصد الفرجة فيها والتعجب منها ، فلذلك طلب قائد البلد منا الإتيان إليه ليطلعنا عليها ، وهي لعمري من المباني العجيبة الأشكال الغريبة.

الطلوع للضيافة لدار كبير دولة البلجيق

ثم ركبنا الأكداش ورجعنا إلى محل المقام وفي الساعة السابعة من مساء يوم الجمعة (١) طلعنا لدار كبير الدولة بعدما كان استدعانا لذلك في يوم الخميس. كل واحد بورقة تخصه. فطلع الباشدور والأمين وكاتبه معه ، ومعنا قائد المخازنية ، فوجدنا خواص عسكره بباب الدار /٢١٠/ وباسطوانها ، وكذلك في قببها ، حتى انتهينا إلى قبة فيها وزراء الدولة وأعيانها ، فتلقى وزير الأمور البرانية وعامل البلد الباشدور بالرح والترحيب ، وكذلك من هناك من ذكر ، ثم خرج كبير دولتهم من قبة أخرى ومعه

__________________

(١) ٧ يوليوز سنة ١٨٧٦ م.


ولد سلطان ابروصيا (١) ، لأنه استدعاه لهذه الضيافة تعظيما وفرحا للجانب الشريف ، فتقدم إلى الباشدور (٢) وظهر منه بسط وسرور ، وعرف (٣) به لولد السلطان المذكور ، فظهر منه أدب كبير ، وأخذ كبير الدولة يطوف على من هناك من الوزراء والكبراء ، ويتقدم إليهم واحدا بعد واحد ، وكل منهم واقف في مكانه قد اصطفوا صفا واحدا ونحن معهم بالصف من داخل القبة. فلما انتهى إلينا أشار إلينا إشارة وترحيب وتعظيم ، فأجبناه بمثل إشارته (٤). ثم أخذوا في الدخول إلى قبة الضيافة. فإذا فيها

__________________

(١) الأمير الملكي لبروسيا نجل إمبراطور ألمانيا غليوم الأول (ولي العهد بالوراثة).Guillaumo (٨٨٨١. (١٩١٨ وهو الذي زار طنجة سنة ١٩٠٥ م ، معلنا دعمه لاستقلال المغرب بعد الاتفاق الودي بين فرنسا وأنجلترا. (المنجد).

(٢) أثناء مقامه ببروكسيل تبرع الزبيدي على فقرائها بخمس آلاف فرنك ، فتوصل برسالة شكر من وزارة الخارجية «... لقد تأثر جلالة مولاي الملك وحكومته من صنيعكم المبرور ، واشك أن ذلك مما يخلد تذكار المهمة التي أديتموها في هذه الديار بغاية المقدرة والكفاءة ... «، وزارة الخارجية ، بروكسيل ١١ يوليوز ١٨٧٦ م. أما قائمة ما تبرع به في بلاد بلجيكا فهي طويلة ووصلت إلى ١٨٠٠٠ فرنك. الإتحاف ، ج ٢ : ٢٩٢.

(٣) مما لا شك فيه أن السفير الزبيدي استغل هذا اللقاء وطلب التأييد الألماني ، وهذا يفسر لنا وجود سفارة ببرلين على رأسها القائد الطيبي ابن هيمة الذي استقبل من طرف الإمبراطور الألماني يوم ٢٣ ماي سنة ١٨٧٨ م ، وقد ساوموه في الحصول على ميناء شمال المغرب أو على شاطئ الأطلس كثمن لمساعدة ألمانيا للمغرب. حسب ما أشاعته بعض الصحف الفرنسية (عبد الهادي التازي ، التاريخ الدبلوماسي ، ج ١٠).

(٤) السفير الزبيدي أخذ مكانه مباشرة بعد سيادة «لوننص» البابوي ، ولم يناقش موضوع تقدمه على السفراء العاديين ، لأن السفير المغربي ليست له علاقات رسمية مع الهيئات الدبلوماسية المعتمدة أما الملك ولا مع كبار موظفي الدولة ، لأنه سفير متنقل وليس قار.

M. A. E. R. B) ARCH. HIST. DIP): 518.

وتحدد أسبقية السفير بالنسبة لزملائه السفراء طبقا لتاريخ تقديم أوراق اعتماده إلى رئيس الدولة ، غير أن الدول الكاثوليكية احتراما منها لمركز القاصد الرسولي الذي يمثل قداسة بابا روما ويسمى Nonce APostalique تعطي له الحق في أن يكون عميد السلك الدبلوماسي مهما كانت أقدميته. (الدبلوماسية ، أحمد حلمي إبراهيم : ٤٣).


مائدة عظيمة ممتدة بامتداد طولها ، قد أحاطت بها شوالي منتخبة ، وقد وضع أمام كل شيلية في المائدة ورقتا كاغد في أحدهما تعيين المحل الذي يجلس على تلك الشيلية. والأخرى فيها بيان الأطعمة والأشربة التي هيئت لهذه الضيافة ، فجلس كل واحد بالمحل المعين له وكان مع الأمين وكاتبه وقائد المخازنية باشدورهم بباريس. وهو يفهم من العربية ما تيسر ، فقربنا لموضع جلوسنا ، فجلسنا وجلس عن يميني وجلس الباشدور قبالتنا ، / وعن يساره كبير الدولة ، وقد حالت بينهما زوجته ووضع أمام كل واحد ممن على المائدة طبسيل من الطاووس العجيب ، وكأس زاج ، وأباريق فيها ماء ، وأخرى فيها أشربة من شرابهم ، ومعاليق وجنوي من المعدن وبعضها مذهب. ثم أخذوا يخرجون بالطعام وأنواع الحلواء في أواني كبيرة ، ويطوفون بها على من بالمائدة ، فكل واحد يأخذ منها بمغرفة ما يريد ويضعه في الطبسيل الذي قدامه. فإذا فرغوا من ذلك رفعت تلك الطباسيل وآلة الأكل التي معها ، وتوضع بدلها أرفع منها ، ويؤتى بطعام آخر فيؤخذ منه على تلك الكيفية ، ثم ترفع ويؤتى بأخرى وهكذا حتى فرغ من الطعام ، ونحن تناولنا من ذلك يسيرا من حلواء معقودة على الثلج مع غيرها من الحلواء الطازجة. وعدد من كان محيطا بالمائدة يزيد على الستين. وفوق المائدة حسك. كل واحدة كأنها ثرية ، وفي قبتها ثريات كبار كلها توقد شمعا ، وبها مشاميم من النوار موضوعة على أواني مذهبة عمل التينة. ومنذ أخذوا في الأكل وأصحاب الموسيقا والطرب مشتغلون بعملهم حتى فرغوا. فعند ذلك خرجوا إلى القبة التي دخلوا منها ، وفيها ثنتا عشرة ثرية عظيمة ، ست منها تقابل ست أخرى ، وعشر ثريات محيطة بجدراتها. كلها موقودة شمعا ، وفيها مرايا عظيمة محيطة بالجدارات. وفي قبوها كذلك مرءاة دوائر بينها توريق عجيب (١).

__________________

(١) «... السفير المغربي مع حاشيته زاروا مكان الرقص Ring Skating حيث اهتموا كثيرا بعروض الرقص الذي قدم أمامهم ، وتلقوا في الأخير من السيد المديرBruynen ، باقة من الورود ، هذا وعبر السفير الزبيدي عن ارتياحه لما شاهده ، وقد دامت مدة العرض من الثانية والربع إلى السادسة ربعا».

G. D. B. R. A. ler Belgique) j. de Bruxelles (


دار العدة وآلة الحرب

/٢١٦/ (١)(٢) ... وضربته في الستة والستين المذكورة خرج ما في هذا المربع المستطيل من الكور ، وهو ثلاثون وثمانمائة وخمسة آلاف. وكان من هذه العينة ثمانية صفوف عن يمين الخزين ، ومثلها عن يساره ، فضربت ذلك العدد في ستة عشر فكان مبلغه ثمانين ومائتين وثلاثة وتسعين ألفا عدد عينة واحدة من الطرر التي بباب الخزين والله أعلم. وأخبرت بذلك الباشدور فصار منه على بال. والحامل على تتبع ذلك بعد امتثال أمره ، أن بعض النصارى هناك ذكر أن في كل تربيع عشرة آلاف كورة ، وحيث أحصيته على تلك الكيفية المقطوع بحصة أعمالها وجدت الأمر بخلاف ما أخبر به ذلك المخبر. وهناك عينات كثيرة مفترقة في مواضع شتى. وفي براحه أيضا مدافع عديدة ليست على الكراريط على تلك الكيفية المقطوع بحصة أعمالها وجدت الأمر بخلاف ما أخبر به ذلك المخبر ، وهناك عينات كثيرة مفترقة في مواضع شتى ، وفي براحه أيضا مدافع عديدة ليست على الكراريط ، وإنما بينها وبين الأرض حديد وهي مطلية بطلاء رمادي ، وأفواهها مقفولة.

شكل السلم الذي توضع عليه المكاحيل

ثم دخل بنا إلى خزين كبير فيه سلاليم طوال ، ممتدة مع طول الخزين على هيئة المربع المستطيل من جهة الطول ، يقابله مربع مستطيل يقابله مثله ، ومن جهة العرض

__________________

(١) الصفحات / ٢١٢ / و/ ٢١٣ / و/ ٢١٤ / و/ ٢١٥ / مفقودة من مخطوط الرحلة.

(٢) «يوم السبت توجه الزبيدي إلى مدينة انفيرس Anvers وحضر المناورات الحربية في ضواحي المدينة ، حيث جلس سعادته في مكان مرتفع ورفع فوقه العلم المغربي ، وقد قام وزير الدفاع البلجيكي.M Thiebaunld المرافق له ، بتقديم الأسلحة والمراكز العسكرية ، فتعجب سيادته من أهمية الذخائر المجموعة للدفاع على المملكة ثم زار حديقة الحيوان بها» ...

M. A. E. R. B) ARCH. HIST. DIP. 518).


يقابله مثلث متساوي الساقين ، ويقابله مثله من عرض الجهة الأخرى. ثم ركب فوق هذا السلم الذي على هذه الكيفية سلمان آخران فوقه مماثلان له طولا وعرضا ، بحيث لم ينطبق عليه ، بل ترك بين أضلاعهما المتوازية مقدار ذراع من كل جهة. ثم نصبت أضلاع من الحديد مع طول السلمين يوازي بعضهما بعضا وفتحت فيها /٢١٧/ أي في تلك الأضلاع المتوازية فرج متوازية أيضا ، متقاربة ، ونصبت المكاحيل مع ثقالاتها المركبات فيها في تلك الفرج التي في الأضلاع ، فصارت المكاحيل مصطفة مع طول السلاليم صفا بعد صف ، مع تساويها أي المكاحيل في الطول واستوائها في الوضع تصير على كيفية عجيبة ، وكلها من العينة التي تعمر من الخزنة ، وكأنها قد فرغت الآن من قواليبها بتعاهد مسحها ونظافتها ، وعدد ما هناك من المكاحيل ـ كما قيل ـ ثمانون ألفا ـ (١) غير محتاج إليها إذ ذاك زيادة على ما بيد عسكره.

وهناك كوابيس من العمل القديم ، معلقة في أعلا سقف الخزين ممتدة معه ، وبه مهاريس صفر صغيرة جدا ، غير أن فورمتها فورمة أربعة وعشرين.

ثم دخل بنا إلى خزين آخر فيه سيوف عديدة على أشكال ، وسروج ولجم لم أقف على حصر عددها ، وفي داخل الخزين أربعة مدافع عظام طولا وعرضا. ذكر أن عمارة كل واحد منها ستون رطلا من البارود ، وكورته من ثلاثة قناطير ، ويرمي ثنتي عشرة مائة متر. وذكر أن فورمته من أربعة وعشرين ، هي من العينة التي تعمر من الخزنة ، ويظهر منها أنها معدة لهدم الحصون العظيمة أو لرمي المراكب التي على نسبتها جرما وقوة.

ثم دخل بنا إلى خزين آخر وجدنا فيه مكينة عظيمة ، قد نصب عليها رحى لطحن الزرع للعسكر ، تركنا الطلوع لهذه الرحى لشهرتها ، ورأينا في مواقع عديدة أواني متسعة كأنها طناجير في الكيفية مع أنها أعظم بكثير ، يوضع فيها /

__________________

(١) «... لا نتصور دهشة المغاربة أمام تراكم ٠٠٠ ، ٨٠ بندقية الموجودة ضمن الذخائر بL'arsenal de la guerre إلا أن المناورات التي شاهدوها لم ترقهم لأنهم مستأنسون بالفانطزيا ولا يفهمون شيئا ، أو إلا القليل من الاستراتيجيات الحديثة ...». جريدة ابروكسيل.

G. D. B. R. A. ler Belgique) j. de Bruxelles (.


الدقيق فتصير تدور به أجرام من تحديد مبسوطة ، والماء ينزل عليه بمقدار معروف ، فتعجنه في الحين ، ويوضع في موائد حديد طويلة جدا ، فتدخل لبيت النار ، ثم يخرجونها جافة عاجلا. هكذا ذكروا لنا ، ولم يقع منه شيء بمحضرنا ، وذكر أن هذه المكينة يصنع فيها كل يوم ما يكفي من الخبز ثمانين ألفا من العسكر ، وذلك إذا احتيج إلى هذا المقدار كل يوم فإنها تقوم به لأنها توجده كل يوم يوم. ورأينا من فوق أسطحة هذه المخازين نباتا كثيرا ، فسئل عن ذلك فقيل أن المخازين قد أقيمت بالآجور بين قناطر الحديد ، ووضع فوق السطح تراب كثير ، فإذا نزلت عليه كورة أو بونبة كيف ما كانت فلا تضره ، ومع ذلك جعلوا في السطح مجاي للماء ، أي ماء المطر ، فيخرج من قادوس متصل برأسه قضيب حديد نازل منه إلى الأرض ، بحيث إذا ضعف نزول الماء يبقى نازلا إلى الأرض مع القضيب محافظة على جدار الخزين كيلا يصيبه ذلك الماء. ثم ركبنا في الأكداش ورجعنا إلى البابور ، فرجعنا فيه إلى محل النزول.

فابريكات المرايا الكبار من الزاج في مدينة شارلروا

وفي يوم الاثنين السابع عشر (١) منه أذن عامل البلد بتوجيهنا إلى مدينة شارلروا بقصد رؤية ما فيها من فابريكات الزاج الذي يصنع منه المرايا العظيمة وللسراجم ، فركبنا في بابور البر في الساعة التاسعة ، وسار بنا ساعتين غير ربع ساعة ، فوصلنا إليها ، فتلقى عاملها للباشدور عند النزول من /٢١٩/ البابور بفرح وسرور ، وصار معه ونحن في أثره في الأكداش إلى فابريكة صنع الزاج (٢) المذكور ، فوجدنا بيوت النار توقد والمعلمون بيد كل واحد منهم جعبة (٣) حديد كالمكحلة ، ويدها من عود ،

__________________

(١) ١٠ يوليوز سنة ١٨٧٦ م وصل إلى Charle Roi.

(٢) «فابريكة للسيدBaudux ومصنع المرايا العظيمة لSte Marie D'Oignies ».

M. A. E. R. B) ARCH. HIST. DIP).

(٣) أنبوبة طويلة من المعدن حوالي ٥. ٢ متر وتنتهي بدرف على هيئة عقدة يلقط بها الزجاج المنصهر.

(صناعة الزجاج ، فؤاد مسعود).


يدخل رأس المكحلة في بيت النار فيخرجها عاجلا وقد علق بها من الزاج المذاب (١) قدر ما يملأ الكف ، وهو كالعجين في الليونة ، يحاول السقوط فيشتغل المعلم (٢) يدير تلك الجعبة بعد ما يمدها ويبسطها على حرف ورقة حديد ويرفع الماء بيده الأخرى ويصبه على الجعبة قرب الزاج اللاصق بها بقصد تبريدها ، فإذا بردت شيئا يسيرا يدخلها بيت النار أيضا ، ويخرجها وقد علق بذلك الزاج الذي كان بها زاج آخر ، فيبرده على تلك الكيفية بالماء ، ودوران الجعبة ليلا يسقط منه شيء ، ثم يدخلها لبيت النار ولا زال على ذلك العمل حتى يعلق برأس الجعبة من الزاج المقدار الذي يريد صنع زاجة المرءات أو السرجم منه ، فعند ذلك ينفخ في الجعبة بفيه نفخا كثيرا حتى يرى أثرها في داخل الزاج ، فعند ذلك يضع الزاج على طرف من خشب مبسوط الوجه ، وقد حفر فيه بأسفله مقدار نصف كورة وحفر بأعلاه مثل نصف جرم أسطوانة متصلا بالحفرة الأخرى ، بعد ما تدهن هاتان الحفرتان بماء الشعير المخلوط (٣) بدقيق الفاخر الذي يوقدونه ، وبعد ذلك يشتغل بدوران الزاج في ذلك /٢٢٠/ القالب ، يدخله بيت النار نحو دقيقة مجانية ، وينفخ في تلك الجعبة حتى يشاهد أثر النفخ بداخل الزاج اللاصق برأس الجعبة ويصير حينئذ كهيئة القمقم كما بطرته (٤) ، كما اقتضى ذلك حفر القالب (٥) في تلك القطعة من العود. فعند ذلك يصير المعلم يشير بتلك الجعبة مع الزاج اللاصق برأسها يمينا ويسارا ، والزاج يستل

__________________

(١) يتكون من خلط الرمل والحجر الجيري وكربونات الصودا مع إضافة بعد الأكاسيد ، ثم صهرها جميعا في أفران خاصة ذات حرارة عالية ، فتتحول إلى عجينة قابلة للتشكيل. (نفس المرجع).

(٢) يتناول الصناع المدرب فقاعة صغيرة من المخلوط المنصهر ، ويظل ينفخ فيها ويحركها فتتحول تلك الفقاعة إلى أسطوانة عظيمة الحجم. (نفس المرجع).

(٣) عند حرق بعض النباتات يتبقى البوتاس في الرماد ، وكذلك كربونات الصوديوم وهي مواد أساسية في صناعة الزجاج. (صناعة الزجاج ، فؤاد مسعود).

(٤) رسم توضيحي من إنشاء صاحب الرحلة. (انظر ملحق الرسوم والصور صفحة ١٨).

(٥) تضغط العجينة في قالب خاص وبواسطة مكبس خاص فتصير هي والقالب شكلا واحدا ، تأخذ حجمه وشكله ونقوشه كل ذلك في لحطات معدودة. (نفس المرجع).


وينحدر إلى الأرض شيئا فشيئا ، وهو واقف على متن جدار مرتفع على الأرض بأزيد من القامة. ثم يدخلها بيت النار نحو دقيقة أخرى (١) ، ويخرجها ويشتغل ، فيشير بها كما ذكروا الزاج ينحدر منفوخا ، ويكرر عليه هذا العمل حتى يصير ذلك الزاج جعبة مستديرة ، قطر دائرتها أزيد من ثلث ذراع وطولها نحو ذراعين ونصف ، فعند ذلك يضعها على حرف لوحة من حديد ، ويأتي رجل آخر بيده مقراض ويثقب به الجعبة من أسفلها ، لأن الزاج يكون لينا إذ ذاك في أسفلها فقط ، وما عداه مما أعلاه من الجعبة صامتا غاية. فإذا ثقبها يأخذ منها بالمقراض من أسفلها يسيرا مثل دائرة الريال ، ثم يردها الآخر إلى بيت النار نحو دقيقة أيضا ، ويخرجها وقد اتسع ذلك الثقب إلى أن يتحد مع دائرة جعبة الزاج ، فيضعها على حرف تلك الحديدة ويديرها حتى تبرد وتصير جعبة طويلة كما ذكر /٢٢١/ فإذا أراد فصلها (٢) من جعبة الحديد يضع عليها رأس اللقاط من حديد بارد من جهة جعبة الحديد بالمحل الذي هي لاصقة فيه بالزاج ، فتنفصل عنها جعبة الحديد مع يسير من الزاج لاصق بها من عنق جعبة الزاج ، فيزيله ويجمعه مع قطع الزاج ، فتكون جعبة الزاج حينئذ لها عنق رقيق كالذي كان متصلا بجعبة الحديد. ومنه تأخذ في الاتساع ، فيضع رأس اللقاط من الحديد البارد في محل غاية الاتساع فينفصل العنق وتبقى الجعبة من الزاج متساوية الراسين في الاتساع ، فعند ذلك يضعها فوق الفاخر الذي يوقدون به ، وهي باردة ، ويأخذ قضيبا من الحديد يكون رأسه ببيت النار ويدر على طول الجعبة وفي داخلها بالمحل النازل على الأرض منها غبرة سوداء ، ويدلكها برأس ذلك القضيب الذي يخرجه من بيت النار من ابتداء الجعبة إلى نهايتها ، ويشتغل بذلك نحو دقيقة أو أقل ، ثم يرفع ذلك القضيب ويضع أصبعه برأس الجعبة بمحل الدلك ، فتنشق على طولها شقا

__________________

(١) يتم التبريد تدريجيا داخل أفران خاصة تختلف درجة الحرارة فيها ، حتى تكون حرارة الفرن النهائية هي درجة الحرارة العادية ، لتفادي حدوث كسر ما بسبب اختلاف سرعة الانكماش بين الجزء السميك والجزء الرفيع. (نفس المرحع).

(٢) في الأخير تصل للمعلم الذي يشكل الأنبوبة بواسطة مقراط حديد حسب ما هو مطلوب منه. (نفس المرجع السابق).


مستويا لا اعوجاج فيه ، فيدخلها بيت النار ويضعها فوق لوحة حديد هناك قد دهنت بدهن ، فتنبسط على تلك اللوحة ، ويخرجها وقد صارت ورقة مربعة طولها نحو ذراعين ونصف ، وعرضها أزيد من ذراع ، ويضعونها بعد ذلك في بيت نار لينة ، ويتركونها حتى تبرد. وصنع بمحضرنا من هذه العينة نحو ست ورقات في أقرب مدة ، وفي هذه الدار من أنواع زاج الورقة عدد كثير صغير وكبير ، ومنه ما هو /٢٢٢/ مسمر في صناديقه. وأوقفنا كبير هذه الدار على عينات بها من الزاج المصبوغ بالألوان (١) ، وبعضه فيه توريق عجيب وعلى المتعلمات اللواتي يشتغلن بتوريقه بالقوالب ، بحيث يدهنه بدهن أبيض وحين يجف يضعن الورقة أمامهن والقالب المفتوح فيه التوريق فوقها ، وتضع إحداهن (٢) يديها عليه وتمسح بالأخرى فوق القالب بشطابة من شعر صغيرة ، فتزيل من ذلك الدهن من الزاجة ما فتح في القالب من التوريق. وذكر لنا أن في مارس الفارط تحرك عندهم ريح عظيم ست ساعات ، فسقطت منه ديار كثيرة ، وسقطت دار هذه الفابريكة وأعيد بناؤها ، وكان سقفها قبل بقناطر الحديد ، وجعلت الآن من العود. وذكر أن التخليطة (٣) التي يصنع منها الزاج توقد النار عليها عشرين ساعة ، وتخدم في ثمان سوائع. وأجر المعلمين الذين يخدمون هناك ثمانون ريالا في الشهر. وهذا الزاج إذا أرادوا مسحه يجعلونه في صناديق معلقة كالمهد ، ويجعلون فيه الماء ورملة بيضاء ، والصم الصغير المبسوط ، ويشتغل بتحريك الصناديق حتى تمسح الورقة بذلك وتصير بها ضياء لامع.

__________________

(١) الأخضر والأزرق والبنفسجي والأحمر الغامق وغير ذلك من الألوان ، حسب المواد المؤكسدة أو المواد المختزلة الموجودة بالخلطة الزجاجية ، ويعتبر الزجاج الملون غال الثمن لأنه يحتاج إلى الدقة في عملية إنتاجه. (صناعة الزجاج ، فؤاد مسعود).

(٢) تنقش الزهور والأشكال الهندسية على الزجاج لتزيد من قيمته الجمالية حيث يعكس الضوء ويحلله إلى أطياف مختلفة. (نفس المرجع). من خلال هذه المقارنة يظهر أن الجعيدي استطاع عن طريق الملاحظة الميدانية السريعة النفاد إلى صلب الصنعة.

(٣) خلطات الزجاج كثيرة وتعد بالآلاف حسب نوع الزجاج المطلوب ومستوى شفافيته.


ورقات الزاج العظام التي تصنع في طامير (١)

وفي الساعة الثالثة ركبنا في بابور البر توجهنا لمدينة طامير التي يصنع فيها ورقات الزاج الذي يصنع منه المرءات العظام التي هي أعظم بكثير من الورقات التي تصنع بالفابريكات الأخرى ، ويصنعونه على كيفية أخرى. وبيانها أنهم /٢٢٣/ اتخذوا ورقة حديد مبسوطة ، ذات طول وعرض نحو ثمانية ذراع في مثلها ، وجعلوا بطرفيها فتقيتين من حديد طولهما مثل طول هذه الورقة ، وغلظهما على نسبة غلظ الزاجة التي يريدون صنعا. ووضع فوق هاتين الفتقيتي سارية من حديد ، فيبقى بينها وبين الورقة المبسوطة مثل عرض غلظ الزاجة التي تصنع ، ثم يخرجون الآنية التي طبخت فيها التخليطة (٢) من بيت النار بالبوجي ويؤتى بها وهي معلقة فيه حتى يوصلوها إلى تلك الورقة المبسوطة ، ويفرغوها فوقها ، ويمرون فوقها تلك السارية فتبسط تلك التخليطة على الورقة كلها طولا وعرضا. أما من جهة العرض فهي محصورة بالفتقيتين ، لأجل ذلك يكون غلظها على نسبة واحدة. وأما طولها فما يخرج زائدا على الورقة يسقط ويزال (٣) ، ثم بعد هذا يدخلونها لبيت نار لينة ، ويتركونها هناك أربعة أيام صيانة لها وإصلاحها ، وإذا تركت فيه نحو يومين أو أقل ، يخشى عليها من الآفات العارضة ، التي لا تؤثر فيها إذا تركت فيه أربعة أيام. وذكر أنهم صنعوا ورقة من الزاج لسلطان الموسكو طولها ثمانية عشر مترا وعرضها كذلك. ونحن أيضا رأينا زاجة طولها أربعة أمتار وعرضها ثلاثة ونصف ، وفوقها ستة رجال جاثية على ركبها ، وهم يمسحونها كأنهم جالسون على دفة من العود. ووجدنا أناسا آخرين بين أيديهم

__________________

(١) ربما يقصد مدينةNamur.

(٢) كانت في القديم تعرف (بالقصدرة) تستعمل الزئبق الذي يصيب المشتغلين بأمراض خطيرة بسبب رائحته السامة ، حتى استطاع الأنجليزي (درايتون) سنة ١٨٤٣ ، تغطية الزجاج بطبقة من الفضة ، وهي أقوى في عكس الصورة والضوء من القصدير والزئبق. (صناعة الزجاج ، فؤاد مسعود).

(٣) بعد عملية التفضيض تغسل المرآة جيدا ، ثم توضع رأسيا حتى جفافها في غرف دافئة ، وبعد ذلك تدهن بالورنيش. (نفس المرجع).


ورقات من هذه العينة وأعظم منها يفصلونه ورقات بحجر الديمانط ، /٢٢٤/ ويخرجون من الورقة الواحدة ورقات عديدة على القدر الذي يريدونه. ووقفنا على أناس آخرين يريدون رفع زاجة عظيمة من قالبها بعدما مسحت ، وذلك أنها كانت مشدودة على قالبها المبسوط ، فأخذوا يحركون بوجيين صغيرين كان وضع القالب عليهما ، وعند تحريكه يرتفع القالب بزاجته الممسوكة فيه ، ويكون أحد طرفيه ثابتا في الأرض ، والمقابل له يرتفع حتى يشرف على الوقوف ، فيحاديه رجلان من الجهتين ، ويضع رجل آخر سلما على رأس هذا القالب ويصعد فيه ويمد الآلة الماسكة للزاجة ، وينزل ويحرك البوجيان فتشرف الزاجة على تمام الوقوف ، فيتلقاها رجال آخرون ، أربعة من كل جهة ، ويحرك البوجيان أيضا فينزل القالب لمحله وتبقى الزاجة واقفة بين أيدي الرجال الثمانية ، ويكونون قد وضعوا تحت حرفها الذي صارت واقفة عليه اشراكا من جلد ، بأطرافها خرص من حديد كهيئة حزام البغال ، فيأتي ثمانية رجال من كل جهة ويحملونها بتلك الأشراك ، ويتقدم رجل قدامهم ماسكا لها وآخر وراءهم كذلك ، ويمشون بها مشيا خفيفا هونا ، ويحركون أرجلهم على كيفية واحدة كمشية العسكر حتى يوصلوها إلى محلها. وهذه الزاجة قيل في تكسيرها أربعة عشر مترا ونيف ، وأن وزنها ثمانية قناطر ، وثمنها أربعمائة ريال وستون ريالا. ووقفنا في هذه الدار على مكينات كثيرة (١) مختلفة الأشكال. /٢٢٥/ في مواضع عديدة اتخذت لمسح ورقات الزاج ، بحيث يجعلون الورقة فوق قالبها ممسوكة فيه ، وأخرج من المكينة قضيب حديد جعل فيه كالأيدي من الحديد مبسوطة مربعة ، وبطنت بالجلد ، ويجعلون غبرة حمراء فوق الزاجة ، والماء يتقاطر عليها والميكنة تحرك تلك الأيدي فوق الزاجة ، والقالب مع هذا يتحرك حركة مغايرة لحركة الأيدي ، لأن حركتها كأنها دورية ، وحركة القالب من اليمين إلى اليسار ، وقد تنوعوا في آلة المسخ وتوسعوا فيها ، وجعلوها على كيفيات مختلفات ، ووجدنا في مواضع آخر نسوة يمسحن ورقات الزاج

__________________

(١) «... كما زارت السفارة المغربيةCharbonnage du Manbourgs، وبعدها إلى Jonet Verreries ثم ركبوا القطار إلى Cadelinsant ثم أخذوا القطار إلى» Couillet.

جريدة ابروكسيل

G.D.B.R.A.ler Belgique ) j.de Bruxelles.(


بغبرة بيضاء مع الماء ، يباشرن ذلك بأيديهن ، ثم رجعنا إلى مدينة بروكصلا. وفي يوم الثلاثاء الثامن عشر منه ، أخذنا في التهيئ للسفر منها.

مدينة فانطي والفابريكة التي فيها

وفي يوم الأربعاء التاسع عشر (١) منه ، خرجنا منها وركبنا في بابور البر في الساعة الثامنة صباحا ، وركب معنا نائب البلجيق قاصدين مدينة فانطي بإذن كبير الدولة ، فوصلنا إليها بعد مضي ساعتين غير ربع ، والتقى بنا قائدها وكبراء العسكر بالتعظيم على العادة (٢) ، حتى أنهم فرشوا الأرض التي نزلنا فيها من البابور بالزرابي ، وذكر القائد أنه مأمور بأن يطلعنا على المكينات التي في البلد ، فركبنا في الأكداش حتى وصلنا إلى دار فيها مكينة عظيمة هائلة لم نر مثلها فيما تقدم (٣). قطر ناعورتها الكبرى أحد عشر مترا ، ويلزمها من الفاخر سبعة آلاف قنطار في الجمعة ، وترمي في سيرها في الدقيقة الواحدة /٢٢٦/ كما ذكر ستمائة قدم ، وميزانها مائة ألف قنطار وخمسة وثلاثون ألف قنطار ، وهم يخدمون بها الكتان الذي يجعل منه شراعات المراكب لهم وللصبنيول والأنجليز والبروصيا وغيرهم. وإنهم حين استنبطوا هذه المكينة نقص من الصائر لهم الثلثان ، وصار ربحا لأرباب هذه الدار. وفيها من الخدمة المقابلين لتصفية الكتان وغزله وصفحه ونسجه خمس وعشرون مائة ، والمكينات هي المتكفلات بالخدمة ، والخدمة يباشرون منها ما خف ، كوصل الخيوط

__________________

(١) ١٢ يوليوز سنة ١٨٧٦ م.

(٢) «... استقبلوا بمحطة مدينةGano من عامل فلاندر الشرقية (La Flander) وعمدة المدينة ، وقد ألح السفير على زيارة مؤسساتها الصناعية قبل أن يذهب إلى أنجلترا ...».

جريدة ابروكسيل

G.D.B.R.A.ler Belgique ) j.de Bruxelles.(

(٣) «... بعد استراحتهم توجه الوفد المغربي عن متن خمس عربات لزيارة مصنع نسج الكتان» La Manufacture de lye " ثم لاكنطواز  … La Cantoise».

M. A. E. R. B) ARCH. HIST. DIP): 518.


عند تقطيعها ، ومناولة الكتان للمكينات للتصفية ، ورفع الظروف التي ينزل فيها المصفى ووضع غيرها ، وتحريك آلة الخدمة وتتقيفها وهكذا ، ووجدنا في براح متسع صفوف مغازل تغزل الكتان ، قيل إنها ستون ألف مغزل مصطفة في صفوف ، كل صف منها تقابله امرأة واحدة كما تقدم ذلك في بعض بيان فابريكات الملف في مدينة الياج.

ثم خرجنا من هذه الفابريكة إلى فابريكة الماركان ، وهي شبيهة بفابريكات الكتان (١) المذكورة فأوقفونا على نواعير تدور ، وقد جعل عليها أغشية مستديرة ، وهي ممتدة طولا ، فيجعلون القطن المنقى من العظام في حصير من فتقيات العود ، تدور بدوران المكينات ، وبدوران هذه الفتقيات يتقدم القطن إلى الناعورة الأولى فتجذبه بمسامير حديد محددة الرؤوس ، وتمر به تحتها ، ولم ندر كيفية وصوله إلى الناعورة الثانية ، لأن غشاء النواعير المغطاة بها المستدير حاجز بين البصر وبين القطن عند دخوله. /٢٢٧/ تحت الناعورة الأولى والثانية إلى الرابعة ، لكن عند خروجه من الرابعة نراه يخرج من تحتها وترميه بجهد كبير إلى ناعورة أخرى وهي الخامسة ، بينها وبين الرابعة مقدار ذراع ، وصل بينهما من أسفلهما بقضبان حديد رقيقة ، بين كل قضيبين بعد يسير ، فيتبين إذ ذاك أن الريح الذي يتولد من دوران النواعير الأربع يبقى محجوبا في تلك الأغطية المحيطة بالنواعير ، ويطلب مخرجا فلا يجده إلا من أسفل الناعورة الرابعة ، وهو الذي يرفع (٢) ما يكون هناك من القطن إلى الخامسة ، وعند مروره على تلك القضبان يتساقط ما يكون فيه من التراب والأزبال ، ويخرج القطن لا شيء فيه من الأزبال وغيرها ، وهو منفوش غاية بسبب تكرر مروره على محددات

__________________

(١) المنتوجات الكتانية كانت متوسطة الجودة وتباع بأثمنة أكثر انخفاضا من الأجواخ الصوفية الرفيعة ، مما جعل الطلب عليها يزداد داخل وخارج أوربا بفضل نمو الملاحة البحرية وتعدد الأسواق الخارجية. ثم «... زار أعضاء السفارة مصنع الثياب القطنية وغيرها للسيدPasstier وRonge ، وكذلك معمل التكرير للسيدين» ,Neys Encen.

M. A. E. R. B) ARCH. HIST. DIP): 518.

(٢) عندما يخف وزن القطن الخام بعد عملية التفتيح يرفع من أسفل إلى الأعلا.


مسامير النواعير ، وينقلونه من هذه المكينة إلى أخرى تلبده ، ثم إلى أخرى تفصله كسبولة السداد ، ثم إلى الغزل (١) ، ثم إلى مكينات الصفح ، ثم إليالمنسج ، وهو قريب في الرؤية من مناسيج الطرارة بالغرب ، إلا أن النزقين يخدمان وحدهما ، وبسرعتهما في الخدمة لا يمكن رؤيتهما. وعدد المناسج التي هناك في موضعين ، أحدهما فيها مناسج طولا ستة وثلاثون منسجا ، وعرضا ثلاثون ، مجموعها ألف وثمانون منسجا. وموضع آخر صغير فيه ثلاثون منسجا طولا وستة عشر عرضا ، مجموع ذلك خمس عشرة مائة منسج وستون منسجا ، قيل كل منسج ينسج في الجمعة ثلاثمائة متر ، فيكون جملة ما نسجه في يوم واحد ستة وستين ألف متر وثمانمائة وسبعة وخمسين /٢٢٨/ مترا ، هي مقدار ثلاثة آلاف شقة ونحو أربعين شقة ، وهذا الماركان لا يأتي منه شيء لغربنا ، فمنه الحلو غاية ، ومنه الخشين جدا ، وعرضه يزيد على ذراعين ونصفه وبعضه أقل ، ومنه ما يصبغ أزرق ويشد لأربابه. وفي هذه الدار من الخدمة إحدى وعشرين مائة كما ذكر. وهذه البلدة من المدن العظيمة تشقها أنهار كثيرة (٢) ،حتى قيل إن فيها ثلاثمائة قنطرة وثنتين وستين قنطرة.

وفي الساعة السادسة منه مساء ركبنا في بابور البر قاصدين مدينة أسطانذ (٣) بقصد المبيت فيها ، فوصلنا إليها في الساعة السابعة ونصف ساعة ، وهي على ساحل البحر ، وبعد نزولنا بها على يد قائدها وتلقيه هو والكبراء على العادة ،

__________________

(١) يغزل الشريط القطني النظيف ذي الوزن المنتظم والشعيرات المتوازية إلى خيوط مختلفة الأرقام والقوى لاستعمالها في النسيج. (الموسوعة العربية).

(٢) نهرEscaut ونهرLys ، بالإضافة إلى القنوات المائية الاصطناعية التي تربطها ببحر الشمال Grand At ـ las Bordas

(٣) Ostande «التي غادرها يوم ١٣ يوليوز ١٨٧٦ م على متن الباخرة الحربية الملكية «أيكوا البرلمان» Echo du Parlement إلى مدينة دوفر ، صحبة مدير ديوان وزير الخارجية فاندن بوش حيث قدم الزبيدي إلى مندوب وزارة الخارجية البريطانية».

M. A. E. R. B) ARCH. HIST. DIP): 518.


خرجنا في العشية إلى قبة من الزاج على ساحل البحر (١) ، طولها نحو خمسين ذراعا ، وعرضها نحو خمسة وعشرين ، ومن جهة الساحل نبح بداخلها على طولها سواريه حديد لطيفة ، وكذلك قناطيرها وسقفها كهيئة مثلث ، وجدرانها وقبوها كله من الزاج الممسوك بقضبان رقيقة من الحديد ، وفي النبح المذكور رجال يخدمون الموسيقا بأنواع كثيرة من آلات الطرب ، وفيها خلق كثير من النصارى رجال ونساء. ومنهم من هو داخل القبة ، ومنهم من هو خارج عنها بشاطئ البحر ، فجلسنا هناك على شوالي بالقبة في تربيع خارج عنها مواجهين البحر نحو ساعة ، ورجعنا إلى محل النزول.

__________________

(١) مدينة أوستند تطل على بحر الشمال وهي مصيف مشهور وتضم كازينو واستراحة ملكية وكورنيش طوله ٣ أميال تبعد ب ١١٤ كلم على ابروكسيل. (دائرة المعارف الحديثة ، ج ١ : ٢١٢).



الجزء الرابع

أخبار بلاد النجليز (١)

وفي الساعة العاشرة وربع من يوم الخميس العشرين منه (٢) ، ركبنا في بابور البحر من بابورات /٢٢٩/ البلجيق ، وطلع معنا خليفة وزير الأمور البرانية ، وسافر البابور بنا في البحر وهو في غاية ما يكون من السكون والركوض.

ملاقات كبار مدينة دوفر للباشدور

وفي الساعة الثانية وربع وصلنا إلى مدينة دوفر من مدن أنجليز ، وحيث أرسى البابور بمرساها طلع للبابور ولد الباشدور بطنجة ، وهو القونصو بالسويرة (٣) ، لأنه هو

__________________

(١) (انظر خريطة تنقلات السفارة المغربية عبر أنجلترا بملحق الرسوم والصور صفحة ١٩).

(٢) ١٣ يوليوز سنة ١٨٧٦ م.

(٣) بربريتها تاسورت ، ومعناها المدينة المحاطة بسور ، تكتب وينطق بها وهو الأصح ، وتارة بصاد(الصويرة) وهو الشائع (وهي موكادور) اختطها وأسسها وبناها السلطان سيدي محمد بن عبد الله سنة ١٧٧٨ م.


الذي توجه ترجمانا مع الباشدور بدولتهم ، وطلع معه الجلنار كبير العسكر ورئيس المرسى ، وتلاقوا هناك مع الباشدور ، وأظهروا فرحا وسرورا كبيرا ، وعند ذلك ودعه خليفة الوزير المذكور ، ثم نزل الباشدور إلى البر معهم ونحن في أثره ، وقد فرشوا الطرق بالزرابي ، فوجدنا فئة عظيمة من العسكر متحربا ، وأصحاب الموسيقا مشتغلون بها ، ورفعوا سنجق الإسلام ، وأخرجوا المدافع (١) ، ونبهنا لسماعها ولد الباشدور المذكور ، وعلى رفع سنجق الإسلام ، كل ذلك تعظيم للجناب الشريف ، فنزلنا فأدخلنا لمحل مزخرف بها ، وتناولنا هناك شيئا من الحلواء والقهوة ، واسترحنا هناك إلى الساعة الثالثة ونصف.

فركبنا في بابور البر في عربة من عربات المخزن بلغت الغاية في الكبر والزخرف والشوالي المتعددة والكنابيس في زوايا بها ، وعند طلوعنا إليها وجدنا فئة أخرى من العسكر ، ذكر ولد الباشدور المذكور أنه من عسكر خيالهم ، سراويلهم فوق الركب ، وقصبة أرجلهم بادية ، وتقاشيرهم (٢) فوق البلاغي إلى مجاوزة كعب أرجلهم. وأصحاب الموسيقا منهم يضربونها بنغم رقيقة كنغم الغياطة عندنا يستلذها السامع.

/٢٣٠/ محل النزول باللوندريز

وفي الساعة الخامسة وخمس وثلاثين دقيقة من مساء يوم الخميس المذكور ، وصلنا إلى مدينة اللوندريز ، فكان مدة مسير هذا البابور بنا من مدينة ذوفر إليها

__________________

(١) عند وصول الباخرة DuPerlement Echo لمدينة دوفرDouvers أطلقت بطاريات الميناء القديم ١٩ طلقة نارية وتقدمت الفرقة ٧٨ الإسكتلنديةHighlanders لتحية السفارة المغربية ، ورئيس المنطقة الجنوبية ـ الشرقية الجنرال ماجورParke ، والكابتان Brulle ـ والدبلوماسي روبرت ابن السفير هاي دريموند هاي المقيم بطنجة كترجمان مرافق (انظر ترجمته بالصفحة ٢١٦) من تقرير السفير الإيطالي بلندن.

S. P. E. I) D. M. Smith (.

(٢) انظر شرحه بالملحق رقم : ٤.


ساعتين ودقائق ، سيرا قويا لم يقف في هذا السير أصلا في محل ، فلما انتهى بنا إلى اللوندريز سار بنا على قنطرة طويلة جدا (١) ، علوها كعلو أسطحتها في ذلك المحل ، فنزلنا هناك على يد المخزن في حومة سكنى سلطانتهم وكبرائهم في محل معتبر (٢) لم يكن في اللوندريز عندهم مثله كما سمعنا ، وهذا المحل شبيه في الكبر والفصالة بأوطيل باريس الذي كان نزولنا فيه ، إلا أن بيوته وصالاته أوسع بكثير من بيوت محل اللوندريز ، وأما من جهة البناء والزخاريف والفراش والأثاث والأواني متشابهان.

قدوم كبراء البلد على الباشدور للتهنئة

وفي يوم الجمعة الواحد والعشرين (٣) منه. توجه بنا الترجمان مع الباشدور إلى فرجة عندهم في محل متسع لا بناء فيه ولا شجر ، فلما انتهينا إليه وجدنا خلقا عظيما دائرا به ، والناس في الأكداش والراجلين نساء ورجالا يتفرجون في أناس

__________________

(١) قنطرة Bridge Albertوصفها الكاتب الغسال في رحلته العزيزية «... ومنها قنطرة الحديد التي لا أعمدة لها بل أحد طرفيها على إحدى ضفتي النهر ووسطها معلق بقضبان من حديد وسلاسل ممتدة إلى الطبقتين ، يرفع وسطها بتلك السلاسل عند إرادة فتحها ثم تسد بأسرع حركة ...». مجلة البحث العلمي ، عدد ٢٩ ـ ٣٠ سنة ١٩٧٩ ، كما ذكرها الطاهر الفاسي في رحلته الإبريزية «... وهذه القنطرة يعجز الواصفون عن وصفها لطولها وجودة بنائها ...» ، ص : ٣٧ ، حققها وطبعها محمد الفاسي.

(٢) فندق All'Alexandra بحومةPioadilly Hyde Parck Corner بمدينة لندن.

S. P. E. I.) D. W. Smith (.

(٣) ١٤ يوليوز سنة ١٨٧٦ م.


يلعبون (١) بالكرة في وسط تلك البقعة ، فلما دخلنا مع أولائك الناس المتفرجين بقينا في الأكداش ندور حولهم حتى انتهينا إلى المحل الذي دخلنا منه ، فخرجنا ورجعنا.

وفي يوم السبت الثاني والعشرين (٢) منه ، قدم خليفة صاحب المشور على الباشدور مهنئا له في سلامته وقدومه ، وأخبر بما حصل لهم من الفرح والسرور بقدومه.

وفي يوم الأحد الثالث والعشرين منه (٣) ، قدم على الباشدور صاحب المشور بنفسه حامدا له في السلامة ، وما أكثر أدبهم وتواضعهم ، ورحب به غاية الترحيب.

بساتين النوار التي في الطرق وفي العراصي

وفي مسائه ركب معنا الترجمان وصار معنا إلى عرصة عظيمة. وعند مرورنا في الطريق كنا نجد في أكثرها رياضا أنيقة ، وحياضا عجيبة ، متصلات بجدران دورهم ممتدة مع الطريق ، وفيها نوار عجيب من غالب الألوان ، وكذلك النبات فيه الأخضر اليانع والمفتوح وغيره ، ومنه ما هو على لون الشيبة ، ومنه ما أوراقه حمر ديدية ، وكل

__________________

(١) Rugby Football الرياضة الجماعية الأولى التي عرفتها بريطانيا منذ منتصف ق. ١٩ ، وانطلقت المقابلات الرسمية بعد تأسيس الاتحاد الملكي سنة ١٨٧١ م.

The London EncycloPedie Edited by Ben Weinreb and ChristoPher Hibbert Macmillan, London: 689.

(٢) ١٥ يوليوز سنة ١٨٧٦ م.

(٣) ١٦ يوليوز سنة ١٨٧٦ م.

حسب الأعراف الدبلوماسية ، بمجرد وصول السفير يستقبله مندوب وزارة الخارجية ليسهل له كل المشاكل التي يمكن أن تعترضه ويحدد موعد مقابلة وزير الخارجية ، ثم يحدد بعد ذلك موعدا لتقديم أوراق اعتماد السفير الجديد إلى رئيس الدولة مع مدير المراسيم أو التشريفات الدبلوماسية.(البروتوكول ، أحمد حلمي إبراهيم).


لون يجعلونه في محل ويفرقون بينها /٢٣١/ بألوان ذلك النبات ، وهو متساوي في الارتفاع مزدحم في الغرس ، كذلك النوار قريبة التساوي والازدحام ، حتى أنهم يجعلون في الحياض توريقا من الألوان يملأون ما بينها بألوان النبات ، وفي بعض الحياض يجعلون حروفا من ألوان النوار ويكتبون بها ما شاءوا ، فلما انتهينا إلى تلك العرصة لم نجد فيها غير الأشجار التي لا تثمر بها ، والطرق مفصلة فيها متقاطعة ، وفيها رياض (١) كثيرة ، منها ما هو على شكل الزرابي طولا وعرضا رصفت بألوان النوار ، لا يمل الناظر من النظر إليها من حسن ذلك الوضع وتناسب ألوانه ، ومنها ما هو على شكل الدائرة ، ومنه ما هو دوائر متقاطعة ، وبالجملة فما يصنع عندهم في التوريق والدوائر في العود والأبنية يجعلون غالبه بالألوان في حياض رياضهم ، وفي هذه العرصة قبة من الزاج (٢) مربعة ، وداخلها محابق فيها ألوان النوار موضوعة فوق موائد من العود ، وتحت الموائد جعبات حديد غلاظ ممتدة بامتدادها ، يقال أن في أوان البرد يجعلون فيها الماء الحار صيانة لذلك النبات ، وذكر أن الحياض التي عندهم بالطرق إذا قرب أوان البرد ينزعونها من ذلك المحل ويغرسونها في المحابق ، وتجعل في قبب الزاج ، وتحتها حرارة الماء الذي في تلك الجعبات ، وفي هذه القبب أنواع من الدوم يجعلونه في المحابق ، فمنه ما هو شبيه بالدوم في الغرب عندنا ، ومنه نوع من بر

__________________

(١) أبرز محمد الطاهر الفاسي في رحلته الإبريزية أهمية هذه الحقول الاصطناعية التجريبية لتحسين وانتقاء أجود أنواع النباتات والمغروسات «... ذهبنا بإذن الملكة لبستان عظيم لها يجتمعون فيه أعني النصارى من السنة إلى السنة ، ويأتي كل واحد بما له من غلل الأشجار ، من ثمار وأزهار ... فإذا رأت أن إحدى ثماره جيدة سالمة من العاهات ، أو أزهارها كذلك أعطته عطاء جزيلا ...» ، يقصد حديقة النباتات الملكية كيو Royal Botanio Cardens Kew.

(٢) «... ورأينا قبابا مركبة من خشب وزجاج ... وبإزاء القبة محل فيه ماء ، ومحل آخر معد للنار و ـ مكينة ـ تطبخ ذلك الماء ... وجعاب من حديد متصلة بعروق تلك الأشجار ... فإذا طبخ خرج منه ... البخار يدخل في تلك الجعاب فيسري إلى عروق تلك الأشجار فتنضج وتلد في أقرب وقت ...» ، (رحلة الفاسي الإبريزية : ٣٣) ، يعتقد أن حرارة الماء تصل مباشرة لعروق النباتات ، بل هي لحمايتها من شدة البرودة كما جاء عند الجعيدي.


الهند يعلو كثيرا وينبسط ، ومنه نخيلات صغار ساقها كقامة الإنسان ، منها ما هو ساقها أغلظ من القصبة بيسير ، ومنها ما هو أغلظ ، وأوراقها مختلفة في الرقة والغلظ ، وفي هذه العرصة أسرة وشوالي متفرقات في أماكن ، يخرج الناس إليها بقصد الانبساط والاستراحة ، وهي لجانب المخزن.

وفي يوم الاثنين /٢٣٢/ الرابع والعشرين (١) منه ، كنت مع الترجمان المذكور في محل نزوله في غرض مخزني ، فقدم عليه رجل منهم بكتب من قائد المشور المذكور ، فقرأها وأملى علي واحدا منها ، فكان يوصيه فيها على الباشدور والبرور به ، والوقوف معه ، وتنفيد كل ما يحتاج إليه ، ويخبرنا أن سلطانتهم ليست في اللوندريز ، وأنها خرجت لبلدة أخرى (٢) بقصد الاستراحة فيها ، ومع تلط الكتب ورقات من ولد السلطانة ، عين في كل واحدة اسم الباشدور واسم أصحابه يدعوهم للحضور لعرصته ، إلى فرجة تعرف عندهم بالكونبطى في الساعة الرابعة من يوم الثلاثاء الموالي.

صفة سجن بحومة اللوندريز

وفي مساء يوم الاثنين المذكور توجه بنا الترجمان إلى رؤية سجن من سجونهم (٣) ، فوصلنا إليه فوجدنا فيه بيوتا صغارا جدا بعضها مقابل لبعض ، ممتدة

__________________

(١) ١٧ يوليوز سنة ١٨٧٦ م.

(٢) «... لا أظن أن الملكة قد اتخذت قرارا لاستقبال السفير المغربي استقبالا رسميا ، وحتى البارحة ليس هناك خبر ينفي أو يؤكد هذا ، ومن المحتمل أن الملكة ستستقبله في مقر إقامتهاOsborne ، في حالة خاصة ... «من تقرير سفير إيطاليا بلندن Menabrea إلى وزيره Melegari الذي كان يتتبع تحركات السفارة المغربية عن كتب. (D.M.SMITH) S.P.E.I .

(٣) الخلفية السياسية لهذه الزيارة ، تمكن في شروع الإصلاح الذي تقدم به دريموند هاي عند اجتماعه بالسلطان الحسن الأول بفاس يوم ٢٢ أبريل سنة ١٨٧٥ م ومطالبته بتحسين أحوال السجون المغربية بعد احتجاج الجماعات اليهودية على الحكومة البريطانية لتضغط على المخزن المغربي من أجل تحسين تغذية السجناء ، ونظافة زنازينهم وبعدم تكبيل المسجونين بالسلاسل وغير ذلك. (تاريخ العلاقات الأنجليزية ـ المغربية حتى عام ١٩٠٠ ، روجر ، تعريب يونان لبيب رزق : ٢٤٠).


طولا وعرضا. وفيه طبقات كذلك ، والضوء في جميعها من كثرة دفف الزاج ، وفي كل بيت فراش مرتفع من الفرش ، ومائدة الناقوس ببابه. وفيه مطبخة كبيرة يطبخ فيها للمساجين من أزكى الطعام. وجدنا فيها أكوابا ممتلئة حريرة جامدة ، رفع منها صاحب المطبخة مغرفتين كبيرتين في زلافة ، وقطع من خبزة طرفا نحو نصف رطل ميزانا ، وقطعة لحم نحو أوقيتين أو أقل مع إدام يسير ، وقال الترجمان هذا ما يطعم للمساجين كل يوم ، وفيه صالة كبيرة أرضية ، فيها كراسي عديدة وموسيقا ، يجتمعون هناك للصلاة ، وفيه محل متسع خارج عن البيوت يخرجونهم إليه بقصد انبساطهم فيه ساعة في كل يوم ، وهذه الطبقة السفلية إنما فيها أناس يدعى عليهم بالحقوق العرفية ، فيتركونهم حتى يقع الفصل فيها. وأما غيرهم من أهل الجرائم ، فهم في الطبقات. وعثرنا على بيت هناك مظلم غاية ، قيل إنه إن صار من بعض المساجين نزاع وخصام يتركونه فيه ثلاثة أيام فلا يعود إلى ذلك أبدا ، واستنبطوا عقوبة للسارق ، وذلك /٢٣٣/ أنهم اتخذوا صندوقا مقسوما نصفين ، مقبوضا من غاربه بقريقيات ، وفتح لوحته العليا دائرتين نصفهما في كل نصفي اللوحة الفوقية ، يفتح هذا الصندوق (١) ويدخل إليه السارق ويسد على ما فوق ركبتيه ، وتغل يداه بين خشبتين منصوبتين فوق الصندوق ، ثم يضرب بسياط خمسين سوطا بين كتفيه ، وقد نزعت ثيابه ، وصاحب السوط يضرب به بغاية جهده ، وصفة السوط قضيب رقيق ، طوله يزيد على ذراع يسيرا في رأسه جلدة ركب فيها تسعة خيوط من القنب الرقيق فيها ، عقد طول هذه الخيوط كطول القضيب ، قيل كل ضربة به يتفجر منها الدم ، وأن من ضرب به خمسين سوطا يموت لا محالة. وأكرمنا هناك قائد السجن

__________________

(١) إن التنشئة الحديثة للسجون بأوربا لم يقض معها بالمرة على النظام الذي كان سائدا من قبل ، وذلك خشية إضعاف هيبة القانون فاحتفظ ببعض مظاهر القسوة في النظام العقابي كما كان الأمر قديما.(مؤسسة السجون ، أحمد مفتاح البقالي ، الرباط ، ١٩٧٩ م).


بالقهوة والحلوى وفرح بنا غاية الفرح. وعند خروجنا وجدنا صبية صغيرة (١) مسجونة ببيت ، قيل إنها رمت غيرها بحجر في الطريق ، وأخرى في بيت آخر تخاصمت مع أخرى ، وفي بيت آخر صبيا صغيرا سرق نحو ريال من السمن ، وآخر دون بلوغ سرق شطابة ، وهو يبكي. وكل واحد من المساجين في بيته وورقة فيها بيان جريمته ، وما حكم به عليه من مدة السجن. وهناك عريفات يتولين أمر المسجونات من النساء والصبيات.

الكونبطى أي كرامة في عرصة ولد السلطانة

وفي يوم الثلاثاء الخامس والعشرين (٢) منه. توجهنا مع الباشدور إلى عرصة المخزن التي دعانا إليها ولد سلطانتهم (٣) للحضور للكونبطي ، وذلك أنه كان مسافرا جائلا في الأرض شرقها وغربها ، ولما قدم خرج لهذه العرصة واستدعى إليها أعيان أهل البلد والوزراء والباشدورات الذين في البلد ، وعند قربنا إليها وجدنا غاية الازدحام ، وحين دخلنا نزلنا من العربات ، وكان المخازنية معنا لكونهم معينين للحضور ،فرأينا أناسا في مواضع ، فمنهم الواقفون وكل اثنين أو ثلاثة يتكلمون بينهم ، ومنهم

__________________

(١) معظم الدول الأوربية تبنت نظام السجن الانفرادي وإيواء المنحرفين أقل من ٢٠ سنة منذ عام ١٨١٧ م ، والفصل بين الجنسين ، بتأثير الكنيسة والفلاسفة والمفكرين وانتشار الأفكار الديمقراطية كالمساواة وعدم اعتبار المجرم من الدرجة الثانية ، واتجه اهتمام الباحثين إلى دراسة أغراض العقوبة باعتبار التهذيب والتأهيل هو الهدف المنشود. (نفس المرجع السابق).

(٢) ١٨ يوليوز سنة ١٨٧٦ م.

(٣) أمير ويلزWALES إدواردEdward VII في طريق عودته إلى بريطانيا من زيارة رسمية كان يقوم بها إلى الهند عرج على جبل طارق ، فأرسل السلطان الحسن الأول سيدي علي المسفيوي كنائب عليه لتقديم التهنئة للأمير بسلامة الوصول صحبته السفير درمند هاي في أواسط أبريل عام ١٨٧٦ م ، بعد ذلك واصل الأمير طريقه إلى أنجلترا حيث صادف وصول سفارة الزبيدي لأنجلترا. (تاريخ العلاقات الانجليزية ـ المغربية حتى عام ١٩٠٠ ، روجز ، تعريب يونان لبيب رزق : ٢٤٥).


الجالسون على الشيليات ، وفيها قبب /٢٣٤/ أي خزانات منصوبة ، اتخذها أربابها لبيع المأكولات والمشروبات ، فمن دعته الحاجة إلى شيء من ذلك يدخل لإحداها فيؤتي له بمراده ، ويؤدي الواجب ، وفيها في مواضع أناس يضربون الموسيقا طرنبطات العسكر ، ومنهم من يضربها بالنواقيس موضوعة عندهم فوق مائدة ، وخمسة أناس يضربونها ، منهم اثنان في يديهما ثمانية نواقيس صغار مختلفة النغم ، في كل يد ناقوسان يبتدءان الخدمة بها ويتبعهما الآخرون ، فإذا شرعوا في خدمة طبع يرفع كل واحد منهم ناقوسا يكلفه بنغمة النقط المتوقف عليها ذلك الطبع ، ويتبعه آخر بالنقط الذي يليه ، وهكذا خدمتهم ، وكل واحد من الثلاثة يرفع ناقوسا يكلمه ويضعه ، وبين وضعه ورفع آخر يكلم الآخران ناقوسين برفعهما ووضعهما والمعلمان كذلك لا يخطئ أحدهما النقط المتوقف عليه. فتقدم إليهم ولد السلطانة ودفع لهما ورقة وتكلم معهم في خدمة الطبع الذي طلبه منهم فامتثلوا. وعند دخولنا إلى هذه العرصة تلاقى الباشدور بولد السلطانة ونحن معه فأظهر من الأدب والتواضع ما يتعجب منه ، وهو واقف كأحد الناس لابس لباسهم ، تارة يقف مع أناس وتارة يتمشى هو وآخر معه ، وكان معه أربعة (١) من إخوته ذكور دون البلوغ. وكل واحد منهم عليه كسوة من الكرية البيضاء مثل كساوي البحرية عندهم ، وكبوط أزرق ، قيل إنهم الآن يتعاطون علوم البحر ويخدمون فيه مدة معلومة عندهم ، ثم يدخلون للعسكر فيخدمون فيه كذلك ، ثم في علوم أخرى ليكونوا على بال من جميع العلوم ، ويشاهدون ما يقاسيه بعض الناس من الأهوال والمحن برا وبحرا. ثم بعد ذلك يطوفون بالبلاد شرقا وغربا برا وبحرا ، فيكتسبون بذلك زيادة في عقولهم كما قيل ، وبعد الملاقاة مع ولد السلطانة

__________________

(١) وهم : Alfred ولد سنة ١٨٤٤ م وهو دوق Edinburgh.

Arthureولد سنة ١٨٥٠ م وهو دوق Connaught.

LeoPold ولد سنة ١٨٥٣ م وهو دوق Albany.

والرابع ربما كان أول حفيد للملكة فكتوريا ولد سنة ١٨٥٩ م ، حسب الشجرة العائلية الملكية البريطانية.

The British Roayal Family Since Queen Victoria Roayal Feud.

The Queen Mather and the Duchess of Windsor, Michael Thorton) London (.


صرنا نتمشى في تلك العرصة من محل إلى محل ، فنجد /٢٣٥/ في كل محل جماعة واقفة أو جالسة ، فجلسنا هنيئة على الشوالي حتى رأينا بعض الناس شرعوا في الخروج فقصدنا طريق الخروج ، فبصر الباشدور ولد السلطانة قريبا إليه فزاد بل فتقدم إليه ونحن معه وودعه ، فأجابه بما ذكر من الأدب والخضوع والترحيب به ، وهو لم يكن له قرار في محل كما ذكرنا ، فلما قربنا من الباب وجدنا العربات التي أتى فيها من في العرصة تأتي متتابعة واحدة إثر واحدة ، فإذا وصلت عربة وكان الذين أتوا فيها واقفين ركبوا فيها وانصرفوا. وإذا لم يكونوا موجودين هناك ينادي رجل ثلاث مرات ، بأن يقول بلغتهم هذه عربة فلان ، فإذا سمع به يأتون إليه ، وإذا لم يسمعه انصرفت العربة حتى تعود مرة أخرى وتتقدم وغيرها ، وهكذا لأنهم إذا لم يكن أمر العربات على هذه الكيفية يقع الازدحام حتى لا يوجد مسلك إلا بعد المشقة وطول الوقوف كما وقع لنا بعض الفرجات. ولما وصلت الأكداش التي أتينا فيها وركبنا وخرجنا وجدنا الطريق التي أتينا فيها قسمت طولا نصفين ، والعسكر واقف في الوسط بين كل عسكريين نحو عشرين خطوة ، فالخارجون من العرصة ينصرفون على الطريق التي عن يسارهم ، والأكداش الداخلة إليها فارغة ، يمرون عن يمينهم وذلك فرارا من الازدحام ، وكان في هذه العرصة من الناس الذكور والإناث ما يقرب من الستة آلاف ، كما عثر على ذلك في كزيطة طبعت عندهم في ذلك اليوم أو غد ، وأتى بها الترجمان وبين ذلك.

الملاقات بالوزير

وفي يوم الأربعاء السادس والعشرين (١) منه ، وتبين أنه السابع والعشرون توجه الباشدور ونحن معه إلى دار وزير الأمور البرانية (٢) ، فدخلنا إلى داره وصعدنا إلى

__________________

(١) ارتباك وقع لصاحب الرحلة لإضافته يوم. فالأربعاء ٢٦ جمادى الثانية يوافق ١٩ غشت ١٨٧٦ م.

(٢) إدوارد ستانلي دربي (١٨٢٦ ـ ١٨٩٣ م) Stanley Derby Edward ـ كان وكيلا لوزارة الخارجية البريطانية حتى سنة ١٨٨٢ م ، حيث تولى وزارة الخارجية والمستعمرات إلى سنة ١٨٨٥ م Cham ـ

bers BiograPhiecal Dictionary: ٣٧٣.

.


قببها فوجدناه في بعضها ومعه كاتبان من الكتاب ، فرحب بالباشدور غاية الترحيب وبنا كذلك ، وجر شيلية بيده وأتى بالباشدور أخذا بيده وأجلسه عليها ، وأشير إلينا بالجلوس قربه /٢٣٦/ فجلسنا ، وجرت (١) بينهما مذاكرة بواسطة الترجمان ، فيما اقتضاه الحال ، وظهر منه اعتناء كبير بالجانب الشريف أسماه الله.

إكرام زوجة وزير الأمور البرانية بالهند للباشدور

ثم رجعا ، وفي ليلة الخميس استدعتنا امرأة وزير الأمور البرانية ببر الهند ، فتوجهنا إلى قبة مربعة فيها شوالي وكنابيس رفيعة وثريات توقد ، ففرحت بقدومنا فرحا عظيما هي وزوجها ، ولم تكن هنيئة حتى ملئت تلك القبة نساء ورجالا ، أما الرجال فلباسهم الكبابيط الخشينة ، ورؤوسهم مكشوفة ، والنساء يجررن ثياب الحرير بنحو ثلاثة أذرع في الأرض ، وغالبها مرصع بالديمانط ، وكذلك في نحورهن وعلى رؤوسهن وفي الدماليج ، فرأيت أن معدن هذا الديمانط حيث أخرج من معدنه منه الشقي والسعيد (٢) ، فالسعيد منه قد أسكن في رءوس الملاح والنحور والصدور ،

__________________

(١) اللورد دربي رفض المطالب المغربية كما جاء في رسالته إلى الزبيدي «إن حكومة جلالة ملكة أنجلترا قد أحلت محل الاعتبار رسالتكم المؤرخة ب ١٨ الجاري ... وردا على رسالتكم .. ليست لها رغبة في بسط الحماية على المغاربة .. وليس في رغبتها تغييرا لاتفاقيات المبرمة ... لتسهل على التجار الانجليز القائم بأعمالهم داخل الإيالة المغربية ... وأن سفير أنكلترا في المغرب لم يقدم قط على إيثار السماسرة والنواب في الداخلية ، فالحكومة لا تستطيع أن تبخس التجار الانكليز شيئا من الامتيازات التجارية الممنوحة لسواهم من التجار ، وبالرغم عن هذا كله فإذا وفقت الحكومة المغربية إلى أن تعقد مع أية دولة اتفاقا يكون أفضل لها من الأول فإن حكومة أنجلترا تنيله اعتبارا صحيحا حتى تتوصل حسب الإمكان إلى تلبية رغبات جلالة ملك المغرب ..» ، ٨ غشت ١٨٧٦ م. الإتحاف ، ج ٢ : ٣٠١.

(٢) مقارنة لطيفة بين الجواهر الشقية والسعيدة نتحسس منها بعض الرموز التي لم يفصح صاحب الرحلة عنها ، كما أنه يصف المرأة الأوربية عموما بحب العمل إلى جانب الرجل والحياء والحشمة ، بخلاف من يصفها بالسلطوية والميوعة وغير ذلك.


وبعضه في حواشي ثياب الحرير ارتفاعا وانخفاضا ، فهي بمثابة الجنة ، وهو منها بمواضع بمثابة القصور ، وأما الشقي منه فهو كالأسير في طبقات اللظي والسعير ، يطل لسان حاله الإنقاذ من محنه وأهواله ، ولم تزل تلك القبة تملأ وتفرغ ، وكل من دخل إليها يمر علينا واحدا بعد واحد. ورأينا في نسائهم حياء كبيرا لأنهم يرفعن إلينا من بعد ، فإذا قربن ووقع بصرنا على إحداهن نكست بصرها إلى الأرض ، وغالبهن على هذه الحالة ، وبقينا هناك نحو ساعيتن ، وشربنا هناك أشربة ماء ورجعنا ليلا.

الدار التي فيها صور الآدميين والخروج لدار العلماء

وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين (١) منه ، توجهنا لدار بها تصاوير آدميين (٢) ، ذوات أجسام واقفة على الأرجل غير مستندة إلى شيء ، قد لبست كساوي من كساويهم التي كانوا يلبسونها ورؤوسهم مكشوفة ، وشعرها مفروق على عادتهم ، ومنهم المقلد بسيفه ونيشانه وحمالته. وعلى ذلك من الديمانط والأحجار النفيسة شيء كثير ، وعند دخولنا إلى هذه القبة ورؤيتنا لهؤلاء الصور واقفة وكثرة الضوء والناس الذين هناك صرنا لا نميز بين الصور والأحياء /٢٣٧/ إلا بالحركة وعدمها ، بل رأينا رجلا جالسا على شليته وهو يلتفت برأسه يمينا ويسارا. وصورة امرأة مريضة في حالة النزع قد غمضت عيناها ، وفي عنقها سلسلة رقيقة ، وهي ترتفع وتنخفض شيئا ما ، كأن النفس الباقي بها يفعل بها ذلك ، ووجدنا في بساط صورة رجل ملقى على

__________________

(١) ٢١ يوليوز سنة ١٨٧٦ م.

(٢) يقصد معرض السيدة توسود Toussand's Madameالذي وصفه كذلك الكاتب الغسال في رحلته العزيزية سنة ١٩٠٢ م.«... وتوجهنا لدار تسمى عندهم مدار طوس متخذة عندهم لوضع صور الملوك والوزراء والحكام الأقدمين من دولة الأنجليز ... وكل صورة من تلك التماثيل في غاية الإتقان والتشخيص مصنوعة من الشمع وغيره حتى يتوهم الرائي أنها أحياء ... وفي الطبقة السفلى من هذه الدار تماثيل من الرجال والنساء الذي اقتص منهم بجرائم ارتكبوها ...».


قفاه ، ويداه إلى صدره ، وعن يمينه تاج مكلل بالدر والأحجار وهو متقلد سيفه ، قيل إنها الحالة التي مات عليها عندهم نابليون (١) سلطان الفرنصيص الذي كان عقد الفيرة مع الألمان ، وهم البروصيا. وهناك صور ملوكهم وأعيانهم ، كل واحد عليه من الأحجار والدر ما كان يستعمله في حياته ، وهناك صور البروصيا ووزيره الذي كان مقابلا للحرب مع الفرنصيص ، ولا زالا بالحياة كما قيل. وفي موضع آخر خارج (٢) عن هذه القبب صور أناس آخرين كانوا من أصحاب الجرائم ، كقتل النفس ، والسعي في الفساد ، فقتلوا وصوروا هناك. وقيد قبالة كل واحد جريمته وكيفية قتله ، والداخلون إلى ذلك المحل يقرأون ذلك ويعتبرون ، ويزجرونه عن ارتكاب مثل ذلك ، ويقفون هناك على الآلة التي قتلوا بها حتى أنهم أوقفونا على سكين هناك قيل قتل بها ما يزيد على اثنين وعشرين ألفا من أهل الجرائم.

وفي يوم السبت ثلاثين (٣) منه دخلنا لدار (٤) يجتمع فيها علماؤهم وكبراؤهم ، وفيها قبب كثيرة مرتفعة في الجو ، منها ما شكله مربع ، ومنها المستطيل ، ومنها المستدير ، ومنها المثمنة وغير ذلك من الأشكال ، وسقوفها منها ما هو سقف سما

__________________

(١) الأول (١٧٦٩ / ١٨٢١ م) نفي إلى جزيرة سانت هلين التي توفي بها بعد انكساره في معركة واترلو ، وليس نابليون الثالث الذي عقد الحرب مع ابروسيا سنة ١٨٧٠ م.

(٢) تعرف بقاعة الرعب Horrors Chamber of  عبارة عن أقبية وسراديب واطئة وضوء ضعيف به صور كثيرة ، منها صورة أحد السلاطين الترك يدخن النرجيلة وينظر إلى رأس وزيره في طبق تقدمه إليه فتاة ، وأمير يقتل أبناءه خوفا على عرشه وصورة رجل معلق من بطنه كتب عنها وسيلة من التعذيب في بعض بلاد مراكش وغير ذلك ، لم ينتبه الجعيدي إليها أو تعمد عدم ذكرها.

EncycloPedia Britannica, Vol: 14: 278.

(٣) السبت ٢٩ جمادى الثانية عام ١٢٩٣ ه‍ يوافق ٢٢ يوليوز سنة ١٨٧٦ م ، لأن الشهر العربي ناقصا ب ٢٩ يوم فقط.

(٤) يقصد ويستمينستر التي يقع في دائرتها البلدية وقصرBurckingham Palace  والبرلمان الذي يجتمع فيه علماؤهم وكبراؤهم حسب تعبير صاحب الرحلة والمباني الحكومية الأخرى. (Westminister).(نفس المرجع السابق).


مرصف بالمقربص ، ومنها صورة الجفنة ، ومنها صورة قوس كالقنوط ، ومنها على شكل نصف البيضة كالستينية ، وكلها بالمقربص البديع والنقش العجيب الرفيع ، وتمويه الذهب منتشر في السقف والجدران وسراجم الزاج المورق بالألوان ، والصور محيطة بالجدران. ووجدنا /٢٣٨/ في قبة منها شوالي كثيرة ، منها في أحد أرباعها سرير في الوسط ، وآخران صغيران عن يمينه ويساره ، وهي مبطنة بالموبر الأحمر ، يصعد إليها بدرج مبطنة كذلك ، وفي تلك الأسرة ترصيع (١) بالديمانط. وقد أدير بها مجدول حرير ليلا يقربها أحد ، قيل إن ذلك موضع السلطانة (٢) وموضع لصغيرين من أبنائها ، وقابلتها في الأرباع الباقية شوالي دون ذلك ، يجتمعون هناك مع العلماء وبعض مهماتهم ، وفي قبة أخرى كنابيس وشوالي مبطنة بالجلد القشني لا غير ، يجلس عليها علماؤهم تواضعا ، وفيها قبب أخر دفن فيها ملوكهم الأقدمون ، وفيها صورهم مجسمة وكذلك صور غيرهم من الأعيان.

دار الفرجة وأخرى فيها السلاح القديم والهدايا

وفي يوم الاثنين ثاني رجب (٣) الفرد الحرام ، توجهنا لقصر عظيم يسمى عندهم بالطياطرو ، وهو معد عندهم للفرجات ليلا ، وهو شكل مستدير ، في نصف دوره مائة وستة وثمانون خطوة حالة المشي في وسط النبح الأعلى منه ، وفي عرض جداره

__________________

(١) كرسي التتويج المصنوع عام ١٣٠٠ م. (نفس المرجع السابق).

(٢) يقصد ديروستمنستر Abbey Westministerأو مقبرة العظماء تقع في ساحة البرلمان. فيه يتوج ملوك أنجلترا منذ القرن الحادي عشر ، كما دفن به عدد من ملوكهم كالملك هنري السابع ، والملكة إليزابيت الأولى معاصرة السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي ، وعدد آخر من عظماء بريطانيا سياسيين وأدباء وعلماء مثل شكسبير وداروين وغيرهم. (نفس المرجع السابق).

(٣) ٢٤ يوليوز سنة ١٨٧٦ م.


سبعة عشر شبرا ، وهو (١) مستدير بالبيوت بعضها فوق بعض ، مملوءة شوالي ، وكذلك براحه يقال أنه ليس في اللوندريز عندهم مثله. وتأتي إليه السلطانة في بعض الأوقات. وأنهم أحصوا من كان فيه ذات ليلة ، فزاد بل فكان ما بين الاثني عشر ألفا إلى ثلاثة عشر ألفا. وقد أحاطت بأعلاه قبة من سقفه. انظر كيف تأتى لهم ذلك مع كون دور قطرها نحو مائة خطوة. ورأينا هناك رجلا معلقا في سقف النبح وبيده شطابة في عصا يسمح بها الجدران ، وآخرين بالنبح تارة ينزوله وتارة يرفعونه ، وقيل إن بعض تجارهم يشترون منفعة بعض تلك البيوت بألف ابرة لمدة من تسع وتسعين سنة ، وبعضها بخمسمائة ابرة وهذا ، وفيه موسيقا ذات جعاب كثيرة ، منها ما طولها أي الجعبة نحو ستة أذرع ، وقذر دورها كثلث ذراع ، وما تزال تتصاغر إلى أن تصير في الرقة مثل القلم الخفيف ، وقد جعل في رأسها كالأنبوب شكل المخروط ، وفي جنبيها دوائر كبار /٢٣٩/ بها تخدم هذه الموسيقا ، وقد سمعنا بأن هذا الطياطيروا سيعمر يوم الأحد الثامن رجب (٢) وأن الأخبار صارت بذلك في طرق السلك.

وفي يوم الثلاثاء الثالث منه (٣) توجهنا لدار أخرى (٤) فيها تصاوير أناس لابسين الزرد ، راكبين على فرسانهم ، عليها الذروع وبأيديهم عصي طوال ، وهناك آلة الحرب المعروفة في القديم بالدبابيز وغيرها وكثير من المكاحيل القديمة وآلة الحرب من السيوف والكوابيس والسروج. كما شاهدناه في باريس ، ودخلنا إلى قبة أخرى فوجدنا فيها ما كان أهداه بعض ملوك الهند (٥) لولد السلطانة حين كان عندهم ، وذلك تحف نفيسة رائعة غاية. فمنها زربية مربعة نحو خمسة أذرع طولا ، ومثلها

__________________

(١) المسرح الملكي دوري لاين Royal.Drury Lane Theatre دشن بلندن سنة ١٦٦٣ م ، غير أنه أحرق عدة مرات كان آخرها سنة ١٨٠٩ م ، ودشن المسرح من جديد سنة ١٨١٢ بعد توسيعه وقد عرضت فيه أشهر المسرحيات والروايات الخالدة.

(٢) ٣٠ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٣) ٢٥ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٤) The Britich Museum.

(٥) الهدايا التي تتلقاها الأسرة المالكة تعرض بهذا المتحف لتصبح ملكا لجميع الزوار.


عرضا ، قد رقمت بالصقلي رقما كبيرا ، وفي وسطها تربيع أخضر مرقوم كذلك برقم بديع ، وهي مبسوطة معلقة في جدار هذه القبة ، وزربية أخرى طولها نحو سبعة أذرع ، وعرضها نحو ثلاثة ونصف على تلك الصفة ، وأخرى مثلها نحو ستة أذرع طولا ، وثلاثة عرضا ، وأخرى تغطيه نحو ثلاثة أذرع ونصف طولا ، ونحو ذراعين عرضا ، وعربة مجلدة من ظاهرها بفتقيات مع العاج ، فيها توريق رائق نافد ، وسرير عليه قبة ، كل ذلك مذهب فيه صورة خروج ملك الهند للحرب وهو جالس فيه محمولا على أعناق رجال ، أمامهم فيلان مركوبا عليهما ، والكل مموه بالذهب وغير ذلك من أواني الذهب ، ثم دخلنا إلى قبب أخر وجدنا فيها العدة من المكاحيل ، من العينة الجديدة. بتواقيلها رقاق كالسكاكين ، وهي مصطفة صفا فوق صف بين موائد من عود قيل في هذه المخازين منها مائة وعشرون ألفا وعشرة آلاف من السيوف ، وغير ذلك من الكوابيس والسكاكين ، معلقة في الجدران وفي السقف على كيفية عجيبة ، بحيث يجعلونها دوائر ، وتكون السكاكين كأنها أنصاف أقطارها والكوابيس كذلك.

وفي يوم الأربعاء (١) ورد على الباشدور كتاب (٢) من وزير الأمور البرانية بواسطة ولد الباشدور النجليز يقول فيه نحبك /٢٤٠/ تخبر سيدنا الباشدور سيدي الحاج محمد الزبيدي بهذا الأنور ، يعني المزية العظيمة والاعتناء الكبير. وهو أن السلطانة أذنت بطلوعه هو وأصحابه إليها في الجزيرة التي هي فيها يوم الخميس الآتي ، يعني خامس رجب وأخبره بانور آخر والتي في غده نعين له الوقت الذي يطلعون فيه ، فسرنا ذلك غاية ، لأننا لما دخلنا إلى اللوندريز وجدنا سلطانتهم انتقلت إلى جزيرة من جزر بلادهم بقصد تمريض ولد لها هناك كما قيل. والعادة عندهم أنها إذا خرجت من البلد لا تتلاقى مع أحد ممن يفد إليها حتى ترجع. ووجدنا هناك باشدورات آخرين من الأتراك والهند سبقونا بنحو شهرين ، ولم يتلاقوا بها إلى الآن ، وكان ساءنا ذلك غاية ، وكان ولد باشدور انجليز يطلب من الباشدور الإكثار من الخروج

__________________

(١) ٢٦ يوليوز سنة ١٨٧٦ م.

(٢) انظر نص كتاب الاعلام بالاقتبال الملكي ينزل Osburne يوم الخميس ٢٧ يوليوز سنة ١٨٧٦ م بالإتحاف ، ج ٢ : ٣٠١.


للفرجات والملاقاة بالناس ، فكان يمتنع ويجيبه بقوله إننا لم نأت للفرجات ولا للملاقات مع الناس الأجانب ، ولا غرض لي في ذلك حتى يتم الغرض (١) الشريف الذي أتيت لأجله ، وبقي مصمما على ذلك حتى أدنت سلطانتهم (٢) بالطلوع إليها ، وهو أمر سعادة مولانا المنصور بالله. وكراماته الواضحة والحمد لله على ذلك.

دار البانكة وضرب السكة

وفي يوم الأربعاء الرابع (٣) منه ، توجهنا لدار البانكة. أي دار ضرب السكة (٤) وطبع كواغدها ، وهي دار عظيمة كأنها مدينة مشتملة على ديار وطرق دففها من الحديد. وقناطيرها كذلك ، خوف وقود النار. فدخلنا أولا لتربيع منها فيه أناس

__________________

(١) نفس الموقف يعبر عنه الطاهر الفاسي في رحلته الإبريزية : ٣٧.«... ثم اعلم أن نظرنا في هذه الأشياء دائما كان تبعا وإسعافا في خاطر ملكتهم ، إذ طلبت منا ذلك مرارا ، وكان نظرنا وفكرتنا محموعة على قضاء غرض مولانا أمير المؤمنين ...».

(٢) فيكتوريا (١٨١٩ م ، ١٩٠١ م) ملكة انجلترا (١٨٣٧ م ، ١٩٠١ م) خلفت عمها وليم الرابع ، كان اللور ملبورن أول رؤساء وزاراتها صديقا ، ومستشارا لها ، تزوجت سنة ١٨٤٠ م من ابن خالها الأمير ألبرت الذي أحبته كثيرا ، ثم تناوب جلاد ستون زعيم حزب الأحرار ، وبنيامين دزرائيلي زعيم حزب المحافظين رئاسة الوزارة الأولى في الجزء الأكبر من حكمها الطويل ، الذي بلغت بريطانيا خلاله أوج رخائها وتوسعها الاستعماري ، مع دزرائيلي الذي منح لفكتوريا لقب «أمبراطورة الهند (١٨٧٦ م ، ١٩٠١ م) ، ويطلق اصطلاح العصر الفكتوري على أثر شخصيتها القوية.

EncycloPedia Britannica, VOl: 23: 125.

(٣) ٢٦ يوليوز سنة ١٨٧٦ م.

(٤) يقصد البنك الأنجليزي England Bank of.


كثيرون ، أمام كل واحد منهم نحو قفة صغيرة من الابرة (١) ملقاة على طبلة. وإحدى كفتي الميزان الذي أمامه خمسمائة من الابرة ، وهو يزن بها من الابرة الموضوعة أمامه ، ويجعل في كل خنشة صغيرة ألفا من الابرة. هذا شغل هؤلاء الناس ، فزاد معنا كبيرهم وأوصلنا إلى تربيع آخر فيه بعض كتاب هذه الدار ، وكلهم مشتغلون بالتقييد في الكنانيش ، فسألنا عن عددهم فقيل في هذه الدار /٢٤١/ من الكتاب ثلاثة آلاف ، وألف واحد من سائر الخدمة. ثم أوصلنا كبيرهم إلى كبير مطبعة سكة الكاغد (٢) ، وهكذا شأنه لا يجاوز أحد منهم محل خدمته وشغله إلى محل غيره ، فوجدنا مكينات تدور وصبيانا دون بلوغ يقابلون ناعورة الطبع ، وكيفيتها إن هذه الناعورة كقطعة من سارية تدور منصوبة موازية لسطح الأرض ، وتحتها شيء كالثوب مربع مقبوض من الطرفين إلى جهة السقف ، وبدوران هذه الناعورة يتحرك هذا الثوب عن يمين الناعورة وعن يسارها ، وقد جعل في كل من طرفي هذا الثوب كالمحفظة التي يجعل الطلبة فيها كراريس الكاغد. وقد جلس صبيان عن يمين الناعورة وآخران عن يسارها. فأما اللذان عن يمينها فيأخذان ورقات الكاغد الذي لم يطبع ، ويضعانه بيديهما معا على محل من الناعورة. وعند وضعه تخرج أربعة أصابع حديد تمسكه من يديهما ، وتدور به فإذا كانت الناعورة به في غاية الانخفاض ترتفع من أسفلها لوحة حديد قد ركبت فيها حروف طبع تلك الورقة ، فتماس تلك الورقة الممسوكة فتطبع وترجع بها الناعورة إلى الصبيين اللذين كانا ركبا هذه الورقة ، وعند وصولها إليهما ترتفع عنها تلك الأصابع من الحديد ، فيتركانها ويجعلانها في تلك المحفظة التي في طرف الثوب الذي من جهتهما ، ويطويانها على الورقة ويضعانها مع

__________________

(١) جمعها ابرات ، صوابها ليبرة اسم وحدة نقدية ، وهي اسم العملة الإنكليزية أخذا عن الإسبانيين الذين يسمونهاLibra esterlina ومعناها ليبرة شرعية ، أما الأنجليز فإنهم يسمون عملتهم «باوند» Pound.

(٢) تعرف كذلك باسم النقود الورقية ، تنوب عن العملة الذهبية والفضية ولها نفس القيمة المدونة عليها لأنها في الأصل سندات تصدرها الدولة ممثلة في البنك المركزي ، يتعهد بموجبها بصرف هذه الأوراق بما يعادلها من الذهب والفضة.


غيرها. هذا شغل هؤلاء الصبيان الأربعة لا يفترون عن هذا العمل ، والناعورة وذلك الثوب يتحركان على نسبة عملهم ، فلاهم يتمون عملهم ويتربصونه على تحركهما ، ولا هما يسبقان الخدمة في شيء ما. فكلما فرغا من عمل وجدا عملا آخر مهيئا. ولا يمكنهما الالتفات إلى شيء أو التأني في الخدمة ، لأنهما إذا تركا الخدمة نحو دقيقة واحدة والناعورة تدور فتخبر المجانة التي هناك مع المكينة بعد دوران الناعورة اللازم عند مثله من الكاغد المطبوع ، فيكون في ذمة الكبير ، وقد رصدت عدة أدوار إحدى النواعير في الدقيقة الواحدة ، فكانت ثلاثين دورا بثلاثين /٢٤٢/ كاغدا. وانظر كم في الكاغد ، فإنه من خمس ابرات إلى مليون منها ، فكيف يمكن خدمتها مع التأني أو العبث ، وحيث رءاني كبيرهم أرصد دوران بعض النواعير والمجانة في يدي ، فأخبر أن هذه الدار يطبع فيها كل يوم مليون من الابرة. وإن مثل ذلك يوجد من الليبرة في كل يوم. ثم خرجنا من هذا المحل إلى محل آخر فيه خزانات ، بعضها فوق بعض أربع (١) طبقات مملوءة كواغد مطبوعة. كل رزمة كأنها سفر ثماني ، غلظه نحو أصبعين وزيادة ، فيه ميلون من الابرة. وانظر كم عدد الملايين ، هناك أوقفونا على بعض الكواغد زورها عليهم بعض من الفرنصيص ، وتداولها أناس بالدفع ، وعند رجوعها لدار المطبعة تفطن لها الكتاب من جهة النمروس لا غير ، وما عداه من النقش والأرقام قالوا إنه أصف من عملهم ، وحيث رجعت هذه الورقة المزورة لأيدي الكتاب ، ووجدوا ذلك النمروس والتاريخ لا زال لم يخرج من الدار ، أخبروا به ، وجدوا في طلب من زوره حتى وجدوه ، وحكم عليه بالسجن ثلاثين عاما ، وهذه الكواغد التي ترجع إلى هذه الدار ، ويقبضون أصحابها بدلها ابرة عند احتياجهم إليها. تجمع وتجعل في صناديق ويختم عليها ، وتبقى هناك خمس سنين مدفونة في

__________________

(١) ذكر الطاهر الفاسي في رحلته الإبريزية : ٣٥.

«... ثم صعدنا لمحل آخر يطبعون بالآلات كاغيد السكة يبيعون به ويشترون به ... وقد أحدثوا هذه السكة في القرب ، وسبب إحداثه كما يقال ، أن الدولة الأنجليزية بلغها عن بعض أجناس النصارى ، يقولون إن دولة أنجليز حصل لها ضعف وفلس مثلا ، فاتفقوا على استعمال ذلك إظهارا للقوة دمرهم الله ....».


تلك الصناديق ليلا يتوقف أحد على شيء منها ، ثم بعد ذلك تحرف بمحضر الكتاب والأمناء ويجمع رمادها وحرفها ـ والله أعلم ـ ورقتين بل بعد ورقة ليمكن عد حرقها ، ولأنهم أرونا بعض ورقات محروقة وهي مبسوطة بين ورقتين بل بين لوحتين ، والرقم لا زال ظاهرا في الورقة بعد حرقها ، وبعد حرق ما يحرق منها يجدد طبعه مرة أخرى وهكذا(١).

ثم دخلنا إلى محل ، آخر فيه اثنتان وثلاثون طبلة عودا ، على كل طبلة مائة بارة ذهب كهيئة ابرة شكلا ، إلا أن البارة أغلظ ، كل ابرة عليها رقم ميزانها ، قيل تقطع ثمانمائة ابرة بإضافة بعضها إلى بعض ، فيكون فيها مليونان من الابرة وخمسمائة ألف وستون ألفا من الابرة ، ومنها خناشي طول كل خنشة نحو ذراع غير ربع ، وعرضها ذراع ، مملوءة نحو نصفها ابرة. وهي موضوعة /٢٤٣/ بعضها فوق بعض ، ذكر أنها وجدت ناقصة (٢) في الوزن ، وأنها بصدد الرجوع إلى الدار ، ثم سرنا إلى محل آخر وجدنا فيه موازين الابرة ، يجعلون الابرة في جعبة منحدرة ، وهي تنزل واحدة بعد واحدة على صنجية لطيفة مثل جرم دائرتها ، فإذا كانت تامة الوزن خرج مسمار وضربها في حرفها فتنزل إلى ناحية اليمين ، وإذا كانت ناقصة خرج مسمار آخر من

__________________

(١) تدخل زيارة السفارة المغربية لدور ضرب السكة في كل من باريس ولندن ، في إطار التنافس الذي كان قائما بينهما لاستقطاب المغرب لضرب عملته بإحدى الدارين. خاصة وأن السلطان الحسن الأول فوض أمر ضربها لأمينه الحاج محمد الزبيدي بعد عودته إلى المغرب ...

(٢) في إحدى رسائل السفير هاي دريمند هاي إلى السفير الزبيدي سنة ١٨٨١ م «... فقد عزبي حيث سمعت أن السلطان لم يساعد كما أشرنا به من جعل سكة النحاس في بلادنا عوضا عن سكة النحاس الزائفة الحاضرة اليوم هنا ... ما يصنع لذى المخزن فدائما يزورون ذلك ويتورث منه صعود الصرف والضرر لبيت المال والتجارة ولجميع خلق الله .. وهذه السكة الفاسدة يجمعها ويبيعها وأرباب فبريكة سكة النحاس يجعلون الفلوس لبلادنا وللطاليان ولعدد دول أخرى هذه مدة سنين معددة بدون شكاية من أحد لا من حيثية المعدن ولا من السكة كما يقع عند الغير ... وإذا لم يكن عنده مال موجود يعطيه على هذه السكة فيأخذ سلفا بوجه مناسب عند أرباب السلف ...» ، بتاريخ ١٤ يوليوز عام ١٨٨٠ م / ١٦ شعبان عام ١٢٩٨ م. الإتحاف ، ابن زيدان : ج ٢ : ٤٥٠ و٤٥١.


جهة اليمين وضربها في حرفها ويدفعها إلى جهة اليسار ، ثم تجمع هذه الابرة الناقصة وتجعل في جعبة أخرى وتصير تنزل واحدة بعد واحدة ، وكلما نزلت واحدة ضربها شاقور ضربة واحدة فيشقها إلى النصف ، وبعد ذلك تجمع في الخناشي وتزاد على بارات الحديد ، ثم اقتصرنا على رؤية تلك الأماكن من هذه الدار ، ورجعنا وعند رجوعنا وجدونا كتاب وزير الأمور البرانية قد أتى به إلى الباشدور ، يخبره بالنهوض إلى سلطانتهم.

النهوض للملاقات مع عظيمة دولتهم

في الساعة التاسعة من يوم الخميس (١) المذكور ، ركبنا في بابور البر قاصدين الجزيرة التي هي فيها ، وسافرنا فيه ثلاث ساعات ، ثم ركبنا في بابور في البحر وسافر بنا ساعة ونصفها ، ووصلنا إلى هذه الجزيرة التي تسمى بما معناه الجزيرة الخضراء (٢) فركبنا في أكداش ، وتوجهت بنا إلى العرصة التي فيها دار (٣) سلطانتهم ، فدخلنا إليها وتقدم وزير الأمور البرانية إلى الدار ونحن في أثره ، فدخلنا من قبة إلى أخرى حتى انتهينا إلى القبة التي فيها السلطانة ، فتأخر وزير الأمور البرانية ، وتقدم الباشدور مع الترجمان وكاتبه الأمين عن يمينه أي الباشدور ، فأومأت أولا بالتحية فردت عليها ، ثم شرع الباشدور في إملاء مخاطبتها بما يناسب المقام ، وكان كتاب

__________________

(١) ٢٧ يوليوز سنة ١٨٧٦.

(٢) يقصد جزيرة Wight Isle of ، التي نزلوا بميناءهاCowes ، حيث أخذوا الأكداش إلى النزل الفكتوري وهي لا تعني الحضراء.

(٣) نزل أوسبون House Osborne المكان المفضل للملكة فكتوريا والتي لها به العديد من الذكريات التي تربطها بزوجها الراحل ألبيرت ، ويحتوي فهرس هذا النزل على أكثر من أربعة مائة تحفة وصورة وغير ذلك ، وسط مجموعة من الحدائق والأشجار المختلفة ، وبجواره توجد كنيسة بمعابدها الملكية ، وفي ساحة هذه الكنيسة توجد «قبور عائلات الشخصيات الذين حكموا الجزيرة».

The Macmillan EncycloPedia: 242.


مولانا الشريف بيد كاتبه ملفوفا في سبنية بيضاء من حرير عمل الروم ، فحين انتهى إلى ذكر الكتاب الشريف (١) التفت إلي فناولته له ، فرفعه لها ، فتلقته منه بسرور وفرح ، وحين تم مخاطبتها ترجم ذلك المترجم وهي مع ذلك مبتسمة والسرور يظهر فيها ، وما قصرت في الترحيب والفرح ، ثم سألت الباشدور عن حال سيدنا أعزه الله ، فأجابها بما يناسب ، وبين لها أسماءنا ومراتبنا فأشارت بالترحيب ... (٢).

صفة دار (٣) البلار وبعض ما رأيناه

/٢٥٠/ ... الحديد ، وحين دخلنا إليها وجدنا فيها حوانيت وقببا مختلفة الأشكال ، من العود لا من البلار ، وحين توسطناها سألت عن طولها وعرضها بواسطة الترجمان ، فأجاب بأنه قريب من خمسمائة يارضة (٤) ، وهي مربعة كما تقدم ، وعلوها من جهة زواياها نحو اثنتي عشرة يارضة ، وزيد في علو وسطها نحوت يارضات ، وزيد في وسط هذا العلو الثاني نحو أربع يارضات ، وجعل عليه قبو فصار كالقنوط ، وامتد من الجهتين كذلك حتى تلاقى القبوان في وسطها ، فكان هذان

__________________

(١) الذي عبر فيه عن شكره على الصداقة الوطيدة التي تربط المغرب وبريطانيا ، وقد سبق للزبيدي أن أرسل مجموع من الهدايا يوم ٢٨ يوليوز سنة ١٨٧٦ م ، إلى الملكة فكتوريا (انظر قائمة الهداية بالإتحاف ، ج ٢) بواسطة اللورد دربي الذي أجابه أنه لم يتمكن من عرضها على جلالتها حتى يوم ٣ غشت سنة ١٨٧٦ م. انظر نص الجواب (نفس المرجع).

(٢) الصفحات من / ٢٤٤ / إلى / ٢٤٩ / فارغة بيضاء.

(٣) الانجليز أخذوا نظرية إقامة المعارض الدولية من بوهيميا سنة ١٧٩١ م وباريس سنة ١٧٩٨ م ، ولكن سبقوهم بمراحل في العمل والتطبيق ، فأقاموا في سنة ١٨٥١ م لندن أول معرض عمومي كبيرGreat Exhibitions تحت إشراف الأمير ألبير زوج الملكة فكتوريا داخل قصر البلار Palace Crystal، حيث بلغ عدد زائريه ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٦ ، والشركة التي أقامته ربحت ربحا عظيما واستمرت على هذا النهج طيلة القرن ١٩ م.

(٤) وحدة قياس الطول تعادل ٩١ سنتم.


القبوان هما سقفها ، وكل ذلك من البلار الغليظ ، بحيث جعل ألواحا ممسوكة بين قضبان الحديد كما تمسك ورقات الزاجة في سراجم البيوت بين العود ، لكن قضبان الحديد أرق وألطف من (١) دور تلك السراجم ، وامتدت جدرانها وقببها على هذا الوصف. وفي داخلها الأبنية والدرج والطبقات من العود ، فالطبقات مرفوعة على قناطير لطيفة أيضا من الحديد ، وفي وسطها رياض بجوانبه أشجار صغيرة وكبيرة ونخل صغير ممتد مع طولها ، وفي وسطه حوض مملوء ماء يدخل إليه ما فاته من الرخام ممتدة من الرياض ، يجعل وسطه أنصاف دوائر من الرخام خارجة عن تربيعة ، وبطرفيه كذلك ، والماء الذي في هذا الحوض أظن عمقه نحو شبر واحد ، وقد رصفت في وسطه وجوانبه محابيق فيها نبات ، ووضعت في الماء غير أنه أي الماء لا يصل إلى النبات ، منها ما فيه ألوان النوار ، ومنها مالا نوار له.

ثم صعدنا إلى طبقة منها فدخلنا إلى قبة سقفها (٢) من البلار مبني كما ذكر ، وأما جدرانها فكلها جلدت بمرءات كبيرة يجعلون فيها التصاوير. طول هذه القبة نحو نصف طول الدار ، وعرضها نحو اثني عشر ذراعا ، وكلها امتدت بالتصاوير التي ترى من البعد كأنها أجسام ، وحيث تقرب منها تجدها رفعا من كاغد ـ والله أعلم ـ بالألوان /٢٥١/ ومن هذه الصور صورة امرأة جالسة على شيلية ، وشمعة في حسكة توقد بقربها ، ولهب الإيقاد على لون لهب الشمعة حين توقد ، وهي قريبة من وجهها لكنها التفتت إلى امرأة أخرى كأنها تشد رأسها ، فبقي ضوء تلك الشمعة مقابلا لخدها الأيسر ، فصار منيرا كأنه تلك الشمعة ، وامتد ظل أنفها إلى جهة حاجبها الأيمن ، وهناك تصاوير تمثال حربهم مع بعض الأجناس وكيفية قتالهم إلى غير ذلك من التصاوير العجيبة.

__________________

(١) بياض بقدر كلمة.

(٢) «... دار البلوري ، وهي كقرية عظيمة حيطانها من بلور وقبابها من بلور ما عدا أرضها فإنها من الخشب ، وهي مشتملة على عجائب وغرائب ... ثم إن بأبواب هذا المحل أناسا قائمين به ، من أراد أن يدخل إليه أعطى نصف ريال ودخل ... وهذه الدار مشتملة على قصور على أشكال ... فمن بناء الفرنصيص ... وبناء العجم قصر ، ومن بناء مصر قصر ، وهكذا ...». الطاهر الفاسي في رحلته الإبريزية.


ثم نزلنا منها فخرجنا في ذلك الرياض المتقدم ذكره ، ووجدنا في بعض حياضه صور عبيد ، أجسام واقفة عراة عدا طرف من عمامة أدير على سوءاتهم وبأيديهم مزاريق يقاتلون بها. وفي حوض آخر صور أناس من الهند سمر الألوان ، وفي حوض آخر صور أناس من المار كان عراة ، كما ذكر يحكون بذلك كيفية قتالهم ، وفي وسطه خصة من البلار كرسيها أسفل مستدير (١) ، قطر دوره نحو ذراعين ، ويرى في دوره تفريج في ذات البلار داخلا وخارجا ، ارتفاع هذا الكرسي نحو ذراعين ، وفوقه خصة بلار ، دورها أزيد من ثلاثة أذرع ، بينها وبين الكرسي في العلو مقدار ذراع ونصف من جعبة بلار ، وفوقها خصة أخرى دونها ، بنهما جعبة فيه ، لكنها أي هذه الخصة ركبت في الجعبة مقلوبة ، فصار مقعرها من جهة الخصة التي أسفلها ، ومحدبها إلى فوق ، ثم جعل فوق محدبها خصة أصغر منها لاصقة بمحدب الأخرى ، وجعل فوق هذه خصة أصغر، بينهما جعبة بلار نحو ذراع في رأي العين ، وجعل في وسطها الجعبة التي يخرج منها الماء ، إلا أن في رأسها ثقبا ذات انحراف إلى الجوانب والله أعلم ، بدليل خروج الماء على سموت مختلفة ، وعند بلوغه غاية الارتفاع ينحدر إلى تلك الخصص مستديرا كأنه صورة ثرية معكوسة. ثم صاروا بنا إلى كوات في الجدران ، وهي ألواح من البلار ، في أحدها صورة بابور البر الصغير ، طوله نحو أربعة أصابيع ، ووراءه عربات متصلة /٢٥٢/ به ، لكنه يسير حتى يرمى إليه شيء من الدراهم من فرجة بخد الكوة ، فإذا رمي إليه شيء منها ينزل بجهد على النقشة التي توقفه ، فيسرح للتحرك فيرى كأنه مسافر يجر العربات وراءه ، ولا ترى تلك النقشة ولا شيء من آلة الحركة ، لأن ذلك كله عجيب ، وإنما يرى البابور والعربات ، في كوة أخرى صور أناس راكبين على الخيل ، وهم صفوف بعضها فوق بعض ، ولا يمشون حتى يرمي إليهم شيء من الدراهم.

ثم صعدوا بنا إلى قبة مستديرة من عود ، دورها أقل من دور الطراحية ، وعلوها

__________________

(١) انظر صورة حفلة افتتاح المغرض البريطاني بدار البلار سنة ١٨٥١ م وبوسطها خصة البلار في ملحق الرسوم والصور صفحة ٢٠).

The Story of Britain) Garret Richard (P: 301.


نحو ستة أذرع ، وفي وسطها دائرة من عود ، ارتفاعها نحو ذراع ونصف ، بين محيطها ومحيط هذه القبيبة نحو ذراعين ، وهذه الدائرة الوسطى مغطاة بكاغد ، وعند دخولنا إليها سد بابها فصارت مظلمة شيئا ما ، ثم أخذ بعضهم يحرك ذلك الكاغد ، فظهر فيه خيال صور أناس يمشون ، وهذه الصور ظلال لا غير ، وهي صغار طولها نحو أربعة أصابع ، وهي تمشي إلى جهات ، وبعضهم حامل شيئا فوق رأسه ، وآخر يجري وظلال سناجق تخفق بها الرياح ، وكنا نظن أن تلك الظلال ظلال من يمشي أسفلنا في هذه الدار ، لكن رأينا في بعض الظلال صورة دخان فابريكة يتصاعد ، ولم يكن في هذه الدار فابريكة ، وكانت تلك السناجق خارجة عن الدار. وعند خروجنا التفت إلى سقف هذه القبيبة فرأيت في وسطه قبيبة صغيرة من البلار كهيئة المكب الصغير ، فتخيل (١) لي أن شعاع الشمس حين يمر بها ويتصل بمن يمشي على الأرض يحكى صورته في ذلك الكاغد بسبب الطلاء الذي فيه والزاجة التي أسفله والله أعلم.

مثال جامع قرطبة

ثم دخلنا إلى صحن كأنه صحن مسجد مربع نحو ثلاثين خطوة طولا وأربع وعشرين عرضا في وسطه صهريج مربع حافاته بالرخام ، وغرقه نحو شبرين ، وأرضه فرشت بالمربع الملون ، ومثلثاته. وفي وسط حافاته المستطيلة /٢٥٣/ من جهة مدخل

__________________

(١) إن ما رءاه صاحب الرحلة هو عبارة عن صور فوتوغرافية تتحرك بواسطة آلات كهربائية كبيرة تسمى بأسماء علمية أو شبه علمية مثل آلةPhenakistiscoPe الذي اخترعه البلجيكي JosePh ـ Antoinee Plateau سنة ١٨٣٢ م ، وآلةZootroPe للأنجليزي Horner سنة ١٨٣٤ م وآلةSte ? re ? oscoPe وغيرها من الآلات التي سبقت ظهور السينما الحقيقية على يد الأخوان Lumiere سنة ١٨٩٥ م بفرنسا ، والانجليزي Acres Birt سنة ١٨٩٦ م. وقد اهتم الكثير من الباحثين بعملية التحليل الحركي للصورة الفوتوغرافية منهم العالمان الأجليزيان Muybridge و Edwards Max well - وغيرهم.

L'EcycloPei du Cinema, Roger Boussinot) Bordas (, Paris, 1980 ISBN.

L'Universelle Bordas vol. VII: 774.


القبة الآتي ذكرها ساريتان من رخام مربعتان رقيقتان نحو نصف ذراع أو أقل ، وطولهما نحو ذراعين. وبينهما نحو ذراعين كذلك. ومد عليهما سارية أخرى مثلهما من رخام ، في وسطها أنبوب رقيق يخرج منه الماء إلى ذلك الصهريج ، وعلى هذا الصحن قبة بلار أيضا ، وهذا الصحن يحيط به بيوت صغيرة كالبناديق كأنها مدرسة ، ثم يقابل هذا الصحن قبة مربعة بينهما مدخل مربع ، سقفهما من العود سقف سما ، والقبة مربعة نحو خمسة وعشرين ذراعا طولا وعرضا ، ومع ذلك فيها ثلاث صفوف سواري رخام ، في كل صف سبع سوار.

ثم خرجنا من هذا الصحن إلى صحن آخر مربع ، فيه نبحان متقابلان ، في كل نبح أربع سوار مذهبة. اثنتان حيطيتان وثنتان في الوسط عليها ثلاث قسى مورقة توريقا بديعا مموها ذهبا ، وبجدرانه حيطي من الزلايج كزليج فاس ، إلا أن ألوان زليج فاس أفضل من تلك الألوان ، طول هذا الحيطي نحو أربعة أذرع ، والجداران الباقيان اللذان لا نبح قدامهما بني فيها أبواب ، عليها قسى ذات الشوكة كالحناية في بيوت الغرب ، وقد بني ما فوق قوسها بالمقربس الرقيق البديع ، وعمر بالتذهيب والزنجفور ، وجعل داخل كل باب في وسطه ساريتان ، عليهما ثلاث قسى فوقها المقربس كذلك إلى تلك الحناية. وفي هذا الجدار الخارجي ثلاث حنايات على هذه الصفة ، بين كل ثنتين مقدار ستة أذرع ، فقد نقش فيها كنقش الجباصة ، مثل مدارس فاس وقبب دور المخزن ، وكتب فيها بقلم عربي «لا غالب إلا الله» بين النقش والتوريق ، وامتدت الجدران كذلك طولا وعلوا ، وعمر هذا النقش بالتذهيب والزنجفور ، وجعل متصلا بهذا الصحن قبة مربعة نحو اثني عشر ذراعا طولا وعرضا ، وقبتها مستديرة شكل نصف بيضة بالمقربس الرفيع المموه كما ذكر ، وجداراتها نقشت نقش الجبص كما تقدم. وكتب فيها اسم الجلالة (١) دائرة مع الجدران طولا وعلوا ، هذه / القبة

__________________

(١) نفس المسجد تعرف عليه بدار البلار الكاتب الطاهر الفاسي ، فتدمر من بعض المشاهد التي عكسها في رحلته الإبريزية. «... ووجدنا بعض القباب مكتوبا في أرضها (لا غالب إلا الله) فساءنا ذلك غاية ، وكلمنا بعض عظماء الدولة كان حاضرا هناك ، فأجابنا بأنه يكلم الدولة ويزال من هنالك ، وقال أن الدولة لا تحب ذلك ، أعني بقاء الكتابة هناك بالأرض تطاها الأقدام ، وزعموا أيضا أنه نقلوا صورته كذلك من الأندلس ...».


محترمة عندهم لا يدخلها أحد ، على بابها مجدول حرير ممتد بين خدي مدخلها علامة على عدم الدخول إليها.

ثم خرجنا منه فوجدت الباشدور تقدم مع بعض الرفقاء ، وعند خروجي التفت فوجدت جدار هذا المسجد امتداده نحو مائة خطوة ، وقد نقش الجبص والتمويه كما ذكر ، فبينما أنا أتأمل ذلك وأقيد ما أراه إذ قدم علي ثلاثة أناس على رؤوسهم طرابيش حمر ، وبقية لباسهم كلباس الروم. فحيوا بالسلام بلسان فصيح ، فرددت عليهم وسألتهم من أي بلدهم ، فقال أحدهم إنه مراكشي وقال الآخران إنهما من سوس الأقصى ، فقلت وما تفعلون هاهنا فقالوا قد ألقت بهم الأقدار إلى هذه الديار ، وأنهم حين سمعوا بباشدور الغرب بباريس كانوا عزموا على القدوم عليه بقصد صلة الرحم معه ، فقيل لهم إنه بصدد القدوم إلى اللوندريز ، وأن هذا اليوم عندهم كعيد من أعيادهم حين منّ الله عليهم برؤية الباشدور وأصحابه ، وفهمت من حالهم أنهم يقصدون ويأملون منه المواساة ، حيث سمعوا به يواسي الفقراء (١) في كل بلد ، فقلت لهم سوف نخبره بحالكم بحول الله فسروا بذلك ، ثم ودعتهم.

الرجل الذي يغوص بصهريج الماء وكشف الحيلة في ذلك

ولحقت بالباشدور ، فوجدتهم داخلين لبيت صغير فيه صهريج من عود كالصندوق ، طوله أزيد من قامتين ، وعلوه كذلك ، وعرضه أزيد من قامة ، وهو مملوء ماء ، وفي وسط غاربه أي عرضه كوة عليها ورقة بلار قد سدت بها ، ورأينا رجلا واقفا في وسط الماء والماء فوقه بأزيد من قامة أخرى ، وهو لابس (٢) كبوطا وسروالا لعلهما

__________________

(١) لأول مرة نجد إشارة عابرة عند الجعيدي لما كان يقدمه السفير الزبيدي من تبرعات وهبات لبعض الملاجئ ودور الإحسان ، وفي هذا الإطار توصل الزبيدي برسالة شكر من اللورد دربي لتقديمه ٦٠٠ ليبرات كهدية على العميان الفقراء الذين يعالجون بمستشفيات لندن. ووصلت قيمة ما تبرع به السفير في بلاد أنجلترا إلى ١٠٠٠ ابرات. (الإتحاف ج ٢ : ٢٠٣).

(٢) انظر شرحها في الملحق : ٣.


من جلد ، ورأسه مغطى كقب الجلابة الرباطية لأنهم يجعلونه قصيرا لنية هناك ، بخلاف السلويين لأن بعضهم يجعل قب الجلابة مستطيلا للمناسبة أيضا ، وإنما استطرد هذا هنا لأنهم ينكثون على أصحاب القب الطويل ، وعلى وجه ذلك الرجل زاجة محيطة بحواشي قب ذلك الكبوط ، ولا يرى من ذات هذا الرجل إلا وجهه ويداه من مبدأ الكف ، وكان قابضا لوحا من حجر بيده اليسرى ، وفي اليمن قلم وهو يكتب فيه ، فلما فرغ من الكتابة أدار تلك اللوح وأرانا ما كان يكتبه فيه ، فقرأه الترجمان /٢٥٥/ فقال إنه يقول مرحبا بكم هذا يوم مبارك. ثم صعدنا إلى فوق هذا البيت حتى وصلنا إلى سطحه فوجدنا ذلك الصهريج في وسط السطح ، وطلع ذلك الرجل الذي كان راسيا في الماء ، وبقي على وجه الماء فأتى صبي وفك الزاجة التي كانت على وجهه محيطة بحاشية قب الكبوط ، فوجدنا في وسط القب مصرانة لعلها من ثوب القلاع طويلة ، وأخرى في قفاه ، بحيث يرسب في الماء يكون ولد فوق السطح قابضا يدا من حديد يرفعها ويخفضها فينشأ من ذلك ريح يسري في المصرانتين ويصل إلى وجه الرجل الراسب في الماء (١). وانظر من أين يخرج ذلك الريح ، إلا أننا نرى أثر التنفس في الماء حين رسوبه كما يفعله العوامة عند رسوبهم في الصهاريج ، فيتنفسون ويظهر أثر ذلك فيعلم منه الموضع الذي هم فيه ، ثم إن هذا الرجل دفع له كاغد الدخان المعروف عندهم بكارو ، فقبضه بفيه ، وسد على وجهه بتلك الزاجة ، ورسب في الماء وهو يشرب ذلك الدخان ، ولعله يظهر بذلك أن الماء لا يدخل إليه ، ولا يبعد أن يكون في محل من كسوته التي هو لابسها ثقبة ضيقة يخرج منها الريح الذي يدخل في تلك المصرانتين ، لأنه إذا استمر الريح خارجا خروجا قويا فإنه يدفع الماء ولا يدعه يدخل للكسوة ، بدليل ظهور أثر التنفس ، وطول المكث في الرسوب وبهذا العمل ـ والله أعلم ـ يصطادون المرجان واللؤلؤ من قعر بحارها.

__________________

(١) يتحدث الجعيدي عن المحاولات الأولى للغطس تحت الماء بالاستعانة بأجهزة الهواء المضغوط المتصل بخرطوم على سطح الماء ، غير أنه يبقى مقيد الحركة تحت الماء لارتباطه بالسطح (موسوعة عربية عالمية).


ثم خرجنا منه وأوتي بنا إلى بيت مظلم بني بجدرانه صناديق زاج ملئت بماء البحر ، وفي أرضها الرمل والصم الصغير (١) ، وفي جوانبه الثلاثة حجر لعل به طينا كحجر البحر ، والحوت في هذه الصناديق على اختلاف أشكاله وألوانه ، وهو يتوالد هناك ، وفي بعضها عكريشة (٢) كبيرة تقرب من جرم الحمامة ، لها عشرة أرجل طوال رقاق ، وفي رأسها أربعة قرون طوال كذلك ، ولها ذنب ذو قفى ينثني وينبسط ، وفي صندوق آخر رطالات (٣) ذات الذوانب لاصقة بالحجر ، تمص فيه على عادتها ، ثم ألقى إليها من فوق الماء عكريشة صغيرة من التي تكون بالشاطئ فالتقمتها وأكلتها فرأتها رطالات أخر تخرج من الحجر فألقى إليها عكريشات أخر فالتقمتها كذلك. وهذا الماء الذي يدخل إلى /٢٥٦/ الصناديق يدخل إليه الهواء من سطح الماء الأعلى ، ويرى أثر دخوله في وسط الماء ، قيل أنه سبب حياة الحوت هناك ، وفي بعض الصناديق المملوءة بهذا الماء في قعرها حجر من حجر البحر ، ينبت فيه المرجان ، أتي به من قعر البحر بحجره ، وجعله في ذلك الصندوق ، وقيل إن المرجان يكبر هناك ويقطع ، ونحن رأينا كرؤوس المرجان لاصقة بذلك الحجر لا غير.

طياطرو دار البلار ولعبة الأفيال فيه

ثم أوتي بنا إلى طياطروا (٤) في إحدى جهات هذه الدار ، في وسطه دائرة ، أرضها

__________________

(١) الكثير من الناس يحلمون بالغوص إلى قاع المحيطات ، وذلك ليشاهدوا أندر الأسماك في بيئتها الطبيعية سواء منها المخيفة والأكثر خطورة ... أهميته اختراع أحواض السمك Aquariums تمكن في تحقيق هذا الحلم بمعزل عن المغامرة. وحوض السمك هو بيئة مصطنعة مصغرة ، توفر شروط الحياة التي نجدها في أوسع الأمكنة (المحيط ، البحيرة ، النهر ...) (نفس المرجع).

(٢) سرطان البحرGrabe (المنجد).

(٣) الأخطبوطPiemure تعيش في في أحواض خاصة تخصص للأبحاث العلمية. (نفس المرجع).

(٤) أنجلترا كانت هي السباقة في إنشاء أول مسرح مدرج AmPhithéatre خاص بألعاب السرك الحديث (انظر الصفحة :).


تراب ، قطرها نحو عشرين خطوة ، أحاط بها سور من عود ، علوه يزيد على ذراع واحد ، ثم أحاطت به الشوالي متوالية الدوائر ، كل دائرة أعظم مما تحتها وأعلى منها ليمكن الاستشراف ، وبقي بعد ذلك السور والدائرة الأولى من الشوالي ، وعدد دوائر الشوالي المتصاعدة اثنتا عشرة دائرة والله أعلم ، متفاضلة في العدد كتفاضلها في الكبر ، ثم بنيت بيوت من عود محيطة بدائرة الشوالي العظمى ، كل بيت يسع أربع شوالي أو ست ، والشوالي والبيوت كلها مبطنة بتوب الموبر الأحمر ، ثم جعلت بيوت فوق تلك البيوت وأخرى فوقها ، وهكذا حتى صارت خمس طبقات من البيوت ، بعضها فوق بعض ، ثم جعلت قبة من البلار على الطبقة الفوقية ، قناطيرها رقيقة لطيفة من الحديد ، وعند دخولنا هذا الطياطروا أنزلونا ببيت متسع غاية بالطبقة الأولى قريب من محل لعبهم ، ووجدنا جل تلك البيوت والشوالي الأرضية عامرة ، على كل شيلية منها رجل وامرأة ثم جعلوا في وسط تلك الدائرة التي وسطها تراب مضربة ، حشوها بتبن والله أعلم. ونصبوا خشبة خارجة عن دائرة العود بنحو ذراع ، مرتفعة عن الأرض بنحو ذراعين ، ونصبت ألواح من عود امتدت منها إلى الأرض بنحو ثلاثين خطوة ، ثم أتى أناس نحو اثني عشر رجلا ، كل واحد منهم يجري فوق تلك الألواح ، وعند وصوله إلى الخشبة المنصوبة يقفز منها ويرتفع في الهواء ويتقلب وينزل واقفا في وسط تلك المضربة ، وهم متتابعون في الجري والانقلاب ، وتكرر عملهم هكذا ، ثم أتوا بفرسين وأوقفوهما في الأرض الترابية بين المضربة وسور العود. ثم أتوا يعدون وقفزوا فوقها متقلبين وكل واحد ينزل واقفا على المضربة ، ثم أتوا بفرس ثالث وقرن مع الآخرين ، ووقف /٢٥٧/ رجلان فوقها ، كل واحد منهما جعل إحدى رجليه على شق ظهر فرس والأخرى على شق الفرس الذي في الوسط وقبضا بيديهما على عناق الخيل كهيئة الراكع حيث يهوي إلى السجود ، ثم قفز أولائك الناس فوق الرجلين اللذين فوق الخيل ، وتقلبوا واقعين على المضربة ، ثم جاء رجل ثالث ووقف على ظهري الرجلين اللذين فوق الخيل على هيئتهم وقفزوا فوقه كذلك ، ثم نزلوا وأتى بفرسين آخرين وقرنا مع الثلاثة الأخيرة فصارت خمسة وانقلبوا فوقها كذلك ، ولم يزالوا يزيدون فرسين بعد فرسين حتى صارت تسعة من الخيل مصطفة بين المضربة وسور العود ، وانقلب كل واحد منهم عليها ونزل واقفا على المضربة ، ومنهم


الرجال الثلاثة الذين لقيتهم عند خروجي من مثال جامع غرناطة. وذكروا أن أحدهم مراكشي والآخران من سوس وهما ـ والله أعلم ـ ممن تقدمت لهما الخدمة مع أولاد سيدي أحمد (١) وموسى نفع الله به ، ثم ردوا تلك الخيل إلى محلها وصاروا يتقلبون من الخشبة كأول مرة ، فأتى رجل منهم وقفز قفزة عظيمة في الهواء وانقلب مرتين في الهواء ونزل واقفا ، فصار أولائك الناس المتفرجون يصفقون بأيديهم جميعا يستحسنون بذلك عمله على عادتهم. ثم أتوا بالخيل وصاروا يلفون بها كما تقدم في بعض وصف طياطروا باريس. وهؤلاء الأناس الذين كانوا يلعبون بالقفز على الخيل ، على كل واحد منهم سروال من ثوب خفيف ساتر قدمه كهيئة التقاشر حتى تجاوز سرته أو كان بها لاصقا على جسمه ، وعلى صورة كبوط صغير لاصق على صدره وظهره ، ورأسه مكشوف علته ـ والله أعلم ـ الإعانة على خفة حركته بذلك ، لأنهم لو كانت لهم ثياب وافرة لتخللها الهواء عند جريهم وانقلابهم فتثقل بذلك حركاتهم ، لأن الهواء المتولد من ذلك يكون عاسكا لهم ، ثم إنهم أتوا ببسطيليات وهي في عرف العدوتين أنصاف البراميل الكبار ، ووضعوها داخل الدائرة مقلوبة على الأرض ، وأتوا بأفيال كبار وصاروا يلعبون بها لعبا عجيبا ، حتى أن الأفيال ترقص على الأرض وتحادي برقصها نقط أصحاب الموسيقى وتقف فوق تلك البسطيليات وتجمع يديها ورجليها فوقها مع صغر قعر البسطيلية ، وتدور فوقها ، ولم يكتفوا بهذا بل جعلوا بسطيليات صغيرة فوق الكبيرة مقبوضة عليها بمسامير وطلع الأفيال /٢٥٨/ فوق البسطيليات الصغيرة ورقصوا فوقها كذلك ، وكلما تكلم معها بكلام تفهمه وتمثله ، حتى إن فيلا منها وقف على يديه ورأسه ورفع رجليه وهو يصيح كأنه يطلب الإعفاء من تلك المشقة ، ثم ربضت إلى محلها وأتوا بفيل عظيم ، وصار يلعب كلعب الأفيال

__________________

(١) انظر ترجمة الشيخ بكتاب إيليغ قديما وحديثا / محمد المختار السوسي ، المطبعة الملكية ١٩٦٦ : ١٧ وعند غيره ، وكذلك في المعسول توجد ترجمة أجمع ج ١٢ : ٥.أما عن تواجد المغاربة بالمعارض الدولية الإنجليزية فقد ذكر ابن زيدان بالإتحاف ٤ : ٣٧٣ «لم يكن المغاربة يذهبون لانجلترا للتجارة فقط ، بل توجه أيضا حوالي سنة ١٨٧٦ م من الصناع للمشاركة في معرض للصناعة التقليدية حسبما يبدو من توصية صدرت في شأنهم ...».


التي انصرفت ، وبقي معه نصراني واحد في تلك الدائرة ، فعندما يريد الركوب عليه يكفه فيحني له زلومه فيقف فوقه ثم يرفعه الفيل فيقفز النصراني وينزل على ظهر الفيل ، ثم نزل وكلمه وفتح فاه وأدخل النصراني رأسه فيه وبقي هنيئة وأخرجه ثم كلمه أيضا فلوى زلومه على النصراني وحمله ، وخرج به.

لعبة الكلاب ووصف الرياض المجاور لها

ثم أتوا بشوالي صغيرة خمس وضعت داخل الدائرة الوسطيمع بعض محيطها ، وجعل وسادتان صغيرتان بطرفي صف تلك الشوالي ، وأتوا بكلاب صغيرة وأدخلوا لتلك الدائرة كلبا بعد كلب ، وكل واحد منهم طلع لشيلية ووقف عليها ، ثم أتت بنت صغيرة وصارت تكلمهم. فنزل الأول من الشيلية الأولى وصار يجري وينقلب ، وتارة يقف على رجليه فقط ويجري عليهما ، ثم رجع إلى شيلية ونزل الذي يليه وفعل كمثله ورجع لمحله ، ونزل الثالث وهكذا حتى لعب هؤلاء الخمسة ، فنزل كلب أصغر منها كان فوق الوسادة الطرفية التي من جهة الكلب الذي تقدم للعب وفعل مثل فعلهم ورجع لمحله ، ثم أتت تلك البنت بقنبة وقبضت طرفها بيدها ونزل كلب وقبض الطرف الآخر بفيه وصارت ترفع طرف القنبة وتضعه ، والكلب متابع لعملها ، وأتى كلب آخر ووقف بينهما والقنبة تدور عليه ، وعند نزولها للأرض يقفز وتخرج من تحته ، وتكرر عملهم كذلك ، وهذا نزر يسير من بعض أوصاف هذا الطياطرو ولعب أصحابه ، ففيه كفاية للمتطلع (١) لأخباره.

ثم خرجنا منه وصعدنا إلى طبقة مشرفة على رياض أنيقة فيها أنوار عجيبة ، ذات

__________________

(١) أورد الجعيدي وصف بعض الألعاب السركية بقصد اطلاع القارئ عليها ، خاصة أن أخباره قد انتشرت عبر المعمور خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وكان يعتبر من عجائب وغرائب الوقت.


ألوان وأشكال ، مع التناسب وحسن الوضع ، وامتد هذا الرياض (١) مع امتداد طول دار البلار ، وهو خارج عنها وأدير بدربوز حديد فيه قضبان منه محددة الرؤوس كهيئة الحربة ، /٢٥٩/ ثم جلسنا على الشوالي قبالة دربوز هذه الطبقة ، وبقينا مستشرفين على ذلك الرياض وعلى ما قابلنا من مدينة اللونديرز ، وبساتينها وأنهارها ، ثم أناس يلعبون على الخيل بين الرياض وجدار الدار ، وكل واحد منهم واقف على فرسين كل رجل من رجليه على ظهر فرس ، واليدان بلجامها وهي تجري بهم على كيفية المسابقة ، لكنهم يتقدمهم رجل راكب على فرسين كما ذكر ويتبعه آخر كذلك وهكذا ، ويبتدءون المسابقة من محل معلوم عندهم ، ويدورون حول ذلك الرياض حتى يعودوا إليه. وهذه الخيل من الخيل المعلمة عندهم ، لأنها تعرف المراد منها حين يشار إليها أو يكلمها بشيء ، كما كانت تسير سير العسكر في الطياطرو وغير ذلك من الأعمال ، فلذلك لا يتباعد الفرسان عند جريهما حالة ركوب الرجل الواحد عليهما معا ، وجريهما إذ ذاك جري متوسط بخلاف المسابقة حيث يكون كل رجل راكبا فرسا واحدا. ثم خرجت خيل أخرى يركبها بنات ، كل واحدة على فرس ، وصرن يتسابقن وهن واقفات على ظهور الخيل ، وتكررت مسابقتهن كذلك وقوفا وجلوسا ، وكانت هذه الفرجات خاتمة العجائب التي شاهدناها بدار البلاد ، وإنما رأينا منها شيئا لا نسبة له باعتبار ما فيها وما يكون فيها من العجائب والغرائب في كل يوم خميس ، ونحن لم يتيسر لنا الذهاب إليها في ذلك اليوم لأننا توجهنا فيه للملاقاة مع السلطانة. وكان قصد الترجمان الذي مع الباشدور التأني لخميس آخر لتكمل الفرجة ، ولم يكن الغرض في الفرجة ولكن في هيئة (٢) الدار وكيفيتها فقط،

__________________

(١) يقصدPark London's Hyde  الذي اختاره الأمير ألبير ليكون مكان لدار البلار Palace Crystal.

(٢) يكمن هدف الجعيدي لوصفه دار البلار ، في إبراز أهمية المعارض العامة ، حيث يتلاقى فيها أهل الأبحاث والأشغال والملاهي فترتبط الأمم وتزيد المناظرة بين أفرادها ، خاصة أن فكرة إقامة المعارض تنبهت لها الكثير من الدول ، فأقامت معرضا عاما (ميونخ ودوبلن ونيويورك وفيينا وفيلادلفيا وسدني وملبورن وامستردام وانفيرس وبرسلونة وموسكو وابروكسيل وشيكاكو) طيلة الربع الأخير من القرن ١٩ ، أما معارض باريس الدولية فقد استدعي المغرب للمشاركة في ثلاثة معارض ExPositions In ـ ter.De Paris وهي : -


ثم رجعنا إلى محل النزول وبينه وبين دار البلار مسير ساعة تامة في الأكداش سيرا سريعا.

التوجه إلى مدينة ولت لرؤية دار بها

وفي يوم الاثنين التاسع من رجب (١) ، توجهنا عن إذن السلطانة لدارها في مدينة ولت بالتاء المعجمة (٢) في بابور البر ، بينها وبين محل نزولنا بل المحل الذي ركبنا منه في البابور نحو ساعة واحدة ، هذه الدار هي في قصبة محيطة بالأبراج على رأس ربوة ، وعند وصولنا إليها خرج إلينا المكلف بها ففرح غاية /٢٦٠/ الفرح ، وأخبر عن لسان الترجمان أن هذه الدار غير مفرشة (٣) ، لأن سلطانة الدولة مسافرة ، فدخلنا لاسطوانها ووجدنا فيه صفين من الشوالي ، طوله نحو خمسين خطوة ، وعرضه نحو خمس عشرة خطوة ومدخله من وسطه ، وسقفه سقف سما. وكذلك القبب الآتي ذكرها ، كلها سقفها سقق سما ، إلا أنها مختلفة الأشكال ، ثم صعدنا في درج عن يسار الباب ، ينتهي الاسطوان إلى قبة مربعة فيها صورة امرأة على شيلية ، وفيها

__________________

- معرض باريس الثاني سنة ١٨٦٥ م. (الاستقصا ، ج ٤ : ٢٣١ و٢٣٢).

 ـ معرض باريس الثالث سنة ١٨٧٨ م. (صفوة الاعتبار ، ج ٣ : ٨١).

 ـ معرض باريس الرابع سنة ١٨٨٩ م. (الاستطلاعات الباريسية. اسم رحلة محمد السنوسي التونسي: مظاهر يقظة المغرب الحديث ، ج ١ : ٧٩ و٢٠١)

(١) الإثنين ٣١ يوليوز سنة ١٨٧٦ م.

(٢) يقصد مدينةWindsor وليست مدينةWhitstable كما جاء عند المؤرخ عبد الهادي التازي «التاريخ الدبلوماسي للمغرب ، المجلد ١٠. ج ٢ : ٩٥.

(٣) يقصد من هذا الوصف ويندسور كستل Windsor Castle الملكي ، يقع بقلعة حصينة في مدينة ويندسور الواقعة على نهر التميزThames والبعيدة عن لندن حوالي ثلاثين ميلا من الجهة الغربية ، تسكن فيه عادة الأسرة الملكية الانجليزية منذ القرن ١١ م وبه الكثير من التحف المتوارثة عند الأسرة المالكة.

EncycloPedie Britannica. Vol: 23: 600.


مدفع على كريطته قيل من مدافع الهند ، ثم قبة ثانية طولها نحو أربعين خطوة ، والعرض نحو خمس عشرة ، وكذلك بقية القبب لونها متقاربة ، قد علقت بجدرانها مكاحيل وسيوف ، والثالثة فيها مدفعان أصفران وقطعة من صاري قطر دوره أزيد من ذراع ، في وسطه ثقبة نافدة في وسطه من الجهتين بكرة ، قيل أصابته كرة حين قتالهم مع الفرنصيص ، ثم الرابعة والخامسة فيهما شوالي مغشاة ، السادسة في جدرانها مرءاة التصاوير ، وجدرانها مجلدة بالكمخة ، وفيها ستة سراجم بالزاج طوال ، يشرف منها لى المشور. والسابعة مثلها في سقفها ترابيع مثمنة بقضبان مذهبة ، وفي وسطها ثرية بلار مغشاة. الثامنة فيها خزانات الكتب المذهبة ، امتدت الخزانات مع جدرانها طولا وعرضا منتهية إلى السقف ، وفيها شوالي مبطنة بالجلد الأحمر ، وفي وسطها كورتان كبيرتان أرضية وفلكية ، التاسعة مثلها بالكتب ، في وسطها خزانتان بالزاج منتهيتان إلى السقف مملوءتان كتبا ، العاشرة في وسطها خزانات ثلاث إلى السقف بالكتب. وهي مربعة صغيرة (١) نحو سبعة أذرع طولا وعرضا كذلك. وفي سقفها خواتيم ودوائر بالتذهيب وفي تربيع ، منها نصف دائرة فيه سراجم أربعة كبار مشرفة على المدينة ، وفيها كناش فيه صور ما يرونه في جرم القمر ، كل من /٢٦١/ رأى فيه شيئا من الصور بالمرءاة المعدة لذلك أثبت في ذلك الكناش ، حتى أنهم ذكورا أنه رأى في جرم القمر عالما مثل عالم الأرض ، ثم خمس قبب كبيرة متوالية جدرانها بالكمخة ، في بعضها ثريات ، وفي بعضها سراجم مشرفة ، في كل واحد شوالي وموائد مغطاة ، والقبة الخامسة عشرة طولها نحو أربعين خطوة ، والعرض نحو خمس وعشرين سقفها سقف سما ، به تكفيف كبير ، وسباني تحته بتوريق الذهب ، وفي وسط السقف خمس تربيعات ، في وسط كل تربيعة جبانة عظيمة من البلار معلقة في الوسط ، ذات شراريف قطرها نحو ذراعين ونصف ، وقد

__________________

(١) نفس القصر وصفه الكاتب الغسال في رحلته العزيزية سنة ١٩٠٢ م.

«.. وفيه عدة قبات كبار منها مربع الشكل ومنها مستطيل ، وكل واحدة من هذه القباب توصف بلون فروشها فإن كانت مفروشة باللون الأخضر يقال لها القبة الخضراء ... أو الحمراء وهكذا ، وكل قبة منها مخصوصة بغرض فمنها ما هو معد لجلوس الملك ومنها ما هو معد للمشاورة مع كبراء الدول إلى غير ذلك ... وبالجملة فإن هذا القصر من أعظم القصور الموجودة في أقطار المعمور ...».


خرج من الشراريف من داخلها قضبان بلار طوال إلى نحو السقف ، وهي أي الجبانات مورقة توريقا أنيقا لا تذهيب فيه ، وفي أعلا الجدران سراجم طوال انتهت إلى السقف ، في كل جدار خمسة وعشرون سرجما ، بلارها بالألوان ، وقناطير السقف وسواريه المحيطية مورقة ومذهبة ، وتربيعات السقف التي في وسطها الجبانات صبغت علجاء ، ورقعت نجوما تذهيبا (١) ذ قيل بنيت هذه القبة عندما غلبهم الفرنصيص سابقاذ ، السادسة عشرة طولها نحو خمسين خطوة. سقفها كظهر (٢) حمار على قناطير ، ثلاث طولا وأربع عشر عرضا ، والتربيعات المتقاطعة بالسقف في وسطها ، كمثال سناجيق الأجناس بالألوان والتذهيب ، وفي وسطها طبلة طويلة وأخر صغيرة ، ثم الجامع قبته كهيئة الطست مورقة بالتذهيب ، وفي وسط جداره سراجم بالبلار الملون ، والثامنة عشرة (٣) سقفها مربع الطول ، وزيادة أنصاف دوائر من جهة اليمين فقط ، فيه أي الجدار اليمين عشرة سراجم مشرفة ، وجدرانها عليها ستور ، والتسعة عشرة مربعة ، في كل ربع من ثلاثة أرباعها أبواب ثلاث من الزاج ، والربع الرابع مشرف فيه ستة أبواب بالزاج مشرفة على براح متسع غاية ، فيه حياض بألوان النوار ، منها ما هو على هيئة الزرابي مربع للطول ، ومنها ما هو مربع طوله كعرضه ، ومنها ما هو دوائر ، ومنها ما هو مربع مع أنصاف دوائر محيطة به. وقد غرست بالألوان ، وروعي تناسبها وتوريقها ، كما تراعي نقامة الزرابي ذلك التناسب /٢٦٢/ وتلك النوار إنما تعلو من الأرض بنحو شبر ، مع تساويها في الارتفاع ، وازدحام غرسها. فبذلك تكاد الزرابي تشببها ، لأنها تشبه الزرابي ، وبين كل حوض من هذه الحياض طرق عريضة طويلة ، فيها نبات أخضر يانع ، قصير القامة ، وفي وسط ذلك البراح خصة كبيرة يحيط بها حوض مستدير ، دائرته رخام ، يبقى الماء جاريا فيه. ثم القبة العشرين مستديرة الشكل محيطة بالسراجم. ثم خرجنا منها إلى اسطوان

__________________

(١) طرة أدرجتها في مكانها بين نجمتين ذ ... ذ.

(٢) لون مركب مثل عنق حمام وقلب حجر وغير ذلك.

(٣) للتوسع في هذا الجانب وخلق نوع من المقارنة بين ما جاء به الجعيدي ، والكاتب الانجليزي جون هوب حول التطور التاريخي والمعماري لقصر ويندسور الرجوع إلى المصدر التالي :

SIR. W. H. St John HoPe, Windsor Castle on Architectural History, 3 vol (1913).


عرضه نحو خمسة أذرع ، وطوله يزيد على مائة خطوة ، في جداريه دكاكين عليها أبواب الزاج ، وبداخلها العدة معلقة داخل تلك الدكاكين ، وفي بعض الدكاكين شيلية ذهب مكللة بالدرر ، كانت للسلطان فاندى بالهند سنة ١٨١٥ م ، وسيف غمده مكلل بأحجار الديامنظ ثم الواحدة والعشرون مربعة ، فيها شوالي وكنابيس مذهبة مبطنة بالحرير الأخضر ، وهي مغطاة ، لكن كشف عن إحداها ، وبها سراجم مشرفة على تلك الحياض المذكورة ، ثم الثانية والعشرون في وسطها ثريا مشرفة عليه أيضا ، ثم الثالثة والعشرون صغيرة مربعة نحو خمسة بل عشرة أذرع طولا ومثلها عرضا ، فيها صورتا آدميين من رخام أبيض واقفين على كرسي رخام ، أحدهما قابض على يد الآخر ، قد التفت كل منهما بوجهه إلى الآخر ، ثم اسطوان آخر كالاسطوان المذكور لكنه انعطف يمينا مرتين فصار فيه اسطوانات ثلاث ، في طول كل واحد نحو مائة خطوة ، وفيه سراجم مشرفة ، وفي جدراته مرءاة التصاوير ، وفي الثالث سراجم اثنا عشر ، بين كل سرجمين موائد من المرمر مرفوعة على أعمدة ، منه متصلة بالجدار ، وفيه قبتان صغيرتان ، في كل واحدة منهما فراش بوسادته ، قيل ذلك لخدمة السلطانة ومتعلماتها ، ثم كنيسة (١) فيها ثلاثة بلاطات ، وسقفها ظهر حمار فيها سبعة أقواس مقابلة لمثلها ، وسبع سوار مقابلة لمثلها ، والسواري مربعة ، وزيد في كل ربع من أرباعها سارية مربعة أصغر من الأصلية ، فصارت في الحقيقة خمس سوار ، واحدة كبرة وسطها ، والأربعة في أرباعها ، وهي من المرمر الرفيع ، قد نقش فيها تكافيف داخلة وبارزة ، والجدار المشرف على الفضاء فيه سراجم بالبلار الملون ، ثم كنيسة أخرى مثلها ، غير أنها ليس فيها سراجم ، وفيها أسرة عود ، على /٢٦٣/ كل سرير كتاب صغير. ثم قبة أخرى مستطيلة ، أرضها مزلجة بألوان المرمر ذي النقش العجيب والشكل الغريب ، محيطة بشوالي من المرمر ، في الجدارين الطويلين أقواس من البلار الملون. وسقفها مقبي مستدير بقطعتين دائرتين كالدائرة المشوكة ، ويخرج من رأس سوار هذه القبة قضبان حديد مذهبة كهيئة قطع من دوائر تتقاطع في سقف

__________________

(١) يقصد ضريح الأمير ألبيرت Mausoleum of Prince Albert والملكة فكتوريا في ما بعد وغيرهم في Frogmore بحديقة قصر ويندسور.

EncycloPedia Britanica, vol: 23: 661.


تلك القبة ، وبين التقاطع توريق مذهب ، ويقرب الجدارين المذكورين قبب من عود ، طول كل واحدة نحو خمسة أذرع ، والعرض نحو ذراع ونصف ، منصوبة واقفة بعضها قرب بعض. وقد بذل النجار فيها غاية مجهوده في التوريق واللطافة والتجويف ، حتى صير كل واحدة كأنها شمعة من الشمعات التي تعلق في أضرحة الصالحين ، وتحت السراجم المذكورة تربيعات فيها تصاوير. وفي هذه القبة قبر زوجها أي سلطانة الدولة ، وقد توفي قبل بنحو ثمانية أعوان كما قيل ، وحزنت (١) عليه حزنا عظيما حتى أنها لم تتلاق بأحد بعد وفاته مدة من عامين. ثم خرجنا ورجعنا إلى محل نزولنا باللوندريز.

التوجه إلى مدينة ونزه

وفي يوم الثلاثاء عاشر رجب (٢) ، توجهنا عن إذن سلطانة الدولة لمدينة وينزه ، فيها فابريكات (٣) تصنع المدافع والكراريط والكور وغير ذلك من آلة الحرب. وعند

__________________

(١) الأمير ألبيرت Prince Albert of Sare Coburg Gotha (١٨١٩ – ١٨٦١) تزوجت به الملكة فكتوريا في فبراير ١٨٤٠ ، وقد سبق لها أن تعرفت على هذا الأمير منذ الصبى ، وعند الاحتفال بالزفاف في المعبد الملكي في «وندسور» كانت قد أحبته من قبل. الشاب الرزين «ألبيرت» كان يحب العمل والصناعة والأخلاق ، ويعطي أهمية كبيرة للحياة الزوجية ، كما أنه يعشق التقدم التقني ، وهو صاحب فكرة تنظيم المعرض الكبير منذ سنة ١٨٥٠ م للتعريف بالمهارة الصناعية البريطانية في العالم أجمع ، توفي سنة ١٨٦١ م عندما كان سنها ٤٢ سنة ، وترك لها ٩ أولاد ، فتأثرت كثيرا ولم تنساه حتى أنها في لحظاتها الأخيرة كانت تنام على السرير وصورته على رأسها ودفنت في الضريح أمام زوجها في Wiud ـ SOR.

The Story of Britain; Richard Garrett, Edition Jilly Glossborono.

(٢) اغشت سنة ١٨٧٦ م.

(٣) ترسانة ولويش wich Wool أهم حي في كريت لندن ـ مقاطعة كرينوينش على ضفاف نهر التيمز ، كانت عبارة عن ورش مهم وقاعدة بحرية أيام حكم هنري VIII ، تحتوي على دار الصناعة الملكية Arsenal Royal المؤسسة سنة ١٨٠٥ م.


وصولنا إليها دخلنا إلى حزين فيه كراريط عظام ، قطر دور خزنة مدافعها سبعة أشبار وزيادة ، وفيه فلك مرفوعة فوق كراريس معدة لعبر الأودية في أيام الحرب ، وكروصة خاصة بالحداد الذي يكون معهم في الحركة ، وكراريس فيها نواعير والسلك ملتو عليها يرسلونه في طريقهم في الحركة ويتركونه وراءهم ليتكلموا به ويخبروا بما لهم ، وكروصة فيها فراش المجاريح ، فوقها غطاء من الكرية يقي المرضى من الحر والريح وشبههما ، مرفوع بجنبها سلم صغير متقارب الدرج لأجل العرض. ثم دخلنا للمكينة (١) فوجدنا قطعة من حديد مربعة الشكل ، طولها نحو ذراعين ونصف ، وعرضها كذلك. وسمكها نحو أربعة أذرع ، وفي رأسها منقار محدد ، وهي ترتفع وتنخفض ، ويوضع تحتها بارة حديد غلظها نحو أصبعين ، والطول أكثر من شبر. وعند نزول ذلك المنقار عليها يشقها بسرعة كما يشق الخبز بالحديد. ويقرب هذا المنقار طرف حديد /٢٦٤/ مستدير غير محدد بل مستوى الرأس والأصل ، غلظ دور رأسه نحو أصبعين ، يوضع تحته تلك البارة فيخرقها خرقا مستويا بسهولة كما تخرق الثياب بالابر. ثم وجدنا أناسا مقابلين لمكينة يصنع بها رويضات العود ، وهناك مناشير تشق لعود على الوجه المقصود ، وبعد شقه يركب أجزاء دور الرويضة في مكينة أخرى تملسه وتصير أجزاء الدور مستوية في الرقة والغلظ ، كأنها أفرغت في القوالب ، وكل جزء من أجزاء ذلك الدور يجعلون بأحد طرفيه ثقبة ببريمة تدخل فيه بسهولة ، ويأخذون من طرفه الآخر بالمكينة على كيفية المخرطة ، ويتركون في وسطه قطعة مخروطة يمكن دخولها في مثل ثقب البريمة في الطرف الآخر ، وعند تألفها أي أجزاء دور الرويضة يدخل المسمار من العود المخروط من كل جزء في ثقب جزء آخر. ثم

__________________

(١) عكس عظمة هذه القاعدة العسكرية محمد الطاهر الفاسي في رحلته الإبريزية : ٢٣ «... ذهبنا لفبركة المدفع والكور والبنب والخفيف والحبة ... وكراريط المدفع من الحديد والعود ... ثم إن عدد الرجال العملة القائمين بهذه الصناعات ستة آلاف ... وعدد ما يصنع في كل شهر من المدفع أربعمائة ومن الكور الكبير والمتوسط والصغير في كل جمعة عشرون ألفا ... والحاصل أنهم أتعبوا أنفسهم أولا في إدراك المسائل النظريات ، وكابدوا على تحصيلها حتى صارت عندهم ضروريات ، ولا زالوا يستنبطون بعقولهم أشياء كثيرة ...».


تصنع المكينة أجزاء أنصاف أقطار الرويضات ، بعد نشرها تركب فيها وتلمسها ، وتسقط زواياها المربعة ، ويصير كل نصف قطر منها أحد رأسيه رقيق ، وهي الرءوس التي تلتقي على قطب الرويضة ، ورؤوسها الأخر غليظة. برؤوسها أيضا مساميرة عود من ذاتها مخروطة ، تدخل في ثقب دور الرويضة وهي على نسبة واحدة في الغلظ والمرمة والثقب ، لأن فعل المكينة بها ما ذكر كالقالب لها ، فلا يمكن أن تخرج جزءا ناقصا أو زائدا على الآخر ، وعندما يريدون تأليف الرويضات يأتون بأجزائها إلى دائرة في الأرض أعظم بقليل من دائرة الرويضة ، ويجعلون أجزاء الرويضة داخل تلك الدائرة الأرضية مماسة لها ، وينصبون أنصاف أقطارها داخلها ، ويرسلون المكينة على تلك الدائرة الأرضية ، لأنها من الحديد فتصير تتضايق وتصغر ، وبهذا العمل تلتئم أجزاء الدور ، ويدخل مسامير أحد أطرافه في ثقب الأطراف الأخر ، وكذلك تدخل مسامير أنصاف الأقطار في ثقب الدور ، وتلتقي أطرافها الأخر على قطب دور الرويضة ، ويبقى في الوسط ثقب مستدير قطب الرويضة ، ثم يرفعون هذه الرويضة من ذلك /٢٦٥/ وينقلونها لمحل آخر ، ويضعونها فوق طبلة من حديد مستديرة ، ويخرجون من بيت النار بارة حديد مستديرة تامة الدائرة ، ويضعونها على الرويضة بحيث تكون البارة محيطة بها ما بين مقعرها محدب الرويضة ، فتلتهب نار بين الرويضة الباردة والرويضة حتى كأنها كانت سقيت بالغاز أو شبهه ، ويتركونها تلتهب كذلك نحو نصف دقيقة ، ثم يحركون نقشة فتنحدر الطبلة التي فوقها الرويضة ، ويعلوها الماء ، فيطفئ لهب تلك النار ، ثم يخرجونها وقد التأمت أجزاؤها بعضها على بعض (١). هكذا شهدنا هذه الأعمال هناك.

ثم مررنا بمنشار ينشر أوراق الحديد ، غلظها نحو بلكضة أو أزيد ، وملاسة تملس ورقات الحديد. ووجدنا جنب كريطة مرفوعا بالبوجي ، ميزان مدفعها كما قيل خمسة وثلاثون طنا ، والطن عشرون قنطارا ، ثم وجدنا كريطة تامة ، جنباها مثل

__________________

(١) اهتم الجعيدي كثيرا بكيفية صناعة عجلات الأكداش والكراريس باعتبارها أهم وسائل النقل والجر والسفر داخل المدن التي زارها ، على عكس ما كان سائدا آنذاك بالمغرب ، إن المسافرين يركبون ظهور الدواب بسرج أو بردعة أو يسافرون على أرجلهم. أما العجلة فكان لا تعرف إلا لجر المدافع السلطانية أثناء الحركات العسكرية. (الاستيطان والحماية بالمغرب ، مصطفى بو شعراء ، ج ١ : ١٩٤).


الجنب المذكور ، وطرفاها موضوعان على بارتين من حديد كقطعتي دائرة ، ورجلان لا غير يديرانها بمدفعها إلى الجهتين ، وهذا المدفع عمارته قنطار وثلاثون رطلا ، وميزانه ثمانية وثلاثون طنا ، وفورمته ثنتا عشرة بلكاضة ونصف ، وميزان كورته ثمانية قناطير ، وإذا رفع عشرة أدراج يرمي من خمسة آلاف يارضة إلى ستة آلاف ، ثم خرجنا من هذا المحل.

ودخلنا إلى دار من الديار المعتبرة عندهم. فوجدنا بها صالات أرضية طولها نحو أربعين ذراعا ، والعرض نحو خمسة عشر ، في وسطها مائدتان طويلتان محيطتان بالشوالي ، سقفها سقف سما ، محيط به تكفيف كبير ، تحته سبنية ، وكل ذلك مورق بالتذهيب ، وفي الجدارين الطويلين أربع مرايا عظيمة ، بين كل اثنتين في أحد الجدارين صورة سلطانتهم. وفي الغارب أبواب طوال من الزاج ، يشرف منها على المدينة. وفي السقف ثلاث ثريات بلار ، وبقرب هذا المحل دويرة صغيرة قد امتدت مصطفة مع أحد جدرانها ، فوقها رخامة بيضاء ، بني فيها صلاليب رخام أو بديع ، فوق كل صلاب بزبوزان ينصب منهما الماء الحار والبارد عند الحاجة إليه ، وبقرب /٢٦٦/ كل صلاب قالب صابون وزيوف بيضاء ، وفوق هذه الدويرة بيوت الخلاء ، في كل بيت كرسي من العود ، وأرضه مفرشة بالكاغد المورق ، وفي سقفه زجاجة مربعة نحو ذراع ونصف طولا وعرضا ، يدخل منها الضوء للبيت دون شعاع ، وهذه الدار هي لبعض كبراء العسكر ، وقد أكرمونا هناك ، وأتوا بأنواع الحلواء وفواكه الوقت والقهوة.

الحيلة المستنبطة لتغريق المراكب في البحر

ثم خرجنا منها إلى خزين ، فوجدنا فيه قراطيس (١) ، طول كل واحد ثلاثة أشبار ،

__________________

(١) يقصدTorPedo صاروخ بحري يخضع لتوجيه مسافي بدفع ذاتي ، يحمل كمية كبيرة من المتفجرات ، يمكن القذف به من البر أو من الباخرة إلى باخرة أخرى. اخترعه سنة ١٨٦٦ م مهندس بريطاني Rob ـ ert Whitehead (١٨٢٣- ١٩٠٥) وسمي اختراعه Whitehead TorPedo.

(انظر صورة طوربيد روبير ويطهيد بملحق الرسوم والصور صفحة ٢١).

The Macmillan EncycloPedia: 1220 the diagram grouP) WeaPons ( INTE. ENCYL: 242.


وقطره شبر ونصف ، مملوء بالضوبل المستدير ، قيل في كل واحد ألفان من الضوبلي ، ثم وجدنا في خزين آخر مثل سارية مجوفة محددة الرأسين ، طولها نحو ستة أذرع ، وفيها حوتة كحوتة الفلك التي تستقر عليها ، وقد ملئ نحو ربعها بارودا ، وضوبلي من جهة رأسها المحدد المخروط ، وباقيها فارغ ، وبذنبها أرياش تسير بها ، قيل إنها ترسل في البحر عند محاربتهم مع بعض الأجناس إلى البابور الذي يريدون رميه بها بعمل هندسي ، فتسير في داخل الماء قاصدة ذلك البابور لا تخطئه. وعند مصادمتها له يدخل رأسها فيه ، فيشتعل ذلك البارود في جوف البابور كأنه مينة ، فيكون ذلك سبب هلاكه وهلاك من فيه ، ولا يمكنهم من ذلك فرار ، بل هناك قبرهم إلى دار القرار ، هذا مع إرسال حوتة واحدة فكيف إذا أرسل منها عدد كثير ، وقيل هذا من مخترعات حكماء الأنجليز التي لم يسبق إليها ، وأنها ليست موجودة عند غيره من الأجناس.

كيفية خدمة الخفيف

ثم دخلنا إلى محل آخر يخدمون فيه الخفيف (١) الذي يركب مع البارود في عمارة المكاحيل ، فوجدنا طناجير عظيمة توقد النار تحتها وهي مملوءة خفيفا مذابا ، ويرمي فيها بارات منه عظيمة في تلط الطناجير ، وبأسفل كل طنجير قادوس ، يخرج /٢٦٧/ منه الخفيف المذاب ، ويجري في ساقية على وجه الأرض ، ويمر في قواديس من حديد ، وترتفع في باطن طناجير أخر قبالة تلك الطناجير ، غير أنها مغطاة ، وفي وسط الغطاء ثقب يخرج منه قضيب من الخفيف ، فيمسكه رجل بيده ، بعدما يجعل بيده خرقا من ثياب ، ويجذبه ويركبه فوق حرف ناعورة ، وتأخذ تلك الناعورة في الدوران ، وذلك القضيب يلتوي على حرفها حتى يملأ حرفها المجوف ، فترفع ويوتي بأخرى

__________________

(١) هو الرصاص قيمنا وابتعادا من اسمه الأصلي ، لأنه يوحي بمعنى الثقل والضرر ونجد هذا التبديل عند المغاربة في كلمات كثيرة ، فمنهم من يسمي صلاة العصر «الساهل» (أي السهل) لأن لفظة العصر تشبه في النطق العسر ، وكذلك الفحم «الفاخر».


وهكذا. ثم تنقل هذه الناعورة التي ملئ حرفها بقضيب الخفيف ، وتركب قرب مكينة أخرى تقبض رأس ذلك القضيب ، وتصير تجذبه وناعورته تدور دورانا خفيفا. وكلما مر منه مقدار خفيفة طولا ينزل عليه طرف حديد محدد يفصله من القضيب ، وينزل إلى الأرض. ثم يجمع ما ينزل منه إلى الأرض ، ويوضع أمام صبيان صغار مقابلين لميكنات أخر ، فيها نواعير مبسوطة محفور فيها قوالب القطع من الخفيف الذي وضع أمامهم ، وهم يركبون كل قطعة منه في قالبها ، وتلك الناعورة تدور دوران الرحى ، وينزل على كل قالب قطعة حديد ، تلقاه قطعة الخفيف ، فتصير أحد رأسيه مخروطا به ثقب ، والآخر مبسوطا ، لكن فيه تقصير ثم يرسل إلى نواعير أخر ثلاث غير هذه لتمام تصفية تلك الحقيقة. وهذا الموضع الذي يخدم فيه هذا الخفيف طويل جدا عريض كذلك. والمكينات منصوبة فيه مثل مناسج الطرازة ، مكينة قرب أخرى. ومن شدة طول هذا الموضع حتى أنه لا يتميز الرجل من المرأة من الناس الذين بمنتهاه ، وفيه من الخدمة ستة آلاف كما قيل ، كلها مكلفة بخدمة الخفيف.

كيفية صنع الكور

ثم دخلنا إلى محل آخر يفرغون فيه الكور (١) المستطيل المخروط الرأس على هيئة القوالب من السكر ، فوجدنا هناك قوالب مربعة ، /٢٦٨/ يجعلون في وسطها قالب الكورة التي يريدون فرغ مثلها ، ويملأون ما بين القالب والكورة بالتراب ويدركونه دكا كثيرا ، ثم ينزعون الكورة منه وقد بقي مثالها في وسط القالب ، فيفرغون من التخليطة التي تذوب ، ويتركونه هنيئة حتى تجمد ، ثم يضربون القالب بميجم من عود طويل اليد ، فينحل القالب ، ويتساقط التراب ، وتبقى الكورة صامتة وفيها حفر مربعة كانت محفورة في القالب ، يجعلون فيها بعد هذا مسامير مربعة نحاسا ، تبقى نائتة عن جرم الكورة بمقدار نصف أصبع ، لأن مثالها محفور أيضا في جوف مدفعها ،

__________________

(١) يطلقها المغاربة على كل شيء مكور ، ومنه قذيفة المدفع التي كانت فيما سلف مكورة ، ويستعملون في هذا المعنى أيضا كلمة بومبةBomba الإسبانية.


وذلك مما يقوى سيرها عند خروجها من المدفع ، وهذا الكور الذي يخدم كما ذكر هو على عينات في الصغر والكبر ، ثم يرفع إلى مكينات تصفيته وثقبه بالمخرطة ، ثم وجدنا أناسا يعمرون الكور الصغير في الصناديق ، ثم آخرين يملأون زنابيل بالخفيف ، في كل واحد منه مائتان وأربع وثلاثون خفيفة ، ويصبون عليها الرجينة مذابة.

كيفية صنع المدافع العظام

ثم وجدنا أناسا في مكينة يصنعون المدافع العظام (١) ، وأصلها ألواح من التخليطة، يتخذون ستة ألواح أو سبعة ، طول كل لوحة نحو ثلاثة أذرع ونصف ، وعرضها أقل من نصف شبر، وغلظها نحو أصبع ، ويدخلون هذه الألواح لبيت النار بعد ما تصفى، ويجعل لوحة فوق أخرى ، ثم يخرجونها ويجعلون رأسها بين ساريتين منصوبتين من حديد ، قد حفر فيهما حفر مربعة متفاضلة في الكبر والصغر، يجعلونها أولا في الكبرى ، ثم تدور الساريتان على تلك الألواح وتخرج من تحتها ، وقد التأم بعضها ببعض ، وصارت قطعة واحدة أطول وأرق مما كانت ، ثم يخرجونها من باقي الحفر المذكورة واحدة بعد واحدة ، وهي بين ذلك ترق وتطول حتى يصير غلظها مثل غلظ جرم المدفع الذي يريدون صنعه منها ، وتصير بارة طولها نحو عشرة أذرع ، وتربيعها نحو ثمن ذراع ، ويصنعون بارات كثيرة مثلها ، ثم ينصبون هذه البارات في بيت نار طويل ويصلون بين أطراف البارات ، ولم أقف على كيفية الوصل ، وإنما وقفنا برأس بيت النار فوجدنا سارية أيضا ، /٢٦٩/ منصوبة بمنتهى رأس بيت النار ، ورأس البارة خارج بيت النار ، بحيث وصل إلى السارية ، رفعوا رأس البارة وسمروه في السارية ، والماء يصب عليه حالة تسميره صبا قويا. ومع توالي صبه يبقى رأس البارة أحمر كأنه

__________________

(١) اهتم الجعيدي بصناعة سلاح المدفعية ، ذلك لما اكتسبته من فعالية عسكرية كبيرة ، في معظم الحروب التي عرفتها أوربا خلال القرن ١٩ م ، فبفضلها استطاع السلطان الحسن الأول أن يخرج منتصرا في كل المعارك أو حركات الجنوب ، وبفضلها كذلك استطاع أن يركز السلطة المركزية في الأطلس والريف ، وبفضل هيبتها اكتسب حركاته طابع النصر حتى التي لم تقع فيها أي معركة.


لم يمسه ماء. والعلة فيه ـ والله أعلم ـ لصلابة رأس البارة وتقويته وبقائه مسمرا في السارية ، لأنه لو لم يصب عليه الماء لتخرم الثقب الذي برأس البارة لليونته عند خروجه من بيت النار ، مع ثقل البارة الخارجية ، ويخرج البارة ودوران تلك السارية تصير البارة تلتوي عليها حتى تخرج البارة كلها. وقد التوت على تلك السارية ، ثم ينزعون السارية من البارة الملتوية فيبقى بين اللّي فرج ، ثم يدخلونها لبيت النار أيضا وتبقى به ، فإذا مضت المدة التي يستحق بقاؤه ببيت النار فيها يخرجون تلك البارة الملتوية ، ويقفونها تحت مزبرة بين جدارين من حديد ، ويرسلون عليها جرما مربعا من حديد ، ويصير يرتفع وينزل على البارة الملتوية ذو الماء ينزل عليه كالمطر (١) ذفتلتئم لياتها وتصير كأنها ذات واحدة ، ثم يجعلون في وسطها قطعة من حديد مستديرة ، ويرسلون عليه ذلك الجرم المذكور ، فيقوص في باطن تلك الليات ، ثم يقلبونها ويرسلونه عليها أيضا فيخرج وتصير تلك البارة قطعة من مدفع (٢) ، أما خزنته أو وسطه أو عنقه ، لأنهم يصنعون المدفع يومئذ على ثلاث قطع ، فالخزنة أعظمها ، ووسطه دونها وعنقه أرقها ، والبريمة واحدة ، وذلك الجرم الذي يرسلونه كما ميزانه كما قيل ثمانون طنا ، أي مائة وستون قنطارا.

وصف هذا المدفع

ثم وجدنا مدفعا عظيما طوله سبع يارضات ، ودور خزنته ست يارضات ، وفورمته

__________________

(١) طرة أدرجتها في مكانها بين نجمتين* ...*.

(٢) طلب السفير الزبيدي شراء بعض المدافع الأنجليزية غير أن المغرب واجه عدة مشاكل من جراء ذلك بسبب الزيادة التي طرأت على الأثمان من جهة ، وبسبب الريع أي الفائدة التي زيدت على الثمن الأصلي للبطئ في الأداء وأغلاط أخرى يدعى الزبيدي أنها غلط من طرف انجليز ، وذلك بأنهم لم يحدد لهم مكان لإنزالها ويتكلم عن زيادة السكة. انظر نص الرسالة السلطانية إلى الزبيدي «الجيش المغربي وتطوره في القرن التاسع عشر» ، د. د. ع ، برادة ثريا ، الصفحة ٢٨١ ، كلية الآداب بالرباط.


ست عشرة بلقظة ، كورته سبع عشرة مائة ابرة ، عمارته ثلاثة قناطير وأربعون ، ميزانه ثمانون طنا هكذا ذكر مهندسهم ، وهو لهدّ الأبراج والحصون ، والبابورات التي تصنع من الحديد ، في قطر يديه شبران حيث جعل في بورد ، والقراصير تسع بلقاضات حديد ، أحدثوا هذا المدفع يخرق ست عشرة بلقضة والبابور إنما يحمل منه واحدا فقط ... (١)(٢).

إكرام بعض التجار للباشدور باللوندريز (٣)

__________________

(١) الصفحات من / ٢٧٠ / إلى / ٢٧٣ / فارغة.

(٢) قبل أن يغادر السفير الزبيدي لندن أدرك أن لا فائدة ترجى من وراء مذكراته مع اللورد دربي فوجه له الرسالة التالية : «... نطلب من كمال اعتناء الوزير المعظم أن يكتب كتابا للمنسطر بطنجة صارجان هاي يأذن له يعيننا في أمور ، وهي في الحقيقة قوانين تحصل منها المصلحة وعدم ما يكدر الخواطر بين الدول ... وهذا المطلب الذي طلبناه من دولتكم الفخيمة بمثله سنطلب من الدولة الفرنصوية يكتبون للمنسطر الذي عندهم بطنجة لتكون الموافقة بين الدولتين إن شاء الله ـ ١٣ رجب ١٢٩٣ ه‍» ، مجلة (الوثائق ٥ : ٦٣٣). وقد أخبر الزبيدي الحاجب السلطاني بطلبه نقل المذاكرات حول مشكلة الحماية القنصلية إلى طنجة فأجابه بالقبول «... وبعد فقد وصلنا كتابك الذي كتبته لنا من اللوندريز في تاريخ ١٣ رجب ، وعلمنا منه كيفية ملاقاتك مع سلطانة النجليز وما قابلتك به من الفرح والسرور اعتناء بجانب مولانا المؤيد المنصور ، كما علمنا ما دار بينك وبين وزيرهم في أمر الحمايات وما وعدك به من المساعدة والوقوف فيما فيه المصلحة ، ورفع الضرر على شرط موافقة الدول في ذلك ، وذكرت أنك لما رأيت أن الأمر فيها لا يتم إلا بطنجة طلبت منه أن يكتب لك لنائبهم بها فاستحسن ذلك وأنعم به ، وإنك عند تمام الكلام فيها وظهور وجه الفصل فيها تعلمنا بما يؤول إليه الأمر في ذلك. وقد انهينا ذلك كله لمولانا المنصور بالله وصار بباله الشريف ودعا أيده الله لك بخير ... «في ١٣ شعبان ١٢٩٣ ه‍. مفاوضات كانت كمقدمة لعقد مؤتمر مدريد سنة ١٨٨٠ م. مجلة الوثائق ٥ : ٦٣٤.

(٣) بعثت عصبة الطائفة اليهودية بالبلاد الأنجليزية إلى الزبيدي رسالة تلفت فيها نظره إلى إرهاق والي أزمور ليهودها ، وضيق الأحياء المخصصة لسكنى يهود الصويرة ، وتستوصى خيرا باليهود على العموم ، وقد كتب بخط شرقي وجمل ركيكة بتاريخ ٢٥ يوليوز ١٨٧٦ م بالإتحاف ج ٢ : ٢٩٨ بعد ما تحاور معهم الزبيدي ، غير أن الجعيدي لم يذكر تفاصيل هذا الحفل الذي أقاموه على شرف السفارة المغربية ...


الجزء الخامس

الرجوع إلى بر الفرنصيص والتوجه منه للطليان

/٢٧٤/ ... وكان مدة سفرنا في هذا البحر ساعة واحدة ونصفها. فكان وصولنا لمرسى مدينة كالي (١) المذكورة في الساعة الحادية عشرة وأربعين دقيقة ، وهناك دعوت على هذا البحر بأن يسلط الله عليه العفاريت النجليزية يحفروا في أسفله طريقا دهليزية ، يمر الناس فيها من تحته (٢) ويزهدون في ركوب فراشه وتخته. وهناك ودع الباشدور الترجمان المذكور* بعدما أسلمنا في يد ترجمان الدولة الفرنصوية (٣) ذلأنه قدم من باريس* لاستقبال الباشدور وأصحابهذ ، وعند نزولنا أخرجوا المدافع ورفعوا سنجق الإسلام أيضا في مدينة كالي.

__________________

(١) وصلوا إلى مدينةCalais الفرنسية ، بعد الإرهاق الشديد الذي أصابهم من ركوب بحر المانش.

(٢) من باب الفكاهة أورد الجعيدي نظريته هذه في شكل دعائه ، الذي تحقق اليوم بفضل التطور العلمي ، حيث تم العمل لبناء نفق أرضي تحت المانش لربط فرنسا وأنجلترا.

(٣) طرة أدرجتها في مكانها بين نجمتين* ..*.


الدخول إلى مدينة باريس

وبعد مرور نصف ساعة من زوال شمس هذا اليوم ، ركبنا في بابور البر قاصدين قاعدة باريس ، فمر بنا أيضا على مزارع وأنهار وبساتين وأشجار ، ولم يزل يقطع بنا تلك الأنهار والأشجار ويمر بنا على القرى والأمصار ، حتى حطت المحبوبة النقاب ، ورفعت عن محياها الجلباب ، فأشرفنا على طلعتها مستبشرين ، ونودي ادخلوها بسلام آمنين ، وخرجنا من ضيق القبور إلى فضاء القصور (١) وطابت الأنفس وانشرحت الصدور. وكان دخولنا إليها في الساعة السادسة ونصف من مساء اليوم المذكور. فاسترحنا من التعب مع أنه لم يمسنا ـ والحمد لله ـ في ذلك نصب ، وأنزلتنا الدولة الفرنصوية أيضا في أوطيل الذي كنا فيه عند مرورنا ، وقامت بالضيافة أتم قيام على العادة من الاحترام وجزيل الإكرام.

وفي يوم الأحد منتصف رجب (٢) ركبنا الأكداش في مسائه ، وخرجت بنا إلى أطراف البلد فمررنا على أجنة ذات أشجار وأنهار وفلك جاريات ، أسرت غزلانا وأقمار متكلم مع الحادي وأشير إليه بالنزول بشاطئ الوادي ، بقصد الاستراحة هناك. فجدير أن تجد يا لبيب مقصودك ومناك ، فنزلنا هناك هنيئة من الزمان وسرحنا الأبصار في المرائي الحسان ، وقلت عند نزولنا في هذا المكان.

بالله عرج على تلك الجنان ولا

تحيد عنها فما عليك من حرج

فلج معاهدها واقصد حدائقها

ذات ابتهاج بقرب نهرها الهائج

__________________

(١) نفس الإعجاب عبر عنه الصفار في رحلته بالصفحة ٥٦ «... واعلم أن هذه المدينة هي قاعدة بلاد الفرنسيين وأم حواضرهم ، وكرسي مملكتهم ومسكن عظمائهم ومنشأ قوانينهم ، وشرائعهم ، ودار علومهم بها يتفاخرون وبسكانها يتنافسون وبها وبأهلها في عوائدهم وآدابهم وحضارتهم ، يأتنسونوهي مدينة عظيمة كبيرة ، من كبار المدن المذكورة في الأقاليم ...».

(٢) ٦ غشت سنة ١٨٧٦ م.


بالله قف بالرفاق واغتنم لذة

فالنفس حقا غدت بذاك تبتهج

وانظر إلى الفلك في الانهار سابحة

تصيد ريم البيدا نضئ كالسرج

وانظر لأشجارها بالشاطئين غدت

تهدي السلام بميل غصنها البهيج

يا لائمي حسدا جرب وإلا قمت

حزنافما أنت إلامن ذوي العرج(١)

ولما اطلع على هذه الأبيات بعض رفقائنا. قال : قد أحسنت إلا أنك لم تذكر الأناس الذين كانوا في الماطشات (٢) ، كل رجل مع زوجه في ماطشة يطيشان بها منفردين ، فقلت إن أحببت ذلك فزد فيه.

القبة التي تطير بمن يعلو بها

وعند رجوعنا في تلك العشية ، رأينا جرما مستديرا عظيما مرتفعا غاية في الهواء ، وله رأس مستطيل إلا أنه معكوس إلى جهة الأرض ، يقال إن أناسا يركبون في مجالس محيطة بذلك الرأس نحو العشرة. وذلك الجرم المستدير (٣) منفوخ بالغاز من شأنه الصعود ، فيطير بالجالسين بتلك المجالس بعدما يتفهمون على كيفية حركتي الصعود والنزول ومدتيهما. وكنا نسمع بأن أناسا يركبون في قبة تطير بهم وتنزل بهم

__________________

(١) الأبيات من بحر البسيط مع خلل في الإيقاع.

(٢) أرجوحة أو خسدعةBalanÇoire (المنجد).

(٣) القبة الطيارة مكونة من غلاف رقيق ذو شكل كروي ، متى ملئت بالهواء الحار أو بغاز الإيدروجين صارت أقل ثقلا من الهواء فتسبح فيه ، وتتدلى منها سلة لحمل الأشخاص أو بعض الأجهزة العلمية لمعرفة طبيعة الهواء والأحوال الجوية ، أو لأغراض عسكرية. (دائرة المعارف الحديثة ، ج ٢ : ٣٢).


في محل آخر ، لكن الذي نقل إلينا أن الأناس يكونون خارجين عن جرم القبة ، لأنها مملوءة بالغاز وهم بالمجالس المحيطة بها من أسفلها ، وأنهم يكتبون مكاتب ويرمونها من أيديهم ، بعدما يجعلون بها خيطا رقيقا وورقات كبار من الكاغد مصبوغة بالسواد لترى عند نزولها ، ويخبرون في تلك الكتب بما يرونه من أحوال الجو والمدن وغير ذلك ، ويختارون لذلك يوما لا ريح فيه ، وأنهم ينتهون في صعودهم إلى محل يفقدون فيه الهواء وتضيق أنفسهم ويشتد بهم البرد ، /٢٧٦/ حتى أنهم لا يرون إذ ذاك إلا الفلك من فوقهم ومن تحتهم ، ولا يرون أرضا ولا بحرا ولا مدنا ولا غيرها. وربما مات بعضهم من شدة البرد وضيق النفس ، وكان يقال إن هؤلاء الصاعدين يقبضون على الصعود مالا معتبرا. فقيل لنا هم الذين يدفعونه لأجل الصعود والفرجة ونيل تلك الرتبة والافتخار بها.

الدار التي تصنع الخبز للعسكر

في يوم الثلاثاء السابع عشر (١) منه ، خرجنا إلى دار يصنعون فيها الخبز للعسكر، وجدنا فيها بيوت النار عديدة وخناشي كثيرة مملوءة بالدقيق الخالص الصافي ، وخزانات فيها خبز كبير موضوع. قسمت واحدة بسكين فإذا هي من ذلك الخالص ، وأما الرحى التي تطحن الزرع بالمكينة ، فقيل إنها عندهم بمحل آخر ، ووجدنا بعضا من العسكر يفتحون صناديق من العود مثل صناديق الكبريت في الجرم ، ويخرجون منها الفجماط (٢) يزيلون الغبرة التي به ويمسحونه ويردونه إلى تلك الصناديق ، ليكون موجودا وقت الفيرة (٣) ، وقيل إن ذلك الفجماط يصير في تلك الصناديق ثمانية عشرة شهرا ، وأن تلك الدار يصبخ فيها من الخبز ما يكفي خمسين ألفا من العسكر إذا احتيج إلى ذلك.

__________________

(١) ٨ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٢) أو البجماط : نوع من الفقاص أو الخبز اليابس.

(٣) انظر شرحه بالملحق رقم : ٤.


فابريكات الكور وغيره والعدة التي في الخزين

ثم خرجنا إلى دار فيها فابريكة صنع رويضة الكراريط من العود ، فابريكات صنع الخفيف للمكاحيل والكور المستطيل (١) ، مثل ما تقدم بيانه في بعض مدن اللوندريز ، إلا أن تلك الخدمة أقوى وأكثر بكثير منها في باريس ، ثم إلى خزائن العدة فيها مكاحيل مصطفة في أسرّة عود طولا وعرضا من الأرض إلى السقف ، وكذلك الكوابيس والسيوف ، ولم نسأل عن عدد ما في هذا الخزين من العدة ، غير أني وجدت في طوله مائة خطوة وعشر خطوات بين كل ست خطوات سريران ، أحدهما عن اليمين والآخر يسارا ، كل سرير ممتد مع الأرض بنحو ثمانية أذرع ، مرتفع إلى السقف وفيه ست طبقات ، بين كل مكحلتين نحو سدس ذراع ، فيكون في اللوحة السفلى من /٢٧٧/ المكاحيل ، من أحد الأسرة التي عن اليمين ست وتسعون مكحلة ، تضرب في ستة عدة طبقات السرير الواحد ، يكون فيه خمسمائة وست وسبعون مكحلة ، تضرب في ستة عشر ، عدة صفوف الأسرة طولا التي عن اليمين ، يكون فيها من المكاحيل واحد وستون ألف وست وخمسون ، ومثلها يكون في صفوف الأسرة التي عن اليسار ، يكون جميع ما يسعه هذا الخزين من المكاحيل مائة ألف واثنين وعشرين ألف ومائة واحدة وثنتي عشرة مكحلة ، لكن بعض الأسرة فارغة قيل إن مكاحيلها بيد العسكر تمسح ، وكلها في غاية النظافة كأنها خرجت الآن من قوالب صنعها ، وكلها من العينة التي تعمر من الخزنة ، ووجدنا هناك كبابيط من ورقات الحديد ، كل كبوط ينفصل إلى ورقة إحداها تجعل على الظهر والأخرى على البطن ويجمع بينهما ، وزن كل كبوط كما قيل ثمانية كيل ، نحو خمسة عشر رطلا بالعطارى ، وفي بيت آخر كورة صغيرة مستطيلة على هيئة الجوزة الكبرى ، وقد

__________________

(١) لم تطلع السفارة المغربية أثناء إقامتها الأولى بفرنسا إلا على المنشآت العمرانية والاقتصادية فقط ، بينما في بلجيكا وأنجلترا تعرفت على الصناعات الحربية ، فتنبهت الحكومة الفرنسية لهذا التقصير وركزت على اطلاع السفارة المغربية أثناء إقامتها الثانية بباريس ، على معاملها الحربية وقواعدها العسكرية لإظهار عظمة فرنسا في هذا الميدان.


رصفت بمسامير ، قيل هي مما كان يرمى عليهم البروصيا ، وأن واحدة منها نزلت في طريق طويل عريض وتفرقعت (١) هناك فقتلت خمسين منهم ، وطفئت الفنارات التي كانت في ذلك المحج ، وسقطت سراجيمه ، وأصاب طرف منها الجلنار كان مع السلطان (٢) في كروصة فقتلته ، هكذا ذكر ترجمانهم ، ثم إلى بيت آخر وجدنا فيه عينات من المكاحيل مهما ظهرت عينة جديدة عند جنس من الأجناس ، يوتى لهم بعدد منها فيسلمونه للمعلمين المهندسين يختبرونها ويقلبونها ويخبرونهم بما يظهر لهم منها ، وبينوا لنا عينة أحدثها الفرنصيص يفتح خزنة الجعبة ويجعل فيها عمارات من البارود ، فتكون العمارات مدفوعة في طول السرير من قرب رأس الجعبة إلى الخزنة ، فإذا تمت عمارتها يجدب القرص فتخرج العمارة الأولى ، وبنفس خروجها تدفع جعبة السلك العمارة الثانية إلى الخزنة ، ثم بفتحها فتلفظ الخزنة الجعبة التي كان فيها البارود وتطير منها بجهد ، وعند ذلك / تستقر العمارة الثانية في الخزنة ، في الموضع الذي خرجت بدفع السلك الملتوي بها إلى الخزنة ، وهكذا العمل بها حتى تخرج العمارات الثمان ، قيل إنهم يدركون بهذه العينة خروج أربعين عمارة في الدقيقة الواحدة.

سكويلة العسكر والخروج من باريس إلى اليون

ثم أدخلونا إلى سكويلة من سكويلات العسكر ، ومعناها الدار التي يتعلمون فيها العلوم الحربية ، فوجدناها مملوءة بفئة من العسكر كانوا جالسين على الأسرة من عود ،

__________________

(١) ظهرت القنابل اليدوية كسلاح جديد وفعال تتفجر بقوة عند اصطدامها بالأرض (الموسوعة العسكرية).

(٢) لويس نابليون بونابارت Louis NaPoleon BonaParte سنة ١٨٥٢ لقب بنابليون الثالث ، وعمل جهده لترسيخ دعائم حكم سطوي وقوي. غير أن انهزامه أمام ابروسيا سنة ١٨٧٠ م التي برزت داخل أوربا كقوة سياسية جديدة ، أرغمت فرنسا على توقيع معاهدة فرانكفور في ماي ١٨٧١ م إذلالا لها.(تاريخ العلاقات الدولية من ١٨١٥ م إلى ١٩٤٥ م ، ببيررنوفان).


وكل واحد قدامه كتاب وكبيرهم مقابل لهم ، فعند إشرافنا على الدخول عليهم تكلم معهم الكبير فوقفوا وأشاروا بالسلام ، وذكر أنهم يأتون إلى هذه الدار في الساعة الخامسة من صباح كل يوم (١) ، ولا يخرجون منها حتى تصل الساعة الحادية عشرة ليلا ، فيكون مدة مقامهم بهذه الدار ثمان عشرة ساعة ، وتبقى لهم من اليوم بليلته ست سوائع للنوم والاستراحة ، ولهم في هذه الدار مطابخ عديدة ومواضع للأكل وطوابل وشوالي على عادتهم ، وفي بعض المواضع موسيقا حيث دخلنا إلى تلك المواضع تقدم بعض المتعلمين إلى تلك الموسيقا وصار يخدم بها هنيئة بنغمات عجيبة لطيفة.

وفي الساعة التاسعة عدا ثنتي عشرة دقيقة ، ركبنا في بابور البر من باريس قاصدين مدينة اليون ، للمرور عليها إلى بر إيطاليا ، ذلك من ليلة الجمعة العشرين من رجب (٢) ، وخرج معنا ترجمان الدولة الفرنصوية مع ترجمانهم الذي كان طلع من طنجة.

زيارة رأس بعض جبال ليون

وكان دخولنا إلى ليون في الساعة الثامنة من صباح يوم الجمعة ، فتكون مدة السفر بينهما إحدى عشرة ساعة وثنتي عشرة دقيقة ، باعتبار مقام البابور ووقوفه في بعض المدن التي بينهما لنزول بعض الناس فيها وحمل آخرين منها على العادة ، وهذه المدينة يحيط بها الجبال من بعض الجهات وهي معمورة أي الجبال ، ومع ذلك تصعد الكراريس إلى أعلا جبالها في طرق بها / ارتفاع يسير ينطوي في طول هذه الطرق ارتفاع تلك الجبال ، وتكون الخيل التي تجر الكراريس في هذه الطرق المرتفعة تسيرا سيرا مهلا.

__________________

(١) إشارة ضمنية من الجعيدي إلى أن التطور الأوربي وخاصة في الميدان العسكري وليد التربية والتعليم المكثف والمستمر ، وثمرة مدارسهم المتعددة لتكوين أبنائهم تكوينا ثقافيا وعلميا منذ الصبا.

(٢) ١١ عشت سنة ١٨٧٦ م.


وفي مساء يوم الجمعة المذكور أوتي إلينا بالأكداش وركب الباشدور مع الترجمان الذي طلع من طنجة ، ونحن في أثره وتوجهت بنا إلى بعض تلك الجبال المسكونة ، فوصلنا إلى رأس جبل ، فخرج إلينا رجل (١) واستدعانا للدخول لقبة هو فيها هناك مع بعض عياله ، وهي مربعة صغيرة نحو عشرة أذرع طولا ومثلها عرضا ، وفيها سراجم بالزاج بجدرانها يشرف منها على المدينة ، وعلى ما وراءها من الجبال حتى على جبال إيطاليا كما بينها لنا صاحب القبة المذكورة. وله في هذه القبة أثاث وحوائج بقصد بيعها كالمراءات التي يرى بها ما بالبعد مختلفة في الكبر والصغر. منها ما هو أصغر من الأنملة لكن لا يرى بها بعين واحدة. ويرى فيها بعض الصور والأشكال ، وله هناك صنيدقات من العود صغار في كل واحدة زاجة وفي وسطه ورقات كاغد ، في بعضها صور طرق (٢) ليون وكيفية بناء ديارها وقببها والقناطير التي يمر البابور فوقها والماء يجري تحتها ، وغير ذلك من الهيئات ، وثمن هذا الصندوق خمسة وأربعون من الافرنك ، أعني (٣) تسع ريالات ، فمن كان عنده هذا الصندوق فكأنه يرى مدينة اليون عيانا ، ثم خرجنا منها ورجعنا مع أطراف المدينة بين أشجارها كأشجار الغابة ، وطرقها منسقة والوادي جار فيها ، وبقرب شاطئه أماكن مزروعة بالنوار فيها حياض

__________________

(١) ربما يقصد الباحث Antoine Lumière الذي أسس ورش عمل لتطوير فن التصوير الشمسي (الفوتوغرافيا) بضواحي مدينة ليون بMontPlaisir منذ ١٨٧٠ م ، صحبة ولديه Auguste (١٨٦٢ م ، ١٩٥٤ م) الكميائي وLouis (١٨٦٤ م ، ١٩٤٣ م) الفيزيائي ، اللذين أصبحا من كبار المنتجين في العالم للألواح الزجاجية الخاصة بالتصوير الشمسي ثم الأفلام الحساسة ، ودخلوا عالم السينا سنة ١٨٩٥ م ، وكانت المنافسة بين Frères Lumière Les والأمريكي Eastman George (١٨٥٤ م ، ١٩٥٢ م) الذي صمم آلة التصوير كوداك Kodak.

L'Universelle Bordas, vol : VII: 774.

(٢) يلتقي بها نهر الرون Rhȏne بنهر الساؤون Sâne.

(٣) في سنة ١٨٧٦ م كان ٤٥ فرنك فرنسي ـ ٩ ريال. أي (ف. ف ـ ١ ريال) وحسب جاك كيلي أن : ١ فرنك فرنسي لسنة ١٨٧٦ ـ ٢٠٠ ف. ف. سنة ١٩٥٩.» السفارات والبعثات المغربية» مجلةHes ـ Peris ـ Tamuda سنة ١٨٦٠ م : ١٥٠ الرباط.


عجيبة على عادتهم ، وعبرنا على قناطر عديدة على ذلك الوادي ، ورجعنا إلى نزولنا بعد ما غربت الشمس.

فابريكات خدمة الحرير والديباج به

وفي يوم السبت الواحد والعشرين منه (١) توجه بنا الترجمان (٢) المذكور في ضحاه إلى دار فيها فابريكة صبغ الحرير الأسود فقط ، فوجدنا فيها صناديق من عود مجلدة بالنحاس معمرة بماء الصباغة ، ومدجات الحرير تجعل على أعواد وترسل في ذلك الماء وتنصب /٢٨٠/ على حرفي الصندوق طولا ، ورأينا صندوقا ينصب فيه ماء الصباغة من جعبة طويلة قطر دورها يقرب من ربع ذراع. وذكر أن هذه الدار تصبغ خمسمائة ألف كيلو في السنة، وأن فيها ثمانمائة من الخدمة.

وبعد صلاة الظهر توجهنا إلى بعض فابريكات صنع الديباج والحرير ، وتوجه معنا عامل البلد ، وعند دخولنا إليها وجدنا أولا رجلا قدامه منسج وهو ينسج فيه بوضربة من الحرير الأحمر والأخضر من العينة التي تأتي للغرب ، وما يرى في بوضربة وغيره من التوريق والتشجير ، ينسجونه في خيوط ويلفونه فيها ، ويركبونها فوق المنسج في لوحة تمسك فيها وترسل إلى أسفل ، وتمر بين خيوط السدا التي ينسج فيها وتخرج منها حتى تقرب إلى الأرض ، فيربطون بطرف كل خيط كالخيط من الرصاص ليبقى نزول كل خيط مستقيما من السدا إلى الأرض ، وأما بقية كل خيط من فوق السدا

__________________

(١) ١٢ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٢) Soheffer الذي قال عنه الأديب العمراوي في تحفته» ... ولهذا الترجمان معرفة بكثير من علوم المسلمين ، ويكتب بالخط المشرقي في كتابة جيدة ويحفظ أشعار عربية ونوادر أدبية ، ويستحضر الآيات والأحاديث والقصص وتواريخ الأمم الماضية ... فإنه يعرف اللسان العربي والفارسي والتركي وجميع ألسنة النصارى ... مع ذلك كله فليس على أدبه طلاوة ولا في ألفاظه حلاوة فعلى كل أقواله ينزل المقت ... وكنا نتلمح في عينيه بغض المسلمين أكثر من غيره ... ولعل ذلك من اطلاعه على كتبنا ...».


إلى اللوحة التي تمسكه ، فيكون منحرفا فيه تعريج ، والمعلم الذي ينسج أسفل رجله اليمنى خشبتان كالجائزتين ، تارة ينزل رجله عليهما معا وتارة على إحداهما فقط ، وعند الخدمة تارة ينزل بعض تلك الخيوط المثقلة بالخفيف وتارة ترتفع ، وهو يخدم بنزق واحد ، فيرسله بيده اليسرى فيمر بين خيوط السدا ثم يجذب خيطا بيمناه في ناعورة ، فوق المنسج وفي وسطه ، فيرجع ذلك النزق وحده بين خيوط السدا من اليمين إلى اليسار ، وبعض المعلمين يخدمون النزق من الجهتين بتلك الناعورة ، ويكون قابضا بإحدى يديه القنبة المعلقة في تلك الجرارة ، وبالأخرى الدقاق الذي يدق به عند النسج ، وكلما جذب تلك القنبة إلى جهة يأتي النزق إليها ، ووجدنا رجلا آخر يخدم الموبر البرانية ، وله سداوات ثلاث في منسج واحد إحداها حرير صافي ، والأخريان من قطن ، وهو يجعل بين السدا ثلاثة قضبان من السلك الرقيق مجعوبة ومشقوقة ، ويصلها بمحل النسيج ويرسل النزق ثلاث مرات /٢٨١/ ثم يأخذ حديدة لطيفة أرق من الميزق ، ويشق برأسها الحرير الذي التوى على ذلك السلك المشنوق ، فيقطع الحرير ويلقى الميزق ذلك الشق الذي في السلك ، ثم يخرجه ، وهكذا فيشق ذلك الحرير تطلع الوبرة على وجه الموبر ، وهناك أناس آخرون يخدمون ثيابا فاخرة مشجرة بالذهب وبالحرير على أشكال وألوان لا تكاد تحصى كثرة. وطولعنا بعينات منها عندهم مهيئة يرسلونها لمن يريد شراء شيء منه ، فمنها ما ثمنه يزيد على أربعين ريالا للقالة. ومنها ما دون ذلك إلى أقل من ريال واحد للقالة.

ووجدنا هناك مكينة فيها مناسج عديدة ، عرض كل منسج خمسة أمتار تخدم ثوب المسوس ، وآلات النسج تخدم بحركات المكينة لا يمسها أحد إلا من يقابلها لمباشرة ما ، كوصل خيط عند انفصاله أو شبه ذلك. ووجدنا طرفا منها منسوجا في غاية اللطافة والرقة والليونة ، وظننا أنه منسوج من الحرير ، فأخبر كبير الفابريكة أنه من الحرير وشعر المعز أنصافا ، وخيطه مبروم أرق من الشعرة بأضعاف ، ة حتى قيل إن وزن أوقية من هذا الخيط يكون طوله ثلاثين ألف متر ، وأيضا فالثوب الذي وجدته منسوجا عرضه خمسة أمتار ، وطوله سبعة عشر مترا ، قيل وزنه كيلو واحد ، وثمنه أربعون ريالا ، فإذا قسم هذا المنكب الذي طوله خمسة أمتار ، وهي تعدل تسعة أذرع تقريبا ، على قالة ونصف يكون فيه ستة مناكب ، وإذا قسمت هذه القطعة نصفين


عرضا صارت ثنتي عشرة شقة ، طول كل واحدة أزيد من خمسة عشر ذراعا ، والمنكب من نحو ذراع ونصف ، فيكون ثمن الشقة حينئذ ثلاث ريالات وثلث ، وهو إذن أرخص بكثير من المسوس المصنوع من الخيط الذي يجلب للغرب ، غير أن شعر المعز الملفق مع الحرير فيه ما فيه من /٢٨٢/ توهم عدم تزكية المعز التي يأخذون شعرها لذلك.

مستملحة استظرفتها هنا (١)

مستملحة جرت بيني وبعض رفقائي مداعبة ، اقتضتها المرافقة والمصاحبة ، وذلك حيث طال بنا السفر وصرنا كالمقيمين بلظى أو سقر ، والأيام تمتد وتطول ، والليالي ، تبخل بالنوم وتصول ، فذكرني ما سلف من الغرائب ، وما شاهدناه في ديار الطياطيرو من العجائب ، وبلسان الحقيقة نصحني ووعظني ، وكان بلسان الغرور بستر تلك الزلة وعدني ، وقال (٢) كيف بك يا رفيق حتى سلكت ذلك الطريق ، وولجت تلك الديار ، وهتكت الأستار ، وخلعت بها العذار ، وغرست في أرض قلبك بذر هذا النبات ، وسرك دوران رقص تلك البنات ، مع أنك لدى القاضي من العدول المبرزين، والاخلاء المغربين ، ولا بدّ لي أن أكشف (٣) له عن حالك ، وأبين له ما صرت إليه في مثالك ، وأودّي لديه بذلك شهادتي ، ولا تأخذني لومة لائم فيما فيه سعادتي،

__________________

(١) ما هي إلا تصوير جريء وصريح لمعايشة رفاقه ، من خلال ما يروج في دائرتهم ، مما يبعث على إشاعة روح المرح فيما بينهم للتسلية والتزجية ، خاصة أنه كان لهؤلاء الرفاق وضعية محترمة في وسطهم الاجتماعي ، ولذلك توزعت عليهم الأدوار في هذه المستملحة الهزلية حسب ما لهم من حرمة ومكانة واعتبار.

(٢) يقصد الشخص المدعي (الأمين التاجر بناصر غنام) الذي ألحق به تهمة يحاول بها أن ينال من عدالته لدى القاضي.

(٣) التهديد برفع الدعوى إلى القاضي ليسقط شهاداته.


فأجبته (١) ووفيت له بالمكيال الكبير ، ولم يكن قلقي في هذا الميدان قصير ، وما ظلمته والله أعلم ، ولكن الخير بالخير والبادي أكرم. أما علمت أنك كنت لذلك طالبا مشتاقا ، ومتشوقا إليه وفيه راغبا ، وتوجهت إليه بقلبك ، بعدما أخذ حبه بمجامع قلبك ، وكنت تتأمل في ذلك تأمل المشتاق ، وتتمايل طربا تمايل العشاق ، وتتصدر في المواضع التي لها اشراف ، وجاوزت في تلك حد الاشراف ، وأكدت ذلك بالاستحسان وزكيته بالثناء وطول اللسان ، حتى كأنك تثني على مريم وآسية ، ويسليك ما انطوت عليه تلك القلوب القاسية ، وتتلذذ به مساء وصباحا ، وكأنك ارتكبت أمرا مباحا ، وما غضضت عن ذلك النظرة وسلكت مسلك أولائك النفر ، ولأنشرن خبرك في الأوطان ، وأشرح حالك في حضرة مولانا السلطان /٢٨٣/ فيعرف منزلتك بين التجار ، ويعطل تجارتك بخدمته الشريفة في الأقفار والبحار ، أو يدنيك من قربه وهذا جزاؤك والمرء مقتول بما قتل به ، وأما ما رميتني به من الفجر ، والأفك وببّنات الزور ، فإن القاضي له عقل حاد ، من الأذكياء النقاد ، لا يسمع منك تلك الدعوى ، وربما تجر عليك البلوى ، فإن من الهوى والفضول ، اتباع العورات لا سيما تجريح العدول ، وقد علمت أني توجهت معكم جبرا ، ولم يكن لي بذلك خبر (٢) ، ومع ذلك كنت ممن تركوا بدارهم القلوب والأرواح ، وتوجهوا بالأجسام والأشباح ، وتأخرت باختياري في ذلك المجلس إلى وراء ، ونبذت ما هناك بالعراء ، ولم يكن لي لذلك التفات ، ولم تصحبني نظارة ولا مرءاة ، وأخذتني هناك سنة من النوم ، حتى استغرب ذلك الترجمان من القوم ، ولا مني على نومي ، مع أني ظللت نائما جل يومي وها أنا أشرح للقاضي قصتي لينصفني وأستريح من غصتي ، وأبينها في بحر خفيف ذي قافية ، فإنه ممن يراقب من لا يخفى عليه خافية ، وهذا أوان رقم تلك

__________________

(١) الجعيدي بصفته المدعى عليه والمقصود من الشكوى ، يدافع عن نفسه ويكشف عيوب الدعي.

(٢) في الأصل خبرا وهي خطأ ، نصبها لأجل ضرورة السجع.


الدعوى في الأسطار ، وترتيب فصولها في هذه الأشطار (١) :

قد رفعت إليك يا علم الوق

ت، ومفتي الأنام قاضي القضاة

قصتي ، فاستمع وبالحق فاحكم

وارحم ضعفي ، وفيض ذي العبرات

قاسني من رفيقي ظلم وجور

لكن كان مقصوده مسرّاتي(٢)

كلفوني دخول دار (الطياطرو)

أوقفوني مواقف الشبهات

فامتنعت ، وقلت ذاك حرام

فاتقوا الله عالم الخفيات

ثم جاءوا وقد تمالاوا طرا

على ظلمي بباطل الدعوات

/ زعموا أنه يسرني  ـ جورا ـ

مثل ما سرهم من رقص البنات(٣)

أوعدوني برفع ذلك للقاضي

ليرى ذاك ساقطا شهاداتي

ليس للقوم حجة ولا رسم

لا برهان لهم ، ولا بينات

__________________

(١) هذه القصيدة اختار لها الإيقاع الخفيف وذلك لخفته وسهولة النظم فيه ، وفي الحقيقة ما هي إلا تسجيل ثاني لما سبق تسجيله عند المؤلف نثرا مسجوعا على منهجه المعتاد في التوثيق. وهي قصيدة متواضعة شكلا وموضوعا ، لما ساده من خلل وتكسير على صعيد الإيقاع والتعبير، غير أنها توثق لنا كل ما يحدث له ولغيره على سبيل الفكاهة الأدبية.

(٢) استدراك بأن القصة غير مقصودة لذاتها ، وإنما تمت صياغتها من أجل التسلية.

(٣) الشبهة المنسوبة إليه مشاهدة رقص البنات في المسرح.


لست أبغي وكيلا (١) عن هذه

الدعوى إذ شأنه الميل للفليسات

وحلفت يمينا عن صدق قولي

واستوفاها مني أخو الترهات

فاستمع نصها وعلمه للعدل

المزكي ، لردع كل البغاة

فبحق (٢) سهام تلك الجفون

وقسيّ كرمي الرماة

وبهز القرود عند التثني

وبحق احمرار تلك الوجنات

وبلثم الوقوح تلك الشفاه

فازمن زعمه بتلك اللذات

بالصدور ، وما بها من رمان

بانكشاف الذوات لا العورات

ما نظرت إلا بناظر عيني

لا بقلبي لا بضوء المرآة

لا تقل أن الحكم يجري على

الظاهر (٣) ، دون التفات للخفيات

__________________

(١) الجعيدي يرغب في الدفاع عن نفسه ، دون حاجة إلى وكيل ينوب عنه لقناعة لديه أن الوكيل رجل مادي متهافت على (الفليسات) الدراهم .... وهذا انتقاد صريح لما كان عليه الوكلاء في عهده من تكالب وتهافت على جمع المال.

(٢) هنا تتجلى قمة الدعابة المقصودة من صياغة هذه القصة ، لذلك لم يتحرج الجعيدي أن يقسم بكل المناظر المكشوفة التي أكره على مشاهدتها ، إذ يتضمن لفظ هذا اليمين وصف الراقصات ، وصفا ماديا كاشفا لذواتهن.

(٣) أما جواب القسم فهو اعتذار وإقرار ، لهذا لا يطبق عليه الحديث» أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر» بل يطبق عليه حديث» إنما الأعمال بالنيات».


فقد بان صدقي ، وعندي فتاوي

إن ذاك من معفو العترات

وافتح بابا إلى التأويل ... وإلا

فلنا رب يغفر السيآت (١)

ثم أن سيدنا الرئيس اطلع على ما هنا من الدار النفيس ، وتأمل هذه القضية نظما ونشرا ، وفاح لديه طيب شداها صنعا ونشرا ، وتأمل في فصول ذلك القسم ، وسره حتى ضحك وابتسم ، فقال لا تثريب عليك ولا ضير ، فاستصلح بينكما والصلح خير ، ولا ترفع /٢٨٥/ ذلك لأحد من الولاة ، ولا تطالع به الوشاة ، وصنه صينة النفس الشحيحة بما لها ، واستره ستر الحسناء العفيفة بجمالها ، فرجعت القهقرا ، وتأخرت إلى وراء ثقة بعدله كما وعده وصرت لا أبالي بعد بمن قام أو قعد ، ولا أرفع رأسا لمن أبرق أو أرعد ، ولكن شرطت عليه أن يحضر خصمي ، ويشترط عليه عدم تمزيق رسمي ، لأن في تمزيق الرسوم تضييع الحقوق ، إذ ربما ينشئ عنها الإنكار والعقوق ، فكان بذاك كفيلا ، وكفى بالله وكيلا ، ثم المطلوب من الواقف على هذا الجمل الواهية الأساس المركبة على غير قياس ، أن لا يبادر إلى الإنكار ، بما تبديه بديهة الأفكار ، فإنك إن جلت في غربتي ، وتبين لك حالي وكربتي ، ولخرجت من فرقة الإنكار ، إلى فرقة من يلتمس الأعذار ، وصرت لي من خير الفرقتين ، وقلت عذرا لك يا من جسمه برومة (٢) والقلب بالعدوتين.

__________________

(١) قصيدته هذه يعترها بعض الخلل والتكسير ، لأن المؤلف يمارس نظم الشعر على سبيل المحاولة ، كتعبير ثاني لما سبق أن عبر عنه نثرا مسجوعا لتوثيق الحدث المسجل وتأكيده شعرا لجريان الشعر على الألسن وشيوعه بين الناس بكثرة ، ولو كان غير مستوف لأدواته الضرورية التي منها الوزن والإيقاع وكذلك الشاعرية.

(٢) هذه المستلمحة كتبت أثناء تواجد السفارة المغربية بروما لكن صاحب الرحلة أدرجها مع أنشطة السفارة بفرنسا.



الجزء السادس

أخبار بعض بلاد الطاليان (١)

وكان خروجنا من ليون في الساعة الثامنة ليلا من ليلة الأحد الثاني والعشرين من رجب (٢) ، وخرج مع الباشدور ترجمان الدولة الفرنصوية مع ترجمانهم بطنجة ، وركبا معه في بابور البر في عربة منتخبة وقطعنا الليل كله سفرا ، وفي الساعة الرابعة صباح الأحد المذكور ، وصلنا إلى مدينة تسمى رمضان (٣) ، وهي الحدادة بين الجنسين الطاليان والفرنصيص ، ويقال إنها مشتركة بينهما في الحكم كل جنس منهما يحكم في نصفها الذي من جهته ، وهناك تلقى للباشدور نائب الطاليان ، وهو

__________________

(١) انظر خريطة تنقلات السفارة المغربية عبر إيطاليا بملحق الرسوم والصور صفحة ٢٢).

(٢) ٣ أغشت سنة ١٨٧٦ م.

(٣) Modane.


القونصو (١) وهو رجل ذو عقل وأدب يحسن النطق باللغة والقلم العربي ، وكذا غيرها من اللغات وله خلق حسن وله مكانة معتبرة عند الدولة ، ووجدناه قد هيأ عربة أنيقة كبيرة ، فيها عشر شوالي /٢٨٦/ كبيرة مبطنة بثوب حرير أحمر فيه تشجير ، وبين كل شيليتين مائدة مستديرة قائمة على كرسي من عود ، عليها أشكال من الحلواء والعنب والبطيخ وغيرهما من فواكه الوقت ، وكذلك من الحليب والقهوة وأواني الماء من البلار الرفيع المدفون في وسطه الثلج ، وفي العربة سراجم ثمانية بالزاج من الجهتين كبيرة ، على كل سرجم ستر من ذلك الحرير المذكور طويل مع مجاديل غلاظ منه ، في كل واحد كبالة (٢) كبيرة من الحرير لربط ذلك الستر به ، وستر آخر من حرير أزرق يرسل تارة على الزاج وقاية من شعاع الشمس ، وسقفها وبقية ما بين السراجم منها كله مبطن بذلك الحرير ، وبداخل هذه العربة بيت الخلاء ، والماء يجري بحلابة عند إدارة تنظيفه وبها حلاب آخر في الجهة اليسرى عند الدخول لبيت الخلاء ينزل الماء إليه من بزبور فوقه عند الاحتياج إليه. ولم يقصر هذا القونصو في البرور والتعظيم والترحيب.

ثم سافر البابور بنا بعدما رجع ترجمان الفرنصيص الذي كان (٣) طلع من طنجة ، وبقي معنا ترجمان الدولة الوارد من باريس ، وتوجهنا إلى مدينة طورين (٤) ، وهي

__________________

(١) قنصل إيطاليا بمدينة حلب بالشام ، القائد بوزيوBosio ، استدعى رسميا ليكون المرافق والترجمان الخاص للسفارة المغربية ، خاصة وأن سفير إيطاليا بلندن نبه حكومته لذلك.» ... إن أنجلترا وضعت تحت أمر السفير المغربي دبلوماسي رسمي يقضي وقته كله في الترجمة وحكومتنا لا بد أن تكلف شخصا ليقوم بنفس المهمة ...». D.M.Smith) p: ٢٦٥.)) S.D.P.E.I)

(٢) المكب الكبير ، ما يلف عليه الغزل أو الخيوط المختلفة ، ج. مكبات ومكاب. (المنجد).

(٣) Jules Mong سنجده في ما بعد مرافقا لأعضاء السفارة المغربية بإيطاليا ومتتبعا لخطواتها (جاسوس فرنسي).

(٤) Torino أو (Turin) رابعة مدن إيطاليا ، عند نهر البو ، وعلى منحدرات جبال الألب ، كانت عاصمة لمملكة سردينيا (١٨١٤ـ ١٨٦٠) ، وعاصمة إيطاليا حتى عام ١٨٦٥ م. (دائرة المعارف الحديثة ، ج ٢ : ٥٤٨).


مدينة عظيم الدولة ، وما بين هاتين المدينتين جله من جهة مضان ، جبال شاهقة مرتفعة في الهواء تطاول السحاب طولا وتجاوزه وصولا وعلى رؤوسها من الثلج عمائم لا يزال حتى في أيام السمائم (١) ، فكان البابور يمر بنا في مواضع ضيقة بين تلك الجبال وقد شمخت بالفضاء والتوسعة في ذلك المجال ، وتارة تعارضنا الجبال الشاهقة ، فيمر البابور تحتها حتى لا يدري من الجهات الغاربة من الشارقة ، فمنها ما يطول سيره تحتها نحو ثلاثين دقيقة ، ومنها ما هو أقل من ذلك ، وتارة يتلاقى بابوران تحت تلك الجبال فيمر كل على طريقه /٢٨٧/ فتحدث أصواتا مرهبة ، والعربات تمر كالبرق باختلاف حركتيها بين مقبلة ومدبرة ، وحين قربنا من مدينة طورين المذكورة ، تركنا تلك الجبال وراءا وخرجنا إلى التوسعة والفضاء ، فوجدنا هناك بساتين وأنهارا ومزارع وأشجارا ، واتصل ذلك في الجهتين إلى أن وصلنا إلى تلك الديار.

الدخول إلى طورين

وكان وصولنا إليها أي مدينة طورين في الساعة الثامنة وخمسين دقيقة من يوم الأحد (٢) المذكور ، وتلقى هناك للباشدور عامل تلك البلد وشيخها والجلنار ، بالفرح والبرور والتعظيم والسرور ، وذكروا أنهم مامورون من قبل أمير الدولة بالوقوف معه والبرور به والتوسعة عليه وعلى من معه وتنفيد جميع ما يحتاج إليه من الضروريات والمقضيات ، اعتناء بجانب مولانا الشريف واهتماما بشأنه المعظم ، فجازاهم الباشدور عن ذلك بلين الكلام ، ثم ركبنا في الأكداش ودخلنا البلدة المذكورة ، أنزلونا بأوطيل (٣) معتبر ، فيه فرش عديدة وكنابيس وشوالي من الموبر والحرير ، وكانت على أيدينا فيه قبب عديدة ، كل قبة مخالفة للأخرى في الهيئة والزخاريف والفرش ،

__________________

(١) مفردها السموم وهي الريح الحارة تهب أواسط فصل الصيف (المنجد).

(٢) ١٣ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٣) فندق Albergo D'EuroPa.

M. D. R. A. E. I) ARCH. STOR. DIPL (Roma.


وكان بقربنا بيوت الماء عديدة في كل بيت صندوق من حديد أو غيره ، ينزل إليه من بزبوزين الماء الحار والبارد ، ولم نر مثله في موضع إلا في أوطيل باريس ، لكن الذي في باريس تسد تلك البيوت في الليل كله ، وعليها حراس موكلون بها بخلاف البيوت التي في أوطيل طورين ، فإنها مباحة لا تسد لا ليلا ولا نهارا. ولم يكن أحد موكلا بها ، وهذا الأوطيل يشرق منه على فضاء متسع كالمشور ، قدامه دار أمير الدولة ، وكان قبل وصولنا خارجا عن هذه المدينة في نواحيها ، يقصد الأماكن الباردة لشدة حرارة الوقت ، وحيث كنا باللوندريز أتى إلى الباشدور يوم دخولنا إليها قونصو الطاليان بها ، وأخبره أن كبير دولتهم بصدد الخروج /٢٨٨/ إلى نواحي بلده ، وأنه لا يرجع إليها حتى تمر نحو خمسة وعشرين يوما من شهر غشت العجمي ، وكان مقصوده (١) بذلك أن يبين له في أي يوم يكون خروجه من اللوندريز ، وكان أجابه إذ إذاك بأن الزائر في قبضة المزور ، وأنه لم يدر في أي يوم يكون خروجه منها ، ولم يكتف بهذا فقال له : إن خرج أمير دولتكم للصيد في تلك الجبال فإني أتوجه إليه بها بحول الله ، لأني مولع بالصيد (٢) ، ولي به شغف كبير فسر بذلك سرورا عظيما ، وقال في هذه الساعة يتكلم مع دولتهم في طريق السلك بما أجابه به الباشدور ، وقد بالغت هذه الدولة في الإكرام وبسط موائد الأنعام بسطا كبيرا ، لم نعهد مثله فيما تقدم ، ويتوالى ذلك منهم بتوالي الأوقات ، ومع هذا كله يتفقد

__________________

(١) بعد هذا الاتصال أخبر السفير المغربي سفير إيطاليا بلندن وزيره Melegari بما يلي :» ... وأنا مستعد للذهاب والبحث عليه لأحدد معه تاريخ وصوله إلى إيطاليا وتاريخ زيارته للملك ، والسفير المغربي يرغب في أن تصل الهدايا إلى إيطاليا قبل وصوله ...» ، لندن ١٨ / ٧ / ١٨٧٦ م : ٢٦٥. ثم أخبرت وزارة الخارجية الإيطالية سفيرها بباريس ...» في الأيام الأخيرة لهذا الأسبوع سيصل إلى باريس السفير المغربي قادما من أنجلترا ، وقد أخبرناه أن الملك سيستقبله بطورين ما بين ٢٩ و٣٠ غشت ، وأخبره أن الهدايا وصلت إلى ميناء جنوا ...». روما ٢ غشت ١٨٧٦ م : ٢٩٤.

S. P. E. I) D. M. Smith (.

(٢) أخبر سفير إيطاليا بلندن حكومة بلاده بذلك ، فنظمت حفلة خاصة للصيد البري على شرف السفير الزبيدي بضواحي طورين كما سيرد لاحقا.


القونصو المذكور أحوالنا ويتردد إلينا ويسألنا هل نحن محتاجون لشيء ، وأخبر أنه مأمور من قبل الدولة بالتوجه بنا إلى بعض مدنهم كرومة وفرينسي (١) وغيرهما ، بقصد رؤية ذلك وبسط الباشدور وكمال الفرح والسرور ، وأقمنا هناك في مدينة طورين المذكورة.

مدينة فرينسي وما رأيناه فيها

إلى الساعة السابعة عدا خمس دقائق من مساء يوم الاثنين الثالث (٢) والعشرين من رجب ، وفيها ركبنا في بابور البر في تلك العربة الموصوفة ، وركب معنا القونصو المذكور وصحب معه أنواعا من الحلواء والفواكه والماء أيضا ، ومن هناك رجع ترجمان الدولة الفرنصوية بعد ما سافر البابور شيئا يسيرا ، وهذا البابور كان يقف في بعض المدن التي في طريقه فينزل منه أناس ، ويحمل آخرين على العادة ، وفي كل مدينة يقف نحو خمس دقائق فأقل ، ومهما وصل وجد الناس مهيئين للركوب ليلا ، وكذلك المكلفين بالبابور في تلك المواطين والأماكن لا يغفلون عن أشغالهم ليلا ونهارا ، ولكن يخلفهم في تلك الخدمة غيرهم في بعض الأوقات ، ففي الساعة

__________________

(١) وصول السفارة المغربية قبل الموعد المحدد للاستقبالات الرسمية ، جعل الحكومة الإيطالية تخصص لهم زيارة خاصة إلى روماRoma العاصمة الجديدة لإيطاليا الموحدة ، ولمدينة فرنسي Firenze كما جاء في جواب الحاجب السلطاني عن مكاتب الزبيدي التي يشرح فيها ما راج في تنقلاته» ... ورد عليهم عامل طورين وشيخها والجنرال وكبير العسكر وأخبروكم بأن عظيم الدولة خارج البلد حسبما قدمتم الإعلام بذلك ، وأن رجوعه يكون في أواخر غشت وقاموا بالاعتناء بكم وطلبوا توجهكم إلى رومة عملا بما أمروا به من قبيل كبيرهم ...». موسى بن أحمد ٤ رمضان عام ١٢٩٣. (الإتحاف ، ج ٢ : ٣٠٣).

(٢) ١٤ غشت سنة ١٨٧٦ م.


السابعة وخمسين دقيقة ، وقف البابور في مدينة اقس (١) وفي الثامنة وثلاث وثلاثين دقيقة وقف في بلدة تسمى سكندرية (٢) ، /٢٨٩/ وطلع إلى الباشدور عامل البلد وبعض أعيانها ، (٣) ورحبوا به غاية الترحيب ، وفي التاسعة ونصف وقف في مدينة طرطونه (٤) ، وفي التاسعة والإحدى والخمسين دقيقة وقف في بفير (٥) ، وفي العاشرة والعشرين دقيقة وقف في اسطرديلا (٦) ، وفي الحادية عشرة عدا خمس دقائق وقف في ابياجنصا (٧) ، وفي منتصف الليل وزيادة عشرين دقيقة وقف في طالما (٨) ، وفي الساعة الأولى وثلاثين دقيقة وقف في موظنا (٩) ، وفي الساعة الثانية وثلاثين دقيقة وقف في بلونيا (١٠) ، وكان سلط الله علي في هذه الليلة ذميا يخبرني بهذه المدن بعد ما يبحث عنها ، ومهما كادت تأخذني سنة من النوم لسعني كالبرغوت حتى ضاق خاصري من ذلك ، ولم يجمل بي نهره عن ذلك وتدرعت بالصبر الجميل ، فصرفه الله عني بعد ذلك ، وخرج من تلك العربة وما رجع إليها حتى وصلنا إلى مدينة فرينسي (١١) في الساعة السابعة صباح يوم الثلاثاء الرابع والعشرين (١٢) من رجب ، وهذه المدن التي كنا نمر بها هي مدن عظيمة ، وكنا نشاهد حالة السفر ضوءا كثيرا في مدن أخرى بعيدة عن طريق البابور عن اليمين واليسار ، وعند وصولنا لمدينة فرينسي (١٣) المذكورة ، تلقى للباشدور عامل البلد وشيخها عند النزول من البابور ، ثم ورد كبير الجلنار وآخران معه من كبراء العسكر ، ثم

__________________

(١) المحطات :

Asti ـ ـ < Allessandria ـ ـ < Tortone ـ ـ < Vochera ـ ـ < Stradella ـ ـ < Piacenza ـ ـ < Parma ـ ـ < Modena ـ ـ < Bologna ـ ـ < Firinze.

(٢) ١٥ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٣) عاصمة منطقة التوسكاناToscana ، وتعتبر المركز الأكثر أهمية في العالم ، لما تتوفر عليه من آثار لتعاقب الفنانين عليها. وأصبحت عاصمة إيطاليا من سنة ١٨٦٥ م إلى هزيمة فرنسا أمام ابروسيا سنة ١٨٧١ م ، حيث دخلت جيوشها روما التي أصبحت عاصمة الدولة الإيطالية الجديدة.

L'encioclomedia Grolier Int) Milano): vol. 8: 114.


خليفة (١) وزير الأمور البرانية ، وشاهدنا من أدبهم وبرورهم وشدة فرحهم ما تعجبنا منه ، ثم أنزلونا في أوطيل متسع مزخرف غاية أيضا ، وبالغوا في الإكرام والبرور والاحترام.

وفي مساء هذا اليوم أتوا بالأكداش فركب الباشدور ونحن في أثره ، وتوجهوا بنا إلى دار قديمة البناء بهذه المدينة ، يقال أنها بنيت قبل نحو ثنتي عشرة مائة سنة كانت تعرف عندهم بدار الحكومة (٢) ، فصعدنا إلى قبة مربعة في طولها نحو ستين خطوة ، وفي عرضها نيف وأربعون ، فيها خزانات من الزاج فيها أواني كبيرة من الطاوس ، قيل إنه من عمل إيطاليا في القديم ، ثم إلى أخرى فيها خزانات زاج أيضا فيها صور آدميين وغيرهم من العاج ، وفي أسفل إحدى الخزانات عظم سرج من العاج شبيه بعظم سرج الغرب ، وقبة أخرى فيها /٢٩٠/ صور عبيد سود من نحاس مختلفي الأحوال ، ثم إلى طبقة (٣) فوق هذه وجدنا في قبة كساوي مرصة بالذهب والأحجار ، وفي بعضها تصاوير مرقومة بما ذكر وبالحرير قيل ذلك مرقوم بالإبر ، وفي قبة أخرى صور من الودع لاصقة الجدران ، وفي أخرى في جدرانها ستر من الحرير مرسوم فيها صور آدميين أيضا ، وفي أخرى خزانات بالزاج فيها قوالب وطوابع سكك قديمة من ذهب وغيره ، ثم خزين بأسفل الدار فيه سلاح قديم وفيه مدفع نحاس عظيم ، قيل هو في الأصل من عمل إيطاليا ، وكان أهداه لهم بعض ملوك تونس ، وبقرب خزنته الغبر رقم سبعمائة وأربعة قيل ذاك تاريخ صنعه.

__________________

(١) Tornielli الكاتب العام لوزارة الخارجية الإيطالية (D.M.Smith) .S.P.E.I.

(٢) مجلس السينيوري Palazzo Vecchio O Della Sicnoria أو قصر الشخصيات ، تم إنشاؤه عام ٢٠٠ م من طرف Arnolfo di CamPio ووقع ترميمه سنة ٥٠٠ م ، واستقر به حاكم فلورنسا كوزيمو ذي ميدتشي الذي أنشأ مكتبة عامة في كنيسةSanta Maria Del Fiore أو أواخر ق ١٥ م ، وأسس الأكاديمية الافلاطونية التي جمعت نخبة من المفكرين.

L'EncicloPedia Grolier Int) Milano (, Vol 20: 134.

(٣) الطابق الأول به غرف فرانسيسكو الأول Francessco I بديكورها القديم. (نفس المرجع السابق).


الدخول إلى دار المهندسين والفلكيين

وفي يوم الأربعاء الخامس والعشرين (١) منه أي رجب ، توجهنا لدار العلماء المهندسين والفلكيين. فصعدنا إلى قبة بها فتلقانا كبيرها بالتعظيم والترحيب ووجدنا في جدرانها خزانات من الزاج فيها إسطرلابات (٢) عديدة ذات أشكال مختلفة ومتفاوتة في الكبر والصغر ، ورأيت فيها إسطرلابين من عمل المسلمين (٣) ، أحدهما لعرض ست وثلاثين ونيف ، والآخر لعرض ثمانية وثلاثين ونيف ، فذكر أنهما صنعا قبل تاريخه بأزيد من خمسمائة عام ، فتناولت أحدهما من يد (٤) ووضعت حرف المضادة على أول درجة من الحمل ، فوافقت اليوم الخامس عشر من مارس ، فقلت له هذا الإسطرلاب صنع قبل بأزيد من ستمائة سنة عجمية ، وأشرت له بأن أول الحمل كان إذ ذاك في خامس عشر من مارس ، وأما اليوم ففي السادس منه تقريبا ، فسلم ذلك ، وهناك آلات أخر من نحاس ، ومرءاة لعلها للرصد ، ودخلنا إلى قبة وجدنا فيها دوائر لعلها من حديد بعضها داخل بعض ، وعددها إحدى عشرة دائرة وهي مختلفة الوضع ، منها ما هو من المشرق إلى المغرب ، ومنها ما بالعكس ومنها ما هو بين ذلك ، وفي وسطها كرة مركزها خارج عن مركز /٢٩١/ الدائرة الثامنة ، وهم يحكون بذلك

__________________

(١) ١٦ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٢) أنواعه كثيرة منها الهلالي والكروي والصدفي والمبطح والمسطح ... وغير ذلك. (موسوعة عربية عالمية).

(٣) الجدير بالذكر أن علم الإسطرلاب لم يتقدم إلا على يد العلماء المسلمين ، حيث وصلت هذه الآلة درجة عالية من الفائدة والتعقيد في الاستعمال بعد ما كانت بسيطة وبدائية عند اليونانيين ، وهناك المئات من الإسطرلابات مبعثرة بالمتاحف العالمية في أنجلترا وباريس وإيطاليا وأمريكا وغيرهم. (حالة العلوم عند المسلمين ، دمشق ، ١٩٧٢ : ١٣٥).

(٤) الجعيدي كان من كبار أساتذة علم الفلك (انظر ترجمته) ، خاصة أن بعض المغاربة ابتكروا أكثر من آلة فلكية جديدة ، مثلا عبد السلام العلمي. (انظر المنوني ، مظاهر يقظة المغرب ، ج ١ : ١٥٧).


صورة الأرض والأفلاك (١) المحيطة بها ومحور الدائرة الثامنة مار بالدوائر السبع التي في جوفه ، عدا الأرض فهي خارجة عن ذلك المحور ، وبدوران الدائرة الثامنة تدور الدوائر السبع التي بداخلها. وفي هذه القبة جعبة صفر صغيرة طولها نحو ذراع ونصف ، وقطر دورها نحو ثمن ذراع ، وبأحد طرفيها زاجة مستديرة قطرها نحو ذراع غير ربع ، وهما مرفوعان من الأرض نحو نصف قامة الإنسان ، ووراء الزاجة يد حديد (٢) عمد إليها بعضهم واشتغل بتدويرها ، وأتى آخر وقرب يده منها فخرج منها شرار نار زرقاء ، ولصقت بالجعبة فتعجبنا من ذلك فقيل لي ادن منها وقرب يدك إلى تلك الجعبة فقربت منها ، فخرجت من يدي شرر من تلك النار الموصوفة ، وجذبتها الجعبة وعند خروجها من يدي أحسست بمثل لسع البرغوث ، ثم وضع يده رجل منهم على تلك الجعبة ، فصارت ذاته تجذب النار عند ما يقرب يده إلى يده ، أو إلى أنفه بمشاهدتنا لذلك ، كما كانت تجذبه الجعبة بواسطة وضع يده عليها تسري فيه تلك الكهرباء ، وتكسبه قوة الجذب التي تجذبه هي.

ثم أدخلونا إلى قبب الأطباء وعلماء التشريح (٣) ، فوجدنا صورة امرأة متجردة ملقاة على سرير كأنها ميتة ، يحكون أنها مثال امرأة ماتت نفاسا ، وفي جدران هذه القبة صور الجنين الذي يكون في الرحم من بعد ثمانية عشر يوما ، إلى الأربعين إلى شهرين ، وثلاثة وأكثر ، إلى تسعة أشهر ، وكل صورة منفردة بمحل وحدها. ثم صورة امرأة بقر عن بطنها والمولود الذي فيه قد نكس رأسه كأنه يريد الخروج ، وفي محل

__________________

(١) يقصد المجموعة الشمسية.

(٢) آلة تعمل على تحويل الطاقة الميكانيكية الناتجة عن تدوير اليد الحديدية لموصل معدني (جعبة صفر) داخل حقل مغناطيسي دائم ، (زاجة مستديرة) إلى طاقة كهربائية ، عبارة عن تيار كهربائي أو تيار إلكترونات يجرى على مدى جسم موصل ناقل ، وهذا ما يحصل في المولد الكهربائي (كالدينامو في الدراجة مثلا). (موسوعة عربية عالمية). (انظر الرسم بملحق الرسوم والصور صفحة ٢٣).

(٣) يدرسون تركيب وصفات الأعضاء والأنسجة التي تتكون منها الكائنات الحية (الإنسان ، الحيوان ، النبات) ، غير أن المعتقدات الدينية كانت تقف في طريق علم التشريح ردحا طويلا ، فكان الأطباء في القرون الوسطى يقومون بالتشريح سرا على جئت الموتى. (دائرة المعارف الحديثة ، ج ٢ : ٥٠٣).


آخر صورة التوءمين كيف يكونان في البطن رأس أحدهما عند رجل الآخر ، ثم صورة آدميين كبارفتح على بطونهم ، وصوروا صورة الأمعاء والقلب والكبد والرئة وغير ذلك ، وتبينوا جميع العروق التي في البدن القوية والضعيفة وكيفية تشابكها /٢٩٢/ في بدن الإنسان ، وفتحوا حتى على الرقبة والصدر ورسموا فيها ، مثال ما هو في باطن الإنسان من العروق والعصب واللحم ، ثم صورة آدميين آخرين رسموا فيها العظام لا غير وكيفية التئام بعضها ببعض من الرأس إلى القدم ، وكشفوا عن صورة العينين والأذنين والرأس وغير ذلك ، ثم وجدنا صورة آدمي واقفة لم يبق منها إلا العظام ملتئمة بعضها (١) ببعض ، وهي عظام حقيقية ليست مصورة ، تركوها مثالا ليتحقق الناظر أن ما صوروه هو موافق عندهم للواقع في ذات الآدمي ،ولم يكتفوا بهذه بل صوروا كبشا مسلوخا برأسه وقرنيه موضوعا على سرير مذبوحا ، فلو أوتي به بديهة لمن لا خبرة له به فربما يتمنى غذاءه منه ، ثم صوروا أنواعا من الحوت على أشكال مختلفة لا تكاد تحصى ، وفي قبة أخرى صور طيور غريبة الخلقة والسباع العادية والحيات العظيمة والتمساح والطيور الصغيرة التي في جرم البلوطة إلى النعامة المعروفة ، وكذلك الجراد فما دونه من الحيوان الذي على شكله ، كبوقفاز منه أشكال في مرءات خاصة بهذا النوع ، وجل هذه الصور من الطيور والسباع كانت بوصف الحياة وبعد موتها حشيت وسقيت بالكافور ، وتركت في هذه الأماكن وجعل لها من يتعهدها ويتفقدها في تلك القبة العظيمة ، وانظر ما ألجأهم إلى ذلك وما جعلهم عليه و ـ «لو شاء ربك ما فعلوه».

ثم خرجنا من هذه الدار وتوجهوا بنا إلى دار من ديار المخزن ، ينزل فيها كبير دولتهم حيث يكون في هذه المدينة ، وهي دار (٢) عظيمة كأنها حومة في مدينة لأنهم لم يكتفوا في وضعها في تربيعة واحدة ومحل واحد ، بل عمدوا إلى مواضع مربعات وبنوا فيها قصور وقببا ، وتركوا الطريق لناس من بينها ، وأشركوا بعضها ببعض من

__________________

(١) يقصد الهيكل العظمي لجسم الإنسان.

(٢) يقصد المدينة العتيقة التي توجد وسط مدينة فرنسي.

L'EncycloPédia Grolier) Milano (, vol 8: 14.


أعلاها بقناطر وقيسى في بعض المواضع لا غير ، بحيث يمكن للإنسان الطواف بجميعها ، وينتقل من تربيعة إلى تربيعة بواسطة القسى الجامعة بينها /٢٩٣/ ومما يدلك على عظمة هذه الدار ، أني سألت عن عدد القبب التي فيها حيث رأيت كثرتها وعدم إمكان إحصائها في الوقت ، فقيل مائتا قبة وثلاث وثمانون قبة ، ولا تكاد ترى قبة على شكل أخرى بل لا بد من مغاير واختلاف في الوضع والهيئة واختلاف السقف ، وكذلك اختلف فراشها أي شواليها وكنابيسها في الألوان ، فمنها ما هي من الحرير الأحمر المشجر أعني تبطينها وتبطين جدرانها ، ومنها ما هو من الأخضر ومن الأصفر ومن جل الألوان مع تمويه الشوالي وجوانب المرايات العظيمة ، وفي قبة من تلك القبب إحدى عشرة ثرية من البلار ، وأخرى بها كرسي الملك يصعد إليه بأربعة درج مبطنة بالموبر الأحمر ، وفوق الكرسي كالمظل مبطن به أيضا ، وأخرى فيها فراش على ناموسية (١) عليها ستر من الحرير ، وفي قبتها كالمظل مبطن به أيضا ، مع ترييش بالحرير والذهب وفيها ثريتان عجيبتان أسفلهما كأسفل القصعة ، في قبة أخرى خزانة من العود البرازيل مرصعة بالحجر اليمانض على ألوان مورقة به ، وخزانة أخرى من ذلك العود مرصعة بألوان المرمر ، وأخرى مرصعة بالعاج ، وفيها مائدة مبسوطة من رخام مرمر ، وحواشيها مرصعة بتوريق حجر المرمر من ألوان ، بحيث حفر في الرخامة أولا ذلك التوريق واتخذ مثله من ألوان المرمر ، ودفن في حفر التوريق وصار مبسوطا مع الرخامة ، فمن حيثية النظر يرى ذلك التوريق كأنه طلاء لطيف ، وإذا مرت عليه اليد فلا تحس بشيء من أثر حفر ذلك التوريق ، وكنت تكلمت مع الترجمان ، فقلت هذا التوريق أصله طين يحل ويورق به ويطل على الجميع حتى يصير كأنه ذات واحدة ، فقال لا بل هو حجر (٢) المرمر مورق مدفون في ذلك المرمر الآخر ، وعند خروجنا من هذه الدار ، وشروعنا في المرور في اسطوان طويل

__________________

(١) انظر شرحها بالملحق : ٤.

(٢) في النحت على المرمر من الفنون الأصيلة عند الإيطاليين الذي كانوا يستخرجونه من مقالع جبال الألب ، أهمها مقلع Goia على جبل آلتيسيمو ينتج الرخام الشهير الكثير العروق والأبيض.

(L'EncicloPédia Grolier, vol ١٤)


في بعض الطبقات ، وجدت في هذا الاسطوان أربعمائة خطوة وخمسين خطوة على ست /٢٩٤/ واحد ، وعند خروجنا منها طلب من الباشدور بواسطة الترجمان ، التاجر القائم بصنع تلك الموائد من المرمر ليرى كيفية النقش والتوريق ، لعله أراد بذلك دفع ما كنت أتوهمه من أن ذلك التوريق إنما هو طلاء ، فساعده وتوجهنا معه إلى دار وصعدنا طبقة بها ، فوجدنا أناسا ينشرون (١) المرمر بخيط من السلك معقود بين طرفي عود مقوس كقوس الرباب ، وعند النشر يأخذ يسيرا من الماء بقصبة كالقلم وذلك الماء مختلط بشيء على لون الرماد ، فسألت عنه ما هو ، فقيل هو حجر الديمانط الذي يتساقط منه يدق ويحل في هذا الماء ويدهن به محل النشر ، ولولاه ما أثر في هذا المرمر شيء ، ثم أناسا آخرين يورقون هذا الحجر بالمخرطة ، بحيث يركبون في المخرطة مغزلا ، ورأسه كروي يجعل به شيء من ذلك الدهن ، ويحرك المخرطة ويأخذ من المرمر برأس ذلك المغزل عند دورانه الكيفية المرادة من التوريق ، وأمامه مغازيل كثيرة رقيقة وغليظة ، كل واحد منها يخدم به في محله من التوريق ، ووجدنا رخامة من المرمر قد حفر في وسطها محل التوريق ، وصار بعضهم يضع في تلك الحفر الحجر من المرمر المورق ، ويركب واحدة فوق واحدة ، حتى رأينا كيفية ترصيف ذلك التوريق في المرمر ، ثم صعدنا إلى طبقة أخرى فوجدنا فيها موائد (٢) من المرمر على ألوان تامة الصنعة مورقة ، منها ما هو على شكل البيضة طولها ستة أشبار ، ولون مرمرها أسود والتوريق بوسطها وبالحواش بألوانه ، ومنها ما هي مستديرة ، ومنها ما هي مربعة مستطيلة ، إحداها فيها سبعة أشبار ناقصة طولا وثلاثة أشبار وزيادة عرضا ، وبقربها ورقة معلقة بخيط مبين فيه ثمنها قدره مائة ألف من الافرنك وسبعة عشر ألفا منه وستمائة ، ومنها ما هو دون هذا الثمن إلى خمسة آلاف من الافرنك ، فاستحسن الباشدور عملهم وشكر صنعتهم ، وخرجنا راجعين إلى /٢٩٥/ محل النزول.

__________________

(١) مناشير أسنانها من الماس (الديمانض) شديدة الصلابة تستعمل في أشغال الصقل والكشط. (نفس المرجع السابق).

(٢) ضمن الهدايا التي قدمها ملك إيطاليا للسفارة المغربية ، مائدة مرمرية من هذه العينات.


التوجه إلى رومة

وفي ليلة الخميس السادس والعشرين من رجب (١) ، سافر بنا بابور البر من فريسني قاصدين رومة بحول الله وقوته ، وخرج لوداع الباشدور عامل البلد والجلنار كبير العسكر بها ، وتوجه معنا ترجمان الدولة السابق ذكره ، وصحب معه أنواعا من الحلواء وفواكه الوقت والماء المدفون في الثلج ، وكان سفرنا في العربة التي تقدم وصفها ولم يكن بها إلا الباشدور والأمين وكاتبه ، ولم يكن معنا اليهودي الذي طلع ترجمانا مع الهدية من طنجة إلى هذا الجنس المحب ، فحيث كان يقف البابور في بعض المواضع كنت لم أجد من يخبرني عنها ، وقوي عزمي على تقييدها عند رجوعنا بحول الله ، وإن رجعنا على هذا الطريق ، ثم نادتني النفس الأمارة ، وقالت قد ظهر عليك من التكاسل كم من أمارة ، فخذ حظك من النوم فقد ظللت متعوبا في هذا اليوم ، فقلت كيف يمكنني النعاس مع هذا الارتعاش الذي ليس للنفس معه راحة وانتعاش ، فقالت اقرن بين شيليتين فاتكئ على إحداهما وارسل على الأخرى الرجلين فملت إلى ذلك ، لكن كان فيه شبه محظور بسبب القرب من الباشدور ، فقلت له يا سيدي لو قربت هذه الشيلية لسيادتك من أختها ومددت رجليك عليها لأصابك من الاستراحة شيء يسير ، فإن المدة طويلة والبابور جاد في المسير ، ثم قرنت له ما بينهما واضطجع عليهما ، وكأنه استحسن هذه الحالة على الأخرى ، وهي كذلك بل من باب أولى وأحرى ، وقال : قد فطنت إلى الدسيسة التي قصدتها وعلمت النتيجة التي ركبتها ورصدتها ، فقلت : وكيف يا بحر الدرر والنفائس الذي لا تخفى عليه المقاصد والدسائس ، فقال : إنك أتحفتني بهذه التحفة ولكن لأمر ما جزع قصير أنفه ، لأنك أردت النوم على هذه الهيئة فمنعك الأدب ، فاصنع لنفسك مثلها يا شريف النسب ، فمنت كذلك طول ليلتي ، وحمدت نتيجة حيلتي ، فاستيقظت في وقت الغلس ، فوجدت الباشدور قد / قام وجلس ، فحييت سيادته على العادة ، وقال : كيف ليلتك ، قلت : دون غطاء ووسادة ، ثم سرحنا

__________________

(١) ١٧ غشت سنة ١٨٧٦ م.


الأبصار عن اليمين واليسار ، فوجدنا بساتين وأنهارا وأجنة (١) وأشجارا ، وبعدنا عن الجبال وحافاتها ، وسلمنا المولى سبحانه من آفاتها ، ثم أشرفنا على مدينة رومة الكبرى التي شاعت ذكرا وخبرا ، فبان طرف من سورها القديم وبه قسي عالية مما بني في تلك الأيام الخالية ، وقد أبلاه مرور الأعوام والشهور وأبقت عليه توالي الدهور ، ولم يبق له إلا السقوط والسجود ، للملك الحق المعبود ، وكان دخولنا إليها في الساعة السادسة ونصف من صباح يوم الخميس المذكور ، وتلقى كبراء البلد للباشدور بالترحيب والتعظيم والتبجيل والتكريم ، وأنزلتنا الدولة في أوطيل ذي منافع ومرافق وقبب وقصور ذات فراش وستور ، وما قصروا في بسط موائد الطعام وتوالي الفواكه والأنعام.

الملاقات مع وزير الأمور البرانية وكبير الوزراء

وفي يوم السبت الثامن والعشرين من رجب (٢) ، خرج الباشدور ونحن معه إلى ملاقاة وزير الأمور البرانية (٣) بداره ، فتلقانا بالتعظيم والترحيب ، وهيأ إكراما كبيرا من الطعام على مائدة عظيمة من أنواع الحلواء والفواكه والحليب حتى الأتاي ، فشكر الباشدور صنعه مع ما صدر من الدولة من مثل ذلك ، فقال إنهم مامورون من قبل

__________________

(١) في الأصل أنهار وأشجار وذلك خطأ اركبه سجعا.

(٢) ١٩ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٣) Melegari Luigi Amedo وزير خارجية إيطاليا ، وطني اختار مرسيليا منفى له بعد أحداث ١٨٣١ م ، ثم اشتغل بالتدريس في جامعة لوزان بسويسرا ، وعند عودته إلى إيطاليا عمل كأستاذ القانون بجامعة طورينو ما بين ١٨٤٨ م إلى ١٨٦٠ م ، ثم انتخب برلمانيا في مجلس الشيوخ ، وكلف بمهمات وزارية ودبلوماسية.

Dic, D'histoire Universelle, Michel Mourre, Bordas, T 1: 1664.

بعد هذا اللقاء قدم الجعيدي هبة قدرها ٣٠٠٠ ليرة إيطالية ذهبية لفقراء روما ، فوجه له الوزير ميليكاري وعمدة روما رسائل شكر (انظر نصهما بالإتحاف ، ج ٢).


أميرهم بالإكرام والتوسعة وبسط موائد الأنعام ، وأن في ذلك إشارة إلى تعظيم الجانب الشريف وكمال الاعتناء بشأنه الفخيم ، وأنه سيبذل غاية الجهود في كل مراد ومقصود ، وبعد رجوعنا ورد على الباشدور عامل البلد ومعه أعيانها يهنئون سيادته ويحمدون سلامته وعافيته.

وفي ليلة الأحد التاسع والعشرين منه (١) توجه الباشدور ونحن معه إلى دار الفرجة وكان معه عامل البلد ، ثم أتى وجلس معنا هنيئة وكان معنا الترجمان الذي طلع من طنجة (٢) ، فسألته عن باني (٣) رومة ، فقال : هو /٢٩٧/ رجل كان يسمى روم ، فقلت هل هو ملك أو حكيم. قال : لم يكن ملكا ولكن كان كبير آية الأربعين ، وسألته عن تاريخ بنائها ، فقال : وجدوا تاريخها عند روم المذكور ، يقول أن بعد بنائها بأربع عشرة مائة سنة ، ببعث نبي العرب سيدنا محمد ، هكذا نطق به بلفظ السيادة بواسطة الترجمان ، على نبينا أفضل الصلاة والسلام ، فقلت : وهل دخلها نبي الله سيدنا عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، أو أحد من أصحابه الحواريين ، فقال : أما هو فلم يدخلها ، ويقال إن رجلا (٤) من الحواريين دخلها وان مسجونا بها ،

__________________

(١) ٢٠ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٢) التحاق اليهودي جيل مونج بأعضاء السفارة المغربية مرة أخرى بحيث كان يتتبع خطواتها لفائدة فرنسا.

(٣) يرجع المؤرخ الروماني» تيتوليفيوTito Livio» ، أصل روما وأسرة منشئيها إلى أساطير خرافية ، لكن النقاد المؤرخون المحدثون قد استنبطوا من هذه المستندات الخرافية أن تأسيسها كان عام ٧٥٣ ق. م ، وربما اشتق اسمها من» روميلوس» أول الملوك على ما تزعم الروايات التقليدية.

(٤) يقصد القديس بطرس (١٠ ق. م ، ٦٧ م) الذي دعاه السيد المسيح إلى التبشير وجعله رئيس الرسل والكنيسة في مهدها ، أقام مدة في أنطاكيا ثم نزح إلى روما (المنجد) ، ويبدو أن بطرس استشهد بالصلب في رومة حوالي نفس الوقت الذي استشهد فيه القديس بولس بالسيف ، وفق القانون الذي أصدره نيرون ، وكنيسته بروما شيدها قسطنطين عام ٣٢٦ م على جبل الفاتيكان ، وأعيد بناؤها في القرن ١٥ م. الدكتور فليب حتى ، ظهور المسيحية في العصر اليوناني الروماني ، دار الثقافة ، بيروت ، ١٩٥٨ : ٣٦٧.


وأراد أهل البلد قتله فقال إنه ولد رومة ، وكانت عادتهم أنهم لا يقتلون من ينتسب إلى رومة ، وسألته هل في هذا البلد قبر أنبياء ، قال : لا يعرفون بها قبر نبي. لكن بعض الناس يقولون إن في هذه المدينة قبر راهب كان من أصحاب سيدنا عيسى على نبينا ، وعليه الصلاة والسلام ، وبعض الناس ينكرون ذلك.

وفي يوم الأحد المذكور توجه الباشدور إلى كبير الوزراء (١) قاطبة ، ونحن معه بحيث وصلنا إلى داره ودخلنا لبراحها ، وجدنا فيه أزبالا ونباتا في بعض المواضع ، ولم نعهد ذلك في مطلق أماكنهم ، وصعدنا إليه في درج لم نجد فيها زرابي على العادة ، وفيها أزبال أيضا بحيث انتهينا إلى القبة وجدناه واقفا فيها ومعه أناس وهو رجل مسن ، وفي تلك القبة شوالي بالية وفيها زربية صغيرة بالية ، وحاله حال أهل التقشف ، فسلم على الباشدور ورحب به غاية ، وجرى بينهما كلام بالسؤال عن الأحوال وخبر البلد ، وخرجنا إلى قبة أخرى وجدنا فيها كنابيس كثيرة وموائد الكتابة وآلاتها.

ثم خرجنا من عنده فأخبر الترجمان أن هذا الوزير عندهم من الزهاد ، وأنه لم يتزوج قط وأن له راتبا وافرا لكن يأخذ منه قدر الكفاية ، والباقي يتصدق به على فرقة من الضعفاء ، وأنهم يتشاورون /٢٩٨/ معه في الشادة والفادة ، وأنه ملحوظ معتبر عندهم في المهمات وجميع الملمات ، وعند رجوعنا رجع هذا الوزير فورا إلى الباشدور ، وتلاقى به في القبة المخصوصة بالملاقاة مع أعيانهم.

__________________

(١) اجو سطينو دي بريتيس (١٨١٣ ـ ١٨٨٧ م) De Prétis Agostion تقلب في عدة مناصب وزارية ، حتى كلف بتكوين أول حكومة يسارية بتاريخ ٢٨ مارس ١٨٧٦ م ، عمل على تنمية الخدمات العامة اقتصاديا ، نظرا لحساسته الشديدة بالمسائل الاجتماعية ، ذي نزعة ديمقراطية ، عمل على إدخال إيطاليا الفتية في التحالفات التي أخذت تعقد في أوربا ، بهدف سلامة حدود بلاده ، تنازل عن منصبه في مارس ١٨٧٨ م لكنه استرجع قيادة الحكومة في ماي ١٨٨١ م.

L'EncicloPedia Grolier, Int, vol: 6: 223.


دار المرضى بها

ورجع على العادة في ذلك ، ثم طلب من الباشدور الخروج إلى دار (١) السبيطار ، أي المرضى فساعد وخرجنا معه ، فلما انتهينا إليها تلقت للباشدور امرأة راهبة من راهبات تلك المدينة ، عليها جبة صوف ولها قب من صوف ينزل إلى ظهرها منفصل على الجبة وتحته مثله من ثوب أبيض ، وهي مغطية رأسها فرحبت غاية ، وهي امرأة جميلة تميل للصغر ذكرت أنها من جنس الفرنصيص ، وأنها سلمت في زوجها وأهلها وحبست نفسها على خدمة المرضى الذين بهذه الدار ، ومعها ثلاث نسوة هي مقدمتهن ، فدخلت بنا إلى قبة أرضية وجدنا فيها نساء كبارا وصغارا مرضى ، من أعينهن فمنهن من تبصرت لا تبصر شيئا ، ومنهن من يبصرن قليلا ، ثم أدخلتنا إلى خزين بقربها وجدنا فيه خزانات بجدرانه فيها كساوي هؤلاء المرضى من الصوف ومن القطن للحر والبرد ، وأخرجت تقاشير (٢) خشينة من صوف وطاكيات منها ، ذكرت أنها من عمل بعض المرضى يشتغلن (٣) بصنع ذلك ، ويكتسين منه. وذكرت أن زوجة (٤) ولد أخ السلطان ، هي القائمة بالصائر على من بهذه الدار من المرضى ، ثم

__________________

(١) مأوى مارغريت دو سافوي للعميان ، قدم له الزبيدي بعد زيارته هبة مالية قدرها ٠٠٠ ، ٣ فرنك (إن هبتكم اللائقة حقا بكرم سعادتكم والملك العظيم الذي تنوبون عنه أحسن نيابة قد أثرت في قلب المجلس الإداري لمأوى العميان الفقراء الذي تترأسه أميرتنا الفخيمة بسافوي ...). رومة في ٢١ غشت ١٨٧٦ م.

أما قائمة الهبات التي تبرعت بها السفارة فهي ضخمة وطويلة حوالي ٣٥٠ ، ٣٤ من الليرات الإيطالية (انظر القائمة بالإتحاف ، ج ٢ : ٣٠٧.

(٢) انظر شرحها في الملحق.

(٣) في الأصل يشتغلون ـ خطأ ـ.

(٤) Margarita Di Savoia (١٩٢٦ ـ ١٨٥٠م) بنت الأميرFerdinando :Mario Alberto دوق جنوفا ، أخ الملك فكتور إيمنويل الثاني ، أصبحت ملكة إيطاليا بعد زواجها من ابن عمهاUmbertro I Disavoia سنة ١٨٦٨ م ، وتربعت على العرش الإيطالي سنة ١٨٧٨ م ، كانت عاشقة للآداب والفن ، وكانت تشرف على كثير من الأعمال الخيرية والإنسانية.

L'EncicloPedia Grolier Int. Vol12 , Milano: 174.


أدخلتنا إلى قبة أخرى فيها كنانيش الصائر على هذه الدار بخط يدها كما ذكرت ، وفيه الصائر اليومي ملخصا كل يوم على انفراده ، لصائر أضلاع من اللحم بأنواعه والإدام والدقيق وغير ذلك ، وكناش آخر فيه تقييد تلك الكساوي وعدد كل نوع من أنواعها ، وحصر داخلها وخارجها ، ثم مرت بنا بوسط هذه الدار فوجدناه مربعا انباح كبيرة في كل ربع ثمانية /٢٩٩/ قسي على أسوار عظام ، وبوسطه رياض ذو أشجار كبار وصغار ونبات ذو أنوار ، ثم دخلت بنا إلى محل أكلهم في قبة أخرى ، فوجدنا موائد ممتدة مع الجدران بينها وبين الجدران مواضع الشيليات التي يجلس عليها للأكل ، وعلى الموائد قدام كل شيلية طبسيل وزيف وكأس للماء ، والمواضع الموصلة إلى هذا المحل نصب خشب مع جدرانها على مسامير خارجة من الجدران ، فإذا وضعت أواني الطعام للبصرى على تلك المواضع ويوذن لهم في الطلوع إلى ذلك المحل ، يضعون أيديهم على تلك الخشبة ويمرون معها حتى ينتهوا إلى ذلك المحل الذي فيه غذاؤهم ، ثم يأخذون في الدخول واحدا بعد واحد قابضين على تلك الخشبة ويعدون المسامير التي تلقاهم ، وبها يعرف كل واحد شيليته ، بحيث يكون المسمار نمر كذا هو محل جلوس فلان ، وقدامه مائدته ثم يخرجون إلى مواضع غسل أيديهم وقد جعلوا حلاليب مدفوفة في مصطبة. فوق كل واحدة بزبوز ينزل منه الماء وبقربه زيف ، ثم يرجعون إلى محلهم ثم إلى مواضع نومهم ، كل واحد له بيت صغير خاص به فيه مضربتا صوف فوق أعواد من حديد كالناموسية الصغيرة وغطاء من ثوب قطن نظيف ، ووسادتان لينتان ، ومحل آخر فيه فراشات متعددة واحد حذاء الآخر ، فقال الترجمان لهذه الراهبة : أين محلك ، فهل هو منتخب ، قالت له لا ، فراشها كفراشهم بلا فرق ، نعم أدخلتنا إلى بيت فيه سراجم وموائد عليها غطاء نظيف ، وفيه زربية وشوالي ذكرت أن ذلك المحل معد لقدوم زوجة ولد أخ السلطان المذكورة ، وأنها تأتي مرة واحدة في كل جمعة إلى هذه الدار ، وتتفقد بنفسها أحوال المرضى ، وتأتي إلى ذلك المحل المذكور وتحضر لها الكنانيش وتحاسبها على الداخل والخارج ، ثم أتت بنا إلى محل آخر يطبخ فيه لهم أكلهم فوجدنا ثلاثة طناجير منصوبة ، لكن ليس فيها إلا الماء إذ لم يكن ذلك الوقت وقت الطبخ ، وبمحل آخر حطب كثير ، وهناك ميزان قيل لأي شيء هذا الميزان ، قالت : نقسم به الطعام عند تفريقيه /٣٠٠/ في الأواني ،


وقت الأكل ثم أتت بنا إلى رجال في قبة أخرى مرضى أيضا من أعينهم وهم جالسون قبالة رياض آخر فيه أشجار ونبات وأنوار ، وذكرت أن بعض المرضى توجهوا يغسلون في البحر ، ودخلنا أيضا إلى بيت آخر وجدنا فيه خزانة فيها مطارب وفيها ماء على ألوان ، قالت ذلك محل الطبيب الذي يأتي لمداواة المرضى ، ثم خرجنا من هذه الدار.

المحل القديم البناء برومة

وتوجه بنا الترجمان إلى محل فيه بناء قديم مستدير على هيئة البرج (١) ، وجدرانه مرتفعة جدا والجدار المحيط به خارجا فيه أبواب عديدة باب قرب باب ليس بينهما إلا الجدار الفاصل بينهما ، غلظه نحو خمسة أذرع ، وكل باب فوقه قوس يدخل إليه لوسط هذا البرج كالأسطوان ، وفي الجدران نطاقات من بارات الحديد غلظ كل بارة نحو ثمن ذراع وعرضها نحو ثلثه ، واختلفت في الطول والقصر ، وهي كالنطاقات في الجدران طولا وعرضا ، وقطر دائرة هذا البرج نحو ثلاثمائة خطوة ، وبداخله بيوت متصاعدة بعضها فوق بعض من أعلاه إلى أسفله ، وكان معنا ترجمان يهودي ، فأتى إليه رومي حين رأى في يدي القلم والقرطاس وأنا أقيد تلك الآثار ، فقال لليهودي :

__________________

(١) مدرج كوليسيوColosseo ، شرع في بناءه الإمبراطورVesPasiano عام ٧٥ م ، ثم دشنه ابنه Titus عام ٨٠ م ، وأنهى بناءه ابنه الثاني Domiziono ، بوسطه ساحة اللعب أو المبارزة. ومدرجات تسع ٠٠٠ ، ٥٠ متفرج من الجمهور ، ومنصة شرفية خاصة بالإمبراطور وحاشيته من النبلاء ، وتحت ساحة اللعب بيوت ومخازن ، وقد تضرر البرج كثيرا بسبب هزتين أرضيتين ، واستعمل كخزان للأسلحة والمواد وغير ذلك ، قبل أن يصبح مكانا مقدسا احتراما لذكرى المسيحيين الذين عذبوا وقتلوا فيه ، وهذه الأسطورة ليس لها دلائل صحيحة.

L'EncicloPdedia Grolier Int, Casa Editrice, Scode, Milano, vol 5: 214.


قل لهذا الكاتب إن هذا المحل بناه الملك ططوس (١) الذي خرب بيت المقدس وأتى بعشرةءالاف من اليهود أسارى ، هم الذين كانوا يخدمون في بناء هذا المحل ، فتبسم اليهودي وأخبرني بذلك وزادني أن هذا الرومي ليس عنده تحقيق الخبر لأن ذلك الملك كان أتي بعشرةءالاف من بيت المقدس كما ذكر ، وثلاثةءالاف أخرى من غيرهما ، ولم يومنوا به لأنه كان يدعي الربوبية ، وعاش مائتي سنة وإحدى وأربعين سنة. وإن هذا المحل كان عنده فيه سباع وأسد في مغارات بنيت لأجلها وأن من لم يؤمن به ، كان يدخله إلى وسط ذلك البرج ويرسل عليه السباع وتكون تلك البيوت التي به مملوءة بالناس يتفرجون في ذلك /٣٠١/ الذي ترسل عليه السباع ، وأنه من أحد الملوك الذين ملكوا الدنيا بأسرها شرقا وغربا ، وأنه أوتي إليه ذات يوم برجل ممن لم يؤمن به فأمر بإلقائه للسباع فألقي إلى سبعين ، فحين خرجا إليه والناس يتفرجون في تلك المواضع فرا منه ورجعا إلى محلهما ، ثم أرسل عليه ثلاثة سباع أخرى ، فحين رأوه (٢) تأخروا ورجعوا ، فأخبروا الملك بذلك فأمر بإتيانه فأوتي به إليه ، فسأله عن ربه ودينه فأخبره أنه مومن بالله عز وجل لا يشرك به شيئا ، وأنكر ربوبيته. فأمر بإحراقه فأخفاه الله عنهم ، ولم يجدوا له أثرا هكذا أخبر ذلك اليهودي حيث غاظه ما كان تكلم به ذلك الرومي في شأن أسراهم ، ثم قلت لليهودي : وهل تدرون من الرجل الذي فرت منه السباع ، قال : نعم هو من أصحاب نبي الله سيدنا إبراهيم الخليل على نبينا وعليه الصلاة والسلام.

__________________

(١) Titus (٨١ ـ ٤٠ م) عهد إليه والده فسباسيان بإتمام قمع الثورة اليهودية القومية بين (٦٦ ـ ٧٠ م). بعد وفاة نيرون وتوليه العرش ، شدد القائد تيطس الحصار على أورشليم حتى هدمها سنة ٧٠ م ، وأحرق المعبد ، ثم عاد إلى روما لتكريمه مصحوبا بالعديد من الأسرى. ولقب بالقيصر بعد توليه العرش عام ٧٩ م ، وينسب إليه إتمام بناء الكوليزيو ولم يدم حكمه إلا سنتين. (تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين ، الدكتور فليب حتى : ٣٧٥ ، ترجم تحت إشراف جبرائي جبور ، دار الثقافة ، بيروت ، ١٩٥٨ م).

(٢) هذه القصة الأسطورية تنسب إلى أندروكليس الذي حكم عليه بصراع أسد مفترس ، لكنه أخذ يلعق رجليه ، فأطلق سراحه. (دائرة المعارف الحديثة ، ج ١ : ١٨١).


ثم توجه بنا إلى جبل مرتفع غاية ، فصعدناه راكبين الأكداش حتى انتهينا إلى رأسه فوجدنا هناك قبة مبنية ومحيط بها دربوز من حديد بقربه شوالي عديدة. فخرجنا من القبة إلى الدربوز وجلسنا على الشوالي وأشرفنا على من تحتنا ، فوجدنا فئة من العسكر من أصحاب الموسيقا وهم دائرون كالحلقة وواحد منهم في وسطها يشير لهم بكيفية الخدمة بالموسيقا ، وهم يتبعونه ومعهم من الخلق عدد كثير نساء ورجالا وصبيانا ، وأتوا إلينا هناك بموائد من الحلواء عديدة ومن الأشربة الطيبة على أشكال ، وقد أشرفنا من تلك الجهة على أشجار كالغابة ، من أسفل القبة بل الجبل (١) إلى ما وراءه إلى الجبال التي في ذلك الأفق ، والأبنية من بينها والديار ، ثم أشرفنا من جهة أخرى على مدينة رومة ، فقابلنا نحو الثلث منها فذكر بعض القواد الذين كانوا معنا أن شكل مدينة فاس المحروسة بالله أعظم من هذا القدر الذي يرى من رومة ، ثم رجعنا إلى محل النزول مع ترجمان الدولة ، وهذا من فرحه /٣٠٢/ واعتنائه لأننا شاهدنا منه برورا عظيما وهو يخبر أنه مأمور بذلك من قبل عظيم دولتهم ، وهو القونصوا عندهم بحلب واسمه بوزيوا ، وهو يحسن اللغة العربية نطقا وكتابة ، وكذلك التركية ، وغيرهما من الألسن.

قدوم أصحاب الطرب على الباشدور وكيفية خدمتهم

وفي ليلة الاثنين الثلاثين من رجب (٢) ، قدم على الباشدور للدار التي كان نازلا بها برومة ، جماعة من أصحاب الطرب بنحو أربعة عشر رجلا بأيديهم كثرات (٣) وأعواد مثل الآلة التي تستعمل في الغرب ، وصاروا يخدمون في براح الدار بعد ما وضعت لهم الشوالي ، فقدم ذلك الترجمان على الباشدور وأخبره بهؤلاء وأشار عليه

__________________

(١) جبل البلاتين أعلى التلال السبع المشهورة بروما ، والمشرفة على قاعدة العاصمة المنبسطة.

L'EncicloPedia Grolier Int, Casa Editrice, Scode, Malano, vol 16: 358.

(٢) ٢١ غشت سنة ١٩٧٦ م.

(٣) مفرده قيثارة آلة من الآلات الوترية الإسبانية التقليدية (جمعها قيثارات (Guitare.


بالإذن لهم بالطلوع للقبة الكبيرة ، لأنه ينبغي الاعتناء بهم كما ذكر ، فأذن بذلك فطلعوا وطلع معهم جماعة من النسوة اللواتي كن جالسات في براح الدار ، وأخذ كل واحد من المعلمين موضعه وأخذت النساء مواضعهن من تلك القبة ، وصاروا يخدمون بتلك الآلات بنغم مستعذبة تشبه النغم التونسية ، وصار خدمة هذه الدار يتواردون بموائد الحلواء والثلج والأشربة الطيبة الملونة ، ويطوفون بذلك على الجالسين واحدا بعد واحد ، ممن كانت له شهوة في شيء من تلك الأطعمة والأشربة فأخذ منها ما أحب ومن لم تكن له شهوة في شيء منها يشير لصاحب المائدة إشارة من لا غرض له فيها ، فيمر وهكذا ضيافتهم وإكرامهم في هذه البلدة وفي غيرها فيما شاهدناه في بعض بلاد الروم ، وبقي أصحاب الطرب في تلك القبة نحو ساعتين وانفصل ذلك وخرجوا شاكرين إحسان الباشدور وجزيل إنعامه.

الفرجة التي أنشأت إكراما للباشدور وفرجة الطياطرو

وفي ليلة الثلاثاء فاتح شعبان (١) المعظم ، أتى القونصوا بالأكداش وطلب من الباشدور التوجه هو ورفقاؤه إلى فرجة أنشأها المخزن إكراما وفرحا بقدومكم ، فركبنا الأكداش وتوجهت بنا إلى براح متسع قرب ذلك البرج (٢) الذي تقدم وصفه ، فوجدنا هناك خلقا كثيرا وجماعات /٣٠٣/ من أصحاب الموسيقا متفرقين كل جماعة في موضع ، وكلما مررنا بجماعة منهم أو بقربهم اشتغلوا بخدمة الموسيقا إعلانا بالفرح والتعظيم ، حتى قربنا من ذلك البرج المذكور ، ووقفنا هناك فاشتغل أصحاب الموسيقا بخذمتها في كل موضع ، وكانت عندهم قناديل كالحسك موضوعة في فرج بجدار ذاك البرج ، في الجهة المقابلة لنا وفي الاسطوانات الموصلة إلى داخل ذلك البرج ، وفي مواضع قدامها وكنا نرى ذلك المحل مظلما غاية ، فحين وقفنا في ذلك المحل

__________________

(١) ٢٢ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٢) ساحة مدرج كوليسيوPlazza Del Colosseo.


صاروا يطلقون الحراقيات (١) على ألوان وأشكال ، وبنفس خروج الحراقيات جعلت تلك القناديل في مواضعها المذكورة ، فكان بعضها له لهب أحمر كالدم يخرج معه دخان كثير فحيث انشر وبلغ إلى جدارات ذلك البرج صارت تلك القطعة من ذلك الجدار حمراء على لون ذلك الضوء ولهيبه ، وكذلك طرف من الأرض التي قدامه ، حتى أن من يمر بها يعلوه ذلك اللون ، فيتخيل كأن نارا توقد في ذلك الموضع ، والذي يمر به كأنه يحترق هناك ، وبعض تلك القناديل لهبها أخضر إلى البياض يخرج منها دخان أخضر ، ينتشر كذلك في الجدارات والمواضع القريبة منها فيرى كأن نارا خضراء توقد في تلك الجدارات ، من يمر بتلك المواضع يتلونون بذلك اللون ، ويظهرون من البعد كأنهم بقرب من البعيد عنهم ، وكأن نارا خضراء تشتعل في ذلك الموضع جميعه فوقفنا هناك نحو ربع ساعة وأصحاب الموسيقا يخدمون ، ولا يكاد يحصى من كان هناك من الخلائق في هذه الفرجة ، وحيث أخذنا في الرجوع واستدبرنا ذلك البرج ، واستقبلنا بناء آخر هناك قديما (٢) مرتفعا ، أطلقت حراقيات أخر فأوقدوا في تلك الجدارات نارا ذات لهب أحمر وأخضر مثل النارين الموصوفتين فوقفنا هنا حتى قرب إنطفاؤها ثم أخذنا في المسير وكلما مررنا بمحل قامت الموسيقا /٣٠٤/ على ساق ، واشتغلت بالخدمة على ذلك النسق ، فبينما نحن مارون بتأن ومهلة إذ رأينا شعاعا عظيما خارجا من كوة عالية في جدار مرتفع ، جرم تلك الكوة مستدير فيما يظهر كجرم الشمس والشعاع كشعاعها ، إلا أنه أبيض يميل إلى الخضرة ، ويمكن للإنسان إمعان النظر فيه ، وبانتشار ذلك الشعاع انتشر (٣) الضوء على جميع تلك

__________________

(١) عبارة عن صواريخ نارية تستعمل في الألعاب النارية والإضاءة ، تحتوي على مواد متفجرة لها مهمة الوقود ، وعندما ينتهي هذا الوقود من الاحتراق ، يشتعل مزيج متفجر ويتلون بفضل أملاح معدنية ملونة. (موسوعة عربية : ج ٦).

(٢) قوس قسطنطين Arco Di Costantino.

(٣) الطاقة الكيميائية الناتجة عن الاحتراف كالشهب النارية تشع طاقة حرارية ضوئية ، وتدعى التفاعلات المؤكسدة ، لأنها تتفاعل بقوة مع أوكسجين الهواء أي تحترق عند رفع حرارة الشهب الناري تلقائيا دون توقف حتى تتم عملية التأكسد المشع. (موسوعة عربية عالمية : ج ٦).


الخلائق الذين كانوا هناك حتى كأنه النهار ، ويرى البعيد منهم كما يرى القريب ، ويرى ظلال المارين على الأرض وبالجدران كما ترى الظلال بالنهار ، وتعجبنا من عقول هؤلاء الشطار كيف تخيلوا وصيروا الليل كالنهار ، وليس ذلك من قبيل قلب الأبصار والأعيان ، بل هو محقق الوجود ظاهرة للعيان ، وبقي ذلك الشعاع منتشرا نحو خمس دقائق فقط ، ثم أخذ في النقص والرجوع فتقدمنا إلى أمام فوجدنا جماعة أخرى من أصحاب الموسيقا اشتغلوا بخدمتها عند وصولنا إليهم ثم أرسلوا شعاعا آخر من جدار آخر كالشعاع الذي تقدم وصفه ، وأشرف على الأرض وأضاءت به واستنارت كما وصف ، وأخبر الترجمان أن هذه الفرجة لا يصنعها أهل هذا البلد إلا عند حلول الأمير بها فرحا به ، وقد أمرهم المخزن بصنع هذه الفرجة لتعلموا من ذلك ما انطوت عليه قلوب الدولة من محبة سلطان الغرب سيدي حسن نصره الله ، وتعظيم جانبه الشريف وفرحا بقدومكم ، ولم نزل راجعين ونحن نجد في الطرق جماعة بعد جماعة من أصحاب الموسيقا.

حتى وصلنا إلى دار فيها فرحة الطياطرو ، فطلب الترجمان من الباشدور الدخول إليها هنيئة ما ، فساعده فدخلنا فوجدنا جماعة من أصحاب الموسيقا ببراح اسطوان الدار ، فصعدنا في درج عديدة وكلما انعطفنا مع الدرج إلى جهة سمعنا جماعة أخرى تخدم الموسيقا حتى وصلنا إلى بيوت (١) الفرجة ، فدخل الباشدور لبيت مع الترجمان ، ودخل باقينا لبيوت غيرها ، فحين استقر بالباشدور /٣٠٥/ في محله ونحن قدامه ، أعرض الناس الذين هناك عن فرجة الطياطروا وأقبلوا بالتصفيق على الباشدور وعلينا ، يشيرون بذلك إلى فرحهم وانبساطهم وسرورهم بدخول الباشدور عليهم ، وتلك عادتهم (٢) مهما استحسنوا شيئا وطابت به نفوسهم أخذوا في التصفيق إعلانا منهم بما يجدونه من الفرح والسرور وبموجبه الذي حملهم على ذلك ، وأتوا إلينا هناك أيضا بموائد الحلواء المعقودة على الثلج والأشربة الطيبة ، فتناولنا منها

__________________

(١) المستملحة التي أدرجها صاحب الرحلة سابقا جرت أحداثها بمسرح روما عند مشاهدتهم فرجة رقصة البالي Ballo.

(٢) إحدى العادات الأوربية التي لم تكن متداولة بكثرة عند المغاربة.


يسيرا ثم نهضنا للرجوع ، فأخذ الناس قاطبة في التصفيق كأنهم يطلبون زيادة الجلوس معهم ، ثم رجعنا إلى محل النزول وشكر الباشدور للترجمان صنيع أهل البلد في هذه الليلة ما دل على كمال محبتهم وتمام اعتنائهم.

قدوم أصحاب الطرب على الباشدور وكيفية خدمتهم

وفي ليلة الأربعاء الثاني من شعبان (١) ، قدمت جماعة كبيرة من أصحاب الطرب أيضا للدار التي نحن نازلون بها ، وعددهم خمسة وثلاثون رجلا ، وقيل ستة وثلاثون ، وهم ممن يخدمون بالطرنبطات (٢) على أشكال في الهيئة وفي الكبر والصغر وبالمزامير وغيرها ، ولم يكن الإذن لطلوعهم لتلك القبة لكثرتهم ، ولأنهم يخدمون واقفين يصنعون دائرة منهم ، بوقوف واحد قرب واحد مع انعطاف ما بقدر ما يقتضيه عددهم ، حتى يتصل آخرهم بأولهم كحلقة المداح ، وكل واحد منهم ينصب قدامه ثلاث أعمدة تجتمع رؤوسها قدامه ، فينصب على رأسها أعوادا رقاقا مربعة الشكل ليضع عليها الأوراق التي تبين له فيها خدمة طبائع الموسيقا التي يخدمون بها ، فإذا نصبت تلك الأعمدة قدامهم ووضعت الأرواق فوقها على أعوادها ، ووقدت لكل واحد شمعة قدامه ، فيتقدم واحد منهم ويقف في وسط الحلقة ، وينصب ثلاث أعمدة كذلك قدامه ، ويوقد له الضوء ويأخذ بيده قضيبا ويشتغل بالنقر به على رأس تلك الأعمدة نقرا خفيفا لا يسمع له أثر ، وإنما فيه إشارة ... (٣).

وصف مدينة رومة

/٣١٠/ ... متعددة ، منها ما هو مستقيم كالذي في وسطها ، ومنها المنحرف وهو ما

__________________

(١) ٢٣ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٢) مفردها ترومبيت آلة من آلات النفخ النحاسية من نوع البوق (دائرة المعارف الحديثة ، ج ١ : ٤٩٣).

(٣) الصفحات من / ٣٠٦ / إلى / ٣٠٩ / ببيضاء فارغة.


قرب من الوسط لأن المحل الذي في وسط الخصة كهيئة كسكاس من النحاس ، ثقب وسطه مستقيمة وغيرها اختلف انحرافها ، فإذا خرج الماء من تلك الثقب كل واحد متوجه إلى سمت من السموت وانحدر إلى الخصة يكون رائي هيئة ذلك الماء كهيئة ثرية من بلار عظيمة ، وتارة يجعلون حوضا متسعا وصور سباع باركة بحافاته والماء ينبع من أفواهها إلى ذلك الحوض ، وتارة يجعلون للماء مخارج يفجرونها من بين (١) معادن الحجر كالماء الذي يشاهد تفجيره من بعض أسفل الجبال ، ويجعلون أسفله حوضا متسعا ، ينزل إليه ويديرون به صورا من رخام أو حجر على هيئة الحيوان الآدمي وغيره ، ويشق هذه المدينة وادي عظيم (٢) جل بعض طرقها ، وينصبون عليه قناطير محكمة البناء والإتقان ، ولون هذا الماء متغير كلون ماء بوفكران (٣) بل أشد تغييرا في رأس العين حين مروره في الوادي ، وأما الماء الذي يوتى به إلينا فنجده صافيا لا أثر تغيير به ، وبعض الناس ينصبون شبكة الاصطياد في هذا الوادي على شكل الميزان ، بحيث يتخدون عمودا طويلا جدا ، ويعلقونه من وسطه كعمود الميزان ، ويجعلون كفتيه من خيط الشبكة ، ويكون فيها استرحاء ، وشاهدنا هذا الميزان من بعد ، ورأينا إحدى الكفتين تنزل وتنحذر إلى الماء قيل حتى تصل إلى قعر الوادي وترتفع فإذا صادفت شيئا من الحوت مارا يعلق بها ، ثم تصعد وبصعودها تنزل الكفة الأخرى وهكذا ، وفي هذه البلدة نعم كثيرة. فالإجاص فيها قريب من البادنجنة الصغيرة والعنب المسكي كعنب الغرب ، وكذلك الدلاح كله أحمر يباع عندهم مقسوما ، كل واحدة تقسم نصفين ليشتري كل واحد ما تميل إليه نفسه ، وكذلك من التين والبطيخ والخضر ماطيشة (٤) وغيرها ، وجل الحوانيت تباع فيها هذه /٣١١/ الخضر والفواكه ، وبعضها فيها حوائج لباسهم وأثاثهم ، وأما التجارة فأمرها ضعيف هناك والله أعلم.

__________________

(١) يصف بعض الخصص أو الفسقيات المائية برومة وأشهرهاFontana Di Trevi.

(٢) التيبرTibre أو (Tevere) يصب في البحر التيراني.

(٣) نهر ينبع من عيون موجودة بأيت بورزوين دائرة الحاجب قبيلة بني امطير تسمى عين معروف ، وهو يروي مدينة مكناس ، تكلم عنه الوزان «وصف إفريقيا» ، ج ١ : ١٦٩ ؛ وابن غازي المكناسي العثماني في «الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون».

(٤) الطماطم.


الرجوع من رومة إلى فرينسي

وفي الساعة الحادية عشرة عدا عشر دقائق من يوم الأربعاء المذكور ، وهو ثاني شعبان (١) شرع بابور البر بالسفر بنا من رومة إلى بلد فرينسي بحول الله ، وكان خرج لوداع الباشدور عامل البلد وخليفة وزير الأمور البرانية والجلنار ، وكان ركوبنا في تلك العربة الملوكية الموصوفة ، وأتى الترجمان بكوب كبير فيه حجر الثلد ودفن فيه إبريقا من بلار مملوءا ماء ، ثم سلة فيها أنواع من الحلواء لكنا لم نحتج إلى شيء منها ، ومررنا على بلاد كثيرة لها سياج من الخشب كهيئة الماموني يجعلونه ـ والله أعلم ـ حدودا بينها وبين البقر الذي يرعى هناك ، والبقر الذي هناك جله أبيض اللون أو رمادي وقليله أسود. وفي الساعة الحادية عشرة وإحدى وأربعين دقيقة ، وقف البابور في مدينة تسمى باص وكريزي (٢) سبع دقائق ، وفي منتصف الليل وزيادة ست عشرة دقيقة وقف في شمليانوا (٢) دقيقة أو أقل ، وفي تسع وأربعين دقيقة وقف في أطي (٢) سبع دقائق ، وفي الساعة الأولى وأربعين دقيقة ، وقف في كاسطي اليوني (٢) سبعا وعشرين دقيقة انتظارا لمرور البابور الآتي على طريقه ، وفي الساعة الثانية وسبع وعشرين دقيقة وقف في أربيدي (٢) ثلاث دقائق ، وفي الساعة الثالثة وخمس وعشرين دقيقة وقف في اديوسي (٢) تسع دقائق ، وفي الخمس وأربعين دقيقة مررنا بمرجة عظيمة (٢) هناك ، كأنها بحر والجبال محيطة بها شرقا وبقيت مصاحبة لنا نحو ثلث ساعة ، وفي الساعة الرابعة وعشر دقائق وقف في طرنطلا (٢) أربع دقائق ، وفي الخمس وثلاثين دقيقة وقف في اسطبون فلرنطن (٢) خمس دقائق ، وفي الخامسة ودقيقتين وقف في الريشدا (٢) خمس دقائق ، وفي السادسة وقف في صان اجواني (٢) خمس دقائق ، وفي ثمان وعشرين دقيقة وقف في بنط الرنيالوا (٢) أربع دقائق ، وفي الساعة السابعة وصلنا إلى فرينسية (٢) /٣١٢/ والحمد لله. فمدة السير

__________________

(١) ٢٣ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٢)

Passo Corese ـ ـ < Cilmino ـ ـ < Orte ـ ـ < Castiglione ـ ـ < Orvieto ـ ـ < Chiusi ـ ـ < Lago Trasimeno ـ ـ < Cortona ـ ـ < Castiglian ـ ـ < Fiorentino ـ ـ < Incisa ـ ـ < San ـ giovani ـ ـ < Pontassieve ـ ـ < Firenzi.


بين رومة وفرينسية ثمان سوائع وعشر دقائق ، فإذا أسقط منها مدد وقوف البابور ومجموعها ساعة واحدة وست عشرة دقيقة ، تبقى مدة السير سبع سوائع عدا ست دقائق ، وعند وقوف البابور ووصوله إلى فرينسية طلع إلى الباشدور عامل البلد وأعيانها ، وتلقوه بالتعظيم والترحيب ، ونزلنا إلى المدينة في الأكداش التي كانت مهيئة هناك ، وأنزلونا بأوطيل الذي كنا فيه إذ ليس عندهم أفضل منه ولا أنظف كما قيل ، وعند دخولنا إليه وجدنا الموائد منصوبة وعليها أنواع فواكه الوقت وأنواع شتى من الحلواء وثريات عظام توقد بالشمع ، لكل فريق مائدة تخصه على هذه الصفة ، فبتنا بها ليلة الخميس ثاني شعبان (١) المذكور ، وأقمنا بها ذلك اليوم في غاية الإكرام والبرور والاحترام.

الرجوع إلى طورين

وفي الساعة السابعة وخمس وأربعين دقيقة من ليلة الجمعة (٢) ، شرع بابور البر في السير بنا من فرينسية (٢) قاصدين طورين للقاء عظيم دولة الطاليان بها ، في تلك العربة التي تقدم وصفها ، بعد أن خرج لوداع الباشدور عامل البلد وأعيانها ، وفي الساعة الثامنة وخمس عشرة دقيقة وقف البابور في مدينة ابرلطوا (٢) دقيقتين ، وفي الأربعين دقيقة وقف في بسطويا (٢) تسع دقائق ، وفي التاسعة والعشرين دقيقة وقف في لطيتوا (٢) خمس دقائق ، وفي العاشرة وست دقائق وقف في راكنا (٢) خمس دقائق ، وفي العاشرة وست عشرة دقيقة وقف في ارشا (٢) ثمان دقائق ، وفي الحادية عشرة وعشرين دقيقة وقف في بركاتوا (٢) دقيقتين ، ثم خرج الترجمان من هذه العربة

__________________

(١) الخميس ٣ شعبان وليس ٢ شعبان ، وقد استمر هذا الخطأ إلى أن تداركه صاحب الرحلة في ما بعد ، وهو يوافق ٢٤ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٢)

Firenze ـ ـ < Prato ـ ـ < Pistoia ـ ـ < OsPittaletto ـ ـ < Pescia ـ ـ < Lucca ـ ـ < Berlato ـ ـ < Torino.

في هذه المرحلة تعرضت أمتعة السفارة المغربية لعملية سطو ، ففضل صاحب الرحلة إدراجها عند نهاية الرحلة.


إلى غيرها ، فلم أجد بعد من يخبرني بالمدن التي كان يقف فيها البابور بعد.

وفي الساعة الثامنة وخمسين دقيقة من يوم الجمعة المذكورة ، وصلنا إلى مدينة طورين ووجدنا أهلها فرحين مسرورين ، ووجدنا بالمحل الذي وقف فيه البابور جما غفيرا من العسكر (١) متهيئين للقاء الباشدور خيلا ورماة ، وطلع إليه للعربة عامل البلد والجلنار وأعيانها مهنيئن له في السلامة والعافية ، /٣١٣/ وعند نزولنا من العربة أخذ أصحاب الموسيقا يخدمون بها ، ووجدنا الطرق قد سدت وامتلأت بازدحام الناس ومسابقتهم كأنهم يتسارعون إلى رؤية ملكهم أو أعظم ، وامتدت الطرق التي مررنا عليها على هذا الازدحام ، حتى وصلنا إلى المحل الذي أنزلونا به ، فوجدنا هناك فئة أخرى من العسكر ومعهم أصحاب الموسيقا ، فاشتغلوا بخدمتها حتى صعدنا إلى المواضع التي هيأت للنزول ، وكان هذا المحل الذي أنزلونا به مقابلا لدار عظيم دولتهم ، بينهما براح متسع كالمشور مربع منعطف كهيئة أكدال ، وامتد مع جدراته أعمدة قائمة من نحاس كأنه مخروط مورق جعل على رؤوسها فنارات خمس توقد ليلا ، وهذا المشور دائما يمر الناس به راجلين وفي الأكداش وعربات الوسق وغيرها.

اللقاء بعظيم دولة الطليان وببعض الأمراء

وبعد نزولنا تقريبا ورد الإعلام للباشدور (٢) بالطلوع للملاقاة مع عظيم الدولة غدا ،

__________________

(١) وصل ممثل إمبراطور المغرب ... واستقبل بجميع المراسيم الملكية ، وكان في استقباله في المحطة الجنرال Cadorna وعامل المدينة بزيه الرسمي و... عزفت الموسيقى على الطريقة الملكية كما وصلت العربة الملكية التي حملتهم عبر شوارع طورين تحت رعاية جيش الشرف إلى فندق أوربة ... منحت لهم القاعات الفخمة.(بتاريخ ٢٥ ، غشت سنة ١٨٧٦ م). الإيطاليةGazzetta Del PoPolo.

(٢) وجه وزير خارجية إيطاليا ميليكاري رسالة إلى السفير الزبيدي يخبره بيوم استقبال ملك إيطاليا لهم وذلك يوم السبت ٢٦ غشت سنة ١٨٧٦. «أنه جوابا عن كتابكم الذي مكنني إياه سعادة عامل فالازيو حاجب جلالة السلطان أتشرف بأخبار سعادتكم أن مولانا الملك سيستقبلكم في حفلة رسمية بطورين». (الإتحاف ، ج ٢ : ٣٠٥).


أعني يوم السبت في الساعة العاشرة منه ، فعند ذلك أحضرت صناديق الهدية وفتحت وتفاوض مع الترجمان في تقديمها لدار عظيم الدولة قبل اللقاء (١) به ، فاستأذن في ذلك واستحسن هذا الرأي ، فوجهها في عشية ذلك اليوم. وفي يوم السبت الرابع من شعبان (٢) ، في الساعة السابعة ونصف من صباحه ، أخذ العسكر في التهييء للملاقاة وصاروا يأتون أفواجا أفواجا من كل طريق من الطرق التي توصل لذلك المشور خيلا ورماتا ، وكل طنبور معه أصحاب الموسيقا ويصطفون بذلك المشور صفا وراء صف حتى أخذ كل واحد وكل طنبور موضعه ، وامتدت الصفوف من باب الدار التي كنا بها إلى باب دار عظيم الدولة ، وعند وصول الساعة العاشرة أتت عربات (٣) ثلاث ، كل عربة يجرها أربعة من الخيل ومعها أربعة من العسكر لابسين ثيابهم الفاخرة ، فخرج الباشدور وركب العربة الأولى ومعه الترجمان ، وركبت مع الأمين الثانية ومعنا /٣١٤/ كبير المخازنية ، وركب المخازنية الأربعة العربة الثالثة ، لكن أذن للعساكرية الأربعة الذين يسوقون العربة التي نحن فيها بالتقدم ، فتقدمت

__________________

(١) أثناء هذا اللقاء قدم الزبيدي رسالة سلطانية لملك إيطاليا لم يشر إليها الجعيدي نصها «... أما بعد اقتضى نظرنا السديد أوفدنا إليكم حامله خديمنا الحاج محمد الزبيدي ... وقد حملناه ما يذكره لكم مشافهة نيابة عن جانبنا من المجازات بلسان الخير والثناء ... حيث عينتم سفيركم ... وأوفدتموه على حضرتنا الشريفة مبينا لما نعتقده من صفاء المحبة ... والمعتقد عندنا أن تقابلوا سفيرنا المذكور ، ومن معه بغاية الاعتناء والبرور ... وتصدقوه في جميع ما يذكره لكم ... حتى يرجع مقضى المطالب ناطقا بلسان الثناء ، فإن محبتنا مع دولتكم الفخيمة القديمة ، والمحبة تقضي التسهيل والتيسير ... ٢٨ جمادى الأولى عام ١٢٩٣ ه‍». (الإتحاف ، ج ٢ : ٣٠٦).

(٢) السبت ٥ شعبان يوافق ٢٦ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٣) «.. وبإيقاعات موسيقية ملكية دخلت عربات السفارة المغربية إلى القصر الملكي مصحوبة برجال الدرك على خيولهم بعد قطعهم الساحة الرابطة بين فندق إقامتهم Al Bergo D'EuroPa، والقصر الملكي Palazzo Reale وكان معهم القائدBosio والكونت Sambuy ، حتى وصلوا إلى قاعةSlaone» Degli Suizzeri ـ ـ ـ.

Gazzeta Del PoPolo (Torino) بتاريخ ٢٧ غشت ١٨٧٦ م.


وتبعتها عربة الباشدور وتأخرت عربة المخازنية ، وتقدمت فئة من فرسان العسكر قدامنا في أحسن ما يكون من الزي والتهييء ، ومن خروجنا والموسيقا تتكلم عند كل طنبور نصل إليه ، والعسكر يشير بالسلام متأدبا على عادته ، حتى وصلنا إلى باب دار عظيم الدولة (١) ، فنزلنا ووقفنا حتى تقدم الباشدور وتبعناه والمخازنية وراءنا ، وصعدنا قبب هذه الدار ووجدنا قليلا من العسكر بالدرج التي مررنا بها حتى قابلتنا القبة التي فيها عظيم الدولة ، وكان واقفا بالباب أحد كبراء العسكر ففتح باب القبة وتقدم الباشدور للدخول وتبعه الترجمان فقط ، وكان عندنا الإذن بالوقوف بباب القبة عند دخول الباشدور ، حتى يؤذن لنا بالدخول وعند دخولهما سد ذلك الباب ، ووقفنا نحو ست دقائق ثم فتح ذلك الباب وأذن البواب لنا بالدخول ، فتقدم مقيده ـ عفا الله عنه ـ وتبعه الأمين وفقه الله ، وفي أثره كبير المخازنية وبعده باقيهم ، فلم يكن في تلك القبة إلا عظيم الدولة والباشدور والترجمان لا غير ، فبادر عظيم الدولة بالإشارة بالتحية فأجبناه ، ثم عرفه الباشدور بكل واحد منا وبمرتبته ، ومهما عرفه بواحد أعاد التحية أيضا لكل واحد بخصوصه ، وأجيب بمثلها وظهر فيه من الفرح والسرور ما لم نره من غيره ، وكذلك من كبراء دولته وأهل بلدانه وخصوصا أهل هذه البلدة أعني طورين.

ثم خرجنا من عنده ورجعنا ، فوجدنا العسكر لا زال كل واحد بمحله ، وتوجهنا

__________________

(١) ملك إيطاليا فيكتور إمنويل الثاني (١٨٢٠ ـ ١٨٧٨) Emmanuel II Victor- شغل منصب ملك سردينيا من ١٨٤٩ م إلى ١٨٦١ م ثم توج ملكا على إيطاليا من ١٨٦١ م إلى ١٨٧٨ م وهو ابن شارل ألبيرCharles ـ Albert واجه الكثير من الحروب مع النمسا وفرنسا ، لكنه تابع عملية توحيد إيطاليا في سنة ١٨٦٦ ضم إقليم البندقية ودخل رسميا لروما سنة ١٨٧١ م وعمل على تخفيف الصراع مع الفاتيكان الذي كان يرفض الأمر الواقع ، وقد عاش هذا الملك الجندي حياة بسيطة.

Dictionnaire d'histoire Universelle, Michel Mourre, Bordas, V 1: 1664.


إلى دار ولده للملاقاة معه وهو الذي كان سلطانا (١) عند دولة الصبنيول حين تقاتلت تلك الدولة مع عظيمها ، ففرح بقدومنا عليه فرحا كبيرا ، وكذلك توجهنا في هذا اليوم لدار خال عظيم الدولة /٣١٥/ وهو رجل مسن يستخلفه (٢) عظيم الدولة في سفره ، ففرح كذلك فرحا عظيما وعند رجوعنا إلى محل النزول ، أخبر الباشدور أن من جملة ما تكلم به عظيم الدولة مما يدله على تعظيمه للجانب الشريف ـ أسماه الله ـ واعتنائه به ، أن قال له أنه كان مسافرا في بعض نواحي بلده وأنه إنما قدم لأجل الملاقاة به ، وأنه غدا أي يوم الأحد راجع للمحل الذي كان فيه وأنه أذن لولده يصنع لنا وليمة إكراما وفرحا منه بقدومنا ، ويكون ذلك بداره أي عظيم الدولة ، فلأجل ذلك طلب منه اللقاء بولده فأذن به وسره ذلك سرورا كبيرا.

وفي منتصف هذا النهار أتى الترجمان ومعه كاتب سر عظيم الدولة بتحف (٣)،

__________________

(١) Amedio Disvoia (١٨٩٠ـ ١٨٤٥ م) الابن الثالث للملك فكتور إيمانويل الثاني ، قبل التاج الإسباني سنة ١٨٧٠ م الذي كان فارغا بعد طرد الملكة إيزابيلا الثانية دي بوربون Di Borbone، لكن عارضه الجميع ففضل التنازل على العرش بعد عامين فأعطوه لقب الملك الجنتمان ...Re.Gentiluomo. تزوج بـ Liza BonaParte L'enci, Glorier, vol ١:٢٩٠.

(٢) توجه الضيوف المغاربة لتقديم الهدايا إلى البرلمان نيكوتيرا وزير الشؤون الداخلية المسؤول على الشرطة ، فشكروه على ما بذله بتاريخ ٢٨ غشت سنة ١٨٧٦ م من مجهود لإلقاء القبض على سارقيهم .... كما سيرد لاحقا.

Corriere Della Sira, Milano، بتاريخ ٢٨ غشت سنة ١٨٧٦ م. جريدة.

(٣) عند نهاية الاقتبال الملكي تبودلت الهدايا كما جاء ذلك في الصحف الإيطالية «... بعد دقائق معدودة بدأ جميع الحاضرين يشاهدون الهدايا التي جلبها الزبيدي معه إلى جلالة ملك إيطاليا ، وكانت تشتمل على سروج للخيول وأسلحة وأحدية وزرابي صغيرة وملابس من الحرير والذهب ، وليس جديرا بالذكر التأكيد على الذوق الجميل الذي يتميز به الصناع المغاربة ، رغم أنهم كانوا في بداية العهد الصناعي ... وملك إيطاليا بدوره قدم هدية إلى سفير المغرب تشتمل على علبة للدخان مزينة بالأحجار الثمينة وبندقية عجيبة وساعات يدوية وخواتم ومسدسات وبنادق إلى مرافقيه ، وقدم طاولة مزخرفة لملك المغرب لا ثمن لها ...».

Gazzetta Del PoPolo, Torino، بتاريخ ٢٧ غشت سنة ١٨٧٦ م.


وقال إنها من عظيم الدولة ودفع كل تحفة منها لكل واحد منا بيده فتلقيناها بالقبول ، ثم تركت ما كان دفعه لي منها الترجمان على مائدة بيت الباشدور ، وتوجه كل واحد بتحفته لمحله ، فقال لي مالك تركت حوائجك هنا ، فقلت لا ينبغي لي حيازة شيء منها حتى يعرض ذلك على حضرة مولانا العالية بالله أدام الله عزها ، وهو أعزه الله يجود عنا برضاه الذي هو الكيفية العظمى ، وهو الإكسير الأكبر والكبريت الأحمر ، فسر بما سمعه مني ، وقال : إنه لكذلك وأذن لي بحوزها حتى نعزم على الخروج وتجمع في صندوق يخصها.

الفرجة التي أنشأها عامل طورين

ثم إن أهل هذا البلد أنشأوا فرجة (١) عظيمة في الليلة القابلة بعد هذا اليوم ، وهي ليلة الاثنين وذلك بأنهم عمدوا إلى جداري الركنة الخارجة في هذا المشور ، وجعلوا في أحد جداريها خاتما كبيرا من المصابيح الصغيرة ، وجعلوا فيها ماء على ألوان وجعلوا الزيت فيها وجعلوا في وسط الخاتم حروف الاسم المفرد من تلك المصابيح وجعلوا في الجدار الآخر صورة كرونة عظيم دولتهم من المصابيح ، في وسط تربيعة من المصابيح أيضا ، وجعلوا صفا ممتدا لدخول الغاز مع جدرات المشور ، ونصبوا مائدة مثمنة بوسط المشور قريبة من الدار التي نحن بها وهي من /٣١٦/ العود ، وهي متسعة في طولها وعرضها نحو اثني عشر ذراعا ، ومثلها في كل جهة من جهات التنميق ، ونصبوا أعمدة دائرة مع هذه المائدة ، وفي رأس كل عمود خمس وردات حمر من الورد المصنوع ، كل وردة في الكبر مثل جرم كرة أربعة وعشرين ، وكان بقرب تلك الركنة

__________________

(١) «مساء البارحة أقامت «مصالح بلدية طورين» على الساعة ٨ مساءا ، وعلى شرف السفارة المغربية بإنارة Castelo Piazza، بحضور فرقة الحرس الوطني ، الذين كانوا يعزفون الأناشيد تحت مقر إقامة السفير ، وقد حج جمهور غفير لمشاهدتهم والسلام على السفير المغربي ، الذي بدوره رد السلام عليهم من نوافد وبالكون إقامته بفندق أوربا ...».

Gazzetta Del PoPolo, Torino، بتاريخ ٢٧ غشت سنة ١٨٧٦ م.


الخارجة من المشور أشجار ممتدة معها ، نصبوا بين أغصانها وأوراقها كواغد على شكل المخروط كالمكب ، وهي على ألوان أضا وحيث قرب الغروب أوقدوا تلك المصابيح والفنارات الممتدة مع جدران المشور ، وجعلوا سرجا بداخل ذلك الورد المصنوع الذي على رؤوس الأعمدة المحيطة بتلك المائدة ، وفي الأشجار المذكورة في وسط الكواغد الملونة ، ثم أتى أصحاب الموسيقا وأحدقوا بتلك المائدة ودخل واحد منهم وسطها على عادتهم ، وصاروا يخدمون وامتلأ ذلك المشور ليلا بالخلائق رجالا ونساء وصبيانا ، وأتت في ذلك الوقت جماعة من أعيان أهل البلد ، وتلاقت بالباشدور وأخبروه أن فرحهم بقدومه واعتناءهم بجانب مولانا الشريف هو الذي حملهم على إنشاء هذه الفرحة ، فشكرهم (١) على ذلك ثم قال الترجمان للباشدور ، ينبغي لك أن تخرج إلى ذلك السرجم وتقابل الناس الذين اجتمعوا هناك وتشير لهم بالترحيب ، فخرج وخرجنا معه ، فحين أشرفنا عليهم أخذوا في التصفيق جميعا وتلك عادتهم إذا كانوا مجتمعين في موضع ورأوا ما يسرهم ، ثم جلسنا هنيئة على الشوالي بين الدربوز وجدار الصالة التي كان فيها الباشدور ، وكلما قام الباشدور ورام الدخول يأخذون في التصفيق ، يريدون بذلك الرجوع إلى الجلوس ، فيجلس حتى تكرر ذلك منهم مرارا فقام وأشار لهم بالسلام ودخل لمحله فتفرقت الناس وراح كل لمحله.

وفي يوم الأحد الخامس (٢) منه ، أتى الترجمان بالأكداش وخرجنا معه إلى عرصة لعظيم الدولة قريبة من داره ، ولعلها متصلة بها من بعض الجهات فوجدنا /٣١٧/ أنواعا من السباع في أقفاص من الحديد ، لا حاجة إلى إعادة ذكرها وبيانها لتقدم ذلك وبيانه غير ما مرة.

__________________

(١) «تعجب الضيوف المغاربة من مشاهدة العلم الأحمر الذي قام بتعليقه صاحب الفندق وسط ساحته.

كل البلدان التي تعتقد ديانة محمد يعتمدون العلم الأحمر وبداخله نجمة أو أكثر من نجمة أو نصف هلال أو ثلاثة أنصاف الهلال وذلك حسب الدولة التي ينتمي إليها العلم كتركيا ومصر وتونس والمغرب ...».

(La Lombardia, Torino) ، بتاريخ ١ / ٩ / ١٨٧٦ م. جريدة.

(٢) الأحد ٦ شعبان يوافق ٢٧ ، غشت سنة ١٨٧٦ م.


زيارة سجن مدينة طورين

ثم خرجنا من تلك العرصة وذهب بنا إلى سجن (١) هذه البلدة ، فدخلنا إليه فوجدناه مستديرا كالبرج ، وقد أحدقت به بيوت صغيرة بعضها فوق بعض ، ولعلها خمس طبقات ولكل طبقة سراجم ودرابيز من قضبان الحديد ، والضوء منتشر في جميعه حتى قيل لهم من ضاقت عليه المعيشة منهم يرتكب جريمة فيدخل لهذا السجن فلعله يجده أفضل من محله ، فانبسطوا لذلك ثم سرحت بصري في قطر دائرة هذا السجن ، إذ فيه طرق متقابلة هي أقطار دائرته ، وظننت أن قطرها يكون نحو ثلاثمائة متر ، ولم أكتف بهذا فسألت الترجمان فاستفهم عنه كبير السجن ، فقال إما يزيد على ثلاثمائة متر أو ينقص. وهناك أناس يخدمون منهم النجارة يستخدمونهم بعض الناس ، والسجان (٢) يقبض لهم أجرتهم ولا يدفع لهم إلا ما يتوقفون عليه من النزر القليل. وعند خروجهم يتحاسبون معه ، ويدفع لهم ما يجتمع عنده ، ومنهم أناس يغزلون الخيط كأن القيطان في نواعير على هيئة الشراطة فسئل أحدهم عن سبب سجنه ، فقال إن رجلا سرق سرقة وأخفاها عنده ، فسجن لأجل ذلك وحكم عليه بالسجن ثلاثة أعوام ، وقد مر منها عام ونصف ، ومنهم أناس يصنعون صنيدقات من الكاغد للوقيد ، قيل يخرج كل يوم من هذا السجن سبعون ألفا من تلك

__________________

(١) تعرضت السفارة المغربية لسرقة داخل القطار ، لكن السلطات الإيطالية استطاعت إلقاء القبض على اللصوص كما سيأتي ذلك بتفصيل. في هذا الإطار تدخل زيارتهم لسجن طورين الجديدLe corceri nuove بدعوة من عامل المدينة ليؤكد لهم حقيقة إلقائهم القبض على المجرمين بعد أن تشكك الزبيدي في أن القبض على المجرمين ما هو إلا تغطية حكومية للموضوع.

(La Lombardia, Torino) ، بتاريخ ٣١ / ٨ / ١٨٧٦ م. جريدة.

(٢) طبق نظام السجون الحديث أسلوب العمل الإجباري نظرا لحاجة النهضة الصناعية لأيدي عاملة ، وذلك بإجبار المحكوم عليهم على القيام بأعمال يدوية متنوعة مقابل أجور خاصة ، قسم يحصل عليه مباشرة ، وقسم يذخر له طول المدة المحكوم بها عليه ليستطيع مواجهة متطلبات المعيشة داخل المجتمع الجديد. (مؤسسة السجون ، أحمد مفتاح البقالي ، الرباط ، ١٩٧٩ : ٦٢).


الصنيدقات ، وفي هذا السجن مطبخة يقوم بها المخزن عندهم للمسجونين ، وبه عراصي محدقة به فيها أشجار وأنوار وخضر ، وفي كل عرصة (١) يبنون في وسطها دائرة كالبرج الصغير يكون قطرها نحو ستة أذرع ، وقد فتح في جدار دائرتها شراريف ، يقال أن المساجين يخرجون كل يوم لتلك العراصي وعند خروجهم يدخل بعض العساكرية لتلك الدائرة التي في وسط العرصة بالمكاحيل ، فإذا رأوا أحدا من المساجين يتنازع مع آخر يصربه بالبارود /٣١٣/ هكذا الحكم عندهم.

الإكرام بدار عظيم الدولة

وفي الساعة السابعة ونصف من ليلة الاثنين سادس شعبان (٢) ، توجهنا لدار السلطان للوليمة التي كان وعد بها ، وأنه كلف (٣) بها ولده فحين طلعنا لقبب الدار ووصلنا إلى القبة التي فيها ولد عظيم دولتهم ، وجدنا معه جماعة كبيرة من الوزراء والأعيان ، ثم أدخلونا إلى قبة الإكرام وهي مستطيلة سقفها نصف دائرة مموه

__________________

(١) السجن المفتوح يتوفر على مساحات شاسعة ، حتى يتمكن من تشغيل المحكوم عليهم في الأعمال الزراعية والصناعية المتصلة بها ، كأسلوب عقابي جديد تساعد السجين على استعادة مكانته في المجتمع ، ولتفادي هروبهم تشدد الحراسة في أبراج اصطناعية عالية تشرف على الأراضي الفلاحية.(نفس المرجع السابق).

(٢) الاثنين ٧ شعبان يوافق ٢٨ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٣) «كلف الملك فكتور إمنويل الثاني ولده Duca D'Aosta بإقامة حفلة عشاء على شرف أعضاء السفارة المغربية بقاعةFestini ـ ـ ـ والمدعوون حدد عددهم ب ٩٠ في الأول وتقلص العدد إلى ٦٠ شخصا منهم وزير الداخلية ووزير الحربية ووزير الخارجية ..».

Gazzetta Del PoPolo, (Torino)، بتاريخ ٢٨ غشت سنة ١٨٧٦ م.

لكن Melegari لم يحضر هذا الحفل ، وذلك لضرورة حضوره بروما خلال هذه الفترة لانعقاد مؤتمر السلام بروما الذي تلعب فيه إيطاليا دورا مهما. نقلا عن جريدةLa Liberta.

Corriere Della Sira, (Milano)، بتاريخ ٢٧ غشت سنة ١٨٧٦ م.


بالتذهيب والتوريق ، وفي السقف خمس ثريات عظيمة من البلار توقد بالشمع ، وجدران هذه القبة فيها مرايا عظيمة ، وبين كل مرءاتين ثريات صغيرة من صفر ، بعضها فوق بعض توقد بالشمع ، وفي وسط هذه القبة مائدة قائمة على أعمدة ممتدة من مدخل القبة إلى قرب منتهاها ، وجعلوا على هذه المائدة ثلاثا وعشرين حسكة من المعدن ، كل حسكة فيها ثنتا عشرة شمعة ومنها ما فيه أقل ، وفي وسط كل حسكة مشموم من ألوان النوار قد رصف على نسب عجيبة وأشكال غريبة ، ولكل حسكة طاس تستقر عليه كالطبقة الكبرى ، رصف أيضا بالنوار كأنها زربيات ، وبين كل حسكتين مشموم عظيم من النوار أيضا ، منصوب على حسك أخرى ، ووجدنا هذه المائدة قد حفت بالشوالي ، وعلى المائدة قبالة كل شيلية ورقة فيها اسم الرجل الذي يجلس في تلك الشيلية وقدامه طبسيل من الطاووس العجيب وكؤوس بلار عديدة ، وجنوي وفيجكة ومعلقة كلها مموهة بالذهب ، فجلس كل واحد منهم في شيلية ، وأجلسوا كل واحد منا بمحله وكان جلوس الباشدور عن يمين ولد عظيم دولتهم ، وعن يمينه الترجمان ونحن في الجهة الأخرى مقابلون له ، ثم أخذوا يأتون بأطعمتهم على عادتهم ، فما تناولنا منها إلا الخبز والزبدة وأنواع الحلواء ، وكانوا يعرضون علينا أنواع الطعام التي يطوفون بها عليهم ، فكنا نشير إليهم بالامتناع (١)

__________________

(١) تعليق بطرة الصفحة كتبه لابنه عبد القادر الجعيدي. «لا شك أن هؤلاء أهل كتاب وطعامهم الذي لم يحرم في كتابنا حل لنا كما أن طعامنا حل لهم ولا يلزم تحريمه ، وإعراضهم من كتابهم وحرمة طعامهم علينا كما لا يلزم من إعراض بعضنا عن كتابنا حرمة طعامه على البعض الآخر». هذا الموقف أثار عند الأوربيين الكثير من الفضول ، وقد استطاع أحد الصحفيين الدخول إلى مقر إقامة السفارة المغربية صحبة الترجمان Bosio وكتب التقرير التالي : (Torino)La Lombardia  «... ضيوفنا الأعزاء لا يأكلون لحم الخنزير ولا مشتقاته ، وكل ما يطبخ في المطابخ الأجنبية وغير المسلمة وهم يكتفون بأكل اللحوم المدبوحة ، حيث يوجه الشاة إلى القبلة أي مكان قبر الرسول ويدبح وينتظر حتى تسيل دماؤها وتسلخ وتقدم مطبوخة وهذه الطريقة صعبة ولكنها صحية ...» ، ثم تكلم عن شخصية السفير وشكل لباس المغاربة وغير ذلك.


منها فيعرضونها على غيرنا ، وكل واحد منهم يأخذ منها حاجته ، وفي آخر الإكرام أخذ الخدمة يطوفون بأواني الحلواء في احكاك صغار /٣١٩/ مثل بيضة بلارج ، ومنها ما هو مستدير فكان منهم من يأخذ حكا واحدا ، ومنهم من يأخذ حكين ، فحين وصل إلي الذي يطوف بها أشرت له بعدم الأخذ منها ، فمر وأخذ الذي كان عن يميني بل يساري حكما وضعه قدامه ، وحيث رآني لم آخذ منها ، أحذ حكا آخر ووضعه قدامي ، ثم قام الناس فأخذ كل واحد حكه ووضعه في جيبه ، فقمت وتركت الحك الذي كان قدامي فلحقني به الذي كان وضعه قدامي ، وأشار إلي بأن جميع الناس أخذوا حككهم ، وأشار إلي بوضعه في جيبي فقلبته إذ ذاك ، فمن هذا الاحكاك ما هو من زاج ومنها ما هو من الكاغد ، وبها تزويق وتذهيب والحلواء التي بداخلها كالحبوب ملونة ، وهي إنما تليق للعب الصبيان ، وهم يأكلون ذلك في مواضعهم افتخارا ورفعة لهم ، ثم خرجنا من تلك القبة إلى غيرها ، وصار الناس واقفين بها وولد عظيم الدولة يقف مع كل واحد منهم هنيئة ويكلمه بانبساط وتبسم ، حتى وصل إلى الباشدور فتكلم معه بما يناسب وتشكر عن اعتنائهم بالجانب الشريف أسماه الله ، ثم أخذ الوزراء يأتون إلى الباشدور واحدا بعد واحد ويرحبون به حتى مروا عن آخرهم ، وخرجنا وانصرفنا إلى محل النزول.

الخروج لى الصيد مع ولد عظيم الدولة والوزراء

وفي صباح الاثنين المذكور أتى الترجمان إلى الباشدور ، وأخبره أن ولد عظيم الدولة يحاول الخروج للصيد في الغابة حول المدينة ، وأنه يأذن لنا في الخروج معه للصيد ، ويخرج معنا الطباخ الذي يطبخ لنا ليهيء لنا الغذاء هناك ، لأنه ذكر أنه رءانا لم نأكل شيئا من طعامهم في تلك الوليمة ، وألمه ذلك غاية لكنه سره عدم أكلنا منه من جهة محافظتنا على شرعنا ، فخرجنا في الساعة العاشرة من يوم الاثنين المذكور ، ولم يكن من المخازنية إلا قائدهم ، فسرنا في الأكداش نحو ساعة في طريق محفوفة بالأشجار عن اليمين واليسار ، حتى انتهينا إلى دار


عظيمة (١) كأنها قصبة ، فدخلنا إلى قبة بأسفلها مرفوعة على أربع سوار عظيمة ، وفيها حياض وأنوار ومحابيق ، ثم خرجت مع الأمين إلى باب هذه القبة ، فوجدنا ولد عظيم الدولة قد أتى راكبا كرسي الكدش (٢) وبيده سوط ، وهو الذي /٣٢٠/ يزجر الخيل التي تجر الكدش الذي فيه أتى معه من أعيانهم ، فتعجبنا من سياسته ولطافته ثم دخلنا وأتى بنا إلى قبة أخرى فيها مائدة أكلهم ، فجلس كل واحد منهم على شيليته وجلسنا نحن كذلك ، وكان الطباخ (٣) قد هيأ لنا الغداء هناك ، وبعد الغداء ركبنا الأكداش وذهبنا إلى الغابة ، فوصلنا إليها فإذا هي كالأجنة والطرق ممتدة فيها طولا وعرضا ، وهي خاصة بعظيم الدولة ، ولا يصطاد أحد فيها شيئا ، وقيل هي مربعة تكسيرها خمسة وعشرون ميلا ، وعند خروجنا إليها كانوا دفعوا لكل واحد كاغدا مستديرا قدر جرم الريال ، في كل واحد حرف أو حرفان من حروف الغبار ، ليقف كل واحد في الموضع الذي فيه النمر الذي في الكاغد الذي دفع إليه ، ثم نصبوا أعمدة ممتدة مع تربيعة من تربيعات هذه الغابة ، وفي رأس كل عمود لوحة جعل فيها حرف أو حرفان من حروف الغبار ، وبين كل عمودين نحو أربعين خطوة وأقل وأكثر ، وكل واحد منهم يقف مع النمر الذي في كاغده ، فإذا وقفوا يتكلم واحد ببوق فيدخل العسكر إلى تلك التربيعة بأيديهم العصي ، ويتشغلون بضرب الأشجار

__________________

(١) طبقا لرغبة الزبيدي التي أبداها لسفير إيطاليا بلندن أقيمت حفلة للصيد البري بمنطقةStuPinigi (D.M.Smith) S.P.E.I.

StuPinigi«بناية الصيد البري التي شرع في بنائهاFiliPPe Juvarra عام ١٧٢٩ م ، وأنهاها فنانون محليون سنة ١٧٣٥ م وخصصت كمقر خاص للصيد البري للملك فيكتور اميديو الثاني ، وهي الآن متحف التحف والأثاث المنزلي. «Ammobiliamento

L'EncicloPedia Glorier,) Milano (, vol. 18: 346.

(٢) انظر شرحه بالملحق : ٤.

(٣) «... بما أن السفير المغربي ومرافقيه لم يأكلوا أي شيء مما قدمه لهم D'Aosta Duca من طعام ، فقد قام هذا الأخير بتجهيز طاولة بأكملها من الطعام على الطريقة المغربية التقليدية ...».

Gazzetta Del PoPolo, (Torino)، بتاريخ ٢٩ غشت سنة ١٨٧٦ م.


فتطير الطيور فيحشرونها إلى جهة الرماة ، فمن مر في طريقه طير أخرج فيه مكحلته ، حتى يصل العسكر إلى الرماة ، ثم انتقلنا إلى تربيعات أخرى ، واحدة بعد واحدة ، وكل واحدة يعملون فيها مثل العمل الأول ، فضربوا طيورا كثيرة ، وكان الباشدور أكثرهم إصابة ، وفي كل تربيعة يضرب فيها طيرين أو طيرا ، فتعجبت النصارى من رمايته (١) وإصابته ، وكان جملة ما أصاب من الطيور إما سبعة أو ثمانية ، وشاع هذا عندهم وجملة الطيور التي أصيبت في هذا الصيد قيل نيف وخمسون طائرا ، وأرنب واحدة.

ثم رجعنا إلى تلك الدار التي خرجنا منها ، فوجدنا قد نصبت موائد في البراح الذي قدام بابها ، وعليها أواني شرابهم فدخلنا إلى الدار. /٣٢١/ ثم خرج ولد عظيم الدولة إلى ذلك البراح الذي فيه تلك الموائد ، وكانت قد هيأت للعسكر الذي كان يحشر الطير للرماة ، فجلس معهم على تلك الموائد حتى شرب معهم ثم رجع إلى الدار وجلس مع الباشدور وأوتي بأنواع من حلواء الثلج وغيرها ، فتناولنا منها ما تيسر ثم ركبنا الأكداش راجعين إلى المدينة ، فنشأت غبرة كثيرة في الطريق من جري الخيل التي تجر الأكداش ، فقلت في سري زد هذه على حرارة الشمس التي ظللنا نتقلب فيها من مكان إلى آخر ، وقيدت إذ ذاك حين الرجوع هذه الأبيات (٢) :

فماالصيدفي وقت الربيع ولاالصيف

من دأبي ولا أبغي التقلد بالسيف

ولكن أحب الصيد في غسق الدجا

ببيت غزال ناعم الكف والردف

تعاطيني كأس الشوق صاف شرابه

وتمزجه عتبا وتسمح بالعطف

__________________

(١) «... حفلة الصيد البري الذي أقيم بمنطقةCastello Di StuPinigi  على شرف سفير المغرب الذي عبر عن فرحته ومشاركته في الحفل وقام برمي عددا من الطلقات بالبندقية أصابت الهدف ...».

Gazzetta Del PoPolo, (Torino)، تاريخ ٢٩ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٢) قصيدة شعرية من البحر الطويل.


وقبل انصداع الفجر يحلو تهجّدي

وما أنا ممن يعبد الله عن حرف

ولي قلم يبرى إذا هاج غيظه

يراعي ذمام السيف من شدة الخوف

ففيه اكتسابي وافتخاري ورفعتي

ونعم الرفيق في الشتاء وفي الصيف

وكان ولد عظيم الدولة أمر الطبجية يخرجون لرمي الإشارة بالمدافع ، ويجربون الرمي بمدفع عظيم أحدثوه وزنه ثمانية وثلاثون طنا ، وطلب من الباشدور الخروج للحضور معهم في ذلك الرمي.

الخروج لرمي الإشارة مع الطبجية

فخرجنا في الساعة الثامنة من يوم الثلاثاء ثامن (١) شعبان ، راكبين الأكداش وفي الساعة الثامنة ونصف ركبنا في بابور البر متوجهين إلى الموضع الذي يرمون فيه الإشارة ، فمر البابور بنا على أرضين مربعة ليس فيها إلا الربيع الأخضر لسريان الماء في حدود هذه الأرضين ، وقد غرست الأشجار في الحدود وسويت صفوفها وتقاطعت طولا وعرضا ، ثم مر /٣٢٢/ بنا على أجنة العنب ، وهم ينصبون مع كل ساق دالية (٢) خشبة برأسها أعمدة تنزل عليها أغصان الدالية ، لما يرون في ذلك من المصلحة لها فتخلخل الريح والهواء فيما بين الأغصان وما بتحتها ، وإشراق أشعة الكواكب عليها ، بخلاف الدالية التي في بعض مدن الغرب ، فإنهم يتركون أغصان الدالية يترامى بعضها فوق بعض حتى يلتئم غالبها ، ولا يمكن السلوك بينها إلا بمشقة

__________________

(١) ٢٩ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٢) أو الكرمة لها أغصان طويلة تحتاج إلى دعائم تعترش عليها بفضل أعضاء لولبية بدل تركها زاحفة على الأرض عرضة للحشرات والطفيليات كما كان سائدا بالمغرب. (موسوعة عربية).


لا سيما في الصباح بعد نزول الندى ، ويبقى غالب عناقيد العنب إذ ذاك منحجبا بين الأغصان والأوراق عن تمام نفود الهواء والأشعة ، وربما يكون تتولد آفة للعنب من ذلك والله أعلم.

وفي الساعة التاسعة وثلث نزلنا في المحل (١) الذي يرمون فيه الإشارة بالمدافع ، فوجدنا هناك بعض كبراء طبجية العسكر فتلقوا الباشدور بالتعظيم والترحيب وغاية الأدب ، ووجدنا هناك مدافع الجر صغيرة من العينة التي تعمر من وراء ، ومدفعا آخر عظيما جديدا هو الذي أحدثوه وأرادوا تجريب الرمي (٢) به في هذا اليوم ، وهو كذلك من العينة التي تعمر من رواء لكن على كيفية أخرى ، لأن قعره مبسوط مستو ليس فيه انعطاف داخلا وخارجا ، والمحل الذي يعمر منه فيه وشك كوشك خزنة المكاحيل ، لكن قسموا دائرة هذا الوشك ، وهي الباب التي يعمر منه إلى ستة أقسام وأسقطوا وشك سدسها حتى صار مستويا مع الخزنة ، وتركوا وشك سدسها الثاني بارزا على حاله وأسقطوا وشك السدس الثالث كذلك ، وتركوا الرابع كما ذكر ، وأسقطوا الخامس كالأول وتركوا السادس على هيئته ، فصار فم الخزنة بهذا فيه أي في دائرته ثلاثة أسداسها ، وشكها بارز والثلاثة الأسداس الأخرى أزيل وشكها وسويت مع الخزنة ، واتخذوا جرما من الحديد اسطواني الشكل ، وجعلوا فيه وشكا /٣٢٣/ مثل وشك الخزنة مقسوم على ستة أجزاء أسقطوا وشك ثلاثة أجزاء ، وتركوا بينها وشك الأجزاء الثلاثة الباقية ، وبهذا الجرم الاسطواني يسدون الخزنة على عمارة هذا المدفع ، لأنه أي هذا الجرم المذكور ، مقبوض بحلقة من حديد من طرفه الذي يبقى بارزا عن الخزنة عند السد به ، ولهذه الحلقة طرف حديد ناتئ منها ممتد إلى جرم خزنة المدفع من جهة اليمين ، ووصل هذا الطرف المذكور بجرم الخزنة بهيئة

__________________

(١)

 CamPo Militare di San - Maurizio,) M. D. A. E. I. ARCH. STIR. DIPL.

(يقع وسطPiemonte ويبعد بحوالي ١٩ كلم شمال طورين ، مخصص كحقل لتجارب الأسلحة الإيطالية الحديثة ، وخاصة المدفعية ومكان المناورات العسكرية طيلة القرن ١٩ م وقد تحولت في ما بعد إلى منطقة صناعية.

(٢) رسم توضيحي يبين شكل التقنية المستحدثة في المدافع الكبيرة التي تعمر من الخلف والتي أثارت اهتماما كبيرا عند المغاربة. (انظر ملحق الرسوم والصور صفحة ٢٤).


البزكرات ، وفي جرم الخزنة أيضا فوق تلك البزاكرة ناعورة من حديد في جرفها درج بها يفتحون الخزنة ويخرجون منها ذلك الجرم الذي تسد به ، وبها تسد ، فإذا عمروا هذا المدفع وأرادوا سده يدفعون بأيديهم ذلك الجرم حتى يقابل رأسه فم الخزنة لأنه ممسوك بتلك البزاكرة ، وعند مقابلة رأس ذلك الجرم لفم الخزنة وعزمه على الدخول إليها يكون وشكه ووشك الخزنة متغايرين ، أعني تكون الأجزاء الساقطة من وشك الخزنة مقابلة للأجزاء الساقطة من وشك الجرم ، والبارزة منها مقابلة للبارزة الأخرى ، فلا يمكن السد به على هذه الحالة فعند ذلك يديرون تلك الناعورة وبدورانها يأخذ الجرم في الدوران حتى تسامت الأجزاء الثلاثة الساقطة من وشكه الأجزاء الثلاثة البارزة من وشك الخزنة ، فعند ذلك يدخلون طرفا من رأس الجرم في فم الخزنة ، ثم يديرون تلك الناعورة فيصير الجرم يدور داخلا في الخزنة لتطابق الوشك إذ ذاك بعضه مع بعض حتى يصل إلى منتهاه ، هذه كيفية (١) فتح خزنة هذا المدفع وسدها على حسب ما ارتسم في خيال مقيده وسامحه مولاه.

كيفية عمارة هذا المدفع

وأما كيفية عمارته ، فإنه أتى رجلان من العسكر كل واحد منهما حامل على

__________________

(١) رسم توضيحي يبين كيفية إقفال أو فتح باب خزنة المدفع ، وذلك بتدوير تلك الناعورة الدائرية الشكل يمينا أو يسارا. والمخزن المغربي كان يسعى لاقتناء أسلحة عصرية ، بعد ما انهزم أمام الجيوش الأوربية ، وفقد تفوقه العسكري على القبائل بسبب انتشار تجارة تهريب الأسلحة «البنادق» ، وبيع العسكر «الهراب» لأسلحتهم أثناء موسم الحرث ، فلم يبق أمامه إلا ميدان واحد للتفوق على القبائل وهو المدفعية لكن هذه المدفعية بقيت فعاليتها متوقفة على الأجانب ، رغم ارتفاع عدد المغاربة الذين تدربوا عليها «معلمين» طبجية ، ولعل هذا راجع إلى تعدد أنواع المدفعية المستعملة بالمغرب ، واحتراس المخزن من وضع هذا السلاح «الحيوي» بين أيدي من يمكن أن يصبح خطرا عليه ، لهذا كان المخزن يلتجئ إلى أعضاء البعثات العسكرية الأجنبية في هذه المهمة. (الجيش المغربي وتطوره في ق ١٩ ، برادة ثريا ، مرقونة بخزانة كلية الآداب بالرباط). (انظر ملحق الرسوم والصور صفحة ٢٥).


ظهره برميلا فيه خنشة من البارود ، ووزنهما معا كما ذكروا ثمانية وستون كيلوا ، وهي تعدل قنطارا وستة وثلاثين رطلا تقريبا ، /٣٢٤/ ووضعوهما بين أيدي الطبجية قرب المدفع ، ثم أتوا بكورته في كدش وهي مستطيلة محددة الرأس ، ورفعوها بالبوجي المتصل بكريطة هذا المدفع ، وأداروا البوجي عند رفعه لها حتى سامت فم الخزنة ودفعوها إليها حتى حلت محلها من الخزنة ، ثم ألحقوا بهاتينك الخنشتين من البارود ، وسدوا الخزنة على الجميع بالكيفية السابقة ، وسغنسوا أي تقبوا خنشة البارود من ثوب الخيش على الكيفية المعهودة ، وركبوا النيشان الذي يحققون به الإشارة التي يرمونها في الجهة اليسرى من خزنة المدفع لا فوقه أو وسطه ، وحققوا به مسامتة الإشارة ، وركبوا في الخبش حلقة النار التي بها يخرجون عمارته ، بعد ما ركبت فيها قنبة طويلة ، ثم تكلم واحد منهم بالبوق للإعلام بخروج هذا المدفع ليكون منه على بال من جهة الإشارة من الناس ، وبعد ذلك أخرجوه ، فكان له صوت (١) مرهب لم أسمع مثله قط ، وحسست بشيء يروم الخروج من أذني وبقي بهما طنين كثير مدة من الزمان ، وحريق مؤلم كما تتألم العين بالفلفل ، وسبب هذا أني كنت عن يمين المدفع مسامت لفمه ، وبانتشار صوت المدفع لتلك الجهة أصابني ما أصابني والحمد لله على السلامة ، وأما من كان وراء هذا المدفع بعيدا عنه أو قريبا فإنما تعجب من ذلك الصوت الهائل وتشكى بأذنيه أيضا ، وقالوا إن هذه الكورة أصابت رأس اللوحة التي كانت منصوبة إشارة ، لكني لم أر أثرا لذلك لأن بينهما وبين المدفع اثنتا عشرة مائة متر ، وكانوا أخرجوا عمارات بمدافع الجر الصغيرة قبل هذا ورموا بها ألواحا أخرى منصوبة ، وقالوا إنها كانت تصيبها تلك الكنبرة ، والذي كنت أشاهده أن تلك الكنبرة عند وصولها للوحة الإشارة تتفرقع هناك ، لأنها مملوءة بالخفيف المصنوع من روح التوتية كما قيل ، أو منهما معا ، فحين رأونا وقع لنا الشك فيما يقولونه من إصابة

__________________

(١) كان البارود المستعمل في المدفعية حتى سنة ١٨٣٠ م ، يتكون من حبات صغيرة والتي تعطي دويا لمدة قصيرة ، تستعمل لتحطيم أهداف قريبة ، وحوالي ١٨٥٥ م بدأت المدفعية تستعمل القذائف الطويلة والثقيلة بفضل تطور صناعة الصلب بأوربا.

Histoire générale des techniques, Tome. IV; Techniques Militaires.


الإشارة ، طلبوا منا الانتقال إلى قرب /٣٢٥/ الألواح المنصوبة إشارة لنرى إصابتها معاينة ، وأتوا بالأكداش فركبنا حتى وصلنا إلى قربها ونزلنا ووصلنا إلى تلك الألواح المنصوبة ، وهي متفرقة في مواضع متعددة ، وطول كل لوحة نحو ثمانية ذروع وعرضها نحو ستة ذروع وغلظها أزيد من بلكاطة ، وهي كهيئة الدفة وكل لوحة بكل طرف من أعلاها خشبتان نازلتان منه إلى الأرض لتنفد منها الكونبرة ، وتبقى واقفة أي اللوحة ، ورأينا في اللوحة الأولى فورمة ثمان كونبرات كأنها نزعت منها بالبريمة ، فالفورمات المتباعدة على هذه الكيفية والمتقاربة تكسر العود الذي بينها ، لأجل المقاربة ومنها فورمة واحدة على رأس السواد الذي في وسط اللوحة ، وفيها تقب عديدة بالخفيف الذي رمته الكونبرات التي كانت تتفرقع هناك ، ومنه الذي لا زال مغروسا في جرم اللوحة ، وهذا الأثر الذي في هذه اللوحة هو ضرب مدافع الجر ، ثم سرنا إلى اللوحة التي رموها بالمدفع الكبير ، فرأينا كونبرة الضربة الأولى خرقت وسطها ، والضربة الثانية أخذت طرفا من أعلاها ، فحين وقفنا على ذلك وشاهدناه معاينة ، تأخر بنا ما كان معنا من النصارى وترجمانهم عن تلك الألواح ، وكانوا قد نصبوا السلك من المحل الذي فيه المدافع إلى محل الإشارة ، فتكلم أصحاب السلك بمحضرنا الذين بمحل الإشارة مع الآخرين وأعلموهم بأن الباشدور وأصحابه قد رأوا ذلك وتأخروا ، فعند ذلك تكلم الآخرون بالبوق وأجابوهم الذين معنا يعلمون بذلك بعزم خروج المدفع ، ثم رأينا دخان الخبش قد صعد وشاهدنا أثره تلك الكونبرة العظيمة قاصدة تلك اللوحة كأنها قربة ماء ، وأصابت تلك اللوحة ورحلت بها وطارت ، ولها صوت بين الجبال كالصاعقة ، ونزلت بحجر جبل وارتفعت منه غبراء كثيرة / فتقدمنا إلى تلك اللوحة التي سقطت ، فرأينا الضربة في السواد الذي في وسطها.

هيئة السواد الذي في وسط لوحة الإشارة

وأما هذا السواد الذي في وسطها ، فهو شكل مربع غير مستطيل بل متساوي الأضلاع ولعله ـ والله أعلم ـ يمكن أن يكون هذا المربع محيطا بدائرة خزنة المدفع


الكبير ، هكذا ترجم عندي ، ودليله (١) الخط المفتوح على رق الشعرة الذي في وسط النيشان الذي يركبونه عن يسار خزنة المدفع ، إذا توهم نزول هذا الخط المفتوح إلى الأرض ، يكون مماسا لدائرة خزنة المدفع عمودا على الخط الخارج من نقطة التماس المار بمركز دائرة الخزنة ، وحيث يكون النيشان مركبا على هذه الكيفية ، فالناظر في الخط المفتوح في النيشان حالة تحقيق مسامتته للإشارة ، بحيث يكون تحريك الكريطة ودورانها يمينا أو يسارا ، إنما ذلك لعدم انطباق الشعاع الخارج من بصره النافد من الخط المفتوح في النيشان على الضلع الأيسر من المربع الذي في وسط لوحة الإشارة المصبوغ بالسواد ، ولا يكون يطلب إلا مسامتتهما لأنه لو كان يطلب غير مسامتتهما لكان إما أن يطب وقوع خط النيشان على السواد أو خارجه ، وفي ذلك من الخلل ما لا يخفى ، وأيضا فعند مسامتة الخطين مسامتة حقيقية وانتصاب المدفع انتصابا لا ميل له إلى جهتي الارتفاع والانخفاظ ، يكون قطب دائرة فورمة المدفع مسامتا لقطب الدائرة المتوهمة في سواد لوحة الإشارة ، المماسة لأضلاع مربعة ، لأنه لا يمكن مسامتة قطبي الدائرتين المذكورتين إلا بمسامتة خط النيشان لخط الضلع المقابل له من أضلاع مربع السواد المذكور والله أعلم. هذا ما ظهر لي في ذلك والعلم لله ، ولم يتقدم لي عمل مع الطبجية في علم رمايتهم ، لكن كان منهم من ينتمي إلي ، ويأخذ عني (٢) قواعد

__________________

(١) رسم يوضح ما جاء عند صاحب الرحلة عن كيفية رمي الإشارة (أ).

والعوامل المتحكمة في ذلك هي :

 ـ قوة رمي المدفع. ـ وزن القديفة.

 ـ زاوية الرمي. ـ المسافة الفاصلة بين المدفع والهدف.

(انظر ملحق الرسوم والصور صفحة ٢٦).

(٢) كان تعطى بسلا دروس تعليمية تهتم بالمدفعية بصفة خاصة كما جاء في رسالة السلطان المولى عبد الرحمن إلى عامل سلا محبوبة «... وبعد ، فبوصول كتابنا هذا إليك عين عشرين من الولدان النجباء لتعلم علم تاطبجيت ، وانظ لهم معلما ماهرا أو معلمين من طبجية البلد ، يعلمهم ويشرعون في التعلم الآن فيبدأون بمقدماته ، ثم يتدربون منها إلى الأخذ في تعلم رماية المدافع والمهراس ، هكذا حتى ينجبوا ويمهروا في الصنعة ، ويصيروا قادرين على الخدمة ...» ، ٢٠ ذي القعدة عام ١٢٧٣ ه‍ / ١٨٥٧ م.(الاستقصا ، ج ٩ : ٧٠). وقد أصبحت هذه الدروس أكثر تنظيما أوائل عهد السلطان الحسن الأول.


حسابية يستعين بها على خطته ، فكان ينتفع بها /٣٢٧/ لكنهم سامحنا الله وإياهم ، يبخلون عن متعلميهم بكشف دسائس الرماية ، وإظهار علل أعمالهم ، «ولو صدقوا الله لكان خيرا لهم» (١). وقد خرجنا عن الموضوع ولكن للحديث شجون ، وليس ذلك بممنوع ، رجع اللوحة التي سقطت عند نفود الكنبرة في سواد وسطها ، كانت منصوبة وسطا وعن يمينها لوحة وعن يسارها أخرى ، كل منهما مثل الوسطى طولا وعرضا ، وهما غير متصلتين بالوسطى بل بينها وبين كل واحدة من اللوحتين نحو نصف أصبع ، والوسطى ليس لها خشبتان من ورائها بخلاف الأخريين ، فلذلك حين أصابتها الكونبرة رحلت بها بتمامها ، وبقيت اللوحتان الأخريان في مكانهما ، ثم انتقلنا إلى ألواح آخر منصوبة إشارة أيضا قريبة من الألواح الأخر لكن جعلوها على كيفية صفوف العسكر ، بحيث نصبوا ألواحا متصلة بعضها ببعض في صف واحد وراء ألواح أخر مثلها في صف آخر ، ثم ألواح أخر جعلوها كالصف الثالث وطول الصف نحو ثلاثين خطوة ، وصاروا يضربون هذه الصفوف بالكونبرات بمدافع الجر. فضربوها أولا بأربع كونبرات واحدة إثر أخرى بينهما مقدار قراءة سورة الإخلاص (٢) مرة واحدة ، ثم ضربوها أيضا بأربع أخرى ثم كذلك مرة ثالثة ورابعة وخامسة ، وفي كل مرة يكون تتاربع الكونبرات أقل مدة من تتابعها في المرة قبلها ، وغالب هذه الكونبرات كان يتفرقع بين صفوف تلك الألواح والناذر منها كان يتفرقع بقربها أو بعد مجاوزتها بقريب ، وفي المرة الأخيرة أخرجوا المدافع كلها في لحظة واحدة فتفرقعت كونبراتها بين الصفوف كخروج الحاضرون ، ثم تقدما إلى تلك الألواح التي كانوا يضربونها ، فوجدناها كالغرابيل من /٣٢٨/ شدة نفود خفيف الكونبرات فيها ، وبعضه لم ينفد وبقي مدفونا في وسطها ، وهذه الألواح مدعمة بالخشب من وراء فبذلك لم تسقط ، فتعجبنا من ذلك غاية العجب ، وذكر الترجمان إذ ذاك أن بعض العسكر الذين كانوا معنا يقولون عند رؤيتهم نفود الخفيف في تلك الألواح ، هكذا تكون ذوات بعضهم عند الحرب ، والعجب الكبير إنما هو من إصابة الكونبرة الكبرى بالمدفع

__________________

(١) ﴿ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ ﴾ سورة محمد : ٢١.

(٢) وحدة زمان بسيكولوجية ودينية. وهي مدة استغراق تلاوة سورة الإخلاص ، فترتيلها ترتيلا وسطا بالبسملة والاشباع يستغرق نحوا من ١٢ ثانية أو أقل من ذلك بحسب حالة القارئ النفسية.


الكبير السواد الذي في وسط لوحة إشارته ، مع البعد الذي بينهما ، وهو ثنتا عشرة مائة متر ، أزيد من ميل واحد بكثير.

ثم رجعنا إلى الطبجية وشكر الباشدور حسن رمايتهم وشدة إتقان قواعدها فتأدبوا معه أدبا كبيرا ، وقالوا قد أسعدهم الله به وبقدومه لهذا المحل وحضوره لتجربة الرمي بذلك المدفع الكبير ، وقد سخر الله لهم فيه بسببه ، هكذا ذكر ترجمانهم عنهم فأجابهم بما يقتضيه الحال وودعوه متأدبين مع سيادته ، ثم رجعنا في الأكداش وفي بابور البر إلى طورين ، بعدما دخلنا لأوطيل في الطريق كان خرج إليه الطباخ وخدام آخر يهيئان لنا فيه الغداء ، وتغدينا هناك ، وذلك المدفع الكبير ذكروا أن كورته وزنها ثلاثمائة كيلو وخمسون كيلو ، وهي تعدل (١) سبعة قناطير إلا نزرا يسيرا ، وأنها تخرق بوردول المركب من الحديد ، إذا كان في عرضه أن البوردول تسع بلقاضات ، ولو كان في مراسي مولانا السعيدة منها شيء في أبراجها ، لكان ذلك من الاستعداد بالقوة الظاهرة في الوقت بحسب الاستطاعة ، لا بحسب العناد بحيث تكون العدة التي عندنا مماثلة للعدة التي عند النصارى كيفية وعددا ، لأن في ذلك حرجا ومشقة ، والمولى جل علاه سلك بهذه الأمة المحمدية /٣٢٩/ مسلك اللطف والفرج (٢). فقال عز وجل (٣)﴿ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وإنما أمرنا سبحانه بالاستعداد بحسب الاستطاعة ، فقال تعالى (٤)﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ولم يقل مثل استعدادهم لطفا بهذه الأمة ورحمة بها ، فله الحمد على هذه المنن الواقية والألطاف الخافية أدى الله عنا شكرها بفضله آمين ، آمين ، آمين.

__________________

(١) القنطار يساوي ١٠٠ رطل أي حوالي ٥٤ كلغ.

(٢) طرة بهامش الصفحة لابنه عبد القادر الجعيدي.

«بل الآية تدل على المماثلة أولا قدرهم إذ بذلك يحصل المقصود وإعلاء كلمة الله ، وكل ممكن مستطاع ونرجو من ربنا شفاعة نبينا إذ نحن أهل الكبائر من أمته ، وقد قال شفاعة لأهل الكبائر من أمتي ، كما قال لكل نبي دعوة» «الحديث الصحيح».

(٣) «هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج» ، سورة الحج : ٧٨.

(٤) «ومن رباط الخيل» سورة الأنفال : ٦٠.


الخروج لفابريكات الحرير بطورين

وفي يوم الأربعاء (١) التاسع منه ، توجهنا (٢) في الأكداش لفابريكات الحرير ، فدخلنا أولا لدار يبيعون فيها الحرير شعرة خام ، لكن رقة شعرته أظن مقدار ست شعرات منها إذا فتلت تكون كرقة شعرة الإنسان ، وهو يميل للبياض قد رأيت مثله في مدينة من مدن غربنا ، وكل مدجة منه عليها ميزانها وطول شعرتها وهم يزنونه بميزان الرمانة (٣) ، وغاية ما يزن بهذا الميزان مائتي كيلو ، فحين رأونا نتأمل ذلك الميزان أخذوا خمسة اكرام وهو من الصروف الرقيقة عندهم ، يقال أن الأوقية فيها مائة وخمسون من الأكرام ، وضعوا تلك الأكرام الخمسة في طرف العمود الذي يضعون فيه السلع عند وزنها ، وفي طرفه الآخر موري يمر رأسه بدائرة رسم فيها عدة الاكرام لتحقيق الوزن عند وقوف صرف الوزن الكبير بين شرطتين من خطوط العمود ، ولم يدر نسبته القدر الزائد الذي وقف فيه الصرف خارجا عن الخط ، فهذا الأكرام يبينه تحقيقا ، وعند وضع تلك الأكرام الخمسة في طرف العمود صار ذلك الموري يدور حتى وقف في رقم خمسة ، علامة وزن ذلك الصرف الصغير الذي وضع في طرف العمود ، وهذا الحرير لا يبيعون شيئا منه ييبسونه بالنار اللطيفة ، وكيفية يبسه أنهم صنعوا صناديق من ورقة النحاس وجعلوا تحتها نارا لطيفة ينصبون /٣٣٠/ فوق كل صندوق ميزانا له عمود يجعلون بأحد طرفيه خيطا يربطون فيه مدجة من الحرير ، ويرسلونها إلى الصندوق من فرجة في وجهه ، وفي الطرف الآخر من العمود صرف فيه وزن

__________________

(١) ٣٠ غشت ١٨٧٦ م.

(٢) «قبل ذهابهم لفابريكات الحرير ، توجهوا إلى DiPosto Fabbrica المشهورة عالميا ، التي قدمت هدايا إلى سفير المغرب ، والتي هي عبارة عن أصناف من المنتجات (سباكيتي ، مقاروني ، ...) كما أن السفير اشترى ٢٠ صندوقا من هذه المنتجات الغذائية بعث بها إلى المغرب ، كما تم الاتفاق بواسطة الترجمان Bosio على إرسال العديد من هذه المنتوجات إلى المغرب مستقبلا ..» ، ٤ شتنبر ١٨٧٦ م.

Gazzetta Del PoPolo.

(٣) انظر رسم ميزان الرمانة (أ) : في ملحق الرسوم والصور صفحة ٢٧).


تلك المدجة من الحرير ، فإذا مرت عليه مثلا ساعة واحدة وهو مرسل بداخل الصندوق يعرفون كم نقص بسبب يبسه ، وإذا مرت عليه ساعتان زاد النقص ، ويجعلون لكل عينة من الحرير ثمنا على حسب طول مكثه في ذلك الصندوق ، ثم وجدنا نساء مشتغلات بتحويل الحرير ويجعلونه مدجات متساوية ، وشعرات الحرير حين تمر من الناعورة الكبرى إلى النواعير الأخر ، تمر على قضبان رقاق من البلار معكوفة الرؤوس كهيئة رأس البريمة الصغيرة ، وبقرب الناعورة مجانة تخبر بقدر طول الخيط من الحرير الذي مر عند التدوير ، فإذا مر منه طول أربعمائة متر وخمسين مترا ، تقطع الخيط وحده فتزال تلك المدجة وتستأنف أخرى ، وهكذا والغرض منه ليكون النساج على بال من طول شعرات المدجات كما قيل ، ثم أوقفونا على ميزان يعرفون به قوة الحرير وصحته ، وذلك أنهم يأخذون شعرة منه طولها نحو ربع ذراع ، وتمسك في لوحة من حديد ويجعلون في طرفيها تقالة ويديرون ناعورة صغيرة ، فتأخذ تلك الشعرة تمتد إلى أسفر وتطول حتى تتقطع ، فعند ذلك ينظرون الدرجة التي تقطعت فيها ، ومنها يعرفون قوة ذلك النوع من الحرير /٣٣١/.

ثم توجهوا بنا إلى دار فابريكة نسج الحرير ، فوجدناها على الهيئة التي ذكرناها في مدينة ليون ، وفيها من ألوان الكمخة عينات شتى ، منها ما في عرضها أزيد من قالتين ، وكذلك من أنواع المشجر منه ما هو من لون واحد ومنه ما هو من ألوان.

ثم دخلوا بنا إلى دار يبيعون فيها الثياب المنسوجة من الحرير ، وصاروا يفتحون الشقق والأطراف الميشطرات وينشرونها أمامنا ، فقيل لهم إننا لم نأت بقصد التجارة لكن دخلنا إلى هذه الدار بقصد رؤيتها فلا تتعبوا أنفسكم ، فقالوا أنهم فرحوا بدخولنا لدارهم ومن حقهم واعتنائهم أن يبينوا لنا جميع العينات التي عندهم. ثم يطوى ذلك ويرد لمحله فكانت تلك العينات لا تكاد تحصى ، لكنها من الحرير فقط ، أو حرير أو قطن لا شيء فيها من الصقلي.


الدخول لميلان

وعند الغروب من هذا اليوم ، خرجنا (١) من طورين وركبنا في البابور ، ذو خرج عامل البلد لوداعنا مع جماعة من أعيانهمذ ، قاصدين مدينة ميلان ، فقطعنا الليل كله سفرا ووصلنا إليها في الساعة الثامنة نهارا ، من يوم الخميس عاشر (٢) شعبان وأنزلونا بأوطيل من الأماكن المعتبرة في هذه البلدة ، فوجدنا الفرش منصوبة ، لكل فراش يخصه في محله ، وفيه ما يحتاج إليه من الضروريات مثل الماريو لوضع حوائجه ، وطبلة الكتابة وشواليها والمرايا العظيمة ، وأواني الماء والزيوف النقية ، ووجدنا موائد الفطور منصوبة /٣٣٢/ مهيئة على العادة ، وبعد ما تناولنا من تلك الأطعمة ما دعت الحاجة إليه ، أتوا بالأكداش وطلبوا منا الخروج والركوب فيها،

__________________

(١) قبل أن يغادر الزبيدي طورين دفع ٦٠٠٠ ليرة من الذهب لعامل البلد مع مقايدته على دفع نصف هذا المبلغ إلى مدرسة الصناعة التقليديةCollegio Degli Artigianelli وخيرية النساءL'orfamotrofio Femminile والنصف الآخر على مدارس الأطفال ومعهد الصم والبكم ومستشفى الأطفال ومعهد العائلة المحترمة ، الذي شكره عن هذه الهبة.

" Gaz. Del PoPolo 13 / 8 / 6781"

كما زاروا المختبر العجيب Magnifici la boratori dei fratelli levara.

«... أرجو منكم أن تترجموا لدى الرجل الفذ الذي أراد أن يبقى أثرا قيما عند مروره ببلدتنا عن عواطف ممنونية بؤساء مدينتنا الذين تنعموا بما أفاض عليهم من إحسانه الجزيل ...». الإتحاف ، ج ٢ : ٣٠٨ ، ٣٠٩ ، ٣١٠.

(٢) ٣١ غشت سنة ١٨٦٧ م وصلت السفارة إلى مدينةMilano. ونزلوا بنفدق Della Ville الذي خصص لهم الطابق الأول كله ، ووضعت لهم بالمطبخ (خروف حي والعديد من الدجاج حتى يتمكن طباخ السفارة بدبحهما وطبخهما على الطريقة المغربية) وكانت هناك فرقة من جيش الشرف ملازمة لهم طول مدة إقامتهم. (Milano)Gazzetta la Lombardi .

رغم الساعة المتأخرة من الليل التي وصل فيها الوفد بتاريخ ١ شتمبر سنة ١٨٧٦ م كان العديد من المواطنين بالمحطة وبالشوارع في انتظار الوفد المغربي.


فساعدناهم فمررنا على كنيسية عظيمة (١) ، ما رأينا مثلها في الكبر ولطافة البنيان والنقش البديع والشكل الرفيع والقبب اللطيفة المحيطة بها ، والتي في وسطها ، ويقال إنه ليس في بلاد الروم مثل هذه الكنيسة ، في الرقة واللطافة ، وكذلك الديار التي تبنى بها الآن فهي أفضل وألطف حتى من بناء ديار باريس ، وقيل إنه يحيط بها وادي عظيم (٢) وهو يشقها طولا وعرضا بمواضع متعددة ، وفيه فلك كبيرة ينقلون فيها بعض الأمتعة من مكان إلى مكان ، فإذا كان الفلك مارا مساعدا لجريان الماء ، فيكتفي بدفع الماء للفلك ، وعند الرجوع يربطون الحبال فيها ، ويعلقونها في أشراك الخيل فتجرها في الشاطئ.

فابريكات الفخار

ثم توجهوا بنا إلى دار فابريكة صنع الفخار (٣) ، فحين دخلنا إليها وجدنا الحجر

__________________

(١) Duomo Milano الكنيسة المركزية بالمدينة ، بدأ بناؤها منذ سنة ١٣٨٦ م واستمر عدة قرون L'encicloPedia Gloria, Vo. ١٣: ٣٥.

(٢) Saronno.

(٣) قبل ذلك قامت السفارة المغربية بعدة أنشطة لم يشر إليها الجعيدي ، بل نشرتها الصحافة الإيطالية وهي : قيام السفير بزيارة جميع محتويات مسرح ميلانوTeatro Alla Scala الشهير الذي افتتح لأول مرة سنة ١٧٨٧ م ، وهو يشتمل بالإضافة إلى الطبقة الأرضية على ستة طوابق مشرفة على وسط القاعة ولقد لعب على خشبته العديد من كبار الفنانين العالميين آنذاك أمثال Verdl ,Bellini ,Busotte وغيرهم.

 ـ شاهدوا مناورة تجريبية عن كيفية إطفاء حريق وهمي.

 ـ حضر الزبيدي حفلة تدشين المدرسة الأكاديمية للرقص البالي.Scuole Dell Accademia Di Ballo.

 ـ وشاهدوا عدة عروض لفتيان وفتيات المدرسة ، وقد أعجب السفير بذلك. Gazzetta Dell PoPolo.

 ـ حضرت السفارة المغربية حفلة إنارة الشارع التجاري المغطى Galleria بساحةPiazza Del Duomo ـ ـ ـ ـ


موضوعا صلبا كأنه رخام ، يفرشونه وتدور عليه الأرحاء على حرفها فتسحق ذلك الحجر سحقا حتى يصير غبراء ، ثم يجعلونه في براميل مصفوفة عندهم في خزين آخر ، ويجعلون فيها الماء ، وفي وسط كل برميل خشبة من حديد رأسها الذي في البرميل فيه ريشات حديد ، والرأس الآخر صاعد إلى قناطير منصوبة أسفل السقف طولا وعرضا ، / ورؤوس الخشب من الحديد المذكور ، كلها مسمرة في تلك القناطير وهي أي القناطير بسبب اتصال بعضها ببعض ، صارت كذات واحدة والمكينة تديرها دورانا رحويا ، وبسببه تدور رؤوس الحديد ذات الأرياش التي في داخل البراميل ، وبذلك يتحرك الماء والتراب الذي فيها حتى ينحل ذلك التراب ويلين ، ثم تقدموا بنا إلى محل آخر وجدنا فيه مثال ساري مجعوبة منصوبة على الأرض ، وفي أحد طرفيها فرجة مواجهة إلى نحو السقف ، وأتوا بالطين المعجون ورموه في باطن تلك السارية من تلك الفرجة فصعد من باطن السارية قطع من الحديد ، وصارت تجدب ذلك الطين المعجون وتدكه في باطن السارية إلى الطرف الآخر ، وفيه فرجة أخرى يخرج منها ذلك الطين عند دكه ويتصاعد ، فيفصلونه بخيط قطعا قطعا ويرمونها في الفرجة الأخرى ، فتدكه المكينة ثانيا وثالثا ، وهلم جرا ، هذه هيئة عجن الطين عندهم ، فإذا تم عجنه وطاب يرفعونه إلى المتعلمين فيعجنون شيئا يسيرا على الهيأة المعهودة في غربنا ، ثم يناولونه للمعلمين فوجدناهم يصنعون منه طباسي كبيرة

__________________

- بعد أن استمع إلى شروحات السيدMengoni ومن أعلى بناية المكتب الفلاحي لإيطالياItalia Agricol أشرف الزبيدي على الجمهور الغفير الذي جاء خصيصا لهذا العرض ، ولروعة وجمال المنظر قدم كاتب السفارة قصيدة شعرية في الموضوع بالعربية لم تترجمها الصحافة الإيطالية.

 ـ بعد هذا الحفل ذهب السفير إلى مسرح Verme Dal الذي كانت تعرض فيه مسرحيةL'Opera I I Rigoletto II Balle I Due Soy. بعد أن مرت منها الفقرة الأولى ودخل السفير المغربي فاستقبله الجمهور داخل المسرح بالتصفيقات الحارة. وأثناء عرض المسرحية كان الزبيدي ومرافقيه يتتبعون من مكانهم بواسطة مكبرات الصورةGustar وخصوصا فرجة رقص البالي Ballo الذي قدم من طرف Mendez.

) Gazzetta La Lombardia, Milano (.


وصغيرة ، وطباسي كؤوس الأتاي على نواعير يديرونها بأيديهم ، ومنهم من يديرها بأرجلهم على الكيفية المعروفة إلى غير ذلك من الكيفيات ، ووجدنا أناسا آخرين يصنعون الغراريف الكبيرة التي يكون فمها منعطفا إلى أسفل ، ولها قوالب لكل واحد قالبان قد حفر فيهما نصف /٣٣٤/ الغراف بنصف فيه ، وكيفيته ذلك أنهم يأخذون قطعة من الطين ويبسطونها حتى تصير كالرغيف الكبير ، ويأتون بنصف القالب ويرمون فيه يسيرا من غبرة كالرماد ، ويجعلون فيه ذلك الطين المذكور ، ويلصقونه بداخله وبسائر جوانبه وبفمه ثم يدلكونه حتى يصير مستويا ، ويفعلون بنصف القالب الآخر مثل ذلك ، يم يؤلفون القالب ويجمعونه نصفا لنصف ويشدونه شدا محكما ، هذا ما رأينا من صنعة هذه الغراريف.

كيفية تزويق الفخار

ثم أتوا بنا إلى محل آخر ، وجدنا فيه نساء كثيرات مشتغلات بتزويق الطباسي التي خرجت من النار ، وكيفية ذلك أن النقش والتزويق الذي يكون في الطباسي ، من لون واحد يكون منقوشا عندهم في لوحة من حديد ، ويجعلون عليها طلاء من اللون المراد ، ثم ينشرون فوقها ورقة كاغد لطيفة ألطف من العنكبوت ، ولهم ناعورة فيها لولبان كبيران ، قد لف عليهما بل على كل واحد منهما بحدته لبدة الصوف ، ويجعلون تلك اللوحة بورقتها بين اللولبين ، ويديرونهما باليد المعدة لذلك ، فتمر الورقة من الحديد من بينهما فيضعونها فوق صندوق من حديد ، في داخله نار لينة وبوضعها عليه يأخذ أحدهم طرفي ورقة الكاغد ، ويرفعها بلطافة من ورقة الحديد فتنفصل عنها وقد رقم فيها ذلك التوريق الذي في لوحة الحديد ، ولا يتمزق شيء منها مع شدة لطافتها ولعله بواسطة النار التي في داخل ذلك الصندوق /٣٣٥/ ثم يدفعه لبنت صغيرة ، فتأخذ القدر الزائد من الورقة بمقراض ، وتدفعها لأخرى فتبسطها على الطبسيل وتدلكها بقطعة من عود حتى تنبسط كلها ، ثم تضع هذا الطبسيل على يمينها حتى تزيد عليه نحو أربعة أو خمسة ، فعند ذلك تأتي متعلمة أخرى ، وترفع تلك الطباسي وتوصلها إلى امرأة أخرى ، وتضعها في كوب عن يمينها


فيه ماء ، وتأخذ واحدا بعد واحد وتزيل منه الكاغد بشطابة ، فيزول الكاغد ويبقى التوريق بحاله لاصقا في الطبسيل ، ثم تجمع هذه الطباسي ويوتي بها إلى آخرين فيرسبونها في كوب فيه ماء أحمر ، ولعلهم يردونها بعد ذلك إلى بيت النار ، وذلك لتزليجها وبه يزيد ضياؤها ولمعانها ، وأما الأواني التي تكون فيها ألوان كثيرة فبعدما يفرغون من اللون المفرد الغالب ، ويبقى فيها مواضع الألوان يتولى أناس أخر وضع تلك الألوان في الأواني بشطيطبات صغيرة على عادة الزواقة ، هكذا شاهدنا بعضهم يزوق بعض الأواني ، والألوان بين يديه ، ثم مروا بنا على فرينتي بيتي النار التي يطبخون فيها الأواني ، فوجدناهم يخرجونها من إحداهما في أحكاك من فخار ، كل حك يرصفون فيه أواني قدر ما يسع ، ويجعلون عليه غطاء على قدره من الفخار كشقفة مبسوطة ، وهم يخرجونها حكا بعد حك ، ثم صعدوا بنا إلى طبقة هذه الدار ، فوجدونا فيها عينات من الأواني التي لا تكاد تحصى ، منها الأبيض الذي لا تزويق فيه ، ومنه ما فيه لون واحد أسود منه ما فيه ألوان وهو قليل ، ووجدنا على مائدة آنية كبيرة كهيئة الجلاسية ، وتزويقه كتزويق أواني الطاووس ، فقالوا أنها من عمل تلك الدار ثم خرجنا منها بعدما شكر الباشذور عملهم واستعظمه لهم ، فسروا بذلك غاية السرور ورجعنا إلى محل النزول ، فبتنا في هذه المدينة ذلك اليوم (١).

__________________

(١) في هذا اليوم نشرت جريدة Lombardia La الخبر التالي :

«في الوقت الذي يرحب فيه الملك والشعب والحكومة الإيطالية بالسفارة المغربية نشرت جريدةLa Persevernza مقالا ضد ضيوف إيطاليا وضد المغرب ، نظرا للمعاملة الوحشية التي يلاقيها اليهود العبرانيين بالمغرب». وعقبت La lombardia عن هذا الخبر «أن علاقات إيطاليا ودية وعاطفية مع المغاربة وحتى مع المسلمين جميعا ، بالإضافة إلى أن إيطاليا تهتم بالقضايا الإسنانية حتى في خارج الوطن ، وأن السفير الزبيدي رغم قدرته الشخصية ليس الإنسان الذي يجب تهمته بهذه الأشياء ، خصوصا في الوقت الذي يوجد بإيطاليا من أجل تحضير المعاهدات التجارية والاقتصادية ، وإذا كانت عندهم مطالب ضد سلطان المغرب أو حكومته فليتوجهوا إلى قنصل القوات الأوربية والتي هذه هي مهمتهم. Perserveranza La عملت شيئا قبيحا لكتابة مقال كهذا خصوصا ضد شخصيات لا تمس ، لكونهم ضيوفنا والمثل يقول لا تهمنا الضربات التي لا تلحقنا ، هذا الاحتجاج عبارة عن ضباب ذهب به الريح».


التوجه إلى جنوة

وفي يوم الجمعة (١) بعد صلاة ظهرها في الساعة الثانية عدا ثلاث عشرة دقيقة وهو الحادي عشر من شعبان سافر بنا بابور البر (٢) من ميلان إلى جنوة بعد ما خرج عامل البلد والأعيان للوداع على العادة ، وكثر وقوفه في الطريق في مدن لأجل الوضع والحمل على عادته ، وأحصيت عدة وقوفه فكان تسع عشرة مرة وجمعت مدد الوقوف بعضها ببعض فكانت ساعتين غير دقيقتين ، وكان وصولنا إلى جنوة في الساعة التاسعة من ليلة الأحد بل السبت الثاني عشر (٣) منه فمدة سيرة البابور على هذا خمس سوائع وربع.

__________________

(١) ١ شتمبر سنة ١٨٧٦ م.

(٢) كان في وداع الزبيدي بمحطة القطار بميلان عامل المدينةComte di Bardesono وباشا المدينةComte Belinzaghi والماجور جنرال GroPallo Di وغيرهم وتكريما من باشا ميلان ألقى مرافقه La bus كلمة الوداع باللغة العربية ، وقد تأثر الزبيدي لكرم الضيافة وحفاوة الترحيب وتأسف لعدم وجود أحد من أفراده يتقن اللغة الإيطالية لشكر هؤلاء المودعين (١ / ٩ / ١٨٧٦ م(  Gazzetta Del PoPolo.

(٣) السبت ٢ شتمبر سنة ١٨٧٦ م ، وبمجرد وصوله اهتمت به الأوساط الاقتصادية ، فأقام السفير الزبيدي حفلة استقبال لرجال الأعمال والتجارة ومعهم بعض صانعي البواخر ، وأكد لهم أنه يتمنى وبعين الاعتبار والترحيب منهم القدوم إلى المغرب ، ومزاولة نشاطاتهم هناك ، وبالخصوص في الشواطئ المغربية وقدم لهم الامتيازات التي تقدم لهؤلاء الرجال (٤ شتنبر سنة ١٨٧٦ م Lombardia La وعلقت نفس الجريدة عن هذا اللقاء (أن رجال منطقة جنوفا معروفون بتقشفهم لكن شرح السفير وكلماته لا تترك لهم أمل في ضياع مثل هذه الفرصة المفيدة ودفعهم للمغامرة الرابحة). واقترح فتح خط بحري ما بين نابولي NaPoli وتونس والجزائر يصل إلى موكادور وفاس وباقي الموانئ المغربية الأخرى. خاصة أن الجنرال الزبيدي رجل نبيه وذكي وقد تقلد عدة مناصب اقتصادية وتجارية وسياسية ثم دبلوماسية لذا فهو ناضج في عمله.


ناذرة من نواذر الزمان

ترشد إلى اتخاذ الحذر في بلاد الأمان

وذلك أننا لما رجعنا إلى مدينة طورين في يوم الجمعة الرابع شعبان (١) ، وبنفس وصولنا ووصول (٢) صناديق حوائجنا إلى محل النزول ، أذن الأمين الحازم الضابط الطالب السيد بناصر غنام أحد الخدمة بفتح الصندوق الذي فيه مال المخزن ، وذلك من حزنه كما هو دأبه مهما غاب عنه هنيئة ما يرجع ويفتحه ليطمئن خاطره ، /٣٣٧/ فحين أزال الخدام الذي كان شده ، القنبة التي كانت مشدودة عليه ، ورام الأمين فتح قفله بمفتاحه وجد القفل (٣) مفتوحا ، فرفع غطاءه وبحث عن الخنشة التي كانت فيه فلم يجد إلا محلها في وسطه فارغا ، فطار لبه واضطرب قلبه واعترته ألوان وتقصلت منه الشفتان ، فقلت هذا العارض الذي غيرك وأي شيء حدث فحيرك ، فقال : فقدت خنشة من المال على التمام والكمال ، فيها ألف لويز وضرب اليمين بالشمال ، فتكدرنا لذلك غاية الكدر مع أنه لم يكن منه تقصير في الحزم والحذر ، ومن العجب أنه كان بهذا الصندوق خنشة أخرى على وجهه مفتوحة فيها تسعون لويزا ، فوجدها بمحلها ، والتي كان مدفونة في وسطه لا زالت على شدها هي التي فقدها ، وكانت العادة (٤) مهما عزمنا على الخروج من بلد لأخرى ، يأتي نائب المخزن وتسلم إليه

__________________

(١) ٢٥ غشت سنة ١٨٧٦.

(٢) على الساعة ١١ يومه الجمعة اكتشف الأمين بناصر غنام سرقة كيس به ١٠٠٠ لويزة ذهب ، حوالي ٢٠ ألف ليرة إيطاليةNouva Torine بتاريخ ٢٦ غشت سنة ١٨٧٦ م.

(٣) أثناء سير القطار العائد من فلورنس إلى طورين ، فتح اللصوص الصندوق بمفاتيح مزورة ، ولم ينجحوا في إقفاله بنفس المفاتيح Corrire del Serra.

(٤) تدفع أمتعة السفارة عادة إلى ضابط الشرطة الذي يحملها من الفندق إلى رئيس محطة قطار فلورنس ليسلمها للمكلفين بالقطار الذاهب إلى طورين ، ومن بين هذه الأمتعة الصندوق الذي كان بداخله الكيس المسروق ، وبمحطة طورين استلمت الأمتعة الشرطة وحملتها إلى فندق إقامة السفارة المغربية. (نفس المصدر السابق).


الصناديق وسائر الحوائج ولا يبقى لنا التفاة إليها ، ويتولى حراستها وحفظها حتى يدفعها لأمناء سكة البابور ، فيتولون حراستها حتى يأتوا بها إلى محل النزول في البلد التي ننزل بها ، ثم إن الأمين تكلم مع الخدام الذي كان شد ذلك الصندوق بتلك القنبة. ثم كيف وجده ، هل على شده كما شده بيده أو تغير شده ، فقال : لا وجدته على شدة كما شددته بيدي ، فقال : لا بد من تقليب حوائجكم ظنا منه أن النصارى لا يمدون اليد لمثل ذلك ، فقال : سمعا وطاعة ، وقلب بمحضر مقيده /٣٣٨/ حوائج الجماعة فلم يجد لذلك أثرا ولا وقف له على خبر ، ثم أخبر بذلك الباشدور فقال : أعد البحث في الصندوق الكبير ، ففتحه وأخذ يضع منه الحوائج التي فيه على الأرض ، فدخل ترجمان دولة الطليان علينا ونحن في تلك الحالة ، فهاله ما رأى وسأل عن الأمر المهم والخطب الملم ، فقال له الباشدور : حدث لنا أمر غريب وشيء عجيب لكن لم يكن في ظني أننا نخبرك به ، ولكن حيث قدمت علينا بغتة وعثرت على هذه الفلتة ، فلا بأس بإخبارك بما وقع فأخبره الخبر من أوله إلى آخره ، وقال له إني لا أشك في أحد ولا أتهم أحدا ولا أشكوا لأحد بشيء ، والخلف على الله سبحانه ، فقال الترجمان : اتركوا ذلك الصندوق مفتوحا على حاله ، وخرج غاضبا ، فلم يكن إلا يسير وإذا به أتى ومعه رجلان (١) ، أحدهما قيل من عدولهم والآخر من خاصة عامل البلد ، فرأوا ذلك الصندوق وقلبوه وتكلم معهم الباشدور بم تكلم به مع الترجمان المذكور ، فانصرفوا وقال الترجمان ما مضمنه ، لا تخافوا ولا تحزنوا بل ابشروا وبشروا فسيقبض السارق ولو كان يطير كالبارق ، ثم تبعهم وبقينا متكدرين محزونين متغيرين ، فغاب عنا الباشدور هنيئة من الزمان ، ورجع متهللا كأنه ما به فزع ، وقال : ما بالكم قد أسرفتم في الكدر دعها سماوية تجري على قدر ، فسيظهر الفرج ويجعل الله من هذا الضيق المخرج ، فإن باطني قد سكن وعادته إذا سكن

__________________

(١) بعد إخبار الشرطة حضر الضابطMazzi ومساعده لمعاينة مكان السرقة ، وقام على الفور بإعطاء تعليماته لبداية التحقيق والبحث بأسرع وقت ممكن ، لأنه في الغد ٢٦ غشت سيطلعون لاستقبال ملك إيطاليا وتوجه Mazzi إلى محطة القطار وطلب الحصول على أسماء المستخدمين الذين رافقوا السفارة. بتاريخ ٣١ / ٨ / ١٨٧٦ م  La Lombardia. جريدة.


/٣٣٩/ باطني من أمر مهم تكون عاقبته محمودة ، واستقرأت ذلك من أحوالي مرارا ، وحتى أنه إذا لم يظهر هذا المال فما يفيد الحزن والكدر ، فالمصيبة في المال نعمة عظيمة بالنسبة للمصيبة في الأبدان ، ففرج عنا بعض الفرج ، ثم إني خرجت قاصدا محل الوضوء بعد أذان الظهر ، فصادفت يهوديا كان خرج من طنجة ترجمانا أيضا ، فأخبرني أنه ورد الخبر في السلك بقبض (١) واحد من السراق في مدينة مضان ، وبيده بعض المال ما يزيد على ثلاثمائة لويز ، وأقر بسرقته وأن معه رجلين آخرين ، وهم أمناء (٢) البابور الذين كانوا يحرسون صناديق الباشدور ليلة السفر ، وكانت مرت تلك الليلة كلها مطرا ورعدا وبرقا ، وأنهم جادون في البحث عن الرجلين الآخرين ، فأدخل علي سرورا عظيما ، ورجعت إلى الباشدور والأمين فأخبرتهما بذلك ، فقال لو كان هذا الخبر حقا لأخبر به ترجمان الدولة ، إذ هو الذي طاف برجله على ثلاثين دارا من ديار السلك ، ووقف على ذلك حتى انتشر الخبر في جميع المواضع ، وأخبر بانتصاب العيون والجواسيس على هؤلاء السراق ، ولكن نرجو الله أن يحقق ذلك ، ثم توضأت وصليت ظهر الجمعة ، وسألت الله تعالى بإضطرار كبير أن يكشف عنا ما نحن فيه ، ثم إن ترجمان الدولة لم يرجع إلى الباشدور حتى فاتت المغرب ، وعند دخوله بشره بظهور المال وقبض أحد السراق كما أخبر ذلك اليهودي ، وقال : في الغد بحول الله يظهر الباقي / إن شاء الله ، وفي صباح يوم البت الخامس منه (٣) ، شاع الخبر بقبض الثاني من السراق في محل لم أثبت عليه ، فحين طلعوا عليه

__________________

(١) تبين لضابط الشرطةMazzi أن أحد العمال يدعى Odasso الذي دفعت له أمتعة السفارة بالقطار الذي عاد بهم إلى طورين ، قد تابع طريقه حتى أخر محطة بمدينةModane ، فبعث ببرقية لإلقاء القبض عليه واستنطاقه من طرف الشرطة هناك ، لكنه لم يدل بأي شيء. (الترجمان اليهودي جيل مونج أخبر الجعيدي بهذه التفاصيل). بتاريخ ٣١ غشت ١٨٧٦ م. جريدة  (Torine)La Lombardia.

(٢) بعد هذا أرسل تلغراف إلى شرطة مدينةAlessandria لإلقاء القبض على سائق القطار السيدGiannone ومساعده Corsa اللذين نزلا بهذه المدينة. (نفس الجريدة السابقة).

(٣) أثناء استنطاق Giannone ألقى بنفسه من إحدى نوافد عمارة الشرطة ، فأصيب بكسر في رأسه نقل بعدها إلى مستشفى سجن Alessandria الذي توفي به ، بعد ما وجدت بجيبه ٣٧٥Marebghi دون أن يقول كلمة في الموضوع. (نفس الجريدة السابقة).


لقبضه تردى ورمى بنفسه على رأسه من كوة إلى الأرض ، ثم أقر الثالث (١) الذي كان معهم وعرف به ومات بعد ذلك ، وفي وقت الضحى ورد الترجمان وأخبر الباشدور بهذا الخبر ، وإن جملة ما وجد عند هذا الثاني خمسمائة لويز وزيادة ، ومجموع هذا مع ما وجد عند الأول ثمانمائة لويز وثمانية وستون لويزا ، وبقي لتمام الألف مائة لويز واثنان وثلاثون ، فأجابه الباشدور بقوله : لا أقبل منكم شيئا من هذا حتى تأتوا بالخنشة التي كان فيها المال ، فإن ظهرها مرقوم فيه عدد ما كان فيها من اللويز ووزنه بخط نائب مولانا بطنجة ، فقال : سيبحثون عنها وتأتي بحول الله ، ثم بعد ذلك قبضوا الثالث الذي كان أقر به الآخران ، فأنكر فسجنوه وبحثوا في داره غاية البحث ، فوجدوا العدد الباقي من اللويز قد أخفاه مع كواغد أخر في جعبة الدخان ، وبعد ظهور هذا الحق ووضوحه وإقرار ما أقر من السراق ، أتى وكيل المخزن ووكيل السراق وعدل واحد ، وسمعوا من الأمين المذكور دعواه وقيدوا جميع ما سمعوه منه ، وسألوه عن اسمه ونسبه وبلده وسنه ، وهل هو متزوج أو لا ، وهل له أولاد ، وطلبوا منه رؤية الصندوق الذي كان فيه المال ، فأخذوا قياس طوله / وعرضه وذهبوا وطلبوا من الترجمان أن يحلف يمينا على أن الباشدور سرق له الألف لويز ، فقلنا له ما معنى هذا بعد إقرار بعض السراق ووجود العدد المسروق بتمامه دون زيادة ولا نقص ، فقال : إنهم يقولون ربما يكون من أقر خرج عقله وأنه لا بد له من الحلف برومة ـ والله أعلم ، ثم تحير هذا الترجمان من قول الباشدور : لا أقبل الدراهم

__________________

(١) قائد القطار الثاني Corso تقدم إلى رئيس المحطة ومعه كيس كان يستعمله لحفظ حاجياته ويوجد بداخله Marenghi ٩٢٥ ، وقال بأنه وجد كيس بداخل أمتعته وبداخله النقود ولا يعرف مصدرها ربما كانت للسيدOdaso الذي نقل على الفور إلى طورين بعد موت Giannone وأقنعته الشرطة بضرورة إظهار الحقيقة وقال : «إن السرقة كانت مبرمجة ومتفقة عليها بينهم ، وأن Giannone سرق الكيس وقسم ما يوجد به دون أن يقسم بالعدل وكل هذا حصل ما بين فلورنس ومدينةPistola». ٢٨ غشت سنة ١٨٧٦ م. جريدةCorrire Della Serra.


إلا إذا حضرت الخنشة (١) ، ومن طلبه بالحلف وهو نعم الرجل ذو أخلاق حسنة يحسن اللغة العربية نطقا وكتابة والتركية وغيرها من لغات الروم ، وهو القونصو عند هذا الجنس بحلب ، وأتي منها عند إذن عظيم دولتهم للقاء الباشدور في الحدادة في مدينة مضان كما تقدم ، ثم إنه ذهب إلى السجن وسأل المسجونين عن الخنشة التي كان فيها المال ، فقالا حين اقتسموه ألقوها في الوادي ليلا يعثر عليها ، وبعد ذلك أتوا بالعدد الذي كان عند الأولين ، ودفعاه للباشدور وتأخر دفع الباقي بعد ذلك بنحو أربعة أيام ، حتى قيدوا الدعوة في الكنانيش على وجهها وكيفية فصلها ، بعد ذلك أتوا بتلك البقية ودفعوها ، وحازوا خط يد الأمين برد الألف لويز له على التمام والكمال ، وحين كنا دخلنا السجن بطورين تلاقينا مع الحباسة (٢) ، ووجدنا لهم عدة كنانيش في خزائن في ذلك المحل ، ففتحوا كناشا ووجدنا في وسطه تقييد المسجونين في أي يوم دخلا للسجن ، وسبب سجنهما ، وسن أحدهما ست وثلاثون سنة والآخر نيف وأربعون سنة. /٣٣٤/ (٣) .

.... في تلك المدة حتى يئس من الدراهم التي كان أعطاها له ، وتيقن أنه أفسدها ، وبعد ذلك قدم عليه لمصر ، ودفع له دراهمه بتمامها وأضعافها من واجبه في ربحها ، فامتنع من قبولها منه وتركه عنده في حكاية يطول ذكرها على حسب ما ذكره لنا ،

__________________

(١) بعد ١٢ ساعة ، استطاعت الشرطة الإيطالية إلقاء القبض على اللصوص الثلاثة واسترجاع المبلغ المالي المسروق ، وأخبر بذلك الزبيدي يوم الجمعة ٢٥ غشت ١٨٧٦ م على الساعة ٩ مساء غير أنه لم يتأكد من القبض على المجرمين ، وظن أن هذا تغطية من طرف الحكومة الإيطالية للموضوع. وطالب بإحضار الكيس الذي كانت به الدراهم. جريدة ـ La Lombardia.

(٢) وقد أجيب على هذا السؤال بأن الكيس المطلوب قد ألقى به في وادي Reno Nel من طرف المتلبسين بالجريمة ودعوة لزيارة المسجونين ليتعرف عليهم وعن حقيقة القضية. غير أن الزبيدي رفض مقابلتهم شخصيا (تفاصيل زيارة السجن ذكرناها سابقا) وكلف الجعيدي والأمين للاستطلاع عليهم داخل بيوت سجن طورين الجديد. ثم أرجعت الدراهم إلى أصحابها بالفندق في كيس ثاني قبل زيارتهم لملك إيطاليا.٣٠ غشت سنة ١٨٧٦ م ، جريدة ـ La Lombardia.

(٣) الصفحتا / ٣٤٢ / و/ ٣٤٣ / فارغتين.


وحين تأملت في حاله وقضيته قلت في ذلك من البحر الطويل. (١)

تيقن بأن الله يعطي ويمنع

ويخفض أحيانا وتارة يرفع

له الفضل والإحسان في كل حالة

فسلم ففي التسليم فضل موسع

وكن واثقا بالله في نيل رزقه

وخل سبيل الحرص إذ ليس ينفع

ولا تترك الأسباب منك توكلا

وباشر ولكن بالتي هيّ أرفع

وإن ضاف عنك الرزق يوما في بلدة

فدعها لعل الرزق عنك مخبع

وسارع إلى أخرى فلست ممجدا

وخيرها مصر طالبت فيه المزارع

تحل بوصف الصدق في كل موطن

نصحتك فاقبل مني إن كنت تسمع

وإن فتحت أبواب الرزق تكرما

عليك فكن للشكر دائما تفزع

زيارة مدينة بيلي

وفي يوم الأحد الثالث عشر منه (٢) ، توجهنا في بابور البر إلى مدينة

__________________

(١) القصيدة من البحر الطويل.

(٢) ٣ شتمبر سنة ١٨٧٦ م.


بيلي (١) بجوار جنوة من جهة غربيها بينهما نحو ساعة غير ربع بمسير بابور البر وهناك جبال مشرفة على البحر ، فلما وصلنا إليها طلع بنا القونصو ، أي الترجمان الذي معنا إلى أوطيل ، صعدنا إليه في درج من الرخام طول كل درجة نحو أربعة أذرع ، وأتي لنا بشيء من الفواكه وحلواء الثلج ، ثم خرجنا منه إلى سطح مربع طوله /٣٤٥/ ستون خطوة وعرضه ثنتا عشرة خطوة ، وهو مفرش بالرخام رخامة بيضاء وأخرى زرقاء وهكذا ، وله دربوز من الرخام الأبيض محيط بجهاته الثلاث ، له شراريف من الرخام مخروطة الشكل من الوسط خرطا فيه تعريج ، وأطرافها مبسوطة والقناطير التي توضع على هذه الشراريف من الرخام طول كل قنطرة تسعة عشر شبرا بشبر مقيده ، فوقفنا هناك هنيئة تارة مستشرفين على البحر ، وتارة على الجبال المقابلة له والعراصي والبساتين التي بها والقبب المبنية فيها ، ثم نزل الترجمان وطلب من الباشدور الدخول إلى إحدى تلك العراصي التي في تلك الجبال القريبة إلينا ، فساعده فمشينا راجلين في طرق متسعة فتحت في هذا الجبل ، وغرس عن اليمين واليسار أشجار كأشجار البلز متصاعدة مع الجبل بعضها فوق بعض ، فانتهينا في الطريق إلى قبة مربعة في كل ربع نحو عشرة أذرع ، في كل ربع باب كبير دفتاه من الزاج المورق بالألوان ، وأحاط بربعها نبحان في كل واحد قوسان على سارية من الرخام ، وقد نقشت هذه القبة والنبحان نقشا رقيقا لطيفا كنقش الجباصة بفاس ، فسئل الترجمان عن هذه العرصة لمن هي ، فقال : لتاجر من التجار ، وأن هذه القبة بناها صاحب هذه العرصة اعتناء بملكة النامسة كانت دخلت لهذه العرصة ، وجلست للاستراحة في ذلك الموضع الذي بنيت فيه القبة وذلك قبل بنائها ، وبعد

__________________

(١) Pegli توجد وسط منطقة ليكوريا تبعد بحوالي ١٠ كلم على مركز مدينة جنوة ، كانت وما زالت محطة سياحية ممتازة.

وأشارت جريدةGazzetta Di Genova ليوم فاتح شتمبر ١٨٧٦ ، أن السفارة المغربية نزلت بفندق Fedes الذي كانت أبوابه مضاءة بشكل رائع ، وكانت فرقة من الجنود تقوم بدور حرس الشرف ... وستستقبل السفارة المغربية أبرز السلطات المدنية والعسكرية التي ستصاحبها لزيارة ثكنةS.Benigno وكذلك أهم المآثر بالمدينة.


خروجها شرع ذلك التاجر في بناء تلك /٣٤٦/ القبة احتراما لذلك الموضع وتعظيما له. ثم تقدم بنا إلى قبة أخرى شبيهة البناء بالأخرى ، غير أنها مثمنة الشكل في كل ثمن زاجة من الزاج الملون المورق ، منها زاجة ذهبية تقابلها أخرى مثلها ، وكان أصابها شعاع الشمس ، فيكون الناظر فيهما معا يرى وراء الزاجة المقابلة كأنه يلتهب نارا ، وعلى كل زاجة شبكة من السلك الرقيق مظفورة ظفرا عجيبا محافظة على الزاج ، ثم ذهب بنا إلى جبل صنعوه باختيارهم ونصبوه على وفق مرادهم ، فحين وصلنا إليه دخلنا في مغارات في وسطه واحدا إثر واحد ، والشمع موقود في الطرق وسقف هذه المغارات وطرقها من الطين قريب من ررؤوسنا ، وفيه طين بارز صغيرا وكبيرا كأنه كان يتقاطر منه الماء ، وكل ذلك من مبانيهم وأعمال المهندسين منهم ، يحكون بذلك كهوف بعض الجبال ومغاراتها وطرقها ، فساروا بنا حتى وصلوا إلى طرق في وسطه قد غمرها الماء ، وفي هذا الماء فلكان صغيران فركب الباشدور والترجمان في فلك ، وركبنا نحن في الآخر والمخازنية معنا ، وأخذ أصحاب الفلكين يديرونهما بالمقاديف بين الطرق والمغارات ، لأن الطرق ليست على سمت واحد بل تنعطف يمينا ويسارا ، وهذا كله ونحن في وسط هذا الجبل المصنوع ، وهم يسيرون بنا في وسطه على تلك الحالة حتى خرجوا بنا إلى بركة كبيرة من الماء راكض فيها لا يتحرك ، ولم نر له مخرجا فنزلنا من الفلكين /٣٤٧/ إلى العرصة المذكورة ، فدخل بنا إلى قبة صنعت من أعواد الشجر مستديرة الشكل ، وقد غرس بأسفلها نبات كاللواية (١) ، فالتوت أوراقها على القبة بأجمعها ، وسقفها على شكل البيضة ، فدخلنا إليها فصار الماء يتقاطر علينا من القبة كالظل حتى ظن بعضنا أنه مطر مع أنه لم يكن سحاب (٢) ، ولم ينزل شيء من هذا الظل خارج هذه القبة ، فتأملنا فيها فوجدناهم أجروا إليها الماء في جعبات من الحديد قائمة مع القبة ومتصاعدة في سقفها ، وفيها

__________________

(١) كل نبات تطول أغصانه وتتلوى على الأشجار أو الأعمدة وتطلع مع الجدران ونحوها.

(٢) تقليد للري المطري الطبيعي ونظامه ، يتكون أساسا من أنابيب لنقل المياه ورشاشات لقذف الماء في شكل رذاذ ، ومضخة لدفع الماء في الأنانيب تحت ضغط مناسب. (عالم المعرفة «التكنولوجيا الحديثة» ، رقم ٥٠ : ١٧٧).


ثقب رقيق جدا ، فإذا أرادوا إرسال الماء بداخل القبة بقصد الفرجة أرسلوه إليها من خارجها ، ثم يصرفونه عنها باختيارهم ، ولم يكن الباشدور بداخل القبة وقت إرسال الماء إليها ، ولعله كان خارجا عنها ينظر من بعد ، وفي هذه العرصة حياض فيها نوار على ألوان وأشكال ، وفيها شجرة كشجر الرمان الصغير مثل قامة الإنسان ، ولها أوراق خماسية كل ورقة من الورقات الخمس رقيقة مستطيلة محيطة بشق المنشار إذا ضرب الإنسان بأصبعه رأس إحدى ورقة من الورقات الخمس تلتوي كلها ، وتنحدر إلى الأرض حتى تكاد تسقط من أصلها ، ثم توضأنا وصلينا الظهرين هناك ، ورجعنا في الأكداش إلى جنوة ، إلى محل النزول.

ملاقات رئيس الفركاطة

وكان أتى رئيس الفركاطة (١) التي هيئت لسفرنا فيها إلى الباشدور ، وتلاقى به مع كبرائها وأخبروه أنهم مأمورون بامتثال أمره ، يسافرون في البحر بنظره بحيث إذا أحب المرور على (٢) الجرنة أو غيرها ، /٣٤٨/ من المدن يساعده ويقف هناك حتى يأمره بالسفر ، فشكرهم على ذلك ، وأخبر القونصوا أي الترجمان أنه لا بد من إقامتنا بجنوة إلى الأربعاء القابل ، بقصد الاستراحة فأقمنا بها يوم الاثنين ويوم الثلاثاء منتصف شعبان المذكور.

الخروج من جنوة

وفي يوم الأربعاء السادس عشرة منه (٣) ، في الساعة التاسعة منه ، خرجنا من

__________________

(١) الباخرةConte Cavour الإيطالية.

(٢) ربما يقصد إحدى المحاجر الصحية (للكرنطينة).

(٣) ٦ شتمبر سنة ١٨٧٦ م. وقد أشارت جريدةGazzetta Di Genova «استقبل السفير المغربي عددا من رجال الصناعة والتجارة ومعهم بعض صانعي البواخر ، وأكد لهم أن عاهله يرى بعين الرضى وسيرعى بحرارة الصناع الإيطاليين الذين يقومون بممارسة صناعتهم على الساحل المغربي ...».


جنوة وخرج لوداع الباشدور عامل البلد وكبراؤها ، وتهيأ العسكر بشاطئ البحر مع أصحاب الموسيقى ، وهيأوا أربعة من الفلك لركوبنا فيها إلى الفركاطة ، وتبعتنا فلك عديدة فيها نصارى رجال ونساء بقصد الفرجة على عادتهم ، وأخرجوا المدافع من أبراج المدينة على حسب القانون في ذلك ، وعند طلوعنا إلى الفركاطة وجدنا الرئيس وكبراءها متهيئين للقاء ، فتلقوا بفرح وسرور وأدب وبرور ، وحملوا ما فيه الكفاية من الفريشك (١) الدجاج والضأن والخضر والفواكه الموجودة في الوقت.

مكينة صنع ماء الثلج

حتى من الثلج بقصد تبريد الماء. والمكينة التي يصنع بها الثلج في نحو ربع ساعة ، بحيث إذا تم ذلك الثلج تكون هذه المكينة مهيئة لصنعه ، وطلبت من الرئيس ذات يوم الحضور لصنع هذه الثلج في تلك المكينة ، فساعدني وأحضرني إلى بيته فوجدت هذه المكينة ، كهيئة زنبيل الأتاي المستدير الذي يسع نحو رطلين من الأتاي ، وهو مبسوط الطرفين وله يدان بوسطه ينزلانه على وقافتين ناتئتين /٣٤٩/ من كرسيها الذي يوضع على الأرض أو على طبلة عند الخدمة بها ، ثم نزع هذا الزنبيل وهو من العود ووضعه على الطبلة ، وفتح فاه وأفرغ فيه كأسا من حجر (٢) الشب وكأسين من النشادير (٣) وكب عليهما الماء ، وبوسط هذا الزنبيل حاجز بداخله ، ثم سده سدا محكما وركبه من يديه على تلك الوقافتين ، وكان في غطاء الزنبيل عروة

__________________

(١) انظر شرحها بالملحق.

(٢) الحامض الكبريتي أو الكبريتكH٢ SO٤ Acide sulfirique الفرائدDictionnaire al- Farâid عربي ـ فرنسي ، بيروت ، ١٩٨٦. نشادر أو نشادري هو محلول الأمونياك Ammonniac NH٣ ذو رائحة لاذعة مؤلف من الأزوت.(المنهل قاموس فرنسي ـ عربي) ، د. جبور عبد النور ، د. سهيل إدريس.

(٣) رسم من إنشاء صاحب المخطوط لشكل آلة التبريد الخارجي (انظر الملحق الخاص بالرسوم والصور صفحة ٢٨).


بها يخدمه بحيث يقبضه منها ، ويأخذ يجدبه إليه ويدفعه أمامه ، والشب مع النشادر ينحل كل منهما في الماء (١) بسبب حركة الخدمة ، وبعدما مرت ربع ساعة مجانية فتح الزنبيل من الجهة الأخرى ، وأفرغ منها ماء أصفر على لون الأتاي القاطع ، وله رائحة كريهة ، لأني شممته قصدا فصعدت في جعبتي أنفي رائحة كريهة ومعها حرارة قوية ، ثم أفرغ هذا الماء في البحر ، وفتح الجهة الأخرى ذات العروة ، فإذا فيها ماء كأصفى ما يكون فأفرغ منه كأسا وناولنيه فبقيت كالمتردد في قبضه منه ، فتبسم وشربه كله ، ثم أفرغ آخر ودفعه إلي فشربته فوجدته كالماء الذي كنا نضع فيه الثلج في البرودة ، وترددي في شرب الأول لكوني استقدرته من ذلك الماء الذي خرج منه وقبح رائحته ، ولم أدر هل ذلك صفي منه أو كان هناك على حالته قبل وضع الشب والنشادر والماء في الجهة الأخرى ، وهذا كان بعد تمام الثلج (٢) الذي كان صحب معه في البابور. من جهة الفريشك لكن حيث أنجر الكلام على الفريشك

__________________

(١) رسم يمثل مقطع طولي لآلة التبريد ، قصد توضيح كيف تتم عملية تبريد الماء الصافي المنعزل على الإناء الصغير الذي يحوي المواد المتفاعلة والتي تحتاج إلى طاقة حرارية تمتصها من الماء المحيط بها ، فترتفع درجة حرارة الأمونياك ويتحول من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية.

2 NH 3 G H 2 SO 4 H SO 4 G 2 NH 4

(انظر ملحق الرسوم والصور صفحة ٢٩).

(٢) في البداية كان الاعتماد على الثلج الطبيعي ، لكن مع ازدياد الطلب بسبب ضرورة نقل وحفظ المواد الغذائية والمشروبات الصناعية الجديدة ، اتجه البحث نحو أجهزة التبريد انطلاقا من فكرة الاسكتلندي سنة ١٨١٧ م ، الاي طورها الفرنسيان Ferdinand Carré  وCharles Tellier  بمعرض لندن سنة ١٨٦٢ م ، وحسنها أخوه Carré Edmond سنة ١٨٦٦ م ، بصنع آلة البريد المحلية ، تعتمد على تحريك الأمونياك بمضخة صغيرة بواسطة اليد ، التي انتشرت بالمقاهي وغيرها بسرعة.

Histoire générale des Techniques Tome IV: 598 : (Les techniques de la civilisation industrielle (.

«... وقد صاحب السفارة المغربية إلى الباخرة السيد الوالي والمستشار والجنرال Finazzi ، قائد الحامية العسكرية بالنيابة ...».Gazzetta Di Genova.


ومن جملته الثلج ومكينته ناسب ذكرها هنا وبسط ما شاهدته من خدمتها /٣٥٠/ وكيفيتها. وفي الساعة العاشرة من يوم الأربعاء المذكو ، شرعت الفركاطة في السير قاصدة سمت ثغر طنجة المحروسة بعناية الله ، من غير تعريج لبلدة أخرى ، حيث تبين للرئيس أن الباشدور ليس عنده غرض في الجرنة ولا في غيرها ، وذلك بعدما استقر الباشدور في المحل المنتخب من القامرة ، وتعيين بقية بيوتها لأصحابه ولمن معه من المخازنية والخدمة. لكل واحد بيت يخصه ، ثم جدت في السير من ذلك الوقت ليلا ونهارا ، ونحن في عافية وبسط من فضل الله وسعادة مولانا المنصور بالله.

الوصول إلى مدينة طنجة

إلى يوم الاثنين الواحد والعشرين من شعبان ، وتبين أنه الثاني والعشرون (١) منه ، فأرست الفركاطة المذكورة بنا بمرسى طنجة في الساعة العاشرة منه ، فطلع منها إلى الباشدور التاجر الأخير الطالب السيد الحاج محمد باركاش (٢) لكونه أوجده الحال بها لغرض له هناك ، ومعه كاتب والده نائب مولانا المؤيد بالله الفقيه السيد الجلالي السلوي وغيرهما من الأعيان ، فعند ذلك تهيأ كبراء البحرية والرئيس ولبسوا ثيابهم الفاخرة المرصعة بالذهب ، وعلى كل واحد نيشان مرتبته ، وخرج الباشدور وودعوه وودعونا كذلك ، ونزل الباشدور إلى الفلك الأول وتبعناه في أثره ، ثم تعلق أولائك البحرية في درج قنانيب الفركاطة واحدا بعد واحد ، ونزعوا شماريرهم وصاحوا صيحة واحدة بصوت واحد ثلاث مرات ، وهم يشيرون بشماريرهم من رؤوسهم إلى أسفل،

__________________

(١) عادت السفارة المغربية على متن الباخرة الإيطالية Cavour Conteإلى مرسى طنجة يوم الاثنين ٢١ شعبان عام ١٢٩٣ ه‍ الموافق ليوم ١١ شتمبر سنة ١٨٧٦ ، بخلاف ما ورد عند ابن زيدان بالإتحاف ، ج ٢ : أنهم وصلوا يوم ١٤ شعبان عام ١٢٩٣ ه‍ الموافق ل ٤ شتمبر سنة ١٨٧٦ م ، وكذلك عند جاك كيلي (السفارات والبعثات المغربية إلى فرنسا : ١٨٤) يوم ١٦ شتمبر سنة ١٨٧٦ م.

(٢) محمد بن محمد بن عبد الرحمان بركاش ، ساهم إلى جانب والده في شراء السلاح الحديث للجيش المغربي وغير ذلك ، توفي قبل والده بأيام سنة ١٨٨٥ م (الحماية والاستيطان ، ح ١ : ٣٩٨).


وذلك منهم وداع خاص يفعلونه للخاصة والأعيان من الدول. /٣٥١/ ثم التفت إليهم الباشدور أشار إليهم بيده للوداع على حسب عرفهم ، وحيث قرب الباشدور إلى البر أخرجت المدافع القانونية من أبراج طنجة ، وعند النزول بساحلها قرب المرسى وجدنا هناك نائب مولانا المذكور وخديمه القائد الجلالي بن حم ، والأمناء وأعيان البلد متهيئين للقاء الباشدور ، فتلاقوا به هناك ونحن كذلك وطلعنا إلى محل النزول بدويرة رياض القصبة التي هناك ، فنزلنا بها وحمدنا الله سبحانه حق حمده على ما أسدى إلينا من العافية والسلامة اللتين هما للعاقل غاية مطلبه وقصده ، وسألناه من جوده وكرمه أن يختم لنا هذه السياحة المباركة بالطلوع إلى حضرة مولانا الشريفة ، والتمتع بالنظر إلى طلعته (١) السعيدة المنيفة ، بقصد أن نلتمس (٢) من سيادته أعزه الله صالح الدعاء ، وجلب رضاه وزيارة الأولياء الأموات منهم والأحياء ، عسى ربنا سبحانه يكفر عنا بذلك ما اقترفناه من السيئات ، ويستمر عنا بكرمه ما اجترمناه من الزلات وقبيح العترات ، فإنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.

تمت الرحلة

__________________

(١) بالفعل سافر السفير الزبيدي من طنجة لفاس حيث كان مثوى السلطان إذ ذاك فأكرم وفادته ... ولما قص عليه قصص سفارته وقرر له كل شاذة وفاذة شكر مسعاه ودعا له بالخير وأمره بالرجوع لطنجة لتتميم المسائل المحالة على القناصل والباشدورات القاطنين هنالك في حل مبرمها ، ولم يزل بطنجة إلى أن أكمل المراد وفق ما يراد حسبما ينبني عن ذلك جواب الحاجب.

الإتحاف ، ابن زيدان ، ج ٢ : ٣١١.

(٢) عند قدوم الجعيدي على السلطان مدحه بقصيدة جيدة فيها إحدى وستون بيتا كما صرح به ناظنها في كتاب كتبه لأبي العباس الناصري ، الذي ذكر له منها الأبيات الثلاثة الأولى وستة أبيات من الآخر ، (انظر الاستقصا ، ج ٧ : ١٥١) وقد نقلها عن الناصري المؤرخ العباس بن إبراهيم المراكشي (الإعلام ، ج ٣ : ٣٩) حرفيا بدون زيادة أو نقصان ، لكنني وجدت بعض أبيات هذه القصيدة في كناشة الأديب أحمد الصبيحي (الفالودج رقم ١ ب خ. ع. ص. بسلا تحت رقم ٤٢٦) تزيد ب ١٣ بيتا عما ذكره الناصري. (انظر نص القصيدة بالملحق ٢).



ملاحق



ملحق ١

ترجمة للأعضاء المرافقين للرحالة في السفارة

ترجمة الحاج محمد الزبيدي (١٢٢٠ ه‍ ـ ١٣٠٢ ه‍)

«... ح محمد ابن الحاج الطاهر ابن أحمد الزبيدي الأندلسي (١) الأصل الرباطي ، كان رحمه الله من الوجهاء وأكابر الأمناء ، ولد بالرباط عام ١٢٢٠ ه‍ وكان في أوائل أمره يتعاطى التجارة وحج مرتين وولاه مولاي عبد الرحمان عاملا على الرباط عام ١٢٦٠ ه‍ ...» (٢) وقد ذكر المؤرخ الناصري تفاصيل الطريقة السلمية التي سلكها الزبيدي لإزاحة عامل الرباط الحاج محمد السوسي ، وتوحيد رأي أهل الرباط على تقديمه مكانه ، وتصلبه في موقفه حتى أرغم السلطان مولاي عبد الرحمان على تزكية تعيينه مؤقتا عاملا على الرباط بظهير شريف بتاريخ ٢٣ رمضان عام ١٢٦١ ه‍ ، وبعد ستة أشهر نزل السلطان بالرباط وقبض على الزبيدي ورفاقه وبعث بهم إلى فاس ، فسجنوا بها ثم سرحوا بعد حين ، وعفى عنهم وقربه إليه «... (٣) ثم أسند له بعد أمر المالية والأشغال الخارجية التي ترد من النائب السلطاني بطنجة إلى الأعتاب الشريفة ، وكان وجهه السلطان سيدي محمد لمباشرة قضية تطوان مع الإصبنيول ... كنائب سلطاني (٤) بجانب محمد الخطيب بتاريخ ١٤ ربيع الأول عام ١٢٧٦ ه‍ لتفادي

__________________

(١) مجالس الانبساط بشرح علماء وصلحاء الرباط ، محمد دينية ، ص : ٢١٣ «من عائلة الفقيه محمد الحاج إبراهيم الزبيد الذي كان من خواص الشيخ العكاري الملازمين له والقائمين بخدمته ظاهرا وباطنا» (بوجندار ، الاغتباط ، ص : ١٠٢). والحاج محمد الزبيدي عضو الديوان الأندلسي في القصبة (بوجندار ، مقدمة الفتح القرن ١٧ م ، ص : ٢٢١).

(٢) الاستقصا ، الناصري ، ج ٩ : ٥٤.

(٣) مجالس الانبساط ، دينية ، ص : ٢١٣.

(٤) الإتحاف ، ابن زيدان ، ج ٣ : ٤٠٤ ، وتاريخ تطوان ، داوود ، ج ٤ : ٨٤.


قيام الحرب ، وقد علق الزبيدي عن مهمته هذه في كناشة توجد عند نجله الحاج أحمد الزبيدي.

يقول «ولما وصلت (١) لطنجة وجدت سفير الإصبنيول ركب البحر في مركبه ، وأن النائب محمد الخطيب قد سلم المطالب الأربعة التي كان يطلب الإصبنيول التي وجهنا سيدنا أيده الله لأجلها ، وظهر لي من المصلحة موافقة الخطيب عليها ، ثم إن النائب الإصبنيولي بعد دخوله لطنجة أمر جميع من هو من جنسه مغادرة طنجة والركوب حالا في البحر ، وأعلن الحرب من غير مفاوضة ... خلافا لبعض المؤرخين كالناصري في «الاستقصا» ، وابن زيدان في «الإتحاف».

وقد تنبه الزبيدي أن الجيش المخزني المتواجد بتطوان بقيادة مولاي العباس كان قليل العدد والعدة «... وقد أعلمت الوزير بعدد العسكر الذي أنزل العدو بسبتة حسبما وصلني تفاصيله من جبل طارق وقدره ستون ألفا ، وطلب منه التعجيل بتوجيه عدد وافر من المقاتلين واستنفار القبائل والتعجيل ...» (٢).

وبعد هزيمة حرب تطوان عين «... أمينا لاختيار الكنانيش ومراقبة الحسابات التي ترد الحضرة العالية من قبل أمناء المراسي ...» (٣).

بعد تولية السلطان الحسن الأول الحكم عين الزبيدي على رأس مصلحة تقوم بتخليص القوائم الواردة من المراسي وغيرها وتسجيلها بالدفاتر المعدة لها في إطار إصلاح هياكل الدولة المغربية ، بعدها مباشرة اختاره سفيرا رغم كبر سنه لأربعة دول أوربية ، وقدمه لعظماء هذه الدول «... وقد اخترناه من أحظى خدام داخلية عتبتنا العزيزة وكبراء حاشيتنا حيث اقتضت خدمته ونصيحته تمييزه لما عرف به من السبقية

__________________

(١) تاريخ تطوان ، محمد داوود ، الجزء ١٠ : ٧٧.

(٢) كناشة الزبيدي توجد عند نجله الحاج أحمد الزبيدي المتوفى عام ١٩٦٣ م. تاريخ تطوان ، محمد داود ، ج ١٠ : ٧٧.

(٣) مجالس الانبساط ، دينية : ٢١٣.


في الخدمة أيام سيدنا الجد ومولانا الوالد قدس الله روحيهما ...» (١). وبعد عودته من أوربا أسند إليه عدة مهام مخزنية كالإشراف على التشاور مع سفراء الدول لضرب الريال الحسني ، واستيراد الأسلحة وغير ذلك. كما سيرد بتفصيل في الدراسة (٢).

وختم دينية الرباطي ترجمة الأمين أبو عبد الله الزبيدي في كتابه «... ولما كبر سنه طلب من السلطان المذكور الإنعام عليه بالاستراحة. وإسناد وظيفته إلى ولده الطالب العربي ، فولاه عند ذلك أمينا بمرسى الرباط عام ١٣٠٢ ه‍ ، وولي مكانه في وظيفة المذكور ولده المذكور ، توفي المترجم صبيحة يوم الجمعة ١ ربيع النبوي عام ١٣٠٤ ه‍ ودفن بالعلو ...».

__________________

(١) من رسالة الحسن الأول إلى ملك إيطاليا. الإتحاف ، ابن زيدان ، ج ح : ٣٠٦. انظر نص الرسائل المتبادلة في هذا الموضوع بالإتحاف ، ابن زيدان ، ج ٢ : من ٤٤٢ إلى ٤٥٣.

(٢) مجالس الانبساط : ٢١٣.


ملحق ٢

ترجمة أمين السفارة ابن ناصر (بناصر) ابن أحمد غنام

(١٢٦٢ ه‍ ، ١٣٣٤ ه‍).

ولد بالرباط حوالي ١٢٦٢ ه‍ من أسرة منحدرة من قبيلة الغنانمة المغربية التي تمتد مواطنها ما بين سوس وإقليم التوات ، ومن يرجح أن يكون أصلها أندلسيا حسب رسوم عدلية ، ووالده أحمد تولى نظارة الأحباس بالرباط سنين طويلة ، فلما توفي في ذي الحجة عام ١٢٩٠ ه‍ ، تولى ابنه محمد النظارة بدله وصار مترجمنا بناصر خليفة له ، سرعان ما عينه السلطان الحسن الأول في عام ١٢٩٢ ه‍ بتزكية من السفير الزبيدي عضوا برتبة أمين رفقة سفارته ، ثم عينه أمينا للمال ، ثم ترقى في أوائل سنة ١٣٠٠ ه‍ إلى رتبة أمين الاختيار ، وكانت تعني مفتش المالية (١) وفي سنة ١٣١٥ ه‍ نقل أمينا لمرسى طنجة ، ثم عين بدار النيابة سنة ١٣١٨ ه‍ مستشارا للنائب السلطاني الحاج محمد بن العربي الطريس ، ومن أعماله هناك تفاوضه سنة ١٣١٨ م على ضرب الريال وكسوره بأنجلترا ، وذهابه سنة ١٣١٩ م في سفارة إلى فرنسا وروسيا صحبة عبد الكريم ابن سليمان وزير الخارجية المغربي آنذاك ، ثم أرسل سنة ١٣٢٠ م إلى الجزائر موفدا من قبل السلطان مولاي عبد العزيز لتحية رئيس الجمهورية الفرنسية بمدينة وهران مجاملة ، ثم عين في اللجنة المكلفة بالتعويضات المتعلقة بالخسائر التي لحقت بمدينة الدار البيضاء سنة ١٩٠٧ م ، وبعد ثورة السلطان مولاي عبد الحفيظ على أخيه حاول أن يعينه خليفة لمحمد الجباص نظرا لخبرته وتجربته الطويلة ، لكن السفارة الفرنسية ثارت على هذا الترشيح بدعوى عدم استشارتها ، ووصفته أنه رجل متعصب من قبل الأجانب ، فأرسله مولاي عبد الحفيظ عضوا في سفارة أحمد ابن المواز إلى إسبانيا. ثم استراح المترجم بعد تأسيس الحماية إلى أن توفي يوم الخميس ١٥ صفر عام ١٣٣٤ ه‍ دجنبر سنة ١٩١٥ م ، وقد رثته جريدة السعادة «... كان

__________________

(١) أعلام المغرب العربي ، بن منصور ، ج ١ : ٢١٧.


كثير الحذر شديد الانتقاد ، صادق الوطنية لحد المبالغة في بعض الأحيان ، وكان فيه نزعة للساسة الفرنساوية ... ولعل تلك النزعة كانت مستمدة من نصائح الوزير عبد الكريم بن سليمان ... لكنه كان يضطر غالبا لإظهار غير ما يضمر نظرا للحالة المخزنية واختلاف آراء رجالها في ذلك الوقت ، وسعايتهم ببعضهم البعض ، وقد جمع ثروة طائلة خلفها لأولاده ... مات مأسوفا عليه ودفن بعد صلاة العصر في الزاوية الناصرية ...»(١)

__________________

(١) عدد ١١٣٥ بتاريخ ٢٣ و٢٤ شتنبر ١٩١٥ م ، لسان المندوبية السامية الفرنسية ، الرباط ، خ. ع.


ملحق رقم ٣ :

اعتذار من مقيده للمحب الصادق الأمين الطالب

السيد عبد القادر غنام

يا فريد الإحسان صدقا وودا

وحفيظ العهود قربا وبعدا

قد أتاني منك ألف سلام

وشذاه يفوح مسكا وندا

فعليك السلام في كل حين

وثناء عليك شكرا وحمدا

لكن في ذلك السلام عتاب

فاق لطفا وراق قدحا وهجدا

أنت مولاي عبد القادر غنا

م الأمين الشهير صدقا وجدا

فبما لك عندنا من أياد

ووداد وفضل لا يحصى عدا

قد ملكت قلبي يا قرة العي

ن فصرت إذاك رقا وعبدا

كيف أنساك والفؤاد شهيد؟

منك سله يفدك شوقا ووجدا

ما سهوت ولا تغافلت إلا

رد بي الخوف من عتابك ردا

أو تظن؟ فالظن بعضه إثم

حسن الظن ، فهو أجمل رقدا

فلولا الفضل منك ما كنت عني

سائلا ، وقصدتني به قصدا


وإلا فما قيمتي وما قدري

مع ضعفي حتى تجاوزت حدا

غير أنك ذو أياد فحليتني

من أنفس التحية عقدا

فتجاوز ، وسامح بالفعل عني

لا تراني مغيرا لك عهدا

قد أرخته قائلا في الدعاء :

دم يا قرة العين صادقا جدا

٤٤+ ٩١١+ ١٦٠+ ١٦٦+ ١٢ ـ ١٢٩٣ ه‍ مجموع الأرقام لعله يشير إلى تاريخ نظم القصيدة وهو أواخر المائة الثالثة بعد الألف.

تقييم القصيدة من حيث الشكل

حاول المؤلف في قصيدته أن يصوغ مشاعره الجياشة تجاه أخ عزيز عليه ـ صياغة شعرية مهما كان حالها. فاختار لها إيقاع الخفيف ، لكن نظمها جاء مختلا في جل أبياتها ، الأمر الذي يدل على أن المؤلف قاصر في نظم الشعر ، ولا سيما في تعامله مع التفاعيل العروضية الخليلية.

فالقصيدة يطغى عليها تكسير الإيقاع ، في جل أبياتها علاوة على بساطة أسلوبها تركيبا وتعبيرا ، مما يفيد أن ناظمها لم يكن له إلمام واسع بفن الشعر ، ولا بأدواته الضرورية.

ويبدو هذا جليا في بعض تركيباته اللغوية ، وصياغاته النظمية التي هي أقرب ما تكون إلى النثر منها إلى الشعر ، وذلك لخلوها ـ في الغالب ـ من المميزات والخصائص الفنية التي يتسم بها هذا الفن الأدبي الرفيع.

غير أن المؤلف له عذره ، ومن غير أن نلتمسه له. فهو لم يكن شاعرا بالمعنى الأدبي المفهوم من الشعر اليوم. وإنما كان ـ على عادة أهل زمانه ـ مشاركا فقط


ويمارس شعره على ما هو عليه كتعبير ثاني إضافي ، يستعين به على تسجيل ما يقع تحت ألحاظه من مشاهد ووقائع وأحداث ، بعد أن ينتهي من تسجيلها بنثره المسجوع ، دون اكتراث بما يقع فيه ـ أثناء النظم ـ من محظور في صياغته الشعرية.

ويمكن أن يطرد هذا الحكم على سائر ما نظمه في هذا المجال. لهذا لا أرى فائدة في تصيد هفواته العفوية المتكررة ، والملحوظة في تضاعيف القصيدة ، ما دام عذره في ذلك واضحا ومقبولا (انظر دراسة أحمد الطريس ، الشعر المغربي في ق ١٩ م» بكتاب الإصلاح والمجتمع المغربي في ق ١٩ م. ص ٣٧٣).

ملحوطة : توجد هذه القصيدة بالصفحة الأخيرة من رحلة الجعيدي. ربما كان الجعيدي ينوي إهداء هذه النسخة لسيدي عبد القادر غنام الذي نبهه إلى جانب أحمد الناصري السلوي على ضرورة كتابة رحلته هذه السفارية.


ملحق رقم ٤ :

بعض قصائد إدريس الجعيدي التي لم ترد في الرحلة

لما عاد الجعيدي من الوجهة الفرنجية صحبة السفير الزبيدي ، مدح السلطان الحسن الأول بقصيدة جيدة فيها إحدى وستون بيتا كما صرح به ناظمها في كتاب كتبه لأحمد الناصري (١) ، ذكر له منها الأبيات الثلاث الأول وستة أبيات من الأخر(الاستقصا ، ج ٧ : ١٥١) وقد نقلها عن الناصري العباس بن إبراهيم المراكشي(الاعلام ، ج ٣ : ٣٩) حرفيا بدون زيادة أو نقصان.

لكنني وجدت بعض أبيات هذه القصيدة في كناشة أحمد الصبيحي «الفالودج» رقم ١ ب خ. ع. ص بسلا تحت رقم ٤٢٦ تزيد ب ١٣ بيتا عما ذكره الناصري.

أسالم دهري في المرام وفي القصد

فينقض ما أبرمت للصلح من عقد

واسأله الرحمى فيبدي ازوراره

ونفرته عني فيأعظم ما يبدي

وكم لي أسترضيه وهو مغاضب

ولا يرعوي عما جناه على عمد

انتهى ما ذكره الناصري ، ويضيف أحمد الصبيحي :

لي الله كم لاقيت في طرف الهوى

لي الله كمجرعت من غصص الصد

لي الله كم قاسى الفؤاد من النوى

وشدته حتى بلغت إلى الحد

__________________

(١) كما نشر أحمد الناصري قصيدة أخرى لإدريس الجعيدي ، نصها الكامل بالاستقصا ، ج ٩ : ١٧١ يمدح الحسن الأول الذي عينه لإحصاء صائره بمراكش في ربيع الثاني عام ١٢٩٧ ه‍ ، ربما أدخل عليها بعض التلقيح والتهذيب حتى جعلها في مستوى القصائد الموزونة.


لي الله ما جملت في الحب من ضنى

وما بي حب في سعاد ولا دعد

فياليت شعري هل أرى الدهرمنصفي

فيذهب عني ما براني من وجد

واطرح عني عتبه وشكاته

وانزع عني ما لبست من الجهد

صبرت وإن الصبر صبر مذاقه

ولكن مثال الصبر أحلى من الشهد

لئن لم أنل من ذا الزمان لبانتي

فإني عليه ما حييت لمستعدي

ومن ينصف المظلوم منه ويكتفي

به غير من يسعى إلى الأجر والحمد

سأقصد مأوى العدل والحلم والندى

عسى عطفة تبدو من الطالع السعد

ومن لي بلقياه وبيني وبينه

كمثل الثريا والتراب من البعد

بلى بابه المقصود كل يؤمه

فيظفر بالمطلوب فورا وبالرفد

عليك به فانهض سريعا مبادرا

وسابق إلى ظل من العدل ممتد

شريف اسمه منه اقتبس كل مطلب

تساعدك الأقدار بالنجح والرشد

يعود أحمد الناصري لذكر ستة أبيات من الأخر :

وهذي بنات الفكر مني هدية

إلى الملك المنصور ذي الجود والرفد


فإن أهملت عدلا فإني مهمل

وإنصادفت وقت القبول فياسعدي

وما كنت في باب القريض مبرزا

شهيرا ولكن تعاطيته جهدي

لأجل امتحاني لذت فيه بربنا

فأصبحت ذا وجد وقد كنت ذا فقد

فها أنا ضيف زائر لحماكم

وحسبي رضاكم فهو نفس المنى عندي

ويا ربنا اعط الأمير مرامه

وظفره بالمطلوب منك وبالقصد

كما ذكر أحمد الصبيحي في كناشته العلمية ـ الفالودج بعض القصائد الأخرى لسيدي إدريس الجعيدي السلاوي لم يذكرها المؤرخ الناصري ولا غيره :

القصيدة الأولى : يجيب فيها الشيخ الجليل سيدي ، الحاج العربي بن مولانا بنداوود الشرقاوي العمري (بزاوية أبي الجعد) رسالة جواب :

دعوني إلى من قد هويت أسير

ولو أني في قيد الذنوب أسير

وخلوا سبيلي إن شوقي زائد

ومن شدة الأشواق كدت أطير

ولا سيما والحب أعلن معلما

بشوق إلى ذي النظم وهو حفير

وجاد بمجد لست أهلا لنيله

ولكنه بالصدق مني خبير

فلبيك يا مولاي إن عزيمتي

تبشرني صدقا بأني أزور


رجال أبي جعد إليكم تشوقي

وللقطب بنداوود قلبي شكور

وفي تلكم الأعتاب يحلو تطارحي

ويشفى سقام ضاق منه صدور

ويجمع شملي بالخليل وسيدي

مولاي العربي فالشأن منه كبير

فيا أيها الحبر العلي جنابه

لكم مدد يتلى وفضل شهير

ويا من حوى جل المحامد والثنا

ومن لعلاه الخلق طرا يشير

حباكم إلاه العرش كل فضيلة

لكم عزة من أجلها وهور

وأسراركم معهودة وجلية

لنا من ذكراها غبطة وسرور

فعطفا على عبد كسير جنابه

وجد بعلاج القلب فهو نفور

وسل ني من القطب الشهير أبيكم

صلاحا وسترا فالنوال كثير

القصيدة الثانية : ذكرها أحمد الصبيحي في مخطوطه (كشكول الصبيحي) ج ٣ رقم ٤٢٨ ب خ. ع. ص بسلا يقول في ص ٣٥ :

قصيدة لأبي العلاء الجعيدي.

الحمد لله طلب بعض الأدباء من الأديب الشريف أبي العلا سيدي إدريس الجعيدي السلاوي كتاب المنية لابن غازي فوجهه له وكتب عليه ما نصه ومن خطه نقلت.


قد وصلت إلى ديار التهاني

وارتقيت إلى مقام التداني

فابشري بالمنى يا نفس فإني

صرت من خدم الأديب ابن داني

هذه منيتي تزوره شوقا

كل ما يشتهي بها متداني

فهي قائمة مقام أنيس

وهي غانية عن صوت الأغاني

كم شربت من ثغرها كأس رائع

وسلوت بها عن نقر المثاني


ملحق ، رقم ٥ :

خزانة الكتب التي تركها سيدي إدريس الجعيدي السلاوي حسب التريكة (خزانة نجله سيدي عبد القادرالجعيدي بسلا)

نسخة من الشفا بالمطبعة المصرية (القاضي عياض). ـ إحياء علوم الدين (الإمام الغزالي) في أربعة أسفار. ـ الإتقان في علوم القرآن (الإمام السيوطي). ـ شرح جسوس على عقيدة الرسالة (أبي زيد القيرواني) شرح سيدي عبد القادر الفاسي. ـ حسن المحاضرة للسيوطي. ـ حاشية الدسوقي على الدردير (شارح الشيخ متن خليل) في أسفار. ـ القاموس في سفرين (البحر المحيط فيرزبادي). ـ سعود المطالع في سفرين (الفلك والتوقيت). ـ تذكرة الشيخ داوود في سفرين (الأنطاكي). ـ شرح الطرابلسي على المرشد المعين. ـ حكم بن عباد (الصوفية). ـ حياة الحيوان في سفر(الكبرى الدمياري). ـ ميزان الشعراني في سفر والعمود أيضا والطبقات الكبرى. ـ نزهة الصفوري. ـ المستضرف (من كل فن طرف). ـ ريحانة الألباء للخفاجي. ـ الجغرافية. ـ اختصار السويدي للشعراني. ـ تألثف تفسير الرؤيا لابن سيرين حسن. ـ كتاب ابن معشر الفلكي. ـ النصف الثاني من كشف الغمة للشعراني. ـ تبصرة بن فرحون وبهامشه ابن سلمون. ـ سفران في علم التنجيم لابن البنا. ـ منهاج الطالب في التوقيت والتعديل. ـ مقامات الحريري بخط مغربي. ـ شرح بنيس على الهمزية بالمطبعة الفاسية. ـ سلوانات ابن ظفر. ـ كتاب القرطاس. ـ روضة الأزهار. ـ حاشية التسولي على التحفة. ـ التاودي. ـ ابن حجر على الهمزية الجزء الأول والثالث من سيدي الخرشي وكتب أخرى. ـ ثلاثة أجزاء من الخطاب ومن الذكاء إلخ. ـ نسختان من المصباح. ـ البيروني في التنجيم. ـ مجموعة في عمل الاسطرلاب. ـ كتاب في الصلاة على النبي. ـ كراريس ٢٠ من القاموس. ـ كراريس مختلطة في التنجيم.


كما ترك سيدي إدريس الجعيدي العديد من آلات الرصد الفلكية

كرتان للتعديل روميتان. ـ قوس الارتفاع من صفر. ـ ميزان الهواء. ـ مجانة قزدير مستديرة ومجانة مستديرة. ـ شاخص بمدفع وبيت الابرة. ـ ءالة المساحة. ـ اصطرلاب من صفرـ كابوسان روميان والكثير من الأسلحة الأخرى والأثاث والحلي والمجوهرات.



كشاف حضاري وفهارس



كلمات وعبارات عامية وأجنبية وردت في الرحلة

 ـ أ ـ

 ـ الأجناس : جمع جنس ويطلق على الشعب الأجنبي فيقال جنس الطليان مثلا ، ويجمع على جنوس أو على أجناس كما جمعه الجعيدي وهو استعمال فصيح وتعني كل الشعوب الأجنبية.

 ـ أخرجت المدافع : بصيغت التفعيل بمعنى أطلق أي جعل المدفع يرمي قذيفته وتستعمل لكل الأسلحة النارية.

 ـ الإشارة : جمع الإشارات وهو ما يتخذ هدفا ويشار إليه ليضرب خصوصا في التداريب العسكرية.

 ـ إصبانيا : إسبانيا.

 ـ الإقامة : ما يقام به الشيء من مواد وغيرها مثل إقامة البناء والمدافع والشاي.

 ـ الأمين : أي المؤتمن على مال الدولة ، وقد كان هذا اللفظ في النظام الإداري المالي بالمغرب يطلق على الموكل بالخزينة وبكل ما يرجع للمال قبضا وصرفا.

 ـ الأوقية : نصف ثمن الرطل أي ١ من ١٦ منه ـ ٣٤٩ ، ٢٨ غ حسب الأحوال.

 ـ ب ـ

 ـ البابور : تعني الباخرة وهي مشتقة من كلمة فابورVaPor الإسبانية أي البخارBabord.

 ـ بانيو : حمام Bàno.

 ـ البراح : المتسع من الأرض لا شجر فيه ولا بناء.

 ـ البرانية : أي الخارجية والكلمة عربية (برا) وقد تنطق (بره) تعني خارجا في معظم الدارجات العربية ، والبراني بالمغربية الغريب عن البلد.

 ـ البرمة : في اللغة قدر من حجارة ، وبرمة الحمام تطلق على الحوض الذي يصب فيه الماء الحار.

 ـ بطّن : جعل ثوبا للتدفئة أو للتقوية داخل اللباس ، وهذه اللفظة فصيحة إلا أنها


تعمم فيقال بطن الحائط بالخشب مثلا.

 ـ بقرج : وعاء القهوة وهي كلمة تركية معناها الغلاية.

 ـ البلاغي : الأحدية المغربية المحلية.

 ـ البلجيق : بلجيكا.

 ـ البوجي : الرافعة.

 ـ البوط : مكيال للخمر أو غيره سعته ٩٣٣ لتر.

 ـ بونبة : مأخوذة من الكلمة الإسبانيةBomba وهي القذيفة التي تجعل في المدفع.

 ـ بيت النار : مفرد بيوت النار هو المحل من الفرن الخاص بطبخ الخبز ، يطلقه المغاربة على محل النار من الأسلحة.

 ـ ت ـ

 ـ التبريم : التدوير ، وأصل الكلمة من البرم الذي هو الفتل.

 ـ التصاوير : جمع تصويرة أي صورة وقد يقصد بها أحيانا التماثيل.

 ـ تقاشير : الجوارب مفردها جورب.

 ـ التوريق : هو التزويق في عمل الجبس والنقش على الخشب.

 ـ ترييش : منسوج من الخيط أو الحرير ، نسجا فنيا مزخرفا تنمق به أطراف الأروقة وحواشيها.

 ـ ج ـ

 ـ الجعبة : في الأصل «كنانة النشاب» ثم استعيرت لكل ما كان كالقناة ومنه جعبة البندقية.

 ـ الجلنار : يعني الجنرال Général ضابط عسكري.

 ـ الجمعة : تعني الأسبوع.

 ـ جنان : مفرد أجنة ومن خصائص العربية المغربية إطلاق الجمع على المفرد في كلمات كثيرة ، كرياض بمعنى روض وقبور بمعنى قبر وآفات بمعنى آفة. والجنان تعني الحدائق والبساتين.


 ـ الجنوي : السكاكين التي كانت تصنع في مدينة جنوة الإيطالية ج. جناوي وتصدر إلى المغرب تسمى الجنوي فتطلق على كل سكين.

 ـ الجوائز : مفردها الجائز خشبة معترضة بين حائطين ، ج. جوائز وجوزان وجيزان واجوز (الكايزة).

 ـ ح ـ

 ـ الحبة : أو بوحبة ، كريات صغيرة من الخفيف تجعل الواحدة منها تحت الزناد في البندقيات القديمة فعندما تدق تشتعل فينفجر البارود.

 ـ الحركة : تحرك الجيش من جهة لأخرى ويقصد بها الغزوة أو الحملة لتأديب العصاة والمتمردين.

 ـ الحسك : الشمعدان أي ما يثبت فيه للإنارة.

 ـ حوائجنا : جمع حاجة والمراد بها متاع الرجل وما يأخذه معه أثناء السفر.

 ـ الحوانيت : جمع حانوت وهي الدكان.

 ـ الحوت : تعني السمك (كما ورد في القرآن في سورة الكهف وسورة القلم) صغيرة كانت أو كبيرة ، وهي عربية فصيحة ويسمى صائد السمك وبائعه بالحوات.

 ـ خ ـ

 ـ الخابية : جرة ضخمة من طين.

 ـ الخدمة : مفردها خدام أي الخادم في الاستعمال الدارجي وهو الشخص الذي يتدرب على مهنة ما ولم يرتقي بعد إلى مستوى المعلم ، أو الصانع وبالتالي يمكنه أن يستقل بنفسه.

 ـ الخرصة : دائرة حديدية أو نحاسية تلصق عادة بأبواب الديار لتدق بها وتطرق.

 ـ خصة : وتجمع خصص وخصات ومعروفة في الشرق العربي بالفسقية.

 ـ خناشي : جمع خنشة ، وتجمع كذلك خنشات ، وهي وعاء من ثوب لحمل الدقيق أو القمح أو البارود وغير ذلك ، والأصل العربي الخشاش ، حل الادعام في العامية وعوضت الشين الأول بنون ـ مثلا اجاص بتشديد الجيم الذي صار انجاص.


 ـ الخنقاطرة : الحيلة.

 ـ د ـ

 ـ دارموزي : يقصد المتحف.

 ـ الدرابيز : جمع دربوز دخيل معناه الحاجز الحامي في السطح أو الدرج أو الشرفة وقد وضع له مجمع دار العلوم مقابلا عربيا الجلفق.

 ـ دفف : جمع دفة وهي الباب أو دفة الكتاب مثل الغلاف.

 ـ دويرة : تصغير دار أو منزل ، وبويبا تصغير باب ، وبويت تصغير بيت.

 ـ ذ ـ

 ـ الذراع : ما بين المرفق والأصبع الوسطى أي نحو نصف متر تقريبا (٤٨ ، ٠ متر) وتقديراته خاطئة ومختلفة ، وقد بطل العمل به في آخر القرن الماضي.

 ـ ر ـ

 ـ الرابوز: الكير وهو من أرابوز البربرية حسب دوزي (المستدرك على المعاجم العربية).

 ـ الربيعة : صندوق صغير وتطلق أيضا على الصندوق الكبير وهي الربعة في الفصيح ، تحفظ فيه الأشياء وغالبا ما تصنع من الخشب.

 ـ الرجلية : تعني الرجالة فصيحة لجمع راجل أي الذي لا مركوب له ويمشي على قدميه ، وكذلك يقول رجلهم أي أرجلهم.

 ـ الرحى : الطاحونة.

 ـ الرزمة : بالكسر عربية فصيحة ومعناها ما شد في ثوب واحد ويقال رزم الثياب ترزيما شدها وهي تطلق مجازا على كل الكتل التي تجمع كما هنا.

 ـ الرطل : جزء من مائة من القنطار ، ولكنه أتقل من الرطل الأنجليزي الذي لا يزن إلا ٤٥٣ غراما. القنطار ـ ١٠٠ رطل أي ٥٤ كلغ).

 ـ الرمي : هنا هو مدى ما تبلغه القذفة.


 ـ الروز : الأرز.

 ـ الريال : كلمة إسبانيةReal معناها ملكي ، اسم عملة أدخلت في النظام المالي المغربي.

 ـ ز ـ

 ـ الزاج : الزجاج اختصارا في اصطلاح المغاربة.

 ـ الزكروم : المزلاج.

 ـ الزناد : زند ـ زندا أي قدح النار وأخرجها من الزناد أو البندقية ، والزنايدي هو المشتعل بصناعة البنادق التقليدية وإصلاحها بالمغرب.

 ـ الزنجفور : الزنجفر أو الزنجفر معدن متفتت بصاص أحمر يصبغ به ويدهن به الحديد ليسلم من الصداء.

 ـ الزيار : في الفصيح خشبتان يضغط بهما بشدة.

 ـ زيوف : مناديل ، ج. منديل.

 ـ س ـ

 ـ ساباط : سقيفة بين دارين تحتها طريق تجمع سوابيط وساباطات.

 ـ الساج : شجر عظيم صلب الخشب ج سيجان الواحدة (ساجة).

 ـ ساعة مجانية : أي ٦٠ دقيقة للتعريف بين ساعة بمعنى الوقت الحالي مطلقا ، وساعة بمعنى وحدة زمانية. والثلث ٢٠ د ، والربع ١٥ د والقسم ٥ د.

 ـ سامته : قابله ووازاه.

 ـ سبنية : خرقة من حرير ونحوه تغطى به عادة الرسائل السلطانية.

 ـ سراجم أو سراجب جمعها سراجيب وأصلها في العربي الفصيح شرجب (بالشين) وهي النافذة ، وشرجب كلمة فارسية أصلها جها رجوب.

 ـ سرير : في الاصطلاح المغربي ما يحمل عليه مطلقا.

 ـ سكويلة : يقصد المدرسة وبالإسبانيةEscuella.

 ـ السلك : يقصد به ما نسميه اليوم البرق أي التلغراف.


 ـ ش ـ

 ـ الشب : ملح معدني أشبه بالزاج الذي هو ملح يستخدم في الصباغة.

 ـ الشبر : ما بين طرف الإبهام والخنصر ممتدين بالتفريج المعتاد.

 ـ شمرير : مفرد شمارير وهو القبعة وأصله من الإسبانيةSombrero.

 ـ شواقير : جمع شاقور وهو سكين عريض يقطع به الخشب ونحوه ويستعمل كذلك في الحروب ، وفي الفصيح الساقور بالسين المهملة أو ساطور (المقدة).

 ـ الشوالي : جمع شيلية تعني الكرسي والكلمة إسبانيةSilla.

 ـ الشيطت : الفرشات.

 ـ ص ـ

 ـ الصائر : النفقة يقال صير أي نفق وهو المصروف أيضا.

 ـ صالة : أو صالات مفردها صالة ، كلمة فرنسية تعني القاعة الكبيرة.

 ـ الصبنيول : تعني الشعب الإسباني.

 ـ صغار : صغيرة.

 ـ صينيات : ج صينية كان النحاس مشهور باسم الصيني ومنه جاء اسم صينيات الشاي النحاسية.

 ـ ط ـ

 ـ طبسيل : الآنية كلمة من الدارجة المغربية.

 ـ طبلة : ج طوابيل ، كلمة فرنسية تعني Table وهي الطاولة أو المائدة التي يتناول عليها الطعام.

 ـ طرونبة : المضخة.

 ـ ـ الطنابرية : هم قارعوا الطبول المصاحبون للجوقة الموسيقية استعمال دارجي عند المغاربة.

طناجير : جمع طنجرة أو طنجير وهي لفظة تركية معناها قدر من نحاس.


 ـ ع ـ

 ـ العاج : أنياب الفيل.

 ـ العساسة : مفرد العساس والجمع العسة أو العساسة ويقصد من يعس أو يحرس بالليل.

 ـ عمارته : ما يعمر به جوف المدفع أو البندقية مرة واحدة.

 ـ غ ـ

 ـ الغار : المغارة أو الكهف.

 ـ غانجوا ومخطاف : آلة حديدية عبارة عن قضيب معوج الرأس تجتدب به أشياء بعيدة أو صعبة الملمس لحرارتها أو نحو ذلك.

 ـ غراف : جمع غراريف اسم آلة الشرب.

 ـ الغرب : من معانيها المغرب.

 ـ الغربال : المنخل.

 ـ غلالة : الحلزون (القشرة).

 ـ ف ـ

 ـ فابريكة : كلمة إسبانيةFabrica المصنع.

 ـ الفرجية : (تشبه الجلباب وتنسب إلى القائد فرجي مملوك السلطان أحمد المنصور السعدي) وهي للشخصيات والخواص ، وفي الغالب لباس المخازنية والعوام.

 ـ الفردي : والفرد أيضا يعني مسدس ذو طلقة واحدة.

 ـ الفركاطة : سفينة حربية تسمى بالإسبانية.Fragata.

 ـ الفرنصيص : الفرنسيين ويقال الفرنسوية أي الفرنسية.

 ـ فورمة المدفع : عيارة أو شكله Forma كلمة إسبانية.

 ـ فريشك : Fresco وrefresco كلمة إسبانية معناها الطري من المواد الغذائية التي يتزود بها البحارة من المراسي التي تقف بها سفنهم.

 ـ الفصالة : تعني تصميم.


 ـ فلك : مفردها فلوكة تعني زورق صغير وهي كلمة عربية فصيحة. فلك ـ بضم الفاء وسكون اللام ـ.

 ـ الفنار : مشكاة بداخلها مادة منيرةFarial كلمة إسبانية وأصلها من اليونانية فانوس التي استعيرت نفس المعنى بالمشرق ج. الفنارات.

 ـ فيجكة : مخطاف صغير يشبه الغانجو.

 ـ ق ـ

 ـ قائد المشور : تطلق على الشخص الذي يقدم الزائرين للسلطان فهو بمثابة رئيس التشريفات.

 ـ القاع : القعر.

 ـ القالب : ما تفرغ فيه الأشياء المنصهرة ليكون مثالا لها لما يصاغ منها.

 ـ قالة : وهي تماثل إجمالا ذراعا وأصبعا ، وقياسها مختلف حسب نوع الثوب المراد قياسه.

 ـ القامرة : كلمة إسبايةCaméra وهي المكان الرفيع في المنزل أو الباخرة.

 ـ القامة : من الإنسان : قده.

 ـ قبا البناء : يقبوه جعله على هيئة القبة وقبا الشيء قوسه.

 ـ قدم : حيث فسر القدم بخطوة الرجل المتوسط أي نحو ٧٠ سنتم والمعروف أن القدم في اصطلاح الأنجليزFoo ـ ٤ ، ٣٠ سنتم.

 ـ القربة الوطب : أي وعاء يجعل فيه اللبن أو الماء وغيره.

 ـ القرطوش : يطلق على قذائف الرصاص التي تجعل في المسدسات والبندقيات وهي من الإسبانيةCartcecho.

 ـ قريقيات : أقفال خشبية أو حديدية تربط بين قطعتين من الخشب أو غيره.

 ـ القصبة : القلعة المحصنة أو المدينة أو القرية.

 ـ قطب الرحى : محورها.

 ـ قناطر : ج. قنطرة تطلق في اللغة على الجسر وكل ما يعبر عليه ، ولها دلالة أخرى عند المغاربة ، مثلا : تطلق على عماد غليظ من خشب يوضع فوق جدارين


متوازيين ويبنى عليه.

 ـ قنطار : يساوي ١٠٠ رطل أي حوالي ٥٤ كلغ.

 ـ القونصو : القنصل.

 ـ ك ـ

 ـ الكابوس : المسدس متعدد الطلقات جمعها كوابيس.

 ـ الكاغد : جمع كواغد أي الورق ، في العامية المغربية الكاغيط.

 ـ كبوط : جمعها كباببيط وتعني المعطف.

 ـ كرت بريطن : بريطانيا العظمى.

 ـ كدش : جمعها أكداش تعني كوتشي Coche بالإسبانية أي العربة التي يجرها الخيل أو البغال.

 ـ كدية : الأرض الصلبة الغليظة أو الهضبة الصغيرة.

 ـ الكروصات : مفردها كروسة وهي كلمة إسبانيةCarroza تعني عربة خشبية تجرها الدواب ولكنها تستعمل في الغالب لنقل البضائع.

 ـ كريطة : جمعها كراريط Carreta بالإسبانية هي عربة ذات عجلتين لحمل الأحجار أو الأسلحة الثقيلة كالمدافع.

 ـ الكمخة : نسيج حريري سميك تبطن به حواشي الأروقة والستر والملابس الرفيعة.

 ـ الكنابي : ج كنبيات تعنى أسرة للاستراحة أو متكأ متسع CanaPé.

 ـ كناش : مفرد كنانيش وهو الدفتر.

 ـ الكنطردة : معناها العقد أو اتفاق يعقد بين شخصين أو أشخاص.

 ـ الكوفري : الصنيديق من الخشب.Coffret

 ـ الكير : زق ينفخ فيه الحداد.

 ـ گ ـ

 ـ الكنبورة : جرة أكبر من الطنجية يخبع فيها السمن أو العسل ونحوهما ، شبه


شكل قذيفة المدافع بها.

 ـ الكيرة : تعني الحرب Guerra.

 ـ ل ـ

 ـ لانبات : المصابيح الغازية ذات الشكل الأنبوبي.

 ـ اللقاط : الملقط وهو ما يلقط به كملقط الحداد. ج ملاقط.

 ـ اللواية : كل نبات تطول أغصانه وتتلوى على الأشجار والأعمدة وتطلع مع الجدران ونحوها.

 ـ اللوندريز : مدينة لندن ، مأخوذة من لوندريس الإسبانية.

 ـ م ـ

 ـ ماريو : الدولاب أو الصوان أو الخزنة Armoir.

 ـ المبرد : آلة البرد.

 ـ المجانة : الساعة وأصل الكلمة من اليونانيةMagganon مكانون ، فحرفها المغاربة إلى مجانة ، الآلة التي تعرف بها ساعات اليوم.

 ـ مجدول : جمعها مجاديل وهو حبل مفتول من الحرير أو غيره تقبض به الأروقة والحجب.

 ـ مخازنية : أعوان أحد ممثلي المخزن يبلغون أوامره أو يوجهون لتنفيدها وخدمة من يعملون تحت إمرته.

 ـ مركان : نوع من القماش كان يسمى Americanos.

 ـ المسوس : الثوب المخرم والمثقب.

 ـ مشموم : وهي باقة من الزهور.

 ـ مضرب : اصطلاح مغربي كاللحاف وهي تعني فراش محشو بالصوف أو القطن ونحو ذلك.

 ـ مطيشة : أرجوجة أو خسدعة.

 ـ المعلم : الخادم الصغير أو المبتدئ وعكسه المعلم.


 ـ مقبو : مغطى سقف مقوس ويطلق خاصة في المغرب على السرداب المقوس السقف.

 ـ مقرج : أو بقرج وهو إناء يغلى فيه الماء لتحضير الشاي والكلمة تركية الأصل (مرجل).

 ـ المكحلة : لها معنيان في العامية فهي الوعاء الذي يوضع فيه الكحل وهي البندقية أيضا.

 ـ المكينة : لفظة إسبانية Maquina وهي الآلة.

 ـ الملف : ثوب ناعم من صوف كان أساس لباس المغاربة في فصل الشتاء ويظهر أن أصل الكلمة من أمالفي Amalfi وهي مدينة إيطالية.

 ـ مموه : اصطلاح في الزخرفة المغربية.

 ـ المنشار : آلة ذات أسنان ينشر بها الخشب ونحوه ، ج. مناشير.

 ـ منشار الدور : مصدر الحركة (تحرك وعاد إلى حيث كان أو إلى ما كان عليه) بمعنى دوره أي جعله مدورا.

 ـ مهاريس : جمع مهراس أو مهراز ، وهو في الأصل الهاوون الآلة التي تدق فيها الحبوب ونحوها.

 ـ المواجير : القمطر.

 ـ الموبر : ثوب مصنوع من الوبراي الثوب المشعر.

 ـ الموسكو : يقصد مدينة موسكو عاصمة الإمبراطورية الروسية.

 ـ الموسيقات : جمع موسيقى مفرد موسقة ويقصد بها الآلات الموسيقية.

 ـ المون : يقصد رصيف الميناء.

 ـ ميد : هو دوار البحر أي ما يصيب راكب السفينة من انزعاج من المزاج وغثيان.

 ـ الميل العادي أي ١٦٠٩ متر أما الميل البحري ١٨٥٣ متر.

 ـ ن ـ

 ـ الناعورة : آلة لرفع الماء فيها دولاب وقواديس.

 ـ ناقوس : مفرد نواقيس وهو الجرس ويسمى أيضا الجلجل.


 ـ نبح : ممر أو معبر.

 ـ نشان : أو ينشان كلمة تركية لها معان ، وتعني الوسام.

 ـ نمير أو نمرا : أي رقم Numero.

 ـ النوارة : الزهر (واحدته نوارة).

 ـ النون : في العربية هو الحوت ، ويطلق في المغرب على الحوت النهري الذي يشبه الحنش.

 ـ النيلة : غبرة لونها أزرق تصبغ بها الثياب والجدران وغير ذلك.


فهرس الأعلام البشرية

 ـ أ ـ

آدم (عليه السلام) :

 ٩٤ ، ٢٣٠ ، ٢٣٣

أبراهام سكس :

 ٢٢٢

إبراهيم (عليه السلام) :

 ٣٥٢

أجو سطينو دي بريتيس :

 ٣٤٨

الأحبابي :

 ٢٢

أحمد الأخضر غزال :

 ٣٧

أحمد بناني الفاسي :

 ٢٢

أحمد بورقية :

 ٢٢

أحمد حلمي إبراهيم :

 ١٧٢ ، ٢٥٦ ، ٢٧٤

أحمد الزبيدي :

 ١١٤ ، ٤٠٦

أحمد السويري :

 ٢٢

أحمد شمس الدين الحجاجي :

 ٦٤

أحمد الصبيحي :

 ١٢ ، ٢٣ ، ٢٥ ، ٣٦ ، ١٠٤ ، ٤٠١ ، ٤١٣ ، ٤١٥ ، ٤١٦

أحمد الطريس :

 ٤١٢

أحمد العماري :

 ٢٦ ، ٤٣ ، ١٧٤.

أحمد الكردودي :

 ١١ ، ٣٥ ، ٤٩ ، ٩٩

أحمد محمد عبد الخالق :

 ١٧٩

أحمد معنينو :

 ٩٣

أحمد مفتاح البقالي :

 ٢٧٧ ، ٣٦٧

أحمد بن المواز :

 ٤٠٨

أحمد المنصور الذهبي :

 ٢٨٤

أحمد الناصري :

 ١٢ ، ٢٠ ، ٢٣ ، ٢٦ ، ٢٧ ، ٣١ ، ٣٥ ، ٣٦ ، ٥٤ ،


٦٦ ، ٧٩ ، ٨٣ ، ١٠٢ ، ١٠٤ ، ١٠٦ ، ٢١٩ ، ٤٠١ ، ٤٠٥ ، ٤١٢ ، ٤١٣ ، ٤١٤

إدريس بنعلي :

 ٨١

إدريس الجعيدي :

 ١١ ، ١٢ ، ١٣ ، ١٥ ، ١٦ ، ١٩ ، ٢٠ ، ٢١ ، ٢٣ ، ٢٤ ، ٢٨ ، ٣٠ ، ٣١ ، ٣٢ ، ٣٤ ، ٣٥ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٣٨ ، ٣٩ ، ٤٠ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٤٧ ، ٤٨ ، ٤٩ ، ٥١ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ٥٧ ، ٥٨ ، ٥٩ ، ٦٠ ، ٦١ ، ٦٢ ، ٦٣ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ٦٦ ، ٦٧ ، ٦٨ ، ٦٩ ، ٧٠ ، ٧١ ، ٧٢ ، ٧٣ ، ٧٤ ، ٧٥ ، ٧٦ ، ٧٧ ، ٧٨ ، ٧٩ ، ٨٠ ، ٨١ ، ٨٢ ، ٨٤ ، ٨٥ ، ٨٨ ، ٨٩ ، ٩٠ ، ٩١ ، ٩٢ ، ٩٣ ، ٩٤ ، ٩٥ ، ١٠٢ ، ١٠٣ ، ١٣١ ، ١٣٩ ، ١٤٥ ، ١٤٦ ، ١٥٠ ، ١٥٩ ، ١٨٠ ، ١٩٨ ، ١٩٩ ، ٢١٣ ، ٢١٤ ، ٢١٦ ، ٢١٨ ، ٢٢٧ ، ٢٣٨ ، ٢٤٠ ، ٢٤٢ ، ٢٤٤ ، ٢٤٨ ، ٢٤٩ ، ٢٦٣ ، ٢٧٥ ، ٢٨٣ ، ٢٩٧ ، ٢٩٨ ، ٣٠٢ ، ٣٠٣ ، ٣١٠ ، ٣١٤ ، ٣١٦ ، ٣١٧ ، ٣٢٣ ، ٣٢٨ ، ٣٣٠ ، ٣٤٠ ، ٣٤٦ ، ٣٦٢ ، ٣٨٤ ، ٣٩١ ، ٣٩٣ ، ٤٠١ ، ٤١٢ ، ٤١٣ ، ٤١٥ ، ٤١٦ ، ٤١٨ ، ٤١٩

إدريس الشاوي :

 ٢٢

إدريس العمراوي :

 ٢٨ ، ٤٩ ، ١٢٤ ، ١٩٢ ، ٣٢٥

إدوار غالب :

 ١٧٩ ، ١٨٠ ، ١٨١

الأمير إدوارد :

٢٧٨

إدوارد ستانلي دربي :

٢٨٠

أدولف تييرا :

 ١٧٠

أرسططاليس :

 ١٩٥

أرمان سادوان :

 ٢٤٢


أرنيست دالون :

 ٣٣ ، ٥٣ ، ٢٠٧ ، ٢٠٨ ، ٢١١ ، ٢١٥

أستور :

 ٧١

أفا عمر :

 ١٨٧

إقليدس :

 ٢٢ ، ٣٦ ، ٦٦ ، ١٦٠

الأمير ألبيرت :

 ٢٨٧ ، ٢٩١ ، ٢٩٢ ، ٣٠٣ ، ٣٠٧ ، ٣٠٨

إليزابيث الأولى :

 ٢٨٤

أندروكليس :

 ٣٥٢

إيزابيلا الثانية :

 ٣٦٤

إيمي داكان :

 ١١٣

 ـ ب ـ

برادة ثريا :

٥١ ، ٥٦ ، ٢١٩ ، ٣١٥ ، ٣٧٥

بركش بن سعد :

١٢٩

البستاني :

١٩٠

بسمارك :

٣١ ، ٤٧ ، ١٦٦ ، ١٧٠

القديس بطرس :

٣٤٧

أبو بكر بن محمد عواد السلاوي :

٢١

ابن البنا :

٤١٨

بناصر غنام :

٣٠ ، ٣٢ ، ٣٥ ، ١٠٢ ، ١٠٩ ، ٣٢٧ ، ٣٨٩ ، ٤٠٨

بنسعيد السلاوي :

١١ ، ٣٢ ، ٥٨

بنيامين دزرائيلي :

٢٨٧

بوزيو :

٣٣٤

القديس بولس :

٣٤٧

البيروني :

٤١٨

بيير نوفان :

٣١ ، ٥١


ـ ت ـ

التاودي :

 ٤١٨

تاوريوت :

 ٤٣

التسولي :

 ٤١٨

السفير تميم :

 ٩١

تياريس :

 ٣٠

تيتو ليفيو :

 ٣٤٧

تيودور ويبر :

 ٤٧ ، ٤٨

ـ ج ـ

جاك كيلي :

 ٣١ ، ٤٢ ، ٤٤ ، ١٠٩ ، ٢٣٤ ، ٤٠٠

جان لوي مييج :

 ١١٣

الجباص :

 ٥٨

جبرائي جبور :

 ٣٥٢

د. جبور عبد النور :

 ٣٩٨

جرمان عياش :

 ٢٧

جعفر أحمد الناصري :

 ٢٠

جلاد ستون :

 ٢٨٧

جلال يحيى :

 ٣١ ، ٥١

الجلالي السلوي :

 ٤٠٠

جون هاي :

 ٢٠٣

جون هوب :

 ٣٠٦

جيل مونج :

 ٣٤٧ ، ٣٩١

الجيلالي البخاري :

 ١١٥

الجيلالي بن الحاج :

 ٣٠٠

الجيلالي بن حمو :

 ١٠٨ ، ١٣٣ ، ٤٠١


الجيلالي رابح :

 ٣٠

الجيلالي الرحالي :

 ٢١

ـ ح ـ

الحريري :

 ٤١٨

الحسن الأول :

 ١٢ ، ٢١ ، ٢٢ ، ٢٣ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٣٠ ، ٣١ ، ٣٢ ، ٣٣ ، ٣٤ ، ٣٦ ، ٤٠ ، ٤٥ ، ٤٧ ، ٤٨ ، ٥١ ، ٥٣ ، ٥٦ ، ٥٩ ، ٦٨ ، ٧٨ ، ٨٠ ، ٨٢ ، ٨٣ ، ٨٦ ، ٨٨ ، ٨٩ ، ٩٩ ، ١٠١ ، ١٠٣ ، ١٠٨ ، ١١٣ ، ١١٤ ، ١٧٦ ، ١٩٠ ، ٢٠٧ ، ٢٢١ ، ٢٤٤ ، ٢٧٦ ، ٢٧٨ ، ٢٩٠ ، ٣١٤ ، ٣٥٦ ، ٣٧٨ ، ٤٠٦ ، ٤٠٨ ، ٤١٣

أبو الحسن علي بن مسعود الجعيدي :

 ١٦

الأمير الحسن بن محمد :

 ٣٠

د. حسين محمد فهيم :

 ٧١

(الثائر) أبو حمارة :

 ٥٨

حواء :

 ٩٤ ، ٢٣٠ ، ٢٣٣

ـ خ ـ

خالد بن الصفار : ١٤٧

خالد بن الصفار : ١٤٧

خديجة الصابونجي : ١٨ ، ٢٤

خديجة الصابونجي : ١٨ ، ٢٤

الخفاجي : ٤١٨

الخفاجي : ٤١٨

ابن خلدون : ٤٩ ، ٦٩ ، ١٩٨

ابن خلدون : ٤٩ ، ٦٩ ، ١٩٨

خليل بن إسحق : ١٩٠

خليل بن إسحق : ١٩٠

ـ د ـ

داروين :

 ٢٨٤


اللورد دربي :

 ٢٩ ، ٤٤ ، ٢٨١ ، ٢٩٢ ، ٢٩٧ ، ٣١٦

دريموند هاي : ٣٣ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ٧٢ ، ٧٨ ، ٨١ ، ٨٢ ، ٨٤ ، ٨٦ ، ٨٧ ، ٩٩ ، ١١٣ ، ٢٧٦ ، ٢٧٨ ، ٢٩٠

ده فيرنوبي :

 ١١٣

الدور ديكاز :

 ١٥٥ ، ١٥٦ ، ١٧٠ ، ٢٠٥

دي أميسيس :

 ٣٤

ديزرائلي :

ديكان :

 ٢٢٩

ـ ر ـ

روبرت هاي :

 ٥٥ ، ٢٠٣ ، ٢٧٢

روجرز :

 ٣٣ ، ٨٢ ، ٨٤ ، ٢٧٦ ، ٢٧٨

ـ ز ـ

زكي مبارك :

 ١٩٢

أبو زيد القيرواني :

 ٤١٨

ابن زيدان :

 ١٦ ، ٢٢ ، ٢٦ ، ٣١ ، ٤٢ ، ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٨ ، ٥٢ ، ٥٤ ، ٥٦ ، ٧٠ ، ٨٦ ، ٨٧ ، ٩٤ ، ١٠٦ ، ١٠٨ ، ١١٥ ، ١٤٥ ، ١٥٤ ، ١٧٧ ، ١٧٨ ، ١٩٠ ، ٢٠٦ ، ٢٠٧ ، ٢١٤ ، ٢١٧ ، ٢٢٩ ، ٢٤٠ ، ٢٩٠ ، ٣٠١ ، ٤٠٠ ، ٤٠١ ، ٤٠٥ ، ٤٠٦ ، ٤٠٧

ـ س ـ

ستيفانوسكو فاصو :

 ٥٧

سكيرج :

 ٣٨ ، ٧٨

ابن سلمون :

 ٤١٨


السلطان سليمان :

 ١٦ ، ٢٦ ، ٨٠

سليمان بن حمزة :

 ١٧٤

د. سهيل إدريس :

 ٣٩٨

ابن سودة :

 ١٢

سوزان ميلار :

 ١٤٧

ابن سيرين :

 ٤١٨

الإمام السيوطي :

 ٤١٨

ـ ش ـ

شارل أندري جوليان :

 ٢٦

شارل جوزيف تيسو :

 ١١٣

الشعراني :

شكسبير :

 ٢٨٤

شيفر :

 ١٢٤

ـ ص ـ

الصفار التطواني :

 ١١

ـ ط ـ

الطاهر الأودي :

 ٨٨

الطاهر الفاسي :

 ٨٦ ، ٩٩ ، ٢٧٣ ، ٢٨٧ ، ٢٨٩ ، ٢٩٣ ، ٢٩٦ ، ٣٠٩

الطهطاوي :

 ٤٩ ، ٥٠ ، ٦٤

الطيبي ابن هيمة :

 ٤٨ ، ٢٥٦

السفير طيسو :

 ٣٠ ، ٩٩ ، ١٥٤

الملك طيطس :

 ٣٥٢


ـ ظ ـ

ابن ظفر :

 ٤١٨

ـ ع ـ

عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) :

 ١٠٥

عباس بن إبراهيم :

السلطان عبد الحفيظ :

 ٤٠٨

السلطان عبد الحميد :

 ١٦

السلطان عبد الرحمن :

 ٢٦ ، ٢٨ ، ٤٩ ، ١٠٨ ، ٣٧٨ ، ٤٠٥

عبد الرحمن العاجي :

 ٢٨ ، ٤٣

عبد الرحمن بن عبد العزيز عواد :

 ٢٢

عبد السلام بن الخياط الجعيدي :

 ١٦ ، ١٩

عبد السلام بن سودة :

 ١٨

عبد السلام بن طلحة :

 ٢١

عبد السلام السائح :

 ٣٨

عبد السلام العلمي :

 ٢١ ، ٣٤٠

عبد العزيز بن عبد الله :

 ٢٦ ، ٥٠ ، ٥٨ ، ٤٠٨

عبد القادر أشعاش :

 ٢٨

عبد القادر الجعيدي :

 ١٢ ، ١٣ ، ١٦ ، ١٩ ، ٢٠ ، ٢١ ، ٢٤ ، ٢٥ ، ٣٦ ، ٦٠ ، ١٠٥ ، ١٥٨ ، ١٩٨ ، ١٩٩ ، ٢٠٠ ، ٢٢٨ ، ٢٣٠ ، ٢٣٣ ، ٣٦٩ ، ٣٨٠

عبد القادر غنام :

 ٣٥ ، ١٠٣ ، ٤١٠ ، ٤١٢

عبد القادر الفاسي :

 ٤١٨

عبد الكريم بن سليمان :

 ٤٠٨ ، ٤٠٩

عبد الكريم بن محمد بريشة :

 ٩٣

عبد الله أحمد :

 ١١٥


عبد الله البرنوي :

 ١٠٥

عبد الله الجراري :

 ١٢ ، ١٨ ، ٢٣ ، ٣٦ ، ١٠٤

عبد الله بن خضراء :

 ٢٣

عبد الله بن سعيد :

 ١٠١

عبد الله صبري :

 ٢٢٢

عبد الله بن محمد :

 ٣٠

عبد الله محمد بن الطيب القادري :

 ١٦

عبد المجيد بن جلون :

 ١١٦

السلطان عبد الملك بن إسماعيل العلوي :

 ٤٣ ، ١٥٦

عبد الهادي التازي :

 ٣٠ ، ٣٣ ، ٤٧ ، ٢٥٦ ، ٣٠٤

عبد الهادي بن القايد :

 ١٠٦

عبد الوهاب بن منصور :

 ٢٧ ، ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ١٠٦ ، ٤٠٨

ابن عثمان المكناسي :

 ٧٦

العربي بريشة :

 ٤٨

العربي بن داوود :

 ٤١٥

العربي بن سعيد :

 ١٠١

علال الفاسي :

 ٥٠

علي حسين عاصم :

١٩١ ، ١٩٣

ابن علي الدكالي السلاوي :

 ١٣ ، ٦٠

علي بن أبي طالب رضي الله عنه :

 ١٠٥ ، ١١٢

علي بن عبدالله الريفي :

١١٢

علي بن العروسي :

٣٠

علي بن محمد العرائشي :

١٠٦

علي السفيوي :

٢٧٨

علي المليح :

٢٥

العمروي :

١١


القاضي عياض :

 ٤١٨

عيسى (عليه السلام) :

 ٣٤٧ ، ٣٤٨

ـ غ ـ

ابن غازي المكناسي العثماني :

 ٣٥٨

الغسال : ١١

 ، ٤٩ ، ٢٧٣ ، ٢٨٢ ، ٣٠٥

الغزال :

 ٣٥ ، ٥٢

الإمام الغزالي :

 ٤١٨

غليوم الأول :

 ٤٨ ، ٢٥٦

غليوم الثاني :

 ٤٧

الأمين غنام :

 ٩١ ، ٩٢

الغيغاني :

 ٣٨

ـ ف ـ

الفاسي :

 ١١

فاطمة بنت الأمير الحاج محمد عواد :

 ١٨ ، ٢٤

فاندن بوش :

 ٢٦٨

السلطان فاندي :

 ٣٠٧

ابن فرحون :

 ٤١٨

الملك فكتور إيمنويل الثاني :

 ٣٤٩ ، ٣٦٣ ، ٣٦٤ ، ٣٦٨ ، ٣٧١

الملكة فكتوريا :

 ٤٦ ، ٢٧٩ ، ٢٨٧ ، ٢٩١ ، ٢٩٢ ، ٣٠٧ ، ٣٠٨

الأمير فليب :

 ٢٢٠

فليب الثاني :

 ٢٣٢

د. فليب حتي :

 ٣٤٧ ، ٣٥٢

فؤاد مسعود :

 ٢٤٨ ، ٢٦٠ ، ٢٦١ ، ٢٦٣ ، ٢٦٤

الفيروز أبادي :

١٩٠

البارون فينطال :

 ٢٠٧


. ك ـ

كوليش :

 ٤٧

ـ ل ـ

لبيب رزق :

 ٣٣ ، ٨٢ ، ٨٤ ، ٢٧٦ ، ٢٧٨

لسان الدين بن الخطيب :

 ١٩٥

لويز الثالث عشر :

 ١٩٠

لويس الرابع عشر :

 ١٦٥ ، ١٨٨

ليلى أبو زيد :  

٧٩

ليوبولد الأول :

 ٢٠٦

ليوبولد الثاني :  

٢٠٦

ـ م ـ

ماك مهون :

 ٣١ ، ٥١ ، ١٥٣ ، ١٥٥ ، ١٦٩ ، ١٧٠

ماكلين :

 ٥٤

النبي محمد صلى الله عليه وسلم :

 ٩٧ ، ٩٨ ، ١٠٥ ، ١١٥ ، ٢٠٩ ، ٣٤٧ ، ٣٦٦

محمد أحمد السويدي :

 ٩

محمد أحمد الناصري :

 ٢٠

محمد الأمين البزاز :

 ٦٨ ، ٨٩

محمد بركاش :

 ٢٨ ، ٣٠ ، ٣١ ، ٤٤ ، ٥٤ ، ٧٨ ، ١٠٣ ، ١٠٩ ، ١١٠ ، ١١١ ، ١١٣ ، ١١٤ ، ١١٦ ، ١٤٦ ، ١٥٦ ، ٢٠٣ ، ٢١٧ ، ٤٠٠

د. محمد أبو بكر إبراهيم :

 ٢٢٢

محمد البوزيدي :

 ٢٦

محمد الحاج بوعراقية :

 ١١٢

محمد التريكي الرباطي :

 ٢٢

محمد تطوان :

 ١٦


محمد الجباص :

 ٤٠٨

محمد الجعيدي :

 ١٢ ، ١٦

محمد الجيلالي الحمادي :

 ٢١

محمد بن حسن الحجوي :

 ٥٠ ، ٥٨

محمد الحلوي :

 ٢٢٩ ، ٢٣٣

محمد الخطيب :

 ١١١ ، ٤٠٥ ، ٤٠٦

محمد داود :

 ٢٧ ، ٩٣ ، ١٠٦ ، ٤٠٦

محمد الدباغ الفاسي :

 ١٠٥

محمد دعي ابن إدريس :

 ٢٥

محمد دينية :

 ٤٠٥ ، ٤٠٦ ، ٤٠٧

الأمير محمد الرابع :

 ٢٢ ، ٨٣

الحاج محمد الزبيدي الرباطي :

 ١٢ ، ٢٥ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٠ ، ٣١ ، ٣٢ ، ٣٣ ، ٣٤ ، ٣٥ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٤٠ ، ٤٢ ، ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٧ ، ٤٨ ، ٥٠ ، ٥١ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ٥٩ ، ٧٨ ، ٨٤ ، ٨٥ ، ٨٦ ، ٨٧ ، ٩٢ ، ٩٣ ، ٩٥ ، ١٠٠ ، ١٠٧ ، ١١٠ ، ١١٢ ، ١١٤ ، ١٢٤ ، ١٣٢ ، ١٤٦ ، ١٥٤ ، ١٥٥ ، ١٥٦ ، ٢٠١ ، ٢٠٥ ، ٢٠٧ ، ٢٠٨ ، ٢١١ ، ٢١٤ ، ٢١٧ ، ٢١٩ ، ٢٢٠ ، ٢٢١ ، ٢٢٢ ، ٢٣٠ ، ٢٣٦ ، ٢٤٠ ، ٢٤٥ ، ٢٤٦ ، ٢٤٩ ، ٢٥٣ ، ٢٥٦ ، ٢٥٧ ، ٢٥٨ ، ٢٦٨ ، ٢٧٨ ، ٢٨١ ، ٢٨٦ ، ٢٩٠ ، ٢٩٢ ، ٢٩٧ ، ٣١٥ ، ٣١٦ ، ٣٣٦ ، ٣٣٧ ، ٣٤٩ ، ٣٦١ ، ٣٦٢ ، ٣٦٤ ، ٣٦٧ ، ٣٧١ ، ٣٨٣ ، ٣٨٤ ، ٣٨٥ ، ٣٨٧ ، ٣٨٨ ، ٣٩٣ ، ٤٠١ ، ٤٠٥ ، ٤٠٦ ، ٤٠٧ ، ٤٠٨ ، ٤١٣

محمد بن سعيد السلاوي :

 ٢٨ ، ٣٢ ، ١٠١ ، ١٢٤

محمد السنوسي التونسي :

 ٣٠٤


د. محمد السيد عبد السلام :

 ١٨٤

محمد بن الشريف الصونجبي :

 ٢٤

محمد الصفار :

 ٤٩ ، ٥٠ ، ٥٢ ، ٦٤ ، ٧٦ ، ٨٩ ، ٩٩ ، ١٤٧ ، ١٥١ ، ١٩٩ ، ٣١٨

محمد الطاهر الفاسي :

 ٢٨

محمد بن طلحة الصباحي :

 ٢١

محمد عابد الجابري :

 ٦٩ ، ١٩٨

السلطان محمد بن عبد الرحمن :

 ٤٣ ، ٤٧ ، ٤٨ ، ٨٠ ، ١٠١ ، ١٠٨ ، ٢١٨

محمد بن عبد العزيز محبوبة السلاوي :

 ٢١

محمد عبد الكريم الشرقي :

السلطان محمد بن عبد الله :

 ١٦ ، ١٩ ، ٧٩ ، ٨٤ ، ١٤١ ، ١٨٥ ، ٢٧١ ، ٤٠٥

محمد عبد الله عنان :

 ١٩٥

محمد العربي الطريس :

 ١١١ ، ٤٠٨

محمد العربي الفاسي :

 ١٠٦

محمد العلو السلاوي :

 ٢١

محمد علي باشا :

 ٤٩ ، ١٩٣

محمد بن علي الدكالي :

 ٧٨ ، ١٣٩ ، ٢٢٨

محمد الفاسي :

 ٥٢ ، ٥٥ ، ٢٧٣ ، ٤٠٥

محمد القائد أحمد زنبير :

 ١٠٦

محمد بن الكعاب الشرقي :

 ٢٤١

محمد المامون بن عمر الكتاني الحسني :

 ٧٩ ، ١٤١

محمد مخا التازي :

 ١٠٣

محمد المختار السوسي :

 ٣٠١

محمد بن المدني :

 ١٠٣ ، ١٠٨

د. محمد مصطفى أنور :

 ٢٢٢

د. محمد مصطفى صفوت :

٣٣


محمد المصوري الطنجي :

 ١٣٣

محمد المنوني :

 ٥٣ ، ٥٤ ، ٧٠ ، ٨٣ ، ١٩٠ ، ٢٤١ ، ٢٤٦ ، ٣٤٠

السيد المختار الرغاي :

 ٢٢

مسعود بن تكال بن يجعد :

 ٢٠

مصطفى بو شعراء :

 ١٠١ ، ١١١ ، ١٢٤ ، ٢٠٦ ، ٢٢٢ ، ٣١٠

ابن معشر الفلكي :

 ٤١٨

ابن المكي :

 ٣٠

اللورد ملبورن :

 ٢٨٧

موسى بن أحمد البخاري :

 ٤٤ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٧٨ ، ١١٥ ، ١٤٦ ، ٢١٧ ، ٢٤٠ ، ٣٣٧

موسى حييم نطيفيوري :

 ٤٨

موسى مونج :

 ١١٤ ، ١٣٢

الوزير ميليكاري :

 ٣٤٦ ، ٣٦١

ـ ن ـ

نابليون :

 ٧ ، ٢٦ ، ١٠١ ، ١٢٤ ، ١٥٧ ، ١٦٥ ، ١٦٦ ، ١٦٧ ، ١٦٨ ، ١٨٤ ، ٢٣٢ ، ٢٨٣ ، ٣٢٢

نوح (عليه السلام) :

 ٢٢٨

ـ ه ـ

هارون الرشيد :

 ١٩٥

الحج الهاشمي عواد :

 ١٧

الملك هنري السابع :

 ٢٨٤ ، ٣٠٨

ـ و ـ

وليم الرابع :

 ٢٨٧

ـ ي ـ

يعقوب سكس :

 ٢٢٢

الملك اليوبولد الثاني :

 ٧٢


فهرس الأماكن الجغرافية والمدن

ـ ا ـ

ابروسيا :

 ٤٧ ، ٥١ ، ٥٢ ، ١٦٦ ، ١٧٠ ، ٢٥٦ ، ٢٨٣ ، ٣٢٢ ، ٣٣٨

ابروكصيلا :

 انظر بروكسيل

الإثمد :

 ٢٤٤

أثينا :

 ١١٣

أنجرة :

 ٢٤٤

إنجلترا :

 ١١ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٢ ، ٣٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٥٢ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ٥٧ ، ٦١ ، ٨٦ ، ٨٧ ، ٨٩ ، ١١٤ ، ١٥٧ ، ١٩٦ ، ٢٠٥ ، ٢٠٧ ، ٢٢١ ، ٢٣٢ ، ٢٤٥ ، ٢٥٦ ، ٢٦٦ ، ٢٧٨ ، ٢٨١ ، ٢٨٤ ، ٢٨٧ ، ٢٩٧ ، ٢٩٩ ، ٣١٧ ، ٣٢١ ، ٣٣٤ ، ٣٣٦ ، ٣٤٠ ، ٤٠٨

إسبانيا :

 ١١ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٤ ، ٩٣ ، ٩٩ ، ١١٨ ، ٢٠٧ ، ٢٢١ ، ٢٣٢ ، ٤٠٨

أستراليا :

 ١٨١

أسطانذ :

 ٢٦٨

إسطنبول :

 ١١٣

أسفي :

 ٤٨

الإسكندرية :

 ٢٣٣

إفريقية الغربية :

 ١٦٦ ، ٢٠٧

أكدال :

 ٣٦١

أكراي :

٢٠٧

ألمانيا :

 ٢٩ ، ٣٣ ، ٤٧ ، ٩٩ ، ١٦٦ ، ١٧٠ ، ٢٢٢ ، ٢٥٦

أم درمان :

 ٢١٧


أمريكا :

 ٦٩ ، ٨١ ، ٣٤٠

الأندلس :

 ١٠١ ، ١٦٣ ، ٢٣٣ ، ٢٩٦

أنفيرس :

 ٥٤ ، ٢٥٨ ، ٣٠٣

أنطاكيا :

 ٣٤٧

أوروبا :

١١ ، ١٢ ، ٢٢ ، ٢٣ ، ٢٦ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣١ ، ٣٢ ، ٣٥ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٤٠ ، ٤١ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٤٩ ، ٥٠ ، ٥١ ، ٥٩ ، ٦٢ ، ٦٣ ، ٦٦ ، ٦٩ ، ٧٠ ، ٧١ ، ٧٢ ، ٧٧ ، ٨٤ ، ٨٦ ، ٨٨ ، ٨٩ ، ٩٥ ، ٩٨ ، ٩٩ ، ١١١ ، ١١٣ ، ١١٤ ، ١٦٠ ، ١٧٠ ، ٢٠٧ ، ٢٦٧ ، ٢٧٧ ، ٣١٤ ، ٣٢٢ ، ٣٤٨ ، ٣٧٦ ، ٤٠٧

إيطاليا :

 ٢٢ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٢ ، ٣٣ ، ٣٤ ، ٤٧ ، ٤٨ ، ٥٨ ، ٦٥ ، ٧٣ ، ٩٠ ، ٩٢ ، ٩٣ ، ١١٤ ، ٢٣٢ ، ٣٢٤ ، ٣٣٣ ، ٣٣٦ ، ٣٣٧ ، ٣٣٨ ، ٣٣٩ ، ٣٤٠ ، ٣٤٤ ، ٣٤٦ ، ٣٤٨ ، ٣٤٩ ، ٣٦١ ، ٣٦٣ ، ٣٦٨ ، ٣٧١ ، ٣٨٥ ، ٣٨٧

ـ ب ـ

باب حساين :

 ١٢ ، ١٩ ، ٢١ ، ٣٦ ، ١٠٥

باريس :

 ١٤ ، ١٥ ، ٤٣ ، ٤٩ ، ٥١ ، ٥٧ ، ٦٢ ، ٦٤ ، ٦٧ ، ٦٩ ، ٧٠ ، ٧٢ ، ٧٥ ، ٨٤ ، ٨٥ ، ٨٧ ، ٩١ ، ١١٠ ، ١١٣ ، ١١٤ ، ١٢٣ ، ١٢٤ ، ١٢٥ ، ١٣٢ ، ١٤٣ ، ١٤٤ ، ١٤٥ ، ١٤٦ ، ١٤٧ ، ١٥٢ ، ١٥٥ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٧١ ، ١٩٢ ، ١٩٥ ، ١٩٦ ، ٢٠٠ ، ٢٠١ ، ٢٠٤ ، ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ٢٠٧ ، ٢٠٩ ، ٢١٠ ، ٢٣١ ، ٢٥٧ ، ٢٨٥ ، ٢٩٠ ، ٢٩٢ ، ٢٩٧ ، ٣٠١ ، ٣٠٣ ، ٣٠٤ ، ٣١٧ ، ٣١٨ ، ٣٢١ ، ٣٢٣ ، ٣٣٤ ، ٣٣٦ ، ٣٤٠ ، ٣٨٤


بحر الشمال :

 ٢٦٨ ، ٢٦٩

بحر المانش :

 ٣١٧

البحر المتوسط :

 ١١٠ ، ١٢٠

البرازيل :

 ٢٩

البرتغال :

 ٩٩ ، ٢٢١

برسلونة :

 ٣٠٣

برالفرنصيص :

 ١٤

برلين :

 ٣٣ ، ٣٤ ، ٤١ ، ١٦٦ ، ٢٥٦

برمنكهام :

 ٨٦

بروكسيل :

 ٤٦ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ٦٣ ، ٦٩ ، ٧٣ ، ١٥٦ ، ٢٠٦ ، ٢٠٨ ، ٢٠٩ ، ٢١٢ ، ٢١٣ ، ٢١٤ ، ٢٢١ ، ٢٣٠ ، ٢٣٦ ، ٢٤٦ ، ٢٤٧ ، ٢٤٩ ، ٢٥٢ ، ٢٥٦ ، ٢٦٦ ، ٣٠٣

بريطانيا :

 ٣٣ ، ٤٨ ، ٦٩ ، ٨٢ ، ١٧٠ ، ٢٠٣ ، ٢١٧ ، ٢٧٤ ، ٢٧٨ ، ٢٨٤ ، ٢٨٧ ، ٢٩٢

البلاد الحجازية :

 ٢٣

بلاد السودان :

 ٢٩

يلاد الصين :

 ١٦٣

البلاد العربية :

 ٣٣

بلجيكا :

 ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٢ ، ٣٣ ، ٤٦ ، ٤٧ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٧ ، ٨٨ ، ١١٤ ، ٢٠٦ ، ٢٠٧ ، ٢١١ ، ٢١٤ ، ٢٢٢ ، ٢٢٩ ، ٢٤١ ، ٢٥٦ ، ٣٢١

بوهيميا :

 ٢٩٢

بيت الله الحرام :

 ٢٣ ، ١٠٥

بيت المقدس :

 ٣٥٢

بيروت :

 ١٧٩ ، ٣٤٧ ، ٣٥٢ ، ٣٩٨

بيلي :

،٣٩٤ ٣٩٥


ـ ت ـ

تانجنيقا :

 ١٢٩

تركيا :

 ٣٤ ، ٤٩ ، ٣٦٦

تطاوين :

 ٢٠

تطوان :

١٦ ، ١٩ ، ٢٧ ، ٣١ ، ١٠٣ ، ١٠٨ ، ٤٠٥ ، ٤٠٦

تفيلالت :

 ٢١١

تنزانيا :

 ١٢٩

تونس :

 ١١٣ ، ١٩٥ ، ٣٣٩ ، ٣٦٦ ، ٣٨٨

تيوت :

 ٤٣

ـ ج ـ

جامع قرطبة :

 ٢٩٧ ، ٣٠١

جبال الألب :

 ٣٣٤ ، ٣٤٣

جبل ألتيسيمو :

 ٣٤٣

جبل البلاتين :

 ٣٥٣

جبل طارق :

 ٣٣ ، ٧٢ ، ١١٠ ، ١١١ ، ١١٨ ، ٢٧٨ ، ٤٠٦

جبل الفاتيكان :

 ٣٤٧

الجديدة :

 ١١٦

الجزائر :

 ٢٦ ، ٢٩ ، ٤٣ ، ٤٧ ، ٥١ ، ٦٢ ، ٧٢ ، ١٥٣ ، ١٥٦ ، ١٧٤ ، ٣٨٨ ، ٤٠٨

جنوة :

 ٢٩ ، ٣٤ ، ٣٣٦ ، ٣٨٨ ، ٣٩٥ ، ٣٩٧ ، ٣٩٨

ـ ح ـ

حلب :

 ٣٣٤ ، ٣٩٣

حومة العيون :

 ١٦ ، ١٩


ـ د ـ

الدار البيضاء :

 ٣٥ ، ٩٩ ، ١١١ ، ١١٦ ، ٤٠٨

دار السلام :

 ١٢٩

دمشق :

 ٣٤

دوبلن :

 ٣٠٣

دوفر :

 ٢٦٨ ، ٢٧١ ، ٢٧٢

الدول الأوروبية :

 ٤٢ ، ٨١ ، ٨٤

ـ ر ـ

الرباط :

 ٢٢ ، ٢٧ ، ٣٠ ، ٣٢ ، ٣٨ ، ٤٢ ، ٤٤ ، ٤٩ ، ٥٠ ، ٥٦ ، ٥٨ ، ٦٤ ، ٦٩ ، ٧٠ ، ٧٩ ، ٨١ ، ٨٩ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٠٤ ، ١٠٨ ، ١١١ ، ١١٤ ، ١١٦ ، ١٢٥ ، ١٤١ ، ١٤٧ ، ١٨٠ ، ١٨٧ ، ١٩٠ ، ١٩٥ ، ٢٠٠ ، ٢١١ ، ٢١٩ ، ٢٧٧ ، ٣١٥ ، ٣٢٤ ، ٣٦٧ ، ٣٧٥ ، ٤٠٥ ، ٤٠٧ ، ٤٠٨ ، ٤٠٩

روسيا :

 ١٧٠ ، ٤٠٨

روما :

 ٢٩ ، ٣٤ ، ٦٥ ، ٦٩ ، ٧٠ ، ٣٣١ ، ٣٣٧ ، ٣٣٨ ، ٣٤٥ ، ٣٤٦ ، ٣٤٧ ، ٣٤٨ ، ٣٤٩ ، ٣٥١ ، ٣٥٢ ، ٣٥٣ ، ٣٥٦ ، ٣٥٧ ، ٣٥٨ ، ٣٥٩ ، ٣٦٠ ، ٣٦٣ ، ٣٦٨ ، ٣٩٢

ـ ز ـ

زنجيبار :

 ١٢٩

جزيرة سانت هيلين :

 ١٦٦ ، ٢٨٣

ـ س ـ

سبتة :

 ٢٨ ، ٢٤٤ ، ٤٠٦


سدني :

 ٣٠٣

سراين :

 ٢٤١ ، ٢٤٦

سردينيا :

 ٣٣٤ ، ٣٦٣

سلا :

 ١٢ ، ١٦ ، ١٧ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٠ ، ٢١ ، ٢٤ ، ٢٥ ، ٣٢ ، ٣٥ ، ٣٦ ، ٥٨ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٠٥ ، ١٢٥ ، ١٣٩ ، ١٥٨ ، ٢٠٠ ، ٣٧٨ ، ٤٠١ ، ٤١٣ ، ٤١٦

سوران :

 ٧٧

سوريا :

 ٣٥٢

سوس :

 ٦٩ ، ٢٤٤ ، ٢٩٧ ، ٣٠١ ، ٤٠٨

سويسرا :

 ٣٤٦

ـ ش ـ

شارلروا :

 ٢٦٠

الشام :

 ٢١ ، ٣٣٤

شرق إفريقيا :

 ١٢٩

شولي :

 ٢٠٧

شيكاكو :

 ٣٠٣

ـ ص ـ

صفرو :

 ١٦

الصويرة :

 ١١٦ ، ٢٠٣ ، ٢٤٤ ، ٢٧١

الصين :

 ٢٣٦

ـ ط ـ

طامير :

٢٦٤

طرني :

 ٢٠٧


طنجة :

 ١٤ ، ١٦ ، ٢٦ ، ٢٨ ، ٣٠ ، ٣١ ، ٣٣ ، ٣٥ ، ٤٤ ، ٤٧ ، ٥٣ ، ٥٦ ، ٥٧ ، ٦٣ ، ٦٨ ، ٧٨ ، ٨٦ ، ٩٣ ، ٩٩ ، ١٠١ ، ١٠٢ ، ١٠٣ ، ١٠٤ ، ١٠٥ ، ١٠٧ ، ١٠٨ ، ١٠٩ ، ١١٠ ، ١١١ ، ١١٢ ، ١١٣ ، ١١٤ ، ١١٥ ، ١١٦ ، ١٢١ ، ١٢٣ ، ١٣٢ ، ١٣٣ ، ١٤٥ ، ١٩٠ ، ١٩٢ ، ٢٠٣ ، ٢٠٧ ، ٢١٨ ، ٢١٩ ، ٢٢٢ ، ٢٤٤ ، ٢٥٦ ، ٢٧١ ، ٢٧٢ ، ٣١٦ ، ٣٢٤ ، ٣٣٣ ، ٣٣٤ ، ٣٤٥ ، ٣٤٧ ، ٣٩١ ، ٣٩٢ ، ٤٠٠ ، ٤٠١ ، ٤٠٥ ، ٤٠٦ ، ٤٠٨

طورين :

 ٤٧ ، ٥٧ ، ٧٤ ، ٩٠ ، ٩٣ ، ٣٣٤ ، ٣٣٥ ، ٣٣٦ ، ٣٣٧ ، ٣٦٠ ، ٣٦١ ، ٣٦٣ ، ٣٦٥ ، ٣٦٧ ، ٣٧٤ ، ٣٨٠ ، ٣٨١ ، ٣٨٣ ، ٣٨٩ ، ٣٩١ ، ٣٩٢ ، ٣٩٣

ـ ع ـ

العرائش :

 ١٠٦ ، ١١٦

العين الصفراء :

 ٤٣

ـ غ ـ

غرناطة :

١٩٥

ـ ف ـ

الفاتيكان :

 ٣٦٣

فاس :

 ١٦ ، ١٩ ، ٢٢ ، ٢٦ ، ٣٠ ، ٣٢ ، ٣٣ ، ٣٤ ، ٤٤ ، ٣٧ ، ٥٦ ، ٥٨ ، ٩٩ ، ١٠٢ ، ١٠٣ ، ١٠٩ ، ١١١ ، ١١٢ ، ١١٤ ، ١١٤ ، ١١٥ ، ١٧٦ ، ١٩٥ ، ٢٧٦ ، ٢٩٦ ، ٣٥٣ ، ٣٨٨ ، ٣٩٥ ، ٤٠١ ، ٤٠٥


فانطي :

 ٢٦٦

فرانكفورت :

 ٣١ ، ٥١

فرنسا :

 ١١ ، ٢١ ، ٢٢ ، ٢٦ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٠ ، ٣١ ، ٣٢ ، ٣٤ ، ٣٨ ، ٤٢ ، ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٧ ، ٤٩ ، ٥٠ ، ٥١ ، ٥٢ ، ٥٦ ، ٥٧ ، ٦٤ ، ٧٦ ، ٨٤ ، ٨٦ ، ٨٧ ، ٨٩ ، ٩٩ ، ١٠١ ، ١٠٩ ، ١١٠ ، ١١٢ ، ١١٣ ، ١١٤ ، ١٢٤ ، ١٣٣ ، ١٤٤ ، ١٤٧ ، ١٥٥ ، ١٥٧ ، ١٦٢ ، ١٦٦ ، ١٧٠ ، ١٧٥ ، ١٨٥ ، ١٨٨ ، ١٩٠ ، ١٩٣ ، ١٩٤ ، ١٩٦ ، ٢١٧ ، ٢٢١ ، ٢٤١ ، ٢٥٦ ، ٢٩٥ ، ٣١٧ ، ٣٢١ ، ٣٢٢ ، ٣٣١ ، ٣٣٨ ، ٣٤٧ ، ٣٦٣ ، ٤٠٠ ، ٤٠٨

فرينسي :

 ٣٣٧ ، ٣٣٨ ، ٣٤٢ ، ٣٤٥ ، ٣٥٩ ، ٣٦٠

فكيك :

 ٢٦

فلسطين :

 ٣٥٢

فيلادلفيا :

 ٣٠٣

فيينا :

 ٣٠٣

ـ ق ـ

قادس :

 ٢٠٧

القاهرة :

 ٢١ ، ٦٤ ، ١٧٩ ، ١٨٥ ، ١٩٠ ، ١٩٥ ، ٢٢٢

القسطنطينية :

 ٣٤

قسنطينة :

 ١٧٦

قناة السويس :

 ٤٠

قناة مرسيليا :

 ١٣٦ ، ١٣٧


ـ ك ـ

كالي :

 ٢٠٦ ، ٣١٧

كرومة :

 ٣٣٧

الكونغو :

 ٢١١

كيفي :

 ٢٠٧ ، ٢٠٨

ـ ل ـ

لاكن :

 ٢٠٦

لبنان :

 ٣٥٢

لندن :

 ٢٩ ، ٤٤ ، ٤٦ ، ٥٧ ، ٦٤ ، ٦٨ ، ٦٩ ، ٧٤ ، ٧٦ ، ٨٥ ، ٩٤ ، ١١٣ ، ١٩٦ ، ٢٧٢ ، ٢٧٦ ، ٢٨٥ ، ٢٩٠ ، ٢٩٢ ، ٢٩٧ ، ٣٠٤ ، ٣٠٨ ، ٣١٦ ، ٣٣٤ ، ٣٣٦ ، ٣٧١ ، ٣٩٩

لوفاير :

 ٢٣٥

اللوندريز :

 ٢٧٢ ، ٢٧٣ ، ٢٧٦ ، ٢٨٦ ، ٢٩٧ ، ٣٠٣ ، ٣٠٨ ، ٣١٦ ، ٣٢١ ، ٣٣٦

ليزانفليد :

 ٦٩ ، ١٦٥ ، ١٦٧ ، ٢٣١

ليون :

٣٢٢ ، ٣٢٣ ، ٣٢٤ ، ٣٣٣ ، ٣٨٢

لييج :

 انظر الياج

ـ م ـ

المحيط الأطلسي :

 ١١٠ ، ٢١١

المحيط الهندي :

١٢٩

مدريد :

 ٢٧ ، ٢٨ ، ٤٥ ، ٩٣ ، ١١١ ، ١٩٥ ، ٣١٦

مراكش :

 ٢٢ ، ٢٣ ، ٣١ ، ٣٢ ، ٥٦ ، ٨١ ، ١٠٨ ، ١٠٩ ، ٢٤٦ ، ٤١٣


مرسيليا :

 ١٤ ، ٦٨ ، ٨٠ ، ١٠٧ ، ١١٣ ، ١١٦ ، ١١٨ ، ١٢٠ ، ١٢١ ، ١٢٣ ، ١٢٤ ، ١٢٥ ، ١٣٢ ، ١٣٦ ، ١٤٣ ، ١٤٤ ، ١٤٥ ، ١٤٦ ، ١٤٨ ، ١٤٩ ، ١٥٢ ، ١٥٣ ، ٢٠٦ ، ٣٤٦

مصر :

 ٧ ، ٢١ ، ٢٦ ، ٤٩ ، ٥٠ ، ٧٠ ، ٨٠ ، ٨١ ، ١٠٦ ، ١٩٢ ، ١٩٣ ، ٢٣٣ ، ٣٦٦

مضان :

 ٣٣٣ ، ٣٣٥ ، ٣٩١ ، ٣٩٣

المغرب :

 ١١ ، ١٩ ، ٢٦ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٠ ، ٣٣ ، ٣٤ ، ٤٣ ، ٤٥ ، ٤٧ ، ٤٨ ، ٥٠ ، ٥١ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ٥٨ ، ٥٩ ، ٦٦ ، ٦٧ ، ٦٨ ، ٦٩ ، ٧٠ ، ٧٨ ، ٧٩ ، ٨٠ ، ٨١ ، ٨٢ ، ٨٣ ، ٨٤ ، ٨٩ ، ٩٠ ، ٩٣ ، ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٠٢ ، ١١١ ، ١١٣ ، ١١٤ ، ١١٦ ، ١١٨ ، ١٢٤ ، ١٤١ ، ١٤٤ ، ١٥١ ، ١٥٦ ، ١٦٣ ، ١٩٠ ، ١٩٢ ، ٢٠٣ ، ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ٢٠٧ ، ٢١٤ ، ٢٢١ ، ٢٢٩ ، ٢٣٠ ، ٢٣٣ ، ٢٤٠ ، ٢٤٤ ، ٢٤٥ ، ٢٤٦ ، ٢٥٦ ، ٢٨١ ، ٢٩٠ ، ٢٩٢ ، ٣٠٤ ، ٣١٠ ، ٣١٥ ، ٣٦٦ ، ٣٧٥ ، ٣٨١ ، ٣٨٨

مكناس :

٢١ ، ١٠٦ ، ٣٥٨

مكة :

 ١٩٨

ملبورن :

 ٣٠٣

المملكة المغربية :

 انظر المغرب

ميلان :

 ٣٨٣ ، ٣٨٨

ميونخ :

 ٣٠٣

ـ ن ـ

نابولي :

 ٢٩ ، ٧٦ ، ٣٨٨


النجف :

 ١١٢

النمسا :

٣٦٣

نهر التيمز :

 ٣٠٤ ، ٣٠٨

نهر الرون :

 ١٣٦ ، ٣٢٤

نهر الساؤون :

 ٣٢٤

نهر السين :

 ١٦٦

نهر لاديرانس :

 ١٣٦

نيويورك :

 ٣٠٣

ـ ه ـ

الهند :

 ٤٦ ، ٧٢ ، ٨١ ، ١٦٧ ، ١٩٩ ، ٢٣٣ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ٢٥٤ ، ٢٧٦ ، ٢٧٨ ، ٢٨١ ، ٢٨٥ ، ٢٨٦ ، ٢٩٤ ، ٣٠٥ ، ٣٠٧

هولندا :

١٩٥

ـ و ـ

وادي إيسلي :

 ٢٦

وادي الخضر :

 ١٠٦

وادي الشبيكة :

 ٢١١

وجدة :

 ٤٣

الوريورا :

 ٢٠٧

وهران :

 ٤٣ ، ٢٢٢ ، ٤٠٨

الولايات المتحدة الأمريكية :

 انظر أمريكا

ويندسور :

 ٣٠٤ ، ٣٠٦ ، ٣٠٧ ، ٣٠٨

وينزه :

 ٣٠٨

ـ ي ـ

الياج :

 ٤٥ ، ٢٣٤ ، ٢٣٨ ، ٢٤١ ، ٢٤٢ ، ٢٤٦ ، ٢٤٩ ، ٢٦٧


فهرس المصادر والمراجع

 ـ أ ـ

 ـ إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار مكناس ، لعبد الرحمان ابن زيدان ، المطبعة الوطنية الرباط ، ١٩٢٩ ـ ١٩٣٣ م ، خمسة أجزاء. والعز والصولة في معالم نظم الدولة ، المطبعة الملكية بالرباط ، ١٩٦٢ م ، في جزئين.

 ـ الاستقصا لأخبار دول ، المغرب الأقصى ، لأحمد بن خالد الناصري ، الجزء التاسع ، طبعة دار الكتاب ، الدار البيضاء ، ١٩٥٦.

 ـ الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام ، لعباس ابن إبراهيم المراكشي ، تحقيق عبد الوهاب بن منصور ، المطبعة الملكية بالرباط ، ١٩٧٤ ـ ١٩٨٣ ، عشرة أجزاء.

 ـ الإتحاف الوجيز بأخبار العدوتين ، لمحمد بن علي الدكالي ، تحقيق مصطفى بو شعراء ، من منشورات الخزانة العلمية الصبيحية ، سلا ، ١٩٨٦ م.

 ـ الإصلاح والمجتمع المغربي في القرن ١٩ م ، منشورات كلية الآداب بالرباط ، سلسلة ندوات ومناظرات ، رقم : ٧ ، ١٩٨٦ م. (مشكلة النقود ومحاولات الإصلاح في مغرب ق ١٩ م ، بقلم أفا عمر ، ١٩٧٣ م. (منشورات كلية الآداب بالرباط ، رقم ٦. ١٩٩٣ م الدار البيضاء). (الشعر المغربي في القرن ١٩ م ، بقلم أحمد الطريس ، ٣٧٣.

 ـ الاستيطان والحماية بالمغرب ١٨٦٣ ـ ١٨٩٤ م ، لمصطفى بوشعراء ، المطبعة الملكية بالرباط ، جزءان. والتعريف ببني سعيد السلاويين ، الرباط ، ١٩٩١ م ، جزآن.

 ـ الاغتباط بتراجم أعلام الرباط ، لبوجندار محمد ، مخطوط خ. ع ، رقم : د ، ٢٦١.

 ـ إيليغ قديما وحديثا لمحمد المختار بن علي السوسي ، الرباط ، ١٩٦٦ م ، والمعسول ، الدار البيضاء ، مطبعة فضالة ، ١٩٨٣ م.

 ـ الإحاطة في أخبار غرناطة ، للسان الدين ابن الخطيب ، تحقيق عبد الله عنان ، الطبعة الثانية ١٩٧٣ م ، الشركة المصرية للطباعة والنشر.

 ـ اختصار الابتسام عن دولة ابن هشام ، لمحمد الحجوي ، مخطوط بالخزانة العامة


بالرباط رقم : ١٤٤ ج ؛ والرحلة الوجدية ، مخطوطة بنفس الخزانة ، ج ١٢٣ ؛ ورسالته إلى الوزير الجباص تحت رقم ٢٠٤.

 ـ أعمال ندوة ابن خلدون ، منشورات كلية الآداب بالرباط ، سنة ١٩٨٩ م.

 ـ إبستيمولوجيا المعقول واللامعقول عند ابن خلدون ، لمحمد عابد الجابري ، ص.٧٣.

 ـ أسبوع في باريز ، محمد بن عبد السلام السائح ، مخطوطة الخزانة الحسنية بالرباط ، رقم ١٦١.

 ـ أدب الرحلات لحسين محمد فهيم ، (عالم المعرفة : ١٣٨) ، دراسة تحليلية من منظور إنثوجرافي ، الكويت ، ١٩٨٩ م.

 ـ أدب الرحلة عند العرب ، لمحمد حسين حسيني ، مصر ، ٦٧٩١ م.

 ـ ب ـ

 ـ البخار والآلات البخارية لمجموعة من الأساتذة ، عبد الله صبري ، ومحمد مصطفى نور ومحمد أبو بكر إبراهيم ، المطبعة الأميرية بالقاهرة ، ١٩٥٧ م.

 ـ البدر السافر لهداية المسافر إلى افتحاك الأسارى من يد العدو الكافر لمحمد بن عثمان المكناسي ، مخطوطة الخزانة العامة بالرباط ، رقم ح ٥٢. والخزانة الحسنية رقم ١٢٥٢٣.

 ـ ت ـ

 ـ تخليص الإبريز في تلخيص باريس ، لرفاعة الطهطاوي ، طبعة بولاق ، القاهرة ، ١٨٤٤ م ، وطبعة ١٩٠٥ ، كانت رحلته عام ١٢٤١ ه‍.

 ـ تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، للمستعرب كراشكوفسكي أغناطيوس يوليانوس ، نقله إلى العربية صلاح الدين عثمان هشام ، نشر الإدارة الثقافية ي جامعة الدولة العربية ١٩٥٧ م.

 ـ تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين وظهور المسيحية في العصر اليوناني الروماني لفليب حتى ، ترجمة جبرائيل جبور ، دار الثقافة ، بيروت ، ١٩٥٨ م.


 ـ تاريخ العلاقات المغربية الأنجليزية حتى سنة ١٩٠٠ لروجز ، ترجمة لبيب رزق ، دار الثقافة ، الدار البيضاء ، ١٩٨١ م.

 ـ تاريخ تطوان ، لمحمد داوود ، طبعة تطوان ، ١٩٦٦ ، القسم الثالث من المجلد الأول.

 ـ تاريخ العلاقات الدولية من ١٨١٥ إلى ١٩١٤ م لبيير انوفال ، تعريب جلال يحيى ، دار المعارف ، ١٩٨٠ م.

 ـ التاريخ الدبلوماسي للمغرب من أقدم العصور إلى اليوم ، لعبد الهادي التازي ، المجلد ١٠ ، ١٩٨٩ م ، وكتاب «رسائل مخزنية» تتعلق بأمين الأمناء محمد (مخا) التازي ، ١٩٧٥ م.

 ـ التحفة السنية للحضرة الشريفة الحسنية بالمملكة الإسبنيولية ، لأحمد بن محمد بن عبد القادر الكردودي ، نشرها عبد الوهاب بنمنصور ، المطبعة الملكية ، الرباط ، ١٩٦٣ م.

 ـ تحفة الملك العزيز بمملكة باريس ، لإدريس العمراوي ، ترجمها إلى الفرنسية ونشرها زكي مبارك مع النص العربي ، تطوان ، طبعة ١٩٨٩ م.

 ـ ج ـ

 ـ جولات في مغرب ١٨٧٢ ، لعبد المجيد بن جلون ، مكتبة المعارف ، الرباط ، ١٩٧٤.

 ـ الجيش المغربي وتطوره في ق ١٩ لبرادة ثريا ، دبلوم الدراسات العليا بكلية الآداب بالرباط ، مساهمة في دراسة الإصلاحات العسكرية بالمغرب.

 ـ د ـ

 ـ الدبلوماسية أو البروتوكول (الإتيكيت المجاملة) لأحمد حلمي إبراهيم ، عالم الكتب ، القاهرة ، ١٩٧٦ م.

 ـ ر ـ

 ـ الرحلة إلى فرنسا ، لأحمد بن العياشي سكيرج ، مخطوطة بالخزانة الحسنية رقم ١٢٤٩٩.

 ـ الرحلة إلى فرنسا ، لمحمد حسن الحجوي ، مخطوطة بالخزانة العامة ، ح ١١٥.


 ـ الرحلة الإبريزية إلى الديار الأنجليزية ، لمحمد الطاهر بن عبد الرحمن الفاسي ، طبعها محمد الفاسي ، منشورات جامعة محمد الخامس ، فاس ، ١٩٦٧ م.

 ـ الرحلة إلى باريس ، لعبد الله محمد بن عبد الله الصفار (١٩٤٥ ـ ١٩٤٦ م) مخطوطة بالخزنة الحسنية رقم ١٣ ، ترجمتها إلى الانجليزية سوزان ميلار ، جامعة هرفارد.

 ـ الرحلات المغربية في القرنين الحادي عشر والثاني عشر للهجرة ، لمحمد مكمان ، دبلوم الدراسات العليا بكلية الآداب بالرباط ، ١٩٨٧.

 ـ الرحلة في الأدب المغربي لفاطمة خليل ، بحث لنيل دكتوراه الدولة في اللغة العربية وآدابها ، كلية الآداب بالرباط ، ١٩٨٨ م.

 ـ رحلة حجازية ، لإدريس بن محمد بن إدريس الجعيدي السلوي ، مخطوطة الخزانة العلمية الصبيحية عام ١٣٤٨ ه‍ ، رقم ٤٧٥ بفهرس الخزانة (نشرتها جريدة السعادة ، عدد ١١٣٥ سنة ١٩١٥ م).

 ـ رحلة سفارية إلى فرنسا لمحمد بنسعيد السلوي سنة ١٨٦٦ م. جزء منها بخزانة الحاج العربي بنسعيد ، نشره مصطفى بو شعراء ، التعريف ببني سعيد السلاويين.

وجزء آخر بخزانة الحاج أحمد معنينو بسلا.

 ـ رحلة إلى أنجلترا ، لابن علي الحسن بن محمد الغسال ، مخطوطة فريدة بالخزانة العامة بالرباط ، رقم ١٤٩٦ م ، نشر عبد الهادي التازي ، مجلة البحث العلمي ، العدد ٢٩ ـ ٣٠ ، الرباط ، ١٩٧٩ م.

 ـ رحلة الغيغائي الحجازية ، لمحمد بن عبد الله بن مبارك الفيغائي الوريكي ، مخطوطة الخزانة العامة ، الرباط ، رقم : ح ٩٠.

 ـ الرحلة في العصر المريني لشاهدي الحسن ، دبلوم الدراسات العليا بكلية الآداب ، الرباط ، ١٩٨٥ م.

 ـ س ـ

 ـ السفارة والسفراء لعبد العزيز بن عبد الله ، منشورات وزارة العدل ، الرباط ، ١٩٨٥ م.


 ـ ط ـ

 ـ الطباعة الحديثة لعلي حسين عاصم ، القاهرة ، ١٩٥٨ م.

 ـ ع ـ

 ـ العلاقات المغربية البريطانية خلال ق ١٩ (١٨٨٦ ـ ١٨٥٦ م) ، منشورات كلية الآداب بالرباط رقم ٣٤ ، لخالد بن الصغير ، سنة ١٩٩٧ م.

 ـ عالم التكنولوجيا لمحمد السيد عبد السلام ، رقم ٥٠ : ١٧٧.

 ـ عالم الطير لأحمد محمد عبد الخالق ، القاهرة ، ١٩٦٢ م ، ث : ٦٧.

 ـ ف ـ

 ـ الفالودج ، لأحمد الصبيحي ، مخطوطة بالخزانة العلمية الصبيحية بسلا تحت رقم ٤٣٦ (كشكول الصبيحي ، ج ٣ ، رقك ٤٢٨).

 ـ م ـ

 ـ مشكلة الحماية القنصلية بالمغرب من نشأتها إلى مؤتمر مدريد سنة ١٨٨٠ م ، لعبد الوهاب بن منصور ، المطبعة الملكية ، ١٩٧٧ م. وكتاب أعلام المغرب العربي في جزءين.

 ـ مرآة المحاسن ، من أخبار الشيخ ابن المحاسن ، لمحمد العربي بن أبي المحاسن يوسف الفاسي ، المطبعة الحجرية بفاس ١٩٠٦ م.

 ـ مؤتمر برلين سنة ١٨٧٨ م وأثره في البلاد العربية ، محاضرات محمد مصطفى صفوت ، جامعة الدول العربية ، القاهرة ، ١٩٥٧ م.

 ـ مجالس الانبساط بشرح علماء وصلحاء الرباط ، لمحمد بن علي بن أحمد دينية ، الرباط.

 ـ المجلس الصحي الدولي بالمغرب من ١٧٩٢ م إلى ١٩٢٩ م ، لمحمد الأمين البزاز ، دبلوم الدراسات العليا بكلية الآداب ، الرباط ، ١٩٨٠ م.

 ـ مؤسسة السجون في المغرب ، لأحمد مفتاح البقالي ، الرباط ، ١٩٧٩ م.


ـ المقدمة لابن خلدون عبد الرحمان بن محمد المغربي ، مطبعة دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

 ـ ن ـ

 ـ نتيجة الاجتهاد في المهادنة والجهاد ، لبو العباس أحمد بن المهدي الغزال ، مخطوطة خ. ح. ٣٩٢١٦ حققها أخيرا إسماعيل العربي ، نشر دار المغرب الإسلامي ، ١٩٨٢ م.

 ـ و ـ

 ـ وثائق ومخطوطات من خزانة نجل صاحب الرحلة سيدي عبد القادر بن إدريس الجعيدي ، بمنزله الكائن بباب حساين ، سلا.

 ـ وثائق آل الجعيدي بالخزاة العلمية الصبيحية بسلا ، وخزانة الحاج العربي بنسعيد بسلا ، وخزانة الحاج أحمد معنينو بسلا. وخزانة تطوان ، محفظة ٣٣ ، رسائل وزارية.


الموسوعات والمعاجم :

 ـ الموسوعة في علوم الطبيعة لإدوار غالب ، بيروت ، ١٩٦٦ ، (في جزءين).

 ـ موسوعة عربية عالمية مصورة بالألوان ، مطبوعة بمدينة جنوة بإيطاليا ـ (٢١ ج).

 ـ الموسوعة العسكرية ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، (٣ أجزاء).

 ـ معجم الفصحى في العامية المغربية لمحمد الحلوي.

 ـ سلسلة معاجم المركز الوطني للتعريب بالرباط. منها معجم الأصول العربية والأجنبية للعامية المغربية ، الرباط ، ١٩٦٤ م.

 ـ قاموس المنهل (فرنسي ـ عربي) ، لجبور عبد النور وسهيل إدريس ، والمنجد الكبير في اللغة والآداب والعلوم.

 ـ دائرة المعارف الحديثة لأحمد عطية الله ، الناشر مكتبة الأنجلو المصرية ، في جزءين (موسوعة عامة).

 ـ جريدة السعادة لسان المندوبية السامية الفرنسية ، عدد ١١٣٥ بتاريخ ٢٣ و٢٤ شتمبر ١٩١٥ الخزانة العامة بالرباط.


الدوريات

* مجلة دعوة الحق :

 ـ «اوراقة المغربية» القسم الأول بالعدد ١٦ ، سنة ١٩٧٠ ، ص. ٣٧ والقسم الثاني بالعدد ١٨ سنة ١٩٧١ ، ص ١٣٦ ، بقلم محمد المنوني.

 ـ تحفة الملك العزيز بمملكة باريز ، العدد ٣١ أكتوبر ، ١٩٨٠. والعدد ٣٢ ، نوفمبر ١٩٨١ بقلم : زكي مبارك.

 ـ الإكسير في فكاك الأسير ، العددين ٤ ، ٥ ، السنة ٢ ، بقلم محمد زنيبر.

 ـ جوانب الأزمة المالية في المغرب بعد حرب ١٨٦٠ م ، العدد ٤ ـ ٤ ، السنة ١٩٦٥ ، ص ٢٠٠ ، بقلم جرمان عياش.

 ـ مجلة كلية الآداب

 ـ المثقف المخزني وتحديث الدولة ، العدد ١٠ مارس ، ١٩٨٤ ، ص ٥٢ ، بقلم سعيد بنسعيد ، الرباط.

 ـ الرحلة المغربية صلة علم وحضارة ، العدد ٨ ، سنة ١٩٨٦ ، بقلم عبد القادر زمامة ، فاس.

 ـ مجلة تطوان : «السفارات والبعثات المغربية إلى فرنسا» ، العدد ٦ عام ١٩٦١ ، مترجمة عن مجلة : HesPéris - Tamuda ، سنة ١٩٦٠ م.

 ـ مجلة البيئة : «الرحلات السفارية المغربية السنة الأولى» ، العدد ٦ ، سنة ١٩٦٢ م ، بقلم محمد الفاسي.

 ـ مجلة الثقافة المغربية : «العلائق السياسية للدولة العلوية» ، العدد ٨ أبريل ١٩٤٢ م ، بقلم مولاي عبد الرحمان بن زيدان.

 ـ مجلة آفاق : «صواب العامية وخطأ الفصحى ، العدد ٣ ، السنة ١ ، بقلم محمد ابن تاويت.

 ـ المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد : «علاقة بعض المغاربة بالتجارة الخارجية» ، بقلم إدريس بنعلي.

 ـ مجلة أبحاث : «تصورات مغربية للعلاقات الدولية خلال القرن ١٩» ، نموذج الرحلات المغربية لأوربا خلال ق ١٩» ، عبد اللطيف حسني ، العدد ٨ ، السنة ٢ ، ١٩٨٥ ، ص. ٥.

* مجلة الوثائق :

 ـ مديرية الوثائق الملكية بالرباط ، بأعدادها الستة.

 ـ مجلة عالم الفكر ، وزارة الإعلام ، العدد الخاص «بأدب الرحلة».





المحتويات

استهلال....................................................................... ٧٠

المقدمة........................................................................ ١١

ديباجة المؤلف.................................................................. ٩٧

نص الرحلة................................................................... ١٠٧

الجزء الأول:.................................................................. ١٠٧

ذكر الدخول لثغر طنجة ومدة المقام فيها إلى الوصول لمرسيلية.................... ١٠٧

دخول الرئيس ومرافقيه لطنجة............................................... ١٠٩

ورود الفركاطة للسفر....................................................... ١١٣

الخروج من ثغر طنجة والركوب في البحر إلى الوصول لمدينة مرسيلية............... ١١٦

طلوع الباشدور للفركاطة.................................................... ١١٨

علة عدم خروج المدافع..................................................... ١١٩

مدة السفر في البحر إلى مرسيلية............................................. ١٢١

الجزء الثاني :.................................................................. ١٢٣

أخبار مرسيلية وباريس..................................................... ١٢٣

طلوع الكبراء من مرسيلية لملاقات الباشدور.................................... ١٢٣

ذكر الدخول لمرسيلية والمقام فيها والخروج منها................................. ١٢٤

صفة الدار التي نزل بها الباشدور وأصحابه.................................... ١٢٥

صفة الصالة المعينة للباشدور................................................ ١٢٧

كراء هذه الدار في السنة................................................... ١٣٢


بعض أوصاف مرسيلية..................................................... ١٣٣

هيئة رأس الماء الجاري عليها................................................. ١٣٦

فابريكة صنع السكر القالب................................................ ١٣٨

نشر قوالب السكر وتقريضه................................................. ١٤٢

الخروج إلى باريس......................................................... ١٤٥

بعض أوصاف الطريق بينهما................................................ ١٤٦

وصف الدار المعينة للنزول.................................................. ١٤٨

الحمامات................................................................ ١٤٩

أوصاف هذه الصالات..................................................... ١٥٠

صائر هذه الدار وتحفها.................................................... ١٥١

بعض أوصاف باريس...................................................... ١٥٢

الخروج لملاقات عظيم دولتهم................................................ ١٥٣

فرجة المسابقة............................................................. ١٥٦

فابريكة أواني المعدن....................................................... ١٥٩

صفة تذهيب بعضها...................................................... ١٦١

الدار التي تباع فيها أواني البلار.............................................. ١٦٢

فابريكة صنع الماريوس..................................................... ١٦٤

قشلة مرضى العسكر وقبر نابليون............................................ ١٦٥

قبر نابليون............................................................... ١٦٦

صور المحاربين وآلات الحرب في سالف الزمن.................................. ١٦٧

الحضور لتسراد العسكر وكيفيته.............................................. ١٦٨

ضيافة عظيم الدولة للباشدور............................................... ١٧١

الطلوع بالهدية لعظيم الدولة................................................. ١٧٦

جنان الوحوش............................................................ ١٧٨

بعض أوصاف دار السكة.................................................. ١٨٥

دار المطبعة............................................................... ١٩٠

دار الكتب المطبوعة....................................................... ١٩٤

بعض صفات ديار الفرجات................................................ ١٩٥


صفة طرق باريس وأحوال الخدمة............................................ ٢٠٠

الجزء الثالث:.................................................................. ٢٠٥

الإكرام الذي وجهته الدولة للباشدور وأصحابه................................. ٢٠٥

الخروج من باريس إلى جنس البلجيق وما رأيناه في بعض مدنهم................... ٢٠٦

صفة الدار التي نزلنا بها في ابروكصلاص....................................... ٢٠٩

الملاقات مع الوزير......................................................... ٢١٠

بعض أوصاف هذه المدينة.................................................. ٢١١

الملاقات مع عظيم دولتهم.................................................. ٢١٤

فابريكات المدافع والرماية بها................................................ ٢١٥

الملاقات مع أخ عظيم الدولة وعامل البلد وصفة داره........................... ٢٢٠

توجهه مع الباشدور لمحل صنع الغاز وشرح كيفيته.............................. ٢٢٢

دار الوحوش الميتة......................................................... ٢٢٧

دار فابريكة النحاس والصفر................................................ ٢٣٠

الحوائج المصونة عندهم في بعض الأماكن..................................... ٢٣١

صور آدم وحواء على ما زعموا.............................................. ٢٣٣

التوجه إلى مدينة الياج لرؤية فابريكاتها........................................ ٢٣٤

الدار القديمة بها وبعض صفاتها وما فيها...................................... ٢٣٦

فابريكة الصفر والنحاس.................................................... ٢٣٧

فابريكة صنع الفلايل...................................................... ٢٣٨

دار فابريكات صنع المكاحيل............................................... ٢٣٩

الفابريكة العظمى في مدينة سراين........................................... ٢٤١

مكينة البلار والزاج........................................................ ٢٤٧

فابريكة صنع الملف........................................................ ٢٤٩

القبة العظيمة القريبة من دار عظيم الدولة والأثاث وعينات الحوائج التي فيها........ ٢٥٢

ما رأيناه في ساقية الماء الجاري في البلد........................................ ٢٥٤

الطلوع للضيافة لدار كبير دولة البلجيق........................................ ٢٥٥

دار العدة وآلة الحرب...................................................... ٢٥٨


شكل السلم الذي توضع عليه المكاحيل...................................... ٢٥٨

فابريكات المرايا الكبار من الزاج في مدينة شارلروا............................... ٢٦٠

ورقات الزاج العظام التي تصنع في طامير....................................... ٢٦٤

مدينة فانطي والفابريكة التي فيها............................................ ٢٦٦

الجزء الرابع:................................................................... ٢٧١

أخبار بلاد النجليز........................................................ ٢٧١

ملاقات كبراء مدينة دوفر للباشدور........................................... ٢٧١

محل النزول باللوندريز...................................................... ٢٧٢

قدوم كبراء البلد على الباشدور للتهنئة........................................ ٢٧٣

بساتين النوار التي في الطرق وفي العراصي...................................... ٢٧٤

صفة سجن بحومة اللوندريز................................................. ٢٧٦

«الكونبطي» أي كرامة في عرصة ولد السلطانة................................. ٢٧٨

الملاقات بالوزير........................................................... ٢٨٠

إكرام زوجة وزير الأمور البرانية بالهند للباشدور................................. ٢٨١

الدار التي فيها صور الآدميين والخروج لدار العلماء.............................. ٢٨٢

دار الفرجة وأخرى فيها السلاح القديم والهدايا.................................. ٢٨٤

دار البانكة وضرب السكة.................................................. ٢٨٧

النهوض لملاقات مع عظيمة دولتهم.......................................... ٢٩١

صفة دار البلار وبعض ما رأيناه............................................. ٢٩٢

مثال جامع قرطبة......................................................... ٢٩٥

الرجل الذي يغوص بصهريج الماء وكشف الحيلة في ذلك......................... ٢٩٧

طياطرو دار البلار ولعبة الأفيال به........................................... ٢٩٩

لعبة الكلاب ووصف الرياض المجاور لها....................................... ٣٠٢

التوجه إلى مدينة ولت لرؤية دار بها.......................................... ٣٠٤

التوجه إلى مدينة ونزه...................................................... ٣٠٨

الحيلة المستنبطة لتغريق المراكب في البحر...................................... ٣١١

كيفية خدمة الخفيف...................................................... ٣١٢


كيفية صنع الكور......................................................... ٣١٣

كيفية صنع المدافع العظام.................................................. ٣١٤

وصف هذا المدفع......................................................... ٣١٥

إكرام بعض التجار للباشدور باللوندريز....................................... ٣١٦

الجزء الخامس:................................................................. ٣١٧

الرجوع إلى بر الفرنصيص والتوجه منه للطليان.................................. ٣١٧

الدخول إلى مدينة باريس

القبة التي تطير بمن يعلو بها الدار التي تصنع الخبز للعسكر....................... ٣٢٠

فابريكات الكور وغيره والعدة التي في الخزين................................... ٣٢١

سكويلة العسكر والخروج من باريس إلى اليون................................. ٣٢٢

زيارة رأس بعض جبال اليون................................................ ٣٢٣

فابريكات خدمة الحرير والديباج به........................................... ٣٢٥

مستملحة استظرفتها هنا................................................... ٣٢٧

الجزء السادس:................................................................ ٣٣٣

أخبار بعض بلاد الطاليان.................................................. ٣٣٣

الدخول إلى طورين........................................................ ٣٣٥

مدينة فرينسي وما رأيناه فيها................................................ ٣٣٧

الدخول إلى دار المهندسين والفلكيين......................................... ٣٤٠

التوجه إلى رومة........................................................... ٣٤٥

الملاقات مع وزير الأمور البرانية وكبير الوزراء................................... ٣٤٦

دار المرضى بها............................................................ ٣٤٩

المحل القديم البناء برومة.................................................... ٣٥١

قدوم أصحاب الطرب على الباشدور وكيفية خدمتهم........................... ٣٥٣

الفرجة التي أنشأت إكراما للباشدور وفرجة الطياطرو............................. ٣٥٤

قدوم أصحاب الطرب على الباشدور وكيفية خدمتهم........................... ٣٥٧

وصف مدينة رومة........................................................ ٣٥٧


الرجوع من رومة إلى فرينسي................................................ ٣٥٩

الرجوع إلى طورين......................................................... ٣٦٠

اللقاء بعظيم دولة الطليان وببعض الأمراء..................................... ٣٦١

الفرجة التي أنشأها عامل طورين............................................. ٣٦٥

زيارة سجن مدينة طورين................................................... ٣٦٧

الإكرام بدار عظيم الدولة................................................... ٣٦٨

الخروج إلى الصيد مع ولد عظيم الدولة والوزراء................................. ٣٧٠

الخروج لرمي الإشارة مع الطبجية............................................ ٣٧٣

كيفية عمارة هذا المدفع.................................................... ٣٧٥

هيئة السواد الذي وسط لوحة الإشارة......................................... ٣٧٧

الخروج لفابريكات الحرير بطورين............................................. ٣٨١

الدخول لميلان............................................................ ٣٨٣

فابريكات الفخار......................................................... ٣٨٤

كيفية تزويق الفخار....................................................... ٣٨٦

التوجه إلى جنوة........................................................... ٣٨٨

ناذرة من نواذر الزمان ترشد إلى اتخاذ الحذر في بلاد الأمان....................... ٣٨٩

زيارة مدينة بيلي.......................................................... ٣٩٤

ملاقات رئييس الفركاطة.................................................... ٣٩٧

الخروج من جنوة.......................................................... ٣٩٧

مكينة صنع ماء الثلج...................................................... ٣٩٨

الوصول إلى مدينة طنجة................................................... ٤٠٠

ملاحق....................................................................... ٤٠٣

كشاف حضاري وفهارس........................................................ ٤٢١


صدر في سلسلة ارتياد الآفاق

اسم الكتاب

 المؤلف

 المحقق / المحرر

تذكرة بالإخبار عن اتفاقات الأسفار ١١٨٢ ـ ١١٨٥

 محمد بن جبير الأندلسي

 علي أحمد كنعان

الذهب والعاصفة. رحلة الياس الموصلي إلى أميركا ، أول رحلة شرقية إلى «العالم الجديد» ١٦٦٨ ـ ١٦٨٣

إلياس الموصلي

 نوري الجرّاح

رحلتان إلى سوريا ١٩٠٨ ـ ١٩٢٠

الشيخ محمد رشيد رضا

«صاحب المنار»

زهير أحمد ظاظا

رحلة الحبشة .. من الأستانة إلى أديس آبابا ١٨٩٦

 صادق باشا المؤيد العظم

 نوري الجرّاح

الديوان النفيس في إيوان باريس

 أو «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»

 رفاعة رافع الطهطاوي

 علي أحمد كنعان

رحلة إلى أعالي النيل الأبيض ١٨٣٩ ـ ١٨٤٠

 البكباشي سليم قبطان

 نوري الجرّاح

رحلة إلى أوروبا ١٩١٢

جرجي زيدان

 قاسم وهب

الرحلة الشامية ١٩١٠

 الأمير محمد علي باشا

علي أحمد كنعان

الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف ١٩٢٩

 شكيب ارسلان

 أيمن حجازي

رحلة باريس ١٨٦٧

 فرنسيس فتح الله المراش

 قاسم وهب

الرحلة التتويجية إلى عاصمة البلاد الإنجليزية ١٩٠٢

 الحسن بن محمد الغسّال

 د. عبد الرحيم موذن

رحلة الوزير في افتكاك الأسير ١٦٩٠ ـ ١٦٩١

 محمد الغسّاني الأندلسي

 نوري الجرّاح

خطرة الطيف .. رحلات في المغرب والأندلس ١٣٤٧ ـ ١٣٦٢

 لسان الدين بن الخطيب

 د. أحمد مختار العبادي

رحلة ابن خلدون ١٣٥٢ ـ ١٤٠١

 تحقيق محمد بن تاويت الطنجي

 نوري الجرّاح

رحلة ابن فضلان إلى بلاد الترك والروس والصقالب ٩٢١

 أحمد بن فضلان

 شاكر لعيبي


اسم الكتاب

 المؤلف

 المحقق / المحرر

رحلة الغرناطي .. تحفة الألباب ونخبة الإعجاب ورحلة إلى أوروبة وآسيا

 أبو حامد محمد الغرناطي

 قاسم وهب

رحلة إلى الهند ١٨٩٩ ـ ١٩٠٠

 مار أثناسيوس أغناطيوس نوري

 نوري الجرّاح

رحلة أفوقاي الأندلسي .. مختصر رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب١٦١١ـ ١٦١٣

 أحمد بن قاسم الحجري «أفوقاي»

 د. محمد رزوق

رحلة المقدسي .. أحسن التقاسم في معرفة الأقاليم ٩٨٥ ـ ٩٩٠

محمد بن أحمد المقدسي

 شاكر لعيبي

سياحتي في بلاد الهند الإنجليزية وكشمير ١٩١٣ـ ١٩١٤

 الأمير يوسف كمال

 جمال ملحم

النزهة ¬الشهية في الرحلة السليمية ١٨٥٥

سليم بسترس

 قاسم وهب

رحلة الشتاء والصيف ١٦٢٩

 الشيخ محمد عبد الله الحسيني

 سامر الشنواني

الرحلة الأوروبية ١٩١٩

 محمد بن الحسن الجحري الثعالبي

 د. سعيد الفاضلي

رحلة المكناسي .. إحراز المعلم والرقيب في حج بيت الله الحرام وزيارة القدس والخليل والتبرك بقبر الحبيب ١٧٨٥

محمد بن عبد الوهاب المكناسي

 د. محمد بوكبوط

الواسطة في معرفة أحوال مالطة. كشف المخبأ عن ¬فنون أوروبا ١٨٣٤ـ ١٨٥٧

 أحمد فارس الشدياق

 قاسم وهب

الرحلة الأمريكية

 الأمير محمد علي باشا

 علي أحمد كنعان

الرحلة اليابانية

 الأمير محمد علي باشا

 علي أحمد كنعان

رحلة شيخ الأزهر إلى أوروبة .. مذكرات مسافر ١٩٠٩ ـ ١٩١٤

 الشيخ مصطفى عبد الرازق

 أشرف أبو اليزيد

خمس رحلات إلى الجزائر ١٩٠٤ـ ١٩٣٢

 محمد الخضر حسين وآخرون

 د. محمد صالح الجابري

رحلة ابن حمادوش الجزائري المسماة لسان المقال في النبأ عن النسب والحسب والحال ١٧٤٣ ـ ١٧٤٨

 ابن حمادوش

 د. أبو القاسم سعد الله

رحلة محمد الكبير .. باي الغرب الجزائري إلى الجنوب الصحراوي الجزائري

أحمد التلمساني

 د. محمد عبد الكريم


اسم الكتاب

 المؤلف

 المحقق / المحرر

بيروت ـ برلين ـ بيروت .. مشاهدات في أوروبا وألمانيا اثناء الحرب العالمية الثانية

 كامل مروة

 كريم مروة

رحلة إلى صحراء ليبيا

 محمد حسنين باشا

 علي كنعان

اسبوع في بارس ١٩٢٢

 محمد بن عبد السلام السائح

 د. سليمان القرشي

البرنس في باريس ـ رحلة إلى فرنسا وسويسرا ١٩١٣

 محمد المقداد الورتتاني

 د. سعيد الفاضلي

سياحتي في بلاد التيبت الغربية وكشمير ١٩١٥

 الأمير يوسف كمال

 جمال ملحم

اتحاف الأخيار بغرائب الأخبار ١٨٧٦

 ادريس الجعيدي السلوي

 د. عزّ المغرب معنينو

المطالع البدرية في المنازل الرومية (٩٠٤ ـ ٩٨٤ ه‍)

 بدر الدين بن محمد العامري الغزّي الدمشق

 المهدي عيد الرواضية

الرحلة المعينية ١٩٣٨

 ماء العينين بن العتيق

د. محمد الظريف

إتحاف الأخيار بغرائب الأخبار

المؤلف:
الصفحات: 479