
كتاب الحج
فصل
من أركان الدين : الحج [١]. وهو واجب
على كل من استجمع للشرائط الآتية ، من الرجال والنساء والخناثى. بالكتاب ، وللسنة ، والإجماع من جميع المسلمين
بل بالضرورة.
______________________________________________________
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
[١] كما تضمنته
الروايات الكثيرة المروية في كتب الفريقين ، كصحيح
زرارة عن أبي جعفر (ع) : «
بني الإسلام على خمس : على الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم ، والولاية » . ونحوه مما هو كثير. وفي المنتهى : « روي عن ابن عمر : أن
النبي (ص) قال : بني
الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله (ص)
وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم شهر رمضان
، وحج البيت »
__________________
ومنكره في سلك
للكافرين [١] ، وتاركه عمداً مستخفاً به بمنزلتهم [٢] ،
______________________________________________________
[١] كذا كله في
الجواهر وغيرها. والظاهر أنه لا إشكال في ذلك نعم زاد في الجواهر قوله : « بل لعل
تأكد وجوبه كذلك ، فضلاً عن أصل الوجوب .. ». وكأن وجهه : قوله تعالى ( وَمَنْ
كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ) ، فان التعبير عن
الترك بالكفر يدل على مزيد الأهمية. ولكنه غير ظاهر ، إذ المراد بالكفر مقابل
الشكر ، وكما يحصل ذلك بترك الواجبات المؤكدة يحصل بترك الواجبات غير المؤكدة.
اللهم الا أن يقال : تخصيصه بهذا التعبير يدل على نحو من الأهمية » إذ لم يرد ذلك
في كثير من الواجبات ، فيدل ذلك على تميزه عنها بتأكد وجوبه. لكن ذلك موجب لعده من
الضروريات عند العلماء ، لا عند المسلمين ومن ضروريات الدين.
[٢] إذا كان الوجه
في ذلك ما ذكره في الجواهر : من أن تأكد وجوبه ضروري ، فالاستخفاف به راجع الى
إنكار الأهمية ، فيكون من إنكار الضروري. فمقتضاه : أن مجرد الاستخفاف به موجب
لذلك وإن لم يتركه فإذا أداه مستخفاً به فقد أنكر الضروري. وإن كان الوجه فيه :
النصوص الكثيرة ، التي منها صحيح
ذريح المحاربي عن أبي عبد الله (ع) ، قال : «
من مات ولم يحج حجة الإسلام ، لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به ، أو مرض لا يطيق فيه
الحج ، أو سلطان يمنعه ، فليمت يهودياً أو نصرانياً » ، فلا اختصاص
لها بالاستخفاف ، ومقتضى إطلاقها ترتب الأثر المذكور على الترك وان لم يكن عن
استخفاف.
هذا إذا كان
المراد من الاستخفاف به اعتقاد عدم أهميته ، وإذا كان المراد به أنه في غير محله ،
فهو من إنكار الضروري ضرورة ، فيلحقه حكمه كما
__________________
وتركه من غير
استخفاف من للكبائر [١]. ولا يجب في أصل للشرع إلا مرة واحدة في تمام للعمر [٢] ، وهو المسمى بحجة الإسلام ، أي : الحج
للذي بني عليه الإسلام ، مثل للصلاة وللصوم والخمس وللزكاة. وما نقل عن للصدوق في
العلل : من وجوبه على أهل الجدة كل عام ـ على فرض ثبوته ـ [٣] شاذ ، مخالف للإجماع
والأخبار [٤] ، ولا بد من حمله على
______________________________________________________
تقدم ، فلا يحسن
جعله في مقابل ما تقدم. ولا دخل للترك عمداً في ترتب أثره.
[١] لأن ترك
الواجب معدود من الكبائر في الروايات المتعرضة لعدد الكبائر.
[٢] بإجماع
المسلمين على ذلك ـ كما في المنتهى ـ وإجماعاً بقسميه من المسلمين فضلاً عن
المؤمنين ـ كما في الجواهر ـ بل ينبغي عد ذلك من الضروريات. نعم قال في العلل ـ بعد
ما روى خبر محمد بن سنان الآتي : ـ « جاء هذا الحديث هكذا ، والذي اعتمده وأفتي
به : أن الحج على أهل الجدة في كل عام فريضة .. » ، ثمَّ استدل
بالأخبار الآتية.
[٣] يظهر من
المصنف الارتياب في ثبوت ذلك ، وسبق إلى ذلك العلامة في المنتهى. لكن لا مجال
للارتياب في ثبوته ، بقرينة أنه ذكره في ذيل خبر ابن سنان الآتي. اللهم إلا أن
يكون الارتياب في وجود هذا الكلام في العلل. فتأمل. نعم المقام العلمي الرفيع
للصدوق يأبى صدور ذلك منه لما عرفت من أنه من الواضحات ، نسأله تعالى العصمة ، إنه
أرحم الراحمين.
[٤] في صحيح هشام بن سالم ـ المروي عن محاسن
البرقي ـ عن أبي عبد الله (ع) ، قال : «
ما كلف الله تعالى العباد إلا ما يطيقون ، إنما كلفهم
__________________
بعض المحامل ـ كالأخبار
للواردة بهذا المضمون ـ [١] من ارادة الاستحباب المؤكد ، أو للوجوب على للبدل [٢]
،
______________________________________________________
في
اليوم والليلة خمس صلوات .. ( إلى أن قال ) : وكلفهم
حجة واحدة وهم يطيقون أكثر من ذلك » وفي
خبر الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) قال : «
إنما أمروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك ، لأن الله تعالى وضع الفرائض على أدنى
القوة » . وفي
خبر محمد بن سنان : «
إن أبا الحسن علي بن موسى الرضا (ع) كتب اليه فيما كتب من جواب مسائله ، قال : علة
فرض الحج مرة واحدة : لأن الله تعالى وضع الفرائض على أدنى القوم قوة ، فمن تلك
الفرائض الحج المفروض واحداً ، ثمَّ رغّب أهل القوة على قدر طاقتهم » .
[١] في صحيح علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع)
قال : « إن الله عز
وجل فرض الحج على أهل الجدة في كل عام ، وذلك قوله عز وجل : ( وَلِلّهِ
عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ
فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ) .
قال : قلت : فمن لم يحج منا فقد كفر؟ قال : لا ، ولكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر
» .
ونحوه صحيح أبي جرير
القمي ، وخبر حذيفة بن منصور وغيرهما.
[٢] هذا
الاحتمالان حكاهما في الوسائل عن الشيخ (ره)
__________________
بمعنى : أنه يجب
عليه في عامه ، وإذا تركه ففي للعام الثاني ، وهكذا. ويمكن حملها على الوجوب
للكفائي ، فإنه لا يبعد وجوب الحج كفاية [١] على كل أحد في كل عام إذا كان متمكناً ، بحيث لا تبقى مكة خالية من الحجاج ، لجملة
من الأخبار للدللة على أنه لا يجوز تعطيل للكعبة عن الحج [٢] ، والأخبار الدالة
على أن على الامام ـ كما في بعضها ـ [٣] ، وعلى للوالي ـ كما في آخر ـ [٤] أن يجبر
الناس على الحج والمقام في مكة وزيارة للرسول (ص) والمقام عنده ، وأنه إن لم يكن
______________________________________________________
[١] كما يظهر من
النصوص الآتية ، وحكي القول بهما عن الشيخ وغيره.
[٢] عقد في
الوسائل باباً لهذا الحكم ، وذكر فيه جملة وافرة من الروايات منها : صحيح حماد عن أبي عبد الله (ع) قال : «
كان علي ـ صلوات الله عليه ـ يقول لولده : يا
بني انظروا بيت ربكم فلا يخلو منكم فلا تناظروا » ونحوه غيره.
[٣] في صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد
الله (ع) : «
لو عطل الناس الحج لوجب على الامام أن يجبرهم على الحج إن شاءوا وإن أبوا ، فإن
هذا البيت إنما وضع للحج » .
[٤] في صحيح الفضلاء عن أبي عبد الله (ع) : « لو أن الناس تركوا الحج لكان على
الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده ، ولو تركوا زيارة النبي (ص) لكان على
الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده فان لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من
بيت مال المسلمين » ونحوه
__________________
لهم مال أنفق
عليهم من بيت المال.
( مسألة ١ ) : لا خلاف في أن وجوب الحج
بعد تحقق الشرائط ـ فوري ، بمعنى : أنه يجب المبادرة إليه في العام الأول من
الاستطاعة [١] ، فلا يجوز تأخيره عنه ، وإن تركه فيه ففي
______________________________________________________
غيره. لكن حمل
النصوص ـ المتقدمة في دليل الصدوق ـ على ما ذكر بعيد لاختصاصها بأهل الجدة ،
والإجبار لا يختص بهم. ولعمومها لصورة عدم حصول التعطيل ، والإجبار يختص به ،
ولذلك جعل في الجواهر حمل النصوص على الوجوب الكفائي ـ الذي جعله في الوسائل أقرب
ـ غريباً ، وقريب منه في البعد والغرابة حمل الوجوب على البدل » بل كاد أن يكون
مقطوعاً بخلافه. وأقرب الوجوه الحمل على الاستحباب المؤكد » ولذا اقتصر عليه في
المعتبر وغيره.
[١] في التذكرة
والمنتهى : « قاله علماؤنا أجمع .. ». ونحوه كلام غيره. ويشهد له النصوص ، كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع)
قال : « قال الله
تعالى ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً .. ) ،
قال : هذه لمن كان عنده مال وصحة. وإن كان سوفه للتجارة فلا يسعه ، وإن مات على
ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام ، إذا هو يجد ما يحج به » ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « إذا قدر الرجل على ما يحج به ، ثمَّ
دفع ذلك وليس له شغل يعذره به ، فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام » .
ونحوهما غيرهما. وقد عقد
في الوسائل باباً واسعاً للأخبار المستفاد منها ذلك ،
__________________
العام للثاني ،
وهكذا ، ويدل عليه جملة من الأخبار. ولو خالف وأخر ـ مع وجود الشرائط ـ بلا عذر
يكون عاصياً. بل لا يبعد كونه كبيرة ، كما صرح به جماعة [١] ، ويمكن استفادته من
جملة من الأخبار [٢].
______________________________________________________
وإن كانت دلالة
كثير منها على ما نحن فيه محل مناقشة.
[١] منهم المحقق
في الشرائع ، فذكر فيها أن التأخير كبيرة موبقة. وفي المسالك : « بلا خلاف في ذلك
عندنا .. ». وفي المدارك ـ بعد ما ذكر ما في الشرائع وغيره من الاحكام ـ قال : «
هذه الأحكام كلها إجماعية ، على ما نقله جماعة منهم المصنف في المعتبر .. ». لكن
الذي يظهر من المعتبر : أن الفورية إجماعية ، أما كون التأخير كبيرة فلا يظهر منه.
[٢] يمكن استفادته
من صحيح عبد العظيم الحسني ، حيث عد من جملة الكبائر : ترك ما فرضه الله تعالى ، ومن خبر الفضل
بن شاذان عن الرضا (ع) فيما كتبه إلى المأمون ، حيث عد من جملة الكبائر : الاستخفاف
بالحج ، بناء على أن يكون المراد منه الاستخفاف العملي ، فإن
تركه في العام الأول نوع من الاستخفاف العملي به. وأما ما ورد من أنه : « من مات ولم يحج فلا عليه أن يموت
يهودياً أو نصرانياً » فالظاهر اختصاصه بصورة ترك الحج في تمام العمر ، فلا يشمل
صورة ما إذا تركه في العام الأول وحج في العام الثاني. وأما الآية الشريفة فقد عرفت أن
المراد من الكفر فيها ترك الشكر ، وهو قد يكون بفعل
__________________
( مسألة ٢ ) : لو توقف إدراك الحج ـ بعد حصول الاستطاعة ـ على مقدمات : من السفر وتهيئة
أسبابه ، وجب المبادرة إلى إتيانها على وجه يدرك الحج في تلك السنة. ولو تعددت
الرفقة ، وتمكن من المسير مع كل منهم ، اختار أوثقهم سلامة وإدراكاً [١].
______________________________________________________
الكبيرة ، وقد
يكون بفعل الصغيرة.
[١] قال في
المدارك : « ولو تعدد الرفقة في العام الواحد ، قيل : وجب المسير مع أولها ، فإن
أخر عنها وأدركه مع التالية » وإلا كان كمؤخره عمداً في استقراره ، وبه قطع جدي في
الروضة. وجوز الشهيد في الدروس التأخير عن الأولى إن وثق بالمسير مع غيرها. وجوز
الشهيد في الدروس التأخير عن الأولى إن وثق بالمسير مع غيرها. وهو حسن » بل يحتمل
قوياً : جواز التأخير بمجرد احتمال سفر الثانية ، لانتفاء الدليل على فورية المسير
بهذا المعنى. وأطلق العلامة في التذكرة جواز التأخير عن الرفقة الأولى. لكن المسألة
في كلامه مفروضة في حج النائب ، وينبغي القطع بالجواز إذا كان سفر الأولى قبل أشهر
الحج. وقيل تضيق الوقت الذي يمكن إدراكه فيه ، لأنه الأصل ، ولا مقتضي للخروج عنه
.. ».
أقول : أما ما
ذكره المصنف (ره) ، من لزوم اختيار الأوثق سلامة وإدراكاً ، ففيه : أنه غير ظاهر.
بل هو خلاف طريقة العقلاء والمتشرعة ، فإنهم لا يزالون يسلكون الطرق المعتادة في
السفر إلى الحج وغيره من الواجبات ، مع اختلافها في الوثوق المذكور ، وما كانوا
يجتمعون على سلوك الأوثق ويتركون غيره. وكذلك في مراجعتهم الأطباء في معالجات
أمراضهم مع اختلاف الأطباء في الوثاقة. إذ ليس بناؤهم على مراجعة الأوثق لا غير ،
بحيث تكون مراجعتهم لغيره تقصيراً منهم في حفظ الصحة أو حفظ النفس. نعم الأوثق
أرجح عندهم ، وقد يكون لغير الأوثق مرجح آخر ، فليس
ولو وجدت واحدة
ولم يعلم حصول أخرى ، أو لم يعلم للتمكن من المسير والإدراك للحج بالتأخير ، فهل
يجب الخروج مع الأولى ، أو يجوز للتأخير إلى الأخرى بمجرد احتمال
الإدراك ، أو لا يجوز إلا مع الوثوق؟ أقوال ، أقواها الأخير [١].
______________________________________________________
الترجيح بالأوثقية
على نحو اللزوم. نعم مع التعارض والتكاذب ـ بأن يقول أحد الطبيبين : الدواء كذا لا
غيره ، ويقول الآخر : الدواء شيء آخر لا غيره ، بحيث ينفي كل منهما قول صاحبه ـ لا
ينبغي التأمل في لزوم العمل ـ عقلاً ـ بالأوثق ، لا في مثل المقام مما يحتمل
الإصابة في كل من القولين. فالأنسب مقايسة المقام بباب الموسعات ، لا بباب لزوم
تقليد الأعلم. فتأمل.
ومثله في الاشكال
: ما حكاه في المدارك عن بعض ـ وقطع به جده في الروضة ـ : من لزوم السير مع
القافلة الأولى وإن حصل العلم بوجود الثانية ، فإنه أيضاً غير ظاهر. والسبق
الزماني لا يصلح للترجيح. اللهم إلا أن يختص كلامه بصورة العلم بإدراك الأولى وعدم
العلم بإدراك الثانية ، فيكون الترجيح من جهة الأوثقية ـ كما ذكره المصنف (ره) ـ وقد
عرفت إشكاله. وأما ما ذكره : من حصول الاستقرار إذا لم يدرك الحج ، فهو لا يختص
بالفرض الذي ذكره ، بل يجري فيما لو سافر مع الأولى فلم يدركه وكان بحيث لو سافر
مع الثانية أدركه ، لأن المدار في الاستقرار القدرة الحاصلة بالسفر مع إحدى
القافلتين ، وإن كان قد سافر مع غيرها التي لم تدرك.
وبالجملة : مع
تعدد القوافل لا موجب للخروج مع الأولى ، لعدم الخصوصية لها ، لا من حيث التكليف ،
ولا من حيث الوضع.
[١] قد عرفت من
عبارة المدارك : أن القول الأول اختاره في الروضة ، والثاني اختاره في التذكرة.
والثالث اختاره في الدروس ، ومال
وعلى أي تقدير إذا
لم يخرج مع الأولى ، واتفق عدم التمكن من المسير ، أو عدم إدراك الحج بسبب التأخير
استقر عليه الحج [١] ، وإن لم يكن آثما بالتأخير ، لأنه كان متمكناً من الخروج مع
الأولى. إلا إذا تبين عدم إدراكه لو سار معهم أيضاً.
______________________________________________________
إليه في الجواهر.
والعمدة في وجهه : أن التأخير مع الوثوق المذكور لا يعد تفريطاً في أداء الواجب.
ولا يبعد أن يكون الأمر كذلك أيضاً مع الظن ، كما يشهد به بناؤهم على جواز تأخير
الصلاة عن أول الوقت إذا لم تكن أمارة على الموت ، وكذا تأخير قضائها وغيرهما من
الموسعات. والفرق بين ذلك وبين ما نحن فيه ، بوجود المقتضي للبقاء هناك وعدم وجوده
هنا. مندفع : بأن المقتضي قد يحرز في الفرض ، فيكون العدم فيه لوجود المانع. على
أن الفرق المذكور غير فارق ، لأن الظاهر من ملاحظة كلماتهم في غير المقام جواز
التأخير ما لم تظهر أمارات العجز.
فان قلت : قد
اشتهر أنه مع الشك في القدرة يجب الاحتياط. قلت : يختص ذلك بصورة ما إذا كان الشك
في القدرة موجباً للشك في التكليف ، ولا يشمل مثل المقام. نعم إذا فرض الشك في
حصول التفريط بالتأخير مع الظن ، فالمرجع قاعدة الاحتياط ، لعدم المؤمن عقلاً ،
فيلزم دفع الضرر المحتمل.
[١] كما عرفت في
الحاشية السابقة.
فصل
في شرائط وجوب حجة الإسلام
وهي أمور :
أحدها : الكمال بالبلوغ والعقل ، فلا
يجب على الصبي وإن كان مراهقاً [١] ، ولا على المجنون وإن كان أدوارياً [٢] ،
______________________________________________________
فصل
في شرائط وجوب حجة الإسلام
[١] عليه العلماء
كافة ، كما في المعتبر والتذكرة وغيرهما. ويدل عليه الأخبار الآتية.
[٢] عليه العلماء
كافة ، كما في المعتبر وغيره. واستدل له بحديث : « رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ ،
وعن المجنون حتى يفيق » . وفي
الوسائل في أبواب مقدمة العبادات : « روي عن الخصال عن علي (ع) : إن القلم يرفع عن ثلاثة : عن الصبي حتى
يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ » .
وخبر أبي البختري عن جعفر عن
__________________
إذا لم يف دور
إفاقته بإتيان تمام الأعمال. ولو حج الصبي لم يجز عن حجة الإسلام ، وإن قلنا بصحة
عباداته وشرعيتها كما هو الأقوى ، وكان واجداً لجميع الشرائط سوى البلوغ. ففي خبر مسمع عن الصادق (ع) : « لو أن غلاماً حج عشر حجج ثمَّ احتلم كان
عليه فريضة الإسلام » (١). وفي خبر إسحاق بن عمار [١] عن أبي الحسن (ع) : « عن ابن عشر سنين يحج؟ قال (ع) : عليه
حجة الإسلام إذا احتلم. وكذا الجارية عليها الحج إذا طمثت » .
______________________________________________________
أبيه
عن علي (ع) : «
أنه كان يقول في المجنون والمعتوه الذي لا يفيق ، والصبي الذي لم يبلغ : عمدهما
خطأ تحمله العاقلة ، وقد رفع عنهما القلم » . لكن عرفت فيما
سبق أن الحديث المذكور ـ وكذلك حديث رفع التسعة ـ إنما يدل على رفع المؤاخذة برفع
فعلية التكليف ، لأن الظاهر من رفع القلم عنه رفع قلم السيئات لا غير ، فلا يدل
على رفع الملاك ، ولا رفع المشروعية. فالعمدة إذاً ـ في اعتبار العقل في مشروعية
حج الإسلام ، وعدم وجوبه عليه بعد الإفاقة ـ هو الإجماع لا غير.
[١] مثله : خبر شهاب عن أبي عبد الله (ع) في حديث ،
قال : « سألته عن
ابن عشر سنين يحج؟ قال (ع) : عليه حجة الإسلام إذا احتلم. وكذلك الجارية عليها
الحج إذا طمثت » . وما في
خبر أبان
__________________
( مسألة ١ ) : يستحب للصبي المميز أن يحج [١] وان لم يكن مجزياً عن حجة الإسلام ، ولكن هل يتوقف ذلك على إذن
الولي أولا؟ المشهور ـ بل قيل لا خلاف فيه [٢] ـ أنه مشروط بإذنه ، لاستتباعه
المال في بعض الأحوال للهدي والكفارة [٣]. ولأنه عبادة متلقاة من الشرع مخالف
للأصل ، فيجب الاقتصار فيه على المتيقن. وفيه : أنه ليس تصرفاً مالياً
______________________________________________________
ابن
الحكم ، قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام
حتى يكبر » فالمراد من حج الإسلام الحج المشروع في حقه ، أو ثواب حج الإسلام
، فلا ينافي ما سبق.
[١] لا إشكال في
مشروعية الحج في حق الصبي ، وقد نفي عنه الخلاف فيه وادعي عليه الإجماع. ويدل عليه
الأخبار المذكورة في المتن وغيرها ، مما مضى ويأتي.
[٢] لم أقف على من
نفى الخلاف فيه. نعم في المعتبر ـ بعد أن اختار اعتبار إذن الولي ـ ذكر : أن
لأصحاب الشافعي قولين : أحدهما لا يشترط » لأنها عبادة يتمكن من استقلاله بإيقاعها
، فأشبهت الصلاة والصوم. ثمَّ قال : « قلنا : إن الصلاة لا تتضمن غرم مال ، وليس
كذلك الحج .. ». ونحوه ما ذكره العلامة في المنتهى. وربما يستفاد من نسبة القول
بعدم الاعتبار إلى بعض الشافعية عدم الخلاف فيه منا ولا من غيرنا سواه. لكنه غير
ظاهر ، ولذا نسب في كشف اللثام الاعتبار الى المعتبر والمنتهى والتذكرة والتحرير
والدروس ، وقال : « وقد يظهر من الخلاف والمبسوط .. » ، واقتصر على ذلك. فتأمل.
[٣] ذكر ذلك في
المعتبر ، والمنتهى ، والتذكرة.
__________________
وإن كان ربما
يستتبع المال [١]. وأن العمومات كافية في صحته وشرعيته مطلقاً ، فالأقوى عدم
الاشتراط في صحته ،
______________________________________________________
[١] ذكر ذلك في
الجواهر. وفي كشف اللثام ـ بعد أن ذكر دليل الفاضلين المتقدم ـ قال : « وورود
المنع عليه ظاهر .. ».
أقول : تصرف الصبي
تارة : يكون تصرفاً في المال ، وأخرى : تصرفاً في النفس. وكل منهما تارة : لا يكون
موضوعاً للحكم الوضعي من الصحة والفساد ، بل يكون موضوعاً للحكم التكليفي لا غير ،
مثل إتلاف ماله وثوبه وقيامه وقعوده. وتارة : يكون موضوعاً للحكم الوضعي من الصحة
والفساد ، مثل بيع ماله ، وإجارة نفسه للعمل ونحوهما. ولا إشكال في أن القسم
الثاني من التصرف في المال مشروط بإذن الولي ، فلا يصح بيع ماله ، ولا إجارته ،
ولا رهنه ، ولا أمثالها من التصرفات الواردة على ماله إلا بإذن وليه. كما لا إشكال
في أن القسم الأول منه ومن التصرف في النفس ليس مشروطاً بإذن الولي ، فيجوز له وإن
لم يأذن الولي ، ضرورة أنه لا معنى لاشتراطه بالاذن إلا حرمة وقوعه بغير إذن الولي.
ومن المعلوم أنه لا حرمة على الصبي ، كما لا وجوب عليه ، فيجوز للصبي السفر بغير
إذن الولي كالحضر ، وكذا كل فعل لا يكون إلا موضوعاً للحكم التكليفي ، ومنه إتلاف
ماله.
وأما القسم الثاني
من التصرف في النفس فاشتراطه بإذن الولي ـ بحيث لا يترتب الأثر عليه ، ولا يكون
صحيحاً إلا به ـ يتوقف على دليل يدل على عموم ولاية الولي على النفس. ولم يتضح
لدينا ذلك ، غير ما ورد
عن النبي (ص) من قوله : «
أنت ومالك لأبيك » . لكنه وارد في
__________________
وإن وجب الاستئذان
في بعض الصور. وأما البالغ فلا يعتبر في حجه المندوب إذن الأبوين [١]
، إن لم يكن مستلزماً للسفر المشتمل على الخطر الموجب لأذيتهما. وأما في حجه الواجب فلا إشكال.
______________________________________________________
الكبير لا في
الصغير ، وأيضاً يدل هذا الحديث على جواز التصرف ذاتاً لا بعنوان الولاية ، وكل
ذلك لا يمكن الالتزام به. ولأجل ذلك يظهر وجه قوة ما ذكره المصنف (ره). وأما
التصرف المالي الذي يستتبعه الحج ـ مثل الهدي ، والكفارة ـ فحكم الصبي فيه حكم
العاجز ـ كما قيل ـ فينتقل إلى البدل مع الإمكان ، ومع عدمه يسقط. وسيأتي الكلام
في ذلك قريباً.
[١] جعل في
المسالك : اعتبار إذن الأبوين فيه أقوى ، وحكى عن القواعد : اعتبار إذن الأب ،
وحكى عن الشيخ : عدم اعتبار إذنهما. وفي الروضة نسب الميل إلى الأخير إلى الدروس ،
ثمَّ قال : « وهو حسن إن لم يستلزم السفر المشتمل على الخطر ، وإلا فاشتراط إذنهما
أحسن .. »
أقول : اعتبار إذن
الأبوين أو خصوص الأب خلاف قاعدة السلطنة على النفس ، المستفادة من دليل قاعدة
السلطنة على المال بالفحوى ، فالبناء عليه يحتاج إلى دليل مفقود ، سوى خبر هشام بن الحكم ـ المروي في العلل ـ عن
أبي عبد الله (ع) : « قال رسول الله (ص) : من
فقه الضيف أن لا يصوم تطوعاً إلا بإذن صاحبه ، ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم
تطوعا إلا بإذنه وأمره ، ومن صلاح العبد وطاعته ونصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوعاً
إلا بإذن مولاه وأمره ، ومن بر الولد أن لا يصوم تطوعاً ، ولا يحج تطوعاً ، ولا
يصلي تطوعاً إلا بإذن أبويه وأمرهما ، وإلا كان الضيف جاهلا وكانت المرأة عاصية ،
وكان العبد فاسقاً عاصياً ، وكان الولد عاقاً ».
______________________________________________________
وفي كشف اللثام :
« إنه ضعيف ». وكأنه : لأن في السند أحمد بن هلال العبرتائي ، وقد تقدم الكلام فيه
في مبحث لباس المصلي من هذا الشرح.
وفي الكافي روى
الحديث المذكور بلا زيادة : (
ومن بر الولد .. ) وفي الفقيه رواه مع الزيادة ، لكن اقتصر على ذكر الصوم
تطوعاً ولم يذكر الحج ، ولا الصلاة . ولكن هذا المقدار لا يوجب السقوط عن الحجية وكذا المناقشة
في الدلالة : بأن المراد من العقوق فيه عدم البر ، كما يقتضيه قوله (ع) : « ومن بر الولد .. ». فإنها مدفوعة : بأنها خلاف الظاهر. نعم ظاهر الخبر :
اعتبار الأمر مع الاذن ، وبدون الأمر يكون الحج عقوقاً ولو مع الاذن وهو مما لم
يقل به أحد. فيتعين حمله على إرادة بيان المرتبة العالية من البر ، ويكون المراد
من العقوق ما يقابلها ، فيكون الخبر وارداً في مقام بيان الآداب الأخلاقية ، التي
ينبغي أن يكون الولد عليها بالنسبة إلى والده ، فلا مجال للبناء على اعتبار الاذن
في الحج ولا في غيره. ولا سيما بملاحظة عدم اعتبار إذنه في سائر الأفعال المباحة
والمكروهة فكيف يعتبر في مثل هذه الأفعال التي هي من أفضل الطاعات وأعظم القربات؟
نعم إذا نهاه عنها
عن شفقته عليه وجبت إطاعته وحرم الفعل إجماعاً ظاهراً ، كما يستفاد من كلماتهم في
مبحث الصوم. أما إذا كان نهيه لا عن شفقته عليه ، فالظاهر عدم وجوب إطاعته ، وإن
ورد في كثير من النصوص ما ظاهره وجوب إطاعة الوالد على الولد ، ولكن لا مجال
للأخذ به. ومن ذلك يظهر الإشكال في التفصيل الذي ذكره في الروضة. ولذا قيده المصنف
(ره) بأذيتهما. وإن كان اللازم تقييدها بما إذا كانت عن شفقته
__________________
( مسألة ٢ ) : يستحب للولي أن يحرم بالصبي غير المميز بلا خلاف ، لجملة من الأخبار [١]. بل
وكذا الصبية ، وإن استشكل فيها صاحب المستند [٢].
______________________________________________________
عليه. وعليه يجوز
سفر الولد للحج إذا لم يعلما به أبداً ، أو أنهما يعلمان به بعد رجوع الولد عن
السفر ، أو يعلمان به حال وقوعه ولكن أذيتهما لا عن شفقة على الولد.
[١] منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع)
: « انظروا من كان
معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة أو إلى بطن مر ، ويصنع بهم ما يصنع بالمحرم ،
ويطاف بهم ، ويرمى عنهم. ومن لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه » ، وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد
الله (ع) في حديث ، قال : «
.. قلت له : إن معنا صبياً مولوداً ، فكيف نصنع به؟ فقال : مر أمه تلقى حميدة
فتسألها كيف تصنع بصبيانها ، فأتتها فسألتها كيف تصنع ، فقالت : إذا كان يوم
التروية فأحرموا عنه ، وجردوه وغسلوه كما يجرد المحرم ، وقفوا به المواقف ، فاذا
كان يوم النحر فارموا عنه ، واحلقوا رأسه ، ثمَّ زوروا به البيت ، ومري الجارية أن
تطوف به بالبيت ، وبين الصفا والمروة » ، ومصحح
إسحاق بن عمار : «
سألت أبا عبد الله (ع) عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة وخرجوا معنا الى عرفات
بغير إحرام. قال : قل لهم : يغتسلون ، ثمَّ يحرمون ، واذبحوا عنهم كما تذبحون عن
أنفسكم » . ونحوها غيرها.
[٢] لاختصاص
النصوص بالصبي ، وإلحاق الصبية به محتاج إلى دليل
__________________
وكذا المجنون [١]
، وإن كان لا يخلو عن إشكال ، لعدم
______________________________________________________
مفقود. وربما
استدل عليه بما تقدم من روايتي إسحاق وشهاب . وفي المستند : « فيه نظر ، لعدم دلالتها على وقوع الحج عن
الصبية ، بل ولا على وقوع الحج من الصبي ، لجواز أن يكون السؤال عن وجوب الحج
فأجاب بأنه بعد الاحتلام والطمث ، لا أن يكون السؤال عن الحج الواقع حتى يمكن
التمسك فيه بالتقرير .. ».
أقول : الاحتمال
المذكور خلاف الظاهر. نعم قوله (ع) : «
وكذلك الجارية » لا يمكن حمله على التشبيه
بأنها تحج وهي بنت عشر سنين ، بل يتعين حمله على أنها تحج قبل البلوغ ، ولا يقدح
ذلك في دلالته. وقد يتمسك على الإلحاق بقاعدة الاشتراك. وفيه : أنها مختصة بالخطابات
الموجهة إلى الذكر ، ولا تعم الخطاب الموجه إلى الولي على الذكر. وقد يستدل بموثق يعقوب : « إن معي صبية صغاراً ، وأنا أخاف عليهم
البرد ، فمن أين يحرمون؟ قال : ائت بهم العرج فليحرموا منها » وأشكل عليه في
المستند : بأن الثابت منها حج الصبية لا الحج بها.
أقول : أصل
الاستدلال يتوقف على أن يكون الصبية جمعاً للذكر والأنثى ، فإن تمَّ فما ذكره من
الاشكال ضعيف ، لأن الظاهر من قوله (ع) : «
ائت بهم » عدم استقلالهم في
الأمور وكونهم تحت تصرفه. فلاحظ.
[١] ألحقه الأصحاب
بالصبي. واستدل في المنتهى : بأنه لا يكون أخفض حالاً منه. وهو كما ترى!. فالعمدة
فيه : قاعدة التسامح ، بناء على اقتضائها للاستحباب.
__________________
نص فيه بالخصوص ،
فيستحق الثواب عليه [١]. والمراد بالإحرام به [٢] جعله محرماً ، لا أن يحرم عنه ،
فيلبسه ثوبي الإحرام ، ويقول : « اللهم إني أحرمت هذا الصبي .. » [٣] ، ويأمره
بالتلبية [٤] ، بمعنى : أن يلقنه إياها ، وإن لم يكن
______________________________________________________
[١] يعني : الولي
، كما يقتضيه الاستحباب في حقه. وفي
مصحح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) ، قال : « سمعته يقول : مر رسول الله (ص) برؤينة وهو حاج ،
فقامت إليه امرأة ومعها صبي لها ، فقالت : يا رسول الله أيحج عن مثل هذا؟ فقال :
نعم ، ولك أجره » .
[٢] هذا التعبير
مذكور في كلام المصنف وغيره. وهو المذكور في
خبر محمد ابن الفضيل ، قال : «
سألت أبا جعفر الثاني (ع) عن الصبي متى يحرم به؟ قال (ع) : إذا أثغر » ، وفي صحيح معاوية بن عمار : « ويصنع بهم ما يصنع بالمحرم .. » وفي خبر أيوب : « كان أبي يجردهم من فخ .. » . لكن في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج : « فأحرموا عنه وجردوه .. » . والمراد منه هو المراد من غيره.
[٣] ذكر ذلك في
الجواهر. ووجهه : استحباب التلفظ بالنية.
[٤] في صحيح زرارة عن أحدهما ، قال (ع) : « إذا حج الرجل بابنه ـ وهو صغير ـ فإنه
يأمره أن يلبي ، ويفرض الحج. فان لم يحسن أن يلبي لبوا عنه ، ويطاف به ، ويصلى عنه.
قلت : ليس لهم ما يذبحون. قال (ع) :
__________________
قابلاً يلبي عنه ،
ويجنبه عن كل ما يجب على المحرم الاجتناب عنه [١] ، ويأمره بكل فعل من أفعال الحج
يتمكن منه ، وينوب عنه في كل ما لا يتمكن [٢] ، ويطوف به ، ويسعى به بين الصفا
والمروة ، ويقف به في عرفات ومنى ، ويأمره بالرمي ، وإن لم يقدر يرمي عنه ، وهكذا
يأمره بصلاة الطواف ، وإن لم يقدر يصلي عنه. ولا بد من أن يكون طاهراً ، ومتوضئاً
ولو بصورة الوضوء ، وان لم يمكن فيتوضأ هو عنه [٣] ، ويحلق رأسه ، وهكذا جميع
الأعمال.
______________________________________________________
يذبح
عن الصغار ، ويصوم الكبار ، ويتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب والطيب. وإن
قتل صيداً فعلى أبيه » .
[١] كما يستفاد من
الصحيح السابق وغيره.
[٢] هذا الترتيب
استفادته من النصوص ظاهرة.
[٣] هذا الترتيب
مقتضى ما عرفت في غيره من أفعال الحج. لكن في كشف اللثام : « وعلى من طاف به
الطهارة ، كما قطع به في التذكرة والدروس. وهل يجب إيقاع صورتها بالطفل أو المجنون؟
وجهان ـ كما في الدروس وظاهر التذكرة ـ من أنها ليست طهارة ، مع الأصل. ومن أنه
طوافه لا طواف الحامل ، فطهارته أولى بالوجوب .. ». وفي الجواهر : « الأحوط
طهارتهما معاً ، لأنه المتيقن من هذا الحكم المخالف للأصل ، وان كان يقوى في النظر
الاكتفاء بطهارة الولي ، كما يرمي اليه ما في خبر زرارة من الاجتزاء بالصلاة عنه
.. ». وفيه ما عرفت : من أن المستفاد من النصوص أن ما يمكن إيقاعه في الطفل يتعين
فيه ذلك ولا يجتزأ بفعل
__________________
( مسألة ٣ ) : لا يلزم كون الولي محرماً في الإحرام بالصبي ، بل يجوز له ذلك وإن كان محلا
[١] :
( مسألة ٤ ) : المشهور على أن المراد بالولي في الإحرام بالصبي غير المميز ـ الولي الشرعي ،
من الأب ، والجد ، والوصي لأحدهما ، والحاكم ، وأمينه ، أو وكيل أحد المذكورين ،
لا مثل العم ، والخال ، ونحوهما ، والأجنبي. نعم ألحقوا بالمذكورين : الأم وإن لم
تكن ولياً شرعياً ، للنص الخاص فيها [٢]. قالوا : لأن الحكم على خلاف القاعدة ،
فاللازم الاقتصار على المذكورين ، فلا تترتب أحكام الإحرام إذا كان المتصدي غيره.
ولكن لا يبعد كون المراد الأعم منهم وممن يتولى أمر الصبي ويتكفله وان لم يكن
ولياً شرعياً [٣].
______________________________________________________
الولي عنه ، وما
لا يمكن إيقاعه في الطفل ينوب الولي عنه فيه ، كما هو مورد خبر زرارة. فلاحظ.
[١] لإطلاق النصوص.
[٢] وهو مصحح عبد
الله بن سنان السابق . لكن لا إطلاق له يشمل صورة عدم ولاية الأم عليه ، ولو
بالاستيذان من وليه الشرعي ، لأن النظر في كلامه (ص) إلى نفي القصور من جهة الطفل
، لا نفي القصور من جهة أخرى. ومقتضى حرمة التصرف بالصبي بغير إذن وليه عدم الجواز
بالنسبة إلى الأم كغيرها من الأجانب.
[٣] كما اختاره في
المستند ، لما ذكره في المتن. قال (ره) : « لأن قوله
(ع) : « من كان
معكم من الصبيان .. » أعم ممن كان
__________________
لقوله
(ع) : « قدموا من
كان معكم من الصبيان إلى الجحفة ، أو الى بطن مر .. » [١] ، فإنه يشمل غير الولي الشرعي أيضاً. وأما في المميز
فاللازم إذن الولي الشرعي إن اعتبرنا في صحة إحرامه الاذن.
( مسألة ٥ ) : النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الولي لا من مال الصبي [٢].
______________________________________________________
مع وليه وغيره
وكذا لا اختصاص في الأمر بقوله : «
قدموا » و «
جردوه » و «
لبوا عنه » وغير ذلك ، فان
ثبت الإجماع فهو ، وإلا فالظاهر جوازه لكل من يتكفل طفلاً .. ».
أقول : العموم غير
ظاهر ، كما يظهر ذلك بملاحظة النظائر ، فإذا قيل : « قدموا ما كان معكم من المال »
لم يكن له عموم يشمل الأموال المغصوبة ، نظير ما عرفت من الإشكال في مصحح ابن سنان
المتقدم في الأم . ولأجل ذلك يتوجه الاشكال على المشهور ، حيث فرقوا بين
الأم وغيرها من المتكفلين بالطفل ، مع أن الأدلة في البابين على نسق واحد. وهذا
الإشكال زائد على الاشكال عليهم في بنائهم على الإطلاق في النص الوارد في الأم.
[١] ( مر ) وزان (
فلس ) : موضع يقرب من مكة من جهة الشام نحو مرحلة. وهو منصرف ، لأنه اسم واد ،
ويقال له : « بطن مر ، ومر الظهران » ، كذا في مجمع البحرين.
[٢] بلا خلاف أجده.
لأنه هو السبب ، والنفع عائد إليه. ضرورة
__________________
إلا إذا كان حفظه
موقوفاً على السفر به [١] ، أو يكون السفر مصلحة له.
(
مسألة ٦ ) : الهدي على الولي
[٢] ،
______________________________________________________
عدم الثواب لغير
المميز بذلك ، وعدم الانتفاع به في حال الكبر ، كذا في الجواهر.
أقول : العمدة فيه
: عدم الدليل على الاذن بالتصرف في مال الصبي على الوجه المذكور ، وإن كان الثواب
عائداً إليه ، لأن ذلك لا يكفي في جواز صرف مال الصبي.
[١] كما أشار إليه
في الجواهر. لأن صرف المال حينئذ مصلحة للصبي فيجوز. وإطلاق الأصحاب كون النفقة
على الولي منزل على غير ذلك ، كما أشار إليه في الجواهر أيضاً.
[٢] وفي الجواهر :
« كأنه لا خلاف بينهم في وجوبه على الولي الذي هو السبب في حجه ، وقد صرح به في
صحيح زرارة .. » .
أقول : قد يشكل
اقتضاء مثل هذه السببية للضمان. وأما صحيح
زرارة فالأمر فيه بالذبح عنهم إنما كان بعد قول السائل : « ليس لهم ما يذبحون » ، فلا يدل على الحكم في صورة تمكن الطفل منه ، بل لعله
ظاهر في الذبح من مال الصبي مع التمكن منه. بل لا يبعد ظهوره في ذلك من جهة
التقرير. وكان الأولى الاستدلال له بمصحح
إسحاق بن عمار ، قال : «
سألت أبا عبد الله (ع) عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة ، وخرجوا معنا إلى عرفات
بغير إحرام. قال : قل لهم يغتسلون ، ثمَّ يحرمون ، واذبحوا عنهم كما تذبحون عن
أنفسكم » ، فإن إطلاقه يقتضي الذبح من مال الولي. بل هو مقتضى
إطلاق الخطاب باحجاجه ، فان الظاهر من إحجاجه
__________________
وكذا كفارة الصيد
إذا صاد الصبي [١]. وأما الكفارات الأخر
______________________________________________________
السعي في وقوع
الحج منه ـ ومنه الذبح ـ فيتعين على الولي بذله ، كما يظهر ذلك بملاحظة نظيره ، من
الأمر باحجاج المؤمن أو نذر إحجاجه ، فان الظاهر من ذلك السعي في حصول الحج منه
حتى ببذل الهدي ونحوه من الماليات.
نعم قد ينافي ذلك
ما عرفت فيما تقدم من صحيح زرارة ، وما في
صحيح معاوية بن عمار المتقدم ، من قوله (ع) : « ومن لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه
.. » . ولكن لا يبعد أن يكون المراد من عدم وجدانهم الهدي عدم
وجدان الولي للهدي عنهم ، لأن الغالب في الطفل عدم الوجدان. لا أقل من احتمال ذلك
على وجه يسقط الخبر عن الصلاحية لرفع اليد عن القاعدة المقتضية عدم جواز التصرف في
مال الصبي. وقد عرفت أن ترتب الثواب لا يصحح للولي التصرف في مال الصغير ، فلا
يجوز له التصدق بماله وإن كان ما كان للصدقة من الثواب والأجر في الآخرة ، فإن
ولاية الولي تقتضي حفظ ماله وصرفه في مصلحته الدنيوية لا غير ، وولاية الولي عليه
إنما هي بملاحظة ذلك لا غير. وإذا ثبت غير ذلك في بعض الموارد فهو للدليل المخرج
عن القاعدة المذكورة. مضافا الى ما عرفت : من أن ظاهر أمر الولي باحجاج الطفل
إحجاجه من مال الولي لا مال الطفل. وعلى هذا ما ذكره الجماعة في محله.
[١] كما هو
المشهور. لما تقدم في صحيح زرارة . وفي التذكرة : « إنه يجب في مال الصبي ، لأنه مال وجب
بجنايته ، فوجب أن يجب في ماله ، كما لو استهلك مال غيره .. ». وهو ـ كما ترى ـ كأنه
اجتهاد في مقابل النص ، كما في الجواهر.
__________________
المختصة بالعمد ،
فهل هي أيضا على الولي ، أو في مال الصبي [١] ، أو لا يجب الكفارة في غير الصيد
[٢] ، لأن عمد الصبي خطأ ، والمفروض أن تلك الكفارات لا تثبت في صورة الخطأ؟ وجوه
لا يبعد قوة الأخير ، إما لذلك ، وإما لانصراف أدلتها عن الصبي. لكن الأحوط تكفل
الولي ، بل لا يترك هذا الاحتياط ، بل هو الأقوى. لأن قوله (ع) : « عمد الصبي خطأ
» مختص بالديات [٣].
______________________________________________________
ومثله ما عن ابن
إدريس : من عدم وجوب الكفارة فيه ، لا في مال الولي ، ولا في مال الصبي. لانصراف
أدلة الكفارة عنه ، لاختصاصها بالمكلف ، لأنها من باب العقوبة ، والصبي لا تكليف
عليه ولا عقوبة على مخالفته. فإنه ـ أيضاً ـ كالاجتهاد في مقابل النص.
[١] اختار الأول
في القواعد ، وحكي عن الكافي والنهاية ، إما لاستفادته مما ورد في كفارة الصيد. أو
لأنه السبب في هذه الغرامة ، كما تقدم في كلام الجواهر. وأما الثاني فلم أقف
عاجلاً على من نسب اليه. نعم لازم ما تقدم من التذكرة في الصيد القول بذلك هنا
أيضاً.
[٢] حكي ذلك عن
التحرير ، والمختلف وغيرهما ، واختاره في المنتهى. لما ذكر في المتن.
[٣] كما ذكره
جماعة كثيرة ، منهم صاحب المدارك في هذا المقام. وهو الظاهر من مقابلة الخطأ
بالعمد ، لشيوع التعبير بهما عن الجناية العمدية والخطئية تبعاً للقرآن المجيد . ولقوله : « تحمله العاقلة » . فإن
__________________
والانصراف ممنوع
[١] ، وإلا فيلزم الالتزام به في
الصيد أيضاً.
( مسألة ٧ ) : قد عرفت أنه لو حج الصبي عشر مرات لم يجزه عن حجة الإسلام بل يجب عليه بعد
البلوغ والاستطاعة ،
______________________________________________________
ذلك إنما يكون في
الجنايات لا مطلقاً. وقد أشرنا إلى ذلك في مبحث عقد الصبي من تعليقتنا على بيع
شيخنا الأعظم ، ( نهج الفقاهة ). مضافاً إلى ما عليه ضرورة العلماء والعوام : من
صحة أعماله القصدية ، من صلاة ، وصيام وسفر ، وإقامة عشرة أيام وغير ذلك ، ولو كان
قصده بمنزلة العدم لم يصح شيء من ذلك منه. فلو سافر بقصد المسافة أتم وإن بلغ في
أثناء السفر. وكذا لو نوى الإقامة عشرة ، فإنه يقصر وإن بلغ في الأثناء. وهكذا
الحكم في جميع الموارد التي تتقوم بالقصد ، والبناء على كون قصده فيها بمنزلة
العدم مما لا مجال له.
[١] الوجه في هذا
الانصراف ما تقدم ، من أن الفداء من قبيل المجازاة على الذنب ، وذلك لا يتأتى في
حق الصبي. والمقايسة بالصيد كما ترى! الفرق بينه وبين المقام بثبوت الفدية فيه مع
عدم العمد بخلاف المقام فالخروج عن الأصل المقتضي للعدم غير ظاهر.
تنبيه : الظاهر
أنه لا فرق في الأحكام المذكورة جميعها بين الصبي المميز وغيره ، لعموم الأدلة
لهما معاً ، فكما يستحب الحج بالنسبة إلى المميز يستحب بالنسبة إلى غيره أيضاً.
واختلافهما في صحة توجيه الخطاب لا يقتضي الاختلاف بينهما في ملاك الحج الاستحبابي
، فالصبي غير المميز نظير المميز الغافل لا مانع من عموم الملاك له. كما أن
استحباب إحجاج الولي لا فرق فيه بين الفردين ، لعموم الأدلة ، بل خصوصها. فلاحظ
صحيح زرارة. كما أن ثبوت الهدي في مال الولي ـ وكذا كفارة الصيد ـ لا فرق فيهما
بينهما أيضاً وانتفاء الكفارة في غير الصيد أيضاً شامل لهما معاً.
لكن استثنى
المشهور من ذلك : ما لو بلغ وأدرك المشعر ، فإنه حينئذ يجزي عن حجة الإسلام ، بل
ادعى بعضهم الإجماع عليه [١]. وكذا إذا حج المجنون ندباً ، ثمَّ كمل قبل المشعر
[٢]. واستدلوا على ذلك بوجوه :
أحدها : النصوص
الواردة في العبد ـ على ما سيأتي ـ بدعوى : عدم خصوصية العبد في ذلك [٣] ،
______________________________________________________
[١] قال في
التذكرة. « وان بلغ الصبي ، أو أعتق العبد قبل الوقوف بالمشعر ، فوقف به أو بعرفة
معتقاً ، وفعل باقي الأركان أجزأ عن حجة الإسلام. وكذا لو بلغ أو أعتق وهو واقف.
عند علمائنا أجمع .. ). وفي الخلاف : « وإن كملا ـ يعني : الصبي والعبد ـ تغير
إحرام كل منهما بالفرض ، وأجزأه عن حجة الإسلام. وبه قال الشافعي .. ( إلى أن قال
) : دليلنا : إجماع الفرقة وأخبارهم ، فإنهم لا يختلفون في هذه المسألة ، وهي
منصوصة لهم ، وقد ذكرناها ونصوصها في الكتاب المتقدم ذكره .. ».
[٢] يظهر من
كلماتهم عدم الفصل بين الصبي والمجنون. والأدلة الآتية ـ المستدل بها على الحكم في
الصبي ـ مطردة في المجنون ، ولا فرق بينهما فيها. نعم لم أقف على دعوى الإجماع
صريحاً في المجنون كما ادعي في الصبي ، وإن عرفت أن ظاهر كلماتهم عدم الفرق بينهما.
[٣] قد صرح بذلك
في الجواهر ، قال : « إن الحمل على العبد ليس قياساً بعد ما عرفت ، من الإجماع ،
وظهور نصوص العبد في عدم الخصوصية له .. ».
أقول : لا يظهر
وجه لهذا الظهور ، ففي
صحيح شهاب عن أبي عبد الله (ع) : «
في رجل أعتق عشية عرفة عبداً له. قال (ع) : يجزي عن العبد
بل المناط الشروع
حال عدم الوجوب لعدم الكمال ، ثمَّ حصوله قبل المشعر. وفيه : أنه قياس. مع أن
لازمه الالتزام به فيمن حج متسكعاً ثمَّ حصل له الاستطاعة قبل المشعر ، ولا يقولون
به [١].
الثاني : ما ورد
من الأخبار ، من أن من لم يحرم من مكة أحرم من حيث أمكنه ، فإنه يستفاد منها : أن
الوقت صالح لإنشاء الإحرام ، فيلزم أن يكون صالحاً للانقلاب أو القلب بالأولى.
وفيه ما لا يخفى [٢].
______________________________________________________
حجة
الإسلام .. » . وهو خال عن
الاشعار بعدم الخصوصية ، فضلاً عن الظهور. وصحيح
معاوية بن عمار ، قال : «
قلت لأبي عبد الله (ع) : مملوك أعتق يوم عرفة. قال : إذا أدرك أحد الموقفين فقد
أدرك الحج » وليس لهذا الصحيح ظهور فيما نحن فيه ، إذ من المحتمل أن
يكون المراد منه أن العبد إذا لم يكن حاجاً ، وأعتق فأحرم بعد أن أعتق وأدرك أحد
الموقفين ، أجزأه عن حجة الإسلام ، بل هذا المعنى أقرب في معنى العبارة المذكورة.
نعم رواه في المعتبر
بزيادة : « وإن فاته
الموقفان فقد فاته الحج ، ويتم حجه ، ويستأنف حجة الإسلام فيما بعد » . ودلالته على ما نحن فيه
في العبد ظاهرة. لكن دلالته على عدم الخصوصية غير ظاهرة.
[١] يمكن أن يدفع
ذلك : بأن الإجماع منع من ذلك.
[٢] فان صاحب
الجواهر (ره) ـ مع أنه في مقام تقريب الاستدلال على القول المشهور ـ اعترف بأن
صلاحية الوقت إنما ذكرت استيناساً لما نحن فيه ، لا أنها دليل ، ضرورة الفرق بين
نفس الموضوعين.
__________________
الثالث : الأخبار
الدالة على أن من أدرك المشعر فقد أدرك الحج. وفيه : أن موردها من
لم يحرم [١] ، فلا يشمل من أحرم سابقاً لغير حجة الإسلام ، فالقول بالاجزاء مشكل [٢]. والأحوط الإعادة بعد ذلك إن كان مستطيعاً ، بل
لا يخلو عن قوة. وعلى القول بالإجزاء يجري فيه الفروع الآتية في مسألة العبد ، من
أنه هل يجب تجديد النية لحجة الإسلام أولا [٣]؟
______________________________________________________
[١] بل موردها من
لم يدرك غير الوقوف بالمشعر وإن كان محرما.
[٢] وفي الشرائع
والمعتبر : « في الاجزاء تردد .. » ، وفي المنتهى : « وإن أدرك أحد الموقفين
بالغاً ففي الإجزاء تردد. ولو قيل به كان وجهاً ، لأنه زمان يصح إنشاء الحج فيه ،
فكان مجزياً بأن يجدد نية الوجوب .. وقال بعد ذلك : وبالجملة : فنحن في هذا الموضع
من المترددين ، وإن كان الأقرب عندنا الجواز .. ». وفي المدارك : « التردد في محله
.. » ، وفي المستند : نسب المنع الى جمع من متأخري المتأخرين ، وجعله الأظهر.
هذا ويمكن
الاستدلال للمشهور : بأن عمومات التشريع الأولية تقتضي الصحة ، وليس ما يستوجب
الخروج عنها إلا ما تقدم من النصوص الدالة على اعتبار البلوغ في مشروعية حجة
الإسلام. لكنها مختصة بصورة ما إذا وقع تمام الحج قبل البلوغ ، ولا تشمل صورة ما
إذا بلغ في الأثناء ، فتبقى الصورة المذكورة داخلة في الإطلاق المقتضي للصحة. نعم
لازم ذلك المشروعية أيضاً لو بلغ بعد الوقوف قبل إتمام أعمال الحج ، وقد ادعي ـ في
التذكرة وغيرها ـ الإجماع على خلافه. لكن يمكن دفعه : بأن الإجماع المذكور هو
الموجب للخروج عن مقتضي الأدلة.
[٣] بناء على ما
ذكرناه في وجه الاجزاء يكون الحج الواقع منه هو
وأنه هل يشترط في
الاجزاء استطاعته بعد البلوغ من البلد أو من الميقات أولا [١]؟ وأنه هل يجري في حج
التمتع مع كون العمرة بتمامها قبل البلوغ أولا؟ إلى غير ذلك ..
(
مسألة ٨ ) : إذا مشى الصبي
إلى الحج فبلغ قبل أن يحرم من الميقات وكان مستطيعاً لا إشكال في أن حجة حجة
الإسلام.
( مسألة ٩ ) : إذا حج باعتقاد أنه غير بالغ ندباً فبان بعد الحج أنه كان بالغاً ، فهل يجزي
عن حجة الإسلام أو لا؟ وجهان ، أوجههما الأول [٢]. وكذا إذا حج الرجل ـ باعتقاد
عدم الاستطاعة ـ بنية الندب ثمَّ ظهر كونه مستطيعاً حين الحج.
______________________________________________________
حج الإسلام من حين
وقوعه ، غاية الأمر أنه لم يكن واجباً عليه ، وبالبلوغ في الأثناء يكون واجباً
عليه ، كما إذا بلغ في أثناء صلاة الظهر ، فإنها من حين وقوعها منوية صلاة الظهر ،
وبالبلوغ في الأثناء يجب إتمامها وتكون واجبة بعد أن لم تكن واجبة ولا يجب إتمامها.
فان وجبت نية الوجوب والندب ـ وقد نوى الندب ـ نوى الوجوب عند البلوغ ، وان لم تجب
نية الوجوب والندب لم يلزم تجديد نية الوجوب. وأما بناء على الأدلة ـ المذكورة في
كلام المصنف ـ فربما يختلف الحكم باختلافها ، كما سننبه عليه فيما يلي إن شاء الله
تعالى.
[١] بناء على ما
ذكرنا يتعين اعتبار الاستطاعة من الميقات ، لما يأتي : من أن البالغ إذا وصل الى
الميقات متسكعاً ثمَّ استطاع حينئذ وجب عليه حج الإسلام ، لعموم الأدلة. ومن ذلك
تعرف الوجه في حكم المسألة الآتية.
[٢] الإشكال في
الصحة في هذه المسألة من وجهين :
الأول : أن حجة
الإسلام تختلف مع غيرها من أنواع الحج بالخصوصيات
______________________________________________________
الداخلية ، نظير
الاختلاف بين صلاة الصبح ونافلة الصبح ، فالحج مع فقد بعض الشرائط ليس حج الإسلام
وليس بواجب ، والحج مع الشرائط حج الإسلام وهو واجب. فاذا حج ـ بعد ما حج حجة
الإسلام ـ كان حجه غير حجة الإسلام ، فالاختلاف بينهما بالخصوصيات الداخلية.
وحينئذ فإذا نوى حجاً غير حجة الإسلام كيف تصح حجة الإسلام مع عدم النية؟! نظير ما
لو نوى العصر ـ باعتقاد أنه صلى الظهر ـ فتبين أنه لم يصل الظهر فإنها لا تصح
ظهراً ، فاذا صحت ظهراً فقد صحت بلا نية.
الثاني : من وجهي
الاشكال : أنه إذا نوى الأمر الندبي ولم ينو. الأمر الوجوبي ، لم يتحقق امتثال
الأمر الوجوبي بقصد امتثال غيره ، فلا موجب لسقوطه.
والتحقيق : أن
القيود التي تذكر في موضوع الامتثال العبادي اشتباهاً تارة : تلحظ بما هي ، وأخرى
: تلحظ طريقاً ومرآة إلى غيرها. والأولى تارة : تكون ملحوظة على نحو وحدة المطلوب
، وأخرى : على نحو تعدد المطلوب ، فان لوحظت بما هي على نحو وحدة المطلوب بطلت
العبادة ، لفوات القصد الى الواقع ، لمنافاة قصد القيد ـ ولو اشتباهاً ـ إياه. ففي
فرض المسألة إذا لوحظ قيد الحج الندبي والأمر الندبي فقد فات قصد الحج الإسلامي
والأمر الوجوبي ، فلا مجال للصحة. وإن لوحظت على نحو تعدد المطلوب فان كان
الاختلاف بين القيود الواقعية والقيود المقصودة من قبيل الاختلاف بين الأقل
والأكثر صحت العبادة. كما إذا اعتقد أن الحج الإسلامي شرع في مكة ـ مثلاً ـ اشتباهاً
، فقصد الحج الإسلامي المشرع في مكة على نحو تعدد المطلوب ، لم يقدح ذلك في صحة
امتثال أمر الحج الإسلامي إذا كان قد شرع في المدينة ، لأن فوات القيد المذكور ـ الذي
قصد اشتباهاً ـ لا يقدح في قصد الحج الإسلامي ، بعد ما كان التقييد على نحو تعدد
المطلوب. وإن
الثاني من الشروط : الحرية ، فلا يجب على
المملوك وإن أذن له مولاه ، وكان مستطيعاً من حيث
المال [١] ،
______________________________________________________
كان الاختلاف بين
القيود الواقعية والقيود المقصودة من قبيل الاختلاف بين المتباينين لم يصح
الامتثال ، فان تعدد المطلوب إنما يقتضي وقوع القصد على ذات المقيد حتى على تقدير
انتفاء القيد ، ولا يقتضي وقوع القصد على القيد المباين. ففي المقام إذا قصد الحج
غير الإسلامي والأمر الندبي على نحو تعدد المطلوب ، فقد تعلق القصد بذات الحج
وبذات الأمر ، لكن لم يتعلق بالحج الإسلامي ولا بالأمر الوجوبي. ولو بني على عدم
اعتبار قصد الوجوب والندب يكون البطلان مستنداً إلى عدم قصد خصوصية الحج الإسلامي
فإنه لا بد من قصدها في تحقق العبادة ، فينحصر تصحيح الحج الإسلامي ـ في الفرض ـ بصورة
ما إذا كان قصد الحج غير الإسلامي بعنوان كونه عبرة ومرآة إلى الحج الإسلامي ،
فيكون الحج الإسلامي مقصوداً بالأصالة ولو إجمالا. ومن ذلك يظهر أنه ـ مع تباين
القيود الواقعية والخطئية ـ ينحصر تصحيح العبادة بصورة ملاحظة القيد الاشتباهي
بنحو المرآتية والطريقية ، ومع عدم التباين وكونها من قبيل الأقل والأكثر ينحصر
تصحيح العبادة بصورة ملاحظة القيد الاشتباهي بنحو تعدد المطلوب ، فاذا لوحظ بنحو
وحدة المطلوب تعين البناء على البطلان. ومن ذلك يظهر أنه في إطلاق الصحة في كلام
المصنف (ره) نظر ، وكان اللازم التفصيل في المسألتين على النحو الذي ذكرنا. وسيأتي
في المسألة الخامسة والعشرين نظير المقام.
[١] إجماعاً
بقسميه عليه منا ومن غيرنا ، كما في الجواهر. ويشهد له ما في موثق الفضل بن يونس عن أبي الحسن
موسى (ع) ، قال : «
ليس على المملوك حج ولا عمرة حتى يعتق » ، وما في خبر آدم بن علي
__________________
بناء على ما هو
الأقوى من القول بملكه [١] ،
______________________________________________________
عن
أبي الحسن (ع) : «
ليس على المملوك حج ولا جهاد ، ولا يسافر إلا بإذن مالكه » .
[١] نسبه في
الدروس إلى ظاهر الأكثر ، وفي المسالك إلى الأكثر ، ثمَّ قال : « ومستنده الأخبار.
وذهب جماعة إلى عدم ملكه مطلقاً ، واستدلوا عليه بأدلة كلها مدخولة ، والمسألة
موضع إشكال ، ولعل القول بعدم الملك مطلقاً متوجه. ويمكن حمل الأخبار ـ يعني :
الأخبار التي استند إليها الأكثر ـ على إباحة تصرفه فيما ذكر ، لا بمعنى ملك رقبة
المال ، فيكون وجهاً للجمع .. ». وجعل القول المذكور في الشرائع حسناً ، وحكاه في
الجواهر عن ظاهر الشهيد في الحواشي ، واختاره هو 1. واستدل له بجملة من الأخبار ، كما أشار إليها في المسالك.
منها : صحيح زرارة : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل أعتق عبداً
وللعبد مال ، لمن المال؟ فقال (ع) : إن كان يعلم أنه له مال تبعه ماله وإلا فهو له
» ، وصحيحه
الآخر عن أبي عبد الله (ع) : «
إذا كاتب الرجل مملوكه أو أعتقه ، وهو يعلم أن له مالاً ، ولم يكن استثنى السيد
المال حين أعتقه فهو للعبد » ، وصحيح
عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله (ع) ، قال : « سألته عن رجل أعتق عبداً له ، وللعبد
مال ، وهو يعلم أن له مالاً فتوفي الذي أعتق العبد ، لمن يكون مال العبد يكون للذي
أعتق العبد أو للعبد؟ قال (ع) : إذا أعتقه وهو يعلم أن له مالاً فماله له ، وإن لم
يعلم فماله لولد سيّده » ، وخبر إسحاق بن عمار
__________________
______________________________________________________
عن
جعفر (ع) عن أبيه : «
إن علياً أعتق عبداً ، فقال له : إن ملكك لي ولك وقد تركته لك » ، وصحيح سعد بن سعد عن أبي جرير ، قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل قال لمملوكه
أنت حر ولي مالك قال (ع) : لا يبدأ بالحرية قبل المال ، يقول : لي مالك وأنت حر
يرضى المملوك ، فان ذلك أحب إلي » . هذا مضافاً إلى
الاخبار الآتية في أدلة بعض الأقوال. لكن النصوص المذكورة ونحوها لا تصلح لا ثبات
هذا القول ـ وهو الملكية مطلقاً ـ إذ لا إطلاق لها من هذه الجهة ، وإنما هي واردة
في مقام حكم آخر. فالعمدة ـ في إثبات القول المذكور ـ : إطلاق أدلة سببية الأسباب
الموجبة للملك ، التي لا فرق فيها بين الحر والعبد ، كما لا فرق فيها بين مورد
ومورد.
وتوهم : أن الشك
في المقام ناشئ من الشك في قابلية العبد الملك ، لاحتمال أن المملوكية مانعة من
قابلية المملوك للمالكية ، والشك في القابلية على النحو المذكور مانع من التمسك
بعموم السببية ، لأنها لا تحرز القابلية المذكورة ، فيكون المرجع أصالة عدم ترتب
الأثر.
فيه : أن القابلية
المذكورة تحرز بالأذواق العرفية ، فإن ذوق العرف في ثبوت القابلية حجة على ثبوتها
بتوسط الإطلاقات المقامية ، وإلا لم يكن مطلق من المطلقات باقياً على الحجية ،
لحصول الشك المذكور في جميعها ، ولا ريب في بطلان ذلك. مضافاً إلى أنه يمكن
استفادة القابلية في المقام من النصوص السابقة وإن لم يكن لها إطلاق ، فالعمل
بإطلاق دليل السببية متعين ، إلا أن يقوم الدليل على خلافه.
هذا وقيل : لا
يملك مطلقاً. وعن التذكرة : نسبته إلى أكثر علمائنا ،
__________________
______________________________________________________
وفي الجواهر عن
شرح أستاذه : أنه المشهور غاية الاشتهار بين المتقدمين والمتأخرين ، المدعى عليه
الإجماع ـ بلفظه الصريح ـ من جماعة ، وفي الرياض : « هو الأشهر بين أصحابنا ، كما
حكاه جماعة منا. وهو الظاهر من تتبع كلماتهم جداً ، حيث لم أقف على مخالف لهم في
ذلك إلا نادراً ، بل ادعى الشيخ في الخلاف ـ في كتاب الزكاة ـ والفاضل في نهج الحق
عليه إجماعنا صريحاً ، ودل عليه كلام الحلي المحكي في المختلف في كتاب العتق ، حيث
قال : إنه لا يملك عندنا. ونحوه عبارة المبسوط المحكية عنه في كتاب الكفارات.
وربما كان في عبارة الانتصار إشعار به ، بل ظهور جداً ، مع فتواه صريحاً ، وهو
الحجة .. ».
واستدل له بصحيح عبد الله بن سنان : « قلت لأبي عبد الله (ع) : مملوك في يده
مال ، أعليه زكاة؟ قال : لا. قلت : ولا على سيده. قال (ع) : لا ، لأنه لم يصل اليه
، وليس هو للمملوك ». فان حكمه بنفي الملك عن العبد لما في يده لا بد أن يكون من جهة امتناع ملكه
وإلا لأمكن أن يكون له. وصحيح
محمد بن إسماعيل عن الرضا (ع) : «
سألته عن رجل يأخذ من أم ولده شيئاً وهبه لها بغير طيب نفسها ، من خدم ومتاع ، أيجوز
ذلك له؟ قال : نعم إذا كانت أم ولد » ، وصحيح
محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) : « أنه قال ـ في المملوك ـ : ما دام عبداً فإنه وماله لأهله ، لا
يجوز له تحرير ، ولا كثير عطاء ، ولا وصية ، إلا أن يشاء سيده » . بل قد استدل عليه بقوله
تعالى : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا
يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقاً حَسَناً
__________________
______________________________________________________
فَهُوَ
يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ ) ، وقوله تعالى ( ضَرَبَ
لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ
شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ
.. ) . فان الاستفهام
فيه إنكاري يقتضي امتناع الشركة بين المالك وعبده. وما ورد : من أن العبد إذا مات
وترك مالاً كان في يده فإنه لمالكه ، ففي
موثق عمار الساباطي : «
في مكاتبة بين شريكين يعتق أحدهما نصيبه ، كيف تصنع الخادم؟ قال : تخدم الباقي
يوماً وتخدم نفسها يوماً. قلت : فان ماتت وتركت مالاً. قال (ع) : المال بينهما
نصفين ، بين الذي أعتق وبين الذي أمسك » . ولو أمكن ملك
العبد كان ميراثاً للمولى ، لأنه مال انتقل اليه بموت مملوكه ، مع أنه باطل
إجماعاً ، ونصوصاً تضمنت : أن العبد لا يرث ولا يورث ، ففي خبر محمد بن حمران : « لا يتوارث الحر والمملوك .. » . ونحوه غيره.
ويمكن الإشكال في
جميع ما ذكر ، أما صحيح ابن سنان فلأن السائل لما فرض في السؤال كون المال في يد
العبد فهم منه أن المال ليس للعبد ، وإلا كان المناسب أن يقول : « مملوك له مال ».
وحينئذ يكون قول الامام : «
وليس هو للمملوك » مبنياً على ما فهم من كلام السائل ولا يدل على أن المملوك يمتنع أن يملك.
وأما صحيح محمد بن
إسماعيل فلأن من الجائز أن يكون أخذ الرجل ما وهبه لأم ولده من باب الرجوع في
الهبة ، الذي لا ريب في جوازه في غير الموارد المستثناة ، وليس منها مورد الصحيح.
أو لأن للمالك أخذ مال
__________________
______________________________________________________
العبد وإن لم يكن
قد وهبه إياه ، فلا تدل الرواية على المدعى. بل المناسب الاستدلال بها على الخلاف
، لأن إقرار الإمام (ع) ما في السؤال من وقوع الهبة من المالك يدل على صحة الهبة ،
ولو كان العبد لا يملك كانت لغواً قطعاً.
وأما صحيح محمد بن
قيس فلأن قول الامام علي (ع) : «
وماله » ظاهر في أن المال
للعبد. وحينئذ يكون قوله (ع) : «
لأهله » منافياً له
لامتناع اجتماع الملكيتين على المملوك الواحد ، فلا بد من التصرف في أحدهما وذلك
إما بحمل الإضافة في الأول على كونها غير إضافة الملكية ، وإما بحمل اللام في الثاني
على كونها لمحض السلطنة على التصرف. والثاني أقرب ، بقرينة ما بعده ، الظاهر في
كونه تفسيراً لقوله : «
لأهله » ، بل قوله (ع) : « إلا أن يشاء .. » ظاهر في صحة الوصية إذا شاء السيد ، فتكون الوصية له ، ولا
تصح الوصية بمال الغير ، وإن أجاز المالك ـ كما يظهر من ملاحظة كلماتهم في كتاب
الوصية ـ فتكون الرواية على القول الأول أدل منها على القول الثاني.
وأما الآية الأولى
فإن كان الاستدلال بها من جهة وصف العبد بأنه لا يقدر ، فليس ذلك محل الكلام ، إذ
لا خلاف في أنه محجور عليه وإن قلنا بملكه. وإن كان من جهة أن المقابلة بين قوله
تعالى : ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ) .. وقوله تعالى : ( وَمَنْ
رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقاً حَسَناً ) .. يدل على أن وصف المملوكية يراد منه عدم المالكية ، فكأنه
قال : « عبداً لا يجد شيئاً ولا يقدر على شيء » في مقابل من يجد شيئاً ويقدر عليه
، وإرادة عدم المالكية من المملوكية لا وجه له ، إلا لأن المملوكية مانعة من
المالكية. فالظاهر أن الوجه في المقابلة : مجرد عدم القدرة ، المراد بها الأعم من
عدم القدرة على التملك ، فكأنه قال تعالى :
__________________
______________________________________________________
« عبداً مملوكاً
لا يقدر أن يملك ، وحراً يقدر أن يملك فيملك وينفق ». فالفارق المقصود بيانه هو
عدم القدرة على التملك في العبد ، والقدرة على التملك وعلى التصرف فيما يملك في
الحر ، فلا دلالة فيهما على المدعى. هذا مضافاً إلى أن التمثيل أعم من وقوع المثال
في الخارج ـ كما قيل ـ وإن كان ضعيفاً ، لأنه خلاف الظاهر. وأما الآية الثانية
فالظاهر منها نفي الاشتراك بين العبد والمولى على نحو يكونان سواء ، وذلك لا يدل
على المدعى ، إذ يكفي في نفي المساواة كون المولى قادراً على التصرف والمملوك ليس
قادراً عليه إلا بإذن مولاه ، فهذا المقدار من الاختلاف ـ في القدرة واللاقدرة ـ كاف
في نفي المساواة.
وأما ما ورد : من
أن العبد إذا مات كان ماله لمولاه ، فهو من الأحكام التعبدية. ولا ينافيه ما ورد : من أنه لا
توارث بين الحر والعبد لأنه إما مخصص بذلك ، أو هو مختص بغيره ، بناء على أن
المراد نفي التوارث الذي يكون بين الحرين في مراتب الإرث ، ولا يشمل ما نحن فيه ،
ولا هذا النحو من التوارث. فلا يمكن من ذلك استفادة كون ما في يد العبد لمولاه لا
له ، كما لا يخفي.
ومثله في الاشكال
: الاستدلال على ذلك بما دل على عدم صحة الوصية للعبد ، كصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) : «
قال : قضى أمير
المؤمنين (ع) في مكاتب كانت تحته امرأة حرة ، فأوصت له عند موتها بوصية ، فقال أهل
المرأة : لا تجوز وصيتها له لأنه مكاتب لم يعتق ولا يرث. فقضى : أنه يرث بحساب ما
أعتق منه ، ويجوز له من الوصية بحساب ما أعتق منه. قال : وقضى (ع) في مكاتب أوصي
له بوصية ،
__________________
______________________________________________________
وقد
قضى نصف ما عليه ، فأجاز له نصف الوصية. وقضى في مكاتب قضى ربع ما عليه ، فأوصي له
بوصية فأجاز له ربع الوصية .. » . وجه الاشكال : أن
عدم صحة الوصية له أعم من عدم القابلية للملك. وأما قول الورثة : « لا تجوز وصيتها
له لأنه مكاتب لم يعتق » فهو وإن دل على ظهور ذلك عندهم لا يدل على ما نحن فيه
أيضاً كظهور ذلك عندنا.
ومثله ـ أيضاً ـ في
الاشكال : صحيح عبد الرحمن بن الحجاج ، المتضمن للخلاف الواقع بين ابن شبرمة وابن
أبي ليلى ، فيما لو أعتق عبيده وكان يحيط دينه بأثمانهم ، وفي ذيله قال : « فقلت له ـ يعني : أبا عبد الله (ع) ـ :
رجل ترك عبداً لم يترك مالا غيره ، وقيمة العبد ستمائة درهم ، ودينه خمسمائة درهم
، فأعتقه عند الموت ، كيف يصنع؟ قال (ع) : يباع العبد فيأخذ الغرماء خمسمائة درهم
، ويأخذ الورثة مائة درهم. فقلت : أليس قد بقي عن قيمة العبد مائة درهم عن دينه؟
فقال (ع) : بلى. قلت : أليس للرجل ثلث يصنع به ما شاء؟ قال : بلى. قلت : أليس قد أوصى
للعبد بالثلث من المائة حين أعتقه؟ قال : إن العبد لا وصية له ، إنما ماله لمواليه
» .
فان نفي الوصية للعبد ،
معللاً : بأن ماله لمواليه ، كالصريح في أن العبد لا يملك ، فتكون الوصية لغواً.
لكن قول السائل بعد ذلك : «
قلت : فإن قيمة العبد ستمائة درهم ، ودينه ثلثمائة درهم ، فضحك ، وقال : من هنا
أتي أصحابك ، جعلوا الأشياء شيئاً واحداً ولم يعلموا السنة إذا استوى مال الغرماء
ومال الورثة ، أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء لم يتهم الرجل على وصيته ،
وأجيزت وصيته على وجهها. فالآن يوقف هذا ، فيكون نصفه للغرماء ، ويكون ثلثه للورثة
، ويكون له السدس ».
__________________
______________________________________________________
مما يوجب الارتياب
في دلالة الرواية ، وكيف جاز أن يكون له السدس في الفرض الأخير في الرواية ، ولم
يجز أن يكون له أقل من السدس ـ كما في الفرض السابق في الرواية ـ مع اشتراكهما في
التعليل؟
مضافاً إلى أن
المفروض في الرواية ليس من الوصية التمليكية ، بل هو من الإنشاء المنجز عند الموت
، الذي ترجع فائدته إلى العبد. ولا ريب في صحته من المالك إذا كان في غير مرض
الموت ، وإن قلنا بأن العبد لا يملك ، فكيف صح تطبيق عدم صحة الوصية للعبد فيه ،
معللاً بما ذكر؟ مع أن الرواية من أدلة القول بأن المنجزات من الثلث ، وهو خلاف
التحقيق. ولعل الأولى في توجيهها : حملها على أن الامام (ع) في مقام نقض القياس
جرياً على مذهب أهل القياس ، لا في مقام بيان الحكم الواقعي بل هو إشكال آخر على
الرواية ـ مع قطع النظر عن الإشكالين السابقين ـ يمنع من صحة الاستدلال بها على
المقام. وهذه الوجوه من الإشكال هي العمدة في سقوط الرواية عن الحجية على المقام ،
وإلا فالفقرة المذكورة من أوضح الأدلة على نفي الملكية.
ومثل ذلك في
الاشكال : ما في المختلف من الاستدلال على ذلك بقوله : « لأنه لو ملك المال لدخل
المال في ملكه بالأسباب الموجبة للدخول من غير اختيار ، كالميراث وشبهه. والتالي
باطل إجماعاً ، فكذا المقدم .. » إذ فيه : منع الملازمة في الشرطية الأولى ،
لإمكان كون الرقية مانعاً من الإرث ، كالقتل والكفر. ومثله استدلاله : بأنه لو ملك
لما جاز للمولى أخذه منه قهراً ، والتالي باطل إجماعاً. إذ من الجائز أن يكون
للعبد حكم يختص به ، من جواز أخذ المولى ماله منه قهراً. ومن ذلك تعرف إشكال ما
ذكره السيد في الرياض بقوله : « وبالجملة : تتبع النصوص ـ الواردة في العتق
والوصية للمملوك ـ يكشف عن عدم الملكية له دون ريبة .. »
______________________________________________________
فإن ثبوت بعض
الأحكام بدليل لا يدل على ما ذكر ، فضلا عن الدلالة بلا ريبة. وبالجملة : لا تصلح
الأدلة التي استدل بها على نفي الملكية لا ثبات ذلك.
هذا وفي المسألة
أقوال أخرى بالتفصيل بين الموارد ، منها : ما حكاه في الشرائع بقوله : « وقيل :
يملك فاضل الضريبة خاصة. وهو المروي .. » وفي الجواهر : « إني لم أعرف القائل به
بالخصوص ، وإن نسب إلى الشيخ في النهاية والقاضي. لكن الذي عثرت عليه في الأول ـ مع
عدم اختصاصه بفاضل الضريبة ـ صريح في إرادة ملك التصرف ، كما حكاه عنه في الدروس
لا الرقبة .. إلى أن قال ـ بعد حكاية كلامه ـ : ونحوه عن القاضي .. » وأشار في
الشرائع إلى صحيح عمر بن
يزيد قال : «
سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أراد أن يعتق مملوكاً له ، وقد كان مولاه يأخذ منه
ضريبة فرضها عليه في كل سنة ورضي بذلك المولى ، فأصاب المملوك في تجارته مالاً سوى
ما كان يأخذ مولاه من الضريبة. قال : فقال : إذا أدى الى سيده ما فرض عليه ، مما
اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك. قال : قال : أبو عبد الله (ع) : أليس قد فرض الله
تعالى على العباد فرائض ، فإذا أدوها اليه لم يسألهم عما سواها؟ قال : قلت :
للمملوك أن يتصدق مما اكتسب ويعتق ، بعد الفريضة التي كان يؤديها إلى سيده؟ قال :
نعم ، وأجر ذلك له. قلت : فإن أعتق مملوكاً مما اكتسب ـ سوى الفريضة ـ لمن يكون
ولاء العتق؟ قال (ع) : يذهب فيتوالى من أحب ، فإذا ضمن جريرته وعقله كان مولاه
ووارثه. قال : قلت : أليس قد قال رسول الله (ص) : الولاء لمن أعتق؟ قال : فقال :
هذا سائبة لا يكون ولاؤه لعبد مثله. قلت : فان ضمن العبد الذي أعتقه جريرته وحدثه
، أيلزمه ذلك؟ قال : فقال : لا يجوز ذلك ، ولا
______________________________________________________
يرث
عبداً حراً » . ودلالته على أن
المال للمملوك ظاهر. ولا سيما بملاحظة قوله (ع) : «
إن أجر ذلك له » ، وتعليل عدم
الولاء له إذا أعتق عبداً : بأنه لا يكون ولاؤه لعبد مثله ، إذ لو كان المال
لمولاه لكان المناسب التعليل : بأنه ليس بمعتق ، لأن المراد به من له العتق ، لا
من قام به العتق ، كما هو ظاهر.
والمناقشة فيه :
بأنه مخالف لما دل على حجز العبد عن التصرف. مندفعة : بأن الظاهر من إطلاق وضع
الضريبة الاذن في التصرف فيما زاد عليها. نعم يشكل هذا التفصيل : بأن الصحيح
المذكور إنما يدل على ثبوت الملكية فيما زاد على ضريبة المولى ، ولا يدل على نفيها
في غيره ، فلا يكون سنداً للتفصيل. إلا إذا بني على قيام الدليل على عموم نفي
الملك ، ليكون الجمع بينه وبين الصحيح المذكور بالتخصيص والتفصيل. لكن عرفت خلافه.
ومنها : أنه يملك
أرش الجناية خاصة. حكاه في الشرائع قولا ، وفي الجواهر : إنه لم يعرف القائل به ،
كالقائل بالتفصيل بين فاضل الضريبة وأرش الجناية وبين غيرهما ، وكالقائل بالتفصيل
بين ما ملكه مولاه خاصة ، أو مع أرش الجناية خاصة ، أو مع فاضل الضريبة فقط ، أو
الثلاثة ، دون غيره. ونقل عن شيخه في شرحه : أنه حكى جميع ذلك بل وغيرها. وكيف كان
، فقد استدل على التفصيل ـ المحكي عن الشرائع ـ بموثق
إسحاق ابن عمار ، قال : «
قلت لأبي عبد الله (ع) : ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر ،
فيقول : حللني من ضربي إياك ، ومن كل ما كان مني إليك ، ومما أخفتك وأرهبتك ،
ويحلله ويجعله في حل رغبة فيما أعطاه. ثمَّ إن المولى بعد أن أصاب الدراهم التي
أعطاه في موضع وضعها فيه العبد فأخذها السيد ، إحلال هي له؟ فقال (ع) : لا تحل له
لأنه افتدى بها عن نفسه من العبد مخافة العقوبة والقصاص يوم القيامة.
__________________
أو بذل له مولاه
للزاد والراحلة [١]. نعم لو حج بإذن مولاه صح بلا إشكال ،
______________________________________________________
قال
: فقلت له : فعلى العبد أن يزكيها إذا حال عليها الحول؟ قال (ع) لا : إلا أن يعمل
له فيها ، ولا يعطي من الزكاة شيئاً » . وفيه : أنه ليس من
أرش الجناية ـ كما هو واضح ، وذكره في الجواهر وغيرها ـ فان جاز العمل به في
الخروج عن أدلة المنع ، تعين القول بمضمونه ، لا في أرش الجناية ، كما هو المدعى.
ولا سيما أن أرش الجناية لا يرجع إلى العبد وإنما يرجع إلى مالكه ، لأنه عوض النقص
الوارد على ملكه. ولذا قال في الجواهر : « وتسمع ـ إن شاء الله ـ في كتاب القصاص
والديات المفروغية عن ملك السيد أرش جناية العبد الذي هو مملوك له. والأرش جبر
تفاوت ما نقص من ملكه .. ».
والمتحصل مما
ذكرنا : أن القول بنفي الملك لا دليل عليه ظاهر. والأفق بالأدلة الخاصة ـ ومنها
صحيح عمر بن يزيد ، وموثق إسحاق المتقدمان هو القول بالملك في الجملة. والذي
تقتضيه إطلاقات أدلة السببية هو الملكية مطلقاً ، إلا في موارد خاصة دل الدليل على
نفي الملكية فيها ، بنحو لا يمكن استفادة عموم نفي الملكية منها ، كي تكون موجبة
لتقييد دليل السببية أو تخصيصه بالحر. ومما ذكرنا تعرف الاشكال فيما تقدم في
الرياض : من أن تتبع النصوص ـ الواردة في العتق والوصية للمملوك ـ يكشف عن عدم
الملكية له من دون ريبة. ومن ذلك تعرف ضعف التفصيلات التي حكى في الجواهر : حكايتها
عن أستاذه. فلاحظ ، وتأمل.
[١] في الجواهر :
دعوى الإجماع بقسميه عليه ـ منا ومن غيرنا ـ وإن بذل له مولاه.
__________________
ولكن لا يجزيه عن
حجة الإسلام [١]. فلو أعتق بعد ذلك أعاد ، للنصوص ، منها : خبر
مسمع : « لو أن
عبداً حج عشر حجج ثمَّ أعتق كانت عليه حجة الإسلام إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً » . ومنها : « المملوك إذا حج ـ وهو مملوك ـ أجزأه
إذا مات قبل أن يعتق ، فإن أعتق أعاد الحج » [٢]. وما في
خبر حكم بن حكيم : «
أيما عبد حج به مواليه فقد أدرك حجة الإسلام » محمول على إدراك
ثواب الحج [٣] : أو على أنه يجزيه عنها ما دام مملوكاً ، لخبر أبان : « العبد إذا حج فقد قضى حجة الإسلام حتى
يعتق » ، فلا إشكال
______________________________________________________
[١] إجماعاً
بقسميه ، منا ومن غيرنا أيضاً ، كذا في الجواهر. وفي المستند : بالإجماع ، والنصوص.
[٢] يريد به صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « إن المملوك إن حج ـ وهو مملوك ـ أجزأه
إذا مات قبل أن ينعتق ، وإن أعتق فعليه الحج » ، وصحيحه الآخر : « قال : المملوك إذا حج وهو مملوك ، ثمَّ مات
قبل أن يعتق أجزأ ذلك الحج ، فإن أعتق أعاد الحج » . والمتن لا يوافق أحد
المتنين.
[٣] ذكر ذلك في
الوسائل. وفي الجواهر : ادعى إجماع الأمة على خلاف الخبر المذكور ، ثمَّ قال : «
فمن الواجب طرحه. أو حمله على
__________________
في المسألة. نعم
لو حج بإذن مولاه ، ثمَّ انعتق قبل إدراك المشعر ، أجزأه عن حجة الإسلام.
بالإجماع ، والنصوص [١]. ويبقى الكلام في أمور :
أحدها : هل يشترط في الاجزاء تجديد النية للإحرام بحجة الإسلام ـ بعد الانعتاق فهو من
باب القلب ، أو لا بل هو انقلاب شرعي؟ قولان مقتضى إطلاق للنصوص الثاني ، وهو
الأقوى [٢].
______________________________________________________
إدراك ثواب حجة
الإسلام ما دام مملوكاً .. ».
[١] قال في
الجواهر : « بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه .. » وفي صحيح معاوية بن عمار : « قلت لأبي عبد الله (ع) : مملوك أعتق
يوم عرفة. قال : إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج » ورواه في المعتبر بزيادة : « وإن فاته الموقفان فقد فاته الحج ،
ويتم حجه ، ويستأنف حجة الإسلام فيما بعد » . وخبر شهاب عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل أعتق عشية عرفة عبداً له ، أيجزي
عن العبد حجة الإسلام؟ قال (ع) : نعم » ، وصحيحه
عنه (ع) : «
في رجل أعتق عشية عرفة عبداً له. قال (ع) : يجزي عن العبد حجة الإسلام ، ويكتب
للسيد أجران : ثواب العتق ، وثواب الحج » . ونحوها غيرها.
[٢] كما في
الجواهر. لما ذكر. وحكى فيها عن الخلاف : وجوب تجديد نية الإحرام ، وعن المعتبر ،
والمنتهى ، والروضة : وجوب تجديد
__________________
______________________________________________________
نية الوجوب ، وعن
الدروس : وجوب تجديد النية.
أقول : الاحتمالات
المتصورة في الاجزاء ثلاثة : ( الأول ) : أن يكون الحج ـ الذي وقع فيه العتق قبل
أحد الوقوفين ـ هو حج الإسلام من حين وقوعه ، كما ذكرنا في الصبي أنه الأظهر. (
الثاني ) : أن لا يكون حج الإسلام حين وقوعه ، ولكن يكون حج الإسلام حين الانعتاق.
( الثالث ) : أن يكون غير حج الإسلام حتى بعد الانعتاق ، لكنه يجزي عن حج الإسلام
، فهو مستحب يجزي عن الواجب. فعلى الأخير لا مجال لتجديد النية ـ لا في الإحرام ،
ولا في الوجوب ، ولا في غير ذلك ـ لأنه لم يتغير عن حال وقوعه وحدوثه. وعلى الأول
لا مجال لتجديد نية الإحرام ولا لتجديد نية حج الإسلام ، ولكن يجدد نية الوجوب ،
لأنه حال وقوعه لم يكن واجباً وفي الأثناء صار واجباً. وعلى الثاني يجدد نية
الموضوع ونية الوجوب.
والذي يقتضيه
الجمود على قوله (ع) : « يجزي عن العبد حجة الإسلام » هو الأخير ، لأن إجزاء شيء عن آخر يقتضي الاثنينية بينهما.
كما أن مقتضى الجمود على قوله
(ع) : « إذا أدرك
أحد الموقفين .. » هو الثاني ، لأن الأول والأخير لا يختص فيهما الإدراك بالموقف ، بل كان
الإدراك فيهما للحج من أوله إلى آخره. والذي يقتضيه الأخذ بالمعمومات ـ الدالة على
وجوب الحج الإسلامي ـ هو الأول ، لأن القدر اللازم في الخروج عن العمومات صورة
وقوع الحج بتمامه في حال الرقية ، أما صورة وقوع بعضه في حال الحرية فلا موجب
للخروج فيها عن عموم الوجوب ، كما تقدم ذلك في الصبي.
لكن البناء على
الأخذ بالعموم في الفرض يقتضي اختصاص الاجزاء بصورة كون نيته للحج ـ من حين شروعه
فيه ـ بعنوان كونه الحج المشروع
فلو فرض أنه لم
يعلم بانعتاقه حتى فرغ ، أو علم ولم يعلم الاجزاء حتى يجدد النية ، كفاه وأجزأه
[١].
______________________________________________________
في حقه ، فيكون
ناوياً لحج الإسلام إجمالاً ، وإن كان قد أخطأ في تطبيق غيره عليه. فلو لم يكن
الأمر كذلك ـ بأن كان ناوياً للحج الاستحبابي لنفسه ـ فالقواعد العامة تقتضي عدم
الاجتزاء ، كما عرفت الإشارة إلى ذلك في المسألة التاسعة. لكن ذلك خلاف إطلاق
النصوص. ولأجل ذلك يشكل الرجوع إلى إطلاق دليل وجوب الحج ، الشامل للحر والعبد.
وحينئذ يدور الأمر بين الأمرين الآخرين. ولا يبعد البناء على الثاني ، لأن إجزاء
شيء عن آخر وإن كان يتوقف على الاثنينية ، لكن يكفي فيها الانقلاب في الأثناء.
وحينئذ لا مانع من البناء على الانقلاب ، اعتماداً على قوله (ع) : « إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج
» ، فيكون وقوفه من حج
الإسلام وما قبله من غير حج الإسلام ، اجتزى بمجموعهما عنه. وهذا هو الذي يقتضيه
الأخذ بظاهر نصوص المقام من غير تكلف.
[١] فان قلت : إذا
كان الحج غير الإسلامي ينقلب بعد الانعتاق إلى الحج الإسلامي ، لزم الإتيان به على
وجه العبادة ، فإذا فاتت النية لم يصح وإن كان عن جهل بالحكم أو الموضوع. قلت :
إطلاق النصوص يقتضي الاجزاء إذا فاتت النية عن جهل بالحكم أو الموضوع ، فيكون
الاجزاء مرتباً على الانقلاب الواقعي. نعم إذا تعمد ترك النية ، أو أفسد نيته ـ برياء
أو نحوه ـ لم يصح ، لأنه خارج من منصرف النصوص. ولو لا إطلاق النصوص المذكور كان
اللازم تجديد النية ـ بالمقدار اللازم ـ في الشروع بحج الإسلام وغيره من العبادات.
والظاهر أن هذا هو المراد بالقلب فالمراد به الانقلاب على وجه يلزم تجديد النية ،
لا القلب بالمعنى الذي يكون باختيار المكلف فان اختاره حصل وإلا فلا ، فإنه بهذا
المعنى لا دليل عليه
الثاني : هل يشترط في الاجزاء كونه مستطيعاً حين الدخول في الإحرام ، أو يكفي استطاعته
من حين الانعتاق ، أو لا يشترط ذلك أصلاً؟ أقوال ، أقواها الأخير [١] ،
______________________________________________________
كما عرفت في وجوه
الاحتمالات السابقة. فلاحظ.
[١] قال في الدروس
: « ولو أعتق قبل الوقوف أجزأه عن حجة الإسلام. بشرط تقدم الاستطاعة وبقائها .. ».
وفي الروضة ـ بعد أن حكم باعتبار الاستطاعة سابقاً ولا حقاً في الصبي والمجنون ـ قال
: ويشكل ذلك في العبد إن أحلنا ملكه. وربما قيل بعدم اشتراطها فيه للسابق ، أما
اللاحق فتعتبر قطعاً .. ». وفي المدارك : « واعتبر الشهيد في الدروس : تقدم
الاستطاعة وبقائها ، مع حكمه بإحالة ملك العبد. وهو عجيب .. » ولما كانت
الاستطاعة لا تنحصر بالملك بل تكون بالبذل أيضاً ـ كما سيأتي ـ لا مجال لإشكال
الروضة ، ولا تعجب المدارك ، كما ذكره غير واحد ممن تأخر عنهم. والذي اختاره في
المدارك : عدم اعتبار الاستطاعة أصلاً ، لا سابقاً ولا لاحقاً ، وجعله مما ينبغي
القطع به ، وقواه في الجواهر وغيرها مستدلين بإطلاق النصوص.
ويشكل : بأنها
ليست واردة في مقام البيان من هذه الجهة ، وانما هي واردة لبيان الاجتزاء بالحرية
عند أحد الموقفين ، فيبقى اعتبار بقية الشرائط بحاله ، كما أشار الى ذلك في الروضة
في حكم الصبي والمجنون. وقال في كشف اللثام : « ثمَّ من المعلوم أن الاجزاء عن حجة
الإسلام مشروط بالاستطاعة عند الكمال ، لكن الإتمام لما جامع الاستطاعة التي للمكي
غالباً ، وكانت كافية في الوجوب هنا وإن كانا نائيين ـ كما مرت الإشارة اليه ـ لم
يشترطوها .. ». ثمَّ نقل عن التذكرة : استقرار الوجوب في الصبي والعبد ، سواء كانا
موسرين أم معسرين ، لأن ذلك واجب عليهما
لإطلاق النصوص.
وانصراف ما دل على اعتبار الاستطاعة عن المقام [١].
الثالث : هل الشرط في الاجزاء إدراك خصوص المشعر [٢] سواء أدرك الوقوف بعرفات أيضاً
أولا ـ أو يكفي إدراك أحد الموقفين ، فلو لم يدرك المشعر لكن أدرك
______________________________________________________
بإمكانه في موضعه.
ثمَّ قال : « ومن اشترط استطاعة النائي المجاور مكة اشترطها هنا في الاجزاء .. ».
وبالجملة :
الإطلاق الذي ذكروه غير واضح. وعدم تعرض الأكثر لاعتبار الاستطاعة لا يدل عليه ،
لأن مصب كلامهم جهة الرقية والحرية لا غيرهما. وأما ما ذكره في كشف اللثام : من
اعتبار الاستطاعة عند الكمال ـ واحتمله في الروضة ، كما تقدم ـ فوجهه أن الاستطاعة
إنما تكون شرطاً حال الوجوب لا قبله ، إذ لا دليل على اعتبارها قبله في غير المقام
، فضلا عن المقام. وفي المستند جزم باعتبار الاستطاعة حين العتق. واستدل عليه بالآية
، والنصوص لكن دلالة الآية غير ظاهرة ، لاختصاصها بغير الفرض ، كما
لا يخفي.
[١] هذا الانصراف
غير ظاهر. وليس حال العبد الذي أعتق أثناء الحج إلا حال غير المستطيع الذي تكلف
الحج ، فإنه إذا شرع فيه لا يتوجه عليه الأمر بحج الإسلام مطلقاً وإن لم يكن
مستطيعاً.
[٢] كما هو ظاهر
عبارة الشرائع. ومثلها : بعض العبارات الأخرى
__________________
للوقوف بعرفات
معتقاً كفى؟ قولان ، الأحوط الأول. كما أن الأحوط اعتبار إدراك الاختياري من
المشعر ، فلا يكفي إدراك الاضطراري منه [١]. بل الأحوط اعتبار إدراك كلا الموقفين
[٢] ، وإن كان يكفي الانعتاق قبل المشعر ، لكن إذا كان مسبوقاً بإدراك عرفات أيضاً
ولو مملوكاً.
______________________________________________________
حيث اقتصر فيها
على المشعر. وظاهر أكثر العبارات : الاجتزاء بإدراك أحد الموقفين ، كما هو مذكور
في النص ، بل لا ينبغي التأمل فيه. لكن مع ذلك قال في الجواهر : « ولو فرض تمكنه
من موقف عرفة دون المشعر ، فلا يبعد عدم الإجزاء ، ضرورة ظهور النص والفتوى في أن
كل واحد منهما مجزي مع الإتيان بما بعده ، لا هو نفسه .. ». وفيه : أن ما دل على
صحة الحج بإدراك عرفة وحدها عند الاضطرار حاكم عليه ، فيكون مقدماً عليه ، لأن
موضوع الاجزاء فيما نحن فيه إدراك أحد الموقفين ـ حال الحرية ـ في الحج الصحيح ،
فاذا ثبتت الصحة بإدراك عرفة وحدها مع الاضطرار ثبت موضوع الاجزاء. والمظنون : أن
الاقتصار على ذكر المشعر كان بملاحظة الزمان ، لأن إدراك السابق غالباً إدراك
للاحق ، لا لخصوص وقوف المشعر.
[١] في الجواهر
جعله المنساق من عبارات الأصحاب ، ثمَّ قال : « ولعله كذلك ، اقتصاراً على المتيقن.
» وتوقف المصنف (ره) ناشئ من احتمال الرجوع إلى إطلاق نصوص المقام المقتضي
للاكتفاء به ، لأن إدراك اضطراري المشعر إدراك لأحد الموقفين. ومن احتمال انصراف
النصوص عن الاضطراري إلى الاختياري المجعول الأولي. لكن الظاهر أنه بدوي لا يعتد
به.
[٢] كأنه لاحتمال
انصراف الدليل إلى هذه الصورة بخصوصها ،
الرابع : هل الحكم مختص بحج الافراد والقران ، أو يجري في حج التمتع أيضاً وإن كانت
عمرته بتمامها حال المملوكية؟ الظاهر الثاني [١] ، لإطلاق النصوص. خلافاً لبعضهم ،
فقال بالأول [٢] ، لأن إدراك المشعر معتقاً إنما ينفع للحج لا للعمرة الواقعة حال
المملوكية. وفيه : ما مر من الإطلاق. ولا يقدح ما ذكره ذلك البعض ، لأنهما عمل
واحد. هذا إذا لم ينعتق إلا في الحج ، وأما إذا انعتق في عمرة التمتع ، وأدرك
بعضها معتقاً فلا يرد الإشكال.
( مسألة ١ ) : إذا أذن المولى لمملوكه في الإحرام فتلبس به ليس له أن يرجع في إذنه [٣] ،
لوجوب الإتمام على المملوك ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. نعم لو أذن له ثمَّ
رجع
______________________________________________________
لأنها الفرد
الاختياري الأولى ، كما تقدم في إدراك اضطراري المشعر. لكن عرفت أنه بدوي لا يعتد
به.
[١] كما اختاره في
الجواهر. وحكاه في كشف اللثام عن نص الخلاف والتذكرة ، وفي الدروس : نسبته إلى
ظاهر الفتوى.
[٢] حكى في كشف
اللثام : الأول عن بعض في مبحث الصبي والمجنون واختاره ، لأن العمرة فعل آخر مفصول
عن الحج ، وقعت بتمامها في الصغر أو الجنون كعمرة أوقعها في عام آخر ، فلا جهة
للاكتفاء بها. فيكون كمن عدل اختياراً إلى الافراد ، فإذا أتم المناسك أتى بعمرة
مفردة في عامه ذلك ، لا بعده انتهى. والاشكال عليه بما ذكره المصنف : من أنهما عمل
واحد ، متوجه. فالعمل بالإطلاق متعين.
[٣] الظاهر أنه لا
إشكال فيه عندنا. قالوا : لأنه إحرام انعقد صحيحاً
قبل تلبسه به لم
يجز له أن يحرم إذا علم برجوعه [١]. وإذا لم يعلم برجوعه فتلبس به ، هل يصح إحرامه
ويجب إتمامه ، أو يصح ويكون للمولى حله ، أو يبطل؟ وجوه ، أوجهها الأخير [٢]. لأن
الصحة مشروطة بالاذن ، المفروض سقوطه
______________________________________________________
فلا ينحل إلا
بمحلل شرعي. وفي التذكرة : نسب ذلك إلى غير واحد من علماء المخالفين ، وحكى الخلاف
فيه عن أبي حنيفة ، وحكى خلافه في كشف اللثام أيضاً. وكأنه : لأن دليل وجوب
الإتمام ناظر إلى وجوب الإتمام من حيث كونه إتماماً ، ولا نظر فيه إلى تحليل
التصرف بمال الغير. وأفعال العبد لما كانت مملوكة للمولى احتيج في جواز التصرف
فيها إلى دليل ، وهو مفقود. ومن ذلك يشكل ما ذكره المصنف ـ تبعاً للجواهر ـ من أنه
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فان ذلك يختص بما إذا لم يلزم التصرف بمال الغير.
أما إذا كان قد لزم ذلك فلا مجال له ، لأن البقاء على الإحرام معصية للخالق ، لما
دل على حرمة التصرف في مال الغير ، كما في سائر موارد التصرف في مال الغير وإن لم
تجب اطاعته. فليس المقام من باب الإطاعة للمخلوق ، بل من باب حرمة التصرف بغير إذن
المالك وإن لم يكن آمراً ، أو كان ممن لا تجب إطاعته.
[١] لانتفاء الاذن
، المانع من صحة التقرب بالإحرام.
[٢] لم أعرف من
اختاره. نعم في المعتبر ـ وعن غيره ـ : فيه تردد. والمحكي عن الخلاف والمبسوط
والوسيلة : الصحة ، وللمولى أن يحله. وفي القواعد ذكر ذلك ، ولكن قال بعده : « على
إشكال .. ». ووجه الاشكال ـ على ما ذكره غير واحد ـ : هو عموم حق المولى ، وعدم
لزوم الاذن ، خصوصاً وقد رجع قبل التلبس. ومن انعقاد الإحرام صحيحاً فلا ينحل إلا
بمحلل شرعي ، ولزوم الاذن بصحة الإحرام ، وحكي الأول عن المختلف.
بالرجوع [١].
ودعوى : أنه دخل دخولاً مشروعاً فوجب إتمامه ، فيكون رجوع المولى كرجوع الموكل قبل
التصرف ولم يعلم الوكيل. مدفوعة : بأنه لا تكفي المشروعية الظاهرية. وقد ثبت الحكم
في الوكيل بالدليل ، ولا يجوز القياس عليه.
( مسألة ٢ ) : يجوز للمولى أن يبيع مملوكه المحرم بإذنه [٢] وليس للمشتري حل إحرامه. نعم مع
جهله بأنه محرم يجوز له الفسخ ، مع طول الزمان الموجب لفوات بعض منافعه.
( مسألة ٣ ) : إذا انعتق العبد قبل المشعر فهديه عليه ، وإن لم يتمكن فعليه أن يصوم [٣].
______________________________________________________
وفي المدارك
والكشف وغيرهما : صحة الإحرام ولزومه ، واختاره في الجواهر لدخوله دخولا مشروعاً ،
فكان رجوع المولى كرجوع الموكل قبل التصرف ولم يعلم الوكيل.
[١] كذا ذكر غير
واحد وجهاً للبطلان. لكن لم يتضح ما يدل عليه. ولذا قال في كشف اللثام : « من الشك
في أن الشرط : الاذن ، كالوضوء للصلاة. أو اعتقاده ، كطهارة الثوب فيها .. ». ومع
هذا الشك يكون المرجع إطلاقات المشروعية.
[٢] إجماعاً ـ كما
في المدارك ـ وقطعاً ، كما في الجواهر. قال في الأول : « لأن الإحرام لا يمنع
التسليم ، فلا يمنع صحة البيع. ثمَّ إن كان المشتري عالماً بذلك فلا خيار له ، وإن
لم يعلم ثبت له الخيار مع الفور. إلا مع قصر الزمان بحيث لا يفوته شيء من المنافع
.. ». وهذا الخيار نظير خيار تخلف الوصف. وذكر نظيره في كتاب الإجارة ، فيما لو
آجر العين ثمَّ باعها ولم يعلم المشتري بالإجارة.
[٣] بلا خلاف أجده
فيه ـ كما اعترف به في محكي المنتهى ـ بل ولا
وإن لم ينعتق كان
مولاه بالخيار [١] بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم. للنصوص ، والإجماعات.
______________________________________________________
إشكال لأنه
بالإدراك المزبور يكون حجه حج إسلام ، فيساوي غيره من الأحرار في وجوب الهدي عليه
مع القدرة ، ومع التعذر الصوم ، كذا في الجواهر. وهو واضح.
[١] بلا خلاف محقق
معتد به أجده فيه عندنا ، بل في ظاهر المنتهى والتذكرة : الإجماع عليه ، بل في
صريح المدارك : ذلك ، كذا في الجواهر. وفي
صحيح سعد بن أبي خلف : «
سألت أبا الحسن (ع) ، قلت : أمرت مملوكي أن يتمتع. قال : إن شئت فاذبح عنه ، وإن
شئت فمره فليصم » وفي
صحيح جميل ، قال الصادق (ع) : «
فمره فليصم ، وإن شئت فاذبح عنه » .
وعن الشيخ في
التهذيب والاستبصار : لزوم الذبح عنه. ويشهد له خبر
علي بن أبي حمزة : «
سألت أبا إبراهيم (ع) عن غلام أخرجته معي فأمرته فتمتع ، ثمَّ أهل بالحج يوم
التروية ولم أذبح عنه ، فله أن يصوم بعد النفر؟ فقال : ذهبت الأيام التي قال الله
تعالى. ألا كنت أمرته أن يفرد الحج؟. قلت : طلبت الخير ، فقال (ع) : كما طلبت
الخير فاذهب فاذبح عنه شاة سمينة ، وكان ذلك يوم النفر الأخير » .
وفيه ـ مع ضعف الخبر ،
وإعراض المشهور عنه ـ : أن مقتضى الجمع العرفي بينه وبين ما سبق الحمل على الاستحباب
، كما يشير اليه التعليل. وأضعف من ذلك : الاستدلال عليه : بأن الاذن في الشيء
إذن في لوازمه. إذ ـ مع أنه غير
__________________
( مسألة ٤ ) : إذا أتى المملوك المأذون في إحرامه بما يوجب الكفارة ، فهل هي على مولاه [١]
، أو عليه ويتبع بها بعد العتق [٢] ، أو ينتقل إلى الصوم فيما فيه الصوم مع العجز
[٣] ،
______________________________________________________
ظاهر الانطباق على
ما نحن فيه ـ لا يصلح لمعارضة الدليل.
[١] كما في
المعتبر ، وقواه في المدارك. لصحيح
حريز عن أبي عبد الله (ع) : «
كل ما أصاب العبد ـ وهو محرم ـ في إحرامه فهو على السيد إذا أذن له في الإحرام » .
واستدل له في المعتبر :
بأن جنايته من توابع إذنه في الحج ، فتلزمه جنايته. وهو كما ترى.
[٢] كما في
الجواهر. عملاً بالقواعد المقتضية لكونه عليه دون السيد إذ( لا تَزِرُ
وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ). لكن يشكل : بأن فيه مخالفة للصحيح المذكور
[٣] يعني يكون
الفداء على العبد فيما لا يكون الصوم له بدلاً ، فان كان الصوم بدلاً انتقل الى
البدل مع العجز. وهذا الاحتمال راجع إلى الأول إذ الأول مبني على عجز العبد عن كل
من الفداء والبدل ، أما عجزه عن الأول فلعدم الملك ، وأما عجزه عن الثاني فلمنع
المولى. والثاني مبني على عدم العجز كلية ، لأنه قابل للملكية ، أو لبذل السيد أو
غيره للفداء. وأما عدم العجز عن الصوم فلأنه قد يأذن السيد له فيه ، لكن لو لم
يأذن له في الصوم يكون عاجزاً ، وحينئذ يتبع بالفداء أو بدله بعد العتق. وهذا
الاحتمال منقول عن الشيخ (ره) كما في المدارك ، قال : « قال الشيخ (ره) : إنه يلزم
العبد ، لأنه فعل ذلك بدون إذن مولاه. ويسقط الدم الى الصوم ، لأنه عاجز ففرضه
الصيام. ولسيده منعه منه ، لأنه فعل موجبه بدون إذن مولاه .. ».
أقول : قد عرفت
أنه ـ على تقدير منع السيد عن الصوم ـ لا بد من
__________________
أو في الصيد عليه
وفي غيره على مولاه [١]؟ وجوه ، أظهرها كونها على مولاه. لصحيحة حريز ، خصوصاً
إذا كان الإتيان بالموجب بأمره أو بإذنه [٢]. نعم لو لم يكن مأذوناً في الإحرام
بالخصوص ، بل كان مأذوناً مطلقاً إحراماً كان أو غيره ، لم يبعد كونها عليه ،
حملاً لخبر عبد الرحمن بن أبي نجران ـ النافي
______________________________________________________
البناء على أن
الفداء على العبد يتبع به بعد العتق ، وعليه البدل على تقدير عجزه. هذا ما تقتضيه
القواعد ، ولا بد حينئذ من إرجاع كل من هذين الاحتمالين الى الآخر ، وإلا كان على
خلاف القواعد. كما أنه لا مجال للمصير إلى كل منهما إلا بعد سقوط الصحيح عن الحجية.
[١] لا يحضرني
قائل بذلك. نعم يظهر عكس هذا التفصيل من المفيد حيث خص كون الفداء على السيد
بالصيد ، على ما حكاه في المدارك وغيرها وكأن وجه التفصيل المذكور في المتن :
الجمع بين صحيح حريز المتقدم ، وخبر
عبد الرحمن بن أبي نجران : «
سألت أبا الحسن (ع) عن عبد أصاب صيداً وهو محرم ، هل على مولاه شيء من الفداء؟
فقال (ع) : لا شيء على مولاه » ، بحمل الثاني على خصوص مورده ـ وهو الصيد ـ وحمل الأول
على غيره ، حملاً للمطلق على المقيد.
[٢] حكي التفصيل
المذكور في المتن ـ من أنه إذا أذن له في الإحرام بالخصوص فالكفارة على السيد ،
وإلا فعلى العبد ـ عن المنتفى ، جمعاً بين الخبرين ، حسبما ذكر في المتن. لكن
الجمع المذكور غير ظاهر ، لأن قوله
(ع) في الصحيح : «
إذن أذن له في الإحرام » أعم من كون الاذن بالعموم أو بالخصوص. وكان الأولى : الجمع بحمل الخبر على
الصيد ـ كما هو مورده ـ وحمل الصحيح على غيره ، جمعاً بين المطلق والمقيد ، فان
المتن
__________________
______________________________________________________
مروي ـ في التهذيب
، والكافي ، والفقيه كما عرفت. نعم رواه
في الاستبصار هكذا : «
المملوك إذا أصاب الصيد » . ونحوه في المعتبر فيكون مورده الصيد أيضاً ، فيتحد مع خير عبد الرحمن مورداً
، وحينئذ يتعارضان. والجمع بينهما بحمل الخبر على ما إذا لم يأذن له المولى ـ كما
عن الشيخ وغيره ـ بعيد جداً ، فإنه لا يصح إحرامه بدون الاذن ، وظاهر السؤال فرض
صحة الإحرام.
ثمَّ بناء على
التعارض يتعين الأخذ بالصحيح ، فإن الثاني وان كان صحيحاً أيضاً ـ فقد رواه الشيخ
بإسناده عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن الحسين ، عن عبد
الرحمن. واسناد الشيخ الى سعد صحيح ، ومحمد بن الحسن ثقة ، لأن الظاهر أنه الصفار.
وكذا محمد بن الحسين لأن الظاهر أنه ابن أبي الخطاب ، وعبد الرحمن ثقة أيضاً ـ لكن
صحيح حريز لما كان موافقاً لصحيحه الآخر ـ الذي رواه المشايخ الثلاثة بأسانيدهم
المختلفة الصحيحة ـ كان أرجح من الآخر من باب الترجيح بما وافق الكتاب ، بناء على
أن المراد منه : الكتاب بالمعنى الأعم من الكتاب والسنة. ولا سيما وقد قال في
المنتقى : « وربما ينظر في رفع التعارض هنا إلى أن طريق الخبر الثاني لا ينهض
لمقاومة الأول ، باعتبار وقوع نوع اضطراب فيه ، مع غرابته. فان المعهود من رواية
سعد عن محمد بن الحسين أن تكون بلا واسطة ورواية محمد بن الحسين عن ابن أبي نجران
غير معروفة. وفي بعض نسخ
__________________
لكون الكفارة في
الصيد على مولاه ـ على هذه الصورة.
( مسألة ٥ ) : إذا أفسد المملوك
المأذون حجه بالجماع قبل المشعر فكالحر في وجوب الإتمام والقضاء [١]. وأما البدنة
ففي كونها عليه ، أو على مولاه ، فالظاهر أن حالها حال سائر الكفارات على ما مر
[٢]. وقد مر أن الأقوى كونها على المولى الآذن له في الإحرام. وهل يجب على المولى
تمكينه من
______________________________________________________
التهذيب : سعد بن
عبد الله عن محمد بن الحسين .. ». وأورده العلامة في المنتهى بهذه الصورة ،
والغرابة منتفية معه. ونحوه ما ذكره الكاظمي في مشتركاته. وهذا المقدار ربما
يستوجب قلة في الوثوق.
ثمَّ إنه إن كان
إشكال في ترجيح أو تخيير فهو في الصيد ، أما في غيره من الجنايات فلا إشكال في
لزوم الرجوع الى صحيح حريز المثبت للفداء على السيد ، إذ لا معارض له في ذلك.
اللهم إلا أن يستشكل فيه : باحتمال كونه هو صحيحه الآخر ـ الذي رواه في الاستبصار
المعارض بصحيح ابن أبي نجران. لكن هذا الاحتمال ضعيف ، بعد روايته في الفقيه
والكافي والتهذيب بالمتن المذكور ، فان كان إشكال فهو في المتن الآخر المروي في
الاستبصار ، الوارد في الصيد بالخصوص. وحينئذ لا يكون معارضاً لصحيح ابن أبي نجران
فيه ، فيخصص به صحيح حريز. لكن الاحتمال المذكور خلاف الأصل المعول عليه ،
المقتضي لكونهما خبرين متباينين.
[١] الظاهر أنه لا
إشكال فيه ، لعموم الأدلة له كعمومها للحر.
[٢] إذ لا دليل
فيها بالخصوص ، فيتعين الرجوع الى الصحيح ـ الذي رواه المشايخ الثلاثة ـ الذي يثبت
الفداء على السيد ، إذ لا معارض له في ذلك ، كما عرفت.
القضاء ، لأن
الاذن في الشيء إذن في لوازمه ، أولا ، لأنه من سوء اختياره؟ قولان ، أقواهما
الأول [١]. سواء قلنا : أن القضاء هو حجه ، أو أنه عقوبة ، وأن حجه هو الأول. هذا
إذا أفسد حجه ولم ينعتق ، وأما إن أفسده بما ذكر ثمَّ انعتق ، فان انعتق قبل
المشعر كان حاله حال الحر [٢] في
______________________________________________________
[١] كما عن الخلاف
، والمبسوط ، والسرائر. وفي الجواهر : « لعل الأقوى الثاني .. » معللا له بما في
المتن : من أن القضاء عقوبة دخلت عليه بسوء اختياره ، فلا يكون لازماً للمأذون فيه.
وفي كشف اللثام
وجه الأول : بأن القضاء ينص عليه قول الصادق (ع) في صحيح حريز . ثمَّ قال : « بل
الاذن فيه عين الاذن في القضاء بناء على كونه الفرض ، وأن الاذن إنما يفتقر اليه
فيما لم يجب على المملوك والقضاء وجب عليه ، فهو كقضاء الصلاة والصوم وأدائهما. ».
ويشكل : بأن صحيح حريز مختص بما يمكن أن يكون على السيد ، ولا يشمل القضاء والاذن
في الحج لا يشمل الاذن في القضاء في المقام وإن قلنا أنه الفرض. ولذا لا إشكال في
جواز عدول السيد عن الاذن قبل الشروع في المأذون فيه وجواز العدول هنا محل إشكال.
فالكلام ليس في تحقق الاذن وفي مقام الإثبات بل في اعتبار الاذن وفي مقام الثبوت.
والوجوب على المملوك وإن كان مقتضى عموم الأدلة ، لكنه مزاحم بما دل على عدم جواز
التصرف في مال الغير بغير إذنه ـ كما سبق ـ فيكون من موارد اجتماع الأمر والنهي.
[٢] الظاهر أنه لا
إشكال في عموم الحكم بوجوب الإتمام والحج في القابل للحر والعبد. كما لا إشكال في
عموم الحكم للحج الواجب والمستحب. والخلاف في أن الأولى فرضه والثانية عقوبة ـ وبالعكس
ـ ليس خلافاً في
__________________
وجوب الإتمام والقضاء
والبدنة ، وكونه مجزياً عن حجة الإسلام إذا أتى بالقضاء [١] ، على القولين : من
كون الإتمام عقوبة وأن حجه هو القضاء ، أو كون القضاء عقوبة. بل على هذا إن لم يأت
بالقضاء أيضاً أتى بحجة الإسلام ، وإن كان عاصياً في ترك القضاء. وإن انعتق بعد
المشعر فكما ذكر ، إلا أنه لا يجزيه عن حجة الإسلام [٢] ، فيجب عليه بعد ذلك إن
استطاع. وإن كان مستطيعاً فعلاً ، ففي وجوب تقديم حجة الإسلام ، أو القضاء وجهان
[٣] ، مبنيان على أن القضاء
______________________________________________________
العموم للنفل ، بل
هو مختص بما إذا كان الأول فرضاً ، فلو كان الأول نفلا ـ كما في العبد ـ وجب فيه
الإتمام والحج من قابل أيضاً.
[١] قد يشكل عموم
دليل الاجزاء عن حجة الإسلام لصورة ما إذا أفسده ثمَّ انعتق قبل المشعر ـ بناء على
أن الإتمام عقوبة ـ فإن الفاسد لا يشمله الدليل الدال على الاجزاء. وفيه : أن
الظاهر من الأدلة إلحاق الحرية في الأثناء ـ قبل أحد الموقفين ـ بالحرية من أول
الأمر ، فإذا كان مثل هذا الحج الفاسد مع الفعل ثانياً مجزياً عن حج الإسلام في
الحر من أول الأمر ، كان مجزياً عنه في الحر قبل أحد الموقفين.
وبالجملة : هذا
الاشكال خلاف إطلاق الأدلة. ولذلك صرح بالتعميم الجماعة. قال في الذخيرة : « ولو
أعتقه المولى في الفاسد قبل الوقوف بالمشعر يتم حجه ، وقضى في القابل ، وأجزأه عن
حجة الإسلام. سواء قلنا أن الأولى حجة الإسلام أم الثانية .. ». ونحوه في الجواهر
وغيرها.
[٢] لما تقدم.
[٣] بل قولان ،
حكي أولهما عن الخلاف والمبسوط. وفي كشف
فوري أو لا ، فعلى
الأول يقدم لسبق سببه. وعلى الثاني تقدم حجة الإسلام لفوريتها دون القضاء.
______________________________________________________
اللثام : « كأنه
للإجماع ، والنص على فوريتها ، دون القضاء .. ». ثمَّ قال : « والأظهر عندي تقديم
القضاء ، لسبق سببه ، وعدم الاستطاعة لحجة الإسلام إلا بعده .. ». وفي الجواهر : «
قلت : وهو كذلك مع فورية القضاء ، بل ومع عدمها في وجه .. ». أقول : سبق السبب لا
يوجب ترجيح أحد المتزاحمين على الآخر.
والذي ينبغي أن
يقال : الاستطاعة المفروضة ، تارة : يكون صرفها في الحج موجباً للعجز عن الحج
ثانياً. وأخرى : لا يوجب. فعلى الأولى تنتفي الاستطاعة بوجوب القضاء. وحينئذ لا
يجب عليه حج الإسلام ، وإن قلنا بعدم فورية القضاء. وعلى الثاني يجب حج الإسلام ،
إن لم نقل بفورية القضاء. أما إن قلنا بها فاللازم وجوب القضاء وعدم وجوب حج
الإسلام لانتفاء الاستطاعة بلزوم المبادرة ، كما سيأتي ـ إن شاء الله ـ من أن وجوب
الواجب إذا كان مانعاً عن القدرة كان رافعاً للاستطاعة ، فينتفي وجوب الحج
الإسلامي. نعم لو لم نقل بذلك ، تزاحم وجوب الحج الإسلامي ووجوب القضاء. وحينئذ لا
يبعد ترجيح الأول ، لما في المعتبر والمنتهى : من أن الفورية في الحج الإسلامي أأكد.
ولو لم يتم ذلك يتخير بينهما. لكن المبني المذكور ضعيف ، فان حج الإسلام لا يزاحم
غيره من الواجبات الفورية ، كما سيأتي إن شاء الله.
ثمَّ إنه على فرض
وجوب حج الإسلام عليه مع القضاء ، وعلى وجوب تقديم الأولى ، لو خالف وبدأ بحجة
القضاء. قال الشيخ ـ على ما حكاه في المعتبر وغيره ـ : انعقد عن حجة الإسلام ،
وكان القضاء في ذمته. قال : « ولو قلنا لم يجز عن واحدة منهما كان قوياً .. ». وفي
القواعد جزم
( مسألة ٦ ) : لا فرق فيما ذكر ـ من عدم وجوب الحج على المملوك ، وعدم صحته إلا بإذن مولاه
، وعدم إجزائه عن حجة الإسلام إلا إذا انعتق قبل المشعر ـ بين القن ، والمدبر ،
والمكاتب ، وأم الولد ، والمبعض [١]. إلا إذا هاياه مولاه ، وكانت نوبته كافية ،
مع عدم كون السفر خطرياً [٢] فإنه يصح منه بلا إذن [٣]. لكن لا يجب ، ولا يجزيه
حينئذ عن حجة الإسلام وإن كان مستطيعاً ، لأنه لم يخرج عن كونه مملوكاً. وإن كان يمكن
دعوى الانصراف عن هذه الصورة. فمن الغريب ما في الجواهر ، من قوله : « ومن الغريب
: ما ظنه بعض الناس ، من وجوب حجة الإسلام عليه
______________________________________________________
بالثاني. وعلله في
كشف اللثام بقوله : « أما القضاء فلكونه قبل وقته. وأما حجة الإسلام فلأنه لم
ينوها .. ». وفيه : أن لزوم تقديم الحج ليس توقيتاً للقضاء ، بل ترجيحاً له عليه.
والمسألة من صغريات مسألة الضدين المتزاحمين إذا كان أحدهما أهم ، فاللازم إجراء
حكمها عليها ، فاذا قلنا بصحة فعل المهم ـ كما هو التحقيق ـ قلنا به هنا.
[١] كما نص على
ذلك غير واحد ، مرسلين له إرسال المسلمات ، وفي ظاهر بعض العبارات : نسبته إلى
الأصحاب. وقد تقدم في بعض النصوص التعرض لأم الولد.
[٢] يعني : السفر
من الميقات إلى مكة. أما السفر من المنزل الى الميقات فلو كان خطرياً لم يقدح في
صحة الحج ، لكونه خارجاً عنه.
[٣] كما ذكره غير
واحد ، من غير تعرض لخلاف فيه. ويقتضيه إطلاق الأدلة.
في هذا الحال ،
ضرورة منافاته للإجماع المحكي عن المسلمين ، الذي يشهد له التتبع على اشتراط
الحرية ، المعلوم عدمها في المبعض .. ». إذ لا غرابة فيه ، بعد إمكان دعوى
الانصراف [١]. مع أن في أوقات نوبته يجري عليه جميع آثار الحرية [٢].
______________________________________________________
[١] أقول : لا
ينبغي التأمل في أن المبعض لا يصدق عليه الحر. ولا العبد ، كما أشار إلى ذلك في
الجواهر في عبارته المحكية. وعلى هذا إذا نظرنا إلى الأدلة اللفظية كان مقتضاها
وجوب الحج على المبعض ، لأن الإطلاقات إنما قيدت بما ورد في العبد ، فاذا كان
المبعض لا يصدق عليه أنه عبد لم يدخل في المقيدات ، ويتعين الرجوع فيه إلى إطلاقات
الوجوب. وإذا نظرنا إلى الأدلة اللبية كان مقتضاها عدم وجوب الحج ، لأن المقيدات
اللبية اشتملت على عنوان الحر ، فكانت معاقد الإجماعات اشتراط الحرية في الوجوب ،
فاذا كان الحر لا يصدق على المبعض ، فقد انتفى شرط الوجوب فيه ، فانتفى الوجوب.
وصاحب الجواهر نظر
إلى المقيدات اللبية. ولا مجال للإشكال عليه بدعوى الانصراف ، لما ذكره من العلم
بعدم انطباق الحر على المبعض. وحينئذ لا معنى للانصراف ، فضلاً عن دعواه. اللهم
إلا أن يكون مقصود المصنف من الانصراف انصراف مرادهم من شرط الحرية إلى شرط عدم
الرقية. لكن ـ على تقديره ـ فالدعوى ضعيفة ، لما عرفت من تنصيصهم على حكم المبعض ،
وأنه كالقن في الأحكام ، كما عرفت.
[٢] هذا وإن كان
مقتضى القواعد العامة ، التي عرفت أن مقتضاها اختصاص أحكام العبد بغير المبعض ،
لكن لا مجال للأخذ بها ، بعد بناء الأصحاب على خلافها ، وإلا فلا وجه للتخصيص بحال
نوبته. والذي يظهر منهم في حكم المهاياة : أن الخروج عن أحكام العبد فيه يختص
بمنافعه في
( مسألة ٧ ) : إذا أمر المولى مملوكه بالحج وجب عليه طاعته [١] ، وإن لم يكن مجزياً عن حجة
الإسلام ، كما إذا آجره للنيابة عن غيره. فإنه لا فرق بين إجارته للخياطة أو
الكتابة ، وبين إجارته للحج أو الصلاة أو الصوم.
الثالث :
الاستطاعة من حيث المال ، وصحة البدن وقوته ، وتخلية السرب وسلامته ، وسعة الوقت
وكفايته. بالإجماع ، والكتاب ، والسنة [٢].
______________________________________________________
أوقات نوبته ،
فتكون له بناء على ملكه ، أو مختصة به بناء على عدم ملكه. وعلى كلا القولين يستقل
بالتصرف في نفسه حينئذ. وأما أنه يستقل بالتصرف في ماله كيف شاء ، مع عدم إذن
المولى المستفادة من المهاياة فغير ظاهر ، فضلا عن جريان أحكام الحر ، من المواريث
، وأن له أن ينكح ، أو يطلق أو يعتق ، أو يهب ، أو غير ذلك من أحكام الحر. بل
الظاهر بقاء أحكام الرق عليه من الجهات المذكورة وغيرها. ولا بد من مراجعة كلماتهم
في كتاب العتق في المبعض. فراجع.
[١] الظاهر أنه لا
إشكال فيه. ويقتضيه دليل الملكية ، فإن المنافع إذا كانت مملوكة وجب تسليمها إلى المالك
بالمطالبة. والتسليم يحصل بالفعل والمطاوعة ، فكما تجب مطاوعة الحر الأجير
للمستأجر إذا استأجره على عمل لأنه بالإجارة ملك عليه العمل ، كذلك في المقام ، بل
هنا أولى.
[٢] قال في
الجواهر : « بإجماع المسلمين ، والنص في الكتاب المبين والمتواتر من سنة سيد المرسلين
(ص). بل لعل ذلك من ضروريات الدين كأصل وجوب الحج. وحينئذ فلو حج بلا استطاعة لم
يجزه عن حجة الإسلام لو استطاع بعد ذلك قطعاً .. ».
( مسألة ١ ) : لا خلاف ولا إشكال في عدم كفاية القدرة العقلية في وجوب الحج
، بل يشترط فيه الاستطاعة الشرعية. وهي ـ كما في جملة من الأخبار ـ [١] : الزاد والراحلة ، فمع عدمهما لا يجب وإن كان قادراً عليه
عقلاً ، بالاكتساب ونحوه. وهل يكون اشتراط وجود الراحلة مختصاً بصورة الحاجة إليها
ـ لعدم قدرته على المشي ، أو كونه مشقة
______________________________________________________
[١] في صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (ع)
: « في قوله عز وجل : ( وَلِلّهِ
عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً
.. ) ما يعني بذلك؟ قال : من كان صحيحاً في
بدنه ، مخلى سربه ، له زاد وراحلة » . وفي
صحيح محمد بن يحيى الخثعمي ، قال : «
سأل حفص الكناسي أبا عبد الله (ع) ـ وأنا عنده ـ عن قول الله عز وجل ( وَلِلّهِ
عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً .. ) ما يعني
بذلك؟ قال : من كان صحيحاً في بدنه ، مخلى في سربه ، له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع
الحج. أو قال : ممن كان له مال. فقال له حفص الكناسي : فإذا كان صحيحاً في بدنه ،
مخلى في سربه ، له زاد وراحلة فلم يحج ، فهو ممن يستطيع الحج؟ قال (ع) : نعم » . وفي
خبر السكوني : «
ويحك ، إنما يعني بالاستطاعة : الزاد والراحلة ، ليس استطاعة البدن » . ونحوها غيرها ، مما هو
كثير. وحكي في الجواهر : الإجماع على مضمونها عن الناصريات ، والغنية ، والمنتهى ،
والتذكرة.
__________________
عليه ، أو منافياً
لشرفه ـ أو يشترط مطلقاً ولو مع عدم الحاجة إليه؟ مقتضى إطلاق الأخبار ،
والإجماعات المنقولة : الثاني. وذهب جماعة من المتأخرين إلى الأول [١] ،
______________________________________________________
[١] قال في
المستند : « وهل اشتراط الراحلة مختص بصورة الاحتياج إليها ـ لعدم القدرة على
المشي ، أو للمشقة مطلقاً ، أو الشديدة منها وإن كان قادراً على المشي ، أو
لمنافاة المشي لشأنه وشرفه ، ونحو ذلك ـ أو يعم جميع الصور ، وإن تساوى عنده المشي
والركوب سهولة وشرفاً وضعة؟ ظاهر المنتهى : الأول ، حيث اشترط الراحلة للمحتاج
إليها ، وهو ظاهر الذخيرة والمدارك ، وصريح المفاتيح وشرحه ، ونسبه في الأخير إلى
الشهيدين بل التذكرة. بل يمكن استفادته من كلام جماعة قيدوها بالاحتياج والافتقار
.. ».
أقول : الظاهر أن
وجه النسبة إلى ظاهر المنتهى : ما ذكره في الفرع الثاني ، من قوله : « وإنما يشترط
الزاد والراحلة في حق المحتاج إليهما لبعد مسافته. أما القريب فيكفيه اليسير من
الأجرة بنسبة حاجته ، والمكي لا تعتبر الراحلة في حقه ، ويكفيه التمكن من المشي ..
». وفي المدارك ـ بعد ما حكى ذلك عنه ـ قال : « ونحوه قال في التذكرة ، وصرح بأن
القريب إلى مكة لا يعتبر في حقه وجود الراحلة إذا لم يكن محتاجاً إليها. وهو جيد ،
لكن في تحديد القرب الموجب لذلك خفاء ، والرجوع إلى اعتبار المشقة وعدمها جيد. إلا
أن اللازم منه عدم اعتبار الراحلة في حق البعيد أيضاً إذا تمكن من المشي من غير
مشقة شديدة ، ولا نعلم به قائلا .. ». ومن ذلك تعرف وجه النسبة إلى التذكرة
والمدارك ، والمظنون أن الوجه في نسبة ذلك الى الشهيدين وغيرهما هو ذلك. لكن الفرق
بين مورد كلامهم وبين ما نحن فيه ـ وهو البعيد ـ ظاهر ، كما تقدم من المدارك.
فلاحظ. والمظنون قوياً
لجملة من الأخبار
المصرحة بالوجوب إن أطاق المشي بعضاً أو كلاً [١] ، بدعوى : أن مقتضى الجمع بينها
وبين الأخبار
______________________________________________________
صحة ما ذكره في
المدارك من عدم القائل ، فإن كان إشكال فهو في الدليل لا في الحكم. نعم ظاهر
الوسائل : العمل بالأخبار الآتية. حاملا لها على غير المشقة الزائدة.
[١] كصحيح معاوية بن عمار : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل عليه
دين. أعليه أن يحج؟ قال (ع) : نعم ، إن حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من
المسلمين. ولقد كان أكثر من حج مع النبي (ص) مشاة. ولقد مر رسول الله (ص) بكراع
الغميم فشكوا اليه الجهد والعناء فقال : شدوا أزركم واستبطنوا ، ففعلوا ذلك ، فذهب
عنهم » وخبر
أبي بصير « قلت لأبي
عبد الله (ع) : قول الله عز وجل : ( وَلِلّهِ عَلَى
النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً .. ) فقال : يخرج
ويمشي إن لم يكن عنده. قلت : لا يقدر على المشي. قال : يمشي ويركب. قلت : لا يقدر
على ذلك ـ أعني : المشي ـ قال (ع) : يخدم القوم ويمشي معهم » وصحيح محمد بن مسلم : « قلت لأبي جعفر (ع) : فان عرض عليه
الحج فاستحيا. قال : هو ممن يستطيع الحج. ولم يستحيي ولو على حمار أجدع أبتر؟ فإن
كان يستطيع أن يمشي بعضاً ويركب بعضاً فليفعل » ، ومصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ـ في
حديث ـ قال : «
قلت له : فان عرض عليه ما يحج به فاستحيا من ذلك ، أهو ممن يستطيع اليه سبيلا؟ قال
: نعم ، ما شأنه يستحيي ولو يحج على حمار أجدع أبتر؟! فإن كان يطيق أن يمشي بعضاً
ويركب بعضاً فليحج » .
__________________
الأول حملها على
صورة الحاجة [١]. مع أنها منزلة على الغالب [٢] ، بل انصرافها إليها. والأقوى هو
القول الثاني ، لإعراض المشهور عن هذه الأخبار ، مع كونها بمرأى منهم ومسمع [٣] ،
فاللازم طرحها ، أو حملها على بعض المحامل ، كالحمل على الحج المندوب [٤] ، وإن
كان بعيداً عن سياقها [٥]. مع أنها مفسرة للاستطاعة في الآية الشريفة [٦] ، وحمل
الآية على القدر المشترك بين الوجوب والندب [٧] بعيد [٨]. أو حملها على من استقر
عليه حجة الإسلام سابقاً [٩] ، وهو
______________________________________________________
[١] فان ذلك جمع
عرفي من قبيل الجمع بين المطلق والمقيد ، فإن أخبار القول الأول مطلقة من حيث
الحاجة وعدمها ، والثانية مقيدة بعدم الحاجة.
[٢] فإنه حينئذ
يكون حمل المطلق على المقيد أسهل من غيره من موارد حمل المطلق على المقيد ، التي
لا يكون الباقي بعد التقييد غالباً.
[٣] فإن إعراضهم
عن النصوص المذكورة ـ مع صحة السند ، وكثرة العدد ، وكون الجمع العرفي بينها وبين
غيرها سهلا كما عرفت ، وبناءهم على ارتكابه في سائر المقامات ـ يدل على خلل في
الدلالة ، أو في جهة الحكم.
[٤] كما عن الشيخ (ره).
[٥] فان استنكار
الاستحياء يناسب الوجوب. وكذا قوله (ع) في
الصحيح الأول : «
إن حجة الإسلام .. ».
[٦] إذ من المعلوم
أن الحكم في الآية للوجوب.
[٧] هذا الجمل
ذكره في الجواهر.
[٨] فإنه لا يناسب
قوله تعالى فيها : ( وَمَنْ كَفَرَ .. ).
[٩] هذا الحمل ذكر
في كشف اللثام.
أيضاً بعيد [١] ،
أو نحو ذلك [٢]. وكيف كان فالأقوى ما ذكرنا ، وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط
بالعمل بالأخبار المزبورة ، خصوصاً بالنسبة الى من لا فرق عنده بين المشي والركوب
، أو يكون المشي أسهل لانصراف الأخبار الأول عن هذه الصورة [٣]. بل لو لا
الإجماعات المنقولة والشهرة لكان هذا القول في غاية القوة [٤].
______________________________________________________
[١] بل هو لا مجال
له في الصحيح الأول الذي ذكر فيه من حج مع النبي (ص) ، فإنهم لم يستقر عليهم الحج
، وكانت سنة حجهم أول سنة استطاعتهم.
[٢] مثل الحمل على
التقية ، كما ذكره الشيخ. ولعله أقرب المحامل.
[٣] الظاهر أن
منشأ الانصراف هو الغلبة ، ولذا لم يكن معتداً به عند المصنف ولا عند غيره.
[٤] لما عرفت : من
أنه مقتضى الجمع العرفي. لكن الإنصاف أن التأمل في نصوص الاحتمال الثاني يقتضي
البناء على الوجوب ، حتى مع المشقة الشديدة ، أما صحيح
معاوية فلما يظهر من قوله (ع) فيه : «
ولقد كان أكثر من حج .. ( إلى أن قال ) : فشكوا
اليه الجهد والعناء .. ». وأما خبر أبي بصير : « يخرج ويمشي إن لم يكن عنده .. » فالظاهر منه أنه إذا لم يكن عنده ما يحج به يخرج ويمشي إلى
أن قال فيه : « يخدم القوم
ويمشي معهم ». وكل ذلك ظاهر في
الوجوب مع المشقة اللازمة ، من فقده ما يحتاج اليه ، والمهانة اللازمة من الخدمة.
وأما صحيح ابن مسلم فيظهر ذلك من قوله
(ع) فيه : «
ولو على حمار أجدع أبتر » فإن المهانة اللازمة من ذلك ظاهرة. ونحوه مصحح الحلبي. وعلى هذا يشكل الجمع
المذكور ، ولا بد حينئذ أن يكون الجمع ، بحمل الأخبار الأول على
( مسألة ٢ ) : لا فرق في اشتراط وجود الراحلة بين القريب والبعيد ، حتى بالنسبة إلى أهل مكة
[١] ، لإطلاق الأدلة. فما عن جماعة : من عدم اشتراطه بالنسبة إليهم لا وجه له [٢].
______________________________________________________
صورة العجز حتى مع
المشقة والوقوع في المهانة. وهذا الجمع من أبعد البعيد ، لأنه يلزم منه حمل المطلق
على الفرد النادر. وحينئذ تكون النصوص متعارضة لا تقبل الجمع العرفي ، ولا بد من
الرجوع الى المرجحات إن كانت وإلا فالتخيير. ولا ريب أن الترجيح مع النصوص الأول ،
لموافقتها ما دل على نفي العسر والحرج ، ومخالفة الثانية لا يقال : النصوص
الأول مخالفة أيضاً لإطلاق الكتاب. لأنه يقال : إطلاق الكتاب لا مجال للأخذ به بعد
أن كان محكوماً لأدلة نفي العسر والحرج ، فموافقته لا تجدي في الترجيح
[١] نسبه في كشف
اللثام إلى إطلاق الأكثر.
[٢] قال في
الشرائع : « وهما ـ يعني : الزاد والراحلة ـ يعتبران في من يفتقر الى قطع المسافة
.. ». وفي المسالك في شرحه : « احترز بالمفتقر إلى قطع المسافة عن أهل مكة وما
قاربها ، ممن يمكنه السعي من غير راحلة ، بحيث لا يشق عليه عادة ، فإن الراحلة
حينئذ غير شرط .. ». وفي الجواهر ـ بعد ذكر ذلك ـ قال : « بل لا أجد فيه خلافاً ،
بل في
__________________
( مسألة ٣ ) : لا يشترط وجودهما عيناً عنده ، بل يكفي وجود ما يمكن صرفه في تحصيلهما من
المال [١]. من غير فرق بين النقود والأملاك ، من البساتين والدكاكين والخانات
ونحوها. ولا يشترط إمكان حمل الزاد معه ، بل يكفي إمكان
______________________________________________________
المدارك : نسبته
إلى الأصحاب ، مشعراً بدعوى الإجماع عليه .. ». وكلمات الجماعة مختلفة ، فبعضها
اقتصر فيه على أهل مكة وبعضها ذكر فيه أهل مكة وما قاربها. وكيف كان فدليل هذا
الاستثناء : عدم دخول المستثنى في دليل اعتبار الزاد والراحلة ، لانصرافه إلى
المسافة التي يعدان لها عادة ، فلا يشمل غيرها. وهو غير بعيد. ومن ذلك يظهر أنه لا
وجه لما ذكره المصنف : من أنه لا وجه له. نعم ما حكي عن المخالفين : من اشتراط
مسافة القصر لا وجه له ، وكذا ما قاربها. بل لا يبعد ذلك في مثل الفرسخ ، فضلا عما
زاد عليه مما لا يبلغ مسافة التقصير ، فان ذلك كله مما يعد له الراحلة.
وفي كشف اللثام :
« وقطع الشيخ في المبسوط ، والمحقق ، والمصنف في التحرير والتذكرة والمنتهى بعدم
اشتراط الراحلة للمكي ، ويعطيه كلامه هنا. ويقوى عندي اعتبارها للمضي الى عرفات ،
وإلى أدنى الحل ، والعود .. ». أقول : اعتبارهما للمضي الى عرفات لا دليل عليه ،
لاختصاص الآية الشريفة بالسفر إلى البيت الشريف ، والاستطاعة الشرعية معتبرة في
ذلك ، ولا دليل على اعتبارها في السفر الى عرفات ، فاللازم الرجوع فيه إلى القواعد
المقتضية للاعتبار مع الحاجة وعدمه مع عدمها ، ككثير من الأمور الآتية. ومن ذلك
يظهر الحكم في الخروج إلى أدنى الحل للإحرام للحج أو للعمرة.
[١] كما في
التذكرة وغيرها. وهو مما لا إشكال فيه ، وينبغي عده من الضروريات ، فان مقتضي
الجمود على ما تحت قوله
(ع) : « له زاد
تحصيله في المنازل
بقدر الحاجة ، ومع عدمه فيها يجب حمله مع الإمكان ، من غير فرق بين
علف الدابة وغيره [١]. ومع عدمه يسقط الوجوب.
( مسألة ٤ ) : المراد بالزاد هنا : المأكول ، والمشروب وسائر ما يحتاج اليه المسافر ، من
الأوعية التي يتوقف عليها حمل المحتاج اليه ، وجميع ضروريات ذلك السفر [٢]. بحسب
______________________________________________________
وراحلة
» وإن كان هو اعتبار وجودهما عيناً ، لكن المراد منه ما ذكر
ويقتضيه قوله (ع) : « ما يحج به » .
[١] قال في
التذكرة : « وإن كان يجد الزاد في كل منزل لم يلزمه حمله ، وإن لم يجده كذلك لزمه
حمله. وأما الماء وعلف البهائم ، فإن كان يوجد في المنازل التي ينزلها على حسب
العادة فلا كلام ، وإن لم يوجد لم يلزمه حمله من بلده ، ولا من أقرب البلدان إلى
مكة ـ كأطراف الشام ونحوها ـ لما فيه من عظم المشقة ، وعدم جريان العادة به. ولا
يتمكن من حمل الماء لدوابه في جميع الطريق ، والطعام بخلاف ذلك .. ». وفي المنتهى
ذكر خلاف ذلك ، فقال : « وأما الماء وعلف البهائم فإن كانت توجد في المنازل التي
ينزلها على حسب العادة لم يجب عليه حملها ، وإلا وجب مع المكنة ، ومع عدمها يسقط
الفرض .. ». وما في المنتهى أوفق بالقواعد ، كما نص عليه غير واحد. وما في التذكرة
منقول عن الشيخ (ره) ولعل مراده صورة المشقة ، كما علله بذلك في التذكرة. لكنه غير
مطرد ، لاختلاف المقامات في ذلك.
[٢] قال في
التذكرة : « فالزاد ـ الذي يشترط القدرة عليه ـ : هو
__________________
حاله : قوة وضعفاً
، وزمانه : حراً وبرداً ، وشأنه : شرفاً وضعة. والمراد بالراحلة : مطلق ما يركب ،
ولو مثل سفينة في طريق البحر. واللازم وجود ما يناسب حاله بحسب القوة والضعف. بل
الظاهر اعتباره من حيث الضعة والشرف ، كماً وكيفاً [١]. فاذا كان من شأنه ركوب
المحمل أو الكنيسة ،
______________________________________________________
ما يحتاج إليه في
ذهابه وعوده ، من مأكول ، ومشروب ، وكسوة .. ( إلى أن قال في المسألة اللاحقة ) :
كما تعتبر قدرته على المطعوم والمشروب ، والتمكن من حمله من بلده ، كذا تعتبر
قدرته على الآلات والأوعية التي يحتاج إليها ، كالغرائر ونحوها ، وأوعية الماء من
القرب وغيرها ، وجميع ما يحتاج اليه كالسفرة وشبهها ، لأنه مما لا يستغنى عنه ،
فأشبه علف البهائم .. ». ونحوه كلام غيره. والوجه فيه ظاهر ، لدخوله تحت قوله (ع) : « ما يحج به ». ولعموم نفي العسر
والحرج. وحينئذ لا بد أن تكون الحاجة على نحو يلزم الحرج بالفقدان.
[١] كما يظهر من
الشرائع ، حيث قال : « والمراد بالراحلة : راحلة مثله .. ». ونحوه في القواعد. لكن
في كشف. اللثام قال في شرحها : « قوة وضعفاً ، لا شرفاً وضعة. لعموم الآية.
والأخبار وخصوص قول الصادق (ع)
في صحيح أبي بصير : «
من عرض عليه الحج ـ ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب ـ فأبى فهو مستطيع للحج » . ونحوه أخبار أخر. ولأنهم (ع)
ركبوا الحمير والزوامل .. ». وفي المدارك جعله الأصح ، وحكى عن الدروس : القطع به
، لما ذكر. وفي الجواهر قال : « إلا أن الانصاف عدم خلوه عن الاشكال مع النقص في
حقه ، إذ فيه من العسر والحرج ما لا يخفي. وحجهم (ع) لعله كان في زمان لا نقص
__________________
بحيث يعد ما
دونهما نقصاً عليه ، يشترط في الوجوب القدرة عليه ، ولا يكفي ما دونه ، وإن كانت
الآية والأخبار مطلقة. وذلك لحكومة قاعدة نفي العسر والحرج على الإطلاقات
[١].
______________________________________________________
فيه في ركوب مثل
ذلك .. ». أقول : لا يظن إمكان الالتزام بأنهم (ع) كانوا يوقعون أنفسهم في المهانة
التي تكون حرجية. كما أنه لم يعلم وقوع ذلك منهم في حج الإسلام على نحو لم يكونوا
مستطيعين إلا بذلك. وأما ما في صحيح أبي بصير ، فقد عرفت أنه معارض بغيره مما يجب
تقديمه عليه.
[١] هذه الحكومة
إنما تقتضي نفي الوجوب ، ولا تقتضي نفي المشروعية والكلام في الثاني. والفرق بينه
وبين الأول في جملة من الأحكام ظاهر ، منها : أنه إذا أقدم المكلف على ما فيه
العسر والحرج كان مقتضى الجمع ـ بين دليل نفي الحرج والإطلاقات الدالة على الوجوب
ـ هو الصحة والاجزاء عن حج الإسلام ، فعدم الاجزاء عن حج الإسلام حينئذ يحتاج الى
دليل آخر. اللهم إلا أن يستفاد مما دل على أن الاستطاعة : السعة في المال ، أو
اليسار في المال فإنه لا يصدق مع العسر. ففي
رواية أبي الربيع الشامي : «
فقيل له : فما السبيل؟ قال : السعة في المال » ، وفي رواية عبد الرحيم القصير عن أبي عبد
الله (ع) ، الواردة في تفسير آية الحج ، قال (ع) : « ذلك : القوة في المال واليسار. قال :
فان كانوا موسرين ، فهم ممن يستطيع؟ قال (ع) : نعم » ، وموثق أبي بصير قال : « سمعت أبا عبد
الله (ع) يقول : من
مات وهو صحيح موسر لم يحج فهو ممن قال الله عز وجل : ( وَنَحْشُرُهُ
يَوْمَ الْقِيامَةِ
.. ) . ونحوها غيرها. وسيأتي ـ إن
شاء الله ـ التعرض لذلك.
__________________
نعم إذا لم يكن
بحد الحرج وجب معه الحج. وعليه يحمل ما في بعض الأخبار : من وجوبه ولو على حمار
أجدع مقطوع الذنب [١].
(
مسألة ٥ ) : إذا لم يكن عنده
الزاد ولكن كان كسوباً يمكنه تحصيله بالكسب في الطريق لأكله وشربه وغيرهما من بعض
حوائجه ، هل يجب عليه أولا؟ الأقوى عدمه [٢] ، وإن كان أحوط.
______________________________________________________
[١] ظاهر ما في
هذا البعض : خصوص صورة الحرج والمشقة والمهانة التي يصعب الاقدام عليها ، فلا مجال
لحمله على ما ذكر.
[٢] لعدم تحقق
الاستطاعة الفعلية. خلافاً للمستند ، قال فيه : « ولو لم يجد الزاد ولكن كان
كسوباً يتمكن من الاكتساب في الطريق لكل يوم قدر ما يكفيه ، وظن إمكانه ، بجريان
العادة عليه من غير مشقة ، وجب الحج لصدق الاستطاعة. وعن التذكرة : سقوطه إن كان
السفر طويلاً لما في الجمع بين الكسب والسفر من المشقة. ولإمكان انقطاعه من الكسب
وهو منازعة لفظية ، لأن المفروض إمكان الجمع ، وجريان العادة بعدم الانقطاع ، وإلا
فالزاد أيضاً قد يسرق .. ».
لكن المذكور في
التذكرة في بيان الشق الثاني : « وإن كان السفر قصيراً ، فان كان تكسبه في كل يوم
بقدر كفاية ذلك اليوم من غير فضل لم يلزمه الحج ، لأنه قد ينقطع عن كسبه في أيام
الحج فيتضرر. وإن كان كسبه في كل يوم يكفيه لأيامه لم يلزمه الحج أيضاً للمشقة.
ولأنه غير واجد لشرط الحج. وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني الوجوب. وبه قال مالك
مطلقاً .. ». ومقتضاه عدم الفرق بين السفر الطويل والقصير
( مسألة ٦ ) : إنما يعتبر الاستطاعة من مكانه لا من بلده ، فالعراقي إذا استطاع وهو في
الشام وجب عليه ، وإن لم يكن عنده بقدر الاستطاعة من العراق [١]. بل لو مشى إلى ما
قبل الميقات متسكعاً ، أو لحاجة أخرى من تجارة أو غيرها ، وكان له هناك ما يمكن أن
يحج به وجب عليه. بل لو أحرم متسكعاً فاستطاع ، وكان أمامه ميقات آخر ، أمكن
______________________________________________________
في سقوط الوجوب
لاشتراك الجميع في ما ذكره أخيراً : من أنه غير واجد لشرط الحج ـ وهو الاستطاعة
الفعلية ـ كما عرفت. وأما التعليل بالمشقة فالظاهر أنه كان جرياً على مذاق
المخالفين.
[١] قال في
المدارك : « ولا يعتبر في الاستطاعة حصولها من البلد فلو اتفق كون المكلف في غير
بلده ، واستطاع للحج فالعود الى بلده ، وجب عليه الحج قطعاً .. ». ونحوه في المستند
، وحكاه عن الذخيرة. وبعض المتأخرين في المدارك وغيرها استدل له ـ مضافاً الى صدق
الاستطاعة ـ : بصحيح معاوية
بن عمار ، قال : «
قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يمر مجتازاً ـ يريد اليمن أو غيرها من البلدان
وطريقه بمكة ، فيدرك الناس وهم يخرجون إلى الحج ، فيخرج معهم الى المشاهد ، فيجزيه
ذلك عن حجة الإسلام؟ قال (ع) : نعم » . لكن دلالة هذا الصحيح غير ظاهرة إذ الظاهر منه كون جهة
السؤال عدم قصد الحج من البلد ، لا عدم تحقق الاستطاعة منه. فالعمدة : العمومات
الدالة على الوجوب على المستطيع. وحكى في المدارك عن الشهيد الثاني : أن من أقام
في غير بلده إنما يجب عليه الحج إذا كان مستطيعاً من بلده. إلا أن تكون إقامته في
الثانية على وجه الدوام ، أو مع انتقال الفرض ، كالمجاور بمكة بعد السنين. وضعفه
__________________
أن يقال بالوجوب
عليه ، وإن كان لا يخلو عن إشكال [١].
( مسألة ٧ ) : إذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة ولم يوجد سقط الوجوب. ولو وجد ولم
يوجد شريك للشق الآخر ، فان لم يتمكن من أجرة الشقين سقط أيضاً ، وإن تمكن فالظاهر
الوجوب ، لصدق الاستطاعة. فلا وجه لما عن للعلامة : من التوقف فيه ، لأن بذل المال.
له خسران لا مقابل له [٢].
______________________________________________________
مما ذكر ظاهر. ومن
ذلك تعرف وجه الحكم في الفرع الآتي.
[١] لأنه بعد أن
كان إحرامه لغير حج الإسلام لغير حج الإسلام صحيحاً ، فوجوب حج الإسلام ـ ومنه
الإحرام ـ يتوقف على بطلان إحرامه ، أو إبطاله ، أو العدول به ، وكلها خلاف الأصل.
والعدول عن عمرة التمتع إلى حج الافراد ـ لضيق الوقت ، أو لعذر آخر ـ وكذلك العدول
عن الافراد إلى التمتع في بعض المقامات ، وإن ثبت بالدليل ، لكنه لا يشمل المقام.
وعلى تقدير الشمول فلا يختص بما إذا كان أمامه ميقات آخر وبالجملة : سيجيء ـ إن
شاء الله تعالى ـ أنه لا يجوز لمن أنشأ إحراماً لنسك أن ينشئ إحراماً آخر إلا بعد
تحلله من إحرامه السابق.
[٢] قال في
التذكرة : « الفرع الثالث : إذا وجد شق محمل ، ووجد شريكاً يجلس في الجانب الآخر
لزمه الحج ، فان لم يجد الشريك ، ولم يتمكن إلا من مئونة الشق سقط عنه الحج ، مع
حاجته الى المحمل. وإن تمكن من المحمل بتمامه احتمل وجوب الحج لأنه مستطيع ، وعدمه
لأن بذل الزيادة خسران لا مقابل له .. ». وجه الاشكال عليه : أن ذلك لا يمنع من
صدق الاستطاعة التي هي شرط الوجوب ، فيجب حينئذ البذل
نعم لو كان بذله
مجحفاً ومضراً بحاله لم يجب [١] ، كما هو الحال في شراء ماء الوضوء.
( مسألة ٨ ) : غلاء أسعار ما يحتاج اليه ، أو أجرة المركوب في تلك السنة لا يوجب السقوط [٢]
، ولا يجوز التأخير عن تلك السنة مع تمكنه من القيمة. بل وكذا لو توقف على الشراء
بأزيد من ثمن المثل والقيمة المتعارفة. بل وكذا لو توقف على بيع أملاكه بأقل من
ثمن المثل ، لعدم وجود راغب في القيمة المتعارفة. فما عن الشيخ : من سقوط الوجوب
ضعيف [٣].
______________________________________________________
وإن لم يكن
مقابلاً بشيء ، ليترتب عليه الواجب.
[١] لعموم دليل
الحرج ، كما سيأتي.
[٢] كما هو
المشهور شهرة عظيمة ، ولا سيما بين المتأخرين ، كذا في الجواهر. ويقتضيه إطلاق
أدلة الوجوب ، بعد صدق الاستطاعة. وحكى في الشرائع قولاً بالسقوط إذا كان الشراء
بأزيد من ثمن المثل ، ونسبه في الجواهر وغيرها إلى الشيخ. للضرر ، وللسقوط مع
الخوف على المال. والفرق : بأن العوض هنا على الناس وهناك على الله تعالى ضعيف. وفيه
: أن دليل نفي الضرر مخصص بأدلة الوجوب ، وإن توقف على بذل المال. وحمله على غير
مثل المقام تقييد من غير مقيد. وسيأتي وجه الفرق بين المقام وبين الخوف على المال.
فانتظر.
[٣] لما عرفت. وفي
بعض الحواشي على المتن : أنه لا يبعد السقوط إذا كانت زيادة الثمن اقتراحاً من
البائع أو المشتري ، لا لترقي السعر وتنزله وكأنه : لجريان قاعدة الضرر في الأول
دون الثاني ، ولذلك استدل الأصحاب
نعم لو كان الضرر
مجحفاً بماله مضراً بحاله لم يجب [١] ، وإلا فمطلق الضرر لا يرفع الوجوب ، بعد صدق
الاستطاعة وشمول الأدلة. فالمناط هو الإجحاف والوصول إلى حد الحرج الرافع للتكليف.
( مسألة ٩ ) : لا يكفي في وجوب الحج وجود نفقة الذهاب فقط ، بل يشترط وجود نفقة العود إلى
وطنه إن أراده ، وإن لم يكن له فيه أهل ولا مسكن مملوك ولو
______________________________________________________
بقاعدة نفي الضرر
على خيار الغبن. وفيه : ما عرفت من أن أدلة الوجوب على المستطيع لما كانت متضمنة
لصرف المال كانت أخص من أدلة نفي الضرر ، فتكون مخصصة لها. وما اشتهر وتحقق : من
أن أدلة نفي الضرر حاكمة على الأدلة ، فذلك يختص بالأدلة المطلقة التي لها فردان
ضرري وغير ضرري ، فتحكم عليها وتخرج الفرد الضرري عنها ، وليس من ذلك أدلة وجوب
الحج على المستطيع.
ودعوى : أنه لا
ضرر مالي في شراء الشيء بقيمة مثله ، أو استئجار الشيء بأجرة مثله ، لأن المال
المبذول كان بإزائه ما يساويه بحسب القيمة فلم يرد عليه نقص مالي ، فلا ضرر. بخلاف
شراء الشيء بأكثر من قيمته فإنه نقص في المالية ، فيكون ضرراً منفياً. مندفعة :
بأن شراء الشيء بقيمته وصرفه فيما لا يحتاج اليه المكلف ، أو تركه حتى يذهب لنفسه
ويضيع عليه ضرر عليه ، فوجوبه تكليف بالضرر ، فيكون منفياً. لو لا ما عرفت من أن
الدليل على الوجوب أخص ، فيجب العمل به.
[١] على وجه يكون
حرجاً على المكلف ، إذ حينئذ يكون منفياً بأدلة نفي الحرج ، كما أشار إليه المصنف.
بالإجارة [١].
للحرج في التكليف بالإقامة في غير وطنه المألوف له. نعم إذا لم يرد العود [٢] ، أو
كان وحيداً لا تعلق له بوطن ، لم يعتبر وجود نفقة العود. لإطلاق الآية والأخبار في
كفاية وجود نفقة الذهاب. وإذا أراد السكنى في بلد آخر غير وطنه لا بد من وجود
النفقة إليه إذا لم يكن أبعد من وطنه ، وإلا فالظاهر كفاية مقدار العود إلى وطنه
[٣].
( مسألة ١٠ ) : قد عرفت أنه لا يشترط وجود أعيان ما يحتاج إليه
______________________________________________________
[١] قال في
الشرائع : « والمراد بالزاد : قدر الكفاية من القوت والمشروب ، ذهاباً وعوداً .. ».
وقال في المدارك : « إطلاق العبارة وغيرها يقتضي اعتبار قدر الكفاية من الزاد
والراحلة ذهاباً وإياباً ، سواء كان له أهل وعشيرة يأوي إليهم أم لم يكن ، وسواء
كان له في بلده مسكن أم لا. وبهذا التعميم صرح في التذكرة والمنتهى ، محتجاً بأن
في التكليف بالإقامة في غير الوطن مشقة شديدة وحرجاً عظيماً ، فيكون منفياً. وهو
حسن في صورة تحقق المشقة لذلك ، أما مع انتفائها ـ كما إذا كان وحيداً لا تعلق له
بوطن ، أو كان له وطن ولا يريد العود اليه ـ فيحتمل قوياً عدم اعتبار كفاية العود
في حقه ، تمسكاً بإطلاق الأمر ، السالم من معارضة الحرج .. ».
[٢] أو أراد العود
اليه ، لكن ترك العود لا يوجب حرجاً عليه.
[٣] إذا كان
الخروج للحج موجباً للذهاب إلى بلد أبعد من بلده ، على نحو لو لم يذهب اليه يقع في
الحرج ـ مثل ما إذا كان يسكن داراً غير مملوكة في بلده قد أباح له المالك سكناها ،
فاذا خرج الى الحج ارتفعت الإباحة فحينئذ يضطر الى الذهاب الى بلد آخر أبعد من
بلده ـ فاللازم اعتبار الكفاية إلى ذلك البلد.
ما يحتاج إليه في
نفقة الحج من الزاد والراحلة ، ولا وجود أثمانها من النقود ، بل يجب عليه بيع ما
عنده من الأموال لشرائها. لكن يستثنى من ذلك ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه ، فلا
تباع دار سكناه اللائقة بحاله [١] ، ولا خادمه المحتاج اليه ، ولا ثياب تجمله اللائقة بحاله
ـ فضلاً عن ثياب مهنته ـ ولا أثاث بيته من الفراش والأواني وغيرهما مما هو محل
حاجته ، بل ولا حلي المرأة مع حاجتها بالمقدار اللائق بها بحسب حالها في زمانها
ومكانها ، ولا كتب العلم لأهله التي لا بد له منها فيما يجب تحصيله [٢]. لأن
الضرورة الدينية أعظم من الدنيوية ، ولا آلات الصنائع المحتاج إليها في معاشه ،
ولا فرس ركوبه مع الحاجة اليه ، ولا سلاحه ، ولا سائر ما يحتاج اليه. لاستلزام
التكليف بصرفها في الحج العسر والحرج [٣]. ولا يعتبر فيها الحاجة الفعلية. فلا وجه
لما عن كشف اللثام : من أن فرسه إن كان صالحاً لركوبه في طريق الحج فهو من
______________________________________________________
[١] ادعى جماعة
الإجماع على ذلك ، وكذا في الخادم. واستدل له بدليل نفي العسر والحرج. وعليه فيكون
المدار في الأمور المذكورة في كلام المصنف وغيره هو ذلك.
[٢] أو فيما يحتاج
إليه في معاشه ، فيكون مثل آلات الصناع.
[٣] قد عرفت أن
الأدلة المذكورة وإن كانت نافية للتكليف لكنها غير نافية للملاك ، فلا تقتضي
البطلان لو تكلف المكلف الفعل. لكن سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ التعرض لذلك ،
وتقدم إمكان الاستفادة مما دل على اعتبار اليسر أو السعة في المال ، غير الصادقين
مع الحرج والعسر.
للراحلة ، وإلا
فهو في مسيره إلى الحج لا يفتقر اليه بل يفتقر الى غيره ، ولا دليل على عدم وجوب
بيعه حينئذ [١]. كما لا وجه لما عن الدروس : من التوقف في استثناء ما يضطر اليه ،
من أمتعة المنزل ، والسلاح ، وآلات الصنائع [٢]. فالأقوى استثناء جميع ما يحتاج
إليه في معاشه ، مما يكون إيجاب بيعه مستلزماً للعسر والحرج. نعم لو زادت أعيان
المذكورات عن مقدار الحاجة وجب بيع الزائد في نفقة الحج [٣]. وكذا لو استغنى عنها
بعد الحاجة ، كما في حلي المرأة إذا كبرت عنه ونحوه.
( مسألة ١١ ) : لو كان بيده دار موقوفة تكفيه لسكناه ، وكان عنده دار مملوكة ، فالظاهر وجوب
بيع المملوكة [٤] إذا كانت وافية لمصارف الحج ، أو متممة لها. وكذا في الكتب
المحتاج إليها إذا كان عنده من الموقوفة مقدار كفايته ،
______________________________________________________
[١] فإنه ـ بعد أن
نقل عن التذكرة الإجماع على استثناء فرس الركوب ـ قال : « ولا أرى له وجهاً ، فان
فرسه .. إلى آخر قوله :
بل يفتقر إلى غيره
.. ». وجه الاشكال عليه : أن افتقاره إلى غيره في سفر الحج لا ينافي الافتقار إلى
بقائه عنده ، بحيث لو باعه وقع في الحرج عند الرجوع.
[٢] قال في الدروس
: « فروع ثلاثة : الأول : في استثناء ما يضطر اليه ، من أمتعة المنزل ، والسلاح ،
وآلات الصنائع نظر .. ».
[٣] قطعاً ، كما
في الدروس وعن غيرها. لإطلاق الوجوب من غير مقيد. ومنه يعلم الوجه فيما بعده.
[٤] وفي الدروس :
« ولا يجب بيعها لو كان يعتاض عنها بالوقوف
فيجب بيع المملوكة
منها. وكذا الحال في سائر المستثنيات إذا ارتفعت حاجته فيها بغير المملوكة. لصدق
الاستطاعة حينئذ إذا لم يكن ذلك منافياً لشأنه ، ولم يكن عليه حرج في ذلك. نعم لو
لم تكن موجودة ، وأمكنه تحصيلها لم يجب عليه ذلك [١] ، فلا يجب بيع ما عنده وفي
ملكه. والفرق : عدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة ، بخلاف الصورة الأولى. إلا إذا
حصلت بلا سعي منه ، أو حصلها مع عدم وجوبه ، فإنه بعد التحصيل يكون كالحاصل أولاً.
( مسألة ١٢ ) : لو لم تكن المستثنيات زائدة عن اللائق بحاله بحسب عينها ، لكن كانت زائدة
بحسب القيمة ، وأمكن تبديلها بما يكون أقل قيمة مع كونه لائقاً بحاله أيضاً ، فهل
يجب التبديل للصرف في نفقة الحج أو لتتميمها؟ قولان [٢] ، من صدق الاستطاعة ، ومن
عدم زيادة العين عن مقدار الحاجة ،
______________________________________________________
العامة وشبهها
قطعاً .. » ، وفي الجواهر : « الأقوى عدم وجوب بيعها لو كان يمكنه الاعتياض عنها
بالأوقاف العامة وشبهها .. ». ولعل مرادهما صورة ما إذا كان الاعتياض منافياً
لشأنه ، أو كان فيه حرج. وإلا فلا وجه ظاهر لما ذكراه ، فإنه خلاف إطلاق الأدلة ،
كما أشار إليه في المتن.
[١] لأن تحصيلها
تحصيل للاستطاعة ، وهو غير واجب.
[٢] الأول :
الوجوب ، اختاره في الدروس. قال : « لو غلت هذه المستثنيات ، وأمكن الحج بثمنها
والاعتياض عنها ، فالظاهر الوجوب. ». ووافقه عليه في الجواهر ، حاكياً عن التذكرة
والمسالك وغيرهما التصريح
والأصل عدم وجوب
التبديل. والأقوى الأول إذا لم يكن فيه حرج أو نقص عليه [١] ، وكانت الزيادة
معتداً بها ، كما إذا كانت له دار تسوى مائة ، وأمكن تبديلها بما يسوى خمسين ، مع
كونه لائقاً بحاله من غير عسر ، فإنه يصدق الاستطاعة. نعم لو كانت الزيادة قليلة
جداً بحيث لا يعتنى بها ، أمكن دعوى عدم الوجوب [٢] ، وإن كان الأحوط التبديل
أيضاً.
( مسألة ١٣ ) : إذا لم يكن عنده من الأعيان المستثنيات لكن كان عنده ما يمكن شراؤها به من
النقود أو نحوها ، ففي جواز شرائها وترك الحج إشكال. بل الأقوى عدم جوازه ،
______________________________________________________
به. قال في
الجواهر : « لما عرفت ، من أن الوجه في استثنائها الحرج ونحوه ، مما لا يأتي في
الفرض ، لا النص كي يتمسك بإطلاقه .. ». والقول الثاني للكركي ، على ما في الجواهر
، واحتمله في كشف اللثام. قال : « ويحتمل العدم كالكفارة ، لأن أعيانها لا تزيد
على الحاجة ، والأصل عدم وجوب الاعتياض ، وقد يوجب الحرج العظيم .. ». والاشكال
عليه ظاهر مما في المتن ، لأن محل الكلام صورة عدم الحرج. والأصل لا يعارض الإطلاق
المقتضي للوجوب. وكون الأعيان لا تزيد على الحاجة إنما يصح التعليل به لو كان دليل
لفظي يدل على استثنائها ، والمفروض عدمه ، كما أشار إليه في الجواهر. اللهم إلا أن
يقال : إن دليل اعتبار الزاد والراحلة منصرف عن الأعيان المحتاج إليها ، والمفروض
أنها منها. لكن هذا الانصراف غير ظاهر.
[١] إذ لم يرجع
النقص إلى الحرج فلا دليل على استثنائه.
[٢] كأنه لانصراف
الدليل.
إلا أن يكون عدمها
موجباً للحرج عليه ، فالمدار في ذلك هو الحرج وعدمه [١]. وحينئذ فإن كانت موجودة
عنده لا يجب بيعها إلا مع عدم الحاجة ، وإن لم تكن موجودة لا يجوز شراؤها إلا مع
لزوم الحرج في تركه. ولو كانت موجودة وباعها بقصد التبديل بآخر لم يجب صرف ثمنها
في الحج ، فحكم ثمنها حكمها. ولو باعها لا بقصد التبديل وجب ـ بعد البيع ـ صرف
ثمنها في الحج ، إلا مع الضرورة إليها على حد الحرج في عدمها [٢].
( مسألة ١٤ ) : إذا كان عنده مقدار ما يكفيه للحج ،
______________________________________________________
[١] فإن المسألتين
من باب واحد ، إذ إطلاق وجوب الحج على من له زاد وراحلة كما يشمل من له الأعيان
المحتاج إليها ، ويكون مخصصاً بدليل نفي الحرج ، يشمل من كان محتاجا إليها وكان له
مال يمكن شراؤها به ، فإنه أيضاً يكون مخصصاً بدليل نفي الحرج. نعم قد تفترق
المسألتان باعتبار أن البيع لما عنده أصعب من عدم شراء ما ليس عنده في نظر العقلاء.
ولا سيما إذا جرت عادته على استعماله ، بحيث يكون ترك استعماله صعباً عليه لصعوبة
ترك العادة ، وحينئذ قد يحصل الحرج في البيع ولا يحصل الحرج في ترك الشراء. ولعله
إلى ذلك نظر من فرق بين المسألتين.
ثمَّ إن الشهيد (ره)
في الدروس قال : « لو لم تكن له هذه المستثنيات ، وملك ما لا يستطيع به صرف فيها ،
ولا يجب عليه الحج .. » والجمع بينه وبين ما ذكره سابقاً في الفرع الأول غير ظاهر
، إذ الحكم باستثناء الأثمان يستوجب الحكم باستثناء الأعيان بالطريق الأولى.
[٢] ظاهره الفرق
بين البيع بقصد التبديل وعدمه ، مع أنه لا فرق
ونازعته نفسه إلى
النكاح ، صرح جماعة [١] بوجوب الحج وتقديمه على التزويج ، بل قال بعضهم : وإن شق
عليه ترك التزويج [٢]. والأقوى ـ وفاقاً لجماعة أخرى ـ عدم وجوبه ، مع كون ترك
التزويج حرجاً عليه ، أو موجباً لحدوث مرض [٣].
______________________________________________________
بينهما ، فإنه مع
الضرورة إليها لا يجب صرف ثمنها في الحج مطلقاً ، ومع عدم الضرورة يجب صرف ثمنها
في الحج مطلقا أيضا. اللهم إلا أن يقال : إذا باع لا بقصد التبديل فقد أقدم على
الحرج ، ومع الاقدام على الحرج لا مجال لتطبيق دليل نفي الحرج. وفيه : أنه أقدم
على الحرج على أن تكون أثمانها باقية عنده ، لا مطلقاً ، فوجوب الحج حينئذ تكليف
حرجي بلا إقدام من المكلف عليه. مع أنه بناء على ذلك لا يكون وجه لقوله : « إلا مع
الضرورة ». فاذاً عبارة المتن لا تخلو من تشويش.
[١] منهم : المحقق
في الشرائع ، والعلامة في القواعد والمنتهى ، وحكاه في كشف اللثام عن الخلاف
والمبسوط.
[٢] صرح بذلك في
الشرائع والقواعد ، مستدلين على ذلك : بأن الحج مع الاستطاعة واجب ، والنكاح مندوب
، والمندوب لا يعارض الواجب.
[٣] قال في الدروس
: « أما النكاح ـ تزويجاً أو تسرياً ـ فالحج مقدم عليه وإن شق تركه. إلا مع
الضرورة الشديدة .. » ونحوه ما في المنتهى وعن التحرير ، مع التعبير بالمشقة
العظيمة.
أقول : لا ينبغي
التأمل في عدم الاستطاعة حينئذ ، لما دل على نفي العسر والحرج ، كما في الموارد
المتقدمة في المسائل السابقة. ولعل مراد القائلين بالجواز غير هذه الصورة وإن
صرحوا بالمشقة ، لاحتمال أن يكون المراد من المشقة المشقة اليسيرة ، كما يظهر ذلك
من ملاحظة ما في الدروس. وإلا فلو كان المراد منها الحرج لم يكن وجه للفرق بين
الشديدة وغيرها.
أو للوقوع في
الزنى ، ونحوه [١]. نعم لو كانت عنده زوجة واجبة النفقة ولم يكن له حاجة فيها ، لا
يجب أن يطلقها ويصرف مقدار نفقتها في تتميم مصرف الحج ، لعدم صدق الاستطاعة عرفاً
[٢].
( مسألة ١٥ ) : إذا لم يكن عنده ما يحج به ، ولكن كان له دين على شخص بمقدار مئونته أو بما
تتم به مئونته ، فاللازم اقتضاؤه وصرفه في الحج إذا كان الدين حالاً ، وكان
المديون باذلاً ، لصدق الاستطاعة حينئذ [٣]. وكذا إذا كان مما طلا
______________________________________________________
وكيف كان فالحكم ـ
كما ذكر في المتن ـ إن بلغ ترك التزويج حد الحرج انتفت الاستطاعة ، وإلا فهو
مستطيع ، ويجب عليه الحج.
[١] كما في
المدارك. والأول مانع من جهة أن الإضرار بالنفس حرام ، فيرجع الى الثاني. والمنع
فيهما حينئذ مبني على أن أدلة الواجبات والمحرمات رافعة لموضوع الاستطاعة ، فيرتفع
الوجوب. وسيأتي التعرض لذلك في بعض المسائل ، فانتظر.
[٢] كما يأتي في
المسألة اللاحقة.
[٣] قد عرفت أن
الاستطاعة ـ التي أخذت شرطاً للوجوب ـ قد فسرت بالنصوص : بأن يكون له زاد وراحلة ،
أو أن يكون له ما يحج به. ومقتضى إطلاقها وجوب الحج بمجرد أن يكون له مال ، سواء
كان ممنوعاً من التصرف فيه أم لا. لكن المفهوم من جملة أخرى من النصوص : اعتبار
القدرة الفعلية على المال ، شرعية وعرفية ، ففي
صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « قال : قال الله تعالى : ( وَلِلّهِ
عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ... ) قال (ع) : هذه لمن كان
______________________________________________________
عنده
مال وصحة .. ( إلى أن قال
) (ع) : إذا هو يجد ما يحج
به » وفي
صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إذا
قدر الرجل على ما يحج به ، ثمَّ دفع ذلك وليس له شغل يعذره به ، فقد ترك شريعة من
شرائع الإسلام » ، وفي
خبر علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله (ع) : « أنه قال : من قدر على ما يحج به ، وجعل يدفع ذلك
وليس له عنه شغل يعذره الله تعالى فيه حتى جاء الموت ، فقد ضيع شريعة من شرائع
الإسلام » . وعلى هذا فالمعتبر في الوجوب أمران : الأول : أن يملك
الزاد والراحلة. الثاني : أن يكون قادراً على ذلك قدرة فعلية ، فاذا انتفى الأول
ولكن كان قادراً عليه كان قادراً على الاستطاعة لا مستطيعاً ، وإذا كان مالكاً ولم
يكن قادراً عليه قدرة فعلية لكن كان قادراً على تحصيل القدرة الفعلية أيضاً لا
يكون مستطيعاً بل يكون قادراً عليها.
ومن ذلك يظهر
الاشكال فيما إذا كان المديون مما طلاً ، وتوقف استنقاذ الدين على الاستعانة
بالحاكم الجائر أو الحاكم الشرعي أو غيرهما ، فإنه مع المماطلة لا قدرة فعلية. نعم
القدرة على الاستعانة بالمذكورين قدرة على تحصيل الاستطاعة ، فلا يجب معها الحج ،
كما أشار إلى ذلك بعض الأعاظم في حاشيته.
لكن قال في
الشرائع : « لو كان له دين ، وهو قادر على اقتضائه وجب عليه .. ». وفي الجواهر : «
لأنه مستطيع بذلك. وإن كان قد يقوى في النظر عدمها مع التوقف على حاكم الجور ،
للنهي عن الركون اليه والاستعانة به ، وإن حملناه على الكراهة مع التوقف عليه ،
ترجيحاً لما دل على
__________________
وأمكن إجباره
بإعانة متسلط ، أو كان منكراً وأمكن إثباته عند الحاكم الشرعي وأخذه بلا كلفة وحرج.
بل وكذا إذا توقف استيفاؤه على الرجوع إلى حاكم الجور ـ بناء على ما هو الأقوى من
جواز الرجوع اليه مع توقف استيفاء الحق عليه ـ لأنه حينئذ يكون واجباً بعد صدق الاستطاعة
، لكونه مقدمة للواجب المطلق. وكذا لو كان الدين مؤجلاً ، وكان المديون باذلاً قبل
الأجل لو طالبه. ومنع صاحب الجواهر الوجوب حينئذ ، بدعوى : عدم صدق الاستطاعة. محل
منع [١].
______________________________________________________
الجواز ـ بالمعنى
الشامل للوجوب ـ من دليل المقدمة وغيره. ومثله لا تتحقق معه الاستطاعة ، بعد فرض
أن الجواز المزبور كان بعد ملاحظة المعارضة بين ما دل على المنع وما دل على خلافه
، من المقدمة وغيرها .. ». وما ذكره غير ظاهر ، إلا إذا لم نقل بجواز الرجوع إلى
الجائر ، إذ حينئذ يكون دليل المنع رافعاً للاستطاعة ، فلا وجوب كي يزاحم حرمة
الرجوع. أما إذا قلنا بالجواز اعتماداً على أدلة الجواز ، مع انحصار استنقاذ الحق
به ، فحينئذ لا رافع للاستطاعة كي يرتفع الوجوب. فالعمدة في وجه عدم الوجوب ما
ذكرنا. ولأجله لا فرق بين حاكم الجور وحاكم العدل.
[١] قال : « ولو
كان مؤجلاً ، وبذله المديون قبل الأجل ، ففي كشف اللثام : وجب الأخذ ، لأنه بثبوته
في الذمة وبذل المديون له بمنزلة المأخوذ ، وصدق الاستطاعة ، ووجدان الزاد
والراحلة عرفاً بذلك. وفيه : أنه يمكن منع ذلك كله .. »
أقول : الظاهر أن
محل كلامه صورة ما إذا بذل المديون الدين بلا مطالبة ، ولا توقف على المطالبة ،
وفي هذه الصورة لا ينبغي التأمل في
وأما لو كان
المديون معسراً أو مما طلاً لا يمكن إجباره ، أو منكراً للدين ولم يمكن إثباته ،
أو كان الترافع مستلزماً للحرج أو كان الدين مؤجلاً مع عدم كون المديون باذلاً فلا
يجب [١]. بل الظاهر عدم الوجوب لو لم يكن واثقاً ببذله مع المطالبة [٢].
______________________________________________________
صدق الاستطاعة ،
لأنه مالك للزاد والراحلة ، وقادر بالبذل. ودعوى : أنه متبرع بالبذل ، فلا يجب على
الدائن قبوله ، نظير الهبة التي لا يجب على المتهب قبولها. فيها : أن في الهبة
يكون الملك موقوفاً على الهبة ، والهبة موقوفة على القبول ، وهو غير واجب ، إذ لا
موجب له. وهنا الملك حاصل بالفعل ، غاية الأمر أن المديون له التأخير إلى الأجل ،
فإذا بذل وجب على الدائن القبول. نعم لا يجب عليه القبول إذا كان التأجيل شرطاً له
لا للمديون خاصة. لكن إذا لم يكن مانع من جهة المديون تحققت القدرة الفعلية ، وحينئذ
لا يجوز له التأجيل وإن كان شرطاً له. ومن ذلك يظهر لك الاشكال فيما في حاشية بعض
الأعاظم على المقام. فلاحظ.
وأما إذا كان
البذل موقوفاً على المطالبة ، فلم يتعرض له في الجواهر. والحكم فيه ـ بناء على ما
ذكرنا ـ عدم الوجوب ، لأنه لا يستحق على المديون بذل الدين الذي به تتحقق
الاستطاعة ، والمفروض أنه يتوقف على المطالبة فتكون الاستطاعة موقوفة على المطالبة
، فالوجوب موقوف عليها ، فلا يقتضي وجوبها ، نظير ما لو توقف البذل المجاني على
المطالبة.
[١] قال في
المدارك : « ومتى امتنع الاقتضاء ، إما لتأجيل الدين ، أو لكونه على جاحد ولم يكن
له سواه ، لم يجب عليه الحج لأن الاستطاعة غير حاصلة .. ». ونحوه كلام غيره. هذا
إذا لم تمكن الاستدانة ، وأما إذا أمكنت فسيأتي الكلام فيه في المسألة الآتية.
[٢] مقتضي قاعدة
الشك في التكليف وإن كان ما ذكر ، لكن بناءهم
( مسألة ١٦ ) : لا يجب الاقتراض للحج إذا لم يكن له مال ، وإن كان قادراً على وفائه بعد ذلك
بسهولة ، لأنه تحصيل للاستطاعة [١] ، وهو غير واجب. نعم لو كان له مال غائب لا
يمكن صرفه في الحج فعلاً ، أو مال حاضر لا راغب في شرائه ، أو دين مؤجل لا يكون
المديون باذلاً له قبل الأجل ، وأمكنه الاستقراض والصرف في الحج ثمَّ وفاؤه بعد
ذلك فالظاهر وجوبه [٢] ، لصدق الاستطاعة حينئذ
______________________________________________________
في المقام على
الاحتياط ، نظير الشك في القدرة في سائر الواجبات المطلقة. ومن هنا كان بناءهم على
وجوب السفر إلى الحج وان لم يكن واثقاً بالسلامة ولا بالصحة ، ولا بسلامة ماله.
فتأمل.
[١] هذا غير ظاهر
، لأن الاستدانة لا توجب الاستطاعة كلية ، كما يأتي.
[٢] قال في
المدارك ـ بعد عبارته السابقة ـ : « ولا تجب الاستدانة. ويحتمل قوياً : الوجوب إذا
كان بحيث يمكنه الاقتضاء بعد الحج ، كما إذا كان عنده مال لا يمكنه الحج به .. ».
وفيه : ما عرفت من أن القدرة على المال ، وكونه عنده شرط في الاستطاعة ، وفي الفرض
منتفية. وأما ما ذكره من المثال ، فان كان المراد منه عدم إمكان صرف عينه في الحج
ـ كما هو الغالب ـ فالفرق بينه وبين ما نحن فيه ظاهر ، فان المال المذكور تحت قدرة
المكلف. غاية الأمر : أنه لا يمكن صرف عينه في سبيل الحج ، ولا يعتبر ذلك إجماعاً
، كما تقدم. وأما إذا كان المراد صورة ما إذا لم يمكن التصرف فيه ولو ببدله ، كما
إذا لم يمكن بيعه لعدم حصول راغب فيه ، فوجوب الاستدانة لوجوب الحج حينئذ غير ظاهر
، وإن جزم في الدروس بذلك. قال : « وتجب الاستدانة عيناً إذا تعذر بيع ماله وكان
وافياً
عرفاً. إلا إذا لم
يكن واثقاً بوصول الغائب أو حصول الدين بعد ذلك ، فحينئذ لا يجب الاستقراض ، لعدم
صدق الاستطاعة في هذه الصورة.
( مسألة ١٧ ) : إذا كان عنده ما
يكفيه للحج ، وكان عليه دين ، ففي كونه مانعاً عن وجوب الحج مطلقاً ـ سواء كان
حالاً مطالباً به أولا ، أو كونه مؤجلاً ـ أو عدم كونه مانعاً إلا مع الحلول
والمطالبة ، أو كونه مانعاً إلا مع التأجيل أو
______________________________________________________
بالقضاء .. ». وجه
الاشكال فيه : أنه مع تعذر البيع يصدق أنه ليس عنده ما يحج به ، ولو ببدله ونحوه ،
فكيف يكون مستطيعاً حينئذ؟
ومن ذلك يظهر
الاشكال فيما ذكره في المتن في المال الحاضر الذي لا راغب في شرائه ، وفي الدين
المؤجل الذي لا يكون المديون باذلاً له ، إذ في الموردين المذكورين لا قدرة على ما
يحج به ، وإن اختلفا في جهة أخرى ، فإن الدين ليست عينه تحت القدرة أصلاً ، والمال
الحاضر تحت القدرة ، لكنه لا يمكن الحج به من كل وجه. وأما المال الغائب فإن كان
تحت يده ـ ولو بتوسط وكيله ونحوه ـ فهو كالمال الحاضر ، إن أمكن تبديله ـ ببيع
ونحوه ـ كان به مستطيعاً وإلا فلا. وإن لم يكن تحت يده أصلاً ـ كما لو مات له مورث
في مكان بعيد عنه ـ فحاله حال المغصوب الذي لا يصدق أنه عنده وفي يده ، ولا يكون
به مستطيعاً حينئذ.
والمتحصل : أن
المستفاد من النصوص أنه يعتبر في الاستطاعة أمور : الملك للمال ، وكونه عنده ،
وكونه مما يمكن الاستعانة به على السفر. ويظهر الأول من قولهم (ع) : « أن يكون له
زاد وراحلة ». ويظهر
__________________
الحلول مع عدم
المطالبة ، أو كونه مانعاً إلا مع التأجيل وسعة الأجل للحج والعود أقوال [١].
والأقوى كونه مانعاً ، إلا
______________________________________________________
الثاني من قولهم (ع)
: « إذا قدر على ما يحج به » أو « كان عنده ما يحج به » أو « وجد ما يحج
به » . ويظهر الشرط الأخير من ذكر باء الاستعانة في قولهم (ع) : أن يكون عنده ما
يحج به. فاذا لم يكن له ملك فليس بمستطيع ، وإذا كان ولكن ليس عنده ـ كالعبد الآبق
، والدين المؤجل ـ فليس بمستطيع وإن أمكنه تبديله ، وإذا كان عنده ولكن لم يمكن
تبديله بنحو يستعين به في السفر ولو ببدله ـ كالمال المرهون والمال الحاضر الذي لا
يرغب أحد في شرائه ـ فليس بمستطيع.
[١] اختار الأول
في الشرائع. قال (ره) : « ولو كان له مال ، وعليه دين بقدره لم يجب إلا أن يفضل عن
دينه ما يقوم بالحج .. » وفي القواعد : « والمديون يجب عليه الحج إن فضل ماله عما
عليه ـ وإن كان مؤجلاً ـ بقدر الاستطاعة ، وإلا فلا .. ». وفي الدروس : « والمديون
ممنوع ، إلا أن يستطيع بعد قضائه ، مؤجلا كان أو حالا .. ». وفي المنتهى ـ بعد أن
صرح بالتعميم ـ استدل عليه بعدم تحقق الاستطاعة مع الحلول ، وتوجه الضرر مع
التأجيل.
واختار الثاني في
المدارك. قال في رد استدلال المنتهى : « ولمانع أن يمنع توجه الضرر في بعض الموارد
، كما إذا كان الدين مؤجلا ، أو حالا لكنه غير مطالب به وكان للمديون وجه للوفاء
بعد الحج. ومتى انتفى الضرر ، وحصل التمكن من الحج تحققت الاستطاعة المقتضية
للوجوب .. ».
__________________
مع التأجيل
والوثوق بالتمكن من أداء الدين إذا صرف ما عنده في الحج. وذلك لعدم صدق الاستطاعة
في غير هذه الصورة [١] ،
______________________________________________________
لكن اعتبر في
الحال غير المطالب به وجود وجه للوفاء بعد الحج. وأما الثالث فراجع الى الثاني ،
ولا ينبغي عده قولا مقابلا له. وأما الرابع فاختاره في كشف اللثام. قال : «
وللشافعية في المؤجل بأجل : وجه بالوجوب ، ولا يخلو من قوة ». وفي الجواهر : « هو
ـ يعني : القول بالوجوب ـ جيد في المؤجل ، دون الحال وإن لم يطالب به صاحبه ، الذي
قد خوطب المديون بوفائه قبل الخطاب بالحج. فتأمل ». قال في المستند : « ولم أعثر
للقدماء على قول في المسألة ، وكذا كثير من المتأخرين نعم تعرض لها جماعة منهم ،
وهم بين مصرح بعدم الوجوب إذا لم يفضل عن دينه نفقة الحج ، من غير تعرض للمعجل أو
المؤجل ـ كما في الجامع وبعض كتب الفاضل ـ ومصرح بعدمه مع التعجيل والتأجيل ـ كالمنتهى
والتحرير والدروس ـ وظاهر المدارك وكشف اللثام والذخيرة : التردد في بعض الصور.
وعن المحقق الأردبيلي : الوجوب. والظاهر أنه مذهب القدماء ، حيث لم يتعرضوا
لاشتراط الخلو عن الدين. وهو الحق ، لصدق الاستطاعة عرفاً. والمستفيضة المصرحة :
بأن الاستطاعة أن يكون له مال يحج به .. إلى أن قال : ولا شك أن من استدان مالا
على قدر الاستطاعة يكون ذلك ملكاً له ، فيصدق عليه أن عنده مالا ، وله ما يحج به
من المال. للاتفاق على أن ما يقرض ملك للمديون ، ولذا جعلوا من إيجاب صيغة القرض :
« ملكتك » ، وصرحوا بجواز بيعه وهبته وغير ذلك من أنحاء التصرف. والأخبار المتضمنة
لوجوب الحج على من عليه دين بقول مطلق .. ».
[١] هذا الاستدلال
لا يخلو من إجمال ، وكان الأولى التعرض لما يعتبر في الاستطاعة ، ليتضح حصوله في
المقام وعدمه. وقد عرفت سابقاً أن
وهي المناط في
الوجوب ، لا مجرد كونه مالكاً للمال [١]. وجواز التصرف فيه بأي وجه أراد ، وعدم
المطالبة في صورة الحلول أو الرضا بالتأخير لا ينفع في صدق الاستطاعة. نعم لا يبعد
الصدق إذا كان واثقاً بالتمكن من الأداء ، مع فعلية الرضا بالتأخير من الدائن.
والأخبار الدالة على جواز الحج لمن عليه دين [٢] لا تنفع في الوجوب ، وفي كونه حجة
الإسلام
______________________________________________________
الظاهر من روايتي
أبي الربيع وعبد الرحيم القصير : اعتبار السعة واليسار وهما غير حاصلين
مع الدين إذا لم يزد ما يحتاج إليه في الحج على ما يقابل الدين ، من غير فرق بين
المؤجل والحال ، مع المطالبة وبدونها. ومجرد القدرة بعد ذلك على الوفاء في المؤجل
وفي الحال مع الرضا بالتأخير ، غير كاف في صدق السعة واليسار فعلا. ومن ذلك يظهر
أن الأقوى ما ذكره في الشرائع وغيرها.
[١] هذا تعرض لما
في المستند ، وكذا ما بعده.
[٢] مثل صحيح معاوية بن وهب عن غير واحد : « قلت لأبي عبد الله (ع) : يكون علي
الدين ، فيقع في يدي الدراهم فان وزعتها بينهم لم يبق شيء ، أفأحج بها أو أوزعها
بين الغرماء؟ فقال (ع) : تحج بها ، وادع الله تعالى أن يقضي عنك دينك » . ونحوه صحيح الحسين بن
زياد العطار ودلالتها على الجواز بالمعنى الأعم الشامل للوجوب ظاهرة.
ولذلك يشكل الاستدلال بها ـ كما في المستند ـ على الوجوب ، فضلا عن كون الحج حج
الإسلام.
__________________
وأما صحيح معاوية بن عمار عن الصادق (ع) : « عن رجل عليه دين ، أعليه أن يحج؟ قال
: نعم ، إن حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين » ، وخبر
عبد الرحمن عنه (ع) : « أنه قال : الحج
واجب على الرجل وإن كان عليه دين » . فمحمولان على
الصورة التي ذكرنا [١]. أو على من استقر عليه الحج سابقاً. وإن كان لا يخلو من
إشكال ، كما سيظهر [٢]. فالأولى الحمل الأول [٣]. وأما ما يظهر من صاحب المستند
[٤] : من أن كلاّ من أداء الدين والحج واجب ، فاللازم ـ بعد عدم الترجيح ـ التخيير
بينهما في صورة الحلول مع المطالبة ، أو التأجيل مع عدم سعة الأجل للذهاب والعود ،
وتقديم الحج في صورة الحلول مع الرضا بالتأخير ، أو التأجيل مع سعة الأجل للحج
والعود ولو مع
______________________________________________________
[١] يعني : التي
اختار الوجوب فيها.
[٢] في آخر
المسألة.
[٣] بل هو بعيد.
وكان الأولى البناء على طرح هذه النصوص ، لمعارضتها بغيرها ، كما تقدم في مسألة :
اعتبار الزاد والراحلة في تحقق الاستطاعة
[٤] قال : «
فالوجه أن يقال : إن مع التعجيل أو عدم سعة الأجل هو مخير بين الحج ووفاء الدين ،
سواء علمت المطالبة أم لا. نعم لو علم رضا الدائن بالتأخير فلا يكون مأموراً
بالوفاء ، فيبقى خطاب الحج خالياً عن المعارض فيكون وجباً .. ».
__________________
عدم الوثوق
بالتمكن من أداء الدين بعد ذلك ، حيث لا يجب المبادرة إلى الأداء فيهما ، فيبقى
وجوب الحج بلا مزاحم. ففيه : أنه لا وجه للتخيير في الصورتين الأوليين ، ولا
لتعيين تقديم الحج في الأخيرتين ، بعد كون الوجوب ـ تخييراً أو تعييناً ـ مشروطاً بالاستطاعة
، الغير الصادقة في المقام. خصوصاً مع المطالبة وعدم الرضا بالتأخير [١]. مع أن التخيير فرع كون الواجبين مطلقين وفي عرض واحد ،
والمفروض أن وجوب أداء الدين مطلق ، بخلاف وجوب الحج فإنه مشروط بالاستطاعة
الشرعية. نعم لو استقر عليه وجوب الحج سابقاً فالظاهر التخيير ، لأنهما حينئذ في
عرض واحد. وإن كان يحتمل تقديم الدين إذا كان حالاً مع المطالبة أو مع عدم الرضا
بالتأخير ، لأهمية حق الناس من حق الله. لكنه ممنوع ، ولذا لو فرض كونهما عليه بعد
الموت يوزع المال عليهما ولا يقدم دين الناس [٢]. ويحتمل تقديم الأسبق منهما في
الوجوب.
______________________________________________________
[١] حاصل الاشكال
: أن التزاحم إنما يكون بين الواجبين المطلقين وفي المقام وجوب الحج مشروط
بالاستطاعة ، وهي منتفية مع وجوب وفاء الدين فيكون الوجوب المذكور وارداً على وجوب
الحج ، لا مزاحماً له.
[٢] يعني : أن
توزيع التركة على الحج والدين بعد الوفاة يدل على عدم الأهمية للدين ، وإلا لزم
تقدم الدين على الحج. وفي بعض الحواشي الإشكال على ذلك : بأن الدين والحج لما
تعلقا ـ بعد الموت ـ بأعيان التركة لم يبق لرعاية الأهمية موقع. وفيه : أنه إذا
كان الدين أهم كان اللازم أن لا يتعلق الحج بالتركة مع المزاحمة بالدين ، كما لم
يتعلق الميراث مع المزاحمة
______________________________________________________
للوصية ، ولا
الوصية مع المزاحمة للدين ، ولا الدين مع المزاحمة لتجهيز الميت فتعلق الحج والدين
معاً مع المزاحمة يدل على عدم أهمية الدين من الحج. وقد تقدم في مبحث قضاء الصلوات
: الاحتجاج على أهمية حق الله تعالى بما ورد ، من أن حق الله أحق أن يقضى ، وتقدم
الاشكال فيه هناك فما اشتهر من أهمية حق الناس من حق الله تعالى دليله غير
ظاهر.
وكأنه لما ورد : «
من أن الذنوب ثلاثة : ذنب يغفر ، وذنب لا يغفر وذنب لا يترك. فالذي يغفر ظلم
الإنسان نفسه ، والذي لا يغفر ظلم الإنسان ربه ، والذي لا يترك ظلم الإنسان غيره »
. وفيه أن الدلالة على ذلك غير ظاهرة ، إذ لا تعرض فيه للأهمية ، وإنما تعرضه
للغفران ، وأن ظلم الإنسان نفسه يغفر وإن كان له من الأهمية ماله ، وظلم الإنسان
غيره لا يغفر إلا بمراجعة صاحب الحق وإن لم يكن له شيء من الأهمية ما دام أنه حق
للغير. فالحديث الشريف متعرض لغير ما نحن فيه.
وبالجملة : فهذا
الحكم المشهور غير ظاهر ، وإن كان تساعده مرتكزات المتشرعة. لكن في بلوغ ذلك حد
الحجية تأمل. نعم إذا كان الواجب الشرعي له بدل عند العجز ، فدليل حق الناس يقتضي
الانتقال الى البدل لأنه ينقح العجز الذي هو موضوع البدلية. أما في غير ذلك فغير
ظاهر ، وإن كان الظاهر التسالم على عدم وجوب الحج أو الصلاة أو الصوم إذا توقف
أداؤها على التصرف في مال الغير. لكن لم يثبت أن ذلك لأهمية حق الناس على حق الله
تعالى ، فان الظاهر التسالم أيضاً على عدم وجوب أداء الزكاة أو الخمس أو الكفارات
إذا توقف على ذلك ، مع أنها من حق
__________________
لكنه أيضاً لا وجه
له ، كما لا يخفي [١].
( مسألة ١٨ ) : لا فرق ـ في كون الدين مانعاً من وجوب الحج ـ بين أن يكون سابقاً على حصول
المال بقدر الاستطاعة أولا [٢] ، كما إذا استطاع للحج ، ثمَّ عرض عليه دين ، بأن
أتلف مال الغير ـ مثلاً ـ على وجه الضمان من دون تعمد [٣] ، قبل خروج الرفقة ، أو
بعده قبل أن يخرج هو ، أو بعد خروجه قبل الشروع في الأعمال. فحاله حال تلف المال
من دون دين ، فإنه يكشف عن عدم كونه مستطيعاً.
( مسألة ١٩ ) : إذا كان عليه خمس أو زكاة ، وكان عنده مقدار ما يكفيه للحج لولاهما ، فحالهما
حال الدين مع المطالبة ، لأن المستحقين لهما مطالبون ، فيجب صرفه فيهما ولا يكون
مستطيعاً. وإن كان الحج مستقراً عليه سابقاً تجيء الوجوه المذكورة ، من التخيير ،
أو تقديم حق الناس ، أو تقدم الأسبق. هذا إذا كان الخمس أو الزكاة في ذمته ، وأما
______________________________________________________
الناس. وكذا الحال
في وفاء الدين إذا توقف على ذلك.
[١] كما عرفت
سابقاً : من أن التقدم الزماني لا يوجب الترجيح في مقام الامتثال.
[٢] فان المعتبر
في الوجوب الاستطاعة حدوثاً وبقاءً ، وكما أن الدين السابق مانع عن الاستطاعة
حدوثاً. كذلك الدين اللاحق ، فإنه مانع عنها بقاء ، فيوجب نفي التكليف على كل حال.
[٣] أما مع التعمد
فلا يسقط الوجوب ، لتحقق الاستطاعة ، وسيأتي الكلام فيه.
إذا كانا في عين
ماله فلا إشكال في تقديمهما على الحج ، سواء كان مستقراً عليه أولا [١]. كما أنهما
يقدمان على ديون الناس أيضاً [٢]. ولو حصلت الاستطاعة والدين والخمس والزكاة معاً
فكما لو سبق الدين [٣].
( مسألة ٢٠ ) : إذا كان عليه دين مؤجل بأجل طويل جداً كما بعد خمسين سنة ـ فالظاهر عدم منعه
عن الاستطاعة [٤] وكذا إذا كان الديان مسامحاً في أصله ، كما في مهور نساء أهل
الهند ، فإنهم يجعلون المهر ما لا يقدر الزوج على أدائه ـ كمائة ألف روبية ، أو
خمسين ألف ـ لإظهار الجلالة ، وليسوا مقيدين بالإعطاء والأخذ ، فمثل ذلك لا يمنع
من الاستطاعة ووجوب
______________________________________________________
[١] لأن التعلق
بالعين مانع عن التصرف فيها على خلاف مقتضى الحق ، وكما لا يسوغ التصرف في العين
المعصوبة لا يجوز التصرف في موضوع الحق. ووجوب الحج مهما كان له أهمية في نظر
الشارع فلا يستوجب الولاية على مال الغير. نعم إذا كان الحج مستقراً في ذمته تقع
المزاحمة بين وجوبه وحرمة التصرف في مال الغير ، والظاهر أنه لا إشكال عندهم في
تقديم الحرمة على الوجوب في مثله. هذا إذا كان الحج مستقراً في ذمة المكلف ، أما
إذا لم يكن كذلك فالحرمة رافعة للاستطاعة ، فيرتفع الوجوب.
[٢] لعين ما ذكر ،
فان وجوب وفاء الدين لا يشرع التصرف في مال الغير.
[٣] فإنهما يرفعان
الاستطاعة ويمنعان عنها كما لو سبقا بمناط واحد. ولأجل ذلك لا يحسن التعبير بحصول
الاستطاعة والدين ، ولكن المراد معلوم.
[٤] لعدم الاعتداد
به عند العرف.
الحج. وكالدين ممن
بناؤه على الإبراء ، إذا لم يتمكن المديون من الأداء ، أو واعده بالإبراء ، بعد
ذلك [١].
( مسألة ٢١ ) : إذا شك في مقدار ماله وأنه وصل الى حد الاستطاعة أو لا ، هل يجب عليه الفحص
أو لا؟ وجهان ، أحوطهما ذلك [٢] ، وكذا إذا علم مقداره وشك في مقدار مصرف الحج ،
وأنه يكفيه أولا.
______________________________________________________
[١] هذا يناسب
مبنى المصنف (ره) في المسألة ، من أن الوثوق بالتمكن من الوفاء كاف في تحقق
الاستطاعة. وعليه لا بد أن يكون الوعد بالإبراء بنحو يوجب الوثوق بالوفاء بالوعد.
لكن عرفت إشكال المبني ، وأن هذا المقدار لا يوجب صدق السعة واليسر. نعم إذا كان
الوثوق بلغ حداً يوجب عدم الاعتداد بالدين ، فلا يبعد حينئذ تحقق اليسر والسعة.
[٢] من المعلوم أن
الشبهة في المقام موضوعية ، وقد اشتهر عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية كلية ،
لإطلاق أدلة الأصول الشرعية كاستصحاب العدم ، وأصالة الحل ، ونحوهما مما يقتضي نفي
التكليف. وكذا البراءة العقلية ، بناء على عمومها للشك في التكليف إذا كان بتقصير
المكلف بأن يكون المراد من عدم البيان ـ المأخوذ موضوعاً لقاعدة قبح العقاب بلا
بيان ـ ما هو أعم مما كان بترك الفحص وطلب البيان ، كما هو الظاهر. نعم بناء على
أن المراد منه عدم البيان لا من قبل المكلف لم تجر القاعدة إذا كان عدم البيان
لعدم الفحص. لكن في الأصول الشرعية كفاية في اقتضاء عدم وجوب الفحص في المقام
ونحوه ، كباب الشك في تحقق النصاب في الزكاة ، والشك في تحقق الربح في الخمس.
لكن ذهب جماعة إلى
وجوب الفحص في الأبواب المذكورة ، بل الظاهر أنه المشهور مع الشك في تحقق النصاب.
ولعله هناك في محله لرواية
( مسألة ٢٢ ) : لو كان بيده مقدار نفقة الذهاب والإياب ، وكان له مال غائب لو كان باقياً
يكفيه في رواج أمره بعد العود ، لكن لا يعلم بقائه أو عدم بقائه ، فالظاهر وجوب
الحج بهذا الذي بيده ، استصحاباً لبقاء الغائب [١]. فهو كما لو شك في أن أمواله
الحاضرة تبقى إلى ما بعد العود أولا فلا يعد من الأصل المثبت [٢].
______________________________________________________
زيد الصائغ ،
المتضمنة لوجوب تصفية الدراهم المغشوشة مع الشك في مقدارها . وموردها وإن كان
صورة الشك في قدر الواجب مع العلم بوجود النصاب ، لكن يمكن استفادة الحكم منها في
غيرها من الصور. لكن التعدي عن الزكاة إلى الخمس ـ فضلا عن المقام ـ غير ظاهر.
وقد يستدل عليه :
بأنه لو لا الفحص لزمت المخالفة القطعية الكثيرة ، التي يعلم من الشارع المقدس
كراهتها ، المستلزم لوجوب الاحتياط. وفيه : أن لزوم المخالفة الكثيرة غير بعيد ،
لكن كونها مكروهة على وجه تقتضي كراهتها وجوب الاحتياط غير ظاهر ، بل هو مصادرة.
[١] هذا من
الاستصحاب الجاري لإثبات البقاء في الزمان المستقبل ، وقد تعرضنا له في كتاب الحيض
في مسألة : ما لو شك في بقاء الدم ثلاثة أيام وذكرنا هناك : أن ظاهر بعض أن من
المسلمات عدم الفرق في جريان الاستصحاب بين الأزمنة السابقة والمستقبلة. نعم يشكل
الاستصحاب المذكور باعتبار أن المال الغائب لو بقي على عينه لم يجد في تحقق
الاستطاعة فلا بد من إحراز حضوره بعد رجوعه ، وحضور المال المذكور خلاف الأصل ،
فلا بد أن يكون المعيار الوثوق بالحضور بعد الرجوع. فلاحظ.
[٢] إذا الأصل
المثبت ما لم يكن مجراه حكماً شرعياً ، ولا موضوعاً
__________________
( مسألة ٢٣ ) : إذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحج ، يجوز له ـ قبل أن
يتمكن من المسير ـ أن يتصرف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة ، وأما بعد التمكن منه فلا
يجوز ، وإن كان قبل خروج الرفقة [١]. ولو تصرف بما يخرجه عنها بقيت
______________________________________________________
لحكم شرعي. وفي
المقام مجرى الأصل المذكور موضوع للحكم الشرعي ، وهو وجوب الحج ، لأنه على من كان
له مال بعد الحج ، فاذا ثبت بالاستصحاب أن له مالاً بعد الحج ، ترتب الحكم عليه.
[١] المذكور في
كلام الجماعة : أن المدار في المنع حضور وقت السفر قال في المنتهى : « لو كان له
مال فباعه قبل وقت الحج مؤجلاً إلى بعد فواته سقط الحج ، لأنه غير مستطيع. وهذه
حيلة يتصور ثبوتها في إسقاط فرض الحج على الموسر. وكذا لو كان له مال فوهبه قبل
الوقت أو أنفقه ، فلما جاء وقت الخروج كان فقيراً لم يجب عليه ، وجرى مجرى من أتلف
ماله قبل حلول الحول .. ». وفي التذكرة : « لو كان له مال فباعه نسية ، عند قرب
وقت الخروج ، إلى أجل متأخر عنه سقط الفور في تلك السنة عنه ، لأن المال إنما
يعتبر وقت خروج الناس. وقد يتوسل المحتال بهذا إلى دفع الحج .. ». وفي الدروس : «
ولا ينفع الفرار بهبة المال أو إتلافه ، أو بيعه مؤجلاً إذا كان عند سير الوفد .. ».
وفي مجمع البرهان ـ في شرح قول ماتنه : « ولا يجوز صرف المال في النكاح وإن شق » ـ
: « وأعلم : أن الظاهر أن المراد بذلك وجوب الحج ، وتقديمه على النكاح ، وعدم
استثناء مئونته من الاستطاعة ، وكون ذلك في زمان وجوبه وخروج القافلة وتهيؤ أسبابه
، وإن كان قبله يجوز .. » وفي المدارك : « ولا يخفي أن تحريم صرف المال في النكاح
إنما يتحقق مع توجه الخطاب بالحج وتوقفه على المال ، فلو صرفه فيه قبل سفر الوفد ـ
الذي
______________________________________________________
يجب الخروج معه ـ أو
أمكنه الحج بدونه انتفى التحريم .. ». ونحوه ما في كشف اللثام والذخيرة والجواهر
وغيرها.
وبالجملة : يظهر
من كلماتهم : التسالم على جواز إذهاب الاستطاعة قبل خروج الرفقة. والمصنف (ره) جعل
المدار التمكن من المسير ، فاذا تمكن من المسير لم يجز له إتلاف الاستطاعة ، وإن
لم يخرج الرفقة. وفي بعض الحواشي : أضاف إلى ذلك ـ أعني : التمكن من المسير ـ أن
يكون قبل أشهر الحج ، فبعد دخول أشهر الحج لا يجوز إذهاب الاستطاعة ، وإن لم يتمكن
من المسير حينئذ ولم تخرج الرفقة ، فيكون الشرط في جواز إذهاب الاستطاعة أمرين ،
ينتفي الجواز بانتفاء أحدهما.
هذا ومقتضى كون
الاستطاعة شرطاً للوجوب حدوثاً وبقاء ، وأن الوجوب المشروط لا يقتضي حفظ شرطه ، أن
لا يكون وجوب الحج مانعاً عن إذهاب الاستطاعة بعد حدوثها ، كما لا يكون مانعاً عن
ذلك قبل حدوثها فهو لا يقتضي وجوب تحصيلها حدوثاً ، ولا وجوب حصولها بقاء. وكما لا
يمنع الوجوب من دفع الاستطاعة لا يمنع من رفعها. وعليه فالمنع من إذهاب الاستطاعة
لا بد أن يكون لدليل.
اللهم إلا أن يقال
: قوله تعالى : ( مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ..
) . ظاهر في أن الاستطاعة آنا ما موجبة لتحقق الوجوب ، نظير قوله : « من أفطر
وجب عليه الكفارة ». نعم لو كانت عبارة التشريع هكذا : « المستطيع يجب عليه الحج »
كانت ظاهرة في إناطة الحكم بالوصف حدوثاً وبقاءً. وكذلك الحكم في أمثاله ، فإذا
قيل : « إذا سافر وجب عليه القصر » أجزأ في ترتب الحكم تحقق السفر آنا ما ، فيبقى
الحكم وإن زال السفر ، فيكون الحكم منوطاً بالوصف حدوثاً لا بقاء. وإذا قيل : «
المسافر يجب.
__________________
______________________________________________________
عليه القصر » لم
يجزه في بقاء الحكم حدوث السفر آنا ما ، بل لا بد من بقاء السفر. فيكون الحكم
منوطاً بالسفر حدوثاً وبقاءً. وعلى هذا يكفي في إطلاق الوجوب ـ حدوثاً وبقاء ـ تحقق
الاستطاعة آنا ما. غاية الأمر : أن استطاعة السبيل إلى البيت الشريف لا تتحقق آنا
ما إلا إذا كانت مقدمات الوجود حاصلة في الواقع كل منها في محله ، فاذا كان المكلف
في علم الله تعالى ممن يبقى ماله وراحلته وصحته الى أن يصل الى البيت الشريف ، ولا
مانع يمنعه عن ذلك يكون مستطيعاً من أول الأمر ويجب عليه الحج ، فاذا عجز نفسه ـ بإذهاب
ماله ، أو غيره من المقدمات ـ كان مخالفاً للوجوب المذكور.
ومن ذلك يظهر :
أنه لا مجال لدعوى كون الاستطاعة شرطاً للوجوب حدوثاً وبقاء ، من جهة : أن الزاد
والراحلة لو سرقا في الطريق انتفى الوجوب ، وكذا لو حدث مانع من السفر ـ من سيل ،
أو عدو ، أو مرض أو غيرها ـ فان ذلك يوجب انتفاء الوجوب. وجه الاشكال عليها. أن
حدوث الأمور المذكورة كاشف عن عدم الاستطاعة من أول الأمر ، فلا وجوب حدوثاً ولا
بقاءَ ، بخلاف ما لو ألقى زاده في البحر ، أو قتل راحلته ، أو مرض نفسه فان ذلك لا
يكشف عن عدم الاستطاعة من أول الأمر ، بل هو مستطيع لكنه عجز نفسه. فاذا كان
مستطيعاً كان التكليف ثابتاً في حقه ، فيكون تعجيز نفسه مخالفة منه للتكليف الثابت
عليه ، فيكون حراماً.
ومن ذلك يظهر : أن
ما ذكره المصنف (ره) ، من أن المعيار في حرمة التعجيز التمكن من المسير ، في محله
، لأنه مع التمكن من المسير يكون مستطيعاً ، فيتوجه اليه التكليف ، فيكون تعجيز
نفسه مخالفة له.
وأما ما ذكره
الأصحاب : من أن المعيار خروج الرفقة ـ على اختلاف عباراتهم المتقدمة ـ فغير ظاهر.
إلا أن يرجع إلى ما ذكره المصنف (ره)
______________________________________________________
بأن يكون مرادهم
من خروج الرفقة التمكن من المسير. وإلا فقد عرفت : أنه مع تمكنه من المسير قبل
خروج الرفقة يكون مستطيعاً ، فيجب عليه الحج ، فيكون تعجيز نفسه مخالفة منه
للتكليف ومعصية له.
ومثله في الاشكال
: ما ذكره بعض الأعاظم (ره) في حاشيته : من أنه لا يجوز إذهاب المال في أشهر الحج
وإن لم يتمكن من المسير ، فإنه إذا دخل شوال ولم يتمكن من المسير لم يكن مستطيعاً.
فلم يجب عليه الحج ، فلم يجب عليه حفظ مقدماته.
هذا كله بناء على
ما يظهر من الأدلة : من أن القدرة العقلية ـ المقيدة في الاستطاعة ـ القدرة
الفعلية ، كما قد يفهم من جعل الصحة في البدن والتخلية في السرب في سياق الزاد
والراحلة. فكما يعتبر في الاستطاعة : الملك للزاد والراحلة فعلا ، يعتبر فيها
الصحة في البدن وتخلية السرب فعلاً بحيث لا يكفي في تحقق الاستطاعة الملك للزاد
والراحلة ، مع المرض ووجود المانع من السفر ، وإن كانا زائلين بعد ذلك قبل وقت
الحج. أما إذا جعل المدار في الاستطاعة ملك الزاد والراحلة فقط ، وما زاد على ذلك
لا يعتبر وجوده فعلا ـ فاذا ملك الزاد والراحلة وكان مريضاً لا يقدر على السفر ،
أو كانت الحكومة قد منعت عنه فعلا ، فهو مستطيع إذا كان يشفي بعد ذلك ، والحكومة
تأذن فيه ـ فتقريب ما في المتن على النحو الذي ذكرنا غير مفيد في إثباته ، لأنه مع
ملك الزاد والراحلة يكون مستطيعاً ، فلا يجوز له تعجيز نفسه من جهتهما ، وإن كان
عاجزاً فعلا من الجهات الأخرى ، لمرض أو مانع من السفر. وعلى هذا لا فرق في عدم
جواز التعجيز بين وقت وآخر ، ما دام قد ملك الزاد والراحلة. فلا فرق بين أشهر الحج
وغيرها ، ولا بين وقت السفر وغيره ولا بين أول السنة وآخرها ، بل لا فرق ـ على هذا
ـ بين سنة الحج وما قبلها ، لاشتراك الجميع في مناط حرمة التعجيز.
ذمته مشغولة به.
والظاهر صحة التصرف ـ مثل الهبة ، والعتق ـ وإن كان فعل حراماً ، لأن النهي متعلق
بأمر خارج [١]. نعم لو كان قصده في ذلك التصرف الفرار من الحج لا لغرض شرعي ، أمكن
أن يقال بعدم الصحة [٢]. والظاهر أن المناط في عدم جواز التصرف المخرج هو التمكن
في تلك السنة ، فلو
______________________________________________________
[١] قد تحقق في
الأصول أن النهي عن المعاملة لا يقتضي الفساد ، سواء تعلق بالسبب أم المسبب. وما
يدعي : من أنه إذا تعلق بالمسبب اقتضى الفساد ، لامتناع اعتبار ما هو مبغوض
للمعتبر. ضعيف جداً كما حرر في محله.
ثمَّ إن التفصيل
بين تعلق النهي بالداخل والخارج إنما يعرف في النهي في العبادات ، فان تعلق
بالداخل اقتضى الفساد ، وإلا لم يقتضه. وأما في المعاملات فلم يعرف التفصيل بين
تعلق النهي بالأمر الداخل وتعلقه بالأمر الخارج ، وإنما يعرف التفصيل بين تعلق
النهي بالسبب وتعلقه بالمسبب ، فان كان المراد من الداخل من المسبب ومن الخارج
السبب ، كان في التعليل المذكور إشارة إلى التفصيل المذكور. لكن لم يتضح الوجه في
عدم تعلق النهي في المقام بالأمر الداخل على هذا المعنى ، فإن النهي إنما تعلق
بالتعجيز فيقتضي النهي عن المسبب ، لأنه الذي يتوقف عليه التعجيز لا السبب ، كما
لعله ظاهر.
[٢] هذا أيضاً غير
ظاهر ، لأن قصد التوصل الى الحرام بالفعل وإن كان يقتضي تحريمه ، لكن لا يخرج عن
كونه نهياً عن الأمر الخارج ، ولا يكون نهياً عن الأمر الداخل. فلاحظ. كما أن
التفصيل بين قصد التوصل بالمقدمة إلى الحرام وغيره إنما يكون في المقدمات إذا لم
تكن الغاية توليدية بل كانت فعلا اختيارياً ، أما إذا كانت توليدية فيكفي في
التحريم العلم بالترتب ، وإن لم يقصد التوصل إلى الغاية.
لم يتمكن فيها ،
ولكن يتمكن في السنة الأخرى لم يمنع عن جواز التصرف [١] ، فلا يجب إبقاء المال إلى
العام القابل إذا كان له مانع في هذه السنة ، فليس حاله حال من يكون بلده بعيداً
عن مكة بمسافة سنتين.
( مسألة ٢٤ ) : إذا كان له مال
غائب بقدر الاستطاعة ـ وحده ، أو منضماً إلى ماله الحاضر ـ وتمكن من التصرف في ذلك
المال الغائب ، يكون مستطيعاً ويجب عليه الحج. وإن لم يكن متمكناً من التصرف فيه ـ
ولو بتوكيل من يبيعه هناك ـ فلا يكون مستطيعاً إلا بعد التمكن منه أو الوصول في
يده [٢]. وعلى هذا فلو تلف في الصورة الأولى بقي وجوب الحج مستقراً عليه ، إن كان
التمكن في حال تحقق سائر الشرائط [٣]
______________________________________________________
[١] قد عرفت أن
مقتضى القاعدة التي ذكرناها عدم الفرق بين السنين ، فكأن المستند في الفرق :
الإجماع.
[٢] ضرورة أن
المستفاد من النصوص : أن الزاد والراحلة ـ المعتبرين في حصول الاستطاعة ـ يجب أن
يكونا مما يمكن صرفهما في سبيل الحج ، كما يستفاد من قولهم (ع) : « أن يكون له ما
يحج به » ، « وأن يكون عنده » ، وأمثال ذلك من العبارات ـ المذكورة في النصوص ،
الواردة في تفسير الاستطاعة ـ ولا يكفي في حصولها ملك المال الذي لا يمكن أن يحج به. فلو
كان له ملك حاضر ، ولم يتمكن أن يستعين به في سبيل الحج لم يكن مستطيعاً.
[٣] يعني : إذا
كان تلفه بتقصير منه ، وإلا فتلفه لا بتقصير منه
__________________
ولو تلف في الصورة
الثانية لم يستقر. وكذا إذا مات مورثه وهو في بلد آخر ، وتمكن من التصرف في حصته
أو لم يتمكن ، فإنه على الأول يكون مستطيعاً ، بخلافه على الثاني.
( مسألة ٢٥ ) : إذا وصل ماله إلى حد الاستطاعة ، لكنه كان جاهلاً به ، أو كان غافلا عن وجوب
الحج عليه ثمَّ تذكر بعد أن تلف ذلك المال [١] ، فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه
إذا كان واجداً لسائر الشرائط حين وجوده والجهل والغفلة لا يمنعان عن الاستطاعة
[٢] غاية الأمر : أنه معذور في ترك ما وجب عليه. وحينئذ فإذا مات ـ قبل التلف أو
بعده ـ وجب الاستيجار عنه إن كانت له تركة بمقداره ، وكذا إذا نقل ذلك المال الى
غيره ـ بهبة أو صلح ـ ثمَّ علم
______________________________________________________
يكون كاشفاً عن
عدم الاستطاعة.
[١] يعني : إذا
كان تلفه بتقصيره وإلا فلا ريب في عدم كونه مستطيعاً.
[٢] لعدم تعرض
النصوص لاعتبار العلم والالتفات في حصول الاستطاعة فإطلاق أدلة الوجوب على من ملك
الزاد والراحلة محكم. وكأن الوجه الذي دعا القمي (ره) إلى نفي الاستطاعة ما تضمن
من النصوص : من أن من ترك الحج ولم يكن له شغل يعذره الله به فقد ترك فريضة من
فرائض الإسلام ، مما يدل على أن وجود العذر ناف للاستطاعة. وفيه : أن
المفهوم من النصوص العذر الواقعي الذي لا يشمل قصور المكلف ، من جهة غلطه ، وجهله
، واشتباهه ، بل يختص بالأمر الواقعي الذي يكون معلوماً تارة ، ومجهولا أخرى.
__________________
بعد ذلك أنه كان
بقدر الاستطاعة. فلا وجه لما ذكره المحقق القمي في أجوبة مسائله : من عدم الوجوب ،
لأنه لجهله لم يصر مورداً ، وبعد النقل والتذكر ليس عنده ما يكفيه ، فلم يستقر
عليه. لأن عدم التمكن ـ من جهة الجهل والغفلة ـ لا ينافي الوجوب الواقعي ، والقدرة
التي هي شرط في التكاليف القدرة من حيث هي ، وهي موجودة ، والعلم شرط في التنجز لا
في أصل التكليف.
( مسألة ٢٦ ) : إذا اعتقد أنه غير مستطيع فحج ندباً ، فان قصد امتثال الأمر المتعلق به فعلاً
، وتخيل أنه الأمر الندبي أجزأ عن حجة الإسلام ، لأنه حينئذ من باب الاشتباه في
التطبيق [١]. وإن قصد الأمر الندبي على وجه للتقييد لم يجز عنها ، وإن كان حجه
صحيحاً [٢] ، وكذا الحال إذا علم باستطاعة ثمَّ غفل عن ذلك [٣]. وأما لو علم بذلك
وتخيل
______________________________________________________
[١] لا يخفى أن
الاشكال في أمثال هذا المورد ليس في مجرد قصد الأمر الندبي مع أن المتوجه اليه قصد
الأمر الوجوبي ، بل في قصد غير المأمور به ، فكيف يجزي عن المأمور به ، بناء على
ما يأتي : من أن الحج الإسلامي غير الحج الندبي؟ وحينئذ لا مجال للحكم بالأجزاء ،
إلا إذا كان الاشتباه في التطبيق بالنسبة إلى الأمر والمأمور به معاً. وقد تقدم في
المسألة التاسعة ، ما له نفع في المقام.
[٢] يأتي الإشكال
في صحة الحج من المستطيع إذا كان نائباً عن غيره أو متطوعاً عن نفسه. إلا أن يختص
بغير المقام ، كما سيأتي.
[٣] يعني : فحج
ندباً.
عدم فوريتها فقصد
الأمر الندبي فلا يجزي ، لأنه يرجع الى التقييد.
( مسألة ٢٧ ) : هل تكفي في الاستطاعة الملكية المتزلزلة للزاد والراحلة وغيرهما كما إذا
صالحه شخص ما يكفيه للحج بشرط الخيار له إلى مدة معينة ، أو باعه محاباةً كذلك ـ؟ وجهان
، أقواهما العدم ، لأنها في معرض الزوال [١] ، إلا إذا كان واثقاً بأنه لا يفسخ.
وكذا لو وهبه وأقبضه إذا لم
______________________________________________________
[١] هذا إنما يصلح
تعليلا للحكم إذا كانت الاستطاعة لا تقبل التزلزل أما إذا كانت تقبله ـ ضرورة أن
كل شيء موجود في معرض الزوال ، وكل وجود في معرض الانتهاء ـ فلا يصلح كون الملكية
في معرض الزوال لنفي الاستطاعة ، واللازم البناء على تحقق الاستطاعة واقعاً إذا لم
يفسخ ذو الخيار. كما أنه لو فرض عدم الخيار لم يكن مستطيعاً إذا طرأ ما يوجب
الخيار ففسخ ، فالمدار يقتضي أن يكون على الواقع ، والتزلزل والوثوق بعدم الفسخ لا
دخل لهما في حصول الاستطاعة وعدمها ، فاذا لم يحج في الحال المذكورة فانكشف أنه لم
يفسخ ذو الخيار انكشف أنه مستطيع واقعاً نظير ما لو كان عنده مقدار الاستطاعة ،
ولم يمكنه الفحص عنه فلم يحج ثمَّ انكشف أنه مستطيع. هذا في مقام الواقع. وأما في
مقام الظاهر فيحتمل الرجوع إلى أصالة عدم الفسخ ، فيثبت ظاهراً أنه مستطيع ،
ويحتمل اعتبار الوثوق بعدم الفسخ. لكن الأول أوفق بالقواعد. واعتبار الوثوق في
العمل بالأصل لا دليل عليه. اللهم إلا أن يقال : إذا لم يكن واثقاً بعدم الفسخ
يكون تكليفه بصرف المال ـ المؤدي إلى ضمانه عند الفسخ ـ تعريضاً إلى الخسران. وفيه
: أن ذلك لا يمنع عن العمل بالأصول. وسيأتي في
يكن رحماً ، فإنه
ما دامت العين موجودة له الرجوع. ويمكن أن يقال بالوجوب هنا [١] ، حيث أن له
التصرف في الموهوب ، فتلزم الهبة.
( مسألة ٢٨ ) : يشترط في وجوب الحج ـ بعد حصول الزاد والراحلة ـ بقاء المال إلى تمام الأعمال
[٢] ، فلو تلف بعد ذلك [٣] ـ ولو في أثناء الطريق ـ كشف عن عدم الاستطاعة. وكذا لو
حصل عليه دين قهراً ، كما إذا أتلف مال غيره خطأ. وأما لو أتلفه عمداً فالظاهر
كونه كإتلاف الزاد والراحلة عمداً في عدم زوال استقرار الحج [٤].
______________________________________________________
مبحث البذل ماله
نفع في المقام.
[١] قد يشكل : بأن
التزلزل إذا كان موجباً لنفي الاستطاعة فلا وجوب معه ، فلا موجب للتصرف الموجب للزوم
الهبة ، لأن وجوب التصرف ـ لو قيل به ـ فإنما هو وجوب غيري ، وهو لا يكون مع
انتفاء الوجوب النفسي. نعم بناء على أن التزلزل لا ينافي الاستطاعة يتحقق الوجوب
النفسي ، فيجب حفظ المقدمة بالوجوب الغيري ، فكما يجب حفظ الزاد في حرز لئلا يسرق
، كذلك يجب حفظه عن رجوع الواهب به. هذا إذا توقف عليها السفر ، وإلا فلا موجب
للتصرف ، وحينئذ يجب الحج ، ويستقر في ذمة المكلف وإن رجع الواهب.
[٢] كما يقتضيه
دليل اعتبار الاستطاعة ، فإن المراد منها القدرة الخاصة على العمل ، وهي لا تحصل
إلا ببقاء الشرائط إلى تمام العمل ، فمع التلف قبل تمام الأعمال ينكشف عدم
الاستطاعة من أول الأمر.
[٣] يعني : بعد
حصول الزاد والراحلة.
[٤] لعدم منافاته
للاستطاعة التي هي موضوع الوجوب ، كما لو أتلف
( مسألة ٢٩ ) : إذا تلف ـ بعد تمام الأعمال ـ مئونة عوده إلى وطنه ، أو تلف ما به الكفاية من
ماله في وطنه ـ بناء على اعتبار الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة ـ فهل يكفيه عن حجة
الإسلام أو لا؟ وجهان ، لا يبعد الاجزاء [١].
______________________________________________________
الزاد والراحلة
عمداً.
[١] كما قطع به في
المدارك. قال (ره) : « فوات الاستطاعة ـ بعد الفراغ من أفعال الحج ـ لم يؤثر في
سقوطه قطعاً ، وإلا لوجب إعادة الحج مع تلف المال في الرجوع ، أو حصول المرض الذي
يشق السفر معه ، وهو معلوم البطلان .. ». وقريب منه ما في الذخيرة. لكن في الجواهر
: « قد يمنع معلومية بطلانه ، بناء على اعتبار الاستطاعة ذهاباً وإياباً في الوجوب
.. ». وهو في محله بالنظر إلى القواعد المتقدمة ، فإن ما يحتاج إليه في الإياب إذا
كان دخيلاً في حصول الاستطاعة ، يكون فقده موجباً لانتفائها من أول الأمر.
فالإجزاء لا بد أن يكون من قبيل إجزاء غير الواجب عن الواجب ، وهو محتاج إلى دليل
يوجب الخروج عن القواعد. ولا سيما وأن المكلف إنما نوى حج الإسلام ، فإذا لم يصح
لم يصح غيره ، لأنه لم ينوه. فالبناء على الاجزاء فيه مخالفة للقواعد من جهتين :
من جهة صحة العمل ولم ينوه ، لأنه لم ينو غير حجة الإسلام ، ومن جهة إجزائه عن حج
الإسلام ، والدليل عليه غير ظاهر. نعم سكوت النصوص عن التعرض لذلك ، مع كثرة
الطوارئ الحادثة في كل سنة على بعض الحجاج ـ من مرض ، وتلف مال ، ونحو ذلك مما
يوجب زوال الاستطاعة ـ مع الغفلة عن ذلك ، وارتكاز المتشرعة على صحة الحج ، ربما
يكون دليلاً على الاجزاء. لكن لو تمَّ ذلك لم يكن فرق بين زوال الاستطاعة بعد تمام
الأعمال وفي أثنائها وقبلها ، لاشتراك الجميع فيما ذكرنا ، فان تمَّ تمَّ في
الجميع ،
ويقربه : ما ورد
من أن من مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجة الإسلام [١]. بل يمكن أن يقال
بذلك إذا تلف في أثناء الحج أيضاً [٢].
( مسألة ٣٠ ) : الظاهر عدم اعتبار الملكية في الزاد والراحلة ، فلو حصلا بالإباحة اللازمة
كفى في الوجوب ، لصدق الاستطاعة [٣].
______________________________________________________
والتفكيك غير ظاهر.
اللهم الا أن يقال ما دل على اشتراط الزاد والراحلة في حجة الإسلام إنما يدل على
اعتبار ذلك في الذهاب ولا يشمل الإياب ، واشتراط ذلك في الإياب انما كان بدليل نفي
الحرج ونحوه ، وهو لا يجري في الفرض لأنه خلاف الامتنان.
[١] هذا إن أمكن
الاعتماد عليه ، والتعدي عن مورده ، كان اللازم البناء على الاجزاء إذا تلفت
الاستطاعة بعد الإحرام ودخول الحرم ، فاذا لم يمكن الاعتماد عليه في ذلك لم يكن
مقرباً للمدعي.
[٢] قد عرفت وجه
هذا الاحتمال.
[٣] لا مجال
للاستدلال به بعد ما ورد في تفسير الاستطاعة : بأن يكون له زاد وراحلة ، مما ظاهره
الملك. نعم في صحيح الحلبي : « إذا قدر الرجل على ما يحج به » ، وفي صحيح
معاوية : « إذا كان عنده مال يحج به أو يجد ما يحج به » وهو أعم من الملك.
لكن الجمع بينه وبين غيره يقتضي تقييده بالملك وعدم الاجتزاء بمجرد الإباحة.
__________________
ويؤيده الأخبار
الواردة في البذل [١]. فلو شرط أحد المتعاملين على الآخر ـ في ضمن عقد لازم ـ أن
يكون له التصرف في ماله بما يعادل مائة ليرة مثلاً ، وجب عليه الحج ، ويكون كما لو
كان مالكاً له.
( مسألة ٣١ ) : لو أوصى له بما يكفيه للحج فالظاهر وجوب الحج عليه بعد موت الموصي. خصوصاً
إذا لم يعتبر القبول في ملكية الموصى له [٢] ، وقلنا بملكيته ما لم يرد ، فإنه ليس
له الرد حينئذ.
( مسألة ٣٢ ) : إذا نذر ـ قبل حصول الاستطاعة ـ أن يزور الحسين (ع) في كل عرفة ، ثمَّ حصلت
لم يجب عليه الحج [٣]. بل وكذا لو نذر :
______________________________________________________
مضافاً إلى أنه لم
يظهر الفرق بين الإباحة المالكية والإباحة الشرعية ، وليس بناؤهم على الاجتزاء بها
في حصول الاستطاعة. فلا يجب الاصطياد والاحتطاب وأخذ المعدن ونحو ذلك إذا أمكن
المكلف ذلك ، لكونه مستطيعاً بمجرد الإباحة في التصرف.
[١] فإنها وان
كانت مختصة بالبذل لخصوص الحج ، لكن يمكن استفادة الحكم منها في المقام بنحو
التأييد. لكن التأييد لا ينفع في إثبات الدعوى.
[٢] على هذا القول
يكون الحكم كما في المسألة السابقة. وعلى القول باعتبار القبول يكون الحكم كما في
الهبة ، فإنه لا يجب عليه القبول فيها ، وإن كان استدلال المصنف (ره) في المسألة
السابقة بصدق الاستطاعة مطرداً في الجميع.
[٣] يظهر من
الأصحاب : الاتفاق عليه ، فان هذه المسألة وإن لم
______________________________________________________
تكن محررة بخصوصها
في كلامهم ، لكن ما ذكروه في مسألة : ما لو نذر حجاً غير حج الإسلام ، يقتضي
بناءهم على عدم وجوب الحج هنا. قال في المدارك ـ فيما لو نذر المكلف الحج ـ : «
فاما أن ينوي حج الإسلام أو غيره ، أو يطلق ، بأن لا ينوي شيئاً منهما ، فالصور
ثلاث .. ( إلى أن قال ) : الثاني : أن ينوي حجاً غير حج الإسلام. ولا ريب في عدم
التداخل على هذا التقدير. ثمَّ إن كان مستطيعاً حال النذر ، وكانت حجة النذر مطلقة
أو مقيدة بزمان متأخر عن ذلك العام .. ( إلى أن قال ) : وإن تقدم النذر على
الاستطاعة وجب الإتيان بالمنذور مع القدرة ، وان لم تحصل الاستطاعة الشرعية ، كما
في غيره من الواجبات. ولو اتفق حصول الاستطاعة قبل الإتيان بالحج بالمنذور قدمت
حجة الإسلام إن كان النذر مطلقاً ، أو مقيداً بما يزيد عن تلك السنة أو بمغايرها ،
لأن وجوبها على الفور ، بخلاف المنذورة على هذا الوجه. وإلا قدم النذر ، لعدم تحقق
الاستطاعة في تلك السنة ، لأن المانع الشرعي كالمانع العقلي .. ». ونحوه كلام غيره
ممن سبقه ـ كالدروس ، والمسالك ـ وممن لحقه ـ كالذخيرة والمستند ، والجواهر ـ على
نحو يظهر منهم التسالم على تقديم النذر على حج الإسلام ، وأنه يكون رافعاً
للاستطاعة. نظير ما لو استؤجر على الحج ، فإن الإجارة رافعة للاستطاعة عندهم ، فلا
يجب على الأجير حج الإسلام إذا كان الحج المستأجر عليه مزاحماً لحج الإسلام.
هذا ولكن بعض
الأعاظم فرق بين الإجارة والنذر ، حيث قال : « الفرق بين النذر والإجارة : هو كفاية سلطنة المؤجر على
منفعة نفسه عند عقد الإجارة في صحة تمليكها وتملك المستأجر لها ، فلا يبقى مورد
لتأثير الاستطاعة. بخلاف النذر ، فان اشتراطه ـ حدوثاً وبقاء ـ برجحان المنذور.
__________________
______________________________________________________
من حيث نفسه ، ومع
غض النظر عن تعلق النذر به يوجب انحلاله بالاستطاعة .. ». وتوضيح ما ذكر : أن
رجحان المنذور ـ المشروط به صحة النذر ـ يجب أن يكون مع قطع النظر عن النذر ، ومع
مزاحمة النذر للاستطاعة إذا غض النظر عن النذر يكون المنذور غير راجح ، لأدائه إلى
ترك الحج ، وإنما يكون المنذور راجحاً بتوسط النذر الرافع للاستطاعة ، ومثل هذا
الرجحان لا يكفي في صحة النذر.
وفيه : أن ما ذكره
وإن كان مسلماً ، لكنه يجري مثله في وجوب حج الإسلام في الفرض ، فإن الاستطاعة
المعتبرة في وجوب حج الإسلام يجب أن تكون حاصلة مع غض النظر عن وجوب الحج ، وفي
المقام إذا غض النظر عن وجوب الحج ترتفع الاستطاعة بالنذر. وعلى هذا يكون الأخذ
بأحد الحكمين رافعاً لموضوع الآخر ، وترجيح وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر بلا
مرجح حتى بملاحظة كون وجوب الحج أهم ، لأن ترجيح الأهم إنما يكون في المتزاحمين
الواجد كل منهما لملاكه ويكون تزاحمهما في مقام الامتثال ، لا في المتواردين
اللذين يكون كل منهما رافعاً لملاك الآخر ، بل فيهما يتعين الرجوع إلى منشأ آخر
للترجيح.
ولا ينبغي التأمل
في أن الجمع العرفي يقتضي الأخذ بالسابق دون اللاحق ، تنزيلاً للعلل الشرعية منزلة
العلل العقلية ، فكما أن العلل العقلية يكون السابق منها رافعاً للاحق كذلك العلل
الشرعية. فيلغى احتمال كون اللاحق رافعاً لموضوع السابق ، وإن كان احتمالاً
معقولاً في العلل الشرعية ، لكنه لا يعتنى به في مقام الجمع بين الدليلين. وقد
أشرنا إلى ذلك في بعض مباحث القراءة من هذا الشرح. وبهذا صح ما ذكره : من تقديم
الإجارة ، على الحج عند سبق الإجارة ، فإن سلطنة الأجير غير كافية في صحة الإجارة
، إذا لم يكن قادراً على العمل في وقته مع قطع النظر عن وجوب الوفاء بالعقد.
والاستطاعة
إن جاء مسافرة أن
يعطي الفقير كذا مقداراً ، فحصل له ما يكفيه لأحدهما ، بعد حصول المعلق عليه ، بل
وكذا إذا نذر ـ قبل حصول الاستطاعة ـ أن يصرف مقدار مائة ليرة مثلاً في الزيارة أو
التعزية أو نحو ذلك ، فان هذا كله مانع عن تعلق وجوب الحج به. وكذا إذا كان عليه
واجب مطلق فوري قبل حصول الاستطاعة ، ولم يمكن الجمع بينه وبين الحج ، ثمَّ حصلت
الاستطاعة ، وإن لم يكن ذلك الواجب أهم من الحج ، لأن العذر الشرعي كالعقلي في
المنع من الوجوب [١]. وأما لو حصلت الاستطاعة أولاً ثمَّ حصل واجب فوري آخر
______________________________________________________
اللاحقة رافعة
للقدرة مع قطع النظر عن عقد الإجارة ، فلو لم يكن السبق موجباً للتقديم لم يكن وجه
لصحة الإجارة ، بل كانت الاستطاعة وقت العمل رافعة للقدرة عليها ، وموجبة لبطلان
الإجارة بعين التقريب المذكور في الاستطاعة والنذر ـ فتأمل جيداً ـ وعليه يتعين
البناء في الفرض على تقديم النذر على الاستطاعة.
[١] بذلك طفحت
عباراتهم ، كما أشرنا إلى ذلك في صدر المسألة. ولأجل ذلك لا مجال لدعوى : كون
الاستطاعة عبارة عن ملك الزاد والراحلة ، وصحة البدن ، وتخلية السرب ، وأن النذر
لا ينافي شيئاً من ذلك ولا يرفعه ، فلا تنتفي الاستطاعة به. وحينئذ تكون هي رافعة
لموضوعه ، لعدم كونه راجحاً للمستطيع الذي يجب عليه الحج. فإنه إذا ثمَّ أن المانع
الشرعي كالمانع العقلي يكون المنع الشرعي مانعاً عن الاستطاعة في مقابل تخلية
السرب وبقية الأمور الأربعة المذكورة.
مضافاً إلى أنها
خلاف ظاهر جملة من النصوص ، كصحيح
الحلبي :
لا يمكن الجمع
بينه وبين الحج ، يكون من باب المزاحمة ، فيقدم الأهم منهما [١] ، فلو كان مثل
إنقاذ الغريق قدم على الحج. وحينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب الحج
فيه ، وإلا فلا. إلا أن يكون الحج قد استقر عليه سابقاً ،
______________________________________________________
«
إذا قدر الرجل على ما يحج به ، ثمَّ دفع ذلك وليس له شغل يعذره الله تعالى فيه فقد
ترك شريعة من شرائع الإسلام » فإنه ظاهر في أن مطلق العذر رافع للفرض. ولا ريب في أن
الوفاء بالنذر عذر ، فيكون رافعاً للفرض. وأيضاً فإن لازم هذه الدعوى أن لو كان
الحج مزاحماً بواجب بحيث يقدم عليه ـ كما إذا كان المكلف أجيراً على الحج في سنة
الاستطاعة ، فوجب عليه حج الإجارة ـ لوجب عليه حج الإسلام في السنة الثانية ولو
متسكعاً لأنه قد استقر الحج في ذمته ، ولا يظن من أحد إمكان الالتزام به. وسيأتي
الكلام فيه في المسألة الرابعة والستين.
[١] قد عرفت : أن
حدوث الاستطاعة آناً ما لا يوجب ثبوت الوجوب ، وأنه لا بد من بقائها إلى آخر أزمنة
العمل أو أكثر من ذلك ، كما سبق ويأتي. وحينئذ إذا تحققت الاستطاعة ثمَّ حصل واجب
فوري ، كان حصوله رافعاً لها ، فلا وجوب للحج لانتفاء موضوعه ، فكيف يكون من باب
المزاحمة؟!
ثمَّ إنه لو بني
على كون المقام من باب المزاحمة فقد عرفت أن لازمه وجوب الحج عليه في السنة
اللاحقة وإن لم تبق الاستطاعة ، لاستقرار الحج في ذمته. ولأجل ذلك يشكل قوله (ره)
: « وإلا فلا ». كما أنه مما ذكرنا يظهر أنه لو حدث أي واجب بعد تحقق الاستطاعة
رفعها ، سواء كان أهم من الحج ، أم مساوياً له في الاهتمام ، أم أقل منه. نعم إذا
كان موضوع ذلك الواجب يزول بالاستطاعة كانت الاستطاعة مقدمة عليه ، لما.
__________________
فإنه يجب عليه ولو
متسكعاً.
( مسألة ٣٣ ) : النذر المعلق على أمر قسمان [١] : تارة : يكون التعليق على وجه الشرطية ، كما
إذا قال : « إن جاء مسافري فلله علي أن أزور الحسين (ع) في عرفة » ، وتارة : يكون
على نحو الواجب المعلق ، كأن يقول : « لله علي أن أزور الحسين (ع) في عرفة عند مجيء
مسافري ». فعلى الأول
______________________________________________________
عرفت من أن
الواجبين المترافعين المتواردين ـ اللذين يكون كل واحد منهما إذا لوحظ في نفسه
رافعاً لموضوع الآخر ـ يكون العمل على السابق منهما ويبطل اللاحق. هذا ولو فرض
تقارن الاستطاعة والنذر لم يكن لأحدهما أثر ، لعدم المرجح ، فلا يجب عليه الحج.
ولا يجب عليه الوفاء بالنذر.
[١] النذر المعلق
قسم واحد ، وهو المشروط ، ولأجل ذلك اشتهر : أن التعليق في العقود والإيقاعات مبطل
، يراد بذلك ما لو كان الإيقاع فيه معلقاً. وأما ما كان على نحو الواجب المعلق
فليس النذر فيه معلقاً بل المعلق هو المنذور.
وكيف كان ، تارة :
يكون الإيقاع معلقاً ـ أعني : المعنى الإيقاعي الذي يوقعه البائع ـ وهو البيع في
قول البائع : « بعث إذا جاء يوم الجمعة » ، أو مضمون النذر في قول الناذر : « لله
علي إذا جاء يوم الجمعة أن أفعل كذا » ونحو ذلك. وتارة : لا يكون تعليق في المعنى
الإيقاعي ، وإنما يكون في متعلق المعنى الإيقاعي ، وهو الصوم في قول الناذر : «
لله علي أن أصوم إذا جاء يوم الجمعة » ، أو الصدقة في قوله : « لله علي أن أتصدق
إذا جاء يوم الجمعة » ، أو الزيارة في مثل الفرض المذكور في المتن فالمعلق يكون هو
الزيارة ، في مقابل القسم الأول الذي يكون المعلق عليه معنى : « لله علي » الذي
عرفت أنه المعنى الإيقاعي.
يجب الحج إذا حصلت
الاستطاعة قبل مجيء مسافرة. وعلى الثاني لا يجب ، فيكون حكمه حكم النذر المنجز ،
في أنه لو حصلت الاستطاعة وكان العمل بالنذر منافياً لها لم يجب الحج ، سواء حصل
المعلق عليه قبلها أو بعدها. وكذا لو حصلا معاً لا يجب الحج ، من دون فرق بين
الصورتين. والسر في ذلك : أن وجوب الحج مشروط والنذر مطلق ، فوجوبه يمنع من تحقق
الاستطاعة [١].
( مسألة ٣٤ ) : إذا لم يكن له زاد وراحلة ، ولكن
______________________________________________________
[١] يعني : وجوب
الحج مشروط بالاستطاعة ، ووجوب الوفاء بالنذر غير مشروط حسب الفرض ، فيكون رافعاً
للاستطاعة. فيرتفع وجوب الحج. هذا ولكن ما ذكره من السر إن كان المقصود به سر
تقديم النذر على الاستطاعة في أصل المسألة ، فقد عرفت أن السر غير ذلك ، وهو ما
ذكرنا. وإن كان المقصود به سر تقديم النذر في المقام فلا مقتضي له ، لأن السر فيه
هو السر في أصل المسألة. وكان المناسب ذكر السر في عدم تقديم النذر المشروط في
المقام لأنه الخارج عن الكلية التي تعرض فيها لأصل المسألة.
وكيف كان فالفرق
الذي ذكره بين النذر المعلق والمشروط غير ظاهر ، لأن النذر المشروط أيضاً يقتضي
وجوب تحصيل المقدمات قبل حصول الشرط عقلاً. إذ لا فرق بين الوجوب المشروط والمعلق
في ذلك ، فكما يجب تحصيل المقدمات قبل حصول المعلق في الواجب المعلق يجب تحصيلها
أيضاً في الوجوب المشروط. غاية الأمر : أنه في الواجب المعلق يكون تحصيلها واجباً
شرعاً بناء على وجوب المقدمة ، وفي الوجوب المشروط
قيل له : « حج
وعلي نفقتك ونفقة عيالك » وجب عليه. وكذا لو قال : « حج بهذا المال » وكان كافياً
له ـ ذهاباً وإياباً ـ ولعياله ، فتحصل الاستطاعة ببذل النفقة كما تحصل بملكها [١].
______________________________________________________
يكون واجباً عقلاً
، كما أشرنا إلى ذلك في مسألة غسل المستحاضة قبل الفجر من هذا الشرح. وإذا وجب
عقلاً فعل المقدمات قبل حصول الشرط مع العلم بحصوله كان ذلك رافعاً للاستطاعة ،
ومانعاً من وجوب حج الإسلام. وقولهم : « المانع الشرعي كالمانع العقلي » يراد به
ما هو أعم من ذلك.
هذا مع العلم
بحصول الشرط ، أما مع الجهل فيمكن الرجوع إلى أصالة عدم حصول الشرط أو غيرها من
الأصول ، فيجب عليه الحج ظاهراً ، لكن إذا انكشف بعد ذلك حصول الشرط ، وأنه مكلف
بالزيارة لا بالحج يكون الحج غير مجز عن حج الإسلام.
[١] إجماعاً
محكياً في الخلاف والغنية وظاهر التذكرة والمنتهى وغيرهما إن لم يكن محصلاً ، كذا
في كشف اللثام والجواهر. ويشهد له جملة من النصوص ، كصحيح
محمد بن مسلم المروي في كتاب التوحيد : «
سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عز وجل ( وَلِلّهِ عَلَى
النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً .. ). قال : يكون له ما يحج به. قلت : فمن
عرض عليه الحج فاستحيا؟ قال هو ممن يستطيع » ، وخبر أبي بصير عن أبي جعفر (ع) : « قلت له : رجل عرض عليه الحج فاستحيا أهو
ممن يستطيع الحج؟ قال (ع) : نعم » . وهما العمدة في الحكم
__________________
______________________________________________________
المذكور. وأما صحيح معاوية بن عمار : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل لم يكن
له مال ، فحج به رجل من إخوانه ، هل يجزيه ذلك عن حجة الإسلام أم هي ناقصة؟ قال (ع)
: بل هي حجة تامة » . فإنه وإن دل على
الاجزاء لا يدل على الوجوب بالبذل ، والاجزاء عن حجة الإسلام أعم من الوجوب. وأكثر
منه إشكالاً مثل صحيح الحلبي
عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ قال : «
قلت له : فان عرض عليه ما يحج به فاستحيا من ذلك ، أهو ممن يستطيع اليه سبيلاً؟
قال (ع) : نعم ، ما شأنه يستحيي ولو يحج على حمار أجدع أبتر؟ فإن كان يطيق أن يمشي
بعضاً ويركب بعضاً فليحج » . إذ لا مجال للعمل
به. وحمل قوله (ع) : «
ما شأنه يستحيي » على أنه بيان لحكم أخلاقي لا فقهي ، بعيد عن الظاهر فلا مجال للاعتماد عليه ،
كما عرفت سابقاً. وأشكل منه صحيح
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : «
فان كان دعاه قوم أن يحجوه فاستحيا فلم يفعل ، فإنه لا يسعه الا أن يخرج ولو على
حمار أجدع أبتر » ، ونحوها. فإنه لو أمكن التفكيك بين مضامين صحيح الحلبي
المتقدم ـ بالحمل على حكمين أخلاقي وفقهي ـ فلا مجال لذلك فيه ، لأنه صريح في
الحكم على المقيد ، فلا مجال فيه للتفكيك المذكور ، بأن يكون الحكم على المقيد
أخلاقياً ، والحكم على غيره فقهياً. ومن ذلك تعرف الاشكال على جماعة من الأصحاب ،
حيث استدلوا بهذه النصوص ، التي ليس بناؤهم على العمل بمضمونها.
__________________
من غير فرق بين أن
يبيحها له أو يملكها إياه ، ولا بين أن يبذل عينها أو ثمنها ، ولا بين أن يكون
البذل واجباً عليه ـ بنذر ، أو يمين ، أو نحوهما ـ أو لا ، ولا بين كون الباذل
______________________________________________________
ومثله في الاشكال
: الاستدلال بالآية الشريفة ، لصدق الاستطاعة مع البذل. إذ فيه : ما عرفت ، من أن
الاستطاعة المذكورة في الآية الشريفة وإن كانت صادقة ، لكن بعد ورود الأدلة على
تقييدها بملك الزاد والراحلة ـ كما في مصحح الحلبي ، ومصحح هشام بن
الحكم ، وغيرهما ـ لا مجال للتمسك بإطلاقهما. ولا ينافي ذلك ما
ورد في تفسيرها : بأن يكون عنده مال ، أو أن يجد ما يحج به ، أو أن يقدر على
ما يحج به ، وذلك كله صادق مع عدم الملك. لأن الجمع العرفي في أمثال
المقام ـ مما ورد في مقام الشرح والتحديد ـ يقتضي التقييد ، فلا تتحقق بمجرد حصول
واحد منها ، بل لا بد من حصول جميعها. وليس هو من قبيل القضايا الشرطية التي يتعدد
فيها الشرط ويتحد فيها الجزاء ، التي يكون الجمع بينها بالحمل على سببية كل واحد
من الشروط. فاذا كان الجمع العرفي بين نصوص التفسير والتحديد هو التقييد ، تكون
الاستطاعة مختصة بصورة ما إذا كان الزاد والراحلة مملوكين ، فلا ينطبق على المقام
، كما أشرنا إلى ذلك في المسألة الثلاثين. فالعمدة ـ إذا ـ في الحكم المذكور : الإجماع
، والخبران الأولان.
__________________
موثوقاً به أولا
على الأقوى. والقول بالاختصاص بصورة التمليك ضعيف [١]. كالقول بالاختصاص بما إذا
وجب عليه [٢] ،
______________________________________________________
[١] هذا القول
منسوب إلى الحلي في سرائره. قال (ره) : « والذي عندي في ذلك : أن من يعرض عليه بعض
إخوانه ما يحتاج اليه من مئونة الطريق فحسب لا يجب عليه الحج ، إذا كان له عائلة
تجب عليه نفقتهم ، ولم يكن له ما يخلفه نفقة لهم ، بل هذا يصح فيمن لا تجب عليه
نفقة غيره ، بشرط أن يملكه ما يبذله ويعرض عليه ، لا وعد بالقول دون الفعال .. ». ودليله
غير ظاهر ، ولذا قال في المختلف ـ بعد أن حكى ذلك عنه ـ : « إن فتاوى أصحابنا
خالية عنه ، وكذا الروايات. بل لو وهب المال لم يجب عليه القبول .. ». وما ذكره
أخيراً مبني على أن مراده : اعتبار فعلية التمليك ، إذ لا مجال للنقض عليه إلا
بناء على ذلك. أما لو كان مراده أن يكون الباذل في مقام التمليك ، فهذا المعنى لما
لم يتوقف على القبول يتحقق الوجوب وإن لم يتحقق القبول. وإذا تحقق الوجوب وجب
القبول ، لأن يكون حينئذ شرطاً للواجب لا للوجوب كي لا يجب ، لأن الوجوب لا يقتضي
حفظ شرطه. ولأجل ذلك اختلف البذل مع الهبة ، فيجب القبول مع البذل ، ولا يجب مع
الهبة. وكيف كان فإطلاق الأدلة المتقدمة ينفي اعتبار التمليك. هذا ولكن التأمل في
عبارة السرائر يقتضي أن مراده اعتبار الوثوق ، وحينئذ يرجع إلى القول الآتي.
[٢] هذا القول
منسوب إلى العلامة في التذكرة. قال فيها : « التحقيق : أن البحث هنا في أمرين : الأول
: هل يجب على الباذل الشيء المبذول أم لا؟ فان قلنا بالوجوب أمكن وجوب الحج .. (
إلى أن قال ) : وإن قلنا بعدم وجوبه ففي إيجاب الحج إشكال ، أقربه العدم ، لما فيه
من
أو بأحد الأمرين :
من التمليك ، أو الوجوب [١].
______________________________________________________
تعليق الواجب بغير
الواجب .. ». وفي جامع المقاصد : « أما البذل لمجموعها ، أو لبعضها وبيده الباقي ،
ففي وجوب الحج بمجرده قولان ، أصحهما : أنه إن كان على وجه لازم كالنذر وجب ، وإلا
لم يجب .. ». وفيه : ما عرفت من أن ذلك خلاف إطلاق الأدلة. والتعليل الذي ذكره في
التذكرة عليل ، لا يرجع إلى قاعدة عقلية أو شرعية. ولا يبعد أن يكون مراده :
اعتبار الوثوق ببقاء البذل إلى آخر أزمنة الحاجة ، فيرجع إلى القول الآتي أيضاً.
[١] في الحدائق :
« نقل عن جمع من الأصحاب : اشتراط التمليك أو الوجوب بنذر وشبهه .. ». ونسب هذا
القول في المستند إلى الدروس. وكأن المصنف (ره) تبعه في ذلك ، ولكن المذكور في
الدروس غير ذلك. قال : « ويكفي البذل في الوجوب مع التمليك ، أو الوثوق به .. ». فالعدلان
: التمليك والوثوق ، لا التمليك والوجوب. وكيف كان فصدر العبارة وإن كان قد يظهر
منه الشرطية التخييرية ، لكن قال بعد ذلك : « وهل يستقر الوجوب بمجرد البذل؟ إشكال
: من ظاهر النقل ، وعدم وجوب تحصيل الشرط. ولو حج كذلك أو في نفقة غيره أجزأ ،
بخلاف ما لو تسكع ، فإنه لا يجزي عنه عندنا. وفيه دلالة على أن الاجزاء فرع الوجوب
فيقوى الوجوب بمجرد البذل لتحقق الاجزاء. إلا أن يقال : الوجوب هاهنا بقبول البذل
، ولو وهبه زاداً وراحلة لم يجب عليه القبول. وفي الفرق نظر .. ». وعبارته الثانية
ظاهرة في التردد بين الوجوب بمجرد البذل ، وبين توقفه على القبول ، وميله أخيراً
إلى اعتبار القبول في سببية البذل إذا لم يكن على نحو التمليك. وتدل على عدم
اعتبار التمليك أو الوثوق. وعدم توقف الوجوب ـ ولا الاجزاء ـ على أحدهما. بل
عبارته الأولى
وكذا القول
بالاختصاص بما إذا كان موثوقاً به [١].
______________________________________________________
ظاهرة في حصول
الوجوب مع أحد الأمرين ، لا عدم حصوله إلا مع أحدهما.
وكيف كان فاعتبار
التمليك ، أو القبول ، أو الوجوب ، أو الوثوق ، خلاف إطلاق الدليل ، إذا كان
المراد من اعتبار الوثوق اعتباره في موضوع الحكم الواقعي. وإن كان المراد اعتباره
في الحكم الظاهري فسيأتي الكلام فيه. هذا وفي المسألة قول آخر لم يتعرض له المصنف (ره)
صريحاً ، وإن أشار إليه فيما سبق بقوله : « ولا بين أن يبذل عينها أو ثمنها .. » ،
وهو ما اختاره في المسالك. قال في مبحث البذل : « واشترط بعض الأصحاب تمليكه إياه
، وآخرون وجوب بذله عليه. والأجود عدم الاشتراط. نعم يشترط بذل عين الزاد والراحلة
، فلو بذل له أثمانها لم يجب عليه القبول. وكذا لو نذر لمن يحج وأطلق ثمَّ بذله
لمعين ، أو أوصى بمال لمن يحج ثمَّ بذله كذلك ، لأن ذلك متوقف على القبول ، وهو
شرط للواجب المشروط ، فلا يجب تحصيله .. ». ويظهر من عبارة التذكرة ذلك أيضاً. وما
ذكره خلاف إطلاق الأدلة الدالة على الوجوب بالبذل ، لصدقه ببذل أثمانها ، فإذا صدق
تحقق الوجوب فيجب القبول ، لأنه شرط الواجب لا الوجوب ، كما أشرنا إليه آنفاً. وما
في التذكرة من التعليل بالمنة في بذل الثمن غير ظاهر.
[١] ذكره جماعة.
قال في المدارك : « نعم لا يبعد اعتبار الوثوق بالباذل ، لما في التكليف بالحج
بمجرد البذل ـ مع عدم الوثوق بالباذل ـ من التعرض للخطر على النفس ، المستلزم
للحرج العظيم والمشقة الزائدة ، فكان منفياً .. ». وقد أشار إليه ـ في الجملة ـ في
الدروس في عبارته المتقدمة. وفي الجواهر قال : « نعم قد يقال باعتبار الطمأنينة
بالوفاء ، أو بعدم الظن بالكذب. حذراً من الضرر والخطر عليه. وللشك في شمول أدلة
الوجوب له إن لم تكن ظاهرة في خلافه. بل لعل ذلك كذلك وإن
______________________________________________________
وجب على الباذل.
بل هو في الحقيقة خارج عما نحن فيه ، ضرورة : أن محل البحث الوجوب من حيث البذل من
دون نظر الى الواقعة الخارجية التي قد تنتفي الاستطاعة معها ، كما هو واضح. ولا
ريب أن المتجه ما قلناه ، عملاً بإطلاق النص ، والفتوى ، ومعاقد الإجماعات. مضافاً
إلى تحقق الاستطاعة بذلك .. ».
وتحقيق ذلك : أن
الكلام تارة : في الحكم الواقعي ، وهو ثبوت الوجوب واقعاً بتحقق البذل واقعاً ،
وأخرى : في الحكم الظاهري ، وهو ثبوت الوجوب ظاهراً بثبوت موضوعه ظاهراً. فان كان
الكلام في الأول ، فلا ينبغي التأمل في أن النصوص والفتوى متفقة على ثبوت الوجوب
بمجرد البذل واقعاً ، ولا دخل للوثوق ولا للعلم فيه. وإن كان الكلام في الثاني ،
فالظاهر أن اللازم العمل بما تقتضيه الطرق العقلائية ، ولا يختص ذلك بالوجوب
بالبذل ، بل يجري في الوجوب بالاستطاعة المالية ، فإنه لا يتحقق الوجوب الظاهري
إذا لم تقم الطرق العقلائية على بقائها. فإذا احتمل المستطيع زوال استطاعته ـ بموته
، أو موت دابته ، أو سرقة ماله ، أو وجود سيل أو عدو مانع عن عبوره ، أو نحو ذلك
مما يمنع من بقاء استطاعته ـ لا يسقط الوجوب عنه ، وإن لم يكن الوثوق بخلافه ،
فكذا في المقام ، وفي الجميع يسقط الوجوب مع الوثوق بحصوله. فلا فرق بين الاستطاعة
المالية والبذلية من هذه الجهة ، ولا يعتبر الوثوق بالبقاء فيهما ، بل يعول على
الأصول العقلائية ، مثل : أصالة السلامة ، وبقاء المال ، وعدم وجود الحائل ، وعدم
طروئه ، وبقاء البذل ، ونحو ذلك ، والجميع على حد واحد.
ولو حصل الوثوق
بحصول الموانع من بقاء الاستطاعة سقط الوجوب الظاهري ، لكن الوجوب الواقعي بحاله ،
لحصول موضوعه. فلو حصل الوثوق بالمانع فلم يسافر وانكشف الخلاف ، انكشف ثبوت
الوجوب واقعاً
كل ذلك لصدق الاستطاعة
، وإطلاق المستفيضة من الأخبار [١]. ولو كان له بعض النفقة فبذل له البقية وجب أيضاً [٢]. ولو
______________________________________________________
واستقر الوجوب
عليه ، كما لو اعتقد أنه فقير لا مال له وتبين بعد ذلك أنه غني مستطيع ، كما تقدم
في المسألة الخامسة والعشرين.
نعم إذا كان خوف
على النفس كان السفر حراماً ، فلا يكون مستطيعاً واقعاً لحرمة السفر. أما إذا كان
الخوف على غير النفس ، فلأجل أنه لا يحرم السفر لا يخرج به عن كونه مستطيعاً
واقعاً ، إذا لم يكن مانع واقعاً من بقاء الاستطاعة. بل الظاهر أنه لا فرق بين
المستطيع ابتداء ومن استقر عليه الحج ، فإنه في السنين اللاحقة وإن كان يجب عليه
الحج متسكعاً ، لكن لا يجوز له السفر مع خوفه على النفس ، ولا يجب عليه مع وثوقه
بوجود الموانع عن الوصول. والوجه الذي ذكر ـ في المدارك وغيرها ـ لاعتبار الوثوق
إن تمَّ اقتضى اعتبار الوثوق ببقاء الباذل وقدرته على البذل ، ولا يختص باعتبار
الوثوق ببقاء البذل ، كما يقتضي أيضاً اعتبار الوثوق في الاستطاعة المالية.
فإذاً التحقيق ما
ذكرنا ، وأنه لا يعتبر الوثوق ببقاء البذل ، بل يكفي ـ في ثبوت الوجوب ظاهراً ـ قيام
الطرق العقلائية في البقاء ، من دون فرق بين الاستطاعة المالية والبذلية.
[١] قد عرفت : أن
الاستدلال المذكور إنما يصح لو كان القائل باعتبار الوثوق قائلاً باعتباره في
موضوع الحكم الواقعي ، أما لو كان قائلاً باعتباره في إثبات الوجوب ظاهراً فلا
مجال له.
[٢] كذا ذكر جماعة
، مرسلين له إرسال المسلمات ، منهم : العلامة في القواعد ، والمحقق والشهيد
الثانيان في جامع المقاصد والمسالك ، والسيد في المدارك ، والفاضل الهندي في كشف
اللثام ، وغيرهم ، من دون تعرض لخلاف أو إشكال.
بذل له نفقة الذهاب
فقط ولم يكن عنده نفقة العود لم يجب [١] ، وكذا لو لم يبذل نفقة عياله [٢]. إلا إذا كان عنده ما يكفيهم إلى أن يعود ،
أو كان لا يتمكن من نفقتهم مع ترك الحج أيضاً.
______________________________________________________
واستدل له في
الجواهر ـ تبعاً للمدارك ـ : بالأولوية. لكنها غير ظاهرة. وربما يستدل له : بأن
ثبوت الحكم في الاستطاعة المالية والبذلية يدل على ثبوته للجامع بينهما. وفيه :
أنه وإن سلم لكن لم يثبت وجود الجامع مع التبعيض ، كما يتضح بملاحظة النظائر. فإن
ثبوت حكم لكر من حنطة وكر من شعير لا يدل على ثبوته لنصف كر من الحنطة ونصف كر من
الشعير. أو يستدل له : بأن ما في النص : من أن المبذول له مستطيع ، يدل على أنه
مستطيع حقيقة. وحينئذ يتعين صرف ما دل بظاهره على اعتبار الملك الى اعتبار القدرة
المالية ، سواء كانت بالبذل أم التمليك أم بهما. وفيه : أن الجمع بينهما يمكن أن
يكون بجعل الاستطاعة ذات فردين ملكي وبذلي ـ كما هو ظاهر الأصحاب ـ ويقتضيه بناءهم
على عدم وجوب قبول الهبة إذا لم تكن لخصوص الحج ، إذ لو كان المراد من الاستطاعة
المالية القدرة على المال ـ كما ذكر المستدل ـ لوجب قبول الهبة ، لحصول القدرة
بمجرد إنشاء التمليك ، كما أشرنا إليه آنفاً. والأولى : الاستدلال عليه بإطلاق
نصوص البذل ، فإنه يصدق ببذل التتمة ، كما يصدق ببذل الجميع.
[١] لظهور عرض
الحج ، ببذل ما يحتاج إليه في الذهاب والإياب.
[٢] نفقة العيال
خارجة عن نصوص البذل ، لاختصاصها ببذل ما يحتاجه لنفسه في سفر الحج. لكن لما كان
وجوب الإنفاق على العيال يقتضي منعه من السفر لم يكن مستطيعاً ، كسائر الأعذار
الشرعية. ونصوص البذل إنما تتعرض لتشريع الاستطاعة المالية لا غير ، فلا تنافي ما
دل على
__________________
( مسألة ٣٥ ) : لا يمنع الدين من الوجوب في الاستطاعة البذلية. نعم لو كان حالاً ، وكان
الديان مطالباً ، مع فرض تمكنه من أدائه لو لم يحج ولو تدريجاً ، ففي كونه مانعاً
أولا وجهان [١].
______________________________________________________
اعتبار الاستطاعة
من الجهات الأخرى. وقد عرفت فيما سبق : أن الأعذار الشرعية مانعة عن الاستطاعة.
وسيأتي التعرض له في المسألة الرابعة والستين وغيرها.
ولأجل ذلك يظهر
الوجه لما ذكره في المتن ، من استثناء صورة وجود ما يكفيهم ، وصورة عجزه عن
الإنفاق عليهم. إذ في هاتين الصورتين لا محذور شرعي في السفر. ولذلك قال في
الجواهر : « بل إن لم يقم الإجماع على اعتبار بذل مئونة العيال في الوجوب أمكن
منعه في المعسر عنها حضراً ، للإطلاق المزبور ». وقد يظهر من عبارته الإجماع على
الاعتبار. لكنه غير ظاهر ، وان اشتهر في كلامهم ذكر نفقة عياله مع نفقته في البذل.
لكن الظاهر منه ما هو المتعارف ، ولا يشمل صورة العجز المسقط للتكليف المانع عن
الاستطاعة. لا أقل من عدم ثبوت انعقاد الإجماع في الصورة المذكورة ، فيرجع الى
الإطلاق ، كما ذكر في الجواهر. وعليه فما في المتن في محله. لكن كان اللازم تخصيص
العيال بواجبي النفقة ، وإلا لم يكن ما يمنع من السفر ، فيكون مستطيعاً ويجب عليه
الحج. إلا إذا كان ترك الإنفاق عليه حرجاً على المعيل ، فلا يكون الحج واجباً ،
بناء على ما تقدم ، من أن الحرج مانع من الوجوب.
[١] ينشآن من
ملاحظة الأدلة الأولية المقتضية لنفي الاستطاعة السربية الشرعية ، لوجوب الأداء
المقتضي لوجوب الحضر حسب الفرض. ومن إطلاق كلمات الأصحاب : من أن الدين لا يمنع من
الاستطاعة البذلية. قال في المسالك : « ولا يشترط في الوجوب بالبذل عدم الدين ، أو
ملك
( مسألة ٣٦ ) : لا يشترط الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة البذلية [١].
______________________________________________________
ما يوفيه به ، بل
يجب الحج وإن بقي الدين .. ». وفي كشف اللثام : « وأعلم أن الدين لا ينفي الوجوب
بالبذل ، كما ينفيه باتهاب ما لا يفي به ، مع نفقة الحج ، والإياب ، والعيال .. ».
وفي الجواهر : « ولا يمنع الدين الوجوب بالبذل وإن منعه في غيره .. ». ونحوه كلام
غيرهم ، وقد اشتهر هذا الإطلاق بينهم. وفي المدارك ـ بعد ما ذكر ذلك ـ استدل عليه
بإطلاق النص. وقد عرفت : أن النص إنما يتعرض للمساواة بين البذل والملك ، ولا يصلح
للتعرض للشروط الأخرى ـ كالبلوغ ، والعقل والحرية ، والصحة في البدن وتخلية السرب
عقلية كانت أو شرعية ـ بل كل منها باق بحاله ، فإذا قلنا بعدم الوجوب لعدم تخلية
السرب الشرعية لم يكن ذلك منافياً لإطلاق النص. وكلمات الأصحاب أيضاً منزلة على ما
هو المراد من النصوص. ومن ذلك يظهر : أن أقوى الوجهين أولهما.
[١] بلا خلاف ظاهر.
واستدل عليه في المستند : « بأن الظاهر من أخبار اشتراطه إنما هو فيما إذا أنفق في
الحج من كفايته ، لا مثل ذلك. مع أن الشهرة الجابرة غير متحققة في المورد. ومع ذلك
يعارضها إطلاق وجوب الحج بالبذل ، وهي أقوى وأكثر ، فيرجع إلى عمومات وجوب الحج
والاستطاعة العرفية .. ». وما ذكره ـ أولاً ـ مبني على الرجوع إلى الأخبار في
اعتبار الرجوع إلى الكفاية ، فإذا لم تتم لم تصل النوبة إلى دعوى ظهوره فيما ذكر.
وما ذكره ـ ثانياً وثالثاً ـ وإن كان محل المناقشة ، لكنها لا تقدح فيما ذكره
أولاً ، كما لا يخفى.
وبالجملة : إن كان
الدليل هو الأخبار فالجواب عنها ما ذكره. وإن كان الدليل عموم نفي الحرج فلا مجال
لتطبيقه في المقام ، لاختصاصه بما
( مسألة ٣٧ ) : إذا وهبه ما يكفيه الحج لأن يحج وجب عليه القبول على
الأقوى [١] ، بل وكذا لو وهبه وخيره بين أن يحج به أولا [٢]. وأما لو وهبه ولم
يذكر الحج لا تعييناً
______________________________________________________
إذا أنفق في الحج
من كفايته ، وليس كذلك فيما نحن فيه ، كما ذكره ( قده ). نعم إذا اتفق لزوم الحرج
في إجابة الباذل لم تجب الإجابة. وسيأتي ـ إن شاء الله ـ في المسألة الثامنة
والخمسين التعرض لذلك. فانتظر.
[١] كما في كشف
اللثام ، واختاره في الحدائق ، وحكاه عن الذخيرة ومجمع البرهان ، وكذا في المستند
وغيرها. لإطلاق النصوص ، الشامل للبذل على نحو الإباحة والتمليك ، فيجب القبول ،
لأنه حينئذ يكون مقدمة للواجب لا للوجوب. لكن في الشرائع : « لو وهبه مالا لم يجب
قبوله .. ». وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين أن يهبه للحج بالخصوص أو له ولغيره.
وعلله في المسالك : بأن قبول الهبة نوع من الاكتساب ، وهو غير واجب للحج ، لأن
وجوبه مشروط بوجود الاستطاعة ، فلا يجب تحصيل شرطه ، بخلاف الواجب المطلق. ومن هنا
ظهر الفرق بين البذل والهبة ، فإن البذل يكفي فيه نفس الإيقاع في حصول القدرة
والتمكن ، فيجب بمجرده. انتهى. وتبعه في ذلك في الجواهر. بناء منه على ظهور نصوص
البذل بالإباحة لأكل الزاد والراحلة أو الإباحة المطلقة حتى التملك إن اراده. وفيه
: أن المبنى غير ظاهر ، لشمول النصوص لإيقاع الإباحة ، وإيقاع التمليك للحج معاً ،
ولا اختصاص لها بالأول كما ذكره.
[٢] كأنه : لصدق
عرض الحج عليه ، فيثبت له حكم البذل من الوجوب ، فيجب القبول. وفيه : أنه غير ظاهر
، لظهور عرض الحج ـ المذكور في النصوص ـ في عرضه على التعيين لا على التخيير.
ولا تخييراً ،
فالظاهر عدم وجوب القبول ، كما عن المشهور [١].
( مسألة ٣٨ ) : لو وقف شخص لمن يحج أو أوصى أو نذر كذلك ـ فبذل المتولي ـ أو الوصي أو الناذر
ـ له وجب عليه ، لصدق الاستطاعة [٢] ، بل إطلاق الأخبار. وكذا لو أوصى له بما
يكفيه للحج بشرط أن يحج ، فإنه يجب عليه بعد موت الموصي [٣].
______________________________________________________
[١] حكى نسبته إلى
المشهور في المستند. وقد عرفت : ما ذكره في الشرائع ، ومثله في القواعد. ويظهر من
شراحهما : التسالم عليه ، معللين ذلك : بأن القبول نوع من الاكتساب ، وهو شرط وجوب
الحج فلا يجب تحصيله. وفي المدارك : « وربما علل : باشتماله على المنة ، ولا يجب
تحملها.
ويتوجه على الأول
: ما سبق. وعلى الثاني : منع تأثير مثل ذلك في سقوط الواجب. مع أن ذلك بعينه يأتي
في بذل عين الزاد والراحلة ، وهو غير ملتفت اليه .. ». ومراده بما سبق تحقق
الاستطاعة. لأنها التمكن من الحج بمجرد البذل. وفيه : ما عرفت من أن الذي يظهر من
الأدلة : أن الاستطاعة نوعان ملكية وبذلية ، وتختص البذلية بالبذل للحج ، فالهبة
مطلقة قبل القبول خارجة عن النوعين معاً. وليست الاستطاعة نوعاً واحداً ـ وهو
التمكن من المال ـ كي يدعي وجوب القبول. ولأجل ذلك لا يتم ما ذكر في المدارك ـ واختاره
في المستند ـ من وجوب الحج في الفرض. بل يشكل أيضاً : ما تقدم من المصنف في المسألة
الثلاثين ، كما أشرنا إليه هناك.
[٢] قد عرفت
الاشكال فيه. نعم لا بأس بالتمسك بإطلاق الأخبار ، لأن عرض الحج على المكلف أعم من
أن يكون المال مملوكاً للعارض ، أو تحت ولايته وسلطانه.
[٣] هذا من أفراد
المسألة السابقة ، فإذاً يدخل في أخبار العرض ،
( مسألة ٣٩ ) : لو أعطاه ما يكفيه للحج خمساً أو زكاة ، وشرط عليه أن يحج به فالظاهر الصحة
[١] ،
______________________________________________________
بملاحظة أن الوصي
إذا عرض عليه المال الموصى به للحج يدخل في أخبار العرض. بل يزيد عليه بإمكان
تطبيق الأخبار بملاحظة وصية الميت أيضاً ، فيكون الميت قد عرض عليه الحج. وهذا وإن
كان حاصلاً في فرض الوصية السابق ، لكن عرض الميت فيه ليس للشخص المعين بل للكلي ،
حسب فرض المسألة. وسيأتي الإشكال في مثل ذلك.
[١] الشرط المذكور
تارة : يكون من قبيل إنشاء شرط العمل على المدفوع اليه ، وأخرى : من قبيل القيد
للمدفوع إليه. فإن كان من قبيل الأول فصحته موقوفة على ثبوت ولاية المالك على مثل
ذلك ، ودليله غير ظاهر. وعمومات صحة الشروط لا تصلح لإثبات السلطنة عليه عند الشك
فيها ، نظير عمومات صحة البيع لا تثبت السلطنة لكل بائع. وكذلك غيرها ، من عمومات
صحة العقود والإيقاعات ليست ناظرة إلا إلى إثبات قابلية المنشأ للإنشاء في ظرف
صدوره من السلطان ، فلا بد في إثبات ولايته على الشرط من دليل. والفرق بين المورد
وغيره من موارد العقود والإيقاعات : أن في الموارد المذكورة لما كان موضوعها تحت
سلطنة الموقع يكون الشرط من شؤون تلك السلطنة. مثلا : إذا باع الإنسان ماله على غيره
، فلما كان المال موضوعاً لسلطنة البائع الراجعة إلى السلطنة على البيع وغيره من
التصرفات ، فاذا كان البيع تحت السلطنة مطلقاً كان الشرط تحتها ، لأنه من شؤون
البيع ، وليس كذلك في المقام ، فان المال المدفوع ليس ملكاً للدافع ، وإنما له
ولاية تعيين المستحق ، ودليل هذه الولاية لا يستفاد منه الولاية على التعيين بشرط.
وأما إذا كان
الشرط من قبيل القيد ، بأن يدفعه له مقيداً بكونه يحج به ، فقد يقال بامتناعه ،
بلحاظ أن المدفوع اليه هو الشخص الخارجي ،
ووجوب الحج عليه
إذا كان فقيراً ، أو كانت الزكاة من سهم سبيل الله [١].
( مسألة ٤٠ ) : الحج البذلي مجز عن حجة الإسلام ،
______________________________________________________
وهو لا يقبل
الإطلاق والتقييد. وفيه : أن الشخص الخارجي وإن كان كذلك ، لكن الدفع الاختياري ـ الذي
أخذ موضوعاً للقصد والإرادة ـ يقبل ذلك ، لأنه يتعلق بالصور الذهنية ، والصور
الذهنية تقبل ذلك ، سواء كانت حاكية عن المفاهيم الكلية أم الجزئية ، ولذلك يتمسك
في الأحكام الشخصية بالإطلاق الأحوالي. وإذا كان الدفع قابلاً للإطلاق والتقييد
كان موضوعه كذلك ، لأنه من شؤونه. فالعمدة في الإشكال في صحة الشرط على هذا الوجه
: عدم ثبوت ولاية الدافع على مثل هذا التقييد ، وليس في دليل ولاية المالك في
الزكاة على تعيين المستحق ما يشمل مثل ذلك. فيلحظ هذا في الزكاة.
وأما في الخمس ،
فقد تقدم في كتاب الخمس : عدم وضوح الدليل على ولاية المالك على تعيين المستحق.
لكن الكلام في المقام مبني على ثبوت ولايته ولو بإذن الحاكم الشرعي. وقد تقدم من المصنف
(ره) في بعض مسائل ختام الزكاة : أنه لا يجوز إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء
للزيارة أو الحج أو نحوهما من القربات. فراجع.
ثمَّ إن ظاهر
المتن : أن وجوب الحج في المقام مبني على صحة الشرط. ويمكن المناقشة فيه : بأنه لو
بني على بطلان الشرط أمكن أن يدعى الوجوب بلحاظ صدق العرض ، فتشمله نصوص البذل ،
فيجب عليه الحج للاستطاعة البذلية لا لصحة الشرط ، نظير ما تقدم في المسألة
السابقة.
[١] إذا كانت
الزكاة كذلك وجب الحج بعد القبول ـ كما هو مفروض المسألة ـ وإن لم نقل بصحة الشرط
، لأن الحج هو المصرف لا غير.
فلا يجب عليه إذا
استطاع مالاً بعد ذلك على الأقوى [١].
( مسألة ٤١ ) : يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام [٢]. وفي جواز رجوعه عنه
بعده وجهان [٣].
______________________________________________________
[١] كما هو
المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً ، إذ لم يعرف الخلاف في ذلك إلا من الشيخ في
الاستبصار. لخبر الفضل بن عبد
الملك عن أبي عبد الله (ع) قال : «
سألته عن رجل لم يكن له مال ، فحج به أناس من أصحابه ، أقضى حجة الإسلام؟ قال :
نعم. قال : فإن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحج. قلت : هل تكون حجته تلك تامة أو ناقصة
إذا لم يكن حج من ماله؟ قال (ع) : نعم. قضى عنه حجة الإسلام ( وتكون تامة ليست بناقصة. خ ). وإن أيسر فليحج » . ونحوه خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : «
قال : لو أن رجلاً
معسراً أحجه رجل كانت له حجته ، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج » . وحملا على الاستحباب.
والعمدة : وهن
الخبرين بالاعراض والهجر. ولو لا ذلك لأشكل الحمل على الاستحباب بأنه خلاف الظاهر.
ولا يقتضيه الجمع بينهما وبين ما دل على الاجزاء عن حجة الإسلام ، لتضمنها ذلك
أيضاً. وأبعد من الحمل المذكور الحمل على من حج عن غيره ، أو على الوجوب الكفائي ،
كما في الوسائل.
[٢] الظاهر أنه لا
إشكال في ذلك ، كما يظهر من كلماتهم في مسألة اشتراط وجوب البذل في الاستطاعة ،
كما سبق.
[٣] أحدهما : أنه
وعد ، والوعد لا يجب الوفاء به ، كما يقتضيه قاعدة السلطنة على النفس والمال. وأما
الثاني فقد يوجه : بأنه إذا شرع
__________________
______________________________________________________
في الإحرام فقد
وجب عليه الإتمام ، فيكون تركه غير مقدور ، فلا أثر للعدول عن البذل. ونظيره ما
ذكر ـ في من أذن لغيره في الصلاة في ملكه ـ : من أنه بعد الشروع في الصلاة لا أثر
لمنع المالك ، كما أشار إلى ذلك بعض مشايخنا في رسالة الحج. وفي حاشيته على المقام
ذكر : أن أقوى الوجهين عدمه. ويشكل : بأن الحكم غير ثابت في النظير ، فضلا عن
المقام. أما الأول فلأن نهي المالك عن الصلاة في ملكه يوجب امتناع التعبد بها ،
وإذا امتنع التعبد بها بطلت. فوجوب إتمام الصلاة إنما يوجب سلب قدرة المصلي على
القطع على تقدير إمكان الإتمام ، ونهي المالك مانع عن الإتمام ، لامتناع التعبد
بالصلاة في المكان المغصوب ، فتبطل بنفسها لا بإبطال المصلي لها.
فان قلت : حرمة
الابطال من آثار الدخول في الصلاة الصحيحة ، ولما كان الدخول في الصلاة بإذن
المالك كان الدخول صحيحاً ، فيترتب عليه حرمة الإبطال.
قلت : لا ريب أن
الإبطال المحرم هو إبطال الصلاة الصحيحة ، فما دامت الصلاة صحيحة يحرم إبطالها ،
فهو منوط بالصحة ـ حدوثاً وبقاء ـ إناطة كل حكم بموضوعه ، لا أنه منوط بها حدوثاً
فقط. كيف ولا ريب أنه لو طرأ ما يوجب بطلان الصلاة لم يحرم إبطالها؟ بل لا يتصور
إبطالها. وإذا كان الحكم منوطاً بالصحة حدوثاً وبقاء ، كان منوطاً بشرائط الصحة
حدوثاً وبقاء ، فاذا زال بعض الشرائط زال الحكم بزواله ، ورجوع المالك عن إذنه
موجب. لذلك نظير ما لو شرع في الصلاة في مكان مباح ، ثمَّ اضطر الى الخروج عنه الى
مكان مغصوب ، فإنه لا يحرم قطعها لبطلانها.
وأضعف من ذلك ما
قيل : من أن الشروع في الصلاة الصحيحة لما كان يستلزم الإتمام ، كان الاذن في
الشروع إذناً في الإتمام ، لأن الإذن في الشيء
______________________________________________________
إذن في لوازمه.
وجه الضعف : أن الكلام في جواز رجوع المالك عن إذنه وعدمه ، وحرمة إتمام الصلاة
وعدمها ، لا في تحقق الاذن في الإتمام كي يستدل على تحقق الإذن بالقاعدة المذكورة.
فالكلام في تأثير الرجوع عن الاذن وعدمه ثبوتاً ، لا في ثبوت الاذن وعدمه إثباتاً
، فالاختلاف بين المقام ومورد القاعدة موضوعاً وحكماً.
ومثل رجوع المالك
عن إذنه في الصلاة رجوعه عن إذنه في البناء في ملكه أو الغرس فيه أو الزرع فيه ،
ففي مثل هذه الموارد إذا رجع ـ بعد البناء أو الغرس أو الزرع ـ كان الواجب على
المأذون إخلاء الأرض. إلا إذا لزم الضرر ، فتكون قاعدة الضرر حاكمة على قاعدة السلطنة
، المقتضية لجواز الرجوع. ولا تعارضها قاعدة الضرر الجارية في حق المالك ، لأنه
مقدم عليه بالاذن.
وقد يستشهد على
عدم جواز رجوع المالك عن الاذن في الصلاة بما تسالموا عليه : من عدم تأثير رجوع
المالك إذا أذن في رهن ملكه. وفيه : وضوح الفرق بين المقامين ، فان الرهن بإذن
المالك يستوجب حقاً للمرتهن في العين ، فقاعدة السلطنة على الحق ـ الجارية في حق
المرتهن ـ مانعة من تأثير الرجوع ، ومن إجراء قاعدة السلطنة في حق المالك. والسر
في ذلك : أن عقد الرهن ليس من الأمور القارة الموقوفة على إذن المالك حدوثاً وبقاء
، بل هو يحدث وينعدم ، فاذا حدث بالاذن صح وترتب أثره وبعد العدم لا يناط بالاذن.
بخلاف مثل التصرف في المكان ، فإنه كما يحتاج إلى إذن المالك في الحدوث يحتاج
إليها في البقاء. نعم المناسب لباب الرهن الجزء الخاص من التصرف الحادث قبل رجوع
المالك ، فإنه لا أثر للرجوع في حرمته ، ولا في ترتب أثر الحرمة عليه بوجه. فهو
والرهن من باب واحد ، ويصح قياس أحدهما على الآخر ، لا قياس التصرف اللاحق للرجوع
بالرهن ، فإنهما من بابين لا من باب واحد.
______________________________________________________
هذا كله الحكم في
النظير. وأما الكلام في المقام فهو : أنه إذا بنينا على عدم تأثير الرجوع إذا أذن
في الصلاة ـ لما سبق ـ لا يلزم البناء عليه في المقام ، لأن وجوب إتمام الحج في
المقام لا ينافي حرمة التصرف في المال المبذول ، لجواز إتمام الحج بلا تصرف في
المال المبذول ، بأن يحج متسكعاً ، أو بالاستدانة ، أو الاستيهاب. أو إجارة نفسه
على عمل مؤجل أو حال أو غير ذلك. فوجوب إتمام الحج لا يقتضي سلب قدرته على ترك
التصرف في المال ، كي يكون من قبيل باب الاذن في الصلاة. نعم إذا انحصر إتمام الحج
بركوب الراحلة المبذولة كان من ذلك القبيل ، وحينئذ يجيء فيه ما ذكر هناك ، فان
قلنا فيه بعدم تأثير الرجوع وجب الإتمام بالتصرف بالمال المأذون فيه أولا ، وإن
رجع المالك عن الاذن. وإن قلنا بتأثير الرجوع وجب ترك التصرف ، ويجري عليه حكم
المحصور.
هذا كله من حيث
الحكم التكليفي. أما من حيث الحكم الوضعي ـ أعني : ضمان المال المبذول في المقام ،
والانتفاع المبذول في باب الصلاة والإعارة للزرع والغرس ـ فهو أنه إن بني على
تأثير الرجوع في حرمة التصرف فلا إشكال في الضمان. أما لو بني على عدم تأثيره ،
فقد يقال بعدم الضمان ، لوجوب البذل شرعاً ، المقتضي لعدم احترام المال. وفيه : أن
وجوب البذل أعم من عدم احترام المال ، نظير البذل عند المخمصة ، فإنه مضمون على
المتصرف فيه بالأكل. وبالجملة : وجوب بذل المال ، ووجوب تصرف المبذول له فيه لا
يقتضي نفي الضمان الثابت بالإتلاف ، لعدم المنافاة بينهما كي يدل أحدهما على عدم
الآخر. وكذا الكلام في ضمان منافع الأرض المبذولة للغرس والزرع والبناء إذا لزم
الضرر من إخلائها من ذلك عند رجوع الباذل عن إذنه. فلاحظ.
ومن ذلك تعرف حكم
الرجوع عن الاذن في الموارد المختلفة ، فإن
______________________________________________________
رجوع الباذل للرهن
لا أثر له ، ورجوع المعمر للزرع والغرس ونحوهما يترتب عليه الأثر تكليفاً ووضعاً ،
إلا مع الضرر فيترتب أثره وضعاً لا تكليفاً ، ورجوع الآذن في الصلاة يترتب أثره
تكليفاً ووضعاً ، فتبطل الصلاة معه ويكون المصلي ضامناً ، وكذا المقام. وأما رجوع
الزوج عن الإذن الزوجة في الحج فيترتب عليه أثره وإن كان قبل إحرامها ، ولا يترتب
أثره إذا كان بعد إحرامها ، لأن وجوب الإتمام مانع عن وجوب إطاعة الزوج. ومثله
رجوع الوالد عن الاذن لولده في الحج. وأما رجوع المولى إذا أذن لعبده في الحج أو
الاعتكاف ، فان كان قبل الإحرام في الحج ، وقبل اليوم الثالث في الاعتكاف ترتب
عليه أثره ، ـ من حرمة الحج والاعتكاف ـ فيبطل اعتكافه إذا كان قد شرع فيه. وإن
كان بعد الإحرام أو بعد دخول اليوم الثالث ، فان قلنا بأن منفعة الحج والاعتكاف من
المنافع المملوكة ـ كما هو الظاهر ـ يكون الحكم كما لو رجع الباذل للصلاة ، وان لم
نقل بذلك كان الحكم كما في رجوع الزوج والوالد عن الاذن.
وأما إذا أذن في
دفن الميت في ملكه ثمَّ عدل بعد الدفن ، فان لم يؤد نقله إلى موضع آخر إلى محذور
لزم ، وإن أدى إلى هتك حرمته ـ لطروء الفساد على بدنه ـ ففي جواز نقله إشكال ،
لاحتمال أهمية حرمة الهتك من محذور دفنه في أرض غيره. ولا سيما أن حرمة الهتك لا
تختص بالمباشر لدفنه بل عامة حتى لصاحب الأرض. ولأجل ذلك يشكل النقل حتى لو دفن في
أرض بغير إذن المالك ، لاطراد المحذور فيه أيضاً.
ثمَّ إن الظاهر أن
وجه توقف المصنف (ره) عن الحكم بجواز الرجوع في البذل بعد الإحرام ، مع بنائه على
الجواز فيما لو أذن في الصلاة في داره ـ كما تقدم منه في كتاب الصلاة ـ : احتمال
التمسك بقاعدة الغرور في المقام ، التي يدل عليها ـ مضافاً إلى الإجماع في الجملة ـ
: النبوي المرسل
______________________________________________________
المشهور
: « المغرور يرجع على
من غره » . وما ورد في تدليس
الزوجة ، من رجوع الزوج الى المدلس ، معللاً بقوله
(ع) : « كما غر
الرجل وخدعه » . ومقتضى ذلك وإن
كان عموم الحكم برجوع المغرور إلى الغار في جميع الموارد ، الا أنه ليس بناء
الأصحاب على العمل بها كلية. ولذلك يشكل الأخذ بعموم دليلها ، كما أشرنا إلى ذلك
في مبحث الفضولي من ( نهج الفقاهة ) ، تعليقتنا على مكاسب شيخنا الأعظم ( قده ).
لكن يخدش الوجه
المذكور : أن الإيقاعات لا توجب تغريراً للغير ، فإنها إنشاءات بحتة ليس فيها
حكاية ولا دلالة تصديقية ، ولا تتصف بصدق ولا كذب ، فاذا رجع الباذل عن بذله لم
ينكشف من الرجوع خلاف ما دل عليه إنشاء الوعد. نعم إذا ظهر من قوله أو فعله أنه لا
يخلف في وعده ولا يرجع عنه كان ذلك تغريراً للمبذول له وإيقاعاً له في الغرور
فالتغرير إنما يكون بذلك القول أو الفعل لا بنفس الوعد. وعليه إذا بني على عموم
القاعدة ، ولزوم العمل بها فاللازم التفصيل بين أن يكون اعتماد المبذول له على
مجرد الوعد ، وبين أن يكون اعتماده على قوله أو فعله الدال على بقائه على وعده.
ففي الأول لا مجال لرجوعه عليه. وفي الثاني يرجع عليه ، لحصول التغرير منه في
الثاني دون الأول. وأما العمل بعموم القاعدة حتى في المقام فلا بأس به ، لعموم
دليلها.
نعم قد يشكل صدق
التغرير إذا لم يكن الغار قاصداً للايهام. بل الظاهر اختصاص الخديعة بذلك ، ففي
هذه الصورة يضمن الغار ، ولا يبعد أن يكون بناء العقلاء والمتشرعة على الضمان
ومؤاخذتهم الغار بتغريره.
__________________
ولو وهبه للحج
فقبل فالظاهر جريان حكم الهبة عليه ، في جواز الرجوع قبل الإقباض وعدمه بعده ، إذا
كانت لذي رحم ، أو بعد تصرف الموهوب له [١].
(
مسألة ٤٢ ) : إذا رجع الباذل
في أثناء الطريق ، ففي وجوب نفقة العود عليه أولا وجهان [٢].
( مسألة ٤٣ ) : إذا بذل لأحد اثنين أو ثلاثة فالظاهر الوجوب عليهم كفاية [٣] ، فلو ترك
الجميع استقر عليهم
______________________________________________________
أما إذا لم يكن
قاصداً للايهام وإيقاع المغرور في خلاف الواقع ، ففي البناء على الضمان اشكال ،
لعدم وضوح الدليل فيه. وعدم ثبوت بناء العقلاء والمتشرعة عليه ، وإن كان ظاهر
الأصحاب في مبحث الفضولي ـ فيما لو رجع المالك على المشتري ـ عموم الحكم لصورة علم
الغار وجهله. وإن كان بناؤهم على ذلك لا يهم إذا كان الدليل قاصراً ، فإنه لم يكن
عن إجماع معتد به على ذلك ، لاختلاف أنظارهم في وجه الرجوع. فلاحظ ما ذكرناه في (
نهج الفقاهة ) في ذلك المبحث. والله سبحانه العالم الموفق.
[١] لعدم ظهور
خصوصية للمورد تمتاز بها عن بقية أفراد الهبة ، فيشملها عموم الدليل المقتضي
للتفصيل المذكور.
[٢] ينشآن : مما
ذكرنا من أصالة البراءة. ومن قاعدة الغرور ، فان هذه المسألة وسابقتها من قبيل
واحد ، ولذلك توقف المصنف (ره) في المقام. ومن بنى على الرجوع الى قاعدة الغرور في
إحداهما بنى على ذلك في الأخرى.
[٣] لتحقق
الاستطاعة بالنسبة إلى كل واحد منهم ، على ما ذكره هنا ، وتقدم منه في المسألة
الثلاثين وغيرها. لكن عرفت الاشكال
الحج. فيجب على
الكل ، لصدق الاستطاعة بالنسبة إلى الكل. نظير : ما إذا وجد المتيممون ماء يكفي
لواحد منهم ، فان تيمم الجميع يبطل [١].
______________________________________________________
في ذلك ، وأن
المستفاد من النصوص أن الاستطاعة نوعان : ملكية ، وبذلية ، وكلتاهما في المقام غير
حاصلة ، لانتفاء الملك. ولعدم شمول نصوص البذل له. ولذا قال في الجواهر : « إن لم
ينعقد إجماع على وجوبه للمبذول لهم الحج على جهة الإطلاق من دون خصوصية ـ كأن يقال
: « بذلت الزاد والراحلة لكل من يريد الحج مثلاً ـ أمكن القول بعدمه. للأصل وغيره.
وبالجملة : المدار في المسألة : أن وجوب الحج على المبذول له ، لصدق الاستطاعة
المتحقق في ذلك وأمثاله. أو أنه لمكان الأدلة المخصوصة ، لعدم الاكتفاء بهذه
الاستطاعة المشتملة على المنة ، التي سقط لها ونحوها أكثر التكاليف. ولعل الأخير
لا يخلو من قوة .. ». وما ذكره في محله. وإن كان بعضه لا يخلو من مناقشة ، فإن
الاعتماد على النصوص المخصوصة في الاستطاعة البذلية ، وعدم شمول العمومات لها ليس
لأجل المنة ، بل لأجل أن العمومات مختصة بالملك ، على ما عرفت في المسألة الثلاثين
وغيرها. والمنة الحاصلة في البذلية ليست مما يسقط لأجلها التكليف ، لعدم بلوغها
الحرج. ولو فرض بلوغها ذلك فلا ينبغي التأمل في منعها من الاستطاعة البذلية ،
لعموم أدلة الحرج ، كما عرفت في جملة من مسائل الاستطاعة المالية المتقدمة. فراجع.
[١] الوجدان ـ الموجب
لبطلان التيمم ـ إنما هو بمعنى القدرة على الماء ، وهو في المقام حاصل بالنسبة إلى
كل واحد منهم ، فيبطل تيممه. نعم إذا تسابقوا اليه فسبق واحد منهم بطل تيممه دون
غيره ، لانكشاف قدرة السابق وعجز غيره. وإذا سبقوا اليه جميعاً لم يبطل تيمم واحد
منهم ،
( مسألة ٤٤ ) : الظاهر أن ثمن الهدي على الباذل [١]. وأما الكفارات فان أتى بموجبها عمداً
اختياراً فعليه ، وإن أتى بها اضطراراً ، أو مع الجهل أو النسيان فيما لا فرق فيه
بين العمد وغيره ، ففي كونه عليه أو على الباذل وجهان [٢].
( مسألة ٤٥ ) : إنما يجب بالبذل الحج الذي هو وظيفته على تقدير الاستطاعة ، فلو بذل للآفاقي
بحج القران أو الافراد أو لعمرة مفردة لا يجب عليه ، وكذا لو بذل للمكي لحج
______________________________________________________
لاشتراكهم فيه.
أما الاستطاعة في باب الحج فقد عرفت أنها ليست كذلك ، فالتنظير في غير محله.
[١] لأنه جزء من
الواجب ، فيشمله البذل. هذا إذا كان البذل واجباً بنذر ونحوه ، لانصرافه الى الفرد
الاختياري. أما إذا كان واجباً بقاعدة أخرى ـ كالغرور ، أو التسبيب ـ فوجوبه على
الباذل غير ظاهر ، لأنه واجب عند القدرة ، وبامتناع الباذل تنتفي القدرة فينتقل
إلى بدله. نعم لو كان المبذول له متمكناً من الهدي فاشتراه فذبحه أمكن رجوعه على
الباذل بالثمن ، لقاعدة الغرور. وهكذا الكلام في كل ما له بدل ، فإنه لا يجب عليه
بذله. بل لو بذل له من أول الأمر مالاً يفي بالواجب الاختياري وجب عليه الحج وأجزأ
عن حج الإسلام. وكذا لو كان المكلف مالكاً لمال لا يفي بالواجب الاختياري ، ولكن
يفي بالواجب الاضطراري ، كان مستطيعاً بالاستطاعة الملكية ، ووجب عليه الحج ،
وأجزأه عن حج الإسلام.
[٢] مما ذكرنا
سابقاً يظهر أن أقوى الوجهين أولهما. فان البذل إذا كان واجباً ـ بنذر ونحوه ـ فلا
ينصرف إلى مثل ذلك ، وإن كان واجباً بقاعدة الغرور ونحوها فلا يقتضي ذلك. فتأمل
جيداً.
التمتع لا يجب
عليه. ولو بذل لمن حج حجة الإسلام لم يجب عليه ثانياً [١]. ولو بذل لمن استقر عليه
حجة الإسلام وصار معسراً وجب عليه [٢]. ولو كان عليه حجة النذر أو نحوه ولم يتمكن
فبذل له باذل وجب عليه [٣] ، وإن قلنا بعدم الوجوب لو وهبه لا للحج. لشمول الأخبار
من حيث التعليل فيها : بأنه بالبذل صار مستطيعاً. ولصدق الاستطاعة عرفاً.
( مسألة ٤٦ ) : إذا قال له : « بذلت لك هذا المال مخيراً بين أن تحج به أو تزور الحسين (ع) »
وجب عليه الحج [٤].
______________________________________________________
[١] كما يقتضيه
ظاهر النصوص.
[٢] لأن المفروض
استقرار الوجوب عليه. غاية الأمر : أنه كان معذوراً من جهة العسر ، وبالبذل يزول
المانع.
[٣] لما سبق.
والقول بعدم وجوب قبول الهبة لو وهبه لا للحج لا يرتبط بما نحن فيه ، لأنه في أصل
وجوب الحج واشتغال ذمته. وقد عرفت أن المقام ليس في ذلك ، لاستقرار الوجوب عليه
بالسبب السابق ، والكلام هنا في وجوب إفراغ ذمته عقلاً من الواجب المشغولة به ،
فالقدرة هنا عقلية لا شرعية ، فلا مناسبة بين المقام وذلك المقام. ومن ذلك يظهر
النظر في قوله (ره) : « لشمول الاخبار من حيث .. » ، فان المقام لا يرتبط بتلك
الأخبار ، ولا بالتعليل المذكور فيها ، ولا بصدق الاستطاعة. لأنها كلها في مقام
أصل الوجوب ، وفي حصول ملاكه ، لا فيما نحن فيه مما لم تكن الاستطاعة شرطاً في
الوجوب ولا في الملاك. وما كان يؤمل من المصنف (ره) صدور مثل ذلك منه.
[٤] تقدم الكلام
فيه في المسألة السابعة والثلاثين.
( مسألة ٤٧ ) : لو بذل له مالاً ليحج بقدر ما يكفيه ، فسرق في أثناء الطريق سقط الوجوب [١].
( مسألة ٤٨ ) : لو رجع عن بذله في الأثناء ، وكان في ذلك المكان يتمكن من أن يأتي ببقية
الأعمال من مال نفسه أو حدث له مال بقدر كفايته ، وجب عليه الإتمام [٢] ، وأجزأه
عن حجة الإسلام.
( مسألة ٤٩ ) : لا فرق في الباذل بين أن يكون واحداً أو متعدداً [٣] ، فلو قالا له : « حج
وعلينا نفقتك » وجب عليه.
( مسألة ٥٠ ) : لو عين له مقداراً ليحج به ، واعتقد
______________________________________________________
[١] بل انكشف عدم
ثبوته ، لانتفاء شرطه.
[٢] ظاهر العبارة
: أنه كان الرجوع عن البذل بعد الإحرام. وعليه يشكل ما ذكره من إجزائه عن حج
الإسلام ، لأنه بالرجوع انكشف عدم كونه مستطيعاً من أول الأمر. لكن تقدم منه في
المسألة التاسعة والعشرين : احتمال أن تلف المال في أثناء الحج لا يمنع من الاجزاء
عن حج الإسلام ، والرجوع بعد الإحرام من قبيل تلف الاستطاعة بعد الإحرام.
هذا إذا كان المال
الذي يكفيه للإتمام قد حدث له ، أما إذا كان عنده حين البذل فلا إشكال ، لأن البذل
إلى زمان الرجوع يكون متمماً للاستطاعة. أما إذا كان المراد الرجوع عن البذل قبل
الإحرام ، وكان عنده من المال ما يكفيه للذهاب والإياب ، أو حدث له مال كذلك ، فلا
ينبغي التأمل في أنه يجب عليه حج الإسلام ، وكان بذلك مستطيعاً. ولعله مراد المتن.
[٣] لإطلاق أدلة
العرض.
كفايته فبان عدمها
، وجب عليه الإتمام في الصورة التي لا يجوز له الرجوع. إلا إذا كان ذلك مقيداً
بتقدير كفايته [١].
( مسألة ٥١ ) : إذا قال : « اقترض وحج وعليّ دينك » ففي وجوب ذلك عليه نظر ، لعدم صدق
الاستطاعة عرفاً [٢]
______________________________________________________
[١] يعني : وجب
على الباذل إتمام ما بذله حتى يكون بمقدار الكفاية ، في الصورة التي لا يجوز
الرجوع فيها عن البذل. إلا إذا كان بذل المقدار المعين مقيداً بقدر كفايته ، بأن
كان بذله للمقدار المعين معلقاً على تقدير الكفاية. فحينئذ لا يجب إضافته بمقدار
الكفاية. وكأن الوجه في وجوب الإتمام هو الوجه في عدم جواز الرجوع في البذل بناء
عليه. لكن يشكل ذلك : بأنه لو بني على عدم جواز الرجوع من جهة التغرير لا مجال
للبناء على ذلك هنا ، إذ لا تغرير من الباذل.
اللهم إلا أن يكون
قول الباذل : « لتحج به » بمنزلة إخباره بكفايته للحج ، فيكون تغريراً منه. لكن
لازم ذلك وجوب الرجوع على كل من أخبر بذلك ولو كان غير الباذل ، ولا يختص وجوب
الإتمام بالباذل. أو لأن قول الباذل : « لتحج به » لما لم يكن مقيداً بتقدير
الكفاية ، كان دالا على الوعد بالإتمام على تقدير النقص ، لأنه لازم لبذل المقدار
المعين للحج ، إذ لا تمكن الاستعانة به في الحج إلا بذلك. والمظنون : أن مراد
المصنف ذلك ، فيكون مرجع البذل في المقام إلى بذل التتمة على تقدير النقص ، فلا
يجوز للباذل الرجوع عنه. لكن الدلالة على الوعد بالإتمام يتوقف على علم الباذل
بعدم تمكن المبذول له من الإتمام إلا ببذل التتمة ، فلو كان الباذل يحتمل تمكن
المبذول له من الحج متسكعاً ، أو أن يكون له مال يتمكن من الإتمام به ، فالدلالة
غير حاصلة.
[٢] في هذا
التعليل نظر ـ بناء على ما تقدم منه من أن الاستطاعة
نعم لو قال : «
اقترض لي وحج به » وجب مع وجود المقرض كذلك.
( مسألة ٥٢ ) : لو بذل له مالاً ليحج به فتبين بعد الحج أنه كان مغصوباً ، ففي كفايته
للمبذول له عن حجة الإسلام وعدمها وجهان ، أقواهما العدم [١]. أما لو قال : « حج
وعلي نفقتك » ، ثمَّ بذل له مالاً فبان كونه مغصوباً ،
______________________________________________________
عبارة عن القدرة
المالية ، نظير القدرة على الماء التي يبطل معها التيمم ـ لحصولها بالبذل على
النحو المذكور. نعم بناء على ما ذكرنا سابقاً : من أن الاستطاعة منحصرة في نوعين :
ملكية وبذلية ، تكون منتفية بكلا نوعيها ، لانتفاء الملك والبذل معاً. ومن ذلك
يظهر عدم الوجوب في الصورة الثانية ، لانتفاء الملك والبذل أيضاً ، فلا يجب الحج
فيها. نعم لو اقترض حصلت الاستطاعة البذلية ، ووجب الحج ، وأجزأ عن حج الإسلام.
[١] لا ينبغي
التأمل في أن البذل الإنشائي والوعد بالبذل لا يستوجب الاستطاعة البذلية ، ولا بد
من البذل الخارجي في حصولها ، فاذا كان المبذول مغصوباً لم يتحقق البذل الموجب
للاستطاعة ، لاختصاصه ببذل المال غير المضمون. وهذا مما لا ينبغي التأمل والتردد
فيه. ومنه يظهر الاشكال فيما ذكره المصنف في الصورة الثانية ، من تعليل صحة البذل
بقوله : « لأنه استطاع بالبذل » فان البذل الخارجي للمال المغصوب المضمون لا يستوجب
الاستطاعة ، كما عرفت. والبذل الإنشائي لا يكفي في حصولها أيضاً ، فكيف يكون
المبذول له مستطيعاً ، ويصح حجه ، ويجزي عن حجة الإسلام؟!
وبالجملة :
الاستطاعة البذلية تكون ببذل إنشائي وبذل خارجي ، فإن اعتبر في المبذول أن لا يكون
مضموناً لم يكن فرق بين الصورتين في عدم حصول الاستطاعة البذلية ، وإن لم يعتبر
ذلك لم يكن أيضاً فرق
فالظاهر صحة الحج
وإجزاؤه عن حجة الإسلام ، لأنه استطاع بالبذل. وقرار الضمان على الباذل في
الصورتين ، عالماً كان بكونه مال الغير أو جاهلاً [١].
( مسألة ٥٣ ) : لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج بأجرة يصير بها مستطيعاً وجب عليه الحج. ولا
ينافيه وجوب قطع الطريق عليه للغير ، لأن الواجب عليه ـ في حج نفسه ـ أفعال الحج ،
وقطع الطريق مقدمة توصلية ، بأي وجه أتى بها كفى ولو على وجه الحرام ، أو لا بنية
الحج [٢].
______________________________________________________
بينهما في حصولها.
إذ لا فرق بين الصورتين في ذلك ـ بل ولا في غيره ـ إلا في أن البذل الإنشائي في
الأول مقارن للبذل الخارجي ، وفي الثاني غير مقارن ، وهذا المقدار لا يستوجب
اختلافاً بينهما في الحكم.
[١] لما كان
المفروض جهل المبذول له بالغصب يكون مغروراً من قبل الباذل ، فيرجع عليه في تدارك
خسارته إذا كان قد رجع عليه المغصوب منه بمثل المبذول أو بقيمته. وهذا الرجوع
لقاعدة الغرور. وعموم الحكم بالرجوع على الباذل لصورة علمه وجهله مبني على عموم
القاعدة لهما معاً ، ولو بني على اختصاصها بصورة علم الغار اختص الرجوع على الباذل
بها لا غير.
[٢] كما نص على
ذلك في الجواهر ، قال (ره) في دفع إشكال أن السفر إذا كان واجباً بالإجارة كيف
يكون حج الأجير مجزياً عن حجة الإسلام : « ويدفع : بأن الحج ـ الذي هو عبارة عن
مجموع الأفعال المخصوصة ـ لم تتعلق به الإجارة ، وإنما تعلقت بالسفر خاصة ، وهو
غير داخل في أفعال الحج .. ». ونحوه : ما في المسالك والمدارك وغيرهما. ويظهر منهم
التسالم على كون الحج عبارة عن الأفعال المخصوصة ، وليس
______________________________________________________
السفر منها وإنما
هو مقدمة ، فلا مانع من أن يكون واجباً لسبب آخر ، أو مملوكاً عليه بعقد إجارة
ونحوها. ويشكل : بأن ظاهر الآية الشريفة وجوب السفر ، فان حج البيت ـ في الآية
الشريفة ـ يراد منه الذهاب اليه والسعي نحوه ، فيكون واجباً وجوباً نفسياً كسائر
أفعاله. وإذا أجمل مبدإ السير فالقدر المتيقن منه السير من الميقات.
ثمَّ استدل على
ذلك في الجواهر بصحيح معاوية
بن عمار عن الصادق (ع) : «
عن الرجل يمر مجتازاً ـ يريد اليمن أو غيرها من البلدان ـ وطريقه بمكة ، فيدرك
الناس وهم يخرجون الى الحج ، فيخرج معهم إلى المشاهد ، أيجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟
قال (ع) : نعم » ، وصحيحه
الآخر عنه (ع) : «
قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يخرج في تجارة إلى مكة ، أو يكون له إبل فيكريها ،
حجته ناقصة أم تامة؟ قال (ع) : لا بل حجته تامة » ، وخبر الفضل ابن عبد الملك عنه (ع) قال : « وسئل عن الرجل يكون له الإبل يكريها
فيصيب عليها ، فيحج وهو كري ، تغني عنه حجته؟ أو يكون يحمل التجارة إلى مكة فيحج ،
فيصيب المال في تجارته أو يضع ، تكون حجته تامة أو ناقصة؟ أو لا يكون حتى يذهب به
الى الحج ولا ينوي غيره؟ أو يكون ينويهما جميعاً ، أيقضي ذلك حجته؟ قال (ع) : نعم
حجته تامة » .
أقول : النصوص
المذكورة لا تصلح للخروج بها عن ظاهر الآية الشريفة ، فإن الصحيح الأول ظاهر في أن
خروجه إلى المشاهد لم يكن بقصد غاية أخرى وإنما كان لمحض الحج. وأما الصحيح الثاني
فإنما يدل على أن حجه ـ وهو كري ، أو يحمل التجارة إلى مكة ـ صحيح ، وهو لا يقتضي
__________________
______________________________________________________
خروج السير من
الميقات عن الحج ، وعدم لزوم التعبد والتقرب به. لأن وقوع العمل على وجه العبادة
يتوقف على صدوره عن داعي القربة على نحو يكون ذلك الداعي صالحاً للاستقلال في
الداعوية ، وذلك لا ينافي وجود داع آخر اليه صالح للاستقلال في الداعوية. نعم
إطلاقه يقتضي الصحة وإن كان داعي القربة تبعياً. لكن الإطلاق المذكور ليس بحد يصلح
للخروج به عن ظاهر الآية ، لقرب حمل الكلام على أنه في مقام نفي مانعية الضميمة. وأما
الخبر الثالث فحمله على ذلك أقرب ، فإن قول السائل : « ولا ينوي غيره » ظاهر في ذلك جداً. مضافاً إلى ضعف سنده بالإرسال ، كما
عرفت في مبحث البذل.
فان قلت : المراد
من الآية الشريفة وجوب السفر الى البيت وجوباً غيرياً ، نظير قوله تعالى : (
فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً .. ) فإنه لا ريب في عدم وجوب السعي إلى التراب وجوباً نفسياً.
قلت : إذا كان
المراد من آية التيمم ذلك ـ لقرينة في الكلام ، وهي قوله تعالى : ( ما
يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ .. ) ضرورة : أن
التطهير إنما يكون باستعمال التراب لا بالسعي اليه. أو لقرينة خارجية من إجماع
وغيره ـ فهو لا يقتضي حمل الأمر في المقام عليه ، لعدم القرينة عليه. ولا سيما
وكون الوجوب النفسي هو الموافق للارتكاز العقلائي ، فإن السعي إلى بيوت أهل الشأن
مظهر من مظاهر العبودية. فلاحظ.
والمتحصل مما
ذكرنا : أن البناء على عدم جزئية السفر الى البيت في الواجب النفسي وأنه مقدمة لا
غير خلاف ظاهر الآية ، وليس ما يقتضي الخروج عنه ، فالبناء على الأخذ بظاهر الآية
متعين. وعلى هذا لا يجوز وقوع السفر من الميقات إلى مكة على وجه لا يقتضي تقرب
المحرم ـ بأن يكون
__________________
وكذا لو كان
مستطيعاً قبل الإجارة جاز له إجارة نفسه للخدمة في الطريق. بل لو آجر نفسه لنفس
المشي معه ، بحيث يكون العمل المستأجر عليه نفس المشي صح أيضاً ، ولا يضر بحجه.
نعم لو آجر نفسه لحج بلدي لم يجز له أن يؤجر نفسه لنفس المشي ، كإجارته لزيارة
بلدية أيضاً. أما لو آجر للخدمة في الطريق فلا بأس وإن كان مشيه للمستأجر الأول.
فالممنوع وقوع الإجارة على نفس ما وجب عليه أصلاً أو بالإجارة.
( مسألة ٥٤ ) : إذا استؤجر ـ أي : طلب منه إجارة نفسه للخدمة بما يصير به مستطيعاً لا يجب
عليه القبول ، ولا
______________________________________________________
مملوكاً لغيره
بالإجارة ونحوها ـ أو ملكاً له لكن على نحو لا يكون مقرباً ـ بأن كان حراماً ـ أو
وقع قهراً أو غفلة ـ كما إذا أحرم وعزم على ترك السفر فقهر على ذلك ، أو نام فحمله
شخص حتى أوصله إلى مكة ـ أو كان رياء ونحو ذلك. نعم لا يضر إذا وقع فيه نوم أو
غفلة مع عزمه عليه ، ضرورة الاجتزاء به حينئذ.
ثمَّ إن الإجارة
للخدمة لا تقتضي امتناع التعبد بالسفر ، إذ وجوب الخدمة المملوكة بالإجارة وإن
اقتضى وجوب السفر. لكن لا مانع من التعبد به من جهة وجوب الحج ، فيكون السفر
واجباً بالإجارة غيرياً ، وواجباً بالاستطاعة نفسياً. ولا مانع من اجتماع الوجوبين
، ولا من التقرب بهما معاً إذا كان كل واحد من الأمرين الغيري والنفسي صالحاً
للاستقلال بالداعوية إلى فعل الواجب ، فلا مانع من وجوب حج الإسلام على الأجير إذا
كان مال الإجارة كافياً في حصول الاستطاعة. أما إذا كان السفر بنفسه مستأجراً عليه
، فيكون مملوكاً للمستأجر. وحينئذ لا يمكن التقرب به ، لأنه مملوك
يستقر الحج عليه ،
فالوجوب عليه مقيد بالقبول ووقوع الإجارة. وقد يقال بوجوبه [١] إذا لم يكن حرجاً
عليه ، لصدق الاستطاعة. ولأنه مالك لمنافعه فيكون مستطيعاً قبل الإجارة ، كما إذا
كان مالكاً لمنفعة عبده أو دابته ، وكانت كافية في استطاعته. وهو كما ترى ، إذ
نمنع صدق الاستطاعة بذلك [٢]. لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في بعض صوره ، كما إذا
كان من عادته إجارة نفسه للأسفار.
( مسألة ٥٥ ) : يجوز لغير المستطيع أن يؤجر نفسه
______________________________________________________
لغير الفاعل ،
فيمتنع أن يتقرب بالفعل الراجع لغيره. وحينئذ يمتنع أن يجب عليه حج الإسلام ،
فتكون الإجارة مانعة من حصول الاستطاعة على كل حال.
[١] القائل :
النراقي في مستنده.
[٢] كما عرفت
سابقاً ، إذ لا ملك ولا بذل ، وهي منحصرة في أحدهما. نعم بناء على ما تقدم من
المدارك : من أنها التمكن من المال الكافي ، تتحقق الاستطاعة بمجرد طلب المستأجر
الإجارة ، وحينئذ يجب عليه القبول ، كما عرفت. وكذلك بناء على ما ذكره المصنف (ره)
في المسألة السابعة والعشرين وغيرها ، من أن الاستطاعة القدرة على المال ، فإنه
حاصل لعين ما ذكر. فعلى مبناه المذكور يتعين عليه البناء على وجوب القبول ، ولا
وجه لمنع صدق الاستطاعة. ولذلك جعل في المستند مما يتفرع على كون الاستطاعة القدرة
المالية ، وجوب الحج على الكسوب إذا تمكن من كسبه في الطريق ، ووجوب الاستدانة لمن
له دين مؤجل أو متاع لا يتمكن من بيعه في الحال ، ووجوب قبول الهبة وإجارة النفس
لمعونة السفر. فالعمدة ـ إذاً ـ الإشكال في صحة المبنى ، وأنه مما لا يستفاد من
الأدلة.
للنيابة عن الغير.
وإن حصلت الاستطاعة بمال الإجارة قدم الحج النيابي [١] ، فإن بقيت الاستطاعة إلى
العام القابل وجب عليه لنفسه ، وإلا فلا.
( مسألة ٥٦ ) : إذا حج لنفسه ، أو عن غيره تبرعاً أو بالإجارة ، مع عدم كونه مستطيعاً لا
يكفيه عن حجة
______________________________________________________
وأما ما ذكر في
المستند : من أن الشخص مالك لمنافعه ، فيكون كما لو كان له ضيعة لم يتمكن من بيعها
ويمكن إجارتها مدة يكفيه للحج ، فموهون إذ المنافع قبل وجودها في الخارج تعد من
شؤون ذي المنفعة ، وكما أنه لا يملك العامل نفسه لا يملك منافعه ، إذ لا اثنينية
مصححة لاعتبار إضافة المالكية والمملوكية. ولذلك بنينا على عدم ضمان منافع الحر.
ولا فرق في ذلك بين من عادته إجارة نفسه وغيره.
[١] هذا إذا كان
المستأجر عليه الحج في سنة الإجارة ، إذ حينئذ يجب عليه حج النيابة في تلك السنة ،
فيكون مانعاً عن الاستطاعة السربية ـ التي هي شرط وجوب حج الإسلام ـ وإن كانت
الاستطاعة المالية له حاصلة. أما إذا كانت الإجارة على الحج لا تختص بتلك السنة ،
إما لأنها مختصة بالسنة التالية لها ، أو عامة للجميع ـ بأن استؤجر على أن ينوب عن
شخص مرة واحدة في مدة سنتين أو أكثر ـ فإنه إذا استطاع بمال الإجارة يجب عليه حج
الإسلام في سنة الإجارة ، ويؤخر الحج النيابي إلى السنة الأخرى ، لأن الأول مضيق
والآخر موسع ، فلا يتنافيان ولا يتزاحمان. نعم إذا كان الأجير بحيث لو صرف مال
الإجارة في حج الإسلام عجز عن الحج النيابي لم يكن مستطيعاً ، لأن وجوب حفظ المال
للحج النيابي يمنع عن صرفه في حج الإسلام ، فتنتفي الاستطاعة السربية ، ويكون
الحكم فيه كالفرض السابق.
الإسلام ، فيجب
عليه الحج إذا استطاع بعد ذلك [١]. وما في بعض الأخبار : من إجزائه عنها ، محمول
على الاجزاء
______________________________________________________
[١] على المشهور
المعروف ، وفي المدارك : « هذا مذهب الأصحاب ، لا أعرف فيه مخالفاً .. » ، وفي
الجواهر : « بلا خلاف أجده في شيء من ذلك ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه .. ».
ويشهد به خبر مرازم بن علي عن
أبي الحسن (ع) : « قال : من
حج عن إنسان ، ولم يكن له مال يحج به أجزأت عنه حتى يرزقه ما يحج به ، ويجب عليه
الحج » ، وخبر
أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « قال : لو
أن رجلاً معسراً أحجه رجل كانت له حجته ، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج » . لكن يتعين حمل الثاني على
صورة عدم حصول شرائط الاستطاعة البذلية ، فالعمدة : الخبر الأول ، المنجبر ضعف
سنده بعمل الأصحاب.
نعم يعارض ذلك
جملة من النصوص. منها : صحيح
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « قال : حج الصرورة يجزي عنه ، وعن من حج عنه » ، ومصححه الآخر : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل حج عن
غيره ، أيجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال (ع) : نعم » ، وصحيح جميل عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل ليس له مال حج عن رجل أو أحجه
غيره ، ثمَّ أصاب مالا ، هل عليه الحج؟ فقال : يجزي عنهما جميعاً » . لكن إعراض الأصحاب عنها مانع من الاعتماد عليها. ولذلك
__________________
ما دام فقيراً ،
كما صرح به في بعضها الآخر [١]. فالمستفاد منها : أن حجة الإسلام مستحبة على غير
المستطيع ، وواجبة على المستطيع [٢] ، ويتحقق الأول بأي وجه أتى به ولو عن الغير
تبرعاً أو بالإجارة ، ولا يتحقق الثاني إلا مع حصول شرائط الوجوب.
( مسألة ٥٧ ) : يشترط في الاستطاعة ـ مضافاً
______________________________________________________
قال في المدارك ـ بعد
ذكر النصوص الأخيرة ـ : « إلا أنه لا خروج عما عليه الأصحاب .. ». وقد ذكر لها
محامل بعيدة لا مجال للبناء عليها ، بعد أن لم تكن مقتضى الجمع العرفي بينها.
والذي يقتضيه الجمع العرفي : الأخذ بظاهرها ، وحمل غيرها على الاستحباب ، كما هو
ظاهر.
هذا والنصوص من
الطرفين مختصة بمن حج عن غيره. أما إذا كان حج عن نفسه متسكعاً فالمرجع فيه
القواعد المقتضية لعدم الاجزاء عن حج الإسلام ، فإنه مقتضى إطلاق : « من استطاع
فعليه حج الإسلام ». فإن إطلاقه يقتضي الشمول لمن حج متسكعاً ثمَّ استطاع ، كما لا
يخفى. وبذلك يندفع أصل البراءة. نعم خبر أبي بصير المتقدم ـ بناء على حمله على من
حج عن نفسه ، ولم يكن البذل بشرائط الاستطاعة ـ يكون دالا على حكم المقام.
[١] كأنه يريد به
خبر أبي بصير بالنسبة إلى من حج عن نفسه ، وخبر مرازم بالنسبة إلى من حج عن غيره.
لكن هذا الحمل بعيد جداً بالنسبة إلى صحيح جميل ، لأنه كالصريح في عدم الحاجة الى
الحج بعد ما أيسر فالعمدة : أنه لا حاجة إلى بيان محمل النصوص المذكورة ، لسقوطها
عن الحجية.
[٢] لا إشكال فتوى
ونصاً في أن حجة الإسلام واجبة على المستطيع ، ولا تجب ولا تستحب للفقير ، ولو
كانت مستحبة للفقير لأغنت عن الحج
مؤنة الذهاب والإياب ـ وجود ما يمون به عياله حتى يرجع ، فمع
عدمه لا يكون مستطيعاً [١]. والمراد بهم : من يلزمه نفقته لزوماً عرفياً وإن لم
يكن ممن يجب عليه نفقته شرعاً على الأقوى [٢] ، فإذا كان له أخ صغير ، أو كبير
فقير لا يقدر
______________________________________________________
إذا استطاع ، كما
سيأتي. فكان المناسب أن يقال : إن الحج مستحب على غير المستطيع ، والمقصود من
النصوص الاجزاء عن هذا الحج. فلاحظ.
[١] بلا خلاف أجده
، بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه ، كذا في الجواهر. واستدل له ـ في الجواهر
وغيرها ـ بالأصل. وعدم تحقق الاستطاعة بدونه بعد أن اعتبر الشارع فيها ما هو أسهل
منه ، ضرورة وجوب الإنفاق عليه ، فهو حق سابق على وجوب الحج ، فلا استطاعة مع عدمه
، وبخبر أبي الربيع : « سئل أبو عبد الله (ع) عن قول الله عز
وجل ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً
.. )
فقال : ما يقول الناس؟ قال : فقلت له : الزاد والراحلة. قال : فقال أبو عبد الله (ع)
: قد سئل أبو جعفر (ع) عن هذا فقال : هلك الناس إذاً ، لئن كان من كان له زاد
وراحلة قدر ما يقوت عياله ويستغني به عن الناس ، ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد
هلكوا إذاً فقيل له : فما السبيل؟ قال : فقال : السعة في المال ، إذا كان يحج ببعض
ويبقي بعضاً [ بعض خ ل ] لقوت عياله .. » . وقد رواه المشايخ الثلاثة
، ورواه المفيد مرسلا عن أبي الربيع في المقنعة بتفاوت يسير.
[٢] مقتضى الدليل
الأول اختصاص الحكم بواجب النفقة ، كما اختاره في الدروس والمدارك ، وحكاه في
الجواهر عن المنتهى. ويقتضيه ـ أيضا ـ المرسل في المجمع الآتي. لكنه ضعيف. ومقتضى
الرواية المذكورة اختصاص
__________________
على التكسب ، وهو
ملتزم بالإنفاق عليه ، أو كان متكفلاً لانفاق يتيم في حجره ولو أجنبي يعد عيال له
، فالمدار على العيال العرفي.
( مسألة ٥٨ ) : الأقوى وفاقاً ـ لأكثر القدماء ـ اعتبار الرجوع الى كفاية ، من تجارة ، أو
زراعة ، أو صناعة ، أو منفعة ملك له ، من بستان ، أو دكان ، أو نحو ذلك [١] ،
______________________________________________________
الحكم بالعيال
العاجز عن الإنفاق على نفسه. والذي اختاره في الجواهر عموم الحكم لكل من يكون ترك
إعالته حرجاً عليه. عملا بأدلة الحرج ، التي كانت هي المرجع في استثناء المسكن
والخادم ونحوهما. وقد رمز الامام (ع) له بقوله
: « اليسار في المال ». وما ذكره (ره) في
محله ، لما تقدم.
[١] حكي ذلك عن
الشيخين والحلبيين وابني حمزة وسعيد وجماعة آخرين ، وعن الخلاف والغنية : الإجماع
عليه. لخبر أبي الربيع الشامي ، المتقدم في المسألة السابقة. وزاد المفيد في
المقنعة في روايته عنه ـ بعد قوله (ع) : «
ويستغني به عن الناس » ـ : « يجب عليه أن يحج
بذلك ثمَّ يرجع فيسأل الناس بكفه! لقد هلك الناس إذاً. فقيل فما السبيل؟ قال :
فقال : السعة في المال ، وهو أن يكون معه ما يحج ببعضه ، ويبقى بعض يقوت به نفسه
وعياله » ، وخبر
الأعمش عن الصادق (ع) أيضاً في تفسير السبيل : « هو الزاد والراحلة ، مع صحة البدن ،
وأن يكون للإنسان ما يخلفه على عياله ، وما يرجع اليه من بعد حجه » .
وفي مجمع البيان في تفسير الآية الشريفة
: « المروي عن أئمتنا (ع) : أنه
الزاد والراحلة ، ونفقة من تلزمه نفقته ، والرجوع إلى كفاية ، إما من مال أو
__________________
______________________________________________________
ضياع
أو حرفة .. » .
لكن الجميع غير
صالح لذلك ، أما الخبر فظاهر في نفقة العيال حال السفر. وأما المرسل في المقنعة
فالموثوق به أنه عين الخبر المذكور ، وحينئذ يشكل الاستدلال به ، للتعارض في النقل.
مع أن منصرف الحديث صورة العجز على نحو يؤدي إلى الهلاك. فلا يدل على القول
المذكور. وأما خبر الأعمش فلإجمال ما يرجع إليه بعد حجه من حيث المدة ـ وأنها سنة
أو أقل أو أكثر ـ ومن حيث الكم ، وأنه قليل أو كثير. وحمله على ما لا بد له منه
عند الرجوع ـ بقرينة دليل نفي الحرج ـ رجوع إلى الدليل المذكور ، وحينئذ يتعين
العمل بمقتضاه لا غير. وأما مرسل مجمع البيان فعده من قسم الخبر لا يخلو من إشكال
، لظهوره في كونه من باب بيان المضمون بحسب فهم الناقل ، فهو أشبه بالفتوى من
الخبر. ولا سيما مع تفرده في نقل ذلك دون غيره من أئمة الحديث. مضافا إلى إشكال
السند فيه وفي خبر الأعمش ، لعدم صحتهما. وعدم ثبوت اعتماد الأصحاب عليهما ، فان
الظاهر أن اعتمادهم كان على خبر أبي الربيع الذي عرفت قصور دلالته. وعلى هذا
فالاعتماد على النصوص المذكورة غير ظاهر.
نعم لا بأس
بالرجوع إلى أدلة نفي الحرج والعمل بمقتضاها ، فكما أنها تعمل عملها في كيفية مئونته ومئونة عياله في
السفر ، واستثناء مثل الخادم والدار وغيرهما من المستثنيات ، تعمل عملها في ذلك
أيضاً. فإذا كان صرف ما عنده ، مما يكفيه في سفره لنفسه ولعياله حرجا عليه ـ لأنه
يرجع الى مهانة ومذلة ـ فهو غير مستطيع ، وإلا فهو مستطيع. ولعل مراد القائلين
باعتبار الرجوع الى كفاية ذلك ـ كما يظهر من المتن ـ لا اعتبار
__________________
بحيث لا يحتاج الى
التكفف ، ولا يقع في الشدة والحرج. ويكفي كونه قادراً على التكسب اللائق به ، أو
التجارة باعتباره ووجاهته ، وإن لم يكن له رأس مال يتجر به. نعم قد مر عدم اعتبار
ذلك في الاستطاعة البذلية [١]. ولا يبعد عدم اعتباره ـ أيضاً ـ فيمن يمضي أمره
بالوجوه اللائقة به ، كطلبة العلم من السادة وغيرهم ، فاذا حصل لهم مقدار مئونة
الذهاب والإياب ، ومئونة عيالهم إلى حال الرجوع وجب عليهم. بل وكذا الفقير الذي
عادته وشغله أخذ الوجوه ولا يقدر على التكسب ، إذا حصل له مقدار مئونة الذهاب
والإياب له ولعياله [٢].
______________________________________________________
الكفاية تعبداً ،
كما في ملك الزاد والراحلة ، حسبما ينسبق الى الذهن من كلماتهم ولأجل ذلك لم
يوافقهم جماعة عليه كابن إدريس والمحقق والعلامة. وعن ظاهر اليد ـ بل عن المعتبر
والتذكرة ـ : نسبته إلى الأكثر. وكيف كان فان كان مراد القائلين باعتبار الرجوع
إلى كفاية في الاستطاعة ، المعنى الذي يقتضيه دليل نفي الحرج فهو في محله. وإن كان
مرادهم المعني الذي يظهر من نفس الكلام فلا دليل عليه ، بل إطلاق أدلة الوجوب
ينفيه.
[١] بناء على ما
ذكرنا من المعنى لا فرق بين الاستطاعة المالية والبذلية في ذلك ، فاذا كان المبذول
له ممن يكتسب في أيام الحج لا غير ، ويعيش بربحه في تمام السنة ، فوجوب الحج عليه
بالبذل يوجب وقوعه في الحرج ، من جهة عجزه عن إدارة معاشه في بقية السنة ، فلا يجب
عليه الحج. إلا إذا بذل له ما يكفيه لبقية سنته.
[٢] ومثله : من
كان له ولد ، أو والد ، أو صديق ينفق عليه بمقدار حاجته.
وكذا كل من لا
يتفاوت حاله قبل الحج وبعده [١] ، إذا صرف ما حصل له من مقدار مئونة الذهاب
والإياب ، من دون حرج عليه.
( مسألة ٥٩ ) : لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده ويحج به [٢]. كما لا يجب على الوالد أن
يبذل له. وكذا لا يجب على الولد بذل المال لوالده ليحج به. وكذا لا يجوز للوالد
الأخذ من مال ولده للحج. والقول بجواز ذلك أو
______________________________________________________
[١] مثل الذي كانت
حرفته النيابة عن الأموات في العبادات ، أو كانت حرفته بعض الأعمال الخسيسة ،
كالحمال والكناس ونحوهما ممن اعتاد ذلك ولا يراه حرجاً عليه ، فان الجميع يجب
عليهم الحج وإن لم يكن لهم ما به الكفاية. ولا سيما إذا كان عازماً على الاستمرار
على عمله بعد رجوعه من الحج على كل حال. وما في مناسك بعض الأعاظم. وفي حاشيته على
الكتاب : من عدم وجوب الحج عليهم غير ظاهر.
[٢] كل ذلك على
المشهور. لقاعدة السلطنة. وللتوقيع
الشريف : « فلا يحل
لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه » . وللنصوص الخاصة مثل خبر
علي بن جعفر (ع) عن أبي إبراهيم (ع) قال : «
سألته عن الرجل يأكل من مال ولده؟ قال : لا ، إلا أن يضطر إليه فيأكل منه بالمعروف.
ولا يصلح للولد أن يأخذ من مال والده شيئاً إلا بإذن والده » ، وحسن الحسين بن أبي العلاء قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : ما يحل للرجل
من مال ولده؟ قال (ع) : قوته بغير سرف إذا اضطر اليه. قال : قلت له : فقول رسول
الله (ص) للرجل الذي أتاه فقدم أباه ،
__________________
وجوبه ـ كما عن
الشيخ [١] ـ ضعيف ، وإن كان يدل عليه صحيح
سعيد بن يسار قال : «
قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يحج من مال ابنه وهو صغير؟ قال : نعم ، يحج منه حجة
الإسلام. قلت : وينفق منه؟ قال : نعم. ثمَّ قال : إن مال
______________________________________________________
فقال
له : أنت ومالك لأبيك. فقال (ع) : إنما جاء بأبيه إلى النبي (ص) فقال : يا رسول
الله ، هذا أبي وقد ظلمني ميراثي من أمي ، فأخبره الأب أنه أنفقه عليه وعلى نفسه.
فقال : أنت ومالك لأبيك ، ولم يكن عند الرجل شيء. أو كان رسول الله (ص) يحبس الأب
للابن؟! » ، وخبر
أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع) : «
إن رسول الله (ص) قال لرجل : أنت ومالك لأبيك. ثمَّ قال أبو جعفر (ع) : ما أحب أن
يأخذ من مال ابنه إلا ما احتاج اليه مما لا بد منه ، إن الله
لا يُحِبُّ
الْفَسادَ » . ونحوها غيرها.
[١] حكي عنه ذلك
في الخلاف والتهذيب والنهاية ، وحكي أيضاً عن القاضي في المهذب. وظاهر الجواهر :
نسبته الى المفيد ، بل ظاهر الخلاف عدم الخلاف فيه. قال (ره) : « مسألة : إذا كان
لولده مال ، روى أصحابنا : أنه يجب عليه الحج ، ويأخذ منه قدر كفايته ويحج به ،
وليس للابن الامتناع منه. وخالف جميع الفقهاء في ذلك. دليلنا : الأخبار المروية في
هذا المعنى من جهة الخاصة ، قد ذكرناها في الكتاب الكبير. وليس فيها ما يخالفها ،
فدل على إجماعهم على ذلك. وأيضاً قوله (ع) : «
أنت ومالك لأبيك » ، فحكم أن ملك الابن مال الأب ، وإذا كان له فقد وجد الاستطاعة ، فوجب عليه
الحج ».
__________________
الولد
لوالده. إن رجلاً اختصم هو ووالده الى رسول الله (ص) فقضى أن المال والولد للوالد
»
[١]. وذلك لإعراض
الأصحاب عنه [٢]. مع إمكان حمله على الاقتراض من ماله ، مع استطاعته من مال نفسه.
أو على ما إذا كان فقيراً ، وكانت نفقته على ولده ، ولم يكن نفقة السفر إلى الحج
أزيد من نفقته في الحضر إذ الظاهر الوجوب حينئذ [٣].
______________________________________________________
[١] وكذا صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع)
قال : « سألته عن
الرجل يحتاج الى مال ابنه. قال (ع) : يأكل منه ما شاء من غير سرف. وقال (ع) : في
كتاب علي (ع) : إن الولد لا يأخذ من مال والده شيئاً إلا بإذنه ، والوالد يأخذ من
مال ابنه ما شاء. وله أن يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها. وذكر أن
رسول الله (ص) قال للرجل : أنت ومالك لأبيك » .
[٢] لكن الإشكال
في كون الاعراض بنحو يقتضي السقوط عن الحجية ، إذ من الجائز أن يكون الوجه فيه
بناءهم على التعارض والترجيح ، وإلا فالشيخان أعرف بمذهب الإمامية من غيرهما. وكذا
في جهة الصدور.
[٣] مجرد الإمكان
غير كاف في رفع اليد عن الظاهر. إلا إذا كان مقتضى الجمع العرفي. ومن المعلوم أن
الجمع العرفي بين الدليلين ـ المتضمن أحدهما للمنع والآخر للرخصة ـ حمل الأول على
الكراهة ، فتحمل النصوص الأول على كراهة الأخذ وإن جاز. نعم يشكل الأخذ بالصحيح
المذكور ، لظهوره في أن جواز الأخذ من أجل قول النبي (ص) : إن المال والولد للوالد
، الوارد في الخصومة بين الوالد والولد. فان ذلك معارض بما في خبر الحسين بن أبي
العلاء المتقدم في شرح تلك الخصومة ، وقول النبي (ص)
__________________
______________________________________________________
الوارد فيها . وحينئذ لا بد من
الرجوع الى قواعد التعارض. ورواية الحسين معتضدة بعموم حرمة التصرف في مال الغير
بغير إذنه ، والنصوص الخاصة ، كرواية الثمالي المتقدمة ، ورواية علي بن جعفر (ع) عن أبي إبراهيم (ع)
: « سألته عن الرجل
يأكل من مال ولده؟ قال (ع) : لا. إلا أن يضطر إليه ، فيأكل منه بالمعروف » ، وصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) ،
وفيها : « أما إذا
أنفق عليه بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من ماله شيئاً. وإنه لا يطأ جارية إلا أن
يقومها على نفسه » وغير ذلك مما هو كثير.
كما أن صحيح سعيد
معتضد بصحيح ابن مسلم المتقدم . وقوله (ع) : «
من غير سرف » يمكن حمله على
السرف المحرم. فتأمل. وبرواية
محمد ابن سنان فيما كتبه إلى الرضا (ع) : «
وعلة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه .. ( إلى أن قال ) : لأن
الولد موهوب .. ( إلى أن قال
) : ولقول النبي (ص) :
أنت ومالك لأبيك » ، وخبر علي بن جعفر (ع) المروي عن كتابه ، المتضمن لجواز
وطء الأب جارية الابن إن أحب ، وكذلك الأخذ من ماله ، وأن الأم لا تأخذ إلا قرضاً
. وعلى هذا فالنصوص طائفتان ، كل منهما فيه الصحيح وغيره ، وكل منهما مشهور
الرواية.
نعم الطائفة
الأولى موافقة لعموم المنع من التصرف في مال الغير بغير إذنه ، والطائفة الثانية
مخالفة للعامة ، لما تقدم في كلام الشيخ في الخلاف ،
__________________
( مسألة ٦٠ ) : إذا حصلت الاستطاعة لا يجب أن يحج من ماله ، فلو حج في نفقة غيره لنفسه أجزأه
[١] ، وكذا لو حج متسكعاً. بل لو حج من مال الغير غصباً صح وأجزأه. نعم إذا كان
ثوب إحرامه وطوافه وسعيه من المغصوب لم يصح. وكذا إذا كان ثمن هديه غصباً [٢].
( مسألة ٦١ ) : يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية ، فلو كان مريضاً لا يقدر على الركوب ،
أو كان حرجاً عليه ـ ولو على المحمل أو الكنيسة ـ لم يجب [٣]. وكذا لو
______________________________________________________
من بناء جميع
الفقهاء على المنع. وعلى هذا إن بني على الترتيب في الترجيح بالمرجحات ، فالموافقة
للكتاب لما كانت متقدمة على مخالفة العامة كان اللازم الأخذ بنصوص المنع. وإن بني
على عدم الترتيب فاللازم التخيير في المقام ، لاشتمال كل طائفة منهما على مرجح.
لكن الأخذ بنصوص المنع أولى ، لأنه أبعد عن الظلم والعدوان ، وأقرب الى المرتكزات
الشرعية ، وموافق للمشهور بين الأصحاب. والله سبحانه الموفق للصواب.
[١] إجماعاً
بقسميه ، كما في الجواهر. وفي المستند. « لا خلاف فيه بين العلماء ، لأن الحج واجب
عليه ، وقد امتثل بفعل المناسك المخصوصة ، فيحصل الاجزاء. وصرف المال غير واجب
لذاته ، وإنما يجب إذا توقف عليه الواجب .. ».
[٢] إذا كان قد
اشتراه بعين الثمن. أما إذا اشتراه بثمن في الذمة ووفى من المغصوب صح الهدي ، وإن
بقي مشغول الذمة بالثمن.
[٣] بلا خلاف أجده
فيه ، بل عن المنتهى : كأنه إجماعي ، وعن المعتبر : اتفاق العلماء عليه ، كذا في
الجواهر وغيرها. ويقتضيه ما دل على
تمكن من الركوب
على المحمل لكن لم يكن عنده مئونته [١]. وكذا لو احتاج الى خادم ولم يكن عنده
مئونته.
( مسألة ٦٢ ) : ويشترط أيضاً : الاستطاعة الزمانية [٢] ، فلو كان الوقت ضيقاً لا يمكنه
الوصول الى الحج ، أو أمكن لكن بمشقة شديدة لم يجب [٣]. وحينئذ فإن بقيت الاستطاعة
إلى العام القابل وجب ، وإلا فلا.
______________________________________________________
اعتبار صحة البدن
في الاستطاعة زائداً على اعتبار الزاد والراحلة.
[١] يمكن أن يدخل
هذا في فقد الاستطاعة المالية وإن كان ذلك لفقد صحة البدن. وإن شئت قلت : يدخل في
أحد الأمرين.
[٢] نسبه في
التذكرة إلى علمائنا ، وفي كشف اللثام : أنه إجماع. وقال في المستند : « للإجماع ،
وفقد الاستطاعة ، ولزوم الحرج والعسر ، وكونه مما يعذره الله تعالى فيه ، كما صرح
به في بعض الأخبار .. » . والعمدة : الأول والأخير. وأما الثاني فمشكل ، بعد تفسير
الاستطاعة بالزاد والراحلة وغيرهما مما لا يدخل فيه الزمان. اللهم إلا أن يكون
مفهوما من سياق أدلة التفسير. وأما الثالث فإنما يجدي في رفع التكليف لا في رفع
الملاك. إلا أن يرجع إلى الأخير ، كما أشرنا إليه آنفاً ، ويأتي أيضاً.
[٣] لما عرفت
ويأتي من أن أدلة نفي الحرج وإن لم تكن نافية لملاك الحكم في الواجبات والمحرمات
الحرجية غير الحج ، لكنها في الحج رافعة لملاكه ، فان من مقومات الاستطاعة ـ التي
هي شرط الوجوب ـ عدم لزوم الحرج. ولذلك بنى الأصحاب على انتفائها في كثير من
الموارد التي يكون وجوب الحج فيها حرجياً ، يتضح ذلك بملاحظة ما تقدم في
__________________
( مسألة ٦٣ ) : ويشترط أيضاً : الاستطاعة السربية [١] ، بأن لا يكون في الطريق مانع لا يمكن
معه الوصول الى الميقات أو الى تمام الأعمال ، وإلا لم يجب. وكذا لو كان غير مأمون
[٢] بأن يخاف على نفسه ، أو بدنه أو عرضه ، أو ماله ـ وكان الطريق منحصراً فيه ،
أو كان جميع الطرق كذلك. ولو كان هناك طريقان ، أحدهما أقرب لكنه غير مأمون ، وجب
الذهاب
______________________________________________________
فروع الاستطاعة
المالية.
[١] بلا خلاف ولا
إشكال. وفي المستند : « اشتراطها مجمع عليه ، محققاً ومحكياً .. ». ويقتضيه ـ مضافاً
الى ذلك ـ الآية ، والنصوص المتضمنة لتخلية السرب .
[٢] الحكم هنا
ظاهري ، فإن موضوع الحكم الواقعي بعدم الوجوب ـ لعدم الاستطاعة ـ هو عدم تخلية
السرب واقعاً ، فمع الشك لا يحرز الحكم الواقعي ، بل يكون الحكم بعدم الوجوب
ظاهرياً. نعم مع احتمال تلف النفس لما كان يحرم السفر يكون الحكم الظاهري بحرمة
السفر موضوعاً للحكم الواقعي بانتفاء الاستطاعة وانتفاء وجوب الحج ، لكن لا لأجل
انتفاء تخلية السرب ، بل للحرمة الظاهرية المانعة عن القدرة على السفر. أما مع
احتمال تلف المال أو غيره مما لا يكون الاقدام معه حراماً ، فالأصول والقواعد
العقلائية ـ المرخصة في ترك السفر ـ تكون من قبيل الحجة على انتفاء تخلية السرب.
ولأجل ذلك يكون المدار في عدم وجوب السفر وجود الحجة على عدم وجوبه ، من أصل
عقلائي ، أو أمارة كذلك تقتضي الترخيص في تركه. وعليه لو انكشف الخلاف انكشف كونه
__________________
من الأبعد المأمون.
ولو كان جميع الطرق مخوفاً إلا أنه يمكنه الوصول الى الحج بالدوران في البلاد ـ مثل
ما إذا كان من أهل العراق ، ولا يمكنه إلا أن يمشي إلى كرمان ، ومنه الى خراسان ،
ومنه الى بخارا ، ومنه الى الهند ، ومنه الى بوشهر ، ومنه الى جدة مثلاً ، ومنه
إلى المدينة ، ومنها إلى مكة ـ فهل يجب أو لا؟ وجهان ، أقواهما عدم للوجوب [١] ،
لأنه يصدق عليه أنه لا يكون مخلى السرب.
( مسألة ٦٤ ) : إذا استلزم الذهاب الى الحج تلف مال
______________________________________________________
مستطيعا واقعاً ،
كما لو قامت البينة على ثبوت دين عليه بمقدار ما يوجب ثلم استطاعته ، ثمَّ انكشف
كذب البينة ، فإنه يجب عليه في العام اللاحق السفر إلى الحج ولو متسكعاً ، لاشتغال
ذمته به واستقرار الوجوب عليه ، كما تقدم ذلك في بعض الفروع السابقة. بل في صورة
احتمال تلف النفس وإن كان السفر حراماً.
لكن يمكن أن يقال
: إن الحرمة الآتية من جهة جهل المكلف وغلطه لا تكون نافية للاستطاعة ، كما تقدم
في بعض الفروع السابقة ويأتي. نظير : ما لو ملك الزاد والراحلة واعتقد أنهما لغيره
، فإن حرمة التصرف الآتية من جهة الجهل لا تمنع من تحقق الاستطاعة واستقرار الوجوب
عليه. فلاحظ.
[١] وفي المستند :
« إشكال ، بل عدمه أظهر. لعدم صدق تخلية السرب عرفاً ، وعدم انصراف استطاعة السبيل
إليه. فالمدني لو منع من المسير من طريق المدينة إلى مكة ، وأمكنه المسير الى
الشام ، ومنه الى العراق ، ومنه الى خراسان ، ومنه الى الهند ، ومنه الى البحر ،
ومنه الى مكة لم يجب عليه الحج ». وما ذكره في محله.
له في بلده معتد به
لم يجب [١]. وكذا إذا كان هناك مانع شرعي [٢] ، من استلزامه ترك واجب فوري سابق على حصول الاستطاعة ، أو لاحق مع كونه
أهم من الحج [٣] ، كإنقاذ غريق أو حريق. وكذا إذا توقف على ارتكاب محرم ، كما إذا
توقف على ركوب دابة غصبية ، أو المشي في الأرض المغصوبة.
______________________________________________________
[١] كما نص على
ذلك في المستند. لقاعدة الضرر. وفيه : أن أدلة وجوب الحج مخصصة لأدلة نفي الضرر ،
لاقتضائها وجوب صرف المال ، نظير أدلة وجوب الإنفاق على الرحم ، فلا مجال لإعمال
أدلة نفي الضرر معها. إلا أن يقال : إن المقدار اللازم من تخصيص أدلة نفي الضرر
بأدلة وجوب الحج خصوص المال المصروف في سبيل الحج ، وفرض المسألة ليس من ذلك
القبيل ، فيبقى داخلاً تحت أدلة النفي. لكن هذا التخصيص غير ظاهر ، والإطلاق ينفيه.
وكأنه لذلك قال في كشف اللثام : « والحق أنه إن أدى تلف المال إلى الضرر في النفس
أو البضع سقط لذلك ، وإن كان الخوف على شيء قليل من المال. وإن لم يؤد إليه فلا
أعرف للسقوط وجهاً ، وإن خاف على كل ما يملكه ، إذا لم نشترط الرجوع إلى كفاية ..
». وسيأتي في المسألة السابعة والستين ماله نفع في المقام ، وكذا في المسألة
الآتية ، فانتظر.
[٢] قد عرفت
سابقاً الوجه في ذلك. فراجع ما تقدم في المسألة الثانية والثلاثين وغيرها.
[٣] قد عرفت
الإشكال في اعتبار الأهمية في نفي الاستطاعة ، فإن إطلاق العذر النافي للاستطاعة
يقتضي شموله لغير الأهم ، فيكون لحوقه
( مسألة ٦٥ ) : قد علم مما مر أنه يشترط في وجوب الحج ـ مضافاً الى البلوغ ، والعقل ،
والحرية الاستطاعة المالية ، والبدنية ، والزمانية ، والسربية ، وعدم استلزامه
الضرر [١] ، أو ترك واجب ، أو فعل حرام [٢] ، ومع فقد أحد هذه لا يجب. فبقي الكلام
في أمرين :
______________________________________________________
رافعاً للاستطاعة.
ومن ذلك تعرف وجه ما ذكره بقوله : « وكذا إذا توقف .. ».
[١] الضرر الذي
يستلزمه السفر الى الحج تارة : يكون بدنياً. وحينئذ إما أن يرجع الى الاستطاعة
البدنية ، أو إلى الشرط الأخير. وهو استلزام فعل الحرام. وأخرى : يكون مالياً.
وحينئذ يكون دليل نفي الضرر دالاً على نفي الوجوب. لكن نفي الوجوب الضرري لا يدل
على نفي ملاكه ، لأنه دليل امتناني ، والامتنان إنما يكون برفع الحكم لا برفع
ملاكه ، إذ لا امتنان في رفعه. وإذا ثبت الملاك فقد استقر الحج في ذمة المكلف ،
وحينئذ يجب عليه الحج في السنة القابلة ولو متسكعاً ، وهو خلاف المدعى من انتفاء
الاستطاعة. وعلى هذا لا يكون لزوم الضرر شرطاً في الاستطاعة لدليل نفي الضرر ، بل
لا بد أن يدخل تحت عنوان آخر. مثل كونه مما يصح الاعتذار به في ترك الحج ، ليدخل
في النصوص المتضمنة لاشتراط عدم القدرة في تحقق الاستطاعة. لكن في صحة الاعتذار
بالضرر المالي إشكال ، كما عرفت قريباً. وكان المناسب للمصنف (ره) التعرض لعدم
الحرج ، منضماً إلى عدم الضرر ، فان الحرج أولى من الضرر في صحة الاعتذار به. وقد
تقدم : أن جملة من الشروط كان الوجه في اعتبارها لزوم الحرج.
[٢] تقدم وجه ذلك
، كما أشرنا إليه في المسألة السابقة.
أحدهما : إذا
اعتقد تحقق جميع هذه مع فقد بعضها واقعاً ، أو اعتقد فقد بعضها وكان متحققاً ،
فنقول : إذا اعتقد كونه بالغاً أو حراً ـ مع تحقق سائر الشرائط ـ فحج ، ثمَّ بان
أنه كان صغيراً أو عبداً ، فالظاهر ـ بل المقطوع ـ عدم إجزاءه عن حجة الإسلام
[١]. وإن اعتقد كونه غير بالغ أو عبداً ـ مع تحقق سائر الشرائط ـ وأتى به ، أجزأه عن حجة الإسلام ، كما مر سابقاً [٢]. وإن تركه مع
بقاء الشرائط إلى ذي الحجة فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه [٣].
______________________________________________________
[١] كما يقتضيه
إطلاق أدلة الوجوب عند اجتماع الشرائط.
[٢] يعني : في
المسألة التاسعة من مبحث اشتراط الكمال. ومر بعض الاشكال فيه.
[٣] أصل الحكم في
الجملة مما لا ينبغي الإشكال فيه. قال في الجواهر : « لا خلاف ولا إشكال ـ نصاً
وفتوى ـ في أنه يستقر الحج في الذمة إذا استكملت الشرائط وأهمل حتى فات. فيحج في
زمن حياته وإن ذهبت الشرائط التي لا ينتفي معها أصل القدرة ، ويقضى عنه بعد وفاته
.. ». ونحوه كلام غيره. إنما الإشكال فيما ذكر المصنف (ره) : من التحديد بذي الحجة
، فإن المذكور في كلام الجماعة غير ذلك. قال في الذخيرة : « اختلف كلام الأصحاب
فيما يتحقق به استقرار الحج ، فذهب الأكثر إلى أنه يتحقق بمضي زمان يمكن الإتيان
فيه بجميع أفعال الحج مستجمعاً للشرائط ، وأطلق المحقق القول بتحققه بالإهمال مع
تحقق الشرائط ، واكتفى المصنف (ره) في التذكرة بمضي زمان يمكن فيه تأدي الأركان
خاصة. واحتمل الاكتفاء بمضي زمان يمكن فيه الإحرام ودخول الحرم. واستحسنه
______________________________________________________
بعض المتأخرين إن
كان زوال الاستطاعة بالموت ، وإن كان بذهاب المال أو غيره فلا. ولعدم الدليل على
الاجزاء لو عجز عن الحج بعد دخول الحرم. والأخبار خالية عن ذلك كله ، بل ليس فيها
حديث الاستقرار أصلا. ولعل ما ذكره الأصحاب مبني على أن وجوب القضاء تابع لوجوب
الأداء. وللتأمل فيه مجال .. ». ونحوه ما ذكره في المستند. وزاد ـ بعد ما حكى عن
الذخيرة ما ذكره أخيراً ، من التأمل في كون القضاء تابعاً للأداء ـ أن قال : « وهو
في موضعه. بل الأقرب عدم الاشتراط ، وكفاية توجه الخطاب ظاهراً أولا. وهو ظاهر
المدارك ، وصريح المفاتيح وشرحه. وجعل الأخير القول بالاشتراط اجتهاداً في مقابلة
النص ، ونسب فيه ـ وفي سابقة ـ القول بعدم الاشتراط إلى الشيخين. وينسب إلى المحقق
أيضاً ، حيث حكم بوجوب القضاء بالإهمال ، مع استكمال الشرائط .. ». ونحوهما كلام
غيرهما.
والمستفاد منها
وجود احتمالات وأقوال : الأول : استمرار بقاء الشرائط إلى آخر زمان يمكن فيه تمام
الافعال. وهو الذي اختاره في التذكرة والقواعد. قال في أولهما : « استقرار الحج في
الذمة يحصل بالإهمال ، بعد حصول الشرائط بأسرها ، ومضي زمان جميع أفعال الحج .. ».
الثاني : مضي زمان الأركان. وهو المحكي عن التذكرة. لكنه غير موجود فيما عندنا ،
كما اعترف به في كشف اللثام. الثالث : مضي زمان يقع فيه الإحرام ودخول الحرم ، كما
احتمله في التذكرة والقواعد. الرابع : توجه الخطاب بالحج ولو ظاهراً ، كما اختاره
في المستند وغيره. وحكى في المدارك وغيرها عن التذكرة : بأن من تلف ماله قبل عود
الحاج ، وقبل مضي إمكان عودهم ، لم يستقر الحج في ذمته ، لأن نفقة الرجوع لا بد
منها في الشرائط. ومقتضى ذلك : اعتبار بقاء الشرائط إلى زمان يمكن
فان فقد بعض
الشرائط بعد ذلك ـ كما إذا تلف ماله ـ وجب عليه الحج ولو متسكعاً. وان اعتقد كونه
مستطيعاً مالاً وأن ما عنده يكفيه فبان الخلاف بعد الحج ، ففي إجزائه عن حجة
الإسلام وعدمه وجهان ، من فقد الشرط واقعاً. ومن أن القدر المسلم من عدم [١] إجزاء
حج غير المستطيع عن حجة الإسلام غير هذه الصورة [٢]. وإن اعتقد عدم كفاية ما عنده
من المال وكان في الواقع كافياً وترك الحج ، فالظاهر الاستقرار عليه. وان اعتقد
عدم الضرر أو عدم الحرج فحج فبان الخلاف ، فالظاهر كفايته [٣]. وإن اعتقد المانع ـ
من
______________________________________________________
فيه العود ، فيكون
قولاً خامساً. وما ذكره المصنف (ره) من التحديد بذي الحجة خارج عن الأقوال
المذكورة. وسيأتي منه ( قده ) التعرض للأقوال في المسألة الإحدى والثمانين ، ولم
يذكر فيها ما ذكره هنا ، ولا حكاه عن أحد قولاً ولا احتمالاً. وكيف كان فتحقيق هذه
الأقوال يأتي في المسألة المذكورة إن شاء الله.
[١] هذا إنما يصلح
وجهاً للاجزاء لو كان دليل يدل على عموم الأجزاء ، فإنه حينئذ يقتصر في الخروج عنه
على القدر المتيقن. أما إذا كان مقتضى عموم الأدلة عدم الاجزاء ـ للوجه المذكور
أولا ـ فيتعين القول بعدم الاجزاء.
[٢] كما تقدم ذلك
في المسألة الخامسة والعشرين. وتقدم فيها ذكر خلاف المحقق القمي ( قده ) ، لشبهة
العذر الموجب لرفع الاستطاعة. وتقدم الجواب عنها : بأن العذر الرافع للاستطاعة
يختص بالعذر الواقعي ، ولا يشمل العذر الخطئي.
[٣] لتحقق
الاستطاعة في حقه. والحرج أو الضرر وإن كان مانعاً
العدو ، أو الضرر
، أو الحرج ـ فترك الحج ، فبان الخلاف ، فهل يستقر عليه الحج أو لا؟ وجهان.
والأقوى عدمه ، لأن المناط في الضرر الخوف ، وهو حاصل [١]. إلا إذا كان
______________________________________________________
عن الاستطاعة ،
إلا أن دليل مانعيته يختص بمثل صحيح الحلبي ، المتضمن لمنافاة العذر للاستطاعة ، وهو يختص بمن
ترك الحج ، فلا يشمل من حج.
وبالجملة : شرائط
الاستطاعة مختلفة في أدلتها ، فبعضها دليلها مطلق ، مثل الزاد والراحلة ، وتخلية
السرب ، وصحة البدن. وبعضها دليلها مختص بصورة ترك الحج ، مثل الحرج ، ولزوم ترك
الواجب ، والوقوع في الحرام ، وغير ذلك من الأعذار. ففي القسم الأول إن حج مع فقده
لم يكن حج الإسلام ، وإن لم يحج لم يستقر الحج في ذمته. وفي القسم الثاني لما كان
الدليل مختصاً بمن ترك الحج ولا يشمل من حج ، فاذا حج مع فقده كان حج الإسلام وإذا
تركه لم يستقر الحج في ذمته. والتفكيك بين الفاعل والتارك لا مانع عنه. ونظيره :
جميع موارد الأبدال الاضطرارية ، فإن الفعل الناقص إن جاء به كان واجباً عليه ،
وإن لم يأت به كان الواجب هو الكامل. فلاحظ. لكن الظاهر أن المصنف (ره) في فتواه
اعتمد على ما يأتي في المسألة الآنية ، ولم يعتمد على ما ذكرنا.
[١] لا يخفى أنه
إذا اعتقد المانع من العدو ، فتارة : يعتقد منعه من السير ، وأخرى : يعتقد الإضرار
به بجرحه ونحوه. ففي الصورة الأولى يكون معتقداً لعدم تخلية السرب ، ومن المعلوم
أن تخلية السرب في النص أخذت بنفسها شرطاً في الاستطاعة ، فاذا اعتقدها فقد اعتقد
وجود المانع. وهذا الاعتقاد لم يؤخذ بنفسه مانعاً عن الاستطاعة ، ولا موجباً
لفقدها ،
__________________
اعتقاده على خلاف
روية العقلاء وبدون الفحص والتفتيش. وإن اعتقد عدم مانع شرعي فحج ، فالظاهر
الاجزاء إذا بان الخلاف [١]. وإن اعتقد وجوده فترك فبان الخلاف ، فالظاهر
الاستقرار [٢].
______________________________________________________
وإنما أخذ الواقع
شرطاً وعدمه مانعاً ، فيكون المقام من قبيل ما لو اعتقد عدم الاستطاعة المالية ،
الذي تقدم منه استقرار الحج في الذمة معه. وفي الصورة الثانية يكون المانع من قبيل
العذر المسوغ للترك ، وقد عرفت إشكال أن دليل مانعية العذر يختص بصورة وجوده واقعاً
، ولا يشمل صورة اعتقاد وجوده خطأ ، فكيف يصح أن يدعى أن المناط في الضرر الخوف؟!.
نعم الخوف من الطرق الشرعية ، فإذا حصل فقد حرم السفر ظاهراً. لكن لا دليل على
مانعيته واقعاً على استقرار الحج ، لانصراف دليل مانعية العذر عن مثله. وقد أشرنا
إلى أن نظيره ما لو كان عنده مال لغيره سابقاً ، وشك في انتقاله اليه ، ثمَّ تبين
له أنه انتقل اليه ـ ببيع ونحوه ـ وكان قد نسي ذلك. فلاحظ.
هذا في ضرر النفس.
وأما ضرر المال فقد عرفت أنه راجع الى الحرج ، وقد عرفت أن مانعيته مستفادة من
مانعية مطلق العذر ، وهي مختصة بالحرج الواقعي لا الخطئي. والخوف فيه ليس من الطرق
الشرعية الموجبة للحرمة ظاهراً ، كي يتوهم مانعيته عن الاستطاعة ، كما قد يتوهم في
الضرر الوارد على النفس. وعلى هذا فالبناء على استقرار الحج في ذمة المكلف في
الفرض في محله.
[١] لما تقدم في
من اعتقد عدم الضرر أو عدم الحرج فحج ، فان الفرضين من باب واحد.
[٢] لما عرفته في
من اعتقد المانع من العدو أو الضرر أو الحرج ،
ثانيهما : إذا ترك
الحج مع تحقق الشرائط متعمداً ، أو حج مع فقد بعضها كذلك. أما
الأول فلا إشكال في استقرار الحج عليه مع بقائها إلى ذي الحجة [١]. وأما الثاني
فإن حج مع عدم البلوغ ، أو
مع عدم الحرية فلا إشكال في عدم إجزائه. إلا إذا بلغ أو انعتق قبل
أحد الموقفين ، على اشكال في البلوغ قد مر [٢]. وإن حج مع عدم الاستطاعة المالية فالظاهر مسلمية عدم الاجزاء [٣]. ولا دليل عليه
إلا الإجماع ، والا فالظاهر أن حجة الإسلام هو الحج الأول [٤] ، وإذا أتى به كفى
ولو كان ندباً ، كما إذا أتى الصبي صلاة الظهر
______________________________________________________
من أن الوجه
الاستقرار. ومن ذلك يظهر لك الإشكال في الفرق بين المسألتين ، حيث اختار المصنف (ره)
الاستقرار في هذه المسألة وعدمه في المسألة السابقة ، مع أنهما من باب واحد.
[١] قد عرفت
الإشكال في هذا التحديد.
[٢] قد مر دفع
الاشكال المذكور. فراجع.
[٣] في المستند :
عن بعض نفي الخلاف فيه ، وعن ظاهر الخلاف والمنتهى وغيرهما : الإجماع عليه.
[٤] هذا خلاف
إطلاق ما دل على وجوب الحج على تقدير الاستطاعة ، فإنه يقتضي وجوب الحج بعد
الاستطاعة وإن كان قد حج قبل ذلك ، فيكشف ذلك عن كون الحج المأتي به قبل الاستطاعة
غير حج الإسلام الواجب بالاستطاعة ، وإلا لكان الأمر به من قبيل الأمر بتحصيل
الحاصل ، أو من قبيل الأمر بالوجود بعد الوجود. والأول محال. والثاني مقطوع بخلافه
، وخلاف ظاهر الأدلة ، إذ الظاهر أن موضوع الأمر صرف الوجود.
مستحباً ـ بناء
على شرعية عباداته ـ فبلغ في أثناء الوقت ، فان
______________________________________________________
ولا مجال لمقايسة
المقام بصلاة الصبي قبل البلوغ ، إذ أدلة التشريع الأولية تقتضي كون موضوع الحكم
في الصبي والبالغ واحدا ، لإطلاق الأدلة الشامل للصبي كالبالغ ، نظير إطلاقها الشامل
للعادل والفاسق ، والشيخ والكهل ، ونحو ذلك. فاذا كان موضوع الخطاب والحكم في
الجميع واحداً كانت الماهية واحدة لا متعددة ، فإذا جاء به الصبي قبل البلوغ فلو
وجب ثانياً بعد البلوغ كان إما من الأمر بتحصيل الحاصل ، أو من الأمر بالوجود بعد
الوجود. والأول محال ـ كما عرفت ـ والثاني خلاف ظاهر الأدلة ، فلا يجب.
وليس دليل نفي
الوجوب عن الصبي من قبيل : « إذا بلغت فصل » كي يكون نظير المقام ، فيجب البناء
فيه على وجوب الصلاة بعد البلوغ. بل ليس هو إلا حديث رفع القلم عن الصبي ، وهو لا يقتضي
الاثنينية ولا يدل عليها. بل إنما يقتضي مجرد نفي اللزوم عن الصبي. لأن الظاهر من
رفع القلم عنه رفع قلم السيئات ، وارتفاع ذلك يقتضي عدم اللزوم لا غير ، لأنه به
يكون الترك سيئة. ولما لم يقتض الحديث المذكور الاثنينية لم يكن معارضاً لما دل
على الوحدة ، فيتعين العمل به. ومقتضاه إجزاء الفعل قبل البلوغ ، وعدم الحاجة الى
فعله ثانياً بعد البلوغ ، بل عدم مشروعيته لما عرفت من الاشكال. نعم لا بأس
بالإتيان به برجاء المطلوبية ، إذ ما ذكرنا إنما يكون دليلاً على عدم مشروعيته
ثانياً ، لا أنه يوجب العلم بعدمها. ولما كان احتمال المشروعية موجوداً كان كافياً
في جواز الإتيان به برجاء المطلوبية. ومن ذلك تعرف أنه يتعين البناء في المقام على
تعدد ماهية الحج قبل الاستطاعة والحج بعدها. فلاحظ.
__________________
الأقوى عدم وجوب
اعادتها. ودعوى : أن المستحب لا يجزي عن الواجب ممنوعة ، بعد اتحاد ماهية الواجب
والمستحب. نعم لو ثبت تعدد ماهية حج المتسكع والمستطيع تمَّ ما ذكر ، لا لعدم
إجزاء المستحب عن الواجب ، بل لتعدد الماهية. وإن حج مع عدم أمن الطريق ، أو مع
عدم صحة البدن مع كونه حرجاً عليه ، أو مع ضيق الوقت كذلك ، فالمشهور بينهم عدم
إجزائه عن الواجب [١]. وعن الدروس : الاجزاء.
______________________________________________________
[١] كما صرح به
جماعة ، وحكي عن المشهور ، كذا في المستند. وقال في المنتهى : « مسألة : هذه
الشروط التي ذكرناها ، منها : ما هو شرط في الصحة والوجوب ، وهو العقل. لعدم
الوجوب على المجنون ، وعدم الصحة منه. ومنها : ما هو شرط في الصحة دون الوجوب ،
وهو الإسلام ، على ما ذهبنا اليه من وجوب الحج على الكافر. ومنها : ما هو شرط في
الوجوب دون الصحة ، وهو البلوغ ، والحرية ، والاستطاعة ، وإمكان المسير. لأن
الصغير والمملوك ، ومن ليس له زاد ولا راحلة ، وليس بمخلى السرب ولا يمكنه المسير
لو تكلف الحج يصح منهم وإن لم يكن واجباً عليهم ، ولا يجزيهم عن حج الإسلام على ما
تقدم .. ». وفي المدارك حكى ذلك عن التذكرة ، ولم أجده في ما يحضرني من نسختها. وفي
الدروس ـ بعد أن ذكر الشرائط ، وأنهاها إلى ثمانية ـ قال : « ولو حج فاقد هذه
الشرائط لم يجزه. وعندي لو تكلف المريض ، والمعضوب والممنوع بالعدو ، وتضيق الوقت
أجزأه ذلك ، لأن ذلك من باب تحصيل الشرط ، فإنه لا يجب ، ولو حصله وجب وأجزأ. نعم
لو أدى ذلك إلى إضرار بالنفس يحرم إنزاله. ولو قارن بعض المناسك احتمل عدم
إلا إذا كان إلى حد
الإضرار بالنفس ، وقارن بعض المناسك فيحتمل عدم الاجزاء ، ففرق بين حج المتسكع وحج
هؤلاء. وعلل الأجزاء : بأن ذلك من باب تحصيل الشرط ، فإنه لا يجب ، لكن إذا حصله
وجب. وفيه : أن مجرد البناء على ذلك لا يكفي في حصول الشرط [١]. مع أن غاية الأمر
______________________________________________________
الاجزاء .. ».
وقال بعد ذلك : « فانقسمت الشرائط إلى أربعة أقسام إلى أن قال : الرابع : ما هو
شرط في الاجزاء ، وهو ما عدا الثلاثة الأخيرة. وفي ظاهر الفتاوي : كل شرط في
الوجوب والصحة شرط في الاجزاء .. ». ويريد من الثلاثة الأخيرة : الصحة من المرض ،
وتخلية السرب ، والتمكن من المسير.
[١] يمكن توجيه
كلام الشهيد : بأن عدم الحرج والضرر ـ المأخوذ شرطاً في الاستطاعة ـ يراد به عدم
الحرج والضرر الآتيين من قبل الشارع لا مطلقاً. فاذا تكلف المكلف الحرج والضرر ـ لا
بداعي أمر الشارع بل بداع آخر ـ فعدم الحرج والضرر الآتيين من قبل الشارع حاصل ،
لأن المفروض أن الحرج والضرر الحاصلين كانا بإقدام منه وبداع نفساني ، لا بداعي
الأمر الشرعي ، فتكون الاستطاعة حينئذ حاصلة بتمام شروطها ، فيكون الحج حج الإسلام.
فإن قلت : إذا كان
المكلف جاهلاً ، وأقدم على الحج بداعي اللزوم الشرعي ، يكون الحرج أو الضرر حينئذ
مانعاً من الاستطاعة. ولازمه بطلان حجه ، مع أنه أطلق الشهيد (ره) القول بالصحة.
قلت : في الفرض المذكور أيضاً لا يكون الحرج أو الضرر آتياً من قبل الشارع ، بل
يكون ناشئاً من جهله بالحكم واعتقاده اللزوم غلطاً منه واشتباهاً ، فيكون الشرط ـ وهو
عدم الحرج أو الضرر الآتي من قبل الشارع ـ حاصلاً أيضاً ، فيكون
حصول المقدمة ،
التي هو المشي إلى مكة ومنى وعرفات. ومن المعلوم أن مجرد هذا لا يوجب حصول الشرط ،
الذي هو عدم الضرر أو عدم الحرج [١]. نعم لو كان الحرج أو الضرر في المشي إلى
الميقات فقط ، ولم يكونا حين الشروع في الأعمال تمَّ ما ذكره [٢] ، ولا قائل بعدم
الاجزاء في هذه الصورة. هذا ومع ذلك فالأقوى ما ذكره في الدروس. لا لما ذكره ،
______________________________________________________
مستطيعاً ، ويجزيه
عن حج الإسلام. وأما ما ذكره : من استثناء صورة ما إذا بلغ الضرر حد الإضرار
بالنفس وقارن بعض المناسك ، فلأن الإضرار بالنفس حرام. ويحتمل حينئذ سراية الحرمة
إلى المنسك الذي قارنه ذلك ، فيحرم ، ولا يصح التعبد به. لكن هذا التوجيه وإن كان
يرفع استبشاع التفصيل المذكور. إلا أنه لا يرفع عنه الإشكال بالمرة ، لما عرفت
آنفاً : من أن دليل نفي الضرر أو الحرج لا يصلح لرفع الملاك في حال الحرج والضرر ،
فلا يدل على اشتراط عدم الحرج والضرر في الاستطاعة ، لا مطلقهما ولا خصوص ما كان
آتياً من قبل الشارع. فلا بد في التفصيل المذكور من الرجوع الى ما ذكرناه في صدر
المسألة ، في شرح قوله (ره) : « فالظاهر كفايته .. ». فراجع.
نعم قد يشكل الأمر
في مثل صحة البدن التي دلت النصوص على اشتراط الاستطاعة بها في مقابل العذر. ولعل
الشهيد فهم من النصوص : أن اعتبارها من باب العذر ، لا تعبداً كالزاد والراحلة.
وهو غير بعيد.
[١] قد عرفت أنه
يوجبه. إذ الحرج الذي وقع فيه ليس آتياً من قبل الشارع ، فالآتي من قبله معدوم ، وبعدمه
تحصل الاستطاعة.
[٢] لكن لا مجال
لاحتماله في كلامه ، إذ لا فرق في ذلك بين الشروط
بل لأن الضرر
والحرج إذا لم يصلا الى حد الحرمة إنما يرفعان الوجوب والإلزام لا أصل الطلب
[١] ، فاذا تحملهما وأتى بالمأمور
به كفى.
______________________________________________________
الثلاثة الأخيرة
وبين غيرها. كما أنه لا خلاف في ذلك بينه وبين غيره من الأصحاب. وقد تقدم في كلامه
: التصريح بالفرق بين الشرائط الثلاثة وغيرها. كما أن ما تقدم في كلامه ، من قوله
: « وعندي .. ». وقوله : « وظاهر الفتاوى .. » كالصريح في تحقق الخلاف بينه وبين
غيره في الفتاوي. فلاحظ.
[١] قد أشرنا في بعض
المواضع من هذا الشرح إلى أن الاختلاف بين فردي الطلب الوجوبي والاستحبابي ليس من
قبيل الاختلاف بين فردي الكلي التشكيكي ، بأن يكون الطلب الوجوبي أكيداً والطلب
الاستحبابي ضعيفاً ، ولا من قبيل الاختلاف بين فردي الطلب المتواطئ ، بأن يكون
الطلب الوجوبي فرداً خاصاً والطلب الاستحبابي فرداً آخر ، نظير زيد وعمرو. بل
الاختلاف بينهما ليس إلا في الترخيص في مخالفته في الطلب الاستحبابي وعدمه في
الطلب الوجوبي. ولما كانت أدلة نفي الحرج والضرر ظاهرة في نفي المنشأ ـ وهو اللزوم
ـ وكان اللزوم منزعاً من عدم الترخيص ، كانت أدلة نفي الحرج والضرر راجعة إلى
الترخيص في مخالفة الطلب. فالطلب قبل أدلة نفي الحرج لا ترخيص في مخالفته ، وبعد
أدلة نفي الحرج مرخص في مخالفته. فالطلب في الحالين لا تبدل فيه ، لا في ذاته ولا
في صفته ، وإنما التبدل في انضمام الترخيص اليه بعد أن كان خالياً عنه ، فاذا كان
باقياً بحاله كان كافياً في مشروعية المطلوب وجواز التعبد به. ولو سلم أن الاختلاف
بين فردي الطلب من قبيل الاختلاف بين فردي الماهية التشكيكية ، فيكون الطلب
الوجوبي شديداً والطلب الاستحبابي ضعيفاً ، فغاية ما يقتضي دليل نفي الحرج رفع
الشدة
( مسألة ٦٦ ) : إذا حج مع استلزامه لترك واجب أو
______________________________________________________
الموجبة للزوم ،
فيبقى أصل الطلب بحاله. ولو سلم أنه من قبيل الأفراد للكلي المتواطئ ، فاذا زال
الطلب الوجوبي لا بد أن يخلفه الطلب الاستحبابي ، لأن الملاك بعد ما كان موجوداً
كان موجباً لحدوث الإرادة الاستحبابية.
ومن ذلك تعرف
الإشكال في حاشية بعض الأعاظم على المقام ، حيث قال فيها : « لم يعرف أن هذا الطلب
المدعى ثبوته ـ بعد رفع الوجوب ـ استحبابي أو نوع آخر ، وكيف تولد من رفع الوجوب
ما لم يكن له عين ولا أثر سابق؟ .. ». هذا مضافاً إلى ما عرفت في بعض مباحث الوضوء
، من أن الطلب بما هو ليس داعياً إلى الفعل العبادي ، بل بما هو طريق الى وجود
الملاك الموجب للترجح النفساني عند الالتفات. وحينئذ لو فرض عدم حصول الطلب لمانع
عنه ، أو لعدم الالتفات ـ كما في الموالي العرفية ـ كان ذلك الترجيح كافياً في
الدعوة إلى الفعل ، وصدوره على وجه العبادة ، وعدم كونه تشريعاً. فلاحظ. نعم يشكل
ما ذكره المصنف (ره) : بما عرفت الإشارة إليه سابقاً ، من أن دليل نفي الحرج لما
لم يكن مانعاً عن وجود الملاك فقد استقر الحج في ذمة المكلف ، وإن كانت لا تجب
المبادرة إليه لدليل نفي الحرج ، فاللازم ـ مع عدم الحرج ـ الإتيان به في السنة
اللاحقة وان زالت الاستطاعة ، كما لو ترك الحج في السنة الأولى عمداً من غير عذر.
وإن شئت قلت : بناء على ما ذكره المصنف لا يكون الحرج منافياً للاستطاعة ، ولا
عدمه شرطاً فيها ، وإنما يكون رافعاً للزوم الحج ، وهو خلاف ما ذكره سابقاً ، من
اشتراط الاستطاعة بأن لا يكون حرج. وعليه بناء الأصحاب ، كما سبق. وعلى هذا لا بد
من الرجوع إلى ما ذكرناه في صدر المسألة في شرح قوله (ره) : « فالظاهر كفايته .. »
، كما تقدم في توجيه كلام الشهيد.
ارتكاب محرم لم
يجزه عن حجة الإسلام ، وإن اجتمع سائر الشرائط. لا لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده ،
لمنعه أولاً ، ومنع بطلان العمل بهذا النهي ثانياً. لأن النهي متعلق بأمر خارج [١].
بل لأن الأمر مشروط بعدم المانع ، ووجوب ذلك الواجب مانع [٢]. وكذا النهي المتعلق
بذلك المحرم مانع
______________________________________________________
[١] لم يتضح وجه
ما ذكره ، لأن القائلين بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده ، منهم : من بناه
على مقدمية أحد الضدين للضد الآخر ، فيكون النهي غيرياً. ومنهم : من بناه على أن
المتلازمين في الخارج متلازمان في الحكم ، ولما كان عدم أحد الضدين ملازما للضد
الآخر كان بحكمه ، وعلى كلا التقديرين فالنهي عن الضد نفسه لا عن أمر خارج. نعم
استشكل بعضهم في اقتضاء النهي الغيري للفساد ، من أجل أنه كالوجوب الغيري لا يقتضي
ثواباً ولا عقاباً ، ولا قرباً ولا بعداً. لكن الظاهر ضعف الاشكال المذكور ، كما
حققناه في محله وعلى تقديره فهو إشكال آخر غير ما ذكره المصنف (ره).
ثمَّ إن ظاهر المصنف
(ره) المفروغية عن أن المقام من صغريات مسألة الضد. وهو إنما يتم في ما إذا كان
الواجب ـ الذي يلزم تركه من الحج ـ ضداً لنفس أفعال الحج ، أما إذا كان ضداً للسفر
إلى الحج ، فلا يكون من صغريات تلك المسألة ، لأنه مقدمة غير عبادية ، وهي تختص
بما إذا كان ضداً للواجب العبادي ، الذي يفسد بالنهي على تقدير القول به. نعم
الوجه الذي سيذكره شامل للمقامين.
[٢] قد عرفت
الاشكال فيما ذكره ، وأن ما كانت مانعيته مستفادة من دليل مانعية العذر تختص
مانعيته بحال الترك ولا تعم حال الفعل. وإلا كان اللازم البناء على عدم الاجزاء في
موارد الحرج ، لأنه أيضاً عذر مانع.
ومعه لا أمر بالحج.
نعم لو كان الحج مستقراً عليه ، وتوقف الإتيان به على ترك واجب أو فعل حرام دخل في
تلك المسألة [١] ، وأمكن أن يقال بالاجزاء ، لما ذكر : من منع اقتضاء الأمر بشيء
للنهي عن ضده ، ومنع كون النهي المتعلق بأمر خارج موجباً للبطلان.
( مسألة ٦٧ ) : إذا كان في الطريق عدو لا يندفع إلا بالمال ، فهل يجب بذله ويجب الحج أو لا؟
أقوال [٢] ، ثالثها : الفرق بين المضر بحاله وعدمه ، فيجب في الثاني دون الأول.
______________________________________________________
ودعوى : أن أدلة
نفي الحرج لا ترفع الا اللزوم ـ كما تقدمت من المصنف ـ مسلمة. لكنها لا تجدي في
البناء على الاجزاء إذا كان مقتضى الدليل عدم الاجزاء ، إذ لا منافاة بين كون نفي
الحرج لا يقتضي نفي الاجزاء وكون مانعية العذر تقتضي نفي الاجزاء. إذ لا منافاة
بين المقتضي واللامقتضي ، كما هو ظاهر.
وبالجملة : إن كان
لدينا دليل يدل على مانعية العذر مطلقاً عن الاستطاعة كان اللازم البناء على
مانعية الحرج عنها ، وإن لم يكن دليل على ذلك كان اللازم البناء على عدم مانعية
ترك الواجب أو الوقوع في الحرام عنها ، فالتفكيك بين الحرج وغيره من الأعذار في
المانعية عن الاستطاعة وعدمها غير ظاهر.
[١] قد عرفت أن
دخوله في تلك المسألة يتوقف على كون ترك الواجب ملازماً لنفس أفعال الحج لا للسفر
، وإلا فلا يكون من تلك المسألة أيضاً. كما عرفت أن النهي ـ على تقديره ـ يتعلق
بأمر داخل في العبادة لا بأمر خارج عنها.
[٢] أولها : عدم
الوجوب ، كما في المدارك عن الشيخ (ره) وجماعة
( مسألة ٦٨ ) : لو توقف الحج على قتال للعدو لم
______________________________________________________
لانتفاء الشرط ،
وهو تخلية السرب. ولأن المأخوذ على هذا الوجه ظلم لا تنبغي الإعانة عليه. وأن من
خاف من أخذ المال قهراً لا يجب عليه الحج وإن قل المال ، وهذا في معناه. وهذه
الوجوه ـ كما ترى ـ ضعيفة ، لتحقق التخلية بالقدرة على المال. وعدم حرمة الإعانة
على مثل هذا الظلم. وللفرق بين المقام وبين أخذ المال قهراً. مع أن الحكم في
المقيس عليه ممنوع. وثانيها : الوجوب مع الإمكان. قال في الشرائع : « ولو قيل يجب
التحمل مع المكنة كان حسناً .. ». وفي المدارك : « والأصح : ما اختاره المصنف (ره)
، من وجوب بذل المال مع القدرة مطلقاً. لتوقف الواجب عليه ، فكان كأثمان الآلات ..
». ومثل ذلك : ما عن العلامة وغيره. وأما الثالث فاختاره في المعتبر ، قال : «
والأقرب أنه إن كان المطلوب مجحفاً لم يجب ، وإن كان يسيراً وجب بذله ، وكان
كأثمان الآلات .. ». وهذا هو المراد مما في المتن.
هذا وقد عرفت في
شرح المسألة الرابعة والستين : أنه لا مجال للتمسك بقاعدة نفي الضرر في الباب ،
لأن أدلة وجوب الحج من قبيل مخصص لها ، فيؤخذ بإطلاقه. ومن ذلك يظهر ضعف القول
الأول. كما عرفت أن الحرج في المقام مانع عن الاستطاعة ، فيتعين لذلك التفصيل
المذكور ، لأن المراد من أخذ المال المجحف ما يكون موجباً للحرج. ثمَّ إنه لم يظهر
وجه توقف المصنف (ره) عن الفتوى في هذه المسألة ، وعن التمسك بقاعدة نفي الضرر
والحرج ، مع أنه أفتى ـ في المسألة الرابعة والستين ، والخامسة والستين ـ بسقوط
الحج مع لزوم. الضرر أو الحرج. والفرق بين المقامين غير ظاهر.
يجب ، حتى مع ظن
الغلبة عليه والسلامة. وقد يقال بالوجوب في هذه الصورة [١].
( مسألة ٦٩ ) : لو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه [٢]. إلا مع خوف الغرق أو المرض خوفاً
عقلائياً [٣] ، أو استلزامه الإخلال بصلاته [٤] ، أو إيجابه لأكل النجس أو شربه. ولو
حج مع هذا صح حجة ، لأن ذلك في المقدمة ، وهي المشي إلى الميقات ، كما إذا ركب
دابة غصبية إلى الميقات.
______________________________________________________
[١] قال في كشف
اللثام : « الأقرب ـ وفاقاً للمبسوط والشرائع ـ سقوط الحج إن علم الافتقار إلى
القتال ، مع ظن السلامة ـ أي العلم العادي بها وعدمه ـ كان العدو مسلمين أو كفاراً.
للأصل. وصدق عدم تخلي السرب. وعدم وجوب قتال الكفار إلا للدفع أو للدعاء إلى
الإسلام بإذن الإمام .. الى أن قال : وقطع في التحرير والمنتهى بعدم السقوط إذا لم
يلحقه ضرر ولا خوف ، واحتمله في التذكرة. وكأنه : لصدق الاستطاعة ، ومنع عدم تخلية
السرب حينئذ ، مع تضمن المسير أمراً بمعروف ونهياً عن منكر ، واقامة لركن من أركان
الإسلام .. ».
أقول : إذا كان
الضرر مأموناً ، وكان دفع العدو ميسوراً فالظاهر صدق تخلية السرب وثبوت الوجوب.
وإذا كان الضرر مخوفاً ، أو كان الدفع حرجاً ومشقة لا يقدم عليها العقلاء لم يجب
الحج ، كما عرفت الكلام في نظيره.
[٢] بلا إشكال
ظاهر. وقد نص عليه جماعة كثيرة. ويقتضيه إطلاق دليل الوجوب.
[٣] تقدم الكلام
في نظيره.
[٤] الواجب الذي
يلزم تركه من السفر الى الحج على قسمين ،
( مسألة ٧٠ ) : إذا استقر عليه الحج ، وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة
وجب عليه أداؤها ، ولا يجوز له المشي إلى الحج قبلها. ولو تركها عصى ، وأما حجة
فصحيح إذا كانت الحقوق في ذمته لا في عين ماله. وكذا إذا كانت في عين ماله ولكن
كان ما يصرفه في مئونته من المال الذي لا يكون فيه خمس أو زكاة أو غيرهما ، أو كان
مما تعلق به الحقوق ولكن كان ثوب إحرامه ، وطوافه ، وسعيه ، وثمن هديه من المال
الذي ليس فيه حق. بل وكذا إذا كانا مما تعلق به الحق من الخمس والزكاة ، إلا أنه
بقي عنده مقدار ما فيه منهما. بناء على ما هو الأقوى ، من كونهما في
______________________________________________________
الأول : ما يكون
له بدل ، كالصلاة بالطهارة المائية التي بدلها الصلاة بالطهارة الترابية ، والصلاة
قائماً التي بدلها الصلاة جالساً ، ونحو ذلك. الثاني : ما لا يكون له بدل. وفي
الأول إذا قلنا بجواز تعجيز النفس فيه فلا ينبغي الإشكال في عدم مزاحمته للحج ،
فيجب الحج وإن لزم منه تركه ، لكون المفروض جواز تركه إلى البدل. وإن قلنا بعدم
جواز تعجيز النفس فيه كان حاله حال ما إذا لم يكن له بدل ، وظاهر الفتاوى : عدم
الفرق ـ في مزاحمته لوجوب الحج ، ومنافاته للاستطاعة ـ بين كونه أهم من الحج وعدمه.
بل الظاهر أنه لا إشكال فيه عندهم ، كما يظهر بملاحظة كلماتهم ، فيما إذا نذر الحج
في السنة المعينة فاستطاع فيها ، حيث لم يتعرضوا لذكر أهمية النذر في وجه المزاحمة.
بل لا مجال لدعوى ذلك فيه ، فان أهمية حج الإسلام بالإضافة إلى حج النذر ليست
موضعاً للإشكال.
والذي ينبغي أن
يقال إنه لا عموم في النصوص ـ التي اعتمد عليها في مانعية
العين على نحو
الكلي في المعين ، لا على وجه الإشاعة [١].
( مسألة ٧١ ) : يجب على المستطيع الحج مباشرة ، فلا يكفيه حج غيره عنه ـ تبرعاً أو بالإجارة
ـ إذا كان متمكناً من المباشرة بنفسه.
( مسألة ٧٢ ) : إذا استقر الحج عليه ، ولم يتمكن من من المباشرة لمرض لم يرج زواله ، أو حصر
كذلك ، أو هرم بحيث لا يقدر ، أو كان حرجاً عليه ـ فالمشهور وجوب الاستنابة عليه ،
بل ربما يقال بعدم الخلاف فيه [٢]. وهو الأقوى ، وإن كان ربما يقال بعدم الوجوب.
وذلك لظهور
______________________________________________________
ما ذكر عن
الاستطاعة ـ لكل واجب ، بل يختص بالواجب الذي له نوع من الأهمية ، بحيث يصح أن
يعتذر به في ترك الحج. فاذا علم المكلف أنه إذا حج يفوته رد السلام على من سلم
عليه ، أو الإنفاق يوماً ما على من تجب نفقته عليه ، أو نحو ذلك من الواجبات التي
ليس لها تلك الأهمية ، لا يجوز له ترك الحج فراراً من تركها ، فإنه لا يصح له
الاعتذار بذلك. لا أقل من الشك الموجب للرجوع إلى عموم الوجوب على من استطاع. فاذا
كان لزوم ترك الواجب أو الوقوع في الحرام عذراً في نظر المتشرعة ، ويصح الاعتذار
به عندهم كان مانعاً من الاستطاعة ، وإلا فلا. وكذا لو شك في صحة الاعتذار ، لأن
عموم الوجوب هو المرجع مع الشك في صدق عنوان المخصص. فلاحظ.
[١] تعرضنا في
كتاب الزكاة والخمس لتحقيق ما هو مفاد الأدلة. فراجع.
[٢] حكى في
المستند عن المسالك والروضة والمفاتيح وشرحه وشرح الشرائع للشيخ علي : الإجماع
عليه.
جملة من الأخبار
[١]
______________________________________________________
[١] كصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
(ع) : « قال : إن
أمير المؤمنين (ع) أمر شيخاً كبيراً لم يحج قط ، ولم يطق الحج لكبره أن يجهز رجلاً
يحج عنه » ، ومصحح
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إن علياً رأى شيخاً لم يحج قط ، ولم يطق
الحج من كبره ، فأمره أن يجهز رجلاً فيحج عنه » ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : «
قال كان علي (ع) يقول : لو
أن رجلا أراد الحج ، فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج ، فليجهز رجلا من
ماله ثمَّ ليبعثه مكانه » ، وخبر
عبد الله بن ميمون القداح عن أبي جعفر (ع) عن أبيه : « إن علياً (ع) قال لرجل كبير لم يحج قط
، قال إن شئت أن تجهز رجلا ثمَّ ابعثه يحج عنك » ، ومصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ـ في
حديث ـ قال : «
وإن كان موسراً وحال بينه وبين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره الله تعالى فيه ، فان
عليه أن يحج من ماله صرورة لا مال له » ، وخبر
علي بن أبي حمزة : «
سألته عن رجل مسلم حال بينه وبين الحج مرض أو أمر يعذره الله تعالى فيه ، فقال (ع)
: عليه أن يحج رجلا من ماله صرورة لا مال له » ، وخبر سلمة أبي حفص عن أبي عبد الله (ع) :
« إن رجلا أتى علياً
(ع) ولم يحج قط ، فقال :
__________________
______________________________________________________
إني
كنت كثير المال ، وفرطت في الحج حتى كبرت سني ، فقال : تستطيع الحج؟ فقال : لا.
فقال له علي (ع) : إن شئت فجهز رجلاً ثمَّ ابعثه يحج عنك » .
لكن الروايات
الثلاث الأول غير ظاهرة في المستطيع. وحملها عليه ليس بأولى من حمل الأمر فيها
بالاستنابة على مجرد بيان المشروعية. وخبر القداح ظاهر في عدم الوجوب. ومن أجله
يظهر إشكال آخر في النصوص السابقة ـ بناء على وحدة الواقعة ـ كما هو الظاهر ، فان
ظاهر خبر القداح : أن أمير المؤمنين (ع) أجاب باستحباب الاستنابة ، فيحمل غيره
عليه ـ بناء على ظهوره في الوجوب ـ لأنه أقرب من حمله على الوجوب ، والأخذ بظاهر
غيره. ونحوه خبر سلمة أبي حفص. وأما مصحح الحلبي وخبر علي بن أبي حمزة فلا يمكن
الأخذ بظاهرهما ، من وجوب استنابة الصرورة. والتفكيك بين القيد والمقيد في الوجوب
بعيد. ولأجل ما ذكرنا من المناقشات ونحوها جزم في المستند بعدم وجوب الاستنابة ،
وحكى التردد من بعضهم في الوجوب في هذه الصورة ، واستظهره من الذخيرة ، بل من
الشرائع والنافع والإرشاد. لترددهم في مسألة استنابة المعذور ، من غير تفصيل بين
الاستقرار وعدمه. وأيده بعدم تعرض جماعة للوجوب في هذه الصورة.
لكن الإنصاف أن
حمل النصوص الأول على مجرد تشريع الاستنابة بعيد جداً ، أولاً : من جهة أن ذكر
القيود في المورد المحكي من الامام عن الامام يدل على دخلها في الحكم. والاستنابة
في الحج الاستحبابي لا يختص بمجمع القيود. وثانياً : أن قوله (ع) في مقام الحكاية
عن أمير المؤمنين : «
أمر .. » ظاهر في الوجوب
ظهوراً قوياً ، لا يقوى على التصرف فيه ـ بالحمل على مجرد المشروعية ـ إطلاق مورد
الجواب من حيث كونه مستطيعاً
__________________
______________________________________________________
وغير مستطيع.
وأما الإشكال
باختلاف النقل ـ من جهة إطلاق الأمر في النصوص الأول ، وتعليقه على المشيئة في
رواية القداح وخبر سلمة ـ فلا يهم ، لأنه مع الاختلاف في النقل تجري أحكام
التعارض ، وهي تقتضي الأخذ بالصحاح ، لأنها أصح سنداً ، وأكثر عدداً. مع قرب
احتمال أن يكون المراد من قوله
(ع) : « إن شئت أن
تجهز .. » في خبر القداح :
« إن شئت حججت بنفسك وتحملت الحرج ، وإن شئت استنبت » : نعم لا يجيء ذلك في خبر
سلمة ، لأن المفروض فيه أنه لا يطبق الحج بنفسه. وبالجملة : النصوص الأول ظاهرة
في الوجوب ، والخروج عنه بغيرها خلاف قواعد العمل بالأدلة.
وأما خبر الخثعمية ، المروي عن الزهري ، عن
سليمان بن يسار ، عن ابن عباس : «
إن امرأة من خثعم سألت رسول الله (ص) : إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخاً
كبيراً لا يستطيع أن يستمسك على راحلته ، فهل ترى أن أحج عنه؟ قال (ص) : نعم » .
وفي رواية عمر بن دينار زاد : « فقالت : يا رسول الله ، فهل ينفعه ذلك؟
فقال : نعم ، كما لو كان عليه دين تقضيه نفعه » .
فضعيف سنداً ، ودلالة
لعدم ظهوره في الوجوب. ثمَّ إن المذكور في كلام الأصحاب : الهرم ، والمرض ، والضعف
ونحو ذلك مما يرجع الى قصور الاستطاعة البدنية. ولم أقف عاجلا على من تعرض لغير
ذلك من الموانع ـ من حبس ، أو صد ، أو نحوهما ـ مما يوجب فقد الاستطاعة السربية ،
مع أن المذكور في مصحح الحلبي : أن موضوع الاستنابة مطلق العذر . ونحوه : خبر علي
بن أبي حمزة . فالتعميم أوفق بالنصوص ، لو لا ما عرفت من ظهور كون
المشهور خلافه.
__________________
في الوجوب. وأما
ان كان موسراً من حيث المال ، ولم يتمكن من المباشرة مع عدم استقراره عليه ، ففي
وجوب الاستنابة وعدمه قولان ، لا يخلو أولهما من
قوة [١]. لإطلاق الأخبار
______________________________________________________
[١] وهو المحكي عن
الشيخ وأبي الصلاح وابن البراج والعلامة في التحرير. اعتماداً على إطلاق النصوص
المذكورة ، فإنه شامل لمن حدثت له الاستطاعة حال العذر لكن لا تبعد دعوى انصراف
النصوص ـ بعد حملها على الوجوب ـ إلى خصوص من كان مستطيعاً قبل العذر. لا أقل من
الجمع بينها وبين ما دل على اعتبار صحة البدن وإمكان المسير في الاستطاعة بذلك ،
فان الجمع بينها كما يكون بتقييد إطلاق الحكم بغير الاستنابة ـ بأن تحمل الشرطية
على الشرطية للوجوب بنحو المباشرة ـ يكون أيضاً بتقييد موضوع هذه النصوص بمن كان
مستطيعاً. ولا ريب في كون التقييد الثاني أسهل. بل الأول بعيد جداً في نفسه ،
وبملاحظة قرينة السياق ، فإن الصحة ذكرت في النصوص في سياق الزاد والراحلة ، اللذين هما شرط
في الاستطاعة حتى بالإضافة إلى وجوب الاستنابة ، فتكون صحة البدن كذلك.
هذا مضافاً إلى ما
في رواية سلمة أبي حفص ، من كون السائل لعلي (ع) كان مستطيعاً سابقاً ـ بناء على
وحدة الواقعة ، كما هو الظاهر ـ كما عرفت . وحينئذ لا مجال للأخذ بإطلاق مورد السؤال فيها. ولذلك قيل
بعدم الوجوب ، كما حكاه في الشرائع ، ونسب إلى الحلي وابن سعيد والمفيد في ظاهره.
وفي القواعد : « الأقرب العدم » ، وتبعه في كشف اللثام. وحكى عن الخلاف : الإجماع
على عدم وجوبها عليه ، لكني لم أجده فيه.
__________________
المشار إليها. وهي
وإن كانت مطلقة من حيث رجاء الزوال وعدمه ، لكن المنساق من بعضها ذلك
[١]. مضافاً الى ظهور الإجماع على عدم
الوجوب ، مع رجاء الزوال [٢].
______________________________________________________
[١] النصوص الواردة
في الشيخ الكبير ظاهرة في خصوص المأيوس من زوال العذر. وأما صحيح ابن مسلم
بناء على ظهوره في المستطيع ـ فظاهر في المستطيع قبل العذر ، فلا يكون فيما
نحن فيه. نعم إطلاقه يشمل كون استطاعته في سنة العذر. لكن الظاهر أن محل الكلام
يشمل ذلك. ومثل الصحيح المذكور : صحيح الحلبي ، وخبر علي بن أبي حمزة .
[٢] في الجواهر عن
المنتهى : الإجماع على عدم وجوب الاستنابة مع رجاء زوال العذر. وربما يشهد له
التتبع. وفي المدارك : « إجماعاً ، قاله في التذكرة والمنتهى .. ». لكن في الخلاف
: « إذا كان به علة يرجى زوالها ـ مثل الحمى وغيرها ـ فأحج رجلا عن نفسه ثمَّ مات
، أجزأه عن حجة الإسلام. ثمَّ ادعى إجماع الفرقة والأخبار .. ». لكنه غير ظاهر في
الوجوب ، ولا في الاجزاء على تقدير البرء. وفي الدروس : « الأقرب أن وجوب
الاستنابة فوري إن يئس من البرء ، وإلا استحب الفور ». وظاهره الوجوب مع عدم اليأس.
لكن قوله بعد ذلك : « لو استناب المعضوب فشفي انفسخت النيابة .. » ظاهر في كون
الوجوب تابعاً لبقاء العذر واقعاً ، فاذا زال انكشف عدم الوجوب. إلا أن يقال : إن
كلامه الأخير يختص بما إذا كان زوال العذر في تلك السنة ، فلا يشمل ما لو استمر في
تلك السنة وزال بعد ذلك. وعن الحدائق : اختيار الوجوب مع الرجاء واليأس ، تمسكاً
بظاهر الأخبار. وهو قريب بناء على الوجوب. لكن العمل بها ـ بعد إعراض الأصحاب عنها
ـ كما ترى. إلا أن يحتمل بناؤهم على
__________________
______________________________________________________
ظهورها في المأيوس
ـ كما في المدارك الجزم به ـ فاذا تبين ظهورها في غير المأيوس لم يكن إعراضهم
موهناً.
وبالجملة : ظهور
بعض النصوص في الأعم من صورتي اليأس والرجاء غير بعيد ، فاذا اختصت بمن استقر الحج
في ذمته فقد دلت على وجوب الاستنابة في الصورتين فيه ، وإن عمت من لم يستقر الحج
في ذمته فقد دلت على وجوبها في الصورتين أيضاً. والإجماع على اختصاص الاستنابة
بصورة اليأس لم يثبت على نحو ترفع به اليد عن إطلاق الأدلة وإن كان محتملا ، إذ لم
يعثر على مصرح بخلافه. فلاحظ.
والذي ينبغي أن
يقال : إن اليأس والرجاء مما لم يتعرض لموضوعيتهما للبدلية في النصوص المتقدمة ،
وليس فيها إشارة إلى ذلك ولا تلويح ، وإنما المذكور فيها نفس العذر. نعم نصوص
الشيخ الكبير ظاهرة ـ بملاحظة موردها ـ في العذر المستمر . وصحيح الحلبي وخبر
علي بن أبي حمزة ظاهران في العذر المانع عن الحج ، فان كان
إطلاقهما شاملا للعذر في السنة كان مقتضاهما مشروعية الاستنابة والنيابة ولو مع
العلم بارتفاع العذر ، وإن كانا مختصين بالعذر المستمر كان حالهما حال نصوص الشيخ
الكبير. وعلى كل حال فليس في شيء من النصوص تعرض للرجاء ولا لليأس من حيث
موضوعيتهما للنيابة والاستنابة. وعليه فالمدار ـ في مشروعية النيابة وعدمها ـ وجود
العذر وعدمه واقعاً.
نعم الإشكال في
الاكتفاء بالعذر في السنة ، كما قد يظهر بدواً من صحيح الحلبي ونحوه. لكن يشكل
ذلك أولا : بأن لازمه وجوب الاستنابة مع العلم بزوال العذر في السنة اللاحقة ، ولا
يظن من أحد التزام ذلك ، إذ قد عرفت أن اعتبار اليأس مظنة الإجماع. وإذا أمكن
التنازل عن ذلك
__________________
______________________________________________________
ألحق الرجاء
باليأس ، كما تقدم عن الدروس والحدائق. أما مع العلم بالارتفاع فشيء لم يحتمله
أحد. وثانياً : بأن المقام من قبيل سائر موارد جعل البدل الاضطراري.
والتحقيق : أن
إطلاق دليل البدلية الاضطرارية وان كان يقتضي ثبوت البدلية بمجرد تحقق الاضطرار
وقتاً ما ، لكن مناسبة الحكم والموضوع والارتكاز العقلائي في باب الضرورات يقتضي
حمله على الاضطرار الى ترك الواجب بجميع أفراده التدريجية ، فيختص بالعذر المستمر.
فيكون المراد من قوله (ع) : « حال بينه وبين الحج مرض .. » أنه حال على نحو
لم يتمكن من الحج إلى آخر عمره ، لا أنه لم يتمكن منه في سنة من السنين. كل ذلك
للارتكاز العرفي في باب الضرورات ، كما أشرنا إلى ذلك في موارد كثيرة من هذا الشرح.
وعليه تكون الروايتان ـ كغيرهما من روايات الشيخ ـ ظاهرة في العذر المستمر المانع
من أداء الفرض في جميع الأوقات. مضافاً إلى أن الروايتين قد اشتملتا على ما لم يقل
أحد بوجوبه ، من استنابة الصرورة ، الموجب لحملها على الاستحباب. فيحتمل أن يكون
المراد منهما : استحباب إحجاج غيره عن نفسه لا بعنوان النيابة ، كما احتمله في
الجواهر. وكيف كان لا مجال للبناء على وجوب الاستنابة مع العذر في السنة إذا كان
يرتفع بعدها.
ومن ذلك يظهر : أن
دعوى ظهور الأخبار في اليأس ـ كما في المدارك حيث قال : « وإنما تجب الاستنابة مع
اليأس من البرء. ولو رجا البرء لم يجب عليه الاستنابة إجماعاً ، قاله في التذكرة
والمنتهى. تمسكاً بمقتضى الأصل ، السالم من معارضة الأخبار المتقدمة ، إذ المتبادر
منها تعلق الوجوب بمن حصل له اليأس من زوال المانع .. » ـ أو في اليأس والرجاء ـ كما
عن الحدائق ، كما تقدم ـ ليس كما ينبغي. لقصور الأخبار عن التعرض لهذه الجهة ،
لأنها
__________________
______________________________________________________
واردة في مقام
بيان حكم العذر الواقعي ، واليأس من ارتفاعه ورجاء ارتفاعه أمران آخران أجنبيان
عنه ، كما عرفت. نعم الظاهر أنه لا إشكال في كون اليأس طريقاً إلى استمرار العذر ،
ولا يعتبر العلم باستمراره. وفي كون الرجاء طريقاً إليه إشكال ، وإن كان قد يحتمل
ذلك ، اعتماداً على استصحاب بقاء العذر واستمراره ، أو استصحاب بقاء العجز. إلا أن
يقوم إجماع على خلافه ، كما عرفت. والظاهر أن ذكر اليأس والرجاء في كلام الفقهاء (
رض ) في مقام بيان الحكم الظاهري لا الواقعي ، بل لا ينبغي التأمل فيه. كما عرفت
من أن الحكم الواقعي موضوعه العذر الواقعي ـ الذي هو موضوع اليأس والرجاء ـ لا
نفسهما. فلاحظ وتأمل.
والذي يتحصل مما
ذكرنا أمور : الأول : أنه لا إشكال في أن العذر المستمر موضوع لوجوب الاستنابة.
الثاني : أنه لا ينبغي الإشكال في أن العذر غير المستمر ليس موضوعاً لوجوب
الاستنابة عند الفقهاء. والروايتان قد عرفت معناهما. الثالث : أن اليأس أو مع
الرجاء ليس موضوعاً لوجوب الاستنابة واقعاً. والنصوص خالية عن التعرض لدخلهما في
موضوع الحكم الواقعي المذكور ، لا تصريحاً ولا تلويحاً. الرابع : أنه لا إشكال في
وجوب الاستنابة مع اليأس على نحو يكون الوجوب ظاهرياً لا واقعياً. ودليله : الإجماع.
ولعله مقتضى إطلاق النصوص المقامي ، إذ لو انحصر الطريق بالعلم باستمرار العذر لم
يبق مورد للعمل بالنصوص المذكورة إلا نادراً ، وحمل النصوص المذكورة على ذلك بعيد
جداً. وأما الرجاء فمقتضى الاستصحاب طريقيته غالباً للحكم الظاهري. لكن يشكل العمل
به ، لما عرفت من أنه خلاف مظنة الإجماع. نعم لو استناب مع الرجاء ثمَّ مات قبل
الشفاء أجزأ ، كما عرفت دعوى الإجماع عليه في الخلاف.
والظاهر فورية
الوجوب ، كما في صورة المباشرة [١]. ومع بقاء العذر الى أن مات يجزيه حج النائب ، فلا يجب القضاء عنه وان كان مستقراً عليه. وان
اتفق ارتفاع العذر بعد ذلك ، فالمشهور أنه يجب عليه مباشرة وإن كان بعد إتيان
النائب ، بل ربما يدعى عدم الخلاف فيه [٢]. لكن
الأقوى عدم الوجوب ، لأن ظاهر الأخبار : أن حج النائب هو الذي كان واجباً على المنوب عنه [٣] ، فاذا أتى به فقد حصل
ما كان واجباً عليه ، ولا دليل على وجوبه مرة أخرى. بل لو قلنا باستحباب الاستنابة
، فالظاهر كفاية فعل النائب [٤] بعد
______________________________________________________
[١] لأن دليل
النيابة يقتضي تنزيل عمل النائب منزلة عمل المنوب عنه وكونه فرداً له تنزيلا ،
فاذا وجب على المنوب عنه فوراً فقد وجب على النائب كذلك.
[٢] قال في
المستند : « من غير خلاف صريح منهم أجده ، بل قيل : كاد أن يكون إجماعاً. وعن
التذكرة : أنه لا خلاف فيه بين علمائنا .. ».
[٣] هذا مما لا
إشكال فيه لو ثبتت البدلية. لكنها ـ بعد انكشاف عدم استمرار العذر ـ ممنوعة ، كما
عرفت. وموافقة الأمر الظاهري لا تقتضي الاجزاء ، كما تحقق في محله. وبالجملة : بعد
انكشاف غلط الطريق وخطئه انكشف عدم ثبوت مشروعية الاستنابة واقعاً ، فلا يكون فعل
النائب غير المشروع مجزياً.
[٤] كما اختاره
جماعة في من لم يستقر الحج في ذمته ، ومنهم صاحب الجواهر. وقد تقدم الكلام فيه.
كون الظاهر
الاستنابة فيما كان عليه [١]. ومعه لا وجه لدعوى : أن المستحب لا يجزي عن الواجب.
إذ ذلك فيما إذا لم يكن المستحب نفس ما كان واجباً ، والمفروض في المقام أنه هو. بل
يمكن أن يقال [٢] : إذا ارتفع العذر في أثناء عمل النائب ـ بأن كان الارتفاع بعد
إحرام النائب ـ إنه يجب عليه الإتمام ، ويكفي عن المنوب عنه. بل يحتمل ذلك وإن كان
في أثناء
______________________________________________________
[١] قوى في
الجواهر : أن يكون المراد من الإحجاج الإحجاج على نحو يحج عن نفسه ، لا نيابة عن
المعذور. ولكنه خلاف الظاهر جداً.
[٢] قال في الدروس
« لو استناب المعضوب فشفي انفسخت النيابة. ولو كان بعد الإحرام فالأقرب الإتمام ،
فإن استمر الشفاء حج ثانياً ، فان عاد المرض قبل التمكن فالأقرب الاجتزاء .. ».
وقال في المدارك : « لو استناب الممنوع فزال العذر قبل التلبس بالإحرام ، انفسخت
الإجارة فيما قطع به الأصحاب. ولو كان بعد الإحرام احتمل الإتمام والتحلل. وعلى
الأول فإن استمر الشفاء حج ثانياً ، وإن عاد المرض قبل التمكن فالأقرب الاجزاء ..
» وظاهر كلامه في الصورة الأولى : صورة إتيان النائب بالحج. وإطلاق انفساخ الإجارة
فيه ينافي بناءه على الاجزاء في صورة عود المرض.
وكيف كان فاحرام
النائب لا أثر له في مشروعية النيابة وعدم انفساخ الإجارة ، لما عرفت من أن ارتفاع
العذر كاشف عن عدم مشروعية النيابة من أول الأمر ، فاحرامه باطل. ولأجل ذلك لا يصح
احتمال وجوب الإتمام ، ولا احتمال لزوم التحلل بعمرة مفردة ، لأنهما من أحكام
الإحرام الذي حدث صحيحاً ، وليس منه إحرام النائب في الفرض ، ولا مجال
الطريق ، قبل
الدخول في الإحرام. ودعوى : أن جواز النيابة ما دامي كما ترى ، بعد كون
الاستنابة بأمر الشارع [١] ، وكون الإجارة لازمة لا دليل على انفساخها [٢]. خصوصاً إذا لم يمكن إبلاغ النائب المؤجر ذلك. ولا فرق فيما
ذكرنا من وجوب الاستنابة بين من عرضه العذر ـ من المرض وغيره ـ وبين من كان
معذوراً خلقة ، والقول بعدم الوجوب في الثاني وإن قلنا بوجوبه في الأول ضعيف [٣].
وهل يختص الحكم
______________________________________________________
لدعوى الاجزاء.
وأولى بعدم إجزاء حج النائب ، وعدم مشروعية النيابة ، وانفساخ الإجارة : ما لو كان
ارتفاع العذر في أثناء الطريق.
[١] قد عرفت أن
الأمر ظاهري لا اعتبار به بعد انكشاف الخلاف.
[٢] كيف تكون
لازمة بعد انكشاف كونها على عمل غير مشروع؟.
[٣] قال في
الشرائع : « ولو كان لا يستمسك خلقة قيل : سقط الفرض عن نفسه وعن ماله ، وقيل :
تلزمه الاستنابة. والأول أشبه ». وفي المدارك : « الأصح لزوم الاستنابة. لإطلاق
قوله (ع) في صحيح الحلبي : وإن كان موسراً .. » .
وعن الحدائق : اختياره.
وفي الجواهر : اختار العدم ، أما على المختار من الندب ففي العارض ـ فضلاً عنه ـ فواضح.
وأما على الوجوب فالمتجه الاقتصار على المنساق من النصوص المزبورة المخالفة للأصل.
بل صحيح ابن مسلم كالصريح في ذلك. انتهى. ووجه صراحته : اشتماله على قوله : « فعرض له .. ». لكن صراحته تأبى صحة الاحتجاج به على العموم ، ولا تأبى
صحة الاحتجاج بغيره عليه لو أمكن. فالعمدة : ما عرفت من عدم الوجوب على من لم
__________________
بحجة الإسلام ، أو
يجري في الحج النذري والافسادي أيضاً [١]؟ قولان. والقدر المتيقن هو الأول ، بعد كون الحكم على خلاف القاعدة. وان لم يتمكن
المعذور من الاستنابة ـ ولو لعدم وجود النائب ، أو وجوده مع عدم رضاه إلا بأزيد من
أجرة المثل ، ولم يتمكن من الزيادة ، أو كانت مجحفة ـ سقط الوجوب [٢].
______________________________________________________
يستقر الحج في
ذمته. فراجع. وفي المسالك : وجوب الاستنابة ، لعدم العلم بالقائل بالفرق. وإشكاله
ظاهر.
[١] قال في الدروس
: « ولو وجب عليه الحج بإفساد أو نذر فهو كحجة الإسلام ، بل أقوى .. ». وفي
المدارك : أنه غير واضح في النذر ، بل ولا الإفساد أيضاً إن قلنا أن الثانية عقوبة.
لأن الحكم بوجوب الاستنابة على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على مورد النص ، وهو حج
الإسلام. والنذر والإفساد إنما اقتضيا وجوب الحج مباشرة ، وقد سقط بالعذر. انتهى.
وتبعه عليه في الجواهر. وظاهر المصنف (ره) الميل اليه. وهو في محله لو كان
الانصراف إلى حج الإسلام ناشئاً عن سبب ارتكازي. لكنه غير ظاهر. وفي المستند قال :
« إطلاق بعض ما تقدم من الاخبار ـ كصحيحة محمد والحلبي ـ عدم اختصاص ذلك بحجة
الإسلام ، وجريانه في غيرها من الواجبات أيضاً كالمنذورة. والظاهر عدم الخلاف فيه
أيضاً ، كما يظهر منهم في مسألة الاستنابة من الحجين في عام واحد ». وسيأتي من
المصنف ـ في المسألة الحادية عشرة من الفصل الآتي ـ الجزم بعموم الحكم لغير حجة
الإسلام.
[٢] لعين الأدلة
المتقدمة في شرائط الاستطاعة.
وحينئذ فيجب القضاء
عنه بعد موته إن كان مستقراً عليه [١] ، ولا يجب مع عدم الاستقرار [٢] ولو
ترك الاستنابة مع الإمكان عصى بناء على الوجوب ، ووجب القضاء عنه مع الاستقرار. وهل يجب مع عدم الاستقرار أيضا أولا؟
وجهان ، أقواهما نعم [٣] ، لأنه استقر عليه بعد التمكن من الاستنابة. ولو استناب ـ
مع كون العذر مرجو الزوال ـ لم يجز عن حجة الإسلام [٤] ، فيجب عليه بعد زوال العذر.
ولو استناب مع رجاء الزوال ، وحصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية. وعن صاحب
المدارك : عدمها ووجوب الإعادة ،
______________________________________________________
[١] كما سيأتي
الكلام فيه.
[٢] لاختصاص أدلة
القضاء الآتية بمن استقر الحج في ذمته.
[٣] كأن الوجه
الثاني ـ وهو العدم ـ مبني على اختصاص أدلة وجوب القضاء بمن استقر عليه مباشرة.
وضعفه ظاهر.
[٤] قد عرفت أن
الحكم الواقعي ـ وهو وجوب الاستنابة ، والاجزاء عن حج الإسلام ـ تابع لموضوعه الواقعي
، وهو استمرار العذر ، وأن اليأس طريق اليه. وكذا الرجاء ، بناء على إلحاقه باليأس.
فالحكم بالاجزاء مع أحدهما ظاهري يرتفع بعد انكشاف الخلاف ، فاذا زال العذر بعد
الاستنابة ـ ولو مع اليأس ـ انكشف عدم الوجوب وعدم الاجزاء ، فيجب عليه مباشرة
حينئذ. وإذا استناب مع رجاء الزوال ـ بناء على عدم وجوب الاستنابة حينئذ ، لعدم
طريقية احتمال الاستمرار مع احتمال الزوال ـ وانكشف استمرار العذر ، فقد انكشف
ثبوت الوجوب والاجزاء. وقد تقدمت دعوى الإجماع على الاجزاء عن الشيخ في الخلاف.
لعدم الوجوب مع عدم
اليأس ، فلا يجزي عن الواجب [١]. وهو كما ترى. والظاهر كفاية حج المتبرع
عنه في صورة وجوب الاستنابة [٢]. وهل يكفي الاستنابة من الميقات ، كما هو الأقوى في القضاء عنه بعد موته؟ [٣] ، وجهان ،
______________________________________________________
[١] قال : « ولو
حصل اليأس بعد الاستنابة وجب عليه الإعادة ، لأن ما فعله أولاً لم يكن واجباً ،
فلا يجزي عن الواجب. ولو اتفق موته قبل حصول اليأس لم يجب القضاء عنه ، لعدم حصول
شرطه ، الذي هو استقرار الحج أو اليأس من البرء .. ». وظاهره : أن اليأس شرط في
الحكم الواقعي ، فمع عدمه ينتفي الحكم ، وقد عرفت إشكاله. ولأجله يظهر الاشكال
فيما ذكره أخيراً ، فإنه ـ بناء على وجوب الاستنابة على المعذور الذي لم يستقر
الحج في ذمته قبل العذر ـ إذا لم يستنب العدم اليأس ثمَّ مات قبل الشفاء ، انكشف
كونه موضوعاً لوجوب الاستنابة واقعاً وإن لم يقم طريق عليه ، فيجب القضاء. نظير :
ما لو كان مالكاً للزاد والراحلة وكان جاهلاً بذلك ، فإنه يجب عليه الأداء بعد ذلك
وإن زالت الاستطاعة ـ وقد تقدم ـ كما يجب على وليه القضاء لو مات.
[٢] لأن الظاهر من
نصوص الاستنابة : أن فعل النائب يجزي في إفراغ ذمة المنوب عنه ، من غير دخل
للاستنابة في ذلك. وبعبارة أخرى : المفهوم من النصوص : أن البدل فعل النائب لا فعل
المنوب عنه بالتسبيب فلا دخل للتسبيب في إفراغ الذمة ، ولا في أداء الواجب وإن كان
مقتضى الجمود على ما تحت عبارة النصوص : أن التسبيب دخيل في البدل الواجب لكن
مناسبة الحكم والموضوع الارتكازية توجب حمل الكلام على الأول ، فهذا الارتكاز من
قبيل القرينة المتصلة على صرف الكلام عن ظاهره.
[٣] يأتي إن شاء
الله تعالى.
لا يبعد الجواز
[١] حتى إذا أمكن ذلك في مكة ، مع كون الواجب عليه هو التمتع. ولكن الأحوط خلافه ،
لأن القدر المتيقن من الأخبار الاستنابة من مكانه. كما أن الأحوط عدم الكفاية في
التبرع عنه لذلك أيضاً.
( مسألة ٧٣ ) : إذا مات من استقر عليه الحج في الطريق ، فان مات بعد الإحرام ودخول الحرم
أجزأه عن حجة الإسلام ، فلا يجب القضاء عنه [٢]. وإن مات قبل
______________________________________________________
[١] كما يقتضيه
إطلاق النصوص. فان الحج ـ الذي هو موضوع النيابة ـ أول أجزائه الإحرام من الميقات
، وما قبله خارج عنه ، فإطلاق النصوص يقتضي حمله على الأول. وليس ما يتوهم منه
التقييد إلا ما في النصوص السابقة ، من الأمر بتجهيز رجل ، والأمر ببعثه مكانه.
لكن التجهيز غير ظاهر الارتباط بما نحن فيه. والبعث لا يدل على مبدأ البعث. نعم
ربما اقتضى انصرافه كون المبدأ مكان المنوب عنه ، الذي قد يكون بلده وقد يكون غيره.
لكنه ممنوع ، فإطلاقه يقتضي لزوم كون المبدأ المكان الذي لا بد من الابتداء به ،
وهو الميقات لا غير. والانصراف إلى مكان المنوب عنه بدوي ناشئ من الغلبة ، فلا
يعتد به في رفع اليد عن الإطلاق. ثمَّ إنه على تقدير تماميته فإنما يقتضي كونه من
مكان الاستنابة ، لا من بلد المنوب عنه. وسيأتي في مسألة اعتبار البلد في الحج
القضائي ما له نفع في المقام.
[٢] بلا خلاف أجده
فيه ، كما في المدارك والحدائق وغيرهما. بل عن المنتهى : دعوى الإجماع عليه ، كذا
في الجواهر. ويشهد له جملة من النصوص ، منها : صحيح
ضريس عن أبي جعفر (ع) : «
قال في رجل
ذلك وجب القضاء
عنه وإن كان موته بعد الإحرام ، على المشهور الأقوى [١]. خلافاً لما عن الشيخ وابن
إدريس فقالا بالإجزاء حينئذ أيضاً. ولا دليل لهما على ذلك إلا إشعار بعض الاخبار ،
كصحيحة بريد العجلي
، حيث قال فيها ـ بعد الحكم بالاجزاء إذا مات في الحرم ـ : « وإن كان مات ـ وهو صرورة قبل أن يحرم
ـ جعل جمله وزاده ونفقته في حجة الإسلام ». فإن مفهومه الاجزاء إذا كان بعد أن يحرم. لكنه معارض بمفهوم
صدرها [٢] ،
______________________________________________________
خرج
حاجاً حجة الإسلام فمات في الطريق ، فقال : إن مات في الحرم فقد أجزأت عن حجة
الإسلام ، وإن مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام » ، وصحيح بريد العجلي قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل خرج حاجاً ،
ومعه جمل له ونفقة وزاد ، فمات في الطريق ، قال (ع) : إن كان صرورة ثمَّ مات في
الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام ، وإن كان مات ـ وهو صرورة قبل أن يحرم ـ جعل جمله
وزاده ونفقته وما معه في حجة الإسلام » .
[١] بل لم يعرف
مخالف فيه إلا ما عن الشيخ في الخلاف وابن إدريس ، كما حكاه في المتن تبعاً
للمدارك وغيرها. وفي كشف اللثام نسبه إلى الحلي فقط ، وكأنه لأن الشيخ في الخلاف
وإن قال : « إذا مات أو أحصر بعد الإحرام سقطت عنه عهدة الحج » ، لكن استدلاله
بالنصوص والإجماع يدل على أن مراده الإحرام ودخول الحرم ، وإلا لم يكن لاستدلاله
بذلك وجه.
[٢] وهو قوله (ع)
: « ثمَّ مات في الحرم » الدال بمفهومه على عدم
__________________
وبصحيح ضريس ،
وصحيح زرارة [١] ، ومرسل المقنعة [٢]. مع أنه يمكن أن يكون المراد من قوله : «
قبل أن يحرم »
______________________________________________________
الاجزاء إذا مات
قبل الدخول في الحرم وإن كان محرماً. وحينئذ يدور الأمر بين تقييد الذيل ـ بأن
يراد منه قبل أن يحرم ويدخل الحرم ـ وبين حمل الصدر على إرادة الإحرام من دخول
الحرم ، وبين رفع اليد عن المفهوم في الطرفين ، فتكون الصورة الثالثة ـ وهي صورة
الإحرام وعدم دخول الحرم ـ غير متعرض لها الحديث بكلتا شرطيتيه. ولا ترجيح لبعض
هذه التصرفات على بعض ، فيكون الصحيح مجملا من هذه الجهة. فيرجع إلى غيره. أو يدعى
أظهرية الأخير منه ـ كما هو غير بعيد ـ فيتعين الرجوع إلى غيره أيضاً.
[١] عن أبي جعفر (ع) : « إذا أحصر الرجل بعث بهديه .. إلى أن قال : قلت
: فان مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة. قال (ع) : يحج عنه إن كان حجة الإسلام
ويعتمر ، إنما هو شيء عليه » . لكن لما لم يكن مجال
للعمل بإطلاقه ، يتعين إما حمله على الاستحباب ، أو على صورة ما إذا لم يدخل الحرم
، ولعل الأول أولى. وحينئذ لا يصلح لمعارضة ما سبق.
[٢] قال المفيد (ره)
فيها : « قال الصادق (ع) : من خرج حاجاً فمات في الطريق ، فإنه إن
كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة ، فان مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج ،
وليقض عنه وليه » . ودلالته ظاهرة ، كمعارضته. لكنه ضعيف السند ، غير ثابت جبره
بعمل. فاذاً العمدة ـ في الاستدلال على القول المشهور ، وضعف مخالفه ـ هو صحيح
ضريس ، وعدم صلاحية صحيح بريد لمعارضته.
__________________
قبل أن يدخل في
الحرم [١] ، كما يقال : « أنجد » أي : دخل في نجد ، و « أيمن » أي : دخل اليمن ،
فلا ينبغي الإشكال في عدم كفاية الدخول في الإحرام. كما لا يكفي الدخول في الحرم
بدون الإحرام ، كما إذا نسيه في الميقات ودخل الحرم ثمَّ مات. لأن المنساق من
اعتبار الدخول في الحرم كونه بعد الإحرام [٢]. ولا يعتبر دخول مكة ، وإن كان
الظاهر من بعض الأخبار ذلك [٣] ، لإطلاق البقية في كفاية دخول الحرم. والظاهر عدم
الفرق بين كون الموت حال الإحرام أو بعد الإحلال ، كما إذا مات بين الإحرامين. وقد
يقال بعدم الفرق أيضاً بين كون الموت في الحل أو الحرم ، بعد كونه بعد الإحرام
ودخول الحرم [٤]. وهو مشكل ،
______________________________________________________
[١] هذا المعنى ـ وإن
ذكر في المستند ـ بعيد لا مجال للاعتماد عليه في إثبات الحكم الشرعي.
[٢] هذا مما لا
ينبغي التأمل فيه.
[٣] يريد به صحيح
زرارة. لكن ليس فيه ظهور في اعتبار الدخول في مكة ، وإنما فيه الحكم بعدم الاجزاء
إذا مات قبل دخولها.
[٤] قال في الدروس
: « ولا فرق بين موته في الحل أو في الحرم ، محلا أو محرماً ، كما لو مات بين
الإحرامين .. ». وفي المدارك : « وإطلاق كلام المصنف وغيره يقتضي عدم الفرق في ذلك
بين أن يقع التلبس بإحرام الحج أو العمرة ، ولا بين أن يموت في الحل أو الحرم ،
محرماً أو محلا ، كما لو مات بين الإحرامين. وبهذا التعميم قطع المتأخرون. ولا بأس
به .. ». ونحوه عن الحدائق.
لظهور الأخبار في
الموت في الحرم [١]. والظاهر عدم الفرق بين حج التمتع والقران والافراد [٢]. كما
أن الظاهر أنه لو مات في أثناء عمرة التمتع أجزأه عن حجه أيضاً [٣]. بل لا يبعد
الاجزاء ـ إذا مات في أثناء حج القران أو الافراد ـ عن عمرتهما وبالعكس [٤]. لكنه
مشكل ، لأن الحج والعمرة فيهما عملان مستقلان [٥] ، بخلاف حج التمتع فإن العمرة
فيه داخلة في الحج ، فهما عمل واحد. ثمَّ الظاهر اختصاص حكم الاجزاء بحجة الإسلام
، فلا يجري الحكم في حج النذر
______________________________________________________
[١] كما صرح بذلك
في صحيح ضريس. وفي الجواهر : « أشكل عليهم : بأن الحكم مخالف للأصول ، فيجب
الاقتصار فيه على المتيقن ، وهو الموت في الحرم. اللهم إلا أن يكون إجماعاً ، كما
هو مقتضى نسبته في الحدائق إلى الأصحاب. لكنه كما ترى .. ». وكأنه لم يعتن
بالتصريح بالموت في الحرم في صحيح ضريس ، لأن المفهوم منه الموت بعد الدخول في
الحرم ، كما عبر بذلك الأصحاب. لكنه غير ظاهر ، فالأخذ بظاهر الصحيح متعين.
[٢] كما صرح بذلك
في الجواهر. والظاهر أنه لا إشكال فيه ، لإطلاق النصوص. نعم الموت في الطريق في
مقابل الموت بعد الإحرام يكون في القران والافراد ، ولا يكون في التمتع ، وإنما
يكون في عمرته.
[٣] كما تقدم في
المدارك وعن الحدائق. لظاهر النصوص المتقدمة.
[٤] كما يقتضيه ما
تقدم في المدارك وعن الحدائق.
[٥] الروايات
واردة في الحج ، فإلحاق عمرة القران والافراد به محتاج الى دليل. وإلحاق عمرة
التمتع به كان من جهة أنها كالجزء من الحج ، وهذا لا يطرد في العمرة المذكورة ،
فإلحاقها بالحج غير ظاهر.
والإفساد إذا مات في
الأثناء [١]. بل لا يجري في العمرة المفردة أيضاً ، وإن احتمله بعضهم [٢]. وهل يجري الحكم المذكور فيمن مات مع عدم
استقرار الحج عليه ، فيجزيه عن حجة الإسلام إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم ،
ويجب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك؟ وجهان ، بل قولان [٣] ، من إطلاق الأخبار في
التفصيل المذكور. ومن أنه لا وجه لوجوب القضاء عمن لم يستقر عليه بعد كشف موته عن
عدم الاستطاعة الزمانية. ولذا لا يجب إذا مات في البلد قبل الذهاب ، أو إذا فقد
بعض الشرائط الأخر مع كونه موسراً. ومن هنا ربما يجعل الأمر بالقضاء فيها قرينة
على اختصاصها بمن استقر عليه. وربما يحتمل اختصاصها بمن لم يستقر عليه ، وحمل
الأمر بالقضاء على الندب. وكلاهما مناف لاطلاقهما. مع أنه على الثاني يلزم بقاء
الحكم فيمن استقر عليه بلا دليل ، مع أنه مسلم بينهم. والأظهر الحكم بالإطلاق ،
إما بالتزام وجوب القضاء في خصوص هذا المورد من الموت في الطريق ـ كما عليه جماعة
ـ وإن لم يجب إذا مات مع فقد سائر الشرائط ، أو الموت وهو في البلد. وإما بحمل
الأمر بالقضاء على القدر
______________________________________________________
[١] لاختصاص
النصوص بحجة الإسلام ، والتعدي إليهما محتاج الى دليل.
[٢] قد عرفت تصريح
المدارك بالعمرة ، وإطلاقه يقتضي العموم للمفردة. وكذا حكي عن الحدائق ، وعرفت
إشكاله.
[٣] حكي أولهما :
عن ظاهر القواعد والمبسوط والنهاية. وثانيهما :
المشترك ،
واستفادة الوجوب فيمن استقر عليه من الخارج [١] ، وهذا هو الأظهر [٢]. فالأقوى
جريان الحكم المذكور فيمن لم يستقر عليه أيضاً ، فيحكم بالإجزاء إذا مات بعد
الأمرين ، واستحباب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك.
( مسألة ٧٤ ) : الكافر يجب عليه الحج إذا استطاع ،
______________________________________________________
ظاهر الجواهر ،
حاكياً له عن بعض ، حاملاً للأمر على الندب. لكن أشكل عليه بعد ذلك ـ تبعاً لكاشف
اللثام ـ بأنه يبقى الاجزاء عمن استقر الحج عليه بلا دليل. اللهم إلا أن يرشد اليه
: ما تسمعه ـ إن شاء الله تعالى ـ في حكم النائب ، من الاجتزاء بذلك فيه. ثمَّ قال
: « ولعل الأولى تعميم الصحيحين لهما ، واستعمال الأمر بالقضاء فيهما في القدر
المشترك بين الندب والوجوب .. ».
أقول : دعوى عموم
النصوص لهما غير ظاهرة ، لأنها واردة في مقام تشريع الاجزاء عن حج الإسلام بعد
الفراغ عن ثبوته على المكلف باجتماع شرائطه ، فلا تشمل من لم يستقر الحج عليه.
وبالجملة : النصوص واردة في مقام جعل البدل عن الواجب ، فلا تدل على إلغاء شرط
وجوبه ، لأنها ليست واردة في مقام تشريع وجوبه ليؤخذ بإطلاقها.
[١] وهو الإجماع.
[٢] كما تقدم عن
الجواهر. وقد عرفت : أن الأظهر أن النصوص واردة في من استقر الحج بذمته ، وأن
الأمر بالقضاء للوجوب لا غير. ثمَّ إنه لو بني على إطلاق النصوص ، فحمل الأمر
بالقضاء على القدر المشترك خلاف الظاهر يحتاج إلى قرينة ، وهي مفقودة ، فيتعين
الوجه الأول ، كما عليه الجماعة
لأنه مكلف بالفروع
[١] ، لشمول الخطابات له أيضاً. ولكن لا يصح منه ما دام كافراً [٢] كسائر العبادات
، وإن كان معتقداً لوجوبه ، وآتياً به على وجهه مع قصد القربة ، لأن الإسلام شرط
في الصحة. ولو مات لا يقضى عنه ، لعدم كونه أهلاً للإكرام والإبراء [٣]. ولو أسلم
مع بقاء استطاعته وجب عليه. وكذا لو استطاع بعد إسلامه. ولو زالت استطاعته ثمَّ
أسلم لم يجب عليه على الأقوى [٤] ، لأن الإسلام يجب ما قبله. كقضاء الصلاة والصيام
، حيث أنه واجب عليه
______________________________________________________
[١] أشرنا إلى ذلك
في كتاب الزكاة وغيره. فراجع.
[٢] لكون الحج
عبادة ، ولا تصح من الكافر ، لعدم صلاحيته للتقرب المعتبر في العبادة. وكما يمنع
من صحته منه مباشرة يمنع من صحته من نائبه أيضاً. وفي المدارك ـ في شرح قول ماتنه
: « والكافر يجب عليه الحج ، ولا يصح منه .. » ـ قال : « هذان الحكمان إجماعيان
عندنا. وخالف في الأول أبو حنيفة ، فقال : إن الكافر غير مخاطب بشيء من الفروع.
ولا ريب في بطلانه. ويترتب على الوجوب أنه لو مات كذلك أثم بالإخلال بالحج ، لكن
لا يجب قضاؤه عنه .. ».
[٣] يعني : إبراء
ذمته من الحج الذي اشتغلت به.
[٤] كما في
القواعد وكشف اللثام والجواهر وغيرها. وقال في المدارك : « لو أسلم وجب عليه
الإتيان بالحج مع بقاء الاستطاعة قطعاً ، وبدونها في أظهر الوجهين. واعتبر العلامة
في التذكرة ـ في وجوب الحج ـ استمرار الاستطاعة إلى زمان الإسلام. وهو غير واضح ..
». وفي الذخيرة والمستند : الوجوب أظهر. واستدل في الثاني بالاستصحاب. ولم يتعرض
حال كفره كالأداء
، وإذا أسلم سقط عنه. ودعوى : أنه لا يعقل الوجوب عليه [١] ، إذ لا يصح منه إذا
أتى به وهو كافر ، ويسقط عنه إذا أسلم. مدفوعة : بأنه يمكن أن يكون
______________________________________________________
فيهما لحديث الجب
، وكذلك في المدارك هنا. وكأنه لما في المدارك ـ في كتاب الزكاة ـ من ضعفه
سنداً. لكن الجبر بالعمل كاف في دخوله في موضوع الحجية. وأما دلالته فواضحة ، لأن
وجوب الحج عليه بعد الإسلام لما كان مستنداً إلى الاستطاعة السابقة ، كان مقتضى
قطع ما قبل الإسلام عما بعده عدم سببية الاستطاعة السابقة للوجوب بعد الإسلام. وكذلك
الحكم في جميع الأحكام اللاحقة التي لو ثبتت استندت إلى السبب السابق ، مثل : وجوب
صلاة الآيات بعد الكفر إذا كان حدوث الآية قبله ، ووجوب قضاء الصلاة إذا كان
مستنداً الى الفوت حال الكفر ، ووجوب الغسل إذا كان مستنداً إلى حدوث سببه حال
الكفر.
نعم إذا كان
القضاء بالأمر الأول ـ بناء على تعدد المطلوب ـ فهو مستند إلى وجود المصلحة في
الفعل ، فلا يقتضي الإسلام سقوطه. وكذلك وجوب الغسل إذا كان مستنداً الى وجود
الأثر العيني الخارجي ، فلا يقتضي الإسلام سقوطه. وكذلك وجوب التطهير من النجاسة.
نعم قد تشكل دلالة الحديث بملاحظة قرينة السياق في بعض الموارد التي ورد فيها ،
المقتضية لحمله على رفع العقاب لا غير. وقد تقدم الكلام في ذلك في كتاب قضاء
الصلاة ، وكتاب الزكاة. فراجع.
[١] هذه الدعوى
ذكرها السيد في المدارك في مبحث قضاء الصلوات ، واحتج بها على عدم تكليف الكافر
بالقضاء. وحكاها في التذكرة والمنتهى عن أبي حنيفة. قال في الأول : « وهو غلط ،
لأن الوجوب حالة الكفر
__________________
الأمر به حال كفره
أمراً تهكمياً ليعاقب لا حقيقياً [١]. لكنه مشكل بعد عدم إمكان إتيانه به ، لا
كافراً ولا مسلماً. والأظهر أن يقال : إنه حال استطاعته مأمور بالإتيان به
مستطيعاً وإن تركه فمتسكعاً ، وهو ممكن في حقه ، لإمكان إسلامه وإتيانه مع
الاستطاعة ولا معها إن ترك. فحال الاستطاعة مأمور به في ذلك الحال ، ومأمور ـ على
فرض تركه حالها ـ بفعله بعدها. وكذا يدفع الإشكال في قضاء الفوائت ، فيقال : إنه
______________________________________________________
يستلزم الصحة
العقلية ، أما الشرعية فإنها موقوفة على شرط ، وهو قادر عليه ، وهو الإسلام ، فكان
كالمحدث المخاطب بالصلاة .. ». وفي المنتهى ـ بعد نقل الاشكال ـ قال : « والجواب :
المنع من عدم المكنة ، لأن الشرط هو الإسلام ، وهو متمكن منه ، والتمكن من الشرط
هنا يستلزم التمكن من المشروط .. ». ولم يظهر وجه اندفاع الاشكال بما ذكره. إلا
بناء على عدم سقوطه بالإسلام. وفي المعتبر : حكى الدعوى المذكورة عن الشافعي ،
وقال في جوابها : « قلنا : يمكنه الأداء ، لأن تقديم الإسلام ممكن منه ، وإذا كان
الشرط ممكناً لم يمتنع المشروط .. ». ولا يظهر أيضاً وجه الجواب. إلا أن يكون
مراده تقديم الإسلام في سنة الاستطاعة ، فيرجع إلى ما ذكره المصنف وغيره.
[١] إذا كان دليل
الوجوب الأدلة العامة فمدلولها واحد لا يمكن أن يكون الأمر في حق المسلم حقيقيا
وفي حق الكافر تهكمياً. مع أن الأمر التهكمي لا يوجب عقاباً. بل قد عرفت سابقاً
الإشارة إلى أن البعث العقلي ، واستحقاق الثواب على الموافقة والعقاب على المحالفة
، كلها من آثار الترجح النفسي ولوازمه. والأمر لا موضوعية له في ذلك ، بل هو طريق
محض إليه لا غير.
في الوقت مكلف
بالأداء ، ومع تركه بالقضاء. وهو مقدور له ، بأن يسلم فيأتي بها أداء ، ومع تركها
قضاء. فتوجه الأمر بالقضاء اليه إنما هو في حال الأداء على نحو الأمر المعلق [١]. فحاصل
الاشكال : إنه إذا لم يصح الإتيان به حال الكفر ، ولا يجب عليه إذا أسلم ، فكيف
يكون مكلفاً بالقضاء ويعاقب على تركه؟ وحاصل الجواب : أنه يكون مكلفاً بالقضاء في
وقت الأداء على نحو الوجوب المعلق ، ومع تركه الإسلام
______________________________________________________
[١] يعني : على
نحو الأمر بشيء معلق ، فالمعلق هو المأمور به لا الأمر. لكن يشكل ذلك أولا : بما
أشكل على الواجب المعلق ، من أن القيد المتأخر إذا كان قيداً للواجب كان واجباً
بوجوبه ، ولما لم يكن مقدوراً فعلا كان التكليف به تكليفاً بغير المقدور ، فيكون
محالا. مضافاً إلى أن الأمر بالمعلق لما لم يكن محركاً لم يكن تكليفاً ولا وجوباً
، لأن اعتبارهما مشروط بالمحركية. وثانياً : بأن الإجماع على شرطية الإسلام في صحة
العبادة إنما يقتضي اعتباره حال العمل ، ولا يقتضي اعتباره في سنة الاستطاعة. فإنه
لا دليل عليه ، والقواعد العامة تنفيه. وارتكاب مخالفة القواعد في ذلك ليس بأهون
من ارتكاب مخالفة عموم الأدلة الدالة على التكاليف. إلا أن يكون المقصود رفع
الاستحالة العقلية التي يدعيها المانع ـ على ما يظهر من استدلاله ـ لا ترجيح
التصرف بالأدلة الأولية ، بالبناء على شرطية الإسلام حال الأداء ـ في الموارد التي
يجب فيها القضاء ، أو في السنة الأولى في مسألتنا ـ على التصرف في عموم أدلة
التكاليف ، كي يشكل : بأن التصرف المذكور ليس بأولى من التصرف في عموم التكليف.
ثمَّ إنه قد
يستضعف الاشكال المذكور : بأن العمومات قوية الدلالة ،
في الوقت فوت على
نفسه الأداء والقضاء ، فيستحق العقاب عليه. وبعبارة أخرى : كان يمكنه الإتيان
بالقضاء بالإسلام في الوقت إذا ترك الأداء. وحينئذ فإذا ترك الإسلام ومات كافراً
يعاقب على مخالفة الأمر بالقضاء ، وإذا أسلم يغفر له ، وإن خالف أيضاً واستحق
العقاب.
( مسألة ٧٥ ) : لو أحرم الكافر ثمَّ أسلم في الأثناء لم
______________________________________________________
معتضدة بما ورد من
الآيات الشريفة الدالة على عذاب الكافر بترك الصلاة وغيرها. وفيه : أن الكلام في
خصوص العمومات المنافية لحديث الجب ، مثل : ما دل على قضاء الصلاة ، وما دل على
وجوب الحج إذا استطاع وزالت استطاعته في السنة الثانية. فإن العموم الدال على وجوب
الحج بعد زوال الاستطاعة ليس بتلك القوة ، على نحو يرجح لأجله الالتزام بأن الشرط
ـ في وجوب الحج ـ خصوص الإسلام في سنة الاستطاعة.
هذا والذي يقتضيه
التأمل : أن البناء على تخصيص عموم القضاء ، أو العموم الدال على وجوب الحج في
السنة الثانية على من استطاع في السنة الأولى فتهاون بحديث الجب لا يمكن ، لأن
لسانه أب عن ذلك. فإنه يدل على السقوط بعد الثبوت ، فهو معاضد للعمومات لا مخصص.
ومن ذلك يظهر أن البناء على نفي القضاء عن الكافر ، أو عدم وجوب الحج في المقام ـ كما
ذكر المستشكل لحديث الجب ـ إن كان المقصود منه نفي الملاك ، فهو خلاف ظاهر الحديث
أو صريحه. وإن كان نفي فعلية التكليف فلا مضايقة فيه. بل هو في محله ، كما يعترف
به من تعرض للجواب عن الاشكال بما ذكره المصنف (ره). فان شرط الصحة إذا كان هو
الإسلام في الوقت ، فاذا خرج الوقت ولم يسلم فقد فات الشرط وتعذر المشروط وسقط
التكليف
______________________________________________________
به ، وإن كان
يستحق العقاب عليه. لأنه عجز نفسه عن القيام بالواجب الذي وجب عليه ، إما بالوجوب
المعلق ـ بناء على إمكان الوجوب المعلق ـ أو بالوجوب الذي سيجب عليه بالوجوب
المنجز ـ بناء على امتناع الوجوب المعلق ـ لأن تعجيز المكلف نفسه عن الواجب الذي
سيجب عليه موجب لاستحقاق العقاب ، لأنه تفويت لغرض المولى. فتكون المسألة من قبيل
غسل الجنب قبل الفجر في شهر رمضان ، فإنه إذا تركه عمداً كان مستحقا للعقاب ، إما
لأن الوجوب حاصل قبل الفجر على نحو الوجوب المعلق وقد عصاه. أو لأنه سيحصل له بعد
الفجر ، فيكون ترك الغسل تفويتاً لغرض المولى ، أو لغير ذلك من الوجوه التي تعرضنا
لها في كتاب الصوم. فراجع. وبما ذكر يظهر وجه جمع بين القولين.
ولعله إلى ذلك
أشار الوحيد البهبهاني (ره) في حاشيته على المدارك ، فإنه أشكل على ما ذكره في
المدارك فقال : « يجوز أن يكون مخاطباً بالقضاء وإن كان الإسلام شرطاً لصحته
وقبوله ، وأنه بعد تحقق الإسلام وفعليته يسقط. إذ السقوط معناه رفع ما ثبت من
التكليف والوجوب. وثمرة هذا التكليف : عقاب الكافر لو مات كافراً .. إلى أن قال :
ومصداق قوله (ص) : « الإسلام يجب ما قبله » هو هذا القضاء وما ماثله ، من الأمور التي كانت لازمة عليه
قبل الإسلام .. » وإن كانت عبارته غير وافية به.
ثمَّ إن ما ذكرنا
من الوجهين في امتناع الواجب المعلق لا يخلو من إشكال ، فإن أخذ الزمان المستقبل
قيداً في الواجب إنما يمتنع إذا كان أخذه على نحو يكون مورداً للتكليف ، أما إذا
لم يؤخذ كذلك ـ بأن أخذ وجوده من باب الاتفاق وبغير داعي الوجوب قيداً ـ فلا يكون
التكليف بالمقيد به تكليفاً بغير الاختياري ، فلا مانع منه. وعدم محركية الوجوب
إلى الفعل
يكفه ووجب عليه
الإعادة من الميقات ، ولو لم يتمكن من العود الى الميقات أحرم من موضعه [١]. ولا
يكفيه إدراك أحد الوقوفين مسلماً [٢] ، لأن إحرامه باطل.
( مسألة ٧٦ ) : المرتد يجب عليه الحج ، سواء كانت استطاعته حال إسلامه السابق أو حال ارتداده
، ولا يصح منه. فان مات قبل أن يتوب يعاقب على تركه ، ولا يقضى عنه على الأقوى [٣]
، لعدم أهليته للإكرام وتفريغ ذمته كالكافر
______________________________________________________
قبل الوقت لا يمنع
من صدق التكليف عليه. مع أنه قد يكون محركاً إلى مقدماته إذا كانت له مقدمات قبل
الوقت ، ويستحق العقاب على ترك الواجب الناشئ من تركها. فالبناء على امتناع الواجب
المعلق لما ذكر غير ظاهر.
[١] كما ذكر في
الشرائع وغيرها. وعلله في المدارك : بأنه ثبت ذلك في الناسي والجاهل ، والمسلم في
المقام أعذر منهما. وأنسب بالتخفيف. لكنه غير ظاهر إذا كان عالماً عامداً. إلا أن
يثبت ذلك في العامد إذا تعذر عليه العود. وسيأتي الكلام فيه في محله.
[٢] كما نص عليه
في الشرائع وغيرها. لكنه قال : « إلا أن يستأنف إحراماً .. ». وهو في محله ،
لبطلان إحرامه ، فتجب عليه إعادة الإحرام من الميقات إن أمكن ، وإن لم يمكن فمن
موضعه ، على ما عرفت. نعم لو تركه جهلا أو نسياناً لحقه حكمهما ، وهو الصحة.
[٣] خلافاً
للقواعد ، حيث قال : « ولو مات ـ يعني : المرتد المستطيع ـ أخرج من صلب تركته وإن
لم يتب ، على إشكال .. ». واستدل له : بإطلاق وجوب القضاء عمن مات وعليه حج
الإسلام ولأنه دين. وهو كما ترى ، لاختصاص أدلة القضاء بغيره ممن يحسن إبراؤه
وإكرامه ،
الأصلي. وإن تاب
وجب عليه وصح منه وإن كان فطرياً ، على الأقوى من قبول توبته [١]
، سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل توبته. فلا تجري فيه قاعدة جب الإسلام ، لأنها مختصة بالكافر الأصلي بحكم التبادر [٢]. ولو أحرم في
حال ردته ثمَّ تاب وجب عليه الإعادة كالكافر الأصلي. ولو حج في حال إحرامه ثمَّ
ارتد لم يجب عليه الإعادة على الأقوى [٣]. ففي
خبر زرارة عن أبي جعفر (ع) : «
من كان مؤمناً فحج ثمَّ أصابته فتنة ثمَّ تاب ، يحسب له كل عمل صالح عمله ، ولا
يبطل منه شيء » .
______________________________________________________
كما ذكر ذلك في
كشف اللثام والجواهر وغيرهما. لكن قال في الجواهر : « ولعل الأقوى عدم القضاء .. ».
وفيه إشعار بتوقفه في ذلك. ولكنه في غير محله.
[١] تعرضنا لذلك
في مبحث مطهرية الإسلام من كتاب الطهارة. فراجع
[٢] بل التسالم
أيضاً ، يظهر ذلك من كلماتهم في مباحث قضاء الصلاة والصيام ، حيث قيدوا سقوطه عن
الكافر بالكفر الأصلي. وسيأتي في كلام الشيخ ما هو قرينة على ذلك. وما ذكره من
التبادر أيضاً ظاهر.
[٣] خلافاً للشيخ (ره)
في المبسوط ، وحكاه في كشف اللثام عن الجواهر. قال في المبسوط : « لأن إسلامه
الأول لم يكن إسلاماً عندنا ، لأنه لو كان كذلك لما جاز أن يكفر .. ». وكأنه لما
في الجواهر ، من قوله تعالى ( وَما كانَ اللهُ
لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ) . لكن الدلالة غير
ظاهرة. بل ذيل الآية دال على
__________________
وآية الحبط مختصة
بمن مات على كفره [١] ، بقرينة الآية الأخرى ، وهي قوله تعالى ( وَمَنْ
يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ
أَعْمالُهُمْ .. ) . وهذه الآية دليل
على قبول توبة المرتد الفطري [٢]. فما ذكره بعضهم ، من عدم قبولها منه لا وجه له.
( مسألة ٧٧ ) : لو أحرم مسلماً ثمَّ ارتد ثمَّ تاب لم
______________________________________________________
خلاف ذلك.
وفيه ـ كما في
الجواهر وغيرها ـ : أنه مخالف للوجدان ، ولظواهر الكتاب والسنة. وفي المدارك : «
يدفعه صريحاً : قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا
.. ) حيث أثبت الكفر
بعد الايمان .. ». إلا أن يقال : إن الاستعمال أعم من الحقيقة. فتأمل.
[١] في الجواهر
ناقش فيها أولاً : باختصاصها بالعمل حال الكفر ، فلا تشمل ما نحن فيه. وثانياً :
بما ذكره في المتن. لكن المناقشة الأولى غير مطردة في أدلة الإحباط ، لظهور بعضها
في حبط العمل قبل الكفر ، مثل قوله تعالى : ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ .. ) . وكأنه لذلك لم يتعرض لها المصنف.
[٢] في الدلالة
خفاء ، إذ مفادها ليس إلا عدم حبط عمل من لم يمت وهو كافر. وذلك أعم من قبول
التوبة في الآخرة ، لجواز أن يكون عدم الحبط موجباً لتخفيف العذاب ، ولا تدل على
ثبوت الثواب ـ فتأمل ـ فضلاً عن قبولها في الدنيا ، من حيث الطهارة والنجاسة ،
__________________
يبطل إحرامه على
الأصح [١] ، ـ كما هو كذلك لو ارتد في أثناء الغسل ثمَّ تاب. وكذا لو ارتد في أثناء
الأذان أو الإقامة أو الوضوء ، ثمَّ تاب قبل فوات الموالاة. بل وكذا لو ارتد في
أثناء الصلاة ثمَّ تاب قبل أن يأتي بشيء أو يفوت الموالاة ،
______________________________________________________
والتوارث ، ونكاح
المسلمة ، وغير ذلك من أحكام المسلمين.
[١] كما في
الشرائع وغيرها ، وقال الشيخ في المبسوط : « فإن أحرم ثمَّ ارتد ثمَّ عاد إلى
الإسلام جاز أن يبني عليه ، لأنه لا دليل على فساده. إلا على ما استخرجناه في
المسألة المتقدمة في قضاء الحج ، فان على ذلك التعليل لم ينعقد إحرامه الأول أيضاً.
غير أنه يلزم عليه إسقاط العبادات التي فاتته في حال الارتداد عنه ، لمثل ذلك.
لأنا إذا لم نحكم بإسلامه الأول فكأنه كان كافراً في الأصل ، وكافر الأصل لم يلزمه
قضاء ما فاته في حال الكفر. وإن قلنا بذلك كان خلاف المعهود من المذهب. وفي المسألة
نظر .. ». وقال في المدارك : « وهذا الإيراد متوجه ، وهو من جملة الأدلة على فساد
تلك القاعدة .. ». لكن الإيراد غير ظاهر ، لأن المراد من الكافر الأصلي ما لا يعم
ذلك ، فلا يترتب عليه حكمه. وليس عندنا دليل على تنزيله منزلته كي يؤخذ بإطلاق
التنزيل.
نعم قد تشكل لو
كان الارتداد في أثناء الإحرام ، لأنه عبادة ، ومع الارتداد في الأثناء يبطل منه
الجزء المقارن للارتداد. نظير الارتداد في أثناء الصوم ، كما سيأتي. وفيه : أن
الصوم من الأفعال الاختيارية القارة ، نظير الأكل والشرب ونحوهما ، فيجب أن تكون
عبادة حدوثاً وبقاء. وليس الإحرام كذلك ، بل هو من الصفات ، نظير الطهارة والحدث ،
فاذا وقع عن النية حصل ، وبقاؤه لا يعتبر فيه النية. فبطلانه بالكفر يتوقف على أن
يكون الكفر محللاً ، كما أن بطلان الطهارة بالكفر يتوقف على كونه حدثاً.
على الأقوى من عدم
كون الهيئة الاتصالية جزءاً فيها [١]. نعم لو ارتد في أثناء الصوم بطل ، وإن تاب
بلا فصل.
( مسألة ٧٨ ) : إذا حج المخالف ثمَّ استبصر لا يجب عليه الإعادة [٢].
______________________________________________________
ولأجل ذلك لا يبطل
الإحرام بالرياء في الأثناء ، كما لا تبطل الطهارة بالرياء بعد حصولها ، وإن كان
الصوم يبطل بالرياء في أثنائه. ومثله : الاعتكاف. وكأنه إلى ذلك أشار في الجواهر ـ
في تعليل ما في المتن ـ بقوله : « لما عرفت في الحج ، من الأصل وغيره ، بعد عدم
دخول الزمان في مفهومه ، كي يتجه بطلانه بمضي جزء ولو يسير .. ».
[١] لا إشكال في
أن أجزاء الصلاة يعتبر فيها الترتيب ، الموجب لحدوث هيئة خاصة للأفعال الخاصة. كما
يعتبر فيها الموالاة الشرعية بنحو ينافيها السكوت الطويل ، الموجب لخروج المصلي عن
كونه مصلياً في نظر المتشرعة. وهل يعتبر فيها الموالاة العرفية؟ إشكال ، والأظهر
العدم. أما الهيئة الاتصالية المذكورة في المتن فالظاهر أن المراد منها الأكوان
الصلاتية التي تكون بين الأفعال ، وظاهر الجواهر هنا : اعتبارها فيها ، وبطلان
الصلاة بالارتداد. لكنه غير ظاهر ، فإن الأكوان المذكورة ليست عبادة ، ولا يعتبر
وقوعها على وجه القربة. بل هي غير اختيارية للمكلف. فلاحظ
[٢] كما هو
المشهور شهرة عظيمة. لصحيح
بريد العجلي عن أبي عبد الله (ع) : «
كل عمل عمله ـ وهو في حال نصبه وضلالته ـ ثمَّ من الله تعالى عليه وعرفه الولاية ،
فإنه يؤجر عليه. إلا الزكاة ، فإنه يعيدها لأنه وضعها في غير مواضعها ، لأنها لأهل
الولاية. وأما الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء » ، ومصحح الفضلاء عن أبي جعفر (ع)
__________________
بشرط أن يكون
صحيحاً في مذهبه ، وإن لم يكن صحيحاً في مذهبنا [١].
______________________________________________________
وأبي
عبد الله (ع) : «
أنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء ، الحرورية ، والمرجئة ، والعثمانية
، والقدرية ، ثمَّ يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه ، أيعيد كل صلاة صلاها ، أو
زكاة أو حج ، أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك؟ قال (ع) : ليس عليه إعادة شيء من
ذلك ، غير الزكاة » ، وخبر محمد بن حكيم ، المروي في الذكرى عن كتاب علي ابن
إسماعيل الميثمي ، ، وغير ذلك مما يأتي بعضه.
وعن ابن الجنيد
وابن البراج : وجوب الإعادة.لخبر
أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : «
لو أن رجلاً معسراً أحجه رجل كانت له حجة ، فان أيسر بعد ذلك كان عليه الحج. وكذلك
الناصب إذا عرف فعليه الحج وإن كان قد حج » ، ومكاتبة إبراهيم بن محمد بن عمران
الهمداني : «
كتبت إلى أبي جعفر (ع) : إني حججت ـ وأنا مخالف ـ وكنت صرورة ودخلت متمتعاً
بالعمرة إلى الحج. فكتب إليه : أعد حجك » .
لكنهما محمولان على
الاستحباب جمعاً. مضافاً إلى ما قيل ، من ضعفهما ، واختصاص الأول بالناصب.
[١] الذي ينسبق
إلى الذهن من الروايات المذكورة : أن السؤال فيها كان عن صحة العبادة. من جهة فساد
الاعتقاد ، في فرض الصحة من الجهات الأخرى ، فيكون الجواب بعدم الحاجة إلى الإعادة
راجعاً إلى عدم قدح
__________________
من غير فرق بين
الفرق. لإطلاق الأخبار. وما دل على
______________________________________________________
فساد العقيدة في
صحة العبادة. وحينئذ يختص عدم وجوب الإعادة بما إذا كان العمل صحيحاً لو لا فساد
العقيدة ، وما لم يكن صحيحاً لولاها يرجع في حكمه إلى عموم الوجوب. لكن التفصيل
بين الزكاة وغيرها معللاً بما ذكر ، مع غلبة الفساد في الأعمال غير الزكاة ، يوجب
ظهورها في عموم الحكم لما كان فاسداً في نفسه. ويكون وجه التعليل : أن الزكاة لما
كانت من حقوق الناس لم تجز ، بخلاف غيرها فإنها من حقوق الله تعالى فاجتزأ بها
تعالى. وحينئذ لا فرق في العمل بين أن يكون فاسداً عندنا وعندهم ، وأن يكون صحيحاً
عندنا لا عندهم ، وبين العكس إذا كان آتياً به على وجه العبادة.
نعم مقتضى الغلبة
: أن يكون صحيحاً عند العامل كما يناسبه قوله (ع) في الزكاة : « إنه وضعها في غير
مواضعها ». فإنه مبني على ذلك ، فيكون المستثنى منه كذلك. لكن في اقتضاء ذلك رفع
اليد عن ظاهر التعليل ، المقتضي لانحصار الوجه في عدم الاجزاء في كونه من حقوق
الناس لا غير إشكال ظاهر. ومن ذلك تعرف أن عدم وجوب الإعادة فيما كان صحيحاً عندنا
لا عندهم أقرب إلى مفاد النصوص غير المشتملة على التعليل من العكس. مضافاً إلى
الأولوية التي ادعاها في الجواهر ، فان ما كان صحيحاً في الواقع أولى بالاجتزاء به
مما كان فاسداً. فتأمل.
ومن ذلك تعرف
الاشكال فيما في الشرائع ، وعن المعتبر والقواعد والمنتهى والدروس وغيرها ، من وجوب
الإعادة إذا أخل بركن ، سواء أكان المراد الركن عندنا أم عندهم. وإن كان الثاني
أبعد عن الاشكال ، بناء على ما تقدم من الغلبة. وان كان الأول أبعد عن الاشكال ،
بناء على ما ينسبق إلى الذهن من الروايات ، مع قطع النظر عن التعليل. لكن عرفت
الإشكال في المبنين معاً ، وأنهما معاً خلاف ظاهر التعليل. فلاحظ.
الإعادة من
الأخبار محمول على الاستحباب [١] ، بقرينة بعضها الآخر ، من حيث التعبير بقوله
(ع) : « يقضي أحب
إلي » ، وقوله (ع) : « والحج أحب إلي ».
( مسألة ٧٩ ) : لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج إذا كانت مستطيعة [٢]
______________________________________________________
[١] في صحيح بريد العجلي قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل حج وهو
لا يعرف هذا الأمر ، ثمَّ من الله تعالى عليه بمعرفته والدينونة به ، أعليه حجة
الإسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال : قد قضى فريضته. ولو حج لكان أحب الي. قال :
وسألته عن رجل حج وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ، ناصب متدين ، ثمَّ من
الله عليه فعرف هذا الأمر يقضي حجة الإسلام؟ فقال (ع) : يقضي أحب إلى .. » . ونحوه صحيح عمر بن أذينة
.
ثمَّ إنه لا ريب
في شرطية الايمان في صحة العبادة ، وعليه فعبادة المخالف باطلة ، لا يترتب عليها
الأحكام. فإذا حج ولم يطف طواف النساء جاز للمؤمنة أن تتزوجه ، لعدم صحة إحرامه ،
ولو استبصر بعد ذلك لم يجب عليه. طواف النساء ، لما ذكرنا. لكن في الجواهر : احتمل
أن الايمان اللاحق شرط في صحة عبادته. وهو خلاف ظاهر الأدلة. ولو سلم لم يجب عليه
طواف النساء ، لإطلاق النصوص المتقدمة الدالة على الاجتزاء وعدم لزوم الإعادة ،
فإنها ظاهرة في عدم لزوم طواف النساء.
[٢] بلا خلاف يوجد
، كما في المستند. ويشهد له جملة من النصوص ، كصحيح
زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : «
سألته عن امرأة لها زوج ،
__________________
ولا يجوز له منعها
منه [١]. وكذا في الحج الواجب بالنذر ونحوه إذا كان مضيقاً [٢].
______________________________________________________
وهي
صرورة ، ولا يأذن لها في الحج. قال (ع) : تحج وإن لم يأذن لها » ، وصحيح محمد عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن المرأة لم تحج ، ولها زوج ،
وأبي أن يأذن لها في الحج ، فغاب زوجها ، فهل لها أن تحج؟ قال (ع) : لا طاعة له
عليها في حجة الإسلام » ، وصحيح
معاوية بن وهب قال : «
قلت لأبي عبد الله (ع) : امرأة لها زوج ، فأبى أن يأذن لها في الحج ، ولم تحج حجة
الإسلام ، فغاب عنها زوجها وقد نهاها أن تحج. فقال (ع) : لا طاعة له عليها في حجة
الإسلام ، ولا كرامة. لتحج إن شاءت » . ونحوها غيرها.
[١] كما يفهم من
النصوص المذكورة. سواء أكان المراد منه المنع التشريعي أم التكويني ، إذا الأول
أمر بالمنكر ، وهو حرام. والثاني كذلك مع أنه خلاف قاعدة السلطنة على النفس.
[٢] النصوص
الواردة في الباب موردها خصوص حج الإسلام ، فإلحاق مطلق الواجب به ، إما لإلغاء
خصوصية المورد. أو للإجماع. أو لما في المعتبر وغيره ، من قوله (ع) : « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق » .
وإن كان الاستدلال به في
حج الإسلام إنما يتم فيما لو استقر الحج في ذمتها أما إذا لم يستقر فيشكل : بأن
نهي الزوج مانع عن تحقق الاستطاعة ، فلا موضوع لمعصية الخالق. وأما في غير الحج
الإسلامي ، من الحج النذري
__________________
وأما في الحج
المندوب فيشترط إذنه [١] ، وكذا في الواجب
______________________________________________________
وغيره مما استقر
في ذمتها ، فلا مانع من الاستدلال به فيه.
[١] بلا خلاف يعرف
ـ كما في الذخيرة ـ ولا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم ـ كما عن المنتهى ـ بل الإجماع
ـ كما في المدارك ـ بل لعله إجماع محقق ، كذا في المستند. واستدل له ـ كما قيل ـ :
بأن حق الزوج واجب ، فلا يجوز تفويته بما ليس بواجب. وبموثق إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم قال
: « سألته عن المرأة
الموسرة قد حجت حجة الإسلام ، تقول لزوجها حجني مرة أخرى ، أله أن يمنعها؟ قال (ع)
: نعم يقول لها : حقي عليك أعظم من حقك علي في هذا » .
لكن في المدارك : « وقد
يقال : إن الدليل الأول إنما يقتضي المنع من الحج إذا استلزم تفويت حق الزوج ،
والمدعى أعم من ذلك. والرواية إنما تدل على أن للزوج المنع ، ولا يلزم منه التوقف
على الإذن .. ».
ويشكل : بأن ما دل
على سقوط نفقة الزوجة بالخروج من بيتها بغير إذنه ـ وهو خبر السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال :
« قال رسول الله (ص) : أيما
امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها فلا نفقة لها حتى ترجع » .
وصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) في حقوق
الزوج على الزوجة : «
ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه » ونحوه : خبر العزرمي ، وخبر
ابن جعفر عن المرأة : «
ألها أن تخرج بغير إذن زوجها؟ قال (ع) : لا » يدل على أن من
حقوقه الاستيذان منه في السفر ، فلا يجوز
__________________
الموسع قبل تضيقه
على الأقوى [١]. بل في حجة الإسلام يجوز له منعها من الخروج مع أول الرفقة ، مع
وجود الرفقة الأخرى قبل تضيق الوقت. والمطلقة الرجعية كالزوجة في
______________________________________________________
لها تفويته. نعم
دلالة الموثق على وجوب الاستيذان غير ظاهرة. على أن سوق السؤال فيه وفي غيره من
النصوص ـ المتقدمة في حج الإسلام ـ يقتضي أن وظيفة الزوجة الاستيذان ، لا عدم
المنع. فلاحظ. وأما ما ذكر في كلام غير واحد ، من أن حق تعيين المسكن للزوج ، فهو
متفرع على مطالبة الزوجة بنفقة الإسكان ، لا ما إذا أسقطت حقها من ذلك.
[١] حكى ذلك في
المدارك بقوله : « وربما قيل : بأن للزوج المنع في الموسع إلى محل التضييق .. ».
لكنه قال : « وهو ضعيف ، لأصالة عدم سلطنته عليها في ذلك .. ». وفي الدروس : «
وليس يشترط في الوجوب ، ولا في البدار في الحج الواجب المضيق .. ». وفيه : أن
إطلاق ما دل على اعتبار إذن الزوج محكم في غير ما دل على خلافه دليل. ولا دليل في
المقام على خلافه ، لأن ظاهر النصوص السابقة ـ بناء على التعدي عن موردها إلى مطلق
الواجب ـ عدم اعتبار إذنه في أصل الواجب ، لا في الخصوصيات الأخرى. بل عرفت أن
العمدة ـ في الخروج عن قاعدة : اعتبار إذن الزوج في جواز السفر ، في مطلق الواجب ـ
هو الإجماع ، وهو غير ثابت. وكذلك قوله
(ع) : « لاطاعة
لمخلوق .. » يختص بما إذا
كانت إطاعة المخلوق معصية للخالق ، فلا يشمل محل الكلام.
ومن ذلك يظهر
الوجه في قوله (ره) : « بل في حجة الإسلام .. ». كما أنه من ذلك يظهر لك الاشكال
فيما يتراءى من عبارة الشرائع وغيرها ، من إطلاق عدم اعتبار إذن الزوج في الحج
الواجب وإن كان موسعاً. لكن المظنون قوياً إرادتهم ما هو ظاهر النصوص الذي قد
عرفته.
اشتراط إذن الزوج
ما دامت في العدة [١]. بخلاف البائنة [٢] ، لانقطاع عصمتها منه. وكذا المعتدة
للوفاة ، فيجوز لها الحج ، واجباً كان أو مندوباً [٣]. والظاهر أن المنقطعة
كالدائمة في اشتراط الاذن [٤]. ولا فرق في اشتراط الاذن بين أن يكون
______________________________________________________
[١] كما صرح به
جماعة ، مرسلين له إرسال المسلمات ، من دون تعرض لخلاف فيه. ووجهه واضح ، لأن
المطلقة رجعياً بحكم الزوجة باتفاق النص والفتوى ، فيجري فيها التفصيل السابق في
الزوجة بين الواجب والمندوب. مضافاً الى جملة من النصوص المحمولة عليها ، كصحيح منصور ابن حازم عن أبي عبد الله (ع)
قال : « المطلقة إن
كانت صرورة حجت في عدتها ، وإن كانت حجت فلا تحج حتى تقضي عدتها » .
وفي صحيح معاوية بن عمار : « ولا تحج المطلقة في عدتها » . وفي
رواية أبي هلال : «
ولا تخرج التي تطلق. إن الله تعالى يقول ( وَلا يَخْرُجْنَ ) » . ولعل الأخير قرينة على
حمل غيره على المطلقة رجعياً.
[٢] بلا خلاف ظاهر.
وعللوه بما في المتن.
[٣] فقد استفاضت
النصوص في جواز حجها في العدة. ففي
موثق زرارة عن أبي عبد الله (ع) : «
سألته عن التي يتوفى عنها زوجها ، أتحج في عدتها؟ قال (ع) : نعم » . ونحوه غيره.
[٤] لعموم بعض
الأخبار المتقدمة الشامل لها وللدائمة. نعم خبر
__________________
ممنوعاً من
الاستمتاع بها ـ لمرض ، أو سفر ـ أو لا [١].
(
مسألة ٨٠ ) : لا يشترط وجود
المحرم في حج المرأة [٢] إذا كانت مأمونة على نفسها وبضعها ، كما دلت عليه جملة من
الأخبار [٣].
______________________________________________________
السكوني لما كان مشتملاً
على النفقة كان قاصراً عن شمولها ، لعدم النفقة لها.
[١] لما عرفت من
عموم خبر السكوني. نعم لو كان الموجب لاعتبار الاذن منافاته لحق الاستمتاع ، كان
التفصيل بين الممنوع من الاستمتاع وغيره في محله. إذ في الأول لا يكون السفر
منافياً للحق المذكور.
[٢] بلا خلاف أجده
فيه بيننا ، كذا في الجواهر. وفي المدارك : « هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ،
حكاه في المنتهى .. ». ويقتضيه إطلاق الأدلة. وعن أحمد في إحدى الروايتين : اشتراط
ذلك حتى مع الاستغناء عنه.
[٣] منها صحيح معاوية بن عمار قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة تخرج
إلى مكة بغير ولي. فقال (ع) : لا بأس ، تخرج مع قوم ثقاة » ، وصحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع)
: « في المرأة تريد
الحج ، وليس معها محرم ، هل يصلح لها الحج؟ فقال : نعم إذا كانت مأمونة » ، وصحيح صفوان الجمال قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : قد عرفتني
بعملي ، تأتيني المرأة ، أعرفها بإسلامها وحبها إياكم وولايتها لكم ، ليس لها محرم
، فقال (ع) : إذا جاءت المرأة
__________________
ولا فرق بين كونها
ذات بعل أو لا [١]. ومع عدم أمنها يجب عليها استصحاب المحرم [٢] ولو بالأجرة ، مع
تمكنها منها ، ومع عدمه لا تكون مستطيعة [٣]. وهل يجب عليها التزويج تحصيلاً
للمحرم؟ وجهان [٤]. ولو كانت ذات
______________________________________________________
المسلمة
فاحملها ، فإن المؤمن محرم المؤمنة. ثمَّ تلا هذه الآية : ( وَالْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) .. » ونحوها غيرها.
[١] لإطلاق النصوص
، وخصوص صحيح معاوية بن
عمار : « سألت أبا
عبد الله (ع) عن المرأة تحج بغير ولي؟ قال (ع) : لا بأس. وإن كان لها زوج أو أخ أو
ابن أخ ، فأبوا أن يحجوا بها ، وليس لهم سعة ، فلا ينبغي لها أن تقعد ، ولا ينبغي
لهم أن يمنعوها » .
[٢] لأنه مقدمة
للواجب. لكن هذا إذا توقف الأمن على استصحاب المحرم. أما إذا كان يكفي في حصول
الأمن وجود من تصحبه وإن لم يكن محرماً ، وجب عليها استصحابه وإن لم يكن محرماً.
وبالجملة : الواجب استصحاب من تكون مأمونة بمصاحبته ، سواء أكان محرماً أم غيره.
[٣] لانتفاء تخلية
السرب ، الذي هو أحد شرائط الاستطاعة.
[٤] أقواهما
الوجوب ، كسائر الأمور المحتاج إليها في السفر ، مثل : الرحل ، والراحلة ، وغيرهما.
وكأن منشأ توقف المصنف : احتمال أن يكون من شرائط الاستطاعة التي لا يجب تحصيلها ،
مثل : ملك الزاد والراحلة. لكنه ضعيف ، إذ كما يجب استصحاب المحرم في ظرف كونه
محرماً ، يجب جعله محرماً واستصحابه. لتوقف الواجب المطلق عليه.
__________________
زوج ، وادعى عدم
الأمن عليها وأنكرت [١] ، قدم قولها ، مع عدم البينة ، أو القرائن الشاهدة.
والظاهر عدم استحقاقه اليمين عليها. إلا أن ترجع الدعوى إلى ثبوت حق الاستمتاع له
عليها ، بدعوى : أن حجها حينئذ مفوت لحقه ، مع عدم وجوبه عليها ، فحينئذ عليها
اليمين على نفي الخوف. وهل
______________________________________________________
وتخلية السرب
حاصلة مع القدرة على أحد الأمرين ، وإلا لم يجب استصحاب المحرم الثابتة محرميته.
وفي الجواهر : جعل الحكم محل إشكال ، ولم يرجح أحد الاحتمالين. لكنه في غير محله.
اللهم إلا إذا كان التزويج مهانة لها ، فإنه لا يجب ، لانتفاء الاستطاعة. وكذا
الكلام فيما لو توقف على تزويج ابنة ابنها أو بنتها منه. مع إمكان ذلك لها ، فإنه
يجب.
[١] أول من صور
هذا النزاع ـ فيما وقفت عليه ـ الشهيد في الدروس ، قال : « ولو ادعى الزوج الخوف
وأنكرت ، عمل بشاهد الحال ، أو بالبينة ، فإن انتفيا قدم قولها. والأقرب أنه لا
يمين عليها .. ». وفي المدارك : « ولو ادعى الزوج الخوف وأنكرت عمل .. ». ونحوهما
في الجواهر والحدائق. وظاهره أن الذي يدعيه الزوج خوفه عليها ، وعليه فلا ينبغي
التأمل في أن هذه الدعوى غير مسموعة ، لأن خوفه ليس موضوعاً للأثر الشرعي ، وإنما
موضوع الأثر خوفها ، فاذا كانت آمنة على نفسها وجب عليها السفر ، وإن كان زوجها أو
غيره ـ ممن يمت إليها بنسب أو سبب ـ خائفاً عليها ، نعم إذا كانت دعوى الزوج أنها
خائفة وغير آمنة ، كانت موضوعاً لأثر شرعي ، وهو عدم الاستطاعة وعدم وجوب الحج.
ويترتب على ذلك استحقاق النفقة على الزوج ، وسقوط حقوق الزوج على تقدير صحة دعواها
، وسقوط نفقتها ، وثبوت حقوق الزوج على تقدير صحة دعواه. لكن ثبوت نفقتها يتوقف
على كونها زوجة دائمة.
للزوج ـ مع هذه
الحالة ـ منعها عن الحج باطناً إذا أمكنه
______________________________________________________
كما أن ثبوت حقوقه
يتوقف على عدم المانع من أهليته لاستيفائها ـ من مرض ، أو هرم ، أو نحوهما فيه أو
فيها ـ وإلا لم يكن له حق عليها. وأما حق الاستئذان في الخروج من بيتها فليس من
الفوائد المرغوب فيها التي تثير النزاع والخصام ، لتسمع الدعوى بملاحظته. وكأنه
لذلك قال المصنف : « والظاهر عدم استحقاقه اليمين .. ». لكنه بناء على ذلك لا تسمع
دعواه ، لعدم استحقاق المطالبة بشيء ، لا أنها تسمع ولا يمين عليها ، كما أشار
إلى ذلك في الجواهر. مع أن منع كون حق الاستيذان من الحقوق التي تصح المطالبة بها
ـ لعدم ترتب الفائدة المرغوب فيها عليه ـ غير ظاهر ، كيف والمطالبة به قد تكون
محافظة منه على غرضه؟ فالتحقيق إذاً : سماع دعواه ، وعليها اليمين إن لم يقم
البينة على مدعاه.
وفي بعض الحواشي :
احتمال أن يكون النزاع المذكور من باب التداعي ، لا من باب المدعي والمنكر. وكأنه
لأن مصب الدعوى وإن كان الخوف وعدمه ، فيكون مدعيه مدعياً ومنكره منكراً ، لكن
بلحاظ أن الغرض من إنكار الخوف استحقاق النفقة على الزوج مدة السفر ، فهي تطالب
بالنفقة ، وهو يطالب بالاستمتاع. فكل واحد منهما يطالب بحق هو على خلاف مقتضى
الأصل.
والتحقيق : أن
المعيار في صدق المدعي والمنكر هو الغرض المقصود من الخصومة » لا ما هو مصب الدعوى.
ولكن يشكل : بأن هذا المقدار لا يوجب جريان حكم التداعي ، لأن الزوجة وإن كانت
تدعي ثبوت حق الاتفاق ، لكن ذلك لما كان من آثار عدم الخوف كان مدعاها مقتضى الأصل
، فتكون منكرة.
ذلك؟ وجهان في
صورة عدم تحليفها [١]. وأما معه فالظاهر سقوط حقه [٢]. ولو حجت بلا محرم مع عدم
الأمن ،
______________________________________________________
[١] أما وجه الأول
فواضح ، لأنه استيفاء لحقه. وأما الثاني فمبني على أن حرمة الخروج بغير إذن الزوج
من الأحكام لا من الحقوق. أو أنها من الحقوق لكن لما كانت الزوجة تعتقد أنها مكلفة
تكون معذورة في تفويت الحق ، وحينئذ لا دليل على ثبوت الحق. وفيه : ما عرفت من أن
الظاهر من الأدلة كون ترك الخروج بغير إذن الزوج من الحقوق. مع أنه لو سلم ذلك
بالنسبة إلى ترك الخروج ، فلا شبهة في أن الاستمتاع منها ، فيجوز له حبسها
لاستيفائه. وأما عذر المرأة في تفويت الحق فهو مبني على أن المسوغ لترك الحج الخوف
النوعي ، إذ حينئذ يمكن فيه الخطأ ، فتعتقد عدمه ، فتكون معذورة على تقدير الخطأ.
أما إذا كان العذر خوفها ـ كما عرفت ، ويقتضيه أدلة العذر ـ فلا تكون معذورة في
حالة الخطأ ، فاذا كان الزوج يدعي كذبها في دعوى عدم الخوف لا تكون معذورة. نعم
يتم ذلك فيما إذا اعتقدت أنها مستطيعة من حيث المال وكان الزوج ينكر ذلك ، إذ يمكن
حينئذ الخطأ فيه فتكون معذورة ، لا فيما نحن فيه. ولأجل ذلك يكون أقوى الوجهين
أولهما.
[٢] لا إشكال في
أن اليمين مانعة من الدعوى ثانياً. كما أن المشهور أنها مانعة من جواز المقاصة عن
الحق. ولكن في كونها مانعة من التصرف في العين التي يدعيها المدعي تصرفاً عينياً ،
مثل : أن يلبسها أو يتلفها ، أو اعتبارياً ، مثل : أن يبيعها أو يعتقها ، إشكال.
والتحقيق : عدمه ، كما ذكرنا ذلك في مبحث التنازع من كتاب الإجارة من هذا الشرح. فراجع.
وكيف تصح دعوى حرمة تصرف المالك المحكوم عليه؟ وحرمة تصرف الآخذ المحكوم له؟ لأنها
ليست ملكاً له ـ وكذا غيره من الناس ـ
صح حجها إن حصل
الأمن قبل الشروع في الإحرام [١] ، وإلا ففي الصحة إشكال ، وإن كان الأقوى الصحة
[٢].
( مسألة ٨١ ) : إذا استقر عليه
الحج ـ بأن استكملت الشرائط ، وأهمل حتى زالت أو زال بعضها ـ صار ديناً عليه ووجب
الإتيان به بأي وجه تمكن. وإن مات فيجب أن يقضى عنه إن كانت له تركة ، ويصح التبرع
عنه. واختلفوا فيما به يتحقق الاستقرار على أقوال ، فالمشهور : مضي زمان يمكن فيه
الإتيان بجميع أفعاله ، مستجمعاً للشرائط [٣] ، وهو إلى اليوم الثاني عشر من ذي
الحجة. وقيل : باعتبار مضي زمان يمكن فيه الإتيان بالأركان جامعاً للشرائط [٤] ،
فيكفي بقاؤها إلى مضي جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان والسعي.
______________________________________________________
فتكون العين من
المحرمات ، فان التزام ذلك كما ترى. وعليه لا مانع من جواز حبس الزوجة ، ومنعها من
الخروج في فرض المسألة.
[١] هذا واضح.
لتحقق شرائط الاستطاعة من الميقات ، الكافي في وجوب حج الإسلام وصحته.
[٢] تقدم الكلام
في ذلك في المسألة الخامسة والستين. وذكرنا هناك : أن هذه الأعذار إنما تكون مانعة
عن الاستطاعة في ظرف الترك ، لا في ظرف الفعل فراجع ، وتأمل.
[٣] نسبه في
المدارك والذخيرة والمستند إلى الأكثر. وفي الجواهر : جعله المشهور نقلاً وتحصيلاً.
[٤] قال في
المسالك : « ويمكن اعتبار زمان يمكن فيه تأدي الأركان خاصة .. إلى أن قال :
واختاره في التذكرة والمهذب .. ». وفي
وربما يقال :
باعتبار بقائها إلى عود الرفقة [١]. وقد يحتمل كفاية بقائها إلى زمان يمكن فيه الإحرام ودخول الحرم [٢] وقد يقال بكفاية وجودها حين
خروج الرفقة ، فلو أهمل استقر عليه ، وإن فقدت بعد ذلك ، لأنه كان مأموراً بالخروج
معهم [٣]. والأقوى اعتبار بقائها إلى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه ، بالنسبة إلى
الاستطاعة المالية ، والبدنية ، والسربية وأما بالنسبة إلى مثل العقل فيكفي بقاؤه
إلى آخر الاعمال. وذلك لان فقد بعض هذه الشرائط يكشف عن عدم الوجوب عليه واقعاً ،
وأن وجوب الخروج مع الرفقة كان ظاهرياً [٤].
______________________________________________________
الجواهر : ذكر أنه
حكي عن الشهيد والمهذب.
[١] قد يستفاد ذلك
مما ذكره في التذكرة ، من أن من تلف ماله قبل عود الحاج ، وقبل مضي إمكان عودهم ،
لم يستقر الحج في ذمته.
[٢] هذا الاحتمال
ذكره في القواعد. وفي المستند : « نسبه بعضهم إلى التذكرة ، واستحسنه بعض
المتأخرين إن كان زوال الاستطاعة بالموت .. ».
[٣] قال في
المستند : « إن اشترط وجوب القضاء بالاستقرار واقعاً فالحق هو الأول .. ( إلى أن
قال ) : لكن الشأن في اشتراط ذلك ، ولذا تأمل فيه في الذخيرة. وهو في موضعه. بل
الأقرب عدم الاشتراط وكفاية توجه الخطاب ظاهراً أولاً ، كما هو ظاهر المدارك ،
وصريح المفاتيح وشرحه .. » إلى آخر ما نقلناه عنه في شرح المسألة الخامسة والستين.
فراجع كلامه وكلام غيره المنقول هناك.
[٤] في المستند
اعترف بذلك ، غير أنه ادعى إطلاق صحيحتي ضريس والعجلي ، المتقدمتين في المسألة
الثالثة والسبعين ، الدالتين على وجوب القضاء
______________________________________________________
إذا لم يمت بعد
الإحرام ودخول الحرم ، الشامل لما إذا لم يستقر. وكذا إطلاقات وجوب القضاء. وفيه :
ما عرفت في المسألة السابقة ، من أن الصحيحتين المذكورتين لا عموم لهما لذلك ،
وليستا واردتين في مقام تشريع وجوب القضاء وإن لم يجب عليه الأداء. فراجع.
ثمَّ إن المتعين
الرجوع إلى القواعد الأولية. ومقتضى ما تقدم ، من اعتبار الشرائط في الوجوب : عدم
استقرار الوجوب مع انتفاء بعضها. فما يعتبر في الوجوب وجوده ـ في الذهاب والإياب ـ
إذا انتفى قبل مضي زمان الإياب انتفى الوجوب معه ، وما لا يعتبر في الإياب ، بل
يعتبر وجوده إلى آخر زمان العمل ، إذا انتفى قبل زمان تمام العمل انتفى الوجوب معه
، وإذا انتفى بعد ذلك لم ينتف الوجوب معه. فالمدار في استقرار الوجوب واقعاً وجود
الشرط واقعاً ، فاذا انتفى انتفى ، كما أشار الى ذلك المصنف.
ومنه يظهر لك
الإشكال في بقية الأقوال المذكورة. إذ الأول خلاف ما دل على اعتبار جملة من
الشرائط في الإياب كالذهاب. نعم يتم ذلك بالإضافة إلى الحياة. ولعل مراد بعضهم
خصوص ذلك. والثاني مبني على الفرق بين أجزاء الواجب ، وهو غير ظاهر. وعدم لزوم
التدارك مع الفوات ـ لعذر ، أو ولو لا لعذر ـ لا يوجب الفرق بينها في الجزئية ،
وفي اعتبار وجود شرائط الاستطاعة في كل منها على نحو واحد. وعدم لزوم التدارك
والإعادة على تقدير ترك بعضها لا يدل على عدم الجزئية ، ولا على الفرق بينها فيما
ذكرنا. وأما الاحتمال الرابع فهو مبني على إلحاق المقام بما لو مات بعد الإحرام
ودخول الحرم ، وهو لا دليل عليه. وليس البناء على التعدي عن مورده ، وإلا لزم وجوب
الحج على من علم بانتفاء جميع الشرائط بعد الإحرام ودخول الحرم ، وهو كما ترى.
وأما الخامس فهو ـ على ظاهره ـ مبني على اعتبار اجتماع الشرائط حين خروج الرفقة
ظاهراً ،
ولذا لو علم من
الأول أن الشرائط لا تبقى الى الآخر لم يجب عليه. نعم لو فرض تحقق الموت بعد تمام
الاعمال كفى بقاء تلك الشرائط إلى آخر الاعمال ، لعدم الحاجة حينئذ إلى نفقة العود
، والرجوع إلى كفاية ، وتخلية السرب ، ونحوها. ولو علم من الأول بأنه يموت بعد ذلك
، فان كان قبل تمام الاعمال لم يجب عليه المشي ، وإن كان بعده وجب عليه. هذا إذا
لم يكن فقد الشرائط مستنداً إلى ترك المشي ، والا استقر عليه ، كما إذا علم أنه لو
مشى الى الحج لم يمت أو لم يقتل أو لم يسرق ماله مثلاً ، فإنه حينئذ يستقر عليه
الوجوب ، لأنه بمنزلة تفويت الشرط على نفسه. وأما لو شك في أن الفقد مستند إلى ترك
المشي أولا ، فالظاهر عدم الاستقرار ، للشك
______________________________________________________
ولا يضر انتفاء
الشرائط واقعاً. وهو غريب ، لأنه خلاف ما دل على اعتبار الاستطاعة ، الظاهر في
شرطية الوجود الواقعي لا الظاهري. ولعل مراد بعضهم صورة ما إذا لم يعلم استناد
انتفاء بعض الشرائط إلى ترك الحج ، بحيث احتمل بقاؤها على تقدير السفر للحج.
اعتماداً منهم على أصالة السلامة ، المقتضية للوجوب الظاهري ، فيكون الاستقرار
ظاهرياً لا واقعياً. وحينئذ يجب ترتيب آثار استقراره ظاهراً ، من وجوب الأداء بعد
ذلك ولو متسكعاً ، والقضاء عنه بعد موته ، لا أن اجتماع الشرائط ظاهراً موضوع
للحكم الواقعي. ولذلك استشكل في المدارك على العلامة في التذكرة ، حيث جزم بأن من
تلف ماله قبل عود الحاج ، وقبل مضي إمكان عودهم ، لم يستقر الحج في ذمته ، لأن
نفقة الرجوع لا بد منها في الشرائط ، بقوله : « ويشكل : باحتمال بقاء المال لو
سافر .. ». وكيف كان فهذا القول على ظاهره خلاف مقتضى
في تحقق الوجوب
وعدمه واقعاً [١]. هذا بالنسبة إلى استقرار الحج لو تركه ، وأما لو كان واجداً
للشرائط حين المسير فسار ، ثمَّ زال بعض الشرائط في الأثناء فأتم الحج على ذلك
الحال. كفى حجه عن حجة الإسلام ، إذا لم يكن المفقود مثل العقل ، بل كان هو
الاستطاعة البدنية ، أو المالية ، أو السربية ونحوها على الأقوى [٢].
( مسألة ٨٢ ) : إذا استقر عليه العمرة فقط ، أو
______________________________________________________
الأدلة ، بل خلاف
المقطوع به منها.
[١] هذا الشك إنما
يقدح في البناء على ثبوت الوجوب لو لم تجر أصالة السلامة التي من أجلها بني على
ثبوت الوجوب ظاهراً حين سفر القافلة ، وعدم جريانها بعد العلم بانتفاء الشرط غير
ظاهر ، لأن الثابت بها السلامة على تقدير السفر وهي مشكوكة ، لا السلامة مطلقا كي
يتبين انتفاؤها. فلاحظ وتأمل.
[٢] قد تقدمت
الإشارة إلى أن الشرائط المعتبرة في الاستطاعة على قسمين : الأول : ما دل على
اعتباره دليل بالخصوص ، كملك الزاد والراحلة ، وكالصحة في البدن ، وتخلية السرب.
الثاني : ما دخل تحت عنوان العذر ، وهو ما يصح الاعتذار به عند العقلاء في ترك
الحج. فالقسم الأول إذا حج مع فقده لم يكن حجه حج الإسلام ، لفقد شرط حج الإسلام ،
وهو الاستطاعة. والقسم الثاني إذا حج مع فقده أجزأه ، وكان حج الإسلام. لأن دليل
اعتباره يختص بما لو ترك الحج معتذراً به ، فلا يشمل صورة ما لو حج مقدماً عليه.
وحينئذ يكون المرجع فيه : إطلاق أدلة الوجوب ، المقتضي للإجزاء.
الحج فقط ـ كما
فيمن وظيفته حج الافراد والقران ـ [١] ثمَّ زالت استطاعته ، فكما مر ، يجب عليه
أيضاً بأي وجه تمكن. وإن مات يقضى عنه [٢].
______________________________________________________
والظاهر أن المراد
من صحة البدن ما يقابل الإحصار ، ومن تخلية السرب ما يقابل الصد ، فلا يمكن فرض
الحج مع انتفائهما. وأما ملك الزاد والراحلة فالمقدار المستفاد من الأدلة اعتباره
بالخصوص في حج الإسلام هو ما يكون إلى آخر الأعمال لا غير ، وما زاد على ذلك ـ مما
يحتاج في الإياب ، أو بعد الرجوع إلى أهله ـ فهو داخل في القسم الثاني. وعلى هذا
فاذا زالت الاستطاعة المالية في الأثناء لم يجز عن حج الإسلام ، وإذا زالت بعد
تمام الأعمال أجزأت. وأما بقية شرائط الاستطاعة فإذا زالت في الأثناء ، أو بعد
تمام الاعمال أجزأه حجه عن حج الإسلام. بل مقتضى ما ذكرنا : أنه إذا لم تكن حاصلة
له من أول الأمر فحج أجزأه عن حج الإسلام. وقد تعرض المصنف في المسألة الخامسة
والستين وغيرها لما ذكره هنا. وتعرضنا لذلك تبعاً له. فراجع.
[١] المحقق في
محله : أن كلاً من الحج والعمرة ـ في القران والافراد ـ واجب مستقل ، يجب ـ مع
الاستطاعة إليه ـ وحده دون الآخر.
[٢] الظاهر أنه
مما لا إشكال فيه. وقد أرسله في الجواهر إرسال المسلمات. قال ـ في شرح قول ماتنه :
« إذا استقر الحج في ذمته .. » ـ : « والمراد به ما يعم النسكين وأحدهما. فقد
تستقر العمرة وحدها ، وقد يستقر الحج وحده ، وقد يستقر ان .. ». لكن دلالة الأدلة
على وجوب الأداء ولو متسكعاً ظاهرة ، فإنه مقتضى الإطلاق. أما وجوب القضاء عنه لو
مات فدلالتها غير ظاهرة ، فينحصر الدليل بالإجماع.
( مسألة ٨٣ ) : تقضى حجة الإسلام [١] من أصل التركة إذا لم يوص بها [٢] ،
______________________________________________________
[١] بلا إشكال ولا
خلاف. والنصوص الدالة عليه كثيرة جداً ، بل لعلها متواترة. منها : صحيح محمد بن مسلم قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل مات ولم يحج
حجة الإسلام ، ولم يوص بها ، أتقضى عنه؟ قال (ع) : نعم » . ونحوه غيره. وسيأتي بعض
ذلك.
[٢] عن المنتهى
والتذكرة : أنه قول علمائنا أجمع. وفي المستند : « الظاهر أنه إجماعي .. ». وفي
الجواهر : « بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه .. ». ويدل عليه
جملة من النصوص. منها : صحيح
الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « قال : تقضى
عن الرجل حجة الإسلام من جميع ماله » ، وموثق
سماعة : « سألت أبا
جعفر (ع) عن الرجل يموت ، ولم يحج حجة الإسلام ، ولم يوص بها وهو موسر. فقال : يحج
عنه من صلب ماله ، لا يجوز غير ذلك » ، وصحيح
العجلي : « عن رجل
استودعني مالاً فهلك ، وليس لولده شيء ، ولم يحج حجة الإسلام. قال (ع) : حج عنه ،
وما فضل فأعطهم » . ونحوها غيرها. مضافاً إلى ما يستفاد من الجمود على ظاهر
قوله تعالى : ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ .. ) . فان ظاهر اللام الملك. فاذا كان الحج مملوكاً عليه يكون ديناً مالياً ،
فيخرج من أصل المال كسائر
__________________
سواء كانت حج التمتع
، أو القران ، أو الافراد [١]. وكذا إذا كان عليه عمرتهما [٢]. وإن أوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو الثلث فكذلك
أيضاً [٣]. وأما إن أوصى
______________________________________________________
الديون ، كما لو
آجر نفسه ليخيط ثوباً لا بنحو المباشرة فمات ، فإن الخياطة تخرج من أصل المال.
نعم في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(ع) : « في رجل
توفي ، وأوصى أن يحج عنه. قال (ع) : إن كان صرورة فمن جميع المال ، إنه بمنزلة
الدين الواجب. وإن كان قد حج فمن ثلثه. ومن مات ولم يحج حجة الإسلام ، ولم يترك
إلا قدر نفقة الحمولة ، وله ورثة ، فهم أحق بما ترك ، فان شاؤوا أكلوا ، وإن شاؤوا
حجوا عنه » . فان صدره وإن كان صريحاً في إخراجه من الأصل إذا كان قد
أوصى به ، لكن ذيله ظاهر في خلاف ذلك إذا لم يكن أوصى به ، فلا بد من طرحه ، أو
تأويله.
[١] لإطلاق الأدلة.
[٢] لما سبق ، من
أن المراد من الحج ـ في النص والفتوى ـ ما يشمل العمرة.
[٣] يشهد به مصحح معاوية بن عمار قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل مات ،
فأوصى أن يحج عنه. قال (ع) : إن كان صرورة فمن جميع المال ، وإن كان تطوعاً فمن
ثلثه » . ونحوه صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) . وما في صحيح
معاوية الآخر ، وقد تقدم .
__________________
بإخراجها من الثلث
وجب إخراجها منه ، وتقدم على الوصايا المستحبة وإن كانت متأخرة عنها في الذكر [١].
وإن لم يف
______________________________________________________
نعم يختص الحكم
المذكور بما إذا أوصى بإخراج ثلثه وصرفه في مصلحته ، وانعقد لكلامه ظهور في ذلك.
أما إذا أجمل كلام الموصي ، ولم يعلم أنه يريد إخراج الحج من الثلث أو من الأصل ،
فاللازم إخراجه من الثلث ، للشك في وصيته بما يساوي ثلث الحج. مثلاً : إذا قال : «
أخرجوا ثلثي ، واخرجوا عني حجة الإسلام ، وأعتقوا عني ، وتصدقوا عني » ، وشك في أن
مراده الوصية بإخراج الحج من الثلث أو من الأصل ، فإن الشك المذكور يوجب الشك في الوصية
بإخراج التفاوت. ومع الشك في الوصية به يبنى على عدمها ، فيجري حكم الوصية بإخراجه
من الثلث. وأما النصوص المذكورة فالظاهر منها بيان أن الوظيفة الأولية الشرعية هو
إخراج حجة الإسلام من الأصل وغيرها من الثلث وإن أوصى بها. وأن السؤال فيها كان عن
ذلك لدفع توهم أن الوصية بالحج يلحقها حكم الوصية من الإخراج من الثلث. وليس فيها
تعرض لصورة ما إذا عين الموصي الإخراج من الثلث أو الأصل ، بل المرجع ـ في صورة
التعيين المذكور ـ القواعد العامة. ولو كان نظرها إلى صورة التعيين كان اللازم
إخراج حج الإسلام من الأصل وإن عينه من الثلث.
[١] يعني : عند
تزاحمها معها في الإخراج من الثلث ، بأن كان الثلث لا يسع جميعها. ووجه التقديم
ظاهر ، لأنها لما كانت يجب إخراجها على كل حال وإن لم يسعها الثلث ، لم تصلح
المستحبات لمزاحمتها التي لا يجب إخراجها إذا لم يسعها الثلث ، لأن النسبة بينهما
من قبيل نسبة الواجب المطلق إلى المشروط ، يكون الأول رافعاً للثاني. والظاهر أن
ذلك هو المراد مما في
صحيح معاوية بن عمار قال : «
سألت أبا عبد الله (ع)
______________________________________________________
عن
امرأة أوصت بمال في الصدقة والحج والعتق. فقال (ع) : ابدأ بالحج فإنه مفروض ، فإن
بقي شيء فاجعله في العتق طائفة ، وفي الصدقة طائفة » ، وخبره الآخر ، قال : « إن امرأة هلكت ، وأوصت بثلثها يتصدق
به عنها ، ويحج عنها ، ويعتق عنها ، فلم يسع المال ذلك .. ( إلى أن قال ) : فسألت
أبا عبد الله (ع) عن ذلك. فقال : ابدأ بالحج فان الحج فريضة ، فما بقي فضعه في
النوافل » . فان الظاهر : أن المراد من كون الحج فريضة أنه يجب إخراجه
مع قطع النظر عن الوصية وليس المراد : أنه كان يجب على الميت وإن لم يكن يجب
إخراجه عنه لو لا الوصية ، فإن حمله على ذلك خلاف الأصل في التعليل ، المحمول على
بيان العلة العرفية الارتكازية ، وخلاف ما دل على لزوم الأخذ بالسابق فالسابق في
الوصايا المترتبة. بل خلاف الظاهر من فعلية الوصف. فلاحظ.
ومن ذلك يظهر عدم
الفرق بين الوصايا المستحبة للحي والواجبة عليه التي لا يجب إخراجها من الأصل ،
فيقدم حج الإسلام على الوصايا الواجبة أيضاً ـ عند المزاحمة في إخراجها من الثلث ـ
إذا كان قد أوصى الميت بذلك ، لعين ما ذكر.
وقد يتوهم : أن
الوجه في التقديم كونها واجبة على الميت في حياته ، والواجب مقدم على المستحب عند
التزاحم. ولذلك لو أوصى بإخراج الواجب الذي لا يخرج من الأصل ، كالعبادات البدنية
ـ بناء على ما هو التحقيق ـ والمستحب ، يتعين إخراج الواجب وإلغاء المستحب. وفيه :
أن أهمية الواجب من المستحب إنما هي بالنظر إلى الأمر الشرعي المتعلق بالواجب
والمستحب ، الموجه الى الميت حال حياته ، الذي هو ساقط ـ بعد وفاته ـ
__________________
الثلث بها أخذت
البقية من الأصل [١]. والأقوى أن حج النذر ـ أيضاً ـ كذلك ، بمعنى : أنه يخرج من الأصل
[٢] ، كما سيأتي الإشارة إليه.
ولو كان عليه دين أو خمس أو زكاة
______________________________________________________
عنه وعن غيره ، لا
بالنظر إلى وجوب العمل بالوصية. فإن الوجوب المذكور بعد ما كان ثابتاً حتى في
الوصايا المستحبة والمباحة والمكروهة ، كان مناطه موجوداً في الجميع على نحو واحد
لا يترجح في بعض على آخر. فلا موجب لترجيح الوصية بالواجب على الوصية بالمستحب ،
ولا لترجيح الوصية بالمستحب على الوصية بالواجب على الوصية بالمستحب ، ولا لترجيح
الوصية بالمستحب على الوصية بالمباح ، ولا الوصية به على الوصية بالمكروه ،
لاشتراك الجميع في وجود المناط. بل اللازم رجوع النقص على الجميع على النسبة إذا
كانت غير مترتبة ، وإذا كانت مترتبة كان السابق رافعاً لموضوع اللاحق. فراجع مباحث
الوصية ، وتأمل.
نعم إذا تزاحمت
الوصايا غير المترتبة بنحو لا يمكن التوزيع ، لم يبعد ترجيح الواجب ، لاحتمال
تعينه ، فيكون الفرض من موارد الدوران بين التعيين والتخيير ، كما سيأتي نظيره في
آخر المسألة.
[١] لما عرفت : من
أن دليل وجوب إخراج الحج من الأصل. رافع لوجوب العمل بالوصية. لأن وصيته بإخراجه
من الثلث ـ في الفرض المذكور ـ منافية لوجوب إخراجه من الأصل ، فلا مجال للعمل بها
، لقوله تعالى ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً
فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) .
[٢] كما يقتضيه
الأخذ بمضمون النذر ، فإنه تمليك لله سبحانه العمل المنذور ، فاذا كان مملوكاً كان
ديناً ، فيجب إخراجه من الأصل كسائر الديون ، كما سيأتي التعرض لذلك من المصنف (ره)
في المسألة الثامنة من الفصل الآتي.
__________________
وقصرت التركة ،
فإن كان المال المتعلق به الخمس أو الزكاة موجوداً قدم ، لتعلقهما بالعين ، فلا
يجوز صرفه في غيرهما [١]. وإن كانا في الذمة فالأقوى أن التركة توزع على الجميع
بالنسبة ، كما في غرماء المفلس [٢]. وقد يقال : بتقديم الحج على غيره وإن كان دين
الناس [٣] ، لخبر معاوية بن عمار الدال على تقديمه على الزكاة. ونحوه خبر آخر.
لكنهما موهونان باعراض
______________________________________________________
[١] أما التعلق
بالعين فمما لا إشكال فيه عندنا ، وقد تقدم بيانه في كتاب الزكاة والخمس. وأما أنه
مانع عن جواز الصرف في غيرهما فأوضح ، لأنه تضييع لحق الغير ، فهو خلاف قاعدة
السلطنة على الحقوق.
[٢] كما في
الشرائع وغيرها. وفي المدارك : أنه واضح ، بل هو المعروف بيننا. وتقتضيه : قاعدة
بطلان الترجيح بلا مرجح.
[٣] حكى في
الجواهر عن جواهر القاضي : احتمال تقدم الحج ، وعن آخر : احتمال تقدم الدين. وظاهر
الوسائل والحدائق : اختيار الأول ، لمصحح
معاوية بن عمار : «
قلت له : رجل يموت وعليه خمسمائة درهم من الزكاة ، وعليه حجة الإسلام ، وترك
ثلثمائة درهم ، وأوصى بحجة الإسلام ، وأن يقضى عنه دين الزكاة. قال (ع) : يحج عنه
من أقرب المواضع ، ويجعل ما بقي في الزكاة » .
ونحوه خبره عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل مات وترك ثلثمائة درهم ، وعليه
من الزكاة سبعمائة درهم ، وأوصى أن يحج عنه. قال (ع) : يحج عنه من أقرب المواضع ،
ويجعل ما بقي في الزكاة » . قال في الجواهر : « وفيه ـ بعد إعراض الأصحاب عنهما ، وقصور
سند الثاني منهما ، واختصاصهما بالزكاة ـ : أنه يمكن كون
__________________
الأصحاب. مع أنهما
في خصوص الزكاة. وربما يحتمل تقديم دين الناس لأهميته [١]. والأقوى ما ذكر من التحصيص [٢] وحينئذ فإن وفت حصة الحج به
فهو [٣] ، وإلا فان لم تف إلا ببعض الأفعال [٤] ـ كالطواف فقط ،
______________________________________________________
ما ذكره فيهما
مقتضى التوزيع أيضاً .. ». ولم يتعرض في المتن للإشكال بقصور السند ، لأنه يكفي في
إثبات القول المذكور المصحح المعتبر السند. كما أنه لم يذكر الاشكال الأخير ، لأنه
خلاف إطلاق الدليل. مع أنه مبني على لزوم الحج البلدي ، إذ لو كان الميقاتي مجزياً
كان حصة الحج ـ بعد ورود النقص عليها ـ غير كافية فيه ، فلا وجه للأمر بإخراجه إلا
لأجل عدم ورود النقص عليه ، بخلاف الزكاة.
[١] تقدم الكلام
في هذه الأهمية في شرح المسألة السابعة عشرة. فراجع.
[٢] يعني :
التوزيع. لما عرفت : من أنه مقتضى بطلان الترجيح بلا مرجح لأن الحج لما كان غير
الدين وفي قبال الدين ، فإذا بني على تعلق الحج دون الدين ، أو الدين دون الحج كان
ترجيحاً بلا مرجح.
فان قلت : إذا
كانت الحصة الراجعة إلى الدين لا تفي به فلا بد من وفاء بعض الدين وبقاء بعضه ،
فيلزم أيضاً الترجيح بلا مرجح. قلت : لا تعين لبعض الدين في مقابل البعض الآخر.
نظير : ما لو نذر صوم يومين ، فإنه لا تعين لصوم أحد اليومين في مقابل صوم الآخر ،
فلا يكون وفاء بعض الدين دون بعض ترجيحاً بلا مرجح.
[٣] هذا خلاف فرض
المسألة ، من قصور التركة ، إذ حينئذ البناء على التحصيص إنما كان لقصور الحصة عن
الوفاء.
[٤] قال في
الجواهر : « ولو كان قد استقر عليه كل من النسكين ووسع النصيب خصوص أحدهما صرف فيه
، وإن وسع كلاً منهما تخير للتساوي في الاستقرار. ويحتمل تقديم الحج لكونه أهم في
نظر الشارع.
أو هو مع السعي ـ فالظاهر
سقوطه [١] ، وصرف حصته في الدين أو الخمس أو الزكاة. ومع وجود الجميع توزع عليها
[٢]. وإن وفت بالحج فقط أو العمرة فقط ، ففي مثل حج القران والافراد تصرف فيهما
مخيراً بينهما ، والأحوط تقديم الحج [٣]. وفي حج التمتع الأقوى السقوط
______________________________________________________
وتقديمه ممن عليه
الافراد والقران خاصة ، وتقديم العمرة ممن عليه التمتع خاصة ، والتخيير ممن عليه
أحد الأنواع مخيراً. وقد يحتمل سقوطهما عمن عليه التمتع ، لدخول العمرة في حجه.
وإن لم يف النصيب بشيء من النسكين صرف في الدين ، لا فيما يفي به من الافعال من
طواف ووقوف ، لعدم التعبد بشيء منها وحدها عدا الطواف. واحتمال إثبات مشروعية ذلك
بقاعدة الميسور ، وما يدرك ، قد بينا فساده في محله. على أن الظاهر قصر الاستدلال
بها على ما يعضدها فيه كلام الأصحاب ، لقصور سندها ، وعدم ثبوت كونها قاعدة ،
وكلام الأصحاب على الظاهر بخلافها هنا ، بل لعل ظاهره كون الطواف أيضاً كذلك ،
لإطلاقهم رجوع النصيب ميراثاً بمجرد قصوره عن الحج أو العمرة .. ».
[١] لما عرفت في
كلام الجواهر ، من عدم الدليل على مشروعية الأبعاض ، والأصل عدمها. وحينئذ لا يكون
الحج مزاحماً لغيره ، فلا تكون له حصة في قبال غيره ، بل يكون المال كله لغيره.
[٢] لعدم المرجح
لبعضها على الآخر.
[٣] لما تقدم في
كلام الجواهر ، من احتمال تقديمه لأنه أهم ، ولا ينبغي الإشكال في أن احتمال
الأهمية موجب للترجيح في نظر العقل. لكن يختص ذلك بالتكليف ، والكلام هنا في الوضع
، وهو تعلق حق الحج بالتركة. ونسبة هذا الحق إلى الحج والعمرة نسبة واحدة ، فإن
إضافة الحقية كإضافة
وصرفها في الدين
وغيره. وربما يحتمل فيه أيضاً التخيير ، أو ترجيح الحج لأهميته [١] ، أو العمرة
لتقدمها. لكن لا وجه لها بعد كونهما في التمتع عملاً واحداً [٢]. وقاعدة الميسور
لا جابر لها في المقام.
( مسألة ٨٤ ) : لا يجوز للورثة التصرف في التركة قبل استئجار الحج إذا كان مصرفه مستغرقاً
لها [٣].
______________________________________________________
الملكية لا تقبل
الشدة والضعف ولا التأكد واللاتأكد. إلا أن يقال : الأهمية في التكليف لما كانت
موجبة لاحتمال التعيين في أحد الأمرين كانت موجبة للترجيح عقلا.
[١] في حاشية بعض
مشايخنا على المقام : « لا يبعد استفادته من الرواية الآتية التي أوردها في
المسألة السادسة والثمانين ، فلا يترك الاحتياط » وفيه نظر ، فان ظاهر الرواية
الآتية : أنه أوصى أن يحج الوصي بنفسه ، فالحج الموصى به بلدي بمباشرة الوصي ، والامام
(ع) أمره بالحج الميقاتي عند عدم كفاية المال لذلك ، فالمراد من الحج من مكة الحج
الميقاتي في قبال البلدي ، لا الحج الذي يكون إحرامه من مكة في مقابل العمرة التي
يكون إحرامها من الميقات. فلاحظ.
[٢] كما تقتضيه
النصوص. ولأجلها لا أثر لاحتمال مشروعية البعض ، بل يبنى على خلافه. وحينئذ يبطل
حق الحج لأنه لا أثر له ، فلا تكون التركة موضوعاً له ، وتكون موضوعاً لغيره لا
غير.
[٣] لا إشكال في
انتقال التركة إلى الورثة إذا لم يكن دين ولا وصية ، بل هو من الضروريات. كما لا
إشكال في انتقال ما زاد على الدين والوصية إلى الورثة. أما انتقال ما يساوي الدين
والوصية إليهم ففيه خلاف ، نسب إلى كثير من كتب العلامة ، وإلى جامع المقاصد
وغيرها : الأول ، ونسب
______________________________________________________
إلى الحلي والمحقق
وبعض كتب العلامة وغيرهم. الثاني ، وعن المسالك والمفاتيح : نسبته إلى الأكثر. وقد
استدل لكل من القولين بوجوه لا تخلو من خدش وإشكال. ولكن الأظهر الأخير ، للنصوص
المتضمنة للترتيب بين الدين والوصية والميراث ، ففي
خبر محمد بن قيس : « قال أمير المؤمنين (ع) : إن الدين قبل الوصية ، ثمَّ الوصية على
أثر الدين ، ثمَّ الميراث بعد الوصية ، فإن أول القضاء كتاب الله تعالى » . وخبر السكوني : « أول شيء يبدأ به من المال الكفن ،
ثمَّ الدين ، ثمَّ الوصية ، ثمَّ الميراث » ، وخبر عباد بن صهيب : « في رجل فرط في إخراج زكاته في حياته ،
فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما فرط فيه مما يلزمه من الزكاة ، ثمَّ أوصى به أن
يخرج ذلك فيدفع إلى من يجب له. قال (ع) : جائز ، يخرج ذلك من جميع المال. إنما هو
بمنزلة دين لو كان عليه ، ليس للورثة شيء حتى يؤدوا ما أوصى به من الزكاة » . ونحوها غيرها. فان
ظاهر النصوص المذكورة الترتيب في التعلق ، فلا يتعلق الميراث بما يتعلق به الدين
والوصية ، فمع الدين لا ميراث ، وكذا مع الوصية ، فيكون المال باقياً على ملك
الميت موضوعاً لحق الديان ، إذ لا مانع عقلي ولا شرعي من ملك الميت.
ولا ينافي ذلك
الإجماع على ملك الوارث للزائد على الوصية والدين ، لأن الظاهر من نصوص الترتيب ،
أنه للترجيح والأهمية ، فيختص ذلك بما يكون مورد المزاحمة ـ وهو المقدار المساوي
للدين والوصية ـ وما زاد عليه يكون داخلاً تحت عموم : ما ترك الميت فهو لوارثه.
وعلى هذا القول فالوجه في عدم جواز تصرف الورثة ظاهر ، لأنه تصرف بملك الغير. أما
__________________
بل مطلقاً على
الأحوط [١]. إلا إذا كانت واسعة جداً فلهم التصرف في بعضها حينئذ ، مع البناء على
إخراج الحج من بعضها الآخر كما في الدين ، فحاله حال الدين.
______________________________________________________
على القول الآخر ـ
وهو الانتقال إلى الوارث ـ فالوجه فيه : أن حق الديان متعلق بالتركة المنتقلة إلى
الوارث. بلا خلاف ولا إشكال ، بل في الجواهر : الإجماع بقسميه عليه ، فلا يجوز
التصرف فيها بما يوجب ضياع الحق وانتفاءه بانتفاء موضوعه.
وهذا بالنسبة إلى
التصرف بالإتلاف ونحوه ظاهر ، أما التصرف بالبيع ونحوه من التصرف الناقل فعدم
جوازه يتوقف على كون حق الديان قائماً بالتركة بما أنها ملك الوارث ـ كما في حق
الرهانة ـ فانتقالها بالسبب الناقل يوجب انتفاء موضوع الحق بانتفاء قيده. أما إذا
كان قائماً بها مطلقاً ـ نظير حق الجناية القائم بالعبد الجاني وإن لم يكن في ملك
مالكه حال الجناية ، كما هو المشهور ـ فلا مانع من التصرف فيها بالنقل ، لأنه لا
ينافي موضوع الحق. وظاهر الأصحاب : أن التعلق على النحو الأول. ولكنه غير ظاهر من
الأدلة العامة ، وإن كان يساعده ارتكاز العرف والمتشرعة. وربما يستفاد من الصحيح
والموثق الآتيين. فتأمل.
[١] كما عن جامع
الشرائع ، وميراث القواعد ، وحجر الإيضاح ورهنه وغيرها. فلم يفرق فيها بين
المستغرق وغيره في المنع عن التصرف ، إذ لا أولوية لبعض من بعض في اختصاص التعلق
به. ولأن الأداء لا يقطع بكونه بذلك البعض ، لجواز التلف ، ولما دل على تعليق
الإرث بمطلق الدين. والجميع كما ترى. ولذا كان مختار جامع المقاصد وغيره : الجواز.
ويشهد له صحيح البزنطي
بإسناده : «
أنه سئل عن رجل يموت ويترك عيالاً وعليه دين ، أينفق عليهم من ماله؟ قال (ع) : إن
استيقن أن الذي عليه يحيط
______________________________________________________
بجميع
المال فلا ينفق ، وإن لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال » . ونحوه موثق عبد
الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن (ع) . ومنهما يستفاد عدم جواز التصرف فيما يساوي الدين. لكن
الظاهر منهما التصرف المتلف ، فلا تعرض فيهما لغيره ، وإن كان لا يخلو من تأمل.
ومن ذلك يظهر لك
الاشكال فيما ذكره المصنف (ره) ، من التوقف في الجواز إلا إذا كانت واسعة جداً ،
إذ ليس في الصحيح وغيره إشارة إلى التفصيل بين الواسعة وغيرها ، فان بني على العمل
بالنص كان اللازم الجزم بالجواز فيما زاد على الدين ، وإلا كان اللازم التوقف حتى
في الواسعة.
وفي حاشية بعض
الأعاظم : « لا يبعد جواز التصرف حتى في المستغرق أيضاً مع تعهد الأداء. لكن
الأحوط أن يكون برضى الديان ». وفيه : أنه لا وجه لجواز التصرف بمجرد الضمان إذا
لم يرض الديان ، إذ لا دليل على فراغ ذمة الميت بذلك ، فاللازم الرجوع إلى صحيح
البزنطي ونحوه لبقاء الدين بحاله. نعم إذا رضي الديان بالضمان فقد برئت ذمة الميت
، كما في صحيح ابن سنان : « في الرجل يموت وعليه دين ، فيضمنه
ضامن للغرماء. قال (ع) : إذا رضي الغرماء فقد برئت ذمة الميت » .
وإذا انتفى الدين لم يكن
مانع من ملك الوارث ، ولا من جواز تصرفه به.
ثمَّ إن المنع من
التصرف الناقل ـ بناء على انتقال التركة إلى الوارث ـ يختص بالتصرف الذي لا يكون
مقدمة لوفاء الدين ، أما ما يكون مقدمة له فلا بأس به. فاذا باع الورثة التركة
بقصد وفاء الدين من الثمن صح ذلك البيع ، لأن التصرف المذكور مما يقتضيه الدين فلا
يمنع عنه. وكذا لو باع
__________________
( مسألة ٨٥ ) : إذا أقر بعض الورثة بوجوب الحج على المورث وأنكره الآخرون لم يجب عليه الا
دفع ما يخص حصته بعد التوزيع [١] ، وإن لم يف ذلك بالحج لا يجب عليه تتميمه من
حصته. كما إذا أقر بدين وأنكره غيره من الورثة فإنه لا يجب عليه دفع الأزيد.
فمسألة الإقرار بالحج أو الدين مع إنكار الآخرين نظير مسألة الإقرار بالحج أو
الدين مع إنكار الآخرين نظير مسألة الإقرار بالنسب ، حيث أنه إذا أقر أحد الأخوين
بأخ آخر وأنكره الآخر لا يجب عليه إلا دفع الزائد عن حصته ، فيكفي دفع ثلث ما في
يده ،
______________________________________________________
الراهن العين
المرهونة بقصد وفاء الدين الذي عليه الرهن ، فإنه لا يمنع عنه الدين ، لأنه مما
يقتضيه. فلاحظ.
[١] لأن الحج
بمنزلة الدين ، وذلك التحصيص من أحكام الدين. أما الأول فلما تقدم من صحيح معاوية
بن عمار في مسألة إخراج الحج من الأصل . ويقتضيه ظهور اللام في قوله تعالى : ( وَلِلّهِ
عَلَى النّاسِ .. ) على ما عرفت. وأما الثاني فهو المعروف ، وفي الجواهر : « بلا خلاف محقق معتد
به أجده في شيء من ذلك عندنا نصاً وفتوى .. ». ويشهد له : خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع)
: « في رجل مات ، فأقر
بعض ورثته لرجل بدين. قال (ع) : يلزمه ذلك في حصته » .
ودلالته على المدعي غير
ظاهرة. وفي الوسائل : « حمله الشيخ على أنه يلزم بقدر ما يصيب حصته لما يأتي ».
ويريد بما يأتي : خبر أبي
البختري وهب ابن وهب ، عن جعفر بن محمد (ع) ، عن أبيه (ع) قال : « قضى علي (ع)
__________________
______________________________________________________
في
رجل مات وترك ورثة ، فأقر أحد الورثة بدين على أبيه : أنه يلزمه ذلك في حصته بقدر
ما ورث ، ولا يكون ذلك في ماله كله. وإن أقر اثنان من الورثة ، وكانا عدلين أجيز
ذلك على الورثة ، وإن لم يكونا عدلين ألزما في حصتهما بقدر ما ورثا. وكذلك إن أقر
بعض الورثة بأخ أو أخت ، إنما يلزمه في حصته » . لكن الخبر ضعيف
السند. مع احتمال كون المراد أن الدين يلزم المقر في حصته من الميراث لا في تمام
ماله الذي ملكه بغير ميراث. فالعمدة ـ إذاً ـ الإجماع على التحصيص في الدين على
حسب نسبة الحصة. ولو لا ذلك لزم البناء على وجوب وفاء الدين بتمامه على المقر ولو
بتمام حصته ، لأن حق الديان قائم بالتركة بتمامها لا على نحو الإشاعة ، بل على نحو
قيام الكلي في المعين أو الكلي بالكل والبعض ، نظير حق الرهانة. ولذا لو كان بعض
التركة مغصوباً في حال حياة الميت أو بعد وفاته ، أو تلف بعد وفاته يتعين الوفاء
من الباقي. ولا فرق بينه وبين المقام إلا في أن استيلاء الوارث المنكر للدين على
حصته لم يكن بنحو الغصب ، بل بنحو يكون معذوراً في الإنكار ، وربما لا يكون
معذوراً في الإنكار فيكون غاصباً.
وبالجملة : الفرق
بين تعذر الوفاء ـ لغصب أجنبي ونحوه ـ وبين تعذر الوفاء ـ لإنكار الوارث أو تمرده
ـ غير ظاهر ، فإذا بني على وجوب الوفاء بما يمكن الوفاء به في الأول يتعين البناء
عليه في الثاني. نعم الفارق الدليل ، وحينئذ يقتصر على مورده ، وهو صورة إقرار بعض
الورثة وإنكار الآخر. أما صورة علم بعض الورثة وجهل الآخر أو تمرده فخارجة عن مورد
الدليل ، فيرجع فيها إلى ما ذكرنا ، والبناء على عدم الفرق بين الصور غير ظاهر.
وأشكل منه : ما
إذا كان الاختلاف بين الورثة للاختلاف في الاجتهاد والتقليد ، فإنه يتعين فيه
الرجوع إلى مجتهد آخر لحل النزاع وحسم الخصومة إن كان
__________________
ولا ينزل إقراره
على الإشاعة على خلاف القاعدة ، للنص [١].
( مسألة ٨٦ ) : إذا كان على الميت الحج ، ولم تكن تركته وافية به ، ولم يكن دين فالظاهر
كونها للورثة [٢] ، ولا يجب صرفها في وجوه البر عن الميت. لكن الأحوط التصدق عنه ،
للخبر عن الصادق (ع)
[٣] : « عن رجل مات
، وأوصى بتركته أن أحج بها ، فنظرت في ذلك فلم يكفه للحج ، فسألت من عندنا من
الفقهاء فقالوا : تصدق بها. فقال (ع) : ما صنعت بها؟ قلت : تصدقت بها. فقال (ع)
ضمنت. إلا أن لا يكون يبلغ ما يحج به من مكة فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة
فليس عليك ضمان .. ».
______________________________________________________
قد أدى إلى النزاع
والخصومة. وسيأتي التعرض له في المسألة الواحدة بعد المائة ، فانتظر.
[١] قد عرفت : أنه
خبر أبي البختري المتقدم ، وخبره
الآخر قال : « قال علي (ع) : من
أقر لأخيه فهو شريك في المال ، ولا يثبت نسبه ، فإن أقر اثنان فكذلك. إلا أن يكونا
عدلين فيثبت نسبه ، ويضرب في الميراث معهم » .
[٢] لأن المانع عن
الميراث هو وجوب الحج ، فاذا فرض عدم الوجوب ـ لعدم كفاية المال ـ لم يكن مانع عن
الميراث.
[٣] هو خبر علي بن مزيد [ فرقد ـ مرثد ـ يزيد ]
قال : « أوصى إلى
رجل بتركته ، فأمرني أن أحج بها عنه ، فنظرت في ذلك فاذا هو شيء يسير لا يكفي في
الحج ، فسألت أبا حنيفة وفقهاء أهل الكوفة فقالوا : تصدق بها عنه .. ( إلى أن قال ) : فلقيت
جعفر بن محمد (ع) في الحجر
__________________
نعم لو احتمل
كفايتها للحج بعد ذلك ، أو وجود متبرع يدفع التتمة لمصرف الحج وجب إبقاؤها [١].
( مسألة ٨٧ ) : إذا تبرع متبرع بالحج عن الميت رجعت أجرة الاستئجار إلى الورثة [٢] ، سواء
عينها الميت أو لا. والأحوط صرفها في وجوه البر ، أو التصدق عنه. خصوصاً فيما إذا
عينها الميت [٣] ، للخبر المتقدم [٤].
( مسألة ٨٨ ) : هل الواجب الاستئجار عن الميت من
______________________________________________________
فقلت
له : رجل مات وأوصى إلى بتركته أن أحج بها عنه .. » لكن مورد الخبر صورة ما
إذا عين مالا للحج ، فلا يكون مما نحن فيه.
[١] لأن الشك في
القدرة موجب للاحتياط.
[٢] أما صحة
التبرع فيدل عليها النصوص ، كصحيح
معاوية بن عمار : «
سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل مات ، ولم يكن له مال ولم يحج حجة الإسلام فأحج عنه
بعض إخوانه ، هل يجزي ذلك عنه؟ أو هل هي ناقصة؟. قال (ع) : بل هي حجة تامة » .
ونحوه غيره. وأما رجوع
الأجرة إلى الورثة فلعين ما سبق : من أن المانع من الإرث الحج ، فإذا جيء به لم
يبق مانع منه.
[٣] لاحتمال كون
التعيين على نحو تعدد المطلوب ، فاذا تعذرت خصوصية الحج بقيت الوصية بصرف المال في
مصلحته بحالها.
[٤] لكن مورد
الخبر صورة الوصية بتمام التركة ، التي لا تصح
__________________
الميقات أو البلد؟
المشهور : وجوبه من أقرب المواقيت إلى مكة إن أمكن ، وإلا فمن الأقرب إليه فالأقرب
[١].
______________________________________________________
بدون إجازة الوارث
، سواء أكان الحج الموصى به حج الإسلام أم غيره. إذ هو على الثاني ظاهر ، وكذا على
الأول ، لما يأتي من المصنف ، من أن الواجب هو الحج الميقاتي ، وظاهر الرواية الحج
البلدي ، كما عرفت الإشارة إليه سابقاً. وعلى تقدير لزوم البلدي فتعيين المقدار لا
يكون باختيار الموصي بل تابع لأجرة المثل واقعاً ، وعلى تقديم لزوم العمل بتقدير
الموصي فذلك إنما يكون بالإضافة إلى الثلث ـ الذي هو حقه ـ لا بالإضافة إلى
الثلاثين الآخرين. فالتصدق بجميع المال لا بد أن يكون لأجل أن الموصي لا وارث له ،
بناء على أنه إذا أوصى بصرف ماله في البر والمعروف لزم ولا بكون ميراثه للإمام ـ كما
هو ظاهر ـ وتكون الوصية بالحج بنحو تعدد المطلوب ، فالأخذ بالرواية مع وجود الوارث
غير ظاهر.
[١] نسبه إلى أكثر
الأصحاب في المدارك ، وعن الغنية : الإجماع عليه ، ونسبه في كشف اللثام إلى الخلاف
، والمبسوط ، والوسيلة ، وقضية وصايا الغنية ، وكتب المحقق ، ونسبه في المستند إلى
الفاضلين في كتبهما ، والمسالك ، والروضة ، والمدارك والذخيرة. لكن الذي يظهر من
عبارات المتن : أن الواجب الحج من أقرب المواقيت إلى مكة ، وإلا فمن غيره من
المواقيت مراعياً الأقرب فالأقرب إلى مكة. وفي الشرائع : « يقضي الحج من أقرب
الأماكن .. » قال في المدارك : « والمراد بأقرب الأماكن أقرب المواقيت إلى مكة إن أمكن
الاستيجار منه ، وإلا فمن غيره مراعياً للأقرب فالأقرب. فإن تعذر الاستيجار من أحد
المواقيت وجب الاستيجار من أقرب ما يمكن الحج منه الى الميقات .. ». ونحوه ما في
المستند والجواهر وغيرهما.
لكن هذا الترتيب
غير ظاهر من الأدلة الآتية على هذا القول ولا
وذهب جماعة إلى
وجوبه من البلد مع سعة المال ، وإلا فمن الأقرب إليه فالأقرب [١]. وربما يحتمل قول
ثالث ، وهو الوجوب من البلد مع سعة المال ، وإلا فمن الميقات وإن أمكن من الأقرب
الى البلد فالأقرب [٢].
______________________________________________________
من غيرها. بل ولا
يظن الالتزام به ممن نسب إليه هذا القول. ونحوه في الاشكال : ما في القواعد ، من
التعبير بأقرب الأماكن إلى الميقات. وقال في كشف اللثام ـ في بيان القول المذكور ـ
: « فإن أمكن من الميقات لم يجب إلا منه ، والا فمن الأقرب إليه فالأقرب لذلك. ولا
يجب من بلد موته ، أو بلد استقراره عليه .. ». وهذا التعبير هو الذي تقتضيه أدلة
القول المذكور ، كما سيأتي. ولعل المراد من الأقرب ما هو أقل قيمة ، يعني : لا يجب
على الورثة بذل ما هو أكثر قيمة.
[١] حكاه في
الشرائع قولا ، واختاره في الدروس ، قال : « فيقضى من أصل تركته من منزله. ولو ضاق
المال فمن حيث يمكن ـ ولو من الميقات ـ على الأقوى. ولو قضي مع السعة من الميقات
أجزأه وإن أثم الوارث .. ». وهو ظاهر الحلي ، كما يقتضيه دليله. فإنه استدل على
وجوب الحج من البلد : « بأنه كان تجب عليه نفقة الطريق من بلده ، فلما مات سقط
الحج عن بدنه وبقي في ماله تبعه ما كان يجب عليه لو كان حياً من مئونة الطريق من
بلده .. ».
[٢] حكاه في
المدارك عن الحلي والشيخ في النهاية ، وحكاه في المستند ـ أيضاً ـ عن الصدوق في
المقنع ، والقاضي ، والجامع ، والمحقق الثاني ، والدروس. ولكن في صحة النسبة في
بعضها نظر ، كما عرفت. وإنما عبر المصنف (ره) بالاحتمال لأن في الجواهر احتمل أن
يكون الفرق بين القول بوجوب الحج من البلد والقول بوجوبه من البلد إن اتسع المال
والا فمن حيث
والأقوى هو القول
الأول [١] ، وإن كان الأحوط القول الثاني.
______________________________________________________
يمكن ـ اللذين
ذكرهما في الشرائع ـ : أن الأول يراد به الوجوب من البلد مع الإمكان ، ومع عدمه من
الميقات. واحتمل في المدارك : أن يكون المراد من الأول السقوط مع عدم إمكان الحج
من البلد. لكن قال فيها : « لا نعرف بذلك قائلا .. ». وفي المستند : « لا يعرف
قائله ، كما صرح به جمع ، بل نفاه بعضهم .. ».
[١] للأصل ،
وإطلاق الأدلة. إذ السفر من البلد لا جزء من الحج ولا شرط له ، وإنما هو مقدمة
عقلية للحج إذا كان الحاج بعيداً ، فلا تدخل في مفهومه ، والإطلاق ينفي وجوبها.
ولبعض النصوص ، كخبر زكريا
ابن آدم قال : «
سألت أبا الحسن (ع) عن رجل مات وأوصى بحجة ، أيجوز أن يحج عنه من غير البلد الذي
مات فيه؟ فقال : أما ما كان دون الميقات فلا بأس » ، وصحيح حريز بن عبد الله قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أعطى
رجلا حجة يحج عنه من الكوفة ، فحج عنه من البصرة. قال (ع) : لا بأس ، إذا قضى جميع
المناسك فقد تمَّ حجه » ، وصحيح
علي بن رئاب عن أبي عبد الله (ع) : «
في رجل أوصى أن يحج عنه حجة الإسلام ، فلم يبلغ جميع ما ترك إلا خمسين درهماً. قال
(ع) : يحج عنه من بعض الأوقات التي وقتها رسول الله (ص) من قرب » .
لكن الجميع غير
وارد فيما نحن فيه ، بل الثاني وارد في الحي ، والأول والأخير واردان في الوصية.
والأولان أيضاً لا ظهور لهما في حجة الإسلام. والأخير إنما ينفي القول الرابع ـ الذي
لا يعرف قائله ـ ولا
__________________
______________________________________________________
يدل على القول
الأول. نظير : خبر أبي سعيد
عمن سأل أبا عبد الله (ع) : «
عن رجل أوصى بعشرين درهماً في حجة. قال (ع) : يحج بها عنه رجل من موضع بلغه » .
ونحوه خبر أبي بصير ، وخبر عمر ابن يزيد قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل أوصى
بحجة فلم تكفه. قال : فيقدمها حتى يحج دون الوقت » .
ونحوه خبره الآخر . مع أن الثاني
ظاهر في إجزاء الحج من الميقات ، وهو لا يدل على عدم وجوب إيقاعه من البلد ،
لإمكان التفكيك بينهما ، كما تقدم في كلام الدروس. لأن وجوب الإيقاع من البلد منوط
باشتغال الذمة ، فإذا فرغت بأداء الحج من الميقات سقط الوجوب.
ومن ذلك يظهر
الإشكال في الاستدلال للقول الثاني بصحيح
البزنطي عن محمد بن عبد الله ، قال : «
سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن الرجل يموت فيوصي بالحج ، من أين يحج عنه؟ قال (ع) :
على قدر ماله ، إن وسعه ماله فمن منزله ، وإن لم يسعه ماله فمن الكوفة. فان لم
يسعه من الكوفة فمن المدينة » . لعدم ظهوره في حج الإسلام. مع أن مورده الوصية ، ويجوز أن
يكون لها حكم خاص من جهة التعارف ، كما أشار الى ذلك في المدارك حيث قال : « ولعل
القرائن الحالية كانت دالة على ارادة الحج من البلد ، كما هو المنصرف من الوصية
عند الإطلاق في زماننا فلا يلزم مثله مع انتفاء الوصية .. ». مع أن الجمع بينه
وبين خبر
__________________
______________________________________________________
زكريا بن آدم حمل
الأول على ما إذا عين مالاً للحج ـ كما ورد في
موثق عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (ع) : « أنه سئل عن رجل أوصى بماله في الحج ،
فكان لا يبلغ أن يحج به من بلاده. قال (ع) : فيعطى في الموضع الذي يحج به عنه » ـ . فإنه أقرب من حمل
الثاني على صورة الاضطرار ، كما هو ظاهر.
وإن شئت قلت : بعد
تقييد خبر زكريا بموثق ابن بكير ـ بحمله على صورة عدم الوصية بمال معين ـ يدور
الأمر ـ في الجمع بينه وبين خبر محمد بن عبد الله ـ بين التصرف فيه بحمله على
صورة الضرورة ، وبين حمل خبر محمد على صورة الوصية بمال معين ، فيكون المراد من
قوله (ع) : « على قدر ماله » : على قدر ماله الذي عينه للحج. ولا ينبغي التأمل في أن
الثاني أولى ، لأن حمل الأول على حال الضرورة بمنزلة الطرح له ، فيكون الدوران
حينئذ بين الطرح والتخصيص ، والثاني أولى.
والمتحصل مما
ذكرنا. أن النصوص جميعها ليست واردة فيما نحن فيه ـ وهو القضاء عن الميت ـ بل
واردة في الوصية ، عدا صحيح حريز. والعمدة ـ في المعارضة بينها ـ هي المعارضة بين
خبري زكريا ومحمد بن عبد الله ، والجمع بينها بالتصرف في الثاني أولى. وبذلك
يكون الجمع أيضاً بين خبر زكريا وصحيح
الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « أنه قال : وإن
أوصى أن يحج عنه حجة الإسلام ، ولم يبلغ ماله ذلك ، فليحج عنه من بعض المواقيت » .
وأما الخبر المروي عن
مستطرفات السرائر من كتاب
__________________
______________________________________________________
المسائل ، بسنده عن عدة من أصحابنا ، قالوا : « قلنا لأبي الحسن ـ يعني علي بن محمد (ع)
ـ : إن رجلاً مات في الطريق ، وأوصى بحجته وما بقي فهو لك ، فاختلف أصحابنا فقال
بعضهم : يحج عنه من الوقت فهو أوفر للشيء أن يبقي ، وقال بعضهم : يحج عنه من حيث
مات. فقال (ع) : يحج عنه من حيث مات » . فلا يبعد أن يكون الظاهر من قوله : « بحجته » : إتمام حجته ، فلا يكون مما نحن فيه ، كما ذكر ذلك في
الجواهر. لا أقل من احتمال ذلك فيكون مجملاً ، أو لزوم حمله على ذلك جمعا بينه
وبين خبر زكريا. والله سبحانه العالم.
ثمَّ إن المستفاد
من دليل القول الأول ـ سواء كان خبر زكريا أم إطلاق الأدلة ـ ليس إلا وجوب الحج
من الميقات ، وأما وجوبه من أقرب المواقيت إلى مكة فان لم يمكن فالأقرب إليه
فالأقرب ، فشيء لا يقتضيه الدليل. إلا أن يكون المراد ما هو أقل قيمة ، يعني : لا
يجب على الورثة ما هو أكثر قيمة ، كما أشرنا إلى ذلك آنفاً.
ومنه يظهر ضعف
القول الثاني ، وأن مستنده إن كان هو النصوص فقد عرفت وجه الجمع بينها ، وإن كان
ما ذكره الحلي : من أنه كان تجب عليه نفقة الطريق من البلد فلما سقط الحج عن بدنه
وجب في ماله فهو ممنوع ، كما عرفت. ولو سلم فلا يصلح لمعارضة النص. وأما ما ادعاه
: من تواتر الأخبار بذلك فغير ثابت. ولذا قال في المعتبر والمختلف : « لم
__________________
لكن لا يحسب
الزائد عن أجرة الميقاتية على الصغار من الورثة [١] ولو أوصى بالاستئجار من البلد
وجب ، ويحسب الزائد عن أجرة الميقاتية من الثلث [٢]. ولو أوصى ولم يعين شيئاً كفت
الميقاتية ، إلا إذا كان هناك انصراف إلى البلدية [٣]. أو كانت قرينة على إرادتها
، كما إذا عين مقداراً يناسب البلدية [٤].
( مسألة ٨٩ ) : لو لم يمكن الاستيجار إلا من البلد وجب ، وكان جميع المصرف من الأصل [٥].
______________________________________________________
نقف في ذلك على
خبر شاذ فكيف يدعى التواتر؟ .. ». وأما الثالث فأولى بالإشكال من الثاني ، لأن
النصوص لو أغمض النظر عن معارضها فإنما تقتضي الثاني. وكذلك ما ذكر الحلي لو أغمض
النظر عما فيه من الاشكال فهو يقتضي الثاني لا الثالث. وأما الرابع فعلى تقدير
وجود القول به فأضعف من الجميع ، كما يظهر بالتأمل.
[١] لأن ذلك تصرف
في ما لهم بغير وجه شرعي ثابت.
[٢] كما صرح بذلك
في المدارك والجواهر. لأن صرف الزائد ليس إلا بمقتضى العمل بالوصية التي لا يجب
إخراجها إلا من الثلث.
[٣] بنحو يكون
قرينة على إرادة ذلك من الموصي. أما إذا كان موجباً للإجمال اقتصر على الميقاتية ،
للشك في الوصية من البلد.
[٤] وكذا إذا لم
يكن مناسباً لها وأمكن الاستيجار به من البلد ، فإنه يجب الإخراج من البلد ، فان
تعذر فالأقرب إليه فالأقرب ، كما تضمنته النصوص السابقة.
[٥] كما استوضحه
في المدارك والجواهر. لأن إطلاق الوجوب والإخراج من الأصل يقتضي ذلك. وكذا لو توقف
على الاستنابة من
( مسألة ٩٠ ) : إذا أوصى بالبلدية ، أو قلنا بوجوبها مطلقاً ، فخولف واستؤجر من الميقات ، أو
تبرع عنه متبرع منه ، برئت ذمته ، وسقط الوجوب من البلد [١]. وكذا لو لم يسع المال
إلا من الميقات [٢].
( مسألة ٩١ ) : الظاهر أن المراد من البلد هو البلد الذي مات فيه [٣] ، كما يشعر به خبر زكريا بن آدم ( رحمهما الله ) : « سألت أبا الحسن (ع) عن رجل مات وأوصى
بحجة ،
______________________________________________________
موضع أبعد من
البلد إلى مكة.
[١] كما تقدم في
كلام الدروس. لأن الحج من الميقات فرد للمأمور به ، فيسقط به الأمر. ولا ينافي ذلك
وجوب الإخراج من البلد ، لأن ذلك تكليف زائد ، لا أنه داخل في قوام الواجب. ولذلك
يظهر ضعف ما في المدارك ، قال (ره) : « ويشكل بعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه
على هذا التقدير ، فلا يتحقق الامتثال .. ». نعم لا يبعد البناء على إثم الولي
بذلك إذا كان ذلك باختياره ـ كما تقدم في كلام الدروس ـ لتفويته الواجب بالوصية.
إلا أن يلتزم بأن الوجوب على نحو الواجب المشروط المنوط باشتغال ذمة الميت ، فإذا
برئت بالحج الميقاتي انتفى الشرط فينتفي الوجوب بانتفاء شرطه ، لا أنه يسقط لتعذر
امتثاله. لكنه بعيد عن ظاهر الوصية.
[٢] لما تقدم. بل
هنا أولى ، لسقوط الوجوب بالتعذر.
[٣] قال في
المدارك : « الظاهر أن المراد من البلد الذي يجب الحج منه ـ على القول به ـ محل
الموت حيث كان ، كما صرح به ابن إدريس ، ودل عليه دليله .. ». أقول : قد تقدمت
عبارة ابن إدريس ، ولم يصرح فيها ببلد الموت. نعم ذلك مقتضى دليله ، لأنه حين
الموت كان
أيجزيه
أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال (ع) : ما كان دون الميقات فلا بأس به
» . مع أنه آخر مكان
كان مكلفاً فيه بالحج. وربما يقال إنه بلد الاستيطان ، لأنه المنساق من النص
والفتوى [١]. وهو كما ترى [٢].
______________________________________________________
مكلفاً بالسفر من
ذلك المكان ، فاذا اقتضى ذلك الاستنابة من البلد كان مقتضياً للاستنابة من ذلك
المكان. ولعل غرض المدارك من التصريح هذا المقدار من الاستفادة.
[١] قال في
الجواهر : « وكيف كان فالمراد بالبلد ـ على تقدير اعتباره ـ بلد الاستيطان ، لأنه
المنساق من النص والفتوى. خصوصاً من الإضافة فيهما ، سيما خبر محمد بن عبد الله ..
» .
[٢] كأنه يريد :
أن الانسياق لا يصلح لمعارضة ما هو ظاهر الخبر المتقدم. والتحقيق : أن إطلاق البلد
في كلامهم من دون تعرض لبيان المراد منه يقتضي ظهوره في بلد الاستيطان. وأما
النصوص فقد عرفت أنها جميعاً واردة في الوصية ، والمتعرض منها للبلد خبر زكريا وخبر
محمد ابن عبد الله المذكور فيه : «
منزله » ، وموثق عبد الله
بن بكير المذكور فيه : «
بلاده » ، ودلالة
الأخيرين على بلد الاستيطان ظاهرة ، كدلالة الأول على بلد الموت. والجميع بينها
يتعين بحمل الأخيرين على الأول ، لأن الغالب في بلد الاستيطان أن يكون بلد الموت ،
فيسهل حملهما عليه ، وليس كذلك حمل الأول عليهما ، لأن التعرض فيه لذكر الموت
زائداً على ذكر البلد ظاهر جداً في اعتبار خصوصية الموت في الاستنابة. ولا سيما
__________________
وقد يحتمل البلد
الذي صار مستطيعاً فيه [١]. ويحتمل التخيير بين البلدان التي كان فيها بعد
الاستطاعة. والأقوى ما ذكرنا ، وفاقاً لسيد المدارك ( قده ) ، ونسبه الى ابن إدريس
; أيضاً. وإن كان الاحتمال الأخير ـ وهو التخيير ـ قوياً جداً [٢].
______________________________________________________
بملاحظة أنه البلد
الذي هو منتهى انقطاع الخطاب بالحج عنه ، ضرورة كونه مكلفاً بالحج من ذلك المكان ،
فيناب عنه ، كما ذكر في الجواهر ، وجعله مؤيداً لما في المتن.
[١] حكى في
الجواهر هذا الاحتمال عن بعض ، وعن بعض العامة : القول به. وكأنه لأن بلد اليسار
هو البلد الذي توجه اليه الخطاب بالحج منه. وفيه : أن الخطاب بالحج منه يختص بصورة
عدم انتقاله عنه ، فاذا انتقل عنه توجه اليه الخطاب بالحج من غيره الذي انتقل اليه.
ولذلك استدل الحلي على بلد الموت بذلك.
[٢] كأن وجهه :
الأخذ بإطلاق البلد ، ومنع الانسباق الى بلد الاستيطان ، كما أشار إلى ذلك بقوله
سابقاً : « كما ترى ». وأما خبر زكريا فدلالته بالاشعار لا بالظهور. وفيه : ما
عرفت من أن : « بلاده » و : « منزله » ظاهران في بلد الاستيطان. مع أنه لو تمَّ
ذلك كان اللازم الاجتزاء بكل. بلد ولا يختص بالبلد الذي كان فيه بعد الاستطاعة.
وأما الخبر فدلالته تامة ، لأن قوله : «
أيجزيه أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه ظاهر في أن للبلد الذي مات فيه نوعاً من الخصوصية ، فاذا
حمل الخبر على حال الضرورة فقد دل على الوجوب من ذلك البلد في حال الاختيار. وأوضح
منه في ذلك خبر كتاب المسائل المروي في مستطرفات السرائر ، بناء على
الاستدلال به لوجوب الحج من البلد.
__________________
( مسألة ٩٢ ) : لو عين بلدة غير بلده كما لو قال : « استأجروا من النجف أو من كربلاء » ـ تعين
[١].
( مسألة ٩٣ ) : على المختار من كفاية الميقاتية لا يلزم أن يكون من الميقات أو الأقرب إليه
فالأقرب ، بل يكفي كل بلد دون الميقات [٢]. لكن الأجرة الزائدة على الميقات ـ مع
إمكان الاستئجار منه ـ لا يخرج من الأصل [٣] ، ولا من الثلث إذا لم يوص بالاستئجار
من ذلك للبلد [٤]. إلا إذا أوصى بإخراج الثلث [٥].
______________________________________________________
ويحتمل أن يكون
الوجه فيما ذكره المصنف (ره) : أن كل بلد من البلدان التي كان فيها بعد الاستطاعة
توجه اليه الخطاب بالحج منه ، ولما لم يمكن البناء على وجوب الجمع تعين البناء على
التخيير. نظير ما ذكره فيمن فاتته الصلاة في الوقت وكان في بعض الوقت حاضراً وفي
بعضه مسافراً. وفيه : أنه بعد الانتقال من البلد إلى الآخر يتوجه اليه الخطاب
بالحج من الآخر على وجه التعيين ، كما عرفت. وبالجملة : فهذا الاحتمال ضعيف جداً ،
ولذا لم يعرف من أحد ، فضلا عن القول به.
[١] عملا بعموم
لزوم العمل بالوصية.
[٢] لأن الاجزاء
لا يقتضي اللزوم ، والإطلاق يقتضي إجزاء الجميع.
[٣] إذ لا ملزم
للورثة بذلك مع إمكان ما هو أقل قيمة ـ كما هو المفروض ـ لأن الذي يخرج من الأصل
صرف الوجود المنطبق على الأقل كما ينطبق على الأكثر.
[٤] لأن الذي يخرج
من الثلث هو الوصية ، والمفروض عدمها.
[٥] لأنه إذا أوصى
كذلك لزم صرف الثلث في مصلحة الميت.
من دون أن يعين
مصرفه [١] ، ومن دون أن يزاحم واجباً مالياً عليه [٢].
( مسألة ٩٤ ) : إذا لم يمكن الاستئجار من
الميقات وأمكن من البلد وجب ، وإن كان عليه دين الناس أو الخمس أو الزكاة [٣] ،
فيزاحم الدين إن لم تف التركة بهما ، بمعنى : أنها توزع عليهما بالنسبة.
( مسألة ٩٥ ) : إذا لم تف التركة بالاستئجار من
______________________________________________________
وتعيين المصرف
موكول الى نظر الوصي. فإذا كان نظره يقتضي الحج البلدي كان مما أوصى به الميت ،
فيخرج من الثلث.
[١] إذ لو عين لزم
العمل بتعيينه ولم يجز صرف الثلث في غيره. نعم إذا عين مصرفاً لا يستوفي الثلث
فالحكم كما إذا لم يعين ، لأن المقدار الزائد موكول الى نظر الوصي ، فله صرفه في
الحج البلدي.
[٢] فإنه مع
المزاحمة للواجب المالي يتعين صرف الثلث في الواجب المالي. لكن ـ على هذا ـ لا ثلث
للميت ، لأن الثلث ـ الذي يكون للميت الوصية به ـ ثلث ما زاد على الواجب المالي.
وكذا لو كان عليه واجب غير مالي ، بناء على إخراجه من الأصل ، كما هو مذهب المصنف (ره).
ولأجل ذلك يكون التقييد بالمالي غير ظاهر الوجه ، فالعبارة ـ إذاً ـ لا تخلو عن
اشكال. وعلى المختار ، من عدم خروج الواجب غير المالي من الأصل يكون الصحيح في
التعبير هكذا : « ومن دون أن يزاحم واجباً غير مالي ». فلاحظ
[٣] لإطلاق دليل
وجوب إخراجه من الأصل ، كما تقدم في المسألة التاسعة والثمانين. ولا فرق في ثبوت
الإطلاق بين أن يزاحمه دين آخر أولا ، فيجب العمل به ، ومع المزاحمة يلزم التحصيص
والتقسيط.
الميقات لكن أمكن
الاستئجار من الميقات الاضطراري ـ كمكة أو أدنى الحل ـ وجب [١]. نعم لو دار الأمر
بين الاستئجار من البلد أو الميقات الاضطراري قدم الاستئجار من البلد ويخرج من أصل
التركة ، لأنه لا اضطرار للميت مع سعة ماله [٢].
( مسألة ٩٦ ) : بناء على المختار من كفاية الميقاتية لا فرق بين الاستئجار عنه وهو حي أو ميت
، فيجوز لمن هو معذور ـ بعذر لا يرجى زواله ـ أن يجهز رجلا من الميقات ، كما ذكرنا
سابقاً أيضاً [٣]. فلا يلزم أن يستأجر من بلده على الأقوى ، وإن كان الأحوط ذلك.
( مسألة ٩٧ ) : الظاهر وجوب المبادرة إلى الاستئجار في سنة الموت [٤]. خصوصاً إذا كان الفوت
عن تقصير من
______________________________________________________
[١] لعموم دليل
البدلية عند الاضطرار.
[٢] فلا مجال البدلية
الاضطرارية.
[٣] في أواخر
المسألة الثانية والسبعين.
[٤] كما في كشف
الغطاء. والظاهر أنه مفروغ عنه عندهم ، لأنه دين ـ كما في النص ـ فيجري عليه حكمه
، من وجوب المبادرة إلى أدائه ، عملا بقاعدة السلطنة وللنصوص المتضمنة : أن حبس
الحقوق من الكبائر. أو لأن اللام في قوله تعالى : ( وَلِلّهِ عَلَى
النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ .. ) لام الملك ، فيكون الحج مملوكاً له تعالى ، فيكون ديناً حقيقة ، فيجب أداؤه
، كما عرفت. أو لأن ما دل على وجوب المبادرة إليه في حال الحياة بدل عليها بعد
الوفاة أيضاً ، لأن ما يفعله النائب هو ما يجب على المنوب
__________________
الميت [١] وحينئذ
فلو لم يمكن إلا من البلد وجب وخرج من الأصل [٢] ولا يجوز التأخير إلى السنة
الأخرى ولو مع العلم بإمكان الاستئجار من الميقات توفيراً على الورثة. كما أنه لو
لم يمكن من الميقات إلا بأزيد من الأجرة المتعارفة في سنة الموت وجب ولا يجوز
التأخير إلى السنة الأخرى توفيراً عليهم.
( مسألة ٩٨ ) : إذا أهمل الوصي أو الوارث الاستئجار فتلفت التركة ، أو نقصت قيمتها فلم تف
بالاستئجار ضمن [٣] كما أنه لو كان على الميت دين ، وكانت التركة وافية وتلفت بالإهمال
ضمن.
( مسألة ٩٩ ) : على القول بوجوب البلدية وكون المراد بالبلد الوطن ، إذا كان له وطنان الظاهر
وجوب اختيار الأقرب إلى مكة [٤]. إلا مع رضى الورثة بالاستئجار من الأبعد. نعم مع
عدم تفاوت الأجرة الحكم التخيير.
______________________________________________________
عنه بماله من
الاحكام. فتأمل.
[١] كأن وجه الخصوصية
: أن المبادرة حينئذ تكون منجزة على المنوب عنه فتكون من أحكامه الفعلية لا
الاقتضائية.
[٢] هذا من أحكام
لزوم الفورية.
[٣] للتفريط
الموجب لضمان الحق. أو لما ورد من النصوص المتضمنة : أن من كان أميناً على مال
ليصرفه فأخر صرفه ـ مع إمكانه ، ووجود المستحق ـ ضمن .
[٤] المراد من
الأقرب الأقل قيمة ، كما يظهر ذلك من ملاحظة مجموع
__________________
( مسألة ١٠٠ ) : بناء على البلدية الظاهر عدم الفرق بين أقسام الحج الواجب ، فلا اختصاص بحجة
الإسلام [١]. فلو كان عليه حج نذري لم يقيد بالبلد ولا بالميقات يجب الاستئجار من
البلد [٢]. بل وكذا لو أوصى بالحج ندباً ، اللازم الاستئجار من البلد إذا خرج من
الثلث [٣].
( مسألة ١٠١ ) : إذا اختلف تقليد الميت والوارث في اعتبار البلدية أو الميقاتية فالمدار على
تقليد الميت [٤]. وإذا العبارة. وحينئذ يكون قرينة على المراد من عبارة المشهور
المتقدمة في صدر
______________________________________________________
المسألة الثامنة
والثمانين. فراجع.
[١] لان الدليل
الدال على الوجوب من البلد إن كان ما ذكره ابن إدريس : من أنه مقتضى الخطاب ، فلا
فرق فيه بين أن يكون الخطاب بحج الإسلام أو بحج النذر. وإن كان هو النصوص فموردها
الوصية ، فإذا لزم التعدي عن موردها لم يكن فرق بين حج الإسلام وغيره.
[٢] لو كان النذر
مقيداً بالميقات فمقتضى ما ذكره ابن إدريس وجوب الحج من البلد أيضاً ، لأن الخطاب
المتوجه إلى الميت حال حياته ـ بالإتيان بالحج من الميقات ـ يقتضي وجوب السعي إليه
من البلد الذي هو فيه وإن كان من باب المقدمة ، فيجب على النائب الإتيان به بعين
التقريب الذي ذكر في الحج الإسلامي. بل لو كان ناذراً الحج من بلد آخر غير بلده
أيضاً يقتضي الحج من بلده الى ذلك البلد ثمَّ منه إلى الميقات ، لما ذكر.
[٣] لما عرفت ، من
أن نصوص الوصية ـ على تقدير دلالتها على الوجوب من البلد ـ لم يذكر فيها أن الموصى
به حج الإسلام ، بل مقتضى إطلاقها العموم للوصية بالحج الندبي.
[٤] تقدم مثل ذلك
من المصنف في موارد كثيرة وتقدم الاشكال
علم أن الميت لم
يكن مقلداً في هذه المسألة ، فهل المدار على تقليد الوارث ، أو الوصي ، أو العمل
على طبق فتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده إن كان متعيناً والتخيير مع تعدد
المجتهدين ومساواتهم؟ وجوه [١]. وعلى الأول فمع اختلاف
______________________________________________________
فيه : بأن تقليد
الميت ليس له موضوعية. بل هو طريق إلى وظيفة الميت في مقام العمل ، فهو حجة عليه
لا على الوارث ، واللازم على الوارث العمل على مقتضى تقليده. فاذا كان تقليد الميت
يقتضي الحج من الميقات وتقليد الوارث يقتضي الحج من البلد ، فالوارث لا يرى براءة
ذمته إلا بالحج من البلد ، لأنه يرى أنه هو الواجب على الميت في حال حياته. وأنه
هو اللازم إخراجه من تركته ، وأنه لا يرث إلا ما زاد عليه ، فكيف يجتزي بالحج من
الميقات؟! نعم لو كان التقليد موضوعاً للحكم الواقعي كان لما ذكر وجه. لكنه تصويب
باطل. وكذلك الوصي فإن الوصي إذا كان مقتضى تقليده الإخراج من البلد ، فهو يرى
وجوب ذلك عليه لما دل على وجوب العمل بالوصية ، فكيف يجتزي بإخراج الحج من الميقات؟!
وسيأتي منه ـ في فصل الوصية ـ : أن المدار على تقليد الوصي والوارث.
[١] قد عرفت أن
اللازم لكل عامل أن يعمل على تقليده لا تقليد غيره. لكن لو بني على الثاني ـ في
الصورة الأولى ـ يتعين في هذه الصورة الرجوع إلى المجتهد ـ الذي كان يجب على الميت
تقليده ـ إذا كان متعيناً. لأن رأيه حجة عليه. أما إذا كان متعدداً فيشكل التخيير
: بأنه مع التعدد لا يكون رأى أحدهما حجة إلا إذا اختاره. نظير : ما لو تعارض
الخبران ، فإنه لا يكون أحدهما حجة إلا في حال الاختيار ، فمع عدم الاختيار لا حجة
ولا حجية. واختيار الوارث لا أثر له في الحجية على الميت. وحينئذ يتعين الرجوع إلى
تقليد نفسه ، لا التخيير بين المجتهدين. فاللازم حينئذ
الورثة في التقليد
يعمل كل على تقليده [١] ، فمن يعتقد البلدية يؤخذ من حصته ـ بمقدارها بالنسبة ـ فيستأجر
مع الوفاء بالبلدية بالأقرب فالأقرب إلى البلد. ويحتمل الرجوع الى الحاكم لرفع
النزاع ، فيحكم بمقتضى مذهبه. نظير : ما إذا اختلف الولد الأكبر مع الورثة في
الحبوة. وإذا اختلف تقليد الميت والوارث في أصل وجوب الحج عليه وعدمه ـ بأن يكون
______________________________________________________
التفصيل بين أن
يكون المجتهد متعيناً فيلزم العمل على تقليد الميت ، وأن لا يكون متعيناً فيلزم
العمل على تقليد الحي نفسه.
[١] لأنه الحجة
عليه دون تقليد غيره. وهذا مما لا إشكال فيه ، إنما الإشكال فيما إذا أدى ذلك إلى
النزاع. توضيح ذلك : أن التقليدين المختلفين تارة : يكونان اقتضائيين. وأخرى : يكون
أحدهما اقتضائياً دون الآخر. فان كانا معاً اقتضائيين فالعمل على أحدهما يكون
منافياً للعمل على الآخر دائماً. وإذا كان أحدهما اقتضائياً دون الآخر ، فالعمل
على اللااقتضائي قد يكون منافياً للعمل على الاقتضائي وقد لا يكون ، كما في المقام.
فان تقليد من يقول بوجوب الحج البلدي اقتضائي ، وتقليد من يقول بكفاية الحج
الميقاتي لا اقتضائي ، لجواز الإتيان بالحج البلدي عنده ، فالمقلد لمن يقول بكفاية
الحج الميقاتي لا اقتضائي ، لجواز الإتيان بالحج البلدي لم يكن منشأ للنزاع بينهم.
أما إذا لم يقدم على ذلك بل أقدم على بذل الحج الميقاتي ، فان لم يتعلق بعمل صاحبه
لم يكن مثاراً للنزاع والخصام ، وإن تعلق بعمله كان مثاراً لذلك.
ومبنى ذلك : ما
تقدم في المسألة الخامسة والثمانين ، من أن الواجب على الورثة التوزيع والتحصيص ،
أو هو إخراج الحج على كل حال. فعلى
الميت مقلداً لمن
يقول بعدم اشتراط الرجوع إلى كفاية فكان يجب عليه الحج ، والوارث مقلداً لمن يشترط
ذلك فلم يكن واجباً عليه ، أو بالعكس ـ فالمدار على تقليد الميت [١].
( مسألة ١٠٢ ) : الأحوط ـ في صورة تعدد من يمكن استئجاره استئجار من أقلهم أجرة مع إحراز صحة
عمله مع عدم رضى الورثة أو وجود قاصر فيهم ، سواء قلنا بالبلدية أو الميقاتية. وإن
كان لا يبعد جواز استئجار المناسب لحال الميت
______________________________________________________
الأول لا يكون عمل
أحدهما متعلقاً بعمل الآخر ، فاذا كان الوارث ذكرين كان الواجب على كل واحد منهما
نصف المقدار اللازم في الحج. فمن كان مقتضى تقليده إخراج الحج البلدي لزمه نصف
المقدار اللازم فيه ، ومن كان مقتضى تقليده إخراج الحج الميقاتي لزمه نصف المقدار
اللازم في الميقاتي ، فكل واحد يدفع ما عليه لا غير. وعلى الثاني يجب على من كان
مقتضى تقليده الحج البلدي إخراجه على كل حال ، كما لو غصب بعض التركة. فإذا دفع ـ من
كان مقتضى تقليده الحج الميقاتي ـ نصف ما يلزم في الحج الميقاتي لم يسكت عنه الآخر
، لأنه لو سكت عنه لزم خسارة التفاوت وإخراج الحج البلدي ، فيحصل النزاع ، فيتعين
الرجوع إلى المجتهد الثاني ويجب العمل على حكمه. وقد عرفت في المسألة الخامسة
والثمانين : أن الأقرب هو الثاني ، فيتعين الرجوع إلى الحاكم الشرعي لقطع النزاع.
ومثله : لو اختلف الورثة في وجوب الحج على الميت وعدمه لاختلافهم في شرائط
الاستطاعة. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في المسألة الخامسة والثمانين.
[١] قد تقدم
الاشكال فيه. وسيأتي منه ـ في أول فصل مباحث الوصية ـ : أن المدار على تقليد الوصي
والوارث ، كما سبق.
من حيث الفضل
والأوثقية مع عدم قبوله إلا بالأزيد وخروجه من الأصل [١]. كما لا يبعد عدم وجوب
المبالغة في الفحص عن أقلهم أجرة [٢] ، وإن كانت أحوط.
( مسألة ١٠٣ ) : قد عرفت أن الأقوى كفاية الميقاتية. لكن الأحوط الاستئجار من البلد بالنسبة
إلى الكبار من الورثة ، بمعنى : عدم احتساب الزائد عن أجرة الميقاتية على القصر إن
كان فيهم قاصر [٣].
( مسألة ١٠٤ ) : إذا علم أنه كان مقلداً ولكن لم يعلم فتوى مجتهده في هذه المسألة ، فهل يجب
الاحتياط ، أو المدار على تقليد الوصي أو الوارث؟ وجهان أيضاً [٤].
______________________________________________________
[١] هذا إذا كان
التعدي عن المناسب يعد هتكاً لحرمة الميت وحطاً من كرامته ، فإنه حينئذ مما تنصرف
عنه الأدلة. أما إذا لم يكن كذلك فلا دليل عليه. ثمَّ إن المناسبة تارة : تكون من
حيث الفاعل ، وأخرى : تكون من حيث القيمة ، وفي المقامين لا بد أن يكون تركها
هتكاً ، وإلا فلا موجب لها.
[٢] لأن الإذن
محمول على المتعارف.
[٣] ظاهر العبارة
: أن المراد أن الأحوط الكبار أن يبذلوا ما به التفاوت بين الميقاتية والبلدية من
ما لهم. لكن ـ بناء على ما ذكره في المسألة السابقة ـ يكون الأحوط أن يبذل الكبار ما
يلزم في حصتهم من التفاوت ، لا أن يبذلوا ما به التفاوت بين الميقاتية والبلدية
حتى ما يتعلق بحصة الصغار.
[٤] لازم ما ذكره
سابقاً أن يكون الوجهان : الاحتياط بفعل البلدية ، وعدمه بفعل الميقاتية. لأن
الواجب على الوارث إذا كان ما يقتضيه تقليد
( مسألة ١٠٥ ) : إذا علم باستطاعة الميت مالاً ولم يعلم تحقق سائر الشرائط في حقه ، فلا يجب
القضاء عنه ، لعدم العلم بوجوب الحج عليه ، لاحتمال فقد بعض الشرائط [١].
( مسألة ١٠٦ ) : إذا علم استقرار الحج عليه ولم يعلم أنه أتى به أم لا فالظاهر وجوب القضاء
عنه [٢] ، لأصالة
______________________________________________________
الميت وتردد بين
البلدية والميقاتية ، فاللازم إما الرجوع إلى البراءة أو الاحتياط ، لا الرجوع إلى
تقليد نفسه. وكذا الكلام في الوصي.
[١] والأصل
البراءة الجاري في حق الميت أو في حق الوارث. هذا إذا لم تكن أمارة أو أصل يقتضي
ثبوت الشرط فيقتضي ثبوت الوجوب ، وإلا كان العمل عليه ، فيجب القضاء عنه.
[٢] تقدم الكلام
في نظير المقام في المسألة الخامسة من ختام الزكاة ، وفي آخر مسألة من فصل
الاستيجار في قضاء الصلاة ، وفي غير ذلك. والحكم الذي ذكره المصنف (ره) هنا في
محله ، للوجه الذي ذكره فيه : وأما وجه الاحتمال الآخر ـ وهو ظهور حال المسلم ـ فلا
دليل على حجيته. إلا أن يكون الشك بعد خروج الوقت ، فقد قامت الأدلة على جواز
البناء على وقوع الفعل فيه. أما في غير ذلك فلا دليل عليه. إذ مرجع ذلك إلى أن
إسلام المسلم يقتضي وقوع الفعل منه فيبنى عليه ، وليس ذلك إلا عملاً بقاعدة
المقتضي التي اشتهر عدم ثبوتها وعدم جواز العمل عليها. وأما قاعدة التجاوز فليست
هي من ظهور الحال بل هي من قبيل ظهور الفعل ، لأن الدخول في الفعل المترتب على
المشكوك فعله يدل على وقوع ما قبله.
وبالجملة : الظاهر
تارة : يكون قولاً ، وأخرى : يكون فعلا ،
بقائه في ذمته.
ويحتمل عدم وجوبه عملاً بظاهر حال المسلم وأنه لا يترك ما وجب عليه فوراً. وكذا
الكلام إذا علم أنه تعلق به خمس ، أو زكاة ، أو قضاء صلوات ، أو صيام ، ولم يعلم
أنه أداها أو لا [١].
( مسألة ١٠٧ ) : لا يكفي الاستئجار في براءة ذمة الميت والوارث بل يتوقف على الأداء [٢]. ولو
علم أن الأجير
______________________________________________________
وثالثة : يكون
حالاً. والجميع إن كان مقروناً بقصد الحكاية فهو خبر ، وحجيته تختلف باختلاف
الموارد ، من حيث كون المورد حكماً أو موضوعاً ، من حقوق الناس أو من حقوق الله
تعالى ، أو لا من هذا ولا من ذاك. وباختلاف الخصوصيات من حيث كون المخبر عادلاً ،
أو ثقة ، أو ذا يد ، أو غير ذلك ، وكون المخبر واحداً أو متعدداً وغير ذلك. وتختلف
الحجية باختلاف ذلك كله حسبما تقتضيه الأدلة. وإذا لم يكن قصد الحكاية فالدال ليس
من الخبر. والدلالة ان كانت عقلية للزوم العقلي فلا إشكال في الحجية ، وان لم يكن
عقلياً بل كان مستندا إلى غلبة أو اقتضاء أو نحوهما فالدلالة محتاجة إلى دليل.
ومنه المقام ، فإن الدلالة المستندة إلى مجرد وجود المقتضي لا دليل عليها.
[١] إذا علم أنه
تعلق بذمته وشك في أدائه فمقتضى الاستصحاب وإن كان وجوب الأداء. لكن قد يستفاد
عدمه مما ورد في الدعوى على الميت ، حيث لم يكتف بالبينة في وجوب الأداء ، بل
احتيج إلى اليمين على البقاء ، فمع عدمه لا يجب الوفاء على الوارث ، فيكون ذلك على
خلاف الاستصحاب.
[٢] هذا ينبغي أن
يكون من الواضحات ، لأن الاستيجار ليس مصداقاً للمأمور به ، فكيف تبرأ به الذمة؟!.
لم يؤد وجب
الاستئجار ثانياً ، ويخرج من الأصل إن لم يمكن استرداد الأجرة من الأجير.
( مسألة ١٠٨ ) : إذا استأجر الوصي أو الوارث من البلد غفلة عن كفاية الميقاتية ضمن ما زاد عن
أجرة الميقاتية للورثة أو لبقيتهم [١].
( مسألة ١٠٩ ) : إذا لم يكن للميت تركة وكان عليه الحج لم يجب على الورثة شيء [٢] ، وإن كان
يستحب على وليه. بل قد يقال بوجوبه ، للأمر به في بعض الأخبار [٣].
______________________________________________________
[١] إذا كانت
الإجارة بعين التركة فالإجارة بالنسبة إلى مقدار التفاوت فضولية ، فإن أجاز الورثة
نفذت وإلا فلا. وإن كان في الذمة لم يرجع الوصي على الورثة أو الوارث على بقية
الورثة إلا بمقدار الحج الميقاتي.
[٢] بلا خلاف ظاهر.
وفي كشف اللثام : نسبته إلى المشهور ، وظاهر غيره : التسالم عليه. ويقتضيه النصوص
المتضمنة : « أنه يحج
عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك » ـ كموثق سماعة ـ أو «
من جميع ماله » ـ كما في صحيح
الحلبي ـ أو «
من جميع المال » ـ كما في صحيح
معاوية ـ أو غير ذلك ، كما في غيرها. وقد تقدمت في المسألة الثالثة
والثمانين.
[٣] في الجواهر :
أنه يشعر بالوجوب كلام ابن الجنيد. وفي كشف اللثام : « قد يستظهر الوجوب من كلام
أبي علي ، وليس فيه إلا أن الولي يقضي عنه إن لم يكن ذا مال ». ولا ريب أن ظاهره
الوجوب ، كما في الدروس. وكأنه للأمر به في صحيح ضريس ، المتقدم فيمن مات قبل دخول
__________________
( مسألة ١١٠ ) : من استقر عليه الحج وتمكن من أدائه ليس له أن يحج عن غيره تبرعاً أو بإجارة ،
وكذا ليس له أن يحج تطوعاً [١]. ولو خالف فالمشهور البطلان ، بل ادعى بعضهم : عدم
الخلاف فيه [٢] وبعضهم : الإجماع عليه [٣]. ولكن عن سيد المدارك : التردد في
البطلان [٤]. ومقتضى
______________________________________________________
الحرم . وفي الجواهر :
إنه محمول على الندب قطعاً. أقول : مقتضى الجمع العرفي : التقييد بالتركة لا الحمل
على الندب. نعم الاعتبار يساعد على الندب.
[١] لأنه تفويت
الواجب الفوري ، وهو واضح.
[٢] في الجواهر
ادعى عدم وجدان الخلاف في الأول ـ وهو الحج عن غيره بإجارة أو تبرعاً ـ وحكى
الخلاف فيه في التطوع. قال في الخلاف : « وأما الدليل على أنه إذا نوى التطوع وقع
عنه لا عن حجة الإسلام : قوله
(ع) : « الأعمال
بالنيات ، ولكل امرئ ما نوى .. » . وهذا نوى التطوع ، فوجب
أن يقع عما نوى عنه ».
[٣] ادعى ذلك في
المستند في خصوص النيابة.
[٤] قال فيها : «
ولا يخفى أن الحكم بفساد التطوع إنما يتم إذا ثبت تعلق النهي به نطقاً أو التزاماً.
والقول بوقوع التطوع عن حج الإسلام للشيخ في المبسوط. وهو مشكل ، لأن ما فعله قد
قصد به خلاف حج الإسلام ، فكيف ينصرف اليه؟! ونقل عنه في الخلاف : أنه حكم بصحة
التطوع ، وبقاء حج الإسلام في ذمته. وهو جيد إن لم يثبت تعلق النهي به المقتضي
للفساد .. ».
__________________
القاعدة : الصحة ،
وإن كان عاصياً في ترك ما وجب عليه ، كما في مسألة الصلاة مع فورية وجوب إزالة
النجاسة عن المسجد إذ لا وجه للبطلان الا دعوى : أن الأمر بالشيء نهي عن ضده [١].
وهي محل منع. وعلى تقديره لا يقتضي البطلان ، لأنه نهى تبعي [٢]. ودعوى : أنه يكفي
في عدم الصحة عدم الأمر [٣]. مدفوعة : بكفاية المحبوبية في حد نفسه في الصحة [٤] ،
______________________________________________________
[١] هذه الدعوى
اعتمد عليها في كشف اللثام.
[٢] كأن المراد
بالتبعي في المقام الغيري. لكن التحقيق : أن النهي الغيري موجب للثواب والعقاب
كالنهي النفسي ، وإنما يختلفان في أن النهي النفسي يقتضيهما من حيث هو ، والنهي
الغيري يقتضيهما من حيث كونه من رشحات النهي النفسي وشراشره. ففعل مقدمة الواجب
انقياد وتركها تجرؤ ، وفعل مقدمة الحرام تجرؤ ، تركها انقياد. فالسفر لقتل المؤمن
معصية ، والسفر للحج طاعة ، والأول موجب لاستحقاق العقاب ، والثاني موجب لاستحقاق
الثواب. وإذا كان موجباً لاستحقاق العقاب كان مبعداً ، فيمتنع أن يكون مقرباً ،
فلا يصح إذا كان عبادة.
[٣] هذه الدعوى
محكية عن الشيخ البهائي (ره) ، وحاصلها : أن الأمر بالشيء وإن لم يقتض النهي عن
ضده ، لكن يمنع عن الأمر بضده لامتناع الأمر بالضدين. لان اجتماع الضدين إذا كان
محالا كان الأمر بهما أمراً بالمحال ، وهو محال ، وإذا امتنع الأمر بالضد الآخر
امتنع التقرب به لأن التقرب إنما يكون بالفعل بداعي الأمر ، فمع عدم الأمر يمتنع
التقرب.
[٤] يعني : يكفي
في التقرب الفعل بداعي المحبوبية. بل التحقيق : جواز تعلق الأمر بالضدين إذا كان
على نحو الترتب ، كما تعرضنا لذلك في مبحث أحكام النجاسات ، من كتاب الطهارة من
هذا الشرح. فراجع.
كما في مسألة ترك
الأهم والإتيان بغير الأهم من الواجبين المتزاحمين. أو دعوى : أن الزمان مختص
بحجته عن نفسه ، فلا يقبل لغيره [١]. وهي ـ أيضاً ـ مدفوعة بالمنع ، إذ مجرد
الفورية لا يوجب الاختصاص ، فليس المقام من قبيل شهر رمضان حيث أنه غير قابل لصوم
آخر. وربما يتمسك للبطلان في المقام بخبر سعد بن أبي خلف
عن أبي الحسن موسى (ع) : «
عن الرجل الصرورة يحج عن الميت؟ قال (ع) : نعم ،
______________________________________________________
وفي حاشية بعض
الأعاظم (ره) على المقام قال : « لا سبيل إلى هذه الدعوى فيما اعتبرت القدرة فيه
شرطاً شرعياً ، كالحج ونحوه ». وكأنه يريد : أن القدرة إذا كانت شرطاً للوجوب
فانتفاؤها ـ كما يوجب انتفاء الوجوب ـ يوجب انتفاء المحبوبية. ولا يخلو ما ذكره من
غموض ، لأن القدرة إنما اعتبرت شرطاً شرعياً في حج الإسلام لا في التطوع لمن عليه
حج الإسلام ، فإن التطوع منه لا تعتبر في مشروعيته القدرة. وكذا في الحج عن غيره
وإن كان حج الإسلام ، لأن حج الإسلام الثابت للمنوب عنه إنما يعتبر في مشروعيته
قدرته لا قدرة النائب ، لأن النائب يتقرب بأمر المنوب عنه لا بأمر نفسه. ومن ذلك
تعرف أن هذه الدعوى ـ المحكية عن البهائي ـ لا مجال لها في المقام بالنسبة إلى
الحج عن الغير ـ تبرعاً أو بالإجارة ـ لأن النائب إنما يتقرب بأمر المنوب عنه ،
وهو لا ينافي الأمر المتوجه إلى النائب بحج الإسلام.
[١] هذه الدعوى لم
أقف على من ادعاها ، ولكن ذكرها في الجواهر وجهاً للمشهور ، وأنكرها بقوله : « فان
التحقيق عدم اقتضاء الفورية أصل التوقيت ، فضلا عن التوقيت على هذا الوجه ».
إذا
لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه. فان كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزي عنه حتى
يحج من ماله ، وهي تجزي عن الميت إن كان للصرورة مال وإن لم يكن له مال » [١]. وقريب منه : صحيح
سعيد الأعرج عن أبي عبد الله (ع) [٢]. وهما ـ كما ترى ـ بالدلالة على الصحة أولى
[٣] ،
______________________________________________________
[١] هذا الخبر
صحيح رواه الكليني عن عدة من أصحابنا. عن أحمد ابن محمد ، عن سعد .
[٢] رواه الصدوق بإسناده عن سعيد بن عبد
الله الأعرج : «
أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الصرورة أيحج عن الميت؟ فقال (ع) : نعم ، إذا لم يجد
الصرورة ما يحج به. فان كان له مال فليس له ذلك حتى يحج من ماله ، وهو يجزي عن
الميت كان له مال أو لم يكن له مال » .
[٣] لأن الظاهر من
قوله (ع) في الصحيح
الأول : « فليس يجزي
عنه » أنه لو حج عن
الميت لم يجز عن نفسه ، لا أنه لا يجزي عن الميت. فالضمير في : « عنه » راجع إلى الرجل لا إلى الميت ، ولا سيما بقرينة ذكر الميت
ظاهراً بعد ذلك. وحينئذ فظهور قوله
(ع) : « وهي تجزي
عن الميت » في أن حجته عن
الميت تجزي عن الميت محكم. مع أنه لو حمل ضمير : «
عنه » على الميت كان
منافياً لقوله (ع) : « وهي تجزي عن الميت ». إلا أن يحمل الثاني على صورة ما إذا حج عن الميت بعد أن حج
من ماله ، فيكون المراد أنه ليس يجزي عن الميت حتى يحج من ماله ، فاذا حج من ماله
ثمَّ حج عن الميت تجزي عن الميت ، سواء أكان له حينئذ مال أم لم يكن. لكن هذا
المعنى بعيد عن العبارة المذكورة.
__________________
______________________________________________________
وبالجملة : هيئة
التركيب تقتضي أن تكون الضمائر في قوله (ع) : «
عن نفسه » ـ في الموضعين ـ وقوله
: « له » ، وقوله (ع) : «
يجزي عنه » ، وقوله : « من ماله » كلها راجعة إلى مرجع واحد ، وهو الصرورة ، والتفكيك ـ بإرجاع
بعضها إلى الصرورة وبعضها إلى الميت ـ بعيد عن السياق.كما أن هيئة التركيب أيضاً
تقتضي أن يكون الضمير في قوله (ع) : «
وهي » راجعاً الى حجة
الصرورة عن الميت المذكور في السؤال.
هذا ما يرجع الى
صحيح سعد. وأما صحيح سعيد ، فالظاهر من قوله (ع) فيه : « فليس له ذلك » : أنه ليس له أن يحج عن غيره تكليفاً ، لا أنه باطل ،
بقرينة : « وهو يجزي عن الميت
.. ». وحمله على الوضع
ـ يعني : أنه لا يصح الحج عن الميت حتى يحج من ماله ، وبعد ذلك إذا حج عن الميت
يجزي عن الميت ، سواء أكان له مال أم لم يكن ـ بعيد جداً. بل هو أبعد من حمل
الصحيح السابق على هذا المعنى ، فالاستدلال به على المشهور أولى بالإشكال من
الاستدلال بالصحيح السابق. ومن العجيب ما ذكره في الجواهر في رد المدارك ـ في حمل
: « وهو يجزي » على إرادة بيان إجزاء حج الصرورة عن غيره مطلقاً ـ بقوله :
« وفيه : أنه خلاف ظاهر قوله (ع) : «
لا يجزي عنه » ، وخلاف قاعدة
اقتضاء النهي الفساد. بل هو عند التأمل تفكيك في الخبر يقطع بعدم إرادته .. ».
وربما يستدل
للمشهور : بأن اللام في قوله تعالى : ( وَلِلّهِ عَلَى
النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ .. ) . لما كانت ظاهرة في الملك ، كانت الآية دالة على كون الحج مملوكا لله تعالى ،
وحينئذ لا يجوز التصرف فيه بنحو لا يكون مأذوناً فيه من قبل الله تعالى ، فاذا حج
عن غيره أو عن نفسه تطوعاً كان تصرفاً فيه بغير إذنه تعالى ، فيكون باطلا. فان قلت
: إذا كانت الآية
__________________
______________________________________________________
الشريفة دالة على
الملكية لم تدل على الوجوب ، وحينئذ لا يكون واجباً ، فلا وجه للإتيان به بقصد
الوجوب. قلت : يمكن استفادة وجوبه من دليل آخر غير الآية ، مثل : ما دل على أنه
إحدى دعائم الإسلام الخمس فيتعين الإتيان به بقصد الوجوب. فان قلت : يلزم حينئذ
الإتيان بقصد أداء المملوك ، كما في وفاء الدين. قلت : إنما يلزم الإتيان بقصد
وفاء الدين ـ في صدق أداء الدين ـ من جهة أن أداء المملوك يمكن أن يكون على وجه
آخر ، وهذا المعنى لا يتأتى في الحج. لأن حج الإسلام لا يكون إلا مملوكاً ، فقصد
حج الإسلام كاف في كونه أداء للمملوك.
نعم يمكن الخدش في
هذا الاستدلال : بأنه إنما يترتب عليه حرمة التصرف بالإتيان به على غير الوجه
الخاص لو كان الملك للمنفعة الخاصة كما في الأجير الخاص. أما لو كان المملوك ما في
الذمة ـ كما لو استأجره على عمل في ذمته ـ لم يكن مانع من الفعل لغير المستأجر ،
لأن الفعل الخارجي لا ينطبق عليه ما في الذمة إلا بالقصد ، فاذا لم يقصده لم ينطبق
ما في الذمة عليه ولا يتحد معه كي يحرم التصرف فيه. نظير : ما لو استأجره على صوم
يوم بعينه عن زيد فصام ذلك اليوم عن عمرو ، لم يكن مانع من صحة الصوم. وكذا لو نذر
أن يصوم يوماً معيناً ، فان النذر وإن كان يستوجب كون المنذور مملوكاً لله تعالى
لكن لما كان المملوك في الذمة لا في الخارج لم يكن مانع من صحة صوم ذلك اليوم إذا
جاء به على غير وجه النذر.
وأما ما ورد في
صحيح الحلبي وغيره ، الواردين فيمن عجز عن الحج وهو مستطيع ، المتضمنين الأمر
باستنابة الصرورة الذي لا مال له ، الدالين على عدم جواز استنابة الصرورة إذا كان
له ماله ـ وهو محل الكلام ـ
__________________
فإن غاية ما يدلان
عليه : أنه لا يجوز له ترك حج نفسه وإتيانه عن غيره ، وأما عدم الصحة فلا. نعم
يستفاد منهما عدم إجزائه عن نفسه ، فتردد صاحب المدارك في محله. بل لا يبعد الفتوى
بالصحة ، لكن لا يترك الاحتياط. هذا كله لو تمكن من حج نفسه ، وأما إذا
لم يتمكن فلا إشكال في الجواز والصحة عن غيره [١]. بل لا ينبغي الإشكال في الصحة إذا كان لا يعلم بوجوب الحج عليه [٢] ، لعدم علمه
باستطاعته مالاً.
______________________________________________________
فقد عرفت سابقاً
عدم العمل بهما ، وتعين طرحهما ، أو حملهما على الاستحباب. فراجع المسألة الثانية
والسبعين.
[١] قال في الدروس
: « ويشترط الخلو من حج واجب على النائب إلا أن يعجز عن الوصلة اليه .. ». وفي
المدارك : « فلو تعذر جازت الاستنابة ، لجواز تأخير ذلك الواجب الفوري بالعجز عنه
، ومتى جاز التأخير انتفى المانع من الاستنابة ، كما هو ظاهر .. ». ويظهر ـ من
الجواهر وغيرها ـ المفروغية عن ذلك. لكن في المستند : « أنه خالف فيه بعضهم ، ولا
وجه له ». وفي كشف اللثام : عن ابن إدريس بطلان النيابة وإن لم يتمكن ، إذا كان قد
استقر الحج في ذمته. قال (ره) : « ولعله لإطلاق الأكثر .. ». لكن إطلاقهم ليس حجة.
والعمدة : دليل المنع. والوجوه ـ المتقدمة في تقريب المنع ـ تختص بصورة التمكن حتى
النصوص على تقدير تماميتها ، لأن المورد يدخل تحت إطلاق قوله (ع) : « إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه
» المذكور في الصحيحين.
نعم مقتضى الآية ـ لو تمت دلالتها ـ عدم الفرق ، كما ذكر الحلي.
[٢] العلم والجهل
لما لم يوجبا تبدلا في الحكم الواقعي فالأدلة المتقدمة
أو لا يعلم بفورية
وجوب الحج عن نفسه ، فحج عن غيره أو تطوعاً [١]. ثمَّ على فرض صحة الحج عن الغير ـ ولو مع التمكن والعلم بوجوب الفورية ـ
لو أجر نفسه لذلك ، فهل الإجارة أيضا صحيحة ، أو باطلة مع كون حجه صحيحاً عن الغير؟
الظاهر بطلانها. وذلك لعدم قدرته شرعاً على العمل
المستأجر عليه [٢] ، لأن المفروض وجوبه عن نفسه فوراً. وكونه صحيحاً على تقدير المخالفة لا ينفع في صحة
الإجارة.
______________________________________________________
على البطلان ـ على
تقدير تماميتها ـ شاملة لغير العالم كالعالم ، فالنهي عن الضد ، أو عدم الأمر
بالضد ـ وكذلك النصوص ـ شاملة له. نعم الجهل مانع عن مبعدية المنهي عنه ، فلا مانع
من التقرب به ، فاذا كان الموجب للبطلان هو النهي عن الضد فهو لا يقتضي البطلان مع
الجهل للشبهة الموضوعية. أما إذا كان المقتضي النصوص فلا فرق فيها بين العالم
والجاهل.
[١] هذا إذا كان
قاصراً. أما إذا كان مقصراً فالجهل لا يمنع عن مبعدية النهي الواقعي.
[٢] والقدرة على
العمل شرط في صحة الإجارة ، لأن مالا يكون مقدوراً لا يكون موضوعاً للمعاوضة ،
وأكل المال بإزائه أكل للمال بالباطل. وعدم القدرة في المقام وإن كان شرعياً لكنه
مثل عدم القدرة عقلا.
وفي حاشية بعض
الأعاظم : « هذا تسليم منه بموجب البطلان ولو تبرعاً عن الغير أو تطوعاً لنفسه ».
ويشير بذلك إلى ما سبق منه في الحاشية : من أن القدرة شرط في مشروعية الحج ، فمع
عدمها تنتفي المشروعية. وفيه : ما عرفت : من أن القدرة شرط في مشروعية حج الإسلام
، لا في حج التطوع ولا في التبرع عن غيره به. فلاحظ.
خصوصاً على القول بأن
الأمر بالشيء نهي عن ضده ، لان الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه [١] ، وإن كانت
الحرمة تبعية. فإن قلت : ما الفرق بين المقام وبين المخالفة للشرط في ضمن العقد
[٢] ، مع قولكم بالصحة هناك؟ كما إذا باعه عبداً وشرط عليه أن يعتقه فباعه ، حيث
تقولون بصحة البيع ويكون للبائع خيار تخلف الشرط [٣].
______________________________________________________
[١] وحينئذ يكون
مانع آخر من صحة الإجارة غير عدم القدرة ، وهو المعاوضة على الحرام ، فان في حاق
الإجارة المعاوضة بين الأجرة والمنفعة فإذا كانت حراماً لم تصلح للمعاوضة عليها.
[٢] لم يظهر توجه
هذا الاشكال على ما ذكره ، من بطلان الإجارة على الضد إذا وجب ضده ، وإنما يحسن
توجهه لو كان الحكم هو صحة الإجارة على البيع إذا شرط العتق في المثال المذكور.
فإنه إذا شرط العتق فقد وجب بالشرط ، فاذا استؤجر المشروط عليه على البيع ، وقلنا
بصحة الإجارة كان الفرق بينهما غير ظاهر ، فيحتاج إلى السؤال عن إبداء الفرق. وأما
الحكم بصحة البيع لو اشترط الضد فقد تقدم منه مثله ، وهو صحة التطوع بالحج عن نفسه
إذا وجب عليه حج الإسلام.
وبالجملة : تقدم
منه حكمان. أحدهما : أنه إذا وجب حج الإسلام فوجوبه لا يقتضي بطلان ضده. وثانيهما
: أنه إذا وجب حج الإسلام لم تصح الإجارة على ضده. ومثال شرط العتق وصحة البيع
يناسب الأول ، ولا فرق بينهما في الحكم ، ولا يناسب الثاني كي يحتاج إلى إبداء
الفرق بينهما في الحكم.
[٣] قد تكرر في
هذا الشرح : التعرض لأن الشرط في ضمن العقد يقتضي إثبات حق المشروط له على المشروط
عليه ، فاذا اشترط عليه أن يعتقه فقد صار له عليه أن يعتقه وملك عليه ذلك. ثمَّ
نقول : لما كان العتق المملوك
______________________________________________________
متعلقاً بالعبد
وكان العبد موضوعاً له ، فتارة : يؤخذ وجود العبد في ملكه بنحو شرط الواجب الذي
يجب عليه تحصيله ، وأخرى : يؤخذ بنحو شرط الوجوب الذي لا يجب عليه تحصيله. فإن أخذ
على النحو الأول لم يصح البيع ، لأن القيد المذكور إذا أخذ قيداً في المملوك فقد
ملك الشارط على المشروط بقاء العبد على ملكية المشروط عليه إلى أن يتحقق العتق منه
وإذا ملك عليه بقاءه على ملكيته اقتضى ذلك قصور سلطنته على بيعه ، لأنه تصرف في حق
غيره. وإذا أخذ قيداً في الملك ـ يعني : يملك عليه العتق إذا كان العبد باقياً في
ملكه ـ فهذا الملك لا يقتضي بقاء العبد في ملكه ، وإذا لم يقتض بقاءه في ملكه جاز
للمشروط عليه إخراجه من ملكه بالبيع وغيره ، لعدم منافاته لحق الشارط. وحينئذ يصح
البيع ، ولا يكون من قبيل تخلف الشرط ، لأن الشرط المنوط بشيء إنما يكون تخلفه
بعدم حصوله مع تحقق المنوط به ، ولا يتحقق التخلف بعدم حصوله مع انتفاء المنوط به
، فالجمع بين صحة البيع وخيار تخلف الشرط غير ممكن. وقد تقدم التعرض لنظير المسألة
فيما لو نذر قراءة سورة فقرأ غيرها ، أو نذر الصلاة جماعة فصلاها فرادى. وكذا لو
نذر أن يصلي في المسجد فصلى في غيره ، فان النذر ـ كما أشرنا إليه سابقاً ـ يقتضي
ملكية المنذور ، فيجري فيه الاحتمالان المذكوران.
ثمَّ إن الظاهر أن
القيد المذكور أخذ على النحو الأول في المقام وفي الأمثلة المذكورة ، ومقتضاه في
المقام بطلان البيع ، وفي الأمثلة المذكورة ـ إذا وقع عمداً ـ بطلان السورة ،
فتبطل الصلاة بالزيادة العمدية. وكذا بطلان الصلاة فرادى ، أو في غير المسجد ،
لحرمة التصرف في ملك الغير وحقه ، فإن الملكية ـ كما تقتضي قصور سلطنة غير المالك
فيبطل تصرفه إذا كان موقوفاً على السلطنة ، كالبيع ونحوه من التصرفات الاعتبارية ـ
تقتضي
قلت : الفرق أن في
ذلك المقام المعاملة ـ على تقدير صحتها ـ مفوتة لوجوب العمل بالشرط [١] ، فلا يكون
العتق واجباً بعد البيع [٢] لعدم كونه مملوكاً له بخلاف المقام حيث أنا لو قلنا
بصحة الإجارة لا يسقط وجوب الحج عن نفسه فوراً ، فيلزم اجتماع أمرين متنافيين
فعلاً ، فلا يمكن أن تكون الإجارة صحيحة وإن قلنا أن النهي التبعي لا يوجب البطلان.
______________________________________________________
حرمة التصرف
تكليفاً إذا كان التصرف عينياً ، فيبطل إذا كان عبادة. نعم إذا وقع سهواً لا يبطل
، لكونه مصداقاً للمأمور به ، وإنما بطل في صورة العمد لفوات العبادية ، وهو غير
حاصل في صورة السهو ، فلا مانع من صحته. بخلاف التصرف الاعتباري فإنه يبطل وإن كان
عن سهو ، لصدوره عن غير السلطان. وبذلك اختلف المقام عن الأمثلة المذكورة ، فلو
نذر أن يعتق عبده لم يصح له بيعه ولو كان سهواً ، فالقول بصحة البيع في المقام في
غير محله. وكأن المصنف لا يرى أن الشرط يقتضي ملك المشروط له للمشروط. وقد تقدم في
موارد من هذا الشرح : أن التحقيق أنه يقتضي ذلك ، وكذلك النذر.
[١] لو فرض أنها
غير مفوتة أيضاً لا مانع من صحتها إذا لم تكن القدرة شرطاً فيها ، فمن كان مديوناً
وطالبه الدائن ، وكان لا يملك أكثر من مقدار الدين ، جاز له أن يبيع أو يشتري
بالذمة ثمَّ يفي وإن فاته وفاء الدين. يظهر ذلك من مراجعة كلماتهم في أحكام المفلس
قبل الحكم عليه بالحجر.
[٢] يحتمل أن يكون
مراده أنه غير واجب لانتفاء ملاكه بأخذ بقاء العبد على نحو شرط الوجوب. ويحتمل أن
يكون مراده السقوط بعد الثبوت من جهة العجز. لكن الثاني إنما يتم لو صح البيع.
لكنه لا يصح لفقد السلطنة عليه ، فلا عجز عن الواجب ، فلا يسقط وجوبه.
فالبطلان من جهة عدم
القدرة على العمل [١] ، لا لأجل النهي عن الإجارة. نعم لو لم يكن متمكناً من الحج عن نفسه يجوز له أن يؤجر نفسه للحج عن
غيره [٢]. وإن تمكن بعد الإجارة
______________________________________________________
[١] وقد عرفت أن
بطلان البيع من جهة عدم السلطنة ، لأن الظاهر أن القيد مأخوذ على نحو شرط الواجب
لا على نحو شرط الوجوب.
والذي يتحصل مما
ذكرنا أمور : الأول : أن النذر والشرط يقتضيان ملك المنذور والمشروط. الثاني : أن
التصرف المنافي يكون عينياً ـ تارة ـ واعتبارياً أخرى. الثالث : أن الملكية لها
أثر وضعي ـ وهو قصور سلطنة غير المالك ـ وتكليفي ، وهو حرمة تصرف غير المالك.
الرابع : أن الموضوع ـ الذي يؤخذ قيداً للمنذور والمشروط ـ تارة : يؤخذ بنحو شرط
الوجوب ، وأخرى : بنحو شرط الواجب. الخامس : أنه إذا أخذ على النحو الأول لا مانع
من التصرف المنافي مهما كان. السادس : أنه إذا أخذ على النحو الثاني منع من التصرف
الاعتباري ، فيبطل مطلقاً ، وحرم التصرف العيني. فيبطل إذا كان عبادة وكان عمداً ،
ولا يبطل إذا كان سهواً ، لكونه لا خلل في ذاته لمطابقته للمأمور به ، ولا في
عباديته لأنه جيء به على وجه العبادة من دون ما يقتضي خلاف ذلك. السابع : أن
الظاهر أن القيد مأخوذ ـ في المثال المذكور في المتن ، والأمثلة التي ذكرناها في
النذر ـ من قبيل شرط الواجب لا شرط الوجوب ، فلا يصح ما ينافيه إذا كان اعتبارياً
كالبيع ، ويحرم إذا كان عينياً ، فيبطل إذا كان عبادة وقد وقع عمداً.
[٢] لانتفاء
المانع ـ وهو عدم القدرة ـ لانتفاء مقتضية ـ وهو الأمر بحج الإسلام ـ بالعجز عنه.
عن الحج عن نفسه لا
تبطل إجارته [١]. بل لا يبعد صحتها لو لم يعلم باستطاعته [٢] ، أو لم يعلم بفورية الحج عن نفسه [٣] فأجر نفسه للنيابة ولم
يتذكر الى أن فات محل استدراك الحج عن نفسه ، كما بعد الفراغ ، أو في أثناء
الأعمال.
ثمَّ لا إشكال في
أن حجه عن الغير لا يكفيه عن نفسه بل إما باطل ـ كما عن المشهور ـ أو صحيح عمن نوى
عنه ، كما قويناه. وكذا لو حج تطوعاً لا يجزيه عن حجة الإسلام في الصورة المفروضة
، بل إما باطل ، أو صحيح ويبقى عليه حجة الإسلام. فما عن الشيخ : من أنه يقع عن
حجة الإسلام [٤] لا وجه له ، إذ الانقلاب القهري لا دليل عليه. ودعوى : أن حقيقة
الحج واحدة ، والمفروض إتيانه بقصد القربة ، فهو منطبق على ما عليه من حجة الإسلام.
مدفوعة : بأن وحدة الحقيقة لا تجدي بعد كون المطلوب هو الإتيان بقصد ما عليه [٥].
______________________________________________________
[١] كما في الدروس.
قال : « ولا يقدح في صحتها تجدد القدرة ». ويشكل : بأن تجدد القدرة يكشف عن عدم
القدرة من أول الأمر ، فيكشف عن بطلان الإجارة. نعم إذا كان تجدد القدرة بمال
الإجارة لم يقدح الإجارة ، إذ لا يكون الشيء علة لعدمه.
[٢] لأن الرخصة
الحاصلة له بالجهل كافية في حصول القدرة على العمل.
[٣] إلا إذا كان
مقصراً ، فإنه لا رخصة له حينئذ.
[٤] تقدمت حكايته
عن المبسوط. وفي الخلاف وافق المشهور.
[٥] يظهر منه : أن
القصد دخيل في المطلوب. وهو غير ظاهر ، فان المطلوب بالأمر الوجوبي غير المطلوب
بالأمر الاستحبابي ، ولو كان
وليس المقام من
باب التداخل بالإجماع ، كيف والا لزم كفاية الحج عن الغير أيضا عن حجة
الإسلام؟ [١] بل لا بد من تعدد الامتثال مع تعدد الأمر وجوباً وندباً ، أو مع تعدد الواجبين. وكذا ليس المراد من حجة الإسلام الحج الأول
ـ بأي عنوان كان ـ [٢] كما في صلاة التحية [٣] ، وصوم الاعتكاف. فلا وجه لما قال
الشيخ ( قده ) أصلاً. نعم لو نوى الأمر المتوجه إليه فعلاً ، وتخيل أنه أمر ندبي
غفلة عن كونه مستطيعاً ، أمكن القول بكفايته عن حجة الإسلام. لكنه خارج عما قاله
الشيخ. ثمَّ إذا كان الواجب عليه حجاً
______________________________________________________
واحداً لانطبق
أحدهما على الآخر ، فيكون المأتي به مصداقاً لهما وكافياً في حصول الامتثال
لأمرهما ـ سواء نوى به حج الإسلام أم نوى به التطوع ـ ولا يلتزم به الشيخ. كما أن
لازمه : أن من لم يكن مستطيعاً فتطوع لم يجب عليه الحج بعد ذلك إذا استطاع. إلا أن
يقال : مقتضى إطلاق الآية وجوبه ثانياً إذا استطاع ، ولا ينافي ذلك وحدة الحقيقة
ووحدة الخصوصيات. فتأمل.
[١] هذا اللزوم
غير ظاهر ، لإمكان التفكيك بين الموردين ـ في التداخل وعدمه ـ بعد أن كان على خلاف
الأصل. ولا سيما مع الاختلاف بالأصالة والنيابة.
[٢] كما تقدم ذلك
في المسألة السادسة والخمسين ، وتقدم منه خلاف ذلك.
[٣] فإنها تنطبق
على كل صلاة صلاها من دخل المسجد ولو كانت فريضة أو نافلة بعنوان خاص. وكذلك الصوم
اللازم في الاعتكاف ، فإنه يصح ولو كان الصوم لرمضان أو قضائه أو غير ذلك.
نذريا أو غيره ،
وكان وجوبه فورياً ، فحاله ما ذكرنا في حجة الإسلام [١] من عدم جواز حج غيره ،
وأنه لو حج صح أو لا ، وغير ذلك من التفاصيل المذكورة بحسب القاعدة.
فصل
في الحج الواجب بالنذر والعهد واليمين
ويشترط في
انعقادها : البلوغ ، والعقل ، والقصد ،
______________________________________________________
[١] كما نص على
ذلك غير واحد. وهو إنما يتم لو كان عدم صحة غير حج الإسلام في المسألة السابقة من
جهة أن الأمر بحج الإسلام يمنع من مشروعية غيره ، أو من إمكان التعبد بغيره. أما
إذا كان من جهة النصوص فالتعدي عن موردها ـ وهو حج الإسلام ـ غير ظاهر. فأدلة
المنع ليست كلها مطرودة في المقامين.
فصل
في الحج الواجب بالنذر
والعهد واليمين
الكلام إما خبر ـ وهو
ما يقصد به الحكاية عن واقع يطابقه فيكون صدقاً ، أولا يطابقه فيكون كذباً ـ وإما
إنشاء ، وهو مالا يقصد به الحكاية ، والثاني إما إيقاع ، أو عقد ، أو غيرهما. فان
قصد به إنشاء
والاختيار. فلا
تنعقد من الصبي وإن بلغ عشراً وقلنا بصحة عباداته وشرعيتها ، لرفع قلم الوجوب عنه
[١]. وكذا لا تصح
______________________________________________________
أمر اعتباري ـ مثل
الزوجية والبيعية ونحوهما ـ فهو عقد أو إيقاع ، وإن لم يقصد به ذلك فهو غيرهما.
فالنذر لما كان المقصود به تمليك الله سبحانه ـ كما عرفت ذلك مراراً ـ ولا يحتاج
إلى القبول فهو من الإيقاع. ومثله العهد ، فإنه يقصد به إيجاد المعاهدة. وأما
اليمين فهو وعد وليس من الخبر في شيء ، إذ لم يقصد به الحكاية ، وإنما قصد به
إيقاع مضمونه في المستقبل ادعاء ، فاذا لم يقع كان خلفاً في الوعد ، وهو قبيح ، لا
أنه كذب. وكذلك الوعيد فاذا لم يقع كان خلفاً ، وهو حسن ، لا أنه كذب. ويظهر من
ذلك أن اليمين ليس من سنخ النذر والعهد ، فإنهما من الإيقاع وهو من الوعد. هذا ولا
إشكال في وجوب العمل بالجميع ، وأن مخالفتها تستوجب الكفارة ، كما هو موضح في
أبوابها. فلاحظ.
[١] يشير بهذا إلى
حديث : « رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ، وعن
المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ » . وقد اشتهر الاستدلال به
على نفي سببية الأسباب إذا كانت صادرة من الصبي ، عقداً ، أو إيقاعاً ـ كالنذر
والعهد ـ أو غيرهما ، كاليمين. والاشكال فيه ظاهر ، فان نفي الوجوب في العقد
والإيقاع أعم من ترتب المضمون ، ولذا يصح من الولي ويترتب مضمونه وإن لم يجب على
الصبي الوفاء به. كما أن نفي الوجوب في حال الصبا ـ في غير الإيقاع والعقد ـ لا
يقتضي نفي الوجوب بعد البلوغ. فالعمدة في نفي السببية : هو الإجماع.
ومن ذلك يظهر لك
الإشكال في الاستدلال به في المجنون ، وبحديث :
__________________
من المجنون ،
والغافل ، والساهي ، والسكران ، والمكره. والأقوى صحتها من الكافر. وفاقاً
للمشهور في اليمين [١] خلافاً لبعض [٢] ، وخلافاً للمشهور في النذر [٣] ، وفاقاً لبعض ، وذكروا في وجه الفرق : عدم اعتبار قصد
القربة في اليمين واعتباره في النذر [٤] ، ولا تتحقق القربة في الكافر.
______________________________________________________
رفع التسعة في
الغافل والساهي . نعم انتفاء القصد فيها يقتضي عدم ترتب الأثر ، لخروجها عن
موضوع الأدلة. وأما الإكراه فيدل على عدم ترتب الأثر فيه ما ورد في طلاق المكره ،
حيث تضمن عدم صحته ، مستدلا بحديث رفع الإكراه .
[١] حكاه في
الجواهر عن الشيخ وأتباعه وأكثر المتأخرين.
[٢] حكاه في
الشرائع عن الشيخ في الخلاف ، وحكي أيضاً عن ابن إدريس.
[٣] بل في الجواهر
: « لا أجد خلافاً في عدم صحته ـ يعني : النذر من الكافر ـ بين أساطين الأصحاب ،
كما اعترف به في الرياض. وحكي عن سيد المدارك التأمل فيه ـ وكذا عن الكفاية ـ وحكي
عن الرياض : أنه لا يخلو من قوة ، إن لم يكن الإجماع على خلافه ـ كما هو الظاهر ـ إذ
لم أر مخالفاً سواهما ( يعني : سيد المدارك وصاحب الكفاية ) من الأصحاب ».
[٤] قال في
الشرائع في مبحث النذر : « يشترط مع الصيغة نية القربة ، فلو قصد منع نفسه بالنذر
ـ لا لله ـ لم ينعقد .. ثمَّ قال بعد ذلك : وأما متعلق النذر فضابطه : أن يكون
طاعة لله تعالى مقدوراً .. ». وقد ادعى في الجواهر : الإجماع بقسميه على الحكم
المذكور. وكذلك
__________________
وفيه أولاً : أن
القربة لا تعتبر في النذر ، بل هو مكروه [١] ،
______________________________________________________
غيره ، ولكن
اختلفوا في المراد منه ، فاستظهر في المسالك : أن المراد جعل شيء لله تعالى في
مقابل جعل شيء لغيره ، أو جعل شيء من دون ذكر أنه له تعالى أو لغيره ، وجعله أصح
الوجهين. وربما يستفاد من عبارة الدروس ، حيث قال : « وهل يشترط فيه القربة للصيغة
، أو يكفي التقرب في الصيغة؟ الأقرب الثاني ». وفي الجواهر جعل المراد منه رجحان
المنذور ، وكونه عبادة في مقابل نذر المباح. ويحتمل : أن يكون المراد في مقابل
النذر شكراً على المعصية أو زجراً عن الطاعة. وصريح الشرائع خلاف ذلك كله ، بل هو
ـ بمعنى كون الإيقاع النذري واقعاً على وجه العبادة ـ مما لم يقم عليه دليل ،
ويقتضي بطلان النذر إذا كان المقصود منه الزجر عما هو مبغوض الناذر ، وهو خلاف
إطلاق الأدلة. وأما الاحتمالات الأخر فكلها صحيحة في نفسها ، غير أنها خلاف ظاهر
عبارة الشرائع ونحوها ، فلا ينبغي حملها عليها.
هذا وفي الدروس :
« ويصح ( يعني : اليمين ) من الكافر وإن لم يصح نذره ، لأن القربة مرادة هناك دون
هذا. ولو قلنا بانعقاد نذر المباح أشكل الفرق .. ». وظاهر العبارة : اعتبار القربة
بالمعنى الذي ذكره في الجواهر ، لا بالمعنى الذي احتمل من عبارته السابقة.
[١] قال في
الجواهر : « لا إشكال في اعتبار نية القربة فيه. لكن لا على معنى قصد الامتثال
بإيقاعه ـ كغيره من العبادات التي تعلق الأمر بإيجادها على جهة الوجوب أو الندب ـ ضرورة
عدم الأمر به ، بل ظاهر موثق
إسحاق بن عمار كراهة إيقاعه ، قال : «
قلت لأبي عبد الله (ع) : إني جعلت على نفسي شكراً لله تعالى ركعتين .. إلى أن قال (ع) : إني
وإنما تعتبر في
متعلقه ، حيث أن اللازم كونه راجحاً شرعاً [١].
______________________________________________________
لأكره
الإيجاب أن يوجب الرجل على نفسه .. .
[١] على المشهور ،
والعمدة فيه : أن اللام في قول الناذر : « لله علي » ـ سواء كانت للملك والظرف
مستقر ، أم للغاية والظرف لغو متعلق بالتزمت محذوفاً ـ تقتضي كونه محبوباً لله
تعالى ـ ولو للعنوان التأخري ـ فان ما لا يكون محبوباً للمرء لا يكون مملوكاً له
عند العقلاء ، ولا يصح الالتزام به لأجله. فيصح أن تقول : « زيد يملك على عمرو أن
يكرمه » ، ولا يصح تقول : « يملك عليه أن يهينه ». كما لا يصح أن تقول : « التزمت
لزيد أن أهينه » ، ويصح أن تقول : « التزمت لزيد إن أكرمه » ، وهو من الواضحات.
مضافاً الى بعض النصوص ، مثل صحيح
الكناني : «
سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل قال : علي نذر. قال (ع) : ليس النذر بشيء حتى يسمى
لله شيئاً ، صياماً ، أو صدقة ، أو هدياً ، أو حجاً » . وقريب منه غيره.
ومن ذلك يشكل ما
في الدروس : من جواز نذر المباح «
لرواية الحسن بن علي عن أبي الحسن (ع) : «
في جارية حلف منها بيمين ، فقال : لله علي أن لا أبيعها. فقال (ع) : ف لله بنذرك ».
وفيه دقيقة .. ». ويشير
بذلك إلى ما رواه البزنطي
عن الحسن بن علي عن أبي الحسن (ع) : «
قلت له : إن لي جارية ليس لها مني مكان ولا ناحية ، وهي تحتمل الثمن ، إلا أني كنت
حلفت فيها بيمين ، فقلت : لله علي أن لا أبيعها أبداً ، ولي إلى ثمنها حاجة مع
تخفيف المؤمنة. فقال (ع) :
__________________
وثانياً : أن متعلق
اليمين أيضاً قد يكون من العبادات [١]. وثالثاً : أنه يمكن قصد القربة من الكافر أيضاً [٢]. ودعوى عدم إمكان إتيانه للعبادات
لاشتراطها بالإسلام مدفوعة : بإمكان إسلامه ثمَّ إتيانه ، فهو مقدور لمقدورية
مقدمته. فيجب عليه حال كفره كسائر الواجبات ، ويعاقب على مخالفته ، وترتب عليها
وجوب الكفارة ، فيعاقب على تركها أيضاً. وإن أسلم صح إن أتى به ، ويجب عليه
الكفارة لو خالف.
______________________________________________________
ف
لله بقولك له » . لكن الظاهر من
الرواية أن السؤال فيها عن جواز رفع اليد عن النذر الصحيح للطوارئ المذكورة ، لا
عن صحة النذر في نفسه إذا لم يكن متعلقه راجحاً ، فلا تدل على خلاف ما ذكرناه مع
أنها ضعيفة السند ، غير مجبورة بعمل. ومثله : خبر
يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (ع) عن أبيه (ع) : « إن امرأة نذرت أن تقاد مزمومة بزمام
في أنفها ، فوقع بعير فخرج أنفها ، فأتت علياً (ع) تخاصم فأبطله. فقال
(ع) : إنما نذرت لله » . فإنه ـ أيضاً ـ وارد
في غير ما نحن فيه. فالبناء ما ذكرنا ـ من لزوم رجحان المنذور شرعاً ـ متعين.
[١] هذا الاشكال
مع الإشكال الأول لا يتواردان على أمر واحد ، فإن الإشكال الأول مبني على أن
مرادهم اعتبار القربة في نفس إيقاع النذر ، وهذا الاشكال مبني على اعتبارها في
متعلقه.
[٢] هذا بناء على
أن المراد قصده التقرب إلى الله تعالى. أما إذا كان المراد وقوعه على نحو يكون
مقرباً فلا يتم ، لعدم صلاحية الكافر للتقرب بفعله ، كما ذكره في الجواهر وغيرها.
__________________
ولا يجري فيه
قاعدة جب الإسلام ، لانصرافها عن المقام [١]. نعم لو خالف وهو كافر ، وتعلق به
الكفارة فأسلم ، لا يبعد دعوى سقوطها عنه كما قيل [٢].
( مسألة ١ ) : ذهب جماعة [٣] إلى أنه يشترط في
______________________________________________________
[١] وقد ذكر في
الشرائع : أنه لو نذر الكافر فأسلم استحب له الوفاء. ومثله في الدروس. وفي الجواهر
: « كما صرح به غير واحد ». لكن هذا الكلام ـ من الشرائع والدروس ـ مبني على ما
ذكراه ، من عدم صحته من الكافر ، لا بناء على صحته اعتماداً على حديث الجب .
وكيف كان فدعوى
الانصراف غير بعيدة ، فإن الذي ينسبق إلى الذهن إرادة الجب عن الأمور التي يقتضيها
الكفر ، ولذلك لا يجري في الديون الراجعة إلى الناس. اللهم إلا أن يكون ذلك من جهة
لزوم خلاف الامتنان في حق غيره ، والظاهر من الحديث أنه حديث امتناني ، فلا يجري
إذا لزم منه خلاف الامتنان. اللهم إلا أن يقال : إنه امتناني بالإضافة إلى الكافر
نفسه ، لا مطلقاً ، ولذلك ورد الحديث في القتل الذي صدر من المغيرة بن شعبة . فلاحظ موارد
الحديث. اللهم إلا أن يقال : القتل الصادر من المغيرة قتل المهدور الدم والمال.
والانصاف أن ظاهر
الحديث الامتنان على الكافر بنحو لا يوجب خلاف الامتنان في حق المسلم ، وانصرافه
إلى خصوص ما كان يقتضي الكفر ، فديون الناس لا يشملها من وجهين. وقد تعرضنا للكلام
في الحديث في مبحث وجوب الزكاة على الكافر.
[٢] ذكر ذلك في
الدروس ، لكن في كفارة اليمين ، ولا يبعد أن يستفاد منه كفارة النذر. فلاحظ.
[٣] حكاه في
الرياض عن الإرشاد والمسالك ، واختاره.
__________________
انعقاد اليمين من
المملوك إذن المولى ، وفي انعقاده من الزوجة إذن الزوج ، وفي انعقاده من الولد إذن
الوالد. لقوله (ع) : « لا يمين لولد مع والده ، ولا للزوجة
مع زوجها ، ولا للمملوك مع مولاه » [١] ، فلو حلف أحد هؤلاء بدون الاذن لم ينعقد. وظاهرهم اعتبار
الاذن السابق ، فلا تكفي الإجازة بعده [٢]. مع أنه من الإيقاعات وادعى الاتفاق على
عدم جريان الفضولية فيها [٣]. وإن كان يمكن دعوى : أن القدر المتيقن من الاتفاق ما
إذا وقع الإيقاع على مال العير ـ مثل : الطلاق ، والعتق ، ونحوهما ـ لا مثل المقام
مما كان في مال نفسه
______________________________________________________
[١] رواه منصور بن حازم ـ في الصحيح ـ عن
أبي عبد الله (ع) قال : «
قال رسول الله (ص) : لا يمين للولد مع والده ، ولا للمملوك مع مولاه ولا للمرأة مع
زوجها. ولا نذر في معصية. ولا يمين في قطيعة . ورواه
القداح عن أبي عبد الله (ع) قال : «
لا يمين لولد مع والده ، ولا للمرأة مع زوجها ، ولا للمملوك مع سيده » .
وفي خبر أنس في وصية النبي (ص) لعلي (ع)
: « ولا يمين لولد مع
والده ، ولا لامرأة مع زوجها ، ولا للعبد مع مولاه » .
[٢] فان الظاهر من
الاذن المذكور في كلامهم ذلك ، إذ اللاحق لا يسمى إذناً ، بل يسمى إجازة وإمضاء.
[٣] عن غاية المرام
: الاتفاق. على بطلان إيقاع الفضولي ولو مع الإجازة.
__________________
غاية الأمر اعتبار
رضا الغير فيه [١]. ولا فرق فيه بين الرضا السابق واللاحق. خصوصاً إذا قلنا : إن
الفضولي على القاعدة. وذهب جماعة إلى أنه لا يشترط الاذن في الانعقاد ، لكن
للمذكورين حل يمين الجماعة إذا لم يكن مسبوقاً بنهي أو اذن [٢] ، بدعوى : أن
المنساق من الخبر المذكور ونحوه : أنه ليس للجماعة المذكورة يمين مع معارضة المولى
أو الأب أو الزوج [٣]. ولازمه : جواز حلهم له ، وعدم وجوب
______________________________________________________
[١] كما في عتق
الراهن العين المرهونة ، فإن المعروف بينهم الصحة مع الإجازة. وما عن بعض : من
القول بالبطلان يحتمل أن يكون من جهة بنائه على بطلان الفضولي حتى لو كان عقداً.
أو لاختصاص كلامه بصورة عدم الإجازة. فتأمل. وكما في عتق المفلس عبده بدون إذن
الديان ، فقد اختار جماعة صحته بإجازة الديان. بل الظاهر أن المقام لا حق فيه
للغير ، بل مجرد الحكم باعتبار رضاه ، فلا يرتبط بباب الفضولي في العقد أو الإيقاع
، والمدار فيه على دليل اعتبار الرضا من حيث شموله للاحق وعدمه.
[٢] نسبه في
الرياض إلى الأكثر ، وعن المسالك والمفاتيح : نسبته إلى المشهور.
[٣] هذه الدعوى
ادعاها في الجواهر. وهي غير بعيدة ، إذ لو كان المراد أن وجود الوالد مانع ـ كما
يقتضيه الجمود على ما تحت العبارة ـ كان قوله : « مع والده » زائداً. وكذا قوله :
« مع زوجها » و « مع سيده » إذ الولد لا بد أن يكون له والد ، وكذا الزوجة والعبد
لا بد أن يكون لهما زوج وسيد ، فذكر الوالد والزوج والسيد لا بد أن يكون بملاحظة
المعارضة والممانعة. ولعله واضح.
العمل به مع عدم
رضاهم به. وعلى هذا فمع النهي السابق لا ينعقد ، ومع الاذن يلزم ، ومع عدمهما
ينعقد ، ولهم حله. ولا يبعد قوة هذا القول. مع أن المقدر ـ كما يمكن أن يكون هو
الوجود ـ يمكن أن يكون هو المنع والمعارضة ، أي : لا يمين مع منع المولى مثلا [١].
فمع عدم الظهور في الثاني لا أقل من الاجمال ، والقدر المتيقن هو عدم الصحة مع المعارضة والنهي ، بعد كون مقتضى العمومات الصحة واللزوم.
ثمَّ إن جواز الحل ـ أو التوقف على الاذن ـ ليس في اليمين بما هو يمين مطلقاً ـ كما
هو ظاهر كلماتهم ـ بل إنما هو فيما كان المتعلق منافياً لحق المولى أو الزوج ،
وكان مما يجب فيه طاعة الوالد إذا أمر أو نهى. وأما ما لم يكن كذلك فلا [٢] ، كما
إذا حلف المملوك أن يحج إذا أعتقه المولى أو حلفت الزوجة أن
______________________________________________________
[١] هذه الدعوى ـ أيضاً
ـ ذكرها في الجواهر ، قال في الرد على الرياض : « وثانياً : أنه قد يقال : إن ظاهر
قوله (ع) : « مع والده » نفيها مع معارضة الوالد ، إذ تقدير وجوده ليس أولى من
تقدير معارضته ، بل هذا أولى للشهرة والعمومات .. ». وفيه : ان الاسم الموضوع
للماهية إما أن يراد به نفس الماهية التي هي موضوع الوجود والعدم ، أو نفس الوجود.
فإن أريد به نفس الماهية في المقام تعين تقدير الوجود ، وإن أريد الماهية الموجودة
لم يحتج الى تقدير ، بل هو ممتنع إذ لا وجود للوجود ، وعند الدوران يتعين الثاني
بمقتضى الأصل. وحينئذ لا مقتضي لتقدير المعارضة ، والأصل عدمه. مع أن الشهرة لا
تصلح لتعيين الظهور.
[٢] هذه الدعوى
ذكرها في الجواهر ، وتبعه عليها المصنف (ره).
تحج إذا مات زوجها
أو طلقها ، أو حلفا أن يصليا صلاة الليل مع عدم كونها منافية لحق المولى أو حق
الاستمتاع من الزوجة ، أو حلف الولد أن يقرأ كل يوم جزءاً من القران ، أو نحو ذلك
مما لا يجب طاعتهم فيها للمذكورين ، فلا مانع من انعقاده. وهذا هو المنساق من الأخبار
، فلو حلف الولد أن يحج إذا استصحبه الوالد إلى مكة ـ مثلاً ـ لا مانع من انعقاده
، وهكذا بالنسبة إلى المملوك والزوجة. فالمراد من الاخبار : أنه ليس لهم أن يوجبوا
على أنفسهم باليمين ما يكون منافياً لحق المذكورين. ولذا استثنى بعضهم الحلف على
فعل
______________________________________________________
قال (ره) : «
فالمراد حينئذ من نفي اليمين مع الوالد في الفعل الذي يتعلق بفعله إرادة الولد
وتركه إرادة الوالد ، وليس المراد مجرد نهي الوالد عن اليمين .. ». فالمعارضة ـ التي
تقدم أنها المنساقة من النصوص ـ المعارضة في فعل المنذور وتركه ـ بأن نذر الولد
فعله ويريد الوالد تركه وبالعكس ـ لا في نفس إيقاع اليمين ، بأن يريد الولد
الإيقاع ويريد الوالد ترك الإيقاع. وما ذكره (ره) ـ كما أنه مخالف لظاهر كلماتهم ـ
مخالف لظاهر النصوص ، إذ المذكور في الحديث اليمين فهو مورد المعارضة. لا المحلوف
عليه ، كي يحتمل أنه مورد المعارضة ويحمل الكلام عليه.
مع أنه على هذا لا
يكون حكماً تأسيسياً ، فإن اليمين على تضييع حقوق الناس باطلة ، كما يستفاد مما ورد : « لا يمين في المعصية » ، فتكون هذه
الروايات مؤكدة له. ولا تختص بالزوجة مع زوجها ، فإنه أيضاً لا يمين للزوج مع
زوجته ـ بهذا المعنى الذي ذكره المصنف (ره) ـ
__________________
الواجب أو ترك
القبيح وحكم بالانعقاد فيهما [١] ، ولو كان المراد اليمين بما هو يمين لم يكن وجه
لهذا الاستثناء [٢].
______________________________________________________
ولا يمين لكل أحد
مع من له الحق ، كالراهن مع المرتهن ، والمفلس مع غريمه ، وغيرهم ممن لهم الحقوق.
وحمل الروايات على هذا المعنى من أبعد البعيد ، كما هو ظاهر.
[١] قال في
الشرائع : « ولا تنعقد من الولد مع والده إلا مع إذنه ، وكذا يمين المرأة والمملوك.
إلا أن يكون اليمين في فعل واجب أو ترك قبيح ». ونحوه : ما في غيره. وفي الجواهر :
جعل الاستثناء المذكور شاهداً لما ادعاه حسبما بينه المصنف (ره). وفي الرياض : «
ويمكن أن يوجه كلام الجماعة بما لا ينافي ما ذكرناه ، بأن يراد من الإحلال : جواز
الأمر بترك ما حلف على فعله أو فعل ما حلف على تركه ، ونفي جواز الإحلال بهذا
المعنى لا ينافي عدم انعقاد اليمين أصلاً ». وما ذكره (ره) لا يخلو من إشكال ، لأن
الحل بهذا المعنى ـ مع أنه خلاف الظاهر ـ لا يرفع الإشكال في العبارة التي كان
الاستثناء فيها من جواز الحل ، لا فيما كان الاستثناء من عدم الانعقاد بدون الإذن
، إذ الاستثناء فيها يقتضي الانعقاد في المستثنى فيرجع الإشكال.
[٢] أقول : لا
يتوجه الاستثناء على كلا القولين ، لأنه لو بني على ما ذكره في المتن لم يكن
للاقتصار في الاستثناء على ما كان في فعل الواجب وترك الحرام وجه ، بل كان اللازم
استثناء مطلق ما لم يكن فيه تفويت حق الغير وإن لم يكن على ترك حرام أو فعل واجب ـ
كالأمور التي ذكرها في المتن ـ فان اليمين فيها أيضاً مستثنى من عدم الانعقاد بدون
الاذن ، ولا وجه للاقتصار في الاستثناء على الموردين المذكورين. فالاستثناء يتوجه
عليه الاشكال على كل من القولين ، فلا يصلح قرينة على أحدهما.
هذا كله في اليمين
، وأما النذر فالمشهور بينهم أنه كاليمين في المملوك والزوجة ، وألحق
بعضهم بهما الولد أيضاً [١]. وهو مشكل ، لعدم الدليل عليه ـ خصوصاً في للولد ـ إلا القياس على اليمين ، بدعوى : تنقيح المناط.
وهو ممنوع. أو بدعوى : أن المراد من اليمين في الأخبار ما يشمل النذر ، لإطلاقه
عليه في جملة من الأخبار ، منها : خبران في كلام الامام (ع) [٢]. ومنها : أخبار في
كلام الراوي [٣]
______________________________________________________
[١] حكي ذلك عن
الإرشاد والدروس ، بل حكاه في الرياض عن جملة من كتب العلامة. وعن السيد في شرح
النافع : الاقتصار على المملوك واستظهر أيضاً من المسالك.
[٢] أحدهما : موثق سماعة : « إنما اليمين الواجبة ـ التي ينبغي
لصاحبها أن يفي بها ـ ما جعل لله تعالى عليه في الشكر إن هو عافاه من مرضه ، أو
عافاه من أمر يخافه ، أو رد عليه ماله ، أو رده من سفره ، أو رزقه رزقاً ، فقال :
لله علي كذا وكذا شكراً ، فهذا الواجب على صاحبه .. » . وثانيهما : خبر السندي بن محمد عن أبي عبد الله (ع)
قال : « قلت له :
جعلت على نفسي مشياً إلى بيت الله. قال (ع) : كفر عن يمينك ، فإنما جعلت على نفسك
يميناً ، وما جعلته لله فف به » .
[٣] وفي الرياض :
أنها مستفيضة ، وذكر فيه أربعة ، منها : رواية الحسن بن علي عن أبي الحسن (ع) ،
المتقدمة في اعتبار رجحان المنذور . ومنها : رواية
مسعدة بن صدقة قال : «
سمعت أبا عبد الله (ع) ـ وسئل
__________________
وتقرير الامام (ع)
له. وهو ـ أيضاً ـ كما ترى [١]. فالأقوى في الولد عدم الإلحاق [٢]. نعم في الزوجة
والمملوك لا يبعد الإلحاق باليمين [٣] ، لخبر
قرب الاسناد عن جعفر (ع)
______________________________________________________
عن
رجل يحلف بالنذر ، ونيته في يمينه التي حلف عليها درهم أو أقل ـ قال (ع) : إذا لم
يجعل لله فليس بشيء » ، وغيرهما.
[١] لأن الاستعمال
أعم من الحقيقة. وما في الرياض : من أن الاستعمال على وجه المجاز والاستعارة يدل
على المشاركة في الأحكام الشرعية ومنها : انتفاؤها عند عدم إذن الثلاثة. فيه : أنه
لا إطلاق في الاستعمال يدل على المشاركة في جميع الأحكام. ومثله : ما ذكره من
التأييد بالاستقراء والتتبع التام ، الكاشف عن اشتراك النذر واليمين في كثير من
الاحكام. فان الاستقراء ناقص. والاشتراك في كثير من الأحكام لا يجدي ما لم يكن في
جميعها. ومثله ما ذكره بقوله : « وبالجملة : بملاحظة جميع ما ذكرنا يظهر الظن
المعتمد عليه بصحة ما ذهب إليه الأكثر .. ». فإن الظن ـ على تقدير حصوله مما ذكر ـ
ليس بمعتمد ، ولا يدخل تحت أدلة الحجية ، لأنه لا يرجع إلى ظهور الكلام. فلاحظ.
[٢] كما في كشف
اللثام ، ومال إليه في الجواهر ، وهو ظاهر الشرائع وغيرها مما اقتصر فيه على ذكر
المملوك والزوجة. وفي الكشف : « وعن فخر الإسلام : أن أباه أفتى به بعد أن تصفح
كتب الحديث فلم يظفر بما يدل على مساواته لليمين .. ». وبناء على ما تقدم من
المصنف (ره) : من اختصاص محل الكلام بما كان منافياً لحق الوالد ، يكون التوقف على
إذنه مقتضى القاعدة ، ولا يحتاج الى الاستدلال عليه بما ذكر ، ولا وجه لتقوية
العدم.
[٣] قد عرفت أنه ـ
بناء على ما سبق منه : من اختصاص النصوص
__________________
عن
أبيه (ع) : « ان علياً (ع) كان يقول : ليس
على المملوك نذر إلا بإذن مولاه » [١] ، وصحيح
ابن سنان عن الصادق 7 [٢] : « ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق ، ولا
صدقة ، ولا تدبير ، ولا هبة ، ولا نذر في مالها إلا بإذن
______________________________________________________
الواردة في اليمين
بما يكون منافياً لحقوق الزوج والسيد ـ لا يحتاج إلى تكلف الاستدلال على الإلحاق
بما ذكر ، لأن النصوص المذكورة واردة على حسب مقتضى القاعدة التي لا فرق فيها بين
اليمين والنذر ، كما لا يخفى. نعم بناء على ما هو ظاهر الأصحاب : من عموم النصوص
لما يكون منافياً لحق الزوج والسيد وغيره ، يحتاج حينئذ إلى الاستدلال على الإلحاق
بما ذكر. بل في المملوك لا يحتاج إليه أيضا ، لأن ما دل على قصور سلطنته وولاية
المالك عليه يقتضي عدم نفوذ نذره ، كغيره من التصرفات الإيقاعية ، كطلاقه ، ونكاحه
، وبيعه ، وغيرها. وقد استدل الامام (ع) على عدم صحة طلاق العبد بغير إذن مولاه بقوله تعالى : ( عَبْداً
مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ .. ) ، وكذا في المقام. فلاحظ.
[١] رواه عبد الله
بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد ، عن الحسن بن ظريف ، عن الحسين بن علوان ،
عن جعفر (ع) .
[٢] رواه الصدوق
والشيخ بأسانيد صحيحة » عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله (ع) .
__________________
زوجها. إلا في حج ،
أو زكاة ، أو بر والديها ، أو صلة قرابتها » [١]. وضعف الأول [٢] منجبر بالشهرة
[٣]. واشتمال الثاني على مالا نقول به لا يضر. ثمَّ هل الزوجة تشمل المنقطعة أولا؟ وجهان [٤]. وهل الولد يشمل ولد الولد
______________________________________________________
[١]. كذا في بعض
طرق الحديث ، وفي بعضها : « أو صلة رحمها » .
[٢] الضعف في سند
الأول : من جهة الحسين بن علوان ، لأنه من المخالفين ، ولم يثبت توثيقه. أما الحسن
بن ظريف فثقة.
[٣] لم يثبت
اعتماد المشهور عليه في فتواهم ، بل الظاهر أنه كان اعتمادهم على عموم : « لا يمين
للمملوك مع مولاه ». ولذا كان بناؤهم على ثبوت الحكم في الولد. نعم مضمون الخبر
موافق لفتوى المشهور. لكن الموافقة لفتوى المشهور لا تجدي في جبر الضعف. هذا
مضافاً إلى ما عرفت : من أن ما دل على قصور ولاية العبد كاف في بطلان نذره. فكيف
يمكن دعوى اعتماد المشهور عليه؟!
[٤] في الرياض : «
ينبغي القطع باختصاص الحكم فيها بالدائم دون المتعة » لعدم تبادرها منها عند
الإطلاق. مضافاً إلى قوة احتمال كون صدقها عليها على سبيل المجاز دون الحقيقة ».
وفيه : ما لا يخفى ، إذ لا ريب في كونها زوجة كالدائمة ، وإن فارقت الدائمة في بعض
الاحكام. بل التحقيق : أن الزوجية المنقطعة عين الزوجية الدائمة ، والانقطاع جاء
من قبل الشرط في ضمن العقد ـ كما اختاره في الجواهر ـ لا أنه داخل في مفهوم
الزوجية الانقطاعية ، فيكون من قبيل الفصول المميزة بينها وبين الدائمية ، كما
اختاره شيخنا الأعظم (ره). وقد أشرنا إلى ذلك في ( نهج الفقاهة ) في بعض مباحث
المعاطاة. فراجع. كما أن دعوى الانصراف
__________________
أو لا؟ كذلك وجهان
[١]. والأمة المزوجة عليها الاستئذان من الزوج والمولى ، بناء على اعتبار الاذن
[٢]. وإذا أذن المولى للمملوك أن يحلف أو ينذر الحج لا يجب عليه إعطاء ما زاد عن نفقته الواجبة عليه من مصارف الحج [٣]. وهل عليه
تخلية سبيله لتحصيلها أو لا؟ وجهان [٤]. ثمَّ على القول بأن لهم الحل ، هل يجوز مع
حلف الجماعة التماس المذكورين
______________________________________________________
بنحو يعتد به في
رفع اليد عن الإطلاق ممنوعة.
[١] وفي الرياض
ذكر أن الأول لا يخلو من قرب ، ونسب إلى الدروس : الجزم به. ولكنه غير ظاهر ،
والخروج عن عموم الأدلة المقتضية للصحة بدون الاذن لا مقتضي له.
[٢] لعموم الأدلة
بناء عليها ، كما سبق.
[٣] إذ لا مقتضي
لذلك. ولو شك فالأصل البراءة.
[٤] أوجههما الأول
، لأن الإذن في الشيء إذن في لوازمه ، وبعد الاذن يسقط حقه في المنع. وعليه يجوز
له أن يؤجر نفسه بأجرة ثمَّ يصرفها في سبيل الحج. فان قلت : الأجرة ملك للمولى
كسائر أمواله ، فكيف يجوز له التصرف فيها ولا يجوز له التصرف في سائر أموال المولى؟!.
وحينئذ يتعين صرف نفس المنفعة في الحج ، فإن أمكنه الحج فهو ، وإلا بطل النذر
بتعذر المنذور. قلت : لا فرق بين المنفعة والعين في أنهما ملك للمولى ، وأنه لا
يجوز التصرف فيهما بغير إذن ويجوز مع الاذن ، فاذا كان الاذن في الحج إذناً من
المولى في التصرف في ماله وجب عليه ذلك ، وليس للمولى منعه عنه.
والتحقيق : أن
الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين. الأول : في أن إذن المولى في النذر إذن في
صرف ماله في سبيل المنذور. ولا ريب
في حل حلفهم أم لا؟
وجهان [١].
______________________________________________________
في أن قاعدة : أن
الاذن في الشيء إذن في لوازمه قاعدة ظاهرية يبنى عليها ما لم تقم حجة على خلافها
، فإذا أذن مالك الدار في الصلاة في داره ، وكان يترتب على الصلاة بعض التصرفات
فقد أذن في ذلك ، ومرجعها إلى الأخذ بإطلاق الإذن ما لم تقم قرينة أو ما يصلح
للقرينية على خلافها. وعليه إذا شك في إذن المولى في سعي العبد وتحصيله المال
المحتاج إليه في الحج يجوز له السعي اعتماداً على الاذن الظاهرية المستفادة من
الاذن في الحج. بل لو فرض أن العبد عاجز عن تحصيل المال ، وأذن له المالك في النذر
فقد أذن له في أخذ مال المولى الذي في يده وصرفه في الحج.
الثاني : في أنه
لو أذن المولى في نذر الحج وفي أخذ المال الذي في يده إذناً صريحاً ، أو أذن له في
التكسب وصرف الربح في الحج المنذور ، فهل له العدول عن الاذن فيكون المنذور
متعذراً ويبطل النذر ، أو ليس له العدول؟ وقد عرفت فيما سبق : أنه لا مانع من
العدول ، وحينئذ لا مانع من منع المولى عبده عن التكسب وصرف الربح في الحج حتى لو
كان قد أذن له في ذلك. وعليه يتعذر على العبد العمل بالنذر فيبطل. نعم لو أجر نفسه
للخدمة في مقابل أن يحج به المستأجر فقد صحت الإجارة ، لأنها بإذن المولى ، فلا
مجال للعدول عن الاذن بعد وقوع الإجارة عن الاذن ، فينحصر العمل بالنذر في هذه
الصورة لا غيرها. نعم قبل وقوع الإجارة المذكورة لا مانع من عدول المولى عن الاذن
، فيمنعه عن إيقاع الإجارة المذكورة. بل في الصورة السابقة لما كان الإحجاج عوضاً
عن الخدمة ـ التي هي ملك المولى ـ كان ملكاً للمولى ، فيمكنه إسقاطه عن المستأجر
ومنع العبد عن التصرف فيه.
[١] أوجههما الأول
، لأصالة البراءة من الحرمة.
( مسألة ٢ ) : إذا كان الوالد كافراً ففي شمول الحكم له وجهان ، أوجههما العدم. للانصراف ،
ونفي السبيل [١].
( مسألة ٣ ) : هل المملوك المبعض حكمه حكم القن أو لا؟ وجهان ، لا يبعد الشمول [٢]. ويحتمل
عدم توقف حلفه على الاذن في نوبته في صورة المهاياة [٣]. خصوصاً إذا كان وقوع
المتعلق في نوبته.
______________________________________________________
[١] لأن المنصرف
من الدليل : أن ذلك تكريم للأب ، والكافر لا يستحق ذلك. وأما آية نفي السبيل
فظاهرة ـ بمناسبة ما قبلها من قوله تعالى : ( فَاللهُ يَحْكُمُ
بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ .. ) ـ في أنها في أمور الآخرة ، فلا تكون مما نحن فيه.
[٢] لإطلاق أدلة
نفي سلطنة العبد. وإن كان لا يخلو من إشكال ، لاحتمال انصرافه الى غير المبعض ، بل
هو قريب ، والمرجع فيه عموم قاعدة السلطنة. لكن الظاهر أنه لا إشكال عندهم في نفي
السلطنة المطلقة عنه.
[٣] هذا الاحتمال
موافق لقاعدة السلطنة التي قد عرفت أنها المرجع عند الشك. لكن يشكل : بأن المهاياة
تقتضي اختصاص المنافع التي تكون في نوبة المالك بالمالك ، فقاعدة سلطنة المالك
عليها تقتضي المنع من التصرف فيها بغير إذنه ، وهي غير سلطنته على العبد المنتفية
في نوبته. ( وبالجملة ) : عدم صحة النذر تارة : لعدم سلطنة العبد على تصرفه من حيث
قيامه به ، وأخرى : من حيث تعلق التصرف بمال غيره. فاذا نذر في نوبته ما يتعلق
بنوبة المولى ، فمن حيث كونه نذراً صادراً من العبد في نوبته يكون تحت سلطانه ،
ومن حيث كونه متعلقاً بما في نوبة المولى لا يكون تحت سلطانه ، فلا ينفذ. نعم إذا
كان النذر في نوبة العبد ومتعلقاً بما في نوبته لم يكن مانع من
__________________
( مسألة ٤ ) : الظاهر عدم الفرق في الولد بين الذكر والأنثى [١] ، وكذا في المملوك والمالك
[٢]. لكن لا تلحق الأم بالأب [٣].
______________________________________________________
نفوذه ، إذ لا
سلطان لغيره عليه ، لا في نذره ولا في متعلق نذره. نعم يتوقف ذلك على دليل يدل على
استقلاله في نوبته وبما في نوبته ، فان ثمَّ كان نذره نافذاً.
[١] لعموم الولد
للجميع. قال الله تعالى : ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي
أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ .. ) .
[٢] الظاهر أنه لا
إشكال فيه ، ولم يتعرض في كلام أحد للخلاف فيه كما تعرضوا للخلاف في عموم الحكم
للأم. وكأنه لعموم المملوك والمالك للذكر والأنثى ، لأن المالكية والمملوكية قائمة
بالنفس ، وهي لا تقبل الذكورة والأنوثة. أو لأن المناط الملكية وهي مشتركة. وكلا
الوجهين لا يخلو من إشكال ، ضرورة صحة قولنا : « زيد مالك ، وزينب مالكة » ، ولا
يقال : « زينب مالك ». وكذا الكلام في المملوك والمملوكة. وأما دعوى اشتراك المناط
فغير معلومة. مع أنه لا فرق بينها وبين الوالد والوالدة. فالعمدة ـ إذاً ـ ظهور
التسالم على الحكم. مع أنه سبق في النذر : أن الحكم في المملوك على القاعدة لقصور
سلطنته ، ولا يفرق فيه بين الذكر والأنثى.
[٣] كما نص على
ذلك في الرياض ، لاختصاص النص والفتوى بالوالد ، وهو غير شامل للأم. نعم بناء على
ما تقدم من المصنف (ره) ـ تبعاً للجواهر ـ من اختصاص النصوص بما كان منافياً لحق
المولى والزوج ، وكان مما تجب فيه إطاعة الوالدين يتعين الإلحاق. لأن النصوص حينئذ
تكون واردة على مقتضى القاعدة. فكأن كلام المصنف (ره) مبني على
__________________
( مسألة ٥ ) : إذا نذر أو حلف المملوك بإذن المالك ، ثمَّ انتقل إلى غيره بالإرث أو البيع
أو نحوه ـ بقي على لزوم [١].
( مسألة ٦ ) : لو نذرت المرأة أو حلفت حال عدم الزوجية ثمَّ تزوجت ، وجب عليها العمل به [٢]
وإن كان منافياً للاستمتاع بها ، وليس للزوج منعها من ذلك الفعل ،
______________________________________________________
ما هو ظاهر كلمات
الأصحاب. فلاحظ.
[١] الكلام فيه
تارة : فيما يكون منافياً لحق المولى ، وأخرى : في غيره. أما الثاني فالحكم فيه
ظاهر ، لأنه مقتضى الاستصحاب. أو مقتضى العموم الأزماني الثابت لدليل اللزوم.
وإطلاق ما دل على اعتبار إذن السيد مختص بالسيد حال النذر ، فلا يشمل السيد بعده
كي يقتضي اعتبار إذنه. وأما الأول فقد يشكل من جهة : أن السيد الوارث أو المشتري
تثبت له الاحكام كما تثبت للموروث والبائع ، فإذا نهى العبد عن العمل بالنذر
لمنافاته لحقه وجب على العبد إطاعته ، فيبطل النذر لأنه نذر للمعصية.
ويعارض ذلك : أن
وجوب اطاعة المولى يختص بغير الواجب ، فاذا صح النذر وجب المنذور ولم تجز اطاعة
المولى في تركه. وقد تقدم نظير ذلك في الفصل السابق في المسألة الثانية والثلاثين
، وتقرر هناك : أنه إذا تعارض تكليفان ، بحيث إذا ثبت أحدهما رفع موضوع الآخر ،
كان العمل على السابق منهما زماناً دون اللاحق.
[٢] الصورتان
المتقدمتان في المسألة الخامسة أيضاً آتيتان في هذه المسألة ، فتارة : تنذر مالا
ينافي حق الزوج ، وأخرى : تنذر ما ينافيه. ففي الأولى يجب عليها العمل بالنذر ،
لإطلاق دليل وجوب العمل بالنذر ، أو استصحابه. والزوج الثاني لا يشمله قوله (ع) : « لا يمين للمرأة مع
كالحج ونحوه بل
وكذا لو نذرت أنها لو تزوجت بزيد ـ مثلاً ـ صامت كل خميس ، وكان المفروض أن زيداً
أيضاً حلف أن يواقعها كل خميس إذا تزوجها ، فان حلفها أو نذرها مقدم على حلفه وإن
كان متأخراً في الإيقاع لأن حلفه لا يؤثر شيئاً في تكليفها [١]. بخلاف نذرها ،
فإنه يوجب الصوم عليها ، لأنه متعلق بعمل نفسها ، فوجوبه عليها يمنع من العمل بحلف
الرجل.
______________________________________________________
زوجها
» ، لاختصاصها بالزوج حال النذر ، ولا يشمل الثاني. وأما
الثانية فقد يشكل فيها الأخذ بالنذر بدعوى : مرجوحية متعلقه حين وقوعه ، فيبطل.
وقد عرفت جوابه ، فان المسألتين من باب واحد.
[١] من المعلوم أن
حلف الزوج موجب لتوجه الخطاب اليه بوجوب العمل ، لا أنه يوجب توجه الخطاب إليها ،
ففرضه لا يوجب اختلاف حكم هذه المسألة عن سابقتها. وحينئذ يرجع إلى حكم المسألة
السابقة ، فيقال : يتعارض فيها خطاب وجوب العمل بالنذر وخطاب وجوب إطاعة الزوج ،
ولما كان الأول سابقاً زماناً كان دليله مقدماً في الحجية على الثاني ، لأنه رافع
لموضوع الثاني ، وإذا ارتفع وجوب إطاعة الزوج عنها فكانت لا تجب عليها إطاعته ،
كان نذر الزوج باطلا ، لتعلقه بغير المشروع.
وبالجملة : نذر
الزوج ونذر الزوجة إن صحا اقتضيا خطابين متوجهين إلى شخصين لا إلى شخص واحد ، ولما
لم يكونا متوجهين الى شخص واحد لا مجال لتوهم المعارضة بين دليليهما ، كي يهتم في
تعيين المقدم منهما على الآخر ، فيدعى أن دليل المتقدم زماناً مقدم على دليل
المتأخر. والخطابان
__________________
______________________________________________________
المتعارضان في هذه
المسألة أيضاً هما وجوب العمل بالنذر ، ووجوب إطاعة الزوج ، فيجري الكلام السابق
فيهما ، وتكون النتيجة تقديم دليل الأول ـ لسبقه زماناً ـ على دليل الثاني ، فإذا
سقط الثاني لم يكن لنذر الزوج مجال لأنه متعلق بغير المشروع. ومن ذلك يظهر أن المناسب
في التعبير : أن يقال ـ بدل قوله : « فوجوبه عليها يمنع .. » ـ هكذا : « فوجوبه
عليها يمنع الرجل أن يعمل بحلفه » ، لا أنه يمنع الزوجة من العمل بحلف الرجل ، لأن
المفروض أن حلف الرجل لا يوجب تكليفاً للزوجة ، ولا عملا عليها. فلاحظ.
ثمَّ إنه قد
يستشكل في صحة نذر الزوجة الصوم إذا تزوجت ، لأنها إذا تزوجت وجب عليها إطاعة
الزوج ، وحينئذ يكون نذرها الصوم إذا تزوجت راجعاً إلى نذر تفويت حق الزوج. نظير
ما إذا نذرت أنها إذا تزوجت منعت الزوج عن حقه ، فيكون باطلا لعدم مشروعية المنذور.
ولأجله يشكل نذرها الصوم من دون تقييد بالتزويج ، فلا يجوز العمل به إذا تزوجت على
كل حال. لأنها إذا نذرته مطلقاً جاء فيه الاشكال المذكور ، لأنه إذا فرض أنه لا
يصح النذر المقيد لا يصح النذر المطلق. فاذا نذرت الصوم غير مقيد بتقدير الزوجية ،
فان أخذ مطلقاً فهو ممتنع ، لأن امتناع المقيد يوجب امتناع المطلق الشامل له ،
وإذا أخذ مهملا لم يشمل حال التزويج ، فلا يجب العمل به إذا تزوجت. وإن أخذ مقيداً
بغير حال التزويج كان صحيحاً ، لكن لا يجب العمل به إذا تزوجت لفوات القيد المقيد
به النذر.
بل من ذلك يظهر
الإشكال في نذر زيارة الحسين (ع) يوم عرفة لمن استطاع بعد ذلك ، لأنه أيضاً إذا
نذرها على تقدير الاستطاعة ـ بأن قال : « لله علي إذا استطعت أن أزور يوم عرفة » ـ
كان نذراً لغير
( مسألة ٧ ) : إذا نذر الحج من مكان معين ـ كبلدة ، أو بلد آخر معين فحج من غير ذلك المكان
لم تبرء ذمته ووجب عليه ثانياً. نعم لو عينه في سنة ، فحج في تلك السنة من غير ذلك
المكان وجب عليه الكفارة ، لعدم إمكان التدارك ولو نذر أن يحج من غير تقييد بمكان
، ثمَّ نذر نذراً آخر أن يكون ذلك الحج من مكان كذا ، وخالف فحج من غير ذلك المكان
، برئ من النذر الأول ، ووجب عليه الكفارة لخلف للنذر الثاني. كما أنه لو نذر أن
يحج حجة الإسلام من بلد كذا فخالف ، فإنه يجزيه عن حجة الإسلام ، ووجب عليه
الكفارة لخلف النذر [١].
______________________________________________________
المشروع ، لأنه
على تقدير الاستطاعة يجب عليه الحج ، فلا يجوز له تفويته بالزيارة ، فلا يصح نذرها
، وإذا لم يصح النذر مقيداً بتقدير الاستطاعة لم يصح النذر مطلقاً ، وإذا نذرها
نذراً مهملا أو مقيداً بغير الاستطاعة لم يجب العمل به على تقدير الاستطاعة. وفيه
: أن الجواب المتقدم أيضاً آت هنا ، فان النذر على تقدير الاستطاعة إنما يكون
نذراً لغير المشروع إذا تقدم دليل وجوب الحج ، أما إذا سقط بارتفاع موضوعه بسبق
النذر فلا يكون نذراً لغير المشروع. ومثله الكلام في نذر الزوجة. فلاحظ ، وتأمل.
[١] قد تقدم ـ في
مواضع من هذا الشرح ـ الكلام في نظير المسألة وحاصله : أن وجود حج الإسلام إن أخذ
شرطاً للنذر فمع سقوطه بالأداء لا مجال للكفارة إذ لا حنث ، وإن أخذ قيداً للمنذور
وجب تحصيله. فيرجع قوله : « لله علي أن أحج حج الإسلام من بلد كذا » إلى قوله : «
لله علي أن لا أحج إلا من بلد كذا » ، لأن وجوب المحافظة على حصول قيد
( مسألة ٨ ) : إذا نذر أن يحج ولم يقيده بزمان ، فالظاهر جواز التأخير إلى
ظن الموت أو الفوت [١] ، فلا يجب عليه المبادرة ، إلا إذا كان هناك انصراف ، فلو
مات قبل الإتيان به ـ في صورة جواز التأخير ـ لا يكون عاصياً. والقول
______________________________________________________
المنذور يقتضي
المنع من حصوله ، لئلا يعجز عن أداء المنذور المؤدي الى تركه ، فاذا حج من غير
البلد المعين حج الإسلام فقد فوت الموضوع وعجز نفسه عن أداء المنذور. وهذا التعجيز
حرام عقلا ، فيكون تجرياً ، فلا يصح التعبد به ، فاذا بطل ـ لفوات التقرب ـ بقي
النذر بحاله ، فيجب الإتيان بالمنذور بعد ذلك وحينئذ لا تجب الكفارة ، لأن الكفارة
إنما تجب بترك المنذور ، لا بمجرد التجري في تركه وتفويته ، الحاصل بالاقدام على
إفراغ الذمة عن حجة الإسلام. فراجع ما كتبناه في شرح مسألة : ما لو نذر أن يصلي
جماعة. هذا كله مع العمد ، وأما مع السهو فلا ينبغي الإشكال في صحة الحج وعدم
الكفارة.
[١] قال في
المسالك : « لا خلاف في جواز تأخير المطلق ، إلا أن يظن الوفاة. سواء حصل مانع أم
لا .. ». وقال في المدارك : « قد قطع الأصحاب : بأن من نذر الحج مطلقاً يجوز له
تأخيره إلى أن يتضيق الوقت بظن الوفاة. ووجهه واضح ، إذ ليس في الأدلة النقلية ما
يدل على اعتبار الفورية. والأمر المطلق إنما يدل على طلب الماهية من غير إشعار
بفور ولا تراخ ، كما بيناه مراراً .. ». وفي كشف اللثام : عن التذكرة : أن عدم
الفورية أقوى. فاحتمال الفورية إما لانصراف المطلق إليها ، كما قيل في الأوامر
المطلقة. أو لأنا إن لم نقل بها لم يتحقق الوجوب لجواز الترك ما دام حياً. أو لضعف
ظن الحياة هنا ، لأنه إذا لم يأت به في عام لم يمكنه الإتيان به إلا في عام آخر.
ولإطلاق بعض الأخبار الناهية عن
بعصيانه ـ مع تمكنه
في بعض تلك الأزمنة وإن جاز التأخير ـ لا وجه له [١]. وإذا قيده بسنة معينة لم يجز التأخير مع فرض. تمكنه في تلك
السنة ، فلو أخر عصى [٢] ، وعليه القضاء والكفارة [٣] ، وإذا مات وجب قضاؤه عنه.
كما أن في
______________________________________________________
تسويف الحج.
أقول : الوجوه
المذكورة كلها ضعيفة. لمنع الانصراف. وجواز الترك ما دام حياً ـ لو سلم ـ فهو
ظاهري لا ينافي الوجوب الواقعي. على أنه قد يحصل الظن بالفوات في الأثناء فلا يجوز
الترك حينئذ. مع أن هذا الاشكال ـ لو تمَّ ـ اقتضى المنع من الموسع ـ موقتاً كان
أم لا ـ لاطراد ما ذكر فيه. ومنع ضعف ظن الحياة هنا دائماً. وإطلاق بعض الأخبار
منصرف إلى حج الإسلام ، ولا يشمل الحج النذري ، بل هو تابع للنذر من حيث الإطلاق
والتقييد. فالعمدة في الاشكال : أن النذر إذا كان مستوجباً حقاً لله تعالى كان
تأخير الحق بغير إذن ذي الحق حراماً. ولذلك ذكروا أن إطلاق البيع والإجارة ونحوهما
يقتضي التعجيل.
[١] قال في
الجواهر : « وقد يقال باستحقاقه العقاب بالترك تمام عمره ، مع التمكن منه في بعضه
، وإن جاز له التأخير إلى وقت آخر يظن التمكن منه. فان جواز ذلك له ـ بمعنى عدم
العقاب عليه لو اتفق حصول التمكن له في الوقت الثاني ـ لا ينافي استحقاق عقابه لو
لم يصادف بالترك في أول أزمنة التمكن .. ». وكأن هذا منه مبني على أن العقاب تابع
للواقع لا للإقدام على المخالفة. وهو كما ترى.
[٢] لأن نذر
المقيد يقتضي وجوب الإتيان بالمقيد ، فتركه عمداً عصيان حرام.
[٣] في الجواهر :
« بلا خلاف أجده فيه ، بل هو مقطوع به في
صورة الإطلاق إذا
مات ـ بعد تمكنه منه. قبل إتيانه ـ وجب القضاء عنه. والقول بعدم وجوبه [١] ، بدعوى
: أن القضاء بفرض جديد ، ضعيف لما يأتي. وهل الواجب القضاء
______________________________________________________
كلام الأصحاب ،
كما اعترف به في المدارك .. ». وأشكل عليه في المدارك : بأن القضاء يحتاج إلى أمر
جديد ، وهو مفقود. وإشكاله في محله ، والأصل البراءة من وجوبه. ولا مجال للاستصحاب
في المقام ونحوه ، مما كان للقضاء وقت معين ينفصل عن وقت الأداء. ووجوب إخراجه من
الأصل أو من الثلث لو كان منذوراً نذراً مطلقاً ، لا يقتضي وجوب القضاء عليه في
الموقت في حياته ، ولا إخراجه من تركته بعد وفاته ، لأن المقيد يتعذر الإتيان به
فلا مجال لإخراجه إلا بدليل. وما يأتي من تقريب إخراج الحج من أصل المال إنما يجري
في النذر المطلق لا المقيد ، لأنه يفوت بفوات وقته ، وما يؤتي به في غير وقته
مباين له. فالعمدة ـ إذاً ـ في وجوب القضاء : هو الإجماع ، كما عرفت من المدارك
والجواهر ، وهو ظاهر غيرهما. فان وجوب القضاء بعد الوقت مذكور في كلامهم ، ومرسل
فيه إرسال المسلمات. وأما الكفارة فلمخالفة النذر.
[١] ذكر ذلك في
المدارك قال : « أما وجوب قضائه من أصل التركة إذا مات بعد التمكن من الحج فمقطوع
به في كلام أكثر الأصحاب. واستدلوا عليه بأنه واجب مالي ثابت في الذمة ، فيجب
قضاؤه من أصل ماله كحج الإسلام. وهو استدلال ضعيف ، أما أولا : فلأن النذر إنما
اقتضى وجوب الأداء ، والقضاء يحتاج إلى أمر جديد ـ كما في حج الإسلام ـ ، وبدونه
يكون منفياً بالأصل السالم عن المعارض. وأما ثانياً : فلمنع كون الحج واجباً
مالياً ، لأنه عبارة عن المناسك المخصوصة ، وليس بذل المال داخلا في ماهيته ولا من
ضرورياته. وتوقفه عليه في بعض الصور كتوقف
من أصل التركة ،
أو من الثلث؟ قولان ، فذهب جماعة إلى القول بأنه من الأصل [١] ، لأن الحج واجب
مالي ، وإجماعهم قائم على أن الواجبات المالية تخرج من الأصل. وربما يورد عليه
بمنع كونه واجباً مالياً ، وإنما هو أفعال مخصوصة بدنية وإن كان قد يحتاج الى بذل
المال في مقدماته ، كما أن الصلاة أيضاً قد تحتاج إلى بذل المال في تحصيل الماء
والساتر والمكان ونحو ذلك [٢]. وفيه : أن الحج في الغالب محتاج الى بذل المال [٣]
، بخلاف الصلاة وسائر العبادات البدنية ، فإن كان هناك إجماع أو غيره على أن
الواجبات المالية من الأصل يشمل الحج قطعاً. وأجاب صاحب الجواهر ـ ; ـ بأن المناط
______________________________________________________
الصلاة عليه في
بعض الوجوه ، كما إذا احتاج الى شراء الماء ، أو استئجار المكان والساتر ، ونحو
ذلك ، مع القطع بعدم وجوب قضائها من التركة. وذهب جمع من الأصحاب إلى وجوب قضاء
الحج المنذور من الثلث. ومستنده غير واضح أيضاً .. ». وظاهره التوقف في أصل وجوب
القضاء ، وتبعه على ذلك في كشف اللثام والذخيرة والمستند وغيرها. وسيأتي الإشكال
فيه.
[١] حكى هذا القول
في كشف اللثام عن السرائر ، وإطلاق المقنعة والخلاف ، واختاره في الشرائع.
[٢] تقدم هذا
الإيراد في المدارك.
[٣] لكن ذلك لا
يكفي في كونه واجباً مالياً ، لأن صرف الطبيعة ـ الذي هو موضوع الوجوب ـ ليس
موقوفاً على المال ، فضلا عن أن يكون واجباً مالياً.
في الخروج من
الأصل كون الواجب ديناً ، والحج كذلك ،
______________________________________________________
وتفصيل المقام :
أن الواجبات التي تكون في الذمة تارة : لا تكون المالية ملحوظة فيها أصلا ، مثل
الواجبات العبادية الأصلية التي وجبت لمصالح اقتضت وجوبها ، كالصوم ، والصلاة ،
والحج ، والجهاد ، ونحوها. وأخرى : تكون المالية ملحوظة فيها. وهذه على قسمين :
الأول : ما يكون اشتغال الذمة فيه منتزعاً من غير التكليف ، ويكون ذلك الاشتغال
موضوعاً لوجوب الأداء ، مثل وجوب أداء الدين ، ووجوب أداء نفقة الزوجة ، ووجوب
أداء الزكاة إذا كان النصاب قد تلف مضموناً على المالك. فان وجوب الدفع وإن اشتغلت
به الذمة لكنه منوط باشتغالها بالمال ، وذلك الاشتغال منتزع من أمر آخر غير وجوب
الأداء. الثاني : ما يكون الاشتغال منتزعاً فيه من وجوب الأداء لا غير ، مثل وجوب
أداء نفقة الأقارب.
أما الأول فلا
ينبغي التأمل في أن مقتضى العمومات عدم وجوب إخراجها من الأصل ، لأن الذي تضمنته
العمومات إخراج الدين ، والظاهر من الدين المال الذي تشتغل به الذمة للغير اشتغالا
وضعياً ، وقد عرفت أن العبادات البدنية ليست مالا ولم تشتغل بها الذمة اشتغالا
وضعياً ، فلا تكون ديناً. وقد تقدم من المدارك : القطع بعدم وجوب إخراجها من الأصل
، وفي الرياض : « لا خلاف في أنها تخرج من الثلث ، مرسلين له إرسال المسلمات .. ».
وأما الثاني فلا ينبغي التأمل في وجوب إخراجه من الأصل لعموم الدين. وأما الثالث
ففيه تأمل وإشكال ، ينشأ من عدم العموم المقتضي لإخراجه من الأصل. ومن الإجماع
المدعى على أن الواجبات المالية تخرج من الأصل. لكن في جواز الاعتماد على دعوى
الإجماع المذكورة تأمل ، بل منع.
هذا وقد يشكل
الحال في جملة من الموارد من حيث أنها من القسم
فليس تكليفاً
صرفاً ـ كما في الصلاة والصوم ـ بل الأمر به جهة وضعية [١]. فوجوبه على نحو
الدينية ، بخلاف سائر العبادات البدنية ، فلذا يخرج من الأصل ، كما يشير اليه بعض
______________________________________________________
الثاني أو الثالث
، مثل : وجوب الفدية على من أفطر لعذر ولم يتمكن من القضاء ـ كالمريض المستمر به
المرض من رمضان الى رمضان الثاني ـ أو تمكن من القضاء وأهمله ، أو كان شيخاً أو
شيخة ، أو ذا عطاش أو غيرهم. فان وجوب الفداء هل هو من باب وجوب أداء ما في الذمة
فيكون من القسم الثاني أو وجوب ابتدائي فيكون من القسم الثالث؟ وكذا فداء المحرم
إذا ارتكب بعض المحرمات في الإحرام ، فإنه يحتمل أن يكون المال في الذمة ويجب
أداؤه ، ويحتمل أن لا يكون إلا وجوب الأداء لا غير. وإن كان الظاهر من الأدلة في
أمثال ذلك أنه من القسم الثاني ، فيجب إخراجها من الأصل.
وأما الكفارة
المحيرة على من أفطر في شهر رمضان عمداً ، وكفارة الجمع ، فالظاهر أنهما قسم برأسه
، فلا يدخل في واحد من الأقسام المذكورة. ولا دليل على إخراجهما من الأصل.
[١] لم يتضح الوجه
في ذلك إلا من جهة ما عرفت : من أن دليل التشريع كانت العبارة فيه هكذا : ( لِلّهِ
عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ .. ) ، وظاهرها أن اللام للملك ، فيكون الحج مملوكاً لله سبحانه على الناس ، فيكون
حينئذ من قبيل القسم الثاني. هذا بالنسبة إلى حج الإسلام أما بالنسبة إلى الحج
المنذور فأظهر ، لما عرفت مراراً ، من أن صيغة النذر مفادها جعل المنذور لله
سبحانه وتمليكه إياه ، فيكون من قبيل القسم الثاني. هذا ولو كان المراد من عبارة
الجواهر ذلك كان المتعين التعبير بغير تلك العبارة مما هو أخصر وأوضح.
__________________
الأخبار الناطقة
بأنه دين ، أو بمنزلة الدين [١]. قلت : التحقيق أن جميع الواجبات الإلهية ديون لله
تعالى ، سواء كانت مالاً ، أو عملاً مالياً ، أو عملاً غير مالي. فالصلاة والصوم
أيضا ديون لله ، ولهما جهة وضع ، فذمة المكلف مشغولة بهما [٢]. ولذا يجب قضاؤهما ،
فإن القاضي يفرغ ذمة نفسه أو ذمة الميت. وليس القضاء من باب التوبة ، أو من باب
الكفارة ، بل هو إتيان لما كانت الذمة مشغولة به. ولا فرق بين كون الاشتغال بالمال
أو بالعمل ، بل مثل قوله : « لله علي أن أعطي زيداً درهماً » دين إلهي لا خلقي [٣].
______________________________________________________
[١] في صحيح ضريس : « إنما هو مثل دين عليه » ، وفي حسن معاوية : « إنه بمنزلة الدين الواجب » ، وفي
رواية الحارث بياع الأنماط : «
إنما هي دين عليه » . والأول يأتي ، والأخيران
واردان فيمن أوصى أن يحج عنه.
[٢] قد عرفت أن
الاشتغال تارة : ينتزع من التكليف ويكون مترتباً عليه ، وأخرى : منتزعاً من أمر
آخر غير التكليف ويكون التكليف متفرعاً عليه. فالدين الذي يخرج من الأصل يختص
بالقسم الثاني ولا يشمل القسم الأول ، فنفس الاشتغال ـ في الجملة ـ لا يقتضي الحكم
بالدينية ولا الإخراج من الأصل.
[٣] هذا مما لا
ينبغي الإشكال فيه ، وحينئذ يصدق الدين. وكان على المصنف هذا التقرير بالنسبة إلى
قوله تعالى : ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ
__________________
فلا يكون الناذر
مديوناً لزيد ، بل هو مديون لله بدفع الدرهم لزيد ، ولا فرق بينه وبين أن يقول : «
لله علي أن أحج أو أن أصلي ركعتين » ، فالكل دين الله ، ودين الله أحق أن يقضى ،
كما في بعض الأخبار. ولازم هذا كون الجميع من الأصل. نعم إذا كان الوجوب على وجه
لا يقبل بقاء شغل الذمة به بعد فوته لا يجب قضاؤه ، لا بالنسبة إلى نفس من وجب
عليه ، ولا بعد موته. سواء كان مالاً أو عملاً ، مثل : وجوب إعطاء الطعام لمن يموت
من الجوع عام المجاعة فإنه لو لم يعطه حتى مات لا يجب عليه ولا على وارثه القضاء
لأن الواجب إنما هو حفظ النفس المحترمة ، وهذا لا يقبل البقاء بعد فوته. وكما في
نفقة الأرحام فإنه لو ترك الإنفاق عليهم ـ مع تمكنه ـ لا يصير ديناً عليه ، لأن
الواجب سد الخلة ، وإذا فات لا يتدارك. فتحصل : أن مقتضى القاعدة في الحج النذري
إذا تمكن وترك حتى مات وجوب قضائه من الأصل لأنه دين إلهي. إلا أن يقال : بانصراف
الدين عن مثل هذه الواجبات. وهو محل منع ، بل دين الله أحق أن يقضى [١].
______________________________________________________
الْبَيْتِ .. ) ، فإنهما من قبيل واحد.
[١] قد عرفت أن
هذه الجملة مذكورة في رواية الخثعمية في بعض متونها ، وأن الظاهر منها : أن دين
الله أحق وأولى أن يصح قضاؤه ، لا أنه أحق أن يجب قضاؤه .
__________________
وأما الجماعة
القائلون بوجوب قضائه من الثلث [١] ، فاستدلوا بصحيحة ضريس وصحيحة ابن أبي يعفور
الدالتين على أن من نذر الإحجاج ومات قبله يخرج من ثلثه [٢]. وإذا كان نذر الإحجاج
كذلك ـ مع كونه مالياً قطعاً ـ فنذر الحج بنفسه أولى بعدم الخروج من الأصل. وفيه :
أن الأصحاب لم
______________________________________________________
[١] وهم أبو علي ،
والشيخ في النهاية والتهذيب والمبسوط ، وابنا سعيد في المعتبر والجامع ، على ما في
كشف اللثام. وزاد في المستند حكايته عن الصدوق ، والمحقق في النافع.
[٢] قال ضريس : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل ـ عليه حجة
الإسلام ـ نذر نذراً في شكر ليحج رجلاً إلى مكة ، فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة
الإسلام ، ومن قبل أن يفي بنذره الذي نذر. قال (ع) : إن ترك مالاً يحج عنه حجة
الإسلام من جميع المال ، وأخرج من ثلثه ما يحج به رجلاً لنذره وقد وفي بالنذر. وإن
لم يكن ترك مالاً إلا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك ، ويحج عنه وليه
حجة النذر. إنما هو مثل دين عليه » . وقال
ابن أبي يعفور : «
قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل نذر لله : إن عافى الله ابنه من وجعه ليحجنه إلى بيت
الله الحرام ، فعافى الله الابن ومات الأب. فقال : الحجة على الأب يؤديها عنه بعض
ولده. قلت : هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه؟ فقال : هي واجبة على الأب من ثلثه.
أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه » . قال في كشف اللثام : «
فإن إحجاج الغير ليس إلا بذل المال لحجة ، فهو دين مالي محض بلا شبهة ، فاذا لم
يجب إلا من الثلث فحج نفسه أولى ».
__________________
يعملوا بهذين
الخبرين في موردهما [١] ، فكيف يعمل بهما في غيره؟ وأما الجواب عنهما بالحمل على
صورة كون النذر في حال المرض [٢] ، بناء على خروج المنجزات من الثلث. فلا وجه له
بعد كون الأقوى خروجها من الأصل. وربما يجاب عنهما بالحمل على صورة عدم إجراء
الصيغة ، أو على صورة عدم التمكن من الوفاء حتى مات. وفيهما ما لا يخفى [٣]. خصوصاً
الأول.
( مسألة ٩ ) : إذا نذر الحج مطلقاً أو مقيداً بسنة معينة ،
______________________________________________________
[١] قال في
المستند : « قيل : لم يفت به أحد ـ يعني : الحكم المذكور في الصحيحين ـ في موردهما
، بل أخرجوه من الأصل ، لما دل على وجوب الحق المالي من الأصل. ونزلوا الصحيحين
تارة : على وقوع النذر في مرض الموت ، وأخرى : على وقوعه التزاماً بغير صيغة ،
وثالثة : على ما إذا قصد تنفيذ الحج المنذور بنفسه فلم يتفق بالموت. فلا يتعلق بما
له حج واجب بالنذر ، ويكون الأمر بإخراج الحج المنذور وارداً على الاستحباب للوارث
، وكونه من الثلث رعاية لجانبه .. ».
[٢] حكاه في كشف
اللثام عن المختلف.
[٣] لأن الموجب
لارتكاب التأويلين المذكورين الحذر من مخالفة القواعد ، وهذا المحذور لازم لهما ،
فان النذر بلا صيغة أو مع عدم التمكن من الوفاء باطل لا أثر له ، فلا وجه لإخراجه
من الثلث. كما لا وجه لإخراجه من الأصل ، فالتوجيهات المذكورة فيها تخلص عن محذور
ووقوع في محذور آخر. ولذلك حكي عن منتقى الجمان : حملهما على صورة عدم التمكن من
الأداء وكون الحكم ندبياً. وهو وإن لم يلزم منه محذور ، لكن لا موجب
ولم يتمكن من
الإتيان به حتى مات لم يجب القضاء عنه [١] ، لعدم وجوب الأداء عليه حتى يجب القضاء
عنه ، فيكشف ذلك عن عدم انعقاد نذره [٢].
______________________________________________________
له. فالأولى إرجاع
تعيين المراد منهما إلى قائلهما (ع).
هذا وربما يعارض
الصحيحتين حسن مسمع الآتي في المسألة الثالثة عشرة. لكن العمل به في مورده لا يخلو
عن إشكال. وسيأتي التعرض لذلك. مضافاً إلى احتمال أن يكون نسبته إليهما نسبة
المطلق الى المقيد ، فيتعين الجمع بينهما بالتقييد ، فيحمل الحسن على إرادة الثلث
مما ترك أبوه. فلاحظ.
[١] بلا خلاف أجده
فيه. للأصل السالم عن معارضة خطاب النذر ، الذي انكشف عدم تعلقه بعدم التمكن منه ،
كذا في الجواهر.
[٢] يعني : عدم
وجوب الأداء يكشف عن عدم الانعقاد. وكان المناسب التعليل : بأن عدم التمكن مانع من
الانعقاد ، إذ من شرائط انعقاد النذر التمكن من المنذور ، كما عرفت. وأما عدم وجوب
الأداء فأعم من عدم الانعقاد ، لجواز الانعقاد مع العذر في مخالفة وجوب الوفاء ،
فإنه كما لا يسقط الدين أو الحق بطروء العجز عن الوفاء والأداء يمكن أن يثبت معه
أيضاً ، ولا فرق بين الحدوث والبقاء.
ولأجل ذلك يتعين
القول : بأن اشتراط التمكن من المنذور في انعقاد النذر شرعي لا عقلي ، والمرجع فيه
دليله من حيث العموم والخصوص. كما أنه على تقدير العموم يقبل التخصيص. نعم إذا لم
يكن للانعقاد أثر إلا وجوب الأداء فمع العجز عن الأداء لا يتحقق الانعقاد ، إذ لا
أثر له حينئذ فإن الانعقاد من الاعتبارات العقلائية التي لا تصح إلا مع الأثر.
وسيأتي القول بصحة النذر مع العجز عن المنذور في بعض الفروض.
( مسألة ١٠ ) : إذا نذر الحج معلقاً على أمر كشفاء مريضة ، أو مجيء مسافرة ـ فمات قبل حصول
المعلق عليه ، هل يجب القضاء عنه أم لا؟ المسألة مبنية على أن التعليق من باب
الشرط ، أو من قبيل الوجوب المعلق [١]. فعلى الأول لا يجب ، لعدم الوجوب عليه بعد
فرض موته قبل حصول الشرط ، وإن كان متمكناً من حيث المال وسائر الشرائط. وعلى
الثاني يمكن أن يقال بالوجوب لكشف حصول الشرط عن كونه واجباً عليه من الأول. إلا
أن يكون نذره منصرفاً الى بقاء حياته حين حصول الشرط.
( مسألة ١١ ) : إذا نذر الحج ـ وهو متمكن منه ـ فاستقر عليه ، ثمَّ صار معضوباً لمرض أو نحوه
ـ أو مصدوداً ـ بعدو أو نحوه ـ فالظاهر وجوب استنابته حال حياته ، لما
______________________________________________________
[١] يعني : مبنية
على أن الشرط لوحظ شرطاً للمنذور نظير شرط الواجب ، أو شرطاً للنذر نظير شرط
الوجوب. فعلى الأول لا يجب القضاء عنه ، لعدم تحقق الوجوب قبل الشرط. وعلى الثاني
يجب لتحقق الوجوب. ويشكل بأن هذا الابتناء غير ظاهر ، إذ على الثاني لا وجه لوجوب
القضاء ـ بناء على شرطية التمكن من المنذور في انعقاد النذر ـ فان المفروض فيه
الموت المانع من التمكن ، فلا ينعقد النذر ، فلا وجوب. وعلى الأول يمكن القول
بوجوب القضاء إذا لوحظ الشرط بنحو الشرط المتأخر ، لتحقق الحق فعلا ، فيستدعي
الوجوب الفعلي. وأما تحقيق المبنى ، فالظاهر الذي لا ينبغي الإشكال فيه : أن الشرط
لوحظ شرطاً للنذر لا للمنذور ، فيكون وجوب القضاء وعدمه تابعين لملاحظته بنحو
الشرط المتأخر والمتقدم.
مر من الأخبار
سابقاً في وجوبها [١]. ودعوى : اختصاصها بحجة الإسلام ممنوعة كما مر سابقاً. وإذا مات وجب القضاء عنه. وإذا صار معضوباً أو
مصدوداً قبل تمكنه واستقرار الحج عليه ، أو نذر وهو معضوب أو مصدود حال النذر مع
فرض تمكنه من حيث المال ، ففي وجوب الاستنابة وعدمه حال حياته ووجوب القضاء عنه
بعد موته قولان [٢] ، أقواهما
______________________________________________________
[١] قد تقدم
الكلام في هذه الأخبار في المسألة الثانية والسبعين ، وتقدم من المصنف : التوقف في
عموم الأخبار للمورد. فراجع. وعن المحقق : أن وجوب الاستنابة حسن ، وعن موضع من
التذكرة : أنه قريب.
[٢] أحدهما :
الوجوب ، نسب في الجواهر إلى الشيخ (ره) وأتباعه. قال في محكي المبسوط : « المعضوب
إذا وجبت عليه حجة ـ بالنذر ، أو بإفساد ـ وجب عليه أن يحج عن نفسه رجلا ، فاذا
فعل فقد أجزأه .. ». واحتمل في توجيهها : أن المراد صورة ما إذا طرأ العذر بعد
التمكن ، وهو غير بعيد. وحينئذ لا يكون خلاف منه في المسألة.
ثمَّ إنه قد يوجه
كلامه ـ بناء على حمله على صورة ما إذا كان النذر حال العذر المانع ، كما استظهره
في الجواهر ـ : بفحوى ثبوتها في حجة الإسلام كذلك ، بتقريب : أن مشروعيته على
الوجه المزبور ، فالنذر ملزم به على حسب ما هو مشروع. وفيه : أن المشروعية على
الوجه المذكور مختصة بالواجب ، والوجوب في المقام ممنوع ، لفقد شرط الانعقاد
بالعجز. ودليل مشروعية الاستنابة بالنسبة إلى حج الإسلام وإن كان ناظراً إلى إثبات
الاستطاعة تعبداً ـ كما تقدم ـ لكن ثبوته بالنظر الى المقام غير ظاهر.
والانصاف أنه ـ بناء
على عموم نصوص الاستنابة لمن لم يكن مستطيعاً
العدم ، وإن قلنا
بالوجوب بالنسبة الى حجة الإسلام. إلا أن يكون قصده من قوله : « لله علي أن أحج »
الاستنابة [١].
( مسألة ١٢ ) : لو نذر أن يحج رجلاً في سنة معينة ، فخالف ـ مع تمكنه وجب عليه القضاء
والكفارة [٢]. وإن مات قبل إتيانهما يقضيان من أصل التركة ، لأنهما واجبان ماليان
بلا إشكال [٣]. والصحيحتان المشار إليهما سابقاً ـ الدالتان على الخروج من الثلث ـ
معرض عنهما ـ كما قيل ـ أو محمولتان على بعض المحامل. وكذا إذا نذر الإحجاج من غير
تقييد بسنة معينة مطلقاً ، أو معلقاً على شرط وقد حصل وتمكن منه وترك حتى مات ،
فإنه يقضى عنه من أصل التركة.
______________________________________________________
قبل العذر ، وعلى
عمومها للحج النذري ـ يكون التفكيك بين الاستطاعة ـ التي هي شرط وجوب الحج ـ والقدرة
ـ التي هي شرط انعقاد النذر ـ من غير وجه. فلاحظ تلك النصوص ، وتأمل.
[١] فإن الوجوب
حينئذ ثابت قولا واحداً ، كما في الجواهر. وهو ظاهر
[٢] تقدم الإشكال
في وجوب القضاء ، وأنه يحتاج إلى أمر جديد ، وهو مفقود. فراجع ما سبق في المسألة
الثامنة.
[٣] أما الأول
فلما عرفت من أن المنذور من الحقوق المالية التي تخرج من الأصل. وأما الكفارة
فاخراجها من الأصل غير ظاهر ، لما عرفت في المسألة الثامنة : من أن كفارة النذر ـ سواء
قلنا بأنها كفارة يمين ، كما هو الظاهر ، أم كفارة إفطار شهر رمضان كما اختاره
المصنف (ره) في كتاب الصوم ـ لم يثبت كونها حقاً مالياً لله تعالى أو لغيره ، فلا
تدخل في الدين الذي يخرج من الأصل.
وأما لو نذر
الإحجاج بأحد الوجوه ولم يتمكن منه حتى مات ، ففي وجوب قضائه وعدمه وجهان ،
أوجههما ذلك. لأنه واجب مالي أوجبه على نفسه فصار ديناً ، غاية الأمر أنه ما لم
يتمكن معذور. والفرق بينه وبين نذر الحج بنفسه : أنه لا يعد ديناً مع عدم التمكن
منه واعتبار المباشرة ، بخلاف الإحجاج فإنه كنذر بذل المال ، كما إذا قال : « لله
علي أن أعطي الفقراء مائة درهم » ومات قبل تمكنه. ودعوى : كشف عدم التمكن عن
عدم الانعقاد ممنوعة [١]. ففرق بين إيجاب مال على نفسه ، أو إيجاب عمل مباشري وإن استلزم صرف المال ، فإنه لا يعد ديناً عليه ، بخلاف
الأول [٢].
( مسألة ١٣ ) : لو نذر الإحجاج معلقاً
على شرط ـ كمجيء المسافر ، أو شفاء المريض ـ فمات قبل حصول الشرط ، مع فرض حصوله
بعد ذلك وتمكنه منه قبله ، فالظاهر وجوب القضاء عنه. إلا أن يكون مراده التعليق
على ذلك الشرط مع كونه حياً حينه. ويدل على ما ذكرنا خبر مسمع بن عبد الملك : فيمن
كان له جارية حبلى ، فنذر إن هي ولدت غلاماً أن يحجه أو يحج عنه ، حيث قال
الصادق (ع) ـ بعد ما سئل عن هذا ـ : «
إن رجلاً نذر في ابن له إن هو
______________________________________________________
[١] هذا خروج عن
معقد الإجماع المدعى على اعتبار القدرة على المنذور في انعقاد النذر.
[٢] هذا التفصيل
بلا فاصل.
أدرك
أن يحجه أو يحج عنه ، فمات الأب وأدرك الغلام بعد ، فأتى رسول الله (ص) فسأله عن
ذلك ، فأمر رسول الله (ص) أن يحج عنه مما ترك أبوه » [١]. وقد عمل به جماعة
[٢].
______________________________________________________
[١] قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : كانت لي
جارية حبلى ، فنذرت لله عز وجل إن ولدت غلاماً أن أحجه أو أحج عنه. فقال : إن
رجلاً نذر لله عز وجل في ابن له إن هو أدرك أن يحجه أو يحج عنه ، فمات الأب وأدرك
الغلام بعد ، فأتى رسول الله (ص) ذلك الغلام فسأله عن ذلك ، فأمر رسول الله 6 أن يحج عنه
مما ترك أبوه » .
[٢] المذكور في
الشرائع وغيرها قولهم : « لو نذر إن رزق ولداً يحج به أو يحج عنه ، ثمَّ مات
الوالد ، حج بالولد أو عنه من صلب ماله ». وجعل في الرياض : مفروض المسألة حصول
الشرط المعلق عليه النذر في حال الحياة ، وحينئذ يكون الوجه فيها : القواعد
الأولية. ولذا اعتبر ـ في محكي المسالك ـ التمكن من المنذور في حال الحياة ، ولا
تكون الرواية معمولا بها عنه أحد منهم ، لأنها غير مضمون العبارة ، ولا تكون
الرواية معمولا بها عند أحد منهم ، لأنها غير مضمون العبارة المذكورة. قال (ره) : «
لاتفاق الفتوى على تصوير المسألة بنحو ما فرضناه ، ولذا استدل عليها بما أسلفناه
أولا .. ». ومراده بما أسلفه من الاستدلال : ما ذكره أولا في شرح المسألة ، من أنه
حق مالي تعلق بتركته ، فيجب قضاؤه منها. وأشكل عليه في الجواهر : بأن الشهيد في
المسالك ذكر أن الأصل في هذا الحكم الحسن المذكور ، وكذلك سبطه في نهاية المرام ،
فذلك يدل على أن مفروض المسألة في كلام الأصحاب ما هو مورد السؤال في الرواية ـ يعني
: صورة ما إذا مات قبل حصول الشرط ـ وأن تعبير الأصحاب بمضمون الرواية كالصريح في
ذلك. ولو كان مفروض المسألة كما ذكر من الموت
__________________
وعلى ما ذكرنا لا
يكون مخالفاً للقاعدة [١] كما تخيله سيد الرياض
______________________________________________________
بعد التمكن لم
يحتج إلى هذه المتعبة العظيمة ، إذ الحكم حينئذ يكون موافقاً للقواعد .. إلى آخر
ما ذكره في تقريب أن مفروض المسألة هو مورد الرواية ، وأن الوجه فيه هو الرواية.
أقول : قد اشتملت
الرواية على فرضين : الأول : ما إذا نذر إن ولد له ولد أن يحجه أو يحج عنه ، فولد
له ثمَّ مات الوالد. والثاني : ما إذا نذر إن ولد له ولد وأدرك أن يحجه أو يحج عنه
، فمات الوالد قبل أن يدرك. والمفروض في كلام الأصحاب هو الأول. فلاحظ ما تقدم عن
الشرائع. ومثله : ما في النافع والقواعد وغيرها. ولم يتعرض في كلام الأصحاب للفرض
الثاني. ولأجل ذلك صح للمسالك وغيرها : قولهم : « الأصل في مفروض الفقهاء هو حسن
مسمع ». وليس مرادهم مفروض المتن الموافق للفرض الثاني ، وإلا لعبروا به. ولما صح
لهم الاستدلال عليه بالقاعدة ، فإن الشهيد في المسالك ـ مع أنه ذكر أن الأصل في
المسألة رواية مسمع ـ قال بعد ذلك ـ في الاستدلال على وجوب القضاء من التركة ـ : «
لأنه حق مالي تعلق بالتركة ، وهو مدلول الرواية ». ونحوه في كشف اللثام. وبالجملة
: العبارة المذكورة في كلام الأصحاب آبية عن الحمل على ما ذكر في الجواهر ، ويتعين
حملها على ما ذكره في الرياض ، الذي هو الفرض الأول في الرواية. فلاحظ. ومن ذلك
يظهر : أن الرواية لم يظهر عمل أحد بها في الفرض المذكور في المتن ، الذي هو الفرض
الثاني المذكور في الرواية ، كما سبق.
[١] لم يتضح ترتبه
على ما ذكره ، فإنه لم يتقدم منه إلا مجرد الفتوى والاستدلال بالرواية ، وكلاهما
لا يظهر منه أن مقتضى القاعدة لزوم القضاء وانعقاد النذر. بل قد تقدم منه في
المسألة العاشرة : إما البطلان أو التفصيل
وقرره عليه صاحب
الجواهر ، وقال : إن الحكم فيه تعبدي على خلاف القاعدة.
( مسألة ١٤ ) : إذا كان مستطيعاً ونذر أن يحج حجة الإسلام انعقد على الأقوى [١] ،
______________________________________________________
ولا فرق بين
المسألتين إلا في أن المنذور في السابقة الحج ، وفي هذه المسألة الإحجاج ، وهو غير
فارق. وقد عرفت في تلك المسألة أنه يمكن التفصيل بين ملاحظة الشرط بنحو الشرط
المتأخر وبين ملاحظته بنحو الشرط المتقدم ، وهو آت هنا أيضاً.
ويحتمل أن يكون
مراده مما ذكرنا : ما ذكر في المسألة الثانية عشرة من صدق الدين في نذر الإحجاج
بخلاف نذر الحج. لكن كان كلامه هناك فيما لو حصل الشرط في حياته ولم يتمكن من
المنذور ، والكلام هنا فيما لو تمكن من المنذور ولم يحصل الشرط. والفرق بين
المقامين ظاهر ، فإنه مع حصول الشرط يكون استحقاق المنذور فعلياً ، ولا مانع من
انعقاده إلا عدم التمكن ، فيمكن منع مانعيته ، وفي المقام لم يحصل الشرط ، فلم يكن
الاستحقاق فعلياً. هذا مضافاً الى أنه لم يظهر الوجه في اعتباره ـ في لزوم قضاء
المنذور تمكنه منه قبل موته ، مع أن التمكن حينئذ لا دخل له في الانعقاد ، إذ
التمكن المعتبر في انعقاد النذر التمكن من المنذور في حين فعله لا غير ، وهو ظاهر
جداً. وبالجملة : فكلام المصنف (ره) في المقام لا يخلو من غموض وإشكال.
[١] وفاقاً لأكثر
المتأخرين ، كما في الجواهر في كتاب النذر. خلافاً للمرتضى والشيخ وأبي الصلاح
وابن إدريس ، فيمن نذر أن يصوم أول يوم من شهر رمضان. لأن صيامه مستحق بغير النذر.
ولأن صيامه مستحق بالأصل ، ولا يمكن أن يقع فيه غيره. وفيه : أن الوجوب بالأصل لا
ينافي
______________________________________________________
الاستحقاق بالنذر
، وهو لا يقتضي وقوع غير رمضان في رمضان ، وإنما يقتضي ذلك لو نذر أن يصوم غير
رمضان فيه ، لا ما لو نذر أن يصوم رمضان ، كما هو ظاهر. ويشهد بما ذكرنا : ما ورد
من النصوص في صحة اليمين على الواجب ، كما ذكر في الجواهر. وبالجملة : النذر يقتضي
ثبوت شيء زائد على الوجوب ، وهو الحق الإلهي. وإذا لم نقل بذلك فلا أقل من
اقتضائه تأكد الوجوب ، الموجب لزيادة الانبعاث. ولا سيما بملاحظة ما يترتب عليه من
الكفارة.
هذا كله إذا كان
مراد المانع ـ من قوله في الاستدلال : « لأن صيامه مستحق .. » ـ : أنه واجب ، أما
لو كان مراده أنه مستحق بالحق الوضعي ـ بأن يكون صوم اليوم الأول من شهر رمضان
مستحقاً لله تعالى ومملوكاً له ـ فهو وإن كان مانعاً من صحة النذر ، لأن النذر
مفاده الاستحقاق ، فلا يقع على المستحق ، لأنه لا يقبل التكرر في اليوم الأول
لاجتماع المثلين ولا التأكد ، فإنه لا يصح اعتبار ذلك له عند العقلاء. ومثله أكثر
عناوين الإيقاعات ـ مثل : الزوجية ، والرقية ، والحرية ، وغيرها ـ فإنها جميعاً لا
تقبل التأكيد والتأكد ، وليست هي من الماهيات التشكيكية ، والاستحقاق منها ، فنذر
المستحق لله تعالى لا يوجب استحقاقاً له تعالى ، فيكون باطلا. لكن ثبوت الاستحقاق
من أجل الوجوب ممنوع. ولو ثبت كان مانعاً من صحة النذر. ومن ذلك يشكل الأمر في نذر
حج الإسلام ـ بناء على ما سبق من أن الظاهر من اللام في قوله تعالى : ( وَلِلّهِ
عَلَى النّاسِ .. ) هو الملكية ـ فإنه إذا كان حج الإسلام مملوكاً بالأصل لا
يكون مملوكاً بالنذر أيضاً. وليت المانعين ذكروا ذلك في نذر حج الإسلام ، واستدلوا
عليه بما ذكر ، فإنه يكون حينئذ في محله ومتين جداً ، لكنهم ذكروه في نذر صوم أول
__________________
وكفاه حج واحد [١].
وإذا ترك حتى مات وجب القضاء عنه والكفارة من تركته [٢]. وإذا قيده بسنة معينة فأخر عنها وجب عليه الكفارة. وإذا
نذره في حال عدم الاستطاعة انعقد أيضاً ، ووجب عليه تحصيل الاستطاعة مقدمة [٣]. إلا
أن يكون مراده الحج بعد الاستطاعة [٤].
( مسألة ١٥ ) : لا يعتبر في الحج
النذري الاستطاعة الشرعية ، بل يجب مع القدرة العقلية [٥].
______________________________________________________
يوم من شهر رمضان
ـ على ما حكي عنهم ـ وقد عرفت الاشكال فيه. فلاحظ.
[١] اتفاقاً ، كما
في كشف اللثام. ووجهه ظاهر ، إذ هو مقتضى الإطلاق.
[٢] أما القضاء
فلما عرفت. وأما الكفارة فقد عرفت الإشكال في لزوم خروجها من الأصل ، ولا سيما
بناء على أنها كفارة إفطار شهر رمضان.
[٣] حسبما يقتضيه
إطلاق النذر. لكن في الروضة : « ولا يجب تحصيلها هنا على الأقوى ». ونحوه في
المستند. وفي المدارك : « ولا يجب تحصيلها قطعاً ». وعلله : بأن المنذور ليس أمراً
زائداً عن حج الإسلام ، إلا أن ينذر تحصيلها فيجب. وهو ظاهر كشف اللثام والجواهر ،
حيث ذكر فيهما : أنه إذا لم يكن مستطيعاً استطاعة شرعية توقعها. وضعف ذلك يظهر مما
ذكرنا.
[٤] يعني : الحج
على تقدير الاستطاعة ، بأن تكون الاستطاعة شرطاً للنذر.
[٥] فإنه ظاهر
النص والفتوى ، كما في الروضة وغيرها. وهو كذلك. وفي الدروس قال : « والظاهر أن
استطاعة النذر شرعية لا عقلية ، فلو نذر الحج ثمَّ استطاع صرف ذلك إلى النذر. فان
أهمل واستمرت الاستطاعة إلى القابل وجبت حجة الإسلام أيضاً .. ». ولا يخفى أن
تفريع ما ذكره يصلح أن يكون قرينة على إرادة غير الظاهر من كلامه ، ولو كان مراده
خلافاً للدروس ،
ولا وجه له ، إذ حاله حال سائر الواجبات التي تكفيها القدرة عقلاً [١].
( مسألة ١٦ ) : إذا نذر حجاً غير حجة الإسلام في عامه وهو مستطيع لم ينعقد [٢]. إلا إذا نوى
ذلك على تقدير زوالها فزالت. ويحتمل الصحة مع الإطلاق أيضاً إذا زالت ، حملاً
لنذره على الصحة [٣].
( مسألة ١٧ ) : إذا نذر حجاً في حال عدم الاستطاعة الشرعية ثمَّ حصلت له ، فان كان موسعاً أو
مقيداً بسنة متأخرة
______________________________________________________
ظاهر الكلام كان
اللازم أن يقول : « فلو لم يملك زاداً ولا راحلة لم يجب الوفاء بالنذر ». ولذا
احتمل في الجواهر : إرادة غير الظاهر من كلامه. وستأتي الإشارة إليه.
[١] لكن الفرق
بينه وبينها : أن اعتبار القدرة فيها عقلي ، فلا تكون شرطاً في الملاك وإنما تكون
شرطاً في فعلية الخطاب ، واعتبارها فيه شرعي ـ بمعنى : أنها شرط في الملاك ـ لما
عرفت : من أن شرط انعقاد النذر القدرة على المنذور ، وبدونها لا ينعقد.
[٢] لانتفاء
القدرة التي هي شرط الانعقاد. وفي المدارك علله : بأنه نذر ما لا يصح فعله. وهو
مبني على عدم صحة غير حج الإسلام من المستطيع ، وقد تقدم.
[٣] قال في
المدارك ـ فيمن كان مستطيعاً حال النذر وقد نذر حجاً غير حج الإسلام ـ : « فإن
قيدها بسنة الاستطاعة ، وقصد الحج عن النذر مع بقاء الاستطاعة بطل النذر من أصله ،
لأنه نذر مالا يصح فعله. وإن قصد الحج مع فقد الاستطاعة صح. ولو خلا عن القصد
احتمل البطلان.
قدم حجة الإسلام
لفوريتها ، وإن كان مضيقاً ـ بأن قيده بسنة معينة وحصل فيها الاستطاعة ، أو قيده
بالفورية ـ قدمه [١] وحينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجبت ، وإلا فلا
، لأن المانع الشرعي كالعقلي. ويحتمل وجوب تقديم النذر ولو مع كونه موسعاً [٢] ،
لأنه دين عليه ، بناء على أن الدين ـ ولو كان موسعاً ـ يمنع عن تحقق الاستطاعة.
خصوصاً مع ظن عدم تمكنه من الوفاء بالنذر إن صرف استطاعته في حجة الإسلام.
( مسألة ١٨ ) : إذا كان نذره في حال عدم الاستطاعة فورياً ثمَّ استطاع وأهمل عن وفاء النذر
في عامه ، وجب الإتيان به في العام القابل مقدماً على حجة الإسلام وإن بقيت
الاستطاعة اليه ، لوجوبه عليه فوراً ففوراً ، فلا يجب عليه
______________________________________________________
لأنه نذر في عام
الاستطاعة غير حج الإسلام ، والصحة حملا للنذر على الوجه المصحح ، وهو ما إذا فقدت
الاستطاعة .. ».
ويشكل : بأن الحمل
على الصحة إنما يكون مع الشك لا مع فرض الإبهام وانتفاء القصد ، لأن المبهم الجامع
بين المشروع واللامشروع غير مشروع. نعم يمكن البناء على صحة النذر ، لأن زوال
الاستطاعة يكشف عن صحته حال وقوعه ، ولا يكون نذراً في عام الاستطاعة غير حج
الإسلام كي يكون باطلا.
[١] تقدم الكلام
في ذلك مفصلا في المسألة الثانية والثلاثين من الفصل السابق.
[٢] هذا الاحتمال
ذكره في الجواهر في توجيه كلام الشهيد ، المتقدم في اعتبار الاستطاعة الشرعية في
الحج النذري.
حجة الإسلام إلا
بعد الفراغ عنه [١]. لكن عن الدروس أنه قال ـ بعد الحكم بأن استطاعة النذر شرعية
لا عقلية ـ : « فلو نذر ثمَّ استطاع صرف ذلك الى النذر ، فان أهمل واستمرت
الاستطاعة إلى العام القابل وجب حجة الإسلام أيضاً ـ ». ولا وجه له. نعم لو قيد
نذره بسنة معينة ، وحصل فيها الاستطاعة فلم يف به وبقيت استطاعته إلى العام
المتأخر أمكن أن يقال بوجوب حجة الإسلام أيضاً ، لأن حجه للنذري صار قضاء موسعاً
[٢]. ففرق بين الإهمال مع الفورية والإهمال مع التوقيت ، بناء على تقديم حجة
الإسلام مع كون النذر موسعاً [٣].
( مسألة ١٩ ) : إذا نذر الحج وأطلق من غير تقييد بحجة الإسلام ولا بغيره ،
وكان مستطيعاً أو استطاع بعد ذلك فهل يتداخلان فيكفي حج واحد عنهما ، أو يجب
التعدد ، أو يكفي نية الحج النذري عن حجة الإسلام دون العكس؟ أقوال [٤] ،
______________________________________________________
[١] هذا الاستدلال
متين. وقد أشار إليه في الروضة مستشكلا به على ما في الدروس ، وتبعه عليه المصنف (ره).
[٢] والموسع لا
يزاحم المضيق ، وهو حج الإسلام.
[٣] تقدم منه
تضعيف هذا الاحتمال في المسألة السابعة عشرة.
[٤] مورد الكلام
صورة ما إذا لم يكن المنذور مقيداً بعام الاستطاعة. ثمَّ إن القول بالتداخل محكي
عن الشيخ والذخيرة والمدارك ، والقول بعدمه محكي عن الخلاف والسرائر والفاضلين
والشهيدين وغيرهم ، بل نسب في
أقواها الثاني ،
لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب [١]. والقول بأن الأصل هو التداخل [٢] ضعيف.
واستدل للثالث بصحيحتي
______________________________________________________
المدارك إلى
الأكثر ، والتفصيل محكي عن النهاية والتهذيب والاقتصاد وغيرها.
[١] هذا الأصل بني
عليه في الأسباب الشرعية ، مثل : « إذا أفطرت فكفر » و « إذا ظاهرت فكفر » ، من
جهة ظهور القضية الشرطية في السببية المستقلة بمعنى : كون الشرط سبباً في وجود
الجزاء على وجه الاستقلال ، على النحو الذي لا يحصل بالتداخل. وإن كان إطلاق
الجزاء يقتضي التداخل ، لأن ظهور الشرط فيما ذكر أقوى من ظهور الجزاء. وهذا
التقريب غير وارد في المقام ، لأن سببية النذر للوجود المستقل وعدمه تابع لقصد
الناذر ، فاذا فرض أنه قصد مطلق الطبيعة كفى ذلك في البناء على التداخل ، ولا
يعارض هذا الإطلاق ظهور آخر كي يقدم عليه. فجعل المقام من صغريات قاعدة التداخل في
غير محله.
[٢] هذا القول
اختاره جماعة ، منهم السيد في المدارك ، قال ـ في مقام الاشكال على ما ذكر الجماعة
من أن اختلاف السبب يقتضي اختلاف المسبب ـ : « وهو احتجاج ضعيف ، فان هذا الاقتضاء
إنما يتم في الأسباب الحقيقية دون المعرفات الشرعية. ولذا حكم كل من قال بانعقاد
نذر الواجب بالتداخل إذا تعلق النذر بحج الإسلام ، من غير التفات إلى اختلاف
الأسباب » وضعف ما ذكره يظهر مما سبق ، فان المراد من الاقتضاء ـ في كلامهم ـ ليس
هو الاقتضاء العقلي ، بل الاقتضاء الدلالي ، أعني : ظهور الكلام في التعدد على ما
عرفت. وتفصيله في الأصول في مبحث مفهوم الشرط. فراجع. هذا ولو بنى على أصالة
التداخل فلا مجال للاستدلال بها في المقام لما عرفت ، والمتعين ـ في إثبات التداخل
في المقام ـ إطلاق المنذور الشامل لحج الإسلام من دون معارض.
رفاعة
ومحمد بن مسلم : «
عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام فمشى ، هل يجزيه عن حجة الإسلام؟ قال (ع)
: نعم » [١]. وفيه : أن ظاهرهما كفاية الحج النذري عن حجة الإسلام مع عدم
الاستطاعة [٢] ، وهو غير معمول به. ويمكن حملهما على أنه نذر المشي لا الحج ، ثمَّ
أراد أن يحج [٣] ،
______________________________________________________
ثمَّ إنه استدل
بعضهم ـ على عدم التداخل في المقام ـ بالإجماع المحكي عن الناصريات ، وبالخبر
المرسل في نهاية الشيخ ، فإنه ـ بعد أن نسب ما ذكر فيها من التفصيل الى بعض
الروايات ـ قال : « وفي بعض الأخبار : أنه لا يجزي عنه ». وفي هذا الاستدلال ما لا
يخفى ، فإن الإجماع ممنوع ، ضرورة وقوع الخلاف. والخبر المرسل لا يصلح للحجية.
[١] قال رفاعة بن موسى : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل نذر أن
يمشي إلى بيت الله الحرام فمشى ، هل يجزيه عن حجة الإسلام؟ قال : نعم. قلت : أرأيت
إن حج عن غيره ولم يكن له مال ، وقد نذر أن يحج ماشياً ، أيجزي ذلك عنه
من مشيه؟ قال (ع) :
نعم » . وقال محمد بن مسلم : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل .. ( إلى قوله في الجواب الأول ) قال : نعم » .
[٢] هذا الاستظهار
غير ظاهر ، ولا قرينة عليه.
[٣] هذا الحمل
ذكره في كشف اللثام وغيره. وهو غير بعيد في
__________________
فسئل (ع) عن أنه
هل يجزيه هذا الحج الذي أتى به عقيب هذا المشي أم لا؟ فأجاب (ع) بالكفاية. نعم لو
نذر أن يحج مطلقاً ـ أي حج كان ـ كفاه عن نذره حجة الإسلام ، بل الحج النيابي
وغيره أيضاً ، لأن مقصوده حينئذ حصول الحج منه في الخارج بأي وجه كان [١].
______________________________________________________
الصحيح الأول ،
بقرينة السؤال الثاني. وعن المختلف : حمل الروايتين على ما إذا نذر حج الإسلام.
وهو بعيد جداً ، كما اعترف به في المدارك.
[١] لا يظهر الفرق
بين هذه الصورة والصورة الأولى ـ التي ذكرها في صدر المسألة ـ إلا من جهة التصريح
بالإطلاق وعدمه ، وهو لا يوجب الفرق بينهما في الحكم.
وبالجملة : الصور
ثلاث : الأولى : أن ينذر حج الإسلام. وقد تعرض لها في المسألة الرابعة عشرة.
الثانية : أن ينذر حجاً غير حج الإسلام. وقد تعرض لها في المسألة السادسة عشرة.
الثالثة : أن ينذر حجاً مطلقاً. وهذه الصورة قد تعرض لها في هذه المسألة. وهذه
الصورة تارة : يصرح فيها بالإطلاق ، وأخرى : لا يصرح فيها به والحكم فيهما واحد.
وإنشاء النذر لا ظهور فيه في كون المنذور غير واجب ، كي يحتمل أن يكون هذا الظهور
مقدماً على إطلاق المنذور. نعم بناء على كون حج الإسلام مستحقاً لله تعالى ، وأنه
لذلك لا يصح نذره لامتناع إنشاء استحقاق المستحق ـ كما أشرنا إلى ذلك في المسألة
الرابعة عشرة ـ فلا مجال للأخذ بإطلاق المنذور بنحو يشمل حج الإسلام ، ولا بد من البناء
على عدم التداخل. وحينئذ لو صرح بالإطلاق كان النذر باطلا. هذا ثمَّ إذا بني على
التداخل كفى الفرد الواحد ، لكن لا بد من نيتهما معاً ، فان حج الإسلام لا يصح مع
عدم نيته. كما أن الوفاء بالنذر قصدي ، فإذا لم يقصد الوفاء لم ينطبق المنذور على
المأتي به.
( مسألة ٢٠ ) : إذا نذر الحج ـ حال عدم استطاعته ـ معلقاً على شفاء ولده مثلاً ، فاستطاع قبل
حصول المعلق عليه فالظاهر تقديم حجة الإسلام [١]. ويحتمل تقديم المنذور إذا فرض
حصول المعلق عليه قبل خروج الرفقة مع كونه فورياً [٢] ، بل هو المتعين إن كان نذره
من قبيل الواجب المعلق [٣].
______________________________________________________
ولأجل ذلك يشكل ما
ذكره القائلون بالتداخل ، من أنه إذا نوى واحداً منهما أجزأ عن الآخر مطلقاً ،
فإنه لا وجه له ظاهر.
[١] لأن الاستطاعة
علة لوجوب حج الإسلام ، والنذر لا يزاحمها لأنه معلق على أمر غير حاصل ، فكأنه غير
حاصل.
[٢] فإنه ـ على
تقدير هذا الفرض ـ يكون حصول المعلق عليه موجباً لفعلية النذر ، فيكون كاشفاً عن
عدم الاستطاعة من أول الأمر. ولا ينافي ذلك ما ذكرنا في وجه تقديم النذر على
الاستطاعة ، من أن السبب السابق مقدم على اللاحق ، لأن النذر سابق ـ في فرض
المسألة ـ على الاستطاعة ، وإنما المتأخر فعليته عنها ، والمراد في التقديم هو
الإنشاء. ومن ذلك يظهر : أنه لو فرض حصول المعلق عليه بعد خروج الرفقة كان الأمر
كذلك ، فان كان قد خرج مع الرفقة بنية حج الإسلام وجب عليه العدول والإتيان به
بعنوان الوفاء بالنذر ، وإن لم يكن قد خرج مع الرفقة وجب عليه الخروج بعد ذلك مع
التمكن والإتيان بالحج النذري. ومع عدم التمكن يبطل النذر إذا كان مقيداً بتلك
السنة ، ويكون قد استقر عليه حج الإسلام. وإذا لم يكن مقيداً بتلك السنة فقد استقر
عليه الحج النذري. وإذا كان ذلك موجباً لانتفاء الاستطاعة ـ للمزاحمة مع حج
الإسلام ـ انكشف انتفاء الاستطاعة من أول الأمر ، على ما تقدم تفصيل ذلك في
المسألة السابعة عشرة.
[٣] بأن يكون
المعلق المنذور لا النذر ، فيكون وجوب المنذور فعلياً ،
( مسألة ٢١ ) : إذا كان عليه حجة الإسلام والحج النذري ، ولم يمكنه الإتيان بهما إما لظن
الموت [١]. أو لعدم التمكن إلا من أحدهما [٢] ، ففي وجوب تقديم الأسبق سبباً [٣] ،
أو التخيير ، أو تقديم حجة الإسلام ـ لأهميتها ـ وجوه ، أوجهها الوسط [٤] ،
وأحوطها الأخير.
______________________________________________________
وحينئذ يكون
الوجوب النذري سابقاً على الاستطاعة ، لحصوله بالنذر نفسه. لكن عرفت أنه لو كان
نفس النذر معلقاً فالحكم كذلك ، سواء قلنا بأن إنشاء النذر المشروط يوجب نذراً
منوطاً بالشرط ـ كما هو أحد الرأيين ـ أم لا يوجب ذلك بل يوجب نذراً فعلياً
متأخراً ـ كما هو الرأي الثاني ـ فإن النذر الفعلي المتأخر لما كان مستنداً إلى
الإنشاء المتقدم كان بمنزلة المتقدم في كونه مقدماً على الاستطاعة عند التزاحم
والترافع ، فيكون رافعاً لها لا أنها رافعة له ، لأن سببها متأخر عن سببه ،
والمدار في التقديم هو تقدم السبب لا تقدم المسبب. فلا فرق بين المبنيين في تقديم
النذر إلا في الوضوح والخفاء. فلاحظ.
[١] فيكون عدم
التمكن من جهة ضيق الوقت.
[٢] يعني : من غير
جهة الوقت.
[٣] تقدم السبب لا
أثر له في مقام الترجيح العقلي بعد استقرار الوجوب بالنسبة الى كل منهما. ولذلك لا
تكون هذه المسألة من قبيل ما سبق ، من تقدم السابق من النذر والاستطاعة ، لأن ذلك
التقديم إنما كان مع الترافع ، فيكون التقديم شرعياً ، بخلاف المقام ، فان التقديم
ـ على تقديره ـ عقلي لا غير.
[٤] يعني :
التخيير. ووجهه غير ظاهر. ولا سيما بعد بيانه وجه الأخير ، وهو الأهمية. فان الأهم
إذا كان مقدماً في نظر العقل كان اللازم البناء عليه ، إذ لا موجب لرفع اليد عنه.
وهذا مما لا ينبغي التأمل فيه.
وكذا إذا مات
وعليه حجتان ولم تف تركته إلا لأحدهما [١]. وأما إن وفت التركة فاللازم استئجارهما
ولو في عام واحد [٢].
( مسألة ٢٢ ) : من عليه الحج الواجب بالنذر الموسع يجوز له الإتيان بالحج المندوب قبله [٣].
______________________________________________________
[١] ذكر في
القواعد : أنه تقدم حجة الإسلام. وفي كشف اللثام : حكى ذلك عن النهاية والمبسوط
والسرائر والجامع والشرائع والإصباح. لوجوبها بأصل الشرع ، والتفريط بتأخيرها
لوجوب المبادرة بها. واستظهر في الجواهر التخيير ، واحتمل تقديم ما تقدم سببه.
وفيه : أن التخيير المذكور ـ إن قيل به ـ عقلي ، والعقل لا يحكم بالتخيير مع أهمية
أحد المتزاحمين ، بل مع احتمال الأهمية أيضاً يتعين عنده التقديم. وتقدم السبب لا
أثر له في نظر العقل في الترجيح ، إلا إذا كان أحد الواجبين رافعاً للآخر ، كما
عرفت.
نعم إذا كان زمانه
مقدماً على زمان الآخر فقد قيل بتقديم السابق ، بل لعله المشهور ، كما في صورة
الدوران بين أجزاء الصلاة ، مثل القيام في الركعة الأولى والقيام في الثانية. ولكن
التحقيق خلافه. فراجع كلماتهم في الأصول في مباحث مقدمة الواجب ، وفي الفقه في
مباحث الدوران بين الأجزاء الصلاتية. لكن لو قيل بتقديم ما هو أسبق زماناً فذلك مع
التساوي في الأهمية لا مع الاختلاف ، وإلا فلا ينبغي الإشكال في تقديم الأهم عقلا
وإن تأخر زمانه. فالسبق إنما يكون موجباً للتقديم مطلقاً ـ حتى مع الأهمية ـ إذا
كان المقام مقام ترافع وتدافع في أصل الوجوب والاستقرار في الذمة ، فيكون شرعياً
لا عقلياً ، كما هو في المقام. ولذلك صرح في كشف اللثام : بأنه لا فرق بين تقدم
النذر على استقرار الحج وتأخره عنه.
[٢] إذ لا ترتيب
بينهما. والظاهر أنه لا إشكال فيه.
[٣] لإطلاق أدلته.
ولا مجال لقياس المقام على من كان عليه حج
( مسألة ٢٣ ) : إذا نذر أن يحج أو يحج انعقد ووجب عليه أحدهما على وجه التخيير ، وإذا تركهما
حتى مات يجب القضاء عنه مخيراً. وإذا طرأ العجز من أحدهما معيناً تعين الآخر. ولو
تركه أيضاً حتى مات يجب القضاء عنه مخيراً أيضاً ، لأن الواجب كان على وجه التخيير
، فالفائت هو هو الواجب المخير ، ولا عبرة بالتعيين العرضي [١] ، فهو كما لو كان
عليه كفارة الإفطار في شهر رمضان ، وكان عاجزاً عن بعض الخصال ثمَّ مات ، فإنه يجب
الإخراج من تركته مخيراً وإن تعين عليه ـ في حال حياته ـ في إحداها فلا يتعين في
ذلك المتعين. نعم لو كان حال النذر غير متمكن إلا من أحدهما معيناً ، ولم يتمكن من
الآخر الى أن مات ، أمكن أن يقال باختصاص القضاء بالذي كان متمكناً منه ، بدعوى : أن
للنذر لم ينعقد بالنسبة إلى ما لم يتمكن منه [٢] ، بناء على أن عدم التمكن يوجب
عدم الانعقاد [٣]. لكن الظاهر أن
______________________________________________________
الإسلام ـ بناء
على عدم جواز إتيانه بالحج المندوب ـ لاختصاص دليل المنع به ـ لو تمَّ ـ ولا يشمل
المقام. وكذا القياس على من كان عليه صوم واجب ، بناء على أنه لا يجوز له التطوع
بالصوم ، كما هو المشهور.
[١] فإنه تعيين
عقلي لا شرعي ، والمدار في القضاء على التعيين الشرعي والتخيير الشرعي ، لأنهما
موضوع القضاء.
[٢] وإذا لم ينعقد
لا وجوب شرعي بالنسبة إليه ، فلا مجال للاجتزاء به في القضاء.
[٣] قد تقدم : أن
المبنى المذكور من المسلمات عندهم ، المدعى
مسألة الخصال ليست
كذلك ، فيكون الإخراج من تركته على وجه التخيير وإن لم يكن في حياته متمكناً إلا
من البعض أصلاً وربما يحتمل ـ في الصورة المفروضة ونظائرها ـ عدم انعقاد النذر
بالنسبة إلى الفرد الممكن أيضاً ، بدعوى : أن متعلق النذر هو أحد الأمرين على وجه
التخيير ، ومع تعذر أحدهما لا يكون وجوب الآخر تخييرياً [١]. بل عن الدروس اختياره
في مسألة ما لو نذر إن رزق ولداً أن يحجه أو يحج عنه ، إذا مات الولد قبل تمكن
الأب من أحد الأمرين [٢]. وفيه : أن مقصود
______________________________________________________
عليها الإجماع لكن
المراد منه ، عدم التمكن من المنذور ، وذلك لا يحصل بالنسبة إلى المنذور التخييري
إلا بعدم التمكن من العدلين معاً ، وعدم التمكن من أحدهما لا دليل على منعه من
انعقاد النذر.
[١] المحتمل :
الشهيد في المسالك في كتاب النذر ، كما سيأتي كلامه.
[٢] قال في الدروس
: « ولو نذر الحج بولده أو عنه لزم ، فان مات الناذر استؤجر عنه من الأصل ، ولو
مات الولد قبل التمكن فالأقرب السقوط ». فان موت الولد إنما يوجب عدم التمكن من
أحد العدلين وهو الحج به ، إذ يمكن الحج عنه بعد موته. فالبناء على السقوط حينئذ
ليس إلا من جهة عدم التمكن من أحد العدلين.
قال في المسالك :
« ولو مات الولد قبل أن يفعل أحد الأمرين بقي الفرد الآخر ، وهو الحج عنه. سواء
كان موته قبل تمكنه من الحج بنفسه أم لا ، لأن النذر ليس منحصراً في حجه حتى يعتبر
تمكنه في وجوبه. نعم لو كان موته قبل تمكن الأب من أحد الأمرين احتمل السقوط ،
لفوات متعلق النذر قبل التمكن منه ، لأنه أحد الأمرين ، والباقي منهما
الناذر إتيان أحد
الأمرين من دون اشتراط كونه على وجه التخيير ، فليس النذر مقيداً بكونه واجباً
تخييرياً حتى يشترط في انعقاده التمكن منهما.
( مسألة ٢٤ ) : إذا نذر أن يحج أو يزور الحسين (ع) من بلده ثمَّ مات قبل الوفاء بنذره وجب
القضاء من تركته [١].
______________________________________________________
غير أحدهما الكلي.
وهو خيرة الدروس. ولو قيل بوجوب الحج عنه كان قوياً ، لأن الحج عنه متعلق النذر
أيضاً ، وهو ممكن. ونمنع اشتراط القدرة على جميع أفراد المخير بينهما في وجوب
أحدهما ، كما لو نذر الصدقة بدرهم ، فان متعلقه أمر كلي ، وهو مخير في الصدقة بأي
درهم اتفق من ماله. ولو فرض ذهابه إلا درهماً واحداً وجب الصدقة به ». وفي الجواهر
: « فيه : أن الفرق واضح بين ما ذكره من المثال وبين ما سمعته من الدروس ».
وحاصل ما ذكره في
الفرق : أن عدم التمكن من بعض الأفراد ـ في المثال ـ طارئ بعد التمكن ، وفيما ذكره
في الدروس قبل التمكن حسبما فرضه. وهو كما ذكر ، لكن يكفي في الاشكال النقض بغيره
من الأمثلة ، مثل : ما لو نذر التصدق بدرهم كلي وكان بعض دراهمه مغصوبة ، وأمثال
ذلك من الموارد التي يكون بعض أفراد المنذور غير مقدور ، والالتزام ببطلان النذر
في مثل ذلك خلاف المقطوع به. مع أنك عرفت أن دليل اعتبار القدرة لا يشمل مثل ذلك ،
ولا يصلح لتقييد أدلة النفوذ والصحة.
[١] لما عرفت من
أن النذر يقتضي أن يكون المنذور حقاً لله تعالى كسائر الحقوق المالية التي للناس ،
فيكون الحال كما لو مات الأجير قبل العمل إذا لم تشترط فيه المباشرة.
ولو اختلف أجرتهما
يجب الاقتصار على أقلهما أجرة [١] ، إلا إذا تبرع الوارث بالزائد ، فلا يجوز للوصي
اختيار الأزيد أجرة وإن جعل الميت أمر التعيين اليه [٢]. ولو أوصى باختيار الأزيد
أجرة خرج الزائد من الثلث [٣].
( مسألة ٢٥ ) : إذا علم أن على الميت حجاً ولم يعلم أنه حجة الإسلام أو حج النذر وجب قضاؤه
عنه من غير تعيين [٤] ، وليس عليه كفارة [٥]. ولو تردد ما عليه بين
______________________________________________________
[١] لأن الحق
بالنسبة إلى الأكثر أجرة من قبيل اللامقتضي ، فلا يزاحم إرث الوارث.
[٢] راجع إلى قوله
: « يجب الاقتصار .. ». وذلك لأن جعل أمر التعيين إلى الناذر غاية ما يقتضي أن
يكون حقاً له ، فيكون موروثاً ، فيكون أمر التعيين بيد الوارث. وحينئذ لا يجوز
للوصي إخراج الأكثر أجره إذا لم يرض الوارث به. نعم إذا جعل الميت أمر التعيين إلى
شخص آخر ، وكان من قبيل الحق المجعول له ، فاذا اختار الأكثر أجرة من له حق
التعيين فليس للوارث منعه ، لأنه مزاحم للحق المقدم على إرث الوارث. وكذا إذا كان
راجعاً إلى نذر المعين بتعيين الغير ، فما بعينه يكون هو المنذور لا غيره.
[٣] لأنه من
الوصايا التي هي كذلك.
[٤] فإنه يكفي في
امتثال الواجب المردد. ولو جيء بكل من الفردين بملاحظة الخصوصية برجاء المطلوبية
كفى أيضاً.
[٥] لأصالة
البراءة منها مع الشك ، لاحتمال كون الفائت حجة الإسلام التي لا كفارة في فواتها.
للواجب بالنذر أو
بالحلف وجبت الكفارة أيضاً. وحيث أنها مرددة بين كفارة النذر وكفارة اليمين [١]
فلا بد من الاحتياط ويكفي حينئذ إطعام ستين مسكيناً ، لأن فيه طعام عشرة أيضاً
الذي يكفي في كفارة الحلف.
( مسألة ٢٦ ) : إذا نذر المشي في حجه الواجب عليه أو المستحب انعقد [٢] مطلقاً حتى في مورد
يكون الركوب أفضل [٣] ،
______________________________________________________
[١] الظاهر أن
كفارة النذر هي كفارة اليمين ، كما تقدم الكلام فيه ـ في الجملة ـ في أواخر كتاب
الصوم.
[٢] المذكور في
كلامهم مسألتان : الأولى : أن ينذر الحج ماشياً. وسيأتي التعرض لها. الثانية : أن
ينذر المشي في سفره إلى الحج الواجب أو المستحب. وهذه هي التي تعرض لها المصنف هنا.
والظاهر التسالم على صحة النذر وانعقاده في الجملة. وتقتضيه النصوص ، كصحيح رفاعة بن موسى : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل نذر أن
يمشي إلى بيت الله. قال (ع) : فليمش. قلت : فإنه تعب. قال (ع) : فاذا تعب ركب » . ونحوه خبر سماعة وحفص الآتي ، ويشير إليه
غيرهما ، مما يأتي التعرض له. والحكم ـ في الجملة ـ لا ينبغي الإشكال فيه ، لما
عرفت من النصوص وظهور الفتاوى وعمومات الصحة ، لكون المشي راجحاً ، فينعقد نذره
كما ينعقد نذر غيره. وسيأتي التعرض لصحيحة الحذاء . [٣] لا يخلو من
إشكال.
__________________
لأن المشي ـ في حد
نفسه ـ أفضل من الركوب [١] بمقتضى جملة من الاخبار ، وإن كان الركوب
قد يكون أرجح لبعض الجهات ، فان أرجحيته لا توجب زوال الرجحان عن المشي في حد نفسه.
وكذا ينعقد لو نذر الحج ماشياً ـ مطلقاً ـ [٢] ولو مع الإغماض عن رجحان المشي ،
لكفاية رجحان أصل الحج في الانعقاد ، إذ لا يلزم أن يكون المتعلق راجحا بجميع
قيوده وأوصافه. فما عن بعضهم : من عدم الانعقاد في مورد يكون الركوب أفضل [٣] لا
وجه له. وأضعف منه : دعوى
______________________________________________________
[١] هذا لا يجدي
في تحقيق الرجحان الموجب للانعقاد ، لأن الظاهر مما دل على أن الركوب أفضل في بعض
الموارد : كون المشي ـ الذي هو ضد الركوب ـ علة لفوات العنوان الراجح الذي يكون
بالركوب ، وإذا كان علة لفواته كان مرجوحاً بالعرض ، ولا فرق بين المرجوح بالذات
والمرجوح بالعرض في عدم صحة نذره. نعم لو كان ضداً لما هو أرجح منه لم يخرج بذلك
عن كونه راجحاً ، فلا مانع من نذره. لكنه خلاف ظاهر الأدلة. فلاحظ.
[٢] الإجماع
بقسميه عليه ، كما في الجواهر. وفي المعتبر : « عليه اتفاق العلماء ». وتقتضيه
عمومات صحة النذور ونفوذها. واستفادة ذلك من أكثر النصوص غير ظاهرة ، فإنها واردة
في الناذر للمشي. نعم في رواية أنس تعرض لذلك . ولعله بالتأمل يظهر من غيرها أيضاً ، ولا يهم لكفاية
العمومات في صحة النذر.
[٣] يشير إلى ما
عن العلامة في كتاب الايمان من القواعد ، حيث
__________________
الانعقاد في أصل
الحج لا في صفة المشي فيجب مطلقاً [١]. لأن المفروض نذر المقيد ، فلا معنى لبقائه
مع عدم صحة قيده [٢].
( مسألة ٢٧ ) : لو نذر الحج راكباً انعقد ووجب [٣] ، ولا يجوز حينئذ المشي وإن كان أفضل ،
لما مر من كفاية رجحان المقيد دون قيده. نعم لو نذر للركوب في حجه في مورد يكون
المشي أفضل لم ينعقد ، لأن المتعلق حينئذ الركوب [٤]
______________________________________________________
قال : « لو نذر
الحج ماشياً ، وقلنا المشي أفضل انعقد الوصف ، وإلا فلا ». وهو ظاهر كشف اللثام.
واستشكل عليه في الجواهر بما في المتن وهو في محله. نعم يتم الاشكال فيما لو نذر المشي
ـ كما عرفت ـ ولا يجري في نذر الحج ماشياً.
[١] حكيت عن
الإيضاح ، حيث قال : « إن انعقاد أصل النذر إجماعي ، أما لزوم المشي فمبني على أن
المشي أفضل من الركوب ، فلو كان الركوب أفضل لم يلزم ».
[٢] إلا أن يكون
النذر على وجه تعدد المطلوب. أو نقول : بأن ذلك لا مجال للإشكال عليه بعد دعوى
الإجماع. إلا أن يرجع الإشكال إلى منع الإجماع.
[٣] لما سبق من
عمومات الصحة.
[٤] يعني : وهو
مباح ، والمباح لا يتعلق به النذر. ومجرد كون المشي أفضل منه لا يقتضي بطلان نذره
، إذ لا يعتبر في المنذور أن يكون أرجح من غيره. والذي يتحصل : أن المنذور تارة :
يكون مباحاً ، وأخرى : يكون راجحاً لكنه علة لفوات ما هو أرجح منه ، وثالثة : يكون
راجحاً لكنه ضد لما هو أرجح منه. وفي الأولى لا يصح النذر ، لعدم الرجحان. وكذا في
الثانية ، لأنه مرجوح بالعرض وإن كان راجحاً
لا الحج راكباً.
وكذا ينعقد لو نذر أن يمشي بعض الطريق من فرسخ في كل يوم أو فرسخين
، وكذا ينعقد لو نذر الحج حافياً. وما في صحيحة الحذاء [١] ، من أمر النبي (ص) بركوب أخت
عقبة بن عامر مع كونها ناذرة أن تمشي إلى بيت الله حافية ، قضية في واقعة [٢] ،
يمكن أن يكون لمانع من صحة نذرها ، من إيجابه كشفها ، أو تضررها ، أو غير ذلك.
______________________________________________________
ذاتاً. وفي
الثالثة يصح ، لأنه راجح ذاتاً وعرضاً. ووجود ما هو أرجح منه لا يقتضي مرجوحيته
ولا يمنع عن رجحانه. وحينئذ لا مانع من نذره حسب ما تقتضيه عمومات الصحة ، إذ لا
دليل على اعتبار أن لا يكون ضداً لما هو أرجح ، كيف وإلا لزم بطلان أكثر النذور ،
مثل : نذر الصلاة ، والصوم ، والحج إذا اتفق وجود ما هو أفضل؟.
هذا في النذر
الوارد على القيد نفسه. وأما إذا كان وارداً على المقيد به ، فاذا كان المقيد
بذاته راجحاً صح نذره في جميع الصور المذكورة. ولا يضر في الثانية كون القيد علة
لترك ما هو أرجح منه ، لأن النذر وارد على المقيد به لا على نفسه. نعم إذا كان
القيد علة لترك ما هو أرجح من المقيد لم ينعقد النذر المتعلق بالمقيد ، لأنه مرجوح
عرضاً.
[١] قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل نذر أن يمشي
إلى مكة حافياً. فقال : إن رسول الله (ص) خرج حاجاً ، فنظر إلى امرأة تمشي بين
الإبل ، فقال : من هذه؟ فقالوا : أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى مكة حافية.
فقال رسول الله (ص) : يا عقبة انطلق إلى أختك فمرها فلتركب ، فان الله غني عن
مشيها وحفاها » .
[٢] بهذا أجابا في
المعتبر والمنتهى عن الصحيحة المذكورة ، وتبعهما
__________________
______________________________________________________
عليه جماعة ،
ومنهم في الجواهر. وفيه : أن جواب أبي جعفر (ع) عن سؤال الحذاءبما ذكر دليل على
أنه الحكم الواقعي الأولي المسؤول عنه ، ولو كان قضية في واقعة كان ذكره مستدركاً
وبقي السؤال بلا جواب. لعم لو كان المخبر غير المعصوم لأمكن أن يقال ذلك ، لا فيما
نحن فيه وأمثاله مما كان الخبر من المعصوم في مقام الجواب.
وكأنه لذلك حمل
الصحيحة في الدروس على عدم انعقاد نذر الحفا ، قال (ره) : « لا ينعقد نذر الحفا في
المشي ، للخبر عن النبي (ص) .. ». لكن الرواية ظاهرة في نذر المشي حافية ، وكذلك
أمر النبي (ص) لها بالركوب ، وكذلك قوله
(ص) : « إن الله
غني عن مشيها وحفاها ». ولعل مراد الدروس ذلك ، لأن الحفا لا يكون إلا بالمشي. وحينئذ لا بأس بما ذكره
أخذاً بظاهر الرواية. ولا سيما بملاحظة التعليل ، إذ لا بد أن يكون المراد من غنى
الله سبحانه عدم المطلوبية والمشروعية ، وإلا ( فَإِنَّ اللهَ
غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ). فيكون المراد أن الوجه في عدم الانعقاد عدم مشروعية
المنذور ، فتتأكد دلالتها على بطلان نذر المشي حافياً ، كما اختاره في الدروس. وكيف
كان فهي غير ما نحن فيه ، من نذر الحج ماشياً حافياً ، الذي هو المفروض في المتن ،
فالرواية أجنبية عنه.
نعم يعارضها رواية سماعة وحفص ، المروية عن نوادر
محمد بن عيسى ، قالا : «
سألنا أبا عبد الله (ع) عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله حافياً قال : فليمش ،
فاذا تعب فليركب » . والجميع يقتضي حملها على الاستحباب. اللهم إلا أن تسقط
الصحيحة بإعراض الأصحاب عنها ، فلا مجال للاعتماد عليها في رفع اليد عن القواعد.
__________________
( مسألة ٢٨ ) : يشترط في انعقاد النذر ماشياً أو حافياً تمكن الناذر وعدم تضرره بهما ، فلو
كان عاجزاً أو كان مضراً ببدنه لم ينعقد [١]. نعم لا مانع منه إذا كان حرجاً لا
يبلغ حد الضرر ، لأن رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة [٢].
______________________________________________________
[١] أما مع العجز
فلانتفاء شرط انعقاد النذر ، وهو القدرة. وأما مع الضرر فللحرمة الموجبة للمرجوحية.
ولعدم القدرة ، لأن غير المقدور شرعاً غير مقدور.
[٢] تقدم في مواضع
من هذا الشرح ، تقريب ذلك : بأن أدلة نفي الحرج إنما تضمنت نفي الحكم المؤدي إلى
الحرج ، وحينئذ تكون نسبتها إلى العمومات الدالة على اللزوم ـ من وجوب أو تحريم ـ مرددة
بدواً بين أن تكون نسبة المخصص الى العام ، مثل : « أكرم العلماء إلا زيداً » ،
وإن تكون نسبة المرخص إلى الملزم ، مثل : « أكرم ، العلماء ، وأذنت لك في ترك
إكرام زيد ». فعلى الأول يكون إكرام زيد خارجاً عن العموم بالمرة ، كما لو قال : «
أكرم من عدا زيد ». وعلى الثاني لا يكون خارجاً عنه وإنما يكون خارجا عن اللزوم
فقط. فدلالة العموم على وجود ملاك وجوب الإكرام في زيد غير معارضة ، فتكون حجة
وإنما المعارضة بين دلالة العموم على اللزوم ودلالة دليل الترخيص على عدمه. وهذا
التردد بدوي ، أما بعد التأمل وملاحظة ورود أدلة نفي الحرج مورد الامتنان ـ بقرينة
مناسبة الحكم والموضوع عرفاً. فالجمع يكون بين أدلة نفي الحرج وعمومات اللزوم على
النحو الثاني لا الأول. وحينئذ لا تدل على أكثر من نفي اللزوم ، فتبقى الملاكات
المدلول عليها بالعمومات بحالها.
هذا ما يقتضيه
الجمع العرفي بينها. وكذلك الكلام في أدلة نفي الضرر ، فان مقتضى الجمع العرفي
بينها وبين أدلة الأحكام الأولية اللزومية هو
هذا إذا كان
حرجياً حين النذر ، وكان عالماً به [١]. وأما إذا عرض الحرج بعد ذلك فالظاهر كونه
مسقطاً للوجوب [٢].
( مسألة ٢٩ ) : في كون مبدأ وجوب المشي أو الحفاء : بلد النذر أو الناذر ، أو أقرب البلدين
الى الميقات ، أو مبدأ الشروع في السفر [٣] ،
______________________________________________________
ذلك أيضاً. نعم
قام الدليل ـ من إجماع وغيره ـ على حرمة إيقاع النفس في الضرر. ثمَّ إن الظاهر من
العزيمة أنه لا يجوز الوقوع في الحرج. لكن الظاهر أن مراد القائل بها عدم المشروعية
، لا الحرمة التكليفية ، وإلا فلا يظن من أحد الالتزام به ، بل خلافه من الضروريات
الفقهية ، كيف ولا يزال الناس يعملون الأعمال الحرجة ويوقعون الإجارات عليها؟ ولعل
ذلك من الضروريات عند المتشرعة. فلاحظ.
[١] فإنه حينئذ
يكون مقدماً على الحرج ، فلا يشمله دليل نفي الحرج لما عرفت من أنه لما كان
امتنانياً اختص بالحرج الآتي من قبل الشارع ، فلا يشمل الحرج الآتي من قبل العبد
لإقدامه عليه ، فاذا نذر ما هو حرجي فقد أقدم على الحرج ، فتشمله عمومات الصحة من
دون معارض. أما إذا كان جاهلاً به فدليل نفي الحرج ينفي لزوم النذر ، لأن لزومه هو
الذي يؤدي إلى الحرج ، وتبقى مشروعية الوفاء به بحالها.
[٢] لإطلاق دليله.
وعروض الحرج ليس له موضوعية في الحكم ، بل من حيث كونه ملازماً غالباً للجهل ،
فالمدار في اللزوم وعدمه العلم والجهل ، لا العروض وعدم العروض.
[٣] اختار الأول
في الشرائع ، وحكي عن المبسوط والتحرير والإرشاد. والثاني ظاهر القواعد والدروس
وغيرهما ، وفي الحدائق : الميل اليه. وفي الجواهر : « وقيل : يعتبر أقرب البلدين
إلى الميقات. وفي المسالك : هو
أو أفعال الحج [١]
أقوال. والأقوى أنه تابع للتعيين أو الانصراف ، ومع عدمهما فأول أفعال الحج إذا
قال : « لله علي أن أحج ماشياً » ، ومن حين الشروع في السفر إذا قال : « لله علي
أن أمشي إلى بيت الله » أو نحو ذلك. كما أن الأقوى
______________________________________________________
حسن إن لم يدل
العرف على خلافه .. ولعله لكون المراد المشي في الجملة إلى الحج ، وهو يصدق بذلك
.. ». وفيه : أن الصدق يتحقق بالمشي بأقل من ذلك إلى الميقات. وفي كشف اللثام : «
ويمكن القول بأنه من أي بلد يقصد فيه السفر إلى الحج. لتطابق العرف واللغة فيه ».
[١] جعله في
الجواهر الأصح. وعلله : بما أشار إليه في المتن ، من أن المشي حال من الحج ، والحج
اسم لمجموع المناسك المخصوصة ، فلا يجب المشي إلا حاله. وفي المبسوط ـ بعد أن حكى
القول المذكور واستدل له بما ذكر ـ قال : « ويدفعه : أصالة عدم النقل .. » ، يعني
: يراد من الحج القصد لا الأفعال ، فيجب المشي من حين الشروع في قصد البيت ، فيرجع
إلى القول الرابع الذي تقدم عن كشف اللثام.
وكيف كان فالنزاع
في المقام في مراد الناذر ، وما ذكره المصنف (ره) من أنه تابع للتعيين ، أو
للانصراف. ومع عدمهما .. في محله متين. إلا أن الكلام كله في تحقيق الانصراف وعدمه.
ولا يبعد أن يكون المنصرف اليه من قول الناذر : « لله علي أن أحج ماشياً » هو
المنصرف اليه من قوله : « لله علي أن أزور الحسين (ع) ماشياً ». والوجه فيه : أن
النذر تعلق بالمشي المشروع على نحو ما شرع في الحج ، وهو لا يختص بالمشي حال الحج
، بل يعم المشي من حين الشروع في السفر. ويشير إليه ـ أيضاً ـ ما يأتي في منتهاه.
أن منتهاه ـ مع
عدم التعيين ـ رمي الجمار ، لجملة من الأخبار [١] لا طواف النساء كما عن المشهور
[٢] ، ولا الإفاضة من عرفات ، كما في بعض الأخبار [٣].
______________________________________________________
[١] منها صحيح جميل : « قال أبو عبد الله (ع) : إذا حججت ماشياً ، ورميت الجمرة فقد
انقطع المشي » . وفي
صحيح إسماعيل بن همام عن أبي الحسن الرضا (ع) : « قال : قال أبو عبد الله (ع) في
الذي عليه المشي في الحج : إذا
رمى الجمرة زار البيت راكباً وليس عليه شيء » ، وصحيح الحلبي : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الماشي
متى ينقضي مشيه؟ قال (ع) : إذا رمى الجمرة وأراد الرجوع فليرجع راكباً فقد انقضى مشيه
، وإن مشى فلا بأس » . والظاهر أن الوجه فيه ما عرفت ، من أن المشي المنذور هو
المشروع في الحج والمرغوب ، وهو يختص بما ذكر ، لا أن الحكم تعبدي ولو كان مخالفة
للنذر. فلاحظ.
[٢] اختاره في
الشرائع ، والدروس. وفي الجواهر وغيرها قيل : انه المشهور. وكأن الوجه فيه : الأخذ
بمفهوم الحج ، ولا يختص بجزء دون جزء. لكن طواف النساء ليس من أجزاء الحج. اللهم
إلا أن يفهم بالتبعية. لكن لا مجال لذلك بعد ورود ما عرفت من النصوص.
[٣] في خبر يونس بن يعقوب المروي في قرب
الاسناد : «
سألت أبا عبد الله (ع) متى ينقطع مشي الماشي؟ قال (ع) : إذا أفاض من عرفات » .
لكن لم يعرف قائل به ،
وحينئذ لا مجال للاعتماد عليه.
__________________
( مسألة ٣٠ ) : لا يجوز لمن نذر الحج ماشياً أو المشي في حجه أن يركب البحر لمنافاته لنذره ،
وإن اضطر اليه لعروض المانع من سائر الطرق سقط نذره. كما أنه لو كان منحصراً فيه
من الأول لم ينعقد. ولو كان في طريقه نهر أو شط لا يمكن العبور إلا بالمركب
فالمشهور أنه يقوم فيه ، لخبر السكوني [١]. والأقوى عدم وجوبه ، لضعف الخبر عن
إثبات الوجوب [٢].
______________________________________________________
[١] عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) عن آبائه (ع) :
« أن علياً (ع) سئل
عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله فعبر في المعبر. قال (ع) : فليقم في المعبر
قائماً حتى يجوزه » .
[٢] لكن عمل الشيخ
وجماعة بالخبر يكفي في جبر ضعفه. مضافاً الى أن السكوني قد عول الأصحاب على أخباره
، وقد ادعى الشيخ إجماع الأصحاب على ذلك ، فرفع اليد عنه غير واضح.
ثمَّ إن كان مورد
السؤال في الخبر صورة ما إذا نذر المشي في جميع نقاط المسافة ، فمقتضى القاعدة
بطلان النذر ، لعدم القدرة ، فإن عمل بالخبر كان دالاً على الصحة ومخصصاً للقاعدة
، وكان أيضاً دالا على البدلية على خلاف أصل البراءة. فان لم يعمل به تعين البناء
على البطلان. وإن كان مورد السؤال صورة ما إذا كان النذر مختصاً بالموضع الذي يمكن
فيه المشي ، فمقتضى القاعدة وجوب المشي في غير المعبر وعدم لزومه فيه ، فاذا عمل
بالخبر كان دالا على وجوب القيام تعبداً لا بدلا ، لعدم وجوب المبدل منه. وظاهر
الخبر أن مورده الصورة الأولى ، فإذا بني على عدم العمل به تعين
__________________
وللتمسك بقاعدة
الميسور لا وجه له [١]. وعلى فرضه فالميسور هو التحرك لا القيام [٢].
( مسألة ٣١ ) : إذا نذر المشي فخالف نذره فحج راكباً ، فان كان المنذور الحج ماشياً من غير
تقييد بسنة معينة وجب عليه الإعادة ، ولا كفارة [٣] ، إلا إذا تركها أيضاً [٤]. وإن
كان المنذور الحج ماشياً في سنة معينة فخالف وأتى به راكباً وجب عليه القضاء
والكفارة [٥]. وإذا كان المنذور
______________________________________________________
البناء فيها على
بطلان النذر ، ويكون مورد كلام الأصحاب الصورة الثانية.
[١] إذ العمدة ـ في
دليل القاعدة ـ الإجماع ، وهو في المقام منتف
[٢] الحركة وإن
كانت مقومة للمشي ، لكن ـ مع انتفاء قطع المسافة بالحركة ـ لا يصدق عليها عرفاً
أنها ميسور ، بخلاف القيام فإنه غير مقوم للمشي ، ووجوبه إنما هو من جهة الانصراف
، فلا يخرج عن كونه ميسوراً بسقوط غيره. ولو منع الانصراف فالقيام ليس بواجب حال
المشي ، ويكفي المشي في غير حال القيام فيكون أجنبياً عن المشي ، وحينئذ لا وجه
لكونه ميسوراً له.
[٣] أما الإعادة
فلعدم إتيانه بالمنذور. وأما عدم الكفارة فلعدم الموجب لانتفاء المخالفة بعد كون
النذر موسعاً ومطلقاً.
[٤] يعني : على
نحو لا يكون معذوراً في الترك ، كما إذا اطمأن بالوفاة فإنه لما وجبت المبادرة كان
تركها مخالفة للنذر وموجباً للحنث. وقد تقدم ـ في المسألة الثامنة ـ ما له نفع في
المقام.
[٥] تقدم الكلام
في ذلك في المسألة الثامنة. هذا وفي المعتبر : « ويمكن أن يقال : إن الإخلال
بالمشي ليس مؤثراً في الحج ، ولا من صفاته بحيث يبطل بفواته ، بل غايته : أنه أخل
بالمشي المنذور ، فان كان مع القدرة
______________________________________________________
وجبت عليه كفارة
خلف النذر ، وحجه ماض .. ». ونحوه حكي عن المنتهى والتحرير وغيرهما. وفي كشف
اللثام : « هو قوي. إلا أن يجعل المشي في عقد النذر شرطاً .. ».
أقول : ظاهر
كلامهم صورة ما إذا جعله شرطاً ، وحينئذ لا مجال للبناء على صحته وفاء ، لفوات
المشروط بفوات شرطه. أما إذا لم يجعله شرطاً ـ بأن نذر أن يحج ، ونذر أن يمشي في
الحج المنذور ـ فلا مانع من البناء على الصحة ، لأن المشي المنذور إن كان قبل
الميقات ، فاذا ركب قبل الميقات فقد حنث ووجبت الكفارة ، وبقي الأمر بالحج ، فيأتي
به على طبق أمره ، فيصح وفاء. وإن كان المشي المنذور بعد الإحرام وقبل الطواف ،
فإذا أحرم صح إحرامه ، فإذا ركب بعد ذلك فقد حنث ، ولا يقتضي ذلك سقوط الأمر
بالطواف ، وحينئذ يصح طوافه وفاء بالنذر أيضاً ، وهكذا الكلام الى المواقف.
والوجه في ذلك :
عدم انطباق عنوان محرم على أجزاء الحج ، فلا مانع من التقرب بها. نعم ـ بناء على
أن السير من الميقات إلى مكة من أجزاء الحج فيكون عبادة ـ تشكل صحته ، من جهة أن
السير راكباً تفويت لموضوع النذر فيكون حراماً. نظير الصلاة فرادى إذا كان قد نذر
الصلاة جماعة ، فإنه لما كان تفويتاً لموضوع النذر كانت حراماً فتبطل. وقد تقدم
نظير ذلك في المسألة السابعة من هذا الفصل ، فراجع.
ولا يرتبط ما ذكر
بالقول بأن الأمر بالشيء نهي عن ضده ، بل هو من باب أن علة الحرام حرام ولو عقلا
على نحو يكون مبعداً ، فيمتنع أن يكون مقرباً. ولا فرق بين الجزء الأخير من العلة
والجزء الأول منها ، فنه مع العلم بالترتب يكون الجزء الأول أيضاً حراماً مبعداً ،
ومع عدم العلم بالترتب لا يكون آخر الأجزاء منها حراماً مبعداً ، كما لا يكون
أولها كذلك. وبالجملة :
المشي في حج معين
وجبت الكفارة دون القضاء [١] ، لفوات محل النذر. والحج صحيح في جميع الصور [٢].
خصوصاً الأخيرة ، لأن النذر لا يوجب شرطية المشي في أصل الحج [٣] وعدم الصحة من
حيث النذر لا يوجب عدمها من حيث
______________________________________________________
حرمة السبب المفوت
للواجب ومبعديته لا ترتبط بحرمة الضد ومبعديته. وهو واضح بالتأمل.
[١] أما الأول
فللحنث. وأما الثاني فلما ذكر من فوات محل النذر ، لأنه لما حج بدون المشي فقد صح
حجه وتعذر الإتيان به ثانياً ، لامتناع الامتثال بعد الامتثال ، فيتعذر الوفاء
بالنذر.
[٢] أما في الصورة
الأخيرة فواضح ، لوقوعه عن أمره بلا مانع من التقرب به ، لعدم انطباق عنوان محرم
عليه ، الا بناء على ما عرفت من أن السير بين الميقات ومكة أيضاً واجب ومن أجزاء
الحج ، فيكون السير راكباً تفويتاً للواجب ، فيحرم ، فيبطل. وكذا إذا كان يمكنه
الرجوع إلى الميقات والسير ماشياً ، فإنه حينئذ يكون الطواف تفويتاً للواجب فيحرم.
أما مع عدم إمكان الرجوع فقد حنث بترك المشي من الميقات وسقط الأمر النذري ، فلا
مانع من الطواف. وأما في الصورتين الأخيرتين فلما يأتي.
[٣] هذا التعليل
راجع الى الحكم بالصحة في الجميع. وحاصل التعليل : أن الصحة تابعة لوقوع الفعل تام
الأجزاء والشرائط ، والحج راكباً لا نقص في أجزائه ولا في شرائطه. لأن النذر ـ في
الصورتين الأولتين ـ إنما يقتضي شرطية الركوب للحج المنذور ، لا للحج الذي هو
موضوع الأمر الشرعي. وفي الصورة الثالثة إنما اقتضى وجوب المشي في الحج ، لا
شرطيته للحج ولا لغيره ، فاذا لم يكن الحج المشروع مشروطاً بالمشي انطبق على الحج
راكباً ، فيصح ويسقط به أمره ويحصل بذلك امتثاله.
الأصل ، فيكفي في
صحته الإتيان به بقصد القربة. وقد يتخيل البطلان ، من حيث أن المنوي ـ وهو الحج
النذري ـ لم يقع ، وغيره لم يقصد [١]. وفيه : أن الحج في حد نفسه مطلوب ، وقد قصده
في ضمن قصد النذر ، وهو كاف [٢]. ألا ترى : أنه لو صام أياماً بقصد الكفارة ثمَّ
ترك التتابع لا يبطل الصيام في الأيام السابقة أصلاً [٣] ، وإنما تبطل من حيث
______________________________________________________
[١] الذي يظهر من
كلمات الأصحاب ( رض ) : أنه يعتبر في صحة العبادة قصد المأمور به بخصوصياته
المعتبرة فيه حينما أخذ موضوعاً للأمر. وأيضاً يعتبر فيها قصد الأمر بحيث يكون
الداعي إلى وقوعها أمرها ، فإذا فقد أحد هذين فقد بطلت العبادة. وفي المقام لما
كان المقصود الحج النذري دون الحج نفسه ، فلا يصح الحج النذري لفقد شرطه ، ولا
الحج الأصلي لعدم قصده.
[٢] لا ريب في أن
الناذر حينما يأتي بالحج المنذور يأتي به بعنوان الوفاء بالنذر ، والوفاء من
العناوين التقييدية لا من قبيل الداعي. ولذا إذا أعطى زيد عمراً ديناراً بعنوان
الوفاء بالدين ، وعلم عمرو بانتفاء الدين ، لا يجوز له أخذ الدينار ولا التصرف فيه.
كما لو أعطاه بعنوان المعاوضة ، فإنه لا يجوز له الأخذ إذا كان يعلم بانتفاء
المعاوضة أو بطلانها. وقد ذكروا أن المقبوض بالعقد الفاسد بمنزلة المغصوب لا يجوز
التصرف فيه. فاذا كان عنوان الوفاء تقييدياً فمع انتفائه لا قصد للفاعل ، وحينئذ
لا يكون عبادة لانتفاء قصد الأمر ، كما ذكر في الاشكال.
[٣] الصيام في
الأيام السابقة كان الإتيان به بقصد أمر الكفارة الوجوبي وكذلك كان المقصود به
الصوم الخاص ـ وهو صوم الكفارة المشتمل على
كونها صيام كفارة؟
وكذا إذا بطلت صلاته لم تبطل قراءته وإذ كاره التي أتى بها من حيث كونها قرآناً أو
ذكراً. وقد يستدل للبطلان ـ إذا ركب في حال الإتيان بالأفعال ـ : بأن الأمر
بإتيانها ماشياً موجب للنهي عن إتيانها راكباً. وفيه : منع كون الأمر بالشيء
نهياً عن ضده [١]. ومنع استلزامه البطلان على القول به. مع أنه لا يتم فيما لو نذر
الحج ماشياً
______________________________________________________
خصوصيات اقتضت
وجوبه ـ دون طبيعة الصوم ، فصحته ـ إذا بطل صوم الكفارة ـ تتوقف على عدم اعتبار
قصد الأمر ولا قصد المأمور به في عبادية العبادة. وقد عرفت : أنه خلاف ما عليه
الأصحاب ، وخلاف ما بنوا عليه من الفروع ، مثل : ما إذا قصد الأمر بالوضوء
التجديدي فتبين أنه محدث ، وما إذا قصد الأمر الوجوبي بغسل الجنابة لاعتقاد سعة
الوقت فاغتسل فتبين ضيقه ، وأمثال ذلك من الفروع التي حكموا فيها بالبطلان إذا كان
ذلك ضيقه ، وأمثال ذلك من الفروع التي حكموا فيها بالبطلان إذا كان ذلك على نحو
التقييد لا على نحو الداعي. فراجع كلماتهم. ولازمه : أنه إذا صلى الصبح باعتقاد
دخول الوقت بطلت وصحت صلاة ركعتين نافلة.
ومن ذلك تعرف
الإشكال في قوله : « لم تبطل قراءته وأذكاره » إذا كان مراده أنه لم يبطل التعبد
بالقرآن الكريم والذكر. نعم لو كان التقييد بالعناوين المذكورة على نحو تعدد
المطلوب كان ما ذكر في محله. لكن الظاهر عدم بنائهم على ذلك في باب الوفاء بالعقود
والنذور ونحوهما. اللهم إلا أن يبنى على الفرق بين المقامين ، وإجراء حكم تعدد
المطلوب في باب العبادات أمثال المقام. أو أن الصحة مستفادة من بعض النصوص الواردة
في صحة عمل الأجير إذا خالف الإجارة ، كما سيأتي في المسألة الثانية عشرة والثالثة
عشرة. فتأمل جيداً.
[١] قد عرفت : أن
المصادة بين المشي والركوب فقط.
مطلقاً ، من غير
تقييد بسند معينة ولا بالفورية ، لبقاء محل الإعادة.
( مسألة ٣٢ ) : لو ركب بعضاً ومشى بعضاً فهو كما لو ركب الكل ، لعدم الإتيان بالمنذور ، فيجب
عليه القضاء أو الإعادة ماشياً [١]. والقول بالإعادة والمشي في موضع الركوب ، ضعيف
لا وجه له.
______________________________________________________
[١] كما عن الحلي
، واختاره في الشرائع وغيرها. وعن الشيخ وجمع من الأصحاب : أنه يقضي ويمشي موضع
الركوب. وعن المختلف الاستدلال له : بأن الواجب عليه قطع المسافة ماشياً ، وقد حصل
بالتلفيق ، فيخرج عن العهدة. ثمَّ أجاب عنه بالمنع من حصوله مع التلفيق. ولعله
واضح ، إذ لا يصدق عليه أنه حج ماشياً. وفي المدارك : « هو جيد إن وقع الركوب بعد
التلبس بالحج ، إذ لا يصدق على من ركب في جزء من الطريق ـ بعد التلبس بالحج ـ أنه
حج ماشياً. وهذا بخلاف ما إذا وقع الركوب قبل التلبس بالحج ، مع تعلق النذر بالمشي
من البلد ، لأن الواجب قطع المسافة في حال المشي وإن فعل في أوقات متعددة ، وهو
يحصل بالتفليق. إلا أن يكون المقصود قطعها كذلك في عام واحد. فتأمل ». أقول : من
الواضح أن المقصود ذلك ، فلا مجال لهذا الاحتمال. وعلى تقديره لا فرق بين المشي
قبل الحج وبعده.
ثمَّ إنه في خبر إبراهيم بن عبد الحميد : « أن عباد بن عبد الله البصري سأل
الكاظم (ع) عن رجل جعل لله نذراً على نفسه المشي إلى بيته الحرام ، فمشى نصف
الطريق أو أقل أو أكثر. قال (ع) : ينظر ما كان ينفق من ذلك الموضع فليتصدق به » .
ولكنه مهجور لا مجال
للعمل به. والظاهر أن المراد من قوله : « من ذلك الموضع » أنه من
__________________
( مسألة ٣٣ ) : لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره ـ لتمكنه منه ، أو رجائه ـ سقط [١]. وهل
يبقى حينئذ وجوب الحج راكباً أولا ، بل يسقط أيضا؟ فيه أقوال :
أحدها : وجوبه
راكبا مع سياق بدنة [٢].
الثاني : وجوبه
بلا سياق [٣].
______________________________________________________
موضع انتهاء المشي
إلى آخره.
[١] الرجاء طريق
لا موضوعية له في الانعقاد ، فاذا كان الناذر يرجو القدرة فتبين عدمها انكشف عدم
انعقاد نذره ، لما عرفت من اعتبار القدرة على المنذور في انعقاد النذر. هذا بالنظر
إلى القواعد العامة ، وربما يكون مقتضى النصوص الآتية عموم الحكم لصورة الرجاء.
ولذلك جعل المصنف صورة الرجاء كصورة التمكن وطروء العجز ، وقد سبقه في ذلك المستند.
فراجع. أما صورة العلم بالعجز فخارجة عن مورد النصوص والفتاوى ، لعدم اقدام الناذر
فيها على نذر المشي. فلاحظ.
[٢] نسب إلى الشيخ
وجماعة ، وعن الخلاف : دعوى الإجماع عليه. لصحيح
الحلبي : « قلت لأبي
عبد الله (ع) : رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله وعجز أن يمشي ، قال (ع) : فليركب ،
وليسق بدنة ، فان ذلك يجزي إذا عرف الله تعالى منه الجهد » ، وصحيح
ذريح المحاربي : «
سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل حلف ليحجن ماشياً ، فعجز عن ذلك فلم يطقه. قال (ع) :
فليركب ، وليسق الهدي » .
[٣] كما عن المفيد
، وابن الجنيد ، وابن سعيد ، والشيخ في نذر الخلاف ، وفي كشف اللثام : أنه يحتمله
كلام الشيخين ، والقاضي ، ونذر
__________________
الثالث : سقوطه
إذا كان الحج مقيداً بسنة معينة. أو كان مطلقا مع اليأس عن التمكن بعد ذلك ، وتوقع
المكنة مع الإطلاق وعدم اليأس [١].
الرابع : وجوب
الركوب مع تعيين السنة ، أو اليأس في صورة الإطلاق ، وتوقع المكنة مع عدم اليأس
[٢].
______________________________________________________
النهاية والمقنعة
والمهذب. ويشهد له صحيح
رفاعة بن موسى : «
قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله تعالى. قال (ع) : فليمش. قلت
: فإنه تعب. قال (ع) : إذا تعب ركب » ، وصحيح
ابن مسلم : «
سئل أحدهما (ع) عن رجل جعل عليه مشياً الى بيت الله تعالى فلم يستطع. قال (ع) :
يحج راكباً » .
[١] حكي عن الحلي
والعلامة ـ في الإرشاد ـ والمحقق الثاني في حاشية الشرائع. وكأن الوجه فيه : العمل
بالقواعد المقتضية للسقوط مع العجز والانتظار مع رجاء المكنة. لكن كان اللازم
البناء على الوجوب مع اليأس إذا فرض حصول المكنة بعد ذلك.
[٢] نسب إلى
العلامة في المختلف. لكن عبارته فيه ـ فيما لو أخذ المشي شرطاً في المنذور ـ هكذا
: « وإن كان الثاني ـ يعني : أخذ المشي شرطاً ، وكان النذر موقتاً وعجز ـ سقط عنه
النذر ، ولم يجب عليه الحج ماشياً ولا راكباً ، ولا كفارة عليه. وإن لم يعجز وركب
وجب عليه كفارة خلف النذر. وإن لم يكن موقتاً وعجز توقع المكنة ، فإن أيس سقط ولا
يجب الحج راكباً ». وظاهره القول الثالث. نعم ظاهر المسالك ـ وعن الروضة ـ :
اختيار هذا القول : بناء منهما على أن نذر الحج ماشياً راجع
__________________
الخامس : وجوب
الركوب إذا كان بعد الدخول في الإحرام ، وإذا كان قبله فالسقوط مع التعيين ، وتوقع
المكنة مع الإطلاق [١]. ومقتضى القاعدة وإن كان هو القول الثالث [٢]. إلا أن
الأقوى ـ بملاحظة جملة من الأخبار ـ هو القول الثاني ، بعد حمل ما في بعضها : من
الأمر بسياق الهدي ، على الاستحباب ، بقرينة السكوت عنه في بعضها الأخر مع كونه في
مقام البيان [٣].
______________________________________________________
إلى نذرين : نذر
الحج ، ونذر المشي ، فإذا تعذر الثاني بقي الأول ، ومع رجاء القدرة يجب الانتظار
عقلاً.
[١] قال في
المدارك : « والمعتمد ما ذهب إليه ابن إدريس إن كان العجز قبل التلبس بالإحرام ،
وإن كان بعده اتجه القول بوجوب إكماله ، وتساق البدنة ، وسقوط الفرض بذلك. عملاً
بظاهر النصوص ، والتفاتاً إلى إطلاق الأمر بوجوب الكمال الحج والعمرة مع التلبس
بهما ، واستلزام إعادتهما المشقة .. ». وكأن السقوط في الأول عملاً بالقواعد ، واختصاص
النصوص بغيره. وفيه : أن النصوص شاملة للمقامين ، ولا تختص بالثاني. مع أن وجوب
الإتمام أعم من الاجتزاء به.
[٢] لكن مع البناء
على الوجوب مع اليأس إذا تبينت المكنة ، كما عرفت.
[٣] وهو صحيح
رفاعة بن موسى ، وصحيح محمد بن مسلم المتقدمات ، ونحوهما خبر
سماعة وحفص . لكن أشكل في المدارك على الاستدلال بهذه النصوص : بأن
السكوت لا يعارض ما هو ظاهر في الوجوب. وهو في محله ، فان السكوت لا يبلغ إطلاق
المطلق ، ومع ذلك يقدم عليه المقيد
__________________
مضافا الى خبر
عنبسة [١] ، الدال على عدم وجوبه صريحا فيه. من غير فرق في ذلك بين أن يكون العجز
قبل الشروع في الذهاب أو بعده [٢] ، وقبل الدخول في الإحرام أو بعده [٣]
______________________________________________________
[١] ابن مصعب ، قال : « قلت له ـ يعني : لأبي عبد الله (ع) ـ :
اشتكى ابن لي ، فجعلت الله علي إن هو برئ أن أخرج إلى مكة ماشياً ، وخرجت أمشي حتى
انتهيت إلى العقبة فلم أستطع أن أخطو فيه ، فركبت تلك الليلة حتى إذا أصبحت مشيت
حتى بلغت ، فهل علي شيء؟ قال (ع) : اذبح فهو أحب الي. قال : قلت له : أي شيء هو
لي لازم أم ليس لي بلازم؟ قال (ع) : من جعل لله على نفسه شيئاً فبلغ فيه مجهوده
فلا شيء عليه ، وكان الله تعالى أعذر لعبده » .
وأشكل عليها في
المدارك : بأنها ضعيفة السند ، لأن الراوي لها واقفي ناووسي. وظاهره اختصاص الطعن
بذلك. لكنه غير قادح على ما حرر في محله. فالعمدة عدم ثبوت ووثاقته. إلا أن يكون
ظاهر المدارك ذلك. ولعل هذا المقدار ـ بضميمة اعتماد الجماعة على الرواية ، وكون
الراوي عنه البزنطي ، وما رواه
الكليني (ره) في الصحيح عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن أحدهما : « لا يجبر الرجل إلا على نفقة الأبوين
والولد. قلت لجميل : فالمرأة؟ قال : قد رووا أصحابنا ـ وهو عنبسة بن مصعب ، وسورة
بن كلب ـ عن أحدهما : أنه إذا كساها .. » ـ كاف في إثبات
ووثاقته ، ودخول خبره في موضوع الحجية. وكأنه لذلك عده في الجواهر من قسم الموثق.
[٢] نص على هذا
التعميم في الجواهر ، أخذ بظاهر النصوص.
[٣] خلافاً لما
عرفت من المدارك. لإطلاق بعض النصوص المتقدمة
__________________
ومن غير فرق أيضا
بين كون النذر مطلقا أو مقيداً بسنة [١] ، مع توقع المكنة وعدمه. وإن كان الأحوط
في صورة الإطلاق ـ مع عدم اليأس من المكنة ، وكونه قبل الشروع في الذهاب ـ الإعادة
إذا حصلت المكنة بعد ذلك ، لاحتمال انصراف الاخبار عن هذه الصورة [٢]. والأحوط
إعمال قاعدة الميسور أيضا بالمشي بمقدار المكنة ، بل لا يخلو عن قوة. للقاعدة ،
مضافا إلى الخبر : « عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله
______________________________________________________
كما عرفت. ولا
ينافيه اختصاص بعضها ـ كصحيح المحاربي ، وصحيح محمد ابن مسلم ـ لعدم المنافاة
بين المثبتين.
[١] كما نص على
ذلك في الجواهر. لإطلاق النصوص.
[٢] قد عرفت ـ في غير
موضع من هذا الشرح ـ أن دليل بدلية البدل عند الاضطرار وإن كان إطلاق لفظه يقتضي
ثبوت البدلية بمجرد حصول الاضطرار في أول الوقت ، لكن الارتكاز العرفي في باب
الاضطرار يقتضي اختصاصه بصورة استمرار العذر في تمام الوقت ، وأن الوجه في تشريعه
المحافظة على ملاك المبدل منه من الضياع بالمرة. لا أقل من أن ذلك موجب للتوقف في
الإطلاق ، الموجب لسقوطه عن الحجية. نعم ـ بناء على أن مقتضى الجمع بين أدلة
البدلية وأدلة الواجب الاختياري هو تقييد أدلة الواجب الاختياري بالاختيار ـ أمكن
القول بجواز المبادرة بمجرد الاضطرار آناً ما ، إذ لا مانع حينئذ من الأخذ
بالإطلاق. نعم ـ بناء على ما عرفت في المسألة الثامنة من وجوب المبادرة إلى أداء
المنذور إذا كان النذر مطلقاً ـ لا بأس بجواز البدار ، لأنه حينئذ يكون مضيقاً ،
والاشكال يختص بالموسع. فلاحظ
__________________
حافيا.
قال. (ع) : فليمش ، فاذا تعب فليركب » [١]. ويستفاد منه كفاية
الحرج والتعب في جواز الركوب وإن لم يصل الى حد العجز [٢]. وفي مرسل حريز : « إذا حلف للرجل أن لا يركب ، أو نذر أن
لا يركب ، فاذا بلغ مجهوده ركب » .
( مسألة ٣٤ ) : إذا نذر الحج ماشيا فعرض مانع آخر غير العجز عن المشي ـ من مرض ، أو خوف ، أو
عدو ، أو نحو ذلك ـ [٣] فهل حكمه حكم العجز فيما ذكر ، أولا لكون للحكم على خلاف
القاعدة؟ وجهان. ولا يبعد التفصيل بين المرض ومثل العدو ، باختيار الأول في الأول
والثاني في الثاني. وإن كان الأحوط الإلحاق مطلقا.
______________________________________________________
[١] قد عرفت
الإشكال في حجية القاعدة ، لعدم الدليل عليها كلية والمراد من الخبر صحيح رفاعة.
ونحوه خبر سماعة وحفص المتقدمان .
[٢] كما نص على
ذلك في الجواهر. لما في المتن.
[٣] المقابلة بين
ما ذكر وبين العجز عن المشي غير ظاهرة ، فان الجميع يوجب العجز عن المشي. نعم
العجز عن المشي قد يكون عن ضعف في الاستعداد ، وقد يكون عن مرض ـ وكلاهما راجع إلى
قصور الفاعل ـ وقد يكون عن مانع في الأرض ـ من شوك ، أو ماء ، أو نحوهما ـ فيكون
العجز لقصور في الأرض ، وقد يكون عن مانع آخر ـ من عدو ، أو هواء
__________________
______________________________________________________
أو حيوان ، أو نحو
ذلك ـ فيكون قسما ثالثاً. ولا ينبغي التأمل في شمول العجز أو عدم الاستطاعة
المذكورين في النصوص لذلك كله. نعم قد ينصرفان إلى قصور الفاعل ، فيشمل المرض ولا
يشمل غيره. واحتمال الاختصاص بخصوص ضعف الاستعداد بعيد جداً.
فهرست الجزء
العاشر من
مستمسك العروة الوثقى
٣
|
وجوب الحج ضروري وحكم منكره والمستخف
به
|
|
|
فصل في شروط وجوب حجة الاسلام
|
٥
|
لا يجب الحج إلا مرة واحدة في العمر
حتى على أهل الجدة ، وهو حج الاسلام
|
|
١٣
|
وهي أمور ( الأول ) : الكمال بالبلوغ
والعقل.
|
٧
|
وجوب الحج كفاية على كل أحد في كل عام
دفعا لتعطيل الكعبة
|
|
١٤
|
لو حج الصبي لم يجز عن حجة الاسلام
حتى لو قلنا بشرعية عباداته
|
٨
|
وجوب حج الاسلام فوري
|
|
١٥
|
يستحب للصبي المميز أن يحج وإن لم يجز
عن حجة الاسلام.
|
١٠
|
لو توقف حصول الحج بعد الاستطاعة على
مقدمات وجب تهيئتها
|
|
١٥
|
الكلام في اعتبار إذن الولي في صحة حج
الصبي ، مع التعرض إلى ضابط ما يعتبر فيه إذن الولي من تصرفات الصبي
|
١٠
|
لو تعدد الرفقة فهل يجب اختيار الأوثق
سلامة؟
|
|
١٧
|
الكلام في اعتبار إذن الأبوين في الحج
المندوب من البالغ ، من التعرض إلى ضابط وجوب إطاعة الوالدين.
|
١١
|
لو خرجت رفقة ولا يعلم خروج أخرى فهل
يجب الخروج معها؟ ولو لم يخرج معها وفاته الحج استقر في ذمته إلا إذا علم أنه لو
خرج معها لم يدركه أيضا.
|
|
١٩
|
يستحب للولي أن يحرم بالصبي والمجنون
مع بيان أحكام حجهما
|
٢٣
|
لا يجب في الولي الذي يحرم بالصبي أن
يكون محرما
|
|
|
حج الاسلام لو أعتق
|
٢٣
|
تعيين الولي الذي يحج بالقاصر
|
|
٤٧
|
لو حج العبد واعتق قبل المشعر أجزأه
عن حج الاسلام.
|
٢٤
|
النفقة الزائدة على الولي لا على
القاصر وكذا الهدى ، وكفارة الصيد مع الكلام في غيرها من الكفارات
|
|
٤٧
|
الكلام في وجوب تجديد النية الحج
الاسلام ولو أعتق قبل المشعر.
|
٢٨
|
( تنبيه ) : لا فرق بين المميز وغيره)
|
|
٥٠
|
الكلام في اعتبار الاستطاعة في
الأجزاء عن حج الاسلام لو أعتق قبل المشعر
|
٢٨
|
حج الصبي لا يجزيه عن حج الاسلام إذا
إذا أدرك المشعر بالغافقية خلاف
|
|
٥١
|
هل يعتبر ادراك خصوص المشعر ، أو يكفي
ادراك عرفة مع فوت المشعر
|
٣١
|
لو قيل بالاجزاء فهل يجب تجديد النية؟
وهل يشترط فيه الاستطاعة؟ وهل يقع حج تمتع؟
|
|
٥٣
|
لا يختص الأجزاء بحج الافراد والقران
بل يجري في التمتع أيضا.
|
٣٢
|
لو حج باعتقاد عدم البلوغ وكان بالغا
فهل يجزيه عن حج الاسلام ، مع تفصيل الكلام في القيود التي تؤخذ في العبادة خطأ.
|
|
٥٣
|
الكلام فيما لو أذن المولى للعبد في
الحج ثم رجع قبل التلبس بالاحرام أو بعده
|
٣٤
|
( الثاني ) : من شروط حج الاسلام
الحرية.
|
|
٥٥
|
يجوز للمولى أن يبيع مملوكه المحرم ،
وليس للمشتري حل إحرامه ، وله فسخ البيع
|
٣٥
|
الأقوال في ملكية العبد وتفصيل أدلتها.
|
|
٥٥
|
إذا حج العبد فهديه على مولاه ، وله
أن يأمره بالصوم. ولو أعتق قبل المشعر فهديه عليه فان عجز صام.
|
٤٥
|
عدم وجوب حج الاسلام على العبد مع بذل
مولاه.
|
|
٥٧
|
هل يكلف المولى بكفارة العبد؟
|
٤٦
|
يصح الحج من العبد ولا يجزيه عن
|
|
٦٠
|
إذا أفسد المملوك حجه بالجماع ،
فكالحر في وجوب القضاء والكفارة
|
|
مع تفصيل الكلام في ذلك.
|
|
|
في المقام.
|
٦٤
|
لا فرق في الاحكام المذكورة بين القن
والمدبر والمكاتب وام الولد ، مع تفصيل الكلام في المبعض
|
|
٧٦
|
إذا لم يكن عنده الزاد ولكن كان كسوبا
لم يجب عليه الحج.
|
٦٦
|
إذا أمر المولى عبده بالحج وجب عليه
طاعته وإن لم يجزه عن حج الاسلام
|
|
٧٨
|
يعتبر الاستطاعة من مكانه لا من بلده
، فلو سافر متسكعا واستطاع قبل الاحرام وجب عليه حج الاسلام مع الكلام فيما لو
أحرم غير مستطيع ثم استطاع وكان أمامه ميقات آخر.
|
٦٦
|
( الثالث ) من شروط حج الاسلام :
الاستطاعة من حيث المال والبدن وتخلية السرب وسعة الوقت.
|
|
٧٩
|
إذا توقف الحج على خسارة مال من دون
مقابل.
|
٦٧
|
المراد بالاستطاعة الشرعية هي الزاد
والراحلة
|
|
٨٠
|
لا يسقط الحج مع غلاء الأسعار ، وكذا
لو توقف على البيع بأقل من قيمة المثل أو الشراء بأكثر منها ، ولا تتحكم أدلة
الضرر في رفع وجوب الحج ، إلا أن يلزم الحج.
|
٦٧
|
هل يعتبر في تحقق الاستطاعة الزاد
والراحلة مطلقا ، أو في خصوص صورة الحاجة إليهما؟
|
|
٨١
|
يعتبر وجود نفقة العود إما إلى وطنه
أو غيره على كلام في الثاني.
|
٧٢
|
هل يعتبر الزاد والراحلة لأهل مكة
ونحوهم؟
|
|
٨٢
|
ما يستثنى مما يجب بيعه للحج
|
٧٣
|
لا يعتبر وجود الزاد والراحلة عينا ،
بل يكفي وجود قيمتهما
|
|
٨٤
|
لو أمكنه الاعتياض عما يملكه ويحتاج
إليه بالموقوف وجب بيعه للحج.
|
٧٤
|
يجب حمل جميع ما يحتاج إليه حتى علف
الدابة إذا لم يوجد في السفر.
|
|
٨٥
|
لو أمكنه الاعتياض عما يملكه ويحتاج
إليه بأقل منه قيمة وجب
|
٧٤
|
المراد بالزاد والراحلة ما يحتاج إليه
بحسب حاله قوة وضعفا وضعة وشرفا ، مع بيان مفاد أدلة نفي الحرج
|
|
٨٦
|
من كان عنده مال ولم يكن عنده شئ
|
|
من المستثنيات فهل يجب عليه الحج أو
يشتري به المستثنيات ، مع حكم ما لو باع المستثنيات بقصد تبديلها بمثلها أو مع
عدم قصد التبديل.
|
|
|
الوفاء أو بانيا على الابراء
|
٨٧
|
الكلام فيمن كان له مال ونازعته نفسه
النكاح. مع بيان أن من كانت له زوجة لا يحتاج إليها لم يجب عليه طلاقها وصرف
نفقتها في الحج
|
|
١٠٣
|
إذا شك في قدر ماله وكفايته للحج.
|
٨٩
|
من كان له دين يستطيع لو اقتضاه
|
|
١٠٤
|
من كان له مال غائب يشك في بقائه بعد
الرجوع لرواج أمره
|
٩٣
|
لا يجب الاقتراض للحج ، مع الكلام
فيمن كان له مال لا يقدر على الحج به وكان قادرا على الاقتراض. مع بيان الضابط
في الاستطاعة
|
|
١٠٥
|
الكلام في جواز صرف المال قبل التمكن
من السفر للحج.
|
٩٤
|
من كان عنده ما يكفيه للحج وكان عليه
دين أو مؤجل
|
|
١١٠
|
يجب الحج على من كان له مال غائب إذا
كان يمكنه التصرف فيه
|
٩٩
|
من استقر عليه الحج وكان عليه دين
ودار الامر بينهما
|
|
١١١
|
من جهل استطاعته حتى عجز استقر عليه
الحج.
|
١٠١
|
من ملك مالا بقدر الاستطاعة ثم عرض
عليه دين يعذر فيه
|
|
١١٢
|
من اعتقد خطأ أنه غير مستطيع فحج ندبا.
|
١٠١
|
من كان عليه حق شرعي وكان عنده ما
يكفيه للحج لولاه.
|
|
١١٣
|
هل تكفي الملكية المتزلزلة في
الاستطاعة؟
|
١٠٢
|
من كان عليه دين مؤجل بأجل طويل جدا ،
أو كان الديان مسامحا في أصل
|
|
١١٤
|
يشترط في وجوب الحج بقاء الاستطاعة
إلى تمام الأعمال.
|
|
|
|
١١٥
|
من تلفت مؤنة عوده إلى وطنه بعد تمام
الأعمال
|
|
|
|
١١٦
|
هل تكفي في الاستطاعة الإباحة اللازمة؟
|
|
|
|
١١٧
|
من أوصي له بما يكفيه للحج
|
|
|
|
١١٧
|
من نذر قبل حصول الاستطاعة أن يزور
الحسين (ع) في كل عرفة ،
|
|
مع بيان ضابط الترجيح في تزاحم
التكليفين المتواردين.
|
|
|
بقاعدة الغرور في المقام.
|
١٢٢
|
التعليق قد يكون في النذر وقد يكون في
المنذور
|
|
١٤٥
|
إذا بذل لاحد شخصين أو أكثر.
|
١٢٣
|
الاستطاعة البذلية
|
|
١٤٧
|
هل يكون ثمن الهدي والكفارات على
الباذل أو المبذول له؟
|
١٢٩
|
لا يعتبر الوثوق ببقاء البذل
|
|
١٤٨
|
إنما يجب بالبذل الحج الذي هو وظيفته
على تقدير الاستطاعة.
|
١٣١
|
لو ملك بعض النفقة وبذل له الباقي
|
|
١٤٩
|
لو بذل له المال وخيره بين الحج
والزيارة
|
١٣٢
|
هل يعتبر بذل نفقة العيال؟
|
|
١٤٩
|
لو سرق المال المبذول قبل الحج.
|
١٣٣
|
لا يمنع الدين من الوجوب في الاستطاعة
البذلية ، إلا إذا كان حالا وتوقف أداؤه على ترك الحج
|
|
١٤٩
|
لو رجع الباذل في أثناء الحج واستطاع
المبذول له إكماله من ماله.
|
١٣٤
|
لا يعتبر في الاستطاعة البذلية الرجوع
إلى كفاية.
|
|
١٤٩
|
لا فرق في الباذل بين الواحد والمتعدد
|
١٣٥
|
هل يجب القبول إذا وهبه المال للحج؟
وحكم الهبة مع التخيير بين الحج وغيره ، أو مع عدم ذكر الحج أصلا
|
|
١٥٠
|
لو عين الباذل مقدارا وأعتقد كفايته
خطأ فهل يجب إكماله؟
|
١٣٦
|
المال الموقوف أو الموصى به أو
المنذور لمن يحج.
|
|
١٥١
|
لو قال : " اقترض وحج وعلي دينك
" أو قال : " اقترض لي وحج به " فهل يجب الحج؟
|
١٣٧
|
لو أعطاه ما يكفيه للحج خمسا أو زكاة
بشرط الحج به.
|
|
١٥١
|
لو تبين بعد الحج كون المال المبذول
مغصوبا.
|
١٣٨
|
الحج البذلي مجز عن حج الاسلام.
|
|
١٥٢
|
يجب الحج على من آجر نفسه بما يستطيع
به للخدمة في طريق الحج.
|
١٣٩
|
رجوع الباذل عن بذله قبل الاحرام أو
بعده. مع الإشارة إلى التمسك
|
|
١٥٥
|
من طلب منه إجارة نفسه في طريق الحج
لم يجب عليه القبول.
|
١٥٦
|
يجوز لغير المستطيع إجارة نفسه للحج
النيابي ، ويقدم الحج النيابي على حج نفسه مع المزاحمة لو كان مال الإجارة بقدر
استطاعته
|
|
١٧٢
|
إذا استلزم الحج ترك واجب أو فعل محرم
|
١٥٧
|
الحج مع عدم الاستطاعة لنفسه أو لغيره
لا يجزي عن حج الاسلام
|
|
١٧٣
|
تعداد شروط وجوب الحج على سبيل الجملة
|
١٥٩
|
يشترط في الاستطاعة وجود ما يمون به
عياله حتى يرجع
|
|
١٧٤
|
تفصيل الكلام فيمن ترك الحج لاعتقاده
خطأ بفقد بعض الشرائط أو حج لاعتقاده خطأ استكمال الشرائط
|
١٦١
|
يعتبر في الاستطاعة الرجوع إلى كفاية
مع تحديد ذلك
|
|
١٧٩
|
من ترك الحج مع استكمال الشرائط
متعمدا استقر في ذمته
|
١٦٤
|
لا يجوز للرجل الحج بمال والده ولا
ولده. وتحقيق الكلام في حديث : « أنت ومالك لأبيك »
|
|
١٧٩
|
من حج مع فقد بعض الشرائط متعمدا
|
١٦٨
|
من استطاع لا يجب عليه الحج من ماله ،
بل يجزيه الحج بغيره
|
|
١٨٤
|
طروء الحرج أو الضرر هل يرفع أصل
الطلب أو الالزام فقط؟ مع الفرق بين حقيقة الطلب الوجوبي والاستحبابي
|
١٦٨
|
يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية
|
|
١٨٥
|
إذا حج مع استلزامه ترك واجب أو فعل
محرم
|
١٦٩
|
يشترط في وجوب الحج سعة الوقت
|
|
١٨٧
|
إذا كان في الطريق عدو لا يندفع الا
بالمال
|
١٧٠
|
يشترط في وجوب الحج الاستطاعة السربية
، مع حكم من توقف حجه على دورانه في البلاد
|
|
١٨٨
|
لو توقف الحج على قتال العدو
|
١٧١
|
إذا استلزم سفره للحج تلف مال له معتد
به في بلده
|
|
١٨٩
|
لو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه
إذا لم يستلزم محذورا
|
١٩٠
|
من استقر عليه الحج وكان عليه حق شرعي
مالي كالزكاة
|
|
|
وجب القضاء عنه بعد الموت
|
١٩١
|
يحب على المستطيع مباشرة الحج ولا
يكفيه حج غيره عنه
|
|
٢٠٤
|
من استناب مع رجاء زوال العذر
|
١٩١
|
من استقر عليه الحج وتعذر مباشرته له
وجب عليه أن يستنيب غيره
|
|
٢٠٥
|
التبرع بالحج عن المعذور يسقط وجوب
الاستنابة عنه
|
١٩٥
|
من لم يستقر عليه الحج وكان موسرا
وتعذر مباشرته له هل يجب عليه الاستنابة؟
|
|
٢٠٥
|
هل يكفي الاستنابة من الميقات
|
١٩٦
|
هل تجب الاستنابة مع رجاء زوال العذر؟
|
|
٢٠٦
|
من مات بعد الاحرام ودخول الحر أجزأه
عن حج الاسلام مع استقرار عليه ، ولو مات قبل ذلك لم يجزعه مع الكلام في بقية
فروع المسألة
|
٢٠٠
|
وجوب الاستنابة فوري
|
|
٢١١
|
هل التفصيل المذكور يختص بمن استقر
عليه حج الاسلام أو يجرى في غيره فيجب القضاء عنه لو مات قبل ذلك؟
|
٢٠٠
|
إذا اتفق ارتفاع العذر بعد الاستنابة
فهل يجزيه حج النائب؟
|
|
٢١٢
|
يجب الحج على الكافر إذ استطاع ولا
يصح منه ، كما لا يجب القضاء عنه لو مات على كفره ، ولو أسلم مستطيعا وجب عليه ،
ولو أسلم بعد ارتفاع استطاعته فهل يسقط عنه مع الكلام في مفاد حديث الجب
|
٢٠٢
|
من لم يكن عذره طارئا بل كان خلقيا
|
|
٢١٧
|
لو أحرم الكافر ثم أسلم لم يجزء
لبطلان إحرامه
|
٢٠٢
|
هل يختص وجوب الاستنابة مع العذر بحج
الاسلام أو يجري في كل حج واجب؟
|
|
٢١٩
|
يجب الحج على المرتد ، ولا يصح منه ،
ولا يقضى عنه لو مات قبل
|
٢٠٣
|
من لم يتمكن من الاستنابة
سقط وجوبها عنه. وحينئذ فان مات لا يجب القضاء عنه الا مع استقرار الحج في ذمته
|
|
|
|
٢٠٤
|
من ترك الاستنابة مع التمكن منهما
|
|
|
|
|
توبته ، ولو أسلم لم يسقط عنه حتى مع
ارتفاع استطاعته ، لعدم جريان حديث الجب فيه
|
|
|
عليها من السفر
|
٢٢٠
|
من ارتد بعد الحج لم يجب عليه إعادته
بعد التوبة
|
|
٢٣٥
|
لو حلفها فهل له منعها واقعا
|
٢٢١
|
من ارتد في أثناء الاحرام ثم تاب لم
يبطل إحرامه ، وكذا في سائر العبادات إلا الصوم
|
|
٢٣٦
|
لو حجت مع عدم الامن صح حجها
|
٢٢٣
|
إذا حج المخالف ثم استبصر أجزأه ، لكن
يستحب له الإعادة.مع التنبيه إلى أن مقتضى اعتبار الايمان في صحة العبادة بطلان
حجه فلو لم يطف طواف النساء جاز للمؤمنة تزويجه
|
|
٢٣٦
|
من استكمل شرائط الاستطاعة فأهمل
استقر الحج في ذمته. مع تفصيل الكلام في تحديد الزمان الذي يعتبر بقاء الشرائط
إليه في استقرار الحج
|
٢٢٦
|
لا يجوز للزوج منع الزوجة من حج
الاسلام، بل تحج بدون إذنه، وكذا غيره من الحج الواجب المضيق دون المندوب
والموسع. والمطلقة الرجعية كالزوجة في ذلك
|
|
٢٤٠
|
من استقر عليه الحج فقط أو العمرة فقط
وجب الاتيان به بأي وجه تمكن منه أيضا
|
٢٣١
|
لا يتوقف حج المرأة على وجود المحرم
معها مع كونها مأمونة ، ومع عدم الا من يجب عليها استصحابه مع الامكان
|
|
٢٤٢
|
تقضى حجة الاسلام من أصل التركة مع
عدم الوصية بها
|
٢٣٢
|
لو اختلفت الزوجة والزوج في الا من
|
|
٢٤٣
|
من أوصى بحجة الاسلام ولم يعين كونها
من الأصل أو من الثلث
|
|
|
|
٢٤٣
|
إذا أوصى باخراج حجة الاسلام من الثلث
قدمت على سائر الوصايا مع التزاحم وإن كانت متأخرة بالذكر ، وان قصر عنها الثلث
أكمل من الأصل
|
|
|
|
٢٤٦
|
حج النذر كحج الاسلام في ذلك
|
|
|
|
٢٤٦
|
إذا تزاحم الحج من الدين أو الحق
الشرعي لعدم وفاء التركة بها أجمع قدم الحق الشرعي مع تعلقه بعين المال ومع
التعلق بالذمة توزع التركة
|
|
على الجميع بالنسبة
|
|
٢٦٨
|
أجرة ما زاد عن الميقات لا تخرج من
الأصل ولا من الثلث مع عدة الوصية بها
|
٢٤٨
|
مع التوزيع لو لم يقف الحصة بالحج
كاملا سقط ولم يبعض
|
|
٢٦٩
|
إذا وجبت البلدية بتعذر الميقاتية
زاحمت بقية الديون
|
٢٥٠
|
لا يجوز تصرف الوارث في التركة قبل
الاستئجار للحج مع عدم زيادتها عليه ومعه يجوز التصرف في الزائد خاصة
|
|
٢٦٩
|
إذا تعذر الاستئجار من الميقات
الاختياري وجب من الميقات الاضطراري إلا مع إمكان الاستئجار من البلد ، فيجب
|
٢٥٤
|
إذا أقر بعض الورثة بوجوب الحج على
المورث وأنكره الآخرون
|
|
٢٧٠
|
كما تكفي الميقاتية عن الميت تكفي عن
الحي المعذور
|
٢٥٦
|
إذا لم تف التركة بالحج فهي للورثة
|
|
٢٧٠
|
يجب المبادرة إلى الاستئجار سنة الموت
|
٢٥٧
|
إذا تبرع متبرع بالحج عن الميت رجعت
أجرته إلى الوارث
|
|
٢٧١
|
لو أهمل الوصي أو الوارث الاستئجار
حتى تلفت التركة ضمن كما في سائر الديون
|
٢٥٧
|
في أن الواجب هو الحج الميقاتي لا
البلدي
|
|
٢٧١
|
لو قيل بأن المدار في البلدية بلد
الاستيطان فمن كان له وطنان لزم الاستئجار من أقلهما قيمة
|
٢٦٤
|
لو أوصى بالبلدي أخرج الزائد عن أجرة
الميقاتي من الثلث
|
|
٢٧٢
|
لو قيل بوجوب البلدية فلا يختص بحج
الاسلام
|
٢٦٤
|
لو لم يمكن الاستيجار الا من البلد وجب
من الأصل
|
|
٢٧٢
|
حكم اختلاف الميت مع الوارث أو الوصي
في الحج النيابي
|
٢٦٥
|
إذا وجبت البلدية بالوصية أو بالأصل
فجئ بالميقاتية تبرعا أو بالأجرة سقطت البلدية
|
|
٢٧٥
|
هل يجب في الاستئجار ملاحظة
|
٢٦٥
|
المراد من البلد هو بلد الموت
|
|
|
|
٢٦٨
|
لو عين بالوصية بلدا غير بلده تعين
|
|
|
|
|
الأقل أجرة أو المناسب لحال الميت
|
|
٢٨٧
|
لو فرض صحة حج المستطيع عن غيره فهل
تصح الإجارة عليه؟
|
٢٧٦
|
مقتضى الاحتياط اختيار البلدية مع عدم
احتساب الزائد على صغار الورثة
|
|
٢٩١
|
لو تجددت القدرة على الحج بعد الإجارة
على الحج عن الغير فهل تبطل الإجارة؟
|
٢٧٦
|
إذا جهل فتوى من قلده الميت في
المسألة
|
|
٢٩٢
|
تحقيق حال ما عن الشيخ ( قده ) من ان
من نوى الحج الندبي وقع عن حج الاسلام مع وجوبه عليه
|
٢٧٧
|
إذا علم باستطاعة الميت مالا ولم يعلم
بتحقق سائر الشرائط
|
|
٢٩٣
|
الحج الواجب بالنذر ونحوه بحكم حج
الاسلام في الحكم السابق
|
٢٧٧
|
إذا علم استقرار الحج على الميت ولم
يعلم إتيانه به
|
|
|
فصل في الحج الواجب بالنذر
والعهد واليمين
|
٢٧٨
|
لا يكفي الاستئجار في براءة الذمة بل
لابد من التأدية
|
|
٢٩٤
|
حقيقة كل من النذر والعهد واليمين
|
٢٧٩
|
إذا استأجر الوصي أو الوارث للبلدية
غفلة عن كفاية الميقاتية ضمن الزائد
|
|
٢٩٤
|
يشترك في انعقادها الشرائط العامة
|
٢٧٩
|
إذا لم يترك الميت شيئا لم يجب على
وليه الحج عنه
|
|
٢٩٦
|
هل تنعقد من الكافر؟
|
٢٨٠
|
من وجب عليه الحج لا يجوز له أن يحج
عن نفسه تطوعا ولا عن غيره تبرعا أو بالأجرة ، وحكم ما لو خالف
|
|
٢٩٧
|
تحقيق حالها من حيث اعتبار قصد القربة
فيها أو في متعلقها
|
٢٨٦
|
من استقر عليه الحج وعجز عنه صح حجه
عن غيره
|
|
٢٩٩
|
لو أسلم الكافر مع سبق النذر أو العهد
أو اليمين منه
|
٢٨٦
|
لو حج من لا يعلم بوجوب الحج عليه أو
بفوريته عن غيره
|
|
٣٠٠
|
هل يشترط في انعقاد اليمين إذن المولى
والزوج والوالد أو أن لهم حله إذا وقع بغير إذنهم؟
|
٣٠٣
|
هل يختص الحكم بما إذا كان مورد
اليمين منافيا لحق المولى والزوج والوالد أو يعم غيره؟
|
|
|
لو تزوجت ونذر مواقعتها كل خميس لو
تزوجها
|
٣٠٦
|
هل النذر بحكم اليمين في ذلك؟
|
|
٣١٧
|
إذا نذر الحج من مكان معين فحج من
غيره
|
٣٠٩
|
الكلام في عموم الزوجة للمتمتع بها
|
|
٣١٨
|
من نذر الحج ولم يقيده بزمان هل يجب
عليه المبادرة إليه؟
|
٣٠٩
|
الكلام في أن الجد هل يلحق بالأب
|
|
٣١٩
|
من نذر الحج في سنة معينة فلم يأت ب؟
فيها مع التمكن منه لزمه القضاء والكفارة ، كما يجب القضاء عنه لو مات مع
الاطلاق والتمكن منه مع الكلام في أن القضاء من الثلث أو من أصل التركة ، وتحقيق
المرا من الواجبات المالية
|
٣١٠
|
الأمة المزوجة عليها الاستئذان من
الزوج والمولى معا
|
|
٣٢٧
|
إذا نذر الحج ولم يتمكن منه حتى مات
لم يجب القضاء عنه
|
٣١٠
|
إذا أذن المولى للمملوك في الحلف على
الحج هل يجب عليه تخلية سبيله لتحصيل نفقته؟
|
|
٣٢٩
|
إذا نذر الحج معلقا على أمر فمات قبل
حصوله هل يجب القضاء عنه
|
٣١١
|
هل يجوز التماس المولى والزوج والأب
في حل الحلف لو كان له ذلك؟
|
|
٣٢٩
|
إذا نذر الحج وتمكن منه واستقر على ثم
تعذر عليه فهل يجب عليه الاستنابة في حياته؟ ويجب القضاء عنه
|
٣١٢
|
هل يجري الحكم في الوالد الكافر
|
|
٣٣٠
|
إذا نذر الحج مع تعذره عليه من غيره
جهة المال فهل يجب الاستنابة عليه في حياته والقضاء عنه بعد موته
|
٣١٢
|
حكم المملوك المبعض
|
|
|
|
٣١٣
|
لافرق في الولد والمملوك بين الذكر
والأنثى ، لكن ليست الام بمنزلة الأب
|
|
|
|
٣١٤
|
إذا انتقل المملوك لمالك آخر بعد
انعقاد يمينه أو نذره
|
|
|
|
٣١٤
|
إذا نذرت المرأة أو حلفت ثم تزوجت
انعقد منها حتى لو استلزم منع الزوجعن بعض حقوقه ، أو المنافاة لنذره أيضا ، كما
لو نذرت صوم كل خميس
|
|
|
|
٣٣١
|
من نذر أن يحج رجلا في سنة معينة
فخالف مع تمكنه وجب عليه القضاء والكفارة ، وإن مات وجب القضاء عنه من أصل
التركة
|
|
|
الاستطاعة فوريا ثم استطاع وأهمل وفاء
النذر وجب في العام الثاني تقديم النذر على حج الاسلام
|
٣٣٢
|
من نذر أن يحج رجلا ولم يتمكن حتى مات
فهل يجب القضاء عنه؟ مع تعرض المصنف للفرق بين نذر الحج والاحجاج
|
|
٣٤٠
|
من نذر الحج وأطلق وكان مستطيعا فهل
يتداخل حجه المنذور مع حج الاسلام أولا؟
|
٣٣٢
|
لو نذر الاحجاج معلقا على شرط فمات
قبل حصوله مع القدرة عليه حال حياته وحصول الشرط بعد وفاته
|
|
٣٤٤
|
من نذر الحج معلقا على شرط فاستطاع
قبل حصول الشرط
|
٣٣٥
|
إذا نذر المستطيع حج الاسلام كفاه حج
واحد ، مع الكلام في انعقاد النذر
|
|
٣٤٥
|
الكلام فيمن كان عليه حج الاسلام
والحج النذري ولم يمكنه الاتيان بهما معا. وكذا من مات وعليه الحجتان ولم تف
تركته إلا بإحداهما
|
٣٣٧
|
إذا نذر حج الاسلام مع عدم الاستطاعة
وجب عليه تحصيل الاستطاعة على تفصيل
|
|
٣٤٦
|
يجوز تقديم الحج المندوب على المنذور
الموسع
|
٣٣٧
|
يكفي في الحج النذري الاستطاعة
العقلية ولا تعتبر الاستطاعة الشرعية
|
|
٣٤٧
|
من نذر أن يحج أو يحج غيره وجب أحد
هما على التخيير ، ولو تعذر أحد هما بعد ذلك تعين الآخر ، لكن لو مات حينئذ رجع
التخيير بينهما في القضاء عنه. وحكم ما لو كان تعذر أحد هما من حين النذر.
|
٣٣٨
|
من نذر وهو يستطيع حجاً غير حج
الاسلام في عامة
|
|
٣٤٩
|
من نذر الحج أو الزيارة ومات قبل
الوفاء بنذره لزم القضاء من تركته والاقتصار على أقلهما أجرة إلا إذا
|
٣٣٨
|
من نذر وهو غير مستطيع حجا غير حج
الاسلام ثم استطاع
|
|
|
|
٣٣٩
|
من نذر غير حج الاسلام في حال عدم
|
|
|
|
|
رضي الوارث بالأكثر ، ولو أوصى
بالأكثر خرج الزائد من الثلث
|
|
|
كونهما حرجيين ، مع التعرض لمفاد أدلة
نفي الحرج
|
٣٥٠
|
إذا علم أن على الميت حجا ولم يعلم
مأنه حج منذور أو حج الاسلام لزم القضاء عنه من غير تعيين ولا تجب الكفارة. وحكم
الكفارة لو تردد بين وجوبه عليه بالنذر أو اليمين
|
|
٣٥٧
|
الكلام في تعيين مبدأ وجوب المشي أو
الحفا المنذورين ومنتهاه
|
٣٥١
|
من نذر المشي في حجه الواجب ، أو نذر
الحج ماشيا
|
|
٣٦٠
|
من نذر الحج ماشيا أو المشي في حجه
وكان في طريقه بحر أو نهر
|
٣٥٣
|
من نذر الحج راكبا أو نذر الركوب في
حجة
|
|
٣٦١
|
من نذر المشي فحج راكبا. مع الكلام في
أن تخلف القيود المقصودة في عبادة هل يبطلها من أصلها؟
|
٣٥٤
|
من نذر الحج حافيا. مع الكلام في
صحيحة الحذاء في قضية نذر أخت عقبة بن عامر
|
|
٣٦٦
|
من نذر الحج ماشيا فمشى بعض الطريق
وركب بعضا
|
٣٥٦
|
يشترط في انعقاد النذر ماشيا أو حافيا
القدرة وعدم التضرر بهما ، ولا يضر
|
|
٣٦٧
|
لو عجز المشي بعد انعقاد نذره ، فهل
يسقط خاصة ويبقى وجوب الحج؟
|
|
|
|
٣٧٢
|
إذا نذر الحج ماشيا فعرض مانع آخر غير
العجز عن المشي من مرض أو خوف أو عدو أو نحو ذلك
|
|