بسم الله الرّحمن الرّحيم

لا إله إلا الله عدة للقائه

الكلام في الإمامة والمفاضلة

قال الفقيه الإمام الأوحد أبو محمد علي بن أحمد بن حزم رضي الله عنه : اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع المعتزلة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة ، وأن الأمة فرض واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله ، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حاشا النجدات (١) من الخوارج فإنهم قالوا : لا يلزم الناس فرض الإمامة وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم ، وهذه فرقة ما نرى بقي منها أحد ، وهم المنسوبون إلى نجدة بن عامر الحنفي القائم باليمامة.

قال أبو محمد : وقول هذه الفرقة ساقط يكفي من الرد عليه وإبطاله إجماع كل من ذكرنا على بطلانه. والقرآن والسنة قد وردا بإيجاب الإمام ، من ذلك قول الله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [سورة النساء : ٥٩] مع أحاديث كثيرة صحاح في طاعة الأمة ، وإيجاب الإمامة. وأيضا فإن الله عزوجل يقول : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [سورة البقرة : ٢٨٦] فوجب اليقين بأن الله تعالى لا يكلف الناس ما ليس في بنيتهم واحتمالهم ، وقد علمنا بضرورة العقل وبديهته أن قيام الناس بما أوجبه الله تعالى من الأحكام عليهم في الأموال ، والجنايات ، والدماء ، والنكاح ، والطلاق ، وسائر الأحكام كلها ومنع الظالم ، وانصاف المظلوم ، وأخذ القصاص على

__________________

(١) النجدات : هم أتباع نجدة بن عامر الحنفي. وقد أقاموا على إمامة نجدة إلى أن اختلفوا عليه في أمور نقموها منه ، فلما اختلفوا عليه صاروا ثلاث فرق : فرقة صارت مع عطية بن الأسود الحنفي إلى سجستان وتبعهم خوارج سجستان ، ولهذا قيل لخوارج سجستان في ذلك الوقت «عطوية». وفرقة صارت مع أبي فديك حربا على نجدة ، وهم الذين قتلوا نجدة. وفرقة عذروا نجدة في أحداثه وأقاموا على إمامته. ومن بدع نجدة أنه أسقط حدّ الخمر ، ومنها أيضا أنه قال : من نظر نظرة صغيرة أو كذب كذبة صغيرة وأصرّ عليها فهو مشرك ، ومن زنى وسرق وشرب الخمر غير مصرّ عليه فهو مسلم إذا كان من موافقيه على دينه. انظر الفرق بين الفرق (ص ٥٨ ـ ٦٠).

تباعد أقطارهم ، وشواغلهم ، واختلاف آرائهم ، وامتناع من تحرّى في كل ذلك ممتنع غير ممكن ، إذ قد يريد واحد أو جماعة أن يحكم عليهم إنسان ، ويريد آخر أو جماعة أخرى أن لا يحكم عليهم ، إما لأنها ترى في اجتهادها خلاف ما رأى هؤلاء ، وإما خلافا مجردا عليهم. وهذا الذي لا بد منه ضرورة وهذا مشاهد في البلاد التي لا رئيس لها فإنه لا يقام هناك حكم ولا حد حتى قد ذهب الدين في أكثرها فلا تصح إقامة الدين إلا بالإسناد إلى واحد ، أو إلى أكثر من واحد ، فإذ لا بد من أحد هذين الوجهين فإن الاثنين فصاعدا بينهما أو بينهم ما ذكرنا فلا يتم أمر البتة ، فلم يبق وجه تتم به الأمور إلا الإسناد إلى واحد ، فاضل ، عالم ، حسن السياسة ، قوي على الإنفاذ ، إلا أنه وإن كان بخلاف ما ذكرنا فالظلم والإهمال معه أقل منه مع الاثنين فصاعدا ، وإذ ذلك كذلك ففرض لازم لكل الناس أن يكفوا من الظلم ما أمكنهم ، إن قدروا على كف كله لزمهم ذلك ، وإلا فكف ما قدروا على كفه منه ولو قضية واحدة لا يجوز غير ذلك.

ثم اتفق من ذكرنا ممن يرى فرض الإمامة على أنه لا يجوز كون إمامين في وقت واحد في العالم ، ولا يجوز إلا إمامة واحدة ، إلا محمد بن كرام السجستاني وأبا الصباح السمرقندي ، وأصحابهما ، فإنهم أجازوا كون إمامين في وقت وأكثر في وقت واحد.

واحتج هؤلاء بقول الأنصار ، أو من قال منهم يوم السقيفة للمهاجرين : منا أمير ، ومنكم أمير (١).

__________________

(١) روى البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم باب ٥ (حديث ٣٦٦٧ ، ٣٦٦٨) عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مات وأبو بكر بالسّنح ، فقام عمر يقول : والله ما مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قالت : وقال عمر : والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك ، وليبعثنّه الله فليقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقبّله فقال : بأبي أنت وأمي طبت حيّا وميتا ، والله الذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدا. ثم خرج فقال : أيها الحالف على رسلك. فلما تكلم أبو بكر جلس عمر فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال : ألا من كان يعبد محمدا فإن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت. وقال : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) وقال : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ). قالت : فنشج الناس يبكون. قالت : واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا : منّا أمير ومنكم أمير. فذهب إليهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح ، فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر ، وكان عمر يقول : والله ما أردت بذلك إلا أنّي قد هيأت كلاما أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر. ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس ، فقال في كلامه : نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فقال حباب بن المنذر : لا والله لا نفعل ،

واحتجوا أيضا بأمر علي ، والحسن ، مع معاوية رضي الله عنهم.

قال أبو محمد : وكل هذا لا حجة لهم فيه لأن قول الأنصار رضي الله عنهم ما ذكرنا لم يكن صوابا بل كان خطأ إذ أداهم إليه الاجتهاد ، وخالفهم فيه المهاجرون ، ولا بد إذا اختلف القائلان على قولين متنافيين من أن يكون أحدهما حقا ، والآخر خطأ ، وإذ ذلك كذلك فواجب رد ما تنازعوا فيه إلى ما افترض الله عزوجل الرد إليه عند التنازع ، إذ يقول تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [سورة النساء : ٥٩].

فنظرنا في ذلك فوجدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا بويع لإمامين فاقتلوا الآخر منهما» (١).

وقال تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) [سورة آل عمران : ١٠٥].

وقال تعالى : (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [سورة الأنفال : ٤٦].

فحرم الله عزوجل التفرق ، والتنازع ، وإذا كان إمامان فقد حصل التفرق المحرم ، فوجد التنازع ، ووقعت المعصية لله تعالى وقلنا ما لا يحل لنا.

وأما من طريق النظر والمصلحة ، فلو جاز أن يكون في العالم إمامان لجاز أن يكون فيه ثلاثة ، وأربعة وأكثر. فإن منع من ذلك مانع كان متحكما بلا برهان ، ومدعيا بلا دليل ، وهذا الباطل الذي لا يعجز عنه أحد.

وإن جاز ذلك زاد الأمر حتى يكون في كل عمل إمام أو في كل مدينة إمام ، أو في كل قرية إمام ، ويكون كل أحد إماما وخليفة في منزله ، وهذا هو الفساد المحض وهلاك الدين والدنيا ، فصح أن قول الأنصار رضي الله عنهم وهلة وخطأ قد رجعوا عنه إلى الحق ، وعصمهم الله تعالى من التمادي عليه. وأما أمر عليّ والحسن ومعاوية فقد صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أنذر بخارجة تخرج من طائفتين من أمته يقتلها أولى الطّائفتين بالحقّ (٢) فكان

__________________

منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر : لا ، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء ، هم أوسط العرب دارا وأعربهم نسبا ، فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة بن الجراح. فقال عمر : بل نبايعك أنت ، فأنت سيّدنا وخيرنا وأحبّنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس. فقال قائل : قتلتم سعد بن عبادة. فقال عمر : قتله الله.

(١) رواه مسلم في الإمارة حديث ٦١ من طريق أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، ولفظه : «إذا بويع لخليفتين ...».

(٢) رواه مسلم في الزكاة حديث ١٤٩ و ١٥٢ و ١٥٣. وأبو داود في السنة باب ١٢. وأحمد في

قاتل تلك الطائفة علي رضي الله عنه فهو صاحب الحق بلا شك وكذلك أنذر عليه‌السلام بأن عمارا تقتله الفئة الباغيّة (١) فصح أن عليا هو صاحب الحق ، وكان عليّ السابق إلى الإمامة ، فصح بعد أنه صاحبها وأن من نازعه فيها فمخطئ ، فمعاوية رحمه‌الله مخطئ مأجور مرة لأنه مجتهد ، ولا حجة في خطأ المخطئ فبطل قول هذه الطائفة.

وأيضا فإن قول الأنصار رضي الله عنهم منا أمير ومنكم أمير ، يخرج على أنهم إنما أرادوا أن يلي وال منهم فإذا مات ولي من المهاجرين آخر وهكذا أبدا لا على أن يكون إمامان في وقت ، وهذا هو الأظهر من كلامهم.

وأما علي ومعاوية رضي الله عنهما فما سلّم قط أحدهما للآخر ، بل كل واحد منهما يزعم أنه المحق ، وكذلك كان الحسن رضي الله عنه إلى أن أسلم الأمر إلى معاوية ، فإذ هذا كذلك فقد صح الإجماع على بطلان قول ابن كرام وأبي الصباح ، وبطل أن يكون لهم تعلق في شيء أصلا وبالله تعالى التوفيق.

ثم اختلف القائلون بوجوب الإمامة على فرقتين فذهب أهل السنة ، وجميع الشيعة ، وبعض المعتزلة ، وجمهور المرجئة إلى أن الإمامة لا تجوز إلا في قريش خاصة من كان من ولد فهر بن مالك ، وأنها لا تجوز فيمن كان أبوه من غير بني فهر بن مالك ، وإن كانت أمه من قريش ، ولا في حليف ولا في مولى.

وذهبت الخوارج كلها ، وجمهور المعتزلة ، وبعض المرجئة ، إلى أنها جائزة في كل من قام بالكتاب والسنة ، قرشيا كان أو عربيا ، أو ابن عبد ، وقال ضرار بن عمرو الغطفاني : إذا اجتمع حبشي وقرشي كلاهما قائم بالكتاب والسنة ، فالواجب أن يقدم الحبشي لأنه أسهل لخلعه ، إذا حاد عن الطريقة.

قال أبو محمد : وبوجوب الإمامة في ولد فهر بن مالك خاصة نقول بنص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أن «الأئمة من قريش» (٢) وعلى أن الإمامة في قريش.

وهذه رواية جاءت مجيء التواتر ، ورواها أنس بن مالك ، وعبد الله بن عمر بن

__________________

المسند (٥ / ٢٥ ، ٤٢٥).

(١) لفظ الحديث : «ويح عمار تقتله الفئة الباغية» رواه من طرق : البخاري في الصلاة باب ٦٣. ومسلم في الفتن حديث ٧٠ و ٧٢ و ٧٣. والترمذي في المناقب باب ٣٤. وأحمد في المسند (٢ / ١٦١ ، ١٦٤ ، ٢٠٦ ، ٣ / ٥ ، ٢٢ ، ٢٨ ، ٩١ ، ٤ / ١٩٧ ، ١٩٩ ، ٥ / ٢١٥ ، ٣٠٦ ، ٣٠٧ ، ٦ / ٢٨٩ ، ٣٠٠ ، / ٣١ ، ٣١٥).

(٢) رواه الإمام أحمد في المسند (٣ / ١٢٩ ، ١٨٣ ، ٤ / ٤١٢).

الخطاب ، ومعاوية ، وروى جابر بن عبد الله ، وجابر بن سمرة ، وعبادة بن الصامت ، معناها.

ومما يدل على صحة ذلك إذعان الأنصار رضي الله عنهم يوم السقيفة ، وهم أهل الدار والمنعة ، والعدة والعدد ، والسابقة في الإسلام رضي الله عنهم. ومن المحال أن يتركوا اجتهادهم لاجتهاد غيرهم لو لا قيام الحجة عليهم بنص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أن الحق لغيرهم في ذلك.

فإن قال قائل إن قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الأئمة من قريش» يدخل في ذلك الحليف والمولى ، وابن الأخت ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مولى القوم منهم ومن أنفسهم وابن أخت القوم منهم» (١).

فالجواب وبالله تعالى التوفيق :

إن الإجماع قد تيقن وصح على أن حكم الحليف والمولى وابن الأخت كحكم من ليس له حليف ولا مولى ولا ابن أخت ، فمن أجاز الإمامة في غير هؤلاء جوزها في هؤلاء ، ومن منعها من غير قريش منعها من الحليف والمولى وابن الأخت ، فإذ صح البرهان بأن لا يكون إلا في قريش لا فيمن ليس قرشيا صح بالإجماع أن حليف قريش ومولاهم وابن أختهم لا حق لهم في الخلافة لإجماع الأمة كلها على أن حكمهم كحكم من ليس قرشيا وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : وقال قوم إن اسم الإمامة قد يقع على الفقيه العالم وعلى متولي الصلاة بأهل مسجد ما. قلنا : نعم. لا يقع على هؤلاء إلا بالإضافة لا بالإطلاق ، فيقال فلان إمام في الدين ، وإمام بني فلان ، فلا يطلق لأحدهم اسم الإمامة بلا خلاف من أحد من الأمة إلا على المتولي لأمور أهل الإسلام.

فإن قال قائل : فإن اسم الإمارة واقع بلا خلاف على من ولي جهة من جهات المسلمين ، وقد سمي بالإمارة كل من ولاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جهة من الجهات ، أو سرية ، أو جيشا ، وهؤلاء مؤمنون ، فما المانع من أن يوقع على كل واحد اسم أمير المؤمنين؟ فجوابنا وبالله تعالى التوفيق :

__________________

(١) رواه البخاري في المناقب باب ١٤ ، والفرائض باب ٢٤. وأبو داود في الزكاة باب ٢٩. والترمذي في الزكاة باب ٢٥. والنسائي في الزكاة باب ٩٧. والدارمي في السير باب ٨٢. وأحمد في المسند (٣ / ٤٤٨ ، ٤ / ٢٥ ، ٣٤).

أن الكذب محرم بلا خلاف ، وكل من ذكرنا فإنما هو أمير لبعض المؤمنين لا لكلهم ، فلو سمي أمير المؤمنين لكان مسميه بذلك كاذبا لأن هذه اللفظة تقتضي عموم المؤمنين ، وهو ليس كذلك وإنما هو أمير بعض المؤمنين فصح أن ليس يجوز البتة أن يوقع اسم الإمامة مطلقا ، ولا اسم أمير المؤمنين إلا على القرشي المتولي لجميع أمور المؤمنين كلهم ، أو الواجب له ذلك ، وإن عصاه كثير من المؤمنين ، وخرجوا عن الواجب عليهم ، من طاعته والمفترض عليهم من بيعته ، فكانوا بذلك فئة باغية ، حلالا قتالهم وحربهم ، وكذلك اسم الخلافة بإطلاق لا يجوز أيضا إلا لمن هذه صفته ، وبالله التوفيق.

واختلف القائلون بأن الإمامة لا تجوز إلا في صلبة (١) قريش ، فقالت طائفة : هي جائزة في جميع ولد فهر بن مالك فقط. وهذا قول أهل السنة ، وجمهور المرجئة ، وبعض المعتزلة. وقالت طائفة : لا تجوز الخلافة إلا في ولد العبّاس بن عبد المطلب وهو قول الراوندية. وقالت طائفة لا تجوز الخلافة إلا في ولد علي بن أبي طالب.

وقالت طائفة لا تجوز الخلافة إلا في ولد جعفر بن أبي طالب ثم قصروها على عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

وبلغنا عن بعض بني الحارث بن عبد المطلب أنه كان يقول : لا تجوز الخلافة إلا في بني عبد المطلب خاصة ويراها في جميع ولد عبد المطلب وهم أبو طالب ، وأبو لهب ، والحارث ، والعباس.

وبلغنا عن رجل كان بالأردن يقول : لا تجوز الخلافة إلا في بني أمية بن عبد شمس ، وكان له في ذلك تأليف مجموع ، وروينا كتابا مؤلفا لرجل من ولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحتج فيه بأن الخلافة لا تجوز إلا لولد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

قال أبو محمد : فأما هذه الفرق الأربع فما وجدنا لهم شبهة يستحق أن يشتغل بها إلا دعاوى كاذبة لا وجه لها.

وأما الكلام فمع الذين يرون الأمر لولد العباس أو لولد علي فقط لكثرة عددهم.

قال أبو محمد : احتج من ذهب إلى أن الخلافة لا تجوز إلا في ولد العباس فقط على أن الخلفاء من ولده ، وكل من له حظ من علم من غير الخلفاء منهم لا

__________________

(١) الصلبة والصليبة والصلب : الذرية (المعجم الوسيط : ص ٥١٩).

يرضون بهذا ولا يقولون به لكن تلك الطائفة قالت كان العباس عاصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووارثه ، فإذا كان ذلك كذلك فقد ورث مكانه.

قال أبو محمد : وهذا ليس بشيء ، لأن ميراث العباس رضي الله عنه لو وجب له لكان ذلك في المال خاصة ، وأما المرتبة فما جاء قط في الديانات أنها تورث.

فبطل هذا التمويه جملة ولله الحمد.

ولو جاز أن تورث المراتب لكان من ولاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكانا ما إذا مات وجب أن يرث تلك الولاية عاصبه ، ووارثه ، وهذا ما لا يقولونه فكيف وقد صح بإجماع جميع أهل القبلة حاشا الروافض أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قال : «لا نورث ما تركناه صدقة» (١) ...؟

فإن اعترض معترض بقول الله عزوجل (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) [سورة النمل : ١٦] وبقوله تعالى حاكيا عن زكريا عليه‌السلام أنه قال : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) [سورة مريم : ٥ ، ٦].

قال أبو محمد : وهذا لا حجة فيه لأن الرواة وحملة الأخبار وجميع التواريخ القديمة كلها وكواف بني إسرائيل ينقلون بلا خلاف نقلا يوجب العلم أن داود عليه‌السلام كان له بنون جماعة غير سليمان عليه‌السلام فصح أنه ورث النبوة.

وبرهان ذلك أنهم كلهم مجمعون على أنه عليه‌السلام ولي مكان أبيه عليهما‌السلام وليس له إلا اثنتي عشرة سنة ، ولداود أربعة وعشرون ابنا كبارا وصغارا ، وهكذا القول في ميراث يحيى بن زكريا عليهما‌السلام.

وبرهان ذلك من نص الآية نفسها قوله عليه‌السلام (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) وهم مئو ألوف لكل سبط من أسباطهم عصاب عظيمة فصح أنه إنما رغب ولدا يرث عنه النبوة فقط.

__________________

(١) رواه من طرق : البخاري في الخمس باب ١ ، وفضائل أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم باب ١٢ ، والمغازي باب ١٤ و ٣٨ ، والنفقات باب ٣ ، والفرائض باب ٣ ، والاعتصام بالكتاب والسنّة باب ٥. ومسلم في الجهاد حديث ٤٩ و ٥٠ و ٥١ و ٥٢ و ٥٤ و ٥٦. وأبو داود في الإمارة باب ١٩. والترمذي في السير باب ٤٤. والنسائي في الفيء باب ٩ و ١٦. ومالك في الكلام حديث ٢٧. وأحمد في المسند (١ / ٤ ، ٦ ، ٩ ، ١٠ ، ٢٥ ، ٤٧ ، ٤٨ ، ٤٩ ، ٦٠ ، ١٦٢ ، ١٦٤ ، ١٧٩ ، ١٩١ ، ٢ / ٤٦٣ ، ٦ / ١٤٥ ، ٢٦٢).

وأيضا فمن المحال أن يرغب زكريا عليه‌السلام في ولد يحجب عصبته عن ميراثه إذ إنما يرغب في هذه الخطة ذو الحرص على الدنيا وحطامها ، وقد نزه الله عزوجل عن ذلك أنبياءه عليهم الصلاة والسلام وبرهان ذلك أنه عليه‌السلام إنما طلب الولد إذ يرى أن ما آتاه الله عزوجل مريم عليها‌السلام التي كانت في كفالته من المعجزات ، قال تعالى : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) إلى قوله : (إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) [سورة آل عمران : ٣٨].

وعلى هذا المعنى دعا فقال : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) [سورة مريم : ٥ ، ٦].

وأما من اغتر بقوله تعالى حاكيا عنه عليه‌السلام أنه قال : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) [سورة مريم : ٥].

قيل له : بطلان هذا الظن أن الله تعالى له يعطه ولدا يكون له عقب فيتصل الميراث لهم بل أعطاه ولدا حصورا لا يقرب النساء قال تعالى : (وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) [سورة آل عمران : ٣٩].

فصح ضرورة أنه عليه‌السلام إنما طلب ولدا نبيا لا ولدا يرث المال ، وأيضا فلم يكن العباس محيطا بميراث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإنما كان يكون له ثلاثة أثمان فقط وأما ميراث المكانة فقد كان العباس رضي الله عنه حيا قائما إذ مات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فما ادعى العباس لنفسه قط في ذلك حقا ، لا حينئذ ولا بعد ذلك ، وجاءت الشورى فما ذكر فيها ولا أنكر هو ولا غيره ترك ذكره فيها ، فصح أنه رأي محدث فاسد لا وجه للاشتغال به ، والخلفاء من ولده والأفاضل منهم من غير الخلفاء لا يرضون لأنفسهم بهذه الدعوى ترفعا عن سقوطها ووهنها ، وبالله تعالى التوفيق.

وأما القائلون بأن الإمامة لا تكون إلا في ولد علي رضي الله عنه فإنهم انقسموا قسمين :

فطائفة قالت : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نص على علي بن أبي طالب أنه الخليفة بعده ، وأن الصحابة بعده عليه‌السلام اتفقوا على ظلمه ، وعلى كتمان نص النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهؤلاء المسلمون الروافض. وطائفة قالت لم ينص النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على عليّ لكنه كان أفضل الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأحقهم بالأمر ، وهؤلاء هم الزيدية نسبوا إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

ثم اختلفت الزيدية فرقا ، فقالت طائفة : إن الصحابة ظلموه ، وكفروا من خالفه من الصحابة ، وهم الجارودية. وقالت أخرى : إن الصحابة رضي الله عنهم لم يظلموه لكنه طابت نفسه بتسليم حقه إلى أبي بكر ، وعمر رضي الله عنهما ، وإنهما إماما هدى. ووقف بعضهم في عثمان رضي الله عنه وتولاه بعضهم ، وذكرت طائفة أنّ هذا كان مذهب الفقيه الحسن بن صالح بن حي الهمذاني.

قال أبو محمد : وهذا خطأ وقد رأيت لهشام بن الحكم الرافضي الكوفي في كتابه المعروف بالميزان ، وقد ذكر الحسن بن حي ، أن (١) مذهبه كان أن الإمامة في جميع ولد فهر بن مالك.

قال أبو محمد : وهذا الذي لا يليق بالحسن بن حي غيره ، فإنه كان أحد أئمة الدين ، وهشام بن الحكم أعلم به ممن نسب إليه غير ذلك ، لأن هشاما كان جاره بالكوفة وأعرف الناس به وأدركه وشاهده ، والحسن بن حي رحمه‌الله يحتج بمعاوية رضي الله عنه وبابن الزبير رضي الله عنهما ، وهذا مشهور عنه في كتبه ، وروايات من روى عنه. وجميع الزيدية لا يختلفون في أن الإمامة في جميع ولد علي بن أبي طالب ، من خرج منهم يدعو إلى الكتاب والسنة وجب سل السيف معه.

وقالت الروافض : الإمامة في علي وحده بالنص عليه ثم في الحسن ثم في الحسين ، وادّعوا نصا آخر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليهما بعد أبيهما ثم علي بن الحسين لقول الله عزوجل : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) [سورة الأنفال : ٧٥].

قالوا : فولد الحسين أحق من أخيه ، ثم محمد بن علي بن الحسين ، ثم جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ـ وهذا مذهب جميع متكلميهم كهشام بن الحكم ، وهشام الجواليقي ، وداود الحواري ، وداود الرقي ، وعلي بن منصور ، وعلي بن هيثم ، وأبي علي السكاك تلميذ هشام بن الحكم ، ومحمد بن جعفر بن النعمان شيطان الطاق ، وأبي مالك (٢) الحضرمي وغيرهم. ثم افترقت الرافضة بعد موت هؤلاء المذكورين وموت جعفر بن محمد.

فقالت طائفة بإمامة ابنه إسماعيل بن جعفر.

وقالت طائفة بإمامة ابنه محمد بن جعفر وهم قليل.

وقالت طائفة : جعفر حي لم يمت.

__________________

(١) كانت في الأصل المطبوع «وأن» والصواب حذف الواو.

(٢) تحرفت في الأصل المطبوع إلى «ملك».

وقال جمهور الرافضة بإمامة ابنه موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي بن موسى ، ثم علي بن محمد بن علي بن موسى ، ثم الحسن بن علي ، ثم مات الحسن من غير عقب فافترقوا فرقا وثبت جمهورهم على أنه ولد للحسن بن علي ولد فأخفاه ، وقيل بل ولد له بعد موته من جارية له اسمها صقيل وهو الأشهر ، وقال بعضهم بل من جارية له اسمها نرجس ، وقال بعضهم بل من جارية له اسمها سوسن والأظهر عندهم أنها اسمها صقيل ، لأن صقيل هذه ادعت الحمل بعد موت الحسن بن علي سيدها فوقف ميراثه لذلك سبع سنين ونازعها في ذلك أخوه جعفر بن علي وتعصب لها جماعة من أرباب الدولة ، وتعصب لجعفر آخرون ، ثم انفشّ (١) ذلك الحمل وبطل وأخذ الميراث جعفر أخوه ، وكان موت الحسن هذا سنة ستين ومائتين ، وزادت فتنة الروافض بصقيل هذه ودعواها إلى أن حبسها المعتضد بعد نيف وعشرين سنة من موت سيدها ، وقد عير عمر بها أنها في منزل الحسن بن جعفر النوبختي الكاتب فوجدت فيه ، وحملت إلى قصر المعتضد فبقيت هنالك إلى أن ماتت في القصر ، في أيام المقتدر ، فهم إلى اليوم ينتظرون ضالة منذ مائة عام وثمانين عاما.

وكانت طائفة قديمة قد بادت كان رئيسهم المختار بن أبي عبيد وكيسان أبا عمرة وغيرهما يذهبون إلى أن الإمام بعد الحسين ، محمد أخوه المعروف بابن الحنفية ، ومن هذه الطائفة كان السيد الحميري وكثير عزة الشاعران. وكانوا يقولون : إن محمدا ابن الحنفية حي بجبل رضوى ولهم من التخليط ما تضيق عنه الصحف.

قال أبو محمد : وعمدة هذه الطوائف كلها في الاحتجاج أحاديث موضوعة مكذوبة لا يعجز عن توليد مثلها من لا دين له ولا حياء.

قال أبو محمد : لا معنى لاحتجاجنا عليهم برواياتنا فهم لا يصدقونها ولا معنى لاحتجاجهم علينا برواياتهم فنحن لا نصدقها ، وإنما يجب أن يحتج الخصوم بعضهم على بعض بما يصدقه الذي تقام عليه الحجة به سواء صدقه المحتج أو لم يصدقه ، لأن من صدق بشيء لزمه القول به أو بما يوجبه العلم الضروري فيصير حينئذ مكابرا منقطعا إن ثبت على ما كان عليه إلا أن بعض ما يشغبون به أحاديث صحاح نوافقهم على صحتها ، منها قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي رضي الله عنه : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي» (٢).

__________________

(١) انفشّ : زال (المعجم الوسيط : ص ٦٨٩).

(٢) رواه من طرق : البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والترمذي في المناقب باب ٢٠. وابن

قال أبو محمد : وهذا لا يوجب له فضلا على من سواه ولا استحقاق الإمامة بعده عليه‌السلام ، لأن هارون لم يل أمر بني إسرائيل بعد موسى عليهما‌السلام ، وإنما ولي الأمر بعد موسى عليه‌السلام يوشع بن نون فتى موسى وصاحبه الذي سافر معه في طلب الخضر عليهما‌السلام ، كما ولي الأمر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صاحبه في الغار الذي سافر معه إلى المدينة.

وإذا لم يكن علي نبيا كما كان هارون نبيا ، ولا كان هارون خليفة بعد موت موسى على بني إسرائيل ، فصح أن كونه رضي الله عنه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمنزلة هارون من موسى إنما هو في القرابة فقط ، وأيضا فإنما قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا القول إذ استخلفه على المدينة في غزوة تبوك ، فقال المنافقون استقله فخلّفه فلحق علي برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فشكى ذلك إليه فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حينئذ : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» يريد عليه‌السلام أنه استخلفه على المدينة مختارا لاستخلافه كما استخلف موسى عليه‌السلام هارون عليه‌السلام أيضا مختارا لاستخلافه ، ثم قد استخلف عليه‌السلام قبل تبوك وبعد تبوك على المدينة في أسفاره رجالا سوى علي رضي الله عنه فصح أن هذا الاستخلاف لا يوجب لعلي فضلا على غيره ، ولا ولاية الأمر بعده ، كما لم يوجب ذلك لغيره من المستخلفين.

قال أبو محمد : وعمدة ما احتجت به الإمامية أن قالوا : لا بد من أن يكون إمام معصوم ، عنده جميع علم الشريعة ، يرجع الناس إليه في أحكام الدين ، ليكونوا مما تعبدوا به على يقين.

قال أبو محمد : هذا لا شك فيه ، وذلك (١) معروف ببراهينه الواضحة ، وأعلامه المعجزة ، وآياته الباهرة ، وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلينا تبيان دينه الذي ألزمناه إياه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإن كلامه وعهوده وما بلغ من كلام الله تعالى حجة نافذة معصومة من كل آفة ، إلى من بحضرته وإلى من كان في حياته غائبا عن حضرته ، وإلى كل من يأتي بعد موته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى يوم القيامة من جن وإنس.

قال الله عزوجل : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ)

__________________

ماجة في المقدمة باب ١١. وأحمد في المسند (١ / ١٧٠ ، ١٧٧ ، ١٧٩ ، ١٨٢ ، ١٨٤ ، ١٨٥ ، ٣ / ٣٢).

(١) أي الإمام المعصوم.

[سورة الأعراف : ٣] فهذا نص ما قلنا ، وإبطال اتباع أحد دون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وإنما الحاجة إلى فرض الإمامة لينفذ الإمام عهود الله تعالى الواردة إلينا على من عنده فقط لا لأن يأتي الناس بما لا يشاءونه في معرفته من الدين الذي أتاهم به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ووجدنا عليا رضي الله عنه إذ دعي إلى التحاكم إلى القرآن أجاب ، وأخبر بأن التحاكم إلى القرآن حق فإن كان علي أصاب في ذلك فهو قولنا ، وإن كان أجاب إلى الباطل فهذه غير صفته رضي الله عنه ، ولو كان التحاكم إلى القرآن لا يجوز بحضرة الإمام لقال علي حينئذ كيف تطلبون تحكيم القرآن ، وأنا الإمام المبلغ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟

فإن قالوا : إذ مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلا بد من إمام يبلغ الدين. قلنا : هذا باطل ودعوى بلا برهان ، وقول لا دليل على صحته ، وإنما الذي يحتاج إليه أهل الأرض من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيانه وتبليغه فقط ، سواء في ذلك من كان بحضرته ، ومن غاب عنه ، ومن جاء بعده ، إذ ليس في شخصه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا لم يتكلم بيان عن شيء من الدين فالمراد منه عليه‌السلام كلام باق أبدا مبلغ إلى كل من في الأرض ، وأيضا فلو كان ما قالوا من الحاجة إلى إمام موجود أبدا لا ننقض ذلك عليهم بمن كان غائبا عن حضرة الإمام في أقطار الأرض ، إذ لا سبيل إلى أن يشاهد الإمام جميع أهل الأرض الذين في المشرق والمغرب من فقير وضعيف وامرأة ومريض ومشغول بمعاشه الذي يضيع إن أغفله ، فلا بد من التبليغ ، فإذ لا بد من التبليغ عن الإمام فالتبليغ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أولى بالاتباع من التبليغ عمن هو دونه ، وهذا ما لا انفكاك لهم منه.

قال أبو محمد : لا سيما وجميع أئمتهم الذين يدعون بعد علي والحسن والحسين رضي الله عنهم ما أمروا قط في غير منازل سكناهم ، ولا حكموا على قرية فما فوقها بحكم ، فما الحاجة إليهم ..؟ لا سيما مذ مائة عام وثمانين عاما فإنهم يدعون إماما ضالة لم يخلق كعنقاء مغرب ، وهم أولو فحش ، وقحة ، وبهتان ، ودعوى كاذبة لا يعجز عن مثلها أحد ، وأيضا فطن الإمام المعصوم لا يعرف أنه معصوم إلا بمعجزة ظاهرة عليه ، أو بنص ينقله من يوجب نقله العلم ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على كل إمام بعينه ، واسمه ، ونسبه ، وإلا فهي دعوى لا يعجز عن مثلها أحد لنفسه أو لمن شاء ، ولقد يلزم كل ذي عقل سليم أن يرغب بنفسه عن اعتقاد هذا الجهل ، الغث ، البارد ، السخيف ، الذي ترتفع عقول الصبيان عنه ، وما توفيقنا إلا بالله عزوجل.

وبرهان آخر ضروري وهو أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مات وجمهور الصحابة رضي الله عنهم حاشا من كان منهم في النواحي يعلم الناس الدين ، فما منهم أحد أشار إلى

علي بكلمة يذكر فيها أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نص عليه ، ولا ادعى ذلك عليّ قط لا في ذلك الوقت ولا بعده ، ولا ادعاه له أحد في ذلك الوقت ، ومن المحال الممتنع الذي لا يمكن البتة ولا يجوز اتفاق أكثر من عشرين ألف إنسان متنابذي الهمم ، والنيات ، والأنساب ، أكثرهم موتور من صاحبه في الدماء من الجاهلية على طي عهد عهده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليهم ، وما وجدنا قط رواية عن أحد في النص المدعى إلا رواية واهية عن مجهولين إلى مجهول يكنى أبا الحمراء لا يعرف من هو في الخلق. ووجدنا عليا رضي الله عنه قد توقف عن البيعة لأبي بكر رضي الله عنه ستة أشهر ، فما أكرهه أبو بكر على البيعة حتى بايع طائعا ، مراجعا ، غير مكره ، فكيف حل لعلي رضي الله عنه عند هؤلاء النوكى (١) أن يبايع طائعا رجلا إما كافرا ، وإما فاسقا جاحدا ، لنص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويعينه على أمره ويجالسه في مجالسه ويواليه إلى أن مات ..؟. ثم بايع بعده عمر بن الخطاب مبادرا غير متردد ساعة فما فوقها غير مكره بل طائعا ، وصحبه وأعانه على أمره وأنكحه من ابنته فاطمة رضي الله عنها ، ثم قبل إدخاله في الشورى أحد ستة رجال ، فكيف حل لعلي عند هؤلاء الجهال أن يشارك بنفسه في شورى ضالة ، وكفر ، ويغر الأمة هذا الغرور؟ وهذا الأمر أدى أبا كامل إلى تكفير علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، لأنه في زعمه أعان الكفار على كفرهم ، وأيديهم على كتمان الديانة ، وعلى ما لا يتم الدين إلا به.

قال أبو محمد : ولا يجوز أن يظن بعلي رضي الله عنه أنه أمسك عن ذكر النص عليه خوف الموت ، وهو الأسد شجاعة ، قد عرض نفسه للموت بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرات ثم يوم الجمل ، وصفين ، فما الذي جبنه بين هاتين الحالتين؟ وما الذي ألف بين بصائر الناس على كتمان حق علي ، ومنعه ما هو أحق به مذ مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أن قتل عثمان رضي الله عنه؟ ثم ما الذي جلى بصائرهم في عونه ، إذ دعا إلى نفسه فقامت معه طوائف من المسلمين عظيمة ، وبذلوا دماءهم دونه ، ورأوه حينئذ صاحب الأمر ، والأولى بالحق ممن نازعه؟ فما الذي منعه ومنعهم من الكلام وإظهار النص الذي يدعيه الكذابون إذ مات عمر رضي الله عنه ، وبقي الناس بلا رأس ثلاثة أيام أو يوم السقيفة؟ وأظرف من هذا كله بقاؤه ممسكا عن بيعة أبي بكر رضي الله عنه ستة أشهر ، فما سألها ولا أجبر عليها ولا كلفها ، وهو متصرف بينهم في أموره

__________________

(١) النوكى : جمع أنوك ، وهو الأحمق (المعجم الوسيط : ص ٩٦٤).

فلو لا أنه رأى الحق فيها واستدارك أمره فبايع طالبا حظ نفسه في دينه راجعا إلى الحق لما بايع.

فإن قالت الروافض : إنه بعد ستة أشهر رأى الرجوع إلى الباطل فهذا هو الباطل حقا ، لا ما فعل علي رضي الله عنه ، ثم ولى علي رضي الله عنه فما غير حكما من أحكام أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، ولا أبطل عهدا من عهودهم ، ولو كان ذلك عنده باطلا لما كان في سعة من أن يمضي الباطل وينفذه ، وقد ارتفعت التقية عنه. وأيضا فقد نازع الأنصار رضي الله عنهم أبا بكر رضي الله عنه ودعوا إلى بيعة سعد بن عبادة رضي الله عنه ، ودعا المهاجرون إلى بيعة أبي بكر رضي الله عن جميعهم ، وقعد علي رضي الله عنه في بيته لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، ليس معه أحد غير الزبير بن العوام ثم استبان الحق للزبير رضي الله عنه فبايع سريعا ، وبقي علي وحده لا يرقب عليه ولا يمنع من لقاء الناس ولا يمنع أحد من لقائه ، فلا يخلو رجوع الأنصار كلهم إلى بيعة أبي بكر من أن يكون عن غلبة أو عن ظهور حقه إليهم فأوجب ذلك الانقياد لبيعته ، أو فعلوا ذلك مطارفة لغير معنى ولا سبيل إلى قسم رابع بوجه من الوجوه.

فإن قالوا بايعوه بغلبة كذبوا لأنه لم يكن هنالك قتال ولا تضارب ولا سباب ولا تهديد ولا وقت طويل ينفع للوعيد ولا سلاح مأخوذ ، ومحال أن يترك أزيد من ألفي فارس أمجاد أبطال كلهم عشيرة واحدة ، قد ظهر من شجاعتهم ما لا مرمى وراءه ، وهو أنهم بقوا ثمانية أعوام متصلة محاربين لجميع العرب في أقطار بلادهم موطنين على الموت متعرضين مع ذلك لحرب قيصر والروم بمؤتة وغيرها ولكسرى والفرس تنصرهم من يخاطبهم يدعو لهم ويدعوه إلى اتباعه وأن يكون كأحد من بين يديه ، هذه صفة الأنصار التي لا ينكرها إلا رقيع مجاهر بالكذب فمن المحال الممتنع أن يرهبوا أبا بكر ورجلين أتيا معه فقط ، لا يرجع إلى عشيرة كثيرة ، ولا إلى موال ، ولا إلى عصبة ولا مال ، فرجعوا إليه ، وهو عندهم مبطل ، وبايعوه بلا تردد ولا تطويل ، وكذلك يبطل أن يرجعوا عن قولهم ، وما كانوا قد رأوه من أن الحق حقهم ، وعن بيعة ابن عمهم مطارفة بلا خوف يضطرهم إلى ذلك ودون طمع يتعجلونه من مال أو جاه ، بل فيما فيه ترك العز والدنيا والرئاسة وتسليم كل ذلك إلى رجل أجنبي لا عشيرة له ولا منعة ، ولا حاجب ولا حرس على بابه ، ولا قصر ممتنع فيه ، ولا موالي ولا مال ، فأين كان علي وهو الذي لا نظير له في الشجاعة ومعه جماعة بني هاشم ، وبني المطلب ، من قتل هذا الشيخ لا دافع دونه ، لو كان عنده ظالما وعن منعه وزجره؟ بل قد علم والله علي رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه على الحق وأن من خالفه على الباطل ،

فأذعن للحق بعد أن عرضت له فيه كبوة كذلك الانصار رضي الله عنهم ، وإذ قد بطل كل هذا فلم يبق إلا أن عليا والأنصار رضي الله عنهم إما رجعوا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه لبرهان حق صح عندهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لا لاجتهاد كاجتهادهم ، ولا لظن كظنونهم ، فإذ قد بطل أن يكون الأمر في الأنصار وزالت الرئاسة عنهم فما الذي حملهم كلهم أولهم عن آخرهم على أن يتفقوا على جحد نص النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على إمامة علي؟ ومن المحال أن تتفق آراؤهم كلهم على معونة من ظلمهم وغصبهم حقهم ، إلا أن تدعي الروافض أنهم كلهم اتفق لهم نسيان ذلك العهد ، فهذه أعجوبة من المحال غير ممكنة ثم لو أمكنت لجاز لكل أحد أن يدعي فيما شاء من المحال أنه قد كان ، وأن الناس كلهم نسوه ، وفي هذا إبطال الحقائق كلها. وأيضا فإن كان جميع أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اتفقوا على جحد ذلك النص وكتمانه أو اتفقت طبائعهم كلهم على نسيانه فمن أين وقع إلى الروافض أمره ومن بلغه إليهم ..؟

وكل هذا هوس ومحال ، فبطل أمر النص على عليّ رضي الله عنه بيقين لا إشكال فيه ، والحمد لله رب العالمين.

فإن قال قائل : إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان قد قتل الأقارب من بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتولد له بذلك حقد في قلوب جماعة من الصحابة فلذلك انحرفوا عنه.

قيل لهم : هذا تمويه ضعيف كاذب ، لأنه إن ساغ لكم ذلك في بني عبد شمس وبني مخزوم ، وبني عبد الدار ، وبني عامر ، لأنه قتل من كل قبيلة من هذه القبائل رجلا أو رجالا ، فقتل من بني عامر بن لؤي رجلا واحدا وهو عمرو بن عبد ود ، وقتل من بني مخزوم وبني عبد الدار رجالا ، وقتل من بني عبد شمس الوليد بن عتبة والعاص بن سعيد بن العاص بلا شك وشارك في قتل عتبة بن ربيعة ، وقيل قتل عقبة بن أبي معيط وقيل قتله غيره وهو عاصم بن ثابت الأنصاري ولا مزيد فقد علم كل من له أقل علم بالأخبار أنه لم يكن لهذه القبائل ولا لأحد منها يوم السقيفة حل ولا عقد ، ولا رأي ولا أمر ، اللهم إلا أن أبا سفيان بن حرب بن أمية كان مائلا إلى علي في ذلك الوقت عصبيا للقرابة لا تدينا ، وكان ابنه يزيد وخالد بن سعيد بن العاص والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي مائلين إلى الأنصار تدينا ، والأنصار قتلوا أبا جهل بن هشام أخاه ، وقد كان محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة شديد الميل إلى علي حين قصة عثمان وبعدها حتى قتله معاوية على ذلك. فعرفونا من قتل علي من بني تيم بن مرة أو من بني عدي بن كعب ، حتى يظن أهل القحة أنهما حقدا عليه؟

ثم أخبرونا من قتل من الأنصار؟ أو من جرح منهم؟ أو من أوذي منهم؟ ألم يكونوا معه في تلك المشاهد كلها بعضهم متقدم وبعضهم مساو له وبعضهم متأخر عنه؟ فأي حقد كان له في قلوب الأنصار حتى يتفقوا كلهم على جحد النص عليه وعلى إبطال حقه وعلى ترك ذكر اسمه جملة وإيثار سعد بن عبادة عليه ثم على إيثار أبي بكر وعمر عليه والمسارعة إلى بيعتهما بالخلافة دونه وهو معهم وبين أظهرهم يرونه غدوا وعشيا لا يحول بينهم وبينه أحد؟ ثم أخبرونا من قتل علي من أقارب أولاد المهاجرين من العرب من مضر ، وربيعة ، واليمن ، وقضاعة ، حتى يصفقوا كلهم على كراهية ولايته ، ويتفقوا كلهم على جحد النص عليه؟

إن هذه عجائب لا يمكن اتفاق مثلها في العالم أصلا.

ولقد كان لطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، من القتل في المشركين كالذي كان لعلي ، فما الذي خصه باعتقاد الأحقاد له دونهم لو كان للروافض حياء أو عقل؟

ولقد كان لأبي بكر رحمه‌الله ورضي عنه في مضادة قريش في الدعاء إلى الإسلام ما لم يكن لعلي ، فما منعهم ذلك من بيعته وهو أسوأ الناس أثرا عند كفارهم.

ولقد كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه من مغالبة كفار قريش وإعلانه الإسلام على زعمهم ما لم يكن لعلي رضي الله عنه ، فليت شعري ما الذي أوجب أن ينسى آثار هؤلاء كلهم ، ويعادوا عليا من بينهم كلهم ..؟ لو لا قلة حياء الروافض وصفاقة وجوههم ، حتى بلغ الأمر بهم إلى أن عدوا على سعد بن أبي وقاص وابن عمر وأسامة بن زيد مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورافع بن خديج الأنصاري ، ومحمد بن مسلمة الأنصاري وزيد بن ثابت الأنصاري وأبي هريرة وأبي الدرداء وجماعة غير هؤلاء المهاجرين أنهم لم يبايعوا عليا إذ ولي الخلافة ثم بايعوا معاوية ويزيد ابنه من أدركه منهم وادعوا أن تلك الأحقاد حملتهم على ذلك.

قال أبو محمد : حمق الرافضة ، وشدة ظلمة جهلهم ، وقلة حيائهم ، هو رهم في الدمار ، والبوار ، والعار ، والنار وقلة المبالاة بالفضائح ، وليت شعري أي حماسة وأي كلمة حسنة كانت بين علي وبين هؤلاء أو أحد منهم؟ وإنما كان هؤلاء ومن جرى مجراهم لا يرون بيعة في فرقة فلما أصفق المسلمون على ما أصفقوا عليه كائنا من كان دخلوا في الجماعة ، وهكذا فعل من أدرك من هؤلاء ابن الزبير رضي الله عنه ومروان فإنهم قعدوا عنهما فلما انفرد عبد الملك بن مروان بايعه من أدركه منهم لا رضا عنه ولا عداوة لابن الزبير ولا تفضيلا لعبد الملك على ابن الزبير ، لكن لما ذكرنا.

وهكذا كان أمرهم في علي ومعاوية ولا مزيد فلاحت نوكة هؤلاء المجانين ، والحمد لله رب العالمين.

قال أبو محمد : وهذا زيد بن حارثة قتل يوم بدر حنظلة بن أبي سفيان وهذا الزبير بن العوام قتل يوم بدر أيضا عبيدة بن سعيد بن العاص وهذا عمر بن الخطاب قتل يومئذ العاص بن هشام بن المغيرة فهلا عاداهم أهل هؤلاء المقتولين ، وما الذي خص عليا بعداوة أولياء من قتل دون سائر من ذكرنا لو لا جنون الرافضة وعدم الحياء من وجوههم.

ثم لو كان ما ذكروه حقا فما الذي كان دعا عمر إلى إدخاله في الشورى مع من أدخله فيها ، ولو أخرجه منها كما أخرج سعيد بن زيد ، أو قصد إلى رجل غيره فولاه ما اعترض عليه أحد في ذلك بكلمة ، فصح ضرورة بكل ما ذكرنا أن القوم أنزلوه منزلته غير عالين ولا مقصرين رضي الله عنهم أجمعين ، وأنهم قدموا الأحق ، فالأحق ، والأفضل ، فالأفضل وساووه بنظرائه منهم. ثم أوضح برهان وأبين بيان في بطلان أكاذيب الرافضة أن عليا رضي الله عنه إذ دعا إلى نفسه بعد قتل عثمان رضي الله عنه سارعت طوائف من المهاجرين والأنصار إلى بيعته ، فهل ذكر أحد من الناس أن أحدا منهم اعتذر إليه مما سلف من بيعتهم لأبي بكر وعمر وعثمان؟ أو هل تاب أحد منهم من جحدهم للنص على إمامته ، أو قال أحد منهم : لقد ذكرت هذا النص الذي كنت أنسيته في أمر هذا الرجل؟ إنّ عقولا خفي عليها هذا الظاهر اللائح لعقول مخذولة لم يرد الله أن يهديها. ثم مات عمر رضي الله عنه وترك الأمر شورى بين ستة من الصحابة ، عليّ أحدهم ، ولم يكن في تلك الأيام الثلاثة سلطان يخاف ولا رئيس يتوقى ولا مخافة من أحد ، ولا جند معد للتغلب ، افترى لو كان لعلي رضي الله عنه حق ظاهر يختص به من نص عليه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو من فضل بائن على من معه ينفرد به عنهم أما كان الواجب على علي أن يقول أيّها الناس كم هذا الظلم لي وكم هذا الكتمان لحقّي؟ وكم هذا الجحد لنص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ..؟ وكم هذا الإعراض عن فضلي البائن على هؤلاء المقرونين لي؟ فإذ لم يفعل لا ندري لما ذا ..؟ أما كان في بني هاشم أحد له دين يقول هذا الكلام ..؟ إما العباس عمه وجميع العاملين على توقيره وتعظيمه حتى إن عمر توسل به إلى الله تعالى بحضرة الناس في الاستسقاء. وإما أحد بنيه ، وإما عقيل أخوه ، وإما أحد بني جعفر أخيه ، أو غيرهم. فإذ لم يكن في بني هاشم أحد يتقي الله عزوجل ، ولا يأخذه في قول الحق مداهنة ، أما كان في جميع أهل الإسلام من المهاجرين ، والأنصار وغيرهم واحد يقول : يا معشر المسلمين قد زالت الرقبة وهذا عليّ له حق واجب بالنص بائن ظاهر لا يمترى فيه فبايعوه. فأمره بين أن

إصفاق جميع الأمة أولها عن آخرها من برقة إلى أول خراسان ، ومن الجزيرة إلى أقصى اليمن ، إذ بلغهم الخبر على السكوت عن حق هذا الرجل ، واتفاقهم على ظلمه ومنعه من حقه ، وليس هناك شيء يخافونه لإحدى عجائب المحال الممتنع ، وفيهم الذين بايعوه بعد ذلك ، إذ صار الحق حقه ، وقتلوا أنفسهم دونه ، فأين كانوا عن إظهار ما تنبهت له الروافض الأنذال؟ ثم العجب إذ كان غيظهم عليه هذا الغيظ ، واتفاقهم على جحده حقه هذا الاتفاق ، كيف تورعوا عن قتله ليستريحوا منه؟ أم كيف أكرموه وبروه وأدخلوه في الشورى ..؟

وقال هشام بن الحكم : كيف يحسن الظن بالصحابة أن لا يكتموا النصّ على عليّ وهم قد اقتتلوا وقتل بعضهم بعضا فهل يحسن بهم الظن في هذا؟

قال أبو محمد : لو علم الفاسق أن هذا القول منه أعظم حجة عليه لم ينطق بهذا السخف ، لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول من قاتل حيث افترق الناس ، فكل ما لحق المقتتلين منهم من حسن الظن بهم أو من سوء الظن بهم فهو لاحق بعلي في قتاله ، ولا فرق بينه وبين سائر الصحابة في ذلك كله ـ وبالله تعالى التوفيق.

فإن خصّه متحكما كان كمن خص غيره منهم متحكما ولا فرق.

وأيضا فإن قتالهم رضي الله عنهم أوكد برهان على أنهم لم يغاروا على ما رأوه باطلا ، بل قاتل كل فريق منهم على ما رآه حقا ، ورضي بالموت دون الصبر على خلاف ما عنده ، وطائفة منهم قعدت إذ لم تر الحق في القتال فدل ذلك على أنه لو كان عندهم نص على عليّ أو عند واحد منهم لأظهروه ، أو لأظهره كما أظهروا ما رأوا أن يبذلوا أنفسهم للقتال والموت دونه.

فإن قالوا : قد أقررتم أنه لا بد من إمام فبأي شيء يعرف الإمام ..؟ لا سيما وأنتم خاصة معشر أهل الظاهر الذين لا يقولون إلا بنص قرآن ، أو خبر صحيح ، وهذا أيضا مما سألنا عنه أصحاب القياس والرأي.

قال أبو محمد : فجوابنا وبالله تعالى التوفيق : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نص على وجوب الإمامة ، وأنه لا يحل بقاء ليلة دون بيعة ، وافترض علينا بنص قوله الطّاعة للقرشي إماما واحدا لا ينازع إذا قادنا بكتاب الله عزوجل.

فصح من هذه النصوص النص على صفة الإمام الواجب طاعته ، كما صح النص على صفة الشهود في الأحكام ، وصفة المساكين والفقراء الواجب لهم الزكاة ، وصفة من يؤم في الصلاة ، وصفة من يجوز نكاحها من النساء ، وكذلك سائر الشريعة كلها ،

ولا يحتاج إلى ذكر الأسماء ، إذ لم يكلفنا الله عزوجل ذلك ، فكل قرشي بالغ عاقل بادر إثر موت الإمام الذي لم يعهد إلى أحد فبايعه واحد فصاعدا فهو الإمام الواجب طاعته ما قادنا بكتاب الله تعالى وبسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الذي أمر الكتاب باتباعها ، فإن زاغ عن شيء منهما منع من ذلك وأقيم عليه الحد والحق ، فإن لم يؤمن أذاه إلا بخلعه خلع وولي غيره منهم.

فإن قالوا : قد اختلف الناس في تأويل القرآن والسنة قلنا نعم وقد أمرنا الله تعالى بالرجوع عن التنازع إلى ظاهر القرآن والسنة ومنع من تأويلهما بغير نص آخر.

قلنا : إن التأويل الذي لم يقع عليه برهان تحريف للكلم عن مواضعه ، وقد جاء النص بالمنع من ذلك وليس الاختلاف حجة ، وإنما الحجة في نص القرآن والسنن ، وما اقتضاه لفظهما العربي الذي خوطبنا به ، وبه ألزمتنا الشريعة.

قال أبو محمد : ثم نسألهم فنقول لهم : إن عمدة احتجاجكم في إيجاب إمامتكم التي تدعيها جميع فرقكم إنما هي وجهان فقط ، أحدهما : النص عليه باسمه والثاني : شدة الفاقة إليه في بيان الشريعة إذ علمها عنده لا عند غيره ولا مزيد ، فأخبروني بأي شيء صار محمد بن علي بن الحسين أولى بالإمامة من إخوته زيد وعمرو وعبد الله وعلي والحسين؟ فإن ادعوا نصا من أبيهم عليه أو من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه الباقر لم يكن ذلك ببدع من كذبهم ، ولم يكونوا أولى بتلك الدعوى من الكيسانية في دعواهم النص على ابن الحنفية ، وإن ادعوا أنه كان أفضل من إخوته كانت أيضا دعوى بلا برهان والفضل لا يقطع على ما عند الله عزوجل فيه بما يبدو من الإنسان ، فقد يكون باطنه خلاف ظاهره. وكذلك يسألون أيضا : ما الذي جعل موسى بن جعفر أولى بالإمامة من أخيه محمد أو إسحاق أو علي؟ فلا يجدون إلى غير الدعوى سبيلا ، وكذلك أيضا يسألون : ما الذي خص علي بن موسى بالإمامة دون إخوته وهم سبعة عشر ذكرا؟ فلا يجدون شيئا غير الدعوى ، وكذلك يسألون : ما الذي جعل محمد بن علي بن موسى أولى بالإمامة من أخيه علي بن علي؟ وما الذي جعل علي بن محمد أولى بالإمامة من أخيه موسى بن محمد؟ وما الذي جعل الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى أحق بالإمامة من أخيه جعفر بن علي؟ فهل هاهنا شيء غير الدعوى الكاذبة التي لا حياء لصاحبها والتي لو ادعى مثلها مدع للحسن بن الحسن أو لعبد الله بن الحسن ، أو لأخيه الحسن بن الحسن ، أو لابن أخيه علي بن الحسن أو لمحمد بن عبد الله القائم بالمدينة ، أو لأخيه إبراهيم أو لرجل من ولد العباس ، أو من بني أمية ، أو من أي قوم من

الناس كان ، لساواهم في الحماقة ، ومثل هذا لا يشتغل به من له مسكة من عقل أو منحة من دين ولو قلّت ، أو رقعة من الحياء ، فبطل وجه النص. وأما وجه الحاجة إليه في بيان الشريعة فما ظهر قط من أكثر أئمتهم بيان لشيء مما اختلف فيه الناس ، وما بأيديهم من ذلك شيء ، إلا دعاوى مفتعلة قد اختلفوا أيضا فيها كما اختلف غيرهم من الفرق سواء سواء ، إلا أنهم أسوأ حالا من غيرهم لأن كل من قلد إنسانا كأصحاب أبي حنيفة لأبي حنيفة ، وأصحاب مالك لمالك ، وأصحاب الشافعي للشافعي ، وأصحاب أحمد لأحمد. فإن لهؤلاء المذكورين أصحابا مشاهير نقلت عنهم أقوال صاحبهم ، ونقلوها هم عنه ، ولا سبيل إلى اتصال خبر عندهم ظاهر مكشوف يضطر الخصم إلى أن هذا قول موسى بن جعفر ، ولا أنه قول علي بن موسى ، ولا أنه قول محمد بن علي بن موسى ، ولا أنه قول علي بن محمد ولا أنه قول الحسن بن علي ، وأما من بعد الحسن بن علي فعدم بالكلية وحماقة ظاهرة ، وأما من قبل موسى بن جعفر ، فلو جمع كل ما روي في الفقه عن الحسن والحسين رضي الله عنهما وعن علي بن الحسين وعن محمد بن علي وعن جعفر بن محمد رضي الله عنهم لما بلغ عشر أوراق.

فما ترى المصلحة التي يدعونها في إمامهم ظهرت ولا نفع الله تعالى بها قط في علم ولا عمل ، ولا عندهم ولا عند غيرهم ، ولا ظهر منهم بعد الحسين رضي الله عنه من هؤلاء الذين سموا أحدا ولا أمر منهم أحد قط بمعروف معلن ، وقد قرأنا صفة هؤلاء المخاذيل المنتمين إلى الإمامية القائلين بأن الدين عند أئمتهم ، فما رأينا إلا دعاوى باردة ، وآراء فاسدة ، كأسخف ما يكون من الأقوال ، ولا يخلو هؤلاء الأئمة الذين يذكرون من أن يكونوا مأمورين بالسكوت ، أو مفسوحا لهم فيه ، فإن يكونوا مأمورين بالسكوت فقد أبيح للناس البقاء في الضلال ، وسقطت الحجة في الديانة عن جميع الناس ، وبطل الدين ، لم يلزم فرض الإسلام ، وهذا كفر مجرد.

وهم لا يقولون بهذا.

أو يكونوا مأمورين بالكلام والبيان ، فقد عصوا الله إذ سكتوا وبطلت إمامتهم.

وقد لجأ بعضهم إذ سئلوا عن صحة دعواهم في الأئمة إلى أن ادعوا الإلهام في ذلك ، فإذ قد صاروا إلى هذا الشغب فإنه لا يضيق عن أحد من الناس ولا يعجز خصومهم عن أن يدعوا أنهم ألهموا بطلان دعواهم.

قال هشام بن الحكم : لا بد أن يكون في إخوة الإمام آفات يبين بها أنهم لا يستحقون الإمامة.

قال أبو محمد : وهذه دعوى مردودة تزيد في الحماقة ، ولا ندري في زيد ،

وعمرو ، وعبد الله ، والحسن ، وعلي بن علي بن الحسين ، آفات تمنع إلا آن الحسن أخا زيد ومحمد كان أعرج وما علمنا أن العرج عيب يمنع من الإمامة ، إنما هو عيب في العبيد المتخذين للمشي ، وما يعجز خصومهم أن يدعوا في محمد بن علي وفي جعفر بن محمد وفي سائر أئمتهم تلك الآفات التي ادعاها هشام لإخوتهم ، ثم إن بعض أئمتهم المذكورين مات أبوه وهو ابن ثلاث سنين. فنسألهم من أين علم هذا الصغير جميع علوم الشريعة وقد عدم توقيف أبيه له عليها لصغره؟ فلم يبق إلا أن يدعوا له الوحي ، فهذه نبوة وكفر صريح ، وهم لا يبلغون إلى أن يدعوا له النبوة وأن يدعوا له معجزة تصح قوله. فهذه دعوى باطلة ، ما ظهر منها قط شيء ، أو يدعوا له الإلهام فما يعجز أحد عن هذه الدعوى.

قال أبو محمد : ولو لم يكن من الحجة على أن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ويزين لكل أمة عملها إلا وجود من يعتقد هذه الأقوال السخيفة لكان أقوى حجة وأوضح برهان ، وإلا فما خلق الله عزوجل عقلا يسع فيه مثل هذه الحماقات ، والحمد لله على عظيم منته علينا ، وهو المسئول منه دوامها بمنه آمين.

قال أبو محمد : وأيضا فلو كان الأمر في الإمامة على ما يقول هؤلاء السخفاء لما كان الحسن رضي الله عنه في سعة من أن يسلمها إلى معاوية رضي الله عنه فيعينه على الضلال ، وعلى إبطال الحق ، وهدم الدين ، فيكون شريكه في كل مظلمة ، ويبطل عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويوافقه على ذلك الحسين أخوه رضي الله عنهما ، فما نقض قط بيعة معاوية إلى أن مات ، فكيف استحل الحسن والحسين رضي الله عنهما إبطال عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليهما طائعين غير مكرهين؟ فلما مات معاوية قام الحسين يطلب حقه إذ رأى أنها بيعة ضلالة ، فلو لا أنه رأى بيعة معاوية حقا لما سلمها له ، ولفعل كما فعل بيزيد إذ ولي ، هذا ما لا يمتري فيه ذو إنصاف. هذا ومع الحسن أزيد من مائة ألف عنان يموتون دونه ، فتالله لو لا أن الحسن رضي الله عنه علم أنه في سعة من إسلامها إلى معاوية وفي سعة من أن لا يسلمها لما جمع بين الأمرين فأمسكها ستة أشهر لنفسه وهي حقه ، وسلمها بعد ذلك لغير ضرورة وذلك له مباح ، بل هو الأفضل بلا شك ، لأن جده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد خطب بذلك على المنبر بحضرة المسلمين وأراهم الحسن معه على المنبر وقال : «إنّ ابني هذا سيّد ولعلّ الله أن يصلح به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين» رويناه من طريق البخاري (١).

__________________

(١) رواه البخاري في الصلح باب ٩ ، وفضائل أصحاب النبي باب ٢٣ ، والفتن باب ٣٠ ، والمناقب باب ٣٥. وأبو داود في السنة باب ١٢ ، والمهدي باب ٨. والترمذي في المناقب باب ٣٠.

حدثنا صدقة ، أنبأنا ابن عيينة ، أنا الحسن ، سمع أبا بكر يقول إنه سمع ذلك وشهده من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهذا من أعلامه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإنذاره بالغيوب التي لا تعلم البتة إلا بالوحي.

وقد امتنع زياد وهو فقعة القاع لا عشيرة ولا نسب ولا سابقة ولا قدم فما أطاقه معاوية إلا بالمداراة وحتى أرضاه وولاه.

فإن ادعوا أنه قد كان في ذلك عند الحسن عهد فقد كفروا لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يأمر أحدا بالعون على إطفاء نور الإسلام بالكفر ، وعلى نقض عهود الله تعالى بالباطل عن غير ضرورة ولا إكراه ، وهذه صفة الحسن والحسين رضي الله عنهما عند الروافض.

واحتج بعض الإمامية وجميع الزيدية بأن عليا كان أحق الناس بالإمامة لبينونة فضله على جميعهم ، ولكثرة فضائله دونهم.

قال أبو محمد : وهذا يقع الكلام فيه إن شاء الله تعالى في الكلام في المفاضلة بين أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإنما الكلام هاهنا في الإمامة فقط ، فنقول وبالله تعالى التوفيق :

هبكم أنكم وجدتم لعلي رضي الله عنه فضائل معلومة ، كالسبق إلى الإسلام والجهاد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسعة العلم ، والزهد ، فهل وجدتم مثل ذلك للحسن والحسين رضي الله عنهما حتى أوجبتم لهما بذلك فضلا في شيء مما ذكرنا على سعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن العباس؟ هذا ما لا يقدر أحد على أن يدعي لهما فيه كلمة فما فوقها يعني مما يكونان به فوق من قد ذكرنا في شيء من هذه الفضائل ، فلم يبق إلا دعوى النص عليهما ، وهذا ما لا يعجز عن مثله أحد ، ولو استجازت الخوارج التوقح بالكذب في دعوى النص على عبد الله بن وهب الراسبي ، لما كانوا إلا مثل الرافضة في ذلك سواء بسواء ، ولو استحلت الأموية أن تجاهر بالكذب في دعوى النص على معاوية لكان أمرهم في ذلك أقوى من أمر الرافضة ، لقوله تعالى : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) [سورة الإسراء : ٣٣] ولكن كل أمة ما عدا الرافضة والنصارى فإنها تستحي وتصون أنفسها عما لا تصون النصارى والروافض أنفسهم عنه من الكذب الفاضح البارد وقلة الحياء فيما يأتون به. ونعوذ بالله من الخذلان.

قال أبو محمد : وكذلك لا يجدون لعلي بن الحسين بسوقا في علم ولا في

__________________

والنسائي في المناقب باب ٢٧.

عمل على سعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، وعروة بن الزبير ، ولا على أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، ولا على ابن عمه الحسن بن الحسين ، وكذلك لا يجدون لمحمد بن علي بن الحسين بسوقا في علم ولا في عمل ولا ورع على عبد الرحمن بن القاسم بن محمد ، ولا على محمد بن عمرو بن أبي بكر بن المنكدر ، ولا على أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، ولا على أخيه زيد بن علي ، ولا على عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ولا على عمر بن عبد العزيز ، وكذلك لا يجدون لجعفر بن محمد بسوقا في علم ولا في دين ولا في عمل على محمد بن مسلم الزهري ، ولا على ابن أبي ذؤيب ، ولا على عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر ، ولا على عبيد الله بن عمرو بن حفص بن عاصم بن عمر ، ولا على ابني عمه محمد بن عبد العزيز بن الحسن بن الحسن ، وعلي بن الحسن بن الحسن بل كل من ذكرنا فوقه في العلم والزهد ، وكلهم أرفع محلا في الفتيا والحديث لا يمنع أحد منهم من شيء من ذلك ، وهذا ابن عباس رضي الله عنه قد جمع فقهه في عشرين كتابا ، ويبلغ حديثه نحو ذلك إذا تقصّي ولا تبلغ فتيا الحسن والحسين ورقتين ، ويبلغ حديثهما ورقة أو ورقتين ، وكذلك علي بن الحسين إلا أن محمد بن علي يبلغ حديثه وفتياه جزءا صغيرا ، وكذلك جعفر بن محمد وهم ويقولون إن الإمام عنده جميع علم الشريعة ، فما بال من ذكرنا أظهروا بعض ذلك وهو الأقل الأنقص ، وكتموا سائره وهو الأكثر الأعظم؟ فإن كان فرضهم الكتمان فقد خالفوا الحق إذ أعلنوا ما أعلنوا ، وإن كان فرضهم البيان فقد خالفوا الحق إذ كتموا ما كتموا ، وأما من بعد جعفر بن محمد فما عرفنا لهم علما أصلا لا من رواية ولا من فتيا على قرب عهدهم منا ، ولو كان عندهم من ذلك شيء لعرف كما عرف عن محمد بن علي وابنه جعفر وعن غيره منهم ممن حديث الناس عنه فبطلت دعواهم الظاهرة الكاذبة اللائحة السخيفة ، التي هي من خرافات السمر ، ومضاحك السخفاء ، فإن رجعوا إلى ادعاء المعجزات لهم قلنا لهم : إن المعجزات لا تثبت إلا بنقل التواتر لا بنقل الآحاد الثقات فكيف بتولد الوقحاء الكذابين الذين لا يدرى من هم؟ وقد وجدنا من يروي لبشر الحافي وشيبان الراعي ورابعة العدوية أضعاف ما يدعونه من الكذب لأئمتهم وأظهر وأفشى ، وكل ذلك حماقة لا يشتغل ذو دين ولا ذو عقل بها ونحمد الله على السلامة ، فإذ قد بطل كل ما يدعونه ولله تعالى الحمد فلنقل على الإمامة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبرهان وبالله تعالى نتأيد.

الإمامة بعد الرسول

قال أبو محمد : قد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يستخلف أحدا. ثم اختلفوا ، فقال بعضهم : لكن لما استخلف أبا بكر رضي الله عنه على الصلاة كان ذلك دليلا على أنه أولاهم بالإمامة والخلافة على الأمور. وقال بعضهم : لا ، ولكن كان أبينهم فضلا فقدموه لذلك ، وقالت طائفة : بل نص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على استخلاف أبي بكر بعده على أمور الناس نصا جليا.

قال أبو محمد : وبهذا نقول لبراهين أحدها : إطباق الناس كلهم وهم الذين قال الله تعالى فيهم : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [سورة الحشر : ٨] فقد أصفق هؤلاء الذين شهد الله لهم بالصدق وجميع إخوانهم من الأنصار رضي الله عنهم على أن سموه خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعنى الخليفة في اللغة هو الذي يستخلفه المرء لا الذي يخلفه دون أن يستخلفه هو ، لا يجوز غير هذا البتة في اللغة بلا خلاف. تقول : استخلف فلان فلانا يستخلفه فهو خليفه ومستخلفه ، فإن قام مكانه دون أن يستخلفه هو لم يقل إلا خلف فلان فلانا يخلفه فهو خالف ، ومحال أن يعنوا بذلك الاستخلاف على الصلاة لوجهين ضروريين أحدهما : أنه لم يستحق أبو بكر رضي الله عنه قط هذا الاسم على الإطلاق في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو حينئذ خليفته على الصلاة ، فصح يقينا أن خلافته المسمى هو بها هي غير خلافته على الصلاة.

والثاني : أن كل من استخلفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حياته كعلي في غزوة تبوك ، وابن أم مكتوم في غزوة الخندق ، وعثمان بن عفان في غزوة ذات الرقاع ، وسائر من استخلفه على البلاد باليمن والبحرين والطائف وغيرها ، لم يستحق أحد منهم قط بلا خلاف من أحد من الأمة أن يسمى خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الإطلاق.

فصح يقينا بالضرورة التي لا محيد عنها أنها للخلافة بعده على أمته. ومن الممتنع أن يجمعوا على ذلك وهو عليه‌السلام لم يستخلفه نصا ، ولو لم يكن هاهنا إلا استخلافه إياه على الصلاة ما كان أبو بكر أولى بهذه التسمية من غيره ممن ذكرنا ،

وهذا برهان ضروري نعارض به جميع الخصوم ، وأيضا فإن الرواية قد صحت بأن امرأة قالت : يا رسول الله أرأيت إن رجعت ولم أجدك؟ كأنها تريد الموت. قال : «فأت أبا بكر» وهذا نص جلي على استخلاف أبي بكر.

وأيضا فإن الخبر قد جاء من الطرق الثابتة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعائشة رضي الله عنها في مرضه الذي توفي فيه عليه‌السلام : «لقد هممت أن أبعث إلى أبيك وأخيك فأكتب كتابا وأعهد عهدا لكي لا يقول قائل أنا أحق أو يتمنى متمنّ ، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر».

وروي أيضا : «ويأبى الله والنبيون إلا أبا بكر» (١).

فهذا نص جلي على استخلافه عليه الصلاة والسلام أبا بكر على ولاية الأمة بعده.

قال أبو محمد : ولو أننا نستجيز التدليس والأمر الذي لو ظفر به خصومنا طاروا به فرحا أو أبلسوا أسفا ، لاحتججنا في ذلك بما روي : «اقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكر وعمر» (٢).

قال أبو محمد : ولكنه لم يصح ويعيذنا الله من الاحتجاج بما لا يصح.

قال أبو محمد : واحتج من قال لم يستخلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالخبر المأثور عن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال : إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني ـ يعني أبا بكر ـ وإن لا أستخلف فلم يستخلف من هو خير مني (٣) ـ يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وبما روي عن عائشة رضي الله عنها ، إذ سئلت من كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مستخلفا لو استخلف (٤). فمن المحال أن يعارض إجماع الصحابة الذي ذكرنا ، والأثران الصحيحان

__________________

(١) رواه مسلم في فضائل الصحابة باب ١١ ، وأبو داود في السنّة باب ١١ ، وأحمد في المسند (٤ / ٥٣ ، ٢٨٢).

(٢) رواه الترمذي برقم (٣٦٦٢ و ٣٨٠٥) وابن ماجة برقم (٩٧) وأحمد في المسند (٥ / ٣٨٢ ، ٣٨٥ ، ٣٩٩ ، ٤٠١ ، ٤٠٢) والبيهقي في السنن الكبرى (٥ / ١٢ ، ٨ / ١٥٣) والحاكم في المستدرك (٣ / ٧٥) وأبو نعيم في حلية الأولياء (٩ / ١٠٩) والطبراني في المعجم الكبير (٩ / ٦٨).

(٣) رواه البخاري في الأحكام باب ٥١ ، ومسلم في الإمارة حديث ١١ و ١٢ ، وأبو داود في الإمارة باب ٨ ، والترمذي في الفتن باب ٤٨ ، وأحمد في المسند (١ / ١٣ ، ٤٣ ، ٤٦ ، ٤٧).

(٤) رواه مسلم في فضائل الصحابة حديث ٩ ، وأحمد في المسند (٦ / ٦٣). وتتمة الحديث : «... قالت : أبو بكر. فقيل لها : ثم من بعد أبي بكر؟ قالت : عمر. ثم قيل لها : من بعد عمر؟ قالت : أبو عبيدة بن الجراح. ثم انتهت إلى هذا».

المسندان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من لفظه بمثل هذين الأثرين الموقوفين على عمر وعائشة رضي الله عنهما مما لا يقوم به حجة مما له وجه ظاهر من أن هذا الأثر خفي على عمر رضي الله عنه كما خفي عليه كثير من أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كالاستئذان وغيره ، أو أنه أراد استخلافا بعهد مكتوب ونحن نقر أن استخلاف أبي بكر لم يكن بكتاب مكتوب ، وأما الخبر في ذلك عن عائشة فكذلك نصا ، وقد يخرج كلامها على سؤال سائل ، وإنما الحجة في روايتها لا في قولها.

وأما من ادعى أنه إنما قدّم قياسا على تقديمه إلى الصلاة فباطل بيقين ، لأنه ليس كل من استحق الإمامة في الصلاة يستحق إمامة الخلافة ، إذ قد يستحق الإمامة في الصلاة أقرأ القوم ، وإن كان أعجميا أو عربيا ، ولا يستحق الخلافة إلا قرشي فكيف والقياس كله باطل؟

قال أبو محمد : في نص القرآن دليل على صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، وعلى وجوب الطاعة لهم ، وهو أن الله تعالى قال مخاطبا لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الأعراب :

(فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) [سورة التوبة : ٨٣].

وكان نزول سورة براءة التي فيها هذا الحكم بعد غزوة تبوك بلا شك التي تخلف فيها الثلاثة المعذورون الذين تاب الله عليهم في سورة براءة ، ولم يغز عليه‌السلام بعد غزوة تبوك إلى أن مات صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال تعالى أيضا : (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) [سورة الفتح : ١٥]

فبين أن العرب لا يغزون مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد تبوك أبدا ثم عطف سبحانه وتعالى عليهم إثر منعه إياهم من الغزو مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وغلق لهم باب التوبة فقال تعالى : (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) [سورة الفتح : ١٦].

فأخبر تعالى أنه سيدعوهم غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون ، ووعدهم على طاعة من دعاهم إلى ذلك بجزيل الأجر العظيم ، وتوعدهم على عصيان الداعي لهم إلى ذلك العذاب الأليم.

قال أبو محمد : وما دعا أولئك الأعراب أحد بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون إلا أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، فإن أبا بكر رضي الله عنه دعاهم إلى قتال مرتدي العرب بني حنيفة وأصحاب الأسود وسجاح وطليحة والروم والفرس وغيرهم ، ودعاهم عمر إلى قتال الروم والفرس ، وعثمان دعاهم إلى قتال الروم والفرس والترك فوجبت طاعة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم بنص القرآن الذي لا يحتمل تأويلا ، وإذ قد وجبت طاعتهم فرضا فقد صحت إمامتهم وخلافتهم رضي الله عنهم ، وليس هذا بموجب تقليدهم في غير ما أمر الله تعالى بطاعتهم فيه لأن الله تعالى لم يأمر بذلك إلا في دعائهم إلى قتال هؤلاء القوم ، وفيما يجب الطاعة فيه للأئمة جملة ، وبالله تعالى التوفيق.

وأما ما أفتوا به باجتهادهم فما أوجبوا هم قط اتباع أقوالهم فيه ، فكيف أن يوجب ذلك غيرهم؟ وبالله تعالى التوفيق.

وأيضا فإن هذا إجماع الأمة كلها إذ ليس أحد من أهل العلم إلا وقد خالف بعض فتاوى هؤلاء الأئمة الثلاثة رضي الله عنهم ، فصح ما ذكرنا والحمد لله رب العالمين.

فصل

عدم جواز إمامة امرأة او صبيّ

قال أبو محمد : وجميع فرق أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز إمامة امرأة ، ولا إمامة صبي لم يبلغ ، إلا الرافضة فإنها تجيز إمامة الصغير الذي لم يبلغ ، والحمل في بطن أمه ، وهذا خطأ لأن من لم يبلغ فهو غير مخاطب ، والإمام مخاطب بإقامة الدين ، وبالله تعالى التوفيق.

قال الباقلاني : واجب أن يكون الإمام أفضل الأمة.

قال أبو محمد : وهذا خطأ متيقن لبرهانين ، أحدهما : أنه لا يمكن أن يعرف الأفضل إلا بالظن في ظاهر أمره ، وقد قال تعالى (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) [سورة يونس : ٣٦] والثاني : أن قريشا قد كثرت وطبقت الأرض من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب ، ومن الجنوب إلى الشمال ، ولا سبيل أن يعرف الأفضل من قوم هذا مبلغ عددهم بوجه من الوجوه ، ولا يمكن ذلك أصلا. ثم يكفي من بطلان هذا القول إجماع الأمة على بطلانه ، فإن جميع من أدرك الصحابة رضي الله عنهم من جميع المسلمين في ذلك العصر قد أجمعوا على صحة إمامة الحسن ، أو معاوية ، وقد كان في الناس أفضل منهما بلا شك كسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وابن عمر وغيرهم.

فلو كان ما قاله الباقلاني حقا لكانت إمامة الحسن ومعاوية باطلة وحاشا لله عزوجل من ذلك.

وأيضا فإن هذا القول الذي قاله هذا المذكور دعوى فاسدة لا دليل على صحتها ، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا من قول صاحب ، ولا من قياس ، والعجب كله أن يقول إنه جائز أن يكون في هذه الأمة من هو أفضل من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حيث بعث إلى أن مات ، ثم لا يجيز أن يكون أحد أفضل من الإمام.

قال أبو محمد : وهذا القول منه في النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كفر مجرد لا خفاء به ، وفيه خلاف لأهل الإسلام وإنما يجب أن يكون الإمام قرشيا بالغا ذكرا مميزا بريئا من

المعاصي الظاهرة ، حاكما بالقرآن والسنة فقط. ولا يجوز خلعه ما دام يمكن منعه من الظلم فإن لم يمكن ذلك إلا بإزالته ففرض أن يقام كل ما يوصل به إلى دفع الظلم ، لقول الله تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [سورة المائدة : ٢] وبالله تعالى التوفيق.

الكلام في وجوه الفضل والمفاضلة بين الصحابة

قال أبو محمد : اختلف المسلمون فيمن هو أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم‌السلام. فذهب بعض أهل السنة ، وبعض المعتزلة ، وبعض المرجئة ، وجميع الشيعة ، إلى أن أفضل الأمة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقد روينا هذا القول نصا عن بعض الصحابة رضي الله عنهم وعن جماعة من التابعين والفقهاء.

وذهبت الخوارج كلها ، وبعض أهل السنة ، وبعض المعتزلة ، وبعض المرجئة ، إلى أن أفضل الصحابة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبو بكر ، ثم عمر. وروينا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أفضل الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعفر بن أبي طالب ، وبهذا قال أبو عاصم النبيل ، وهو الضحاك بن مخلد ، وعيسى بن حاضر ، قال عيسى : وبعد جعفر حمزة ، رضي الله عنه.

وروينا عن نحو عشرين من الصحابة أن أكرم الناس على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علي بن أبي طالب ، والزبير بن العوام.

وروينا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : «مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وثلاثة رجال لا يعد أحد عليهم بفضل سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وعبّاد بن بشر».

وروينا عن أمّ سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها تذكرت الفضل ومن هو خير فقالت : ومن هو خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وروينا عن مسروق بن الأجدع وتميم بن حزم وإبراهيم النّخعي وغيرهم أن أفضل الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الله بن مسعود ، قال تميم وهو من كبار التابعين : رأيت أبا بكر وعمر فما رأيت مثل عبد الله بن مسعود.

وروينا عن بعض من أدرك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن أفضل الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمر بن الخطاب وأنه أفضل من أبي بكر رضي الله عنهما وبلغني عن محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري أنه كان يذهب إلى هذا القول. قال داود بن علي الفقيه رضي الله عنه : أفضل الناس بعد الأنبياء أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأفضل الصحابة الأولون من

المهاجرين ، ثم الأولون من الأنصار ، ثم من بعدهم منهم ولا تقطع على إنسان منهم بعينه أنه أفضل من آخر من طبقته ، ولقد رأينا من متقدمي أهل العلم ممن يذهب إلى هذا القول.

وقال لي يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري غير ما مرة إن هذا هو قوله ومعتقده.

قال الفقيه أبو محمد رحمه‌الله : والذي نقول به وندين الله تعالى عليه ، ونقطع على أنه الحق عند الله عزوجل أن أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم‌السلام نساء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم أبو بكر رضي الله عنه ، ولا خلاف بين أحد من المسلمين في أن أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل الأمم ، لقول الله عزوجل : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [سورة آل عمران : ١١٠]. وأن هذه قاضية على قوله تعالى لبني إسرائيل (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) [سورة البقرة : ٤٧ و ١٢٢] وأنها مبينة بأنّ مراد الله تعالى من ذلك عالم الأمم حاشا هذه الأمة.

قال أبو محمد : ثم نقول وبالله تعالى التوفيق : إن الكلام المهمل دون تحقيق المعنى المراد بذلك الكلام فإنه طمس للمعاني ، وصد عن إدراك الصواب ، وتعريج عن الحق ، وإبعاد عن الفهم ، وتخليط وعمى ، فلنبدأ بعون الله تعالى وتأييده بتقسيم وجوه الفضل التي بها يستحق التفاضل وتفسيرها ، فإذا استبان معنى الفضل وعلى ما ذا تقع هذه اللفظة ، فبالضرورة نعلم حينئذ أن من وجدت فيه هذه الصفات أكثر فهو أفضل بلا شك ، فنقول ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم :

إن الفضل ينقسم إلى قسمين لا ثالث لهما : فضل اختصاص من الله عزوجل بلا عمل ، وفضل مجازاة من الله تعالى بعمل.

فأما فضل الاختصاص دون عمل فإنه يشترك فيه جميع المخلوقين من الحيوان الناطق والحيوان غير الناطق والجمادات والأعراض كفضل الملائكة في ابتداء خلقهم على سائر الخلق وكفضل الأنبياء في ابتداء خلقهم على سائر الجن والإنس ، وكفضل إبراهيم ابن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على سائر الأطفال ، وكفضل ناقة صالح عليه‌السلام على سائر النوق ، وكفضل ذبيحة إبراهيم عليه‌السلام على سائر الذبائح ، وكفضل مكة على سائر البلاد ، وكفضل المدينة بعد مكة على غيرها من البلاد وكفضل المساجد على سائر البقاع ، وكفضل الحجر الأسود على سائر الحجارة ، وكفضل شهر رمضان على سائر الشهور ، وكفضل يوم الجمعة وعرفة وعاشوراء والعشر على سائر ، الأيام وكفضل ليلة القدر على سائر الليالي ، وكفضل صلاة الفرض على النافلة ، وكفضل صلاة العصر

وصلاة الصبح على سائر الصلوات ، وكفضل السجود على القعود ، وكفضل بعض الذكر على بعض. فهذا هو فضل الاختصاص المجرد بلا عمل.

فأما فضل المجازاة بالعمل فلا يكون البتة إلا للحي الناطق من الملائكة ، والإنس والجن فقط ، وهذا هو القسم الذي تنازع الناس فيه في هذا الباب الذي نتكلم فيه الآن من أحق به فوجب أن ننظر أيضا في أقسام هذا القسم التي بها يستحق الفضل فيه والتقدم فنحصرها ونذكرها بحول الله تعالى وقوته ، ثم ننظر حينئذ من هو أحق به وأسعد بالبسوق فيه ، فيكون بلا شك أفضل ممن هو أقل حظا فيها بلا شكّ. وبالله تعالى التوفيق.

فنقول وبالله تعالى نستعين :

إن العامل يفضل العامل في عملهما بسبعة أوجه لا ثامن لها :

وهي المائية (١) : وهي عين العمل وذاته ، والكمية : وهي العرض في العمل ، والكيفية ، والكم ، والزمان ، والمكان ، والإضافة ، فأما المائية فهي أن تكون الفروض من أعمال أحدهما موفاة كلها ويكون الآخر يضيع بعض فروضه وله نوافل ، أو يكون كلاهما يوفّي جميع فرضه ويعملان نوافل زائدة إلا أن نوافل أحدهما أفضل من نوافل الآخر ، كأن يكون أحدهما يكثر الذكر في الصلاة ، والآخر يكثر الذكر في حال جلوسه ، وما أشبه هذا ، وكإنسانين قاتل أحدهما في المعركة والموضع المخوف ، وقاتل الآخر في الرد ، أو جاهد أحدهما واشتغل الآخر بصيام وصلاة تطوع ، أو يجتهدان فيصادف أحدهما الحق ويحرمه الآخر فيفضل أحدهما الآخر في هذه الوجوه بنفس عمله ، أو بأن ذات عمله أفضل من ذات عمل الآخر ، فهذا هو التفاضل في المائية في العمل.

وأما الكمية ، وهي العرض : فأن يكون أحدهما يقصد بعمله وجه الله تعالى لا يمزج به شيئا البتة ، ويكون الآخر يساويه في جميع عمله ، إلا أنه ربما مزج بعمله شيئا من حب البر في الدنيا ، وأن يستدفع بذلك الأذى عن نفسه ، وربما مزجه بشيء من الرياء ففضله الأول بعرضه في عمله.

وأما الكيفية فأن يكون أحدهما يوفي عمله جميع حقوقه ورتبه لا منتقصا ولا متزايدا ويكون الآخر ربما انتقص بعض رتب ذلك العمل وسننه ، وإن لم يعطل منه فرضا. أو يكون أحدهما يصفي عمله من الكبائر ، وربما أتى الآخر ببعض الكبائر ففضله الآخر بكيفية عمله.

__________________

(١) المائية : هي الماهية. وهي السؤال عن الشيء : ما هو؟ أي ما عينه وذاته؟

وأما الكم : فأن يستويا في أداء الفرض ، ويكون أحدهما أكثر نوافل ففضله هذا بكثرة عدد نوافله ، كما روي في رجلين أسلما وهاجرا أيام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم استشهد أحدهما وعاش الآخر بعده سنة ثم مات على فراشه فرأى بعض أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحدهما في النوم وهو آخرهما موتا في أفضل من حال الشهيد فسأل عن ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال عليه‌السلام كلاما معناه : «فأين صلاته وصيامه بعده».

ففضل أحدهما الآخر بالزيادة التي زادها عليه في عدد أعماله.

وأما الزمان فكمن عمل في صدر الإسلام أو في عام المجاعة ، أو في وقت نازلة بالمسلمين وعمل غيره بعد قوة الإسلام ، وفي زمن رخاء وأمن ، فإن الكلمة في أول الإسلام والتمرة والصبر حينئذ وركعة في ذلك الوقت تعدل اجتهاد الأزمان الطوال وجهادها ، وبذل الأموال الجسام بعد ذلك ، ولذلك قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «دعوا لي أصحابي فلو كان لأحدكم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» (١).

فكان نصف مد شعير أو تمر في ذلك الوقت أفضل من جبل أحد ذهبا ننفقه نحن في سبيل الله عزوجل بعد ذلك ، قال الله تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) [سورة الحديد : ١٠].

قال أبو محمد : هذا في الصحابة فيما بينهم فكيف بمن بعدهم معهم رضي الله عنهم أجمعين؟

قال أبو محمد : وهذا يكذب قول أبي هاشم محمد بن علي الجبائي ، وقول محمد بن الطيب الباقلاني ، فإن الجبائي قال : جائز إن طال عمر امرئ أن يعمل ما يوازي عمل نبي من الأنبياء. وقال الباقلاني : جائز أن يكون في الناس من هو أفضل من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حين بعث بالنبوة إلى أن مات.

قال أبو محمد : وهذا كفر مجرد وردة صحيحة (٢) وخروج عن دين الإسلام بلا مرية وتكذيب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في إخباره أنّا لا ندرك أحدا من أصحابه وفي إخباره عليه‌السلام عن أصحابه رضي الله عنهم بأنه ليس مثلهم ، وأنه أتقاهم لله وأعلمهم بما

__________________

(١) رواه البخاري في فضائل الصحابة باب ٥. ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٢٢١ و ٢٢٢. وأبو داود في السنّة باب ١٠. والترمذي في المناقب باب ٥٨. وابن ماجة في المقدمة باب ١١. وأحمد في المسند (٣ / ١١ ، ٥٤ ، ٦ / ٦).

(٢) كذا في الأصل. ولعلها : «صريحة».

يأتي وما يذر. وكذلك أيضا قالت الخوارج والشيعة فإن الشيعة يفضلون أنفسهم وهم شر خلق الله عزوجل على أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة والزبير ، وعائشة وجميع الصحابة رضي الله عنهم حاشا عليا ، والحسن ، والحسين ، وعمار بن ياسر. والخوارج يفضلون أنفسهم وهم شر خلق الله عزوجل وكلاب النار على عثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، ولقد خاب من خالف كلام الله تعالى وقضاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال أبو محمد : وكذلك القليل من الجهاد والصدقة في زمان الشدائد أفضل من كثيرهما في وقت القوة والسعة ، وكذلك صدقة المرء بدرهم في زمان فقره وصحته يرجو الحياة ويخاف الفقر أفضل من الكبير (١) يتصدق به في عرض غناه ، وفي وصيته بعد موته ، وقد صح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سبق درهم مائة ألف» وهو إنسان كان له درهمان تصدق بأحدهما ، والآخر عمد إلى عرض ماله فتصدق منه بمائة ألف. وكذلك صبر المرء على أداء الفرائض في حال خوفه ، ومرضه ، وقليل تنفله في زمان مرضه وخوفه أفضل من عمله وكثير تنفله في زمان صحته وأمنه ، ففضل من ذكرنا غيرهم بزمان عملهم ، وكذلك من وفق لعمل الخير في زمان آخر أجله هو أفضل ممن خلط في زمان آخر أجله.

وأما المكان فكصلاة في المسجد الحرام ومسجد المدينة فهما أفضل من ألف صلاة فيما عداهما ، وتفضل الصلاة في المسجد الحرام على صلاة في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمائة فرجة ، وكصيام في بلد العدو ، وفي الجهاد على صيام في غير الجهاد ففضل من عمل في المكان الفاضل أفضل من غيره ممن عمل في غير ذلك المكان بمكان عمله ، وإن تساوى العملان.

وأما الإضافة فركعة من نبي أو ركعة مع نبي أو صدقة من نبي أو صدقة معه أو ذكر منه أو ذكر معه وسائر أعمال البر منه أو معه فقليل ذلك معه أفضل من كثير الأعمال بعده ، ويبين ذلك ما قد ذكرنا آنفا من قول الله عزوجل : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) [سورة الحديد : ١٠].

وإخباره عليه‌السلام أن أحدنا لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ نصف مد من أحد من الصحابة رضي الله عنهم (٢) ، فبهذا فضل الصحابة رضي الله عنهم من جاء بعدهم.

__________________

(١) كذا في الأصل. ولعلها : «الكثير».

(٢) رواه البخاري في فضائل الصحابة باب ٥ ، ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٢٢١ و ٢٢٢ ، وأبو داود في السنّة باب ١٠ ، والترمذي في المناقب باب ٥٨ ، وابن ماجة في المقدمة باب ١١ ، وأحمد في المسند (٣ / ١١ ، ٥٤ ، ٦ / ٦).

قال أبو محمد : وبهذا قطعنا على أن كل عمل عمله الصحابة أنفسهم بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يوازي شيئا من البر عمله ذلك الصاحب بنفسه مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا ما عمله غير ذلك الصاحب بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولو كان غير ما نقول لجاز أن يكون أنس ، وأبو أمامة الباهلي ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وعبد الله بن بسر ، وعبد الله بن الحارث بن جزء ، وسهل بن سعد الساعدي ، رضي الله عنهم ، أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي عبيدة وزيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب ، ومصعب بن عمير ، وعبد الله بن جحش ، وسعد بن معاذ وعثمان بن مظعون ، وسائر السابقين من المهاجرين والأنصار المتقدمين ، رضي الله عنهم أجمعين ، لأن بعض أولئك عبدوا الله عزوجل بعد موت أولئك ، بعضهم بعد موت بعض بتسعين عاما فما بين ذلك إلى خمسين عاما وهذا ما لا يقوله أحد يعتد به.

قال أبو محمد : وبهذا قطعنا على أن من كان من الصحابة حين موت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل ممن أخّر منهم فإن ذلك المفضول لا يلحق درجة الفاضل له حينئذ أبدا وإن طال عمر المفضول وتعجل موت الفاضل.

وبهذا أيضا لم نقطع على فضل أحد منهم رضي الله عنهم حاشا من ورد فيه النص من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على من مات منهم في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بل نقف في هؤلاء على ما نبينه بعد هذا إن شاء الله تعالى.

قال أبو محمد : فهذه وجوه الفضائل بالأعمال التي لا يفضل ذو عمل ذا عمل فيما سواها البتة ، ثم نتيجة هذه الوجوه كلها وثمرتها ونتيجة فضل الاختصاص المجرد دون عمل أيضا لا ثالث لهما البتة.

أحدهما : إيجاب الله تعالى تعظيم الفاضل في الدنيا على المفضول ، فهذا الوجه يشترك فيه كل فاضل بعمل أو باختصاص مجرد بلا عمل من عرض أو جماد أو حي ناطق أو غير ناطق ، قد أمرنا الله تعالى بتعظيم الكعبة والمساجد ، ويوم الجمعة والأشهر الحرم ، وشهر رمضان ، وناقة صالح ، وإبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر الله تعالى الملائكة والنبيين على جميعهم صلوات الله وسلامه ، والصحابة أكثر من تعظيمنا وتوقيرنا غير ما ذكرنا ، ومن فضل من المواضع والأيام والنوق والأطفال والكلام والناس ، هذا ما لا شك فيه وهذه خاصة كل فاضل لا يخلو منها فاضل أصلا ولا يكون البتة إلا الفاضل.

والوجه الثاني هو إيجاب الله تعالى للفاضل درجة في الجنة أعلى من درجة المفضول ، إذ لا يجوز عند أحد من خلق الله تعالى كلهم أن يأمر بإجلال المفضول

أكثر من إجلال الفاضل ، ولا أن يكون المفضول أعلى درجة في الجنة من الفاضل ، ولو جاز ذلك لبطل معنى الفضل جملة ، ولكان لفظا لا حقيقة له ولا معنى تحته ، وهذا الوجه الثاني الذي هو علو الدرجة في الجنة هو خاصة كل فاضل بعمل فقط من الملائكة ، والإنس ، والجن. وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : فكل مأمور بتعظيمه فاضل ، وكل فاضل فمأمور بتعظيمه وليس الإحسان والبر والتوقير والتذلل المفترض في الأبوين الكافرين من التعظيم في شيء ، فقد يحسن المرء إلى من لا يعظم ولا يهين كإحسان المرء إلى جاره ، وغلامه ، وأجيره ، ولا يكون ذلك تعظيما ، وقد يبر الإنسان جاره والشيخ من أسرته ولا يسمى ذلك تعظيما ، وقد يوقر الإنسان من يخاف ضره ، ولا يسمى ذلك تعظيما ، وقد يتذلل المرء للمتسلط الظالم ولا يسمى ذلك تعظيما ، وفرض على كل مسلم البراءة من أبويه الكافرين وعداوتهما في الله عزوجل. وقال الله عزوجل : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) [سورة المجادلة : ٢٢].

وقال عزوجل : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) [سورة الممتحنة : ٤].

وقال عزوجل : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) [سورة التوبة : ١١٤].

فقد صح بيقين أنا ما وجب للأبوين الكافرين من بر وإحسان وتذلل ليس هو التعظيم الواجب لمن فضله الله عزوجل ، لأن التعظيم الواجب لمن فضله الله عزوجل هو مودة في الله ومحبة فيه وولاية له ، وأما البر الواجب للأبوين الكافرين ، والتذلل لهما ، والإحسان إليهما ، فكل ذلك مرتبط بالعداوة لله تعالى وللبراءة منه وإسقاط المودة كما قال الله تعالى في نص القرآن وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : وقد يكون دخول الجنة اختصاصا مجردا دون عمل وذلك للأطفال كما ذكرنا قبل. فإذ (١) قد صح ما ذكرنا قبل يقينا بلا خلاف من أحد في شيء منه فبيقين ندري أنه لا تعظيم يستحقه أحد من الناس في الدنيا بإيجاب الله

__________________

(١) كانت في الأصل : «فإذا» والصواب ما أثبتناه.

تعالى ذلك علينا بعد التعظيم الواجب علينا للأنبياء عليهم‌السلام أوجب ولا أوكد مما ألزمناه الله تعالى من التعظيم الواجب علينا لنساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقول الله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [سورة الأحزاب : ٦] فأوجب الله لهن حكم الأمومة على كل مسلم هذا سوى حق إعظامهن بالصحبة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلهن رضي الله تعالى عنهن مع ذلك حق الصحبة له كسائر الصحابة ، إلا أنّ لهن من الاختصاص في الصحبة ووكيد الملازمة له عليه‌السلام ، ولطيف المنزلة عنده عليه‌السلام ، والقرب منه والحظوة لديه ، ما ليس لأحد من الصحابة رضي الله عنهم ، فهن أعلى درجة في الصحبة من جميع الصحابة ، ثم فضل سائر الصحابة بحق زائد وهو حق الأمومة الواجبة لهن كلهن بنص القرآن ، فوجدنا الحق الذي به استحق الصحابة الفضل قد شاركنهم فيه وفضلنهم فيه أيضا ، ثم فضلنهم بحق زائد وهو حق الأمومية ، ثم وجدناهن لا عمل من الصلاة والصدقة والصيام والحج وحضور الجهاد يسبق فيه صاحب من الصحابة رضي الله عنهم إلا ولهن في ذلك مثل ما لغيرهم من الصحابة فقد كن يجهدن أنفسهن في ضيق عيشهن على الكد في العمل بالصدقة والعتق ، ويشهدن الجهاد معه عليه‌السلام ، وفي هذا كفاية بينة في أنهن أفضل من كل صاحب ، ثم لا شك عند كل مسلم وبشهادة نص القرآن إذ خيرهن الله عزوجل بين الدنيا وبين الدار الآخرة والله ورسوله فاخترن الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والدار الآخرة ، فهن أزواجه في الآخرة بيقين ، فإذ هن كذلك فهن معه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلا شك في درجة واحدة في الجنة في قصوره وعلى سرره ، إذ لا يمكن البتة أن يحال بينه وبينهن في الجنة ولا أن ينحط عليه‌السلام إلى درجة يسفل فيها عن أحد من الصحابة ، هذا ما لا يظنه مسلم ، فإذ لا شك في حصولهن على هذه المنزلة فبالنص والإجماع علمنا أنهن لم يؤتين ذلك اختصاصا مجردا دون عمل بل باستحقاقهن لذلك باختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة ، إذ أمره الله عزوجل أن يخيرهن فقد حصل لهن أفضل الاختصاص أولا بأن يخيرهن الله عزوجل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو أفضل الناس ثم قد حصل لهن أفضل الأعمال من جميع الوجوه السبعة التي قدمنا آنفا والتي لا يكون التفاضل إلا بها في الأعمال خاصة ، ثم قد حصل لهن على ذلك أوكد التعظيم في الدنيا ، ثم قد حصل لهن أرفع الدرجات في الآخرة ، فلا وجه من وجوه الفضل إلا ولهن فيه أعلى الحظوظ كلها بلا شك. ومارية أم إبراهيم داخلة معهن في ذلك لأنها معه عليه‌السلام في الجنة ، ومع ابنها منه بلا شك ، فإذ قد ثبت كل ذلك على رغم الآبي فقد وجب ضرورة أن يشهد لهن كلهن بأنهن أفضل من جميع الخلق كله بعد الملائكة والنبيين عليهم‌السلام.

فكيف ومعنا نص من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي ، حدثنا محمد بن أحمد بن مفرج ، حدثنا محمد بن أيوب الرقي الصموت ، حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزاز ، حدثنا أحمد بن عمر ، وحدثنا المعتمر بن سليمان التيمي ، حدثنا حميد الطويل ، عن أنس بن مالك قال : قيل يا رسول الله : من أحبّ النّاس إليك؟ قال : «عائشة». قيل : ومن الرّجال؟ قال : «فأبوها إذن» (١).

حدثنا عبد الله بن يوسف بن نامي ، قال : حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن قيس ، حدثنا أحمد بن محمد الأشقر ، حدثنا أحمد بن علي القلانسي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا يحيى بن يحيى بن خالد بن عبد الله هو الطحان ، عن خالد الحذّاء ، عن أبي عثمان النّهدي ، قال أخبرني عمرو بن العاص أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثه إلى جيش ذات السّلاسل قال فأتيته فقلت : أي الناس أحب إليك؟ فقال : «عائشة» قلت : من الرجال؟ قال : «أبوها» ، قلت : ثم من؟ قال : «عمر». فعد رجالا.

فهذان عدلان أنس ، وعمرو ، يشهدان أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبر بأن عائشة أحب الناس إليه ثم أبوها ، وقد قال الله عزوجل عنه عليه‌السلام : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) [سورة النجم : ٣ ، ٤].

فصح أن كلامه عليه‌السلام بأنها أحب الناس إليه وحي أوحاه الله تعالى إليه ليكون كذلك ويخبر بذلك لا عن هوى له ، ومن ظن ذلك فقد كذب الله تعالى ، لكن لاستحقاقها لذلك الفضل في الدين والتقدم فيه على جميع الناس الموجب لأن يحبها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أكثر من محبته لجميع الناس فقد فضلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أبيها ، وعلى عمر ، وعلى علي وفاطمة ، رضي الله عن جميعهم تفضيلا ظاهرا بلا شك.

فإن قال قائل : نقل أن إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل من أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، رضي الله عنهم أجمعين ، لكونه مع أبيه عليه‌السلام في الجنة في درجة واحدة ، قلنا له وبالله تعالى التوفيق :

إن إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لم يستحق تلك المنزلة بعمل كان منه ، وإنما هو اختصاص مجرد ، وإنما تقع المفاضلة بين الفاضلين إذا كان فضلهما واحدا من وجه واحد فتفاضلا فيه ، وأما إذا كان الفضل من وجهين اثنين فلا سبيل إلى المفاضلة بينهما لأن معنى قول القائل : أي هذين أفضل؟ إنما هو أي هذين أكثر أوصافا في الباب الذي

__________________

(١) رواه الترمذي في مناقب عائشة رضي الله عنها.

اشتركا فيه؟ ألا ترى أنه لا يقال : أيهما أفضل : رمضان ، أو ناقة صالح؟ ولا أيهما أفضل : الكعبة أو الصلاة؟ بل نقول أيهما أفضل مكة أو المدينة؟ وأيهما أفضل رمضان أو ذو الحجة؟ وأيهما أفضل الزكاة أم الصلاة؟ وأيهما أفضل ناقة صالح أو ناقة غيره من الأنبياء؟ فقد صح أن التفاضل إنما يكون في وجه اشترك فيه المسئول عنهما فسبق أحدهما فيه ، فاستحق أن يكون أفضل ، وفضل إبراهيم ليس على عمل أصلا ، وإنما هو اختصاص مجرد وإكرام لأبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأما نساؤه عليه‌السلام فكونهن وكون سائر أصحابه عليهم‌السلام في الجنة إنما هو جزاء لهن ولهم على أعمالهن وأعمالهم ، قال الله تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة الأحقاف : ١٤].

وقال بعد ذكر الصحابة : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [سورة الفتح : ٢٩].

وقال تعالى مخاطبا لنسائه عليه‌السلام : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) [سورة الأحزاب : ٣١] وهذا نص قولنا ولله الحمد.

وقال تعالى : (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [سورة الزخرف : ٧٢]

وقال تعالى : (غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ) [سورة الزمر : ٢٠].

وقال تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى) [سورة النجم : ٣٩ ـ ٤١].

فإن قال قائل : فكيف تقولون في قوله عليه‌السلام : «لن يدخل الجنّة أحد بعمله» قيل : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : «ولا أنا إلّا أن يتغمّدني الله برحمة منه وفضل» (١) قلنا : نعم هذا حق موافق للآيات المذكورة.

وهكذا نقول إنه لو عمل الإنسان دهره كله ما استحق على الله تعالى شيئا لأنه لا يجب على الله تعالى شيء إذ لا موجب للأشياء الواجبة غيره تعالى لأنه المبتدي لكل ما في العالم والخالق له فلولا أن الله تعالى رحم عباده فحكم بأن طاعتهم له

__________________

(١) رواه من طرق : البخاري في الرقاق باب ١٨ ، والمرضى باب ١٩. ومسلم في صفات المنافقين حديث ٧١ ، ٧٢ ، ٧٣ ، ٧٥ ، ٧٦ ، ٧٨. وابن ماجة في الزهد باب ٢٠. والدارمي في الرقاق باب ٢٤. وأحمد في المسند (٢ / ٢٣٥ ، ٢٥٦ ، ٢٦٤ ، ٣١٩ ، ٣٢٦ ، ٣٤٤ ، ٣٨٦ ، ٣٩٠ ، ٤٥٢ ، ٤٦٦ ، ٤٦٩ ، ٤٧٣ ، ٤٨٢ ، ٤٨٨ ، ٤٩٥ ، ٥٠٢ ، ٥٠٩ ، ٥١٤ ، ٥١٩ ، ٥٢٤ ، ٥٣٧ ، ٣ / ٥٢ ، ٣٣٧ ، ٣٦٢ ، ٦ / ١٢٥).

يعطيهم بها الجنة لما وجب ذلك عليه فصح أنه لا يدخل أحد الجنة بعمله مجردا دون رحمة الله تعالى لكن يدخلها برحمة الله تعالى التي جعل بها الجنة جزاء على أعمالهم التي أطاعوه بها ، فاتفقت الآيات مع هذا الحديث والحمد لله رب العالمين.

قال أبو محمد : فإذ لا شك في هذا كله فقد امتنع يقينا أن يجازى بالأفضل من كان أنقص فضلا ، وأن يجازى بالأنقص من كان أتم فضلا ، وصح ضرورة أنه لا يجزى أحد من أهل الأعمال في الجنة إلا بما استحقه برحمة الله تعالى جزاء على أعماله ، وأما من لم تكن الجنة له جزاء على عمله فلله تعالى أن يتفضل على من شاء بما شاء وجائز أن يقدم على ذوي الأعمال الرفيعة.

قال تعالى : (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) [سورة البقرة : ١٠٥ ، وآل عمران : ٧٤].

وقال تعالى : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) [سورة الحديد : ٢١].

فلا يجوز خلاف هذه النصوص لأحد ، من خالفها كذب القرآن ، ولو لا هذه النصوص لما أبعدنا أن يعذب الله تعالى على الطاعة له ، وأن ينعم على معصيته ، وأن يجازي الأفضل بالأنقص ، والأنقص بالأفضل ، لأن كل شيء ملكه وخلقه ، لا مالك لشيء سواه ولا معقب لحكمه ، ولا حق لأحد عليه ، لكن قد أمنا ذلك كله بإخبار الله تعالى أنه لا يجازي ذا عمل إلا بعمله ، وأنه يتفضل على من يشاء ، فلزم الإقرار بكل ذلك ، وبالله تعالى التوفيق.

فلو قال قائل : أيما أفضل في الجنة وأعلى قدرا مكان إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو مكان أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم؟ قلنا : مكان إبراهيم أعلى بلا شك ، ولكن ذلك المكان اختصاص مجرد لإبراهيم المذكور ، لم يستحقه بعمل ولا استحق أيضا أن يقصر به عنه ، ومواضيع هؤلاء المذكورين جزاء لهم على قدر فضلهم وسوابقهم ، وكذلك نساؤه صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكانهن جزاء لهن على قدر فضلهن وسوابقهن ، فلا يقال إن إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل من أبي بكر أو عمر ، ولا يقال أيضا إن أبا بكر وعمر أفضل من إبراهيم ، والمفاضلة واقعة بين الصحابة وبين نساء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأن أعمالهم وسوابقهم لها مراتب متناسبة بلا شك.

فإن قال قائل : إنهن لو لا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما حصلن تلك الدرجة ، وإنما تلك الدرجة له عليه‌السلام.

قلنا وبالله تعالى التوفيق :

نعم ولا شك أيضا في أن جميع الصحابة لو لا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما حصلوا أيضا

على الدرج التي لهم فيها ، فإنما هي إذا على قولكم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما قلتم ولا فرق ، وبقي الفضل والتقدم لهن كما كان في كل ذلك ولا فرق.

قال أبو محمد : وأما فضلهن على بنات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبين بنص القرآن لا شك فيه. قال الله عزوجل : (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) [سورة الأحزاب : ٣٢] فهذا بيان قاطع لا يسع أحدا جهله. فإن عارضنا معارض بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خير نسائها فاطمة بنت محمّد» (١).

قلنا له وبالله تعالى التوفيق : في هذا الحديث بيان جلي لما قلنا وهو أنه عليه‌السلام لم يقل خير النساء فاطمة ، وإنما قال : خير نسائها فخص ولم يعم ، وتفضيل الله عزوجل لنساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على النساء عموم لا خصوص ، لا يجوز أن يستثنى منه أحد إلا من استثناه نص آخر ، فصح أنه عليه‌السلام إنما فضل فاطمة على نساء المؤمنين بعد نسائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاتفقت الآية مع الحديث.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فضل عائشة على النّساء كفضل الثّريد على سائر الطّعام» (٢) فهذا أيضا عموم موافق للآية ، ووجب أن يستثنى ما خصه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله : نسائها من هذا العموم فصح أن نساءه عليه‌السلام أفضل النساء جملة حاشا اللواتي خصهن الله تعالى بالنبوة كأم إسحاق ، وأم موسى ، وأم عيسى ، عليهم‌السلام ، وقد نص الله تعالى هذا بقوله الصادق : (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) [سورة آل عمران : ٤٢. ٤٣] ولا خلاف بين المسلمين في أن جميع الأنبياء كل نبي منهم أفضل ممن ليس بنبي من سائر الناس ، ومن خالف هذا فقد كفر. كذلك أخبر عليه‌السلام عن فاطمة أنها سيدة نساء المؤمنين ، ولم يدخل نفسه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في هذه الجملة بل أخبر عمن سواه. وبرهان آخر وهو قول الله تعالى مخاطبا لهن : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) [سورة الأحزاب : ٣١].

__________________

(١) رواه الترمذي في مناقب خديجة أم المؤمنين (حديث رقم ٣٨٨٨) بلفظ : «حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآسية امرأة فرعون». ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (٤ / ٣٩٢) بلفظ : «خير نسائكم فاطمة بنت محمد».

(٢) رواه البخاري في الأطعمة باب ٢٥ و ٣٠ ، وفضائل الصحابة باب ٣٠ ، وأحاديث الأنبياء باب ٣٢ و ٤٦. ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٧٠ و ٨٩. والترمذي في الأطعمة باب ٣١ ، والمناقب باب ٦٢. والنسائي في النساء باب ٣. وابن ماجة في الأطعمة باب ١٤. والدارمي في الأطعمة باب ٢٩. وأحمد في المسند (٣ / ١٥٦ ، ٢٦٤ ، ٣٩٤٤ ، ٤٠٩ ، ٦ / ١٥٩).

قال أبو محمد : فهذا فضل ظاهر وبيان لائح في أنهن أفضل من جميع الصحابة رضي الله عنهم ، وصح بهذه الآية صحة متيقنة لا يمتري بها مسلم أن أبا بكر ، وعمر ، وعثمان وعلي ، وفاطمة ، وسائر الصحابة رضي الله عنهم إذا عمل الواحد منهم عملا يستحق عليه مقدارا ما من الأجر ، وعملت امرأة من نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل ذلك العمل بعينه كان لها مثلا ذلك المقدار من الأجر ، فإذا كان نصيب الصحابي وفاطمة رضي الله عنهم يفي بأكثر من مثل جبل أحد ذهبا ممن بعدهم كان للمرأة من نسائه عليه‌السلام في نصيبها أكثر من مثلي جبلين اثنين مثل جبل أحد ذهبا ، وهذه فضيلة ليست لأحد بعد الأنبياء عليهم‌السلام إلا لهن ، وقد صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه : يوعك كوعك رجلين من أصحابه لأنّ له على ذلك كفلين من الأجر (١).

قال أبو محمد : وليس بعد هذا في بيان فضلهن على كل أحد من الصحابة منكر إلا من أعمى الله قلبه عن الحق ، ونعوذ بالله من الخذلان.

قال أبو محمد : وقد اعترض علينا بعض أصحابنا في هذا المكان بقول الله تعالى عن أهل الكتاب إذ آمنوا : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا) [سورة القصص : ٥٤] قال : فيلزم أنهم أفضل منا. فقلت له : إن هذه الآية والخبر الذي فيه ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين. فذكر مؤمن أهل الكتاب والعبد الناصح ومعتق أمته ثم يتزوجها ، فيهما بيان الوجه الذي أجروا به مرتين وهو الإيمان بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبالنبي الأول المبعوث بالكتاب الأول ونحن نؤمن بهذا كله كما آمنوا فنحن شركاء ذلك المؤمن منهم في ذينك الإيمانين ، وكذلك العبد الناصح يؤجر لطاعة سيده أجرا ولطاعة الله أجرا ثانيا ، وكذلك معتق أمته ثم يتزوجها يؤجر على عتقه أجرا ثم على نكاحه إذا أراد به وجه الله تعالى أجرا ثانيا ، فصح بالنص يقينا أن هؤلاء إنما يؤتون أجرهم مرتين في خاص من أعمالهم لا في جميع أعمالهم وليس في هذا ما يمنع من أن يؤجر غيرهم في غير هذه الأعمال أكثر من أجور هؤلاء ، وأيضا فإنما يضاعف لهؤلاء على ما عمله أهل طبقتهم وليست المضاعفة لأجور نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرتين من هذا في ورد ولا صدر لأن المضاعفة لهن إنما هي في كل عمل عملته بنص القرآن إذ يقول تعالى : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) [سورة الأحزاب : ٣١] فكل عمل عمله صاحب من الصحابة له فيه أجر ، ولكل امرأة منهن في مثل ذلك العمل

__________________

(١) رواه البخاري في المرضى باب ٣ و ١٣ و ١٦. ومسلم في البر والصلة والآداب حديث ٤٥. والدارمي في الرقاق باب ٥٧. وأحمد في المسند (١ / ٣٨١).

أجران ، والمضاعفة لهن إنما تكون على ما عمله طبقتهن من الصحابة ، وقد علمنا أن بين عمل الصاحب وعمل غيره أعظم مما بين أحد ذهبا ونصف مد شعير فيقع لكل واحدة منهن مثل ذلك مرتين ، وهذا لا يخفى على ذي حسن سليم ، فبطلت المعارضة التي ذكرناها والحمد لله رب العالمين.

قال أبو محمد : واعترض علينا بعض الناس في الحديث الذي فيه أن عائشة أحب الناس إليه ومن الرجال أبوها ، بأن قال : قد صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لأسامة بن زيد : «إنّ أباه كان أحبّ النّاس إليّ وإنّ هذا أحبّ النّاس إليّ بعده» (١) وصح أنه عليه‌السلام قال للأنصار : «إنّكم أحبّ النّاس إليّ» (٢).

قال أبو محمد : وأما هذا اللفظ الذي في حديث أسامة بن زيد إنه أحب الناس إليه عليه‌السلام ، فقد روي من طريق حماد بن سلمة عن موسى بن عقبة ، عن سالم عن أبيه ، وأما الذي فيه ذكر أسامة وزيد رضي الله عنهما فإنما رواه عمر بن حمزة عن سالم بن عبد الله عن أبيه وعمر بن حمزة هذا ضعيف ، والصحيح من هذا الخبر هو ما رواه عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإسناد لا مغمز فيه فذكر فيه أنه عليه‌السلام قال يعني زيد بن حارثة : «وأيم الله إن كان لخليقا للإمرة وإن كان لمن أحبّ النّاس إليّ وإنّ هذا لمن أحبّ النّاس إليّ بعده» (٣).

وهذا يقضي على حديث موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه لأنه مختصر من حديث عبد الله بن دينار ، وبهذا ينتفي التعارض بين الروايتين عن ابن عمر وعن أنس وعمرو ، وإلا فليس أحدهما أولى من الآخر.

وأما حديث الأنصار فرووه كما ذكره هشام بن زيد عن أنس ، ورواه عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «أنتم من أحبّ النّاس إليّ».

__________________

(١) رواه البيهقي في السنن الكبرى (٣ / ١٢٨).

(٢) رواه مسلم في فضائل الصحابة (حديث رقم ١٧٤) عن أنس : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى صبيانا ونساء مقبلين من عرس ، فقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ممثلا فقال : «اللهم أنتم من أحبّ الناس إليّ ، اللهم أنتم من أحبّ الناس إليّ» يعني الأنصار. ورواه أيضا برقم (١٧٥) بلفظ : جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فخلا بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «والذي نفسي بيده إنكم لأحبّ الناس إليّ» ثلاث مرات.

(٣) رواه البخاري في الأيمان باب ٢ ، وفضائل الصحابة باب ١٧ ، والمغازي باب ٤٢ و ٨٧. ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٦٣ و ٦٤. والترمذي في المناقب باب ٣٩. وأحمد في المسند (٢ / ٢٠).

وهو حديث واحد ، وزيادة العدل مقبولة ، فصح بزيادة من في الحديث من طريق العدول أن الأنصار وزيدا وأسامة رضي الله عنهم من جملة قوم هم أحب الناس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهذا حق لا يشك فيه ، لأنهم من أصحابه ، وأصحابه أحب الناس إليه بلا شك ، وليس هكذا جوابه في عائشة رضي الله عنها إذ سئل من أحب الناس إليك؟ فقال : عائشة. فقيل من الرجال؟ قال : أبوها ، لأن هذا قطع على بيان ما سأل عنه السائل من معرفة من المنفرد البائن عن الناس بمحبته عليه‌السلام.

واعترض أيضا علينا بعض الأشعرية بأن قال : إن الله تعالى يقول : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [سورة القصص : ٥٦] فصح أن محبته عليه‌السلام لمن أحب ليس فضلا ، لأنه قد أحب عمه وهو كافر!

قال أبو محمد : فقلنا إن هذه الآية ليست على ما ظن وإنما مراد الله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) أي أحببت هداه.

برهان ذلك قوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ).

أي من يشاء هداه وفرض على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلينا أن نحب الهدى لكل كافر ، لا أن نحب الكافر. وأيضا : فلو صح أن معنى الآية من أحببته كما ظن هذا المعترض لما كان علينا بذلك حجة لأن هذه آية مكية نزلت في أبي طالب ثم أنزل الله تعالى في المدينة : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [سورة المجادلة : ٢٢] وأنزل الله تعالى في المدينة : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) [سورة الممتحنة : ٤].

وإن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحب أبا طالب فقد حرم الله تعالى عليه بعد ذلك ونهاه عن محبته ، وافترض عليه عداوته ، وبالضروري يدري كل ذي حسن سليم أن العداوة والمحبة لا يجتمعان أصلا.

والمودة : هي المحبة في اللغة التي بها نزل القرآن ، بلا خلاف من أحد من أهل اللغة. فقد بطل أن يحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحدا غير مؤمن. وقد صحت النصوص والإجماع على أن محبة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمن أحب فضيلة ، وذلك كقوله عليه‌السلام : «لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله» (١) فإذ لا شك ولا خلاف في

__________________

(١) رواه البخاري في الجهاد باب ١٠٢ و ١٢١ و ١٤٣ ، وفضائل الصحابة باب ٩. والترمذي في

أن محبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخلاف ما قال أهل الجهل والكذب ، فقد صح يقينا أن كل من كان أتم حظا في الفضيلة فهو أفضل ممن هو أقل في تلك الفضيلة هذا شيء يعلم ضرورة.

فإذا كانت عائشة أتم حظا في المحبة التي هي أتم فضيلة فهي أفضل ممن حظه في ذلك أقل من حظها ، وكذلك لما قيل له عليه‌السلام من الرجال قال أبوها ، ثم عمر ، فكان ذلك موجبا لفضل أبي بكر ثم عمر على سائر الصحابة رضي الله عنهم ، فالحكم بالباطل لا يجوز في أن يكون يقدم أبو بكر ، ثم عمر في الفضل من أجل تقدمهما في المحبة عليهما ، وما نعلم نصا في وجوب القول بتقديم أبي بكر ثم عمر على سائر الصحابة إلا هذا الخبر وحده.

قال أبو محمد : وقد نص النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما ينكح له النساء فذكر الحسب والمال والجمال والدين ونهى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن كل ذلك بقوله : «فعليك بذات الدّين تربت يداك» (١). واختيارهن للدين فقط ثم يكون هو عليه‌السلام يخالف ذلك فيحب عائشة لغير الدين وكذلك قوله عليه‌السلام : «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» (٢).

لا يحل لمسلم أن يظن في ذلك شيئا غير الفضل عند الله تعالى في الدين ، فوصف الرجل امرأته للرجال لا يرضى به إلا خسيس نذل ساقط ولا يحل لمن له أدنى مسكة من عقل أن يمر هذا بباله عن فاضل من الناس فكيف عن المقدس ، المطهر ، البائن فضله على جميع الناس صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال أبو محمد : ولو لا أنه بلغنا عن بعض من تصدر لنشر العلم من أهل زماننا وهو المهلب بن أبي صفرة التميمي ، صاحب عبد الله بن إبراهيم الأصيل ، أنه أشار إلى هذا المعنى القبيح وصرح به ما انطلق لنا بالإيماء إليه لسان ، ولكن المنكر إذا ظهر وجب على المسلمين تغييره فرضا على حسب طاقتهم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

قال أبو محمد : وكذلك عرض الملك لها رضي الله عنها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

المناقب باب ٢٠.

(١) رواها البخاري في النكاح باب ١٥. ومسلم في الرضاع حديث ٥٣ و ٥٤. وأبو داود في النكاح باب ٢. والترمذي في النكاح باب ٤. والنسائي في النكاح باب ١٠. وابن ماجة في النكاح باب ٦. والدارمي في النكاح باب ٤. وأحمد في المسند (٢ / ٤٢٨).

(٢) تقدم تخريجه ص ٤٣ حاشية ٢.

قبل ولادتها في سرقة من حرير يقول له هذه زوجتك فيقول عليه‌السلام : «إن يكن من عند الله يمضه» (١) فهل بعد هذا في الفضل غاية.

قال أبو محمد : واعترض علينا مكي بن أبي طالب المقري ، بأن قال : يلزم على هذا أن تكون امرأة أبي بكر أفضل من علي ، لأن امرأة أبي بكر مع أبي بكر في الجنة في درجة واحدة ، وهي أعلى من درجة علي ، فمنزلة امرأة أبي بكر أعلى من منزلة علي ، فهي أفضل من علي.

قال أبو محمد : فأجبناه بأن قلنا له وبالله تعالى نتأيد : إنّ هذا الاعتراض ليس بشيء لوجوه : أحدها : أن ما بين درجة أبي بكر ودرجة علي في الفضل الموجب لعلو درجته في الجنة على درجة علي ، ليست من التباين بحيث هو ما بين درجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين درجة أبي بكر في الفضل الموجب لعلو درجته عليه‌السلام على درجات سائر الصحابة رضي الله عنهم ، بل قد أيقنا أن درجة أقل منا في الفضل اقرب نسبة من أعلى درجة لأعلى رجل من الصحابة من نسبة درجة أفضل الصحابة إلى درجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأيضا فليس بين أبي بكر وعلي في المباينة في الفضل ما يوجب أن تكون امرأة أبي بكر التابعة له أفضل من علي بل منازل المهاجرين الأولين الذين أوذوا في سبيل الله عزوجل متقاربة وإن تفاضلت ، ثم كذلك أهل السوابق مشهدا مشهدا ، درجهم في الفضل متقاربة وإن تفاضلت ، ثم منازل الأنصار الأولين متقاربة وإن تفاضلت ، ثم كذلك أهل السوابق بعد الهجرة مشهدا مشهدا درجهم متقاربة في الفضل ، ثم كذلك من أسلم بعد الفتح أيضا ، ويزداد الأفضل فالأفضل من المشركين في المشاهد جزاء على ذلك فنقول : إن امرأة أبي بكر المستحقة بعملها الكون معه في درجته مثل أم رومان ، لسنا ندري أهي أفضل أم علي ...؟ لأنه لا نص معنا في ذلك والتفضيل لا يعرف إلا بنص. وقد قال عليه‌السلام : «خيركم القرن الّذي بعثت فيه ثمّ الّذين يلونهم ثمّ الّذين يلونهم» (٢) أو كما قال عليه‌السلام فجعلهم طبقات في الخبر

__________________

(١) رواه البخاري في النكاح باب ٩ و ٣٥ ، ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٧٩ ، وأحمد في المسند (٦ / ٤١ ، ١٢٨ ، ١٦١).

(٢) رواه من طرق : البخاري في الشهادات باب ٩ ، وفضائل أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم باب ١ ، والرقاق باب ٧ ، والأيمان باب ١٠ و ٢٧. والترمذي في الفتن باب ٤٥ ، والشهادات باب ٤ ، والمناقب باب ٥٦. وابن ماجة في الأحكام باب ٢٧. وأحمد في المسند (١ / ٣٧٨ ، ٧٤١٧ ٤٣٤ ، ٤٣٨ ، ٤٤٢ ، ٢ / ٢٢٨ ، ٤١٠ ، ٤٧٩ ، ٤ / ٢٦٧ ، ٢٧٦ ، ٢٧٧ ، ٤٢٦ ، ٤٢٧ ، ٤٣٦ ، ٤٤٠ ، ٥ / ٣٥٠).

والفضل فلا شك هم كذلك في الجزاء في الجنة وإلا فكان يكون الفضل لا معنى له.

وقال عزوجل : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [سورة النمل : ٩٠].

وأيضا فلسنا نشك أن المهاجرات الأوليات من نساء الصحابة رضي الله عنهم يشاركن الصحابة في الفضل ، ففضالة ومفضولة وفاضل ومفضول ، ففيهن من يفضل كثيرا من الرجال ، وفي الرجال من يفضل كثيرا منهن ، وما ذكر الله تعالى منزلة من الفضل إلا وقرن النساء مع الرجال فيها كقوله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) [سورة الأحزاب : ٣٥] الآية حاشا الجهاد فإنه فرض على الرجال دون النساء ، ولسنا ننكر أن يكون لأبي بكر رضي الله عنه قصور ومنازل مقدمة على جميع الصحابة ، ثم يكون لمن تستأهل من نسائه تلك المنزلة منازل في الجنة دون منازل من هو أفضل منهن من الصحابة ، فقد نكح الصحابة رضي الله عنهم التابعيات بعد الصحابيات وعليهن ، فتكون تلك المنازل زائدة في فضل أزواجهن من الصحابة فينزلون إليهن ثم ينصرفون إلى منازلهم العالية.

بل قد صح هذا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنه قال كلاما معناه وأكثر نصه أنه عليه‌السلام : «زعيم ببيت في ربض الجنّة وفي وسط الجنّة وفي أعلى الجنّة لمن فعل كذا» أمرا وصفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فصح نص ما قلنا من أن لمن دونه عليه‌السلام منازل عالية وأخر سفلة عن تلك المنازل ينزلون إليها ثم يصعدون إلى الأعالي وهذا مبعد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لوجهين أحدهما : أن جميع نسائه عليه‌السلام لهن حق الصحبة التي شركهن فيها جميع الصحابة وتفضيلهم فيها بقرب الخاصة فليس في نسائه عليه‌السلام ولا واحدة يفضلها بالصحبة التي هي فضيلتهم التي بها بانوا عمن سواهم فقط وقد كفينا هذا الباب.

والوجه الثاني : أنّ تأخر بعض الصحابة عن بعضهم في بعض الأماكن موجود وإن كان ذلك المتأخر في بعض الأماكن متقدما في مكان آخر فقد علمنا أن بلالا عذب في الله عزوجل ما لم يعذب علي ، وأن عليّا قاتل ما لم يقاتل بلال ، وأن عثمان أنفق ما لم ينفق بلال ولا علي فيكون المفضول منهم في الجملة متقدما للذي فضله في بعض فضائله ، ولا سبيل إلى أن يوجد هذا فيما بينهم وبين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا يجوز أن يتقدمه أحد من ولد آدم في شيء من الفضائل أولها عن آخرها ، ولا إلى أن يلحقه لا حقّ في شيء من الفضائل من بني آدم فلا سبيل إلى أن ينزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى درجة يوازيه فيها صاحب من الصحابة فكيف أن يعلو عليه الصاحب ...؟ هذا أمر تقشعر منه

جلود المؤمنين ، وقد استعظم أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن يسكن في غرفة على بيت يسكنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكيف يظن بأن هذا يكون في دار الجزاء؟ فإذا كان العالي من الصحابة في أكثر منازله ينسفل أيضا في بعضها عن صاحب آخر قد علاه في منازل أخر على قدر تفاضلهم في أعمالهم كما ذكرنا آنفا فقد أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنّ الصّائمين يدعون من باب الريّان ، وأنّ المجاهدين يدعون من باب الجهاد ، وأنّ المتصدّقين يدعون من باب الصّدقة وأنّ أبا بكر يرجو له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يدعى من جميع تلك الأبواب» (١) وقد يجوز أن يفضل أبا بكر رضي الله عنه غيره من الصحابة في بعض تلك الوجوه ممن انفرد باب منها ولا يجوز أن يفضل أحد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في شيء من أبواب البر ، فبطل هذا الاعتراض جملة والحمد لله رب العالمين.

واعترض أيضا علينا مكي بن أبي طالب بأن قال : إذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل من موسى عليه‌السلام ، ومن كل واحد من الأنبياء عليهم‌السلام ، وكان عليه‌السلام أعلى درجة في الجنة من جميع الأنبياء عليهم‌السلام ، وكان نساؤه عليه‌السلام في درجته في الجنة فدرجتهن فيها أعلى من درجة موسى عليه‌السلام ، ومن درج سائر الأنبياء عليهم‌السلام ، فهن على هذا الحكم أفضل من موسى وسائر الأنبياء عليهم‌السلام.

قال أبو محمد : فأجبناه بأن هذا الاعتراض أيضا لا يلزمنا ولله الحمد لأن الجنة دار ملك وطاعة وعلو منزلة ورئاسة واتباع من التابع للمتبوع ، كما قال عزوجل : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) [سورة الإنسان : ٢٠].

وقال تعالى عن موسى : (وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) [سورة الأحزاب : ٦٩].

وأخبر عزوجل عن جبريل صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) [سورة التكوير : ٢٠ ، ٢١].

فقد علمنا أن ملك الدنيا غرور ، وأن ملك الآخرة هو الحقيقة ، وقد أخبر عليه‌السلام أنه رأى الأنبياء عليهم‌السلام مع أتباعهم ، فالنبي معه الواحد والاثنان والثلاثة والنفر والجماعة ، فأخبر عزوجل أن هنالك الملك الكبير ، والطاعة والوجاهة ، والأتباع والاستئمار ، وإنما عرض الله تعالى علينا في الدنيا من الملك طرفا لنعلم به مقدار الملك الذي في دار الجزاء ، كما عرض علينا من اللذات ، والحرير ، والديباج ، والخمر والذهب والفضة والمسك ، والجواري ، والحلي ، وأعلمنا أن هذه كلها خالصة لنا

__________________

(١) رواه البخاري في الصوم باب ٤. والترمذي في الصوم باب ٥٥ ، والمناقب باب ٦٠. والنسائي في الزكاة باب ١ ، والصيام باب ٤٣. ومالك في الجهاد حديث ٤٩.

هنالك ، وكما صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ آخر من يدخل الجنة يزكو على أعظم ملك عرفه في الدنيا فيتمنى مثل ملكه فيعطيه الله تعالى مثل الدنيا عشر مرات».

قال أبو محمد : فلما صح ما ذكرنا وكانت الملائكة طبقة واحدة إلا أنهم يتفاضلون فيها وكانت طبقة المرسلين النبيين طبقة واحدة ومنازلهم في درجات متقاربة إلا أنّهم أيضا يتفاضلون فيها ، وهم كلهم طبقة واحدة والنبيّون غير المرسلين طبقة واحدة إلا أنهم أيضا يتفاضلون فيها وكل الصحابة طبقة واحدة إلا أنهم يتفاضلون فيها ، فوجب بلا شك أن لا يكون أتباع الرسل من النساء والأصحاب كالمتبوعين الذين هم الرسل لأن بالضرورة نعلم أن تابع الأعلى ليس لاحقا نظير متبوعه فكيف أن يكون أعلى منه. كما أن التابعيات من نساء الصحابة رضي الله عنهم لا يلحقن نظراء أزواجهن من الصحابة إذ لسن معهم في طبقة ، وإنما ننظر بين أهل كل طبقة ومن هو في طبقته ، ونساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم طبقة واحدة مع الصحابة فصح التفاضل بينهم وليس واحدة منهن ولا منهم مع الأنبياء في طبقة فلم يجز أن ينظر بينهم وقد أخبر عليه‌السلام أنه رأى ليلة الإسراء الأنبياء عليهم‌السلام في السموات سماء سماء. وبالضرورة نعلم أنّ منزلة النبي الذي هو متبوع في سماء الدنيا أمره هناك مطاع أعلى من منزلة التابع في السماء السابعة للنبي الذي هناك وإذ قد صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن كل نبي يأتي مع أمته فنحن مع نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فإن كان ما ألزمناه مكيّ لازما لنا ، فيلزمه مثل ذلك فينا أيضا أن نكون أفضل من الأنبياء وهذا غير لازم لما ذكرنا من أنه لا ينظر في الفضل إلا بين من كان من أهل طبقة واحدة فمن كان منهم أعلى منزلة من الآخر كان أفضل منه بلا شك ، وليس ذلك في الطباق المختلفة ألا ترى أن كون مالك خازن النار في مكان غير مكان خازن الجنة وغير مكان جبرائيل لا تحط درجته عن درجة من في الجنة من الناس الذين الملائكة جملة أفضل منهم لأن مالكا متبوع في النار ومقدم مطاع مفضل بذلك على التابعين والخدمة في الجنة بلا شك فبطل هذا الشغب. ويجمع هذا الجواب باختصار وهو أن الرؤساء والمتبوعين من كل طبقة في الجنة أعلى من التابعين لهم ، ونساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه كلهم أتباع له عليه‌السلام ، وجميع الأنبياء متبوعون ، فإنما ينظر بين المتبوعين أيهم أفضل وينظر بين الأتباع أيهم أفضل ، ويعلم الفضل بعلو درجة كل فاضل من دونه في الفضل ، ولا يجوز أن ينظر بين الأتباع والمتبوعين لأن المتبوعين لا يكونون البتة أحط درجة من التابعين ، وبالله تعالى التوفيق.

فإن قال قائل : فكيف يقولون في الحور العين أهن أفضل من الناس ومن الأنبياء

كما قلتم في الملائكة؟ فجوابنا وبالله تعالى التوفيق : أنّ الفضل لا يعرف إلا ببرهان مسموع من الله تعالى في القرآن ، أو من كلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم نجد الله تعالى نص على فضل الحور العين كما نص على فضل الملائكة ، وإنما نص على أنهن مطهرات حسان عرب أتراب ، يجامعن ويشاركن أزواجهن في اللذات كلها ، وأنهّن خلقن ليلتذ بهن المؤمنون ، فإذ الأمر هكذا فإنما محل الحور العين محل من هن له فقط إذ ذلك اختصاص لهن بلا عمل وتكليف فهن خلاف الملائكة في ذلك وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : ومما يؤكد قولنا قول الله تعالى : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ) [سورة يس : ٥٥ ، ٥٦].

وهذا نص إذ قد صح فقد وجب الإقرار به ، فلو عجزنا عن تفضيل بعض أقسام هذه الاعتراضات لما لزمنا في ذلك نقصا إذ لا يجوز الاعتراض على هذا النص ، وكلّ ما صح بيقين فلا يجوز أن يعارض بيقين آخر ، والبرهان لا يبطله برهان ، وقد أوضحنا أن الجنة دار جزاء على أعمال المكلفين فأعلاهم درجة أعلاهم فضلا ، ونساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعلى درجة في الجنة من جميع الصحابة فهن أفضل منهن ، فمن أبي هذا فليخبرنا ما معنى الفضل عنده؟ إذ لا بد أن يكون لهذه الكلمة معنى ، فإن قال : لا معنى لها فقد كفانا مئونته ، وإن قال : إن لها معنى سألناه ما هو؟ فإنه لا يجد غير ما قلناه ، وبالله تعالى التوفيق.

فكيف وقد أبنّا بتأييد الله عزوجل لنا على كل ما اعترض علينا به في هذا الباب ولاح الوجه في ذلك بيّنا والحمد لله رب العالمين.

قال أبو محمد : واستدركنا بيانا زائدا في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أن فاطمة سيدة نساء المؤمنين أو نساء هذه الأمة فنقول وبالله تعالى التوفيق : إن الواجب مراعاة ألفاظ الحديث وإنما ذكر عليه‌السلام في هذا الحديث السادة ولم يذكر الفضل وذكر عليه‌السلام في حديثه عن عائشة الفضل نصا بقول عليه‌السلام : «وفضل عائشة على النّساء كفضل الثّريد على سائر الطّعام».

قال أبو محمد : والسيادة غير الفضل ، ولا شك أن فاطمة رضي الله عنها سيدة نساء العالمين بولادة النبي لها فالسيادة من باب الشرف ، لا من باب الفضل ، فلا تعارض بين الحديثين البتة ، والحمد لله رب العالمين.

وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما وهو حجة في اللغة العربية : كان أبو بكر خيرا وأفضل من معاوية ، وكان معاوية أسود من أبي بكر ، ففرق ابن عمر كما ترى بين السيادة والفضل والخير.

وقد علمنا أن الفضل هو الخير نفسه لأن الشيء إذا كان خيرا من شيء آخر فهو أفضل منه بلا شك.

قال أبو محمد : وقد قال قائل ممن يخالفنا في هذا : قال الله عزوجل : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) [سورة آل عمران : ٣٦].

فقلنا وبالله تعالى التوفيق : فأنت إذا عند نفسك أفضل من مريم ، وعائشة ، وفاطمة ، لأنك ذكر وهؤلاء إناث.

فإن قال هذا التحق بالنّوكى وكفر. فإن سأل عن معنى الآية قيل له : الآية على ظاهرها ولا شك في أن الذكر ليس كالأنثى ، لأنه لو كان كالأنثى لكان أنثى ، والأنثى أيضا ليست كالذكر ، لأن هذه أنثى وهذا ذكر ، وليس هذا من الفضل في شيء البتة ، وكذلك الحمرة غير الخضرة ، والخضرة ليست كالحمرة ، وليس هذا من باب الفضل. فإن اعترض معترض بقول الله تعالى : (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [سورة البقرة : ٢٢٨] قيل له : إنما هذا في حقوق الأزواج على الزوجات ، ومن أراد حمل هذه الآية على ظاهرها لزمه أن يكون كل يهودي وكل مجوسي وكل فاسق من الرجال أفضل من أم موسى ، وأم عيسى ، وأم إسحاق ، عليهم‌السلام ، ومن نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبناته ، وهذا كفر ممن قاله بإجماع الأمة ، وكذلك قوله تعالى : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ) [سورة الزخرف : ١٨] إنما ذلك في تقصيرهن في الأغلب عن المحاجة لقلة دربتهن وليس في هذا ما يحط الفضل عن ذوات الفضل منهن. فإن اعترض معترض فقال الذي أمرنا بطاعتهم من خلفاء الصحابة رضي الله عنهم ، أفضل من نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [سورة النساء : ٥٩] فالجواب وبالله تعالى التوفيق : أن هذا خطأ من جهات :

إحداها : أن نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جملة أولي الأمر منا الذين أمرنا بطاعتهم فيما بلّغن إلينا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كالأئمة من الصحابة سواء سواء ولا فرق.

والوجه الثاني : أن الخلافة ليست من قبل فضل الواحد في دينه فقط ، وجبت لمن وجبت له ، وكذلك الإمارة ، لأن الإمارة قد تجوز لمن غيره أفضل منه ، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه مأمورا بطاعة عمرو بن العاص إذ أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة ذات السلاسل ، فبطل أن تكون الطاعة إنما تجب للأفضل فالأفضل ، وقد أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمرو بن العاص وخالد بن الوليد كثيرا ولم يؤمّر أبا ذر ، وأبو ذر أفضل وخير منهما بلا شك. وأيضا فإنما وجبت طاعة الخلفاء من الصحابة رضي الله عنهم في

أوامرهم مذ ولوا لا قبل ذلك ، ولا خلاف في أن الولاية لم تزدهم فضلا على ما كانوا عليه ، وإنما زادهم فضلا عدلهم في الولاية لا الولاية نفسها ، وعدلهم داخل في جملة أعمالهم التي يستحقون الفضل بها ، ألا ترى أن معاوية والحسن إذ وليا كانت طاعتهما واجبة على سعد بن أبي وقاص ، وسعد أفضل منهما ببون بعيد جدا ، وهو حي معهما مأمور بطاعتهما ، وكذلك القول في جابر وأنس بن مالك وابن عمر رضي الله عنهم ، في وجوب طاعة ابن الزبير ثم في وجوب طاعة عبد الملك بن مروان ، والذي بين جابر وأنس وابن عمر وبين عبد الملك في الفضل كالذي بين النور والظلمة ، فليس في وجوب طاعة الولاة ما يوجب لهم فضلا في الجنة.

فإن اعترض معترض بقول الله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) [سورة الطور : ٢١].

فبيان اعتراضه ظاهر في آخر الآية وهو أن إلحاق الذرية بالآباء لا يقتضي كونهم معهم في درجة ، ولا هذا مفهوم من نص الآية ، بل إنما فيها إلحاقهم بهم فيما ساووهم فيه بنص الآية ، ثم بين تعالى ذلك ولم يدعنا في شك بقوله : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ).

فصح أن كل واحد من الآباء والأبناء يجازى حسب ما كسب فقط ، وليس حكم الأزواج كذلك ، بل أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم معه في قصوره وعلى سرره ملتذ بهن ومعهن جزاء لهن بما عملن من الخير ، وبصبرهن ، واختيارهن الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والدار الآخرة ، وهذه منزلة لا يحلها أحد بعد النبيين والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ، فهن أفضل من كل واحد دون الأنبياء عليهم‌السلام. فإن شغب مشغب بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للبّ الرّجل الحازم من إحداكنّ» (١).

قلنا وبالله تعالى التوفيق : إن حملت هذا الحديث على ظاهره فيلزمك أن تقول إنك أتم عقلا ودينا من مريم ، وأم موسى ، وأم إسحاق ومن عائشة ، وفاطمة ، فإن تمادى على ذلك سقط الكلام معه ولم يبعد عن الكفر.

__________________

(١) رواه البخاري في الحيض باب ١٦ ، والزكاة باب ٤٤. ومسلم في الإيمان حديث ١٣٢. وأبو داود في السنّة باب ١٥. والترمذي في الإيمان باب ٦. وابن ماجة في الفتن باب ١٩. وأحمد في المسند (٢ / ٦٧ ، ٣٧٣ ، ٣٧٤).

وإن قال : لا. سقط اعتراضه واعترف بأن من الرجال من هو أنقص دينا وعقلا من كثير من النساء.

فإن سأل عن معنى هذا الحديث. قيل له : قد بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجه ذلك النقص ، وهو كون شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل ، وكونها إذا حاضت لا تصلي ولا تصوم ، وليس هذا بموجب نقصان الفضل ، ولا نقصان الدين ، والعقل في غير هذين الوجهين فقط ، إذ بالضرورة ندري أن في النساء من هن أفضل من كثير من الرجال وأتم دينا وعقلا غير الوجوه التي ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو عليه‌السلام لا يقول إلا حقا ، فصح يقينا أنه إنما عنى عليه‌السلام ما قد بينه في الحديث نفسه من الشهادة والحيض فقط ، وليس ذلك مما ينقص الفضل ، فقد علمنا أن أبا بكر وعمر وعليا لو شهدوا في زنا لم يحكم بشهادتهم ، ولو شهد به أربعة منا عدول في الظاهر حكم بشهادتهم ، وليس ذلك بموجب أننا أفضل من هؤلاء المذكورين ، وكذلك القول في شهادة النساء فليست الشهادة من باب التفاضل في ورد ولا صدر ، لكن يوقف فيها عند ما حده النص فقط ، ولا شك عند كل مسلم في أن صواحبه من نسائه وبناته عليهم‌السلام كخديجة وعائشة وفاطمة وأم سلمة أفضل دينا ومنزلة عند الله تعالى من كل تابع أتى بعدهن ومن كل رجل يأتي في هذه الأمة إلى يوم القيامة ، فبطل الاعتراض بالحديث المذكور وصح أنه على ما فسرناه يقينا والحمد لله رب العالمين. وأيضا فقول الله تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) [سورة الأحزاب : ٣٢] مخرج لهن عن سائر النساء في كل ما اعترض به معترض مما ذكرناه وشبهه.

قال أبو محمد : فإن اعترض معترض بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كمل من الرّجال كثير ولم يكمل من النّساء إلا مريم بنت عمران ، وامرأة فرعون» (١).

فإن هذا الكمال إنما هو الرسالة ، والنبوة ، التي انفرد بها الرجال وشاركهم بعض النساء في النبوة ، وقد يتفاضلون أيضا فيها فيكون بعض الأنبياء أكمل من بعض ، ويكون بعض الرسل أكمل من بعض.

__________________

(١) رواه ما حديث أبي موسى الأشعري البخاري في أحاديث الأنبياء باب ٣٢ ٤٦ ، وفضائل أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم باب ٣٠ ، والأطعمة باب ٢٥. ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٧٠. والترمذي في الأطعمة باب ٣١. وابن ماجة في الأطعمة باب ١٤. وأحمد في المسند (٤ / ٣٩٤ ، ٤٠٩).

قال الله عزوجل : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) [سورة البقرة : ٢٥٣].

فإنما ذكر في هذا الخبر من بلغ غاية الكمال في طبقته ولم يتقدمه منهم أحد ، وبالله تعالى التوفيق.

فإن اعترض معترض بقوله عليه‌السلام : «لا يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة» (١).

فلا حجة له في هذا لأنه ليس امتناع الولاية فيهن بموجب لهن نقص الفضل ، فقد علمنا أن ابن مسعود ، وبلالا ، وزيد بن الحارث رضي الله عنهم لم يكن لهم حظ في الخلافة وليس بموجب أن يكون الحسن ، وابن الزبير ، ومعاوية ، أفضل منهم والخلافة جائزة لهؤلاء غير جائزة لأولئك وبينهم في الفضل ما لا يجهله مسلم.

قال أبو محمد : وأما أفضل نسائه عليه‌السلام فعائشة ، وخديجة ، رضي الله عنهما لعظيم فضلهما وإخباره عليه‌السلام أن عائشة أحب الناس إليه ، وأن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.

وقد ذكر عليه‌السلام خديجة بنت خويلد ، فقال : أفضل نسائها مريم بنت عمران ، وأفضل نسائها خديجة بنت خويلد مع سابقة خديجة في الإسلام ، وثباتها رضي الله عنها. ولأم سلمة وسودة وزينب بنت جحش ، وزينب بنت خزيمة ، وحفصة سوابق في الإسلام عظيمة ، واحتمال للمشقات في الله عزوجل ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والهجرة ، والغربة عن الوطن ، والدعاء إلى الإسلام والبلاء في الله عزوجل ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولكلهن بعد ذلك الفضل المبين رضوان الله عليهن أجمعين.

قال أبو محمد : وهذه مسألة نقطع فيها على أننا المحقون عند الله عزوجل ، وأن من خالفنا فيها مخطئ ، عند الله عزوجل بلا شك وليست مما يسع الشك فيه أصلا.

قال أبو محمد : فإن قال قائل : هل قال هذا أحد قبلكم ..؟ قلنا له ، وبالله تعالى التوفيق : وهل قال غير هذا أحد قبل من يخالفنا الآن؟ وقد علمنا ضرورة أن لنساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم منزلة من الفضل بلا شك فلا بد من البحث عنها فليقل مخالفنا في أي منزلة نضعهن أبعد جميع الصحابة كلهم؟ فهذا ما لا يقوله أحد. أم بعد طائفة منهم؟

__________________

(١) رواه بلفظ : «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» البخاري في المغازي باب ٨٢ ، والفتن باب ١٨. والترمذي في الفتن باب ٧٥. والنسائي في القضاء باب ٨.

فعليه الدليل وهذا ما لا سبيل له إلى وجوده ، وإذ قد بطل هذان القولان أحدهما بالإجماع على أنه باطل ، والثاني لأنه دعوى لا دليل عليها ولا برهان فلم يبق إلا قولنا والحمد لله رب العالمين الموفق للصواب بفضله.

ثم نقول وبالله تعالى نستعين : قد صح أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه خطب الناس حين ولي بعد موت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «أيها الناس إني وليتكم ولست بخيركم» فقد صح عنه رضي الله عنه أنه أعلن بحضرة جميع الصحابة رضي الله عنهم أنه ليس بخيرهم ، ولم ينكر هذا القول منهم أحد ، فدل على متابعتهم له ولا خلاف في أنه ليس في أحد من الحاضرين لخطبة إنسان يقول فيه أحد من الناس إنه خير من أبي بكر ، إلا علي ، وابن مسعود ، وعمر ، وأما جمهور الحاضرين من مخالفينا في هذه المسألة من أهل السنة ، والمرجئة ، والمعتزلة ، والخوارج ، فإنهم لا يختلفون في أن أبا بكر أفضل من علي ، وعمر ، وابن مسعود ، وخير منهم ، فصح أنه لم يبق إلا أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فإن قال قائل : إنما قال أبو بكر هذا تواضعا. قلنا له : هذا هو الباطل المتيقن لأن الصديق الذي سماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهذا الاسم لا يجوز أن يكذب ، وحاشا له من ذلك ، ولا يقول إلا الحق والصدق ، فصح أن الصحابة متفقون في الأغلب على تصديقه في ذلك ، فإذ ذلك كذلك وسقط بالبرهان الواضح أن يكون أحد من الصحابة رضي الله عنه خيرا من أبي بكر إلا أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونساؤه ووضح أننا لو قلنا : إنه إجماع من جمهور الصحابة لم يبعد من الصدق.

قال أبو محمد : وأيضا فإن يوسف بن عبد الله النمري حدثنا قال حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن علي الكندي ، حدثنا محمد بن العباس البغدادي ، حدثنا إبراهيم بن محمد البصري ، حدثنا أبو أيوب سليمان بن داود الشاذكوني ، قال : كان عمار بن ياسر والحسن بن علي يفضلان علي بن أبي طالب على أبي بكر الصديق وعمر.

حدثنا أحمد بن محمد الخوزي ، حدثنا أحمد بن الفضل الدينوري ، حدثنا محمد بن جرير الطبري ، أن علي بن أبي طالب بعث عمار بن ياسر والحسن بن علي إلى الكوفة إذ خرجت أم المؤمنين إلى البصرة ، فلما أتياها اجتمعا إليهما الناس في المسجد ، فخطبهم عمار وذكر لهم خروج عائشة أم المؤمنين إلى البصرة ثم قال لهم : إني أقول لكم وو الله إنني لأعلم أنها زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الجنة ، كما هي زوجته في الدنيا ، ولكن الله ابتلاكم بها لتطيعوها أو لتطيعوه ، فقال له مسروق بن الأسود : يا أبا اليقظان

فنحن مع من شهدت له بالجنة دون من لم تشهد له ، فسكت عمار وقال له الحسن : أعن نفسك عنا. فهذا عمار والحسن وكل من حضر من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ، والكوفة يومئذ مملوءة منهم ، يسمعون تفضيل عائشة على علي ، وهو عند عمار والحسن أفضل من أبي بكر وعمر ، فلا ينكرون ذلك ولا يعترضونه وهم أحوج ما كانوا إلى إنكاره فصح أنهم متفقون على أنها وأزواجه عليه‌السلام أفضل من كل الناس بعد الأنبياء عليهم‌السلام.

ومما يبيّن أن أبا بكر رضي الله عنه لم يقل وليتكم ولست بخيركم إلا محقا ، صادقا ، لا تواضعا يقول فيه الباطل ، وحاشا له من ذلك ما حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي قال حدثنا أحمد بن محمد بن مفرج ، حدثنا محمد بن أيوب الصموت الرقّي ، أنا أحمد بن عمر بن عبد الخالق البران ، حدثنا عبد الملك بن سعد ، حدثنا عقبة بن خالد ، حدثنا شعبة بن الحجاج ، حدثنا الحريري عن أبي بصرة عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : ألست أحق الناس بها؟ أو لست أول من أسلم؟ ألست صاحب كذا ..؟

قال أبو محمد : فهذا أبو بكر رضي الله عنه يذكر فضائل نفسه ، إذ كان صادقا فيها ، فلو كان أفضلهم لصرح بذلك وما كتمه وقد نزهه الله تعالى عن الكذب ، فصح قولنا نصا والحمد لله رب العالمين.

قال أبو محمد : ثم وجب القول فيمن هو أفضل الصحابة بعد نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم نجد لمن فضل ابن مسعود ، أو عمر ، أو جعفر بن أبي طالب ، أو أبا سلمة ، أو الثلاثة الأسهليين على جميع الصحابة حجة يعتمد عليها ، ووجدنا من يتوقّف لم يزد على أنه لم يلح له بالبرهان أنهم أفضل ولو لاح له لقال به ، ووجدنا العدد والمعارضة في القائلين بأن عليا أفضل أكثر ، فوجب أن يأتي بما شغبوا به ليلوح الحق في ذلك وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : وجدناهم يحتجون بأن عليا كان أكثر الصحابة جهادا ، وطعنا في الكفار ، وضربا ، والجهاد أفضل الأعمل.

قال أبو محمد : وهذا خطأ لأن الجهاد ينقسم أقساما ثلاثة :

أحدها : الدعاء إلى الله عزوجل باللسان.

والثاني : الجهاد عند الحرب بالرأي والتدبير.

والثالث : الجهاد باليد في الطعن والضرب.

فوجدنا الجهاد باللسان لا يلحق فيه أحد بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر وعمر ، أما

أبو بكر فإن أكابر الصحابة رضي الله عنهم أسلموا على يديه ، فهذا أفضل عمل وليس لعلي من هذا كبير حظ ، وأما عمر فإنه من يوم أسلم عز الإسلام وعبد الله تعالى بمكة جهرا وجاهد المشركين بمكة بيديه ، فضرب وضرب حتى ملوه فتركوه فعبد الله تعالى علانية ، وهذا أعظم الجهاد ، فقد انفرد هذان الرجلان بهذين الجهادين الذين لا نظير لهما ولا حظ لعلي في هذا أصلا ، وبقي القسم الثاني : وهو الرأي والمشورة فوجدناه خالصا لأبي بكر ثم لعمر ، وبقي القسم الثالث : وهو الطعن والضرب والمبارزة فوجدناه أقل مراتب الجهاد ببرهان ضروري وهو أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا شك عند كل مسلم أنه المخصوص بكل فضيلة فوجدنا جهاده عليه‌السلام إنما كان في أكثر أعماله وأحواله القسمين الأولين من الدعاء إلى الله عزوجل والتدبير والإدارة ، وكان أقل عمله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الطعن والضرب والمبارزة لا عن جبن بل كان عليه‌السلام أشجع أهل الأرض قاطبة نفسا ويدا وأتمهم نجدة ، ولكنه كان يؤثر الأفضل فالأفضل من الأفعال ، فيقدمه عليه‌السلام ويشتغل به ووجدناه عليه‌السلام يوم بدر وغيره كان أبو بكر رضي الله عنه معه لا يفارقه إيثارا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم له بذلك واستظهارا برأيه في الحرب ، وأنسا بمكانه ، ثم كان عمر ربما شورك في ذلك أيضا ، وقد انفرد بهذا المحل دون علي ودون سائر الصحابة إلا في الندرة ، ثم نظرنا مع ذلك في هذا القسم من الجهاد الذي هو الطعن ، والضرب ، والمبارزة فوجدنا عليا رضي الله عنه لم ينفرد بالبسوق فيه بل قد شاركه في ذلك غيره شركة العنان ، كطلحة ، والزبير ، وسعد ، وممن قتل في صدر الإسلام كحمزة ، وعبيدة بن الحارث بن المطلب ، ومصعب بن عمير ، ومن الأنصار سعد بن معاذ ، وسماك بن خرشة وغيرهما ووجدنا أبا بكر وعمر قد شاركاه في ذلك بحظ حسن وإن لم يلحقا بحظوظ هؤلاء ، وإنما ذلك لشغلهما بالأفضل من ملازمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وموازرته في حين الحرب وقد بعثهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على البعوث أكثر مما بعث عليا وقد بعث أبا بكر إلى بني فزارة وغيرهم ، وبعث عمر إلى بني فلان ، وما نعلم لعلي بعثا إلا إلى بعض حصون خيبر ففتحه ، وقد بعث إليه قبله أبا بكر وعمر فلم يفتحاه ، فحصل أرفع أنواع الجهاد خالصا لأبي بكر ، وعمر ، وقد شاركا عليا في أقل أنواع الجهاد مع جماعة غيرهم.

قال أبو محمد : واحتج أيضا بأن قال : إن عليا كان أكثرهم علما.

قال أبو محمد : كذب هذا القائل ، وإنما يعرف علم الصحابي لأحد وجهين لا ثالث لهما ، أحدهما كثرة روايته وفتاويه ، والثاني : كثرة استعمال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم له ، فمن المحال الباطل أن يستعمل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من لا علم له ، وهذه أكبر الشهادات على العلم

وسعته ، فنظرنا في ذلك فوجدنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد ولى أبا بكر الصلاة بحضرته طول علته ، وجميع أكابر الصحابة حضور ، كعلي ، وعمر ، وابن مسعود وأبيّ وغيرهم ، فآثره بذلك على جميعهم ، وهذا خلاف استخلافه عليه‌السلام إذا غزا لأن المستخلف في الغزوة لم يستخلف إلا على النساء ، وذوي الأعذار فقط ، فوجب ضرورة أن نعلم أن أبا بكر أعلم الناس بالصلاة ، وشرائعها ، وأعلم المذكورين بها وهي عمود الدين. ووجدناه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد استعمله على الصدقات فوجب ضرورة أن عنده من علم الصدقات كالذي عند غيره من علماء الصحابة ، لا أقل وربما كان أكثر أو لا أكثر ، إذ قد استعمل عليه‌السلام أيضا عليها غيره وهو عليه‌السلام لا يستعمل إلا عالما بما استعمله عليه ، والزكاة ركن من أركان الدين بعد الصلاة.

وبرهان ما قلنا من تمام علم أبي بكر رضي الله عنه بالصدقات أن الأخبار الواردة في الزكاة أصحها ، والذي يلزم العمل به ولا يجوز خلافه فهو حديث أبي بكر الذي من طريق عمر ، وأما من طريق علي فمضطرب وفيه ما قد تركه الفقهاء جملة ، وهو أن في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه ، فوجدناه عليه‌السلام قد استعمل أبا بكر على الحج ، فصح ضرورة أنه أعلم من جميع الصحابة بالحج ، وهذه دعائم الإسلام ، ثم وجدناه عليه‌السلام قد استعمله على البعوث فصح أن عنده من أحكام الجهاد مثل ما عند سائر من استعمله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على البعوث في الجهاد ، إذ لا يستعمل عليه‌السلام على العمل إلا عالما به ، فعند أبي بكر من الجهاد من العلم به كالذي عند علي ، وسائر أمراء البعوث ، لا أكثر ولا أقل ، فإذ قد صح التقدم لأبي بكر على عليّ وغيره في علم الصلاة ، والزكاة والحج ، وساواه في علم الجهاد ، فهذه عمدة العلم ، ثم وجدناه عليه‌السلام قد ألزم نفسه في جلوسه ، ومسامرته ، وظعنه ، وإقامته أبا بكر فشاهد أحكامه عليه‌السلام وفتاويه أكثر من مشاهدة علي لها ، فصح ضرورة أنه أعلم بها فهل بقيت من العلم بقية إلا وأبو بكر هو المتقدم فيها الذي لا يلحق؟ أو المشارك الذي لا يسبق؟ فبطلت دعواهم في العلم ، والحمد لله رب العالمين.

وأما الرواية ، والفتوى ، فإن أبا بكر رضي الله عنه لم يعش بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا سنتين ، وستة أشهر ، ولم يفارق المدينة إلا حاجا أو معتمرا ولم يحتج الناس إلى ما عنده من الرواية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأن كل من حواليه أدركوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعلى ذلك كله فقد روي عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مائة حديث واثنان وأربعون حديثا مسندة ، ولم يرد عن علي إلا خمس مائة وست وثمانون حديثا مسندة ، يصح منها نحو خمسين ، وقد

عاش بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أزيد من ثلاثين سنة ، فكثر لقاء الناس إياه ، وحاجتهم إلى ما عنده ، لذهاب جمهور الصحابة رضي الله عنهم ، وكثر سماع أهل الآفاق منه مرة بصفين وأعواما بالكوفة ومرة بالبصرة والمدينة ، فإذا نسبنا مدة أبي بكر من حياته وأضفنا تقري عليّ البلاد بلدا بلدا وكثرة سماع الناس منه إلى لزوم أبي بكر موطنه وأنه لم تكثر حاجة من حواليه إلى الرواية عنه ثم نسبنا عدد حديث من عدد حديث ، وفتاوى من فتاوى ، علم كل ذي حظ من العلم أن الذي كان عند أبي بكر من العلم أضعاف ما كان عند علي منه ، وبرهان ذلك أن من عمّر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمرا قليلا قل النقل عنهم ، ومن طال عمره منهم كثر النقل عنهم ، إلا اليسير ممن اكتفى بنيابة غيره عنه في تعليم الناس ، وقد عاش علي بعد عمر بن الخطاب سبعة عشر عاما غير شهر ، ومسند عمر خمسمائة حديث وسبعة وثلاثون حديثا ، يصح منها نحو خمسين كالذي عن علي سواء بسواء ، فكل ما زاد حديث علي على حديث عمر تسعة وأربعين حديثا في هذه المدة الطويلة ، ولم يزد عليه في الصحيح إلا حديثا أو حديثين.

وفتاوى عمر موازنة لفتاوى علي في أبواب الفقه. فإذا نسبنا مدة من مدة وضربنا في البلاد من ضرب فيها وأضفنا حديثا إلى حديث ، وفتاوى إلى فتاوى ، علم كل ذي حسن علما ضروريا أن الذي كان عند عمر من العلم أضعاف ما كان عند علي من العلم ، ثم وجدنا الأمر كل ما طال كثرت الحاجة إلى الصحابة فيما عندهم من العلم فوجدنا حديث عائشة رضي الله عنها ألفي مسند ومائتي مسند وعشرة مسانيد وحديث أبي هريرة خمسة آلاف مسند وثلاثمائة مسند وأربع وسبعين مسندا ووجدنا مسند ابن عمر وأنس قريبا من مسند عائشة لكل واحد منهما ، ووجدنا مسند جابر بن عبد الله ، وعبد الله بن عباس ، لكل واحد منهما أزيد من ألف وخمسمائة ، ووجدنا لابن مسعود ثمان مائة مسند ونيف ، ولكل من ذكرنا حاشا أبا هريرة وأنس بن مالك من الفتاوى أكثر من فتاوى علي أو نحوها ، فبطل هذه الوقاح الجهال. فإن عاندنا معاند في هذا الباب جاهل أو قليل الحياء لاح كذبه وجهله ، فإنا غير متهمين على حط أحد من الصحابة رضي الله عنهم عن مرتبته ولا على رفعه فوق مرتبته ، لأننا لو انحرفنا عن علي رضي الله عنه ونعوذ بالله من ذلك لذهبنا فيه مذهب الخوارج ، وقد نزهنا الله عزوجل عن هذا الضلال في التعصب ، ولو غلونا فيه لذهبنا فيه مذهب الشيعة ، وقد أعاذنا الله تعالى من هذا الإفك في التعصب ، فصار غيرنا من المنحرفين عنه أو الغالين فيه هم المتهمون فيه إما له وإما عليه ، وبعد هذا كله فليس يقدر من ينتمي إلى الإسلام أن يعاند في الاستدلال على كثرة العلم باستعمال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمن استعمله منهم على ما استعمله وعليه من أمور الدين.

فإن قالوا : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد استعمل عليا على الأخماس وعلى القضاء باليمن؟ قلنا لهم : نعم ولكن مشاهدة أبي بكر لأقضية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقوى في العلم وأثبت مما عند علي وهو باليمن ، وقد استعمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر على بعوث فيها الأخماس ، فقد ساوى علمه علم علي في حكمها بلا شك ، إذ لا يستعمل عليه‌السلام إلا عالما بما يستعمله عليه ، وقد صح أن أبا بكر وعمر كان يفتيان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو عليه‌السلام يعلم ذلك ، ومحال أن يبيح لهما ذلك إلا وهما أعلم ممن دونهما. وقد استعمل عليه‌السلام أيضا على القضاء باليمن مع علي معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري فلعلي في هذا شركاء كثير ، منهم أبو بكر ، وعمر ، ثم قد انفرد أبو بكر بالجمهور الأغلب من العلم على ما ذكرنا.

وقال هذا القائل : إن عليا كان أقرأ الصحابة.

قال أبو محمد : وهذه القحة المجردة والبهتان لوجوه أولها : أنه رد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه عليه‌السلام قال : «يؤم القوم أقرؤهم ، فإن استووا فأفقههم ، فإن استووا فأقدمهم هجرة» ثم وجدناه عليه‌السلام قد قدم أبا بكر على الصلاة مدة الأيام التي مرض فيها وعلي بالحضرة يراه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غدوة وعشية فما رأى لها عليه‌السلام أحدا أحق من أبي بكر بها ، فصح أنه كان أقرؤهم وأفقههم وأقدمهم هجرة ، وقد يكون من لم يجمع حفظ القرآن كله على ظهر قلب أقرأ ممن جمعه كله عن ظهر قلب فيكون ألفظ به وأحسنهم ترتيلا.

هذا على أن أبا بكر وعمر وعلي لم يستكمل أحد منهم حفظ سواد القرآن كلّه ظاهرا إلا أنه قد وجب يقينا بتقديم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي بكر على الصلاة وعليّ حاضر أن أبا بكر أقرأ من علي ، وما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليقدم إلى الإمامة الأقل علما بالقراءة على الأقرإ أو الأقل فقها على الأفقه فبطل أيضا شغبهم في هذا الباب ـ والحمد لله رب العالمين.

وقال هذا الجاهل : كان عليّ أتقاهم لله.

قال أبو محمد : كذب هذا الأفاك ، ولقد كان علي رضي الله عنه تقيا إلا أن الفضائل يتفاضل فيها أهلها وما كان أتقاهم لله إلا أبا بكر. والبرهان على ذلك أنه لم يسؤ قط أبو بكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كلمة ولا خالف إرادته عليه‌السلام في شيء قط ، ولا تأخر عن تصديقه ولا تردد عن الائتمار له يوم الحديبية إذ تردد من تردد وقد تكلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على المنبر إذ أراد علي نكاح ابنة أبي جهل بما قد عرف وما وجدنا قط لأبي بكر توقفا عن شيء أمره به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا مرة واحدة عذره فيها رسول

الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأجاز له فعله ، وهي إذ أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قباء فوجده يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر تأخر فأشار إليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أقم مكانك فحمد الله تعالى أبو بكر على ذلك ثم تأخر فصار في الصف ، وتقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فصلى بالناس ، فلما سلم قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ما منعك أن تثبت حين أمرتك؟» فقال أبو بكر : ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال أبو محمد : فهذا غاية التعظيم والطاعة والخضوع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما أنكر عليه‌السلام ذلك عليه. وإذ قد صح بالبرهان الضروري الذي ذكرنا أن أبا بكر أعلم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقد وجب أنه أخشاهم لله عزوجل ، قال الله عزوجل : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [سورة فاطر : ٢٨] والتقى هو الخشية لله عزوجل.

وقال قائلون : علي كان أزهدهم.

قال أبو محمد : كذب هذا الجاهل ، وبرهان ذلك أن الزهد إنما هو غروب النفس عن حب الصوت ، وعن المال ، وعن اللذات ، وعن الميل إلى الولد والحاشية ليس الزهد معنى يقع عليه اسم الزهد إلا هذا المعنى ، فأما غروب النفس عن المال فقد علم كل من له أدنى بصر بشيء من الأخبار الخالية أن أبا بكر أسلم وله مال عظيم قيل أربعين ألف درهم ، فأنفقها كلها في ذات الله تعالى ، وعتق المستضعفين من العبيد المؤمنين المعذبين في ذات الله عزوجل ، ولم يعتق عبيدا جلدا يمنعونه لكن كل معذب ومعذبة في الله عزوجل ، حتى هاجر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يبق لأبي بكر من جميع ماله إلا ستة آلاف درهم حملها كلها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يبق لبنيه منها درهما ، ثم أنفقها كلها في سبيل الله عزوجل حتى لم يبق له شيء إلا عباءة له قد خللها بعود إذا نزل افترشها وإذا ركب لبسها إذ تمول غيره من الصحابة رضي الله عن جميعهم واقتنوا الرباع الواسعة والضياع العظيمة من حلها وحقها ، إلا أن من آثر بذلك سبيل الله عزوجل أزهد ممن أنفق وأمسك ، ثم ولي الخلافة فما اتخذ جارية ولا توسع في مال ، وعد عند موته ما أنفق على نفسه وولده من مال الله عزوجل الذي لم يستوف منه إلا بعض حقه وأمر بصرفه إلى بيت المال من صلب ماله الذي حصل له من سهامه في المغازي والمقاسم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهذا هو الزهد في اللذات والمال الذي لا يدانيه فيه أحد من الصحابة لا علي ولا غيره ، إلا أن يكون أبا ذر وأبا عبيدة من المهاجرين الأولين فإنهما جريا على هذه الطريقة التي فارقا عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتوسع من سواهم من الصحابة رضي الله عنهم في المباح الذي أحله الله عزوجل لهم ، إلا أنّ من أثر على نفسه أفضل ، ولو لا أن أبا ذر لم يكن له سابقة غيره لما تقدمه

إلا من كان مثله ، فهذا هو الزهد في المال واللذات ، ولقد تلا أبا بكر عمر رضي الله عنهما في هذا الزهد فكان فوق علي في ذلك يعني في إعراضه عن المال واللذات ، وأما علي رضي الله عنه فتوسع في هذا الباب من حله ومات عن أربع زوجات وتسع عشرة أم ولد ، سوى الخدم والعبيد ، وتوفي عن أربعة وعشرين ولدا من ذكر وأنثى ، وترك لهم من العقار والضياع ما كانوا به من أغنياء قومهم ومياسيرهم هذا أمر مشهور لا يقدر على إنكاره من له أقل علم بالأخبار والآثار ، ومن جملة عقاره التي تصدق بها كانت تغل ألف وسق تمرا سوى زرعها فأين هذا من هذا؟؟؟

وأما حب الولد والميل إليهم وإلى الحاشية فالأمر في هذا أبين من أن يخفى على أحد له أقل علم بالأخبار ، فقد كان لأبي بكر رضي الله عنه من القرابة والولد مثل طلحة بن عبيد الله من المهاجرين الأولين والسابقين من ذوي الفضائل العظيمة في كل باب من أبواب الفضل في الإسلام ، ومثل ابنه عبد الرحمن بن أبي بكر وله مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صحبة قديمة وهجرة سابقة ، وفضل ظاهر ، فما استعمل أبو بكر رضي الله عنه منهم أحدا على شيء من الجهات ، وهي بلاد اليمن كلها على سعتها وكثرة أعمالها ، وعمان وحضر موت والبحرين واليمامة والطائف ومكة وخيبر ، وسائر أعمال الحجاز ، ولو استعملهم لكانوا لذلك أهلا ، ولكن خشي المحاباة وتوقع أن يميله إليهم شيء من الهوى ، ثم جرى عمر على مجراه في ذلك فلم يستعمل من بني عدي بن كعب أحدا على سعة البلاد وكثرتها ، وقد فتح الشام ومصر وجميع مملكة الفرس إلى خراسان ، إلا النعمان بن عدي وحده على ميسان ، ثم أسرع عزله وفيهم من الهجرة ما ليس في شيء من أفخاذ الأولين ذوي السوابق وأبي الجهم بن حذيفة وخارجة بن حذافة ومعمر بن عبد الله وابنه عبد الله بن عمر ، ثم لم يستخلف أبو بكر ابنه عبد الرحمن وهو صاحب من الصحابة ، ولا استعمل عمر ابنه عبد الله على الخلافة وهو من فضلاء الصحابة وخيارهم وقد رضي به الناس وكان لذلك أهلا ، ولو استخلفه لما اختلف عليه أحد فما فعل ، ووجدنا عليا رضي الله عنه إذ ولي قد استعمل أقاربه عبد الملك بن عباس على البصرة ، وعبيد الله بن العباس على اليمن ، وخثعم ومعبدا بني العباس على مكة والمدينة وجعدة بن نميرة وهو ابن أخته أم هاني بنت أبي طالب على خراسان ، ومحمد بن أبي بكر ، وهو ابن امرأته وأخو ولده على مصر ، ورضي ببيعة الناس للحسن ابنه بالخلافة ، ولسنا ننكر استحقاق الحسن للخلافة ولا استحقاق عبد الله بن العباس للخلافة ، فكيف إمارة البصرة؟ لكنا نقول إن من زهد في الخلافة لولد مثل عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر والناس متفقون عليه ، وفي تأمير مثل طلحة بن عبيد الله

وسعيد بن زيد ، فلا شك في أنه أتم زهدا أو أعزب عن جميع معاني الدنيا يقينا ممن أخذ منها مما أبيح له أخذه ، فصح بالبرهان الضروري أن أبا بكر رضي الله عنه أزهد من جميع الصحابة ثم عمر بن الخطاب بعده.

وقال هذا القائل : وكان عليّ أكثرهم صدقة.

قال أبو محمد : وهذه مجاهرة بالباطل لأنه لم يحفظ لعلي مشاركة ظاهرة بالمال وأما أمر أبي بكر رضي الله عنه في إنفاق ماله في سبيل الله عزوجل فأشهر من أن يخفى على اليهود والنصارى فكيف على المسلمين؟ ثم لعثمان بن عفان رضي الله عنه في هذا المعنى من تجهيز جيش العسرة ما ليس لغيره ، فصح أن أبا بكر أعظم صدقه وأكثر مشاركة وغنى في الإسلام بماله من علي رضي الله عنه.

وقالوا : علي هو السابق إلى الإسلام ولم يعبد قط وحدثنا.

قال أبو محمد : أما السابقة فلم يقل قط أحد يعتد به أن عليا مات وله أكثر من ثلاث وستين سنة ومات بلا شك سنة أربعين من الهجرة ، فصح أنه كان حين هاجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن ثلاث وعشرين سنة ، وكانت مدة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة في النبوة ثلاث عشرة سنة فبعث عليه‌السلام ولعلي عشرة أعوام ، فإسلام ابن عشرة أعوام ودعاؤه إليه إنما هو كتدريب المرء ولده الصغير على الدين لا أن عنده غناء ، ولا أن عليه إثما إن أبى ، فإن أخذ الأمر على قول من قال إن عليا مات وله ثمان وخمسون سنة ، فإنه كان إذ بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن خمسة أعوام ، وكان إسلام أبي بكر ابن ثمان وثلاثين سنة ، وهو الإسلام المأمور به من عند الله عزوجل ، وأما من لم يبلغ الحلم فغير مكلف ولا مخاطب فسابقة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بلا شك أسبق من سابقة علي ، وأما عمر فإن كان إسلامه تأخر بعد البعث بستة أعوام فإن عناء كان أكثر من عناء أكثر من أسلم قبله ولم يبلغ على حد التكليف إلا بعد أعوام من مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبعد أن أسلم كثير من الصحابة رجال ونساء بعد أن عذبوا في الله تعالى ولقوا فيه الألاقي. وأما كونه لم يعبد قط وحدثنا فنحن وكل مولود في الإسلام لم نعبد قط وحدثنا ، وعمار والمقداد وسلمان وأبو ذر ، وحمزة وجعفر ، رضي الله عنهم قد عبدوا الأوثان أفترانا أفضل منهم من أجل ذلك؟ معاذ الله من هذا ، فإنه لا يقوله مسلم ، فبطل أن يكون هذا يوجب لعلي فضلا على أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، ولو كان ذلك يوجب له فضلا زائدا لكانت عائشة سابقة لعلي رضي الله عنهما في هذا الفضل ، لأنها كانت إذ هاجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنت ثماني سنين وأشهر ، ولم تولد إلا بعد إسلام أبيها بسنين ، وعلي ولد

وأبوه عابد وثن قبل مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسنين ، وعبد الله بن عمر أيضا أسلم أبوه وله أربع سنين لم يعبد قط وحدثنا ، فهو شريك لعلي في هذه الفضيلة.

وقال بعضهم : علي كان أسوسهم.

قال أبو محمد : وهذا باطل لا خفاء به على مؤمن ولا كافر ، فقد درى البعيد والقريب والعالم والجاهل والمؤمن والكافر من ساس الإسلام إذ كفر من كفر من أهل الأرض بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأذعن الجميع للتقية وقبول ما دعت إليه العرب حاشا أبا بكر ، فهل ثبت أحد ثبات أبي بكر على كلب العدو وشدة الخوف حتى دخلوا في الإسلام أفواجا كما خرجوا منه أفواجا وأعطوا الزكاة طائعين وكارهين؟ ولم تهله جموعهم ولا تضافرهم ولا قلة أهل الإسلام حتى أنار الله الإسلام وأظهره؟ ثم هل ناطح كسرى وقيصر على أسرّة ملكهما حتى أخضع حدود فارس والروم ، وصرع جلودهم (١) ، ونكس راياتهم وأظهر الإسلام في أقطار الأرض وذلّ الكفر وأهله وشبع جائع المسلمين وعز ذليلهم ، واستغنى فقيرهم ، وصاروا إخوة لا اختلاف بينهم وقرءوا القرآن ، وتفقهوا في الدين إلا أبو بكر ..؟ ثم ثنى عمر ثم ثلث عثمان ثم قد رأى الناس خلاف ذلك كله وافتراق كلمة المؤمنين ، وضرب المسلمين بعضهم وجوده بعض بالسيوف ، وشك بعضهم قلوب بعض بالرماح ، وقتل بعضهم من بعض عشرات الألوف ، وشغلهم بذلك عن أن يفتح من بلاد الكفر قرية أو يذعر لهم سرب ، أو يجاهد منهم أحد حتى ارتجع أهل الكفر كثيرا مما صار بأيدي المسلمين من بلادهم ، فلم يجتمع المسلمون إلى اليوم فأين سياسة من سياسة؟

قال أبو محمد : فإذ قد بطل كلّ ما ادعاه هؤلاء الجهال ولم يحصلوا إلا على دعاوى ظاهرة الكذب لا دليل على صحة شيء منها ، وصح بالبرهان كما أوردنا أن أبا بكر هو الذي فاز بالقدح المعلى ، والسبق المبرز ، والحظ الأسنى ، في العلم والقرآن والجهاد والزهد والتقوى والخشية ، والصدقة ، والعتق والمشاركة والطاعة والسياسة ، فهذه وجوه الفضل كلها فهو بلا شك أفضل من جميع الصحابة كلهم بعد نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال أبو محمد : ولم نحتج عليهم بالأحاديث لأنهم لا يصدقون أحاديثنا ولا نصدق أحاديثهم وإنما اقتصرنا على البراهين الضرورية بنقل الكواف ، فإن كانت الإمامة تستحق بالتقدم في الفضل فأبو بكر أحق الناس بها بعد موت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقينا ،

__________________

(١) أي أقوياءهم ، جمع : جلد.

فكيف والنص على خلافته صحيح ..؟ وإذ قد صحت إمامة أبي بكر رضي الله عنه فطاعته فرض في استخلافه عمر رضي الله عنه فوجبت إمامة عمر فرضا بما ذكرنا ، وبإجماع أهل الإسلام عليهما دون خلاف من أحد قطعا ، ثم أجمعت الأمة كلها أيضا بلا خلاف من أحد منهم على صحة إمامة عثمان والدينونة بها ، وأما خلافة علي فحق لا بنص ولا بإجماع لكن ببرهان سنذكره إن شاء الله في الكلام في حروبه.

قال أبو محمد : ومن فضائل أبي بكر المشهورة قوله عزوجل : (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [سورة التوبة : ٤٠]. فهذه فضيلة منقولة بنقل الكافة لا خلاف بين أحد في أنه أبو بكر ، فأوجب الله تعالى له فضيلة المشاركة في إخراجه مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أنه خصه باسم الصحبة له ، وبأنه ثانيه في الغار ، وأعظم من ذلك كله أن الله معهما ، وهذا ما لا يلحقه فيه أحد.

قال أبو محمد : فاعترض في هذا بعض أهل القحة فقال : قد قال الله عزوجل : (فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً) [سورة الكهف : ٣٤].

قال : وقد حزن أبو بكر فنهاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك فلو كان حزنه رضا لله عزوجل لما نهاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال أبو محمد : وهذه مجاهرة بالباطل. أما قوله تعالى في الآية لصاحبه وهو يحاوره قد أخبر الله تعالى بأن أحدهما مؤمن والآخر كافر ، وبأنهما مختلفان ، فإنما سماه صاحبه في المحاورة والمجالسة فقط ، كما قال تعالى : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) [سورة الأعراف : ٨٥].

فلم يجعله أخاهم في الدين لكن في الدار والنسب ، فليس هكذا قوله تعالى : (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) بل جعله صاحبه في الدين والهجرة ، وفي الإخراج وفي الغار ، وفي نصرة الله تعالى لهما وإخافة الكفار لهما ، وفي كونه تعالى معهما ، فهذه الصحبة غاية الفضل وتلك الأخرى غاية النقص بنص القرآن ، وأما حزن أبي بكر رضي الله عنه فإنه قبل أن ينهاه عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان غاية الرضا لله ، لأنه كان إشفاقا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولذلك كان الله معه وهو تعالى لا يكون مع العصاة بل عليهم ، وما حزن أبو بكر قط بعد أن نهاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الحزن ولو كان لهؤلاء الأرذال حياء أو علم لم يأتوا بمثل هذا إذ لو كان حزن أبي بكر عيبا عليه لكان ذلك على محمد وموسى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عيبا ، لأن الله عزوجل قال لموسى عليه‌السلام :

(سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) [سورة القصص : ٣٥].

ثم قال تعالى عن السحرة أنهم قالوا لموسى : (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) [سورة طه : ٦٦] فهذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكليمه قد كان أخبره الله عزوجل بأن فرعون وملأه لا يصلون إليه ، وأن موسى ومن اتبعه هو الغالب ، ثم أوجس في نفسه خيفة بعد ذلك إذ رأى أمر السحرة حتى أوحى الله عزوجل إليه لا تخف ، فهذا أمر أشد من أمر أبي بكر. وإذا لزم ما يقول هؤلاء الفساق أبا بكر وحاشا لله أن يلزمه من أن حزنه لو كان رضا لما نهاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لزم أشد منه لموسى عليه‌السلام وأن إيجاسه الخيفة في نفسه لو كان رضا لله تعالى ما نهاه الله تعالى عنه ومعاذ الله من هذا ، بل إيجاس موسى الخيفة في نفسه لم يكن إلا نسيان الوعد المتقدم ، وحزن أبي بكر رضي الله عنه رضا لله تعالى قبل أن ينهى عنه ، ولم يكن تقدم إليه نهي عن الحزن ، وأما محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإن الله عزوجل قال : (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) [سورة لقمان : ٢٣].

وقال تعالى : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) [سورة النحل : ١٢٧].

وقال تعالى : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [سورة يونس : ٦٥].

وقال تعالى : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [سورة فاطر : ٨].

وقال تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) [سورة الكهف : ٦].

ووجدناه عزوجل قد قال : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) [سورة الأنعام : ٣٣].

وقاله أيضا في الأنعام. فهذا الله تعالى أخبرنا أنه يعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحزنه الذي يقولون ، ونهاه عزوجل عن ذلك نصا ، فيلزمهم في حزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي نهاه الله تعالى عنه كالذي أرادوا في حزن أبي بكر سواء سواء. ونعم إن حزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما كانوا يقولون من الكفر كان طاعة لله تعالى قبل أن ينهاه الله عزوجل وما حزن عليه‌السلام بعد أن نهاه ربه تعالى عن الحزن ، كما كان حزن أبي بكر طاعة لله عزوجل قبل أن ينهاه عزوجل عن الحزن ، وما حزن أبو بكر قط بعد أنهاه عليه‌السلام عن الحزن ، فكيف وقد يمكن أن يكون أبو بكر لم يحزن يومئذ ..؟!! لكن نهاه عليه‌السلام عن أن يكون منه حزن كما قال تعالى لنبيه عليه‌السلام : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) [سورة الإنسان : ٢٤].

فنهاه عن أن يطيعهم ولم تكن منه طاعة لهم ، وهذا إنما يعترض به أهل الجهل والسخافة ونعوذ بالله من الضلال.

قال أبو محمد : واعترض علينا بعض الجهال ببعثة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علي بن أبي طالب خلف أبي بكر ورضي الله عنهما في الحجة التي حجها أبو بكر ، وأخذ براءة من أبي بكر ، وتولى عليّ تبليغها إلى أهل الموسم وقراءتها عليهم.

قال أبو محمد : وهذا من أعظم فضائل أبي بكر لأنه كان أميرا على علي بن أبي طالب وغيره من أهل الموسم ، لا يدفعون إلا بدفعه ولا يقفون إلا بوقوفه ولا يصلون إلا بصلاته ، وينصتون إذا خطب وعلي في الجملة كذلك ، وسورة براءة وقع فيها فضل أبي بكر رضي الله عنه وذكره في أمر الغار وخروجه مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكون الله تعالى معهما فقراءة علي لها أبلغ في إعلان فضل أبي بكر على علي ، وعلى سواه ، وحجة لأبي بكر قاطعة وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : إلا أن ترجع الروافض إلى إنكار القرآن والنقص منه والزيادة فيه ، فهذا أمر يظهر فيه قحتهم وجهلهم وسخفهم ، إلى كل عالم وجاهل ، فإنه لا يمتري كافر ولا مؤمن في أن هذا الذي بين اللوحين من الكتاب هو الذي أتى به محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأخبرنا بأنه أوحاه الله تعالى إليهم فمن تعرض إلى هذا فقد أقر بعين عدوه.

قال أبو محمد : وما يعترض إمامة أبي بكر إلا زار على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رادّ لأمره في تقديمه أبا بكر إلى الصلاة بأهل الإسلام ، مريد لإزالته عن مقام أقامه فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال أبو محمد : ولسنا من كذبهم في تأويلهم : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) [سورة الإنسان : ٨] وأن المراد بذلك علي رضي الله عنه بل هذا لا يصح بل الآية على عمومها وظاهرها لكل من فعل ذلك.

قال أبو محمد : فصح بما ذكرنا فضل أبي بكر على جميع الصحابة رضي الله عنهم بعد نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبراهين المذكورة ، وأما الأحاديث في ذلك فكثيرة كقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أبي بكر : «دعوا لي صاحبي فإنّ النّاس قالوا كذبت وقال أبو بكر صدقت» (١).

__________________

(١) رواه البخاري في تفسير سورة الأعراف باب ٣ (حديث رقم ٤٦٤٠) من طريق أبي الدرداء

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا ولكنّه أخي وصاحبي». (١)

وهذا الذي لا يصح غيره ، وأما إخوة علي فلا تصح إلا مع سهل بن حنيف ، ومنها أمره صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسد كل باب وخوخة في المسجد حاشا خوخة أبي بكر. وهذا هو الذي لا يصح غيره.

ومنها غضبه صلى‌الله‌عليه‌وسلم على من خارج أبا بكر وعلى من أشار عليه بغير أبي بكر للصلاة. ومنها قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن من أمنّ الناس عليّ في ماله أبا بكر» (٢) وعمدتنا في تفضيل أبي بكر ثم عمر على جميع الصحابة بعد نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ سئل من أحب الناس إليك يا رسول الله قال : «عائشة». قيل : فمن الرجال؟ قال : «أبوها». قيل : ثم من يا رسول الله؟ قال : «عمر».

قال أبو محمد : فقطعنا بهذا ثم وقفنا ولو زادنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيانا لزدنا لكنا لا نقول في شيء من الدين إلا بما جاء به النص.

قال أبو محمد : واختلف الناس فيمن أفضل أعثمان أم علي رضي الله عنهما؟

قال أبو محمد : والذي يقع في نفوسنا دون أن نقطع به ولا نخطئ من خالفنا في ذلك فهو أن عثمان أفضل من علي ، والله أعلم ، لأن فضائلهما تتقاوم في الأكثر فكان عثمان أقرأ وكان علي أكثر فتيا ورواية ، ولعلي أيضا حظّ قوي في القراءة ، ولعثمان أيضا حظ قوي في الفتيا والرواية ، ولعلي مقامات عظيمة في الجهاد بنفسه ولعثمان مثل ذلك بماله ، ثم انفرد عثمان بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بايع ليساره المقدسة عن يمين عثمان في بيعة الرضوان ، وله هجرتان وسابقة قديمة وصهر مكرم محمود ولم

__________________

رضي الله عنه ، أوله : «كانت بين أبي بكر وعمر محاورة ...» وفيه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هل أنتم تاركو لي صاحبي؟ هل أنتم تاركو لي صاحبي؟ إني قلت يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت».

(١) رواه من طرق متعددة : البخاري في الصلاة باب ٨٠ ، وفضائل الصحابة باب ٣ و ٥ ، والفرائض باب ٩. ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة حديث ٢٨ ، وفضائل الصحابة حديث ٢ ـ ٧. والترمذي في المناقب باب ١٤ ـ ١٦. وابن ماجة في المقدمة باب ١١. والدارمي في الفرائض باب ١١. وأحمد في المسند (١ / ٢٧٠ ، ٣٥٩ ، ٣ / ٤٧٨ ، ٤ / ٤ ، ٥ / ٢١٢).

(٢) رواه البخاري في مناقب الأنصار باب ٤٥. ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٢. والترمذي في المناقب باب ١٥.

يحضر بدرا فألحقه الله عزوجل فيهم بأجره التام وسهمه ، فألحقه بمن حضرها فهو معدود فيهم ، ثم كانت له فتوحات في الإسلام عظيمة لم تكن لعلي ، وسيرة في الإسلام هادية ، ولم يتسبب بسفك دم مسلم ، وجاءت فيه آثار صحاح ، وأن الملائكة تستحي منه (١) وأنه ومن اتبعه على الحق. والذي صح من فضائل علي فهو قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» (٢). وقوله عليه‌السلام : «لاعطينّ الرّاية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله» (٣) وهذه صفة واجبة لكل مؤمن وفاضل. وعهده عليه‌السلام : «أنّ عليّا لا يحبّه إلّا مؤمن ولا يبغضه إلّا منافق» (٤) وقد صحّ مثل هذه في الأنصار رضي الله عنهم أنه لا يبغضهم من يؤمن بالله واليوم الآخر (٥) وأما «من كنت مولاه فعلي مولاه» (٦) فلا يصح من طريق الثقات أصلا. وأما سائر الأحاديث التي تتعلق بها الرافضة فموضوعة يعرف ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلتها.

قال أبو محمد : ونقول نفضّل المهاجرين الأولين بعد عمر بن الخطاب قطعا إلا أننا لا نقطع بفضل أحد منهم على صاحبه كعثمان بن عفان ، وعثمان بن مظعون ، وعليّ وجعفر ، وحمزة وطلحة والزبير ومصعب بن عمير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن

__________________

(١) رواه من طرق : مسلم في فضائل الصحابة حديث ٢٦ ، وأحمد في المسند (١ / ٧١ ، ٦ / ٦٢ ، ١٥٥ ، ٢٨٨). ولفظه عند مسلم : «... ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة؟».

(٢) رواه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم باب ٩. والترمذي في المناقب باب ٢٠. وابن ماجة في المقدمة باب ١١. وأحمد في المسند (١ / ١٧٠ ، ١٧٧ ، ١٧٩ ، ١٨٢ ، ١٨٤ ، ١٨٥ ، ٣ / ٣٢).

(٣) رواه البخاري في الجهاد باب ١٠٢ و ١٢١ و ١٤٣ ، وفضائل الصحابة باب ٩ ، والترمذي في المناقب باب ٢٠.

(٤) رواه الترمذي في المناقب باب ٢٠. والنسائي في الإيمان باب ٩ و ٢٠. وأحمد في المسند (٦ / ٢٩٢).

(٥) رواه بلفظ : «من أبغض الأنصار أبغضه الله» البخاري في مناقب الأنصار باب ٤. ومسلم في الإيمان حديث ١٢٩. وابن ماجة في المقدمة باب ١١. وأحمد في المسند (٤ / ٩٦ ، ١٠٠ ، ٢٢١). وبلفظ : «لا يبغض الأنصار رجل .. الخ» مسلم في الإيمان حديث ١٢٩ و ١٣٠. والترمذي في المناقب باب ٦٥. وأحمد في المسند (١ / ٣٠٩ ، ٢ / ٤١٩ ، ٥٠١ ، ٥٢٧ ، ٣ / ٤٥ ، ٧٢ ، ٩٣ ، ٤٢٩).

(٦) جزء من حديث حجة الوداع. رواه من طرق الترمذي في المناقب باب ١٩ ، وابن ماجة في المقدمة باب ١١ ، وأحمد في المسند (١ / ٨٤ ، ١١٨ ، ١١٩ ، ١٥٢ ، ٣٣١ ، ٤ / ٢٦٨ ، ٢٧٠ ، ٢٧٢ ، ٥ / ٣٤٧ ، ٤١٩).

مسعود ، وسعد وزيد بن حارثة ، وأبي عبيدة وبلال ، وسعيد بن زيد وعمار بن ياسر ، وأبي سلمة وعبد الله بن جحش وغيرهم من نظرائهم. ثم بعد هؤلاء أهل العقبة ، ثم أهل بدر ، ثم أهل المشاهد كلها مشهدا مشهدا. فأهل كل مشهد أفضل من أهل المشهد الذي بعده حتى يبلغ الأمر إلى أهل الحديبية ، فكل من تقدم ذكره من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم إلى تمام بيعة الرضوان فإننا نقطع على غيب قلوبهم وأنهم كلهم مؤمنون صالحون ماتوا كلهم على الإيمان والهدى والبر ، كلهم من أهل الجنة لا يلج أحد منهم النار البتة ، لقول الله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [سورة الواقعة : ٩ ، ١٠]. ولقوله عزوجل : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) [سورة الفتح : ١٨].

قال أبو محمد : فمن أخبرنا أن الله عزوجل أنه علم ما في قلوبهم رضي الله عنهم ، وأنزل السكينة عليهم ، فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم ، ولا الشك فيهم البتة ، ولقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة إلا صاحب الجمل الأحمر» (١) ولإخباره عليه‌السلام أنه لا يدخل النار أحد شهد بدرا. ثم نقطع على أن كل من صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنية صادقة ولو ساعة فإنه من أهل الجنة لا يدخل النار لتعذيب إلا أنهم لا يلحقون بمن أسلم قبل الفتح وذلك لقول الله عزوجل : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) [سورة الحديد : ١٠].

وقال تعالى : (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) [سورة الروم : ٦].

وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [سورة الأنبياء : ١٠١ ـ ١٠٣] فصح بالضرورة أن كل من أنفق من قبل الفتح وقاتل فهو مقطوع على غيبه لتفضيل الله تعالى إياهم ، والله

__________________

(١) رواه مسلم في صفات المنافقين حديث ١٢ ، والترمذي في المناقب باب ٥٨ ، والدارمي في الصلاة باب ٢٢٢. وتمام الحديث عند مسلم : عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من يصعد الثنيّة ثنيّة المرار ، فإنه يحط عنه ما حطّ عن بني إسرائيل» قال : فكان أول من صعدها خيلنا خيل بني الخزرج ، ثم تتامّ الناس. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وكلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر» فأتيناه فقلنا له : تعالى يستغفر لك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال : والله لأن أجد ضالتي أحبّ إليّ من أن يستغفر لي صاحبكم» قال : وكان رجل ينشد ضالّة له.

تعالى لا يفضل إلا مؤمنا فاضلا ، وأما من أنفق بعد الفتح وقاتل فقد كان فيهم منافقون لم يعلمهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكيف نحن. قال الله تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) [سورة التوبة : ١٠١].

قال أبو محمد : فلهذا لم نقطع على كل امرئ منهم بعينه لكن نقول : كل من لم يكن منهم من المنافقين فهو من أهل الجنة يقينا ، لأنه قد وعدهم الله تعالى الحسنى كلهم ، وأخبر أنه لا يخلف وعده ، وأن من سبقت له الحسنى فهو مبعد من النار لا يسمع حسيسها ، ولا يحزنه الفزع الأكبر ، وهو فيما اشتهى خالد. وهذا نص قولنا والحمد لله رب العالمين.

قال أبو محمد : لقد خاب وخسر من رد قول ربه عزوجل أنه رضي عن المبايعين تحت الشجرة وعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وقد علم كل أحد له أدنى علم أن أبا بكر ، وعمر وعثمان ، وعليا وطلحة ، والزبير ، وعمارا ، والمغيرة بن شعبة ، رضي الله عنهم من أهل هذه الصفة ، والخوارج ، والروافض ، قد انتظمت الطائفتان الملعونتان البراءة منهم ، خلافا لله عزوجل وعنادا له. ونعوذ بالله من الخذلان.

قال أبو محمد : فهذا قولنا في الصحابة رضي الله عنهم فأما التابعون ومن بعدهم فلا نقطع على عينهم واحدا واحدا إلا من بان منه احتمال المشقة في الصبر للدين ، ورفض الدنيا لغير عرض استعجله ، إلا أننا لا ندري على ما ذا مات ، وإن بلغنا الغاية في تعظيمهم ، وتوقيرهم ، والدعاء بالمغفرة والرحمة والرضوان لهم ، لكن نتولاهم جملة قطعا ، ونتولى كل إنسان منهم بظاهره ، ولا نقطع على أحد منهم بجنة ولا نار ، لكن نرجو لهم ونخاف عليهم ، إذ لا نص في إنسان منهم بعينه ولا يحل الإخبار عن الله عزوجل إلا بنص من عنده. لكن نقول كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خيركم القرن الذي بعثت فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ..» (١) ومعنى هذا الحديث إنما هو أن كل قرن من هذه القرون التي ذكر عليه‌السلام أكثر فضلا بالجملة من القرن الذي بعده ، لا يجوز غير هذا البتة. وبرهان ذلك أنه قد كان في عصر التابعين من هو أفسق الفاسقين كمسلم بن عقبة المري وحبيش بن دلجة القيني ، والحجاج بن يوسف الثقفي

__________________

(١) رواه البخاري في الشهادات باب ٩ ، وفضائل الصحابة باب ١. والترمذي في الفتن باب ٤٥ ، والشهادات باب ٤ ، والمناقب باب ٥٦. وابن ماجة في الأحكام باب ٢٧. وأحمد في المسند (١ / ٢٧٨).

وقتلة عثمان ، وقتلة الزبير وقتلة الحسين رضي الله عنهم ولعن قتلتهم ومن بعثهم. فمن خالف قولنا في هذا الخبر لزمه أن يقول : إن هؤلاء الفساق الأخابث أفضل من كل فاضل في القرن الثالث ومن بعده ، كسفيان الثوري ، والفضيل بن عياض ، ومسعر بن كدام ، وشعبة ومنصور بن المعتمر ومالك والأوزاعي والليث وسفيان بن عينية ووكيع وابن المبارك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ، وداود به علي رضي الله عنهم ، وهذا ما لا يقوله أحد. وما يبعد أن يكون في زماننا وفيمن يأتي بعدنا من هو أفضل من أفضل رجل من التابعين عند الله عزوجل ، إذ لم يأت في المنع من ذلك نص ولا دليل أصلا ، والحديث المأثور في أويس القرني لا يصح لأن مداره على أسيد بن جابر وليس بالقوي ، وقد ذكر شعبة أنه سأل عمرو بن مرة وهو كوفي قرني مرادي من أشرف مراد وأعلمهم بهم عن أويس القرني فلم يعرفه في قومه ، وأما الصحابة رضي الله عنهم فخلاف هذا ولا سبيل إلى أن يلحق أقلهم درجة أحد من أهل الأرض ، وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : وذهب بعض الروافض إلى أن لذوي قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فضلا بالقرابة فقط ، واحتج بقول الله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) [سورة آل عمران : ٣٣].

وبقوله عزوجل : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [سورة الشورى : ٢٣] وبقوله تعالى : (وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) [سورة البقرة : ١٢٩].

قال أبو محمد : وهذا كله لا حجة فيه ، أما إخباره تعالى بأنه اصطفى آل إبراهيم وآل عمران على العالمين ، فإنه لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما : إما أن يعني كل مؤمن فقد قال ذلك بعض العلماء أو يعني مؤمني أهل بيت إبراهيم وعمران لا يجوز غير هذا ، لأن آزر والد إبراهيم عليه‌السلام كان كافرا عدوا لله لم يصطفه الله تعالى إلا لدخول النار ، فإن أراد الوجه الذي ذكرنا لم نمانعه ولا ننازعه في أن موسى وهارون من آل عمران ، وأن إسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف من آل إبراهيم مصطفون على العالمين ، فأي حجة هاهنا لبني هاشم؟

فإن ذكروا الدعاء المأمور به وهو اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد.

فالقول في هذا كما قلنا ولا فرق ، وهذا دعاء لكل مؤمن ، وقد قال تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) [سورة التوبة : ١٠٣].

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم صل على آل أبي أوفى» (١) فهذا هو الدعاء لهم بالصلاة على كل مؤمن ومؤمنة بلا خلاف ، وكذلك الدعاء في التشهد المفترض في كل صلاة من قول المصلي : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فهذا السلام على كل مؤمن ومؤمنة فاستوى بنو هاشم وغيرهم في إطلاق الدعاء بالصلاة عليهم وبالسلام عليهم ولا فرق ، وقال تعالى : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [سورة البقرة : ١٥٥] فوجبت صلوات الله تعالى على كل مؤمن صابر واستوى في هذا كله بنو هاشم وقريش والعرب والعجم من كان جميعهم بهذه الصفة ، وأيضا فيلزم من احتج بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) [سورة آل عمران : ٣٣] أن يقول : إن من أسلم من الهارونيين من اليهود أفضل من بني هاشم ، وأشرف وأولى بالتقديم ، لأنه من آل عمران ومن آل إبراهيم وفيهم ورد النص.

قال أبو محمد : فصح يقينا أن الله عزوجل إنما أراد بذلك الأنبياء عليهم‌السلام فقط وبيّن هذا بيانا جليا قول الله عزوجل حاكيا عن إبراهيم عليه‌السلام أنه (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [سورة البقرة : ١٢٤] فسوى الله تعالى بين الظالمين من ذرية إبراهيم عليه‌السلام وبين الظالمين من ذرية غيره. وقال عزوجل : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) [سورة آل عمران : ٦٨] النبي عليه‌السلام فخص الله تعالى بولاية إبراهيم عليه‌السلام ومن اتبع إبراهيم كائنا من كان فدخل في هذا كل مؤمن ومؤمنة ولا فضل.

وأما قول الله عزوجل : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [سورة الشورى : ٢٣] فهذا حق على ظاهره ، وإنما أراد عليه‌السلام من قريش أن يودوه لقرابته منهم ولا يختلف أحد من الأمة في أنه عليه‌السلام لم يرد قط من المسلمين أن يودوا أبا لهب وهو عمه ، ولا شك في أنه عليه‌السلام أراد من المسلمين مودة بلال ، وعمار وصهيب ، وسلمان ، وسالم مولى أبي حذيفة وأما قوله عزوجل عن إبراهيم عليه‌السلام : (وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) [سورة البقرة : ١٢٩] فقد قال عزوجل : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [سورة فاطر : ٢٤] وقال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا

__________________

(١) رواه البخاري في الدعوات باب ٣٢. وأبو داود في الزكاة باب ٧. والنسائي في الزكاة باب ١٣. وابن ماجة في الزكاة باب ٨. وأحمد بن حنبل في المسند (٤ / ٣٥٣ ، ٣٥٥ ، ٣٨١ ، ٣٨٣).

بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) [سورة إبراهيم : ٤] فاستوت الأمم كلها في هذه الدعوة بأن يبعث فيهم رسولا منهم ممن هم قومه. فإن احتج محتج بالحديث الثابت الذي فيه : «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم» (١) فمعناه ظاهر وهو أنه تعالى اختار كونه عليه الصلاة والسلام من بني هاشم وكون بني هاشم من قريش ، وكون قريش من كنانة وكون كنانة من بني إسماعيل ، كما اصطفى أن يكون موسى من بني لاوي ، وأن يكون بنو لاوي من بني إسحاق عليه‌السلام ، وكل نبي من عشيرته التي هو منها ، ولا يجوز غير هذا البتة ، ونسأل من أراد هذا الحديث على غير هذا المعنى أيدخل أحد من بني هاشم أو من قريش أو من كنانة أو من بني إسماعيل النار أم لا؟ فإن أنكروا هذا كفروا ، وخالفوا الإجماع والقرآن والسنن ، وقد قال عليه‌السلام : «أبي وأبوك في النار» (٢) و «إنّ أبا طالب في النار».

وجاء القرآن بأن أبا لهب في النار ، وسائر كفار قريش في النار ، كذلك قال الله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) [سورة المسد : ١ ـ ٣].

فإذا أقر بأنه قد يدخل النار منهم من يستحق أن يدخلها صحت المساواة بينهم وبين سائر الناس.

قال أبو محمد : ويكذب هذا الظن الفاسد قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا ، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا ، يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئا» (٣).

وأبين من هذا كله قول الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [سورة الحجرات : ١٣].

وقوله تعالى : (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) [سورة الممتحنة : ٣].

__________________

(١) رواه مسلم في الفضائل (حديث ١) والترمذي في المناقب باب ١ ، وأحمد في المسند (٤ / ١٠٧) ..

(٢) رواه أبو داود في السنّة باب ١٧ ، وأحمد في المسند (٤ / ١٤).

(٣) رواه البخاري في الوصايا باب ١١ ، وتفسير سورة ٢٦ باب ٢. والنسائي في الوصايا باب ٦. والدارمي في الرقاق باب ٢٣. وأحمد في المسند (١ / ٢٠٦).

وقوله تعالى : (وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) [سورة لقمان : ٣٣].

وقال تعالى ، وذكر عادا وثمودا وقوم نوح وقوم لوط ، ثم قال : (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ) [سورة القمر : ٤٣].

فصح ضرورة أنه لا ينتفع أحد بقرابته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا من نبي من الأنبياء والرسل عليهم‌السلام ولو أن النبي ابنه أو أبوه أو أمه ، وقد نص الله تعالى في ابن نوح ووالد إبراهيم وعم محمد ـ عليه وعلى رسل الله الصلاة والسلام ـ ما فيه الكفاية.

وقد نص الله تعالى على أن من أنفق من قبل الفتح وقاتل أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ، فصح ضرورة أن بلالا ، وصهيبا ، والمقداد وعمارا وسالما ، وسلمان ، أفضل من العباس ، وبنيه عبد الله ، والفضل ، وقثم ، ومعبد ، وعبيد الله ، وعقيل بن أبي طالب ، والحسن والحسين ، رضي الله عن جميعهم ، بشهادة الله تعالى. فإذ هذا لا شك فيه ولا جزاء في الآخرة إلا على عمل ولا ينتفع عند الله تعالى بالأرحام ولا بالولادات ، وليست الدنيا دار فضل ولا جزاء ، فلا فرق بين هاشمي وقرشي ، وعربي وعجمي ، وحبشي وابن زنجية لغير الكرم والفوز لمن اتقى الله عزوجل.

حدثنا محمد بن سعيد بن بيان ، أنبأنا أحمد بن عبد الله البصير ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن حسان بن قايد العبسي قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : «كرم الرجل دينه ، وحسبه خلقه ، وإن كان فارسيا أو نبطيا».

الكلام في حرب علي ومن حاربه

من الصحابة رضي الله عنهم

قال أبو محمد : اختلف الناس في تلك الحرب على ثلاث فرق ، فقال جميع الشيعة وبعض المرجئة ، وجمهور المعتزلة ، وبعض أهل السنة : إنّ عليا كان المصيب في حربه ، وكل من خالفه على خطأ.

وقال واصل بن عطاء ، وعمرو بن عبيد ، وأبو الهذيل ، وطوائف من المعتزلة إنّ عليا مصيب في قتاله معاوية ، وأهل النهر (١) ، ووقفوا في قتاله مع أهل الجمل ، وقالوا : إحدى الطائفتين مخطئة ولا نعرف أيهما هي. وقالت الخوارج : علي المصيب في قتاله أهل الجمل ، وأهل صفين ، وهو مخطئ في قتاله أهل النهر.

وذهب سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر ، وجمهور الصحابة إلى الوقوف في علي ، وأهل الجمل ، وأهل صفين ، وبه يقول جمهور أهل السنة ، وأبو بكر بن كيسان.

وذهب جماعة من الصحابة وخيار التابعين ، وطوائف ممن بعدهم ، إلى تصويب محاربي علي من أصحاب الجمل ، وأصحاب صفين ، وهم الحاضرون لقتاله في اليومين المذكورين ، وقد أشار إلى هذا أيضا أبو بكر بن كيسان.

قال أبو محمد : أما الخوارج ، فقد أوضحنا خطأهم وخطأ أسلافهم فيما سلف من كتابنا هذا حاشا احتجاجهم بإنكار تحكيم عليّ الحكمين ، فسنتكلم في ذلك إن شاء الله تعالى كما تكلمنا في سائر أحكامهم ، والحمد لله رب العالمين.

وأما من وقف فلا حجة له أكثر من أنه لم يتبين له الحق ، ومن لم يتبين له الحق فلا سبيل إلى مناظرته بأكثر من أن نبين له وجه الحق حتى يراه. وذكروا أيضا أحاديث في ترك القتال في الاختلاف سنذكر لكم جملتها إن شاء الله تعالى. فلم يبق إلا الطائفة المصوبة لعلي في جميع حروبه ، والطائفة المصوبة لمن حاربه من أهل الجمل وأهل صفين.

__________________

(١) هم الخوارج من أهل النهروان.

قال أبو محمد : احتج من ذهب إلى تصويب محاربي علي يوم الجمل ويوم صفين بأن قال : إن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوما فالطلب بأخذ القود من قاتليه فرض ، قال عزوجل : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) [سورة الإسراء : ٣٣].

وقال تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [سورة المائدة : ٢].

قالوا : ومن آوى الظالمين فهو إما مشارك لهم ، وإما ضعيف عن أخذ الحق منهم ، وقالوا : وكلا الأمرين حجة في إسقاط إمامة من فعل ذلك ووجوب حربه.

قالوا : وما أنكروا على عثمان إلا أقل من هذا ، من جواز إنفاذ أشياء بغير علمه ، فقد ينفذ مثلها سرا ولا يعلمها أحد إلا بعد ظهورها.

قالوا : وحتى لو أن كل ما أنكر على عثمان يصح ما حل بذلك قتله بلا خلاف من أحد من أهل الإسلام ، لأنهم إنما أنكروا عليه استئثارا بشيء يسير من فضلات الأموال ، لم تجب لأحد بعينه فمنعها ، وتولية أقاربه ، فلما شكوا إليه عزلهم وأقام الحد على من استحقه ، وأنه صرف الحكم بن أبي العاص إلى المدينة ، ونفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للحكم لم يكن حدا واجبا ، ولا شريعة على التأبيد ، وإنما كان عقوبة على ذنب استحق به النفي ، والتوبة مبسوطة ، فإذا تاب سقطت عنه تلك العقوبة بلا خلاف من أحد من أهل الإسلام ، وصارت الأرض كلها له مباحة ، وأنه ضرب عمارا خمسة أسواط ، ونفى أبا ذر إلى الربذة. وهذا كله لا يبيح الدم.

قالوا : وإيواء عليّ المحدثين أعظم الأحداث من سفك الدم الحرام في حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لا سيما دم الإمام وصاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أعظم ، والمنع من إنفاذ الحق عليهم أشدّ من كل ما ذكرنا بلا شك.

قالوا : وامتناع معاوية من بيعة علي ، كامتناع علي من بيعة أبي بكر ، فما حاربه أبو بكر ، ولا أكرهه ، وأبو بكر أقدر على عليّ من عليّ على معاوية ، ومعاوية في تأخره عن بيعة علي أعذر وأفسح مقالا من علي في تأخره عن بيعة أبي بكر ، لأن عليا لم يمتنع من بيعة أبي بكر أحد من المسلمين غيره ، بعد أن بايعه الأنصار ، والزبير ، وأما بيعة علي فإن جمهور الصحابة تأخروا عنها ، إما عليه وإما لا له ولا عليه ، ولا تابعه منهم إلا الأقلّ سوى أزيد من مائة ألف مسلم بالشام والعراق والحجاز كلهم امتنع من بيعته فهل معاوية إلا كواحد من هؤلاء في ذلك ..؟

وأيضا فإن بيعة علي لم تكن على عهد من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما كانت بيعة أبي

بكر ، ولا عن إجماع من الأمة كما كانت بيعة عثمان ، ولا عن عهد من خليفة واجب الطاعة كما كانت بيعة عمر ، ولا بسوق بائن في الفضل على غيره لا يختلف فيه ، ولا عن شورى ، فالقاعدون عنها بلا شك ومعاوية من جملتهم أعذر من علي في قعوده عن بيعة أبي بكر ستة أشهر حتى رأى البصيرة ، وراجع الحق عليه في ذلك.

قالوا : فإن قلتم خفي على عليّ نص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أبي بكر ، قلنا لكم : لم يخف عليه بلا شك تقديم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر إلى الصلاة ، وأمره عليا بأن يصلي وراءه في جماعة المسلمين ، فتأخره عن بيعة أبي بكر سعي منه في حطه عن مكان جعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حقا لأبي بكر ، وسعي منه في فسخ نص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على تقديمه إلى الصلاة ، وهذا أشد من رد إنسان نفاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لذنب ثم تاب منه ، وأيضا فإن عليا قد تاب واعترف بالخطإ ، لأنه إذ بايع أبا بكر بعد ستة أشهر تأخر فيها ان بيعته لا يخلو ضرورة من أحد وجهين : إما أن يكون مصيبا في تأخره فقد أخطأ إذ بايع ، أو يكون مصيبا في بيعته فقد أخطأ إذ تأخر عنها. قالوا : والممتنعون من بيعة علي لم يعترفوا قط بالخطإ على أنفسهم في تأخرهم عن بيعته. قالوا : فإن كان فعلهم خطأ فهو أخف من الخطأ في تأخر علي عن بيعة أبي بكر ، وإن كان فعلهم صوابا فقد برئوا من الخطأ جملة. قالوا : والبون بين طلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وعلي ، خفي جدا ، فقد كانوا في الشورى معه لا يبدو له فضل تفوق عليهم ، ولا على واحد منهم ، وأما البون بين علي وأبي بكر أبين وأظهر ، فهم من امتناعهم عن بيعته أعذر لخفاء التفاضل. قالوا : وهلا فعل علي في قتلة عثمان كما فعل بقتلة عبد الله بن خبّاب بن الأرت فإن القضيتين استويا في التحريم ، فالمصيبة في قتل عثمان في الإسلام وعند الله عزوجل وعلى المسلمين أعظم جرما وأوسع خرقا ، وأشنع إثما ، وأهول فيقا (١) من المصيبة في قتل عبد الله بن خبّاب ، قالوا : وفعله في طلب دم عبد الله بن خباب يقطع حجة من تأول على عليّ أنه يمكن أن يكون لا يرى قتل الجماعة بالواحد.

قال أبو محمد : هذا كل ما يمكن أن تحتج به هذه الطائفة قد تقصيناه ، ونحن إن شاء الله تعالى متكلمون على ما ذهبت إليه كل طائفة من هذه الطوائف حتى يلوح الحق في ذلك بعون الله تعالى وتأييده.

قال أبو محمد : نبدأ بعون الله عزوجل بإنكار الخوارج التحكيم.

__________________

(١) أهول فيقا : أي تفوقها.

قال أبو محمد : قالوا حكم عليّ الرجال في دين الله تعالى ، والله عزوجل قد حرم ذلك بقوله : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) [سورة الأنعام : ٥٧].

وبقوله تعالى : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) [سورة الشورى : ١٠].

قال أبو محمد : ما حكم عليّ رضي الله عنه قطّ رجلا في دين الله ، وحاشاه من ذلك ، وإنما حكّم كلام الله عزوجل كما افترض الله تعالى عليه ، وإنما اتفق القوم كلهم إذ رفعت المصاحف على الرماح ، وتداعوا إلى ما فيها على الحكم بما أنزل الله عزوجل في القرآن ، وهذا هو الحق الذي لا يحل لأحد غيره لأن الله تعالى يقول : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [سورة النساء : ٥٩].

فإنما حكم علي رضي الله عنه أبا موسى وعمرا رضي الله عنهما ليكون كل واحد منهما مدليا بحجة من قومه ، وليكونا متخاصمين عن الطائفتين ثم حاكمين لمن أوجب القرآن الحكم له ، وإذ من المحال الممتنع الذي لا يمكن أن يفهم لغط العسكرين أو أن يتكلم جميع أهل العسكر بحجتهم ، فصح يقينا لا محيد عنه صواب علي في تحكيم الحكمين والرجوع إلى ما أوجبه القرآن ، وهذا الذي لا يجوز غيره ، ولكن أسلاف الخوارج كانوا أعرابا قرءوا القرآن قبل أن يتفقوا في السنة الثابتة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يكن فيهم أحد من الفقهاء ، لا من أصحاب ابن مسعود ، ولا أصحاب عمر ، ولا أصحاب علي ، ولا أصحاب عائشة ، ولا أصحاب أبي موسى ، ولا أصحاب معاذ بن جبل ، ولا أصحاب أبي الدرداء ، ولا أصحاب سلمان ، ولا أصحاب زيد وابن عباس وابن عمر ولهذا تجدهم يكفر بعضهم بعضا عند أقل نازلة تنزل بهم من دقائق الفتيا وصغارها ، فظهر ضعف القوم ، وقوة جهلهم ، وأنهم أنكروا ما قام البرهان الذي أوردنا بأنه حق ، ولو لم يكن من جهلهم ، إلا قرب عهدهم بخبر الأنصار يوم السقيفة ، وإذعانهم رضي الله عنهم مع جميع المهاجرين لوجوب الأمر في قريش دون الأنصار وغيرهم ، وأن عهدهم بذلك قريب منذ خمسة وعشرين عاما وأشهر ، وجمهورهم أدرك ذلك بسنّة ، وثبت عند جميعهم كثبات أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا فرق ، لأن الذين نقلوا إليهم أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونقلوا إليهم القرآن ، والشرائع ، فدانوا بكل ذلك هم بأعيانهم لا زيادة فيهم ولا نقص ، نقلوا إليهم خبر السقيفة ، ورجوع الأنصار إلى أن الأمر لا يكون إلا في قريش ، وهم يقرون ويقرءون قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) [سورة الحديد : ١٠].

وقوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) [سورة الفتح : ٢٩].

وقوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) [سورة الفتح : ١٨].

ثم أعماهم الشيطان وأضلهم الله تعالى على علم ، فحلوا بيعة مثل علي ، وأعرضوا عن مثل سعيد بن زيد ، وسعيد وابن عمر ، وغيرهم ممن أنفق من قبل الفتح وقاتل ، وأعرضوا عن سائر الصحابة الذين أنفقوا بعد الفتح وقاتلوا ، ووعدهم الله الحسنى ، وتركوا من يقرون بأن الله تعالى عزوجل علم ما في قلوبهم ، فأنزل السكينة عليهم ، ورضي عنهم ، وبايعوا الله وتركوا جميع الصحابة ، وهم الأشداء على الكفار ، الرحماء بينهم ، الركع السجد المبتغون فضلا من الله ورضوانا ، سيماهم في وجوههم من أثر السجود ، المثنى عليهم في التوراة والإنجيل من عند الله عزوجل ، الذين غاظ الله بهم الكفار المقطوع على أن باطنهم في الخير كظاهرهم ، لأن الله عزوجل شهد بذلك فلم يبايعوا أحدا منهم ، وبايعوا شبث بن ربعي مؤذن سجاح أيام ادعت النبوة بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى تداركه الله عزوجل فقر عنهم ، وتبين له ضلالهم فلم يقع اختيارهم إلا على عبد الله بن وهب الراسبي أعرابي بوال على عقبيه لا سابقة له ولا صحبة ولا فقه ولا شهد الله له بخير ، فمن أضل ممن هذه سيرته واختياره ولكن حق لمن كان أحد أئمته ذو الخويصرة الذي بلغ ضعف عقله ، وقلة دينه إلى تجويره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حكمه والاستدراك عليه ، ورأى نفسه أورع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا وهو يقرّ أنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليه وبه اهتدى وبه عرف الدين ، ولولاه لكان حمارا أو أضل ، ونعوذ بالله من الخذلان.

وأما الطائفة المصوبة للقاعدين فإن من لم يلح له الحق منهم فإنما يكلم حتى يبين له الحق ، فيلزمه المصير إليه ، فنقول وبالله تعالى التوفيق : إنه قد صح ووجب فرض الإمامة بما ذكرنا قبل في إيجاب الإمامة وإذ هي فرض فلا يجوز تضييع الفرض ، وإذ ذلك كذلك فالمبادرة إلى تقديم إمام عند موت الإمام فرض واجب ، وقد ذكرنا وجوب الائتمام بالإمام ، فإذ هذا كله كما ذكرنا ، فإذ مات عثمان رضي الله عنه وهو الإمام ففرض إقامة إمام يأتم به الناس لئلا يبقوا بلا إمام ، فإذ بادر علي فبايعه واحد من المسلمين فصاعدا فهو إمام قائم ففرض طاعته لا سيما ولم تتقدم بيعته بيعة ، ولم ينازعه الإمامة أحد جملة ، فهذا أوضح وأوجب في وجوب إمامته وصحة بيعته ولزوم

إمرته للمؤمنين ، فهو الإمام بحقّ ، وما ظهر منه قط إلى أن مات رضي الله عنه شيء يوجب نقض بيعته ، وما ظهر منه قط إلا العدل ، والجد والبر ، والتقوى والخير ، كما لو سبقت بيعة طلحة ، أو الزبير ، أو سعد ، أو سعيد ، أو من يستحق الإمامة لكانت أيضا بيعة حق لازمة لعلي ولغيره ، ولا فرق ، فعلي مصيب في الدعاء إلى نفسه وإلى الدخول تحت إمامته وهذا برهان لا محيد عنه ، وأما أم المؤمنين ، والزبير وطلحة رضي الله عنهم ومن كان معهم ، فما أبطلوا قط إمامة علي ولا طعنوا فيها ولا ذكروا فيه جرحة تحطه عن الإمامة ، ولا أحدثوا إمامة أخرى ولا جددوا بيعة لغيره هذا ما لا يقدر أن يدعيه أحد بوجه من الوجوه ، بل يقطع كل ذي علم على أن كل ذلك لم يكن ، فإذ لا شك في كل هذا فقد صح صحة ضرورية لا إشكال فيها ، أنهم لم يمضوا إلى البصرة لحرب علي ولا خلافا عليه ولا نقضا لبيعته ، ولو أرادوا ذلك لأحدثوا بيعة غير بيعته هذا ما لا يشك فيه أحد لأحد ولا ينكره أحد ، فصح أنهم إنما نهضوا إلى البصرة لسد الفتق الحادث في الإسلام من قتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ظلما ، ولم يكن نهوض عليّ إلى البصرة لقتالهم لكن موافقا لهم على ذلك ليقوى بهم وتجتمع الكلمة على قتلة عثمان رضي الله عنه ، وبرهان ذلك أنهم اجتمعوا ولم يقتتلوا ولا تحاربوا ، فلما كان الليل عرف قتلة عثمان أن الإراغة والتدبير عليهم فبيتوا عسكر طلحة والزبير ، وبذلوا السيف فيهم فدفع القوم عن أنفسهم ، فردعوا حتى خالطوا عسكر علي ، فدفع أهله عن أنفسهم ، وكل طائفة تظن ولا تشك أن الأخرى بدأتها بالقتال فاختلط الأمر اختلاطا لم يقدر أحد على أكثر من الدفاع عن نفسه ، والفسقة من قتلة عثمان ـ لعنهم الله ـ لا يفترون من شب الحرب وإضرامها ، فكلتا الطائفتين مصيبة في غرضها ، ومقصدها ، مدافعة عن نفسها ، ورجع الزبير وترك الحرب بحالها وأتى طلحة سهم عائر وهو قائم لا يدري حقيقة ذلك الاختلاط ، فصادف جرحا في ساقه كان أصابه يوم أحد بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فانصرف ومات من وقته رضي الله عنه ، وقتل الزبير رضي الله عنه بوادي السباع ، على أقل من يوم من البصرة ، فهكذا كان الأمر.

وكذلك كان قتل عثمان رضي الله عنه إنما حاصره المصريون ومن لف لفهم يريدونه على إسلام مروان إليهم ، وهو رضي الله عنه يأبى من ذلك ، ويعلم أنه إن أسلمه قتل دون تثبت ، فهم على ذلك ، وجماعات من الصحابة فيهم الحسن ، والحسين ، أبناء علي ، وعبد الله بن الزبير ، ومحمد بن طلحة ، وأبو هريرة وعبد الله بن عمر ، في نحو سبعمائة من الصحابة وغيرهم معه في الدار يحمونه ، وينفتلون إلى القتال فيردعهم تثبتا إلى أن تسوروا عليه من خوخة في دار ابن حزم الأنصاري جاره غيلة فقتلوه ، ولا خبر من ذلك عند أحد.

لعن الله من قتله ، والراضين بقتله ، فما رضي أحد منهم قط بقتله ، ولا علموا أنه يراد قتله ، لأنه لم يأت منه شيء يبيح الدم الحرام ، وأما قول من قال إنه رضي الله عنه أقام مطروحا على مزبلة ثلاثة أيام فكذب بحث ، وإفك موضوع ، وتوليد من لا حياء في وجهه ، بل قتل عشية ودفن من ليلته رضي الله عنه ، شهد دفنه طائفة من الصحابة وهم جبير بن مطعم وأبو الجهم بن حذيفة وعبد الله بن الزبير ومكرم بن سياد وجماعة غيرهم ، هذا ما لا يتمارى فيه أحد ممن له علم بالأخبار ، ولقد أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم برمي أجساد قتلى الكفار من قريش يوم بدر في القليب ، وألقى التراب عليهم وهم شر خلق الله تعالى ، وأمر عليه‌السلام أن يحفر أخاديد لقتلى يهود قريظة ، وهم شر من وارته الأرض ، فمواراة المؤمن والكافر فرض على المسلمين ، فكيف يجوز لذي حياء في وجهه أن ينسب إلى علي وهو الإمام ومن بالمدينة من الصحابة أنهم تركوا رجلا ميتا ملقى بين أظهرهم على مزبلة ثلاثة أيام لا يوارونه ولا يبالى مؤمنا كان أو كافرا أو فاسقا؟ ولكن الله يأبى إلا أن يفضح الكذابين بألسنتهم ولو فعل هذا علي لكانت جرحة فيه لأنه لا يخلو أن يكون عثمان كافرا ، أو فاسقا أو مؤمنا ، فإن كان كافرا أو فاسقا عنده ، فقد كان فرضا على عليّ أن يفسخ أحكامه في المسلمين ، فإذ لم يفعل فقد صح أنه كان مؤمنا عنده ، فكيف يجوز أن ينسب ذو حياء إلى علي أنه ترك مؤمنا مطروحا ميتا على مزبلة لا يأمر بمواراته؟ أم كيف يجوز أن يظن به أنه أنفذ أحكام كافر أو فاسق على أهل الإسلام؟ ما أحد أسوأ ثناء على علي من هؤلاء الكذبة الفجرة.

قال أبو محمد : ومن البرهان على صحة ما قلناه أنّ من الجهل الفاضح أن يظن ظان أن عليا رضي الله عنه بلغ من التناقض في أحكامه واتباع الهوى في دينه والجهل أن يترك سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ، وأسامة بن زيد ، وزيد بن ثابت ، وحسان بن ثابت ، ورافع بن خديج ، ومحمد بن مسلمة ، وكعب بن مالك وسائر الصحابة الذين لم يبايعوه فلا يجبرهم عليها وهم معه في المدينة وغيرها ، نعم والخوارج وهم يصبحون في نواحي المسجد بأعلى أصواتهم بحضرته ، وهو على المنبر في مسجد الكوفة : لا حكم إلا لله ، لا حكم إلا لله ، فيقول لهم رضي الله عنه : لكم علينا ثلاث لا نمنعكم المساجد ، ولا نمنعكم حقكم من الفيء ، ولا نبدؤكم بقتال. ولم يبدأهم بحرب حتى قتلوا عبد الله به خباب ثم لم يقاتلهم بعد ذلك حتى دعاهم إلى أن يسلموا إليه قتلة عبد الله بن خباب فلما قالوا كلنا قتله ، قاتلهم حينئذ ، ثم يظن به مع هذا كله أنه يقاتل أهل الجمل لامتناعهم من بيعته ، هذا إفك ظاهر ، وجنون مختلق وكذب بحت بلا شك.

قال أبو محمد : وأما أمر معاوية رضي الله عنه فبخلاف ذلك ولم يقاتله علي رضي الله عنه لامتناعه من بيعته لأنه كان يسعه في ذلك ما وسع ابن عمر وغيره لكن قاتله لامتناعه من إنفاذ أوامره في جميع أرض الشام ، وهو الإمام الواجبة طاعته ، فعليّ المصيب في هذا ، ولم ينكر معاوية قط فضل علي واستحقاقه الخلافة لكن اجتهاده أداه إلى أن رأى تقديم أخذ القود من قتلة عثمان رضي الله عنه على البيعة ، ورأى نفسه أحق بطلب دم عثمان ، والكلام فيه من ولد عثمان ، وولد الحكم بن أبي العاص لسنه ولقوته على الطب بذلك ، كما أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الرحمن بن سهل أخا عبد الله بن سهل المقتول بخيبر بالسكوت ، وهو أخو المقتول وقال له : كبر كبر ، وروي : «الكبر الكبر» (١) ، فسكت عبد الرحمن وتكلم محيصة وحويصة ابني مسعود ، وهما ابنا عم المقتول لأنهما كانا أسن من أخيه ، فلم يطلب معاوية من ذلك إلا ما كان له من الحق أن يطلبه ، وأضاف في ذلك الأثر الذي ذكرنا وإنما أخطأ في تقديمه ذلك على البيعة فقط ، فله أجر الاجتهاد في ذلك ولا إثم عليه فما حرم من الإصابة كسائر المخطئين في اجتهادهم الذين أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لهم أجرا واحدا وللمصيب أجرين. ولا عجب أعجب ممن يجيز الاجتهاد في الدماء وفي الفروج والأبشار والأموال والشرائع التي يدان الله بها من تحريم وتحليل وإيجاب ، ويعذر المخطئين في ذلك ويرى ذلك مباحا لليث وأبي حنيفة ، والثوري ، ومالك والشافعي ، وأحمد وداود وإسحاق وأبي ثور وغيرهم كزفر وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن ، والحسن بن زياد ، وابن القاسم وأشهب ، وابن الماجشون ، والمزني وغيرهم ، فواحد من هؤلاء يبيح دم هذا الإنسان ، وآخر منهم يحرمه كمن حارب ولم يقتل ، أو عمل عمل قوم لوط وغير هذا كثير ، وواحد منهم يبيح هذا الفرج وآخر منهم يحرمه كبكر أنكحها أبوها وهي بالغة عاقلة بغير إذنها ولا رضاها ، وغير هذا كثير ، وكذلك في الشرائع والأموال والأبشار ، وهكذا فعلت المعتزلة بشيوخهم كواصل وعمرو وسائر شيوخهم وفقهائهم ، وهكذا فعلت الخوارج بفقهائهم ومفتيهم ثم يضيقون ذلك على من له الصحبة والفضل ، والعلم والتقدم والاجتهاد كمعاوية وعمرو ومن معهما من الصحابة رضي الله عنهم ، وإنما اجتهدوا في مسائل دماء كالتي اجتهد فيها المفتون ، وفي المفتين من يرى قتل الساحر وفيهم من لا يراه ، وفيهم من يرى قتل الحر بالعبد ،

__________________

(١) الحديث رواه البخاري في الأدب باب ٨٩ ، والديات باب ٢٢. ومسلم في القسامة حديث ١ و ٢. وأبو داود في الديات باب ٨. والترمذي في الديات باب ٢٢. والنسائي في القسامة باب ٤ و ٥. وأحمد في المسند (٤ / ٢ ، ٣).

وفيهم من لا يراه ، وفيهم من يرى قتل المؤمن بالكافر ، وفيهم من لا يراه.

فأي فرق بين هذه الاجتهادات واجتهاد معاوية وعمرو وغيرهما ، لو لا الجهل والعمى والتخليط بغير علم؟

وقد علمنا أن من لزمه حق واجب وامتنع من أدائه وقاتل دونه فإنه يجب على الإمام أن يقاتله وإن كان متأولا وليس ذلك بمؤثر في عدالته وفضله ، ولا بموجب له فسقا بل هو مأجور لاجتهاده ونيته في طلب الخير ، فبهذا قطعنا على صواب علي رضي الله عنه وصحة إمامته ، وأنه صاحب الحق وأن له أجرين أجر الاجتهاد وأجر الإصابة ، وقطعنا أن معاوية رضي الله عنه ومن معه مخطئون مأجورون أجرا واحدا. وأيضا فالحديث الشريف الصحيح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أخبر عن مارقة تمرق بين طائفتين من أمته يقتلها أولى الطائفتين بالحق ، (١) فمرقت تلك المارقة وهم الخوارج بين أصحاب علي وأصحاب معاوية فقتلهم علي وأصحابه فصح أنهم أولى الطائفتين بالحق ، وأيضا الخبر الصحيح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تقتل عمارا الفئة الباغية» (٢).

قال أبو محمد : المجتهد المخطئ إذا قاتل على ما يرى أنه الحق قاصدا إلى الله تعالى بنيته غير عالم بأنه مخطئ فهو فئة باغية ، وإن كان مأجورا ولا حد عليه إذا ترك القتال ولا قود ، وأما إذا قاتل وهو يدري أنه مخطئ فهذا محارب تلزمه حدود المحاربة والقود ، وهذا يفسق ويخرج لا المجتهد المخطئ ، وبيان ذلك قول الله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) إلى قوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [سورة الحجرات : ١٠].

فهذا نص قولنا دون تكلف تأويل ولا زوال عن موجب ظاهر الآية ، وقد سماهم الله عزوجل مؤمنين باغين بعضهم إخوة بعض في حين تقاتلهم ، وأهل العدل المبغي عليهم والمأمورين بالإصلاح بينهم ، وبينهم ، ولم يصفهم الله عزوجل بفسق من أجل ذلك التقاتل ولا بنقص إيمان ، وإنما هم مخطئون فقط باغون ولا يريد واحد منهم قتل الآخر ،

__________________

(١) رواه مسلم في الزكاة حديث ١٥١ و ١٥٢ ، وأبو داود في السنّة باب ١٢.

(٢) لفظ الحديث : «ويح عمّار تقتله الفئة الباغية» رواه من طرق متعددة : البخاري في الصلاة باب ٦٣. ومسلم في الفتن حديث ٧٠ و ٧٢ و ٧٣. والترمذي في المناقب باب ٣٤. وأحمد في المسند (٢ / ١٦١ ، ١٦٤ ، ٢٠٦ ، ٣ / ٥ ، ٢٢ ، ٢٨ ، ٩١ ، ٤ / ١٩٧ ، ١٩٩ ، ٥ / ٢١٥ ، ٣٠٦ ، ٣٠٧ ، ٦ / ٢٨٩ ، ٣٠٠ ، ٣١١ ، ٣١٥).

وعمار رضي الله عنه قتله أبو الغادية يسار بن سبيع السلمي ، شهد بيعة الرضوان ، فهو من شهداء الله له بأنه علم ما في قلبه ، وأنزل السكينة عليه ورضي عنه ، فأبو الغادية رضي الله عنه متأول مجتهد مخطئ فيه باغ عليه مأجور أجرا واحدا ، وليس هذا كقتلة عثمان رضي الله عنه لأنهم لا مجال للاجتهاد في قتله لأنه لم يقتل أحدا ولا حارب ولا قاتل ولا دافع ولا زنا بعد إحصان ولا ارتد فيسوغ لمحاربه تأويل ، بل هم فساق محاربون سافكون دما حراما عمدا بلا تأويل على سبيل الظلم والعدوان فهم فساق ملعونون.

قال أبو محمد : فإذ قد بطل هذا الأمر وصح أن عليا هو صاحب الحق ، فالأحاديث التي فيها التزام البيوت وترك القتال إنما هي بلا شك فيمن لم يلح له يقين الحق أين هو ، وهكذا نقول فإذا تبين الحق فقتال الفئة الباغية فرض بنص القرآن ، وكذلك إن كانتا معا باغيتين فقتالهما واجب لأن كلام الله عزوجل لا يعارض كلام نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه كله من عند الله عزوجل ، قال الله عزوجل : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) [سورة النجم : ٣ ، ٤].

وقال عزوجل : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [سورة النساء : ٨٢] فصح يقينا أن كل ما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهو وحي من عند الله عزوجل ، وإذ هو كذلك فليس شيء مما عند الله تعالى مختلفا والحمد لله رب العالمين.

قال أبو محمد : فلم يبق إلا الكلام على الوجوه التي اعترض بها من رأى قتال علي رضي الله عنه.

قال أبو محمد : فنقول وبالله تعالى التوفيق :

أما قولهم إن أخذ القود واجب من قتلة عثمان رضي الله عنه والمحاربين لله تعالى ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الساعين في الأرض بالفساد ، والهاتكين حرمة الإسلام والحرم والإمامة والهجرة والخلافة والصحبة والسابقة فنعم.

وما خالفهم قط علي في ذلك ولا في البراءة منهم ، ولكنهم كانوا عددا ضخما جما لا طاقة له عليهم ، فقد سقط عن علي رضي الله عنه ما لا يستطيع عليه ، كما سقط عنه وعن كل مسلم ما عجز عنه من قيام بالصلاة والصوم والحج ولا فرق ، قال الله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [سورة البقرة : ٢٨٦] وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» (١). ولو أن معاوية بايع عليا لقوي به على أخذ الحق

__________________

(١) رواه مسلم في الحج حديث ٤١٢. والنسائي في المناسك باب ١. وابن ماجة في المقدمة باب ١. وأحمد في المسند (٢ / ١٩٦ ، ٢٤٧ ، ٢٥٨ ، ٣١٣ ، ٣٥٥ ، ٤٢٨ ، ٤٤٨ ، ٤٥٧ ،

من قتلة عثمان ، فصح أن الاختلاف هو الذي أضعف يد علي عن إنفاذ الحق عليهم ، ولو لا ذلك لأنفذ الحق عليهم كما أنفذوه على قتلة عبد الله بن خباب إذ قدر على مطالبة قتلته.

وأما تأسي معاوية في امتناعه من بيعة علي بتأخر علي عن بيعة أبي بكر فليس في الخطأ أسوة ، وعلي قد استقال ورجع وبايع بعد يسير فلو فعل معاوية مثل ذلك لأصاب ولبايع حينئذ بلا شك كل من امتنع من الصحابة من البيعة من أجل الفرقة ، وأما تقارب ما بين علي وطلحة والزبير وسعد فنعم ، ولكن من سبقت بيعته وهو من أهل الاستحقاق للخلافة فهو الإمام الواجبة طاعته فيما أمر به من طاعة الله عزوجل ، سواء كان هنالك من هو مثله أو أفضل منه أو لم يكن كما سبقت بيعة عثمان قبله فوجبت طاعته وإمامته على علي وغيره.

ولو بويع هنالك حينئذ وقت الشورى علي أو طلحة أو الزبير ، أو عبد الرحمن أو سعد لكان الإمام ، وللزمت عثمان طاعته ، وكذلك إذ قتل عثمان رضي الله عنه ، فلو بدر طلحة أو الزبير أو سعد أو ابن عمر فبويع لكان هو الإمام ولوجبت طاعته على علي ، فصح أن عليا هو صاحب الحق والإمام المفترضة طاعته وغيره ، كما إذ بدر علي وجبت طاعته ولا فرق ومعاوية مخطئ مأجور مجتهد ، وقد يخفى الصواب على الصاحب العالم فيما هو أبين وأوضح من هذا الأمر من أحكام الدين فربما رجع إذا استبان له ، وربما لم يستبن له حتى يموت عليه ، وما توفيقنا إلا بالله عزوجل وهو المسئول العصمة والهداية لا إله إلا هو.

قال أبو محمد : فطلب علي حقه فقاتل عليه وقد كان له تركه ليجمع كلمة المسلمين كما فعل الحسن ابنه رضي الله عنهما فكان له بذلك فضل عظيم قد تقدم به إنذار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ قال : «ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين طائفتين عظيمتين من أمتي» (١) فغبطه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك.

ومن ترك حقه رغبة في حقن دماء المسلمين فقد أتى من الفضل بما لا وراء بعده ومن قاتل عليه ولو أنه فلس فحقه طلب ، ولا لوم عليه ، بل هو مصيب في ذلك ، وبالله تعالى التوفيق.

__________________

٤٨٢ ، ٤٩٥ ، ٥٠٨).

(١) رواه البخاري في الصلح باب ٩ ، وفضائل أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، باب ٢٠ ، والفتن باب ٢٢ ، والمناقب باب ٢٥. وأبو داود في السنّة باب ١٢ ، والمهدي باب ٨. والترمذي في المناقب باب ٣٠. والنسائي في الجمعة باب ٢٧.

الكلام في إمامة المفضول

قال أبو محمد : ذهبت طوائف من الخوارج ، وطوائف من المعتزلة ، وطوائف من المرجئة ، منهم محمد بن الطيّب الباقلاني ، ومن اتبعه ، وجميع الرافضة من الشيعة إلى أنه لا يجوز إمامة من يوجد في الناس أفضل منه. وذهبت طائفة من الخوارج وطائفة من المعتزلة ، وطائفة من المرجئة ، وجميع الزيدية من الشيعة ، وجميع أهل السنة إلى أن الإمامة جائزة لمن غيره أفضل منه.

قال أبو محمد : وأمّا الرافضة فقالوا إن الإمام واحد معروف بعينه في العالم على ما ذكرنا من أقوالهم التي تقدّم إفسادنا لها ، والحمد لله رب العالمين.

وما نعلم لمن قال إنّ الإمامة لا تجوز إلّا لأفضل من يوجد حجّة أصلا لا من قرآن ولا من سنة ، ولا من إجماع ، ولا من صحة عقل ولا من قياس ، ولا قول صاحب ، وما كان هكذا فهو أحق قول بالاطراح. وقد قال أبو بكر رضي الله عنه يوم السقيفة : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين يعني أبا عبيدة وعمر ، وأبو بكر أفضل منهما بلا شك ، فما قال أحد من المسلمين إنه قال من ذلك بما لا يحل في الدين ، ودعت الأنصار إلى بيعة سعد بن عبادة ، وفي المسلمين عدد كثير كلهم أفضل منه بلا شك ـ فصحّ بما ذكرنا إجماع جميع الصحابة رضي الله عنهم على جواز إمامة المفضول ، ثم عهد عمر رضي الله عنه إلى ستة رجال ولا بدّ أن لبعضهم على بعض فضلا. وقد أجمع أهل الإسلام حينئذ على أنه إن بويع أحدهم فهو الإمام الواجبة طاعته ، وفي هذا إطباق منهم على جواز إمامة المفضول. ثم مات علي رضي الله عنه فبويع الحسن ثم سلم الأمر إلى معاوية ، وفي بقايا الصحابة من هو أفضل منهما بلا خلاف ممن أنفق قبل الفتح وقاتل فكلهم أوّلهم عن آخرهم بايع معاوية ، ورأى إمامته ، وهذا إجماع متيقن بعد إجماع على جواز إمامة من غيره أفضل منه بيقين لا شك فيه ، إلى أن حدث من لا وزن له عند الله تعالى فخرقوا الإجماع بآرائهم الفاسدة بلا دليل ، ونعوذ بالله من الخذلان.

قال أبو محمد : والعجب كله كيف يجتمع قول الباقلاني أنه لا تجوز الإمامة لمن غيره من الناس أفضل منه ، وهو قد جوّز النبوة والرسالة لمن غيره من الناس أفضل منه ، فإنه صرّح فيما ذكره عنه صاحبه أبو جعفر السمناني (١) الأعمى قاضي الموصل

__________________

(١) هو أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد السمناني الحنفي. حدث عن نصر المرجي

بأنه جائز أن يكون في الأمة من هو أفضل من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حين بعث إلى أن مات.

قال أبو محمد : وما في خذلان الله عزوجل أحمق من هاتين القضيتين لا سيما إذا اقترنتا ، والحمد لله على السلامة.

فإن قال قائل : كيف تحتجون هنا بقول الأنصار رضي الله عنهم في دعائهم إلى سعد بن عبادة وهو عندكم خطأ وخلاف للنص من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ وكيف تحتجون في هذا أيضا بقول أبي بكر : رضيت لكم أحد هذين ، وخلافة أبي بكر رضي الله عنه عندكم نص من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمن أين له أن يترك ما نصّ عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟

قلنا وبالله تعالى التوفيق : إن فعل الأنصار رضي الله عنهم انتظم حكمين ، أحدهما : تقديم من ليس قرشيا ، وهذا خطأ قد خالفهم فيه المهاجرون فسقطت هذه القضية.

والثاني : جواز تقديم من غيره أفضل منه ، وهذا صواب وافقهم عليه أبو بكر وغيره ، فصار إجماعا فقامت به الحجة ، وليس خطأ من أخطأ في قول وخالفه فيه من أصاب الحق بموجب ألّا يحتجّ بصوابه الذي وافقه فيه أهل الحق ، وهذا ما لا خلاف فيه وبالله تعالى التوفيق.

وأمّا أمر أبي بكر فإن الحق كان له بالنص ، وللمرء أن يترك حقّه إذا رأى في تركه إصلاح ذات بين المسلمين ، ولا فرق بين عطية أعطاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنسانا من المسلمين فكان للمعطى أن يعطي غيره ما أعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبين منزلة صيّرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لإنسان فكان له أن يتجافى عنها لغيره إذ لم يمنعه من ذلك نصّ ولا إجماع وبالله تعالى التوفيق.

__________________

وعلي بن عمر الحربي وأبي الحسن الدار قطني وجماعة. ولازم الباقلاني حتى برع في علم الكلام. قال الخطيب : كتبت عنه ، وكان صدوقا فاضلا حنفيّا يعتقد مذهب الأشعري ، وله تصانيف. وقد ذكره ابن حزم فقال : هو أبو جعفر السمناني المكفوف ، هو أكبر أصحاب أبي بكر الباقلاني ومقدّم الأشعرية في وقتنا ، ومن مقالته قال : من سمى الله جسما من أجل أنه حامل لصفاته في ذاته فقد أصاب المعنى ، وأخطأ في التسمية فقط. ثم أخذ ابن حزم يشنّع على السمناني وذكر عنه تجويز الردّة على الرسول بعد أداء الرسالة. توفي أبو جعفر بالموصل سنة ٤٤٤ ه‍ ، وله ثلاث وثمانون سنة. انظر ترجمته في تاريخ بغداد (١ / ٣٥٥) والوافي بالوفيات (٢ / ٦٥) وسير أعلام النبلاء (١٧ / ٦٥١) واللباب لابن الأثير (٢ / ١٤١) والجواهر المضية (٢ / ٢١) وغيرها.

قال أبو محمد : وبرهان صحة قول من قال بأن الإمامة جائزة لمن غيره أفضل منه وبطلان قول من خالف ذلك : أنه لا سبيل إلى أن يعرف الأفضل إلّا بنص أو إجماع أو معجزة تظهر ، فالمعجزة ممتنعة هاهنا بلا خلاف ، وكذلك الإجماع وكذلك النص.

وبرهان آخر : وهو أن الذي كلفوا به من معرفة جهة الأفضل ممتنع محال لأن قريشا مفترقون في البلاد من أقصى السند إلى أقصى الأندلس ، إلى أقصى اليمن ، وصحارى البربر إلى أقصى أرمينية وأذربيجان وخراسان فما بين ذلك من البلاد ، فمعرفة أسمائهم ممتنع ، فكيف معرفة أحوالهم؟ فكيف معرفة أفضلهم؟.

وبرهان آخر : وهو أنا بالحسّ والمشاهدة ندري أنه لا يدري أحد فضل إنسان على غيره ممن بعد الصحابة رضي الله عنهم إلّا بالظنّ ، والحكم بالظن لا يحل. قال الله تعالى ذامّا لقوم : (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) [سورة الجائية : ٣٢].

وقال تعالى : (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [سورة الزخرف : ٢٠].

وقال تعالى : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) [سورة الذاريات : ١٠].

وقال تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى) [سورة النجم : ٢٣ ، ٢٤].

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إيّاكم والظنّ فإنّ الظّنّ أكذب الحديث» (١).

وأيضا : فإننا وجدنا الناس يتباينون في الفضائل ، فيكون الواحد أزهد ، ويكون الآخر أورع ، ويكون الآخر أسوس ، ويكون الرابع أشجع ، ويكون الخامس أعلم ، وقد يكونون متقاربين في التفاضل لا يبين التفاوت بينهم ، فبطل معرفة الأفضل ، وصحّ أنّ هذا القول فاسد ، وتكليف ما لا يطاق ، وإلزام ما لا يستطاع ، وهذا باطل لا يحل ، والحمد لله رب العالمين.

ثم قد وجدنا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد قلّد النواحي ، وصيّر فيها تنفيذ جميع الأحكام التي تنفذها الأئمة إلى قوم كان غيرهم بلا شك أفضل منهم ، فاستعمل على أعمال اليمن معاذ بن جبل ، وأبا موسى ، وخالد بن سعيد ، وعلى عمان : عمرو بن العاص ،

__________________

(١) رواه عن أبي هريرة البخاري في الوصايا باب ٨ ، والنكاح باب ٤٥ ، والفرائض باب ٢ ، والأدب باب ٥٧ و ٥٨. ومسلم في البر والصلة والآداب حديث ٢٨. والترمذي في البر والصلة باب ٥٦. ومالك في حسن الخلق حديث ١٥. وأحمد في المسند (٢ / ٢٤٥ ، ٢٨٧ ، ٣١٢ ، ٤٦٥ ، ٤٧٠ ، ٤٨٢ ، ٤٩٢ ، ٥٠٤ ، ٥١٧ ، ٥٣٩).

وعلى نجران أبا سفيان ، وعلى مكة عتّاب بن أسيد ، وعلى الطائف : عثمان بن أبي العاص ، وعلى البحرين : العلاء بن الحضرمي. ولا خلاف في أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليّا وطلحة والزبير وعمّار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبا عبيدة ، وابن مسعود وبلالا ، وأبا ذرّ أفضل ممن ذكرنا ـ فصح يقينا أنّ الصفات التي تستحقّ بها الإمامة والخلافة ليس منها التقدّم في الفضل.

وأيضا : فإنّ الفضائل كثيرة جدّا ، منها الورع ، والزهد ، والعلم ، والشجاعة ، والسخاء ، والحلم ، والعفة ، والصّبر ، والصرامة ، وغير ذلك ، ولا يوجد أحد يبين في جميعها ، بل يكون بائنا في بعضها ومتأخّرا في بعضها ، ففي أيّها يراعي الفضل من لا يجيز إمامة المفضول؟!

فإن اقتصر على بعضها كان مدّعيا بلا دليل ، وإن عم جميعها كلف ما لا سبيل إلى وجوده أبدا في أحد بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فإذ لا شك في ذلك ، فقد صح القول في إمامة المفضول ، وبطل قول من قال غير ذلك ، وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : وذكر الباقلانيّ في شروط الإمامة أنها أحد عشر شرطا وهذا أيضا دعوى بلا برهان ، وما كان هكذا فهو باطل ، فوجب أن ينظر في شروط الإمامة التي لا تجوز الإمامة لغير من هي فيه. فوجدناها أن يكون صليبه من قريش لإخبار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن الإمامة فيهم (١).

وأن يكون بالغا مميزا لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رفع القلم عن ثلاثة» (٢). فذكر الصبي حتى يحتلم ، والمجنون حتى يفيق. وأن يكون رجلا ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة» (٣).

__________________

(١) رواه بلفظ : «الأئمة من قريش» الإمام أحمد في المسند (٣ / ١٢٩ ، ١٨٣ ، ٤ / ٤٢١).

(٢) تمام الحديث : «رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصغير حتى يكبر ، وعن المجنون حتى يعقل» روي من حديث علي وعائشة. رواه البخاري في الطلاق باب ١١ ، والحدود باب ٢٢. وأبو داود في الحدود باب ١٧. والترمذي في الحدود باب ١. والنسائي في الطلاق باب ٢١. وابن ماجة في الطلاق باب ١٥. والدارمي في الحدود باب ١. وأحمد في المسند (١ / ١١٦ ، ١١٨ ، ١٤٠ ، ١٥٥ ، ١٥٨ ، ٦ / ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٤٤).

(٣) رواه من حديث أبي بكرة البخاري في المغازي باب ٨٢ ، والفتن باب ١٨. والترمذي في الفتن باب ٧٥. والنسائي في القضاة باب ٨. بلفظ : «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة». ورواه بلفظ : «أسندوا» الإمام أحمد في المسند (٥ / ٣٨ ، ٤٧).

وأن يكون مسلما ، لأن الله تعالى يقول : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) [سورة النساء : ١٤١].

والخلافة أعظم السبل ، ولأمره تعالى بإصغار أهل الكتاب ، وأخذهم بأداء الجزية ، وقتل من لم يؤمن من أهل الكتاب حتى يسلموا.

وأن يكون منفّذا لأمره ، عالما بما يلزمه من فرائض الدين ، متّقيا لله تعالى بالجملة ، غير معلن بالفساد في الأرض لقول الله تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [سورة المائدة : ٢].

لأنّ من قدّم من لا يتّقي الله عزوجل ، ولا في شيء من الأشياء ، أو معلنا بالفساد في الأرض غير مأمون ، أو من لا ينفّذ أمرا ، أو من لا يدري شيئا من دينه ، فقد أعان على الإثم والعدوان ، ولم يعن على البرّ والتقوى وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ» (١).

وقال عليه‌السلام : «يا أبا ذر إنّك ضعيف فلا تأمرّنّ على اثنين ، ولا تولّينّ مال يتيم» (٢) وقال تعالى : (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً) [سورة البقرة : ٢٨٢].

فصحّ أنّ السفيه والضعيف ومن لا يقدر على شيء فلا بدّ له من ولي ، ومن لا بدّ له من ولي فلا يجوز أن يكون وليا للمسلمين. فصح أن ولاية من لا يستكمل هذه الشروط الثمانية باطل لا يجوز ، ولا ينعقد أصلا.

ثم يستحبّ أن يكون عالما بما يخصه من أمور الدين ، من العبادات والسياسة والأحكام ، مؤدّيا للفرائض كلها لا يخل بشيء منها ، مجتنبا لجميع الكبائر سرّا وجهرا ، مستترا بالصغائر إن كانت منه.

فهذه أربع صفات يكره أن يلي الأمر من لم ينتظمها ، فإن ولي فولايته صحيحة ونكرهها ، وطاعته فيما أطاع الله فيه واجبة ، ومنعه مما لم يطع الله فيه واجب. والغاية المأمولة فيه : أن يكون رفيقا بالنّاس غير ضعيف ، شديدا في إنكار المنكر من غير

__________________

(١) رواه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنة باب ٢٠ ، والبيوع باب ٦٠ ، والصلح باب ٥. ومسلم في الأقضية حديث ١٧ ، ١٨. وأبو داود في السنّة باب ٥. وابن ماجة في المقدمة باب ٢. وأحمد في المسند (٢ / ١٤٦).

(٢) رواه مسلم في الإمارة حديث ١٧ ، وأبو داود في الوصايا باب ٤.

عنف ، ولا يجاوز للواجب ، متيقظا غير غافل ، شجاع النفس غير مانع للمال في حقه ، ولا مبذرا له في غير حقه.

ويجمع هذا كله : أن يكون الإمام قائما بأحكام القرآن ، وسنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فهذا يجمع كل فضيلة.

قال أبو محمد : ولا يضر الإمام أن كون في خلقه عيب ، كالأعمى والأصم والأجدع ، والأجذم ، والأحدب ، والذي لا يدان له ، ولا رجلان ، ومن بلغ الهرم ما دام يعقل ، ولو أنه ابن مائة عام ، ومن يعرض له الصّرع ثم يفيق ، ومن بويع إثر بلوغه الحلم وهو مستوف لشروط الإمامة ، فكل هؤلاء إمامتهم جائزة إذ لم يمنع منها نص قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا نظر ، ولا دليل أصلا.

فلا يجوز التوارث في الإمامة لأنه لم يوجب ذلك أيضا نص قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا دليل ، بل قال تعالى : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) [سورة النساء : ١٣٥].

فمن قام بالقسط فقد أدّى ما أمر به ، ولا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أنه لا يجوز لمن لم يبلغ حاشا الروافض فإنهم أجازوا كلا الأمرين ، ولا خلاف بين أحد في أنها لا تجوز لامرأة ، وبالله تعالى نتأيّد.

الكلام في عقد الإمامة بما ذا يصح

قال أبو محمد : ذهب قوم إلى أن الإمامة لا تصح إلّا بإجماع فضلاء الأمة في أقطار البلاد.

وذهب آخرون إلى أن الإمامة إنما تصح بعقد أهل حضرة الإمام والموضع الذي فيه قرار (١) الأئمة.

وذهب أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي إلى أن الإمامة لا تصح بأقل من عقد خمسة رجال ، ولم يختلفوا في أن عقد الإمامة يصح بعهد من الإمام الميت إذا قصد فيه حسن الاختيار للأمة عند موته ولم يحاب بذلك بهوى ، وقد ذكرنا فساد قول الروافض وقول الكيسانية ، ومن ادّعى إمامة رجل بعينه ، وأنبأنا أن كل ذلك دعاوى لا يعجز عنها ذو لسان ، إذا لم يتق الله ولا استحيا من الناس ، إذ لا دليل على شيء منها.

قال أبو محمد : أمّا من قال إنّ الإمامة لا تصحّ إلا بعقد فضلاء الأمة في أقطار البلاد فباطل لأنه تكليف ما لا يطاق وما ليس في الوسع ، وما هو أعظم الحرج ، والله تعالى لا يكلف نفسا إلّا وسعها. وقال تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [سورة الحج : ٧٨].

قال أبو محمد : ولا حرج ولا تعجيز أكثر من تعرف إجماع فضلاء من في المولتان والمنصورة إلى بلاد مهرة إلى عدن إلى أقاصي بلاد المصامدة إلى طنجة إلى الأشبونة (٢) إلى جزائر البحر إلى سواحل الشام إلى أرمينية وجبل الفتح إلى أسمار ، وفرغانة وأسروشنة (٣) إلى أقاصي خراسان إلى الجورجان إلى كابل إلى

__________________

(١) القرار : الإقامة والاستقرار.

(٢) أشبونة : مدينة بالأندلس تتصل بشنترين قريبة من البحر المحيط (مراصد الاطلاع : ص ٨٠).

(٣) أسروشنة (بالفتح ثم السكون وضم الراء وسكون الواو وشين معجمة مفتوحة ونون وهاء) ويقال «أشروسنة» بالشين المعجمة : بلدة كبيرة بما وراء النهر من بلاد الهياطلة بين سيحون وسمرقند ، بينها وبين سمرقند ستة وعشرون فرسخا (مراصد الاطلاع : ص ٧٢ و ٨١).

المولتان (١) فما بين ذلك من المدن والقرى ، ولا بدّ من ضياع أمور المسلمين قبل أن يجمع جزء من مائة جزء من فضلاء أهل هذه البلاد فبطل هذا القول الفاسد مع أنه لو كان ممكنا لما لزم لأنه دعوى بلا برهان ، وإنما قال تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) [سورة المائدة : ٢](كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) [سورة النساء : ١٣٥].

فهذان الأمران متوجهان أحدهما : إلى كل إنسان في ذاته ، ولا يسقط عنه وجوب القيام بالقسط انتظار غيره في ذلك.

وأمّا التعاون على البرّ والتقوى فمتوجه إلى كل اثنين فصاعدا لأن التعاون فعل من فاعلين ، وليس فعل واحد ، ولا يسقط عن الاثنين فرض تعاونهما على البرّ والتقوى انتظار ثالث ، إذ لو كان ذلك لما لزم أحدا قيام بقسط ، ولا تعاون على برّ وتقوى ، إذ لا سبيل إلى اجتماع أهل الأرض على ذلك أبدا لتباعد أقطارهم ولتخلف من تخلف عن ذلك لعذر أو على وجه المعصية ، ولو كان هذا لكان أمر الله تعالى بالقيام بالقسط وبالتعاون على البرّ والتقوى باطلا فارغا ، وهذا خروج عن الإسلام ، فسقط القول المذكور وبالله تعالى التوفيق.

وأما قول من قال إن عقد الإمام لا يصح إلّا بعقد أهل حضرة الإمام وأهل الموضع الذي فيه قرار الأئمة ، فإنّ أهل الشام كانوا قد ادّعوا ذلك لأنفسهم حتى حملهم ذلك على بيعة مروان وابنه عبد الملك ، واستحلوا بذلك دماء أهل الإسلام.

قال أبو محمد : وهو قول فاسد لا حجة لأهله ، وكل قول في الدّين عريّ عن دليل من القرآن أو من سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو من إجماع الأمة المتيقن فهو باطل بيقين. قال الله تعالى : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سورة البقرة : ١١١]. فصح أن من لا برهان له على صحّة قوله فليس صادقا فيه فسقط هذا القول أيضا.

وأمّا قول الجبائي (٢) فإنه تعلق فيه بفعل عمر رضي الله عنه في الشورى ، إذ قلدها ستة رجال ، وأمرهم أن يختاروا واحدا منهم ، فصار الاختيار منهم بخمسة فقط.

قال أبو محمد : وهذا ليس شيئا لوجوه :

أولها : أنّ عمر لم يقل إن تقليد الاختيار أقل من خمسة لا يجوز بل قد جاء عنه أنه قال : إن مال ثلاثة منهم إلى واحد وثلاثة إلى واحد ، فاتبعوا الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف. فقد أجاز عقد ثلاثة.

__________________

(١) ذكرها قبل ثلاثة أسطر.

(٢) وهو قوله إن الإمامة لا تصحّ بأقلّ من عقد خمسة رجال. وقد تقدّم.

ووجه ثان : وهو أن فعل عمر رضي الله عنه لا يلزم الأمة حتى يوافق نص قرآن أو سنة ، وعمر كسائر الصحابة رضي الله عنهم لا يجوز أن يخصه وجوب اتباعه دون غيره من الصحابة رضي الله عنهم.

والثالث : أن أولئك الخمسة رضي الله عنهم قد تبرءوا من الاختيار وجعلوه إلى واحد منهم يختار لهم وللمسلمين من رآه أهلا للإمامة وهو عبد الرحمن بن عوف ، وما أنكر ذلك أحد من الصحابة الحاضرين ولا الغائبين إذ بلغهم ذلك ، فقد صحّ إجماعهم على أن الإمامة تنعقد بعقد واحد.

فإن قال قائل : إنما جاز ذلك لأن خمسة من فضلاء المسلمين قلّدوه ، قيل له : إن كان هذا عندك اعتراضا فالتزم مثله سواء سواء ممن قال لك إنما صح عقد أولئك الخمسة لأن الإمام الميت قلّدهم ذلك ، ولو لا ذلك لم يجز عقدهم ، وبرهان ذلك أنه إنما عقد لهم الاختيار منهم لا من غيرهم ، فلو اختاروا من غيرهم لما لزم الانقياد لهم ، فلا يجوز عقد خمسة أو أكثر إلّا إذا قلدهم الإمام ذلك أو ممن قال لك إنما صحّ عقد أولئك الخمسة لإجماع فضلاء أهل ذلك العصر على الرضا ممن اختاروه ، ولو لم يجمعوا على الرضا به لما جاز عقدهم ، وهذا مما لا مخلص منه أصلا فبطل هذا القول بيقين لا إشكال فيه ، والحمد لله رب العالمين.

وإذ قد بطلت هذه الأقوال كلها فالواجب النظر في ذلك على ما أوجبه الله تعالى في القرآن والسنة وإجماع المسلمين كما افترض علينا عزوجل إذ يقول : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [سورة النساء : ٥٩].

فوجدنا عقد الإمامة يصح بوجوه :

أولها وأفضلها وأصحها أن يعهد الإمام الميت إلى إنسان يختاره إماما بعد موته وسواء فعل ذلك في صحته أو في مرضه أو عند موته إذ لا نص ولا إجماع على المنع من أحد هذه الوجوه كما فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأبي بكر وكما فعل أبو بكر بعمر ، وكما فعل سليمان بن عبد الملك بعمر بن عبد العزيز ، وهذا هو الوجه الذي نختاره ونكره غيره ، لما في هذا الوجه من اتصال الإمامة ، وانتظام أمر الإسلام وأهله ، ورفع ما يتخوف من الاختلاف والشغب مما يتوقع في غيره من بقاء الأمة فوضى ومن انتثار (١) الأمر ، وارتفاع النفوس وحدوث الأطماع.

__________________

(١) كانت في الأصل المطبوع : «انتشار» بالشين المعجمة ، والصواب ما أثبتناه.

قال أبو محمد : إنما أنكر من أنكر من الصحابة رضي الله عنهم ومن التابعين بيعة يزيد بن معاوية والوليد وسليمان لأنهم كانوا غير مرضيين ، لا لأن الإمام عهد إليهم في حياته.

والوجه الثاني : إن مات الإمام ولم يعهد إلى أحد أن يبادر رجل مستحق للإمامة فيدعو إلى نفسه ولا منازع له ففرض على أتباعه الانقياد لبيعته ، والتزام إمامته وطاعته كما فعل عليّ إذ قتل عثمان رضي الله عنهما ، وكما فعل ابن الزبير رضي الله عنهما ، وقد فعل ذلك خالد بن الوليد إذ قتل الأمراء زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة ، فأخذ خالد الراية عن غير أمره ، وصوّب ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ بلغه فعله ، وساعد خالدا في ذلك جميع المسلمين رضي الله عنهم. أو أن يقوم كذلك عند ظهور منكر يراه فتلزم معاونته على البر والتقوى ، ولا يجوز التأخر عنه ، لأن ذلك معاونة على الإثم والعدوان ، وقد قال عزوجل : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى ، وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [سورة المائدة : ٢] كما فعل يزيد بن الوليد ، ومحمد بن هارون المهدي رحمهما‌الله.

والوجه الثالث : أن يصيّر الإمام عند وفاته اختيار خليفة للمسلمين إلى رجل ثقة أو إلى أكثر من واحد كما فعل عمر رضي الله عنه عند موته ، وليس عندنا في هذا الوجه إلّا التسليم لما أجمع عليه المسلمون حينئذ ، ولا يجوز التردّد في الاختيار أكثر من ثلاث ليال للثابت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قوله : «من بات ليلة ليس في عنقه بيعة» (١).

ولأن المسلمين لم يجمعوا على ذلك أكثر من ثلاث والزيادة على ذلك باطل لا يحل. على أن المسلمين يومئذ من حين موت عمر رضي الله عنه قد اعتقدوا بيعة لازمة في أعناقهم لأحد أولئك الستة بلا شك ، فهم وإن لم يعرفوه بعينه فهو بلا شك واحد من أولئك الستة ، فبأحد هذه الوجوه تصح الإمامة ، ولا تصح بغير هذه الوجوه البتة.

قال أبو محمد : فإن مات الإمام ولم يعهد إلى إنسان بعينه فوثب رجل يصلح

__________________

(١) لم أجده بهذا اللفظ. وفي صحيح مسلم (كتاب الإمارة ، باب ١٣ ، حديث رقم ٥٨) عن نافع قال : جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرّة ما كان زمن يزيد بن معاوية ، فقال : اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة. فقال : إني لم آتك لأجلس ، أتيتك لأحدّثك حديثا سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقوله : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».

للإمامة فبايعه واحد فأكثر ، ثم قام آخر ينازعه ولو بطرفة عين بعده ، فالحق حق الأول وسواء كان الثاني أفضل منه أو مثله أو دونه ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فوا ببيعة الأول فالأول فمن جاء ينازعه فاضربوا عنقه كائنا من كان» (١).

فلو قام اثنان فصاعدا معا في وقت واحد أو يئس من معرفة أيهما سبقت بيعته نظر أفضلهما وأسوسهما فالحق له ، ووجب نزع الآخر لقول الله تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [سورة المائدة : ٢].

ومن البر تقليد الأسوس ، وليس هذا بيعة متقدمة يجب الوفاء بها ومحاربة من نازع صاحبها ، فإن استويا في الفضل قدّم الأسوس ، نعم وإن كان أقل فضلا إذا كان مؤديا للفرائض والسنن مجتنبا للكبائر مستترا بالصغائر ، لأن الغرض من الإمامة حسن السياسة ، والقوة على القيام بالأمور ، فإن استويا في الفضل والسياسة أقرع بينهما ، أو نظر في غيرهما ، والله عزوجل لا يضيّق على عباده هذا الضيق ، ولا يوقفهم على هذا الحرج لقوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [سورة الحج : ٧٨].

وهذا أعظم الحرج وبالله تعالى التوفيق.

__________________

(١) رواه من حديث أبي هريرة البخاري في أحاديث الأنبياء باب ٥٠ ، ومسلم في الإمارة حديث ٤٤ ، وابن ماجة في الجهاد باب ٤٢ ، وأحمد في المسند (٢ / ٢٩٧).

الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر

قال أبو محمد : اتفقت الأمة كلها على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف من أحد منها لقول الله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [سورة آل عمران : ١٠٤].

ثم اختلفوا في كيفيته ، فذهب أهل السنة من القدماء من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم ، وهو قول أحمد بن حنبل وغيره ، وهو قول سعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد ، وابن عمر ، ومحمد بن مسلمة وغيرهم إلى أن الغرض من ذلك إنما هو بالقلب فقط ولا بدّ ، أو باللسان إن قدر على ذلك ، ولا يكون باليد ولا بسلّ السيوف ، ووضع السلاح أصلا ، وهو قول أبي بكر بن كيسان الأصم. وبه قالت الروافض كلهم ولو قتلوا كلهم ، إلّا أنها لم تر ذلك الإمام يخرج الناطق فإذا خرج وجب سل السيوف ولا بد حينئذ معه ، وإلا فلا.

واقتدى أهل السنة في هذا بعثمان رضي الله عنه ، وبمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم ، وبمن رأى القعود منهم.

إلّا أنّ جميع القائلين بهذه المقالة من أهل السنة إنما رأوا ذلك ما لم يكن عدلا فإن كان عدلا وقام عليه فاسق وجب عندهم بلا خلاف سلّ السيوف مع الإمام العدل ، وقد روينا عن ابن عمر أنه قال : لا أدري من هي الفئة الباغية؟ ولو علمتها ما سبقتني أنت ولا غيرك إلى قتالها. قال أبو محمد : وهذا الذي لا يظن بأولئك الصحابة رضي الله عنهم غيره. وذهبت طوائف من أهل السنة ، وجميع المعتزلة وجميع الخوارج والزيدية ، إلى أنّ سلّ السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إذا لم يمكن دفع المنكر إلا بذلك. قالوا : فإذا كان أهل الحق في عصابة يمكنهم الدفع ، ولم ييأسوا من الظفر ، ففرض عليهم ذلك. وإن كانوا في عدد لا يرجون لقلتهم وضعفهم بظفر كانوا في سعة من ترك التغيير باليد ، وهذا قول عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وكل من معه من الصحابة ، وقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وطلحة ، والزبير ، وكل من كان معهم من الصحابة. وقول معاوية وعمرو ، والنعمان بن بشير ، وغير هم ممن

معهم من الصحابة ، رضي الله عنهم أجمعين ، وهو قول عبد الله بن الزبير ، ومحمد والحسن بن علي ، وبقية الصحابة من المهاجرين والأنصار القائمين يوم الحرة ، رضي الله عنهم أجمعين ، وقول كل من أقام على الفاسق الحجاج ومن والاه من الصحابة رضي الله عن جميعهم كأنس بن مالك وكل من كان ممن ذكرنا من أفاضل التابعين ، كعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وسعيد بن جبير ، وأبي البختري الطائي ، وعطاء السلمي الأزدي ، والحسن البصري ، ومالك بن دينار ، ومسلم بن يسار ، وأبي الجوزاء ، والشعبي وعبد الله بن غالب ، وعقبة بن وشاج وعقبة بن عبد الغافر ، وعقبة بن مهان ، وماهان ، والمطرف بن المغيرة بن شعبة ، وأبي المعدل حنظلة بن عبد الله ، وأبي شيخ الهنائي وطلق بن حبيب ، والمطرّف بن عبد الله بن الشّخّير ، والنّضر بن أنس ، وعطاء بن السائب ، وإبراهيم بن يزيد التيمي ، وابن الجوساء ، وجبلة بن زحر وغيرهم ، ثم بعد هؤلاء من تابعي التابعين ومن بعدهم كعبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر ، وكعبيد الله بن عمر ، ومحمد بن عجلان ، ومن خرج مع محمد بن عبد الله بن الحسن وهشيم بن بشير ، ومطر الوراق ، ومن خرج مع إبراهيم بن عبد الله ، وهو الذي تدل عليه أقوال الفقهاء كأبي حنيفة ، والحسن بن حي ، وشريك ، ومالك ، والشافعي وداود ، وأصحابهم.

فإن كل من ذكرنا من قديم وحديث ، إمّا ناطق بذلك في فتاواه وإما فاعل لذلك بسلّ سيفه في إنكار ما رأوه منكرا.

قال أبو محمد : احتجت الطائفة المذكورة أولا بأحاديث فمنها : أنقاتلهم يا رسول الله؟ قال : «لا. ما صلوا». وفي بعضها : «إلّا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان» (١).

وفي بعضها وجوب الصبر وإن ضرب ظهر أحدنا وأخذ ماله (٢).

وفي بعضها : «فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فاطرح ثوبك على وجهك

__________________

(١) رواه من حديث عبادة بن الصامت البخاري في الفتن باب ٢ ، ومسلم في الإمارة حديث ٤٢ ، وأحمد في المسند (٥ / ٣١٤ ، ٣٢١).

(٢) عن حذيفة بن اليمان قال : قلت : يا رسول الله إنا كنّا بشرّ فجاء الله بخير فنحن فيه ، فهل من وراء هذا الخير شرّ؟ قال : «نعم» قلت : هل وراء ذلك الشرّ خير؟ قال : «نعم» قلت : فهل وراء ذلك الخير شرّ؟ قال : «نعم» قلت : كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال : «تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ، فاسمع وأطع». رواه البخاري في الفتن باب ١١ ، والمناقب باب ٢٥. ومسلم في الإمارة حديث ٥١ و ٥٢. وأبو داود في الفتن باب ١. وأحمد في المسند (٥ / ٣٨٦ ، ٤٠٣ ، ٤٠٦).

وقل : إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار» (١).

وفي بعضها : كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل» (٢). وبقول الله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) [سورة المائدة : ٢٧].

قال أبو محمد : كل هذا لا حجة لهم فيه لما قد تقصيناه غاية التقصي خبرا خبرا بأسانيدها ومعانيها في كتابنا الموسوم بالإيصال إلى فهم معرفة الخصال ، ونذكر منه إن شاء الله هاهنا جملا كافية وبالله تعالى نتأيّد.

أمّا أمره عليه‌السلام بالصبر على أخذ المال وضرب الظهر ، فإنما ذلك بلا شك إذا تولى الإمام ذلك بحق ، وهذا ما لا شك فيه أنه فرض علينا الصبر له. فإن امتنع من ذلك بل من ضرب رقبته إن وجب عليه فهو فاسق عاص لله عزوجل ، وأمّا إن كان ذلك بباطل فمعاذ الله أن يأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالصّبر على ذلك ، برهان هذا قول الله عزوجل : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [سورة المائدة : ٢].

وقد علمنا أن كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يخالف كلام ربه تعالى قال الله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) [سورة النجم : ٢ ، ٣].

وقال تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [سورة النساء : ٨٢].

فصح أن كل ما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنه وحي من عند الله عزوجل لا اختلاف فيه ولا تعارض ولا تناقض ، فإذ هو كذلك فبيقين لا شك فيه يدري كل مسلم أن أخذ مال مسلم أو ذمي بغير حق وضرب ظهره بغير حق إثم وعدوان وحرام ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم حرام عليكم» (٣).

فإذ لا شك في هذا ولا اختلاف من أحد من المسلمين فالمسلّم ماله للأخذ ظلما ، وظهره للضرب ظلما ، وهو يقدر على الامتناع من ذلك بأيّ وجه أمكنه معاون لظالمه على الإثم والعدوان ، وهذا حرام بنصّ القرآن.

__________________

(١) جزء من حديث عن أبي ذرّ ، رواه أبو داود في الفتن باب ٢ ، وابن ماجة في الفتن باب ١٠ ، وأحمد في المسند (٥ / ١٦٣).

(٢) جزء من حديث رواه الإمام أحمد في المسند (٥ / ٢٩٢) ولفظه فيه : «... فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول لا القاتل فافعله».

(٣) جزء من حديث رواه البخاري في الفتن باب ٨ ، وأحمد في المسند (٥ / ٣٩).

وأما سائر الأحاديث التي ذكرنا ، وقصة ابني آدم فلا حجة في شيء منها ، أمّا قصّة ابني آدم فتلك شريعة أخرى غير شريعتنا ، قال الله عزوجل : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) [سورة المائدة : ٤٨].

وأما الأحاديث : فقد صحّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده إن استطاع ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ، ليس وراء ذلك من الإيمان شيء» (١).

وصحّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف ، وعلى أحدكم السمع والطاعة ما لم يؤمر بمعصية ، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (٢) ، وأنه عليه‌السلام قال : «من قتل دون ماله فهو شهيد ، والمقتول دون دينه شهيد ، والمقتول دون مظلمة شهيد» (٣).

وقال عليه‌السلام : «لتأمرنّ بالمعروف ، ولتنهنّ عن المنكر ، أو ليعمّنكم الله بعذاب من عنده» (٤).

فكان ظاهر هذه الأخبار معارضا للآخر ، فصحّ أن إحدى هاتين الجملتين ناسخة للأخرى ، لا يمكن غير ذلك ، فوجب النظر في أيهما هو الناسخ ، فوجدنا تلك الأحاديث التي فيها النهي عن القتال موافقة لمعهود الأصل ، ولما كانت الحال عليه في أول الإسلام بلا شك ، وكانت هذه الأحاديث الأخر واردة بشريعة زائدة وهي

__________________

(١) رواه مسلم في الإيمان حديث ٧٨. وأبو داود في الصلاة باب ٢٤٢ ، والملاحم باب ١٧. والترمذي في الفتن باب ١١. والنسائي في الإيمان باب ١٧. وابن ماجة في الإقامة باب ١٥٥. وأحمد في المسند (٣ / ١٠ ، ٢٠ ، ٤٩ ، ٥٢).

(٢) رواه البخاري في الأحكام باب ٤ ، والجهاد باب ١٠٨. ومسلم في الإمارة حديث ٣٩ ، ٤٠. وأبو داود في الجهاد باب ٨٧. والترمذي في الجهاد باب ٢٩. والنسائي في البيعة باب ٣٤. وابن ماجة في الجهاد باب ٤٠. وأحمد في المسند (٢ / ١٧ ، ١٤٢).

(٣) رواه من طرق وألفاظ متعددة : البخاري في المظالم باب ٣٣. ومسلم في الإيمان حديث ٢٢٦. وأبو داود في السنّة باب ٢٩. والترمذي في الديات باب ٢١. والنسائي في تحريم الدم باب ٢٢ و ٢٣ و ٢٤. وابن ماجة في الحدود باب ٢١. وأحمد في المسند (١ / ٧٩ ، ١٨٧ ، ١٨٨ ، ١٨٩ ، ١٩٠ ، ٣٠٥ ، ٢ / ١٦٣ ، ١٩٣ ، ١٩٤ ، ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ٢١٠ ، ٢١٥ ، ٢١٧ ، ٢٢١).

(٤) رواه أبو داود في الفتن باب ١٦. والترمذي في الفتن باب ٩. وأحمد في المسند (٥ / ٣٨٨ ، ٣٩٠ ، ٣٩١).

القتال ، هذا ما لا يشكّ فيه ، فقد صح نسخ معنى تلك الأحاديث ورفع حكمها حين نطقه عليه‌السلام بهذه الأخر بلا شك ، فمن المحال المحرم أن يؤخذ بالمنسوخ ويترك الناسخ ، وأن يؤخذ الشك ويترك اليقين. ومن ادّعى أن هذه الأخبار بعد أن كانت هي الناسخة فعادت منسوخة فقد ادّعى الباطل ، وقفا ما لا علم له به وقال على الله عزوجل ما لم يعلم ، وهذا لا يحل. ولو كان هذا لما أخلى الله عزوجل هذا الحكيم عن دليل وبرهان يبيّن به رجوع المنسوخ ناسخا ، لقوله تعالى في القرآن : (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) [سورة النحل : ٨٩].

وبرهان آخر : وهو أن الله عزوجل قال : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) [سورة الحجرات : ٩].

ولم يختلف مسلمان في أنّ هذه الآية التي فيها فرض قتال الفئة الباغية محكمة غير منسوخة ، فصح أنها الحاكمة في تلك الأحاديث ، فما كان موافقا لهذه الآية فهو الناسخ الثابت ، وما كان مخالفا لها فهو المنسوخ المرفوع.

وقد ادّعى قوم أنّ هذه الآية وهذه الأحاديث في اللصوص دون السلطان.

قال أبو محمد : وهذا باطل متيقن ، لأنه قول بلا برهان ، وما يعجز مدّع عن أن يدعي في تلك الأحاديث أنها في قوم دون قوم ، وفي زمان دون زمان ، والدّعوى دون برهان لا تصح ، وتخصيص اللصوص بالدّعوى لا يجوز ، لأنه قول على الله تعالى بلا علم ، وقد جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن سائلا سأله عمن طلب ماله بغير حق فقال عليه‌السلام : «لا تعطه» قال : فإن قاتلني؟ قال : «قاتله» قال : فإن قتلته ، قال : «إلى النار» قال : فإن قتلني؟ قال : «فأنت في الجنة» (١).

أو كلاما هذا معناه.

وصحّ عنه عليه‌السلام أنه قال : «المسلم أخو المسلم ، لا يسلمه ، ولا يظلمه» (٢).

__________________

(١) رواه عن أبي هريرة مسلم في الإيمان حديث ٢٢٥.

(٢) رواه البخاري في المظالم باب ٣ ، والإكراه باب ٧. ومسلم في البرّ والصلة والآداب حديث ٥٨. وأبو داود في الأدب باب ٣٨. والترمذي في الحدود باب ٣. وأحمد في المسند (٢ / ٩١ ، ٤ / ١٠٤).

وقد صح أنه عليه‌السلام قال في الزكاة : «من سألها على وجهها فليعطها ، ومن سألها على غير وجهها فلا يعطها» (١). وهذا خبر ثابت رويناه عن طريق الثقات عن أنس بن مالك ، عن أبي بكر الصديق ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهذا يبطل تأويل من تأوّل أحاديث القتال عن المال على اللصوص ، لأن اللصوص لا يطلبون الزكاة ، وإنما يطلبها السلطان ، فافترض عليه‌السلام منعها إذا سألها على غير ما أمر به عليه‌السلام ، ولو اجتمع أهل الحق ما قاومهم أهل الباطل ، نسأل الله المغفرة والتوفيق.

قال أبو محمد : وأمّا ما اعترضوا به من فعل عثمان فما علم قط أنه يقتل ، وإنما كان يراهم يحاصرونه فقط ، وهم لا يرون هذا اليوم للإمام العدل ، بل يرون القتال معه ودونه فرضا ، فلا حجة لهم في أمر عثمان رضي الله عنه.

وقال بعضهم : إنّ في القتال إباحة الحريم وسفك الدماء ، وأخذ الأموال ، وهتك الأستار ، وانتثار (٢) الأمر.

فقال لهم الآخرون : كلّا لأنه لا يحل لمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر أن يهتك حريما ، ولا أن يأخذ مالا بغير حق ، ولا أن يتعرض لمن لا يقاتله ، فإن فعل شيئا من هذا فهو الذي فعل ما ينبغي أن يغير عليه ، وأمّا قتله أهل المنكر قلّوا أو كثروا فهذا فرض عليه.

وأمّا قتل أهل المنكر للناس ، وأخذهم أموالهم ، وهتكهم حريمهم فهذا كلّه من المنكر الذي يلزم الناس تغييره.

وأيضا : فلو كان خوف ما ذكروا مانعا من تغيير المنكر ومن الأمر بالمعروف ، لكان هذا بعينه مانعا من جهاد أهل الحرب ، وهذا ما لا يقوله مسلم ، وإن أدّى ذلك إلى سبي النصارى نساء المسلمين وأولادهم ، وأخذ أموالهم ، وسفك دمائهم ، وهتك حريمهم.

ولا خلاف بين المسلمين في أنّ الجهاد واجب مع وجود هذا كله ، ولا فرق بين الأمرين ، وكل ذلك جهاد ودعاء إلى القرآن والسنة.

قال أبو محمد : ويقال لهم ما تقولون في سلطان جعل اليهود أصحاب أمره ، والنصارى جنده ، وألزم المسلمين الجزية ، وحمل السيف على أطفال المسلمين ، وأباح

__________________

(١) رواه البخاري في الزكاة باب ٣٨ ، والنسائي في الزكاة باب ٥ و ١٠.

(٢) كانت في الأصل : «وانتشار» بالشين المعجمة. والصواب ما أثبتناه.

المسلمات للزنا ، وحمل السيف على كل من وجد من المسلمين ، وملك نساءهم وأطفالهم ، وأعلن العبث بهم ، وهو في كل ذلك مقرّ بالإسلام ، معلن به ، لا يدع الصلاة؟

فإن قالوا : لا يجوز القيام عليه. قيل لهم : إنه لا يدع مسلما إلا قتله جملة وهذا إن ترك أوجب ضرورة ألا يبقى إلّا هو وحده وأهل الكفر معه.

فإن أجازوا الصبر على هذا خالفوا الإسلام جملة ، وانسلخوا منه.

وإن قالوا : بل يقام عليه ويقاتل وهو قولهم. قلنا لهم : فإن قتل تسعة أعشار المسلمين أو جميعهم إلّا واحدا ، وسبى من نسائهم كذلك ، وأخذ من أموالهم كذلك ، فإن منعوا من القيام عليه تناقضوا. وإن أوجبوا سألناهم عن أقل من ذلك ، ولا نزال نحطهم إلى أن نقف بهم على قتل مسلم واحد ، أو على الغلبة على امرأة واحدة ، أو على أخذ مال أو على انتهاك نسوة بظلم ، فإن فرقوا بين شيء من ذلك تناقضوا وتحكّموا بلا دليل ، وهذا ما لا يجوز ، وإن أوجبوا إنكار كل ذلك رجعوا إلى الحق.

ونسألهم عمن قصد سلطانه الجائر الفاجر زوجته ، وابنته ، وابنه ، ليفسق بهم ، أو ليفسق به بنفسه ، أهو في سعة من إسلام نفسه ، وامرأته ، وولده ، وابنته ، للفاحشة ، أم فرض عليه أن يدفع من أراد ذلك منهم؟

فإن قالوا : فرض عليه إسلام نفسه وأهله ، أتوا بعظيمة لا يقولها مسلم.

وإن قالوا : بل فرض عليه أن يمتنع من ذلك ويقاتل رجعوا إلى الحق ، ولزم ذلك كل مسلم في كل مسلم وفي المال كذلك.

قال أبو محمد : والواجب إن وقع شيء من الجور وإن قلّ أن يكلم الإمام في ذلك ويمنع منه ، فإن امتنع وراجع الحق ، وأذعن للقود من البشرة ، أو من الأعضاء ، ولإقامة حدّ الزنا والقذف والخمر عليه فلا سبيل إلى خلعه وهو إمام كما كان لا يحل خلعه.

فإن امتنع من إنفاذ شيء من هذه الواجبات عليه ولم يراجع وجب خلعه وإقامة غيره ، ممن يقوم بالحق لقول الله تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [سورة المائدة : ٢].

ولا يجوز تضييع شيء من واجبات الشرائع. وبالله تعالى التوفيق.

الكلام في الصّلاة خلف الفاسق والجهاد معه ، والحج معه ،

ودفع الزكاة إليه ، ونفاذ أحكامه من الأقضية

والحدود وغير ذلك

قال أبو محمد : ذهبت طائفة إلى أنه لا تجوز الصلاة إلّا خلف الفاضل ، وهو قول الخوارج والزيدية ، والروافض ، وجمهور المعتزلة ، وبعض أهل السنة. وقال آخرون : إلا الجمعة والعيدين وهو قول بعض أهل السنة.

وذهبت الصحابة كلهم دون خلاف من أحد منهم ، وجميع فقهاء التابعين كلهم دون خلاف من أحد منهم ، وأكثر من بعدهم ، وجمهور أصحاب الحديث ، وهو قول أحمد والشافعي وأبي حنيفة وداود وغيرهم ، إلى جواز الصلاة خلف الفاسق الجمعة وغيرها. وبهذا نقول. وخلاف هذا القول بدعة محدثة ، فما تأخر قط أحد من الصحابة الذين أدركوا المختار بن عبيد ، والحجاج ، وعبيد الله بن زياد وحبيش بن دلجة (١) وغيرهم عن الصلاة خلفهم ، وهؤلاء أفسق الفساق. وأمّا المختار فكان متهما في دينه ، مظنونا به الكفر.

قال أبو محمد : احتجّ من يقول بمنع الصلاة خلفهم بقول الله تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [سورة المائدة : ٢٧].

قال أبو محمد : فيقال لهم : كل فاسق إذا نوى بصلاته وجه الله عزوجل فهو في ذلك من المتقين ، فصلاته متقبلة. ولو لم يكن من المتقين إلّا من لا ذنب له ما استحق أحد هذا الاسم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال الله عزوجل : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) [سورة النحل : ٦١].

ولا يجوز القطع على الفاسق بأنه لم يرد بصلاته وجه الله تعالى ، ومن قطع بهذا

__________________

(١) هو حبيش بن دلجة القيني من أهل الأردن. ولّاه القيادة مروان بن الحكم ، فاستولى على المدينة وجدّد البيعة فيها لمروان ، ثم تقدم إلى البصرة لحرب الحارث بن أبي ربيعة والتقى معه في الربذة ، فرماه يزيد بن سنان بسهم فقتله عام ٦٥ ه‍. انظر الكامل لابن الأثير (٣ / ٧٤ وما بعدها).

فقد قفا ما لا علم له به ، وقال ما لا يعلم ، وهذا حرام. وقال تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [سورة الإسراء : ٣٦].

وقال عزوجل : (وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) [سورة النور : ١٥].

وقال بعضهم : إنّ صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام.

قال أبو محمد : وهذا غاية الفساد ، لأنه قول بلا دليل ، بل البرهان يبطله لقول الله عزوجل : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) [سورة الأنعام : ١٦٤].

وقوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [سورة الأنعام : ١٦٤].

ودعوى الارتباط هاهنا قول بلا برهان ، لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا من إجماع ، ولا من معقول ، وهم قد أجمعوا على أنّ طهارة الإمام لا تنوب عن طهارة المأموم ، ولا قيامه عن قيامه ، ولا قعوده عن قعوده ، ولا سجوده عن سجوده ، ولا ركوعه عن ركوعه ، ولا نيّته عن نيته ، فما معنى هذا الارتباط الذي تدّعون إذن؟

وأيضا : فإن القطع على سريرة الذي ظاهره الفضل لا يجوز ، وإنما هو ظن فاستوى الأمر في ذلك في الفاضل والفاسق ، وصحّ أنه لا يصلّي أحد عن أحد ، وأن كل أحد يصلي عن نفسه. وقال تعالى : (أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) [سورة الأحقاف : ٣١]. فوجب بذلك ضرورة أن كل داع دعا إلى خير من صلاة أو حج أو جهاد أو تعاون على بر وتقوى ، ففرض إجابته وعمل ذلك الخير معه ، لقول الله تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [سورة المائدة : ٢].

ومن دعا إلى منكر لم يحل لأحد إجابته إلى الإثم والعدوان ، بل فرض دفاعه ومنعه. وبالله تعالى نتأيد.

قال أبو محمد : وأيضا فإن الفسق منزلة نقص عمن هو أفضل منه ، والذي لا شكّ فيه أن النسبة بين أفجر فاجر من المسلمين وبين أفضل الصحابة رضي الله عنهم ، أقرب من النسبة بين أفضل الصحابة رضي الله عنهم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما عري أحد من تعمّد ذنب وتقصير بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإنّما يتفاضل المسلمون في كثرة الذنوب وقلتها ، وفي اجتناب الكبائر ومواقعتها. وأما الصغائر فما نجا منها أحد بعد الأنبياء عليهم‌السلام ، وقد صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلف أبي بكر وعبد الرحمن بن عوف ، وبهذا صحّ أن أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يؤمّ القوم أقرأهم فإن استووا فأفقههم (١)

__________________

(١) رواه من طرق وبألفاظ متعددة البخاري في الأذان باب ٥٤. وأبو داود في الصلاة باب ٦٠.

ندب لا فرض ، فليس لفاضل بعد هذا أن يمتنع من الصلاة خلف من هو دونه في القصوى من الغايات.

قال أبو محمد : وأما دفع الزكاة إلى الإمام ، فإن كان الإمام القرشي الفاضل ، أو الفاسق ، لم ينازعه فاضل فهي جائزة ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أرضوا مصدّقيكم» (١).

ولا يكون مصدقا كل من سمى نفسه مصدقا ، لكن من قام البرهان بأنه مصدق بإرسال الإمام الواجبة طاعته له. وأما من سألها من هو غير الإمام المذكور ، أو غير مصدقه فهو عابر سبيل لا حق له في قبضها ، ولا يجزي دفعها إليه ، لأنه دفعها إلى غير من أمر بدفعها إليه ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (٢).

وهكذا القول في الأحكام كلها عن الحدود وغيرها إن أقامها الإمام الواجبة طاعته والذي لا بدّ منه فإن واقفت القرآن والسنة نفذت ، وإلّا فهي مردودة لما ذكرنا.

وإن أقامها غير الإمام أو وإليه فهي كلها مردودة ولا تحتسب بها ، لأنه أقامها من لم يؤمر بإقامتها ، فإن لم يقدر عليها الإمام فكل من قام بشيء من الحق حينئذ نفذ لأمر الله تعالى لنا بأن نكون قوّامين بالقسط ، ولا خلاف بين أحد من الأئمة إذا كان الإمام حاضرا متمكنا ، أو أميره أو وإليه ، فإنّ من بادر إلى تنفيذ حكم هو إلى الإمام فإنه إما مظلمة ترد ، وإما لغو لا ينفذ. على هذا جرى عمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجميع عمّاله في البلاد بنقل جميع المسلمين عصرا بعد عصر ، ثم عمل جميع الصحابة رضي الله عنهم.

وأما الجهاد : فهو واجب مع كل إمام ، وكل متغلب ، وكل باغ ، وكل محارب

__________________

والترمذي في الصلاة باب ٦٠. والنسائي في الإمامة باب ٣ و ١١٥ و ٤٣ ، والقبلة باب ١٦. وابن ماجة في الأذان باب ٥ ، والإقامة باب ٤٦. وأحمد في المسند (٣ / ٤٨ ، ٥١ ، ٨٤ ، ١٦٣ ، ٤٧٥ ، ٤ / ١١٨ ، ١٢١ ، ٥ / ٧١ ، ٢٧٢).

(١) رواه مسلم في الزكاة حديث ٢٩ ، والنسائي في الزكاة باب ١٤ ، وأحمد في المسند (٤ / ٣٦٢). ولفظه عند مسلم : عن جرير بن عبد الله قال : جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : إنّ ناسا من المصدّقين يأتوننا فيظلموننا. قال : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أرضوا مصدّقيكم». قال جرير : ما صدر عني مصدّق منذ سمعت هذا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو عني راض.

(٢) تقدّم تخريجه في هذا الجزء.

من المسلمين ، لأنه تعاون على البر والتقوى ، وفرض على كل أحد الدعاء إلى الله تعالى وإلى دين الإسلام ، ومنع المسلمين ممن أرادهم. قال تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) الآية [سورة التوبة : ٥].

فهذا عموم لكل مسلم بنص الآية في كل مكان ، وكل زمان ، وبالله تعالى التوفيق.

ثم كتاب الإمامة والمفاضلة بحمد الله تعالى وشكره.

ذكر العظائم المخرجة إلى الكفر أو إلى المحال من أقوال

أهل البدع ، المعتزلة والخوارج والمرجئة والشيعة

قال أبو محمد : قد كتبنا في ديواننا هذا من فضائح الملل المخالفة لدين الإسلام الذي في كتبهم من اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، ما لا بقية لهم بعدها ، ولا يمتري أحد وقف عليها ، أنهم في ضلال وباطل. ونكتب إن شاء الله على هذه الفرق الأربع من فواحش أقوالهم ، ما لا يخفى على أحد قرأه أنهم في ضلال وباطل ، ليكون ذلك زاجرا لمن أراد الله توفيقه عن مضامنهم ، والتمادي فيهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وليعلم من قرأ كتابنا هذا أننا لا نستحل ما يستحله من لا خير فيه من تقويل أحد ما لم يقله نصّا ، وإن آل قوله إليه ، إذ قد لا يلزم ما ينتجه قوله فيتناقض. فاعلموا أن تقويل القائل كافرا كان أو مبتدعا أو مخطئا ما لا يقوله نصّا كذب عليه ، ولا يحلّ الكذب على أحد ، لكن ربما دلّسوا المعنى الفاحش بلفظ ملتبس ، ليسهلوه على أهل الجهل ، ويحسن الظن بهم من أتباعهم ، وليبعد فهم تلك العظيمة على العامة من مخالفتهم كقول طوائف من أهل البدعة والضلالة : لا يوصف الله تعالى بالقدرة على المحال ولا على الظلم ، ولا على الكذب ، ولا على غير ما علم أنه يكون ، فأخفوا عظيم الكفر في هذه القضية لما ذكرنا من تلبيس الأغمار من أتباعهم ، وتسكين الدهماء من مخالفتهم فرارا عن كشف معتقدهم صراحا الذي هو أنه تعالى لا يقدر على الظلم ولا قوة له على الكذب ، ولا به طاقة على المحال ، فلا بدّ لنا من إيضاح ما موهوه هكذا ، وإيراده بأظهر عباراته كشفا لتمويههم ، وتقربا إلى الله بهتك أستارهم وكشف أسرارهم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ذكر شنع الشيعة

قال أبو محمد : أهل الشنع من هذه الفرقة ثلاث طوائف :

أولها : الجاروديّة من الزيدية ، ثم الإمامية من الرافضة ، ثم الغالية.

فأمّا الجارودية : فإن طائفة منهم قالت : إن محمد بن عبد الله بن الحسن بن

الحسين بن علي بن أبي طالب ، القائم بالمدينة على أبي جعفر المنصور ، فوجّه إليه المنصور عيسى بن موسى بن محمد بن عبد الله بن العباس ، فقتل محمد بن عبد الله بن الحسن رحمه‌الله ، فقالت هذه الطائفة : إن محمدا المذكور حي لم يقتل ، ولا مات ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.

وقالت طائفة أخرى منهم : إن يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القائم بالكوفة أيام المستعين ، فوجه إليه محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين بأمر المستعين ابن عمه الحسن بن إسماعيل بن الحسين وهو ابن أخي طاهر بن الحسين ، فقتل يحيى بن عمر رحمه‌الله. فقالت الطائفة المذكورة : إن يحيى بن عمر هذا حي لم يقتل ، ولا مات ، ولا يموت ، حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.

وقالت طائفة منهم : إن محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، القائم بالطالقان أيام المعتصم ، حيّ لم يمت ، ولا قتل ، ولا يموت ، حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.

وقالت الكيسانية ، وهم أصحاب المختار بن أبي عبيد ، وهم عندنا شعبة من الزيدية وفي سبيلهم : إن محمد بن علي بن أبي طالب ، وهو ابن الحنفية ، حيّ بجبل رضوى (١) عن يمينه أسد وعن يساره نمر تحدثه الملائكة ، يأتيه رزقه غدوّا وعشيّا لم يمت ، ولا يموت ، حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.

وقال بعض الروافض الإمامية ، وهي الفرقة التي تدعى الممطورة : إنّ موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حيّ لم يمت ، ولا يموت ، حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.

وقالت طائفة منهم ، وهم الناووسية أصحاب ابن ناووس المصري ، مثل ذلك في أبيه جعفر بن محمد.

وقالت طائفة منهم مثل ذلك في أخيه إسماعيل بن جعفر.

وقالت السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ الحميري اليهودي ، مثل ذلك في علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وزادوا : أنه في السحاب.

__________________

(١) رضوى : جبل بين مكة والمدينة قرب ينبع على مسيرة يوم منها. انظر مراصد الاطلاع (ص ٦٢٠).

فليت شعري!! في أي سحابة هو من السحاب؟ والسحاب كثير في أقطار الهواء مسخّر بين السماء والأرض ، كما قال الله عزوجل (١).

وقال عبد الله بن سبأ إذ بلغه قتل علي رضي الله عنه : لو أتيتمونا بدماغه في سبعين صرّة ما صدّقنا موته ، ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.

وقال بعض الكيسانية : بأن أبا مسلم السّراج حيّ لم يمت ، وسيظهر ولا بدّ.

وقال بعض الكيسانية : بأن عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، حيّ بجبال أصبهان إلى اليوم ، ولا بدّ له من أن يظهر ، وعبد الله هذا هو القائم بفارس أيام مروان بن محمد وقتله أبو مسلم بعد أن سجنه دهرا. وكان عبد الله هذا رديّ الدين معطّلا ، مستصحبا للدّهرية.

قال أبو محمد : فصار هؤلاء في سبيل اليهود القائلين بأن ملكيصيدق بن عامر ابن أرفخشذي بن سام بن نوح ، والعبد الذي وجه إبراهيم عليه‌السلام ليخطب ريقا بنت نتوال بن ناحور بن تارح ، على إسحاق ابنه عليه‌السلام ، وإلياس عليه‌السلام وفنحاس بن العازار بن هارون عليه‌السلام ، أحياء إلى اليوم ، وسلك هذا السبيل بعض نوكى (٢) الصوفية فزعموا أن الخضر ، وإلياس ، عليهما‌السلام حيّان إلى اليوم.

وادّعى بعضهم أنه يلقى إلياس في الفلوات ، والخضر في المروج والرياض ، وأنه متى ذكر خطر على ذاكره.

قال أبو محمد : فإن ذكر في شرق الأرض وغربها ، وشمالها ، وجنوبها ، وفي ألف موضع في دقيقة واحدة كيف يصنع؟

وقد لقينا من يذهب إلى هذا خلقا ، وكلمناهم ، منهم المعروف بابن نفق الليل المحدث «بطلبيرة» وهو مع ذلك من أهل العناية وسعة الرواية.

ومنهم : محمد بن عبد الله الكاتب ، وأخبرني أنه جالس الخضر وكلمه مرارا ، وغيره كثير. هذا مع سماعهم قول الله تعالى : (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) [سورة الأحزاب : ٤٠].

__________________

(١) في الآية ١٦٤ من سورة البقرة : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).

(٢) النوكى : الحمقى ، جمع أنوك.

وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا نبيّ بعدي» (١).

فكيف يستجيز مسلم أن يثبت بعده عليه‌السلام نبيا في الأرض حاشا ما استثناه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الآثار المسندة الثابتة من نزول عيسى ابن مريم عليه‌السلام في آخر الزمان ، وكفار برغواطه إلى اليوم ينتظرون صالح بن طريف (٢) ، الذي شرع لهم دينهم.

وقالت القطيعية (٣) من الإمامية من الرّافضة كلهم وهم جمهور الشيعة ومنهم المتكلمون ، والنظارون ، والعدد العظيم ، بأن محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، حيّ لم يمت ، ولا يموت حتى يخرج ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، وهو عندهم المهدي المنتظر.

وتقول طائفة منهم : إن مولد هذا الذي لم يخلق قط في سنة ستين ومائتين سنة موت أبيه.

وتقول طائفة منهم : بل بعد موت أبيه بمدة.

وقالت طائفة منهم : بل في حياة أبيه ، ورووا ذلك عن حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى ، وأنها شهدت ولادته ، وسمعته يتكلم حين سقط من بطن أمه ، ويقرأ القرآن وأن أمه نرجس ، وأنها هي كانت القابلة.

وقال جمهورهم : بل أمه «صقيل».

وقالت طائفة : بل أمه سوسن. وكل هذا هوس. ولم يعقب الحسن المذكور لا ذكرا ولا أنثى. فهذا أول نوك (٤) الشيعة ، ومفتاح عظيماتهم وأخفها إن كانت مهلكة.

ثم قالوا كلهم إذ سئلوا عن الحجة فيما يقولون : حجتنا الإلهام ، وأن من خالفنا ليس لرشدة ، فكان هذا طريفا جدّا.

وليت شعري!! ما الفرق بينهم وبين عيّار مثلهم ، يدعي في إبطال قولهم الإلهام ، وأن الشيعة ليسوا رشدة ، أو أنهم نوكى ، أو أنهم جملة ذوو شعبة من جنون في رءوسهم؟

__________________

(١) جزء من حديث رواه البخاري في المغازي باب ٧٨ ، بلفظ : «ليس بعدي نبيّ».

(٢) صالح بن طريف البرغواطي : انتحل دينا وشرع للناس صلاة وصياما وزعم أنه أوحي إليه. مات نحو سنة ١٧٥ ه‍. انظر الأعلام للزركلي (٣ / ٢٧٦).

(٣) هم الاثنا عشرية من الإمامية. وسمّوا بالقطيعية ، أو بالقطيعية ، لأنهم ساقوا الإمامة من جعفر الصادق إلى ابنه موسى وقطعوا بموت موسى. انظر الفرق بين الفرق (ص ٤٣).

(٤) النوك : الحمق.

وما قولهم فيمن كان منهم ثم صار في غيرهم؟ أو من كان في غيرهم ثم صار منهم؟ أتراه ينتقل من ولادة الغيّة إلى ولادة الرشدة ، ومن ولادة الرشدة إلى ولادة الغيّة؟

فإن قالوا : حكمه لما يموت عليه. قيل لهم : فلعلكم أولاد غية إذ لا يؤمن رجوع الواحد فالواحد منكم إلى خلاف ما هو عليه اليوم.

والقوم بالجملة ذوو أديان فاسدة ، وعقول مدخولة ، وعديمو حياء. ونعوذ بالله من الضلال.

وذكر عمرو بن بحر الجاحظ ، وهو إن كان أحد المجان ، ومن غلب عليه الهزل وأحد الضلال المضلين ، قال الله تعالى : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) [سورة الإسراء : ٣٧] ، فإننا ما رأينا له في كتبه تعمد كذبة يوردها مثبتا لها ، وإن كان كثير الإيراد لكذب غيره ، قال : أخبرني أبو إسحاق إبراهيم النظام وبشر بن خالد أنهما قالا لمحمد بن جعفر الرافضي المعروف بشيطان الطاق : ويحك أما استحييت؟ أما اتقيت الله أن تقول في كتابك في الإمامة إن الله تعالى لم يقل قط في القرآن : (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [سورة التوبة : ٤٠].

قالا : فضحك والله شيطان الطاق ، ضحكا طويلا ، حتى كأنّا نحن الذين أذنبنا.

قال النظّام : وكنا نكلم علي بن متيّم الصابوني ، وكان من شيوخ الرافضة ومتكلميهم فنسأله : أرأى أم سمع عن الأئمة؟ فينكر أن يقوله برأي ، فنخبره بقوله فيها قبل ذلك. قال : فو الله ما رأيته خجل من ذلك ، ولا استحيا لفعله هذا قط.

ومن قول الإمامية كلها قديما وحديثا أن القرآن مبدّل زيد فيه ما ليس منه ، ونقص منه كثير ، وبدّل منه كثير حاشا علي بن الحسن بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وكان إماميا فيهم يظاهر بالاعتزال ، ومع ذلك كان ينكر هذا القول ، ويكفر من قاله ، وكذلك صاحباه أبو يعلى ميلاد الطوسي ، وأبو القاسم الرازي.

قال أبو محمد : القول بأن بين اللوحين تبديلا كفر صريح (١) ، وتكذيب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقالت طائفة من الكيسانية بتناسخ الأرواح ، وبهذا كان يقول السيد الحميري الشاعر لعنه الله ، ويبلغ الأمر بمن ذهب إلى هذا أن يأخذ أحدهم البغل ، والحمار ،

__________________

(١) تحرفت في الأصل المطبوع إلى «صحيح». والصواب ما أثبتناه.

فيعذبه ، ويضربه ، ويعطشه ويجيعه ، على أن روح أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فيه ، فاعجبوا لهذا الحمق الذي لا نظير له. وما الذي خص هذا البغل الشقي والحمار المسكين بنقله الروح إليه دون سائر البغال والحمير؟ وكذلك يفعلون بالعنز على أنّ روح أم المؤمنين رضي الله عنها فيها.

وجمهور متكلميهم كهشام بن الحكم الكوفي ، وتلميذه أبي علي الصّكاك (١) ، وغيرهما يقول بأن علم الله تعالى محدث ، وأنه لم يكن يعلم شيئا حتى أحدث لنفسه علما ، وهذا كفر صريح ، وقد قال هشام هذا في حين مناظرته لأبي الهذيل العلاف : إنّ ربه سبعة أشبار بشبر نفسه ، وهذا كفر صحيح.

وكان داود الجواربي من كبار متكلميهم ، يزعم أن ربه لحم ودم ، على صورة الإنسان.

ولا يختلفون في أن الشمس ردّت على عليّ بن أبي طالب مرتين ، أفيكون في صفاقة الوجه ، وصلابة الخدّ ، وعدم الحياء ، والجرأة على الكذب أكثر من هذا على قرب العهد وكثرة الخلق؟

وطائفة منهم تقول : إنّ الله تعالى يريد الشيء ويعزم عليه ، ثم يبدو له فلا يفعله ، وهذا مشهور للكيسانية ، ومن الإمامية من يجيز نكاح تسع نسوة. ومنهم من يحرّم الكرنب ، لأنه إنما نبت على دم الحسين ، ولم يكن قبل ذلك ، وهذا في قلة الحياء قريب مما قبله ، وكما يزعم كثير منهم أنّ عليا لم يكن له سمي قبله ، وهذا جهل عظيم ، بل كان في العرب كثير يسمون هذا الاسم ، كعلي بن بكر بن وائل وإليه يرجع كل بكري في العالم في نسبه ، وفي الأزد عليّ ، وفي بجيلة عليّ ، وغيرها ، كل ذلك في الجاهلية مشهور. وأقرب من ذلك عامر بن الطفيل يكنى أبا علي ، ومجاهراتهم أكثر مما ذكرنا.

ومنهم طائفة تقول بفناء الجنة والنار.

وفي الكيسانية من يقول : إن الدنيا لا تفنى أبدا. ومنهم طائفة تسمّى النحلية نسبوا إلى الحسن بن علي بن ورصند النحلي ، كان من أهل نفطة من عمل قفصة

__________________

(١) كذا في الأصل. وفي الفهرست للنديم : «السكّاك». وهو محمد بن الجليل السكّاك ، كان متكلما من أصحاب هشام بن الحكم ، وخالفه في أشياء إلا في أصل الإمامة. وله من الكتب : كتاب المعرفة ، كتاب في الاستطاعة ، كتاب الإمامة ، كتاب على من أبي وجوب الإمامة بالنصّ ، انظر الفهرست (ص ٢٢٥).

وقسطيلية من كور إفريقية ثم نهض هذا الكافر إلى السوس في أقاصي بلاد المصامدة ، فأضلهم وأضل أمير السوس أحمد بن إدريس بن يحيى بن إدريس بن إدريس بن عبد الله ابن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، فهم هنالك كثير سكان في ربض مدينة السوس ، معلنون بكفرهم ، وصلاتهم خلاف صلاة المسلمين ، لا يأكلون شيئا من الثمار ذبل أصله ، ويقولون إن الإمامة في ولد الحسن دون ولد الحسين.

ومنهم أصحاب أبي كامل ، ومن قولهم : إن جميع الصحابة رضي الله عنهم كفروا بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إذ جحدوا إمامة علي ، وأن عليا كفر إذا أسلم الأمر إلى أبي بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان. ثم قال جمهورهم : إن عليا ومن اتبعه رجعوا إلى الإسلام إذ دعا إلى نفسه بعد قتل عثمان ، وإذ كشف وجهه وسل سيفه وإنّه وإيّاهم كانوا قبل ذلك مرتدين عن الإسلام ، كفارا مشركين.

ومنهم من يردّ الذنب في ذلك إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ لم يبين الأمر بيانا رافعا للإشكال.

قال أبو محمد : وكل هذا كفر صريح لا خفاء به فهذه مذاهب الإمامية ، وهي المتوسطة في الغلوّ من فرق الشيعة.

وأمّا الغالية من الشيعة فهم قسمان :

قسم أوجبت النبوة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لغيره.

والقسم الثاني : أوجبوا الإلهية لغير الله عزوجل فلحقوا بالنصارى واليهود وكفروا أشنع الكفر.

فالطائفة التي أوجبت النبوة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرق ، فمنهم الغرابية وقولهم إن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان أشبه بعلي من الغراب بالغراب ، وأن الله عزوجل بعث جبريل عليه‌السلام بالوحي إلى علي ، فغلط جبريل عليه‌السلام بمحمد ، ولا لوم على جبريل في ذلك لأنه غلط.

وقالت طائفة منهم : بل تعمّد ذلك جبريل ، وكفّروه ولعنوه لعنهم الله.

قال أبو محمد : فهل سمع بأضعف عقولا ، وأتمّ رقاعة من قوم يقولون إنّ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يشبه عليّ بن أبي طالب في الناس!! أين يقع شبه ابن أربعين سنة من صبيّ ابن إحدى عشرة سنة ، حتى يغلط به جبريل عليه‌السلام ، ثم محمد عليه‌السلام فوق الرّبعة إلى الطول ، قويم القناة ، كثّ اللحية ، أدعج العينين ، ممتلئ السّاقين ، قليل

شعر الجسد ، أفرع ، وعليّ دون الرّبعة إلى القصر ، منكبّ شديد الانكباب كأنه كسر ثم جبر ، عظم اللحية ، قد ملئت صدره من منكب إلى منكب إذا التحى ثقيل العينين ، دقيق السّاقين ، أصلع ، عظيم الصلع ، ليس في رأسه شعر إلّا في مؤخره يسير ، كثير شعر اللحية ، فاعجبوا لحمق هذه الطبقة.

ثم لو جاز أن يغلط جبريل ـ وحاشا لروح القدس الأمين ـ كيف غفل الله عزوجل عن تقويمه وتنبيهه فتركه على غلطه ثلاثا وعشرين سنة؟ ثم أظرف من هذا كله : من أخبرهم بهذا الخبر؟ ومن خرفهم بهذه الخرافة؟ وهذا لا يعرفه إلّا من شاهد أمر الله تعالى لجبريل عليه‌السلام ثم شاهد خلافه ، فعلى هؤلاء لعنة الله ولعنة اللاعنين ، والملائكة والناس أجمعين ، ما دام الله في عالمه خلق.

وفرقة قالت بأن عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين رضي الله عنهم وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، والحسن بن محمد ، والمنتظر ابن الحسن أنبياء كلهم.

وفرقة قالت بنبوة محمد بن إسماعيل بن جعفر فقط ، وهم طائفة من القرامطة.

وفرقة قالت بنبوة عليّ وبنيه الثلاثة ، الحسن والحسين ، ومحمد ابن الحنفية فقط وهم طائفة من الكيسانية.

وقد حوّم المختار حول أن يدّعي النبوة لنفسه ، وسجع أسجاعا وأنذر بالغيوب عن الله عزوجل ، واتبعه على ذلك طوائف من الشيعة الملعونة ، وقال بإمامة محمد ابن الحنفية.

وفرقة قالت بنبوة المغيرة بن سعيد مولى بجيلة بالكوفة ، وهو الذي أحرقه خالد ابن عبد الله القشريّ بالنّار ، وكان لعنه الله يقول : إنّ معبوده صورة رجل على رأسه تاج ، وأن أعضاءه على عدد حروف الهجاء ، الألف للسّاقين ونحو ذلك مما لا ينطلق لسان ذي شعبة من دين به ، تعالى الله عمّا يقول الكافرون علوّا كبيرا ، وكان لعنه الله يقول : إنّ معبوده لما أراد أن يخلق الخلق تكلم باسمه الأكبر فطار ، فوقع على تاجه ، ثم كتب بإصبعه أعمال العباد من المعاصي والطاعات فلما رأى المعاصي ارفضّ عرقا ، فاجتمع من عرقه بحران ، أحدهما ملح مظلم ، والثاني نيّر عذب ، ثم اطلع في البحر فرأى ظله فذهب ليأخذه فطار فأخذه فقلع عيني ذلك الظل ومحقه فخلق من عينيه الشمس وشمسا أخرى ، وخلق الكفار من البحر المالح ، وخلق المؤمنين من البحر العذب في تخليط لهم كثير.

وكان مما يقول : إن الأنبياء لم يختلفوا قط في شيء من الشرائع.

وقد قيل إن جابر بن يزيد الجعفي الذي يروي عن الشعبي كان خليفة المغيرة ابن سعيد إذ أحرقه خالد بن عبد الله القشريّ ، فلما مات جابر خلفه بكر الأعور الهجري ، فلما مات فوضوا أمرهم إلى عبد الله بن المغيرة رئيسهم المذكور ، وكان لهم عدد ضخم بالكوفة ، وآخر ما وقف عليه المغيرة بن سعيد القول بإمامة محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين ، وتحريم ماء الفرات ، وكل ماء نهر أو عين أو بئر وقعت فيه نجاسة ، برئت منه عند ذلك القائلون بالإمامة في ولد الحسين.

وفرقة قالت بنبوة بيان بن سمعان التميمي ، صلبه وأحرقه خالد بن عبد الله القسري مع المغيرة بن سعيد في يوم واحد ، وجبن المغيرة بن سعيد عن اعتناق حزمة الحطب جبنا شديدا حتى ضم إليها قهرا ، وبادر بيان بن سمعان إلى الحزمة فاحتضنها من غير إكراه ، ولم يظهر منه جزع ، فقال خالد لأصحابهما : في كل شيء أنتم مجانين؟ هذا كان ينبغي أن يكون رئيسكم لا هذا الفل. وكان بيان لعنه الله يقول : إن الله تعالى يفنى كله حاشا وجهه فقط ، وظن المجنون أنه تعلق في كفره هذا بقول الله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) [سورة الرحمن : ٢٧].

ولو كان له أدنى عقل أو فهم لعلم أن الله تعالى إنما أخبر بالفناء عمّا على الأرض فقط بنص قوله الصادق : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ).

ولم يصف عزوجل بالفناء غير ما على الأرض ، ووجه الله تعالى هو الله ، وليس هو شيئا غيره ، وحاشا لله من أن يوصف بالتبعيض والتجزؤ ، هذه صفة المخلوقين المحدودين ، لا صفة من لا يحدّ ولا له مثل ، وكان لعنه الله يقول : إنه المعنيّ بقول الله تعالى : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) [سورة آل عمران : ١٣٨].

وكان يذهب إلى أن الإمام هو أبو هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية ثم هي في سائر ولد عليّ كلهم.

وقالت فرقة منهم بنبوة أبي منصور المستنير العجلي وهو الملقب بالكشف ، وكان يقال إنه المراد بقول الله عزوجل : (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً) [سورة الطور : ٤٤].

وصلبه يوسف بن عمر بالكوفة ، وكان لعنه الله يقول : إنه عرج به إلى السماوات ، وأن الله تعالى مسح رأسه بيده ، وقال له أي بني ، اذهب فبلّغ عني ، وكان يمين أصحابه «لا والكلمة» ، وكان لعنه الله يقول : بأن أول من خلق الله تعالى فعيسى ابن مريم ثم علي بن أبي طالب ، وكان يقول بتواتر الرسل ، وأباح المحرّمات من الزنا ، والخمر ،

والميتة ، والخنزير ، والدّم ، وقال إنما هم أسماء رجال ، وجمهور الرّافضة اليوم على هذا ، وأسقط الصلاة والزكاة والصيام والحج ، وأصحابه كلهم خناقون رضّاخون ، وكذلك أصحاب المغيرة بن سعيد ومعناهم في ذلك أنهم لا يستحلون حمل السلاح حتى يخرج الذي ينتظرونه فهم يقتلون الناس بالخنق وبالحجارة والخشبية بالخشب فقط. وذكر هشام بن الحكم الرافضي في كتابه المعروف بالميزان ، وهو أعلم الناس بهم لأنه جارهم بالكوفة ، وجارهم في المذهب : أن الكشفية خاصة يقتلون من كان منهم ومن خالفهم ، ويقولون نعجل المؤمن إلى الجنة ، والكافر إلى النار ، وكانوا بعد موت أبي منصور يؤدون الخمس مما يأخذون ممن خنقوه إلى الحسن بن أبي المنصور. وأصحابه فرقتان فرقة قالت : إنّ الإمامة بعد محمد بن علي بن الحسن ، صارت إلى محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين.

وفرقة قالت : بل إلى أبي منصور الكشف ، ولا تعود في ولد عليّ أبدا.

وقالت فرقة بنبوة بزيغ الحائك بالكوفة وإن وقوع هذه الدعوى لهم في حائك لطريفة

وفرقة قالت بنبوة معمر بائع الحنطة بالكوفة.

وقالت فرقة بنبوة عمير التّبان بالكوفة ، وكان لعنه الله يقول لأصحابه : لو شئت أن أعيد هذا التبن تبرا لفعلت ، وقدم إلى خالد بن عبد الله القشريّ بالكوفة فتجلّد وسبّ خالدا ، فأمر خالد بضرب عنقه فقتل إلى لعنة الله.

وهذه الفرق الخمس كلها من فرق الخطابية.

وقالت فرقة من أوائل شيعة بني العباس بنبوّة عمار الملقب بخداش فظفر به أسد بن عبد الله أخو خالد بن عبد الله القسري فقتله إلى لعنة الله.

والقسم الثاني من فرق الغالية الذين يقولون بالإلهية لغير الله عزوجل فأولهم قوم من أصحاب عبد الله بن سبأ الحميري لعنه الله : أتوا إلي عليّ بن أبي طالب فقالوا مشافهة : أنت هو. فقال لهم : ومن هو؟ قالوا : أنت الله. فاستعظم الأمر ، وأمر بنار فأججت فأحرقهم بالنار ، فجعلوا يقولون وهم يرمون في النار : الآن صح عندنا أنك الله لأنه لا يعذّب بالنار إلّا الله ، وفي ذلك يقول عليّ رضي الله عنه :

لما رأيت الأمر أمرا منكرا

أججت نارا ودعوت قنبرا

يريد قنبرا مولاه ، وهو الذي تولّى طرحهم في النار ، نعوذ بالله من أن نفتتن بمخلوق ، أو يفتتن بنا مخلوق فيما جلّ أو دقّ ، فإنّ محنة أبي الحسن رضي الله عنه

من بين أصحابه رضي الله عنهم كمحنة عيسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أصحابه من الرسل عليهم‌السلام ، وهذه الفرقة باقية إلى اليوم فاشية عظيمة العدد يسمّون العليانية منهم كان إسحاق بن محمد النخعي الأحمر الكوفي ، وكان من متكلميهم ، وله في ذلك كتابه سماه «الصراط» نقضه عليه البهنكي والفياض بما ذكرنا ، ويقولون : إن محمدا رسول علي.

وقالت طائفة من الشيعة يعرفون بالمحمدية : إنّ محمدا عليه‌السلام هو الله. تعالى الله عن كفرهم ، ومن هؤلاء كان البهنكيّ والفياض بن علي وله في هذا المعنى كتاب سمّاه «القسطاس». وأبوه الكاتب المشهور الذي كتب لإسحاق بن كنداج أيام ولايته ، ثم لأمير المؤمنين المعتضد ، وفيه يقول البحتري القصيدة المشهورة التي أولها :

شط من ساكن الغوير مزاره

وطوته البلاد والله جاره (١)

والفياض هذا لعنه الله قتله القاسم بن عبد الله بن سليمان بن وهب ، لكونه من جملة من سعى به أيام المعتضد ، والقصة مشهورة.

وفرقة ثالثة بإلاهية آدم عليه‌السلام والنبيين بعده نبيا نبيا إلى محمد عليه‌السلام ثم بإلاهية عليّ ثم بإلاهية الحسن ثم الحسين ، ثم محمد بن علي ، ثم جعفر بن محمد ، ووقفوا هاهنا ، وأعلنت الخطابية بذلك نهارا بالكوفة ، في ولاية عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، فخرجوا صدر النهار في جموع عظيمة في أزر وأردية محرمين ينادون بأعلى أصواتهم : لبيك جعفر لبيك جعفر قال ابن عياش وغيره كأنني أنظر إليهم يومئذ فخرج إليهم عيسى بن موسى فقاتلوه فقتلهم ، واصطلمهم (٢) ، ثم زادت فرقة على ما ذكرنا فقالوا بإلهية محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد ، وهم القرامطة. وفيهم من قال بإلاهية أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي وأبنائه بعده.

ومنهم من قال بإلهية أبي القاسم النجار القائم باليمن ، في بلاد همدان المسمى بالمنصور.

وقالت طائفة منهم : بإلاهية عبيد الله ثم الولادة من ولده إلى يومنا هذا.

وقالت طائفة بإلاهية أبي الخطاب محمد بن أبي زينب مولى بني أسد بالكوفة ، وكثر عددهم بها حتى تجاوزوا الألوف ، وقالوا هو إله ، وجعفر بن محمد إله ، إلا أن أبا

__________________

(١) ديوان البحتري (٢ / ٣٦٣).

(٢) اصطلمهم : استأصلهم وأبادهم (المعجم الوسيط : ص ٥٢١).

الخطاب أكبر منه ، وكانوا يقولون : جميع أولاد الحسن أبناء الله وأحباؤه وكانوا يقولون : إنهم لا يموتون ، ولكنهم يرفعون إلى السماء ، وأشبه على الناس بهذا الشيخ الذي ترون.

ثم قالت طائفة منهم بإلاهية معمر بائع الحنطة بالكوفة ، وعبدوه ، وكان من أصحاب أبي الخطاب ، لعنهم الله أجمعين.

وقالت طائفة بإلاهية الحسين بن منصور حلّاج القطن ، المصلوب ببغداد ، بسعي الوزير ابن حامد بن العباس رحمه‌الله أيام المقتدر.

وقالت طائفة بإلاهية محمد بن علي الشلمغانيّ الكاتب المقتول ببغداد أيام الراضي ، وكان أمر أصحابه ، بأن يفسق الأرفع قدرا منهم به ليولج فيه النور.

وكل هذه الفرق ترى الاشتراك في النساء.

وقالت طائفة بإلاهية شباس المقيم في وقتنا هذا حيّا بالبصرة.

وقالت طائفة منهم بإلاهية أبي مسلم السّراج.

ثم قالت طائفة من هؤلاء بإلاهية المقنّع الأعور القصّار القائم بثأر أبي مسلم ، واسم هذا القصار هاشم ، وقتل لعنه الله أيام المنصور.

وقالت الراوندية بإلاهية أبي جعفر المنصور ، وأعلنوا بذلك فخرج إليهم المنصور فقتلهم وأفناهم إلى لعنة الله.

وقالت طائفة منهم بإلاهية عبد الله بن الحرب الكندي ، الكوفي ، وعبدوه ، وكان يقول بتناسخ الأرواح ، وفرض عليهم تسع عشرة صلاة في اليوم ، والليلة ، في كل صلاة خمس عشرة ركعة ، إلى أن ناظره رجل من متكلمي الصّفرية ، وأوضح له براهين الدين فأسلم وصحّ إسلامه ، وتبرأ من كل ما كان عليه ، وأعلم أصحابه بذلك ، وأظهر التوبة فتبرأ منه جميع أصحابه الذين كانوا يعبدونه ، ويقولون بإلاهيته ولعنوه وفارقوه ، ورجعوا كلهم إلى القول بإمامة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وبقي عبد الله بن الحرب من السبئية النصيرية على الإسلام ، وعلى مذهب الصّفرية إلى أن مات ، وطائفته إلى اليوم تعرف بالحربية. ومن السبئية القائلين بإلاهية عليّ طائفة تدعي النّصيرية ، وقد غلبوا في وقتنا هذا على جند الأردن بالشام ، وعلى مدينة الطبرية خاصة ، ومن قولهم : لعن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولعن الحسن والحسين ابني علي رضي الله عنهم ، وسبّهم بأقذع السب ، وقذفهم بكل بلية ، والقطع بأنها وابنيها رضي الله عنهم شياطين تصوروا في صورة الإنسان. وقولهم في عبد الرحمن بن ملجم المرادي قاتل

علي رضي الله عن علي ولعنة الله على ابن ملجم ، فيقول هؤلاء إن عبد الرحمن بن ملجم المرادي أفضل أهل الأرض وأكرمهم في الآخرة لأنه خلّص روح اللاهوت مما كان يتشبّث فيه من ظلمة الجسد وكدره ، فاعجبوا لهذا الجنون ، واسألوا الله العافية من بلاء الدنيا والآخرة ، فهي بيده لا بيد أحد سواه ، جعل الله حظنا منها الأوفى ، واعلموا أن كل من كفر هذه الكفرات الفاحشة ممن ينتمي إلى الإسلام فإنما عنصرهم الشيعة والصوفية ، فإن من الصوفية من يقول : إنّ من عرف الله تعالى سقطت عنه الأعمال الشرعية. وزاد بعضهم : واتصل بالله تعالى.

وبلغنا أن بنيسابور اليوم في عصرنا هذا رجلا يكنى أبا سعيد أبي الخير هكذا معا من الصوفية مرة يلبس الصوف ، ومرّة يلبس الحرير المحرّم على الرجال ، ومرة يصلي في اليوم ألف ركعة ، ومرة لا يصلي لا فريضة ولا نافلة وهذا كفر محض ، ونعوذ بالله من الضلال.

ذكر شنع الخوارج

ذكر بعض من جمع مقالات المنتمين إلى الإسلام ، أن فرقة من الإباضية رئيسهم رجل يدعى زيد بن أبي أنيسة وهو غير المحدث المشهور ، كان يقول : إنّ في هذه الأمة شاهدين عليها وهو أحدهما ، والآخر لا يدري من هو؟ ولا متى هو؟ ولا يدري لعله قد كان قبله ، وأنّ من كان من اليهود والنصارى يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله إلى العرب لا إلينا ، كما تقول العيسوية من اليهود ، قال : فإنهم مؤمنون ، أولياء الله تعالى ، وإن ماتوا على هذا العقد وعلى التزام شرائع اليهود والنصارى ، وأن دين الإسلام سينسخ بنبي من العجم يأتي بدين الصابئين ، وبقرآن آخر ينزل عليه جملة واحدة.

قال أبو محمد : إلّا أن جميع الإباضية يكفرون من قال بشيء من هذه المقالات ويبرءون منه ، ويستحلون دمه وماله.

وقالت طائفة من أصحاب الحارث الإباضي : إن من زنى أو سرق أو قذف فإنه يقام عليه الحد ثم يستتاب مما فعل ، فإن تاب ترك ، وإن أبي التوبة قتل على الرّدة.

قال أبو محمد : وشاهدنا الإباضية عندنا بالأندلس يحرمون طعام أهل الكتاب ، ويحرمون أكل قضيب التيس ، والثور والكبش ، ويوجبون القضاء على من نام نهارا في رمضان ، فاحتلم ، ويتيممون وهم على الآبار التي يشربون منها إلا قليلا منهم.

وقال أبو إسماعيل البطيحي وأصحابه ، وهم من الخوارج : إن لا صلاة واجبة إلا ركعة واحدة بالغداة ، وركعة أخرى بالعشي فقط ، ويرون الحج في جميع شهور السنة ، ويحرمون أكل السمك حتى يذبح ، ولا يرون أخذ الجزية من المجوس ويكفرون من خطب في الفطر والأضحى ، ويقولون : إن أهل النار في النار في لذّة ونعيم ، وأهل الجنة كذلك.

قال أبو محمد : وأصل أبي إسماعيل هذا من الأزارقة إلّا أنّه غلا عن سائر الأزارقة ، وزاد عليهم.

وقالت سائر الأزارقة ، وهم أصحاب نافع بن الأزرق ، بإبطال رجم من زنى وهو

محصن وقطعوا يد السارق من المنكب ، وأوجبوا على الحائض الصلاة والصيام في حيضها.

وقال بعضهم : لا ، ولكن تقضي الصلاة إذا طهرت كما تقضي الصيام ، وأباحوا دم الأطفال ممن لم يكن في عسكرهم ، وقتل النساء أيضا ممن ليس في عسكرهم وبرئت الأزارقة ممن قعد عن الخروج لضعف أو غيره ، وكفروا من خالف هذا القول بعد موت أول من قال به منهم ، ولم يكفروا من خالفه فيه في حياته وقالوا باستعراض كل من لقوه من غير أهل عسكرهم ويقتلونه إذا قال أنا مسلم ، ويحرمون قتل من انتمى إلى اليهود أو إلى النصارى أو إلى المجوس ، وبهذا شهد عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمروق من الدين كما يمرق السهم من الرّمية إذ قال عليه‌السلام : «إنهم يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان» (١) وهذا من أعلام نبوته صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ أنذر بذلك ، وهو من جزئيات الغيب فخرج نصّا كما قال.

قال أبو محمد : وقد بادت الأزارقة إنما كانوا أهل عسكر واحد أولهم نافع بن الأزرق ، وآخرهم عبيدة بن هلال اليشكري ، واتصل أمرهم بضعا وعشرين سنة إلّا أني أشك في صبيح مولى سوار بن الأشعر المازني مازن تميم أخرج برأي الأزارقة أيام هشام بن عبد الملك ، أم برأي الصّفرية؟ لأن أمره لم يطل فقد أسر إثر خروجه وقتل.

وقالت النجدات ، وهم أصحاب نجدة بن عامر الحنفي : ليس على الناس أن يتخذوا إماما إنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم.

وقالوا : من ضعف عن الهجرة إلى عسكرهم فهو منافق ، واستحلوا دماء القعدة وأموالهم ، وقالوا : من كذب كذبة صغيرة أو عمل ذنبا صغيرا فأصرّ على ذلك فهو كافر مشرك ، وكذلك أيضا في الكبائر ، وأن من عمل الكبائر غير مصرّ عليها فهو مسلم ، وقالوا : جائز أن يعذّب الله المؤمنين بذنوبهم لكن في غير النار وأما النار فلا.

وقالوا : أصحاب الكبائر منهم ليسوا كفارا ، وأصحاب الكبائر من غيرهم كفار. وقد بادت النجدات.

__________________

(١) جزء من حديث رواه البخاري في التوحيد باب ٢٣ ، وأحاديث الأنبياء باب ٦ ، والمغازي باب ٦١ ، وتفسير سورة ٩ باب ١٠. ومسلم في الزكاة حديث ١٤٣ و ١٤٤ ، و ١٤٥ ، و ١٤٦. وأبو داود في السنّة باب ٢٨. والنسائي في الزكاة باب ٧٩ ، وتحريم الدم باب ٢٦. وأحمد في المسند (٣ / ٤ ، ٧٣).

وقالت طائفة من الصّفرية بوجوب قتل كل من أمكن قتله من مؤمن عندهم أو كافر ، وكانوا يؤوّلون الحق بالباطل ، وقد بادت هذه الطائفة.

وقالت الميمونية وهم فرقة من العجاردة ، والعجاردة فرقة من الصّفرية ، بإجازة نكاح بنات البنات ، وبنات البنين ، وبنات بني الإخوة والأخوات. وذكر ذلك عنهم الحسين بن علي الكرابيسي ، وهو أحد الأئمة في الدين والحديث ، ولم يبق اليوم من فرق الخوارج إلا الإباضية والصفرية (١) فقط.

وقالت طائفة من أصحاب البيهسيّة وهم أصحاب أبي بيهس ، وهم من فرق الصّفريّة : إن كل صاحب كبيرة فيها حد فإنه لا يكفر حتى يرفع إلى الإمام ، فإذا أقام عليه الحد فحينئذ يكفر.

وقالت الرشيدية ـ وهم من فرق الثعالبة ، والثعالبة من فرق الصفرية : إن الواجب في الزكاة نصف العشر مما سقي بالأنهار والعيون.

وقالت العوفية ، وهم طائفة من البيهسية التي ذكرنا آنفا : إن الإمام إذا قضى قضية جور وهو بخراسان ، أو بغيرها حيث كان من البلاد ففي ذلك الحين نفسه يكفر هو وجميع رعيته حيث كانوا من شرق الأرض وغربها ، ولو بالأندلس واليمن فما بين ذلك من البلاد.

وقالوا أيضا : لو وقعت قطرة خمر في جبّ ما بفلاة من الأرض ، فإن كل من حضر على ذلك الجب فشرب منه وهو لا يدري بما وقع فيه فهو كافر بالله تعالى. قالوا : إلّا أن الله تعالى يوفق المؤمن لاجتنابه.

وقالت الفضيلية من الصّفرية : من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله بلسانه ولم يعتقد ذلك بقلبه ، بل اعتقد الكفر أو الدهرية ، أو اليهودية ، أو النصرانية ، فهو مسلم عند الله ، مؤمن ، ولا يضره إذا قال الحق بلسانه ما اعتقد بقلبه.

وقالت طائفة من الصفرية : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ بعث ففي حين بعثه في ذلك الوقت من ذلك اليوم لزم أهل المشرق والمغرب الإيمان به ، وأن يعرفوا جميع ما جاء به من الشرائع ، فمن مات منهم قبل أن يبلغه شيء من ذلك مات كافرا.

وقالت العجاردة ـ أصحاب عبد الكريم بن عجرد من الصّفريّة : إنّ من بلغ الحلم من أولادهم ، وبناتهم ، فهم برآء منه ومن دينه ، حتى يقر بالإسلام فيتولوه حينئذ.

__________________

(١) ذكر قبل أربعة أسطر أن الصفرية بادت. أو لعلّه يقصد أن طائفة منهم بادت ، وبقيت طائفة أخرى.

قال أبو محمد : فعلى هذا إن قتله قاتل قبل أن يلفظ بالإسلام فلا قود عليه ولا دية ، وإن مات لم يرث ولم يورث.

وقالت طائفة من العجاردة : لا نتولى أطفالنا قبل البلوغ ولا نبرأ منهم لكن نقف منهم حتى يلفظوا بالإسلام بعد البلوغ.

قال أبو محمد : والعجاردة هم الغالبون على خوارج خراسان ، كما أنّ النكار من الإباضية هم الغالبون على خوارج الأندلس.

وقالت المكرميّة ، وهم أصحاب أبي مكرم وهم من الثعالبة أصحاب ثعلبة وهم من الصّفرية ، وإلى قول الثعالبة رجع عبد الله بن إباض فبرئ منه أصحابه ، فهم لا يعرفونه اليوم ، ولقد سألنا من هو مقدمهم في علمهم ومذهبهم عنه فما عرفه أحد منهم. وكان من قول المكرمية هؤلاء : أن من أتى كبيرة فقد جهل الله تعالى ، فهو كافر ليس من أجل الكبيرة كفر ، لكن لأنه جهل الله عزوجل ، فهو كافر بجهله بالله تعالى.

وقالت طائفة من الخوارج : ما كان من المعاصي فيه حدّ كالزنى والسرقة والقذف فليس فاعله كافرا ، ولا مؤمنا ، ولا منافقا. وأمّا ما كان من المعاصي لا حدّ فيه فهو كفر وفاعله كافر.

وقالت الحفصية وهم أصحاب حفص بن أبي المقدام من الإباضية : من عرف الله تعالى وكفر بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهو كافر وليس بمشرك ، فإن جهل الله تعالى أو جحده فهو حينئذ مشرك.

وقال بعض أصحاب الحارث الإباضي : المنافقون على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما كانوا موحدين لله تعالى أصحاب كبائر. ومن حماقاتهم قول بكر ابن أخت عبد الواحد بن زيد ، فإنه كان يقول : كل ذنب صغير أو كبير ولو كان أخذ حبة خردل بغير حق أو كذبة خفيفة على سبيل المزاح فهي شرك بالله ، وفاعلها كافر مشرك مخلد في النار ، إلّا أن يكون من أهل بدر فهو كافر مشرك من أهل الجنة ، وهذا حكم طلحة والزبير رضي الله عنهما عندهم.

ومن حماقاتهم قول عبد الله بن عيسى ، تلميذ بكر ابن أخت عبد الواحد بن زيد المذكور ، فإنه كان يقول : إن المجانين والبهائم والأطفال ما لم يبلغوا الحلم فإنهم لا يألمون البتة لشيء مما ينزل بهم من العلل ، وحجته في ذلك أن الله تعالى لا يظلم أحدا ، وهو اللطيف الرحمن الرحيم فلو آلمهم بغير ذنب لكان ظالما لهم.

قال أبو محمد : لعمري لقد طرد أهل المعتزلة ، وإن من خالفه في هذا لمتلوث في الحماقة ، متسكع في التناقض.

ذكر شنع المعتزلة

قال أبو محمد : قالت المعتزلة بأسرها حاشا ضرار بن عبد الله الغطفانيّ الكوفي ومن وافقه كحفص الفرد ، وكلثوم وأصحابه : إن جميع أفعال العباد من حركاتهم وسكونهم في أقوالهم وأفعالهم وأعمالهم وعقودهم لم يخلقها الله عزوجل ، ثم اختلفوا :

فقالت طائفة : يخلقها فاعلوها دون الله تعالى.

وقالت طائفة : هي أفعال موجودة لا خالق لها أصلا.

وقالت طائفة : هي أفعال الطبيعة ، وهذا قول أهل الدّهر بلا تكلف.

وقالت المعتزلة كلها حاشا ضرار بن عمرو المذكور ، وحاشا أبا سهل بشر بن المعتمر البغدادي النخاس بالرقيق : إنّ الله عزوجل لا يقدر البتة على لطف يلطف به للكافر حتى يؤمن إيمانا يستحق به الجنة ، والله عزوجل ليس في قوته أحسن مما فعل بنا ، وأنّ هذا الذي فعل هو منتهى طاقته وآخر قدرته التي لا يمكنه ولا يقدر على أكثر.

قال أبو محمد : هذا تعجيز مجرد للباري تعالى ، ووصف له بالنقص ، وكلهم لا نحاشي أحدا يقول : إنه لا يقدر على المحال ، ولا على أن يجعل الجسم ساكنا متحركا معا في حال واحدة ، ولا على أن يجعل إنسانا واحدا في مكانين معا.

قال أبو محمد : وهذا تعجيز مجرد لله تعالى ، وإيجاب النهاية والانقضاء لقدرته تعالى عن ذلك.

وقال أبو الهذيل بن مكحول العلّاف مولى عبد القيس بصري أحد رؤساء المعتزلة ومقدّميهم : إنّ لما يقدر الله تعالى عليه آخرا ، ولقدرته نهاية لو خرج إلى الفعل ـ ولن يخرج ـ لم يقدر الله تعالى بعد ذلك على شيء أصلا ، ولا على خلق ذرّة فما فوقها ، ولا على إحياء بعوضة ميتة ، ولا على تحريك ورقة فما فوقها ، ولا على أن يفعل شيئا أصلا.

قال أبو محمد : وهذه حالة من الضعف والمهانة والعجز قد ارتفعت البق والبراغيث والدود مدة حياتها عنها ، وعن أن توصف بها ، وهذا كفر مجرد لا خفاء به.

وزعم أبو الهذيل أيضا : أن أهل الجنة وأهل النار تفنى حركاتهم حتى يصيروا جمادا لا يقدرون على تحريك شيء من أعضائهم ، ولا على البراح من مواضعهم وهم في تلك الحال متلذذون ومتألمون إلّا أنهم لا يأكلون ولا يشربون ، ولا يطئون بعد هذا أبدا ، وكان يزعم أيضا أن لما يعلمه الله عزوجل آخرا ونهاية ، وكلّا لا يعلم الله شيئا سواه.

وادّعى قوم من المعتزلة أنه تاب عن هذه الطّوامّ الثلاث.

قال أبو محمد : وهذا لا يصح ، وإنما ادّعوا ذلك حياء من هذه الكفرات الصلع لإمامهم إمام الضلالة.

وذكر عن أبي الهذيل أيضا أنه قال : إنّ الله تعالى ليس خلافا لخلقه ، وكان يكفّر من قال إن الله تعالى خلاف لخلقه. والعجب أنه مع هذا الإقدام العظيم ينكر التشبيه ، وهذا عين التشبيه لأنه ليس إلّا خلاف أو مثل أو ضدّ ، فإذا بطل أن يكون خلافا أو ضدّا فهو مثل ولا بدّ تعالى الله عن هذا علوّا كبيرا.

وكان أبو الهذيل يقول : إنّ الله لم يزل عليما ، وكان ينكر أن يقال : إن الله عزوجل لم يزل سميعا بصيرا.

قال أبو محمد : وهذا خلاف القرآن لأن الله تعالى قال : (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً) [سورة النساء : ١٣٤].

كما قال : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) [سورة النساء : ١٠٤].

وكلهم قال إنّ الله تعالى لم يزل يعلم أنّ من مات كافرا فإنه لا يؤمن أبدا وأنه تعالى حكم وقال : إنّ أبا لهب وامرأته سيصليان النار كافرين ، ثم قطعوا كلهم بأنّ أبا لهب وامرأته كانا قادرين على الإيمان وعلى ألّا تمسّهما النار ، وأنهما كان ممكنا لهما تكذيب الله عزوجل ، وأنهما كانا قادرين على إبطال علم الله عزوجل ، وعلى أن يجعلاه كاذبا في قوله ، هذا نصّ قولهم بلا تطويل.

قال : وكان إبراهيم بن سيّار النظام أبو إسحاق البصري مولى بني بحير بن الحارث بن عباد الضبعي أكبر شيوخ المعتزلة ، ومقدمة علمائهم يقول : إن الله تعالى لا يقدر على ظلم أحد أصلا ، ولا على شيء من الشر ، وأن النّاس يقدرون على كل ذلك ، وأنه تعالى لو كان قادرا على ذلك لكنا لا نأمن أن يفعله ، أو أنه قد فعله. فكان الناس عنده أتم قدرة من الله تعالى. وكان يصرّح بأن الله تعالى لا يقدر على إخراج أحد من جهنم ، ولا إخراج أحد من أهل الجنة عنها ، ولا على طرح طفل في جهنم ، وأنّ الناس وكل واحد من الجنّ والملائكة يقدرون على ذلك ، فكان الله عزوجل عنده أعجز من

كل ضعيف من خلقه ، وكان كل أحد من الخلق أتم قدرة من الله تعالى وهذا الكفر المجرد الذي نعوذ بالله منه.

ومن العجب اتفاق النظام والعلّاف شيخي المعتزلة على أنه ليس يقدر الله تعالى من الخير على أصلح ممّا عمل ، فاتفقا على أنّ قدرته على الخير متناهية.

ثم قال النظام : إنه تعالى لا يقدر على الشرّ جملة ، فجعله عديم قدرة على الشر جملة ، عاجزا عنه.

وقال العلّاف : بل هو قادر على الشر جملة فجعل ربه متناهي القدرة على الخير وغير متناهي القدرة على الشر. فهل سمع بأخبث صفة من الصفة التي وصف بها العلّاف ربه!!؟ وهل في الموصوفين أخبث طبيعة من الموصوف الذي ادّعى العلّاف أنه ربّه؟ ونعوذ بالله مما ابتلاهم به.

وأمّا أبو المعتمر معمّر بن عمرو العطار البصري مولى بني سليم أحد شيوخهم وأئمتهم فكان يقول بأن في العالم أشياء موجودة لا نهاية لها ، ولا يحصيها الباري تعالى ولا أحد أيضا غيره ، ولا لها عنده تعالى مقدار ولا عدد ، وذلك أنه كان يقول : إن الأشياء تختلف بمعان فيها ، وأن تلك المعاني تختلف بمعان أخر فيها ، وتلك المعاني أيضا تختلف بمعان أخر فيها ، وهكذا أبدا بلا نهاية ، وهذا تكذيب واضح لله تعالى في قوله : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) [سورة الرعد : ٨]. وفي قوله تعالى : (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) [سورة الجن : ٢٨].

وتوافقه الدّهرية في قولهم بوجود أشياء لا نهاية لها ، وعلى هذا طلبته المعتزلة بالبصرة عند السلطان حتى فرّ إلى بغداد ومات بها مختفيا عند إبراهيم بن السندي بن شاهك ، وكان معمر أيضا يزعم أن الله عزوجل لم يخلق شيئا من الألوان ولا طولا ولا عرضا ولا طعما ، ولا رائحة ولا خشونة ولا إملاسا ، ولا حسنا ، ولا قبحا ، ولا صوتا ، ولا قوة ولا ضعفا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، ولا مرضا ولا صحة ولا عافية ولا سقما ، ولا عمّى ولا بكما ولا بصرا ولا سمعا ولا فصاحة ولا فسادا للثمار ولا صلاحا لها ، وأنّ كل ذلك فعل الأجسام التي وجدت فيها هذه الأعراض بطباعها.

فاعلموا أنّ هذا الفاسق قد أخرج نصف العالم عن خلق الله تعالى لأنه ليس العالم شيئا إلّا الجواهر الحاملة والأعراض المحمولة فقط ، فالنصف الواحد عنده غير مخلوق ، لعنه الله من مكذّب لله تعالى في نصّ قوله تعالى : (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [سورة الملك : ٢].

وقد عورض معمر بهذه الآية فقال : إنما أراد أنه خلق الإماتة والإحياء. وذكر عنه أنه كان ينكر أن يكون الله عزوجل عالما بنفسه ، وذلك لأنّ العالم إنما يعلم غيره ، ولا يعلم نفسه ، وكان يزعم أنّ النفس ليست جسما ولا عرضا ، ولا هي في مكان أصلا ، ولا تماس شيئا ولا تباينه ولا تتحرك ولا تسكن.

قال أبو محمد : وهذا قول أهل الإلحاد محضا بلا تأويل يعني القائلين منهم بقدم النفس وأنها الخالقة للأشياء ، نعوذ بالله من الضلال.

وكان يقول : إن الله تعالى لا يعلم نفسه ولا يجهلها ، لأنّ العالم غير المعلوم ومحال أن يقدر على الموجودات أو أن يعلمها أو أن يجهلها.

وقال أبو العباس عبد الله بن محمد الأنباري المعروف بالناشئ لقبه شرشير في كتابه في المقالات : إن الله تعالى لا يقدر على أن يسوّي بنان الإنسان بعد أن سبق في علمه أنه لا يسويها.

قال أبو محمد : وهذا تكذيب محض لله تعالى في قوله : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) [سورة القيامة : ٣ ، ٤].

ورأيت للجاحظ في كتابه «البرهان» لو أن سائلا سأله وقال : أيقدر الله تعالى على أن يخلق قبل الدنيا دنيا أخرى؟ فجوابه نعم ، بمعنى أنه يخلق تلك الدنيا حين خلق هذه فتكون مثل هذه.

قال أبو محمد : هذا تعجيز منه للباري تعالى كما قدمنا إذ لم تحصل له تعالى قدرة على خلق دنيا قبل هذه إلّا على الوجه الذي ذكره ، وأمّا على غيره فلا. فإن قيل كيف تجيبون؟ قلنا : جوابنا : نعم. على الإطلاق.

فإن قيل لنا : كيف يصحّ هذا السؤال وأنتم تقولون إنه لا يجوز أن يقال إنّ قبل العالم شيئا لأن قبل وبعد من الزمان ولا زمان هنالك.

قلنا : معنى قولنا نعم. أي أنّه تعالى لم يزل قادرا على أن يخلق عالما لو خلقه لكان له زمان قبل زمان هذا العالم. وهكذا أبدا. وبالله تعالى التوفيق.

وأمّا ضرار بن عمرو ، فإنه كان يقول : إنّ ممكنا أن يكون جميع من في الأرض ممّن يظهر الإسلام كفارا كلهم في باطن أمرهم لأن كل ذلك جائز على كل واحد منهم في ذاته.

ومن حماقات ضرار أنه كان يقول : إنّ الأجسام إنما هي أعراض مجتمعة ، وأن

النّار ليس فيها حر ، ولا في الثلج برد ، ولا في العسل حلاوة ، ولا في الصبر مرارة ، ولا في العنب عصير ، ولا في الزّيتون زيت ، ولا في العروق دم ، وأنّ كل ذلك إنما يخلقه الله عزوجل عند القطع والذّوق والعصر واللمس فقط.

وأمّا أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ البصري الكناني صليبة وقيل بل مولى ـ وهو تلميذ النظام ، وأحد شيوخ المعتزلة ـ فإنه كان يقول : إنّ الله تعالى لا يقدر على إفناء الأجسام البتة إلا أن يرققها ويفرق أجزاءها فقط ، وأمّا إعدامها فلا يقدر على ذلك أصلا.

وأمّا أبو معن ثمامة بن أشرس النميري صليبية بصري أحد شيوخ المعتزلة وعلمائهم فذكر عنه أنه كان يقول : إن العالم فعل الله عزوجل بطباعه تعالى الله عن هذا الكفر الشنيع علوّا كبيرا ، وكان يزعم أنّ المقلدين من اليهود والنّصارى والمجوس وعبّاد الأوثان لا يدخلون النّار يوم القيامة لكن يصيرون ترابا ، وأنّ كلّ من مات من أهل الإسلام والإيمان المحض والاجتهاد في العبادة مصرّا على كبيرة من الكبائر كشرب الخمر ونحوها ، وإن كان لم يواقع ذلك إلّا مرة في الدّهر فإنه مخلّد بين أطباق النيران أبدا مع فرعون وأبي لهب وأبي جهل.

قال أبو محمد : فأيّ كفر أعجب من قول من يقول إنّ كثيرا من الكفار لا يدخلون النار ، وأن كثيرا من المسلمين لا يدخلون الجنة.

وكان ثمامة يقول : إن إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجميع أولاد المسلمين الذين يموتون قبل الحلم وجميع مجانين الإسلام لا يدخلون الجنة أبدا ، ولكن يصيرون ترابا.

وأمّا هشام بن عمرو الفوطي أحد شيوخ المعتزلة : فكان يقول إذا خلق الله تعالى شيئا فإنه لا يقدر على أن يخلق مثل ذلك الشيء أبدا لكن يقدر على أن يخلق غيره ، والغيران عنده لا يكونان مثلين ، وكان لا يجيز لأحد أن يقول حسبنا الله ونعم الوكيل ، ولا أنّ الله يعذب الكفار بالنار ، ولا أنه يحيى الأرض بالمطر ، ويرى هذا القول والقول بأن الله تعالى يضل من يشاء ويهدي من يشاء ضلالا وإلحادا.

قال أبو محمد : وهذا ردّ على الله تعالى جهارا ، وكان يقول : لا يحل القول بشيء من هذا إلّا عند قراءة القرآن فقط ، وكان يقول : قولوا حسبنا الله ونعم المتوكل عليه ، وكان يقول : قولوا إن الله يعذّب الكفار في النار ، ويحيى الأرض عند نزول المطر. وكان لا يجيز القول بأن الله ألّف بين قلوب المؤمنين ولا أنّ القرآن عمّى على الكافرين ، وكان يقول : إنّ من هو الآن مؤمن عابد إلّا أن في علم الله أنه يموت كافرا

فإنه الآن عند الله كافر ، وأنّ من كان الآن كافرا مجوسيا أو نصرانيا أو دهريا أو زنديقا إلّا أن في علم الله عزوجل أنه يموت مؤمنا فإنه الآن عند الله تعالى مؤمن.

وأمّا عبّاد بن سلمان تلميذ هشام الفوطي المذكور فكان يزعم أن الله تعالى لا يقدر على غير ما فعل من الصلاح ، ولا يجوز أن يقال إنّ الله خلق المؤمنين ، ولا أنه خلق الكافرين ، ولكن يقال خلق الناس ، وذلك ـ زعم ـ لأن المؤمن عنده إنسان وإيمان ، والكافر إنسان وكفر ، وأن الله تعالى إنما خلق عنده الإنسان فقط ولم يخلق الإيمان ولا الكفر.

وكان يقول : إنّ الله تعالى لا يقدر على أن يخلق غير ما خلق ، وأنه تعالى لم يخلق المجاعة ولا القحط ، وكلهم يزعم أن الله تعالى لم يأمر الكفار قط بأن يؤمنوا في حال كفرهم ، ولا نهى المؤمنين قط عن الكفر في حال إيمانهم لأنه لا يقدر أحد قط على الجمع بين الفعلين المتضادّين.

قال أبو محمد : وهم يقرّون أن الله تعالى لم يزل يعلم أن من يؤمن بعد كفره فإنه لا يزال في كفره إلى أن يؤمن ، وأن من يكفر بعد إيمانه فإنه لا يزال في إيمانه حتى يكفر ، وأنّ من لا يؤمن من الكفار أبدا فإنه لا يزال في كفره إلى أن يموت ، وأنّ من لا يكفر من المؤمنين فإنه لا يزال في إيمانه إلى أن يموت ، وليس أحد من المأمورين يخرج عن أحد هذه الوجوه الأربعة ضرورة ، فإذا كان عندهم لم يؤمر قط كافر بالإيمان في حال كفره ، ولا نهي مؤمن عن الكفر في حال إيمانه ، فإن من لم يزل مؤمنا إلى أن مات لم ينهه الله عزوجل عن الكفر قط ، وأن من لم يزل كافرا إلى أن مات فإنّ الله لم يأمره قط بالإيمان ، وأن الله تعالى لم يأمر قط بالإيمان من آمن بعد كفره إلّا حين آمن ، ولا نهى قط عن الكفر من كفر بعد إيمانه إلا حين كفر ، وهذا تكذيب مجرد لله تعالى في أمره الكفار وأهل الكتاب بالإيمان ، ونهيه المؤمنين عن الكفر.

وكان بشر بن المعتمر أيضا يقول : إن الله تعالى لم يخلق قط لونا ولا طعما ولا رائحة ، ولا مجسّة ، ولا شدة ولا ضعفا ، ولا عمى ولا بصرا ، ولا سمعا ولا صمما ولا جبنا ولا شجاعة ، ولا كيسا ولا عجزا ، ولا صحة ولا مرضا ، وأنّ الناس يفعلون كل ذلك فقط.

وأمّا جعفر القصبي بائع القصب ، والأشجع وهما من رؤسائهم فكانا يقولان إن القرآن ليس هو الذي في المصاحف ، إنما في المصاحف شيء آخر وهو حكاية القرآن.

قال أبو محمد : وهذا كفر مجرد ، وخلاف جميع أهل الإسلام قديما وحديثا.

وكان عليّ الأسواري البصري أحد شيوخ المعتزلة يقول : إن الله عزوجل لا يقدر على غير ما فعل ، وأنّ من علم الله تعالى أنه يموت ابن ثمانين سنة فإن الله تعالى لا يقدر على أن يميته قبل ذلك ، ولا أن يبقيه بعد ذلك طرفة عين ، وأنّ من علم الله تعالى أنه يبرأ من مرضه يوم الخميس مع الزوال مثلا فإنّ الله تعالى لا يقدر أن يبرئه قبل ذلك لا بما قرب ولا بما بعد ، ولا على أن يزيد في مرضه طرفة عين فما فوقها ، وأن الناس يقدرون كل حين على إماتة من علم الله أنه لا يموت إلى وقت كذا ، وأن الله لا يقدر على ذلك ، وهذا كفر ما سمع قط بأفظع منه.

وأمّا أبو غفار أحد شيوخ المعتزلة : فكان يزعم أن شحم الخنزير ودماغه حلال.

قال أبو محمد : وهذا كفر صريح لا خفاء به ، وكان يزعم أن تفخيذ الرجال الذكور حلال ، وقد ذكر هذا عن ثمامة أيضا ، وهذا كفر محض.

وأما أحمد بن خابط ، والفضل الحدثي البصريان ، وكانا تلميذين لإبراهيم النظام فكانا يزعمان أن للعالم خالقين ، أحدهما قديم وهو الله تعالى ، والآخر محدث وهو كلمة الله عزوجل المسيح عيسى ابن مريم التي بها خلق العالم وكانا لعنهما الله يطعنان على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتزويج ، وأن أبا ذر كان أزهد منه ، وكان أحمد بن خابط يزعم أن الذي يجيء يوم القيامة مع الملائكة صفا صفا في ظل من الغمام إنما هو المسيح عيسى ابن مريم عليه‌السلام ، وأن الذي خلق آدم على صورته إنما هو المسيح عيسى ابن مريم ، وأنّ المسيح هو الذي يحاسب الناس يوم القيامة.

وكان أحمد بن خابط لعنه الله يقول : إن في كل نوع من أنواع الطير والسمك وسائر حيوان البر حتى البق والبراغيث والقمل والقرود والكلاب والفيران والتيوس والحمير والدود والوزغ والجعلان أنبياء لله تعالى رسالة إلى أنواعهم مما ذكرنا ، ومن سائر الأنواع.

وكان لعنه الله يقول بالتناسخ والكرور ، وأن الله تعالى ابتدأ جميع الخلق فخلقهم كلهم جملة واحدة بصفة واحدة ، ثم أمرهم ونهاهم فمن عصى منهم نسخ روحه في جسد بهيمة ، فالقتّال يبتلى بالذبح كالغنم والإبل والبقر والدجاج وغير ذلك من البراغيث وكل ما يقتل في الأغلب.

وأن من كان منه مع فسقه وقتله للناس عفيفا كوفئ بالقوة على السفاد كالتيس والعصفور والكبش وغير ذلك.

ومن كان زانيا أو زانية كوفئا بالمنع من الجماع كالبغال والبغلات.

ومن كان جبارا كوفئ بالمهانة كالدود والقمل ، ولا يزالون كذلك حتى يقتص منهم ثم يردون فمن عصى منهم كرر أيضا كذلك هكذا أبدا حتى يطيع طاعة لا معصية معها فينتقل إلى الجنة من وقته أو يعصي معصية لا طاعة معها فينتقل إلى جهنم من وقته ، وإنما حمله على القول بكل هذا لزومه أصل المعتزلة في العدل وطرده إيّاه ومشيه معه.

واعلموا أن كل من لم يقل من المعتزلة بهذا القول فإنه متناقض تارك لأصلهم في العدل. وكان لعنة الله يقول : إن للثواب دارين أحدهما لا أكل فيها ولا شرب ، وهي أرفع قدرا من الثانية. والثانية فيها أكل وشرب وهي أنقص قدرا.

قال أبو محمد : هذا كله كفر محض ، وكان لهذا الكافر أحمد بن خابط تلميذ على مذهبه يقال له أحمد بن باسوس كان يقول بقول معلمه في التناسخ ثم ادّعى النبوة وقال : إنه المراد بقول الله عزوجل : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [سورة الصفّ : ٦].

وكان محمد بن عبد الله بن مسرة بن نجيح الأندلسي يوافق المعتزلة في القدر ، وكان يقول : إن علم الله تعالى وقدرته صفتان محدثتان مخلوقتان وأن لله تعالى علمين أحدهما أحدثه جملة وهو علم الكليات فهو علم الغيب كعلمه أنه سيكون كفار ومؤمنون ، والقيامة والجزاء ونحو ذلك. والثاني علم الجزئيات : وهو علم الشهادة وهو كفر زيد وإيمان عمرو ونحو ذلك فإنه لا يعلم الله تعالى من ذلك شيئا حتى يكون. وذكر قول الله عزوجل : (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) [سورة التوبة : ٩٤].

قال أبو محمد : وهذا ليس كما ظنّ بل على ظاهره أنه يعلم ما تفعلون وإن أخفيتم ، ويعلم ما غاب عنكم مما كان أو يكون أو هو كائن.

قال أبو محمد : وإنما حمله على هذا القول طرده لأصول المعتزلة حقا فإن من قال منهم إن الله تعالى لم يزل يعلم أن فلانا لا يؤمن أبدا ، وأن فلانا لا يكفر أبدا ، ثم جعل الناس قادرين على خلاف علم الله تعالى فيهم فقد قطع بأنهم قادرون على تكذيب كلام ربهم ، وعلى إبطال ما لم يزل ، وهذا تناقض فاحش لا خفاء به ونعوذ بالله من الخذلان.

وكان من أصحابه الأكابر جماعة يكفرون من قال إنه عزوجل لم يزل يعلم كل ما يكون قبل أن يكون.

وكان من أصحاب مذهبه رجل يقال له إسماعيل بن عبد الله الرعيني متأخر

الوقت ، وكان من المجتهدين في العبادة المنقطعين في الزهد وأدركته إلّا أني لم ألقه ، ثم أحدث أقوالا شنيعة فبرئ منه سائر المسرية وكفّروه إلّا من اتبعه منهم ممن أحدث قوله إن الأجساد لا تبعث أبدا ، وإنما تبعث الأرواح صحّ هذا عندنا عنه. وذكر عنه أنه كان يقول إنه حين موت الإنسان وفراق روحه لجسده تلقى روحه الحساب ويصير إمّا إلى الجنة أو إلى النار ، وأنه كان لا يقر بالبعث إلّا على هذا الوجه ، وأنه كان يقول إنّ العالم لا يفنى أبدا بل هكذا يكون الأمر بلا نهاية.

وحدثني الفقيه أبو أحمد المعافري الطليطلي صاحبنا أحسن الله ذكره قال أخبرني يحيى بن أحمد الطبيب وهو ابن ابنة إسماعيل الرعيني المذكور قال إنّ جدي كان يقول : إن العرش هو المدبّر للعالم ، وأن الله تعالى أجل من أن يوصف بفعل شيء أصلا ، وكان ينسب هذا القول إلى محمد بن عبد الله بن مسرة ويحتج بألفاظ في كتبه ليس فيها لعمري دليل على هذا القول. وكان يقول لسائر المسرية : إنكم لم تفهموا عن الشيخ ، فبرئت منه المسرية أيضا على هذا القول.

وكان أحمد الطبيب صهره ممن برئ منه وثبتت ابنته على هذه الأقوال متبعة لأبيها مخالفة لزوجها وابنها ، وكانت متكلمة ناسكة مجتهدة ، ووافقت أبا هارون بن إسماعيل الرّعيني على هذا القول فأنكره وبرئ من قائله ، وكذّب ابن أخيه فيما ذكر عن أبيه ، وكان مخالفوه من المسرية وكثير من موافقيه ينسبون إليه القول باكتساب النبوة ، وأن من بلغ الغاية من الصلاح وطهارة النفس أدرك النبوة وأنها ليست اختصاصا أصلا ، وقد رأينا منهم من ينسب هذا القول إلى ابن مسرة ويستدل على ذلك بألفاظ كثيرة في كتبه لعمري إنها لتشير إلى ذلك ، ورأينا سائرهم ينكر هذا فالله أعلم ، ورأيت أنا من أصحاب إسماعيل الرعيني المذكور من يصفه بفهم منطق الطير ، وبأنه كان ينذر بأشياء قبل أن تكون فتكون.

وأمّا الذي لا شك فيه فإنه كان عند فرقته إماما واجبة طاعته يؤدون إليه زكاة أموالهم ، وكان يذهب إلى أنّ الحرام قد عمّ الأرض ، وأنه لا فرق بين ما يكسبه المرء من صناعة أو تجارة أو ميراث أو بين ما يسلبه من الرفاق ، وأن الذي يحل للمسلم من كل ذلك قوته كيفما أخذه.

هذا أمر صحيح عندنا عنه يقينا ، وأخبرنا عنه بعض من عرف باطن أمورهم أنه كان يرى الدار دار كفر مباحة دماؤهم وأموالهم إلّا أصحابه فقط.

وصح عندنا عنه : أنه كان يقول بنكاح المتعة ، وهذا لا يقدح في إيمانه ولا في

عدالته لو قاله مجتهدا ، ولم تقم عليه الحجة بنسخه لو سلم من الكفرات الصلع التي ذكرنا ، وإنما ذكرنا ذلك عند ما جرى لنا من ذكره ، ولغرابة هذا القول اليوم وقلة القائلين به من الناس.

ورأيت لأبي هاشم بن عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي كبير المعتزلة وابن كبيرهم القطع بأن لله تعالى أحوالا مختصة به ، وهذه عظيمة جدّا إذ جعله حاملا للأعراض تعالى الله عن هذا الإفك.

ورأيت له القطع في كتبه كثيرا يردد القول بأنه يجب على الله أن يزيح علل العباد في كل ما أمرهم به ، ولا يزال يقول في كتبه إن أمر كذا لم يزل واجبا على الله تعالى.

قال أبو محمد : وهذا كلام تقشعر منه جلود المؤمنين ، ليت شعري من الموجب ذلك على الله تعالى ، والحاكم عليه بذلك والملزم له ما ذكر هذا النذل لزومه للباري تعالى ووجوبه عليه؟ فيا لله لمن قال إن الفعل أوجب ذلك على الله تعالى أو ذكر شيئا دونه تعالى ليصرحنّ بأن الله تعالى متعبد للذي أوجب عليه ما أوجب محكوم عليه مدبر ، وأنه للكفر الصراح ، ولئن قال إنه تعالى هو الذي أوجب ذلك على نفسه فالإيجاب فعل فاعل لا شك ، فإن كان الله لم يزل موجبا ذلك على نفسه فلم يزل فاعلا فالأفعال قديمة ولا بدّ لم تزل ، وهذه دهرية محضة ، وإن كان تعالى أوجب ذلك على نفسه بعد أن لم يكن موجبا له فقد بطل انتفاعه بهذا القول في أصله الفاسد لأنه قد كان تعالى غير واجب عليه ما ذكر.

ورأيت لبعض المعتزلة سؤالا سأل عنه أبا هاشم المذكور يقول فيه : ما بال كل من بعثه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم داعيا إلى الإسلام إلى اليمن والبحرين وعمان والملوك وسائر البلاد ، وكل من يدعو إلى مثل ذلك إلى يوم البعث لا يسمّى رسول الله كما سمّى محمد عليه الصلاة والسلام ، إذ أمره الملك عن الله عزوجل بالدعاء إلى الإسلام والأمر واحد ، والعمل سواء؟

قال أبو محمد : فاعجبوا لتلاعب إبليس بهذه الفرقة الملعونة ، واسألوا الله العافية من أن يكلكم إلى أنفسكم ، فحقّ لمن دينه أن ربّه لا يقدر على أن يهديه ولا على أن يضله أن يتمكن الشيطان منه هذا التمكن.

ولعمري : إن هذا التشكيل لقد لزم أصل المعتزلة المضلّ لهم ، ولمن التزمه ، والمورد لجميعهم نار جهنم ، وهو قولهم : إنّ التسمية موكولة إلينا لا إلى الله عزوجل.

ورأيت لهذا الكافر أبي هاشم كلاما ردّ فيه بزعمه على من يقول : إنه ليس لأحد أن يسمي الله عزوجل إلا بما سمّى به نفسه ، فقال هذا النذل : لو كان هذا ولم يجز لأحد أن يسمّي الله تعالى إلّا بما سمّى به نفسه لكان غير جائز لله أن يسمي نفسه باسم حتى يسميه به غيره.

قال أبو محمد : فهل يأتي الممرور بأقبح من هذا الاستدلال؟ وهل في التسمية أكثر من هذا؟ ولكن من يضلل الله فلا هادي له. ونعوذ بالله من أن يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين فنهلك.

وكان أبو هاشم أيضا يقول : إنه لو طال عمر المسلم المحسن لجاز أن يعمل من الحسنات والخير أكثر مما عمل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال أبو محمد : لا والله ولا كرامة ، ولو عمّر أحدنا الدهر كلّه في طاعات متصلة ما وازى عمل امرئ صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من غير المنافقين والكفار المجاهرين ساعة واحدة فما فوقها ، مع قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنه لو كان لأحدنا مثل أحد ذهبا فأنفقه ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه (١). فمتى يطمع ذو عقل أن يدرك أحدا من الصحابة مع هذا البون الممتنع إدراكه قطعا ...؟ وكان أبو هاشم المذكور يقول : إنه لا يقبل توبة أحد من ذنب عمله أي ذنب كان ، حتى يتوب من جميع الذنوب.

قال أبو محمد : وحقا أقول لقد طرد أصل المعتزلة الذي أصفقوا عليه من إخراج المرء عن الإسلام جملة بذنب واحد عمله يصرّ عليه ، وإيجابهم الخلود في النار عليه بذلك الذنب وحده ، فلو كان هذا لكان أبو هاشم صادقا إذ لا منفعة له عندهم في تركه كل ذنب ، وهو بذنب واحد يصر عليه خارج عن الإيمان مخلد بين أطباق النيران ، وما ينكر هذا عليه من المعتزلة إلّا جاهل بأصولهم أو عامد للتناقض. وكان يقول : إن تارك الصلاة وتارك الزكاة عامدا لكل ذلك لم يفعل شيئا ولا أذنب ولا عصى ، وأنه مخلد بين أطباق النيران أبدا على غير فعل فعله ولا على شيء ارتكبه.

قال أبو محمد : فهل في التجوير لله على أصولهم وهل في مخالفة الإسلام جهارا أكثر من هذا القول السخيف؟ وكان الذي حمله على قوله هذا أن ترك الفعل

__________________

(١) رواه البخاري في فضائل الصحابة باب ٥. ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٢٢١ و ٢٢٢. وأبو داود في السنّة باب ١٠. والترمذي في المناقب باب ٥٨. وابن ماجة في المقدمة باب ١١. وأحمد في المسند (٣ / ١١ ، ٥٤ ، ٦ / ٦).

ليس فعلا ، وجميع المعتزلة إلا هشام بن عمرو الفوطي ، يزعمون أن المعدومات أشياء على الحقيقة ، وأنها لم تزل وأنها لا نهاية لها.

قال أبو محمد : وهذه دهرية بلا مطل ، وأشياء لا نهاية لها لم تزل غير مخلوقة. وكان عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط من أكابر المعتزلة ببغداد ممن يقول : إن الأجسام المعدومة لم تزل أجساما بلا نهاية لها ، لا في عدد ولا في زمان غير مخلوقة. وقال محمد بن عبد الله الإسكافي أحد رؤساء المعتزلة : إن الله تعالى لم يخلق الطنابير ولا المزامير ولا المعازف.

قال أبو محمد : كان تمام هذا الكفر أن يقول : إن الله لم يخلق الخمر ولا الخنازير ولا مردة الشياطين. وقالت المعتزلة بأسرها حاشا بشر بن المعتمر ، وضرار بن عمرو : إنه لا يحل لأحد تمني الشهادة ولا أن يريدها ولا أن يرضاها لأنها تغلب كافر على مسلم ، وإنما يجب على المسلم أن يحبّ الصبر على ألم الجراح فقط إذا أصابته.

قال أبو محمد : وهذا خلاف دين الإسلام والقرآن والسنن والإجماع المتيقن ، وقالوا كلهم حاشا ضرار ، وبشر : إن الله لم يمت رسولا ولا نبيا ولا صاحبا ، ولا أمهات المؤمنين وهو يدري أنهم لو عاشوا فعلوا خيرا ، لكن أمات كل من أمات منهم إذ علم أنه لو أبقاه طرفة عين لكفر أو فسق ولا بد.

هذا قولهم في أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم ، وفاطمة بنت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعائشة ، وخديجة ، نعم وفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وموسى وعيسى ، وإبراهيم عليهم‌السلام. فاعجبوا لهذه الضّلالات الوحشية. وكان الجعد وهو من شيوخهم يقول : إذا كان الجماع يتولد منه الولد فأنا صانع ولدي ومدبره وفاعله ، ولا فاعل له غيري ، وإنما يقال إن الله خلقه مجازا لا حقيقة ، فأخذ أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي الطرف الثاني من الكفر ، فقال : إن الله تعالى خالق الحبل والولد فكل من فعل شيئا فهو منسوب إليه ، فالله تعالى هو محبل ، وهو أحبل مريم بنت عمران.

قال أبو محمد : يلزمه ولا بد إذا كان أولادنا خلقا لله تعالى أن نضيفهم إليه ، فيقول : هم أبناء الله ، والمسيح ابن الله ، ولا بدّ. وقال أبو عمرو أحمد بن موسى بن حدير صاحب السكة وهو من شيوخ المعتزلة في بعض رسائله التي جرت بينه وبين القاضي منذر بن سعيد رحمه‌الله : إن الله عاقل وأطلق عليه‌السلام. وقال بعض شيوخ المعتزلة : إن العبد إذا عصى الله عزوجل طبع على قلبه فيصير غير مأمور ولا منهيّ.

وأما حماقاتهم فإن أبا هذيل العلاف قال : من سرق خمسة دراهم غير حبة أو

قيمتها فهو مؤمن ، وليس فاسقا ولا يعذب على ذلك ، فإن سرق خمسة دراهم أو قيمتها فهو فاسق منسلخ من الإسلام ، مخلد أبدا في النيران إلا أن يتوب. وقال بشر بن المعتمر : إن سرق عشرة دراهم غير حبة فلا إثم عليه ولا وعيد ، فإن سرق عشرة دراهم خرج عن الإسلام ، ووجب عليه الخلود إلا أن يتوب.

وقال النظام : إن سرق مائتي درهم غير حبة فلا إثم عليه ولا وعيد وإن سرق مائتي درهم خرج عن الإسلام ولزمه الخلود ، إلا أن يتوب. وقال أبو بكر أحمد بن علي بن فيجور بن الإخشيد وهو من رؤسائهم الثلاثة الذين انتهت رياستهم إليهم وافترقت المعتزلة على مذاهبهم ، والثاني منهم أبو هاشم الجبائي والثالث عبد الله بن محمد البلخي المعروف بالكعبي. وكان والد أحمد بن علي المذكور أحد قواد الفراعنة ، وولي الثغور للمعتضد وللمكتفي. فكان من قول أحمد المذكور : من ارتكب كل ذنب في الدنيا من القتل فما دونه إلا أنه ندم إثر فعله له فقد صحت توبته وسقط عنه ذلك الذنب ، وهكذا أبدا متى عاد لذلك الذنب أو لغيره.

قال أبو محمد : هذا قول لم تبلغه جماهير المرجئة ، وهو مع ذلك يدعي القول بإنفاذ الوعد والوعيد ، وما على أديم الأرض مسلم لا يندم على ذنبه.

وقال أبو عبد الرحمن تلميذ أبي الهذيل : إن الحجة لا تقوم في الأخبار إلا بنقل خمسة يكون فيهم ولي الله ، لا أعرفه بعينه ، وعن كل واحد من أولئك الخمسة خمسة مثلهم ، وهكذا أبدا.

وقال صالح قبة تلميذ النظام : إن من رأى رؤيا أنه بالهند أو أنه قتل أو أي شيء رأى فإنه حق يقين كما رأى كما لو كان ذلك في اليقظة. وقال عبّاد بن سليمان : الحواس سبع. وقال النظام : الألوان جسم ، وقد يكون جسمان في مكان واحد ، وكان النظام يقول : لا تعرف الأجسام بالأخبار أصلا لكن كل من رأى جسما سواء كان المرئيّ إنسانا أو غير إنسان فإن الناظر إليه اقتطع منه قطعة اختلطت بجسم الرائي ، ثم كل من أخبره ذلك الرائي عن ذلك الجسم المخبر أيضا ، أخذ من ذلك الجسم قطعة وهكذا أبدا.

قال أبو محمد : وهذه قصة لو لا أنا وجدناها عنه من طريق تلاميذه المعظمين له ذكروها في كتبهم عنه ، ما صدقناها على ذي مسكة من عقل ، فألزمه خصومه على هذا أن قطعا من جبريل وميكائيل ومن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن موسى وعيسى وإبراهيم عليهم‌السلام في نار جهنم ، وأن قطعا من فرعون وإبليس وأبي لهب وأبي جهل في الجنة وكان

يزعم أنه لا سكون في شيء من العالم أصلا وأن كل سكون يعلم بتوسط البصر فهو حركة بلا شك. وكان معمر يزعم أنه لا حركة في شيء من العالم ، وأن كل ما يسميه الناس حركة فهو سكون. وكان عباد بن سلمان يقول : إن الأمة إذا اجتمعت وصلحت ولم تتظالم احتاجت حينئذ إلى إمام يسوسها ويدبرها ، فإن عصت وظلمت استغنت عن الإمام. وكان أبو الهذيل يقول إن الإنسان لا يفعل شيئا في حالة استطاعته وإننا إنما نفعل الاستطاعة بعد ذهابها فألزمه خصومه أن الإنسان إنما يفعل إذا لم يكن مستطيعا ، وأما إذا كان مستطيعا فلا ، ألزموه أن الميت يفعل كلّ فعل في عالم.

قال أبو محمد : وحماقاتهم أكثر من ذلك ونعوذ بالله من الخذلان.

شنع المرجئة

قال أبو محمد : غلاة المرجئة طائفتان إحداهما : الطائفة القائلة بأن الإيمان قول باللسان وإن اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن عند الله تعالى ، وليّ الله عزوجل ، من أهل الجنة ، وهذا قول محمد بن كرام السجستاني وأصحابه وهم «بخراسان» «وبيت المقدس» والثانية : الطائفة القائلة إن الإيمان عقد بالقلب ، وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية ، وعبد الأوثان أو لزم اليهودية أو النصرانية في دار الإسلام ، وعبد الصليب وأعلن التثليث في دار الإسلام ، ومات على ذلك فهو مؤمن ، كامل الإيمان عند الله عزوجل ، وليّ لله تعالى ، من أهل الجنة ، وهذا قول «أبي محرز جهم بن صفوان السمرقندي» مولى بني راسب كاتب الحارث بن سريج التميمي ، أيام قيامه على نصر بن سيار بخراسان ، وقول أبي الحسن علي بن إسماعيل بن أبي البشر الأشعري البصري وأصحابهما. فأما الجهمية فبخراسان ، وأما الأشعرية فكانوا ببغداد والبصرة ، ثم قامت لهم شوق بصقلية والقيروان وبالأندلس ، ثم رق أمرهم ، والحمد لله رب العالمين.

فمن فضائح الجهمية وشنعهم قولهم : بأن علم الله محدث مخلوق ، وأنه تعالى لم يكن يعلم شيئا حتى أحدث لنفسه علما علم به ، وكذلك قولهم في القدرة ، وقالوا أيضا : إن الجنّة والنار تفنيان ، ويفنى كل من فيهما ، وهذا خلاف القرآن والثابت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وخلاف إجماع أهل الإسلام المتيقن.

وقال بعض الكرّامية : المنافقون مؤمنون من أهل الجنة ، وقد أطلق ذلك بالمرية محمد بن عيسى الصوفي الإلبيري ، وكانت ألفاظه تدل على أنّه يذهب مذهبهم في التجسيم وغيره ، وكان ناسكا متقللا من الدنيا واعظا مفوّها مهذارا قليل الصواب كثير الخطأ ، رأيته مرة وسمعته يقول : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان لا يلزمه زكاة مال ، لأنه اختار أن يكون نبيا عبدا ، والعبد لا زكاة عليه ، ولذلك لم يورث ولا ورث ، فأمسكت عن معارضته لعامة كانت بحضرته ، فخشيت لغطهم وتشنيعهم بالباطل ، ولو يكن معي أحد إلا يحيى بن عبد الكبير بن واقد ، كنت أبيت أنا وهو معي متنكرين لنسمع كلامه ، وبلغني عنه شنع منها : القول بحلول الله فيما شاء من خلقه ، أخبرني عنه بهذا أبو

أحمد الفقيه المعافري عن أبي علي المقري وكان على بنت محمد بن عيسى المذكور ، وغير هذا أيضا ، ونعوذ بالله من الضلال.

وقالت طائفة من الكرامية : المنافقون مؤمنون مشركون من أهل النار ، وقالت طائفة منهم أيضا : من آمن بالله تعالى وكفر بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهو مؤمن كافر معا ، ليس مؤمنا على الإطلاق ولا كافرا على الإطلاق. وقال «مقاتل بن سليمان» وكان من كبار المرجئة : لا يضر مع الإيمان سيئة جلّت أو قلت أصلا ، ولا ينفع مع الشرك حسنة أصلا. وكان مقاتل هذا مع جهم بخراسان في وقت واحد ، وكان يخالفه في التجسيم ، كان جهم يقول ليس الله تعالى شيئا ، ولا هو أيضا لا شيء ، لأنه تعالى خالق كل شيء فلا شيء إلا مخلوق. وكان مقاتل يقول : إن الله جسم لحم ودم على صورة الإنسان.

وقالت الكرّامية : إن الأنبياء يجوز منهم الكبائر والمعاصي كلها حاشا الكذب في البلاغ فقط فإنهم معصومون منه. وذكر لي «سليمان بن خلف الباجي» وهو من رءوس الأشعرية ، أن منهم من يقول أيضا : إن الكذب في البلاغ أيضا جائز من الأنبياء والرسل عليهم‌السلام. قال أبو محمد : وكل هذا كفر محض. وذكر عنهم «محمد بن الحسن بن فورك الأشعري» أنهم يقولون : إن الله تعالى يفعل كل ما يفعل في ذاته ، وأنه لا يقدر على إفناء خلقه كلّهم حتى يبقى وحده ، كما كان قبل أن يخلق ، وقالوا أيضا : إن كلام الله تعالى أصوات وحروف هجاء مجتمعة كلها أبدا لم تزل ولا تزال ، وقالوا أيضا : لا يقدر الله تعالى على غير ما فعل ، وقالوا أيضا إنه متحرك أبيض اللون. وذكر عنهم أنهم يقولون : إنه تعالى لا يقدر على إعادة الأجسام بعد بلائها لكن يقدر على أن يخلق مثلها. ومن حماقاتهم أنهم يجيزون كون إمامين وأكثر في وقت واحد. وأما الأشعرية فقالوا : إن شتم من أظهر الإسلام لله تعالى ولرسوله بأفحش ما يكون من الشتم ، وإعلان التكذيب بهما باللسان بلا تقية ولا حكاية ، والإقرار بأنه يدين بذلك ليس شيء من ذلك كفرا ، ثم خشوا مبادرة جميع أهل الإسلام لهم فقالوا : لكنه دليل على أن في قلبه كفرا. فقلنا لهم : وتقطعون بصحة ما دلّ عليه هذا الدليل؟ فقالوا : لا. وقالت الأشعرية : إن إبليس قد كفر ثم أعلن ذلك بعصيان الله تعالى في السجود لآدم عليه‌السلام ، فإن إبليس من حينئذ لم يعرف قط أن الله تعالى حق ، ولا أنه خلقه من نار ، ولا أنه خلق آدم من تراب وطين ، ولا عرف أن الله أمره بالسجود لآدم بعدها قط ولا عرف بعد هذا قط أن الله كرم آدم. ومن قولهم بأجمعهم : إن إبليس لم يسأل الله قط أن ينظره إلى يوم البعث ، فقلنا لهم : ويلكم إن هذا تكذيب لله عزوجل ، ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وردّ للقرآن قالوا لنا : إن إبليس إنما قال كل ذلك هازلا مستهزئا بلا

معرفة ولا اعتقاد ، فكان هذا أشنع كفر وأبرده بعد كفر الغالية من الرافضة ، وقالوا : إن إبليس لم يكفر بمعصيته الله تعالى في ترك السجود لآدم ولا بقوله عن آدم أنا خير منه وإنما كفر بجحد لله تعالى كان في قلبه.

قال أبو محمد : هذا خلاف للقرآن ، وتكهن لا يعرف صحته إلا من حدثه به إبليس عن نفسه ، على أن الشيخ غير ثقة فيما يحدث به.

وقالت الأشعرية أيضا : إن فرعون لم يعرف قط أن موسى إنما جاء بتلك الآيات من عند الله حقا ، وأن اليهود والنصارى الذين كانوا في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يعرفوا قط أن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حقا ، ولا عرفوا أنه مكتوب في التوراة والإنجيل ، وأن من عرف ذلك منهم وكتمه وتمادى على إعلان الكفر ، ومحاربة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لخيبر ومن بنى قريظة وغيرهم ، فإنهم كانوا مؤمنين عند الله عزوجل ، أولياء لله من أهل الجنة.

فقلنا لهم : ويلكم هذا تكذيب لله عزوجل إذ يقول : (يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) [سورة الأعراف : ١٥٧](يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) [سورة البقرة : ١٤٦] ، (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) [سورة الأنعام : ٣٣]. فقالوا لنا : معنى هذا أنهم وجدوا خطّا مكتوبا عندهم لم يفهموا معناه ، ولا دروا ما هو ، ونعم عرفوا صورته فقط ، ودروا أنه «محمد بن عبد الله بن عبد المطلب» كما يعرف الإنسان جاره فقط. فكان هذا كفرا باردا وتحريفا لكلام الله تعالى عن موضعه ، ومكابرة سمجة ، وحماقة ودفعا للضرورة. وقد تقصّينا الردّ على أهل هذه المقالة الملعونة في كتاب لنا رسمه كتاب «اليقين في النقض على الملحدين المحتجين عن إبليس اللعين وسائر الكافرين» تقصّينا فيه كلام رجل من كبارهم من أهل القيروان ، اسمه عطاف بن دوناس في كتاب ألفه في نصر هذه المقالة ، وكان لشيخهم الأشعري في إعجاز القرآن قولان أحدهما : كما يقول المسلمون إنه معجز النظم ، والآخر : إنما هو المعجز الذي لم يفارق الله عزوجل قط والذي لم يزل غير مخلوق ، ولا أنزل إلينا ولا سمعناه قط ، ولا سمعه جبريل ولا محمد عليهما‌السلام قط ، وأما الذي يقرأ في المصاحف ، ونسمعه من القرآن ، فليس معجزا بل مقدور على مثله ، وهذا كفر صريح وخلاف لله تعالى ولجميع أهل الإسلام. وقال كبيرهم وهو محمد بن الطيب الباقلاني : إن لله تعالى خمس عشرة صفة ، كلها قديمة لم تزل مع الله تعالى ، وكلها غير الله وخلاف الله تعالى ، وكل واحدة منهن غير الأخرى منها ، وخلاف لسائرها ، وأنّ الله تعالى غيرهن وخلافهن.

قال أبو محمد : هذا والله أعظم من قول النصارى ، وأدخل في الكفر والشرك ،

لأن النصارى لم يجعلوا مع الله تعالى إلا اثنين هو ثالثهما ، وهؤلاء جعلوا معه تعالى خمسة عشر هو السادس عشر لهم. وقد صرح الأشعري في كتابه المعروف بالمجالس بأن مع الله تعالى أشياء سواه ، لم تزل كما لم يزل.

قال أبو محمد : وهذا إبطال التوحيد علانية ، وإنما حملهم على هذا الضلال العظيم ظنهم أن إثبات علم الله وقدرته وعزته وكلامه لا يثبت إلا بهذه الطريقة الملعونة ، ومعاذ الله من هذا ، بل كل ذلك حق لم يزل غير مخلوق ، وليس شيء من ذلك غير الله تعالى ، ولا يقال في شيء من ذلك هو الله تعالى ، لأن هذه تسمية له عزوجل ، وتسميته لا تجوز إلا بنصّ ، وقد تقصينا الكلام في هذا في صدر ديواننا هذا والحمد لله رب العالمين.

وإنما جعلنا هاهنا شنع أهل البدع تنفيرا عنهم وإيحاشا للأغمار من المسلمين من الأنس بهم ، ومن حسن الظن بكلامهم الفاسد. ولقد قلت لبعضهم : إذا قلتم إن مع الله تعالى خمس عشرة صفة كلها غيره ، وكلها لم تزل ، فما الذي أنكرتم على النصارى إذ قالوا إن الله ثالث ثلاثة؟ فقالوا لي : إنما أنكرنا عليهم إذ جعلوا معه شيئين فقط ولم يجعلوا معه أكثر. ولقد قال لي بعضهم : اسم الله تعالى وهو قولنا «الله» عبارة تقع على ذات الباري بجميع صفاته ، لا على ذاته دون صفاته. فقلت له : أتعبد الله تعالى أم لا؟ فقال لي : نعم. فقلت له : فإنما تعبد إذن بإقرارك الخالق وغيره معه فيكفيك. فنفر نفرة ، وقال : معاذ الله من هذا ما أعبد إلا الخالق وحده. فقلت له : إنما تعبد إذن بإقرارك بعض ما يسمى به الله فنفر أخرى ، وقال : معاذ الله من هذا ، وأنا واقف في هذه المسألة. وقال شيخ لهم قديم وهو «عبد الله بن سعيد بن كلاب البصري» : إن صفات الله تعالى ليست باقية ولا فانية ولا قديمة ولا حديثة ، لكنها لم تزل غير مخلوقة ، هذا مع تصريحه بأن الله تعالى قديم باق.

ومن حماقات الأشعرية قولهم : إن للناس أحوالا ومعاني لا معدومة ولا موجودة ، ولا معلومة ولا مجهولة ، ولا مخلوقة ولا غير مخلوقة ، ولا أزلية ولا محدثة ، ولا حق ولا باطل ، وهي علم العالم بأن له علما ، ووجود الواجد لوجوده كل ما يجد. هذا الذي سمعناه منهم نصا ، ورأيناه في كتبهم ، فهل في الرعونة أكثر من هذا ...؟ وهل يمكن للموسوس والمبرسم أن يأتي بأكثر من هذا ..؟ ولقد حاروني «سليمان بن خلف الباجي» كبيرهم في هذه المسألة في مجلس حافل فقلت له : هذا كما يقول العامة عندنا عشب لا من كرم ولا من دالية. ومن هوسهم قولهم : إن الحق غير الحقيقة ولا ندري في أي لغة وجدوا هذا ، أم في أي شرع وارد لقوه أم في أي طبيعة ظفروا به.

فقالوا : إن الكفر حقيقة وليس بحق ، وقلت : كلّا بل وجوده حق حقيقة ، ومعناه باطل ، لا حق ولا حقيقة. وقالوا كلهم : إن الله حامل لصفاته في ذاته ، وهذا نص قول «أبي جعفر السمناني المكفوف قاضي الموصل» وهو أكبر أصحاب الباقلاني مقدم الأشعرية في وقتنا هذا. وقال هذا السّمناني : إن من سمّى الله تعالى جسما من أجل أنه حامل لصفاته في ذاته فقد أصاب المعنى وأخطأ في التسمية فقط ، وقال هذا السّمناني : إن الله تعالى مشارك العالم في الوجود ، وفي قيامه بنفسه كقيام الجواهر والأجسام ، وفي أنه ذو صفات قائمة به موجودة بذاته ، كما ثبت ذلك فيما هو موصوف بهذه الصفات ، من جملة أجسام العالم وجواهره. وهذا نص كلام السمناني حرفا حرفا.

قال أبو محمد : ما أعلم أحدا من غلاة المشبهة أقدم على أن يطلق ما أطلق هذا المبتدع الجاهل ، الملحد المتهور ، من أن الله تعالى مشارك للعالم ، حاشى لله من هذا.

وقال السّمناني عن شيوخه من الأشعرية : إن معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن الله خلق آدم على صورته إنما هو على صفة الرحمن ، من الحياة والعلم ، والاقتدار واجتماع صفات الكمال فيه ، وأسجد له ملائكته ، كما أسجدهم لنفسه ، وجعل له الأمر والنهي على ذريته ، كما كان لله تعالى كل ذلك.

قال أبو محمد : هذا نص كلامه حرفا حرفا ، وهذا كفر صريح ، وشرك بواح ، إذ صرح بأنّ آدم على صفة الرحمن من اجتماع صفات الكمال فيهما ، فالله تعالى وآدم عنده مثلان متشابهان في اجتماع صفات الكمال فيهما ، ثم لم يقنع بهذه السوءة حتى صرح بأن سجود الملائكة لآدم كسجودهم لله عزوجل ، وحاشى لله من هذا لأن سجود الملائكة لله تعالى سجود عبادة وديانة لخالقهم ، وسجودهم لآدم سجود سلام وتحية وتشريف منهم لآدم وإكرام له بذلك ، كسجود يعقوب لابنه يوسف عليهما‌السلام فقط. ثم زاد اللّعين كفرا على كفر بنصه أن الله تعالى جعل له الأمر والنهي على ذريته ، كما كان لله تعالى كل ذلك ، وهذا شرك لا خفاء به ، كشرك النصارى في المسيح ولا فرق. ونسأل الله العافية. وقال هذا السّمناني : إن مذهب شيوخه أنهم لا يقولون إن الأمر بالشيء دالّ على كونه مرادا للآمر قديما كان أو محدثا ، ولا يدل النهي على كونه مكروها ، هذا نص كلامه ، وهذا خلاف للإسلام وللإجماع والمعقول ، وتصريح بأن الله تعالى إذ أمرنا بالصّلاة والزكاة والحج والصيام والجهاد وشهادة الإسلام ، فليس في ذاك دليل على أنه يريد شيئا من ذلك ، وإذ نهى عن الكفر والزنا والبغا والسرقة وقتل النفس ظلما ، فليس ذلك دليلا على أنه يكره شيئا من ذلك. وما في الأقوال أنتن من هذا القول.

وقال هذا السمناني : إنه لا يصح القول بأن علم الله تعالى مخالف للعلوم كلها ولا أن قدرته مخالفة للقدرة كلها ، لأنها كلها داخلة تحت قولنا ووصفنا للقدرة والعلوم. هذا نص كلامه وهذا بيان بأن دينهم أن علم الله تعالى وقدرته من نوع علمنا وقدرتنا ، وإذ الأمر كذلك عنده فعلمنا وقدرتنا عرضان فينا مخلوقان ، فوجب ضرورة أن علم الله تعالى وقدرته عرضان في الله مخلوقان. ونص هذا السّمناني ، ومحمد بن فورك في صدر كلامه في كتاب أظنه «الأصول» : أن الحدود لا تختلف في قديم ولا محدث ، قالوا ذلك في كلامهم في علم الله تعالى في تحديدهم لمعنى العلم بصفة يقع تحتها علم الله تعالى وعلوم الناس ، وهذا نص منهم على أن الله تعالى محدود واقع معنا تحت الحدود هو وعلمه وقدرته ، وهو شر من قول جهم شيخهم في الحقيقة ، وأبين من قول كل مشبه في الأرض. ونص هذا السّمناني على أن العالم والقادر والمريد من الله تعالى وخلقه ، إنما كان محتاجا إلى هذه الصّفات ، لكونه موصوفا بها لا لجوازها عليه. هذا نص كلامه ، وهذا تصريح منهم بلا تكلف ولا تأويل ، بأن الله تعالى عن كفر هذا الأرعن محتاج إلى الصفات ، وهذا كفر ما ندري أن أحدا بلغه. ونص هذا السّمناني أيضا على أن الله تعالى لما كان حيا عالما ، كان موصوفا بالحياة والعلم والقدرة والإرادة ، حتى لا يختلف الحال في ذلك في الشّاهد والغائب ، هذا نص كلامه وهذا تصريح منه على أن لله تعالى حالا لا يخالفه فيها خلقه ، بل هو وهم فيها سواء. ونص هذا السّمناني على أنه إذا كانت الصفات الواجبة لله تعالى في كونه عالما قادرا لا يغني وجوبها له عن ما هو مصحح لها من الحياة فيه ، كما لا يوجب غناه عما يوجب كونه عالما قادرا عن المقدرة والعلم.

قال أبو محمد : هذا نص جليّ على أن الله تعالى غير غني عن شيء هو غيره ، لأن الصفات عندهم هي غيره تعالى ، والله تعالى عندهم غير غنيّ عنها تعالى الله ، وإذا لم يكن غنيا عنها فهو فقير إليها هكذا قالت اليهود إن الله فقير ، تعالى الله عن هذا بل هو الغني جملة عن ما سواه ، وكل من دونه فقير إليه تعالى. وقال السمناني : إن قال قائل لم أنكرتم أن يكون الله مريدا لنفسه حسب ما قاله النّجار والجاحظ؟ قيل له : أنكرنا ذلك لما قدمنا ذكره ، من أن الواحد من الخلق مريد بإرادة ، ولا يخلو أن يكون حقيقة المريد من له الإرادة أو كونه مريدا وجود الإرادة له ، وأي الأمرين كان وجبت مساواة الغائب الشاهد في هذا الباب.

قال أبو محمد : وهذا نص جليّ على مساواة الله تعالى لخلقه عند هذا الجاهل. وهذا أعظم في الكفر من قول كلّ مجسم لأن جميع المجسمين لم يقدم أحد منهم

قط على القول بأن الله تعالى مساو لخلقه قبل هذه الفرقة الملعونة ، ثم العجب قطعهم بأن الله تعالى عزوجل غائب غير شاهد وحاشى لله عن هذا ، بل هو معنا وأقرب إلينا من حبل الوريد ، كما قال عزوجل إنه حاضر في العقول غير غائب. وقال الباقلاني : ما وجد في الله تعالى من التسميات فإنه لا يجوز إطلاقها عليه ، وإن لم يسمّ بذلك نفسه ما لم يرد شرع يمنع من ذلك.

قال أبو محمد : هذا نصّ منه على أن هاهنا معاني توجد في الله عزوجل مع الإلحاد في أسمائه ، إذ جاز تسميته بما لم يسمع به عزوجل نفسه ، تعالى الله عن هذا علوّا كبيرا. وقالوا كلهم : إن الله تعالى ليس له إلا كلام واحد ، وليس له كلمات كثيرة.

قال أبو محمد : هذا كفر مجرد لخلافه القرآن ، وتكذيب لله تعالى في قوله : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) [سورة الكهف : ١٠٩].

وإذ يقول تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) [سورة لقمان : ٢٧]. مع أن قولهم ليس لله إلا كلام واحد ، قول أحمق لا يعقل ولا يقوم به برهان تشريعي ، ولا يتشكل في هاجس ولا يوجبه عقل ، إنما هو هذيان محض. ويقال لهم : لا يخلو القرآن عندهم من أنه كلام الله تعالى أو ليس هو كلام الله تعالى ، فإن قالوا : ليس هو كلام الله تعالى كفروا من قرب وكفى الله تعالى مئونتهم. وإن قالوا هو كلام الله فالقرآن مائة سورة وأربع عشرة سورة ، فيها ستة آلاف آية ونيف ، كل سورة منها عند أهل الإسلام غير الأخرى ، وكل آية غير الأخرى ، فكيف يقول هؤلاء النوكى (١) إنه ليس لله تعالى إلّا كلام واحد ...؟ أما إنّ هذا من الكفر البارد والقحة السمجة. ونعوذ بالله من الضلال. وقالوا كلهم إن القرآن لم ينزل به قط جبريل على قلب محمد عليه الصلاة والسلام ، إنما نزل عليه بشيء آخر هو العبارة عن كلام الله وأن القرآن ليس عندنا البتة إلا على هذا المجاز ، وأن الذي نرى في المصاحف ونسمع من القرآن ونقرأ في الصلوات ونحفظ في الصدور ليس هو القرآن البتة ، ولا شيء منه كلام الله تعالى البتة بل شيء آخر ، وأن كلام الله تعالى لا يفارق ذات الله تعالى.

قال أبو محمد : وهذا من أعظم الكفر لأن الله تعالى قال : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ

__________________

(١) النوكى : الحمقى.

فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) [سورة البروج : ٢١ ، ٢٢] وقال تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) [سورة الشعراء : ٩٣] وقال تعالى : (فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) [سورة التوبة : ٦] وقال تعالى : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) [سورة العنكبوت : ٤٩].

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إني أحبّ أن أسمعه من غيري» (١) يعني القرآن. وقال عليه‌السلام : «الذي يقرأ القرآن مع السّفرة الكرام البررة» (٢). ونهيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو (٣) ، إلى إجماع عامة المسلمين وخاصتهم وجاهلهم وعالمهم على القول : حفظ فلان القرآن ، وقرأ فلان القرآن ، وكتب فلان القرآن في المصحف ، وسمعنا القرآن من فلان ، وهذا كلام الله تعالى في المصحف من أول أم القرآن إلى آخر قل أعوذ برب الناس. وقال السّمناني نصا إن الباقلاني وشيوخه قالوا إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما أطلق القول بأنّ ما أنزل الله عليه هو القرآن ، وهو كلام الله تعالى إنما هو على معنى أنه عبارة عن كلام الله تعالى ، وأنه يفهم منه أمره ونهيه فقط.

قال أبو محمد : ويقال لهم أخبرونا عن قولكم إن الكتاب في المصحف والقراءة المسموعة في المحراب كل ذلك عبارة عن القرآن ما ذا تعنون بذلك؟ وهل هذا منكم إلا تمويه ضعيف وهل كلّ ما في المصحف إلا عبارة عن معانيه التي أرادها الله تعالى في شرع دينه من الصلاة والصيام والإيمان وغير ذلك ، وأخبار الأمم السالفة وصفة الجنة والنار والبعث وغير ذلك مما لا يختلف من أهل الإسلام أحد في أن المعبر عنه بذلك الكلام ليس هو كلام الله أصلا لأن ذات الجنة وذات النار وحركات المصلي وعمل الحاج وعمل الصائم ، وأجسام عاد وأشخاص ثمود ، ليس شيء من ذلك كلام

__________________

(١) رواه البخاري في تفسير سورة ٤ باب ٩ ، وفضائل القرآن باب ٣٢ و ٣٥. ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها حديث ٢٤٧ و ٢٤٨. وأبو داود في العلم باب ١٣. والترمذي في تفسير سورة ٤ باب ١١.

(٢) رواه بلفظ : «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة» البخاري في تفسير سورة ٨٠. ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها حديث ٢٤٤. وأبو داود في الوتر باب ١٤. والترمذي في ثواب القرآن باب ١٣. وابن ماجة في الأدب باب ٥٢. والدارمي في فضائل القرآن باب ١١ ، وأحمد في المسند (٦ / ٤٨ ، ٩٤ ، ٩٨ ، ١١٠ ، ١٧٠ ، ١٩٢ ، ٢٣٩ ، ٢٦٦).

(٣) رواه البخاري في الجهاد باب ١٢٩. ومسلم في الإمارة حديث ٩٢ و ٩٣ و ٩٤. وأبو داود في الجهاد باب ٨١. وابن ماجة في الجهاد باب ٤٥. ومالك في الجهاد حديث ٧. وأحمد في المسند (٢ / ٦ ، ٧ ، ١٠ ، ٥٥ ، ٦٣ ، ٧٦ ، ١٢٨).

الله عزوجل ولا قرآنا فمثبت أن ليس هو القرآن ولا هو كلام الله إلا العبارة المسموعة فقط ، والكلام المقروء والخط المكتوب في المصحف بلا شك ، إذ لم يبق غير ذلك أو الكفر وتكذيب الله تعالى ، وتكذيب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أن القرآن أنزل عليه ، وأننا نسمع كلام الله؟ فأوهمتم الضعفاء أن الذي هو كلام الله والقرآن عند جميع أهل الإسلام ليس هو القرآن ولا هو كلام الله ، ثم أوهمتموهم باستخفافكم أن حركات المتحركين وذات الجنة وذات النار ، هي كلام الله تعالى ، وهي القرآن ، فهل في الضلال والسخرية بضعفة المسلمين والهزء بآيات الله تعالى أكثر من هذا؟ ولقد أخبرني «عليّ بن حمزة المرادي الصقلي» الصوفي أنه رأى بعض الأشعرية يبطح المصحف برجله قال فأكبرت ذلك وقلت له : ويحك هكذا تصنع بالمصحف وفيه كلام الله تعالى؟ فقال لي : ويلك والله ما فيه إلا السخام والسواد ، وأما كلام الله فلا. ونحو هذا من القول الذي هذا معناه. وكتب إليّ «أبو المرجى بن ندما المصري» أن بعض ثقات أهل مصر أخبره من طلاب السنن أن رجلا من الأشعرية قال له مشافهة : على من يقول إن الله تعالى قال قل هو الله أحد الله الصمد ، ألف لعنة.

قال أبو محمد : بل على من يقول إن الله عزوجل لم يقلها ألف ألف لعنة تترى ، وعلى من ينكر أننا نسمع كلام الله ونقرأ كلام الله ونحفظ كلام الله ونكتب كلام الله ألف ألف لعنة تترى من الله عزوجل ، فإن قول هذه الفرقة في هذه المسألة نهاية الكفر بالله تعالى ، ومخالفة للقرآن والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومخالفة جميع أهل الإسلام قبل حدوث هذه الطائفة الملعونة.

قال أبو محمد : وقالت الأشعرية كلها إن الله تعالى لم يزل قائلا لكل ما خلق أو يخلق من المستأنف كن ، إلا أن الأشياء لم تكن إلا حين كونها. وهذا تكذيب منهم مكشوف لله عزوجل إذ يقول (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [سورة يس : ٨٢] فبين الله تعالى أنه لا يقول للشيء كن إلا إذا أراد تكوينه ، وأنه إذا قال له (كُنْ) كان الشيء في الوقت بلا مهلة ، لأن هذا هو مقتضى الفاء في لغة العرب التي بها نزل القرآن ، فجمعوا إلى تكذيب الله عزوجل في خبريه جميعا إيجاب أزلية العالم ، لأن الله تعالى إذا كان لم يزل قائلا لما يكون (كُنْ) فإن التكوين لم يزل وهذه دهرية محضة ، ثم قال السّمناني بعد أسطر : لأنه لو وجب وجود ما وجد في الوقت الذي وجد فيه لأجل قول الله تعالى : (كُنْ) لوجب أن يوجد لأجل قول غيره له (كُنْ) لأن صفة الاقتضاء لا تختلف في ذلك بين القديم والمحدث.

قال أبو محمد : هذا نص كلام هذا الفاسق الملحد حرفا حرفا ، وهذا كفر

محض ، وحماقة لا خفاء بها ، أما الكفر فإبطاله أن وجود الأشياء في الأوقات التي وجدت فيها ، إنما وجدت لأجل قول الله تعالى لها كن ، وإيجابه أن الأشياء لم توجد في أحيان وجودها لقول الله تعالى لها كن. وهذا تكذيب لله تعالى صرف ، وخروج عن إجماع أهل الإسلام ، وكلّ من يصلي إلى القبلة قبلهم. ومن الكفر الصريح أيضا في هذا الكلام الملعون قوله : إن صفة الاقتضاء لا تختلف في ذلك بين القديم والمحدث ، فسوّى بين الله تعالى وخلقه ، وأما الحماقة فقوله : لو وجدت الأشياء من أجل قول الله تعالى لها (كُنْ) لوجب أن يوجد قول غيره لها «كن» فيا للمسلمين هل سمع في الحمق والرعونة وقلة الحياء أكثر من قول من سوّى بين قول الله عزوجل (كُنْ) إذا أراد تكوينه وبن قول غيره من الناس (كن) ..؟؟ وهذا أخبث من قول الدّهرية ونعوذ بالله من الضلال ، فلولا الخذلان ما انطلق بهذا النوك لسان من يقذف بالحجارة في الشوارع ، وما شبهت هذا الكلام إلا كلام النذل «أبي هاشم الجبائي» لو لم يجز لنا أن نسمّي الله عزوجل باسم حتى يأذن الله لنا في ذلك لوجب أن لا يجوز لله أن يسمي نفسه حتى يأذن له غيره في ذلك.

قال أبو محمد : وهذه أقوال لو قالها صبيان يسيل مخاطهم ليئس من فلاحهم ، وتالله لقد لعب الشيطان بهم كما شاء فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقالت الأشعرية كلها : إن الله لا يقدر على ظلم أحد البتة ، ولا يقدر على الكذب ، ولا على أن يقول المسيح ابن الله ، حتى يقول قبل ذلك. وقالت النصارى : وإنه لا يقدر على أن يقول عزير ابن الله حتى يقول قبل ذلك. وقالت النصارى : وإنه لا يقدر على أن يقول عزير ابن الله حتى يقول قبل لك. وقالت اليهود ، وإنه لا يقدر على أن يتخذ لهوا ، وإنه لا يقدر على أن يتخذ ولدا ، وإنه لا يقدر البتة على إظهار معجزة على يدي كذاب يدّعي النبوة ، فإن ادعى الإلهية كان الله تعالى حينئذ قادرا على إظهار المعجزات على يديه ، وإنه تعالى لا يقدر البتة على أن يقسم الجزء الذي لا يتجزأ ولا على أن يدعو أحدا إلى غير التوحيد ، وهذا نص كلامهم وحقيقة معتقدهم ، فجعلوه تعالى عاجزا متناهي القوة محدود القدرة ، يقدر مرة ولا يقدر أخرى ، ويقدر على شيء ولا يقدر على آخر ، وهذه صفة النقص ، وهم مع هذا يقولون : إن الساحر يقدر على قلب الأعيان ، وعلى أن يمسخ إنسانا فيجعله حمارا على الحقيقة ، وعلى المشي في الهواء وعلى الماء ، فكان الساحر عندهم أقوى من الله تعالى.

قال أبو محمد : وخشوا مبادرة أهل الإسلام لهم بالاصطلام (١) فجبنوا أن يصرحوا

__________________

(١) الاصطلام : الاستئصال (المعجم الوسيط : ص ٥٢١).

بأن الله تعالى لا يقدر فقالوا لا يوصف بالقدرة على شيء مما ذكرنا.

قال أبو محمد : ولا راحة لهم في هذا لأننا نقول لهم : ولم لا نصفه بالقدرة على ذلك؟ ألأنه يقدر على كلّ ذلك ولأن له قدرة على ذلك؟ أم لأنه لا يقدر على كل ذلك ، ولا له قدرة على شيء من ذلك؟ ولا بد من أحدهما بضرورة العقل. وهنا ضلت حيلهم الضعيفة ، ولا بد لهم من القطع بأنه لا يقدر ، وبأنه لا قدرة له على ذلك. وإذ قد صرحوا بذلك فبالضرورة بأول العقل ومسموع اللغة كلاهما يوجب أن من لا يقدر على شيء فهو عاجز عنه ، وأن من لا قدرة له على شيء فصفة العجز والضعف لا حقة به ، فلا بد لهم ضرورة من إطلاق اسم العجز على الله تعالى ووصفه بأنه عاجز ، وهذا حقيقة مذهبهم يقينا إلا أنهم يخافون البوار إن أظهروه.

وقال هذا الباقلاني : لا فرق بين النبي والسّاحر الكذاب المتنبّئ فيما يأتيان به إلا التحدي فقط ، وهو قول النبي لمن بحضرته : هات من يعمل كعملي ، وهذا إبطال للنبوة مجرد. وقال الباقلاني وابن فورك وأتباعهما من أهل الضلالة والجهالة : ليس لله تعالى أسماء البتة وإنما له تعالى اسم واحد فقط ليس له اسم غيره ، وأن قول الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) [سورة الأعراف : ١٨٠]. إنما أراد أن يقول : لله التسميات الحسنى فذروا الذين يلحدون في تسمياته. قالوا : وكذلك قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن لله تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد» (١). وإنما أراد أن يقول تسعة وتسعين تسمية فقال تسعة وتسعين اسما.

قال أبو محمد : ما في البرهان على قلة الحياء وفساد الدين واستسهال الكذب أكثر من هذا. وليت شعري من أخبرهم عن الله تعالى وعن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهذا الإفك ، ثم ليت شعري إذ زعموا أن الله تعالى أراد أن يقول له التسميات الحسنى فقال له الأسماء الحسنى ، لأي شيء فعل ذلك أللكنة أم غفلة أم تعمد لإضلال عباده؟! ولا سبيل والله إلى رابع ، فاعجبوا لعظيم ما حل بهؤلاء القوم من الدعار والتبار والكذب على الله عزوجل جهارا وعلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلا رقبة ، ونعوذ بالله من الضلال ، مع أن هذا قول ما سبقهم إليه أحد. وقالوا كلهم : إن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، ليس هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اليوم لكنه كان رسول الله.

__________________

(١) رواه البخاري في التوحيد باب ١٢ ، والشروط باب ١٨ ، والدعوات باب ٦٩. ومسلم في الذكر والدعاء والاستغفار حديث ٥ و ٦. والترمذي في الدعوات باب ٨٢. وابن ماجة في الدعاء باب ١٠.

قال أبو محمد : فكذبوا القرآن في قول الله عزوجل (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) [الفتح : ٢٩] وكذبوا الأذان وكذبوا الإقامة التي افترضها لله تعالى خمس مرات كل يوم وليلة على كل جماعة من المسلمين ، وكذبوا دعوة جميع المسلمين التي اتفقوا على دعاء الكفار إليها ، وعلى أنه لا نجاة من النار إلا بها ، وأكذبوا جميع أعصار المسلمين من الصحابة فمن بعدهم في إطباق جميعهم برّهم وفاجرهم على الإعلان بلا إله إلا الله محمد رسول الله ، ووجب على قولهم هذا الملعون أن يكذب المؤذنون والمقيمون ودعاة الإسلام في قولهم : محمد رسول الله ، وأن الواجب أن يقولوا : محمد كان رسول الله. وعلى هذه المسألة قتل الأمير محمود بن سبكتكين مولى أمير المؤمنين وصاحب خراسان رحمه‌الله ابن فورك شيخ الأشعرية ، فأحسن الله جزاء محمود على ذلك ولعن ابن فورك وأشياعه وأتباعه (١).

قال أبو محمد : إنما حملهم على هذا الكفر الفاحش قول لهم آخر في نهاية الضلال والانسلاخ من الإسلام ، وهو قولهم إن الأرواح أعراض تفنى ، ولا تبقى وقتين ، لأن روح كل واحد منا الآن هو غير روحه الذي كان له قبل ذلك بطرفة عين ، وأن كل واحد منا يبدل أزيد من ألف ألف روح في كل ساعة زمانية ، وأن النفس إنما هذا الهواء الخارج بالتنفس حارا بعد دخوله باردا ، وأن الإنسان إذا مات فني روحه وبطل ، وأنه ليس لمحمد ولا لأحد من الأنبياء عند الله تعالى روح ثابتة تنعم ، ولا نفس قائمة تكرّم ، وهذا خروج عن إجماع أهل الإسلام ، فما قال بهذا أحد ممن ينتمي إلى الإسلام قبل أبي الهذيل العلاف ، ثم تلاه هؤلاء ، وهذا خلاف مجرد للقرآن وتكذيب لله عزوجل إذ يقول (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) [سورة الأنعام : ٩٣] وإذ يقول عزوجل في آل فرعون : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) [سورة غافر : ٤٦] الآية. وإذ يقول عزوجل (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) [سورة البقرة : ١٥٤] وقال عزوجل : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)

__________________

(١) انظر تفاصيل مقتل ابن فورك ومحنته في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (٤ / ١٣٠ ـ ١٣٣). وانظر ترجمة ابن فورك في إنباه الرواة (٣ / ١١٠) ووفيات الأعيان (٤ / ٢٧٢) والوافي بالوفيات (٢ / ٣٤٤) ومرآة الجنان (٣ / ١٧) وسير أعلام النبلاء (١٧ / ٢١٤) وطبقات الشافعية للإسنوي (٢ / ٢٦٦) والنجوم الزاهرة (٤ / ٢٤٠) وشذرات الذهب (٣ / ١٨١) وغيرها.

[سورة آل عمران : ١٦٩ ، ١٧٠] ولقوله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) [سورة الزمر : ٤٢].

وخلاف للسنن الثابتة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المنقولة نقل التواتر من رؤيته صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأنبياء عليهم‌السلام ليلة أسري به في السماء ، وما جرى له مع موسى عليه‌السلام في عدد الصلوات المفروضات وأن أرواح الشهداء نسمة تعلق في ثمار الجنة ، وما يلقى الروح عند خروجه من الفتنة والمساءلة له ، وإخباره عليه‌السلام أنه رأى عن يمين آدم نسم بنيه من أهل الجنة وعن يساره نسم بنيه من أهل النار (١) وسائر السنن المأثورة.

قال أبو محمد : ثم خجلوا من هذه العظيمة وتبرأ منهم إبليس الذي أورطهم فيها ، فشكوا فقالوا في كتبهم : فإن لم يكن هذا فإن الروح تنتقل عند خروجه من الجسم إلى جسم آخر. هكذا نص الباقلاني في أحد كتبه وأظنه الرسالة المعروفة «بالحرة» وهذا مذهب التناسخ بلا كلفة. وقال السّمناني في كتابه : إن الباقلاني وأصحابه قالوا : إن كل ما جاء في الخبر من نقل أرواح الشهداء إلى حواصل طير خضر وأن روح الميت ترد إليه في قبره ، وما جرى مجرى ذلك من وصف الروح بالقرب والبعد والحركة والانتقال والسكون والعذاب ، فكل ذلك محمول على أقل جزء من أجزاء الميت أو الشهيد أو الكافر ، وإعادة الحياة في ذلك الجزء.

قال أبو محمد : وهذا طريق من الهوس جدا ، وتطايب بالدين ، ولقد أخبرني ثقة من أصحابي أنه سمع بعض مقدميهم يقول إن الروح إنما تبقى في عجب الذنب لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كلّ ابن آدم يأكله التّراب إلّا عجب الذّنب منه خلق وفيه يركب» (٢).

قال أبو محمد : وهذا التأويل أقرب إلى الهزل منه إلى أقوال أهل الإسلام ، ونعوذ بالله من الخذلان ، فإنما هذه تائر دون مذهبهم الخبيث الذي ذكرنا آنفا.

__________________

(١) حديث الإسراء الطويل رواه البخاري في الصلاة باب ١ ، وأحاديث الأنبياء باب ٥. ومسلم في الإيمان حديث ٢٦٣. وأحمد في المسند (٥ / ١٤٣).

(٢) رواه بأسانيد وطرق مختلفة : البخاري في تفسير سورة ٣٩ باب ٣ ، وسورة ٧٨ باب ١. ومسلم في الفتن حديث ١٤١ و ١٤٢ و ١٤٣. وأبو داود في السنّة باب ٢٢. والنسائي في الجنائز باب ١١٧. وابن ماجة في الزهد باب ٣٢. ومالك في الجنائز حديث ٤٩. وأحمد في المسند (٢ / ٣٢٢ ، ٤٢٨ ، ٤٩٩ ، ٣ / ٢٨).

وقالوا كلهم : إن النظر في دلائل الإسلام فرض وإنه لا يكون مسلما حتى ينظر فيها وإن من شروط الناظر فيها أن يكون ولا بد شاكّا في الله عزوجل وفي صحة النبوة ، ولا يصح النظر في دلائل النبوة ودلائل التوحيد لمن يعتقد صحتها.

قال أبو محمد : والله ما سمع قط بأقبح في الكفر من قول من أوجب الشك في الله تعالى وفي صحة النبوة فرضا على كل متعلم ، ولا نجاة له إلّا به ولا دين لأحد دونه ، وأن اعتقاد صحة التوحيد لله تعالى ، وصحة النبوة باطل لا يحل ، فحصل من كلامهم أن من لم يشك في الله تعالى ولا في صحة النبوة فهو كافر ، ومن شك فيهما فهو محسن مؤدّ ما وجب عليه ، وهذه فضيحة وحماقة اللهم إنا نبرأ إليك من هذا القول ومن كل قائل به. ثم لم يجدوا في أمد الاستدلال حدا فليت شعري على هذا القول الملعون هو معتقده والدّاعي إليه كيف يكون حال من قبل وصيتهم هذه التي هي وصية الشيطان الرجيم فيدين بالشك في الله تعالى وفي النبوة ، وامتد به أمد الاستدلال أياما وأشهرا أو ساعات مات فيها أين مستقره؟ ومصيره إلى النار والله خالدا مخلدا أبدا ، وبيقين ندري أن قائل هذه الأقوال مطالب للإسلام كما بدّ له مرصد لأهله داعية إلى الكفر ، ونعوذ بالله من الضلال.

وقالوا كلهم : إن إطعام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المئين والعشرات من صاع الشعير ، مرة بعد مرة ، وسقيه الألف والألوف من ماء يسير ينبع من بين أصابعه ، وحنين الجذع ، ومجيء الشجرة ، وتكلم الذراع ، وشكوى البعير ، ومجيء الذنب ، ليس في شيء من ذلك دلالة على صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في نبوته لأنه عليه‌السلام لم يتحدّ الناس بذلك ولا يكون عندهم آية إلا ما تحدّى به الكفار فقط ، وهذا تكذيب منهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله إذ فعل ذلك أشهد أني رسول الله ، وهذا أيضا قول افتروه ، خالفوا فيه جميع أهل الإسلام.

وقالوا كلهم : ليس لشيء من الأشياء نصف ، ولا ثلث ، ولا ربع ، ولا سدس ، ولا ثمن ، ولا عشر ولا بعض ، وأنه لا يجوز أن يقال الفرد عشر العشرة ولا أنه بعض الخمسة ، وحجتهم في ذلك أنه لو جاز أن يقال ذلك لكان عشرا لنفسه وبعض نفسه.

قال أبو محمد : وهذا جهل شديد لأنه إنما هو بعض من جملة يكون سائرها غيره ، وعشر جملة يكون سائرها غيره ، ونسوا أنفسهم فقالوا بالجزء الذي لا يتجزأ ، ونسوا إلزام أنفسهم أن يكون جزء لنفسه ، وكل هذا تكذيب لله عزوجل إذ يقول في القرآن (فَلَهَا النِّصْفُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ فَلَكُمُ الرُّبُعُ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ) [سورة النساء : ١١ ، ١٢](بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [سورة التوبة : ٧١] وهذا

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كبير مع مخالفتهم في ذلك جميع أهل الأرض مؤمنهم وكافرهم ، ومخالفة كل لغة والمعقول والطبائع.

وقالوا كلهم : من قال إن النار تحرق أو تلفح ، أو أن الأرض تهتز أو تنبت شيئا ، أو أن الخمر تسكر ، أو أن الخبز يشبع ، أو أن الماء يروي ، أو أن الله تعالى ينبت الزرع والشجر بالماء ، فقد ألحد وافترى. وقال الباقلاني في آخر السفر الرابع من كتابه المعروف «بالانتصار في القرآن» : نحن ننكر فعل النار للتسخين والإحراق ، وننكر فعل الثلج للتبريد ، وفعل الطعام ، والشراب للشبع والري ، والخمر للإسكار ، كل هذا عندنا باطل محال ننكره أشد الإنكار ، وكذلك فعل الحجر لجذب شيء أو رده أو حبسه أو إطلاقه من حديد أو غيره هذا نص كلامه.

قال أبو محمد : وهذا تكذيب منهم لله عزوجل إذ يقول : (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ) [سورة المؤمنين : ١٠٤] ولقوله تعالى : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) [سورة ق : ٩] وقوله تعالى : (أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ) [سورة السجدة : ٢٧] الآية. وقوله تعالى : (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [سورة الحج : ٥].

وقد صككت بهذا وجه بعض مقدميهم في المناظرة فدهش وبلد. وهو أيضا تكذيب لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ يقول : «كلّ مسكر حرام» و «كلّ شراب أسكر حرام» (١) مع مخالفتهم لكل لغة ولكل ذي حس من مسلم وكافر ومكابرة العيان ،

__________________

(١) رواه بلفظ : «كل شراب أسكر فهو حرام» البخاري في الوضوء باب ٧١ ، والأشربة باب ٤ و ١٠. ومسلم في الأشربة حديث ٦٧ و ٦٨. وأبو داود في الأشربة باب ٥. والترمذي في الأشربة باب ٢. وابن ماجة في الأشربة باب ٩ و ١٠. ومالك في الأشربة حديث ٩. والدارمي في الأشربة باب ٨. وأحمد في المسند (٦ / ٣٦ ، ٩٧ ، ١٩٠ ، ٢٢٦). ورواه بلفظ : «كل مسكر خمر ، وكل مسكر حرام» البخاري في الأدب باب ٨٠ ، والأحكام باب ٢٢ ، والمغازي باب ٦٠. ومسلم في الأشربة حديث ٤٣ ، و ٧٤ و ٧٥. وأبو داود في الأشربة باب ٥ و ٧. والترمذي في الأشربة باب ١ و ٢. والنسائي في الأشربة باب ٤٠ و ٤٩ و ٥٣. وابن ماجة في الأشربة باب ٩ و ١٣ و ١٤. والدارمي في الأشربة باب ٨. ومالك في الضحايا حديث ٨. وأحمد في المسند (١ / ٢٧٤ ، ٢٨٩ ، ٣٥٠ ، ٢ / ١٦ ، ٢٩ ، ٣١ ، ٩١ ، ٩٨ ، ١٠٥ ، ١٥٨ ، ١٧١ ، ١٨٥ ، ٤٢٩ ، ٥٠١ ، ٣ / ٦٣ ، ٦٦ ، ١١٢ ، ١١٩ ، ٢٣٧ ، ٣٦١ ، ٤٢٢ ، ٤ / ٤١٠ ، ٤١٦ ، ٤١٧ ، ٥ / ٣٥٦ ، ٦ / ٣١٤ ، ٣٣٢). وروي أيضا في الصحاح بألفاظ أخرى من طرق متعددة.

وإبطال المشاهدة ، ثم أطرف شيء احتاجهم في هذه الطامة بأن الله عزوجل هو الذي خلق ذلك كله فقلنا لهم : أو ليس فعل كل حي مختار واختياره خلقا لله تعالى؟ فلا بدّ من قولهم نعم. فيقال لهم : فمن أين نسبتم الفعل إلى الأحياء وهي خلق الله تعالى ، ومنعتم من نسبة الفعل إلى الجمادات لأنه خلق الله تعالى ولا فرق ...؟ ولكنهم قوم لا يعقلون.

قال أبو محمد : وسمعت بعض مقدميهم يقول : إن من كان على معاصي خمسة من زنى وسرقة وترك صلاة وتضييع زكاة وغير ذلك ثم تاب عن بعضها دون بعض فإن توبته تلك لا تقبل ، وقد نص السّمناني على أن هذا قول الباقلاني وهو قول أبي هاشم الجبّائي ، ثم قال السّمناني : هذا فوق خارق للإجماع جملة ، وخلاف لدين الأمّة. هذا نص قول السّمناني في شيخه وشهدوا على أنفسهم (١) وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون (٢).

قال أبو محمد : هذا قول مخالف للقرآن والسنن ، لأن الله تعالى يقول : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [سورة الزلزلة : ٧ ، ٨].

وقال تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) [سورة الأنبياء : ٤٧] الآية وقال تعالى : (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) [سورة آل عمران : ١٩٥]. وبالضرورة يدري كل ذي مسكة من عقل أن التوبة من الزنا خير كبير ، فهذا الجاهل يقول إنه لا يراه صاحبه ، وأنه عمل ضائع عند الله عزوجل من مسلم مؤمن ، ومعاذ الله من هذا. وسر هذا القول الملعون وحقيقته التي لا بد لقابله منه أنه لا معنى لمن أصرّ على الزنا أو شرب الخمر في أن يصلي ولا في أن يزكي ، فقد صار يأمر بترك الصلوات الخمس ، والزكاة ، وصوم رمضان والحج ، فعلى هذا القول وقائله لعائن الله تترى ما دار الليل والنهار. ونصّ السّمناني عن الباقلاني شيخه أنه كان يقول : إن الله لا يغفر الصغائر باجتناب الكبائر.

قال أبو محمد : وأنا سمعت بعض مقدميهم ينكر أن يكون في الذنوب صغائر ، وناظرته بقول الله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) [سورة النساء : ٣١] وقلت : بالضرورة يدري كل ذي فهم أنه لا كبائر إلا بالإضافة إلى ما هو أصغر منها ، وهي السيئات المغفورة باجتناب الكبائر بنص كلام الله تعالى فقولك هذا

__________________

(١) قال تعالى في سورة الأنعام الآية ١٣٠ : (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ).

(٢) نصّ الآية ٣٠ من سورة القلم : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ).

خلاف للقرآن مجرد. فخلط ولجأ إلى الحرد. وهذا منهم تكذيب لله تعالى ورد لحكمه بلا كلفة.

ومن شنعهم الممزوجة بالهوس وصفاقة الوجوه قولهم : إنه لا حرّ في النار ، ولا في الثّلج برد ، ولا في العسل حلاوة ، ولا في الصبر مرارة وإنما خلق الله تعالى كلّ ذلك عند اللمس والذوق. وهذا حمق عظيم ، قادهم إليه إنكارهم الطبائع وقد ناظرناهم على ذلك. هذا مع قول شيخهم الباقلاني إن لقشور العنب رائحة ، وللزجاج والحصى طعما ورائحة ، وزادوا حتى بلغوا إلى أن قالوا إن للفلك طعما ورائحة ، فليت شعري متى ذاقوه أو شموه أو من أخبرهم بهذا ..؟ وهذا لا يعرفه إلا الله ثم الملائكة الذين هنالك ، ولكن من ذاق طعم الزجاج وشم رائحته فغير منكر أن يدعي مشاهدة الفلك ، ولمسه وشمه وذوقه.

ومن شنعهم قولهم إن من كان الآن على دين الإسلام مخلصا بقلبه ولسانه مجتهدا في العبادة إلا أن الله عزوجل يعلم أنه لا يموت إلا كافرا فهو الآن عند الله كافر ، وأنّ من كان الآن كافرا يسجد للنار وللصليب ، أو يهوديا أو زنديقا ، مصرحين بتكذيب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا أن في علم الله تعالى أنه لا يموت إلا مسلما ، فإنه الآن عند الله مسلم.

قال أبو محمد : ما قال هذا مسلم قط قبل هشام الفوطي ، وهذه مكابرة للعيان وتكذيب لله عزوجل مجرد ، كأنهم ما سمعوا قط قول الله تعالى (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) [سورة المنافقون : ٢] فسماهم مؤمنين ثم أخبر تعالى بأنه كفروا. وقوله تعالى : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ) [سورة البقرة : ٢١٧]. فجعل الإسلام دينا لمن كان عليه إذ كان عليه ، وإن ارتد معه ومات كافرا. وقوله تعالى مخاطبا للمسلمين من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ) [سورة النساء : ٩٤] ويلزمهم أن الذي يسلم أبوه ولا يسلم هو لأنه كان بالغا ثم مات أبوه فلم يرثه لكفره ثم أسلم ، أن يفسخوا حكمهم ويورثوه من أبيه ، لأنه عندهم كان إذ مات أبوه مؤمنا عند الله تعالى ، ويلزمهم أن من كان صبيا ثم عاش حتى شاخ أنه لم يكن عند الله قط إلا شيخا ، ولو جمع ما يدخل علمهم لقام منه سفر ضخم. وقالوا كلهم : إنه ليس على ظهر الأرض يهودي ولا نصراني يقر بقلبه أن الله تعالى حق.

قال أبو محمد : هذا تكذيب للقرآن على ما بينا قبل ومكابرة للعيان لأنا لا نحصي كم دخل في الإسلام منهم ، وصلح إيمانه وصار عدلا ، وكلهم لا يختلف في

أنه كان قبل إسلامه مقرا بالله عزوجل عالما به ، كما هو بعد إسلامه لم يزد في توحيده شيء ، فكابروا العيان وكذبوا الكواف بحمق وقلة حياء ، لا نظير له.

وقال الباقلاني في كتابه المعروف «بالانتصار في القرآن» : معنى قول الله تعالى : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [سورة الزمر : ٧] وقوله تعالى : (لا يُحِبُّ الْفَسادَ) [سورة البقرة : ٢٠٥] إنّما معناه لا يحب الفساد لأهل الصلاح. ولا يرضى لعباده المؤمنين أن يكفروا ، ولم يرد أنه لا يرضاه لأحد من خلقه ولا يحبه لأحد منهم. ثم قال : وإن كان قد أحب ذلك ورضيه لأهل الكفر والفساد.

قال أبو محمد : وهذا تكذيب لله تعالى مجرد ، ثم أيضا أخبر بأن الكفار فعلوا من الكفر أمرا رضيه الله تعالى منهم وأحبه منهم ، فكيف يدخل هذا في عقل مسلم مع قوله تعالى : (اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) [سورة محمد : ٢٨] ...؟ واعجبوا لظلمة جهله إذ لم يفرق بين إرادة الكفر والمشيئة والخلق له وبين الرضى والمحبة. وقال أيضا فيه : إن أقل من سورة من القرآن ليس معجزا أصلا ، بل هو مقدور على مثله. وقال أيضا في السفر الخامس من الديوان المذكور : إن قيل كيف تقولون أكان يجوز من الله تعالى أن يؤلف القرآن تأليفا آخر غير هذا يعجز الخلق عن مقابلته؟ قلنا : نعم هو تعالى قادر على ذلك ، وعلى ما لا غاية له من هذا الباب وعلى أقدار كثيرة وأعداد لا يحصيها غيره ، إلا إن كان تأليف الكلام ونظم الألفاظ لا بد أن يبلغ إلى غاية وحد لا يحتمل الكلام أكثر منه ولا أوسع ولا يبقى وراء تلك الأعداد والأوزان شيء تتناوله القدرة. قال : ولنا في هذه المسألة نظر في تأليف الكلام ونظم الأجسام وتصوير الأشخاص ، هل يجب أن يكون لا غاية لها أو ذات نهاية لا يحتمل المؤلف والمنظوم فوقها ولا ما هو أكثر منها أم لا ....؟

قال أبو محمد : هنا صرح بالشك في قدرة الله تعالى ألها نهاية كما يقول أبو الهذيل أخوه في الضلالة والكفر أم لا نهاية لها كما يقول أهل الإسلام ...؟ ونعوذ بالله من الضلال.

قال أبو محمد : ولقد أخبرني بعض من كان يداخلهم ، وكان له فيهم سبب قوي ، وكان من أهل الفهم والذكاء ، وكان يرى في باطن أمره عليهم ، أنهم يقولون إن الله تعالى مذ خلق الأرض فإنه خلق جسما عظيما ، يمسكها عن أن تهوي هابطة ، فلما خلق ذلك الجسم أفناه في الوقت بلا زمان ، وخلق آخر مثله يمسكها أيضا ، فلما خلقه أفناه إثر خلقه بلا زمان أيضا ، وخلق آخر وهكذا أبدا بلا نهاية.

قال لي : وحجتهم في هذا الوسواس والكذب على الله تعالى فيه مما لم يقله أحد قبلهم مما يكذبه الحس والمشاهدة ، أنه لا بد للأرض من جسم ممسك وإلا هوت ، فلو كان ذلك الممسك في وقتين أو مقدار طرفة عين لسقط هو أيضا معها ، فهو إذا خلق ثم أفني إثر خلقه ، ولم يقع لأن الجسم عندهم في ابتداء خلقه لا ساكن ولا متحرك.

قال أبو محمد : وهذا احتجاج للحمق بالحمق ، وما عقل أحد قط جسما لا ساكنا ولا متحركا ، بل الجسم في ابتداء خلق الله تعالى له في مكان محيط به من جهاته ولا شك ، ساكن في مكانه ثم تحرك ، وكأنهم لم يسمعوا لقول الله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) [سورة فاطر : ٤١] فأخبر تعالى أنه ممسكها كما يشاء دون تكلف خلق آخر ، إذ لم يخبرنا الله تعالى به ولا جعل في العقول دليلا عليه. ولو أن قائل هذا الحمق وقف على الحق وطالع شيئا من براهين الهيئة ، لخجل مما أتى به من الهوس. ومن شنعهم قول هذا الباقلاني في كتابه المعروف «بالانتصار في القرآن» إن تقسيم آيات القرآن وترتيب مواضع سورة شيء فعله الناس وليس هو من عند الله تعالى ، ولا من أمور رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال أبو محمد : قد كذب هذا الجاهل وأفك ، أتراه ما سمع قول الله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) [سورة البقرة : ١٠٦] وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في آية الكرسي وآية الكلالة (١) ، والخبر أنه عليه‌السلام كان يأمر إذا نزلت الآية أن تجعل في سورة كذا في موضع كذا (٢) ، ولو أن الناس رتبوا سورة لما تعدّوا أحد وجوه ثلاثة : إما أن يرتّبوها على الأول فالأول نزولا ، أو الأطول فما دونه ، أو الأقصر فما فوقه ، فإذ ليس ذلك كذلك فقد صح أنه أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي لا يعارض عن الله تعالى ، لا يجوز غير ذلك أصلا. ومن شنعهم قول الباقلاني في كتابه في مذاهب القرامطة قرب آخر الكتاب في باب ترجمته «ذكر جمل مقالات الدهرية والفلاسفة والثنوية» قال الباقلاني : فأما ما يستحيل بقاؤه من أجناس الحوادث وهي الأعراض ، فإنما يجب عدمها في الثاني من حال حدوثها من غير معدم ولا شيء يفنيها. هذا نص كلامه. وقال متصلا بهذا الفصل : وأما نحن فنقول إنها تفنى الجواهر ،

__________________

(١) عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لكل شيء سنام ، وإن سنام القرآن سورة البقرة ، وفيها آية هي سيدة آي القرآن آية الكرسي». رواه الترمذي في ثواب القرآن باب ٢ (حديث ٢٨٨١) والدارمي في فضائل القرآن باب ١٣.

(٢) رواه أبو داود في الصلاة باب ١٢٢.

تفنى بقطع الأكوان عنها من حيث لا يصح لها وجود لا في مكان ولا فيما يقدّر تقدير المكان ، فإذا لم يلحق فيها شيء من الأكوان فعدم ما كان يخلق فيها منها أوجب عدمها. هذا نص كلامه وهذا قول الدهرية نصّا ، إذ قالت بأفعال لا فاعل لها ، وهو يقول بأن فناء الجواهر والأعراض هو فناء وإعدام لا فاعل لهما ، وأن الله تعالى لم يفن الفاني ونعوذ بالله من هذا الضلال والإلحاد المحض. وقالوا بأجمعهم : ليس لله تعالى على الكفار نعمة دينية أصلا. وقال الأشعري شيخهم : ولا له عزوجل على الكفار نعمة دنيوية أصلا. وهذا تكذيب منه ومن أتباعه الضلال لله عزوجل إذ يقول : (بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) [سورة إبراهيم : ٢٨] وإذ يقول عزوجل : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) [سورة البقرة : ٤٧]. وإنما خاطب تعالى بهذا كفارا جحدوا نعمة الله تعالى تبكيتا لهم. وأما الدنيوية فكثير قال تعالى : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) إلى قوله : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) [سورة عبس : ١٧ ـ ٢٤] الآية ومثله في القرآن كثير. وقال الباقلاني في كتابه المعروف بالانتصار في القرآن في باب مترجم «بالدلالة على أن القرآن معجزة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم» وذكر سؤال الملحدين عن الدليل على صحة ما ادعاه المسلمون من أن القرآن معجز ، فقال الباقلاني : يقال لهم : أما معنى وصف القرآن وغيره من آيات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنه معجز فإنما معناه أنه مما لا يقدر العباد عليه ، وإن لم يكونوا عاجزين على الحقيقة ، وإنما صار وصف القرآن وغيره ، من آيات الرسل عليهم‌السلام كعصا موسى ، وخروج الناقة من الصخرة ، وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ، بأنه معجز وإن لم يتعلق به عجز عاجز ـ على وجه التشبيه بما يعجز عنه العاجز من الأمور التي صح عجزهم عنها ، وقدرتهم عليها ، لأنهم لما لم يقدروا على معارضة آيات الرسل عبر عن عدم قدرتهم على ذلك بالعجز عنه تشبيها بالمعجوز عنه. قال الباقلاني ومما يدل على أن العرب لا يجوز أن تعجز عن مثل القرآن أنه قد صح وثبت أن العجز لا يكون عجزا إلا عن موجود ، فلو كانوا على هذا الأصل عاجزين عن مثل القرآن وعصا موسى ، وإحياء الموتى ، وخلق الأجسام والأسماع والأبصار ، وكشف البؤس والعاهات لوجب أن يكون ذلك المثل موجودا فيهم ومنهم كما أنهم لو كانوا قادرين على ذلك لوجب أن يكون ذلك منهم ولمّا لم يكن ذلك كذلك ثبت أنه لا يجوز عجز العباد على الحقيقة عن مثل القرآن مع عدمه منهم ، وكونه غير موجود لهم ، ولا عن قلب عصا موسى حية ، ولا عن مثل ذلك.

قال أبو محمد : أينتظر كفر بعد هذا الكفر في تصريحه أن العباد والعرب لا يجوز أن يعجزوا عن مثل القرآن ، ولا عن قلب العصا حية؟! ولا يغتر ضعيف بقوله إنهم غير قادرين على ذلك فإنما هو على قوله المعروف من أن الله لا يقدر على غير ما فعل وظهر منه فقط. ومن عظيم المحال قوله في هذا الفصل : إنه لا يجوز أن يعجز العاجز إلا عن ما يقدر عليه مع أن هذا الكلام منه موجب أنهم إن عجزوا عن مثل القرآن قدروا عليه ، وما يمترى في أنه كان كائدا للإسلام ملحدا لا شك فيه فهذه الأقوال لا ينطلق بها لسان مسلم. ومن أعظم البراهين على كفر الباقلاني وكيده للدين قوله في فصل آخر من الباب المذكور ، في الكتاب المذكور : إنه لا يجب على من سمع القرآن من محمد بن عبد الله بن عبد المطلب أن يبادر إلى القطع على أنه له آية وأنه على يده ظهر ومن قبله نجم حتى يسأل أهل النواحي والأطراف ونقلة الأخبار ويتعرف حال المتكلمين بذلك اللسان في الآفاق ، فإذا علم بعد التثبت والنظر أنه لم يسبقه إلى ذلك أحد لزمه حينئذ اعتقاد نبوته.

قال أبو محمد : وهذا إنسان خاف معاجلة الأمثلة بالرجم كما يرجم الكلب إن صرح بأن نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم باطل ، فصرح لهم بما يؤدي إلى ذلك من قرب ، إذ أوجب بأن لا يقرّ أحد بنبوة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا بأنه أتى بالقرآن ، ولا بأنه آية من آياته تدل على صحة نبوته ، إلا حتى يسأل أهل النواحي والأطراف ، وينتظر الأخبار ويتعرف حال المتكلمين بالعربية في الآفاق.

قال أبو محمد : فأحال والله على عمل لا نهاية له ولو عمر الإنسان عمر نوح عليه‌السلام ، لأن سؤال أهل النواحي والأطراف لا ينقضي في ألف عام ، وانتظار الأخبار ليس له حدّ ، وليت شعري متى يصل المحدود وطالب المعاش إلى طرف من هذا المجال ...؟ لأن أهل النواحي هم من بين صدر الصين إلى آخر الأندلس ، إلى بلاد الزنج ، إلى بلاد الصقالبة فما بين ذلك ، فلاح كفر هذا الجاهل الملحد وكيده للإسلام لكل من له أدنى حس.

قال أبو محمد : مع ضعف كيده في ذلك قال الله تعالى : (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) [سورة النساء : ٧٦] ويكفي من كل هذر أتى به في هذا الفصل الملعون قائله أن من له علم قويّ بالعربية والأخبار يكفيه تيقن عجز العرب عن معارضته فمن بعدهم إلى اليوم ، وأنه من عنده ضرورة لأنه لم ينزل القرآن جملة فيمكن فيه الدعوى من أحد وإنما نزل مقطعا في كل قصة تنزل يتنزل فيها قرآن ، وهذه ضرورة موجبة أنه

من عنده عليه‌السلام ظهر بوحي الله تعالى إليه ، وبما فيه من الغيوب التي قد ظهر إنذاره بها ، وأما من لا علم له باللغة والأخبار فيكفيه إخبار من يقع له العلم بخبره بأن العرب عجزت عن مثله ، وأنه أتى به مفصلا عند حلول القصص التي أنزل الله تعالى فيها الآية والآيتين ، والكلمة والكلمتين ، من القرآن والسورة ، حتى تمّ كما هو ، فهذا هو الحق لا ذلك الإلحاد المحض والكلام الغث السخيف.

ومن كفراتهم الصّلع (١) قول السّمناني إذ نصّ على أن الباقلاني كان يقول : إن جميع المعاصي كلها لا نجد شيئا منها مما يجب أن يستغفر الله منه جائز وقوعها من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حاشى الكذب في البلاغ فقط. وقال الباقلاني : إذا نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن شيء ثم فعله فليس ذلك دليلا على أنه منسوخ ، إذ قد يفعله عاصيا لله عزوجل. قال الباقلاني : وليس على أصحابه فرضا أن ينكروا ذلك عليه. قال السّمناني في كتاب الإمامة : لو لا دلالة العقل على وجوب كون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم معصوما في البلاغ عن الله عزوجل لما وجب كونه معصوما في البلاغ ، كما لا يجب فيما سواه من أفعاله وأقواله. وقال أيضا في مكان آخر منه ، وكذلك يجوز أن يكفر النبي بعد أداء الرسالة.

قال أبو محمد : بالله الذي لا إله إلا هو ما قال هذا القول ناصرا له وداعيا إليه مسلم قط ، وما كان قائله إلا كافرا ملحدا ، فاعلموا أيها الناس أنه قد جوّز على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكفر والزنا ، واللياطة ، والبغاء ، والسرقة ، وجميع المعاصي ، فأي كيد للإسلام يا للناس أعظم من هذا ...؟؟ وأما صاحبه ابن فورك فإنه منع من هذا وأنكره ، وأجاز على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صغار المعاصي كقبول النساء والتعريض لهن ، وتفخيذ الصبيان ، ونحو ذلك. وأما شيخهما ابن مجاهد البصري ـ ليس بالمقرى (٢) ـ فإنه منع من كل ذلك وحاشى لله من أن يجوّز من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذنبا بعمد لا صغيرا ولا كبيرا ، لقول الله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [سورة الأحزاب : ٢١] ومن المحال أن يأمرنا الله تعالى أن نتأسّى بعاص في معصية صغرت أو كبرت ، واعجبوا لاستخفاف هذا الملحد بالدين وبالمسلمين ، إذ يقول هاهنا إنه ليس فرضا على أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ينكروا عليه عصيان ربه ، ومخالفة أمره الذي أمرهم به ، وهو يقول في نصره للقياس إن قياس من قاس من الصحابة وسكوت من سكت منهم عن إنكاره دليل على وجوب

__________________

(١) الصلع : جمع صلعاء. والصلعاء : الداهية الشديدة ، على المثل ، أي أنه لا متعلق منها. انظر لسان العرب (٨ / ٢٠٥ ـ مادة صلع).

(٢) قوله «ليس بالمقرىء» ، أي هو غير ابن مجاهد المقرئ المشهور.

الحكم بالقياس ، لأنهم لا يقرون على منكر فما وجب إقرارهم على المنكر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حاشى لله من هذا ، وأنكر إقرارهم على القياس لو كان منكرا ، فجمع في هذا المناقضة والكذب في دعوى القياس على الصحابة ، ودعوى معرفة جميعهم بقياس من قاس منهم ودعوى أنهم لم ينكروه ، وهذه صفات الكذّابين المتلاعبين بالدّين. ومن طوامّهم ما حكاه السّمناني عن الباقلاني أنه قال : واختلفوا في وجوب كون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل أهل وقته في حال الرسالة وما بعدها إلى حين موته ، فأوجب ذلك قائلون وأسقطه آخرون. قال الباقلاني : وهذا هو الصحيح وبه نقول.

قال أبو محمد : هذا والله الكفر الذي لا خفاء به إذ جوز أن يكون أحد ممن في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فما بعده أفضل من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما أنكرنا على أحمد بن خابط إلا دون هذا ، إذ قال : إن أبا ذر كان أزهد من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. هذا مع قول هذا المستخف الباقلاني الذي ذكره عنه السّمناني في كتابه الكبير في كتاب الإمامة منه أن من شرط الإمام أن يكون الإمام أفضل أهل زمانه.

قال أبو محمد : يا للعبارة بالدين يجوز عند هذا الكافر أن يكون في الناس غير الرسل أفضل من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا يجوز عنده أن يلي الإمامة أحد يوجد في الناس أحد أفضل منه؟! ثم حمقه أيضا في هذا حمق عتيق ، لأنه تكليف ما لا يطاق ، ولا سبيل إلى القطع بفضل أحد على أحد إلا بنص من الله تعالى ، فكيف يحاط بالأفضل من قريش وهم مبثوثون من أقصى السند وكابل ومكران إلى الأشبونة ، إلى سلا فسواحل البحر المحيط ومن سواحل بحر اليمن ، إلى ثغور أرمينية وأذربيجان فما بين ذلك؟ اللهم العن من لا يستحيي! ومن العجب أن هذا النذل الباقلاني قطع بخلاف الإجماع وقد أجاز مالك لمن قرأ عند أبي حنيفة في إجازته القراءة بالفارسية ، وصرح بأن ترتيب الآيات في القرآن إجماع ، وقد أجاز مالك لمن قرأ عند غروب الشمس وطلوعها فجاءت آية سجدة أن يصل التي قبلها بالتي بعدها ، أفلا يستحي هذا الجاهل من أن يصف في قوله بأن بسم الله الرحمن الرحيم آية من أم القرآن ، وأن داود خالف الإجماع في قوله بإبطال القياس ، أفلا يستحي هذا الجاهل من أن يصف العلماء بصفته مع عظيم جهله بأن عاصما وابن كثير وغيرهما من القراء وطائفة من الصحابة تقول بقول الشافعي الذي جعله خلافا للإجماع ، وأنه لم يأت قط عن أحد من الصحابة إيجاب الحكم بالقياس من طريق تثبت ، وأنه قد قال بإنكاره ابن مسعود ومسروق والشعبي وغيرهم؟ ولكن من يضلل الله فلا هادي له. ومن عجائبه قوله : إن العامي إذا نزلت به

النازلة ففرضه أن يسأل أفقه أهل بلده ، فإذا أفتاه فهو فرضه ، فإن نزلت به تلك النازلة ثانية لم يجز له أن يعمل بتلك الفتيا ، لكن يسأل ثانية إما ذلك الفقيه وإما غيره ، ففرضه أن يعمل بالفتيا الثانية ، وهكذا أبدا.

قال أبو محمد : هذا تكليف ما لا يطاق إذ وجب على كل واحد من العامة أن يسأل أبدا عن كل ما ينوبه في صلاته وصيامه وزكاته ونكاحه وبيوعه ، وتكرار السؤال عن كل ذلك كل يوم بل كل ساعة فهل في الحماقة أكثر من هذا؟ ونعوذ بالله من الخذلان.

ذكر شنع لقوم لا تعرف فرقهم

قال أبو محمد : ادعت طائفة من الصوفية أن في أولياء الله تعالى من هو أفضل من جميع الأنبياء والرسل ، وقالوا : من بلغ الغاية القصوى من الولاية سقطت عنه الشرائع كلها ، من الصلاة والصيام والزكاة وغير ذلك ، وحلت له المحرمات كلها ، من الزّنا والخمر وغير ذلك ، واستباحوا بهذا نساء غيرهم ، وقالوا : إننا نرى الله ونكلمه ، وكل ما قذف في نفوسنا فهو حق. ورأيت لرجل منهم يعرف «بابن شمعون» كلاما نصه أن لله تعالى مائة اسم ، وأن الموفي مائة هو ستة وثلاثون حرفا ، ليس منها في حروف الهجاء شيء إلا واحد فقط ، وبذلك الواحد يصل أهل المقامات إلى الحق. وقال أيضا : أخبرني بعض من رسم لمجالسة الحق أنه مدّ رجله يوما فنودي ما هكذا يجالس الملوك ، فلم يمدّ رجله بعدها ، يعني أنه كان مديما لمجالسة الله تعالى.

وقال أبو حاضر النصيبي من أهل نصيبين ، وأبو الصبّاح السمرقندي وأصحابهما : إن الخلق لم يزالوا مع الله ، وقال أبو الصبّاح : لا تحل ذبائح أهل الكتاب ، وخطّأ فعل أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قتال أهل الردّة ، وصوّب قول الصحابة الذين رجعوا عنه في ترك حربهم. وقال أبو شعيب القلال : إن ربه جسم في صورة إنسان لحم ودم ، ويفرح ويحزن ويمرض ويفيق. وقال بعض الصوفية : إن ربّه يمشي في الأزقة حتى إنه يمشي في صورة مجنون يتبعه الصبيان بالحجارة ، حتى يدموا عقبيه ، فاعلموا رحمكم الله أن هذه كلها كفرات صلع ، وأقوال أقوام يكيدون الإسلام. وصدق القائل :

شهدت بأن ابن المعلم هازل

بأصحابه والباقلاني أهزل

وما جعل الملعون في ذاك دونه

وكلهم في الإفك والكفر منزل

والله ما هم مع المغرورين بهم في قولهم عنهم وحسن الظن بهم ، إلا كما قال الآخر :

وساع مع السلطان يبغي عليهم

ومحترس من مثله وهو حارس

فاعلموا رحمكم الله أن جميع فرق الضلالة لم يجر الله تعالى قط على أيديهم خيرا ، ولا فتح بهم من بلاد الكفر قرية ولا رفع للإسلام راية ، وما زالوا يسعون في قلب

نظام المسلمين ، ويفرقون كلمة المؤمنين ، ويسلّون السيف على أهل الدين ، ويسعون في الأرض مفسدين. أما الخوارج والشيعة : فأمرهم في هذا أشهر من أن يتكلف ذكره ، وما توصلت الباطنية إلى كيد الإسلام وإخراج الضعفاء عنه إلى الكفر إلا على ألسنة الشيعة ، وأما المرجئة فكذلك إلا أن الحارث بن سريج خرج بزعمه منكرا للجور ، ثم لحق بالترك فقادهم إلى أرض الإسلام فأنهب الديار ، وهتك الأستار ، والمعتزلة في سبيل ذلك إلا أنه ابتلي بتقليد بعضهم المعتصم والواثق جهلا ، وظنا أنهم على شيء وكان للمعتصم فتوح محمودة كبابل والمازيار وغيرهم. فالله الله أيها المسلمون تحفظوا بدينكم ، ونحن نجمع لكم بعون الله الكلام في ذلك ، الزموا القرآن وسنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما مضى عليه الصّحابة رضي الله عنهم والتابعون وأصحاب الحديث عصرا عصرا ، الذين طلبوا الأثر فلزموا الأثر ، ودعوا كل محدثة فكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وبالله تعالى التوفيق.

تم الكلام في شنع المبتدعين من أهل الأهواء والنحل المضلة والحمد لله رب العالمين.

المعاني التي يسمّيها اهل الكلام اللطائف ، والكلام

في السحر وفي المعجزات التي فيها إحالة الطبائع

أيجوز وجودها لغير الأنبياء أم لا

قال أبو محمد : ذهب قوم إلى أن السحر قلب للأعيان وإحالة للطبائع ، وأنهم يرون أعين الناس ما لا يرى ، وأجازوا للصالحين على سبيل كرامة الله عزوجل لهم اختراع الأجسام وقلب الأعيان ، وجميع إحالة الطبائع ، وكل معجز للأنبياء عليهم‌السلام ، ورأيت لمحمد بن الطيب الباقلاني : أن الساحر يمشي على الماء على الحقيقة ، وفي الهواء ، ويقلب الإنسان حمارا على الحقيقة ، وأنّ كل هذا موجود من الصالحين على سبيل الكرامة ، وأنه لا فرق بين آيات الأنبياء وبين ما يظهر من الإنسان الفاضل ومن الساحر أصلا إلا بالتحدي ، فإن النبي يتحدى الناس بأن يأتوا بمثل ما جاء هو به ، فلا يقدر أحد على ذلك فقط ، وأن كل ما لم يتحدّ به النبي الناس فليست آية له ، وقطع بأن الله تعالى لا يقدر على إظهار آية على لسان متنبئ كاذب. وذهب أهل الحق إلى أنه لا يقلب أحد عينا ولا يحيل طبيعة إلا الله عزوجل لأنبيائه فقط سواء تحدّوا بذلك أو لم يتحدوا ، وكلّ ذلك آيات لهم عليهم‌السلام تحدّوا بذلك أم لا ، والتّحدي لا معنى له وأنه لا يمكن وجود شيء من ذلك لا لصالح ، ولا لساحر ، ولا لأحد غير الأنبياء عليهم‌السلام ، والله تعالى قادر على إظهار الآيات على أيدي الكذابين المدعين للنبوة ، ولكنه تعالى لا يفعل ذلك كما لا يفعل ما لا يفعل ما لا تريد أن يفعله من سائر ما هو قادر عليه.

قال أبو محمد : وهذا هو الحق الذي لا يجوز غيره ، برهان ذلك قول الله عزوجل : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) [سورة الأنعام : ١١٥]. وقال تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) [سورة البقرة : ٣١]. وقال تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [سورة يس : ٨٢].

فصح أن كل ما في العالم وبما قد رتبه الله عزوجل الرتب التي لا تتبدل ، وصح أن الله عزوجل أوقع كل اسم على مسماه فلا يجوز أن يوقع اسم من تلك

الأسماء على غير مسماه الذي أوقعه الله تعالى عليه ، لأنه كان يكون تبديلا لكلمات الله تعالى التي أبطل عزوجل أن تبدل ، ومنع من أن يكون لها مبدل ، ولو جاز أن تحال صفات مسمّى منها التي بوجودها فيه استحق وقوع ذلك الاسم عليه لوجب أن يسقط عنه ذلك الاسم الذي أوقعه الله تعالى عليه ، فإذ ذلك كذلك فقد وجب أن كل ما في العالم مما قد رتبه الله تعالى على ما هو عليه من فصوله الذاتية وأنواعه وأجناسه ، فلا يتبدل منه شيء قطعا إلا حيث قام البرهان على تبدله ، وليس ذلك إلا على أحد وجهين : إما استحالة معهودة جارية على رتبة واحدة ، وعلى ما بنى الله تعالى عليه العالم من استحالة المني حيوانا والنوى والبذور شجرة ونباتا وسائر الاستحالات المعهودات ، وإما استحالة لم تعهد قط ولا بنى الله تعالى العالم عليها ، وذلك قد صح للأنبياء عليهم‌السلام شواهد لهم على صحة نبوتهم ، وجد ذلك بالمشاهدة ممن شهدهم ، ونقل إلى من لم يشاهدهم بالتواتر الموجب للعلم الضروري ، فوجب الإقرار بذلك وبقي ما عدا أمر الأنبياء عليهم‌السلام على الامتناع فلا يجوز البتة وجود ذلك لا من ساحر ولا من صالح بوجه من الوجوه ، لأنه لم يقم برهان بوجود ذلك ولا صح قط به نقل ، وهو ممتنع في العقل كما قدمنا ، ولو كان ذلك ممكنا لاستوى الممتنع والممكن والواجب ، وبطلت الحقائق كلها ، وأمكن كل ممتنع ، ومن لحق هاهنا لحق بالسوفسطائية على الحقيقة. ونسأل من جوّز ذلك للساحر والفاضل : هل يجوز لكل أحد غير هذين أم لا يجوز إلا لهذين فقط؟ فإن قال إن ذلك لا يجوز إلا للساحر وللفاضل فقط ، وهذا هو قولهم ، سألناهم عن الفرق بين هذين وبين سائر الناس ، ولا سبيل لهم إلى الفرق بين هؤلاء وبين غيرهم إلا بالدعوى التي لا يعجز عنها أحد ، وإن قالوا : إن ذلك جائز أيضا لغير الساحر والفاضل لحقوا بالسوفسطائية حقا ولم يثبتوا حقيقة ، وجاز تصديق من يدعي أنه يصعد إلى السماء ، ويرى الملائكة ، وأنه يكلم الطير ويجتني من شجر الخروب التمر والعناب ، وأن رجالا حملوا وولدوا وسائر التخليط الذي من صار إليه وجب أن يعامل بما هو أهله إن أمكن أو أن يعرض عنه لجنونه وقلة حيائه.

قال أبو محمد : لا فرق بين من ادعى شيئا مما ذكرنا لفاضل وبين دعوى الرافضة ردّ الشمس على عليّ بن أبي طالب مرتين حتى ادّعى بعضهم أن حبيب بن أوس (١) قال :

__________________

(١) هو أبو تمام. وانظر الأبيات في ديوانه (٢ / ٣١٩) بشرح الخطيب التبريزي.

فردّت علينا الشّمس واللّيل راغم

بشمس لهم من جانب الخدر تطلع

فضا ضوؤها صبغ الدّجنّة فانطوى

لبهجتها ثوب السّماء المجزّع

فو الله ما أدري أأحلام نائم

ألمت بنا أم كان في الركب يوشع؟

وكذلك دعوى النصارى لرهبانهم وقدمائهم فإنهم يدعون لهم من قلب الأعيان أضعاف ما يدعيه هؤلاء ، وكذلك دعوى اليهود لأحبارهم ورءوس المثايب عندهم أن رجلا منهم رحل من بغداد إلى قرطبة في يوم واحد ، وأنه أنبت قرنين في رأس رجل مسلم من بني الاسكندراني كان يسكن بقرطبة عند باب اليهود. وهذا كله باطل موضوع وبنو الاسكندراني كانوا أقواما أشرافا معروفين لم يعرف لأحد منهم شيء من هذا ، والحماقة لا حدّ لها ، وهذا برهان كاف لمن نصح نفسه.

قال أبو محمد : وأما السحر فإنه ضروب منه ما هو من قبل الكواكب ، كالطابع المنقوش فيه صورة عقرب في وقت كون القمر في العقرب فينتفع إمساكه من لدغة العقرب ، ومن هذا الباب كانت الطلسمات ، وليست إحالة طبيعة ولا قلب عين ، ولكنه قوى ركبها الله عزوجل مدافعة لقوى أخرى كدفع الحر للبرد ، ودفع البرد للحر ، وكقتل القمر للدابة الدابرة الدبرة ، إذا لاقى الدبرة ضوءه إذا كانت دبرتها مكشوفة للقمر. ولا يمكن دفع الطلسمات لأننا قد شاهدنا آنفا آثارها ظاهرة إلى الآن من قرى لا تدخلها جرادة ولا يقع فيها برد وكسر قسطه التي لا يدخلها جيش إلا أن يدخلها كرها ، وغير ذلك كثير جدّا لا ينكره إلا معاند ، وهي أعمال قد ذهب من كان يحسنها جملة ، وانقطع من العالم ، ولم يبق إلا آثار صناعاتهم فقط. ومن هذا الباب كان ما تذكرة الأوائل في كتبهم في الموسيقا ، وأنه كان يؤلف به بين الطبائع ، وينافر به أيضا بينها ، ونوع آخر من السحر يكون بالرّقى وهو كلام مجمع من حروف مقطعة في طوالع معروفة أيضا ، فيحدث لذلك التركيب قوة تستثار بها الطبائع وتدافع قوى أخرى. وقد شاهدنا واختبرنا من كان يرقي الدمل الحادّ القويّ الظهور في أول ظهوره فييبس بدأ من يومه ذلك بالذبول ويتم يبسه في اليوم الثالث ، ويقلع كما تقلع قشرة القرحة إذا تم يبسها ، جربنا من ذلك ما لا نحصيه ، وكانت هذه المرأة ترقي أحد دملين قد دفعا على إنسان واحد ولا ترقي الثاني فييبس الذي رقت ويتم ظهور الذي لم ترق ، ويلقى حامله منه الأذى الشديد ، وشاهدنا من كان يرقي الورم المعروف بالخنازير فيندمل ما يفتح منها ويذبل ما لم ينفتح ويبرأ كل ذلك البرء التام ، كان لا يزال يفعل ذلك في الناس والدواب ، ومثل هذا كثير جدّا ، وقد أخبرنا من خبره عندنا كمشاهدتنا لثقته

وتجربتنا لصدقه وفضله ، أنه شاهد ما لا يحصي نساء يتكلمن على الذين يمخضون الزبد من اللبن بكلام فلا يخرج من ذلك اللبن زبد ولا فرق بين هذين الوجهين وبين ملاقاة فضلة الصفراء بالسقمونيا ، وملاقاة ضعف القلب بالكندر ، وكل هذه المعاني جارية على رتبة واحدة ، من طلب علم كل ذلك أدركه ، ومنه ما يكون بالخاصة كالحجر الجاذب للحديد وما أشبه ذلك ، ومنه ما يكون لطف يد كحيل أبي العجائب التي شاهدها الناس ، وهي أعمال لطيفة لا تحيل طبعا أصلا.

قال أبو محمد : وكل هذه الوجوه التي ذكرنا ليست من باب معجزات الأنبياء عليهم‌السلام ، ولا من باب ما يدعيه أهل الكذب للسحرة وللصالحين ، لأن معجزات الأنبياء خارجة عن الرتب وعن طبائع كل ما في العالم وعن بنية العالم ، لا يجري شيء من ذلك على قانون ، ولا على سنن معلوم ، لكن قلب عين وإحالة صفات ذاتية كشق القمر ، وفلق البحر ، واختراع طعام وماء ، وقلب العصا حية ، وإحياء ميت قد أرم ، وإخراج ناقة من صخرة ، ومنع الناس من أن يتكلموا بكلام مذكور ومن أن يأتوا بمثله ، وما أشبه هذا من إحالة الصفات الذاتية ، التي بوجودها تستحق الأسماء ومنها تقوم الحدود ، وهذا بعينه هو الذي يدعيه المبطلون للساحر وللفاضل.

قال أبو محمد : وإنما يلوح الفرق جدا بين هذين السبيلين لأهل العلم بحدود الأسماء والمسميات ، وبطبائع العالم وانقسامه من مبدئه من أجناس أجناسه إلى أنواعه إلى أشخاصه وما هو من أعراضه ذاتي وما هو منها غيري وما تسرع الاستحالة والزوال من الغيري منها وما يبطئ زواله منها ، وما يثبت منها ثبات الذاتي وإن لم يكن ذاتيا ، والفرق بين البرهان وبين ما يظن أنه برهان وليس برهانا. والحمد لله على ما وهب وأنعم به علينا لا إله إلا هو.

حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا أحمد بن عبد البصير ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشيباني ، عن بشير بن عمرو قال : ذكر الغيلان عند عمر بن الخطاب فقالوا إنهم يتحولون فقال عمر : إنه ليس أحد يتحول عن خلقه الذي خلق له لكن لهم سحرة كسحرتكم فإذا خشيتم شيئا من ذلك فأذّنوا. فهذا عمر رضي الله عنه يبطل إحالة الطبائع ، ويقول : إن السحر ليس فيه إحالة طبع ، وهذا نص قولنا ، والحمد لله رب العالمين كثيرا. وقد نص الله عزوجل على ما قلنا فقال تعالى : (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) [سورة طه : ٦٦]. فأخبر تعالى أن عمل أولئك السحرة إنما كان تخيلا لا حقيقة له. وقال تعالى : (إِنَّما صَنَعُوا

كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) [سورة طه : ٦٩]. فأخبر تعالى أنه كيد لا حقيقة له.

فإن قيل : قد قال عزوجل : (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) [سورة الأعراف : ١١٦].

قلنا : نعم إنها حيل عظيمة وإثم عظيم ، إذ قصدوا بها معارضة معجزات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنهم كادوا عيون الناس إذ أوهموهم أن تلك الحبال والعصي تسعى ، واتفقت الآيات كلها والحمد لله رب العالمين. وكان الذي قدر من لا يدري حيلهم من أنها تسعى ظنا أصله اليقين وذلك لأنهم رأوا صفات حيّات رقط طوال تضطرب ، فسارعوا إلى الظن ، وقدروا أنها ذات حيات ، ولو أنعموا النظر وفتشوها لوقفوا على الحيلة فيها ، وأنها ملئت زئبقا ولد فيها تلك الحركات ، كما يفعل العجائبي الذي يضرب بسكينه في جسم إنسان ، فيظن من رآه ممن لا يدري حيله أن السكين غاصت في جسم المضروب ، وليس كذلك بل كان نصاب السكّين مثقوبا فقط ، فغاصت السكين في النصاب ، وكإدخاله خيطا في حلقة خاتم ، ثم يمسك إنسان غير متهم طرفي الخيط بيديه ، ثم يأخذ العجائبي الخاتم الذي فيه الخيط بفيه ، وفي ذلك المقام أدخله تحت يده وكان في فيه خاتم آخر يرى من حضر حلقة الخاتم الذي في فيه يوهمهم أنه قد أخرجه من الخيط ، ثم يرد فمه إلى الخيط ويرفع يديه وفيه فينظر الخاتم الذي كان فيه الخيط ، وكذلك سائر حيلهم ، وقد وقفنا على جميعها ، فهذا هو معنى قوله تعالى : (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ). أي أنهم أوهموا الناس فيما رأوه ظنونا متوهمة لا حقيقة لها ، ولو فتشوها للاح لهم الحق. وكذلك قول الله عزوجل : (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) [سورة البقرة : ١٠٢] فهذا أمره ممكن يفعله النّمام وكذلك ما روي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سحره لبيد بن الأعصم ، فولّد ذلك عليه مرضا حتى كان يظن أنه فعل الشيء وهو لم يفعله (١) ، فليس في هذا أيضا إحالة طبيعة ، ولا قلب عين ، وإنما هو تأثير بقوة لتلك الصناعة ، كما قلنا في الطلسمات

__________________

(١) نصّ الحديث كما رواه البخاري في كتاب الطب (باب ٤٧ ، حديث رقم ٧٥٦٣) عن عائشة رضي الله عنها قالت : سحر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم ، حتى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخيّل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله ، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو؟؟؟ لكنه دعا ودعا ، ثم قال : «يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي ...» الحديث ، وهو طويل.

والرقى ولا فرق. ونحن نجد الإنسان يسبّ أو يقابل بحركة يغضب منها ، فيستحيل من الحلم إلى الطيش وعن السكون إلى الحركة والنزق حتى يقارب حال المجانين ، وربما أمرضه ذلك وقد قال عليه‌السلام : «إنّ من البيان لسحرا» (١) لأن من البيان ما يؤثر في النفس فيثيرها أو يسكنها عن ثوراتها ، ويحيلها عن عزماتها ، وعلى هذا المعنى استعملت الشعراء ذكر سحر العيون ، لاستمالتها للنفوس فقط.

قال أبو محمد : ويقال لمن قال إن السحر يحيل الأعيان ويقلب الطبائع : أخبرونا إذا جاز هذا فأي فرق بين النبي والساحر؟ ولعل جميع الأنبياء كانوا سحرة ، كما قال فرعون عن موسى عليه‌السلام (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) [سورة طه : ٧١] و (إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها) [سورة الأعراف : ١٢٣]. وإذا جاز أن يقلب سحرة موسى عليه‌السلام عصيهم وحبالهم حيات ، وقلب موسى عليه‌السلام عصاه حيّة ، وكان كلا الأمرين حقيقة ، فقد صدق فرعون بلا شك في أنه ساحر مثلهم ، إلا أنه أعلم به منهم فقط ، وحاشا لله من هذا بل ما كان فعل السحرة إلا من حيل أبي العجائب فقط. فإن لجئوا إلى ما ذكره الباقلاني من التحدّي قيل لهم : هذا باطل من وجوه : أحدها أن اشتراط التحدّي في كون آية النبي آية دعوى كاذبة سخيفة لا دليل على صحتها ، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ولا من إجماع ولا من قول صاحب ولا من حجة عقل ، ولا قال بهذا أحد قط قول هذه الفرقة الضعيفة ، وما كان هكذا فهو في غاية السقوط والهجنة. قال الله عزوجل : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سورة النمل : ٦٤]. فوجب ضرورة أن من لا برهان له على صحة قوله فهو كاذب فيها غير صادق.

وثانيها : أنه لو كان ما قالوا : لسقطت أكثر آيات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كنبعان الماء من بين أصابعه ، وإطعامه المئين والعشرات من صاع شعير ، وعناق ، ومرة أخرى من كسر ملفوفة في خمار ، وكتفله في العين فجاشت بماء غزير إلى اليوم ، وحنين الجذع ، وتكلم الذراع وشكوى البعير والذئب ، والإخبار بالغيوب ، وتمر جابر ، وسائر معجزاته العظام ، لأنه عليه‌السلام لم يتحدّ بذلك كله أحدا ولا عمله إلا بحضرة أهل اليقين من

__________________

(١) رواه البخاري في الطب باب ٥١ (في الترجمة) والنكاح باب ٤٧. ومسلم في الجمعة حديث ٤٧. وأبو داود في الأدب باب ٨٦ ، و ٨٧. والترمذي في البر والصلة باب ٧٩. والدارمي في الصلاة باب ١٩٩. ومالك في الكلام حديث ٧. وأحمد في المسند (١ / ٢٦٩ ، ٢٧٩ ، ٣٠٣ ، ٣٠٩ ، ٣١٣ ، ٣٢٧ ، ٣٣٢ ، ٣٩٧ ، ٤٥٤ ، ٢ / ١٦ ، ٥٩ ، ٦٢ ، ٩٤ ، ٣ / ٤٧٠ ، ٤ / ٢٦٣).

أصحابه رضي الله عنهم ، ولم يبق له آية حاشى القرآن ، ودعاء اليهود إلى تمني الموت ، وشق القمر فقط ، وكفى نحسا بقول أدى إلى مثل هذا. فإن ادّعوا أنه عليه‌السلام تحدّى بها من حضر وغاب كذبوا واخترعوا هذه الدعوى لأنه لم يأت في شيء من تلك الأخبار أنه تحدّى بها أحدا ، وإن تمادوا على أن كل هذه ليست معجزات ولا آيات أكذبهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله إذ فعل بعض ذلك : أشهد أني رسول الله.

والثالث وهو البرهان الدامغ : قول الله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) [سورة الأنعام : ١٠٩]. وقوله : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) [سورة الإسراء : ٥٩].

فسمى الله تعالى تلك المعجزات المطلوبة من الأنبياء عليهم‌السلام آيات ، ولم يشترط عزوجل في ذلك تحديا من غيره ، فصح أن اشترط التّحدّي باطل محض ، وصح أنها إذا ظهرت فهي آية كان هنالك تحدّ أو لم يكن ، وقد صح إجماع الأمة المتيقن على أن الآيات لا يأتي بها ساحر ، ولا غير نبي ، فصح أن المعجزات إذ هي آيات لا تكون لساحر ولا لأحد ليس نبيا.

والرابع : أنه لو صح حكم التحدي لكان حجة عليه ، لأن التحدي عندهم يوجب أن لا يقدر على شيء مثل ذلك أحد ، إذ لو أمكن أن يوجد مثل ذلك من أحد لكان قد بطل تحديه وقيل له قد وجد من يعمل مثل عملك هذا ، إما صالح وإما ساحر.

والخامس : أنه لو كان ما قالوا ، وجاز ظهور معجزة من ساحر لا يتحدى بها ، أو فاضل لا يتحدى بها ، لأمكن أن يتحدى لهما بها بعد موتهما من ضل فيهما ، كما فعلت الغلاة بعليّ رضي الله عنه فعلى كل حال قولهم ساقط والحمد لله رب العالمين.

قال أبو محمد : وأما من ادعى أنه يشبه الساحر على العيون فيريهم ما لا ترى فإن هذه الطائفة لم تكتف بالكفر بإبطال النبوات ، إذ لعل ما أتى به النبي كان تشبيها على العيون لا حقيقة له حتى رامت إبطال الحقائق كلّها ، أوّلها عن آخرها ، ولحقت بالسوفسطائية لحاقا صحيحا بلا تكلف ، ويقال لهم : إذا جاز أن يشبّه على العيون حتى يريها المشبه عليها ما لا حقيقة له وما لا تراه ، فما يدريكم لعلكم كلكم الآن مشبّه عليكم ، ولعل بعض السحرة قد شبه عليكم فأراكم أنكم تتوضئون وتصلون ، وأنتم لا تفعلون شيئا من ذلك ، ولعلكم تظنون أنكم تزوجتم وإنما في بيوتكم ضأن ومعز وبقر ، ولعلكم الآن على ظهر البحر ، ولعل ما تعتقدون من الدين تشبيه عليكم؟ وهذا كلّه لا

مخلص لهم منه ، وقد عاب الله عزوجل من ذهب إلى هذا فقال : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) [سورة الحجر : ١٥] فلو جاز أن يكون للسحر حقيقة تشبه ما يأتي به الأنبياء عليهم‌السلام وأمكن أن يشبه على البصر ، ما ذمّهم الله تعالى إن قالوا شيئا يمكن كونه ، لكنهم لما قالوا ما لا يمكن البتة وتعلقوا بذلك في دفع الحقائق ، عابهم الله تعالى بذلك وأنكر عليهم.

قال أبو محمد : وليس غلط الحواس في بعض الأوقات من باب التشبيه عليها في شيء ، لأن أحدنا قد يرى شخصا على بعد لا يشك فيه إلا أنه تنازع فقطع أنه إنسان أو أنه فلان فقطع بظنه ، ولو أنه لم يعمل ظنه ولا قطع به لكان باقيا على ما أدرك من الحقيقة ، وهكذا في كل ما حكم فيه المرء بظنه ، وأما ذو الآفة كمن فيه ابتداء نزول الماء فيرى خيالات لا حقيقة لها فهو أيضا كما ذكرنا دائما ، وإنما الماء المطل على حدقته يوهمه أنه رأى شيئا وقطع بذلك ، فإذا ثبت في كل ذلك لاح له الحق من الظن ، وكذلك من فسد مكان التخيل من دماغه ، فإن نفسه تظن ما تتوهمه فتقطع به ، ولو قوي تمييزها لفرقت بين الحق والباطل ، وهكذا القول في إدراك السمع والذوق وهذا كله يجري على رتب مختلفة ممن أعمل ظنه ، وعلى رتب غير مختلفة في حمل هذه الآفات ، بل هي ثابتة عند أهل التحقيق والمعرفة معروفة العلاج ، حتى يعود منها إلى صلاحه ما لم يستحكم فساده ، فلا يظن ظان أنه يمكن أن نكون في مثل حال هؤلاء إذ لو كان هذا لم نعرف شيئا من العلوم على رتبه وأحكامه الجارية على سنن واحد. وبالله تعالى التوفيق.

ثم نسألهم : بأي شيء تعرفون أنه لم يشبه على عيونكم؟ فقد عرفناكم نحن بما ذا نعرف أن حواسنا سليمة ما دامت سليمة ، وأن عقولنا سالمة ما دامت سالمة ، وبما ذا نعرف الحواس المدخولة والعقول المدخولة ، وغير المدخولة؟ وهو جري ما أدرك بالحواس السليمة والعقول السليمة على رتب محدودة معلومة لا تتبدل عن حدودها أبدا ، وجري ما أدرك بالحواس الفاسدة والعقول المدخولة على غير رتب محدودة ، فإنهم لا يقدرون على فرق أصلا ، وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : وكذلك ما ذكر عمن ليس نبيا من قلب عين أو إحالة طبيعة فهو كذب إلا ما وجد من ذلك في عصر نبي فإنه آية لذلك النبي وذلك الذي ظهرت عليه آية ، بمنزلة الجذع الذي ظهر فيه الحنين ، والذراع الذي ظهر فيه النطق ، والعصا

التي ظهرت فيها الحياة. وسواء كان الذي ظهرت فيه الآية صالحا أو فاسقا ، وذلك كنحو النور الذي ظهر في سوط عمرو بن حممة الدوسي ، وبرهان ذلك أنه لم يظهر بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال أبو محمد : فإن قيل : إذا أجزتم أن تظهر المعجزة في غير نبي لكن في عصر نبي لتكون آية لذلك النبي ، فهلا أجزتموه كذلك بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لتكون آية له أيضا ، ولا فرق بين الأمرين؟ قلنا : إنما أجزنا ذلك في الجماد وسائر الحيوان ، وفيمن شاء الله إظهار ذلك فيه من الناس لا يخصّ بذلك فاضل لفضله ، ولا يمنع ذلك في فاسق لفسقه ، أو كافر ، وإنما ننكر على من خص بذلك الفاضل فجعلها كرامة له ، فلو جاز ذلك بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأشكل الأمر ، ولم نكن في أمن من دعوى من ادّعى أنها آية لذلك الفاضل أو لذلك الفاسق ، أو لإنسان من الناس يدعيها آية له ، ولو كان ذلك لكان إشكالا في الدّين وتلبيسا من الله تعالى على جميع عباده ، أوّلهم عن آخرهم ، وهذا خلاف وعد الله تعالى لنا وإخباره بأنه قد بين علينا الرشد من الغيّ ، وليس كذلك ما كان في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه لا يكون إلا من قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبإخباره وإنذاره ، فبدت بذلك أنها له لا للذي ظهرت منه ، وهذا في غاية البيان والحمد لله رب العالمين.

قال أبو محمد : وأما الذي روي في الثلاثة أصحاب الغار وانفراج الصّخرة ثلثا ثلثا عند ما ذكروا من أعمالهم فلا تعلق لهم به ، لأن تكسير الصخرة ممكن في كل وقت ولكل أحد بلا إعجاز ، وما كان هكذا فجائز وجوده بالدعاء ، وبغير الدّعاء ، لكن وقع وفاقا لتمنّيه كمن دعا في موت عدوه أو تفريج غمّه أو بلوغ أمنيته في دنياه ، ولقد حدثني حكم بن منذر بن سعيد ، أن أباه رحمه‌الله كان في جماعة في سفر في صحراء فعطشوا وأيقنوا بالهلكة ، ونزلوا في ظل جبل ينتظرون الموت. قال : فأسندت رأسي إلى حجر ناتئ فتأذيت به فقلعته فاندفع الماء العذب من تحته ، فشربنا وتزودنا ، ومثل هذا كثير مما يفرج ، وحتى لو كانت معجزة لوجب بلا شك أن يكونوا أنبياء أو لنبي ممن في زمن نبي ، ولا بد مما قدمناه.

قال أبو محمد : ولا عجب أعجب من قول من يجيز قلب الأعيان للساحر ، وهو عندهم فاسق أو كافر ، ويجيز مثل ذلك للصالح وللنبي ، فقد جاز عندهم قلب الأعيان للنبي ، وللصالح ، وللفاسق ، وللكافر ، فوجب أن قلب الأعيان جائز من كل أحد وتبا لقول أدى إلى مثل هذا. وهم يجيزون للمغيرة بن سعيد وبيان ومنصور الكشف قلب الأعيان ، على سبيل السحر ، وقد جاء بعدهم من يدعي لهم النبوة بها ، فاستوى عند هؤلاء المخذولين النبي والساحر ، نعوذ بالله من الضلال المبين.

قال أبو محمد : فإن اعترضوا بقول الله تعالى : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [سورة غافر : ٦٠] وبقوله تعالى : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) [سورة البقرة : ١٨٦]. فهذا حق وإنما هو بلا شك في الممكنات التي علم الله تعالى أنها تكون لا فيما علم الله تعالى أنه لا يكون ولا في المحال. ونسألهم عمن دعا إلى الله تعالى في أن يجعله نبيا أو في أن ينسخ دين الإسلام ، أو بأن يعجل القيامة قبل وقتها ، أو أن يمسخ الناس كلهم قردة أو بأن يجعل له عينا ثالثة ، أو بأن يدخل الكفار الجنة والمؤمنين النار ، أو ما أشبه هذا ، فإن أجازوا كل هذا كفروا ، ولحقوا مع كفرهم بالمجانين ، وإن منعوا من كل هذا تركوا استدلالهم بالآيات المذكورة ، وصحّ أن الإجابة إنما تكون في خاصّ من الدعاء لا في العموم وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : وصح أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأسامة وخالد : «هلّا شققت على قلبه لتعلم أقالها متعوذا أم لا؟» (١).

قال أبو محمد : فلو جاز ظهور المعجزة على غير نبي على سبيل الكرامة ، لوجب القطع على ما في قلبه وأنه وليّ الله تعالى ، وهذا لا يعلم من أحد بعد الصحابة رضي الله عنهم الذين ورد فيهم النص.

وأما قول الباقلاني إن الله تعالى لا يقدر على إظهار آية على يد كذاب ، فهو داخل في جملة تعجيزه الباري تعالى ، وهو أيضا تعجيز سخيف داخل في جملة المحال ، ذلك أنه جعل الله تعالى قادرا على إظهار الآيات على كل ساحر ، فإن علم أنه يقول إنه نبي لم يقدر على أن يظهرها عليه ، وهذا قول في غاية الفساد ، لأن من قدر على شيء لم يجز أن يبطل قوته عليه علمه بأن ذلك الذي يظهر فيه الفعل يقول أنا نبي ، ولا يتوهم هذا ولا يتشكل في العقل ولا يمكن البتة ، وإنما هم قوم أهملوا

__________________

(١) رواه مسلم في الإيمان حديث ١٥٨ ، وأبو داود في الجهاد باب ٩٥ ، وابن ماجة في الفتن باب ١ ، وأحمد في المسند (٤ / ٤٣٩ ، ٥ / ٢٠٧) ، ولفظ الحديث عند مسلم : عن أسامة بن زيد قال : بعثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سريّة ، فصبّحنا الحرقات من جهينة ، فأدركت رجلا فقال : لا إله إلا الله فطعنته ، فوقع في نفسي من ذلك ، فذكرته للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أقال لا إله إلّا الله وقتلته؟» قال : قلت : يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح. قال : «أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟». فما زال يكرّرها عليّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ. قال : فقال سعد : وأنا والله لا أقتل مسلما حتى يقتله ذو البطين ـ يعني أسامة. قال : قال رجل : ألم يقل الله : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كلّه لله؟ فقال سعد : قد قاتلنا حتى لا تكون فتنة ، وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة.

حكم الله تعالى عليهم ، وأطلقوا حكمهم عليه تعالى ، وما في الكفر أقبح من هذا ولا أطم ولا أبرد.

قال أبو محمد : ورأيت للباقلاني في فصل من كلامه أن الناس ليسوا عاجزين عن مثل القرآن ولا قادرين عليه ، ولا هم عاجزون عن الصعود إلى السماء ، ولا عن إحياء الموتى ، ولا عن خلق الأجسام ولا اختراعها ولا قادرين على ذلك. هذا نص كلامه دون تأويل منا عليه ثم قال إن القدرة لا تقع إلا حين يقع العجز.

قال أبو محمد : وكل هذا هوس لا يأتي به إلا الممرور ، وأطم من ذلك احتجاجه بأن العجز لا يقع إلا حيث تقع القدرة ، ولا تدري في أيّ لغة وجدوا هذا الكذب أم في أي عقل وجدوا هذا السخف ، وما شك ذو علم باللغة من العامة والخاصة في بطلان قوله ، وفي أن العجز ضد القدرة ، وأن ما قدر الإنسان عليه فلم يعجز عنه في حين قدرته عليه ، وأن ما عجز عنه فلم يقدر عليه في حين عجزه عنه ، وأنّ نفي القدرة إثبات للعجز وأنّ نفي العجز إثبات للقدرة ، ما يجهل هذا عاميّ أصلا ، وهو أيضا معروف بأول العقل. والعجب أن يأتي بمثل هذه الدعاوى السخيفة دون دليل أصلا ، لكن حماقات وضلالات يطلقها هذا الجاهل وأمثاله من الفسّاق في دين الله تعالى فيتلقفها عنهم من أضله الله تعالى ، ونعوذ بالله من الخذلان. وقد قال الله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) [سورة التوبة : ٢].

فاقتضى هذا أنّهم مقدور عليهم لله تعالى. وقال تعالى : (فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ) [سورة الأحقاف : ٣٢].

فوجب أنه مقدور عليه. وقال تعالى : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [سورة البقرة : ٢٨٤] فصح أنه غير عاجز وبالله تعالى التوفيق.

الكلام في الجن ووسوسة الشيطان وفعله في المصروع

قال أبو محمد : لم ندرك بالحواس ولا علمنا وجوب كونهم ولا وجوب امتناع كونهم في العالم أيضا بضرورة العقل لكن علمنا بضرورة العقل إمكان كونهم ، لأن قدرة الله تعالى لا نهاية لها وهو عزوجل يخلق ما يشاء ، ولا فرق بين أن يخلق خلقا عنصرهم التراب والماء ، فيسكنهم الأرض والهواء والماء ، وبين أن يخلق خلقا عنصرهم النار والهواء ، فيسكنهم الهواء والنار والأرض ، بل كل ذلك سواء ممكن في قدرته ، لكن لما أخبرت الرسل الذين شهد الله عزوجل بصدقهم بما أبدى على أيديهم من المعجزات المحيلة للطبائع بنص الله عزوجل على وجود الجن في العالم ، وجب ضرورة العلم بخلقهم ووجودهم ، وقد جاء النص بذلك وبأنهم أمة عاقلة مميزة متعبدة ، موعودة متوعدة متناسلة يموتون ، وأجمع المسلمون كلهم على ذلك ، نعم والنصارى ، والمجوس والصّابئون وأكثر اليهود حاشى السامرة فقط ، فمن أنكر الجن أو تأول فيهم تأويلا يخرجهم به عن هذا الظاهر فهو كافر مشرك حلال الدم والمال ، قال الله تعالى : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي) [سورة الكهف : ٥٠].

قال أبو محمد : وهم يروننا ولا نراهم. قال الله تعالى : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) [سورة الأعراف : ٢٧].

فصح أن الجن قبيل إبليس ، قال تعالى : (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ) [سورة الكهف : ٥٠].

قال أبو محمد : وإذ أخبرنا الله عزوجل أننا لا نراهم فمن ادعى أنه يراهم أو رآهم فهو كاذب ، إلا أن يكون من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فذلك معجزة لهم كما نص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه تفلّت عليه شيطان ليقطع عليه صلاته ، قال «فأخذته فذكرت دعوة أخي سليمان ولو لا ذلك لأصبح موثقا يراه أهل المدينة» (١) أو كما

__________________

(١) رواه من حديث أبي هريرة البخاري في الصلاة باب ٧٥ ، وأحاديث الأنبياء باب ٤٠ ، وتفسير سورة ٣٨ باب ٢. وأحمد في المسند (٢ / ٢٩٨).

قال عليه‌السلام ، وكذلك في رواية عن أبي هريرة للذي رأى أنها هي معجزة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ولا سبيل إلى وجود خبر يصح برؤية حتى بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإنما هي منقطعات أو عمن لا خير فيه.

قال أبو محمد : وهم أجسام رقاق صافية هوائية لا ألوان لهم وعنصرهم النار ، كما أن عنصرنا التراب ، بذلك جاء القرآن قال عزوجل : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) [سورة الحجر : ٢٧]. والنار والهواء عنصران لا لون لهما ، وإنّما حدث اللون في النار المشتعلة عندنا لامتزاجها برطوبات ما تشتعل فيه من الحطب والكتان والأدهان وغير ذلك ، ولو كانت لهم ألوان لرأيناهم بحاسة البصر ، ولو لم يكونوا أجساما صافية رقاقا هوائية لأدركناهم بحاسة اللّمس. وصح النص بأنهم يوسوسون في صدور الناس ، وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم (١) ، فوجب التّصديق بكل ذلك حقيقة ، وعلمنا أنّ الله عزوجل جعل لهم قوة يتوصلون بها إلى قذف ما يوسوسون به في النفوس ، برهان ذلك قول الله تعالى : (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [سورة الناس : ٤ ـ ٦].

وأخبر عزوجل أن الجن والناس يوسوسون في صدور الناس ونحن نشاهد الإنسان يرى من له عنده ثأر فيضطرب وتتبدل أعراضه وصورته وأخلاقه وتثور ناريته ، ويرى من يحب فيحدث له حال أخرى ويبتهج وينشط ، ويرى من يخاف فتحدث له حال أخرى ، من صفرة ورعشة وضعف نفس ، ويشير إلى إنسان آخر بإشارات يحيل بها طبائعه فيغضبه مرة ، ويخجله أخرى ، ويفزعه ثالثة ، ويرضيه رابعة ، وكذلك يحيله أيضا بالكلام إلى جميع هذه الأحوال ، فعلمنا أن الله عزوجل جعل للجن قوى يتوصلون بها إلى تغيير النفوس ، والقذف فيها بما يستدعونها إليه ، نعوذ بالله من الشيطان الرجيم ووسوسته ، ومن شرار الناس ، وعلى هذا جريه من ابن آدم مجرى الدم ، كما قال الشاعر :

وقد كنت أجري في حشاهن مرة

كجري معين الماء في قصب الآس

قال أبو محمد : وأما الصرع فإن الله عزوجل قال : (الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) [سورة البقرة : ٢٧٥] فذكر عزوجل أن تأثير الشيطان في المصروع إنما

__________________

(١) رواه البخاري في الأحكام باب ٢١ ، وبدء الخلق باب ١١ ، والاعتكاف باب ١١ و ١٢. وأبو داود في الصوم باب ٧٨ ، والسنة باب ١٧ ، والأدب باب ٨١. وابن ماجة في الصيام باب ٦٥. والدارمي في الرقاق باب ١٦. وأحمد في المسند (٣ / ١٥٦ ، ٢٨٥ ، ٣٠٩ ، ٦ / ٣٣٧).

هو بالمماسّة. فلا يجوز لأحد أن يزيد على ذلك شيئا ومن زاد على هذا شيئا فقد قفا ما لا علم له به وهو حرام لا يحل ، قال عزوجل : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [سورة الإسراء : ٣٦]. وهذه أمور لا يمكن أن تعرف البتة إلا بخبر صحيح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا خبر عنه عليه‌السلام بغير ما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق. فصح أن الشيطان يمس الإنسان الذي يسلطه الله عزوجل عليه مسّا كما جاء في القرآن ، ويثير به من طبائعه السوداء والأبخرة المتصاعدة إلى الدماغ كما يخبر به عن نفسه كل مصروع بلا خلاف ، فيحدث الله عزوجل له الصرع والتخبط حينئذ كما نشاهده ، وهذا هو نص القرآن وما توجبه المشاهدة ، وما زاد على هذا فخرافات من توليد العزّامين والكذابين وبالله تعالى نتأيد.

وأما قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الشّمس تطلع ومعها قرن الشّيطان ، فإذا ارتفعت فارقها ، فإذا استوت قارنها ، فإذا زالت فارقها وإذا جنحت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها» ونهى عن الصلاة في هذه الأوقات (١).

أو كما قال عليه‌السلام مما هذا معناه بلا شك. فقد قلنا إنه عليه‌السلام لا يقول إلا بالحق وأن كلامه كله على ظاهره ، إلا أن يأتي نص بأنّ هذا النص ليس على ظاهره فنسمع ونطيع ، أو يقوم بذلك برهان من ضرورة حسّ ، أو أول عقل ، فنعلم أنه عليه‌السلام إنما أراد ما قد قام بصحته البرهان لا يجوز غير ذلك. وقد علمنا يقينا أن الشمس في كل دقيقة طالعة على أفق من الآفاق ، مرتفعة على آخر ، مستوية على ثالث ، زائلة عن رابع ، جانحة للغروب على خامس ، غاربة على سادس.

هذا ما لا شك فيه عند كل ذي علم بالهيئة ، فإذ ذلك كذلك فقد صح يقينا أنه عليه‌السلام إنما عنى بذلك أفقا ما دون سائر الآفاق لا يجوز غير ذلك ، إذ لو أراد كل أفق لكان الإخبار بأنه يفارقها كذبا ، وحاشى له من ذلك ، فإذ لا شك في هذا كله فلا مرية في أنه عليه‌السلام إنما عنى به أفق المدينة ، وهو الأفق الذي أخبر أهله بهذا الخبر ، فأنبأهم بما يقارن الشمس في تلك الأحوال وما يفارقها من الشيطان ، والله عزوجل أعلم بذلك القرن ما هو ، لا نزيد على هذا إذ لا بيان عندنا فيما بينه. إلا أنه ليس شيء من ذلك بممتنع أصلا ، فصح بما ذكرنا أن أول الخبر خاص كما وصفنا ،

__________________

(١) رواه النسائي في المواقيت باب ٣١. وابن ماجة في الإقامة باب ١٤٨. ومالك في القرآن (حديث ٤٤). وأحمد في المسند (٤ / ٣٤٨ ، ٣٤٩).

وأن نهيه عليه‌السلام عن الصلاة في تلك الأوقات قضية أخرى وقضية ثانية وحكم غير الأول ، فهو على عمومه في كل زمان وكل مكان ، إلا ما قام البرهان على تخصيصه من هذا الحكم بنص آخر كما بينا في غير هذا الكتاب في كتب الصلاة من تواليفنا والحمد لله رب العالمين كثيرا.

الكلام في الطبائع

قال أبو محمد : ذهبت الأشعرية إلى إنكار الطبائع جملة ، وقالوا : ليس في النار حرّ ولا في الثلج برد ، ولا في العالم طبيعة أصلا ، وقالوا : إنما حدث حرّ النار جملة وبرد الثلج عند الملامسة. قالوا : ولا في الخمر طبيعة إسكار ، ولا في المنيّ قوة يحدث بها ما يحدث منه ، ولكن الله تعالى يخلق منه ما شاء ، وقد كان ممكنا أن يحدث من منيّ الرجل جمل ، ومن منيّ الحمار إنسان ، ومن زريعة الكرم نخل.

قال أبو محمد : ما نعلم لهم حجة شغبوا بها في هذا الهوس أصلا ، وقد ناظرت بعضهم في ذلك فقلت له : إن للغة التي نزل بها القرآن تبطل قولكم لأن من لغة العرب القديمة ذكر الطبيعة والخليقة والسليقة ، والنحيزة ، والغريزة والسجية والشيمة ، والجبلة ، ولا يشك ذو علم في أن هذه الألفاظ استعملت في الجاهلية ، وسمعها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم ينكرها قط ، ولا أنكرها أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا أحد ممن بعدهم ، حتى حدث من لا يعتد به.

وقد قال امرؤ القيس :

وإن كنت قد ساءتك منّي خليقة

فسلّي ثيابي من ثيابك تنسل(١)

وقال حميد بن ثور الهلالي الكندي :

لكل امرئ يا أم عمرو طبيعة

وتفرق ما بين الرجال الطبائع(٢)

وقال النابغة :

لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم

من الجود والأحلام غير عوازب(٣)

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للجارود إذ أخبره أن فيه الحلم والأناة ، فقال له الجارود الله

__________________

(١) البيت في ديوان امرئ القيس (ص ١٣) وأساس البلاغة (ثوب) وكتاب الجيم (٧ / ٢٥٧) ولسان العرب (١ / ٢٤٦ ـ مادة ثوب) و (٩ / ٣٣٧ ـ مادة نظف) وتاج العروس (٢ / ١١١ ـ مادة ثوب).

(٢) لم أجد البيت في ديوان حميد بن ثور المطبوع.

(٣) البيت في ديوان النابغة (ص ٤٩ ـ طبعة تونس).

جبلني عليهما يا رسول الله أم هما كسب؟ فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بل الله جبلك عليهما» (١).

ومثل هذا كثير ، وكل هذه الألفاظ أسماء مترادفة لمعنى واحد عندهم ، وهو قوة في الشّيء يوجد بها على ما هو عليه ، فاضطرب ولجأ إلى أن قال أقول بهذا في الناس خاصة ، فقلت له : وأنّى لك بالتخصيص وهذا موجود بالحس وببديهة العقل في كل مخلوق في العالم؟ فلم يكن عنده تمويه.

قال أبو محمد : وهذا المذهب الفاسد حداهم على أن سمّوا ما يأتي به الأنبياء عليهم‌السلام من الآيات المعجزات خرق عادة ، لأنهم جعلوا امتناع شق القمر ، وشق البحر ، وامتناع إحياء الموتى ، وإخراج ناقة من صخرة وسائر معجزاتهم إنما هي عادات فقط.

قال أبو محمد : معاذ الله من هذا ولو كان ذلك عادة لما كان فيها إعجاز أصلا ، لأن العادة في لغة العرب : الدأب والديدن والديدان ألفاظ مترادفة على معنى واحد ، وهي ما كثر استعمال الإنسان له مما لا يؤمن من تركه إياه ، ولا ينكر زواله عنده بل هو ممكن وجود غيره ومثله ، بخلاف الطبيعة التي الخروج عنها ممتنع ، فالعادة هي استعمال العرب للعمامة والتّلحي ، وحمل القناة ، وكحمل بعض الناس القلنسوة ، وكاستعمال بعضهم حلق الشعر ، وبعضهم توفيره. قال الشاعر :

تقول وقد درأت لها وضيني

أهذا دينه أبدا وديني

(٢) وقال آخر :

ومن عاداته الخلق الكريم

وقال آخر :

قد عوّد الطير عادات وثقن بها

فهنّ يصحبنه في كلّ مرتحل

وقال آخر :

عوّدت نفسك عادة فاصبر لها

وقال آخر :

وشديد عادة منتزعه

__________________

(١) رواه أبو داود في الأدب باب ١٤٩ ، وابن ماجة في الزهد باب ١٨ ، وأحمد في المسند (٤ / ٢٠٦).

(٢) الرجز للمثقب العبدي يذكر ناقته. ويروى البيت الأول : «تقول إذا درأت لها وضيني». انظر لسان العرب (١٣ / ١٦٩ ـ مادة دين).

فذكر أن انتزاع العادة يشتد ، إلّا أنه ممكن غير ممتنع ، بخلاف إزالة الطبيعة التي لا سبيل إليها. وربما وضعت العرب لفظة العادة مكان لفظة الطبيعة كما قال حميد بن ثور الهلالي :

سل الرّبع أنّى يمّمت أم سالم

وهل عادة للرّبع أن يتكلّما

قال أبو محمد : وكل هذه الطبائع والعادات مخلوقة ، خلقها الله عزوجل فرتّب الطبيعة على أنها لا تستحيل أبدا ، ولا يمكن تبدّلها عند كلّ ذي عقل كطبيعة الإنسان بأن يكون له التصرف في العلوم والصناعات إن لم تعترضه آفة ، وطبيعة الحمر والبغال بأن ذلك غير ممكن منها ، وكطبيعة البرّ ألّا ينبت شعيرا ولا جوزا ، وهكذا في كل ما في العالم ، والقوم مقرون بالصفات وهي الطبيعة نفسها ، لأن من الصفات المحوّلة في الموصوف ما هو ذاتي لا يتوهم زواله إلّا بفساد حامله وسقوط الاسم عنه كصفات الخمر التي إن زالت عنها صارت خلًّا وبطل اسم الخمر عنها ، وكصفات الخبز واللحم التي إذا زالت عنهما صارت زبلا ، وسقط اسم الخبز واللحم عنهما ، وهكذا كل شيء له صفة ذاتية ، فهذه هي الطبيعة.

ومن الصفات المحمولة في الموصوف ما لو توهم زواله عنه لم يبطل حامله ، ولا فارقه اسمه ، وهذا القسم ينقسم أقساما ثلاثة ، فأحدها ممتنع الزوال كالعطس ، والقصر ، والزّرق وسواد الزنجي ونحو ذلك ، إلا أنه لو توهم زائلا لبقي الإنسان إنسانا بحاله. وثانيها بطيء الزوال كالمردة وسواد الشعر ، وما أشبه ذلك ، وثالثها : سريع الزوال كحمرة الخجل وصفرة الوجل ، وكمدة الهم ونحو ذلك. فهذه هي حقيقة الكلام في الصفات ، وما عدا ذلك فطريق السوفسطائية الذين لا يحققون حقيقة ونعوذ بالله من الخذلان.

نبوة النساء

قال أبو محمد : هذا فصل لا نعلمه حدث التنازع العظيم فيه إلا عندنا بقرطبة في زماننا ، فإن طائفة ذهبت إلى إبطال كون النبوة في النساء جملة وبدّعت من قال ذلك.

وذهبت طائفة إلى القول بأنه قد كانت في النساء نبوة ، وذهبت طائفة إلى التوقف في ذلك.

قال أبو محمد : ما نعلم للمانعين من ذلك حجة أصلا ، إلا أن بعضهم نزع في ذلك بقول الله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) [سورة النحل : ٤٣].

قال أبو محمد : وهذا أمر لا ينازعون فيه ولم يدّع أحد أن الله أرسل امرأة ، وإنما الكلام في النبوة دون الرسالة ، فوجب طلب الحق في ذلك بأن ننظر في معنى لفظة النبوة في اللغة التي خاطبنا الله بها عزوجل ، فوجدنا هذه اللفظة مأخوذة من الإنباء وهو الإعلام ، فمن أعلمه الله عزوجل بما يكون قبل إنى كون أو أوحى إليه منبئا له بأمر ما فهو نبي بلا شك ، وليس هذا من باب الإلهام الذي هو طبيعة لقول الله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) [سورة النحل : ٦٨].

ولا من باب الظن والتوهم الذي لا يقطع بحقيقته إلا مجنون ، ولا من باب الكهانة التي هي من استراق الشياطين السمع من السماء فيرمون بالشهب الثواقب ، وفيه يقول الله تعالى : (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) [سورة الأنعام : ١١٢]. وقد انقطعت الكهانة بمجيء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ولا من باب النجوم التي هي تجارب تتعلم ، ولا من باب الرؤيا التي لا يدرى أصدقت أم كذبت ، بل الوحي الذي هو النبوة قصد من الله تعالى إلى إعلام من يوحي إليه بما يعلمه به ، ويكون عند الموحى به إليه حقيقة خارجة عن الوجوه المذكورة ، يحدث الله عزوجل لمن أوحى به إليه علما ضروريا صحة ما أوحى به كعلمه بما أدرك بحواسه وبديهة عقله سواء سواء ، لا مجال للشك في شيء منه إما بمجيء الملك إليه به ، وإما بخطاب يخاطب به في نفسه وهو تعليم من الله تعالى لمن يعلمه دون وساطة معلم. فإن أنكروا أن يكون هذا هو معنى النبوة فليعرّفونا ما معناها ، فإنهم لا يأتون بشيء

أصلا. فإذ ذلك كذلك فقد جاء القرآن بأن الله تعالى عزوجل أرسل ملائكة إلى نساء فأخبروهن بوحي حق من الله تعالى ، فبشروا أم إسحاق بإسحاق عن الله تعالى قال عزوجل : (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) [سورة هود : ٧١ ـ ٧٣].

فهذا خطاب الملائكة لأم إسحاق عن الله عزوجل بالبشارة لها بإسحاق ، ثم يعقوب ، ثم بقولهم لها : أتعجبين من أمر الله ....؟ ولا يمكن البتة أن يكون هذا الخطاب من ملك لغير نبي بوجه من الوجوه ، ووجدناه تعالى قد أرسل جبريل إلى مريم أم عيسى عليهما‌السلام فخاطبها وقال لها : (إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا) [سورة مريم : ١٩].

فهذه نبوة صحيحة بوحي صحيح ورسالة من الله تعالى إليها. وكان زكريا عليه‌السلام يجد عندها من الله رزقا واردا تمنى من أجله ولدا فاضلا ، ووجدنا أم موسى عليهما‌السلام قد أوحى الله إليها بإلقاء ولدها في اليمّ ، وأعلمها بأنه سيرده إليها ويجعله نبيا مرسلا ، فهذه نبوة صحيحة لا شك فيها. وبضرورة العقل يدري كل ذي تمييز صحيح أنها لو لم تكن واثقة بنبوة الله عزوجل لها لكانت بإلقائها ولدها في اليم برؤيا تراها أو بما يقع في نفسها أو قام في هاجسها في غاية الجنون والمرار الهائج ، ولو فعل ذلك أحدنا لكان في غاية الفسق ، أو في غاية الجنون مستحقا لمعافاة دماغه في المارستان لا يشك في هذا أحد ، فصح يقينا أن الوحي الذي ورد لها في إلقاء ولدها في اليم كالوحي الوارد على إبراهيم في الرؤيا في ذبح ولده ، فإن إبراهيم عليه‌السلام لو لم يكن نبيا واثقا بصحة الوحي والنبوة الواردة عليه في ذبح ولده ، لكنه ذبح ولده لرؤيا رآها أو ظن وقع في نفسه ، لكان بلا شك فاعل ذلك من غير الأنبياء فاسقا في نهاية الفسق ، أو مجنونا في غاية الجنون ، هذا ما لا يشك فيه أحد من الناس ، فصحّت نبوتهن بيقين. ووجدنا الله تعالى قد قال وقد ذكر من الأنبياء عليهم‌السلام في سورة كهيعص ، وذكر مريم في جملتهم ثم قال عزوجل : (أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) [سورة مريم : ٥٨].

وهذا هو عموم لها معهم لا يجوز تخصيصها من جملتهم. وليس قوله عزوجل : (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) [سورة المائدة : ٧٥] بمانع من أن تكون نبية فقد قال تعالى : (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) [سورة يوسف : ٤٦] وهو مع ذلك نبي رسول الله وهذا ظاهر وبالله

التوفيق. ويلحق بهن عليهن السلام في ذلك امرأة فرعون بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كمل من الرّجال كثير ولم يكمل من النّساء إلّا مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون» (١). أو كما قال عليه‌السلام. والكمال في الرجال لا يكون إلا لبعض المرسلين عليهم‌السلام لأن من دونهم ناقص عنهم بلا شك ، وكان تخصيصه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالكمال مريم وامرأة فرعون تفضيلا لهما على سائر من أوتيت النبوة من النساء بلا شك إذ من نقص عن منزلة آخر ولو بدقيقة لم يكمل ، فصح بهذا الخبر أن هاتين المرأتين كملتا كمالا لم يلحقهما معه امرأة غيرهن أصلا ، وإن كن بنصوص القرآن نبيّات وقد قال تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) [سورة البقرة : ٢٥٣].

فالكامل في نوعه هو الذي لا يلحقه أحد من أهل نوعه ، فهم من الرجال الرسل الذين فضلهم الله تعالى على سائر الرسل ، ومنهم نبينا محمّد وإبراهيم عليهما الصلاة السلام بلا شك للنصوص الواردة فيهما بذلك في فضلهما على غيرهما ، وكل من النساء من ذكر عليه الصلاة والسلام.

__________________

(١) رواه البخاري في أحاديث الأنبياء باب ٣٢ و ٤٦ ، وفضائل الصحابة باب ٣٠ ، والأطعمة باب ٢٥. ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٧٠. والترمذي في الأطعمة باب ٤١. وابن ماجة في الأطعمة باب ١٤. وأحمد في المسند (٤ / ٣٩٤ ، ٤٠٩).

الكلام في الرؤيا

قال أبو محمد : ذهب صالح قبة تلميذ النظام ، إلى أن الذي يرى أحدنا في الرؤيا حق كما هو ، وأنه من رأى أنه بالصين وهو بالأندلس ، فإن الله عزوجل اخترعه في ذلك الوقت بالصين.

قال أبو محمد : وهذا القول في غاية الفساد ، لأن العيان والعقل يضطران إلى كذب هذا القول ويبطلانه ، أما العيان فإننا نشاهد حينئذ هذا النائم عندنا وهو يرى نفسه في ذلك الوقت بالصين ، وأما من طريق العقل فهو معرفتنا بما يرى الحالم من المحيلات من كون مقطوع الرأس حيا وما أشبه ذلك ، وقد صح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ رجلا قصّ عليه رؤيا فقال : «لا تخبر بتلاعب الشيطان بك (١)».

قال أبو محمد : والقول الصحيح في الرؤيا هو أنها أنواع ، فمنها : ما يكون من قبل الشيطان وهو ما كان من الأضغاث والتخليط الذي لا ينضبط ، ومنها ما يكون من حديث النفس ، وهو ما يشتغل به المرء في اليقظة فيراه في النوم من خوف عدوّ أو لقاء حبيب ، أو خلاص من خوف أو نحو ذلك ، ومنها ما يكون من قبل الطبع كرؤية من غلب عليه الدم للأنوار ، والزهور ، والخمرة ، والسرور ، ورؤية من غلبت عليه الصّفراء للنيران ، ورؤية صاحب البلغم للثلوج والمياه ، وكرؤية من غلبت عليه السوداء للكهوف وللظلم والمخاوف. ومنها ما يريه الله عزوجل نفس الحالم ، إذا صفت من أكدار الجسد وخلصت من الأفكار الفاسدة ، فيشرف الله عزوجل به على كثير من المغيبات التي لم تأت بعد ، وعلى قدر تفاضل النفس في النقاء والصفاء يكون تفاضل ما تراه في الصدق ، وقد جاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أنّه لم يبق بعده من النّبوة ، إلى جزء من ستّة وأربعين من النّبوة إلى جزء من سبعين جزءا من النّبوّة» (٢). وهذا نص جليّ على ما

__________________

(١) رواه مسلم في الرؤيا حديث ١٢ و ١٤ و ١٥. وابن ماجة في الرؤيا باب ٥. وأحمد في المسند (٣ / ٣٥٠).

(٢) روي الحديث في الصحاح بألفاظ وطرق مختلفة منها ما رواه البخاري في التعبير باب ٢

ذكرنا من تفاضلها في الصدق والوضوح والصفاء من كل تخليط ، وقد تخرّج هذه النسب والأقسام ، على أنه عليه‌السلام إنما أراد بذلك رؤيا الأنبياء عليهم‌السلام ، فمنهم من رؤياه جزء من ستة وعشرين جزءا من أجزاء نبوته وخصائصه وفضائله ، ومنهم من رؤياه جزء من سبعين جزءا من نبوته وخصائصه وفضائله ، وهذا هو الأظهر والله أعلم ، ويكون خارجا على مقتضى ألفاظ الحديث بلا تأويل يتكلف. وأما رؤيا غير الأنبياء فقد تكذب وقد تصدق ، إلا أنه لا يقطع على صحة شيء منه إلا بعد ظهور صحته ، حاشى رؤيا الأنبياء فإنها كلها وحي مقطوع على صحته ، كرؤيا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ولو رأى ذلك غير نبي في الرؤيا فأنفذه في اليقظة لكان فاسقا عابثا ، أو مجنونا ذاهب التمييز بلا شك ، وقد تصدق رؤيا الكافر ولا تكون حينئذ جزءا من النبوة ولا مبشرات ولكن إنذارا له أو لغيره ووعظا وبالله تعالى التوفيق.

__________________

(حديث ٦٩٨٣) عن أنس بن مالك بلفظ : «الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستّة وأربعين جزءا من النبوّة» ورواه أيضا برقم (٦٩٩٤) بلفظ : «من رآني في المنام فقد رآني ، فإنّ الشيطان لا يتمثّل بي. ورؤيا المؤمن جزء من ستّة وأربعين جزءا من النبوّة». ورواه في التعبير باب ٢٦ (حديث ٧٠١٧) عن أبي هريرة بلفظ : «إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن ، ورؤيا المؤمن جزء من ستّة وأربعين جزءا من النبوة ، وما كان من النبوّة فإنه لا يكذّب». ورواه في الرؤيا (حديث رقم ٦٩٨٧) عن عبادة بن الصامت بلفظ : «رؤيا المؤمن جزء من ستّة وأربعين جزءا من النبوّة». وجاء أيضا بألفاظ أخرى. ورواه مسلم في الرؤيا حديث ٦ ـ ٩. وأبو داود في الأدب باب ٢ و ٨٨. والترمذي في البر والصلة باب ٦٦ ، والرؤيا باب ١ و ٢ و ٦ و ١٠. وابن ماجة في الرؤيا باب ١. والدارمي في الرؤيا باب ٢. ومالك في الشعر حديث ١٧ ، والرؤيا حديث ١ و ٣. وأحمد في المسند (١ / ٢٩٦ ، ٣١٥ ، ٢ / ١٨ ، ٥٠ ، ١١٩ ، ١٢٢ ، ١٣٧ ، ٢١٩ ، ٢٣٢ ، ٢٣٣ ، ٢٦٩ ، ٣٤٢ ، ٣٦٩ ، ٤٣٨ ، ٤٩٥ ، ٥٠٧ ، ٣ / ١٠٦ ، ١٢٦ ، ١٤٩ ، ١٨٥ ، ٢٦٧ ، ٢٦٩ ، ٣٤٢ ، ٤ / ١٠ ، ١١ ، ١٢ ، ١٣ ، ٥ / ٣١٦ ، ٣١٩).

أيّ الخلق أفضل

قال أبو محمد : ذهب قوم إلى أن الأنبياء عليهم‌السلام أفضل من الملائكة ، وذهبت طائفة تنتسب إلى الإسلام أن الصالحين غير النبيين أفضل من الملائكة. وذهب بعضهم إلى أن الوليّ أفضل من النبي ، وأنه يكون في هذه الأمة من هو أفضل من عيسى ابن مريم ، ورأيت الباقلاني يقول : جائز أن يكون في هذه الأمة من هو أفضل من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حين بعث إلى أن مات ، ورأيت لأبي هاشم الجبائي : أنه لو طال عمر إنسان من المسلمين في الأعمال الصالحة لأمكن أن يوازي عمل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال أبو محمد : ولو لا أنه استحيى قليلا مما لم يستحيي منه نظيره الباقلاني لقال ما يوجبه هذا القول من أنه كان يزيد فضلا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال أبو محمد : وهذه الأقوال كفر مجرد لا تردد فيه وحاشى لله تعالى من أن يكون أحد ولو عمر عمر الدهر يلحق فضل صاحب ، فكيف فضل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو نبي من الأنبياء عليهم‌السلام ....؟ فكيف يكون أفضل من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ هذا ما لا تقبله نفس مسلم ، كأنهم ما سمعوا قول الله عزوجل : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا) [سورة الحديد : ١٠].

وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «دعوا لي أصحابي فلو كان لأحدكم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» (١).

قال أبو محمد : فكيف يلحق أبدا من إن تصدق هو بمثل جبل أحد من ذهب ، وتصدق الصاحب بنصف مدّ من شعير كان نصف مد الشعير لا يلحقه في الفضل جبل الذهب ، فكيف برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ....؟

وقال أهل الحق : إن الملائكة أفضل من كل خلق خلقه الله تعالى ، ثم بعدهم

__________________

(١) رواه البخاري في فضائل الصحابة باب ٥. ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٢٢١ ، ٢٢٢. وأبو داود في السنّة باب ١٠. والترمذي في المناقب باب ٥٨. وابن ماجة في المقدمة باب ١١. وأحمد في المسند (٣ / ١١ ، ٥٤ ، ٦ / ٦).

الرسل من النبيين عليهم‌السلام ، ثم بعدهم الأنبياء عليهم‌السلام ، ثم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على ما رتبنا قبل.

قال أبو محمد : ومن صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الجن له من الفضل ما لسائر الصحابة بعموم قوله عليه‌السلام : «دعوا لي أصحابي» وأفضل الرسل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أما فضل الملائكة على الرسل من غير الملائكة ، فلبراهين منها قول الله عزوجل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إذ يقول : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) [سورة الأنعام : ٥٠].

فلو كان الرسول أرفع من الملك أو مثله ما أمر الله تعالى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقول لهم هذا القول الذي إنما قاله منحطا عن الترفع بأن يظن أن عنده خزائن الله أو أنه يعلم الغيب ، أو أنه ملك منزل لنفسه المقدسة في مرتبته التي هي دون هذه المراتب بلا شك ، إذ لا يمكن البتة أن يقول هذا عن مراتب هو أرفع منها ، وأيضا فإن الله عزوجل ذكر محمدا الذي هو أفضل الرسل بعد الملائكة وذكر جبرائيل عليهما‌السلام فكان التباين في ثناء الله عزوجل عليهما تباينا بعيدا وهو أن الله عزوجل قال : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) [سورة التكوير : ١٩ ، ٢٠ ، ٢١].

فهذه صفة جبريل عليه‌السلام ، ثم ذكر محمدا عليه الصلاة والسلام فقال : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) [سورة التكوير : ٢٢] ثم زاد تعالى بيانا رافعا للإشكال فقال : (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) [سورة التكوير : ٢٣] فعظّم الله تعالى من شأن أكرم الأنبياء والرسل بأن رأى جبريل عليه الصلاة والسلام ثم قال تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) [سورة النجم : ١٣ ـ ١٨].

فامتن الله تعالى كما ترى على محمد المنّة العظمى بأن أراه جبريل مرتين ، وإنما يتفاضل الناس كما قدمنا بوجهين فقط ، أحدهما : الاختصاص المجرد ، وأعظم الاختصاص الرسالة والتعظيم ، فقد حصل ذلك للملائكة ، قال تعالى : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) [سورة فاطر : ١] فهم كلهم رسل الله تعالى ثم اختصهم تعالى بأن ابتدأهم في الجنة وحوالي عرشه ، في المكان الذي وعد رسله ومن اتبعهم بأن نهاية كرامتهم تصيّرهم إليه ، وهو موضع خلق الملائكة ومحلهم بلا نهاية مذ خلقوا. وذكرهم عزوجل في غير موضع من كتابه فأثنى على جميعهم ، ووصفهم بأنهم لا يفترون ، ولا

يسأمون ، ولا يعصون الله ، فنفى عنهم الزلل والفترة والسآمة والسهود ، وهذا أمر لم ينفه عزوجل عن الرسل صلوات الله عليهم بل السهو جائز عليهم ، وبالضرورة نعلم أنّ من عصم من السهو أفضل ممن لم يعصم منه ، وأن من عصم من العمد كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام أفضل ممن لم يعصم منه ممن سواهم. فإن اعترض معترض بقول الله عزوجل (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) [سورة الحج : ٧٥].

قيل له : ليس هذا معارضا لقوله تعالى : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) لأن كلّ آية فإنما تحمل على مقتضاها وموجب لفظها ، ففي هذه الآية أن بعض الملائكة رسل وهذا حق لا شك فيه ، وليس إخبارا عن سائرهم بشيء لا بأنهم رسل ولا بأنهم ليسوا رسلا ، فلا يحل لأحد أن يزيد في الآية ما ليس فيها ، ثم في الآية الأخرى زيادة على ما في هذه الآية ، وإخبار بأن جميع الملائكة رسل ففي تلك الآية بعض ما في هذه الآية ، وفي هذه الآية كل ما في تلك وزيادة ففرض قبول كل ذلك كما أن الله عزوجل إذ ذكر في كهيعص من ذكر من النبيين فقال : (أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ) [سورة مريم : ٥٨] وقد قال تعالى : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) [سورة النساء : ١٦٤].

أفترى الرسل الذين لم يقصصهم تعالى عليه جملة أو في هذه السورة خاصة لم ينعم عليهم؟ معاذ الله من هذا فما يقوله مسلم.

والوجه الثاني من أوجه الفضل : هو تفاضل العاملين بتفاضل منازلهم في أعمال الطاعة والعصمة من المعاصي والدنيات وقد نص الله تعالى على أن الملائكة لا يفترون من الطاعة ولا يسأمون منها ، ولا يعصون البتة في شيء أمروا به ، فقد صح أن الله عزوجل عصمهم من الطبائع الناقصة الداعية إلى الفتور والكسل ، كالطعام والتغوط وشهوة الجماع والنوم ، فصح يقينا أنهم أفضل من الرسل الذين لم يعصموا من الفتور والكسل ودواعيهما.

قال أبو محمد : واحتج بعض المخالفين بأن قال : قال الله عزوجل : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) [سورة آل عمران : ٣٤]. قالوا : فدخل في العالمين الملائكة وغيرهم.

قال أبو محمد : هذه الآية قد صح البرهان بأنها ليست على عمومها ، لأنه تعالى لم يذكر فيها آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا خلاف في أنهم أفضل الناس قال الله عزوجل : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [سورة آل عمران : ١١٠].

فإن قال : إن آل إبراهيم هم آل محمد قيل له فنحن إذن أفضل من جميع الأنبياء حاشى آل عمران وآدم ونوحا فقط ، وهذا لا يقوله مسلم ، فصح يقينا أن هذه الآية ليست على عمومها. فإذ لا شك في ذلك فقد صح أن الله عزوجل إنما أراد بها عالمي زمانهم من الناس لا من الرسل ولا من النبيين ، نعم ولا من عالمي غير زمانهم ، لأننا بلا شك أفضل من آل عمران فبطل تعلقهم بهذه الآية جملة وبالله تعالى التوفيق. وصح أنها مثل قوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) [سورة البقرة : ٤٧].

ولا شك في أنهم لم يفضلوا على الرسل ولا على النبيين ، ولا على أمتنا ولا على الصالحين من غيرهم ، فكيف على الملائكة؟ ونحن لا ننكر إزالة النص عن ظاهره وعمومه ببرهان من نص آخر ، أو من إجماع متيقن ، أو ضرورة حس ، وإنما ننكر ونمنع من إزالة النص عن ظاهره وعمومه بالدعوى ، فهذا ، هو الباطل الذي لا يحلّ في دين ولا يصح في إمكان العقل وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : وذكر بعضهم قول الله عزوجل : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) [سورة البينة : ٧].

قال أبو محمد : وهذا مما لا حجة لهم فيه أصلا ، لأن هذه الصفة تعم كل مؤمن صالح من الإنس ومن الجن ، وتعم جميع الملائكة عموما مستويا ، فإنما هذه الآية تفضل الملائكة والصالحين من الإنس والجن على سائر البرية وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : واحتجوا بأمر الله عزوجل الملائكة بالسجود لآدم على جميعهم السلام.

قال أبو محمد : وهذه أعظم حجة عليهم لأن السجود المأمور به لا يخلو من أن يكون سجود عبادة ، وهذا كفر ممن قاله لأنه يجيز أن يكون الله عزوجل يأمر أحدا من خلقه بعبادة غيره ، وإما أن يكون سجود تحيّة وكرامة ، وهو كذلك بلا خلاف من أحد من الناس فإذ هو كذلك فلا دليل أدل على فضل الملائكة على آدم من أن يكون الله تعالى بلغ الغاية في إعظامه وكرامته بأن تحييه الملائكة ، لأنهم لو كانوا دونه لم يكن له كرامة ولا مزية في تحيتهم له ، وقد أخبر الله عزوجل عن يوسف عليه‌السلام قال : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) [سورة يوسف : ١٠٠].

وكانت رؤياه التي ذكر الله عزوجل عنه إذ يقول : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) [سورة يوسف : ٤].

قال أبو محمد : وليس في سجود يعقوب ليوسف ما يوجب أن يوسف أفضل من يعقوب عليه‌السلام.

واحتجوا أيضا بأن الملائكة لم يعلموا أسماء الأشياء حتى أنبأهم بها آدم ، على جميعهم السلام ، بتعليم الله عزوجل آدم إياها.

قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه لأن الله تعالى يعلّم من هو أنقص فضلا وعلما في الجملة أشياء لا يعلمها من هو أفضل منه وأعلم منه بما عدا تلك الأشياء ، فعلم الملائكة ما لا يعلمه آدم ، وعلم آدم أسماء الأشياء ثم أمره بأن يعلمها الملائكة ، كما خص الخضر عليه‌السلام بعلم لم يعلمه موسى عليه‌السلام ، حتى اتبعه موسى ليتعلم منه ، وعلّم أيضا موسى عليه‌السلام علوما لم يعلمها الخضر ، وهكذا صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الخضر قال لموسى عليه‌السلام إني على علم من علم الله لا تعلمه أنت ، وأنت على علم من علم الله لا أعلمه أنا (١).

قال أبو محمد : وليس في هذا أن الخضر أفضل من موسى عليه‌السلام.

قال أبو محمد : وقد قال بعض الجهال : إن الله تعالى جعل الملائكة خدام أهل الجنة يأتونهم بالتحف من عند ربهم عزوجل. قال تعالى : (تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [سورة الأنبياء : ١٠٣]. وقال تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) [سورة الرعد : ٢٣].

قال أبو محمد : أما خدمة الملائكة لأهل الجنة وإقبالهم إليهم بالتحف فشيء ما علمناه قط ولا سمعناه إلا من القصاص بالخرافات والتكاذيب ، وإنما الحق ما ذكره الله عزوجل في النص الذي أوردنا ، وهو ولله الحمد من أقوى الحجج في فضل الملائكة على من سواهم ، ويلزم هذا المحتج إذا كان إقبال الملائكة بالبشارات إلى أهل الجنة دليلا على فضل أهل الجنة عليهم ، أن يكون إقبال الرسل إلينا مبشرين ومنذرين بالبشارات من عند الله عزوجل دليلا على أننا أفضل منهم ، وهذا كفر مجرد ، ولكن الحقيقة هي أن الفضل إذا كان للأنبياء عليهم‌السلام على الناس بأنهم رسل الله إليهم

__________________

(١) جزء من حديث طويل رواه مسلم في الفضائل (حديث رقم ١٧٠) أوله : عن سعيد بن جبير قال : «قلت لابن عباس : إن نوفا البكاليّ يزعم أن موسى عليه‌السلام صاحب بني إسرائيل ليس هو موسى صاحب الخضر عليه‌السلام. فقال : كذب عدوّ الله ، سمعت أبيّ بن كعب يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : قام موسى عليه‌السلام خطيبا في بني إسرائيل ، فسئل : أيّ الناس أعلم؟ فقال : أنا أعلم. قال : فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه ... الخ».

ووسائط بين ربهم تعالى وبينهم ، فالفضل واجب للملائكة على الأنبياء والرسل ، لكونهم رسل الله تعالى إليهم ووسائط بينهم وبين ربهم تعالى ، وأما تفضل الله تعالى على أهل الجنة بالأكل والشرب والجماع واللباس والآلات والقصور ، فإنما فضلهم الله عزوجل من ذلك بما يوافق طباعهم ، وقد نزه الله تعالى الملائكة عن هذه الطبائع المستدعية لهذه اللذات ، بل أبانهم وفضلهم بأن جعل طبائعهم لا تلتذّ بشيء من ذلك إلا بذكر الله تعالى وعبادته وطاعته في تنفيذ أوامره تعالى ، فلا منزلة له أعلى من هذه ، وعجل لهم سكنى المحل الرفيع الذي جعل تعالى غاية إكرامنا الوصول إليه ، بعد لقاء الأمرّين في التعب في عمارة هذه الدنيا النكدة وفي كلف الأعمال.

ففي ذلك المكان خلق عزوجل الملائكة منذ ابتدأهم ، وفيه خلدهم ، وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : وقال بعض السخفاء إن الملائكة بمنزلة الهواء والرياح.

قال أبو محمد : وهذا كذب وقحة وجنون ، لأن الملائكة بنص القرآن والسنن.

وإجماع جميع من يقر بالملائكة من أهل الأديان المختلفة عقلا متعبدون مأمورون منهيون ، وليس كذلك الهواء والرياح لكنها لا تعقل ولا هي مكلفة متعبدة ، بل هي مسخرة مصرّفة لا اختيار لها قال تعالى : (وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [سورة البقرة : ١٦٤].

وقال تعالى : (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ) [سورة الحاقة : ٧].

وذكر تعالى الملائكة فقال : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [سورة الأنبياء : ٢٧].

وقال تعالى : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) [سورة الشورى : ٥].

وقال تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) [سورة الفرقان : ٢٢].

فقرن تعالى نزول الملائكة برؤيته تعالى وقرن تعالى إتيانه بإتيان الملائكة فقال عزوجل : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ) [سورة البقرة : ٢١٠].

واعلم أن إعراب الملائكة هاهنا بالرفع عطفا على الله عزوجل لا على الغمام.

ونص تعالى على أن آدم عليه‌السلام إنما أكل من الشجرة ليكون ملكا أو ليخلد ، كما نص تعالى علينا إذ يقول عزوجل : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) [سورة الأعراف : ٢٠].

قال أبو محمد : فبيقين ندري أن آدم عليه‌السلام لو لا تيقنه بأن الملائكة أفضل منه وطمعه بأن يصير ملكا لما قبل من إبليس ما غره به من أكل الشجرة التي نهاه الله عزوجل عنها ، ولو علم آدم أن الملك مثله أو دونه لما حمل نفسه على مخالفة أمر الله تعالى لينحط عن منزلته الرفيعة إلى الدون ، هذا ما لا يظنه ذو عقل أصلا.

قال أبو محمد : وقال الله عزوجل : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) [سورة النساء : ١٧٢].

فقوله عزوجل بعد ذكر المسيح ولا الملائكة المقربون بلوغ للغاية في علو درجتهم على المسيح عليه‌السلام لأن بنية الكلام ورتبته إنما هي إذا أراد القائل نفي صفة ما عن متواضع عنه أن يبدأ بالأدنى ثم بالأعلى وإذا أراد نفي صفة ما عن مترفع عنها أن يبدأ بالأعلى ثم بالأدنى ، فنقول في القسم الأول : ما يطمع في الجلوس بين يدي الخليفة خازنه ولا وزيره ولا أخوه ، ونقول في القسم الثاني : ما ينحط إلى الأكل في السوق وال ولا ذو مرتبة ولا متصاون من التجار أو الصناع ، لا يجوز البتة غير هذا. وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : وأيضا فإن رسول الله تعالى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبر بأن الله تعالى خلق الملائكة من نور وخلق الإنسان من طين وخلق الجن من نار.

قال أبو محمد : ولا يجهل فضل النور على الطين وعلى النار أحد ، إلا من لم يجعل الله له نورا (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) [سورة النور : ٤]. وقد صح أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا ربه في أن يجعل في قلبه نورا (١). فالملائكة من جوهر دعا

__________________

(١) جزء من حديث رواه البخاري في الدعوات باب ٩ ، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها حديث ١٨١ و ١٨٧ و ١٨٩ ، وأبو داود في التطوع باب ٢٦. والترمذي في الدعوات باب ٣٠ ، وأحمد في المسند (١ / ٢٨٤ ، ٣٤٣ ، ٣٥٢ ، ٣٧٣). ولفظه عند البخاري (حديث رقم ٦٣١٦) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بتّ عند ميمونة ، فقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأتى حاجته غسل وجهه ويديه ثم نام ، ثم قام فأتى القربة فأطلق شناقها ثم توضأ وضوءا بين وضوءين لم يكثر وقد أبلغ ، فصلى. فقمت فتمطّيت كراهية أن يرى أني كنت أرقبه ، فتوضأت. فقام يصلي ، فقمت عن يساره ، فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه ، فتتامّت صلاته ثلاث عشر ركعة. ثم

أفضل البشر ربّه تعالى في أن يجعل في قلبه منه ، وبالله تعالى التوفيق. وفي هذا كفاية لمن عقل.

قال أبو محمد : وقال عزوجل : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) إلى قوله : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) [سورة الإسراء : ٧٠] فإنما فضل الله تعالى بنص كلامه عزوجل بني آدم على كثير ممن خلق لا على كل من خلق ، وبلا شك أن بني آدم مفضلون على الجن وعلى جميع الحيوان الصامت وعلى ما ليس حيوانا ، فلم يبق خلق يستثنى من تفضيل الله تعالى بني آدم إلا الملائكة فقط.

قال أبو محمد : وأما فضل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على كل رسول قبله فالثابت عنه عليه‌السلام أنه قال : «فضلت على الأنبياء بست» ، وروي : «بخمس» ، وروي : «بأربع» وروي : «بثلاث» (١) رواه جابر بن عبد الله وأنس بن مالك ، وحذيفة بن اليمان ، وأبو هريرة وبقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» (٢) وأنه عليه‌السلام بعث إلى الأحمر والأسود (٣) ، وأنه عليه‌السلام أكثر الأنبياء أتباعا (٤) ، وأنه ذو الشفاعة التي يحتاج إليه

__________________

اضطجع ، فنام حتى نفخ ، وكان إذا نام نفخ. فآذنه بلال بالصلاة ، فصلى ولم يتوضّأ ، وكان يقول في دعائه : «اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي بصري نورا ، وفي سمعي نورا ، وعن يميني نورا ، وعن يساري نورا ، وفوقي نورا ، وتحتي نورا ، وأمامي نورا ، وخلفي نورا ، واجعل لي نورا».

(١) رواه بلفظ : «فضّلت على الأنبياء بستّ ...» مسلم في المساجد ومواضع الصلاة حديث ٥ ، والترمذي في السير باب ٥ ، وأحمد في المسند (٢ / ٤١٢) ، والبيهقي في السنن الكبرى (٢ / ٤٣٢ ، ٩ / ٥) وغيرهم. ورواه بلفظ : «... بخمس» الطبراني في المعجم الكبير (٧ / ١٨٤) والهيثمي في مجمع الزوائد (٨ / ٢٥٩) والمتقي الهندي في كنز العمال (٣١٩٣٣). ورواه بلفظ : «فضلت بأربع ...» أحمد في المسند (٥ / ٢٦٥) والهيثمي في مجمع الزوائد (٨ / ٢٥٩) والسيوطي في الدر المنثور (١ / ٢١٢ ، ٤٣٤) والمتقي الهندي في كنز العمال (٣١٩٣٤ ، ٣١٩٤٦ ، ٣٢٠٧٧). ورواه بلفظ «فضّلت على الناس بثلاث ...» البيهقي في السنن الكبرى ١ / ٢١٤ ، ٢٣٣) وفي دلائل النبوة (٥ / ٤٧٥) والمتقي الهندي في كنز العمال (٣٢٠٧٨). ورواه البيهقي أيضا في دلائل النبوة (٥ / ٤٨٨) بلفظ : «فضلت على آدم بخصلتين ...».

(٢) رواه الترمذي في المناقب باب ١ ، وابن ماجة في الزهد باب ٣٧.

(٣) روى مسلم في المساجد ومواضع الصلاة عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي : كان كلّ نبيّ يبعث إلى قومه خاصّة وبعثت إلى كل أحمر وأسود ...» الحديث ..

(٤) رواه مسلم في الإيمان (حديث ٣٣٠) عن أنس بن مالك بلفظ : «أنا أول الناس يشفع في الجنة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعا». ورواه (رقم ٣٣١) بلفظ : «أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة ، وأنا أول من يقرع باب الجنة».

يوم القيامة فيها النبيون فمن دونهم (١). أماتنا الله على ملّته ولا خالف بنا عنه. وهو أيضا عليه‌السلام خليل الله وكليمه.

الكلام في الفقر والغنى

قال أبو محمد : اختلف قوم في أي الأمرين أفضل الفقر أم الغنى؟

قال أبو محمد : وهذا سؤال فاسد لأن تفاضل العمل والجزاء في الجنة إنما هو للعامل لا لحالة محمولة فيه ، إلا أن يأتي نص بتفضيل الله تعالى حالا على حال ، وليس هاهنا نص في فضل إحدى هاتين الحالتين على الأخرى.

قال أبو محمد : وإنما الصواب أن يقال أيهما أفضل الغنى أم الفقر ...؟ والجواب هاهنا هو ما قال الله تعالى إذ يقول : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [سورة النمل : ٩٠].

فإن كان الغنيّ أفضل عملا من الفقير فالغنيّ أفضل ، وإن كان الفقير أفضل عملا من الغنيّ فالفقير أفضل ، وإن كان عملهما متساويا فهما سواء قال عزوجل : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [سورة الزلزلة : ٧ ، ٨].

وقد استعاذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من فتنة الفقر وفتنة الغنى ، جعل الله عزوجل الشكر بإزاء الغنى والصّبر بإزاء الفقر فمن اتقى الله عزوجل فهو الفاضل غنيا كان أو فقيرا. وقد اعترض بعضهم هاهنا بالحديث الوارد : بأن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بكذا وكذا خريفا (٢) ونزع الآخرون بقول الله عزوجل : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) [سورة الضحى : ٧ ، ٨].

قال أبو محمد : والغنى نعمة إذا قام حاملها بالواجب عليه فيها ، وأما فقراء المهاجرين فهم كانوا أكثر وكان الغنى فيهم قليلا والأمر كله فيهم وفي غيرهم راجع إلى العمل بالنص وبالإجماع على أنه تعالى لا يجزي بالجنة على فقر ليس معه عمل خير ، ولا على غنىّ ليس معه عمل خير ، وبالله تعالى التوفيق.

__________________

(١) جزء من حديث ، وفيه : «... وأول شافع ومشفّع» رواه مسلم في الفضائل حديث ٣ ، وأبو داود في السنّة باب ١٣ ، والترمذي في المناقب باب ١ ، وابن ماجة في الزهد باب ٣٧ ، والدارمي في المقدمة باب ٨ ، وأحمد في المسند (٢ / ٥٤٠ ، ٣ / ٢).

(٢) رواه مسلم في الزهد والرقائق (حديث ٣٧) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا».

الكلام في الاسم والمسمى

قال أبو محمد : ذهب قوم إلى الاسم هو المسمى ، وقال آخرون الاسم غير المسمى. واحتج من قال إن الاسم هو المسمى بقول الله تعالى : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [سورة الرحمن : ٧٨].

قال : ولا يجوز أن يقال تبارك غير الله فلو كان الاسم غير المسمى ما جاز أن يقال تبارك اسم ربك ، وبقوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [سورة الأعلى : ١].

قالوا : ومن الممتنع أن يأمر الله عزوجل بأن يسبّح غيره. وبقوله عزوجل : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) [سورة يوسف : ٤٠].

وقالوا : الاسم مشتق من السموّ ، وأنكروا على من قال إنه مشتق من الوسم ، وهو العلامة. وذكروا قول لبيد :

إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما

ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر(١)

وقالوا : قال سيبويه الأفعال أمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء. قالوا : إنما أراد المسلمين ، هذا كل ما احتجوا به فقد تقصيناه لهم ولا حجة لهم في شيء منه ، أما قول الله عزوجل : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [سورة الرحمن : ٧٨].

وذو الجلال فحق ، ومعنى تبارك تفاعل من البركة. والبركة واجبة لاسم الله عزوجل الذي هو كلمة مؤلفة من حروف الهجاء ، ونحن نتبرك بالذكر له وبتعظيمه ونجلّه ونكرمه فله منا التبارك وله الإجلال منا ومن الله تعالى ، وله الإكرام من الله تعالى ومنا

__________________

(١) البيت في ديوان لبيد (ص ٢١٤) والأشباه والنظائر (٧ / ٩٦) والأغاني (١٣ / ٤٠) وبغية الوعاة (١ / ٤٢٩) وخزانة الأدب (٤ / ٣٣٧ ، ٣٤٠ ، ٣٤٢) والخصائص (٣ / ٢٩) والدرر (٥ / ١٥) وشرح المفصل (٣ / ١٤) والعقد الفريد (٢ / ٧٨ ، ٣ / ٥٧) ولسان العرب (٤ / ٥٤٥ ـ مادة عذر) والمقاصد النحوية (٣ / ٣٧٥) والمصنف (٣ / ١٣٥) وأمالي الزجاجي (ص ٦٣) وشرح الأشموني (٢ / ٣٠٧) وشرح عمدة الحافظ (ص ٥٠٧) والمقرب (١ / ٢١٣) وهمع الهوامع (٢ / ٤٩ ، ١٥٨).

حيث ما كان من قرطاس أو في شيء منقوش فيه أو مذكور بالألسنة ، ومن لم يجل اسم الله عزوجل كذلك ولا أكرمه فهو كافر بلا شك. فالآية على ظاهرها دون تأويل فبطل تعلقهم بها جملة ولله تعالى الحمد ، وكل شيء نص الله تعالى عليه أنه تبارك فذلك حق له ، ولو نص تعالى بذلك على أي شيء كان من خلقه كان ذلك واجبا لذلك الشيء. وأما قوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) فهو أيضا على ظاهره دون تأويل لأن التسبيح في اللغة التي بها أنزل القرآن وبها خاطبنا الله عزوجل إنما هو تنزيه الشيء عن السوء ، وبلا شك أن الله تعالى أمرنا أن ننزه اسمه الذي هو كلمة مجموعة من حروف الهجاء عن كل سوء ، حيث كان ، من كتاب أو منطوقا به. ووجه آخر أن معنى قوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ومعنى قوله تعالى : (إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [سورة الواقعة : ٧٤] معنى واحد وهو أن يسبح الله تعالى باسمه إذ لا سبيل إلى تسبيحه تعالى ولا إلى دعائه ولا إلى ذكره إلا بتوسط اسمه ، فكلا الوجهين صحيح حق وتسبيح الله تعالى وتسبيح اسمه كل ذلك واجب بالنص ، ولا فرق بين قوله تعالى : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) وبين قوله : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ) [سورة الطور : ٤٨ ، ٤٩].

والحمد بلا شك غير الله تعالى وهو تعالى يسبح بحمده ، كما يسبح باسمه ولا فرق ، فبطل تعلقهم بهذه الآية والحمد لله رب العالمين.

قال أبو محمد : أما قوله تعالى : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) [سورة يوسف : ٤٠].

فقول الله عزوجل حق على ظاهره ولهذه الآية وجهان كلاهما صحيح ، أحدهما : أن معنى قول عزوجل : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً). أي إلا أصحاب أسماء ، برهان هذا قوله تعالى إثر ذلك متصلا بها : (سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) فصح يقينا أنه تعالى لم يعن بالأسماء هاهنا ذوات المعبودين لأن العابدين لها لم يحدثوا قط ذوات المعبودين ، بل الله تعالى توحّد بإحداثها. هذا ما لا شك فيه. والوجه الثاني : أن أولئك الكفار إنما كانوا يعبدون أوثانا من حجارة أو بعض المعادن أو من خشب ، وبيقين ندري أنهم قبل أن يسموا تلك الجمل من الحجارة ومن المعادن ومن الخشب باسم اللات والعزّى ومناة ، وهبل ، وودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسرا وبعل ، قد كانت ذواتها بلا شك موجودات قائمة وهم لا يعبدونها ولا تستحق عندهم عبادة فلما أوقعوا عليها هذه الأسماء عبدوها حينئذ ، فصح يقينا أنهم لم يقصدوا بالعبادة إلا أسماء كما قال الله عزوجل لا الذوات المسميات.

فعادت الآية حجة عليهم ، وبرهانا على أن الاسم غير المسمى بلا شك ، وبالله التوفيق.

وأما قولهم : إن الاسم مشتق من السمو ، وقول بعض من خالفهم مشتق من الوسم فقولان فاسدان كلاهما باطل ، افتعله أهل النحو ، لم يصح قط عن العرب شيء منهما وما اشتق لفظ الاسم قط من شيء ، بل هو اسم موضوع مثل حجر ، ورمل ، وخشبة وسائر الأسماء لا اشتقاق لها ، وأول ما تبطل به دعواهم هذه الفاسدة أن يقال لهم : قال الله عزوجل : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سورة البقرة : ١١١].

فصح أن من لا برهان له على صحة دعواه فليس صادقا في قوله ، فهاتوا برهانكم على أن الاسم مشتق من السمو أو من الوسم ، وإلا فهي كذبة كذبتموها على العرب وافتريتموها عليهم أو على الله تعالى الواضع للغات كلها ، وقول عليه تعالى أو على العرب بغير علم ، وإلّا فمن أين لكم أن العرب اجتمعوا فقالوا نشتق لفظة اسم من السمو أو من الوسم ....؟ والكذب لا يستحله مسلم ، ولا يستسهله فاضل ، ولا سبيل لهم إلى برهان أصلا بذلك. وأيضا فلو كان الاسم مشتقا من السمو كما تزعمون فتسمية العذرة ، والكلب ، والجيفة ، والقذر ، والشرك والخنزير والخساسة رفعة لها وسموّ لهذه المسميات ، وتبّا لكل قول أدى إلى هذا الهوس البارد. وأيضا فهبك أنه قد سلّم لهم قولهم أن الاسم مشتق من السمو ، أيّ حجة في ذلك على أن الاسم هو المسمى ...؟ بل هو حجة عليهم لأن ذات المسمى ليست مشتقة أصلا ولا يجوز عليها الاشتقاق من السمو ولا من غيره فصح بلا شك أن ما كان مشتقا فهو غير ما ليس مشتقا ، والاسم بإقرارهم مشتق والذات المسماة غير مشتقة.

فالاسم غير الذات المسماة ، وهذا يلوح لكل من نصح نفسه أن المحتج بمثل هذا السفه عيّار مستهزئ بالناس ، متلاعب بكلامه ، ونعوذ بالله من الخذلان.

قال أبو محمد : وهذا قول يؤدي من اتبعه وطرده إلى الكفر المجرد ، لأنهم قطعوا أن الاسم مشتق من السموّ وقطعوا أن الاسم هو الله نفسه ، فعلى قولهم المهلك الخبيث أن الله مشتق وأن ذاته نفسها مشتقة ، وهذا ما لا ندري كافرا بلغه ، والحمد لله على ما منّ به من الهدى. وأيضا فإن الله تعالى يقول : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) إلى قوله تعالى (قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) [سورة البقرة : ٣١ ـ ٣٣].

قال أبو محمد : فلا يخلو أن يكون الله عزوجل علم آدم الأسماء كلّها ، كما

قال عزوجل ، إما بالعربية ، وإما بلغة أخرى ، أو بكل لغة ، فإن كان عزوجل علمه الأسماء بالعربية ، فإن لفظة اسم من جملة ما علمه لقوله تعالى الأسماء كلها ، ولأمره تعالى آدم بأن يقول للملائكة : أنبئوني بأسماء هؤلاء.

فلا يجوز أن يخصّ من هذا العموم شيء أصلا ، بل هو لفظ موقف عليه كسائر الأسماء ولا فرق ، وهو من جملة ما علمه الله تعالى آدم عليه‌السلام ، إلا أن يدّعوا أن الله تعالى اشتقه فالقوم كثيرا ما يستسهلون الكذب على الله تعالى والإخبار عنه بما لا علم لهم به ، فصح يقينا أن لفظة الاسم لا اشتقاق لها ، وإنما هي اسم مبتدأ كسائر أسماء الأنواع والأجناس ، وإن كان الله تعالى علم آدم الأسماء كلها بغير العربية فإن اللغة العربية موضوعة للترجمة عن تلك اللغة يدل كل اسم من تلك اللغة على اسم من العربية موضوع للعبادة عن تلك الألفاظ ، وإذا كان هذا فلا مدخل للاشتقاق في شيء من الأسماء أصلا لا لفظة اسم ولا غيرها. وإن كان تعالى علمه الأسماء بالعربية وبغيرها من اللغات غير العربية فلفظة اسم من جملة ما علمه وبطل أن يكون مشتقا أصلا ، والحمد لله رب العالمين ، فبطل قولهم في اشتقاق الاسم وعاد حجة عليهم وبالله تعالى التوفيق.

وأما بيت لبيد : فإنه يخرج على وجهين : أحدهما أن السلام اسم من أسماء الله عزوجل ، قال تعالى : (الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ) [سورة الحشر : ٢٣].

ولبيد رحمه‌الله مسلم صحيح الصحبة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمعناه : «ثم اسم الله عليكما حافظ لكما» والوجه الثاني : أنه أراد بالسلام التحية ، ولبيد لا يقدر هو ولا غيره على إيقاع معنى التحية عليهما ، وإنما يقدر على ذلك الله تعالى بلا خلاف من أحد ، وإنما يقدر لبيد وغيره على إيقاع اسم التحية والدعاء بها فقط ، فأي الأمرين كان فاسم السلام في بيت لبيد هو غير السلام ، فالاسم في ذلك البيت غير المسمى ولا بد. ثم لو صح ما يدعونه على لبيد ولا يصح لكان قول عائشة رحمها الله إنما أهجر اسمك بيانا أن الاسم غير المسمى وأن اسمه عليه‌السلام غيره لأنها أخبرت أنها لا تهجره وإنما تهجر اسمه وهي رضوان الله عليها ليست في الفصاحة دون لبيد ، وهي أولى بأن تكون حجة من لبيد فكيف وقول لبيد حجة عليهم لا لهم ..؟ والحمد لله رب العالمين. وقد قال رؤبة «باسم الّذي في كلّ سورة اسمه» (١) ورؤبة ليس دون لبيد في

__________________

(١) ويروى : «سمه» وهو شاهد على أن «سم» لغة في «اسم». والرجز بلا نسبة في أسرار العربية

الفصاحة ، وذات الباري تعالى ليست في كل سورة ، وإنما في السورة اسم الله تعالى فلا شك أن الذي في السورة غير الذي ليس فيها.

وقال أبو ساسان حضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة الرقاشي لابنه غيّاظ :

وسمّيت غيّاظا ولست بغائظ

عدوّا ولكن الصّديق تغيظ(١)

فصرح بأن الاسم غير المسمى تصريحا لا يحتمل التأويل ، بخلاف ما ادعوه على لبيد ، وأما قول سيبويه : إن الأفعال أمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء فلا حجة لهم فيه ، فبيقين ندري أنه أراد أحداث أصحاب الأسماء ، برهان ذلك قوله في غير موضع من كتابه أمثلة الأسماء من الثلاثي ، والرباعي ، والخماسي ، والسداسي ، والسباعي ، وقطعه بأنّ السداسيّ والسّباعيّ من الأسماء مزيدان ولا بدّ ، وأنّ الثلاثيّ من الأسماء أصلي ولا بدّ ، وأنّ الرباعي والخماسي من الأسماء يكونان أصليين ، كجعفر وسفرجل ، ويكونان مزيدين ، وأن الثنائيّ من الأسماء منقوص مثل يد ، ودم ، ولو تتبعنا قطعه على أن الأسماء هي الأبنية المسموعة الموضوعة ليعرف بها المسميات لبلغ أزيد من ثلاثمائة موضع. أفلا يستحي من يدري هذا من كلام سيبويه إطلاقا لعلمه بأن مراده لا يخفى على أحد قرأ من كتابه ورقتين؟ ونعوذ بالله من قلة الحياء.

وأول سطر من كتاب «سيبويه» بعد البسملة : هذا باب علم ما الكلم من العربية ، فالكلم : اسم ، وفعل ، وحرف ، جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل ، فالاسم : رجل وفرس. فهذا بيان جليّ من «سيبويه» ، ومن كل من تكلم في النحو قبله وبعده ، على أن الأسماء هي بعض الكلام ، وأن الاسم هو كلمة من الكلم ، ولا خلاف بين أحد له حس سليم في أن المسمّى ليس كلمة ، ثم قال بعد أسطر يسيرة : والرفع والجر والنصب والجزم بحروف الإعراب ، وحروف الإعراب الأسماء المتمكنة ، والأفعال المضارعة ، وأسماء الفاعلين. وهذا منه بيان لا إشكال فيه أن الأسماء غير الفاعلين وهي التي تضارعها الأفعال التي في أوائلها الزوائد الأربع ، وما قال قط من يرمي بالحجارة : إن الأفعال تضارع المسلمين. ثم قال : والنصب في الأسماء : رأيت زيدا ، والجر : مررت

__________________

(ص ٨) والإنصاف (ص ١٦) وشرح شافية ابن الحاجب (٢ / ٢٥٨) وشرح شواهد الشافية (ص ١٧٦) وشرح المفصل (١ / ٢٤) ولسان العرب (١٤ / ٤٠١ ، ٤٠٢ ـ مادة سما) والمقتضب (١ / ٢٢٩) والمنصف (١ / ٦٠) ونوادر أبي زيد (ص ١٦٦).

(١) البيت في لسان العرب (٧ / ٤٥ ـ مادة غيظ) و (٧ / ٤٥٤ ـ مادة فيظ) و (١٣ / ١٢٤ ـ مادة حضن) وتاج العروس (٢٠ / ٢٥٠ ـ مادة غيظ) ومقاييس اللغة (٤ / ٤٠٥).

بزيد ، والرفع : هذا زيد. وليس في الأسماء جزم لتمكنها ، وإلحاق التنوين ، وهذا كله بيان أن الأسماء : هي الكلمات المؤلفة من الحروف المقطعة ، لا المسمّون بها ، ولو تتبع هذا في أبواب الجمع وأبواب التصغير ، والنداء والترخيم ، وغيرها لكثر جدّا ، وكاد يفوت التحصيل.

قال أبو محمد : فسقط كل ما شغب به القائلون بأن الاسم هو المسمّى ، وكل قول سقط احتجاج أهله وعري عن برهان فهو باطل.

ثم نظرنا فيما احتج به القائلون إن الاسم غير المسمّى فوجدناهم يحتجون بقول الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) [سورة الأعراف : ١٨٠].

قالوا : والله عزوجل واحد ، والأسماء كثيرة ، وقد تعالى الله عن أن يكون اثنين ، أو أكثر ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن لله تسعة وتسعين اسما ، مائة غير واحد ، من أحصاها دخل الجنة» (١).

قالوا : ومن قال : إن خالقه أو معبوده تسعة وتسعون فهو شرّ من النصارى الذين لم يجعلوه إلّا ثلاثة.

قال أبو محمد : وهذا برهان ضروري لازم. ورأيت لمحمد بن الطيب الباقلاني ، ولمحمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني : أنه ليس لله تعالى إلا اسم واحد فقط.

قال أبو محمد : وهذا معارضة وتكذيب لله عزوجل ، وللقرآن ، ولرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولجميع العالمين ، ثم عطفا فقالا : معنى قول الله عزوجل : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن لله تسعة وتسعين اسما» إنما هو التسمية لا الأسماء.

قال أبو محمد : وكان هذا التقسيم أدخل في الضلال من ذلك الإجمال ، ويقال لهم : فعلى قولكم هذا ، أراد الله تعالى أن يقول : لله التسميات الحسنى ، فقال : (الْأَسْماءُ الْحُسْنى) ، وأراد رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقول إن لله تسعة وتسعين تسمية ، فقال : «إن لله تسعة وتسعين اسما» أعن غلط وخطأ قال الله تعالى ذلك ، ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أم عن عمد ، ليضل بذلك أهل الإسلام؟ أم عن جهل باللغة التي تنبهتما لها أنتما؟

ولا بدّ من أحد هذه الوجود ضرورة لا محيد عنها ، وكلها كفر مجرد ، ولا بدّ لهم من أحدها أو ترك ما قالوه من الكذب على الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) تقدم تخريجه.

هذا ودعواهم في ذلك ظاهرة الكذب بلا دليل ، ولا يرضى بهذا لنفسه عاقل.

قال أبو محمد : الاسم غير المسمّى ، فهو شيء ثالث غير الاسم وغير المسمى ، فذات الخالق تعالى هي الله المسمّى. والتسمية : هي تحريكنا عضل الصدر واللسان عند نطقنا بهذه الحروف وهي غير الحروف ، لأن الحروف هي الهواء المندفع بالتحريك فهو المحرّك بفتح الراء ، والإنسان هو المحرّك بكسر الرّاء ، والحركة هي فعل المحرّك في دفع المحرّك ، وهذا أمر معلوم بالحس ، مشاهد بالضرورة ، متفق عليه في جميع اللغات.

واحتجوا أيضا بقول الله تعالى : (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) [سورة مريم : ٧].

وهذا نص لا يحتمل تأويلا في أن الاسم هو (الياء والحاء والياء والألف) ولو كان الاسم هو المسمى لما عقل أحد معنى قوله تعالى : (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) ولا فهم ، ولكان فارغا حاشا لله من هذا. ولا خلاف في أن معناه لم يعلق هذا الاسم على أحد قبله.

وذكروا أيضا قول الله عزوجل عن نفسه : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [سورة مريم : ٦٥] وهذا نص جليّ على أن أسماء الله تعالى التي اختص بها لا تقع على غيره ، ولو كان ما يدعونه لما عقل هذا اللفظ أحد أيضا ، حاشا لله من هذا.

واحتجوا أيضا بقول الله تعالى : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [سورة الصف : ٦] وهذا نص على أن الاسم هو (الألف ، والحاء ، والميم ، والدال) إذا اجتمعت. واحتجوا أيضا بقول الله عزوجل : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، إلى قوله : (قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ) [سورة البقرة : ٣١ ـ ٣٣].

وهذا نصّ جليّ على أن الأسماء كلها غير المسمّيات ، لأن المسميات كانت أعيانا قائمة ، وذوات ثابتة ، تراها الملائكة ، وإنما جهلت الأسماء فقط التي علمها الله آدم ، وعلمها آدم الملائكة ، وذكروا قول الله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [سورة الإسراء : ١١٠].

وهذا ما لا حيلة لهم فيه ، لأن لفظة (الله) هي غير لفظة (الرحمن) بلا شك وهي بنص القرآن أسماء الله تعالى. والمسمّى واحد لا يتغاير بلا شك.

وذكروا قول الله عزوجل : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) [سورة الأنعام : ١٢١]. وهذا بيان أيضا جليّ مجمع عليه من أهل الإسلام أن الذي عنده التذكية فهو الكلمة المجموعة من الحروف المقطعة ، مثل (الله الرحمن الرحيم) وسائر أسمائه عزوجل.

واحتجوا من الإجماع بأن جميع أهل الإسلام لا نحاشي منهم أحدا قد أجمعوا على القول بأن من حلف باسم من أسماء الله عزوجل فحنث فعليه الكفارة ، ولا خلاف في أن ذلك لازم فيمن قال والله ، أو والرحمن أو والصّمد ، أو أي اسم من أسماء الله عزوجل حلف بها ، وسبحان من خلق عقولا لا يدخل فيها تخطئة ما جاء به الله عزوجل في القرآن ، وما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما أجمع عليه أهل الإسلام وما أصفق عليه أهل الأرض قاطبة من أن الاسم هو الكلمة المجموعة من الحروف المقطعة ، وتصويب الباقلاني ، وابن فورك ، في أن ذلك ليس هو الاسم وإنما هو التسمية ، والحمد لله الذي لم يجعلنا من أهل هذه الصفة المرذولة ولا من هذه العصابة المخذولة. واحتجوا أيضا بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا أرسلت كلبك فذكرت اسم الله فكل» (١) فصح أن اللفظ المذكور هو اسم الله تعالى. وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن له أسماء هي أحمد ، ومحمد ، والعاقب ، والحاشر ، والماحي. فيا لله ويا للمسلمين أيجوز أن يظن ذو مسكة عقل أن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمس ذوات؟ تبارك الذي يخلق ما لا نعلم.

وذكروا قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «تسمّوا باسمي ولا تكنوا بكنيتي» (٢). فصح أن الاسم هو الميم والحاء والميم والدال بيقين لا شك فيه. واحتجوا بقول عائشة رضي الله عنها بحضرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد قال لها عليه‌السلام : «إذا كنت راضية عنّي قلت لا وربّ محمّد ، وإذا كنت ساخطة قلت لا وربّ إبراهيم» قالت : أجل يا رسول الله ما أهجر إلّا اسمك (٣). فلم ينكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليها هذا القول ، فصح أن اسمه غيره بلا شك لأنها لم تهجر ذاته وإنما هجرت اسمه. واحتجّوا أيضا بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أحب الأسماء إلى الله عزوجل عبد الله وعبد الرحمن ، وأصدق الأسماء همام

__________________

(١) رواه البخاري في الذبائح (باب ١ و ٢ و ٩) ومسلم في الصيد (حديث ٣ ـ ٦) وأبو داود في الأضاحي (باب ٢٢) والنسائي في الصيد (باب ٦ و ٧ و ٨) والدارمي في الصيد (باب ١) وأحمد في المسند (٤ / ٢٥٦ ، ٣٨٠).

(٢) رواه البخاري في العلم (باب ٣٨) والمناقب (باب ٢٠) والخمس (باب ٧) والبيوع (باب ٤٩) والأدب (باب ١٠٦ ، ١٠٩) ومسلم في الأدب (حديث ١ ، ٣ ، ٤ ، ٥ ، ٨) وأبو داود في الأدب (باب ٦٦) وابن ماجة في الأدب (باب ٣٣) ، والدارمي في الاستئذان (باب ٥٨) وأحمد في المسند (٢ / ٢٤٨ ، ٢٦٠ ، ٢٧٠ ، ٢٧٧ ، ٣١٢ ، ٣٩٣ ، ٣٩٥ ، ٤٥٥ ، ٤٥٧ ، ٤٦١ ، ٤٧٠ ، ٤٧٨ ، ٤٩١ ، ٤٩٩ ، ٥١٩ ، ٣ / ١١٤ ، ١٢١ ، ١٧٠ ، ١٨٩ ، ٢٩٨ ، ٣٠١ ، ٣٠٣ ، ٣١٣ ، ٣٦٩ ، ٣٧٠ ، ٣٨٥).

(٣) رواه البخاري في النكاح (باب ١٠٨) والأدب (باب ٦٣) ومسلم في فضائل الصحابة ،

والحارث ...» (١) وروي : «أكذبها خالد ، ومالك» ، وهذا كله سبق أن الاسم غير المسمى ، فقد يسمى عبد الله وعبد الرحمن من يبغضه الله عزوجل ، وقد يسمى من يكون كذّابا الحارث وهماما ، ويسمى الصادق خالدا ومالكا ، فهم بخلاف أسمائهم. واحتجوا أيضا بأن قالوا قد أجمعت الأمم كلها على أنه إذا سئل المرء ما اسمك؟ قال : فلان فإذا قيل له كيف سميت ابنك وعبدك؟ قال : سميته فلانا ، فصح أن تسميته هي اختياره وإيقاعه ذلك الاسم على المسمى فصح يقينا أن التسمية غير الاسم وغير المسمى ، وأن الاسم غير المسمى. واحتجوا من طريق النظر بأن قالوا إنهم يقولون إن اسم الله تعالى هو الله نفسه ، ثم لا يسألون بأن يقولوا أسماء الله تعالى مشتقة من صفاته فعليم مشتق من علم ، وقدير من قدرة ، وحيّ من حياة ، فإذا اسم الله هو الله ، واسم الله مشتق ، فالله تعالى على قولكم مشتق وهذا كفر بارد ، وكلام سخيف لا مخلص لهم فيه ، فصحت البراهين المذكورة من القرآن والسنن ، والإجماع والعقل ، واللغة والنحو ، على أن الاسم غير المسمى بلا شك. ولقد أحسن أحمد بن حداد ما شاء أن يحسن إذ يقول :

هيهات يا أخت آل بما غلطت

في الاسم والمسمى

لو كان ذاك وقيل سم

مات إذن من يقول سما

قال أبو محمد : وبلغني وأخبرني أبو عبد الله القطان السابح أنّه شاهد بعضهم قد كتب الله في سحاءة وجعل يصلي إليها قال فقلت له : ما هذا ...؟ قال : معبودي. قال : فنفخت فيها فطارت فقلت له قد طار معبودك قال فضربني.

قال أبو محمد : وموهوا فقالوا فأسماء الله عزوجل إذن مخلوقة إذ هي كثيرة ، وإذ هي غير الله تعالى؟ قلت لهم وبالله تعالى التوفيق : إن كنتم تعنون الأصوات التي هي حروف الهجاء والمخطوط به في القرطاس فما يختلف مسلمان في أن كل ذلك مخلوق ، وإن كنتم تريدون الإيهام والتمويه بإطلاق الخلق على الله تعالى فمن أطلق ذلك فهو كافر ، بل إن أشار مشير إلى كتاب مكتوب فيه «الله» أو بعض أسماء الله تعالى أو إلى كلامه إذ قال يا الله وقال بعض أسمائه عزوجل فقال أهذا مخلوق أو أهذا ليس ربكم أو تكفرون بهذا ...؟ لما حل لمسلم إلا أن يقول حاشى لله من أن

__________________

(حديث ٨٠) وأحمد في المسند (٦ / ٦١).

(١) رواه البخاري في الأدب (باب ١٠٥ ، ١٠٦) ومسلم في الأدب (حديث ٢) وابن ماجة في الأدب (باب ٣٠) والترمذي في الأدب (باب ٦٤) والدارمي في الاستئذان (باب ٢٠) وأحمد في المسند (٢ / ٢٤ ، ١٢٨).

يكون مخلوقا بل هو ربّي وخالقي ، أؤمن به ولا أكفر به ، ولو قال غير هذا لكان كافرا حلال الدم لأنه لا يمكن أن يسأل عن ذات البارى تعالى ولا عن الذي هو ربنا عزوجل وخالقنا والذي هو المسمى بهذه الأسماء ، ولا إلى الذي يخبر عنه ولا إلى الذي يذكر ألا يذكر أسمه ولا بد ، فلما كان الجواب في هذه المسألة يموهه أهل الجهل بإيصال ما لا يجوز إلى ذات الله عزوجل لم يجز أن يطلق الجواب في ذلك البتة إلا بتقسيم كما ذكرنا ، وكذلك لو كتب إنسان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم أو نطق بذلك ثم قال لنا هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أم ليس رسول الله؟ وأ تؤمنون بهذا أو تكفرون به ..؟ لكان من قال ليس رسول الله وأنا أكفر به كافرا حلال الدم بإجماع أهل الإسلام ، لكن يقول بل هو رسول الله ، ونحن نؤمن به. ولا يختلف اثنان في أن الصوت المسموع والخط المكتوب ، ليس هو الله ولا رسول الله ، وبالله تعالى التوفيق.

فإن قالوا : إن أحمد بن حنبل ، وأبا زرعة عبيد الله بن عبد الكريم ، وأبا حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الراوين رحمهم‌الله يقولون إن الاسم هو المسمى. قلنا لهم : إن هؤلاء رضي الله عنهم وإن كانوا من أهل السنة ومن أئمتنا فليسوا معصومين من الخطأ ، ولا أمرنا الله تعالى عزوجل بتقليدهم واتباعهم في كل ما قالوه ، وهؤلاء رحمهم‌الله أراهم اختيار هذا القول قولهم الصحيح أن القرآن هو المسموع من القراء ، والمخطوط في المصاحف نفسه ، وهذا قول صحيح ولا يوجب أن يكون الاسم هو المسمى على ما قدمنا في هذا الباب ، وفي باب الكلام في القرآن ، والحمد لله رب العالمين ، وإنما العجب كله ممن قلب الحق وفارق هؤلاء المذكورين حيث أصابوا وحيث لا يحل خلافهم وتعلق بهم حيث وهموا ، من هؤلاء المنتمين إلى الأشعري ، القائلين بأن القرآن لم ينزل قط إلينا ولا سمعناه قط ، ولا نزل به جبريل قط على قلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأن الذي في المصاحف هو شيء آخر غير القرآن ، ثم أتبعوا هذه الكفرة الصلعاء بأن قالوا : إن اسم الله هو الله وأنه ليس لله إلا اسم واحد ، وكذّبوا الله تعالى ورسوله في أن لله أسماء كثيرة تسعة وتسعين ونعوذ بالله من الخذلان.

قال أبو محمد : ولو أن إنسانا يشير إلى كتاب مكتوب فيه الله ، فقال هذا ليس ربي وأنا كافر بهذا لكان كافرا ، ولو قال هذا المداد ليس ربي وأنا كافر بربوبية هذا الصوت لكان صادقا ، وهذا لا ينكر وإنما نقف حيث وقفنا. ولو أن إنسانا قال محمد رسول الله رحمه‌الله لم يبعد من الاستخفاف ، فلو قال اللهم ارحم محمدا وآل محمد لكان محسنا. ولو أن إنسانا يذكر من أبويه العضو المستور باسمه عاقّا أتى كبيرة وإن كان صادقا ، وبالله تعالى التوفيق.

الكلام في قضايا النجوم والكلام في هل يعقل

الفلك والنجوم أم لا

قال أبو محمد : زعم قوم أن الفلك والنجوم تعقل وأنها ترى وتسمع ، ولا تذوق ولا تشم ، وهذه دعوى بلا برهان ، وما كان هكذا فهو باطل مردود عند كل طائفة بأول العقل ، إذ ليست أصح من دعوى أخرى تضادها وتعارضها ، وبرهان صحة الحكم بأن الفلك والنجوم لا تعقل أصلا : هو أن حركاتها أبدا على رتبة واحدة لا تتبدل عنها وهذه صفة الجماد المدبّر الذي لا اختيار له. فقالوا : الدليل على هذا أن الأفضل لا يختار إلا أفضل العمل. فقلنا لهم : ومن أين لكم بأن الحركة أفضل من السكون الاختياري؟ لأننا وجدنا الحركة حركتين ، حركة اختيارية واضطرارية ، ووجدنا السكون سكونين اختياريا واضطراريا ، فلا دليل على أن الحركة الاختيارية أفضل من السكون الاختياري ، ثم من أين لكم بأن الحركة الدورية أفضل من سائر الحركات يمينا أو يسارا أو أمام أو وراء؟ ثم من أين لكم بأن الحركة من شرق إلى غرب كما يتحرك الفلك الأكبر أفضل من الحركة من غرب إلى شرق ، كما تتحرك سائر الأفلاك وجميع الكواكب ، فلاح أن قولهم مخرفة فاسدة ، ودعوى كاذبة مموهة.

قال بعضهم : لمّا كنّا نحن نعقل وكانت الكواكب تدبرنا كانت أولى بالعقل والحياة منّا. فقلنا : هاتان دعوتان مجموعتان في نسق ، إحداهما القول بأنها تدبرنا فهي دعوى كاذبة بلا برهان على ما نذكره بعد هذا إن شاء الله ، والثانية الحكم بأن من يدبرنا أحق بالعقل والحياة منا ، فقد وجدنا التدبير يكون طبيعيا ويكون اختياريا ، فلو صح أنها تدبرنا لكان تدبيرا طبيعيا كتدبير الغذاء لنا ، وكتدبير الهواء والماء لنا ، وكل ذلك ليس حيّا ولا عاقلا بالمشاهدة. وقد أبطلنا الآن أن يكون تدبير النجوم اختياريا بما ذكرنا من جريها على حركة واحدة ورتبة واحدة ، لا تنتقل عنها أصلا. وأما القول بقضايا النجوم فإنا نقول في ذلك قولا لائحا ظاهرا إن شاء الله تعالى.

قال أبو محمد : أما معرفة قطعها في أفلاكها وآحاد ذلك ومطالعها ، وأبعادها ، وارتفاعاتها واختلاف مراكز أفلاكها ، فعلم حسن صحيح رفيع يشرف به الناظر فيه على

عظيم قدرة الله عزوجل ، وعلى يقين تأثيره وصنعته واختراعه تعالى للعالم وما فيه ، الذي يضطر كل ذلك إلى الإقرار بالخالق ولا يستغنى عن ذلك في معرفة القبلة وأوقات الصلوات ، وينتج من هذا معرفة رؤية الأهلة لفرض الصوم والفطر والكسوفين ، برهان ذلك قول الله عزوجل : (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ) [سورة المؤمنين : ١٧] وقال تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [سورة يس : ٣٩ ، ٤٠] وقال تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) [سورة البروج : ١]. وقال تعالى : (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) [سورة يونس : ٥].

وهذا هو نفس ما قلناه وبالله تعالى التوفيق.

وأما القضاء بها : فالقطع به خطأ لما نذكره إن شاء الله تعالى. وأهل القضاء ينقسمون قسمين أحدهما : القائلون بأنها والفلك عاقلة مميزة فاعلة مدبرة دون الله تعالى أو معه ، وأنها لم تزل. فهذه الطائفة كفار مشركون حلال دماؤهم وأموالهم بإجماع الأمة ، وهؤلاء عنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ يقول : «إن الله عزوجل قال : أصبح من عبادي كافر بي مؤمن بالكوكب» (١).

وفسره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنه القائل مطرنا بنوء كذا وكذا. وأما من قال بأنها مخلوقة وأنّها غير عاقلة لكن الله عزوجل خلقها وجعلها دلائل على الكوائن فهذا ليس كافرا ولا مبتدعا ، وهذا هو الذي قلنا فيه إنه خطأ ، لأن قائل هذا إنما يحيل على التجارب فما كان من تلك التجارب ظاهرا إلى الحسّ كالمد والجزر الحادثين عند طلوع القمر واستوائه وأفوله وامتلائه ونقصانه ، وكتأثيره القمر في قتل الدّابة الدبرة إذا لاقى الدبرة ضوؤه وكتأثير في القرع والقثاء المسموع لنموها مع القمر صوت قوي ، وكتأثيره في الدماغ والدم والشعر ، وكتأثير الشمس في عطش الحر وتصعيد الرطوبات ، وكتأثيرها في أعين السنانير بين غدوة ونصف النهار وبالعيش ونصف الليل وسائر ما يوجد حسّا فهو حق لا يدفعه ذو حسّ سليم ، فكل ذلك خلق الله عزوجل فهو خلق القوى وما يتولد منها وما يوجد بها كما قال تعالى : (فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها)

__________________

(١) رواه البخاري في الأذان باب ١٥٦ ، والاستسقاء باب ٢٨ ، والمغازي باب ٣٥. ومسلم في الإيمان حديث ١٢٥ ، وأبو داود في الطب باب ٢٢. ومالك في الاستسقاء حديث ٤. وأحمد في المسند (٤ / ١١٧).

[سورة فاطر : ٩](فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) [سورة الأعراف : ٥٧](فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) [سورة ق : ٩].

وأما ما كان من تلك التجارب خارجا عما ذكرنا فهي دعاوى لا تصح لوجوه : أحدها أن التجربة لا تصح إلا بتكرّر كثير موثوق بدوامه تضطر النفوس إلى الإقرار به ، كاضطرارنا إلى الإقرار بأن الإنسان إن بقي ثلاث ساعات تحت الماء مات ، وإن أدخل يده في النار احترق ، ولا يمكن هذا في القضاء بالنجوم لأن النصب الدالة عندهم على الكائنات لا تعود إلا في عشرات الآلاف من السنين لا سبيل إلى أن تصح فيها تجربة ولا إلى أن تبقى دورة تراعي تكرار تلك الأدوار ، وهذا برهان مقطوع به على بطلان دعواهم في صحة القضاء بدلائل النجوم.

وبرهان آخر : وهو أن شروطهم في القضاء لا يمكنهم الإحاطة بها أصلا من معرفة مواقع السهام ، ومطارح الشعاعات ، وتحقيق الدرج النيرة والمظلمة والآثار ، والكواكب السارية وسائر شروطهم التي يقرون أنه لا يصح القضاء إلا بتحقيقها.

وبرهان ثالث : وهو أنه ما دام يشتغل المعدّل في تعديل كوكب زلّ عنه سائر الكواكب ولو دقيقة ولا بد ، وفي هذا فساد القضاء بإقرارهم.

وبرهان رابع : وهو ظهور يقين الباطل في دعواهم إذ جعلوا طبع زحل البرد واليبس ، وطبع المريخ الحر واليبس ، وطبع القمر البرد والرطوبة ، وهذا الصفات إنما هي للعناصر التي دون فلك القمر ، وليس شيء منها في الأجرام العلوية لأنها خارجة عن محل حوامل هذه الصفات ، والأعراض لا تتعدى حواملها ، والحوامل لا تتعدى مواضعها التي رتبها الله فيها.

وبرهان خامس : وهو ظهور كذبهم في قسمتهم الأرض على البروج والدراري ، ولسنا نقول في المدن التي يمكنهم فيها دعوى أن بناءها كان في طالع كذا ، ونصبة كذا ، لكن في الأقاليم والقطع من الأرض التي لم يتقدم كون بعضها كون بعض فظهر كذبهم فيما عليه بنوا قضاياهم في النجوم ، وكذلك قسمتهم أعضاء الجسم والفلزات على الدراري أيضا.

وبرهان سادس : أننا نرى نوعا وأنواعا من أنواع الحيوان قد فشا فيها الذبح ، فلا يكاد يموت شيء منها إلا مذبوحا كالدجاج ، والحمام ، والضأن والمعز والبقر التي لا يموت حتف أنفه إلا في غاية الشذوذ ، ونوعا وأنواعا لا تكاد تموت إلا حنف أنوفها كالحمر ، والبغال ، وكثير من السباع ، وبالضرورة يدري كل أحد أنها قد تستوي أوقات

ولاداتها فبطل قضاؤهم بما يوجب الموت الطبيعي ، وبما يوجب الموت الكرهي ، لاستواء جميعها في الولادات واختلافها في أنواع المنايا.

وبرهان سابع : وهو أننا نرى الخصاء فاشيا في سكان الإقليم الأول وسكان الإقليم السابع ولا سبيل إلى وجوده البتة في سكان سائر الأقاليم ، ولا شك ولا مرية في استوائهم في أوقات الولادة فبطل يقينا قضاؤهم بما يوجب الخصاء وبما لا يوجبه بما ذكرنا من تساو في أوقات التكون والولادة واختلافهم في الحكم ، ويكفي من هذا أن كلامهم في كل ذلك دعوى بلا برهان ، وما كان هكذا فهو باطل مع اختلافهم فيما يوجبه الحكم عندهم ، والحق لا يكون في قولين مختلفين. وأيضا : فإن المشاهدة توجب أننا قادرون على مخالفة أحكامهم متى أخبرونا بها فلو كانت حقا وحتما ما قدر أحد على خلافها وإذا أمكن خلافها فليست حقا ، فصح أنها تخرّص كالطرق بالحصى والضرب بالحب ، والنظر في الكف والزجر والطيرة وسائر ما يدعي أهله فيه تقديم المعرفة بلا شك ، وما يحصى ما شاهدناه وما صح عندنا مما حققه حذاقهم من التعديل في الموالد ، والمناخات ، وتحاويل السنين ثم قضوا به فأخطئوا وما تقع إصابتهم من خطأهم إلا في جزء يسير ، فصح أنه تخرص لا حقيقة فيه لا سيما دعواهم في إخراج الضمير فهو كله كذب لمن تأمله ، وبالله تعالى التوفيق.

وكذلك قولهم في الغيبيات أيضا ولو أمكن تحقيق تلك التجارب في كل ما ذكرنا لصدقناها وما يبدو منها ولم يكن ذلك علم غيب لأن كلّ ما قام عليه دليل من خط أو كف أو زجر أو تطير فليس غيبا لو صح وجه كل ذلك ، وإنما الغيب وعلمه : فهو أن يخبر المرء بكائنة من الكائنات دون صناعة أصلا من شيء مما ذكرنا ولا من غيره فيصيب الجزئي والكلي ، وهذا لا يكون إلا لنبي وهي معجزة حينئذ. وأما الكهانة فقد بطلت بمجيء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان هذا من أعلامه وآياته وبالله تعالى التوفيق.

الكلام في خلق الله تعالى للشيء أهو المخلوق نفسه أم غيره ...؟

وهل فعل من دون الله تعالى هو المفعول أم غيره ...؟

قال أبو محمد : ذهب قوم إلى أن خلق الشيء هو غير الشيء المخلوق ، واحتج هؤلاء بقول الله عزوجل : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) [سورة الكهف : ٥١].

قال أبو محمد : ولا حجة لهم في هذه الآية لأن الإشهاد هاهنا هو الإحضار بالمعرفة ، وهذا حق لأن الله تعالى لم يحضرنا عارفين ابتداء خلق السماوات والأرض وابتداء أنفسنا ، ووجدنا من قال : إن خلق الشيء هو الشيء نفسه يحتج بقول الله عزوجل : (هذا خَلْقُ اللهِ) [سورة لقمان : ١١] الآية.

وهذه إشارة إلى جميع المخلوقات فقد سمى الله تعالى جميع المخلوقات كلها خلقا له ، وهذا برهان لا يعارض.

قال أبو محمد : ثم نسأل من قال إن خلق الشيء غير الشيء ، فنقول له : أخبرنا عن خلقه الله تعالى لما خلق أمخلوق هو أيضا أم غير مخلوق؟ ولا بد من أحد الأمرين فإن قالوا : هو غير مخلوق أوجبوا بإزاء كل مخلوق شيئا موجودا غير مخلوق ، وهذا مضاهاة لقول الدّهرية ، والبرهان قد قام بخلاف هذا. وقال عزوجل : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) [سورة الفرقان : ٢].

وإن قالوا : بل خلق الله تعالى لما خلق مخلوق ، قلنا : خلقه تعالى لذلك الخلق أبخلق أم بغير خلق؟ فإن قالوا بغير خلق قيل لهم من أين قلتم إن خلقه الأشياء بخلق هو غير المخلوق وقلتم في خلقه لذلك الخلق إنه بغير خلق؟ وهذا تخليط. وإن قالوا : بل خلقه بخلق. سألناهم أبخلق هو هو أو بخلق هو غيره؟ وهكذا أبدا فإن وقفوا في شيء من ذلك فقالوا : خلقه هو هو سألناهم عن الفرق بين ما قالوا إن خلقه هو غيره وبين ما قالوا إن خلقه هو هو. فإن تمادوا وأخرجوا إلى الوجود أشياء لا نهاية لها فهذا محال ممتنع. وقد قطع بهذا معمّر بن عمرو العطار ، أحد رؤساء المعتزلة ، وسنذكر كلامه بعد هذا إن شاء الله تعالى متصلا بهذا الباب وبالله تعالى نتأيد. وأيضا فإن

الجميع يطبقون على أن الله عزوجل خلق ما خلق بلا معاناة ، فإذ لا شكّ في ذلك فقد صح يقينا أنه لا واسطة بين الله وبين ما خلق ، ولا ثالث في الوجود غير الخالق والمخلوق ، وخلق الله تعالى ما خلق حق موجود ، وهذا بلا شك مخلوق وهو بلا شك ليس هو الخالق فهو المخلوق نفسه بيقين لا شك فيه ، إذ لا ثالث هاهنا أصلا وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : وكل من دون الله تعالى يفعله هو مفعوله نفسه لا غير لأنه لا يفعل أحد دون الله تعالى إلا حركة أو سكونا أو تأثيرا أو معرفة أو فكرة أو إرادة ، ولا مفعول لشيء دون الله تعالى إلا ما ذكرنا فهي مفعولات الفاعلين وهي أفعال الفاعلين ولا فرق ، وما عدا هذا فإنما هو مفعول فيه كالمضروب والمقتول ، أو مفعول به كالسوط والإبرة وما أشبه ذلك ، أو مفعول له كالمطاع والمخدوم ، أو مفعول من أجله كالمكسوب والمحبوب فهذه أوجه المفعولات.

قال أبو محمد : وأما سائر أفعال الله تعالى فبخلاف ما قلنا في الخلق ، بل هي غير المفعول فيه ، أو له ، أو به ، أو من أجله ، وذلك كالإحياء فهو غير المحيا بلا شك ، وكلاهما مخلوق لله تعالى وخلقه تعالى لكل ذلك هو المخلوق نفسه كما قلنا ، وكالإماتة فهي غير الممات ولو كان غير هذا أو كان الإحياء هو المحيا ، والإماتة هي الممات ، وبيقين ندري لو أن المحيا هو الممات نفسه لوجب أن يكون الإحياء هو الإماتة ، وهذا محال. وكالإبقاء هو غير المبقى للبرهان الذي ذكرنا ، وبيقين ندري أن الشيء غير أعراضه التي هي قائمة به وقتا ، وفانية عنه تارة ، وبالله تعالى التوفيق.

الكلام في البقاء والفناء

والمعاني التي يدّعيها معمّر والأحوال التي تدّعيها الأشعرية ، وهل المعدوم شيء أم ليس شيئا ..؟ ومسألة الأجزاء وهل يتجدد خلق الله تعالى للأشياء أم لا يتجدد ..؟

قال أبو محمد : ذهب قوم إلى أن البقاء والفناء صفتان للباقي والفاني ، لا هما الباقي ولا الفاني ولا هما غير الباقي والفاني.

قال أبو محمد : وهذا قول في غاية الفساد لأن القضية الثانية تنقض الأولى ، والأولى تنقض الثانية ، لأنه إذا قال : ليست هي هو فقد أوجب أنها غيره ، وإذا قال ليست غيره فقد أوجب أنه هو ، وهذا تناقض ظاهر ، وأيضا فإنه لا فرق بين قول القائل : ليس هو هو ولا غيره ، وبين قوله هو هو وهو غيره ، والمعنى في كلتا القضيتين سواء. وأيضا فلو كان البقاء ليس هو الباقي ولا هو غيره ، والفناء ليس هو الفاني ، ولا هو غيره ، والباقي هو الفاني نفسه ، والباقي ليس هو الباقي ولا هو غيره ، وهذا يزيد من الجنون ومن التناقض. وذهب معمّر إلى أن الفناء صفة قائمة بغير الفاني.

قال أبو محمد : وهذا تخليط لا يعقل ولا يتوهم ولا يقوم عليه دليل أصلا ، وما كان هكذا فهو باطل. والحقيقة في ذلك ظاهرة وهي أن البقاء هو وجود الشيء وكونه ثابتا قائما مدة زمان ما فإذ هو قائم كذلك فهو صفة موجودة في الباقي ، محمولة فيه ، قائمة به موجودة بوجوده فانية بفنائه ، وأما الفناء فهو عدم الشيء وبطلانه جملة وليس هو شيئا أصلا والفناء المذكور ليس موجودا في شيء البتة من الجواهر وإنما هو عدم العرض فقط كحمرة الخجل إذا ذهبت ، عبّر عن المعنى المراد بالإخبار عن ذهابها بلفظة الفناء ، وكالغضب يفنى ويعقبه رضى وما أشبه ذلك. ولو شاء الله أن يعدم الجواهر لقدر على ذلك ولكنه لم يوجد ذلك إلى الآن ولا جاء به نص فنقف عنده فالفناء عدم كما قلنا.

الكلام في المعدوم أهو شيء أم لا

قال أبو محمد رضي الله عنه : وقد اختلف الناس في المعدوم أهو شيء أم لا؟ فقال أهل السنة وطوائف من المرجئة كالأشعرية وغيرهم ليس شيئا ، وبه يقول هشام بن عمرو الفوطي ، أحد شيوخ المعتزلة ، وقال سائر المعتزلة المعدوم شيء. وقال عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط أحد شيوخ المعتزلة : إن المعدوم جسم في حال عدمه ، إلا أنه ليس متحركا ولا ساكنا ولا مخلوقا ولا محدثا في حال عدمه.

قال أبو محمد : واحتج من قال إن المعدوم شيء بأن قالوا : قال الله عزوجل (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) [سورة الحج : ١].

فقالوا : فقد أخبر الله عزوجل بأنها شيء وهي معدومة ، ومن الدليل على أن المعدوم شيء أنه يخبر عنه ، ويوصف ، ويتمنى ، ومن المحال أن يكون ما هذه صفته ليس شيئا.

قال أبو محمد : أما قول الله عزوجل : (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) فإن هذه القضية موصولة بقوله تعالى : (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى).

فإنما تم الكلام عند قوله (يَوْمَ تَرَوْنَها) ، فصح أن زلزلة الساعة يوم ترونها شيء عظيم ، وهذا هو قولنا. ولم يقل تعالى قط إنها الآن شيء عظيم. ثم أخبر تعالى بما يكون يومئذ من ذهول المرضعات ، ووضع الأحمال وكون الناس سكارى من غير خمر ، فبطل تعلقهم بالآية. وما نعلم أنهم شغبوا بشيء غيرها. وأما قولهم إن المعدوم يخبر عنه ويوصف ويتمنى ويسمّى به ، فجهل شديد وظن فاسد ، وذلك أن قولنا في شيء نذكر أنه معدوم ونخبر عنه أنه معدوم ، ويتمنى به إنما هو أن يذكر اسم ما فذلك الاسم موجود وبلا شك يعرف ذلك بالحس كقولنا العنقاء وابن آوى وحبير وابن عرس ونبوة مسليمة ، وما أشبه ذلك. ثم كل اسم ينطق به ويوجد ملفوظا أو مكتوبا فإنه ضرورة لا بد له من أحد وجهين إما أن يكون له مسمى وإما أن يكون ليس له مسمى ، فإن كان له مسمى فهو موجود وهو شيء حينئذ وإن كان ليس له مسمى فإخبارنا بالمعدوم ،

وتمنينا للمريض الصحة إنما هو إخبار عن ذلك الاسم الموجود وأنه ليس له مسمى ولا تحته شيء وتمنّ منّا لأن يكون تحته مسمى ، فهكذا هو الأمر لا كما ظنه أهل الجهل ، فصح أن المعدوم لا يخبر عنه ولا يتمنى. ونسألهم عمن قال ليت لي ثوبا أحمر ، وغلاما أسود. أخبرونا هل الثّوب المتمنّى به عندكم أحمر أم لا؟ فإن أثبتوا معنى وهو الثوب أثبتوا عرضا محمولا فيه وهو الحمرة ، فوجب أن المعدوم يحمل الأعراض. وإن قالوا لم يتمن شيئا أصلا ، صدقوا وصح أن المعدوم لا يتمنى لأنه ليس شيئا. ولا فرق بين قول القائل تمنيت لا شيء وبين قوله لم أتمن شيئا بل هما متلائمان بمعنى واحد. وهذا أيضا يخرّج على وجه آخر ، وهو أن يتمنى شيئا موجودا في العالم كثوب موجود أو غلام موجود ، وأما من أخرج لفظة التمنّي لما ليس في العالم فلم يتمن شيئا. وأما قولهم يوصف فطريق عجب جدّا لأن معنى قول القائل يوصف إخبار بأن له صفة محمولة فيه موجودة به ، فليت شعري كيف يحمل المعدوم الصفات من الحمرة والخضرة ، والقوة والطول العرض؟ إن هذا لعجب جدا فظهر فساد ما موّهوا به والحمد لله رب العالمين.

قال أبو محمد : فإذا قد عري قولهم من الدليل فقد صح أنه دعوى كاذبة ثم نقول وبالله تعالى التوفيق : من البرهان على أن المعدوم اسم لا يقع على شيء أصلا قول الله عزوجل : (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) [سورة مريم : ٩] وقوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) [سورة الإنسان : ١] وقوله تعالى : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) [سورة الفرقان : ٢] وقال عزوجل : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [سورة القمر : ٤٩].

فيلزمهم ولا بد إن كان المعدوم شيئا أن لا يكون مخلوقا بعد ، وهم لا يختلفون في أن المخلوق موجود وقد وجد وقتا من الدهر ، فالمعدوم على هذا موجود وقد كان موجودا وهذا خلاف قولهم ، وهذا غاية البيان في أن المعدوم ليس شيئا.

قال أبو محمد : ونسألهم ما معنى قولنا شيء؟ فلا يجدون بدّا من أن يقولوا : إنه الموجود وأن يقولوا : هو كل ما يخبر عنه ، فإن قالوا هو الموجود صاروا إلى الحق ، وإن قالوا هو كل ما يخبر عنه قلنا لهم : إن المشركين يخبرون عن شريك لله عزوجل قال تعالى : (أَيْنَ شُرَكائِيَ) [سورة النحل : ٢٧].

قال أبو محمد : وهذا معدوم لا مدخل له في الحقيقة ، واسم لا مسمى تحته ، فإن قالوا : إن شركاء الله تعالى أشياء كانوا قد أفحشوا ، وأيضا فإنه قد اتفقت جميع

الأمم لا نحاشي أمة على القول إن المعدوم ليس شيئا أو لا شيء ، أو ما يعبر به في كل لغة عن شيء وعن لا شيء إلا أن المعنى واحد ، فلو كان المعدوم شيئا لكان ما اجتمعوا عليه بلا شيء وليس شيئا ولم يكن شيئا باطلا ، وهذا رد على جميع عقول أهل الأرض مذ كانوا إلى أن يفنى العالم ، فصح أن الموجود هو الشيء فإذ هو الشيء فبضرورة العقل ندري أن اللاشيء هو المعدوم. ثم نسألهم : أيقولون إن المعدوم عظيم أو صغير أو حسن أو قبيح أو طويل أو قصير أو ذو لون في حال عدمه؟ فإن أبوا من هذا تناقض قولهم وسئلوا عن الفرق بين قولهم إنه شيء وبين قولهم إنه حسن أو قبيح أو صغير أو كبير ، وكيف قالوا إنه شيء ثم قالوا إنه ليس حسنا ولا قبيحا ولا صغيرا ولا كبيرا؟ فإن قالوا : نعم أوجبوا أن المعدوم يحمل الأعراض والصفات ، وهذا تخليط ناهيك به. وسئلوا في ما ذا يحمل الصفات أفي ذاته أو في ما ذا ....؟ فإن قالوا في ذاته أوجبوا أن له ذاتا وهذه صفة الموجودة ضرورة. وإن قالوا بل يحمل الصفات في غيره كان ذلك أيضا عجبا زائدا ومحالا لا خفاء به.

قال أبو محمد : ونسألهم هل الإيمان موجود من أبي جهل أو معدوم؟ فإنّ قولهم بلا شك إنه معدوم منه ، فنسألهم عن إيمان أبي جهل المعدوم أحسن هو أم قبيح؟ فإن قالوا : لا حسن ولا قبيح قلنا لهم : أيكون يعقل إيمان ليس حسنا؟ هذا عظيم جدّا وإن قالوا بل هو حسن أوجبوا أنه حامل للحسن. وكذلك نسألهم عن الكفر المعدوم من الأنبياء عليهم‌السلام أقبيح هو أم لا؟ فإن قالوا : لا ، أوجبوا كفرا ليس قبيحا ، وإن قالوا : بل هو قبيح أوجبوا أن المعدوم يحمل الصفات. ونسألهم عن ولد العقيم المعدوم منه أصغير هو أم كبير أم عاقل أم أحمق؟ فإن منعوا من وجود شيء من هذه الصفات له كان عجبا أن يكون ولد لا صغير ولا كبير ولا حي ولا ميت ، وإن وصفوه بشيء من هذه الصفات أتوا بالزيادة من المحال. ونسألهم عن الأشياء المعدومة ألها عدد أم لا عدد لها؟ فإن قالوا : لا عدد لها كانوا قد أتوا بالمحال إذ أقروا بأشياء لا عدد لها ، وإن قالوا بل لها عدد كان ذلك عجبا جدا ومحالا لا خفاء به. وسألناهم عن الأولاد المعدومين من العاقر والعقيم كم عددهم؟ ونسألهم عن الأشياء المعدومة أهي في العالم ومن العالم أم ليست في العالم ولا من العالم؟ فإن قالوا : هي في العالم ومن العالم ، سألناهم عن مكانها فإن حددوا لها مكانا وإن قالوا لا مكان لها ، قيل وكيف يكون شيء في العالم لا مكان له فيه ولا حامل.

قال أبو محمد : ويلزمهم أن المعدومات إذا كانت أشياء لا عدد لها ولا نهاية ولا مبدأ فإنها لم تزل. وهذه دهرية محققة وكفر مجرد أن تكون أشياء لا تحصى كثرة

لم تزل مع الله تعالى. ونعوذ بالله من مثل هذا الهوس.

قال أبو محمد : وقد ادّعوا أن المعدوم يعلم وهذا جهل منهم بحدود الكلام لا سيما ممن أقر بأن المعدوم لا شيء ، وادّعى مع ذلك أنه يعلم ، فألزمناهم على ذلك أنهم يعلمون لا شيء ، وأن الله تعالى يعلم لا شيء. فجسر بعضهم على ذلك ، فقلنا له : إن قولك علمت لا شيء ، وعلم الله تعالى لا شيء ، ملائم لقولك لم أعلم شيئا ، ولقولك لم يعلم الله تعالى شيئا ، لا فرق بين معنى القضيتين البتة بل هما واحد وإن اختلفت العبارتان ، وإذ هو كذلك فقد صح أن المعدوم لا يعلم فإن ألزمنا على هذا وسألنا هل يعلم الله تعالى الأشياء قبل كونها أم لا؟ قلنا لهم : لم يزل الله تعالى يعلم أن ما يخلقه أبدا إلى ما لا نهاية له فإنه سيخلقه ويرتبه على الصفات التي يخلقها فيه إذا خلقه ، وأنه سيكون شيئا إذا كوّنه ، ولم يزل عزوجل يعلم أن ما لم يخلق بعد فليس هو شيئا حتى يخلقه ، ولم يزل تعالى يعلم أنه لا شيء معه وأنّه سيكوّن الأشياء أشياء إذا خلقها ، لأنه تعالى إنما يعلم الأشياء على ما هي عليه لا على خلاف ما هي عليه لأن من علمها على خلاف ما هي عليه فلم يعلمها بل جهلها ، وليس هذا علما بل هو ظن كاذب وجهل. وبرهان هذا قول الله عزوجل : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) [سورة الأنفال : ٢٣].

و «لو» في لغة العرب التي خاطبنا الله تعالى بها : حرف يدل على امتناع الشيء لامتناع غيره فصح أنه تعالى لم يسمعهم لأنه لم يعلم فيهم خيرا إذ لا خير فيهم ، فصح أن المعدوم لا يعلم أصلا ولو علم لكان موجودا ، وإنما يعلم الله تعالى أن لفظة المعدوم لا مسمّى لها ، ولا شيء تحتها ، ويعلم عزوجل الآن أن الساعة غير قائمة ، وهو الآن تعالى لا يعلمها قائمة ، بل يعلم أنه سيقيمها فتقوم فتكون قيامة وساعة ، ويوم جزاء ، ويوم بعث ، وشيئا عظيما ، حين يخلق كل ذلك لا قبل أن يخلقه ، فأما علمه أنه سيقيمها فتقوم فهو موجود حقّ ، فهذا معنى إطلاق العلم على ما لم يكن بعد من المعدومات كما أننا لا نعلم الشمس الآن طالعة طلوعها في غد ، بل نعلم أنها ستطلع غدا وكذلك لا نعلم موت الأحياء الآن ، بل نعلم أن الله تعالى سيخلق موتهم فيعلمه موتا لهم إذا خلقه لا قبل ذلك. وبالله تعالى التوفيق. وقال تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [سورة آل عمران : ١٤٢].

فهذا نص جلي على أن المعدوم لا يعلم لأن الله تعالى أخبر أنه لا يدخل الجنة من لا يعلمه الله تعالى مجاهدا لا صابرا ، فصح أن من لم يجاهد ولا صبر فلم يعلمه

تعالى قط مجاهدا ولا صابرا ولا علم له جهادا ولا صبرا وإنما علمه غير مجاهد وغير صابر ، ولم يزل تعالى يعلم أن من كان منهم سيجاهد وسيصبر فإنه لم يزل يعلم أنه سيجاهد وسيصبر فإذا جاهد وصبر علمه حينئذ صابرا مجاهدا. والعلم لا يستحيل لأنه ليس شيئا غير الباري تعالى ، وإنما استحال المعلوم فقط. ثم نسألهم : هل يعلم الله تعالى لحية الأطلس وقنا الأفطس أم لا يعلم ذلك؟ وهل يعلم الله تعالى أولاد العقيم ، وإيمان الكافر ، وكفر المؤمن ، وكذب الصادق ، وصدق الكاذب ، أم لا يعلم شيئا من ذلك؟ فإن قالوا : إن الله تعالى لا يعلم للعقيم أولادا ، وإنما يعلمه لا ولد له ، ولا يعلم لحية الأطلس بل يعلمه غير ذي لحية ، صدقوا وعادوا إلى الحق وبالله تعالى التوفيق.

الكلام في المعاني على قول معمّر

قال أبو محمد : وأما معمّر ومن اتبعه فقالوا : إنا وجدنا المتحرك والساكن فأيقنا أن معنى حدث في المتحرك به فارق الساكن في صفته ، وأن معنى حدث في الساكن به أيضا فارق المتحرك في صفته ، وكذلك علمنا أن في الحركة معنى به فارقت السكون ، وأن في السكون معنى به فارق الحركة.

وكذلك علمنا أن في ذلك المعنى الذي خالفت به الحركة السكون ، معنى به فارق المعنى الذي به فارقه السكون ، وهكذا أبدا أوجبوا أن في كل شيء في هذا العالم من جوهر أو عرض أي شيء كان معاني فارق بكل معنى منها كل ما عداه في العالم ، وكذلك أيضا في تلك المعاني لأنها أشياء موجودة متغايرة ، وأوجبوا بهذا وجود أشياء في زمان محدود في العالم لا نهاية لعددها.

قال أبو محمد : هذه جملة كل ما شغبوا به إلا أنهم فصّلوها ومدوها في الكفر والكافر ، والإيمان والمؤمن ، وفي غير ذلك مما هو المعنى الذي أوردناه بعينه ، ولا زيادة فيه أصلا.

قال أبو محمد : وهذا ليس شيئا لأننا نقول لهم وبالله تعالى التوفيق : العالم كله قسمان جوهر حامل وعرض محمول ولا مزيد ولا ثالث في العالم غير هذين القسمين ، هذا أمر يعرف بضرورة العقل وضرورة الحس ، فالجواهر مغايرة بعضها لبعض بذواتها التي هي أشخاصها يعني بالغيريّة فيها ، وتختلف أيضا بجنسها ، وهي أيضا مفترق بعضها من بعض بالعرض المحمول في كل حال من الجواهر. وأما الأعراض : فمغايرة للجواهر بذواتها بالغيرية فيها ، وكذلك هي أيضا بعضها مغاير لبعض بذواتها ، وبعضها مفارق لبعض بذواتها ، وإن كان بعض الأعراض أيضا قد تحمل الأعراض كقولنا حمرة مشرقة ، وحمرة كدرة ، وعمل سيّئ ، وعمل صالح ، وقوة شديدة ، وقوة دونها في الشدة ، ومثل هذا كثير إلا أن كل هذا يقف في عدد متناه لا يزيد. هذا أمر يعلم بالحس والعقل ، فالمتحرك يفارق الساكن هذا بحركته وهذا بسكونه والحركة تفارق السكون بذاتها ، ويفارقها السكون بذاته وبالنوعية والغيرية ، والحركة إلى الشرق تفارق الحركة

إلى الغرب بكون هذه إلى الشرق وكون هذه إلى الغرب بذاته وبالغيريّة فقط وهكذا في كل شيء.

فكل شيئين وقعا تحت نوع واحد مما يلي الأشخاص فإنهما يختلفان بغيريتهما ، فإن كانا وقعا تحت نوعين فإنهما يختلفان بالغيريّة في الشخص وبالغيرية في النوع أيضا ، والغيريّة أيضا لها نوع جامع لجميع أشخاصها إلا أن كل ذلك واقف عند حدّ من العدد لا يزيد ولا بد. ثم نسألهم : خبّرونا عن المعاني التي تدّعونها في حركة واحدة أيما أكثر أهي أم المعاني التي تدعونها في حركتين؟ فإن أثبتوا قلة وكثرة تركوا مذهبهم وأوجبوا النهاية في المعاني التي نفوا النهاية عنها ، وإن قالوا : لا قلة ولا كثرة هاهنا كابروا وأتوا بالمحال الناقض أيضا لأقوالهم ، لأنهم إذا أوجبوا للحركة معنى أوجبوا للحركتين معنيين وهكذا أبدا ، فوجبت الكثرة والقلة ضرورة لا محيد عنها.

قال أبو محمد : فلم يكن لهم جواب أصلا إلا أن بعضهم قال : أخبرونا أليس الله تعالى قادرا على أن يخلق في جسم واحد حركات لا نهاية لها؟

قال أبو محمد : فجواب أهل الإسلام في هذا السؤال : نعم. وأما من عجّز ربه فأجابوا بلا ، وسقط هذا السؤال عنهم ، وكان سقوط الإسلام عنهم بهذا الجواب أشد من سقوط سؤال أصحاب معمّر.

قال أبو محمد : فتمادى سؤالهم لأهل الحق فقالوا : فأخبرونا أيما أكثر ما يقدر الله تعالى عليه من خلق لحركات في جسمين أو ما يقدر عليه من خلق الحركات في جسم واحد؟ فكان جواب أهل الحق في ذلك أنه لا يقع عدد على معدوم ، ولا يقع العدد إلا على موجود معروف ، والذي يقدر الله تعالى عليه ولم يفعله فليس هو بعد شيئا ولا له عدد ولا هو معدوم ولا نهاية لقدرة الله تعالى ، وأما ما يقدر عليه تعالى ولم يفعله فلا يقال فيه إن له نهاية ولا أنه لا نهاية له ، وأما كل ما خلق تعالى فله نهاية بعد ، وكذلك كل ما يخلق فإذا خلقه حدثت له نهاية حينئذ لا قبل ذلك. وأما المعاني التي تدّعونها فإنكم تزعمون أنها موجودة قائمة فوجب أن تكون لها نهاية ، فإن نفيتم النهاية عنها لحقتم بأهل الدهر وكلمناكم بما كلمناهم به مما قد ذكرنا قبل وبالله تعالى التوفيق.

ثم لو تثبت لكم هذه العبارة من قول القائل إنّ ما يقدر الله تعالى عليه لا نهاية لعدده ، وهذا لا يصح ، بل الحق في هذا أن يقول : إن الله تعالى قادر على أن يخلق ما لا نهاية له في وقت ذي نهاية ومكان ذي نهاية ، ولو شاء أن يخلق ذلك في وقت غير

ذي نهاية ، ومكان غير ذي نهاية لكان قادرا على ذلك لما وجب من ذلك إثبات ما ادعيتم من وجود معان في وقت واحد ولا نهاية لها ، إذ ليس هاهنا عقل يوجب ذلك ، ولا قرآن يوجب ذلك ، ولا خبر يوجب ذلك ، وإنما هو قياس منكم ، إذ قلتم لمّا كان قادرا على أن يخلق ما لا نهاية له قلنا : إنه قد خلق ما لا نهاية له ، فهذا قياس والقياس كله باطل ، ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه باطلا ، لأنه بزعمكم قياس موجود على معدوم وقياس وتشبيه لما قد خلقه بزعمكم على ما لم يخلقه ، وهذا في غاية الفساد ، ولا فرق بينكم في هذا القياس الفاسد وبين من يقول : إن في بلد كذا قوما يشمّون من عيونهم ، ويسمعون من أنوفهم ، ويذوقون من آذانهم ، ويبصرون من ألسنتهم ، فإذا كذّب في ذلك وسئل برهانا على دعواه قال أتقرون أن الله تعالى قادر على خلق ذلك فقلنا له نعم ، قال هذا دليل على صحة دعواي. بل أنتم أسوأ حالا لأن هذا أخبر عن متوهم لو كان كيف كان يكون ، وأنتم تخبرون عن غير متوهم في النفس ولا متشكل في العقل وهو إقراركم بوجود معان لا نهاية لعددها في وقت واحد.

قال أبو محمد : فبطل هذا القول والحمد لله رب العالمين. وكان يكفي من بطلانها أنها دعوى لا برهان على صحتها وهي دعوى فاسدة غير ممكنة بل هي محال لا يتوهم ولا يتشكل وبالله تعالى التوفيق.

الكلام في الأحوال مع الأشعرية ومن وافقهم

قال أبو محمد : وأما الأحوال التي ادعتها الأشعرية فإنهم قالوا : إن هاهنا أحوالا ليست حقّا ولا باطلا ، ولا هي مخلوقة ولا هي غير مخلوقة ، ولا هي موجودة ولا هي معدومة ، ولا هي معلومة ولا هي مجهولة ، ولا هي أشياء ولا هي لا أشياء.

وقالوا : من هذا علم العالم بأن له علما ووجودا لوجوده ، قالوا : فإن قلتم : إن لكم علما بأن لكم علما بالباري تعالى وبما تعلمونه ، وأن لكم وجودا لوجودكم ما تجدونه ، سألناكم ألكم علم بعلمكم بأن لكم علما؟ وهل لكم وجود لوجودكم ما تجدونه؟ فإن أقررتم بذلك لزمكم أن تسلسلوا هذا أبدا إلى ما لا نهاية له ودخلتم في قول أصحاب معمّر والدهرية ، وإن منعتم من ذلك سألتم عن صحة الدليل على صحة منعكم ما منعتم من ذلك ، وصحة إيجابكم ما أوجبتم من ذلك. وكذلك قالوا في قدم القديم وحدث المحدث ، وبقاء الباقي ، وفناء الفاني ، وظهور الظاهر ، وخفاء الخافي ، وقصد القاصد ، ونية الناوي ، وزمان الزمان ، وما أشبه ذلك ، وقالوا : لو كان للباقي بقاء ولبقاء الباقي بقاء ، وهكذا أبدا إلى ما لا نهاية له ، قالوا : أفهذا يوجب وجود أشياء لا نهاية لها؟ وهذا محال. وهكذا قالوا في قدم القديم ، وقدم قدمه ، وقدم قديم قدمه إلى ما لا نهاية له ، وفي حدوث المحدث ، وحدوث حدثه ، وحدوث حدث حدثه ، إلى ما لا نهاية له ، وهكذا قالوا في زمان الزمان ، وزمان زمان الزمان إلى ما لا نهاية له ، وفي فناء الفاني وفناء فنائه وفناء فناء فنائه إلى ما لا نهاية له ، وكذلك ظهور الظاهر ، وظهور ظهوره ، وظهور ظهور ظهوره ، إلى ما لا نهاية له ، وكذلك القصد ، والقصد إلى القصد ، والقصد إلى القصد إلى القصد ، وهكذا إلى ما لا نهاية له ، وكذلك النية ، والنية للنية ، والنية للنية للنية ، إلى ما لا نهاية له ، وكذلك تحقيق الحق ، وتحقيق تحقيق الحق ، إلى ما لا نهاية له.

قال أبو محمد رضي الله عنه : أفكار السوء إذا ظن صاحبها أنه يدقق فيها فهي أضرّ عليه لأنها تخرجه إلى التخليط الذي ينسبونه إلى السوفسطائية وإلى الهذيان المحض وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

قال أبو محمد : والكلام في هذا أبين من أن يشكل على عامي فكيف على

فهم فكيف على عالم؟ والحمد لله. ونحن نتكلم على هذا إن شاء الله عزوجل كلاما ظاهرا لائحا لا يخفى على ذي حس سليم وبالله تعالى نتأيد.

فنقول وبالله تعالى التوفيق : أما القدم فإنه من صفات الزمن ومن فيه تقول ملك أقدم من ملك ، وزمان أقدم من زمان ، وشيخ أقدم من شيخ ، أي أنه متقدم بزمانه عليه ، والزمان متقدم بذاته على الزمان ليس في العالم قديم قدم الأزمان. هذا هو حكم اللغة التي لا يوجد فيها غيره أصلا ، فالقدم هو المتقدم ، والتقدم متقدم بنفسه على غيره فقط ، لأن القدم موجود معلوم وهي صفة المتقدم فلا يجوز إنكاره وأما قدم القديم فباطل لأنه لم يأت به نص ولا قام بوجوده دليل ، وما كان هكذا فهو باطل. وأما وجود الموجود فبضرورة الحسن ندري أن الموجود حق ، وأنه يقتضي واجدا وأن الواجد يقتضي وجودا لما وجد ، هو فعل الواجد وصفته فهو حق لما ذكرنا. ووجود الواجد يوجد بذاته لا بوجود هو غيره لأن وجود الوجود لم يأت به نص ولا برهان وما كان هكذا فهو باطل.

وأما البارئ عزوجل فإنه يجد نفسه ويعلمها ويجد ما دونه ويعلمه بذاته لا بوجود هو غيره ، ولا بعلم هو غيره فقط ، وكذلك العالم منا يقتضي علما ولا بدّ هو فعل العالم وصفته المحمولة فيه عرضا بيقين ، ويزيد ويذهب ويثبت أطوارا. هذا ما لا شك فيه. والعالم منا يعلم أنه يحمل علما بعلمه ذلك لا بعلم هو غير علمه ، لأن العلم بالعلم لم يوجب وجوده نص ولا برهان وما كان هكذا فهو باطل ، وكذلك الباقي مثاله بلا شك بقاء هو اتصال وجوده مدة بعد مدة ، وهذا معنى صحيح لا يجوز أن ينكره عاقل ، فأما بقاء البقاء فلم يأت بإيجاب وجوده نص ولا قام به برهان ، وما كان هكذا فهو باطل ، ولا يجوز أن يوصف الله بالبقاء ولا بأنه باق ، كما لا يوصف بالخلد ولا بأنه خالد ، ولا بالدّوام ولا بأنه دائم ، ولا بالثّبات ولا بأنه ثابت ، ولا بطول العمر ، ولا بطول المدة ، لأنّ الله عزوجل لم يسمّ نفسه بشيء من ذلك ، لا في القرآن ولا على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا قاله قط أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، ولا قام به برهان بل البرهان قام ببطلان ذلك لأن كل ما ذكرنا من صفات المخلوقين ، ولا يجوز أن يوصف الله تعالى بشيء من صفات المخلوقين إلا أن يأتي نص بأن يسمى باسم ما فيوقف عنده.

ولأن كل ما ذكرناه أعراض فيما هي فيه ، والله تعالى لا يحمل الأعراض ، وأيضا فإنه عزوجل لا في زمان ، ولا يمر عليه زمان ، ولا هو متحرك ولا ساكن ، لكن يقال لم يزل الله تعالى ولا يزال ، وأما الفناء فإنه مدة للعدم بعدّها أجزاء الحركات والسكون ولا يجوز أن يكون للمدة مدة لكنها مدة في نفسها ولنفسها فالقول بالزمان حق لأنه

محسوس معلوم وأما القول بزمان الزمان فهو شيء لم يأت به نص ولا قام بصحته برهان ، وما كان هكذا فهو باطل. وأما ظهور الظاهر فهو متيقن معلوم ، والظهور صفة الظاهر وفعله ، وتقول : ظهر يظهر ظهورا ، والظهور معلوم ظاهر بنفسه ، ولا يجوز أن يقال إن للظهور ظهورا لأنه لم يأت به نص ولا قام بصحته برهان ، وما كان هكذا فهو باطل. وأما خفاء الخافي فهو عدم ظهوره ، والعدم ليس شيئا كما قدمنا. وأما القصد إلى الشيء والنية له فإنما هما فعل القاصد والناوي وإرادتهما الشيء ، والقول بهما واجب لأنهما موجودان بالضرورة يجدهما كل أحد من نفسه ويعلمهما من غيره علما ضروريا. وأما القصد إلى القصد والنية للنية فباطل لأنه لم يأت بهما نص ولا أوجبهما دليل ، وما كان هكذا فهو باطل والقول به لا يجوز. فهذا وجه البيان فيما خفي عليهم حتى أتوا فيه بهذا التخليط والحمد لله رب العالمين.

قال أبو محمد : ثم نقول لهم أخبرونا إذا قلتم هذه الأحوال أهي معان ومسميات مضبوطة محدودة متميز بعضها من بعض؟ أم ليست معاني أصلا ، ولا لها مسمّيات ، ولا هي مضبوطة ولا محدودة ، ولا متميز بعضها من بعض؟ فإن قالوا ليست معاني أصلا ، ولا لها مسميات ، ولا هي مضبوطة ولا محدودة ، ولا متميز بعضها من بعض ولا لتلك الأسماء مسميات أصلا ، قيل لهم فهذا هو معنى العدم حقا فلم قلتم إنها ليست معدومة؟ ثم لم سميتموها أحوالا وهي معدومة؟ ولا تكون التسمية إلا شرعية أو لغوية وتسميتكم هذه المعاني أحوالا ليست تسمية شرعية ولا لغوية ولا مصطلحا عليها لبيان ما يقع عليه ، فهي باطل محض بيقين. فإن قالوا هي معان مضبوطة ولها مسميات محدودة متميزة بعضها من بعض قيل لهم : هذه صفة الموجود ولا بدّ فلم قلتم إنها ليست موجودة؟ وهذا ما لا مخلص لهم منه وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : ويقال لهم أيضا هذه الأحوال التي تقولون أمعقولة هي أم غير معقولة؟ فإن قالوا : هي معقولة كانوا قد أثبتوا لها معاني وحقائق من أجلها عقلت فهي موجودة ولا بدّ ، والعدم ليس معقولا ، لا كنه ولا معنى لهذه اللفظة أصلا وبالله تعالى التوفيق.

ويقال لهم أيضا : هل الأحوال في اللغة وفي المعقول إلا صفات لذي حال؟ وهل الحال في اللغة إلا بمعنى التحول من صفة إلى أخرى؟ يقال هذه حال فلان اليوم ، وكيف كانت حالك أمس؟ وكيف يكون الحال غدا؟ فإذ الأمر هكذا ولا بد فهذه الأحوال موجودة حقّا مخلوقة ولا بد ، فظهر فساد قولهم وأنّه من أسخف الهذيان والمحال الممتنع الذي لا يرضى به عاقل.

ويقال لهم أيضا قبل كل شيء وبعده : فمن أين سميتم هذا الاسم يعني الأحوال؟ ومن أين قلتم لا هي معلومة ، ولا هي مجهولة ، ولا حق ، ولا باطل ، ولا مخلوقة ، ولا غير مخلوقة ، ولا معدومة ، ولا موجودة ولا هي أشياء ولا غير أشياء؟ أي دليل حدا بكم إلى هذا الحكم أقرآن أم سنة أم إجماع أم قول مقدّم ، أم لغة ، أم ضرورة عقل ، أم دليل إقناعي أم قياس؟ فهاتوه. ولا سبيل باستخفاف أهل العقول لمن قال بهذا الجنون ولا مزيد ، ونعوذ بالله من الخذلان. وما ينبغي لهم بعد هذا أن ينكروا على من أتى بما لا يعقل ككون الجسم في مكانين ، والجسمين في مكان واحد ، وكون شيء قائما قاعدا وكون أشياء غير متناهية في وقت واحد ، فإن قالوا : هذا كفر ، قيل لهم بل الكفر بما جئتم به لأنه إبطال الحقائق كلّها ، والعجب كل العجب أنهم لا يجوّزون قدرة الله تعالى على ما هو محال عندهم ، وقد أتوا في هذا الفصل بعين المحال. ونعوذ بالله من الخذلان.

قال أبو محمد : وكلامهم في هذه المسألة كلام ما سمع بأسخف منه ، ولا قول السوفسطائية ، ولا قول النصارى ، ولا قول الغالية ، على أن هذه الفرق أحمق الفرق أقوالا. أما السوفسطائية فإنهم قطعوا على أن الأشياء باطل لا حق ، أو أنها حق عند من هي عنده حق ، وباطل عند من هي عنده باطل ، وأيها لا ندري. وأما النصارى والغالية فإن كانت هاتان الفرقتان قد أتتا بالعظائم فإنهم قطعوا بأنها حق.

وأما هؤلاء المخاذيل فإنهم أتوا بقول حققوه وأبطلوه ولم يحققوه ولا أبطلوه ، فكل ذلك معا في وقت واحد من وجه واحد وهذا لا يأتي به إلا مبرسم ، أو مخبول ، أو ماجن يريد أن يضحك من معه.

قال أبو محمد : ونحن نتكلّف بيان هذا التخليط الذي أتوا به وإن كان مكتفيا بسماعه ، ولكن التزيد من إبطال الباطل ما أمكن حسن فنقول وبالله تعالى التوفيق : إن قولهم : لا هي حق ولا هي باطل ، فإنّ كل ذي حسن سليم يدري أن كل ما لا يكون حقا فهو باطل ، وما لم يكن باطلا فهو حق ، هذا لا يعقل غيره ، فكيف وقد قال الله عزوجل : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) [سورة يونس : ٣٢] وقال تعالى : (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) [سورة الأنفال : ٨] وقال تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [سورة الزمر : ٩] وقال تعالى : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) [سورة الفرقان : ٢] وقال تعالى : (أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا) وقال تعالى : (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ) [سورة الأعراف : ٤٤ ، ٤٥].

قال أبو محمد : وهؤلاء قوم ينتمون إلى الإسلام ويصدقون القرآن ، ولو لا ذلك ما

احتججنا عليهم به ، فقد قطع الله تعالى أنه ليس إلا حق أو باطل ، وليس إلا علم أو جهل ، وهو عدم العلم ، وليس إلا وجود أو عدم ، وليس إلا شيء مخلوق أو الخالق أو لفظة العدم التي لا تقع على شيء ولا على مخلوق فقد أكذبهم الله عزوجل في دعواهم. ولا شك يدري ذو حس سليم أن ما لم يكن باطلا فهو حق ، وما لم يكن حقا فهو باطل ، وما لم يكن معلوما فهو مجهول ، وما لم يكن مجهولا فهو معلوم ، وما لم يكن شيئا فهو شيء ، وما لم يكن لا شيئا فهو شيء ، وما لم يكن موجودا فهو معدوم ، وما لم يكن معدوما فهو موجود ، وما لم يكن مخلوقا فهو غير مخلوق ، وما لم يكن غير مخلوق فهو مخلوق ، هذا كله معلوم ضرورة لا يعقل غيره ، فإذ هو كذلك فلا فرق بين ما قالوه في هذه القضية وبين القول اللازم لهم ضرورة وهو أن تلك الأحوال معدومة موجودة معا ، حق باطل معا ، معلومة مجهولة معا ، مخلوقة غير مخلوقة معا ، شيء لا شيء معا ، وهذا هو نفس قولهم ومقتضاه لأنهم إذا قالوا ليست حقا فقد أوجبوا أنها باطل ، وإذ قالوا ولا هي باطل فقد أوجبوا أنها حق ، وهكذا في سائر ما قالوه ، فاعجبوا لعقول رسخ هذا فيهم وسخموا (١) به ورقهم. وعجب آخر وهو قولهم إن هاهنا أحوالا ، ولفظة «هاهنا» معناه الإثبات بلا شك فهي موجودة ثابتة بلا شك.

قال أبو محمد : ولم يتخلصوا بهذا من قول معمّر في وجوب وجود أشياء لا نهاية لها ، أو أن يصيروا إلى قولنا في إبطال هذه التي يسمونها أحوالا وإعدامها جملة ، وما نعلم هوسا إلا وقد انتظمته هذه المقالة ونعوذ بالله من الخذلان.

مسألة أخرى

: قال أبو محمد : قالت الأشعرية ليس في العالم شيء له بعض أصلا ، ولا شيء له نصف ، ولا ثلث ، ولا ربع ، ولا خمس ، ولا سدس ، ولا سبع ، ولا ثمن ، ولا تسع ، ولا عشر ، ولا جزء أصلا ، واحتجوا في هذا بأن قالوا : يلزم من قال إن الواحد عشر العشرة وجزء من العشرة أن يقول ولا بد : إن الواحد عشر من نفسه ، وجزء من نفسه ، وبعض نفسه ، وهو جزء لغيره ، وبعض لغيره وعشر لغيره ، لأن العشرة تسعة وواحد ، فلو كان الواحد عشر العشرة وبعضا للعشرة وجزءا للعشرة لكان عشرا لنفسه وللتسعة التي هي غيره ولكان بعضا لنفسه وللتسعة التي هي غيره.

قال أبو محمد : وهذا خبط شديد أول ذلك أنه رد على الله تعالى مجرد ،

__________________

(١) سخّموا : سوّدوا (المعجم الوسيط : ص ٤٢٢).

وتكذيب للقرآن ، وخلاف للّغة بل لجميع اللغات ، ومكابرة للعقول وللحواس قال تعالى : (وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) [سورة البقرة : ٧٦] وقال تعالى : (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) [سورة الأنعام : ١١٢] وقال تعالى : (فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ فَلَهَا النِّصْفُ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ) [سورة النساء : ١١].

فقد كذبوا القرآن نصّا. ثم هذا موجود في كلّ طبيعة ، وفي كل لغة ، ومحسوس بالحواس. ثم يقال لهم : لا فرق بينكم وبين من صحح ولم ينكر كون الشيء بعض نفسه وبعض غيره ، وجزءا لنفسه وجزءا لغيره وعشر نفسه وعشرا لغيره ، واحتج في تصحيح ذلك بالحجة التي رمتم بها إبطال ذلك ولا مزيد وكلا كما منكسع (١) في ظلمة الخطأ. ثم نقول لهم وبالله تعالى التوفيق : ليس الأمر كما ظننتم بل الأسماء موضوعة للتفاهم ولتمييز بعض المسميات من بعض ، فالعشرة اسم للعشرة أفراد مجتمعات في العدد ، وكذلك لتسعة وواحد ، ولثمانية واثنين ، ولسبعة وثلاثة ، ولستة وأربعة ، ولخمسة وخمسة ، قال تعالى : (ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) [سورة البقرة : ١٩٦].

وهكذا جميع الأعداد لا ينكر ذلك إلا مخذول منكر للمشاهدة فبالضرورة ندري أن كل جزء من تلك الجملة فهو بعض لها ، وعشر لها ، ومسمّى منها بتسمية ما ، ولا يقال هو جزء لنفسه ولا جزء لغيره ولا أنه بعض لنفسه ، ولا أنه بعض لغيره ، ولا عشر لنفسه ولا عشر لغيره. ومثل هذا «البلق» الذي هو اسم لاجتماع السّواد والبياض معا ، فالبياض بلا شك بعض البلق ، والسواد بعض البلق ، وليس البياض جزءا لنفسه وللسواد ، ولا بعضا لنفسه وللسواد ، وكل واحد منهما جزء للبلق. وكذلك الإنسان اسم للجملة المجتمعة من أعضائه ، ولا شك في أن العين بعض الإنسان وجزء من الإنسان ، ولا يحتمل أن يقال العين بعض نفسها ، وبعض الأذن واليد ، ولا أن يقال الأذن جزء لنفسها وللعين وللأنف ، وهكذا في سائر الأعضاء ، فعلى قول هؤلاء النوكى يلزمهم ألا تكون العين بعض الإنسان ، أو أن يقولوا إن العين بعض نفسها وبعض الأذن ، ومن أبطل الأبعاض والأجزاء فقد أبطل الجمل ، لأن الجمل ليست شيئا البتة غير أبعاضها ، ومن أبطل الجمل فقد أبطل الكل والجزء وأبطل العالم بكل ما فيه ، وإذا بطل العالم بطل الدين والعقل وهذه حقيقة السفسطة ، وما نعلم في الأقوال أحمق من هذه المسألة ومن التي قبلها نعوذ بالله من الخذلان.

__________________

(١) يقال : تكسّع في ضلاله : ذهب (المعجم الوسيط : ص ٧٨٧).

خلق الله عزوجل العالم في كل وقت

وزيادته في كل دقيقة

قال أبو محمد : وذكر عن النظام أنه قال : إن الله تعالى يخلق كل ما خلق في وقت واحد دون أن يعدمه. وأنكر عليه هذا القول بعض أهل الكلام.

قال أبو محمد : وقول النظام هاهنا صحيح لأننا إذا أثبتنا أن خلق الشيء هو الشيء نفسه فخلق الله تعالى قائم في كل موجود أبدا ما دام ذلك الموجود موجودا. وأيضا فإنا نسأل ما معنى قولكم خلق الله تعالى أمر كذا؟ فجوابهم أن معنى خلقه أنه تعالى خرّجه من العدم إلى الوجود. فنقول لهم : أليس معنى هذا القول منكم أنه أوجده ولم يكن موجودا؟ فمن قولهم نعم فنقول لهم وبالله تعالى التوفيق :

فالخلق هو الإيجاد عندكم بلا شك ، فأخبرونا أليس الله تعالى موجدا لكل موجود أبدا مدة وجوده؟ فإن أنكروا ذلك أحالوا وأوجبوا أن الأشياء موجودة وليس الله تعالى موجدا لها الآن ، وهذا تناقض. وإن قالوا : نعم فإن الله موجد لكل شيء موجود أبدا قلنا لهم هذا هو الذي أنكرتم بعينه قد أقررتم به ، لأن الإيجاد هو الخلق نفسه والله تعالى موجد لكل ما يوجد في كل وقت أبدا وإن لم يفنه قبل ذلك ، والله تعالى خالق لكل مخلوق في كل وقت وإن لم يفنه قبل ذلك. وهذا لا مخلص لهم منه وبالله تعالى التوفيق.

وبرهان آخر وهو قول الله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) [سورة الأعراف : ١١].

وصح البرهان بأن الله تعالى خلق التراب والماء اللّذين يتغذّى آدم وبنوه بما استحال عنهما وصارت فيهم دما وأحاله الله تعالى منيّا ، فثبت بهذا يقينا أن جميع أجساد الحيوان والنوامي كلها متفرقة ، ثم جمعها الله تعالى فقام منها الحيوان والنوامي وقال عزوجل : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) [سورة المؤمنون : ١٤] وقال تعالى : (خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) [سورة الزمر : ٦].

فصح أن في كل حين يحيل الله أحوال مخلوقاته فهو خلق جديد ، فالله تعالى يخلق في كل حين جميع العالم مستأنفا دون أن يفنيه وبالله تعالى نتأيد.

الكلام في الحركات والسكون

قال أبو محمد : ذهبت طائفة إلى أنه لا حركة في العالم ، وأن كل ذلك سكون ، واحتجوا بأن قالوا : وجدنا الشيء ساكنا في المكان الأول ساكنا في المكان الثاني وهكذا أبدا ، فعلمنا أن كل ذلك سكون وهذا قول منسوب إلى معمّر بن عمرو العطار ، مولى بني سليم أحد رؤساء المعتزلة. وذهبت طائفة إلى أن لا سكون أصلا ، وإنما هي حركة اعتماد ، وهذا قول منتسب إلى إبراهيم بن سيار النظام. واحتج غير النظام من أهل هذه المقالة بأن قال : السكون إنما هو عدم الحركة ، والعدم ليس شيئا. وقال بعضهم : هو ترك الحركة وترك الفعل ليس فعلا ولا هو معنى. وذهبت طائفة إلى إبطال الحركة والسكون معا ، وقالوا : إنما يوجد متحرك وساكن فقط وهو قول أبي بكر بن كيسان الأصم. وذهبت طائفة إلى أن الجسم في أول خلق الله تعالى له ليس ساكنا ولا متحركا. وذهبت طائفة إلى إثبات الحركة والسكون إلا أنها قالت : إن الحركات أجسام ، وهو قول هشام بن الحكم شيخ الإمامية ، وجهم بن صفوان السمرقندي. وذهبت طائفة إلى إثبات الحركة والسكون وأن كل ذلك أعراض وهذا هو الحق.

فأما من قال بنفي الحركة وأن كل ذلك سكون فقولهم يبطل بأننا قد علمنا أن السكون إنما هو إقامة في المكان ، وأن الحركة نقلة عن ذلك المكان وزوال عنه ، ولا شك في أن الزوال عن الشيء هو غير الإقامة فيه ، فإذ الأمر كذلك فواجب أن يكون لهذين المعنيين المتغايرين لكل واحد منهما اسم غير اسم الآخر كما هما متغايران ، فاتفق في اللغة أن يسمى أحدهما حركة ، ويسمى الآخر سكونا. وأما قولهم إن كلّ حركة فهي سكون في المكان الثاني فليس كذلك ، لأن السكون إقامة لا نقلة فيها فإذا وجدت نقلة متصلة لا إقامة فيها فهي غير الإقامة التي لا نقلة فيها ، ونوع آخر له أيضا أشخاصه غير أشخاص النوع الآخر ، وبيقين ندري أن الشيء المتحرك من مكان إلى مكان فإنه وإن جاوز كلّ مكان يمر عليه فإنه غير واقف ولا مقيم. وهذا ما لا شك فيه يعرف ذلك بضرورة الحس ، فصح أن الحركة معنى وأن السكون معنى آخر.

وأما من قال إن السكون حركة اعتماد فاحتجاج لا يعقل فلا وجه للاشتغال به.

وأما حجة من احتج بأن السكون عدم الحركة والعدم ليس شيئا ، فليس كما قال لأنه عقب الحركة إقامة موجودة ظاهرة ، فهي وإن كان معها وبوجودها عدمت الحركة فليس هي عدما ، كما أن القيام معنى صحيح موجود وإن كان قد عدمت معه سائر الحركات والأعمال من القعود والاتكاء والاضطجاع. ويقال لهم : وما الفرق بينكم وبين من قال بل الحركة ليست معنى لأنها عدم السكون؟ فهذا ما لا انفكاك عنه ، وكذلك من قال أيضا إن المرض ليس معنى لأنه عدم الصحة ، والصحة ليست معنى لأنها عدم المرض ، ومثل هذا كثير جدا. وفي هذا إبطال الحقائق كلّها. وأما من قال إن التّرك ليس معنى فخطأ ، لأن كلّ من دون الله تعالى فإنه إن ترك معنى ما وفعلا ما فلا بد له ضرورة من فعل آخر ومعنى آخر ، هذا أمر يوجد بالمشاهدة والحس لا يمكن غير ذلك ، فصح أن ترك من دون الله تعالى لفعل ما هو أيضا فعل صحيح بوجوده منذ سمي تاركا لما ترك ، وليس الله تعالى كذلك ، بل لم يزل غير فاعل ولم يمكن بذلك فاعلا للترك لأن ترك الإنسان للفعل كما بينت عرض موجود فيه وهو حامل له ، ولو كان لترك الله تعالى للفعل معنى لكان قائما به تعالى ، ومعاذ الله من هذا ومن أن يكون عزوجل حاملا لعرض.

فلو كان أيضا قائما بنفسه لكان جوهرا ، أو الترك ليس جوهرا ، ولو كان قائما بغيره عزوجل لكان تعالى فاعلا له غير تارك ، فصح الفرق وبالله تعالى التوفيق.

وأما من أبطل الحركة والسكون معا : فقول فاسد أيضا لأنه أثبت المتحرك والساكن مع ذلك ، وبيقين يدري كل ذي حسّ سليم أن من تحرّك سكن ، فإن تلك العين المتحركة ثم الساكنة هي عين واحدة وذات واحدة لم تتبدل ذاتها ، وإنما يتبدل عرضها المحمول فيها ، فبالضرورة ندري أنه حدث فيه ، أو له ، أو منه معنى من أجله استحق أن يسمى متحركا ، وأنه حدث فيه أو له أو منه أيضا معنى من أجله استحق أن يسمى ساكنا ، لو لا ذلك لم يكن بأن يسمى متحركا أحق منه بأنه يسمى ساكنا ، هذا أمر محسوس مشاهد ، فذلك المعنى هو الحركة أو السكون ، فصح وجودهما ضرورة ، ولا فرق بين من أثبت الساكن والمتحرك ، ونفى الحركة والسكون ، فلا فرق بينه وبين من أثبت الضارب والقائم والآكل ، وأبطل الضرب والأكل والقيام ، وهذه سفسطة سقيمة وبالله تعالى التوفيق.

وأما من قال إن الجسم في أول خلق الله عزوجل له ليس ساكنا ولا متحركا فكلام فاسد أيضا ، لأنه لا يتوهم ولا يعقل معنى ثالث ليس حركة ولا سكونا ، هذا شيء لا يتشكل في النفس ولا يثبته عقل ولا سمع. وأيضا فإنه قول لا دليل عليه فهو

باطل. ولا شك في أن الله تعالى إذا خلق الجسم فإنما يخلقه في زمان ومكان وإذ لا شك في ذلك فالجسم في أول حدثه ساكن في المكان الذي خلقه الله تعالى فيه ولو طرفة عين ، ثم إما يتصل سكونه فيه فتطول إقامته فيه ، وإما أن ينتقل عنه فيكون متحركا عنه. فإن قال قائل بل هو متحرك لأنه خارج عن العدم إلى الوجود. قيل له : هذا منك تسمية فاسدة لأن الحركة في اللغة وهي التي يتكلم عليها إنما هي نقلة من مكان إلى مكان ، والعدم ليس مكانا ، ولم يكن المخلوق شيئا قبل أن يخلقه الله تعالى. فحال خلقه هي أول أحواله التي لم يكن هو قبلها فكيف أن يكون له حال قبلها فلم ينتقل أصلا بل ابتدأه الله تعالى الآن.

وأما الجسم الكلي الذي هو جرم العالم جملة وهو الفلك الكلي فكل جزء منه مقدر مفروض فإن أجزاءه المحيطة به من أربع جهات ، والجزء الذي يليه في جهة عمق الفلك هو مكانه ، ولا مكان له من الصفحة التي لا تلي الأجزاء التي ذكرنا والله تعالى يمسكه بقوته كما شاء ولا يلاقيه من صفحته العليا شيء أصلا ، ولا هنالك مكان ولا زمان ولا خلاء ولا ملاء.

قال أبو محمد : ورأيت لبعض النوكى ممن ينتمي إلى الكلام قولا طريفا وهو أنه قال : إن الله تعالى إذ خلق الأرض خلق جرما عظيما يمسكها لئلا تنحدر سفلا ، فحين خلق ذلك الجرم أعدمه وخلق آخر وهكذا أبدا بلا نهاية ، لأنه زعم لو أبقاه وقتين لاحتاج إلى ممسك وهكذا أبدا إلى ما لا نهاية له ، كأن هذا الأنوك لم يسمع قول الله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) [سورة فاطر : ٤١].

فصح أن الله تعالى يمسك الكل كما هو دون عمد ولا زيادة ولا جرم آخر ولو أن هؤلاء المخاذيل إذ عدموا العلم تمسكوا باتّباع القرآن والسكوت عن الزيادة والخبر عن الله تعالى بما لا علم لهم به لكان أسلم لهم في الدين والدنيا ، ولكن من يضلل الله فلا هادي له ونعوذ بالله من الضلال.

وأما من قال : إن الحركات أجسام فخطأ لأن الجسم في اللغة اسم موضوع للطويل العريض العميق ذي المساحة وليست الحركة كذلك فليست جسما ، ولا يجوز أن يوقع عليها اسم جسم إذ لم يأت ذلك في اللغة ولا في الشريعة ولا أوجبه دليل ، وإذ صح أنها ليست جسما فهي بلا شك عرض.

وأما من قال إن الحركة ترى فقول فاسد لأنه قد صح أن البصر لا يقع في هذا

العالم إلّا على لون في ملون فقط ، وبيقين ندري أن الحركة لا لون لها فإذ لا لون لها فلا سبيل إلى أن ترى وإنما علمنا كون الحركة لأننا رأينا لون المتحرك في مكان ما ثم رأيناه في مكان آخر علمنا أن ذلك الملون قد انتقل عن مكان إلى مكان بلا شك ، وهذا المعنى هو الحركة أو بأن يحس الجسم منتقلا من مكان إلى مكان فيدري حينئذ من لامسه وإن كان أعمى أو مطبق العينين أنه تحرك ، وبرهان ما قلناه أن الهواء لمّا لم يكن له لون لم يره أحد ، وإنما يعلم من تموجه وتحرّكه وملاقاته بأنه متنقل وهو هبوب الرياح. وكذلك أيضا علمنا حركة الصوت بإحساسنا الصوت يأتي من مكان ما إلى مكان ما ، وكذلك القول في حركة المشموم من الطيب والنتن ، وحركة المذوق فبطل قول من قال إن الحركات ترى وصح أن الحركة ليست لونا ولا لها لون ، ولو كان هذا لأمكن لآخر أن يدّعي أنه يسمع الحركة وهذا خطأ لأنه لا يسمع إلا الصوت ، ولأمكن لآخر أن يدّعي أن الحركة تلمس وهذا خطأ وإنما نلمس المحسة من الخشونة والإملاس أو غير ذلك من المحسات ، والحق من هذا إنما هو أن الحركة تعرف وتوجد بتوسط كل ما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : والحركات النقلية المكانية تنقسم قسمين لا ثالث لهما ، إما حركة ضرورية وإما اختيارية.

فالاختيارية هي فعل النفوس الحية من الملائكة والإنس والجن وسائر الحيوان كله ، وهي التي تكون إلى جهات شتّى على غير رتبة معلومة الأوقات وكذلك السكون الاختياري.

والحركة الضرورية تنقسم قسمين لا ثالث لهما إما طبيعية وإما قسرية. والاضطرارية : هي الحركة الكائنة ممن ظهرت منه عن غير قصد منه إلينا.

وأمّا الطبيعية فهي حركة كل شيء غير حيّ بما بناه الله عليه كحركة الماء إلى وسط المركز ، وكحركة الأرض كذلك وكحركة الهواء والنار إلى مواضعهما ، وكحركة الأفلاك والكواكب دورا ، وكحركة عروق الجسد النوابض ، والسكون الطبيعي هو سكون كل ما ذكرنا في عنصره.

وأما القسرية فهي حركة كل شيء دخل عليه ما يحيل حركته عن طبيعته أو عن اختياره إلى غيرها ، كتحريك المرء قهرا ، وتحريكك الماء علوّا ، والحجر كذلك وكتحريك النّار سفلا ، والهواء كذلك وكتصعيد الهواء الماء ، وكعكس الشمس الشمس بحر النار ، والسكون القسريّ هو توقيف الشيء في غير عنصره أو توقيف المختار كرها وبالله تعالى التوفيق.

الكلام في التولد

قال أبو محمد : تنازع المتكلمون في معنى عبروا عنه بالتولد ، وهو أنهم اختلفوا في من رمى سهما فخرج به إنسانا أو غيره ، وفي حرق النار ، وتبريد الثلج ، وسائر الآثار الظاهرة من الجمادات ، فقالت طائفة : ما تولد من ذلك عن فعل إنسان أو حيّ فهو فعل الإنسان والحي. واختلفوا فيما تولد من غير حي ، فقالت طائفة : هو فعل الله وقالت طائفة من تولد من غير حي فهو فعل الطبيعة. وقال آخرون : كل ذلك فعل الله عزوجل.

قال أبو محمد : فهؤلاء مبطلون للحقائق غائبون عن موجبات العقول.

قال أبو محمد : والأمر أبين من أن يطول فيه الخطاب والحمد لله رب العالمين. والصّواب في ذلك أن كلّ ما في العالم من جسم أو عرض في جسم أو أثر من جسم فهو خلق الله عزوجل فكل ذلك فعل الله تعالى بمعنى أنه خلقه ، وكل ذلك مضاف بنص القرآن وبحكم اللغة إلى ما ظهر منه من حي أو جماد. قال تعالى : (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [سورة الحج : ٥].

فنسب عزوجل الاهتزاز والإنبات والربو إلى الأرض. وقال تعالى : (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ) [سورة المؤمنون : ١٠٤] فأخبر تعالى أن النّار تلفح.

وقال تعالى : (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ) [سورة الكهف : ٢٩] فأخبر عزوجل : أنّ الماء يشوي الوجوه.

وقال تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) [سورة النساء : ٩٢] فسمى تعالى المخطئ قاتلا وأوجب عليه حكما ، وهو لم يقصد قتله قط لكنه تولد عن فعله.

وقال تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [سورة فاطر : ١٠] فأخبر تعالى أن الكلم يصعد ، وأن العمل يرفع الكلم والعلم عرض من الأعراض.

وقال تعالى : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ) [سورة آل عمران : ١٤٤] وقال تعالى : (عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ) [سورة التوبة : ١٠٩].

ولم تختلف أمة ولا لغة في صحة قول القائل مات فلان ، وسقط الحائط ، فنسب الله تعالى وجميع خلقه الموت إلى الميت ، والسقوط إلى الحائط ، والانهيار إلى الجرف ، لظهور كل ذلك منها ليس في القرآن ولا في السنن ولا في اللغات ولا في العقول شيء غير هذا الحكم ، ومن خالف هذا فقد اعترض على الله تعالى وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى جميع الأمم وعلى جميع عقولهم ، وهذه صفة من عظمت مصيبته بنفسه ، ومن لا دين له ، ولا عقل ولا حياء ، ولا علم ، وصح بكل ما ذكرنا أنّ إضافة كل أمر في العالم إلى الله تعالى هي على غير إضافته إلى من ظهر منه ، وإنما إضافته إلى الله تعالى لأنه خلقه ، وأما إضافته إلى من ظهر منه أو تولد عنه فلظهوره منه اتباعا للقرآن ، ولجميع اللغات ، ولسنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكل هذه الإخبارات ، وكلتا هاتين الإضافتين حقّ لا مجاز في شيء من ذلك ، لأنه لا فرق بين ما ظهر من حيّ مختار أو من غير حيّ ولا مختار في أن كل ذلك ظاهر مما ظهر منه ، وأنه مخلوق لله تعالى إلا أن الله تعالى خلق في الحي اختيارا لما ظهر منه ، ولم يخلق اختيارا في ما ليس حيّا ولا مريدا. فما تولد عن فعل فاعل فهو فعل الله تعالى بمعنى أنه خلقه ، وهو فعل ما ظهر منه بمعنى أنه ظهر منه. قال الله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [سورة الأنفال : ١٧]. وقال تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) [سورة الواقعة : ٦٣ ، ٦٤].

وهذا نص قولنا وبالله تعالى التوفيق.

الكلام في المداخلة والمجاورة والكمون

قال أبو محمد : ذهب القائلون بأن الألوان أجسام إلى المداخلة ومعنى هذه اللفظة أن الجسمين يتداخلان فيكونان جميعا في مكان واحد.

قال أبو محمد : وهذا كلام فاسد لما سنبينه إن شاء الله تعالى في باب الكلام في الأجسام والأعراض من ديواننا هذا وبالله نتأيد.

من ذلك أن كل جسم فله مساحة وإذا كان كذلك فله مكان ولا بدّ ، وإذ له مكان بقدر مساحته ولا بدّ فإن كل جسم زيد عليه جسم آخر ، فإن ذلك الجسم الزائد يحتاج إلى مكان زائد من أجل مساحته الزائدة ، هذا أمر يعلم بالمشاهدة فإن اختلاط الأمر على من لم يتمرّن في معرفة حدود الكلام من أجل ما يرى في الأجسام المتخلخلة من تخلل الأجسام المائعة لها فإنما هذا لأن في خلال أجزاء تلك الأجسام المتخلخلة خروقا صغارا مملوءة هواء فإذا صبّ عليها الماء أو مائع ما ملأ تلك الخروق ، وخرج عنها الهواء الذي كان فيها ، وهذا ظاهر للعين محسوس خروج الهواء عنها بنفاخات وصوت من كل ما يخرج عنه الهواء مسرعا. والذي ذكرنا فإنه إذا تم خروج الهواء عنه وزيد في عدد المائع ربا واحتاج إلى مكان زائد. وأما الذي ذكرنا قبل فإنه في الأجسام المكتنزة كما صبّ على ماء ، أو دهن على دهن ، أو دهن على ماء وهكذا في كل شيء من هذه الأنواع وغيرها.

فصح يقينا أن الجسم إنما يكون في الجسم على سبيل المجاورة ، كل واحد في حيز غير حيز الآخر وإنما تكون المداخلة بين الأعراض والأجسام وبين الأعراض والأعراض ، لأن العرض لا يشغل مكانا فنجد اللون والطعم والمحسة والرائحة والحر والبرد والسكون ، كل ذلك مداخل للجسم ، ومداخل بعضه بعضا ، ولا يمكن أن يكون جسم واحد في مكانين ، ولا جسمان في مكان واحد. ثم إن المجاورة بين الجسمين تنقسم ثلاثة أقسام إحداها : أن يخلع أحد الجسمين كيفياته ويلبس كيفية الآخر ، كنقطة رميتها في دن خل أو دن مرت أو في لبن أو في مداد أو شيء يسير من بعض هذه في بعض أو من غيرها كذلك ، فإن الغالب منها يسلب المغلوب كيفياته الذاتية والغيرية

ويذهبها عنه ويلبسه كيفيات نفسه الذاتية والغيرية. والثاني : أن يخلع كل واحد منهما كيفياته الذاتية والغيرية ويلبسا معا كيفيات أخر كماء الزاج إذا جاور الماء العفص ، وكجسم الجير إذا جاور جسم الزرنيخ وكسائر المعاجن كلها والدقيق والماء وغير ذلك.

والثالث : أن لا يخلع واحد منهما عن نفسه كيفية من كيفياته لا الذاتية ولا الغيرية بل يبقى كل واحد منهما كما كان كزيت أضيف إلى ماء ، وكحجر إلى آخر ، وثوب إلى ثوب. فهذا حقيقة الكلام في المداخلة والمجاورة.

وأما الكمون : فإن طائفة ذهبت إلى أن النار كامنة في الحجر ، وذهبت طائفة إلى إبطال هذا ، وقالت إنه لا نار في الحجر أصلا ، وهو قول ضرار بن عمرو.

قال أبو محمد : وكل طائفة منهما فإنها تفرط على الأخرى فيما تدّعي عليها ، فضرار ينسب إلى مخالفيه أنهم يقولون إن النخلة بطولها وعرضها وعظمها كامنة في النواة ، وأن الإنسان بطوله وعرضه وعمقه وعظمه كامن في المنيّ. وخصومه ينسبون إليه أنه يقول : إنه ليس في النار حر ، ولا في العنب عصير ، ولا في الزيتون زيت ، ولا في الإنسان دم.

قال أبو محمد : وكلا القولين جنون محض ومكابرة للحواس والعقول ، والحق من ذلك أن في الأشياء ما هو كامن كالدم في الإنسان ، والعصير في العنب ، والزيت في الزيتون ، والماء في كل ما يعتصر منه ، وبرهان ذلك أن كل ما ذكرنا إذا خرج ما كان كامنا فيه ضمر الباقي لخروج ما خرج منه وخف وزنه لذلك عما كان عليه قبل خروج الذي خرج منه.

ومن الأشياء ما ليس كامنا كالنار في الحجر والحديد ، لكن في الحجر الزناد والحديد الذكر قوة إذا تضاغطا احتدم ما بينهما من الهواء فاستحال نارا وهكذا يعرض لكل شيء متحرق فإن رطوباته تستحيل نارا ثم دخانا ثم هواء ، إذ في طبع النار استخراج ناريات الأجسام وتصعيد رطوباتها حتى يفنى كل ما في الجسم من الناريات والمائيات عنه بالخروج ، ثم لو نفخت دهرك على ما بقي من الأرضية المحضة وهو الرماد لم يحترق ولا اشتعل إذ ليس فيه نار فتخرج ، ولا ماء فيصعد.

وكذلك دهن السراج فإنه كثير الناريات بطبعه فيستحيل بما فيه من المائية اليسيرة دخانا هوائيا ، وتخرج ناريته حتى يذهب كلّه. وأما القول في النوى والبذور والنطف ، فإن في النواة وفي البذر وفي النطفة طبيعة خلقها في كل ذلك الله تعالى ، وهي قوة تجتذب الرطوبات الواردة عليها من الماء والزبل ولطيف التراب الوارد كل

ذلك على النواة والبذر ، فيحيل كل ذلك إلى ما في طبعها إحالته إليه فيصير عودا ولحاء وورقا وزهرا وثمرا وخصوصا وكرما ، ومثل الدم الوارد على النطفة فتحيله طبيعته التي خلقها الله فيه لحما ، ودما وعظما ، وعصبا وعروقا وشرايين وعضلا وغضاريف وجلدا وظفرا وشعرا وكل ذلك خلق الله تعالى ، فتبارك الله أحسن الخالقين ، والحمد لله رب العالمين.

قال أبو محمد : وذهب الباقلاني وسائر الأشعرية إلى أنه ليس في النار حر ، ولا في الثلج برد ، ولا في الزيتون زيت ، ولا في العنب عصير ، ولا في الإنسان دم ، هذا أمر ناظرنا عليه من لقيناه منهم.

والعجب كل العجب قولهم هذا التخليط وإنكارهم ما يعرف بالحواس وضرورة العقل ، ثم هم يقولون مع هذا إن للزجاج والحصى طعما ورائحة وإن لقشور العنب رائد وإن للفلك طعما ورائحة ، وهذه إحدى عجائب الدنيا.

قال أبو محمد : وما وجدنا لهم في ذلك من حجة غير دعواهم أن الله تعالى خلق كل حر نجده في النار عند مسنا إياها ، وكذلك خلق البرد في الثلج عند مسنا إياه ، وكذلك خلق الزيت عند عصر الزيتون والعصير عند عصر العنب ، والدم عند القطع والشرط.

قال أبو محمد : فإذا تعلقوا من هذا بحواسهم فمن أين قالوا إن للزجاج طعما ورائحة ، وللفلك طعما ورائحة ...؟ وهذا موضع تشهد الحواس بتكذيبهم في أحدهما ولا تدرك الحواس الآخر. ويقال لهم : لعل الناس ليس في الأرض منهم أحد ، وإنما خلقهم الله عند رؤيتكم لهم ، ولعل بطونكم لا مصارين فيها ، ورءوسكم لا أدمغة فيها ، لكن الله خلق كل ذلك عند الشدخ والشق.

قال أبو محمد : وقول الله تعالى يكذبهم إذ قال تعالى : (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) [سورة الأنبياء : ٦٩].

فلو لا أن النار تحرق بحرها ما كان يقول الله تعالى هذا.

وإذ يقول عزوجل : (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) [سورة التوبة : ٨١] فصح أن النار موجودة.

وكذلك أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن نار جهنم أشدّ حرّا من نارنا هذه تسعين درجة. وقال تعالى : (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) [سورة المؤمنين : ٢٠].

فأخبر أن الشجرة تنبت بها. وقال تعالى : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) [سورة النحل : ٦٧].

فصح أن السكر والعصير الحلال مأخوذ من الثمر والأعناب ولو لم يكونا فيهما ما أخذ منها. وقد أطبقت الأمم كلها على إنكار هذا الجنون ، وعلى القول : هذا أحلى من العسل ، وأمر من الصّبر ، وأحرّ من النار ، ونحمد الله على السلامة.

الكلام في الاستحالة

قال أبو محمد : احتج الحنيفيون ومن وافقهم في قولهم إن النقطة من البول والخمر تقع في الماء فلا يظهر لها فيه أثر أنها فيه باقية بجسمها إلا أن أجزاءها دقت وخفيت عن أن تحس ، وكذلك الحبر يرمى في اللبن فلا يظهر له فيه أثر ، وكذلك الفضة اليسيرة تذاب في الذهب فلا يظهر لها فيه أثر ، وهكذا في كل شيء فقالوا : لو أن ذلك المقدار من الماء يحيل ماء النقطة من الخمر تقع فيه لكان أكثر من ذلك المقدار أقوى على الإحالة بلا شك ، ونحن نجد كلما زدنا نقط الخمر وقلتم أنتم قد استحالت ماء ونحن نزيد فلا يلبث أن تظهر الخمر ، وهكذا في كل شيء قالوا فظهرت صحة قولنا ولزمكم أن كلما كثر الماء ضعفت إحالته وهكذا في كل شيء.

قال أبو محمد : فقلنا لهم : إن الأمور إنما هي على ما رتبها الله عزوجل وعلى ما توجد عليه لا على قضاياكم المخالفة للحس ، ولا ننكر أن يكون مقدار ما يفعل فعلا ما ، فإذا كثر لم يفعل ذلك الفعل كالمقدار من الدواء ينفع ، فإذا زيد فيه أو نقص منه لم ينفع ، ونحن نقرّ معكم بما ذكرتم ولا ننكره فنقول : إن مقدارا ما من الماء يحيل مقدارا ما مما يلقى فيه من الخل أو الخمر أو العسل ، ولا يحيل أكثر مما يكون فيه ، ونحن نجد الهواء يحيل الماء هواء حتى إذا كثر الهواء المحيل من الماء لم يستحل بل أحال الهواء ماء ، وهكذا كل ما ذكرتم وإنما العمدة هاهنا على ما شهدت به أوائل العقول والحواس ، من أن الأشياء إنما تختلف باختلاف طبائعها وصفاتها التي منها تقوم حدودها وبها تختلف في اللغات أسماؤها ، فللماء صفات وطبائع إذا وجدت في جرم ما سمي ماء وكان ماء فإذا عدمت منه لم يسم ماء ولم يكن ماء ، وهكذا كل ما في العالم ولا نحاشي شيئا أصلا ، ومن المحال أن تكون حدود الماء وصفاته وطبعه في العسل أو في الخمر وهكذا كل شيء في العالم فأكثره يستحيل بعضه إلى بعض ، فأي شيء وجدت فيه حدود شيء ما سمي باسم ما فيه تلك الحدود إذا استوفاها كلها ، فإن لم يستوف إلا بعضها وفارق أيضا شيئا من صفاته الذاتية فهو حينئذ شيء غير الذي كان وغير الذي مازج كالعسل الملقى في الأيارج ، ونقطة مداد في لبن وما

أشبه ذلك وهذه رتبة العالم في مقتضى العقول ، وفيما يشاهد بالحواس بالبصر والذوق والشم واللمس ، ومن دفع هذا خرج عن المعقول ، ويلزم الحنيفيين من هذا اجتناب ماء البحر ، لأنّ فيه على قولهم عذرة وبولا ورطوبات ميتة ، وكذلك مياه جميع الأنهار أولها عن آخرها ، نعم ، وماء المطر أيضا. ونحن نجد الدجاج يتغذى بالميتة والدم والعذرة ، والكبش يسقى خمرا أنّ ذلك كله قد استحال عن صفات كل ذلك وطبعه إلى لحم الدجاج والكبش فحل عندنا وعندهم ، ولو كثر تغذيها به حتى تضعف طبيعتها عن إحالته فيوجد في حواصلها وفيه صفة العذرة الميتة حرم وهذا هو الذي أنكروه نفسه وهم مقرون معنا في أن الثمار والبقول تتغذى بالعذرة ، وتستحيل فيها ثمرة ، أنها قد حلت ، وهذا هو الذي أنكروه نفسه وبالله تعالى التوفيق.

الكلام في الطفرة

قال أبو محمد : نسب قوم من المتكلمين إلى إبراهيم النظّام أنه قال : إن المارّ على سطح الجسم يسير من مكان إلى مكان بينهما أماكن لم يقطعها المار ولا مرّ عليها ، ولا حاذها ولا حلّ فيها.

قال أبو محمد : وهذا عين المحال والتخليط.

قال أبو محمد : إلا إن كان هذا على قوله في أنه ليس في العالم إلا جسم حاشا الحركة فقط ، فإنه وإن كان قد أخطأ في هذه القضية فكلامه الذي ذكرنا خارج عليه خروجا صحيحا ، لأن هذا الذي ذكرنا ليس موجودا البتة إلا في حاسة البصر فقط ، وكذلك إذا أطبقت بصرك ثم فتحته لاقى نظرك خضرة السماء والكواكب التي في الأفلاك البعيدة بلا زمان ، كما يقع على أقرب ما يلاصقه من الألوان ، ولا تفاضل بين الإدراكين في المدة أصلا.

فصح ضرورة أن خط البصر لو قطع المسافة التي بين الناظر وبين الكواكب ومرّ عليها لكان ضرورة بلوغه إليها في مدة أطول من مدة مروره على المسافة التي ليس بينه وبين من يراه فيها إلا يسيرا أو أقل ، فصح يقينا أن البصر يخرج من الناظر ويقع على كل مرئيّ قرب أو بعد دون أن يمر في شيء من المسافة التي بينهما ، ولا يحلّها ، ولا يحاذيها ، ولا يقطعها ، وأما في سائر الأجسام فهذا محال ألا ترى أنك تنظر إلى الهدم وإلى ضرب القصّار بالثوب في الحجر من بعد ، فتراه ثم يقيم سويعة ، وحينئذ تسمع صوت ذاك الهدم وذلك الضرب فصح يقينا أن الصوت يقطع الأماكن وينتقل فيها ، وأن البصر لا يقطعها ولا ينتقل فيها ، فإذا صح البرهان بشيء ما لم يعترض عليه إلا عديم عقل ، أو عديم حياء ، أو عديم علم أو عديم دين وبالله تعالى التوفيق.

الكلام في الإنسان

قال أبو محمد : اختلف الناس في هذا الاسم علام يقع؟ فذهبت طائفة إلى أنه إنما يقع على الجسد دون النفس ، وهو قول أبي الهذيل العلاف. وذهبت طائفة إلى أنه يقع على النفس دون الجسد ، وهو قول إبراهيم النظام. وذهبت طائفة إلى أنه يقع عليهما معا ، كالبلق الذي لا يقع على السّواد والبياض معا.

قال أبو محمد : واحتجت الطائفة التي ذكرنا بقول الله عزوجل : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) [سورة الرحمن : ١٤]. وبقوله تعالى : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) [سورة الطارق : ٥ ـ ٧]. وقال تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى) [سورة القيامة : ٣٦ ـ ٣٨].

وبآيات أخر غير هذه ، وهذه بلا شك صفة الجسد لا صفة النفس لأن الروح إنما نفخ بعد تمام خلق الإنسان الذي هو الجسد. واحتجت الطائفة الأخرى بقول الله عزوجل : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) [سورة المعارج : ١٩ ، ٢٠]. وهذا بلا خلاف صفة النفس لا صفة الجسد ، لأن الجسد موات والفعّالة هي النفس وهي المميزة الحية ، حاملة لهذه الأخلاق وغيرها.

قال أبو محمد : وكلا هذين الاحتجاجين حق وليس أحد منهما أولى بالقبول من الآخر ، ولا يجوز أن يعارض أحدهما بالآخر ، لأن كليهما من عند الله عزوجل ، وما كان من عند الله فليس بمختلف ، قال تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [سورة النساء : ٨٢].

فإذ كل هذه الآيات حق فقد ثبت أنّ للإنسان اسم يقع على النفس دون الجسد ، ويقع أيضا على الجسد دون النفس ، ويقع أيضا على كليهما معا مجتمعين ، فنقول في الحيّ : هذا إنسان ، وهو مشتمل على جسد وروح ، ونقول للميت : هذا إنسان وهو جسد لا نفس فيه ، ونقول : إنّ الإنسان يعذب قبل يوم القيامة وينعم ، يعني النفس دون الجسد. وأمّا من قال : إنه لا يقع إلّا على النفس والجسد معا فخطأ يبطله الذي ذكرنا من النصوص التي فيها وقوع اسم الإنسان على الجسد دون النفس ، وعلى النفس دون الجسد ، وبالله تعالى التوفيق.

الكلام في الجواهر والأعراض وما الجسم؟ وما النفس؟

قال أبو محمد : اختلف الناس في هذا الباب ، فذهب هشام بن الحكم : إلى أنه ليس في العالم إلّا جسم ، وأن الألوان والحركات أجسام ، واحتج أيضا بأن الجسم إذا كان طويلا عريضا عميقا فمن حيث وجدته وجدت اللّون فيه ، فوجب الطول والعرض والعمق للّون أيضا ، فإذا وجب ذلك للّون فاللّون أيضا طويل عريض عميق ، وكل طويل عريض عميق جسم ، فاللّون جسم. وذهب إبراهيم بن سيّار النّظام إلى مثل هذا سواء سواء إلّا الحركات فإنه قال : هي خاصة أعراض.

وذهب ضرار بن عمرو : إلى أن الأجسام مركبة من الأعراض. وذهب سائر الناس إلى أنّ الأجسام هي كل ما كان طويلا عريضا عميقا شاغلا لمكان ، وأن كل ما عداه من لون أو حركة أو مذاق أو طيب أو محبة فعرض. وذهب بعض الملحدين إلى نفي الأعراض ، ووافقهم على ذلك بعض أهل القبلة.

قال أبو محمد : أما الجسم فمتفق على وجوده ، وأما الأعراض فإثباتها وبيّن واضح بعون الله تعالى ، وهو أننا لم نجد في العالم إلّا قائما بنفسه حاملا لغيره ، أو قائما بغيره لا بنفسه محمولا في غيره ، ووجدنا القائم بنفسه شاغلا لمكان يملؤه ، ووجدنا الذي لا يقوم بنفسه لكنه محمول في غيره لا يشغل مكانا بل يكون الكثير منها في مكان حاملها القائم بنفسه ، هذه قسمة لا يمكن وجود شيء في العالم بخلافها ، ولا يوجد قسم زائد على ما ذكرنا ، فإذ ذلك كذلك فبالضرورة علمنا أنّ القائم بنفسه الشاغل لمكانه هو نوع آخر غير القائم بغيره الذي لا يشغل مكانا فوجب أن يكون لكل واحد من هذين الجنسين اسم يعبّر عنه ليقع التفاهم بيننا فاتفقنا على أن سمّينا القائم بنفسه ، الشاغل لمكانه جسما ، واتّفقنا على أن سمّينا ما لا يقوم بنفسه عرضا ، وهذا بيان برهاني مشاهد. ووجدنا الجسم تتعاقب عليه الألوان والجسم قائم بنفسه ، فبينما تراه أبيض صار أخضر ، ثم أحمر ، ثم أصفر ، كالذي نشاهده في الثمار والأصباغ ، فبالضرورة نعلم أنّ الذي عدم وفني من البياض والخضرة وسائر الألوان هو غير الذي بقي موجودا لم يفن ، وأنهما جميعا غير الشيء الحامل لهما ، لأنه لو كان شيء من ذلك هو الآخر

لعدم بعدمه ، فدل بقاؤه بعده على أنه غيره ولا بدّ ، إذ من المحال الممتنع أن يكون الشيء معدوما موجودا في حالة واحدة ، في مكان واحد ، في زمان واحد.

وأيضا فإن الأعراض هي الأفعال من الأكل والشرب ، والنوم ، والجماع ، والمشي ، والضرب ، وغير ذلك ، فمن أنكر الأعراض فقد أثبت الفاعلين وأبطل الأفعال ، وهذا محال لا خفاء به ، ولا فرق بين من أثبت الفاعلين ونفى الأفعال ، وبين من أثبت الأفعال ونفى الفاعلين. وكلا الطائفتين مبطلة لما يشاهد بالحواس ، ويدرك بالعقل ، سوفسطائيون حقّا ، لأن من الأعراض ما يدرك بالبصر وهو اللون إذ ما لا لون له لا يدرك بالبصر ، وقد يدرك بالشمّ كالنتن والطيب. ومنها : ما يدرك بالذّوق كالحلاوة والمرارة ، والحموضة والملوحة ، ومنها ما يدرك بالحس كالحر والبرد ، ومنها ما يدرك بالسمع كحسن الصوت وقبحه ، وجهارته وجفوته ، ومنها ما يدرك بالعقل كالحركة ، والحمق والعقل ، والعدل والجور ، والعلم والجهل ، فظهر فساد قول مبطلي الأعراض يقينا والحمد لله رب العالمين. فإذ قد صح كل ما ذكرنا فإنما الأسماء عبارات وتمييز للمسميات ليتوصل بها المخاطبون إلى تفاهم مراداتهم من الوقوف على المعاني ، وفصل بعضها من بعض ، ليس للأسماء فائدة غير هذه ، فوجب ضرورة أن يوقع على القائم بنفس الشاغل لمكانه ، الحامل لغيره أسماء تكون عبارة عنه ، وأن يوقع أيضا على القائم بغيره لا بنفسه المحمول الذي لا يشغل مكانا اسما آخر يكون عبارة عنه لينفصل بهذين الاسمين كل واحد من ذينك المسمّيين عن الآخر ، وإن لم يكن هذا وقع التخليط وعدم البيان. واصطلحنا على أن سمينا القائم بنفسه الشاغل للمكان جسما. واتفقنا على أن سمينا القائم بغيره لا بنفسه عرضا ، لأنه عرض في الجسم ، وحدث فيه. هذا هو الحق المشاهد بالحسّ ، المعروف بالعقل ، وما عدا هذا فهذيان وتخليط ، لا يعقله قائله ، فكيف غيره؟ فصحّ بهذا كله وجود الأعراض وبطلان قول من أنكرها ، وصحّ أيضا بما ذكرنا أنّ حدّ اللون والحركة وكلّ ما لا يقوم بنفسه هو غير حدّ القائم بنفسه ، فإذ ذلك كذلك فلا جسم إلّا القائم بنفسه وكل ما عداه فعرض ، فلاح بهذا صحة قول من قال بذلك ، وبطل قول هشام والنظام. وبالله تعالى التوفيق.

وأما احتجاج هشام بوجود الطول والعرض والعمق التي توهّمها في اللون ، فإنما هو طول الجسم الملون وعرضه وعمقه فقط ، وليس للّون طول ولا عرض ولا عمق ، وكذلك الطعم والمجسّة ، والرائحة ، وبرهان ذلك أنه : لو كان للجسم طول وعرض وعمق ، وكان للون طول غير طول الحامل له ، وعرض آخر غير عرض الحامل له ، وعمق آخر غير عمق الملوّن الحامل له ، لاحتاج كل واحد منهما إلى مكان آخر غير مكان

الآخر ، إذ من أعظم المحال الممتنع أن يكون شيئا طول كل واحد منهما ذراع وعرضه ذراع وعمقه ذراع ثم يسعان جميعا في واحد ليس هو إلّا ذراع في ذراع فقط ، ويلزمه مثل هذا في الطعم والرائحة والمجسة ، لأن كل هذه الصفات توجد في كل جهة من جهات الجسم الذي هي فيه ، كما يوجد اللون ولا فرق. وقد يذهب الطعم حتى يكون الشيء لا طعم له ، وتذهب الرائحة حتى يصير الشيء لا رائحة له ، ومساحته باقية بحسبها ، فصح يقينا أن المساحة للملون والذي له الرائحة والطعم والمجسة ، لا للّون ولا للطعام ولا للرائحة ولا للمجسة. وقد نجد جسما طويلا عريضا عميقا لا لون له وهو الهواء ساكنة ومتحركة ، وبالضرورة ندري أنه لو كان له لون لم يزد ذلك في مساحته شيئا.

قال أبو محمد : فإن بلغ الجهل بصاحبه إلى أن يقول ليس الهواء جسما سألناه عما في داخل الزّق المنفوخ ما هو؟ وعما يلقى الذي يجري فرسا جوادا بوجهه وجسمه؟ فإنه لا شك في أنه جسم قوي متكسر محسوس.

وبرهان آخر : وهو أن كل أحد يدري أن الطول والعرض والعمق لو كان لكل واحد منهما طول وعرض وعمق لاحتاج كل واحد منهما أيضا إلى طول آخر وعرض آخر وعمق آخر وهكذا مسلسلا إلى ما لا نهاية له ، وهذا باطل فبطل قول إبراهيم وهشام وبالله تعالى التوفيق.

وأما قول ضرار : إن الأجسام مركبة من الأعراض ، فقول فاسد جدّا لأن الأعراض قد صحّ كما ذكرنا أنها لا طول لها ولا عرض ولا عمق ولا تقوم بنفسها ، وصح أن الأجسام ذات أطوال وعروض وأعماق قائمة بأنفسها ، ومن المحال أن يجتمع ما لا طول له ولا عرض ولا عمق مع مثله فيقوم منها ما له طول وعرض وعمق ، وإنما غلط فيها من توهم أن الأجسام مركبة من السطوح وأن السطوح مركبة من الخطوط ، والخطوط مركبة من النقط.

قال أبو محمد : وهذا خطأ على كل حال لأن السطوح المطلقة إنما هي تناهي الجسم وانقطاع تماديه من أوسع جهاته وعدم امتداده فقط ، وأما الخطوط المطلقة فإنما هي تناهي جهة السطح وانقطاع تماديها ، وأما النقط فهي تناهي جهات الجسم من أحد نهاياته كطرف السكين ونحوه. فكل هذه الأبعاد إنما هي عدم التمادي ومن المحال أن يجتمع عدم فيقوم منه موجود. وأما السطوح المجسمة والخطوط المجسمة والنقط المجسمة فإنما هي أبعاض الجسم وأجزاؤه ، ولا تكون الأجزاء أجزاء إلا بعد القسمة فقط على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى.

قال أبو محمد : وذهب قوم من المتكلمين إلى إثبات شيء سموه جوهرا ليس جسما ولا عرضا ، وقد ينسب هذا القول إلى بعض الأوائل. وحدّ هذا الجوهر عند من أثبته أنه واحد بالذات قابل للمتضادات قائم بنفسه لا يتحرك ، ولا له مكان ولا له طول ولا عرض ولا عمق ولا يتجزأ.

وحدّه بعض من ينتمي إلى الكلام : بأنه واحد بذاته لا طول له ولا عرض ولا عمق ولا يتجزأ. وقالوا إنه يتحرك وله مكان وأنه قائم بنفسه يحمل من كل عرض عرضا واحدا فقط كاللون والطعم والرائحة والمجسة.

قال أبو محمد : وكلا هذين القولين والقول الذي اجتمعا عليه في غاية الفساد والبطلان ، أول ذلك أنها كلها دعاوى مجردة لا يقوم على صحة شيء منها دليل أصلا لا برهاني ولا إقناعي بل البرهان العقلي والحس يشهدان ببطلان كل ذلك وليس يعجز أحد أن يدعي ما شاء ، وما كان هكذا فهو باطل محض وبالله تعالى نتأيد.

وأما نحن فنقول : إنه ليس في الوجود إلا الخالق وخلقه وأنه ليس الخلق إلا جوهرا حاملا لأعراضه وأعراضا محمولة في الجوهر لا سبيل إلى تعرّي أحدهما عن الآخر ، فكل جوهر جسم وكل جسم جوهر وهما اسمان معناهما واحد ولا مزيد وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : ونجمع إن شاء الله تعالى كل شيء أوقعت عليه هاتان الطائفتان اسم جوهر لا جسم ولا عرض ونبين إن شاء الله تعالى فساد كل ذلك بالبراهين الضرورية كما فعلنا في سائر كلامنا وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : حققنا ما أوقع عليه بعض الأوائل ومن قلدهم اسم جوهر ، وقالوا إنه ليس جسما ولا عرضا ، فوجدناهم يذكرون الباري تعالى والنفس والهيولى والعقل والصورة وعبر بعضهم عن الهيولى بالطينة وبعضهم بالخميرة والمعنى في كل ذلك واحد إلا أن بعضهم قال : المراد بذلك الجسم متعريا من جميع أعراضه وأبعاده. وبعضهم قال : المراد بذلك الشيء الذي منه كون هذا العالم ومنه يكون على حسب اختلافهم في الخالق أو في إنكاره. وزاد بعضهم في الجوهر الخلاء والمدة اللذين لم يزالا عندهم يعني بالخلاء المكان المطلق لا المكان المعهود ويعني بالمدة الزمان المطلق لا الزمان المعهود.

قال أبو محمد : وهذه أقوال ليس شيء منها لمن ينتمي إلا الإسلام وإنما هي للمجوس والصابئين وللدهرية وللنصارى في تسميتهم الباري تعالى جوهرا فإنهم سموه في أمانيهم التي لا يصح عندهم دين لملكيّ ولا لنسطوري ولا ليعقوبي ولا هاروني

إلا باعتقادها ، وإلا فهو كافر بالنصرانية قطعا ، حاشا تسميته الباري تعالى جوهرا ، فإنه للمجسمة أيضا ، وحاشا القول بأن النفس جوهر لا جسم ، فإنه قد قال به معمّر العطار أحد رؤساء المعتزلة ، وأما المنتمون إلى الإسلام فإن الجوهر الذي ليس جسما ولا عرضا ليس هو عندهم شيئا إلا الأجزاء الصغار التي لا تتجزأ وإليها تنحل الأجسام عندهم بزعمهم وقد ذكر هذا عن بعض الأوائل أيضا فهذه ثمانية أشياء كما ذكرنا لا نعلم أحدا سمى جوهرا ليس جسما ولا عرضا ولا غيرها إلا قوما جهّالا يظنون في القوى الذاتية أنها جواهر وهذا جهل منهم لأنها بلا خلاف محمولة فيما هي فيه غير قائمة حتما وهذا صفة العرض لا صفة الجواهر بلا خلاف.

قال أبو محمد : فأما الخلاء والمدة فقد تقدم إفسادنا لهذا القول في صدر ديواننا بالبراهين الضرورية وفي كتابنا الموسوم بالتحقيق في نقض كتاب العلم الإلهي لمحمد بن زكريا الطبيب فحللنا كلّ دعوى أوردها هو وغيره في هذا المعنى بأبين شرح والحمد لله رب العالمين كثيرا.

وأثبتنا في صدر كتابنا هذا وهنالك أنه ليس في العالم خلاء البتة وأنه كلّه كرة مصمتة (١) تخلخل فيها وأنه ليس وراء هذا خلاء ولا ملاء ولا شيء البتة وأن المدة ليست إلا مدة أحدث الله فيها الفلك بما فيه من الأجسام الساكنة والمتحركة وأعراضها ، وبينا في كتاب التقريب لحدود الكلام أن الآلة المسماة الزرّافة وسارقة الماء والآلة التي تدخل في إحليل من به أثر البول براهين ضرورية في تحقيق أن لا خلاء في العالم أصلا وأن الخلاء عند القائلين به إنما هو مكان لا تمكن فيه وهذا محال بما ذكرنا لأنه لو خرج الماء من الثقب الذي في أسفل سارقة الماء وقد سدّ أعلاها لبقي مكانه خاليا بلا متمكن فيه فإذا لم يكن ذلك أصلا ولا كان في بنية العالم وجوده وقف الماء باقيا لا ينهرق حتى إذا فتح أعلاها ووجد الهواء مدخلا خرج الماء وانهرق لوقته وخلفه الهواء ، وكذلك الزرّافة والآلة المتخذة لمن به أسر البول فإنه إذا حصلت تلك في داخل الإحليل وأول المثانة ثم جبذ الزر المغلق لبقها إلى خارج اتبعه البول ضرورة وخرج إذ لو لم يخرج لبقي ثقب الآلة خاليا لا شيء فيه ، وهذا باطل ممتنع. وقد بينا في صدر كتابنا كلّ ما اعترض به الملحدون المخالفون لنا في هذا المكان فأغنى عن إعادته.

__________________

(١) المصمت : الجامد لا جوف له كالحجر (المعجم الوسيط : ص ٥٢٢).

فإن قال قائل : فالماء الذي اخترعه الله عزوجل من بين أصابع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والتمر الذي اخترع له والثريد الذي اخترع له ، من أين اخترعه وهي أجسام محدثة والعالم عندكم ملاء لا خلاء فيه ولا تخلخل ولا يكون الجسمان في مكان واحد؟ قلنا وبالله تعالى التوفيق : لا يخلو هذا من أحد وجهين لا ثالث لهما :

إما أن يكون الله عزوجل أعدم من الهواء مقدار ما اخترع منه من التمر والماء والثريد ، وإما أن يكون الله عزوجل أحال أجزاء من الهواء ماء وتمرا وثريدا فالله أعلم أي ذينك كان والله على كل شيء قدير ، فسقط قولهم في الخلاء والمدة والحمد لله رب العالمين.

قال أبو محمد : وأما الصورة فكيفية بلا شك وهي تخليط الجواهر وتشكلها إلا أنها قسمان أحدهما ملازم كالصورة الكلية لا تفارق الجواهر البتة ولا توجد دونها ولا تتوهم الجواهر عارية عنها ، والآخر تتعاقب أنواعه وأشخاصه على الجواهر كانتقال الشيء عن تثليث إلى تربيع ونحو ذلك فصح أنها أعراض بلا شك وبالله تعالى التوفيق.

وأما العقل فلا خلاف بين أحد له حس سليم في أنه عرض محمول في النفس ، وكيفية برهان ذلك أنه يقبل الأشد والضعيف فنقول عقل أقوى من عقل وأضعف من عقل وله ضد وهو الحمق ، ولا خلاف في الجواهر أنها لا ضدّ لها ، وإنما التضاد في بعض الكيفيات فقط. وقد اعترض في هذا بعض من صح له علم الفلسفة فقال : ليس للعقل ضد لكن لوجوده ضد وهو عدمه. فقلت للذي ذكر لي هذا القول : إن هذه سفسطة وجهل ، ولو جاز له هذا التخليط لجاز لغيره أن يقول ليس للعلم ضد لكن لوجوده ضد وهو عدمه ، ولا لشيء من الكيفيات ضد ، ولكن لوجودها ضد وهو عدمها ، فيبطل التضاد من جميع الكيفيات ، وهذا كلام يعلم فساده بضرورة العقل ، ولا فرق بين وجود الضد للعقل وبين وجوده للعلم ولسائر الكيفيات وهي باب واحد كله وإنما هي صفات متعاقبة كلها موجودة فالعقل موجود ثم يعقبه الحمق وهو موجود ، كما أن العلم موجود ويعقبه الجهل ، وكما أن النجدة موجودة ويعقبها الجبن وهو موجود ، وهذا أمر لا يخفى على من له أقل تمييز ، وكذلك الجواهر لا تقبل الأشد والأضعف في ذواتها ، وهذا أيضا قول كل من له أدنى فهم من الأوائل. والعقل عند جميعهم هو تمييز الفضائل من الرذائل واستعمال الفضائل واجتناب الرذائل والتزام ما تحسن به المغبّة في دار البقاء وعالم الجزاء وحسن السياسة فيما يلزم المرء في دار الدنيا.

وبهذا أيضا جاءت الرسل عليهم‌السلام قال الله عزوجل : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها) [سورة الحج : ٤٦].

وقال تعالى : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [سورة النور : ٦١].

وقال تعالى : (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) [سورة الفرقان : ٤٤].

وقال تعالى : (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) [سورة يونس : ١٠٠].

وقال تعالى : (وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) [سورة المائدة : ٥٨].

وقال تعالى : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [سورة الأنفال : ٥٥].

فصح أن العقل هو الإيمان وجميع الطاعات. وقال تعالى عن الكفار : (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) [سورة الملك : ١٠].

ومثل هذا في القرآن كثير. فصح أن العقل فعل النفس وهو عرض محمول فيها وقوة من قواها فهو عرض كيفية بلا شك وإنما غلط من غلط في هذا لأنه رأى لبعض الجهال المخلطين من الأوائل أن العقل جوهر وأن له فلكا فعوّل على ذلك من لا علم له وهذا خطأ كما أوردنا. وبالله تعالى التوفيق.

وأيضا فإن لفظة العقل غريبة أتى بها المترجمون عبارة عن لفظة أخرى يعبّر بها في اليونانية أو في غيرها من اللغات عما يعبر بلفظة العقل عنه في اللغة العربية ، هذا ما لا خفاء به عند أحد. ولفظة العقل في لغة العرب إنما هي موضوعة لتمييز الأشياء واستعمال الفضائل فصح ضرورة أنها معبّر بها عن عرض وكلّ مدّع خلاف ذلك رديء العقل عديم الحياء مباهت بلا شك. ولقد قال بعض النوكى والجهال : لو كان العقل عرضا لكانت الأجسام أشرف منه. فقلت للذي أتاني بهذا : وهل للجوهر شرف إلا بأعراضه ، وهل شرف جوهر قط على جوهر إلا بصفاته لا بذاته؟ وهل يخفى هذا على أحد؟ ثم قلنا : ويلزمهم هذا نفسه على قولهم السخيف في العلم والفضائل إذ لا يخالفون في أنها أعراض فعلى مقدمتهم السخيفة يجب أن تكون الأجسام كلها أشرف منها وهذا كما ترى.

وأما الهيولى : فهو الجسم نفسه الحامل لأعراضه كلها وإنما أفردته الأوائل بهذا الاسم إذ تكلموا عليه مفردا في الكلام عليه عن سائر أعراضه كلها من الصورة وغيرها مفصولا في الكلام عليه خاصة عن أعراضه ، وإن كان لا سبيل إلى أن يوجد خاليا عن أعراضه ولا متعريا منها أصلا ولا يتوهم وجوده كذلك ولا يتشكل في النفس ، ولا

يتمثل ذلك أصلا ، بل هو محال ممتنع جملة ، كما أن الإنسان الكلي وجميع الأجناس والأنواع ليس شيء منها غير أشخاصه فقط فهي الأجسام بأعيانها إن كان النوع نوع أجسام وهي أشخاص الأعراض إن كان النوع نوع أعراض ولا مزيد. لأن قولنا الإنسان الكليّ يزيد النوع إنما معناه أشخاص الناس فقط لا أشياء أخر وقولنا الحمرة الكلية إنما معناه أشخاص الحمرة حيث وجدت فقط فبطل بهذا تقدير من ظن من أهل الجهل أن الجنس والنوع والفصل جواهر لا أجسام وبالله تعالى التوفيق.

ولكن الأوائل سمّتها وسمّت الصفات الأوليات الذاتيات جوهريات لا جواهر وهذا صحيح لأنها منسوبة إلى الجواهر لملازمتها لها لا تفارقها البتة ولا يتوهم مفارقتها لها وبالله تعالى التوفيق.

فبطل قولهم في الخلاء والمدة والصورة والعقل والهيولى والحمد لله رب العالمين.

وأما الباري تعالى فقد أخطأ من سمّاه جوهرا من المجسمة ومن النصارى لأن لفظة الجوهر لفظة عربية ومن أثبت الله عزوجل ففرض عليه إذ أقر أنّه خالقه وإلهه ومالك أمره أن لا يقدم عليه في شيء إلا بعهد منه تعالى ، ولا يخبر عنه إلا بعلم متيقن ، ولا علم هاهنا إلا بما أخبر به عزوجل فقط فصح يقينا أن تسمية الله عزوجل جوهرا والإخبار عنه بأنه جوهر حكم عليه تعالى بغير عهد منه وإخبار عنه عزوجل بالكذب الذي لم يخبر قط تعالى به عن نفسه ولا سمى به نفسه وهذا إقدام لم يأتنا قط به برهان بإباحته. وأيضا فإن الجوهر حامل لأعراض ما ولو كان الباري تعالى حاملا لعرض لكان مركّبا من ذاته وأعراضه وهذا باطل.

وأما النصارى فليس لهم أن يتسوروا على اللغة العربية فيصرفوها عن موضوعها فبطل أن يكون تعالى جوهرا لبراءته عن حد الجوهر وبطل أن يسمى جوهرا لأنه تعالى لم يسم نفسه به وبالله تعالى التوفيق.

فبطل قول من سمى الله تعالى جوهرا أو أخبر أنه تعالى جوهر ولله تعالى الحمد. فلم يبق إلا النفس والجزء الذي لا يتجزأ ونحن إن شاء الله عزوجل نتكلم فيهما كلاما متيقنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

قال أبو محمد : اختلف الناس في النفس فذكر عن أبي بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصم إنكار النفس جملة ، وقال : لا أعرف إلا ما شاهدته بحواسّي ، وقال جالينوس وأبو الهذيل محمد بن الهذيل العلاف : النفس عرض من الأعراض ثم اختلفا

فقال جالينوس هي مزاج مجتمع يتولد من تركيب أخلاط الجسد. وقال أبو الهذيل هي عرض كسائر أعراض الجسم. وقالت طائفة : النفس هي النسيم الداخل الخارج بالتنفس فهي النفس ، قالوا : والروح عرض وهو الحياة فقط فهو غير النفس وهذا قول الباقلاني ومن اتبعه من الأشعرية.

وقالت طائفة : النفس جوهر ليست جسما ولا عرضا ولا لها طول ولا عرض ولا عمق ولا هي في مكان ولا تتجزأ وأنها هي الفعّالة المدبرة وهي الإنسان وهو قول بعض الأوائل وبه يقول معمّر بن عمرو العطار أحد شيوخ المعتزلة. وذهب سائر أهل الإسلام والملل المقرّة بالمعاد إلى أن النفس جسم طويل عريض عميق ذات مكان عاقلة مميزة مصرفة للجسد.

قال أبو محمد : وبهذا نقول والنفس والروح اسمان مترادفان لمسمّى واحد ومعناهما واحد.

قال أبو محمد : وأما قول أبي بكر بن كيسان فإنه يبطله النص وبرهان العقل ، أما النص فقول الله عزوجل : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) [سورة الأنعام : ٩٣] الآية.

فصح أن النفس موجودة وأنها غير الجسد وأنها الخارجة عند الموت.

قال أبو محمد : وأما البرهان العقلي فإنا نرى المرء إذا أراد تصفية عقله وتصحيح رأيه أو فك مسألة عويصة عكس ذهنه وأفرد نفسه عن حواسها الجسدية وترك استعمال الجسد فقط جملة وتبرأ منه حتى إنه لا يرى من بحضرته ولا يسمع ما يقال أمامه فحينئذ يكون رأيه وفكره أصفى ما كان.

فصحّ أن الفكر والذكر ليسا للجسد المتخلي منه عند إرادتهما. وأيضا فالذي يراه النائم مما يخرج حقا على وجهه وليس ذلك إلا إذا تخلّت النفس عن الجسد فبقي الجسد كجسد الميت ونجده حينئذ يرى في الرؤيا ويسمع ويتكلم ويذكر وقد بطل عمل بصره الجسدي وعمل أذنيه الجسدية ، وعمل ذوقه الجسدي ، وكلام لسانه الجسدي.

فصحّ يقينا أن العقل المبصر السامع المتكلم الحساس الذائق هو شيء غير الجسد ، فصح أنه المسمى نفسا إذ لا شيء غير ذلك. وكذلك ما تتخيله نفس الأعمى والغائب عن الشيء مما قد رآه قبل ذلك فيتمثله ويراه في نفسه كما هو.

فصح يقينا أن هاهنا متمثلا مدركا غير الجسد إذ لا أثر للجسد ولا للحواس

في شيء مما ذكرنا البتة. ومنها أنك ترى المريد يريد بعض الأمور بنشاط فإذا اعترضه عارض ما كسل ، والجسم بحسبه كما كان لم يتغير منه شيء فعلمنا أن هاهنا مريدا للأشياء غير الجسد. ومنها أخلاق النفس من الحلم والصبر والحسد والعقل والطيش والخرق والنّزق والعلم والبلادة وكل هذا ليس لشيء من أعضاء الجسد فإذ لا شك في ذلك فإنما هو كله للنفس المدبرة للجسد. ومنها ما يرى من بعض المحتضرين ممن قد ضعف جسده وفسدت بنيته وتراه حينئذ أحدّ ما كان ذهنا وأصحّ ما كان تمييزا ، وأفضل طبيعة وأبعد عن كل لغو وأنطق بكل حكمة ، وأصحّهم نظرا وجسده حينئذ في غاية الفساد وبطلان القوى.

فصح أن المدرك للأمور المدبر للجسد الفعّال المميز الحيّ هو شيء غير الجسد وهو الذي يسمى نفسا وصح أن الجسد مؤذ للنفس وأنها مذ حلت في الجسد فكأنها وقعت في طين غمر فأنساها شغلها بها كل ما سلف لها.

وأيضا فلو كان الفعل للجسد لكان فعله متماديا وحياته متصلة في حال نومه وموته ، ونحن نرى الجسد حينئذ صحيحا سالما لم ينتقص منه شيء من أعضائه قد بطلت أفعاله كلها جملة.

فصح أن الفعل والتمييز إنما كان لغير الجسد وهو النفس المفارقة له وأن الفعّال الذاكر فرّ منه وتبرأ منه. وأيضا فإننا نرى أعضاء الجسد تذهب عضوا عضوا بالقطع أو الفساد والقوى باقية بحسبها والأعضاء قد ذهبت وفسدت بالجذام وبالجدري وبالقطع والجسد قد نقص وفسد باقيه ونجد الذهن والتدبير والعقل وقوى النفس باقية أوفر ما كانت.

فصح ضرورة أن الفعّال العالم الذاكر المدبر المريد هو غير الجسد كما ذكرنا وأن الجسد موات فبطل قول ابن كيسان والحمد لله رب العالمين. وأما قول من قال إنها مزاج كما قال جالينوس فإن كل ما ذكرنا مما أبطلنا به قول أبي بكر بن كيسان ، فإنه يبطل أيضا قول جالينوس.

وأيضا فإن العناصر الأربعة التي منها تركب الجسد وهي التراب ، والماء ، والهواء ، والنار ، فإنها كلها موات بطبعها ، ومن الباطل الممتنع والمحال الذي لا يجوز البتة أن يجمع موات وموات وموات وموات فيقوم منها حي.

وكذلك محال أن تجتمع فيقوم منها حارّ أو حوارّ فيجتمع منها بارد ، أو حي وحي وحي فيقوم منها موات ، فبطل أن تكون النفس مزاجا ، وبالله تعالى التوفيق.

وأما قول من قال إنها عرض فقط ، وقول من قال : إنما النفس النسيم الداخل

والخارج من الهواء ، وأن الروح هو عرض وهي الحياة ، فإن كل هذين القولين يبطلان بكل ما ذكرنا في إبطال قول الأصم بن كيسان ، وأيضا فإن أهل هذين القولين ينتمون إلى الإسلام ، والقرآن يبطل قولهم نصا قال الله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) [سورة الزمر : ٤٢].

فصح ضرورة أن الأنفس غير الأجساد ، وأن الأنفس هي المتوفاة في النوم والموت ، ثم ترد عند اليقظة ، وتمسك عند الموت ، وليس هذا التوفي للأجساد أصلا ، وبيقين يدري كل ذي حس سليم أن العرض لا يمكن أن يتوفى فيفارق الجسم الحامل له ويبقى كذلك ثم يردّ بعضه ويمسك بعضه ، هذا ما لا يكون ولا يجوز لأن العرض يبطل بمزايلته الحامل له. كذلك لا يمكن أن يظنّ ذو مسكة من عقل أن الهواء الداخل والخارج هو المتوفى عند النوم وكيف ذلك وهو باق في حال النوم كما كان في حال اليقظة ولا فرق ..؟ وكذلك قوله عزوجل : (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) [سورة الأنعام : ٩٣]. فإنه لا يمكن أن يعذب العرض ولا الهواء. وأيضا فإن الله عزوجل يقول : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [سورة الأعراف : ١٧٢].

قال أبو محمد : هذه آية ترفع الإشكال جملة ، وتبين أن النفس غير الجسد ، وإنما هي العاقلة المخاطبة المكلفة ، لأنه لا يشك ذو حس سليم في أن الأجساد حين أخذ الله عليها هذا العهد كانت مبددة في التراب والماء والهواء والنار ، ونص الآية يقتضي ما قلنا فكيف وفيها نص أن الإشهاد إنما وقع على النفوس ...؟ وما أدري كيف ينشرح نفس مسلم بخلاف هذه النصوص ...؟ وكذلك إخبار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أنه رأى عند سماء الدنيا ليلة أسري به عن يمين آدم وعن يساره نسم بنيه ، فأهل السعادة عن يمينه وأهل الشقاء عن يساره عليه‌السلام» (١). ومن الباطل أن تكون الأعراض باقية هنالك أو أن يكون النسيم هنالك ، وهو هواء متردد في الهواء.

قال أبو محمد : ولو كان ما قاله أبو الهذيل والباقلاني ومن قلدهما حقا ، لكان الإنسان يبدل في كل ساعة ألف ألف روح وأزيد من ثلاثمائة ألف نفس ، لأن العرض

__________________

(١) رواه البخاري في الصلاة باب ١ ، وأحاديث الأنبياء باب ٥. ومسلم في الإيمان حديث ٢٦٣. وأحمد في المسند (٥ / ١٤٣).

عندهم لا يبقى وقتين بل يفنى ويتجدد عندهم أبدا ، فروح كل حيّ على قولهم في كل وقت غير روحه التي كانت قبل ذلك ، وهكذا تتبدل أرواح الناس عندهم بالخطاب ، وكذلك بيقين يشاهد كل أحد أن الهواء الداخل بالتنفس ثم يخرج هو غير الهواء الداخل بالتنفس الثاني. فالإنسان يبدل على قول الأشعرية أنفسا كثيرة في كل وقت ونفسه الآن غير نفسه آنفا ، هذا حمق لا خفاء به. فبطل قول الفريقين بنص القرآن والسنة ، والإجماع والمشاهدة والمعقول ، والحمد لله رب العالمين.

هذا مع تعريهما من الدليل جملة ، وأنها دعوى فقط وما كان هكذا فهو باطل.

وقد صرح الباقلاني عند ذكره لما يعترض في أرواح الشهداء وأرواح آل فرعون فقال : هذا يخرج على أحد وجهين بأن يوضع عرض الحياة في أقل جزء من أجزاء الجسم. وقال بعض من شاهدناه منهم : توضع الحياة في عجب الذنب واحتج بالخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب» (١).

قال أبو محمد : وهذا تمويه من المحتج بهذا الخبر ، لأنه ليس في الحديث لا نص ولا دليل ولا إشارة يمكن أن يتأول على أن عجب الذنب يحيا ، وإنما في الحديث أن عجب الذنب لا يأكله التراب ، وأنه منه خلق الجسد وفيه يركب فقط ، فظهر تمويه هذا القائل وضعفه ، والحمد لله رب العالمين.

قال الباقلاني : وأما أن يخلق لتلك الحياة جسد آخر ، فلا.

قال أبو محمد : وهذا مذهب أهل التناسخ بلا مئونة ، واحتج لذلك بالحديث المأثور : أن نسمة المؤمن طير يعلق من ثمار الجنة ، ويأوي إلى قناديل تحت العرش (٢). وفي بعضها : أنها في حواصل طير خضر (٣).

قال أبو محمد : ولا حجة له في هذا الخبر ، لأن معنى قوله عليه‌السلام طائر يعلق هو على ظاهره لا على ظن أهل الجهل ، وإنما أخبر عليه‌السلام أن نسمة المؤمن

__________________

(١) تقدم تخريجه في هذا الجزء.

(٢) رواه النسائي في الجنائز باب ١١٧. وابن ماجة في الزهد باب ٣٢. ومالك في الجنائز حديث ٤٩. وأحمد في المسند (٣ / ٤٥٥ ، ٤٥٦ ، ٤٦٠).

(٣) رواه بلفظ : «... أرواحهم في جوف طير خضر» مسلم في الإمارة حديث ١٢١. وأبو داود في الجهاد باب ٢٥. والترمذي في تفسير سورة ٣ باب ١٩. وابن ماجة في الجنائز باب ٤ ، والجهاد باب ١٦. والدارمي في الجهاد باب ١٨. وأحمد في المسند (٦ / ٣٨٦).

طائر بمعنى أنها تطير في الجنة فقط ، لا أنها تنسخ في صور الطير. فإن قيل : إن النسمة مؤنثة قلنا قد صح عن عربي فصيح أنه قال : قد أتتك كتابي فاستخففت بها ، فقيل له أتؤنث الكتاب؟ فقال : أو ليس صحيفة؟ وكذلك النسمة روح فتذكّر لذلك ، وأما الزيادة التي فيها أنها في حواصل طير خضر ، فإنها صفة تلك القناديل التي تأوي إليها ، والحديثان معا حديث واحد وخبر واحد.

قال أبو محمد : ولم يحصل من هذين الوجهين الفاسدين إلا على دعوى كاذبة بلا دليل يشبه الهزل أو على كفر مجرد في المصير إلى قول أصحاب التناسخ وعلى تحريف الحديث عن وجهه ونعوذ بالله من الخذلان. فبطل هذان القولان والحمد لله رب العالمين.

وأما قول من قال إن النفس جوهر لا جسم من الأوائل ومعمّر وأصحابه ، فإنهم موّهوا بأشياء إقناعيات فوجب إيرادها ونقضها ليظهر البرهان على وجه الإنصاف للخصم وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد رحمه‌الله : قالوا : لو كان النفس جسما لكان بين تحريك المحرّك رجله وبين إرادته تحريكها زمان على قدر حركة الجسم وتنقله ، إذ النفس هي المحركة للجسد والمريدة لحركته ، قالوا : فلو كان المحرك للرجل جسما لكان لا يخلو إمّا أن يكون حاصلا في هذه الأعضاء ، وإما جائيا إليها ، فإن كان جائيا إليها ، احتاج إلى مدة ولا بد ، وإن كان حاصلا فيها فنحن إذا قطعنا تلك العصبة التي بها تكون الحركة لم يبق منها في العضو الذي كان يتحرك شيء أصلا ، فلو كان المحرك حاصلا فيه لبقي منه شيء في ذلك العضو.

قال أبو محمد : وهذا لا معنى له لأن النفس لا تخلو من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها ، إما أن تكون متخللة لجميع الجسد من خارج كالثوب ، وإما أن تكون متخللة لجميعه من داخل كالماء في المدرة ، وإما أن تكون في مكان واحد من الجسد وهو القلب والدماغ وتكون قواها منبثة في جميع الجسد ، فأي هذه الوجوه كان فتحريكها لما يريد تحريكه من الجسد يكون مع إرادتها لذلك متلازمان كإدراك البصر لما يلاقي الجسد في البعد بلا زمان ، وإذا قطعت العصبة لم ينقطع ما كان من جسم النفس متخللا لذلك العضو إن كانت متخللة لجميع الجسد من داخل ، أو متخللة له من خارج ، بل تفارق العضو الذي يبطل حسه في الوقت وينفصل عنه بلا زمان ، وتكون مفارقتها لذلك العضو كمفارقة الهواء للإناء الذي ملئ ماء. وأما إن كانت النفس

ساكنة في موضع واحد من الجسد فلا يلزم على هذا القسم أن يسلب من العضو المقطوع ، بل يكون فعلها حينئذ في تحريكها الأعضاء كفعل حجر المغناطيس في الحديد وإن لم يلصق به يتلازمان فبطل هذا الإلزام الفاسد والحمد لله رب العالمين.

وقالوا : لو كانت النفس جسما لوجب أن نعلم ببعضها أو بكلها.

قال أبو محمد : وهذا سؤال فاسد بعينه والجواب وبالله تعالى التوفيق أنها لا تعلم إلا بكلها أو ببعضها ، لأن كل بسيط غير مركب من طبائع شتى ، فهو طبيعة واحدة وما كان طبيعة واحدة فقوته في جميع أبعاضه وفي بعض أبعاضه سواء كالنار تحرق بكلها وببعضها ، ثم لا ندري ما وجه هذا الاعتراض علينا بهذا السؤال ، ولا ما وجه استدلالهم منه على أنها غير جسم ولو عكس عليهم في إبطال دعواهم أنها جوهر لا جسم لما كان بينهم وبين السائل لهم بذلك فرق أصلا.

وقالوا : إن من شأن الجسم أنك إذا زدت عليه جسما آخر زاد في كميته وثقله قالوا : فلو كانت النفس جسما ثم داخلت الجسم الظاهر لوجب أن يكون الجسد حينئذ أثقل منه دون النفس ونحن ونجد الجسم إذا فارقته النفس أثقل منه إذا كانت النفس فيه.

قال أبو محمد : هذا شغب فاسد ومقدمة باطلة كاذبة ، لأنه ليس كل جسم كما ذكروه من أنه إذا زيد عليه جسم آخر كان أثقل منه وحده ، وإنما يعرض من هذا في الأجسام الثقال التي تطلب المركز والوسط فقط ، يعني التي في طبعها أن تتحرك سفلا وترسب من المائيات والأرضيات ، وأما التي تتحرك بطبعها علوّا فلا يعرض ذلك لها بل الأمر بالضد ، وإذ أضيف جسم منها إلى جسم ثقيل خففه فإنك ترى أنك لو نفخت زقّا من جلد ثور أو جلد بعير لو أمكن حتى يمتلئ هواء ثم وزنته فإنك لا تجد على وزنه زيادة على مقدار وزنه لو كان فارغا أصلا ، وكذلك ما صعب من الزقاقة ولو أنه ورقة سوسنة منفوخة ، ونحن نجد الجسم العظيم الذي إذا أضفته إلى الجسم الثقيل خففه جدا ، فإنك لو رميت الزق غير المنفوخ في الماء لرسب فإذا نفخته ورميت به خف وعام ولم يرسب ، ولذلك يستعمله العائمون لأنه يرفعهم عن الماء ويمنعهم من الرسوب ، وهكذا النفس مع الجسد وهو باب واحد كله ، لأن النفس جسم علوي فلكي أخف من الهواء وأطلب للعلو فهي تخفف الجسد إذا كانت فيه ، فبطل تمويههم والحمد لله رب العالمين.

وقالوا أيضا : لو كانت النفس جسما لكانت ذات خاصة ، إما خفيفة وإما ثقيلة ، وإما حارة وإما باردة ، وإما لينة وإما خشنة.

قال أبو محمد : نعم هي خفيفة في غاية الخفة ذاكرة عاقلة مميزة حية ، هذه خواصها وحدودها التي بانت بها عن سائر الأجسام المركبات ، مع سائر أعراضها المحمولة فيها من الفضائل والرذائل ، وأما الحر واليبس والبرد والرطوبة واللين والخشونة فإنما هي من أعراض عناصر الأجرام التي دون الفلك خاصة ، ولكن هذه الأعراض المذكورة مؤثرة في النفس اللذة أو الألم ، فهي منفعلة لكل ما ذكرنا ، وهذا يثبت أنها جسم يحمل الأعراض.

وقالوا أيضا : إن كل جسم كيفياته محسوسة ، وما لم تكن كيفياته محسوسة فليس جسما ، وكيفيات النفس إنما هي الفضائل والرذائل ، وهذان الجنسان من الكيفيات ليسا محسوسين فالنفس ليست جسما.

قال أبو محمد : وهذا شغب فاسد ومقدمة كاذبة ، لأن قولهم ما لا تحسّ كيفياته فليس جسما دعوى كاذبة بلا برهان أصلا ، لا عقلي ولا حسي ، وما كان هكذا فهو قول ساقط مطرح لا يعجز عن مثله أحد ، ولكنا لا نقنع بهذا دون أن نبطل الدعوى ببرهان حسي ضروري بعون الله تعالى ، وهو أن الفلك جسم ، وكيفياته غير محسوسة ، وأما اللون اللازوردي الظاهر فإنما يتولد فيما دونه من امتزاج بعض العناصر ووقوع خطّ البصر عليها ، وبرهان ذلك تبدّل ذلك اللون بحسب العوارض المولدة له ، فمرة تراه أبيض صافي البياض ، ومرة ترى فيه حمرة ظاهرة ، فصح أن قولهم دعوى مجردة كاذبة وبالله تعالى التوفيق.

وأيضا فإن الجسم تتفاضل أنواعه في وقوع الحواس عليه ، فمنه ما يدرك لونه وطعمه وريحه ومنه ما لا يدرك منه إلا المحسة فقط كالهواء ، ومنها النار في عنصرها لا تقع عليها شيء من الحواس أصلا بوجه من الوجوه ، وهي جسم عظيم المساحة محيط بالهواء كله ، فوجب من هذا أن الجسم كلما زاد لطافة وصفاء لم تقع عليه الحواس ، وهذا حكم النفس وما دون النفس فأكثره محسوس للنفس لا حسّ البتة إلا النفس ولا حساس إلا هي ، فهي حساسة لا محسوسة ، ولم يجب قط لا بعقل ولا بحس أن يكون كل حساس محسوسا ، فسقط قولهم جملة والحمد لله رب العالمين.

وقالوا : إن كل جسم فإنه لا يخلو من أن يقع تحت جميع الحواس أو تحت بعضها والنفس لا تقع تحت كل الحواس ولا تحت بعضها فالنفس ليست جسما.

قال أبو محمد : وهذه مقدمة فاسدة كما ذكرنا آنفا لأن ما عدم اللون من الأجسام لم يدرك بالبصر كالهواء وكالنار في عنصرها وأن ما عدم الرائحة لم يدرك

بالشم كالهواء والنار والحصى والزجاج وغير ذلك ، وما عدم الطعم لم يدرك بالذوق كالهواء والنار والحصى والزجاج ، وما عدم المجسة لم يدرك باللمس كالهواء الساكن ، والنفس عادمة اللون والطعم والمجسة والرائحة ، فلا تدرك بشيء من الحواس بل هي المدركة لكل هذه المدركات ، وهي الحساسة لكل هذه المحسوسات ، فهي حساسة لا محسوسة ، وإنما تعرف بآثارها ، وبراهين عقلية ، وسائر الأجسام والأعراض محسوسة لا حساسة ولا بد من حسّاس لهذه المحسوسات ولا حساس لها غير النفس ، وهي العالمة التي تعلم نفسها وغيرها وهي القابلة لأعراضها التي تتعاقب عليها من الفضائل والرذائل المعلومة بالعقل كقبول سائر الأجرام لما يتعاقب عليها من الأعراض المعروفة بالعقل ، والنفس هي المتحركة باختيارها المحركة لسائر الأجسام ، وهي مؤثرة مؤثّر فيها ، تألم وتلتذ وتفرح وتحزن ، وتغضب وترضى ، وتعلم وتجهل ، وتحب وتكره ، وتذكر وتنسى ، وتنتقل وتحل ، فبطل قول هؤلاء إن كل جسم فلا بد من أن يقع تحت الحواس أو تحت بعضها لأنها دعوى لا دليل عليها ، وكل دعوى عريت من دليل فهي باطلة.

وقالوا : كل جسم فإنه لا محالة يلزمه الطول والعرض ، والعمق والسطح ، والشكل والكم والكيف ، فإن كانت النفس جسما فلا بد من أن تكون هذه الكيفيات فيها أو يكون بعضها فيها ، فأي الوجهين كان فهي إذن محاط بها ، وهي مدركة بالحواس أو من بعضها ، ولا نرى الحواس تدركها فليست جسما.

قال أبو محمد : هذا كله صحيح وقضايا صادقة ، حاشا قضية واحدة ، ليست فيها وهي قولهم وهي مدركة من الحواس أو من بعضها ، فهذا هو الباطل المقحم بلا دليل ، وسائر ذلك صحيح ، وهذه القضية الفاسدة دعوى كاذبة وقد تقدم أيضا إفسادنا لها آنفا مع تعرّيها عن دليل يصححها. ونعم فالنفس جسم طويل عريض عميق ، ذات سطح وخط وشكل ومساحة وكيفية يحاط بها ، ذات مكان وزمان ، لأن هذه خواص الجسم ولا بد ، والعجب من قلة حياء من أقحم مع هذا «فهي إذا مدركة بالحواس» وهذا عين الباطل لأنّ حاسة البصر وحاسة السمع وحاسة الذوق وحاسة الشم وحاسة اللمس ، لا يقع شيء منها لا على الطول ولا على العرض ولا على العمق ، ولا على السطح ولا على الشكل ، ولا على المساحة ، ولا على الكيفية ، ولا على الخط إنما تقع حاسة البصر على اللون فقط ، فإن كان في شيء مما ذكرنا لون وقعت عليه حينئذ حاسة البصر وعلمت ذلك الملون بتوسط اللون وإلّا فلا ، وإنما تقع حاسة السمع على الصوت فإن حدث في شيء مما ذكرنا صوت وقعت عليه حاسة السمع حينئذ ، وعلمت ذلك المصوت بتوسط الصوت وإلا فلا.

وإنما تقع حاسة الشم على الرائحة ، فإن كان في شيء مما ذكرنا رائحة وقعت عليها حينئذ حاسّة الشم ، وعلمت حامل الرائحة حينئذ بتوسط الرائحة وإلا فلا ، وإن كان لشيء مما ذكرنا طعم وقعت عليه حينئذ حاسّة الذوق وعلمت المذوق بتوسط الطعم وإلا فلا ، وإن كان في شيء مما ذكرنا مجسة وقعت عليها حاسة اللّمس حينئذ وعلمت الملموس حينئذ بتوسط المجسة وإلا فلا.

وقالوا : إن من خاصة الجسم أن يقبل التجزؤ ، وإذا جزئ خرج منه الجزء الصغير والكبير ، ولم يكن الجزء الصغير كالجزء الكبير ، فلا يخلو حينئذ من أحد أمرين : إما أن يكون كل جزء منها نفسا فيلزم من ذلك ألا تكون النفس نفسا واحدة ، بل تكون حينئذ أنفسا كثيرة مركبة من أنفس ، وإما أن لا يكون كل جزء منها نفسا فيلزم أن لا يكون كلها نفسا.

قال أبو محمد : أما قولهم إن خاصة الجسم احتمال التجزؤ فهو صدق ، والنفس محتملة للتجزؤ لأنها جسم من الأجسام. وأما قولهم إن الجزء الصغير ليس كالكبير فإن كانوا يريدون في المساحة فنعم ، وأما في غير ذلك فلا ، وأما قولهم : إنها إن تجزأت فإما أن يكون كل جزء منها نفسا وإلزامهم من ذلك أنها مركبة من أنفس فإن القول الصحيح في هذا أن النفس محتملة للتجزؤ بالقوة ، وإن كان التجزؤ بانقسامها غير موجود بالفعل. وهكذا القول في الفلك والكواكب ، كل ذلك محتمل للتجزؤ بالقوة ، وليس التجزؤ موجودا في شيء منها بالفعل. وأما قولهم إنها مركبة من أنفس فشغب فاسد ، لأننا قد قدمنا في غير موضع أن المعاني المختلفة والمسمّيات المتغايرة يجب أن يوقع على كل واحد منها اسم يبين به عن غيره ، وإلا فقد وقع الإشكال وبطل التفاهم ، وصرنا إلى قول السوفسطائية المبطلة لجميع الحقائق. ووجدنا العالم ينقسم قسمين : أحدهما : مؤلف من طبائع مختلفة فاصطلحنا على أن سمينا هذا القسم مركبا والثاني : مؤلف من طبيعة واحدة ، فاصطلحنا على أن سمينا هذا القسم بسيطا ليقع التفاهم في الفرق بين هذين القسمين ، ووجدنا القسم الأول لا يقع على كل جزء من أجزائه اسم كلّه كالإنسان الجزئيّ فإنه متألف من أعضاء لا يسمى شيء منها إنسانا كالعين والأنف واليد وسائر أعضائه التي لا يسمى عضو منها على انفراده إنسانا ، فإذا تألفت سمّي المتألف منها إنسانا. ووجدنا القسم الثاني يقع على كل جزء من أجزائه اسم كلّه كالأرض والماء وكالهواء والنار وكالفلك ، فكل جزء من النار نار ، وكل جزء من الماء ماء ، وكل جزء من الهواء هواء وكل جزء من الفلك فلك ، وكل جزء من النفس نفس ، وليس ذلك موجبا أن تكون الأرض مؤلفة من أرضين ولا أن يكون الهواء

مؤلفا من أهوية ، ولا أن يكون الفلك مؤلفا من أفلاك ، ولا أن تكون النفس مؤلفة من أنفس ، وحتى لو قيل ذلك بمعنى أن كل بعض منها يسمى نفسا وكل بعض من الفلك يسمى فلكا ، فما كان يكون في ذلك ما يعترض به على أنها جسم كسائر الأجسام التي ذكرنا ، وبالله تعالى التوفيق.

وقالوا أيضا : طبع ذات الجسم أن يكون غير متحرك والنفس متحركة ، فإن كانت هذه الحركة التي فيها من قبل الباري تعالى فقد وجدنا لها حركات فاسدة ، فكيف يضاف ذلك إلى الباري تعالى؟

قال أبو محمد : وهذا كلام في غاية الفساد والهجنة ، ولقد كان ينبغي لمن ينتسب إلى العلم إن كان يدري مقدار سقوط هذه الاعتراضات وسخفها أن يصون نفسه عن الاعتراض بها لرذالتها وإن كان لا يدري رذالتها فكان الأولى به أن يتعلم قبل أن يتكلم ، فأما قوله إن طبع ذات الجسم أن تكون غير متحركة ، فقول ظاهر الكذب والمجاهرة ، لأن الأفلاك والكواكب أجسام وطبعها الحركة الدائمة المتصلة أبدا ، إلى أن يحيلها خالقها عن ذلك يوم القيامة.

وإن للعناصر دون الفلك أجساما وطبعها الحركة إلى مقرها ، والسكون في مقرها ، وأما النفس فلأنها حية كان طبعها السكون الاختياري والحركة الاختيارية حينا وحينا ، هذا كله لا يجهله أحد به ذوق.

وأما قولهم : إن لها حركات ردية فكيف تضاف إلى الباري تعالى ....؟ فإنما كان بعض حركات النفس رديا لمخالفة النفس أمر باريها في تلك الحركات ، وإنما أضيفت إلى الباري تعالى لأنه خلقها فقط على قولنا أو لأنه تعالى خلق تلك القوى التي بها كانت تلك الحركات ، فسقط إلزامهم الفاسد والحمد لله رب العالمين.

وقالوا أيضا : إن الأجسام في طبعها الاستحالة والتغير واحتمال الانقسام أبدا بلا غاية ليس شيء منها إلا هكذا أبدا ، فهي محتاجة إلى من يربطها ويشدها ويحفظها ويكون به تماسكها. قالوا : والفاعل لذلك النفس فلو كانت النفس جسما لكانت محتاجة إلى من يربطها ويحلها ، فيلزم من ذلك أن تحتاج النفس إلى نفس أخرى ، والأخرى إلى أخرى والأخرى كذلك إلى ما لا نهاية له ، وما لا نهاية له باطل.

قال أبو محمد : هذا أفسد من كل قول سلف من تشغباتهم لأنّ مقدمته مغشوشة فاسدة كاذبة. أما قولهم : إن الأجسام في طبعها الاستحالة والتغيير على الإطلاق كذب ، لأن الفلك جسم لا يقبل الاستحالة ، وإنما تجب الاستحالة والتغيير في الأجسام

المركبة من طبائع شتى بخلعها كيفياتها ولباسها كيفيات أخرى وبانحلالها إلى عناصرها هكذا مدة ما أيضا ثم تبقى غير منحلة ولا مستحيلة.

وأما النفس فإنها تقبل الاستحالة والتغيير في أعراضها فتتغير وتستحيل من علم إلى جهل ، ومن جهل إلى علم ، ومن حرص إلى قناعة ، ومن بخل إلى جود ، ومن رحمة إلى قسوة ، ومن لذة إلى ألم ، هذا كله موجود محسوس. وأما أن تستحيل في ذاتها فتصير ليست نفسا فلا ، وهذا الكوكب هو جسم ولا يصير غير كوكب ، والفلك لا يصير غير فلك. وأما قوله إن الأجسام محتاجة إلى ما يشدّها ويربطها ويمسكها فصحيح ، وأما قوله : إن النفس هي الفاعلة لذلك فكذب ودعوى بلا دليل عليها إقناعي ولا برهاني ، بل هو تمويه مدلس ليجوز باطله على أهل الغفلة ، وهكذا قول الدهرية ، وليس كذلك بل النفس من جملة الأجسام المحتاجة إلى ما يمسكها ويشدها ويقيمها وحاجتها إلى ذلك كحاجة سائر الأجسام التي في العالم ولا فرق ، والفاعل لكل ذلك في النفس وفي سائر الأجسام والممسك لها والحافظ لجميعها والمحيل لما استحال منها فهو المبتدئ للنفس ولكل ما في العالم من جسم أو عرض ، والمتمم لكل ذلك هو الله الخالق البارئ المصور عزوجل.

فبعض أمسكها بطبائعها التي خلقها فيها وصرفها فضبطها لما هي فيه ، وبعض أمسكها برباطات ظاهرة كالعصب والعروق والجلود لا فاعل لشيء من ذلك دون الله تعالى ، وقد قدمنا البراهين على كل ذلك في صدر كتابنا هذا فأغنى عن ترداده والحمد لله رب العالمين.

وقالوا أيضا : كل جسم فهو إما ذو نفس وإما لا ذو نفس ، فإن كانت النفس جسما فهي متنفسة أي ذات نفس وإما لا متنفسة أي لا ذات نفس ، فإن كانت لا متنفسة فهذا خطأ لأنه يجب من ذلك أن تكون النفس لا نفسا وإن كانت متنفسة أي ذات نفس فهي محتاجة إلى نفس وتلك النفس إلى أخرى والأخرى إلى أخرى ، وهذا يوجب ما لا نهاية له وما لا نهاية له باطل.

قال أبو محمد : هذه مقدمة صحيحة ركبوا عليها نتيجة فاسدة ليست منتجة على تلك المقدمة. أما قولهم إن كل جسم فهو إما ذو نفس وإما لا ذو نفس فصحيح ، وأما قولهم إن النفس إن كانت غير متنفسة وجب من ذلك أن تكون النفس لا نفسا فشغب فاسد بارد لا يلزم ، لأن معنى القول بأن الجسم ذو نفس إنما هو أن بعض الأجسام أضيفت إليه نفس حية حساسة متحركة بإرادة ، مدبرة لذلك الجسم الذي

استضافت إليه ، ومعنى القول بأن هذا الجسم غير ذي نفس إنما هو أنه لم تستضعف إليه نفس فالنفس هي الحية المحركة المدبرة ، وهي غير محتاجة إلى جسم مدبّر لها ولا محرّك لها ، فلم يجب أن يحتاج إلى نفس ولا أن تكون ليست نفسا ، ولا فرق بينهم في قولهم هذا وبين من قال إن الجسم يحتاج إلى جسم ، كما قالوا إنه يجب أن تحتاج النفس إلى نفس أو قال يجب أن يكون الجسم لا جسما كما قالوا يجب أن تكون النفس لا نفسا ، وهذا كله هوس وجهل والحمد لله رب العالمين.

وقالوا : لو كانت النفس جسما لكان الجسم نفسا.

قال أبو محمد : وهذا من الجهل المفرط المظلم ، ولو كان لقائل هذا الجنون أقل علم بحدود الكلام لم يأت بهذه الغثاثة ، لأن الموجبة الكلية لا تنعكس البتة انعكاسا مطردا إلا موجبة جزئية لا كلية ، وكلامهم هذا بمنزلة من قال لما كان الإنسان جسما وجب أن يكون الجسم إنسانا ، ولما كان الكلب جسما وجب أن يكون الجسم كلبا ، وهذا غاية الحمق والقحة ، لكن صواب القول في هذا أن نقول : لما كانت النفس جسما كان بعض الأجسام نفسا ، ولما كان الكلب جسما وجب أن يكون بعض الأجسام كلبا ، وهذا هو العكس الصحيح المطرد اطرادا صحيحا أبدا ، وبالله تعالى التوفيق.

وقالوا أيضا : إن كانت النفس جسما فهي بعض الأجسام ، وإذا كانت كذلك فكلية الأجسام أعظم مساحة منها ، فيجب أن تكون أشرف منها.

قال أبو محمد : من عدم الحياء والعقل لم يبال بما نطق لسانه ، وهذه قضية في غاية الحمق لأنها توجب أن الشرف إنما هو بعظم الأجسام وكثرة المساحة ، ولو كان ذلك لكانت الهضبة والباسة والحمار والبغل وكدش العذرة أشرف من الإنسان المنبأ والفيلسوف لأن كل ذلك أعظم مساحة منه ولكانت العزلة أشرف من ناظر العين والألية أشرف من القلب والكبد والدماغ ، والصخرة أشرف من اللؤلؤة ، وأفّ لكل علم أدّى إلى مثل هذا.

ونعم فإن كثيرا من الأجسام أعظم مساحة من النفس ، وليس ذلك موجبا أنها أشرف منها مع أن النفس الرذلة المضربة عما أوجبه التمييز عن طاعة ربها إلى الكفر به فكل شيء في العالم أشرف منها ونعوذ بالله من الخذلان.

وقالوا : إن كانت النفس جسما آخر مع الجسم فالجسم نفس وشيء آخر ، وإذا كان ذلك فالجسم أتم وإذا كان أتم فهو أشرف.

قال أبو محمد : وهذا جنون مردد لأنه ليس بكثرة العدد يجب الفضل والشرف ،

ولا بعموم اللفظ يجب الشرف ، بل قد يكون الأقل والأخص أشرف ، ولو كان ما قالوه لوجب أن تكون الأخلاق جملة أشرف من الفضائل خاصة ، لأن الأخلاق فضائل وشيء آخر فهي أتم فهي على حكمهم السخيف أشرف ، وهذا ما لا يقوله ذو عقل ، وهم يقرون أن النفس جوهر والجوهر نفس وجسم فالجوهر أشرف من النفس ، لأنه نفس وشيء آخر ، وقد قالوا إن الحيّ يقع تحت النامي فيلزمهم أن النامي أشرف من الحيّ لأنه حيّ وشيء آخر ، وهذا تخليط وحماقة ونعوذ بالله من الوسواس.

وقالوا أيضا : كل جسم يتغذّى والنفس لا تتغذى فهي غير جسم.

قال أبو محمد : إن كان هؤلاء السخفاء إذا اشتغلوا بهذه الحماقات كانوا سكارى ، بل سكر الجهل والسخف أعظم من سكر الخمر ، لأن سكر الخمر سريع الإفاقة ، وسكر الجهل والسخف بطيء الإفاقة. أتراهم إذ قالوا كل جسم فهو متغذ ألم يروا الماء والأرض والهواء والكواكب والفلك وأن كل هذه أجسام عظام لا تتغذى ، وإنما يتغذى من الأجسام النوامي فقط؟ فإذا كان عند هؤلاء النوكى ما لا يتغذى ليس جسما فالأرض والحجارة والكواكب والفلك والملائكة ليس كلّ ذلك جسما ، وكفى بهذا جنونا وخطأ ونحمد الله على السلامة.

وقالوا : لو كانت النفس جسما لكانت لها حركة ، لأن لكل جسم حركة ونحن لا نرى للنفس حركة فبطل أن تكون جسما.

قال أبو محمد : هذه ، دعوى كاذبة ، وقد تناقضوا أيضا فيها لأنهم قد قالوا قبل هذا بنحو ورقة في بعض حججهم إن الأجسام غير متحركة ، والنفس متحركة ، وهنا قلبوا الأمر فظهر جهلهم وضعف عقلهم ، وأما قولهم لا نرى لها حركة فمخرقة فليس كل ما لا يرى يجب أن ينكر إذا قام على صحته دليل ، ويلزمهم إذا أبطلوا حركة النفس لأنهم لا يرونها أن يبطلوا النفس جملة لأنهم أيضا لا يرونها ولا يشمونها ، ولا يلمسونها ولا يذوقونها ، وحركة النفس معلومة بالبرهان وهو أن الحركة قسمان حركة اضطرار وحركة اختيار ، فحركة الاضطرار هي حركة كل جسم غير النفس هذا ما لا يشك فيه فبقيت حركة الاختيار وهي موجودة يقينا وليس في العالم شيء متحرك بها حاشا النفس فقط فصح أن النفس هي المتحركة بها فصح ضرورة أن للنفس حركة اختيارية معلومة بلا شك. فإذ لا شك في أن كل متحرك فهو جسم وقد صح أن النفس متحركة فالنفس جسم ، فهذا هو البرهان الضروري التام الصحيح ، لا تلك الوساوس ولا هذا. ونحمد الله على نعمه عزوجل.

وقالوا : لو كانت النفس جسما لوجب أن يكون اتصالها بالجسم إما على سبيل المجاورة وإما على سبيل المداخلة وهي الممازجة.

قال أبو محمد : فبعد هذا ما ذا؟ ونعم فإن النفس متصلة بالجسم على سبيل المجاورة ولا يجوز سوى ذلك ، إذ لا يمكن أن يكون اتصال الجسمين إلا بالمجاورة ، وأما اتصال المداخلة فإنما هي بين العرض والعرض والجسم والعرض على ما بينا قبل.

وقالوا أيضا : إن كانت النفس جسما فكيف يعرف الجسم؟ أبمماسة أم بغير مماسة؟ قال أبو محمد : الأجسام كلها حاشا النفس موات لا علم لها ولا حس ولا تعلم شيئا وإنما العلم والحس للنفس فقط ، فهي تعلم الأجسام والأعراض وخالق الأجسام والأعراض الذي هو خالقها أيضا بما فيها من صفة الفهم وطبيعة التمييز وقوة العلم التي وضعها فيها خالقها عزوجل ، وسؤالهم بارد.

وقالوا أيضا : إن كل جسم بدأ في نشوة وغاية ينتهي إليها ، وأجود ما يكون الجسم إذا انتهى إلى غايته فإذا أخذ في النقص ضعف ، وليست الأنفس كذلك ، لأننا نرى أنفس المكتهلين أكثر ضياء وأنفذ فعلا ، ونجد أبدانهم أضعف من أبدان الأحداث ، فلو كانت النفس جسما لنقص فعلها بنقصان البدن ، فإذا كان هذا كما ذكرنا فليست النفس جسما.

قال أبو محمد : هذه مقدمة فاسدة الترتيب ، أما قولهم : إن الجسم أجود ما يكون إذا انتهى إلى غايته فخطأ إذا قيل على العموم ، وإنما ذلك في النوامي فقط وفي الأشياء التي تستحيل استحالة ذبوليّتة فقط ، كالشجر وأصناف أجساد الحيوان والنبات.

وأما الجبال والحجارة والأرض والبحار والهواء والماء والأفلاك والكواكب فليس لها غاية إذا بلغتها أخذت في الانحطاط ، وإنما يستحيل بعض ما يستحيل من ذلك على سبيل التفتت ، كحجر كسرته فانكسر ولو ترك لبقي ولم يذبل ذبول الشجر والنبات وأجسام الحيوان ، وكذلك النفس لا تستحيل استحالة ذبول ولا استحالة تفتت وإنما تستحيل أعراضها كما ذكرنا فقط ، ولا نماء لها ، وكذلك الملائكة والفلك والكواكب والعناصر الأربعة لا نماء لها ، وكل ذلك باق على هيئته التي خلقه الله تعالى عليها إذ خلق كل ذلك ، والنفس كذلك متنقلة من عالم الابتداء إلى عالم الابتلاء إلى البرزخ إلى عالم الحساب إلى عالم الجزاء ، فتخلد فيه أبدا بلا نهاية ، وهي إذا تخلصت من رطوبات الجسد وكدره كانت أصفى نظرا وحسا وأصح علما كما كانت قبل حلولها في الجسد نسأل الله خير ذلك المنقلب بمنه آمين

قال أبو محمد : هذا كله ما موهوا به من كل نطيحة ومتردية ، قد تقصيناه لهم وبينا أنه كله فساد وحماقات ، ونقضناه بالبراهين الضرورية والحمد لله رب العالمين.

قال أبو محمد : فإذ قد بطل كل ما شغب به من يقول إن النفس ليست جسما ، وسقط هذا القول لتعرّيه عن الأدلة جملة ، فنحن إن شاء الله عزوجل نوضح بعون الله عزوجل وقوته البراهين الضرورية على أنها جسم وبالله تعالى نتأيد. وذلك بعد أن نبين بتأييد الله عزوجل شعبين يمكن أن يعترض بهما : إن قال قائل : أتنمو النفس ...؟ فإن قلتم لا ، قلنا لكم نحن نجدها تنشأ من صغر إلى كبر ، وترتبط بالجسد بالغذاء وإذا انقطع الغذاء انحلت عن الجسد ، ونجدها تسوء أخلاقها ويقل صبرها بعدم الغذاء فإذا تغذت اعتدلت أخلاقها وصلحت.

قال أبو محمد : النفس لا تتغذّى ولا تنمّى ، أما عدم غذائها فالبرهان القائم بأنها ليست مركبة من الطبائع الأربع ، وأنها بخلاف الجسد ، هذا هو البرهان على أنها لا تتغذى وهو أن ما تركب من العناصر الأربعة فلا بدّ له من الغذاء ليستخلف ذلك الجسد أو تلك الشجرة أو ذلك النبات من رطوبات ذلك الغذاء أو أرضياته ، مثل ما تحلل من رطوباته بالهواء والحرّ ، وليست هذه صفة النفس إذ لو كانت لها هذه الصفة لكانت من الجسد أو مثله ، ولو كانت من الجسد أو مثله لكانت مواتا كالجسد غير حساسة ، فإذ قد بطل أن تكون مركبة من طبائع العناصر بطل أن تكون متغذية نامية. وأما ارتباطها بالجسد من أجل الغذاء فهو أمر لا يعرف كيفيته إلا خالقها عزوجل الذي هو مدبرها ، إلا أنه معلوم أنه كذلك فقط وهو كطحن المعدة للغذاء لا يدرى كيف هو وغير ذلك مما يوجده الله تعالى ويعلمه.

ومن البرهان على أن النفس لا تتغذى ولا تنمّى : أن البرهان قد قام على أنها كانت قبل تركيب الجسد على آباد الدهور ، وأنها باقية بعد انحلاله ، وليس هنالك في ذينك العالمين غذاء يولد نماء أصلا ، وأمّا ما ظنوه من نشأتها من صغر إلى كبر فخطأ ، وإنما هو عودة من النفس إلى ذكرها الذي سقط عنها بأول ارتباطها بالجسد.

وإن سأل سائل أتموت النفس؟ قلنا : نعم ، لأنّ الله تعالى نصّ على ذلك فقال : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [سورة آل عمران : ١٨٥].

وهذا الموت إنما هو فراقها للجسد فقط ، برهان ذلك قول الله تعالى : (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) [سورة الأنعام : ٩٣]. وقوله تعالى : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) [سورة البقرة : ٢٨].

فصح أن الحياة المذكورة إنما هي ضم الجسد إلى النفس وهو نفخ الروح فيه ، وأن الموت المذكور إنما هو التفريق بين الجسد والنفس فقط ، وليس موت النفس مما يظنه أهل الجهل وأهل الإلحاد من أنها تعدم جملة بل هي موجودة قائمة ، كما كانت قبل الموت وقبل الحياة الأولى ، ولا أنها يذهب حسها وعلمها بل حسها بعد الموت أصح ما كان ، وعلمها أتم ما كان ، وحياتها التي هي الحس والحركة الإراديّة باقية بحسبها أكمل ما كانت قط ، قال عزوجل : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) [سورة العنكبوت : ٦٤].

وهي راجعة إلى البرزخ حيث رآها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة أسري به ، عن الميمنة من آدم عليه‌السلام ومشملته إلى أن تحيا ثانية بالجمع بينها وبين جسدها يوم القيامة. وأما أنفس الجن وسائر الحيوان فحيث شاء الله تعالى ، ولا علم لنا إلا ما علمنا ولا يحل لأحد أن يقول بغير علم ، وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : فلنذكر الآن إن شاء الله تعالى البراهين الضرورية على أن النفس جسم من الأجسام. فمن الدليل على أن النفس جسم من الأجسام انقسامها على الأشخاص ، فنفس زيد غير نفس عمرو فلو كانت النفس واحدة لا تنقسم على ما يزعم الجاهلون القائلون إنها جوهر لا جسم لوجب ضرورة أن يكون نفس المحب هي نفس المبغض هي نفس المحبوب ، وأن يكون نفس الفاسق الجاهل هي نفس الفاضل الحكيم العالم ، ولكانت نفس الخائف هي نفس المخوف منه ، ونفس القاتل هي نفس المقتول وهذا حمق لا خفاء به. فصح أنها نفوس كثيرة متغايرة الأماكن مختلفة الصفات حاملة لأعراضنا ، فصح أنها جسم بيقين لا شك فيه.

وبرهان آخر وهو أن العلم لا خلاف في أنه من صفات النفس وخواصها لا مدخل للجسد فيه أصلا ولا حظ ، فلو كان النفس جوهرا واحدا لا يتجزأ نفوسا لوجب ضرورة أن يكون علم كل أحد مستويا لا تفاضل فيه ، لأن النفس على قولهم واحدة وهي العالمة ، فكان يجب أن ، يكون كل ما علمه زيد يعلمه عمرو ، لأن نفسهما واحدة عندهم غير منقسمة ولا متجزئة ، فكان يلزم ولا بدّ أن يعلم جميع أهل الأرض ما يعلمه كلّ عالم في الدنيا ، لأن نفسهم واحدة لا تنقسم وهي العالمة ، وهذا ما لا انفكاك منه البتة. فقد صحّ بما ذكرنا ضرورة أن نفس كل أحد غير نفس غيره ، وأن أنفس النّاس أشخاص متغايرة تحت نوع نفس الإنسان ، وأن نفس الإنسان الكلية نوع تحت جنس النفس الكلية ، التي يقع تحتها أنفس جميع الحيوان.

وإذ هي أشخاص متغايرة ذات أمكنة متغايرة حاملة لصفات متغايرة فهي أجسام ،

لا يمكن غير ذلك البتة وبالله تعالى التوفيق.

وأيضا فإن النفس لا تخلو من أن تكون خارج الفلك أو داخل الفلك ، فإن كانت خارج الفلك هذا باطل إذ قام البرهان على تناهي جرم العالم ، وإذا تناهى جرم العالم فليس وراء النهاية شيء ولو كان وراءهما شيء لم تكن نهاية ، فوجب ضرورة أنه ليس خارج الفلك الذي هو نهاية العالم شيء لا خلاء ولا ملاء ، وإن كانت في الفلك فهي ضرورة ، إما ذات مكان وإمّا محمولة في ذي مكان ، لأنه ليس في العالم شيء غير هذين أصلا ، ومن ادّعى أن للعالم شيئا ثالثا فقد ادّعى المحال والباطل ، وما لا دليل له عليه ، وهذا لا يعجز عنه أحد ، وما كان هكذا فهو باطل بيقين.

وقد قام الدليل على أن النفس ليست عرضا لأنها عالمة حساسة ، والعرض ليس عالما ولا حساسا ، فصح أنها حاملة لصفاتها لا محمولة فإذ هي حاملة متمكنة فهي جسم لا شك فيه ، إذ ليس إلا جسم حامل أو عرض محمول ، وقد بطل أن تكون عرضا محمولا فهي جسم تحت حسّ حامل وبالله تعالى التوفيق.

وأيضا : فلا تخلو النفس من أن تكون واقعة تحت جنس ، أو لا واقعة تحت جنس. فإن كانت لا واقعة تحت جنس فهي خارجة عن المقولات ، وليس في العالم شيء خارج عنها ، ولا في الوجود شيء خارج عنها إلا خالقها وحده لا شريك له ، وهم لا يقولون بهذا بل يوقعونها تحت جنس الجوهر ، فإذ هي واقعة تحت جنس الجوهر الجامع للنفس وغيرها أله طبيعة أم لا؟ فإن قالوا : لا ، وجب أن كلّ ما تحت الجوهر لا طبيعة له ، وهذا باطل وهم لا يقولون بهذا ، فإن قالوا : لا ندري ما الطبيعة. قلنا لهم : أله صفة محمولة فيه لا يوجد دونها أم لا؟ فلا بد من نعم وهذا هو معنى الطبيعة ، وإن قالوا بل له طبيعة ، وجب ضرورة أن يعطى كل ما تحته طبيعة ، لأن الأعلى يعطي كلّ ما تحته اسمه وحدوده عطاء صحيحا ، والنّفس تحت الجوهر فالنفس ذات طبيعة بلا شك ، وإذ صح أن لها طبيعة فكل ما له طبيعة فقد حصرته طبيعته ، وما حصرته الطبيعة فهو ذو نهاية محدودة ، وكل ذي نهاية فهو إما حامل وإما محمول ، والنفس بلا شك حاملة لأعراضها من الأضداد كالعلم ، والجهل ، والذكاء والبلادة والنجدة ، والجبن ، والعدل ، والجود والقسوة ، والرحمة ، وغير ذلك ، وكل حامل ذو مكان ، وكل ذي مكان فهو جسم ، فالنفس جسم ضرورة. وأيضا : فكل ما كان واقعا تحت جنس فهو نوع من أنواع ذلك الجنس ، وكلّ نوع فهو مركب من جنسه الأعلى العام له من أنواعه ، ومركب أيضا مع ذلك من فصله الخاص له ، المميّز له من سائر

الأنواع الواقعة معه تحت جنس واحد ، فإنه موضوع وهو جنسه القابل لصورته وصورة غيره وله محمول وهو صورته التي خصته دون غيره فهو ذو موضوع ومحمول فهو مركب ، والنفس نوع للجوهر فهي مركبة من موضوع ومحمول وهي قائمة بنفسها فهي جسم ولا بد.

قال أبو محمد : وهذه براهين ضرورية حسية عقلية لا محية عنها ، وبالله تعالى التوفيق.

وهذا قول جماعة من الأوائل ، ولم يقل أرسطاطاليس إن النفس ليست جسما على ما ظنه أهل الجهل ، وإنما نفى أن تكون جسما كدرا وهو الذي لا يليق بكل ذي علم سواه. ثم لو صح أنه قالها لكانت وهلة ودعوى بلا برهان عليها ، وخطأ لا يجب اتباعه عليه ، وهو يقول في مواضع من كتبه : اختلف أفلاطون والحق وكلاهما إلينا حبيب غير أن الحق أحب إلينا ، وإذا جاز أن يختلف أفلاطون والحق فغير نكير ولا بدّ أن يختلف أرسطاطاليس والحق ، وما عصم إنسان من الخطأ فكيف وما صح قط أنه قاله ...؟

قال أبو محمد : وإنما قال إن النفس جوهر لا جسم من ذهب ، إلا أنها هي الخالقة لما دون الله تعالى على ما ذهب إليه بعض الصابئين ومن كنى بها عن الله تعالى.

قال أبو محمد : وكلا القولين سخيف وباطل ، لأن النفس والعقل لفظتان من لغة العرب موضوعتان فيها لمعنيين مختلفين ، فإحالتهما عن موضوعهما في اللغة سفسطة وجهل وقلة حياء وتلبيس وتدليس.

قال أبو محمد : وأما من ذهب إلى أن النفس ليست جسما ممن ينتمي إلى الإسلام بزعمه فقوله يبطل بالقرآن والسنة وإجماع الأمة ، فأما القرآن فإن الله عزوجل قال : (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) [سورة يونس : ٣٠] وقال تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) [سورة غافر : ١٧] وقال تعالى : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) [سورة الطور : ٢١].

فصح أن النفس الفعّالة الكاسبة المجزيّة المخاطبة.

وقال تعالى : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) [سورة يوسف : ٥٣]. وقال تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) [سورة غافر : ٤٦] وقال تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) [سورة البقرة : ١٥٤] وقال تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) [سورة آل عمران : ١٦٩].

فصح أن النفس منها ما يعرض على النار قبل يوم القيامة فتعذب ، ومنها ما يرزق وينعم فرحا ويكون مسرورا قبل يوم القيامة ، ولا شك أن أجساد آل فرعون وأجساد المقتولين في سبيل الله قد تقطعت أوصالها ، وأكلتها السباع والطير وحيوان الماء.

فصح أن الأنفس منقولة من مكان إلى مكان ، ولا شك في أن العرض لا يلقى العذاب ولا يحس فليست عرضا ، وصح أنها تشغل الأماكن قائمة بنفسها وهذه صفة الجسم لا صفة الجوهر عند القائلين به. فصح ضرورة أنها جسم.

وأما من السنن فقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر في الجنة» (١) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنه رأى نسم بني آدم عند سماء الدّنيا عن يمين آدم ويساره» (٢). فصح أن الأنفس مرئية في أماكنها. وقوله عليه‌السلام إن نفس المؤمن إذا قبضت عرج بها إلى سماء الدنيا ، وفعل بها كذا ، ونفس الكافر إذا قبضت فعل بها؟؟؟؟. فصح أنها معذبة ومنعمة ومنقولة في الأماكن ، وهذه صفة الأجسام ضرورة.

وأما من الإجماع فلا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أن أنفس العباد منقولة بعد خروجها عن الأجساد إلى نعيم أو إلى ضيق وتعذيب ، وهذه صفة الأجسام ، ومن خالف هذا فزعم أن الأنفس تعدم أو أنها تنتقل إلى أجسام أخرى فهو كافر مشرك حلال الدّم والمال ، لخرقه الإجماع ومخالفته القرآن والسنن ونعوذ بالله من الخذلان.

قال أبو محمد : وقد ذكرنا في باب عذاب القبر أن الروح والنفس شيء واحد ، ومعنى قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [سورة الإسراء : ٨٥] إنما هو لأن الجسد مخلوق من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم عظما ثم لحما ثم أمشاجا ، وليس الروح كذلك ، وإنما قال تعالى آمرا له بالكون «كن» فكان فصح أن النفس والروح والنسمة أسماء مترادفة لمعنى واحد. وقد تقع الروح أيضا على غير هذا ، فجبريل عليه‌السلام الرّوح الأمين ، والقرآن روح من عند الله تعالى ، وبالله تعالى التوفيق.

فقد بدل قولهم في النفس وصح أنها جسم ، ولم يبقى إلا الكلام في الجزء الذي ادّعوا أنّه لا يتجزأ.

__________________

(١) تقدم تخريجه ص ٢٥٧ ، حاشية (٣).

(٢) تقدم تخريجه ص ٢٥٧ ، حاشية (٢).

الكلام في الجزء الذي ادّعوا أنه لا يتجزأ

قال أبو محمد : ذهب جمهور المتكلمين إلى أن الأجسام تنحل إلى أجزاء صغار ، ولا يمكن البتة أن يكون لها تجزؤ ، وأن تلك الأجسام جواهر لا أجسام. وذهب النظّام وكل من يحسن القول من الأوائل إلى أنه ما من جزء وإن دق ، إلا وهو يحتمل التجزؤ أبدا بلا نهاية وأنه ليس في العالم جزء لا يتجزأ وأن كل جزء يقسم الجسم إليه فهو جسم أيضا وإن دق أبدا.

قال أبو محمد : وعمدة القائلين بوجود الجزء الذي لا يتجزأ خمس مشاغب ، وكلها راجع بحول الله تعالى وقوته عليهم ، ونحن إن شاء الله عزوجل نذكرها كلها ، ونتقصى لهم كل ما موّهوا به ونرى بعون الله عزوجل بطلان جميعها بالبراهين الضرورية ، ثم نرى بالبراهين الصحاح صحة القول بأن كل جزء فهو يتجزأ أبدا ، وأنه ليس في العالم جزء لا يتجزأ أصلا ، كما فعلنا بسائر الأقوال والحمد لله رب العالمين.

قال أبو محمد : فأول مشاغبهم أن قالوا : أخبرونا إذا قطع الماشي المسافة التي مشى فيها فهل قطع ذا نهاية أو غير ذي نهاية؟ فإن قلتم قطع غير ذي نهاية فهذا محال ، وإن قلتم ذا نهاية فهذا قولنا.

قال أبو محمد : فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أن القوم أتوا من أحد وجهين : إما أنهم لم يفهموا قولنا فتكلموا بجهل وهذا لا يرضاه ذو ورع ولا ذو عقل ولا ذو حياء ، وإما أنهم لما عجزوا عن معارضة الحق رجعوا إلى الكذب والمباهتة وهذه شر من الأولى ، وفي أحد هذين القسمين وجدنا كلّ من ناظرناه منهم في هذه المسألة ، وهكذا عرض لنا سواء سواء مع المخالفين لنا في القياس المدعين لتصحيحه ، فإنهم أيضا أحد رجلين : إما جاهل بقولنا فهو بقولنا ما لا نقوله ، ويتكلم في غير ما اختلفنا فيه ، وإمّا مكابر ينسب إلينا ما لا نقوله مباهتة وجرأة على الكذب ، وعجزا عن معارضة الحق من أننا ننكر اشتباه الأشياء ، وأننا ننكر قضايا العقول ، وأننا ننكر استواء حكم الشيئين فيما أوجبه لهما ما اشتبها فيه ، وهذا كله كذب علينا بل نحن نقرّ بذلك كله ونقول به ، وإنما ننكر أن

نحكم في الدّين لشيئين بتحريم أو إيجاب أو تحليل من أجل أنهما اشتبها في صفة من صفاتهما ، فهذا هو الباطل البحت والحمد لله رب العالمين على عظيم نعمه.

ونقول على هذا السؤال الذي سألونا عنه : إننا لم ندفع النهاية عن الأجسام كلها من طريق المساحة بل نثبتها ونعرفها ، ونقطع على أن كل جسم فله مساحة أبدا محدودة ولله الحمد. وإنما نفينا النهاية عن قدرة الله تعالى على قسمة كل جزء وإن دقّ ، وأثبتنا قدرة الله تعالى على ذلك وهذا هو شيء غير المساحة.

ولم يتكلف القاطع بالمشي أو بالذرع أو بالعمل قسمة ما قطع ولا تجزئته ، وإنما تكلف عملا أو مشيا في مساحة معدودة بالميل أو بالذراع أو بالشبر أو الإصبع أو ما أشبه ذلك ، وكل هذه له نهاية ظاهرة ، وهذا غير الذي نفينا وجود النهاية فيه فبطل إلزامهم والحمد لله كثيرا.

ثم نعكس هذا الاعتراض عليهم فنقول لهم وبالله تعالى التوفيق : نحن القائلون بأن كل جسم فله طول وعرض وعمق وهو محتمل للانقسام والتجزؤ ، وهذا هو إثبات النهاية لكل جسم انقسم الجسم إليه من طريق المساحة ضرورة ، وأنتم تقولون إن الجسم ينقسم إلى أجزاء ليس لشيء منها عرض ولا طول ولا عمق ولا مساحة ولا يتجزأ ، وليست أجساما ، وأن الجسم هو تلك الأجزاء نفسها ليس هو شيئا غيرها أصلا ، وأن تلك الأجزاء ليست لشيء منها مساحة فلزمكم ضرورة أن الجسم هو تلك الأجزاء نفسها ليس هو غيرها ، وكل جزء من تلك الأجزاء لا مساحة له فالجسم لا مساحة له وهذا أمر يبطله العيان ، وإذا لم تكن له مساحة والمساحة هي النهاية في ذرع الأجسام فلا نهاية لما قطعه القاطع من الجسم على قولهم وهذا باطل.

والاعتراض الثاني : أن قالوا : لا بدّ أن يلي الجرم من الجرم الذي يليه جزء يتقطع ذلك الجرم فيه. قالوا : وهذا إقرار بجزء لا يتجزأ.

قال أبو محمد : وهذا تمويه فاسد لأننا لم ندفع النهاية من طريق المساحة ، بل نقول إن لكل جرم نهاية وسطحا ينقطع تماديه عنده ، وأن الذي ينقطع به الجرم إذا جزئ فهو تناه محدود ، ولكنه محتمل للتجزؤ أيضا ، وكل ما جزئ فذلك الجزء هو الذي يلي الجرم الملاصق له بنهايته من جهته التي لاقاه منها ، لا ما ظنّوا من أن حدّ الجرم جزء منه هو ، وحدّه الملاصق للجرم الذي يلاصقه بل هو باطل بما ذكرنا ، لكن الجزء هو الملاصق للجرم بسطحه ، فإذا تجزأ كان الجزء الملاصق للجرم بسطحه هو

الملاصق له حينئذ بسطحه ، لا الذي ميز عن ملاصقته. وهكذا أبدا والكلام في هذا كالكلام في الذي قبله ولا فرق.

والاعتراض الثالث أن قالوا : هل ألّف أجزاء الجسم إلا الله؟ فلا بد من نعم. قالوا : فهل يقدر الله تعالى على تفريق أجزائه حتى لا يكون فيها شيء من التأليف ولا تحتمل تلك الأجزاء التجزؤ أم لا يقدر على ذلك؟ قالوا : فإن قلتم لا يقدر عجّزتم ربكم ، وإن قلتم يقدر فهذا إقرار منكم بالجزء الذي لا يتجزأ.

قال أبو محمد : هذا من أقوى شبههم التي شغبوا بها وهو حجة لنا عليهم ، والجواب أننا نقول لهم وبالله تعالى التوفيق : إن سؤالكم سؤال فاسد وكلام فاسد ولم تكن قط أجزاء العالم متفرقة ثم جمعها الله عزوجل ، ولا كان له أجزاء مجتمعة ثم فرقها الله عزوجل ، لكن الله تعالى خلق العالم بكل ما فيه بأن قال له «كن» فكان أو بأن قال لكل جرم منه إذا أراد خلقه «كن» فكان ذلك الجرم ، ثم إن الله تعالى خلق جميع ما أراد جمعه من الأجرام التي خلقها مفرقة ثم جمعها ، وخلق تفريق كلّ جرم من الأجرام التي خلقها مجتمعا ثم فرّقها ، فهذا هو الحق لا ذلك السؤال الفاسد الذي أجملتموه وأوهمتم به أهل الغفلة أن الله تعالى ألف العالم من أجزاء خلقها متفرقة ، وهذا باطل لأنه دعوى لا برهان عليها. ولا فرق بين من قال إن الله تعالى ألف أجزاء العالم وكانت متفرقة وبين من قال بل الله تعالى فرق العالم أجزاء وإنما كان جزءا واحدا وكلاهما دعوى ساقطة لا برهان عليها لا من نص ولا من عقل ، بل القرآن جاء بما قلناه نصا قال تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [سورة النحل : ٤٠].

ولفظة شيء تقع على الجسم وعلى العرض ، فصح أن كل جسم صغر أو كبر وكل عرض في جرم فإن الله تعالى إذا أراد خلقه قال له «كن» فكان ، ولم يقل عزوجل قط ألف كل جرم من أجزاء متفرقة فهذا هو الكذب على الله عزوجل حقّا ، فبطل ما ظنوا أنهم يلزموننا به. ثم نقول لهم : إن الله تعالى قادر على أن يخلق جسما لا ينقسم ، ولكنه لم يخلقه في بنية هذا العالم ولا يخلقه ، كما أنه تعالى قادر على أن يخلق عرضا قائما بنفسه ولكنه تعالى لم يخلقه في بنية العالم ولا يخلقه ، لأنهما مما رتبة الله عزوجل محالا في العقول ، والله تعالى قادر على كل ما يسأل عنه لا نحاشي شيئا منها إلا أنه تعالى لا يفعل كلّ ما يقدر عليه وإنما يفعل ما يشاء وما سبق في علمه أنه يفعله فقط وبالله تعالى التوفيق.

ثم نعطف هذا السؤال نفسه عليهم فنقول لهم : هل يقدر الله عزوجل على أن يقسم كل جزء ويقسم كل قسم من أقسام الجسم أبدا بلا نهاية أم لا؟ فإن قالوا : لا يقدر على ذلك عجّزوا ربهم حقا وكفروا ، وهو قولهم دون تأويل ولا إلزام ، ولكنهم يخافون من أهل الإسلام فيملحون ضلالتهم بإثبات الجزء الذي لا يتجزأ جملة. وإن قالوا إنه تعالى قادر على ذلك صدقوا ورجعوا إلى الحق الذي هو نفس قولنا وخلاف قولهم جملة.

ونحن لم نخالفهم قط في أن أجزاء طحين الدقيق لا يقدر مخلوق في العالم على تجزئة تلك الأجزاء ، وإنما خالفناهم في أن قلنا نحن : إن الله تعالى قادر على ما لا نقدر نحن عليه من ذلك ، وقالوا هم بل غير قادر على ذلك ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

وقولهم في تناهي القدرة على قسمة الله تعالى الأجزاء هو القول بأن الله تعالى يبلغ من الخلق إلى مقدار ما ثم لا يقدر على الزيادة عليه ويبقى حينئذ عاجزا ، تعالى الله عن هذا الكفر ، ولعمري إن أبا الهذيل شيخ المثبتين للجزء الذي لا يتجزأ ليحن إلى هذا المذهب حنينا شديدا وقد صرّح بأن لما يقدر الله عليه كلّا وآخرا لو خرج إلى الفعل لم يكن الله تعالى قادرا بعد على تحريك ساكن ، ولا تسكين متحرك ، ولا على فعل شيء أصلا ، ثم تدارك كفره فقال : ولا يخرج ذلك الآخر أبدا إلى حد الفعل.

قال أبو محمد : فيقال له ما المانع من خروجه والنهاية حاصرة له والفعل قائم؟ فلا بد من طول الزمن من البلوغ إلى ذلك الآخر.

قال أبو محمد : نعوذ بالله من الضلال.

والاعتراض الرابع : هو أن قالوا أيما أكبر أجزاء الجبل أو أجزاء الخردلة أو أجزاء الخردلتين؟ قالوا : فإن قلتم بل أجزاء الخردلتين وأجزاء الجبل صدقتم وأقررتم بتناهي التجزؤ ، وهو القول بالجزء الذي لا يتجزأ ، وإن قلتم ليس أجزاء الجبل أكبر من أجزاء الخردلة ولا أجزاء الخردلتين أكبر من أجزاء الخردلة كابرتم العيان ، لأنه لا يحدث في الخردلة جزء إلا ويحدث في الخردلتين جزءان ، وفي الجبل أجزاء. وادّعوا علينا أننا نقول إن في كل جسم أجزاء لا نهاية لعددها ولا آخر لها ، وأن من قطع بالمشي مكانا ما أو قطع بالجملتين شيئا فإنما قطع ما لا نهاية لعدده ، وقالوا إن عمدة حجتكم على الدهرية هو هذا المعنى نفسه في إلزامكم إياهم وجوب القلة والكثرة في أعداد الأشخاص وأوقات الزمان ، وإيجابكم أن كل ما حصره العدد فذو نهاية ، وإنكاركم على الدّهرية وجود أشخاص وأزمان لا نهاية لعددها ، قالوا : ثم نقضتم كل ذلك في هذا المكان.

قال أبو محمد : هو الذي قلنا إنهم إما لم يفهموا كلامنا في هذه المسألة فقوّلونا ما لا نقوله بظنونهم الكاذبة ، وإما أنهم عرفوا قولنا فحرّفوه قلة حياء واستحلالا للكذب ، وجرأة على عاجل الفضيحة لهم في كذبهم ، وعجزا منهم عن كسر الحق ونصر الباطل ، فاعلموا أن كل ما نسبوه إلينا من قولنا إن من قطع مكانا أو شيئا بالمشي أو بالجملتين فإنما قطع ما لا نهاية له فباطل ما قلناه قط ، بل ما قطع إلا ذا نهاية بمساحته وبزمانه ، وأما احتجاجنا على الدهرية بما ذكروا فصحيح هو حجتنا على الدهرية.

وأما ادعاؤهم أننا نقضنا ذلك في هذا المكان فباطل ، والفرق بين ما قلناه من أن كل جزء فهو يتجزأ أبدا بلا نهاية ، وبين ما احتججنا به على الدّهرية من إيجاب النهاية بوجود القلة والكثرة في أعداد الأشخاص والأزمان ، وإنكارنا عليهم وجود أشخاص وأزمان لا نهاية لها ، بل هو حكم واحد وباب واحد وقول واحد ومعنى واحد ، وذلك أن الدهريّة أثبتت وجود أشخاص قد خرجت إلى الفعل لا نهاية لعددها ، ووجود أزمان قد خرجت إلى الفعل لا نهاية لها وهذا محال ممتنع.

وهكذا قلنا في كل جزء يخرج إلى حدّ الفعل فإنها متناهية العدد بلا شك ، ولم نقل إن أجزاءه موجودة منقسمة لا نهاية لعددها ، بل هذا باطل محال. ثم إن الله تعالى قادر على الزيادة في الأشخاص وفي الأزمان ، وفي قسمة الجزء أبدا بلا نهاية ، لكن كل ما يخرج إلى الفعل أو يخرج من الأشخاص أو الأزمان أو تجزئة الأجزاء فكل ذلك متناه بعدده إذا خرج وهكذا أبدا. وأمّا ما لم يخرج إلى حد الفعل بعد من شخص أو زمان أو تجزّؤ فليس شيئا ، ولا هو عددا ، ولا معدودا ، ولا يقع عليه عدد ، ولا هو شخص بعد ولا زمان ولا جزء بعد ، وكل ذلك عدم ، وإنما يكون الجزء إذا جزئ بقطع أو برسم مميز قبل أن يجزأ ، وبهذا يتبين غثاثة سؤالهم في أيمان أكثر أجزاء الخردلة أو أجزاء الجبل أو أجزاء الخردلتين؟ لأن الجبل إذا لم يجزأ والخردلة أو الخردلتان إذا لم تجزءان فلا أجزاء لها أصلا بعد ، بل الخردلة جزء واحد ، والجبل جزء واحد ، والخردلتان كلّ واحدة منهما جزء ، فإذا قسمت الخردلة على سبعة أجزاء ، وقسّم الجبل جزءين وقسمت الخردلتان جزءين ، فالخردلة الواحدة بيقين أكثر أجزاء من أجزاء الجبل والخردلتين ، لأنها صارت سبعة أجزاء ولم يصر الجبل والخردلتان إلا ستة أجزاء فقط ، فلو قسمت الخردلة ستة أجزاء لكانت أجزاؤها وأجزاء الجبل والخردلتين سواء ، ولو قسمت الخردلة خمسة أجزاء كانت أجزاء الجبل والخردلتين أكثر من أجزاء الخردلة. وهكذا في كل شيء ، فصح أنه لا يقع التجزؤ في شيء إلا إذا قسّم لا قبل ذلك. فإن كانوا يريدون في أيهما يمكننا التجزئة أكثر في الجبل والخردلتين أم في

الخردلة الواحدة؟ فهذا ما لا شك فيه أن التجزؤ أمكن لنا في الجبل وفي الخردلتين منه في الخردلة الواحدة ، لأن الخردلة الواحدة عن قريب تصغر أجزاؤها حتى لا نقدر نحن على قسمتها ويتمادى لنا الأمر في الجبل كثيرا حتى إنه يفنى عمر أحدنا قبل أن يبلغ بتجزئته إلى أجزاء تدق عن قسمتنا.

وأما قدرة الله عزوجل على قسمة ما عجزنا نحن عن قسمته من ذلك فباقية غير متناهية ، وكل ذلك عليه تعالى هيّن سواء ، ليس بعضه أسهل عليه من بعض بل هو قادر على قسمة الخردلة أبدا بلا نهاية ، وعلى قسمة الفلك كذلك ولا فرق وبالله تعالى التوفيق.

ونزيد بيانا فنقول : إن الشيء قبل أن يجزأ يكون جزءا فإذا جزئ بمنصفين أو جزءين فهو جزءان فقط ، فإذا جزء على ثلاثة أجزاء فهو ثلاثة أجزاء فقط وهكذا أبدا.

وأما من قال أو ظن أن الشيء قبل أن ينقسم وقبل أن يتجزأ أنه منقسم بعد ومتجزئ بعد فهو وساوس وظن كاذب ، لكنه يحتمل للانقسام والتجزؤ ، وكل ما قسم وجزئ فكل جزء ظهر منا فهو معدود متناه وكذلك كل جسم ، فطوله وعرضه متناهيان بلا شك والله تعالى قادر على الزيادة فيهما أبدا بلا نهاية ، إلا أن كل ما زاده تعالى في ذلك وأخرجه إلى حد الفعل فهو متناه ومعدود ومحدود وهكذا أبدا ، وكذلك الزيادة في أشخاص العالم وفي العدد ، فإن كل ما خرج إلى حد الفعل من الأشخاص ومن الأعداد فذو نهاية ، والله تعالى قادر على الزيادة في الأشخاص أبدا بلا نهاية.

والزّيادة في العدد ممكنة أبدا بلا نهاية ، إلا أن كلّ ما خرج من الأشخاص والأعداد إلى الفعل صحبته النهاية ولا بد. ثم نعكس هذا السؤال عليهم فنقول لهم وبالله تعالى التوفيق :

أتفضل عندكم قدرة الله عزوجل على قسمة الجبل على قدرته على قسمة الخردلة؟ وهل يأتي حال يكون الله تعالى فيها قادرا على قسمة أجزاء الجبل غير قادر على قسمة أجزاء الخردلة أم لا؟ فإن قالوا : بل قدرة الله تعالى على قسمة الجبل أتم من قدرته على قسمة الخردلة ، وأقروا بأنه تأتي حال يكون الله تعالى فيها قادرا على قسمة أجزاء الجبل غير قادر على قسمة أجزاء الخردلة كفروا ، وعجّزوا ربهم ، وجعلوا قدرته محدثة متفاضلة متناهية ، وهذا كفر مجرد ، وإن أبوا من هذا وقالوا إن قدرة الله تعالى على قسمة الجبل والخردلة سواء وأنه لا سبيل إلى وجود حال يقدر الله تعالى فيها على تجزئة أجزاء الجبل ولا يقدر على تجزئة أجزاء الخردلة صدقوا ، ورجعوا إلى

قولنا الذي هو الحق وما عداه ضلال وباطل والحمد لله رب العالمين.

والاعتراض الخامس : هو أن قالوا هل لأجزاء الخردلة كلّ أم ليس لها كل؟ وهل يعلم الله تعالى عدد أجزائها أم لا يعلمه؟ فإن قلتم : لا كلّ لها ، نفيتم النهاية عن المخلوقات الموجودات وهذا كفر.

وإن قلتم : إن الله تعالى لا يعلم عدد أجزائها كفرتم. وإن قلتم إن لها كلّا الله تعالى يعلم عدد أجزائها أقررتم بالجزء الذي لا يتجزأ.

قال أبو محمد : وهذا تمويه لائح ينبغي التنبيه عليه لئلا يجوز على الغفلة ، وهو أنهم أقحموا لفظة «كلّ» حيث لا يوجد «كلّ» وسألوا هل يعلم الله عدد ما لا عدد له ...؟ وهم في ذلك كمن سأل هل يعلم الله تعالى عدد شعر لحية الأطلس (١) أم لا؟ وهل يعلم جميع أولاد العقيم أم لا؟ وهل لحركات أهل الجنة والنار كلّ أم لا؟ فهذه السؤالات كسؤالهم ولا فرق. وجوابنا في ذلك كلّه أنّ الله عزوجل إنما يعلم الأشياء على ما هي عليه لا على خلاف ما هي عليه ، لأن من علم الشيء على ما هو عليه فقد علمه حقا. وأمّا من علم الشيء على خلاف ما هو عليه فلم يعلمه بل جهله وحاشى لله من هذه الصفة ، فما لا كلّ له ، ولا عدد له ، فإنما يعلمه الله عزوجل لا عدد له ولا كلّ. وما علم الله عزوجل قط عددا ولا كلّا إلا لما له عدد وكل ، لا لما لا عدد له ولا كل ، وكذلك لم يعلم الله عزوجل قط عدد شعر لحية الأطلس ، ولا علم قط ولد العقيم ، فكيف أن يعرف لهم كلّا؟ وكذلك لم يعلم الله عزوجل قط عدد أجزاء الجبل ولا الخردلة قبل أن تجزأ لأنهما لا جزء لهما قبل التجزئة ، وإنما علمهما غير متجزءين ، وعلمهما محتملين للتجزؤ فإذا جزءا علمهما حينئذ متجزءين ، وعلم حينئذ عدد أجزائهما ، ولم يزل تعالى يعلم أنه سيجزئ كلّ ما لا يتجزأ ولم يزل يعلم عدد الأجزاء التي تخرج في المستأنف إلى حد الفعل ، ولم يزل يعلم عدد ما يخرج من الأشخاص بخلقه في الأبد إلى حدّ الفعل ، ولم يزل يعلم أنه لا أشخاص زائدة على ذلك ، ولا أجزاء لما لم ينقسم بعد ، وكذلك ليس للخردلة ولا للجبل قبل التجزؤ أجزاء أصلا. وإذ ذلك كذلك فلا كلّ هاهنا ولا بعض ، فهذا بطلان سؤالهم والحمد لله رب العالمين.

ثم نعكس عليهم هذا السؤال فنقول لهم وبالله تعالى التوفيق : أخبرونا عن

__________________

(١) الأطلس : ما في لونه طلسة ، أي غبرة إلى السواد. ويقال للذئب الأمعط في لونه طلسة : أطلس (المعجم الوسيط : ص ٥٦١).

الشخص الفرد من خردلة ، أو وبرة ، أو شعرة أو غير ذلك إذا جزأنا كل ذلك جزءين أو أكثر متى حدثت لها الأجزاء؟ أحين جزئت أم قبل أن تجزأ؟ فإن قالوا قبل أن تجزأ تناقضوا أسمج مناقضة لأنهم أقروا بحدوث أجزاء كانت قبل حدوثها وهذا سخف. وإن قالوا إنما حدثت لها الأجزاء حين جزئت لا قبل ذلك ، سألناهم متى علمها الله تعالى متجزئة؟ أحين حدث فيها التجزؤ أم قبل أن يحدث فيها التجزؤ؟ فإن قالوا بل حين حدث فيها التجزؤ صدقوا وأبطلوا قولهم في أجزاء الخردلة. وإن قالوا بل علم أنها متجزئة وأن لها أجزاء قبل حدوث التجزؤ فيها جهّلوا ربهم تعالى إذ أخبروا أنه يعلم الشيء بخلاف ما هو عليه ، ويعلم أجزاء لما لا أجزاء له ، وهذا ضلال وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : هذا كل ما موهوا به لم ندع لهم منه شيئا إلا وقد أوردناه وبيّنا أنه كله لا حجة لهم في شيء منه ، وأنه كله عائد عليهم وحجة لنا والحمد لله رب العالمين.

ثم نبتدئ بحول الله تعالى وقوته بإيراد البراهين الضرورية على أن كل جسم في العالم فإنه يتجزأ ومحتمل للتجزئة ، وكل جزء من جسم فهو أيضا جسم محتمل للتجزؤ ، وهكذا أبدا وبالله تعالى نتأيد.

قال أبو محمد : يقال لهم وبالله تعالى نستعين : أخبرونا عن هذا الجزء الذي قلتم إنه لا يتجزأ أهو في العالم أو ليس في العالم؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث ، فإن قالوا : ليس هو في العالم صدقوا وأبطلوه إلا أنهم يلزمهم قول فاحش ، وهو أنهم يقولون إن جميع العالم مركب من أجزاء لا تتجزأ والكل ليس هو شيئا غير تلك الأجزاء ، فإن كانت تلك الأجزاء ليست في العالم فالعالم عدم ليس في العالم وهذا تخليط كما ترى. وإن قالوا بل هو في العالم قلنا لهم : لا يخلو إن كان في كرة العالم من أن يكون إما قائما بنفسه حاملا وإما أن يكون محمولا غير قائم بنفسه ، لا بد ضرورة من أحد الأمرين ، إذ ليس العالم كله إلا على هذين القسمين فإن كان محمولا غير قائم بنفسه فهو عرض من الأعراض ، وإن كان حاملا قائما بنفسه فله ولا بد مكان في العالم ، وما كان حاملا قائما بنفسه ذا مكان فهو جسم. ثم يقال لهم : أخبرونا عن الجزء الذي ذكرتم إنه لا يتجزأ وهو على قولكم في مكان لأنه بعض من أبعاض الجسم : هل الملاقي منه للمشرق هو الملاقي للمغرب أم غيره؟ وهل المحاذي منه للسماء هو المحاذي منه للأرض أم هو غيره؟ فإن قالوا كل ذلك واحد والملاقي منه للمشرق هو الملاقي منه للمغرب ، والمحاذي منه للسماء هو المحاذي منه للأرض أتوا بإحدى العظائم وجعلوا جهة المشرق منه هي جهة المغرب وجعلوا السماء والأرض منه

في جهة واحدة ، وهذا حمق لا يبلغه إلا الموسوس ومكابرة للعيان لا يرضاها لنفسه سالم البنية ، وإن قالوا بل الملاقي منه للمشرق هو غير الملاقي منه للمغرب وأن السماء والأرض منه في جهتين متقابلتين فوق وأسفل صدقوا ، وهكذا جهة الجنوب والشمال ، فإذ ذلك كذلك بلا شك فقد صح أنه ذو جهات ستة متغايرة ، وهذا إقرار منهم بأنه ذو أجزاء إذ قطعوا بأن الملاقي منه للمغرب غير الملاقي منه للمشرق ، و «من» للتبعيض ، وبطل قولهم من قرب والحمد لله رب العالمين.

قال أبو محمد : فإن أرادوا إلزامنا مثل هذا في العرض قلنا ليس للعرض جهة ، ولا له مكان ، ولا يقوم بنفسه ، ولا يحاذي شيئا ، وإنما يحاذي الأشياء حامل العرض لا العرض ، إذ لو ارتفع العرض لبقي حامله مالئا لمكانه كما كان محاذيا من جميع جهاته ما كان يحاذي حين حمله للعرض سواء سواء ، ولو ارتفع في قولكم الجزء الذي لا يتجزأ لبقي مكانه خاليا منه ، وقد أوضحنا أن عرضين وأعراضا تكون في جسم واحد في جهة منه واحدة وهم لا يختلفون في أن جزءين كل واحد منهما لا يتجزأ فلا يمكن البتة أن يكونا جميعا في مكان واحد منهما ، بل لكل واحد منهما عندهم مكانا غير مكان الآخر.

وبرهان آخر :

وهو أنهم يقولون : إن الجزء الذي لا يتجزأ لا طول له ولا عرض ولا عمق ، فنقول لهم وبالله تعالى التوفيق : إذا أضفتم إلى الجزء الذي لا يتجزأ عندكم جزءا آخر مثله لا يتجزأ أليس قد حدث لهما طول؟ فلا بدّ من قولهم : نعم ، لا يختلفون في ذلك. ولو أنهم قالوا لا يحدث لهما طول للزمهم مثل ذلك في إضافة جزء ثالث ورابع وأكثر حتى يقولوا إن الأجسام العظام لا طول لها ويحصلوا في مكابرة العيان ، فنقول لهم : إذا قلتم إن جزءا لا يتجزأ لا طول له إذا ضمّ إليه جزء آخر لا يتجزأ ولا طول له فأيهما حدث له طول؟ فقولوا لنا هل يخلو هذا الطول الحادث عندكم من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها : إما أن يكون هذا الطول لأحدهما دون الآخر ، أو لا لواحد منهما ، أو لكليهما ، فإن قلتم ليس هذا الطول لهما ، ولا لواحد منهما ، فقد أوجبتم طولا لا لطويل ، وطولا قائما بنفسه ، والطول عرض والعرض لا يقوم بنفسه ، وصفة الصفة لا يمكن أن توجد إلا في موصوف بها ووجود طول لا لطويل مكابرة ومحال.

وإن قلتم إن ذلك الطويل هو لأحد الجزءين دون الآخر ، فقد أحلتم ، وأتيتم بما ، لا شك بالحس وضرورة العقل في بطلانه ، ولزمكم أن الجزء الذي لا يتجزأ له طول ، وإذا

كان له طول فهو بلا شك يتجزأ وهذا ترك منكم لقولكم ، مع أنه أيضا محال لأنه يجب من هذا أنه يتجزأ ولا يتجزأ. وإن قلتم إن ذلك الطول للجزءين معا صدقتم وأقررتم بالحق في أن كل جزء منهما فله حصته من الطول والحصّة من الطول طول بلا شك ، وإذا كان كل واحد منهما له طول ، فكل واحد منهما يتجزأ ، وهذا خلاف قولكم إنه لا يتجزأ ، وهذا برهان ضروري أيضا واضح لا محيد عنه ، وبالله تعالى التوفيق.

وبرهان آخر :

قال أبو محمد : ونقول لهم : أيما أطول جزءان لا يتجزأ كل واحد منهما وقد ضم أحدهما إلى الآخر ، أم أحدهما غير مضموم إلى الآخر؟ فلا يجوز أن يقول أحد إلا أن الجزءين المضمومين أطول من أحدهما غير مضموم إلى الآخر ، فإذ ذلك كذلك فمن المحال الممتنع الباطل أن يقال في شيء هذا أطول من هذا إلا وفي الآخر طول دون طول ما هو أطول منه ، فقد صح ضرورة أن الطول موجود لكل جزء قالوا فيه إنه لا يتجزأ ، وإذا كان له طول فهو منقسم بلا خلاف من أحد منا ومنهم ، وهكذا القول في عرضهما إن ضمّ أحدها إلى الآخر وفي عمقهما كذلك ، ولا بد من أن يكون لكل واحد منهما حصة من العرض والعمق ، فإذ ذلك كذلك ضرورة فكل جزء قالوا فيه إنه لا يتجزأ فلا بد من أن يكون له طول وعرض وعمق ، فإذ ذلك كذلك فهو جسم يتجزأ ولا بد ، وهذا أيضا برهان ضروري لا محيد عنه وبالله تعالى التوفيق.

وقد رام أبو الهذيل التخلص من هذا الإلزام فبعد ذلك عليه ، لأنه رام محالا فقال : إن الطول الحادث للجزءين عند اجتماعهما إنما هو كالاجتماع الحادث لهما ولم يكن لهما ولا لأحدهما إذا كانا منفردين.

قال أبو محمد : وهذا تمويه ظاهر لأن الاجتماع هو ضم أحدهما إلى الآخر نفسه ليس هو شيئا آخر ، ولم يكونا قبل هذا الضم والجمع مضمومين ولا مجتمعين وليس معنى الطول والعرض والعمق كذلك بل هو شيء آخر غير الضم والجمع وإنما هو صفة للطويل مضموما كان إلى غيره أو غير مضموم ، ولا يوجب الجمع والضم طولا لم يكن واجبا قبل الضم والجمع ، فلم يزد أبو الهذيل على أن قال : لما اجتمعا صارا مجتمعين وصارا طويلين. وهذه دعوى فاسدة وتنظير منحل ، لأن قوله لما اجتمعا صارا مجتمعين صحيح لا شك فيه ، وقوله وصارا طويلين دعوى مجردة من الدليل جملة وما كان هكذا فهو باطل. وأيضا فإن الاجتماع لما حدث بينهما بطل معنى آخر كان موجودا فيهما ، وهو الافتراق الذي هو ضد الاجتماع.

فأخبرونا إذا حدث الطول بزعمكم فأي شيء هو المعنى الذي ذهب بوجود الطول وبما فيه الطول؟ ولا سبيل لهم إلى وجوده ، فصح أن الطّول كان موجودا في كل جزء على انفراده وكذلك العرض والعمق ، ثم لما اجتمعا زاد الطول والعرض والعمق ، وهكذا أبدا وبالله تعالى التوفيق.

وهذا هو الذي تشهد له الحواس والمشاهدة والعقل والحمد لله رب العالمين.

وبرهان آخر : وهو أن الجرم لو كان أحمر فكل جزء من أجزائه أحمر بلا شك ، فإن قالوا ليس أحمر قلنا لهم فلعله أخضر أو أصفر أو غير ذي لون وهذا عين المحال ، لأن الكل قد بينا أنه ليس هو شيئا غير أجزائه ، فلو كان لون أجزائه غير لونه كله لكان لونه غير لونه وهذا محال ، فإذ لا شك فيما ذكرنا فالجزء الذي يدعون أنه لا يتجزأ هو ذو لون بلا شك ، وإذ هو ذو لون فهو جسم لا يعقل غير ذلك فهو يتجزأ.

قال أبو محمد : وقالت الأشعرية هاهنا كلاما طريفا وهو أنهم قالوا : هو ذو لون واحد.

قال أبو محمد : كل ملون فهو ذو لون واحد لا ذو ألوان كثيرة ، إلا أن يكون أبلق أو موشّى.

وبرهان آخر : أن وجود شيء في العالم قائم بنفسه ليس جسما ولا عرضا ولا قابلا للتجزؤ ولا طول له ولا عرض ولا عمق فهو محال ممتنع إذ هو المذكور ليس هو شيئا غير الباري تعالى ، وجلّ تعالى عن أن يكون له في العالم شبيه ، وبهذا بان عزوجل عن مخلوقاته ، ولم يكن له كفوا أحد ، وليس كمثله شيء.

وبرهان آخر :

قال أبو محمد : كل شيء يحتمل أن يكون له أجزاء كثيرة فبالضرورة ندري أنه يحتمل أن يجزأ إلى أقل منها ، هذا ما لا تختلف العقول والإحساس فيه ، كشيء احتمل أن يقسم على أربعة أقسام فلا شك أنه يحتمل أن ينقسم على ثلاثة وعلى اثنتين ، وهكذا في كل عدد ، ومن دافع هذا فإنما يدافع الضرورة ويكابر العقل ، فلو أقمت خطّا من ثلاثة أجزاء كل جزء منها لا يتجزأ على قولهم ، أو يعمل ذلك الخط من عشرة أجزاء كذلك ومن ألف جزء كذلك أو مما زاد ، فإنه لا يختلف أحد في أن الخط الذي هو في ثلاثة أجزاء فإنه ينقسم أثلاثا في موضعين ، وأن الذي هو من أربعة أجزاء فإنه ينقسم أعشارا أو بنصفين ، فإذ لا شك في هذا فبيقين لا محيد عنه يدري كلّ ذي حس سليم ولو أنه عالم أو جاهل أن ما انقسم أثلاثا فإنه ينقسم بنصفين مستويين ، وما انقسم أرباعا فإنه ينقسم أثلاثا مستوية ، وأما ما كان من الخطوط له

أعشار وأخماس وأنصاف وأثلاث وأسداس وأسباع متساوية ، وإذ لا شك في هذا فإن القسمة لا بدّ من أن تقع في نصف جزء منها أو في أقل من نصفه ، فصح أن كل جسم فهو يتجزأ ضرورة وأن الجزء الذي لا يتجزأ باطل معدوم من العالم ، وهذا ما لا مخلص لهم منه وبالله تعالى التوفيق.

برهان آخر :

قال أبو محمد : بلا شك نعلم أن الخطين المستقيمين المتوازيين لا يلتقيان أبدا ولو مدّا عمر العالم أبدا بلا نهاية وإذ لا شك في هذا فإنك إن مددت من الخط الأعلى إلى الخط المقابل له خطين مستقيمين متوازيين قام منهما مربع بلا شك فإذا أخرجت من زاوية ذلك المربع خطأ منحدرا من هنالك إلى الخط الأسفل فإن تلك الخطوط المخرجة من الضلع الذي ذكرنا وتلك الخطوط المخرجة من الزاوية لا تمر مع الخط الأعلى أبدا لأنها غير متوازية له وإذ ذلك كذلك فذلك الضلع منقسم أبدا لا بد ما أخرجت الخطوط بلا نهاية.

برهان آخر :

قال أبو محمد : وبالضرورة نعلم أن كل مربع متساوي الأضلاع ، فإن الخط القاطع من الزاوية العليا إلى الزاوية السفلى التي لا يوازيها يقوم منه في المربع مثلثان متساويان فإنه لا شك أطول من كل ضلع من أضلاع ذلك المربع على انفراده ، ونسألهم عن مائة جزء لا تتجزأ رتبت متلاصقة ، عشرة عشرة ، فبالضرورة نجد فيها ما ذكرنا فبيقين نعلم حينئذ أن كل جزء من الأجزاء المذكورة لو لا أن له طولا وعرضا لما كان الخط المارّ بها القاطع للمربع القائم منها على مثلثين متساويين أطول من الخط المارّ بكل جهة من جهات ذلك المربع على استواء وموازاة للخطوط الأربعة المحيطة بذلك المربع ، وهو أطول منه بلا شك.

فصح ضرورة أن لكل جزء منها طولا وعرضا ، وأن ما له طول وعرض فهو متجزئ بلا شك ، فصح أيضا بما ذكرنا أن كلّ جزء مر عليه الخيط المذكور فقد انقسم.

برهان آخر :

وأيضا فإننا لو أقمنا خطأ من أجزاء لا تتجزأ على قولهم مستقيما ثم أدرناه حتى يلتقي طرفاه ويصير دائرة فبالضرورة يدري كل ذي حس سليم أن الخط إذا أدير حتى يلتقي طرفاه فإن ما قابل من أجزائه مركز الدائرة أضيق مما قابل منها خارج الدائرة ، فإذ

ذلك كذلك فهذا لازم في هذا الخط المدار بلا شك ، وإذ لا شك في هذا فقد فضل من أحد طرفي الجزء الذي لا يتجزأ عندهم فضلة على طرفه الآخر وهكذا كل جزء من تلك الأجزاء بلا شك ، فصح ضرورة أنه منقسم محتمل للانقسام ولا بد وبالله تعالى التوفيق.

برهان آخر :

نسألهم عن دائرة قطرها أحد عشر جزءا يتجزأ كل واحد منها عندهم أو أي عدد شئت على الحساب ، فأردنا أن نقسمها بنصفين على السواء ، ولا خلاف في أن هذا ممكن ، فبالضرورة ندري أن الخط القاطع على قطر الدائرة من المحيط إلى ما قابله من المحيط مارّا على مركزها لا يقع البتّة إلا في أنصاف تلك الأجزاء ، فصح ضرورة أنها تتجزأ ولو لم يمر ذلك الخط على أنصافها لما قسم الدائرة بنصفين وبالله تعالى التوفيق.

وبرهان آخر :

وهو أن نسألهم عن الجزء الذي لا يتجزأ الذي يحققونه إذا وضع على سطح زجاجة ملساء مستوية ، هل له حجم زائد على سطحها أم لا حجم له زائد على سطحها؟ فإن قالوا لا حجم له زائد على سطحها أعدموه ولم يجعلوا له مكانا ولا جعلوه متمكنا أصلا. ونسألهم عن جزءين جعلا كذلك فلا بد من قولهم إن له حجما. فنسألهم عن ذلك الحجم ألهما معا أم لأحدهما؟ فأي ذلك قالوا أثبتوا ولا بد الحجم لهما وللجزء الذي هو أحدهما ، وإذا كان للجزء الذي لا يتجزأ حجم زائد فالذي لا شك فيه أن له ظلّا ولذا صح يقينا أن له ظلّا فلا شك في أن الظل يزيد وينقص ويمتد ويتقلص ويذهب جملة إذا سامتته الشمس ، فإذ ذلك كذلك فبيقين ندري أن ظله ينقص حتى يكون أقل من قدره وإذ ذلك كذلك فقد ظهر ووجب أن له تجزؤا ومقدارا متبعضا.

وبرهان آخر :

وهو أننا نسألهم عن جزء لا يتجزأ من الحديد أو من الذهب ، وجزء لا يتجزأ من خيط قطن هل ثقلهما ووزنهما سواء ، أم الذي من الذهب والحديد أثقل من الذي من القطن؟ فإن قالوا ثقلهما ووزنهما سواء كابروا ولزمهم هذا في ألف جزء كذلك من الذهب أنها ليست أثقل من ألف جزء من القطن مجتمعة كانت الأجزاء أو متفرقة ، وهذا جنون ومكابرة ، وإن قالوا بل الذي من الذهب أوزن وأثقل صدقوا وأوجبوا أن له تجزؤا بتفاضل الوزن ضرورة ولا بد.

قال أبو محمد : فهذه براهين ضرورية قاطعة بأن كل جزء فهو يتجزأ أبدا بلا نهاية وأن جزءا لا يتجزأ ليس في العالم أصلا ولا يمكن وجوده بل هو من المحال الممتنع وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : أما أبو الهذيل فخلط في هذا الباب ، وحق لمن رام نصر الباطل أن يخلط فقال : إن الجزء الذي لا يتجزأ ذو حركة وسكون يتعاقبان عليه ، وأنه يشغل مكانا لا يسع فيه معه غيره ، وأنه أقرب إلى السماء من مكانه الذي هو عليه من الأرض ، وهذا غاية التناقض إذ ما كان هكذا فله مساحة بلا شك ، وهو ذو جهات ست فلمساحته أجزاء من نصف وثلث وأقل وأكثر ، وما كان ذا جهات فالذي منه في كل جهة غير الذي منه في الجهة الأخرى بلا شك ، وما كان هكذا فهو جسم محتمل للتجزؤ بلا شك ، وما عدا هذا فوسواس نعوذ بالله منه.

قال أبو محمد : اختلفوا في تخليطهم هذا اختلافا طريفا أيضا ، فأجمعوا أنه إذا ضم جزء لا يتجزأ فصار اثنين فقد حدث لهما طول ، ثم اختلفوا متى يصير جسما له طول وعرض وعمق.

فقال بعضهم : إذا صار جزءين صار جسما وهو قول الأشعرية. وقال بعضهم : إذا صار له أربعة أجزاء وقال بعضهم بل إذا صار ستة أجزاء. واتفقوا على أنه إذا صار ثمانية أجزاء فقد صار جسما له طول وعرض وعمق ، وكل هذا تخليط ناهيك به وجهل شديد كان الأولى بأهله أن يتعلموا قبل أن يتكلموا بهذه الحماقات. برهان ذلك أنهم لم يختلفوا أنهم إذا صفّوا أربعة أجزاء لا تتجزأ ، وتحتها أربعة أجزاء لا تتجزأ ، فإنه قد صار عندهم مجتمع من هذه الأجزاء جسما طويلا عريضا عميقا.

قال أبو محمد : وهذا الذي طابت نفوسهم عليه وأنست عقولهم إليه في الثمانية ، وسهل على بعضهم دون بعض في ثلاثة أجزاء تحتها ثلاثة أجزاء ، وفي جزءين تحتهما جزءان ، ومنعوا كلهم من ذلك في جزء على جزء حاشا الأشعرية ، وإنه بعينه موجود على أصولهم المخذولة وأقوالهم المرذولة في جزء على جزء سواء سواء بعينه ، وذلك أن أربعة أجزاء على أربعة أجزاء فإنما الحاصل منها جزء على جزء فقط من كل جهة ، فإذا جعلوا للأربعة على الأربعة طولا فإنما جعلوه في جزء إلى جنب جزء وكذلك فعلوا في العرض ، وكذلك فعلوا في العمق ، فإذ هو كذلك والطول عندهم يوجد في جزء إلى جنب جزء والعرض يوجد جنب الطول ، لأن العرض لا يكون أكثر من الطول أصلا والعمق موجود فيهما أيضا فظهر أيضا أن لكل جزء منها طولا وعرضا

وعمقا ومكانا وجهات ، ووجب ضرورة بهذا أنه يتجزأ ولاح جهلهم وخبطهم وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : فإذ قد بطل قولهم في الجزء الذي لا يتجزأ وفي كل ما أوجبوا أنه جوهر لا جسم ولا عرض ، فقد صح أن العالم كله حامل قائم بنفسه ، ومحمول لا يقوم بنفسه ، ولا يمكن وجود أحدها متخليا ، فالمحمول هو العرض ، والحامل هو الجوهر ، وهو الجسم سمّه كيف شئت ، ولا يمكن في الوجود غيرهما وغير الخالق لهما تعالى وبالله تعالى التوفيق.

الكلام في أن العرض لا يبقى وقتين

قال أبو محمد : وقال هؤلاء الجهال : إن العرض لا يبقى وقتين وأنه لا يحمل عرضا.

قال أبو محمد : وقد كلمناهم في هذا وتقرينا كتبهم فما وجدنا لهم حجة في هذا أصلا ، أكثر من أن بعضهم قال أو بقي وقتين لشغل مكانا.

قال أبو محمد : وهذه حجة فقيرة إلى حجّة ، ودعوى كاذبة نصرتها دعوى كاذبة ولا عجب أكثر من هذا ، ثم لو صحت لهم للزمهم هذا بعينه فيما جوّزوه من بقاء العرض وقتا واحدا ، ويقال لهم : ما الفرق بينكم وبين من قال لو بقي العرض وقتا واحدا لشغل مكانا؟ وبيقين يدري كل ذي حس سليم أنه لا فرق في اقتضاء المكان بين بقاء وقت واحد وبين بقاء وقتين فصاعدا ، فإن أبطلوا بقاءه وقتا لزمهم أنه ليس باقيا أصلا ، وإذا لم يكن باقيا فليس موجودا أصلا وإذا لم يكن موجودا فهو معدوم ، فحصلوا من هذا التخليط على نفي الأعراض ومكابرة العيان.

ويقال لهم : ما الفرق بينكم وبين من قال بل يبقى وقتين ولا يبقى ثلاثة أوقات إذ لو بقي ثلاثة أوقات لشغل مكانا؟ وكل هذا هوس وليس من أجل البقاء وجب اقتضاء الباقي المكان ، لكن من أجل أنه طويل عريض عميق فقط ولا مزيد.

وقد قال بعضهم : إن الشيء في حين خلق الله تعالى له ليس باقيا ولا فانيا ، وهذه دعوى في الحمق كما سلف لهم ولا فرق ، وهي مع ذلك لا تعقل ، ولا يتمثل في الوهم أن يكون في الزمان أو في العالم شيء موجود ليس باقيا ولا فانيا.

قال أبو محمد : ولا عجب أعجب من حماقة من قال إن بياض الثلج ، وسواد القار ، وخضرة البقل ، ليس شيء منها الذي كان آنفا بل يفنى في كل حين ويستعيض ألف ألف بياض وأكثر ، وألف ألف خضرة وأكثر ، هذه دعوى عارية من الدليل إلا أنها جمعت السخف مع المكابرة.

قال أبو محمد : والصحيح من هذا هو ما قلناه ونقوله ، من أن الأعراض تنقسم

أقساما فمنها ما لا يزول ولا يتوهم زواله إلا بفساد ما هو فيه لو أمكن ذلك كالصورة الكلية ، أو كالطول والعرض والعمق. ومنها ما لا يزول ولا يتوهم زواله إلا بفساد حامله كالإسكار في الخمر ونحو ذلك فإنها إن لم تكن مسكرة لم تكن خمرا وهكذا كل صفة نجد بها ما هي عليه ، ومنها ما لا يزول إلا بفساد حامله ، إلا أنه لو توهم زائلا لم يفسد حامله كزرق الأزرق وفطس الأفطس فلو زالا لبقي الإنسان إنسانا بحسبه ، ومنها ما يبقى مددا طوالا وقصارا وربما زايل ما هو فيه كسواد الشعر وبعض الطعوم والخشونة والإملاس في بعض الأشياء ، والطيب والنتن في بعضها والسكون والعلم ، وكبعض الألوان التي تستحيل ، ومنها ما يسرع إليه الزوال كحمرة الخجل ، وكمدة الهم ، وليس من الأعراض شيء يفنى بسرعة حتى لا يمكن أن يضبط مدة بقائه إلا الحركة فقط ، على أننا بضرورة العقل والحس ندري أن حركة الجزء من الفلك التي تقطع الفلك بنصفين من مشرق إلى غرب أسرع من حركة الجزء منه الذي حوالي القطبين ، لأن كل هذين الجزءين يرجع إلى مكانه الذي بدأ منه في أربعة وعشرين ساعة ، وبين دائريهما في الكبر ما لا يكون مساحة خط دائرة أو خط مستقيم أكثر منه في العالم ، وبيقين ندري أن حركة المذعورة في طيرانها أسرع من حركة السلحفاة في مشيها ، وأن حركة الماء المناسب في الحدور أسرع من حركة الماء الجاري في ميل النهر ، وأن حركة المحصر في الجري أسرع من حركة الماشي.

فصح يقينا أن في خلال ذلك الحركات أيضا بقاء إقامة تتفاضل في مدته لأن الحركات كلها إنما هي نقلة من مكان إلى مكان فللمتحرك مقابله ولا بد لكل جرم مر عليه ، ففي تلك المقابلات يكون التفاضل في السرعة أو في البطء إلا أنه لا تحس أجزاؤه ولا تضبط دقائقه إلا بالعقل فقط الذي به تعرف زيادة الظل والشمس ، ولا يدرك ذلك بالحس ، إلا إذا اجتمعت فيه جملة ما فإنه يعرف حينئذ بحس البصر ، كما لا يدرك بالحواس نماء النامي إلا إذا اجتمعت منه جملة ما ، وكما يعرف بالعقل لا بالحس أن لكل خردلة جزءا من الأثقال ، ولا تحس إلا إذا اجتمعت منه جملة ما ، وكذلك الشبع والري وكثير من أعراض العالم فتبارك خالق كل ذلك هو الله أحسن الخالقين.

وأما قولهم : إن العرض لا يحمل العرض فكلام فاسد مخالف للشريعة وللطبيعة وللعقل وللحواس ولإجماع جميع ولد آدم ، لأننا لا نختلف في أن نقول حركة سريعة ، وحركة بطيئة ، وحمرة مشرقة ، وخضرة أشد من خضرة ، وخلق حسن وخلق سيّئ ، وقال تعالى : (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) [سورة يوسف : ٢٨] وقال تعالى : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)

[سورة يوسف : ١٨]. وحسبك فسادا بقول أدى إلى هذا ، ومن أحال على العيان والحس والمعقول وكلام الله تعالى فقد فاز قدحه وخسرت صفقة من خالفه.

قال أبو محمد : ولسنا نقول إن كل عرض يحمل عرضا إلى ما لا نهاية له ، بل هذا باطل لكن كما وجد وكما خلق الباري تعالى ما خلق ولا مزيد وما عدا هذا فرقة دين ، وضعف عقل ، وقلة حياء ، ونعوذ بالله من هذه الثلاث وحسبنا الله ونعم الوكيل

الكلام في المعارف

قال أبو محمد : اختلف الناس في المعارف فقال قائلون : المعارف كلها باضطرار إليها ، وقال آخرون : المعارف كلها باكتساب لها ، وقال آخرون : بعضها باكتساب وبعضها باضطرار.

قال أبو محمد : والصحيح في هذا الباب أن الإنسان يخرج إلى الدنيا غفلا لا معرفة له بشيء كما قال عزوجل : (أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) [سورة النمل : ٧٨].

قال أبو محمد : فحركاته كلها طبيعة كأخذه الثدي حين ولادته ، وتصرفه تصرف البهائم على حسب تألمها وطربها ، حتى إذا كبر وعقل وتقوت نفسه الناطقة ، وأنست بما صارت فيه وسكنت إليه ، وبدأت رطوباته تجفّ بدأت بتمييز الأمور في الدار التي صارت فيها فيحدث الله تعالى لها قوة على التفكير ، واستعمال الحواس في الاستدلال ، وأحدث الله تعالى لها الفهم بما تشاهد وما تخبر به فطريقه إلى بعض المعارف اكتساب في أول توصله إليها لأنه بأول فهمه ومعرفته عرف أن الكل أكثر من الجزء ، وأن جسما واحدا لا يكون في مكانين ، وأنه لا يكون قاعدا قائما معا ، وهو إن لم يحسن العبارة عن ذلك فإن أحواله كلها تقتضي تيقنه لكل ما ذكرنا ، وعرف أولا صحة ما أدرك بحواسه ، ثم أنتجت له بعد ذلك سائر المعارف بمقدمات راجعة إلى ما ذكرنا من قرب أو من بعد ، فكل ما ثبت عندنا ببرهان وإن كان بعيد الرجوع إلى ما ذكرنا فمعرفة النفس به اضطرارية لأنه لو رام جهده أن يزيل عن نفسه المعرفة بما ثبت عنده هذا الثبات لم يقدر ، فإذ هذا لا شك فيه فالمعارف كلها باضطرار ، إذ ما لم يعرف بيقين فإنما عرف بظنّ ، وما عرف ظنا فليس علما ولا معرفة ، هذا ما لا شك فيه ، إلّا أن يتطرق إلى طلب البرهان بطلب وهذا الطلب هو الاستدلال ولو شاء ألّا يستدل لقدر على ذلك ، فهذا الطلب وحده هو الاكتساب فقط ، وأما ما كان مدركا بأول العقل وبالحواس فليس عليه استدلال أصلا ، بل من قبل هذه الجهات يبتدئ كل أحد بالاستدلال وبالرد إلى ذلك فيصح استدلاله أو يبطل ، وحدّ العلم بالشيء هو المعرفة به أن نقول العلم والمعرفة اسمان

واقعان على معنى واحد ، وهو اعتقاد الشيء على ما هو عليه وتيقنه به وارتفاع الشكوك عنه ، ويكون ذلك إما بشهادة الحواس وأول العقل وإما برهان راجع من قرب أو من بعد إلى شهادة الحواس وأول العقل ، وإما باتفاق وقع له في مصادفة اعتقاد الحق خاصة بتصديق ما افترض الله عزوجل عليه اتباعه خاصة دون استدلال.

وأما علم الله تعالى فليس محدودا أصلا ، ولا يجمعه مع علم الخلق حدّ ولا جنس ولا شيء أصلا. وذهب الأشعرية إلى أن علم الله تعالى واقع مع علمنا تحت حدّ واحد.

قال أبو محمد : وهذا خطأ فاحش إذ من الباطل أن يقع ما لم يزل مع ما لم يكن تحت حدّ ، وما لم يزل فلا نهاية له فلا حدّ له لأن الحدّ هو حصر النهايات ، وعلم الله تعالى ليس هو غير الله تعالى على ما بيّنّا قبل وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : قالت طوائف منهم الأشعرية وغيرهم : إن من اتفق له اعتقاد شيء على ما هو به من غير دليل لكن بتقليد أو بميل بإرادته فليس عالما به ولا عارفا به ، ولكنه معتقد له ، وقالوا كل علم ومعرفة اعتقاد ، وليس كلّ اعتقاد علما ولا معرفة ، لأن العلم والمعرفة بالشيء إنما يعبر بهما عن تيقن صحته ، قالوا : قالوا : وتيقن الصحة لا يكون إلا ببرهان. قالوا : وما كان بخلاف ذلك فإنما هو ظن ودعوى لا يقين بها إذ لو جاز أن يصدق قول بلا دليل لما كان قول أولى من قول ، ولكانت الأقوال كلها صحيحة على تضادها ، ولو كان ذلك لبطلت الأقوال ولبطلت الحقائق كلها ، لأن كل قول يبطل كل قول سواه ، فلو صحت الأقوال كلها لبطلت كلّها لأنه كان يكون كلّ قول صادقا في إبطاله ما عداه.

قال أبو محمد : فنقول وبالله تعالى التوفيق : إن التسمية والحكم ليسا إلينا وإنما هما إلى خالق اللغات ، وخالق الناطقين بها ، وخالق الأشياء ومرتبها كما شاء لا إله إلا هو ، قال عزوجل منكرا على من سمى من قبل نفسه : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) [سورة النجم : ٢٣].

فوجدناه عزوجل يقول في غير موضع من القرآن : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وقال تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) [سورة الحجرات : ٩] وقال تعالى : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) [سورة التوبة : ١١].

فخاطب الله تعالى بهذه النصوص وبغيرها ، وكذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كلّ مؤمن في العالم إلى يوم القيامة ، وبيقين ندري أنه كان في المؤمنين على عهده عليه‌السلام

ثم من بعده عصرا عصرا إلى يوم القيامة المستدل وهم الأقل ، وغير المستدل ، كمن أسلم من الزنج ومن الروم ، والفرس والإماء وضعفة النساء ، والرعاة ومن نشأ على الإسلام بتعليم أبيه أو سيده إياه ، وهم الأكثر والجمهور ، فسماهم عزوجل مؤمنين وحكم لهم بحكم الإسلام ، وهذا كله معروف بالمشاهدة والضرورة.

وقال تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [سورة الإسراء : ٣٦] فنهى الله عزوجل كل أحد عن أن يقول ما ليس به علم ، وقال تعالى : (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) [سورة النساء : ١٣٦].

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله ، ويؤمنوا بما أرسلت به» (١).

فصح يقينا أنهم كلهم مأمورون بالقول بجميع ما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأن كل من صدّ عنه فهو كافر حلال دمه وماله ، فلو لم يؤمن بالقول بالإيمان إلا من عرفه من طريق الاستدلال لكان كل من لم يستدل ممن ذكرنا منهيا عن اتباع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعن القول بتصديقه لأنه عند هؤلاء القوم ليسوا عالمين بذلك ، وهذا خلاف القرآن وسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإجماع الأمة المتيقن.

أما القرآن والسنة فقد ذكرناهما ، وأما إجماع الأمة فمن الباطل المتيقن أن يكون الاستدلال فرضا لا يصح أن يكون أحد مسلما إلا به ، ثم يغفل الله عزوجل أن يقول : لا تقبلوا من أحد أنه مسلم حتى يستدل أتراه نسيء تعالى ذلك أو تعمد عزوجل ترك ذكر ذلك إضلالا لعباده ....؟؟؟ ويترك ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إما عمدا أو قصدا إلى الضلال والإضلال ، أو نسيانا لما اهتدى له هؤلاء وتنبهوا إليه وهم من هم بلادة وجهلا وسقوطا؟

هذا لا يظنه إلا كافر ولا يحققه إلا مشرك ، فما قال قط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأهل قرية أو حلة أو حي ولا لراع ولا لراعية ولا للزنج ولا للنساء لا أقبل إسلامكم حتى أعلم المستدل من غيره.

__________________

(١) روي بألفاظ وطرق عديدة. رواه البخاري في الإيمان باب ١٧ ، والزكاة باب ١ ، والصلاة باب ٢٨ ، واستتابة المرتدين باب ٣ ، والاعتصام بالكتاب والسنة باب ٢ و ٢٨. ومسلم في الإيمان حديث ٣٢. وأبو داود في الزكاة باب ١ ، والجهاد باب ٩٥. والترمذي في الإيمان باب ١ و ٢ ، وتفسير سورة ٨٨. والنسائي في الزكاة باب ٣ ، والإيمان باب ١٥ ، والجهاد باب ١ ، والتحريم باب ١. وابن ماجة في المقدمة باب ٩ ، والفتن باب ١. والدارمي في السير باب ١٠. وأحمد في المسند (١ / ١١ ، ٧٨ ، ٢ ، ٣١٤ ، ٣٤٥ ، ٣٧٧ ، ٤٣٣ ، ٤٣٩ ، ٤٧٥ ، ٤٨٢ ، ٥٠٢ ، ٥٢٧ ، ٥٢٨ ، ٣ / ١٩٩ ، ٢٢٤ ، ٣٠٠ ، ٣٣٢ ، ٣٣٩ ، ٣٩٤ ، ٤ / ٩ ، ٥ / ٢٤٦).

فإذ لم يقل عليه‌السلام ذلك فالقول به واعتقاده إفك وضلال ، وكذلك أجمع جميع الصحابة رضي الله عنهم على الدعاء إلى الإسلام وقبوله من كل أحد دون ذكر استدلال ، ثم هكذا جيلا فجيلا حتى حدث من لا وزن له.

فإن قالوا : قد قال الله عزوجل : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سورة البقرة : ١١١]. قلنا : نعم هذا حق ، وإنما قاله الله عزوجل لمن خالف الحق الذي أمر عزوجل الجن والإنس باتباعه.

وهكذا القول أن كل من قال قولا خالف فيه ما أمر الله عزوجل باتباعه فسواء استدل بزعمه أو لم يستدل ، هذا مبطل غير معذور إلا من عذره الله عزوجل فيما عذره فيه كالمجتهدين من المسلمين بخطإ قاصد إلى الحق فقط ما لم يقم عليه حجة فيعاند وأما من اتبع الحق فما كلفه الله عزوجل قطّ برهانا.

والبرهان قد ثبت بصحة كل ما أمر الله تعالى به ، فسواء علمه فتبع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو لم يعلمه حسبه أنه عالم بالحق معتقد له موقن به ، وإن جهل برهانه الذي قد علمه غيره ، وهذا خلق الله عزوجل الإيمان والعلم في نفسه كما خلقه في نفس المستدل ولا فرق ، قال الله عزوجل : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) [سورة النصر : ١ ، ٢]. فسماهم داخلين في دينه وإن كانوا أفواجا ، وما شرط الله عزوجل قط ولا رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يكون ذلك باستدلال ، بل هذا شرط من شرط ذلك ممن قذفه إبليس في قلبه وعلى لسانه ليخرجه إلى تكفير الأمة ، ولا عجب أعجب من إصفاق هذه الطائفة الضالة المخذولة على أنه لا يصح لأحد إيمان حتى يستدل على ذلك ، ولا يصح لأحد استدلال إلا حتى يكون شاكّا في نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم غير مصدق بها ، فإذا كان ذلك كذلك صح له الاستدلال ، وإلا فليس مؤمنا ، فهل سمع بأحمق أو أدخل في الحمق والكفر من قول من قال لا يؤمن أحد إلا حتى يكفر بالله تعالى وبالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ وأن من آمن بهما ولم يكفر بهما قط فهو كافر مشرك؟ نبرأ إلى الله تعالى من كل من قال بهذا.

قال أبو محمد : فهذان طريقان لا ثالث لهما ، وكل طريق منهما تنقسم قسمين أحدهما : من اتبع الذي أمره الله تعالى باتباعه وهو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهذا مؤمن عالم حقا ، سواء استدل أو لم يستدل ، لأنه فعل ما أمر الله تعالى به ، ثم ينقسم هؤلاء قسمين أحدهما : من لم يتبع قط غيره عليه‌السلام ووافق الحق بتوفيق الله عزوجل ، فهذا له في كل عقد اعتقده أجران ، وإما أن يكون حرم موافقة الحق وهو يريد في أمره ذلك

اتباع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهذا معذور ومأجور أجرا واحدا ، ما لم تقم عليه الحجة فيعاندها ، وهذا نص قوله عليه‌السلام في الحاكم المجتهد والمخطئ (١).

والطريقة الثانية من اتبع غير الذي أمره الله باتباعه ، فهذا سواء استدل أو لم يستدل هو مخطئ ظالم عاص لله تعالى أو كافر على حسب ما جاءت به الديانة في أمره. ثم ينقسم هؤلاء قسمين أحدهما أصاب ما جاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو غير قاصد إلى اتباعه عليه‌السلام فيه والآخر لم يصبه ، وكلاهما لا خير فيه وكلاهما آثم غير مأجور ، وكلاهما عاص الله عزوجل أو كافر على حسب ما جاءت به الديانة في أموره ، لأنهما جميعا تعديا حدود الله عزوجل فيما أمرهم به من اتّباع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال تعالى : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [سورة الطلاق : ١]. ولا ينتفع بإصابته الحق إذ لم يصبه من الطريق التي لم يجعل الله تعالى له طلب الحق وأخذه إلا من قبلها. وقد علمنا أن اليهود والنصارى يوافقون الحق في كثير كإقرارهم بنبوة موسى عليه‌السلام ، وكتوحيد بعضهم لله تعالى ، فما انتفعوا بذلك إذ لم يعتقدوه اتباعا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وكذلك من قلد فقيها فاضلا دون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان عقده أنه لا يتبع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا أن وافق قوله قول ذلك الفقيه فهذا فاسق بلا شك ، وإن فعله غير معتقد له ، وهو كافر بلا شك إن اعتقده بقلبه أو نطق به بلسانه لمخالفته قول الله تبارك وتعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [سورة النساء : ٦٥].

فنفى الله عزوجل عن أهل هذه الصفة الإيمان وأقسم على ذلك ، ونحن ننفي ما نفى الله عزوجل عمن نفاه عنه ، ونقسم على ذلك ونوقن أننا على الحق في ذلك. وأما من قلد فقيها فاضلا وقال إنما أتبعه لأنه اتّبع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهذا مخطئ للطريق ، لأنه فعل من ذلك ما لم يأمره الله تعالى به ، ولا يكفر لأنه قاصد إلى اتباع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مخطئ للطريق في ذلك ، ولعله مأجور بنيته أجرا واحدا ما لم تقم الحجة عليه بخطإ فعله.

فإن ذكروا قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حديث فتنة القبر ... «وأما المنافق أو

__________________

(١) حديث : «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ... الخ» رواه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنة باب ٢٠ و ٢١. ومسلم في الأقضية حديث ١٥. وأبو داود في الأقضية باب ٢. والنسائي في آداب القضاة باب ٣. وابن ماجة في الأحكام باب ٣. وأحمد في المسند (٤ / ١٩٨ ، ٢٠٤ ، ٢٠٥).

المرتاب فإنه يقال له ما قولك في هذا الرجل يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته» (١).

قال أبو محمد : هذا حق على ظاهره ، كما أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه لا يقول هذا إلا المنافق أو المرتاب ، لا المؤمن الموقن ، بل المؤمن الموقن ذكر في هذا الحديث أنه يقول : هو عبد الله ورسوله أتانا بالهدى والنور ، أو كلاما هذا معناه ، فإنما أخبر عليه‌السلام عن موقن ومرتاب لا عن مستدل وغير مستدل ، وكذلك نقول إن من قال في نفسه أو بلسانه لو لا أني نشأت بين المسلمين لم أكن مسلما وإنما اتبعت من نشأت بينهم ، فهذا ليس مؤمنا ولا موقنا ، ولا متبعا لمن أمره الله باتباعه ، بل هو كافر.

قال أبو محمد : وإذ كان قد يستدل دهره كله من لا يوفقه الله تعالى للحق ، وقد يوفق من لا يستدل يقينا لو علم أن أباه أو أمه أو ابنه أو امرأته وأهل الأرض يخالفونه فيه لاستحل دماءهم كلهم ، ولو خير بين أن يلقى في النار وبين أن يفارق الإسلام لاختار أن يحرق بالنار ، على أن يقول مثل هذا ، قلنا : فإذ هو موجود فقد صح أن الاستدلال لا معنى له ، وإنما المدار على اليقين والعقد فقط وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : وإنما يضطر إلى الاستدلال من نازعته نفسه إليه ، ولم يسكن قلبه إلى اعتقاد ما لم يعرف برهانه ، فهذا يلزمه طلب البرهان حينئذ ليقي نفسه نارا وقودها الناس والحجارة ، فإن مات شاكّا قبل أن يصح عنده البرهان مات كافرا مخلدا في النار أبدا.

قال أبو محمد : ثم نرجع إلى ما كنا فيه هل المعارف باضطرار أم باكتساب ...؟ فنقول وبالله تعالى التوفيق : إن المعلومات قسم واحد وهو ما عقد عليه المرء قلبه وتيقنه. ثم هذا ينقسم قسمين أحدهما حق في ذاته قد قام البرهان على صحته ، والثاني لم يقم على صحته برهان. وأما ما لم يتيقن المرء صحته في ذاته فليس عالما به ولا له به علم ، وإنما هو ظان له. وأما كلّ ما علمه المرء ببرهان صحيح فهو مضطر إلى علمه به لأنه لا مجال للشك فيه عنده ، وهذه صفة الضرورة. وأما الاختيار فهو الذي إن شاء المرء فعله وإن شاء تركه.

__________________

(١) رواه البخاري في العلم باب ٢٤ ، والوضوء باب ٣٧ ، والجمعة باب ٢٩ ، والكسوف باب ١٠. والاعتصام باب ٢. ومسلم في الكسوف حديث ١١. ومالك في الكسوف حديث ٤. وأحمد في المسند (٦ / ٣٤٥).

قال أبو محمد : فعلمنا بحدوث العالم وأن له بكل ما فيه خالقا واحدا لم يزل يشبهه شيء من خلقه في شيء من الأشياء ، والعلم بصحة نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصحة كل ما أتى به مما نقله إلينا الصحابة رضي الله عنهم ، ونقله عنهم الكواف كافة بعد كافة ، حتى بلغ الأمر إلينا وكان نقله تواترا حتى بلغ إلينا ، ونقله المتفق على عدالته عن مثله ، وهكذا حتى بلغ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهو كله علم حق متيقن مقطوع على صحته عند الله تعالى ، لأن الأخذ بالظن في شيء من الدّين لا يحلّ قال تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) [سورة يونس : ٣٦].

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إيّاكم والظّنّ فإنّ الظّنّ أكذب الحديث» (١).

وقال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [سورة الحجر : ٩].

فصح أن الدين محفوظ لما ضمن الله عزوجل حفظه ، فنحن على يقين من أنه لا يجوز أن يكون فيه شك ، وقد أمر الله تعالى بقبول خبر الواحد العدل ، ومن المحال أن يأمر عزوجل بأن نقول عليه ما لم يقل وهو قد حرّم ذلك ، أو أن نقول عليه ما لا نعلم لأنه تعالى قد حرّم ذلك بقوله : (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) [سورة البقرة : ١٦٩].

فكل ما أمرنا الله عزوجل بالقول به فنحن على يقين من أنه من الدّين وأن الله تعالى قد حماه من كل دخيل ، وكذلك أخذنا بالزائد من الاثنين المتعارضين ، ومن الخبرين الثابتين المتعارضين ، وقد علمنا صحة الحق في فعلنا ذلك علم ضرورة متيقن.

ولا عجب أعجب ممن يقول إن خبر الواحد لا يوجب العلم ، وإنما هو غالب ظن. ثم نقطع به ونقول إنه قد دخلت في الدين دواخل لا تتميز من الحق ، وأنه لا سبيل إلى تمييز ما أمر الله تعالى به في الدين مما شرعه الكذابون ، هذا أمر نعوذ بالله منه ومن الرضا به.

قال أبو محمد : وأما ما أجمعت عليه الجماعات العظيمة من آرائهم مما لم يأت به نص عن الله عزوجل ولا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهو باطل عند الله بيقين ، لأنه شرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى وقال على الله تعالى ما لم يقله.

__________________

(١) رواه البخاري في الوصايا باب ٨ ، والنكاح باب ٤٥ ، والفرائض باب ٢ ، والأدب باب ٥٧ و ٥٨. ومسلم في البر والصلة والآداب حديث ٢٨. والترمذي في البر والصلة باب ٥٦. ومالك في حسن الخلق حديث ١٥ ، وأحمد في المسند (٢ / ٢٤٥ ، ٧٢٨٧ ، ٣١٢ ، ٣٤٢ ، ٧٤٦٥ ٤٧٠ ، ٤٨٢ ، ٤٩٢ ، ٥٠٤ ، ٥١٧ ، ٥٣٩).

وبرهان ذلك : أنه قد يعارض ذلك قول آخر قالته جماعات مثل هذه ، والحق لا يعارض والبرهان لا يناقضه برهان آخر ، وقد تقصّينا هذا في كتابنا الموسوم «بكتاب الإحكام في أصول الأحكام» فأغنى عن ترداده والحمد لله رب العالمين.

قال أبو محمد : فكل من كان من أهل الملل المخالفة فبلغته معجزات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقامت عليه البراهين في التوحيد فهو مضطر إلى الإقرار بالله تعالى وبنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكذلك كل من قام على شيء ما أي شيء كان عنده برهان ضروري صحيح وفهمه فهو مضطر إلى التصديق به سواء كان من الملل أو النحل أو من الفتيا أو غير ذلك ، وإنما أنكر الحق في ذلك أحد ثلاثة : إما غافل معرض عما صح عنده من ذلك مشتغل عنه بطلب معاشه ، أو بالتزيد في مال أو جاه أو صوت أو لذة أو عمل يظنه صلاحا ، أو كسلا أو إيثارا للشغل مما يتبين له من ذلك عجزا وضعف عقل وقلّة تمييز لفضل الإقرار بالحق ، أو مسوّف نفسه بالنظر ، كحال كل طبقة من الطبقات الذين نشاهدهم في كل مكان وكل زمان ، وإما مقلد لأسلافه أو لمن نشأ بينهم قد شغله حسن الظن بمن قلد أو استحسانه لما قلد فيه ، وغمر الهوى عقله عن التفكير فيما فهم من البرهان ، قد حال ما ذكرنا بينه وبين الرجوع إلى الحق وصرف الهوى ناظر قلبه عن التفكر فيما بيّن له من البرهان ونفر عنه وأوحشه منه فهو إذا سمع برهانا ظاهرا لا مدفع فيه عنده ظنه من الشيطان وغالب نفسه حتى يعرض عنه ، وقالت له نفسه لا بدّ أن هاهنا برهانا يبطل به هذا البرهان الذي أسمع وإن كنت أنا لا أدريه ، وهل خفي هذا على جميع أهل ملتي وأهل نحلتي أو مذهبي أو على فلان وعلى فلان وفلان وفلان ولا بد أنه قد كان عندهم ما يبطلون به هذا.

قال أبو محمد : وهذا عام في أكثر من يظن أنه عالم ، وفي كل ملة وكل نحلة وكل مذهب ، وليس واحد من هاتين الطائفتين إلا والحجة قد لزمته وبهرته ، ولكنه غلب وساوس نفسه وحماقاتها على الحقائق اللائحة له ونصر ظنه الفاسد على يقين قلبه الثابت ، وتلاعب الشيطان به وسخر منه فأوهمه لشهوته لما هو فيه أن هاهنا دليلا يبطل به هذا البرهان وأنه لو كان فلان حيّا أو حاضرا لأبطل هذا البرهان.

وهذا أعظم ما يكون من السخافة لأنه تصديق لما لا يدري ولا سمع به وتكذيب لما صح عنده ظهر إليه ، ونعوذ بالله من الخذلان.

والثالث منكر بلسانه ما قد تيقن صحته بقلبه إما استدامة لرئاسة أو استدرار مكسب أو طمعا في أحدهما مما لعله يتم له أو لا يتم ، ولو تم له لكان خاسرا الصفقة

في ذلك ، أو أثر غرورا ذاهبا عن قريب على فوز الأبد ، أو يفعل ذلك خوف أذى أو عصبية لمن خالف ما قد قام البرهان عنده ، أو عداوة لقائل ذلك القول الذي قام به عنده البرهان. وهذا كله موجود في جمهور الناس من أهل كلّ ملة وكل نحلة وأهل كلّ رأي ، بل هو الغالب عليهم وهذا أمر يجدونه في أنفسهم فهم يغالبونها.

قال أبو محمد : ويقال لمن قال ممن ينتمى إلى الإسلام إن المعارف ليست باضطرار وأن الكفار ليسوا مضطرين إلى معرفة الحق في الربوبية والنبوة : أخبرونا عن معجزات الأنبياء عليهم‌السلام ، هل رفعت الشك جملة عن كل من شاهدها ، وحسمت عللها وفصلت بين الحق والباطل فصلا تاما أم لا؟

فإن قالوا : نعم ، أقروا بأن كلّ من شاهدها مضطر إلى المعرفة بأنها من عند الله تعالى حقّ شاهد يصدّق من أتى بها ، ورجعوا إلى الحق الذي هو قولنا ولله الحمد.

وإن قالوا : لا ، بل الشك باق فيها ويمكن أن تكون غير شاهد بأنهم محقون ، قطع بأنّ الأنبياء عليهم‌السلام لم يأتوا ببرهان ، وأن الشك [قائم] في أمرهم ، وأن حجة الله تعالى لم تقع على الكفار ولا لزمتهم قط له تعالى حجة ، وأن الأنبياء عليهم‌السلام إنما أتوا بشيء ربما قام في الظن أنّه حق وربما لم يقم. وهذا كفر مجرد من كل من دان به أو قاله.

وهكذا نسألهم في البراهين العقلية على إثبات التوحيد وفي الكواف الناقلة أعلام الأنبياء عليهم‌السلام حتى يقروا بالحق بأن حجج الله تعالى بكل ما ظهرت وبهرت واضطرت الكفار كلهم إلى تصديقها والمعرفة بأنها حق ، أو يقولوا إنه لم تقم لله حجة على أحد ولا تبين قط لأحد تعين صحة نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإنما نحن في الإقرار بذلك على ظن إلا أنه من الظنون أقوى وقد يمكن أن يكون بخلاف ذلك. ومن قال بهذا فهو كفر مجرد محض وشرك لا خفاء به ، ونعوذ بالله من الخذلان.

قال أبو محمد : ومن أنكر أن يكون الكفار وكل مبطل مضطرين إلى تصديق كل ما قام به برهان بعد بلوغه إليهم ، وقال إنما اضطر المرء إلى معرفته فلا سبيل له إلى إنكاره أريناه كذب قوله في تكوين الأرض والأفلاك ، ومدار الشمس والقمر والنجوم ، وتناهي مسافة كل ذلك وأكثر الناس على إنكار هذا أو دفعه الحق في ذلك ، وكذلك من دان بالقياس أو الرأي أو دليل الخطاب ، وسمع البراهين في إبطالها فهو مضطر إلى معرفة بطلان ما هو عليه ، مكابر لعقله في ذلك ، مغالط لنفسه ، مغالب ليقينه ، مغلب لظنونه.

قال أبو محمد : وعلم الملائكة عليهم‌السلام وعلم النبيين عليهم‌السلام بصحة ما جاءتهم به الملائكة وأوحي إليهم به ورأوه في منامهم علم ضروري كسائر ما أدركوه بحواسهم وأوائل عقولهم ، وكعلمهم بأن أربعة أكثر من اثنين ، وأن النار حارة ، والبقل أخضر ، وصوت الرعد ، وحلاوة العسل ، ولبن الحليب ، وخشونة القنفذ ، وغير ذلك.

ولو لم يكن الأمر كذلك لكان الملائكة والنبيون شكاكا في أمرهم ، وهذا كفر ممن أجازه. إلا أن الملائكة لا علم لهم بشيء إلا هكذا ، ولا ظن لهم أصلا لأنهم لا يخطئون ، ولا ركبوا من طبائع متخالفة كما ركب الإنسان.

فإن قال قائل : فإذا العلم كله باضطرار ، والاضطرار فعل الله تعالى في النفوس ، فكيف يؤجر الإنسان أو يعذب على فعل الله تعالى فيه؟ قلنا : نعم. لا شيء في العالم إلا خلق الله تعالى. وقد صح البرهان بذلك على ما أوردنا في كلامنا في خلق الأفعال في ديواننا هذا والحمد لله. وما جاء قط نص ولا برهان عقل بالمنع من أن يعذبنا الله تعالى ويأجرنا على ما خلق فينا ، والله تعالى يفعل ما يشاء لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

قال أبو محمد : وكيف ينكر أهل الغفلة أن يكون قوم يخالفون ما هم إلى المعرفة به مضطرون وهم يشاهدون السوفسطائية الذين يبطلون الحقائق جملة ، وكما يعتقد النصارى وهم أمم لا يحصى عددهم إلا خالقهم ورازقهم ومضلهم ، لا إله إلا هو ، وفيهم علماء بعلوم كثيرة وملوك لهم التدابير الصائبة والسياسات المعجبة ، والآراء المحكمة والفطنة في دقائق الأمور وبصر بغوامضها ، وهم مع ذلك يقولون إن واحدا ثلاثة وثلاثة واحد ، وأن أحد الثلاثة أب ، والثاني ابن ، والثالث روح ، وأن الأب هو الابن وليس هو الابن والإنسان هو الإله وهو غير الإله ، وأن المسيح إله تام وإنسان تام وهو هو لا غيره ، وأن الأول الذي لم يزل هو المحدث الذي لم يكن ولا هو هو.

قال أبو محمد : وليس في الجنون أكثر من هذا ، واليعقوبية منهم وهم مئات ألوف يعتقدون أن الباري ـ تعالى عن كفرهم ـ ضرب بالسياط واللطام ، وصلب ونحر ومات وسقي الحنظل ، وبقي العالم ثلاثة أيام بلا مدبر ، وكأصحاب الحلول وغالية الرافضة الذين يعتقدون في رجل جالس معهم كالحلاج وابن أبي العزاقر أنه الله ، والإله عندهم قد يبول ويسلح ، ويجوع فيأكل ، ويعطش فيشرب ، ويمرض فيسوقون إليه الطبيب ، ويقع ضرسه إذا ضرب عليه ، ويتضرر إذا أصابه دمل ويجامع ويحتجم ويفتصد ، وأنه الله الذي لم يزل ولا يزال خالق هذا العالم كله ورازقه ومحصيه ومدبره

ومدبر الأفلاك المميت المحيي العالم بما في الصدور ، ويصيرون في حسب هذا الاعتقاد على السجون والمطابق وضرب السياط ، وقطع الأيدي والأرجل ، والقتل والصلب وهتك الحريم ، وفيهم قضاة وكتاب وتجار وهم اليوم ألوف الألوف. وكما تدعي طوائف من اليهود وطوائف من المسلمين أن ربهم تعالى جسد في صورة الإنسان ، لحم ودم يمشي ويقعد.

وكالأشعرية الذين يقولون إن هاهنا أحوالا لا مخلوقة ولا غير مخلوقة ، ولا معلومة ولا مجهولة ولا حق ولا باطل ولا معروفة ولا مجهولة ، وأن النار ليست حارة والثلج ليس باردا.

وكما يقول بعض الفقهاء وأتباعهم إن رجلا واحدا يكون ابن رجلين وابن امرأتين كل واحدة منهما أمه وهو ابنها بالولادة.

قال أبو محمد : أترى كل من ذكرنا لا تشهد نفسه وحسه ولا يقر عقله بأن كل هذا باطل؟ بلى والذي خلقهم ولكن العوارض التي ذكرنا قبل سهلت عليهم هذا الاختلاط ، وكرهت عليهم الرجوع إلى الحق والإذعان له.

قال أبو محمد : وأما العناد فقد شاهدنا كل من رأيناه في المناظرة في الدين ، وفي المعاملات في الدنيا ، أكثر من أن يحصى ممن يعلم الحق يقينا ويكابر على خلافه ، ونعوذ بالله من الخذلان ونسأله الهدى والعصمة.

قال أبو محمد : لا يدرك الحقّ من طريق البرهان إلا من صفا عقله ونفسه من الشواغل التي قدمنا ، ونظر في الأقوال كلها نظرا واحدا ، واستوت عنده جميع الأقوال ، ثم نظر فيها طالبا لما شهدت بها البراهين الراجعة رجوعا صحيحا غير مموه ، لكن ضروريا إلى مقدمات مأخوذة من أوائل العقل والحواس ، غير متسامح في شيء من ذلك ، فهذا مضمون له بعون الله عزوجل ، الوقوف على الحقائق والخلاص من ظلمة الجهل ، وبالله تعالى التوفيق.

وأما ما نقله اثنان فصاعدا نوقن أنهما لم يجتمعا ولا تساررا فأخبرا بخبر واحد راجع إلى ما أدرك بالحواس من أي شيء كان ، فهو حق بلا شك ، مقطوع على عينه والنفس مضطرة إلى تصديقه ، وهذا حد أقل الكافة وأولها من أي شيء كان ، فهو إذ لا يمكن البتة إيقاف اثنين في توليد حديث واحد ، لا يختلفان فيه عن غير تواطؤ. وأما إذا تواطأت الجماعة العظيمة فقد تجتمع على الكذب ، وقد شاهدنا جماعات يشكرون ولاتهم وهم كاذبون إلا أن هذا لا يمكن أن يتفقوا على ظنه أبدا ، ومن أنكر ما تنقله

الكافة لزمه أن لا يصدق أنه كان في الدنيا أحد قبله لأنه لا يعرف كون الناس إلا بالخبر.

قال أبو محمد : وقد يضطر خبر الواحد في بعض الأوقات إلى التصديق ، يعرف ذلك من تدبر أمور نفسه ، كمنذر بموت إنسان لدفنه ، وكرسالة من عند السلطان يأتي بها بريد ، وككتاب وارد من صديق بهدية ، وكمخبر يخبرك أن هذا ولد فلان ، وكمنذر لعرس عند فلان ، وكرسول من عند القاضي والحاكم ، وسائر ذلك من الأخبار بأن هذا فلان ابن فلان ، ومثل هذا كثير جدا ، وهذا لا ينضبط بأكثر مما نسمع ، ومن راعى هذا المعنى لم يمض له يوم واحد قطعا حتى نشاهد في منزلة وخارج منزله من خبر واحد ما نضطر إلى تصديقه ولا بد كثيرا جدا.

وأما في الشريعة فخبر الواحد الثقة موجب للعلم ، وبرهان تشريعي قد ذكرناه في كتابنا في الأحكام لأصول الأحكام ، وقد ادعى المخالفون أن ما اتفقت عليه أمتنا بآرائها فهي معصومة بخلاف سائر الأمم ، ولا برهان على هذا.

وقال النظام : إن خبر التواتر لا يضطر لأن كل واحد منهم يجوز عليهم الغلط والكذب ، وكذلك يجوز على جميعهم ، ومن المحال أن يجتمع ممن يجوز عليه الكذب وممن يجوز عليه الكذب من لا يجوز عليه الكذب ، ونظير ذلك بأعمى وأعمى وأعمى ، فلا يجوز أن يجتمع منهم مبصرون.

قال أبو محمد : وهذا تنظير فاسد ، لأن الأعمى ليس فيه شيء من صحة البصر ، وليس كذلك المخبرون ، لأن كل واحد منهم كما يجوز عليه الكذب فكذلك يجوز عليه الصدق ويقع منه ، وقد علم بضرورة العقل أن اثنين فصاعدا إذا فرق بينهما لم يمكن البتة منهما أن يتفقا على توليد خبر كاذب يتفقان في لفظه ومعناه ، فصح أنهما إذا أخبرا بخبر فاتفقا فيه أنهما أخبرا عن علم صحيح موجود عندهما. ومن أنكر هذا لزمه أن لا يصدق بشيء من البلاد الغائبة عنه ، ولا بالملوك السالفين ، ولا بالأنبياء ، وهذا خروج إلى الجنون بلا شك ، إلى مكابرة الحسّ ، وبالله تعالى التوفيق.

فإن قال قائل : كيف أجزتم هاهنا إطلاق اسم الضرورة والاضطرار ، ومنعتم من ذلك في أفعال الفاعلين عند ذكركم الاستطاعة ، وخلق الله تعالى أفعال العباد ، وكل ذلك عندكم خلق الله عزوجل في عباده؟

قلنا : إن الفرق بين الأمرين في ذلك لائح ، وهو أن الفاعل متوهم منه ترك فعله لو اختار تركه ، وممكن منه ذلك وليس ممكنا منه اعتقاد خلاف ما تيقنه بأن يرفع عن نفسه تحقيق ما عرف أنه حق ، فلهذا أوقعنا هاهنا اسم الاضطرار ، ومنعنا من هنالك وبالله تعالى نتأيد.

الكلام على من قال بتكافؤ الأدلة

قال أبو محمد : ذهب قوم إلى القول بتكافؤ الأدلة ، ومعنى هذا أنه لا يمكن نصر مذهب على مذهب ، ولا تغليب مقالة على مقالة ، حتى يلوح الحق في الباطل ظاهرا بيّنا لا إشكال فيه ، بل دلائل كل مقالة فهي مكافئة لدلائل سائر المقالات. وقالوا : كل ما ثبت بالجدل فإنه بالجدل ينقض.

وانقسم هؤلاء أقساما ثلاثة فيما أنتجه لهم هذا الأصل ، فطائفة قالت بتكافؤ الأدلة جملة في كل ما اختلف فيه فلم تحقق الباري تعالى ولا أبطلته ، ولا أثبتت أزلية العالم ولا حدوثه ولا أثبتت النبوة ولا أبطلتها ، وهكذا في جميع الأديان والأهواء لم تثبت شيئا من ذلك ولا أبطلته ، إلا أنهم قالوا : إننا نوقن أن الحق في أحد هذه الأقوال بلا شك ، إلا أنه غير بين إلى أحد البتة ولا ظاهر ولا متميز أصلا.

قال أبو محمد : وكان إسماعيل بن يونس الأعور الطبيب اليهودي ، تدل أقواله ومناظراته دلالة صحيحة على أنه كان يذهب إلى هذا القول ، لاجتهاده في نص هذه المقالة ، وإن كان غير مصرح بأنه يعتقدها.

وقالت طائفة أخرى بتكافؤ الأدلة فيما دون الباري عزوجل ، فأثبتت الخالق تعالى وقطعت بأنه حق خالق لكل ما دونه بيقين لا شك فيه ، ثم لم تحقق النبوة ولا أبطلتها ، ولا حققت ملة دون ملة ولا أبطلتها ، لكن قالت : إن في هذه الأقوال قولا صحيحا بلا شك ، إلا أنه غير ظاهر إلى أحد ولا بيّن ، ولا كلفه الله تعالى أحدا. وكان إسماعيل بن القراد الطبيب اليهودي يذهب إلى هذا القول يقينا ، وقد ناظرنا عليه مصرحا به ، وكان يقول إذا دعوناه إلى الإسلام وحسمنا شكوكه ونقضنا علله : الانتقال في الملل تلاعب.

قال أبو محمد : وقد ذكر لنا عن قوم من أهل النظر والرئاسة في العلم هذا القول ، إلا أننا لم يثبت ذلك عندنا عنهم.

وطائفة قالت بتكافؤ الأدلة فيما دون الباري عزوجل ودون النبوة فقطعت أن الله عزوجل حق ، وأنه خالق الخلق ، وأن النبوة حق ، وأن محمدا رسول الله عليه الصلاة

والسلام حق ، ثم لم تغلّب قولا من أقوال أهل القبلة على قول ، بل قالوا إن منها قولا هو الحق بلا شك ، إلا أنه غير بين إلى أحد ، ولا ظاهر. وأما الأقوال التي صاروا إليها فيما ثبتوا عليها منها فطائفة لزمت الحيرة ، وقالت لا ندري ما نعتقد ، ولا يمكننا أخذ مقالة لم تصح عندنا دون غيرها ، فنكون مغالطين لأنفسنا مكابرين لعقولنا ، لكنا لا ننكر شيئا من ذلك ولا نثبته : وجمهور هذه الطائفة مالت إلى اللذات وإمراح النفوس في الشهوات كيف مالت إليه بطبائعها.

وطائفة قالت : على المرء فرض بموجب العقل ألا يكون سدى بل يلزمه ولا بد أن يكون له دين يزجر به عن الظلم والقبائح ، وقالوا : من لا دين له فهو غير مأمون في هذا العالم على الإفساد وقتل النفوس غيلة وجهرا ، وأخذ الأموال خيانة وغصبا ، والتعدي على الفروج تحيلا وعلانية ، وفي هذا هلاك العالم بأسره ، وفساد البنية ، وانحلال؟؟ النظام؟؟ وبطلان العلوم والفضائل كلها التي تقتضي العلوم بلزومها ، وهذا هو الفساد الذي توجب العقول التحرر منه واجتنابه.

قالوا : فمن لا دين له فواجب على كل من قدر على قتله أن يسارع إلى قتله وإراحة العالم منه وتعجيل استكفاف ضرره لأنه كالأفعى والعقرب ، أو أضر منهما.

ثم انقسم هؤلاء قسمين : فطائفة قالت : فإذا الأمر كذلك فالواجب على الإنسان لزوم الدين الذي نشأ عليه أو ولد عليه ، لأنه هو الدين الذي تخيره الله له في مبدأ خلقه ومبدأ نشأته بيقين ، وهو الذين أثبته الله عليه فلا يحل له الخروج عن ما رتبه الله تعالى فيه وابتدأه عليه ، أي دين كان. وهذا كان قول إسماعيل ابن القراد ، وكان يقول : من يخرج من دين إلى دين فهو وقاح متلاعب بالأديان عاص لله عزوجل المتعبد له بذلك الدين ، وكان يقول بالملة الكلية ، ومعنى ذلك ألا يبقى أحد دون دين يعتقده على ما ذكرنا آنفا.

وقالت طائفة : لا عذر للمرء في لزوم دين أبيه وجده أو سيده وجاره ، ولا حجة له فيه ، لكن الواجب على كل أحد أن يلزمه ما اجتمعت الديانات بأسرها والعقول بكليتها على صحته وتفضيله فلا يقتل أحد ، ولا يزني ولا يليط ولا يبغي ولا يبغى به ، ولا يسعى في إفساد حرمة أحد ، ولا يسرق ولا يغصب ، ولا يظلم ، ولا يجور ولا يجني ولا يغش ولا ينم ، ولا يسفه ولا يضرب أحدا ولا يستطيل عليه ، ولكن يرحم الناس ، ويتصدق ، ويؤدي الأمانة ، ويؤمن الناس شره ، ويعين المظلوم ويمنع منه. فهذا هو الحق بلا شك لأنه المتفق عليه من الديانات كلها ، ويوقف عما اختلفوا فيه ليس علينا غير هذا لأنه لم يلح لنا الحق في شيء منه دون غيره.

قال أبو محمد : فهذه أصولهم ومعاقدهم ، وأما احتجاجهم في ذلك فهو أنهم قالوا : وجدنا الديانات والآراء والمقالات كل طائفة تدعي أنها إنما اعتقدت ما اعتقدته عن دلائل وبراهين باهرة وكل طائفة منها تناظر الأخرى فتنتصف منها ، وربما غلبت هذه في مجلس ثم غلبتها الأخرى في مجلس آخر ، على حسب قوة نظر المناظر وقدرته على التبيان والتخيل والشغب ، فهم في ذلك كالمتحاربين يكون الظفر سجالا بينهم.

قالوا : فصح أنه ليس هاهنا قول ظاهر الغلبة ولو كان لما أشكل على أحد ، ولم يختلف الناس في ذلك كما يختلفوا فيما أدركوه بحواسهم وبداهة عقولهم ، وكما لم يختلفوا في الحساب وفي كل شيء عليه برهان لائح.

قالوا : ومن المحال أن يبدو الحق إلى الناس فيعاندوه بلا معنى ، ويرضوا بالهلاك في الدنيا والآخرة بلا سبب.

قالوا : فلما بطل هذا صح أن كل طائفة فإنما تتبع ما نشأت عليه. وأما ما يخيل لأحدهم أنه الحق دون تثبت ولا يقين قالوا : هذا مشاهد من أهل كل ملة وإن كان فيها ما لا شك في سخافته وبطلانه.

وقالوا أيضا : إنا نرى الجماعة الكثيرة قد طلبوا علم الفلسفة وتبحروا فيها ووسموا أنفسهم بالوقوف على الحقائق وبالخروج عن جملة العامة ، وبأنهم قد أشرفوا على الصحيح بالبراهين وميزوه من الشغب والإقناع ، ونجد آخرين قد تمهروا في علم الكلام وأفنوا فيه دهرهم ، ورسخوا فيه ، وفخروا بأنهم قد وقفوا على الدلائل الصحاح وميزوها من الفاسدة ، وأنهم قد لاح لهم الفرق بين الحق والباطل بالحجج والإنصاف ثم نجدهم كلهم يعني جميع هاتين الطائفتين فلسفيهم وكلاميهم في أديانهم التي يقرون أنها نجاتهم أو هلكتهم مختلفين كاختلاف العامة وأهل الجهل بل أشد اختلافا. فمن يهودي يموت على يهوديته ، ونصراني يتهالك على نصرانيته وتثليثه ، ومجوسي يستميت على مجوسيته ، ومسلم يستقتل في إسلامه ، ومناني يستهلك في مانويته ، ودهري ينقطع في دهريته ، فقد استوى العاميّ المقلد من كل طائفة في ذلك مع المتكلم الماهر المستدل بزعمه ثم نجد أهل هذه الأديان في فرقهم أيضا كذلك سواء سواء ، فإن كان يهوديا فإما رباني يتقد غيظا على سائر فرق دينه ، وإما صابئي يلعن سائر فرق دينه ، وإما عيسوي يسخر من سائر فرق دينه ، وإما سامري يبرأ من سائر فرق دينه.

وإن كان نصرانيا فإما ملكي يتهالك غيظا على سائر فرق دينه ، وإما نسطوري يتقد أسفا على سائر فرق دينه ، وإما يعقوبي يسخط على سائر فرق دينه.

وإن كان مسلما فإما خارجي يستحل دماء سائر أهل ملته ، وإما معتزلي يكفر سائر فرق ملته ، وإما شيعي لا يتولى سائر فرق ملته ، وإما مرجئي لا يرضي عن سائر فرق ملته ، وإما سنّي ينافر سائر فرق ملته ، قد استوى في ذلك العامي المقلد الجاهل والمتكلم بزعمه المستدل.

وكل امرئ من متكلمي الفرق التي ذكرنا يدّعي أنه إنما أخذ ما أخذ وترك ما ترك ببرهان واضح ، ثم هكذا نجدهم حتى في الفتيا ، إما حنفي يجادل عن حنيفيته ، وإما ما لكي يقاتل عن مالكيته ، وإما شافعي يناضل عن شافعيته ، وإما حنبلي يضارب عن حنبليته ، وإما ظاهري يحارب عن ظاهريته ، وإما متحير يستدل ، فهنالك جاء التجاذب والتجاذب حتى لا يتفق اثنان منهم على مائة مسألة إلا في الندرة ، وكل امرئ ممن ذكرنا يزري على الآخرين ، وكلهم يدعي أنه قد أشرف على الحقيقة.

وهكذا القائلون بالدهر أيضا متباينون متنابذون مختلفون فيما بينهم ، فمن موجب أن العالم لم يزل وأن لا فاعل له ، ومن مكذب له موجب أن العالم لم يزل وأن له فاعلا لم يزل ، ومن موجب أزلية الفاعل وأشياء أخر معه وأن سائر العالم محدث ، ومن موجب أزلية الفاعل ، وحدوث العالم ، ومبطل النبوات كلها ، كما اختلف سائر أهل النحل ولا فرق. قالوا : فصح أن جميعهم إما متبع للذي نشأ عليه ، والنحلة التي تربي عليها ، وإما متبع لهواه قد يخيل له أنه الحق. فهم على ما ذكرنا دون تحقيق.

قالوا : فلو كان البرهان حقيقة لما اختلفوا فيه هذا الاختلاف ، ولبان على طول الأيام وكرور الأزمان ، ومرور الدهور ، وتداول الأجيال له ، وشدة البحث وكثرة ملاقاة الخصوم ومناظراتهم ، وإفنائهم الأوقات وتسويدهم القراطيس ، واستنفاد وسعهم وجهدهم أين الحق ، فيرتفع الإشكال ، بل الأمر واقف بحسبه أو متزيد في الاختلاف وحدوث التجاذب والفرق.

قالوا : وأيضا فإنا نرى المرء الفهم العالم النبيل ، المتفنن في علوم الفلسفة والكلام والحجاج ، المستنفد لعمره في طلب الحقائق ، المؤثر للبحث عن البرهان على كل ما سواه من لذة أو مال أو جاه ، المستفرغ لقوته في ذلك ، النافر عن التقليد ، يعتقد مقالة ما ويناظر عنها ، ويحاجي دونها ، ويدفع أمامها ، ويعادي من خالفها ، مجدّا في ذلك موقنا نصرته وخطأ من خالفه منافرا له مضللا أو مكفرا ، فيبقى كذلك الدهر الطويل والأعوام الجمة ، ثم تبدو له بادية عنها فيرجع أشد ما كان عداوة لما كان ينصر ، ولأهل تلك المقالة التي كان يدين بصحتها ، وينصرف يقاتل في إبطالها ويناظر في

إفسادها يعتقد من ضلالها وضلال أهلها كالذي كان يعتقد من صحتها ويعجب الآن من نفسه ، وربما عاد إلى ما كان عليه أو خرج إلى قول ثالث.

قالوا : فدل هذا على إفساد الأدلة وعلى تكافئها جملة ، وأن كل دليل فهو هادم للآخر كلاهما يهدم صاحبه.

وقالوا أيضا : لا يخلو من حقق شيئا من هذه الديانات والمقالات من أن يكون صح له أو لم يصح له ، ولا سبيل إلى قسم ثالث. قالوا : فإن كان لم يصح له بأكثر من دعواه أو من تقليده مدعيا فليس هو أولى من غيره بالصواب ، وإن كان صح له فلا يخلو من أن يكون صح له بالحواس أو ببعضها أو بضرورة النفس وبديهته ، أو صح له بدليل ما غير هذين ، ولا سبيل إلى قسم رابع. فإن كان صح له بالحواس أو ببعضها أو بضرورة العقل وبديهته ، فيجب أن لا يختلف في ذلك أحد كما لم يختلفوا فيما أدرك بالحواس وبداهة العقل ، من أن ثلاثة أكثر من اثنين ، وأنه لا يكون المرء قاعدا قائما معا بالعقل. فلم يبق إلا أن يقولوا إنه صح لنا بدليل غير الحواس ، فنسألهم عن ذلك الدليل بما ذا صح عندكم؟ أبالدعوى فلستم أولى من غيركم في دعواه ، أم بالحواس وبديهة العقل فكيف خولفتم فيه وهذا لا يختلف في مدركاته أحد؟ أم بدليل غير ذلك. وهكذا أبدا إلى ما لا نهاية له. قالوا وهذا لا مخلص لهم منه.

وقالوا : ونسألهم أيضا عن علمهم بصحة ما هم عليه ، أيعلمون أنهم يعلمون ذلك أم لا؟ فإن قالوا لا نعلم ذلك أحالوا وسقط قولهم وكفونا مئونتهم لأنهم يقرون أنهم لا يعلمون أنهم يعلمون ما علموا وهذا هوس وإفساد لما يعتقدونه. وإن قالوا بل نعلم ذلك سألناهم أبعلم علموا ذلك أم بغير علم؟ وهكذا أبدا وهذا يقتضي أن يكون للعلم علم ، ولعلم العلم علم إلى ما لا نهاية له وهذا عندهم محال.

قال أبو محمد : هذا كل ما موّهوا به ما نعلم لهم شغبا غير ما ذكرنا ، ولا لهم متعلق بسواه أصلا ، بل قد زدنا لهم فيها ما رأينا لهم وتقصيناه لهم بغاية الجهد كما فعلنا بأهل كل مقالة.

قال أبو محمد : وكل هذا الذي موّهوا به منحلّ بيقين ومنقض بأبين برهان بلا كبير كلفة ، ولم نجد أحدا من المتكلمين السالفين أورد بابا خالصا في النقض على هذه المقالة ، ونحن إن شاء الله ننقض كلّ ما موّهوا به بالبراهين الواضحة وبالله تعالى التوفيق. وذلك بعد أن نبين فساد معاقد هذه الطوائف المذكورة إن شاء الله عزوجل.

قال أبو محمد : فنقول وبالله تعالى نتأيد : أما الطائفة المتحيرة فقد شهدت على

أنفسها بالجهل وكفت خصومها مئونتها في ذلك ، وليس جهل من جهل حجة على علم من علم ، ولا من لم يتبين له الشيء غبارا على من لم تبين له ، بل من علم فهو الحجة على من جهل ، هذا هو الذي لا يشك أحد فيه في جميع العلوم والصناعات ، وكل معلوم يعلمه قوم ويجهله قوم ويعلمه آخرون ، ولا أحمق ممن يقول لما جهلت أنا أمر كذا ولم أعرفه علمت أن كل أحد جاهل به كجهلي ، وهذه صفة هؤلاء القوم نفسها ، ولو ساغ هذا لأحد لبطلت الحقائق وجميع المعارف وجميع الصناعات إذ لكل شيء منها من يجهله من الناس ، نعم ومن لا ينجح فيه ولا يفهمه وإن طلبه ، هذا أمر مشاهد بالحواس ، فهم قد أقروا بالجهل وندّعي نحن العلم بحقيقة ما اعترفوا بجهلهم به.

فالواجب عليهم أن ينظروا في براهين المدعين للمعرفة بما جهلوا نظرا صحيحا متقصيا بغير هوى ، فلا بد يقينا من أن يلوح حقيقة قول المحقق والمحق ، وبطلان قول المبطل ، فتزول عنهم الحيرة والجهل حينئذ. فسقطت هذه المقالة بيقين والحمد لله رب العالمين.

وأما من قطع بأنه ليس هاهنا مذهب صحيح أصلا فإن قوله لها هو الفساد بيقين لا إشكال فيه لأنهم إذ أثبتوا حقيقة هذا العالم بما فيه ، وحقيقة ما يدرك بالحواس وبأول العقل وبديهته ، ثم لم يصححوا حدوثه ولا أزليته ، ولا أبطلوا حدوثه وأزليته معا ، ولم يصححوا أن له خالقا ولا أنه لا خالق له ، وأبطلوا كلا الأمرين ، وأبطلوا النبوة وأبطلوا إبطالها فقد خرجوا يقينا إلى المحال ، وإلى قبح قول السوفسطائية ، وفارقوا بدهية العقل وضرورته التي قد حققوها وصدقوا موجبها إذ لا خلاف بين أحد له مسكة عقل في أن كلّ ما لم يكن حقا فهو باطل ، وما لم يكن باطلا فإنه حق ، وأن اثنين قال أحدهما في قضية واحدة في حكم واحد نعم وقال الآخر لا ، فأحدهما صادق بلا شك والآخر كاذب بلا شك هذا يعلم بضرورة العقل وبديهته. وأما قول قائل هذا حق باطل معا من وجه واحد في وقت واحد ، أو قول من قال لا حق ولا باطل ، فهو بيّن باطل معلوم بضرورة العقل وبديهته ، فواجب بإقرارهم أن من قال : إن العالم لم يزل وقال الآخر بل هو محدث أن أحدهما صادق بلا شك ، وكذلك من أثبت النبوة ومن نفاها. فظهر بيقين وضرورة العقل فساد هذه المقالة ، إلا أن يبطلوا الحقائق ويلحقوا بالسوفسطائية فيكلمون حينئذ بما تكلم به السوفسطائية مما قد ذكرنا قبل وبالله تعالى التوفيق.

وأما من مال إلى اللذات جملة فإنه إن كان من إحدى هاتين الطائفتين فقد بطل عقده وصح يقينا أنه على ضلاله وخطأ وباطل وفساد في أصل معتقده الذي أداه

إلى الإهمال ، وإذا بطل أصل شيء بيقين فبيقين قد بطل ما تولد منه ، وإن مال إلى أحد الأقوال الأخر فكلها مبطل للزوم اللذات وللإهمال ، فصح ضرورة بطلان هذه الطريقة وإن صار إلى تحقيق الدهرية ، كلم بما يكلّم به الدهرية مما قد أوضحناه والحمد لله.

وأما من قال بالتزام المرء دين سلفه والدين الذي نشأ عليه فخطأ لا خفاء به ، لأننا نقول لمن قال بوجوب ذلك ولزومه : أخبرنا من أوجبه ومن ألزمه؟ فالإيجاب والإلزام يقتضي فاعلا ضرورة ولا بد منها فمن ألزم ما ذكرتم من أن يلزم المرء دين سلفه أو الدين الذي نشأ عليه؟ الله ألزم ذلك جميع عباده أم غير الله تعالى أوجب ذلك إما إنسان وإما عقل وإما دليل؟ فإن قال قائل : ما ألزمنا ذلك إلا من دون الله تعالى ، قيل له : إن من دون الله تعالى معصيّ مخالف مرفوض لا حق له ولا طاعة إلا من أوجب الله تعالى له طاعة فيلزم طاعته لأن الله تعالى أوجبها لا لأنها واجبة بذاتها ، وليس من أوجب شيئا دون الله تعالى بأولى من آخر أبطل ما أوجب هذا وأوجب بطلانه ، وفي هذا كفاية لمن عقل ، ولا ينقاد للزوم من دون الله تعالى إلا جاهل مغرور كالبهيمة تقاد فتنقاد ، ولا فرق. وإن قال : إن العقل ألزم ذلك. قيل له : إنك تدعي الباطل على العقل إذ ادعيت عليه ما ليس في بنيته ، لأن العقل لا يوجب شيئا ، وإنما العقل قوة تميز النفس بها الأشياء على ما هي عليه فقط ، ويعرف ما صح وجوبه مما أوجبه من تلزم طاعته ، مما لم يصح وجوبه مما لم يوجبه من تجب طاعته ، ليس في العقل المراد به التمييز شيء غير هذا أصلا.

وأيضا : فإن قائل هذا مجاهر بالباطل ، لأنه لا يخلو أن يكون ، يزعم أن العقل أوجب ذلك ببديهته أو ببرهان راجع إلى البديهة من قرب أو من بعد ، فإن ادّعى أن العقل يوجب ذلك ببديهته كابر الحس ولم ينتفع بهذا أيضا ، لأنه لا يعجز عن التوقح بمثل هذه الدعوى أحد في أي شيء شاء. وإن ادّعى أنه أوجب ذلك ببرهان راجع إلى العقل كلف المجيء ، به ولا سبيل إليه أبدا. فإن قال قائل : إن الله عزوجل أوجب ذلك سئل الدليل على صحة هذه الدعوى ، التي أضافها إلى الباري عزوجل. وهذا لا سبيل له إليه لأن ما عند الله عزوجل من إلزام لا يعرف البتة إلا بوحي من عنده تعالى إلى رسول من خلقه يشهد له تعالى المعجزات ، وإما بما يضعه الله عزوجل في العقول ، وليس في شيء من هذين دليل على صحة دعوى هذا المدعي. وأما احتجاجه بأنه هو الدين الذي اختاره الله عزوجل لكل أحد وأنشأه عليه فلا حجة له في هذا ، لأننا لم نخالفه في أن هذا درب على هذا الدين ، وخلقه الله تعالى مع من درّبه عليه ، بل نقرّ بأن الله خلقه في مكان ما في صناعة ما وعلى معاش ما وعلى خلق ما ، وليس في

ذلك دليل عند أحد من العالم على أنه لا يجوز له فراق ذلك الخلق إلى ما هو خير منه ، ولا على أنه يلزمه لزوم المكان الذي خلق فيه والصناعة التي نشأ عليها والقوت الذي كبر عليه ، بل لا يختلف اثنان في أن له مفارقة ذلك المكان وتلك الصناعة وذلك المعاش إلى غيره ، وأنّ فرضا عليه الزوال عن كل ذلك إذا كان مذموما إلى المحمود من كل ذلك.

وأيضا فإن جميع الأديان التي أوجبها كلها هذا القائل وحقق جميعها فكل دين منها فيه إنكار غيره منها ، وأهل كل دين منها يكفر سائر أهل تلك الأديان وكلهم يكذب بعضهم بعضا ، وفي كل دين منها تحريم التزام غيره على كل أحد ، فلو كان كل دين منها لازما أن يعتقده من نشأ عليه لكان كل دين منها حقا ، وإذا كان كل دين منها حقا وكل دين منها يبطل سائرها وكل ما أبطله الحق فهو باطل بلا شك ، فكل دين منها باطل بلا شك.

فوجب ضرورة على قول هذا الجاهل أن جميع الأديان باطل ، وأن جميعها حق فجميعها حق باطل معا ، فبطل هذا القول بيقين لا شك فيه والحمد لله رب العالمين.

وأما من قال إني ألزم فعل الخير الذي اتّفقت الديانات والعقول على أنه فاضل ، وأجتنب ما اتفقت الديانات والعقول على أنه قبيح ، فقول فاسد مموّه مضحك.

أول ذلك أنه كذب وما اتّفقت الديانات ولا العقول على شيء من ذلك بل جميع الديانات إلا الأقل منها مجمعون على قتل من خالفهم وأخذ أموالهم ، وكل دين منها لا نحاشي دينا قائل بأحكام هي عند سائرها ظلم ، وأما المنّانية : فإنها وإن لم تقل بالقتل فإنها تقول بترك النكاح الذي هو مباح عند سائر الديانات ويقولون بإباحة اللياطة والسحاق وسائر الديانات محرّمة لذلك ، فما اتفقت الديانات على شيء أصلا ولا على التوحيد ولا على إبطاله ، لكن اتفقت الديانات على تخطئته وتكفيره والبراءة منه إذا لم يعتقد دينا مما بيناه ، فبطلب موافقة جميع الديانات حصل على مخالفة جميعها. وهكذا فليكن السعي المضلّل. وكذلك طبائع جميع الناس مؤثرة للّذّات كارهة لما يلتزمه أهل الشرائع والفلاسفة ، فبطل تعلقهم بشيء مجمع عليه ، ولم يحصل إلا على طمع خائب مخالفا لجميع الديانات ، غير متعلق بدليل لا عقليّ ولا سمعي. وقد قلنا إن العقول لا توجب شيئا ولا تقبحه ولا تحسنه ، وبرهان ذلك أن جميع أهل العقول إلا يسيرا فإنهم أصحاب شرائع وقد جاءت الشرائع بالقتل وأخذ المال وضرب الإنسان وذبح الحيوان ، فما قال قط أصحاب العقول إنما جاءت بخلاف ما في العقول ولا ادّعى ذلك إلا أقل

الناس ومن ليس عقله عيارا على عقل غيره ، ولو كان ذلك واجبا في العقول لوجده سائر أهل العقول كما قالوا هم سواء سواء ، فصح أن دعواهم على العقول كاذبة في باب التقبيح والتحسين جملة ، وهذا كسر عام لنفس أقوالهم والحمد لله رب العالمين.

ثم نذكر إن شاء الله عزوجل البراهين على إبطال حججهم الشغبية المموهة وبالله تعالى نتأيد.

قال أبو محمد : أما احتجاجهم بأن قالوا وجدنا أهل الديانات والآراء والمقالات كل طائفة تناظر الأخرى فتنتصف منها وربما غلبت هذه في مجلس ثم غلبتها الأخرى في مجلس آخر على حسب قوة المناظر وقدرته على البيان والتحيل والشغب فهم في ذلك كالمتحاربين يكون الظفر سجالا بينهم ، فصح أن ليس هاهنا قول ظاهر الغلبة ، ولو كان ذلك لما أشكل على أحد ، ولا اختلفت الناس فيه كما لم يختلفوا ما أدركوا بحواسهم وبداية عقولهم ، وكما لم يختلفوا في الحساب ولا في شيء عليه برهان لائح ، واللائح الحق على مرور الأزمان وكثرة البحث وطول المناظرات. قالوا : ومن المحال أن يبدو الحق إلى الناس ظاهرا فيعاندوه بلا معنى ويرضوا بالهلاك في الدنيا والآخرة بلا سبب. قالوا : فلما بطل هذا صح أن كل طائفة تتبع إمّا ما نشأت عليه وإمّا ما تخيل لأحدهم أنه الحق دون تثبت ولا يقين. قالوا : وهذا مشاهد من كل أمة ونحلة وإن كان فيها ما لا يشك في بطلانه وسخافته.

قال أبو محمد : هذه جمل نحن نبين كل عقدة منها ونوفيها حقها من البيان بتصحيح أو إفساد بما لا يخفى على أحد صحته وبالله تعالى التوفيق.

أما قولهم : إن كل طائفة من أهل الديانات والمقالات والآراء تناظر فتنتصف وربما غلبت هذه في مجلس ثم غلبتها الأخرى في مجلس آخر ، على قدر قوة المناظر وقدرته على البيان والتحيل والشغب والتمويه ، فنقول صحيح إلا أنه لا حجة لهم فيه على ما ادّعوه من تكافؤ الأدلة أصلا ، لأن غلبة الوقت ليست حجة ولا يقنع بها عالم محقق وإن كانت له ولا يلتفت إليها وإن كانت عليه ، وإنما يحتج بها ويغضب منها أهل المحرفة والجهّال ، وأهل الصياح والتهويل والتشنيع ، القانون بأن يقال غلب فلان فلانا ، وإن فلانا لنظار جدّال ، ولا يبالون بتحقيق حقيقة ولا بإبطال باطل. فصح أن تغالب المتناظرين لا معنى له ولا يجب أن يعتد به ، لا سيما تجادل أهل زماننا الذي أمالهم إرب معدودة لا يتجاوزونها بكلمة ، وأما أن يغلب الصليب الرأس بكثرة الصياح والتوقح والتشنيع والجفاء ، وأما كثير الهذر قوي على أن يملأ المجلس كلاما لا

يتحصل منه معنى ، وأما الذي يعتقد أهل التحقيق الطالبون معرفة الأمور على ما هي عليه فهو أن يبحثوا فيما يطلبون معرفته عن كلّ حجة احتج بها أهل فرقة في ذلك الباب ، فإذا تقصّوها ولم يبقوا منها شيئا تأمّلوها كلها حجة حجة فميّزوا الشغبي منها والإقناعي فاطرحوهما ، وفتشوا البراهين على حسب المقدمات التي بيناها في كتابنا الموسوم : «بالتقريب في ماهية البرهان ، وتمييزه مما يظن أنه برهان وليس ببرهان» وفي كتابنا هذا ، وفي كتابنا الموسوم «بالإحكام في أصول الأحكام» فإن من سلك الطريق التي ذكرنا وميز في المبدأ ما يعرف بأول التمييز والحواس ثم ميّز ما هو البرهان مما ليس برهانا ، ثم لم يقبل إلا ما كان برهانا راجعا رجوعا صحيحا ضروريا إلى ما أدرك بالحواس أو ببديهة التمييز وضرورته في كل مطلوب يطلبه ، فإن شارع الحق يلوح له واضحا ممتازا من كل باطل دون إشكال ، والحمد لله رب العالمين.

وأما من لم يفعل ما ذكرنا ولم يكن وكده إلا نصر المسألة الحاضرة فقط ، أو نصر مذهب قد ألفه قبل أن يقوده إلى اعتقاده برهان فلم يجعل غرضه إلا طلب أدلة ذلك المذهب فقط ، فبعيد عن معرفة الحق من الباطل ، ومثل هؤلاء غرّر هؤلاء المخاذيل فظنوا أن كل بحث ونظر فمجراهما المجرى الذي عهدوه ممن ذكرنا فضلّوا ضلالا بعيدا.

وأما قولهم : فصح أنه ليس هاهنا قول ظاهر الغلبة ولو كان ذلك لما أشكل على أحد ، ولما اختلف الناس فيه ، كما لم يختلفوا فيما أدركوه بحواسهم وبداية عقولهم ، وكما لم يختلفوا في الحساب وفي كل ما عليه برهان لائح ، فقول أيضا مموه ، لأنه كله دعوى فاسدة بلا دليل ، وقد قلنا قبل في إبطال هذه الأقوال كلها بالبرهان بما فيه كفاية ، وهذا لا يمكن فيه تفصيل كل برهان على كل مطلوب لكن نقول جملة إن من عرف البرهان وميّزه وطلب الحقيقة غير مائل بهوى ولا إلف ولا نفار ولا كسل ، فمضمون له تمييز الحق ، وهذا كمن سأل عن البرهان على إشكال أقليدس فإنه لا سبيل إلى جوابه عن جميعها بقول مجمل ، لكن يقال له سل عن شكل شكل تخبر ببرهانه ، أو كمن سأل ما النحو؟ وأراد أن يوقف على قوانينه جملة فإن هذا لا يمكن بأكثر من أن يقال له هو بيان حركات وحروف يتوصل باختلافها إلى معرفة مراد المخاطب باللغة العربية ، ثم لا يمكن توقيفه على حقيقة ذلك ولا إلى إثباته جملة إلا بالأخذ معه في مسألة مسألة.

وهكذا في هذا المكان الذي نحن فيه ، لا يمكن أن نبين جميع البرهان على

كل مختلف فيه بأكثر من أن يقال له سل عن مسألة مسألة نبين لك برهانها بحول الله تعالى وقوته.

ثم نقول لمن قال من هؤلاء إن هاهنا قولا صحيحا واحدا لا شك فيه : أخبرونا من أين عرفت ذلك؟ ولعل الأمر كما يقول من قال إن جميع الأقوال كلها باطل ، أو كما قال من قال إن جميع الأقوال كلها حق؟ فإن قال : لا لأنها لو كانت حقا كلها لكان محالا ممتنعا ، لأن فيها إثبات الشيء وإبطاله معا ، ولو كان جميعها باطلا لكان كذلك أيضا سواء سواء ، وهذا محال ممتنع لأن فيه أيضا إثبات الشيء وإبطاله معا ، وإذا ثبت إثبات الشيء بطل إبطاله بلا شك ، وإذا بطل إثباته ثبت إبطاله بلا شك ، فإذ قد أبطل هذان القولان بيقين لم يبق بلا شك إلا أن فيه حقّا بعينه وباطلا بعينه. قلنا له : صدقت وإذ الأمر كما قلت فإن هذا العقل الذي عرفت به أن في تلك الأقوال قولا صحيحا بلا شك ، فيه تميز ذلك القول الصحيح بعينه مما ليس بصحيح ، لأن الصحيح من الأقوال يشهد له العقل والحواس ببراهين ترده إلى العقل والحواس ردّا صحيحا ، وأما الباطل فينقطع ويقف قبل أن يبلغ إلى العقل والحواس ، وهذا بيّن والحمد لله رب العالمين.

وأما من أبطل أن يكون في الأقوال كلها قول صحيح فقد أخبرنا أنه مبطل للحقائق كلها متناقض ، لأنه يبطل الحق والباطل معا ، وبالله تعالى التوفيق.

أما قولهم : لو كان هاهنا قول صحيح لما أشكل على أحد ، ولا اختلف فيه ، كما لم يختلفوا فيما أدركوه بحواسهم ، ولا في الحساب ، فإن هذا قول فاسد لأن إشكال الشيء على من أشكل عليه إنما معناه أنه يجهل حقيقة ذلك الشيء فقط ، وليس جهل من جهل حجة على من علم ، برهان هذا أنه ليس في العالم شيء إلا ويجهله بعض الناس كالمجانين والأطفال ومن غمره الجهل والبلادة ، ثم يتزيد الناس في الفهم فتفهم طائفة شيئا لا تفهمه المجانين ، وتفهم طائفة أخرى ما لا يفهمه هؤلاء ، وهكذا إلى أرفع مراتب العلم ، فكل ما اختلف فيه فقد وقف على الحقيقة فيه من فهمه ، وإن كان خفي على غيره ، وهذا أمر مشاهد محسوس في جميع العلوم. وآفة ذلك ما قد ذكرنا قبل ، وهو إما قصور الفهم والبلادة وإما كسل عن تقصي البرهان ، وإما لإلف أو نفار بعد بصاحبهما عن الغاية المطلوبة أو تعدياها ، وهذه دواعي الاختلاف في كل ما اختلف فيه ، فإذا ارتفعت الموانع لاح البرهان بيقين ، فبطل ما شغبوا به والحمد لله رب العالمين.

وأما قولهم : كما لم يختلفوا فيما أدركوه بحواسهم وفي الحساب وفيما أدركوه

ببداية عقولهم فقول غير مطرد ، والسبب في انقطاع اطراده هو أنه ليس في أكثر ما يدرك بالحواس وبداية العقول شيء يدعو إلى التنازع ، ولا إلى تقليد يتهالك في نصره أو إبطاله ، وكذلك في الحساب ، حتى إذا صرنا إلى ما فيه تقليد مما يدرك بالحواس أو بأوائل التمييز وجد فيه من التنازع والمكابرة والمدافعة وجحد الضرورات كالذي يوجد فيما سواه كمكابرة النصارى واستهلاكهم في أن المسيح له طبيعتان ناسوتيّة ولاهوتيّة ، ثم منهم من يقول إن تلك الطبيعتين صارتا شيئا واحدا ، وصار اللّاهوت ناسوتا تامّا محدثا مخلوقا ، وصار الناسوت إلها تامّا خالقا غير مخلوق ، ومنهم من يقول امتزجا كامتزاج العرض بالجوهر ، ومنهم من يقول امتزجا كامتزاج البطانة والظهارة ، وهذا حمق ومحال يدرك فساده بأول العقل وضرورته. وكما تهالكت المنانية على أن الفلك في كل أفق من العالم لا يدور إلا كما يدور الرّحى ، وهذا أمر يشاهد كذبه بالعيان. وكما تهالكت اليهود على أن النيل الذي يحيط بأرض مصر وزويلة ومعادن الذهب ، وأن الفرات المحيط بأرض الموصل مخرجهما جميعا من عين واحدة في المشرق ، وهذا كذب يدرك بالحواس. وكما تهالكت المجوس على أن الولادة من إنسان ونهر وأن مدينة واقفة من بنيان بعض ملوكهم بين السماء والأرض. وكتهالك جميع العامة على أن السماء مستوية كالصحيفة لا مقببة مكوّرة ، وأن الأرض كذلك أيضا ، وأن الشمس تطلع على جميع الناس في جميع الأرض في ساعة واحدة وتغرب عنهم كذلك وهذا معلوم كذبة بالعيان. وكتهالك الأشعرية وغيرهم ممّن يدعي العلم والتوفيق فيه إلى أن النار لا حر فيها ، وأن الثلج لا برد فيه ، وأن الزجاج والحصا لها طعم ورائحة ، وأن الخمر لا يسكر ، وأن هاهنا أحوالا لا معدومة ولا موجودة ، ولا هي حق ولا هي باطل ، ولا هي مخلوقة ولا غير مخلوقة ، ولا هي معلومة ولا هي مجهولة ، وهذا كله معلوم كذبه وبطلانه بالحواس وبأول العقل وضرورته ، وتخليط لا يفهمه أحد ولا يتشكل في وهم أحد ، ولو لا أننا شهدنا أكثر من ذكرنا لما صدقنا أن من له مسكة عقل ينطق لسانه بهذا الجنون. وكتهالك طوائف على أن اسمين يقعان على مسميين كل واحد من ذانك المسميين لا هو الآخر ولا هو غيره ، وكالسوفسطائية المنكرة للحقائق.

وأما الحساب فقد اختلف أهله في أشياء من التعديل ، ومن قطع الكواكب ، وهل الحركة لها أو لأفلاكها. وأما الذي لا يخلو وقت من وجوده فخطأ كبير من أهل الحساب في جميع الأعداد الكثيرة حتى يختلفوا اختلافا ظاهرا حتى إذا حقق النظر يظهر الحق من الباطل ، وهذا نفس ما يعرض في كل ما يدرك بالحواس. فظهر بطلان تمويههم وتشبيههم جملة ، والحمد لله رب العالمين.

وصح ما أنكروه من أن كثيرا من الناس يغيبون عن اعتقاد ما شهدت له الحواس ، وينكرون أوائل العقول ، ويكابرون الضرورات إما بأنهم كسلوا عن طلب البراهين فقطعوا بظنونهم ، وإما لأنهم زلوا عن طريق البرهان وظنوا أنهم عليه ، وإما لأنهم ألفوا ما مالت إليه أهواؤهم لإلفهم شيئا ونفارهم عن آخر.

وأما قولهم : ولاح الحق على مرور الأزمان وكثرة البحث وطول المناظرات ، فيقال لهم وبالله تعالى التوفيق : نعم قد لاح الحق وبان الباطل وأن كل طائفة تدعيه ، فإن من يظهر على الطريق التي وصفنا صح عنده المحق من المبطل ، وبالله تعالى التوفيق.

وأما قولهم : ومن المحال أن يبدو الحق إلى الناس فيعاندوه بلا معنى ، ويرضوا بالهلاك في الدنيا والآخرة بلا معنى ، فقول فاسد ، لأننا قد رأيناهم أتوا بأشياء بدا الحق فيها إلى الناس فعانده كثير منهم ، وبذلوا مهجهم فيه ، وكأنهم ما شاهدوا الأمر الذي ملأ الأرض من المقاتلين الذين يعرفون بقلوبهم ويقرون بألسنتهم أنهم على باطل يقتلون ويعترفون بأنهم يتلفون مهجهم ودماءهم وأموالهم وأديانهم ويؤتمون أولادهم ويرمّلون نساءهم في قتال عن سلطان غائب عن ذلك القتال ، لا يرجون زيادة درهم ، ولا يخاف كل امرئ منهم في ذاته تقصيرا به لو لم يقاتل. أو لم يروا كثيرا من الناس يأكلون أشياء يوقنون بأنهم يستضرون بها ، ويكثرون شرب الخمر وهم يقرون أنها قد أفسدت أمزجتهم ، وأنها تؤديهم إلى التلف ، وهم يقرون مع ذلك أنهم عاصون لله تعالى؟ وكم رأينا من الموقنين بخلود العاصي في النار المحققين لذلك يقرّ على نفسه أنه يفعل ما يخلد به في النار. فإن قالوا : إن هؤلاء يستلذون ما يفعلون من ذلك قلنا لهم : إن استلذاذ من يدين بشيء ما يبصره لما يدين به وتعصبه له أشد من استلذاذ الأكل والشرب لما يدري أنه يتلفه من ذلك. ثم نقول لهم : أخبرونا عن قولكم هذا إنه ليس هاهنا قول سطعت حجته ولو كان لما اختلف الناس فيه أحق هي هذه القضية قطعتم بها ، وهل قولكم هذا ظاهر الحجة متيقن الحقيقة أم لا؟

فإن قالوا : لا. أقروا بأن قولهم لم تصح حجته ، ولا لاح برهانه وأنه ليس حقا ما قالوه. وإن قالوا بل هو حق قد لاحت حجته ، قلنا لهم : فكيف خولفتم في شيء لاحت حجته حتى صار أكثر أهل الأرض يعمون عمّا لا شك فيه عندكم وعن ما لاح الحق فيه ، حتى اعتقدوا فيكم الضلال والكفر وإباحة الدم؟ وهذا هو نفس ما أنكروا قد صرحوا أنه حق والحمد لله رب العالمين.

وأما احتجاجهم بانتقال من ينتقل من مذهب وتهالكه في إثباته ثم تهالكه في

إبطاله ورومهم أن ينشدوا بهذا جميع البراهين ، فليس كما ظنوا لأن كل منتقل من مذهب إلى مذهب فلا يخلو ضرورة من أحد ثلاثة أوجه ، إما أن يكون انتقل من خطأ إلى خطأ ، أو من خطأ إلى صواب ، أو من صواب إلى خطأ ، وأي ذلك كان فإنما أتى في الانتقالين الاثنين اللذين هما إلى الخطأ من أنه لم يطلب البرهان طلبا صحيحا ، بل عاجزا عنه بأحد الوجوه التي قدمنا قبل. وأما الانتقال إلى الصواب فإنه وقع عليه بحد صحيح وطلب صحيح أو بحدّ وبحث.

وهذا يعرض فيما يدرك بالحواس كثيرا فيرى الإنسان شخصا من بعيد فيظنه فلانا ، ويحلف عليه ويكابر ويجرد ثم يتبين له أنه ليس هو الذي ظن ، وقد يشم الإنسان رائحة يظنها من بعض الروائح ويقطع على ذلك ويحلف عليه مجدّا ثم يتبين أنه ليس هو الذي ظن ، وهكذا في الذوق أيضا ، وقد يعرض هذا في الحساب فقد يختلف الحاسبون في جميع الأعداد الكثيرة فيقول أحدهم إن المجتمع من هذه الأعداد كذا وكذا ، ويخالفه غيره في ذلك حتى إذا بحثوا بحثا صحيحا صحّ الأمر عندهم.

وقد يعرض هذا للإنسان فيما بين يديه ، يطلب الشيء من متاعه طلب تردد المرة بعد المرة فلا يجده ولا يقع عليه ، وهو بين يديه ونصب عينيه ، ثم يجده في أقرب مكان من بصره ، وقد يكتب الإنسان مستمليا أو يقرأ فيصحف ويزيد وينقص وليس هذا بموجب ألا يصح شيء بإدراك الحواس أبدا ، ولا ألا يصح وجود الإنسان شيئا افتقده أبدا ، ولا ألا يصح جميع الأعداد أبدا ، ولا ألا يصح حرف مكتوب ولا كلمة مقروءة أبدا ، لإمكان وجود الخطأ في بعض ذلك ، لكن التثبت الصحيح يليح الحق من الباطل. وهكذا لكل شيء أخطأ فيه أحد من الناس. لا بد من برهان يليح الحقّ فيه من الباطل. ولا يظن جاهل أن هذه المعاني كلها حجة لمبطلي الحقائق بل هي برهان عليهم لائح قاطع لأن كل ما ذكرنا لا يختلف حس أحد في أن كل ذلك إذا فتش تفتيشا صحيحا فإنه يقع اليقين والضرورة بأن الوهم بها غير صحيح وأن الحق فيها ولا بد ، فبطل تعلقهم بمن رجع عن مذهب إلى مذهب ، ولم يحصلوا إلا على أن قالوا : إنا نرى قوما يخطئون ، فقلنا لهم : نعم ويصيب آخرون.

ثم نعكس استدلالهم عليهم فنقول لهم وبالله تعالى نتأيد : فإذ قد وجدتم من يعتقد ما أنتم عليه ثم يرجع عنه فهلا قلتم إن مذهبكم هكذا كالأقوال الأخر التي أبطلتموها من أجل هذا الظن الفاسد في الحقيقة ، وهو في ظنكم صحيح؟ فهو لكم لازم لأنكم صححتموه ولا يلزمنا لأننا لم نصححه ولا صححه برهان.

قال أبو محمد : وبهذا الذي قلنا يبطل ما اعترضوا به من اختلاف المدعين الفلسفة والمنتحلين للكلام في مذاهبهم ، وما ذكروه من اختلاف المختارين أيضا في اختيارهم ، لأننا لم ندّع أن طباع الناس سليمة من الفساد ، لكنا نقول : إن الغالب على طبائع الناس الفساد ، وإن المنصف لنفسه أولا ثم لخصمه ثانيا الطالب للبرهان على حقيقة العارف به قليل ، برهاننا على هذا ما وجدناه من اختلاف الناس واختلافهم دليل على كثرة الخطأ منهم ، وقد أوضحنا أن وجود الخطأ يقتضي ضرورة وجود الصواب منهم ولا بد ، وليس اختلافهم دليلا على أن لا حقيقة في شيء من أقوالهم ، ولا على امتناع وجود السيل إلى معرفة الحق. وبالله تعالى التوفيق.

وأما احتجاجهم بأن لا يخلو من حقق شيئا من الديانات والمقالات والآراء من أن يكون صحّ له بالحواس أو ببعضها ، أو ببديهة العقل وضرورته ، أو بدليل من الأدلة غير هذين ، وأنه لو صح بالحواس أو بالعقل لم يختلف فيه ، وإلزامهم في الدليل مثل ذلك إلى آخر كلامهم ، فهذا كلّه مكرّر قد مضى الكلام فيه ، وقد أريناهم أنه قد يختلف الناس فيما يدرك بالحواس وببديهة العقل كاختلافهم في الشخص يرونه ويختلفون فيه ما هو؟ وفي الصوت يسمعونه بينهم فيم هو؟ ويختلفون فيه ، وكأقوال النصارى وغيرهم مما يعلم بضرورة العقل فساده.

ثم نقول لهم : إن أول المعارف هو ما أدرك بالحواس وببديهة العقل وضرورته ، ثم ينتج براهين راجعة من قرب أو من بعد إلى أول العقل أو إلى الحواس ، فما صححته هذه البراهين فهو حقّ ، وما لم تصححه هذه البراهين فهو غير صحيح. ثم نعكس عليهم هذا السؤال بعينه فنقول لهم وبالله تعالى التوفيق : قولكم هذا بأي شيء علمتموه؟ أبا لعقل أو بالحواس أو بدليل عنهما؟ فإن علمتموه بالحواس أو العقل فكيف خولفتم فيه؟ وإن كنتم عرفتموه بدليل فذلك الدليل بم عرفتموه؟ أبا لحواس أم بالعقول أم بدليل آخر؟ وهكذا أبدا ، وكل سؤال أفسد حكم نفسه فهو فاسد. وعلى أن هذا لهم لازم لأنهم صححوه ، ومن صحح شيئا لزمه ، ونحن لم نصحح هذا السؤال فلا يلزمنا ، وقد أجبنا عنه بما دفعه عنّا ، وأما هم فلا مخلص لهم منه وبالله تعالى التوفيق.

وأما قولهم : نسألهم عن علمهم بم يدعون صحته أتعلمونه أم لا؟ فإن قالوا : لا نعلمه بطل قولهم إذ أقروا أنهم لا يعلمونه ، وإن قالوا بل نعلمه سألناهم : أبعلم علمتم علمكم بذلك أم بغير علم؟ وهكذا أبدا فهذا أمر قد أحكمنا بيان فساده في باب أفردناه في ديواننا هذا على أصحاب معمّر ، في قولهم بالمعاني وعلى الأشعرية ومن وافقهم من المعتزلة في قولهم بالأحوال ، وإنما كلامنا هذا مع من يقول بتكافؤ الأدلة.

قال أبو محمد : وهذا السؤال نفسه مردود عليهم كما هو ، ونسألهم : أتعلمون صحة مذهبكم هذا أم لا؟ فإن قالوا لا ، أقروا بأنهم لا يعلمون صحته ، وفي هذا إبطاله وأنه إنما هو ظن لا حقيقة ، وإن قالوا بل نعلمه سألناهم أبعلم تعلمونه أم بغير علم؟ وهكذا أبدا. إلا أن هذا السؤال لازم لهم لأنهم صححوه ، ومن صحّح شيئا لزمه وأما نحن فلم نصححه فلا يلزمنا وقد أجبنا عنه في بابه بأننا نعلم صحة علمنا بعلمنا ذلك بعينه لا بعلم آخر ، ونعقل أن لنا عقلا بعقلنا ذلك نفسه ، وإنما هو سؤال من يبطل الحقائق كلّها لا من يقول بتكافؤ الأدلة ، فبطل كل ما موّهوا به ، والحمد لله رب العالمين.

قال أبو محمد : ثم نقول لهم : أنتم قد أثبتم الحقائق وفي الناس من يبطلها ومن يشك فيها وهم السوفسطائية وعلمتم أنهم مخطئون في ذلك ببراهين صحاح ، فببراهين صحاح أيضا صح ما أبطلتموه أو شككتم فيه من أن في مذاهب الناس مذهبا صحيحا ظاهر الصحة؟ فإذا سأل عنها أجيب بها في مسألة مسألة.

قال أبو محمد : ويقال لمن قال لكل ذي ملة أو نحلة أو مذهب لعلك مخطئ وأنت تظن أنك مصيب ، لأن هذا ممكن في كثير من الأقوال بلا شك : أخبرنا أفي الناس من فسد دماغه وهو يظن أنه صحيح الدماغ؟ فإن أنكر ذلك كابر ودفع المشاهدات ، وإن قال هذا ممكن قيل له لعلك أنت الآن كذلك ، وأنت تظن أنك سالم الدماغ؟ فإن قال : لا ، لأن هاهنا براهين تصحح أني سالم الذهن ، قيل له : هاهنا براهين تصحح الصحيح من الأقوال وتبينه من الفاسد ، فإذا سأل عنها أجيب بها في مسألة مسألة.

قال أبو محمد : فإذ قد بطل بيقين أن تكون جميع أقوال الناس صحيحة لأن في هذا أن يكون الشيء باطلا حقا معا ، لأن الأقوال كلها إنما هي نفي شيء يثبته آخر من الناس ، فلو كان كلا الأمرين باطلا لبطل النفي في الشيء وإثباته معا ، وإذا بطل إثباته صح نفيه ، وإذا بطل نفيه صح إثباته. فكان يلزم من هذا أيضا أن يكون الشيء حقّا باطلا معا فثبت بيقين أن في الأقوال حقا وباطلا. وإذ هذا لا شك فيه فبالضرورة يعرف أن بين الحق والباطل فرقا موجودا وذلك الفرق هو البرهان فمن عرف البرهان عرف الحقّ من الباطل وبالله تعالى التوفيق.

فإن قال قائل : فإنكم تحيلون على براهين تقولون إن ذكرها جملة لا يمكن ، وتأمرون بالجدّ في طلبها ، فما الفرق بينكم وبين دعاة الإسماعيلية ، والقرامطة الذين يحيلون على مثل هذا؟ قلنا لهم : الفرق بيننا وبينهم برهانان واضحان أحدهما : أن القوم يأمرون باعتقاد أقوالهم وتصديقهم قبل أن تعرفوا براهينهم ، ونحن لا نفعل هذا ، بل ندعو

إلى معرفة البراهين وتصحيحها قبل أن نصدّق فيما نقول ، والثاني : أن القوم يكتمون أقوالهم وبراهينهم معا ولا يبيحون بها للسّبر والنظر ، ونحن نهتف بأقوالنا وبراهيننا لكل واحد وندعو إلى سبرها وتفتيشها وأخذها إن صحت ، ورفضها إن لم تصح ، والحمد لله رب العالمين.

ولسنا نقول إننا لا نقدر أن نحدّ براهيننا بحدّ جامع مبيّن لها بل نقدر على ذلك وهو البرهان المفرق بين الحق والباطل في كل ما اختلف فيه أن نرجع رجوعا صحيحا متيقنا إلى الحواس أو إلى العقل من قرب أو من بعد رجوعا صحيحا لا يحتمل ولا يمكن فيه إلا ذلك العمل ، فهو برهان وهو حق متيقّن ، وإن لم يرجع كما ذكرنا إلى الحواس أو إلى أول العقل فليس برهانا ولا ينبغي أن نستدل به ، وإنما هو دعوى كاذبة وبالله تعالى التوفيق.

وبهذا سقط القياس والتقليد لأنه لا يقدر القائلون بهما على برهان في تصحيحهما يرجع إلى الحواس أو إلى أول العقل رجوعا متيقنا.

قال أبو محمد : ونحن نقول قولا كافيا بعون الله تعالى وقوته : وهو أن كل ما اختلف فيه من غير الشريعة ومن تصحيح حدوث العالم وأن له محدثا واحدا لم يزل ، ومن تصحيح النبوة ثم تصحيح نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإن براهين كل ذلك راجعة رجوعا صحيحا ضروريا إلى الحواس وضرورة العقل ، فما لم يكن هكذا فليس بشيء ولا هو برهان ، وإن كان ما اختلف فيه من الشريعة بعد صحة حملها فإن براهين كل ذلك راجعة إلى ما أخبر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الله تعالى إذ هو المبعوث إلينا بالشريعة ، فما لم يكن هكذا فليس برهانا ولا هو شيئا. وفي أول ديواننا هذا باب في ماهية البراهين الموصلة إلى معرفة الحقيقة في كل ما اختلف الناس فيه ، فإذا أضيف إلى هذا ارتفع الإشكال والحمد لله رب العالمين.

الكلام في الألوان

قال أبو محمد : الأرض غبراء ، وفيها حمراء وفيها بيضاء وصفراء وخضراء وسوداء وموشاة ، والماء أبيض إلا أن يكتسب لونا بما استضافه إليه لفرط صفائه ، فيكتسب لون إنائه أو ما هو فيه. وإنما قلنا إنه أبيض لبراهين ، أحدها : أنه إذا صب في الهواء بهر وظهر أبيض صافي البياض ، والثاني أنه إذا جمد فصار ثلجا أو بردا ظهر أبيض شديد البياض. وأما الهواء فلا لون له أصلا ، ولذلك لا يرى لأنه لا يرى إلا اللون ، وقد زعم قوم أنه إنما لا يرى لانطباقه على البصر وهذا فاسد جدّا ، وبرهان ذلك أن المرء يغوص في الماء الصافي ويفتح عينيه فيه فيرى الماء وهو منطبق على بصره لا حائل بينهما ، ولا يرى الهواء في تلك الحال ، وإن استلقى على ظهره في الماء وهذا أمر مشاهد ، وأما الذي يرى عند دخول خط ضياء الشمس من كوة فإنما هو أن الأجسام تنحل منها أبدا أجزاء صغار وهي التي تسمى الهباء فإذا انحصر خط ضياء الشمس وقع البصر على تلك الأجزاء الصغار وهي متكاثفة جدا ولونها الغبرة فهي التي ترى لا ما سواها ، ومن تأمل هذا عرفه يقينا ، وأن البيوت مملوءة من ذلك الهباء المنحل من الأرض والثياب والأبدان وسائر الأجرام ، ولكن لدقتها لا ترى إلا إن انحصر خط الشمس فيرى ما في ذلك الانحصار منها فقط ، وأما النار فلا ترى أيضا لأنه لا لون لها في فلكها ، وأما المرئية عندنا في الحطب والفتيلة وسائر ما يحترق فإنما هي رطوبات ذلك المحترق تستحيل هواء فيه نارية فتكتسب ألوانا بمقدار ما تعطيها طبيعتها فتراها خضراء ولازورديّة وحمراء وبيضاء وصفراء وبالله تعالى التوفيق. وهذا يعرض للرطوبات المتولد منها دائرة قوس قزح.

قال أبو محمد : أجمع جميع المتقدمين بعد التحقيق بالبرهان أنه لا ترى إلّا الألوان ، وأن كل ما يرى فليس إلا لونا ، وحدّوا بعد ذلك البياض بأنه لون يفرّق البصر ، وحدّوا السواد بأنه لون يجمع البصر.

قال أبو محمد : وهذا حدّ وقعت فيه مسامحة وإنما خرّجوه على قول العامة في لون السواد ، ومعنى يجمع البصر أنه يقبضه في داخل الناظر ويمنع من انتشاره ومن

تشكل المرئيات ، وإذ هذا معنى القبض بلا شك فهو معنى منع البصر والإدراك وكفّه ، ومن هذا سمّي المكفوف مكفوفا. فإذا السواد يمنع البصر من الانتشار ويقبضه عن الانبساط ويكفه عن الإدراك ، وهذا كله معنى واحد وإن اختلفت العبارات في بيانه ، فالسواد بلا شك غير مرئي ولا بد إذ لو رئي لم يقبض خطّ البصر إذ لا رؤية إلا بامتداد البصر ، فإذ هو غير مرئي فالسواد ليس لونا إذ اللون مرئي ولا بدّ ، وما لم ير فليس لونا وهذا برهان عقلي ضروري. وبرهان آخر حسّي وهو أن الظلمة إذا أطبقت فلا فرق حينئذ بين المفتوح العينين السالم الناظرين ، وبين الأعمى المنطبق والمسدود العينين سدا كثيفا. فإذ ذلك كذلك فالظلمة لا ترى ، ومن الباطل الممتنع أن تكون ترى الظلمة ، وبالحس نعلم أن المنطبق العينين فيها بمنزلة واحدة من عدم الرؤية مع المفتوح العينين فيها ، والظلمة هي السواد نفسه ، فمن ادعى أنهما متغايران فقد كابر العيان وادعى ما لا يأتي عليه بدليل أبدا.

ونحن نجد أنه لو فتح في حائط بيت مغلق كوتان ثم جعل على إحداهما ستر أسود وتركت الأخرى مكشوفة لما فرّق الناظر من بعد بينهما أصلا ، ولو جعل على إحداهما سترا أحمر أو أصفر أو أبيض لتبين ذلك للناظر يقينا من بعد أو قرب ، وهذا بيان أن السواد والظلمة سواء. وبرهان آخر حسّي وهو أن خطوط البصر إذا استوت فلا بد من أن تقع على شيء ما لم يقف عليه مانع من تماديها ، ونحن نشاهد من بين يديه ظلمة أو هو فيها لا يقع بصره على حائط إن كان في الظلمة ، وسواء كان فيها حائط مانع من تمادي خط ، البصر أو لم يكن فصح يقينا أن الظلمة لا ترى بل هي مانعة من الرؤية ، والظلمة هي السواد والسواد هو الظلمة لم يختلف قط في هذا اثنان لا بطبيعة ولا بشريعة ولا في معنى اللغة ولا بالمشاهدة ، فقد صح أن السواد لا يرى أصلا وأنه ليس لونا.

قال أبو محمد : وإنما وقع الغلط على من ظن أن السواد يرى لأنه أحس بوقوع خطوط البصر على ما حوالي الشيء الأسود من سائر الألوان فعلم بتوسط إدراكه ما حوالي الأسود أن بين تلك النهايات شيئا خارجا على تلك الألوان فقدّر أنه يراه ، ومن هاهنا عظم غلط جماعة ادعوا بظنونهم من الجهة التي ذكرنا أنهم يرون الحركات والسكون في الأجرام ، والأمر في كل ذلك وفي الأسود واحد ولا فرق. فإن قال قائل : إنه إن كان في جسم الأسود زيادة ناتئة سوداء كسائر جسده رأيناها فلو لم تر لم نعلم بنتوء تلك الهيئة الناتئة له على سطح جسده. قيل له وبالله التوفيق : هذا أيضا وهم لأنه لما لم يمتد خط البصر عند قبض تلك الهيئة الناتئة له وامتدت سائر الخطوط إلى أبعد

من تلك المسافة وعلمت النفس بذلك توهم من لم يحقق أن هذه رؤية ، وليست كذلك ، وتوهموا أيضا أنهم يرون السواد إذا كان السواد ممازجا لحمرة أو لغبرة أو لخضرة أو لصفرة أو لزرقة فإذا كان هذا هكذا فإن البصر لا يرى ما في ذلك السطح من هذه الألوان على حسب قوّتها وضعفها فقط فيتوهمون من ذلك أنهم رأوا السواد ، ويتوهمون أيضا أنهم يرونه لأنه قالوا : نحن نميز الأسود البراق البصيص واللمعان من الأسود الأكدر الغليظ.

قال أبو محمد : وهذا مكان ينبغي أن نتثبت فيه فنقول وبالله تعالى التوفيق : إن الإملاس هي استواء أجزاء السطح ، والخشونة هي تباين أجزاء السطح ، وقد نجد أملس لمّاعا وأملس كدرا ، فإذ ذلك كذلك فالبصيص واللمعان شيء آخر غير استواء أجزاء السطح وإذ هو كذلك وهو مرئيّ فالبصيص بلا شك لون آخر محمول في الملون بالحمرة أو السفرة أو سائر الألوان وفيما عري من جميع الألوان سواء ، فإذا قلنا أسود لماع فإنما نريد أنه ليس فيه من الألوان إلا اللمعان فقط وهو لون صحيح ، وقد عري من الحمرة من الصفرة ومن البياض والخضرة والزرقة ومما تولد من امتزاج هذه الألوان. ولعل الكدرة أيضا لون آخر مرئيّ كاللمعان ، وهي أيضا غير سائر الألوان ، فهذا ما لا يوجد ما يمنع منه ، بل الدليل يثبت أن الكدرة أيضا لون وهو وقوع البصر عليها ، وهو لا يقع إلا على لون ومن أبي من هذا كلفناه أن يحدّ لنا اللمعان والكدرة فإنه لا يقدر على شيء أصلا غير ما قلنا. وبالله تعالى التوفيق.

فإن قال قائل : بل فإنا نرى الثوب الأسود ونستبين نسيج خيوطه ونتوء ما نتأ منها وانخفاض ما انخفض فلو لا أنه يرى ما علم ذلك كله. فالجواب وبالله تعالى التوفيق : أننا قد علمنا أن خطوط البصر تخرج من الناظر ولها مساحة ما وبعضها أطول من بعض بلا شك لأن الخطوط الخارجة من البصر إلى السماء أطول من الخطوط الخارجة من البصر إلى الجليس لك بلا شك فلما خرجت خطوط البصر إلى الثوب المذكور انقطع تمادي بعضها فيما سامته وتمادى بعضها إلى أن انقطع فيما انخفض منه علمنا أن خطوط بصرنا تمادي بعضها أكثر من تمادي البعض فبالحس علمنا هذا لأن بصرنا وقع على لون أصلا ، وأيضا فإن النور هو اللون الذي طبعه بسط قوة الناظر واستخراج قوى البصر حتى أنه إذا وافق ناظرا ضعيف البنية بطبعه أو بعرض اجتلب جميعه واستلبه كله ، أو اقتطفه ، فعلى قدر قوة النور في اللون المرئيّ وضعفه فيه يكون وقوع البصر عليه ، هذا أمر مشاهد بالعيان ، فكلما قل النور في اللون كان وقوع البصر عليه أضعف وكانت الرؤية له أقل حتى إذا عدم النور جملة ولم يبق منه شيء فقد بطل بالضرورة أن

يمتد خطوط البصر إليه ، أو أن يقع الناظر عليه ، إذ لا نور فيه ، ولا يختلف ذو حس في العالم في أن السواد المحض الخالص ليس فيه شيء من النور فإذ لا شك في هذا أنه لا يرى وبالله تعالى التوفيق.

وأيضا فإن جبلا ذا لون ما أو أرضا ذات لون ما وفيهما غاران مظلمان لما شك كل ناظر إليهما في أنه لا يرى إلا ما حول الغارين فقط وأنه لا يرى ما ضمه خط الغارين. فإذ هذه كلها براهين ضرورية مشاهدة حسية عقلية ، فالبرهان لا يعارضه برهان أصلا ، والبرهان لا يعارض بالدعوى ولا بالظنون. والحمد لله رب العالمين.

وأما من كلام الله عزوجل فإنه تعالى يقول : (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) [سورة النور : ٤٠]. وقوله تعالى : (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) [سورة البقرة : ٢٠]. فصح يقينا أن الظلمة مانعة من النظر والرؤية جملة ، وهو السواد بلا شك فهو لا يرى. ولا خلاف في أن البصر العليل يداوى بالثوب وبالقعود في الظلمة وليس ذلك إلا لمنعه من امتداد بصره فيكل بامتداده. وبالله تعالى التوفيق.

فإن قيل : السواد غير الظلمة ، قلنا : إننا نجد الأرمد الشديد الرمد حتى صار في بيت مظلم شديد الظلمة والانطباق لا يدخله شيء من الضوء أمكنه فتح عينيه بحسب طاقاته ولم يألم النظر إليه ، ومتى جعلناه في بيت مضيء وعلى وجهه وعينيه ثوب كثيف جدا أسود أمكنه فتح عينيه حسب طاقته ، ولم يألم بالنظر إليه ، وكانت حاله من تغطية وجهه بذلك الثوب كحاله في الظلمة التامة سواء سواء. وكذلك يعرض للصحيح البصر في الحالتين المذكورتين ولا فرق.

ومتى جعلنا على بصر الأرمد ثوبا أبيض ألم ألما شديدا كألمه إذا نظر في الضوء ولا فرق ، فإن جعلنا على وجهه ثوبا أصفر ألم دون ذلك ، وإن كان أحمر ألم دون ذلك ، فإن كان أخضر ألم دون ذلك ، على قدر ما في اللون من ممازجة البياض له ، فصح أن السواد والظلام شيء واحد.

وقال بعض أصحابنا : السواد غير الظلمة وهو لا يرى ، لأن الزنجي والغراب والثوب ليس شيء من ذلك أسود ، وكل ذلك يرى ، ولون كل ما ذكرنا لون غير السواد إلا أنه سمي باسم السواد مجازا.

وقال بعضهم : السواد اسم مشترك يقع على الظلمة ويقع على لون الزنجي والغراب والثوب ، فكل ظلام سواد وليس كل سواد ظلاما ، فإن عنيت بالسواد لون

الزنجي والغراب والثوب فهو يرى وهو غير الظلمة وإن عنيت بالسواد الظلمة فهو لا يرى.

وقال بعضهم : الظلمة لا ترى وليست سوادا أصلا ، والسواد شيء آخر غير الظلمة وهو لون يرى.

وقال بعضهم : الظلمة والسواد شيء واحد ، وكلاهما يرى ، وأقروا بأن الأعمى والأكمه والمفقوء العينين والمطبق العينين يرى الظلمة.

الكلام في المتوالد والمتولد

قال أبو محمد : الحيوان كله ينقسم أقساما ثلاثة ، متوالد ولا بد ولا يتولد ولا بد ومتولد ولا بد لا يتوالد ، وقسم ثالث يتوالد ويتولد أيضا ، فالمتولد المتوالد فكبنات وردان فإنها تتولد ، وقد رأيناها تتسافد ، وكالجعلان فإنها تتولد وقد رأيناها تتسافد ، وكثير من الحيوان المتولد في النبات ورأيناه يتسافد ، ومثل القمل فإنا قد شاهدناه يخرج من تحت الجلد عيانا ويحدث في الرءوس وقد يتوالد ، ونحن نجد بعضه إذا قطع مملوءا بيضا.

وأما المتولد الذي لا يتوالد فالحيوان المتولد في أصول أشفار العينين ، وأصول شعر الشارب واللحية والصدر والعانة ، وهو ذو أرجل كثيرة لا يفارق موضعه ، وما علمناه يتوالد أصلا ، ومثل الصفار المتولد في البطن وشحمة الأرض ، وكل هذا لا نعلمه يتوالد البتة. وقد شاهدنا ضفادع صغارا تتولد من ليلتها فتصبح منافع المياه منها مملوءة ، ومنها السلماندرية وهو حيوان كبير يشبه الجراذين الصغار بطيئة الحركة وحيوانات كثيرة منها صغير مفرط الصغر يكاد لصغره لا يتجزأ مثل ما رأيناه كثيرا في الدوى والدفاتر ، وهو سريع المشي جدا ، ومنها السوس المتولد في الباقلاء ، والدود المتولد في الجراحات ، وفي الحمص والبلوط ، وفي التفاح وبين الحشيش وبين الصنوبر ، وفي الكنف وهي ذوات الأذناب ، والحباحب المتولد في الخضر وهو في غاية الحسن ، ومنه ما يضيء بالليل كأنه شرارة نار ، والدود ذوات الأرجل الكثيرة ، والذراريح ، وهذا كثير لا يحصيه إلا خالقه عزوجل. ومنها الضفادع والجنادب. فقد صح عندنا يقينا لا مجال للشك فيه أنها تتولد في منافع المياه دويبات صغارا ملسا شديدة السواد ذوات أذناب تسمى عندنا الرتنشات ، ثم صح عندنا كذلك أنها ستكبر فتنقطع أذنابها وتتبدل ألوانها ، وتستحيل أشكالها ، وتعظم فتصير ضفادع ثم تزيد كبرا واستحالة ألوان فتصير جنادب.

قال أبو محمد : قد رأيتها في جميع تنقلها كما وصفنا ، وقد عرض علينا في مناقع المياه خطوط ظاهرة ، قيل لنا : إنها بيض الضفادع ، وأما الذباب فقد شاهدناها

عيانا تتناكح ، والأنثى منها هي الكبار والذكور هي الصغار ، وشاهدنا البراغيث تتناكح أيضا ، والكبار هي الإناث والذكور هي الصغار ، نشاهد ذلك بأن الأعلى هو الصغير أبدا ، ونجد الأنثى مملوءة بيضا إذا وضعت فتلقي بيضها في الغبار وفي خلال أجزاء الثياب ثم يخرج.

قال أبو محمد : وقد رأينا ذبابا صغارا جدا وذبابا كبارا مفرط الكبر وشاهدنا بأبصارنا الدود الطويل الذنب المتولد في الكتب وذيول البقر والغنم يستحيل فيصير فراشا طيارا مختلف الألوان بديع الخلقة من أبيض وأصفر فاقع وأخضر ولازورديّ منقط ، ولا ندري كيف الحال في العقارب والعناكب والرتيلات والبقوقات والدبر ، إلا أننا نرى أن دود الحرير متوالد يتسافد الذكور منها والإناث وتبيض ثم تموت ثم يحضن بيضها ، هذا ما لا خلاف فيه ، وما رأى أحد قط دود حرير يتوالد من غير بيضة ، وكذلك النمل فإنه يتوالد ، وقد رأينا بيضه ، والعرب تسميه المازن ، وكذلك النحل يتوالد ويوجد في مواضع من بنائه في تضاعيف القبر الذي فيه العسل ، وكذلك الجراد والعرب تسمي بيضه الصّرد.

قال أبو محمد : وما رأى أحد قط نحلا يتولد ولا نملا يتولد ولا جرادا يتولد إلا في أكذوبات لا تصح.

وأما سائر الحيوان فمتولد ولا بدّ من مني أو بيض فكل ذي أذن بارزة يلد طائرا كان كالحيات أو غير طائر كالخفاش وغيره ، وكل ما ليس له أذن بارزة فهو يبيض طائرا كان أو غير طائر كالحيات والجراذين والوزغ وغير ذلك.

قال أبو محمد : فطلبنا أن نحد حدّا يجمع ما يتولد دون ما يتوالد ، أو ما يتوالد دون ما يتولد فلم نجد ، إلا أننا رأينا كلّ ذي عظم وفقارات لا سبيل البتة إلى أن يوجد من غير تناكح كحيوان البحر الذي له العظم والفقارات ، ورأينا ما لا عظم له ولا فقار فمنه ما يتولد ولا يتوالد ، ومنه ما يتولد ويتوالد معا.

وكل ذلك خلق الله عزوجل ، يخلق ما شاء كما شاء لا إله إلا هو. وليست القدرة في الخلق في خلق ما خلقه الله عزوجل حيوانا ذا أربع أو ذا ريش من بيضة أو من مني بأعظم من القدرة في خلقها من تراب دون توسط بيضة أو مني ، ولا البرهان على الصنعة والابتداء في أحدها بأوضح منه في الآخر ، بل كل ذلك برهان على ابتداء الخلقة وعلى عظيم القدرة من الباري لا إله إلا هو.

قال أبو محمد : وقد ادّعى قوم أنه يتولد في الثلج حيوان ، ويتولد في النار

حيوان ، وهذا كذب وباطل ، وإنما قاسوه على تولد حيوان ما في الأرض والماء ، والقياس باطل لأنه دعوى بلا برهان وما لا برهان له فليس بشيء ، وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : وإذا حصل الأمر فالحيوان لا يتولد من الماء وحده ، ولا من الأرض وحدها ، ولكن مما يجتمع من الأرض والماء معا ، فتبارك الله أحسن الخالقين. لا معقب لحكمه ، لا إله غيره عزوجل.

تم الكتاب بعونه تعالى

ويليه الفهارس العامة

الفهرس العامة

١ ـ فهرس الآيات القرآنية

٢ ـ فهرس الأحاديث القولية

٣ ـ فهرس الأعلام

٤ ـ فهرس الأمم والشعوب والجماعات ... الخ

٥ ـ فهرس القوافي

٦ ـ فهرس الأرجاز وأنصاف الأبيات

٧ ـ فهرس المحتويات

١ ـ فهرس الآيات القرآنية

سورة الفاتحة

الآيات [٥ ـ ٧] : (٧) : ٧٣.

الآبتان [٦ ، ٧] : ٢ / ٢٠٢.

سورة البقرة

الآية [٧] : (٢) : ٧٣.

الآية [٩] : (١) : ١٦٤.

الآيتان [٩ ، ١٠] : (٢) : ٣٦٣.

الآية [١٠] : (٢) : ١٧٢.

الآية [١٥] : (١) : ٤٠٣.

الآية [١٧] : (٢) : ١١٨.

الآية [٢٠] : ١٢٤ ، : (٣) : ٣٢٣.

الآية [٢٣] : (٢) : ٤٩ ، ٥٢.

الآية [٢٦] : (٢) : ٧٢ ، ٧٦.

الآية [٢٧] : (٢) : ١٢٧.

الآ]ة [٢٨] : (٢) : ١٥٨ ، ٣٧٢ ، ٣٧٤ ، : (٣) : ٢٦٨.

الآية [٣٠] : (٢) : ٤٥ ، ٣٢٦.

الآية [٣١] : (٢) : ٤٢٤ ، : (٣) : ١٦٨.

الآيتان [٣١ ، ٣٢] : (٢) : ٢١١.

الآينان [٣١ ، ٣٣] : (٣) : ٢٠٢ ، ٢٠٦.

الآية [٣٥] : (٢) : ٢٨٦ ، ٢٨٧ ، ٣٩٤.

الآية [٣٨] : (٢) : ٣٩٤.

الآية [٤٤] : (٢) : ٢٢١.

الآية [٤٦] : (١) : ٢٤٠.

الآية [٤٧] : (٣) : ٣٣ ، ١٦١ ، ١٩٤.

الآية [٤٨] : (٢) : ٣٦٦.

الآية [٥٤] : (٢) : ١٣٨.

الآية [٥٥] : (٢) : ٣٦٧.

الآية [٦١] : (٢) : ١١٨.

الآية [٦٢] : (٢) : ٣٤٥.

الآية [٦٩] : (٢) : ١١٧.

الآية [٧٤] : (١) : ١٠٣ ، : (٢) : ١١٨.

الآية [٧٥] : (٢) : ٣٩.

الآية [٧٦] : (٣) : ٢٣٠.

الآية [٧٩] : (٢) : ٩٤ ، ٩٥.

الآية [٨٥] : (٢) : ٢١٦.

الآية [٩٨] : (٢) : ٢٤٣ ، ٢٧٩.

الآية [١٠٢] : (٢) : ١٧٦ ، ٢٨٠ ، ٢٨١ ، ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، : (٣) : ١٧٢.

الآية [١٠٥] : (٢) : ١٧٧ ، : (٣) : ٤٢.

الآية [١٠٦] : (٢) : ٤٠ ، : (٣) : ١٦٠.

الآية [١٠٨] : (٢) : ٢٢٧.

الآية [١٠٩] : (٢) : ٢٢٧.

الآية [١٠٩] : (٢) : ٨١.

الآية [١١١] : (١) : ٣٤٨ ، : (٢) : ١٥١ ، ٢٦٣ ، ٢٧٦ ، ٣٢٨ ، ٣٢٩ ، : (٣) : ٩٦ ، ٢٠٢ ، ٢٩٤.

الآية [١١٥] : (٢) : ٣.

الآية [١٢٢] : (٣) : ٣٣.

الآية [١٢٣] : (٢) : ٣٦٦.

الآية [١٢٤] : (٣) : ٧٥.

الآية [١٢٩] : (٣) : ٧٤ ، ٧٥.

الآية [١٣٦] : (٢) : ٢٤٩.

الآية [١٣٦ ، ١٣٨] : (٢) : ٣٨٦.

الآية [١٣٨] : (١) : ٣٩٦.

الآية [١٤٣] : (٢) : ٢١٤ ، ٣٤٣ ، ٣٥٧.

الآية [١٤٦] : (٢) : ٢١٩ ، ٢٢٠ : (٣) : ١٤٤.

الآية [١٤٨] : (٢) : ٨٩.

الآية [١٥٤] : (٢) : ١٨٦ ، ٣٧٩ : (٣) : ١٥٣ ، ٢٧١.

الآية [١٦٤] : (٢) : ٩١ ، ١٠٩ ، ١١٨ : (٣) : ١٩٦.

الآية [١٦٩] : (٣) : ٢٩٧.

الآية [١٧٠] : (٢) : ٣٢٨.

الآية [١٧١] : (١) : ١٠٤.

الآية [١٨٧] : (٢) : ٢٥٧.

الآية [١٧٩] : (٢) : ٤٩ ، ٥٠ ، ٥٢ ، ٥٣.

الآية [١٨٠] : (٢) : ٢٦٢.

الآية [١٨٤] : (٢) : ٥٨.

الآية [١٨٥] : (٢) : ١٦.

الآية [١٨٦] : (٣) : ١٧٧.

الآية [١٩٦] : (٣) : ٢٣٠.

الآية [٢٠٥] : (٣) : ١٥٩.

الآية [٢١٠] : (١) : ١٨٧ ، ٣٢٩ ، ٣٧٤ : (٢) : ١٢ : (٣) : ١٩٦.

الآية [٢١٢] : (٢) : ١٧٧.

الآية [٢١٣] : (٢) : ٢٠٤.

الآية [٢١٧] : (٢) : ٣٤٤ ، ٣٥٣ ، ٣٥٤ ، ٣٦٠.

الآية [٢٢١] : (٢) : ٢٥٨.

الآية [٢٢٨] : (٣) : ٥٣.

الآية [٢٣٦] : (٢) : ٢٦٢.

الآية [٢٤١] : (٢) : ٢٦٢.

الآية [٢٤٢] : (٢) : ٣٧٣.

الآية [٢٤٣] : (٢) : ١٥٨ ، ٣٨٩.

الآية [٢٥١] : (٢) : ٢٩٤.

الآية [٢٥٣] : (٢) : ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ١٥٣ ، ١٧٢ : (٣) : ٥٦ ، ١٨٨.

الآية [٢٥٤] : (٢) : ٣٦٦.

الآية [٢٥٦] : (٢) : ١٨٣ ، ٢٢٢ ، ٢٣٢ ، ٢٦١.

الآية [٢٥٨] : (٢) : ١٧٥.

الآية [٢٥٩] : (٢) : ٣٧٣ ، ٣٨٩.

الآية [٢٦٠] : (١) : ١٥٥ ، : (٢) : ٢٩٠ ، ٢٩٢ ، ٣٨٩.

الآية [٢٧٢] : (٢) : ٧٨ ، ١٨٣.

الآية [٢٧٥] : (٢) : ٣٤١ ، : (٣) : ١٨٠.

الآية [٢٨١] : (٢) : ٣٤٣.

الآية [٢٨٢] : (٣) : ٩٣.

الآية [٢٨٤] : (٣) : ١٧٨.

الآية [٢٨٦] : (١) : ٩٧ ، : (٢) : ٥٦ ، ١١٢ ، ١٦٣ ، ٣١٩ ، ٣٦٣ ، : (٣) : ٣ ، ٧٨.

سورة آل عمران

الآية [٧] : (١) : ٣٨٣.

الآية [٨] : (٢) : ١٦٤.

الآية [١٩] : (٢) : ٢١٩.

الآية [٢٦] : (٢) : ١٧٧.

الآية [٢٨] : (٢) : ١١.

الآية [٣٣] : (٣) : ٧٤ ، ٧٥.

الآية [٣٤] : (٣) : ١٩٣.

الآية [٣٦] : (٢) : ١٧٤ ، : (٣) : ٥٣.

الآية [٣٧] : (٢) : ١١٧.

الآية [٣٨] : (٣) : ١٠.

الآية [٣٩] : (٣) : ١٠.

الآية [٤١] : (١) : ١٥٥.

الآية [٤٥] : (٢) : ٤١.

الآية [٤٧] : (٢) : ٨٥.

الآيتان [٤٨ ، ٤٩] : (١) : ٢٣٥.

الآية [٤٩] : (٢) : ٩٦ ، ١٠٨ ، ٣٨٩.

الآية [٥٤] : (١) : ٤٠٤.

الآية [٥٥] : (١) : ٣٢٩.

الآية [٦٨] : (٣) : ٧٥.

الآية [٧١] : (١) : ٢٤٠.

الآية [٧٤] : (٣) : ٤٢.

الآية [٧٧] : (٢) : ٤٤.

الآية [٧٨] : (١) : ٢٤٠ ، : (٢) : ٩٤.

الآية [٧٩] : (٢) : ٣١٤.

الآية [٨٥] : (١) : ١٣٦ ، : (٢) : ٢١٥ ، ٢٤٧ ، ٢٦١ ، ٢٧٤.

الآية [٩٣] : (١) : ٢٣٦ ، ٢٣٨.

الآية [٩٧] : (٢) : ٥٨ ، ٦٢.

الآية [١٠٤] : (٣) : ١٠٠.

الآية [١٠٥] : (٣) : ٥.

الآية [١١٠] : (٣) : ٣٣ ، ١٩٣.

الآية [١١٥] : (٢) : ٣٤٤ ، ٣٥٧.

الآية [١١٨] : (٢) : ١١٧.

الآية [١٢٦] : (٢) : ١٨٤.

الآية [١٣٣] : (١) : ٣٥٧ ، ٣٦٠ : (٢) : ٢٨٢ ، ٣٩٠.

الآية [١٣٥] : (٢) : ٣٥٠.

الآية [١٣٨] : (٣) : ١١٩.

الآية [١٤١] : (٢) : ٣٤٧.

الآية [١٤٢] : (٣) : ٢٢٠.

الآية [١٤٤] : (٣) : ٢٣٦.

الآية [١٤٥] : (٢) : ١١٦.

الآية [١٥٣] : (٢) : ٣٥٧.

الآية [١٥٤] : (٢) : ١١٥.

الآية [١٥٦] : (٢) : ١١٥.

الآية [١٦١] : (٢) : ٣١٤.

الآية [١٦٧] : (٢) : ٢٤٠.

الآية [١٦٨] : (٢) : ٢٤٠.

الآية [١٦٩] : (٢) : ١١٥.

الآية [١٦٩ ، ١٧٠] : (٣) : ٣٧٩ : (٣) : ٢٧١.

الآية [١٧٣] : (٢) : ٢١٤.

الآية [١٧٨] : (٢) : ١٠٩ ، ٢٤٠.

الآية [١٧٩] : (٢) : ١٧٧.

الآية [١٨١] : (١) : ١٦٨ ، ٢٤٨ : (٢) : ٣٠.

الآية [١٨٥] : (٢) : ٣١٥ ، ٣٧٢ : (٣) : ٢٦٨.

الآية [١٨٧] : (٢) : ٢٧١.

الآية [١٩٥] : (٢) : ٢٥٤ ، ٣٤٤ : (٣) : ١٥٧.

سورة النساء

الآية [٣] : (٢) : ١٣٥.

الآية [١٠] : (٢) : ٣٤١.

الآية [١١] : (٣) : ٢٣٠.

الآية [١١ ، ١٢] : (٣) : ١٥٥.

الآية [١٤] : (٢) : ٣٤١.

الآية [٣١] : (٢) : ٣٤٥ ، ٣٥٠ ، ٣٥٧ : (٣) : ١٥٧.

الآية [٣٩] : (٢) : ٤.

الآية [٤٦] : (٢) : ١٨٥.

الآية [٤٧] : (١) : ٢٣٧ ، ٢٤٠ ، : (٢) : ٧.

الآية [٤٨] : (٢) : ٣٤٢ ، ٣٤٧ ، ٣٤٨ ،

٣٥٠ ، ٣٥١.

الآية [٥٦] : (٢) : ٣٩١.

الآية [٥٩] : (٢) : ٧ ، ٢٠٧ ، : (٣) : ٣ ، ٥ ، ٥٣ ، ٨١ ، ٩٧.

الآية [٦٥] : (٢) : ٢١٥ ، ٢٤٢ ، ٢٦٨ ، ٢٧٧ ، ٣١٢ ، : (٣) : ٢٩٢.

الآية [٦٦] : (١) : ٣٨٤.

الآية [٧٦] : (٢) : ١١٧ ، : (٣) : ١٦٢.

الآية [٧٨] : (٢) : ١١٥.

الآية [٧٨ ، ٧٩] : (٢) : ١٢٢.

الآية [٧٩] : (٢) : ١٢٢.

الآية [٨٢] : (٢) : ٦٤ ، ٧٦ ، ٩٥ ، ١٢٢ ، : (٣) : ٨٧ ، ١٠٢ ، ٢٤٥.

الآية [٨٣] : (٢) : ١٦ ، ٧٣ ، ٣٥٦.

الآية [٨٧] : (٢) : ٤٥.

الآية [٨٨] : (٢) : ٧٤.

الآية [٩٠] : (٢) : ١٧٤ ، ١٨٤.

الآية [٩٢] : (٢) : ٦٣ ، ٢٥٧ : (٣) : ٢٣٦.

الآية [٩٣] : (٢) : ٣٤١ ، ٣٤٢.

الآية [٩٤] : (٣) : ١٥٨.

الآية [١٠٣] : (٢) : ٢٦٢.

الآية [١٠٤] : (٣) : ١٢٩.

الآية [١١٥] : (٢) : ٤٦ ، ٢٢٢ ، ٢٦٨.

الآية [١١٦] : (٢) : ٣٤٧.

الآية [١٢٣] : (٢) : ٣٤٤ ، ٣٥٧.

الآية [١٢٩] : (٢) : ١٣٥.

الآية [١٣٤] : (٣) : ١٢٩.

الآية [١٣٥] : (٣) : ٩٤ ، ٩٦.

الآية [١٤٠] : (٢) : ٢٣ ، ٢٢٤ ، ٢٢٩ ، ٢٤٣.

الآية [١٤١] : (٣) : ٩٣.

الآية [١٤٢] : (١) : ٤٠٣

الآية [١٤٣] : (٢) : ٢٦٣.

الآية [١٤٥] : (٢) : ٢٣٥ ، ٣٥٣.

الآية [١٤٩] : (٢) : ٢٦.

الآية [١٥٠] : (٢) : ٢٧٤.

الآية [١٥٠ ، ١٥١] : (٢) : ٢١١ ، ٢١٥.

الآية [١٥٣] : (٢) : ١١٨ ، ٣٠٢.

الآية [١٥٧] : (١) : ٧٦ ، ٧٧.

الآية [١٦٣] : (٢) : ٥٠ ، ٥٣.

الآية [١٦٤] : (١) : ١٠٧ ، ١٣٤ ، : (٢) : ٢٩٦ ، : (٣) : ١٩٣.

الآية [١٦٥] : (١) : ٩٧.

الآية [١٦٨] : (٢) : ٧٧.

الآية [١٧٢] : (٣) : ١٩٧.

الآية [١٧٣] : (١) : ٣٣.

سورة المائدة

الآية [٢] : (٢) : ٣١ ، ٧٦ ، ٩٣ ، ٩٦ ، ٩٨ ، ٩٩ ، ١٠٦ ، ١٠٨.

الآيتان [٢ ، ٣] : (٢) : ٢٦١.

الآية [٣] : (٢) : ٢١٥ ، ٣١٩.

الآية [٥] : (٢) : ٢٥٩.

الآية [٨] : (٢) : ٢٧١.

الآية [١١] : (٢) : ١٨٤.

الآية [١٣] : (١) : ٢٤٠ : (٢) : ١١ ، ١٨٥.

الآية [١٧] : (١) : ٦٥ ، : (٢) : ٣٠ ، ٩٧.

الآية [١٨] : (٢) : ٣٤٧.

الآية [٢٧] : (٢) : ٢٦٢ ، : (٣) : ١٠٢ ، ١٠٧.

الآية [٢٩] : (٢) : ١٢١ ، ١٨٤.

الآية [٣٣] : (٢) : ٣٤١.

الآية [٤١] : (٢) : ١٦ ، ١٧٣ ، ٢٢٨.

الآية [٤٣] : (١) : ٢٣٧.

الآية [٤٤] : (١) : ٢٣٦ ، ٢٣٩ ، : (٢) :

٢٥١ ، ٢٥٥.

الآية [٤٥] : (٢) : ٢٥٥.

الآية [٤٧] : (١) : ٢٣٦ ، ٢٣٩ ، : (٢) : ٢٥٥.

الآية [٤٨] : (١) : ٢٣٩ ، : (٢) : ٢٩٨ ، : (٣) : ١٠٣.

الآية [٤٩] : (١) : ٢٣٩.

الآية [٥١] : (٢) : ٢٥٩ ، ٢٦٢ ، ٢٦٣.

الآية [٥٨] : (٣) : ٢٥٢.

الآية [٦٤] : (١) : ١٦٨ ، : (٢) : ٣ ، ٣١.

الآية [٦٦] : (١) : ٢٣٦.

الآية [٦٧] : (٢) : ١٩٤.

الآية [٦٨] : (١) : ٢٣٦ ، ٢٣٨.

الآية [٧٣] : (١) : ٦٥ ، : (٢) : ٣٠.

الآية [٧٥] : (٣) : ١٨٧.

الآية [٧٩] : (٢) : ٥٧.

الآية [٩٠] : (٢) : ١٠١ ، ١٣٣.

الآية [١٠٥] : (٢) : ١٢١.

الآية [١١٢ ، ١١٣] : (٢) : ٢٧٢.

الآية [١١٦] : (١) : ١١ ، ٢٤٣.

الآية [١١٦ ، ١١٨] : (٢) : ٣٤٨.

الآية [١٣٧] : (٢) : ٣٥٧.

سورة الأنعام

الآية [٢] : (٢) : ١١٥.

الآية [٨] : (٢) : ٣٢٣.

الآية [٩] : (٢) : ٣٢٣.

الآية [١٢] : (٢) : ١١ ، ١٣٢.

الآية [١٩] : (٢) : ٢٧٧ ، ٣٦٢.

الآية [٢٠] : (٢) : ٢١٩ ، ٢٢١ ، ٢٢٢.

الآية [٢٣] : (٢) : ٨٠.

الآية [٢٤] : (٢) : ٨٠.

الآية [٢٥] : (٢) : ١٧٢.

الآية [٢٨] : (١) : ٣٨٩ ، : (٢) : ٢٧٩.

الآية [٣٣] : (٢) : ٢١٨ ، : (٣) : ٦٨ ، ١٤٤.

الآية [٣٥] : (٢) : ٧٧ ، ١٧٣ ، ١٨٠ ، ١٨١ ، ١٨٢.

الآية [٣٧] : (٢) : ٢٥.

الآية [٣٨] : (١) : ٩٦ ، ١٠٦ ، ٤١١ ، : (٢) : ١٥٥.

الآية [٣٩] : (٢) : ١٧٣.

الآية [٤٤] : (٢) : ٩٢.

الآية [٤٥] : (٢) : ١٠١.

الآية [٥٠] : (٢) : ٣٨٥ ، : (٣) : ١٩٢.

الآية [٥٧] : (٣) : ٨١.

الآية [٦٥] : (٢) : ٢٥.

الآية [٧٦] : (٢) : ١٢ ، ٢٨٩.

الآية [٧٧] : (٢) : ٧٢ ، ١٧٣.

الآية [٨٣] : (٢) : ٢٩٢.

الآية [٨٨] : (٢) : ٧٤.

الآية [٩٠] : (٢) : ٣١٧.

الآية [٩٣] : (٢) : ٣٧٢ ، : (٣) : ١٥٣ ، ٢٥٤ ، ٢٥٦ ، ٢٦٨.

الآية [١٠٣] : (٢) : ٤٠٢ ، : (٢) : ٣٤.

الآية [١٠٥ ، ١٠٦] : (٢) : ١٨٠.

الآية [١٠٧] : (٢) : ١٦٣ ، ١٧٣.

الآية [١٠٨] : (٢) : ١٠٨.

الآية [١٠٩] : (١) : ٢٨٥ ، : (٣) : ١٧٤.

الآية [١١١] : (٢) : ١٦٣ ، ١٧١.

الآية [١١٢] : (٢) : ١٧٣ ، : (٣) : ، ١٨٦ ، ٢٣٠.

الآية [١١٥] : (١) : ١٠٣ ، : (٢) : ٤١ ، : (٣) : ١٦٨.

الآية [١١٩] : (٢) : ٣١٩.

الآية [١٢١] : (٣) : ٢٠٦.

الآية [١٢٥] : (٢) : ١٦ ، ٧٤ ، ٧٦ ، ١٧٤ ، ٣٣٠.

الآية [١٣٠] : (٢) : ٢٨٣.

الآية [١٣٧] : (٢) : ١٧٤.

الآية [١٤٥] : (٢) : ١٣٣.

الآية [١٤٨] : (٢) : ١٧٩ ، ١٨٠.

الآيات [١٤٨ ، ١٥١] : (٢) : ١٧٩.

الآية [١٤٩] : (٢) : ١٧٩.

الآية [١٥٠] : (٢) : ١٨٠.

الآية [١٥٨] : (٢) : ١٨١ ، ١٨٨.

الآية [١٦٠] : (٢) : ٢٥٤ ، ٣٤٤ ، ٣٤٥.

الآية [١٦٤] : (٢) : ١٤٥ ، ٣٨٦ ، : (٣) : ١٠٨.

الآية [١٦٦] : (٢) : ١٤٩.

سورة الأعراف

الآية [٣] : (٢) : ٣٢٩ ، : (٣) : ١٣.

الآية [٨] : (٢) : ٣٦٩.

الآية [١١] : (٢) : ١٥٨ ، ٣٧٦ ، : (٣) : ٢٣١.

الآية [١٢] : (٢) : ٢١٨.

الآية [١٩] : (٢) : ٣٩٤.

الآية [٢٠] : (٣) : ١٩٧.

الآية [٢١] : (٢) : ٢٨٧.

الآية [٢٧] : (٢) : ١٠٨ ، ٣٢٦ ، : (٣) : ١٧٩.

الآية [٣٤] : (١) : ٣٩٢ ، : (٢) : ١١٦.

الآية [٣٨] : (٢) : ٤٤.

الآية [٤٤ ، ٤٥] : (٣) : ٢٢٨.

الآية [٥٣] : (١) : ١٩٢.

الآية [٥٤] : (٢) : ٩.

الآية [٥٦] : (٢) : ٣٤٢.

الآية [٥٧] : (٣) : ٢١٢.

الآية [٧٢] : (٣) : ٢٥٦.

الآية [٨٥] : (٢) : ٢٩١ ، : (٣) : ٦٧.

الآية [٨٦] : (٢) : ٧٦.

الآية [٨٩] : (٢) : ١٧٢.

الآيتان [٨٩ ، ٩٠] : (٢) : ٢٨٨.

الآية [٩٢] : (٢) : ١٧٦.

الآية [٩٩] : (١) : ٤٠٤.

الآية [١٠١] : (٢) : ٧٢.

الآية [١٠٧] : (١) : ١٨١.

الآية [١١٣ ـ ١٢٢] : (١) : ١٨٠ ، ١٨١.

الآية [١١٦] : (٣) : ١١٧ ، : (٣) : ١٧٢.

الآية [١٢٣] : (٣) : ١٧٣.

الآية [١٢٦] : (٢) : ١٢٥.

الآية [١٢٩] : (١) : ٣٩٠.

الآية [١٤٣] : (١) : ٣٧٤ ، : (٢) : ١٥٩ ، ٣٠٢.

الآية [١٤٨] : (١) : ١٨٩.

الآية [١٥٠] : (١) : ١٨٩ ، : (٢) : ٣٠١.

الآية [١٥٥] : (٢) : ٨٢ ، ٢٠٢ ، ٢٨٠ ، ٣٠٦ ، ٣٢٥.

الآية [١٥٦] : (٢) : ٣٤٨.

الآية [١٥٧] : (٢) : ٢١٩ ، ٢٢٠ : (٣) : ١٤٤.

الآية [١٥٨] : (١) : ١٣٦ ، : (٢) : ٣٦٣.

الآية [١٧٢] : (٢) : ١٥٦ ، ١٥٩ ، ٣٧٦ ، ٣٧٨ ، ٣٨٦.

الآية [١٧٥] : (٢) : ٣٠٧.

الآية [١٧٩] : (١) : ٤٠٠ ، : (٢) : ١٦٤ ، ١٨٨.

الآية [١٨٠] : (١) : ٣٩٧ ، ٤٠٩ ، : (٣) : ٢٠٥.

الآية [١٨٢] : (٢) : ٢٠٤.

الآية [١٧٣] : (٢) : ٢٠٤.

الآية [١٩٠] : (٢) : ٢٨٧.

سورة الأنفال

الآية [١] : (٢) : ٣١٠.

الآيات [٢ ـ ٤] : (٢) : ٢٢٨.

الآية [٦] : (٢) : ٣١٠.

الآية [٨] : (٣) : ٢٢٨.

الآية [١٦] : (٢) : ٣٤١ ، ٣٤٧.

الآية [١٧] : (١) : ١٢٤ ، : (٢) : ١٠٧ ، ١٠٨ ، : (٣) : ٢٣٧.

الآيتان [٢٢ ، ٢٣] : (٢) : ١٦٥.

الآية [٢٣] : (٢) : ٧٨ ، ١٦٥ ، : (٣) : ٢٢٠.

الآية [٢٨] : (٢) : ٢٨٠.

الآية [٣٠] : (١) : ١٠٤.

الآية [٣٨] : (٢) : ٣٥٤.

الآية [٤٦] : (٢) : ١٧٤ ، : (٣) : ٥.

الآية [٤٨] : (٢) : ٢٨١ ، ٣٢٤.

الآية [٥٥] : (٣) : ٢٥٢.

الآية [٦٠] : (٢) : ٦١.

الآية [٦٣] : ١ / ٣٤٢.

الآية [٦٧] : (٢) : ٣١٠.

الآية [٦٨] : (٢) : ٣٠٨ ، ٣١٠.

الآية [٧٢] : (٢) : ٢٢٨.

الآية [٧٣] : (٢) : ٢٦٢.

الآية [٧٤] : (٢) : ٢٢٨.

الآية [٧٥] : (٣) : ١١.

سورة التوبة

الآية [٢] : (٣) : ١٧٨.

الآية [٢] : (٣) : ١١٠.

الآية [٦] : (٢) : ٣٩ ، ٤٣ ، : (٣) : ١٤٩.

الآية [١١] : (٢) : ٢٦٣ ، : (٣) : ٢٩٢.

الآية [١٧] : (٢) : ٢٦١.

الآية [١٨] : (٢) : ٢٦١.

الآية [٢٩] : (١) : ١٣٦ ، : (٢) : ٢٤٤.

الآية [٣٠] : (٢) : ٣٠.

الآية [٣١] : (٢) : ٢٤٣.

الآية [٣٢] : (١) : ٣٤٩.

الآية [٣٧] : (٢) : ٢٢٤.

الآية [٤٠] : (٣) : ٦٧ ، ١١٥.

الآية [٤٢] : (٢) : ٥٨ ، ٦٢ ، ٧٠.

الآية [٤٦] : (٢) : ٧٠ ، ١٧٥.

الآية [٤٧] : (٢) : ١٧٦.

الآية [٥٥] : (٢) : ١٧٥.

الآية [٦٥ ، ٦٦] : (٢) : ٢٣ ، ٢٢٤ ، ٢٧٤.

الآية [٦٦] : (٢) : ٣١٩.

الآية [٦٧] : (١) : ٤٠٤.

الآية [٧٠] : (٢) : ١٢٧.

الآية [٧١] : (٢) : ٢٦١ ، ٢٦٢ ، : (٣) : ١٥٥.

الآية [٧٤] : (٢) : ٢٢٤.

الآية [٧٩] : (١) : ٤٠٤.

الآية [٨١] : (٣) : ٢٤٠.

الآية [٨٣] : (٣) : ٢٨.

الآية [٩٤] : (٣) : ١٣٥.

الآية [٩٧] : (١) : ١٠٣.

الآية [١٠١] : (٢) : ٢٤٠ ، ٢٦٤ ، : (٣) : ٧٣.

الآية [١٠٢] : (٢) : ٢٥٣.

الآية [١٠٣] : (٢) : ٢٥٦ ، : (٣) : ٧٤.

الآية [١٠٩] : (٣) : ٢٣٦.

الآية [١١١] : (٢) : ١٨٦.

الآية [١١٤] : (٢) : ٢٩٣ ، : (٣) : ٣٨.

الآية [١١٥] : (٢) : ٨١.

الآية [١٢٢] : (٢) : ٣٦٣.

الآية [١٢٤] : (٢) : ٢١٤.

سورة يونس

الآية [٢] : (٢) : ٥.

الآية [٣] : (٢) : ١٥٧ ، ٣٦٧.

الآية [٥] : (٣) : ٢١١.

الآية [١٩] : (٢) : ٤١.

الآية [٢٧] : (٢) : ٣٤١.

الآية [٣٠] : (٢) : ٣٤٤ ، : (٣) : ٢٧١.

الآية [٣٢] : (٣) : ٢٢٨.

الآية [٣٣] : (٢) : ١٦٥ ، ٢٥٤.

الآية [٣٦] : (٣) : ٣٠ ، ٢٩٧.

الآية [٣٩] : (٢) : ٧.

الآية [٦٢] : (٢) : ٣٤١.

الآية [٦٥] : (٣) : ٦٨.

الآية [٨٨] : (٢) : ١٨٤.

الآيتان [٨٨ ، ٨٩] : (٢) : ١٥٣.

الآية [٩١] : (٢) : ١٨١.

الآية [٩٤] : (٢) : ٣١٤.

الآية [٩٨] : (٢) : ١٨٢.

الآية [٩٩] : (٢) : ٢٠٣.

الآيتان [٩٩ ، ١٠٠] : (٢) : ١٧١ ، ١٨١ ، ١٨٣.

الآية [١٠٠] : (٢) : ٧٢ ، ١١٥ ، ١٦٣ ، ١٨١ ، ١٨٣ ، : (٣) : ٢٥٢.

سورة هود

الآية [٤] : (١) : ٨٥.

الآية [١٨] : (٢) : ٢٥٥.

الآية [٣٢] : (١) : ٣٤٨.

الآية [٣٦] : (١) : ٣٨٩ ، ٣٩٠ ، : (٢) : ٢٥ ، ٣٩١.

الآية [٤٦] : (٢) : ٢٨٩.

الآيات [٦٨ ـ ٧٠] : (١) : ١٥٧.

الآيات [٧١ ـ ٧٣] : (٣) : ١٨٧.

الآية [٧٨] : (٢) : ٢٩٤.

الآية [٨٠] : (٢) : ٢٩٣.

الآية [١٠٧] : (٢) : ١٧٧.

الآية [١٠٨] : (١) : ٣٦٧ ، : (٢) : ٣٩٧.

الآية [١٠٩] : (١) : ٣٣ ، : (٢) : ٣٥٢.

الآية [١١١] : (٢) : ٣٤٤.

الآية [١١٤] : (٢) : ٣٤٤ ، ٣٤٥ ،٣٥٠.

الآية [١١٩] : (٢) : ١٧٤.

سورة يوسف

الآية [٢] : (٢) : ١٧٧.

الآية [٣] : (٢) : ٤٥.

الآية [٤] : (٣) : ١٩٤.

الآية [١٨] : (٣) : ٢٨٩.

الآية [٢١] : (٢) : ٨.

الآية [٢٤] : (٢) : ٢٩٦ ، ٢٩٨ ، ٢٩٩ ، ٣٠٠.

الآية [٢٥] : (٢) : ٣٠٠.

الآية [٢٨] : (٢) : ١١٧ ، : (٣) : ٢٨٩.

الآية [٣٣] : (٢) : ١٧١ ، ٣٠٠.

الآية [٣٣ ، ٣٤] : (٢) : ٧٢.

الآية [٣٤] : (٢) : ٣٠٠.

الآية [٤٠] : (٣) : ٢٠٠ ، ٢٠١.

الآية [٤٢] : (٢) : ٢٩٦ ، ٢٩٨.

الآية [٤٥] : (٢) : ٢٩٨.

الآية [٤٦] : (٣) : ١٨٧.

الآية [٥٢] : (٢) : ٢٩٩.

الآية [٥٣] : (٢) : ٨٤ ، ٢٩٩ ، : (٣) : ٢٧١.

الآية [٥٥] : (٢) : ٣٢٦.

الآيتان [٦٧ ، ٦٨] : (٢) : ٢٨٨.

الآية [٧٠] : (٢) : ٢٩٦ ، ٢٩٧.

الآية [٧٢] : (٢) : ٢٩٨.

الآية [٧٧] : (٢) : ٢٩٥.

الآية [١٠٠] : (٣) : ١٩٤.

الآية [١٠٣] : (٢) : ١٤٩.

الآية [١٠٦] : (٢) : ٢٢١.

الآية [١١٠] : (٢) : ٣١٣.

سورة الرعد

الآية [٤] : (٢) : ٩١.

الآية [٦] : (٢) : ٢٥٥.

الآية [٨] : (١) : ٢٨ ، : (٣) : ١٣٠.

الآية [١١] : (٢) : ١٦ ، ٢٠٨.

الآية [١٥] : (١) : ١٠١ ، ١٠٢.

الآية [١٦] : (٢) : ٨٩ ، ٩٥.

الآية [١٧] : (٢) : ١٠٩ ، ١١٨.

الآية [٢٣] : (٣) : ١٩٥.

الآية [٢٦] : (٢) : ٢٥.

الآية [٣٩] : (٢) : ٣٦٠.

الآية [٤١] : (١) : ٢٣٧.

الآية [٤٢] : (١) : ٤٠٤ ، : (٢) : ١٠.

سورة إبراهيم

الآية [١] : (٢) : ١٠٨.

الآية [٤] : (٢) : ٤١ ، ١٧٧ ، : (٣) : ٧٥ ، ٧٦.

الآية [٥] : (٢) : ١٠٨.

الآية [١١] : (١) : ٤١١ ، : (٢) : ٢٨٩.

الآية [٢٨] : (٢) : ١٠٨ ، ٢٥٢ ، ٢٦٦ ، : (٣) : ١٦١.

الآية [٢٨ ، ٢٩] : (٢) : ٢٠٨.

الآية [٢٩] : (٢) : ٢٦٦.

الآية [٣٥ ، ٣٦] : (٢) : ١١٠.

الآية [٤٨] : (١) : ٣٦٦.

الآية [٥١] : (٢) : ٣٤٣.

سورة الحجر

الآية [٨] : (٢) : ٢٧٩ ، ٣٢٣.

الآية [٩] : (٣) : ٢٩٧.

الآية [١٥] : (٣) : ١٧٥.

الآية [٢٧] : (٣) : ١٨٠.

الآية [٣٣] : (٢) : ٢١٨.

الآية [٣٦] : (٢) : ٢١٨.

الآية [٣٩] : (٢) : ٨٠.

الآية [٤٢] : (٢) : ٣٨٧.

الآية [٤٧] : (١) : ٣٦٤.

الآية [٦٦] : (٢) : ٨٤.

سورة النحل

الآية [١٧] : (٢) : ٨٨ ، ٩٦ ، ٩٧.

الآية [٢٥] : (٢) : ١٢١.

الآية [٢٧] : (٣) : ٢١٨.

الآية [٣٥] : (٢) : ١٧٨ ، ١٧٩.

الآية [٣٦] : (٢) : ٧٦ ، ١٦٤ ، ١٧٩.

الآية [٣٧] : (٢) : ٧٢ ، ٧٦.

الآية [٤٠] : (٣) : ٢٧٥.

الآية [٤٣] : (٣) : ١٨٦.

الآية [٤٤] : (٢) : ٣٦٦.

الآية [٤٨] : (١) : ١٠٢.

الآية [٤٩ ، ٥٠] : (٢) : ٢٧٨.

الآية [٥٠] : (١) : ٣٨٤ ، : (٢) : ٢٧٨.

الآية [٦٠] : (٢) : ١٢.

الآية [٦١] : (٣) : ١٠٧.

الآية [٦٣] : (٢) : ١٠٨.

الآية [٦٧] : (٣) : ٢٤١.

الآية [٦٨] : (٣) : ١٨٦.

الآية [٧٤] : (٢) : ١٢.

الآية [٨٨] : (٢) : ٩٨.

الآية [٨٩] : (٢) : ١٧٧ ، ٣١٩ ، : (٣) : ١٠٤.

الآية [٩٣] : (٢) : ١٦٤ ، ١٧٢.

الآية [٩٤] : (٢) : ١١٧.

الآية [١٠٦] : (٢) : ٢٢٩.

الآية [١١٨] : (٣) : ١٦٥.

الآية [١٢٥] : (١) : ٣٤٨.

الآية [١٢٧] : (٢) : ٧٢ ، ١٧٤ ، : (٣) : ٦٨.

سورة الإسراء

الآية [٧] : (٢) : ٨٤.

الآية [٤ ـ ٨] : (١) : ٣٩٠ ، ٣٩١.

الآية [٥] : (٢) : ١١٤.

الآية [٧] : (٢) : ٩٨ ، ١٧٤.

الآية [١٢] : (١) : ٣٥٢.

الآية [١٣ ، ١٤] : (٢) : ٣٧١.

الآية [١٥] : (١) : ١٠٣ ، : (٢) : ١٧٤ ، ٢٧٧ ، ٣٦٢.

الآية [١٦] : (٢) : ٢٠٤ ، ٢٠٥.

الآية [٢٣] : (٢) : ٨٤.

الآية [٣٣] : (٣) : ٢٤ ، ٧٩.

الآية [٣٦] : (٣) : ١٠٨ ، ١٨١ ، ٢٩٣.

الآية [٣٧] : (٣) : ١١٥.

الآية [٤٤] : (١) : ٩٩ ، ١٠١.

الآيتان [٤٥ ، ٤٦] : (٢) : ٧٢.

الآية [٥٥] : (٢) : ١٥٣.

الآية [٥٩] : (١) : ١٣٢ ، : (٣) : ١٧٤.

الآية [٧٠] : (٢) : ١٥٣ ، : (٣) : ١٩٨.

الآية [٧٤] : (٢) : ٧٣.

الآية [٧٩] : (٢) : ٣٦٨.

الآية [٨٥] : (١) : ٣٩١ ، : (٢) : ٨ ، : (٣) : ٢٧٢.

الآية [٨٨] : (٢) : ٤٨ ، ٤٩ ، ٥٢ ، ٥٣.

الآية [٨٩] : (٢) : ١٤٩.

الآيات [٩٠ ـ ٩٣] : (٢) : ٥١.

الآية [٩٥] : (٢) : ٢٧٩.

الآية [١٠٢] : (٢) : ٢٢٣.

الآية [١١٠] : (١) : ٤٠٩ ، : (٣) : ٢٠٦.

سورة كهف

الآية [٦] : (٣) : ٦٨.

الآية [١٧] : (٢) : ٧٠ ، ١٨٣.

الآية [٢٣] : (٢) : ١٧٧.

الآيتان [٢٣ ، ٢٤] : (٢) : ٣٠٩ ، ٣١١.

الآية [٢٩] : (٣) : ٢٣٦.

الآية [٣٠] : (٢) : ٥٥.

الآية [٣٤] : (٣) : ٦٧.

الآيات [٣٥ ـ ٤٢] : (٢) : ٢١٦.

الآية [٤٥] : (٢) : ١١٠.

الآية [٤٩] : (٢) : ٣٤٣.

الآية [٥٠] : (٢) : ٣٢٦ ، : (٣) : ١٧٩.

الآية [٥١] : (١) : ١٠٢ ، ٣٦٢ ، : (٢) : ٣٧٦ ، : (٣) : ٢١٤.

الآية [٦٥] : (٢) : ٧١.

الآية [٦٧] : (٢) : ٦٤ ، ٧١.

الآية [٦٩] : (٢) : ٧١.

الآية [٧٢] : (٢) : ٧١.

الآية [٧٣] : (٢) : ٣٠٢.

الآية [٧٤] : (٢) : ٣٠١.

الآية [٧٧] : (١) : ١٠٥.

الآية [٨٢] : (٢) : ٦٤ ، ٧١.

الآية [٨٦] : (١) : ٣٥٦ ، ٣٥٧.

الآية [١٠٠ ، ١٠١] : (٢) : ٧١.

الآية [١٠١] : (٢) : ٦٤.

الآية [١٠٤] : (٢) : ٢٧٣ ، ٢٧٤.

الآية [١٠٥] : (٢) : ٢٧٤ ، ٣٦٩.

الآية [١٠٥ ، ١٠٦] : (٢) : ٢٧٣.

الآية [١٠٧] : (٢) : ٥٥.

الآية [١٠٩] : (٢) : ٣٧.

سورة المريم

الآية [٥] : (٣) : ٩ ، ١٠.

الآية [٥ ، ٦] : (٣) : ٩ ، ١٠.

الآية [٧] : (٣) : ٢٠٨ ، : (٣) : ٢٠٦.

الآية [٩] : (٣) : ٢٠٨ ، : (٣) : ٢١٨.

الآية [١٠] : (١) : ٢٠٨.

الآيات [١٧ ـ ٣١] : (١) : ٣١٠.

الآية [١٩] : (٢) : ١٠٧ ، : (٣) : ١٨٧.

الآيتان [١٩ ، ٢٠] : (١) : ٢٠٨.

الآية [٢١] : (١) : ٢٠٨.

الآية [٤٢] : (١) : ١٠٤.

الآية [٥٨] : (٣) : ١٨٧ ، ١٩٣.

الآية [٦٤] : (٢) : ٥٣.

الآية [٦٥] : (٣) : ٢٠٦.

الآية [٧١] : (٢) : ٣٤٦.

الآيتان [٧١ ، ٧٢] : (٢) : ٣٧٠.

الآية [٨٧] : (٢) : ٣٦٦.

الآية [٩٠] : (٢) : ٢٣٥.

سورة طه

الآية [٥] : (١) : ٣٥٣ ، ٣٨١ ، ٣٨٢.

الآية [٧] : (١) : ٤٠١ ، ٤٠٣.

الآية [١٥] : (٢) : ٣٤٤.

الآية [٣٩] : (٢) : ٤.

الآية [٤٤] : (١) : ٣٨٨.

الآية [٤٦] : (١) : ٤٠٢.

الآية [٥٥] : (٢) : ٣٧٣.

الآية [٦٦] : (١) : ١٨١ ، : (٣) : ٦٨ ، ١٧١.

الآية [٦٩] : (٣) : ١٧٢.

الآية [٧١] : (١) : ١٨٠ ، : (٣) : ١٧٣.

الآية [٧٩] : (١) : ١٨٠.

الآية [٨٢] : (٢) : ٣٦٣.

الآيات [٨٨ ـ ٩٤] : (١) : ١٨٩.

الآية [٩٤] : (٢) : ٣٠١.

الآية [١٠٣] : (٢) : ١٦١.

الآية [١٠٩] : (٢) : ٣٦٧.

الآية [١١٠] : (١) : ٣٩٢ ، : (٢) : ١٤.

الآية [١١٤] : (٢) : ٣٦٠.

الآية [١١٥] : (٢) : ١٦٣ ، ٢٨٧.

الآية [١١٨] : (٢) : ٣٩٣.

الآية [١٢١] : (٢) : ٢٨٦ ، ٢٨٧.

سورة الأنبياء

الآية [٧] : (٢) : ٣٦٣.

الآية [١٧] : (٢) : ٢٢ ، ٢٧٩.

الآية [٢٠] : (٢) : ٢٧٨.

الآية [٢٣] : (١) : ٨٨ ، ١١٩ ، ٢٣٧ ، : (٢) : ٦٦ ، ٣٨٤.

الآية [٢٦ ، ٢٧] : (٢) : ٢٨٧.

الآية [٢٦ ، ٢٩] : (٢) : ٢٨٧.

الآية [٢٧] : (٣) : ١٩٦.

الآية [٢٨] : (٢) : ٣٦٨.

الآية [٢٩] : (٢) : ٢٧٩.

الآية [٣٠] : (١) : ٣٦٦ ، : (٢) : ١٥٧.

الآية [٤٧] : (٢) : ٢٥٤ ، ٣٤٣ ، ٣٦٨ ، : (٣) : ١٥٧.

الآية [٥١] : (٢) : ٢٩١.

الآية [٦٣] : (٢) : ٢٨٩ ، ٢٩١.

الآية [٦٩] : (٣) : ٢٤٠.

الآية [٨٧] : (٢) : ٣٠٣ ، ٣٠٤.

الآيات [١٠١ ـ ١٠٣] : (٣) : ٧٢.

الآية [١٠٣] : (٣) : ١٩٥.

الآية [١٠٤] : (١) : ٣٦٦ ، ٣٦٧.

الآية [١١٢] : (١) : ٣٩٢.

سورة الحج

الآية [١] : (٣) : ٢١٧.

الآية [٥] : (٣) : ١٥٦ ، ٢٣٦.

الآية [٧] : (٢) : ٣٨٩.

الآية [١٥] : (١) : ١١٤.

الآية [١٨] : (١) : ٩٩ ، : (٢) : ١١٧.

الآية [٤٦] : (٢) : ٤١٣ ، : (٣) : ٢٥١.

الآية [٤٧] : (٢) : ١٦١.

الآية [٥٢] : (٢) : ٣٠٨ ، ٣٠٩ ، ٣١١.

الآية [٧٥] : (٢) : ٣١٦، : (٣) : ١٩٣.

الآية [٧٨] : (٣) : ٩٥ ، ٩٩.

سورة المؤمنون

الآيات [١٢ ـ ١٤] : (٢) : ٩١.

الآية [١٣] : (٢) : ٣٧٧.

الآيتان [١٣ ، ١٤] : (٢) : ٣٩١.

الآية [١٤] : (٢) : ٩٤ ، ٩٥ ، ٩٦ ، : (٣) : ٢٣١.

الآية [١٦ ، ١٧] : (٢) : ٣٩٠.

الآية [١٧] : (١) : ٢١١.

الآية [٢٠] : (٣) : ٢٤٠.

الآية [٤٧] : (٢) : ١٦٦.

الآية [٥٥ ، ٥٦] : (٢) : ٢٠٤.

الآية [٩١] : (٢) : ١٢٤.

الآية [١٠٣] : (٢) : ٣٦٩.

الآية [١٠٤] : (٢) : ١٠٩ ، ١١٨ ، : (٣) : ١٥٦ ، ٢٣٦.

الآية [١٠٨] : (٢) : ٣٨ ، ٤٣.

سورة النور

الآية [٢] : (٢) : ٢٦٠.

الآية [٣ ، ٤] : (٢) : ٢٦١.

الآية [٤] : (٣) : ١٩٧.

الآية [١٥] : (١) : ١٠٣ ، ٣٦٨ ، : (٣) : ١٠٨.

الآية [٢٣] : (٢) : ٣٤١.

الآية [٢٦] : (٢) : ٢٧٩.

الآية [٣٥] : (١) : ١٨٥ ، ١٨٦ ، ٣٧٦.

الآية [٤٠] : (٣) : ٣٢٣.

الآية [٦١] : (٣) : ٢٥٢.

سورة الفرقان

الآية [٢] : (٣) : ٢١٤ ، ٢١٨ ، ٢٢٨.

الآية [٣] : (٢) : ٨٨ ، ٩٧.

الآية [٨] : (٢) : ٧١.

الآيتان [٢١ ، ٢٢] : (٢) : ٣٢٤.

الآية [٢٢] : (٣) : ١٩٦.

الآية [٤٤] : (٣) : ٢٥٢.

الآية [٥٨] : (١) : ٤١٤.

الآية [٦١] : (١) : ٣٥٤.

الآية [٦٨] : (٢) : ٣٤١.

الآية [٧٠] : (٢) : ٣٦٠.

سورة النساء

الآية [٢٠] : (٢) : ٣٠٢.

الآية [٣٢] : (١) : ١٨١.

الآية [٤٩] : (١) : ١٨٠.

الآية [٥٤] : (١) : ١٩٤.

الآية [٦١] : (٢) : ٣٥.

الآية [٨٢] : (٣) : ٣٠١.

الآية [٩٣] : (٢) : ١٤٩.

الآية [٩٩] : (٢) : ٨٠.

الآية [١٠٠] : (٢) : ٣٦٦.

الآية [١٩٤] : (٢) : ٣٩.

الآية [١٩٥] : (٢) : ٤١.

الآية [١٩٦] : (١) : ٢٣٧.

سورة النمل

الآيتان [١٣ ، ١٤] : (٢) : ٢٢٣.

الآية [١٦] : (١) : ٩٩ ، : (٣) : ٩.

الآية [١٨] : (١) : ٩٩.

الآية [٢٣] : (٢) : ٩٢.

الآية [٥٠] : (١) : ٤٠٤.

الآية [٦٤] : (٣) : ١٧٣.

الآية [٧٨] : (٣) : ٢٩١.

الآية [٨٧] : (٢) : ١٥٩.

الآية [٨٨] : (٢) : ٩٤.

الآية [٩٠] : (٢) : ٢٣٥ ، ٣٤١ ، ٣٤٥ ، ٣٤٨ ، ٣٥٣ ، ٣٨٥ ، : (٣) : ٤٩ ، ١٩٩.

سورة القصص

الآية [٧] : (٢) : ٣٠١.

الآية [١٠] : (٢) : ٣٠٠.

الآية [١٤] : (١) : ٣٨٣.

الآية [٣٠] : (٢) : ٤٤.

الآية [٣٥] : (٣) : ٦٨.

الآية [٥٤] : (٣) : ٤٤.

الآية [٥٦] : (٢) : ١٨٣ ، : (٣) : ٤٦.

الآية [٦٨] : (١) : ٤٠٢ ، : (٢) : ٥٧ ، ١١٢.

الآية [٨٨] : (٢) : ٣٩٦.

سورة العنكبوت

الآية [١] : (٢) : ٣٢٥.

الآيات [١ ـ ٣] : (٢) : ٣٠٦.

الآية [١٢] : (٢) : ١٢١.

الآية [١٣] : (٢) : ١٢٠.

الآية [١٧] : (٢) : ٩٤ ، ٩٦.

الآية [٤٦] : (١) : ١٢١.

الآية [٤٩] : (٢) : ٤٠ ، : (٣) : ١٤٩.

الآية [٥١] : (٢) : ١٧٧.

الآية [٦١] : (٢) : ٢٢١.

الآية [٦٤] : (٣) : ٢٦٩.

سورة الروم

الآية [٦] : (٣) : ٧٢.

الآية [٣٠] : (٢) : ٨٨ ، ١٥٦ ، ٣٨٦.

الآية [٤٠] : (٢) : ٩ ، ١١٦.

الآية [٤٧] : (٢) : ١٣٢.

الآية [٥٤] : (٢) : ٢٦.

سورة لقمان

الآية [١١] : (١) : ٣٩٢ ، : (٢) : ٨٩ ، : (٣) : ٢١٤.

الآية [٢٣] : (٣) : ٦٨.

الآية [٢٥] : (٢) : ١٧٩.

الآية [٢٧] : (٢) : ٣٧.

الآية [٣٣] : (٣) : ٧٧.

سورة السجدة

الآية [٤] : (٢) : ٩٠.

الآية [٥] : (٢) : ١٦١.

الآية [٧] : (٢) : ٩٤ ، ٩٨.

الآية [١٣] : (٢) : ٧٧ ، ١٧٣ ، ١٨٣ ، ٢٠٣.

الآية [١٨] : (٢) : ٢٥٣.

الآية [١٩] : (٢) : ٣٩٢.

الآية [٢١] : (٢) : ١١٧ ، ٣٥٣.

الآية [٢٧] : (٣) : ١٥٦.

الآيتان [٢٨ ، ٢٩] : (٢) : ١٨١.

سورة الأحزاب

الآية [٥] : (٢) : ٢٥٨ ، ٢٧٧.

الآية [٦] : (٣) : ٣٩.

الآية [١٦] : (٢) : ١١٥.

الآية [٢١] : (٢) : ٣١٢ ، ٣١٧ ، : (٣) : ١٦٣.

الآية [٣٠] : (٢) : ٢٧٩.

الآية [٣١] : (٣) : ٤١ ، ٤٣ ، ٤٤.

الآية [٣٢] : (٣) : ٤٣ ، ٥٥.

الآية [٣٥] : (٣) : ٤٩.

الآية [٣٧] : (٢) : ٣٠٩ ، ٣١٢.

الآية [٤٠] : (٣) : ١١٣.

الآيتان [٤٢ ، ٤٣] : (٣) : ٤٣.

الآية [٥٧] : (٢) : ٣٢١.

الآية [٦٧] : (٢) : ٣٢٨.

الآية [٦٩] : (٣) : ٥٠.

الآية [٧٢] : (١) : ٩٩ ، : (٢) : ١٤٤.

سورة سبأ

الآية [٢٣] : (٢) : ٣٦٧.

الآية [٤١] : (٢) : ٩٧ ، ١٦٦.

سورة الفاطر

الآية [١] : (١) : ٣٠ ، : (٢) : ٢٧٩ ، : (٣) : ١٩٢.

الآية [٣] : (٢) : ٨٨.

الآية [٨] : (٣) : ٦٨.

الآية [٩] : (٣) : ٢١١.

الآية [١٠] : (٢) : ١٠ ، ١١٠ ، ١١٨ ، : (٣) : ٢٣٦.

الآية [١١] : (٢) : ١١٤.

الآية [٢٤] : (١) : ٩٦ ، ٩٧ ، ١٢٣ ، ١٣٤ ، : (٣) : ٧٥.

الآية [٢٨] : (٣) : ٦٣.

الآية [٣٦] : (٢) : ٣٦٧.

الآية [٤١] : (١) : ٣٨٤ ، : (٣) : ١٦٠ ، ٢٣٤.

سورة يس

الآية [٦] : (٢) : ٣٢١.

الآية [٣٦] : (٢) : ١١٨.

الآية [٣٨] : (١) : ٣٥٥.

الآية [٣٩] : (١) : ٤١٠.

الآية [٣٩ ، ٤٠] : (٣) : ٢١١.

الآية [٤٠] : (١) : ٣٥٥ ، ٣٥٩.

الآية [٤٧] : (٢) : ١٨٠.

الآية [٥٢] : (٢) : ١٦٠ ، ٣٩٠.

الآيتان [٥٣ ، ٥٤] : (٢) : ٣٤٣.

الآيتان [٥٥ ، ٥٦] : (٣) : ٥٢.

الآية [٧٠] : (١) : ٤١٦.

الآية [٧١] : (٢) : ٣.

الآية [٧٨] : (٢) : ٣٨٩٦.

الآية [٨١] : (٢) : ٢٥.

الآية [٨٢] : (١) : ٣١٥ ، : (٢) : ١٦ ، ٤٣ ، ٧٠ ، ١٦٤ ، : (٣) : ١٥٠ ، ١٦٨.

الآيتان [٦ ، ٧] : (١) : ٢٥٣.

الآية [٨٩] : (٢) : ٢٨٩ ، ٢٩١.

الآية [٩٥ ، ٩٦] : (٢) : ٨٩ ، ٩٠.

الآية [٩٦] : (٢) : ٩٠.

الآية [١٤٢] : (٢) : ٣٠٣.

الآيتان [١٤٣ ، ١٤٤] : (٢) : ٣٠٣.

الآية [١٨٠] : (١) : ٩.

سورة ص

الآية [٢١] : (٢) : ٣٠٥.

الآية [٢١ ـ ٢٥] : (٢) : ٣٠٤.

الآية [٢٢ ، ٢٣] : (٢) : ٣٠٦.

الآية [٢٤] : (٢) : ١٤٩ ، ٣٠٥.

الآية [٢٥] : (٢) : ٣٠٥.

الآية [٣٤] : (٢) : ٣٠٦.

الآية [٧٥] : (٢) : ٣ ، ٤٣ ، ٢١٩.

سورة الزمر

الآية [٤] : (٢) : ٢٢ ، ٢٧٩.

الآية [٥] : (١) : ٣٥٢.

الآية [٦] : (٢) : ٩٠ ، : (٣) : ٢٣١.

الآية [٧] : (٢) : ١٦٨ ، ٣٦٠ ، : (٣) : ١٥٩.

الآية [٩] : (٣) : ٢٢٨.

الآية [١٠] : (١) : ٣٣.

الآية [٢٠] : (٣) : ٤١.

الآية [٤٢] : (٢) : ٣٧٣ ، : (٣) : ١٥٤ ، ٢٥٦.

الآية [٤٣] : (١) : ١٠٤.

الآية [٤٤] : (٢) : ١٠.

الآية [٥٣] : (٢) : ٣٤٧.

الآية [٥٦] : (٢) : ٤.

الآية [٦٥] : (٢) : ٢٣٦ ، ٢٥٤ ، ٢٧٩ ، ٣٥٤.

الآية [٦٨] : (٢) : ١٥٩.

الآية [٦٩] : (٢) : ١٠٧.

سورة غافر

الآية [٥] : (٢) : ٢٩٩.

الآية [٧] : (١) : ٣٦١ ، ٣٨٤ ، : (٢) : ٣٠٥.

الآية [٩] : (٢) : ٢٠٣.

الآية [١١] : (٢) : ١٥٨ ، ٣٧٢ ، ٣٧٤.

الآية [١٧] : (٢) : ١٢٧ ، ٢٥٤ ، ٣٤٤ ، ٣٤٨ ، ٣٨٥ ، : (٣) : ٢٧١.

الآية [٣٤] : (٣) : ٢٩٤.

الآية [٤٦] : (٢) : ١٦٠ ، ٢٣٥ ، ٣٥٣ ، ٣٧٢ ، : (٣) : ١٥٣ ، ٢٧١.

الآية [٦٠] : (٢) : ١٧٧.

الآية [٦١] : (٣) : ٢٠٧.

الآية [٦٤] : (٢) : ٢٠٧.

الآية [٦٧] : (٢) : ٣٩٠.

الآية [٧٨] : (١) : ١٢٣.

سورة فصلت

الآية [١٠] : (٢) : ٨٥.

الآية [١١] : (١) : ٩٩ ، ٣٨٣.

الآية [١٢] : (١) : ١٠٧.

الآية [١٥] : (٢) : ١٠.

الآية [١٧] : (٢) : ٧٦ ، ٧٨.

الآية [٢٣] : (٢) : ١١٠ ، ١١٨.

الآيتان [٣٧ ، ٣٨] : (١) : ١٠١.

الآية [٣٨] : (٢) : ٢٧٨.

الآية [٤٤] : (٢) : ١٧١ ، ١٨٥.

الآية [٤٦] : (٢) : ١٦٥

الآية [٤٧] : (٢) : ٩٦.

الآية [٥٤] : (١) : ٣٨٣.

سورة الشورى

الآية [٥] : (٣) : ١٩٦.

الآية [١٠] : (٣) : ٨١.

الآية [١١] : (١) : ١١٠ ، ٣٩٧ ، ٣٩٩ ، : (٢) : ٧٥ ، ٤٠٠ ، ٤٠١ ، : (٢) : ٦.

الآية [٢١] : (٢) : ١١٧.

الآية [٢٣] : (٣) : ٧٤ ، ٧٥.

الآية [٢٧] : (٢) : ١٩٢.

الآية [٤٠] : (٢) : ٣٤٥.

الآية [٥١] : (١) : ٨٠ ، : (٢) : ٤٤.

الآيتان [٥٢ ، ٥٣] : (٢) : ٧٨.

سورة الزخرف

الآية [١٨] : (٣) : ٥٣.

الآية [٢٠] : (٢) : ١٨٧ ، : (٣) : ٩١.

الآيتان [٢١ ، ٢٢] : (٢) : ١٧٨.

الآية [٢٣] : (٢) : ٣٢٧.

الآية [٢٤] : (٢) : ٣٢٧.

الآية [٣٣] : (٣) : ٢٥ ، ١٩٢.

الآية [٧٢] : (٣) : ٤١.

الآية [٨٦] : (٢) : ٢٢٩ ، ٣٦٧.

الآية [٨٧] : (٢) : ٢١٨.

سورة الدخان

الآية [٣٨ ، ٣٩] : (٢) : ١٦٥.

الآية [٤٩] : (٢) : ٢٩١.

الآية [٥٦] : (٢) : ٣٩٨.

سورة الجلاثية

الآية [٢١] : (٢) : ٣١٥ ، ٣١٧.

الآية [٢٩] : (٢) : ٣٧١.

الآية [٣٢] : (٣) : ٩١.

سورة الأحقاف

الآية [٩] : (٢) : ٣٨٥.

الآية [١٤] : (٢) : ٥٥ ، : (٣) : ٤١.

الآية [٢٥] : (٢) : ٩٢.

الآية [٣١] : (٣) : ١٠٨.

الآية [٣٢] : (٣) : ١٧٨.

سورة محمد

الآية [٢٤] : (٢) : ١٧٧.

الآية [٢٥] : (٢) : ١٠٩.

الآيات [٢٥ ـ ٢٨] : (٢) : ٢٤٠.

الآية [٢٨] : (٢) : ١١٨ ، ١٦٨ ، : (٣) : ١٥٩.

الآية [٣٠] : (٢) : ٢٤٠.

الآية [٣١] : (١) : ٣٨٦ ، ٣٨٨.

الآية [٣٢] : (٢) : ٢٢٢.

الآية [٣٨] : (٢) : ٢٠٥.

سورة الفتح

الآيتان [١ ، ٢] : (٢) : ٣١٩.

الآية [٢] : (٢) : ٣٠١ ، ٣٠٩.

الآية [٤] : (٢) : ٢١٣.

الآية [٨ ، ٩] : (٢) : ٣١٩.

الآية [١٠] : (١) : ٣.

الآية [١٥] : (٣) : ٢٨.

الآية [١٦] : (٣) : ٢٨.

الآية [١٨] : (٣) : ٧٢ ، ٨٢.

الآية [٢٤] : (٢) : ١٨٤.

الآية [٢٩] : (٢) : ٢٣٢ ، ٢٤١ ، ٢٧٠ ،

 : (٣) : ٤١ ، ٨٢ ، ١٥٣.

سورة الحجرات

الآية [٢] : (٢) : ٢٣٦ ، ٢٤٠.

الآية [٦] : (٢) : ٢٦٦.

الآية [٧] : (٢) : ١٤٩ ، ٢٠٤.

الآيتان [٧ ، ٨] : (٢) : ٣٣٠.

الآية [٩] : (٣) : ١٠٤ ، ٢٩٢.

الآيتان [٩ ، ١٠] : (٢) : ٢٥٧.

الآية [١٠] : (٢) : ٢٩٠ ، : (٣) : ٨٦.

الآية [١٣] : (٣) : ٧٦.

الآية [١٤] : (٢) : ٢٢٨ ، ٢٤٦.

الآية [١٥] : (٢) : ٢٣٠ ، ٢٥٥.

الآية [١٧] : (١) : ٢٤٣ ، : (٢) : ٢١٥ ، ٢٤٦ ، ٢٤٧ ، ٣٣٦.

سورة ق

الآية [٩] : (٣) : ١٥٦ ، ٢١٢.

الآية [١٦] : (١) : ٣٨٠.

الآيتان [١٧ ، ١٨] : (٢) : ٣٧١.

الآيات [٢٢ ـ ٢٩] : (٢) : ٣٤٤.

الآيتان [٢٨ ـ ٢٩] : (٢) : ٣٥١.

الآية [٢٩] : (٢) : ١١٥.

سورة الذاريات

الآية [١٠] : (٣) : ٩١.

الآيتان [٣٥ ، ٣٦] : (٢) : ٢١٥ ، ٢٤٦.

الآية [٤٧] : (١) : ٣٩٦.

الآية [٥٦] : (٢) : ١٦٥ ، ١٦٦.

سورة الطور

الآية [٢١] : (٣) : ٥٤ ، ٢٧١.

الآية [٤٤] : (٣) : ١١٩.

الآية [٤٧] : (٢) : ٣٤٤.

الآية [٤٨] : (١) : ٤٠٨ ، : (٢) : ٤.

الآيتان [٤٨ ، ٤٩] : (٣) : ٢٠١.

سورة النجم

الآية [١] : (٢) : ٣٠٨.

الآيتان [٢ ، ٣] : (٣) : ١٠٢.

الآيات [٣ ، ٤] : (٢) : ٣١٢ ، ٣٥٦ ، : (٣) : ٤٠ ، ٨٧.

الآيات [١٣ ـ ١٥] : (٢) : ١٦١.

الآية [١٣ ـ ١٨] : (٣) : ١٩٢.

الآيات [١٤ ، ١٥] : (٢) : ٣٩٢.

الآيات [٢٣] : (١) : ٣٧٧ ، : (٣) : ٢٩٢.

الآيتان [٢٣ ، ٢٤] : (٢) : ١١٢ ، ٢١١ ، : (٣) : ٩١.

الآية [٢٦] : (٢) : ٣٦٧.

الآية [٢٨] : (٢) : ٢٣٧.

الآية [٣١] : (٢) : ٣٤٤.

الآية [٣٢] : ٢٦٥ ، ٣٢٦ ، ٣٤٩ ، ٣٧٦.

الآيات [٣٩ ـ ٤١] : (٢) : ٣٤٤ ، : (٣) : ٤١.

سورة القمر

الآيات [١ ـ ٤] : (١) : ١٢٥.

الآية [٤٣] : (٣) : ٧٧.

الآية [٤٩] : (٢) : ٨٥ ، ٩٢ ، ٩٣ ، ١١١ ، : (٣) : ٢١٨.

الآية [٥٥] : (٢) : ٢٦.

سورة الرحمن

الآية [٦] : (٢) : ٩٩.

الآية [١٤] : (٣) : ٢٤٥.

الآية [٢٧] : (٢٧) : ١٨٧ ، : (٢) : ٣ ، : (٣) : ١١٩.

الآية [٤٦] : (١) : ٣٦١.

الآية [٥٤] : (١) : ٣٦٠.

الآية [٥٨] : (١) : ٤١١.

الآية [٦٨] : (٢) : ٢٤٣.

الآية [٧٨] : (٣) : ٢٠٠.

سورة الواقعة

الآية [٧ ـ ١٤] : (٢) : ١٦٠.

الآية [٩] : (٢) : ٣٧٨.

الآيتان [٩ ، ١٠] : (٣) : ٧٢.

الآية [١٩] : (١) : ٣٦٤.

الآية [٢٠] : (٢) : ٥٧.

الآية [٦١] : (٢) : ٢٥.

الآيتان [٦٣ ، ٦٤] : (٢) : ٩٧ ، ١٠٩ ، : (٣) : ٢٣٧.

الآية [٧٤] : (٣) : ٢٠١.

الآيتان [٧٨ ، ٧٩] : (٢) : ٣٩.

الآية [٨٥] : (١) : ٣٨٠.

الآيتان [٨٨ ، ٨٩] : (٢) : ١٦٠.

الآيات [٨٨ ، ٩٤] : (٢) : ١٦٠.

الآيات [٩٢ ، ٩٤] : (٢) : ٢٤٤.

سورة الحديد

الآية [٣] : (١) : ٣٥٩.

الآية [١٠] : (٣) : ٣٥ ، ٣٦ ، ٧٢ ، ٨١ ، ١٩١.

الآية [٢٠] : (٢) : ٢٣٢ ، ٢٦٥.

الآية [٢١] : (١) : ٣٦٠ ، : (٢) : ١٩ ، : (٣) : ٤٢.

الآية [٢٢] : (٢) : ٩٩ ، ١٤٩.

الآيتان [٢٢ ، ٢٣] : (٢) : ٩٣.

الآية [٢٣] : (٢) : ٩٣.

الآية [٢٥] : (٢) : ١١١.

سورة المجادلة

الآية [١] : (١) : ٤٠٢.

الآية [٤] : (٢) : ٥٨.

الآية [٧] : (١) : ٤٤ ، ٤٥ ، ٣٨٠.

الآية [١٤] : (٢) : ٢٦٣.

الآية [١٨] : (٢) : ٢٧٤.

الآية [٢٢] : (٣) : ٣٨ ، ٤٦.

سورة الحشر

الآية [٨] : (٣) : ٢٦.

الآية [٩] : (٢) : ١٢٥.

الآية [١٦] : (٢) : ٣١ ، ٣٢٥.

الآية [٢٢ ـ ٢٤] : (١) : ٤٠٩.

الآية [٢٣] : (٣) : ٢٠٣.

سورة الممتحنة

الآية [٣] : (٣) : ٥٥.

الآية [٤] : (٣) : ١٣٥ ، ٢٠٦.

الآية [١٠] : (٢) : ٢٩٠ ، ٣٢٩.

سورة الصف

الآية [٢] : (٢) : ٥٥.

الآية [٦] : (٣) : ١٣٥ ، ٢٠٦.

الآية [١٤] : (١) : ٢٩٠ ، ٣٢٩.

سورة الجمعة

الآية [٦ ، ٧] : (١) : ١٢٥.

سورة المنافقون

الآية [١] : (٢) : ١٧٨ ، ٢٢٨.

الآية [١ ـ ٣] : (٢) : ٢٢٩.

الآية [٢] : (٣) : ١٥٨.

الآية [٦] : (١) : ٢٩٤.

الآية [١١] : (٢) : ١١٦.

سورة التغابن

الآية [٢] : (٢) : ٢٦٢.

الآية [١٦] : (٢) : ٥٨.

سورة طلاق

الآية [١] : (١) : ٣٧٧ ، ٣٨١ ، ٣٩٧ ، : (٢) : ٨ ، : (٣) : ٢٩٥.

الآية [٢] : (٢) : ٢٦٣.

الآية [١٢] : (١) : ٣٥٦.

سورة التحريم

الآية [٤] : (٢) : ٢٦٣.

الآية [٥] : (٢) : ٢٦ ، ٢٠٥.

الآية [٦] : (٢) : ٣٣٠.

الآية [١١] : (٢) : ٣٩٢.

سورة الملك

الآية [٢] : (١) : ٣٩٠ ، : (٢) : ٩١ ، ٩٢ ، : (٣) : ١٣٠.

الآية [٣] : (٢) : ٩٤ ، ٩٩ ، ١٠٠.

الآية [٨] : (١) : ٣٥٣.

الآية [١٠] : (٢) : ١٤٣ ، : (٣) : ٢٥٢.

الآية [١١] : (٢) : ٣٨ ، ١٤٣.

الآية [١٩] : (١) : ٤٠١.

سورة القلم

الآية [٣٠] : (٢) : ١٦٣.

الآية [٣٥] : (٢) : ٢٥٣.

الآية [٤٢] : (٢) : ٧ ، ٢١٩.

الآية [٣٢ ، ٤٣] : (٢) : ٦٤.

الآية [٤٤] : (٢) : ٢٠٤.

الآية [٤٥] : (٢) : ١٠٩.

الآية [٤٨ ، ٤٩] : (٢) : ٣٠٣.

سورة الحافة

الآية [٧] : (٣) : ١٩٦.

الآية [١٧] : (١) : ٣٨٣.

الآية [١٤ ـ ١٧] : (١) : ٣٦٦.

الآية [٤٤] : (٢) : ٢٥.

سورة المعارج

الآية [٤ ـ ١١] : (٢) : ١٦١.

الآية [٨ ، ٩] : (١) : ٣٦٦.

الآية [١٩ ، ٢٠] : (٣) : ٢٤٥.

الآية [٤٠ ، ٤١] : (٢) : ٢٠٥.

سورة النوح

الآية [١٠ ـ ١٢] : (٢) : ٢٥.

الآية [١٥] : (١) : ٣٥٣.

الآية [١٥ ، ١٦] : (١) : ٣٥٤.

الآية [٢٢] : (٢) : ١١٧.

الآية [٢٦] : (٢) : ٣٨١.

الآية [٢٧] : (٢) : ٣٨٠.

سورة الجن

الآية [١] : (٢) : ٣٩ ، ٢٨٢.

الآية [١٠] : (٢) : ٢٠٣.

الآية [١٣] : (٢) : ٢٨٢.

الآية [١٤ ، ١٥] : (٢) : ٢٨٢ ، ٢٨٣.

الآية [١٧] : (٢) : ٢٨٠.

الآية [٢١] : (٢) : ٣٦٦ ، ٣٦٨.

الآية [٢٨] : (١) : ٣١ ، : (٢) : ٣٩٦ ، : (٣) : ١٣٠.

سورة المزمل

الآية [٢٠] : (٢) : ٣٩ ، ٤٥.

سورة المدثر

الآيات[١٧ ـ ٢٤] : (٢) : ٤٦.

الآيات [٢٤ ـ ٢٦] : (٢) : ٥١.

الآية [٣١] : (٢) : ١٦٣ ، ١٧٠ ، ٢٨٠.

الآيات [٤٠ ـ ٤٧] : (٢) : ٣٥٣.

الآيات [٤٣ ـ ٤٧] : (٢) : ٥١.

الآية [٤٨] : (٢) : ٣٦٦.

سورة القيامة

الآيتان [٣ ، ٤] : (٣) : ١٣١.

الآيتان [٢٢ ، ٢٣] : (٢) : ٣٥.

الآية [٣٦] : (٢) : ٣٦٣.

الآيات [٣٦ ـ ٣٨] : (٣) : ٢٤٥.

الآية [٣٧] : (٣) : ٣٧٧.

سورة الانسان

الآية [١] : (٣) : ٢١٨.

الآيات [٢ ـ ٤] : (٢) : ٧٦.

الآية [٣] : (٢) : ٧٧ ، ٧٨ ، ٧٩.

الآية [٨] : (٣) : ٦٩.

الآية [٩] : (٢) : ٣.

الآية [١٣] : (٢) : ٣٩٤.

الآية [٢٠] : (٣) : ٥٠.

الآية [٢٤] : (٣) : ٦٨.

سورة النبا

الآية [٨] : (٣) : ١١٦.

الآية [١٩] : (١) : ٣٦٦.

الآية [٣٨] : (٢) : ٩.

الآية [٤٠] : (٢) : ١٥١.

سورة النازعات

الآيتان [٤٠ ، ٤١] : (٢) : ٨٤.

سورة عبس

الآية [١] : (١) : ٣١١.

الآية [١ ـ ١٠] : (٢) : ٣٠٨.

الآيات [١٧ ـ ٢٤] : (٣) : ١٦١.

سورة التكوير

الآيات [١ ـ ٣] : (١) : ٣٦٦.

الآية [٥] : (٢) : ١٠٦ ، : (٢) : ١٥٥.

الآيتان [٧ ، ٨] : (٢) : ٣٨٢.

الآيات [١٩ ـ ٢١] : (٢) : ٢٧٨ ، : (٣) : ١٩٢.

الآية [٢٠ ، ٢١] : (٣) : ٥٠.

الآية [٢٢] : (٣) : ١٩٢.

الآية [٢٣] : (٣) : ١٩١٢.

الآيتان [٢٨ ، ٢٩] : (٢) : ٥٦ ، ١٧٠.

سورة الانفطار

الآيات [١ ـ ٣] : (١) : ٣٦٦.

الآيات [٦ ـ ٨] : (١) : ١١٠ ، : (٢) : ٩.

الآيتان [١٠ ، ١١] : (٢) : ٣٧٠ ، ٣٧١.

الآية [١٩] : (٢) : ٣٦٦ ، ٣٦٨.

سورة المطففين

الآية [٣٤] : (٢) : ٢٩٢.

سورة الانشقاق

الآية [١] : (١) : ٣٦٦.

الآيات [٣ ـ ٥] : (١) : ٣٦٦.

سورة البروج

الآية [١] : (٣) : ٢١١.

الآية [١٦] : (٢) : ١٧٧.

الآيتان [٢١ ، ٢٢] : (٣) : ١٤٨ ، ١٤٩.

سورة الطارق

الآيات [٥ ـ ٧] : (٣) : ٢٤٥.

الآيتان [١٥ ، ١٦] : (٢) : ٩٦.

الآية [١٦] : (١) : ٤٠٣.

سورة الأعلى

الآية [١] : (٣) : ٢٠٠ ، ٢٠١.

الآية [١٩] : (١) : ٢٣٧.

سورة الغاشية

الآية [٢١] : (٢) : ٣٩٣.

سورة الفجر

الآية [١ ـ ٣] : (٢) : ٥٢.

الآية [٩ ـ ١٢] : (٢) : ٢٠٤.

الآية [١٤] : (٢) : ٢٠٤.

الآية [١٦] : (٢) : ٢٧٢ ، ٣٠٤.

الآية [٢٢] : (١) : ١٨٧ ، ٣٢٩.

سورة البلد

الآية [٨ ـ ١٠] : (٢) : ٧٧.

الآية [١٠] : (٢) : ٧٨.

الآيات [١٧ ـ ٢٠] : (٢) : ١٦٠.

سورة الشمس

الآيتان [٧ ، ٨] : (٢) : ١٠١.

سورة الليل

الآية [١٤ ـ ١٦] : (٢) : ٢٥١ ، ٢٥٣ ، ٣٨٧.

الآية [١٥ ، ١٦] : (٢) : ١٥٦ ، ٢٤٤ ، ٣٤٢ ، ٣٤٦.

سورة الضحى

الآية [٧] : (٢) : ٣٢١.

الآيتان [٧ ، ٨] : (٣) : ١٩٩.

الآية [١١] : (٢) : ٢٤٨.

الآية [١٧] : (٢) : ٣٠٢.

سورة البينة

الآية [١] : (٢) : ٢٤٣.

الآيات [١ ـ ٣] : (٢) : ٣٩.

الآية [٥] : (٢) : ٢١٥.

الآية [٧] : (٣) : ١٩٤.

الآيتان [٧ ، ٨] : (٢) : ٢٨٢.

سورة القارعة

الآية [٦] : (٢) : ٣٥١.

الآية [٦ ، ٧] : (٢) : ٣٤٨ ، ٣٥٠.

الآية [٦ ـ ٩] : (٢) : ٣٦٩.

الآية [٦ ـ ١١] : (٢) : ٣٤٤.

سورة الكوثر

الآية [١] : (٢) : ٥٢.

سورة النصر

الآية [١ ، ٢] : (٣) : ٢٩٤.

سورة المسد

الآيات [١ ـ ٣] : (٣) : ٧٦.

سورة الإخلاص

الآية [١] : (١) : ٣٩٣.

الآية [٤] : (٢) : ٧٥.

سورة الناس

الآيات [١ ـ ٦] : (٢) : ٢٠٢.

الآيات [٤ ـ ٦] : (٣) : ١٨٠.

٢ ـ فهرس الأحاديث القولية

(الالف)

آمنت بما فيك : (١) ٢٣٨.

آية المنافق بغض الأنصار : (٢) ٢٧٦.

ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين طانفتين عظيمتين من أمتي : (٣) ٨٨.

أبو ها : (٣) ٤٠ ، ٧٠.

أبي وأبو ك في النار : (٣) ٧٦.

أتستطيع أن تصوم شهرين : (٢) ٦٣.

اتقوا السبع الموبقات : (٢) ٣٥٨.

أحاج لك بها عند الله : (٢) ٢٢٧.

أحب الأسماء إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن : (٣) ٢٠٧ ، ٢٠٨.

إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران : (٢) ٢٧٧.

إذا أرسلت كلبك فذكرت اسم الله فكل : (٣) ٢٠٧.

إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم : (٣) ٨٧.

إذا بويع لإمامين فاقتلوا الآخر منهما : (٣) ٥.

إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف : (٢) ٢٦٤.

إذا كنت راضية عني قلت لا ورب محمد : (٣) ٢٠٧.

أرضوا مصدقيكم : (٣) ١٠٩.

الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف : (٢) ٣٧٧.

الإسلام بجب ما قبله : (٢) ٣٥٥.

أسلمت على ما سلف لك من خير : (٢) ٣٥٤.

أطفال المشركين في الجنة : (٢) ٣٨٢.

أعتقها فإنها مؤمنة : (٢) ٢٢٦.

اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر : (٣) ٢٧.

أكذبها خالد ومالك : (٣) ٢٠٨.

ألا أخبرتها أني فعلت ذلك : (٢) ٣١٨.

إلا أن تروا كفرا باحا عندكم فيه من الله برهان : (٣) ١٠١.

الذي بقرا القران مع السفرة الكرام البررة : (٣) ١٤٩.

الله أعلم بما كانوا عاملين : (٢) ٣٨٤ ، ٣٨٥.

اللهم إني استخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك : (٢) ١٠.

اللهم صلى على آل أبي أوفى : (٣) ٧٥.

اللهم وليديه فاغفر : (٢) ٣٥٦.

أليس تقيم المرأة العدد من الأيام والليالي لا تصوم : (٢) ٢١٨.

أما المنافق ـ أو المرتاب ـ فيقول سمعت الناس يقولون شيئا فقلته : (٢) ٣٣٢.

أما هذا فقد قامت قيامته : (٢) ٣٩٠.

أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله : (٢) ٢٧٧ ، : (٣) ٢٩٣.

أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا

إله إلا الله : (٢) ٢٧٠.

إن استكمل هذا عمره لم ياته الموت حتى تقوم الساعة : (١) ٢٧٦.

إن استكمل هذا عمره لم يأته الموت حتى تقوم الساعة : (١) ٢٧٦.

إن شئت أسمعت تضاغيهم : (٢) ٣٨٠.

إن يكن من عند الله يمضه : (٣) ٤٨.

إن آخر أهل الجنة دخولاً فيها بعد خروجه من النار : (١) ٣٦٠.

إن آخر من يدخل الجنة يزكو على أعظم ملك عرفه في الدنيا : (٣) ٥١.

إن آية الجرسي : (٢) ٤٠.

إن أبا طالب في النار : (٣) ٧٦.

إن أباه كان أحب الناس إلى : (٣) ٤٥.

إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين طائفتين عظيمتني من المسلمين : (٣) ٢٣.

إن أرواح الشهداء في جوف طير خضر : (١) ٣٥٨.

إن أرواح اشهداء في حواصل طير خضر في الجنة : (٣) ٢٧٢.

إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل : (٣) ٧٦.

إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تخرجه بقول أو عمل : (٢) ٣٤٩.

إن الله تعالى قال لأهل بدر اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم : (٢) ٣٣٩.

غير الصورة التي عرفوه عليها : (٢) ٥.

إن الله تعالى يتنزل في كل ليلة إذا بقي ثلث

الليل إلى السماء الدنيا : (٢) ١١.

إن الله خلق آدم على صورته : (٢) ٦.

إن الله خلق مائة رحمة فقسم في عباده رحمة واحدة فبها يتراحمون : (٢) ١٠.

إن الله عز وجل قال : أصبح من عبادي كافر بي مؤمن بالكوكب : (٣) ٢١١.

إن الله عز وجل يكشف عن ساق فيخرون سجدا : (٢) ٧.

إن الله يحدث من أمره ما يشاء : (٢) ٨.

إن أم القرآن فاتحة الكتاب : (٢) ٤٠.

إن جهنم لا تمتلي حتى يضع فيها قدمه : (٢) ٤.

إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم حرام عليهم : (٣) ١٠٢.

إن الدنيا في الآخرة كإصبع في اليم : (١) ٣٦٠.

إن الرجل يأتي يوم القيامة وله صدقة وصيام وصلاة : (٢) ٣٤٨.

إن الروث والعظام طعام إخواننا من الجن : (٢) ٣٢٧.

إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان : (٣) ١٨١.

إن الصائمين يدعون من باب الريان : (٣) ٥٠.

إن عليا لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق : (٣) ٧١.

إن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن : (٢) ٥٠.

إن قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الله تعالى : (٢) ٥.

إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم : (٢) ٢٥٢.

إن للجنة ثمانية أبواب : (١) ٣٦٠.

إن من أمن الناس علي في مالة أبا بكر : (١) ٤٠٩ ، ٤٢٤ ، : (٢) ١٤ ، : (٣) ١٥٢ ، ٢٠٥.

إن من أمن الناس علي في مالة أبا بكر : (٣) ٧٠.

إن من البيان لسحرا : (٣) ١٧٣.

أنا زعيم ببيت في ربض الجنة : (٣) ٤٩.

أنا سيد ولد آدم ولا فخر : (٢) ٣٢٦ ، : (٣) ١٩٨.

أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي : (٣) ١٢ ، ١٣ ، ٧١.

إنتم من أحب الناس إلى : (٣) ٤٥.

إنكم أحب الناس إلى : (٣) ٤٥.

إنه يجري من ابن آدم مجرى الدم : (١) ٣٤٥.

إنه يقتص يومئذ للشاة الجماة من الشاة القرناء : (٢) ١٥٥.

إنها صفية : (٢) ٣١٢.

إنها مؤمنة : (٢) ٢٢٧.

إنهم يقتلون أهل الإسلام ويتوكون أهل الأوثان : (٣) ١٢٥.

إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير : (٢) ٣٥٧.

إني أحب أن أسمعه من غيري : (٢) ٤٧ ، : (٣) ١٤٩.

إني خلقت عبادي حنفاء كلهم [حديث قدسي] : (٢) ١٥٧.

إني لأتفاكم لله : (٢) ٣١٦.

إني لأتقاكم لله وأعلمكم بما آتي وأذر : (٢) ٣١٢.

إني لست كهيثتكم : (٢) ٣١٦.

إني لم أبعث لأشق عن قلوب الناس : (٢) ٢٢٧ ، ٢٣٨ ، ٢٦٤.

أوليس خياركم أولاد المشركين : (٢) ٣٨١.

أو مسلم : (٢) ٢٤٦.

إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث : (٣) ٩١ ، ٢٩٧.

الأئمة من قريش : (٣) ٦ ، ٧.

(الباء)

البحر من جهنم أحاط به سرادقها : (١) ٣٥٨.

بعثت والساعة كهاتين : (١) ٣٦٢.

بل الله جبلك عليهما : (٣) ١٨٤.

(التاء)

ترك الصلاة شرك : (٢) ٢٥١ ، ٢٥٢.

تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي : (٣) ٢٠٧.

تفترق هذه الأئمة على بضع وسبعين فرقة : (٢) ٢٦٧.

تقتل عمارا الفنة الباغية : (٣) ٨٦.

(الثاء)

ثم يضرب الصراط بين ظهراني جهنم : (٢) ٣٤٦.

(الحاء)

حتى يضع فيها رجله : (٢) ٥.

حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار : (٢) ٣٥٦.

حق العباد على الله ألا يعذبهم : (٢) ١٣٢.

حق على الله أن يسقيه من طينة الخبال : (٢) ١٣٢ ، ١٣٣.

(الخاء)

خلق الله آدم على صورته : (٢) ٦.

خلقت عبادي حنفاء كلهم فاجتالتهم الشياطين عن دينهم [حديث قدسي] : (٢) ٣٨٧.

خلقت المالئكة من نور : (٢) ٣٢٦.

خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار : (٢) ٢٨٦.

خمس صلوات كتبهن الله على العبد : (٢) ٣٥١.

خمس صلوات كتبهن الله على العبد : (٢) ٣٤٢.

خير نسائها فاطمة بنت محمد : (٣) ٤٣.

خيركم القرن الدي بعثت فيه : (٣) ٤٨.

خيركم القرن الذي بعثت فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم : (٣) ٧٣.

(الدال)

دعوا لي أصحابي : (٣) ١٩٢.

دعوا لي أصحابي فلو كان لأحدكم مثل احمد ذهبا فأنفقه ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه : (٣) ٣٥ ، ١٩١.

عدوا لي صاحبي فإن الناس قالوا كذبت وقال أبو بكر صدقت : (٣) ٦٩.

(الراء)

رفع القلم عن ثلاثة : (٢) ٣٣٣ ، : (٣) ٩٢.

(السين)

سباب المسلم فسوق وقتاله كفر : (٢) ٢٥١ ، ٢٥٨.

سبق درهم مائة ألف : (٣) ٣٦.

سبوح قدوس رب الملائكة والروح : (٢) ٩.

(العين)

عائشة : (٣) ٤٠ ، ٧٠.

عمر : (٣) ٤٠ ، ٧٠.

العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما : (٢) ٣٥٥.

عن يمين الرحمن : (٢) ٤.

(الغين)

غير الذي عرفتموه بها : (٢) ٦.

(الفاء)

فأبوها إذن : (٣) ٤٠.

فأت أبا بكر : (٣) ٢٧.

فأخذته فذكرت دعوة أخي سليمان : (٣) ١٧٩.

فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم : (٢) ٦٣.

فاسألوا الله الفردوس الأعلى : (١) ٣٦٠ ، ٣٨٢.

فاسألوا الله الفردوس الأعلى فإنه وسط الجنة : (١) ٣٥٣.

فأما المؤمن ـ أو الموقن ـ فيقول هو رسول الله : (٢) ٣٣٢.

فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فاطرح ثوبك على وجهك وقل إني أريد أن تبوه بإثمي وإثمك : (٣) ١٠١ ، ١٠٢.

فأنت في الجنة : (٣) ١٠٤.

فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام : (٣) ٤٣ ، ٤٧ ، ٥٣.

فضلت على الأنبياء بست : (٢) ٢٨٢ ، ٣٢٦.

فضلت على الأنبياء بست [بخمس ـ بأربع ـ بثلاث] : (٣) ١٩٨.

فعليك بذات الدين تربت يداك : (٣) ٤٧.

فوا بيعة الأول فالأول : (٣) ٩٩.

في الجنة : (٢) ٣٨٠.

في النار : (٢) ٣٨٠.

فيما استطعتم : (٢) ٦٣.

(القاف)

قاتله : (٣) ١٠٤.

قامت عليكم ساعتكم : (١) ٢٧٧.

القدرية والمرجئة مجوس هذه الأئمة : (٢) ٢٦٧.

قل كلمة أحاج لك بها عند الله عز وجل : (٢) ٢٢٦.

(الكاف)

: (٢) ٣٧٥ ، : (٣) ١٥٤ ، ٢٥٧.

كل شراب أسكر حرام : (٣) ١٥٦.

كل مسكر حرام : (٣) ١٥٦.

كل مولود يولد على الفطرة : (٢) ٣٨٦.

كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه أو يشركانه : (٢) ١٥٦.

كل مولود يولد على الملة : (٢) ٣٨٤.

كل ميسر لما خلق له : (٢) ٨٣.

كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم : (٣) ١٨٨.

كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وامرأء فرعون : (٣) ٥٥.

كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل : (٣) ١٠٢.

(اللام)

لا تخبر بتلاعب الشيطان بك : (٣) ١٨٩.

لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض : (٢) ٢٥٨.

لا ترغبوا عن آبائكم : (٢) ٢٥٨.

لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم : (١) ٢٤١.

لا تعطه : (٣) ١٠٤.

لا تفضلوني على يونس بي متى : (٢) ٣٠٣ ، ٣٠٤.

لا طاعة في معصية إلما الطاعة في المعروف : (٣) ١٠٣.

لا ؛ لإنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطينتي يوم الدين : (٢) ٣٥٤.

لا ؛ ما صلوا : (٣) ١٠١.

لا بني بعدي : (٣) ١١٤.

لا نورث ما تركناه صدقة : (٣) ٩.

لا ؛ الوائدة والموءودة في النار : (٢) ٣٨٣.

لا يبغضك إلا منافق : (٢) ٢٧٦.

لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه : (٢) ٢٩٠.

لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة : (٢) ١٥٦ ، ٢٤٧.

لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة إلا صاحب الجمل الأحمر : (٣) ٧٢.

لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم :

 : (٢) ٢٥٢.

لا يزال يلقى فيها وتقول هل من مزيد : (٢) ١٩.

لا يزني الزاني حين يزيني وهو مؤمن : (٢) ٢٥١ ، ٢٥٤ ، ٣٥٥.

لا يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة : (٣) ٥٦ ، ٩٢.

لأعطين الرابة غدا رجلاً يحب الله ورسوله : (٣) ٤٦ ، ٧١.

لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليعمنكم الله بعذاب من عنده : (٣) ١٠٣.

لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة : (٢) ٣٠٩ ، ٣١٠.

لقد هممت أن أبعث إلى أبيك وأخيك : (٣) ٢٧.

لم يبق بعدي من النبوة إلا جزء من ستة وأربعين من النبوة : (٣) ١٨٩.

لن يدخل الجنة أحمد بعلمه : (٣) ٤١.

لو دعيت إلى ما دعي إليه يوسف لأجبت : (٢) ٣٠٩.

لو كنت متخذا خليلا لا تخذت أبا بكر خليلا : (٣) ٧٠.

لو نزل عذاب ما نجا منه إلا عمر : (٢) ٣٠٩ ، ٣١٠.

ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً : (٢) ٢٩٠.

(الميم)

ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن : (١) ٤٠٢.

ما أنتم بأسمع لما أقول منهم : (٢) ٣٧٣.

ما أنتم في الأمم قبلكم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود : (١) ٣٦٢.

ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة : (١) ١٤٣.

ما بيتهم وبين أن يروه إلا رداء الكبرياء على وجهه : (١) ٤٠٣.

ما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للب الرجل الحازم من إحداكن : (٣) ٥٤.

ما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب لب الرجل الحازم منكن : (٢) ٢١٨.

ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين : (٢) ٣١٧.

ما من احمد إلا وقد ألم أو كاد إلا يحيى بن زكريا : (٢) ٣١٥ ، ٣١٧.

ما من أحمد ينجيه عمله : (١) ١٩٨.

ما من الأنبياء إلا من أوتي ما على مثله آمن البشر : (١) ١٣٢.

ما منعك أن تثبت حين أمرتك : (٣) ٦٣.

به إلا مرتين من الدهر : (٢) ٣٢١ ، ٣٢٢.

مستقرها تحت العرش : (١) ٣٥٥.

المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه : (٣) ١٠٤.

المقسطون عن يمين الرحمن وكلئا يديه يمين : (٢) ٣.

من رأي منكم منكرا فليغيره بيده : (٣) ١٠٣.

من سئلها على وجهها فليعطها : (٣) ١٠٥.

من سرة أن ينسا في أجله فليصل رحمه :

 : (٢) ١١٤.

من سمع من أمتي بالدجال فلينا عنه : (١) ١٣٠.

من سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه مثل وزر من عمل بها أبدا : (٢) ١٢١.

من صل الصبح في جماعة كمن قام ليلة : (٢) ٣٦٩.

من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد : (٣) ٩٣ ، ١٠٩.

من عملها غرست له في الجنة كذا وكذا شجرة : (٢) ٣٩٢.

من قال لا إله إلا الله حرم الله عليه النار : (٢) ٣٤٢.

من قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه : (٢) ٢٢٧.

من قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه حرم الله عليه النار وأوجب له الجنة : (٢) ٣٥٦ ، ٣٥٧.

من قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل الجنة : (٢) ٣٤٢.

من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال : (٢) ٢٤٢.

من قال لأخيه يا كافر فقد باء بالكفر احدهما : (٢) ٢٦٨.

من قتل دون ماله فهو شهيد : (٣) ١٠٣.

من كن فيه كان منافقا خالصا : (٢) ٢٦٤.

من كنت مولاه فعلي مولاه : (٣) ٧١.

من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه : (٢) ٣٨٥.

المهاجر من هجر ما نها الله عنه : (٢) ٣٥٥.

الموءودة والوائدة في النار : (٢) ٣٨٢.

مولى القوم منهم ومن أنفسهم : (٣) ٧.

(النون)

نحن أحق بالشك من إبراهيم : (٢) ٢٩٢.

نسمة المؤمن طائر يعلق من ثمار الجنة : (٢) ٣٧٩.

نور أني أراه : (١) ١٨٥.

النيل والفرات وسيحان وجيحان من أنهار الجنة : (١) ١٤٢ ، ١٤٣.

(الهاء)

هذه : (٢) ٣٠٠.

هلا شققت على قلبه لتعلم أقالها متعوذا أم لا : (٣) ١٧٧.

هم من آبائهم : (٢) ٣٨٣.

هو أهون على الله من ذلك : (١) ١٣٠ ، ٢٩٩.

(الواو)

والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي : (٢) ٣٨٥.

وأما أهل النار الذين هم أهلها : (٢) ٣٤٦.

وأما المنافق أو المرتاب فإنه يقال له ما قولك في هذا الرجل : (٣) ٢٩٥ ، ٢٩٦.

وأولاد المشركين : (٢) ٣٨٨.

الوائدة والمؤءودة في النار : (٢) ٣٨٠ ، ٣٨٣.

وأيم الله إن كان لخليفا لإمرة : (٣) ٤٥.

والحج يجب ما قبله : (٢) ٣٥٥.

وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام : (٣) ٥٢.

وكلتا يديه يمين : (٢) ٤.

ولا أنا إلا أن يتغمدلي الله برحمة منه : (٢) ١٩٨ ، : (٣) ٤١.

ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف عليه السلام ثم دعيت لأجبت الداعي : (٢) ٣١٠.

وما يدريك يا عائشة؟ إن الله خلق خلقاً للنار وهم في أصلا آبائهم : (٢) ٣٨٥ ، ٣٨٥.

والهجرة تجب ما قبلها : (٢) ٣٥٥.

ويأبي الله والنبيون إلا أبا بكر : (٣) ٢٧.

ويحك اما تدري ما الله؟ : (١) ٣٥٦.

يحك من يعدل إذا أنا لم اعدل : (٢) ٣١٨.

ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد : (٢) ٢٩٣.

(الياء)

يا أبا ذر إنك ضعيف فلا تأمرن على اثنين : (٣) ٩٣.

يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا : (٣) ٧٦.

يجمع خلق ابن آدم في بطن أمه أربعين يوما : (٢) ٣٧٧.

يخرج من النار من في قلبه مثقال ضعيرة : (٢) ٢٤١.

يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد : (٢) ٢٩٣ ، ٢٩٤.

يعرض على الله تعالى الأصم الذي لا يسمع شيئا : (٢) ٣٨٨.

ينزل الله تبارك وتعالى كل ليلة في ثلث اليل الباقي : (١) ١٨٧.

يؤتي يوم القيامة بالشيخ الخرف والأصلح الأصم : (٢) ٣٦٢.

يوضع الصراط بيت ظهراني جهنم : (٢) ٣٧٠.

يؤم القوم أقرؤهم فإن استووا فأفقههم : (٣) ٦٢.

يوم يقتص للشاء الجماء من الشاة القرناء : (١) ٩٩ ، ١٠٦.

٣ ـ فهرس الأعلام

(الألف)

آدم عليه السلا م : (١) ١٦ ، ١٤١ ، ١٤٤ ، ١٤٥ ، ١٤٦ ، ٢٥٧ ، ٣٢٦ ، ٣٥٧ ، ٤٢٤ ، : (٢) ٦ ، ٧ ، ١٢١ ، ١٥٧ ، ١٦٠ ، ١٦٣ ، ١٨٤ ، ٢١٨ ، ٢١٩ ، ٢٢٠ ، ٢٢١ ، ٢٣٩ ، ٢٧٨ ، ٢٨٥ ، ٢٨٦ ، ٢٨٧ ، ٢٨٨ ، ٢٨٩ ، ٢٩٢ ، ٢٩٥ ، ٢٩٨ ، ٣٦١ ، ٣٧٣ ، ٣٧٧ ، ٣٧٩ ، ٣٩٣ ، ٣٩٤ ، : (٣) ١٢ ، ١٩٤ ، ١٩٥ ، ١٩٧ ، ٢٠٢ ، ٢٠٣ ، ٢٦٩.

أريوس : (١) ٦٤ ، ٣٤٠.

آسيا بنت مزاحم : (امرأة فرعون) : (٢) ٣٩٢.

إبراهيم عليه السلام : (١) ٥٠ ، ٥١ ، ١٠٤ ، ١٢١ ، ١٣٣ ، ١٤٧ ، ١٤٨ ، ١٤٩ ، ١٥٠ ، ١٥٢ ، ١٥٣ ، ١٥٥ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٥٨ ، ١٥٩ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٢ ، ١٧٣ ، ١٧٤ ، ١٩٠ ، ٢٠٣ ، ٢٣٧ ، ٢٤٣ ، ٢٦١ ، ٢٦٢ ، ٢٦٣ ، ٢٦٤ ، ٢٩٧ ، ٣٥٨ ، ٣٦٦ ، : (٢) ١٢ ، ٧٢ ، ٧٤ ، ١٠٨ ، ١١٠ ، ١٥١ ، ١٥٧ ، ١٦٦ ، ١٧٣ ، ١٧٦ ، ١٩٣ ، ٢٠٣ ، ٢٨٩ ، ٢٩٠ ، ٢٩١ ، ٢٩٢ ، ٢٩٣ ، ٣٠١ ، ٣٢١ ، ٣٨١ ، ٣٨٧ ، ٣٨٩ ، : (٣) ٣٣ ، ٧٤ ، ٧٥ ، ١٨٧.

إبراهيم بن أحمد البلخي : (١) ٢٤١ ، : (٢) ١٠ ، ١٩.

إبراهيم بن أحمد بن فراس : (٢) ٢٩٩.

إبراهيم بن أدهم : (١) ٢٥٤ ، ٣٢٨.

إبراهيم البغدادي : (٢) ١٩٣.

إبراهيم بن تارح = إبراهيم عليه السلام.

إبراهيم بن خزيم : (١) ٣٥٥.

إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (٢) ١٩٣ ، ١٩٤ ، ٢٩٥ ، : (٣) ٣٣ ، ٣٧ ، ٤٠ ، ٤١ ، ٤٢.

إبراهيم بن سعد بن إبراهيم : (١) ٢٤٢.

إبراهيم بن سهل الأريواني : (٢) ٣٩٠.

إبراهيم بن سيار النظام = النظام.

إبراهيم بن عبد الله العبسي : (١) ٣٦٥.

إبراهيم بن محمد بن فراس : (٢) ٣٢١.

إبراهيم بن المنذر : (٢) ١٠.

إبراهيم بن موسى : (٢) ٣٨٣.

إبراهيم النخعي : (٢) ٢٦٠ ، : (٣) ٣٢.

أبرهة : (صاحب الفيل) : (١) ٣٤٠.

إبليس : (١) ٤٩ ، ١٣٨ ، ٢٦٥ ، ٢٦٦ ، : (٢) ٨٠٩٩ ، ١٠١ ، ١٠٥ ، ١٠٨ ، ١٢٨ ، ١٢٩ ، ١٣٣ ، ١٣٤ ، ١٤٩ ، ١٦٣ ، ٢٠٣ ، ٢١٨ ، ٢١٩ ، ٢٢٠ ، ٢٣٣ ، ٢٣٩ ، ٢٨٧ ، ٣٢٥ ، ٣٨٧ ، ٣٩٣ ، : (٣) ١٧٩ ، ١٩٧.

أبي بن كعب : (٣) ٦٠.

إبيا بن رحبعام : (١) ١٩٢.

أبيهو : (١) ١٨٦.

أبيهوا : (١) ١٩٦.

أجير بن بنيامين : (١) ١٧٦.

أحمد بن ياسوس : (١) ٣٦٩.

أحمد بن حابط : (١) ٩٦ ، ٩٧ ، ١٠٩ ، ١١٠ ، ٣٦٩ ، : (٢) ١٤٦.

أحمد بن حداد : (٣) ٢٠٨.

أحمد بن حنبل : (١) ٣٧٨ ، : (٢) ١٢ ، ٣٧ ، ٢٥٠ ، ٣٦٥ ، ٣٨٣ ، : (٣) ٢٢ ، ٢٠٩.

أحمد بن خابط = أحمد بن حابط.

أحمد بن خالد : (١) ٣٥٨.

أحمد بن شعيب : (١) ٢٤١.

أحمد بن الطبيب : (٢) ٣٩٠.

أحمد بن الطبيب السرخسي : (١) ١٤٤.

أحمد بن عبدان النسابوري : (١) ٣٥٨.

أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم : (١) ٣٥٨.

أحمد بن عبد البصير : (١) ٣٥٦ ، : (٢) ٣٥٢.

أحمد بن عبد الرحيم : (١) ١٣٠.

أحمد بن عبد الملك بن شهيد : (١) ١٢٧.

أحمد بن عمر بن أنس العذري : (١) ٣٥٥ ، ٣٥٨ ، : (٢) ٣٨٣.

أحمد بن عون الله : (١) ٣٥٦ ، : (٢) ، ٣٧٤.

أحمد بن فتح : (٢) ٢٨٦.

أحمد بن محمد بن أحمد بن علي : (٢) ٢٨٦.

أحمد بن محمد بن الجسور : (٢) ٣٨٢.

أحمد بن محمد بن حنبل = أحمد بن حنبل.

أحمد بن محمد بن سالم النيسابوري : (٢) ٢٩٩ ، ٣٢١.

أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي : (٢) ٢٩٩ ، ٣٢١ ، ٣٨٨.

احمد بن نانوس : (١) ١٠٩ ، ١١٠.

ابن أحمر = عمرو بن أحمر.

أبو الأحوص : (٢) ٣٧٤.

ابن الإخشيد : (أبو بكر أحمد بن علي بن بيغجور) : (٢) ٣٦٤ ، : (٣) ١٤٠.

الأخطل : (٢) ٢٣٩ ، ٢٤٠.

إدريس عليه السلام : (١) ٥٠ ، ١٢١ ، ١٣٧ ، ٣٥٨.

أذرياذ بن ماركسفند : (١) ٥١.

أربد بن قيس بن جزء : (١) ٣٣٨ ، ٣٣٩.

أرد بن بنيامين : (١) ١٧٦.

أرسططاليس : (١) ١٤٣ ، ٣٤٨ ، ٣٥٤ : (٢) ١٥٢ ، : (٣) ٢٧١.

أرسطو = أرسططاليس.

أرفخشاذ بن سنام : (١) ١٤٧ ، ١٤٩ ، ٢٥٨.

إرميا : (١) ١١٧.

اسابن : (١) ٢٤٦.

أسامة بن زيد : (٣) ١٨ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ١٧٧.

أستايبن : (١) ٣٧٢.

إسحاق عليه السلام : (١) ٥١ ، ١٤٧ ، ١٤٩ ، ١٥٠ ، ١٥٢ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٢ ، ١٦٣ ، ١٦٤ ، ١٦٥ ، ١٧٤ ، ١٩٠ ، ٢٦٢ ، : (٢) ٢٩٥ ، : (٣) ١٨٧.

أم إسحاق عليه السلام : (٢) ٢٩٥ ، ٢٩٦ ، : (٣) ٤٣ ، ٥٤ ، ١٨٧.

إسحاق بن راهوية : (٢) ٢٥٠ ، ٢٥١ ، ٢٧٧ ، ٢٩٩ ، ٣٢١ ، ٣٧٧.

ابن اسحاق السبيعي : (٢) ٣٧٤.

إسرافيل عليه السلام : (١) ١٤٥ ، ٣٢٦.

إسرائيل = يعقوب عليه السلام.

اسفلانيوس : (٢) ٥٠.

اسقلابيوس : (١) ١٣٧.

الإسكافي : (محمد بن عبد الله) : (٢) ٩٠ ، ١٦٦.

الإسكندر بن شيمون القيرواني : (١) ٣٠١.

الإسكندر المقدوني : (١) ١٣٥ ، ١٣٧.

أسماء بنت أبي بكر : (٢) ٣٧٤.

إسماعيل عليه السلام : (١) ٥١ ، ١٣٣ ، ١٤٧ ، ١٥٢ ، ١٥٤ ، ٢٢٩ ، ٣٢١.

إسماعيل : (رجل يهودي) : (١) ٢٤٧.

إسماعيل بن إسحاق : (٢) ٣٧٤.

أبو إسماعيل البطيحي = البطيحي.

إسماعيل بن جعفر : (٣) ١١.

إسماعيل بن عبد الله الرعيني : (٢) ٣٨٩ ، ٣٩٠ ، : (٣) ١٣٥.

إسماعيل بن يوسف الكاتب = ابن النغرالي.

الأسواري : (علي) : (٢) ٢٣ ، ٢٤ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٥٥ ، ١٣١ ، ١٩٢ ، : (٣) ١٣٤.

الأسود بن سريع التميمي : (٢) ٣٨١ ، ٣٨٨.

الأسود العنسي : (١) ١٢٩ ، ٣٣٢ ، ٣٣٣ ، ٣٣٨ ، : (٣) ٢٩.

أسيد بن حضير : (٣) ٣٢.

أشاد بن يعقوب : (١) ١٧٦.

أشبيل بن بنيامين : (١) ١٧٦.

الأشج : (٣) ١٣٣.

أشطيين : (١) ٢٥٣.

الأشعري : (أبو الحسن) : (١) ٣٦٨ ، ٣٦٩ ، ٣٨٤ ، ٣٩٣ ، ٣٩٦ ، ٤٠٨ ، : (٢) ٤ ، ٣٨ ، ٤٨ ، ٥٤ ، ٢٠٩ ، ٢٢٥ ، ٣٤٠ ، : (٣) ١٦١.

إشعيا : (١) ١١٧ ، ١٢٠ ، ٣٢٠.

أشلومون بن بخشون : (١) ٢٦٣.

أشموال بن يوسف اللاوي = ابن النغرالي.

أشير بن عقوب : (١) ١٦٩ ، ١٧٠.

الأصم : (أبو بكر بن عبد الرحمن بن كيسان) : (٢) ٥٥ ، ٣٣٩ ، ٣٤٠ ، ٣٧٦.

أعريفاس بن أعريفاس : (١) ١٧٨.

الأعمش : (١) ٣٥٦ ، ٣٦٥.

أفرايم بن يوسف : (١) ١٧٧.

أفلاطون : (٢) ١٥٢ ، : (٣) ٢٧١.

إقليدس : (٣) ٣١٢.

إلياس عليه السلام : (١) ٧٣ ، ١١٧ ، ١٢٣ ، ٢٧٨ ، ٣١٦.

اليثبات : (١) ٣٠٩.

اليصور بن شديثور : (١) ١٩٥.

أبو أمامة الباهلي : (٣) ٣٧.

أمثون بن داود : (١) ١٧٣.

امراء آدم عليه السلام : (حواء) : (٢) ٣٩٣.

امراة فرعون = آسيا بنت مزاحم.

امرؤ القيس : (٢) ٥٠ ، ٢١٢ ، ٢١٧ ، : (٣) ١٨٣.

انتيا بن إبيا : (١) ١٩٢.

اندرياش : (١) ٢٥٣ ، ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٥.

أنس بن مالك : (١) ٢٠١ ، ٢٧٦ ، ٢٧٧ ،

 : (٢) ١٩ ، ٢٩٩ ، : (٣) ٦ ، ٣٧ ، ٤٠ ، ٤٥ ، ٥٤ ، ٦١ ، ١٠٥.

أنوشروان : (١) ١٣٧.

أنوشروان بن قباذ : (١) ٣٧٣.

أنيس : (أخو أبي ذر الغفاري) : (١) ١٢٧.

أهرمن : (١) ٤٩.

إهلاني = هلاني.

أورمن : (١) ٤٩.

أونان : (١) ١٧١ ، ١٧٤.

إياس بن معاوية : (١) ٣٥٥.

إيثامار : (١) ١٩٦.

أيجي بن بنيامين : (١) ١٧٦.

إيلون : (١) ٥٠ ، ١٣٧.

إنيوش بن شيث : (١) ٢٥٧.

أيوب عليه السلام : (١) ١١٨ ، : (٢) ١٥١ ، ١٩٤.

أبو أيوب الأنصاري : (٣) ٥٠.

(الباء)

باباط : (١) ١٧٧.

بابك الخرمي : (١) ٤٩ ، ٣٧٢.

البارقليط : (١) ١٣٣.

باريعام : (١) ١٧٧.

باطرة : (١) ٢٥٣ ، ٢٧٢ ، ٢٣ ، ٢٧٤ ، ٢٧٥ ، ٢٧٩ ، ٢٨١ ، ٢٨٥ ، ٢٨٦ ، ٢٨٧ ، ٢٨٨ ، ٢٩٠ ، ٢٩١ ، ٢٩٢ ، ٢٩٤ ، ٢٩٥ ، ٣٠٠ ، ٣٠١ ، ٣٠٤ ، ٣٠٥ ، ٣٠٦ ، ٣٠٧ ، ٣٢٥ ، ٣٢٦ ، ٣٢٧ ، ٣٢٩.

باطرة = شمعون = شمعون بن يونا.

باطرة بن نونا : (١) ٢٣٦.

الباقر = محمد بن علي بن الحسين.

الباقلاني : (محمد بن الطيب) : (١) ٣٨٥ ، ٣٩٣ ، ٤١٠ ، : (٢) ٢٦٣ ، ٢٨٤ ، ٢٨٥ ، : (٣) ٣٠ ، ٣٥ ، ٨٩ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٥٨ ، ١٥٩ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٢ ، ١٦٣ ، ١٦٤ ، ١٦٨ ، ١٧٣ ، ١٧٧ ، ١٧٨ ، ١٩١ ، ٢٠٥.

باكر بن بنيامين : (١) ١٧٦.

بالع بن بنيامين : (١) ١٧٦.

البحتري : (٣) ١٢١.

البخاري : (صاحب الصحيح) : (١) ٢٤٢ ، ٣٥٨ ، : (٢) ١٠ ، ١٩ ، : (٣) ٢٣.

بخت نصر : (١) ١٧٨.

بخشون بن عميناذاب : (١) ٢٦٣.

ابن بدو الغزال : (٢) ٢٠٦.

أبو بدر عبد بن أحمد الهروي : (٢) ٣٨٣.

برتلوما : (١) ٢٥٣ ، ٢٧٥.

برغوث : (محمد بن عيسى) : (٢) ٥٤ ، ٨٦.

برهمي : (ملك بن ملوك الهند) : (١) ٨٦.

بزيع الحاتك : (١) ١٣٤ ، ٣٧١.

بشر الحافي : (٣) ٢٥.

بشر بن شفاف : (١) ٣٥٩.

بشر بن غياث المريسي : (١) ٣٦٩ ، : (٢) ٥٤ ، ٨٦ ، ٣٣٩.

بشر بن المعتمر : (٢) ٣٣ ، ٥٥ ، ٨٠ ، ١٦٢ ، ١٨٧ ، ٣٧٢ ، : (٣) ١٣٣.

بشير الناسك : (١) ١٣٥.

بطليموس : (١) ١٤٣ ، ٢٥٧ ، ٢٥٩.

البطيحي : (أبو إسماعيل) : (١) ٣٩٦ ، : (٣) ١٢٤.

أبو بكر الأدفوي : (١) ٢٤١.

بكر بن حماد : (٢) ٣٨٢.

أبو بكر الرازي = الرازي أبو بكر محمد بن زكريا.

أبو بكر بن أبي شيبة : (٢) ٣٨٣.

أبو بكر الصديق : (١) ١٠٩ ، ١٢٨ ، ٣٣٢ ، ٣٣٣ ، ٣٣٧ ، ٣٤٢ ، ٣٧١ ، : (٢) ٢٩ ، ١٥١ ، ١٩٣ ، ٢٣٩ ، ٣٨١ ، : (٣) ٨ ، ١١ ، ١٥ ، ١٦ ، ١٧ ، ١٧ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٤ ، ٢٦ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٢ ، ٣٣ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٤٠ ، ٤٢ ، ٤٤ ، ٤٧ ، ٤٨ ، ٥٠ ، ٥٢ ، ٥٥ ، ٥٧ ، ٥٨ ، ٥٩ ، ٦٠ ، ٦١ ، ٦٢ ، ٦٣ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ٦٦ ، ٦٧ ، ٦٨ ، ٦٩ ، ٧٠ ، ٧٣ ، ٧٩ ، ٨٠ ، ٨٨ ، ٨٩ ، ٩٠ ، ٩٧ ، ١٠٥ ، ١٠٨ ، ١١٧.

أبو بكر بن عبد الرحمن بن كيسان = الأصم.

بكر بن اخت عبد الواحد بن زيد : (٢) ١٤٦ ، ٢٥٠ ، ٣٣٩.

أبو بكرة : (١) ٢٠١.

بلاطس : (١) ٢٧٤ ، ٣٠٣.

بلاطش = بلاطس.

بلال الحبشي : (٣) ٤٩ ، ٥٦.

البلخي : (٢) ٢٤.

بلعام : (١) ١١٨.

بلعام بن ناعورا : (١) ٢١١.

بلهة : (١) ١٦٩ ، ١٧٠ ، ١٧٦.

بنان بن سمعان التميمي : (١) ١٣٤.

بندار = محمد بن بشار.

بنيامين بن يعقوب : (١) ١٥٠ ، ١٦٣ ، ١٦٩ ، ١٧٠ ، ١٧٦ ، ١٩٤.

بهرام بن بهرام : (١) ٥١ ، ٢٥٥ ، ٣٢٧.

بهرام هماوند : (١) ١٣٨ ، ١٦٥.

البهنكي : (٣) ١٢١.

بولس : (١) ٢٤٧ ، ٢٥٣ ، ٢٥٤ ، ٢٧٠ ، ٢٧١ ، ٢٧٣ ، ٢٧٩ ، ٢٨٠ ، ٢٩٠ ، ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، ٣٢٦ ، ٣٢٧ ، ٣٣٧.

بولس البنياميني : (١) ٢٣٦ ، ٢٤٦ ، ٢٥٢.

بولس الشمشاطي : (١) ٦٤ ، ٦٧ ، ٧٨.

بولش = بولس.

بيار : (مطران طليطلة) : (١) ٢٨٤.

بيان بن سمعان التميمي : (١) ٣٧١ ، : (٣) ١١٩ ، ١٧٦.

بيروان سياوش بن كيفاوش : (١) ١٣٨.

أبو بيهس : (٣) ١٢٦.

(التاء)

تارح بن ناحور : (١) ١٤٧ ، ٢٥٨ ، ٢٥٩.

تامرت : (مولى ابن مناد) : (١) ٢٠٢.

أبو تمام : (حبيب بن أوس) : (٣) ١٦٩.

تميم بن حزم : (٣) ٣٢.

تميم بن زيد بن يزيد : (١) ٢٠٢.

تهطالي : (١) ٣٠٥.

(الثاء)

ثابت بن أسلم البناني : (١) ٢٧٦ ، ٢٧٧ ، : (٢) ٢٩٩.

ثابت البناني ـ ثابت بن أسلم.

ثامار : (١) ١٧١ ، ١٧٢ ، ١٧٤.

ثابت بن محمد الجرجاني : (١) ٣٠.

ثعلبة : (٣) ١٢٧.

ثمامة : (المعتزلي) : (٢) ٨٠ ، ٨٣ ، ١٦٢.

ثمامة بن أثال الحنفي : (١) ٣٣٣.

ثمامة بن أشرس : (٣) ١٣١ ، ١٣٢.

أبو ثور : (١) ١٣٥.

(الجيم)

جابر بن سمرة : (٣) ٧.

جابر بن عبد الله : (١) ١٢٤ ، ٣٣٩ ، : (٢) ١٠ ، : (٣) ٧ ، ٥٤.

الجاحظ : (٢) ٥٠ ، ٨٠ ، ٨٢ ، ٨٣ ، ٨٧ ، ١١٢ ، ١١٣ ، ١٤٧ ، ١٦٢ ، : (٣) ١٣١ ، ١٣٢.

جادا بن يعقوب : (١) ١٦٩ ، ١٧٠.

الجارود : (٣) ١٨٣.

الجائي : (٢) ٢٦٣ ، ٣٧٢.

الجبائي : (ابو علي محمد بن عبد الوهاب) : (٢) ٣٥ ، : (٣) ٩٥.

الجبائي : (أبو هاشم عبد السلام بن أبي علي) : (٢) ١٣١ ، : (٣) ٣٥ ، ١٣٧ ، ١٣٨ ، ١٤٠ ، ١٩١.

جبريل عليه السلام : (١) ٧٧ ، ٨٠ ، ٣٠٩ ، ٣٢٦ ، ٣٤٠ ، : (٢) ٦ ، ١٠ ، ٣٨ ، ٣٩ ، ١٠٧ ، ١٩٣ ، ٢٤٣ ، ٢٤٦ ، : (٣) ١٨٧ ، ١٩٢ ، ٢٧٢.

جبير بن محمد بن جبير : (١) ٣٥٦.

جبير بن مطعم : (١) ٣٥٦ ، : (٣) ٨٤.

ابن جدعان : (٢) ٣٥٤.

جدعون بن بواش : (١) ٢٠٢.

جرير : (٢) ٧ ، ٢١٢.

جرير بن حازم : (٢) ٣٢١.

جعدة بن نميرة : (٣) ٦٤.

أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس : (١) ٢٤١.

جعفر بن حرب : (١) ٣٩٨ ، : (٢) ١٦٦.

جعفر بن سليمان بن علي : (١) ٢٠١.

أبو جعفر السمناني = السمناني.

جعفر بن أبي طالب : (٢) ١٩٤ ، ٣٦٢ ، : (٣) ٨ ، ٣٢ ، ٣٧.

جعفر بن علي : (٣) ١٢.

جعفر القصبي : (٣) ١٣٣.

جعفر بن محمد بن علي : (٣) ١١.

جعفر بن أبي وحشية : (١) ٣٥٥ ، ٣٥٦.

أبو جهل : (٢) ٤٦ ، ١٦٥ ، ١٦٦ ، ٢٠٣ ، ٢٣٣ ، : (٣) ١٧.

ابنة أبي جهل : (٣) ٦٢.

أبو الجهم بن حذيفة : (٣) ٦٤.

جهم بن صفوان : (١) ٣٦٨ ، ٣٦٩ ، ٣٧٠ ، ٣٨٤ ، ٣٨٦ ، ٣٨٧ ، ٣٨٨ ، : (٢) ٣٤ ، ٥٦ ، ٥٥ ، ٨٧ ، ٢٠٩ ، ٢٢١ ، ٢٢٥ ، ٣٩٥ ، ٣٩٦.

جيفر بن الجلندي : (١) ٣٣٨.

(الحاء)

ابن حابط = أحمد بن حابط.

ابو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي : (٣) ٢٠٩.

الحارث الإياضي : (٣) ١٢٤.

الحارث بن سريج الشميمي : (١) ٣٨٨ ، : (٣) ١٦٧.

الحارث بن عبد المطلب : (٣) ٨.

الحارث بن علي الوراق : (٢) ١٣٤.

بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري : (١) ٣٤٠.

الحارث بن هشام بن المغيرة : (٣) ١٧.

أبو حاضر النصيبي : (٣) ١٦٦.

حاطب بن أبي بلتعة : (٢) ٢٧٦.

الحاكم النيسابوري : (محمد بن عبد الله) : (٣) ٣٢.

حام بن نوح : (١) ١٤٨ ، ١٤٩ ، ٢٥٨.

حامول بن فارس : (١) ١٧٤.

حقوق : (١) ١١٧ ، ١٢٣.

حبيب بن أوس = أبو تمام.

حبيش بن دلجة القيني : (٣) ٧٣ ، ١٠٧.

الحجاج بن المنهال السلمي : (١) ٣٥٨ ، ٣٥٩ ، : (٢) ٣٨٧.

الحجاج بن يوسف : (٢) ١٩٠ ، : (٣) ٧٣.

الحداد = يوسف النجار.

حذيفة بن اليمان : (١) ١٣٥ ، : (٣) ١٩٨.

حزقيا : (١) ٢٣٤.

أبو الحسن الأشعري = الأشعري.

الحسن البصري : (٢) ٣٤ ، ٥٠ ، ٢٥٠ ، ٢٦٠ ، ٣٢٤ ، ٣٦٥.

الحسن بن بقى : (١) ٢٩٦.

الحسن بن جعفر النوبختي : (٣) ١٢.

الحسن بن صالح بن حي الهمذاني : (١) ٣٦٩ ، : (٣) ١١.

الحسن بن علي : (٢) ٣٨٧.

الحسن بن علي بن أبي طالب : (١) ٣٣٤ ، : (٢) ١٩٤ ، : (٣) ٥ ، ٦ ، ١١ ، ١٤ ، ٢٣ ، ٢٤ ، ٣٠ ، ٣٦ ، ٥٤ ، ٥٦.

الحسن بن علي بن محمد بن علي : (٣) ١٢.

الحسن بن علي بن ورصند النحلي : (٣) ١١٦.

الحسن بن محمد بن علي : (٢) ٣٢١.

أبو الحسن : (معتزلي) : (٢) ١١٧.

الحسين بن علي بن الحسين : (٣) ٢١.

الحسين بن علي بن أبي طالب : (٢) ١٩٤ ، : (٣) ١١ ، ١٤ ، ٢٤ ، ٣٦.

الحسين بن محمد بن النجار : (١) ٣٦٩ ، : (٢) ٣٤ ، ٥٤ ، ٣٣٩.

الحسين بن منصور = الحلاج.

حصرون بن فارص : (١) ١٧٤.

الحطيئة : (١) ٣٣٢ ، ٣٣٣ ، ٢١٢.

حفص الفرد : (أبو يحيى) : (٢) ٨٦ ، ١٨٧.

حفص بن أبي المقدام : (٣) ١٢٧.

حفصة : (أم المؤمنين) : (٣) ٥٦.

حفيم بن بنيامين : (١) ١٧٦.

حقاي : (١) ١٢٣.

الحكم بن العاص : (١) ٣٤٠.

الحاكم بن أبي العاص : (٣) ٧٩ ، ٨٥.

الحكم بن المنذر بن سعيد : (٢) ٣٨٩ ، ٣٩٠.

الحلاج : (الحسين بن منصور) : (١) ٩٤ ، ١٣١ ، ٢٨٨ ، ٣٢٨ ، ٣٧١ ، : (٢) ٢١٠.

حماد بن سلمة : (١) ٣٥٥ ، ٣٥٩ ، : (٢) ٢٩٩ ، ٣٨٧.

أبو الحمراء : (٣) ١٥.

حمزة بن عبد المطلب : (٢) ١٩٤ ، ٣٦١ ، : (٣) ٣٢.

حمنة بنت جحش : (٢) ٢٧٥.

حميد بن ثور الهلالي : (٣) ١٨٣ ، ١٨٥.

حميد بن هلال : (١) ١٣٠.

حنظلة بن أبي سفيان : (٣) ١٩.

أبو حنيفة (النعمان بن ثابت) (١) ٣٦٨ (٢) ٢٠٩ ، ٢١٠ ، ٢٦٧ ، ٢٨٢ ، ٣٦٥ : (٣) ٢٢.

حيرة : (١) ١٧١.

حيرة العدلامي : (١) ١٧٤.

(الخاء)

خارجة بن حذافة : (٣) ٦٤.

خالد الحذاء : (٢) ٣٥٢.

خالد بن سعيد بن العاص : (٣) ١٧.

خالد بن أبي عمران : (٢) ٣٢٤.

خالد بن الوليد : (٢) ٢٢٧ ، : (٣) ٥٣ ، ٧٧.

خبيب بن عدي : (٢) ١٩٤ ، ٣٨٠ ، ٣٨١ ، ٣٨٢ ، : (٣) ٥٥ ، ٥٦.

الحضر عليه السلام : (١) ٣٩١ ، : (٢) ٦٤ ، ٧١ ، ٧٤ ، ٣٠١ ، ٣٠٢ ، : (٣) ١٣ ، ١٩٥.

أبو الخطاب : (محمد بن أبي زينب) : (١) ٢٨٨ ، ٣٧١.

خليفة بن أبي السعدي : (١) ٢٠١.

خليفة بن خياط : (٢) ١٩.

الخليل = إبراهيم عليه السلام.

خنوخ بن يارد : (١) ٢٠١.

خويزمنداد المالكي : (١) ٩٩.

(الدال)

دارا بن دارا : (١) ١٣٥ ، ١٣٧.

دان بن يعقوب : (١) ١٦٩ ، ١٧٦.

دانا بن يعقوب : (١) ١٧٠.

دانيال : (١) ١٣٣ ، ٢٣٥.

داود عليه السلام : (١) ٧٧ ، ١١٧ ، ١٦٦ ، ١٧٧ ، ١٧٨ ، ١٩٢ ، ٢٠٦ ، ٢٣٢ ، ٢٣٧ ، ٢٣٩ ، ٢٥٣ ، ٢٦٠ ، ٢٦١ ، ٢٦٢ ، ٢٦٣ ، ٢٦٤ ، ٢٩٧ ، ٢٩٨ ، ٣٠٩ ، : (٢) ٣٠٤ ، ٣٠٥ ، : (٣) ٩.

 

داود الجواربي : (١) ٣٧٠.

داود الحواري : (٣) ١١.

داود الرقي : (٣) ١١.

أبو داود السجستاني : (٢) ٣٨٣ ، ٣٨٧.

أبو داود سليمان بن الأشعث : أبو داود السجستاني.

داود بن علي الأصفهاني : (١) ٣٩٨ ، : (٢) ٢٦٧ ، ٣٦٥ ، : (٣) ٣٢.

داود بن أبي هند : (٢) ٣٨٢ ، ٣٧٣.

داي بن يعقوب : (١) ١٥٠.

الدجال : (١) ١٢٩ ، ١٣٠ ، ١٣١ ، ٢٩٩.

دحية الكلبي : (١) ٨٠ ، ٣٤٠.

أبو الدرداء : (٣) ١٨.

دكريد الملك : (١) ٢٥٢.

أبو الدهماء : (١) ١٣٠.

دوبان بن يعقوب : (١) ١٥٠.

دوسراق : (١) ٢٢٩.

ديصان : (١) ٥١.

دينة بنت يعقوب : (١) ١٩٦ ، ٢٤٣.

(الذال)

أبو ذر الغفاري : (١) ١٢٧ ، ١٨٥ ، : (٣) ٥٣ ، ٦٣.

أبو ذر الهروي : (١) ٣٥٨.

ذو الخويصرة : (٢) ٣١٨.

ذو القرنين : (١) ٣٥٦ ، ٣٥٧.

ذو الكلاع : (١) ٣٣٨.

ذو النون = يونس عليه السلام.

(الراء)

رابعة العدوية : (٣) ٢٥.

راحيل : (١) ١٦٦ ، ١٦٧ ، ١٧٠ ، ١٧٦.

راحيل بنت لابان : (١) ١١٩.

الرازي : (أبو بكر محمد بن زكريا) : (١) ١٣ ، ٤٩ ، ١٠٩.

راغو بن قالع : (١) ٢٥٨.

رافع بن خديج : (٣) ١٨.

أبو الرجال : (محمد بن عبد الرحمن) : (١) ٣٧٨.

رحب : (١) ١٧٣.

رسول الله = محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

رعمه بن كوش : (١) ١٤٨.

رعو بن فالغ : (١) ١٤٧.

رغاوة بن كوش : (١) ١٤٨.

رفقة بنت شوال : (١) ١٦٢ ، ١٦٣.

رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم : (٢) ١٩٤.

ركانة بن عبد يزيد : (١) ١٦٨ ، ١٦٩.

روبان بن يعقوب : (١) ١٧٣.

رؤبة بن الحجاج : (٣) ٢٠٣.

روش بن بنيامين : (١) ١٧٦.

ام رومان : (٣) ٤٨.

رؤوبين بن يعقوب : (١) ١٧٠ ، ١٧٦.

أبو ريطة اليعقوبي النطراني : (٢) ١٨٩ ، ١٩٣.

(الزاي)

زابلون بن يعقوب : (١) ١٥٠ ، ١٦٩ ، ١٧٠ ، ١٧٦.

زارح : (١) ١٧٢ ، ١٧٤.

زارح : (ملك السودان) : (١) ٢٤٦.

زبولون بن يعقوب = زابلون بن يعقوب.

ابن الزبير = عبد الله بن الزبير.

الزبير بن العوام : (٢) ٣٣٩ ، : (٣) ١٦ ،

 

١٨ ، ١٩ ، ٣٢ ، ٣٦.

زحريا بن باريعام : (١) ١٧٧.

زرادشت : (١) ٤٩ ، ٥١ ، ٥٨ ، ١١٧ ، ١٢١ ، ١٣٤ ، ١٣٥ ، ١٣٧.

زربائيل بن صلثائيل : (١).

زكريا عليه السلام : (١) ١١٧ ، ١٥٥ ، ٢٠٨ ، ٢٣٥ ، : (٣) ٩ ، ١٠.

أبو زكريا الخياط : (١) ٢٨٩.

زكريا بن أبي زائدة : (٢) ٣٨٣.

زكريا : (كوهن) : (١) ٣٠٩.

زكريا بن يحيى الساجي : (١) ٣٥٦.

زلفى = زلفة.

زلفة : (١) ١٧٠ ، ١٧٦.

زمران بن إبراهيم : (١) ١٦٢.

زمري بن خالوا : (١) ٢٤٤.

الزهري : (ابن شهاب) : (١) ٢٤٢ ، : (٢) ٢٨٦.

زهير بن أبي سلمي : (١) ٣٣٤ ، : (٢) ٩٦ ، ٩٨ ، ٢١٢.

زويلة بن كوش : (١) ١٤٨.

زياد ابن أبيه : (٢) ١٩٠ ، ٢٤.

أبو زياد الكلابي : (٢) ٢١٣.

أبو زيد : (١) ٣٣٢.

زيد بن أرقم : (٢) ٢٩٥.

زيد بن أبي أنيسة : (الإباضي) : (٣) ١٢٤.

زيد بن ثابت : (١) ٣٣٢ ، : (٣) ١٨.

زيد بن حارثة : (٢) ٢٨٥ ، : (٣) ١٩ ، ٣٧ ، ٤٦ ، ٥٦.

زيد بن علي بن الحسين بن علي : (٣) ١٠ ، ٢١.

زيد بن عمرو بن نفيل : (٢) ١٩٤.

زيروب : (١) ١٣١.

زينب بنت جحش : (أم المؤمنين) : (٢) ٢٨٥ ، : (٣) ٥٦.

زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم : (٢) ١٩٤.

(السين)

ساخار بن يعقوب : (١) ١٥٠ ، ١٦٩ ، ١٧٠ ، ١٧٦.

سارح بنت أشر : (١) ١٤٧.

سارة : (١) ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٥٨ ، ١٦١ ، ١٦٢ ، : (٢) ٢٩١.

أبو ساسان حضين بن المنذر بن الحارث : (٣) ٢٠٤.

سام بن نوح : (١) ١٤٧ ، ١٤٨ ، ١٤٩ ، ٢٥٨.

السامري : (١) ٧٧ ، ١٨٩.

سجاح : (١) ٣٣٣ ، ٣٣٨ ، : (٣) ٢٩ ، ٨٢.

سراقة بن مالك بن جعثم : (٢) ٢٨١.

سروغ بن رعو : (١) ١٤٧.

سعد بن عبادة : (٣) ١٦ ، ١٨ ، ٨٩ ، ٩٠.

سعد بن معاذ : (٣) ٣٢ ، ٣٧.

سعد بن أبي وقاص : (٢) ٢٤٦ ، : (٣) ١٨ ، ٢٤ ، ٣٠ ، ٥٤.

أبو سعيد بن الأعرابي : (٢) ٣٨٧.

سعيد بن جبير : (١) ٣٥٦.

أبو سعيد الجعفري : (١) ٢٤١.

أبو سعيد الخدري : (١) ٣٦٠.

أبو سعيد الخليل بن أحمد السجستاني : (٢) ٣٨٣.

سعيد بن زيد : (٣) ١٩ ، ٢٤ ، ٣٠ ، ٦٥.

سعيد بن المسيب : (١) ١٣٥ ، ٣٥٩ ، : (٢) ٣٦٥.

سعيد بن أبي هلال : (١) ٣٧٨.

سعيد بن يوسف = الفيومي.

سفتخا بن كوش : (١) ١٤٨.

سفيان الثوري : (٢) ٢٦٧ ، ٣٥٢ ، ٣٧٤.

أبو سفيان بن الحارث : (٢) ١٩٤.

أبو سفيان بن الحارث : (٢) ١٩٤.

أبو سفيان بن حرب : (٣) ١٧.

سفيان بن عيينة : (٢) ٣٧٤.

السفياني : (١) ١٦٥.

سقراط : (٢) ١٥٢.

ابن سلام = عبد الله بن سلام.

سلام الترجمان : (١) ١٤٤.

سلم بن أحوز : (١) ٣٨٨.

سلمان الفارسي : (٣) ٦٥.

أبو سلمة : (٣) ٣٢.

أم سلمة : (أم المؤمنين) : (٢) ٣١٨ ، : (٣) ٣٢ ، ٥٥ ، ٥٦.

سلمة بن شبيب : (١) ٣٥٦.

أبو سلمة بن عبد الرحمن : (١) ٢٤١.

سلمة بن يزيد الجعفي : (٢) ٣٨٢ ، ٣٨٣.

سليمان عليه السلام : (١) ٧٧ ، ٩٩ ، ١١٧ ، ١٦٦ ، ١٧٣ ، ١٧٤ ، ١٧٧ ، ٢١١ ، ٢١٦ ، ٢١٧ ، ٢٢٩ ، ٢٣٣ ، ٢٣٥ ، ٢٣٩ ، ٢٤٤ ، ٢٤٥ ، ٢٥٣ ، ٢٦٤ ، : (٢) ٣٠٦ ، ٣٠٧ ، : (٣) ٩.

سليمان الأعمش = الأعمش.

سليمان بن جرير : (٢) ٥٤.

سليمان بن حرب الواشحي : (١) ٣٥٥.

سليمان بن خلف الباجي : (١) ١٠٦.

سليمان بن عبد الملك : (٣) ٩٧ ، ٩٨.

سماك بن خر : (٣) ٥٩.

السمناني : (أبو جعفر) : (١) ٣٩٣ ، : (٢) ٦ ، ٢٨٤ ، ٣١٦ ، ٣٢٧ ، : (٣) ٨٩ ،

١٤٦ ، ١٤٧ ، ١٤٩ ، ١٥٧ ، ١٦٣ ، ١٦٤.

سموال : (١) ١٢٣.

سمية : (أم عمار) : (٢) ١٩٤.

أبو السنايل بن بعكك : (٢) ٢٧٣.

السند بن رعمة : (١) ١٤٨.

سهل بن سعد الساعدي : (٣) ٣٧.

سهل بن هارون : (٢) ٥٠.

سودة : (أم المؤمنين) : (٣) ٥٦.

سوسن : (٣) ١٢.

سيبويه : (٣) ٢٠٠ ، ٢٠٤.

السيد الجميري : (١) ٣٧١ ، : (٣) ١٢.

ابن سيرين : (٢) ٣٦٥.

(الشين)

شاروع بن قالع : (١) ٢٥٨.

الشافعي : (الإمام) : (١) ٣٩٨ ، : (٢) ٢٤٢ ، ٢٦٧ ، ٣٦٤ ، ٣٦٥ ، : (٣) ٢٢.

شالخ بن أرفخشاذ : (١) ١٤٧.

شالخ بن قينان : (١) ٢٥٨.

شاول الملك : (١) ٢٤٤.

شبث بن ربعي : (٣) ٨٢.

شبيب ابن البرصاء : (١) ٣٤٠.

شبيب بن سعيد : (١) ٣٥٩.

الشريعي : (١) ١٣١.

شعبة بن الحجاج : (١) ٣٥٦ ، ٣٧٤.

الشعبي = عامر الشعبي.

شعياء : (١) ٧٢ ، ٢٣٤ ، ٢٦٧.

شعيب عليه السلام : (١) ٥١ ، ٢٢٩ ، : (٢) ١٧٦ ، ١٩٤.

شقيق بن سلمة : (١) ٣٥٩.

شكيم بن حمور الحوي : (١) ١٦٩ ، ٢٤٣.

شلوما : (١) ٣٠٣.

شلومينيل بن صوريثداي : (١) ١٩٥.

الشماخ : (٢) ٤ ، ٢١٢.

شماي : (١) ٣٣٦.

شمشون الدابي : (١) ٢١١.

شمعون : (١) ١١٧ ، ٣٣٦ ، ٣٣٧.

ابن شمعون : (٣) ١٦٦.

شمعون باطرة = شمعون بن يونا.

شمعون الصفا : (١) ٧٥.

شمعون القيرواني : (١) ٣٠٢.

شمعون الكنعاني : (١) ٢٧٥.

شمعون بن يعقوب : (١) ١٥٠ ، ١٦٩ ، ١٧٠ ، ١٧٦ ، ١٧٩.

شمعون بن يوثا : (١) ٢٩٨.

شمعون أخو يوسف النجار : (١) ٢٥٣.

شمعون بن يونا : (١) ٢٥١ ، ٢٥٢ ، ٢٥٤ ، ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، ٢٧١ ، ٣٢٤.

شمؤال النبي : (١) ٢٤٤ ، ٢٥٣.

الشنيفي = عبد الله بن عبد الله بن شنيف.

ابن شهاب = الزهري.

شهر بن باذام : (١) ٣٣٨.

شوحا بن إبراهيم : (١) ١٦٢.

شوع : (١) ١٧١ ، ١٧٤.

بنت شوع : (١) ١٧٥.

شيبان الراعي : (١) ٢٥٤ ، ٢٥٥ ، ٣٢٨ : (٣) ٢٥.

شيث بن آدم : (١) ٢٥٧.

أم ابني شيزاي : (١) ٢٩٤.

شيطان الطلاق : (١) ٣٧٠ ، : (٣) ١١.

شيلة : (١) ١٧١ ، ١٧٢ ، ١٧٤ ، ١٧٥.

شيمون القيرواني : (١) ٣٠١.

(الصاد)

صاحب الحوت = يونس عليه السلام.

الصادق = محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

صالح عليه السلام : (١) ٥١ ، ٢٢٩ ، : (٢) ٦ ، ١٣٣ ، ١٥٤ ، ١٩٤ ، : (٣) ١١٤.

صالح قبة : (٢) ٥٥.

أبو الصباح السمرقندي : (٣) ٤ ، ٦ ، ١٦٦.

صدقيا بن يوشيا : (١) ١٧٨.

صدوق : (١) ١١٧.

صفوان بن يعلى : (١) ٣٥٨.

صفية بنت شيبة : (٢) ٣٧٤.

صقيل : (٣) ١٢.

صلة : (١) ١٤٦.

صندلفون : (١) ٢٤٦ ، ٢٤٩.

ابن صوريا = عبد الله بن صوريا.

(الضاد)

الضحاك بن مخلد = أبو عاصم النبيل.

الضحاك بن مزاحم : (١) ٣٤٧.

ضرار بن عمرو : (١) ١٢٩ ، ٣٦٩ ، : (٢) ١٣ ، ٣٤ ، ٥٥ ، ٨٦ ، ١٨٧ ، ٣٧٢ ، : (٣) ٦ ، ٢٤٦ ، ٢٤٨.

(الطاء)

أبو طالب بن عبد المطلب : (٢) ٢٢٦ ، ٣١١ ، : (٣) ٨ ، ٤٦.

طالوت : (١) ٢٤٤.

الطبري : (محمد بن جرير) : (٢) ٣٢٧.

الطرماح : (٢) ٢١٢.

الطفيل بن عمرو الفارسي : (١) ٣٣٩.

أبو طلحة الأنصاري : (١) ١٢٣.

طلحة بن عبيد الله : (٢) ٣٣٩ ، : (٣) ١٨ ، ٣٦ ، ٦٤.

طليحة : (١) ٣٣٣ ، ٣٣٨ ، : (٣) ٢٩.

طوما : (١) ٢٥٣ ، ٢٧٥ ، ٣٠٥ ، ٣٠٦.

طيطش : (١) ٢٤٧.

طيطوس : (١) ١١٨.

(الظاء)

أبو ظبيان : (١) ٣٦٥.

(العين)

عابر بن شالخ : (١) ١٤٧ ، ٢٥٨.

عاد : (١) ١٧٦.

عادمون : (١) ١٣٧.

عادة : (١) ١٤٦.

عاذ بن يعقوب : (١) ١٥٠.

العازار : (١) ١٩٦.

العازار بن هارون : (١) ١٩٧.

العاص بن سعيد بن العاص : (٣) ١٧.

العاص بن هشام بن المغيرة : (٣) ١٩.

عاصم بن ثابت الأنصاري : (٣) ١٧.

عاصم : (المفري ء) : (١) ٣٣١.

أبو عاصم النبيل : (الضحاك بن مخلد) : (١) ٣٥٨ ، : (٣) ٣٢.

عاظيمون : (١) ٥٠.

عامر الشعبي : (٢) ٣٨٢ ، ٣٨٣.

عامر بن الطفيل : (١) ٣٣٨.

عاموص : (١) ١١٧.

عانان : (١) ١١٧.

عائشة : (أم المؤمنين) : (١) ٢٧٧ ، ٣٧٨ ، ٤٠٣ ، : (٢) ١٩٤ ، ٢٣٩ ، ٢٧٥ ،

٢٨٦ ، ٣٥٤ ، ٣٨٤ ، : (٣) ٢٧ ، ٢٨ ، ٣٢ ، ٣٦ ، ٤٠ ، ٤٣ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٤٧ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ٥٧ ، ٥٨ ، ٧٠ ، ١٠٠ ، ٢٠٧.

عباد بن بشر : (٣) ٣٢.

عباد بن الجلندي : (١) ٣٣٨.

عباد بن سلمان : (٢) ٨٦ ، ١٦٦ ، : (٣) ١٣٣ ، ١٤١.

عبادة بن الصامت : (٢) ٣٥١ ، : (٣) ٧.

ابن عباس = عبد الله بن عباس.

العباس بن عبد المطلب : (٢) ١٩٤ ، : (٣) ٨ ، ٩ ، ١٠ ، ١٩.

أبو العباس الناشيء : (٢) ٣٤٠.

عبد بن حميد : (١) ٣٥٥ ، : (٢) ٢٨٦.

عبد الأعلى : (١) ٣٥٦.

عبد الله بن إبراهيم : (٣) ٤٧.

عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي : (١) ٣٥٥.

عبد الله بن أحمد بن محمود = الكعبي.

عبد الله بن أمية بن عبد الله : (١) ٣٥٨.

عبد الله بن أبي أوفى : (٣) ٣٧.

عبد الله بن بسر : (٣) ٣٧.

عبد الله بن جحش : (٣) ٣٧.

عبد الله بن جعفر : (٢) ١٩٤.

عبد الله بن الحارث بن جزء : (٣) ٣٧.

عبد الله بن الحسن : (٢) ١٠.

عبد الله بن خباب : (٣) ٨٠.

عبد الله بن خلف بن مروان الأنصاري : (١) ١٣.

عبد الله بن ربيع التميمي : (١) ٣٥٦ ، ٣٥٨ ، : (٢) ٣٨٣ ، ٣٨٧.

عبد الله بن الزبير : (٢) ٣٧٤ ، : (٣) ١١ ،

١٨ ، ٥٤ ، ٥٦ ، ٩٨.

عبد الله بن سبأ : (١) ٢٤٧ ، ٢٨٩ ، ٣٧٢ ، : (٣) ١١٢ ، ١١٣.

عبد الله بن سعد بن أبي سرح : (٢) ٣١٧.

عبد الله بن سلام : (١) ٢٣٦ ، ٢٣٨ ، ٣٥٩.

عبد الله بن صوريا : (١) ٢٣٦ ، ٢٣٨.

عبد الله بن العباس : (١) ٧٧ ، ١٨٩ ، ٢٤٢ ، ٣٤٨ ، ٣٥٦ ، ٣٥٨ ، ٣٦٥ ، : (٢) ٦٠ ، ٢٥١ ، ٢٧٦ ، ٢٩٩ ، ٣٤٠ ، ٣٥٢ ، : (٣) ٢٤ ، ٦٤.

عبد الله بن عبد الله بن شنيف : (١) ٣١ ، ٣٢.

عبد الله بن عبد الرحمن بن خالد : (١) ٣١ ، ٣٢.

عبد الله بن عبد الرحمن بن خالد : (١) ٢٤١.

عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد : (٢) ٣٧٤.

أبو عبد الله العردي : (١) ٢٨٩.

عبد الله بن علي بن الحسين : (٣) ٢١.

عبد الله بن عمر : (١) ٢٧٧ ، : (٢) ٦٠ ، ٣٤٠ ، ٣٧٤ ، : (٣) ٦ ، ١٨ ، ٢٤ ، ٢٧ ، ٣٠ ، ٤٥ ، ٥٢ ، ٥٤ ، ٦١ ، ٦٤ ، ٦٦ ، ٨٢ ، ٨٥ ، ١٠٠.

عبد الله بن عمرو : (٢) ٢٥١ ، ٣٩٨.

عبد الله بن غطفان : (٢) ٥٥.

عبد الله بن الماجشون : (٢) ٢٥١.

عبد الله بن المبارك : (١) ٣٢٥ ، : (٢) ٢٥٠.

عبد الله بن محمد الهروي : (١) ٣٥٥.

عبد الله بن محمد السلمي : (١) ١٣.

عبد الله بن محمد بن عبد العزيز : (٢) ٣٨٣.

عبد الله بن محم بن عثمان الأسدي : (١) ٣٥٨.

عبد الله بن مسعود : (١) ٣٣٠ ، ٣٣٢ ، ٣٥٩ ، : (٢) ٤٧ ، ٢٤٨ ، ٢٤٩ ، ٢٥٠ ، ٣٥٤ ، ٣٧٤ ، ٣٧٩ ، ٣٨٣ ، : (٣) ٣٢ ، ٥٦ ، ٥٧ ، ٦٠ ، ٦١ ، ٧١ د ، ٧٢.

عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر : (٣) ٨.

عبد الله بن وهب : (١) ٣٥٩ ، ٣٧٨.

عبد الله بن وهب الراسبي : (٣) ٢٤.

عبد الله بن يزيد الإباضي : (١) ٣٦٩.

عبد الله بن يوسف : (٢) ٢٨٦.

عبد الرحمن بن أبي بكر : (٣) ٦٤.

عبد الرحمن بن الحكم بن هشام : (١) ٢٠١.

عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الهمذاني : (٢) ١٠ ، ١٩.

عبد الرحمن بن عوف : (٣) ٧١ ، ١٠٨.

عبد الرحمن بن مهدي : (٢) ٣٧٤.

عبد الرحمن بن أبي الموال : (٢) ١٠.

عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط : (٣) ٢١٧.

عبد الرزاق : (٢) ٢٨٦.

عبد الصمد بن عبد الوارث التنوري : (١) ٣٥٦.

عبد العزيز بن مسلم الكناني : (١) ٣٩٨.

عبد الكريم بن عجرد : (٣) ١٢٦.

عبد الملك بن حبيب الأندلسي : (٢) ٢٥١.

عبد الملك بن عباس : (٣) ٦٤.

عبد الملك بن مروان : (٣) ١٨ ، ٥٤ ، ٩٦.

عبد الوارث بن سفيان : (٢) ٣٨٢.

عبد الوهاب بن عيسى : (٢) ٢٨٦.

عبدون بن هلال : (١) ٢٠٢.

أبو عبيد القاس بن سلام : (٢) ٢٢٦.

أبو عبيدة بن الجراح : (٣) ٣٧ ، ٨٩.

عبيدة بن حميد : (٢) ٣٨٢ ، ٣٨٣.

عبيدة بن سعيد بن العاص : (٣) ١٩.

أبو عبيدة معمر بن المثنى : (٢) ٣٥٢.

عبيد الله بن زياد : (٣) ١٠٧.

عبيد الله بن العباس : (٣) ٦٤.

عبيد الله بن عبد الله بن عتبة : (١) ٢٤٢.

عتبة بن ربيعة : (٣) ١٧.

عثمان بن عفان : (١) ١٠٨ ، ١٠٩ ، ١٢٨ ، ٣٣٠ ، ٣٣١ ، ٣٣٢ ، ٣٣٣ ، ٣٧٢ ، : (٢) ١٩٣ ، : (٣) ١١ ، ١٦ ، ١٧ ، ١٩ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٤٠ ، ٤٢ ، ٤٤ ، ٤٩ ، ٦٥ ، ٦٧ ، ٧٠ ، ٧١ ، ٧٣ ، ٧٤ ، ٧٩ ، ٨٠ ، ٨٣ ، ٨٥ ، ٨٧ ، ٨٨ ، ٩٨ ، ١٠٠ ، ١١٧.

عثمان بن عمر : (١) ٢٤١.

عثمان بن غياث : (١) ٣٥٨.

عثمان بن مظعون : (٢) ٣٨٥ ، : (٣) ٣٧.

أبو العجب الشعبذ : (١) ٢٩٩.

عخار بن كرمى : (١) ٢٣٠.

ابن أبي عدي = محمد بن أبي عدي.

عروة بن الزبير : (٢) ٢٨٦.

عزرا الوراق الهاروني : (١) ١٤٠ ، ٢١٤ ، ٢٣٥ ، ٢٥٧.

العزيز : (١) ١١٧.

عطاف بن دوناس : (٢) ٢٢٦.

العطوي : (أبو عبد الرحمن) : (٢) ٥٤.

عقبة بن أبي معيط : (٣) ١٧.

عقيل بن أبي طالب : (٣) ١٩.

عكرمة : (مولى ابن عباس) : (١) ٣٥٨ ، : (٢) ٣٤.

عكرمة بن عمار اليمامي : (٢) ٣١٠.

العلاف = أبو الهذيل العلاف.

علقمة بن قيس : (٢) ٣٨٢ ، ٣٨٣.

علي الأسواري = الأسواري.

علي بن الحسين بن علي : (٣) ١١ ، ٢٤.

أبو علي السكاك : (٣) ١١ ، ١١٦.

علي بن أبي طالب : (١) ٩٢ ، ١٠٩ ، ١٢٨ ، ١٣٥ ، ٢٤٧ ، ٢٨٨ ، ٢٨٩ ، ٣٣١ ، ٣٣٢ ، ٣٣٤ ، ٣٤٠ ، ٣٥٩ ، ٣٦٩ ، ٣٧٠ ، ٣٧١ ، ٣٧٢ ، : (٢) ١٥١ ، ١٩٣ ، ١٩٤ ، ٢٣٩ ، ٢٦٠ ، ٢٧٠ ، ٢٧٦ ، ٣٢١ ، ٣٢٣ ، : (٣) ٥ ، ٦ ، ٨ ، ١٠ ، ١١ ، ١٢ ، ١٣ ، ١٤ ، ١٥ ، ١٦ ، ١٧ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٠ ، ٢٤ ، ٢٦ ، ٣٢ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٤٠ ، ٤٢ ، ٤٤ ، ٤٨ ، ٤٩ ، ٥٥ ، ٥٧ ، ٥٨ ، ٥٩ ، ٦٠ ، ٦١ ، ٦٢ ، ٦٣ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ٦٦ ، ٦٧ ، ٦٩ ، ٧٠ ، ٧١ ، ٧٣ ، ٧٨ ، ٧٩ ، ٨٠ ، ٨١ ، ٨٢ ، ٨٣ ، ٨٤ ، ٨٥ ، ٨٦ ، ٨٧ ، ٨٨ ، ٨٩ ، ١٠٠ ، ١١٢ ، ١١٣ ، ١١٧ ، ١١٨ ، ١٦٩.

علي بن عبد العزيز : (١) ٣٥٨.

علي بن علي بن الحسين : (٣) ٢١.

علي بن علي بن موسى : (٣) ٢١.

علي بن الفضل الجنيد : (١) ٢٨٩.

علي بن المبارك : (١) ٢٤١.

أبو علي بن محمد بن عبد الوهاب = الجبائي.

علي بن محمد بن علي بن موسى : (٣) ١٢.

علي بن منصور : (٣) ١١.

علي بن موسى : (٣) ١٢ ، ٢١.

علي النجار : (١) ٢٨٩.

علي بن هيثم : (٣) ١١.

عمار : (خذاشا) : (١) ٣٧٢.

عمار بن ياسر : (٢) ١٩٤ ، ٢٧٠ ، : (٣) ٦ ، ٣٦.

عمر بن حمزة : (٣) ٤٥.

عمر بن الخطاب : (١) ١٠٨ ، ١٠٩ ، ١٢٨ ، ٢٤٢ ، ٢٧٧ ، ٣٣٢ ، ٣٣٣ ، ٣٣٧ ، ٣٣٩ ، ٣٤٢ ، ٣٧١ ، : (٢) ١٥١ ، ١٩٣ ، ٢٥٠ ، ٢٦٠ ، ٢٧٣ ، ٢٧٦ ، ٣٠٩ ، ٣٨١ ، : (٣) ٨ ، ١١ ، ١٥ ، ١٦ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٢ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٤٠ ، ٤٢ ، ٤٤ ، ٤٧ ، ٥٣ ، ٥٥ ، ٥٧ ، ٥٨ ، ٥٩ ، ٦٠ ، ٦١ ، ٦٢ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ٦٧ ، ٧٠ ، ٧١ ، ٧٣ ، ٧٧ ، ٨٠ ، ٨٩ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ٩٨ ، ١١٧ ، ١٧١.

ابن عمر = عبد الله بن عمر.

عمر بن عبد العزيز : (٢) ٣٦٥ ، : (٣) ٩٧.

عمر بن عبد الملك : (١) ٢٠١ ، : (٢) ٣٨٣.

عمران : (١) ١٩٥.

عمران بن حصين : (١) ١٣٠.

عمران بن فاهث : (١) ١٥١ ، ١٨٥.

عمران بن فهث : (١) ١٤٧ ، ١٧٣.

عمرة : (١) ٣٧٨.

عمرو بن أحمر : (٢) ٢١٣.

عمرو بن الحارث : (١) ٣٧٨.

عمرو بن حممة الدوسي : (٢) ٣٥٦ ، : (٣) ١٧٦.

عمرو بن العاص : (٢) ٢٥١ ، ٢٧٠ ، ٣٥٥ ، : (٣) ٤٠ ، ٥٣.

عمرو بن عبد الله بن الحارث الكندي : (١) ٣٧٢.

عمرو بن عبدود : (٣) ١٧.

عمرو بن عبيد : (٢) ٣٦٥ ، : (٣) ٧٨.

عمرو بن علي بن الحسين : (٣) ٢١.

عمير التبان : (٣) ١٢٠.

عمير بن سعيد : (٢) ٣٢٣.

العنسي الكذاب = الأسود العنسي.

ابن عون الله : (٢) ٢٩٩.

عياض بن حمار المجاشعي : (٢) ٣٨٧.

عيرا : (١) ١٧١ ، ١٧٤.

عيسى عليه السلام : (١) ٥١ ، ٥٨ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ٦٧ ، ٧٠ ، ٧١ ، ٧٢ ، ٧٣ ، ٧٤ ، ٧٥ ، ٧٨ ، ٧٩ ، ٨٠ ، ٩٥ ، ١٠٤ ، ١١٨ ، ١٢١ ، ١٢٢ ، ١٢٣ ، ١٣٣ ، ١٣٤ ، ١٣٦ ، ٢٣٥ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ٢٤٠ ، ٢٤٦ ، ٢٤٧ ، ٢٥١ ، ٢٥٢ ، ٢٥٣ ، ٢٥٤ ، ٢٥٥ ، ٢٥٩ ، ٢٦٠ ، ٢٦١ ، ٢٦٢ ، ٢٦٣ ، ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، ٢٦٦ ، ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، ٢٧١ ، ٢٧٢ ، ٢٧٣ ، ٢٧٤ ، ٢٧٥ ، ٢٧٦ ، ٢٧٧ ، ٢٧٨ ، ٢٧٩ ، ٢٨٠ ، ٢٨١ ، ٢٨٢ ، ٢٨٣ ، ٢٨٥ ، ٢٨٦ ، ٢٨٨ ، ٢٨٩ ، ٢٩٠ ، ٢٩١ ، ٢٩٢ ، ٢٩٣ ، ٢٩٤ ، ٢٩٥ ، ٢٩٦ ، ٢٩٧ ، ٢٩٧ ، ٢٩٨ ، ٢٩٩ ، ٣٠٠ ، ٣٠١ ، ٣٠٢ ، ٣٠٣ ، ٣٠٤ ، ٣٠٥ ، ٣٠٦ ، ٣٠٧ ، ٣٠٨ ، ٣٠٩ ، ٣١٠ ،

٣١١ ، ٣١٢ ، ٣١٣ ، ٣١٤ ، ٣١٥ ، ٣١٦ ، ٣١٧ ، ٣١٨ ، ٣١٩ ، ٣٢٠ ، ٣٢١ ، ٣٢٢ ، ٣٢٣ ، ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، ٣٢٦ ، ٣٢٧ ، ٣٢٩ ، ٣٣٦ ، ٣٣٩ ، ٣٤٠ ، ٣٤١ ، ٣٥٧ ، ٣٦٥ ، ٣٩٢ ، : (٢) ٦ ، ١١ ، ٤٥ ، ٦٦ ، ٨٨ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ١٠٧ ، ١٠٨ ، ١٥١ ، ١٥٣ ، ١٥٨ ، ١٩٣ ، ١٩٥ ، ٢٠٣ ، ٢١٠ ، ٢٤٣ ، ٢٦٩ ، ٢٧٢ ، ٢٨٠ ، ٢٩٥ ، ٣٢١ ، ٣٤٨ ، ٣٨٩ ، : (٣) ١١٤ ، ١٩١ ، ١٩٧.

أبو عيسى الأصبهاني : (١) ١١٨ ، ١٣٤.

أم عيسى عليه السلام = مريم عليها السلام.

عيسى بن حاضر : (٣) ٣٢.

عيسى بن حبيب : (٢) ٣٧٤.

عيسو بن إسحاق : (١) ١٦٢ ، ١٦٣ ، ١٦٤ ، ١٦٥ ، ١٧١ ، ١٩٣.

عيصا بن إسحاق : (١) ١٤٨ ، ١٤٩ ، ١٥٠.

(الغين)

أبو الغادية : (٢) ٢٧٠.

أبو غفار : (٣) ١٣٤.

غورث بن الحارث : (١) ٣٣٨.

غياظ بن حضين بن المنذر : (٣) ٢٠٤.

غيلان بن مروان : (٢) ٣٤٠.

(الفاء)

فارص : (١) ١٧٢ ، ١٧٤.

فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم : (٢) ١٩٤ ، : (٣) ٤٣ ، ٤٤ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٥ ، ٧٦.

فالغ بن عابر : (١) ١٤٧.

فاهث بن لاوي : (١) ١٤٧ ، ١٥١ ، ١٨٤ ، ١٨٥.

الفريري : (١) ٢٤٢ : (٢) ١٠ ، ١٩.

ابن فرج : (٢) ٣٢١.

فرعون : (١) ١٣٠ ، ١٥١ ، ١٦١ ، ١٧٤ ، ١٧٩ ، ١٨٠ ، ١٨٢ ، ١٨٣ ، ١٨٤ ، ١٩٤ ، ٢٤٤ ، ٣٩٠ ، : (٢) ١٣ ، ٣٥ ، ٤٦ ، ٦٦ ، ١٠١ ، ١٢٥ ، ١٤٩ ، ١٥٣ ، ١٦٥ ، ١٦٦ ، ١٨١ ، ١٩٥ ، ٢٠٣ ، ٢١٩ ، ٢٢٣ ، ٢٣٣ ، ٢٩٦ ، ٢٩٨ ، ٣٠١ ، : (٣) ١٧٣.

الفضل الحدثي : (١) ٣٦٩ ، : (٢) ١٤٦.

فلبش : (١) ٢٥٣ ، ٢٧٥.

فهث بن لاوي = فاهث بن لاوي.

فهر بن مالك : (٣) ٦ ، ٨.

ابن فورك : (محمد بن الحسن) : (١) ١٠٦ ، ٣٩٣ ، ٤١٠ ، : (٢) ٦ ، ٢٨٤ ، ٢٨٥ ، : (٣) ٢٠٥.

الفوطي هشام بن عمرو.

فوما بن حام : (١) ١٤٨.

الفياض بن علي : (٣) ١٢١.

فيحاس : (١) ١٩٦.

فيلتش الحواري : (١) ٣٢١.

فينحاس بن العزار بن هامون : (١) ٢٤٤.

الفيومي : (سعيد بن يوسف) : (٢) ١٩٣.

الفيومي اليهودي : (٢) ١٨٩.

(القاف)

قابيل : (١) ١٤٥.

قاسم بن أصبغ : (١) ٣٥٦ ، ٣٦٥ ، : (٢) ٣٥٢ ، ٣٧٤ ، ٣٨٢.

قالع : (١) ٢٥٨.

قايين : (١) ١٤٦.

قتادة : (١) ١٣٥ ، ٢٧٦ ، ٢٧٧ ، : (٢) ١٩ ، ٢٥٠ ، ٣٨٨.

ابن أبي قحافة = أبو بكر الصديق.

قدامة بن جعفر : (١) ١٤٤.

قس بن ساعدة : (٢) ١٩٤.

قسطنطين الأول : (١) ٦٤.

قسطنطين بن قسطنطين : (١) ٦٥ ، ٣٤١.

قسطنطين الملك : (١) ٢٥٤ ، ٣٣٩ ، ٣٤٠ ، ٣٤١.

قطري بن الفجاءة : (٢) ١٩٠.

قطورة : (١) ١٦٢.

قيصر : (٣) ١٦.

قيطوش بلاطش : (١) ٧١.

قيقان الكاهي : (١) ٧٥.

قينان بن إينوش : (١) ٢٥٧ ، ٢٥٨.

(الكاف)

كالب بن يفنة : (١) ٢٠٥.

أبو كثير الطبراني : (٢) ١٩٣.

كثير عزة : (٣) ١٢.

الكذاب العنسي = الأسود العنسي.

ابن كرام = محمد بن كرام.

كسرى : (١) ١٢٩ ، : (٣) ١٦.

الكشف : (أبو منصور المستنير العجلي) : (١) ٣٧١ ، : (٣) ١١٩ ، ١٧٦.

كعب الأحبار : (١) ٢٤٢ ، ٣٤٦ ، ٣٥٨.

الكعبي : (عبد الله بن أحمد بن محمود) : (٢) ٣٢ ، ٦٩ ، ١٣٤.

الكعبي : (عبد الله بن محمد البلخي) : (٣) ١٤٠.

ابن كلاب : (١) ٣٨١.

الكلبي : (١) ٣٤٧ ، ٣٤٩.

أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم : (٢) ١٩٤.

كلوباش : (١) ٣١٣.

كليم الله تعالى = موسى عليه السلام.

كنعان : (١) ١٤٨.

كوش بن حام : (١) ١٤٨.

كوش بن نمرود : (١) ١٤٨.

كيسان أبو عمرة : (٣) ١٢.

(اللام)

لابان بن بثوال : (١) ١٦٦ ، ١٦٧ ، ١٧٠ ، ١٧٥.

لابان بن ناحور : (١) ١٦٥.

لامخ بن متوشالح : (١) ٢٥٨.

لامك بن منوشالح : (١) ١٤٧.

لامك بن منوشائيل : (١) ١٤٥ ، ١٤٦.

لاوي بن يعقوب : (١) ١٤٧ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٦٩ ، ١٧٦ ، ١٧٩ ، ١٨٤.

لاي بن يعقوب : (١) ١٧٠.

لبيد بن الأعصم : (٣) ١٧٢.

لبيد بن ربيعة : (٢) ٢١٢ ، ٢٣٢ ، : (٣) ٢٠٠ ، ٢٠٣.

أبو لهب : (٢) ١٦٥ ، ١٦٦ ، ٢٠٣ ، : (٣) ٨.

لوط عليه السلام : (١) ١٢٣ ، ١٥٨ ، ١٥٩ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٦ ، ٢٠٣ ، ٢٩٧ ، : (٢) ١٩٤ ، ٢٩٣ ، ٢٩٤.

لوط بن هاران = لوط عليه السلام.

لوقا : (صاحب الإنجيل) : (١) ٧٢ ، ٢٣٦ ، ٢٥١ ، ٢٥٢ ، ٢٥٣ ، ٢٥٤ ، ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٣ ،

٢٧٤ ، ٢٧٦ ، ٢٧٧ ، ٢٧٨ ، ٢٧٩ ، ٢٨٠ ، ٢٨٣ ، ٢٩٠ ، ٢٩١ ، ٢٩٢ ، ٢٩٦ ، ٣٠٠ ، ٣٠١ ، ٣٠٢ ، ٣٠٣ ، ٣٠٤ ، ٣٠٥ ، ٣٠٦ ، ٣٠٨ ، ٣٠٩ ، ٣١١ ، ٣١٢ ، ٣١٣.

ليا بنت لابان : (١) ١١٩.

ابن أبي ليلى : (٢) ٢٦٧ ، ٢٨٢.

لبتة : (١) ١٦٢ ، ١٦٧ ، ١٦٩ ، ١٧٠ ، ١٧٦.

(الميم)

مارقس : (١) ٢٣٦.

مارقش : (صاحب الإنجيل) : (١) ٢٥١ ، ٢٥٢ ، ٢٥٣ ، ٢٥٤ ، ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٣ ، ٢٧٤ ، ٢٧٦ ، ٢٧٩ ، ٢٨١ ، ٢٨٣ ، ٢٩٠ ، ٢٩١ ، ٢٩٢ ، ٢٩٥ ، ٢٩٦ ، ٢٩٩ ، ٣٠٠ ، ٣٠١ ، ٣٠٢ ، ٣٠٣ ، ٣٠٥ ، ٣٠٦ ، ٣٠٧ ، ٣١٣ ، ٣١٦ ، ٣٢٧.

ماروت : (٢) ٢٧٩ ، ٢٨٠ ، ٢٨١ ، ٢٣٢ ، ٣٢٤ ، ٣٢٥.

مالك بن أنس : (٢) ٢٥١ ، : (٣) ٢٢.

أبو مالك الحضرمي : (٣) ١١.

أبو مالك : (ملك الخلص) : (١) ١٦١.

مالك بن نويرة : (١) ٣٣٣.

المأمون : (١) ٩٣ ، ٢٠٢.

ماني : (١) ٥١ ، ٥٨ ، ٢٥٥ ، ٣٢٧.

ابن المبارك = عبد الله بن المبارك.

متى : (صاحب الإنجيل) : (١) ٧٨ ، ٢٣٥ ، ٢٥١ ، ٢٥٢ ، ٢٥٣ ، ٢٥٤ ، ٢٦٠ ، ٢٦١ ، ٢٦٢ ، ٢٦٣ ، ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، ٢٦٧ ، ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، ٢٧١ ، ٢٧٢ ،

٢٧٣ ، ٢٧٤ ، ٢٧٩ ، ٢٨٠ ، ٢٨٢ ، ٢٨٣ ، ٢٨٥ ، ٢٨٦ ، ٢٨٨ ، ٢٩٠ ، ٢٩١ ، ٢٩٢ ، ٢٩٣ ، ٢٩٤ ، ٢٩٥ ، ٢٩٦ ، ٢٩٧ ، ٢٩٨ ، ٣٠٠ ، ٣٠١ ، ٣٠٢ ، ٣٠٣ ، ٣٠٥ ، ٣٠٩ ، ٣١٣ ، ٣١٦ ، ٣١٧ ، ٣٢٠ ، ٣٢٩.

متى بن الجابي : (١) ٢٧٥.

متوشالح بن حنوك : (١) ١٤٧ ، ١٤٨.

متوشالح بن خنوخ : (١) ٢٥٧ ، ٢٥٨.

مجاهد : (٢) ٣٤ ، ٣٥٢.

ابن مجاهد الأشوي : (٢) ٢٨٥.

المحرق : (١) ١٣١ ، ١٣٢.

محلى : (١) ١٩٥.

محمد صلى الله عليه وسلم : (١) ١١ ، ٢٨ ، ٥٠ ، ٥١ ، ٧٦ ، ٨٠ ، ٨٦ ، ٩٣ ، ٩٥ ، ٩٦ ، ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٠٦ ، ١٠٧ ، ١٠٨ ، ١٠٩ ، ١١٦ ، ١١٨ ، ١٢١ ، ١٢٢ ، ١٢٣ ، ١٢٥ ، ١٢٨ ، ١٢٩ ، ١٣٠ ، ١٣١ ، ١٣٢ ، ١٣٣ ، ١٣٤ ، ١٣٦ ، ١٣٧ ، ١٤٢ ، ١٤٣ ، ١٦٨ ، ١٨٥ ، ١٨٨ ، ٢٢٩ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، ٢٤٠ ، ٢٤١ ، ٢٤٢ ، ٢٥٠ ، ٢٦٠ ، ٢٧٦ ، ٢٧٧ ، ٢٨٥ ، ٢٩٤ ، ٢٩٩ ، ٣١٠ ، ٣١٥ ، ٣٢٦ ، ٣٢٩ ، ٣٣٠ ، ٣٣١ ، ٣٣٢ ، ٣٣٥ ، ٣٣٦ ، ٣٣٧ ، ٣٣٩ ، ٣٤٠ ، ٣٤١ ، ٣٤٢ ، ٣٤٣ ، ٣٤٤ ، ٣٤٥ ، ٣٤٦ ، ٣٤٧ ، ٣٤٨ ، ٣٤٩ ، ٣٥٣ ، ٣٥٥ ، ٣٥٦ ، ٣٥٧ ، ٣٥٨ ، ٣٥٩ ، ٣٦٠ ، ٣٦٢ ، ٣٦٤ ، ٣٦٥ ، ٣٦٧ ، ٣٧٠ ، ٣٧١ ، ٣٧٢ ، ٣٧٣ ، ٣٧٧ ، ٣٧٨ ، ٣٨٢ ، ٣٩٠ ، ٣٩٢ ، ٣٩٦ ، ٤٠٣ ، ٤٠٦ ،

٤٠٩ ، ٤١٠ ، ٤٢٤ ، : (٢) ٣ ، ٤ ، ٥ ، ٦ ، ٧ ، ٨ ، ٩ ، ١٠ ، ١١ ، ١٤ ، ١٦ ، ١٩ ، ٢٤ ، ٣٥ ، ٣٨ ، ٣٩ ، ٤٠ ، ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٤٧ ، ٤٨ ، ٦٢ ، ٦٣ ، ٧١ ، ٧٣ ، ٧٤ ، ٧٨ ، ٨٢ ، ٨٣ ، ٨٤ ، ٩٧ ، ١٠٣ ، ١٠٧ ، ١٠٨ ، ١٠١ ، ١١٤ ، ١١٧ ، ١١٨ ، ١٢١ ، ١٣٢ ، ١٣٥ ، ١٣٩ ، ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٣ ، ١٥٥ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٥٩ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٦ ، ١٧٣ ، ١٧٥ ، ١٧٦ ، ١٧٧ ، ١٧٨ ، ١٨٣ ، ١٨٤ ، ١٨٥ ، ١٨٦ ، ١٩٣ ، ١٩٤ ، ١٩٨ ، ٢٠٣ ، ٢٠٥ ، ٢٠٩ ، ٢١٠ ، ٢١٢ ، ٢١٣ ، ٢١٤ ، ٢١٥ ، ٢١٦ ، ٢١٨ ، ٢١٩ ، ٢٢٠ ، ٢٢١ ، ٢٢٢ ، ٢٢٤ ، ٢٢٥ ، ٢٢٦ ، ٢٢٧ ، ٢٣١ ، ٢٣٢ ، ٢٣٣ ، ٢٣٥ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، ٢٤٠ ، ٢٤١ ، ٢٤٢ ، ٢٤٤ ، ٢٤٥ ، ٢٤٦ ، ٢٤٧ ، ٢٤٨ ، ٢٤٩ ، ٢٥٠ ، ٢٥١ ، ٢٥٢ ، ٢٥٤ ، ٢٥٦ ، ٢٥٨ ، ٢٦٠ ، ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، ٢٧١ ، ٢٧٣ ، ٢٧٤ ، ٢٧٥ ، ٢٧٦ ، ٢٧٧ ، ٢٧٩ ، ٢٨٠ ، ٢٨١ ، ٢٨٢ ، ٢٨٣ ، ٢٨٤ ، ٢٨٥ ، ٢٨٦ ، ٢٨٩ ، ٢٩٠ ، ٢٩٢ ، ٢٩٣ ، ٢٩٤ ، ٢٩٥ ، ٢٩٦ ، ٢٩٩ ، ٣٠٠ ، ٣٠١ ، ٣٠٢ ، ٣٠٣ ، ٣٠٤ ، ٣٠٦ ، ٣٠٧ ، ٣٠٨ ، ٣٠٩ ، ٣١٠ ، ٣١١ ، ٣١٢ ، ٣١٣ ، ٣١٤ ، ٣١٥ ، ٣١٦ ، ٣١٧ ، ٣١٨ ، ٣١٩ ، ٣٢٠ ، ٣٢١ ، ٣٢٣ ، ٣٢٦ ، ٣٢٧ ، ٣٢٨ ، ٣٢٩ ، ٣٣٠ ، ٣٣١ ،

٣٣٢ ، ٣٣٣ ، ٣٣٤ ، ٣٣٥ ، ٣٣٦ ، ٣٣٩ ، ٣٤٠ ، ٣٤١ ، ٣٤٢ ، ٣٤٦ ، ٣٤٧ ، ٣٤٨ ، ٣٤٩ ، ٣٥٠ ، ٣٥٤ ، ٣٥٥ ، ٣٥٦ ، ٣٥٧ ، ٣٥٨ ، ٣٦١ ، ٣٦٢ ، ٣٦٣ ، ٣٦٥ ، ٣٦٦ ، ٣٦٧ ، ٣٦٨ ، ٣٦٩ ، ٣٧٠ ، ٣٧٢ ، ٣٧٣ ، ٣٧٤ ، ٣٧٥ ، ٣٧٦ ، ٣٧٧ ، ٣٧٨ ، ٣٧٩ ، ٣٨٠ ، ٣٨١ ، ٣٨٢ ، ٣٨٣ ، ٣٨٤ ، ٣٨٥ ، ٣٨٦ ، ٣٨٧ ، ٣٨٨ ، ٣٩٠ ، ٣٩٢ ، ٣٩٣ ، ٣٩٨ ، : (٣) ٣ ، ٥ ، ٦ ، ٧ ، ٩ ، ١٠ ، ١١ ، ١٢ ، ١٣ ، ١٤ ، ١٥ ، ١٧ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٠ ، ٢١ ، ٢٣ ، ٢٤ ، ٢٥ ، ٢٦ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٠ ، ٣٢ ، ٣٣ ، ٣٥ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٣٩ ، ٤٠ ، ٤١ ، ٤٢ ، ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٤٧ ، ٤٨ ، ٤٩ ، ٥٠ ، ٥١ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ٥٧ ، ٥٨ ، ٥٩ ، ٦٠ ، ٦١ ، ٦٢ ، ٦٣ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ٦٦ ، ٦٧ ، ٦٨ ، ٦٩ ، ٧٠ ، ٧١ ، ٧٢ ، ٧٣ ، ٧٤ ، ٧٥ ، ٧٦ ، ٧٧ ، ٧٩ ، ٨٠ ، ٨١ ، ٨٢ ، ٨٣ ، ٨٤ ، ٨٥ ، ٨٦ ، ٨٧ ، ٨٨ ، ٩٠ ، ٩١ ، ٩٢ ، ٩٣ ، ٩٤ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ٩٨ ، ٩٩ ، ١٠١ ، ١٠٢ ، ١٠٣ ، ١٠٤ ، ١٠٥ ، ١٠٧ ، ١٠٨ ، ١٠٩ ، ١١٤ ، ١١٧ ، ١٢١١ ، ١٢٥ ، ١٢٧ ، ١٣٢ ، ١٣٤٧ ، ١٣٧ ، ١٣٩ ، ١٤٠ ، ١٤٢ ، ١٤٣ ، ١٤٤ ، ١٤٦ ، ١٤٩ ، ١٥٠ ، ١٥٢ ، ١٥٣ ، ١٥٤ ، ١٥٥ ، ١٥٦ ، ١٥٨ ، ١٧٠ ، ١٦١ ، ١٦٢ ، ١٦٣ ، ١٦٤ ، ١٦٧ ، ١٧٢ ، ١٧٣ ، ١٧٤ ،

١٧٦ ، ١٧٧ ، ١٧٩ ، ١٨٠ ، ١٨١ ، ١٨٢ ، ١٨٣ ، ١٨٤ ، ١٨٦ ، ١٨٨ ، ١٨٩ ، ١٩١ ، ١٩٢ ، ١٩٣ ، ١٩٥ ، ١٩٧ ، ١٩٨ ، ١٩٩ ، ٢٠٣ ، ٢٠٥ ، ٢٠٧ ، ٢٠٩ ، ٢١١ ، ٢١٣ ، ٢٣٧ ، ٢٤٠ ، ٢٥١ ، ٢٥٦ ، ٢٥٧ ، ٢٦٩ ، ٢٧٢ ، ٢٩٢ ، ٢٩٣ ، ٢٩٤ ، ٢٩٥ ، ٢٩٦ ، ٢٩٧ ، ٢٩٨ ، ٢٩٩ ، ٣١٩.

محمد بن أحمد بن يحيى : (٢) ٣٨٨.

محمد بن إسحاق : (١) ٣٥٦ ، : (٢) ٣٢١.

محمد بن إسحاق بن السكن : (٢) ٣٨٧.

محمد بن إسماعيل = البخاري.

محمد بن أيوب السموط البرقي : (٢) ٣٨٨.

محمد بن بشار : (بندار) : (١) ١٣٠ ، ٣٥٦ ، ٣٥٨.

محمد بن أبي بكر : (٣) ٦٤.

محمد بن بكر الوراق : (٢) ٣٨٣.

محمد بن بيان : (٢) ٣٧٤.

محمد بن جبير : (١) ٣٥٨.

محمد بن جبير بن مطعم : (١) ٣٥٦.

محمد بن جرير = الطبري.

محمد بن جعفر : (٣) ١١.

محمد بن جعفر الكوفي = شيطان الطاق.

محمد بن أبي حذيفة بن عتبة : (٣) ١٧.

محمد بن الحسن بن فورك = ابن فورك.

محمد ابن الحنفية : (٢) ٣٢١ ، : (٣) ١٢ ، ٢١.

محمد بن زكريا = الرازي.

محمد بن زياد الحريري : (٢) ٢٠٩ ، ٢١١.

محمد بن سعيد بن بيان : (١) ٣٥٦ ، : (٢) ٣٥٢ ، ٣٧٤.

محمد بن سهل القرشي : (١) ٣٥٨.

محمد بن شبيب : (٢) ٥٥ ، ٢٠٦ ، ٣٤٠.

محمد بن عبد الله = الإسكافي.

أبو محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الناصر : (١) ٣٦٣.

محمد بن عبد الله بن قيس : (٢) ٣٢١.

محمد بن عبد الله الكاتب : (١) ١٣٢.

محمد بن عبد الله بن مسرة الجيلي : (١) ٣٨٤.

محمد بن عبد الله بن يزيد ٣٧٤.

محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب : (١) ٣٥٩.

محمد بن عبد السلام الخشني : (١) ١٣٠ ، ٣٥٦ ، ٣٥٨ : (٢) ٣٥٢ ، ٣٧٤.

محمد بن عبد الرحمن بن عقبة : (١) ٣١.

محمد بن أبي عدي : (٢) ٣٨٢ ، ٣٨٣.

محمد بن علي بن الحسين : (٣) ٢١.

محمد بن علي بن أبي الحسين الأصبحي : (١) ١٣.

محمد بن علي بن موسى : (٣) ١٢ ، ٢١.

محمد بن عمر بن عبد الخالق البزاز : (٢) ٣٨٨.

محمد بن عيسى = يرغوث.

محمد بن كرام : (١) ٣٦٨ ، ٣٦٩ ، : (٢) ٢٠٩ ، ٣٤٠ ، : (٣) ٤ ، ٦.

محمد بن المثنى : (١) ٢٤١ ، ٣٥٦ ، : (٢) ٣٥٢ ، ٣٧٤ ، ٣٨٨.

محمد بن مسلمة : (٣) ١٨.

محمد بن معاوية القرشي : (١) ٣٥٦ ، ٣٦٣.

محمد بن المنكدر : (٢) ١٠.

محمد بن نصر المروزي : (٢) ٣٧٧.

محمد بن نصر المروزي : (٢) ٣٧٧.

محمد بن وضاح : (٢) ٣٨٣.

محمد بن سبتكين : (١) ١٠٦ ، ٣٦٣.

المختار بن أبي عبيد الثقفي : (١) ٢٨٩ ، : (٣) ١٢.

مدان بن إبراهيم : (١) ١٦٢.

مديان بن إبراهيم : (١) ١٦٢.

مدين بن إبراهيم : (١) ٢٠٩.

مرزان بخت المناني : (٢) ١٩٣.

مرزوق بن أشكر : (١) ٣٣٦.

مروان بن الحكم : (٣) ١٨ ، ٩٦.

المريسي = بشر بن غياث.

مريم عليها السلام : (١) ٦٤ ، ٦٥ ، ٦٧ ، ٧١ ، ٧٢ ، ٧٩ ، ١٠٤ ، ١٤٧ ، ٢٠٨ ، ٢٠٩ ، ٢٦١ ، ٢٦٢ ، ٢٨٣ ، ٣٠٣ ، ٣٠٥ ، ٣٠٩ ، ٣١٠ ، ٣٢٦ ، : (٢) ١٥١ ، ٢٩٥ ، ٢٩٦ ، ٣٤٨ ، : (٣) ١٠ ، ٤٣ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٦ ، ١٨٧.

مريم بنت عمران = مريم عليها السلام.

مريم المجدلانية : (١) ٧٥ ، ٣٠٣ ، ٣٠٤ ، ٣٠٥ ، ٣٠٦.

مريم : (أم يعقوب) : (١) ٣٠٣.

مزدك : (١) ٤٩ ، ٣٧٢.

مسدد : (٢) ٣٧٢.

ابن مسرة : (محمد بن عبد الله بن مسرة) : (٢) ٣٩٠ ، : (٣) ١٣٥ ، ١٣٦.

ابن مسرور : (١) ٣٥٩.

مسروق بن الأجدع : (٢) ٣٨٤ ، : (٣) ٣٢.

مسروق بن الأسود : (٣) ٥٧.

مسطح : (٢) ٢٧٥.

ابن مسعود = عبد الله بن مسعود.

مسلم البطين : (١) ٣٥٦.

مسلم بن الحجاج : (٢) ٢٨٦.

أبو مسلم الخراساني : (١) ١٠٩.

أبو مسلم الخولاني : (١) ٢٥٤ ، ٣٢٨.

ابو مسلم السراج : (١) ٣٧٢ ، : (٣) ١١٣.

مسلم بن عقبة المري : (٣) ٧٣.

المسيح = عيسى عليه السلام.

مسيلمة الكذاب : (١) ١٢٦ ، ٣٣٢ ، ٣٣٣ ، ٣٣٨.

مصرايم بن حام : (١) ١٤٨.

مصعب بن عمير : (٣) ٣٧.

معاذ بن جبل : (٢) ٢٥٠ ، ٣٨٤ ، : (٣) ٦٢.

معاذ بن هشام الدستوائي : (٢) ٣٨٨.

معاوية بن أبي سفيان : (٢) ٢٧٠ ، ٣٨٤ ، : (٣) ٥ ، ٦ ، ٧ ، ١١ ، ١٧ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٤ ، ٣٠ ، ٥٢ ، ٥٤ ، ٥٦ ، ٧٨ ، ٧٩ ، ٨٠ ، ٨٥ ، ٨٦ ، ٨٧ ، ٨٨ ، ٨٩ ، ١٠٠.

معبد بن العباس : (٣) ٦٤.

معبد بن هلال : (١) ٢٧٦ ، ٢٧٧.

المعتصم : (١) ٩٣ ، ٢٠٢ ، : (٣) ١٦٧.

المعتضد : (٣) ١٢.

معتمر بن سليمان : (٢) ٩ ، ٣٨٢.

معمر : (٢) ٢٨٦.

معمر : (بائع الحنطة) : (٣) ١٢٠.

معمر بن عبد الله : (٣) ٦٤.

معمر بن عمرو العطار : (٢) ٥٥ ، ٨٢ ، ٨٧ ، ١١٢ ، ١١٣ ، ١٤٧ ، ١٦٢ ، : (٣) ١٣٠ ، ١٣١ ، ٢١٤ ، ٢٢٢.

المعمس : (داود بن قزوان) : (٢) ١٩٣.

معن بن عيسى : (٢) ١٠.

المغيرة بن سعيد مولى بجيلة : (٣) ١١٨ ،

١١٩ ، ١٧٦.

المغيرة بن أبي سعيد : (١) ١٣٤ ، ٣٧١.

المغيرة بن شعبة : (١) ١٣٠ ، ٢٩٩.

مفتاح بن علفاذ : (١) ١٧٧.

مفيم بن بنيامين : (١) ١٧٦.

مقاتل بن سليمان : (١) ٣٤٧ ، ٣٧٠.

المفتدر : (٣) ١٢.

المقداد بن الأسود : (٣) ٦٥.

مقدونيوس : (١) ٦٥.

مقرونيش الملكي : (٢) ١٩٣.

المقنع : (١) ٣٧٢.

ابن أم مكتوم : (٢) ٢٨٥.

أبو مكرم : (٣) ١٢٧.

مكرم بن سياد : (٣) ٨٤.

مكي بن أبي طالب المقري : (٣) ٤٨ ، ٥٠ ، ٥١.

ابن مناس : (١) ٣٥٩.

المنذر بن ساوي : (١) ٣٣٨.

منذر بن سعيد البلوطي : (١) ٣٥٤ ، : (٢) ٣٩٣.

منسى بن حزقيا : (١) ٢١١.

منسى بن يوسف : (١) ١٧٧.

منصور ابن صفية : (٢) ٣٧٤.

أبو منصور العجلي = الكسف.

أبو منصور المستنير العجلي = الكسف.

منقاذ : (١) ٣٧٢.

المنهال : (١) ٣٥٩.

المنهال بن عمرو : (٢) ٣٧٤.

المهدي المنتظر : (١) ١٦٥ ، ٣٧٢.

مهدي بن ميمون : (١) ٣٥٩.

المهلب الأسدي : (١) ٣٥٩.

المهلب بن أبي صفرة التميمي : (٣) ٤٧.

مهللال بن قينان : (١) ٢٥٧.

موسى عليه السلام : (١) ٧٣ ، ٧٧ ، ٨٠ ، ٩٩ ، ١٠٤ ، ١١٧ ، ١١٩ ، ١٢٠ ، ١٢١ ، ١٢٢ ، ١٢٣ ، ١٢٨ ، ١٢٩ ، ١٣٣ ، ١٤٣ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٣ ، ١٥٩ ، ١٦٦ ، ١٦٧ ، ١٧٣ ، ١٧٥ ، ١٧٦ ، ١٧٩ ، ١٨٠ ، ١٨١ ، ١٨٢ ، ١٨٣ ، ١٨٤ ، ١٨٥ ، ١٨٦ ، ١٨٨ ، ١٩٠ ، ١٩١ ، ١٩٣ ، ١٩٥ ، ١٩٦ ، ١٩٧ ، ٢٠٧ ، ٢٠٧ ، ٢٠٨ ، ٢٠٩ ، ٢١٠ ، ٢١١ ، ٢١٢ ، ٢١٤ ، ٢١٦ ، ٢٢٩ ، ٢٣٠ ، ٢٣٥ ، ٢٣٧ ، ٢٣٩ ، ٢٤٠ ، ٢٤٢ ، ٢٤٣ ، ٢٤٤ ، ٢٥١ ، ٢٥٣ ، ٢٥٩ ، ٢٦١ ، ٢٦٣ ، ٢٧٠ ، ٢٩٩ ، ٣١٠ ، ٣٢٦ ، ٣٣٥ ، ٣٣٦ ، ٣٤١ ، ٣٥٨ ، ٣٩٠ ، ٣٩١ ، : (٢) ١٣ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٤٢ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٤٧ ، ٤٨ ، ٥٠ ، ٦٤ ، ٧١ ، ٧٤ ، ٨٢ ، ١٠٨ ، ١٥١ ، ١٥٣ ، ١٥٩ ، ١٦٦ ، ١٨٤ ، ١٩٣ ، ١٩٨ ، ٢٠٣ ، ٢١٩ ، ٢٢٣ ، ٢٢٤ ، ٢٨٠ ، ٣٠٠ ، ٣٠١ ، ٣٠٢ ، ٣٠٦ ، ٣٢١ ، ٣٢٥ ، ٣٧٤ ، : (٣) ١٢ ، ١٣ ، ٥٠ ، ٦٧ ، ٦٩ ، ١٧٣ ، ١٨٧ ، ١٩٥.

أم موسى عليه السلام : (٢) ٢٩٥ ، ٢٩٦ ، ٣٠٠ ، ٣٠١ ، : (٣) ٤٣ ، ٥٤ ، ١٨٧.

موسى بن إبراهيم بن موسى : (١) ٢٠١ ، ٢٠٢.

أبو موسى الأشعري : (٢) ٢٥١ ، : (٣) ٦٢.

موسى بن جعفر : (٣) ١٢ ، ٢١.

موسى بن عقبة : (٣) ٤٥.

المؤمل بن إسماعيل الحميري : (٢) ٢٩٩.

المؤيد هشام ابن الحكم المستنصر : (١) ٧٦.

هيخا المورشي : (١) ١٧٧.

ميططرون : (١) ٢٤٩.

ميكائيل عليه السلام : (١) ٣٢٦ ، : (٢) ١٩٣ ، ٢٤٣.

(النون)

النابغة الذبياني : (١) ٣٣٤ ، ٤٠٣ ، : (٢) ٢١٧ ، : (٣) ١٨٣.

ناحور بن سروغ : (١) ١٤٧.

ناحور بن شاروع : (١) ٢٥٨ ، ٢٥٩.

ناداب : (١) ١٨٦ ، ١٩٦.

الناشي : (٢) ٥٥ ، ٨٠.

الناشي = أبو العباس الناشي.

نافع بن الأزرق : (٢) ٣٨١.

ابن ناووس المصري : (٣) ١١٢.

النجار = الحسين بن محمد.

نخشون : (١) ١٩٦.

النبي = محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

النجاشي : (ملك الحبشة) : (١) ٣٣٨.

نجدة بن عامر الحنفي : (٣) ٣ ، ١٢٥.

نرجس : (٣) ١٢.

نسطور : (١) ٦٥.

نصر بن سيار : (١) ٣٨٨.

النظام : (إبراهيم بن سيار) : (١) ٩٦ ، ١٠٩ ، : (٢) ٢٤ ، ٣٣ ، ٥٥ ، ٨٠ ، ٨٣ ، ١٤٧ ، ١٦٢ ، ٢٠٦ ، : (٣) ١٢٩ ، ١٣٠ ، ١٤٠ ، ٢٤٤ ، ٢٤٥ ، ٢٤٧.

النعمان بن بشير : (٣) ١٠٠.

نعمان بن بنيامين : (١) ١٧٦.

النعمان بن عدي : (٣) ٦٤.

ابن النغرال = ابن النغرالي.

ابن النغرالي : (إسماعيل بن يوسف الكاتب) : (١) ١٦١ ، ١٧٨.

نفتال بن يعقوب = نفثالي بن يعقوب.

نفثالي بن يعقوب : (١) ١٦٩ ، ١٧٠ ، ١٧٦ ، ٢٤٣.

نمروذ بن كوش : (١) ١٤٨.

النمريري : (١) ١٣١.

أبو النهار بن زيري : (١) ٢٠٢.

نوح عليه السلام : (١) ٥٠ ، ٨٥ ، ١٤٧ ، ١٤٨ ، ١٤٩ ، ١٦٧ ، ٢٥٨ ، : (٢) ٢٥ ، ٢٨٩ ، ٢٩٥ ، ٣٨٠ ، ٣٨١ : (٣) ١٩٤.

(الهاء)

هابيل : (١) ١٤٦.

هاروت : (٢) ٢٧٩ ، ٢٨٠ ، ٢٨١ ، ٣٢٣ ، ٣٢٤ ، ٣٢٥.

هارون عليه السلام : (١) ٧٧ ، ١٦٦ ، ١٧٣ ، ١٧٩ ، ١٨٠ ، ١٨٢ ، ١٨٦ ، ١٨٧ ، ١٨٨ ، ١٨٩ ، ١٩٥ ، ١٩٦ ، ١٩٧ ، ٢٠٨ ، ٢٠٩ ، ٢١١ ، ٢١٤ ، ٢٣٩ ، ٢٤٢ ، ٢٤٣ ، ٢٥٣ ، ٣٠٩ ، ٣٥٨ ، : (٢) ١٨٤ ، ٢٢٤ ، ٣٠١ ، : (٣) ١٢ ، ١٣.

هارون بن عمران : (١) ١٤٧.

ابو هاشم الجبائي = الجبائي.

أبو هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية : (٣) ١١٩.

أم هاني بنت أبي طالب : (٣) ٦٤.

هباد بن يعقوب : (١) ١٥٠.

أبو الهذيل العلاف : (١) ٣٦٩ ، ٣٨٥ ،

 : (٢) ٣٢ ، ٣٣ ، ٥٥ ، ٦٦ ، ٨٠ ، ٨٣ ، ١١٤ ، ١٦٢ ، ١٩٩ ، ٣٧٥ ، ٣٩٥ ، ٣٩٦ ، : (٣) ٧٨ ، ١٢٨ ، ١٢٩ ، ١٣٠ ، ١٤٠ ، ١٤١ ، ١٥٣ ، ٢٤٥ ، ٢٨٦.

هردوس بن هردوس : (١) ١١٨ ، ١٧٨.

هرمس : (١) ٥٠.

أبو هريرة : (١) ٢٤١ ، : (٣) ١٨ ، ٣٢ ، ٦١ ، ١٨٠.

هشام الجواليقي : (٣) ١١.

هشام بن حسان القردوسي : (١) ١٣٠.

هشام بن الحكم : (١) ٣٧٠ ، ٣٨٤ ، ٣٩٨ ، : (٢) ٥٤ ، : (٣) ١١ ، ٢٠ ، ٢٢ ، ١١٦.

هشام الدستوائي : (٢) ٣٨٨.

هشام بن عمرو الفوطي : (١) ٣٨٥ ، ٨٦ ، ١٦٦ ، : (٢) ٣٥٩ ، : (٣) ١٣٢ ، ١٣٣ ، ١٣٩ ، ١٥٨ ، ٢١٧.

هشام المعتد بالله : (١) ٢٨.

هلال : (١) ٣٣٦.

هلاني : (١) ٢٥٤ ، ٣٢٧.

الهند بن رعمة : (١) ١٤٨.

هود عليه السلام : (١) ٥١ ، ٢٢٩ ، : (٢) ١٩٤.

هيرودس : (١) ٣٠٩.

(الواو)

الوائق : (١) ٩٣ ، ١٤٤ ، : (٣) ١٦٧.

واصل بن عطاء : (٣) ٧٨.

وحشي : (٢) ٣٦١.

وصبان بن كوش : (١) ١٤٨.

وصيف : (١) ٢٠٢.

وكيع بن الجراح : (١) ٣٦٥ ، : (٢) ٣٥٢.

الوليد بن عبد الملك : (٣) ٩٨.

الوليد بن عتبة : (٣) ١٧.

وهب بن جرير بن حازم : (١) ٣٥٦ ، : (٢) ٣٢١.

وهب بن منبه : (١) ٣٤٦.

وهب بن ميسرة : (٢) ٣٨٢.

(الياء)

يابال : (١) ١٤٦.

يارد بن مهللال : (١) ٢٥٧.

يافت بن نوح : (١) ١٤٨ ، ١٤٩ ، ٢٥٨.

يحيى عليه السلام : (١) ١١٨ ، ٢٣٥ ، ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٩ ، ٢٨٠ ، ٢٨١ ، ٢٨٧ ، ٣١٦ ، ٣١٧ ، ٣٥٧ ، : (٢) ١٥٣ ، ١٦٦ ، ١٩٥ ، ٢٠٣ ، ٢٩٥ ، ٣٠٨ ، ٣١٥ ، ٣١٧ ، ٣٧٤ ، : (٣) ٩.

يحيى بن بشر الأرجائي : (٢) ٣٢.

يحيى بن زكريا بن أبي زائدة : (٢) ٣٨٣.

يحيى بن سعيد القطان : (١) ١٣٠ ، ٣٥٨.

يحيى بن سيذاي : (١) ٢٧٥.

يحيى بن الحميد : (١) ٣٥٥.

يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود : (١) ٣٦٥.

يحيى بن أبي كثير : (١) ٢٤١.

يحيى بن معين : (١) ٣٧٨.

يزيد بن زريع : (٢) ١٩.

يزيد بن أبي سفيان : (٣) ١٧.

يزيد بن معاوية : (٣) ١٨ ، ٩٨.

يساخر بن يعقوب = ساخار بن يعقوب.

اليسع عليه السلام : (١) ١١٧ ، ١٢٣.

يسوع ـ عيسى عليه السلام.

يشبق بن إبراهيم : (١) ١٦٢.

يشيع بنت عميناداب : (١) ١٩٦.

يعقوب عليه السلام : (١) ٥١ ، ١١٩ ، ١٤٧ ، ١٤٨ ، ١٤٩ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٦٢ ، ١٦٣ ، ١٦٤ ، ١٦٥ ، ١٦٦ ، ١٦٧ ، ١٦٨ ، ١٦٩ ، ١٧٠ ، ١٧٢ ، ١٧٣ ، ١٧٤ ، ١٧٥ ، ١٧٦ ، ١٧٧ ، ١٧٨ ، ١٧٩ ، ١٨٤ ، ١٨٥ ، ١٩٠ ، ١٩١ ، ٢٠٠ ، ٢٤٣ ، ٢٨٨ ، ٢٨٩ ، : (٣) ١٨٧ ، ١٩٥.

يعقوب بن إسحاق = يعقوب عليه السلام.

يعقوب البرذعاني : (١) ٦٦.

يعقوب بن الجابي : (١) ٢٧٥.

يعقوب بن سبذاي : (١) ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، ٢٧٥ ، ٢٧٨ ، ٢٨٨ ، ٢٩٠ ، ٢٩٨ ، ٣٢٤ ، ٣٢٩.

يعقوب بن عتبة : (١) ٣٥٦.

يعقوب أخو يوحنا : (١) ٢٥٣.

يعقوب بن يوسف : (١) ٢٣٦.

يعقوب بن يوسف النجار : (١) ٢٥٢ ، ٢٥٣ ، ٣٢٥.

يعلى بن أمية : (١) ٣٥٨.

أبو يعلى ميلاد الطوسي : (٣) ١١٥.

يقشان بن إبراهيم : (١) ١٦٢.

يهوذا الاشكربوطا : (١) ٢٧١ ، ٢٧٥ ، ٢٨٧ ، ٢٨٨ ، ٢٩٧.

يهوذا بن الجابي : (١) ٢٧٥ ، ٢٩٠.

يهوذا بن يعقوب : (١) ١٥٠ ، ١٦٩ ، ١٧٠ ، ١٧١ ، ١٧٢ ، ١٧٣ ، ١٧٤ ، ١٧٥ ، ١٧٦ ، ١٧٨.

يهوذا بن يوسف : (١) ٢٣٦.

يهوذا بن يوسف النجار : (١) ٢٥٢ ، ٢٥٣.

يهوباراع الكوهين اليهودي : (١) ٢٦٣.

يوحانذا بنت لاوي : (١) ١٢٠.

يوحنا : (صاحب الإنجيل) : (١) ٧١ ، ٧٢ ، ٧٣ ، ٧٤ ، ٧٨ ، ٢٣٦ ، ٢٥٢ ، ٢٥٣ ، ٢٥٤ ، ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، ٢٧٣ ، ٢٧٥ ، ٢٧٨ ، ٢٨٤ ، ٢٨٨ ، ٢٩٠ ، ٢٩١ ، ٢٩٢ ، ٢٩٣ ، ٢٩٨ ، ٣٠٠ ، ٣٠١ ، ٣٠٢ ، ٣٠٣ ، ٣٠٤ ، ٣٠٥ ، ٣٠٦ ، ٣٠٧ ، ٣١٤ ، ٣١٥ ، ٣١٦ ، ٣١٧ ، ٣١٨ ، ٣١٩ ، ٣٢٠ ، ٣٢١ ، ٣٢٢ ، ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، ٣٢٧ ، ٣٢٩.

يوحنا بن سمزاي = يوحنا (صاحب الإنجيل).

يوحنا فم الذهب : (١) ٣٢٦.

يوداسف : (١) ٥٠.

يوسف عليه السلام : (١) ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٦٩ ، ١٧٠ ، ١٧٢ ، ١٧٢ ، ١٧٤ ، ١٧٥ ، ١٧٦ ، ١٧٧ ، ١٨٤ ، ١٩٩ ، ٢٠٠ ، ٢٣٦ ، ٢٤٢ ، ٢٤٣ ، ٢٥٨ ، : (٢) ٧٢ ، ٧٤ ، ١٧١ ، ١٧٦ ، ٢٩٤ ، ٢٩٥ ، ٢٩٦ ، ٢٩٧ ، ٢٩٨ ، ٢٩٩ ، ٣٠٠ ، ٣٠٩ ، ٣١٠ ، ٣٢٦ ، : (٣) ١٩٤ ، ١٩٥.

يوسف الأرماذي : (١) ٣٠٣.

يوسف الحداد = يوسف النجار.

أبو يوسف : (صاحب أبي حنيفة) : (٢) ٢٨٢.

يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري : (٣) ٣٣.

يوسف بن عبد الله بن مغيث : (١) ٣٥٨.

يوسف بن عبد البر : (٢) ٣٨٢.

يوسف النجار : (١) ٢٦١ ، ٢٦٢ ، ٢٦٣ ، ٢٦٤ ، ٢٨٣ ، ٢٨٤ ، ٢٨٥ ، ٣٠٩ ، ٣١٠ ، ٣١١.

يوسف بن يقعوب = يوسف عليه السلام.

يوسف بن هارون : (١) ١١٨.

يوشع عليه السلام : (١) ١١٧ ، ١٢٠ ، ١٢٣ ، ١٧٣ ، ١٧٧ ، ١٩٧ ، ٢٠٥ ، ٢١٤ ، ٢٢٩ ، ٢٣٠ ، ٢٥٣ ، : (٣) ١٣.

يوشع بن نون = يوشع عليه السلام.

يوكابد : (١) ١٩٥.

يونس عليه السلام : (١) ١٢٣ ، ٢٧٤ ، ٢٨٢ ، : (٢) ١٨٢ ، ٢٨٥ ، ٣٠٢ ، ٣٠٣ ، ٣٠٤ ، ٣٦١.

يونس بن عبد الأعلى : (١) ٣٥٩.

يونس بن عبد الله بن مغيث : (١) ١٣٠.

يونس بن عمران : (٢) ٣٤٠.

يونس بن عون : (٢) ٥٥.

٤ ـ فهرس الأمم والشعوب والجماعات

والقبائل والأديان والمذاهب ... الخ

(الألف)

بنو آدم : (١) ١٦ ، ١٦٠ ، : (٢) ٧٥ ، ١٥٠ ، ١٥٣ ، ٢٩٥ ، ٣٠٥ ، ٣٨٦ ، : (٣) ٤٩ ، ١٨٠ ، ١٩٨.

الآربوسية : (١) ٦٤ ، ١٣٣ ، ٢٦١.

الإباضية : (٢) ٢٥٠ ، : (٣) ١٢٤ ، ١٢٦ ، ١٢٧.

آل إبراهيم : (٣) ١٩٤.

بنو إبراهيم عليه السلام : (١) ١٥٠.

أبناء الأنصار : (٢) ٣٨٤.

أبياساف : (١) ١٩٦.

الأتراك : (٢) ٣٦٤.

الأحبار : (١) ١١٧ ، ١١٨ ، ٢٣٥ ، ٢٣٩ ، ٢٤٢ ، ٢٤٤ ، ٢٤٦ ، ٢٤٧.

إخوة يوسف عليه السلام : (٢) ٢٩٤ ، ٢٩٥.

أرباب العجائب : (١) ٩٤.

الأزارقة : (١) ٣٦٩ ، : (٢) ٥٤ ، ٥٥ ، ٣٨٠ ، ٣٨١ ، : (٣) ١٢٤ ، ١٢٥.

الأزد : (١) ٣٨٧.

أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم = أمهات المؤمنين.

الأساقفة : (١) ٧٣.

أساقفة النصارى : (١) ٣٢٨.

الأسباط : (١) ١٧٩ ، ٢٠٩.

الأسباط العشرة : (١) ١٧٧ ، ٢١٧.

بنو أسد : (١) ٣٣٣ ، ٣٧١.

بنو إسرائيل : (١) ٥١ ، ٧٧ ، ٩٥ ، ١١٧ ، ١١٨ ، ١٣٣ ، ١٣٥ ، ١٣٦ ، ١٣٧ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٥٣ ، ١٥٤ ، ١٥٩ ، ١٦٠ ، ١٦٣ ، ١٦٥ ، ١٦٦ ، ١٦٧ ، ١٦٧ ، ١٦٩ ، ١٧٧ ، ١٧٩ ، ١٨٠ ، ١٨٢ ، ١٨٣ ، ١٨٤ ، ١٨٥ ، ١٨٦ ، ١٨٧ ، ١٨٨ ، ١٩٠ ، ١٩١ ، ١٩٢ ، ١٩٣ ، ١٩٤ ، ١٩٥ ، ١٩٦ ، ٢٠٢ ، ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ٢٠٧ ، ٢٠٩ ، ٢١١ ، ٢١٢ ، ٢١٤ ، ٢١٥ ، ٢١٧ ، ٢٣٠ ، ٢٣٥ ، ٢٣٧ ، ٣٤٣ ، ٣٤٥ ، ٣٦٣ ، ٣٦٤ ، ٢٧٥ ، ٢٧٦ ، ٢٩٧ ، ٣٤١ ، ٣٩٠ ، : (٢) ٣٥ ، ١٣٩ ، ٣٠٢ ، ٣٢١ ، ٣٧٤ ، : (٣) ٩ ، ١٣ ، ٣٣.

بنو الإسكندراني : (١) ١٨١.

بنو إسماعيل : (١) ١١٨ ، ١٣٣ ، ١٥٤ ، ١٥٥ ، ١٦٦.

الإسماعيلية : (١) ٥٠ ، ١٠٩ ، ٣٧٢.

الأشعرية : (١) ٧٤ ، ١٠٦ ، ١٢٧ ، ٣٧٠ ، ٣٨٦ ، ٣٩٨ ، ٤١٠ ، ٤١٦ ، : (٢) ٦ ، ٨ ، ٢٤ ، ٣٣ ، ٣٧ ، ٤٨ ، ٨٦ ، ٢٠٩ ، ٢١٠ ، ٢١٥ ، ٢٣٧ ، ٢٨٤ ، ٣٢٧ ، ٣٣٣ ، ٣٥٩ ، ٣٦٦ ، ٣٧٥ ، ٣٧٨ ، : (٣) ٤٦ ، ١٤٤ ، ١٤٥ ، ١٤٦ ، ١٥٠ ، ١٨٣ ، ٢١٧ ، ٢٥٥ ، ٣١٧.

الأشعنية : (١) ١١٨.

أشير : (١) ١٩٦.

أصحاب آريوس = الآريوسية.

أصحاب أحمد بن حنبل : (٣) ٢٢.

أصحاب الأصلح : (٢) ١٦٢ ، ١٦٣ ، ١٨٨ ، ١٩٣ ، ٢٠١ ، ٢٠٦.

أصحاب يولس الشمشاطي : (١) ٦٤.

أصحاب التناسخ : (٢) ٢٠١ ، ٣٧٥.

أصحاب الحديث : (١) ١٣٩ ، ٣٧١ ، ٣٧٣ ، : (٢) ٢٠٩ ، ٢١٠ ، ٢٥٠ ، ٣٧٥.

اصحاب الحلاج : (١) ٢٨٨ ، ٣٢٨.

اصحاب أبي حنيفة : (٣) ٢٢.

اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم = الصحابة.

اصحاب الشافعي : (٣) ٢٢.

اصحاب الشرائع : (١) ١١٣.

اصحاب فرعون : (٢) ٣٥.

اصحاب الفيل : (١) ٣٣٨.

اصحاب أبي كامل : (٣) ١١٧.

اصحاب الكبائر : (١) ٣٧٠ ، : (٢) ٣٤٠.

اصحاب ابن كلاب : (١) ٣٨١.

اصحاب الكلام : (١) ١٣٠ ، ٣٧٧.

أصحاب اللطف : (٢) ١٦٢ ، ١٦٣.

أصحاب مالك : (٣) ٢٢.

اصحاب ماني : (١) ٦٥.

أصحاب النار : (٢) ١٧٣.

أصحاب اليمين : (٢) ٣٧٩.

أطفال المسلمين : (٢) ١٥٦ ، ٣٨٠ ، ٣٨٨.

أطفال المشركين : (٢) ١٥٦ ، ٣٨٠ ، ٣٨٤ ، ٣٨٨.

الأعراب : (١) ٢٧٦ ، : (٢) ٣٦ ، ٢١٣ ،

٣٩٠ ، : (٣) ٢٨ ، ٢٩.

بنو أفرايم : (١) ١٧٧ ، ١٩٤.

الإفرنج : (٢) ٢٩٧.

الأكراد : (١) ١٣٣.

الإمامية : (١) ٢٤٧ ، ٣٦٩ ، : (٣) ١٣ ، ٢٤ ، ١١١ ، ١١٢ ، ١١٤ ، ١١٥ ، ١١٦ ، ١١٧.

أمهات المؤمنين : (١) ١٠٨ ، : (٢) ١٥٢ ، ١٩٤ ، ٢٢٢ ، ٢٣٩ ، : (٣) ٣٣ ، ٣٩ ، ٤١ ، ٤٢ ، ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٩ ، ٥٠ ، ٥١ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٦ ، ٥٧ ، ٥٨ ، ٦٦.

الأموريون : (١) ١٩١.

الأموية : (٣) ٢٤.

بنو أمية بن عبد شمس : (٣) ٨ ، ٢١.

الأنبياء عليهم السلام : (١) ١١ ، ١٧ ، ٥١ ، ٦٤ ، ٦٧ ، ٧١ ، ٧٣ ، ٧٧ ، ٨٠ ، ٨٣ ، ٨٩ ، ٩٠ ، ٩٢ ، ٩٣ ، ٩٤ ، ٩٥ ، ١٠٣ ، ١٠٦ ، ١٠٨ ، ١١١ ، ١١٢ ، ١١٧ ، ١٢٣ ، ١٢٦ ، ١٣١ ، ١٣٢ ، ١٣٧ ، ١٤٨ ، ١٥٨ ، ١٦٠ ، ١٦٤ ، ١٦٦ ، ١٦٨ ، ١٨١ ، ٢١٢ ، ٢٣٤ ، ٢٣٥ ، ٢٣٧ ، ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، ٢٤٢ ، ٢٤٥ ، ٢٤٦ ، ٢٤٧ ، ٢٥٣ ، ٢٦١ ، ٢٦٦ ، ٢٧٠ ، ٢٧٩ ، ٢٨٠ ، ٢٨٢ ، ٢٨٧ ، ٢٩٠ ، ٢٩٢ ، ٢٩٣ ، ٢٩٩ ، ٣٠١ ، ٣١٣ ، ٣٢٠ ، ٣٣٠ ، ٣٤٢ ، ٣٥٧ ، ٣٥٨ ، ٣٦٧ ، ٣٧١ ، ٤١١ ، : (٢) ٢٦ ، ٤٢ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٧٤ ، ١٣٤ ، ١٤٩ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٨ ، ١٦٩ ، ١٧٠ ، ١٧٢ ، ١٧٤ ، ١٨٤ ، ١٨٥ ،

١٨٦ ، ١٩٤ ، ١٩٥ ، ١٩٦ ، ١٩٨ ، ١٩٩ ، ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ٢٢٣ ، ٢٣٢ ، ٢٥٠ ، ٢٦٥ ، ٢٧٨ ، ٢٨١ ، ٢٨٤ ، ٢٨٥ ، ٢٨٦ ، ٢٨٧ ، ٢٨٩ ، ٢٩٤ ، ٢٩٥ ، ٢٩٦ ، ٣٠١ ، ٣٠٣ ، ٣٠٤ ، ٣٠٨ ، ٣١٠ ، ٣١٤ ، ٣١٥ ، ٣١٦ ، ٣١٧ ، ٣١٨ ، ٣١٩ ، ٣٢٠ ، ٣٢٢ ، ٣٢٤ ، ٣٧٣ ، ٣٧٧ ، ٣٧٩ ، : (٣) ١٠ ، ٣٢ ، ٣٣ ، ٣٥ ، ٣٩ ، ٤٣ ، ٤٤ ، ٥٠ ، ٥١ ، ٥٤ ، ٥٥ ، ٥٨ ، ٧٥ ، ١٦٦ ، ١٦٨ ، ١٧٣ ، ١٧٤ ، ١٨٦ ، ١٩٠ ، ١٩١ ، ١٩٢ ، ١٩٤ ، ١٩٥ ، ١٩٦ ، ١٩٨.

أنبياء بني إسرائيل : (٢) ٣٢١.

الإنس : (١) ١٠٠ ، : (٢) ٤٨ ، ٧٥ ، ٧٧ ، ٨١ ، ١٠٤ ، ١٠٩ ، ١٤٤ ، ١٥٦ ، ١٦٢ ، ١٩٤ ، ٢٨٢ ، ٢٨٣ ، ٣١٥ ، ٣٢٦ ، ٣٦٢ ، ٣٨١ ، ٣٨٧ ، : (٣) ١٣ ، ٣٣ ، ٣٤ ، ٣٨ ، ١٩٤ ، ٢٩٤.

الأنصار : (١) ٣٣٨ ، : (٢) ٢٧٦ ، ٢٩٤ ، ٣٨٤ ، : (٣) ٢٦ ، ٣٣ ، ٣٧ ، ٤٦ ، ٧١ ، ٨٩ ، ٩٠.

بنو إهدل : (١) ١٢٥.

أهل أرمينية : (١) ٣٣٥.

أهل الإسلام = المسلمون.

أهل الأعراف : (٢) ٣٥١.

أهل الإلحاد = المسلمون.

أهل الأندلس : (١) ٣٣٥.

أهل الإيمان = المؤمنون.

أهل بابل : (٢) ٣٢٤.

أهل بدر : (١) ٣٣٩ ، : (٢) ٣٣٩ ، ٣٦٥.

أهل البدعة : (١) ٣٧١ ، : (٣) ١١١.

أهل البصرة : (١) ٩٦.

أهل البيت : (١) ٣٧٢.

أهل بئر معونة : (٢) ١٨٤.

أهل الجمل : (٣) ٧٨.

أهل الجنة : (١) ٣٦٣ ، ٣٨٨ ، : (٢) ٥٧ ، ١٩٦ ، ٢٠٩ ، ٣٣٩ ، ٣٧٠ ، ٣٨٦ ، ٣٨٨ ، ٣٩٥ ، ٣٩٦.

أهل الحق : (١) ٣٧١ ، : (٢) ٣٣.

أهل الخندق : (١) ١٢٣.

أهل الردة : (١) ٣٣٧.

أهل السعادة : (٢) ١٦٠ ، ٣٧٧.

أهل سقر : (١) ٢٦٢.

أهل السند : (١) ٣٣٥.

أهل السنة : (١) ٣٦٨ ، ٣٦٩ ، ٣٧٠ ، ٣٧١ ، ٣٨٣ ، ٣٩٨ ، : (٢) ١٣ ، ٣٤ ، ٣٧ ، ٥٤ ، ٨٦ ، ١٦٨ ، ٢١٢ ، ٢٥٠ ، ٢٨٥ ، ٣٣٩ ، ٣٦٦ ، ٣٧٢ ، : (٣) ٣ ، ٦ ، ٨ ، ٣٢ ، ٥٧ ، ٧٨ ، ٨٩ ، ١٠٠ ، ١٠٧ ، ٢١٧.

أهل السوابق : (٢) ٣٦٥.

أهل الشقاء : (٢) ١٦٠ ، ٣٧٧.

أهل صفين : (٣) ٧٨.

أهل الصين : (١) ٢٦٢.

أهل ططفة : (١) ٢٦٢.

أهل الظاهر ٣٩٨.

أهل العلم : (٢) ٣٧٧.

أهل غلاذية : (١) ٣٢٤.

أهل القبلة : (٢) ٣٨٩ ، : (٣) ٩ ، ٣٠.

أهل قونية : (١) ٦٧.

أهل القيروان : (٢) ٢٦٦.

اهل الكبائر : (٢) ٣٦٨.

أهل الكتاب : (١) ٢٤١ ، ٢٤٢ ، ٣٤٦ ، : (٢) ٢٣٩ ، ٢٩٦ ، : (٣) ٩٣.

أهل الكفر = الكفار.

أهل الكلام : (٢) ٤٨.

أهل اللغة : (٢) ١١٧.

أهل المدينة : (٢) ٢٤٠.

أهل مصر : (١) ١٨٤.

أهل النار : (١) ٣٦٦ ، ٣٨٨ ، : (٢) ٢١٩ ، ٢٣٠ ، ٣٩٥ ، ٣٩٦.

أهل النهر : (٣) ٧٨.

أهل الهند : (١) ٨٦ ، ٢٦٢.

أهل اليمن : (١) ١٠٨ ، ٣٣٥.

الأوس : (١) ٣٣٨.

آل أبي أوفى : (٣) ٧٥.

ألولاد العباس : (٢) ١٩٤.

أولاد عيصا : (١) ١٥٠.

أولاد الكفار : (٢) ٣٨١.

أولاد المشركين : (٢) ١٥٧ ، ٣٨١ ، ٣٨٤.

أولاد يعقوب : (١) ١٥٠.

أولاد يهوذا : (١) ١٧٨.

أوهد : (١) ١٩٥.

إياد : (١) ٣٣٨.

الأئمة : (١) ١٠٥ ، : (٢) ٨٣ ، ٣٨٤ ، : (٣) ٢٢ ، ٩٥.

(الباء)

الباطنية : (١) ٢٨٩ ، : (٣) ١٦٧.

بنو بجيلة : (١) ٣٧١.

البراهمة : (١) ٨٦ ، ١١٢ ، : (٢) ٢٧ ، ١٢٨ ، ٢٤٣.

البربر : (١) ١١٣ ، ٢٠٢ ، : (٢) ٢٩٧.

البربرانية : (١) ٦٥.

البشاطين : (٢) ٢٩٧.

البطاركة : (١) ٣٢٦.

البطيحية : (١) ٣٦٩.

بغاء الخوارج : (٢) ١٩٠.

البلغاء : (١) ١٢٦ ، ١٢٧.

بنات النبي صلى الله عليه وسلم : (٢) ١٥٢ ، ١٩٤ ، : (٣) ٤٣ ، ٥٥.

بنو بنيامين : (١) ١٩٢ ، ٢٣٥ ، ٢٤٦.

البولقانية : (١) ١٣٣ ، ٢٦١.

البيهسية : (٣) ١٢٦.

(التاء)

التابعون : (١) ٣٢٩ ، ٣٣٠ ، ٣٧١ ، ٣٧٧ ، : (٢) ١٦ ، ٨٣ ، ٢٥١ ، : (٣) ٣٢ ، ٩٨ ، ١٦٧.

تابعو التابعين : (١) ٣٧٧.

التابعيات : (٣) ٥١.

الترك : (١) ١٣٣ ، ٢٠١ ، : (٣) ١٦٧.

بنو تميم : (١) ٣٣٣.

التورانيون : (١) ٢٨٢.

بنو تيم بن مرة : (٣) ١٧.

(الثاء)

الثعالبة : (٣) ١٢٦ ، ١٢٧.

ثمود : (٢) ٧٧ ، : (٣) ٧٧.

(الجيم)

الجارودية : (٣) ١١ ، ١١١.

الجبابرة : (١) ١٣٦.

الجبل : (١) ١٣٣.

جوشون : (١) ١٩٥.

جنو جعفر بن أبي طالب : (٣) ١٩.

جمهورة أهل السنة : (١) ٣٨٣ ، : (٢) ٣٤.

جمهور المعتزلة : (٢) ٢٤ ، ١٨٧.

الجن : (١) ٨٠ ، ٩٧ ، ١٠٠ ، ١٠٤ ، ٢٧٥ ، ٣٠٨ ، : (٢) ٧ ، ٤٨ ، ٧٥ ، ٧٧ ، ٨١ ، ٨٣ ، ٨٧ ، ٩٧ ، ١٠٤ ، ١٠٩ ، ١٤٤ ، ١٥٦ ، ١٦٢ ، ١٦٦ ، ١٧١ ، ١٩٤ ، ٢٠٣ ، ٢٨١ ، ٢٨٢ ، ٢٨٣ ، ٣١٥ ، ٣٢٦ ، ٣٦٢ ، ٣٨١ ، ٣٨٦ ، ٣٨٧ ، : (٣) ١٣ ، ٣٣ ، ٣٤ ، ٣٨ ، ١٧٩ ، ١٨٠ ، ١٩٢ ، ١٩٤ ، ٢٩٤.

الجهمية : (١) ٣٨٦ ، : (٢) ٥٦ ، ٨٦ ، ١٦٤ ، ٢٠٩ ، ٢١٠ ، ٢١٥ ، ٢٣٧.

(الحاء)

بنو الحارث بن عبد المطلب : (٣) ٨.

بنو حام : (١) ١٤٨.

حبرون : (١) ١٩٥.

حصرون : (١) ١٩٥.

الحفصية : (٣) ١٢٧.

حكماء بني إسرائيل : (١) ١١٨.

حملة العرش : (٢) ١٩٣.

حمير : (١) ٣٣٨.

الحنفاء : (١) ٥٠.

حنوك : (١) ١٩٥.

بنو حنيفة : (٣) ٢٩.

الحربية : (٣) ١٢٢.

الحواريون : (١) ٧٢ ، ٧٥ ، ٧٨ ، ٢٧١ ، ٢٧٢ ، ٢٨٨ ، ٢٩٠ ، ٢٩٦ ، ٣٢٧ ، : (٢) ٢٧٢ ، ٣٢٦.

الحور العين : (٢) ٧٥ ، ١٠٤ ، ١٠٩ ، ١٤٤ ، ١٤٩ ، ١٥٠ ، ١٥٦ ، ١٥٨ ،

١٩٤ ، ١٩٦ ، ١٩٨ ، ٢٧٨ ، ٢٨١ ، ٣١٥ ، : (٣) ٥١ ، ٥٢.

الحويون : (١) ١٩١.

الحيثيون : (١) ١٩١.

(الخاء)

الخرمية : (١) ٤٩.

الخزرج : (١) ٣٣٨.

الخطابية : (١) ٢٨٨ ، : (٣) ١٢٠.

الخلفاء : (١) ٣٤١ ، : (٣) ٨ ، ١٠.

الخوارج : (١) ١٣٠ ، ٣٤٨ ، ٣٦٨ ، ٣٦٩ ، ٣٧١ ، ٣٧١ ، ٣٧٣ ، : (٢) ٥٤ ، ٥٥ ، ٨٦ ، ١٩٠ ، ٢٠٩ ، ٢١٠ ، ٢٥٦ ، ٢٦٠ ، ٢٧٦ ، ٢٨٥ ، ٣٣٧ ، ٣٤٣ ، ٣٤٣ ، ٣٦٦ ، ٣٧٢ ، ٣٨٠ ، ٣٩٢ ، : (٣) ٣ ، ٢٤ ، ٣٣ ، ٣٦ ، ٥٧ ، ٧٣ ، ٧٨ ، ٨٥ ، ٨٦ ، ٨٩ ، ١٠٠ ، ١٠٧ ، ١١١ ، ١٢٤ ، ١٢٦.

(الدال)

بنو دان : (١) ١٩٤.

دعاة القرامطة : (١) ٣٢٨.

بنو دمر : (١) ٢٠٢.

الدهرية : (١) ١٩ ، ٢٢ ، ١٠٠ ، ١١٠ ، ١١١ ، ٢٣٢ ، ٢٣٣ ، ٤١٥ ، ٤١٦ ، : (٢) ١٧ ، ٣٢ ، ١٢٨ ، ١٨٩ ، : (٣) ٢٤٩ ، ٣٠٩.

الديصانية : (١) ٥١ ، ٥٢ ، ٥٩.

الديلم : (١) ١٣٣.

(الذال)

ذكرى : (١) ١٩٦.

ذو ظليم : (١) ٣٣٨.

ذو عمرو : (١) ٣٣٨.

ذو مران : (١) ٣٣٨.

ذود : (١) ٣٣٨.

(الراء)

بنو راسب : (١) ٣٨٧.

الرافضة : (١) ١٠٩ ، ١٢٨ ، ١٦٥ ، ٢٥٤ ، ٣٣١ ، ٣٣٤ ، ٣٦٩ ، : (٢) ٣٢٠ ، ٣٦٦ ، ٣٧٥ ، ٣٩٥ : (٣) ٩ ، ١٠ ، ١١ ، ١٢ ، ١٦ ، ١٧ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٠ ، ٢٤ ، ٧٣ ، ٧٤ ، ٧٩ ، ٩٥ ، ١٠٠ ، ١٠٧ ، ١١١ ، ١١٤ ، ١٦٩.

الرارندية : (٣) ٨ ، ١٢٢.

الربانية : (١) ١١٨ ، ٢٥٧.

الربانيون : (١) ٢١٢ ، ٢٣٩ ، ٢٤٨.

ربيعة : (١) ٣٣٢ ، ٣٣٨ ، : (٣) ١٨.

الرسل عليهم السلام : (١) ٨٦ ، ٨٧ ، ٨٨ ، ٩٥ ، ١٠٦ ، ١٦٠ ، ١٨١ ، ٢٢٩ ، ٣١٧ ، : (٢) ٤٤ ، ١٧١ ، ١٨٠ ، ١٩٣ ، ١٩٧ ، ٢٠٤ ، ٢٠٨ ، ٢١١ ، ٢٢٤ ، ٢٤٨ ، ٢٧٩ ، ٢٨٠ ، ٢٨٤ ، ٣٢٠ ، ٣٧٩ ، : (٣) ٥١ ، ٥٤ ، ٥٥ ، ١٦٦ ، ١٧٩ ، ١٩٢ ، ١٩٣ ، ٢٥١.

الرشيدية : (٣) ١٢٦.

بنو رعمة : (١) ١٤٨.

الروافض = الرافضة.

الروم : (١) ١٢٩ ، ١٣٣ ، ١٤١ ، ١٤٢ ، ١٧٨ ، : (٢) ١٣٣ ، : (٣) ١٦ ، ٢٩ ، ٢٩٣.

بنو رؤوبين : (١) ١٩٤ ، ١٩٥.

(الزاي)

بنو زبلون : (١) ١٩٤.

الزنادقة : (١) ١٦٠ ، ٣٤٧.

الزنج : (٢) ١٣٣ ، ١٨٨ ، : (٣) ٢٩٣.

الزيدية : (٣) ١٠ ، ١١ ، ٢٤ ، ٨٩ ، ١٠٠ ، ١٠٧ ، ١١١.

(السين)

بنو سام : (١) ١٤٩.

السامرية : (١) ١١٧ ، ١٢١ ، ١٢٣ ، ١٣٩ ، ٢٥٩ ، ٢٧٥ ، ٢٧٨ ، : (٣) ١٧٩.

بنو سبأ : (١) ٢٣٣.

السابية : (١) ١٠٩.

السبئية : (١) ٢٨٨ ، : (٣) ١١٢.

السحرة : (١) ١٢٨ ، ١٣٠ ، ١٧٩ ، ١٨٠ ، ١٨١ ، ١٨٢ ، ١٨٣ ، ٢٤٣ ، ٢٩٩ ، : (٢) ١٢٥ ، : (٣) ١٧٣.

بنو سعد بن بكر : (٢) ٢١٣.

السودان : (١) ١٣٣ ، ١٤٨ ، ١٤٩ ، ٢٠١.

السوفسطائية = السوفسطائيون.

السوفسطائيون : (١) ١١ ، ١٨ ، ٧٦ ، ١٠٠ ، ٣٧٥ ، : (٢) ١١١ ، : (٣) ٢٢٨.

(الشين)

الشعراء : (١) ١٢٧.

الشكاك : (١) ١٩.

بنو شمعون : (١) ١٧٩ ، ١٩٤ ، ١٩٥.

شمعي : (١) ١٩٥.

الشهداء : (٢) ١٦٠ ، ١٦١ ، ٣٧٧ ، ٣٧٩ ، ٣٨٤.

الشياطين : (١) ١١٠.

الشيعة : (١) ١٠٩ ، ٢٨٩ ، ٣٦٨ ، ٣٦٩ ، ٣٧٠ ، ٣٧١ ، ٣٧٣ ، : (٢) ٥٥ ، ٨٦ ، ٢٠٩ ، ٢٨٥، : (٣) ٣ ، ٦ ، ٣٢ ، ٣٦ ، ٧٨ ، ٨٩ ، ١١١ ، ١١٤ ، ١١٧ ، ١١٨ ، ١٦٧.

(الصاد)

الصابئة = الصابئون.

الصابئون : (١) ٥٠ ، ٥١ ، ٥٢ ، ٦١ ، ٨٤ ، ١١٧ ، ١٢١ ، ١٣٧ ، ١٦٥ ، ٣٢٨ ، ٣٥١ ، : (٢) ٢٧ ، ٢٩٢ ، : (٣) ١٧٩ ، ٢٤٩.

الصحابة : (١) ١٢٥ ، ٢٤٢ ، ٣٢٨ ، ٣٢٩ ، ٣٣٠ ، ٣٣٦ ، ٣٤٨ ، ٣٦٩ ، ٣٧٠ ، ٣٧١ ، ٣٧٢ ، ٣٧٧ ، : (٢) ١٦ ، ٢٤ ، ٦٣ ، ٨٣ ، ١٩٣ ، ٢٠٥ ، ٢٢٦ ، ٢٣٩ ، ٢٤٢ ، ٢٥٠ ، ٢٥١ ، ٢٦٧ ، ٢٧٠ ، ٢٧١ ، ٢٧٣ ، ٢٧٦ ، ٢٩٤ ، ٢٩٥ ، ٣١٧ ، ٣٣٦ ، ٣٦٥ ، ٣٧٤ ، ٣٨١ ، : (٣) ١٠ ، ١١ ، ١٤ ، ١٧ ، ١٩ ، ٢٠ ، ٢٤ ، ٢٧ ، ٣٠ ، ٣٢ ، ٣٥ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٣٩ ، ٤١ ، ٤٢ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٤٧ ، ٤٨ ، ٤٩ ، ٥٠ ، ٥١ ، ٥٣ ، ٥٦ ، ٥٧ ، ٥٨ ، ٥٩ ، ٦٠ ، ٦١ ، ٦٣ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ٦٩ ، ٧٨ ، ٨٤ ، ٨٨ ، ٩٧ ، ٩٨ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٠٧ ، ١٠٩ ، ١١٧ ، ١٦٣ ، ١٦٤ ، ١٦٧ ، ١٨٣ ، ١٩٢.

الصدوقية : (١) ١١٧ ، ٢١٢.

الصدوقيون = الصدوقية.

الصفارية : الصفرية.

الصفرية : (٢) ٢٥٠ ، : (٣) ١٢٥ ، ١٢٦ ، ١٢٧.

الصقالبة : (١) ٨٥ ، ٩٠ ، ٢٠١ ، ٣٣٤.

صوحر : (١) ١٩٥.

الصوفية = المتوصوفة.

(العين)

بنو عاد : (١) ١٩٤ ، : (٣) ٧٧.

بنو عامر : (٣) ١٧.

بنو عامر بن لؤي : (٣) ١٧.

العانانيون : (١) ٢١٢.

عباد الأوثان : (٢) ١٤٨.

عباد الهند : (١) ٣٢٨.

بنو عبد الدار : (٣) ١٧.

عبارون : (١) ١٢٠.

بنو عبد شمس : (٣) ١٧.

بنو عبد المطلب : (٣) ٨.

بنو عبد الواحد بن يزيد الإسكندري : (١) ١٨١.

بنو عبيد : (العبيديون) = الفاطميون.

العبيديون = الفاطميون.

العجاردة : (١) ٣٦٩ ، : (٣) ١٢٦ ، ١٢٧.

العجائبيون : (١) ٩٣.

العجم : (٢) ٥٠.

بنو عدي بن كعب : (٣) ١٧ ، ٦٤.

العرب : (١) ٥٠ ، ١١٨ ، ١٢٠ ، ١٢٥ ، ١٢٦ ، ١٣٢ ، ١٣٣ ، ١٤٢ ، ٢٣٣ ، ٣٣٢ ، ٣٣٧ ، ٣٣٨ ، ٣٤٢ ، ٣٤٣ ، ٣٧٢ ، : (٢) ٤ ، ١٨ ، ٤٨ ، ٥٠ ، ٨٤ ، ١٤٨ ، ١٧١ ، ٢٠٩ ، ٢١٠ ، ٢١٢ ، ٢١٣ ، ٢١٦ ، ٢١٧ ، ٢٤٣ ،

٢٤٨ ، ٢٥٦ ، ٣٥٢ ، : (٣) ١٨ ، ٢٧ ، ٢٩ ، ٦٦ ، ١٦٢ ، ٢٠٢ ، ٢٢٠ ، ٣٢٦.

عزيثيل : (١) ١٩٥ ، ١٩٦.

العلماء : (١) ١٧ ، ١٣٢.

العليانية : (٣) ١٢١.

عمرام : (١) ١٩٥.

آل عمران : (٣) ١٩٤.

بنو عمون : (١) ١٩٣.

العمونيون : (١) ١٥٩.

العنانية : (١) ١١٧ ، ٢٥٧.

العوفية : (٣) ١٢٦.

بنو عيسو : (١) ١٦٠ ، ١٦٣ ، ١٦٦ ، ١٩٣ ، ٢٣٤.

العيسوية : (١) ١١٨ ، ١٣٦ ، ٢١٢ ، ٢٥٧ ، ٢٦١ ، : (٣) ١٢٤.

العيسويون = العيسوية.

بنو عيص : (١) ١١٨.

(الغين)

الغالية : (١) ١٣٤.

غالية الرافضة : (١) ١٠٩ ، ٣٦٩ ، : (٣) ١١١ ، ١١٧.

الغرابية : (٣) ١١٧.

(الفاء)

الفاسقون : (٢) ٧٧ ، ١٩٣ ، ٢٥٥.

الفاطميون : (١) ٥٠.

الفرزيون : (١) ١٩١.

الفرس : (١) ١٢٠ ، ١٣٣ ، ١٦٥ ، ٣٧٢ ، ٣٧٣ ، : (٣) ١٦ ، ٢٩.

بنو فزارة : (٣) ٥٩.

الفساق = الفاسقون.

الفضيلية : (٣) ١٢٦.

الفقهاء : (١) ٣٧١ ، ٣٧٨ ، : (٢) ٨٣ ، ٢٠٩ ، ٢١٦ ، ٢٤٨ ، ٢٥٠ ، ٢٨٧ ، ٣٨٤ ، : (٣) ٣٢.

الفلاسفة : (١) ١٧ ، ١١٣ ، ٣٤٢ ، ٣٤٥.

فلو : (١) ١٩٥.

بنو فوطينيل : (١) ١٩٦.

(القاف)

القانة : (١) ١٩٦.

القائلون بتناسخ الأرواح : (١) ١٠٩.

القائلون بالدهر = الدهرية.

القبط : (١) ١٣٣.

القدرية : (٢) ١٧٩ ، ٢٦٧ ، ٣٤٣.

القراء : (١) ٣٣١.

القرامطة : (١) ٥٠ ، ١٠٩ ، ٢٨٩ ، ٣٢٩ ، ٣٧٢ ، : (٣) ١١٨.

القراؤون : (١) ١١٧.

قريش : (١) ٧٦ ، ٣٣٩ ، ٣٦٩ ، ٣٧٠ ، : (٢) ٣١١ ، ٣٢٧ ، : (٣) ٦ ، ٧ ، ٨ ، ١٨.

بنو قريطة : (١) ١٢٥ ، ١٣٧.

القسيسون : (١) ٣١٣ ، ٣٢٨.

قضاعة : (١) ٣٣٢ ، ٣٣٨ ، : (٣) ١٨.

القطيعية : (٣) ١١٤.

فهاث : (١) ١٩٥.

قورح : (١) ١٩٦.

قوم فرعون : (١) ٢٣٨.

قوم لوط : (١) ١٥٨ ، : (٣) ٧٧.

قوم نوح : (١) ٢٣٨ ، : (٣) ٧٧.

قوم يونس : (٢) ١٨٢.

بنو قينقاع : (١) ١٢٥ ، ١٣٧.

(الكاف)

الكافرون = الكفار.

الكرامية : (٢) ٢٠٩ ، ٢١٠ ، ٢١٥ ، ٢٨٤ ، ٣٦٦ : (٣) ١٤٢ ، ١٤٣.

الكردانيون : (١) ١٥٥.

كرمي : (١) ١٩٥.

الكسفية : (٣) ١٢٠.

الكفار : (١) ١٠١ ، ٣٢٩ ، ٣٥٩ ، ٣٧٢ ، ٤١١ ، : (٢) ١٥ ، ١٨ ، ٧٣ ، ٧٧ ، ٨٠ ، ٨١ ، ٩٦ ، ١٦٠ ، ١٦٤ ، ١٧١ ، ١٧٣ ، ١٨٤ ، ١٨٦ ، ١٨٧ ، ١٩٣ ، ١٩٥ ، ١٩٦ ، ٢٠٣ ، ٢٠٤ ، ٢٠٧ ، ٢٠٨ ، ٢١٩ ، ٢٢١ ، ٢٢٣ ، ٢٢٩ ، ٢٣١ ، ٢٣٩ ، ٢٤٠ ، ٢٤٢ ، ٢٦٢ ، ٢٦٥ ، ٢٧٥ ، ٢٨٩ ، ٣٣١ ، ٣٣٧ ، ٣٣٩ ، ٣٤٠ ، ٣٤٦ ، ٣٤٧ ، ٣٥٣ ، ٣٦٣ ، ٣٦٧ ، ٣٧٥ ، ٣٨١ ، ٣٨٥.

كفار برغواطة : (٣) ١١٤.

بنو كنعان : (١) ١٤٨.

الكنعانيون : (١) ١٩١.

الكهنة : (١) ٣١٦.

بنو كوش : (١) ١٤٨.

الكيسانية : (٣) ٢١ ، ٩٥ ، ١١٢ ، ١١٣ ، ١١٥ ، ١١٦ ، ١١٨.

(اللام)

بنو لاوي : (١) ١٢٠ ، ١٩٢ ، ١٩٥ ،

١٩٦.

اللاويون : (١) ٣١٦.

لبنى : (١) ١٩٥.

بنو لوط : (١) ١٥٩ ، ١٦٠ ، ١٦٦ ، ١٩٣.

(الميم)

المارونية : (١) ٨٠.

المانوية = المانية.

المانية : (١) ٥١ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ٥٩ ، ٨٧ ، ١٢١ ، ١٣٤.

المتوصوفة : (١) ٣٦٩ ، : (٢) ٣١٦ ، : (٣) ١١٣ ، ١٦٦.

متكلمو النصارى : (٢) ١٩٣.

متكلمو النصارى : (٢) ١٩٣.

متكلمو اليهود : (٢) ١٩٣.

المتكل مون : (١) ١٨ ، ٤٩ ، ٥١ ، ٨٤ ، ٣٧٣ ، : (٢) ١٦ ، ١١٧ ، ٢٠٧ ، ٣٥٩ ، : (٣) ٢٣٦ ، ٢٤٤ ، ٢٤٩ ، ٢٧٣ ، ٣٠٧.

المجبرة : (٢) ٥٦ ، ٨٧.

المجسمة : (١) ٣٨١ ، ٣٩٨ ، ٣٩٩ ، ٤١٦ ، : (٢) ٣ ، ٤ ، ٣٤ ، : (٣) ١٤٧ ، ١٤٨ ، ٢٥٠.

المجوس : (١) ٤٩ ، ٥٠ ، ٥١ ، ٥٢ ، ٦١ ، ٦٤ ، ٨٤ ، ١١٧ ، ١١٢١ ، ١٣٤ ، ١٣٥ ، ١٣٧ ، ١٣٨ ، ١٦٥ ، ٢٩٤ ، : (٢) ٢٧ ، ١٤٨ ، ١٨٩ ، ٢٠١ ، ٢٠٣ ، ٢٩٥ ، ٢٩٦ ، : (٣) ١١١ ، ١٧٩ ، ٢٤٩.

المحدثون : (٢) ٨٣.

المحمدية : (١) ١٠٩.

المحمدية : (طائفة من الشعية) : (٣) ١٢١.

بنو مخزوم : (٣) ١٧.

مراري : (١) ١٩٥.

المرجئة : (١) ٣٦٨ ، ٣٦٩ ، ٣٧٠ ، ٣٧١ ، ٣٧٣ ، : (٢) ٣٤ ، ٥٤ ، ٥٥ ، ٨٦ ، ٢١٢ ، ٢١٥ ، ٢٣٤ ، ٢٤٨ ، ٢٥٠ ، ٢٥١ ، ٢٥٤ ، ٢٦٧ ، ٣٦٤ ، : (٣) ٣ ، ٦ ، ٨ ، ٣٢ ، ٥٧ ، ٧٨ ، ٨٩ ، ١١١ ، ١٤٢ ، ١٤٣ ، ١٦٧ ، ٢١٧.

المرتدون : (١) ٣٣٣.

مردة الشياطين : (٢) ١٣٣.

المرقيونية : (١) ٥١ ، ٥٩ ، ١٣٤.

بنو مروان : (١) ٩٢.

المزدكية : (١) ٤٩ ، ٥١ ، ٥٢ ، ٦١.

المسوية : (٣) ١٣٦.

المسلمون : (١) ٥٠ ، ٧٦ ، ٨٤ ، ٨٦ ، ١٠٦ ، ١٠٧ ، ١١٠ ، ١٢٥ ، ١٢٩ ، ١٣٠ ، ١٣٤ ، ١٦٣ ، ١٧٤ ، ١٧٨ ، ٢٤٠ ، ٢٤٧ ، ٢٥٤ ، ٢٦٤ ، ٣٢٤ ، ٣٢٨ ، ٣٢٩ ، ٣٣١ ، ٣٣٢ ، ٣٣٣ ، ٣٣٤ ، ٣٣٥ ، ٣٣٦ ، ٣٣٧ ، ٣٣٩ ، ٣٤٥ ، ٣٤٦ ، ٣٥٢ ، ٣٧٠ ، ٣٧٣ ، ٣٨١ ، ٣٩٨ ، : (٢) ٩ ، ١٦ ، ٤٦ ، ٤٨ ، ٨٢ ، ٨٣ ، ٨٤ ، ٨٧ ، ٩٨ ، ١٠٧ ، ١١٢ ، ١٢٧ ، ١٣٤ ، ١٣٧ ، ١٣٨ ، ١٤٩ ، ١٥٠ ، ١٥٦ ، ١٥٩ ، ١٨٦ ، ١٩٠ ، ١٩١ ، ٢٠٠ ، ٢٢٩ ، ٢٣٢ ، ٢٣٣ ، ٢٣٦ ، ٢٣٩ ، ٢٤٣ ، ٢٤٥ ، ٢٤٨ ، ٢٥١ ، ٢٥٣ ، ٢٥٦ ، ٢٥٩ ، ٢٦٠ ، ٢٦٢ ، ٢٦٣ ، ٢٦٥ ، ٢٦٦ ، ٢٧١ ، ٢٧٤ ، ٢٧٧ ، ٢٨٢ ، ٢٨٥ ، ٢٨٨ ، ٢٩٦ ، ٢٩٩ ، ٣١٠ ،

٣٢٠ ، ٣٢٦ ، ٣٢٧ ، ٣٣٠ ، ٣٣١ ، ٣٣٣ ، ٣٣٦ ، ٣٥٩ ، ٣٦٧ ، ٣٧٣ ، ٣٧٨ ، ٣٨٠ ، ٣٨٤ ، ٣٨٨ ، ٣٩٢ ، ٣٩٨ ، : (٣) ١٠ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٣ ، ٣٠ ، ٣٢ ، ٣٣ ، ٤٣ ، ٤٧ ، ٦٥ ، ٦٦ ، ٦٧ ، ٧٥ ، ٧٩ ، ٨٠ ، ٨٤ ، ٨٨ ، ٨٩ ، ٩٠ ، ٩٣ ، ٩٤ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ٩٨ ، ١٠٢ ، ١٠٥ ، ١٠٦ ، ١٠٨ ، ١٠٩ ، ١١٠ ، ١١٧ ، ١٣٢ ، ١٣٣ ، ١٤٥ ، ١٥٨ ، ١٦٧ ، ١٧٩ ، ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ٢٠٧ ، ٢٩٦ ، ٣٠١.

المشارقة : (١) ٢٨٩.

مشركو العرب : (٢) ١٤٨.

المشركون : (٢) ١٣٨ ، ١٤٨ ، ١٥٠ ، ١٥٦ ، ٢١٩ ، ٢٤٢ ، ٢٤٣ ، ٢٦٠ ، ٢٦٦ ، ٣٨٠ ، ٣٨٨.

المصريون : (١) ١٨٠ ، ١٨٢ ، ١٨٣.

مضر : (١) ٣٣٢ ، ٣٣٨ ، : (٣) ١٨.

بنو المطلب : (١) ٣٣٩ ، : (٣) ١٦.

المعتزلة : (١) ١١٢ ، ١٢٧ ، ٣٦٨ ، ٣٦٩ ، ٣٧٠ ، ٣٧١ ، ٣٧٣ ، ٣٧٧ ، ٣٨٠ ، ٣٨١ ، ٣٨٥ ، ٣٩٨ ، ٤١٦ ، : (٢) ٤ ، ١٨ ، ٢٤ ، ٣٣ ، ٣٤ ، ٣٥ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٥٥ ، ٦٢ ، ٦٥ ، ٦٦ ، ٦٩ ، ٧٦ ، ٨٢ ، ٨٦ ، ٩٠ ، ٩٥ ، ٩٦ ، ٩٩ ، ١٠٣ ، ١٠٦ ، ١١٣ ، ١٠٦ ، ١١٣ ، ١١٤ ، ١٢٢ ، ١٢٣ ، ١٢٦ ، ١٢٧ ، ١٢٨ ، ١٣١ ، ١٣٢ ، ١٣٥ ، ١٣٦ ، ١٤١ ، ١٤٢ ، ١٤٨ ، ١٤٩ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٥٣ ، ١٦٢ ، ١٦٣ ، ١٦٤ ، ١٦٥ ، ١٦٦ ، ١٦٧ ، ١٦٨ ، ١٦٩ ، ١٧٠ ، ١٧١ ، ١٧٢ ، ١٧٥ ،

١٧٦ ، ١٧٧ ، ١٨٠ ، ١٨٣ ، ١٨٤ ، ١٨٥ ، ١٨٦ ، ١٨٧ ، ١٩٠ ، ١٩٤ ، ١٩٧ ، ٢٠١ ، ٢٠٧ ، ٢٠٩ ، ٢١٠ ، ٢٥٠ ، ٢٥٣ ، ٢٥٤ ، ٢٥٥ ، ٢٥٦ ، ٢٥٧ ، ٢٨٥ ، ٣٤٣ ، ٣٦٤ ، ٣٦٦ ، ٣٧٢ ، ٣٩٢ ، : (٣) ٣ ، ٦ ، ٨ ، ٣٢ ، ٥٧ ، ٧٨ ، ٨٩ ، ١٠٠ ، ١٠٧ ، ١١١ ، ١٢٧ ، ١٢٨ ، ١٢٩ ، ١٣٠ ، ١٣١ ، ١٣٢ ، ١٣٤ ، ١٣٥ ، ١٣٧ ، ١٣٨ ، ١٣٩ ، ١٦٧ ، ٢١٤ ، ٢١٧ ، ٣١٧.

المغيرية : (٢) ٣٣٧.

المقدونية : (١) ١٣٣ ، ٢٦١.

المكرمية : (٣) ١٢٧.

الملائكة عليهم السلام : (١) ٨٠ ، ٨٦ ، ٩٥ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ١٠٠ ، ١٠٤ ، ١١٠ ، ١٤٦ ، ١٥٥ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٥٨ ، ١٥٩ ، ١٦٠ ، ١٦٨ ، ٢٤٢ ، ٢٤٩ ، ٢٦٥ ، ٢٨٢ ، ٢٩٦ ، ٢٩٧ ، ٣٠٠ ، ٣٢٤ ، ٣٧١ ، ٣٨٤ ، : (٢) ٦ ، ٧ ، ٤٢ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٧ ، ٧٥ ، ٧٧ ، ٨٣ ، ٨٧ ، ٨٨ ، ٩٧ ، ١٠٤ ، ١٠٩ ، ١٣٤ ، ١٤٤ ، ١٤٩ ، ١٥٠ ، ١٥٦ ، ١٥٨ ، ١٦٦ ، ١٧٠ ، ١٨١ ، ١٩٥ ، ١٩٦ ، ١٩٨ ، ١٩٩ ، ٢٠٣ ، ٢١٨ ، ٢٢٠ ، ٢٤٣ ، ٢٤٦ ، ٢٤٨ ، ٢٦٥ ، ٢٧٨ ، ٢٧٩ ، ٢٨١ ، ٢٨٦ ، ٢٩٤ ، ٢٩٦ ، ٢٩٨ ، ٣٠٥ ، ٣١٥ ، ٣٢٣ ، ٣٢٤ ، ٣٢٦ ، ٣٧٠ ، ٣٧٧ ، ٣٧٩ ، ٣٨٦ ، ٣٨٧ ، : (٣) ٣٣ ، ٣٤ ، ٣٨ ، ٣٩ ، ٥١ ، ٥٢ ، ٧١ ، ١١٢ ، ١٦٩ ، ١٨٧ ، ١٩١ ، ١٩٢ ، ١٩٣ ، ١٩٤ ،

١٩٥ ، ١٩٦ ، ١٩٧ ، ١٩٨ ، ٢٠٣ ، ٢٠٦.

الملكانية : (١) ٦٥ ، ٧٠ ، ٧٢ ، ٧٩ ، ٨٠ ، ١٣٤.

الملحدون : (١) ٣٠ ، ٣١ ، ٣٢ ، ٧٤ ، ٢٣٣ ، ٣٤٥ ، ٣٤٨ ، : (٢) ٣٦ ، ٢٠٣ ، ٣٩٠ ، : (٣) ٢٥٠.

الملكية = الملكانية.

الملوك : (١) ١٧ ، ٩٣ ، ١٢٨ ، ٣١٨ ، ٣٣٩ ، ٣٤٠.

ملوك الأسباط العشرة : (١) ٢١٧.

ملوك بني إسرائيل : (١) ١٣٩.

ملوك الروم : (١) ٦٤ ، ٣٢٧ ، : (٢) ٢٩٦.

ملول عمان : (١) ٣٣٨.

ملوك فرغانة : (٢) ٣٦٤.

ملوك النصارى : (١) ٦٥.

ملوك اليمن : (١) ٣٣٨.

الممطورة : (فرقة من الشيعة) : (٣) ١١٢.

المنافقون : (٢) ٢٢٩ ، ٢٣٨ ، ٢٦٣ ، ٢٦٤ ، : (٣) ١٣ ، ٧٣.

المنانية : (١) ٢٥٤ ، ٣٢٧ ، ٣٢٨ ، ٣٩٤ : (٢) ١٢٨ ، ١٧٦ ، ١٨٥ ، ١٨٩ ، ٢٠١.

بنو منسى : (١) ١٧٧ ، ١٩٤ ، ١٩٥.

المنصورية : (٢) ٣٣٧.

منكرو الشرائع : (١) ١١٣.

المهاجرون : (٢) ٢٩٤ ، : (٣)

المؤمنون : (١) ١٠٢ ، ٣٢٩ ، ٣٣٣ ، ٣٤٦ ، : (٢) ١٥ ، ٤٦ ، ٥١ ، ٨٧ ، ١٧١ ، ١٧٤ ، ١٨١ ، ١٨٤ ، ١٨٧ ، ١٨٩ ، ٢٠٤ ، ٢٠٧ ، ٢٢٣ ، ٢٢٨ ، ٢٣٠ ، ٢٣١ ، ٢٤١ ، ٢٥٣ ، ٢٥٦ ، ٢٥٧ ، ٢٥٩ ، ٢٦١ ، ٣٠٧ ، ٣٤٠ ، ٣٧٥ ، ٣٨١ ، ٣٨٤ ، ٣٩٢ ، : (٣) ٨ ، ٥٠ ، ٨٣ ، ١٣٣.

ميشائيل : (١) ١٩٦.

الميمونية : (٣) ١٢٦.

المين : (١) ١١٧.

(النون)

الناووسية : (٣) ١١٢.

النبط : (١) ١٣٣.

النبيون = الأنبياء عليهم السلام.

بنو النجار : (١) ٢٧٦.

النجارية : (٢) ٨٦ ، ٢٨٥.

النجدات : (٣) ٣ ، ١٢٥.

النحلية : (٣) ١١٦.

نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم = أمهات المؤمنين.

نساء الصحابة : (٣) ٤٩.

النساطرة = النسطورية.

النسطورية : (١) ٦٥ ، ٧٠ ، ٧٢ ، ٧٩ ، ٨٠ ، ١٣٤.

نصارى إفريقية : (١) ٦٥.

نصارى الأندلس : (١) ٦٥ ، ٢٥٢.

نصارى صقلية : (١) ٦٥.

نصارى قرطبة : (١) ٣٦٥.

النصارى : (١) ٥٠ ، ٥١ ، ٦١ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ٦٦ ، ٧٤ ، ٧٥ ، ٧٧ ، ٨٠ ، ٨٤ ، ١٠٠ ، ١١٧ ، ١٢٢ ، ١٢٣ ،

١٣٣ ، ١٣٨ ، ١٤٣ ، ١٥٦ ، ١٦٥ ، ١٧٩ ، ٢٠١ ، ٢١٢ ، ٢١٣ ، ٢٣١ ، ٢٣٢ ، ٢٣٤ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ٢٣٩ ، ٢٤٠ ، ٢٤١ ، ٢٤٩ ، ٢٥١ ، ٢٥٢ ، ٢٥٣ ، ٢٥٤ ، ٢٥٥ ، ٢٥٧ ، ٢٥٨ ، ٢٥٩ ، ٢٦٠ ، ٢٦٢ ، ٢٦٣ ، ٢٧٧ ، ٢٧٩ ، ٢٨٠ ، ٢٨١ ، ٢٨٢ ، ٢٨٤ ، ٢٨٨ ، ٢٩٢ ، ٢٩٧ ، ٢٩٨ ، ٢٩٩ ، ٣٠٩ ، ٣١٢ ، ٣١٤ ، ٣١٥ ، ٣٢٤ ، ٣٢٧ ، ٣٢٨ ، ٣٣١ ، ٣٣٥ ، ٣٣٦ ، ٣٣٧ ، ٣٣٩ ، ٣٤٠ ، ٣٤١ ، ٣٦١ ، ٣٩٣ ، ٣٩٤ ، : (٢) ٢٦ ، ١٨٩ ، ١٩٣ ، ٢٠٣ ، ٢١٨ ، ٢١٩ ، ٢٢٠ ، ٢٢٣ ، ٢٢٤ ، ٢٤٢ ، ٢٤٣ ، ٢٤٤ ، ٢٧٤ ، ٢٨٤ ، ٢٩٦ ، ٢٩٧ ، ٣٣٦ ، ٣٦٨ ، : (٣) ٢٤ ، ٦٥ ، ١٠٥ ، ١١١ ، ١١٧ ، ١٤٤ ، ١٤٥ ، ١٧٠ ، ١٧٩ ، ٢٢٨ ، ٢٤٩ ، ٣١٧.

النصيرية : (٣) ١٢٢.

بنو نضر : (١) ٣٣٣.

النضرية : (١) ١٠٩.

بنو النضير : (١) ١٢٥ ، ١٣٧.

بنو نفتالي : (١) ١٩٤.

أبناء نوح : (١) ١٤٩.

(الهاء)

الهارونية : (١) ١٤٠.

الهارونيون : (١) ١٧٨.

بنو هاشم : (١) ٣٣٩ ، : (٣) ١٦ ، ١٩.

بنو هذل : (١) ١٣٧.

الهرابذة : (١) ١٣٥.

هوازن : (١) ١٢٤ ، ٣٣٩.

(الواو)

ولد آدم = بنو آدم.

ولد أبي بكر الصديق : (٣) ٨.

ولد جعفر بن أبي طالب : (٣) ٨.

ولد الحسين بن علي : (٣) ١١.

ولد العباس بن عبد المطلب : (٣) ٨ ، ٢١.

ولد علي بن أبي طالب : (٣) ٨ ، ١٠ ، ١١.

ولد عمر بن الخطاب : (٣) ٨.

ولد فهر بن مالك : (٣) ٦ ، ٨ ، ١١.

الولدان المخلدون : (٢) ٢٨٢.

(الياء)

ياكين : (١) ١٩٥.

يامين : (١) ١٩٥.

اليبوسيون : (١) ١٩١.

يصهار : (١) ١٩٥ ، ١٩٦.

اليعاقبة = اليعقوبية.

بنو يعقوب : (١) ١٦٣.

اليعقوبية : (١) ٦٥ ، ٦٦ ، ٧٠ ، ٧٩ ، ٨٠ ، ١٣٤.

بنو يفرن : (١) ٢٠٢.

يموئيل : (١) ١٩٥.

يهود قريظة : (٣) ٨٤.

اليهود : (١) ٧٤ ، ٧٧ ، ٨٠ ، ٨٤ ، ٩٥ ، ١١٧ ، ١١٨ ، ١٢٢ ، ١٢٣ ، ١٢٥ ، ١٢٨ ، ١٣٤ ، ١٣٦ ، ١٣٧ ، ١٣٨ ، ١٣٩ ، ١٤٠ ، ١٤٣ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨١ ، ٢٠٢ ، ٢١٠ ، ٢١٢ ، ٢١٣ ، ٢٢٩ ، ٢٣٣ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ٢٤٠ ، ٢٤١ ، ٢٤٨ ، ٢٤٩ ، ٢٥١ ، ٢٥٣ ، ٢٥٤ ، ٢٥٥ ، ٢٥٦ ، ٢٥٧ ، ٢٥٨ ، ٢٥٩ ، ٢٦٠ ، ٢٦١ ، ٢٦٢ ، ٢٦٣ ، ٢٧٠ ، ٢٧١ ، ٢٧٢ ، ٢٧٤ ، ٢٧٥ ، ٢٧٧ ، ٢٨٤ ، ٢٨٧ ، ٢٨٩ ، ٢٩٧ ، ٢٩٩ ، ٣٠٣ ، ٣٠٩ ، ٣١١ ، ٣١٢ ، ٣١٦ ، ٣١٧ ، ٣٢٠ ، ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، ٣٢٦ ، ٣٢٧ ، ٣٢٨ ، ٣٣١ ، ٣٣٥ ، ٣٣٦ ، ٣٣٧ ، ٣٣٩ ، ٣٤١ ، ٣٤٣ ، ٣٦١ ، ٣٦٦ ، : (٢) ٢٦ ، ١٤٨ ، ١٨٩ ، ١٩٣ ، ٢٠٣ ، ٢١٨ ، ٢١٩ ، ٢٢٠ ، ٢٢٣ ، ٢٢٤ ، ٢٤٢ ، ٢٤٣ ، ٢٤٤ ، ٢٧٤ ، ٢٨٤ ، ٢٩٥ ، ٢٩٦ ، ٣٠٥ ، ٣٠٩ ، ٣٣٦ ، ٣٥٩ ، ٣٦٠ ، : (٣) ٦٥ ، ١٠٥ ، ١١١ ، ١١٣ ، ١١٧ ، ١٧٩ ، ٣٠١.

بنو يهوذا : (١) ١٧٨ ، ١٩٢ ، ١٩٤ ، ٢٣٥ ، ٢٤٦ ، ٢٦٣.

اليونانيون : (١) ٣٢٥ ، ٣٢٦.

٥ ـ فهرس القوافي

(الهمزة)

المطلع

القافية

القائل

الجزء والصفحة

قد حصلتهم

السخفاء

 ـ

(١) ١٦٥.

(الباء)

لهم شيمة

عوازب

النابغة الذبياني

(٣) ١٨٣.

(الدال)

تمن

يجدي

 ـ

(١) ١٦٥.

وإني

وعدي

عامر بن الطفيل

(٢) ٣٥٢.

وأحسن

بالشاهد

 ـ

(١) ٢٦٣.

(الراء)

إلى الحول

العتذز

لبيد بن ربيعة

(٣) ٢٠٠.

رأيتك

وناظرا

النابغة الذبياني

(١) ٤٠٣.

ألا رب

شمرا

جرير

(٢) ٧.

ترجى

كبارها

 ـ

(١) ١٦٥.

شط

جاره

البحتري

(٣) ١٢١.

فباست

نضر

الحطيئة

(١) ٣٣٣.

وأراك

يفري

زهير بن أبي سلمى

(٢) ٩٦.

أطعنا

بكر

الحطيئة

(١) ٣٣٣.

(السين)

وساع

حارس

 ـ

(٣) ١٦٦.

وقد كنت

الآس

 ـ

(٣) ١٨٠.

(الظاء)

وسميت

تغيظ

حضين بن المنذر

(٣) ٢٠٤.

(العين)

لكل أمرئ

الطيائع

حميد بن ثور

(٣) ١٨٣

فرذت

تطلع

أبو تمام

(٣) ١٧٠.

(اللام)

كأن

تمولا

 ـ

(٢) ١٩٦.

إن الكلام

دليلا

الأخطل

(٢) ٢٣٩.

شهدت

أهزل

 ـ

(٣) ١٦٦.

قد عود

مرتحل

 ـ

(٣) ١٨٤.

وإن كنت

تنسل

امرؤ القيس

(٣) ١٨٣.

(الميم)

خيل

اللجما

النابغة الذبياني

(٢) ٢١٧.

هيهات

والمسمي

أحمد بن حداد

(٣) ٢٠٨.

سل

يتكلما

حميد بن ثور

(٣) ١٨٥.

فعلت

ونعامها

لبيد بن ربيعة

(٢) ٢١٣.

(النون)

أنافس

عينها

بعض الأعراب

(٢) ٣٦.

أتوعدني

دوني

جرير

(٢) ٣٥٢.

إذا ما

باليمين

الشماخ

(٢) ٤.

٦ ـ فهرس الأرجاز وأنصاف الأبيات

(الألف)

أحياء أباه هاشم بن حرمله

[عامر بن خصفة]

(٢) ٣٥٢.

إذا صام النهار وهجرا

[امرؤ القيس]

(٢) ٢١٧.

ألقت ذكاء بمينها في كافر

[لبيد بن ربيعة]

(٢) ٢٣٢.

أهذا دينه أبدا وديني

[الثقب العبدي]

(٣) ١٨٤.

(الباء)

باسم الذي في كل سورة اسمه

[رؤبة]

(٣) ١٨٤.

(التاء)

تقول وقد درأت لها وضيني

[المثقب العبدي]

(٣) ١٨٤.

(الراء)

روائح الجنة في الشباب

 ـ

(١) ١٤٣.

(العين)

عودت نفسك عادة فاصبر لها

 ـ

(٣) ١٨٤.

(القاف)

قد استوى بشر على العراق

 ـ

(١) ٣٨١.

قلق الفؤوس إذا أردن نصولا

[الراعي]

(١) ١٠٥.

(الكاف)

كما تفلق عن مأموسى الحجر

[عمرو بن أحمر]

(٢) ٢١٣.

(اللام)

لقد هان من يالت عليه الثعالب

 ـ

(١) ٢٤٧.

(الواو)

وشديد عادة منتزعه

 ـ

(٣) ١٨٤.

ولأنت تخلق ما فريت

[زهير بن أبي سلمى]

(٢) ٩٨.

ومن عاداته الخلق الكريم

 ـ

(٣) ١٨٤.

(الياء)

يرى الملك حوله مغربله

[عامر بن خصفة]

(٢) ٣٥٢.

يشكو إلى جملي طول السرى

[الملبد بن حرملة]

(١) ١٠٥.

يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له

[عامر بن خصفة]

(٢) ٣٥٢.

٧ ـ فهرس المحتويات

الكلام في الإمامة والمفاصلة........................................................ ٣

الإمامة بعد الرسول............................................................. ٢٦

فصل : عدم جواز إمامة امرأ أو صبي.............................................. ٣٠

الكلام في وجوه الفضل والمفاضلة بين الصحابة..................................... ٣٢

الكلام في حرب علي ومن حاربه من الصحابة رضي الله عنهم........................ ٧٨

الكلام في إمامة المفضول........................................................ ٨٩

الكلام في عقد الإمامة بماذا يصح؟............................................... ٩٥

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر................................................ ١٠٠

الكلام في الصلاة خلف الفاس الجهاد معه ، والحج معه ودفع الزكاة إليه ، وفناذ أحكامه من الأقضية والحدود وغير ذلك         ١٠٧

ذكر العظائم المخرجة إلى الكفر أو إلى المحال من أقوال أهل البدع ، المعتزلة والخوارج والمرجئة والشيعة  ١١١

ذكر شنع الشيعة............................................................. ١١١

ذكر شنع الخوارج............................................................. ١٢٤

ذكر شنع المعتزلة.............................................................. ١٢٨

ذكر شنع المرجئة.............................................................. ١٤٢

ذكر شنع لقوم لا تعرف فرقهم.................................................. ١٦٦

المعاني التي يسميها أهل الكلام اللطائف ، والكلام في السحر وفي المعجزات التي فيها إحالة الطيائع أيجوز وجودها لغير الأنبياء أو لا............................................................................ ١٦٨

الكلام في الجن ووسوسة الشيطان وفعله في المصروع................................ ١٧٩

الكلام في الطبائع............................................................. ١٨٣

نبوة النساء................................................................... ١٨٦

الكلام في الرؤيا............................................................... ١٨٩

أي الخلق أفضل.............................................................. ١٩١

الكلام في الفقر والغنى......................................................... ١٩٩

الكلام في الاسم والمسمى...................................................... ٢٠٠

الكلام في قضايا النجوم ، والكلام في هل يعقل الفلك والنجوم أو لا................ ٢١٠

الكلام في خلق الله تعالى للشيء أهو المخلوق نفسه ام غيره؟ وهل فعل من دون الله تعالى هو المفعول أم غيره؟ ٢١٤

الكلام في البقاء والفناء........................................................ ٢١٦

الكلام في المعدوم أهو شيء أم لا............................................... ٢١٧

الكلام في المعاني على قول معمر................................................ ٢٢٢

الكلام في الأحوال مع الأشعرية ومن افقهم....................................... ٢٢٥

خلق الله عز وجل العالم في كل وقت وزيادته في كل دقيقة.......................... ٢٣١

الكلام في الحركات والسكون................................................... ٢٣٢

الكلام في التولد.............................................................. ٢٣٦

الكلام في المداخلة والمجاورة والكمون............................................. ٢٣٨

الكلام في الاستحالة.......................................................... ٢٤٢

الكلام في الطفرة.............................................................. ٢٤٤

الكلام في الإنسان............................................................ ٢٤٥

الكلام في الجواهر والأعراض وما الجسم وما النفس؟............................... ٢٤٦

الكلام في الجزء الذي ادعوا أنه لا يتجزأ.......................................... ٢٧٣

الكلام في أن العرض لا يبقى وقتين............................................. ٢٨٨

الكلام في المعارف............................................................. ٢٩١

الكلام على من قال يتكافؤ الأدلة.............................................. ٣٠٣

الكلام في الألوان............................................................. ٣٢٠

الكلام في المتوالد والمتولد....................................................... ٣٢٥

فهرس الآيات القرآنية.......................................................... ٣٣١

فهرس الأحاديث القولية....................................................... ٣٥٣

فهرس الأعلام................................................................ ٣٦١

فهرس الأمم والشعوب ... الخ.................................................. ٣٨٧

فهرس القوافي................................................................. ٤٠١

فهرس الأرجاز وأنصاف الأبيات................................................ ٤٠٣

فهرس المحتويات............................................................... ٤٠٥

الفصل في الملل والأهواء والنّحل - ٣

المؤلف: أبي محمد علي بن أحمد [ ابن حزم الأندلسي الظاهري ]
الصفحات: 407
  • الكلام في الإمامة والمفاصلة 3
  • الإمامة بعد الرسول 26
  • فصل : عدم جواز إمامة امرأ أو صبي 30
  • الكلام في وجوه الفضل والمفاضلة بين الصحابة 32
  • الكلام في حرب علي ومن حاربه من الصحابة رضي الله عنهم 78
  • الكلام في إمامة المفضول 89
  • الكلام في عقد الإمامة بماذا يصح؟ 95
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 100
  • الكلام في الصلاة خلف الفاس الجهاد معه ، والحج معه ودفع الزكاة إليه ، وفناذ أحكامه من الأقضية والحدود وغير ذلك         107
  • ذكر العظائم المخرجة إلى الكفر أو إلى المحال من أقوال أهل البدع ، المعتزلة والخوارج والمرجئة والشيعة  111
  • ذكر شنع الشيعة 111
  • ذكر شنع الخوارج 124
  • ذكر شنع المعتزلة 128
  • ذكر شنع المرجئة 142
  • ذكر شنع لقوم لا تعرف فرقهم 166
  • المعاني التي يسميها أهل الكلام اللطائف ، والكلام في السحر وفي المعجزات التي فيها إحالة الطيائع أيجوز وجودها لغير الأنبياء أو لا 168
  • الكلام في الجن ووسوسة الشيطان وفعله في المصروع 179
  • الكلام في الطبائع 183
  • نبوة النساء 186
  • الكلام في الرؤيا 189
  • أي الخلق أفضل 191
  • الكلام في الفقر والغنى 199
  • الكلام في الاسم والمسمى 200
  • الكلام في قضايا النجوم ، والكلام في هل يعقل الفلك والنجوم أو لا 210
  • الكلام في خلق الله تعالى للشيء أهو المخلوق نفسه ام غيره؟ وهل فعل من دون الله تعالى هو المفعول أم غيره؟ 214
  • الكلام في البقاء والفناء 216
  • الكلام في المعدوم أهو شيء أم لا 217
  • الكلام في المعاني على قول معمر 222
  • الكلام في الأحوال مع الأشعرية ومن افقهم 225
  • خلق الله عز وجل العالم في كل وقت وزيادته في كل دقيقة 231
  • الكلام في الحركات والسكون 232
  • الكلام في التولد 236
  • الكلام في المداخلة والمجاورة والكمون 238
  • الكلام في الاستحالة 242
  • الكلام في الطفرة 244
  • الكلام في الإنسان 245
  • الكلام في الجواهر والأعراض وما الجسم وما النفس؟ 246
  • الكلام في الجزء الذي ادعوا أنه لا يتجزأ 273
  • الكلام في أن العرض لا يبقى وقتين 288
  • الكلام في المعارف 291
  • الكلام على من قال يتكافؤ الأدلة 303
  • الكلام في الألوان 320
  • الكلام في المتوالد والمتولد 325
  • فهرس الآيات القرآنية 331
  • فهرس الأحاديث القولية 353
  • فهرس الأعلام 361
  • فهرس الأمم والشعوب ... الخ 387
  • فهرس القوافي 401
  • فهرس الأرجاز وأنصاف الأبيات 403
  • فهرس المحتويات 405