



الباب
الثاني فيما يجب في باقي المحظورات
وفيه مباحث :
الأوّل : فيما يجب باللُّبْس
مسألة ٣٨٢ : مَنْ لبس ثوباً لا يحلّ له لُبْسه وجب عليه دم شاة ، وهو قول العلماء .
سأل سليمان بن العيص
الصادقَ عليهالسلام : عن المُحْرم يلبس القميص متعمّداً ، قال : « عليه دم » .
ولأنّه ترفّه بمحظور
في إحرامه ، فلزمه الفدية ، كما لو ترفّه بحلق شعره .
ولا فرق في وجوب الدم
بين قليل اللُّبْس وكثيره ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي وأحمد ـ لأنّ صدق اللُّبْس المطلق علىٰ
القليل والكثير
__________________
واحد
، فلا يتخصّص الحكم المتعلّق عليه بأحد جزئيّاته .
وقال أبو حنيفة :
إنّما يجب الدم بلباس يوم وليلة ، ولا يجب فيما دون ذلك ؛ لأنّه لم يلبس لُبْساً معتاداً ، فأشبه ما لو اتّزر بالقميص
.
ونمنع عدم اعتياده .
ولأنّ ما ذكره تقدير ، والتقديرات إنّما تثبت بالنصّ . والتقدير بيوم وليلة تحكّم محض .
مسألة ٣٨٣ : استدامة اللُّبْس كابتدائه ، فلو لبس المُحْرم قميصاً ناسياً
ثم ذكر ، وجب عليه خلعه إجماعاً ؛ لأنّه فعل محظور ، فلزمه إزالته وقطع استدامته ، كسائر المحظورات .
وينزعه من أسفل ، ولو
لم ينزعه ، وجب الفداء ؛ لأنّه ترفّه بمحظور في إحرامه ، فوجبت الفدية .
وقال الشافعي : ينزعه
من رأسه .
وهو غلط ؛ لاشتماله علىٰ
تغطية الرأس ، المُحرَّمة . ولأنّه قول بعض التابعين .
ويجب به الفدية إن
قلنا : إنّه تغطية .
ولو لبس ذاكراً ،
وجبت الفدية بنفس اللُّبْس ، سواء استدامة أو لم يستدمه ، وبه قال الشافعي .
__________________
وقال أبو حنيفة أوّلاً
: إن استدام اللُّبْس أكثر النهار ، وجبت الفدية ، وإن كان أقلّ ، فلا .
وقال أخيراً : إن
استدامة طول النهار ، وجبت الفدية ، وإلّا فلا ، لكن فيه صدقة .
وعن أبي يوسف روايتان
، كقولي أبي حنيفة .
والحقّ ما قلناه ؛
لقوله تعالىٰ : (
فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًىٰ مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مَنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ )
معناه : فمَنْ كان منكم مريضاً فلبس أو تطيّب أو حلق بلا خلاف ، فعلّق الفدية بنفس الفعل دون الاستدامة .
مسألة ٣٨٤ : لو لبس عامداً ، وجبت الفدية علىٰ ما تقدّم ، سواء كان مختاراً أو مضطرّاً ؛ لأنّه ترفّه بمحظور لحاجته ، فكان عليه الفداء ، كما لو حلق لأذىٰ .
أمّا لو اضطرّ إلىٰ
لُبْس الخُفّين والجوربين ، فليلبسهما ، ولا شيء عليه ، لقول الصادق عليهالسلام : « وأيّ مُحْرم هلكت نعلاه فلم يكن له
نعلان فله أن يلبس الخُفّين إذا اضطرّ إلىٰ ذلك ، والجوربين يلبسهما إذا اضطرّ إلىٰ
لُبْسهما » .
__________________
ولو لبس قميصاً
وعمامةً وخُفّين وسراويل ، وجب عليه لكلّ واحد فدية ؛ لأنّ الأصل عدم التداخل ، خلافاً لأحمد .
ولو لبس ثم صبر ساعةً
، ثم لبس شيئاً آخر ، ثم لبس بعد ساعة اُخرىٰ ، وجب عليه عن كلّ لِبْسةٍ كفّارة ، سواء كفّر عن المتقدّم أو لم يكفّر ، قاله الشيخ رحمهالله ؛ لأنّ كلّ لبسةٍ تستلزم كفّارةً
إجماعاً ، والتداخل يحتاج إلىٰ دليل .
وقال الشافعي : إن
كفّر عن الأول لزمه كفّارة ثانية قولاً واحداً ، وإن لم يكفّر ، فقولان : في القديم : تتداخل ، وبه قال محمّد ، والجديد : تتعدّد ، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف .
تذنيب :
لو لبس ثياباً كثيرةً دفعةً واحدة ، وجب عليه فداء واحد . ولو كان في مرّات متعدّدة ، وجب عليه لكلّ ثوب دم ؛ لأنّ لُبْس كلّ ثوب يغاير لُبْس الثوب الآخر ، فيقتضي كلّ واحد مقتضاه من غير تداخل .
ولأنّ محمد بن مسلم
سأل الباقرَ عليهالسلام : عن المُحْرم إذا احتاج إلىٰ ضروب من الثياب فلبسها ، قال : « عليه لكلّ صنف منها فداء »
.
مسألة ٣٨٥ : لو لبس ناسياً أو جاهلاً ثم ذكر أو علم فنزع ، لم يكن عليه شيء ، قاله علماؤنا ، وبه قال عطاء والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر .
__________________
لما رواه العامّة عن
يعلىٰ بن اُميّة أنّ رجلاً أتىٰ النبي صلىاللهعليهوآله ، وهو بالجعرانة وعليه جبّة وعليه أثر خلوق ، أو قال : أثر صُفْرة ، فقال : يا رسول الله
كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي ؟ قال : ( اخلع عنك هذه الجُبّة ، واغسل عنك أثر الخلوق ـ أو قال : أثر الصفرة ـ وأصنع في عمرتك كما تصنع في حجّتك )
.
وفي رواية اُخرىٰ
: يا رسول الله أحرمتُ بالعمرة وعليَّ هذه الجُبّة
، فلم يأمره بالفدية .
ومن طريق الخاصّة :
قول الباقر عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « مَنْ نتف إبطه أو قلّم ظُفْره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لا ينبغي له لُبْسه أو أكل طعاماً لا ينبغي له أكله وهو مُحْرم ، ففَعَل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء ، ومَنْ فَعَله متعمّداً فعليه دم شاة » .
ولأنّ الحجّ عبادة
تجب بإفسادها الكفّارة ، فكان من محظوراته ما يُفرّق بين عمده وسهوه ، كالصوم .
ولأنّ الكفّارة عقوبة
تستدعي ذنباً ، ولا ذنب مع النسيان .
وقال أبو حنيفة
والليث والثوري ومالك وأحمد في رواية : عليه الفدية ؛ لأنّه هتك حرمة الإحرام ، فاستوىٰ عمده وسهوه ، كحلق الشعر وتقليم الأظفار وقتل الصيد .
__________________
ونمنع الهتك ووجود
الحكم في غير الصيد .
والفرق : بأنّ الأصل
يُضمن ؛ للإتلاف ، بخلاف صورة النزاع ؛ فإنّه ترفّه يمكن إزالته .
والمكره حكمه حكم
الناسي والجاهل ؛ لأنّه غير مكلّف ، فلا يحصل منه ذنب ، فلا يستحقّ عقوبةً .
ولقوله عليهالسلام : ( رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )
.
ولو علم الجاهل ، كان
حكمه حكم الناسي إذا ذكر .
ولو اضطرّ المُحْرم
إلىٰ لُبْس المخيط لاتّقاء الحَرّ أو البرد ، لبس ، وعليه شاة ، للضرورة الداعية إليه ، فلولا إباحته ، لزم الحرج ، وأمّا الكفّارة : فللترفّه بالمحظور ، فكان كحلق الرأس لأذىٰ .
ولقول الباقر عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : في المُحْرم إذا احتاج إلىٰ ضروب من الثياب فلبسها ، قال : « عليه لكلّ صنف منها فداء »
.
مسألة ٣٨٦ : مَنْ غطّىٰ رأسه وجب عليه دم شاة إجماعاً ، وكذا لو
ظلّل علىٰ نفسه حال سيره ـ خلافاً لبعض العامّة ، وقد تقدّم
ـ لأنّه ترفّه بمحظور ، فلزمه الفداء ، كما لو حلق رأسه .
ولأنّ محمد بن
إسماعيل روىٰ ـ في الصحيح ـ قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام : عن الظلّ للمُحْرم من أذىٰ مطر
أو شمس ، فقال : « أرىٰ أن يفديه بشاة يذبحها بمنىٰ » .
__________________
ولو فَعل ذلك للحاجة
أو للضرورة ، وجب عليه الفداء ؛ لأنّه ترفّه بمحظور ، فأشبه حلق الرأس لأذىٰ .
ولا فرق بين أن يغطّي
رأسه بمخيط ، كالقلنسوة ، أو غيره ، كالعمامة والخرقة ولو بطين ، أو يستره بستر وغيره .
ولو فَعَل ذلك ناسياً
، أزاله إذا ذكر ، ولا شيء عليه ، لأنّ حريزاً سأل الصادقَ عليهالسلام : عن مُحرم غطّىٰ رأسه ناسياً ،
قال : « يلقي القناع عن رأسه ، ويلبّي ، ولا شيء عليه » .
ولا فرق بين أن تمسّ
المظلّة رأسه أو لا .
ولو توسّد بوسادة أو
بعمامة مكورة ، فلا بأس .
البحث الثاني : فيما
يجب بالطيب والادّهان .
مسألة ٣٨٧ : أجمع العلماء علىٰ أنّ المُحْرم إذا تطيّب عامداً ، وجب
عليه دم ؛ لأنّه ترفّه بمحظور ، فلزمه الدم ، كما لو ترفّه بالحلق .
ولقول الباقر عليهالسلام : « مَنْ أكل زعفراناً متعمّداً أو طعاماً فيه طيب فعليه دم ، وإن كان ناسياً فلا شيء عليه ، ويستغفر الله ويتوب إليه »
.
ولا فرق بين أن
يستعمل الطيب أكلاً أو إطلاءً أو صبغاً أو بخوراً ، أو في طعام إجماعاً .
ولا بأس بخلوق الكعبة
وإن كان فيه زعفران ؛ لأنّ يعقوب بن شعيب سأل ـ في الصحيح ـ الصادقَ عليهالسلام : المُحْرم يصيب ثيابه الزعفران من
__________________
الكعبة
، قال : « لا يضرّه ولا يغسله » .
مسألة ٣٨٨ : لا فرق بين الابتداء والاستدامة في وجوب الكفّارة ، فلو تطيّب ناسياً ثم ذكر ، وجب عليه إزالة الطيب ، فإن لم يفعل مع القدرة ، وجب عليه الدم ؛ لأنّ الترفّه يحصل بالاستدامة كالابتداء .
والكفّارة تجب بنفس
الفعل ، فلو تطيّب عامداً ثم أزاله بسرعة ، وجبت الكفّارة وإن لم يستدم الطيب ، ولا نعلم فيه خلافاً ، ووافقنا هنا
أبو حنيفة وإن كان قد نازعنا في اللُّبْس .
ولا فرق في وجوب
الكفّارة بين الطعام الذي فيه طيب مسّته النار أو لم تمسّه .
وقال مالك : إن مسّته
النار ، فلا فدية .
وسواء بقي الطعام علىٰ
وصفه من طعم أو لون أو ريح أو لم يبق .
وقال الشافعي : إن
كانت أوصافه باقيةً من طعم أو لون أو رائحة ، فعليه الفدية ، وإن بقي له وصف ومعه رائحة ، ففيه الفدية قولاً واحداً ، وإن لم يبق غير لونه ولم يبق ريح ولا طعم ، قولان : أحدهما كما قلناه ، والثاني : لا فدية فيه
.
__________________
وإذا تطيّب عامداً أو
ناسياً وذكر ، وجب عليه غسله ، ويستحب له أن يستعين في غسله بحلال ، ولو غسله بيده ، جاز ؛ لأنّه ليس بمتطيّب ، بل تارك للطيب ، كالغاصب إذا خرج من الدار المغصوبة علىٰ عزم الترك للغصب .
ولأنّ النبي عليهالسلام قال للذي رأىٰ عليه طيباً : ( اغسل عنك الطيب )
ولو لم يجد ماءً
يغسله به ووجد تراباً ، مسَحَه به أو بشيء من الحشيش أو ورق الشجر ؛ لأنّ الواجب إزالته بقدر الإمكان .
ويقدّم غسل الطيب علىٰ
الطهارة لو قصر عنهما وتيمّم ؛ لأنّ للطهارة بدلاً .
ولو أمكنه قطع رائحة
الطيب بشيء غير الماء ، فَعَلَه وتوضّأ بالماء .
ويجوز له شراء الطيب
وبيعه إذا لم يشمّه ، ولا يلمسه ، كما يجوز له شراء المخيط والإماء .
مسألة ٣٨٩ : إنّما تجب الفدية باستعمال الطيب عمداً ، فلو استعمله ناسياً أو جاهلاً بالتحريم ، لم يكن عليه فدية ، ذهب إليه علماؤنا ، وبه قال الشافعي ؛ لما رواه العامّة : أنّ أعرابيّاً جاء إلىٰ النبي صلىاللهعليهوآله بالجعرانة وعليه مقطّعة له وهو متضمّخ بالخلوق ، فقال : يا رسول الله أحرمت وعليَّ هذه ، فقال له النبي صلىاللهعليهوآله : ( انزع الجُبّة واغسل الصفرة )
ولم يأمره بالفدية .
__________________
ومن طريق الخاصّة :
قول الباقر عليهالسلام : « مَنْ أكل زعفراناً متعمّداً أو طعاماً فيه طيب فعليه دم ، وإن كان ناسياً فلا شيء عليه ، ويستغفر الله ، ويتوب إليه » .
مسألة
٣٩٠ : لو استعمل دهناً
طيّباً ، وجب عليه دم شاة ، ولا شيء علىٰ الناسي ؛ لأنّ معاوية بن عمّار روىٰ ـ في الصحيح ـ في مُحْرم كانت به قرحة ، فداواها بدهن بنفسج ، قال : « إن كان فَعَله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وإن كان تعمَّد فعليه دم شاة يهريقه » ومعاوية ثقة لا يقول ذلك إلّا تلقيناً .
البحث الثالث : فيما
يجب بالحلق وقصّ الظفر .
مسألة ٣٩١ : أجمع العلماء علىٰ وجوب الفدية بحلق المُحْرم رأسه متعمّداً .
قال الله تعالىٰ
: ( وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ
أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) .
وروىٰ العامّة
عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال لكعب بن عجرة : ( لعلّك آذاك هوامّك ) قال : نعم يا رسول الله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( احلق رأسك ، وصُمْ ثلاثة أيام ، أو أطعم ستّة مساكين ، أو انسك شاةً )
.
__________________
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « مرّ رسول الله صلىاللهعليهوآله علىٰ كعب بن عجرة الأنصاري والقمل يتناثر من رأسه ، فقال : أتؤذيك هوامّك ؟ فقال : نعم ، قال : فاُنزلت هذه الآية (
فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مَنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ )
فأمره رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فحلق رأسه ، وجعل عليه الصيام ثلاثة أيّام ، والصدقة علىٰ ستة مساكين لكلّ مسكين مُدّان ، والنسك شاة » .
مسألة ٣٩٢ : الفدية تتعلّق بحلق الرأس ، سواء كان لأذىٰ أو غيره ؛ لدلالة الآية علىٰ وجوبها في الأذىٰ ،
ففي غيره أولىٰ .
هذا إذا كان عالماً
عامداً ، وإن كان جاهلاً أو ناسياً ، فلا شيء عندنا ـ وبه قال إسحاق وابن المنذر ـ لقوله عليهالسلام : ( رُفع عن أمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الباقر عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « مَنْ نتف إبطه أو قلّم ظُفْره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لا ينبغي له لُبْسه أو أكل طعاماً لا ينبغي له أكله وهو مُحْرم ، ففَعَل ذلك ناسياً أو جاهلاً ، فليس عليه شيء ، وَمَنْ فَعَله متعمّداً فعليه دم شاة » .
وقال الشافعي : تجب
عليه الفدية ؛ لأنّه إتلاف ، فاستوىٰ عمده
__________________
وخطؤه
، كقتل الصيد .
والفرق : أنّ قتل
الصيد مشتمل ـ مع التحريم المشترك ـ علىٰ إضاعة المال وإتلاف الحيوان لغير فائدة .
إذا عرفت هذا ، فقد
قال الشيخ رحمهالله : الجاهل يجب عليه الفداء
.
والمعتمد : ما قلناه ؛
لحديث الباقر عليهالسلام .
وأمّا النائم فهو
كالساهي ، فلو قلع النائم شعره ، أو قرّبه من النار فأحرقه ، فلا شيء عليه ، خلافاً للشافعي .
مسألة ٣٩٣ : الكفّارة إمّا صيام ثلاثة أيّام ، أو صدقة علىٰ ستّة
مساكين لكلّ مسكين نصف صاع ، وإمّا نسك ، وهو : شاة يذبحها ، ويتصدّق بلحمها علىٰ المساكين .
وهي مخيّرة عند
علمائنا ـ وبه قال مالك والشافعي ـ للآية
.
وقال أبو حنيفة :
إنّها مخيّرة إن كان الحلق لأذىٰ ، وإن كان لغيره ، وجب الدم عيناً ـ وعن أحمد روايتان ـ لأنّ الله تعالىٰ خيّر بشرط العذر ، فإذا عدم الشرط ، وجب زوال التخيير .
__________________
والجواب : الشرط
لجواز الحلق لا للتخيير .
ولأنّ الحكم ثبت في
غير المعذور بطريق التنبيه تبعاً له ، والتبع لا يخالف أصله .
ولا تجب الزيادة في
الصيام علىٰ ثلاثة أيّام عند عامّة أهل العلم
؛ لما رواه العامّة في حديث كعب بن عُجْرة : ( احلق رأسك وصُمْ ثلاثة أيّام )
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « فالصيام ثلاثة أيّام »
.
وقال الحسن البصري
وعكرمة : الصيام عشرة أيّام . وهو قول الثوري وأصحاب الرأي .
وأمّا الصدقة : فهو
إطعام البُرّ أو الشعير أو الزبيب أو التمر علىٰ ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع في المشهور ـ وبه قال مجاهد والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي ـ لما رواه العامّة في حديث كعب بن عُجْرة ( أو أطعم ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع )
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « أو يتصدّق علىٰ ستّة مساكين ، والصدقة نصف صاع لكلّ مسكين » .
__________________
وفي رواية اُخرىٰ
لنا ـ وهو قول بعض علمائنا ، والحسن وعكرمة والثوري وأصحاب الرأي ـ أنّ الصدقة علىٰ عشرة مساكين ؛
لقول الصادق عليهالسلام : « والصدقة علىٰ عشرة مساكين
يشبعهم من الطعام » .
والرواية مرسلة
.
ولا فرق بين شعر
الرأس وبين شعر سائر البدن في وجوب الفدية وإن اختلف مقدارها علىٰ ما يأتي ، وبه قال الشافعي
.
وقالت الظاهرية : لا
فدية في شعر غير الرأس ؛ لقوله تعالىٰ : ( وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ ) .
وهو يدلّ بمفهوم
اللقب ولا حجّة فيه ، والقياس يدلّ عليه ، وهو من اُصول الأدلّة عندهم ، فإنّ إزالة شعر الرأس وشعر غيره اشتركا في الترفّه .
مسألة ٣٩٤ : لو نتف إبطيه جميعاً ، وجب عليه دم شاة ، وفي نتف الواحد إطعام ثلاثة مساكين ؛ لأنّ الدم في الرأس إنّما يجب بحلقه أو بما يسمّىٰ حلق الرأس ، وهو غالباً مساوٍ للإبطين .
ولقول الباقر عليهالسلام : « مَنْ حلق رأسه أو نتف إبطه ناسياً أو ساهياً أو جاهلاً فلا شيء عليه ، ومَنْ فَعَله متعمّداً فعليه دم »
.
__________________
وقال الصادق عليهالسلام : في مُحْرم نتف إبطه : « يطعم ثلاثة مساكين »
.
قال الشيخ رحمهالله : إنّه محمول علىٰ مَنْ نتف إبطاً واحداً ، والأوّل علىٰ
مَنْ نتف إبطيه جميعاً .
ولو مسّ رأسه أو
لحيته فسقط منهما شيء من الشعر ، أطعم كفّاً من طعام ، ولو فَعَل ذلك في وضوء الصلاة ، فلا شيء عليه ؛ لقول الصادق عليهالسلام : في المُحْرم إذا مسّ لحيته ، فوقع منها شعر : « يطعم كفّاً من طعام أو كفّين »
.
وسأل رجلٌ الصادقَ عليهالسلام : إنّ المُحْرم يريد إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة والشعرتان ، فقال : « ليس عليه شيء (
مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مَنْ حَرَجٍ ) » .
مسألة ٣٩٥ : لو حلق لأذىٰ ، اُبيح له ذلك ، ويتخيّر بين التكفير قبل
الحلق وبعده ؛ لما رواه العامّة عن الحسين بن علي عليهماالسلام : اشتكىٰ رأسه فأتىٰ علي عليهالسلام ، فقيل له : هذا الحسين يشير إلىٰ
رأسه ، فدعا بجزور فنحرها ثم حلقه وهو بالسعيا .
ولأنّها كفّارة ،
فجاز تقديمها ، كالظهار .
ولو خلّل شعره فسقطت
شعرة ، فإن كانت ميتةً ، فالوجه : عدم الفدية ، ولو كانت ثابتةً ، وجبت الفدية ، ولو شكّ ، فالأصل عدم الضمان .
__________________
ولو قلع جلدة عليها
شعر ، لم يكن عليه ضمان ؛ لأنّ زوال الشعر بالتبعية ، فلا يكون مضموناً ، كما لو قطع أشفار عيني غيره ، فإنّه لا يضمن أهدابهما .
مسألة ٣٩٦ : اختلف قول الشيخ ـ رحمهالله ـ في المُحْرم هل له أن يحلق رأس المُحِلّ ؟ فجوّزه في الخلاف ولا ضمان ـ وبه قال الشافعي وعطاء ومجاهد وإسحاق وأبو ثور ـ لأصالة براءة الذمّة
.
وقال في التهذيب : لا
يجوز ـ وبه قال مالك وأبو حنيفة ، وأوجبا عليه الضمان ، وهو عند أبي حنيفة صدقة ـ لقول الصادق عليهالسلام : « لا يأخذ الحرام من شعر الحلال » .
إذا عرفت هذا ،
فالشاة تصرف إلىٰ المساكين ، ولا يجوز له أن يأكل من اللحم شيئاً ؛ لأنّها كفّارة ، فيجب دفعها إلىٰ المساكين ، كغيرها من الكفّارات
.
ولما رواه ابن بابويه
عن النبي صلىاللهعليهوآله في حديث كعب ( والنسك شاة لا يطعم منها أحد إلّا المساكين ) .
مسألة ٣٩٧ : أجمع علماء الأمصار علىٰ أنّ المُحْرم ممنوع من قصّ أظفاره ، وتجب فيه الفدية عند عامّة أهل العلم
ـ وبه قال حمّاد ومالك
__________________
والشافعي
وأحمد وأبو ثور وأصحاب الرأي وعطاء في إحدىٰ الروايتين
ـ لأنّه أزال ما منع من إزالته لأجل التنظيف والترفّه ، فوجبت الفدية ، كحلق الشعر .
وفي الرواية الاُخرىٰ
عن عطاء : أنّه لا كفّارة ؛ لأنّ الشرع لم يرد فيه بفدية .
ونمنع عدم ورود الشرع
علىٰ ما يأتي ، والقياس يدلّ عليه .
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يجب في الظفر الواحد مُدٌّ من طعام عند علمائنا أجمع ـ وبه قال أحمد والشافعي في أحد أقواله ـ لأنّ أبا بصير سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : عن رجل قلّم ظفراً من أظافيره
وهو مُحْرم ، قال : « عليه في كلّ ظفر قيمة مُدٌّ من طعام حتىٰ يبلغ عشرة »
.
والثاني للشافعي :
عليه درهم .
والثالث : ثُلْث دم ؛
لأنّ الدم عنده يجب في ثلاثة أظفار .
إذا ثبت هذا ، ففي
الظفرين مُدّان ، وفي الثلاثة ثلاثة أمداد ، وهكذا يزيد في كلّ ظُفْر مُدٌّ إلى أن يستوعب القصّ أظفار يديه معاً ، فيجب عليه دم شاة عند علمائنا ؛ لأصالة البراءة من الدم ، فلا يثبت إلّا بدليل .
ولقول الصادق عليهالسلام : « فإن قلّم أصابع يديه كلّها فعليه دم شاة »
.
__________________
وفي حديث الحلبي عنه عليهالسلام « مُدّ في كلّ إصبع ، فإن هو قلّم أظافيره عشرتها فإنّ عليه دم شاة » .
وقال أبو حنيفة : إن
: قلّم خمس أصابع من يد واحدة ، لزمه الدم ، ولو قلّم من كلّ يد أربعة أظفار ، لم يجب عليه دم ، بل الصدقة . وكذا لو قلّم يداً واحدة إلّا بعض الظفر لم يجب الدم .
وبالجملة : فالدم
عنده إنّما يجب بتقليم أظفار يد واحدة كاملة ـ وهو رواية لنا ـ لأنّه لم يستكمل منفعة اليد من التزيين والإرفاق الكامل ،
بل تحصل بالشين في أعين الناس ، بخلاف اليد الواحدة
.
وهو حجّة لنا ؛ فإنّ
الإرفاق والتزيين إنّما يحصلان بتقليم اليدين معاً أو الرِّجْلين معاً ، لا بإحدىٰ اليدين أو إحدىٰ الرِّجلين .
وقال الشافعي : إن
قلّم ثلاثة أظافير في مجلس واحد ، وجب الدم ، ولو كانت في ثلاثة أوقات متفرّقة ، ففي كلّ ظفر الأقوال الثلاثة . ولا يقول : إنّه يجب الدم عند التكامل ، وفي أصحابه مَنْ قال : عليه دم . وليس هو المذهب عندهم ؛ لأنّ الثلاثة جمع يقع عليها اسمه ، فأشبه ما لو قلّم خمساً من كلّ واحدة أو العشرة .
__________________
ونمنع تعلّق الدم بما
يقع عليه اسم الجمع ، ولا عبرة به مع النصّ .
وقال محمّد : إذا قصّ
خمسة أظفار من يدين أو رجلين أو منهما أو من واحدة منهما ، وجب الدم ؛ لأنّه ربع وزيادة ، فأشبه قصّ يد واحدة أو رِجْل واحدة .
ونمنع ثبوت الحكم في
الأصل .
فروع
:
أ ـ
الكفّارة تجب علىٰ كلّ مَنْ قلّم متعمّداً ، ولا شيء علىٰ الناسي
ولا الجاهل عند علمائنا ـ وبه قال إسحاق وابن المنذر وأحمد
ـ لما تقدّم .
ولقول الصادق عليهالسلام : « وليس عليك فداء شيء أتيته وأنت مُحْرمٌ جاهلاً به إذا كنت مُحْرماً في حجّك ولا عمرتك إلّا الصيد عليك الفداء بجهل كان أو عمد » الحديث .
ب ـ
لو قصّ بعض الظفر ، وجب عليه ما يجب في جميعه .
ج ـ
لو قصّ أظفار يديه ورجليه معاً ، فإن اتّحد المجلس ، وجب دم واحد ، وإن كان في مجلسين ، وجب دمان .
روىٰ أبو بصير
ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام ، قلت له : فإن قلّم أظافير رجليه ويديه جميعاً ، قال : « إن كان فَعَل ذلك في مجلس واحد ، فعليه دم ، وإن كان فَعَله متفرّقاً في مجلسين ، فعليه دمان »
.
__________________
د ـ
مَنْ أفتىٰ غيره بتقليم ظفره ، فقلّمه فأدماه ، وجب علىٰ المفتي دم شاة ، لأنّه الأصل في إراقة الدم .
ولأنّ إسحاق الصيرفي
سأل الكاظمَ عليهالسلام : أنّ رجلاً أحرم فقلّم أظفاره ، وكانت إصبع له عليلة فترك ظفرها لم يقصّه ، فأفتاه رجل بعد ما أحرم ، فقصّه فأدماه ، قال : « علىٰ الذي أفتاه شاة »
.
البحث الرابع : في جزاء
قتل هوامّ الجسد وقطع الشجر .
مسألة ٣٩٨ : يجب برمي القملة عن جسد المُحْرم أو قتلها كفٌّ من طعام ـ وبه قال عطاء ـ لأنّه حصل به الترفّه والتنظّف ،
فوجب عليه الفداء ، كحلق الرأس .
ولقول الصادق عليهالسلام : « المُحْرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمّداً ، وإن فعل شيئاً من ذلك خطأً فليطعم مكانها طعاماً
قبضةً بيده » .
وقال أصحاب الرأي :
يتصدّق بمهما كان .
وقال إسحاق : يتصدّق
بتمرة .
__________________
وقال مالك : حفنة من طعام
.
وقال طاوُس وسعيد بن
جبير وأبو ثور وابن المنذر وأحمد في إحدىٰ الروايتين : لا شيء عليه ؛ لأنّ ابن عباس سُئل : عن مُحْرم ألقىٰ
قملة ثم طلبها فلم يجدها ، فقال : تلك ضالّة لا تبتغىٰ
.
ولا دلالة فيه علىٰ
عدم الفدية .
إذا عرفت هذا ، فإنّ
الكفّارة تجب في العمد والسهو والخطأ ، كالصيد . وللرواية .
مسألة ٣٩٩ : يحرم قطع شجرة الحرم في قول العلماء كافّة ، وتجب في الكبيرة بقرة ، وفي الصغيرة شاة ، وفي أبعاضها قيمة ، قاله الشيخ
رحمهالله .
وأوجب الشافعي وأحمد
وأصحاب الرأي الضمان ، وهو مروي عن ابن عباس وعطاء .
لقوله عليهالسلام : ( ولا يعضد شجرها ) .
ولقول ابن عباس : في
الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة .
ومن طريق الخاصّة :
قول أحدهما عليهماالسلام : « إذا كان في دار الرجل
__________________
شجرة
من شجر الحرم ولم تنزع ، فإن أراد نَزْعها ، نَزَعها ، وكفّر بذبح بقرة يتصدّق بلحمها علىٰ المساكين » .
والرواية مرسلة .
وقال مالك : لا ضمان
فيه ؛ لأنّ قطع شجر الحلّ لا يوجب الجزاء علىٰ المُحْرم ، فكذا قطع شجر الحرم ؛ لأنّ ما حرم بالإحرام لا يتفاوت ، كالصيد
.
والجواب : أنّ هتك
حرمة الحرم يحصل في الفرع دون الأصل ، فافترقا .
إذا عرفت هذا ،
فالضمان ما قلناه عندنا وعند مَنْ أوجبه من العامّة ، إلّا أصحاب الرأي ؛ فإنّهم أوجبوا القيمة في الجميع ؛ لأنّه لا مقدّر فيه ، فأشبه الحشيش .
ونمنع الصغرىٰ
.
البحث الخامس : فيما
يجب بالفسوق والجدال .
مسألة ٤٠٠ : المُحْرم إذا جادل صادقاً مرّة أو مرّتين ، لم يكن عليه شيء من الكفّارة ؛ للأصل ، ويتوب ، فإن جادل ثلاثاً صادقاً ، وجب عليه دم شاة ؛ لارتكابه المحظور والمنهي عنه في قوله تعالىٰ : ( وَلَا جِدَالَ ) وهو يتناول الصادق والكاذب ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « إذا جادل فوق مرّتين
__________________
فعلىٰ
المصيب دم يهريقه وعلىٰ المخطئ بقرة » .
ولو جادل مرّةً كاذباً
، وجب عليه دم شاة ، فإن جادل مرّتين ، كان عليه بقرة ، فإن جادل ثلاثاً كاذباً ، كان عليه جزور ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « إذا جادل الرجل وهو مُحْرم وكذب متعمّداً فعليه جزور »
.
هذا كلّه إذا فَعَله
متعمّداً ، فإن فَعَله ساهياً ، لم يكن عليه شيء .
مسألة ٤٠١ : الجدال : قول الرجل : لا والله وبلىٰ والله ؛ لأنّ
معاوية بن عمّار روىٰ ـ في الصحيح ـ أنّه سأل الصادقَ عليهالسلام : عن الرجل يقول : لا لعمري ، وهو مُحْرم ، قال : « ليس بالجدال ، إنّما الجدال قول الرجل : لا والله وبلىٰ والله ، وأمّا قوله : لاها ، فإنّما طلب الاسم ، وقوله : يا هناه
، فلا بأس به ، وأمّا قوله : لا بل شانئك ، فإنّه من قول الجاهلية »
.
إذا عرفت هذا ، فهل
الجدال مجموع اللفظتين ، أعني « لا والله » و« بلىٰ والله » أو إحداهما ؟ الأقرب : الثاني .
وأمّا الفسوق : فهو
الكذب ، ولا شيء فيه ؛ للأصل .
ولأنّ محمّد بن مسلم
والحلبي قالا للصادق عليهالسلام : أرأيت من ابتلىٰ بالفسوق ما عليه ؟ قال : « لم يجعل الله له حدّاً ، يستغفر الله ويلبّي »
.
البحث السادس : فيما
يجب بالاستمتاع .
مسألة ٤٠٢ : مَنْ وطئ امرأته وهو مُحْرم عالماً بالتحريم عامداً قبل
__________________
الوقوف
بالموقفين فسد حجّه بإجماع العلماء كافّة ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّ رجلاً سأله ، فقال : إنّي واقعت بامرأتي ونحن مُحْرمان ، فقال : أفسدت حجّك ، انطلق أنت وأهلك مع الناس فاقضوا ما يقضون ، وحلِّ إذا أحلّوا ، فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك ، واهديا هدياً ، فإن لم تجدا ، فصُوما ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم
.
[ وفي حديث ابن عباس
] : ويتفرّقان من حيث يُحْرمان حتىٰ يقضيا حجّهما .
قال ابن المنذر : قول
ابن عباس أعلىٰ شيء روي فيمن وطئ في حجّه .
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه زرارة ، قال : سألته عن مُحْرم غشي امرأته وهي مُحْرمة ، فقال : « جاهلين أو عالمين ؟ » قلت : أجبني عن الوجهين جميعاً ، فقال : « إن كانا جاهلين ، استغفرا ربّهما ، ومضيا علىٰ حجّهما ، وليس عليهما شيء ، وإن كانا عالمين ، فُرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه ، وعليهما بدنة ، وعليهما الحجّ من قابل ، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه ، فُرّق بينهما حتىٰ يقضيا مناسكهما ويرجعا إلىٰ
المكان الذي أصابا فيه ما أصابا » قلت : فأيّ الحجّتين لهما ؟ قال : « الاُولىٰ
التي أحدثا فيها ما أحدثا ، والاُخرىٰ عليهما عقوبة »
.
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يجب عليه إتمام الحجّ الفاسد ، والحجّ من قابل ،
__________________
ويكفّر
ببدنة ، وإذا انتهيا إلىٰ المكان الذي أحدثا فيه ما أحدثا ، فُرّق بينهما بأن لا يخلوا بأنفسهما إلّا ومعهما ثالث محترم حتىٰ يقضيا مناسك القضاء إن حجّا علىٰ ذلك الطريق ـ وممّن قال بوجوب الفدية : ابن عباس وطاوُس وعطاء ومجاهد ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور
لأنّه وطىء في إحرامٍ تامّ عامداً ، فوجب به عليه بدنة ، كما لو وطئ بعد الوقوف بالموقفين .
ولرواية معاوية بن
عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : سألته عن رجل مُحْرم وقع علىٰ أهله ، فقال : « إن كان جاهلاً فليس عليه شيء ، وإن لم يكن جاهلاً فإنّ عليه أن يسوق بدنة ، ويُفرّق بينهما حتىٰ يقضيا المناسك ويرجعا إلىٰ المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، وعليهما الحجّ من قابل » .
وقال أبو حنيفة : تجب
عليه شاة ـ وقال الثوري وإسحاق : تجب عليه بدنة ، فإن لم يجد ، فشاة ـ لأنّه معنىٰ يتعلّق به وجوب
القضاء ، فلا يتعلّق به وجوب البدنة ، كالفوات .
وهو باطل ؛ للفرق ،
فإنّ الفوات لا تجب فيه الشاة بالإجماع ، بخلاف الإفساد ، وإذا ثبت الفرق ، بطل الإلحاق .
مسألة ٤٠٣ : يجب عليه إتمام الحجّ الفاسد عند علمائنا ـ وهو قول
__________________
عامّة
العلماء ـ لقوله تعالىٰ : (
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ )
وهو يتناول الفاسد .
ولما رواه العامّة عن
علي عليهالسلام ، وعمر وابن عباس وأبي هريرة أنّهم قالوا : مَنْ أفسد حجّه يمضي في فاسده ، ويقضي من قابل
. ولم يعرف لهم مخالف ، فكان إجماعاً .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « ويفرّق بينهما حتىٰ يقضيا المناسك » .
وقالت الظاهرية :
يخرج من إحرامه ، ولا يجب عليه الإتمام ؛ لقوله عليهالسلام : ( مَنْ عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو مردود ) .
والجواب : المضيّ في
الفاسد مأمور به .
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يجب عليه القضاء في السنة المُقْبلة علىٰ الفور وجوباً عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي ـ لما رواه العامّة : أنّ رجلاً أفسد حجّه ، فسأل عمر ، فقال : يقضي من قابل ، وسأل ابن عباس ، فقال كذلك ،
__________________
وسأل
ابن عمر ، فقال كذلك ، ولم يوجد لهم مخالف ، فكان إجماعاً .
ومن طريق الخاصّة :
ما تقدّم في المسألة السابقة .
ولأنّه لمّا دخل في
الإحرام تعيّن عليه ، فيجب أن يكون قضاؤه متعيّناً .
ولأنّ الحجّ واجب علىٰ
الفور ، والتقدير أنّه لم يقع ؛ إذ الفاسد لا يُخرج المكلّف عن عهدة التكليف .
واختلف أصحاب الشافعي
علىٰ قولين :
أحدهما كما قلناه .
والثاني أنّه علىٰ
التراخي ؛ لأنّ الأداء واجب علىٰ التراخي ، فالقضاء أولىٰ ، فإنّ الصوم يجب علىٰ الفور ، وقضاؤه علىٰ التراخي
.
ونمنع التراخي في
الأداء ، وقد سبق .
مسألة ٤٠٤ : المرأة الموطوءة إذا كانت مُحْرمةً ، فإن طاوعت الزوج ، فسد حجّها ، ووجب إتمامه وبدنة والحجّ من قابل ، وإن أكرهها ، لم يكن عليها شيء ، وتحمّل عنها البدنة خاصّةً ـ وبه قال ابن عباس وسعيد بن المسيّب والنخعي والضحّاك ومالك والحكم وأحمد ـ لوجود المقتضي ـ وهو الإفساد ـ في حقّها ، كوجوده في حقّه ، فتساويه في العقوبة .
ولما رواه علي بن أبي
حمزة ، قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام : عن
__________________
رجل
مُحْرم واقع أهله ، فقال : « قد أتىٰ عظيماً » قلت : أفتني ، قال : « استكرهها أو لم يستكرهها ؟ » قلت : أفتني فيهما جميعاً ، فقال : « إن كان استكرهها ، فعليه بدنتان ، وإن لم يكن استكرهها ، فعليه بدنة ، وعليها بدنة ، ويفترقا من المكان الذي كان فيه ما كان حتىٰ ينتهيا إلىٰ مكّة ،
وعليهما الحجّ من قابل لا بُدّ منه » .
وقال الشافعي :
يجزئهما هدي واحد ـ وبه قال عطاء وأحمد في إحدىٰ الروايتين ـ لأنّه جماع واحد ، فلم يوجب أكثر من بدنة ، كرمضان
.
ونمنع الحكم في الأصل
؛ لقول ابن عباس : أهد ناقةً ، ولْتُهْدِ ناقةً
.
ولأنّها أحد
المجامعين من غير إكراه ، فلزمها بدنة ، كالرجل .
فروع
:
أ ـ
لو كانت المرأة مُحلّةً ، لم يتعلّق بها شيء ، ولا يجب عليها كفّارة ولا حجّ ، ولا علىٰ الرجل بسببها ؛ لأنّه لم تحصل منها جناية في إحرام ، فلا عقوبة عليها .
ب ـ
لو أكرهها ـ وهي مُحْرمة ـ علىٰ الجماع ، وجب عليه بدنتان : إحداهما عن نفسه ، والاُخرىٰ عنها ؛ لأنّ البدنتين عقوبة هذا الذنب ، وقد صدر بالحقيقة عنه ، فكانت العقوبة عليه ، وبه قال عطاء ومالك وأحمد في إحدىٰ الروايتين .
__________________
وقال في الاُخرىٰ
: لا شيء عليه عنها . وبه قال إسحاق وأبو ثور وابن المنذر .
وعنه ثالثة : أنّ
البدنة عليها .
وهو خطأ ؛ لما مرّ .
ولا يجب عليها حجّ
ثانٍ ولا عليه عنها ، بل يحجّ عن نفسه في القابل ، لبقاء حجّتها علىٰ الصحّة .
ج ـ
إذا كانت مطاوعةً ، وجب عليها قضاء الحجّ ؛ لما قلناه .
ونفقة الحجّ عليها لا
علىٰ الزوج .
وللشافعية وجهان :
هذا أحدهما ، والثاني : أنّ عليه غرامة الحجّ لها .
وهو غلط ؛ فإنّ نفقة
الأداء لم تكن عليه ، فكذا القضاء .
احتجّوا : بأنها
غرامة تعلّقت بالوطء ، فكانت علىٰ الزوج كالمهر
.
والجواب : أنّ المهر
عوض بُضْعها ، أمّا الكفّارة فإنّها عقوبة .
وعلىٰ هذا فثمن
ماء غسلها عليها خاصّة ، خلافاً لهم .
مسألة ٤٠٥ : يجب عليهما أن يفترقا في القضاء إذا بلغا المكان الذي وطئها فيه إلىٰ أن يقضيا المناسك إن حجّا علىٰ ذلك الطريق ـ وبه قال الشافعي في القديم ، وأحمد ـ لما رواه العامّة عن علي عليهالسلام ، وعمر
__________________
وعثمان
وابن عباس ، ولا مخالف لهم ، فكان إجماعاً .
ومن طريق الخاصّة :
ما تقدّم في حديث زرارة : « وإن كانا عالمين فُرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه حتىٰ يقضيا مناسكهما ويرجعا إلىٰ
المكان الذي أصابا فيه ما أصابا » .
واختلف أصحاب الشافعي
علىٰ وجهين : أحدهما كما قلنا ، والثاني : أنّه مستحب .
وقال مالك : يفترقان
من حيث يُحْرمان ـ ونقله في الموطّأ عن علي عليهالسلام ـ لأنّ التفريق إنّما يكون لخوف مواقعة
الوطء ، وذلك يوجد بإحرامهما .
والجواب : أنّ
التفريق في جميع المسافة مشقّة عظيمة ، فاقتصر علىٰ موضع مواقعة المحظور ؛ لأنّه الذي به يحصل الداعي إلىٰ الوطء .
وقال أبو حنيفة : لا
أعرف هذه التفرقة ؛ لأنّه لو وطئها في رمضان ، لم يجب التفريق بينهما في قضائه ، فكذا هنا .
والجواب : التفريق في
الصوم مشقّة ؛ لأنّ السكنىٰ يجمعهما .
__________________
ولأنّ القضاء في
رمضان لا يتعيّن ، وهنا متعيّن .
ولأنّ مشقّة إفساد
قضاء رمضان أقلّ كثيراً من المشقّة هنا ، فكان الاحتراز هنا عمّا يفسده أشدّ من الاحتراز هناك .
إذا عرفت هذا ، فإنّ
التفريق ينبغي أن يكون في القضاء من المكان الذي أحدثا فيه ما أحدثا حتىٰ يقضيا المناسك .
والروايات تعطي
التفريق أيضاً في الحجّة الاُولىٰ من ذلك المكان حتىٰ يأتيها بها فاسدة أيضاً .
وهو جيّد ؛ لأنّ
التحريم في الفاسد ثابت كالصحيح ، فوجبت التفرقة .
وحدّ الافتراق أن لا
يخلوا بأنفسهما ، بل متىٰ اجتمعا كان معهما ثالث مُحترم ؛ لأنّ وجود الثالث يمنع من الإقدام علىٰ المواقعة ، كمنع التفريق .
ولقول الصادق عليهالسلام : في المُحْرم يقع علىٰ أهله ، قال : « يفرّق بينهما ، ولا يجتمعان في خباء إلّا أن يكون معهما غيرهما حتىٰ يبلغ الهدي محلّه » .
مسألة ٤٠٦ : لو وطئ ناسياً أو جاهلاً بالتحريم ، لم يفسد حجّه ، ولا شيء عليه ـ وبه قال الشافعي في الجديد ـ لقوله عليهالسلام : ( رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « إن كانا جاهلين استغفرا ربّهما ، ومضيا علىٰ حجّهما ، وليس عليهما شيء »
.
__________________
ولأنّها عبادة تجب
بإفسادها الكفّارة ، فافترق وطء العامد والناسي فيها ، كالصوم .
وقال الشافعي في
القديم : يفسد حجّه ، وتجب الفدية كالعامد ـ وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي ـ لأنّه سبب يتعلّق به وجوب القضاء ، فاستوىٰ عمده وسهوه كالفوات .
ولأنّه من محظورات
الإحرام ، فاستوىٰ عمده وسهوه ، كقتل الصيد .
والفرق : أنّ الفوات
ترك ركن ، فاستوىٰ عمده وسهوه ، كغيره من الاُصول .
وجزاء الصيد ضمان
الإتلاف ، وذلك يستوي في الاُصول عمده وسهوه .
تذنيب :
لو اُكره علىٰ الجماع ، لم يفسد حجّه ، ولا كفّارة عليه عندنا ـ وللشافعي قولان كالناسي ـ لقوله عليهالسلام : ( وما استكرهوا عليه )
.
ولأنّ الإكراه يرفع
الفساد في حقّ المرأة ، فكذا في حقّ الرجل ؛ لعدم الفرق بينهما .
مسألة ٤٠٧ : لا فرق بين الوطء في القُبُل والدُّبُر من المرأة والغلام في وجوب الكفّارة وإفساد الحجّ ـ وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأبو يوسف
__________________
ومحمّد
ـ لأنّه وطء في فرج يوجب الغسل ، فيوجب الإفساد ، كالقُبُل .
وللروايات الدّالة علىٰ
إيجاب ما ذكرنا علىٰ مَنْ واقع أو غشي امرأته ، وهو صادق في المتنازع .
وقال أبو حنيفة : لا
يفسد بالوطء في الدُّبُر ـ رواه عنه أبو ثور ـ لأنّه وطء لا يتعلّق به الإحصان والإحلال ، فأشبه الوطء فيما دون الفرج
.
والفرق : أنّ وطء ما
دون الفرج لا يوجب الغسل ، وليس كبيرةً في حقّ الأجنبية ، ولا يوجب مهراً ولا حدّاً ولا عدّة ، بخلاف المتنازع .
قال الشيخ رحمهالله : من أصحابنا مَنْ قال : إتيان البهيمة واللواط بالرجال والنساء بإتيانها في دُبُرها كلّ ذلك يتعلّق به فساد الحجّ . وبه قال الشافعي .
ومنهم مَنْ قال : لا
يتعلّق الفساد إلّا بالوطء في قُبُل المرأة .
وقال أبو حنيفة :
إتيان البهيمة لا يفسده ، والوطء في الدُّبُر علىٰ روايتين : المعروف : أنّه يفسده .
واستدلّ علىٰ
الأوّل : بطريقة الاحتياط ، وعلىٰ الثاني : ببراءة الذمّة
.
وهو يدلّ علىٰ
تردّد الشيخ في تعلّق الإفساد بوطء دُبُر المرأة والغلام .
وجزم في المبسوط
بتعلّق الفساد بوطء دُبُر المرأة .
__________________
وأمّا إتيان البهائم
: فقال مالك وأبو حنيفة : لا يفسد به الحجّ ؛ لأنّه انعقد صحيحاً ، فلا يفسده إلّا دليل شرعي ، ولم يثبت
.
وقال الشافعي : يفسد
الحجّ .
مسألة ٤٠٨ : لو استمنىٰ بيده ، قال الشيخ رحمهالله : حكمه حكم المجامع ، إن كان قبل الوقوف بالموقفين ، فسد حجّه ، ووجب عليه بدنة
؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل أبا الحسن عليهالسلام : ما تقول في مُحْرم عبث بذكره فأمنىٰ ، قال : « أرىٰ عليه مثل ما علىٰ مَنْ أتىٰ أهله
وهو مُحْرم : بدنة والحجّ من قابل » .
ولأنّه هتك حرمة
الإحرام بالإنزال علىٰ وجه أبلغ من الوطء ؛ لاقترانه في القبح ، فكان مساوياً له في العقوبة .
وقال ابن إدريس : لا
يفسد الحجّ ، وتجب البدنة ؛ للأصل الدالّ علىٰ براءة الذمّة ، خرج وجوب الكفّارة ؛ للإجماع ، فيبقىٰ الباقي علىٰ
أصله .
مسألة ٤٠٩ : لو وطئ فيما دون الفرج وأنزل ، وجب عليه بدنة ، ولا يفسد حجّه وإن كان قبل الموقفين ـ وبه قال أحمد في إحدىٰ الروايتين ـ لأنّه جماع ، فوجبت الفدية ، كالفرج .
__________________
ولأنّ معاوية بن
عمّار سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن رجل وقع علىٰ أهله فيما دون الفرج ، قال : « عليه بدنة ، وليس عليه الحجّ من قابل » .
وفي الصحيح عن معاوية
بن عمّار عن الصادق عليهالسلام : في المُحْرم يقع علىٰ أهله ، قال : « إن كان أفضىٰ إليها ، فعليه بدنة ، والحجّ من
قابل ، وإن لم يكن أفضىٰ إليها ، فعليه بدنة ، وليس عليه الحجّ من قابل »
.
ولأنّه استمتاع لا
يجب بنوعه الحجّ ، فلم يُفسد الحج ، كالتقبيل .
وقال أحمد في الرواية
الاُخرىٰ : تجب عليه بدنة ، ويفسد حجّه ـ وبه قال الحسن وعطاء ومالك وإسحاق ـ لأنّها عبادة يفسدها الوطء ، فأفسدها الإنزال عن مباشرة ، كالصيام .
والفرق : أنّ الصوم
يخالف الحجّ في المفسدات .
وقال الشافعي وأصحاب
الرأي : عليه شاة ؛ لأنّه مباشرة فيما دون الفرج ، فأشبه القُبْلة .
والفرق : أنّه أفحش
ذنباً من القُبْلة ، فالعقوبة فيه أشدّ .
ولو لم ينزل ، قال
العامّة : تجب الشاة .
__________________
مسألة ٤١٠ : لو وطئ قبل التلبية أو الإشعار أو التقليد ، لم يكن عليه شيء وإن تلبّس بالإحرام ؛ لأنّ انعقاد الإحرام بأحد الثلاثة ، فإذا وطئ قبلها ، لم يصادف إحراماً منعقداً ؛ لأنّ حريزاً روىٰ ـ في الحسن ـ عن الصادق عليهالسلام : « في الرجل إذا تهيّأ للإحرام فله أن يأتي النساء ما لم يعقد التلبية أو يلبّي » .
مسألة ٤١١ : لو جامع بعد الوقوف بالموقفين ، لم يفسد حجّه ، وعليه بدنة لا غير ، عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة
ـ لما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله ، أنّه قال : ( مَنْ أدرك عرفة فقد تمّ
حجّه ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « إذا واقع الرجل دون المزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة ، فعليه الحجّ من قابل »
دلّ بمفهومه علىٰ عدم وجوب الحجّ لو جامع بعد الوقوف بالمزدلفة .
وقال الشافعي : لا
فرق بين الجماع قبل الوقوف وبعده في الإفساد إذا كان قبل التحلّل الأوّل ، ولو كان بعد التحلّل الأوّل بالرمي والحلق ، لم يفسد إحرامه الماضي ، ويأتي بالطواف ، وعليه الكفّارة ؛ لأنّه وطء عمد صادف إحراماً تامّاً ، فأفسده ، كما لو كان قبل الوقوف
.
__________________
والفرق : أنّ الوطء
قبل الوقوف يكون أكثر أفعال الحجّ لم يقع بَعْدُ ، بخلاف ما بعده .
وقال مالك وأحمد :
يفسد حجّه إن كان قبل التحلّل الأوّل ، وإن كان بعد التحلّل الأوّل بالرمي والحلق ، لم يفسد إحرامه الماضي ، ويفسد ما بقي من إحرامه ، ويجب عليه أن يُحرم بعمرة ويأتي بالطواف في إحرام صحيح ، وتلزمه شاة .
مسألة ٤١٢ : لو كان الوطء بعد الوقوف بعرفة قبل الوقوف بمزدلفة ، فسد حجّه أيضاً ، قاله أكثر العلماء ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال : مَنْ وطئ بعد التحلّل فقد تمّ حجّه ، وعليه بدنه
.
والظاهر أنّه قاله
نقلاً عن الرسول عليهالسلام ، وهو يدلّ بمفهومه علىٰ عدم التمام لو وطئ قبل التحلّل .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة ، أو قبل أن يأتي مزدلفة ، فعليه الحجّ من قابل »
.
وقال أبو حنيفة : لا
يفسد ، ويجب عليه بدنة ؛ لما روي عن النبي صلىاللهعليهوآله ، أنّه قال : ( الحجّ عرفة مَنْ وقف بعرفة فقد تمّ حجّه )
.
__________________
وهو لا يدلّ علىٰ
المطلوب إلّا بالمفهوم ، وهو لا يقول به .
مسألة ٤١٣ : لو كرّر الوطء وهو مُحْرم ، وجب
عليه بكلّ وطء كفّارة ، وهي بدنة ، سواء كفّر عن الأوّل أو لا ـ وهو إحدىٰ الروايتين عن أحمد ـ لأنّه وطء صادف إحراماً لم يتحلّل منه ، فوجب به البدنة ،
كما لو كان الإحرام صحيحاً .
ولأنّ الإحرام الفاسد
كالصحيح في سائر الكفّارات .
وقال الشافعي : إن
وطئ بعد أن كفّر عن الأوّل ، وجب عليه الكفّارة .
وهل الكفّارة الثانية
شاة أو بدنة ؟ قولان .
وإن وطئ قبل أن يكفّر
، فأقوال ثلاثة : أحدها : لا شيء عليه . والثاني : شاة . والثالث : بدنة .
وقال أبو حنيفة : تجب
عليه شاة ، سواء كفّر عن الأوّل أو لا ، إلّا أن يتكرّر الوطء في مجلس واحد علىٰ وجه الرفض للإحرام ، بأن ينوي به رفض الإحرام ؛ لأنّه وطء صادف إحراماً نقضت حرمته ، فلم تجب به الفدية ، كما لو وطئ بعد التحلّل .
والفرق : أنّ الوطء
بعد التحلّل لم يصادف الإحرام ، أو قد تحلّل من
__________________
معظم
محظوراته ، بخلاف الوطء في الإحرام الكامل .
وقال مالك : لا يجب
عليه بالوطء الثاني شيء ؛ لأنّه وطء لا يتعلّق به إفساد الحج ، فلا تجب به الكفّارة ، كما لو كان في مجلس واحد
.
والجواب : أنّ عدم
تعلّق الإفساد به لا يمنع وجوب الكفّارة ، كقتل الصيد ولُبْس الثوب وغيرهما من أنواع المحظورات .
وقال أحمد في الرواية
الثانية : إن كفّر عن الأوّل ، وجب عليه عن الثاني بدنة ؛ لأنّه وطئ في إحرام لم يتحلّل منه ، ولا أمكن تداخل كفّارته في غيره ، فأشبه الوطء الأوّل .
والشيخ ـ رحمهالله ـ تردّد في الخلاف في تكرّر الكفّارة مع عدم التكفير في الأوّل ، وجزم في المبسوط بالتكرّر مطلقاً
.
مسألة ٤١٤ : لو جامع بعد الموقفين قبل طواف الزيارة ، وجب عليه جزور إن كان موسراً ، فإن عجز ، وجب عليه بقرة ، فإن عجز ، فشاة ؛ لما تقدّم من أنّ مَنْ جامع بعد التحلّل الأوّل وجب عليه بدنة ، وقد سبق
الخلاف فيه .
ولما رواه معاوية بن
عمّار ـ في الحسن ـ عن الصادق عليهالسلام ، أنّه سأله : عن متمتّع وقع علىٰ أهله ولم يَزُرْ ، قال : « ينحر جزوراً »
.
__________________
وسأله عيص بن القاسم
: عن رجل واقع أهله حين ضحّىٰ قبل أن يزور البيت ، قال : « يُهريق دماً » .
ولو جامع بعد أن طاف
من طواف الزيارة شيئاً ، وجب عليه الكفّارة : بدنة . وكذا لو أتمّ طوافه ثم جامع بعد أن سعىٰ شيئاً من سعيه ، وجبت البدنة . وكذا لو كان بعد تمام السعي قبل طواف النساء ، وجب عليه البدنة ، وحجّه صحيح ؛ لأنّه وطئ في إحرام ، فكان عليه بدنة ، كما لو جامع بعد الموقفين قبل طواف الزيارة .
ولما رواه معاوية بن
عمّار ـ في الصحيح ـ أنّه سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل وقع [ علىٰ ] امرأته قبل أن يطوف طواف النساء ، قال
: « عليه جزور سمينة ، وإن كان جاهلاً ، فليس عليه شيء » .
إذا عرفت هذا ، فلو
جامع قبل طواف الزيارة أو بعده قبل طواف النساء جاهلاً بالتحريم أو ناسياً ، لم تجب عليه كفّارة ؛ لأنّهما عذران يُسقطان الكفّارة في الوطء قبل الموقفين ، فهنا أولىٰ .
مسألة ٤١٥ : لو جامع بعد أن طاف شيئاً من طواف النساء ، قال الشيخ رحمهالله : إن كان قد طاف أكثر من النصف ، بنىٰ عليه بعد الغسل ، ولا شيء عليه ، وإن كان أقلّ من النصف ، وجب عليه الكفّارة وإعادة الطواف
؛ لموافقته الأصل ، وهو : براءة الذمّة .
ولأنّ معظم الشيء
يعطى حكم ذلك الشيء غالباً .
__________________
ولأنّ حمران بن أعين
سأل الباقرَ عليهالسلام : عن رجل كان عليه طواف النساء وحده ، فطاف منه خمسة أشواط ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره فخرج إلىٰ منزله فنقض ثم غشي جاريته ، قال : « يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان بقي عليه من طوافه ، ويستغفر ربّه ولا يعود ، وإن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجّه ، وعليه بدنة ، ويغتسل ثم يعود فيطوف اُسبوعاً »
.
مسألة ٤١٦ : ولا فرق في الوطء بين أن يطأ في إحرام حجّ واجب أو مندوب ؛ لأنّه بعد التلبّس بالإحرام يصير المندوب واجباً ، ويجب عليه إتمامه ، كما يجب عليه إتمام الحجّ الواجب .
ولأنّ الحجّ الفاسد
يجب عليه إتمامه ، فالمندوب أولىٰ .
إذا عرفت هذا ، فكلّ
موضع قلنا : إنّه يفسد الحجّ الواجب فيه ، كالوطء قبل الموقفين ، فإنّه يفسد الحجّ المندوب فيه أيضاً ، فلو وطئ قبل الوقوف بالموقفين في الحجّ المندوب ، فسد حجّه ، ووجب عليه إتمامه وبدنة والحجّ من قابل ، ولو كان بعد الموقفين ، وجب عليه بدنة لا غير .
وكذا لا فرق بين أن يطأ
امرأته الحُرّة أو جاريته المُحْرمة أو المُحِلّة إذا كان مُحْرماً ؛ فإنّ الحكم في الجميع واحد .
فإن كانت أمته مُحْرمةً
بغير إذنه ، أو مُحِلّةً ، فإنّه لا تتعلّق بها كفّارة ولا به عنها .
ولو كانت مُحْرمةً
بإذنه ، فطاوعته ، فالأقرب : وجوب الكفّارة ، كما في العبد المأذون إذا أفسد .
__________________
ولو أكرهها ، فإن
قلنا في المطاوعة بوجوب الكفّارة عنها ، تحمّلها السيّد ، وإلّا فلا .
مسألة ٤١٧ : لو وطئ أمته وهو مُحِلٌّ وهي مُحْرمة ، فإن كان إحرامها بغير إذنه ، فلا عبرة به ، ولا كفّارة عليه ، وإن كان بإذنه ، وجب عليه بدنة أو بقرة أو شاة ، فإن لم يجد ، فشاة أو صيام ثلاثة أيّام ؛ لأنّه هتك إحراماً صحيحاً .
ولرواية إسحاق بن
عمّار عن الكاظم عليهالسلام ، قال : سألته عن رجل مُحِلّ وقع علىٰ أمة مُحْرمة ، قال : « موسراً أو معسراً ؟ » قلت : أجبني عنهما ، قال : « هو أمرها بالإحرام أو لم يأمرها أو أحرمت من قِبَل نفسها ؟ » قلت : أجبني عنها ، قال : « إن كان موسراً وكان عالماً أنّه لا ينبغي له وكان هو الذي أمرها بالإحرام ، فعليه بدنة ، وإن شاء بقرة ، وإن شاء شاة ، وإن لم يكن أمرها بالإحرام ، فلا شيء عليه موسراً كان أو معسراً ، وإن كان أمرها وهو معسر ، فعليه دم شاة أو صيام » .
إذا ثبت هذا ، فلو
كانا مُحْرمين أو كان هو مُحْرماً ، وجبت عليه الكفّارة .
ولو كان هو مُحِلّاً
وهي مُحْرمة بإذنه ، وجبت عليه البدنة لا غير ، سواء كان قبل الوقوف بالموقفين أو بعده ، وسواء طاوعته أو أكرهها ، لكن لو طاوعته ، فسد حجّها ، ووجب عليه أن يأذن لها في القضاء ؛ لأنّه أذن لها في الابتداء وأحرمت إحراماً صحيحاً ، وكان الفساد منه ، فوجب عليه الإذن في القضاء ، كالصيام .
__________________
ولو زنىٰ
بامرأة ، تعلّق به من الأحكام ما يتعلّق بالوطء الصحيح ؛ لأنّه أبلغ في هتك الإحرام ، فكانت العقوبة واجبةً عليه .
مسألة ٤١٨ : مَنْ وجب عليه بدنة في إفساد الحجّ فلم يجد ، كان عليه بقرة ، فإن لم يجد ، فسبع شياه علىٰ الترتيب ، فإن لم يجد ، فقيمة البدنة دراهم أو ثمنها طعاماً يتصدّق به ، فإن لم يجد ، صام عن كلّ مُدّ يوماً ، وبه قال الشافعي .
وفي [ أصحابه ] مَنْ قال
: هو مخيّر .
واستدلّ عليه الشيخ ـ
رحمهالله ـ بإجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط .
وابن بابويه قال :
مَنْ وجبت عليه بدنة في كفّارة فلم يجد ، فعليه سبع شياه ، فإن لم يقدر ، صام ثمانية عشر يوماً بمكّة أو في منزله
.
وعن أحمد روايتان ،
إحداهما : أنّها علىٰ التخيير إن شاء أخرج أيّ هذه الخمسة ، التي ذكرناها ، أعني : البدنة والبقرة وسبع شياه وقيمة
البدنة والصيام .
لنا : أنّ الصحابة
والأئمّة عليهمالسلام أوجبوا البدنة في الإفساد ، وذلك
__________________
يقتضي
تعيّنها ، والبقرة دونها جنساً وقيمةً .
ولقوله عليهالسلام : ( مَنْ راح في الساعة الاُولىٰ فكأنّما قرّب بدنةً ،
ومَنْ راح في الثانية فكأنّما قرّب بقرةً ) يعني إلىٰ الجمعة .
ولأنّ ذلك سبب يجب به
القضاء ، فكانت كفّارته علىٰ الترتيب ، كالفوات .
وأحمد قاس علىٰ
قتل النعامة .
والفرق : أنّ
الانتقال في قتل النعامة إلىٰ القيمة ، فكان مخيّراً فيها ، وهنا ينتقل إلىٰ ما هو دونها .
مسألة ٤١٩ : لو وطئ في العمرة قبل السعي ، فسدت عمرته ، ووجب عليه بدنة وقضاؤها ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّها عبادة تشتمل علىٰ طواف وسعي ، فوجب بالوطء فيها بدنة ، كالحجّ .
ولرواية مسمع عن الصادق
عليهالسلام : في الرجل يعتمر عمرة مفردة فيطوف بالبيت طواف الفريضة ثم يغشىٰ أهله قبل أن يسعىٰ بين الصفا والمروة ، قال : « قد أفسد عمرته ، وعليه بدنة ، ويقيم بمكّة مُحلّاً حتىٰ يخرج الشهر الذي اعتمر فيه ثم يخرج إلىٰ الوقت الذي وقّته رسول الله صلىاللهعليهوآله لأهل بلاده ، فيُحْرم منه ويعتمر »
.
وقال أبو حنيفة : إذا
وطئ قبل أن يطوف أربعة أشواط ، فسدت
__________________
عمرته
، ووجب عليه القضاء وشاة ؛ لأنّها عبادة لا تتضمّن الوقوف ، ولا يجب عليه بالوطء فيها بدنة ، كما لو قرنها بحجّه
.
ونمنع حكم الأصل .
وقال أحمد : يجب
بالوطء القضاء وشاة إذا وجد في الإحرام .
إذا عرفت هذا ،
فالبدنة والإفساد يتعلّقان بالوطء في إحرام العمرة قبل السعي ولو كان بعد الطواف ـ وبه قال الشافعي ـ لرواية مسمع عن الصادق عليهالسلام .
وقال أبو حنيفة : إذا
وطئ بعد أربعة أشواط ، لم تفسد عمرته ، ووجبت الشاة ؛ لأنّه وطئ بعد ما أتىٰ بركن العبادة ، فأشبه ما إذا وطئ بعد الوقوف في الحج ، وإنّما وجبت الشاة ؛ لأنّ الشاة تقوم مقام الطواف والسعي في حقّ المحصر ، فقامت مقام بعض ذلك هنا
.
والجواب : أنّ
محظورات الإحرام سواء مثل الطيب واللباس والصيد تستوي قبل الإتيان بأكثر الطواف وبعده ، كذلك الوطء .
مسألة ٤٢٠ : القارن عندنا هو الذي يسوق إلىٰ إحرامه هدياً ، وعندهم هو مَنْ يقرن الإحرامين علىٰ ما مضىٰ
الخلاف فيه ، فلو أفسد القارن
__________________
حجّه
، وجب عليه بدنة ، وليس عليه دم القران ، ويجب عليه القضاء ؛ لأنّه أفسد حجّاً ، فكان عليه بدنة ، كالمتمتّع والمفرد .
وقال الشافعي : إذا
وطئ القارن ـ علىٰ تفسيرهم ـ لزمه بدنة بالوطء ودم القران ، ويقضي قارناً ، ويلزمه دم القران في القضاء أيضاً ، فإن قضىٰ مفرداً ، جاز ، ولا يسقط عنه دم القران الذي يلزمه في القضاء
. وبه قال أحمد إلّا أنّه قال : إذا قضىٰ مفرداً ، لم يجب دم القران
.
وقال أبو حنيفة :
يفسد إحرامه ، وتجب عليه شاة لإفساد الحجّ ، وشاة لإفساد العمرة ، وشاة القران ، إلّا أن يكون قد وطئ بعد ما طاف في العمرة أربعة أشواط .
مسألة ٤٢١ : إذا قضىٰ الحاجّ والمعتمر ، فعليه في قضاء الحجّ
الإحرامُ من الميقات ، وعليه في إحرام العمرة الإحرامُ من أدنىٰ الحِلّ ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك ـ لأنّه لا يجوز الإحرام قبل الميقات علىٰ
ما تقدّم ، فلا يجوز في القضاء ؛ لأنّه تابع .
وأمّا في العمرة :
فلأنّ الإحرام من أدنىٰ الحِلّ هو الواجب في الأداء ، فكذا في القضاء .
__________________
ولأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر عائشة أن تقضي عمرتها من التنعيم
.
وقال الشافعي : إذا
أفسد الحجّ والعمرة ، لزمه القضاء من حيث أحرم بالأداء ـ وبه قال أحمد ـ لأنّ كلّ مسافة وجب عليه قطعها مُحْرماً في الأداء وجب عليه في القضاء ، كما لو أحرم قبل الميقات .
ونحن نقول بموجبه ؛
لأنّه لا يجب عليه قطع المسافة مُحْرماً إلّا من الميقات .
وينتقض : بأنّه لا
يجب عليه في القضاء سلوك طريق الأداء إجماعاً ، لكنّ الشافعي أوجب الإحرام من المحاذي للأوّل .
مسألة ٤٢٢ : إذا أفسد في القضاء ، وجب عليه بدنة اُخرىٰ ، وإتمام القضاء ، والقضاء من قابل ؛ للعمومات ، ويلزمه أن يأتي بالقضاء ، ولا يتكرّر عليه ، بل إذا أتىٰ بحجّة واحدة ، كفاه .
وكذلك إن تكرّر إفساد
القضاء ، كفاه قضاء واحد ؛ لأنّ الحجّ الواجب واحد ، فإذا لم يأت به علىٰ وجهه ، وجب عليه الإتيان به علىٰ وجهه .
ولا يجب عليه أن يأتي
بقضاء آخر عوضاً عن إفساد القضاء بمفرده ، بل إذا أتىٰ في السنة الثالثة بحجّة صحيحة ، كفاه عن الفاسد ابتداءً وقضاءً
.
ولو أفسد الثالث ،
كفاه في الرابعة إتيان حجّة صحيحة عن جميع ما تقدّمه ؛ لأنّ الفاسد إذا انضمّ إليه القضاء ، أجزأ عمّا كان يجزئ عنه الأداء لو لم يفسده ، فهذا القضاء الذي أفسده إذا أتىٰ بعده بالقضاء ، أجزأ عمّا كان
__________________
يجزئ
عنه الفاسد لو كان صحيحاً ، ولو كان صحيحاً ، سقط به قضاء الأوّل ، كذلك إذا قضاه ، وهذا يقتضي أن يكون هذا القضاء عن القضاء الفاسد .
مسألة ٤٢٣ : لو عقد المُحْرم لمُحْرمٍ علىٰ امرأة ودخل المُحْرم ،
وجبت علىٰ العاقد الكفّارة ، كما تجب علىٰ الواطئ . وكذا لو كان العاقد مُحِلّاً
، لرواية سماعة عن الصادق عليهالسلام ، قال : « لا ينبغي للرجل الحلال أن يُزوّج
مُحْرماً يعلم أنّه لا يحلّ له » قلت : فإن فعل فدخل بها المُحْرم ، قال : « إن كانا عالمين فإنّ علىٰ كلّ واحد منهما بدنة ، وعلىٰ المرأة إن كانت مُحْرمةً
، وإن لم تكن مُحْرمةً ، فلا شيء عليها إلّا أن تكون قد علمت أنّ الذي تزوّجها مُحْرم ، فإن كانت علمت ثم تزوّجته فعليها بدنة »
.
مسألة ٤٢٤ : لو نظر إلىٰ غير أهله فأمنىٰ ، لم يفسد حجّه ، ووجب
عليه بدنة ، فإن عجز ، فبقرة ، فإن عجز ، فشاة ، عند علمائنا ـ وبعدم الإفساد قال ابن عباس وأبو حنيفة والشافعي وأحمد ـ لأنّه إنزال عن غير مباشرة ، فأشبه الإنزال عن الفكر والاحتلام .
وقال مالك : إن ردّد
النظر حتىٰ أمنىٰ ، وجب عليه الحجّ من قابل ـ وبه قال الحسن البصري وعطاء ـ لأنّه إنزال بفعل محظور ، فأشبه الإنزال بالمباشرة .
والفرق : أنّ
المباشرة أبلغ في اللذّة ، وآكد في استدعاء الشهوة ، والفاحشة فيها أعظم .
ولو نظر إلىٰ
غير أهله ولم يكرّر النظر أو كرّره حتىٰ أمنىٰ ، وجب عليه البدنة عندنا ؛ لأنّه إنزال بفعل محظور ، فأوجب البدنة ، كالجماع فيما
__________________
دون
الفرج .
ولقول الباقر عليهالسلام في رجل مُحْرم نظر إلىٰ غير أهله فأنزل : « عليه جزور أو بقرة ، فإن لم يجد فشاة » .
وقال ابن عباس وأحمد
في إحدىٰ الروايتين : إن كرّر النظر ، وجبت بدنة ، وإن لم يكرّر ، فشاة .
وقال في الاُخرىٰ
: تجب شاة مطلقاً . وهو قول سعيد بن جبير وإسحاق .
وقال أبو ثور : لا شيء
عليه مطلقاً . وبه قال أبو حنيفة ـ حكايةً
عنه ـ [ و ] الشافعي
.
ولو كرّر النظر حتىٰ
أمذىٰ ، لم يجب عليه شيء ؛ لأصالة براءة الذمّة .
وقال أحمد : يجب به
دم ؛ لأنّه جزء من المني . وليس بشيء .
ولو كرّر النظر ولم
يقترن به مني ولا مذي ، لم يكن عليه شيء ، ولا نعلم فيه خلافاً ، إلّا رواية عن أحمد أنّه مَنْ جرّد امرأته ولم يكن منه غير التجريد : أنّ عليه شاة . وليس بشيء .
ولو فكّر فأنزل ، لم
يكن عليه شيء ؛ لأنّ الفكر يعرض الإنسان من
__________________
غير
اختيار ، فلا تتعلّق به عقوبة .
مسألة ٤٢٥ : لو نظر إلىٰ أهله مَنْ غير شهوة ، لم يكن عليه شيء ، سواء أمنىٰ أو لا ؛ لأنّ النظر إلىٰ الزوجة سائغ ، بخلاف الأجنبية .
ولأنّ معاوية بن
عمّار سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن مُحْرم نظر إلىٰ امرأته فأمنىٰ أو أمذىٰ وهو مُحْرم ، قال : « لا شيء
عليه » .
وإن نظر إليها بشهوة
فأمنىٰ ، كان عليه بدنة ، عند علمائنا ـ ولم يفرّق العامّة بين الزوجة والأجنبية ، بل حكموا بما قلناه عنهم أوّلاً
مطلقاً ـ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « ومَنْ نظر إلىٰ
امرأته نظرة بشهوة فأمنىٰ فعليه جزور » .
مسألة ٤٢٦ : لو مسّ امرأته بشهوة ، فعليه شاة ، سواء أمنىٰ أو لم
يُمْن ، وإن كان بغير شهوة ، لم يكن عليه شيء ، سواء أمنىٰ أو لم يُمْن ، ويكون حجّه صحيحاً علىٰ كلّ تقدير ، سواء كان ذلك قبل الوقوف بالموقفين أو بعده ، عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة
ـ لأنّه استمتاع لا يجب بنوعه الحدّ ، فلا يفسد الحجّ ، كما لو أنزل . وإنّما وجبت الشاة ؛ لأنّه فَعَل مُحرَّماً في إحرامه ، فوجبت الفدية .
ولأنّ محمّد بن مسلم
سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن رجل حمل امرأته وهو مُحْرم فأمنىٰ أو أمذىٰ ، فقال : « إن حملها أو مسّها
بشهوة فأمنىٰ أو لم يُمْن ، أمذىٰ أو لم يُمْذ ، فعليه دم يهريقه ، فإن
حملها أو مسّها
__________________
بغير
شهوة فأمنىٰ أو لم يُمْن ، فليس عليه شيء »
.
وقال مالك : إذا أنزل
مع المسّ ، فسد حجّه ـ وهو إحدىٰ الروايتين عن أحمد ـ لأنّها عبادة يفسدها الوطء ، فأفسدها الإنزال عن المباشرة ، كالصوم .
والفرق : أنّ الصوم
يفسد بفعل جميع ما وجب الإمساك عنه لأجله ، بخلاف الحجّ .
مسألة ٤٢٧ : لو قبَّل امرأته ، فإن كان بشهوة ، كان عليه جزور ، وإن كان بغير شهوة ، كان عليه شاة ، ولا يفسد حجّه علىٰ كلّ تقدير ، وسواء كان قبل الوقوف بالموقفين أو بعده ـ ووافقنا علىٰ عدم الإفساد سعيد بن المسيّب وعطاء وابن سيرين والزهري وقتادة والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ـ لأنّه إنزال بغير وطء ، فلم يفسد به الحجّ ، كالإنزال عن
نظر .
وقال مالك : إن أنزل
، فسد حجّه ـ وهو إحدىٰ الروايتين عن أحمد ، ورواية عن سعيد بن جبير ـ لأنّه إنزال عن سبب مُحرَّم ، فأفسد الحجّ ، كالإنزال عن الجماع .
والفرق ظاهر ؛ فإنّ
الجماع أبلغ أنواع الاستمتاع ، ولهذا أفسد الحجّ مع الإنزال وعدمه .
إذا عرفت هذا ، فالشيخ
ـ رحمهالله ـ أوجب الشاة في التقبيل بغير شهوة
__________________
مطلقاً
، والبدنة فيه مع الشهوة مطلقاً ، ولم يعتبر الإنزال ؛ لأنّ علي بن أبي
حمزة سأل الكاظمَ عليهالسلام : عن رجل قبَّل امرأته وهو مُحْرم ،
قال : « عليه بدنة وإن لم ينزل ، وليس له أن يأكل منه » .
وقال ابن إدريس : إن
قبَّل بشهوة وأنزل ، وجبت البدنة ، وإن لم ينزل ، وجبت الشاة ؛ للأصل .
ولما رواه مسمع ـ في
الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام : « إنّ حال المُحْرم ضيّقة ، إن قبَّل امرأته علىٰ غير شهوة وهو مُحْرم ، فعليه دم شاة ، ومَنْ قبَّل
امرأته علىٰ شهوة ، فعليه جزور ، ويستغفر الله »
.
وهو الأقرب .
ويجوز للمُحْرم أن يُقبِّل
اُمّه حال الإحرام ؛ لأنّ الحسين بن حمّاد سأل الصادقَ عليهالسلام : عن المُحْرم يُقبِّل اُمّه ، قال : «
لا بأس به ، هذه قُبْلة رحمة ، إنّما تكره قُبْلة الشهوة » .
ولو لاعب امرأته وهو مُحْرمٌ
فأمنىٰ ، كان عليه بدنة ؛ لأنّه إنزال عن سبب مُحرَّم ، فوجبت البدنة ، كما لو أنزل عن نظر .
وهل يجب عليها
الكفّارة ؟ نصّ الشيخ في التهذيب والمبسوط عليه ؛ لأنّه أنزل بملاعبة منها لَه ، فوجب عليها بدنة ، كالجماع .
ولأنّ عبد الرحمن بن
الحجّاج سأل الصادقَ عليهالسلام : عن الرجل يعبث
__________________
بامرأته
حتىٰ يمني وهو مُحْرم من غير جماع ، أو يفعل ذلك في شهر رمضان ، ماذا عليهما ؟ فقال : « عليهما جميعاً الكفّارة مثل ما علىٰ الذي يجامع » .
ولو سمع كلام امرأة
أو استمع علىٰ مَنْ يجامع من غير رؤية لهما فتشاهىٰ فأمنىٰ ، لم يكن عليه شيء ؛ لتعذّر التحرّز عن مثل ذلك ، فلو
وجبت العقوبة لزمه الحرج .
أمّا لو كان برؤية ،
فإنّه تجب عليه الكفّارة علىٰ ما تقدّم ؛ لأنّ أبا بصير سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الحسن ـ عن رجل سمع كلام امرأة من
خلف حائط وهو مُحْرم فتشاهىٰ حتىٰ أنزل ، قال : « ليس عليه شيء »
.
وسأله سماعة بن مهران
في مُحْرم استمع علىٰ رجل يجامع أهله فأمنىٰ ، قال : « ليس عليه شيء » .
قال المفيد رحمهالله : لو قبَّل امرأته وهو مُحْرم ، فعليه بدنة ، أنزل أو لم ينزل ، فإن هوت المرأة ذلك ، كان عليها مثل ما عليه
.
مسألة ٤٢٨ : قد بيّنّا أنّه إذا أفسد حجّه ، وجب عليه إتمامه ، خلافاً لجماعة الظاهرية .
وقال مالك : يجعل
الحجّة عمرةً ، ولا يقيم علىٰ الحجّ الفاسد
.
__________________
وليس بجيّد ؛ لما
تقدّم .
ولا يحلّ من الفاسد ،
بل يجب عليه أن يفعل بعد الفساد كلّ ما يفعله لو كان صحيحاً ، ولا يسقط عنه توابع الوقوف من المبيت بالمزدلفة والرمي وغيرهما .
ويحرم عليه بعد
الفساد كلّ ما كان مُحرَّماً عليه قبله من الوطء ثانياً وغيره من المُحرّمات .
ولو جنىٰ في
الإحرام الفاسد ، وجب عليه ما يجب في الإحرام الصحيح .
ويجب عليه القضاء من قابل
، سواء كانت الفاسدة واجبةً بأصل الشرع أو النذر ، أو كانت تطوّعاً ، ولا نعلم فيه خلافاً . ويجب علىٰ الفور
.
ولو أفسد القضاء ، لم
يجب قضاؤه ، وإنّما يقضي عن الحجّ الأوّل .
ولو أحصر في حجّ فاسد
، فله التحلّل إجماعاً ؛ لأنّه يباح له في الصحيح ففي الفاسد أولىٰ .
فلو أحلّ فزال الحصر
وفي الوقت سعة ، فله أن يقضي في ذلك العام ، ولا يتصوّر القضاء في عام الإفساد في غير هذه الصورة .
ولو حجّ تطوّعاً
فأفسده ثم اُحصر ، كان عليه بدنة للإفساد ودم للإحصار ، ويكفيه قضاء واحد في القابل ؛ لأنّ المقضي واحد .
ويجب القضاء علىٰ
الفور ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأنّه لزم وتضيّق بالشروع .
ولقول الصحابة
والأئمّة عليهمالسلام : إنّه يقضي من قابل .
وللشافعي قول آخر :
إنّه علىٰ التراخي ، كالأصل .
__________________
ولأنّ الوقت قد فات ،
واستوت بعده الأوقات .
وقد بيّنّا فساده .
وله ثالث : إنّه إن
وجبت الكفّارة بعُدْوان فعل ، فعلىٰ الفور ؛ لأنّ التراخي نوع [ ترفيه ] وإن لم يكن بعُدوان ، فعلىٰ
التراخي .
وأجرىٰ الجويني
الخلاف في التعدّي بترك الصوم هل هو علىٰ الفور أو علىٰ التراخي ؟ وكذا الصلاة .
أمّا ما يجب فيه
القتل ، كترك الصلاة عمداً مع تخلّل التعزير ثلاث مرّات ، فإنّه يجب فيه الفور .
وأمّا ما لا عدوان
فيه ، فللشافعي وجهان تقدّما :
أحدهما : الفور ؛
لقوله عليهالسلام : ( فليصلّها إذا ذكرها ) .
والثاني : جواز
التأخير ؛ لما رووه عن النبي صلىاللهعليهوآله ، أنّه فاتته صلاة الصبح ، فلم يصلّها حتىٰ خرج من الوادي .
وقد عرفت أنّه يُحْرم
في القضاء من الميقات .
وقال الشافعي : إن
أحرم قبل الميقات ، أحرم في القضاء من ذلك المكان . وقد سبق .
ولو جاوزه ، أراق دماً
، كما لو جاوز الميقات الشرعي .
وإن كان قد أحرم من الميقات
، فعليه في القضاء مثله .
وإن كان قد أحرم بعد
مجاوزة الميقات ، فإن كان مُسيئاً بتجاوزه ،
__________________
لزمه
في القضاء أن يُحْرم من الميقات ، وليس له أن يُسيء ثانياً ، وإن جاوزه غير مُسيء بأن لم يرد النسك ثم بدا له فأحرم ثم أفسد ، فوجهان :
أحدهما : أنّه يحرم
في القضاء من الميقات الشرعي ؛ لأنّه الواجب في الأصل .
وأصحّهما عندهم :
أنّه يُحْرم من ذلك الموضع ، ولا يلزمه الميقات الشرعي ؛ سلوكاً بالقضاء مسلك الأداء .
ولهذا لو اعتمر
المتمتّع من الميقات ثم أحرم بالحجّ من مكّة وأفسده ، لا يلزمه في القضاء أن يُحْرم من الميقات ، بل يكفيه أن يُحْرم من جوف مكّة
.
ولو أفرد الحج ثم
أحرم بالعمرة من أدنىٰ الحلّ ثم أفسدها ، يكفيه أن يُحرم في قضائها من أدنىٰ الحلّ .
والوجهان
مفروضان فيما إذا لم يرجع إلىٰ الميقات فما فوقه ، أمّا إذا رجع ثم عاد ، فلا بُدّ من الإحرام من الميقات .
وإذا خرجت المرأة
للقضاء ، ففي وجوب ما زاد من النفقة بسبب السفر علىٰ الزوج وجهان .
وإذا خرجا معاً
للقضاء ، فليفترقا في الموضع الذي اتّفقت الإصابة فيه .
وللشافعي قولان في
وجوبه :
ففي القديم : نعم ـ وبه
قال أحمد ـ لقول ابن عباس : فإذا أتيا المكان الذي أصابا فيه ما أصابا تفرّقا .
__________________
والجديد : لا ـ وبه
قال أبو حنيفة ـ كما لا يجب في سائر المنازل .
ويستحب أن يفترقا من حين
الإحرام .
وقال مالك بوجوبه
.
مسألة ٤٢٩ : لو عرضت الردّة في خلال الحجّ والعمرة ، فالوجه : فساد النسك إن كان قبل فعل ما يبطل الحجّ تركه عمداً .
وللشافعية وجهان :
أحدهما : أنّه لا تُفسدهما
، لكن لا يعتدّ بالمأتي به في زمان الردّة علىٰ ما مرّ نظيره في الوضوء والأذان .
وأصحّهما عندهم :
الفساد ، كما تُفسد الصوم والصلاة .
ولا فرق علىٰ
الوجهين بين أن يطول زمانها أو يقصر .
وعلىٰ القول
بالفساد فوجهان :
أظهرهما : أنّه يبطل
النسك بالكلّية حتىٰ لا يمضي فيه لا في الردّة ولا إذا عاد إلىٰ الإسلام ؛ [ لأنّ الردّة محبطة للعبادة .
والثاني : أنّ سبيل
الفساد هاهنا كسبيله عند الجماع ، فيمضي فيه لو عاد إلىٰ الإسلام ] لكن لا تجب الكفّارة ، كما أنّ فساد
الصوم بالردّة لا تتعلّق به الكفّارة .
ومَنْ قال بالأوّل
فرّق [ بينها وبين الجماع بمعنىٰ الإحباط .
وأيضاً فإنّ ابتداء
الإحرام لا ينعقد مع الردّة بحال .
وفي انعقاده مع
الجماع ] ثلاثة أوجه :
__________________
أحدها : أنّه ينعقد علىٰ
الصحة ، فإن نزع في الحال ، فذاك ، وإلّا فسد نسكه ، وعليه البدنة ، والقضاء ، والمضيّ في الفاسد .
والثاني : أنّه ينعقد
فاسداً ، وعليه القضاء ، والمضيّ فيه ، مكث أو نزع [ ولا تجب الفدية إن نزع ] في الحال ، وإن مكث ، وجبت الكفّارة .
وهل هي بدنة أو شاة ؟
يخرّج علىٰ القولين في نظائر هذه الصورة .
الثالث : لا ينعقد
أصلاً ، كما لا تنعقد الصلاة مع الحدث .
البحث السابع : في
اللواحق .
مسألة ٤٣٠ : يجوز لُبْس السلاح للمُحْرم إذا خاف العدوّ ، ولا كفّارة ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ أيحمل المُحْرم السلاح ؟
فقال : « إذا خاف المُحْرم عدوّاً أو سرقاً فليلبس السلاح » .
ويجوز للمُحْرم أن
يؤدّب غلامه وهو مُحْرمٌ عند الحاجة ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « لا بأس أن يؤدّب المُحْرم
عبده ما بينه وبين عشرة أسواط » .
ولو اقتتل اثنان في
الحرم ، لزم كلّ واحد منهما دم ؛ لقول الصادق عليهالسلام ، في رجلين اقتتلا وهُما مُحْرمان : «
سبحان الله بئس ما صنعا » قلت : قد فعلا ، ما الذي يلزمهما ؟ قال : « علىٰ كلّ واحد منهما دم »
.
مسألة ٤٣١ : إذا اجتمعت أسباب مختلفة ، كاللُّبْس والقَلْم والطيب ،
__________________
لزمه
عن كلّ واحد كفّارة ، سواء اتّحد الوقت أو تعدّد ، كفّر عن الأوّل أو لا ؛ لأنّ كلّ واحد منها سبب مستقلّ في إيجاب الكفّارة ، والحقيقة باقية عند الاجتماع ، فيوجد أثرها .
ولو اتّحد نوع الفعل
، فأقسامه ثلاثة :
الأوّل :
إتلاف علىٰ وجه التعديل ، كقتل الصيد ، فإنّه يعدل به ، ويجب فيه مثله ، ويختلف بالصغر والكبر ، فعلىٰ أيّ وجه فَعَله وجب عليه الجزاء .
ولو تكرّر تكرّرت
إجماعاً ؛ لأنّ المثل واجب ، وهو إنّما يتحقّق بالتعدّد لو تعدّدت الجناية .
الثاني :
إتلاف مضمون لا علىٰ وجه التعديل ، كحلق الشعر وتقليم الأظفار ، فهُما جنسان ، فإن حلق أو قلّم دفعةً واحدة ، كان عليه فدية واحدة ، وإن فعل ذلك في أوقات ، كأن يحلق بعض رأسه غدوةً وبعضه عشيّةً ، تعدّدت الكفّارة عليه ، وإن كان في دفعة واحدة ووقت واحد ، وجبت فدية واحدة .
الثالث :
الاستمتاع باللُّبْس والطيب والقُبْلة ، فإن فَعَله دفعةً بأن لبس كلّ ما يحتاج إليه دفعةً ، أو تطيّب بأنواع الطيب دفعةً واحدة ، أو قبّل وأكثر منه ، لزمه كفّارة واحدة ، وإن فعل ذلك في أوقات متفرّقة ، لزمه عن كلّ فعل كفّارة ، سواء كفَّر عن الأوّل أو لم يكفّر ـ وبه قال أبو حنيفة
ـ لأنّه مع تعدّد الوقت يتعدّد الفعل ، وقد كان كلّ واحد سبباً تامّاً في إيجاب الكفّارة ، فكذا مع الاجتماع .
__________________
وقال الشافعي : إن
كفّر عن الأوّل ، لزمه كفّارة اُخرىٰ عن الثاني ، وإن لم يكفّر ، لم يكن عليه سوىٰ كفّارة واحدة
.
وهو إحدىٰ
الروايتين عن أحمد ، وفي الاُخرىٰ : إن كان السبب واحداً ، اتّحدت الكفّارة ، كمن لبس ثوبين للحَرِّ ، وإن تعدّد ، تعدّدت ، كمن لبس ثوباً للحَرِّ وثوباً للمرض .
وقال مالك : تتداخل
كفّارة الوطء دون غيره .
مسألة ٤٣٢ : لو جنّ بعد إحرامه ففَعَل ما يفسد به الحجّ من الوطء قبل الوقوف بالموقفين ، لم يفسد حجّه ؛ لأنّ العاقل لو فعل ذلك ناسياً ، لم يبطل حجّه ، فهنا أولىٰ .
ولقوله عليهالسلام : ( رفع القلم عن المجنون حتىٰ يفيق )
.
وأمّا الصيد فيضمنه
بإتلافه ؛ لأنّ حكم العمد والسهو فيه واحد .
وأمّا الصبي فإذا قتل
صيداً ، ضمنه ، كالبالغ .
وإن تطيّب أو لبس ،
فإن كان ناسياً ، لم يكن عليه شيء ، وإن كان عامداً ، فإن قلنا : إنّ عمده وخطأه واحد ، فلا شيء عليه أيضاً ، وإن قلنا : إنّ عمده في غير القصاص عمد ، وجبت الكفّارة .
قال الشيخ رحمهالله : الظاهر أنّ الكفّارة تتعلّق به علىٰ وليّه وإن قلنا :
إنّه لا يتعلّق به شيء ؛ لما روي عنهم عليهمالسلام من أنّ عمد الصبي
__________________
وخطأه
سواء ، والخطأ في هذه الأشياء لا تتعلّق به الكفّارة من البالغين ، كان قويّاً .
وأمّا قتل الصيد :
فإنّه يضمنه علىٰ كلّ حال .
وأمّا الحلق وتقليم
الأظفار ، فإنّ حكمهما عندنا كحكم اللُّبْس والطيب من أنّ عمده مخالف لخطئه .
وأمّا إذا وطئ بشهوة
، فإنّه قد يحصل من الصبي قبل بلوغه فإنّما يبلغ بالإنزال لا بالوطء وشهوته ، فإذا فَعَل ، فإن كان ناسياً أو جاهلاً ، لم يكن عليه شيء ، كالبالغ .
وإن كان عامداً
واعتبرنا عمده ، فسد حجّه إن وطئ قبل الوقوف بالموقفين ، ووجبت البدنة .
وإن كان خطأً ، لم
يكن عليه شيء .
وإذا وجبت البدنة علىٰ
تقدير العمد ، ففي محلّ وجوبها وجهان :
أحدهما : عليه .
والثاني : علىٰ
وليّه .
وإذا قلنا بفساد
الحجّ ، فهل يجب عليه القضاء ؟ وجهان :
أحدهما : الوجوب ؛
لأنّه وطئ عمداً قبل الوقوف بالموقفين ، فوجب القضاء ؛ عملاً بالعموم .
ولأنّ كلّ مَنْ وجبت
البدنة في حقّه للإفساد وجب عليه القضاء ، كالبالغ .
والثاني : عدم الوجوب
؛ لأنّه غير مكلّف ، فلا يتوجّه عليه الأمر
__________________
بالوجوب
في القضاء ، كما لا يتوجّه في الأداء . وهو الأقوىٰ .
وإذا أوجبنا عليه
القضاء ، هل يجزئه أن يقضيه في حال صغره أم لا ؟ فيه تردّد .
قال مالك وأحمد : لا
يجزئه ؛ لأنّها حجّة واجبة ، فلم تقع منه في صغره ، كحجة الاسلام .
وقال الشافعي في أحد
القولين : يجزئه ؛ لأنّ أداء هذه العبادة يصحّ منه في حال الصغر ، كذلك قضاؤها ، بخلاف حجّة الإسلام
.
وإذا أوجبنا علىٰ
الصبي القضاء فقضىٰ في حال بلوغه ، فهل يجزئه عن حجّة الاسلام ؟ الوجه : التفصيل ، وهو أن يقال : إن كانت الحجّة التي أفسدها لو صحّت أجزأته ـ بأن يكون قد بلغ قبل مضيّ وقت الوقوف ـ أجزأه القضاء ، وإن كان لو بلغ فيها بعد الوقوف ، لم يجزئه القضاء ، ووجب عليه حجّة اُخرىٰ للإسلام .
تذنيب :
لو خرجت قافلة إلىٰ الحج فاُغمي علىٰ واحد منهم ، لم يصر مُحْرماً بإحرام غيره عنه ـ وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد
ـ لأنّه بالغ ، فلا يصير مُحْرماً بإحرام غيره عنه ، كالنائم .
ولأنّه لو أذن في ذلك
وأجازه لم يصح .
وقال أبو حنيفة :
يصير مُحْرماً بإحرام بعض الرفقة ؛ لأنّه علم ذلك من
__________________
قصده
، وتلحقه المشقّة في ترك ذلك ، فأجزأ عنه إحرام غيره
.
والجواب : أنّا قد
بيّنّا أنّه لو أذن له فيه لم يصح ، فكيف مع علم القصد المجرّد عن الإذن ! ؟
مسألة ٤٣٣ : لو قبّل امرأته بعد طواف النساء ، فإن كانت هي قد طافت ، لم يكن عليهما شيء ؛ لأنّه بعد طواف النساء تحلّ له النساء ، وإن كانت لم تطف ، فقد روي أنّ عليه دماً يهريقه ، لأنّ القُبْلة بالنسبة إليها حرام ، وقد فَعَلها هو ، فكانت عليه العقوبة ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الحسن ـ عن رجل قبَّل امرأته وقد طاف طواف النساء ولم تطف هي : « عليه دم يهريقه من عنده » .
ولو قلع ضرسه مع
الحاجة إليه ، لم يكن عليه شيء ، وإن كان لا مع الحاجة ، وجب عليه دم شاة ، قاله الشيخ رحمهالله ؛ لرواية
مرسلة .
مسألة ٤٣٤ : لو اُحصر فبعث بهديه ثم احتاج إلىٰ حلق رأسه لأذىٰ
قبل أن يبلغ الهدي محلّه ، جاز له أن يحلقه ، ويتصدّق بالنسك أو الإطعام أو الصيام علىٰ ما قلناه ؛ لأنّ غير المحصر كذلك ، فكذا المحصر .
ولقول الصادق عليهالسلام : « إذا اُحصر الرجل فبعث بهديه فأذاه رأسه قبل أن ينحر هديه فإنّه يذبح شاة مكان الذي اُحصر فيه أو يصوم أو يتصدّق علىٰ ستة مساكين ، والصوم ثلاثة أيّام والصدقة نصف صاع لكلّ مسكين »
.
__________________
المطلب
الرابع في أحكام الإحرام
مسألة ٤٣٥ : الإحرام ركن في الحجّ إذا أخلّ به عامداً ، بطل الحجّ ، وإن كان ناسياً حتىٰ أكمل المناسك ، قال الشيخ رحمهالله : يصحّ حجّه إذا كان قد عزم علىٰ فعله أوّلاً ، كما لو نسي الطواف أو السعي .
وقوله عليهالسلام : ( رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان )
.
ولأنّ علي بن جعفر
سأل أخاه الكاظم عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن رجل نسي الإحرام بالحجّ ، فذكره وهو بعرفات ، ما حاله ؟ قال : « يقول : اللّهم علىٰ كتابك وسنّة نبيّك ، فقد تمّ إحرامه »
.
فإن جهل أن يُحْرم
يوم التروية بالحجّ حتىٰ يرجع إلىٰ بلده ، فإن كان قد قضىٰ مناسكه كلّها ، فقد تمّ حجّه .
وروىٰ جميل بن
درّاج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهماالسلام : في رجل نسي أن يُحْرم أو جهل وقد شهد المناسك كلّها وطاف وسعىٰ ، قال : « يجزئه إذا كان قد نوىٰ ذلك فقد تمّ حجّه وإن لم يُهلّ »
.
وقال ابن إدريس من علمائنا
: تجب عليه الإعادة ؛ لقوله عليهالسلام : ( لا عمل إلّا بنيّة ) وهذا عمل بغير نيّة
. وليس بشيء .
__________________
مسألة ٤٣٦ : لا يقع الإحرام إلّا من مُحِلٍّ ، فلو كان مُحْرماً بالحجّ ، لم يجز له أن يُحْرم بالعمرة ، وهو أصحّ قولي الشافعي [ والثاني : جواز إدخال العمرة علىٰ الحج ] وبه قال أبو حنيفة
.
وكذا لا يجوز إدخال
الحجّ علىٰ العمرة .
وقال جميع العامّة
بجوازه .
ويبطله قوله تعالىٰ
: ( وَأَتِمُّوا
الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) ومع الإدخال لا يتحقّق الإتمام .
وقد جوّز علماؤنا للمُفْرد
فسخ حجّه إلىٰ التمتّع وبالعكس لمن ضاق عليه الوقت ، أو مَنَعه عذر الحيض والمرض وشبهه ، كما أمر النبي صلىاللهعليهوآله أصحابه بالأوّل ، وعائشة بالثاني
.
وليس للقارن نقل حجّه
إلىٰ التمتّع ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر أصحابه بأنّ
__________________
مَنْ
لم يكن معه هدي فليحلّ ، وتأسّف النبي صلىاللهعليهوآله علىٰ فوات المتعة
، ولو جاز العدول كالمفرد ، لفَعَلها عليهالسلام ؛ لأنّها الأفضل .
ولا يجوز أن يقرن إحراماً
واحداً للنسكين ، فلو قرن بين الحجّ والعمرة في إحرامه ، لم ينعقد إحرامه إلّا بالحجّ ، قاله الشيخ في الخلاف
، فإن أتي بأفعال الحجّ ، لم يلزمه دم .
وإن أراد أن يأتي
بأفعال العمرة ويُحِلّ ويجعلها متعةً ، جاز ذلك ، ويلزمه الدم ـ وبه قال الشافعي ومالك والأوزاعي والثوري وطاوُس وأبو حنيفة وأصحابه ـ لأصالة براءة الذمّة من الدم لو أتىٰ
بأفعال الحجّ بانفراده ، فيقف شغلها علىٰ دليل ، ولم يثبت .
وقال الشعبي : عليه
بدنة .
وقال داوُد : لا شيء
عليه .
واستُفتي محمد ـ ابْنُه
ـ عن هذا بمكّة ، فأفتىٰ بمذهب أبيه ، فجرّوا برِجْله .
مسألة ٤٣٧ : يجوز للقارن والمُفْرد إذا قدما مكّة الطوافُ ، لكنّهما يجدّدان التلبية ؛ ليبقيا علىٰ إحرامهما .
ولو لم يجدّد التلبية
، قال الشيخ رحمهالله : أحلّا وصارت حجّتهما مفردةً
.
وقال في التهذيب :
إنّما يحلّ المُفْرد لا القارن .
وأنكر ابن إدريس ذلك
، وقال : إنّما يحلّان بالنيّة لا بمجرّد الطواف
__________________
والسعي
.
والشيخ ـ رحمهالله ـ استدلّ : بما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( إذا أهلّ الرجل بالحجّ ثم قدم مكّة
وطاف بالبيت وسعىٰ بين الصفا والمروة فقد حلّ وهي عمرة ) .
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : سألته عن المفرد للحجّ هل يطوف
بالبيت بعد طواف الفريضة ؟ قال : « نعم ما شاء ، ويجدّد التلبية بعد الركعتين ، والقارن بتلك المنزلة يعقدان ما أحلّا من الطواف بالتلبية » .
قال الشيخ : فقه هذا
الحديث : أنّه قد رخص للقارن والمفرد أن يقدّما طواف الزيارة قبل الوقوف بالموقفين ، فمتىٰ فَعَلا ذلك فإن لم يجدّدا التلبية ، يصيرا مُحلّين ، ولا يجوز ذلك ، فلأجله أمر المفرد والسائق بتجديد التلبية مع أنّ السائق لا يحلّ وإن كان قد طاف ؛ لسياقه الهدي
.
مسألة ٤٣٨ : إذا أتمّ المتمتّع أفعال عمرته وقصّر ، فقد أحلّ ، وإن كان قد
ساق هدياً ، لم يجز له التحلّل ، وكان قارناً ـ قاله الشيخ في الخلاف
، وبه قال ابن أبي عقيل ـ لقوله صلىاللهعليهوآله : ( مَنْ لم يكن ساق الهدي فليتحلّل )
__________________
شرط
في التحلّل عدم السياق .
وقال الشافعي :
يتحلّل ، سواء ساق هديه أو لم يسق .
وقال أبو حنيفة : إن
لم يكن ساق ، تحلّل ، وإن كان ساق ، لم يتحلّل ، واستأنف إحراماً للحجّ ، ولا يحلّ حتىٰ يفرغ من مناسكه
.
وهو باطل ؛ لأنّ تجديد
الإحرام إنّما يمكن مع الإحلال ، أمّا المُحْرم فهو باقٍ علىٰ إحرامه ، فلا وجه لتجديد الإحرام .
ولأنّ النبي صلىاللهعليهوآله لم يتحلّل ، وعلّل بأنّه ساق الهدي
، وقال عليهالسلام : ( لا يتحلّل سائق الهدي حتىٰ يبلغ الهدي محلّه )
.
مسألة ٤٣٩ : إذا فرغ المتمتّع من عمرته وأحلّ ثم أحرم بالحجّ ، فقد استقرّ دم التمتّع بإحرام الحجّ عليه ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي
ـ لقوله تعالىٰ : (
فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ )
فجعل الحجّ غايةً لوجوب الهدي ، والغاية وجود أوّل الحجّ دون إكماله ، كما في قوله تعالىٰ : (
ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ )
.
__________________
وما رواه العامّة عن
ابن عمر قال : تمتّع الناس علىٰ عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : ( مَنْ كان معه هدي فإذا أهلّ
بالحجّ فليهد ، ومن لم يكن معه هدي فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلىٰ أهله )
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادقَ عليهالسلام : « مَنْ تمتّع في أشهر الحجّ ثم أقام بمكة حتىٰ يحضر الحج فعليه شاة ، ومَنْ تمتّع في غير أشهر الحجّ ثم جاوز حتىٰ يحضر الحج فليس عليه دم ، إنّما هي حجّة مفردة ، وإنّما الأضحىٰ علىٰ أهل الأمصار » .
مسألة ٤٤٠ : المتمتّع إذا طاف وسعىٰ للعمرة ثم أحرم بالحجّ قبل أن يقصّر ، قال الشيخ : بطلت متعته وكانت حجّته مبتولةً ، وإن فعل ذلك ناسياً فليمض فيما أخذ فيه ، وقد تمّت متعته ، وليس عليه شيء
.
لرواية العلاء بن
الفضيل ، قال : سألته عن رجل تمتّع فطاف ثم أهلّ بالحجّ قبل أن يقصّر ، قال : « بطلت متعته ، وهي حجّة مبتولة »
.
ودلّ علىٰ حال
النسيان : ما رواه عبد الله بن سنان ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام : عن رجل متمتّع نسي أن يقصّر حتىٰ
أحرم بالحجّ ، قال : « يستغفر الله » .
__________________
وقال بعض علمائنا في
الناسي : عليه دم .
وقال بعضهم : يبطل
الإحرام الثاني ، سواء وقع عمداً أو سهواً ، ويبقىٰ علىٰ إحرامه الأوّل .
مسألة ٤٤١ : قد تقدّم أنّ إحرام المتمتّع والمُفْرد ينعقد
بالتلبية ، وأنّ إحرام القارن ينعقد بها أو بالإشعار أو التقليد ، فإن عقد بالتلبية ، استحبّ له الإشعار أو التقليد ـ وبه قال الشافعي ومالك ، إلّا أنّ الشافعي قال : الإحرام ينعقد بمجرّد النيّة وإن لم يُلبِّ ولا أشعر ولا قلّد
ـ لما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله دعا ببدنة فأشعرها في صفحة سنامها
الأيمن ثم سلت الدم عنها .
وعن عروة [ عن المِسْوَر
] بن مخرمة ومروان ، قالا : خرج
__________________
رسول
الله صلىاللهعليهوآله ، فلمّا كان بذي الحليفة قلّد الهدي
وأشعره .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « مَنْ أشعر بدنته فقد أحرم وإن لم يتكلّم بقليل ولا كثير » .
وقال أبو حنيفة :
الإشعار مُثْلة وبدعة وتعذيب للحيوان ، ولم يعرف تقليد الغنم .
وهو مدفوع بما تقدّم
.
وبما رواه العامّة عن
جابر الأنصاري قال : كان هدايا رسول الله صلىاللهعليهوآله غنماً مقلّدة .
وعن عائشة أنّ رسول
الله صلىاللهعليهوآله أهدىٰ غنماً مقلّدة
.
مسألة ٤٤٢ : إذا قصّر المتمتّع من عمرته ، أحرم للحجّ من مكّة ، وفَعَل حالة الإحرام يوم التروية كما فَعَله أوّلاً عند الميقات من أخذ الشارب وقَلْم الأظفار والاغتسال وغير ذلك ؛ لأنّه أحد الإحرامين ، فاستحبّ فيه ما استحبّ في الآخر .
__________________
ولقول الصادق عليهالسلام : « إذا أردت أن تُحْرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تُحْرم » الحديث ، إلّا أنّه هنا يلبّي بالحجّ .
مسألة ٤٤٣ : إحرام المرأة كإحرام الرجل إلّا في أمرين : رفع الصوت بالتلبية ، وقد تقدّم ، ولُبْس المخيط ، فإنّه جائز لهنّ ؛
لما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه نهىٰ النساء في إحرامهنّ عن
القُفّازين والنقاب وما مسّه الوَرْس من الثياب ، ولتلبس بعد ذلك ما أحبّته من ألوان الثياب
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « المرأة المُحْرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقُفّازين » وكره النقاب وقال : « تسدل الثوب علىٰ وجهها » قال : حدّ ذلك إلىٰ أين ؟ قال : « إلىٰ طرف الأنف
قدر ما تبصر » .
مسألة ٤٤٤ : إحرام المرأة في وجهها ، فلا تخمره ، ولا يجوز لها أن تغطّيه بمخيط ولا بغيره بإجماع العلماء ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : ( لا تتنقّب المرأة ولا تلبس القُفّازين )
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الباقر عليهالسلام : « المُحْرمة لا تتنقّب لأنّ إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه » .
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يجوز لها أن تسدل الثوب علىٰ رأسها إلىٰ طرف
__________________
أنفها
، وتستر المُحْرمة سائر جسدها إلّا وجهها ، ولها سدل الثوب علىٰ وجهها بحيث لا يمسّه ؛ لأنّه ليس بستر حقيقة ، ولهذا جاز للمُحْرم أن يظلّل علىٰ نفسه حالة النزول .
ولو أصاب الثوب وجهها
، قال بعض العامّة : إن إزالته في الحال ، فلا شيء عليها ، وإلّا وجب عليها دم .
ولا يجوز لها لُبْس
البُرْقع ؛ للرواية .
ويجوز لها لُبْس
السراويل ؛ لأنّ الحلبي سأل الصادق عليهالسلام : عن المرأة إذا أحرمت أتلبس السراويل ؟ قال : « نعم إنّما تريد بذلك الستر »
.
ويجوز لها أن تلبس
الغلالة إذا كانت حائضاً لتحفظ ثيابها من الدم ؛ لأنّ الصادق عليهالسلام قال : « تلبس المرأة المُحْرمة الحائض
تحت ثيابها غلالة » .
__________________

الفصل
الثاني في دخول مكّة
إذا فرغ المتمتّع من إحرام
العمرة من الميقات ثم صار إلىٰ مكّة فقارب الحرم ، استحبّ له أن يغتسل قبل دخوله ؛ لأنّ أبان بن تغلب كان مع الصادق عليهالسلام ، لمّا انتهىٰ إلىٰ الحرم
نزل واغتسل وأخذ نعليه بيديه ثم دخل الحرم حافياً ، فصنعتُ مثل ما صنع ، فقال : « يا أبان مَنْ صنع مثل ما رأيتني صنعتُ تواضعاً لله عزّ وجلّ محىٰ الله عنه مائة ألف سيّئة ، وكتب له مائة ألف حسنة ، وبنىٰ له مائة ألف درجة ، وقضىٰ له مائة ألف حاجة »
.
ولو لم يتمكّن من الغسل
عند دخول الحرم ، جاز له أن يؤخّره إلىٰ قبل دخول مكة ، فإن لم يتمكّن ، فبعد دخولها ؛ للرواية
.
مسألة ٤٤٥ : يستحب له مضغ شيء من الإذخر عند دخول الحرم ؛ ليطيب فمه .
ولقول الصادق عليهالسلام : « إذا دخلت الحرم فتناول من الإذخر فامضغه » وكان يأمر اُمّ فروة بذلك .
ويستحب له الدعاء عند
دخول الحرم بالمنقول ، فإذا نظر إلىٰ بيوت مكة ، قطع التلبية ، وحدّها عقبة المدينين . ولو أخذ علىٰ طريق المدينة ، قطع التلبية إذا نظر إلىٰ عريش مكة ، وهي عقبة ذي طُوىٰ ـ وهو من سواد
__________________
مكة
قريب منها ـ بضم الطاء ، وقد تُفتح وتُكسر .
ويستحب له أن يدخل
مكة من أعلاها إذا كان داخلاً من طريق المدينة ، ويخرج من أسفلها ؛ لأنّ يونس بن يعقوب سأل الصادقَ عليهالسلام : من أين أدخل مكة وقد جئتُ من المدينة ؟ قال : « ادخل من أعلىٰ مكة ، وإذا خرجت تريد المدينة فاخرج من أسفل مكة » .
وروىٰ العامّة
: أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان يدخل من الثنيّة العُلْيا ويخرج من
الثنيّة السُفْلىٰ .
وهذا في حقّ مَنْ يجيء
من المدينة والشام ، فأمّا الذين يجيئون من سائر الأقطار فلا يؤمرون بأن يدوروا ليدخلوا من تلك الثنيّة . وكذا في الاغتسال بذي طُوىٰ .
وقيل : بل هو عام ،
ليحصل التأسّي بالنبي صلىاللهعليهوآله .
ويستحب له أن يغتسل
لدخول مكّة من بئر ميمون أو فخّ ؛ لما روىٰ العامّة أنّ النبي صلىاللهعليهوآله فَعَله
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « إنّ الله عزّ وجلّ يقول في كتابه : ( طَهِّرَا بَيْتِيَ
لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ )
وينبغي للعبد أن لا يدخل مكة إلّا وهو طاهر قد غسل عرقه والأذىٰ وتطهّر »
.
__________________
ولو اغتسل ثم نام قبل
دخولها ، استحب إعادته ؛ لأنّ عبد الرحمن بن الحجّاج سأل الكاظم عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن الرجل يغتسل لدخول
مكة ثم ينام [ فيتوضّأ ] قبل أن يدخل الحرم ، قال : « لا يجزئه
، لأنّه إنّما دخل بوضوء » .
ويستحب له أن يدخل
مكة بسكينة ووقار حافياً ؛ لأنّه أبلغ في الطاعة .
ولأنّ الصادق عليهالسلام فَعَله .
مسألة ٤٤٦ : دخول مكة واجب للمتمتّع ، أوّلاً يطوف بالبيت ويسعىٰ ويقصّر ثم يُنشئ إحرام الحجّ ، أمّا القارن والمفرد فلا يجب عليهما ذلك ؛ لأنّ الطواف والسعي إنّما يجب عليهما بعد الموقفين ونزول منىٰ وقضاء بعض مناسكها ، لكن يجوز لهما أيضاً دخول مكة والمقام بها علىٰ إحرامهما حتىٰ
يخرجا إلىٰ عرفات ، فإن أرادا الطواف بالبيت استحباباً ، جاز ، غير أنّهما يجدّدان التلبية عقيب كلّ طواف وسعي حتىٰ يخرجا إلىٰ عرفات .
وقد بيّنّا أنّ كلّ
مَنْ دخل مكة يجب أن يكون مُحْرماً ، إلّا المتكرّر ، كالحطّاب والمرضىٰ والرُّعاة والمقاتل شرعاً ، والعبد ؛ لأنّ السيّد لم يأذن
له بالتشاغل عن خدمته .
ومَنْ يجب عليه دخول
مكة بإحرام لو دخلها بغير إحرام ، لم يجب عليه القضاء ـ وبه قال الشافعي ـ لأصالة البراءة .
__________________
وقال أبو حنيفة :
عليه أن يأتي بحجّة أو عمرة ، فإن فعل في سنته لحجّة الاسلام أو منذورة أو عمرة منذورة ، أجزأه ذلك عن عمرة الدخول [ استحساناً ] ، وإن لم يحجّ من سنته ، استقرّ القضاء
.
مسألة ٤٤٧ : الحائض والنفساء يستحب لهما الاغتسال لدخول مكّة ؛ لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أمر عائشة لمّا حاضت : ( افعلي ما يفعل
الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ) .
ويجوز دخول مكّة ليلاً
ونهاراً إجماعاً ؛ للأصل .
وحكي عن عطاء أنّه
كره دخولها ليلاً .
وقال إسحاق : دخولها
نهاراً أولىٰ . وحكي ذلك عن النخعي
.
والأصل أنّه عليهالسلام دخلها تارةً ليلاً وتارةً نهاراً
.
مسألة ٤٤٨ : إذا أراد دخول المسجد الحرام ، استحبّ له أن يغتسل ؛ لما تقدّم . وأن يدخله علىٰ سكينة ووقار حافياً بخشوع وخضوع من باب بني شيبة ؛ لأنّ هبل الصنم مدفون تحت عتبة باب بني شيبة ، فاستحبّ الدخول منها ليطأه الداخل برجله . ويدعو بالمنقول .
__________________
الفصل
الثالث في الطواف
وفيه مباحث :
الأوّل : في مقدّماته .
مسألة ٤٤٩ : الطهارة شرط في الطواف الواجب ، فلا يصحّ طواف المحدث عند علمائنا ـ وبه قال مالك والشافعي ـ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله ، قال : ( الطواف بالبيت صلاة إلّا أنّكم
تتكلّمون فيه ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « لا بأس أن تقضي المناسك كلّها علىٰ غير وضوء إلّا الطواف بالبيت ، والوضوء أفضل »
.
ولو شرع في الطواف
الواجب علىٰ غير طهارة فذَكَر ، أعاده ؛ لأنّ زرارة سأل الباقرَ عليهالسلام : عن الرجل يطوف بغير وضوء أيعتدّ بذلك
الطواف ؟ قال : « لا » وهو يتناول العامد والساهي .
ولو ذكر في الأثناء
أنّه محدث ، أعاد الطواف من أوّله ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل الكاظم ـ في الصحيح ـ : عن رجل طاف بالبيت وهو جنب فذكر
__________________
وهو
في الطواف ، فقال : « يقطع طوافه ولا يعتدّ به »
.
وقال أبو حنيفة :
ليست الطهارة شرطاً . واختلف أصحابه ، فقال بعضهم بالأوّل ، وبعضهم بالثاني
.
وعن أحمد روايتان :
إحداهما كقولنا ، والثاني : أنّ الطهارة ليست شرطاً . فمتىٰ طاف للزيارة غير متطهّر ، أعاد ما دام مقيماً بمكّة ، فإن خرج
إلىٰ بلده ، جبره بدم .
مسألة ٤٥٠ : لا تُشترط الطهارة في طواف النافلة وإن كانت أفضل ؛ لقول الصادق عليهالسلام : في رجل طاف علىٰ غير وضوء : «
إن كان تطوّعاً فليتوضّأ وليصلّ » .
وسأل عبيدُ بن زرارة الصادقَ
عليهالسلام : إنّي أطوف طواف النافلة وإنّي علىٰ غير وضوء ، فقال : « توضّأ وصلّ وإن كنت
متعمّداً » .
مسألة ٤٥١ : يشترط خُلوّ البدن والثوب من النجاسة في صحّة
__________________
الطواف
، سواء كانت النجاسة دماً أو غيره ، قلّت أو كثرت ؛ لقوله عليهالسلام : ( الطواف بالبيت صلاة ) .
ولأنّها شرط في
الصلاة ، فتكون شرطاً في الطواف .
[ والستر شرط في
الطواف ] ـ والخلاف فيه كما تقدّم ـ لقوله عليهالسلام : ( الطواف بالبيت صلاة ) .
وقوله عليهالسلام : ( لا يحجّ بعد العام مشرك ولا عريان )
.
ولأنّها عبادة
متعلّقة بالبدن ، فكانت الستارة شرطاً فيها ، كالصلاة .
والختان شرط في الطواف
للرجل مع القدرة دون المرأة ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « الأغلف لا يطوف
بالبيت ولا بأس أن تطوف المرأة » .
مسألة ٤٥٢ : يستحب أن يغتسل لدخول المسجد ويدخل من باب بني شيبة بعد أن يقف عندها ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله دخل منها
.
ويسلّم علىٰ
النبي صلىاللهعليهوآله ، ويدعو بالمأثور .
ويكون دخوله بخضوع
وخشوع ، وعليه سكينة ووقار ، ويقول إذا نظر إلىٰ الكعبة : الحمد لله الذي عظّمك وشرّفك وكرّمك وجعلك مثابة للناس وآمناً مباركاً وهدىٰ للعالمين .
__________________
البحث الثاني : في كيفية الطواف .
مسألة ٤٥٣ : يجب في الطواف : النيّة ، وهي شرط ؛ لقوله عليهالسلام : ( لا عمل إلّا بالنيّة ) .
وهو أن ينوي الطواف
للحجّ أو العمرة واجباً أو ندباً قربةً إلىٰ الله تعالىٰ .
ويجب أن يبتدئ في
الطواف من الحجر الأسود الذي في الركن العراقي ؛ فإنّ البيت له أربعة أركان : ركنان يمانيّان ، وركنان شاميّان ، وكان لاصقاً بالأرض ، وله بابان : شرقيّ وغربيّ ، فهدمه السيل قبل مبعث رسول الله صلىاللهعليهوآله بعشر سنين ، وأعادت قريش عمارته علىٰ
الهيئة التي هو عليها اليوم ، وقصرت الأموال الطيّبة والهدايا والنذور عن عمارته ، فتركوا من جانب الحجر بعض البيت .
روت عائشة : أنّ
النبي صلىاللهعليهوآله قال : ( ستّة أذرع من الحِجْر من البيت ) .
فتركوا بعض البيت من جانب
الحجر خارجاً ؛ لأنّ النفقة كانت تضيق عن العمارة ، وخلّفوا الركنين الشاميّين عن قواعد إبراهيم عليهالسلام ، وضيّقوا عرض الجدار من الركن الأسود إلىٰ الشامي الذي يليه ، فبقي من الأساس شبه الدكان مرتفعاً ، وهو الذي يسمّىٰ : الشاذروان .
وروي أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال لعائشة : ( لولا حدثان قومك بالشرك
__________________
لهدمت
البيت وبنيته علىٰ قواعد إبراهيم عليهالسلام ، فألصقته بالأرض ، وجعلتُ له بابين شرقيّاً وغربيّاً ) .
ثم هدمه ابن الزبير
أيّام ولايته ، وبناه علىٰ قواعد إبراهيم عليهالسلام ، كما تمنّاه رسول الله صلىاللهعليهوآله .
ثم لمّا استولىٰ
عليه الحجّاج ، هدمه ، وأعاده علىٰ الصورة التي عليه اليوم ، وهي بناء قريش والركن الأسود ، والباب في صوب الشرق والأسود ، وهو أحد الركنين اليمانيّين ، والباب بينه وبين أحد الشاميّين ، وهو الذي يسمّىٰ عراقيّاً أيضاً ، والباب إلىٰ الأسود أقرب منه إليه ، ويليه
الركن الآخر الشامي ، والحجر بينهما ، والميزاب بينهما ، ويلي هذا الركن اليماني الآخر الذي عن يمين الأسود .
مسألة ٤٥٤ : ويجب أن يحاذي بجميع بدنه الحجر الأسود في مروره حين الابتداء به في الطواف ، فلو ابتدأ الطائف من غير الحجر الأسود ، لم يعتد بما فَعَله حتىٰ ينتهي إلىٰ الحجر الأسود ، فيكون
منه ابتداء طوافه إن جدّد النيّة عنده أو استصحبها فعلاً .
ولو نسيها واستمرّ علىٰ
نيّته الاُولىٰ ، لم يعتد بذلك الشوط ، فإن جدّد النيّة في ابتداء الشوط الثاني ، وإلّا بطل طوافه .
وينبغي أن يمرّ عند
الابتداء بجميع بدنه علىٰ الحِجْر الأسود بأن لا يقدّم جزءاً من الحجر ، فلو حاذاه ببعض البدن ، لم يعتد بذلك الطواف ،
__________________
وهو
الجديد للشافعي ـ وقال في القديم : يعتد به
ـ لما رواه العامّة عن جابر أنّ النبي صلىاللهعليهوآله بدأ بالحجر ، فاستلمه ، وفاضت عيناه من
البكاء .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « من اختصر في الحِجْر الطواف فليعد طوافه من الحِجْر الأسود »
والأمر للوجوب ، ولا نعلم فيه خلافاً .
مسألة ٤٥٥ : وكما يجب الابتداء بالحجر الأسود يجب الختم به هكذا سبعة أشواط ، فلو ترك ولو خطوة منها ، لم يجزئه ، ولا تحلّ له النساء حتىٰ يعود إليها ، فيأتي بها ؛ لأنّ رعاية العدد شرط في صحة الطواف عندنا ـ وبه قال الشافعي ومالك وأحمد ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله طاف بالبيت سبعاً .
وقال عليهالسلام : ( خُذوا عنّي مناسككم ) .
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : قلت : رجل طاف بالبيت فاختصر
شوطاً واحداً في الحجر ، قال : « يعيد ذلك الشوط » .
__________________
ولأنّها عبادة واجبة
ذات عدد فلا يقوم أكثر عددها مقام كلّها ، كالصلاة .
ولأنّه مأمور بعدد ،
فلا يخرج عن العهدة ببعضه ؛ إذ الفائت لا بدل له مطلقاً .
وقال أبو حنيفة : إذا
طاف أربعة أشواط ، فإن كان بمكة ، لزمه إتمام الطواف ، وإن خرج ، لزمه جبرها بدم ، لأنّ أكثر الشيء يقوم مقام الجميع ، فإنّ مَنْ أدرك ركوع الإمام أدرك ركعته ؛ لأنّه أدرك أكثرها
.
وهو خطأ ؛ فإنّ
الفائت هو القراءة والإمام ينوب فيها ، بخلاف صورة النزاع .
مسألة ٤٥٦ : ويجب أن يطوف علىٰ يساره بأن يجعل البيت عن يساره ، ويطوف علىٰ يمين نفسه ، فلو نكس وجعل البيت عن يمينه ومرّ علىٰ وجهه نحو الركن اليماني وطاف ، لم يجزئه ، ووجب عليه الإعادة عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي ومالك وأحمد ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله ترك البيت في طوافه علىٰ جانبه اليسار .
وقال عليهالسلام : ( خُذوا عنّي مناسككم ) فيجب اتّباعه .
__________________
وقال أبو حنيفة :
يعيد الطواف ما دام بمكة ، فإن فارقها ، أجزأه دم شاة ، لأنّه أتىٰ بالطواف ، وإنّما ترك هيئةً من هيئاته ، فلا يمنع إجزاءه
كما لو ترك الرمل .
والفرق ندبية الرمل .
مسألة ٤٥٧ : ويجب أن يجعل البيت علىٰ جانبه الأيسر ويطوف كذلك الأشواط السبعة ، فلو استقبل البيت بوجهه وطاف معترضاً ، لم يصح ـ وهو أحد وجهي الشافعيّة ـ لأنّه لم يُولّ الكعبة شقّه الأيسر ،
كما أنّ المصلّي لمّا اُمر بأن يولّي الكعبة صدره ووجهه ، لم يجز له أن يولّيها شقّه .
والوجه الثاني
للشافعية : الجواز ؛ لحصول الطواف في يسار البيت
.
وكذا يجري الخلاف
فيما لو ولّاها بشقّه الأيمن ومرّ القهقرىٰ نحو الباب أو استدبر ومرّ معترضاً .
ومن صحّح الطواف
فالمعتبر عنده أن يكون تحرّك الطائف ودورانه في يسار البيت .
مسألة ٤٥٨ : ويجب أن يكون بجميع بدنه خارجاً من البيت ، فلا يجوز أن يمشي علىٰ شاذروان البيت ؛ لأنّه من البيت ، والطواف المأمور به هو الطواف بالبيت .
قال الله تعالىٰ
: ( وَلْيَطَّوَّفُوا
بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) وإنّما يكون طائفاً به لو كان خارجاً عنه ، وإلّا كان طائفاً فيه .
__________________
ويجب أن يدخل الحِجْر
في طوافه ، وهو الذي بين الركنين الشاميّين ، وهو موضع محوّط عليه بجدار قصير بينه وبين كلّ واحد من الركنين فتحة ، والميزاب منصوب عليه ، فلو مشىٰ على حائطه أو دخل من إحدىٰ الفتحتين وخرج من الاُخرىٰ وسلك الحِجْر ، لم يجزئ ؛ لأنّه يكون
ماشياً في البيت ، بل يجب أن يطوف حول الحِجْر ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله كذا طاف
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « من اختصر في الحِجْر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود » .
وكتب إبراهيم بن
سفيان إلىٰ الرضا عليهالسلام : امرأة طافت طواف الحج ، فلمّا كانت في الشوط السابع اختصرت ، فطافت في الحِجْر ، وصلّت ركعتي الفريضة ، وسعت وطافت طواف النساء ، ثم أتت منىٰ ، فكتب : « تعيد »
.
والقول الثاني
للشافعي : إنّ الذي هو من البيت من الحِجْر قدر ستّة أذرع تتّصل بالبيت ؛ لأنّ عائشة قالت : نذرتُ أن اُصلّي ركعتين في البيت ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله : ( صلّي في الحِجْر ، فإنّ ستّة أذرع
منه من البيت ) .
ومنهم مَنْ يقول :
ستّة أو سبعة أذرع ، بنوا الأمر فيه علىٰ التقريب
.
وقال أبو حنيفة : إذا
سلك الحِجْر ، أجزأه . وليس بجيّد .
__________________
ولو دخل إحدىٰ
الفتحتين وخرج من الاُخرىٰ ، لم يحسب له ـ وبه قال الشافعي في أحد قوليه ـ ولا طوافه بعده حتىٰ ينتهي إلىٰ
الفتحة التي دخل منها .
ولو خلّف القدر الذي
هو من البيت ثم اقتحم الجدار وتخطّىٰ الحِجْر ، ففي صحّة طوافه للشافعية وجهان ، وعندنا لا يصحّ ؛ لما تقدّم .
مسألة ٤٥٩ : لو كان يطوف ويمسّ الجدار بيده في موازاة الشاذروان أو أدخل يده في موازاة ما هو من البيت من الحِجْر ، فالأقرب عدم الصحّة ـ وهو أحد وجهي الشافعية ـ لأنّ بعض بدنه في البيت ، ونحن شرطنا
خروج بدنه بأسره من البيت .
والثاني للشافعية :
الجواز ؛ لأنّ معظم بدنه خارج ، وحينئذٍ يصدق أن يقال : إنّه طائف بالبيت .
وهو ممنوع ؛ لأنّ بعض
بدنه في البيت ، كما لو كان يضع إحدىٰ رجليه أحياناً علىٰ الشاذروان ويقف بالاُخرىٰ .
مسألة ٤٦٠ : ويجب أن يكون الطواف داخل المسجد ، فلا يجوز الطواف خارج المسجد ، كما يجب أن لا يكون خارج مكّة والحرم .
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يجب عندنا أن يكون الطواف بين البيت والمقام ويدخل الحِجْر في طوافه ، فلو طاف في المسجد خلف المقام ، لم يصح طوافه ؛ لأنّه خرج بالتباعد عن القدر الواجب ، فلم يكن مجزئاً .
__________________
روىٰ محمد بن
مسلم ، قال : سألته عن حدّ الطواف بالبيت الذي مَنْ خرج منه لم يكن طائفاً بالبيت ، قال : « كان [ الناس ]
علىٰ عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله يطوفون بالبيت والمقام ، وأنتم اليوم
تطوفون ما بين المقام وبين البيت ، فكان الحدّ من موضع المقام اليوم ، فمن جازه فليس بطائف ، فالحدّ قبل اليوم واليوم واحد قدر ما بين المقام وبين البيت ومن نواحي البيت كلّها ، فمن طاف فتباعد من نواحيه أكثر من مقدار ذلك كان طائفاً بغير البيت بمنزلة مَنْ طاف بالمسجد ، لأنّه طاف في غير حدّ ، ولا طواف له »
.
وقد روىٰ
الصدوق عن أبان عن محمد الحلبي عن الصادق عليهالسلام ، قال : سألته عن الطواف خلف المقام ، قال : « ما أحبّ ذلك وما أرىٰ به بأساً فلا تفعله إلّا أن لا تجد منه بُدّاً » .
وهو يُعطي الجواز مع
الحاجة كالزحام .
وقال الشافعي : لا
بأس بالحائل بين الطائف والبيت ، كالسقاية والسواري ، ولا بكونه في آخر باب المسجد وتحت السقف وعلىٰ الأروقة والسطوح إذا كان البيت أرفع بناءً علىٰ ما هو اليوم ، فإن جعل سقف المسجد أعلىٰ ، لم يجز الطواف علىٰ سطحه ، ويستلزم أنّه لو انهدمت الكعبة ـ والعياذ بالله ـ لم يصح الطواف حول عرصتها ، وهو بعيد .
ولو اتّسعت خطّة
المسجد ، اتّسع المطاف ، وقد جعلته العبّاسية أوسع ممّا كان في عهد النبي صلىاللهعليهوآله .
__________________
وهذا كلّه عندنا باطل
.
مسألة ٤٦١ : إذا فرغ من طواف سبعة أشواط تامّة ، صلّىٰ ركعتي الطواف في مقام إبراهيم عليهالسلام حيث هو الآن ـ وهو سنة ثمان عشرة وسبعمائة ـ لأنّ إبراهيم بن أبي محمود قال للرضا عليهالسلام : اُصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة أو حيث كان علىٰ عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله ؟ قال : « حيث هو الساعة »
.
فإن كان الطواف
مستحبّاً ، كانت هاتان الركعتان مستحبّتين ، وإن كان الطواف فرضاً ، كانت الركعتان فرضاً عند أكثر علمائنا
ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه ـ لقوله تعالىٰ : ( وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) .
ولأنّ النبي صلىاللهعليهوآله صلّاهما ، وتلا قوله تعالىٰ : ( وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) فأفهم الناس أنّ هذه الآية أمر بهذه
الصلاة ، والأمر للوجوب .
ولأنّه عليهالسلام فَعَلَهما وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم )
.
__________________
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم عليهالسلام ، فصلّ ركعتين ، واجعله أمامك ، واقرأ فيهما سورة التوحيد : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . وفي الثانية : قُلْ يَا أَيُّهَا
الْكَافِرُونَ
، تم تشهّد واحمد الله وأثن عليه وصلّ علىٰ النبي صلىاللهعليهوآله ، وسَلْه أن يتقبّل منك ، وهاتان الركعتان هُما الفريضة ليس يكره أن تصلّيهما أيّ الساعات شئْتَ : عند طلوع الشمس وعند غروبها ، ولا تؤخّرها ساعة تطوف وتفرغ فصلّهما » .
وقال مالك والشافعي
في القول الثاني ، وأحمد : أنّهما مستحبّتان ـ وهو قول شاذّ من علمائنا ـ لأنّها صلاة لم يشرع لها أذان ولا
إقامة ، فلا تكون واجبةً .
قلنا : تكون واجبةً ،
ولا يسنّ لها الأذان ، وكذا العيد الواجب والكسوف .
مسألة ٤٦٢ : يجب أن يصلّي هاتين الركعتين في المقام ـ عند أكثر علمائنا ـ في طواف الفريضة ، وفي النفل يصلّيهما حيث كان من المسجد ؛ لقول أحدهما عليهماالسلام : « لا ينبغي أن تصلّي ركعتي طواف
الفريضة إلّا عند مقام إبراهيم ، فأمّا التطوّع فحيثما شئت من المسجد »
.
__________________
وبه قال الثوري ومالك
؛ لما تقدّم من الآية والأحاديث .
ولقول الصادق عليهالسلام : « ليس لأحد أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة إلّا خلف المقام ، لقول الله تعالىٰ : (
وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى )
فإن صلّيتهما في غيره فعليك إعادة الصلاة » .
وقال الشيخ في الخلاف
: يستحب فعلهما خلف المقام ، فإن لم يفعل وفَعَل في غيره ، أجزأه . وبه قال الشافعي ؛ لأنّها صلاة ، فلا
تختص بمكان كغيرها من الصلوات .
والقياس لا يعارض
القرآن والسنّة .
إذا عرفت هذا ، فلو
كان هناك زحام ، صلّىٰ خلف المقام ، فإن لم يتمكّن ، صلّىٰ حياله علىٰ أحد جانبيه ؛ لأنّ الحسين بن عثمان قال
: رأيت أبا الحسن عليهالسلام يصلّي ركعتي الفريضة بحيال المقام
قريباً من الظلال لكثرة الناس .
وقال الشافعي : يستحب
أن يصلّيهما خلف المقام ، فإن لم يفعل ، ففي الحجر ، فإن لم يفعل ، ففي المسجد ، فإن لم يفعل ، ففي أيّ موضع
__________________
شاء
من الحرم وغيره .
والقرآن
يُبطله .
ولا تجزئ الفريضة عن
هاتين الركعتين .
وقال الشافعي : إن
قلنا بعدم وجوبهما ، فلو صلّىٰ فريضةً بعد الطواف ، حُسبت عن ركعتي الطواف اعتباراً بتحيّة المسجد ، ذكره في القديم ، واستبعده الجويني .
مسألة ٤٦٣ : قد بيّنّا أنّ ركعتي طواف المندوب مندوبتان .
وللشافعية طريقان :
أحدهما : القطع بعدم الوجوب ؛ لأنّ أصل الطواف ليس بواجب فكيف يكون تابعه واجباً ! ؟ والثاني : طرد القولين .
ولا يبعد اشتراك
الفرض والنفل في الشرائط كاشتراك صلاة الفرض والتطوّع في الطهارة وستر العورة ، وكذا يشتركان في الأركان كالركوع والسجود .
مسألة ٤٦٤ : لو نسي ركعتي طواف الفريضة ، رجع إلىٰ المقام ، وصلّاهما فيه مع القدرة ، فإن شقّ عليه الرجوع ، صلّىٰ حيث ذكر ؛ لأنّ محمد بن مسلم روىٰ ـ في الصحيح ـ عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سُئل عن رجل طاف طواف النساء ولم يصلّ لذلك الطواف حتىٰ ذكر وهو بالأبطح ،
__________________
قال
: « يرجع إلىٰ المقام فيصلّي الركعتين » .
وسأل أبو بصير ـ في
الصحيح ـ الصادقَ عليهالسلام : عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام وقد قال الله تعالىٰ : ( وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) قال : « فإن كان ارتحل فإنّي لا أشقّ
عليه ولا آمره أن يرجع ولكن يصلّي حيث ذكر » .
ولو صلّىٰ في
غير المقام ناسياً ثم ذكر ، تداركه ، ورجع إلىٰ المقام ، وأعاد الصلاة ؛ لأنّ المأمور به لم يقع ، فيبقىٰ في العهدة .
ولأنّ عبد الله الأبزاري
سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل نسي فصلّىٰ ركعتي طواف الفريضة في الحِجْر ، قال : « يعيدهما خلف المقام ، لأنّ الله تعالىٰ يقول : (
وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى )
يعني بذلك ركعتي [ طواف ] الفريضة » .
ولو لم يتمكّن من الرجوع
، استناب مَنْ يصلّي عنه في المقام ؛ لأنّ ابن مسكان قال : حدّثني مَنْ سأله عن الرجل ينسىٰ ركعتي طواف الفريضة حتىٰ يخرج ، فقال : « يوكّل » .
وقد اختصّت هذه
الصلاة عن غيرها من الصلوات بجريان النيابة فيها ، فإنّ الأجير يؤدّيها عن المستأجر .
مسألة ٤٦٥ : وقت ركعتي الطواف وقت فراغه منه وإن كان أحد
__________________
الأوقات
المكروهة إن كان الطواف فرضاً ، وإن كان ندباً ، أخّرهما إلىٰ بعد طلوع الشمس أو بعد المغرب ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « صلّ ركعتي طواف الفريضة بعد الفجر كان أو بعد العصر » .
وأمّا التأخير في
النفل : فلما رواه محمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن أحدهما عليهماالسلام : عن الرجل يدخل مكة بعد الغداة أو بعد
العصر ، قال : « يطوف ويصلّي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها »
.
ولو طاف في وقت فريضة
، قال الشيخ رحمهالله : قدّم الفريضة علىٰ صلاة الطواف .
ولو صلّىٰ
المكتوبة بعد الطواف ، لم تُجزئه عن الركعتين ـ وبه قال الزهري ومالك وأصحاب الرأي ـ لأنّها فريضة ، فلا يجزئ غيرها عنها
، كغيرها من الفرائض المتعدّدة . وطواف النافلة سنّة ، فلا تجزئ الفريضة عنه ، كركعتي الفجر .
وروي عن ابن عباس
وعطاء وجابر بن زيد والحسن وسعيد بن جبير وإسحاق : أنّ الفريضة تُجزئه ـ وعن أحمد روايتان
ـ لأنّهما ركعتان شُرّعتا للنسك ، فأجزأت عنهما المكتوبة ، كركعتي الإحرام
.
والجواب : النافلة
في الإحرام بدل عن الإحرام عقيب الفريضة ،
__________________
بخلاف
صورة النزاع .
مسألة ٤٦٦ : يستحب أن يقرأ في الاُولىٰ بعد الحمد : التوحيد ، وفي الثانية : الجحد ـ وروي العكس ـ رواه العامّة عن النبي
صلىاللهعليهوآله ، والخاصّة عن الصادق عليهالسلام .
وأن يدعو عقيب
الركعتين بالمنقول .
ولو نسي الركعتين حتىٰ
مات ، قضىٰ عنه وليّه واجباً إن كان الطواف واجباً ، وإلّا ندباً ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « مَنْ نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتىٰ يخرج من مكة فعليه أن يقضي ، أو يقضي عنه وليّه ، أو رجل من المسلمين » .
ولو نسيهما حتىٰ
شرع في السعي ، قطع السعي ، وعاد إلىٰ المقام ، فصلّىٰ الركعتين ، ثم عاد فتمّم السعي ؛ لما رواه محمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن رجل يطوف بالبيت ثم ينسىٰ أن يصلّي الركعتين حتىٰ يسعىٰ بين الصفا والمروة خمسة
أشواط أو أقلّ من ذلك ، قال : « ينصرف حتىٰ يصلّي الركعتين ثم يأتي مكانه الذي كان فيه فيتمّ سعيه » .
ويستحب أن يدعو عقيب
الركعتين بالمنقول .
مسألة ٤٦٧ : يستحب للحاج والمعتمر إذا دخل المسجد للطواف أن
__________________
لا
يتشاغل بشيء حتىٰ يطوف ؛ لقوله تعالىٰ : ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ )
.
ولأنّ الطواف تحيّة
المسجد ، فاستحبّ التبادر إليه .
وروىٰ جابر أنّ
النبي صلىاللهعليهوآله دخل مكة ارتفاع الضحىٰ ، فأناخ
راحلته عند باب بني شيبة ، ودخل إلىٰ المسجد ، واستلم الحجر وطاف
.
ولو دخل المسجد
والإمام مشتغل بالفريضة ، صلّىٰ معه المكتوبة ، ولا يشتغل بالطواف ، فإذا فرغ من الصلاة ، طاف حينئذٍ ، تحصيلاً لفضيلة الجماعة ، وتقديماً للفائت وقته ، وهو الجماعة ، دون ما لا يفوت ، وهو الطواف ، وكذا لو قربت إقامة الصلاة .
مسألة ٤٦٨ : ولا يستحب رفع اليدين عند مشاهدة البيت .
قال الشيخ : إنّه لا
يعرفه أصحابنا .
وأنكر مالك استحبابه
.
وقال الشافعي : لا
أكرهه ولا أستحبّه .
وقال أحمد : إنّه
مستحب . وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر والثوري وابن المبارك .
لما رواه العامّة عن
المهاجر المكّي ، قال : سُئل جابر بن عبد الله : عن الرجل يرىٰ البيت أيرفع يديه ؟ قال : ما كنت أظنّ أنّ أحداً يفعل هذا
__________________
إلّا
اليهود ، حججنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلم يكن يفعله
.
احتجّ : بما روي عن
النبي صلىاللهعليهوآله ، قال : ( لا ترفع الأيدي إلّا في سبع مواطن : افتتاح الصلاة واستقبال البيت ، وعلىٰ الصفا والمروة ، وعلىٰ الموقفين والجمرتين ) .
وهو محمول علىٰ
الرفع عند الدعاء .
مسألة ٤٦٩ : يستحب أن يقف عند الحجر الأسود ويدعو ويكبّر عند محاذاة الحجر ويرفع يديه ويحمد الله ويثني عليه ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله ، استقبل الحجر واستلمه وكبَّر
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك واحمد الله وأثن عليه » الحديث .
ويستحب له أن يستلم
الحجر ويُقبّله إجماعاً ؛ لما رواه العامّة : أنّ عمر بن الخطّاب انكبّ علىٰ الحجر وقال : أما إنّي أعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع ، ولولا أنّي رأيت رسول الله يُقبّلك لما قبّلتك
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : استلموا الركن ، فإنّه يمين الله في خلقه يصافح بها خلقه مصافحة العبد أو الدخيل ، ويشهد لمن استلمه بالموافاة » .
إذا عرفت هذا ، فإن
لم يتمكّن من الاستلام ، استلمه بيده وقبّل يده ،
__________________
فإن
لم يتمكّن من ذلك ، أشار إليه بيده ـ وبه قال الشافعي
ـ لقول الصادق عليهالسلام : « فإن وجدته خالياً وإلّا فسلّم من بعيد
» .
وسُئل الرضا عليهالسلام : عن الحجر الأسود أيقاتل عليه الناس إذا كثروا ؟ قال : « إذا كان كذلك فأوم بيدك » .
وليس الاستلام واجباً
؛ لأصالة البراءة .
ولأنّ معاوية بن
عمّار سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن رجل حجّ فلم يستلم الحجر ولم يدخل الكعبة ، قال : « هو من السنّة ، فإن لم يقدر فالله أولىٰ بالعذر » .
ومقطوع اليد يستلم
الحجر بموضع القطع ، ولو قُطعت من المرفق ، استلم بشماله ؛ لقول علي عليهالسلام وقد سُئل عن الأقطع كيف يستلم ؟ : «
يستلم الحجر من حيث القطع ، فإن كانت مقطوعةً من المرفق استلم الحجر بشماله »
.
مسألة ٤٧٠ : ويستحب أن يستلم الركن اليماني ويُقبّله ، فإن لم يتمكّن ، استلمه بيده وقبّل يده ـ وبه قال أحمد ـ لما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا استلم الركن ، قبَّله ، ووضع خدّه
الأيمن عليه .
وقال ابن عمر : إنّ
رسول الله صلىاللهعليهوآله كان لا يستلم إلّا الحجر والركن
__________________
اليماني
.
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم [ عن جعفر ] عن أبيه [ عليهماالسلام ] قال : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآله لا يستلم الركن إلّا الركن الأسود واليماني ، ويُقبّلهما ، ويضع خدّه عليهما »
.
وقال الشافعي : يستحب
أن يستلمه بيده ويُقبّل يده ولا يُقبّله .
وقال أبو حنيفة : لا
يستلمه .
وقال مالك : يستلمه
ولا يُقبّل يده ، وإنّما يضعها علىٰ فيه .
قال ابن عبد البرّ :
أجمع أهل العلم علىٰ استلام الركنين ، وإنّما اختلفوا في التقبيل ، فشرّكه قوم بينهما وخصّ قوم الحجر به
.
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يستحب استلام الأركان كلّها ، وآكدها ركن الحجر واليماني ، ذهب إليه علماؤنا ـ وبه قال ابن عباس وجابر وابن الزبير ـ لما رواه العامّة أنّه لمّا قدم معاوية مكة وابن عباس بها ،
فاستلم
__________________
ابن
عباس الأركان كلّها ، فقال معاوية : ما كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يستلم إلّا الركنين اليمانيّين ، فقال ابن عباس : ليس من البيت شيء مهجور
.
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه إبراهيم بن أبي محمود ، قال : قلت للرضا عليهالسلام : أستلم اليماني والشامي والغربي ؟ قال
: « نعم » .
ولأنّهما ركنان ،
فاستحبّ استلامهما ، كاليمانيّين .
وأنكر الفقهاء
الأربعة ذلك ؛ لقول ابن عمر : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يستلم الركن اليماني والأسود في كلّ طوفة ، ولا يستلم الركنين اللذين يليان الحجر .
قال ابن عمر : ما
أراه لم يستلم الركنين اللذين يليان الحجر إلّا لأنّ البيت لم يتمّ علىٰ قواعد إبراهيم عليهالسلام .
والجواب : رواية
الإثبات مقدَّمة .
ويحتمل : أنّه كان
يقف عند اليمانيّين أكثر .
تنبيه :
في الاستلام لغتان : الهمز وعدمه .
__________________
فعلىٰ الثاني
قال السيّد المرتضىٰ : إنّه افتعال من السِّلام ، وهي الحجارة .
فإذا مسّ الحجر بيده
ومسحه بها ، قيل : استلم ، أي مسّ السِّلام بيده .
وقيل : إنّه مأخوذ من
السَّلام ، أي أنّه يُحيّي نفسه عن الحجر ؛ إذ ليس الحجر ممّن يحيّيه ، وهذا كما يقال : اختدم : إذا لم يكن له خادم سوىٰ نفسه .
وحكىٰ ثعلب :
الهمز ، وفسّره بأنّه اتّخذه جُنّةً وسلاحاً من اللامة
، وهي الدرع . وهو حسن .
مسألة ٤٧١ : يستحب الاستلام في كلّ شوط ؛ لأنّ النبي عليهالسلام كان يستلم الركن اليماني والأسود في كلّ طوفة .
ويستحب الدعاء في
الطواف بالمنقول ، والوقوف عند اليماني والدعاء عنده .
ويستحب له أن يلتزم
المستجار في الشوط السابع ، ويبسط يديه علىٰ حائطه ، ويلصق به بطنه وخدّه ، ويدعو بالمأثور ، ويعترف بذنوبه .
قال الصادق عليهالسلام : « ثم أقرّ لربّك بما عملت من الذنوب فإنّه ليس عبد مؤمن يقرّ لربّه بذنوبه في هذا المكان إلّا غفر له »
.
ولو نسي الالتزام حتىٰ
جاز موضعه في مؤخّر الكعبة مقابل الباب
__________________
دون
الركن اليماني بقليل ، فلا إعادة عليه .
ولو ترك الاستلام ،
لم يكن عليه شيء ، وبه قال عامّة الفقهاء ؛ لأنّه مستحب ، فلا يتعقّب بتركه جناية .
وحكي عن الحسن البصري
والثوري وعبد الملك بن الماجشون أنّ عليه دماً ؛ لقول النبي صلىاللهعليهوآله : ( مَنْ ترك نسكاً فعليه دم )
.
وليس حجّةً ؛ لأنّه
مخصوص بالواجب .
قال الشيخ في المبسوط
: قد روي أنّه يستحب الاضطباع ، وهو أن يدخل إزاره تحت منكبه الأيمن ويجعله علىٰ منكبه الأيسر
.
وهو مأخوذ من الضَّبْع
، وهو عضد الإنسان ، وأصله التاء قلبوها طاءً ؛ لأنّ التاء متىٰ وقعت بعد صاد أو ضاد أو طاء ساكنة قلبت طاءً .
إذا ثبت هذا ، فأكثر
العلماء علىٰ استحبابه ؛ لقول ابن عباس : لمّا دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله علىٰ قريش ، فاجتمعت نحو الحجر ،
اضطبع رسول الله صلىاللهعليهوآله .
قال الشافعي : ويبقىٰ
مضطبعاً حتىٰ يتمّ السعي بين الصفا والمروة ويتركه عند الصلاة للطواف .
__________________
وقال أحمد : لا يضطبع
في السعي .
وقال مالك : إنّه ليس
بمستحب . قال : ولم أسمع أحداً من أهل العلم ببلدنا يذكر أنّ الاضطباع سنّة .
مسألة ٤٧٢ : يستحب له أن يقصد في مشيه بأن يمشي مستوياً بين السَّرَع والإبطاء ، قاله الشيخ ـ رحمهالله ـ في بعض كتبه
.
وقال في المبسوط :
يستحب أن يرمل ثلاثاً ، ويمشي أربعاً في طواف القدوم خاصّة ؛ اقتداءً برسول الله صلىاللهعليهوآله .
واتّفقت العامّة علىٰ
استحباب الرمل في الأشواط الثلاثة الأُوَل ، والمشي في الأربعة في طواف القدوم ؛ لما رواه الصادق عليهالسلام عن جابر أنّ النبي صلىاللهعليهوآله رمل ثلاثاً ومشىٰ أربعاً
.
والسبب فيه قول ابن
عباس : قدم رسول الله صلىاللهعليهوآله مكة ، فقال المشركون : إنّه يقدم عليكم قوم تنهكهم الحُمّىٰ ولقوا منها شرّاً ،
فأمرهم رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يرملوا الأشواط الثلاثة ، وأن يمشوا
بين الركنين ، فلمّا رأوهم قالوا : ما نراهم إلّا كالغزلان .
ولو ترك الرمل ، لم
يكن عليه شيء ؛ لأنّه مستحب ، وهو قول عامّة
__________________
الفقهاء
.
وقال الحسن البصري :
إنّ عليه دماً . وهو محكي عن الثوري وعبد الملك بن الماجشون ، لقوله عليهالسلام : ( مَنْ ترك نسكاً فعليه دم )
.
وجوابه : المراد من النسك
الواجبُ .
ويعارضه ما رواه
العامّة عن ابن عباس أنّه قال : ليس علىٰ من ترك الرمل شيء .
ومن طريق الخاصّة :
رواية سعيد الأعرج ، أنّه سأل الصادقَ عليهالسلام عن المسرع والمبطئ في الطواف ، فقال : « كُلٌّ واسع ما لم يؤذ أحداً »
.
ولو تركه في الثلاثة
الأُول ، لم يقض في الأربع الباقية ؛ لأنّها هيئة في الأُول ، فإذا فات موضعها ، سقطت ، ولزم سقوط هيئة البواقي .
وإذا قلنا باستحباب
الرمل في الثلاثة الأُول ، استحبّ من الحِجْر إليه ـ وهو قول أكثر العلماء ـ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله رمل من الحِجْر إلىٰ الحِجْر
.
وقال طاوُس وعطاء
والحسن وسعيد بن جبير : يمشي ما بين الركنين ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر أصحابه بأن يرملوا الأشواط الثلاثة
ويمشوا ما
__________________
بين
الركنين ليرىٰ المشركون جَلَدَهُمْ لمّا وَهَنَتْهم
الحُمّىٰ حتىٰ قال المشركون : هؤلاء أجلد منّا .
ولو ترك الرمل في
أوّل شوط ، رمل في الاثنين ، وإن تركه في الاثنين ، رمل في الثالث خاصّةً .
ولو تركه في طواف
القدوم ، لم يستحب قضاؤه في طواف الحجّ ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله إنّما رمل في طواف القدوم
، خلافاً لبعض العامّة .
وقال بعض العامّة :
ليس علىٰ أهل مكّة رمل ـ وقاله ابن عباس وابن عمر ـ لأنّه شُرّع في الأصل لإظهار الجلد والقوّة لأهل البلد
.
ولا يستحب للنساء
الرمل ولا الاضطباع .
ويرمل الحامل للمريض
والصبي ، والراكب يحثّ دابّته .
وللشافعي قول آخر في
أنّ الحامل للمريض لا يرمل به .
مسألة ٤٧٣ : يستحب التداني من البيت في الطواف ؛ لأنّه المقصود ، فالدنوّ منه أولىٰ ولو كان بالقرب زحام لا يمكنه أن يرمل فيه ، فإن كان يعلم أنّه إن وقف وجد فرجةً ، وقف ، فإذا وجد فرجةً ، رمل ، وإن كان يعلم أنّه لا يجد فرجةً لكثرة الزحام وعلم أنّه إن خرج إلىٰ حاشية الناس
__________________
يمكن
الرمل ، خرج ورمل ، وكان أفضل من التداني ، وإن لم يتمكّن من الخروج ، طاف من غير رمل ، ولو تباعد حتىٰ طاف بالسقاية وزمزم ، لم يجزئ ـ خلافاً للشافعي ـ لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كذا فَعل ، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم ) .
مسألة ٤٧٤ : يستحب أن يطوف ماشياً مع القدرة ، ولو ركب معها ، أجزأه ، ولا يلزمه دم ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ جابراً قال : طاف رسول الله صلىاللهعليهوآله في حجّة الوداع علىٰ راحلته
بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليشرفَ عليهم ليسألوه ، فإنّ الناس غشوه .
وقال مالك وأبو حنيفة
وأحمد : إن طاف راكباً لعذر ، فلا شيء عليه ، وإن كان لغير عذر ، فعليه دم ؛ لأنّها عبادة واجبة تتعلّق بالبيت ، فلا يجوز فعلها لغير عذر راكباً ، كالصلاة .
والفرق : أنّ الصلاة
لا تصحّ راكباً وهنا تصحّ .
مسألة ٤٧٥ : يستحب طواف ثلاثمائة وستّين طوافاً ، فإن لم يتمكّن فثلاثمائة وستّين شوطاً ، ويلحق الزيادة بالطواف الأخير بأن يطوف اُسبوعاً ، ثم يصلّي ركعتين ، وهكذا .
ويجوز القرآن في
النوافل علىٰ ما يأتي ، فيؤخّر الصلاة فيها إلىٰ حين
__________________
الفراغ
.
وإن لم يستطع ، طاف
ما يمكن منه .
قال الصادق عليهالسلام : « يستحب أن تطوف ثلاثمائة وستّين اُسبوعاً عدد أيّام السنة ، فإن لم تستطع فثلاثمائة وستّين شوطاً ، فإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف » .
البحث الثالث : في
الأحكام .
مسألة ٤٧٦ : قد بيّنّا وجوب الطهارة من الحدث والخبث في الثوب والبدن ، ووجوب الستر ، فلو طاف جنباً أو محدثاً أو عارياً ، أو طافت المرأة حائضاً أو نفساء ، أو طاف وعلىٰ ثوبه أو بدنه نجاسة عالماً أو ناسياً
في طواف الفريضة ، لم يعتد بذلك الطواف ، وكذا لو كان يطأ في مطافه النجاسات المتعدّية إلىٰ بدنه أو ثوبه .
ولو أحدث في خلال
الطواف ، فإن كان بعد طواف أربعة أشواط ، تطهّر وأتمّ طوافه ، وإن كان قبل ذلك ، تطهّر واستأنف الطواف من أوّله ؛ لقول أحدهما عليهماالسلام : في الرجل يحدث في طواف الفريضة وقد
طاف بعضه ، قال : « يخرج ويتوضّأ ، فإن كان جاز النصف بنىٰ علىٰ طوافه ،
وإن كان أقلّ من النصف أعاد الطواف » .
ولم يفصّل العامّة
ذلك ، بل قالوا : إن تعمّد الحدث ، فللشافعي قولان : أحدهما : أنّه يستأنف ، كالصلاة . وأصحّهما : البناء . ويحتمل فيه ما لا يحتمل في الصلاة ، كالفعل الكثير والكلام .
__________________
وإن سبقه الحدث ، فإن
قلنا : يبني في العمد ، فهنا أولىٰ ، وإن قلنا : يستأنف ، فقولان : أصحّهما : البناء .
هذا إذا لم يَطُل
الفصل ، وإن طال ، بنىٰ .
ولو كان الطواف نفلاً
، لم يجب عليه الاستئناف ولا إتمامه بطهارة .
ولو ذكر أنّه طاف
محدثاً ، فإن كان طواف فريضة ، استأنف الطواف والصلاة إن كان قد صلّىٰ بحدثه .
ولو كان الطواف نفلاً
وصلّىٰ ، أعاد الصلاة خاصّةً بعد الطهارة ؛ لرواية حريز ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام : في رجل طاف تطوّعاً وصلّىٰ ركعتين وهو علىٰ غير وضوء ، فقال : « يُعيد الركعتين ولا يعيد الطواف »
.
ولو شكّ في الطهارة ،
فإن كان في أثناء الطواف ، تطهّر واستأنف ؛ لأنّه شكّ في العبادة قبل فراغها ، فيعيد ، كالصلاة ، ولو شكّ بعد الفراغ ، لم يستأنف .
مسألة ٤٧٧ : لو طاف ستّة أشواط ناسياً وانصرف ثم ذكر ، فليضف إليها شوطاً آخر ، ولا شيء عليه ، وإن لم يذكر حتىٰ يرجع إلىٰ أهله ،
أَمَر مَنْ يطوف عنه .
وقال أبو حنيفة :
يجبره بدم .
لنا : أصالة البراءة
من الدم ، وبقاء عهدة التكليف في الشوط المنسي إلىٰ أن يأتي به .
__________________
ولرواية الحلبي ـ في
الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : قلت : رجل طاف بالبيت فاختصر شوطاً واحداً في الحِجْر ، قال : « يعيد ذلك الشوط »
.
وسأل سليمانُ بن خالد
الصادقَ عليهالسلام : عمّن فاته شوط واحد حتىٰ أتىٰ أهله ، قال : « يأمر مَنْ يطوف عنه »
.
ولو ذكر أنّه طاف
أقلّ من سبعة أشواط وهو في السعي ، قطع السعي ، وتمّم الطواف ، ثم رجع فتمّم السعي ؛ لأنّ السعي تابع ، فلا يُفعل قبل تحقّق متبوعه ، وإنّما يتحقّق بأجزائه .
ولأنّ إسحاق بن عمّار
سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل طاف بالبيت ثم خرج إلىٰ الصفا فطاف بين الصفا والمروة ، فبينا هو يطوف إذ ذكر أنّه قد نقص من طوافه بالبيت ، قال : « يرجع إلىٰ البيت فيُتمّ طوافه ثم يرجع إلىٰ
الصفا والمروة فيُتمّ ما بقي » .
مسألة ٤٧٨ : لو قطع طوافه بدخول البيت أو بالسعي في حاجة له أو لغيره في الفريضة ، فإن كان قد جاز النصف ، بنىٰ ، وإن لم يكن جازه ، أعاد .
وإن كان طواف نافلة ،
بنىٰ عليه مطلقاً ؛ لأنّه مع تجاوز النصف يكون قد فَعَل الأكثر ، فيبني عليه ، كالجميع .
ولرواية الحلبي ـ في
الصحيح ـ قال : سألتُ الصادقَ عليهالسلام : عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط ثم وجد من البيت خلوةً فدخله ، كيف يصنع ؟ قال : « يعيد طوافه ، وخالف السنّة » .
__________________
وعن أبي الفرج قال :
طفت مع الصادق عليهالسلام خمسة أشواط ثم قلت : إنّي اُريد أن أعود مريضاً ، فقال : « احفظ مكانك ثم اذهب فعُدْه ثم ارجع فأتمّ طوافك » .
ولأنّ الصادق عليهالسلام أمر أبان بن تغلب ، فقال : « اقطع طوافك وانطلق معه في حاجته » فقلت : وإن كان فريضةً ؟ قال : « نعم وإن كان فريضةً »
.
وفي حديث آخر : جواز
القعود والاستراحة ثم يبني .
ولو دخل عليه وقت
فريضة ، قطع الطواف ، وصلّىٰ الفريضة ، ثم عاد فتمّم طوافه من حيث قطع ، وهو قول العامّة ، إلّا مالكاً ؛ فإنّه قال : يمضي في طوافه إلّا أن يخاف فوات الفريضة .
وهو باطل ، لما رواه
العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله ، قال : ( إذا اُقيمت الصلاة فلا صلاة إلّا المكتوبة ) والطواف صلاة .
ولأنّ وقت الحاضرة
أضيق من وقت الطواف ، فكانت أولىٰ .
ولأنّ عبد الله بن
سنان سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل كان في طواف النساء واُقيمت الصلاة ، قال : « يصلّي ـ يعني الفريضة ـ فإذا فرغ بنىٰ من حيث قطع » .
__________________
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يبني بعد فراغه من الفريضة ، ويُتمّ طوافه ، وهو قول العلماء إلّا الحسن البصري ؛ فإنّه قال : يستأنف
.
والأصل خلافه .
وكذا البحث في صلاة
الجنازة ، فإنّها تُقدّم .
وهل يبني من حيث قطع
أو من الحجر ؟ دلالة ظاهر الحديث علىٰ الأوّل .
ولو خاف فوات الوتر ،
قطع الطواف وأوتر ثم بنىٰ علىٰ ما مضىٰ من طوافه ؛ لأنّها نافلة متعلّقة بوقت ، فتكون أولىٰ من فعل ما لا يفوت وقته .
ولقول الكاظم عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « ابدأ بالوتر واقطع الطواف »
.
مسألة ٤٧٩ : لو حاضت المرأة وقد طافت أربعة أشواط ، قطعت الطواف وسعت ، فإذا فرغت من المناسك ، أتمّت الطواف بعد طُهْرها ، ولو كان دون أربعة ، أبطلت الطواف وانتظرت عرفة ، فإن طهرت وتمكّنت من باقي أفعال العمرة والخروج إلىٰ الموقف ، فَعَلت ، وإلّا صارت حجّتها مفردةً ؛ لأنّ الصادق عليهالسلام سُئل عن امرأة طافت أربعة أشواط وهي
معتمرة ثم طمثت ، قال : « تُتمّ طوافها ، وليس عليها غيره ، ومتعتها تامّة ، ولها أن تطوف بين الصفا والمروة ، لأنّها زادت علىٰ النصف وقد قضت متعتها ، ولتستأنف بعدُ الحجَّ ، وإن هي لم تطف إلّا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحجّ ، فإن أقام بها جمّالها بعد الحجّ لتخرج إلىٰ الجعرانة أو إلىٰ التنعيم
فلتعتمر » .
__________________
مسألة ٤٨٠ : الطواف ركن مَنْ تركه عامداً بطل حجّه ، ولو تركه ناسياً ، قضاه ولو بعد المناسك ، فإن تعذّر العود ، استناب فيه .
روىٰ علي بن
جعفر ـ في الصحيح ـ عن أخيه الكاظم عليهالسلام ، قال : سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتىٰ قدم بلاده وواقع النساء كيف يصنع ؟ قال : « يبعث بهدي إن كان تركه في حجّ بعثه في حجّ ، وإن تركه في عمرة بعثه في عمرة ، ووكّل مَنْ يطوف عنه ما ترك من طوافه »
.
قال الشيخ رحمهالله : هذا محمول علىٰ طواف النساء ؛ لأنّ مَنْ ترك طواف النساء ناسياً جاز له أن يستنيب غيره مقامه في طوافه ، ولا يجوز له ذلك في طواف الحجّ ، بل يجب عليه إعادة الحجّ وبدنة ؛ لما رواه علي بن جعفر ـ في الصحيح ـ أنّه سأل الكاظمَ عليهالسلام : عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة ، قال : « إن كان علىٰ وجه جهالة في الحجّ أعاد وعليه بدنة » .
واستدلّ الشيخ علىٰ
الجميع برواية معاوية بن عمّار ، قال : قلت للصادق عليهالسلام : رجل نسي طواف النساء حتىٰ دخل
أهله ، قال : « لا تحلّ له النساء حتىٰ يزور البيت » . وقال : « يأمر أن يقضىٰ عنه إن لم يحج ،
فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه » .
مسألة ٤٨١ : لو شكّ في عدد الطواف ، فإن كان بعد فراغه ، لم يلتفت ، وإن كان في أثنائه ، فإن كان شكّه في الزيادة ، قطع ولا شيء
__________________
عليه
، وإن كان في النقصان ، مثل : أن يشكّ بين الستّة والسبعة أو الخمسة والستّة ، فإن كان طواف الفريضة ، أعاده من أوّله ؛ لأنّ الزيادة والنقصان محظوران .
ولرواية معاوية بن
عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام : في رجل لم يدر ستّة طاف أم سبعة ، قال : « يستقبل » .
وسأل حنّان بن سدير الصادقَ
عليهالسلام : في رجل طاف فأوهم قال : طفت أربعة وقال : طفت ثلاثة ، فقال الصادق عليهالسلام : « أيّ الطوافين : طواف نافلة أو طواف فريضة ؟ » ثم قال : « إن كان طواف فريضة فليلق ما في يديه وليستأنف ، وإن كان طواف نافلة واستيقن الثلاث وهو في شكّ من الرابع أنّه طاف فليبن علىٰ الثالث فإنّه يجوز له »
.
ويجوز البناء علىٰ
الأكثر في النافلة ؛ لما رواه رفاعة عن الصادق عليهالسلام أنّه قال في رجل لا يدري ثلاثة طاف أو أربعة ، قال : « طواف نافلة أو فريضة ؟ » قال : أجبني فيهما ، قال : « إن كان طواف نافلة فابن علىٰ ما شئت ، وإن كان طواف فريضة فأعد الطواف » .
ويجوز التعويل علىٰ
غيره في عدد الطواف ، كالصلاة ؛ لأنّ سعيد الأعرج سأل الصادقَ عليهالسلام : عن الطواف أيكتفي الرجل بإحصاء صاحبه
؟ قال : « نعم » .
مسألة ٤٨٢ : لا يجوز الزيادة علىٰ سبعة أشواط في طواف الفريضة ، فلو طاف ثمانيةً ، أعاد ، ولو كان سهواً ، استحبّ له أن يُتمّم أربعة عشر
__________________
شوطاً
؛ لأنّها فريضة ذات عدد فتبطلها الزيادة مع العمد كالصلاة .
ولقول الصادق عليهالسلام وقد سأله أبو بصير : عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض ، قال : « يعيد حتىٰ يستتمّه »
.
وفي الصحيح عن الصادق
عليهالسلام ، قال : « مَنْ طاف بالبيت فوهم حتىٰ
يدخل في الثامن فليتمّ أربعة عشر شوطاً ثم ليصلّ ركعتين »
.
وفي الصحيح عن محمد
بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية ، قال : « يضيف إليها ستّة »
.
إذا عرفت هذا ، فإذا
كمّل أربعة عشر شوطاً ، صلّىٰ ركعتي طواف الفريضة وسعىٰ ثم عاد إلىٰ المقام وصلّىٰ ركعتي النفل .
ولو ذكر في الشوط
الثامن قبل أن يبلغ الركن أنّه قد طاف سبعاً ، فليقطع الطواف ، ولا شيء عليه ؛ لأنّه أتىٰ بالواجب ، وإن لم يذكر حتىٰ
يجوزه ، تمّم أربعة عشر شوطاً ؛ لأنّ أبا كهمس سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط ، قال : « إن كان ذكر قبل أن يأتي الركن فليقطعه وقد أجزأ عنه ، وإن لم يذكر حتىٰ يبلغه فليتمّ أربعة عشر شوطاً وليصلّ أربع ركعات » .
مسألة ٤٨٣ : لا يجوز القرآن في طواف الفريضة عند أكثر علمائنا
__________________
ـ
وكرهه ابن عمر والحسن البصري والزهري ومالك وأبو حنيفة
ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله لم يفعله ، فلا يجوز فعله ؛ لقوله عليهالسلام : ( خُذوا عنّي مناسككم ) .
ولأنّها فريضة ذات
عدد ، فلا تجوز الزيادة عليه ، كالصلاة .
ولأنّ الكاظم عليهالسلام سُئل عن الرجل يطوف يُقرن بين اُسبوعين ، فقال : « لا تقرن بين اُسبوعين ، كلّما طُفْتَ اُسبوعاً فصلّ ركعتين »
.
وقال عطاء وطاوُس
وسعيد بن جبير وأحمد وإسحاق : لا بأس به ؛ لأنّ عائشة فَعَلته .
ولا حجّة فيه .
ويحتمل أن يكون قد فَعَلَتْه في الندب .
إذا عرفت هذا ، فيجوز
القران بين الطوافين في النافلة ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « إنّما يكره أن يجمع الرجل بين
السبوعين والطوافين في الفريضة ، فأمّا في النافلة فلا » .
وإذا جمع بين طوافين
، استحبّ أن ينصرف علىٰ وتر ، فلا ينصرف علىٰ اُسبوعين ولا علىٰ أربعة ولا علىٰ ستّة وهكذا ، بل علىٰ
خمسة أو ثلاثة وهكذا ؛ لأنّ الباقر عليهالسلام كان يكره أن ينصرف في الطواف إلّا على
__________________
وتر
من طوافه .
مسألة ٤٨٤ : لو شكّ هل طاف سبعة أو ثمانية ، قطع ولا شيء عليه ؛ لأنّه يتيقّن حصول السبع .
ولأنّ الحلبي سأل الصادقَ
عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر سبعة طاف أو ثمانية ، فقال : « أمّا السبع فقد استيقن ، وإنّما وقع وهمه علىٰ الثامن فليصلّ ركعتين »
.
ولو شكّ فلم يدر ستّة
طاف أو سبعة أو ثمانية ، فإن كان طواف الفريضة ، أعاد ؛ لأنّه لم يتيقّن حصول السبعة .
ولو طاف أقلّ من سبعة
ناسياً ، عاد ، وتمّم طوافه إن كان قد طاف أربعة أشواط ، وإن كان قد طاف دونها ، أعاد من أوّله .
ولو لم يذكر حتىٰ
رجع إلىٰ أهله ، أمر مَنْ يطوف عنه سبعة أشواط إن كان قد طاف أقلّ من أربعة ، وإن كان قد طاف أربعة ، تمّمه .
وكذا لو أحدث في طواف
الفريضة ، فإن كان قد جاوز النصف ، تطهّر وبنىٰ ، وإن لم يبلغه ، استأنف .
ولو طاف وعلىٰ
ثوبه نجاسة عامداً ، أعاد ، ولو كان ناسياً وذكر في أثناء الطواف ، قَطَعه وأزال النجاسة أو نزع الثوب وتمّم طوافه ، ولو لم يذكر حتىٰ فرغ منه ، نزع الثوب أو غسله وصلّىٰ الركعتين ؛ لأنّ يونس بن
يعقوب سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل يرىٰ في ثوبه الدم وهو
في الطواف ، قال : « ينظر الموضع الذي يرىٰ فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله ثم يعود فيتمّ طوافه »
.
__________________
تذنيب :
ولو تحلّل من إحرام العمرة ثم أحرم بالحجّ وطاف وسعىٰ له ثم ذكر أنّه طاف مُحدثاً أحد الطوافين ولم يعلم هل هو طواف عمرة التمتّع أو طواف الحجّ ، قيل : يطوف للحجّ ويسعىٰ له ثم يعتمر بعد ذلك عمرةً مفردة ، ويصير حجّة مفردة ؛ لاحتمال أن يكون في طواف العمرة فيبطل وقد فات وقتها ، وأن يكون للحجّ ، فيعيد ، فلهذا أوجبنا عليه إعادة طواف الحجّ وسعيه والإتيان بعمرة مفردة بعد الحجّ ؛ لبطلان متعته ، قاله بعض العامّة .
والوجه : أنّه يعيد
الطوافين ؛ لأنّ العمرة لا تبطل بفوات الطواف .
مسألة ٤٨٥ : المريض لا يسقط عنه الطواف ، فإن تمكّن من الطواف بطهارة ، طيف به إذا لم يتمكّن من المشي أو الركوب ، وإن لم يتمكّن ، انتظر به يوم أو يومان وأزيد مع السعة ، فإن برأ ، طاف بنفسه ، وإلّا طيف عنه ؛ لأنّ الصادق عليهالسلام طيف به في محمل وهو شديد المرض
.
وسأل إسحاقُ بن عمّار
ـ في الصحيح ـ الكاظمَ عليهالسلام : عن المريض يطاف عنه بالكعبة ، قال : « لا ، ولكن يطاف به »
.
وفي الصحيح عن الصادق
عليهالسلام ، قال : « المريض المغلوب والمغمىٰ
عليه يُرمىٰ عنه ويُطاف به » .
ولقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « المبطون والكسير يطاف عنهما ويرمىٰ عنهما » .
__________________
وهذا محمول علىٰ
أنّ الكسير لا يستمسك الطهارة ، ولو كان يستمسك ، طيف به ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « الكسير يُحمل فيطاف به ، والمبطون يُرمىٰ ويُطاف عنه ويُصلّىٰ عنه »
.
ولو مرض في الأثناء ،
فإن تمكّن من الإتمام ، أتمّه ، وإلّا انتظر إلىٰ البُرء ثم يُتمّه إن كان قد تجاوز النصف ، وإلّا استأنف . هذا مع سعة الوقت ، فإن ضاق ، طيف به .
مسألة ٤٨٦ : لو حمل مُحرمٌ مُحْرماً وطاف به ونوىٰ كلّ واحد منهما الطواف ، أجزأ عنهما ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لحصول الطواف من كلّ واحد منهما .
ولأنّ حفص بن البختري
سأل الصادقَ عليهالسلام : في المرأة تطوف بالصبي وتسعىٰ به هل يجزئ ذلك عنها وعن الصبي ؟ فقال : « نعم »
.
وللشافعي قولان :
أحدهما : أنّه يجزئ عن المحمول . والثاني : أنّه يجزئ عن الحامل دون المحمول ؛ لأنّه فعل واحد ، فإذا وقع عن الحامل لم يقع عن المحمول ، لأنّ الفعل الواحد لا يقع عن اثنين
.
ونمنع اتّحاد الفعل ؛
لأنّ اختلاف السبب وتغاير الأمكنة ثابت في حقّ كلّ واحد منهما ، لكن لأحدهما بالذات وليس شرطاً ؛ لأنّه وافقنا علىٰ جواز
__________________
الركوب
.
وينتقض بالواقف بعرفة
إذا حمل غيره ؛ فإنّه وافقنا علىٰ تجويزه
.
مسألة ٤٨٧ : يجوز الكلام بالمباح في الطواف إجماعاً ؛ لما رواه العامّة من قوله عليهالسلام : ( الطواف بالبيت صلاة إلّا أنّكم
تتكلّمون فيه ) .
ومن طريق الخاصّة :
رواية علي بن يقطين ـ في الصحيح ـ عن الرضا عليهالسلام ، قال : سألته عن الكلام في الطواف
وإنشاد الشعر والضحك في الفريضة أو غير الفريضة أيستقيم ذلك ؟ قال : « لا بأس به »
.
ويستحب قراءة القرآن
في الطواف ولا يكره عند علمائنا ـ وبه قال عطاء ومجاهد والثوري وابن المبارك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي
ـ لما رواه العامّة أنّ عائشة روت أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان يقول في طوافه : ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )
وهو من القرآن .
ومن طريق الخاصّة :
قول الجواد عليهالسلام : « وطواف الفريضة لا ينبغي أن تتكلّم فيه إلّا بالدعاء وذكر الله وقراءة القرآن »
.
__________________
وقال مالك : إنّها
مكروهة . وهو مروي عن عروة والحسن .
وعن أحمد روايتان
.
ويستحب الدعاء في
أثناء الطواف والإكثار من ذكر الله تعالىٰ .
ويجوز له الشرب في
الطواف ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله شرب في الطواف .
ومن طريق الخاصّة :
رواية يونس بن يعقوب عن الصادق عليهالسلام : هل نشرب ونحن في الطواف ؟ قال : « نعم » .
تذنيب :
قال الشيخ في الخلاف : الأفضل أن يقال : طواف وطوافان وثلاثة أطواف ، وإن قال : شوطاً وشوطين وثلاثة أشواط ، جاز . وقال الشافعي : أكره ذكر الشوط . وبه قال مجاهد .
مسألة ٤٨٨ : لا يجوز الطواف وعلىٰ الطائف بُرْطُلَّة
في طواف العمرة ؛ لاشتماله علىٰ تغطية الرأس وهو مُحْرم ، أمّا في طواف الحجّ فإنّه مكروه ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « لا تطوفنّ بالبيت وعليك بُرْطُلَّة
» .
وقال الصادق عليهالسلام ليزيد بن خليفة : « قد رأيتك تطوف حول الكعبة
__________________
وعليك
بُرْطُلَّة ، لا تلبسها حول الكعبة فإنّها من زيّ اليهود »
.
والشيخ ـ رحمهالله ـ أطلق المنع ، والتفصيل الذي ذكرناه أجود .
مسألة ٤٨٩ : مَنْ نذر أن يطوف علىٰ أربع ، قال : الشيخ رحمهالله : يجب عليه طوافان : أسبوع ليديه ، واُسبوع لرجليه ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « قال أمير المؤمنين عليهالسلام في امرأة نذرت أن تطوف علىٰ أربع
، قال : تطوف اُسبوعاً ليديها واُسبوعاً لرجليها » .
وفي الطريق ضعف .
وقال ابن إدريس :
يبطل النذر ؛ لأنّه غير مشروع ، فلا ينعقد . وهو حسن .
مسألة ٤٩٠ : طواف الحجّ ركن فيه ، وهو واجب بالإجماع . قال الله تعالىٰ : (
وَلْيَطَّوَّفُوا ) .
قال ابن عبد البرّ :
أجمع العلماء علىٰ أنّ هذه الآية فيه .
وما رواه العامّة :
أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال عن صفيّة لمّا حاضت : ( أحابستنا هي ؟ ) قالوا : يا رسول الله إنّها قد أفاضت يوم النحر ، قال : ( اخرجوا ) فدلّ علىٰ وجوب الطواف ، وأنّه حابس لمن لم يأت به .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « علىٰ المتمتّع بالعمرة إلىٰ
__________________
الحجّ
ثلاثة أطواف بالبيت وسعيان بين الصفا والمروة »
.
ولأنّه أحد النسكين ،
فكان الطواف فيه ركناً ، كالعمرة .
إذا عرفت هذا ، فإن
أخلّ به عامداً ، بطل حجّه ، وإن أخلّ به ناسياً ، وجب عليه أن يعود ويقضيه ، فإن لم يتمكّن ، استناب فيه .
وقال الشافعي : إن
كان قد طاف طواف الوداع ، أجزأ عنه ، وإلّا وجب عليه الرجوع ، ولا تحلّ له النساء حتىٰ يطوفه وإن طال زمانه وخرج وقته .
إذا ثبت هذا ، فلو
نسي طواف النساء ، لم تحلّ له النساء حتىٰ يزور البيت ويأتي به ، ويجوز له أن يستنيب فيه ؛ لما رواه معاوية بن عمّار ـ في الحسن ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : قلت له : رجل نسي طواف النساء
حتىٰ دخل أهله ، قال : « لا تحلّ له النساء حتىٰ يزور البيت » وقال : « يأمر أن يقضىٰ عنه إن لم يحجّ ، فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه أو غيره » .
__________________

الفصل
الرابع في السعي والتقصير
وفيه
مباحث :
الأوّل : في مقدّماته ، وهي عشرة كلّها مندوبة :
الأوّل :
الطهارة ، وهي مستحبّة في السعي غير واجبة ، عند علمائنا ـ وهو قول عامّة العلماء ـ للأصل .
ولما رواه العامّة :
أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال لعائشة حين حاضت : ( اقضي ما يقضي الحاجّ غير أن لا تطوفي بالبيت ) .
وعن عائشة واُمّ سلمة
قالتا : إذا طافت المرأة بالبيت وصلّت ركعتين ثم حاضت فلتطف بالصفا والمروة .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « لا بأس أن تقضي المناسك كلّها علىٰ غير وضوء إلّا الطواف ، فإنّ فيه صلاة ، والوضوء أفضل » .
الثاني :
استلام الحجر الأسود قبل السعي إذا صلّى ركعتي الطواف
__________________
إجماعاً
؛ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله فَعَل ذلك
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « فإذا فرغت من الركعتين فائْت الحجر الأسود فقبِّلْه واستلمه أو أشر إليه فإنّه لا بدّ من ذلك »
.
الثالث :
الشرب من ماء زمزم وصبّ الماء علىٰ الجسد من الدلو المقابل للحجر الأسود ، والدعاء ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « إذا فرغ الرجل من طوافه وصلّىٰ ركعتين فليأت زمزم فيستقي منه ذَنُوباً أو ذَنُوبين فليشرب منه وليصبّ علىٰ رأسه وظهره وبطنه ، ويقول حين يشرب : اللهم اجعله علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاءً من كلّ داء وسقم ، ثم يعود إلىٰ الحجر الأسود » .
وعن الصادق والكاظم عليهماالسلام ـ في الصحيح ـ : « وليكن ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر » .
الرابع :
الخروج إلىٰ الصفا من الباب المقابل للحجر الأسود بالسكينة والوقار ، ولا نعلم فيه خلافاً .
روىٰ الشيخ ـ في
الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام : « ثم اخرج إلىٰ الصفا من الباب الذي خرج منه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وهو الباب الذي يقابل الحجر الأسود حتىٰ تقطع الوادي ، وعليك السكينة والوقار »
.
الخامس :
الصعود علىٰ الصفا إجماعاً ، إلّا مَنْ شذّ ذهب إلىٰ وجوبه ؛
__________________
فإنّه
لا يصحّ السعي حتىٰ يصعد إلىٰ الصفا والمروة بقدر ما يستوفي السعي بينهما ؛ لأنّه لا يمكنه استيفاء ما بينهما إلّا بذلك ، فيجب كوجوب غسل جزء من الرأس وصيام جزء من الليل .
وهو خطأ ؛ لأنّه
يمكنه الاستيفاء بأن يجعل عقبه ملاصقاً للصفا وأصابع رجليه ملاصقةً للمروة وبالعكس في الرجوع .
واستحبابه ، لقول الصادق
عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « فاصعد الصفا حتىٰ
تنظر إلىٰ البيت ، وتستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود ، فاحمد الله وأثن عليه » الحديث .
السادس :
حمد الله علىٰ الصفا والثناء عليه واستقبال الكعبة ورفع يديه والدعاء وإطالة الوقوف علىٰ الصفا ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « واحمد الله وأثن عليه واذكر من آلائه وبلائه وحسن ما صنع إليك » الحديث .
قال الصادق عليهالسلام : « وإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يقف علىٰ الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة مترسّلاً » .
وعن علي بن النعمان ـ
رفعه ـ قال : « كان أمير المؤمنين عليهالسلام إذا صعد الصفا استقبل الكعبة ثم يرفع يديه ثم يقول »
وذكر الدعاء .
وقال الصادق عليهالسلام : « إذا أردت أن يكثر مالك فأكثر الوقوف علىٰ الصفا »
.
__________________
ولو لم يتمكّن من إطالة
الوقوف والدعاء بالمنقول ، دعا بما تيسّر .
قال بعض أصحابنا :
كنت في قفاء الكاظم عليهالسلام علىٰ الصفا أو علىٰ المروة وهو لا يزيد علىٰ حرفين : « اللّهم إنّي أسألك حسن الظنّ بك علىٰ
كلّ حال ، وصدق النيّة في التوكّل عليك » .
البحث الثاني : في
الكيفية .
مسألة ٤٩١ : يجب في السعي النيّة ؛ لأنّه عبادة وقد قال الله تعالىٰ
: ( وَمَا أُمِرُوا
إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )
.
ولقوله عليهالسلام : ( لا عمل إلّا بنيّة ) .
وهي شرط فيه يبطل
السعي بالإخلال بها عمداً وسهواً .
ويجب فيها تعيين
الفعل وأنّه سعي عمرة متمتّع بها أو مفردة أو سعي الحجّ الواجب أو الندب ، حجّة الإسلام أو غيرها ، والتقرّب إلىٰ الله تعالىٰ
.
مسألة ٤٩٢ : يجب فيه الترتيب بأن يبدأ بالصفا ويختم بالمروة إجماعاً ـ إلّا من أبي حنيفة ـ لما رواه العامّة عن جعفر الصادق عليهالسلام عن جابر في صفة حجّ رسول الله صلىاللهعليهوآله : وبدأ بالصفا ، وقال : ( ابدؤوا بما
بدأ الله تعالىٰ به ) .
__________________
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله حين فرغ من طوافه وركعتيه قال : ابدؤوا بما بدأ الله به ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول : ( إِنَّ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ) » .
وقال الصادق عليهالسلام : « تبدأ بالصفا وتختم بالمروة »
.
مسألة ٤٩٣ : يجب أن يسعىٰ بين الصفا والمروة سبعة أشواط يحتسب ذهابه من الصفا إلىٰ المروة شوطاً وعوده من المروة إلىٰ الصفا آخر ،
هكذا سبع مرّات ، عند علمائنا أجمع ـ وهو قول عامّة العلماء
ـ لما رواه العامّة عن الصادق عن الباقر عليهماالسلام عن جابر في صفة حجّ رسول الله صلىاللهعليهوآله : ثم نزل إلىٰ المروة حتىٰ إذا انصبَّت قدماه رمل في بطن الوادي حتىٰ
إذا صعدتا مشىٰ حتىٰ أتىٰ المروة ، ففعل علىٰ المروة كما فعل علىٰ
الصفا ، فلمّا كان آخر طوافه علىٰ المروة ، قال : ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة ) وهذا يقتضي أنّه آخر طوافه .
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه الشيخ : « طُفْ بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة » .
وقال أبو بكر الصيرفي
من الشافعية : يحتسب سعيه من الصفا إلىٰ
__________________
المروة
ومنها إلىٰ الصفا شوطاً واحداً .
مسألة ٤٩٤ : يجب السعي بين الصفا والمروة في المسافة التي بينهما ، فلا يجوز الإخلال بشيء منها ، بل يلصق عقبه بالصفا في الابتداء وأصابع رجليه به في العود وبالعكس في المروة . ولا تحلّ له النساء حتىٰ يكمله .
ولا يجب الصعود علىٰ
الصفا ولا المروة ـ خلافاً لبعض الشافعية ، وقد تقدّم ـ لقوله تعالىٰ : (
فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا )
.
قال المفسّرون : أراد
بينهما . وهو يصدق وإن لم يصعد عليهما .
ويستحب له أن يسعىٰ
ماشياً ، ويجوز الركوب إجماعاً .
ولما رواه العامّة :
أنّ النبي صلىاللهعليهوآله طاف راكباً بالبيت وبالصفا والمروة .
ومن طريق الخاصّة :
رواية الحلبي ـ الحسنة ـ أنّه سأل الصادقَ عليهالسلام : عن السعي بين الصفا والمروة علىٰ الدابّة ، قال : « نعم وعلىٰ المحمل
» .
وقال معاوية بن عمّار
: سألت الصادقَ عليهالسلام : عن الرجل يسعىٰ بين الصفا والمروة راكباً ، قال : « لا بأس والمشي أفضل »
.
مسألة ٤٩٥ : يستحب أن يمشي من الصفا إلىٰ المنارة ، وأن يُهرول ما بين المنارة وزقاق العطّارين ثم يمشي من زقاق العطّارين إلىٰ المروة ، ولو
__________________
كان
راكباً ، حرّك دابّته في موضع الهرولة إجماعاً .
روىٰ العامّة
أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله سعىٰ بين الصفا والمروة
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « ثم انحدر ماشياً وعليك السكينة والوقار حتىٰ تأتي المنارة ، وهي طرف المسعىٰ ، واسع ملأ فروجك وقُلْ : بسم الله الله أكبر وصلّىٰ الله علىٰ محمد وآله ، وقُلْ
: اللّهم اغفر وارحم واعْفُ عمّا تعلم وأنت الأعزّ الأكرم ، حتىٰ تبلغ المنارة الاُخرىٰ ، وكان المسعىٰ أوسع ممّا هو اليوم ، ولكنّ الناس ضيّقوه ،
ثم امش وعليك السكينة والوقار حتىٰ تأتي المروة »
الحديث .
ولأنّ موضع الرمل من وادي
محسّر ، فاستحبّ قطعه بالهرولة ، كما يستحب قطع وادي محسّر . ويستحب الدعاء حالة السعي .
ولو ترك الرمل ، لم
يكن عليه شيء إجماعاً .
روىٰ العامّة
عن ابن عمر ، قال : إن أسْعَ بين الصفا والمروة فقد رأيتُ رسول الله صلىاللهعليهوآله يسعىٰ ، وإن أمْشِ فقد رأيت رسول
الله صلىاللهعليهوآله يمشي وأنا شيخ كبير .
ومن طريق الخاصّة :
قول سعيد الأعرج : سألتُ الصادقَ عليهالسلام : عن رجل ترك شيئاً من الرمل في سعيه بين الصفا والمروة ، قال : « لا شيء عليه » .
__________________
وليس علىٰ
النساء رمل ولا صعود علىٰ الصفا والمروة ؛ لأنّ ترك ذلك أستر .
ولو نسي الرجل الرمل
حتىٰ يجوز موضعه ثم ذكر ، فليرجع القهقرىٰ إلىٰ المكان الذي يرمل فيه .
البحث الثالث : في
الأحكام .
مسألة ٤٩٦ : السعي واجب وركن من أركان الحجّ والعمرة يبطلان بالإخلال به عمداً ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال عروة ومالك والشافعي وأحمد في إحدىٰ الروايتين ـ لما رواه العامّة عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال : ( اسعوا فإنّ الله كتب عليكم السعي ) .
ومن طريق الخاصّة :
رواية الحسن بن علي الصيرفي عن بعض أصحابنا قال : سُئل أبو عبد الله عليهالسلام : عن السعي بين الصفا والمروة فريضة أو سنّة ؟ فقال : « فريضة » .
وفي الصحيح عن معاوية
بن عمّار عن الصادق عليهالسلام : في رجل ترك السعي متعمّداً ، قال : « لا حجّ له » .
__________________
وقال أحمد في الرواية
الاُخرىٰ : إنّه مستحب لا يجب بتركه دم . وهو مروي عن ابن الزبير وابن سيرين .
وقال أبو حنيفة : هو
واجب وليس بركن إذا تركه وجب عليه دم ـ وهو مذهب الحسن البصري والثوري ـ لقوله تعالىٰ : ( فَلَا جُنَاحَ ) ورفع الجناح دليل عدم وجوبه .
وهو غلط ؛ فإنّ رفع
الجناح لا يستلزم عدم الوجوب .
ولو ترك السعي ناسياً
، أعاده لا غير ، ولا شيء عليه ، فإن كان قد خرج من مكّة ، عاد للسعي ، فإن لم يتمكّن ، أمر مَنْ يسعىٰ عنه ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَ عليهالسلام : رجل نسي السعي بين الصفا والمروة ، قال : « يعيد السعي » قلت : فإنّه خرج ، قال : « يرجع فيعيد السعي إنّ هذا ليس كرمي الجمار ، الرمي سنّة والسعي بين الصفا والمروة فريضة »
.
وسأل زيد الشحّام الصادقَ
عليهالسلام : عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة حتىٰ يرجع إلىٰ أهله ، فقال : « يطاف عنه »
.
مسألة ٤٩٧ : قد سبق وجوب ترتيب السعي بأن يبدأ بالصفا
ويختم بالمروة ، فلو عكس فبدأ بالمروة وختم بالصفا ، أعاد السعي ؛ لأنّه لم يأت بالمأمور به علىٰ وجهه ، فيبقىٰ في عهدة التكليف .
__________________
وما رواه معاوية بن
عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : « مَنْ بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعىٰ ويبدأ بالصفا قبل المروة »
.
إذا عرفت هذا ، فلو
طاف سبعة أشواط وشكّ فيما بدأ به ، فإن كان في آخر السابع علىٰ الصفا ، أعاد السعي من أوّله ؛ لأنّه يكون قد بدأ من المروة .
وقالت العامّة : يسقط
الشوط الأوّل ، ويبني علىٰ أنّه بدأ من الصفا ، فيضيف إليه آخر .
وهو غلط ؛ لما بيّنّا
من الأخبار الدالّة علىٰ وجوب البدأة بالصفا ، والإعادة علىٰ مَنْ بدأ بالمروة .
وكذا لو تيقّن عدد
الأشواط فيما دون السبعة وشكّ في المبدأ ، فإن كان في المزدوج علىٰ الصفا ، صحّ سعيه ؛ لأنّه يكون قد بدأ به ، وإن كان علىٰ المروة ، أعاد ، وينعكس الحكم مع انعكاس الفرض .
مسألة ٤٩٨ : لو سعىٰ أقلّ من سبعة أشواط ولو خطوةً ، وجب عليه الإتيان بها ، ولا يحلّ له ما يحرم علىٰ المُحْرم قبل الإتيان به ، فإن رجع
إلىٰ بلده ، وجب عليه العود مع المكنة وإتمام السعي ؛ لأنّ الموالاة لا تجب فيه إجماعاً .
ولو لم يذكر حتىٰ
واقع أهله أو قصّر أو قلّم ، كان عليه دم بقرة وإتمام السعي ؛ لما رواه سعيد بن يسار ، قال : سألت الصادقَ عليهالسلام : رجل متمتّع سعىٰ بين الصفا والمروة ستّة أشواط ثم رجع إلىٰ منزله وهو يرىٰ
أنّه
__________________
قد
فرغ منه وقلّم أظافيره وأحلّ ثم ذكر أنّه سعىٰ ستّة أشواط ، فقال لي : « يحفظ أنّه قد سعىٰ ستّة أشواط ؟ فإن كان يحفظ أنّه قد سعىٰ ستّة
أشواط فليعد وليُتمّ شوطاً وليُرق دماً » فقلت : دم ماذا ؟ قال : « بقرة » قال : « وإن لم يكن حفظ أنّه سعىٰ ستّة أشواط فليبتدئ السعي حتىٰ يُكمله سبعة أشواط ثم ليُرق [ دم ] بقرة »
.
ولو لم يُحصّل عدد
الأشواط ، استأنف السعي .
مسألة ٤٩٩ : لا يجوز الزيادة علىٰ سبعة أشواط ، فإن زاد عمداً ، استأنف السعي ، وإن كان سهواً ، طرح الزيادة واعتدّ بالسبعة ، وإن شاء أكمل أربعة عشر شوطاً ؛ لأنّها عبادة ذات عدد ، فأبطلتها الزيادة عمداً ، كالصلاة والطواف .
ولقول الكاظم عليهالسلام : « الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة ، فإذا زدت عليها فعليك الإعادة وكذلك السعي » .
ويدلّ علىٰ طرح
الزيادة مع السهو : قول الكاظم عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن رجل سعىٰ بين الصفا والمروة ثمانية أشواط ما عليه ؟ فقال : « إن كان خطأً طرح واحداً واعتدّ بسبعة » .
وعلىٰ جواز
إتمام أربعة عشر شوطاً : قول أحدهما عليهماالسلام ـ في الصحيح ـ : « وكذلك إذا استيقن أنّه سعىٰ ثمانية أضاف إليها ستّة »
.
مسألة ٥٠٠ : يجوز أن يجلس الإنسان في أثناء السعي للاستراحة
__________________
ـ
وهو قول أحمد في إحدىٰ الروايتين ـ لما رواه العامّة : أنّ سودة بنت عبد الله بن عمر امرأة عروة بن الزبير سعت بين الصفا والمروة فقضت طوافها في ثلاثة أيّام وكانت ضخمةً .
ومن طريق الخاصّة :
رواية الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : سألته عن الرجل يطوف بين الصفا والمروة ، يستريح ؟ قال : « نعم إن شاء جلس علىٰ الصفا والمروة وبينهما فيجلس »
.
وقال أحمد في الرواية
الاُخرىٰ : لا يجوز . ويجعل الموالاة شرطاً في السعي ؛ قياساً علىٰ الطواف .
والفرق : أنّ الطواف
يتعلّق بالبيت وهو صلاة ، ويشترط له الطهارة والستر ، فيشترط له الموالاة ، كالصلاة ، بخلاف السعي .
وكذا يجوز أن يقطع
السعي لقضاء حاجة له أو لبعض إخوانه ثم يعود فيتمّ ما قطع عليه ؛ لأنّ أبا الحسن عليهالسلام سُئل عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيسعىٰ ثلاثة أشواط أو أربعة ثم يلقاه الصديق فيدعوه إلىٰ الحاجة أو إلىٰ الطعام ، قال : « إن أجابه فلا بأس »
.
وعن أحمد روايتان
.
__________________
ولو دخل وقت فريضة
وهو في أثناء السعي ، قَطَعه ، وابتدأ بالصلاة ، فإذا فرغ منها تمّم سعيه ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ الرجل يدخل في السعي بين
الصفا والمروة فيدخل وقت الصلاة ، أيخفّف أو يقطع ويصلّي ثم يعود أو يثبت كما هو علىٰ حاله حتىٰ يفرغ ؟ قال : « لا ، بل يصلّي ثم يعود أو ليس عليهما مسجد ؟ »
.
مسألة ٥٠١ : إذا طاف ، جاز له أن يؤخّر السعي إلىٰ بعد ساعة ، ولا يجوز إلىٰ غد يومه ـ وبه قال أحمد وعطاء والحسن وسعيد بن جبير
ـ لأنّ الموالاة إذا لم تجب في نفس السعي ففيما بينه وبين الطواف أولىٰ .
ولأنّ عبد الله بن
سنان سأل ـ في الصحيح ـ الصادقَ عليهالسلام : عن الرجل يقدم مكّة وقد اشتدّ عليه الحَرّ ، فيطوف بالكعبة فيؤخّر السعي إلىٰ أن يبرد ، فقال : « لا بأس به ، وربما فَعَلْتُه » قال : وربما رأيته يؤخّر السعي إلىٰ الليل .
وسأل محمد بن مسلم ـ في
الصحيح ـ أحدَهما عليهماالسلام : عن رجل طاف بالبيت فأعيىٰ ، أيؤخّر الطواف بين الصفا والمروة إلىٰ غد ؟ قال :
« لا » .
مسألة ٥٠٢ : السعي تبع للطواف لا يصحّ تقديمه عليه ـ وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في إحدىٰ الروايتين
ـ لما رواه العامّة :
__________________
أنّ
رسول الله صلىاللهعليهوآله سعىٰ بعد طوافه
، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم ) .
ومن طريق الخاصّة :
رواية منصور بن حازم ـ في الصحيح ـ أنّه سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن
يطوف بالبيت ، فقال : « يطوف بالبيت ثم يعود إلىٰ الصفا والمروة فيطوف بينهما »
.
ولو طاف بعض الطواف
ثم مضىٰ إلىٰ السعي ناسياً ، فذكر في أثناء السعي نقص الطواف ، رجع فأتمّ طوافه ثم عاد إلىٰ السعي فأتمّ سعيه ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل طاف بالبيت ثم خرج إلىٰ
الصفا فطاف به ثم ذكر أنّه قد بقي عليه من طوافه شيء ، فأمره أن يرجع إلىٰ البيت فيُتمّ ما بقي من طوافه ثم يرجع إلىٰ الصفا فيُتمّ ما بقي
فقلت له : فإنّه طاف بالصفا وترك البيت ، قال : « يرجع إلىٰ البيت ، فيطوف به ثم يستقبل طواف الصفا » فقلت : ما فرق بين هذين ؟ قال : « لأنّه قد دخل في شيء من الطواف ، وهذا لم يدخل في شيء منه » .
تذنيب :
لو سعىٰ بعد طوافه ثم ذكر أنّه طاف بغير طهارة ، لم يعتد بطوافه ولا بسعيه ؛ لأنّه تبع له .
مسألة ٥٠٣ : السعي واجب في الحجّ والعمرة ، ولا يجزئ السعي في أحدهما عن الآخر ، عند علمائنا ؛ لأنّ كلّ واحد منهما نسك يشترط فيه الطواف ، فيشترط فيه السعي ، كالآخر .
__________________
ولقول الصادق عليهالسلام : « علىٰ المتمتّع بالعمرة إلىٰ الحجّ ثلاثة
أطواف بالبيت ، ويصلّي لكلّ طواف ركعتين ، وسعيان بين الصفا والمروة »
.
وقال بعض العامّة :
لو سعىٰ القارن والمفرد بعد طواف القدوم ، لم يلزمهما بعد ذلك سعي ، وإن لم يسعيا معه ، لزمهما السعي مع طواف الزيارة .
مسألة ٥٠٤ : لا يجوز تقديم طواف النساء علىٰ السعي ، فإن فَعَله متعمّداً ، أعاد طواف النساء ، وإن كان ناسياً ، فلا شيء عليه ؛ لأنّ أحمد بن محمد روىٰ عمّن ذكره ، قال : قلت لأبي الحسن عليهالسلام : جُعلت فداك متمتّع زار البيت فطاف طواف الحجّ ثم طاف طواف النساء ثم سعىٰ ، فقال : « لا يكون السعي إلّا قبل طواف النساء » فقلت : عليه شيء ؟ فقال : « لا يكون سعي إلّا قبل طواف النساء » .
ولا يجوز للمتمتّع أن
يقدّم طواف الحجّ وسعيه علىٰ المضيّ إلىٰ عرفات اختياراً ، قاله العلماء كافّة .
روىٰ أبو بصير
، قال : قلت : رجل كان متمتّعاً فأهلّ بالحجّ ، قال : « لا يطوف بالبيت حتىٰ يأتي عرفات ، فإن هو طاف قبل أن يأتي منىٰ من غير علّة فلا يعتدّ بذلك الطواف » .
إذا عرفت هذا ، فإنّ
التقديم للضرورة ـ كالشيخ الكبير والمريض وخائفة الحيض ـ جائز ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « لا بأس أن يعجّل الشيخ
__________________
الكبير
والمريض والمرأة والمعلول طواف الحجّ قبل أن يخرج
إلىٰ منىٰ » .
وكذا يجوز تقديم طواف
النساء علىٰ الموقفين مع العذر لا مع الاختيار ؛ لأنّ الحسن بن علي روىٰ عن أبيه عن الكاظم عليهالسلام ، قال : « لا بأس بتعجيل طواف الحجّ وطواف النساء قبل الحجّ يوم التروية قبل خروجه إلىٰ منىٰ ، وكذلك لمن خاف أن لا يتهيّأ
له الانصراف إلىٰ مكّة أن يطوف ويودّع البيت ثم يمرّ كما هو من منىٰ إذا كان خائفاً »
.
وسيأتي تمام ذلك إن
شاء الله تعالىٰ .
قال الشيخ رحمهالله : يجوز للقارن والمفرد تقديم طوافهما وسعيهما علىٰ المضيّ إلىٰ عرفات لضرورة وغيرها ؛ لأنّ حماد بن عثمان روىٰ ـ في الصحيح ـ قال : سألت الصادق عليهالسلام عن مفرد الحجّ أيعجّل طوافه أو يؤخّره ؟ قال : « هو والله سواء عجّله أو أخّره »
.
وسأل إسحاقُ بن عمّار
الكاظمَ عليهالسلام : عن رجل يُحْرم بالحجّ من مكّة ثم يرىٰ البيت خالياً فيطوف قبل أن يخرج ، عليه شيء ؟ قال : « لا »
.
قال الشيخ
: ويجدّدان التلبية لو قدّما الطواف ؛ ليبقيا علىٰ إحرامهما ، ولو لم يجدّداها ، انقلبت الحجّة عمرة .
__________________
وأنكر ابن إدريس
وكافّة العامّة ذلك .
البحث الرابع : في
التقصير .
مسألة ٥٠٥ : إذا فرغ المتمتّع من السعي ، قصّر من شعره وقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّا الصيد ؛ لكونه في الحرم ، فلو خرج منه ، كان مباحاً له ، ويحلّ له أكل ما ذبح في الحلّ في الحرم إجماعاً .
روىٰ العامّة
عن ابن عمر قال : تمتّع الناس مع رسول الله صلىاللهعليهوآله بالعمرة إلىٰ الحجّ ، فلمّا قدم رسول الله صلىاللهعليهوآله مكة قال للناس : ( مَنْ كان معه هدي فإنّه لا يحلّ من شيء أحرم منه حتىٰ يقضي حجّته ، ومَنْ لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصّر وليحلل )
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « إذا فرغت من سعيك وأنت متمتّع فقصّر من شعرك من جوانبه ولحيتك وخُذْ من شاربك وقلّم من أظفارك وابق منها لحجّك ، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شيء يحلّ منه المُحْرم وأحرمت منه ، وطُفْ بالبيت تطوّعاً ما شئت »
.
مسألة ٥٠٦ : التقصير نسك في العمرة ، فلا يقع الإحلال إلّا به أو بالحلق ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والشافعي في أحد القولين ـ لما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : ( رحم الله
__________________
المحلّقين
) قيل : يا رسول الله والمقصّرين ، فقال : ( رحم الله المحلّقين ) إلىٰ أن قال في الثالثة أو الرابعة : ( رحم الله المقصّرين )
وهو يدلّ علىٰ أنّه نسك .
ومن طريق الخاصّة :
الأحاديث الدالّة علىٰ الأمر بالتقصير ، فيكون واجباً .
وقال الشافعي في
الآخر : إنّه إطلاق محظور ، بأنّ كلّ ما كان محرّماً في الإحرام فإذا جاز له ، كان إطلاقَ محظور .
ونمنع الكلّيّة .
ولا يستحب له تأخير
التقصير ، فإن أخّره ، لم تتعلّق به كفّارة .
مسألة ٥٠٧ : لو أخلّ بالتقصير عامداً حتىٰ أهلّ بالحجّ ، بطلت عمرته
، وكانت حجّته مفردةً .
ولا تدخل أفعال الحجّ
في أفعال العمرة ـ وبه قال علي عليهالسلام وابن مسعود والشعبي والنخعي وأبو حنيفة وأصحابه ـ لقوله تعالىٰ : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) .
وقال الشافعي : إذا
قرن ، تدخل أفعال العمرة في أفعال الحجّ ، واقتصر علىٰ أفعال الحجّ فقط ، يجزئه طواف واحد وسعي واحد عنهما .
__________________
وبه
قال جابر وابن عمر وعطاء وطاوُس والحسن البصري ومجاهد وربيعة ومالك وأحمد وإسحاق .
ويبطل بما رواه
العامّة عن عمران بن الحصين : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : ( مَنْ جمع الحجّ إلىٰ العمرة فعليه طوافان )
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « إذا طاف وسعىٰ ثم لبّىٰ
قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر ، وليس له متعة » .
ولو أخلّ بالتقصير ناسياً
، صحّت متعته ، ووجب عليه دم ـ قاله الشيخ رحمهالله ـ لأنّ إسحاق بن عمّار روىٰ ـ في
الصحيح ـ عن الكاظم عليهالسلام : الرجل يتمتّع وينسىٰ أن يقصّر حتىٰ يهلّ بالحجّ ، فقال : « عليه دم يهريقه » .
وحمله الصدوق علىٰ
الاستحباب ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل أهلّ بالعمرة ونسي أن يقصّر
حتىٰ دخل الحجّ ، قال : « يستغفر الله ولا شيء عليه وتمّت عمرته »
.
مسألة ٥٠٨ : لو جامع امرأته قبل التقصير ، وجب عليه جزور إن كان
__________________
موسراً
، وإن كان متوسّطاً ، فبقرة ، وإن كان فقيراً ، فشاة إن كان عامداً عالماً ، وإن كان جاهلاً أو ناسياً ، لم يكن عليه شيء ؛ لأنّ الحلبي سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : عن متمتّع وقع علىٰ
امرأته قبل أن يقصّر ، قال : « ينحر جزوراً وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه »
.
وفي الحسن عن معاوية
بن عمّار أنّه سأل الصادقَ عليهالسلام : عن متمتّع وقع علىٰ امرأته ولم يقصّر ، فقال : « ينحر جزوراً وقد خفت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالماً ، وإن كان جاهلاً فلا شيء عليه »
.
أمّا لو واقعها بعد
التقصير ، فلا شيء عليه إجماعاً .
ولو قبّل امرأته قبل
التقصير ، وجب عليه دم شاة ـ قاله الشيخ ـ لرواية الحلبي ـ في الصحيح ـ أنّه سأل الصادقَ عليهالسلام : عن متمتّع طاف بالبيت وبين الصفا والمروة فقبّل امرأته قبل أن يقصّر من رأسه ، قال : « عليه دم يهريقه ، وإن كان الجماع فعليه جزور أو بقرة »
.
إذا عرفت هذا ، فإنّ
عمرته لا تبطل ـ وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي ـ لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه سُئل عن امرأة معتمرة
وقع بها زوجها قبل أن تقصّر ، قال : مَنْ ترك من مناسكه شيئاً أو نسيه فليرق دماً ،
__________________
قيل
: إنّها موسرة ، قال : فلتنحر ناقة .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « وقد خفت أن يكون قد ثلم حجّه » وهو يدلّ علىٰ الصحّة .
وقال الشافعي : تفسد
عمرته .
إذا عرفت هذا ، فإن
طاوعته ، كفّرت أيضاً ، وإن أكرهها ، تحمّل عنها .
مسألة ٥٠٩ : التقصير في إحرام العمرة أولىٰ من الحلق ، قاله الشيخ
في الخلاف .
ومنع في غيره من الحلق
، وأوجب به دم شاة مع العمد .
وقال أحمد : التقصير
أفضل ؛ لما رواه العامّة عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهماالسلام عن جابر لمّا وصف حجّ رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال لأصحابه : ( حلّوا من إحرامكم بطواف بين الصفا والمروة وقصّروا )
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : عن المتمتّع أراد أن يقصّر فحلق رأسه ، قال : « عليه دم يهريقه » .
وسأل جميلُ بن درّاج الصادقَ
عليهالسلام: عن متمتّع حلق رأسه بمكة ،
__________________
قال
: « إن كان جاهلاً فليس عليه شيء » .
وقال الشافعي : الحلق
أفضل ؛ لقوله تعالىٰ : (
مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) . بدأ بالأهمّ .
وهو لا يعارض ما
تقدّم .
مسألة ٥١٠ : أدنىٰ التقصير أن يقصّر شيئاً من شعر رأسه ولو كان يسيراً ، وأقلّه ثلاث شعرات ؛ لحصول الامتثال به ، هذا قول علمائنا ، وبه قال الشافعي .
وقال أبو حنيفة :
الربع .
وقال مالك : يقصّر من
جميع رأسه أو يحلقه أجمع . وبه قال أحمد في إحدىٰ الروايتين ـ وفي الاُخرىٰ كقولنا
ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله حلق جميع رأسه . ولأنّه نسك يتعلّق بالرأس ، فيجب استيعابه ، كالمسح
.
وفعل النبيّ صلىاللهعليهوآله بيان للحلق في الحجّ ، ونمنع حكم أصل قياسهم .
إذا عرفت هذا ، فلو
قصّر الشعر بأيّ شيء كان ، أجزأه ، وكذا لو نتفه
__________________
أو
أزاله بالنورة .
ولو قصّر من الشعر
النازل عن حدّ الرأس أو ما يحاذيه ، أجزأه .
ولو قصّر من أظفاره ،
أجزأه ، وكذا لو أخذ من شاربه أو حاجبيه أو لحيته ؛ لأنّ الصادق عليهالسلام سأله حفص وجميل وغيرهما : عن مُحْرم يُقصّر
من بعض ولا يقصّر من بعض ، قال : « يجزئه » .
مسألة ٥١١ : ليس في إحرام عمرة التمتّع طواف النساء ، بل في إحرام العمرة المبتولة ؛ لأنّ أبا القاسم مخلد بن موسىٰ الرازي كتب [ إلىٰ
الرجل ] يسأله عن العمرة المبتولة هل علىٰ صاحبها طواف النساء ؟ وعن العمرة التي يتمتّع بها إلىٰ الحجّ ، فكتب « أمّا العمرة المبتولة فعلىٰ
صاحبها طواف النساء ، وأمّا التي يتمتّع بها إلىٰ الحجّ فليس علىٰ صاحبها طواف
النساء » .
إذا عرفت هذا ،
فينبغي للمتمتّع بعد التقصير أن يتشبّه بالمُحْرمين في ترك لُبْس المخيط ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « ينبغي للمتمتّع بالعمرة إلىٰ
الحجّ إذا أحلّ أن لا يلبس قميصاً وليتشبّه بالمُحْرمين »
.
مسألة ٥١٢ : يكره له أن يخرج من مكة قبل قضاء مناسكه كلّها ، إلّا لضرورة ، فإن اضطرّ إلىٰ الخروج ، خرج إلىٰ حيث لا يفوته الحجّ ،
ويخرج مُحْرماً بالحجّ ، فإن أمكنه الرجوع إلىٰ مكة ، وإلّا مضىٰ علىٰ
إحرامه إلىٰ عرفات .
ولو خرج بغير إحرام
ثم عاد ، فإن كان في الشهر الذي خرج فيه ،
__________________
لم
يضرّه أن يدخل مكة بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر الذي خرج فيه ، دخلها مُحْرماً بالعمرة إلىٰ الحجّ ، وتكون عمرته الأخيرة هي التي
يتمتّع بها إلىٰ الحجّ ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « مَنْ دخل مكة متمتّعاً في أشهر
الحجّ لم يكن له أن يخرج حتىٰ يقضي الحجّ ، فإن عرضت له الحاجة إلىٰ عسفان
أو إلىٰ الطائف أو إلىٰ ذات عرق ، خرج مُحْرماً ، ودخل ملبّياً بالحجّ ،
فلا يزال علىٰ إحرامه ، فإن رجع إلىٰ مكة رجع مُحْرماً ، ولم يقرب البيت حتىٰ
يخرج مع الناس إلىٰ منىٰ » قلت : فإن جهل فخرج إلىٰ المدينة وإلىٰ
نحوها بغير إحرام ثم رجع في إبّان الحجّ في أشهر الحجّ يريد الحجّ أيدخلها مُحْرماً أو بغير إحرام ؟ فقال : « إن رجع في شهره دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر دخل مُحْرماً » قلت : فأيّ الإحرامين والمتعتين متعته ؟ الأولىٰ أو الأخيرة ؟ قال : « الأخيرة هي عمرته ، وهي المحتبس بها التي وصلت بحجّه »
.
إذا عرفت هذا ، فلو
خرج من مكة بغير إحرام وعاد في الشهر الذي خرج فيه ، استحبّ له أن يدخلها مُحْرماً بالحجّ ، ويجوز له أن يدخلها بغير إحرام علىٰ ما تقدّم .
مسألة ٥١٣ : لو دخل المُحْرم مكة وقدر علىٰ إنشاء الإحرام للحجّ بعد
طوافه وسعيه وتقصيره ، وإدراك عرفات والمشعر ، جاز له ذلك وإن كان بعد زوال الشمس من يوم التروية أو ليلة عرفة أو يومها قبل الزوال أو بعده إذا علم إدراك الموقفين ـ اختاره الشيخ رحمهالله ـ لأنّ هشام بن سالم [ روىٰ ] ـ في الصحيح ـ [ عن ]
الصادق عليهالسلام : في الرجل المتمتّع يدخل
__________________
ليلة
عرفة فيطوف ويسعىٰ ثم يحرم فيأتي منىٰ ، فقال : « لا بأس »
.
وقال المفيد رحمهالله : إذا زالت الشمس من يوم التروية ولم يكن أحلّ من عمرته ، فقد فاتته المتعة ، ولا يجوز له التحلّل منها ، بل يبقىٰ علىٰ
إحرامه ، وتكون حجّته مفردة .
وليس بجيّد .
قال موسىٰ بن
القاسم : روىٰ لنا الثقة من أهل البيت عن أبي الحسن موسىٰ عليهالسلام ، أنّه قال : « أهلّ بالمتعة بالحجّ »
يريد يوم التروية زوال الشمس وبعد العصر وبعد المغرب وبعد العشاء ، ما بين ذلك كلّه واسع
.
احتجّ المفيد ـ رحمهالله ـ بقول الصادق عليهالسلام : « إذا قدمت مكة يوم التروية وقد غربت الشمس فليس لك متعة ، وامض كما أنت بحجّك »
.
وهو محمول علىٰ
خائف فوات الموقف ؛ لأنّ الحلبي سأل ـ في الصحيح ـ الصادقَ عليهالسلام : عن رجل أهلّ بالحجّ والعمرة جميعاً
ثم قدم مكة والناس بعرفات ، فخشي إن هو طاف وسعىٰ بين الصفا والمروة أن يفوته الموقف ، فقال : « يدع العمرة ، فإذا أتمّ حجّه صنع كما صنعت عائشة ، ولا هدي عليه »
.
__________________
والتقييد بخوف الفوات
هنا يقتضي تقييده في الأحاديث المطلقة ؛ حملاً للمطلق علىٰ المقيّد .
تمّ الجزء الخامس
من كتاب تذكرة الفقهاء في سادس شهر رمضان المبارك من سنة ثمان عشرة وسبعمائة بالحلّة علىٰ يد مصنّف الكتاب حسن ابن يوسف بن المطهّر الحلّي أعانه الله تعالىٰ علىٰ طاعته .
ويتلوه في الجزء
السادس بعون الله تعالىٰ : المقصد الثالث في أفعال الحجّ ، وفيه فصول : الأوّل : في إحرام الحجّ .
والحمد لله وحده ،
وصلّىٰ الله علىٰ سيّدنا محمد النبي وآله الطاهرين .
__________________
بسم الله الرحمن
الرحيم
وفّق اللّهم لإكماله
بمحمد وكرام آله

المقصد الثالث في أفعال الحجّ
وفيه فصول :

الأوّل
في إحرام الحجّ
مسألة ٥١٤ : إذا فرغ المتمتّع من عمرته وأحلّ من إحرامها ، وجب عليه الإتيان بالحجّ مبتدئاً بالإحرام للحجّ من مكة . ويستحب أن يكون يوم التروية ، وهو ثامن ذي الحجّة ، إجماعاً .
روىٰ العامّة
عن جابر في صفة حجّ رسول الله صلىاللهعليهوآله : فلمّا كان يوم التروية توجّهوا إلىٰ منىٰ فأهلّوا بالحجّ
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « إذا كان يوم التروية إن شاء الله فاغتسل ثم البس ثوبيك وادخل المسجد حافياً وعليك السكينة والوقار ، ثم صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم عليهالسلام أو في الحجر ، ثم اقعد حتىٰ تزول
الشمس فصلّ المكتوبة ، ثم قُلْ في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة ، فأحرم بالحجّ ثم امض وعليك السكينة والوقار ، فإذا انتهيت إلىٰ الرقطاء دون الرَّدْم فلبِّ ، فإذا انتهيت إلىٰ الرَّدْم وأشرفت علىٰ
الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتىٰ تأتي منىٰ » .
أمّا المكّي : فذهب
مالك إلىٰ أنّه يستحب أن يهلّ بالحجّ من المسجد لهلال ذي الحجّة .
__________________
وروي عن ابن عمر وابن
عباس وطاوُس وسعيد بن جبير استحباب إحرامه يوم التروية أيضاً ، وهو قول أحمد ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر بالإهلال يوم التروية .
ولأنّه ميقات للإحرام
، فاستوىٰ فيه أهل مكة وغيرهم ، كميقات المكان ، ولأنّه لو أحرم المتمتّع بحجّة أو المكّي قبل ذلك في أيّام الحجّ فإنّه يجزئه .
مسألة ٥١٥ : ويُحرم من مكة ، والأفضل أن يكون من تحت الميزاب أو من مقام إبراهيم عليهالسلام ، ويجوز أن يُحْرم من أيّ موضع شاء من مكة
إجماعاً .
روىٰ العامّة
عن النبي صلىاللهعليهوآله : ( حتىٰ أهل مكة يُهلّون منها )
.
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه عمرو بن حريث الصيرفي أنّه سأل الصادقَ عليهالسلام : من أين اُهلّ بالحجّ ؟ فقال : « إن
شئت من رحلك وإن شئت من الكعبة وإن شئت من الطريق » .
ويستحب أن يفعل هنا
كما فَعَل في إحرام العمرة من الإطلاء والاغتسال والتنظيف بإزالة الشعر والدعاء والاشتراط ؛ لما تقدّم
من الأخبار .
ويستحب أن يكون
إحرامه عند الزوال يوم التروية بعد أن يصلّي
__________________
الفرضين
؛ لما تقدّم في المسألة الاُولىٰ من كلام الصادق عليهالسلام .
ويجوز أن يُحرم أيّ
وقت شاء من أيّام الحجّ بعد فراغ عمرته بعد أن يعلم أنّه يلحق عرفات ، ثم يفعل ما فَعَل عند الإحرام الأوّل من الغسل والتنظيف وأخذ الشارب وتقليم الأظفار وغير ذلك ، ثم يلبس ثوبي إحرامه ويدخل المسجد حافياً ، عليه السكينة والوقار ، ويصلّي ركعتين عند المقام أو في الحجر ، وإن صلّىٰ ست ركعات ، كان أفضل . وإن صلّىٰ فريضة الظهر
وأحرم عقيبها ، كان أفضل ، فإذا صلّىٰ ركعتي الإحرام ، أحرم بالحجّ مفرداً ،
ويدعو بما دعا به عند الإحرام الأوّل ، غير أنّه يذكر الحجّ مفرداً ؛ لأنّ عمرته قد مضت .
ويلبّي إن كان ماشياً
من موضعه الذي صلّىٰ فيه ، وإن كان راكباً ، فإذا نهض به بعيره ، فإذا انتهىٰ إلىٰ الردْم وأشرف علىٰ الأبطح ،
رفع صوته بالتلبية ؛ لما تقدّم .
مسألة ٥١٦ : ولا يسنّ له الطواف بعد إحرامه ، وبه قال ابن عباس وعطاء ومالك وإسحاق وأحمد . ولو فعل ذلك لغير عذر ، لم يجزئه عن طواف الحجّ وكذا السعي ، أمّا لو حصل عذر ، مثل مرض أو خوف حيض ، فإنّه يجوز الطواف قبل المضيّ إلىٰ عرفات ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر أصحابه أن يهلّوا بالحجّ إذا خرجوا إلىٰ منىٰ
.
__________________
وقال الشافعي : يجوز
مطلقاً .
مسألة ٥١٧ : قد بيّنّا أنّه يجب أن يحرم بالحجّ ، فإن أحرم بالعمرة سهواً وهو يُريد الحجّ ، أجزأه ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظم عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن رجل دخل قبل التروية بيوم فأراد الإحرام بالحجّ فأخطأ ، فقال : العمرة ، قال : « ليس عليه شيء ، فليعد الإحرام بالحجّ »
.
ولو نسي الإحرام يوم
التروية بالحجّ حتىٰ حصل بعرفات ، فليحرم من هناك ، فإن لم يذكر حتىٰ يرجع إلىٰ بلده فقد تمّ حجّه ، ولا شيء
عليه ، قاله الشيخ رحمهالله ؛ لما رواه علي بن جعفر ـ في الصحيح ـ عن
أخيه الكاظم عليهالسلام ، قال : سألته عن رجل نسي الإحرام
بالحجّ فذكره وهو بعرفات ما حاله ؟ قال : « يقول : اللهم علىٰ كتابك وسنّة نبيّك ، فقد تمّ إحرامه ، فإن جهل أن يُحرم يوم التروية بالحجّ حتىٰ رجع إلىٰ بلده إن
كان قضىٰ مناسكه كلّها فقد تمّ حجّه » .
__________________
الفصل
الثاني في الوقوف بعرفات
وفيه مباحث :
الأوّل : في الخروج إلىٰ منىٰ .
يستحب لمن أراد
الخروج إلىٰ منىٰ أن لا يخرج من مكة حتىٰ يصلّي الظهرين يوم التروية بها ثم يخرج إلىٰ منىٰ إلّا الإمام خاصّة ، فإنّه
يستحب له أن يصلّي الظهر والعصر بمنىٰ يوم التروية ، ويُقيم بها إلىٰ طلوع
الشمس .
وأطلق العامّة علىٰ
استحباب الخروج للإمام وغيره من مكة قبل الظهر وأن يصلّوا بمنىٰ يوم التروية .
لنا : ما رواه
العامّة عن ابن الزبير أنّه صلّىٰ بمكة .
وعن عائشة أنّها
تخلّفت ليلة التروية حتىٰ ذهب ثلثا الليل
.
ومن طريق الخاصّة :
رواية معاوية بن عمّار ـ الصحيحة ـ عن الصادق عليهالسلام ، أنّه يصلّي الظهر بمكة
.
وأمّا الإمام : فإنّه
يستحب له الخروج قبل الزوال ليصلّي الظهرين يوم التروية بمنى ؛ لما رواه جميل بن درّاج ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : « لا ينبغي للإمام أن يصلّي الظهر إلّا بمنىٰ يوم التروية ويبيت بها
__________________
ويصبح
حتىٰ تطلع الشمس ويخرج » .
مسألة ٥١٨ : يجوز للشيخ الكبير والمريض والمرأة وخائف الزحام المبادرة إلىٰ الخروج قبل الظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة ؛ للضرورة .
ولرواية إسحاق بن
عمّار ـ الصحيحة ـ قال : سألت الكاظم عليهالسلام : عن الرجل يكون شيخاً كبيراً أو مريضاً يخاف ضغاط الناس وزحامهم يُحرم بالحجّ ويخرج إلىٰ منىٰ قبل يوم التروية ؟ قال : « نعم » قلت : فيخرج
الرجل الصحيح يلتمس مكاناً أو يتروّح بذلك ؟ قال : « لا » قلت : يتعجّل بيوم ؟ قال : « نعم » قلت : يتعجّل بيومين ؟ قال : « نعم » قلت : ثلاثةً ؟ قال : « نعم » قلت : أكثر من ذلك ، قال : « لا » .
مسألة ٥١٩ : يستحب له عند التوجّه إلىٰ منىٰ الدعاء بالمنقول ،
وإذا نزل منىٰ ، دعا بالمأثور .
قال الصادق عليهالسلام له ـ في الصحيح ـ : « إذا انتهيت إلىٰ
منىٰ فقُلْ : اللهم هذه منىٰ ، وهي ممّا مننت به علينا من المناسك ، فأسألك أن تمنّ عليَّ بما مننت به علىٰ أنبيائك ، فإنّما أنا عبدك وفي قبضتك ، ثم تصلّي بها
الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر والإمام يصلّي بها الظهر لا يسعه إلّا ذلك وموسّع أن تصلّي بغيرها إن لم تقدر ثم تدركهم بعرفات » قال : « وحدّ منىٰ من العقبة إلىٰ وادي محسّر »
.
__________________
ولو صادف يومُ
التروية يومَ الجمعة ، فمن أقام بمكة حتىٰ تزول الشمس ممّن تجب عليه الجمعة ، لم يجز له الخروج حتىٰ يصلّي الجمعة ؛ لأنّها فرض ، والخروج في هذا الوقت ندب .
أمّا قبل الزوال
فإنّه يجوز له الخروج ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأنّ الجمعة الآن غير واجبة . والثاني للشافعي : لا يجوز
.
إذا عرفت هذا ، فإنّ الشيخ
ـ رحمهالله ـ قال : يستحب للإمام أن يخطب أربعة أيّام من ذي الحجّة : يوم السابع منه ويوم عرفة ويوم النحر بمنىٰ ويوم النفر الأوّل ، يُعلم الناس ما يجب عليهم فعله من مناسكهم
؛ لما روىٰ جابر أنّ النبي صلىاللهعليهوآله صلّىٰ الظهر بمكة يوم السابع
وخطب .
ويأمر الناس في خطبته
بالغدوّ إلىٰ منىٰ ويُعلمهم ما بين أيديهم من المناسك ، وبه قال الشافعي .
وقال أحمد : لا يخطب
يوم السابع .
ولو وافق يومَ الجمعة
، خطب للجمعة وصلّاها ثم خطب هذه الخطبة ثم يخرج بهم يوم الثامن ـ وهو يوم التروية ـ إلىٰ منىٰ .
مسألة ٥٢٠ : يستحب المبيت ليلة عرفة بمنىٰ للاستراحة ، وليس بنسك ، فلا يجب بتركه شيء ، ويبيت إلىٰ طلوع الفجر من يوم عرفة ،
__________________
ويكره
الخروج قبل الفجر إلّا لضرورة ، كالمريض والخائف ؛ لما رواه الشيخ ـ في الصحيح ـ عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليهالسلام من قوله : « ثم تصلّي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة »
.
إذا ثبت هذا ،
فالأفضل له أن يصبر حتىٰ تطلع الشمس ، فلو خرج قبل طلوعها بعد طلوع الفجر ، جاز ذلك ، لكن ينبغي له أن لا يجوز وادي محسَّر إلّا بعد طلوع الشمس ، لقول الصادق عليهالسلام : « لا تجوز وادي محسّر حتىٰ تطلع الشمس » .
أمّا الإمام فلا يخرج
من منىٰ إلّا بعد طلوع الشمس ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « من السنّة أن لا يخرج الإمام من منىٰ إلىٰ عرفة حتىٰ تطلع
الشمس » .
ويجوز للمعذور ـ كالمريض
وخائف الزحام والماشي ـ الخروج قبل أن يطلع الفجر ويصلّي الفجر في الطريق للضرورة ، رواه الشيخ عن عبد الحميد الطائي أنّه قال للصادق عليهالسلام : إنّا مشاة فكيف نصنع ؟ قال : « أمّا أصحاب الرحال فكانوا يصلّون الغداة بمنىٰ ، وأمّا أنتم فامضوا حيث تصلّوا في الطريق » .
وللشافعي قولان : أحدهما
: أنّهم يخرجون إلىٰ عرفات بعد الفجر ، والثاني : بعد الظهر في غير الجمعة .
وأمّا إذا كان يومُ
التروية يومَ الجمعة ، فالمستحب عنده الخروج قبل طلوع الفجر ؛ لأنّ الخروج إلىٰ السفر يوم الجمعة إلىٰ حيث لا تُصلّىٰ
__________________
الجمعة
حرام أو مكروه ، وهُمْ لا يصلّون الجمعة بمنىٰ ، وكذا لا يصلّونها بعرفة لو كان يومُ عرفة يومَ الجمعة ؛ لأنّ الجمعة إنّما تقام في دار الإقامة
.
إذا عرفت هذا ،
فيستحب الدعاء عند الخروج إلىٰ عرفة بالمنقول ، ويضرب خباءه بنمرة وهي بطن عُرنة دون الموقف ودون عرفة ؛ لما رواه العامّة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله مكث حتىٰ طلعت الشمس ثم ركب وأمر
بقبّة من شعر أن تُضرب له بنمرة فنزل بها .
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : « إذا غدوت إلىٰ عرفة فقُلْ
وأنت متوجّه إليها : اللّهم إليك صمدت وإيّاك اعتمدت ووجهك أردت ، أسألك أن تبارك لي في رحلتي وأن تقضي لي حاجتي وأن تجعلني ممّن تباهي به اليوم مَنْ هو أفضل منّي ، ثم تلبّي وأنت غادٍ إلىٰ عرفات ، فإذا انتهيت إلىٰ عرفات فاضرب خباءك بنمرة وهي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة ، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصلّ الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين وإنّما تعجّل العصر وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء فإنّه يوم دعاء ومسألة » قال : « وحدّ عرفة من بطن عُرنة وثويّة ونمرة إلىٰ ذي المجاز ، وخلف الجبل موقف » .
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يستحب أن يجمع الإمام بين الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، عند علمائنا ؛ لهذه الرواية ، وبه قال الشافعي ؛ لأنّ
__________________
رسول
الله صلىاللهعليهوآله هكذا فَعَل في حجّة الوداع
.
وعند أبي حنيفة لا
إقامة للعصر .
مسألة ٥٢١ : إذا زالت الشمس يوم عرفة ، خطب الإمام بالناس ، وبيَّن لهم ما بين أيديهم من المناسك ، ويُحرّضهم علىٰ إكثار الدعاء والتهليل بالموقف ، ثم يصلّي بالناس الظهر بأذان وإقامة ، ثم يقيمون فيصلّي بهم العصر .
وإذا كان الإمام
مسافراً ، وجب عليه التقصير .
وقال الشافعي :
السنّة له التقصير .
وأمّا أهل مكة ومَنْ حولها
فلا يقصّرون ، وبه قال الشافعي ، خلافاً لمالك .
وليقل الإمام إذا
سلّم : أتمّوا يا أهل مكة فإنّا قوم سفر ، كما قاله رسول الله صلىاللهعليهوآله .
إذا عرفت هذا ، فإنّ
نمرة ليست من عرفة ، بل هي حدّ لها .
__________________
وللشافعية قولان :
هذا أحدهما ، والثاني : أنّها منها .
البحث الثاني : في
الكيفية .
مسألة ٥٢٢ : يستحب الاغتسال للوقوف بعرفة ؛ لأنّها عبادة ، فشُرّع لها الاغتسال ، كالإحرام ـ ورواه العامّة عن علي عليهالسلام ، وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وابن المنذر ـ لأنّها مجمع الناس ، فاستحبّ الاغتسال لها ، كالجمعة والعيدين .
ومن طريق الحاصّة :
ما تقدّم في حديث معاوية بن عمّار عن الصادق عليهالسلام .
ثم يقف مستقبل القبلة
؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله وقف واستقبل القبلة
.
وهل الوقوف راكباً
أفضل أو ماشياً ؟ للشافعي قولان : أحدهما : أنّهما سواء [ قاله ] في الاُم ، وأظهرهما ـ وبه قال أحمد
ـ أنّ الوقوف راكباً أفضل ؛ اقتداءً برسول الله صلىاللهعليهوآله ، وليكون أقوىٰ علىٰ
الدعاء .
وعندنا أنّ الركوب
والقعود مكروهان ، بل يستحب قائماً داعياً
__________________
بالمأثور
.
مسألة ٥٢٣ : يجب في الوقوف النيّة ، عند علمائنا ـ خلافاً للعامّة
ـ لأنّ الوقوف عبادة ، وكلّ عبادة بنيّة ؛ لقوله تعالىٰ : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) .
ولأنّه عمل ، فيفتقر
إلىٰ النيّة ، لقوله عليهالسلام : ( الأعمال بالنيّات وإنّما لكل امرئ ما نوىٰ ) .
وقال عليهالسلام : ( لا عمل إلّا بنيّة ) .
ولأنّ الواجب إيقاعها
علىٰ جهة الطاعة ، وهو إنّما يتحقّق بالنيّة .
ويجب في النيّة
اشتمالها علىٰ نيّة الوجوب والوقوف لحجّ التمتّع حجّة الإسلام أو غيرها ، والتقرّب إلىٰ الله تعالىٰ .
مسألة ٥٢٤ : يجب الكون بعرفة إلىٰ غروب الشمس من يوم عرفة إجماعاً .
روىٰ العامّة
عن جابر أنّ النبي صلىاللهعليهوآله وقف بعرفة حتىٰ غابت الشمس .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « إنّ المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس ، فخالفهم رسول الله صلىاللهعليهوآله ،
__________________
فأفاض
بعد غروب الشمس » .
وسأل يونس بن يعقوب ،
الصادقَ عليهالسلام : متىٰ نفيض من عرفات ؟ فقال : « إذا ذهبت الحمرة من هاهنا » وأشار بيده إلىٰ المشرق وإلىٰ مطلع
الشمس .
إذا عرفت هذا ،
فكيفما حصل بعرفة أجزأه ، قائماً وجالساً وراكباً ومجتازاً .
وبالجملة لا فرق في
الإجزاء بين أن يحضرها ويقف ، وبين أن يمرّ بها ، لقوله صلىاللهعليهوآله : ( الحجّ عرفة فمن أدرك عرفة فقد أدرك
الحجّ ) إلّا أنّ الأفضل القيام ؛ لأنّه أشقّ ، فيكون أفضل ؛ لقوله عليهالسلام : ( أفضل الأعمال أحمزها ) .
ولأنّه أخفّ علىٰ
الراحلة .
مسألة ٥٢٥ : لا بدّ من قصد الوقوف بعرفة ، وهو يستلزم معرفة أنّها عرفة ، فلو مرّ بها مجتازاً وهو لا يعلم أنّها عرفة ، لم يجزئه ـ وبه قال أبو ثور ـ لأنّ الوقوف إنّما يتحقّق استناده إليه بالقصد والإرادة ،
وهي غير متحقّقة هنا . ولأنّا شرطنا النيّة ، وهي متوقّفة علىٰ الشعور .
وقال الفقهاء الأربعة
بالإجزاء ؛ لقوله عليهالسلام : ( مَنْ أدرك صلاتنا هذه
__________________
ـ
يعني صلاة الصبح يوم النحر ـ وأتىٰ عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تمّ حجّه وقضىٰ تفثه ) ولم يفصّل بين الشاعر وغيره .
ولا حجّة فيه ؛ لأنّ
قوله عليهالسلام : ( وأتىٰ عرفات ) إنّما يتحقّق
مع القصد .
مسألة ٥٢٦ : النائم يصحّ وقوفه ـ إذا سبقت منه النيّة للوقوف ـ بعد الزوال وإن استمرّ نومه إلىٰ الليل ، أمّا لو لم تسبق منه النيّة واتّفق
نومه قبل الدخول إلىٰ عرفة واستمرّ إلىٰ خروجه منها ، فإنّه لا يجزئه ، خلافاً
للعامّة ؛ فإنّهم قالوا بإجزائه . إلّا عند بعض الشافعية
.
والأصل في الخلاف
بينهم البناء علىٰ أنّ كلّ ركن من أركان الحجّ هل يجب إفراده بنيّة ؛ لانفصال بعضها عن بعض ، أو تكفيها النيّة السابقة
؟
والصحيح ما قلناه من أنّ
النيّة معتبرة ولا تصحّ من النائم .
واحتجّوا بالقياس علىٰ
النائم طول النهار ؛ فإنّه يجزئه الصوم .
وهو ممنوع إن لم تسبق
منه النيّة في ابتدائه .
ولو حصل بعرفات وهو
مغمىٰ عليه ولم تسبق منه النيّة في وقتها وخرج بعد الغروب وهو مغمىٰ عليه ، لم يصح وقوفه ؛ لفوات أهليّته للعبادة ، ولهذا لا يجزئه الصوم لو كان مغمىٰ عليه طول نهاره ، وهو قول
__________________
الشافعي
.
ولأصحابه وجه : أنّه
يجزئه اكتفاءً منه بالحضور .
والسكران الذي لا
يحصّل شيئاً كالمغمىٰ عليه .
ولو حضر وهو مجنون
قبل النيّة واستوعب الوقت ، لم يجزئه .
قال بعض الشافعية :
إنّه يقع نفلاً كحجّ الصبي غير المميّز .
ولهم وجه بالإجزاء ،
كما في المغمىٰ عليه ، وقد سبق .
وبما اخترناه في
المغمىٰ عليه والمجنون قال الحسن البصري والشافعي وأبو ثور وإسحاق وابن المنذر .
وقال عطاء : المغمىٰ
عليه يجزئه ـ وبه قال مالك وأصحاب الرأي ، وتوقّف أحمد ـ لأنّه لا يشترط فيه الطهارة ، فلا
يشترط فيه النيّة ، فصحّ من المغمىٰ عليه كالمبيت بمزدلفة .
ونمنع حكم الأصل .
وحكم من غلب علىٰ
عقله بمرض أو غيره حكم المغمىٰ عليه .
ولو كان السكران يُحصّل
ما يقع منه ، صحّ طوافه .
__________________
ولا يشترط الطهارة
ولا الستر ولا الاستقبال إجماعاً ؛ لقول النبي صلىاللهعليهوآله لعائشة : ( إفعلي ما يفعل الحاج غير الطواف بالبيت )
وكانت حائضاً .
نعم تستحب الطهارة
إجماعاً .
ولو حضر بعرفة في طلب
غريم له أو دابّة ، فإن نوىٰ النسك في الأثناء ، صحّ وقوفه ، وإلّا فلا ، وللشافعيّة مع عدم النيّة وجهان
، بخلاف ما لو صرف الطواف إلىٰ غير النسك ، فإنّه لا يجزئه إجماعاً . والفرق عندهم أنّ الطواف قربة برأسها ، بخلاف الوقوف ، علىٰ أنّ بعضهم طرّد الخلاف هنا .
مسألة ٥٢٧ : عرفة كلّها موقف في أيّ موضع منها وقف أجزأه ، وهو قول علماء الإسلام .
روىٰ العامّة
عن علي بن أبي طالب عليهالسلام أنّ النبي صلىاللهعليهوآله وقف بعرفة وقد أردف اُسامة بن زيد ، فقال : ( هذا الموقف ، وكلّ عرفة موقف )
.
وقال عليهالسلام : ( عرفة كلّها موقف ، وارتفعوا عن وادي عُرنة ، والمزدلفة كلّها موقف ، وارتفعوا عن بطن محسّر ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله وقف بعرفات ، فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون إلىٰ جانبها ، فنحّاها رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ففعلوا مثل ذلك فقال : أيّها الناس
إنّه ليس موضع أخفاف
__________________
ناقتي
بالموقف ، ولكن هذا كلّه موقف ، وأشار بيده إلىٰ الموقف ، فتفرّق الناس ، وفَعَل ذلك بالمزدلفة » .
وقال عليهالسلام : ( عرفة كلّها موقف ، ولو لم يكن إلّا ما تحت خفّ ناقتي لم يسع الناس ذلك ) .
مسألة ٥٢٨ : وحدّ عرفة من بطن عُرنة وثويّة ونمرة إلىٰ ذي المجاز ، فلا يجوز الوقوف في هذه الحدود ولا تحت الأراك ، فإنّ هذه المواضع ليست من عرفات ، فلو وقف بها ، بطل حجّه ، وبه قال الجمهور كافّة
، إلّا ما حُكي عن مالك أنّه لو وقف ببطن عُرنة أجزأه ، ولزمه الدم
.
وقال ابن عبد البر :
أجَمْع الفقهاء علىٰ أنّه لو وقف ببطن عُرنة ، لم يجزئه .
وحَدَّ الشافعي عرفة
، فقال : هي ما جاوز وادي عُرنة إلىٰ الجبال المقابلة ممّا يلي بساتين بني عامر ، وليس وادي عُرنة من عرفة ، وهو علىٰ منقطع عرفة ممّا يلي منىٰ وصوب مكة .
وقول مالك باطل ؛ لما
رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : ( عرفة كلّها
__________________
موقف
، وارتفعوا عن بطن عُرنة ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « وحدّ عرفة من بطن عُرنة وثويّة ونمرة إلىٰ ذي المجاز ، وخلف الجبل موقف »
.
وعن الصادق عليهالسلام قال : « واتّق الأراك ونمرة ، وهي بطن عُرنة ، وثويّة وذا المجاز ، فإنّه ليس من عرفة فلا تقف فيه » .
مسألة ٥٢٩ : يستحب أن يضرب خباءه بنمرة ـ وهي بطن عُرنة ـ اقتداءً برسول الله صلىاللهعليهوآله .
وقال الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « فاضرب خباءك بنمرة ، وهي بطن عُرنة دون الموقف ودون عرفة » .
ويجوز النزول تحت
الأراك إلىٰ أن تزول الشمس ثم يمضي إلىٰ الموقف فيقف فيه ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « لا ينبغي الوقوف تحت الأراك ، فأمّا النزول تحته حتىٰ تزول الشمس وتنهض إلىٰ الموقف فلا بأس »
.
وينبغي أن يقف علىٰ
السهل .
ويستحب أن يقف علىٰ
ميسرة الجبل ولا يرتفع إلىٰ الجبل ، إلّا عند الضرورة إلىٰ ذلك ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظمَ عليهالسلام : عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحبّ إليك أم علىٰ الأرض ؟ فقال : « علىٰ الأرض »
.
__________________
ولأنّ النبي صلىاللهعليهوآله وقف بعرفة في ميسرة الجبل .
وروىٰ سماعة بن
مهران ، قال : سألت الصادقَ عليهالسلام : إذا كثر الناس بمنىٰ وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ قال : « يرتفعون إلىٰ وادي محسّر » قلت : فإذا كثروا بجَمْع وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ قال : « يرتفعون إلىٰ المأزمين » قلت
: فإذا كانوا بالموقف وكثروا كيف يصنعون ؟ فقال : « يرتفعون إلىٰ الجبل »
.
ويستحب له إن وجد
خللاً أن يسدّه بنفسه ورحله .
قال الله تعالىٰ
: ( كَأَنَّهُم
بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ ) فوصفهم بالاجتماع .
وقال الصادق عليهالسلام : « وإذا رأيت خللاً فتقدّم فسدّه بنفسك وراحلتك ، فإنّ الله يحبّ أن تُسدَّ تلك الخلال »
.
ويستحب أن يقرب إلىٰ
الجبل ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « وما قرب من الجبل فهو أفضل » .
مسألة ٥٣٠ : يستحب للإمام أن يخطب بعرفة قبل الأذان علىٰ ما تقدّم ، فإذا أذّن المؤذّن وأقام ، صلّىٰ بالناس الظهر والعصر
بأذان واحد وإقامتين يجمع بينهما علىٰ هذه الصفة .
وباستحباب الأذان في
الاُولىٰ قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ومالك وأحمد في إحدىٰ الروايتين ؛ لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله خطب إلىٰ أن
__________________
أذّن
المؤذّن ، فنزل وصلّىٰ بالناس .
وفي الرواية الثانية
لأحمد : يتخيّر بين الأذان لها وعدمه .
وقال مالك : أذان
العصر مستحب كغيرها من الصلوات .
ويبطل بما رواه
العامّة في حديث جابر : ثم أذّن بلال ثم أقام فصلّىٰ الظهر ثم أقام فصلّىٰ العصر .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصلّ الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين »
.
والفرق : أنّ التعجيل
هنا لأجل الدعاء .
مسألة ٥٣١ : إذا صلّىٰ مع الإمام ، جمع معه كما يجمع الإمام
إجماعاً .
ولو كان منفرداً ، جمع
أيضاً بأذان واحد وإقامتين ، عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي وعطاء ومالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمّد ـ لما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه كان إذا فاته الجمْع بين
الظهر والعصر مع الإمام بعرفة جَمْع بينهما منفرداً .
__________________
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « وصلّ الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين » .
ولأنّ الغرض التفرّغ
للدعاء ، وهو مشترك بين المنفرد وغيره .
وقال النخعي والثوري
وأبو حنيفة : لا يجوز له أن يجمع إلّا مع الإمام ؛ لأنّ لكلّ صلاة وقتاً محدوداً ، وإنّما ترك في الجمع مع الإمام ، فإذا لم يكن إمام ، رجعنا إلىٰ الأصل .
وقد بيّنّا أنّ الوقت
مشترك ، والعلّة مع الإمام موجودة مع المنفرد .
ويجوز الجمع لكلّ
مَنْ بعرفة من مكّيّ وغيره ، وقد أجمع علماء الإسلام علىٰ أنّ الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة ، وكذا من صلّىٰ
معه .
وقال أحمد : لا يجوز
الجمع إلّا لمن بينه وبين وطنه ستّة عشر فرسخاً إلحاقاً له بالقصر .
ويبطل بأنّ النبي صلىاللهعليهوآله جمع فجمع معه مَنْ حضر من أهل مكة وغيرها ، ولم يأمرهم بترك الجمع كما أمرهم بترك القصر حين قال : ( أتمّوا فإنّا سفر ) ولو كان حراماً لبيّنه .
ولو كان الإمام مقيماً
، أتمّ وقصّر مَنْ خلفه من المسافرين وأتمّ المقيمون ، عند علمائنا أجمع .
وقال الشافعي : يتمّ
المسافرون .
__________________
وهو غلط ؛ لأنّ القصر
عزيمة ، فلا يجوز خلافه .
ولقول النبي صلىاللهعليهوآله : ( يا أهل مكّة لا تقصروا في أقلّ من أربعة برد ) .
ولو كان الإمام
مسافراً قصّر وقصّر مَنْ خلفه من المسافرين وأتمّ المقيمون خلفه ، عند علمائنا ، وكذا أهل مكة يتمّون ؛ لنقص المسافة عن مسافة القصر ـ وبه قال عطاء ومجاهد والزهري والثوري والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي وابن المنذر ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله نهىٰ أهل مكة عن القصر
.
وقال مالك والأوزاعي
: لهم القصر ؛ لأنّ لهم الجمع ، فكان لهم القصر كغيرهم .
والفرق : السفر .
ويستحب تعجيل الصلاة
حين تزول الشمس ، وأن يقصّر الخطبة ثم يتروّح إلىٰ الموقف ؛ لأنّ التطويل يمنع من التعجيل إلىٰ الموقف .
ولأنّ النبي صلىاللهعليهوآله غدا من منىٰ حين صلّىٰ الصبح صبيحة يوم عرفة حتىٰ أتىٰ عرفة فنزل بنمرة حتىٰ إذا كان عند صلاة الظهر راح
رسول الله صلىاللهعليهوآله مهجراً ، فجمع بين الظهر والعصر ، ثم
خطب الناس ، ثم راح فوقف علىٰ الموقف من عرفة .
__________________
ولا خلاف في هذا بين
علماء الإسلام .
مسألة ٥٣٢ : إذا فرغ من الصلاتين ، جاء إلىٰ الموقف فوقف ، ويستحب له الاغتسال للموقف .
قال الصادق عليهالسلام : « الغسل يوم عرفة إذا زالت الشمس »
.
ويقطع التلبية عند
زوال الشمس من يوم عرفة ؛ لأنّ عبد الله بن سنان سأل ـ في الصحيح ـ الصادقَ عليهالسلام : عن تلبية المتمتّع متىٰ يقطعها
؟ قال : « إذا رأيت بيوت مكة ، ويقطع تلبية الحج عند زوال الشمس يوم عرفة » .
ويقطع تلبية العمرة
المبتولة حين تقع أخفاف الإبل في الحرم .
فإذا جاء إلىٰ
الموقف بسكينة ووقار ، حمد الله وأثنىٰ عليه وكبّره وهلّله ودعا واجتهد .
قال الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « وإنّما تعجّل الصلاة وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء ، فإنّه يوم دعاء ومسألة ، ثم تأتي الموقف بالسكينة والوقار ، فاحمد الله وهلّله ومجّده وأثن عليه وكبّره مائة مرّة واحمد الله مائة مرّة وسبّح مائة مرّة واقرأ قل هو الله أحد مائة مرّة ، وتخيّر لنفسك من الدعاء ما أحببت فإنّه يوم دعاء ، وتعوّذ بالله من الشيطان فإنّ الشيطان لن يذهلك في موطن قطّ أحبّ إليه من أن يذهلك في ذلك الموطن ، وإيّاك أن تشتغل بالنظر إلىٰ الناس وأقبل قِبَل نفسك »
الحديث .
__________________
ويستحب فيه الدعاء
الذي دعا به زين العابدين عليهالسلام في الموقف
، وأن يُكثر من الدعاء لإخوانه المؤمنين ويؤثرهم علىٰ نفسه .
قال إبراهيم بن هاشم
: رأيت عبد الله بن جندب بالموقف فلم أر موقفاً كان أحسن من موقفه ، ما زال مادّاً يديه إلىٰ السماء ودموعه تسيل علىٰ
خدّيه حتىٰ تبلغ الأرض ، فلمّا صرف الناس قلت : يا أبا محمد ما رأيت موقفاً قطّ أحسن من موقفك ، قال : والله ما دعوت فيه إلّا لإخواني ، وذلك لأنّ أبا الحسن موسىٰ عليهالسلام أخبرني أنّه « مَنْ دعا لأخيه بظهر
الغيب نُودي من العرش ولك مائة ألف ضعف مثله » فكرهت أن أدع مائة ألف ضعف مضمونة لواحد لا أدري يستجاب أم لا .
إذا عرفت هذا ، فهذه
الأدعية وغيرها ليست واجبةً ، وإنّما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة ولو مجتازاً مع النيّة .
مسألة ٥٣٣ : أوّل وقت الوقوف بعرفة زوال الشمس من يوم عرفة ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ومالك ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله وقف بعد الزوال ، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم )
ووقف الصحابة كذلك ، وأهل الأعصار من زمن النبي صلىاللهعليهوآله إلىٰ زماننا هذا مطبقون علىٰ
الابتداء في
__________________
الوقوف
بعد زوال الشمس ، ولو كان جائزاً قبل ذلك لفَعَله بعضهم .
قال ابن عبد البرّ :
أجمع العلماء علىٰ أنّ أوّل الوقوف بعرفة بعد زوال الشمس .
وقال الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « ثم تأتي الموقف » بعد الصلاتين ، والأمر للوجوب .
وقال أحمد : أوّله
طلوع الفجر من يوم عرفة ؛ لقوله صلىاللهعليهوآله : ( مَنْ صلّىٰ معنا هذه الصلاة ـ يعني صلاة الصبح يوم النحر ـ وأتىٰ عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تمّ حجّه وقضىٰ تفثه )
ولم يفصّل قبل الزوال وبعده .
وهو محمول علىٰ
ما بعد الزوال استناداً إلىٰ فعله عليهالسلام .
مسألة ٥٣٤ : آخر الوقت الاختياري غروب الشمس من يوم عرفة .
روىٰ العامّة
عن عليّ عليهالسلام وأسامة بن زيد أنّ النبي صلىاللهعليهوآله دفع حين غربت الشمس .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « فأفاض رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد غروب الشمس »
.
وسأل يونس بن يعقوب الصادقَ
عليهالسلام: متىٰ نفيض من عرفات ؟
__________________
قال
: « إذا ذهبت الحمرة من هاهنا » وأشار بيده إلىٰ المشرق وإلىٰ مطلع الشمس .
مسألة ٥٣٥ : لو لم يتمكّن من الوقوف بعرفة نهاراً وأمكنه أن يقف بها ليلاً ولو قليلاً إلىٰ أن يطلع الفجر أو قبله ، وجب عليه ، وأجزأه إذا أدرك المشعر قبل طلوع الشمس يوم النحر ، ولا نعلم في ذلك خلافاً ؛ لما رواه العامّة أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : ( وأتىٰ عرفات قبل ذلك
ليلاً أو نهاراً فقد تمّ حجّه وقضىٰ تفثه ) .
ومن طريق الخاصّة :
رواية الحلبي ـ الصحيحة ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : سألته عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات ، فقال : « إن كان في مهل حتىٰ يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتمّ حجّه حتىٰ يأتي عرفات ، وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام ، فإنّ الله تعالىٰ أعذر لعبده ، وقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس ، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ فليجعلها عمرة [ مفردة ] ، وعليه الحجّ من قابل » .
البحث الثالث : في الأحكام .
مسألة ٥٣٦ : الوقوف بعرفة ركن في الحجّ يبطل الحجّ بتركه عمداً ، عند علماء الإسلام .
__________________
روىٰ العامّة
عن عبد الرحمن بن يعمر الدئلي ، قال : أتيت رسول الله صلىاللهعليهوآله بعرفة ، فجاءه نفر من أهل نجد ، فقالوا
: يا رسول الله كيف الحجّ ؟ قال : ( الحجّ عرفة ، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جَمْع
فقد تمّ حجّه ) وأمر رجلاً ينادي : الحجّ عرفة .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أصحاب الأراك لا حجّ لهم » وإذا انتفىٰ الحجّ مع الوقوف
بحدّ عرفة فمع عدم الوقوف أولىٰ .
ولو ترك وقوف عرفة
سهواً أو لعذر ، تداركه ولو قبل الفجر من يوم النحر إذا علم أنّه يلحق المشعر قبل طلوع الشمس ، فإن لم يلحق عرفات إلّا ليلاً ولم يلحق المشعر إلّا بعد طلوع الشمس ، فقد فاته الحجّ .
روىٰ الحلبي ـ في
الصحيح ـ أنّه سأل الصادقَ عليهالسلام : عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات ، فقال : « إن كان في مهل حتىٰ يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتمّ حجّه حتىٰ يأتي عرفات ، وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف
__________________
بالمشعر
الحرام فإنّ الله تعالىٰ أعذر لعبده وقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس ، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ فليجعلها عمرة مفردة ، وعليه الحجّ من قابل »
.
مسألة ٥٣٧ : لعرفة وقتان : اختياري من زوال الشمس يوم عرفة إلىٰ غروبها ، واضطراري من الغروب إلىٰ طلوع الفجر من يوم النحر ، عند علمائنا .
ووافقنا الشافعي في
المبدأ وأنّه يدخل بزوال الشمس يوم عرفة ، وخالفنا في آخره ، فجعله طلوع الفجر يوم النحر .
فلو اقتصر علىٰ
الوقوف ليلاً ، كان مدركاً للحجّ علىٰ المذهب المشهور عندهم .
ولهم ثلاثة أوجه ،
أحدها ـ وهو الصحيح عندهم ـ : أنّ المقتصر علىٰ الوقوف ليلاً مدرك ، سواء أنشأ الإحرام قبل ليلة العيد أو فيها . والثاني : أنّه ليس بمدرك علىٰ التقديرين . والثالث : أنّه يدرك بشرط تقديم الإحرام عليها .
ولو اقتصر علىٰ
الوقوف نهاراً ، صحّ وقوفه بالإجماع .
مسألة ٥٣٨ : يجب أن يقف إلىٰ غروب الشمس بعرفة ، فإن أفاض قبله عامداً ، وجب عليه بدنة ، فإن عجز عن البدنة ، صام ثمانية عشر يوماً
__________________
بمكّة
أو في الطريق أو في أهله ، وصحّ حجّه ، عند علمائنا ، وبه قال ابن جُريج والحسن البصري .
وقال باقي العامّة ـ إلّا
مالكاً ـ : يجب عليه دم .
وللشافعي قول
باستحباب الدم .
وقال مالك : يبطل
حجّه .
لنا علىٰ صحّة
الحجّ : ما رواه العامّة عن عروة بن مضرّس بن أوس ابن حارثة بن لامٍ الطائي ، قال : أتيت رسول الله صلىاللهعليهوآله بمزدلفة حين خرج إلىٰ الصلاة ، فقلت : يا رسول الله إنّي جئت من جبلي طيِّء ، أكللت راحلتي ، وأتعبت نفسي ، والله ما تركت من جبل إلّا وقفت عليه ، فهل لي حجّ ؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( مَنْ شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتىٰ
ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تمّ حجّه وقضىٰ تفثه )
.
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه محمد بن سنان عن الكاظم عليهالسلام ، قال : سألته عن الذي إن أدركه الإنسان فقد أدرك الحجّ ، فقال : « إذا أتىٰ جَمْعاً
والناس في المشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحجّ ولا عمرة له ،
__________________
وإن
أدرك جَمْعاً بعد طلوع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حجّ له ، فإن شاء أن يقيم بمكّة أقام ، وإن شاء أن يرجع إلىٰ أهله رجع ، وعليه الحجّ من قابل » .
احتجّ مالك : بما
رواه ابن عمر : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : ( مَنْ أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحجّ ، ومَنْ فاته عرفات بليل فقد فاته الحجّ ، فليحلّ بعمرة ، وعليه الحجّ من قابل ) .
والجواب : إنّما خصّ
الليل لأنّ الفوات يتعلّق به إذا كان يوجد بعد النهار فهو آخر وقت الوقوف ، كقوله صلىاللهعليهوآله : ( مَنْ أدرك ركعةً من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها ) .
وعلىٰ وجوب
البدنة : ما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : ( مَنْ ترك نسكاً فعليه دم ) . والأحوط البدنة ؛ لحصول يقين البراءة
معها .
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه ضريس عن الباقر عليهالسلام ، قال : سألته عمّن أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس ، قال : « عليه بدنة ينحرها يوم النحر ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكّة أو في الطريق أو في أهله » .
ولو أفاض قبل الغروب
ساهياً ، لم يكن عليه شيء ، وكذا الجاهل ؛ لأصالة البراءة .
__________________
ولقول الصادق عليهالسلام في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس ، قال : « إذا كان جاهلاً فلا شيء عليه ، وإن كان متعمّداً فعليه بدنة »
.
مسألة ٥٣٩ : لو أفاض قبل الغروب عامداً عالماً ثم عاد إلىٰ الموقف نهاراً فوقف حتىٰ غربت الشمس ، فلا دم عليه ـ وبه قال مالك والشافعي تفريعاً علىٰ الوجوب عنده ، وأحمد ـ لأنّه أتىٰ بالواجب ، وهو الجمع
بين الوقوف في الليل والنهار ، فلم يجب عليه دم ، كمن تجاوز الميقات وهو [ غير ] مُحْرم ثم رجع فأحرم منه .
ولأنّ الواجب عليه
الوقوف حالة الغروب وقد فعله .
ولأنّه لو لم يقف
أوّلاً ثم أتىٰ قبل غروب الشمس ووقف حتىٰ تغرب الشمس ، لم يجب عليه شيء ، كذا هنا .
وقال الكوفيّون وأبو
ثور : عليه دم .
ولو كان عوده بعد
الغروب ، لم يسقط عنه الدم ـ وبه قال أحمد ـ لأنّ الواجب عليه الوقوف حالة الغروب وقد فاته .
وقال الشافعي : يسقط
الدم .
__________________
ولو فاته الوقوف
بعرفة نهاراً وجاء بعد غروب الشمس ووقف بها ، صحّ حجّه ، ولا شيء عليه إجماعاً ؛ لقول النبي صلىاللهعليهوآله : ( مَنْ أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحجّ ) .
ويجوز له أن يدفع من عرفات
أيّ وقت شاء ، ولا دم عليه إجماعاً .
لا يقال : إنّه وقف
أحد الزمانين ، فوجب الدم ، كما قلتم إذا وقف نهاراً وأفاض قبل الليل .
لأنّا نقول : الفرق :
أنّ مَنْ أدرك النهار أمكنه الوقوف إلىٰ الليل والجمع بين الليل والنهار ، فتعيّن ذلك عليه ، فإذا تركه ، لزمه الدم ، ومَنْ أتاها ليلاً لا يمكنه الوقوف نهاراً ، فلم يتعيّن عليه ، فلا يجب الدم بتركه .
مسألة ٥٤٠ : لو غمّ الهلال ليلة الثلاثين من ذي القعدة ، فوقف الناس تاسع ذي الحجة ، ثم قامت البيّنة أنّه العاشر ، فالوجه : فوات الحجّ إذا لم يتّفق له الحضور بعرفة ولا المشعر قبل طلوع الشمس ؛ لقوله عليهالسلام : ( الحجّ عرفة ) ولم يدركها .
وقال الشافعي : يجزئهم
؛ لقول النبي صلىاللهعليهوآله : ( حجّكم يوم تحجّون ) .
ولأنّ ذلك لا يؤمن
مثله في القضاء مع اشتماله علىٰ المشقّة العظيمة الحاصلة من السفر الطويل وإنفاق المال الكثير .
قال : ولو وقفوا يوم
التروية ، لم يجزئهم ؛ لأنّه لا يقع فيه الخطأ ؛ لأنّ نسيان العدد لا يتصوّر من العدد الكثير ـ والعدد القليل يعذرون في ذلك ـ
__________________
لأنّهم
مفرطون ، ويأمنون ذلك في القضاء .
ولو شهد اثنان عشيّة
عرفة برؤية الهلال ولم يبق من النهار والليل ما يمكن الإتيان إلىٰ عرفة ، اجتزأ بالمزدلفة .
وقال الشافعي : يقفون
من الغد .
ولو أخطأ الناس أجمع
في العدد فوقفوا غير يوم عرفة ، لم يجزئهم .
وقال بعض العامّة :
يجزئهم ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : ( يوم عرفة الذي يعرف الناس فيه ) .
وإن اختلفوا فأصاب
بعضهم وأخطأ بعض ، لم يجزئهم ؛ لأنّهم غير معذورين في هذا .
ولو شهد واحد أو
اثنان برؤية هلال ذي الحجّة وردّ الحاكم شهادتهما ، وقفوا يوم التاسع علىٰ وفق رؤيتهم وإن وقف الناس يوم العاشر عندهما ، وبه قال الشافعي .
وقال محمد بن الحسن :
لا يجزئه حتىٰ يقف مع الناس يوم العاشر ؛ لأنّ الوقوف لا يكون في يومين ، وقد ثبت في حقّ الجماعة يوم
العاشر .
__________________
ونمنع كونه لا يقع في
يومين مطلقاً ؛ لإمكانه بالنسبة إلىٰ شخصين ؛ لاختلاف سبب الوجوب في حقّهما ، والأصل فيه أنّ الوقوف في نفس الأمر واحد وتعدّد بالاشتباه ، كالصلاة المنسيّة .
تذنيب :
لو غلطوا في المكان فوقفوا بغير عرفة ، لم يصحّ حجّهم .
* * *
الفصل الثالث
في الوقوف بالمشعر الحرام
وفيه مباحث :
الأوّل : في مقدّماته
مسألة ٥٤١ : إذا غربت الشمس في عرفات ، فليفض منها قبل الصلاة إلىٰ المشعر ويدعو بالمنقول ، ويستحب أن يقتصد في السير ، فيسير سيراً جميلاً بسكينة ووقار ، ويستغفر الله تعالىٰ ويكثر منه ؛ لما رواه العامّة عن
جعفر الصادق عليهالسلام عن أبيه عليهالسلام عن جابر عن النبي صلىاللهعليهوآله ـ في حديث طويل ـ : حتىٰ دفع وقد شنق القصواء بالزِّمام حتىٰ أنّ رأسها ليُصيب
مَوْرِك رحله ويقول بيده اليمنىٰ : ( أيّها
الناس السكينة السكينة ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « إذا غربت الشمس فأفض مع الناس وعليك السكينة والوقار ، وأفض من حيث أفاض الناس واستغفر الله إنّ الله غفور رحيم ، فإذا انتهيت إلىٰ الكثيب الأحمر عن
__________________
يمين
الطريق فقُل : اللّهم ارحم موقفي »
الحديث .
مسألة ٥٤٢ : لا ينبغي أن يلبّي في سيره ؛ لما تقدّم
من أنّ الحاج يقطع التلبية يوم عرفة ، خلافاً لأحمد ؛ فإنّه استحبّها
.
ويستحب أن يمضي علىٰ
طريق المأزمين ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله سلكها
.
ويستحب له الإكثار من
ذكر الله تعالىٰ .
قال عزّ وجلّ : ( فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ
الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ) .
ويستحب له أن يصلّي
المغرب والعشاء بالمزدلفة وإن ذهب ربع الليل أو ثلثه ، بإجماع العلماء .
ورواه العامّة عن
جعفر الصادق عليهالسلام عن أبيه عليهالسلام عن جابر أنّ النبي صلىاللهعليهوآله جمع بمزدلفة
.
ومن طريق الخاصّة :
قول أحدهما عليهماالسلام ـ في الصحيح ـ : « لا تصلّ المغرب حتىٰ تأتي جَمْعاً وإن ذهب ثلث الليل »
.
مسألة ٥٤٣ : يستحب أن يؤذّن للمغرب ويُقيم ويصلّيها ثم يُقيم للعشاء من غير أذان ويصلّيها ، عند علمائنا ـ وهو أحد أقوال الشافعي ،
__________________
واختاره
أبو ثور وابن المنذر وأحمد في إحدىٰ الروايات
ـ لما رواه العامّة عن الصادق جعفر بن محمد عليهماالسلام عن جابر في صفة حجّ رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأنّه جمع بين المغرب والعشاء بأذان
واحد وإقامتين .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « صلاة المغرب والعشاء بجَمْع بأذان واحد وإقامتين ، ولا تصلّ بينهما شيئاً » وقال : « هكذا صلّىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله » .
وقال الشافعي : يقيم
لكلّ صلاة إقامة . وهو رواية عن أحمد
، وبه قال إسحاق وسالم والقاسم بن محمد ، وهو قول ابن عمر
.
وقال الثوري : يقيم
للاُولىٰ من غير أذان ، ويصلّي الاُخرىٰ بغير أذان ولا إقامة . وهو مروي عن ابن عمر أيضاً وأحمد
.
وقال مالك : يجمع
بينهما بأذانين وإقامتين .
__________________
احتجّ أحمد : بما
رواه اُسامة بن زيد ، قال : دفع رسول الله صلىاللهعليهوآله من عرفة حتىٰ إذا كان بالشعب نزل فبال ، ثم توضّأ ، فقلت له : الصلاة يا رسول الله ، فقال : ( الصلاة أمامك ) فركب فلمّا جاء مزدلفة نزل فتوضّأ فأسبغ الوضوء ثم اُقيمت الصلاة فصلّىٰ المغرب ثم أناخ كلّ إنسان بعيره في مبركه ثم اُقيمت الصلاة فصلّىٰ ولم يصلّ بينهما
.
واحتجّ الثوري : بما
رواه ابن عمر ، قال : جمع رسول الله صلىاللهعليهوآله بين المغرب والعشاء بجَمْع ، صلّىٰ المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين بإقامة واحدة
.
واحتجّ مالك : بأنّ
عمر وابن مسعود أذّنا أذانين وإقامتين .
والجواب : أنّ
روايتنا تضمّنت الزيادة ، فكانت أولىٰ ، وقول مالك مخالف للإجماع .
قال ابن عبد البرّ :
لا أعلم فيما قاله مالك حديثاً مرفوعاً بوجه من الوجوه .
وأمّا عمر فإنّما أمر
بالتأذين للثانية ؛ لأنّ الناس كانوا قد تفرّقوا لعشائهم ، فأذّن لجمعهم .
__________________
ولا ينبغي أن يصلّي
بينهما شيئاً من النوافل إجماعاً ؛ لحديث جابر واُسامة من طريق العامّة .
ومن طريق الخاصّة :
قول عنبسة بن مصعب : قلت للصادق عليهالسلام : إذا صلّيت المغرب بجَمْع اُصلّي الركعات بعد المغرب ؟ قال : « لا ، صلّ المغرب والعشاء ثم تصلّي الركعات بَعْدُ » .
ولو صلّىٰ
بينهما شيئاً من النوافل ، لم يكن مأثوماً ؛ لأنّ الجمع مستحبّ ، فلا يترتّب علىٰ تركه إثم .
وما رواه العامّة عن
ابن مسعود أنّه كان يتطوّع بينهما ، ورواه عن النبي صلىاللهعليهوآله .
ومن طريق الخاصّة :
قول أبان بن تغلب ـ في الصحيح ـ : صلّيت خلف الصادق عليهالسلام المغرب بالمزدلفة ، فقام فصلّىٰ
المغرب ثم صلّىٰ العشاء الآخرة ولم يركع فيما بينهما ، ثم صلّيت خلفه بعد ذلك بسنة فلمّا صلّىٰ المغرب قام فتنفّل بأربع ركعات .
مسألة ٥٤٤ : لو ترك الجمع فصلّىٰ المغرب في وقتها ، والعشاء في وقتها ، صحّت صلاته ، ولا إثم عليه ، ذهب إليه علماؤنا ـ وبه قال عطاء وعروة والقاسم بن محمد وسعيد بن جبير ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وأبو يوسف وابن المنذر ـ لأنّ كلّ صلاتين جاز الجمع
__________________
بينهما
جاز التفريق بينهما ، كالظهر والعصر بعرفة .
وما تقدّم من الأخبار
.
احتجّوا
بأنّ النبي صلىاللهعليهوآله جمع بين الصلاتين ، فكان نسكاً ، وقال
: ( خذوا عنّي مناسككم ) .
ولأنّه قال عليهالسلام لاُسامة : ( الصلاة أمامك )
.
وهو محمول علىٰ
الاستحباب ، لئلّا يقطع سيره .
ولو فاته مع الإمام الجمع
، جمع منفرداً إجماعاً ؛ لأنّ الثانية منهما تصلّىٰ في وقتها ، بخلاف الظهر مع العصر عند العامّة
.
ولو عاقه في الطريق
عائق وخاف أن يذهب أكثر الليل ، صلّىٰ في الطريق ؛ لئلّا يفوت الوقت ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « لا بأس أن يصلّي الرجل المغرب إذا أمسىٰ بعرفة »
.
وينبغي أن يصلّي
نوافل المغرب بعد العشاء ، ولا يفصل بين الصلاتين ، ولو فَعَل ، جاز ، لكنّ الأوّل أولىٰ ؛ لرواية أبان
.
وينبغي أن يصلّي قبل
حطّ الرحال ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله كذا فَعَل
.
__________________
ويبيت تلك الليلة
بمزدلفة ، ويكثر فيها من ذكر الله تعالىٰ والدعاء والتضرّع والابتهال إلىٰ الله تعالىٰ .
قال الصادق عليهالسلام ـ في الحسن ـ : « لا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة وتقول : اللّهم هذه جَمْع » إلىٰ آخره ، قال عليهالسلام : « وإن استطعت أن تحيي تلك الليلة فافعل ، فإنّه بلغنا أنّ أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة لأصوات المؤمنين ، لهم دويّ كدويّ النحل ، يقول الله عزّ وجلّ ثناؤه : أنا ربّكم وأنتم عبادي أدّيتم حقّي ، وحقٌّ عليَّ أن أستجيب لكم ، فيحطّ تلك الليلة عمّن أراد أن يحطّ عنه ذنوبه ، ويغفر لمن أراد أن يغفر له »
.
والمبيت بمزدلفة ليس
ركناً وإن كان الوقوف بها ركناً ؛ لما رواه العامّة عن عروة بن مضرّس ، قال : أتيت النبي صلىاللهعليهوآله بجَمْع ، فقال : ( مَنْ صلّىٰ معنا هذه الصلاة وأتىٰ عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تمّ حجّه ) .
ولأنّه مبيت في مكان
، فلا يكون ركناً ، كالمبيت بمنىٰ .
وحكي عن الشعبي
والنخعي أنّهما قالا : المبيت بمزدلفة ركن ؛ لقوله عليهالسلام : ( مَنْ ترك المبيت بالمزدلفة فلا حجّ
له ) .
وجوابه ـ بعد تسليمه
ـ أنّ المراد مَنْ لم يبت بها ولم يقف وقت
__________________
الوقوف
؛ جمعاً بين الأدلّة .
البحث الثاني : في
الكيفيّة .
مسألة ٥٤٥ : يجب في الوقوف بالمشعر شيئان : النيّة ، لأنّه عبادة ، فلا يصحّ بدونها . وللآية والأخبار
.
ويشترط فيها التقرّب
إلىٰ الله تعالىٰ ، ونيّة الوجوب ، وأنّ وقوفه لحجّة الإسلام أو غيرها .
الثاني : الوقوف بعد
طلوع الفجر الثاني ، لما رواه العامّة أنّ النبي صلىاللهعليهوآله صلّىٰ الصبح حين تبيّن له الصبح .
قال جابر : إنّ النبي
صلىاللهعليهوآله لم يزل واقفاً حتىٰ أسفر جدّاً
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « أصبح علىٰ طهر بعد ما تصلّي الفجر فقف إن شئت قريباً من الجبل وإن شئت حيث تبيت
» .
ولأنّ الكفّارة تجب
لو أفاض قبل الفجر علىٰ ما يأتي ، وهي مرتّبة علىٰ الذنب .
وقال الشافعي : يجوز
أن يدفع بعد نصف الليل ولو بجزء قليل .
__________________
فأوجب
الوقوف في النصف الثاني من الليل ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر اُمّ سلمة ، فأفاضت في النصف الأخير من المزدلفة .
ونحن نقول بموجبه ،
فإنّ المعذورين ـ كالنساء والصبيان والخائف ـ يجوز لهم الإفاضة قبل طلوع الفجر .
مسألة ٥٤٦ : يستحب أن يقف بعد أن يصلّي الفجر ، ولو وقف قبل الصلاة بعد طلوع الفجر ، أجزأه ؛ لأنّه وقت مضيّق ، فاستحبّ البدأة بالصلاة .
ويستحب الدعاء
بالمنقول ، ثم يفيض حين يشرق ثبير ، وترىٰ الإبل مواضع أخفافها في الحرم ، رواه معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام .
ويستحب أن يكون
متطهّراً .
قال الصادق عليهالسلام : « أصبح علىٰ طهر بعد ما تصلّي الفجر فقف إن شئت قريباً من الجبل ، وإن شئت حيث تبيت » الحديث .
ولو وقف جنباً أو مُحْدثاً
، أجزأه إجماعاً .
ويستحبّ له أن يصلّي
الفجر في أوّل وقته ؛ لازدحام الناس طلباً للوقوف والدعاء ، بخلاف الحصر .
مسألة ٥٤٧ : يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام .
قال الشيخ رحمهالله : المشعر الحرام جبل هناك يسمّىٰ قُزَح
.
__________________
ويستحب الصعود عليه وذكر الله تعالىٰ عنده .
قال الله تعالىٰ
: ( فَإِذَا أَفَضْتُم
مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ) .
وأردف رسول الله صلىاللهعليهوآله ، الفضل بن العباس ووقف علىٰ قُزح ، وقال : ( هذا قُزَح ، وهو الموقف ، وجَمْع كلّها موقف )
.
وروىٰ العامّة
عن جعفر بن محمد عليهالسلام عن أبيه عليهالسلام عن جابر أنّ النبي صلىاللهعليهوآله ركب القَصْواء حتىٰ أتىٰ
المشعر الحرام ، فرَقِيَ عليه واستقبل القبلة فحمد الله وهلّله وكبّره ووحّده ، فلم يزل واقفاً حتىٰ أسفر جدّاً
.
قال الصادق عليهالسلام : « يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام ، وأن يدخل البيت » .
البحث الثالث : في
الأحكام .
مسألة ٥٤٨ : الوقوف بالمشعر الحرام ركن من أركان الحجّ يبطل الحجّ بتركه عمداً ، عند علمائنا ، وهو أعظم من الوقوف بعرفة ، عند علمائنا ـ وبه
__________________
قال
علقمة والشعبي والنخعي ـ لقوله تعالىٰ : ( فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ) .
وما رواه العامّة عن
النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : ( مَنْ ترك المبيت
بالمزدلفة فلا حجّ له ) .
ومن طريق الخاصّة :
رواية الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام « وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام ، فإنّ الله تعالىٰ أعذر لعبده ، وقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس ، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ ، فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحجّ من قابل » .
وقال باقي العامّة :
إنّه نسك وليس بركن ؛ لقوله عليهالسلام بجَمْع : ( مَنْ صلّىٰ معنا هذه الصلاة وأتىٰ عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تمّ
حجّه ) .
ولأنّه مبيت في مكان
، فلا يكون ركناً ، كالمبيت بمنىٰ .
والحديث حجّة لنا ؛
لأنّها كانت صلاة الفجر في جَمْع ، وإذا علّق تمام الحجّ علىٰ وقوف المشعر ، انتفىٰ عند عدمه ، وهو المطلوب .
__________________
والقياس باطل ،
ومعارض بقياسنا ، فيبقىٰ دليلنا سالماً .
علىٰ أنّا لا
نوجب المبيت ولا نجعله ركناً كما تقدّم ، بل الوقوف الاختياري .
مسألة ٥٤٩ : يجب الوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر ، فلو أفاض قبل طلوعه مختاراً عامداً بعد أن وقف به ليلاً ، جبره بشاة .
وقال أبو حنيفة : يجب
الوقوف بعد طلوع الفجر ، كقولنا .
وقال باقي العامّة :
يجوز الدفع بعد نصف الليل .
وهو غلط ؛ لأنّ النبي
صلىاللهعليهوآله أفاض قبل طلوع الشمس
، وكانت الجاهلية تفيض بعد طلوعها ، فدلّ علىٰ أنّ ذلك هو الواجب .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : في رجل وقف مع الناس بجَمْع ثم أفاض قبل أن يفيض الناس ، قال : « إن كان جاهلاً فلا شيء عليه ، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة » .
ولأنّه أحد الموقفين
، فيجب فيه الجمع بين الليل والنهار ، كعرفة .
احتجّوا : بأنّ النبي
صلىاللهعليهوآله أمر اُمّ سلمة ، فأفاضت في النصف
الأخير من المزدلفة .
__________________
ونحن نقول بموجبه ؛
لجوازه للمعذورين .
وإن كان ناسياً ، فلا
شيء عليه ، قاله الشيخ رحمهالله ، وبه قال أبو حنيفة .
وقال ابن إدريس : لو
أفاض قبل الفجر عامداً ، بطل حجّه .
مسألة ٥٥٠ : يجوز للخائف والنساء وغيرهم من أصحاب الأعذار والضرورات الإفاضة قبل طلوع الفجر من مزدلفة إجماعاً ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يقدّم ضَعَفة أهله في النصف الأخير
من المزدلفة .
وقال : قدمنا رسول
الله صلىاللهعليهوآله اُغَيْلمة
بني عبد المطّلب .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « رخّص رسول الله صلىاللهعليهوآله للنساء والصبيان أن يفيضوا بليل ،
ويرموا الجمار بليل ، وأن يصلّوا الغداة في منازلهم ، فإن خفن الحيض مضين إلىٰ مكة ، ووكّلن مَنْ يضحّي عنهنّ » .
__________________
وعن أحدهما عليهماالسلام ، قال : « أيّ امرأة ورجل خائف أفاض من المشعر الحرام ليلاً فلا بأس » الحديث .
مسألة ٥٥١ : يستحب لغير الإمام أن يكون طلوعه من المزدلفة قبل طلوع الشمس بقليل ، وللإمام بعد طلوعها ؛ لما رواه العامّة : أنّ المشركين كانوا لا يفيضون حتىٰ تطلع الشمس ، ويقولون : أشرق ثبير كيما نغير ، وأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله خالفهم فأفاض قبل أن تطلع الشمس
.
ومن طريق الخاصّة :
أنّ الكاظم عليهالسلام سئل أيّ ساعة أحبّ إليك أن نفيض من جَمْع ؟ فقال : « قبل أن تطلع الشمس بقليل هي أحبّ الساعات إليَّ » قلت : فإن مكثنا حتىٰ تطلع الشمس ؟ قال : « ليس به بأس »
.
إذا عرفت هذا ، فإنّه
تستحبّ الإفاضة بعد الإسفار قبل طلوع الشمس بقليل ـ وبه قال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي ـ لما رواه العامّة في حديث جابر : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله لم يزل واقفاً حتىٰ أسفر جدّاً ،
فدفع قبل أن تطلع الشمس .
__________________
ومن طريق الخاصّة :
ما تقدّم في حديث الكاظم عليهالسلام .
ولو دفع قبل الإسفار
بعد الفجر أو بعد طلوع الشمس ، لم يكن مأثوماً إجماعاً .
مسألة ٥٥٢ : حدّ المزدلفة : ما بين مأزمي
عرفة إلىٰ الحياض إلىٰ وادي محسّر يجوز الوقوف في أيّ موضع شاء منه إجماعاً ؛ لما رواه العامّة عن الصادق عليهالسلام عن أبيه الباقر عليهالسلام عن جابر : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : ( وقفت هاهنا بجَمْع ، وجَمْع كلّها موقف ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول زرارة ـ في الصحيح ـ : إنّ الباقر عليهالسلام قال للحكم بن عُيينة : « ما حدّ المزدلفة ؟ » فسكت ، فقال الباقر عليهالسلام : « حدّها ما بين المأزمين إلىٰ الجبل إلىٰ حياض وادي محسّر »
.
وفي الصحيح عن معاوية
بن عمّار ، قال : « حدّ المشعر الحرام من المأزمَين إلىٰ الحياض وإلىٰ وادي محسّر »
.
إذا عرفت هذا ، فلو
ضاق عليه الموقف ، جاز له أن يرتفع إلىٰ الجبل ؛ لقول الصادق عليهالسلام : فإذا كثروا بجَمْع وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ فقال : « يرتفعون إلىٰ المأزمين »
.
مسألة ٥٥٣ : للوقوف بالمشعر وقتان : اختياريّ من طلوع الفجر إلىٰ
__________________
طلوع
الشمس يوم النحر ، واضطراريّ بعد طلوع الشمس إلىٰ زوالها ، فإذا أدرك الحاج الاختياريّ من وقت عرفة ـ وهو من زوال الشمس إلىٰ غروبها من يوم عرفة ـ واضطراريّ المشعر ، أو أدرك اضطراريّ عرفة واختياريّ المشعر ، صحّ حجّه إجماعاً .
وكذا لو أدرك
اختياريّ أحدهما وفاته الآخر اضطراريّاً واختياريّاً علىٰ إشكال لو كان الفائت هو المشعر .
أمّا لو أدرك
الاضطراريّين معاً ولم يدرك اختياريّ أحدهما ، فقد قيل : يبطل حجّه . وقيل : يصحّ .
ولو ورد الحاجّ ليلاً
وعلم أنّه إذا مضىٰ إلىٰ عرفات وقف بها قليلاً ثم عاد إلىٰ المشعر قبل طلوع الشمس ، وجب عليه المضيّ إلىٰ عرفات ، والوقوف بها ، ثم يجيء إلىٰ المشعر .
ولو غلب علىٰ
ظنّه أنّه إن مضىٰ إلىٰ عرفات ، لم يلحق المشعر قبل طلوع الشمس ، اقتصر علىٰ الوقوف بالمشعر ، وقد تمّ حجّه ، وليس عليه شيء .
ولو وقف بعرفات ليلاً
ثم أفاض إلىٰ المشعر فأدركه ليلاً أيضاً ولم يتّفق له الوقوف إلىٰ طلوع الفجر بل أفاض منه قبل طلوعه ، ففي إلحاقه بإدراك الاضطراريّين نظر ، فإن قلنا به ، جاء فيه الخلاف .
وأمّا العامّة فقالوا
: إذا فاته الوقوف بعرفات ، فقد فاته الحجّ مطلقاً ، سواء وقف بالمشعر أو لا .
__________________
ويدلّ علىٰ
إدراك الحجّ بإدراك الاضطراريّين : ما رواه الحسن العطّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : « إذا أدرك الحاجّ عرفات قبل
طلوع الفجر فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجَمْع ووجدهم قد أفاضوا فليقف قليلاً بالمشعر وليلحق الناس بمنىٰ ولا شيء عليه »
.
مسألة ٥٥٤ : يستحب أخذ حصىٰ الجمار من المزدلفة ، وهو سبعون حصاة ، عند علمائنا ـ وهو قول ابن عمر وسعيد بن جبير والشافعي
ـ لأنّ الرمي تحيّة لموضعه ، فينبغي له أن يلتقطه من المشعر ؛ لئلّا يشتغل عند قدومه بغيره ، كما أنّ الطواف تحيّة المسجد ، فلا يبدأ بشيء قبله .
وما رواه العامّة عن
ابن عمر أنّه كان يأخذ الحصىٰ من جَمْع ، وفَعَله سعيد بن جبير ، وقال : كانوا يتزوّدون الحصىٰ من جَمْع
.
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه معاوية بن عمّار ـ في الحسن ـ قال : « خُذْ حصىٰ الجمار من جَمْع ، وإن أخذته من رحلك بمنىٰ أجزأك »
.
ويجوز أخذ حصىٰ
الجمار من الطريق في الحرم ومن بقيّة مواضع الحرم عدا المسجد الحرام ومسجد الخيف ، ومن حصىٰ الجمار إجماعاً ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله غداة العقبة وهو علىٰ ناقته : ( القط لي حصىٰ الجمار ) فلقطت له سبع حصيات هي حصىٰ
الخذف ، فجعل يقبضهنّ في كفّه ويقول : ( أمثال هؤلاء فارموا
) ثم قال :
__________________
(
أيّها الناس إيّاكم والغلوّ في الدين ، فإنّما أهلك مَنْ كان قبلكم الغلوُّ في الدين ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « يجوز أخذ حصىٰ الجمار من جميع الحرم إلّا من المسجد الحرام ومسجد الخيف »
.
إذا عرفت هذا ، فلا
يجوز أخذ الحصىٰ من حصىٰ الجمار ولا من غير الحرم ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الحسن ـ : « حصىٰ الجمار إن
أخذته من الحرم أجزأك ، وإن أخذته من غير الحرم لم يجزئك » قال : وقال : « ولا ترم الجمار إلّا بالحصىٰ » .
وقال الصادق عليهالسلام : « ولا يأخذ من حصىٰ الجمار »
.
وقال بعض علمائنا :
لا يؤخذ الحصىٰ من جميع المساجد .
ولا بأس به ؛ لما ورد
من تحريم إخراج الحصىٰ من المساجد .
__________________
الفصل
الرابع في نزول منىٰ وقضاء مناسكها
وفيه أبواب :
الأوّل : في الرمي ومقدّمته .
وفيه مباحث :
الأوّل : في الإفاضة إلىٰ منىٰ .
مسألة ٥٥٥ : يستحب له الدفع من مزدلفة إلىٰ منىٰ إذا أسفر
الصبح قبل طلوع الشمس تأسّياً برسول الله صلىاللهعليهوآله .
ويستحب أن يفيض
بالسكينة والوقار ذاكراً لله تعالىٰ مستغفراً داعياً ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : ثم أردف رسول الله صلىاللهعليهوآله الفضل بن عباس وقال : ( أيّها الناس إنّ البرّ ليس بإيجاف الخيل والإبل ، فعليكم بالسكينة ) فما رأيتها رافعةً يديها حتىٰ أتىٰ منىٰ
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « فأفاض رسول الله صلىاللهعليهوآله خلاف ذلك بالسكينة والوقار والدعة ، فأفض بذكر الله والاستغفار ، وحرّك
__________________
به
لسانك » .
مسألة ٥٥٦ : فإذا بلغ وادي محسّر ـ وهو وادٍ عظيم بين جَمْع ومنىٰ ،
وهو إلىٰ منىٰ أقرب ـ أسرع في مشيه إن كان ماشياً ، وإن كان راكباً
حرّك دابّته ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لما رواه العامّة عن الصادق عليهالسلام : في صفة حجّ رسول الله صلىاللهعليهوآله : لمّا أتىٰ وادي محسّر حرّك
قليلاً ، وسلك الطريق الوسطىٰ .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « فإذا مررت بوادي محسّر ـ وهو وادٍ عظيم بين جَمْع ومنىٰ ، وهو إلىٰ منىٰ أقرب ـ فاسع
فيه حتىٰ تجاوزه ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله حرّك ناقته »
.
ولا نعلم خلافاً في
استحباب الإسراع فيه .
ولو ترك الهرولة فيه
، استحبّ له أن يرجع ويهرول ؛ لأنّها كيفية مستحبّة ، ولا يمكن فعلها إلّا بإعادة الفعل ، فاستحبّ له تداركها ، كناسي الأذان .
وقول ابن بابويه :
ترك رجل السعي في وادي محسّر ، فأمره الصادق عليهالسلام بعد الانصراف إلىٰ مكة فرجع فسعىٰ
.
وقد قيل : إنّ النصارىٰ
كانت تقف ثَمَّ ، فرأوا مخالفتهم .
ويستحبّ له الدعاء
حالة السعي في وادي محسّر ؛ لقول الصادق عليهالسلام
__________________
ـ
في الصحيح ـ : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : اللّهم سلّم عهدي ، واقبل توبتي ، وأجب دعوتي ، واخلفني بخير فيمن تركت بعدي »
.
وفي رواية عن الكاظم عليهالسلام : « الحركة في وادي محسّر مائة خطوة » .
وفي حديث آخر « مائة
ذراع » .
وأمّا الجمهور :
فاستحبّوا الإسراع قدر رمية حجر .
وإذا أفاض من المشعر
قبل طلوع الشمس ، فلا يجوز وادي محسّر حتىٰ تطلع الشمس مستحبّاً .
وروي عن الباقر عليهالسلام أنّه يكره أن يقيم عند المشعر بعد الإفاضة
.
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يجب يوم النحر بمنىٰ ثلاثة مناسك : رمي جمرة العقبة ، والذبح ، والحلق أو التقصير ، ويجب عليه بعد عوده من مكّة إلىٰ منىٰ يوم النحر أو ثانيه رمي الجمار الثلاث والمبيت بمنىٰ .
البحث الثاني : في رمي
جمرة العقبة .
مسألة ٥٥٧ : إذا ورد منىٰ يوم النحر ، وجب عليه فيه رمي جمرة العقبة ، وهي آخر الجمار ممّا يلي منىٰ ، وأوّلها ممّا يلي مكّة ، وهي عند
__________________
العقبة
، ولذلك سُمّيت جمرة العقبة [ وهي ] في حضيض الجبل مترقّية عن الجادّة .
ولا نعلم خلافاً في
وجوب رمي جمرة العقبة ؛ لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله رماها ، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم )
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « خُذ حصىٰ الجمار ثم ائت الجمرة القصوىٰ التي عند العقبة ، فارمها من قِبَل وجهها ، ولا ترمها من أعلاها » .
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يستحب له إذا دخل منىٰ بعد طلوع الشمس رمي جمرة العقبة حالة وصوله .
مسألة ٥٥٨ : لا يجوز الرمي في هذا اليوم ولا باقي الأيّام إلّا بالحجارة ،
عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي ومالك وأحمد ـ لما رواه العامّة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله رمىٰ بالأحجار ، وقال : ( بمثل
هذا فارموا ) .
وقال عليهالسلام : ( عليكم بحصىٰ الخذف )
.
__________________
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « خُذ حصىٰ الجمار ثم ائت الجمرة القصوىٰ التي عند العقبة فارمها من قِبَل وجهها »
والأمر للوجوب .
وقال أبو حنيفة :
يجوز بكلّ ما كان من جنس الأرض ، كالكحل والزرنيخ والمدر ، فأمّا ما لم يكن من جنس الأرض فلا يجوز
.
وقال داود : يجوز
الرمي بكلّ شيء حتىٰ حُكي عنه أنّه قال : لو رمىٰ بعصفور ميّت ، أجزأه ؛ لقوله عليهالسلام : ( إذا رميتم وحلقتم فقد حلّ لكم كلّ شيء ) ولم يفصّل .
وعن سكينة بنت الحسين
أنّها رمت الجمرة ورجل يُناولها الحصىٰ تُكبّر مع كلّ حصاة ، فسقطت حصاة فرمت بخاتمها .
ولأنّه رمىٰ
بما هو من جنس الأرض فأجزأه ، كالحجارة .
والجواب : لم يذكر في
الحديث كيفية المرميّ به ، وبيَّنه بفعله ، فيصرف ما ذكره إلىٰ المعهود من فعله ، كغيره من العبادات .
وفعل سكينة عليهاالسلام نقول به ؛ لجواز أن يكون فصّ الخاتم حجراً .
وينتقض قياس أبي
حنيفة بالدراهم .
مسألة ٥٥٩ : واختلف قول الشيخ رحمهالله .
__________________
فقال في أكثر كتبه :
لا يجوز الرمي إلّا بالحصىٰ . واختاره ابن إدريس وأكثر علمائنا .
وقال في الخلاف : لا
يجوز الرمي إلّا بالحجر وما كان من جنسه من البرام والجوهر وأنواع الحجارة ، ولا يجوز بغيره ، كالمدر والآجر والكحل والزرنيخ والملح وغير ذلك من الذهب والفضة ، وبه قال الشافعي
.
والوجه : الأوّل ؛
لما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال لمّا لقط له الفضل بن العباس حصىٰ الخذف قال : ( بمثلها فارموا )
.
ومن طريق الخاصّة :
رواية زرارة ـ الحسنة ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : « لا ترم الجمار إلّا بالحصىٰ » .
ولحصول يقين البراءة
بالرمي بالحصىٰ دون غيره ، فيكون أولىٰ .
مسألة ٥٦٠ : ويجب أن يكون الحصىٰ أبكاراً ، فلو رمىٰ بحصاة رمىٰ
بها هو أو غيره ، لم يجزئه عند علمائنا ـ وبه قال أحمد
ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله لمّا أخذ الحجارة قال : ( بأمثال هؤلاء فارموا )
وإنّما تتحقّق المماثلة بما
__________________
ذكرناه
.
ولأنّه عليهالسلام أخذ الحصىٰ من غير المرمىٰ ، وقال : ( خُذوا عنّي
مناسككم ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « ولا يأخذ من حصىٰ الجمار »
.
وقال الشافعي : إنّه
مكروه ويجزئه .
وقال المزني : إن رمىٰ
بما رمىٰ به هو ، لم يجزئه ، وإن رمىٰ بما رمىٰ به غيره ، أجزأه ؛ لأنّه رمىٰ بما يقع عليه اسم الحجارة فأجزأه ، كما لو لم يرم به قبل ذلك .
والجواب : ليس المطلق
كافياً ، وإلّا لما احتاج الناس إلىٰ نقل الحصىٰ إلىٰ الجمار ، وقد أجمعنا علىٰ خلافه .
ولا فرق في عدم
الإجزاء بين جميع العدد وبعضه ، فلو رمىٰ بواحدة قد رُمي بها وأكمل العدد بالأبكار ، لم يجزئه .
ولو رمىٰ بخاتم
فصّه حجر ، فالأقرب الإجزاء ، خلافاً لبعض العامّة ، فإنّه منع منه ؛ لأنّ الحجر هنا تبع .
مسألة ٥٦١ : يجب أن يكون الحصىٰ من الحرم ، فلا يجزئه لو أخذه من غيره ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « إن أخذته من الحرم أجزأك ، وإن
أخذته
__________________
من
غير الحرم لم يجزئك » وهذا نصٌّ في الباب .
ويكره أن تكون صمّاً
بل تكون رخوةً ، ويستحب أن تكون برشاً منقّطة كحليّة بقدر الأنملة ؛ لأنّ الصادق عليهالسلام كره الصمّ منها ، وقال : « خُذ البرش » .
وقال الرضا عليهالسلام : « حصىٰ الجمار تكون مثل الأنملة ، ولا تأخذها سوداً ولا بيضاً ولا حمراً ، خُذها كحليّة منقّطة تخذفهنّ خذفاً وتضعها [ علىٰ
الإبهام ] وتدفعها بظفر السبّابة » قال : « وارمها من بطن الوادي ،
واجعلهنّ علىٰ يمينك كلّهنّ ، ولا ترم علىٰ الجمرة ، وتقف عند الجمرتين الأوّلتين
، ولا تقف عند جمرة العقبة » .
ويكره أن تكون نجسةً
، وتجزئه ؛ للامتثال .
مسألة ٥٦٢ : يستحب أن تكون الحصىٰ ملتقطةً ، ويكره أن تكون مكسّرةً ـ وبه قال الشافعي وأحمد ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر الفضل ، فلقط له حصىٰ الخذف ، وقال : ( بمثلها فارموا ) .
__________________
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « التقط الحصىٰ ، ولا تكسر منها شيئاً » .
ويستحب أن تكون صغاراً
قدر كلّ واحدة منها مثل الأنملة ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر بحصىٰ الخذف
، والخذف إنّما يكون بأحجار صغار .
ومن طريق الخاصّة :
قول الرضا عليهالسلام : « حصىٰ الجمار تكون مثل الأنملة » .
وقال الشافعي : أصغر
من الأنملة طولاً وعرضاً . ومنهم مَنْ قال : كقدر النواة . ومنهم مَنْ قال : مثل الباقلا . وهذه المقادير متقاربة .
ولو رمىٰ بأكبر
، أجزأه ؛ للامتثال .
وفي إحدىٰ
الروايتين عن أحمد أنّه لا يجزئه ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر بهذا القدر .
البحث الثالث : في رمي
الجمار وكيفيّته .
مسألة ٥٦٣ : يجب في الرمي النيّة ؛ لأنّه عبادة وعمل .
ويجب أن يقصد وجوب
الرمي إمّا لجمرة العقبة أو لغيرها ، لوجوبه قربة إلىٰ الله تعالىٰ ، إمّا لحجّ الإسلام أو لغيره .
__________________
ويجب فيه العدد ، وهو
سبع حصيات في يوم النحر لرمي جمرة العقبة ، فلا يجزئه لو أخلّ ولو بحصاة ، بل يجب عليه الإكمال ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام كذا فعلوا .
ويجب إيصال كلّ حصاة
إلىٰ الجمرة بما يسمّىٰ رمياً بفعله ، فلو وضعها بكفّه في المرمىٰ ، لم يجزئه إجماعاً ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر بالرمي ، وهذا لا يسمّىٰ رمياً ، فلا يكون مجزئاً .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « خُذْ حصىٰ الجمار ثم ائت الجمرة القصوىٰ التي عند العقبة فارمها »
.
ولو طرحها طرحاً ،
قال بعض العامّة : لا يجزئه .
وقال أصحاب الرأي :
يجزئه ؛ لصدق الاسم .
والضابط تبعية الاسم
، فإن سُمّي رمياً ، أجزأه ، وإلّا فلا .
ويجب أن يقع الحصىٰ
في المرمىٰ ، فلو وقع دونه ، لم يجزئه إجماعاً .
قال الصادق عليهالسلام : « فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها » .
مسألة ٥٦٤ : يجب أن تكون إصابة الجمرة بفعله ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله كذا
__________________
فعل
، وقال : « خُذوا عنّي مناسككم » .
ولقوله عليهالسلام : ( بمثلها فارموا ) أوجب استناد الرمي إلينا .
ولو رمىٰ بحصاة
فوقعت علىٰ الأرض ثم مرّت علىٰ سننها أو أصابت شيئاً صلباً كالمحمل وشبهه ثم وقعت في المرمىٰ بعد ذلك ، أجزأه ؛ لأنّ وقوعها في المرمىٰ بفعله ورميه ، بخلاف المزدلف في المسابقة ، فإنّه لا يعتدّ به في الإصابة ؛ لأنّ القصد إبانة الحذق ، فإذا ازدلف السهم فقد عدل عن السنن ، فلم تدلّ الإصابة علىٰ حذقه ، فلهذا لم يعتد به ، بخلاف الحصاة ؛ فإنّ الغرض إصابة الجمرة بفعله كيف كان .
أمّا لو وقعت الحصاة علىٰ
ثوب إنسان فنفضها فوقعت في المرمىٰ ، فإنّه لا يجزئه ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّه لم يمتثل أمر الإصابة بفعله .
وقال أحمد : يجزئه ؛
لأنّ ابتداء الرمي من فعله ، فأشبه ما لو أصاب موضعاً صلباً ثم وقعت في المرمىٰ .
وليس بجيّد ؛ لأنّ
المأخوذ عليه الإصابة بفعله ولم تحصل ، فأشبه ما لو وقعت في غير المرمىٰ فأخذها غيره فرمىٰ بها في المرمىٰ .
وكذا لو وقعت علىٰ
ثوب إنسان فتحرّك فوقعت في المرمىٰ ، أو علىٰ عنق بعير فتحرّك فوقعت في المرمىٰ ؛ لإمكان استناد الإصابة إلىٰ حركة
__________________
البعير
والإنسان .
ولو رماها نحو المرمىٰ
ولم يعلم هل حصلت في المرمىٰ أم لا ، فالوجه أنّه لا يجزئه ـ وهو قول الشافعي في الجديد
ـ لأصالة البقاء ، وعدم يقين البراءة .
وقال في القديم :
يجزئه ؛ بناءً علىٰ الظاهر .
ولو رمىٰ حصاة
فوقعت علىٰ حصاة فطفرت الثانية في المرمىٰ ، لم يجزئه ؛ لأنّ التي رماها لم تحصل في المرمىٰ ، والتي حصلت لم يرمها ابتداءً .
ولو رمىٰ إلىٰ
غير المرمىٰ فوقع في المرمىٰ ، لم يجزئه ؛ لأنّه لم يقصده ، بخلاف ما لو رمىٰ إلىٰ صيد فوقع في غيره ، صحّت تذكيته ؛ لعدم القصد في الذكاة ، والرمي يعتبر فيه القصد .
ولو وقعت علىٰ
مكان أعلىٰ من الجمرة فتدحرجت في المرمىٰ ، فالأقرب الإجزاء ؛ لحصولها في المرمىٰ بفعله ، خلافاً لبعض الشافعيّة
.
ولو رمىٰ بحصاة
فالتقمها طائر قبل وصولها ، لم يجزئه ، سواء رماها الطائر في المرمىٰ أو لا ؛ لأنّ حصولها في المرمىٰ لم يكن بفعله .
ولو رمىٰ بحصاة
كان قد رماها فأصابت غير المرمىٰ فأصاب المرمىٰ ثانياً ، صحّ .
ولو أصابت الحصاة
إنساناً أو غيره ثم وقعت علىٰ المرمىٰ ، أجزأه ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « وإن أصابت إنساناً
أو جَمَلاً ثم وقعت
__________________
علىٰ
الجمار أجزأك » .
مسألة ٥٦٥ : ويرمي كلّ حصاة بانفرادها ، فلو رمىٰ الحصيات دفعةً واحدة ، لم يجزئه ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله رمىٰ متفرّقاً
، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم ) وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي
.
وقال عطاء : يجزئه
.
وهو مخالف لما فَعَله
النبي صلىاللهعليهوآله .
ويرمي جمرة العقبة من
بطن الوادي من قِبَل وجهها مستحبّاً إجماعاً ؛ لما روىٰ العامّة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله رمىٰ الجمرة من بطن الوادي وهو
راكب يكبّر مع كلّ حصاة .
ومن طريق الخاصّة :
قول الرضا عليهالسلام : « وارمها من بطن الوادي ، واجعلهنّ علىٰ يمينك كلّهنّ » .
ويستحب أن يرميها
مستقبلاً لها مستدبراً للكعبة ، بخلاف غيرها من الجمار ، وهو قول أكثر العلماء ؛ لما روىٰ العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه رمىٰ جمرة العقبة مستدبراً للقبلة .
__________________
وينبغي أن يرميها من قِبَل
وجهها ، ولا يرميها من أعلاها ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الحسن ـ : « ثم ائت الجمرة القصوىٰ
التي عند العقبة فارمها من قِبَل وجهها ولا ترمها من أعلاها » .
قال الشيخ رحمهالله : جميع أفعال الحجّ يستحب أن تكون مستقبل القبلة من الوقوف بالموقفين ورمي الجمار إلّا جمرة العقبة يوم النحر ، فإنّ النبي صلىاللهعليهوآله رماها مستقبلها مستدبراً للكعبة
.
إذا عرفت هذا ، فلا
ينبغي أن يرميها من أعلاها .
وروىٰ العامّة
أنّ عمر جاء والزحام عند الجمرة فصعد فرماها من فوقها
.
وهو ممنوع ؛ لما رووه
عن عبد الرحمن بن يزيد أنّه مشىٰ مع عبد الله بن مسعود وهو يرمي الجمرة ، فلمّا كان في بطن الوادي اعترضها فرماها ، فقيل له : إنّ ناساً يرمونها من فوقها ، فقال : من هاهنا ـ والذي لا إله غيره ـ رأيت الذي نزلت عليه سورة البقرة رماها .
ومن طريق الخاصّة :
قول الرضا عليهالسلام : « ولا ترم أعلىٰ الجمرة »
.
وقول الصادق عليهالسلام : « ولا ترمها من أعلاها »
.
__________________
مسألة ٥٦٦ : ويستحب له أن يرميها خذفاً بأن يضع كلّ حصاة علىٰ بطن إبهامه ويدفعها بظفر السبّابة ؛ لقول الرضا عليهالسلام : قال : « تخذفهنّ خذفاً وتضعها [ علىٰ الإبهام ] وتدفعها بظفر السبّابة »
.
ولو رماها علىٰ
غير هذه الصفة أجزأ .
ويستحب أن يكون بينه
وبين الجمرة قدر عشرة أذرع إلىٰ خمسة عشر ذراعاً ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « وليكن فيما بينك وبين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعاً » .
ويستحبّ أن يكبّر مع
كلّ حصاة ، ويدعو بالمنقول .
قال الشافعي : ويقطع
التلبية إذا ابتدأ بالرمي ؛ لأنّ التلبية شعار الإحرام ، والرمي أخذ في التحليل .
وقال القفّال : إذا
رحلوا من مزدلفة ، مزجوا التلبية بالتكبير في ممرّهم ، فإذا انتهوا إلىٰ الجمرة وافتتحوا الرمي ، محضوا التكبير
.
البحث الرابع : في
الأحكام .
مسألة ٥٦٧ : يجب الإتيان إلىٰ منىٰ لقضاء المناسك بها من الرمي
والذبح والحلق أو التقصير .
وينبغي أن يأخذ علىٰ
الطريق الوسطىٰ التي تخرج علىٰ الجمرة
__________________
الكبرىٰ
؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله سلكها
.
وحدّ منىٰ من العقبة
إلىٰ وادي محسّر ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « حدّ منىٰ من العقبة إلىٰ وادي محسّر » .
وهو قول عطاء
والشافعي .
مسألة ٥٦٨ : لا يشترط في الرمي الطهارة وإن كانت أفضل ، فيجوز للمحدث والجنب والحائض وغيرهم الرمي إجماعاً ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه أمر عائشة بالإتيان بأفعال الحجّ
سوىٰ الطواف ، وكانت حائضاً .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الحسن ـ : « ويستحب أن يرمي الجمار علىٰ طهر » .
ويجوز الرمي راجلاً
وراكباً ، والأوّل أفضل ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه كان لا يأتيها ـ يعني جمرة العقبة
ـ إلّا ماشياً ذاهباً وراجعاً .
ومن طريق الخاصّة :
قول الكاظم عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن آبائه عليهمالسلام ، قال : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يرمي الجمار ماشياً »
.
__________________
وقد روىٰ
العامّة عن جعفر الصادق عليهالسلام عن أبيه الباقر عليهالسلام عن جابر ، قال : رأيت النبي صلىاللهعليهوآله يرمي علىٰ راحلته يوم النحر ،
ويقول : ( لتأخذوا عنّي مناسككم فإنّي لا أدري لعلّي لا أحجّ بعد حجّتي هذه )
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ وقد سأله معاوية بن عمّار عن رجل رمىٰ الجمار وهو راكب ، فقال : « لا بأس به »
.
ويستحب أن يرفع يده
في الرمي حتىٰ يرىٰ بياض إبطه ، قاله بعض العامّة ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله فَعَله
.
وأنكر ذلك مالك
.
ويستحب أن لا يقف عند
جمرة العقبة ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ ابن عباس وابن عمر رويا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان إذا رمىٰ جمرة العقبة انصرف ولم يقف .
ومن طريق الخاصّة :
قول الرضا عليهالسلام : « ولا تقف عند جمرة العقبة »
.
مسألة ٥٦٩ : يجوز الرمي من طلوع الشمس إلىٰ غروبها .
قال ابن عبد البرّ :
أجمع علماء المسلمين علىٰ أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله رماها ضحىٰ ذلك اليوم .
__________________
وقال جابر : رأيت
رسول الله صلىاللهعليهوآله يرمي الجمرة ضحىٰ يوم النحر وحده .
وقال ابن عباس :
قدمنا رسول الله صلىاللهعليهوآله اُغيلمة بني عبد المطلب علىٰ حُمُرات لنا من جَمْع فجَعَل يلطح أفخاذنا [ ويقول : ]
( اُبينيَّ لا ترموا الجمرة حتىٰ تطلع الشمس ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « الرمي
ما بين طلوع الشمس إلىٰ غروبها » .
وقد رُخّص للمعذور ـ كالخائف
والعاجز والمرأة والراعي والعبد ـ في الرمي ليلاً من نصفه ؛ للعذر ، أمّا غيرهم فليس لهم الرمي إلّا بعد طلوع الشمس ـ وبه قال مجاهد والثوري والنخعي ـ لما رواه العامّة : أنّ
__________________
النبي
صلىاللهعليهوآله أمر اُمّ سلمة ليلة النحر ، فرمت جمرة
العقبة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل ويضحّي ويفيض بالليل » .
وجوّز الشافعي وعطاء
وابن أبي ليلىٰ وعكرمة بن خالد الرميَ ليلاً من نصفه الأخير للمعذور وغيره .
وعن أحمد أنّه لا
يجوز الرمي إلّا بعد طلوع الفجر ، وهو قول مالك وأصحاب الرأي وإسحاق وابن المنذر .
مسألة ٥٧٠ : يجوز تأخير الرمي إلىٰ قبل الغروب بمقدار أداء المناسك .
قال ابن عبد البرّ :
أجمع أهل العلم علىٰ أنّ مَنْ رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها وإن لم يكن ذلك مستحبّاً
؛ لأنّ ابن عباس قال : كان النبي صلىاللهعليهوآله يسأل يوم النحر بمنىٰ ، قال رجل
: رميت بعد ما أمسيت ، فقال : ( لا حرج ) .
__________________
إذا عرفت هذا ، فلو
غابت الشمس فقد فات الرمي ، فليرم من غده ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد ـ لما رواه العامّة عن ابن عمر ، قال :
مَنْ فاته الرمي حتىٰ تغيب الشمس فلا يرم حتىٰ تزول الشمس من الغد
.
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه عبد الله بن سنان ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : سألته عن رجل أفاض من جمع حتىٰ
انتهىٰ إلىٰ منىٰ ، فعرض له [ عارض ] فلم يرم حتىٰ غابت الشمس ، قال :
« يرمي إذا أصبح مرّتين : مرّة لما فاته ، والاُخرىٰ ليومه الذي يصبح فيه ، وليفرّق بينهما
تكون إحداهما بكرة وهو للأمس والاُخرىٰ عند زوال الشمس »
.
وقال الشافعي ومحمد
وابن المنذر ويعقوب : يرمي ليلاً ؛ لقوله عليهالسلام : ( إرم ولا حرج )
.
وجوابه : أنّه إنّما
كان في النهار ؛ لأنّه سأله في يوم النحر ، ولا يكون اليوم إلّا قبل الغروب .
وقال مالك : يرمي
ليلاً . ثم اضطرب قوله ، فتارةً أوجب الدم حينئذٍ ، وتارةً أسقطه .
__________________
مسألة ٥٧١ : يستحب الرمي عند زوال الشمس ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « ارم في كلّ يوم عند زوال الشمس »
.
ويستحب أن لا يقف عند
جمرة العقبة إجماعاً ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « ثم تمضي إلىٰ الثالثة وعليك السكينة والوقار . . . ولا
تقف عندها » .
ولأنّ يعقوب بن شعيب
سأل ـ في الصحيح ـ الصادقَ عليهالسلام : عن الجمار ، فقال : « قُمْ عند الجمرتين ولا تقم عند جمرة العقبة » فقلت : هذا من السنّة ؟ قال : « نعم » قلت : ماذا أقول إذا رميت ؟ قال : « كبّر مع كلّ حصاة » .
قال الشيخ رحمهالله : وقت الاستحباب لرمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس من يوم النحر بلا خلاف ، ووقت الإجزاء من طلوع الفجر اختياراً ، فإن رمىٰ قبل ذلك ، لم يجزئه ، ولصاحب العذر الرمي ليلاً .
وبمثل ما قلناه قال
مالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق .
وقال الشافعي : أوّل
وقت الإجزاء إذا انتصفت ليلة النحر . وبه قال عطاء وعكرمة .
مسألة ٥٧٢ : قدر حصىٰ الجمار سبعون حصاة : سبع منها لجمرة العقبة ترمىٰ يوم النحر خاصّة ، ويرمىٰ كلّ يوم من أيّام التشريق الجمار
الثلاث كلّ جمرة بسبع حصيات يبدأ بالاُولىٰ ـ وهي العظمىٰ ـ ثم الوسطىٰ ثم
جمرة
__________________
العقبة
إجماعاً .
ويستحب غسل الحصىٰ
ـ وبه قال ابن عمر وطاوُس ـ لأنّ ابن عمر غسله ، والظاهر أنّه توقيف .
ولاحتمال ملاقاته
لنجاسة ، فمع الغسل يزول الاحتمال وإن لم يكن معتبراً شرعاً .
ولو كان الحجر نجساً
، استُحبّ له غسله ، فإن لم يغسله ورمىٰ به ، أجزأه ؛ لحصول الامتثال .
وقال عطاء ومالك : لا
يستحب . وعن أحمد روايتان .
وسيأتي باقي مباحث
الرمي إن شاء الله تعالىٰ .
الباب
الثاني : في الذبح .
وفيه مباحث :
الأوّل : الهدي .
مسألة ٥٧٣ : إذا فرغ من جمرة العقبة ، ذبح هديه أو نَحَره إن كان من الإبل ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله : أنّه رمىٰ من بطن الوادي ثم
انصرف إلىٰ المنحر فنحر ثلاثاً وستّين بدنة بيده ثم أعطىٰ عليّاً عليهالسلام فنحر ما غبر وأشركه في هديه .
__________________
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ في صفة حجّ رسول الله صلىاللهعليهوآله : « فلمّا أضاء له النهار أفاض حتىٰ
انتهىٰ إلىٰ منىٰ ، فرمىٰ جمرة العقبة ، وكان الهدي الذي جاء به رسول الله صلىاللهعليهوآله أربعاً وستّين أو ستّاً وستّين ، وجاء علي عليهالسلام بأربع وثلاثين أو ستّ وثلاثين ، فنحر
رسول الله صلىاللهعليهوآله ستّاً وستّين ، ونحر علي عليهالسلام أربعاً وثلاثين بدنة » .
مسألة ٥٧٤ : هدي التمتّع واجب بإجماع العلماء .
قال الله تعالىٰ
: ( فَمَن تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) .
وروىٰ العامّة
عن ابن عمر ، قال : تمتّع الناس مع رسول الله صلىاللهعليهوآله بالعمرة إلىٰ الحجّ ، فلمّا قدم رسول الله صلىاللهعليهوآله قال للناس : ( مَنْ لم يسق الهدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصّر ثم ليهلّ بالحجّ ويهدي ، فمَنْ لم يجد الهدي فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلىٰ أهله ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الباقر عليهالسلام ـ في الصحيح ـ في المتمتّع « وعليه الهدي » فقلت : وما الهدي ؟ فقال : « أفضله بدنة ، وأوسطه بقرة وأخسّه شاة » .
ولا فرق بين المكّي
وغيره ، فلو تمتّع المكّي ، وجب عليه الهدي ؛ للعموم .
__________________
مسألة ٥٧٥ : وإنّما يجب الهدي علىٰ غير أهل مكّة وحاضريها ؛ لأنّ فرضهم التمتّع ، أمّا أهل مكّة وحاضروها : فليس لهم أن يتمتّعوا ؛ لأنّ فرضهم القِران أو الإفراد ، فلا يجب عليهم الهدي إجماعاً ؛ لأنّ الله تعالىٰ
قال : ( ذَٰلِكَ لِمَن
لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )
.
وقال الصادق عليهالسلام ـ في الحسن ـ عن المفرد ، قال : « ليس عليه هدي ولا اُضحية » .
وأمّا القارن : فإنّه
يكفيه ما ساقه إجماعاً ، وتستحب له الاُضحية ؛ لأصالة براءة الذمّة .
وقال الشافعي ومالك
وأبو حنيفة : إذا قرن بين الحجّ والعمرة ، لزمه دم .
وقال الشعبي : تلزمه
بدنة .
وقال داود : لا يلزمه
شيء .
مسألة ٥٧٦ : قد بيّنّا أنّ فرض المكّي القِران أو الإفراد ، فلو تمتّع
قال الشيخ : يسقط عنه الفرض ، ولا يلزمه دم . وقال الشافعي : يصحّ تمتّعه وقرانه ، وليس عليه دم . وقال أبو حنيفة : يكره له التمتّع والقران ، فإن خالف وتمتّع ، فعليه دم المخالفة دون التمتّع والقران .
واستدلّ الشيخ بقوله تعالىٰ
: ( فَمَن تَمَتَّعَ ـ إلىٰ قوله ـ ذَٰلِكَ
لِمَن
__________________
لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )
.
قال : معناه أنّ
الهدي لا يلزم إلّا مَنْ لم يكن من حاضري المسجد ، ويجب أن يكون قوله : (
ذَٰلِكَ ) راجعاً إلىٰ الهدي لا إلىٰ
التمتّع ؛ لأنّ مَنْ قال : مَنْ دخل داري فله درهم ذلك لمن لم يكن غاصباً ، فُهم منه الرجوع إلىٰ الجزاء لا إلىٰ الشرط .
ثم قال : ولو قلنا :
إنّه راجع إليهما ، وقلنا : إنّه لا يصحّ منهم التمتّع أصلاً ، كان قويّاً .
مسألة ٥٧٧ : دم التمتّع نسك عند علمائنا ـ وبه قال أصحاب الرأي
ـ لقوله تعالىٰ : (
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ
فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا )
أخبر بأنّه جعلها من الشعائر ، وأمر بالأكل منها ، فلو كان جبراناً ، لما أمرنا بالأكل منها .
وقال الشافعي : إنّه
جبران ؛ لإخلاله بالإحرام من الميقات ؛ لأنّه مرّ به وهو مُريد للحجّ والعمرة وحَجَّ من سنته .
وهو ممنوع ؛ فإنّ
ميقات حجّ التمتّع عندنا مكّة وقد أحرم منه .
والمتمتّع إذا أحرم
بالحجّ من مكّة لزمه الدم إجماعاً ، أمّا عندنا : فلأنّه نسك ، وأمّا عند المخالف : فلأنّه أخلّ بالإحرام من المواقيت .
فلو أتىٰ
الميقات وأحرم منه ، لم يسقط عنه الدم عندنا .
__________________
وقالت العامّة بسقوطه
.
ويبطل بقوله تعالىٰ
: ( فَمَن تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) .
ولو أحرم المفرِد
بالحجّ ودخل مكّة ، جاز له أن يفسخه ، ويجعله عمرةً يتمتّع بها ، قاله علماؤنا ، خلافاً لأكثر العامّة ، وادّعوا أنّه منسوخ
.
وليس بجيّد ؛ لثبوت
مشروعيّته ؛ فإنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر أصحابه بذلك
، ولم يثبت النسخ .
ويجب عليه الدم ؛
لثبوت التمتّع المقتضي له .
مسألة ٥٧٨ : إذا أحرم بالعمرة وأتىٰ بأفعالها في غير أشهر الحجّ ثم أحرم بالحجّ في أشهره ، لم يكن متمتّعاً ، ولا يجب عليه الدم ؛ لأنّه لم يأت بالعمرة في زمان الحجّ ، فكان كالمفرد ، فإنّ المفرد إذا أتىٰ بالعمرة بعد أشهر الحجّ ، لم يجب عليه الدم إجماعاً .
ولو أحرم بالعمرة في
غير أشهر الحجّ وأتىٰ بأفعالها في أشهره من الطواف وغيره وحجَّ من سنته ، لم يكن متمتّعاً ، قاله الشيخ
، ولا يلزمه دم ـ وهو أحد قولي الشافعي ، وبه قال أحمد ـ لأنّه أتىٰ بركن من أركان
__________________
العمرة
في غير أشهر الحجّ ، وهو يستلزم إيقاع أركانها فيه .
وقال الشافعي في
القول الثاني : يجب به الدم ، ويكون متمتّعاً ؛ لأنّه أتىٰ بأفعال العمرة في أشهر الحجّ ، واستدامة الإحرام بمنزلة ابتدائه ، فهو كما لو ابتدأ بالإحرام في أشهر الحجّ .
وقال مالك : إذا لم
يتحلّل من إحرام العمرة حتىٰ دخلت أشهر الحجّ ، صار متمتّعاً .
وقال أبو حنيفة : إذا
أتىٰ بأكثر أفعال العمرة في أشهر الحجّ ، صار متمتّعاً
.
مسألة ٥٧٩ : إذا أحرم المتمتّع من مكّة بالحجّ ومضىٰ إلىٰ
الميقات ثم منه إلىٰ عرفات ، لم يسقط عنه الدم ؛ للآية ، وقد بيّنّا أنّ الدم نسك لا جبران .
وقال الشافعي : إن مضىٰ
من مكّة إلىٰ عرفات ، لزمه الدم قولاً واحداً ، وإن مضىٰ إلىٰ الميقات ثم منه إلىٰ عرفات ، فقولان : أحدهما :
لا دم عليه ؛ لأنّه لو أحرم من الميقات ، لم يجب الدم ، فإذا عاد إليه مُحْرماً قبل التلبّس بأفعال الحجّ ، صار كأنّه أحرم منه . والثاني : لا يسقط ، كما قلناه ـ وبه قال مالك ـ لأنّ له ميقاتين يجب مع الإحرام من أحدهما الدم ، فإذا أحرم
منه ، وجب الدم ، ولم يسقط بعد ذلك ، كما لو عاد بعد التلبّس بشيء من المناسك
.
__________________
وقال أبو حنيفة : لا
يسقط الدم حتىٰ يعود إلىٰ بلده ؛ لأنّه لم يُلمّ
بأهله ، فلم يسقط دم التمتّع ، كما لو رجع إلىٰ ما دون الميقات . وليس بجيّد ؛ لأنّ بلده موضع لا يجب عليه الإحرام منه بابتداء الشرع ، فلا يتعلّق سقوط دم التمتّع بالعود إليه ، كسائر البلاد ، ودون الميقات ليس ميقات بلده .
مسألة ٥٨٠ : قد بيّنّا أنّ ميقات حجّ التمتّع مكّة ، فإذا فرغ المتمتّع من
أفعال العمرة ، أنشأ الإحرام بالحجّ من مكّة ، فإن خالف وأحرم من غيرها ، وجب عليه أن يرجع إلىٰ مكّة ، ويُحْرم منها ، سواء أحرم من الحِلّ أو من الحرم إذا أمكنه ، فإن لم يمكنه ، مضىٰ علىٰ إحرامه ، وتمّم أفعال
الحجّ ، ولا يلزمه دم لهذه المخالفة ؛ لأنّ الدم يجب للتمتّع ، فإيجاب غيره منفيّ بالأصل .
وقال الشافعي : إن
أحرم من خارج مكّة وعاد إليها ، فلا شيء عليه ، وإن لم يَعُد إليها ومضىٰ علىٰ وجهه إلىٰ عرفات ، فإن كان أنشأ
الإحرام من الحِلّ ، فعليه دم قولاً واحداً ، وإن أنشأ من الحرم ، ففي وجوب الدم قولان :
أحدهما : لا يجب ؛
لأنّ الحكم إذا تعلّق بالحرم ولم يختص ببقعة منه ، كان الجميع فيه سواءً ، كذبح الهدي .
والثاني : يجب ؛ لأنّ
ميقاته البلد الذي هو مقيم فيه ، فإذا ترك ميقاته ، وجب عليه الدم وإن كان ذلك كلّه من حاضري المسجد الحرام
.
مسألة ٥٨١ : يشترط في التمتّع : النيّة ، علىٰ ما سبق ، فلو لم يَنْوه
، لم يكن متمتّعاً ولم يجب الدم ، وهو أحد قولي الشافعي .
وفي الآخر : يكون
متمتّعاً ويجب الدم ؛ لأنّه إذا أحرم بالعمرة من
__________________
الميقات
وحجّ من سنته ، فقد صار جامعاً بينهما فيجب الدم
.
والحقّ خلافه .
والقارن والمفرد إذا
أكملا حجّهما ، وجب عليهما الإتيان بعمرة مفردة بعد الحجّ يُحرمان بها من أدنىٰ الحِلّ ، فلو أحرما من الحرم ، لم يصح ، ولو
طافا وسَعَيا ، لم يكونا معتمرين ، ولا يلزمهما دم .
وللشافعي قولان :
أحدهما كما قلناه ، لكن خلاف الشافعي في المفرد خاصّةً ، والثاني : تكون عمرةً صحيحةً ، ويجب الدم
.
لنا : أنّه يجب أن
يقدّم الخروج إلىٰ الحِلّ قبل الطواف والسعي ثم يعود ويطوف ويسعىٰ ؛ ليكون جامعاً في نسكه بين الحِلّ والحرم ، بخلاف المتمتّع حيث كان له أن يُحْرم من مكّة ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله لمّا فسخ علىٰ أصحابه الحجّ إلىٰ العمرة ، أَمَرهم أن يُحْرموا بالحجّ من جوف مكّة
.
ولأنّ الحاجّ لا بدّ له
من الخروج إلىٰ الحِلّ للوقوف ، فيكون جامعاً في إحرامه بين الحِلّ والحرم ، بخلاف المتمتّع .
احتجّ : بأنّه ترك
قطع مسافة لزمه قطعها بإحرام ، وذلك لا يمنع من الاحتساب بأفعال العبادة .
والجواب : أنّه لم
يأت بالعبادة علىٰ وجهها ، فلا تكون مجزئةً .
ولو أفرد الحجّ عن
نفسه فلمّا فرغ من الحجّ خرج إلىٰ أدنىٰ الحرم فاعتمر لنفسه ولم يعد إلىٰ الميقات ، لا دم عليه . وكذا مَنْ تمتّع ثم اعتمر
__________________
بعد
ذلك من أدنىٰ الحرم . وكذا لو أفرد عن غيره أو تمتّع أو قرن ثم اعتمر من أدنىٰ الحِلّ ، كلّ هذا لا دم عليه ؛ لتركه الإحرام من الميقات بلا خلاف
.
وأمّا إن أفرد عن
غيره ثم اعتمر لنفسه من خارج الحرم دون الحِلّ ، قال الشافعي في القديم : عليه دم .
وقال أصحابه : علىٰ
هذا لو اعتمر عن غيره ثم حجّ عن نفسه فأحرم بالحجّ من جوف مكّة ، فعليه دم ؛ لتركه الإحرام من الميقات
.
وعندنا أنّه لا دم
عليه ؛ للأصل .
ولو اعتمر في أشهر
الحجّ ولم يحج في ذلك العام بل حجَّ من العام المقبل مفرداً له عن العمرة ، لم يجب الدم ؛ لأنّه لا يكون متمتّعاً ، وهو قول عامّة العلماء ، إلّا قولاً شاذّاً عن الحسن البصري فيمن اعتمر في أشهر الحجّ فهو متمتّع حجَّ أو لم يحجّ .
وأهل العلم كافّة علىٰ
خلافه ؛ لقوله تعالىٰ : (
فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ) وهو يقتضي الموالاة بينهما .
ولأنّ الإجماع واقع علىٰ
أنّ من اعتمر في غير أشهر الحجّ ثم حجَّ من عامه ذلك ، فليس بمتمتّع ، فهذا أولىٰ ؛ لكثرة التباعد بينهما .
مسألة ٥٨٢ : قد بيّنّا أنّ المتمتّع بعد فراغه من العمرة لا ينبغي له أن يخرج من مكّة حتىٰ يأتي بالحجّ ؛ لأنّه صار مرتبطاً به ؛ لدخولها فيه ؛ لقوله عليهالسلام : ( دخلت العمرة في الحجّ هكذا ) وشبّك
بين أصابعه .
__________________
وقال الله تعالىٰ
: ( وَأَتِمُّوا
الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) .
فلو خرج من مكّة بعد
إحلاله ثم عاد في الشهر الذي خرج منه ، صحّ له أن يتمتّع ، ولا يجب عليه تجديد عمرة ، وإن عاد
في غير الشهر ، اعتمر اُخرىٰ ، وتمتّع بالأخيرة ، ووجب عليه الدم بالأخيرة .
ولا يسقط عنه الدم ؛
لقوله تعالىٰ : (
فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) وما تقدّم من الأحاديث الدالّة علىٰ صحّة العمرة إن رجع في الشهر الذي خرج فيه ، ووجوب إعادتها إن رجع في غيره ، وعلىٰ التقديرين يجب الدم .
وقال عطاء والمغيرة
وأحمد وإسحاق : إذا خرج إلىٰ سفر بعيد تقصر الصلاة في مثله ، سقط عنه الدم ؛ لقول عمر : إذا اعتمر في أشهر الحجّ ثم أقام ، فهو متمتّع ، فإن خرج ورجع ، فليس بمتمتّع
.
وهو محمول علىٰ
مَنْ رجع في غير الشهر الذي خرج فيه ؛ جمعاً بين الأدلّة .
وقال الشافعي : إن
رجع إلىٰ الميقات ، فلا دم عليه .
وقال أصحاب الرأي :
إن رجع إلىٰ مصره ، بطلت متعته ، وإلّا فلا
.
وقال مالك : إن رجع
إلىٰ مصره أو إلىٰ غيره أبعد من مصره ، بطلت متعته ، وإلّا فلا .
__________________
وقال الحسن : هو
متمتّع وإن رجع إلىٰ بلده . واختاره ابن المنذر
.
مسألة ٥٨٣ : إنّما يجب الدم علىٰ مَنْ أحلّ من إحرام العمرة ، فلو لم يحلّ وأدخل إحرام الحجّ عليها ، بطلت المتعة ، وسقط الدم ، وبه قال أحمد .
قالت عائشة : خرجنا
مع رسول الله صلىاللهعليهوآله عام حجّة الوداع ، فأهللنا بعمرة ، فقدمت مكّة وأنا حائض لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ، فشكوت ذلك إلىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : ( انقضىٰ رأسك وامتشطي
وأهلّي بالحجّ ودعي العمرة ) قالت : ففعلت فلمّا قضينا الحجّ أرسلنا مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلىٰ التنعيم فاعتمرت معه ، فقال : هذا مكان عمرتك .
قال عروة : فقضىٰ
الله حجّها وعمرتها ولم يكن في شيء من ذلك هدي ولا صوم ولا صدقة .
ولأنّ الهدي إنّما
يجب علىٰ المتمتّع ، والتقدير بطلان متعته .
أمّا المكّي لو تمتّع
وجوّزناه فإنّه يجب عليه الهدي .
ولو دخل الآفاقي متمتّعاً
إلىٰ مكّة ناوياً للإقامة بها بعد تمتّعه ، فعليه دم المتعة ، أجمع عليه العلماء ؛ للآية ، وبالعزم علىٰ الإقامة لا يثبت
له حكمها .
__________________
ولو كان مولده ومنشؤه
بمكّة ، فخرج منتقلاً مقيماً بغيرها ثم عاد إليها متمتّعاً ناوياً للإقامة أو غير ناوٍ لها ، فعليه دم المتعة ـ وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق ـ لأنّ حضور المسجد الحرام إنّما يحصل
بنيّة الإقامة وفعلها ، وهذا إنّما نوىٰ الإقامة إذا فرغ من أفعال الحجّ ؛ لأنّه
إذا فرغ من عمرته فهو ناوٍ للخروج إلىٰ الحجّ ، فكأنّه إنّما نوىٰ أن يقيم بعد
أن يجب الدم .
مسألة ٥٨٤ : الآفاقي إذا ترك الإحرام من الميقات ، وجب عليه الرجوع إليه والإحرام منه مع القدرة ، فإن عجز ، أحرم من دونه لعمرته ، فإذا أحلّ ، أحرم بالحجّ من عامه وهو متمتّع ، وعليه دم المتعة ، ولا دم عليه لإحرامه من دون الميقات ؛ لأنّه تركه للضرورة .
قال ابن المنذر وابن
عبد البرّ : أجمع العلماء علىٰ أنّ مَنْ أحرم في أشهر الحجّ بعمرة وأحلّ منها ولم يكن من حاضري المسجد الحرام ثم أقام بمكة حلالاً ثم حجّ من عامه أنّه متمتّع عليه دم المتعة
.
وقال بعض العامّة :
إذا تجاوز الميقات حتىٰ صار بينه وبين مكّة أقلّ من مسافة القصر فأحرم منه ، فلا دم عليه للمتعة ؛ لأنّه من حاضري المسجد الحرام .
وليس بجيّد ؛ فإنّ
حضور المسجد إنّما يحصل بالإقامة به ونيّة الإقامة ، وهذا لم تحصل منه الإقامة ولا نيّتها .
__________________
ولقوله تعالىٰ :
( ذَٰلِكَ لِمَن
لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) وهو يقتضي أن يكون المانع من الدم
السكنىٰ به ، وهذا ليس بساكن .
مسألة ٥٨٥ : الهدي إنّما يجب علىٰ المتمتّع ، وهو المُحْرم بالعمرة
في أشهر الحجّ ، فإن أحرم بها في غيرها ، فليس بمتمتّع ، ولا دم عليه إجماعاً لا نعلم فيه خلافاً إلّا قولين نادرين :
أحدهما : قول طاوُس :
إذا اعتمر في غير أشهر الحجّ ثم أقام حتىٰ يحضر الحجّ ، فهو متمتّع .
والثاني : قول الحسن
: من اعتمر بعد النحر فهي عمرة تمتّع .
قال ابن المنذر : لا
نعلم أحداً قال بواحد من هذين القولين .
أمّا لو أحرم في غير
أشهر الحجّ ثم أحلّ منها في أشهره ، فلذلك لا يصحّ له التمتّع بتلك العمرة ، وبه قال أحمد وجابر وإسحاق والشافعي في أحد القولين .
وقال في الآخر :
عمرته في الشهر الذي يطوف فيه . وبه قال الحسن والحكم وابن شبرمة والثوري .
وقال طاوُس : عمرته
في الشهر الذي يدخل فيه الحرم .
وقال عطاء : عمرته في
الشهر الذي يحلّ فيه . وبه قال مالك .
__________________
وقال أبو حنيفة : إن
طاف للعمرة أربعة أشواط في غير أشهر الحجّ ، فليس بمتمتّع ، وإن طاف الأربعة في أشهر الحجّ ، فهو متمتّع
.
والحقّ ما قلناه ؛
لأنّه أتىٰ بنسك لا تتمّ العمرة إلّا به في غير أشهر الحجّ ، فلا يكون متمتّعاً ، كما لو طاف في غير أشهر الحجّ أو طاف دون الأربعة فيها .
ولقول الصادق عليهالسلام : « مَنْ تمتّع في أشهر الحجّ ثم أقام بمكّة حتىٰ يحضر الحجّ فعليه شاة ، ومَنْ تمتّع في غير أشهر الحجّ ثم جاور حتىٰ يحضر الحجّ فليس عليه دم ، إنّما هي حجّة مفردة »
.
مسألة ٥٨٦ : المملوك إذا حجّ بإذن مولاه متمتّعاً ، لم يجب عليه الهدي ولا علىٰ مولاه إجماعاً ؛ لقوله تعالىٰ : ( عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ )
.
وفي قول شاذّ للشافعي
: يجب علىٰ مولاه أن يهدي عنه ؛ لتضمّن إذنه لذلك .
وليس بجيّد ؛ لأنّ
فرض غير الواجد الصومُ ، ولا فاقد كالعبد .
ولأنّ الحسن العطّار
سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل أمر مملوكه أن يتمتّع بالعمرة إلىٰ الحجّ أعليه أن يذبح عنه ؟ قال : « لا ، لأنّ الله تعالىٰ
يقول : ( عَبْدًا مَّمْلُوكًا
لَّا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ ) » .
__________________
إذا ثبت هذا ، فإنّ
المولىٰ يتخيّر بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم ، عند علمائنا ـ وهو إحدىٰ الروايتين عن أحمد
ـ لقوله تعالىٰ : (
فَمَا اسْتَيْسَرَ ) وبتقدير تمليك المولىٰ يصير
موسراً .
ولأنّ جميل بن دراج
قال ـ في الصحيح ـ : سأل رجلٌ الصادقَ عليهالسلام : عن رجل أمر مملوكه أن يتمتّع ، قال : « فمُره فليصم وإن شئت فاذبح عنه » .
وفي الرواية الاُخرىٰ
عن أحمد : لا يجزئه الذبح عنه ، ويلزمه الصوم عيناً ـ [ وبه ] قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي ـ لأنّه
غير مالك ، ولا سبيل له إلىٰ التملّك ، لأنّه لا يملك بالتمليك ، فصار كالعاجز الذي يتعذّر عليه الهدي ، فيلزمه الصوم .
مسألة ٥٨٧ : الواجب علىٰ المملوك من الصوم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلىٰ أهله ، كالحُرّ ـ وبه قال الشافعي وأحمد في إحدىٰ
الروايتين ـ لعموم قوله تعالى : (
فَمَن لَّمْ يَجِدْ ) ولأنّه صوم وجب لحلّه من إحرامه قبل إتمامه ، فكان عشرة أيّام ، كصوم الحُرّ .
وقال أحمد في الرواية
الاُخرى : يصوم عن كلّ مدّ من قيمة الشاة
__________________
يوماً
، والمعسر في الصوم كالعبد يجب عليه ثلاثة في الحجّ وسبعة إذا رجع .
وقال بعض العامّة :
يجب لكل مدّ من قيمة الشاة يوم .
ويبطل بالآية
. وبقول عمر لهبّار بن الأسود : فإن وجدت سعةً فاهد ، وإن لم تجد سعةً فصُمْ ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعت
.
ولو لم يذبح مولىٰ
المملوك عنه ، تعيّن عليه الصوم ، ولا يجوز لمولاه منعه عن الصوم ؛ لأنّه صوم واجب ، فلا يحلّ له منعه عنه ، كرمضان .
ولو اُعتق المملوك
قبل الوقوف بالموقفين ، أجزأ عن حجّة الإسلام ، ووجب عليه الهدي إن تمكّن ، وإلّا الصوم .
ولو لم يصم العبد إلىٰ
أن تمضي أيّام التشريق ، فالأفضل لمولاه أن يهدي عنه ، ولا يأمره بالصوم ، ولو أمره به ، لم يكن به بأس .
مسألة ٥٨٨ : إنّما يجب الهدي علىٰ المتمكّن منه أو من ثمنه إذا
وجده بالشراء ، ولا يجب بيع ثياب التجمّل في الهدي ، بل ينتقل إلىٰ الصوم ؛ لأنّ رجلاً سأل الرضا عليهالسلام : عن رجل تمتّع بالعمرة إلىٰ
الحجّ وفي عيبته ثياب ، له أن يبيع من ثيابه شيئاً ويشتري بدنة ؟ قال : « لا ، هذا يتزيّن به المؤمن ، يصوم ولا يأخذ من ثيابه شيئاً » .
إذا عرفت هذا ، فإنّ
القدرة تعتبر في موضعه ، فمتىٰ عدمه في
__________________
موضعه
، جاز له الانتقال إلىٰ الصيام وإن كان قادراً عليه في بلده ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ وجوبه موقّت ، وما كان وجوبه موقّتاً اعتبرت القدرة عليه في موضعه ، كالماء في الطهارة إذا عدم في مكانه انتقل إلىٰ التراب .
ولو تمتّع الصبي ،
وجب علىٰ وليّه أن يذبح عنه ؛ للعموم ، فإن لم يجد ، فليصم عنه عشرة أيّام ؛ للآية .
ولقول أبي نعيم :
تمتّعنا فأحرمنا ومعنا صبيان ، فأحرموا ولبّوا كما لبّينا ولم يقدروا علىٰ الغنم ، قال : « فليصم عن
كلّ صبي وليُّه » .
البحث الثاني : في
كيفية الذبح .
مسألة ٥٨٩ : يجب في الذبح والنحر النيّة ؛ لأنّه عبادة ، وكلّ عبادة بنيّة
؛ لقوله تعالىٰ : (
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ )
.
ولأنّ جهات إراقة الدم
متعدّدة ، فلا يتخلّص المذبوح هدياً إلّا بالقصد .
ويجب اشتمالها علىٰ
جنس الفعل وجهته من كونه هدياً أو كفّارةً أو غير ذلك ، وصفته من وجوب أو ندب ، والتقرّب إلىٰ الله تعالىٰ .
ويجوز أن يتولّاها
عنه الذابح ؛ لأنّه فعل تدخله النيابة ، فيدخل في شرطه كغيره من الأفعال .
مسألة ٥٩٠ : وتختصّ الإبل بالنحر ، فلا يجوز ذبحها ، والبقر والغنم بالذبح ، فلا يجوز نحرها ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « كلّ منحور مذبوح حرام ،
__________________
وكلّ
مذبوح منحور حرام » .
ويستحب أن يتولّىٰ
الحاجّ بنفسه الذبح أو النحر ؛ لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله نحر هديه بنفسه
.
ولما رواه العامّة عن
غرفة بن الحارث الكندي ، قال : شهدت مع رسول الله صلىاللهعليهوآله في حجّة الوداع واُتي بالبُدْن ، فقال
: ( ادع لي أبا حسن ) فدُعي له علي عليهالسلام ، فقال : ( خُذْ بأسفل الحربة ) وأخذ
رسول الله صلىاللهعليهوآله بأعلاها ، ثم طعنا بها البُدْن . وإنّما فعلا ذلك ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أشرك عليّاً عليهالسلام في هديه
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام في صفة حجّ رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال : « وكان الهدي الذي جاء به رسول الله صلىاللهعليهوآله أربعاً وستّين أو ستّاً وستّين ، وجاء علي عليهالسلام بأربع وثلاثين أو ستّ وثلاثين ، فنحر
رسول الله صلىاللهعليهوآله منها ستّاً وستّين ، ونحر علي عليهالسلام أربعاً وثلاثين »
.
وفي رواية : « ساق
النبي صلىاللهعليهوآله مائة بدنة ، فجعل لعليٍّ عليهالسلام منها أربعاً وثلاثين ولنفسه ستّاً وستّين ، ونحرها كلّها بيده ، ثم أخذ من كلّ بدنة جذوةً طبخها في قِدْرٍ ، وأكلا منها وتحسّيا من المرق ، وافتخر علي عليهالسلام علىٰ أصحابه وقال : مَنْ فيكم مثلي وأنا شريك رسول الله صلىاللهعليهوآله في هديه ؟ مَنْ فيكم مثلي وأنا الذي ذبح رسول الله صلىاللهعليهوآله هديي بيده ؟ »
.
__________________
ولو لم يُحسن الذباحة
، ولّاها غيره ، واستحبّ له أن يجعل يده مع يد الذابح ، وينوي الذابح عن صاحبها ؛ لأنّه فعل تدخله النيابة ، فيدخل في شرطه . ويستحب له أن يذكره بلسانه ، فيقول بلسانه : أذبح عن فلان بن فلان ، عند الذبح ، والواجب القصد بالنيّة .
ولو نوىٰ بقلبه
عن صاحبها وأخطأ فتلفّظ بغيره ، كان الاعتبار بالنيّة ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظم عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن الضحيّة يخطئ الذي يذبحها فيسمّي غير صاحبها ، أتجزئ عن صاحب الضحيّة ؟ فقال : « نعم إنّما له ما نوىٰ » .
مسألة ٥٩١ : يستحب نحر الإبل قائمة من الجانب الأيمن قد رُبطت يدها ما بين الخفّ إلىٰ الركبة ثم يطعن في لبَّتها ، وهي الوهدة التي بين
أصل العنق والصدر ـ وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر
ـ لقوله تعالىٰ : (
فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ) .
وقال المفسّرون في
قوله تعالىٰ : (
فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ) : أي قياماً
.
وما رواه العامّة أنّ
النبي صلىاللهعليهوآله وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرىٰ قائمة علىٰ ما بقي من قوائمها
.
__________________
ومن طريق الخاصّة :
قول أبي الصباح الكناني : سألت الصادق عليهالسلام : كيف تُنحر البدنة ؟ قال : « تُنحر وهي قائمة من قِبَل اليمين »
.
وعن أبي خديجة قال :
رأيت الصادق عليهالسلام وهو ينحر بدنة معقولة يدها اليسرىٰ ، ثم يقوم من جانب يدها اليمنىٰ ويقول : « بسم الله
والله أكبر ، هذا منك ولك ، اللّهم تقبّل منّي » ثم يطعن في لبَّتها ثم يخرج السكّين بيده ، فإذا وجبت جنوبها قطع موضع الذبح بيده .
وهذا القيام مستحب لا
واجب إجماعاً .
ولو خاف نفورها ،
أناخها ونحرها باركةً .
مسألة ٥٩٢ : يجب توجيه الذبيحة إلىٰ القبلة ، خلافاً للعامّة
، وسيأتي في موضعه . ويستحب الدعاء بالمنقول . ويمرّ السكّين ، ولا ينخعها حتىٰ تموت .
وتجب التسمية عند
علمائنا ؛ لقوله تعالىٰ : (
فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ) وقوله تعالىٰ : ( وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ
عَلَيْهِ ) .
ولو نسي التسمية ،
حلّ أكله ؛ لرواية ابن سنان ـ الصحيحة ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : سمعته يقول : « إذا ذبح المسلم
ولم يسمّ ونسي فكُلْ من ذبيحته وسمّ الله علىٰ ما تأكل » .
__________________
مسألة ٥٩٣ : يجب النحر أو الذبح في هدي التمتّع بمنىٰ ، عند علمائنا ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : ( منىٰ كلّها منحر )
والتخصيص بالذكر يدلّ علىٰ التخصيص في الحكم .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام في رجل قدم بهديه مكّة في العشر ، فقال : « إن كان هدياً واجباً فلا ينحره إلّا بمنىٰ ، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكّة إن شاء ، وإن كان قد أشعره أو قلّده فلا ينحره إلّا يوم الأضحىٰ » .
وقال أكثر العامّة :
إنّه مستحب ، وإنّ الواجب نحره بالحرم ـ وقال بعض العامّة : لو ذبحه في الحِلّ وفرّقه في الحرم ، أجزأه
ـ لقوله عليهالسلام : ( كلّ منىٰ منحر ، وكلّ فجاج مكّة منحر وطريق )
.
ونحن نقول بموجبه ؛
لأنّ بعض الدماء ينحر بمكّة ، وبعضها ينحر بمنىٰ .
ولو ساق هدياً في
الحجّ ، نحره أو ذبحه بمنىٰ ، وإن كان قد ساقه في العمرة ، نحره أو ذبحه بمكّة قبالة الكعبة بالموضع المعروف بالحزورة ؛ لأنّ
__________________
شعيب
العقرقوفي سأل الصادقَ عليهالسلام : سُقْتُ في العمرة بدنةً فأين أنحرها
؟ قال : « بمكّة » قلت : فأيّ شيء اُعطي منها ؟ قال : « كُلْ ثلثاً واهد ثلثاً وتصدّق بثلث » .
وأمّا ما يلزم المُحْرم
من فداءٍ عن صيدٍ أو غيره ، يذبحه أو ينحره بمكّة إن كان معتمراً ، وبمنىٰ إن كان حاجّاً ؛ لقوله تعالىٰ : ( ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) وقال تعالىٰ : ( هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ )
في جزاء الصيد .
وقال أحمد : يجوز في
موضع السبب ـ وقال الشافعي : لا يجوز إلّا في الحرم ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر كعب بن عجرة بالفدية بالحديبيّة
، ولم يأمره ببعثه إلىٰ الحرم .
وروىٰ الأثرم
وأبو إسحاق الجوزجاني في كتابيهما عن أبي أسماء مولىٰ عبد الله بن جعفر ، قال : كنت مع عليّ والحسين بن عليّ عليهماالسلام ، فاشتكى حسين بن عليّ عليهماالسلام بالسقيا ، فأومأ بيده إلىٰ رأسه
، فحلقه علي عليهالسلام ، ونحر عنه جزوراً بالسقيا
.
وأمْرُ النبي صلىاللهعليهوآله في الحديبيّة لا يستلزم الذبح بها . ونمنع الرواية الثانية .
وما وجب نحره بالحرم
وجب تفرقة لحمه به ، وبه قال الشافعي
__________________
وأحمد
.
وقال مالك وأبو حنيفة
: إذا ذبحها في الحرم ، جاز تفرقة لحمها في الحِلّ .
وهو ممنوع ؛ لأنّه
أحد مقصودي النسك ، فلم يجز في الحِلّ ، كالذبح . ولأنّ المقصود من ذبحه بالحرم التوسعةُ علىٰ مساكينه ، وهذا لا يحصل بإعطاء غيرهم . ولأنّه نسك يختصّ بالحرم ، فكان جميعه مختصّاً به ، كالطواف وسائر المناسك .
مسألة ٥٩٤ : وقت استقرار وجوب الهدي إحرام المتمتّع بالحجّ ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في إحدىٰ الروايتين
ـ لقوله تعالىٰ : ( فَمَن تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ )
.
ولأنّ المجعول غاية
يكفي وجود أوّله ؛ لقوله تعالىٰ : (
ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) .
وقال مالك : يجب إذا
وقف بعرفة ـ وهو قول أحمد في الرواية الاُخرىٰ ـ لأنّ التمتّع بالعمرة إلىٰ الحجّ إنّما يحصل بعد وجود
الحجّ منه ، ولا يحصل ذلك إلّا بالوقوف ؛ لقول النبي صلىاللهعليهوآله : ( الحجّ عرفة )
.
__________________
ولأنّه قبل ذلك معرَّض
للفوات ، فلا يحصل التمتّع .
وقال عطاء : يجب إذا
رمىٰ جمرة العقبة ـ وهو مروي عن مالك ـ لأنّه وقت ذبحه فكان وقت وجوبه .
ونمنع كون التمتّع
إنّما يحصل بالوقوف ، بل بالإحرام يتلبّس بالحجّ . علىٰ أنّ قوله عليهالسلام : ( دخلت العمرة في الحجّ هكذا ) وشبّك
بين أصابعه ، يُعطي التلبّس به من أوّل أفعال العمرة .
والتعريض للفوات لا
يقتضي عدم الإيجاب . وكون وقت الذبح بعد رمي جمرة العقبة لا يستلزم كون وقت وجوبه ذلك .
إذا عرفت هذا ، فوقت
ذبحه أو نحره يوم النحر ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله نحر يوم النحر وكذا أصحابه ، وقال عليهالسلام : ( خُذوا عنّي مناسككم )
.
ولأنّ ما قبل يوم
النحر لا يجوز فيه الاُضحية ، فلا يجوز فيه ذبح هدي التمتّع كقبل التحلّل من العمرة .
أمّا مَنْ ساق هدياً
في العشر ، فإن كان قد أشعره أو قلّده ، فلا ينحره
__________________
إلّا
بمنىٰ يوم النحر ، وإن لم يكن قد أشعره ولا قلّده ، فإنّه ينحره بمكّة إذا قدم في العشر ؛ لما رواه مسمع ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : « إذا دخل بهديه في العشر ، فإن كان أشعره وقلّده فلا ينحره إلّا يوم النحر بمنىٰ ، وإن لم يقلّده ولم يشعره فينحره بمكّة إذا قدم في العشر »
.
وكذا لو كان تطوّعاً
، فإنّه ينحره بمكّة ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « إن كان واجباً نحره بمنىٰ ، وإن كان تطوّعاً نحره بمكّة ، وإن كان قد أشعره وقلّده فلا ينحره إلّا يوم الأضحىٰ » .
ولأنّا قد بيّنّا أنّ
الذبح إنّما يجب بمنىٰ ، وهو إنّما يكون يوم النحر .
وقال عطاء وأحمد في
رواية : يجوز له نحره في شوّال ، وإن قدم في العشر ، لم ينحره إلّا بمنىٰ يوم النحر .
وقال الشافعي : يجوز
نحره بعد الإحرام قولاً واحداً ، وفيما قبل ذلك بعد حلّه من العمرة قولان :
أحدهما : المنع ؛
لأنّ الهدي يتعلّق به عمل البدن ، وهو تفرقة اللحم ، والعبادات البدنية لا تُقدّم علىٰ وقت وجوبها .
وأصحّهما عندهم :
الجواز ؛ لأنّه حقٌّ ماليّ تعلّق بشيئين : الفراغ من العمرة والشروع في الحجّ ، فإذا وجد أحدهما ، جاز إخراجه ، كالزكاة .
ولا خلاف بين
الشافعية في أنّه لا يجوز تقديمه علىٰ العمرة
.
__________________
مسألة ٥٩٥ : أيّام النحر بمنىٰ أربعة أيّام : يوم النحر وثلاثة بعده
، وفي غيرها من الأمصار ثلاثة أيام : يوم النحر ويومان بعده ـ وبه قال علي عليهالسلام ، والحسن وعطاء والأوزاعي والشافعي وابن المنذر ـ لما رواه العامّة أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : ( أيّام [ التشريق ]
كلّها منحر ) .
ومن طريق الخاصّة :
رواية علي بن جعفر ـ في الصحيح ـ عن الكاظم عليهالسلام ، قال : سألته عن الأضحىٰ كم هو
بمنىٰ ؟ فقال : « أربعة أيّام » وسألته عن الأضحىٰ في غير منىٰ ؟ فقال : « ثلاثة أيّام » فقلت : ما
تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحىٰ بيومين ، أله أن يضحّي في اليوم الثالث ؟ قال : « نعم » .
وقال سعيد بن جبير
وجابر بن زيد : في الأمصار يوم واحد ، وبمنىٰ ثلاثة .
وقال أحمد : يوم
النحر ويومان بعده ـ وبه قال مالك والثوري ، وروي عن ابن عباس وابن عمر ـ لأنّ اليوم الرابع لا يصلح للرمي ، فلا يصلح للذبح
.
__________________
والملازمة ممنوعة .
فرعان :
أ :
يجب تقديم الذبح علىٰ الحلق بمنىٰ ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « يبدأ بمنىٰ بالذبح قبل الحلق ، وفي العقيقة بالحلق قبل الذبح »
.
ولو أخّره ناسياً ،
فلا شيء عليه ، ولو كان عامداً ، أثم وأجزأ ، وكذا لو ذبحه في بقية ذي الحجّة جاز .
ب :
قال أكثر فقهاء العامّة : يجزئ ذبح الهدي في الليالي المتخلّلة لأيّام النحر .
البحث الثالث : في صفات
الهدي .
مسألة ٥٩٦ : يجب أن يكون الهدي من بهيمة الأنعام : الإبل أو البقر أو الغنم ، إجماعاً .
قال تعالىٰ : ( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ )
.
وأفضله البُدْن ثم
البقر ثم الغنم ؛ لما رواه العامّة عن أبي هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : ( مَنْ اغتسل يوم الجمعة غسل
الجنابة ثم راح فكأنّما قرّب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنّما قرّب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرّب كبشاً أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنّما قرّب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة )
.
__________________
ومن طريق الخاصّة :
قول الباقر عليهالسلام ـ في الصحيح ـ في المتمتّع : « وعليه الهدي » فقلت : وما الهدي ؟ فقال : « أفضله بدنة ، وأوسطه بقرة وأخسّه شاة » .
ولأنّ الأكثر لحماً
أكثر نفعاً ، ولهذا أجزأت البدنة عن سبع شياه .
مسألة ٥٩٧ : ولا يجزئ في الهدي إلّا الجذع من الضأن والثنيّ من غيره . والجذع من الضأن هو الذي له ستة أشهر ، وثنيّ المعز والبقر ما لَه سنة ودخل في الثانية ، وثنيّ الإبل ما لَه خمس ودخل في السادسة ـ وبه قال مالك والليث والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي
ـ لما رواه العامّة عن اُم بلال بنت هلال عن أبيها أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : ( يجوز الجذع من الضأن اُضحية ) .
وعن أبي بردة بن نيار
، قال : يا رسول الله إنّ عندي عناقاً جذعاً هي خيرٌ مَنْ شاتَي لحمٍ ؟ فقال : ( تجزئك ولا تجزئ عن أحد بعدك )
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « يجزئ من الضأن الجذع ، ولا يجزئ من المعز إلّا الثنيّ »
.
وسأل حمّادُ بن عثمان
الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن أدنىٰ ما
__________________
يجزئ
من أسنان الغنم في الهدي ، فقال : « الجذع من الضأن » قلت : فالمعز ؟ قال : « لا يجوز الجذع من المعز » قلت : ولِمَ ؟ قال : « لأنّ الجذع من الضأن يلقح ، والجذع من المعز لا يلقح » .
مسألة ٥٩٨ : ويجب أن يكون تامّاً ، فلا تجزئ العوراء ، ولا العرجاء البيّن عرجها ، ولا المريضة البيّن مرضها ، ولا الكسيرة
التي لا تُنقي ، وقد وقع الاتّفاق بين العلماء علىٰ اعتبار هذه الصفات الأربع في المنع .
روىٰ العامّة
عن البراء بن عازب ، قال : قام رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : ( أربع لا تجوز في الأضاحي : العوراء البيّن عورها ، والمريضة البيّن مرضها ، والعرجاء البيّن عرجها ، والكسيرة التي لا تنقي )
أي التي لا مخّ لها لهزالها .
وأمّا المريضة فقيل :
هي الجرباء ؛ لأنّ الجرب يفسد اللحم .
والوجه : اعتبار كلّ
مرض يؤثّر في هزالها وفساد لحمها ، ومعنىٰ البيّن عورها : أي التي انخسفت عينها وذهبت ، فإنّ ذلك ينقصها ؛ لأنّ شحمة العين عضو يستطاب أكله . والبيّن عرجها : لا تتمكّن من السير
مع الغنم ولا تشاركها في العلف والرعي فتهزل .
__________________
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام ، قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لا يضحّىٰ بالعرجاء البيّن
عرجها ، ولا بالعوراء البيّن عورها ، ولا بالعجفاء ، ولا بالجرباء ، ولا بالجذّاء ، وهي المقطوعة الاُذن ، ولا بالعضباء ، وهي المكسورة القرن » .
ولو كانت العوراء غير
مخسوفة العين ، احتمل المنع ؛ لعموم الخبر ، وكما وقع الاتّفاق علىٰ منع ما اتّصف بواحدة من الأربع فكذا ينبغي علىٰ
ما فيه نقص أكثر ، كالعمياء .
ولا يعتبر مع العمىٰ
انخساف العين إجماعاً ؛ لأنّه يخلّ بالمشي مع الغنم والمشاركة في العلف أكثر من إخلال العور .
مسألة ٥٩٩ : العضباء ـ وهي مكسورة القرن ـ لا تجزئ إلّا إذا كان القرن الداخل صحيحاً ، فإنّه يجوز التضحية به ـ وبه قال علي عليهالسلام ، وعمّار وسعيد بن المسيّب والحسن ـ لما رواه العامّة عن علي عليهالسلام وعمّار ، ولم يظهر لهما مخالف من الصحابة .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام في المقطوعة القرن أو المكسورة القرن : « إذا كان القرن الداخل صحيحاً فلا بأس وإن كان القرن الظاهر الخارج مقطوعاً » .
ولأنّ ذلك لا يؤثّر
في اللحم ، فأجزأت ، كالجمّاء .
وقال باقي العامّة :
لا تجزئ ـ وقال مالك : إن كان يدمي ، لم يجز ،
__________________
وإلّا
جاز ـ لما رووه عن علي عليهالسلام ، قال : « نهىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يضحّىٰ بأعضب الاُذن والقرن » .
وهو محمول علىٰ
ما كسر داخله .
وأمّا العضباء ـ وهي
التي ذهب نصف اُذنها أو قرنها ـ فلا تجزئ ، وبه قال أبو يوسف ومحمد وأحمد في إحدىٰ الروايتين
.
وكذا لا تجزئ عندنا
ما قُطع ثلث اُذنها ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد في الرواية الاُخرىٰ ـ لأنّ ما قطع بعض اُذنها يصدق عليها
أنّها مقطوعة الاُذن ، فتدخل تحت النهي .
مسألة ٦٠٠ : لا بأس بمشقوقة الاُذن أو مثقوبتها إذا لم يكن قد قطع من الاُذن شيء ؛ لما رواه العامّة عن علي عليهالسلام ، قال : « اُمرنا أن نستشرف العين والاُذن ولا نضحّي بمقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء » .
قال زهير : قلت لأبي
إسحاق : ما المقابلة ؟ قال : يقطع طرف الاُذن ، قلت : فما المدابرة ؟ قال : يقطع من مؤخّر الاُذن ، قلت : فما الخرقاء ؟ قال : تشقّ الاُذن ، قلت : فما الشرقاء ؟ قال : تشقّ اُذنها للسمة
.
__________________
ومن طريق الخاصّة :
قول علي عليهالسلام : « أَمَرنا رسول الله صلىاللهعليهوآله في الأضاحي أن نستشرف العين والاُذن ، ونهانا عن الخرقاء والشرقاء والمقابلة والمدابرة »
.
يقال : استشرفت الشيء
: إذا رَفَعْتَ بصرَك تنظر إليه ، وبَسَطْتَ كفَّك فُويق حاجبك كأنّك تستظلّ من الشمس .
وسُئل أحدهما عليهماالسلام عن الأضاحي إذا كانت الاُذن مشقوقةً أو مثقوبةً بسمة ، فقال : « ما لم يكن مقطوعاً فلا بأس » .
مسألة ٦٠١ : لا يجزئ الخصيّ عند علمائنا ؛ لما رواه العامّة عن أبي بردة أنّه قال : يا رسول الله عندي جذعة من المعز ، فقال : ( تجزئك ولا تجزئ أحداً بعدك ) .
قال أبو عبيد : قال
إبراهيم الحربي : إنّما يجزئ الجذع من الضأن في الأضاحي دون الجذع من المعز ؛ لأنّ جذع الضأن يلقح ، بخلاف جذع المعز وهذا المقتضي موجود في الخصي .
ومن طريق الخاصّة :
رواية محمد بن مسلم ـ الصحيحة ـ عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن الاُضحية بالخصي ،
قال : « لا » .
ولأنّه ناقص ، فلا
يكون مجزئاً .
وقال بعض العامّة :
إنّه يجزئه .
__________________
قال الشيخ : لو ضحّىٰ
بالخصيّ ، وجب عليه الإعادة إذا قدر عليه ؛ لأنّه غير المأمور به ، فلا يخرج به عن العهدة .
ولأنّ عبد الرحمن بن
الحجّاج سأل ـ في الصحيح ـ الكاظمَ عليهالسلام عن الرجل يشتري الهدي ، فلمّا ذبحه إذا هو خصيّ مجبوب ولم يكن يعلم أنّ الخصيّ لا يجوز في الهدي هل يجزئه أم يعيد ؟ قال : « لا يجزئه إلّا أن يكون لا قوّة به عليه » .
ويكره الموجوء ـ وهو
مرضوض الخصيتين ـ لما روي أنّ النبي صلىاللهعليهوآله ضحّىٰ بكبشين أملحين موجوءين ، رواه العامّة
.
وأمّا مسلول البيضتين
: فالأقوىٰ أنّه كالخصيّ .
وأمّا الجمّاء ـ وهي
التي لم يخلق لها قرن ـ تجزئ .
قال بعض العامّة : لا
تجزئ ؛ لأنّ عدم القرن أكثر من ذهاب بعضه .
ونمنع الحكم في الأصل
.
والأقرب : إجزاء
البتراء ، وهي مقطوعة الذنب ، وكذا الصمعاء ، وهي التي لم يخلق لها اُذن ، أو كان لها اُذن صغيرة ؛ لأنّ فقد هذه الأعضاء لا يوجب نقصاً في قيمة الشاة ولا في لحمها .
مسألة ٦٠٢ : المهزولة ـ وهي التي ليس علىٰ كليتها شيء من الشحم ـ لا تجزئ ؛ لأنّه قد مُنع من العرجاء لأجل الهزال فالمهزولة أولىٰ بالمنع .
ولقول الصادق عليهالسلام : « وإن اشتراه وهو يعلم أنّه مهزول لم يجزئ
__________________
عنه
» .
وروىٰ الفضيل ،
قال : حججت بأهلي سنة ، فعزّت الأضاحي ، فانطلقت فاشتريت شاتين بالغلاء ، فلمّا ألقيت إهابهما ندمت ندامة شديدة لما رأيت بهما من الهزال ، فأتيته فأخبرته ذلك ، فقال : « إن كان علىٰ
كليتيها شيء من الشحم أجزأت » .
ويستحب أن تكون سمينةً
تنظر في سواد وتمشي في سواد وتبرك في سواد ـ قيل : أن تكون هذه المواضع منها سوداً ، وقيل : يكون سميناً له ظلّ يمشي فيه ويأكل فيه وينظر فيه ـ لأنّ محمد بن مسلم روىٰ ـ في الصحيح ـ عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يضحّي بكبش أقرن عظيم سمين فحل يأكل في سواد وينظر في سواد »
.
إذا عرفت هذا ، فلو
اشترىٰ هدياً علىٰ أنّه سمين فوجده مهزولاً ، أجزأ عنه ، وكذا لو اشتراه علىٰ أنّه مهزول فخرج سميناً ، أجزأه أيضاً ؛ للامتثال .
ولقول الصادق عليهالسلام : « وإن اشترىٰ الرجل هدياً وهو يرىٰ أنّه سمين ،
أجزأ عنه وإن لم يجده سميناً ، وإن اشترىٰ وهو يرىٰ أنّه مهزول فوجده سميناً ، أجزأ عنه ، وإن اشتراه وهو يعلم أنّه مهزول ، لم يجزئ عنه »
.
ولو اشترىٰ
هدياً ثم أراد أن يشتري أسمن منه ، فليشتره وليبع الأوّل إن أراد ؛ لأنّه لم يتعيّن للذبح .
__________________
ولقول الصادق عليهالسلام ـ في الحسن ـ في رجل اشترىٰ شاةً ثم أراد أن يشتري أسمن منها ، قال : « يشتريها ، فإذا اشترىٰ باع الاُولىٰ » ولا
أدري شاةً قال أو بقرة .
ولو اشترىٰ
هدياً ثم وجد به عيباً ، لم يجزئ عنه ، قاله الشيخ في التهذيب ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظمَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن الرجل يشتري الاُضحية عوراء فلا يعلم إلّا بعد شرائها هل يجزئ عنه ؟ قال : « نعم إلّا أن يكون هدياً واجباً فإنّه لا يجوز ناقصاً »
.
إذا عرفت هذا ، فلو
اشتراه علىٰ أنّه تامٌّ فوجده ناقصاً ، لم يجزئ عنه .
مسألة ٦٠٣ : الإناث من الإبل والبقر أفضل من الذكران ، والذكران من الضأن والمعز أولىٰ ، ولا خلاف في جواز العكس في البابين ، إلّا ما روي عن ابن عمر أنّه قال : ما رأيت أحداً فاعلاً ذلك ، وإن أنحر اُنثىٰ أحبّ
إليَّ .
ولا تصريح فيه بالمنع
، والآية عامّة في قوله تعالىٰ : (
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ )
.
وروىٰ العامّة
أنّ النبي صلىاللهعليهوآله أهدىٰ جملاً لأبي جهل في أنفه بُرَة
من فضّة .
__________________
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « أفضل البُدْن ذوات الأرحام من الإبل والبقر » .
وقد تجزئ الذكورة من البُدْن
والضحايا من الغنم الفحولة .
ويكره التضحية
بالجاموس وبالثور ؛ لقول لأبي بصير : سألته عن الأضاحي ، فقال : « أفضل الأضاحي في الحجّ الإبل والبقر ذوو الأرحام ، ولا يضحّىٰ بثور ولا جمل » .
ويستحب أن يكون الهدي
ممّا عُرّف به ـ وهو الذي اُحضر عرفة عشيّة عرفة ـ إجماعاً ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « لا يضحّىٰ إلّا بما قد عرّف
به » .
ومنع ابن عمر وسعيد
بن جبير من التضحية بما لم يعرَّف به .
والأصل عدم الوجوب ،
وسأل سعيدُ بن يسار الصادقَ عليهالسلام : عمّن اشترىٰ شاة لم يعرَّف بها ، قال : « لا بأس عُرّف بها أو لم يُعرّف »
.
ولو أخبر البائع
بالتعريف ، قُبل منه ؛ لأنّ سعيد بن يسار سأل الصادقَ عليهالسلام : إنّا نشتري الغنم بمنىٰ ولسنا
ندري هل عُرّف بها أم لا ؟ فقال : « إنّهم لا يكذبون ، لا عليك ضَحِّ بها »
.
تذنيب :
قال مالك في هدي المجامع : إن لم يكن ساقه ، فليشتره من مكّة ثم ليخرجه إلىٰ الحِلّ ، وليسقه إلىٰ مكّة
. فاشترط فيه الجمع بين
__________________
الحِلّ
والحرم ، ولم يوافقه أحد .
لنا : الأصل براءة
الذمّة ، ولأنّ القصد اللحم ونفع المساكين به ، وهو لا يقف علىٰ ما ذكره ، ولا دليل علىٰ قوله .
البحث الرابع : في
البدل .
مسألة ٦٠٤ : إذا لم يجد الهدي ولا ثمنه ، انتقل إلىٰ البدل عنه ، وهو
صوم عشرة أيّام : ثلاثة أيّام في الحجّ متتابعات ، وسبعة إذا رجع إلىٰ أهله
، بالنصّ والإجماع .
قال الله تعالىٰ
: ( فَمَن لَّمْ يَجِدْ
فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ )
.
وتعتبر القدرة علىٰ
الهدي في مكانه ، فمتىٰ عدمه في موضعه ، انتقل إلىٰ الصوم وإن كان قادراً عليه في بلده ؛ لأنّ وجوبه موقّت ، وما كان ذلك اعتبرت القدرة عليه في موضعه ، كالماء في الطهارة إذا عدمه في موضعه ، ولا نعلم فيه خلافاً .
مسألة ٦٠٥ : ولو لم يجد الهدي ووجد ثمنه ، فأكثر علمائنا
علىٰ أنّه يضع الثمن عند مَنْ يثق به من أهل مكّة ليشتري له به هدياً ويذبحه عنه في بقية ذي الحجّة ، فإن خرج ذو الحجّة ولم يجد ، اشترىٰ له في ذي الحجّة في العام المقبل ؛ لأنّ وجدان الثمن بمنزلة وجدان العين ، كواجد ثمن الماء ، مع أنّ النصّ ورد : فإن لم تجدوا ماء
__________________
وكذا وجدان ثمن
الرقبة في العتق ؛ لأنّ التمكّن يحصل باعتبار الثمن هناك ، ويصدق عليه أنّه واجد للثمن ، فكذا هنا .
ولقول الصادق عليهالسلام في متمتّع يجد الثمن ولا يجد الغنم ، قال : « يخلّف الثمن عند بعض أهل مكّة ويأمر مَنْ يشتري له ويذبح عنه وهو يجزئ عنه ، فإن مضىٰ ذو الحجّة أخّر ذلك إلىٰ قابل [ من ] ذي الحجّة » .
مسألة ٦٠٦ : لو فقد الهدي والثمن ، انتقل إلىٰ الصوم ، ويستحب أن تكون الثلاثة في الحجّ يوماً قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، عند علمائنا ـ وبه قال عطاء وطاوُس والشعبي ومجاهد والحسن والنخعي وسعيد بن جبير وعلقمة وعمرو بن دينار وأصحاب الرأي
ـ لأنّ هذه الأيّام أشرف من غيرها ، ويوم عرفة أفضل من غيره من أيّام ذي الحجّة ، فكان صومه أولىٰ .
ولقول الصادق عليهالسلام في متمتّع لا يجد الهدي : « فليصم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة » .
ولرواية محمد بن مسلم
ـ الصحيحة ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : « صوم الثلاثة الأيّام إن صامها فآخرها يوم عرفة » .
وقال الشافعي : آخرها
يوم التروية ـ وهو محكي عن ابن عمر
__________________
وعائشة
، ومرويّ عن أحمد ـ لأنّ صوم يوم عرفة بعرفة غير مستحب
.
وجوابه : أنّ ذلك
لموضع الحاجة .
مسألة ٦٠٧ : لو فاته هذه الثلاثة ، صامها بعد أيّام منىٰ ، ولا
يسقط عنه الصوم لفواته في العشر ـ وبه قال علي عليهالسلام ، وابن عمر وعائشة وعروة بن الزبير والحسن وعطاء والزهري ومالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي
ـ لأنّه صوم واجب ، فلا يسقط بفوات وقته ، كرمضان .
ولرواية رفاعة ، قال
: سألت الصادقَ عليهالسلام : فإنّه قدم يوم التروية ، قال : « يصوم ثلاثة أيّام بعد أيّام التشريق » قلت : لم يقم عليه جمّالُه ، قال : « يصوم يوم الحصبة وبعده يومين » قال : قلت : وما الحصبة ؟ قال : « يوم نفره » قلت : يصوم وهو مسافر ! ؟ قال : « نعم أفليس هو يوم عرفة مسافراً ؟ إنّا أهل البيت نقول ذلك ، لقول الله عزّ وجلّ : (
فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ )
يقول : في ذي الحجّة » .
وقال ابن عباس وسعيد
بن جبير وطاوُس ومجاهد : إذا فاته الصوم في العشر ، لم يصمه بعده ، واستقرّ الهدي في ذمّته ، لقوله تعالىٰ : ( فِي الْحَجِّ ) .
ولأنّه بدل موقّت ،
فيسقط بخروج وقته ، كالجمعة .
__________________
والآية تدلّ علىٰ
وجوبه في الحجّ ، أي في أشهر الحجّ ، وذو الحجّة كلّه من أشهر الحجّ .
وقياسهم باطل ؛ لأنّ
الجمعة ليست بدلاً ، وسقطت ؛ لأنّ الوقت جعل شرطاً لها كالجماعة .
مسألة ٦٠٨ : ويجوز صوم الثلاثة قبل الإحرام بالحجّ ، وقد وردت رخصة في جواز صومها من أوّل العشر إذا تلبّس بالمتعة ـ وبه قال الثوري والأوزاعي ـ لأنّ إحرام العمرة أحد إحرامي التمتّع ، فجاز الصوم بعده وبعد الإحلال منه ، كإحرام الحجّ .
وقد روىٰ زرارة
عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : « مَنْ لم يجد الهدي وأحبَّ أن يصوم الثلاثة الأيّام في أوّل العشر فلا بأس بذلك »
.
وقال أبو حنيفة :
يجوز صومها إذا أحرم بالعمرة . وهو رواية عن أحمد .
وعنه رواية اُخرىٰ
: إذا أحلّ من العمرة .
وقال مالك والشافعي :
لا يجوز إلّا بعد الإحرام بالحجّ ـ وبه قال إسحاق وابن المنذر ، وهو مروي عن ابن عمر ـ لقوله تعالىٰ : ( ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ) .
ولأنّه صوم واجب ،
فلا يجوز تقديمه علىٰ وقت وجوبه ،
__________________
كرمضان
.
والآية لا بدّ فيها
من تقدير ؛ فإنّ الحجّ أفعال لا يصام فيها ، إنّما يصام في وقتها أو في أشهرها ؛ لقوله تعالىٰ : (
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ) .
والتقديم جائز إذا
وجد السبب ، كتقديم التكفير علىٰ الحنث عنده .
إذا عرفت هذا ، فلا
يجوز تقديم صومها علىٰ إحرام العمرة إجماعاً ، إلّا ما روي عن أحمد أنّه يجوز تقديم صومها علىٰ إحرام العمرة
.
وهو خطأ ؛ لأنّه
تقديم للواجب علىٰ وقته وسببه ، ومع ذلك فهو خلاف الإجماع .
مسألة ٦٠٩ : ولا يجوز أن يصوم أيّام التشريق بمنىٰ في بدل الهدي وغيره ، عند علمائنا ـ وبه قال علي عليهالسلام ، والحسن وعطاء وابن المنذر وأحمد في إحدىٰ الروايتين ، والشافعي في الجديد
ـ لما رواه العامّة عن أبي هريرة أنّ النبي صلىاللهعليهوآله نهىٰ عن صيام ستّة أيّام : يوم
الفطر والأضحىٰ وأيّام التشريق واليوم الذي يشكّ فيه من رمضان .
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه الصدوق عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه بعث بديل ابن ورقاء الخزاعي علىٰ جمل أورق ، وأمره أن يتخلّل الفساطيط وينادي
__________________
في
الناس أيّام منىٰ : « ألا لا تصوموا ، إنّها أيّام أكل وشرب وبعال »
.
وسأل معاويةُ بن
عمّار الصادقَ عليهالسلام عن الصيام أيّام التشريق ، فقال : « أمّا بالأمصار فلا بأس به ، وأمّا بمنىٰ فلا »
.
وقال الشافعي في
القديم : يجوز صيامها . وهو رواية عن أحمد ، وبه قال ابن عمر وعائشة ومالك وإسحاق ، لما رواه ابن عمر أنّ النبي صلىاللهعليهوآله رخّص للمتمتّع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيّام التشريق
.
وهو ضعيف السند .
مسألة ٦١٠ : لو لم يصمها بعد أيّام التشريق ، جاز صيامها طول ذي الحجّة أداءً لا قضاءً ـ وبه قال الشافعي ومالك
ـ لأنّه صوم واجب ، فلا يسقط بفوات وقته كرمضان .
ولرواية زرارة ـ الصحيحة
ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : « مَنْ لم يجد ثمن الهدي فأحبّ أن يصوم الثلاثة الأيّام في العشر الأواخر فلا بأس بذلك » .
وقال أبو حنيفة : إذا
فاته الصوم بخروج يوم عرفة ، سقط الصوم واستقرّ الهدي في ذمّته ؛ لقوله تعالىٰ : (
فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ )
.
__________________
وليس حجّةً ؛
لدلالتها علىٰ الوجوب في أشهر الحجّ ، لا علىٰ السقوط بعد انقضاء عرفة .
ولا يجوز صوم هذه
الأيّام الثلاثة إلّا في ذي الحجّة بعد التلبّس بالمتعة .
ولو خرج ذو الحجّة
وأهلّ المُحرَّم ، سقط فرض الصوم ، واستقرّ الهدي في ذمّته ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لأنّه صوم فات وقته ، فيسقط إلىٰ
مُبْدله ، كالجمعة .
ولما رواه منصور ـ في
الحسن ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : « مَنْ لم يصم في ذي الحجّة حتّىٰ يهلّ هلال المُحرَّم فعليه دم شاة ، وليس له صوم ، ويذبح بمنىٰ » .
وقال الشافعي : لا
يسقط الصوم ، ولا تجب الشاة ؛ لأنّه صوم يجب بفواته القضاء ، فلم تجب به كفّارة ، كصوم رمضان
.
ونمنع وجوب القضاء .
وقال أحمد : يجوز الصوم
، ولا يسقط بفوات وقته ، لكن يجب عليه دم شاة .
مسألة ٦١١ : يجب صوم الثلاثة متتابعاً إلّا في صورة واحدة ، وهي أنّه إذا فاته قبل يوم التروية ، فإنّه يصوم يوم التروية وعرفة ويفطر يوم العيد ثم
__________________
يصوم
يوماً آخر بعد انقضاء أيّام التشريق .
ولو صام غير هذه
الأيّام ، وجب فيها تتابع الثلاثة ، ولا يجوز تخلّل الإفطار بين اليومين والثالث إلّا في الصورة التي ذكرناها .
ولم يوجب العامّة
التتابع .
والاحتياط ينافيه ؛
لأنّ الأمر ينبغي المسارعة إليه بقدر الإمكان ، وهو إنّما يتحقّق بالتتابع .
ولقول الصادق عليهالسلام : « لا يصوم الثلاثة الأيّام متفرّقة »
.
وقال عليهالسلام فيمن صام يوم التروية ويوم عرفة : « يجزئه أن يصوم يوماً آخر » .
وأمّا السبعة : فلا
خلاف في جواز تفريقها ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظمَ عليهالسلام : عن صوم السبعة اُفرّقها ؟ قال : «
نعم » .
مسألة ٦١٢ : أوجب علماؤنا التفريق بين الثلاثة والسبعة ؛ لأنّهم أوجبوا صوم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة في بلده ـ وبه قال الشافعي في حرملة ، ونقله المزني عنه ـ لقوله تعالىٰ : ( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ) .
__________________
وما رواه العامّة عن
النبي صلىاللهعليهوآله في حديث طويل : ( فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلىٰ أهله )
.
ومن طريق الخاصّة :
رواية علي بن جعفر ـ في الصحيح ـ عن الكاظم عليهالسلام ، قال : « ولا يجمع الثلاثة والسبعة
جميعاً » .
والقول الثاني
للشافعي : يصوم إذا فرغ من أيّام الحجّ . وبه قال أبو حنيفة وأحمد ـ وحكي عن الشافعي أنّه يصوم إذا خرج من مكّة سائراً في الطريق ، وبه قال مالك ـ لأنّ كلّ مَنْ لزمه صوم وجاز له أن يؤدّيه إذا رجع إلىٰ وطنه جاز قبل ذلك ، كقضاء رمضان
.
والقياس لا يعارض
الكتاب والحديث .
مسألة ٦١٣ : هذه السبعة تصام إذا رجع إلىٰ أهله ، وإن أقام بمكّة ،
انتظر وصول الناس إلىٰ بلده ، أو مضيّ شهر ثم يصومها ؛ لما رواه معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : مَنْ كان متمتّعاً فلم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلىٰ أهله ، فإن فاته ذلك وكان له مقام بمكّة وأراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره إلىٰ أهله أو شهراً ثم صام » .
وقال مالك وأبو حنيفة
: يصوم بعد مضيّ أيّام التشريق .
__________________
وقال عطاء ومجاهد :
يصومها في الطريق . وهو قول إسحاق .
وقال ابن المنذر :
يصومها إذا رجع إلىٰ أهله . وللشافعي ثلاثة أقوال تقدّمت في المسألة السابقة .
إذا عرفت هذا ، فإنّ
التفريق بين صوم الثلاثة والسبعة واجب ؛ لما تقدّم .
ولو لم يصم الثلاثة
وأقام بمكة حتىٰ مضىٰ شهر ، أو وصل أصحابه إلىٰ بلده ، لم يجب عليه التفريق ، وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الثاني : يجب عليه التفريق .
وفي كيفيّته أربعة
أقوال : أحدها : يفصل بقدر المسافة وأربعة أيّام ، وثانيها : بأربعة أيّام ، وثالثها : قدر المسافة ، ورابعها : يفصل بيوم
.
مسألة ٦١٤ : لو مات مَنْ وجب عليه الصوم ولم يصم ، فإن لم يكن قد تمكّن من صيام شيء من العشرة ، سقط الصوم ، ولا يجب علىٰ وليّه القضاء عنه ، ولا الصدقة عنه ـ وهو قول أكثر العامّة والشافعي في أحد القولين ـ لأنّه غير واجد للهدي ، فلا يجب عليه ، ولا قادر علىٰ
الصوم ، فلا يجب أيضاً عليه . نعم يستحب للوليّ القضاء عنه .
ولو تمكّن من صيام
العشرة وأهمل ، قال الشيخ رحمهالله : يقضي الوليّ عنه ثلاثة أيّام وجوباً ، ولا يجب قضاء السبعة .
__________________
وقال ابن إدريس : يجب
قضاء السبعة أيضاً . وهو المعتمد ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأنّه صوم واجب لم يفعله ، فوجب علىٰ
وليّه القضاء عنه ، كرمضان .
ولرواية معاوية بن عمّار
، قال : « مَنْ مات ولم يكن له هدي لمتعته فليصم عنه وليّه » .
ولو لم يتمكّن من صيام
السبعة ، لم يجب علىٰ الوليّ قضاؤها .
وفي القول الثاني
للشافعي : يتصدّق الوليّ عنه ، وهو قول العامّة .
إذا عرفت هذا ، فلو
تمكّن الحاجّ من صوم السبعة بعد رجوعه إلىٰ أهله ، وجب عليه صيامها ، ولا تجزئ الصدقة عنها ؛ لأنّ الصدقة بدل ، فلا تجزئ مع التمكّن من فعل المُبْدل عنه ، كالتيمّم .
مسألة ٦١٥ : لو تلبّس بالصوم ثم أيسر أو وجد الهدي ، لم يجب عليه الهدي ، بل استحبّ له ـ وبه قال الحسن وقتادة ومالك والشافعي وأحمد في إحدىٰ الروايتين ـ لقوله تعالىٰ : ( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) مقتضاه وجوب الصوم علىٰ غير
الواجد ، وهذا غير واجد ، والانتقال إلىٰ الهدي يحتاج إلىٰ دليل .
__________________
وظاهر كلام الشيخ :
اشتراط صيام ثلاثة أيّام ، وبه قال حمّاد والثوري .
وقال أبو حنيفة : يجب
عليه الانتقال إلىٰ الهدي ، وكذا إذا وجد الهدي بعد أن صام ثلاثة أيّام قبل يوم النحر [ و ] إن وجده بعد أن مضت أيّام النحر ، أجزأه الصوم وإن لم يتحلّل ؛ لأنّه قد مضىٰ زمان التحلّل ، لأنّه
وجد المُبْدل قبل فراغه من البدل ، فأشبه المتيمّم إذا وجد الماء في أثناء تيمّمه ، وإذا وجد الهدي قبل يوم النحر فقد وجد المُبْدل قبل حصول المقصود بالبدل ، وهو التحلّل .
والفرق : أنّ المقصود
من التيمّم الصلاة ، وليس مقصوداً في نفسه ، والصوم عبادة مقصودة يجب ابتداءً بالشرع لا كغيرها .
مسألة ٦١٦ : لو أحرم بالحجّ ولم يصم ثم وجد الهدي ، تعيّن عليه الذبح ، ولا يجزئه الصوم ـ وبه قال أحمد في إحدىٰ الروايتين ، والشافعي في بعض أقواله ـ لأنّه قدر علىٰ المُبْدل قبل
شروعه في البدل ، فلزمه الانتقال إليه ، كالمتيمّم إذا وجد الماء ، ولحصول يقين البراءة مع الذبح ، بخلاف الصوم .
وقال الشافعي في بعض
أقواله : فرضه الصوم ، وإن أهدىٰ كان
__________________
أفضل
.
وله قول ثالث : إنّ
عليه الهدي لا غير ، ولا يجزئه الصيام ، وهو الرواية الثانية لأحمد .
والشافعي بنىٰ
أقواله علىٰ أقواله في الكفّارات هل الاعتبار بحال الوجوب أو الأداء ؟ فإن قلنا بحال الوجوب ، أجزأه الصيام ، وإن قلنا بحال الأداء أو بأغلظ الحالين ، لزمه الهدي .
مسألة ٦١٧ : لو تعيّن عليه الصوم وخاف الضعف عن المناسك يوم عرفة ، أخّر الصوم إلىٰ بعد انقضاء أيّام التشريق ، ولو خرج عقيب أيّام التشريق ولم يصم الثلاثة ، صامها في الطريق أو إذا رجع إلىٰ أهله ؛ للرواية الصحيحة عن الصادق عليهالسلام . والأفضل المبادرة إلىٰ صومها
في الطريق ؛ إذ ليس السفر مانعاً .
هذا إذا لم يهلّ المُحرَّم
، فإذا أهلّ قبل صومها ، تعيّن عليه الهدي .
قال الشيخ : ولو لم
يصم الثلاثة لا بمكّة ولا في الطريق ورجع إلىٰ بلده وكان متمكّناً من الهدي ، بعث به ، فإنّه أفضل من الصوم .
قال : والصوم بعد
أيّام التشريق يكون أداءً لا قضاءً ، فلو أحرم بالحجّ ولم يكن صام ثم وجد الهدي ، لم يجز له الصوم ، وتعيّن عليه الهدي ، فلو مات ، اشتُري الهدي من صلب ماله ؛ لأنّه دَيْنٌ
.
__________________
ولو مات مَنْ وجب
عليه الهدي ، اُخرج من صلب التركة ، لأنّه دَيْنٌ .
مسألة ٦١٨ : مَنْ وجب عليه بدنة في كفّارة أو نذر ولم يجد ، كان عليه سبع شياه علىٰ الترتيب عندنا ـ وهو إحدىٰ الروايتين عن أحمد
ـ لما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه أتاه رجل فقال : إنّ عليَّ بدنة
وأنا موسر لها ولا أجدها فأشتريها ؟ فأمره النبي صلىاللهعليهوآله أن يبتاع سبع شياه فيذبحهنّ
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : في الرجل يكون عليه بدنة واجبة في فداء ، قال : « إذا لم يجد بدنة فسبع شياه ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكّة أو في منزله » والترتيب علىٰ عدم الوجدان يدلّ علىٰ الترتيب .
وقال أحمد في الرواية
الاُخرىٰ : إنّها علىٰ التخيير ؛ لأنّ الشاة معدولة بسبع بدنة وهي أطيب لحماً ، فكانت أولىٰ .
ونمنع المعادلة .
إذا عرفت هذا ، فلو
لم يتمكّن من سبع شياه ، صام ثمانية عشر يوماً ؛ للرواية عن الصادق عليهالسلام . ولو وجب عليه سبع شياه ، لم تجزئه
بدنة .
وفرّق أحمد بين وجوب
السبع من جزاء الصيد وبين وجوبها في كفّارة محظورٍ ، فذهب إلىٰ الجواز في الثاني ؛ لأنّ الواجب ما استيسر من
__________________
الهدي
، وهو شاة أو سُبع بدنة ، وقد كان أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله يشترك السبعة منهم في البقرة أو البدنة . وذهب إلىٰ المنع في الأوّل ؛
لأنّ سبعاً من الغنم أطيب لحماً من البدنة ، فلا يُعدل إلىٰ الأدنىٰ
.
ولو وجب عليه بقرة ،
فالأقرب إجزاء بدنة ؛ لأنّها أكثر لحماً وأوفر .
ولو لزمه بدنة في غير
النذر وجزاء الصيد ، قال أحمد : تجزئه بقرة ؛ لأنّ جابراً قال : كنّا ننحر البدنة عن سبعة ، فقيل له : والبقرة ؟ فقال : وهل هي إلّا من البُدْن ؟ .
والحقّ خلافه .
أمّا النذر : فإن
عيّن شيئاً ، انصرف إليه ، وإن أطلق في النيّة واللفظ ، أجزأه أيّهما كان ، وهو إحدىٰ الروايتين عن أحمد ، وفي الثانية : تتعيّن البدنة ، وهو قول الشافعي .
البحث الخامس : في
الأحكام .
مسألة ٦١٩ : [ قال الشيخ : ] الهدي إن كان واجباً ، لم يجزئ الواحد إلّا
عن واحد حالة الاختيار . وكذا مع الضرورة علىٰ الأقوىٰ
، وبه قال مالك .
__________________
ويتعيّن
الصوم علىٰ الفاقد منهم ؛ للاحتياط ، ولقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « تجزئ البقرة والبدنة في الأمصار عن سبعة ، ولا تجزئ بمنىٰ إلّا عن واحد » .
وللشيخ ـ رحمهالله ـ قول آخر : إنّه تجزئ مع الضرورة عن سبعة وعن سبعين ؛ لما رواه العامّة عن جابر ، قال : كنّا نتمتّع مع النبي صلىاللهعليهوآله ، فنذبح البقرة عن سبعة نشترك فيها .
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه حمران ـ في الحسن ـ قال : عزّت البُدْنُ سنة بمنىٰ حتىٰ بلغت البدنة مائة دينار ، فسُئل الباقر عليهالسلام عن ذلك ، فقال : « اشتركوا فيها » قال : قلت : كم ؟ قال : « ما خفّ فهو أفضل » فقال : قلت : عن كم تجزئ ؟ فقال : « عن سبعين » .
ويحتمل أن يقال : إن
ملك واحد الثمن ، وجب عليه أن يهدي عن نفسه ويأمر العاجز عن الثمن وبعضه بالصوم . ولو تمكّن كلّ واحد منهم علىٰ بعض الثمن بحيث يحصل الهدي ، جاز الاشتراك ؛ لأنّه أنفع للفقراء من الصوم .
وقال سوادة القطان
للصادق عليهالسلام : إنّ الأضاحي قد عزّت علينا ، قال : « فاجتمعوا فاشتروا جزوراً فانحروها فيما بينكم » قلنا : فلا تبلغ نفقتنا ذلك ، قال : « فاجتمعوا فاشتروا بقرةً فيما بينكم » قلنا : فلا تبلغ نفقتنا ذلك ، قال : « فاجتمعوا فاشتروا شاةً فاذبحوها فيما بينكم » قلنا : تجزئ عن سبعة ؟ قال :
__________________
«
نعم وعن سبعين » .
وقال الشافعي : يجوز
للسبعة أن يشتركوا في بدنة أو بقرة ، سواء كان واجباً أو تطوّعاً ، وسواء أراد جميعهم القربة ، أو بعضهم وأراد الباقون اللحم .
وقال أبو حنيفة :
يجوز اشتراك السبعة في البدنة والبقرة إذا كانوا متقرّبين كلّهم ، تطوّعاً كان أو فرضاً ، ولا يجوز إذا لم يُردْ بعضهم القربة
.
والشيخ ـ رحمهالله ـ اشترط في الخلاف اجتماعهم علىٰ قصد التقرّب ، سواء كانوا متطوّعين أو مفترضين أو بالتفريق ، وسواء اتّفقت مناسكهم بأن كانوا متمتّعين أو قارنين أو افترقوا .
إذا عرفت هذا ، فقد
شرط علماؤنا في المشتركين أن يكونوا أهل خوان واحد ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « تجزئ البقرة عن خمسة بمنىٰ
إذا كانوا أهل خوان واحد » .
وأمّا التطوّع :
فيجزئ الواحد عن سبعة وعن سبعين حال الاختيار ، سواء كان من الإبل أو البقر أو الغنم إجماعاً .
مسألة ٦٢٠ : الهدي إمّا تطوّع ، كالحاجّ أو المعتمر إذا ساق معه هدياً
__________________
بنيّة
أنّه ينحره بمنىٰ أو بمكّة من غير أن يشعره أو يقلّده ، فهذا لم يخرج عن ملك صاحبه ، بل له التصرّف فيه كيف شاء من بيع أو غيره . ولو تلف ، لم يكن عليه شيء .
وإمّا واجب ، وهو
قسمان : أحدهما : واجب بنذر أو عهد أو يمين ، والثاني واجب بغيرها ، كهدي التمتّع وما وجب بترك واجبٍ أو فعل محظورٍ .
والواجب بالنذر وشبهه
قسمان :
أحدهما : أن يطلق
النذر ، فيقول : لله عليَّ أن اُهدي بدنة ، مثلاً ، ويكون حكمه حكم ما وجب بغير النذر .
والثاني : أن يعيّنه
، مثل : لله عليَّ أن اُهدي هذه البدنة ، فيزول ملكه عنها ، وينقطع تصرّفه عنها ، وهي أمانة للمساكين في يده ، وعليه أن يسوقها إلىٰ المنحر .
ويتعلّق الوجوب بعين
المنذور دون ذمّة الناذر ، بل يجب عليه حفظه وإيصاله إلىٰ المحلّ ، فإن تلف بغير تفريط أو سُرق ، أو ضلّ كذلك ، فلا ضمان .
وأمّا الواجب المطلق
ـ كهدي التمتّع وجزاء الصيد والنذر غير المعيّن ـ فإمّا أن يسوقه وينوي به الواجب من غير أن يعيّنه بالقول ، فهذا لا يزول ملكه عنه إلّا بذبحه ودفعه إلىٰ أهله ، وله التصرّف فيه بما شاء من أنواع التصرّف ، كالبيع والهبة والأكل وغير ذلك ؛ لعدم تعلّق حقّ الغير به .
فإن عطب ، تلف من ماله
، وإن عاب ، لم يجزئه ذبحه ، وعليه الهدي الذي كان واجباً عليه ؛ لشغل ذمّته ، فلا تبرأ إلّا بإيصاله إلىٰ مستحقّه ،
كالمديون
إذا حمل الدَّيْن إلىٰ صاحبه فتلف قبل وصوله إليه .
وإمّا أن يعيّن
الواجب عليه بالقول ، فيقول : هذا الواجب عليَّ ، فإنّه يتعيّن الوجوب فيه من غير أن تبرأ الذمّة منه ، ويكون مضموناً عليه ، فإن عطب أو سُرق أو ضلّ ، عاد الواجب إلىٰ ذمّته ، كالمديون إذا باع صاحب الدَّيْن سلعة به فتلفت قبل التسليم ، فإنّ الدَّيْن يعود إلىٰ
ذمّته .
وإذا ثبت أنّه يتعيّن
بالقول فإنّه يزول ملكه عنه وينقطع تصرّفه ، وعليه أن يسوقه إلىٰ المنحر ، ولا يجوز له بيعه ولا إخراج بدله ، فإن وَصَل نَحَره ، وإلّا سقط التعيين ، ووجب عليه إخراج الذي في ذمّته ، ولا نعلم خلافاً في ذلك كلّه ، إلّا من أبي حنيفة : فإنّه قال : يجوز له إخراج بدله
؛ لأنّ القصد نفع المساكين .
ويبطل بأنّه يرجع إلىٰ
أصله بالإبطال .
وسأل محمد بن مسلم ـ في
الصحيح ـ أحدهما عليهماالسلام : عن الهدي الذي يقلّد أو يشعر ثم يعطب ، قال : « إن كان تطوّعاً فليس عليه غيره ، وإن كان جزاءً أو نذراً فعليه بدله » .
مسألة ٦٢١ : لو ذبح الواجب غير المعيّن فسُرق أو غُصب بعد الذبح ، فالأقرب : الإجزاء ـ وبه قال أحمد والثوري وبعض أصحاب مالك ، وأصحاب الرأي ـ لأنّه أدّىٰ الواجب عليه ،
فبرئ منه ، كما لو فرّقه ؛ لأنّ
__________________
الواجب
هو الذبح ، والتفرقة ليست واجبةً ، لأنّه لو خُلّي بينه وبين الفقراء أجزأه وإن لم يفرّقه عليهم ، ولهذا قال النبي صلىاللهعليهوآله لمّا نحر : ( مَنْ شاء فليقتطع ) .
وقال الشافعي : عليه
الإعادة ؛ لأنّه لم يوصل الحقّ إلىٰ مستحقّه ، فأشبه ما لو لم يذبحه .
والفرق ظاهر ؛ فإنّه
مع الذبح والتخلية يحصل فعل الواجب ، بخلاف المقيس عليه .
ولو عيّن بالقول
الواجبَ غير المعيَّن ، تعيّن ، فإن عطب أو عاب ، لم يجزئه ؛ لأنّ الواجب في الذمّة هدي سليم ولم يوجد ، فيرجع الهدي إلىٰ ملكه يصنع به ما شاء من بيع وهبة وأكل وغيرها ـ وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي ـ لما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال
: وإذا أهديت هدياً واجباً فعطب فانحره بمكانه إن شئت ، واهده إن شئت ، وبِعْه إن شئت وتقوَّ به في هدي آخر .
ومن طريق الخاصّة :
رواية الحلبي ـ الحسنة ـ قال : سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه في هدي
__________________
آخر
؟ قال : « يبيعه ويتصدّق بثمنه ويهدي هدياً آخر »
.
وقال مالك : يأكل ويُطْعم
مَنْ أحبَّ من الأغنياء والفقراء ، ولا يبيع منه شيئاً .
والأولىٰ ذبحه
وذبح ما وجب في ذمّته معاً ، فإن باعه ، تصدّق بثمنه ؛ لرواية محمد بن مسلم ـ الصحيحة ـ عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه في هديه ؟ قال : « لا يبيعه ، وإن باعه تصدّق بثمنه وليهد آخر » .
وأوجب أحمد في رواية
ذبحه .
والأقرب : حمل
الرواية علىٰ الاستحباب .
ولو عيّن معيباً عمّا
في ذمّته عيباً لا يجزئه ، لم يجزئه ؛ لأنّ الواجبَ السليمُ ، فلا يخرج عن العهدة بدونه ، ولا يلزمه ذبحه ، بخلاف ما لو عيّن السليم .
إذا عرفت هذا ، فإنّ
تعيين الهدي يحصل بقوله : هذا هدي ، أو بإشعاره وتقليده مع نيّة الهدي ، وبه قال الثوري وإسحاق
. ولا يحصل بالشراء مع النيّة ولا بالنيّة المجرّدة في قول أكثر العلماء
.
وقال أبو حنيفة : يجب
الهدي ويتعيّن بالشراء مع النيّة .
__________________
وليس بجيّد ؛ لأصالة
عدم التعيين .
مسألة ٦٢٢ : لو سُرق الهدي من حرز ، أجزأ عن صاحبه ، وإن أقام بدله فهو أفضل ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل ـ في الصحيح ـ الصادقَ عليهالسلام : عن رجل اشترىٰ اُضحية فماتت أو
سُرقت قبل أن يذبحها ، قال : « لا بأس وإن أبدلها فهو أفضل ، وإن لم يشتر فليس عليه شيء » .
ولو عطب الهدي في
مكان لا يجد مَنْ يتصدّق عليه فيه ، فلينحره ، وليكتب كتاباً ويضعه عليه ليعلم المارّ به أنّه صدقة ؛ لأنّ عمر بن حفص الكلبي سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا
يقدر علىٰ مَنْ يتصدّق به عليه ولا مَنْ يُعْلمه أنّه هدي ، قال : « ينحره ويكتب كتاباً ويضعه عليه ليعلم مَنْ يمرّ به أنّه صدقة »
.
ولأنّ تخليته بغير
ذبح تضييع له .
ولو ضلّ الهدي فاشترىٰ
مكانه غيره ثم وجد الأوّل ، تخيّر بين ذبح أيّهما شاء ، فإن ذبح الأوّل ، جاز له بيع الأخير ، وإن ذبح الأخير ، لزمه ذبح الأوّل أيضاً إن كان قد أشعره ، وإن لم يكن أشعره ، جاز له بيعه ـ وبه قال عمر وابنه وابن عباس ومالك والشافعي وإسحاق
ـ لما رواه العامّة عن عائشة أنّها أهدت هديين فأضلّتهما ، فبعث إليها ابن الزبير هديين ، فنحَرَتْهما ، ثم عاد الضالّان فنحرَتْهما ، وقالت : هذه سنّة الهدي
.
__________________
ومن طريق الخاصّة :
رواية أبي بصير أنّه سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل اشترىٰ كبشاً فهلك منه ، قال : « يشتري مكانه آخر » قلت : [ فإن اشترىٰ مكانه آخر ] ثم وجد الأوّل ؟ قال : « إن كانا جميعاً
قائمين فليذبح الأوّل وليبع الأخير ، وإن شاء ذَبَحه ، وإن كان قد ذبح الأخير ذبح الأوّل معه » .
وقال أصحاب الرأي :
يصنع بالأوّل ما شاء .
وأمّا نحر الأوّل مع
الإشعار : فلرواية الحلبي ـ الصحيحة ـ عن الصادق عليهالسلام : في الرجل يشتري البدنة ثم تضلّ قبل
أن يشعرها أو يقلّدها فلا يجدها حتىٰ يأتي منىٰ فينحر ويجد هديه ، قال : « إن لم يكن أشعرها فهي من ماله إن شاء نحرها وإن شاء باعها وإن كان أشعرها نحرها » .
مسألة ٦٢٣ : لو غصب شاةً فذبحها عن الواجب عليه ، لم يجزئه ، سواء رضي المالك أو لم يرض ، وسواء عوّضه عنها أو لم يعوّضه ؛ لأنّه لم يكن ذبحه قربة ، بل كان منهيّاً عنه ، فلا يكون خارجاً عن العهدة به .
وقال أبو حنيفة :
يجزئه مع رضىٰ المالك .
ولو ضلّ الهدي فوجده
غيره ، فإن ذَبَحه عن نفسه ، لم يجزئ عن واحد منهما ؛ لعدم النيّة من صاحبه ، ولا يجزئ عنه ولا عن الذابح ؛ لأنّه منهيّ عنه .
__________________
وإن ذَبَحه عن صاحبه
، فإن ذَبَحه بمنىٰ ، أجزأ عنه ، وبغيرها لا يجزئ ؛ لرواية منصور بن حازم ـ الصحيحة ـ عن الصادق عليهالسلام : في رجل يضلّ هديه فيجده رجل آخر فينحره ، قال : « إن كان نحره بمنىٰ ، فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه ، وإن كان نحره في غير منىٰ ، لم يجزئ عن صاحبه » .
وينبغي لواجد الضالّ
أن يعرّفه ثلاثة أيّام ، فإن عرفه صاحبه ، وإلّا ذَبَحه عنه ؛ لرواية محمد بن مسلم ـ الصحيحة ـ عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : « إذا وجد الرجل هدياً فليعرّفه يوم النحر واليوم الثاني والثالث ثم ليذبحها عن صاحبها عشيّة الثالث » .
ولو اشترىٰ
هدياً وذبحه فعرفه غيره وذكر أنّه هديه ضلّ عنه ، وأقام بيّنةً بذلك ، كان له لحمه ، ولا يجزئ عن واحد منهما ، أمّا عن صاحبه : فلعدم النيّة منه ومن الذابح ، وأمّا عن المشتري : فلانتفاء ملكه ، ولصاحبه الأرش ؛ للرواية .
وإذا عيّن هدياً صحيحاً
عمّا في ذمّته فهلك ، أو عاب عيباً يمنع الإجزاء بغير تفريط ، لم يلزمه أكثر ممّا كان واجباً في ذمّته ؛ لأنّ الزائد لم يجب في الذمّة ، وإنّما تعلّق بالعين ، فسقط بتلفها .
ولو أتلفه أو فرّط فتلف
، قال قوم : يجب مثل المعيّن ؛ لأنّ الزائد تعلّق به حقّ الله تعالىٰ ، فإذا فوّته ، لزمه ضمانه ، كالهدي المعيّن
ابتداءً .
__________________
وفيه
نظر .
مسألة ٦٢٤ : إذا ولدت الهدية ، وجب نحر ولدها أو ذبحه ، سواء عيّنه ابتداء أو عيّنه بدلاً عن الواجب في ذمّته ؛ لما رواه العامّة عن علي عليهالسلام أنّه أتاه رجل ببقرة قد أولدها ، فقال : « لا تشرب من لبنها إلّا ما فضل عن ولدها ، فإذا كان يوم الأضحىٰ ضحّيت بها وولدها عن سبعة »
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضرّ بولدها ثم انحرهما جميعاً » قلت : أشرب من لبنها وأسقي ، قال : « نعم » .
ولو تلفت المعيّنة
ابتداءً أو بتعيينه ، وجب إقامة بدلها ، ووجب ذبح الولد ؛ لأنّه تبعها في الوجوب حالة اتّصاله بها ، ولم يتبعها في زواله ؛ لأنّه منفصل عنها ، فكان كولد المعيبة إذا ردّها المشتري بالعيب ، لم يبطل البيع في الولد .
مسألة ٦٢٥ : يجوز ركوب الهدي بحيث لا يتضرّر به ـ وبه قال الشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي وأحمد في إحدىٰ الروايتين
ـ لما رواه العامّة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : ( اركبها بالمعروف إذا ألجِئْت
إليها حتىٰ تجد ظهراً ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام في قول الله عزّ وجلّ : ( لَكُمْ
__________________
فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى )
قال : « إن احتاج إلىٰ ظهرها
ركبها من غير أن يعنف بها ، وإن كان لها لبن حلبها حلاباً لا ينهكها »
.
وقال أحمد في الرواية
الاُخرىٰ : لا يجوز ؛ لتعلّق حقّ الفقراء بها
.
ونمنع عموم التعلّق .
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يجوز له شرب لبنها ما لم يضرّ بها ولا بولدها ؛ لرواية العامّة عن علي عليهالسلام : « ولا تشرب [ من ] لبنها إلّا ما فضل
عن ولدها » .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « وإن كان لها لبن حلبها حلاباً لا ينهكها » .
ولأنّ بقاء اللبن في الضرع
مضرّ له .
ولو شرب ما يضرّ بالاُم
أو بالولد ، ضمن .
ولو كان بقاء الصوف علىٰ
ظهرها يضرّ بها ، أزاله ، وتصدّق به علىٰ الفقراء ، وليس له التصرّف فيه ، بخلاف اللبن ؛ لأنّ اللبن لم يكن موجوداً وقت التعيين ، فلا يدخل فيه ، كالركوب وغيره من المنافع .
مسألة ٦٢٦ : هدي التمتّع من السنّة أن يأكل صاحبه منه ـ وبه قال ابن عمر وعطاء والحسن وإسحاق ومالك وأحمد وأصحاب الرأي
ـ لقوله
__________________
تعالىٰ
: ( فَكُلُوا مِنْهَا
وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) .
وما رواه العامّة عن
مسلم أنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر من كلّ بدنة ببضعة ، فجعلت في قِدْرٍ فأكل هو وعلي عليهالسلام من لحمها وشربا من مرقها
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « إذا ذبحت أو نحرت فكُلْ وأطعم كما قال الله تعالىٰ : (
فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ )
» .
وقال الشافعي : لا
يأكل منه ؛ لأنّه هدي وجب بالإحرام ، فلم يجز الأكل منه ، كدم الكفّارة .
وهو قياس فلا يعارض
القرآن ، مع الفرق ؛ فإنّ دم التمتّع دم نسك ، بخلاف الكفّارة .
وينبغي أن يقسّم
أثلاثاً : يأكل ثُلثه ، ويهدي ثُلثه ، ويتصدّق علىٰ الفقراء بثُلثه ، ولو أكل دون الثلث جاز .
وقد روىٰ سيف
التمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام : « إنّ سعد ابن عبد الملك قدم حاجّاً فلقي أبي ، فقال : إنّي سُقْتُ [ هدياً ]
فكيف أصنع ؟ فقال له أبي : أطعم أهلك ثُلثاً ، وأطعم القانع والمعترّ ثُلثاً ، وأطعم المساكين ثُلثاً » الحديث .
واختلف علماؤنا في
وجوب الأكل واستحبابه ، وعلىٰ الوجوب
__________________
لا
يضمن بتركه ، بل بترك الصدقة ؛ لأنّه المطلوب الأصلي من الهدي .
ولو أخلّ بالإهداء ،
فإن كان بسبب أكله ، ضمن ، وإن كان بسبب الصدقة ، فلا .
مسألة ٦٢٧ : لا يجوز له الأكل من كلّ هدي واجب غير هدي التمتّع ، بإجماع علمائنا ـ وبه قال الشافعي . لأنّ جزاء الصيد بدل ، والنذر جعل لله تعالىٰ ، والكفّارة عقوبة ، وكلّ هذه لا تناسب جواز التناول .
وللرواية : قال الصادق
عليهالسلام : « كلّ هدي من نقصان الحجّ فلا تأكل [ منه ] وكلّ هدي من تمام الحجّ فكُلْ »
.
وعن أحمد رواية تناسب
مذهبنا ؛ لأنّه جوّز الأكل من دم المتعة والقران
. ودم القران عندنا غير واجب ، فيجوز الأكل منه ، وهو قول أصحاب الرأي
.
وعن أحمد رواية ثالثة
: أنّه لا يأكل من النذر وجزاء الصيد ، ويأكل ممّا سواهما ، وبه قال ابن عمر وعطاء والحسن البصري وإسحاق
.
وقال ابن أبي موسىٰ
: لا يأكل أيضاً من الكفّارة ، ويأكل ممّا سوىٰ هذه الثلاثة . وهو قول مالك
.
__________________
وأمّا هدي التطوّع :
فيستحب الأكل منه إجماعاً ؛ للآية .
ولأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أكل هو وعلي عليهالسلام من هديهما
.
ولقول الباقر عليهالسلام : « إذا أكل الرجل من الهدي تطوّعاً فلا شيء عليه » .
وينبغي أن يأكل ثلثه
ويهدي ثلثه ويتصدّق بثلثه ، كهدي التمتّع ، وهو القديم للشافعي ، وله آخر : أنّه يأكل النصف ويتصدّق بالنصف
.
والآية
تقتضي الأكل وإطعام صنفين ، فاستحبّت التسوية .
ولو أكل الجميع في
التطوّع ، لم يضمن ، وهو قول بعض الشافعيّة .
وقال باقيهم : يضمن .
واختلفوا ، فقال بعضهم : يضمن القدر الذي لو تصدّق به أجزأه . وقال بعضهم : يضمن قدر النصف أو الثلث علىٰ الخلاف .
ولو لم يأكل من التطوّع
، لم يكن به بأس إجماعاً .
ولو أكل ما مُنع من الأكل
منه ، ضمنه بمثله لحماً ؛ لأنّ الجملة مضمونة بمثلها من الحيوانات فكذا أبعاضها .
__________________
ولو أطعم غنيّاً ممّا
له الأكل منه ، كان جائزاً ؛ لأنّه يسوغ له أكله ، فيسوغ له إهداؤه .
ولو باع منه شيئاً أو
أتلفه ، ضمنه بمثله ؛ لأنّه ممنوع من ذلك ، كما مُنع من عطيّة الجزّار .
ولو أتلف أجنبي منه شيئاً
، ضمنه بقيمته ؛ لأنّ المتلف من غير ذوات الأمثال ، فلزمته قيمته .
مسألة ٦٢٨ : الدماء الواجبة بنصّ القرآن أربعة : دم التمتّع ، قال الله تعالىٰ : (
فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ )
ودم الحلق ، وهو مخيّر ، قال الله تعالىٰ : (
فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ )
وهدي الجزاء علىٰ التخيير ، قال الله تعالىٰ : (
وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ )
وهدي الإحصار ، قال الله تعالىٰ : (
فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ )
ولا بدل له ؛ للأصل .
مسألة ٦٢٩ : قد سلف أنّ ما يُساق في إحرام الحجّ يُذبح أو يُنحر بمنىٰ ، وما يُساق في إحرام العمرة يُنحر أو يُذبح بمكّة ، وما يلزم من فداء
يُنحر بمكّة إن كان معتمراً ، وبمنىٰ إن كان حاجّاً .
وتجب تفرقته علىٰ
مساكين الحرم ، وهو مَنْ كان في الحرم من أهله أو من غيره من الحاجّ وغيرهم ممّن يجوز دفع الزكاة إليه . وكذا الصدقة
__________________
مصرفها
مساكين الحرم . أمّا الصوم فلا يختصّ بمكان دون غيره إجماعاً .
ولو دفع إلىٰ
مَنْ ظاهره الفقر فبان غنيّاً ، فالوجه : الإجزاء ، وهو أحد قولي الشافعي .
وما يجوز تفريقه في
غير الحرم لا يجوز دفعه إلىٰ فقراء أهل الذمّة ـ وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور ـ لأنّه كافر فيمنع من الدفع إليه ، كالحربي .
وقال أصحاب الرأي :
يجوز .
ولو نذر هدياً مطلقاً
أو معيّناً وأطلق مكانه ، وجب صرفه في فقراء الحرم .
وجوّز أبو حنيفة ذبحه
حيث شاء ، كما لو نذر الصدقة بشاة .
وهو باطل ؛ لقوله تعالىٰ
: ( ثُمَّ مَحِلُّهَا
إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) .
ولأنّ إطلاق النذر
ينصرف إلىٰ المعهود شرعاً ، وهو الحرم .
ولو عيّن موضعه غير
الحرم ممّا ليس فيه صنم أو شيء من أنواع الكفر ، كبيوت البِيَع والكنائس ، جاز ؛ لما رواه العامّة أنّ رجلاً جاء إلىٰ
النبي صلىاللهعليهوآله ، فقال : إنّي نذرت أن أنحر ببُوانة
، قال : ( أبِها صنمٌ ؟ ) قال : لا ، قال : ( أوفِ بنذرك ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الكاظم عليهالسلام في رجل جعل لله عليه بدنة
__________________
ينحرها
بالكوفة في شكره ، فقال : « عليه أن ينحرها حيث جعل الله عليه وإن لم يكن سمّىٰ موضعاً نحرها في فناء الكعبة »
.
ولو كان إلىٰ
موضع منهيّ عنه ، لم يجب عليه ؛ لأنّه نذر في معصية .
ولو لم يتمكّن من إيصاله
إلىٰ المساكين بالحرم ، لم يلزمه إيصاله إليهم . ولو تمكّن من إنفاذه ، وجب .
مسألة ٦٣٠ : يستحب إشعار الإبل بأن يشقّ صفحة سنامها من الجانب الأيمن ويلطخه بالدم ليعلم أنّه صدقة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع .
وقال عامّة أهل العلم
بمشروعية إشعار الإبل والبقر أيضاً .
لما رواه العامّة عن
عائشة ، قالت : فتلت قلائد هدي النبي صلىاللهعليهوآله ، ثم أشعرها وقلّدها .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام في كيفية إشعار البُدْن : « تُشعر وهي باركة يشقّ سنامها الأيمن » .
وقال أبو حنيفة : لا
يجوز الإشعار ؛ لأنّه مُثْلة ، ولاشتماله علىٰ إيلام الحيوان .
ولا حجّة فيه ؛ لأنّ
النبي صلىاللهعليهوآله فَعَله لغرض صحيح ، فأشبه الكي
__________________
والوسم
والفصد ، والغرض عدم اختلاطها بغيرها ، وإباحة المساكين إذا ضلّت ، وامتناع اللصوص منها .
وقال مالك : إن كانت
البقرة ذات سنام ، فلا بأس بإشعارها ، وإلّا فلا .
ويستحب تقليد الهدي
بأن يُجعل في رقبته نعل قد صلّىٰ فيه ، وهو مشترك بين الإبل والبقر والغنم ـ وبه قال أحمد ـ لما رواه العامّة عن عائشة ، قالت : كنت أفتل القلائد للنبي صلىاللهعليهوآله ، فيقلّد الغنم ، ويقيم في أهله حلالاً
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الباقر عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « كان الناس يقلّدون الغنم والبقر ، وإنّما تركه الناس حديثاً »
.
وقال أبو حنيفة ومالك
: لا يسنّ تقليد الغنم ، وإلّا لنُقل . وقد بيّنّا النقل .
إذا عرفت هذا ، فإنّ
الإشعار يكون في صفحة السنام من الجانب الأيمن ، عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور
ـ لما رواه العامّة
__________________
أنّ
النبي صلىاللهعليهوآله صلّىٰ بذي الحليفة ثم دعا ببدنة
فأشعرها من صفحة سنامها الأيمن ، وسلت الدم عنها بيده .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « ويشقّ سنامها الأيمن »
.
ولأنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان يحبّ التيامن في شأنه كلّه
.
وقال مالك وأبو يوسف
: تُشعر في صفحتها اليسرىٰ ـ وهو رواية عن أحمد ـ لأنّ ابن عمر فَعَله .
وفِعْلُ النبي صلىاللهعليهوآله أولىٰ .
ولو كانت البُدْنُ
كثيرةً ، دخل بينها وشقّ سنام إحداهما من الأيمن والاُخرىٰ الأيسر .
مسألة ٦٣١ : لا ينبغي أن يأخذ من جلود الهدايا شيئاً ، بل يتصدّق بها ، ولا يُعطيها الجزّار ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « ذبح رسول الله صلىاللهعليهوآله عن اُمّهات المؤمنين بقرةً بقرةً ، ونحر هو ستّاً وستّين بدنة ، ونحر علي عليهالسلام أربعاً وثلاثين بدنة ، ولم يُعط الجزّارين من جلالها ولا قلائدها ولا جلودها ولكن تصدّق به »
.
وفي رواية صحيحة عن الصادق
عليهالسلام ، قال : « نهىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يعطىٰ جلالها وجلودها وقلائدها الجزّارين ، وأمر أن يتصدّق بها »
.
__________________
مسألة ٦٣٢ : روىٰ جميل بن دراج ـ في الحسن ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : سألته عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق ، قال : « لا ينبغي إلّا أن يكون ناسياً » ثم قال : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أتاه اُناس يوم النحر ، فقال بعضهم : يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح ، وقال بعضهم : حلقت قبل أن أرمي ، فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخّر إلّا قدّموه ، فقال : لا حرج »
.
إذا عرفت هذا ، فلا
يجوز أن يحلق ولا أن يزور البيت إلّا بعد الذبح أو أن يبلغ الهدي محلّه وهو منىٰ يوم النحر بأن يشتريه ويجعله في رحله بمنىٰ ؛ لأنّ وجوده في رحله في ذلك الموضع بمنزلة الذبح .
وقال الشيخ : مَنْ تمتّع
عن اُمّه وأهلّ بحجّة عن أبيه فهو بالخيار في الذبح إن فعل فهو أفضل ، وإن لم يفعل فليس عليه شيء ؛ لقول الصادق عليهالسلام في رجل تمتّع عن اُمّه وأهلّ بحجّة عن أبيه ، قال : « إن كان ذبح فهو خير له ، وإن لم يذبح فليس عليه شيء ، لأنّه إنّما تمتّع عن اُمّه وأهلّ بحجّة عن أبيه »
.
مسألة ٦٣٣ : المتمتّع الواجد للهدي إذا مات قبل الفراغ من الحجّ ، لم يسقط عنه الدم ، بل يخرج من تركته ـ وهو أصحّ قولي الشافعي
ـ لأنّه وجب بالإحرام بالحجّ والتمتّع بالعمرة إلىٰ الحجّ ، وأنّه موجود .
والثاني : لا يجب ؛
لأنّ الكفّارة إنّما تجب عند تمام النسكين علىٰ سبيل الرفاهية وربح أحد النفرين ، وإذا مات قبل الفراغ لم يحصل هذا الغرض
.
وأمّا الصوم : فإن
مات قبل التمكّن منه ، سقط عنه ، وقد سبق ـ وهو
__________________
أصحّ
قولي الشافعي ـ لأنّه صوم لم يتمكّن من الإتيان به ،
فأشبه رمضان .
والثاني : يهدىٰ
عنه ؛ لأنّ الصوم قد وجب بالشروع في الحجّ ، فلا يسقط من غير بدل .
وأمّا إن تمكّن من الصوم
ولم يصم حتىٰ مات ، وجب علىٰ وليّه القضاء ـ وهو القديم للشافعي ـ لأنّه صوم مفروض فاته بعد القدرة
عليه .
وفي الجديد : يطعم
عنه وليّه من تركته لكلّ مسكين مدّ ، فإن تمكّن من جميع العشرة ، فعشرة أمداد ، وإلّا فبالقسط .
وهل يجب صرفه إلىٰ
فقراء الحرم أم يجوز صرفه إلىٰ غيرهم ؟ قولان .
وله قول آخر : إنّه
يجب في فوات ثلاثة أيّام إلىٰ العشرة شاة ، وفي يوم ثلث شاة ، وفي يومين ثلثا شاة .
البحث السادس : في
الضحايا .
مسألة ٦٣٤ : الضحيّة مستحبّة ، قال الله تعالىٰ : ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) قيل في التفسير : إنّه الاُضحية بعد
صلاة العيد .
وروىٰ أنس عن
النبي صلىاللهعليهوآله أنّه ضحّىٰ بكبشين أقرنين أملحين
.
__________________
والأقرن
: ما لَه قرنان ، والأملح : ما فيه سواد وبياض والبياض أغلب .
وفي رواية : أنّ
النبي صلىاللهعليهوآله أمر بكبش أقرن يطأ في سواد وينظر في سواد ويبرك في سواد ، فاُتي به فضحّىٰ به ، فأضجعه وذبحه ، وقال : ( بسم الله ، اللّهم اقبل من محمد وآل محمد ومن اُمّة محمد )
.
ومن طريق الخاصّة :
ما رواه ابن بابويه عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه ضحّىٰ بكبشين ذبح واحداً بيده ، فقال : ( اللّهم هذا عنّي وعن مَنْ لم يضحّ من أهل بيتي ) وذبح الآخر وقال : ( اللّهم هذا عنّي وعن مَنْ لم يضحّ من أُمّتي ) وكان أمير المؤمنين عليهالسلام يضحّي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله كلّ سنة بكبش ويذبح كبشاً آخر عن نفسه .
مسألة ٦٣٥ : الاُضحية مستحبّة وسنّة مؤكّدة ليست واجبةً ـ وبه قال أبو بكر وعمر وابن مسعود البدري وابن عباس وابن عمر وبلال وسويد بن غفلة وسعيد بن جبير وعطاء وعلقمة والأسود وأحمد وإسحاق
وأبو ثور والشافعي والمزني وابن المنذر ـ لقول النبي صلىاللهعليهوآله : ( كتب عليَّ النحر ولم يكتب عليكم ) .
__________________
وقال ربيعة ومالك
والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأصحاب الرأي : إنّها واجبة ؛ لما روي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : ( علىٰ أهل كلّ بيت في كلّ عام اُضحية وعتيرة ) .
وقد ضعّفه المحدّثون
، ويظهر ضعفه بإيجاب العتيرة ، وهي ذبيحة كانت الجاهلية تذبحها في رجب .
والهدي يجزئ عن الاُضحية
. والجمع بينهما أفضل ؛ لأنّه دم ذبح للنسك في وقت الاُضحية ، فكان مجزئاً عنها .
ولقول الباقر عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « يجزئك من الاُضحية هديك »
.
مسألة ٦٣٦ : أيّام الأضاحي بمنىٰ أربعة : يوم النحر وثلاثة أيّام
بعده ، وفي غيرها من الأمصار ثلاثة : يوم النحر ويومان بعده ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال سعيد بن جبير ـ لما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : ( عرفة كلّها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة ، وأيّام منىٰ كلّها منحر )
.
__________________
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام لمّا سأله عمّار الساباطي عن الأضحىٰ بمنىٰ ، قال : « أربعة أيّام » وعن الأضحىٰ في سائر
البلدان ، قال : « ثلاثة أيّام » .
وقال الحسن وعطاء :
أنّها أربعة أيّام مطلقاً . وبه قال الشافعي .
وقال أبو حنيفة ومالك
والثوري : ثلاثة أيّام : يوم النحر ويومان بعده مطلقاً .
وقال محمد بن سيرين :
لا تجوز الاُضحية إلّا في يوم الأضحىٰ خاصّة ؛ لأنّ يوم الأضحىٰ اختصّ بتسمية الأضحىٰ دون غيره ، فاختصّ بها .
والاختصاص بالتسمية
لا يوجب ذلك .
ولو فاتت هذه الأيّام
، فإن كانت الاُضحية واجبةً بالنذر وشبهه ، لم تسقط ، ووجب قضاؤها ؛ لأنّ لحمها مستحقّ للمساكين ، فلا يسقط حقّهم بفوات الوقت ، وإن كانت تطوّعاً ، فات ذبحها ، فإن ذبحها ، لم تكن اُضحيةً ، فإن فرّق لحمها علىٰ المساكين ، استحقّ الثواب علىٰ التفرقة
دون الذبح .
__________________
مسألة ٦٣٧ : وقت الاُضحية إذا طلعت الشمس ومضىٰ قدر صلاة العيد والخطبتين ، سواء صلّىٰ الإمام أو لم يصلّ .
وقال الشافعي : يعتبر
قدر صلاة النبي صلىاللهعليهوآله ، وكان عليهالسلام يصلّي في الأولىٰ بـ (
ق ) وفي الثانية بـ ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ )
.
وقال عطاء : وقتها
إذا طلعت الشمس .
وقال أبو حنيفة ومالك
وأحمد : من شرط الاُضحية أن يصلّي الإمام ويخطب ، إلّا أنّ أبا حنيفة يقول : أهل السواد يجوز لهم الاُضحية إذا طلع الفجر ؛ لأنّ عنده لا عيد لهم .
مسألة ٦٣٨ : الأيّام المعدودات أيّام التشريق إجماعاً ، والأيّام المعلومات عشرة أيّام من ذي الحجّة آخرها غروب الشمس من يوم النحر ، عند علمائنا ، وبه قال علي عليهالسلام وابن عباس وابن عمر والشافعي
.
__________________
وقال مالك : ثلاثة
أيّام أوّلها يوم النحر . فجعل أوّل أيّام التشريق وثانيها من المعدودات والمعلومات .
وقال أبو حنيفة :
ثلاثة أيّام أوّلها يوم عرفة وآخرها أوّل أيّام التشريق . فجَعَل أوّل التشريق من المعدودات والمعلومات .
وقال سعيد بن جبير :
المعدودات : هي المعلومات .
والحقّ المغايرة ؛
لدلالة اختلاف الاسمين علىٰ تغاير معنييهما ، إلّا أنّ الترادف علىٰ خلاف الأصل .
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يجوز الذبح عندنا في اليوم الثالث من أيّام التشريق ، وبه قال الشافعي .
وقال أبو حنيفة ومالك
: لا يجوز ؛ لأنّه ليس من المعلومات .
وليس بمعتمد ؛ لأنّ
النبي صلىاللهعليهوآله نهىٰ عن صيام أيّام التشريق ،
وقال :
__________________
(
إنّها أيّام أكل وشرب وبعال ) .
وفي رواية : ( إنّها
أيّام أكل وشرب ) .
وفي اُخرىٰ : (
إنّها أيّام أكل وشرب [ وذكر ] وذبح )
.
فثبت بذلك أنّ الثالث
من أيّام الذكر والذبح معاً .
وعند أبي حنيفة :
أنّه ليس من أيّام الذكر ولا الذبح .
مسألة ٦٣٩ : يجوز لمن دخل عليه عشر ذي الحجّة وأراد أن يضحّي أن يحلق رأسه أو يقلّم أظفاره من غير كراهة ولا تحريم ؛ لأنّه لا يحرم عليه الوطء ولا الطيب ولا اللباس فكذا حلق الشعر وقلم الأظفار ، وبه قال أبو حنيفة
.
وقال الشافعي : يكره
.
وقال أحمد وإسحاق :
يحرم عليه ؛ لما روته اُمّ سلمة أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : ( إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحّي فلا يمسّ من شعره ولا من بشره شيئاً ) والنهي يقتضي التحريم
.
وهو ممنوع ومعارض
بقول عائشة : كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ثم يقلّدها هو بيده ثم يبعث بها مع
أبي بكر ، فلا يحرم
__________________
عليه
شيء أحلّه الله له حتىٰ ينحر الهدي .
وقد روىٰ
علماؤنا أنّ مَنْ أنفذ هدياً من أفق من الآفاق يواعد أصحابه يوماً يقلّدونه فيه أو يشعرونه ويجتنب هو ما يجتنبه المُحْرم ، فإذا كان يوم الميعاد ، حلّ ما يحرم منه . وهو مروي عن ابن عباس
. وخالفت العامّة ذلك .
وقد رواه ابن بابويه
ـ في الصحيح ـ عن معاوية بن عمّار ، قال : سألت الصادقَ عليهالسلام : عن الرجل يبعث بالهدي تطوّعاً وليس
بواجب ، فقال : « يواعد أصحابه يوماً يقلّدونه ، فإذا كان تلك الساعة اجتنب ما يجتنبه المُحْرم إلىٰ يوم النحر ، فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله حين صدّه المشركون يوم الحديبية نحر وأحلّ ورجع إلىٰ المدينة »
.
وقال الصادق عليهالسلام : « ما يمنع أحدكم من أن يحجّ كلّ سنة » فقيل : لا يبلغ ذلك أموالنا ، فقال : « أما يقدر أحدكم إذا خرج أخوه أن يبعث معه بثمن اُضحية ويأمره أن يطوف عنه اُسبوعاً بالبيت ويذبح عنه ، فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه وأتىٰ المسجد فلا يزال في الدعاء حتىٰ تغرب الشمس »
.
مسألة ٦٤٠ : لا تختصّ الاُضحية بمكان ، بل يجوز أن يضحّي حيث
__________________
شاء
من الأمصار ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله ضحّىٰ بالمدينة بكبشين أملحين .
والفرق بينه وبين
الهدي : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله بعث بُدْنه إلىٰ الحرم وضحّىٰ
بالمدينة ، ولأنّ الهدي له تعلّق بالإحرام ، بخلاف الاُضحية .
مسألة ٦٤١ : وتختصّ الاُضحية بالنَّعَم : الإبل والبقر والغنم ، بإجماع علماء الإسلام .
قال الله تعالىٰ
: ( لِّيَذْكُرُوا اسْمَ
اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ) قال المفسّرون : هي الإبل والبقر
والغنم .
ولا يجزئ إلّا الثنيّ
من الإبل والبقر والمعز ، ويجزئ من الضأن الجذع ، وهو قول أكثر العلماء .
وقال الزهري : لا
يجزئ الجذع من الضأن أيضاً .
ويبطل بما رواه
العامّة عن عقبة بن عامر أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قسّم ضحايا بين أصحابنا ، فأعطاني جذعاً فرجعت إليه ، فقلت : يا رسول الله إنّه جذع ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله : ( ضحّ به )
.
__________________
وقال الأوزاعي : يجزئ
الجذع من جميع الأجناس .
ويبطل بما رواه
العامّة عن البراء بن عازب أنّ رجلاً يقال له : أبو بردة ابن نيار ، ذبح قبل الصلاة ، فقال له النبي صلىاللهعليهوآله : ( شاتك شاة لحم ) فقال : يا رسول الله عندي جذعة من المعز ، فقال صلىاللهعليهوآله : ( ضحّ بها ولا تصلح لغيرك ) .
وفي رواية : ( تجزئك
ولا تجزئ أحداً بعدك ) .
وهو نصٌّ في عدم
إجزاء المعز لغير أبي بردة ، فلا يجزئ من غير المعز ؛ لعدم القائل بالفرق .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن علي عليهالسلام ، أنّه كان يقول : « الثنيّة من الإبل
والثنيّة من البقر ومن المعز ، والجذعة من الضأن » .
إذا عرفت هذا ،
فالثنيّ من البقر والمعز ما لَه سنة ، ودَخَل في الثانية ، ومن الإبل ما لَه خمس سنين ، ودَخَل في السادسة ، وجذع الضأن هو الذي له ستّة أشهر .
مسألة ٦٤٢ : الأفضل الثنيّ من الإبل ثم الثنيّ من البقر ثم الجذع من الضأن ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد ـ لما رواه العامّة عن
__________________
النبي
صلىاللهعليهوآله أنّه قال في الجمعة : ( مَنْ راح في
الساعة الاُولىٰ فكأنّما قرَّب بدنة ، ومَنْ راح في الساعة الثانية فكأنّما قرَّب بقرة ، ومَنْ راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرَّب كبشاً » .
ومن طريق الخاصّة :
قول الباقر عليهالسلام في الهدي : « أفضله بدنة ، وأوسطه بقرة ، وأخسّه شاة » .
وقال مالك : الأفضل
الجذع من الضأن ثم الثنيّ من البقر ثم الثنيّ من الإبل ، لقول النبي صلىاللهعليهوآله : ( أفضل الذبح الجذع من الضأن ، ولو
علم الله خيراً منه لفدىٰ به إسحاق عليهالسلام ) .
وهو محمول علىٰ
أنّه أفضل من باقي أسنان الغنم .
والجذعة من الغنم
أفضل من إخراج سُبْع بدنة ؛ لأنّ إراقة الدم مقصودة في الاُضحية ، وإذا ضحّىٰ بالشاة ، حصلت إراقة الدم جميعه .
مسألة ٦٤٣ : يستحب أن يكون أملح سميناً .
قال ابن عباس في قوله
تعالىٰ : (
وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) قال : تعظيمها استسمان الهدي واستحسانه
.
وينبغي أن يكون تامّاً
، فلا تجزئ في الضحايا العوراء البيّن عورها ،
__________________
ولا
العرجاء البيّن عرجها ، ولا المريضة البيّن مرضها ، ولا العجفاء التي لا تنقىٰ .
ونهىٰ النبي صلىاللهعليهوآله أن يضحّىٰ بالمصفرة والبخقاء والمستأصلة والمشيّعة والكسراء .
فالمصفرة : مقطوعة الاُذنين
من أصلهما حتىٰ بدا صماخهما ، والأذن عضو مستطاب ، والبخقاء : العمياء ، والمستأصلة : التي استؤصل قرناها ، والمشيّعة : التي تتأخّر عن الغنم لهزالها ، والكسراء كالعرجاء .
وتكره الجلحاء ، وهي
المخلوقة بغير قرن ، وهي الجمّاء ، والعضباء لا تجزئ .
وقال علي عليهالسلام : « أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوآله باستشراف العين والاُذن ، ولا نضحّي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء »
.
فالمقابلة : أن تُقطع
من مقدّم الاُذن أو يبقىٰ معلّقاً فيها ، كالزنمة ، والمدابرة : أن تُقطع من مؤخّر الاُذن ، والخرقاء : أن تكون مثقوبةً من السمة ، فإنّ الغنم توسم في آذانها ، فتنثقب بذلك ، والشرقاء : أن تشقّ اُذنها ، فتصير كالشاختين .
__________________
مسألة ٦٤٤ : يستحب التضحية بذوات الأرحام من الإبل والبقر والفحولة من الغنم ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « أفضل البُدْن ذوات الأرحام من الإبل والبقر ، وقد يجزئ الذكورة من البُدْن والضحايا من الغنم الفحولة »
.
ولا يجوز التضحية
بالثور ولا بالجمل بمنىٰ ، ويجوز ذلك في الأمصار .
قال الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « يجوز ذكورة الإبل والبقر في البلدان إذا لم يجد الإناث ، والإناث أفضل »
.
ولا يجوز التضحية
بالخصي ؛ لنقصانه ؛ لرواية محمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته أيضحّىٰ بالخصي ؟
قال : « لا » .
مسألة ٦٤٥ : يجب ذبح البقر والغنم ، فلا يجوز نحرهما ، ويجب نحر الإبل ، فلا يجوز ذبحها ، فإن خالف ، حرم الحيوان ، عند علمائنا ، وبه قال مالك .
وجوّز الشافعي الذبحَ
والنحرَ في جميع الحيوان .
وتجب التذكية بإزهاق
الروح ، وإنّما يكون بقطع الأعضاء الأربعة : الحلقوم ـ وهو مجرىٰ النفس ـ والمري ـ وهو مجرىٰ الطعام والشراب ـ والودجان ـ وهُما عِرْقان يحيطان بالحلقوم ـ عند علمائنا أجمع ، وبه قال
__________________
مالك
وأبو يوسف ؛ لقول النبي صلىاللهعليهوآله : ( ما أنهر الدم وفرىٰ الأوداج فكُلْ ) .
وقال أبو حنيفة : يجب
قطع ثلاثة من الأربع أيّها قطع .
وقال محمد بن الحسن :
يجب قطع أكثر كلّ واحد من الأربعة .
وقال الشافعي :
الواجب قطع الحلقوم والمري ، واستحبّ قطع الودجين .
مسألة ٦٤٦ : يستحب أن يتولّىٰ ذبح اُضحيته بنفسه ؛ اقتداءً بالنبي صلىاللهعليهوآله ، فإن لم يُحسن الذباحة ، جعل يده مع
يد الذابح .
ويجوز استنابة المسلم
، ولو استناب كافراً ، لم يجزئ ، عند علمائنا ، وبه قال الشافعي إلّا أن يكون ذمّيّاً عنده .
ومالك وإن جوّزه إلّا
أنّه قال : يكون لحم شاة لا اُضحية .
__________________
والحقّ ما قلناه ؛
لقوله عليهالسلام : ( لا يذبح ضحاياكم إلّا طاهر )
.
ولأنّ عليّاً عليهالسلام وعمر منعا من أكل ذبائح نصارىٰ العرب
.
ويجوز ذبيحة الصبيان
مع معرفتهم بشرائط الذبح ، ويجوز ذباحة الأخرس وإن لم ينطق ، نعم يجب تحريك لسانه بالتسمية .
ويجوز ذباحة النساء
إجماعاً ؛ لما رواه ابن عمر أنّ جاريةً لآل كعب كانت ترعىٰ غنماً فرأت بشاة منها رَبْواً
، فأخذت حجراً فكسرته وذبحتها به ، فذكر ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : ( تؤكل )
.
وهو يدلّ علىٰ
جواز ذبح المرأة وإن كانت حائضاً ؛ لأنّ ترك الاستفصال يُشعر به ، وصحّة ذكاة شاة الغير بغير إذنه ، وجواز
الذبح بالحجر ، وذبح الحيوان إذا خيف موته .
ويجوز ذبح السكران
والمجنون ؛ للحكم بإسلامهما ، لكن يكره ؛ لعدم معرفتهما بمحلّ الذكاة ، فربما قطعا غير المشترط .
ويستحب أن يتولّىٰ
الذبيحةَ المسلمُ البالغ العاقل الفقيه ؛ لأنّه أعرف بشرائط الذبح ووقته ، فإن فُقد الرجل ، فالمرأة ، فإن فُقدت ، فالصبي ، فإن فُقد ، فالسكران والمجنون .
مسألة ٦٤٧ : يجب استقبال القبلة عند الذبح وتوجيه الذبيحة إليها ؛
__________________
لأنّه
عليهالسلام ضحّىٰ بكبشين ، فلمّا وجّههما
قرأ ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ )
.
وتجب فيها التسمية ؛
لقوله تعالىٰ : (
وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ) .
ولا تكره الصلاة علىٰ
النبي صلىاللهعليهوآله عند الذبيحة مع التسمية ، بل هي مستحبّة ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّه شُرّع فيه ذكر الله تعالىٰ
فشُرّع فيه ذكر رسوله صلىاللهعليهوآله ، كالأذان .
وقال أحمد : ليس
بمشروع .
وقال أبو حنيفة ومالك
: إنّه مكروه ؛ لما روي عن النبي صلىاللهعليهوآله ، أنّه قال : ( موطنان لا اُذكر فيهما : عند الذبيحة وعند العطاس )
.
ومراده لا اُذكر
فيهما مع الله تعالىٰ علىٰ الوجه الذي يذكر معه في غيرهما ، فإنّ في الأذان يشهد لله بالتوحيد ، ويشهد للنبي بالرسالة ، وكذا في شهادة الإسلام والصلاة ، وهنا يسمّي الله تعالىٰ ، ويصلّي علىٰ النبي صلىاللهعليهوآله ، والصلاة ليست من جنس التسمية وكذا العطاس ؛ فإنّ المروي فيه أنّه يسمّي
__________________
الله
تعالىٰ ويصلّي علىٰ النبي صلىاللهعليهوآله .
ويستحب الدعاء
بالمنقول .
ولو نسي التسمية ، لم
تحرم ، ويستحب أن يسمّي عند أكله .
قال ابن سنان ـ في
الصحيح ـ : سمعت الصادق عليهالسلام يقول : « إذا ذبح المسلم ولم يسمّ ونسي فكُلْ من ذبيحته ، وسمِّ الله علىٰ ما تأكل »
.
مسألة ٦٤٨ : إذا ذبحها ، قطع الأعضاء الأربعة السابقة ، ولا يقطع رأسها إلىٰ أن تموت ، فإن قطعه ، فقولان :
أحدهما : التحريم ـ وبه
قال سعيد بن المسيّب ـ لأنّها ماتت من جرحين : أحدهما مبيح ، والآخر مُحرِّم ، فلا تحلّ .
ولقول الصادق عليهالسلام : « ولا تنخعها حتىٰ تموت »
.
والآخر : الحِلّ ،
لأنّها بقطع الأعضاء الأربعة تكون مذكّاةً ، فلا أثر للزائدة ؛ لحصوله والحياة غير مستقرّة .
ولو ذبحها من قفاها ،
سُمّيت القفية ، فإن بقيت حياتها مستقرّةً بعد قطع قفاها ثم قُطعت الأعضاء ، حلّت ، وإلّا فلا ، وبه قال الشافعي
.
وقال مالك وأحمد : لا
تحلّ .
__________________
وروىٰ العامّة
عن علي عليهالسلام أنّه إن كان سهواً حلّت ، وإلّا فلا
.
ويعرف استقرار الحياة
بوجود الحركة القويّة بعد قطع العنق قبل قطع المري والودجين والحلقوم ، ولو كانت ضعيفةً أو لم تتحرّك ، لم تحلّ ؛ لاجتماع فعل يدلّ علىٰ الإباحة وآخر يدلّ علىٰ التحريم ، ولأنّ الظاهر من حال
الحيوان إذا قُطع رأسه من قفاه لا تبقىٰ فيه حياة مستقرّة قبل قطع الأعضاء الأربعة .
وتكره الذباحة ليلاً
في الاُضحية وغيرها ؛ لنهيه عليهالسلام عنها
، ولا نعلم فيه خلافاً ، فلو ذبحها ليلاً ، أجزأه ؛ لأنّ الليل محلّ الرمي ، فكان محلّ الذبح ، كالنهار .
وقال مالك : لا تجزئه
ويكون لحم شاة ؛ لقوله تعالىٰ : ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن
بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ) والأيّام تُطلق علىٰ بياض النهار دون الليل .
وهو ممنوع ؛ فإنّ
الأيّام إذا اجتمعت ، دخلت الليالي فيها ، ولهذا تدخل في الاعتكاف لو نذر ثلاثة أيّام .
مسألة ٦٤٩ : يستحب الأكل من الاُضحية إجماعاً .
وقال بعضهم بوجوبه
؛ للآية ، فإنّه قرن الأكل بالإطعام .
__________________
وهو غير دالّ علىٰ
الوجوب كما في قوله تعالىٰ : (
كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ )
فالإيتاء واجب دون الأكل .
ويجوز أن يأكل الأكثر
، ويتصدّق بالأقلّ .
قال الشيخ : فإن أكل
الجميع ، ضمن الفقراء قدر المجزئ . وبه قال الشافعي ؛ للآية .
وقال بعض الشافعية :
لا يضمن ، وتكون القربة في الذبح خاصّة .
ويستحب أن يأكل الثلث
، ويتصدّق بالثلث ، ويهدي الثلث ـ وهو الجديد للشافعي ـ لقوله تعالىٰ : ( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) القانع : السائل ، والمعترّ : غير
السائل .
وفي القديم : يأكل
النصف ، ويتصدّق بالنصف ؛ لقوله تعالىٰ : ( فَكُلُوا مِنْهَا
وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ )
.
__________________
ولا ينافي الإهداء
الثابت بالآية الاُخرىٰ .
مسألة ٦٥٠ : لا يجوز بيع لحم الأضاحي ـ وبه قال الشافعي وأكثر العامّة ـ لأنّه بذبحه خرجت عن ملكه ، واستحقّها المساكين .
وقال أبو حنيفة :
يجوز بيعه وشراؤه .
ويكره بيع جلودها
وإعطاؤها الجزّارين ، فإن باعها ، تصدّق بثمنه .
ومنع الشافعي من بيعه
، وبه قال أبو هريرة .
وقال عطاء : لا بأس
ببيع اُهب الأضاحي .
وقال الأوزاعي : يجوز
بيعها بآلة البيت التي تصلح للعارية ، كالقِدْر والقدوم والمنخل والميزان .
لنا : ما رواه
العامّة عن علي عليهالسلام ، قال : « أمرني رسول الله صلىاللهعليهوآله أن أقوم علىٰ بُدْنه واُقسّم جلودها وجلالها ولا اُعطي الجزّارين منها شيئاً »
.
ومن طريق الخاصّة :
قول معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ أنّه سأل
__________________
الصادقَ
عليهالسلام : عن الإهاب ، فقال : « تصدّق به أو
تجعله مصلّىٰ ينتفع به في البيت ولا يعطىٰ الجزّارين » .
وروىٰ علي بن
جعفر ـ في الصحيح ـ عن الكاظم عليهالسلام ، قال : سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحّىٰ بها أن يجعلها جراباً ؟ قال : « لا يصلح أن يجعلها جراباً إلّا أن يتصدّق بثمنها »
.
ولا يجوز أن يعطىٰ
الجزّار لجزارته ؛ لأنّ التضحية واجبة عليه مع وجوبها ، فكانت الاُجرة عليه ، ويوصل ذلك إلىٰ الفقراء ، ولو كان الجزّار فقيراً ، جاز أن يأخذ منها شيئاً لفقره ؛ لأنّه من المستحقّين .
مسألة ٦٥١ : يجوز أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيّام وادّخارها ، وقد نسخ بذلك النهي عنها .
روىٰ العامّة
عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوآله أن لا نأكل لحم الأضاحي بعد ثلاث ، ثم أذن لنا أن نأكل ونقدّد ونهدي إلىٰ أهالينا .
ومن طريق الخاصّة :
قول الباقر والصادق عليهماالسلام : « نهىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله عن لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيّام ثم أذن فيها ، قال : كُلوا من لحوم الأضاحي بعد ذلك وادّخروا » .
ويكره أن يُخرج شيئاً
ممّا يضحّيه عن منىٰ ، بل يفرّق بها ؛ لقول أحدهما عليهماالسلام ـ في الصحيح ـ : « لا يخرج منه شيء إلّا
السنام بعد ثلاثة أيّام » .
__________________
وقال الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « لا تخرجنّ شيئاً من لحم الهدي » .
ولا بأس بإخراج لحم
ما ضحّاه غيره إذا اشتراه منه أو أهداه إليه . ويكره أن يضحّي بما يربّيه .
مسألة ٦٥٢ : إذا تعذّرت الاُضحية ، تصدّق بثمنها ، فإن اختلفت أثمانها جمع الأعلىٰ والأوسط والأدون ، وتصدّق بثلث الجميع ؛ لأنّ أبا الحسن عليهالسلام وقّع إلىٰ هشام المكاري : «
انظروا إلىٰ الثمن الأوّل والثاني والثالث فأجمعوا ثم تصدّقوا بمثل ثلثه » .
وإذا اشترىٰ
شاةً تجزئ في الاُضحية بنيّة أنّها اُضحية ، قال الشيخ : تصير اُضحيةً بذلك ، ولا يحتاج إلىٰ قوله : إنّها اُضحية ، ولا إلىٰ
نيّة مجدّدة ، ولا إلىٰ إشعار ولا تقليد ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك
ـ لأنّه مأمور بشراء الاُضحية ، فإذا اشتراها بالنيّة ، وقعت عنها ، كالوكيل إذا اشترىٰ لموكّله
بأمره .
وقال الشافعي في
الجديد : لا تصير اُضحية إلّا بقوله : قد جعلتها اُضحية ، أو : هي اُضحية ، وما أشبهه ـ وفي القديم : تصير اُضحية بالنيّة مع الإشعار أو التقليد ـ لأنّها إزالة ملك علىٰ وجه القربة ، فلا تؤثّر فيها
النيّة المقارنة للشراء ، كما لو اشترىٰ عبداً بنيّة العتق
.
إذا ثبت هذا ، فإذا
عيّن الاُضحية بما يصحّ به التعيين ، زال ملكه عنها .
__________________
وهل له إبدالها ؟ قال
أبو حنيفة ومحمد : نعم له ذلك ، ولا يزول ملكه عنها .
وقال الشافعي : لا
يجوز له إبدالها ، وقد زال ملكه عنها . وبه قال أبو يوسف وأبو ثور ، وهو ظاهر كلام الشيخ
؛ لما روي عن علي عليهالسلام أنّه قال : « مَنْ عيّن اُضحيةً فلا يستبدل بها »
.
واحتجّ أبو حنيفة :
بأنّ النبي عليهالسلام أهدىٰ هدايا فأشرك عليّاً عليهالسلام فيها ، وهو إنّما يكون بنقلها إليه .
ويجوز أن يكون عليهالسلام وقت السياق نوىٰ أنّها عنه وعن علي عليهالسلام .
فعلىٰ قول
التعيين يزول ملكها عن المالك ، ويفسد بيعها ، ويجب ردّها مع بقائها ، وإن تلفت ، فعلىٰ المشتري قيمتها أكثر ما كانت من حين قبضها إلىٰ حين التلف ، وعلىٰ البائع أكثر الأمرين من قيمتها إلىٰ
حين التلف أو مثلها يوم التضحية . وكذا لو أتلفها أو فرّط في حفظها فتلفت ، أو ذبحها قبل وقت الاُضحية . هذا اختيار الشافعي .
__________________
وقال الشيخ رحمهالله : قيمتها يوم التلف . وبه قال أبو حنيفة
؛ لأنّه أتلف الاُضحية ، فلزمه قيمتها ، كالأجنبي .
واحتجّ الشافعي :
بأنّها اُضحية مضمونة عليه لحقّ الله تعالىٰ وحقّ المساكين ؛ لوجوب نحرها وتفرقة لحمها ، ولا يجزئه دفعها إليهم قبل ذلك ، فلو كانت قيمتها يوم التلف عشرة ثم زادت قيمة الأضاحي فصارت عشرين ، وجب شراء اُضحية لعشرين ليوفي حقّ الله تعالىٰ وهو نحرها ، بخلاف الأجنبي ؛ فإنّه لا يلزمه حقّ الله تعالىٰ فيها . وفيه قوّة .
فإن أمكنه أن يشتري
بها اُضحيتين ، كان عليه إخراجهما معاً .
ولو فضل جزء حيوان
يجزئ في الاُضحية ـ كالسُّبْع ـ فعليه شراؤه ؛ لإمكان صرفه في الاُضحية ، فلزمه ، كما لو أمكنه أن يشتري به جميعاً . ولو تصدّق بالفاضل ، جاز ، لكنّ الأوّل أفضل . ولو قصر الفاضل عن السُّبْع ، تصدّق به .
ولو كان المتلف
أجنبيّاً ، فعليه القيمة يوم الإتلاف ، فإن أمكن أن يشتري بها اُضحية أو أكثر ، فعلىٰ ما تقدّم ، وإلّا جاز شراء جزء حيوان الاُضحية ، فإن قصر ، تصدّق به ، ولا شيء علىٰ المضحّي ؛ لأنه غير مفرّط .
ولو تلفت الاُضحية في
يده أو سُرقت من غير تفريط ، لم يضمن ، وقد سأل معاويةُ بن عمّار الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن رجل اشترىٰ اُضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها ، قال : « لا بأس وإن أبدلها فهو أفضل ، وإن لم يشتر فليس عليه شيء » .
__________________
والفرق بينه وبين
منذور العتق لو أتلفه أو تلف بتفريطه ، فإنّه ظاهر لا يضمنه ؛ لأنّ الحقّ في الاُضحية للفقراء وهم باقون بعد تلفها ، والحقّ في عتق العبد له ، فإذا تلف ، لم يبق مستحقّ لذلك ، فسقط الضمان ، فافترقا .
ولو اشترىٰ شاةً
وعيّنها للاُضحية ثم وجد بها عيباً ، لم يكن له ردّها ؛ لزوال ملكه عنها ، ويرجع بالأرش ، فيصرفه في المساكين ، ولو أمكنه أن يشتري به حيواناً أو جزءاً منه مجزئاً في الاُضحية ، كان أولىٰ .
مسألة ٦٥٣ : إذا عيّن اُضحيّةً ، ذبح معها ولدها ، سواء كان حملاً حال التعيين أو حدث بعد ذلك ؛ لأنّ التعيين معنىٰ يزيل الملك عنها ، فاستتبع الولد ، كالعتق .
ولقول الصادق عليهالسلام : « إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لا يضرّ بولدها ثم انحرهما جميعاً » .
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يجوز له شرب لبنها ما لم يضرّ بولدها ، عند علمائنا ، وبه قال الشافعي ؛ لما رواه العامّة عن علي عليهالسلام لمّا رأىٰ رجلاً يسوق بدنةً معها ولدها ، فقال : « لا تشرب من لبنها إلّا ما فضل عن ولدها » .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « فاحلبها ما لا يضرّ بولدها » .
__________________
وقال أبو حنيفة : لا
يحلبها ، ويرشّ علىٰ الضرع الماء حتىٰ ينقطع اللبن ؛ لأنّ اللبن متولّد من الاُضحية ، فلم يجز للمضحّي الانتفاع به ، كالولد .
والفرق : إمكان حمل
الولد إلىٰ محلّه ، بخلاف اللبن .
والأفضل أن يتصدّق به
.
ويجوز له ركوب الأضحية
؛ لقوله تعالىٰ : (
لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ) .
مسألة ٦٥٤ : إذا أوجب اُضحيةً بعينها وهي سليمة فعابت عيباً يمنع الإجزاء من غير تفريط ، لم يجب إبدالها ، وأجزأه ذبحها ، وكذا حكم الهدايا ؛ لأصالة براءة الذمّة . ولأنّها لو تلفت لم يضمنها فكذا أبعاضها .
وقال أبو حنيفة : لا
تجزئه .
ولو كانت واجبةً عليه
علىٰ التعيين ثم حدث بها عيب لمعالجة الذبح ، أجزأه أيضاً ، وبه قال أبو حنيفة استحساناً
.
وقال الشافعي : لا
يجزئه .
أمّا لو نذر اُضحيةً
مطلقة فإنّه تلزمه سليمة من العيوب ، فإن عيّنها في شاة بعينها ، تعيّنت ، فإن عابت قبل أن ينحرها عيباً يمنع الإجزاء ـ كالعور ـ لم تجزئه عن التي في ذمّته ، وعليه إخراج ما في ذمّته سليماً من العيوب .
__________________
ولو عيّن اُضحيةً
ابتداءً وبها ما يمنع من الاُضحية الشرعية ـ كالعور ـ أخرجها علىٰ عيبها ؛ لزوال ملكه عنها بالنذر ولم تكن اُضحيةً ، بل صدقة واجبة ، فيجب ذبحها ، ويتصدّق بلحمها ، ويثاب علىٰ الصدقة لا علىٰ الاُضحية .
ولو عيّنها معيبةً ثم
زال عيبها بأن سمنت بعد العجاف ، فإنّها لا تقع موقع الاُضحية ؛ لأنّه أوجب ما لا يجزئ عن الاُضحية ، فزال ملكه عنها ، وانقطع تصرّفه حال كونها غير اُضحية ، فلا تجزئ ؛ لأنّ الاعتبار حالة الإيجاب ، لزوال الملك به ، ولهذا لو عابت بعد التعيين ، لم يضرّه ذلك ، وأجزأ عنه . وكذا لو كانت معيبةً فزال عيبها ، لم تجزئه .
مسألة ٦٥٥ : لو ضلّت الاُضحية المعيّنة من غير تفريط ، لم يضمن ؛ لأنّها أمانة ، فإن عادت قبل فوات أيّام التشريق ، ذبحها ، وكانت أداءً ، وبعد فواتها يذبحها قضاءً ، قاله الشيخ ، وبه قال الشافعي
.
وقال أبو حنيفة : لا
يذبحها بل يسلّمها إلىٰ الفقراء ، فإن ذبحها ، فرّق لحمها ، وعليه أرش النقصان بالذبح .
وليس بجيّد ؛ لأنّ
الذبح أحد مقصودي الهدي ، ولهذا لا يكفي شراء اللحم ، فلا يسقط بفوات وقته ، كتفرقة اللحم ، وذلك بأن يذبحها في أيّام التشريق ثم يخرج قبل تفريقها ، فإنّه يفرّقها بعد ذلك .
احتجّ : بأنّ الذبح
موقّت ، فسقط بفوات وقته ، كالرمي والوقوف .
__________________
والفرق : أنّ الاُضحية
لا تسقط بفوات الوقت ، بخلاف الرمي والوقوف .
ولو أوجب اُضحيةً في
عام فأخّرها إلىٰ قابل ، كان عاصياً ، وأخرجها قضاءً .
ولو ذبح اُضحية غيره
، المعيّنة ، أجزأت عن صاحبها ، وضمن الأرش ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ الذبح أحد مقصودي الهدي ، فإذا
فَعَله شخصٌ بغير إذن المضحّي ، ضمن ، كتفرقة اللحم .
وقال أبو حنيفة : لا
يجب عليه شيء ؛ لأنّ الاُضحية أجزأت عنه ووقعت موقعها ، فلم يجب علىٰ الذابح ضمان الذبح ، كما لو أذن له
.
والفرق : أنّ مع عدم
الإذن يعصي فيضمن .
وقال مالك : لا تقع
موقعها ، وتكون شاة لحم يلزم صاحبها بدلها ، ويكون له أرشها ؛ لأنّ الذبح عبادة ، فإذا فَعَلها غيرُه بغير إذنه ، لم تصح ، كالزكاة .
ونمنع احتياجها إلىٰ
نيّة كإزالة النجاسة ، بخلاف الزكاة ، ولأنّ القدر المخرج في الزكاة لم يتعيّن إلّا بإخراج المالك ، بخلاف المعيّنة .
وإذا أخذ الأرش ، صَرَفَه
إلىٰ الفقراء ؛ لأنّه وجب لنقص في الاُضحية المتعيّنة لهم ، ويتخيّر بين الصدقة به وشراء حيوان أو جزء للاُضحية .
مسألة ٦٥٦ : تجزئ الاُضحية عن سبعة ، وكذا الهدي المتطوّع به ، سواء كان الجميع متقرّبين أو بعضهم يريد اللحم ، وسواء كانوا أهل بيت
__________________
واحد
أو لم يكونوا ، وبه قال الشافعي ومالك ، إلّا أنّ مالكاً اشترط كونهم أهل بيت واحد .
وقال أبو حنيفة :
يجوز إذا كانوا كلّهم متقرّبين . وقد سلف
.
والعبد القنّ والمدبَّر
واُمّ الولد والمكاتب المشروط لا يملكون شيئاً ، فإن ملّكهم مولاهم شيئاً ، ففي ثبوت ذلك قولان : الأقوىٰ : العدم ، فلا تجوز
لهم اُضحية .
وعلىٰ قول
ثبوته يجوز لهم أن يضحّوا ، ولو ضحّوا من غير إذن سيّدهم ، لم يجز .
ولو انعتق بعضه وملك
بجزء الحُرّيّة اُضحيةً ، جاز له أن يضحّي بها من غير إذن .
__________________

الفصل
السادس في الحلق والتقصير
مسألة ٦٥٧ : إذا ذبح الحاجّ هديه ، وجب عليه الحلق أو التقصير بمنىٰ
يوم النحر ، عند علمائنا ، وهو نسك عندنا ـ وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدىٰ الروايتين
ـ لقوله تعالىٰ : ( مُحَلِّقِينَ
رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) ولو لم يكن نسكاً ، لم يصفهم الله تعالىٰ
به ، كالطيب واللُّبْس .
ولما رواه العامّة عن
جابر أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : ( أحلّوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصّروا ) والأمر للوجوب .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « إذا ذبحت اُضحيتك فاحلق رأسك » والأمر للوجوب أو للقدر الدالّ علىٰ استحقاق الثواب ،
فيكون عبادةً لا مباحاً صرفاً .
ولأنّ النبي صلىاللهعليهوآله داوم عليه هو وأصحابه وفَعَلوه في حجّهم وعمرتهم ، ولو لم يكن نسكاً لم يداوموا عليه ولا خلوا به في أكثر الأوقات
__________________
ولم
يفعلوه إلّا نادراً ، لأنّه لم يكن عبادة لهم فيداوموا عليه ، ولا فيه فضل فيفعلوه .
وقال الشافعي وأحمد [
في الرواية الاُخرىٰ ] : أنّه إطلاق محظور لا نسك ؛ لقوله عليهالسلام لمّا سعىٰ بين الصفا والمروة : (
مَنْ كان منكم ليس معه هدي فليحلّ وليجعلها عمرة ) وأمره بالحلّ عقيب السعي يقتضي عدم وجوب الحلق والتقصير .
وهو ممنوع ؛ لأنّ
المعنىٰ : فليحلّ بالتقصير أو الحلق .
مسألة ٦٥٨ : يتخيّر الحاجّ بين الحلق والتقصير أيّهما فَعَل أجزأه ، عند أكثر علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة
ـ لقوله تعالىٰ : (
مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) والجمع غير مراد ، فيتعيّن التخيير .
وما رواه العامّة من أنّه
كان مع النبي صلىاللهعليهوآله مَنْ قصّر ولم ينكر عليهالسلام عليه .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم الحديبية : اللّهم اغفر للمحلّقين
، مرّتين ، قيل : وللمقصّرين
__________________
يا
رسول الله ؟ قال : وللمقصّرين » .
وقال الشيخ رحمهماالله : إن كان الحاجّ صرورةً ، وجب الحلق ، وكذا مَنْ لبّد شعره في الإحرام وإن لم يكن صرورةً . وبه قال الحسن البصري ومالك والشافعي والنخعي وأحمد وإسحاق ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : ( مَنْ لبّد فليحلق ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « علىٰ الصرورة أن يحلق رأسه ولا يقصّر ، إنّما التقصير لمن حجّ حجّة الإسلام »
.
وهو محمول علىٰ
الندب .
وقال ابن عباس : من لبّد
أو ضفر أو عقّد أو فتل أو عقص فهو علىٰ ما نوىٰ ، يعني أنّه إن نوىٰ الحلق فليحلق ، وإلّا فلا يلزمه
.
وتلبيد الشعر في
الإحرام : أن يأخذ عسلاً أو صمغاً ، ويجعله في رأسه لئلّا يقمل أو يتّسخ .
إذا عرفت هذا ،
فالحلق أفضل إجماعاً ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : ( رحم الله المحلّقين ) ثلاثاً ، ثم قال : ( والمقصّرين ) مرّةً
. وزيادة الترحّم تدلّ علىٰ الأولويّة .
__________________
والحلق للملبّد
والصرورة آكد فضلاً من غيرهما .
والمرأة لا حلق عليها
، ويجزئها من التقصير قدر الأنملة ؛ لما رواه العامّة عن علي عليهالسلام ، قال : « نهىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله أن تحلق المرأة رأسها » .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « تقصّر المرأة من شعرها لمتعتها مقدار الأنملة » .
ويجزئ من التقصير ما
يقع عليه اسمه ؛ لأصالة براءة الذمة ، وسواء قصّر من شعر رأسه أو من لحيته أو من شاربه .
مسألة ٦٥٩ : يجب في الحلق والتقصير : النيّة ؛ لأنّه نسك عندنا لا إطلاق محظور .
ويستحب لمن يحلق أن
يبدأ بالناصية من القرن الأيمن ويحلق إلىٰ العظمين إجماعاً ؛ لما رواه العامّة : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله دعا بالحلّاق ، فأخذ شقّ رأسه الأيمن فحلقه ، فجعل يقسم بين مَنْ يليه الشعرة والشعرتين ثم أخذ شقّ رأسه الأيسر فحلقه ، ثم قال : ( هاهنا أبو طلحة ؟ ) فدفعه إلىٰ أبي طلحة .
ومن طريق الخاصّة :
عن الباقر عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : أنّه أمر الحلّاق أن يدع الموسى علىٰ قرنه الأيمن ثم أمره أن يحلق وسمّىٰ هو وقال : « اللّهم أعطني بكلّ شعرة نوراً يوم القيامة » .
__________________
مسألة ٦٦٠ : مَنْ لا شعر علىٰ رأسه لا حلق عليه إجماعاً ، بل يمرّ الموسى علىٰ رأسه إجماعاً .
ولأنّ رجلاً من خراسان
قدم حاجّاً وكان أقرع الرأس لا يحسن أن يلبّي ، فاستفتي له الصادق عليهالسلام ، فأمر أن يلبّىٰ عنه ويمرّ
الموسى علىٰ رأسه فإنّ ذلك يجزئ عنه .
إذا عرفت هذا ، فقال
أبو حنيفة : إنّ هذا الإمرار واجب ؛ لقوله عليهالسلام : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) وهذا لو كان له شعر ، لوجب عليه إزالته وإمرار الموسى علىٰ رأسه ، فلا يسقط الأخير بفوات الأوّل
.
وقول الصادق عليهالسلام يدلّ عليه ، فإنّ الإجزاء إنّما يستعمل في الواجب .
وقال أكثر العامّة :
إنّه للاستحباب ؛ لأنّ محلّ الحلق الشعر ، فيسقط بفوات محلّه .
مسألة ٦٦١ : لو ترك الحلق والتقصير معاً حتىٰ زار البيت ، فإن كان عامداً ، وجب عليه دم شاة ، وإن كان ناسياً ، فلا شيء عليه ، وعليه إعادة الطواف والسعي ؛ لأنّه نسك أخّره عمداً عن محلّه ، فلزمه الدم .
ولأنّ محمد بن مسلم
سأل الباقرَ عليهالسلام : في رجل زار البيت قبل أن يحلق ، فقال : « إن كان زار البيت قبل أن يحلق وهو عالم أنّ ذلك لا ينبغي فإنّ عليه دم شاة » .
__________________
وسأل محمّدُ بن حمران
الصادقَ عليهالسلام : عن رجل زار البيت قبل أن يحلق ، قال : « لا ينبغي إلّا أن يكون ناسياً »
.
وسأل علي بن يقطين ـ في
الصحيح ـ الكاظمَ عليهالسلام : عن المرأة رمت وذبحت ولم تقصّر حتىٰ زارت البيت وطافت وسعت من الليل ما حالها ؟ وما حال الرجل إذا فعل ذلك ؟ قال : « لا بأس يقصّر ويطوف للحجّ ثم يطوف للزيارة ثم قد حلّ من كلّ شيء » .
مسألة ٦٦٢ : لو رحل من منىٰ قبل الحلق ، رجع وحلق بها أو قصّر واجباً مع الاختيار ، ولو لم يتمكّن من الرجوع ، حلق مكانه ، وردّ شعره إلىٰ
منىٰ ليدفن هناك ، ولو لم يتمكّن ، لم يكن عليه شيء ؛ لأنّه قد ترك نسكاً واجباً ، فيجب عليه الإتيان به وتداركه مع المكنة .
وسأل الحلبي ـ في
الصحيح ـ الصادقَ عليهالسلام : عن رجل نسي أن يقصّر من شعره أو يحلقه حتىٰ ارتحل من منىٰ ، قال : « يرجع إلىٰ
منىٰ حتىٰ يلقي شعره بها حلقاً كان أو تقصيراً » .
[ وعن أبي بصير ، قال
: سألته عن رجل جهل أن يقصّر من رأسه أو يحلق حتىٰ ارتحل من منىٰ ، قال : « فليرجع إلىٰ منىٰ حتىٰ
يحلق شعره بها أو يقصّر ، ] وعلىٰ الصرورة أن يحلق »
.
__________________
وقال الصادق عليهالسلام في رجل زار ولم يحلق رأسه ، قال : « يحلقه بمكّة ، ويحمل شعره إلىٰ منىٰ ، وليس عليه شيء »
.
إذا عرفت هذا ، فإذا
حلق رأسه بمنىٰ ، استحبّ له أن يدفن شعره بها ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « كان علي بن الحسين ـ
عليهماالسلام ـ يدفن شعره في فسطاطه بمنىٰ ويقول : كانوا يستحبّون ذلك » ، قال : وكان الصادق عليهالسلام يكره أن يخرج الشعر من منىٰ ويقول : « مَنْ أخرجه فعليه أن يردّه »
.
مسألة ٦٦٣ : يستحب لمن حلق رأسه أو قصّر أن يقلّم أظفاره ويأخذ من شاربه ، ولا نعلم فيه خلافاً .
قال ابن المنذر : ثبت
أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لمّا حلق رأسه قلّم أظفاره
.
وقال الصادق عليهالسلام : « إذا ذبحت اُضحيتك فاحلق رأسك واغتسل وقلّم أظفارك وخُذْ من شاربك » .
ووقت الحلق يوم النحر
إجماعاً ، فلا يجوز قبله .
قال الله تعالىٰ
: ( وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ )
.
ويجب أن يؤخّره عن
الذبح والرمي ، فيبدأ بالرمي ثم الذبح ثم الحلق واجباً ، عند أكثر علمائنا ـ وبه قال مالك والشافعي في أحد
القولين ، وأبو حنيفة وأحمد ـ لقوله تعالىٰ : ( وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ
__________________
الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) .
وما رواه العامّة :
أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله رتّب هذه المناسك
، وقال : ( خذوا عنّي مناسككم ) .
ومن طريق الخاصّة :
رواية موسىٰ بن القاسم عن علي قال : « لا يحلق رأسه ولا يزور حتىٰ يضحّي فيحلق رأسه ويزور متىٰ شاء »
.
وللشيخ ـ رحمهالله ـ قول آخر في الخلاف : ترتيب هذه المناسك مستحب وليس بفرض ، وبه قال أبو الصلاح ، وهو القول الثاني للشافعي
؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس قال : جاء رجل إلىٰ النبي صلىاللهعليهوآله بمنىٰ يوم النحر ، فقال له : زرت قبل أن أرمي ، فقال له : ( إرم ولا حرج ) فقال : ذبحت قبل أن أرمي ، فقال : ( إرم ولا حرج ) فما سُئل يومئذٍ عن شيء قدّمه رجل ولا أخّره إلّا قال له : ( افعل ولا حرج ) ولم يفصّل بين العالم والجاهل ، فدلّ علىٰ عدم الوجوب .
ومن طريق الخاصّة :
رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الجواد عليهالسلام ، قال له : جُعلت فداك إنّ رجلاً من أصحابنا
رمىٰ الجمرة يوم النحر وحلق قبل أن يذبح ، فقال : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أتاه طوائف من المسلمين ،
__________________
فقالوا
: يا رسول الله ذبحنا من قبل أن نرمي وحلقنا من قبل أن نذبح ، فلم يبق شيء ممّا ينبغي أن يقدّموه إلّا أخّروه ، ولا شيء ممّا ينبغي أن يؤخّروه إلّا قدّموه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لا حرج »
.
وهو محمول علىٰ
الناسي .
وعلىٰ القول
بوجوب الترتيب فإنّه ليس شرطاً ولا تجب بالإخلال به كفّارة ؛ لأصالة البراءة ، ولما تقدّم في الأحاديث السابقة .
وقال الشافعي : إن
قدّم الحلق علىٰ الذبح ، جاز ، وإن قدّم الحلق علىٰ الرمي ، وجب الدم إن قلنا : إنّه إطلاق محظور ؛ لأنّه حلق قبل أن يتحلّل ، وإن قلنا : إنّه نسك ، فلا شيء عليه ؛ لأنّه أحد ما يتحلّل به
.
وقال أبو حنيفة : إن
قدّم الحلق علىٰ الذبح ، لزمه دم إن كان قارناً أو متمتّعاً ، ولا شيء عليه إن كان مفرداً .
وقال مالك : إن قدّم
الحلق علىٰ الذبح ، فلا شيء عليه ، وإن قدّمه علىٰ الرمي ، وجب الدم .
مسألة ٦٦٤ : لو بلغ الهدي محلّه ولم يذبح ، قال الشيخ : يجوز له أن يحلق ؛ لقوله تعالىٰ : (
وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ )
__________________
وقال
تعالىٰ : (
ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ )
.
وقال الصادق عليهالسلام : « إذا اشتريت اُضحيتك وقمطتها
وصارت في جانب رحلك فقد بلغ الهدي محلّه ، فإن أحببت أن تحلق فاحلق »
.
قال أبو الصلاح :
يجوز له تأخير الحلق إلىٰ آخر أيّام التشريق
ـ وهو حسن ، لكن لا يجوز له أن يقدّم زيارة البيت عليه ـ وبه قال عطاء وأبو ثور وأبو يوسف ؛ لأنّ الله تعالىٰ بيَّن أوّله
بقوله : ( حَتَّىٰ
يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) ولم يبيّن آخره ، فمتىٰ فَعَله
أجزأه ، كالطواف للزيارة والسعي .
مسألة ٦٦٥ : يوم الأكبر هو يوم النحر .
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله في خطبته يوم النحر : ( هذا يوم الحجّ الأكبر )
.
وسأل معاويةُ بن
عمّار الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن يوم الحجّ الأكبر ، قال : « هو يوم النحر ، والأصغر العمرة »
.
وسُمّي بالأكبر ؛
لكثرة أفعال الحجّ فيه من الوقوف بالمشعر والدفع منه إلىٰ منىٰ والرمي والنحر والحلق وطواف الإفاضة والرجوع إلىٰ
منىٰ للمبيت بها ، وليس في غيره من الأيّام مثل ذلك ، وهو مع ذلك يوم عيد
__________________
ويوم
الإحلال من إحرام الحجّ .
إذا عرفت هذا ، فإنّه
يستحب للإمام أن يخطب فيه ، ويعلّم الناس ما فيه من المناسك من النحر والإفاضة والرمي ـ وبه قال الشافعي وابن المنذر وأحمد ـ لما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله خطب الناس يوم النحر بمنىٰ .
ومن طريق الخاصّة :
خطبة علي عليهالسلام يوم الأضحىٰ
.
مسألة ٦٦٦ : قد عرفت فيما سبق محظورات الإحرام ، فإذا حلق أو قصّر ، حلّ له كلّ شيء إن كان الإحرام للعمرة ، وإن كان للحجّ ، حلّ له كلّ شيء إلّا الطيب والنساء والصيد ، عند علمائنا ـ وبه قال مالك
ـ لأنّ النساء محرّمة عليه إجماعاً ، فيحرم عليه الطيب ؛ لأنّه من دواعي الجماع ، فكان حراماً ، كالقُبْلة ، فيحرم عليه الصيد ؛ لقوله تعالىٰ : ( لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ) والإحرام متحقّق بتحريم هذين .
وما رواه العامّة عن
عمر ، قال : إذا رميتم الجمرة بسبع حصيات وذبحتم وحلقتم فقد حلّ لكم كلّ شيء إلّا الطيب والنساء
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « اعلم أنّك إذا حلقت رأسك
__________________
فقد
حلّ لك كلّ شيء إلّا النساء والطيب » .
وقال الشافعي وأبو
حنيفة وأحمد : يحلّ له كلّ شيء إلّا النساء . وبه قال ابن الزبير وعلقمة وسالم وطاوُس والنخعي وأبو ثور
.
وقال ابن عمر وعروة
بن الزبير : يحلّ له كلّ شيء إلّا النساء والطيب .
إذا عرفت هذا ، فإذا
طاف طواف الزيارة ، حلّ له الطيب ، وإذا طاف طواف النساء ، حلّت له النساء ، فثبت أنّ مواطن التحلّل ثلاثة :
الأوّل :
إذا حلق أو قصّر ، حلّ له كلّ شيء أحرم منه ، إلّا النساء والطيب وأكل الصيد .
الثاني :
إذا طاف طواف الزيارة ، حلّ له الطيب .
الثالث :
إذا طاف طواف النساء ، حللن له .
مسألة ٦٦٧ : يستحب لمن حلق رأسه أن يتشبّه بالمُحْرمين قبل طواف الزيارة في ترك لُبْس المخيط إلىٰ أن يطوف طواف الزيارة ؛ لأنّ محمد بن مسلم سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن رجل تمتّع بالعمرة
فوقف بعرفات ووقف بالمشعر ورمىٰ الجمرة وذبح وحلق أيغطّي رأسه ؟ قال : « لا ، حتىٰ يطوف بالبيت وبالصفا والمروة » قيل له : فإن كان قد فعل ؟ قال :
« ما أرىٰ عليه شيئاً » .
__________________
والنهي هنا للكراهة ؛
لأنّ العلاء سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ إنّي حلقت رأسي وذبحت وأنا متمتّع اُطلي رأسي بالحنّاء ؟ فقال : « نعم من غير أن تمسّ شيئاً من الطيب » قلت : وألبس القميص وأتقنّع ؟ قال : « نعم » قلت : قبل أن أطوف بالبيت ؟ قال : « نعم » .
ويستحب لمن طاف طواف
الزيارة أن لا يمسّ شيئاً من الطيب حتىٰ يطوف طواف النساء ؛ لئلّا يشتغل به عن أداء المناسك . ولأنّه من دواعي شهوة النساء .
ولأنّ محمد بن
إسماعيل ـ في الصحيح ـ قال : كتبت إلىٰ الرضا عليهالسلام : هل يجوز للمُحْرم المتمتّع أن يمسّ الطيب قبل أن يطوف طواف النساء ؟ فقال : « لا » وهذا النهي للكراهة ، كما تقدّم .
تذنيب :
إنّما يحصل التحلّل بالرمي والحلق .
وقال بعض الشافعية :
يتحلّل بدخول وقت الرمي وإن لم يرم ، كما لو فاته الوقت فإنّه يتحلّل .
وليس بجيّد ؛ لقول
النبي صلىاللهعليهوآله : ( إذا رميتم وحلقتم فقد حلّ لكم كلّ شيء إلّا النساء ) علّق ذلك بالرمي دون وقته .
__________________

الفصل
السابع في بقايا أفعال الحجّ
وفيه مباحث :
البحث الأوّل : في
زيارة البيت
مسألة ٦٦٨ : إذا قضىٰ الحاجّ مناسكه بمنىٰ من رمي جمرة العقبة
وذبح الهدي والحلق أو التقصير ، رجع إلىٰ مكّة لطواف الزيارة ، وسُمّي بذلك ؛ لأنّه يرجع من منىٰ لزيارة البيت ، ولا يقيم بمكّة ، بل يرجع منها إلىٰ
منىٰ ، وهو ركن في الحجّ ، ويسمّىٰ طواف الحجّ ، ولا يتمّ إلّا به إجماعاً .
قال الله تعالىٰ
: ( وَلْيَطَّوَّفُوا
بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) .
وروىٰ العامّة
عن عائشة قالت : حججنا مع النبي صلىاللهعليهوآله فأفضنا يوم النحر فحاضت صفيّة ، فأراد النبي صلىاللهعليهوآله ما يريد الرجل من أهله ، فقلت : يا رسول الله إنّها حائض ، قال : ( أحابستنا هي ؟ ) قالوا : يا رسول الله إنّها قد
أفاضت يوم النحر ، قال : ( اخرجوا ) فدلّ علىٰ وجوب هذا الطواف وأنّه
حابس لمن لم يأت به .
ويسمّىٰ أيضاً
طواف الإفاضة ؛ لقولهم : إنّها قد أفاضت يوم النحر ، يعني طافت طواف الزيارة . وسُمّي بذلك ؛ لأنّه يأتي به عند إفاضته من منىٰ إلىٰ
مكة .
__________________
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « وزُر البيت وطُفْ به اُسبوعاً تفعل كما صنعت يوم قدمت مكة » .
ولأنّ الحجّ أحد
النسكين ، فوجب فيه طواف ، كالعمرة .
مسألة ٦٦٩ : وهذا الطواف ـ كالأوّل ـ تجب فيه الطهارة ، والنيّة شرط فيه ، كما هي شرط في طواف القدوم وفي كلّ عبادة ـ وبه قال إسحاق وابن المنذر ـ لأنّه عبادة وعمل وقد قال الله تعالىٰ : ( مُخْلِصِينَ ) .
وقال عليهالسلام : ( الأعمال بالنيّات وإنّما لامرئ ما نوىٰ )
.
وقال عليهالسلام : ( الطواف بالبيت صلاة ) .
وقال الثوري والشافعي
وأصحاب الرأي : يجزئه وإن لم ينو الفرض الذي عليه .
ويستحبّ الإتيان به
يوم النحر بعد قضاء مناسك منىٰ ؛ لما رواه العامّة عن جابر في صفة حجّ رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم النحر : فأفاض إلىٰ البيت
فصلّىٰ بمكة الظهر .
__________________
ومن طريق الخاصّة :
قول الباقر عليهالسلام ـ في الصحيح ـ وقد سأله محمد ابن مسلم عن المتمتّع متىٰ يزور ؟ قال : « يوم النحر »
.
وفي الصحيح عن الصادق
عليهالسلام ، قال : « لا يبيت المتمتّع يوم النحر حتىٰ يزور » .
ولو أخّره إلىٰ
الليل ، جاز ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله أخّر طواف الزيارة إلىٰ الليل .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « ينبغي للمتمتّع أن يزور البيت يوم النحر ومن ليلته لا يؤخّر ذلك اليوم »
.
مسألة ٦٧٠ : أوّل وقت هذا الطواف : طلوع الفجر من يوم النحر ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لوجوب فعله بعد أداء المناسك
المتعلّقة بيوم النحر ، فلا يتحقّق له وقت قبله .
وآخر وقته : اليوم
الثاني من أيّام النحر للمتمتّع ، عند علمائنا ، ولا يجوز له التأخير عن ذلك .
وقال أبو حنيفة : آخر
وقته آخر أيّام النحر .
وقال باقي العامّة :
لا تحديد لآخره .
__________________
وقال الشافعي : أوّل
وقته من نصف ليلة النحر .
ولنا : أنّه نسك في
الحجّ ، فكان آخره محدوداً ، كالوقوف والرمي .
وسأل معاوية بن عمّار
ـ في الصحيح ـ الصادقَ عليهالسلام : عن المتمتّع متىٰ يزور البيت ؟ قال : « يوم النحر أو من الغد ، ولا يؤخّر ، والمفرد والقارن ليسا سواءً موسَّع عليهما » .
ولو أخّر المتمتّع
زيارة البيت عن اليوم الثاني من يوم النحر ، أثم ولا كفّارة عليه ، وكان طوافه صحيحاً .
أمّا القارن والمفرد
: فيجوز لهما تأخير طواف الزيارة والسعي إلىٰ آخر ذي الحجّة ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظمَ عليهالسلام : عن زيارة البيت تؤخّر إلىٰ اليوم الثالث ، قال : « تعجيلها أحبّ إليّ ، وليس به بأس إن أخّره »
.
وفي رواية اُخرىٰ
: « موسّع للمفرد أن يؤخّره » .
إذا عرفت هذا ، فقد
وردت رخصة في جواز تقديم الطواف والسعي علىٰ الخروج إلىٰ منىٰ وعرفات ـ وبه قال الشافعي
ـ لما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله ، قال : ( مَنْ قدّم شيئاً قبل شيء
فلا حرج ) .
ومن طريق الخاصّة :
رواية يحيىٰ الأزرق أنّه سأل أبا الحسن عليهالسلام :
__________________
عن
امرأة تمتّعت بالعمرة إلىٰ الحجّ ففرغت من طواف العمرة وخافت الطمث قبل يوم النحر ، أيصلح لها أن تُعجّل طوافها طواف الحجّ قبل أن تأتي منىٰ ؟ قال : « إذا خافت أن تضطرّ إلىٰ ذلك فعلت »
.
إذا ثبت هذا ، فالأولىٰ
التقييد للجواز بالعذر .
مسألة ٦٧١ : يستحب أن يغتسل ويُقلّم أظفاره ويأخذ من شاربه ويدعو إذا وقف علىٰ باب المسجد ، كطواف القدوم ، وغير ذلك من المستحبّات ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « إذا ذبحت اُضحيتك فاحلق رأسك واغتسل وقلّم أظفارك وخُذْ من شاربك وزُر البيت وطُفْ به اُسبوعاً تفعل كما صنعت يوم قدمت مكّة » .
ويجوز أن يغتسل من منىٰ
ويأتي مكّة ، فيطوف بذلك الغسل ؛ للرواية ، وأن يغتسل نهاراً ويطوف ليلاً ما لم ينقضه بحدث أو نوم ،
فإن نقضه ، أعاده مستحبّاً ليطوف علىٰ غسل ؛ للرواية
.
ويستحبّ الغسل للمرأة
، كالرجل ؛ لأنّ الحلبي سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ أتغتسل النساء إذا أتين البيت ؟ فقال : « نعم إنّ الله تعالىٰ
يقول : ( وَطَهِّرْ بَيْتِيَ
لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ )
فينبغي للعبد أن لا يدخل إلّا وهو طاهر قد غسل عنه العرق والأذىٰ وتطهّر »
.
__________________
ثم يقف علىٰ
باب المسجد ويدعو بالمنقول ويدخل المسجد ويأتي الحجر الأسود فيستلمه ويقبّله ، فإن لم يستطع ، استلمه بيده وقبَّل يده ، فإن لم يتمكّن ، استقبله وكبّر ودعا كما تقدّم في طواف القدوم ، كلّ ذلك مستحبٌّ ، ثم يطوف واجباً سبعة أشواط طواف الزيارة يبدأ بالحجر ويختم به ، فإذا أكمله ، صلّىٰ ركعتي الطواف واجباً في مقام إبراهيم عليهالسلام ، ثم يرجع إلىٰ الحجر الأسود ، فيستلمه إن استطاع ، وإلّا استقبله وكبّر مستحبّاً ، ثم
يخرج إلىٰ الصفا واجباً ، ويسعىٰ بينه وبين المروة كما صنع في وقت
قدومه في الكيفية ، فإذا فرغ من السعي ، أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّا النساء ، ثم يرجع إلىٰ البيت فيطوف طواف النساء اُسبوعاً ـ كما تقدّم ـ واجباً ، ويصلّي ركعتيه في مقام إبراهيم عليهالسلام واجباً ، فإذا أكمله ، حلّت له النساء
، ولهذا سمّي طواف النساء .
مسألة ٦٧٢ : السعي عقيب طواف الحجّ ركن في الحجّ عندنا واجباً فيه ؛ لما تقدّم .
ولقول الصادق عليهالسلام ـ في الحسن ـ قلت : فرجل نسي السعي بين الصفا والمروة ، قال : « يعيد السعي » قلت : فاته ذلك حتىٰ خرج
، قال : « يرجع فيعيد السعي ، إنّ هذا ليس كرمي الجمار ، إنّ الرمي سنّة ، والسعي بين الصفا والمروة فريضة » .
وبين العامّة خلاف في
وجوبه واستحبابه .
وهل يشترط في التحلّل
الثاني السعي ؟ أو يحصل عقيب طواف
__________________
الزيارة
قبله ؟ الأقرب : عدم الاشتراط ؛ لأنّهم عليهمالسلام علّلوا التحلّل بطواف الزيارة ، وليس السعي جزءاً من مسمّاه .
وبين العامّة خلاف ،
فمَنْ قال : إنه فرض ، لم يحصل التحلّل إلّا به ، ومَنْ قال : إنه سنّة ، ففي التحلّل قبله وجّهان : أحدهما : التحلّل ؛ لأنه لم يبق
شيء من واجبات الحجّ عندهم ، والثاني : عدمه ؛ لأنه من أفعال الحجّ ، فيأتي به في إحرام الحجّ ، كالسعي في العمرة .
مسألة ٦٧٣ : طواف النساء واجب ـ عند علمائنا أجمع ـ علىٰ الرجال والنساء والخصيان من البالغين وغيرهم ـ وأطبقت العامّة علىٰ عدم وجوبه ـ لما رواه العامّة عن عائشة قالت : فطاف الذين أهلّوا
بالعمرة وبين الصفا والمروة ثم حلّوا ثم طافوا طوافاً آخر
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الرضا عليهالسلام في قول الله عزّ وجلّ : ( وَلْيَطَّوَّفُوا
بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) قال : « هو طواف النساء »
.
وهذا الطواف واجب في
الحجّ والعمرة المبتولة ، عند علمائنا أجمع ؛ لأنّ إسماعيل بن رباح سأل أبا الحسن عليهالسلام : عن مفرد العمرة عليه طواف النساء ؟ قال « نعم » .
__________________
ولا فرق بين الخصيّ
والمرأة والرجل في وجوب طواف النساء ؛ لأنّ الحسين بن يقطين سأل الكاظمَ عليهالسلام عن الخصيان والمرأة الكبيرة أعليهم طواف النساء ؟ قال : « نعم عليهم الطواف كلّهم »
.
إذا عرفت هذا ، فكلّ
إحرام يجب فيه طواف النساء إلّا إحرام العمرة غير المفردة ، وكلّ طواف لا بدّ له من سعي يتعقّبه إلّا طواف النساء .
مسألة ٦٧٤ : ولو ترك الحاجّ أو المعتمر مفرداً طواف النساء ، لم يحللن له ، ويجب عليه العود مع المكنة ليطوفه ، فإن لم يتمكّن ، أَمَرَ مَنْ يطوف عنه طواف النساء ، فإذا طاف النائب عنه ، حلّت له النساء .
ولو مات قبل طوافه ،
طاف عنه وليّه بعد موته ؛ لأنّه أحد المناسك الواجبة ، فيأتي به .
ولأنّ معاوية بن
عمّار سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن رجل نسي طواف النساء حتىٰ يرجع إلىٰ أهله ، قال : « يرسل فيُطاف عنه فإن توفّي قبل أن يُطاف عنه فليطف عنه وليّه » .
وإنّما قلنا بالاستنابة
مع تعذّر إمكان الرجوع ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : عن رجل نسي طواف
النساء حتىٰ أتىٰ الكوفة ، قال : « لا تحلّ له النساء حتىٰ يطوف بالبيت » قلت : فإن لم يقدر ؟
قال : « يأمر مَنْ يطوف عنه » .
وعلىٰ تحريم
النساء قبل فعله رواية معاوية بن عمّار ـ الصحيحة ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : سألته عن رجل نسي طواف النساء
حتىٰ يرجع إلىٰ
__________________
أهله
، قال : « لا تحلّ له النساء حتىٰ يزور البيت ، فإن هو مات فليقض عنه وليّه أو غيره ، فأمّا ما دام حيّاً فلا يصحّ أن يقضىٰ عنه ، وإن نسي الجمار
فليسا سواءً ، لأنّ الرمي سنّة والطواف فريضة »
.
البحث الثاني : في
الرجوع إلىٰ منىٰ
مسألة ٦٧٥ : إذا قضىٰ الحاجّ مناسكه بمكّة من طواف الزيارة وصلاة ركعتيه والسعي وطواف النساء وصلاة ركعتيه ، وجب أن يرجع إلىٰ منىٰ للمبيت بها ليالي التشريق ، وهي ليلة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ، عند علمائنا ـ وبه قال عطاء وعروة وإبراهيم ومجاهد ومالك والشافعي وأحمد في إحدىٰ الروايتين ـ لما رواه العامّة : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله رخّص للعباس بن عبد المطّلب أن يبيت بمكة ليالي منىٰ من أجل سقايته
.
قال ابن عباس : لم
يرخّص النبي صلىاللهعليهوآله لأحد يبيت بمكّة إلّا للعباس من أجل سقايته .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « إذا فرغت من طوافك للحجّ وطواف النساء فلا تبيت إلّا بمنىٰ إلّا أن يكون شغلك في
__________________
نسكك
، وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تبيت في غير منىٰ »
.
وقال أحمد في الرواية
الاُخرىٰ : إنّه مستحب لا واجب ـ وبه قال الحسن البصري ـ لقول ابن عباس : إذا رميت الجمرة فبت
حيث شئت .
ولأنّه قد حلّ من حجّه
، فلم يجب عليه المبيت بموضع معيّن ، كليلة الحصبة .
ولا حجّة في قول ابن
عباس خصوصاً وقد نُقل عنه : لا يبيتنّ أحد من وراء العقبة من منىٰ ليلاً .
والفرق بين ليلة
الحصبة وغيرها ؛ لبقاء بعض المناسك عليه في غيرها .
مسألة ٦٧٦ : لو ترك المبيت بمنىٰ ، وجب عليه عن كلّ ليلة شاة إلّا أن
يخرج من منىٰ بعد نصف الليل أو يبيت بمكّة مشتغلاً بالعبادة ، فلو ترك المبيت ليلةً ، وجب عليه شاة ، فإن ترك ليلتين ، وجب شاتان ، فإن ترك الثالثة وكان ممّن اتّقىٰ ، لم يكن عليه شيء ؛ لأنّ له النفر في الأوّل ، إلّا
أن تغرب الشمس يوم الثاني عشر وهو بمنىٰ .
ولو لم يكن قد اتّقىٰ
أو نفر بعد الغروب ، وجب عليه شاة اُخرىٰ ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله ، قال : ( مَنْ ترك نسكاً فعليه دم )
وقد بيّنّا أنّ المبيت بمنىٰ نسك .
ومن طريق الخاصّة :
رواية جعفر بن ناجية ، قال : سألت الصادقَ عليهالسلام :
__________________
عمّن
بات ليالي منىٰ بمكّة ، فقال : « عليه ثلاثة من الغنم يذبحهنّ »
.
وقال أبو حنيفة : لا
شيء عليه إذا ترك المبيت .
وقال الشافعي : إذا
ترك المبيت ليلة واحدة ، وجب عليه مُدٌّ . وفيه قولان : أحدهما : يجب عليه درهم ، والآخر : ثلث دم . وهل الدم واجب أو مستحبٌّ ؟ قولان .
ويجوز النفر في اليوم
الثاني من أيّام التشريق لمن اتّقىٰ ، فلا يجب المبيت الليلة الثالثة .
والاتّقاء : اجتناب
النساء والصيد في إحرامه .
إذا عرفت هذا ، فلو
أراد المتّقي في الأوّل ، جاز له ما لم تغرب الشمس وهو بمنىٰ ـ وبه قال الشافعي ـ لقوله تعالىٰ : ( فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ) .
أمّا لو غربت الشمس ،
وجب عليه المبيت والرمي في الثالث ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد .
__________________
وقال أبو حنيفة :
يسوغ النفر ما لم يطلع الفجر .
إذا ثبت هذا ،
فالواجب الكون ليالي التشريق ، ولا عبادة عليه زائدةً علىٰ غيرها من الليالي إجماعاً .
والأفضل أن لا يخرج
من منىٰ إلّا بعد طلوع الفجر . ويجوز له أن يأتي مكة أيّام منىٰ لزيارة البيت تطوّعاً .
والأفضل المقام بمنىٰ
إلىٰ انقضاء أيّام التشريق ؛ لأنّ ليث المرادي سأل الصادقَ عليهالسلام : عن الرجل يأتي مكّة أيّام منىٰ
بعد فراغه من زيارة البيت ، فيطوف بالبيت تطوّعاً ، فقال : « المقام بمنىٰ أفضل وأحبّ إليَّ »
.
مسألة ٦٧٧ : رُخّص للرعاة المبيت في منازلهم وترك المبيت بمنىٰ ما لم تغرب الشمس عليهم في منىٰ ، فإنّه يلزمهم المبيت بها إجماعاً .
روىٰ العامّة :
أنّ النبي صلىاللهعليهوآله رخّص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنىٰ
ويرموا يوم النحر جمرة العقبة ثم يرموا يوم النفر
.
وكذلك أهل سقاية
العباس ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله رخّص لأهل سقاية العباس أن يدعوا المبيت بمنىٰ .
وقد قيل : إنّه إذا
غربت الشمس علىٰ أهل سقاية العباس بمنىٰ أن يَدَعوا المبيت بمنىٰ ، بخلاف الرعاة ؛ لأنّ شغل أهل السقاية ثابت ليلاً ونهاراً ، وشغل الرعاة بالنهار .
__________________
والأقرب : أنّ مَنْ شاركهم
في العذر ـ كمن له مريض بمكّة يحتاج أن يعلّله ، أو مال بها يخاف ضياعه ـ يترخّص كترخّصهم .
وللشافعي وجهان
.
[ و ]
الأقرب : أنّه لا تختصّ رخصة أهل السقاية بالعبّاسيّة ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ المعنىٰ يعمّهم وغيرهم .
وقال مالك وأبو حنيفة
: إنّها تختصّ بأولاد العباس .
البحث الثالث : في
الرمي .
مسألة ٦٧٨ : يجب علىٰ الحاجّ الرمي في كلّ يوم من أيّام التشريق الجمار الثلاث كلّ جمرة بسبع حصيات من الجمار الملتقط من المشعر . فأوّل وقت الرمي يوم النحر ، وهو مختصّ بجمرة العقبة خاصّة قبل الذبح ، كما تقدّم .
وأمّا الجمار الثلاث
: فأوّل وقت رميها الحادي عشر من شهر ذي الحجّة ، وهو أوّل أيّام التشريق ، ثم في الثاني عشر ، ثم في الثالث عشر ، وهو ثالث أيّام التشريق ، فيرمي في كلّ يوم بإحدىٰ وعشرين حصاة . ويبدأ بالاُولىٰ من الجمرات ، وهي أبعد الجمرات من مكّة .
ويستحب أن يرميها عن
يسارها من بطن المسيل بسبع حصيات يرميهنّ خذفاً ، ويكبّر مع كلّ حصاة ، ويدعو ، ثم يقوم عن يسار الطريق ويستقبل القبلة ويحمد الله ويُثني عليه ويصلّي علىٰ النبي صلىاللهعليهوآله ، ثم يتقدّم
__________________
قليلاً
ويدعو ، ثم يقوم عن يسار الطريق ويستقبل القبلة ويحمد الله ويُثني عليه ويُصلّي علىٰ النبي صلىاللهعليهوآله ، ثم يتقدّم قليلاً ويدعو ، ثم يرمي
الجمرة الثانية الوسطىٰ ، ويصنع عندها كما صنع عند الاُولىٰ ، ويقف ويدعو بعد
الحصاة السابعة ، ثم يمضي إلىٰ الثالثة ـ وهي جمرة العقبة ـ يختم بها الرمي ، فيرميها كالأوّلتين ، إلّا أنّه لا يقف عندها ، ولا نعلم فيه خلافاً .
روىٰ العامّة
عن عائشة ، قالت : أفاض رسول الله صلىاللهعليهوآله من آخر يومه حين صلّىٰ الظهر ثم رجع إلىٰ منىٰ فمكث بها ليالي التشريق يرمي
الجمرة إذا زالت الشمس كلّ جمرة بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة ، ويقف عند الاُولىٰ والثانية ، فيطيل القيام ويتضرّع ، ويرمي الثالثة ولا يقف عندها
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « ارم في كلّ يوم عند زوال الشمس وقُلْ كما قلت حين رميت جمرة العقبة ، وابدأ بالجمرة الاُولىٰ ، وارمها عن يسارها في بطن المسيل وقُلْ كما قلت يوم النحر ثم قُمْ عن يسار الطريق ، فاستقبل القبلة واحمد الله وأثن عليه وصلّ علىٰ النبي صلىاللهعليهوآله ، ثم تقدّم قليلاً ، فتدعو وتسأله أن
يتقبّل منك ، ثم تقدّم أيضاً وافعل ذلك عند الثانية واصنع كما صنعت بالاُولىٰ وتقف وتدعو الله كما دعوت ، ثم تمضي إلىٰ الثالثة وعليك السكينة والوقار ولا تقف عندها »
.
مسألة ٦٧٩ : أوّل وقت الرمي في هذه الأيّام كلّها من طلوع الشمس إلىٰ غروبها ، قاله أكثر علمائنا ـ وبه قال طاوُس وعكرمة
ـ لما رواه
__________________
العامّة
: أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس قدر ما
إذا فرغ من رميه صلّىٰ الظهر ، ومعلومٌ أنّه عليهالسلام كان يبادر إلىٰ فعل الفريضة في أوّل وقتها ، فدلّ علىٰ أنّ الرمي قبل الزوال .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « الرمي ما بين طلوع الشمس إلىٰ غروبها » .
وللشيخ ـ رحمهالله ـ قول آخر في الخلاف : لا يجوز الرمي إلّا بعد الزوال ، وهو قول الفقهاء الأربعة
، إلّا أنّ أبا حنيفة جوّز الرمي يوم النفر قبل الزوال استحساناً .
إذا ثبت هذا ، فالرمي
عند الزوال أفضل ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « ارم في كلّ يوم عند الزوال » وبعد الزوال في الأداء أفضل .
ورُخّص للعليل
والخائف والرعاة والعبيد الرمي ليلاً لحاجتهم .
وقال الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « لا بأس أن يرمي الخائف بالليل ويضحّي ويفيض بالليل » .
وفي الموثّق عنه عليهالسلام « رخّص للعبد والخائف والراعي في الرمي ليلاً »
.
__________________
مسألة ٦٨٠ : يجب الترتيب بين الجمار الثلاث ، فلو نكس فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطىٰ ثم الاُولىٰ ، أعاد علىٰ الوسطىٰ وجمرة
العقبة . وكذا لو بدأ بالوسطىٰ ورمىٰ الثلاث ، لم يجزئه إلّا الاُولىٰ . ولو رمىٰ
جمرة العقبة ثم الاُولىٰ ثم الوسطىٰ ، أعاد علىٰ جمرة العقبة خاصّةً . وبالجملة
يعيد علىٰ ما يحصل به الترتيب عند علمائنا ـ وبه قال مالك والشافعي وأحمد
ـ لأنّ النبي عليهالسلام رتّبها في الرمي ، وقال : ( خُذوا عنّي
مناسككم ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ في رجل رمىٰ الجمار منكوسة : « يعيد علىٰ الوسطىٰ وجمرة العقبة »
.
ولأنّه نسك متكرّر ،
فيشترط فيه الترتيب ، كالسعي .
وقال الحسن البصري
وعطاء وأبو حنيفة : لا يجب الترتيب ؛ لأنّها مناسك متكرّرة في أمكنة متفرّقة في وقت واحد ليس بعضها تابعاً لبعض ، فلا يشترط فيها الترتيب ، كالرمي والذبح .
ونمنع حكم الأصل ،
ويبطل بالطواف والسعي .
مسألة ٦٨١ : يجب أن يرمي كلّ جمرة بسبع حصيات كملاً ، فلا يجوز له الإخلال بواحدة منها ـ وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في إحدىٰ الروايتين ـ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله رمىٰ بسبع حصيات .
__________________
ومن طريق الخاصّة :
رواية عبد الأعلىٰ عن الصادق عليهالسلام ، قال : قلت له : رجل رمىٰ الجمرة بست حصيات ووقعت واحدة ، قال : « يعيدها إن شاء من ساعته وإن شاء من الغد إذا أراد الرمي ، ولا يأخذ من حصىٰ الجمار » .
وقال أحمد في الرواية
الثانية : يجوز أن ينقص حصاة أو حصاتين لا أزيد ـ وبه قال مجاهد وإسحاق ـ لما رواه ابن أبي نجيح ، قال : سُئل طاوُس عن رجل ترك حصاة ، قال : يتصدّق بتمرة أو لقمة ، فذكرت ذلك لمجاهد ، فقال : إنّ أبا عبد الرحمن لم يسمع قول سعد ، قال سعد : رجعنا من الحجّة مع رسول الله صلىاللهعليهوآله بعضنا يقول : رميت بست ، وبعضنا يقول :
رميت بسبع ، فلم يعب ذلك بعضنا علىٰ بعض .
ولا حجّة فيه ؛ لجواز
أن يكون الترك لسهوٍ ، وحكاية الحال لا عموم لها .
مسألة ٦٨٢ : قد بيّنّا وجوب الترتيب في رمي الجمار ، فلو رمىٰ الاُولىٰ
بأقلّ من أربع حصيات ثم رمي الثانية والثالثة ، لم يحصل الترتيب ، سواء كان عمداً أو سهواً .
وكذا لو رمىٰ
الاُولىٰ بسبع ثم رمىٰ الثانية بثلاث ثم أكمل الثالثة ، فيجب أن يكمل الناقصة ثم يعيد علىٰ الاُخرىٰ .
ولو رمىٰ
السابقة بأربع فما زاد ثم رمىٰ ما بعدها سهواً ، حصل له الترتيب ، ووجب عليه إكمال ما نسيه في السابقة .
__________________
ولو كان النقص عمداً
، بطل الترتيب وإن كان قد رمىٰ أربعاً فما زاد ؛ لأنّ الأكثر يقوم مقام الشيء مع النسيان .
وقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ في رجل رمىٰ الجمرة الاُولىٰ بثلاث والثانية بسبع والثالثة بسبع ، قال : « يعيد رميهنّ جميعاً بسبع سبع » [ قلت : ] فإن رمىٰ الاُولىٰ بأربع والثانية بثلاث والثالثة
بسبع ، قال : « يرمي الجمرة الاُولىٰ بثلاث والثانية بسبع ، ويرمي جمرة العقبة بسبع » قلت :
فإنّه رمىٰ الجمرة الاُولىٰ بأربع والثانية بأربع والثالثة بسبع ، قال : «
يعيد فيرمي الاُولىٰ بثلاث والثانية بثلاث ، ولا يعيد علىٰ الثالثة »
.
إذا ثبت هذا ، فلو رمىٰ
بستّ وضاعت واحدة ، فليُعدْها وإن كان من الغد ، ولا يسقط وجوبها ؛ للرواية .
ولو علم أنّه قد أخلّ
بحصاة ولم يعلم من أيّ الجمار هي ، فليرم الثلاث بثلاث حصيات ؛ ليحصل يقين البراءة .
ولقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ في رجل أخذ إحدىٰ وعشرين حصاة فرمىٰ بها فزاد واحدة فلم يدر من أيّهنّ نقص ، قال : « فليرجع فليرم كلّ واحدة بحصاة » وإن سقطت من رجل حصاة فلم يدر أيّتهنّ هي ، قال : « يأخذ من تحت قدميه حصاة يرمي بها » قال : « فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل ، فأعد مكانها ، وإن هي أصابت إنساناً أو جملاً ثم وقعت في الجمار أجزأك » .
__________________
ويجب أن يرمي السبع
في سبع مرّات ، فإن رماها دفعةً أو أقلّ من سبعة ، لم يجزئه ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله رمىٰ بسبع حصيات في سبع مرّات
وقال : ( خذوا عنّي مناسككم ) .
مسألة ٦٨٣ : يجوز الرمي راكباً والمشي أفضل ؛ لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله رمىٰ الجمار راكباً ، وكذا أبو جعفر الثاني الجواد عليهالسلام .
وقال الشافعي : يرمي
في اليوم الأخير راكباً ، وفي الأوّلين ماشياً ؛ لأنّ النفر يتعقّب الرمي في الثالث ، فإذا كان راكباً ، مضىٰ عقيب الرمي وفي
الأوّلين يكون مقيماً .
ويستحب أن يأخذ الحصىٰ
في كفّه ويأخذ منها ويرمي ، ويكبّر عند رمي كلّ حصاة ، والمقام بمنىٰ أيّام التشريق ، وأن يرمي الجمرة الاُولىٰ
عن يمينه ، ويقف ويدعو ، وكذا الثانية ، ويرمي الثالثة مستدبراً للقبلة مقابلاً لها ،
ولا يقف عندها ، فلو أخلّ بشيء من ذلك ، لم يكن عليه شيء ، لا نعلم فيه خلافاً إلّا ما نُقل عن الثوري : أنّه لو ترك الوقوف والدعاء ، أطعم شيئاً ، وإن أراق دماً ، كان أحبّ .
مسألة ٦٨٤ : يجوز الرمي عن كلّ ذي عذر ، كالعليل والمبطون والمغمىٰ عليه والصبي ومَنْ أشبههم ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الحسن ـ :
__________________
«
الكسير والمبطون يُرمىٰ عنهما » قال : « والصبيان يُرمىٰ عنهم »
.
وفي الصحيح عن الصادق
عليهالسلام : في رجل اُغمي عليه ، فقال : « يُرمىٰ
عنه الجمار » .
وقال الكاظم عليهالسلام في المريض لا يستطيع أن يرمي الجمار : « يرمىٰ عنه » .
وسأل إسحاقُ بن عمّار
الكاظمَ عليهالسلام : عن المريض يُرمىٰ عنه الجمار ؟ قال : « نعم يحمل إلىٰ الجمرة ويُرمىٰ عنه »
.
مسألة ٦٨٥ : لو نسي رمي يوم بعض الجمرات أو جميعها ، أعاده من الغد ؛ لأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن رجل أفاض من جمع حتىٰ انتهىٰ إلىٰ منىٰ فعرض له عارض فلم يرم
حتىٰ غابت الشمس ، قال : « يرمي إذا أصبح مرّتين مرّة لما فاته ، والاُخرىٰ ليومه الذي
يصبح فيه ، وليفرّق بينهما تكون إحداهما بكرة ، وهي للأمس ، والاُخرىٰ عند زوال الشمس » .
وللشافعي قولان :
أحدهما : أنّ رمي كلّ يوم محدود الأوّل والآخر ، ففي السقوط بفوات وقته وجهان : أحدهما : السقوط ؛ لأنّ فوات الوقت المحدود يسقط الفعل المتعلّق به .
والثاني : أنّ الجميع
كاليوم الواحد ، فيعيد في اليوم الثاني والثالث ما
__________________
فاته
قبله .
ونمنع التحديد أوّلاً
؛ لأنّهم رووا عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه رخّص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنىٰ ، ويرموا يوم النحر جمرة العقبة ثم يرموا يوم النفر
، ولو كان محدوداً ، لما سوّغ التأخير حتىٰ يصير قضاءً .
وأمّا إذا فاته رمي
يوم كملاً ، فقد قلنا بوجوب قضائه في غده .
وللشافعي ثلاثة أقوال
: أحدها : السقوط إلىٰ الدم . والثاني : القضاء والدم ، كقضاء رمضان إذا أخّره إلىٰ رمضان آخر . والثالث : القضاء ولا شيء عليه ، كالوقوف إذا أخّره إلىٰ الليل .
والأصل براءة الذمّة
من الدم .
ويستحب أن يرمي ما
فاته بالأمس بكرةً ؛ للمبادرة إلىٰ القضاء ، والذي ليومه عند الزوال ؛ لأنّه وقت الفضيلة .
ويجب الترتيب يبدأ
بقضاء الفائت ثم يعقب بالحاضر ، فلو بدأ برمي يومه ، لم يقع الذي لأمسه ؛ لعدم إرادته ، ولا الذي ليومه ؛ لوجوب الترتيب ، وهو أحد قولي الشافعي ، والثاني : سقوط الترتيب
.
ولو رمىٰ جمرة
واحدة بأربع عشرة حصاة : سبعاً ليومه ، وسبعاً لأمسه ، بطلت الاُولىٰ .
ولو فاته رمي يومين ،
قضاه يوم الثالث مرتّباً . ولو فاته حصاة أو
__________________
حصاتان
أو ثلاث حتىٰ خرجت أيّام التشريق ، لم يكن عليه شيء ، وإن رماها في القابل ، كان أحوط .
وقال الشافعي : إن
ترك واحدة ، فعليه مُدٌّ ، وإن ترك اثنتين ، فمُدّان ، وإن ترك ثلاثاً ، فدمٌ إن كان ذلك من الجمرة الأخيرة ، وإن كان من الأوّلتين ، بطل الرمي .
والأصل براءة الذمّة
.
مسألة ٦٨٦ : لو نسي الجمار كلّها في الأيّام بأجمعها حتىٰ جاء مكّة
، وجب عليه الرجوع إلىٰ منىٰ وإعادة الرمي إن كانت أيّام التشريق لم
تخرج ، وإن خرجت ، قضاه من قابل في أيّام التشريق ، أو يأمر مَنْ يقضي عنه الرمي ، ولا دم عليه ؛ لأنّه مكلَّف بالرمي ، فلا يخرج عن العهدة إلّا به ، ولا كفّارة ؛ لأصالة البراءة .
ولقول الصادق عليهالسلام : « مَنْ أغفل رمي الجمار أو بعضها حتىٰ تمضي أيّام التشريق فعليه أن يرميها من قابل ، فإن لم يحجّ رمىٰ عنه وليّه ، فإن لم يكن له وليّ ، استعان رجلاً من المسلمين يرمي عنه ، فإنّه لا يكون رمي الجمار إلّا أيّام التشريق » .
ولو أخّر رمي جمرة
العقبة يوم النحر ، أعادها في ثاني أيّام النحر ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأنّه رمي فات وقته ، فكان عليه
قضاؤه ، كرمي أيّام التشريق .
__________________
ولأنّ عبد الله بن سنان
سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن رجل أفاض من جَمْع حتىٰ انتهىٰ إلىٰ منىٰ ، فعرض له [ عارض ]
فلم يرم حتىٰ غابت الشمس ، قال : « يرمي إذا أصبح مرّتين : مرّة لما فاته ، والاُخرىٰ
ليومه الذي يصبح فيه » .
والثاني : السقوط ،
ولا تكون أيّام التشريق وقتاً له ؛ لأنّه يخالفها ، فلا يتعلّق رمي يوم النحر إلّا بجمرة العقبة ، فهو كجنس آخر ، بخلاف بعض الأيّام مع بعض .
ويستحب للنائب في
الرمي عن المريض والصبي وشبهه أن يضع الحصىٰ في كفّ المنوب .
والمغمىٰ عليه
إن كان قد أذن لغيره في الرمي قبل إغمائه ، لم يبطل إذنه ، ولو زال عقله قبل الإذن ، جاز له أن يرمي عنه أيضاً ؛ للعموم . فإن زال العذر والوقت باقٍ ، فالأقرب عدم وجوب الإعادة .
ووقت الرمي في الأداء
والقضاء للمختار بعد طلوع الشمس إلىٰ غروبها .
مسألة ٦٨٧ : يستحب التكبير بمنىٰ أيّام التشريق عقيب خمس عشرة صلاة وفي غيرها عقيب عشر أوّلها ظهر يوم النحر ؛ لاشتغاله قبل ذلك بالتلبية ، ويستوي هو والحلال في ابتداء المدّة ، إلّا أنّ المُحْرم يكبّر عقيب خمس عشرة صلاة ، والمُحلّ عقيب عشر علىٰ ما قلناه .
قال الله تعالىٰ
: ( وَلِتُكَبِّرُوا
اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ) .
__________________
واختلف علماؤنا في
وجوبه ، فقال به السيّد المرتضىٰ ؛ للأمر ( به ، والأمر للوجوب ) .
ولقول الصادق عليهالسلام : « التكبير واجب في دُبُر كلّ صلاة فريضة أو نافلة أيّام التشريق » .
وقال الشيخ رحمهالله : إنّه مستحب ؛ للأصل .
ولقول الصادق عليهالسلام في الرجل ينسىٰ أن يكبّر أيّام التشريق ، قال : « إن نسي حتىٰ قام من موضعه فليس عليه شيء »
.
إذا ثبت هذا ، فلا
تكبير عقيب النوافل ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « التكبير في كلّ فريضة ، وليس في النافلة تكبير أيّام التشريق »
.
والرواية الاُولىٰ
ضعيفة السند .
وصورة التكبير هنا أن
يقول : « الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلّا الله والله أكبر علىٰ ما هدانا ، الله أكبر علىٰ ما رزقنا من بهيمة الأنعام » رواه
زرارة في الصحيح عن الباقر عليهالسلام .
وفي الصحيح عن الصادق
عليهالسلام : « الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلّا
الله والله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر علىٰ ما هدانا ، الله أكبر علىٰ ما رزقنا
من بهيمة الأنعام ، والحمد لله علىٰ ما أبلانا » .
__________________
مسألة ٦٨٨ : يستحب للإمام أن يخطب بعد الظهر يوم الثالث من أيّام النحر ، وهو الثاني من أيّام التشريق ، وهو النفر الأوّل ، فيودّع الحاج ويُعلمهم أنّ مَنْ أراد التعجيل ممّن اتّقىٰ فله ذلك ـ وبه قال الشافعي وأحمد وابن المنذر ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله خطب وسط أيّام التشريق
، يعني يوم النفر الأوّل .
وقال أبو حنيفة : لا
يستحب ذلك ؛ لأنّه من أيّام التشريق ، فلا يستحب فيه كغيره من اليومين .
والفرق : حاجة الناس
إلىٰ معرفة التعجيل ، وأنّ مَنْ تأخّر حتىٰ تغيب الشمس يلزمه المبيت والوداع وكيفيّته ، بخلاف اليومين .
البحث الرابع : في
النفر من منىٰ .
مسألة ٦٨٩ : إذا رمىٰ الحاجّ الجمار الثلاث في اليوم الأوّل من أيّام
التشريق وفي الثاني ، جاز له النفر من منىٰ ، ويسقط عنه رمي الثالث إن كان قد اتّقىٰ النساء والصيد في إحرامه ، بإجماع العلماء .
ولا فرق في جواز
النفر الأوّل بين أهل مكّة وغيرهم ممّن يريد المقام بمكّة أو لا يريد ، وهو قول عامّة العلماء ؛ لعموم الآية
.
__________________
ولما رواه العامّة عن
رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أنّه قال : ( أيّام منىٰ ثلاثة
، فَمَن
تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ، وَمَن تَأَخَّرَ
فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ
) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتىٰ تزول الشمس ، فإن تأخّرت إلىٰ آخر أيّام التشريق
وهو يوم النفر الأخير فلا عليك أيّ ساعة نفرت ورميت قبل الزوال أو بعده »
.
ولأنّه دفع من مكان ،
فاستوىٰ فيه أهل مكّة وغيرهم ، كالدفع من عرفة ومزدلفة .
وقال أحمد : لا ينبغي
لمن أراد المقام بمكة أن يتعجّل .
وقال مالك : مَنْ كان
من أهل مكّة وله عذر ، فله أن يتعجّل في يومين ، فإذا أراد التخفيف عن نفسه من أمر الحجّ ، فلا ؛ لقول عمر : مَنْ شاء من الناس كلّهم أن ينفر في النفر الأوّل إلّا آل خزيمة فلا ينفروا إلّا في النفر الأخير
.
وقول عمر ليس حجّةً ،
ويُحمل علىٰ أنّهم لم يتّقوا ، لا علىٰ أنّهم من أهل مكّة .
مسألة ٦٩٠ : إنّما يجوز النفير في النفر الأوّل لمن اتّقىٰ النساء
والصيد في إحرامه ، فلو جامع في إحرامه أو قتل صيداً فيه ، لم يجز له أن ينفر في الأوّل ، ووجب عليه المقام بمنىٰ والنفر في الثالث من أيّام التشريق ؛ لأنّه
تعالىٰ شرط الاتّقاء .
__________________
ولقول الصادق عليهالسلام : « مَنْ أتىٰ النساء في إحرامه لم يكن له أن ينفر في النفر الأوّل » .
وفي الصحيح عن الصادق
عليهالسلام ، في قوله تعالىٰ : ( فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ
اتَّقَىٰ ) قال : « يتّقي الصيد حتىٰ ينفر أهل منىٰ في النفر الأخير »
.
وفي رواية عن الباقر عليهالسلام أنّه : « لِمَنِ اتَّقَىٰ الرفث والفسوق والجدال وما حرّم الله عليه في إحرامه » .
إذا عرفت هذا ، فإذا
نفر في الأوّل نفر بعد الزوال ، ولا ينفر قبله ، إلّا لضرورة أو حاجة ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتىٰ تزول الشمس ، وإن تأخّرت إلىٰ آخر أيّام التشريق وهو يوم النفر الأخير فلا عليك أيّ ساعة نفرت ورميت قبل الزوال أو بعده » .
والأقرب أنّه علىٰ
الاستحباب .
أمّا النفر الثاني :
فيجوز قبل الزوال إجماعاً .
وإنّما يجوز النفر في
الأوّل إذا لم تغرب الشمس وهو بمنىٰ ، فإن غربت يوم النفر الأوّل وهو بمنىٰ ، وجب عليه المبيت تلك الليلة بمنىٰ ، عند
علمائنا ـ وبه قال ابن عمر وجابر بن زيد وعطاء وطاوُس ومجاهد وأبان بن عثمان
__________________
ومالك
والشافعي والثوري وإسحاق وأحمد وابن المنذر ـ لقوله تعالىٰ : ( فَمَن تَعَجَّلَ فِي
يَوْمَيْنِ ) واليوم اسم النهار ، فمن أدركه الليل
لم يتعجّل في يومين .
وما رواه العامّة عن
عمر : من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلىٰ الغد حتىٰ ينفر الناس .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « إذا جاء الليل بعد النفر الأوّل فبتّ [ بمنىٰ ] فليس لك أن تخرج منها حتىٰ تصبح » .
وقال أبو حنيفة : له
أن ينفر ما لم يطلع فجر اليوم الثالث ؛ لأنّه لم يدخل وقت رمي اليوم الأخير ، فجاز له النفر ، كما قبل الغروب
.
والفرق أنّه قبل
الغروب يتعجّل في اليومين ، وهاهنا بعد خروجهما .
ولو دخل عليه وقت
العصر ، جاز له أن ينفر في الأوّل .
ومنع الحسن البصري
منه . وليس بجيّد .
ولو رحل من منىٰ
فغربت الشمس وهو راحل قبل انفصاله منها ، فالأقرب : عدم وجوب المبيت ؛ لمشقّة الرفع والحطّ . ولو كان مشغولاً
__________________
بالتأهّب
فغربت الشمس ، فالأقرب : لزوم المقام .
ولو رحل قبل الغروب
ثم عاد لأخذ متاع ، أو اجتياز ، أو زيارة ، لم يلزمه المقام ، فلو بات بمنىٰ ، احتمل لزوم الرمي ؛ لدخوله عليه فيها .
ويجوز لمن نفر في الأوّل
إتيان مكّة والإقامة بها ؛ لعموم الترخّص .
وقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأوّل ثم يقيم بمكّة » .
وينبغي للإمام أن
ينفر قبل الزوال في النفر الأخير ، ويصلّي الظهر بمكّة ليُعلم الناس كيفية الوداع ، ولا بأس أن يقيم الإنسان بمنىٰ بعد النفر
؛ لأنّه فرغ من أداء مناسكه ، ولا يلزمه إتيان مكّة ، لكن يستحب ليطوف للوداع . وإذا نفر في الأوّل ، سقط عنه رمي الثالث إجماعاً .
ويستحب له دفن الحصىٰ
المختصّ بذلك اليوم بمنىٰ .
وأنكره الشافعي
.
مسألة ٦٩١ : يستحب للحاج أن يصلّي في مسجد الخيف بمنىٰ ، وسفح كلّ جبل يسمّىٰ خيفاً ، وكان مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله عند المنارة التي في وسط المسجد ، وفوقها إلىٰ القبلة نحواً من ثلاثين ذراعاً ، وعن يمينها ويسارها كذلك ، فمن استطاع أن يكون مصلّاه فيه فليفعل .
ويستحب أن يصلّي فيه
ست ركعات .
قال الصادق عليهالسلام : « صلّ ستّ ركعات في مسجد منىٰ في أصل الصومعة » .
__________________
ويستحب لمن ينفر في
النفر الثاني أن يأتي المحصّب ، وينزل به ، ويصلّي في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله فيه ، ويستريح فيه قليلاً ، ويستلقي علىٰ
قفاه ، وليس للمسجد اليوم أثر ، فيستحب نزول المحصّب والاستراحة فيه قليلاً ؛ لأنّ العامّة رووا عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه نزل فيه وصلّىٰ الظهر
والعصر والمغرب والعشاء وهجع هجعة .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « كان أبي ينزلها ثم يرتحل »
.
واختلفوا في أنّه نسك
، والنزاع لفظي ؛ للإجماع علىٰ أنّه يثاب عليه ، وأنّه لا يعاقب بتركه .
البحث الخامس : في
الرجوع إلىٰ مكّة .
مسألة ٦٩٢ : إذا قضىٰ الحاجّ مناسكه بمنىٰ ، استحبّ له العود
إلىٰ مكّة لطواف الوداع ، ويستحب له دخول الكعبة .
قال الباقر عليهالسلام : « الدخول فيها دخول في رحمة الله ، والخروج منها خروج من الذنوب ، معصوم فيما بقي من عمره ، مغفور ما سلف من ذنوبه »
.
ويستحب لمريد دخول
الكعبة الاغتسال والدعاء والتحفّي .
قال الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها ولا تدخلها بحذاء ، وتقول » إلىٰ آخر الدعاء
.
__________________
ثم يصلّي بين
الأسطوانتين علىٰ الرخامة الحمراء ركعتين يقرأ في الاُولىٰ حم ، وفي الثانية عدد آياتها من القرآن ، ويصلّي في زوايا البيت ويدعو بالمنقول قائماً مستقبل الحائط بين الركن اليماني والغربي يرفع يديه ويلتصق به ، ثم يتحوّل إلىٰ الركن اليماني فيفعل مثل ذلك ثم يفعل ذلك بباقي الأركان ثم ليخرج .
ويتأكّد استحباب
دخولها للصرورة ، فلا ينبغي له تركه ، ويدخله بسكينة ووقار .
وتكره الفريضة جوف
الكعبة .
روىٰ معاوية بن
عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام قال : « لا تصلّ المكتوبة في الكعبة ، فإنّ النبي صلىاللهعليهوآله لم يدخل الكعبة في حجّ ولا عمرة ولكنّه دخلها في الفتح فتح مكة ، وصلّىٰ ركعتين بين العمودين ومعه اُسامة بن زيد » .
ويستحب الدعاء عند
الخروج من الكعبة بالمنقول .
مسألة ٦٩٣ : يستحب وداع البيت إجماعاً .
روىٰ العامّة
عن النبي صلىاللهعليهوآله ، قال : ( لا ينفرنّ أحد حتىٰ
يكون آخر عهده بالبيت ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « إذا أردت أن تخرج من مكّة وتأتي أهلك فودّع البيت » .
هذا إذا أراد الخروج
من مكّة ، ولو نوىٰ الإقامة ، فلا وداع عليه .
__________________
واختلفت العامّة ،
فقال الشافعي وأحمد : لا وداع عليه ، سواء نوىٰ الإقامة قبل النفر أو بعده ؛ لأنّه غير مفارق .
وقال أبو حنيفة : إن
نوىٰ الإقامة بعد أن حلّ له النفر ، لم يسقط عنه طواف الوداع .
والوجه : الأوّل ؛
لقول الصادق عليهالسلام : « إذا أردت أن تخرج من مكّة وتأتي أهلك فودّع البيت » .
مسألة ٦٩٤ : يستحب الوداع بطواف سبعة أشواط ، وليس هذا الطواف واجباً ، ولا يجب بتركه دم ، عند علمائنا ـ وهو أحد قولي الشافعي
ـ لأصالة البراءة ، ولسقوطه عن الحائض ، فلا يكون واجباً .
ولأنّ هشام بن سالم
سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عمّن نسي زيارة البيت حتىٰ رجع إلىٰ أهله ، فقال : « لا يضرّه إذا كان قد قضىٰ
مناسكه » .
والقول الثاني
للشافعي : أنّه نسك واجب يجب بتركه الدم ـ وبه قال الحسن والحكم وحماد والثوري وإسحاق وأحمد وأبو ثور
ـ لقول ابن عباس : اُمر الناس أن يكون آخر عهدهم البيت إلّا أنّه خُفّف عن المرأة الحائض .
__________________
والأمر هنا للاستحباب
؛ جمعاً بين الأدلّة .
ولا خلاف في أنّه ليس
بركن في الحجّ ، ولهذا سقط عن الحائض ، بخلاف طواف الزيارة .
ووقته بعد فراغ المرء
من جميع أشغاله ليكون البيت آخر عهده .
وإذا طاف للوداع وصلّىٰ
ركعتيه ، فإن انصرف ، فلا بحث ، وإن أقام بعد ذلك علىٰ زيارة صديق أو شراء متاع أو شبه ذلك ، قال الشافعي : لا يجزئه الأوّل ، ويعيد طوافاً آخر ، وإن قضىٰ حاجةً في طريقه من أخذ الزاد وشبهه ، لم يؤثّر ذلك في وداعه ـ وبه قال أحمد وعطاء ومالك والثوري وأبو ثور ـ لأنّه بالإقامة يخرج عن كون فعله وداعاً
.
وقال أبو حنيفة : لا
يعيد الوداع وإن أقام شهرين وأكثر ؛ لأنّه طاف للوداع بعد ما حلّ له النفر ، فأجزأه ، كما لو نفر عقيبه
.
وهذا البحث عندنا
ساقط ؛ لأنّه مستحبّ عندنا .
ولو كان منزله في
الحرم ، قال أبو ثور : عليه الوداع . وهو قياس قول مالك وظاهر مذهبنا ؛ لأنّهم ينفرون ويخرجون من مكة ، فاستحبّ لهم الوداع كغيرهم .
وقال أصحاب الرأي :
لا وداع عليهم . وهو إحدىٰ الروايتين عن أحمد .
ولو أخّر طواف
الزيارة حتىٰ يخرج ، لم يسقط استحباب طواف
__________________
الوداع
؛ لأنّهما عبادتان ، فلا يتداخلان . ومَنْ أوجب الدم بترك طواف الوداع من العامّة اختلفوا ، فالأكثر أنّ القريب ـ وهو ما نقص عن مسافة التقصير ـ يرجع ويطوف للوداع ، والبعيد يبعث بالدم .
ولو رجع البعيد وطاف
للوداع ، قال بعضهم : لا يسقط الدم ؛ لاستقراره ببلوغ مسافة القصر . وقال بعضهم : يسقط ؛ لأنّه واجب أُتي به ، فلا يجب بدله .
ولو خرج من مكّة ولم
يودّع ، يكون قد ترك الأفضل عندنا ، فلو رجع لطواف الوداع ، كان له ذلك إجماعاً ، فإن رجع وهو قريب لم يخرج من الحرم ، فلا بحث ، وإن خرج وقد بَعُد عن الحرم ، لم يجز له أن يتجاوز الميقات إلّا مُحْرماً ؛ لأنّه ليس من أهل الأعذار ، فحينئذٍ يطوف للعمرة لإحرامه ويسعىٰ ، ولا يجب عليه طواف الوداع عندنا . ولو رجع من دون الميقات ، أحرم من موضعه .
مسألة ٦٩٥ : وطواف الوداع سبعة أشواط كغيره ، ويستلم الحجر الأسود واليماني في كلّ شوط ، فإن تعذّر ، افتتح به وختم به ، ويأتي المستجار ، ويصنع عنده كما صنع يوم قدوم مكّة ، ويدعو ويلصق بطنه بالبيت ، ويحمد الله ويثني عليه ، ويدعو بالمنقول ، ثم يصلّي ركعتي الطواف .
وقال الصادق عليهالسلام : « ليكن آخر عهدك بالبيت أن تضع يدك علىٰ الباب وتقول : المسكين علىٰ بابك فتصدّق عليه بالجنّة »
.
__________________
ويستحب له أن يشرب من
زمزم إجماعاً ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله لمّا أفاض نزع
هو لنفسه بدلو من بئر زمزم ولم ينزع معه أحد ، فشرب ثم أفرغ باقي الدلو في البئر .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « ثم ائت زمزم فاشرب منها ثم اخرج » .
مسألة ٦٩٦ : الحائض لا طواف عليها للوداع ولا فدية عليها بإجماع فقهاء الأمصار . ويستحب لها أن تودّع من أدنىٰ باب من أبواب المسجد ، ولا تدخله إجماعاً .
وروي عن عمر وابنه
أنّهما قالا : تقيم الحائض لطواف الوداع .
وليس بمعتمد ؛ لما
رواه العامّة : أنّ اُم سليم بنت ملحان استفتت رسول الله صلىاللهعليهوآله وقد حاضت أو ولدت بعد ما أفاضت يوم
النحر ، فأذن لها رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فخرجت
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « إذا أرادت الحائض أن تودّع البيت فلتقف علىٰ أدنىٰ باب من أبواب المسجد فلتودّع البيت »
.
__________________
ولأنّ إلزامها
بالمقام مشقّة عظيمة .
والمستحاضة تودّع
بطواف ، ولو فقدت الماء تيمّمت وطافت .
ولو طهرت الحائض قبل
مفارقة بنيان مكّة ، استحبّ لها العود والاغتسال والطواف . وأوجبه الموجبون ، وإن كان بعد مفارقة البنيان ، لم تعد إجماعاً ؛ للمشقّة ، بخلاف مَنْ خرج متعمّداً ، فإنّه يعود ما لم يبلغ مسافة القصر ؛ لأنه ترك واجباً ، فلا يسقط بمفارقة البنيان ، وها هنا لم يجب ، فلا يجب بعد الانفصال إذا أمكن ، كما يجب علىٰ المسافر إتمام الصلاة في البنيان ، ولا يجب بعد الانفصال .
مسألة ٦٩٧ : يستحبّ لمن أراد الخروج من مكّة أن يشتري بدرهم تمراً يتصدّق به ليكون كفّارةً لما دخل عليه حال الإحرام من فعل حرام أو مكروه .
قال الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « يستحبّ للرجل والمرأة أن لا يخرجا من مكّة حتىٰ يشتريا بدرهم تمراً يتصدّقان به لما كان منهما في إحرامهما ، ولما كان في حرم الله عزّ وجلّ » .
__________________
المقصد الرابع في اللواحق
وفيه فصول :

الأول
في الحصر والصدّ
وفيه مباحث :
الأوّل : في الصدّ .
مسألة ٦٩٨ : الحصر عندنا هو المنع من تتمّة أفعال الحجّ بالمرض خاصّة ، والصدّ بالعدوّ ، وعند العامّة هما واحد من جهة العدوّ
. والأصل عدم الترادف .
قال الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « المحصور غير المصدود ، فإنّ المحصور هو المريض ، والمصدود هو الذي يردّه المشركون كما ردّوا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ليس من مرض ، والمصدود تحلّ له
النساء ، والمحصور لا تحلّ له » .
والقارن إذا اُحصر ،
فليس له أن يتمتّع في القابل ، بل يفعل مثل ما دخل فيه .
مسألة ٦٩٩ : إذا أحرم الحاجّ ، وجب عليه إكمال ما أحرم له من حجّ أو عمرة ، فإذا صدّه المشركون أو غيرهم عن الوصول إلىٰ مكّة بعد إحرامه ، ولا طريق له سوىٰ موضع الصدّ ، أو كان له طريق لا تفي نفقته بسلوكه ، تحلّل بالإجماع .
__________________
قال الله تعالىٰ
: ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ
فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) أي : إذا اُحصرتم فتحلّلتم أو أردتم التحلّل فما استيسر من الهدي ؛ لأنّ نفس الإحصار لا يوجب هدياً .
وروىٰ العامّة
: أنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر أصحابه يوم حُصروا في الحديبية ـ وهي اسم بئر خارج الحرم ـ أن ينحروا ويحلقوا ويحلّوا
.
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « المصدود تحلّ له النساء »
.
وسواء كان الإحرام
للحجّ أو العمرة وبأيّ أنواع الحجّ أحرم جاز له التحلّل مع الصدّ ، عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد
ـ لعموم الآية .
ولأنّها نزلت في صدّ
الحديبيّة ، وكان النبي صلىاللهعليهوآله وأصحابه مُحْرمين بعمرة فتحلّلوا جميعاً .
وقال مالك : المعتمر لا
يتحلّل ؛ لأنّه لا يخاف الفوات .
ولو كان له طريق غير
موضع الصدّ ، فإن كان معه نفقة تكفيه ، لم يكن له التحلّل ، واستمرّ علىٰ إحرامه ، ووجب عليه سلوكها وإن بعدت ، سواء خاف الفوات أو لا .
__________________
فإن كان مُحرماً
بعمرة لم تفت ، فلا يجوز له التحلّل ، وإن كان بحجٍّ ، صبر حتىٰ يتحقّق الفوات ثم يتحلّل بعمرة ، وليس له قبله التحلّل والإتيان بالعمرة بمجرّد خوف الفوات ؛ لأنّ التحلّل إنّما يجوز بالحصر لا بخوف الفوات ، وهذا غير مقصود هنا ، فإنّه يجب أن يمضي علىٰ إحرامه في ذلك الطريق ، فإذا أدرك الحجّ ، أتمّه ، وإن فاته ، تحلّل بعمرة وقضاه .
ولو قصرت نفقته ، جاز
له التحلّل ؛ لأنّه ممنوع مصدود ولا طريق له سوىٰ موضع المنع لعجزه عن الباقي ، فيتحلّل ويرجع إلىٰ بلده .
قال الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله حيث صدّه المشركون يوم الحديبيّة نحر بدنة ورجع إلىٰ المدينة »
.
مسألة ٧٠٠ : المصدود يتحلّل بالهدي ونيّة التحلّل خاصّةً .
أمّا الهدي : فعليه
فتوىٰ أكثر العلماء ؛ للآية
.
قال الشافعي : لا
خلاف بين المفسّرين في أنّ قوله تعالىٰ : (
فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) نزلت في حصر الحديبيّة
.
ولأنّه عليهالسلام حيث صدّه المشركون يوم الحديبيّة نحر بدنة ، ورجع إلىٰ المدينة ، وفِعْلُه بيان للواجب .
ولأنّه اُبيح له
التحلّل قبل أداء نسكه ، فكان عليه الهدي ، كالفوات .
وقال ابن إدريس من علمائنا
: الهدي مختصّ بالمحصور لا بالصدّ ؛
__________________
لأصالة
البراءة ، ولقوله تعالىٰ : (
فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) أراد : بالمرض ؛ لأنّه يقال : أحصره المرض وحصره العدوّ . وبه قال مالك ؛ لأنّه تحلّل اُبيح له
من غير تفريط فأشبه مَنْ أتمّ حجّه .
والفرق : أنّ مَنْ أتمّ
حجّه لم يبق عليه شيء من النسك ، فتحلّله لأداء مناسكه ، بخلاف المصدود الذي لم يتم نسكه .
وأمّا النيّة :
فلأنّه خروج من إحرام ، فيفتقر إليها ، كالداخل فيه . ولأنّ الذبح إنّما يختصّ بالتحلّل بالنيّة . ولأنّه عمل فيفتقر إلىٰ النيّة ، وبه
قال الشافعي .
ولو نوىٰ
التحلّل قبل الهدي ، لم يتحلّل ، وكان علىٰ إحرامه حتىٰ ينحر الهدي ؛ لأنّه اُقيم مقام أفعال الحجّ ، فلا يحلّ له ، كما لا يتحلّل القادر علىٰ أفعال الحجّ قبل فعلها ، ولا فدية عليه في نيّة التحلّل ، لعدم تأثيرها
في العبادة ، فإن فَعَل شيئاً من محظورات الإحرام قبل الهدي ، فعليه الفداء ؛ لأنّه مُحْرم فَعَلَ محظوراً في إحرام صحيح ، فكان عليه فديته ، كالقادر .
مسألة ٧٠١ : لا بدل لهدي التحلّل ، فلو عجز عنه وعن ثمنه ، لم ينتقل إلىٰ غيره ، ويبقىٰ علىٰ إحرامه ، ولو تحلّل لم يحلّ ـ وبه قال
مالك وأبو حنيفة والشافعي في أحد القولين ـ لقوله تعالىٰ : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا
__________________
اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ
حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ )
ولو كان الصوم أو الإطعام بدلاً ، لجاز الحلق قبل الهدي .
ولأنّ الهدي اُقيم
مقام الأعمال ولو قدر علىٰ الأعمال لم يتحلّل إلّا بها ، فإذا عجز لا يتحلّل إلّا ببدلها .
والقول الثاني
للشافعي ـ وهو الصحيح عندهم ـ : إنّه يتحلّل في الحال ، فينتقل إلىٰ صوم التعديل في قول ، وفي آخر : إلىٰ الإطعام ،
وفي ثالث : إلىٰ الصوم ، ويحلّ به ، وهو أن يقوّم شاة وسط بالطعام ، فيصوم بإزاء
كلّ مُدٌّ يوماً ، وفي رابع : يتخيّر بين الإطعام والصيام
.
وعلىٰ قوله
الأوّل بعدم الانتقال يكون في ذمّته ، ففي جواز التحلّل حينئذٍ له قولان : أحدهما : أنّه يبقىٰ مُحْرماً إلىٰ أن يهدي ، والثاني
ـ وهو الأشبه ـ أنّه يحلّ ثم يهدي إذا وجد .
وقال أحمد : إنّه
ينتقل إلىٰ صيام عشرة أيّام .
إذا عرفت هذا ، فإذا
ذبح هل يجب عليه الحلق أو التقصير أم لا ؟ قال أحمد في إحدىٰ الروايتين : لا بدّ مَنْ أحدهما ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله حلق يوم الحديبيّة .
__________________
ويحتمل العدم ؛ لأنّه
تعالىٰ ذكر الهدي وحده ، ولم يشرط سواه .
إذا ثبت هذا ، فلو
كان المصدود قد ساق هدياً في إحرامه قبل الصدّ ثم صُدّ ، ففي الاكتفاء بهدي السياق عن هدي التحلّل قولان : أحدهما : الاكتفاء ؛ لقوله تعالىٰ : (
فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ ) .
وقيل : لا بدّ من هدي
آخر للسياق كما لو لم يسق .
مسألة ٧٠٢ : لا يختصّ مكان ولا زمان لنحر هدي التحلّل وذبحه في المصدود ، بل يجوز نحره في موضع الصدّ ، سواء الحلّ والحرم ، ومتىٰ صُدّ جاز له الذبح في الحال ، والإحلال ؛ لقوله تعالىٰ : ( فَمَا اسْتَيْسَرَ ) ولم يعيّن زماناً خصوصاً مع الإتيان بالفاء ـ وبه قال مالك والشافعي
ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله نحر بالحديبيّة
، وهي خارج الحرم .
ولأنّه يؤدّي إلىٰ
تعذّر الحلّ ؛ لتعذّر وصول الهدي محلّه مع مقاومة العدوّ .
وقال الصادق عليهالسلام : « المحصور والمضطرّ ينحران بدنتهما في المكان الذي يضطرّان فيه » .
وقال الحسن وابن
مسعود والشعبي والنخعي وعطاء وأبو حنيفة : لا ينحر إلّا بالحرم يبعث به ويواطئ مَنْ بعثه معه علىٰ نحره في وقت يتحلّل فيه ؛ لقوله تعالىٰ : (
وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ )
ثمّ
__________________
قال
: ( ثُمَّ مَحِلُّهَا
إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) .
والآية في حقّ غير
المصدود ، ولا يمكن قياس المصدود عليه ؛ لأنّ تحلّله في الحِلّ ، وتحلّل غيره في الحرم .
مسألة ٧٠٣ : لو صُدّ عن مكّة قبل الموقفين ، فهو مصدود إجماعاً ، يجوز له التحلّل . ولو صُدّ عن الموقفين ، فكذلك عندنا ـ وبه قال الشافعي ـ لعموم الآية .
وقال أبو حنيفة ومالك
: ليس له أن يتحلّل ، وليس بمصدود ، بل إن قدر علىٰ الأداء ، أدّىٰ ، وإن دام العجز حتىٰ مضىٰ الوقت
، فحكمه حكم مَنْ فاته الحجّ يتحلّل بأفعال العمرة ؛ لأنّ العجز في الحرم ليس مثل العجز خارج الحرم .
ويبطل بقوله [ تعالىٰ
] : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ
) وهو عامّ .
ولو مُنع عن أحد
الموقفين ، قال الشيخ رحمهالله : إنّه مصدود
أيضاً .
ولو مُنع بعد الوقوف
بالموقفين عن العود إلىٰ منىٰ لرمي الجمار والمبيت بها فلا صدّ ، وقد تمّ حجّه فيتحلّل ويستنيب مَنْ يرمي عنه .
__________________
ولو صُدّ بعد الوقوف
بالموقفين قبل طواف الزيارة والسعي ، تحلّل أيضاً ؛ لأنّ الصدّ يفيد التحلّل من جميعه فمن بعضه أولىٰ . وله أن يبقىٰ
علىٰ إحرامه ، فإن لحق أيّام منىٰ ، رمىٰ وحلق وذبح ، وإن لم
يلحق ، أمر مَنْ ينوب عنه في ذلك ، فإذا تمكّن ، أتىٰ مكة فطاف طواف الحجّ وسعىٰ وتمّ حجّه أيضاً ، ولا قضاء عليه ، وإن لم يُقم علىٰ إحرامه حتىٰ يطوف ويسعىٰ
وتحلّل ، كان عليه الحجّ من قابل ليأتي بأركان الحجّ من الطواف والسعي ، أمّا لو طاف وسعىٰ ومُنع من المبيت بمنىٰ والرمي ، فإنّ حجّه تامّ ؛
لما تقدّم .
ولو تمكّن من المبيت
وصُدّ عن الموقفين أو عن أحدهما ، جاز له التحلّل ؛ للعموم ، فإن لم يتحلّل وأقام علىٰ
إحرامه حتىٰ فاته الوقوف ، فقد فاته الحجّ ، وعليه التحلّل بعمرة ، ولا دم عليه لفوات الحجّ .
وهل يجوز له فسخ نيّة
الحجّ إلىٰ العمرة قبل الفوات ؟ إشكال ، قال به بعض الجمهور ؛ لأنّا أبحنا له ذلك من غير صدّ ،
فمعه أولىٰ . ولا دم عليه .
ولو طاف وسعىٰ
للقدوم ثم صُدّ حتىٰ فاته الحجّ ، طاف وسعىٰ ثانياً لعمرة اُخرىٰ ، ولا يجتزئ بالأوّل ؛ لأنّه لم يقصد به طواف العمرة ولا سعيها
بل يجتزئ بالإحرام الأوّل ، ولا يجدّد إحراماً آخر ، وبه قال أحمد والشافعي وأبو ثور .
__________________
وقال مالك : يخرج إلىٰ
الحِلّ ، فيفعل ما يفعله المعتمر .
وقال الزهري : لا بدّ
أن يقف بعرفة .
وقال محمد بن الحسن :
لا يكون محصراً بمكّة .
مسألة ٧٠٤ : إذا تحلّل وفاته الحجّ ، وجب عليه القضاء في القابل إن كان الحجّ الفائت واجباً ، كحجّة الإسلام والنذر وغيره ، ولا يجب قضاء النفل عند علمائنا . وكذا العمرة يجب قضاء الواجب منها ، كعمرة الإسلام والنذر وغيره ، ولو كانت نفلاً ، لم يجب القضاء ؛ لأصالة براءة الذمّة .
وقال الشافعي : لا
قضاء عليه بالتحلّل ، فإن كانت حجّة تطوّع أو عمرة تطوّع ، لم يلزمه قضاؤها بالتحلّل ، وإن كانت حجّة الإسلام أو عمرته وكانت قد استقرّت في ذمّته قبل هذه السنة ، فإذا خرج منها بالتحلّل ، فكأنّه لم يفعلها ، وكان باقياً في ذمّته علىٰ ما كان عليه ، وإن وجبت في هذه السنة ، سقط وجوبها ولم يستقرّ ؛ لفقدان بعض شرائط الحجّ ، فحينئذٍ التحلّل بالصدّ لا يوجب القضاء بحال . وبه قال مالك وأحمد في إحدىٰ الروايتين .
وقال أبو حنيفة : إذا
تحلّل ، لزمه القضاء ، ثم إن كان إحرامه بعمرة مندوبة ، قضاها واجباً ، وإن كان بحجّة مندوبة فاُحصر ، تحلّل ، وعليه أن يأتي بحجّة وعمرة ، وإن كان قرن بينهما فاُحصر وتحلّل ، لزمه حجّة
__________________
وعمرتان
: عمرة لأجل العمرة ، وحجّة وعمرة لأجل الحجّ .
ويجيء علىٰ
مذهبه : إذا أحرم بحجّتين ، فإنّه ينعقد بهما ، وإنّما ينتقص عن أحدهما إذا أخذ في السير ، فإن اُحصر قبل أن يسير ، تحلّل منهما ، ولزمه حجّتان وعمرتان .
مسألة ٧٠٥ : لا فرق بين الصدّ العامّ ـ وهو الذي يصدّه المشركون وأصحابه ـ وبين الصدّ الخاصّ ، كالمحبوس بغير حقّ ومأخوذ اللصوص وحده ؛ لعموم النصّ ، ووجود المقتضي لجواز التحلّل ، وكذا
يجب القضاء في كلّ موضع يجب فيه الصدّ العامّ ، وما لا يجب هناك لا يجب هنا ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأصالة البراءة ، والعمومات . وفي
الثاني : يجب القضاء .
والمحبوس بدَيْنٍ إن
كان قادراً علىٰ أدائه ، فليس بمصدود ، وليس له التحلّل ، وإن كان عاجزاً ، تحلّل . وكذا يتحلّل لو حُبس ظلماً .
ولو كان عليه دَيْنٌ
مؤجّل يحلّ قبل قدوم الحاجّ فمنعه صاحبه من الحجّ ، كان له التحلّل ؛ لأنّه معذور ؛ لعجزه .
ولو أحرم العبد مطلقاً
أو الزوجة تطوّعاً بغير إذن السيّد والزوج ، كان لهما منعهما من الإتمام ، وتحلّلا من غير دم .
__________________
وكلّ موضع جوّزنا فيه
التحلّل من إحرام الحجّ يجوز التحلّل من إحرام العمرة ، وهو قول أكثر العلماء ، خلافاً لمالك ؛ فإنّه قال : لا يحلّ من إحرام العمرة ؛ لأنّها لا تفوت .
مسألة ٧٠٦ : يستحب له تأخير الإحلال ؛ لجواز زوال العذر ، فإذا أخّر وزال العذر قبل تحلّله ، وجب عليه إتمام نسكه إجماعاً ؛ لقوله تعالىٰ : ( وَأَتِمُّوا
الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) .
ولو خشي الفوات ، لم
يتحلّل ، وصبر حتىٰ يتحقّق ثم يتحلّل بعمرة . فلو صابر ففات الحجّ ، لم يكن له التحلّل بالهدي بل بعمرة ، ويقضي واجباً إن كان واجباً ، وإلّا فلا .
ولو فات الحجّ ثم زال
الصدّ بعده ، قال بعض العامّة : يتحلّل بالهدي ، وعليه هدي آخر للفوات .
وقال الشيخ رحمهالله : يتحلّل بعمرة ، ولا يلزمه دم لفوات الحجّ
.
ولو غلب علىٰ
ظنّه انكشاف العدوّ قبل الفوات ، جاز له أن يتحلّل ؛ للعموم ، لكنّ الأفضل البقاء علىٰ إحرامه ، فإن فات الوقوف ،
أحلّ بعمرة .
ولو أفسد حجّه فصُدّ
، كان عليه بدنة ، ودم التحلّل ، والحجّ من قابل .
ولو انكشف العدوّ في
وقت يتّسع لاستئناف القضاء ، وجب ، وهو
__________________
حجّ
يقضي لسنته ، ولو ضاق الوقت ، قضىٰ من قابل .
وإن لم يتحلّل من الفاسد
، فإن زال الصدّ والحجّ لم يفت ، مضىٰ في الفاسد ، وتحلّل ، كالصحيح ، وإن فاته ، تحلّل بعمرة ، وتلزمه بدنة للإفساد ، ولا شيء عليه للفوات . والقضاء من قابل واجب ، سواء كان الحجّ واجباً أو ندباً .
ولو كان العدوّ باقياً
، فله التحلّل ، فإذا تحلّل ، لزمه دم التحلّل وبدنة الإفساد ، والقضاء من قابل ، وليس عليه أكثر من قضاء واحد .
ولو صُدّ فأفسد حجّه
، جاز له التحلّل ؛ للعموم ، وعليه دم التحلّل ، وبدنة للإفساد ، والحجّ ، ويكفيه قضاء واحد .
مسألة ٧٠٧ : ينبغي للمُحْرم أن يشترط علىٰ ربّه حالة الإحرام ـ
خلافاً لمالك ـ فإذا شرط في ابتداء إحرامه أن يحلّ متىٰ مرض ، أو
ضاعت نفقته أو نفدت ، أو منعه ظالم ، أو غير ذلك من الموانع ، فإنّه يحلّ متىٰ وجد ذلك المانع .
وفي سقوط هدي التحلّل
قولان .
والشرط لا يؤثّر في
سقوط القضاء إن كان الحجّ واجباً ، خلافاً لبعض العامّة .
وينبغي أن يشترط ما لَه
فائدة . ولو قال : أن تحلّني حيث شئت ، فليس له ذلك .
ولو قال : أنا أرفض
إحرامي وأحلّ ، فلبس وذبح الصيد [ وعمل
__________________
غيرهما
] من تروك الإحرام من غير صدّ أو حصر ، لم يحلّ ، ووجبت الكفّارة ؛ لأنّ الإحرام لا يفسد برفضه ؛ لأنّه عبادة لا يخرج منها بالفساد ، فلا يخرج منها برفضها ، بخلاف سائر العبادات التي يخرج منها بإفسادها ، كالصلاة .
وإن وطئ قبل الموقفين
، أفسد حجّه ، ووجب إتمامه ، وبدنة ، والحجّ من قابل ، سواء كان الوطء قبل ما فَعَله من الجنايات أو بعده ، فإنّ الجناية علىٰ الإحرام الفاسد توجب الجزاء ، كالجناية علىٰ الإحرام الصحيح ،
وليس عليه لرفضه شيء ؛ لأنّه مجرّد نيّة لم تؤثّر شيئاً .
مسألة ٧٠٨ : العدوّ الصادّ إن كان مسلماً ، فالأولىٰ الانصراف عنه ؛
لأنّ في قتاله مخاطرةً بالنفس والمال ، إلّا أن يدعوهم الإمام أو نائبه إلىٰ
قتالهم ، ويجوز قتالهم ؛ لأنّهم تعدّوا علىٰ المسلمين بمنعهم الطريق . وإن كانوا مشركين ، لم يجب علىٰ الحاجّ قتالهم .
قال الشيخ رحمهالله : وإذا لم يجب قتالهم ، لم يجز ، سواء كانوا قليلين أو كثيرين .
وللشافعي قول بوجوب
القتال إذا لم يزد عدد الكفّار علىٰ الضِّعْف .
والوجه : أنّه إذا
غلب ظنّ المسلمين بالغلبة ، جاز قتالهم ، ويجوز
__________________
تركه
، فيتحلّل الحاجّ .
ولو ظنّ المسلمون
الانقهار ، لم يجز قتالهم ؛ لئلّا يغزوا بالمسلمين ، فلو احتاج الحاجّ إلىٰ لبس السلاح وما تجب فيه الفدية لأجل الحرب ، جاز ، وعليهم الفدية ، كما لو لبسوا لدفع الحرّ والبرد . ولو قتلوا أنفساً
وأتلفوا مالاً ، لم يضمنوا .
ولو قتل المسلمون صيد
الكفّار ، كان عليهم الجزاء لله ، ولا قيمة للكفّار ؛ إذ لا حرمة لهم .
ولو بذل العدوّ
الطريق وكانوا معروفين بالغدر ، جاز التحلّل والرجوع ، وإلّا فلا . ولو طلب العدوّ مالاً لتخلية الطريق ، فإن لم يوثق بهم ، لم يجب بذله إجماعاً ؛ لبقاء الخوف ، وإن كانوا مأمونين ، فإن كثر ، لم يجب ، بل يكره إن كان العدوّ كافراً ؛ لما فيه من الصغار وتقوية الكفّار ، وإن قلّ ، قال الشيخ : لا يجب بذله ، كما لا يجب في ابتداء الحجّ بذل مال ، بل يتحلّل .
مسألة ٧٠٩ : إذا تحلّل المصدود بالهدي ، فإن كان الحجّ واجباً ، قضىٰ
ما تحلّل منه ، إن كان حجّاً ، وجب عليه حجّ لا غير ـ وبه قال الشافعي
ـ لأنّه اُحصر عن الحجّ ، فلا يلزمه غيره ، كمن اُحصر عن العمرة لا يلزمه غيرها .
وقال أبو حنيفة : يجب
عليه حجّ وعمرة معاً ؛ لأنّ المصدود فائت
__________________
الحجّ
، وفائت الحجّ يتحلّل بأفعال العمرة ، فإذا لم يأت بأفعال العمرة في الحال ، يجب عليه قضاؤها .
ونمنع مساواة الصدّ
لفائت الحجّ .
والصدّ قد يتحقّق في
العمرة ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لقوله تعالىٰ : ( وَأَتِمُّوا
الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ )
ذكر ذلك عقيبهما ، فينصرف إلىٰ كلٌّ منهما .
وسُئل ابن مسعود عن
معتمر لُدغ ، فقال : ابعثوا عنه هدياً ، فإذا ذُبح عنه فقد حلّ .
ولأنّ النبي صلىاللهعليهوآله لمّا صُدّ كان معتمراً .
وقال مالك : لا
يتحقّق ؛ لأنّه ليس للعمرة وقت معلوم ، فيمكنه اللبث إلىٰ أن يزول الإحصار ثم يؤدّي .
وهو يستلزم الحرج ؛
لعدم العلم بالغاية .
مسألة ٧١٠ : إذا صُدّ عن المضيّ إلىٰ مكّة أو الموقفين ، كان له
التحلّل بالهدي علىٰ ما تقدّم .
هذا إذا منع من المضيّ
، دون الرجوع والسير في صوب آخر ، وأمّا إذا أحاط العدوّ بهم من جميع الجهات كلّها ، فكذلك عندنا ـ وهو أصحّ
__________________
قولي
الشافعي ـ لأنّهم يستفيدون به الأمن من العدوّ الذي بين أيديهم .
والثاني : ليس لهم
التحلّل ؛ لأنّهم لا يستفيدون به أمناً ، فأشبه المريض ليس له التحلّل .
والأصل ممنوع .
ولا بدل لهدي التحلّل
علىٰ ما تقدّم ، خلافاً للشافعي في أحد قوليه ، وعلىٰ القولين لا بدّ من نيّة التحلّل
.
وهل يجب الحلق ؟
للشافعي قولان : إن قلنا : إنّه نسك ، فنعم ، وإلّا فلا ، فخرج من هذا أنّا إذا اعتبرنا الذبح والحلق مع النيّة ، فالتحلّل يحصل بثلاثتها ، وإن أخرجنا الذبح عن الاعتبار ، فالتحلّل يحصل بالحلق مع النيّة أو بمجرّد النيّة ؟ فيه وجهان .
مسألة ٧١١ : إحرام العبد منعقد ، سواء كان بإذن السيّد أو بدونه .
ثمّ إن أحرم بإذنه ،
لم يكن له تحليله ، سواء بقي نسكه صحيحاً أو أفسده . ولو باعه والحال هذه ، لم يكن للمشتري تحليله ، لكن له الخيار مع جهله بإحرامه .
وإن أحرم بغير إذنه ،
يستحب له الإذن في الإتمام ، وله تحليله ؛ لأنّ
__________________
تقريره
علىٰ الحجّ إبطال لمنافعه عليه ، وبه قال الشافعي
.
وقال أبو حنيفة : له
تحليله ، سواء أحرم بإذنه أو بغير إذنه .
ولو أذن له في
الإحرام ، فله الرجوع قبل أن يُحْرم ، فإن رجع ولم يعلم به العبد فأحرم ، فله تحليله .
وللشافعي وجهان
.
ولو أذن له في العمرة
فأحرم بالحجّ ، فله تحليله ، ولو كان بالعكس ، لم يكن له تحليله ؛ لأنّ العمرة دون الحجّ ، قاله الشافعي
. وفيه نظر .
ولو أذن له في
التمتّع ، فله منعه من الحجّ بعد ما تحلّل عن العمرة ، قاله الشافعي . وفيه إشكال . وليس له تحليله من العمرة
ولا من الحجّ بعد تلبّسه به .
ولو أذن له في الحجّ
أو في التمتّع ، فقرن ، قال الشافعي : ليس له تحليله .
ولو أذن له أن يُحرم
في ذي القعدة فأحرم في شوّال ، فله تحليله قبل ذي القعدة لا بعده .
البحث الثاني : في
المحصور
مسألة ٧١٢ : إذا تلبّس الحاجّ بالإحرام ثم مرض بحيث لا يتمكّن معه
__________________
من
المضي إلىٰ مكّة أو إلىٰ الموقفين ، بعث بهديه مع أصحابه ليذبحوه عنه في موضع الذبح ، فإن كان قد ساق هدياً ، بعث ما ساقه ، وإن لم يكن ساق ، بعث هدياً أو ثمنه .
ولا يحلّ حتىٰ
يبلغ الهدي محلّه ، وهو منىٰ إن كان حاجّاً ، ومكّة إن كان معتمراً . فإذا بلغ الهدي محلّه ، أحلّ من كلّ شيء إلّا من النساء إلىٰ
أن يطوف في القابل أو يأمر مَنْ يطوف عنه ، فتحلّ له النساء حينئذٍ ـ هذا مذهب علمائنا ، وبه قال ابن مسعود وعطاء والثوري والنخعي وأصحاب الرأي وأحمد في إحدىٰ الروايتين ، إلّا أنّ أصحاب الرأي لم يعتبروا طواف النساء ، بل قالوا : يحلّ بالبلوغ إلىٰ المحلّ
ـ لقوله تعالىٰ : (
فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) .
وما رواه العامّة عن
النبي صلىاللهعليهوآله ، قال : ( مَنْ كُسِر أو عرج فقد حلّ وعليه حجّة اُخرىٰ ) .
وفي رواية ( وعليه
الحجّ من قابل ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام في رجل اُحصر [ فبعث بالهدي ] قال : « يواعد أصحابه ميعاداً ، فإن كان في حجّ فمحلّ الهدي [
يوم ]
__________________
النحر
» الحديث .
وقال الشافعي : لا
يجوز له التحلّل أبداً إلىٰ أن يأتي به ، فإن فاته الحجّ ، تحلّل بعمرة ـ وبه قال ابن عمر وابن عباس ومالك وأحمد في الرواية الاُخرىٰ ـ لأنّه لا يستفيد بالإحلال الانتقال من حاله ولا التخلّص
من الأذىٰ الذي به ، بخلاف حصر العدوّ .
ونمنع عدم الانتقال ،
وعدم المخلص من الأذىٰ لا يمنع من التحلّل .
مسألة ٧١٣ : إذا بعث الهدي ، انتظر وصوله إلىٰ المحلّ ، فإذا كان
يوم المواعدة ، قصّر من شعر رأسه ، وأحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّا النساء ، فإنّهنّ لا يحللن له حتىٰ يحجّ من قابل ، ويطوف طواف النساء إن كان الحجّ واجباً ، أو يطاف عنه في القابل إن كان تطوّعاً ، قاله علماؤنا ، ولم يعتبر الجمهور ذلك ، بل حكم بعضهم بجواز الإحلال مطلقاً ، وآخرون بالمنع مطلقاً ، وقد قال الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « المحصور لا تحلّ له النساء » .
ولو وجد من نفسه خفّةً
بعد بعث هديه وأمكنه اللحوق بأصحابه ، لحق ؛ لأنّه مُحْرم بأحد النسكين ، فيجب عليه إتمامه ؛ للآية
، فإن أدرك أحد الموقفين ، أدرك الحجّ ، وإن فاتاه معاً ، فاته الحجّ ، وكان عليه الحجّ من قابل ؛ للرواية الصحيحة عن الباقر عليهالسلام ، قال : « إذا اُحصر الرجل بعث
__________________
هديه
، فإن أفاق ووجد من نفسه خفّةً فليمض إن ظنّ أن يدرك هديه قبل أن ينحر ، فإن قدم مكّة قبل أن ينحر هديه فليقم علىٰ إحرامه حتىٰ يقضي
المناسك وينحر هديه ولا شيء عليه ، وإن قدم مكّة وقد نحر هديه ، فإنّ عليه الحجّ من قابل والعمرة » قلت : فإن مات قبل أن ينتهي إلىٰ مكّة ؟ قال :
« إن كانت حجّة الإسلام يحجّ عنه ويعتمر فإنّما هو شيء عليه »
.
مسألة ٧١٤ : لو تحلّل يوم الميعاد ثم ظهر أنّ أصحابه لم يذبحوا عنه ، لم يبطل تحلّله ، ووجب عليه أن يبعث به في القابل ليذبح عنه في موضع الذبح ؛ لأنّ تحلّله وقع مشروعاً .
وقال الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « فإن ردّوا عليه الدراهم ولم يجدوا هدياً ينحرونه وقد أحلّ لم يكن عليه شيء ولكن يبعث من قابل ويمسك أيضاً » .
قال الشيخ رحمهالله : إذا بعث في العام المقبل ، وجب عليه أن يمسك ممّا يمسك عنه المُحْرم إلىٰ أن يذبح عنه ؛ لهذه الرواية .
ومنعه ابن إدريس
؛ للأصل ، ولأنّه ليس بمُحْرم فكيف يحرم عليه شيء وهو غير مُحْرم ولا في الحرم ! ؟
وكذا مَنْ بعث هدياً
تطوّعاً من اُفق من الآفاق ، قال الشيخ رحمهالله : يواعد أصحابه يوماً بعينه ، ثم يجتنب ما يجتنبه المُحْرم من الثياب والنساء والطيب وغير ذلك ، إلّا أنّه لا يلبّي ، فإن فَعَل ما يحرم علىٰ المُحْرم ، كان
عليه
__________________
الكفّارة
، كما تجب علىٰ المُحْرم سواء ، فإذا كان اليوم الذي وأعدهم ، أحلّ ، وإن بعث بالهدي من اُفق من الآفاق يواعدهم يوماً بعينه بإشعاره وتقليده ، فإذا كان ذلك اليوم ، اجتنب ما يجتنبه المُحْرم إلىٰ أن يبلغ الهدي محلّه ،
ثم إنّه أحلّ من كلّ شيء أحرم منه .
لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ في الرجل يرسل بالهدي تطوّعاً ، قال : « يواعد أصحابه يوماً يقلّدون فيه ، فإذا كان تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المُحْرم ، فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله حيث صدّه المشركون يوم الحديبيّة نحر بدنته ورجع إلىٰ المدينة »
وغيرها من الروايات .
ومنع ابن إدريس
من ذلك .
مسألة ٧١٥ : الحاجّ والمعتمر في ذلك سواء ، إذا اُحصر المعتمر ، فَعَل ما ذكرناه ، وكانت عليه العمرة في الشهر الداخل واجبةً إن كانت العمرة واجبةً ، وإلّا نفلاً .
ولو احتاج المحصر إلىٰ
حلق رأسه لأذىٰ ، ساغ له ذلك ويفدي ؛ لقول الباقر عليهالسلام : « إذا اُحصر الرجل فبعث بهديه وأذاه
رأسه قبل أن ينحر فحلق رأسه فإنّه يذبح في المكان الذي اُحصر فيه أو يصوم أو يطعم ستّة مساكين » .
ولو كان المحصر قد
أحرم بالحجّ قارناً ، قال الشيخ : لم يجز له أن
__________________
يحجّ
في القابل إلّا قارناً ، وليس له التمتّع بل يدخل في مثل ما خرج منه
؛ لقول الباقر والصادق عليهماالسلام : « القارن يحصر وقد قال واشترط فحلّني
حيث حبستني يبعث بهديه » قلنا : هل يستمتع من قابل ؟ قال : « لا ، ولكن يدخل بمثل ما خرج منه » .
والوجه : أنّه إن كان
القران واجباً ، وجب عليه القران ، وإلّا فلا .
مسألة ٧١٦ : قال ابن بابويه وأبوه : إذا قرن الرجل الحجَّ والعمرةَ واُحصر ، بعث هدياً مع هديه ، ولا يحلّ حتىٰ يبلغ الهدي محلّه
. فأوجبا هدياً مع هدي السياق . وقوّاه ابن إدريس ؛ لقوله تعالىٰ : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) فأوجب هدياً للإحصار .
وأصحابنا قالوا :
يبعث بهديه الذي ساقه ، ولم يوجبوا بعث هدي آخر .
وقال ابن إدريس : معنىٰ
قولهما : إذا قرن الحجّ والعمرة أن يقرن مع كلّ واحد منهما علىٰ الانفراد هدياً يشعره أو يقلّده ، فيخرج من ملكه بذلك وإن لم يكن ذلك واجباً عليه بنذر ، ولم يقصد أن يحرم بهما جميعاً ويقرن بينهما في الإحرام ؛ لأنّ ذلك مذهب مَنْ خالفنا في حدّ القران
.
مسألة ٧١٧ : إذا اشترط في إحرامه ، فله التحلّل من دون إنفاذ هدي إلّا
__________________
أن
يكون ساقه وأشعره أو قلّده ، فإن كان فلينفذه ، وإن لم يكن ساق بل اشترط ، فله التحلّل إذا بلغ الهدي محلّه ، وهو يوم النحر ، فإذا كان يوم النحر فليتحلّل من جميع ما أحرم منه إلّا النساء .
وروىٰ المفيد
عن الصادق عليهالسلام : « المحصور بالمرض إن كان ساق هدياً أقام علىٰ إحرامه حتىٰ يبلغ الهدي محلّه ثم يحلّ ، ولا يقرب
النساء حتىٰ يقضي المناسك من قابل ، هذا إذا كان في حجّة السلام ، فأمّا حجّة التطوّع فإنّه ينحر هديه وقد حلّ ممّا كان أحرم منه ، فإن شاء حجَّ من قابل ، وإن لم يشأ لم يجب عليه الحجّ » .
قال ابن إدريس :
المحصور يفتقر إلىٰ نيّة التحلّل كما دخل في الإحرام بنيّة . وهو حسن .
البحث الثالث : في حكم
الفوات .
مسألة ٧١٨ : مَنْ لم يقف بالموقفين في وقتهما فاته الحجّ إجماعاً ، فيتحلّل بطواف وسعي وحلاق ، ويسقط عنه بقية أفعال الحجّ من الرمي والمبيت ، عند علمائنا ـ وبه قال عمر وابنه وزيد بن ثابت وابن عباس وابن الزبير ومالك والثوري والشافعي وأحمد في إحدىٰ الروايتين وأصحاب الرأي ـ لأنّ باقي أفعال الحجّ تترتّب علىٰ الوقوف وقد فاته
، فتفوت
__________________
هي
بفواته .
وما رواه العامّة عن
عمر ، أنّه قال لأبي أيّوب حين فاته الحجّ : اصنع ما يصنع المعتمر ثم قد حللت ، فإن أدركت الحجّ قابلاً فحجّ وأهد ما استيسر من الهدي .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام في رجل جاء حاجّاً ففاته الحجّ ولم يكن طاف ، قال : « يقيم مع الناس حراماً أيّام التشريق ولا عمرة فيها ، فإذا انقضت طاف بالبيت وسعىٰ بين الصفا والمروة وأحلّ ، وعليه الحجّ من قابل يُحْرم من حيث أحرم » .
وقال أحمد في الرواية
الاُخرىٰ : يمضي في حجّ فاسد . وبه قال المزني ، قال : يلزمه جميع أفعال الحجّ إلّا الوقوف
.
وقال مالك في رواية اُخرىٰ
عنه : لا يحلّ ، بل يقيم علىٰ إحرامه حتىٰ إذا كان من قابل أتىٰ بالحجّ ، فوقف وأكمل الحجّ
.
وفي رواية ثالثة عنه
: أنّه يحلّ بعمرة مفردة ، ولا يجب عليه القضاء .
وقول المزني باطل ؛
لأنّ الإتيان بالأفعال الباقية لا يخرجه عن
__________________
العهدة
، فلا فائدة فيها . وقياسه علىٰ المفسد باطل ؛ لأنّ الجناية وقعت هناك من المفسد ، فكان التفريط من قِبَله ، بخلاف الفوات .
وقول مالك يشتمل علىٰ
ضرر عظيم ، فيكون منفيّاً .
مسألة ٧١٩ : إذا فاته الحجّ جعل حجّه عمرةً مفردة ، فيطوف ويسعىٰ ويحلق ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال ابن عباس وابن الزبير وعطاء وأحمد وأصحاب الرأي ـ لما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله ، قال : ( مَنْ فاته الحجّ فعليه دم ، وليجعلها عمرة ، وليحجّ من قابل ) .
ومن طريق الخاصّة :
قول الرضا عليهالسلام في الذي إذا ( أدركه الإنسان فقد أدرك الحجّ ) فقال : « إذا أتىٰ جَمْعاً
والناس بالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ولا عمرة له ، وإن أدرك جَمْعاً بعد طلوع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حجّ له ، وإن شاء أن يقيم بمكّة أقام ، وإن شاء أن يرجع إلىٰ أهله رجع ، وعليه الحجّ من قابل »
.
وقال الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « أيّما حاجّ سائق للهدي أو مفرد للحجّ أو متمتّع بالعمرة إلىٰ الحجّ قدم وقد فاته الحجّ فليجعلها عمرة وعليه
الحجّ من قابل » .
وقال مالك والشافعي :
لا يصير إحرامه بعمرة ، بل يتحلّل بطواف
__________________
وسعي
وحلاق ؛ لأنّه أحرم بأحد النسكين لا ينقلب إلىٰ الآخر ، كما لو أحرم بالعمرة .
والفرق : فوات الحجّ
، وإمكان الإتيان بالعمرة من غير فوات فيها ، فلا حاجة إلىٰ انقلاب إحرامها .
ولا بدّ من نيّة
الاعتمار ، خلافاً لبعض العامّة ، وأوجبوا الإتيان بأفعالها .
مسألة ٧٢٠ : إذا فاته الحجّ ، استحبّ له المقام بمنىٰ إلىٰ
انقضاء أيّام التشريق ، وليس عليه شيء من أفعال الحجّ ولا حلق ولا تقصير ، بل يقصّر إذا تحلّل بعمرة بعد طوافها وسعيها .
وهل يجب علىٰ
مَنْ فاته الحجّ الهدي ؟ الأقرب : المنع ـ وهو قول أصحاب الرأي ـ لأصالة براءة الذمّة ، ولأنّه لو كان
الفوات سبباً لوجوب الهدي ، لوجب علىٰ المحصر هديان : واحد للفوات ، وآخر للإحصار .
ونقل الشيخ ـ رحمهالله ـ عن بعض علمائنا وجوبَ الهدي
ـ وبه قال الشافعي وأكثر الفقهاء . وعن أحمد روايتان
ـ لقول الصادق عليهالسلام في
__________________
نفر
فاتهم الحجُّ : « عليهم أن يهريق كلّ واحد منهم دم شاة »
.
ولأنّه حلّ من إحرامه
قبل إتمامه ، فلزمه الهدي ، كالمحصر .
والخبر محمول علىٰ
الاستحباب . ونمنع الحلّ قبل إتمامه ، وإنّما نقله إلىٰ العمرة ، والنقل جائز .
ولو كان قد ساق هدياً
، نحره بمكّة ؛ لأنّه تعيّن للإهداء ، فلا يسقط بالفوات ، فإن قلنا بوجوب الهدي ، ذبحه في ذلك العام ، ولا يجوز له تأخيره إلىٰ القابل ـ [ وهو أحد قولي الشافعي ]
ـ كالمدرك لأفعال الحجّ ، ولأنّ الهدي واجب علىٰ الفور ؛ لأنّه جزء من الحجّ .
والثاني للشافعي :
يجوز .
وعلىٰ الأوّل
لو أخّره ، عصىٰ ، ووجب عليه ذبحه ، ولا يجزئه عن هدي القضاء ، لأنّ القضاء إحرام ، فيجب فيه الهدي ؛ للآية
.
مسألة ٧٢١ : إذا كان الفائت واجباً ، كحجّة الإسلام والمنذورة وغيرهما ، وجب القضاء ، ولا تجزئه العمرة التي فَعَلها للتحلّل ، وإن لم يكن الحجّ واجباً ، لم يجب عليه القضاء ـ وبه قال عطاء وأحمد في
__________________
إحدىٰ
الروايتين ، ومالك في أحد القولين ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله لمّا سُئل عن الحجّ أكثر من مرّة ، قال : ( بل مرّة واحدة ) ولو أوجبنا القضاء ، كان أكثر من مرّة .
وعن الصادق عليهالسلام في القوم الذين فاتهم الحجّ قال : « ليس عليهم من قابل » ولا يمكن ذلك في الواجب فيحمل علىٰ النفل .
ولأنّه معذور في ترك
إتمام حجّه ، فلا يلزمه القضاء ، كالمحصر . ولأنّها عبادة غير واجبة ، فلا يجب قضاؤها بالفوات ، كسائر العبادات .
وقال الشافعي : يجب
القضاء وإن كان الحجّ تطوّعاً ـ وبه قال ابن عباس وابن الزبير وأصحاب الرأي ومالك في القول الثاني وأحمد في الرواية الثانية ـ لقول النبي صلىاللهعليهوآله : ( مَنْ فاته عرفات فقد فاته الحجّ فليتحلّل بعمرة وعليه الحجّ من قابل )
.
ولأنّه يجب بالشروع
فيه .
وتُحمل الرواية علىٰ
الحجّ الواجب ، وإنّما يجب بالشروع مع إمكانه .
وإن كان الفائتُ حجّة
الإسلام ، وجب قضاؤها إجماعاً علىٰ الفور
__________________
عندنا
ـ وهو ظاهر مذهب الشافعي ـ لأنّ القضاء كالأداء ، وقد بيّنّا
وجوب الأداء علىٰ الفور وكذا قضاؤه .
ومن الشافعية مَنْ قال
: إنّها علىٰ التراخي .
وإذا قضاه في العام
المقبل ، أجزأه عن الحجّة الواجبة إجماعاً .
وإذا فاته الحجّ ،
نقل إحرامه إلىٰ العمرة ، ولا يحتاج إلىٰ تجديد إحرام آخر للعمرة ، وهذه العمرة المأتي بها للتحلّل لا تُسقط وجوب العمرة التي للإسلام إن كانت الفائتةُ حجّةَ الإسلام ؛ لوجوب الإتيان بالحجّ والعمرة في سنة واحدة .
وهل يجب علىٰ
فائت الحجّ التحلّل ؟ الأقرب ذلك ، فلو أراد البقاء علىٰ إحرامه إلىٰ القابل ليحجّ من قابل ، فالظاهر من الروايات المنع ؛
لأنّهم عليهمالسلام أوجبوا عليه الإتيان بطواف وسعي
، وحكموا بانقلاب الحجّ إلىٰ العمرة ، وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وابن
المنذر ؛ لقوله عليهالسلام : ( مَنْ فاته الحجّ فعليه دم وليجعلها
عمرة ) .
وقال مالك : يجوز ؛
لأنّ تطاول المدّة بين الإحرام وفعل النسك لا يمنع عن إتمامه ، كالعمرة .
__________________
ولا فرق بين المكّي
وغيره في وجوب الهدي بالفوات .
وأمّا العمرة المفردة
: فلا يفوت وقتها ؛ لأنّ وقتها جميع السنة ، أمّا المتمتّع بها فيفوت بفوات الحجّ ؛ لتعيّن وقتها .
* * *
الفصل الثاني
في بقايا مسائل تتعلّق بالنساء والعبيد والصبيان والنائب
في الحجّ
مسألة ٧٢٢ : قد بيّنّا وجوب الحجّ علىٰ النساء كوجوبه علىٰ
الرجال ، وليس للزوج منعها عن حجّة الإسلام ولا ما وجب عليها ، فإن أحرمت في الواجب ، مضت فيه وإن كره الزوج ، وليس له منعها من إتمامه .
وله منعها عن حجّ
التطوّع إجماعاً ؛ لما فيه من منع الزوج عن حقّه .
ولو أذن لها في
التطوّع ، جاز له الرجوع فيه ما لم تتلبّس بالإحرام إجماعاً ، فإن أحرمت بعد رجوعه ، كان له أن يحلّلها .
والأقرب أنّه لا دم
عليها ، خلافاً لبعض العامة .
ولو أحرمت قبل رجوعه
، لم يكن له تحليلها ؛ لوجوب الإتمام عليها .
ولو كان إحرامها بغير
إذنه في التطوّع ، كان له تحليلها ، خلافاً لبعض العامّة .
ولو خرجت لحجّة
الإسلام ولم تكمل شرائطها ، كان له منعها . ولو أحرمت من غير إذنه ، كان له تحليلها .
ولو نذرت الحجّ بغير
إذن زوجها ، لم ينعقد ، ولو أذن ، وجب النذر .
__________________
وكذا
لو نذرت قبل التزويج . والمطلّقة رجعيّاً في العدّة كالزوجة .
مسألة ٧٢٣ : جميع ما يجب علىٰ الرجل من أفعال الحجّ وتروكه فهو واجب علىٰ المرأة ، إلّا تحريم لُبْس المخيط ، والحائض تُحْرم كالرجل إلّا أنّها تحتشي وتستثفر وتتوضّأ وضوء الصلاة ولا تصلّي ؛ للحيض ؛ لأنّ الإحرام عبادة لا يشترط فيها الطهارة ، فجاز وقوعه من الحائض .
قال الصادق عليهالسلام عن الحائض تريد الإحرام : « تغتسل وتستثفر وتحتشي بالكرسف وتلبس ثوباً دون ثيابها لإحرامها وتستقبل القبلة ولا تدخل المسجد ثم تهلّ بالحجّ بغير صلاة » .
والمستحاضة تفعل ما
يلزمها من الأغسال إن وجبت ثم تُحْرم عند الميقات ، وكذا النفساء .
ولو تركت الإحرام
ظنّاً منها أنّه لا يجوز فعله للحائض أو المستحاضة أو النفساء ، أو نسياناً ، وجب عليها الرجوع إلىٰ الميقات والإحرام منه إن تمكّنت ، وان لم تتمكّن أو ضاق الوقت عليها ، خرجت إلىٰ خارج الحرم وأحرمت منه ، فإن لم تتمكّن ، أحرمت من موضعها ؛ لرواية معاوية بن عمّار ـ الصحيحة ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : سألته عن المرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم ، فقالوا : ما ندري هل عليك إحرام أم لا وأنت حائض ، فتركوها حتىٰ دخلت [ الحرم ]
قال : « إن كان عليها مهلة فلترجع إلىٰ الوقت فلتحرم منه ، وإن لم يكن عليها مهلة فلترجع ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها الحجّ فتحرم »
.
__________________
مسألة ٧٢٤ : نفقة الحجّ الواجب إن زادت عن نفقة الحضر ، كان الزائد علىٰ المرأة لا علىٰ الزوج ؛ لأنّ أداء الحجّ واجب عليها ، وأمّا قدر
نفقة الحضر فيجب علىٰ الزوج ، كالحضر ، سواء حجّت بإذن الزوج أو بغير إذنه ؛ لأنّها غير ناشز بالحجّ الواجب ، فلا تسقط نفقتها في الحضر . ولو كان الحجّ تطوّعاً بإذنه فكذلك ، أمّا لو كان بغير إذنه ، فهي ناشز ، فلا نفقة لها ؛ لنشوزها .
ولو أفسدت الحجّ
الواجب بأن مكّنت زوجها من وطئها مختارةً قبل الموقفين ، لزمها القضاء ، وكانت قدر نفقتها في الحضر واجبةً علىٰ الزوج في القضاء ، والزائد عليها في مالها . وكذا ما يلزمها من الكفّارة يجب عليها في مالها خاصّة .
مسألة ٧٢٥ : إذا حاضت المرأة بعد الإحرام قبل الطواف ، لم يكن لها أن تطوف إجماعاً ؛ لأنّها ممنوعة من الدخول في المسجد ، بل تنتظر إلىٰ وقت الوقوف ، فإن طهرت وتمكّنت من الطواف والسعي والتقصير وإنشاء إحرام الحجّ وإدراك عرفة ، صحّ لها التمتّع ، وإن لم تدرك ذلك وضاق الوقت ، بطلت متعتها ، وصارت حجّتها مفردةً ، عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لما رواه العامّة عن عائشة ، قالت : أهللنا بعمرة ، فقدمت
مكّة وأنا حائض لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ، فشكوت ذلك إلىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : ( انقضي رأسك وامتشطي وأهلّي
بالحجّ ودعي العمرة ) قالت : ففعلت ذلك ، فلمّا قضينا الحجّ أرسلني رسول الله صلىاللهعليهوآله مع عبد الرحمن ابن أبي بكر إلىٰ التنعيم ، فاعتمرت معه ، فقال : ( هذه عمرة مكان عمرتك )
.
__________________
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية ، قال : « تمضي كما هي إلىٰ عرفات فتجعلها حجّة ثم تقيم حتىٰ تطهر فتخرج إلىٰ التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة » .
وقال باقي العامّة :
تحرم بالحجّ مع عمرتها ، وتصير قارنةً تجمع بين الحجّ والعمرة . وقد سلف بطلانه .
واعلم أنّ كلّ متمتّع
خشي فوات الحجّ باشتغاله بالعمرة يرفض عمرته ويبطلها ، وتصير حجّةً مفردة .
ولا يجب عليها تجديد
إحرام ، بل تخرج بإحرامها ذلك إلىٰ عرفات ، ولا يجب عليها الدم .
ولو حاضت في أثناء
طواف المتعة ، فإن كان الحيض بعد طواف أربعة أشواط ، قطعَتْه ، وسعَتْ وقصَّرتْ ثم أحرمتْ بالحجّ ، وقد تمّت متعتها ، فإذا فرغت من المناسك وطهرت ، تمّمت طوافها ، وصلّت ركعتيه .
وإن كانت قد طافت
أقلّ من أربعة أشواط ، كان حكمها حكم مَنْ لم يطف ؛ لأنّها مع طواف أربعة أشواط تكون قد طافت أكثر الأشواط ، وحكم معظم الشيء حكم الشيء غالباً .
ولقول الصادق عليهالسلام : « المتمتّعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم حاضت فمتعتها تامّة ، وتقضي ما فاتها من الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ، وتخرج إلىٰ منىٰ قبل أن تطوف الطواف الآخر »
.
__________________
وإذا طافت أقلّ من أربعة
، تركت السعي ؛ لأنّه تبع الطواف .
ولقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ في الطامث ، قال : « تقضي المناسك كلّها غير أنّها لا تطوف بين الصفا والمروة »
.
ولو حاضت بعد الطواف
قبل الركعتين ، تركتهما وسعت وقضتهما بعد الطهارة .
ولو حاضت في إحرام
الحجّ ، فإن كان قبل طواف الزيارة ، وجب عليها المقام حتىٰ تطهر ثم تطوف وتسعىٰ ، وإن كان بعده قبل طواف النساء ، فكذلك .
وإن كانت قد طافت من طواف
النساء أربعة أشواط ، جاز لها الخروج من مكّة ، فإنّ في تخلّفها عن الحاجّ ضرراً عظيماً ، وقد طافت معظمه ، فجاز لها الخروج قبل الإكمال .
ولو فرغت المتمتّعة
من عمرتها وخافت الحيض ، جاز لها تقديم طواف الحجّ ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ـ لما روىٰ العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله ، أنّه سأله رجل ، فقال : أفضت قبل أن أرمي ، قال : ( ارم ولا حرج )
.
ومن طريق الخاصّة :
رواية يحيىٰ الأزرق عن أبي الحسن عليهالسلام ، قال : سألته عن امرأة تمتّعت بالعمرة إلىٰ الحجّ ففرغت من طواف العمرة وخافت الطمث قبل يوم النحر ، يصلح لها أن تعجّل طوافها طواف الحجّ قبل أن تأتي منىٰ ؟ قال : « إذا خافت أن تضطرّ إلىٰ ذلك
__________________
فعلَتْ
» .
مسألة ٧٢٦ : العليلة كالرجل العليل يطاف بها ، وتستلم مستحبّاً إن تمكّنت منه ، ولو تعذّر الطواف بها ، طيف عنها .
والمستحاضة تطوف
بالبيت وتفعل ما تفعله الطاهر من الصلاة فيه والسعي وغيره إذا فعلَتْ ما تفعله المستحاضة . ويكره لها دخول الكعبة .
وإذا كانت عليلةً لا
تعقل وقت الإحرام ، أحرم عنها وليّها ، وجنّبها ما يجتنب المُحْرم .
قال الشيخ رحمهالله : إذا أحرمت بالحجّ ثم طلّقها زوجها ووجبت عليها العدّة ، فإن ضاق الوقت وخافت فوت الحجّ إن أقامت ، خرجت وقضت حجّتها ثم تعود فتقضي باقي العدّة إن بقي عليها شيء ، وإن كان الوقت متّسعاً أو كانت مُحْرمةً بعمرة ، فإنّها تقيم وتقضي عدّتها ثم تحجّ وتعتمر
.
أمّا المتوفّىٰ
عنها زوجها : فإنّه يجوز لها أن تخرج في الحجّ مطلقاً ؛ لوجوب الحجّ علىٰ الفور علىٰ عامّة المكلّفين .
ولقول الصادق عليهالسلام في المتوفّىٰ عنها زوجها ، قال : « تحجّ وإن كانت في عدّتها » .
وقال أحمد : ليس لها
أن تخرج في حجّة الإسلام ؛ لأنّ العدّة تفوت ، بخلاف الحجّ .
ونمنع عدم الفوات ؛
فإنّ الفورية في الحجّ واجبة ، وهي تفوت
__________________
بالعدّة
.
مسألة ٧٢٧ : العبد لا يجب عليه الحجّ وإن أذن له مولاه فيه ، ولا يجزئه لو حجّ بإذنه إلّا أن يدركه العتق قبل فوات الموقفين ، وسواء كان قِنّاً أو مدبَّراً أو مكاتباً ، انعتق بعضه أو لا .
ولو هاياه مولاه علىٰ
أيّام معيّنة تكون بقدر ما انعتق منه وأمكنه وقوع الحجّ فيها ، قال الشيخ رحمهالله : لا يمتنع أن نقول : ينعقد إحرامه
فيها ، ويصحّ حجّة بغير إذن سيّده .
والزوجة الأمة لا
يصحّ حجّها إلّا بإذن سيّدها وزوجها ، ولا يكفي إذن أحدهما . ولو أذنا معاً ، صحّ حجّها ولا يجزئها عن حجّة الإسلام إلّا أن يدركها العتق قبل الموقفين . ولو حجّت بغير إذن زوجها ، لم يجزئها عن حجّة الإسلام وإن اُعتقت قبل الموقفين .
مسألة ٧٢٨ : لو أحرم الصبي أو العبد بإذن مولاه ، صحّ إحرامهما .
ثمّ إن بلغ الصبي أو اُعتق
العبد بعد فوات الموقفين ، مضيا علىٰ الإحرام ، وكان الحجّ تطوّعاً ، ولا يجزىء عن حجّة الإسلام ، ولو كملا قبل الموقفين ، تعيّن إحرام كلٍّ منهما بالفرض ، وأجزأه عن حجّة الإسلام . وبه قال الشافعي .
وقال أبو حنيفة :
الصبي يحتاج إلىٰ تجديد إحرام ؛ لأنّ إحرامه عنده
__________________
لا
يصحّ ، والعبد يمضي علىٰ إحرامه تطوّعاً ، ولا ينقلب فرضاً
.
وقال مالك : الصبي
والعبد معاً يمضيان في الحجّ ، ويكون تطوّعاً .
وإن كان البلوغ
والعتق بعد الوقوف وقبل فوات وقته بأن يكملا قبل طلوع فجر النحر ، رجعا إلىٰ عرفات والمشعر إن أمكنهما ، فإن لم يمكنهما ، رجعا إلىٰ المشعر ووقفا وقد أجزأهما ، ولو لم يعودا ، لم يجزئهما عن حجّة الإسلام .
وقال الشافعي : إن لم
يعودا إلىٰ عرفات ، لم يجزئهما عن حجّة الإسلام .
وكلّ موضع قلنا :
إنّه يجزئهما عن حجّة الإسلام ، فإنّه يلزمهما فيه الدم إن كانا متمتّعين ، وإلّا فلا .
وقال الشافعي : عليه
دم .
وقال في موضع آخر :
لا يبيّن لي أنّ عليهما شيئاً .
__________________
والآية
تدلّ علىٰ وجوبه علىٰ المتمتّع ، وأصالة البراءة تدلّ علىٰ عدمه في حقّ غيره .
مسألة ٧٢٩ : الكافر يجب عليه الحجّ لكن لا يصحّ منه إلّا إذا قدّم الإسلام ، فإن مات بعد إحرامه كافراً ، فلا حكم له .
وإن أسلم بعد فوات
الوقوف ، لم يجب عليه الحجّ ؛ لأنّه أسلم بعد فوات وقته ، وما مضىٰ في حال كفره معفوٌّ عنه .
وإن أسلم قبل الوقوف
، وجب عليه الحجّ ؛ لإمكانه ، ويتعيّن عليه في تلك السنة ؛ لوجوب الفوريّة ، خلافاً للشافعي .
ويجدّد إحراماً غير
الأوّل ؛ لعدم الاعتداد به ، فإن لم يجدّده ، فإن تمكّن من الرجوع إلىٰ الميقات والإحرام منه ، وجب ، وإلّا أحرم حيث أمكن ، ولا دم عليه ؛ لعدم الاعتداد بالإحرام الأوّل ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد ، خلافاً للشافعي ؛ قياساً علىٰ المسلم حيث جاوز
الميقات مريداً للنسك وأحرم من دونه ولم يعد إليه ، فوجب الدم كالمسلم
.
وليس بجيّد ؛ لأنّه
مرّ علىٰ الميقات وليس من أهل النسك .
مسألة ٧٣٠ : المخالف إذا حجّ ثم استبصر فإن لم يخلّ بشيء من أركان الحجّ ، صحّ حجّه وأجزأ عنه ، واستحبّ له إعادته ، وإن كان قد أخلّ ،
__________________
وجب
عليه إعادة الحجّ ؛ لأنّه مسلم أتىٰ بالأركان فأجزأ عنه ، كغيره من المسلمين ، ومع الإخلال لم يأت بالمأمور به علىٰ وجهه ، فيبقىٰ في
عهدة التكليف .
ولرواية بريد بن
معاوية ـ الصحيحة ـ أنّه سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل حجّ وهو لا يعرف هذا الأمر ثم مَنّ الله عليه بمعرفته والدينونة به أيجب عليه حجّة الإسلام أو قد قضىٰ فريضته ؟ فقال : « قد قضىٰ فريضته
، ولو حجّ كان أحبّ إليَّ » .
إذا عرفت هذا ، فغير
الحجّ من العبادات إذا أوقعها علىٰ وجهها ، لا يجب عليه إعادتها ؛ للأصل ، إلّا الزكاة ؛ فإنّه إذا سلّمها إلىٰ غير
المؤمن ، وجب عليه إعادتها .
قال بريد بن معاوية
العجلي ـ في الصحيح ـ : سألتُ الصادقَ عليهالسلام : عن رجل حجّ وهو لا يعرف هذا الأمر ثم مَنَّ الله عليه بمعرفته والدينونة به يجب عليه حجّة الإسلام أو قد قضىٰ فريضته ؟ فقال : « قد قضىٰ فريضته ولو حجّ لكان أحبّ إليَّ » قال : وسألته عن رجل حجَّ وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب مستتر ثم مَنَّ الله عليه فعرف هذا الأمر ، يقضي حجّة الإسلام ؟ قال : « يقضي أحبّ إليَّ » وقال : « كلّ عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم مَنَّ الله عليه وعرّفه الولاية ، فإنّه يؤجر عليه إلّا الزكاة ، فإنّه يعيدها ، لأنّه وضعها في غير مواضعها ، لأنّها لأهل الولاية ،
وأمّا الصلاة والحجّ والصيام فليس عليه قضاء » .
__________________
مسألة ٧٣١ : السكران إذا شهد المناسك في حال سكره ، فإن لم يحصّل شيئاً ، لم يُجزئه ما فَعَله ، ووجب عليه إعادة الحجّ ، وإن حصّل ما يفعله وفَعَله علىٰ وجهه ، صحّ حجّه .
والشيخ ـ رحمهالله ـ أطلق فقال : مَنْ شهد المناسك كلّها ورتّبها في مواضعها إلّا أنّه كان سكران ، فلا حجّ له ، وكان عليه إعادة الحجّ من قابل .
وقد روىٰ أبو
علي بن راشد ، قال : كتبت إليه أسأله عن رجل مُحْرم سكر وشهد المناسك وهو سكران أيتمّ حجّه علىٰ سكره ؟ فكتب « لا يتمّ حجّه » .
مسألة ٧٣٢ : واجد الاستطاعة المتمكّن من مباشرة الحجّ لا يجوز له أن يستأجر غيره في حجّة الإسلام إجماعاً ، وكذا المنذور وشبهه .
وبالجملة كلّ حجّ
واجب عليه إذا تمكّن من الإتيان به مباشرةً لا يجوز له الاستئجار فيه .
وأمّا التطوّع : فإن
كان المستأجر لم يحج حجّة الإسلام ، فالأقرب أنّه يجوز له أن يستأجر غيره ليحجّ عنه تطوّعاً ؛ للأصل .
ومنع أحمد من ذلك ؛
لأنّ هذا التطوّع لا يجوز له فعْلُه بنفسه ، فنائبه أولىٰ بالمنع .
والفرق : أنّ فِعْلَه
مباشرةً يمنع من أداء الواجب ، بخلاف فعل النائب .
ولو كان الاستئجار
يمنع من أداء الواجب بأن تقصر نفقته باعتبار دفع
__________________
مال
الإجارة ، لم يجز له الاستئجار .
ولو لم يكن السرب
مخلّىٰ ، جاز له أن يستأجر مَنْ يحجّ عنه تطوّعاً ، سواء قصرت نفقته بمال الإجارة أم لا .
ولو كان قد حجّ حجّة
الإسلام ثم عجز عن مباشرة حجّ التطوّع ، فإنّه يجوز له الاستنابة إجماعاً .
ولو كان قد أدّىٰ
حجّة الإسلام وهو متمكّن من مباشرة حجّ التطوّع ، فإنّه يجوز له أن يستنيب غيره ، عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة
ـ لأنّه حجّ غير واجب عليه ، فجاز له أن يستنيب فيه ، كالمعضوب .
وقال الشافعي : لا
يجوز ـ وعن أحمد روايتان ـ لأنّه يقدر عليه بنفسه ، فلا يجوز له النيابة فيه ، كالفرض .
والفرق ظاهر .
أمّا لو كان عاجزاً
عن التطوّع في هذا العام عجزاً يرجىٰ زواله ، كالمحبوس ، فإنّه يجوز له أن يستنيب عندنا وعند الشافعي
.
وفرق في هذه الصورة
بينها وبين الفرض ؛ لأنّ الفرض عبادة العمر ، فلا يفوت بتأخيره عن هذا العام ، والتطوّع مشروع في كلّ عام ، فيفوت حجّ هذا العام بتأخيره .
مسألة ٧٣٣ : الصرورة إذا فقد الاستطاعة وتمكّن من الحجّ تطوّعاً ، جاز
__________________
له
ذلك ، ويقع عن التطوّع ، عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك والثوري وإسحاق وابن المنذر ـ لأنّه نوىٰ التطوّع ولم ينو
الفرض ، فلا يقع عن الفرض ؛ لقوله عليهالسلام : ( إنّما الأعمال بالنيّات وإنّما لا
مرىء ما نوىٰ ) .
ولأنّها عبادة تنقسم
إلىٰ فرض ونفل ، فجاز إيقاع نفلها قبل فرضها ، كالصلاة . ولأنّه زمان لا يجب عليه الحجّ فرضاً ، فجاز إيقاع نفله فيه ، كما بعد الحجّ .
وقال الشافعي : يقع
عن حجّة الإسلام ـ وبه قال ابن عمر وأنس ، وعن أحمد روايتان ـ لأنّه أحرم بالحجّ وعليه فرضه ، فوجب أن يقع عن فرضه ، كما لو كان مطلقاً .
ونمنع أنّ عليه فرضه
، والفرق أنّ النفل والفرض متنافيان ، فنيّة أحدهما [ لا تجامع ] نيّة الآخر ولا فعله ؛ لوقوع النفل بحسب
النيّة ، بخلاف المطلق الذي هو جزء الفرض ، فنيّته لا تنافي نيّة الفرض .
مسألة ٧٣٤ : لو نوىٰ فاقد الاستطاعة حجّاً منذوراً عليه ، أجزأه عن النذر عندنا ؛ لقوله عليهالسلام : ( الأعمال بالنيّات )
.
وقال الشافعي : يقع
عن حجّة الإسلام .
__________________
وكذا الخلاف لو مات
وعليه حجّة الإسلام واُخرىٰ منذورة ، فاستؤجر رجل ليحجّ عنه المنذورة ، فأحرم بها ، وقع عن النذر عندنا إذا استؤجر آخر ليحجّ حجّة الإسلام أو لم يمكن ذلك .
وقال الشافعي : يقع
عن حجّة الإسلام .
ولو كان عليه منذورة
، فأحرم بحجّة التطوّع ، قال الشافعي : يقع عن المنذورة .
والوجه : أنّ النذر
إن تعلّق بزمان معيّن ، لم يجز إيقاع التطوّع فيه ، فإن أوقعه بنيّة التطوّع ، بطل ، ولم يجزىء عن المنذورة ؛ لعدم القصد ، وإن لم يتعلّق بزمان معيّن ، لم يقع عن المنذورة أيضاً ؛ لعدم القصد ، ولا عن التطوّع ؛ لوجوب تقديم النذر .
مسألة ٧٣٥ : مَنْ حجَّ عن غيره وصل ثواب ذلك إليه ، وحصل للحاجّ ثواب عظيم أيضاً .
روىٰ العامّة
عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : ( إذا حجّ الرجل عن والديه تقبّل الله منه ومنهما ، واستبشرت أرواحهما في السماء ، وكتب عند الله برّاً ) .
وعنه صلىاللهعليهوآله أنّه قال : ( مَنْ حجَّ عن أبويه أو قضىٰ عنهما مغرماً
بُعِث يوم القيامة مع الأبرار ) .
ومن طريق الخاصّة : رواية
معاوية بن عمّار ـ الصحيحة ـ عن الصادق عليهالسلام . قال : قلت له : إنّ أبي قد حجّ وإنّ
والدتي قد حجّت وإنّ
__________________
أخويَّ
قد حجّا وقد أردت أن اُدخلهم في حجّتي ، فإنّي قد أحببت أن يكونوا معي ، فقال : « اجعلهم معك ، فإنّ الله عزّ وجلّ جاعل لهم حجّاً ولك حجّاً ، ولك أجراً بصلتك إيّاهم » وقال عليهالسلام : « يدخل علىٰ الميّت في قبره الصلاة والصوم والحجّ والصدقة والعتق » .
والأخبار في ذلك
كثيرة .
ولو كان الحجّ واجباً
علىٰ أحدهما خاصّة ، كان الأفضل الإتيان بالواجب عمّن وجب عليه ؛ لأنّ فيه إبراءَ الذمّة ، وتخليصاً من العذاب . ولو لم يجب علىٰ أحدهما ، قيل : ينبغي أن يبدأ بالحجّ عن الاُمّ
؛ لما رواه أبو هريرة أنّ رجلاً جاء إلىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال : مَنْ أحقّ الناس بحسن صحابتي ؟ قال : ( اُمّك ) قال : ثم مَنْ ؟ قال : ( اُمّك ) قال : ثم مَنْ ؟ قال : ( اُمّك ) قال : ثم مَنْ ؟ قال : ( أبوك ) .
مسألة ٧٣٦ : مَنْ وجب عليه الحجّ وفرّط في أدائه مع قدرته ثم عجز من أدائه بنفسه أو بنائبه إن قلنا بوجوب الاستنابة ، وجب عليه أن يوصي به ؛ لأنّه حقّ واجب ودَيْنٌ ثابت ، فتجب الوصيّة به ، كغيره من الديون .
قال الله تعالىٰ
: ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ
إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ ) .
ولو لم يوص ، وجب علىٰ
ورثته أن يُخْرجوا من صلب تركته ما يُحجّ به عنه ـ ولو كان له مال وديعة عند غيره وعلم المستودع وجوب الحجّ في
__________________
ذمّته
وعدم قيام الورثة به ، وجب عليه إخراج ما يحجّ به عنه ، ويدفع الفاضل إلىٰ الورثة ـ لأنّه دَيْنٌ عليه ، فلا يسقط عن ذمّته بموته ، ولا
يترك الوصيّة به .
وما رواه العامّة من خبر
الخثعميّة .
ومن طريق الخاصّة :
رواية سماعة بن مهران عن الصادق عليهالسلام ، قال : سألته عن الرجل يموت ولم يحج حجّة الإسلام ولم يوص بها وهو موسر ، فقال : « يُحجّ عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك »
.
وقال أبو حنيفة :
يسقط الحجّ بوفاته ، بمعنىٰ أنّه لا يفعل عنه بعد وفاته ، وحسابه علىٰ الله تعالىٰ يلقاه والحجّ في ذمّته ، أمّا لو أوصىٰ
، اُخرج من الثلث ، ويكون تطوّعاً لا يسقط به الفرض .
وكذا يقول في الزكوات
والكفّارات وجزاء الصيد كلّ ذلك يسقط بوفاته ، فلا يفعل عنه بوجه .
إذا عرفت هذا ، فلو
لم يُوص بحجّة الإسلام مع وجوبها عليه ، استؤجر من تركته علىٰ ما قلناه ، فإن لم يخلّف شيئاً ، استحبّ للورثة قضاؤها عنه .
وكذا لو خلّف مالاً
وتبرّع بعض الورثة أو أجنبي بقضائها عنه ، برئت ذمّة الميّت .
ولو لم يكن عليه حجّ
واجب ، فأوصىٰ أن يحجّ عنه تطوّعاً ، صحّت
__________________
الوصيّة
، واُخرجت من الثلث ، عند علمائنا ؛ لأنّها عبادة تصحّ الوصيّة بواجبها فتصحّ بمندوبها .
وللشافعي قولان : هذا
أحدهما ، والثاني : بطلان الوصيّة .
مسألة ٧٣٧ : لو أوصىٰ أن يحجّ عنه ولم يعيّن المرّات ، قال الشيخ رحمهالله : وجب أن يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شيء .
والأقرب أن يقال : إن
علم منه قصد التكرار ، فالحقّ ما قاله الشيخ ، وإلّا اكتفي بالمرّة الواحدة ؛ لأصالة براءة الذمّة ، ولعدم اقتضاء الأمر التكرارَ
.
احتجّ الشيخ : بما
رواه محمد بن الحسين بن أبي خالد ، قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام : عن رجل أوصىٰ أن يحجّ عنه ،
مبهماً ، قال : « يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شيء » .
وهو محمول علىٰ
ما إذا عُلم منه قصد التكرار ، أو نقول : تقديره : يحجّ عنه بحسب الوصيّة إمّا مرّة واحدة أو أكثر إذا بقي من ثلثه شيء يفي بالحجّة الواحدة أو الأزيد ؛ إذا الوصية تُحمل علىٰ الثلث .
مسألة ٧٣٨ : النذر واليمين والعهد أسباب في وجوب الحجّ والعمرة إذا تعلّقت بهما مع الشرائط السابقة بلا خلاف .
قال الله تعالىٰ
: ( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وقال الله تعالىٰ (
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) .
وإذا نذر الحجّ في
سنة معيّنة فأهمل مع قدرته ، كفّر وقضىٰ ، ومع
__________________
عدم
المكنة يقضي ولا كفّارة .
ولو نذر المشي فيها
فأخلّ بالصفة مع القدرة ، كفّر وقضىٰ ماشياً ، ومع العجز لا قضاء ولا كفّارة .
قال الشيخ رحمهالله : إذا ركب مع العجز ، ساق بدنةً ؛ كفّارةً لركوبه
ـ وهو أحد قولي الشافعي ، وإحدىٰ الروايتين عن أحمد
ـ لما رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : قلت له : رجل نذر أن يمشي إلىٰ
بيت الله وعجز أن يمشي ، قال : « فليركب وليسق بدنة ، فإنّ ذلك يجزىء عنه إذا عرف الله منه الجهد » .
وهو محمول علىٰ
الاستحباب ؛ لقول الباقر عليهالسلام : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أمر اُخت عقبة بن عامر بالركوب » ولم يوجب عليها شيئاً ، ولو كان واجباً
لبيّنه .
مسألة ٧٣٩ : لو نذر الحجّ ، لم تجب العمرة . وكذا لو نذر العمرة ، لم يجب الحجّ ؛ لأصالة البراءة ، أمّا لو نذر حجّ التمتّع ، فإنّه يجب عليه الحجّ وعمرة التمتّع .
__________________
الفصل
الثالث في العمرة
مسألة ٧٤٠ : العمرة واجبة ـ كالحجّ ـ علىٰ كلّ مكلّف حصل له شرائط الحجّ ، بأصل الشرع مرّة واحدة في العمر ، كما سبق
.
وتجزىء عمرة التمتّع
عن المفردة إجماعاً .
قال الصادق عليهالسلام : « إذا تمتّع الرجل بالعمرة فقد قضىٰ ما عليه من فريضة العمرة » .
وسأل أحمدُ بن محمد
بن أبي نصر ، الرضا عليهالسلام : عن العمرة أواجبة هي ؟ قال : « نعم » قلت : فمن تمتّع يجزىء عنه ؟ قال : « نعم »
.
إذا عرفت هذا ، فإذا
أحرم الإنسان بعمرة مفردة في غير أشهر الحجّ ، لم يجز له أن يتمتّع بها إلىٰ الحجّ ، فإن أراد التمتّع ، اعتمر عمرة اُخرىٰ
في أشهر الحجّ .
وإن دخل مكّة بعمرة
مفردة في أشهر الحجّ ، جاز له أن ينقلها إلىٰ عمرة التمتّع ، ويقيم حتىٰ يحجّ ، بل هو الأفضل . وإن لم ينقلها إلىٰ
التمتّع وأتمّها مفردةً ، جاز له أن يخرج إلىٰ أهله من غير حجّ إذا لم يكن الحجّ واجباً عليه ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « لا بأس بالعمرة
المفردة
__________________
في
أشهر الحجّ ثم يرجع إلىٰ أهله » .
أمّا لو اعتمر
للتمتّع ، فإنّه يجب عليه الإتيان بالحجّ ؛ لدخولها فيه .
مسألة ٧٤١ : جميع أوقات السنة صالح للمفردة ، لكن أفضل أوقاتها رجب .
وهي تلي الحجّ في
الفضل ؛ لأنّ معاوية بن عمّار روىٰ ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام : أيّ العمرة أفضل ؟ عمرة في رجب أو
عمرة في شهر رمضان ؟ فقال : « لا ، بل عمرة في رجب أفضل »
.
وتدرك فضيلة العمرة
في رجب بإدراك إحرامها في آخر أيّامه ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « إذا أحرمت وعليك من رجب
يوم وليلة فعمرتك رجبيّة » .
ولا تكره العمرة في
شيء من أوقات السنة ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله ، قال : ( عمرة في شهر رمضان تعدل حجّة
) .
وروي عنه أنّه اعتمر
في شوّال وفي ذي القعدة .
واعتمرت عائشة من التنعيم
ليلة المحصّب ، وهي الليلة التي يرجعون فيها من منىٰ إلىٰ مكّة .
__________________
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام : « السنة اثنا عشر شهراً ، لكلّ شهر عمرة » .
وبهذا قال الشافعي
وأحمد .
وقال أبو حنيفة :
تكره في خمسة أيّام : يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيّام التشريق ؛ لقول عائشة : السنة كلّها وقت للعمرة إلّا خمسة أيّام : يوم عرفة ويوم النحر وأيّام التشريق .
ولأنّها عبادة غير
موقّتة ، فانقسم وقتها إلىٰ مكروه وغيره ، كصلاة التطوّع .
والحديث محمول علىٰ
ما إذا كان متلبّساً بإحرام الحجّ .
والفرق : أنّ صلاة
التطوّع كان فيها ما هو موقّت ، بخلاف العمرة ، علىٰ أنّ اعتبار العمرة بالطواف المجرّد أولىٰ من اعتباره بالصلاة .
وقال أبو يوسف : تكره
في أربعة أيّام : يوم النحر وأيّام التشريق .
مسألة ٧٤٢ : واختلف علماؤنا في أقلّ ما يكون بين العمرتين .
فقال بعضهم
: لا قدر له ، بل يجوز في كلّ يوم ؛ لأنّها عبادة مكرّرة
__________________
غير
مختصّة بوقت ، فلا قدر لما بينهما ، كالصلاة .
ولما رواه العامّة عن
عائشة أنّها اعتمرت في شهرٍ مرّتين بأمر النبي صلىاللهعليهوآله عمرةً مع قرانها ، وعمرة بعد حجّها
.
وقال عليهالسلام : ( العمرة إلىٰ العمرة كفّارة لما بينهما )
.
وقال بعضهم
: يستحبّ في كلّ شهر عمرة واحدة . وبه قال علي عليهالسلام وابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة وعطاء
وطاوُس وعكرمة والشافعي وأحمد ؛ لما رواه العامّة عن علي عليهالسلام قال : « في كلّ شهر مرّة » .
ومن طريق الخاصّة :
قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « كان علي عليهالسلام يقول : لكلّ شهر عمرة »
.
وكره العمرةَ في
السنة مرّتين الحسنُ البصري وابنُ سيرين ومالك والنخعي ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله لم يفعله
.
ولقول الباقر عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « لا تكون عمرتان في سنة »
.
__________________
وعدم الفعل لا يدلّ علىٰ
الكراهة ، خصوصاً مع نقلهم عن عائشة أمره عليهالسلام به .
وقد روىٰ ابن
بابويه أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله اعتمر ثلاث عُمَرٍ متفرّقات كلّها في ذي القعدة .
وحديث الباقر عليهالسلام محمول علىٰ عمرة التمتّع .
إذا عرفت هذا ،
فيستحبّ أن يعتمر في كلّ عشرة أيّام عمرة مع التمكّن ـ وبه قال عطاء وأحمد ـ لأنّها زيارة البيت ، فاستحبّ
تكرارها في الشهر الواحد .
ولأنّ علي بن أبي
حمزة سأل أبا الحسن عليهالسلام : عن رجل يدخل مكّة في السنة المرّة والمرّتين والأربع كيف يصنع ؟ قال : « إذا دخل فليدخل مُلبّياً ، وإذا خرج فليخرج مُحلّاً » قال : « ولكلّ شهر عمرة » فقلت : تكون أقلّ ؟ فقال : « تكون لكلّ عشرة أيّام عمرة » .
مسألة ٧٤٣ : ميقات العمرة هو ميقات الحجّ إن كان خارجاً من المواقيت إذا قصد مكّة ، أمّا أهل مكّة أو مَنْ فرغ من الحجّ ثم أراد الاعتمار ، فإنّه يخرج إلىٰ أدنىٰ الحِلّ .
وينبغي أن يكون من أحد
المواقيت التي وقّتها النبي صلىاللهعليهوآله للعمرة المبتولة ، وهي ثلاثة : التنعيم : والحديبيّة ، والجِعِرّانة .
روىٰ ابن
بابويه أنّ النبي صلىاللهعليهوآله اعتمر ثلاث عُمَرٍ متفرّقات كلّها في
__________________
ذي
القعدة : عمرة أهلّ بها من عُسْفان ، وهي عمرة الحديبيّة ، وعمرة القضاء أحرم بها من الجُعْفة ، وعمرة أهلّ فيها من الجِعِرّانة ، وهي بعد أن رجع من الطائف من غزاة حنين .
مسألة ٧٤٤ : صورة العمرة المفردة أن يُحرم من الميقات الذي يسوغ له الإحرام منه ثم يدخل مكّة فيطوف ثم يصلّي ركعتيه ثم يسعىٰ بين الصفا والمروة ثم يقصّر أو يحلق ثم يطوف طواف النساء ثم يصلّي ركعتيه وقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه .
وهكذا عمرة التمتّع إلّا
أنّه لا يطوف للنساء فيها ولا يصلّي ركعتيه ، بل يحلّ من كلّ شيء أحرم منه عند التقصير .
وشرائط وجوب العمرة
المفردة هي شرائط وجوب الحجّ .
وتجب في العمر مرّةً
بأصل الشرع ، وقد تجب باليمين والنذر والعهد والاستئجار والإفساد والفوات والدخول إلىٰ مكّة مع انتفاء العذر وعدم تكرار الدخول . ويتكرّر وجوبها بتكرّر السبب .
والفرق بينها وبين
المتمتّع بها : أنّ المتمتّع بها إنّما تجب علىٰ مَنْ ليس من حاضري المسجد الحرام ، ولا يصحّ فعلها ولا الإحرام بها إلّا في أشهر الحجّ ، ويلزم فيها التقصير ، ولا يجوز الحلق ، فإن حلق رأسه ، لزمه دم ، ولا يجب فيها طواف النساء . والمفردة تلزم حاضري المسجد الحرام ، وتصحّ في جميع أيّام السنة ، ويجب فيها طواف النساء ، ويجوز فيها الحلق ، وتسقط المفردة مع الإتيان بعمرة التمتّع .
__________________
ولو أحرم بالمفردة
ودخل مكّة ، جاز أن ينوي التمتّع ، ويلزمه دمه إذا كان في أشهر الحجّ ، ولو كان في غير أشهره ، لم يجز .
ولو دخل مكّة متمتّعاً
، لم يجز له الخروج حتىٰ يأتي بالحجّ ؛ لأنّه مرتبط به . نعم لو خرج بحيث لا يحتاج إلىٰ استئناف إحرام ، جاز . ولو خرج فاستأنف عمرةً ، تمتّع بالأخيرة .
والحلق في المفردة
أفضل من التقصير ، فإذا فعل أحدهما ، أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّا النساء ، فإذا طاف طواف النساء ، حللن له .
وطواف النساء واجب في
العمرة المفردة علىٰ كلّ حاجّ من ذكر أو اُنثىٰ أو خنثىٰ أو خصيّ أو صبيّ .
ولا يجب في المفردة
هدي ، فلو ساق هدياً ، نحره ـ قبل أن يحلق ـ بفناء الكعبة بالموضع المعروف بالحزورة ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « مَنْ ساق هدياً في عمرة فلينحره قبل أن يحلق » قال : « ومَنْ ساق هدياً وهو معتمر نحر هديه عند المنحر وهو بين الصفا والمروة ، وهي الحزورة » .
ولو جامع قبل السعي ،
فسدت عمرته ، ووجب عليه قضاؤها والكفّارة ؛ لقول الصادق عليهالسلام في الرجل يعتمر عمرة مفردة ثم يطوف بالبيت طواف الفريضة ثم يغشىٰ امرأته قبل أن يسعىٰ بين الصفا والمروة
، قال : « قد أفسد عمرته وعليه بدنة ، ويقيم بمكّة حتىٰ يخرج الشهر الذي اعتمر فيه ،
ثم يخرج إلىٰ الميقات الذي وقّته رسول الله صلىاللهعليهوآله لأهله فيُحْرم منه ويعتمر »
.
__________________
ولا يجوز لمن وجب
عليه العمرة أن يعتمر عن غيره ، كالحجّ ، وينبغي إذا أحرم المعتمر أن يذكر في دعائه أنّه مُحْرمٌ بالعمرة المفردة ، فإذا دخل الحرم ، قطع التلبية .
* * *
الفصل الرابع
في التوابع والمزار
وفيه بحثان :
الأوّل : في التوابع .
مسألة ٧٤٥ : مَنْ أحدث حدثاً في غير الحرم فالتجأ إلىٰ الحرم ، ضُيّق
عليه في المطعم والمشرب حتىٰ يخرج ، فيقام عليه الحدّ ؛ لقوله تعالىٰ
: ( وَمَن دَخَلَهُ
كَانَ آمِنًا ) .
ولو أحدث في الحرم ،
قُوبل بالجناية فيه ؛ لأنّه هتك حرمته ، فيقابل بفعله .
ولما رواه معاوية بن
عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : قلت له : رجل قتل رجلاً في الحِلّ ثم دخل الحرم ، قال : « لا يقتل ولكن لا يطعم ولا يسقىٰ ولا يبايع ولا يؤوىٰ حتىٰ يخرج من الحرم
فيؤخذ فيقام عليه الحدّ » قال : قلت : فرجل قتل رجلاً في الحرم وسرق في الحرم ، فقال : « يقام عليه الحدّ وصغارٌ له ، لأنّه لم ير للحرم حرمةً ، وقد قال الله عزّ وجلّ : ( فَمَنِ
اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ
عَلَيْكُمْ ) يعني في الحرم ، وقال : (
فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ )
» .
__________________
وفي الصحيح عن الحلبي
، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام : عن قول الله عزّ وجلّ : ( وَمَن يُرِدْ فِيهِ
بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ )
فقال : « كلّ الظلم فيه إلحاد حتىٰ لو ضربْتَ خادمك ظلماً خشيتُ أن يكون إلحاداً ، فلذلك كان الفقهاء يكرهون سكنىٰ مكّة » .
مسألة ٧٤٦ : يكره لأهل مكّة منع الحاجّ شيئاً من دُورها ومنازلها ؛ لما رُوي عن الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ أنّه ذكر هذه الآية ( سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) فقال : « كانت مكّة ليس علىٰ شيء
منها باب ، وكان أوّل مَنْ علق علىٰ بابه المصراعين معاوية بن أبي سفيان ، وليس ينبغي لأحد أن يمنع الحاجّ شيئاً من الدُّور ومنازلها » .
ويكره أن يرفع أحدٌ
بناءً فوق الكعبة احتراماً للبيت .
قال الباقر عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « لا ينبغي لأحد أن يرفع بناء فوق الكعبة » .
مسألة ٧٤٧ : لا يجوز أخذ لقطة الحرم ، فإن أخذها ، عرّفها سنةً ، فإن جاء صاحبها ، دفعها إليه ، وإلّا تخيّر بين الحفظ لصاحبها دائماً كما يحفظ الوديعة وبين الصدقة بها عن صاحبها بشرط الضمان إن لم يرض صاحبها بالصدقة ؛ لأنّ الفضيل بن يسار سأل الباقرَ عليهالسلام : عن لقطة الحرم ، فقال : « لا تمسّ أبداً حتىٰ يجيء صاحبها فيأخذها » قلت : فإن كان ( مالاً كثيراً
؟ )
__________________
قال
: « فإن لم يأخذها إلّا مثلك فليعرّفها » .
وسأل عليُّ بن أبي
حمزة العبدَ الصالح عليهالسلام : عن رجل وجد ديناراً في الحرم فأخذه ، قال : « بئس ما صنع ، ما كان ينبغي له أن يأخذه » قلت : ابتلي بذلك ، قال : « يعرّفه » قلت : فإنّه قد عرّفه فلم يجد له باغياً ، قال : « يرجع به إلىٰ بلده فيتصدّق به علىٰ أهل بيت من المسلمين ، فإن جاء
طالبه فهو له ضامن » .
ولأنّ الصدقة تصرّفٌ
في مال الغير بغير إذنه ، فيكون ضامناً له .
وللشيخ ـ رحمهالله ـ قول آخر : إنّه لا يضمن مع الصدقة
.
وأمّا لقطة غير الحرم
: فإنّها تُعرَّف سنة ، فإن جاء صاحبها ، أخذها ، وإلّا فهي كسبيل ماله ؛ لأنّ يعقوب بن شعيب سأل الصادقَ عليهالسلام : عن اللقطة ونحن يومئذٍ بمنىٰ ، فقال : « أمّا بأرضنا هذه فلا يصلح ، وأمّا عندكم فإنّ صاحبها الذي يجدها يعرّفها سنةً في كلّ مجمع ثم هي كسبيل ماله »
.
مسألة ٧٤٨ : يكره الحجّ والعمرة علىٰ الإبل الجلّالات ، وهي التي تغتذي بعذرة الإنسان خاصّةً ؛ لأنّها محرَّمة ، فكره الحجّ عليها .
ولقول الباقر عليهالسلام : « إنّ عليّاً عليهالسلام كان يكره الحجّ والعمرة علىٰ
الإبل الجلّالات » .
وتكره الصلاة في
أربعة مواطن في طريق مكّة : البيداء وذات
__________________
الصلاصل
وضجنان ووادي الشقرة .
قال الصادق عليهالسلام : « اعلم أنّه تكره الصلاة في ثلاثة أمكنة من الطريق : البيداء ، وهي : ذات الجيش ، وذات الصلاصل ، وضجنان » قال : « ولا بأس أن يصلّىٰ بين الظواهر ، وهي الجوادّ جوادّ الطريق ، ويكره أن يصلّىٰ
في الجواد » .
مسألة ٧٤٩ : يستحبّ أن يبدأ الحاجّ علىٰ طريق العراق بزيارة النبي صلىاللهعليهوآله بالمدينة حذراً من العائق .
وسأل العيصُ بن
القاسم الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن الحاجّ من الكوفة يبدأ بالمدينة أفضل أو بمكّة ؟ قال : « بالمدينة »
.
إذا عرفت هذا ، فلو
ترك الناسُ الحجَّ ، أجبرهم الإمام عليه ؛ لوجوبه .
ولو تركوا زيارة
النبي صلىاللهعليهوآله ، قال الشيخ رحمهالله : يُجبرهم الإمام عليها .
ومنعه بعض
علمائنا ؛ لأنّها مستحبّة ، فلا يجب إجبارهم عليها .
والوجه : ما قاله الشيخ
رحمهالله ؛ لما فيه من الجفاء المحرَّم .
مسألة ٧٥٠ : يستحبّ للمسافر الإتمام في حرم مكّة وحرم المدينة وجامع الكوفة والحائر علىٰ ساكنه السلام وإن لم يَنْو المقام عشرة أيّام ؛
لأنّ عبد الرحمن بن الحجّاج سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن التمام بمكّة والمدينة ، قال : « أتمَّ وإن لم تصلّ فيهما إلّا صلاة واحدة »
.
وقال الصادق عليهالسلام : « من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن :
__________________
حرم
الله ، وحرم رسوله وحرم أمير المؤمنين وحرم الحسين عليهمالسلام » .
مسألة ٧٥١ : مَنْ جعل جاريته أو عبده هدياً لبيت الله تعالىٰ ، بِيع
وصُرف في الحاجّ والزائرين ؛ لأنّ عليَّ بن جعفر سأل الكاظمَ عليهالسلام : عن رجل جعل جاريته هدياً للكعبة ، قال « مُرْ منادياً يقوم علىٰ الحجر فينادي ألاٰ مَنْ قصرتْ نفقته أو قُطع به أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان ، وأمره أن يعطي أوّلاً فأوّلاً حتىٰ ينفد ثمن الجارية »
.
ويستحبّ لمن انصرف من
الحجّ العزمُ علىٰ العود ، وسؤال الله تعالىٰ ذلك ؛ لأنّه من الطاعات الجليلة ، فالعزم عليها طاعة .
ويكره ترك العزم .
روىٰ محمد بن
أبي حمزة رَفَعَه ، قال : « مَنْ خرج من مكّة وهو لا يريد العود إليها فقد قرب أجله ودنا عذابه »
.
ويستحبّ الدعاء للقادم
من مكّة بالمنقول .
وينبغي للحاجّ انتظار
الحائض حتىٰ تقضي مناسكها .
قال الكاظم عليهالسلام : « أميران وليسا بأميرين : صاحب الجنازة ليس لمن يتبعها أن يرجع حتىٰ يأذن له ، وامرأة حجّت مع قوم فاعتلّت بالحيض ، فليس لهم أن يرجعوا ويَدَعُوها حتىٰ تأذن لهم »
.
مسائل :
[ ٧٥٢ ] الاُولىٰ : الطواف للمجاور بمكّة أفضل من الصلاة ما لم يجاور
__________________
ثلاث
سنين ، فإن جاورها أو كان من أهل مكّة ، كانت الصلاة أفضل ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « إذا أقام الرجل
بمكّة سنة فالطواف أفضل ، وإذا أقام سنتين خلط من هذا وهذا ، فإذا أقام ثلاث سنين فالصلاة أفضل »
.
[ ٧٥٣ ] الثانية : ينبغي لأهل مكّة أن يتشبّهوا بالمُحْرمين في ترك لُبْس المخيط ؛ لأنّه شعار المسلمين في ذلك الوقت والمكان .
ولقول الصادق عليهالسلام : « لا ينبغي لأهل مكّة أن يلبسوا القميص وأن يتشبّهوا بالمُحْرمين شَعَثاً غُبْراً » وقال : « ينبغي للسلطان أن
يأخذهم بذلك » .
[ ٧٥٤ ] الثالثة : الأيّام المعدودات : عشر ذي الحجّة ، والمعلومات : أيّام التشريق .
قال الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « قال أبي : قال علي عليهالسلام : اذكروا الله في أيّام معدودات ، قال : عشر ذي الحجّة ، وأيّام معلومات ، قال : أيّام التشريق » .
[ ٧٥٥ ] الرابعة : يستحبّ للنساء دخول الكعبة ، وليس متأكّداً ، كما في الرجال ؛ لأنّ الصادق عليهالسلام سُئل ـ في الصحيح ـ عن دخول النساء
الكعبة ، فقال : « ليس عليهنّ ، فإن فعلن فهو أفضل » .
__________________
[ ٧٥٦ ] الخامسة : يكره المجاورة بمكّة ، ويستحبّ الخروج منها بعد أداء المناسك ؛ لقول الباقر عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « لا ينبغي للرجل أن
يقيم بمكّة سنة » قلت : كيف يصنع ؟ قال : « يتحوّل عنها »
.
[ ٧٥٧ ] السادسة : لا ينبغي للموسر المتمكّن أن يترك الحجّ أكثر من خمس سنين ؛ لأنّه طاعة عظيمة .
قال الصادق عليهالسلام : « مَنْ مضت له خمس سنين فلم يفد إلىٰ ربّه وهو موسر انّه لمحروم » .
وقال إسحاق بن عمّار
للصادق عليهالسلام : إنّ رجلاً استشارني في الحجّ وكان ضعيف الحال ، فأشرت عليه أن لا يحجّ ، قال : « ما أخلقك أن تمرض [ سنة ] » قال : فمرضت سنة .
[ ٧٥٨ ] السابعة : يكره الخروج من الحرمين بعد ارتفاع النهار قبل أن يصلّي الظهرين بهما ؛ لأنّ إبراهيم بن عبد الحميد قال : سمعته يقول : « مَنْ خرج من الحرمين بعد ارتفاع النهار قبل أن يصلّي الظهر والعصر نُودي من خلفه : لا صحبك الله » .
[ ٧٥٩ ] الثامنة : مَنْ أخرج شيئاً من حصىٰ المسجد ، كان عليه ردّه ؛ لأنّ زيداً الشحّام سأل الصادقَ عليهالسلام : أخرج من المسجد في ثوبي حصاة ،
__________________
قال
: « تردّها أو اطرحها في مسجد »
.
ولقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « ليس ينبغي لأحد أن يأخذ من تربة ما حول البيت ، وإن أخذ من ذلك شيئاً ، ردّه »
.
وأمّا ثياب الكعبة :
فقد روىٰ الشيخ ـ أنّه ينبغي لمن تصل إليه أن يتّخذها للمصاحف أو الصبيان أو المخدّة للبركة ـ عن عبد الملك بن عتبة ، قال : سألتُ الصادقَ عليهالسلام عن شيء يصل إلينا من ثياب الكعبة هل
يصلح لنا أن نلبس شيئاً منها ؟ فقال : « يصلح للصبيان والمصاحف والمخدّة يبتغي بذلك البركة إن شاء الله » .
[ ٧٦٠ ] التاسعة : يستحبّ الطواف عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وعن الأئمة عليهمالسلام ، وعن فاطمة عليهاالسلام ، للرواية
. وكذا يستحبّ عن المؤمنين : الأحياء والأموات .
[ ٧٦١ ] العاشرة : لو حجّ المؤمن ثم ارتدّ ، صحّ حجّه ، ولم تجب إعادته ؛ لقول الباقر عليهالسلام ـ في الموثّق ـ : « مَنْ كان مؤمناً
فحجّ وعمل في إيمانه ثم أصابته في إيمانه فتنة فكفر ثم تاب وآمن يحسب له كلّ عمل صالح عمله في إيمانه ، ولا يبطل منه شيء » .
[ ٧٦٢ ] الحادية عشرة : يجب تقديم الاختتان ـ علىٰ البالغ ـ علىٰ الحجّ ؛ لقول الصادق عليهالسلام في الرجل الذي يسلم ويريد أن يختتن وقد
حضر الحجّ أيحجّ أو يختتن ؟ قال : « لا يحجّ حتىٰ يختتن »
.
__________________
[ ٧٦٣ ] الثانية عشرة : يجوز القران في طواف النافلة .
روىٰ زرارة ـ في
الصحيح ـ قال : طفت مع أبي جعفر الباقر عليهالسلام ثلاثة عشر اُسبوعاً قرنها جميعاً وهو آخذ بيدي ثم خرج فتنحّىٰ ناحية ، فصلّىٰ
ستّاً وعشرين ركعة وصلّيت معه .
[ ٧٦٤ ] الثالث عشرة : يستحبّ طواف ثلاثمائة وستّين اُسبوعاً .
روىٰ معاوية بن
عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : « يستحبّ أن تطوف ثلاثمائة وستّين اُسبوعاً عدد أيّام السنة ، وإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف » .
[ ٧٦٥ ] الرابع عشرة : يستحبّ الشرب من ماء زمزم وإهداؤه ؛ لقول الباقر عليهالسلام : « كان النبي صلىاللهعليهوآله يستهدي من ماء زمزم وهو بالمدينة »
.
البحث الثاني : في المزار .
مقدّمة : يشترط في الزيارات كلّها النيّة ؛ لأنّها عبادة . ويستحبّ الطهارة والغسل والتنظيف ولُبْس الثياب الطاهرة والخضوع والدعاء بالمنقول .
مسألة ٧٦٦ : تستحبّ زيارة رسول الله صلىاللهعليهوآله .
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « مَنْ زار قبري بعد موتي [ كان ] كمن هاجر إليَّ في حياتي ، فإن لم تستطيعوا فابعثوا إليَّ بالسلام ، فإنّه يبلغني »
.
__________________
ويستحبّ أن يزوره
بالمنقول ، فإذا فرغ من زيارته ، أتىٰ المنبر فمسحه ومسح رمّانتيه ، وأن يصلّي بين القبر والمنبر ركعتين ؛ للرواية
. ويسأل الله حاجته ، ثم يأتي مقام جبرئيل عليهالسلام ، وهو تحت الميزاب ، ويدعو بالمنقول .
ويستحبّ وداعه عند
الخروج من المدينة بالمنقول .
ويستحبّ الإكثار من الصلاة
في مسجد النبي صلىاللهعليهوآله .
قال الصادق عليهالسلام : « صلّ ثمان ركعات عند زوال الشمس ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : الصلاة في مسجدي كألف في غيره ، إلّا
المسجد الحرام فإنّ صلاةً في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي »
.
ويستحبّ لمن أقام
بالمدينة ثلاثة أيّام أن يصومها للحاجة ، ويكون معتكفاً فيها ، ويكون الأربعاء والخميس والجمعة ، ويصلّي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة ، وهي اسطوانة التوبة ، ويقيم عندها يوم الأربعاء ، ويأتي ليلة الخميس الاسطوانة التي تلي مقام رسول الله صلىاللهعليهوآله ومصلّاه ، ويصلّي عندها ، ويصلّي ليلة الجمعة عند مقام النبي صلىاللهعليهوآله .
ويستحبّ لمن جاء إلىٰ
المدينة النزول بالمعرَّس والاستراحة فيه والصلاة ؛ اقتداءً برسول الله صلىاللهعليهوآله .
ويستحبّ إتيان
المساجد كلّها بالمدينة ، مثل مسجد قبا ، ومشربة اُمّ إبراهيم ، ومسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح ، ومسجد الفضيخ ، وقبور الشهداء كلّهم خصوصاً قبر حمزة عليهالسلام باُحد .
قال الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « بلغنا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان إذا
__________________
أتىٰ
قبور الشهداء قال : السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبىٰ الدار »
.
وسأل عقبةُ بن خالد الصادقَ
عليهالسلام : إنّا نأتي المساجد التي حول المدينة فبأيّها أبدأ ؟ فقال : « ابدأ بقُبا ، فصلّ فيه وأكثر فإنّه أوّل مسجد صلّىٰ
فيه رسول الله صلىاللهعليهوآله في هذه العرصة ، ثم ائت مشربة اُمّ
إبراهيم ، فصلِّ فيه فهو مسكن رسول الله صلىاللهعليهوآله ومصلّاه ، ثم [ تأتي ]
مسجد الفضيخ فتصلّي فيه وقد صلّىٰ فيه نبيّك ، فإذا قضيت هذا الجانب تأتي جانب اُحد ، فبدأت بالمسجد الذي دون الحرّة ، فصلّيت فيه ، ثم مررت بقبر حمزة بن عبد المطّلب ، فسلّمت عليه ، ثم مررت بقبور الشهداء فقمت عندهم فقلت : السلام عليكم يا أهل الديار ، أنتم لنا فَرَطٌ وإنّا بكم لاحقون ، ثم تأتي المسجد الذي في المكان الواسع إلىٰ جنب الجبل عن يمينك حين تدخل اُحداً ، فتصلّي فيه فعنده خرج النبي صلىاللهعليهوآله إلىٰ اُحد حيث لقي المشركين فلم يبرحوا حتىٰ حضرت الصلاة فصلّىٰ فيه ، ثم مرّ أيضاً حتىٰ ترجع
فتصلّي عند قبور الشهداء ما كتب الله لك ، ثم امض علىٰ وجهك حتىٰ تأتي مسجد الأحزاب فتصلّي فيه وتدعو فيه ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله دعا فيه يوم الأحزاب وقال : يا صريخ المكروبين ويا مُجيب المضطرّين ويا مُغيث المهمومين اكشف همّي وكربي وغمّي فقد ترىٰ حالي وحال أصحابي »
.
وتستحبّ الصلاة في
مسجد غدير خمّ .
قال الصادق عليهالسلام : « تستحبّ الصلاة في مسجد الغدير ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أقام فيه أمير المؤمنين عليهالسلام ، وهو موضع أظهر الله فيه الحقّ »
.
__________________
مسألة ٧٦٧ : تستحبّ زيارة فاطمة عليهماالسلام ، فقد روىٰ الشيخ ـ رحمهالله ـ بإسناده عنها عليهاالسلام ، قالت : « أخبرني أبي وهو ذا ، هو
أنّه مَنْ سلّم عليه وعليَّ ثلاثة أيّام أوجب الله له الجنّة » قلت لها : في حياته وحياتك ، قالت : « نعم وبعد موتنا »
.
واختُلف في موضع
قبرها عليهاالسلام .
فقيل : في الروضة بين
القبر والمنبر .
وقيل : في بيتها ،
فلمّا زاد بنو اُمية في المسجد صار من جملة المسجد وقيل : إنّها مدفونة في البقيع
.
قال الشيخ رحمهالله : الروايتان الأوّلتان متقاربتان ، وأمّا مَنْ قال : إنّها دُفنت
بالبقيع فبعيد من الصواب .
قال ابن بابويه :
الصحيح عندي أنّها دُفنت في بيتها .
وتستحبّ الزيارة
بالمنقول خصوصاً ما روىٰ الشيخ ـ رحمهالله ـ أنّها مرويّة لفاطمة عليهاالسلام عن محمد العُريضي
، قال : حدّثني أبو جعفر [ عليهالسلام ] ذات يوم ، قال : « إذا صرت إلىٰ قبر جدّتك فقل : يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك ، فوجدك لما امتحنك به صابرةً ، وزعمنا أنّا لك أولياء ومصدّقون وصابرون لكلّ ما أتانا به أبوك صلىاللهعليهوآله وأتىٰ به وصيّه عليهالسلام ، فإنّا نسألك إن كنّا صدّقناك إلّا ألحقتنا بتصديقنا لهما
لنبشر أنفسنا بأنّا قد
__________________
طهرنا
بولايتك » .
مسألة ٧٦٨ : تستحبّ زيارة أمير المؤمنين عليهالسلام ، لقول الصادق عليهالسلام لعبد الله ابن طلحة : « أما تزور قبر أبي حسين ؟ » قلت : بلىٰ إنّا لنأتيه ،
قال : « تأتونه كلّ جمعة ؟ » قلت : لا ، قال : « فتأتونه في كلّ شهر ؟ » قلت : لا ، قال : « ما أجفاكم إنّ زيارته تعدل حجّةً وعمرةً وزيارة أبي علي عليهالسلام تعدل حجّتين وعمرتين » .
وتستحب الزيارة
بالمنقول والوداع به .
مسألة ٧٦٩ : تستحبّ زيارة أبي محمد الحسن عليهالسلام .
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله للحسين عليهالسلام : « مَنْ زارني حيّاً أو ميّتاً أو زار
أباك حيّاً أو ميّتاً أو زار أخاك حيّاً أو ميّتاً ، أو زارك حيّاً أو ميّتاً ،
كان حقّاً عليَّ أن استنقذه يوم القيامة » .
وتستحب الزيارة
بالمنقول والوداع به .
مسألة ٧٧٠ : تستحبّ زيارة الحسين عليهالسلام ؛ لقول الباقر عليهالسلام : « مُروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليهالسلام ؛ فإنّ إتيانه يزيد في الرزق ويمدّ في
العمر ويدفع مواقع السوء ، وإتيانه مفترض علىٰ كلّ مؤمن يقرّ [ له ] بالإمامة من الله » .
وعن الكاظم عليهالسلام : « مَنْ أتىٰ قبر الحسين عليهالسلام في السنة ثلاث مرّات
__________________
أمن
من الفقر » .
وتستحبّ زيارته في
يوم عرفة وفي أوّل يوم من رجب ونصفه ونصف شعبان وليلة القدر وليلة الفطر وليلة الأضحىٰ ويوم عاشوراء ويوم العشرين من صفر وفي كلّ شهر ؛ للروايات المتواترة فيه .
وتستحب الزيارة
بالمنقول والوداع به .
مسألة ٧٧١ : تستحبّ زيارة الأئمّة عليهمالسلام بالبقيع وفي ضريح واحد ، أربعة منهم : الحسن بن علي عليهالسلام وعلي بن الحسين زين العابدين عليهالسلام ومحمد بن علي الباقر عليهالسلام وجعفر بن محمد الصادق عليهالسلام .
قال الصادق عليهالسلام : « مَنْ زارني غُفرت له ذنوبه ولم يمت فقيراً »
.
وتستحبّ زيارتهم
بالمنقول والوداع به .
مسألة ٧٧٢ : تستحبّ زيارة الإمام موسىٰ بن جعفر الكاظم عليهمالسلام ببغداد في المقبرة المعروفة بمقابر قريش .
قال الحسن بن علي
الوشّاء : سألتُ الرضا عليهالسلام : عن زيارة قبر أبي الحسن عليهالسلام مثل زيارة الحسين عليهالسلام ، قال : « نعم » .
وكذا تستحبّ زيارة
محمد بن علي الجواد عليهالسلام ببغداد عند قبر جدّه الكاظم عليهالسلام .
قال إبراهيم بن عقبة
: كتبت إلىٰ أبي الحسن الثالث عليهالسلام : أسأله عن زيارة أبي عبد الله عليهالسلام وزيارة أبي الحسن وأبي جعفر عليهماالسلام ، فكتب إليَّ
__________________
«
أبو عبد الله المقدّم ، وهذا أجمع وأعظم أجراً »
.
وتستحبّ زيارتهما عليهماالسلام بالمنقول والوداع لهما به .
مسألة ٧٧٣ : تستحبّ زيارة مولانا الإمام علي بن موسىٰ الرضا عليهمالسلام ؛ لأنّ علي بن مهزيار سأل ـ في الصحيح ـ أبا جعفر عليهالسلام : جُعلت فداك زيارة الرضا عليهالسلام أفضل أم زيارة أبي عبد الله الحسين عليهالسلام ؟ قال : « زيارة أبي أفضل ، وذلك أنّ أبا عبد الله يزوره كلّ الناس ، وأبي لا يزوره إلّا الخواصّ من الشيعة » .
وقال الرضا عليهالسلام : « مَنْ زارني علىٰ بُعْد داري ومزاري أتيته يوم
القيامة في ثلاثة مواطن حتّىٰ أخلصه من أهوالها : إذا تطايرت الكتب يميناً وشمالاً ، وعند الصراط والميزان » .
وتستحبّ زيارته
بالمنقول والوداع به .
مسألة ٧٧٤ : تستحبّ زيارة الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليهماالسلام وولده الإمام أبي محمد الحسن بن علي
العسكري عليهماالسلام .
قال أبو هاشم الجعفري
: قال أبو محمد الحسن بن علي عليهالسلام : « قبري بسُرّ مَنْ رأىٰ أمان لأهل الجانبين » .
وتستحبّ زيارتهما
بالمنقول والوداع به .
مسألة ٧٧٥ : تستحبّ زيارة مولانا الإمام المنتظر القائم محمد بن الحسن عليهمالسلام بسُرّ مَنْ رأىٰ بالمنقول ووداعه
به .
__________________
قال المفيد رحمهالله : إذا أردت زيارة الإمامين بسُرّ مَنْ رأىٰ فقِفْ بظاهر
الشباك .
قال الشيخ الطوسي رحمهالله : هذا الذي ذكره من المنع من دخول الدار هو الأحوط ؛ فإنّ الدار ملك الغير ، فلا يجوز التصرّف فيها إلّا بإذنه ، ولو أنّ أحداً يدخلها لم يكن مأثوماً ، خصوصاً إذا تأوّل في ذلك ما روي عنهم عليهمالسلام من أنّهم جعلوا شيعتهم في حلٌّ ممّا لَهم
، وذلك علىٰ عمومه .
مسألة ٧٧٦ : تستحبّ زيارة سلمان الفارسي ـ رضياللهعنه ـ بالمنقول ، وزيارة أبواب الإمام المنتظر عليهالسلام ، كعثمان بن سعيد والسمري .
وكذا تستحبّ زيارة
المؤمنين .
روىٰ محمد بن
أحمد بن يحيىٰ ـ في الصحيح ـ قال : مشيت مع ابن بلال إلىٰ قبر محمد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : فقال لي علي بن بلال : قال صاحب هذا القبر عن الرضا عليهالسلام : « مَنْ أتىٰ قبر أخيه المؤمن
من أيّ ناحية يضع يده وقرأ إنّا أنزلناه سبع مرّات أمن من الفزع الأكبر »
.
وقال أبو الحسن عليهالسلام : « مَنْ لم يقدر علىٰ زيارتنا فليزر صالحي إخوانه يكتب له ثواب زيارتنا ، ومَنْ لم يقدر أن يصلنا فليصل صالحي إخوانه يكتب له ثواب صلتنا » .
قال عمرو بن أبي
المقدام عن أبيه ، قال : مررت مع أبي جعفر عليهالسلام بالبقيع ، فمررنا بقبر رجل من أهل الكوفة من الشيعة ، فقلت لأبي
__________________
جعفر
عليهالسلام : جُعلت فداك هذا قبر رجل من الشيعة ،
قال : فوقف عليهالسلام عليه ثم قال : « اللّهم ارحم غربته ، وصِلْ وحدته ، وآنس وحشته ، وأسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة مَنْ سواك ، وألحقه بمن كان يتولّاه » ثم قرأ إنّا أنزلناه سبع مرّات .
والزيارات وكيفيّاتها
طويلة ، لها كتب منفردة نقلها علماؤنا رضي الله عنهم ، فلتطلب من هناك .
__________________

فهرس الموضوعات
فيما
يجب في باقي المحظورات
١ ـ فيما يجب بالُّلبْس
وجوب دم شاة علىٰ
مَنْ لبس ثوباً لا يحلّ له ٥
عدم الفرق في وجوب
الدم بين قليل اللُّبْس وكثيره ٥
حرمت استدامة اللُّبْس
كابتدائه ٦
فيما لو اضطرّ إلىٰ
لُبْس الخفّين والجوربين ٧
فيما لو لبس قميصاً
وعمامةً وخفّين وسراويل ٨
فيما لو لبس ثم صبر
ساعةً ثم لبس شيئاً آخر وهكذا ٨
فيما لو لبس ثياباً
كثيرة دفعةً واحدة أو في مرّات متعدّدة ٨
فيما لو لبس ناسياً
أو جاهلاً ثم ذكر أو علم ٨
حكم المكره حكم
الناسي والجاهل ١٠
وجوب الكفّارة علىٰ
المُحْرم المضطرّ إلىٰ لُبْس المخيط ١٠
وجوب دم شاة على مَنْ
غطّىٰ رأسه أو ظلّل علىٰ نفسه حال سيره ١٠
عدم الفرق في وجوب
الكفّارة بين تغطية الرأس بمخيط أو غيره ١١
عدم وجوب الكفّارة علىٰ
من غطّىٰ رأسه ناسياً ١١
٢ ـ فيما يجب بالطيب والادّهان
وجوب الكفّارة علىٰ
المُحْرم إذا تطيّب عامداً ١١
عدم الفرق في وجوب
الكفّارة بين استعمال الطيب أكلاً أو إطلاءً أو صبغاً أو بخوراً ١١
جواز التطيّب بخلوق
الكعبة ١١
عدم الفرق في وجوب
الكفّارة بالتطيّب بين الابتداء والاستدامة ١٢
وجوب الكفّارة بنفس
التطيّب ١٢
عدم الفرق في وجوب
الكفارة بين الطعام الذي فيه طيب مسّته النار أم لا وكذا بقي الطعام علىٰ وصفه أم لا ١٢
فيما إذا تطيّب عامداً
أو ناسياً وذكر ١٣
جواز شراء الطيب
وبيعه ما لم يشمّه ولم يلمسه ١٣
وجوب الفدية باستعمال
الطيب عمداً ١٣
فيما لو استعمل دهناً
طيّباً ١٤
٣ ـ فيما يجب بالحلق وقصّ الظفر
وجوب الفدية بحلق المُحْرم
رأسه متعمداً ١٤
تعلّق الفدية بحلق
الرأس مطلقاً ١٥
عدم وجوب الفدية بحلق
الرأس جاهلاً أو ناسياً ١٥
حكم النائم حكم
الساهي في حلق الرأس ١٦
بيان كفّارة حلق
الرأس ١٦
كفّارة حلق الرأس مخيّرة
١٦
هل تجب الزيادة في
الصيام علىٰ ثلاثة أيام ؟ ١٧
هل تجب الصدقة علىٰ
أكثر من ستة مساكين ؟ ١٧
عدم الفرق في وجوب
الفدية بين شعر الرأس وبين شعر سائر البدن ١٨
فيما لو نتف إبطيه
جميعاً أو واحدة منهما ١٨
فيما لو مسّ رأسه أو
لحيته فسقط منهما شيء ١٩
إباحة الحلق لأذىٰ
والتخيير بين التكفير قبل الحلق وبعده ١٩
فيما لو خلّل شعره
فسقطت شعرة ١٩
فيما لو قلع جلدة
عليها شعر ٢٠
هل يجوز للمحرم أن
يحلق رأس المحلّ ؟ ٢٠
المُحْرم ممنوع من قصّ
أظفاره ووجوب الفدية فيه ٢٠
فيما يجب في الظفر
الواحد أو الظفرين وهكذا ٢١
فروع ٢٣
٤ ـ جزاء قتل هوام الجسد وقطع الشجر
فيما يجب برمي القملة
عن جسد المُحْرم أو قتلها ٢٤
حرمة قطع شجرة الحرم ٢٥
فيما يجب بقطع الشجرة
الكبيرة والصغيرة وأبعاضها ٢٥
٥ ـ فيما يجب بالفسوق والجدال
وجوب الكفّارة
بالجدال ثلاثاً صادقاً ٢٦
وجوب الكفّارة
بالجدال مرّة كاذباً أو مرّتين أو ثلاث مرّات كذلك ٢٧
وجوب الكفّارة بالعمد
لا بالسهو ٢٧
تعريف الجدال ٢٧
تعريف الفسوق وعدم
وجوب الكفّارة به ٢٧
٦ ـ فيما يجب بالاستمتاع
فساد الحجّ بوطىء المُحْرم
امرأته عالماً بالتحريم عامداً قبل الوقوف بالموقفين ٢٧
فيما يجب بإفساد الحج
من جهة الوطء ٢٩
وجوب إتمام الحجّ
الفاسد ٢٩
وجوب قضاء الحجّ في
السنة المقبلة علىٰ الفور ٣٠
حكم حجّ المرأة
الموطوءة إذا كانت مُحْرمةً ٣١
فروع ٣٢
وجوب الافتراق في
القضاء إذا بلغا المكان الذي وطئها فيه ٣٣
بيان حدّ الافتراق ٣٥
عدم فساد الحجّ
بالوطء ناسياً أو جاهلاً بالتحريم ٣٥
عدم فساد الحجّ
بالإكراه علىٰ الجماع ٣٦
عدم الفرق بين الوطء
في القُبُل والدُّبُر من المرأة والغلام في وجوب الكفّارة وإفساد الحج ٣٦
هل يفسد الحجّ بإتيان
البهائم ؟ ٣٧
فيما لو استمنىٰ
بيده ٣٨
فيما لو وطىء فيما
دون الفرج وأنزل ٣٨
فيما لو وطىء قبل
التلبية أو الإشعار أو التقليد ٤٠
فيما لو جامع بعد
الوقوف بالموقفين ٤٠
فيما لو كان الوطء
بعد الوقوف بعرفة قبل الوقوف بمزدلفة ٤١
فيما لو كرّر الوطء
وهو مُحْرم ٤٢
فيما لو جامع بعد
الموقفين قبل طواف الزيارة ٤٣
فيما لو جامع بعد أن
طاف من طواف الزيارة شيئاً ٤٤
فيما لو أتمّ طوافه
ثم جامع بعد تمام السعي أو شيء منه ٤٤
عدم وجوب الكفّارة
بالجماع قبل طواف الزيارة أو بعده قبل طواف النساء جهلاً بالتحريم أو نسياناً ٤٤
فيما لو جامع بعد أن
طاف شيئاً من طواف النساء ٤٤
عدم الفرق في الوطء
بين أن يطأ في إحرام حجّ واجب أو مندوب ٤٥
فيما إذا وطىء المُحْرم
امرأته الحرّة أو جاريته المُحْرمة بإذنه أو بغير إذنه ، أو المحلّة ٤٥
فيما لو كانت أمته مُحْرمةً
بإذنه فطاوعته ٤٥
فيما لو أكره أمته علىٰ
الوطء ٤٦
فيما لو وطىء أمته
وهو مُحلّ وهي مُحْرمة بإذنه أو بغير إذنه ٤٦
فيما لو زنىٰ
بامرأة ٤٧
فيمن وجب عليه بدنة
في إفساد الحجّ ولم يجدها ٤٧
فيما لو وطىء في
العمرة قبل السعي ٤٨
فيما لو أفسد القارن
حجّه ٤٩
هل يجب الإحرام من الميقات
في قضاء الحجّ ومن أدنىٰ الحلّ في قضاء العمرة ؟ ٥٠
فيما إذا أفسد في
القضاء ٥١
فيما لو عقد المُحْرم
أو المُحلّ لمُحْرم علىٰ امرأة ودخل بها ٥٢
فيما لو نظر إلىٰ
غير أهله فأمنىٰ ٥٢
فيما لو نظر إلىٰ
غير أهله ولم يكرّر النظر أو كرّره حتىٰ أمنىٰ ٥٢
فيما لو كرّر النظر
حتىٰ أمذى ٥٣
فيما لو كرّر النظر
ولم يقترن به مني ولا مذي ٥٣
فيما لو فكّر فأنزل ٥٣
فيما لو نظر إلىٰ
أهله من غير شهوة سواء أمنىٰ أو لا ٥٤
فيما لو نظر إلىٰ
أهله بشهوة فأمنىٰ ٥٤
فيما لو مسّ امرأته
بشهوة أو بغيرها ٥٤
فيما لو قبّل امرأته
بشهوة أو بغيرها ٥٥
جواز تقبيل المُحْرم
أُمّه حال الإحرام ٥٦
فيما لو لاعب امرأته
وهو مُحْرم فأمنىٰ ٥٦
فيما لو سمع كلام
امرأة أو استمع علىٰ مَنْ يجامعها فتشاهىٰ فأمنىٰ ٥٧
أحكام الحجّ الفاسد ٥٧
فيما لو عرضت الردّة
في خلال الحجّ والعمرة ٦١
اللواحق
جواز لُبْس السلاح للمُحْرم
إذا خاف العدوّ ٦٢
جواز تأديب المُحْرم
غلامَه المُحْرم ٦٢
كفّارة اقتتال اثنين
في الحرم ٦٢
فيما إذا اجتمعت
أسباب مختلفة للكفّارة ٦٢
أقسام اتّحاد نوع
الفعل الموجب للكفّارة ٦٣
فيما لو جنّ بعد
إحرامه ففَعَل ما يفسد به الحج أو صاد ٦٤
فيما إذا فَعَل الصبي
ما يوجب الكفّارة ٦٤
فيما لو خرجت قافلة
إلىٰ الحجّ فأُغمي علىٰ واحد منهم فهل يصير مُحْرماً بإحرام غيره عنه ؟ ٦٦
فيما لو قبل امرأته
بعد طواف النساء وهي لم تطف أو طافت ٦٧
فيما لو قلع ضرسه مع
الحاجة إليه أو بدونها ٦٧
فيما لو أُحصر فبعث
بهديه ثم احتاج إلىٰ حلق رأسه لأذىٰ قبل بلوغ الهدي محلّه ٦٧
أحكام الإحرام
الإحرام ركن في الحجّ
والإخلال به عامداً يبطل الحجّ ٦٨
فيما لو أخلّ
بالإحرام ناسياً حتىٰ أكمل المناسك ٦٨
فيما إذا جهل أن يحرم
يوم التروية بالحج حتىٰ يرجع إلىٰ بلده ٦٨
فيما لو كان مُحْرماً
بالحجّ هل يجوز له أن يحرم بالعمرة ؟ ٦٩
حكم إدخال الحجّ علىٰ
العمرة ٦٩
جواز فسخ المفرد حجّه
إلىٰ التمتّع وبالعكس ٦٩
ليس للقارن نقل حجّه
إلىٰ التمتّع ٦٩
فيما لو قرن بين الحجّ
والعمرة في إحرامه ٧٠
جواز الطواف للقارن
والمفرد إذا قدما مكة ووجوب تجديد التلبية ٧٠
فيما إذا لم يجدّد
القارن والمفرد التلبية ٧٠
فيما إذا أتمّ المتمتّع
أفعال عمرته وقصّر وقد ساق هدياً ٧١
استقرار دم التمتّع
بنفس إحرام الحجّ ٧٢
فيما إذا طاف المتمتّع
وسعى للعمرة ثم أحرم بالحج قبل أن يقصّر عمداً أو نسياناً ٧٣
انعقاد إحرام المتمتّع
والمفرد بالتلبية وانعقاد إحرام القارن بها أو بالإشعار أو التقليد وحكم الإشعار ٧٤
ما يستحب فعله عند
الإحرام بالحجّ ٧٥
إحرام المرأة كإحرام
الرجل إلّا في رفع الصوت ولُبْس المخيط ٧٦
عدم جواز تغطية
المرأة وجهها في الإحرام ٧٦
جملة ما يجوز للمُحْرمة
لُبْسها وما لا يجوز ٧٧
دخول مكة
استحباب الغسل قبل
دخول الحرم ٧٩
جواز تأخير الغسل عند
العذر إلىٰ قبل دخول مكة ٧٩
استحباب مضغ شيء من الإذخر
عند دخول الحرم ٧٩
استحباب الدعاء
بالمنقول عند دخول الحرم ٧٩
قطع التلبية عند
النظر إلىٰ بيوت مكة ٧٩
استحباب دخول مكة من أعلاها
والخروج من أسفلها ٨٠
استحباب الاغتسال
لدخول مكة من بئر ميمون أو فخّ ٨٠
فيما لو اغتسل ثم نام
قبل دخول مكة ٨١
استحباب دخول مكة
بسكينة ووقار ٨١
وجوب دخول مكة للمتمتّع
وجوازه للقارن والمفرد ٨١
فيما إذا دخل مكة
بغير إحرام مَنْ يجب عليه دخولها بإحرام ٨١
استحباب الغسل لدخول
مكّة للحائض والنفساء ٨٢
جواز دخول مكة ليلاً
ونهاراً ٨٢
استحباب الغسل لدخول
المسجد الحرام ٨٢
استحباب دخول المسجد
الحرام علىٰ سكينة ووقار من باب بني شيبة ٨٢
الطواف
١ ـ مقدّمات الطواف
اشتراط الطهارة في
الطواف الواجب ٨٣
فيما لو شرع في
الطواف الواجب علىٰ غير طهارة فذكر ٨٣
فيما لو ذكر في أثناء
الطواف أنّه محدث ٨٣
عدم اشتراط الطهارة
في طواف النافلة وإن كانت أفضل ٨٤
اشتراط خلوّ البدن
والثوب من النجاسة في صحّة الطواف ٨٤
اشتراط الستر في صحة
الطواف ٨٥
اشتراط الختان في صحة
الطواف للرجل ٨٥
في جملة ما يستحب عند
دخول المسجد الحرام وما يقوله إذا وقع نظره إلىٰ الكعبة ٨٥
٢ ـ كيفية الطواف
وجوب النيّة
واشتراطها في صحة الطواف ٨٦
كيفية النيّة ٨٦
وجوب الابتداء في
الطواف من الحجر الأسود ٨٦
وجوب المحاذاة بجميع
البدن للحجر الأسود ٨٧
وجوب الاختتام بالحجر
الأسود ٨٨
وجوب جعل البيت عن
اليسار ٨٩
عدم صحة الطوف فيما
لو جعل البيت عن يمينه ٨٩
عدم صحة الطواف فيما
لو استقبل البيت وطاف معترضاً ٩٠
اشتراط خروج جميع
البدن من البيت في صحة الطواف ٩٠
وجوب إدخال الحِجْر في
الطواف ٩١
فيما لو كان يطوف
ويمسّ الجدار بيده في موازاة الشاذروان ٩٢
عدم جواز الطواف خارج
المسجد ٩٢
عدم صحة الطواف في
المسجد خلف المقام ٩٢
إتيان صلاة ركعتي
الطواف بعد الفراغ منه في مقام إبراهيم عليهالسلام ٩٤
هل صلاة الطواف
الواجب فريضة ؟ ٩٤
هل تجب صلاة الطواف
في المقام ؟ ٩٥
فيما إذا كان في
المقام زحام ٩٦
عدم إجزاء الفريضة عن
ركعتي الطواف ٩٧
ذكر طريقين للشافعية
في حكم ركعتي الطواف المندوب ٩٧
فيما لو نسي ركعتي
طواف الفريضة ٩٧
فيما لو صلّىٰ
في غير المقام ناسياً ثم ذكر ٩٨
وقت ركعتي الطواف
الواجب والمندوب ٩٨
فيما لو طاف في وقت
فريضة ٩٩
فيما لو صلّىٰ
المكتوبة بعد الطواف ٩٩
فيما تستحب قراءته في
صلاة الطواف ١٠٠
فيما لو نسي صلاة
الطواف حتىٰ شرع في السعي أو مات ١٠٠
استحباب الدعاء
بالمنقول عقيب صلاة الطواف ١٠٠
استحباب عدم التشاغل
بشيء عند دخول المسجد للطواف ١٠٠
فيما لو دخل المسجد
والإمام مشتغل بالفريضة ١٠١
عدم استحباب رفع
اليدين عند مشاهدة البيت ١٠١
استحباب الوقوف عند
الحجر الأسود والدعاء والتكبير عند محاذاة الحجر وغير ذلك ١٠٢
استحباب استلام الحجر
وتقبيله ١٠٢
استحباب استلام الركن
اليماني وتقبيله ١٠٣
استحباب استلام
الأركان كلّها ١٠٤
في الاستلام لغتان ١٠٥
استحباب الاستلام في
كلّ شوط والدعاء في الطواف بالمنقول ١٠٦
استحباب التزام
المستجار في الشوط السابع ١٠٦
فيما حكي عن بعض
العامّة من وجوب الدم عند ترك الاستلام ١٠٧
استحباب الاضطباع ١٠٧
استحباب المشي مستوياً
بين السرع والإبطاء ١٠٨
استحباب الرمل في
الأشواط الثلاثة الأُول والمشي في الأربعة في طواف القدوم ١٠٨
عدم وجوب الدم بترك
الرمل ١٠٨
استحباب الرمل من
الحِجْر إلىٰ الحِجْر ١٠٩
فيما لو ترك الرمل في
أول شوط أو في الاثنين ١١٠
فيما لو ترك الرمل في
طواف القدوم ١١٠
عدم استحباب الرمل
والاضطباع للنساء ١١٠
الحامل للمريض والصبي
يرمل ١١٠
استحباب التداني من البيت
في الطواف ١١٠
فيما لو كان بالقرب
زحام لا يمكن الرمل فيه ١١٠
استحباب الطواف ماشياً
مع القدرة ١١١
حكم الطواف راكباً مع
القدرة علىٰ المشي ١١١
استحباب طواف
ثلاثمائة وستين طوافاً ١١١
٣ ـ أحكام الطواف
فيما لو أحدث في خلال
الطواف الواجب ١١٢
فيما لو أحدث في خلال
الطواف المندوب ١١٣
فيما لو ذكر بعد
الطواف أنّه طاف محدثاً ١١٣
فيما لو شكّ في
الطهارة ١١٣
فيما لو طاف ستة
أشواط ناسياً ثم ذكر أو لم يذكر حتىٰ رجع إلىٰ أهله ١١٣
فيما لو ذكر أنه طاف
أقلّ من سبعة أشواط وهو في السعي ١١٤
فيما لو قطع طوافه
فرضاً أو نفلاً بدخول البيت أو بالسعي في حاجة له أو لغيره ١١٤
فيما لو دخل عليه وقت
فريضة وهو في الطواف ١١٥
فيما لو خاف فوات
الوتر وهو في الطواف ١١٦
فيما لو حاضت المرأة
وقد طافت أربعة أشواط أو أقلّ من ذلك ١١٦
ركنيّة الطواف في
الحج ١١٧
فيما لو شكّ في عدد
الطواف ١١٧
جواز البناء علىٰ
الأكثر في طواف النافلة ١١٨
جواز التعويل علىٰ
الغير في عدد الطواف ١١٨
عدم جواز الزيادة علىٰ
سبعة أشواط في طواف الفريضة ١١٨
فيما لو طاف ثمانيةً
عمداً أو سهواً ١١٨
فيما لو ذكر في الشوط
الثامن قبل أن يبلغ الركن أو بعده أنّه قد طاف سبعاً ١١٩
عدم جواز القران في
طواف الفريضة ١١٩
جواز القران بين
الطوافين في النافلة ١٢٠
استحباب الانصراف علىٰ
الوتر فيما إذا جمع بين الطوافين ١٢٠
فيما لو شك هل طاف
سبعة أو ثمانية ١٢١
فيما لو شكّ فلم يدر
ستة طاف أو سبعة أو ثمانية ١٢١
فيما لو طاف أقلّ من سبعة
ناسياً ١٢١
فيما لو أحدث في طواف
الفريضة ١٢١
فيما لو طاف وعلىٰ
ثوبه نجاسة عامداً أو ناسياً ١٢١
فيما لو تحلّل من إحرام
العمرة ثم أحرم بالحجّ وطاف وسعىٰ له ثم ذكر أنّه طاف أحد الطوافين مُحْدثاً ١٢٢
عدم سقوط الطواف عن
المريض ١٢٢
فيما لو مرض في أثناء
الطواف ١٢٣
فيما لو حمل مُحْرم مُحْرماً
وطاف به ونوىٰ كلّ واحد منهما الطواف ١٢٣
جواز الكلام بالمباح
في الطواف ١٢٤
استحباب قراءة القرآن
في الطواف ١٢٤
استحباب الدعاء في
أثناء الطواف والإكثار من ذكر الله تعالىٰ ١٢٥
جواز الشرب في الطواف
١٢٥
تذنيب في أفضلية أن
يقال : طواف وطوافان وثلاثة أطواف ١٢٥
حكم لُبْس البُرطُلّة
في طواف الحج والعمرة ١٢٥
في مَنْ نذر أن يطوف
علىٰ أربع ١٢٦
فيما إذا أخلّ بطواف
الحجّ عامداً أو ناسياً ١٢٧
فيما لو نسي طواف
النساء ١٢٧
السعي والتقصير
١ ـ مقدّمات السعي
استحباب الطهارة في
السعي ١٢٩
استحباب استلام الحجر
الأسود قبل السعي ١٢٩
استحباب الشرب من ماء
زمزم وصبّ الماء علىٰ الجسد ١٣٠
استحباب الخروج إلىٰ
الصفا من الباب المقابل للحجر الأسود بالسكينة والوقار ١٣٠
استحباب الصعود علىٰ
الصفا ١٣٠
استحباب حمد الله علىٰ
الصفا والثناء عليه واستقبال القبلة وغير ذلك ١٣١
٢ ـ كيفية السعي
اشتراط النيّة
ووجوبها في صحة السعي ١٣٢
وجوب الترتيب في
السعي بالبدأة بالصفا والختم بالمروة ١٣٢
وجوب السعي بين الصفا
والمروة بسبعة أشواط ١٣٣
وجوب السعي بين الصفا
والمروة في المسافة التي بينهما ١٣٤
عدم وجوب الصعود علىٰ
الصفا والمروة ١٣٤
استحباب السعي ماشياً
وجواز الركوب فيه ١٣٤
استحباب المشي من الصفا
إلىٰ المروة والهرولة ما بين المنارة وزقاق العطّارين ثم المشي إلىٰ المروة ١٣٤
استحباب الدعاء حالة
السعي ١٣٥
عدم وجوب شيء في ترك
الرمل ١٣٥
ليس علىٰ
النساء الرمل ولا الصعود علىٰ الصفا والمروة ١٣٦
فيما لو نسي الرمل حتىٰ
يجوز موضعه ثم ذكر ١٣٦
٣ ـ أحكام السعي
بطلان الحج بترك
السعي متعمّداً ١٣٦
فيما لو ترك السعي ناسياً
١٣٧
فيما لو عكس في ترتيب
السعي ١٣٧
فلو طاف سبعة أشواط
وشكّ فيما بدأ به ١٣٨
فيما لو تيقّن عدد
الأشواط فيما دون السبعة وشكّ في المبدأ ١٣٨
فيما لو سعىٰ
أقلّ من سبعة أشواط ولو خطوةً ١٣٨
فيما لو لم يذكر
نقصان السعي حتىٰ واقع أهله أو قصّر أو قلّم ١٣٨
فيما لو لم يحصّل عدد
الأشواط ١٣٩
عدم جواز الزيادة علىٰ
سبعة أشواط وحكم السعي في صورة الزيادة عمداً أو سهواً ١٣٩
جواز الجلوس في السعي
للاستراحة ١٣٩
عدم بطلان السعي
بقطعه لقضاء حاجة له أو لبعض إخوانه ١٤٠
فيما لو دخل وقت
فريضة وهو في أثناء السعي ١٤١
جواز تأخير السعي بعد
الطواف إلىٰ ساعة وعدم جوازه إلىٰ غد يومه ١٤١
عدم صحّة تقديم السعي
علىٰ الطواف ١٤١
فيما لو طاف بعض
الطواف ثم مضىٰ إلىٰ السعي ناسياً ثم ذكر في الأثناء نقص الطواف ١٤٢
فيما لو سعىٰ
بعد طوافه ثم ذكر أنّه طاف بغير طهارة ١٤٢
وجوب السعي في الحجّ
والعمرة وعدم إجزاء السعي في أحدهما عن الآخر ١٤٢
عدم جواز تقديم طواف
النساء علىٰ السعي وحكم تقديمه عمداً أو نسياناً ١٤٣
عدم جواز تقديم طواف
الحج وسعيه علىٰ المضيّ إلىٰ عرفات اختياراً للمتمتّع ١٤٣
جواز التقديم للضرورة
١٤٣
جواز تقديم طواف
النساء علىٰ الموقفين مع العذر ١٤٤
جواز تقديم الطواف
والسعي علىٰ المضيّ إلىٰ عرفات لضرورة وغيرها للقارن والمفرد ١٤٤
٤ ـ التقصير
إذا فرغ المتمتّع من السعي
قصّر من شعره وقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّا الصيد ١٤٥
التقصير نسك في
العمرة وعدم وقوع الإحلال إلّا به أو بالحلق ١٤٥
عدم استحباب تأخير
التقصير ١٤٦
فيما لو أخلّ
بالتقصير عامداً حتىٰ أهلّ بالحج ١٤٦
عدم دخول أفعال الحجّ
في أفعال العمرة ١٤٦
فيما لو أخلّ
بالتقصير ناسياً ١٤٧
فيما لو جامع امرأته
قبل التقصير ١٤٧
فيما لو جامع امرأته
بعد التقصير ١٤٨
فيما لو قبّل امرأته
قبل التقصير وحكم العمرة ١٤٨
أولوية التقصير من الحلق
في إحرام العمرة ١٤٩
في أدنىٰ
التقصير ١٥٠
إجزاء التقصير بأيّ شيء
كان ١٥٠
جواز نتف الشعر أو
إزالته بالنورة ١٥٠
إجزاء التقصير من الشعر
النازل عن حدّ الرأس أو ما يحاذيه ١٥١
إجزاء التقصير من الأظفار
والأخذ من الشارب أو الحاجبين أو اللحية ١٥١
ليس في إحرام عمرة
التمتّع طواف النساء ١٥١
ينبغي للمتمتّع بعد
التقصير التشبّه بالمُحْرمِين في ترك لُبْس المخيط ١٥١
كراهة الخروج من مكّة
قبل قضاء المناسك كلّها ١٥١
فيما لو اضطرّ إلىٰ
الخروج من مكة قبل قضاء المناسك كلّها ١٥١
فيما لو خرج بغير
إحرام ثم عاد ١٥١
فيما لو دخل المُحْرم
مكة وقدر علىٰ إن شاء الإحرام للحجّ بعد الطواف والسعي والتقصير وإدراك عرفات والمشعر ١٥٢
المقصد الثالث في أفعال الحج
إحرام الحج
وجوب الإتيان بالحجّ
ابتداءً بالإحرام للحجّ من مكة بعد الفراغ من العمرة ١٥٩
استحباب الإحرام
بالحجّ يوم التروية ١٥٩
جواز الإحرام بالحجّ
في أيّ موضع من مكة ١٦٠
ما يستحب فعله لمريد
الإحرام بالحجّ ١٦٠
استحباب الإحرام عند
الزوال يوم التروية بعد أداء الفرضين ١٦٠
جواز الإحرام في أيّ
وقت من أيّام الحجّ بعد الفراغ من العمرة ١٦١
مكان التلبية ١٦١
عدم مسنونية الطواف
بعد الإحرام لغير عذر ١٦١
جواز الطواف بعد
الإحرام لعذر قبل المضي إلىٰ عرفات ١٦١
فيما إذا أحرم
بالعمرة سهواً وهو يريد الحجّ ١٦٢
فيما لو نسي الإحرام بالحجّ
يوم التروية حتىٰ حصل بعرفات أو رجع إلىٰ بلده ١٦٢
الوقوف بعرفات
١ ـ الخروج إلىٰ منىٰ
استحباب أداء الظهرين
يوم التروية بمكّة قبل الخروج منها لمريد الخروج إلىٰ منىٰ ١٦٣
استحباب الخروج إلىٰ
منىٰ قبل الزوال للإمام ١٦٣
جواز المبادرة إلىٰ
الخروج قبل الظهر بيوم أو يومين للمعذور ١٦٤
استحباب الدعاء
بالمنقول عند التوجّه إلىٰ منىٰ وعند النزول بها ١٦٤
فيما لو صادف يومَ
التروية يومُ الجمعة ١٦٥
استحباب الخطبة
للإمام في أربعة أيّام من ذي الحجّة ١٦٥
استحباب المبيت ليلة
عرفة بمنىٰ ١٦٥
كراهة الخروج إلىٰ
عرفات قبل طلوع الفجر ١٦٦
جواز الخروج إلىٰ
عرفات قبل طلوع الشمس بعد طلوع الفجر ١٦٦
عدم جواز خروج الإمام
من منىٰ قبل طلوع الشمس ١٦٦
جواز الخروج قبل طلوع
الفجر للمعذور ١٦٦
استحباب الدعاء
بالمنقول عند الخروج إلىٰ عرفة وضرب الخباء بنمرة ١٦٧
استحباب الجمع بين
الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين للإمام ١٦٧
خطبة الإمام بالناس
وتبيينه لهم ما بين أيديهم من المناسك ١٦٨
وجوب التقصير في
الصلاة علىٰ الإمام المسافر ١٦٨
عدم جواز التقصير
لأهل مكة ومَنْ حولها ١٦٨
فيما يقوله الإمام
إذا سلّم ١٦٨
نمرة ليست من عرفة ١٦٨
٢ ـ كيفية الوقوف
استحباب الاغتسال
للوقوف بعرفة ١٦٩
استحباب الوقوف
مستقبل القبلة ١٦٩
حكم الوقوف راكباً أو
ماشياً ١٦٩
استحباب القيام
وكراهة الركوب والقعود في الوقوف ١٦٩
وجوب النيّة في
الوقوف ١٧٠
وجوب اشتمال النية علىٰ
نية الوجوب والوقوف لحجّ التمتّع والتقرب إلىٰ الله تعالىٰ ١٧٠
وجوب الكون بعرفة إلىٰ
غروب الشمس من يوم عرفة ١٧٠
إجزاء الوقوف بعرفة
كيفما كان ١٧١
لا بدّ من قصد الوقوف
بعرفة ومعرفة أنّها عرفة ١٧١
صحّة وقوف النائم بعد
الزوال وإن استمرّ إلىٰ الليل إذا سبقت منه النيّة للوقوف ١٧٢
فيما لو لم تسبق منه
النيّة واتّفق نومه قبل الدخول إلىٰ عرفة واستمرّ إلىٰ خروجه منها ١٧٢
فيما لو حصل بعرفات
وهو مغمى عليه ولم تسبق منه النية ١٧٢
السكران الذي لا يحصل
شيئاً كالمغمى عليه ١٧٣
فيما لو حضر وهو
مجنون قبل النيّة واستوعب الوقت ١٧٣
حكم من غلب علىٰ
عقله بمرض أو غيره حكم المغمى عليه ١٧٣
فيما لو كان السكران
يحصّل ما يقع منه ١٧٣
عدم اشتراط الطهارة
ولا الستر ولا الاستقبال ١٧٤
فيما لو حضر بعرفة في
طلب غريم له أو دابّة ١٧٤
عرفة كلّها موقف يجزيء
الوقوف في أيّ موضع منها ١٧٤
حدّ عرفة ١٧٥
استحباب ضرب الخباء
بنمرة ١٧٦
جواز النزول تحت
الأراك إلىٰ زوال الشمس ثم المضي إلى الموقف ١٧٦
استحباب الوقوف علىٰ
ميسرة الجبل وعدم الارتفاع إلىٰ الجبل من غير ضرورة ١٧٦
استحباب سدّ الخلل
بنفسه أو برحله ١٧٧
استحباب القرب إلىٰ
الجبل ١٧٧
استحباب خطبة الإمام
بعرفة قبل الأذان ١٧٧
صلاة الإمام بالناس
الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ١٧٧
في الجمع بين الظهر
والعصر للمأموم كما للإمام ١٧٨
المنفرد في الصلاة يجمع
بين الظهرين ١٧٨
جواز الجمع بين
الظهرين لكلّ من كان بعرفة ١٧٩
إتمام الإمام المقيم
صلاته وتقصير المسافرين للصلاة ١٧٩
تقصير الإمام المسافر
والمسافرين صلاتهم وإتمام المقيمين ١٨٠
استحباب تعجيل الصلاة
حين الزوال وتقصير الخطبة ١٨٠
المجيء إلىٰ
الموقف بعد الفراغ من الصلاتين ١٨١
قطع التلبية عند
الزوال من يوم عرفة ١٨١
قطع تلبية العمرة
المبتولة حين تقع أخفاف الإبل في الحرم ١٨١
في المجيء إلىٰ
الموقف بسكينة ووقار وحمد الله والثناء عليه وغير ذلك ١٨١
استحباب الدعاء في
الموقف بما دعا به زين العابدين عليهالسلام ١٨٢
أوّل وقت الوقوف
بعرفة ١٨٢
آخر الوقت الاختياري ١٨٣
فيما لو لم يتمكّن من
الوقوف بعرفة نهاراً وأمكنه الوقوف بها ليلاً ١٨٤
٣ ـ أحكام الوقوف
بطلان الحجّ بترك
الوقوف بعرفة عمداً ١٨٤
فيما لو ترك وقوف
عرفة سهواً أو لعذر ١٨٥
الوقت الاختياري
والاضطراري لعرفة ١٨٦
فيما يجب بالإفاضة من
عرفات قبل غروب الشمس ١٨٦
فيما لو أفاض قبل
الغروب ساهياً أو جاهلاً ١٨٨
فيما لو أفاض قبل
الغروب عامداً عالماً ثم عاد إلىٰ الموقف نهاراً إلىٰ غروب الشمس ١٨٩
فيما لو كان عوده بعد
الغروب ١٨٩
فيما لو فاته الوقوف
بعرفة نهاراً وجاء بعد الغروب ووقف بها ١٩٠
فيما لو غمّ الهلال
ليلة الثلاثين من ذي القعدة فوقف الناس تاسع ذي الحجة ثم قامت البيّنة أنّه العاشر ١٩٠
فيما لو شهد اثنان
عشيّة عرفة برؤية الهلال ولم يبق من النهار والليل ما يمكن الإتيان إلىٰ عرفة ١٩١
فيما لو أخطأ الناس أجمع
في العدد فوقفوا غير يوم عرفة ١٩١
فيما إذا اختلفوا
فأصاب بعضهم وأخطأ بعض ١٩١
فيما لو شهد واحد أو
اثنان برؤية هلال ذي الحجة وردّ الحاكم شهادتهما ١٩١
فيما لو غلطوا في
المكان فوقفوا بغير عرفة ١٩٢
الوقوف بالمشعر الحرام
١ ـ مقدّمات الوقوف بالمشعر
في الإفاضة من عرفات
بعد الغروب قبل الصلاة إلىٰ المشعر والدعاء بالمنقول ١٩٣
استحباب الاقتصاد في
السير ١٩٣
قطع التلبية في السير
١٩٤
استحباب المضيّ علىٰ
طريق المأزمين والإكثار من ذكر الله تعالىٰ ١٩٤
استحباب صلاة المغرب
والعشاء بالمزدلفة وإن ذهب ربع الليل أو ثلثه ١٩٤
استحباب الأذان
والإقامة للمغرب والإقامة للعشاء بدون أذان ١٩٤
لا ينبغي صلاة
النافلة بين المغرب والعشاء بمزدلفة ١٩٧
فيما لو صلّىٰ
بينهما شيئاً من النوافل ١٩٧
فيما لو ترك الجمع
بين المغرب والعشاء بمزدلفة ١٩٧
فيما لو فاته مع
الإمام الجمع ١٩٨
فيما لو عاقه في عائق
وخاف ذهاب أكثر الليل ١٩٨
إتيان نوافل المغرب
بعد العشاء ١٩٨
إتيان الصلاة قبل حطّ
الرحال ١٩٨
المبيت بمزدلفة ليس
ركناً ١٩٩
٢ ـ كيفيّة الوقوف بالمشعر
فيما يجب في الوقوف
بالمشعر ٢٠٠
استحباب الوقوف بعد
صلاة الفجر وإجزاؤه قبلها بعد طلوع الفجر ٢٠١
استحباب الدعاء
بالمنقول والإفاضة حين يشرق ثبور ٢٠١
استحباب الكون علىٰ
الطهارة ٢٠١
إجزاء الوقوف جنباً
أو محدثاً ٢٠١
استحباب الإتيان
بصلاة الفجر في أوّل وقتها ٢٠١
استحباب وطىء المشعر
الحرام للصرورة ٢٠١
استحباب الصعود علىٰ
المشعر وذكر الله عنده ٢٠٢
٣ ـ أحكام الوقوف بالمشعر
بطلان الحجّ بترك
الوقوف بالمشعر عمداً ٢٠٢
وجوب الوقوف بالمشعر
بعد طلوع الفجر ٢٠٤
وجوب الكفّارة فيما
لو أفاض قبل طلوع الفجر مختاراً عامداً بعد الوقوف بالمشعر ليلاً ٢٠٤
جواز الإفاضة من مزدلفة
قبل طلوع الفجر لأصحاب الأعذار والضرورات ٢٠٥
استحباب الإفاضة قبل
طلوع الشمس لغير الإمام وبعده للإمام ٢٠٦
استحباب الإفاضة بعد
الإسفار قبل طلوع الشمس بقليل ٢٠٦
فيما لو دفع قبل
الإسفار بعد الفجر أو بعد طلوع الشمس ٢٠٧
حدّ المزدلفة ٢٠٧
فيما لو ضاق الموقف ٢٠٧
للوقوف بالمشعر وقتان
: اختياري واضطراري ٢٠٧
صحّة الحجّ بإدراك
الاختياري من وقت عرفة واضطراري المشعر أو اضطراري عرفة واختياري المشعر ٢٠٨
صحّة الحجّ بإدراك
اختياريّ أحدهما وفوت الآخر اضطراريّاً واختياريّاً ٢٠٨
فيما لو أدرك
الاضطراريّين معاً ولم يدرك اختياريّ أحدهما ٢٠٨
فيما لو ورد الحاجّ
ليلاً وعلم أنّه إذا مضىٰ إلىٰ عرفات وقف بها قليلاً ثم عاد إلىٰ
المشعر قبل طلوع الشمس ٢٠٨
فيما لو غلب علىٰ
ظنّه أنّه إذا مضىٰ إلىٰ عرفات لم يلحق المشعر قبل طلوع الشمس ٢٠٨
فيما لو وقف بعرفات
ليلاً ثم أفاض إلىٰ المشعر فأدركه ليلاً أيضاً وأفاض منه قبل طلوع الفجر ٢٠٨
استحباب أخذ حصىٰ
الجمار من المزدلفة ٢٠٩
جواز أخذ حصىٰ
الجمار من الطريق في الحرم ومن بقيّة مواضع الحرم ومن حصىٰ الجمار ٢٠٩
عدم جواز أخذ الحصىٰ
من حصىٰ الجمار ولا من غير الحرم ٢١٠
عدم جواز أخذ الحصىٰ
من جميع المساجد ٢١٠
نزول منىٰ وقضاء مناسكها
الرمي ومقدّمته
١ ـ الإفاضة إلىٰ منىٰ
استحباب الدفع من مزدلفة
إلىٰ منىٰ حين إسفار الصبح قبل طلوع الشمس ٢١١
استحباب الإفاضة
بالسكينة والوقار ذاكراً لله تعالىٰ مستغفراً داعياً ٢١١
استحباب الإسراع في
المشي حينما بلغ وادي محسّر ٢١٢
فيما لو ترك الهرولة
في المشي ٢١٢
استحباب الدعاء حالة
السعي في وادي محسّر ٢١٢
استحباب عدم اجتياز
وادي محسّر قبل طلوع الشمس ٢١٣
فيما يجب يوم النحر
بمنىٰ من المناسك ٢١٣
٢ ـ رمي جمرة العقبة
وجوب رمي جمرة العقبة
٢١٣
استحباب رمي جمرة
العقبة حالة وصوله إلىٰ منىٰ ٢١٤
عدم جواز الرمي بغير الحجارة
٢١٤
حكم الرمي بغير الحصى
٢١٦
عدم إجزاء الرمي
بحصاة رمي بها هو أو غيره ٢١٦
وجوب كون الحصىٰ
من الحرم وعدم إجزاء الحصىٰ المأخوذ من غير الحرم ٢١٧
كراهة كون الحصاة صمّاً
واستحباب كونها برشاً منقّطة كحليّة ٢١٨
كراهة كون الحصاة
نجسةً ٢١٨
استحباب كون الحصىٰ
ملتقطة وكراهة كونها مكسّرة ٢١٨
استحباب كون الحصىٰ
صغاراً قدر كلّ واحدة منها مثل الأنملة ٢١٩
فيما لو رمى بأكبر ٢١٩
٣ ـ رمي الجمار وكيفيّته
وجوب النيّة في الرمي
وما يجب فيها ٢١٩
وجوب سبع حصيات لرمي
جمرة العقبة يوم النحر ٢٢٠
وجوب إيصال كلّ حصاة
إلىٰ الجمرة بما يسمّىٰ رمياً ٢٢٠
فيما لو طرحها طرحاً ٢٢٠
وجوب وقوع الحصىٰ
في المرمىٰ وعدم الإجزاء فيما لو وقع دونه ٢٢٠
وجوب كون إصابة الجمر
بفعل الرامي ٢٢٠
فيما لو رمىٰ
بحصاة فوقعت علىٰ الأرض ثم مرّت علىٰ سننها أو أصابت شيئاً صلباً ثم وقعت في المرمىٰ ٢٢١
فيما لو وقعت الحصاة
علىٰ ثوب إنسان فنفضها أو تحرّك فوقعت في المرمىٰ ٢٢١
فيما إذا لم يعلم هل
حصلت الحصاة في المرمىٰ أم لا ٢٢٢
فيما لو رمىٰ
حصاة فوقعت علىٰ حصاة فطفرت الثانية في المرمىٰ ٢٢٢
فيما لو رمىٰ
إلىٰ غير المرمىٰ فوقع في المرمىٰ ٢٢٢
فيما لو وقعت الحصاة
علىٰ مكان أعلىٰ من الجمرة فتدحرجت في المرمىٰ ٢٢٢
فيما لو رمىٰ
بحصاة كان قد رماها فأصابت غير المرمىٰ فأصاب المرمىٰ ثانياً ٢٢٢
فيما لو أصابت الحصاة
إنساناً ثم وقعت علىٰ المرمىٰ ٢٢٢
عدم إجزاء رمي
الحصيات دفعةً ٢٢٣
استحباب رمي جمرة
العقبة من بطن الوادي من قِبَل وجهها ٢٢٣
استحباب رمي جمرة
العقبة مستقبلاً لها مستدبراً للكعبة ٢٢٣
لا ينبغي رمي جمرة
العقبة من أعلاها ٢٢٤
استحباب رمي الجمرة خذفاً
٢٢٥
استحباب الفاصلة بين
الرامي والجمرة بقدر عشرة أذرع إلىٰ خمسة عشر ذراعاً ٢٢٥
استحباب التكبير مع
كلّ حصاة والدعاء بالمنقول ٢٢٥
٤ ـ أحكام الرمي
وجوب الإتيان إلىٰ
منىٰ لقضاء المناسك بها من الرمي وغيره ٢٢٥
استحباب سلوك الطريق
الوسطى التي تخرج علىٰ الجمرة الكبرى ٢٢٥
حدّ منىٰ ٢٢٦
عدم اشتراط الطهارة
في الرمي ٢٢٦
جواز الرمي راجلاً
وراكباً ٢٢٦
حكم رفع اليد في
الرمي حتىٰ يرىٰ بياض الإبط ٢٢٧
استحباب عدم الوقوف
عند جمرة العقبة بعد رميها ٢٢٧
جواز الرمي من طلوع
الشمس إلىٰ غروبها ٢٢٧
جواز الرمي للمعذور
ليلاً من نصفه ٢٢٨
جواز تأخير الرمي إلىٰ
قبل الغروب بمقدار أداء المناسك ٢٢٩
فيما إذا غابت الشمس
ولم يرم ٢٣٠
استحباب الرمي عند
زوال الشمس ٢٣١
وقت الاستحباب لرمي
جمرة العقبة ووقت الإجزاء ٢٣١
قدر حصىٰ
الجمار سبعون حصاة ٢٣١
استحباب غسل الحصىٰ
٢٣٢
إجزاء الرمي بالحجر
النجس ٢٣٢
الذبح
١ ـ الهدي
ذبح الهدي أو نحره
بعد الفراغ من جمرة العقبة ٢٣٢
وجوب هدي التمتّع ٢٣٣
وجوب الهدي علىٰ
المتمتّع المكّي ٢٣٣
عدم وجوب الهدي علىٰ
المفرد والقارن ٢٣٤
القارن يكفيه ما ساقه
٢٣٤
فيما لو تمتّع المكّي
فهل يسقط عنه الفرض ؟ ٢٣٤
دم التمتّع نسك ٢٣٥
لزوم الدم للمتمتّع
إذا أحرم بالحج من مكّة ٢٣٥
فما لو أحرم المفرد
بالحجّ ودخل مكّة ٢٣٦
فيما إذا أحرم
بالعمرة وأتىٰ بأفعالها في غير أشهر الحجّ ثم أحرم بالحجّ في أشهره ٢٣٦
فيما إذا أحرم
بالعمرة في غير أشهر الحج وأتىٰ بأفعالها في أشهره وحجّ من سنته ٢٣٦
عدم سقوط الدم فيما
إذا أحرم المتمتّع من مكة بالحج ومضىٰ إلىٰ الميقات ثم منه إلىٰ عرفات ٢٣٧
فيما لو خالف المتمتّع
وأنشأ الإحرام بالحجّ من غير مكة ٢٣٨
اشتراط النيّة في
التمتّع وعدم وجوب الدم بترك النيّة ٢٣٨
وجوب الإتيان بالعمرة
المفردة علىٰ القارن والمفرد بعد إكمال حجّهما والإحرام من أدنىٰ الحلّ ٢٣٩
فيما لو أفرد الحجّ
عن نفسه فلمّا فرغ من الحجّ خرج إلىٰ أدنىٰ الحرم فاعتمر لنفسه ولم يعد إلىٰ الميقات ٢٣٩
فيما إذا تمتّع ثم
اعتمر بعد ذلك من أدنىٰ الحرم ٢٣٩
فيما إذا أفرد عن
غيره أو تمتّع أو قرن ثم اعتمر من أدنىٰ الحلّ ٢٤٠
فيما إذا أفرد عن
غيره ثم اعتمر لنفسه من خارج الحرم دون الحلّ ٢٤٠
فيما لو اعتمر في
أشهر الحجّ ولم يحجّ في ذلك العام بل حجّ من العام المقبل مفرداً له عن العمرة ٢٤٠
فيما لو خرج من مكة
بعد إحلاله ثم عاد في الشهر الذي خرج منه ٢٤١
وجوب الدم علىٰ
من أحلّ من إحرام العمرة ولم يدخل إحرام الحجّ عليها ٢٤٢
فيما لو دخل الآفاقي
متمتّعاً إلىٰ مكة ناوياً للإقامة بها بعد تمتّعه ٢٤٢
فيما لو كان مولده
ومنشؤه بمكة فخرج منتقلاً مقيماً بغيرها ثم عاد إليها متمتّعاً ٢٤٣
فيما إذا ترك الآفاقي
الإحرام من الميقات ٢٤٣
عدم وجوب الهدي علىٰ
المحرم بالعمرة في غير أشهر الحجّ ٢٤٤
عدم صحّة التمتّع بالعمرة
التي أحرم بها في غير أشهر الحجّ ثم أحلّ منها في أشهره ٢٤٤
عدم وجوب الهدي علىٰ
المملوك الحاجّ بإذن مولاه متمتّعاً ، ولا علىٰ مولاه ٢٤٥
وجوب الصوم ثلاثة
أيام في الحجّ علىٰ المملوك وسبعة إذا رجع إلىٰ أهله كالحرّ ٢٤٦
فيما لو لم يذبح مولىٰ
المملوك عنه ٢٤٧
فيما لو اُعتق
المملوك قبل الوقوف بالموقفين ٢٤٧
فيما لو لم يصم العبد
إلىٰ أن تمضي أيّام التشريق ٢٤٧
وجوب الهدي علىٰ
المتمكّن منه أو من ثمنه ٢٤٧
عدم وجوب بيع ثياب
التجمّل في الهدي ٢٤٧
الاعتبار بالقدرة في
موضع الهدي لا غير ٢٤٧
وجوب ذبح الهدي علىٰ
وليّ الصبيّ المتمتّع ٢٤٨
٢ ـ كيفية الذبح
وجوب النيّة في الذبح
والنحر ٢٤٨
وجوب اشتمال النيّة
علىٰ جنس الفعل وجهته وصفته والتقرّب إلىٰ الله تعالىٰ ٢٤٨
جواز تولّي الذابح
النيّة عن الحاج ٢٤٨
اختصاص الإبل بالنحر
والبقر والغنم بالذبح ٢٤٨
استحباب تولّي الحاج
بنفسه الذبح أو النحر ٢٤٩
فيما لو لم يُحسن
الذباحة ٢٥٠
فيما لو نوىٰ
بقلبه عن صاحب الاُضحية وأخطأ فتلفّظ بغيره ٢٥٠
استحباب نحر الإبل
قائمة من الجانب الأيمن ٢٥٠
وجوب توجيه الذبيحة
إلىٰ القبلة ، والتسمية ٢٥١
فيما لو نسي التسمية ٢٥١
وجوب النحر أو الذبح
في هدي التمتع بمنىٰ ٢٥٢
فيما لو ساق هدياً في
الحجّ أو العمرة ٢٥٢
محلّ ذبح ما يلزم المحرم
من فداءٍ عن صيد وغيره ٢٥٣
وجوب تفرقة لحم الهدي
في الحرم فيما إذا وجب نحره بالحرم ٢٥٣
وقت استقرار وجوب
الهدي ٢٥٤
وقت ذبح الهدي أو
نحره ٢٥٥
أيّام النحر بمنىٰ
وغيرها ٢٥٧
فرعان
١ ـ وجوب تقديم الذبح
علىٰ الحلق بمنىٰ ٢٥٨
فيما لو أخّر الذبح ناسياً
أو عامداً ٢٥٨
٢ ـ قول أكثر فقهاء
العامّة بإجزاء ذبح الهدي في الليالي المتخلّلة لأيّام النحر ٢٥٨
٣ ـ صفات الهدي
وجوب كون الهدي من بهيمة
الأنعام ٢٥٨
بيان أفضل الهدي ٢٥٨
لا يجزئ في الهدي إلّا
الجذع من الضأن والثنيّ من غيره ٢٥٩
عدم إجزاء العوراء
والعرجاء والمريضة والكسيرة في الهدي ٢٦٠
إجزاء العضباء في
الهدي إذا كان القرن الداخل صحيحاً ٢٦١
عدم إجزاء التي ذهب
نصف اُذنها أو قرنها ٢٦٢
عدم إجزاء التي قطع
ثلث أُذنها ٢٦٢
عدم البأس بمشقوقة
الأُذن أو مثقوبتها ٢٦٢
عدم إجزاء الخصي في
الهدي ٢٦٣
كراهة الموجوء ٢٦٤
عدم إجزاء مسلول
البيضتين ٢٦٤
إجزاء الجمّاء والبتراء
والصمعاء ٢٦٤
عدم إجزاء المهزولة ٢٦٤
استحباب كون الأُضحية
سمينةً تنظر في سواد وتمشي في سواد وتبرك في سواد ٢٦٥
فيما لو اشترىٰ
هدياً علىٰ أنّه سمين فوجده مهزولاً ، أو علىٰ العكس ٢٦٥
فيما لو اشترىٰ
هدياً ثمّ عنّ له أن يشتري أسمن منه ٢٦٥
فيما لو اشترىٰ
هدياً ثم وجد به عيباً ٢٦٦
أفضلية الإناث من الإبل
والبقر من الذكران وأولوية الذكران من المعز والضأن ٢٦٦
كراهة التضحية
بالجاموس وبالثور ٢٦٧
استحباب كون الهدي ممّا
عُرف به ٢٦٧
فيما لو أخبر البائع
بالتعريف ٢٦٧
تذنيب في قول مالك في
هدي المجامع ٢٦٧
٤ ـ البدل
فيما إذا لم يجد
الهدي ولا ثمنه ٢٦٨
فيما لو لم يجد الهدي
ووجد ثمنه ٢٦٨
فيما لو لم يجد
الرقبة في العتق ووجد ثمنها ٢٦٩
استحباب كون صوم
الثلاثة في الحج يوماً قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ٢٦٩
فيما لو فاته صوم هذه
الثلاثة أيام ٢٧٠
جواز صوم الثلاثة قبل
الإحرام بالحجّ ٢٧١
عدم جواز تقديم صوم
الثلاثة قبل إحرام العمرة ٢٧٢
عدم جواز صوم أيّام
التشريق بمنىٰ في بدل الهدي وغيره ٢٧٢
جواز صوم الثلاثة طول
ذي الحجّة أداءً فيما لو لم يصمها بعد أيّام التشريق ٢٧٣
عدم جواز صوم هذه الأيّام
الثلاثة إلّا في ذي الحجّة بعد التلبّس بالمتعة ٢٧٤
فيما لو لم يصم هذه
الأيّام الثلاثة حتىٰ خرج ذو الحجة وأهلّ المحرّم ٢٧٤
وجوب التتابع في صوم
الثلاثة ٢٧٤
عدم وجوب التتابع في
صوم الثلاثة فيما إذا فاته قبل يوم التروية ٢٧٤
جواز تفريق صوم
السبعة ٢٧٥
وجوب التفريق بين
الثلاثة والسبعة ٢٧٥
وقت صوم السبعة أيّام
٢٧٦
عدم وجوب التفريق
فيما إذا لم يصم الثلاثة وأقام بمكة حتىٰ مضىٰ شهر أو وصل أصحابه إلىٰ بلده ٢٧٧
فيما لو مات مَن وجب
عليه الصوم ولم يصم ٢٧٧
عدم إجزاء الصدقة
بدلاً عن صوم السبعة مع التمكن منه ٢٧٨
فيما لو تلبّس بالصوم
ثم أيسر أو وجد الهدي ٢٧٨
فيما لو أحرم بالحجّ
ولم يصم ثم وجد الهدي ٢٧٩
فيما لو تعيّن عليه
الصوم وخاف الضعف عن المناسك يوم عرفة ٢٨٠
فيما إذا وجب عليه
بدنة في كفّارة أو نذر ولم يجدها ٢٨١
إجزاء البدنة فيما لو
وجب عليه بقرة ٢٨٢
فيما لو لزمه بدنة في
النذر أو غيره ٢٨٢
٥ ـ أحكام الهدي
عدم إجزاء الهدي
الواجب الواحد إلّا عن واحد حالة الاختيار والضرورة ٢٨٢
إجزاء الهدي الواحد
عن سبعة وعن سبعين في التطوّع ٢٨٤
أقسام الهدي وحكم
التصرّف فيها ٢٨٤
فيما لو ذبح الواجب
غير المعيّن فسُرق أو غُصب بعد الذبح ٢٨٦
فيما لو عيّن بالقول
الواجب غير المعيّن ٢٨٧
فيما لو عيّن معيباً
ـ عمّا في ذمّته ـ عيباً لا يجزئه ٢٨٨
كيفيّة تعيين الهدي ٢٨٨
فيما لو سُرق الهدي
من حرز ٢٨٩
فيما لو عطب الهدي في
مكان لا يجد مَنْ يتصدّق عليه فيه ٢٨٩
فيما لو ضلّ الهدي
فاشترىٰ مكانه غيره ثم وجد الأوّل ٢٨٩
فيما لو غصب شاةً
فذبحها عن الواجب عليه ٢٩٠
فيما لو ضلّ الهدي
فوجده غيره فذبحه عن نفسه أو عن صاحبه ٢٩٠
فيما ينبغي فعله
لواجد الضالّ ٢٩١
فيما لو اشترىٰ
هدياً وذبحه فعرفه غيره وذكر أنّه هديه ضلّ عنه ٢٩١
فيما إذا عيّن هدياً صحيحاً
عمّا في ذمتّه فهلك أو عاب عيباً يمنع الإجزاء ٢٩١
فيما لو أتلف الهدي
أو فرّط فتلف ٢٩١
فيما إذا ولدت الهدية
٢٩٢
فيما لو تلفت المعيّنة
ابتداءً أو بتعيينه ٢٩٢
جواز ركوب الهدي مع
عدم تضرّره به ٢٩٢
جواز شرب لبنها ما لم
يضرّ بها ولا بولدها ٢٩٣
ضمان ما يضرّ بالاُم
أو بالولد بشربه ٢٩٣
فيما لو كان بقاء
الصوف علىٰ ظهرها يضرّ بها ٢٩٣
استحباب الأكل من هدي
التمتّع ٢٩٣
تقسيم الهدي أثلاثاً ٢٩٤
عدم الضمان بترك
الأكل وثبوت الضمان بترك الصدقة ٢٩٥
فيما لو أخلّ
بالإهداء ٢٩٥
عدم جواز الأكل من كلّ
هدي واجب غير هدي التمتّع ٢٩٥
استحباب الأكل من هدي
التطوّع ٢٩٦
ينبغي أكل ثلث هدي
التطوّع والإهداء بثلثه والتصدّق بثلثه ٢٩٦
فيما لو أكل الجميع
في التطوّع ٢٩٦
عدم البأس بترك الأكل
من التطوّع ٢٩٦
فيما لو أكل ما مُنع
من الأكل منه ٢٩٦
جواز إطعام الغني ممّا
له الأكل منه ٢٩٧
فيما لو باع من الهدي
شيئاً أو أتلفه ٢٩٧
فيما لو أتلف أجنبي
من الهدي شيئاً ٢٩٧
بيان الدماء الواجبة
بنصّ القرآن ٢٩٧
وجوب تفرقة لحم الهدي
علىٰ مساكين الحرم ٢٩٧
فيما لو دفع إلىٰ
مَنْ ظاهره الفقر فبان غنيّاً ٢٩٨
عدم جواز دفع ما يجوز
تفريقه في غير الحرم إلىٰ فقراء أهل الذمّة ٢٩٨
فيما لو نذر هدياً
مطلقاً أو معيّناً وأطلق مكانه ٢٩٨
فيما لو عيّن موضعه
غير الحرم ممّا ليس فيه صنم أو شيء من أنواع الكفر ٢٩٨
فيما لو كان النذر إلىٰ
موضع منهي عنه ٢٩٩
فيما لو لم يتمكّن من
إيصال الهدي إلىٰ المساكين بالحرم ٢٩٩
استحباب إشعار الإبل ٢٩٩
استحباب تقليد الهدي
وكيفيّته ٣٠٠
كيفية الإشعار ٣٠٠
ينبغي التصدّق بجلود
الهدايا ولا يأخذها ولا يعطيها الجزّار ٣٠١
عدم جواز الحلق
وزيارة البيت إلّا بعد الذبح أو بلوغ الهدي محلّه ٣٠٢
فيما إذا مات المتمتّع
الواجد للهدي قبل الفراغ من الحجّ ٣٠٢
٦ ـ الضحايا
استحباب الضحيّة ٣٠٣
قول أكثر الفقهاء
باستحباب الأُضحية ٣٠٤
إجزاء الهدي عن الأُضحية
وأفضلية الجمع بينهما ٣٠٥
أيّام الأضاحي بمنىٰ
وغيرها من الأمصار ٣٠٥
فيما لو فاتت أيام
الأضاحي وكانت الأُضحية واجبةً ٣٠٦
وقت الأُضحية ٣٠٧
بيان الأيّام
المعدودات والأيّام المعلومات ٣٠٧
جواز الذبح في اليوم
الثالث من أيّام التشريق ٣٠٨
جواز الحلق أو تقليم
الأظفار لمن دخل عليه عشر ذي الحجّة وأراد أن يضحّي ٣٠٩
عدم اختصاص الأُضحية
بمكان خاصّ ٣١٠
اختصاص الأُضحية بالنَّعَم
٣١١
عدم إجزاء غير الثني
من الإبل والبقر والمعز ٣١١
إجزاء الجذع من الضأن
٣١١
تعريف الثني من البقر
والمعز ، والجذع من الضأن ٣١٢
أفضليّة الثني من الإبل
ثم الثني من البقر ٣١٢
أفضلية الجذعة من الغنم
من إخراج سُبْع بدنة ٣١٣
استحباب كون الأُضحية
أملح سميناً ٣١٣
عدم إجزاء العوراء
والعرجاء والمريضة في الضحايا ٣١٣
كراهة الجلحاء وعدم
إجزاء العضباء في الضحايا ٣١٤
استحباب التضحية
بذوات الأرحام من الإبل والبقر والفحولة من الغنم ٣١٥
عدم جواز التضحية
بالثور وبالجمل بمنىٰ وجوازها في الأمصار ٣١٥
عدم جواز التضحية
بالخصي ٣١٥
عدم جواز نحر البقر
والغنم ولا ذبح الإبل ٣١٥
وجوب التذكية بقطع
الأعضاء الأربعة ٣١٥
استحباب تولّي الحاج
ذبح الأُضحية بنفسه ٣١٦
جواز استنابة المسلم
دون الكافر ٣١٦
جواز ذبيحة الصبيان
مع معرفتهم بشرائط الذبح ٣١٧
جواز ذباحة الأخرس
وإن لم ينطق ٣١٧
جواز ذباحة النساء ٣١٧
جواز ذباحة السكران
والمجنون ٣١٧
استحباب تولّي المسلم
البالغ العاقل الفقيه للذباحة ٣١٧
وجوب استقبال القبلة
وتوجيه الذبيحة إليها عند الذبح ٣١٧
وجوب التسمية عند
الذبح ٣١٨
عدم كراهة الصلاة علىٰ
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مع التسمية ٣١٨
استحباب الدعاء
بالمنقول عند الذبح ٣١٩
استحباب التسمية عند
أكل الذبيحة فيما لو نسي التسمية عند ذبحها ٣١٩
فيما إذا ذبحها وقطع
رأسها قبل موتها ٣١٩
فيما لو ذبحها من قفاها
٣١٩
فيما يعرف به استقرار
الحياة ٣٢٠
كراهة الذباحة ليلاً
في الأُضحية وغيرها ٣٢٠
استحباب الأكل من الأُضحية
٣٢٠
جواز الأكل من الأكثر
والتصدّق بالأقلّ ٣٢١
فيما إذا أكل الجميع ٣٢١
استحباب أكل الثلث
وإهداء الثلث والتصدّق بالثلث ٣٢١
عدم جواز بيع لحم
الأضاحي ٣٢٢
كراهة بيع جلود
الأضاحي وإعطائها الجزّارين ٣٢٢
جواز أكل لحوم الأضاحي
بعد ثلاثة أيام وادّخارها ٣٢٣
كراهة إخراج شيء ممّا
يضحّيه عن منىٰ ٣٢٣
عدم البأس بإخراج لحم
ما ضحّاه غيره ٣٢٤
كراهة تضحية ما يربّيه
٣٢٤
فيما إذا تعذّرت الاُضحية
٣٢٤
فيما إذا اشترىٰ
شاة تجزئ في الأُضحية بنيّة أنّها أُضحية ٣٢٤
فيما لو تلفت الأُضحية
في يده أو سُرقت من غير تفريط ٣٢٦
فيما لو اشترىٰ
شاةً وعيّنها للأُضحية ثم وجد بها عيباً ٣٢٧
إذا عيّن أُضحيةً ذبح
معها ولدها ٣٢٧
جواز شرب لبن الأُضحية
ما لم يضرّ بولدها ٣٢٧
جواز ركوب الأُضحية ٣٢٨
فيما إذا أوجب أُضحيةً
بعينها وهي سليمة فعابت عيباً يمنع الإجزاء من غير تفريط ٣٢٨
فيما لو كانت الأُضحية
واجبةً عليه علىٰ التعيين ثم حدث بها عيب لمعالجة الذبح ٣٢٨
فيما لو عيّن أُضحية
ابتداءً وبها ما يمنع من الأُضحية الشرعية ٣٢٩
فيما لو عيّنها معيبةً
ثم زال عيبها ٣٢٩
فيما لو ضلّت الأُضحية
المعيّنة من غير تفريط ٣٢٩
فيما لو أوجب أُضحية
في عام فأخّرها إلىٰ قابل ٣٣٠
فيما لو ذبح أُضحية
غيره المعيّنة ٣٣٠
إجزاء الأُضحية وكذا
الهدي المتطوّع به عن سبعة ٣٣٠
الحلق والتقصير
وجوب الحلق أو
التقصير بمنىٰ يوم النحر بعد ذبح الهدي ٣٣٣
تخيّر الحاجّ بين
الحلق والتقصير ٣٣٤
قول الشيخين قدسسرهما بوجوب الحلق علىٰ الصرورة ٣٣٥
آكديّة الحلق للملبّد
والصرورة ٣٣٦
إجزاء ما يقع عليه
اسم التقصير ٣٣٦
وجوب النيّة في الحلق
والتقصير ٣٣٦
استحباب البدأة
بالناصية من القرن الأيمن في الحلق ٣٣٦
إمرار الموسىٰ
علىٰ رأس مَنْ لا شعر عليه ٣٣٧
فيما لو ترك الحلق
والتقصير معاً حتىٰ زار البيت ٣٣٧
فيما لو رحل من منىٰ
قبل الحلق ٣٣٨
استحباب دفن الشعر
بمنىٰ ٣٣٩
استحباب قلم الأظفار والأخذ
من الشارب لمن حلق رأسه أو قصّر ٣٣٩
وقت الحلق ٣٣٩
وجوب تأخير الحلق عن
الرمي والذبح ٣٣٩
فيما لو بلغ الهدي
محلّه ولم يذبح ٣٤١
يوم الأكبر يوم النحر
٣٤٢
استحباب الخطبة
للإمام يوم النحر وتعليم الناس ما فيه من المناسك ٣٤٣
حلّيّة كلّ شيء بعد
الحلق أو التقصير ما عدا الطيب والنساء والصيد في إحرام الحجّ ٣٤٣
حلّيّة الطيب بعد
طواف الزيارة ٣٤٤
حلّيّة النساء بعد
طواف النساء ٣٤٤
استحباب التشبّه بالمُحرمين
قبل طواف الزيارة لمن حلق رأسه ٣٤٤
استحباب عدم مسّ شيء
من الطيب لمن طاف طواف الزيارة ولم يطف طواف النساء ٣٤٥
فيما يحصل به التحلّل
٣٤٥
بقايا أفعال الحجّ
١ ـ زيارة البيت
رجوع الحاج إلىٰ
مكة لطواف الزيارة بعد قضاء مناسكه بمنىٰ ٣٤٧
وجوب الطهارة والنيّة
في طواف الزيارة ٣٤٨
استحباب الإتيان
بطواف الزيارة يوم النحر بعد قضاء المناسك بمنىٰ ٣٤٨
جواز تأخير الطواف إلىٰ
الليل ٣٤٩
أوّل وقت طواف
الزيارة وآخر وقته ٣٤٩
فيما لو أخّر المتمتّع
زيارة البيت عن اليوم الثاني من يوم النحر ٣٥٠
جواز تأخير طواف
الزيارة والسعي إلىٰ آخر ذي الحجّة للقارن والمفرد ٣٥٠
ورود رخصة في جواز
تقديم الطواف والسعي علىٰ الخروج إلىٰ منىٰ وعرفات ٣٥٠
استحباب الاغتسال
للطواف وتقليم الأظفار والأخذ من الشارب والدعاء ٣٥١
جواز الاغتسال لطواف
الزيارة من منىٰ ٣٥١
جواز الاغتسال نهاراً
والطواف ليلاً ما لم ينقضه بحدث أو نوم ٣٥١
استحباب الغسل للمرأة
كالرجل ٣٥١
كيفية طواف الزيارة
وما يجب إتيانه أو يستحب قبله أو بعده ٣٥٢
ركنية السعي عقيب
طواف الحجّ في الحجّ ٣٥٢
هل يشترط في التحلّل
الثاني السعي أو يحصل عقيب طواف الزيارة قبله ؟ ٣٥٢
وجوب طواف النساء علىٰ
الرجال والنساء . . . ٣٥٣
وجوب طواف النساء في
الحجّ والعمرة المبتولة ٣٥٣
وجوب طواف النساء لكلّ
إحرام ما عدا إحرام العمرة غير المفردة ٣٥٤
وجوب السعي بعد كلّ
طواف ما عدا طواف الزيارة ٣٥٤
عدم حلّيّة النساء
للحاجّ أو المعتمر مفرداً التارك لطواف النساء ٣٥٤
فيما لو مات قبل
طوافه ٣٥٤
٢ ـ الرجوع إلىٰ منىٰ
وجوب الرجوع إلىٰ
منىٰ بعد قضاء المناسك بمكة ٣٥٥
كفّارة ترك المبيت
بمنىٰ ٣٥٦
الواجب هو الكون
ليالي التشريق ٣٥٨
الأفضل عدم الخروج من
منىٰ إلّا بعد طلوع الفجر ٣٥٨
الأفضل المقام بمنىٰ
إلىٰ انقضاء أيّام التشريق ٣٥٨
جواز ترك المبيت بمنىٰ
للرعاة وأهل السقاية والمبيت في منازلهم ٣٥٨
عدم اختصاص الرخصة في
ترك المبيت لأهل السقاية بالعبّاسيّة ٣٥٩
٣ ـ الرمي
وجوب رمي الجمار
الثلاث في كلّ يوم من أيّام التشريق ٣٥٩
وقت رمي الجمار الثلاث
من حيث الأيّام ٣٥٩
استحباب رمي الجمار
عن يسارها ٣٥٩
أوّل وقت الرمي من طلوع
الشمس ٣٦٠
الرمي عند الزوال
أفضل ٣٦١
جواز الرمي ليلاً
للعليل والخائف والرُّعاة والعبيد ٣٦١
وجوب الترتيب بين
الجمار الثلاث ٣٦٢
وجوب رمي كلّ جمرة
بسبع حصيات كملاً ٣٦٢
عدم حصول الترتيب
برمي الأُولىٰ بأقلّ من أربع حصيات ثم رمي الثانية والثالثة كملاً أو بالعكس ٣٦٣
فيما لو رمىٰ
السابقة بأربع فما زاد ثم رمىٰ ما بعدها سهواً أو عمداً ٣٦٣
فيما لو رمىٰ
بستّ وضاعت واحدة ٣٦٤
فيما لو علم أنّه قد
أخلّ بحصاة ولم يعلم من أيّ الجمار ٣٦٤
وجوب الرمي بالسبع
حصيات في سبع مرّات ٣٦٥
جواز الرمي راكباً ٣٦٥
فيما يستحب في الرمي ٣٦٥
جواز الرمي عن كلّ ذي
عذر ٣٦٥
فيما لو نسي رمي يوم
بعض الجمرات أو جميعها ٣٦٦
فيما إذا فاته رمي
يوم كملاً ٣٦٧
استحباب رمي ما فاته
بالأمس بكرةً ٣٦٧
وجوب الترتيب بالبدأة
بقضاء الفائت ثم التعقيب بالحاضر ٣٦٧
فيما لو رمىٰ
جمرة واحدة بأربع عشرة حصاة سبعاً ليومه وسبعاً لأمسه ٣٦٧
فيما لو فاته رمي
يومين ٣٦٧
فيما لو فاته حصاة أو
حصاتان أو ثلاث حتىٰ خرجت أيام التشريق ٣٦٧
فيما لو نسي الجمار
كلها في الأيّام بأجمعها حتىٰ جاء مكة ٣٦٨
فيما لو أخّر رمي
جمرة العقبة يوم النحر ٣٦٨
استحباب وضع الحصى في
كفّ المنوب للنائب في الرمي ٣٦٩
وقت الرمي في الأداء
والقضاء للمختار ٣٦٩
استحباب التكبير بمنىٰ
أيّام التشريق عقيب خمس عشرة صلاة وفي غيرها عقيب عشر ٣٦٩
هل هذا التكبير واجب
؟ ٣٧٠
لا تكبير عقيب
النوافل ٣٧٠
صورة التكبير ٣٧٠
استحباب الخطبة
للإمام بعد الظهر يوم الثالث من أيّام النحر ٣٧١
٤ ـ النفر من منىٰ
جواز النفر من منىٰ
بعد رمي الجمار الثلاث في اليوم الأوّل والثاني من أيّام التشريق لمن اتّقىٰ النساء والصيد في إحرامه ٣٧١
عدم الفرق في جواز
النفر الأوّل بين أهل مكة وغيرهم ٣٧١
عدم جواز النفر في
الأوّل لمن جامع في إحرامه أو قتل صيداً ٣٧٢
حكم النفر في الأوّل
قبل الزوال إلّا لضرورة أو حاجة ٣٧٣
جواز النفر في الثاني
قبل الزوال ٣٧٣
جواز النفر في الأوّل
مشروط بعدم غروب الشمس وهو بمنىٰ ٣٧٣
جواز النفر في الأوّل
بعد دخول وقت العصر ٣٧٤
فيما لو رحل من منىٰ
فغربت الشمس وهو راحل قبل انفصاله منها ٣٧٤
فيما لو رحل قبل
الغروب ثم عاد لأخذ متاع ، أو اجتياز أو زيارة ٣٧٥
جواز إتيان مكة
والإقامة بها لمن نفر في الأوّل ٣٧٥
ينبغي للإمام أن ينفر
قبل الزوال في النفر الأخير ويصلّي الظهر بمكة ٣٧٥
استحباب دفن الحصىٰ
المختص بذلك اليوم بمنىٰ ٣٧٥
استحباب الصلاة للحاجّ
في مسجد الخيف ٣٧٥
استحباب صلاة ست
ركعات في مسجد الخيف ٣٧٥
استحباب إتيان المحصّب
والنزول به والصلاة في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمن ينفر في النفر الثاني ٣٧٦
٥ ـ الرجوع إلىٰ مكة
استحباب العود إلىٰ
مكة لطواف الوداع بعد قضاء المناسك بمنىٰ ٣٧٦
استحباب دخول الكعبة ٣٧٦
استحباب الاغتسال
والدعاء والتحفّي لمريد دخول الكعبة ٣٧٦
استحباب الصلاة بين
الاسطوانتين وفي زوايا البيت والدعاء بالمنقول ٣٧٧
تأكّد استحباب دخول
الكعبة للصرورة ٣٧٧
كراهة الفريضة جوف
الكعبة ٣٧٧
استحباب الدعاء عند
الخروج من الكعبة بالمنقول ٣٧٧
استحباب وداع البيت
لمن أراد الخروج من مكة ٣٧٧
استحباب الوداع بطواف
سبعة أشواط ٣٧٨
وقت طواف الوداع ٣٧٩
فيما إذا طاف للوداع
وصلّىٰ ركعتيه ولم ينصرف ٣٧٩
استحباب الوداع لمن
كان منزله في الحرم ٣٧٩
عدم سقوط استحباب
طواف الوداع عمّن أخّر طواف الزيارة حتىٰ خرج ٣٧٩
فيما لو خرج من مكة
ولم يودّع ٣٨٠
طواف الوداع سبعة
أشواط كغيره ٣٨٠
فيما يستحب فعله بعد
طواف الوداع إلىٰ أن يؤدّي صلاة الطوف ٣٨٠
استحباب الشرب من زمزم
٣٨١
الحائض لا طواف عليها
للوداع ولا فدية عليها ٣٨١
المستحاضة تودّع بطواف
وتتيمّم وتطوف لو فقدت الماء ٣٨٢
فيما لو طهرت الحائض
قبل مفارقة بنيان مكة ٣٨٢
استحباب اشتراء التمر
بدرهم والتصدّق به لمن أراد الخروج من مكة ٣٨٢
اللواحق
١ ـ الحصر والصدّ
١ ـ الصدّ
تعريف الحصر والصدّ ٣٨٥
ليس للقارن إذا أُحصر
التمتّع في القابل ٣٨٥
وقوع التحلّل بصدّ
المشركين أو غيرهم الحاجّ عن الوصول إلىٰ مكة بعد إحرامه ٣٨٥
جواز التحلّل مع الصدّ
لمن كان إحرامه للحجّ أو العمرة وبأيّ أنواع الحجّ أحرم ٣٨٦
فيما لو كان للمصدود
طريق غير موضع الصدّ ٣٨٦
جواز التحلّل لمَنْ صُدّ
وقصرت نفقته ٣٨٧
المصدود يتحلّل
بالهدي ونيّة التحلّل ٣٨٧
قول ابن إدريس
باختصاص الهدي بالمحصور لا المصدود ٣٨٧
فيما لو نوىٰ
التحلّل قبل الهدي ٣٨٨
لا بدل لهدي التحلّل ٣٨٨
فيما لو عجز عن الهدي
وثمنه ٣٨٨
فيما إذا ذبح المصدود
فهل يجب عليه الحلق أو التقصير أم لا ؟ ٣٨٩
فيما لو كان المصدود
قد ساق هدياً في إحرامه قبل الصدّ ثم صُدّ ٣٩٠
عدم اختصاص مكان ولا
زمان لنحر الهدي وذبحه بالنسبة إلىٰ المصدود ٣٩٠
فيما لو صُدّ عن مكّة
قبل الموقفين أو عنهما ٣٩١
فيما لو مُنع عن أحد
الموقفين ٣٩١
فيما لو مُنع بعد
الوقوف بالموقفين عن العود إلىٰ منىٰ لرمي الجمار والمبيت بها ٣٩١
فيما لو صُدّ بعد
الوقوف بالموقفين قبل طواف الزيارة والسعي ٣٩٢
فيما لو تمكّن من المبيت
وصُدّ عن الموقفين أو عن أحدهما ٣٩٢
فيما لو طاف وسعىٰ
للقدوم ثم صُدّ حتىٰ فاته الحجّ ٣٩٢
وجوب قضاء الحجّ
الواجب الفائت بالصدّ في العام القابل ٣٩٣
عدم الفرق في التحلّل
بين الصدّ العامّ والصدّ الخاصّ وتعريفهما ٣٩٤
حكم المحبوس بدَيْن ٣٩٤
فيما لو كان عليه دَيْن
مؤجّل يحلّ قبل قدوم الحاج فمنعه صاحبه من الحجّ ٣٩٤
فيما لو أحرم العبد
مطلقاً أو الزوجة تطوّعاً بغير إذن السيّد والزوج ٣٩٤
جواز التحلّل من إحرام
العمرة ٣٩٥
استحباب تأخير
الإحلال للمصدود ٣٩٥
فيما لو خشي فوات
الحجّ بعد زوال العذر قبل تحلّله ٣٩٥
فيما لو فات الحجّ ثم
زال الصدّ بعده ٣٩٥
فيما لو غلب علىٰ
ظنّه انكشاف العدوّ قبل فوات الحجّ ٣٩٥
فيما لو أفسد حجّه فصُدّ
٣٩٥
فيما إذا انكشف العدوّ
في وقت يتّسع لاستئناف القضاء أو يضيق الوقت له ٣٩٥
فيما إذا لم يتحلّل
من الفاسد وزال الصدّ والحجّ لم يفت أو كان العدوّ باقياً ٣٩٦
فيما لو صُدّ فأفسد
حجّه ٣٩٦
ينبغي للمُحرم
الاشتراط علىٰ ربّه حالة الإحرام ٣٩٦
فيما إذا شرط المحرم
في ابتداء إحرامه أن يحلّ متىٰ مرض أو في غير ذلك فهل يسقط هدي التحلّل ؟ ٣٩٦
عدم تأثير الشرط في
سقوط القضاء إن كان الحجّ واجباً ٣٩٦
ينبغي اشتراط ما له
فائدة ٣٩٦
فيما لو قال في
اشتراطه : أنا أرفض إحرامي وأُحلّ فلبس وذبح الصيد من غير صدّ أو حصر ٣٩٦
فيما لو وطئ المشترط
قبل الموقفين ٣٩٧
أولوية الانصراف عن
العدوّ الصادّ إن كان مسلماً ٣٩٧
رأي العلّامة فيما
إذا غلب ظنّ المسلمين بالغلبة أو انقهارهم ٣٩٧
وجوب الجزاء لله تعالىٰ
فيما إذا قتل المسلمون صيد الكفّار ٣٩٨
فيما لو بذل العدوّ
الطريق وكانوا معروفين بالغدر ٣٩٨
فيما لو طلب العدوّ
مالاً لتخلية الطريق ٣٩٨
فيما إذا تحلّل
المصدود بالهدي وكان الحجّ واجباً ٣٩٨
تحقّق الصدّ في
العمرة ٣٩٩
جواز التحلّل بالهدي
لمن أحاط العدوّ به من جميع الجهات ٣٩٩
لا بدل لهدي التحلّل ٤٠٠
فروع في إحرام العبد
بإذن السيّد أو بغير إذنه وتحليل السيّد له ٤٠٠
٢ ـ المحصور
فيما يجب علىٰ
المحصر من الأعمال ٤٠١
فيما يجب علىٰ
المحصر بعد بعث الهدي وانتظار وصوله إلىٰ المحلّ ٤٠٣
فيما لو وجد المحصر
من نفسه خفّةً بعد بعث هديه وأمكنه اللحوق بأصحابه ٤٠٣
فيما لو تحلّل يوم
الميعاد ثم ظهر أنّ أصحابه لم يذبحوا عنه ٤٠٤
فيما إذا بعث هديه في
العام المقبل فهل يجب عليه أن يمسك ممّا يمسك عنه المُحرم إلىٰ أن يذبح عنه ؟ ٤٠٤
حكم المعتمر المحصر
حكم الحاجّ المحصر ٤٠٥
فيما لو احتاج المحصر
إلىٰ حلق رأسه لأذىٰ ٤٠٥
فيما لو كان المحصر
قد أحرم بالحجّ قارناً ٤٠٥
في قول ابني بابويه
بوجوب بعث هديين فيما إذا قرن الحجّ والعمرة وأُحصر ٤٠٦
جواز التحلّل من دون
إنفاذ هدي إن لم يكن ساقه أو أشعره أو قلّده فيما إذا اشترط في إحرامه ٤٠٦
٣ ـ حكم الفوات
فيما إذا فات الحجّ
بعد الوقوف بالموقفين في وقتهما ٤٠٧
من فاته الحجّ يجعل
حجه عمرة مفردة ٤٠٩
استحباب المقام بمنىٰ
إلىٰ انقضاء أيّام التشريق لمن فاته الحجّ ٤١٠
هل يجب الهدي علىٰ
مَنْ فاته الحجّ ؟ ٤١٠
فيما لو كان ساق هدياً
٤١١
وجوب قضاء الحجّ
الفائت إن كان واجباً ٤١١
وجوب قضاء الحجّ فوراً
إن كان الفائت حجّة الاسلام ٤١٢
هل يجب التحلّل علىٰ
فائت الحجّ ؟ ٤١٣
٢ ـ بقايا مسائل تتعلّق بالنساء والعبيد
والصبيان والنائب في الحجّ
وجوب الحجّ علىٰ
النساء كوجوبه علىٰ الرجال ٤١٥
ليس للزوج منع الزوجة
عن حجة الإسلام ٤١٥
جواز الرجوع للزوج في
إذنه للزوجة في المتطوّع ما لم تتلبّس بالإحرام ٤١٥
فيما لو أحرمت الزوجة
بعد رجوع الزوج أو قبل رجوعه ٤١٥
فيما لو كان إحرام
الزوجة في التطوّع بغير إذن الزوج ٤١٥
فيما لو خرجت الزوجة
لحجّة الإسلام ولم تكمل شرائطها ٤١٥
عدم انعقاد نذر
الزوجة للحجّ بغير إذن زوجها ووجوب النذر فيما لو أذن الزوج ٤١٥
فيما لو نذرت الزوجة
قبل التزويج ٤١٦
حكم المطلّقة رجعيّاً
في العدّة حكم الزوجة ٤١٦
عدم حرمة لُبْس
المخيط للنساء ٤١٦
الحائض تُحرم كالرجل
، وتحتشي وتستثفر وتتوضّأ وضوء الصلاة ٤١٦
المستحاضة تفعل ما يلزمها
من الأغسال ثم تُحرم عند الميقات وكذا النفساء ٤١٦
فيما لو تركت الحائض
أو المستحاضة الإحرام نسياناً أو ظنّاً منها عدم جوازه ٤١٦
الزائد عن نفقة الحجّ
الواجب علىٰ المرأة دون الزوج ٤١٧
فيما لو أفسدت الزوجة
الحجّ الواجب بأن مكّنت زوجها من وطئها مختارةً قبل الموقفين ٤١٧
فيما إذا حاضت المرأة
بعد الإحرام قبل الطواف ٤١٧
فيما لو حاضت المرأة
في أثناء طواف المتعة ٤١٨
فيما لو حاضت المرأة
وقد طافت أقلّ من أربعة أشواط ٤١٨
فيما لو حاضت المرأة
بعد الطواف قبل الركعتين ٤١٩
فيما لو حاضت المرأة
في إحرام الحجّ ٤١٩
فيما إذا حاضت المرأة
قبل طواف النساء أو حينه وقد طافت أربعة أشواط ٤١٩
فيما إذا فرغت المتمتّعة
من عمرتها وخافت الحيض ٤١٩
العليلة يطاف بها ٤٢٠
المستحاضة تطوف
بالبيت وتفعل ما تفعله الطاهر إذا فعلت ما تفعله المستحاضة ٤٢٠
كراهة دخول الكعبة
للمستحاضة ٤٢٠
فيما إذا كانت
العليلة لا تعقل وقت الإحرام ٤٢٠
جواز الخروج في الحجّ
مطلقاً لمن توفّي عنها زوجها ٤٢٠
عدم وجوب الحج علىٰ
العبد وإن أذن له مولاه ٤٢١
عدم إجزاء حجّ العبد
إلّا أن يدركه العتق قبل فوات الموقفين ٤٢١
في مهاياة المولىٰ
عبده علىٰ أيّام معيّنة تكون بقدر ما انعتق منه وأمكنه وقوع الحجّ فيها ٤٢١
عدم صحّة حج الزوجة
الأمة بدون إذن سيّدها وزوجها معاً ٤٢١
عدم إجزاء حجّ الزوجة
الأمة إلّا أن يدركها العتق قبل الموقفين ٤٢١
صحة إحرام الصبي أو
العبد بإذن مولاه ٤٢١
فيما إذا بلغ الصبي المحرم
أو أُعتق العبد المحرم بعد فوات الموقفين أو قبل فواتهما ٤٢١
فيما إذا كان البلوغ
والعتق بعد الوقوف وقبل فوات وقته ٤٢٢
وجوب الحجّ علىٰ
الكافر وعدم صحّته منه ٤٢٣
فيما إذا أسلم الكافر
بعد فوات الوقوف أو قبل الوقوف ٤٢٣
فيما إذا حجّ المخالف
ثم استبصر ٤٢٣
عدم وجوب إعادة غير
الحجّ ـ ما عدا الزكاة ـ من الواجبات علىٰ المستبصر ٤٢٤
فيما إذا شهد السكران
المناسك في حال سكره ٤٢٥
عدم جواز الاستئجار
في حجّة الإسلام لواجد الاستطاعة المتمكّن من مباشرة الحجّ ٤٢٥
حكم الاستئجار في
التطوّع فيما إذا كان المستأجر لم يحج حجة الإسلام ٤٢٥
فيما لو كان
الاستئجار يمنع من أداء الواجب ٤٢٥
جواز الاستئجار في
التطوّع فيما لو لم يكن السرب مخلّىٰ ٤٢٦
جواز الاستنابة في
التطوّع فيما لو كان قد حجّ حجّة الإسلام ٤٢٦
جواز الاستنابة فيما
لو كان عاجزاً عن التطوّع في هذا العام عجزاً يرجىٰ زواله ٤٢٦
فيما إذا فقد الصرورة
الاستطاعة وتمكّن من الحجّ تطوّعاً فهل يقع حجّه عن حجة الإسلام ؟ ٤٢٦
فيما لو نوىٰ
فاقد الاستطاعة حجّاً منذوراً عليه ٤٢٧
فيما لو مات وعليه
حجة الاسلام واُخرىٰ منذورة فاستؤجر رجل ليحج عنه المنذورة فأحرم بها ٤٢٨
فيما لو كان عليه
منذورة فأحرم بحجّة التطوّع ٤٢٨
من حجّ عن غيره وصل
ثواب ذلك إليه وحصل للحاجّ ثواب عظيم ٤٢٨
فيما لو كان الحجّ
واجباً علىٰ أحدهما خاصة فالأفضل الإتيان بالواجب عمّن وجب عليه ٤٢٩
فيما إذا وجب عليه
الحجّ وفرط في أدائه مع قدرته ثم عجز من أدائه أو بنائبه ٤٢٩
فيما إذا لم يوص بحجّة
الإسلام مع وجوبها عليه ٤٣٠
فيما إذا لم يكن عليه
حجّ واجب فأوصى أن يحجّ عنه تطوّعاً ٤٣٠
فيما لو أوصىٰ
أن يحجّ عنه ولم يعيّن المرّات ٤٣١
النذر واليمين والعهد
أسباب في وجوب الحجّ والعمرة إذا تعلّقت بهما ٤٣١
فيما إذا نذر الحجّ
في سنة معيّنة فأهمل مع قدرته ٤٣١
فيما لو نذر المشي
فيها فأخلّ بالصفة مع القدرة ٤٣٢
عدم وجوب العمرة بنذر
الحجّ وعدم وجوب الحجّ بنذر العمرة ٤٣٢
وجوب الحجّ وعمرة
التمتّع بنذر حجّ التمتّع ٤٣٢
٣ ـ العمرة
وجوب العمرة علىٰ
كلّ مكلّف حصل له شرائط الحجّ مرّة واحدة في العمر ٤٣٣
فيما إذا أحرم
الإنسان بعمرة مفردة في غير أشهر الحجّ لم يجز له أن يتمتّع بها إلىٰ الحجّ ٤٣٣
فيما إذا دخل مكّة
بعمرة مفردة في أشهر الحجّ فيجوز له أن ينقلها إلىٰ عمرة التمتّع ٤٣٣
جميع أوقات السنة
صالح للمفردة وأفضلها رجب ٤٣٤
العمرة المفردة تلي
الحجّ في الفضل ٤٣٤
درك فضيلة العمرة في
رجب بإدراك إحرامها في آخر أيّامه ٤٣٤
عدم كراهة العمرة في
شيء من أوقات السنة ٤٣٤
في أقلّ ما يكون بين
العمرتين ٤٣٥
استحباب العمرة في كلّ
عشرة أيّام ٤٣٧
ميقات العمرة ميقات
الحجّ ٤٣٧
صورة العمرة المفردة
وعمرة التمتّع ٤٣٨
شرائط وجوب العمرة
المفردة شرائط وجوب الحجّ ٤٣٨
فيما به تجب العمرة ٤٣٨
فيما لو أحرم بالمفردة
ودخل مكة فيجوز أن ينوي التمتّع ٤٣٩
عدم جواز الخروج من مكة
حتىٰ يأتي بالحجّ فيما لو دخلها متمتّعاً ٤٣٩
أفضليّة الحلق من التقصير
في العمرة المفردة ٤٣٩
وجوب طواف النساء في
العمرة المفردة ٤٣٩
عدم وجوب الهدي في
العمرة المفردة ٤٣٩
فساد العمرة ووجوب
قضائها والكفّارة بالجماع قبل السعي ٤٣٩
عدم جواز الاعتمار عن
الغير لمن وجب عليه العمرة ٤٤٠
٤ ـ التوابع والمزار
١ ـ التوابع
فيما إذا أحدث حدثاً
في غير الحرم فالتجأ إلىٰ الحرم ٤٤١
فيما لو أحدث في
الحرم ٤٤١
كراهة منع الحاجّ شيئاً
من دور مكة ٤٤٢
كراهة رفع البناء فوق
الكعبة ٤٤٢
أحكام لقطة الحرم ٤٤٢
حكم لقطة غير الحرم ٤٤٣
كراهة الحجّ والعمرة
علىٰ الإبل الجلّالات ٤٤٣
كراهة الصلاة في
أربعة مواطن في طريق مكة ٤٤٣
استحباب أن يبدأ
الحاج علىٰ طريق العراق بزيارة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ٤٤٤
فيما لو ترك الناس
الحجّ فللإمام إجبارهم عليه ٤٤٤
فيما لو ترك الناس
زيارة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فهل يجبرهم الإمام عليها ؟ ٤٤٤
استحباب الإتمام للمسافر
في حرم مكة وحرم المدينة وجامع الكوفة والحائر ٤٤٤
فيما إذا جعل جاريته
أو عبده هدياً لبيت الله تعالىٰ ٤٤٥
استحباب العزم علىٰ
العود لمن انصرف من الحجّ ٤٤٥
كراهة ترك العزم ٤٤٥
استحباب الدعاء
بالمنقول للقادم من مكة ٤٤٥
ينبغي للحاج انتظار
الحائض حتىٰ تقضي مناسكها ٤٤٥
أفضلية الطواف من الصلاة
للمجاور بمكة ما لم يجاور ثلاث سنين ٤٤٥
ينبغي لأهل مكة التشبّه
بالمحرمين في ترك لُبْس المخيط ٤٤٦
الأيّام المعدودات
والمعلومات ٤٤٦
استحباب دخول كعبة
للنساء ٤٤٦
كراهة المجاورة بمكة ٤٤٧
لا ينبغي للموسر المتمكّن
أن يترك الحجّ أكثر من خمس سنين ٤٤٧
كراهة الخروج من الحرمين
بعد ارتفاع النهار قبل أداء الظهرين بهما ٤٤٧
فيما لو أخرج شيئاً
من حصىٰ المسجد ٤٤٧
فيما إذا وصل إليه شيء
من ثياب الكعبة ٤٤٨
استحباب الطواف عن
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعن الأئمة عليهمالسلام ٤٤٨
استحباب الطواف عن
المؤمنين ٤٤٨
فيما لو حجّ المؤمن
ثم ارتدّ ٤٤٨
وجوب تقديم الاختتان
علىٰ الحجّ ٤٤٨
جواز القران في طواف
النافلة ٤٤٩
استحباب طواف
ثلاثمائة وستين أُسبوعاً ٤٤٩
استحباب الشرب من ماء
زمزم وإهدائه ٤٤٩
٢ ـ المزار
اشتراط النيّة في
الزيارات كلّها ٤٤٩
استحباب الطهارة
والغسل والتنظيف وغير ذلك في الزيارات ٤٤٩
استحباب زيارة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ٤٤٩
استحباب زيارة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمنقول ومسح المنبر ورمّانتيه ، والصلاة بين القبر والمنبر ٤٥٠
استحباب وداع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمنقول عند الخروج من المدينة ٤٥٠
استحباب الإكثار من الصلاة
في مسجد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ٤٥٠
استحباب صوم ثلاثة
أيام للحاجة لمن أقام بالمدينة ٤٥٠
استحباب النزول
بالمعرّس والاستراحة فيه والصلاة ٤٥٠
استحباب إتيان
المساجد كلّها بالمدينة ٤٥٠
استحباب الصلاة في
مسجد غدير خم ٤٥١
استحباب زيارة فاطمة عليهاالسلام بالمنقول ٤٥٢
فيما قيل في موضع قبر
فاطمة عليهاالسلام ٤٥٢
استحباب زيارة الإمام
أمير المؤمنين عليهالسلام بالمنقول ٤٥٣
استحباب زيارة الإمام
أبي محمد الحسن عليهالسلام بالمنقول ٤٥٣
استحباب زيارة الإمام
الحسين عليهالسلام ٤٥٣
استحباب زيارة الأئمة
عليهمالسلام بالبقيع ٤٥٤
استحباب زيارة الإمام
الكاظم والإمام الجواد عليهماالسلام ٤٥٤
استحباب زيارة الإمام
الرضا عليهالسلام بالمنقول ٤٥٥
استحباب زيارة الإمام
الهادي عليهالسلام بالمنقول ٤٥٥
استحباب زيارة الإمام
الحجّة المنتظر ـ عجّل الله فرجه ـ بالمنقول ٤٥٥
استحباب زيارة سلمان
الفارسي بالمنقول ٤٥٦
استحباب زيارة
المؤمنين ٤٥٦
فهرس الموضوعات ٤٥٩
|