

الفصل الخامس : في القبلة
ومباحثه ثلاثة :
الأول : الماهيّة.
مسألة ١٣٥
: القبلة كانت أوّلا بيت المقدس ، وكان النبيّ 6 يحبّ التوجّه إلى
الكعبة ؛ لأنّها كانت قبلة أبيه إبراهيم 7 ، وكان بمكة يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس ، ويتوجّه
إليهما ، فلمّا انتقل إلى المدينة ، تعذّر ذلك ، فبقي سبعة عشر شهرا يصلّي إلى بيت
المقدس خاصة ، فدعا الله أن يحوّل قبلته إلى الكعبة ، وكان يقلّب وجهه إلى السماء
، وينتظر الوحي فأنزل الله تعالى ( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ
وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها ) الآية.
وكان الناس بقبا
في صلاة الصبح ، فأتاهم آت ، فقال : إنّ رسول الله 6 قد انزل عليه الليلة قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة ، فاستقبلوها
وكانت وجوههم إلى الشام ، فاستداروا إلى الكعبة .
__________________
مسألة ١٣٦
: القبلة هي الكعبة مع المشاهدة إجماعا لقوله تعالى : ( فَوَلِّ
وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) ولإجماع العلماء
عليه.
وروى أسامة أنّ
النبيّ 6 صلّى قبل الكعبة وقال : ( هذه القبلة ) .
ومن كان في حكم
المشاهد يجري مجراه كالكائن بمكة وبينه وبين الكعبة حائل لتمكّنه من العلم ، وكذا
الأعمى بمكة ، وكذا المصلّي بالمدينة يجعل محراب رسول الله 6 قبلته من غير اجتهاد
؛ لعدم الخطأ في حقه 7.
وأمّا من بعد
فالواجب عليه الاستقبال الى جهتها ، قاله المرتضى ، وأبو حنيفة ، وأحمد
، والشافعي في أحد القولين ، لقوله تعالى ( وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ
فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) للإجماع على الاستقبال إلى الكعبة ، ولحديث أسامة .
ومن طريق الخاصة
ما روي عن أحدهما 8 أنّ بني
__________________
عبد الأشهل أتوهم
وهم في الصلاة قد صلوا ركعتين الى بيت المقدس فقيل لهم : إن نبيكم قد صرف إلى
الكعبة فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء وجعلوا الركعتين الباقيتين
إلى الكعبة فصلّوا صلاة واحدة إلى قبلتين ، فلذلك سمي مسجدهم مسجد القبلتين . وليقين البراءة
بالتوجه نحوه.
إذا ثبت هذا
فالجهة يريد بها هنا ما يظن أنه الكعبة ، حتى لو ظن خروجه عنها لم تصح.
وقال أبو حنيفة :
المشرق قبلة لأهل المغرب وبالعكس ، والجنوب قبلة لأهل الشام وبالعكس . وهو غلط.
وقال الشافعي في
الآخر : الواجب التوجه الى عين الكعبة للقريب والبعيد ـ وبه قال الجرجاني من
الحنفية ـ لقوله تعالى ( وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ
فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) يعني نحوه.
وهو غلط ؛
لاستلزامه التكليف بالمحال إذ مع البعد يمتنع التوجه إلى عين الكعبة مع صغر حجمها
، وظهور التفاوت الكثير مع يسير الانحراف ، وقد أجمعنا على صحة صلاة الصف الطويل
على خط مستو مع العلم بأن المتوجه إلى الكعبة من كان بقدرها.
وقال الشيخ ـ وبه
قال مالك ـ : الكعبة قبلة لمن كان في
__________________
المسجد الحرام ، والمسجد
قبلة لمن كان في الحرم ، والحرم قبلة لمن نأى عنه من أهل الدنيا ؛ لما روى مكحول
عن عبد الله بن عبد الرحمن قال : قال رسول الله 6 : ( الكعبة قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم
قبلة لأهل الآفاق ) .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 : « إن الله تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد ، وجعل المسجد قبلة لأهل
الحرم وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا » .
ولأنّ البعد
يستلزم خروج المصلين عن التوجه ، لصغر الكعبة بخلاف الحرم المتطاول ، والروايات
ممنوعة لعدم الوثوق بالرواة ، والخروج آت في الحرم. فإن أجاب بطلب الجهة فهو
جوابنا.
مسألة ١٣٧
: ولا فرق بين المصلي فوق الكعبة وغيره في وجوب التوجه إليها
ـ عند أكثر العلماء ـ لعموم الأمر.
وللشيخ ; قول بأنه يستلقي
على قفاه ويصلّي الى البيت المعمور ـ وهو في السماء الرابعة بحذاء الكعبة يسمى
بالضراح ـ بالإيماء ، لما رواه عبد السلام عن الرضا 7 قال في الذي
تدركه الصلاة وهو فوق الكعبة فقال : « إن قام لم يكن له قبلة ، ولكن يستلقي على
قفاه ويفتح عينيه الى السماء ـ ويعقد بقلبه القبلة التي في السماء البيت المعمور ـ
ويقرأ ، فإذا أراد أن يركع غمض عينيه ، وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع فتح
__________________
عينيه ، والسجود
على نحو ذلك » .
ولم يثبت صحة
السند فلا يعوّل عليه مع منافاته للأصل وهو ترك القيام الذي هو ركن والاستقبال.
إذا ثبت هذا فإنه
يجب عليه أن يبرز بين يديه شيئا منها وإن قلّ ، وبه قال أبو حنيفة .
مسألة ١٣٨
: قال الشيخ : يستحب لأهل العراق ومن والاهم التياسر قليلا الى
يسار المصلّي ـ وهو بناء على مذهبه من أن التوجه الى الحرم ـ لقول
الصادق 7 وقد سئل لم صار الرجل ينحرف في الصلاة الى اليسار؟ فقال : « لأنّ للكعبة ستة
حدود : أربعة منها على يسارك واثنان منها على يمينك ، فمن أجل ذلك وقع التحريف على
اليسار » . وسأل المفضل ابن عمر الصادق 7 عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة ، وعن السبب فيه
فقال : « إن الحجر الأسود لما نزل به من الجنّة ووضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من
حيث يلحقه النور نور الحجر فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال ، وعن يسارها ثمانية
أميال ، كلّه اثنا عشر ميلا ، فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة
لقلة أنصاب الحرم ، وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا من حد القبلة » . والروايتان
مرسلتان مع ضعف المفضل.
__________________
مسألة ١٣٩
: المصلّي جوف الكعبة يستقبل أيّ جدرانها شاء ، وصلاته
صحيحة فريضة كانت أو نافلة عند أكثر علمائنا ـ وبه قال الشافعي ، وأبو حنيفة ـ خلافا للشيخ في
بعض أقواله ، ولمالك ، وأحمد ، وقد سلف تحقيقه ، وكلّ من قال بصحة الصلاة سوغ استقبال
أي الجدران شاء.
ولا فرق بين أن
يصلّي الى الباب أو غيره ( وسواء كان الباب مفتوحا أو لا ، وسواء كانت له عتبة
مرتفعة أو لا ) وسواء نصب بين يديه شيئا أو لا ، عند علمائنا ، خلافا
للشافعي وقد سبق.
فروع :
أ ـ المصلّي خارج
الكعبة وهو مشاهد لها يستقبل أي جدرانها شاء ، وكذا لو كان في حكم المشاهد. ولو
تعددوا وأرادوا الاجتماع ففي صلاتهم مستديرين حولها إشكال ، ولا إشكال لو كانوا
منفردين.
ب ـ لو انهدمت
الكعبة ـ والعياذ بالله ـ صحت صلاته خارج العرصة متوجها إليها للامتثال ، ولو وقف
فيها وجب أن يبرز بين يديه بعضها ، ولا
__________________
يجب نصب شيء
يصلّي إليه ، خلافا للشافعي .
ج ـ المصلّي على
جبل أبي قبيس يستقبل هواء البيت ، وكذا كلّ موضع أرفع من الكعبة.
د ـ يجب أن يستقبل
الكعبة بجميع بدنه فلو وقف على طرف من أطراف البيت وبعض بدنه خارج عن المحاذاة لم
تصح صلاته ، وهو أظهر وجهي الشافعي لصحة نفي الاستقبال ، وإنّما استقبل بعض الكعبة
، والآخر : يصح لحصول التوجه بالوجه .
هـ ـ الاجتزاء
بالجهة في حق البعيد ، أمّا القريب فلا بدّ له من التوجه الى عين الكعبة ـ وبه قال
الشافعي ـ لقوله تعالى (
فَوَلِّ
وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ
) وقال أبو حنيفة : الجهة كافية في القريب والبعيد .
فلو استطال صف
المأمومين حتى خرج بعضهم عن المحاذاة بطلت صلاة الخارج عندنا ـ خلافا لأبي حنيفة ـ ولو تراخى الصف
الطويل ووقفوا آخر المسجد صحت صلاة المتوجه دون الخارج ، وجوّزه هنا الشافعي ، لأنهم
مع البعد يعدّون مستقبلين .
و ـ المصلّي بمكة
خارج المسجد إن كان يعاين الكعبة توجه إليها ، فلو سوّى محرابه بناء على المعاينة
صلّى إليه أبدا ، وإن كان يصلّي حيث لا
__________________
يمكنه المعاينة
وجب أن يصعد على سطح داره إن كان بحيث يشاهد الكعبة ، ويستدل على القبلة إن لم
يتمكن.
مسألة ١٤٠
: كلّ إقليم يتوجهون الى سمت الركن الذي يحاذيهم ويقابلهم ،
وقد وضع الشارع لهم علامات يستدل بها على القبلة فالعراقي ـ وهو الذي فيه الحجر ـ لأهل
العراق ومن والاهم. وأهل الشام يتوجهون الى الركن الشامي. وأهل الغرب إلى الغربي.
وأهل اليمن إلى اليماني.
وعلامة أهل العراق
جعل الجدي خلف منكبه الأيمن ، والفجر موازيا لمنكبه الأيسر ، والشفق لمنكبه الأيمن
، وعين الشمس عند الزوال على طرف حاجبه الأيمن مما يلي الأنف.
وعلامة الشام جعل
بنات نعش حال غيبوبتها خلف الاذن اليمنى ، والجدي خلف الكتف اليسرى إذا طلع ، ومغيب
سهيل على العين اليمنى ، وطلوعه بين العينين ، والصبا على الخدّ الأيسر ، والشمال
على الكتف الأيمن.
وعلامة المغرب جعل
الثريا على اليمين ، والعيوق على اليسار ، والجدي على صفحة الخد الأيسر.
وعلامة اليمن جعل
الجدي وقت طلوعه بين العينين ، وسهيل وقت غيبوبته بين الكتفين ، والجنوب على مرجع
الكتف الأيمن. وأوثق أدلتها النجوم قال الله تعالى ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ
يَهْتَدُونَ ) ولإمكان ضبطه بخلاف غيره.
وآكدها القطب
الشمالي ، وهو نجم خفيّ حوله أنجم دائرة في أحد
__________________
طرفها الفرقدان ، وفي
الآخر الجدي ، وبين ذلك أنجم صغار ثلاثة من فوق وثلاثة من أسفل ، يدور حول القطب
في كلّ يوم وليلة دورة واحدة ، فيكون الجدي عند طلوع الشمس مكان الفرقدين عند
غروبها.
ويمكن الاستدلال
بها على ساعات الليل والأزمنة لمن عرفها وعرف كيفية دورانها وحولها مما يلي
الفرقدين بنات النعش تدور حولها ، والقطب لا يتغير عن مكانه إلاّ يسيرا لا يبين
عند الحس ، وهو نجم خفي يراه حديد النظر ، إذا استدبر في الأرض الشامية كان
مستقبلا للقبلة ، وينحرف في دمشق وما قاربها الى الشرق قليلا ، وكلّما قرب الى
المغرب كان انحرافه أكثر.
وإن كان بحرّان
وما يقاربها اعتدل ، وجعل القطب خلف ظهره معتدلا من غير انحراف ، وفي العراق يجعله
بحذاء ظهر أذنه اليمنى على علوّها فيكون مستقبلا باب الكعبة إلى المقام.
والشمس تطلع في
المشرق ، وتغرب في المغرب ، وتختلف مطالعها ومغاربها على حسب اختلاف منازلها ، وتكون
في الشتاء حال توسطها في قبلة المصلّي ، وفي الصيف محاذية لقبلته.
والقمر يبدو أول
ليلة من الشهر هلالا في المغرب عن يمين المصلّي ثم يتأخر كلّ ليلة نحو المشرق
منزلا حتى يكون ليلة السابع وقت المغرب في قبلة المصلّي أو مائلا عنها يسيرا ، ثم
يطلع ليلة الرابع عشر من المشرق قبل غروب الشمس بدرا تاما ، وليلة احدى وعشرين
يكون في قبلة المصلّي أو قريبا منها وقت الفجر.
ومنازل الشمس
والقمر ثمانية وعشرون وهي : الشرطين ، والبطين ، والثريا ، والدبران ، والهقعة ، والهنعة
، والذراع ، والنثرة ، والطرف ، والجبهة ، والزبرة ، والصرفة ، والعوّا ، والسماك
، والغفر ، والزبانا ،
والإكليل ، والقلب
، والشولة ، والنعايم ، والبلدة ، وسعد الذابح ، وسعد بلع ، وسعد السعود ، وسعد
الأخبية ، والفرع المقدم ، والفرع المؤخر ، وبطن الحوت.
منها أربعة عشر
دائما فوق الأرض ، ومثلها تحتها ، فأربعة عشر شامية تطلع من وسط المشرق أو مائلة
عنه الى الشمال قليلا ، أولها الشرطين وآخرها السماك ، وأربعة عشر يمانية تطلع من
المشرق مائلة الى التيامن ، أولها الغفر وآخرها بطن الحوت.
ولكلّ نجم من
الشامية رقيب من اليمانية وإذا طلع أحدها غاب رقيبه ، فالقمر ينزل كلّ ليلة بمنزل
منها قريبا منه ثم ينتقل في الليلة الثانية إلى المنزل الذي يليه ، والشمس تنزل
بكل منزل منها ثلاثة عشر يوما فيكون عودها الى المنزل الذي نزلت به عند تمام حول
كامل من أحوال السنة الشمسية.
وهذه المنازل يكون
منها فيما بين غروب الشمس وطلوعها أربعة عشر منزلا ، ومن طلوعها الى غروبها مثل
ذلك ، ووقت الفجر منها منزلان ، ووقت المغرب منزل ، وسواد الليل اثنا عشر منزلا ، وكلّها
تطلع من المشرق وتغرب في المغرب إلاّ أنّ أول الشامية وآخر اليمانية تطلع من وسط
المشرق بحيث إذا جعل الطالع منها محاذيا لكتفه الأيسر كان مستقبلا للكعبة.
وأمّا الرياح
فكثيرة يستدل منها بأربع تهب من زوايا السماء :
فالجنوب : تهب من
الزاوية التي بين القبلة والمشرق ، مستقبلة بطن كتف المصلّي الأيسر مما يلي وجهه
إلى يمينه.
والشمال : مقابلها
تهب من الزاوية التي بين المغرب والشمال ، مارة إلى مهب الجنوب.
والدبور : تهب من
الزاوية التي من المغرب واليمين مستقبلة شطر وجه
المصلي الأيمن ، مارة
إلى الزاوية المقابلة لها.
والصبا : مقابلها
تهب من ظهر المصلّي.
وسأل محمد بن مسلم
أحدهما 8 عن القبلة ، قال : « ضع الجدي في قفاك وصلّ » .
البحث الثاني : فيما
يستقبل له
مسألة ١٤١
: يجب الاستقبال في فرائض الصلوات إجماعا مع التمكن فلو
صلّى فريضة غير مستقبل مع قدرته بطلت صلاته ، أمّا النافلة في الحضر والقدرة
فالأقرب وجوب الاستقبال فيها أيضا ـ وبه قال الشافعي ـ لمداومة النبي
وأهل بيته : على ذلك.
وقال أبو سعيد من
الشافعية : يجوز ترك الاستقبال بالنافلة حضرا ، لأنّه يجوز في السفر لمصلّي
النافلة ، وهذا موجود في الحضر . وهو خطأ ؛ لمداومة النبيّ 6 على الاستقبال ، والفرق ظاهر بين الحضر والسفر ، فإن الحضر
الغالب فيه الكف ، والغالب في السفر السير.
ولا فرق بين جميع
الفرائض كقضاء الواجب ، وصلاة النذر ، والطواف ، والكسوف ، والجنائز.
وأما سجود التلاوة
، وسجود الشكر فلا يجب فيه الاستقبال عملا بالأصل ، وأوجبه الشافعي .
ويجب عندنا
الاستقبال بالذبيحة عند الذبح ، وبالميت عند احتضاره ،
__________________
وتغسيله ، والصلاة
عليه ، ودفنه على ما تقدم البحث فيه ، خلافا للشافعي .
ويستحب للجلوس
للقضاء والدعاء.
مسألة ١٤٢
: لا تجوز الصلاة الفريضة على الراحلة اختيارا ؛ لاختلال
أمر الاستقبال بلا خلاف.
وسأل عبد الله بن
سنان الصادق 7 يصلّي الرجل شيئا من الفرائض راكبا من غير ضرورة؟ فقال : « لا » .
وإن تمكن من
استيفاء الأفعال على إشكال ينشأ من الإتيان بالمأمور به فيخرج عن العهدة. والمنع
للاختلال منتف لانتفاء سببه ، ومن عموم النهي على الراحلة .
وكذا لا تجوز صلاة
الجنائز على الراحلة ؛ لأنّ الركن الأعظم فيها القيام ، والأقرب صحة الصلاة على
بعير معقول ، وأرجوحة معلّقة بالحبال ، وقد سبق.
ولا تصلّى
المنذورة على الراحلة لأنّها فرض عندنا ، وللشافعي وجهان مبنيان على أنّ المنذورة
يسلك بها مسلك الواجبات أو يحمل على أقل ما يتقرب به .
وعن أبي حنيفة :
أن الصلاة التي نذرها على وجه الأرض لا تؤدى على الراحلة ، والتي نذرها وهو راكب
تؤدّى عليها . وليس بشيء.
__________________
ولا بأس بالصلاة
في السفينة واقفة كانت أو سائرة.
مسألة ١٤٣
: يسقط فرض الاستقبال حالة الخوف في الفرائض والنوافل إجماعا
لعدم التمكن ، ولقوله تعالى ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا
فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) وقال 7 : ( إن كان الخوف أشد فصلّوا مستقبليها ومستدبريها ) وسيأتي.
ولا يختص الخوف
بالقتال بل لو انكسرت السفينة وبقي على لوح منها وخاف الغرق لو ثبت متوجها الى
القبلة يجوز له ترك الاستقبال. ولا يرخص مطلق القتال بل السائغ.
وكذا يسقط في
النوافل سفرا ـ للراكب والماشي ـ وحضرا.
ويجوز التنفل على
الراحلة في السفر الطويل إجماعا حيث توجهت به لأنّ النبيّ 6 كان يصلّي على
راحلته في السفر حيث توجهت به ، ولتمكن صاحب الأوراد من أوراده مع كفاية مصالح السفر.
فروع :
أ ـ لا يجب حالة
القتال الاستقبال في الفريضة سفرا ، وحضرا ، راكبا كان أو راجلا ـ وبه قال
الشافعي ـ لقوله تعالى : ( فَإِنْ خِفْتُمْ
فَرِجالاً أَوْ
__________________
رُكْباناً ) قال ابن عمر :
مستقبل القبلة وغير مستقبلها . وقال أبو حنيفة : يجوز للراكب ترك الاستقبال حالة القتال
، أمّا الراجل فلا .
ب ـ يجوز للمريض
الصلاة على الراحلة للضرورة ، الدالّ عليها فحوى قوله تعالى ( فَإِنْ خِفْتُمْ ) وقول الصادق 7 : « لا يصلّي على
الدابة إلاّ مريض » .
وقال الصادق 7 : « صلّى رسول
الله 6 الفريضة في المحمل في يوم وحل ومطر » .
ولا تجب عليه
الإعادة عندنا ؛ لأنه فعل المأمور به ، وكذا لو صلّى على لوح ولم يتمكن من
الاستقبال.
وقال الشافعي :
يعيد ، لأنه ترك القبلة لعذر نادر لا يدوم . وليس بجيد ؛ للامتثال فيخرج عن العهدة.
وكذا المريض
العاجز عن الحركة إذا لم يجد من يصرف وجهه إلى القبلة يصلّي على حسب حاله ولا إعادة
عليه عندنا ، خلافا للشافعي .
ج ـ يجوز التنفل
ماشيا لاشتماله على المصلحة الناشئة من مداومة
__________________
الطاعة ، واستيفاء
وجوه الانتفاع ـ وبه قال الشافعي ـ لأنه أحد اليسيرين ، فأشبه الراكب ، ولقوله تعالى (
فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) قال الصادق 7 : « إنها نزلت في
النافلة » .
وقال أبو حنيفة :
لا تجوز ماشيا لأنه عمل كثير والضرورة سوّغته.
د ـ الراكب في
النافلة يتوجه الى حيث توجهت دابته ، لأن عليا 7 كان يوتر على راحلته ، وكذا النبيّ 6 ، ولا يجب عليه
الاستقبال إلى القبلة دفعا للحرج ولا في أول الصلاة.
أمّا الفريضة إذا
اضطر إلى الصلاة على الراحلة وجب عليه أن يستقبل ما أمكن ، فإن تعذر وقدر على
الاستقبال في تكبيرة الإحرام وجب وإلاّ فلا.
هـ ـ يجوز التنفل
على الراحلة في السفر ـ طويله وقصيره ـ وهو أظهر قولي الشافعي للمقتضي في الطويل
، وله قول : إنّه لا يتنفل على الراحلة في السفر القصير ، وهو الذي لا تقصر في
مثله الصلاة ـ وبه قال مالك ـ لأنّها رخصة تتعلق بالسفر فتعلقت بالطويل كالقصر والمسح.
وأمّا الحضر
فالأقرب جواز الصلاة نفلا فيه راكبا ، وبه قال أبو سعيد من
__________________
الشافعية ، خلافا
للباقين .
و ـ المتنفل في
السفر ماشيا لا يجب عليه الاستقبال كالراكب ، وقال الشافعي : يجب في ثلاثة مواضع
: حالة تكبيرة الافتتاح ، وركوعه ، وسجوده . وإن كان راكبا في كنيسة واسعة جاز أن
يصلّي الى غير القبلة للعذر ، خلافا للشافعي .
وإن كانت ضيقة ، أو
على قتب ، أو سرج ، أو ظهر فإن كانت واقفة مقطرة صلّى الى حيث ما توجهت لتعذر
إدارتها إلى القبلة ، وإن كانت مفردة فكذلك ، خلافا للشافعي .
وإن كانت سائرة
مقطرة افتتح إلى جهة سيره ، وإن كانت مفردة صعبة لم يلزمه إدارتها للمشقة ، وكذا
إن كانت سهلة ، وللشافعي وجهان .
وإن دخل بلد
إقامته جاز أن يتنفل على الراحلة ـ خلافا للشافعي ـ وكذا إن كان
مجتازا.
ز ـ لو صرف وجه
الدابة عن الطريق عامدا فالأقرب عدم البطلان ، وقال الشافعي : يبطل . وإن أخطأ فصرفه
الى غير الطريق ظنّا أنه الطريق أو غلطت الدابة فالصلاة صحيحة وإن لم يكن وجهه إلى
القبلة ، وقال
__________________
الشافعي : إن كثر
بطلت .
ولو كان ظهره في
طريقه الى القبلة فركب مقلوبا وجعل وجهه إلى القبلة صحت صلاته ؛ لأنه إذا صحت الى
غير القبلة فإليها أولى.
وقال بعض الشافعية
: لا يصح لأن قبلة المتنفل على الدابة طريقه . وهو خطأ ؛ لأنّه جعل رخصة.
وراكب التعاسيف ـ وهو الهائم
الذي لا مقصد له ، بل يستقبل تارة ويستدبر اخرى ـ له أن يتنفل في سيره كغيره خلافا
للشافعي .
ح ـ لو اضطر الى
الفريضة على الراحلة والدابة إلى القبلة فحرفها عمدا لا لحاجة بطلت صلاته ، لأنه
ترك الاستقبال اختيارا ، وإن كان لجماح الدابة لم تبطل وإن طال الانحراف إذا لم
يتمكن من الاستقبال.
وقال الشافعي :
تبطل مع الطول ، ومع القصر وجهان .
ولو كان مطلبه
يقتضي الاستدبار لم تبطل صلاته.
ط ـ يجب على
المفترض الاستقبال بتكبيرة الافتتاح إن أمكن ، وكذا باقي الأفعال ، ويسقط مع
العذر كالمطارد ، والدابة الصائلة ، والمتردية.
ي ـ المصلّي على
الراحلة يومئ للركوع والسجود ، ويجعل السجود أخفض ، وكذا الماشي.
__________________
البحث الثالث : في
المستقبل
مسألة ١٤٤
: القادر على معرفة القبلة لا يجوز له الاجتهاد عند علمائنا
، كما أن القادر على العمل بالنص في الأحكام لا يجوز له الاجتهاد لإمكان الخطأ في
الثاني دون الأول.
ويحصل اليقين لمن
كان معاينا للكعبة أو كان بمكة من أهلها ، أو ناشئا بها من وراء حائل محدث
كالحيطان ، وكذا إن كان بمسجد النبيّ 6 ؛ لليقين بصحة قبلته.
ولو كان الحائل
أصليا كالجبل ولا يمكنه أن يعرف القبلة حتى يصعد الجبل وتمكن منه وجب أن يصعد طلبا
لليقين.
وقال الشافعي :
يجوز أن يجتهد ويصلّي بغلبة الظن. وفي الحادث عنده قولان .
وهل له أن يستقبل
الحجر مع تمكنه من استقبال الكعبة ، الوجه ذلك لأنه عندنا من الكعبة. ومنعه بعض
الشافعية ، حيث إن كونه من البيت مجتهد فيه غير مقطوع به .
مسألة ١٤٥
: فاقد العلم يجتهد بالأدلة التي وضعها الشارع علامة ، فإن
غلب على ظنه الجهة للأمارة بنى عليه بإجماع العلماء ؛ لأنه فعل المأمور به فخرج عن
العهدة ، ولقول الباقر 7 : « يجزي التحري أبدا إذا لم
__________________
يعلم أين وجه
القبلة » .
فلا يجوز للعارف
بأدلة القبلة المتمكن من الاستدلال عليها بمطالع النجوم ، وهبوب الرياح ، وغيرها
التقليد ، وكذا الذي لا يعرف أدلة القبلة لكنه إذا عرّف عرف ؛ لتمكنه من العلم ، بخلاف
العاميّ حيث لا يلزمه تعلّم الفقه ، لأن ذلك يطول زمانه ويشق تعلّمه بخلاف دلائل
القبلة ، وبه قال الشافعي .
وأمّا الذي لا
يحسن وإذا عرّف لم يعرف فإنه والأعمى على حدّ واحد ، وللشيخ فيه قولان ، أحدهما :
الرجوع الى العارف والتقليد للثقة ـ وبه قال الشافعي ـ كالعاميّ في أحكام الشرع ، وله قول آخر ، وهو أن يصلّي
الى أربع جهات كالفاقد للاجتهاد والتقليد معا . والأول أقرب لتعذر العلم ، والأصل براءة الذمة من التكليف
الزائد ، وقول الثقة يثمر الظن فيصار إليه كالاجتهاد.
وقال داود : إنه
يسقط عنه فرض القبلة ويصلّي إلى حيث شاء لقوله تعالى ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا
فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) وهو غلط ؛ لقوله تعالى ( وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ
فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) والآية نزلت في النافلة.
__________________
فروع :
أ ـ تعلّم دلائل
القبلة واجب ، وهل هو على الأعيان أو على الكفاية؟ إشكال ، ينشأ من أنه من واجبات
الصلاة فيعم كالأركان ، ومن كونه من دقائق مسائل الفقه ، وكلاهما للشافعي .
ب ـ إذا اجتهد في
صلاة قال الشيخ : يجب التجديد في أخرى ، وهكذا ما لم يعلم بقاء الأمارات . وهو أحد قولي
الشافعي ، وفي الآخر : لا يجب ؛ لأن اجتهاده قائم لم يتغير .
ج ـ لو اجتهد
فأدّى اجتهاده إلى جهة فصلّى الى غيرها لم تصح صلاته وإن ظهر أنها القبلة ـ وبه
قال أبو حنيفة ، والشافعي ـ لأنه لم يفعل المأمور به وهو التوجه الى ما أدى إليه
اجتهاده فيبقى في عهدة التكليف.
وقال الشيخ في
المبسوط ـ وبه قال أبو يوسف ـ : يجزيه ، لأن المأمور به
هو التوجه إلى القبلة وقد فعل ، كمن شك في إناءين فتوضأ بأحدهما من غير اجتهاد ثم
بان له أنه الطاهر أجزأه.
وهو غلط ، فإنه إن
بان له ذلك بعد دخوله في الصلاة لم تصح
__________________
صلاته ، وإن كان
قبله جاز.
والفرق ظاهر بين
الطهارة والصلاة ، فإن الطهارة تقع قبل وجوبها وإنما الواجب منها ما صحت به الصلاة
فإذا علمها في حال وجوبها أجزأه ولم يضرّه الشك قبل ذلك.
د ـ الأعمى العاجز
يقلّد شخصا مكلفا ، عدلا ، عارفا بأدلة القبلة ، وفي المبسوط : يقلّد الصبي
والمرأة لحصول الظن ، وظاهر قوله في الخلاف : وجوب أربع صلوات . وما قلناه أولى.
هـ ـ يجوز التعويل
على المحاريب المنصوبة في بلاد المسلمين ، ولا يجب عليه الاجتهاد في طلب القبلة ، وهو
إجماع. ولو عرف أنها وضعت على الغلط وجب الاجتهاد.
و ـ لا يجوز
التعويل على قول الكافر والفاسق ؛ لقوله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا
إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) ولا يقبل قول الكافر في شيء إلاّ في الإذن في دخول الدار
، وفي قبول الهدية ، ولو وجد قبلة للنصارى احتمل الاستدلال بها لغلبة الظن بانتفاء
الكذب ، وعدمه للعموم.
ز ـ لو دخل بلدا
خرابا فوجد فيه مساجد ، ومحاريب ولم يعلم الواضع لم يكن له الصلاة إليها بل يجتهد
، لجواز أن يكون بناه المشركون فإن علم أنه من بناء المسلمين لم يلزمه الاجتهاد.
مسألة ١٤٦
: إذا تعدد المجتهدون فإن اتحدت الجهة جاز أن يصلّوا جماعة
وفرادى ، وإن اختلفوا صلّوا منفردين وليس لهم الجماعة عندنا ـ وبه قال
__________________
الشافعي ـ لأنّ العالم
بالقبلة ليس له أن يجتهد ، والمجتهد ليس له أن يقلد.
فلو قلّد بعضهم
بعضا بطلت صلاة المأموم قطعا ؛ لأنّ إمامه إن كان على الحق فلا صلاة له وإلاّ
فصلاة الإمام فاسدة ، ولا يجوز الاقتداء بمن صلاته فاسدة.
وقال أبو ثور :
تصح صلاة المأمومين وشبّهه بالواقفين في الكعبة ، ويستقبل كلّ واحد منهم بعض
الحيطان فإنّ صلاتهم صحيحة وإن اختلفت الجهة ، ولأنّه لا يقطع بخطإ إمامه وصواب
نفسه . ويفارق الواقفين حول الكعبة لأن كلّ واحد منهم مستقبل قطعا وهنا المأموم
يعتقد خطأ إمامه ، والخطأ وإن لم يقطع به لكنه يقطع بحكمه ، وقول أبي ثور ليس
بعيدا كالمصلّين في حال شدة الخوف.
فروع :
أ ـ لو كانوا في
بيت مظلم فاجتهدوا وجمعوا فلما أصبحوا علموا أن كل واحد صلّى إلى جهة أخرى ولم
يعلموا الى أيّ جهة صلّى الإمام فالوجه صحة صلاتهم ؛ لأنّه لم يعلم الخطأ في فعل
إمامه ، وحكاه أبو ثور عن الشافعي .
ب ـ لو أدى اجتهاد
الجماعة إلى جهة ثم تغير اجتهاد بعض المأمومين انحرف وبنى على صلاته ونوى الانفراد
، ولو تغير اجتهاد الإمام خاصة انحرف واستمر المأمومون منفردين.
__________________
وللشافعي قول في
الأولى بفساد صلاة المأموم بناء على أن المأموم إذا أخرج نفسه عن صلاة إمامه
يستأنف أو يتم؟ قولان ، أما الثانية فلا لأن المأموم لم يختر مخالفة إمامه بل
الإمام هو الذي خالفه ، ولو قطع الإمام صلاته عمدا لم تبطل صلاة المأموم .
ج ـ لو اختلف
الإمام والمأموم في التيامن والتياسر لم يكن له الائتمام ؛ لاختلافهما في جهة
القبلة ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الثاني : له ذلك لقلة الانحراف ، وهما مبنيان
على أنّ الواجب إصابة العين أو الجهة.
د ـ لو ضاق الوقت
إلاّ عن صلاة وأدى اجتهاد أحدهم إلى جهة جاز للآخر أن يقلّده ويأتم به عندنا ، لأن
فرضه التخيير ، وهل يجب عليه التقليد حينئذ؟ إشكال ينشأ من عدم جواز التقليد
للمجتهد مع اتساع الوقت ، وتخييره مع ضيقه ، ومن حصول ظن بالجهة راجح على التخيير
فيتعين اتباعه.
هـ ـ من فرضه
التقليد كالأعمى والجاهل بأدلة القبلة إن لم نوجب عليه الأربع يقلّد الأوثق الأعلم
بالأدلة لو تعدد المجتهدون ، فإن قلّد المفضول فالأقرب المنع ؛ لأنه ترك ما يغلب
على ظنه أنّ الصواب فيه.
وقال الشافعي :
تصحّ ؛ لأنه أخذ بدليل له الأخذ به لو انفرد فكذا لو كان مع غيره . وليس بجيد لحصول
المعارض الراجح حالة الاجتماع دون الانفراد فصار كما لو تضاد الدليلان ، ولو
تساويا قلّد من شاء.
مسألة ١٤٧
: العارف بأدلة القبلة إذا لم يتمكن من الاجتهاد لضيق
__________________
الوقت يتخير
إجماعا إن لم يتمكن من التقليد ، ولو تمكن فإشكال تقدم ، ولا إعادة عليه إن استمر
الجهل ، وكذا لو كان ممنوعا برمد ، أو مرض ، أو غيرهما.
ولو كان الوقت
متسعا ولم يحصل له الظن بعد الاجتهاد فإن كان يرجو حصوله بانكشاف الغيم مثلا احتمل
وجوب التأخير إلى آخر الوقت ثم يتخير ، وجواز التقديم فيصلّي إلى أربع جهات كلّ
فريضة ، ذهب إليه علماؤنا ؛ لأن الاستقبال واجب وقد أمكن حصوله بتعدد الفرائض فيجب
كما لو اشتبه الثوبان.
ولقول الصادق 7 وقد سئل أن هؤلاء
المخالفين يقولون : إذا أطبقت علينا وأظلمت ولم نعرف السماء كنّا وأنتم سواء في
الاجتهاد. فقال : « ليس كما يقولون ، إذا كان كذلك فليصلّ لأربع وجوه » .
وقال أبو حنيفة ، وأحمد
: يصلّي ما بين المشرق والمغرب ، ويتحرى الوسط ، ثم لا يعيد ، لقوله 6 : ( ما بين
المشرق والمغرب قبلة ) ونحن نقول بموجبه على تقدير معرفة المشرق والمغرب.
وقد روى معاوية بن
عمار عن الصادق 7 قلت : الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى أنه
قد انحرف عن القبلة يمينا وشمالا. قال : « قد مضت صلاته ، وما بين المشرق والمغرب
قبلة » .
ولو ضاق الوقت
صلّى ثلاثا ويتخير في الساقطة فإن ضاق صلّى اثنتين
__________________
فإن ضاق صلى واحدة
، ويتخير في المأتي بها.
مسألة ١٤٨
: لو صلّى بالاجتهاد ، أو مع ضيق الوقت ثم تبين الخطأ في
الصلاة استدرك إن كان الانحراف يسيرا ، لأن ذلك لا يقع عن يقين وإنما هو ظن لأن
الجهة الواحدة لا تتبين فيها الكعبة يقينا ، وهو قول الشافعي ، وله قول آخر : أنّه
يستأنف لأن صلاة واحدة لا تقع الى جهتين كالحادثة لا يحكم فيها بحكمين ، وإن كان كثيرا
استأنف.
ولو ظهر بعد
الفراغ فإن كان قد استدبر أعاد الصلاة سواء كان الوقت باقيا أو لا ، اختاره
الشيخان ، لما رواه عمار بن موسى عن الصادق 7 في رجل صلّى إلى
غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته قال : « إن كان متوجها فيما
بين المشرق والمغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة حتى يعلم ، وإن كان متوجها الى دبر
القبلة فليقطع ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة » والراوي ضعيف.
وقال المرتضى :
يعيد في الوقت لا خارجه لأنه في الوقت لم يأت بالمأمور به فيبقى في العهدة ، وبعد
الوقت يكون قاضيا ، والأصل عدمه إلاّ بأمر مجدد ، ولقول الصادق 7 : « إذا صلّيت
وأنت على غير القبلة واستبان لك أنك صلّيت وأنت على غير القبلة وأنت في الوقت فأعد
، وإن فاتك فلا تعد » والإطلاق يتناول الاستدبار ، وهو الأقوى عندي.
وقال مالك ، وأحمد
، وأبو حنيفة ، والمزني ، والشافعي في أحد
__________________
القولين : إذا
تبين الخطأ بعد الصلاة لم يعد وأطلقوا فلم يفصّلوا الى الاستدبار وغيره ، والى الوقت
وخروجه ؛ لأن عامر بن ربيعة قال : كنا مع النبيّ 6 في ليلة سوداء مظلمة فلم نعرف القبلة فجعل كلّ واحد منّا
يصلّي وبين يديه أحجار فلما أصبحنا إذا نحن على غير القبلة فذكرنا ذلك لرسول الله 6 فأنزل الله تعالى
( وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ
فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) ولأنه صلّى إليها
للعذر فإذا زال العذر لم تجب الإعادة كالخائف.
وفي الآخر للشافعي
: يعيد وأطلق لأنه تعين له يقين الخطأ فيما يؤمر مثله في القضاء
فلزمه الإعادة كالحاكم إذا تيقن الخطأ ، والمصلّي بمكة.
فروع :
أ ـ إذا صلّى الى
ما أداه اجتهاده ثم أعاد الاجتهاد فأدّاه إلى أخرى صلّى الثانية إلى الجهة الأخرى
ولا يعيد الاولى ـ وبه قال الشافعي ـ ولا نعلم فيه خلافا لأنّ الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد.
ب ـ لو تغير
اجتهاده في أثناء الصلاة استدار إن كان الانحراف يسيرا وبنى ، وهو إحدى الروايتين
عن أحمد ، وفي الأخرى : لا ينتقل ويمضي
__________________
على اجتهاده الأول
، لا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد .
وهو غلط ، لأنه
مجتهد أداه اجتهاده إلى جهة فلا يجوز العدول عنها ، وليس نقضا للاجتهاد بل يعمل في
المستقبل كما يعمل في الصلاة الثانية.
ولو كان الانحراف
كثيرا استأنف.
ج ـ لو تغير
اجتهاده في الأثناء ولم يؤدّه اجتهاده إلى جهة أخرى بنى على ما مضى من صلاته لأنه
لم يظهر له جهة أخرى يتوجه إليها.
وإن بان له يقين
الخطأ في الصلاة ولم يعلم غيرها فإن كان الوقت متسعا استأنف الاجتهاد وإلاّ استمر
على حاله ، وإن شك في اجتهاده لم يزل عن جهته لأنّ الاجتهاد ظاهر فلا يزول عنه
بالشك.
د ـ لو صلّى
باجتهاده فعمي في الأثناء استمر ، لأنّ اجتهاده أولى من اجتهاد غيره ، فإن استدار
استدرك إن تمكن وإلاّ أبطلها وبحث أو قلّد.
وإن شرع فيها وهو
أعمى فأبصر في أثنائها فإن ظهر له الصحة أو خفي الأمران استمر ، لأنه دخل دخولا
مشروعا.
وقال بعض الجمهور
: تبطل مع الخفاء لأن فرضه الاجتهاد .
ولو ظهر البطلان
استدار إن كان يسيرا وإلاّ استأنف.
هـ ـ لا فرق بين
المسافر والحاضر. وقال أحمد : لو ظهر للحاضر الخطأ في اجتهاده استأنف سواء صلّى
بدليل أو غيره ، لأن الحضر ليس محل الاجتهاد .
__________________
وقال في الأعمى :
إذا كان في حضر فكالبصير لأنه يقدر على الاستدلال بالخبر ، والمحاريب فإنه إذا لمس
المحراب وعلم أنّه محراب وأنّه متوجه إليه فهو كالبصير .
و ـ لو صلّى
الأعمى بقول البصير ، فقال له آخر : قد أخطأ بك فإن كان الثاني أعدل انحرف ، وإن
انعكس ، أو تساويا استمر ، ولو أخبره بالخطإ متيقن استدار إن كان بين المشرق
والمغرب وإلاّ استأنف.
مسألة ١٤٩
: الأعمى يجب عليه الاستقبال إجماعا إلاّ داود فإنه قال : يصلّي
إلى أيّ جهة شاء لأنّه عاجز ، وهو خطأ لعموم الأمر ، والعجز ينتفي بالسؤال كالعاميّ أو
بالصلاة إلى أربع جهات ؛ ولا يجوز له تقليد الفاسق ، وظاهر مذهب الشافعي : الجواز
لانتفاء التهمة في مثل هذا . والحق خلافه. وله في تقليد الصبيّ قولان ، والوجه : المنع
لأنّه ليس من أهل التكليف ، ويعلم انتفاء الحرج عنه.
مسألة ١٥٠
: من ترك الاستقبال عمدا بطلت صلاته ، وأعاد في الوقت
وخارجه ، بإجماع العلماء لانتفاء شرط الصلاة.
ولو صلّى ظانا ثم
ظهر الخطأ فإن كان بين المشرق والمغرب وهو في الصلاة استدار ، ولو تبين بعد فراغه
لم يعد إجماعا ؛ لقوله 6 : ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) .
__________________
ولو بان أنه صلّى
الى المشرق أو المغرب أعاد في الوقت ، لأنه أخلّ بشرط الصلاة مع بقاء وقته ، ولو
خرج الوقت احتمل مساواته للاستدبار فيعيد ، وعدم القضاء لأنه تكليف ثان والأصل
عدمه.
ولما رواه سليمان
بن خالد عن الصادق 7 في الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلّي الى غير
القبلة ، ويصحى فيعلم أنه صلّى الى غير القبلة كيف يصنع؟ قال : « إن كان في وقت
فليعد صلاته ، وإن مضى الوقت فحسبه اجتهاده » .
وقال أبو حنيفة ، ومالك
، وأحمد : لا يعيد مطلقا. وللشافعي قولان وقد سبق.
قال الشيخ : إذا
صلّى الى غير القبلة ناسيا ، أو لشبهة أعاد إن كان الوقت باقيا ، ولو كان قد خرج
لم يعد . فألحقه بالظانّ ، وفيه إشكال.
مسألة ١٥١
: قد بيّنا أن المجتهد ليس له أن يقلد بل يجتهد فإن ضاق
الوقت فالأقرب أنّ له التقليد ، ولو فقد من يقلده صلّى الى أيّ جهة شاء ولا إعادة
عليه لأنه امتثل المأمور به ، وهو أحد وجوه الشافعي. وله ثان : أنّه يصلي كيف اتفق
ثم يجتهد ويقضي. وثالث : أنه لا يصلّي الى أن يتم الاجتهاد وإن خرج الوقت .
__________________
ولو كان محبوسا أو
في ظلمة صلّى إلى أربع جهات مع السعة ، ومع الضيق الى أيّ جهة شاء. وللشافعي قولان
: أحدهما : أنه يقلد ، وفي القضاء وجهان ، والثاني : أنه لا يقلد ويصلّي كيف اتفق
ويقضي .
ولو صلّى أربع
صلوات إلى أربع جهات بأربع اجتهادات ولم يتبين الخطأ فلا قضاء عليه.
ولو قال للأعمى :
الشمس وراءك وهو عدل وجب قبول قوله لأنه إخبار عن محسوس لا اجتهاد.
مسألة ١٥٢
: تجوز الصلاة في السفينة فرضا ونفلا ، والأفضل الشط مع
التمكن ، فإن صلّى فيها وجب القيام ، والاستقبال مع المكنة ، فإن تعذر القيام
والشط صلّى جالسا مستقبلا ، فإن دارت السفينة فليدر معها ويستقبل القبلة ، فإن
تعذر استقبل بتكبيرة الافتتاح ثم يصلّي كيف ما دارت ، ويجوز أن يصلّي النوافل الى
رأس السفينة إذا تعذر الاستقبال.
سئل الصادق 7 عن الصلاة في
السفينة فقال : « إن استطعتم أن تخرجوا الى الجدد فاخرجوا ، وإن لم تقدروا فصلّوا
قياما ، فإن لم تستطيعوا فصلّوا قعودا وتحروا القبلة » .
وقال سليمان بن
خالد : سألته عن الصلاة في السفينة ، فقال : « يصلّي قائما فإن لم يستطع القيام
فليجلس ويصلّي وهو مستقبل القبلة ، فإن دارت السفينة فليدر مع القبلة إن قدر على
ذلك ، وإن لم يقدر على ذلك فليثبت على مقامه وليتحر القبلة بجهده » ، وقال : «
يصلّي النافلة مستقبل صدر
__________________
السفينة وهو
مستقبل القبلة إذا كبّر ثم لا يضره حيث دارت » .
وقال أبو حنيفة :
يجوز أن يصلّي مختارا في السفينة قائما أو قاعدا .
والحق ما ذكرناه ،
وبه قال الشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد .
__________________
الفصل السادس : في الأذان
والإقامة
ومباحثه
أربعة :
الأول : الماهيّة
مسألة
١٥٣ : الأذان لغة
الإعلام ، وشرعا الإعلام بأوقات الصلوات بألفاظ مخصوصة : وهو عند أهل البيت : مستفاد من الوحي
على لسان جبرئيل 7 تلقينا ؛ لقول الصادق 7 : « لمّا هبط جبرئيل 7 بالأذان على رسول الله 6 كان رأسه في حجر علي 7 فأذن جبرئيل 7 وأقام ، فلما انتبه رسول الله 6 قال : يا علي
سمعت؟ قال : نعم ، قال : حفظت؟ قال : نعم ، قال : أدع بلالا فعلّمه فدعا علي 7 بلالا وعلّمه » .
ولأنه أمر مشروع
مأمور به من النبيّ 6 وقد قال الله تعالى ( وَما يَنْطِقُ عَنِ
الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى ) ولأنّ الأمور
__________________
الشرعية منوطة
بالمصالح والفطنة البشرية تعجز عن إدراكها ، ولا يعلمها مفصّلة إلاّ الله
تعالى فلا خيرة فيها للنبي 6 ، ولأن ما هو أقل منها ذكرا مستفاد من الوحي فكيف هذا
المهم.
وأطبق الجمهور على
أنّ محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال : حدثني أبي عبد الله بن زيد قال :
لمّا أمر رسول الله 6 بالناقوس يعمل ليضرب به لجمع الناس للصلاة طاف بي ـ وأنا
نائم ـ رجل يحمل ناقوسا في يده ، قلت : يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال : وما تصنع
به؟ قلت : ندعو به الى الصلاة قال : أفلا أدلّك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت له :
بلى ، فقال : تقول : الله أكبر إلى آخر الأذان ، ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال :
تقول إذا قمت إلى الصلاة : الله أكبر إلى آخر الإقامة ، فلمّا أصبحت أتيت رسول
الله 6 فأخبرته بما رأيت ، فقال : ( إنّها رؤيا حق إن شاء الله تعالى ، فقم مع بلال فألق
عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى منك صوتا ) فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه
ويؤذّن به .
وهذا الحديث مدفوع
من وجوه :
أ ـ اختلاف
الرواية فيه فإن بعضهم روى أن عبد الله بن زيد لمّا أمره النبيّ 6 بتعليم بلال قال
: ائذن لي حتى أؤذن مرّة فأكون أول مؤذن في الإسلام ، فأذن له فأذّن .
__________________
ب ـ شهادة المرء
لنفسه غير مسموعة ، وهذا منصب جليل فلا يسمع قوله عن نفسه فيه.
ج ـ كيف يصح أن
يأمر النبيّ 6 بالناقوس مع أنه 6 نسخ شريعة عيسى.
د ـ كيف أمر
بالناقوس ثم رجع عنه؟! إن كان الأمر به مصلحة استحال نسخه قبل فعله وإلاّ استحال
أمره به.
هـ ـ إن كان أمره
بالناقوس بالوحي لم يكن له تغييره إلاّ بوحي مثله فإن كان الأذان بوحي فهو المطلوب
وإلاّ لزم الخطأ ، وإن لم يكن الأمر بالناقوس بالوحي كان منافيا لقوله تعالى ( وَما
يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ) .
و ـ كيف يصح
استناد هذه العبادة الشريفة العامة البلوى المؤبدة الموضوعة علامة على أشرف
العبادات وأهمّها الى منام من يجوز عليه الغلط؟!! والنبيّ 6 لم يلق عليه ، ولا
على أجلاء الصحابة.
ز ـ أهل البيت : أعرف بمواقع
الوحي والتنزيل ، وقد نصّوا على أنه بوحي.
وقال الباقر 7 : « لما اسري
برسول الله 6 فبلغ البيت المعمور حضرت الصلاة فأذّن جبرئيل 7 وأقام فتقدم رسول الله 6 فصف الملائكة والنبيون خلف رسول الله 6 » . ومثل هذا الذي
تعبّد به الملائكة وغيرهم يستحيل استناده إلى الاجتهاد الذي تجوّزونه على النبيّ 6.
__________________
مسألة ١٥٤
: والأذان من وكيد السنن إجماعا ، قال رسول الله 6 : ( ثلاثة على
كثبان المسك يوم القيامة يغبطهم الأولون والآخرون : رجل ينادي بالصلوات الخمس في
كلّ يوم وليلة ، ورجل يؤم قوما وهم به راضون ، وعبد أدّى حقّ الله وحقّ مواليه ) .
وقال 7 : ( من أذّن
اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة ، وكتب له بكل أذان ستون حسنة ، وبكلّ إقامة ثلاثون
حسنة ) .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 : « قال رسول الله 6 : من أذّن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنّة » .
وقال الصادق 7 : « ثلاثة في
الجنّة على المسك الأذفر : مؤذن أذن احتسابا ، وإمام أمّ قوما وهم به راضون ، ومملوك
يطيع الله ويطيع مواليه » .
وقال الباقر 7 : « من أذّن سبع
سنين احتسابا جاء يوم القيامة ولا ذنب له » .
مسألة ١٥٥
: الإمامة أفضل من الأذان وهو أحد قولي الشافعي لأن النبيّ 6 فعل الإمامة ولم
يشتغل بالأذان والإقامة بل قام بهما غيره ، ولا يجوز أن يترك الأفضل لغيره ، ولأن
الإمام يحتاج إلى معرفة أحوال الصلاة
__________________
والقيام بما تحتاج
إليه الإمامة ، وتحصيل الفضيلة ، ولهذا نقل أنّه ضامن والمؤذن أمين ، والضامن أكثر
عملا من الأمين فثوابه أكثر ، وفي الآخر : الأذان أفضل لقوله 7 : ( الأئمة ضمناء
والمؤذنون أمناء ، فأرشد الله الأئمة ، وغفر للمؤذّنين ) [ وبه ] قال الشيخ .
والإقامة أفضل من
الأذان. ويؤيّده : شدّة تأكيد الطهارة والاستقبال والقيام وترك الكلام وغير ذلك في
الإقامة على الأذان.
مسألة ١٥٦
: وعدد فصول الأذان ثمانية عشر فصلا عند علمائنا : التكبير
أربع مرات ، وكلّ من الشهادتين ، والدعاء إلى الصلاة ، والى الفلاح ، والى خير
العمل ، والتكبير ، والتهليل مرتان مرتان ؛ لأن الصادق 7 حكى الأذان فقال
: « الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد
أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن محمدا رسول الله 6 أشهد أن محمدا رسول الله 6 ، حي على الصلاة حي على الصلاة ، حي على الفلاح حي على
الفلاح ، حي على خير العمل حي على خير العمل ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلاّ
الله ، لا إله إلاّ الله » .
وقال الباقر 7 : « الأذان
والإقامة خمسة وثلاثون حرفا ، الأذان ثمانية عشر حرفا. والإقامة سبعة عشر حرفا » وخالف الجمهور
في
__________________
مواضع :
أ ـ قال مالك ، وأبو
يوسف : التكبير في أوله مرّتان ـ ووافقنا الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأحمد ، والثوري ـ لأن عبد الله
بن زيد قال له الرجل في المنام : الله أكبر مرتين .
وهو غلط ، لما
بيّنا من أن الأذان بوحي إلهي ، وقد روى محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه
عن جده قال ، قلت : يا رسول الله علّمني سنة الأذان. فمسح مقدم رأسه ، وقال : (
تقول : الله أكبر ) فذكر أربع مرات .
ب ـ منع الجمهور
من قول : حيّ على خير العمل ، وأطبقت الإمامية على استحبابه لتواتر النقل به عن
الأئمّة : ، والحجة في قولهم.
__________________
ج ـ أطبقت
الإمامية على استحباب التهليل مرتين في آخر الأذان ، وخالف فيه الجمهور كافة
واقتصروا على المرة ، وهو مدفوع بأمر النبيّ 6 بلالا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة ، رواه أنس .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 لمّا وصف الأذان : « لا إله إلاّ الله لا إله إلاّ الله » .
وكذا في حديث الباقر
7 لمّا وصف أذان جبرئيل لمّا اسري بالنبيّ 6 .
مسألة ١٥٧
: الإقامة عندنا سبعة عشر فصلا كالأذان إلاّ أنه ينقص
التكبير من أولها مرتين والتهليل من آخرها مرة ويزيد : ( قد قامت الصلاة ) بعد (
حيّ على خير العمل ) مرتين ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لما رواه أبو
محذورة أن رسول الله 6 علّمه الإقامة سبع عشر كلمة ، ومن طريق
الخاصة قول الصادق 7 : « والإقامة مثنى مثنى » .
__________________
وقال الشافعي :
الإقامة أحد عشر كلمة ، التكبير مرتان ، والشهادتان مرتان ، والدعاء إلى الصلاة
مرة ، والدعاء الى الفلاح مرة ، والإقامة مرتان ، والتكبير مرتان ، والتهليل مرة.
وبه قال الأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور .
قال ابن المنذر :
وهو مذهب عروة بن الزبير ، والحسن البصري ، وعمر بن عبد العزيز ، ومكحول ، والزهري
، لأنّ أنسا روى أن النبيّ 6 أمر أن يوتر الإقامة ، وهو استناد الى المنام الذي ضعفناه.
وللشافعي في
القديم : أنها عشر كلمات. فجعل الإقامة مرة. وبه قال مالك ، وداود للحديث وقد بينا ضعفه.
مسألة ١٥٨
: قد ورد عندنا استحباب التكبير في آخر الأذان أربع مرات
__________________
كأوله ، والباقي
كما تقدم ، وروي أيضا استحباب التكبير في أول الإقامة أربعا ، وفي
آخرها أربعا ، والتهليل في آخرها مرتين ، قال الشيخ : ولو عمل عامل بذلك لم يكن مأثوما ، فأمّا ما
روي في شواذ الأخبار من قول : « أن عليا ولي الله ، وآل محمد خير البرية » فممّا
لا يعمل عليه في الأذان فمن عمل به كان مخطئا .
ويجوز في حال
الاستعجال ، والسفر إفراد الفصول ، جمعا بين فضيلة الأذان وإزالة المشقة عن
المسافر والمستعجل ، لما رواه أبو عبيدة الحذاء في الصحيح قال : رأيت الباقر 7 يكبّر واحدة
واحدة في الأذان ، فقلت له : لم تكبّر واحدة؟ فقال : « لا بأس به إذا كنت مستعجلا
» .
وقال الباقر 7 : « الأذان يقصر
في السفر كما تقصر الصلاة ، الأذان واحدا واحدا ، والإقامة واحدة » .
تذنيب : تثنية
الإقامة أفضل من إفراد الأذان والإقامة ؛ لقول الصادق 7 : « لأن أقيم
مثنى مثنى أحب إليّ من أن أؤذّن وأقيم واحدا واحدا » .
مسألة ١٥٩
: يكره الترجيع عند علمائنا ـ وهو تكرار الشهادتين مرتين في
__________________
الأذان ، وبه قال
الثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي .
وربما قال أبو
حنيفة : إنّه بدعة . وهو جيد عندي ؛ لأن النبيّ 6 قال : ( الأذان مثنى ) ولم يذكر الترجيع عبد الله بن زيد الذي أسندوا الأذان إليه
.
ومن طريق الخاصة
حكاية الباقر والصادق 8 صفة الأذان ولم يذكرا الترجيع .
وقال الشافعي ، ومالك
: باستحبابه ، وروى ابن المنذر عن أحمد أنه قال : إن رجع فلا بأس وإن
ترك فلا بأس ، حتى أن للشافعي قولين في الاعتداد بالأذان مع تركه لأنّ أبا محذورة
قال : علّمني رسول الله 6 سنّة الأذان ثم تقول : أشهد أن لا إله إلا الله. فذكر
مرتين ، أشهد أن محمدا رسول الله فذكر مرتين ، تخفض بها صوتك ، ثم
__________________
ترفع صوتك
بالشهادة أشهد أن لا إله إلا الله. فذكر مرتين ، أشهد أن محمدا رسول الله. فذكر
مرتين .
وليس حجة ؛ لأن
النبيّ 6 فعل به ذلك ليقر بالشهادتين لأنه كان يحكي أذان مؤذن النبيّ 6 مستهزئا فسمع
النبيّ 6 صوته فدعاه فأمره بالأذان قال : ولا شيء عندي ولا أنقص من النبيّ 6 ولا مما يأمرني
به فقصد النبيّ 6 نطقه بالشهادتين سرا ليسلم بذلك ، ولم يوجد هذا في أمر
بلال ولا غيره ممن كان ثابت الإسلام.
تذنيب : قال الشيخ
: لو أراد المؤذن تنبيه غيره جاز له تكرار الشهادتين مرتين لقول الصادق 7 : « لو أن مؤذنا
أعاد في الشهادة أو في حي على الصلاة ، أو حي على الفلاح المرتين والثلاث وأكثر من
ذلك إذا كان إماما يريد القوم ليجمعهم لم يكن به بأس » .
مسألة ١٦٠
: التثويب عندنا بدعة ، وهو قول الصلاة خير من النوم ، في شيء
من الصلوات ـ وبه قال الشافعي في الجديد ـ لأن عبد الله بن زيد لم
__________________
يحكه في أذانه ، وأهل البيت : لمّا حكوا أذان
الملك لم يذكروه .
وقال الشافعي في
القديم : باستحباب التثويب بعد الحيعلتين في الصبح خاصة. وبه قال مالك ، والأوزاعي
، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور لأنّ أبا محذورة قال : لما علمني رسول الله 6 فقال بعد قوله حي
على الفلاح : فإن كانت صلاة الصبح قلت : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من
النوم .
وهو معارض بإنكار
الشافعي ـ في كتاب استقبال القبلة ـ للتثويب وقال : إنّ أبا محذورة لم يحكه . قال أبو بكر بن
المنذر : هذا القول سهو من الشافعي ونسيان حين سطر هذه المسألة فإنه حكى ذلك في
الكتاب العراقي عن أبي محذورة.
وعن أبي حنيفة
روايات : إحداها كقول الشافعي في القديم ، والثانية : أنه يقول بين الأذان والإقامة : حي على
الصلاة حي على
__________________
الفلاح ، والثالثة : أن
الأولى في نفس الأذان ، والثانية بعده ، والرابعة : أنه يقول : الصلاة خير من النوم بين الأذان
والإقامة ، لأن بلالا كان إذا أذن أتى رسول الله 6 فسلّم عليه ، ثم
قال : حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، يرحمك الله .
وأذن بلال يوما ، فتأخر
خروج رسول الله 6 فجاء الى باب الحجرة ، فقيل : إنّه نائم فنادى بلال الصلاة
خير من النوم مرتين فخرج رسول الله 6 وأقرّه عليه .
وهذا كلّه باطل
عندنا ؛ لأنه ليس للنبيّ 6 أن يجتهد في الأحكام ، بل يأخذها بالوحي لا بالاستحسان.
فروع :
أ ـ كما أنّه لا
تثويب في الصبح عندنا فكذا في غيره ، وبنفي غيره ذهب أكثر العلماء ، لأن ابن عمر
دخل مسجدا يصلّي فسمع رجلا يثوّب في أذان الظهر فخرج عنه فقيل له : إلى أين تخرج؟
فقال : أخرجتني البدعة .
__________________
وحكي عن الحسن بن
صالح بن حي استحبابه في العشاء ؛ لأنه وقت ينام فيه الناس فصار كالغداة .
وقال النخعي : إنه
مستحب في جميع الصلوات ؛ لأن ما يسن في الأذان لصلاة يسن لجميع الصلوات كسائر الألفاظ
.
والأصل في الأول ،
والعلة في الثاني ممنوعان.
ب ـ لا يستحب أن
يقول بين الأذان والإقامة : حي على الصلاة حي على الفلاح ـ وبه قال الشافعي ـ لأن عمر قدم
مكة فأتاه أبو محذورة وقد أذن فقال : الصلاة يا أمير المؤمنين حي على الصلاة ، حي
على الفلاح فقال : ويحك أمجنون أنت؟ ما كان في دعائك الذي دعوت ما نأتيك حتى
تأتينا .
وحكى ابن المنذر
عن الأوزاعي أنه سئل عن التسليم على الأمراء فقال : أول من أحدثه معاوية وأقره عمر
بن عبد العزيز ، وقال النخعي : إن الناس أحدثوا حي على الصلاة حي على
الفلاح وليس بسنّة ، وقال 7 : ( كل محدث بدعة ) .
ج ـ التثويب :
الرجوع ، فالمؤذن يقول : حي على الصلاة ، ثم عاد بقوله : الصلاة خير من النوم ، إلى
الدعاء إلى الصلاة ، وحيّ معناه : هلمّ ، ويقرن
__________________
بـ ( على ) و (
الى ) معا ، والفلاح : البقاء والدوام وهو ثواب الصلاة.
مسألة ١٦١
: الترتيب شرط في الأذان والإقامة لأنّهما أمران شرعيان
فيقفان على مورده ، ولقول الصادق 7 : « من سها في الأذان فقدم أو أخر أعاد على الأول الذي
أخّره حتى يمضي على آخره » ولأنّ الأذان يتميز بترتيبه عن جميع الأذكار فإذا لم يرتبه
لم يعلم أنه أذان ولم تحصل الفائدة ؛ وبه قال الشافعي .
مسألة ١٦٢
: يكره الكلام خلال الأذان والإقامة لئلا ينقطع توالي ألفاظه
، فإن تكلّم في الأذان لم يعده ، عامدا كان أو ساهيا ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ
الكلام لا يقطع الخطبة وهي آكد من الأذان ، وحكي عن سليمان بن صرد أنّه كان يأمر بحاجته في أذانه
وكان له صحبة . وللشافعي قول باستحباب إعادة الأذان .
فروع :
أ ـ لو طال الكلام
حتى خرج عن نظام الموالاة أعاد.
ب ـ لو كان الكلام
لمصلحة الصلاة لم يكره إجماعا لأنّه سائغ في الإقامة ففي الأذان أولى.
ج ـ لو سكت طويلا
يخرج به في العادة عن الأذان أعاد وإلاّ فلا لعدم الانفكاك من القليل كالتنفس
والاستراحة ، وبه قال الشافعي .
__________________
د ـ لو أغمي عليه.
أو جنّ ، أو نام في خلاله استحب له الاستئناف لخروجه عن التكليف ، ولو تمم غيره ثم
أفاق جاز البناء عليه قاله الشيخ .
هـ ـ لو ارتد في
أثنائه ثم رجع الى الإسلام استأنف ، وهل يبنى عليه؟ للشافعي وجهان : المنع ـ وهو
الأقوى عندي ـ لبطلانه بالردة ، والجواز ؛ لأنّ الردة لا تحبط العمل إلاّ إذا اتصل
بها الموت فصار كاعتراض الجنون والإغماء لو بنى عليه جاز .
ولو ارتد بعد
فراغه من الأذان ، قال الشيخ : جاز أن يعتد به ، ويقيم غيره ، لأنّه أذّن أذانا
مشروعا محكوما بصحته فلا يؤثر فيه الارتداد المتعقب .
وقال الشافعي : لا
يعتد بأذانه .
و ـ لو تكلّم خلال
الإقامة أعادها ـ وبه قال الزهري ـ لوقوع الصلاة عقيبها بلا فصل فكان لها حكمها ، ولقول
الصادق 7 : « لا تتكلم إذا أقمت الصلاة فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة » .
وقال الشافعي : لا
يعيد لأنّها دعاء إلى الصلاة فلم يقطعها الكلام كالأذان ، والفرق ما
تقدم.
__________________
ز ـ الكلام وإن
كره في الأذان فإنه في الإقامة آكد ، وقال الشيخان ، والمرتضى : إذا قال المؤذن :
قد قامت الصلاة حرم الكلام على الحاضرين إلاّ بما يتعلق بالصلاة من تقديم إمام ، أو
تسوية صف ، لقول الصادق 7 : « إذا أقام المؤذن الصلاة فقد حرم الكلام إلاّ أن يكون
القوم ليس يعرف لهم إمام » وهو محمول على شدة الكراهة ، وفي الطريق ضعف.
مسألة ١٦٣
: يستحب ترك الإعراب في أواخر فصول الأذان والإقامة عند
علمائنا أجمع ـ وبه قال أحمد ـ وحكاه ابن الأنباري عن أهل اللغة ، لأن إبراهيم
النخعي قال : شيئان مجزومان كانوا لا يعربونهما : الأذان والإقامة . وهذا إشارة إلى
جماعتهم.
ومن طريق الخاصة
قول الباقر 7 : « الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإقامة حدر » ونحوه عن الصادق 7 .
وقال الباقون :
يستحب الإعراب فيهما.
مسألة ١٦٤
: يستحب أن يترسل في أذانه بأن يتمهل فيه مأخوذ من قولهم
جاء فلان على رسله أي على هنيئة من غير عجل ولا متعب نفسه ، وأن يحدر الإقامة
ويدرجها إدراجا مبينا لألفاظها مع الإدراج ـ ولا نعلم فيه خلافا ـ لقول
__________________
النبيّ 6 لبلال : ( إذا
أذّنت فرتّل ، وإذا أقمت فاحدر ) .
ومن طريق الخاصة
قول الباقر 7 : « الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإقامة حدر » .
ولأن القصد من
الأذان إعلام الغائبين ، والتثبت فيه أبلغ للإعلام ، والإقامة لإعلام الحاضرين ، وافتتاح
الصلاة فلا فائدة للتطويل فيها ، ولو أخلّ بهذه الهيئة أجزأه لأنّها مستحبة فيه
ولا يخلّ تركها به.
مسألة ١٦٥
: يستحب رفع الصوت بالأذان ، وعليه إجماع العلماء ، قال
رسول الله 6 : ( يغفر للمؤذن مدى صوته ، ويشهد له كل رطب ويابس ) .
وقال أبو سعيد
الخدري لرجل : إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذّنت بالصلاة فارفع صوتك فإنه لا يسمع
صوتك جن ولا إنس إلاّ شهد لك يوم القيامة ، سمعته من رسول الله 6 .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 : « إذا أذّنت فلا تخفين صوتك فإن الله يأجرك مدّ صوتك فيه » ، ولأن القصد به
الإعلام وهو يكثر برفع الصوت فيكون النفع به أتم.
__________________
وقد روي أن رفع
الصوت بالأذان في المنزل يزيل العلل والأسقام ويكثر النسل ، فإن هشام بن إبراهيم
شكا الى الرضا 7 سقمه وأنه لا يولد له فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله
قال : ففعلت ، فأذهب الله عني سقمي ، وكثر ولدي.
قال محمد بن راشد
: وكنت دائم العلّة ما انفك منها في نفسي وجماعة خدمي فلما سمعت كلام هشام عملت به
فأذهب الله عني وعن عيالي العلل .
ولا يجهد نفسه في
رفع صوته زيادة على طاقته لئلاّ يضر بنفسه وينقطع صوته ، فإن أذّن لعامة الناس جهر
بجميع الأذان ، ولا يجهر ببعض ، ويخافت ببعض لئلا يفوت مقصود الأذان وهو الإعلام ،
وإن أذّن لنفسه أو لجماعة حاضرين جاز أن يخافت ويجهر ، ويخافت ببعض ويجهر ببعض.
مسألة ١٦٦
: يستحب الفصل بين الأذان والإقامة بجلسة ، أو سجدة ، أو
سكتة ، أو خطوة ، أو صلاة ركعتين في الظهرين إلاّ المغرب فإنه لا يفصل بينهما إلاّ
بخطوة ، أو سكتة أو تسبيحة عند علمائنا ـ وبه قال أحمد ـ لأن النبيّ 6 قال لبلال : (
اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله ، والشارب من شربه ، والمعتصر
إذا دخل لقضاء حاجته ) .
ومن طريق الخاصة
ما رواه سليمان بن جعفر قال : سمعته يقول : « افرق بين الأذان والإقامة بجلوس أو
ركعتين » .
__________________
وقال الصادق 7 : « بين كل
أذانين قعدة إلاّ المغرب فإن بينهما نفسا » .
وقال الصادق 7 أو الكاظم 7 : « يؤذن للظهر
على ست ركعات ، ويؤذن للعصر على ست ركعات بعد الظهر .
وروي عن الصادق 7 « من جلس بين
أذان المغرب والإقامة كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله » ولأنّ الأذان
للإعلام فيسن الانتظار ليدرك الناس الصلاة.
إذا عرفت هذا فقد
قال أحمد باستحباب الفصل في المغرب بجلسة خفيفة . وحكي عن أبي
حنيفة ، والشافعي أنه لا يسن في المغرب .
وسئل الصادق 7 ما الذي يجزي من التسبيح
بين الأذان والإقامة ، قال : « يقول : الحمد لله » .
وقد روي أنه يقول
إذا جلس بعد الأذان : « اللهم اجعل قلبي بارا ، ورزقي دارا ، واجعل لي عند قبر
رسول الله 6 قرارا ومستقرا » .
__________________
البحث الثاني : المحلّ
مسألة ١٦٧
: لا يسن الأذان لشيء من النوافل ، ولا لشيء من الفرائض ـ
عدا الخمس اليومية ـ كالعيدين ، والكسوف ، والأموات ، بل يقول المؤذن في الكسوف
والعيدين : الصلاة ثلاثا ، وكذا في الاستسقاء ، وفي الجنازة إشكال ينشأ من العموم
، ومن انتفاء الحاجة لحضور المشيعين ـ وللشافعي وجهان ـ وعليه إجماع
علماء الأمصار ، وفعل النبيّ 6 هذه الصلوات من غير أذان .
ويستحب في الفرائض
الخمس اليومية ، ويتأكد الاستحباب فيما يجهر فيه بالقراءة ، وآكده الغداة ، والمغرب
؛ لأنّ في الجهر دلالة على طلب الإعلام فيها ؛ والتنبيه بالأذان زيادة في المطلوب
شرعا ، وشدّة تأكيده في الصبح والمغرب لعدم التقصير فيهما فلا يقصر مندوباتهما ، وليكون
افتتاح النهار والليل بذكر الله تعالى.
وقال الصادق 7 : « لا تدع
الأذان في الصلوات كلّها ، فإن تركته فلا تتركه في المغرب والفجر ، فإنه ليس فيهما
تقصير » .
وقال الباقر 7 : « إنّ أدنى ما
يجزي من الأذان أن يفتتح الليل بأذان وإقامة ، ويفتتح النهار بأذان وإقامة ، ويجزيك
في سائر الصلوات إقامة بغير أذان » .
مسألة ١٦٨
: يستحب الأذان والإقامة للفوائت من الخمس كما يستحب
__________________
للحاضرة عند
علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لقوله 6 : ( من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته ) ولأنّ ما يسنّ
للصلاة في أدائها يسنّ في قضائها كسائر الأذكار.
وقال الشافعي :
يقيم لكلّ صلاة ، وفي الأذان له ثلاثة أقوال ، أحدها : لا يستحب الأذان ـ وبه قال
مالك ، والأوزاعي ، وإسحاق ـ لرواية أبي سعيد الخدري قال : حبسنا يوم الخندق عن
الصلاة حتى كان بعد المغرب بهويّ من الليل فدعا رسول الله 6 بلالا فأمره فأقام الظهر فصلاّها ثم أقام العصر فصلاّها ، ولأنّ الأذان
وضع للإعلام بدخول الوقت وهو منتف هنا.
ويحمل على العذر
بالسفر ، والخوف ، وضيق وقت المغرب حينئذ ، مع أنه روي أنه أمر بلالا فأذّن ثم
أقام فصلّى الظهر ثم أقام فصلّى العصر ، ونفي المظنة لا يوجب نفي السبب كالمشقة ، وينتقض
بالإقامة ، ونمنع العلية.
الثاني : يؤذن
للأولى خاصة ـ وبه قال أحمد ، وأبو ثور ، وابن المنذر ـ لأن عمران بن
حصين قال : سرنا مع رسول الله صلّى الله عليه
__________________
وآله في غزاة أو
سرية فلما كان آخر السحر عرسنا فما أيقظنا إلاّ حرّ الشمس فأمرنا فارتحلنا ثم سرنا
حتى ارتفعت الشمس ونزلنا فقضى القوم حوائجهم ، وأمر بلالا فأذّن فصلّينا ركعتين ، ثم
أمره فأقام فصلّى الغداة . ولا حجة فيه.
الثالث : إن كان
يرجو اجتماع الناس أذّن لأنّ النبيّ 6 لم يؤذن بعرفات للعصر ، ولا بمزدلفة للعشاء لاجتماع الناس.
ولا حجة فيه لسقوطه هناك للاشتغال بالعبادة.
فروع :
أ ـ الأذان وإن
استحب لكنّه في الأداء أفضل إجماعا.
ب ـ يجزيه مع
التعدد الأذان لأول ورده ، ثم الإقامة للبواقي ، وإن اقتصر على الإقامة في الجميع
أجزأه.
ج ـ إذا جمع بين
صلاتين أذّن للأولى منهما وأقام ، ويقيم للثانية خاصة سواء كان في وقت الأولى أو
الثانية وفي أي موضع كان ؛ لأنّ الصادق 7 روى عن أبيه عن جابر : « أن النبيّ 6 جمع بين المغرب
والعشاء بالمزدلفة بأذان واحد وإقامتين » .
وقال أبو حنيفة :
لا يقيم ولا يؤذّن للعشاء بمزدلفة لأنّ ابن عمر صلّى
__________________
المغرب ثلاثا ، والعشاء
ركعتين بمزدلفة بإقامة واحدة ، وقال : صليتها مع رسول الله 6 كذلك . وعمله ليس حجة.
ونقل ابن عمر عن
النبيّ 6 أنه جمع بينهما بمزدلفة كل واحدة بإقامة .
وقال الشافعي : إن
جمع في وقت الاولى فكقولنا ، وإن جمع في وقت الثانية فالأقاويل الثلاثة السابقة له
.
د ـ يسقط الأذان
الثاني يوم الجمعة ؛ لأنّ الجمعة يجمع صلاتاها ويسقط ما بينهما من النوافل ، ولقول
الباقر 7 : « إنّ رسول الله 6 جمع بين الظهرين بأذان وإقامتين ، وبين المغرب والعشاء
بأذان وإقامتين » .
وكذا يسقط لو جمع
بين الظهرين بعرفة ، والعشاءين بمزدلفة ؛ لقول الصادق 7 : « السنّة في
الأذان يوم عرفة أن يؤذن ويقيم للظهر ثم يصلّي ، ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان » ، ولأن الأذان
للإعلام بدخول الوقت فإذا صلّى في وقت الأولى أذّن لوقتها ثم أقام للأخرى لأنه لم
يدخل وقت يحتاج إلى الإعلام به ، وإن جمع في وقت الثانية أذّن لوقت الثانية وصلّى
الاولى لترتب الثانية عليها ، ثم لا يعاد الأذان للثانية.
مسألة ١٦٩
: ويستحب الأذان لصلاة المنفرد كالجامع وإن تأكد فيه ، سواء
كان مسافرا أو حاضرا ، وبه قال الشافعي في المسافر ، وله في الحاضر
__________________
قولان ، أحدهما :
الاكتفاء بأذان المصر لقوله 7 : ( إذا كان أحدكم في أرض فلاة ودخل عليه وقت الصلاة فإن
صلّى بغير أذان وإقامة صلّى وحده ، وإن صلّى بإقامة صلّى معه ملكاه ، وإن صلّى
بأذان وإقامة صلّى خلفه صف من الملائكة أوّلهم بالمشرق وآخرهم بالمغرب ) .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 لمحمد بن مسلم : « إنك إذا أذّنت وأقمت صلّى خلفك صفان من الملائكة ، وإن
أقمت بغير أذان صلّى خلفك صف واحد » .
ويدل على الرجحان
في الجماعة قول الصادق 7 وقد سأله الحلبي عن الرجل هل يجزئه في السفر والحضر إقامة
ليس معها أذان؟ قال : « نعم لا بأس به » وقال 7 لعبد الله بن سنان : « يجزيك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة
بغير أذان » .
فروع :
أ ـ المنفرد يقيم
، وهو أحد قولي الشافعي ، لأن الإقامة للحاضرين ، والآخر : لا يقيم كما لا يؤذن .
ب ـ يستحب رفع
الصوت به للمنفرد ، وهو أصح وجهي الشافعي ، لقوله 7 : ( لا يسمع صوتك شجر ولا مدر إلاّ شهد لك يوم القيامة ) .
__________________
ج ـ لا فرق بين
السفر والحضر ؛ لقول الصادق 7 : « إذا أذّنت في أرض فلاة وأقمت صلّى خلفك صفّان من
الملائكة ، وإن أقمت قبل أن تؤذن صلّى خلفك صف واحد » .
مسألة ١٧٠
: يسقط الأذان والإقامة في الجماعة الثانية إذا لم تتفرق
الجماعة الأولى عن المسجد ، وهو أحد قولي الشافعي ، لأنّهم مدعوون
بالأذان الأول فإذا أجابوا كانوا كالحاضرين في المرة الاولى ، ومع التفرّق تصبر
كالمستأنفة.
ولقول الصادق 7 وقد سئل قلت :
الرجل يدخل المسجد وقد صلّى القوم أيؤذّن ويقيم؟ قال : « إن كان دخل ولم يتفرق
الصف صلّى بأذانهم وإقامتهم ، فإن كان الصف تفرق أذّن وأقام » .
وفي الآخر : يستحب
مطلقا ـ وبه قال أبو حنيفة ـ كما في الأولى ، لكن لا يرفع الصوت دفعا للالتباس ، وقال
الحسن البصري ، والنخعي ، والشعبي : الأفضل لهم الإقامة وأطلقوا ، وقال
أحمد : إن شاءوا أذّنوا وأقاموا ، وإن شاءوا صلّوا من غير أذان ولا إقامة وأطلق.
مسألة ١٧١
: ويستحب في صلاة جماعة النساء أن تؤذن إحداهن وتقيم
__________________
لكن لا تسمع
الرجال عند علمائنا ـ وهو أحد أقوال الشافعي ـ ، لأنّ عائشة كانت تؤذن وتقيم .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 وقد سئل عن المرأة تؤذن : « حسن إن فعلت » ولأنّه ذكر في
جماعة فاستحب كما في الرجال.
والثاني : لا
يستحبان ؛ لأنّ الأذان للإعلام ، وإنّما يحصل برفع الصوت .
والثالث : وهو
الأصح عندهم ، استحباب الإقامة خاصة ؛ لأنّها لاستفتاح الصلاة وانتهاض الحاضرين ، وبه
قال جابر ، وعطاء ، ومجاهد ، والأوزاعي ، وقال أحمد : إن أذّن فلا بأس .
فروع :
أ ـ الاستحباب في
حق الرجال آكد.
ب ـ يجزيها
التكبير والشهادتان ؛ لقول الصادق 7 وقد سئل عن المرأة تؤذّن للصلاة : « حسن إن فعلت ، وإن لم
تفعل أجزأها أن تكبّر ، وأن تشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأن محمدا رسول الله » وسأل جميل بن
درّاج
__________________
الصادق 7 عن المرأة أعليها
أذان وإقامة؟ فقال : « لا » .
ج ـ لو أذّنت
للرجال لم يعتدّوا به ؛ لأنّه عورة فالجهر منهي عنه ، والنهي يدلّ على الفساد ـ وبه
قال الشافعي ـ لأنّ المرأة كما لم يجز أن تكون إماما لم يجز أن تؤذّن للرجال .
وقال الشيخ في
المبسوط : يعتدون به ويقيمون وليس بجيد ، نعم ، لو كانوا أقارب يجوز لهم سماع صوتهن ، فالوجه
ما قاله الشيخ ، ونمنع الملازمة بين الأذان والإمامة.
د ـ الخنثى المشكل
لا يؤذن للرجال لاحتمال أن يكون امرأة.
مسألة ١٧٢
: إذا سمع الإمام أذان منفرد جاز أن يستغني به عن أذان
الجماعة ؛ لأنّ أبا مريم الأنصاري قال : صلّى بنا أبو جعفر الباقر 7 في قميص بغير
إزار ، ولا رداء ، ولا أذان ، ولا إقامة فلمّا انصرف قلت له : صلّيت بنا في قميص
بلا إزار ، ولا رداء ، ولا أذان ، ولا إقامة ، فقال : « قميصي كثيف فهو يجزي أن لا
يكون عليّ إزار ولا رداء ، وإني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فأجزأني ذلك » .
أما لو أذّن بنية
الانفراد ثم أراد أن يصلّي جماعة استحب له الاستئناف ؛ لأن الصادق 7 سئل عن رجل يؤذن
ويقيم ليصلّي وحده ، فيجيء رجل آخر فيقول له : نصلّي جماعة. هل يجوز أن يصلّيا
بذلك الأذان والإقامة؟ قال : « لا ولكن يؤذن ويقيم » .
__________________
البحث الثالث : في المؤذن
مسألة ١٧٣
: يشترط في المؤذن العقل بإجماع العلماء لعدم الاعتداد
بعبارة المجنون ، والإسلام بالإجماع ، ولقوله 7 : ( الإمام ضامن ، والمؤذن مؤتمن ، اللهم أرشد الأئمة ، واغفر
للمؤذنين ) والكافر لا يصح الاستغفار له. ومن طريق الخاصة قول الصادق 7 : « لا يجوز أن
يؤذّن إلاّ رجل مسلم عارف » .
والذكورة أيضا شرط
في حقّ الرجال وقد سلف ، أما البلوغ فلا يشترط مع التمييز عند علمائنا أجمع ، وبه
قال عطاء ، والشعبي ، وابن أبي ليلى ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأحمد في رواية ؛ لأن عبد الله
بن أبي بكر بن أنس قال : كان عمومتي يأمرونني أن أؤذّن لهم وأنا غلام ولم أحتلم ، وأنس
ابن مالك شاهد ولم ينكر .
ومن طريق الخاصة
قول علي 7 : « لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم » ولأنّه ذكر تصح
صلاته فاعتدّ بأذانه كالبالغ.
وقال أحمد في
الأخرى : لا يعتد به ؛ لأنه وضع للإعلام فلا يصح منه لأنّه لا يقبل خبره ولا
روايته ، والأذان أخف من الرواية والخبر ، وقال داود : لا يعتبر إذا أذّن للرجال ، أما غير المميز
فلا عبرة بأذانه إجماعا.
__________________
مسألة ١٧٤
: ويعتد بأذان العبد إجماعا لأن الألفاظ الدالة على الحث
على الأذان عامة تتناول العبد كما تتناول الحر ، ولأنه يصح أن يكون إماما فجاز أن
يؤذّن ، والأقرب : اشتراط إذن مولاه ؛ إذ له منعه من العبادات المندوبة ، والأذان
مندوب.
والمدبّر ، وأم
الولد كالقن ، أمّا المكاتب فيحتمل مشاركته ؛ إذ ليس له التصرف في نفسه إلاّ
بالاكتساب ، والجواز لانقطاع ولاية المولى عنه.
مسألة ١٧٥
: ويستحب أن يكون عدلا بالإجماع ، قال رسول الله 6 : ( يؤذن لكم
خياركم ) ولأنّه مخبر عن الوقت فيكون عدلا ليقبل إخباره ، ولأنه لا
يؤمن من اطلاعه على العورات ، ويعتدّ بأذان مستور الحال إجماعا لعدم العلم بفسقه.
وهل يعتد بأذان
الفاسق؟ قال به علماؤنا ، والشافعي ، وعطاء ، والشعبي ، وابن أبي ليلى ، وأحمد في
رواية ؛ لأنّه ذكر بالغ فاعتدّ بأذانه كالعدل ، وفي الأخرى : لا يعتد به لأنه شرّع
للإعلام ولا يحصل بقوله ؛ وشرع الإعلام لا يقتضيه بل يقتضي النظر في الدخول وعدمه .
وهل يصح أذان
السكران؟ الأقرب نعم إن كان محصلا ـ وبه قال الشافعي ـ أما لو كان
مخبطا فالوجه عدم صحته كالمجنون ، وللشافعي وجهان .
وأما الملحن فلا
يصح أذانه ، لأنّه معصية فلا يكون مأمورا به فلا يكون مجزيا عن المشروع ، وكان
لرسول الله 6 مؤذّن يطرب ، فقال
__________________
رسول الله 6 : ( إنّ الأذان
سهل سمح ، فإن كان أذانك سهلا سمحا وإلاّ فلا تؤذن ) وعن أحمد روايتان
، إحداهما : الجواز ؛ لحصول المقصود منه فكان كغير الملحن والفرق ظاهر
للنهي عن الأول.
مسألة ١٧٦
: يستحب أن يكون بصيرا إجماعا فإن الأعمى لا يعرف الوقت فإن
أذن صح فإن ابن أمّ مكتوم كان يؤذّن للنبيّ 6 ، وكان يؤذن بعد بلال ، فتزول الكراهة إن تقدمه أذان بصير ، أو كان معه بصير
عارف بالوقت.
وينبغي أن يكون
المؤذن بصيرا بالأوقات لئلاّ يغلط فيقدم الأذان على وقته أو يؤخره فإن أذن الجاهل
صحّ كالأعمى إذا سدده غيره.
ويستحب أن يكون
صيّتا لعموم النفع به ، فإن النبيّ 6 قال لعبد الله بن زيد : ( ألقه على بلال فإنّه أندى منك
صوتا ) أي أرفع ، ويستحب أن يكون حسن الصوت لأنّه أرق لسماعة.
مسألة ١٧٧
: يستحب أن يكون متطهرا إجماعا ، قال رسول الله 6 : ( حقّ وسنّة أن
لا يؤذن واحد إلاّ وهو طاهر ) ولأنه يستحب أن يصلّي عقيب الأذان ركعتين.
فإن أذّن جنبا أو
محدثا أجزأه ـ وبه قال أكثر العلماء ـ لأن قوله عليه
__________________
السلام : ( حق
وسنّة ) يعطي الندب.
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 : « لا بأس أن تؤذّن وأنت على غير طهور ، ولا تقيم إلاّ وأنت على وضوء » .
وعن علي 7 : « ولا بأس أن
يؤذّن المؤذّن وهو جنب ، ولا يقيم حتى يغتسل » .
وقال أحمد ، وإسحاق
بن راهويه : لا يعتدّ بأذان غير المتطهر ؛ لأنّه ذكر يتقدم الصلاة فافتقر إلى
الطهارة كالخطبة .
ونمنع الأصل ، ويفرّق
بوجوبها وإقامتها مقام الركعتين.
إذا ثبت هذا فإذا
أذّن الجنب لم يقف في المسجد فإن أذّن فيه مقيما فالوجه عدم الاعتداد به للنهي ، واستحباب
الطهارة من الجنابة آكد من الحدث.
فروع :
أ ـ لو أحدث في
حال الأذان تطهر وبنى.
ب ـ الطهارة في
الإقامة أشد لأنّها أقرب الى الصلاة ، والإقامة مع الجنابة أشدّ كراهة من الحدث ،
وليست شرطا فيها ـ وبه قال الشافعي ـ لأن الأصل الجواز.
__________________
وقال المرتضى :
الطهارة شرط في الإقامة لقول الصادق 7 : « ولا تقيم إلاّ وأنت على وضوء » .
ج ـ لو أحدث في
خلال الإقامة استحب له استئنافها.
مسألة ١٧٨
: يستحب أن يكون مستقبل القبلة حال الأذان بإجماع العلماء
لأنّ مؤذّني رسول الله 6 كانوا يستقبلون القبلة ، وقال 7 : ( خير المجالس ما استقبل به القبلة ) فإن أذّن غير
مستقبل جاز إجماعا لحصول المقصود.
فروع :
أ ـ الاستقبال في
الإقامة أشدّ ، وأوجبه المرتضى ، وهو ممنوع للأصل.
ب ـ يكره الالتفات
به يمينا وشمالا سواء كان في المأذنة أو على الأرض ـ عند علمائنا ـ في شيء من
فصوله ـ وبه قال ابن سيرين ـ لأنه ذكر مشروع يتقدم الصلاة فلا يستحب فيه الالتفات
كالخطبة ، ولمنافاته الاستقبال.
وقال الشافعي :
يستحب للمؤذّن أن يلتوي في قوله : حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، برأسه وعنقه
، ولا يدير بدنه سواء كان في
__________________
المأذنة أو لا ، لأن بلالا أذّن
ولوى عنقه يمينا وشمالا عند الحيّعلتين . وفعله ليس حجة.
وقال أحمد : إن
كان على المنارة فعل ذلك وإلاّ فلا . وقال أبو حنيفة : إن كان فوق المنارة استدار بجميع بدنه ،
وإن كان على الأرض لوى عنقه ؛ لأنّ بلالا دار في المأذنة . وفعله ليس حجة.
ج ـ يستحب أن يضع
إصبعيه في أذنيه حالة الأذان ـ وبه قال الشافعي ـ لأن بلالا وضع
يديه في أذنيه .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 : « السنّة أن تضع إصبعيك في أذنيك في الأذان » .
وقال أحمد : يستحب
أن يجعل أصابعه مضمومة على أذنيه .
مسألة ١٧٩
: ويستحب أن يكون قائما إجماعا ، لأنّ النبيّ 6 قال : ( يا بلال
قم فناد بالصلاة ) .
ومن طريق الخاصة
قول الباقر 7 : « لا يؤذّن جالسا إلاّ راكب
__________________
أو مريض » ولأنه أبلغ
لصوته.
وأن يكون على
مرتفع إجماعا ، لأنه أبلغ لصوته ، ولقول الصادق 7 : « كان طول حائط مسجد رسول الله 6 قامة فكان 7 يقول لبلال إذا
دخل الوقت : يا بلال اعل فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان فإن الله تعالى قد وكّل
بالأذان ريحا ترفعه الى السماء ، فإنّ الملائكة إذا سمعوا الأذان من أهل الأرض
قالوا : هذه أصوات أمّة محمد 6 بتوحيد الله عزّ وجلّ ، ويستغفرون لأمّة محمد 6 حتى يفرغوا من
تلك الصلاة » .
قال الشيخ : يكره
الأذان في الصومعة . وسأل علي بن جعفر أخاه موسى 7 عن الأذان في المنارة أسنة هو؟ فقال : « إنما كان يؤذّن
النبي 6 في الأرض ولم يكن يومئذ منارة » .
فروع :
أ ـ يجوز أن يؤذّن
جالسا إجماعا ؛ لأنّ الأذان غير واجب فلا تجب هيئته ، ولقول محمد بن مسلم قلت :
يؤذّن الرجل وهو قاعد؟ قال : « نعم » .
ب ـ القيام في
الإقامة أشد استحبابا ؛ لقول العبد الصالح 7 : « ولا يقيم إلاّ وهو قائم » .
ج ـ يجوز أن يؤذّن
راكبا وماشيا ، وتركه أفضل ، ويتأكد في الإقامة
__________________
لقول الصادق 7 : « لا بأس أن
يؤذن راكبا ، أو ماشيا ، أو على غير وضوء ولا تقيم وأنت راكب ، أو جالس إلاّ من
علّة ، أو تكون في أرض ملصّة » .
د ـ يستحب له أن
يستقبل القبلة حال تشهده ؛ لقول أحدهما 8 وقد سئل عن الرجل يؤذّن وهو يمشي وعلى ظهر دابته وعلى غير
طهور فقال : « نعم إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس » .
هـ ـ لا بأس أن
يقيم وهو ماش إلى الصلاة ، لأن الصادق 7 سئل أؤذن وأنا راكب؟ فقال : « نعم » فقلت : فأقيم وأنا
راكب؟ فقال : « لا » فقلت : فأقيم وأنا ماش؟ فقال : « نعم ماش إلى الصلاة » قال :
ثم قال لي : « إذا أقمت فأقم مترسلا فإنك في الصلاة » فقلت له : قد سألتك أقيم
وأنا ماش فقلت لي : نعم ، أفيجوز أن أمشي في الصلاة؟ قال : « نعم إذا دخلت من باب
المسجد فكبرت وأنت مع إمام عادل ثم مشيت إلى الصلاة أجزأك ذلك » .
مسألة ١٨٠
: لا يختص الأذان بقبيل بل يستحب لمن جمع الصفات عند
علمائنا لتواتر الأخبار على الحث عليه مطلقا ، فلا يتقيد إلاّ بدليل.
وقال الشافعي :
أحب أن يجعل الأذان إلى أولاد المؤذنين في عهد النبيّ 6 كأولاد أبي
محذورة ، وسعد القرظ ، فإن انقرضوا ففي أولاد أحد الصحابة .
فإن تشاح اثنان في الأذان قال
الشيخ : يقرع لقول النبيّ صلّى الله
__________________
عليه وآله : ( لو
يعلم الناس ما في الأذان والصف الأول ثم لم يجدوا إلاّ أن يستهموا عليه لفعلوا ) فدل على جواز
الاستهام فيه.
وهذا القول جيّد
مع فرض التساوي في الصفات المعتبرة في التأذين ، وإن لم يتساووا قدم من كان أعلا
صوتا ، وأبلغ في معرفة الوقت ، وأشد محافظة عليه ، ومن يرتضيه الجيران ، وأعف عن
النظر.
فروع :
أ ـ يجوز أن يؤذّن
جماعة في وقت واحد ، كلّ واحد في زاوية عملا باستحباب عموم الأذان ، وانتفاء
المانع ، وظاهر كلام الشافعي ذلك ، وفي قول بعض أصحابه : لا يتجاوز أربعة ، لأنّ عثمان اتخذ
أربعة مؤذنين ، ولا مانع فيه من الزيادة.
ب ـ قال الشيخ في
المبسوط : إذا كانوا اثنين جاز أن يؤذنوا في موضع واحد
فإنه أذان واحد ، فأما
إذا أذن واحد بعد الآخر فليس ذلك بمسنون وهو جيد ، لما فيه من تأخير الصلاة عن وقتها ، نعم لو
احتيج الى ذلك لانتظار الإمام ، أو كثرة المأمومين فالوجه الجواز.
ج ـ يكره التراسل
وهو أن يبني أحدهما على فصول الآخر.
د ـ لا ينبغي أن
يسبق المؤذن الراتب بل يؤذن بعده ، لأنّ أبا محذورة ، وبلالا لم يسبقهما أحد فيه.
هـ ـ يجوز أن يؤذن
واحد ويقيم غيره ـ وبه قال أبو حنيفة ، ومالك ـ لأن
__________________
بلالا أذّن ، وأقام
عبد الله بن زيد .
ومن طريق الخاصة
ما روي أنّ الصادق 7 كان يقيم بعد أذان غيره ، ويؤذّن ويقيم غيره .
وقال الشافعي ، وأحمد
، والثوري ، والليث ، وأبو حنيفة في رواية : يستحب أن يتولاهما الواحد لأنهما
فصلان من الذكر يتقدمان الصلاة فيسن أن يتولاهما الواحد كالخطبتين . والفرق ظاهر.
و ـ يجوز أن يفارق
موضع أذانه ثم يقيم عملا بالأصل ، ولأن الأذان يستحب في المواضع المرتفعة ، والإقامة
في موضع الصلاة. وقال أحمد : يستحب أن يقيم موضع أذانه ولم يبلغني فيه شيء . وإذا لم يبلغه
فيه شيء كيف يصير إلى ما ذهب إليه؟!
ز ـ لا يقيم حتى
يأذن له الإمام ، لأن عليا 7 قال : « المؤذن أملك بالأذان ، والإمام أملك بالإقامة » .
ح ـ قال الشيخ :
إذا أذن في مسجد جماعة دفعة لصلاة بعينها كان ذلك كافيا لكلّ من يصلّي تلك الصلاة
في ذلك المسجد ، ويجوز أن يؤذن ويقيم
__________________
فيما بينه وبين
نفسه .
ط ـ يكره أذان
اللاّحن لأنّه ربما غيّر المعنى ، فإذا نصب ( رسول الله ) أخرجه عن الخبريّة ، ولا
يمدّ ( أكبر ) لأنه يصير جمع كبر وهو الطبل ولا يسقط الهاء من اسمه تعالى ، واسم الصلاة ، ولا الحاء
من الفلاح ، قال 7 : ( لا يؤذن لكم من يدغم الهاء ) قلنا : وكيف يقول؟ قال :
يقول : ( أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أنّ محمدا رسول الله ) .
وإن كان ألثغ غير
متفاحش جاز أن يؤذن ، فإن بلالا كان يجعل الشين سينا.
البحث الرابع : في
الأحكام
مسألة ١٨١
: الأذان والإقامة مستحبان في جميع الفرائض اليومية للمنفرد
والجامع على أقوى الأقوال ـ وبه قال الشافعي ، وأبو حنيفة ـ لأنّ عبد الله
بن عمر صلّى بغير أذان ولا إقامة .
ومن طريق الخاصة
ما تقدم في حديث الباقر 7 حيث صلّى لمّا سمع مجتازا أذان الصادق 7 .
ولأن الأصل عدم
الوجوب. ولأنّ النبيّ 6 قال
__________________
للأعرابي المسيء
في صلاته : ( إذا أردت صلاة فأحسن الوضوء ثم استقبل القبلة فكبّر ) ولم يأمره
بالأذان.
وقال السيد
المرتضى ، وابن أبي عقيل : بوجوب الأذان والإقامة في الغداة والمغرب لقول الصادق 7 : « لا تصلّ
الغداة والمغرب إلاّ بأذان وإقامة » وهو محمول على الاستحباب ، ومعارض بقول الصادق 7 وقد سئل عن
الإقامة بغير أذان في المغرب فقال : « ليس به بأس وما أحب يعتاد » .
وقال السيد :
يجبان فيهما سفرا وحضرا . وهو ممنوع ؛ لقول الصادق 7 وقد سئل عن الرجل هل يجزيه في السفر والحضر إقامة ليس معها
أذان؟ : « نعم لا بأس به » .
وقال السيد
المرتضى ، وابن أبي عقيل : تجب الإقامة على الرجال في جميع الصلوات لقول الصادق 7 : « يجزئك إذا
خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان » ومفهوم الإجزاء الوجوب. وهو ممنوع فإن الإجزاء كما يأتي في
الصحة يأتي في الفضيلة.
وقال الشيخان ، والمرتضى
: يجبان في صلاة الجماعة لقول
__________________
أحدهما 8 : « إن صليت
جماعة لم يجزئ إلاّ أذان وإقامة » وهو محمول على شدة الاستحباب ، وللشيخ قول في الخلاف :
أنّهما مستحبان في الجماعة أيضا ، واستدل بأصالة براءة الذمة ، وبه قال
الشافعي ، وهو الحق عندي.
وقال أبو سعيد
الإصطخري من الشافعية : بأنّ الأذان من فروض الكفاية ، فإن وقع في قرية كفى الواحد
، وفي البلد يجب في كلّ محلّة ، وإن اتفق أهل بلد على تركه قاتلهم الإمام .
وقال داود بوجوب
الأذان والإقامة على الأعيان إلاّ أنهما ليسا بشرط في الصلاة لأن النبيّ 6 قال لمالك بن
الحويرث ولصاحبه ( إذا سافرتما فأذّنا وأقيما وليؤمكما أكبركما ) والأمر للوجوب.
وهو ممنوع.
وقال أحمد : إنّه
فرض على الكفاية . وقال الأوزاعي : من نسي الأذان أعاد في الوقت ، وقال عطاء : من
نسي الإقامة أعاد الصلاة .
مسألة ١٨٢
: لا يجوز الأذان قبل دخول الوقت في غير الصبح بإجماع علماء
الإسلام ، لأنّه وضع للإعلام بدخول الوقت فلا يقع قبله.
__________________
أمّا في صلاة
الصبح فيجوز تقديمه رخصة لكن يعاد بعد طلوعه ـ وبه قال الشافعي ، ومالك ، والأوزاعي
، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود ، وأبو يوسف ـ لأنّ النبيّ 6 قال : ( إن بلالا
يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ) .
ومن طريق الخاصة
مثل ذلك رواه الصدوق ، إلاّ أنه قال : « إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا
حتى يؤذن بلال » قال : وكان ابن أم مكتوم يؤذن قبل الفجر وبلال بعده ، فغيّرت
العامة النقل .
وقول الصادق 7 وقد قال له ابن
سنان : إن لنا مؤذنا يؤذن بليل : « إن ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة ، وأما
السنّة فإنه ينادي من طلوع الفجر » . ولأن فيه تنبيها للنائمين ، ومنعا للصائمين عن التناول ، واحتياطهم
في الوقت.
وقال أبو حنيفة ، والثوري
: لا يجوز إلاّ بعد طلوع الفجر لأن النبيّ 6 قال لبلال : ( لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر ) ، ولأنّها صلاة
فلا يقدم أذانها كغيرها من الصلوات.
ويحتمل أنّه 7 أراد الأذان
الثاني ، وهذه الصلاة تخالف سائر
__________________
الصلوات لدخول
وقتها والناس نيام.
واستحب علماؤنا
إعادته بعد الفجر ؛ لقول الصادق 7 : « وأما السنّة فإنه ينادى من طلوع الفجر » ولأن الأول يعلم
به قرب الوقت ، والثاني دخوله ، لئلاّ يتوهم بذلك طلوع الفجر.
فروع :
أ ـ لا ينبغي
تقديمه بزمان طويل لئلاّ يفوت المقصود منه وهو الاستعداد للصلاة طلبا لفضيلة أول
الوقت ، وقد روي أن بين أذان بلال وابن أم مكتوم أن ينزل هذا ويصعد هذا .
وقال الشافعي :
يجوز بعد نصف الليل ، وبه قال أحمد .
ب ـ لا يشترط أن
يكون معه مؤذن آخر بل لو كان المؤذن واحدا استحب له إعادته بعد الفجر ، وإن أراد
الاقتصار على المرة أذّن بعده ، وقال أحمد : يشترط كبلال وابن أم مكتوم . وهو اتفاقي.
ج ـ ينبغي أن يجعل
المقدم أذانه في وقت واحد ليعلم الناس عادته فيعرفوا الوقت بأذانه.
د ـ لا يكره قبل
الفجر في رمضان لأنّ بلالا كان يفعل ذلك ، وقال
__________________
7 : ( لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال ) ، وهو يعطي
تسويغه.
وقال أحمد : يكره
في رمضان لئلاّ يمتنعوا من السحور .
هـ ـ يستحب أن
يؤذن في أول الوقت
ليعلم الناس
فيتأهبوا للصلاة في أول وقتها بلا خلاف.
مسألة ١٨٣
:
لو ترك الأذان والإقامة متعمدا وصلّى استمر على حاله ولا يعيد صلاته ، وإن كان ناسيا تداركهما ما لم يركع ، ويستقبل
صلاته استحبابا لا وجوبا ـ وبه قال المرتضى ـ لأنّ النسيان عذر فجاز أن يستدركه قبل الركوع ، لأن
الركوع يحصل معه أكثر أركان الصلاة فلا تبطل بعده.
ولقول الصادق 7 : « إذا افتتحت
الصلاة فنسيت أن تؤذن وتقيم ثم ذكرت قبل أن تركع فانصرف فأذن وأقم واستفتح الصلاة
، وإن كنت ركعت فأتم صلاتك » وليس هذا بواجب إجماعا.
ولما رواه زرارة
عن الصادق 7 قلت : الرجل ينسى الأذان والإقامة حتى يكبر قال : « يمضي في صلاته ولا يعيد »
.
وقال الشيخ : إن
تركهما متعمدا استأنف ما لم يركع ، وإن كان ناسيا استمر .
وقال ابن أبي عقيل
: إن تركه متعمدا واستخفافا فعليه الإعادة .
__________________
والأصل صحة الصلاة
والمنع من إبطالها ، خولف في النسيان لمصلحة الاستدراك ، فيبقى في العمد على أصله.
مسألة ١٨٤
: يحرم أخذ الأجرة على الأذان ـ وبه قال أبو حنيفة ، وأحمد
، والأوزاعي ـ لأنّ النبيّ 6 قال لعثمان بن أبي العاص : ( اتخذ مؤذّنا لا يأخذ على
الأذان أجرا ) .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 عن أبيه عن علي 7 قال : « آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي أن قال : يا علي إذا
صليت فصلّ صلاة أضعف من خلفك ، ولا تتخذنّ مؤذّنا يأخذ على أذانه أجرا » ، ولأنها قربة
لنفسه فيحرم فيها الأجرة كالصلاة.
وقال المرتضى :
يكره ، عملا بالأصل . وقال الشافعي ، ومالك بالجواز ؛ لأنه عمل معلوم يجوز أخذ
الرزق عليه فجاز أخذ الأجرة عليه ، والملازمة ممنوعة.
فروع :
أ ـ يجوز أخذ
الرزق عليه إجماعا ؛ لحاجة المسلمين إليه وقد لا يوجد متطوع به.
__________________
ب ـ يرزقه الإمام
من بيت المال مع عدم التطوع ، ومن خاص الإمام ، قال الشيخ : ولا يعطيه من الصدقات
، ولا من الأخماس ؛ لأنّ لها أقواما مخصوصين .
وقال الشافعي :
يعطيه من خمس خمس الغنيمة ، والفيء ؛ لأنّه معدّ للمصالح. وأما أربعة أخماس الفيء
فله قولان : أحدهما : أنه معدّ للمجاهدين ، والثاني : للمصالح ، وسيأتي.
ج ـ إذا وجد
المتطوع الأمين لم يرزق أحدا ، ولو وجد الفاسق قال الشافعي : جاز أن يرزق العدل . ولا بأس به ، ولو
احتاج البلد الى أكثر من مؤذن واحد رزق ما تندفع به الحاجة.
مسألة ١٨٥
: تستحب الحكاية لسامع الأذان إجماعا ؛ لقول النبيّ 6 : ( إذا سمعتم
النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن ) .
ومن طريق الخاصة
قول الباقر : « يا محمد بن مسلم لا تدعن ذكر الله على كل حال ، ولو سمعت المنادي
ينادي الأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عزّ وجل وقل كما يقول » .
قال ابن بابويه :
روي أن من سمع الأذان فقال كما يقول المؤذن زيد في رزقه .
__________________
فروع :
أ ـ لو كان يقرأ
القرآن قطعه ، وحكى الأذان للعموم ، ولأنّ القراءة لا تفوت ، والقول مع المؤذن
يفوت ، وبه قال الشافعي .
ب ـ لو كان مصليا
فرضا أو نفلا لم يحك الأذان واشتغل بصلاته ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّه يقطعه عن
الإقبال على الصلاة.
وقال مالك ، والليث
: يعيد في النافلة خاصة إلاّ في الحيعلتين فإنه يقول فيهما : لا حول ولا قوة إلاّ
بالله العلي العظيم .
ج ـ لو حكى في
الصلاة قال الشيخ : لا تبطل صلاته ؛ لجواز الدعاء فيها إلاّ أنه لا يقول : حي على
الصلاة ؛ لأنه ليس بتحميد ولا تكبير بل هو كلام الآدميين ، فإن قال بدلا من ذلك :
لا حول ولا قوّة إلاّ بالله. لم تبطل ، وبه قال الشافعي .
د ـ لو فرغ من
صلاته ولم يحكه فيها كان مخيرا بين الحكاية وعدمها ، قال الشيخ : لا مزية لأحدهما
من حيث كونه أذانا بل من حيث كونه تسبيحا وتكبيرا .
وقال الشافعي :
يستحب دون استحباب ما يسمعه في غير الصلاة .
__________________
هـ ـ روي أنه
يستحب إذا سمع المؤذن يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، أن يقول : وأنا أشهد أن لا
إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، رضيت بالله ربا ، وبالإسلام
دينا ، وبمحمد رسولا ، وبالأئمة الطاهرين أئمة. ويصلّي على النبي وآله : ، ويقول : اللهم
رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام
المحمود الذي وعدته ، وارزقني شفاعته يوم القيامة .
و ـ قال الصادق 7 : « من قال حين يسمع أذان الصبح : اللهم إني أسألك بإقبال نهارك ، وإدبار
ليلك ، وحضور صلواتك ، وأصوات دعاتك أن تتوب عليّ إنك أنت التواب الرحيم ، وقال
مثل ذلك حين يسمع أذان المغرب ثم مات من يومه أو ليلته مات تائبا » .
ز ـ لو نقص المؤذن
استحب له إتمام ما نقصه تحصيلا لكمال السنّة ، ولقول الصادق 7 : « إذا نقّص
المؤذن الأذان وأنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه » .
ح ـ ليس من السنّة
أن يلتفت الإمام بعد الفراغ من الإقامة يمينا وشمالا ولا يقول : استووا يرحمكم
الله لعدم دليله.
مسألة ١٨٦
: لو أحدث في الصلاة أعادها ولم يعد الإقامة ، لأن الطهارة
ليست شرطا فيها فلا تؤثر في إعادتها.
أما لو تكلم أعاد
الإقامة والصلاة لقول الصادق 7 : « لا تتكلم إذا أقمت الصلاة فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة
» .
__________________
مسألة ١٨٧
: لو صلّى خلف من لا يقتدى به أذن لنفسه وأقام ، ولو خاف
فوت الصلاة اقتصر على تكبيرتين ، وقد قامت الصلاة لأن ذلك أهم فصول الإقامة.
ولقول الصادق 7 : « إذا دخل
الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه فخشي إن هو أذن وأقام أن يركع الإمام فليقل : قد
قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلاّ الله ، وليدخل
في الصلاة » .
قال الشيخ : وقد
روي أنه يقول ما يتركه من قول حي على خير العمل .
مسألة ١٨٨
: إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة قام المصلون ـ وبه قال
مالك ، وأحمد ـ لأنه وقت المبالغة في الاستدعاء الى القيام كما في إيجاب
البيع ، ولأن حفص بن سالم سأل الصادق 7 إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة أيقوم القوم على أرجلهم
أو يجلسون حتى يجيء إمامهم؟ قال : « بل يقومون على أرجلهم ، فإن جاء إمامهم وإلاّ
فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم » .
وقال الشافعي :
إذا فرغ المؤذن من الإقامة ، وقال أبو حنيفة : إذا قال : حي على الصلاة ، فإذا قال :
قد قامت الصلاة كبّر .
__________________
المقصد الثاني : في أفعال الصلاة وتروكها
وكلّ منهما إمّا
واجب أو ندب ، ويجب معرفة ذلك كلّه إمّا بالدليل ، أو التقليد للمجتهد ، فلو قلّد
غير مجتهد في الأحكام لم تصح صلاته.
ويجب إيقاع كلّ من
الواجب والندب على وجهه فلو أوقع الواجب على جهة الندب بطلت صلاته لعدم الامتثال.
ولو أوقع الندب
على جهة الوجوب فإن كان ذكرا فيها بطلت صلاته ؛ إذ المأتي به غير مشروع فيدخل تحت
من تكلّم في الصلاة عامدا ، وليس الجهل عذرا ـ خلافا للشافعي ـ لأنه لم يوقعه على
وجهه فلا يكون من الصلاة ، واحتجاجه بأن السنة تؤدى بنية الفرض ـ ممنوع.
وإن كان فعلا فإن
كان كثيرا أبطل الصلاة وإلاّ فلا.
وأنا أسوق إليك إن
شاء الله تعالى الأفعال الواجبة ، وهي القيام ، والنية ، وتكبيرة الإحرام ، والقراءة
، والركوع والسجود ، وأذكارهما ، والتشهد ، وفي التسليم قولان ، ثم أعقب بالمندوبة
، ثم أتلو ذلك كله بالتروك في فصول
الفصل
الأول : الأفعال الواجبة.
وفيه
مباحث :
الأول : في القيام
مسألة ١٨٩
: القيام واجب في الصلاة الواجبة إجماعا ، وركن فيها ، لقوله
تعالى ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) أي مطيعين ، ولقوله
7 لرافع ابن خديج : ( صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب )
.
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 في المريض : « يصلّي قائما ، فإن لم يقدر على ذلك صلّى جالسا » .
ولا فرق في وجوبه
بين أن يعجز عن الركوع والسجود مع القدرة على
__________________
القيام ، وبين أن
لا يعجز عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي ـ فيقوم ويومئ للركوع والسجود للآية والأخبار ، ولأن القيام
ركن فلا يسقط بعجزه عن غيره كالقراءة.
وقال أبو حنيفة ، وصاحباه
: إذا عجز عن الركوع والسجود دون القيام سقط عنه القيام ، لأنّ كلّ صلاة لا يجب
فيها الركوع والسجود لا يجب فيها القيام ، كالنافلة على الراحلة ، والنافلة لا يجب فيها شيء من
ذلك بخلاف الفريضة.
مسألة ١٩٠
: وحدّ القيام الإقلال منتصباً مع القدرة فلا
يجوز له الاتكاء والاستناد من غير حاجة بحيث لو سلّ السناد لسقط ، وهو أحد وجهي
الشافعي ، وفي الآخر : يكره الاستناد .
فإن عجز عن
الإقلال جاز أن يستند الى جدار وغيره ، وأن يتكىء عليه منتصبا على أي جانبيه شاء
ـ وهو أحد وجهي الشافعي ـ لوجود المقتضي للقيام ، وهو الأمر فلا يسقط بالعجز عن
هيئته ، ولقول الصادق 7 : « لا تستند الى جدار وأنت تصلي إلاّ أن تكون مريضا » وللشافعي قول
بسقوط القيام في هذه الحالة .
__________________
ولو عجز عن
الانتصاب قام منحنيا ، والمعتبر نصب الفقار فلا يضر إطراق الرأس ، ولا يجوز له مع
القدرة أن ينحني قليلا ولا كثيرا ، وهو أظهر وجهي الشافعي ، وفي الآخر : يجوز في
اليسير .
تذنيب : يستحب حال
قيامه أن يفصل بين رجليه من أربع أصابع إلى شبر ، وأن يستقبل بأصابعهما القبلة ، وقال
بعض علمائنا : يجب . وليس بمعتمد للأصل.
مسألة ١٩١
: القيام ركن مع القدرة ، لو أخل به عمدا أو سهوا بطلت صلاته
لعدم الامتثال ، ويجب مدّة القراءة فلو ركع قبل إكمالها مع القدرة بطلت صلاته ، ولو
عجز عنه مدة القراءة وجب أن يقوم مدة قدرته ، لأنّ القيام يجب في جميع القراءة
فالعجز عن البعض لا يسقط الآخر.
ولو عجز عن القيام
وكان كالراكع خلقة لكبر وغيره ، وجب أن يقوم بقدر مكنته ، وهو الأظهر من مذهبي
الشافعي ، وفي الآخر : يقعد لئلاّ يتأدى القيام بهيئة الركوع ، والوقوف على
هيئة الراكع أقرب الى القيام فيجب ، فإذا ركع وجب أن ينحني يسيرا ليفرق بين ركوعه
وقيامه. ويحتمل السقوط ؛ لأنّ ذلك واجب الركوع.
مسألة ١٩٢
: ولو عجز عن القيام أصلا صلّى قاعدا بإجماع العلماء ، وفي
حدّ العجز روايتان ، إحداهما : المصير الى ظنّه بانتفاء قدرته على الإقلال
والاتكاء لأنّ جميلا سأل الصادق 7 ما حدّ المريض الذي يصلّي قاعدا؟ قال : « إنّ الرجل ليوعك
ويحرج ولكنه أعلم بنفسه إذا قوي
__________________
فليقم » وقال الباقر 7 : « ( بَلِ
الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) ، ذاك إليه هو أعلم بنفسه » .
الثانية : العجز
عن المشي قدر الصلاة ؛ لأنّ سليمان بن حفص قال : قال الفقيه 7 : « المريض إنّما
يصلّي قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها على المشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ
قائما » والأولى أولى. ولو عجز عن القيام وقدر على المشي وجب المشي
ولا يصلّي حينئذ قاعدا.
فروع :
أ ـ لو صلّى قاعدا
لعجزه وتمكّن من القيام للركوع وجب ، لأنّها حالة يجب فيها القيام فلا يسقط مع
القدرة.
ب ـ لو صلّى قاعدا
وعجز عن الركوع والسجود أومأ بهما كما يومي القائم للضرورة ، ويدني جبهته من
الأرض إلى أقصى ما يقدر عليه ، ولو قدر أن يسجد على صدغه وجب لقرب جبهته من الأرض.
ج ـ لو افتقر الى
نصب مخدة وشبهها جاز ولم يجز الإيماء ، لأنه أتم من الإيماء ـ وجوّزه الشافعي ، وأبو
حنيفة ـ ولا فرق بين أن يكون على فخذيه ، أو على يديه ، أو على الأرض. وقال الشافعي
: إن وضعها على يديه لم يجزئ لأنّه سجد على ما هو حامل له . ونمنع بطلان
اللازم.
مسألة ١٩٣
: يستحب للقاعد أن يتربع قارئا ، ويثني رجليه راكعا ، ويتورك
__________________
متشهدا ، لقول
أحدهما 8 : « كان أبي 7 إذا صلّى جالسا تربع ، فإذا ركع ثنى رجليه » .
وللشافعي قولان ، أحدهما
: يتربع حالة القيام ويفترش متشهدا كالقائم ـ وبه قال مالك ، والثوري ، وأبو يوسف
، وأحمد ، وإسحاق ، والليث ـ لأن عائشة قالت : رأيت النبيّ 6 يصلّي النفل
متربعا . ولأن هذا الجلوس بدل عن القيام فينبغي أن يخالف هيئته
هيئة غيره كمخالفة القيام لغيره ، الثاني : أنه يجلس كما يجلس في التشهد .
وعن أبي حنيفة
روايتان : إحداهما كقولنا. والثانية : يجلس كيف شاء لأنّ القيام سقط تخفيفا فتسقط
هيئته ، وهو غلط ، لأنه سقط ما عجز عنه فلا يسقط غيره.
وقال زفر : يجلس
مفترشا ؛ لأنّ ابن مسعود كره التربع . وحديث النبيّ والأئمة : أولى من [ أثر ] ابن مسعود.
مسألة ١٩٤
: لو عجز عن القعود صلّى مضطجعا على جانبه الأيمن موميا
مستقبل القبلة بمقاديم بدنه كالموضوع في اللحد ـ وبه قال الشافعي ،
__________________
وأحمد ـ لقوله تعالى ( الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ ) تلاها النبيّ 6 لعمران بن حصين
حين قال له : ( صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنبك ) .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 : « المريض إذا لم يقدر أن يصلّي قاعدا يوجه كما يوجه الرجل في لحده وينام
على جانبه الأيمن ويومي بالصلاة ، فإن لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه
جائز ويستقبل بوجهه القبلة ثم يومي بالصلاة إيماء » .
وللشافعي قول آخر
: أنه يستلقي على ظهره ويجعل رجليه إلى القبلة ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لأنّه أمكن
للتوجه إلى القبلة . وهو ممنوع ؛ لأنه حينئذ يستقبل السماء.
إذا عرفت هذا
فإنّه يكون معترضا بين يدي القبلة ، ولو اضطجع على شقه الأيسر مستقبلا فالوجه
الجواز ، ولبعض الشافعية : تكون رجلاه في القبلة حتى إذا ما أومأ يكون إيماؤه إلى
ناحية القبلة .
مسألة ١٩٥
: لو عجز عن الاضطجاع صلّى مستلقيا على قفاه موميا برأسه ،
__________________
فإن عجز عن
الإيماء بالرأس أومى بعينيه ـ وبه قال الشافعي ـ لأن عليا 7 قال : « قال رسول الله 6 : يصلّي المريض قائما فإن لم يستطع صلّى جالسا ، فإن لم
يستطع صلّى على جنب مستقبل القبلة ، فإن لم يستطع صلّى مستلقيا على قفاه ورجلاه في
القبلة وأومى بطرفه » .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 : « المريض إذا لم يقدر على الصلاة جالسا صلّى مستلقيا يكبّر ثمّ يقرأ ، فإذا
أراد الركوع غمّض عينيه ثم يسبح ، فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من
الركوع ، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثم يسبح فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه
رفع رأسه من السجود ثم يتشهد وينصرف » .
وقال أبو حنيفة :
تسقط الصلاة ويقضي ، لأنّه عجز عن القيام وعمّا يقوم مقامه . وهو ممنوع ، وقال
مالك : تسقط ولا يقضي .
إذا عرفت هذا
فإنّه يصلّي بالإيماء ، فإن عجز جعل الإيماء بطرف العين ، فإن لم يقدر أجرى أفعال
الصلاة على قلبه وحرك بالقراءة والذكر لسانه ، فإن لم يقدر أخطرها بالبال ، وكذا
الأعمى ، أو وجع العين يكتفي بالأذكار.
مسألة ١٩٦
: لو كان به رمد وهو قادر على القيام فقال العالم بالطب : إذا
صلّى مستلقيا رجي له البرء. جاز ذلك ـ وبه قال أبو حنيفة ، والثوري ـ
__________________
للمشقة فيسقط
موجبها ، ولأنّ الصوم يترك للرمد.
وقال مالك ، والأوزاعي
: لا يجوز ؛ لأنّ ابن عباس لم ترخص له الصحابة في الصلاة مستلقيا .
فروع :
أ ـ لا يجوز أن
يأتم القائم بالقاعد ، وقال الشافعي : يلزمه القيام . وقال أحمد :
يصلّي جالسا كإمامه . وسيأتي.
ب ـ لو كان يقدر
على القيام لم يسقط بجهله بالقراءة والذكر بل يجب عليه القيام ، وبه قال الشافعي ، وقال مالك : لا
يلزمه القيام .
ج ـ لو كان لا
يتمكّن من القيام إلاّ بمعاون وجب فإن لم يجد المتبرع استأجر وإن زاد على أجرة
المثل وجوبا ، فإن عجز صلّى جالسا.
د ـ لو صلّى في
السفينة وخاف دوران رأسه مع القيام ولم يقدر على الشط صلّى جالسا للضرورة ، وقال
الشافعي : يجب القيام .
هـ ـ لو خاف من
القيام أن يراه العدوّ صلّى قاعدا وأجزأه للضرورة ، وهو أصح وجهي الشافعي ، وفي
الآخر : يقضي .
__________________
و ـ الكمين إذا صلّوا
في وهدة قعودا صحت صلاتهم ، لأنّ لهم غرضا وهو التوصل الى قهر العدو ، وللشافعية
وجهان .
ز ـ لو تمكن من
القيام منفردا ، وعجز في الجماعة لتطويل الإمام لم تجز له الجماعة ، وقال الشافعي
: يجوز فيجلس إذا عجز .
ح ـ كلّ ذي عذر
يمنعه عن القيام والقعود يصلّي مستلقيا دفعا للحرج لأن الصادق 7 جوّزه وقال : «
ليس شيء ممّا حرّم الله إلاّ وقد أباحه لمن اضطر إليه » وقال مالك : لا
يجوز . وليس بجيد.
مسألة ١٩٧
: ينتقل كلّ من القادر والعاجز عن حالة إلى أخرى عند حصول
سببها ، فلو قدر القاعد على القيام وجب ويبني ـ وبه قال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأبو
يوسف ـ لأنّ زوال العذر إذا لم يورث عملا طويلا لم يبطل الصلاة.
وقال محمد : تبطل
ولا يبني إحداهما على الأخرى فإن لم يفعل بطلت صلاته ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأنّه قادر على
الامتثال ولم يفعل.
وإن قام فإن كان
الخفّ قبل القراءة قام ثم قرأ ، ولا يجوز أن يقرأ وهو آخذ في القيام ؛ لأنّ فرض
القراءة توجه عليه في حالة الانتصاب وهو قادر ،
__________________
فإن فعل استأنف.
وإن كان في
الأثناء سكت الى أن ينتصب ، وليس له القراءة في حالة أخذه للقيام كما تقدم ، فإذا
انتصب تخيّر بين الاستئناف ليقع جميع القراءة منتصبا ، وبين الإتمام للإجزاء فيما
فعل.
وإن قدر بعد
القراءة وجب أن يقوم للركوع ، ولا يجب عليه الطمأنينة في هذا القيام ، وهل يستحب
له إعادة القراءة؟ قال الشافعي : نعم . وليس بجيّد لأنّ القراءة لا تتكرر في الركعة الواحدة وقد
فعل المأمور به.
ولو خف في ركوعه
قبل الطمأنينة وجب أن يرتفع منحنيا الى حدّ الراكعين ، ولا يجوز له أن ينتصب ثم
يركع لئلاّ يزيد ركوعا ، ولو خف بعد الطمأنينة فقد تم ركوعه.
وإن خف في
الاعتدال من الركوع قبل الطمأنينة فعليه أن يقوم بالاعتدال ويطمئن فيه ، وإن اطمأن
فهل عليه أن يقوم ليسجد عن قيام؟ إشكال ، وللشافعي وجهان ، ولو عجز حالة
القيام عنه قعد ، فإن اتفق حال القراءة قعد قارئا ؛ لأن الهوي أكمل من القعود.
ولو صلّى بالإيماء
فقدر على القعود وجب ، وكذا لو قدر على القيام ولا تبطل صلاته بل يتم ، وبه قال
الشافعي .
وقال أبو حنيفة ، وصاحباه
: تبطل صلاته. مع أن أبا حنيفة قال : القاعد إذا قدر على القيام قام وبنى ، والقائم
إذا عجز عنه يقعد ، فأمّا المضطجع إذا قدر على القيام أو على القعود بطلت صلاته
ولا يبني عليها ،
__________________
وكذا القاعد إذا
عجز عن القعود لا يضطجع بل يستأنف. وحاصل مذهبه أن الاضطجاع لا يبنى على القيام ، ولا
على القعود ، ولا بالعكس .
مسألة ١٩٨
: لا يجب القيام في النافلة إجماعا وإن كان قادرا ، لأن عبد
الله ابن عمرو بن العاص قال لرسول الله 6 : بلغني انك قلت : صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة ، وأنت
تصلي قاعدا؟ فقال : ( أجل ولكني لست كأحد منكم ) .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 : « إذا أردت أن تدرك صلاة القائم فاقرأ وأنت جالس ، فإذا بقي من السورة آيتان
فقم فأتم ما بقي واركع واسجد » ولأن النوافل تكثر فلو لا تسويغ الجلوس لزم المشقة.
وهل يجوز مضطجعا
مع القدرة على القعود ، والقيام؟ إشكال ينشأ من عدم وجوبها فلا تجب كيفيتها ، ومن
أنّه يمحو صورة الصلاة. وللشافعية قولان . ولو قلنا بجواز الاضطجاع فالأقرب جواز الإيماء للركوع
والسجود.
وإذا صلى جالسا
استحب احتساب كلّ ركعتين بركعة من قيام ، وهل يحتسب في الاضطجاع كذلك ، أو أربعا؟
نظر ؛ لعدم التنصيص.
البحث الثاني : النية
مسألة ١٩٩
: النية ركن بمعنى أنّ الصلاة تبطل مع الإخلال بها عمدا
__________________
وسهوا بإجماع
العلماء لقوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلاّ
لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) ولا يتحقق
الإخلاص من دونها ، ولقوله 7 : ( إنّما الأعمال بالنيات ) .
ومن طريق الخاصة
قول الرضا 7 : « لا عمل إلاّ بالنيّة » .
ولأنّ الأفعال
يمكن أن تقع على وجوه غير مرادة فلا يختص بمراد الشارع إلاّ بالنيّة.
وهي عبارة عن
القصد ، فمحلّها القلب ، ولا اعتبار فيها باللّسان عندنا لافتقار تخصيص الأفعال
بالوجوه والاعتبارات إلى الإرادة ، وهي من أفعال القلوب ، ولا أثر للّفظ في
الاختصاص ، فيسقط اعتباره ، وقال بعض الشافعية : يستحب التلفظ بها مع القصد. وقال
بعضهم : يجب . وكلاهما ممنوع.
وهل هي شرط أو جزء
من الصلاة ، لأنها تتعلق بالصلاة فتكون خارجة وإلاّ لتعلّقت بنفسها؟ إشكال.
مسألة ٢٠٠
: وكيفيتها أن يقصد إيقاع صلاة معينة لوجوبها أو ندبها ، أداء
أو
__________________
قضاء ، متقربا الى
الله تعالى.
أمّا قصد الصلاة
فهو واجب إجماعا فلا يكفي فعلها من غير قصدها.
وأمّا التعيين
فواجب عند علمائنا أجمع ، فيأتي بظهر ، أو عصر ، أو جمعة. ولا تكفي نية فريضة
الوقت عن نيّة الظهر أو العصر مثلا ، وهو أصح وجهي الشافعية ، وفي وجه : الاكتفاء .
ولا يصح الظهر
بنية الجمعة ، وللشافعية وجه ضعيف . ولا تصح الجمعة بنية مطلق الظهر ، وهل تصح بنية ظهر
مقصورة؟ الأقرب المنع ، خلافا للشافعي .
وأما الفرضية أو
الندبية فلا بدّ من التعرض لهما عندنا ـ وهو أحد وجهي الشافعي ـ لأن الظهر مثلا
تقع على وجهي الفرض والنفل كصلاة الصبي ، ومن أعادها للجماعة فلا يتخصص بأحدهما
إلاّ بالقصد.
وقال أبو حنيفة :
تكفي صلاة الظهر عن نية الفرض ـ وبه قال ابن أبي هريرة من الشافعية ـ لأن الظهر لا
تكون إلاّ واجبة . وتقدم بطلانه.
وأما الأداء أو
القضاء فهو شرط عندنا ـ وهو أحد وجهي الشافعية ـ لأن الفعل مشترك بينهما فلا يتخصص
بأحدهما إلاّ بالنيّة إذ القصد بها تمييز بعض
__________________
الأفعال عن بعض ، والآخر
: لا يشترط ، لأنّه لو صلّى في يوم غيم ثم بان أنه صلّى بعد الوقت
أجزأه وإن لم ينو الفائتة ، وكذا لو اعتقد فوات الوقت فنوى القضاء ثم بان الخلاف.
والفرق ظاهر ، فإنه
نوى صلاة وقت بعينه ، وهو ظهر هذا اليوم فكيف وقعت أجزأه ، سواء وقعت أداء أو قضاء
لأنه عين وقت وجوبها ، ويجري مجرى من نوى صلاة أمس فإنه تجزئه عن القضاء ، وإنما
يتصور الخلاف فيمن عليه فائتة الظهر إذا صلّى وقت الظهر ينوي صلاة الظهر الفريضة
فإنّ هذه الصلاة لا تقع بحكم الوقت عندنا ، وتقع عند المجوزين.
وإذا كان نسي أنه
صلّى فصلّى ثانيا ينوي صلاة الفريضة فإنّه لا تجزئه عن القضاء عندنا ، وهل تقع
نافلة؟ للشافعي وجهان ، وتجزي عن القضاء عند الآخرين ، ويلزمهم أنّ من
اعتقد دخول الوقت ولم يكن دخل فصلّى ظهره أنها تجزئه عن الفائتة.
وأمّا التقرب الى
الله تعالى فلا بدّ منه عندنا ، لأنّ الإخلاص يتحقق به ، وللشافعية وجه آخر : عدم
الوجوب ؛ لأن العبادة لا تكون إلاّ لله .
فروع :
أ ـ لو نوى أداء
فرض الظهر أجزأه على الأقوى لأنّ الظهر عرفا اسم للصلاة ، وللشافعية وجهان :
أحدهما : المنع ؛ لأنه اسم للوقت دون العباد
__________________
فلا بدّ وأن يقول
: فريضة صلاة الظهر وإلاّ لم يقصد أداء العبادة.
ب ـ لو نوى القضاء
لم يصح به الأداء وبالعكس ـ وللشافعي وجهان ـ لأنّ قصد الأداء مع العلم بخروج الوقت والقضاء مع العلم
ببقائه عبث وملاعبة بالصلاة.
ج ـ النوافل
المقيدة كصلاة الاستسقاء ، والعيد المندوب لا بدّ فيه من نية الفعل والتقييد ، أما
غير المقيدة كصلاة الليل ، وسائر النوافل فتكفي نية الفعل عن القيد.
وقال الشافعي : لا
بد في الرواتب من تعيين إضافتها إلى الفرائض في وجه. وفي آخر : يشترط في ركعتي
الفجر خاصة ، وفي الوتر لا يضيفها الى العشاء وفي التعرض للنفلية إشكال ينشأ من أصالتها ، والشركة.
د ـ لو نوى الفرض
قاعدا وهو قادر على القيام لم تنعقد صلاته فرضا قطعا ولا نفلا ـ وهو أصح وجهي
الشافعي ـ لأنه متلاعب بصلاته ، ولأنه نوى الفرض ولم يحصل له فأولى
أن لا يحصل ما لم ينوه ، وكذا في التحريم بالظهر قبل الزوال ، وبالجملة كل حال
ينافي الفريضة دون النفلية.
هـ ـ لو نوى في
النفل عددا جاز له الزيادة عليه والنقصان منه.
و ـ لا بدّ من نية
الائتمام ، فلو صلّى خلفه من غير أن يقتدي به لم تكن صلاة جماعة إجماعا ، ولا يقع
منفردا ، وهو أحد وجهي الشافعي .
__________________
ز ـ لا يجب اشتراط
نيّة الإمام للإمامة ، فإذا تقدم وصلّى بقوم ولم ينو الإمامة صحت صلاته إجماعا ، وتكون
جماعة أيضا ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأن سبب الفضيلة اجتماع القوم على العبادة ، ولهذا
تزداد الفضيلة بكثرة العدد وإن لم يقصده الإمام ، وفي الآخر : لا تنعقد جماعة ؛
لأنه لم ينوها .
وتظهر الفائدة
فيما لو نوى صلاة الجمعة ووقف القوم خلفه ودخلوا معه ولم ينو الإمامة ، فإن قلنا :
تصح جماعته صحت جمعته وإلاّ فلا.
ح ـ يشترط في صلاة
الجمعة نيّة الإمامة لأنها لا تصح منفردا.
مسألة ٢٠١
: لا يشترط نية عدد الركعات ، لانحصاره شرعا ؛ فلو ذكره على
وجهه لم يضر ، ولو أخطأ بأن نوى الظهر ثلاثا لم تصح صلاته.
ولا يشترط نية
القصر والتمام ؛ لأنّ الفرض متعين ، ومع التخيير ـ كما لو كان في أحد الأماكن
الأربعة ـ لا يتعين أحدهما بالنية بل يجوز أن يقصّر ، وأن يتمّم وإن نوى الضد.
ولا يشترط نية
الاستقبال بل الشرط أن يعلم كونه مستقبلا كما لا يشترط أن يقول : وأنا على طهر ، وقال
بعض الشافعية : تجب . وليس بشيء.
ولا يشترط تعيين
اليوم ؛ فلو نوى ظهر الجمعة صحت صلاته وإن أخطأ ؛ لأنّ الوقت معين شرعا وقد نوى
فرضه إلاّ أنه سمّى الوقت بغير اسمه فلا يضره الخطأ في التسمية.
أما في القضاء
فيجب أن ينوي اليوم السابق على اللاحق ؛ ولا يجب عليه تعيين اليوم الذي فاتت فيه
الصلاة ، فإن عين وأخطأ لم يسقط فرضه ، لأن
__________________
وقت الفعل غير
متعين له بالشرع وإنما يقضي عن ذمته ، فالواجبة لم ينوها والمنوية ليست واجبة.
وقال الشافعي :
يكفيه أن ينوي قضاء فائتة الظهر الى أن يقضي جميع ظهر عليه ، ولا يشترط التقييد
بأول فائتة ظهر أو آخرها .
مسألة ٢٠٢
: لو فاتته صلاة نسي تعيينها ، قال أكثر علمائنا : يصلّي
أربعا ، وينوي إحدى الثلاث ، وصبحا ، ومغربا . وقال بعضهم :
يصلّي خمس صلوات . وهو قول أكثر الشافعية .
وقال المزني :
يصلّي أربع ركعات ويتشهد عقيب الثانية والثالثة والرابعة ، ويجهر في الأوليين ، وأجزأه
؛ لأنّ الفائتة إن كانت صبحا فقد صلّى ركعتين إلاّ أنه صلّى ركعتين على ظن أن عليه
ركعتين فيصير كما لو غلط وقام وصلّى ركعتين بعد ما تشهد ساهيا ، وإن كانت الفائتة
المغرب فقد تشهد عقيب الثالثة ، وإن كانت رباعية فقد صلّى أربعا وتشهده بعد
الثالثة كأنه سهو .
مسألة ٢٠٣
: لو فاتته رباعية لم يدر أظهر أم عصر أجزأه نية مرددة بينهما
عند أكثر علمائنا .
__________________
وقال الشافعي : لا
بدّ من الرباعية مرتين ، وهو قول بعض علمائنا وقد سلف.
ولو نواهما جميعا
في صلاة واحدة لم تجزئه ؛ لأن تشريكه بينهما يمنع من وقوعها بإحداهما.
ولو دخل بنية
إحداهما ثم شك فلم يدر أيتهما نوى لم يجزئه عن إحداهما ، ولو شك هل دخلها بنية ثم
ذكرها قبل أن يحدث عملا أجزأته ، أما لو عمل بعد الشك فقد عرى عن النيّة.
ولو صلّى الظهر
والعصر وذكر نسيان النية في إحداهما أو تعيين النيّة وجب عليه إعادة رباعية ينوي
بها عمّا في ذمته إن ظهرا فظهرا وإن عصرا فعصرا ، وعند الشافعي ، وبعض علمائنا
يعيدهما معا .
مسألة ٢٠٤
: وقت النيّة عند التكبير فلو تقدمت عليه بزمان يسير لم تصح
صلاته ـ وبه قال الشافعي ـ لأن تكبيرة الإحرام أول أفعال العبادة فيجب أن تقارنها
النيّة.
وقال أبو حنيفة ، وأحمد
: لو تقدمت بزمان يسير ولم يتعرض بشاغل أجزأه لأنّها عبادة من شرطها النيّة فجاز
تقديم النية على وقت الدخول فيها كالصوم .
__________________
والفرق جواز تقدم
نيّة الصوم بالزمان الكثير.
إذا عرفت هذا
فالواجب اقتران النيّة بالتكبير ، بأن يأتي بكمال النيّة قبله ثم يبتدئ بالتكبير
بلا فصل ، وهذا تصح صلاته إجماعا.
ولو ابتدأ بالنيّة
بالقلب حال ابتداء التكبير باللسان ثم فرغ منهما دفعة فالوجه الصحة ـ وهو أحد وجهي
الشافعية ـ لأنه قرن بالنية صلاته ، والآخر : لا تصح لأن التكبير من
الصلاة فلا يقدم منه شيء على تمام النيّة ، وبه قال داود .
فروع :
أ ـ لو قدّم
النيّة على التكبير فإن استصحبها فعلا حالة التكبير صحت صلاته وإلاّ فلا ، ولو
عزبت قبل التكبير لم تنعقد وإن لم يطل الفصل ، خلافا لأبي حنيفة .
ب ـ هل يجب
استصحاب النيّة إلى تمام التكبير؟ الأقرب ذلك ؛ لأنّ الشرط مقارنة النية عند
الصلاة ، والعقد لا يحصل إلاّ بتمام التكبير ، ولهذا لو رأى المتيمم الماء قبل
انتهاء التكبير بطل تيممه.
ج ـ لا يجب
استصحاب النية إلى آخر الصلاة فعلا إجماعا لما فيه من العسر لكن يجب حكما إلاّ في
مواضع تأتي ؛ فيمتنع عن القصود المنافية للنية الجازمة.
د ـ تحصل المقارنة
بأن يحضر في العلم صفات الصلاة التي يجب
__________________
التعرض لها ويقصد
فعل هذا الذي أحضره في الذهن ويقرن قصده بأول التكبير ويستديمه الى آخره.
هـ ـ لو فصل بين
لفظتي الجلالة في آخر النيّة وابتداء التكبير بقوله : تعالى فإن استصحب
النيّة فعلا صحت وإلاّ بطلت لعدم الاقتران.
مسألة ٢٠٥
: يجب استدامة النية حكما حتى يفرغ من صلاته إجماعا فلو قصد
ببعض الأفعال كالقيام ، أو الركوع ، أو السجود غير الصلاة بطلت صلاته.
ولو نوى الخروج من
الصلاة في الحال ، أو تردد ، أو أنه سيخرج ، قال الشيخ في الخلاف : لا تبطل صلاته ـ وبه قال أبو
حنيفة ـ لأنها عبادة صح دخوله فيها فلا تفسد إذا نوى الخروج منها كالحج والصوم. ثم
قوّى الشيخ البطلان ـ وبه قال الشافعي ـ لأنه قطع حكم النية قبل إتمام الصلاة فأشبه إذا سلّم
ونوى الخروج ، ونمنع في الصوم ، والحج أن لا يخرج عنه بمحظوراته فهذا آكد.
فروع :
أ ـ لو نوى الخروج
في الركعة الثانية ، أو علّقه بما يوجد في الصلاة لا محالة احتمل البطلان ؛ لأنه
قطع موجب النيّة الجازمة ، وعدمه في الحال ، فلو رفض هذا القصد قبل البلوغ الى تلك
الغاية صحت الصلاة.
__________________
أما لو علق الخروج
بما لا يتيقن حصوله في الصلاة كدخول زيد احتمل البطلان في الحال كما لو قصد ترك
الإسلام إن دخل فإنه يكفر في الحال ، وعدمه ؛ لأنه ربما لا يدخل فيستمر على مقتضى
النية فإن دخل احتمل البطلان قضية للتعليق ، وعدمه ؛ لأنّها إذا لم تبطل حالة
التعليق لم يكن للتردد أثر.
ب ـ لو عزم على
فعل ما ينافي الصلاة من حدث ، أو كلام ثم لم يفعل لم تبطل صلاته ؛ لأنّه ليس
رافعا للنية الاولى ، ويحتمل البطلان ؛ للتنافي بين إرادتي الضدّين.
ج ـ لو شك هل أتى
بالنيّة المعتبرة فإن كان في محله استأنفها ، وإن تجاوزه لم يلتفت وبنى على ما هو
فيه.
وقال الشافعي : إن
مضى مع الشك ركن فعلي كالركوع والسجود بطلت صلاته ، وإن مضى ركن قولي كالفاتحة ، والتشهد
، ولم يطل الزمان فوجهان .
د ـ لو شك هل نوى
ظهرا أو عصرا ، أو فرضا أو نفلا فإن كان في موضعه استأنف ، وإن تجاوز محل النيّة
فإن كان يعلم ما عليه فعله استمر عملا بالأصل وإلاّ استأنف ما يريد.
مسألة ٢٠٦
: لا يجوز نقل النية من صلاة إلى غيرها إلاّ في مواضع
مستثناة فلو نقل نيته من صلاة إلى أخرى لم تصح ما نقل عنه حيث قطع حكمه ، ولا ما
عدل إليه لأنه لم ينوه في أول صلاته ، أما لو صلّى بنية الظهر ثم نقل الى عصر فائت
ذكره كان جائزا ؛ للحاجة إلى استدراك فعل الفائت قبل الحاضر ، ولو نقل الى عصر
متأخر بطلت الصلاتان.
ولو نقل من فرض
الى تطوع جاز في مواضع الإذن كطالب الجماعة ،
__________________
وناسي الأذان ، وسورة
الجمعة ، ولا يجوز في غير مواضع الإذن ؛ لأنه دخل مشروعا ، ومنع الشافعي ؛ لأن
النفل لم ينوه في أول الصلاة ، وهو ممنوع لأنّ عنده النفل يدخل في الفرض ولهذا قال : لو
صلّى قبل الوقت انعقدت نافلة .
وسأل عبد الله بن
أبي يعفور ، الصادق 7 عن رجل قام في صلاة فريضة فصلّى ركعة وهو يرى أنها نافلة
فقال : « إذا قمت في فريضة فدخلك الشك بعد فأنت في الفريضة ، وإنما تحسب للعبد من
صلاته التي ابتدأ في أول صلاته » .
مسألة ٢٠٧
: لو نوى الرياء بصلاته أو ببعضها بطلت صلاته لأنه لم يقصد
القربة وهو شرط ، ولو كان ذكرا مندوبا ، أما زيادة على الواجب من الهيئات
كالطمأنينة فالوجه البطلان مع الكثرة ، وكذا الحكم لو نوى ببعض الصلاة غيرها.
ولو نوى المحبوس
الأداء مع ظنه بالبقاء فبان الخروج أجزأ ، ولو بان عدم الدخول أعاد لمشروعية
القضاء دون السبق.
ولو ظن الخروج
فنوى القضاء ثم ظهر البقاء فالأقرب الإجزاء مع خروج الوقت ، أما مع بقائه فالأقرب
الإعادة.
ولا يجوز نقل
النية من النفل الى الفرض فإن فعله بطلت لأن الفرض أقوى فلا يبنى على الضعيف.
__________________
وقال بعض الشافعية
: تصح نفلا لأنه لم يترك مما قصده شيئا بل طلب زيادة لم تحصل فيبقى ما شرع فيه . وهو غلط لاختلاف
الوجهين.
ولو فرغ من الصلاة
ثم شك هل أدى الظهر أو العصر احتمل أن يصلّي صلاة واحدة ينوي بها ما في ذمته إن
كانتا عليه ، والصرف الى ما يجب عليه أولا منهما.
البحث الثالث : التكبير
مسألة ٢٠٨
: تكبيرة الإحرام ركن في الصلاة تبطل بتركها عمدا وسهوا ، ولا
تنعقد بمجرد النيّة ـ وهو قول عامّة العلماء ـ لأن النبيّ 6 كان يفتتح
بالتكبير الى أن فارق الدنيا ، وقال : ( صلّوا كما رأيتموني أصلي ) وقال 6 : ( لا يقبل الله
صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ثم يستقبل القبلة فيقول : الله أكبر ) .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 وقد سأله زرارة وغيره عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح : « يعيد » .
وقال الزهري :
تنعقد بالنيّة خاصة من غير لفظ قياسا على الصوم والحج . والفرق أن
الصلاة يعتبر الذكر في أوسطها وآخرها فاعتبر في أولها
__________________
بخلاف الصوم.
مسألة ٢٠٩
: يشترط عين التكبير فلا يجزئ ما عداه وإن تضمن الثناء على
الله تعالى ـ وبه قال الشافعي ، والثوري ، وأبو ثور ، وداود ، وإسحاق ، ومالك ، وأحمد
، وأبو يوسف ـ لمداومة النبيّ 6 عليه .
وقال أبو حنيفة ، ومحمد
: تنعقد بكل اسم لله تعالى على وجه التعظيم كقوله : الله عظيم ، أو جليل ، أو
الحمد لله ، أو سبحان الله ، أو لا إله إلا الله ـ ولو قال : الله
من غير وصف أو الرحمن ففيه عنه روايتان ، فإن أتى باسم الله تعالى على وجه النداء مثل يا الله لم
تنعقد عنده ، وكذا أستغفر الله وبه قال النخعي ، والحكم بن عيينة ـ لأن هذا اللفظ
ذكر لله تعالى على وجه التعظيم فأشبه التكبير ، كالخطبة فإنه لا يعتبر لها لفظ
معين ، وكالإسلام ، وينتقض بقوله : يا الله اغفر لي.
ولأن في قوله :
أكبر. معنى العظمة والقدم قبل كلّ شيء ، ولا يحصل
__________________
بغيره ، وحذف
قولنا : ( من غيره ) ، أو ( من كل شيء ) لعادة العرب بحذف ما يبقى من الكلام ما
يدل عليه.
مسألة ٢١٠
: ولا يجزئ من التكبير إلاّ قولنا : الله أكبر ـ وبه قال
مالك ، وأحمد ـ لمداومته 6 عليه إلى أن فارق الدنيا ، وهو يدل على
منع العدول عنه.
وقال الشافعي :
ينعقد بقوله : الله أكبر ، وبقوله : الله الأكبر معرّفا ـ وبه قال الثوري ، وأبو
ثور ، وداود ، وإسحاق وابن الجنيد منّا ، لكن كرهه ـ لأنه لم يغيره
عن لغته ومعناه ، وهو ممنوع ؛ لأنه مع التنكير يكون فيه إضمار أو تقدير ( من )
بخلاف المعرّف.
فروع :
أ ـ لو غير
الترتيب فقال : أكبر الله لم تنعقد ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأن النبيّ 6 داوم على قوله :
الله أكبر ، ولأن التقديم لاسم الله تعالى أولى ، والثاني : الجواز
لأنه خبر فجاز تقديمه .
__________________
ولو أضاف ( أكبر )
إلى أي شيء كان ، أو قرنه بمن كذلك وإن عمّم وإن كان هو المقصود بطلت.
ب ـ لا يجوز
الإخلال بحرف منه ، فلو حذف الراء أو التشديد لم يصح ، وكذا لا يجوز الزيادة فلو قال : «
أكبار » لم تصح ؛ لأنه جمع كبر وهو الطبل ، فيبطل لو قصده ، وإلاّ فلا ، وكذا لا
يجوز مد الهمزة في لفظة الجلالة ولا لفظة أكبر وإلاّ كان استفهاما.
ج ـ يشترط أن يأتي
بهيئة التركيب ، فلو قاله على حد تعديد أسماء العدد بطل ، وكذا لو فصل بين لفظتي
الله وأكبر بسكون أو بوصف مثل الله تعالى أكبر ، لأنّ ذلك يغير نظم الكلام ، ولا
بأس بالفصل للتنفس ، وللشافعي في قوله : الله الجليل أكبر وجهان .
د ـ يجب الإتيان
به قائما كماله ، فلو شرع فيه وفي القيام ، أو ركع قبل انتهائه بطل ، وهل يشترط
القيام في النيّة؟ الأقرب ذلك.
هـ ـ يجب أن يقصد
بالتكبير الافتتاح ، فالمسبوق لو نوى به الهويّ إلى الركوع لم يجزئ ؛ لقول الصادق 7 في الرجل يصلّي
ولم يفتتح بالتكبير هل يجزئه تكبيرة الركوع؟ قال : « لا بل يعيد صلاته » .
ولو نواهما لم يصح
لاختلاف وجههما ، ولو نذر تكبيرة الركوع ونواهما فكذلك ؛ لاستقلال كلّ من الافتتاح
والركوع بالتعليل فيتغاير المعلول ـ وبه قال الشافعي ـ خلافا لمن
اغتسل بنية الجنابة والجمعة عنده ، وعند كثير من
__________________
علمائنا ، لأنه لو اقتصر
على الجنابة حصل له غسل الجمعة ، ولا تنعقد صلاته نفلا ؛ لأنه لم ينوه ، وللشافعي
قولان .
و ـ يجب النطق به
بحيث يسمع نفسه ، فلو حرّك لسانه ولم يسمع نفسه لم تصح ؛ لأن النطق شرط ، وغير
المسموع يكون خاطرا لا لفظا ، وبه قال الشافعي ، ويستحب للإمام إسماع من خلفه بها ما لم يبلغ صوته حد
العلو ، وبه قال الشافعي .
ز ـ التكبير جزء
من الصلاة ـ وبه قال الشافعي ـ لقوله 7 : ( إنما هي التكبير ، والتسبيح ، وقراءة القرآن ) ، ولأن العبادة
إذا افتتحت بالتكبير كان منها كالأذان.
وقال الكرخي :
الذي يقتضيه مذهب أبي حنيفة أنه ليس منها ؛ لأنه ذكر لم يتقدمه جزء من الصلاة فلا
يكون منها كالخطبة . والفرق عدم افتقار الخطبة إلى النيّة.
مسألة ٢١١ : لا تجزئ الترجمة ، ولا غير العربية للعارف عند علمائنا ـ وبه
__________________
قال الشافعي ، وأبو
يوسف ، ومحمد ، وأحمد ـ لأن النبيّ 7 لم يعدل عن قوله : الله أكبر .
وقال أبو حنيفة :
يجوز لقوله تعالى ( وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى ) . ولم يفصّل ، وما
ذكرناه مخصص.
ولا ينتقض بالتشهد
بالفارسية للمنع عندنا وعند الإصطخري من الشافعية ، وبالفرق فإن
المقصود الإخبار عمّا في نفسه من الإيمان وهنا لفظ وضع لعقد الصلاة.
فروع :
أ ـ لو لم يحسن
العربية وجب عليه التعلم إلى أن يضيق الوقت فإن صلّى قبله مع التمكن لم تصح ـ وبه
قال الشافعي ـ وإن ضاق كبّر بأي لغة كانت ، ثم يجب عليه التعلم بخلاف
التيمم في الوقت إن جوزناه ؛ لأنا لو جوزنا له التكبير بالعجمية في أول الوقت سقط
فرض التكبير بالعربية أصلا ؛ لأنه بعد أن صلّى لا يلزمه التعلم في هذا الوقت وفي
الوقت الثاني مثله بخلاف الماء فإن وجوده لا يتعلق بفعله ، والبدوي إذا لم يجد في
موضعه المعلم
__________________
وجب قصد بلدة أو
قرية للتعلّم ، ولا تجزيه الترجمة ، وهو أحد وجهي الشافعي .
ب ـ باقي الأذكار
كالقراءة ، والتشهد ، والتسبيح كالتكبير في اعتبار لفظ العربية ، وبه قال الشافعي
.
ج ـ لو لم يكن له
نطق كالأخرس وجب أن يحرّك لسانه أقصى ما يقدر عليه ويشير بإصبعه ؛ لأن التحريك
جزء من النطق فلا يسقط بسقوط المركب ، وبه قال الشافعي .
ولو كان مقطوع
اللسان من أصله وجب استحضاره على الترتيب ، وقال بعض الجمهور : يسقط فرض التكبير ؛
لأن الإشارة وحركة اللسان تبع اللفظ . وهو ممنوع.
د ـ يستحب للأب
تعليم ولده الصغير ، ولا يحرم تركه ، أمّا المولى فيحرم عليه المنع من التعليم.
هـ ـ الألثغ يجب
عليه التعلّم بقدر الإمكان.
مسألة ٢١٢
: يستحب التوجه بسبع تكبيرات بينها ثلاثة أدعية واحدة منها
واجبة وهي تكبيرة الإحرام ، يكبر ثلاثا ويدعو ، ثم يكبر اثنتين ويدعو ، ثم يكبر
اثنتين ويتوجه ، ويتخير أيها شاء جعلها تكبيرة الإحرام فيوقع النيّة
__________________
عندها ، قال في
المبسوط : والأفضل الأخيرة .
فإن جعلها أولاهن
جاز الدعاء بعد تكبيرة الافتتاح مع باقي التكبيرات وكذا وسطاهنّ ؛ لقول الصادق 7 : « إذا افتتحت
الصلاة فارفع يديك ثم ابسطهما بسطا ، ثم كبّر ثلاث تكبيرات ، ثم قل : اللهمّ أنت
الملك الحق ـ الى آخره ـ ثم كبّر تكبيرتين ، ثم قل : لبّيك ـ الى آخره ـ ثم كبّر
تكبيرتين ، ثم تقول : وجّهت وجهي الى آخره » .
فروع :
أ ـ لو كبّر
للافتتاح ، ثم كبر ثانيا له ، ثم كبر ثالثا له انعقدت صلاته بالأولى ، وبطلت
بالثانية ؛ لأنه فعل منهيّ عنه فيكون باطلا ومبطلا للصلاة فتنعقد بالثالثة ، هذا
إذا لم ينو الخروج من الصلاة قبل الثانية فإن نواه بطلت الاولى ، وصحت الثانية ، وصار
حكم الثالثة مع الثانية كحكم الثانية مع الاولى.
ب ـ منع كثير من
الجمهور استحباب الدعاء قبل تكبيرة الإحرام لقوله تعالى ( فَإِذا فَرَغْتَ
فَانْصَبْ وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ ) وليس فيه حجة ؛ لأن الرغبة إليه بالدعاء أعم من التكبير
والقراءة.
ج ـ قال الصادق 7 : « إذا افتتحت الصلاة فكبّر إن شئت واحدة ، وإن شئت ثلاثا ، وإن شئت خمسا ، وإن
شئت سبعا ، كلّ ذلك مجز عنك غير أنك إذا كنت إماما لم تجهر إلاّ بتكبيرة واحدة » وسأله
__________________
الحلبي عن أخف ما
يكون من التكبير ، قال : « ثلاث تكبيرات » .
ومنع الجمهور من
استحباب الزائدة على تكبيرة الإحرام على أنها مخصوصة بهذا الموضع ، بل هو مستحب في هذا الموضع
كغيره.
د ـ يستحب التوجه
بالسبع في سبعة مواضع في أول كلّ فريضة ، وأول صلاة الليل ، والوتر ، وأول نافلة
الزوال ، وأول نوافل المغرب ، وأول ركعتي الإحرام ، والوتيرة ، وعمّم بعض علمائنا
الاستحباب .
مسألة ٢١٣
: يستحب رفع اليدين بالتكبير في كل صلاة فرض ونفل ، لأنّ
النبيّ 6 فعله ، وكذا الأئمة : ، وقال بعض علمائنا ، وبعض الجمهور بالوجوب . وهو ممنوع
للأصل.
وكذا يستحب عندنا
الرفع في كل تكبيرات الصلاة ، واستحبه الشافعي عند الافتتاح ، والركوع ، والرفع
منه ـ وبه قال الأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق وأبو ثور ، ومالك في رواية ـ لأن النبي 6 رفع في هذه
__________________
المواضع .
ومنع الشافعي من
الرفع في السجدتين ، وليس بجيد ؛ لأن الحسن قال : رأيت الصحابة يرفعون أيديهم
إذا كبّروا ، وإذا ركعوا ، وإذا رفعوا رءوسهم من الركوع كأنها المراوح ، وإنما
يكون حال الرفع من الركوع للسجود .
وقال أبو حنيفة ، والثوري
، وابن أبي ليلى : ترفع في تكبيرة الافتتاح خاصة ـ وهو رواية عن مالك ـ لأن البراء قال
: كان النبيّ 7 إذا افتتح الصلاة رفع يديه الى قريب من أذنيه ثم لا يعود . وهو محمول على
أنه لا يعود الى رفعهما في ابتداء الركعة الثانية والثالثة ، وضعّف الجمهور الحديث.
مسألة ٢١٤
: ويبسط كفيه حال الرفع إجماعا ، قال الصادق 7 : « إذا افتتحت
الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا » ويستحب أن يستقبل
__________________
بباطن كفيه القبلة
؛ لأن الصادق 7 فعله ، ولأن الاستقبال مأمور به.
ويستحب ضم الأصابع
؛ لأنّ الصادق 7 أرسل يديه على فخذيه قد ضم أصابعه . وقال المرتضى ، وابن
الجنيد : يجمع بين الأربع ويفرق الإبهام . وقال الشافعي : يفرق أصابعه لأن النبيّ 6 كان ينشر أصابعه ، وهو يحصل ببسط
الكف وإن كانت أصابعه مضمومة كما يقال : نشرت الثوب.
ولو كانت يداه تحت
ثيابه رفعهما ؛ لأن الصحابة كانوا يرفعون أيديهم في الشتاء في ثيابهم ، ويستحب للمرأة
كالرجل للعموم ، ولا فرق بين الإمام والمأموم ، وكذا القاعد للمرض أو في النافلة
يرفع يديه.
مسألة ٢١٥
: ويستحب رفعهما الى حذاء أذنيه ـ وبه قال أبو حنيفة ، والثوري
ـ لأن وائل بن حجر الحضرمي قال : إن النبيّ 6 كان يرفع يديه حيال أذنيه .
ومن طريق الخاصة ،
قال معاوية بن عمار : رأيت الصادق 7
__________________
يرفع يديه حيال
وجهه حين استفتح .
وقال الشافعي :
يرفع يديه حذو منكبيه ـ وبه قال مالك ، وأحمد ، وإسحاق ـ لأنّ عليا 7 قال : « رأيت
النبيّ 6 إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه » وهو مستحب فجاز أن يفعل أقل مراتبه تارة ، والأعلى أخرى.
وللشافعي قول ثان
: الرفع الى أن تحاذي رءوس أصابعه شحمة أذنيه ، وثالث : الى أن تحاذي أطراف أصابعه
أعلا أذنيه وكفاه منكبيه .
فروع :
أ ـ لو كان بيده
عذر لا يتمكن من استيفاء الرفع استحب الإتيان بالمقدور ، ولو قدر على الرفع فوق
المنكبين ودون الأذنين فالأول أولى لاشتماله على المسنون.
ب ـ مقطوع الكفين
يرفع ساعديه ، ومقطوع الذراعين يرفع العضدين ، ومقطوع إحداهما يرفع الأخرى.
ج ـ قال ابن سنان
: رأيت الصادق 7 يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح . وظاهره يقتضي ابتداء التكبير مع ابتداء الرفع وانتهائه عند انتهائه ، وهو
أحد وجهي الشافعية ، والثاني : يرفع ثم يكبر عند الإرسال ،
__________________
وهو عبارة بعض
علمائنا ، وظاهر كلام الشافعي أنه يكبر بين الرفع والإرسال .
د ـ يكره أن
يتجاوز بهما رأسه لقول الصادق 7 : « ولا تتجاوز أذنيك » وعن علي 7 : « إن النبيّ 7 مرّ برجل يصلّي
وقد رفع يديه فوق رأسه فقال : ما لي أرى قوما يرفعون أيديهم فوق رءوسهم كأنّها
آذان خيل شمس » .
مسألة ٢١٦
: المأموم يكبر بعد تكبير الإمام وإن كبّر معه جاز ـ وبه
قال أبو حنيفة ، والثوري ، ومحمد ـ لأن له أن يركع مع ركوعه فكذا التكبير.
وقال الشافعي : لا
يجوز أن يكبّر إلاّ بعد الإمام ـ وبه قال مالك ، وأبو يوسف ـ لقوله 7 : ( فإذا كبّر
فكبّروا ) وهو يعطي ما قلناه أيضا.
ولو كبّر المأموم
أولا ، قال الشيخ : يجب أن يقطعها بتسليمة ثم يكبّر
__________________
معه أو بعده ؛
لأنه ائتم بمن ليس في الصلاة ، وكذا قال الشافعي ، وقال مالك ، والثوري ، وأصحاب الرأي : يعيد تكبيرته .
البحث الرابع : القراءة.
مقدمة : يستحب التوجه بعد تكبيرة الافتتاح فيقول : ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ
لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً ) مسلما
( وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاتِي
وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ
وَبِذلِكَ أُمِرْتُ ) وأنا من المسلمين. وبه قال الشافعي ، لأنّ عليا 7 روى عن النبيّ 6 ذلك .
ومن طريق الخاصة
قول الباقر 7 : « يجزيك أن تقول ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ
لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) على ملة إبراهيم حنيفا » إلى آخره .
قال الشيخ : وإن
قال : وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم ، ودين محمد 6 ، ومنهاج علي 7 حنيفا مسلما الى
آخر الكلام كان أفضل .
وقال مالك : لا
يدعو بشيء بعد الافتتاح لأن النبيّ 7 كان
__________________
يفتتح الصلاة بـ :
الحمد لله رب العالمين ، والمراد استفتاح القراءة.
وقال أبو حنيفة :
يقول : سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ، وبه قال الثوري
، وأحمد ـ وروي عن أبي يوسف أنه يقول معه : وجهت وجهي أيضا ـ لأن أبا سعيد
الخدري رواه عن النبيّ 6 .
وما قلناه أولى ؛
لأنّه من ألفاظ القرآن ، والتسبيح تعوّد في الركوع والسجود ، ولو قاله عندي لم يكن
به بأس.
قال الشافعي : وإذا
فرغ من التوجه قال : اللهم أنت الملك الحق إلى آخره ، ثم يقول : لبيك وسعديك ، الى آخره. ونحن
نستحبه متقدما على التوجه.
مقدمة أخرى
: يستحب التعوذ قبل القراءة في أول كل صلاة ـ وبه قال
الشافعي ، وأبو حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ـ
__________________
لأن النبيّ 6 كان يقول قبل
القراءة : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) . ومن طريق الخاصة قول الصادق 7 : « ثم تعوذ من الشيطان الرجيم ثم اقرأ فاتحة الكتاب » .
وقال مالك : لا
يتعوذ في المكتوبة بل في قيام رمضان ، لأن أنسا روى أن النبيّ 6 كان يفتتح الصلاة ب « الحمد لله رب العالمين » . وتقدم جوابه.
وقال النخعي ، ومحمد
بن سيرين : يتعوذ بعد القراءة لقوله تعالى : ( فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ
فَاسْتَعِذْ ) والمراد إذا أردت القراءة.
فروع : أ ـ صورة التعوذ : أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم ـ وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي ـ لأنه لفظ
القرآن ، وقال الثوري ، وابن سيرين : يزيد بعد ذلك إن الله هو السميع العليم . وقال أحمد :
أعوذ بالله السميع
__________________
العليم من الشيطان
الرجيم .
وقال الحسن بن
صالح بن حي : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم . واحتجوا بقوله
تعالى ( وَإِمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ
نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) والأخير ليس
بداخل في الأمر بالاستعاذة بل خبر بعده ، والأمر قبله.
ب ـ يستحب الإسرار
بها ولو في الجهرية. وهو أحد قولي الشافعي ، لأنّ ابن عمر كان يتعوذ في نفسه ، والآخر : يجهر
به في الجهرية ، لأنّ أبا هريرة جهر به . وعمل الأئمة : أولى.
ج ـ إنما يستحب
التعوذ في الركعة الأولى خاصة ـ وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي في أحد القولين ـ لأن الصلاة
كالفعل الواحد فيكفي استعاذة واحدة كالتوجه ، وفي الآخر : في كل ركعة لقوله تعالى : ( فَإِذا
__________________
قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ) وليس المراد كل
آية بل قراءة واحدة ، والصلاة كلّها واحدة.
د ـ لو نسيه في
الأولى لم يأت به في الثانية لفوات محله ، وقال الشافعي ـ على القول الثاني ـ باستحباب
إعادته .
مسألة ٢١٧
: القراءة واجبة في الصلاة وشرط فيها عند علمائنا أجمع ، وبه
قال عامة العلماء إلا ما نقل عن الحسن بن صالح بن حي ، وابن عليّة ، والأصم فإنهم
قالوا : باستحبابها .
لنا قوله تعالى
: ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) وليس واجبا في
غير الصلاة فيجب فيها إجماعا ، ولقوله 7 : ( لا صلاة إلاّ بقراءة ) وخلاف المذكورين
منقرض ، واحتجاجهم بقول عمر ـ عمن نسي القراءة ـ : لا بأس . وليس حجة ، ويحمل
على النسيان خاصة لوروده فيه.
مسألة ٢١٨
: وتتعين الفاتحة في كل فريضة ثنائية ، وفي الأوليين من
غيرها عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ، والثوري ، وأحمد ، وأبو ثور ، ومالك ،
وإسحاق ، وداود ـ لقوله 7 : ( لا صلاة لمن لم يقرأ
__________________
فيها بأم القرآن )
.
ومن طريق الخاصة
قول محمد بن مسلم : سألته عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته قال : « لا صلاة
له إلاّ أن يقرأها في جهر أو إخفات » ولأن القراءة جزء من الصلاة فكانت متعينة كالركوع والسجود.
وقال أبو حنيفة :
أي شيء قرأ أجزأه لأنّ النبيّ 6 قال للأعرابي : ( ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ) ولأنّ الفاتحة
كغيرها في جميع الأحكام فكذا الصلاة.
والرواية : ( ثم
اقرأ بأم القرآن وما شاء الله أن يقرأ ) ، والتساوي ممنوع للإجماع على إساءة من ترك الفاتحة دون
غيرها.
وقال محمد ، وأبو
يوسف : ثلاث آيات أو آية كبيرة كآية الدّين . وهو تحكم.
وعن أحمد رواية :
يجزئ مقدار آية .
__________________
وهل تجب الفاتحة
في النافلة؟ الأقوى عندي عدم الوجوب ـ خلافا للشافعي ـ عملا بالأصل.
مسألة ٢١٩
: وفي وجوب سورة بعد الحمد في الثنائية وأوليي غيرها قولان :
الأشهر : الوجوب ـ وبه قال بعض أصحاب الشافعي ـ لأن النبيّ 6 كان يقرأ في الأوليين من الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين ، يطوّل
في الاولى ويقصّر في الثانية ، وكذا في العصر ، وقال لمعاذ : ( اقرأ بالشمس وضحيها وسبح اسم ربك الأعلى
، والليل إذا يغشى ) .
وروى الجمهور عنه 7 أنه قال : ( لا
صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب ومعها غيرها ) .
ومن طريق الخاصة
قول الباقر 7 وقد سئل ما تقول فيمن قرأ أم الكتاب فلمّا صار الى غير أم الكتاب من السورة
تركها؟ فقال العباسي : ليس بذلك بأس. فكتب بخطه : « يعيدها مرتين على رغم أنفه
» .
__________________
وقال الشيخ في
موضع : إنّه مستحب لا واجب . وهو مذهب الجمهور كافة إلاّ عثمان بن أبي العاص فإنه أوجب
بعد الفاتحة قدر ثلاث آيات لأن النبيّ 7 قال : ( لا صلاة إلا بقراءة ولو بفاتحة الكتاب ) وهو يعطي حالة
الضرورة.
مسألة ٢٢٠
: يجوز في حال الضرورة ، والاستعجال الاقتصار على الحمد إجماعا
، ولقول الصادق 7 : « يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها ، ويجوز
للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل والنهار » وسئل 7 أيجزي عنّي أن أقول في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها إذا كنت
مستعجلا أو أعجلني شيء؟ فقال : « لا بأس » .
ولأنّها حالة مشقة
فيسقط التكليف بها ، وقال الصادق 7 : « لا بأس أن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في
الأوليين إذا ما أعجلت به حاجة أو يخاف شيئا » .
وكذا يجوز أن يقرأ
بعض السورة حالة الضرورة ؛ لأنّ الصادق 7 سئل عن السورة تصلّى في الركعتين من الفريضة ، فقال : «
نعم إذا كانت ست آيات قرأ بالنصف منها في الركعة الاولى والنصف الآخر في الركعة
الثانية » وحملناه على الضرورة جمعا بين الأدلة.
__________________
وسئل الباقر 7 عن رجل قرأ سورة
فغلط أيدع المكان الذي غلط فيه ويمضي في قراءته ، أو يدع تلك السورة ويتحول منها
الى غيرها؟ قال : « كلّ ذلك لا بأس به ، وإن قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع »
.
مسألة ٢٢١
: لا يقرأ في الثالثة والرابعة في الثلاثية والرباعية بعد
الحمد شيئا عند علمائنا ـ وبه قال مالك ، وأبو حنيفة ، وأحمد ، والشافعي في أحد
القولين ـ لأنّ عليا 7 كتب الى شريح أن : « اقرأ في الركعتين الأوليين أم القرآن
وسورة ، وفي الأخريين بأم القرآن » .
والآخر للشافعي :
قراءة غيرها معها لأن أبا سعيد الخدري قال : كان رسول الله 6 يقوم في الظهر في
الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية وفي الأخريين نصف ذلك ولأنهما يساويان
الأوليين في الواجب من القراءة فكذا في المستحب. ويحمل الحديث مع ثبوته على نافلة
الظهر ، ونمنع التساوي.
مسألة ٢٢٢
: البسملة آية من الحمد ، ومن كلّ سورة عدا براءة ، وفي
النمل آية وبعض آية ، وبه قال الشافعي ، والزهري ، وعطاء . قال ابن
__________________
المبارك : من ترك
بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية ، وروي عن أبي عبيد ، وأبي
ثور لأن أبا هريرة قرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قرأ الحمد ، ثم قال : والذي
نفسي بيده إني لأشبهكم بصلاة رسول الله 6 ، ولأن النبي 6 قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم وعدّها آية ، الحمد
لله رب العالمين آيتين وقال 7 : ( إذا قرأتم الحمد فاقرؤا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها
من أم الكتاب ، وأنها السبع المثاني ، وبسم الله الرحمن الرحيم آية منها ) .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 وقد سأله معاوية بن عمار إذا قمت إلى الصلاة أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في
فاتحة القرآن؟ قال : « نعم » قلت : فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم الله الرحمن
الرحيم مع السورة؟ قال : « نعم » .
وقد أثبتها
الصحابة في أوائل السور بخط المصحف مع تشددهم في كتبة ما ليس من القرآن فيه ، ومنعهم
من النقط والتعشير ، ولا يكفر جاحدها للشبهة.
وقال أبو حنيفة ، ومالك
، والأوزاعي ، وداود : إنّها ليست من القرآن إلاّ في سورة النمل .
__________________
وقال أبو الحسن
الكرخي : إنها آية في مكانها ليست من السورة ، وهو مروي عن أحمد لأن النبيّ 7 قال : ( يقول
الله تبارك وتعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال العبد : الحمد
لله ربّ العالمين ، يقول الله : حمدني عبدي ، فإذا قال العبد : الرحمن الرحيم ، يقول
الله اثنى علي عبدي ، فإذا قال : ملك يوم الدين ، يقول الله تعالى : مجدني عبدي ، فإذا
قال : إياك نعبد وإياك نستعين ، يقول الله : هذه بيني وبين عبدي ، فإذا قال العبد
: إهدنا الصراط المستقيم الى آخر السورة ، يقول الله تعالى : هذه لعبدي ولعبدي ما
سأل ) ولم يذكر البسملة.
وقال 7 : ( سورة ثلاثون
آية شفعت لقارئها ألا وهي تبارك
الذي بيده الملك ) وهي ثلاثون [ آية ] سوى البسملة ، وأجمعوا على أن الكوثر ثلاث آيات .
والحديث رواه أبو
هريرة : فإذا قال العبد : بسم الله الرحمن الرحيم ، يقول الله تعالى : ذكرني عبدي . وسورة الملك
والكوثر يحتمل أن تكون البسملة بعض آية مضمومة إلى أولها ، أو قال : قبل نزول
البسملة ، أو أراد ما
__________________
تختص به السورة من
آياتها وأن البسملة آية منها ومن غيرها.
مسألة ٢٢٣
: يجب أن تقرأ بالعربية ولا يجزئ مرادفها سواء أحسن قراءتها
بالعربية أو لا ـ وبه قال الشافعي ، وأحمد ـ لقوله تعالى ( بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ ) ( قُرْآناً
عَرَبِيًّا ) ولأن النبيّ 7 داوم عليه وقال ( صلّوا كما رأيتموني أصلّي ) ولأنه معجز بلفظه
ونظمه فلو كان معناه قرآنا لم يتحقق الإعجاز.
وقال أبو حنيفة :
هو مخير إن شاء قرأ بالفارسية ، أو تلفظ بالعربية ما يكون تفسيره لفظ القرآن . وقال أبو يوسف ،
ومحمد : إن كان يحسن القراءة فلا يجوز أن يقرأ بلسان غيرها ، وإن كان لا يحسنها
جاز أن يقرأ بلسان غيرها يفسرها لقوله تعالى ( لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ
وَمَنْ بَلَغَ ) ولا يمكن أن ينذر الفرس إلاّ بلسانهم ، ولأن كل ذكر وجب في
الصلاة فإنما يعتبر معناه خاصة كالخطبة.
والقرآن حجة على
العجم لقصور العرب عنه ، ولأنه إذا فسّره لهم كان الإنذار به دون التفسير ، ويخالف
الخطبة ؛ لأن غيرها مثلها ولا مثل للقرآن ، وألفاظها لا إعجاز فيها بخلاف القرآن.
مسألة ٢٢٤
: لو لم يحسن القراءة وجب عليه التعلم ، وكذا لو لم يحسن
العربية لإجماع العلماء على القراءة ، ولأن وجوب القراءة يستدعي وجوب
__________________
التعلم لتوقف أداء
الواجب عليه فإن لم يفعل مع المكنة لم تصح صلاته.
ولو خشي ضيق الوقت
قبل التعلم فإن أمكنه القراءة من المصحف وجب ، وهل تكفي مع إمكان التعلم؟ الأقرب
ذلك ؛ للامتثال ، فإن عجز أو لم يحسن تخير في الحفظ وتعلم الكتابة إن جوّزناه.
فإن أحسن غير
الفاتحة من القرآن فعليه أن يقرأ سبع آيات ولا يعدل الى الذكر ؛ لأن القرآن أقرب
الى القرآن ، ولا يجوز أن ينقص عن سبع آيات مع المعرفة ، فلو قرأ آية طويلة بقدر
الفاتحة فالأقرب الإجزاء ، وهو أحد قولي الشافعي ، والأقرب اشتراط
عدم قصور الآيات السبع عن آيات الفاتحة ، وللشافعي قولان .
ويجوز أن يجعل
آيتين بدلا من آية ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الآخر : يجب تعديل حروف كل آية من
البدل بآية من الفاتحة .
ولو لم يحسن
الفاتحة ولا غيرها من القرآن سبّح الله ، وهلّله ، وكبّره بقدر القراءة.
ولا يقرأ بغير
العربية ، ولا معنى القرآن ـ وبه قال الشافعي ـ لأن النبيّ 6 قال له رجل : إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلّمني
ما يجزئني في الصلاة. فقال 6 : ( قل : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلاّ الله ، والله
أكبر ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله ).
فقال الرجل : هذا
لله فما لي؟ فقال رسول الله 6 :
__________________
( قل : اللهم
ارحمني وعافني وارزقني ) .
فروع :
أ ـ هل يجب أن
يذكر بقدر الفاتحة؟ إشكال ينشأ من وجوب سبع آيات عن الحمد فكذا الذكر
، ومن أنه بدل من الجنس فاعتبر العدد بخلاف الذكر فإنه من غير الجنس فيجوز أن يكون
دون أصله كالتيمم ، وهو أولى ؛ لأن النبيّ 6 اقتصر في التعليم على ما ذكره ، وبه قال أحمد ، وقال الشافعي
بالأول .
ب ـ هذا الذكر واجب
ـ وبه قال الشافعي ـ لأنه بدل عن الواجب ، وقال أبو حنيفة : لا شيء عليه إذا
لم يحسن القرآن بل يقوم ساكتا . وقال مالك : لا يلزمه الذكر ولا القيام .
ولا يجب هذا
الترتيب على إشكال ينشأ من أنه بدل عن الحمد في الأخريين على ما يأتي فكذا في
الأوليين مع العجز.
ج ـ لو لم يحسن
هذه الكلمات كرّر ما يحسن منها بقدرها ، والأقرب استحباب ذلك لا وجوبه.
د ـ لو أحسن منها
آية اقتصر عليها ، لأنها أقرب إليها من الذكر ،
__________________
والأقرب وجوب
تكررها سبعا حينئذ ، وبه قال أحمد ، والشافعي في أحد القولين .
ولو كان يحسن
غيرها قرأ ما يحسنه منها ثم قرأ من غيرها بقدر باقيها ؛ لأن هذه الآية سقط فرضها
بقراءتها ، وقال أحمد : يكرر ما يحسنه منها دون غيرها لأن الآية منها أقرب إليها
من غيرها . وللشافعية وجهان .
هـ ـ لو عرف بعض
آية فالأولى عدم لزوم تكرارها ، ويعدل الى غيرها لأنّه 7 أمر الذي لا يحسن
القرآن أن يقول : الحمد لله وغيرها وهي بعض آية ولم يأمره بتكرارها ، هذا إذا لم يسمّ ذلك
البعض قرآنا ، فإن سمّي فالوجه تكرره ـ كآية الدين ـ لو نقصت كلمة.
و ـ لو لم يحسن
القرآن ولا الذكر فالوجه وجوب الوقوف بقدر القراءة ، ولو كان يحسن الذكر المنقول
وغيره فالوجه وجوب ما نص عليه النبيّ 6 لأنّه بدل عن القراءة في الأخيرتين دون غيره من الأذكار ، خلافا
للشافعي في أحد الوجهين .
ولو لم يحسن
بالعربية لم تجزئه ترجمتها بخلاف التكبير بل يأتي بسبع آيات ، فإن لم يحسن فالذكر
، ولو لم يحسن الذكر بالعربية أجزأت الترجمة ، وهل هو أولى من ترجمة القرآن؟
الأقرب العكس.
__________________
ز ـ لو أحسن سبع
آيات متوالية لم يجز له التفرقة على إشكال ، ولو لم يحسن المتوالية أجزأه التفرقة
قطعا ، ولو كان يحسن بعض الحمد وغيرها كان الغير أولى من الذكر.
ح ـ لو أحسن النصف
الأول من الحمد قرأه وقرأ عوض الباقي من غيرها فإن لم يحسنه ذكر بقدره ، ولو كان
يحسن النصف الثاني أتى به وبالذكر.
وهل تترتب القراءة
على الذكر؟ الأقرب عدم الوجوب عملا بالأصل ، وللشافعي وجهان . فعلى الترتيب لو
أحسن آية من وسط الحمد وسّطها بين ذكرين.
ط ـ لو افتتح
يصلّي بالأذكار لعجزه فحصل من يحسن الفاتحة فيلقّن منه في الأثناء ، أو حضر مصحف
يمكنه القراءة منه ، فإن لم يكن قد شرع في البدل قرأ الفاتحة ، وإن قرأ بعض البدل
فعليه قراءة ما لم يأت ببدله وقراءة ما أتى ببدله ، وهو أصح وجهي الشافعي .
وكذا لو تعلّم
بعده قبل الركوع ، لكن أصح وجهي الشافعي هنا الاكتفاء لأن الفرض يؤدّى بالبدل . وهو منقوض
بالتيمم قبل الصلاة.
أمّا لو تعلّم بعد
الركوع فقد مضت الركعة على الصحة ، ويحتمل عندي استحباب العدول الى النفل لثبوته
في استدراك سورة الجمعة مع استحبابه ، فاستدراك الواجب أولى.
ي ـ هذا الذكر بدل
عن الفاتحة لا عن السورة إذا لم يعلم غير الفاتحة بل يكتفي بالفاتحة ، ولو أحسن
بعض السورة وجب عليه قراءته بعد الحمد
__________________
والتعلّم مع سعة
الوقت.
يا ـ الأخرس يحرك
لسانه بالقراءة ويعقد بها قلبه ؛ لأنهما واجبان على القادر .
مسألة ٢٢٥
: ويجب أن يأتي بحروف الفاتحة أجمع حتى التشديد وهو أربع
عشرة شدة في الفاتحة إجماعا ، فلو أخل بحرف منها عمدا قادرا بطلت صلاته ـ وبه قال
الشافعي ـ لأنه مع إخلال حرف لم يأت بالفاتحة.
وكذا التشديد لأنّ
المشدّد أقيم مقام حرفين فإن شدّة راء الرحمن ودال الدّين أقيمت مقام اللام ، فإذا
أخلّ بها أخلّ بالحرف وما يقوم مقامه.
وقال بعض الجمهور
: لا تبطل بترك الشدّة لعدم ثبوتها في المصحف ، وهي صفة الحرف ، ويسمى تاركها
قارئا . وليس بجيد.
ولو فك الإدغام
فهو لحن لا يغير المعنى ، ولا تستحب المبالغة في التشديد بحيث يزيد على قدر حرف
ساكن لأنها في كل موضع أقيمت مقام حرف ساكن.
تذنيب : يجب إخراج الحروف من مواضعها مع القدرة فإن أخل بها وأمكنه التعلم أعاد
الصلاة وإلاّ فلا ، ولا يعذر بالجهل ، ولو أخرج الضاد من مخرج الظاء أو بالعكس
أعاد مع إمكان التعلم ، وهو أحد وجهي الشافعي ، والآخر : لا يعيد لعسر التمييز
بينهما .
__________________
مسألة ٢٢٦
: الإعراب شرط في القراءة على أقوى القولين ، فلو لحن عمدا
فالأقرب الإعادة سواء كان عالما ، أو جاهلا ، وسواء غيّر المعنى مثل أن يكسر كاف
إياك ، أو يضم تاء أنعمت ، أو لا مثل أن نصب الله ، أو رفعه ، وسواء كان خفيا ، أو
لا.
وللشافعي فيما إذا
لم يتغير المعنى وجهان لقوله تعالى ( بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ ) ولأنّه 7 أعرب وقال : (
صلّوا كما رأيتموني أصلي ) .
مسألة ٢٢٧
: يجب أن يقرأ بالمتواتر من القراءات وهي السبعة ، ولا يجوز
أن يقرأ بالشواذ ، ولا بالعشرة ، وجوّز أحمد قراءة العشرة ، وكره قراءة حمزة
والكسائي من السبعة ، لما فيها من الكسر والإدغام .
ويجب أن يقرأ
بالمتواتر من الآيات وهو ما تضمنه مصحف علي 7 ؛ لأن أكثر الصحابة اتفقوا عليه ، وحرق عثمان ما عداه ، فلا
يجوز أن يقرأ بمصحف ابن مسعود ، ولا أبيّ ، ولا غيرهما ، وعن أحمد رواية بالجواز
إذا اتصلت به الرواية ، وهو غلط لأن غير المتواتر ليس بقرآن.
والمعوذتان من
القرآن يجوز أن يقرأ بهما ، ولا اعتبار بإنكار ابن مسعود للشبهة الداخلة
عليه بأن النبيّ 6 كان يعوّذ بهما الحسن والحسين 8 ، إذ لا منافاة
بل القرآن صالح للتعوذ به
__________________
لشرفه وبركته ، وقال
الصادق 7 : « اقرأ المعوذتين في المكتوبة » وصلّى 7 المغرب فقرأهما فيها .
مسألة ٢٢٨
: يجب أن يقرأ الفاتحة والسورة على ترتيبهما المخصوص ، فلو
قدم آية على المتأخرة أعاد ـ وبه قال الشافعي ـ وكذا يجب أن يقدم الحمد على السورة فإن خالف أعاد الصلاة
إن فعله عمدا ، وإلاّ القراءة ؛ لأن الأمر ورد بالتلاوة على الترتيب فلا يكون
المخلّ به آتيا بالمأمور به ، ويجب أن يأتي بالجزء الصوري ؛ لأنّ الإعجاز فيه فلو
قرأه مقطعا كأسماء العدد لم يجزئ.
ولو سكت في أثناء
القراءة بالخارج عن المعتاد إمّا بأن ارتج عليه فطلب التذكر ، أو قرأ من غيرها
سهوا لم تقطع القراءة وقرأ الباقي.
وإن سكت طويلا
عمدا لا لغرض حتى خرج عن كونه قارئا استأنف القراءة ، وكذا لو قرأ في أثنائها ما
ليس منها ولا تبطل صلاته.
ولو سكت بنية
القطع بطلت قراءته ، ولو سكت لا بنية القطع أو نواه ولم يسكت صحت لأن الاعتبار
بالفعل لا بالنيّة ، بخلاف ما لو نوى قطع الصلاة فإنها تبطل وإن لم يقطع الأفعال
لأن الصلاة تحتاج إلى نيّة فتبطل بتركها بخلاف القراءة.
ولو كرر آية من
الفاتحة لم تبطل قراءته سواء أو صلها بما انتهى إليه أو ابتدأ من المنتهى ، خلافا
لبعض الشافعية في الأول .
__________________
ولو كرر الحمد
عمدا ففي إبطال الصلاة به إشكال ينشأ من مخالفة المأمور به ، ومن تسويغ تكرار
الآية فكذا السورة.
ولو سأل الرحمة
عند آيتها ، أو تعوّذ من النقمة عند آيتها كان مستحبا ولا تبطل بهما الموالاة ؛
لأنّه ندب إليهما ، قال حذيفة : صليت خلف رسول الله 6 ذات ليلة فقرأ سورة البقرة فكان إذا مرّ على آية فيها
تسبيح سبح ، وإذا مرّ بسؤال سأل ، وإذا سرّ بتعوذ تعوذ . وهو أحد وجهي
الشافعي ، وفي الآخر : تبطل ، وكذا لو عطس فحمد الله .
ولو ترك الموالاة
سهوا لم تبطل وبنى ، وهو قول أكثر الشافعية ، وقال إمام الحرمين : تبطل كما لو ترك الترتيب سهوا .
مسألة ٢٢٩
: قراءة الفاتحة متعينة في الأوليين من كل صلاة ، ولا تجب
عينا في ثالثة المغرب ، والأخريين من الرباعيات ، بل يتخير بينها وبين التسبيح عند
علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة ، والنخعي ، والثوري ، وأحمد في رواية ـ لأن عليا 7 قال : « اقرأ في
الأوليين وسبّح في الأخريين » .
ومن طريق الخاصة
قول الباقر 7 وقد سأله زرارة ما يجزئ من
__________________
القول في الركعتين
الأخيرتين : « أن يقول : سبحان الله ، والحمد لله ولا إله إلاّ الله ، والله أكبر
، ويكبر ويركع » ولأنها لو وجبت في باقي الركعات لسنّ الجهر بها في بعض
الصلوات كالأوليين.
وقال الشافعي ، والأوزاعي
، وأحمد في رواية : تجب الفاتحة في كل ركعة من الأوائل والأواخر ، لأن النبيّ 6 قرأ في الأخريين
من الظهر بأم الكتاب ، ونحن نقول بموجبه إذ هو واجب مخيّر.
فروع :
أ ـ تجب الفاتحة
في الأوليين خاصة ، وقال الحسن : تجب في ركعة واحدة أيّها شاء لقوله تعالى (
فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) وعن مالك أنه يجب أن يقرأ في معظم الصلاة ، ففي الثلاثية
يقرأ الفاتحة في ركعتين ، وفي الرباعية تجب في ثلاث إقامة للأكثر مقام الجميع .
ب ـ قال أبو حنيفة
: لا يجب التسبيح ولا القراءة في الأخيرتين بل يجزئه السكوت ، ولو لم يقرأ في
الأوليين قرأ في الأخيرتين .
__________________
ج ـ روي أن
التسبيح أفضل من القراءة ، وروي العكس ، وروي استحباب القراءة للإمام والتسبيح
للمأموم ، وهو حسن ، وروي التساوي ، وقال سفيان : يكره القراءة في الأخيرتين .
د ـ لو نسي
القراءة في الأوليين قيل : تجب في الأخيرتين لئلاّ تخلو الصلاة من قراءة ، وقيل :
لا يسقط التخيير . وهو أقوى.
هـ ـ لا يجب فيه
ما يجب في الفاتحة من الإخفات.
مسألة ٢٣٠
: واختلف في كيفية التسبيح فالأقوى الاكتفاء بقوله : سبحان
الله ، والحمد لله ، ولا إله إلاّ الله ، والله أكبر مرّة واحدة لحديث الباقر 7 .
وللشيخ قولان :
أحدهما : أن يكرر ذلك ثلاث مرات عدا التكبير فإنه يقول في آخره فيكون عشر مرات ، وبه
قال ابن أبي عقيل ، والمرتضى . وقال حريز بن عبد الله السجستاني : تسع تسبيحات . فأسقط التكبير
من الثالث ؛ لقول الباقر 7 : « وإن كنت إماما فقل : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا
إله إلاّ الله ثلاث مرات ثم تكبر وتركع » وبه قال الصدوق .
__________________
والثاني للشيخ :
اثنتا عشرة مرة فيضيف الله أكبر في الثلاث .
والأصل براءة
الذمة من الوجوب ، فتحمل هذه الروايات على الاستحباب جمعا بين الأدلة.
تذنيب : الأقرب وجوب هذا الترتيب
عملا بالمنقول ، وقد روي عن الصادق 7 : « فقل : الحمد لله ، وسبحان الله ، والله أكبر » والأولى الأول ؛
لحصول يقين البراءة به.
مسألة ٢٣١
: لا يجوز أن يقرأ في الفرائض شيئا من العزائم الأربع عند
علمائنا أجمع ـ خلافا للجمهور كافة ـ لقول الباقر 7 أو الصادق 7 : « لا يقرأ في المكتوبة بشيء من العزائم ، فإن السجود
زيادة في المكتوبة » .
ولأن سجود التلاوة
واجب ، وزيادة السجود في الصلاة مبطل. وأطبق الجمهور على جوازه للأصل ، وإنما يكون
حجة لو لم يطرأ المعارض.
فروع :
أ ـ لو قرأ عزيمة
في فريضة عمدا بطلت صلاته ، ويجيء على قول الشيخ أنه يسقط آية
السجود ويجزئه.
ب ـ يجوز أن يقرأ
في النافلة فيسجد واجبا ، وكذا إن استمع ثم يقوم فيتم القراءة ، وإن كانت السجدة
آخر السورة استحب له بعد القيام قراءة الحمد ليركع عن قراءة ، ولقول الصادق 7 وقد سئل الرجل
يقرأ السجدة في
__________________
آخر السورة : «
يسجد ثم يقوم ويقرأ فاتحة الكتاب ، ثم يركع ويسجد » .
وقال الشيخ : يقرأ
الحمد وسورة ، أو آية منها .
ج ـ لو سها في
الفريضة فقرأ عزيمة رجع عنها ما لم يتجاوز النصف وجوبا على إشكال ، فإن تجاوزه
ففي جواز الرجوع عنها إشكال ، فإن منعناه قرأها كملا ثم أومى أو يقضيها بعد الفراغ
بالسجدة ؛ لقول الصادق 7 وقد سأله عمار عن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة
من العزائم فقال : « إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها وإن أحب أن يرجع فيقرأ سورة
غيرها ويدع التي فيها السجدة رجع الى غيرها » .
د ـ لو سمع في
الفريضة فإن أوجبناه بالسماع أو استمع أومأ أو قضى.
هـ ـ لو نسي
السجدة حتى ركع سجدها إذا ذكر ؛ لأن محمد بن مسلم سأل أحدهما 8 عن الرجل يقرأ
السجدة فينساها حتى يركع ويسجد قال : « يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم » .
و ـ لو كان مع
إمام ولم يسجد الإمام ولم يتمكن من السجود فليوم إيماء لقول الصادق 7 : « إن صليت مع
قوم فقرأ الإمام اقرأ باسم ربك الذي خلق ، أو شيئا من العزائم ، وفرغ من قراءته
ولم يسجد فأوم لها » .
مسألة ٢٣٢
: لا يجوز أن يقرأ ما يفوت الوقت بقراءته لاستلزامه الإخلال
بالواجب ، وهل يجوز أن يقرن بين سورتين مع الحمد في ركعة؟ منعه
__________________
الشيخ لقول أحدهما 8 وقد سأله محمد بن
مسلم أيقرأ الرجل السورتين في ركعة قال : « لا لكل سورة ركعة » ولأنّه 6 كذا صلّى .
وقال المرتضى 4: يكره لقول الباقر 7 : « إنما يكره
الجمع بين السورتين في الفريضة » ويحمل على التحريم لوروده فيه ، وجوزه الشافعي ، لأن ابن عمر
فعله . وليس حجة.
فروع :
أ ـ قال في
المبسوط : لو قرن ما بين سورتين بعد الحمد لم يحكم بالبطلان .
ب ـ لو قرأ السورة
الواحدة مرتين فهو قارن ، وكذا لو كرر الحمد ، ولا يجزئه تكريرها عن السورة
الأخرى ؛ لأن الفاتحة في الركعة مضيقة والشيء الواحد لا يؤدى به المضيق والمخير
في محل.
ج ـ يجوز أن يكرر
السورة الواحدة في الركعتين وأن يقرأ فيهما بسورتين
__________________
متساويتين أو
متفاوتتين ـ وبه قال الشافعي ـ لأن النبيّ 6 سوّى بينهما .
وقال أبو حنيفة :
يستحب في الفجر قراءة أطول السورتين في الاولى وأقصرهما في الثانية ـ وبه قال
الثوري ـ وهو مذهبنا على ما يأتي لفائدة تلاحق الناس.
د ـ يجوز أن يقرأ
في الثانية السورة التالية لما قرأه في الاولى من غير استحباب ـ خلافا للشافعي ـ للأصل ، ولو
قرأ « الناس » في الأولى قال : يقرأ في الثانية من البقرة .
مسألة ٢٣٣
: الضحى وألم نشرح
سورة واحدة لا تفرد إحداهما عن الأخرى في الركعة الواحدة ، وكذا الفيل ولإيلاف
عند علمائنا ؛ لقول زيد الشحام في الصحيح : صلّى بنا الصادق 7 الفجر فقرأ الضحى
وألم نشرح في ركعة واحدة ، وقد بينا التحريم أو الكراهة فلا يقع من الإمام 7 إلاّ وهو واجب.
وسمع المفضل
الصادق 7 يقول : « لا يجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلاّ الضحى وألم نشرح ، وسورة
الفيل ولإيلاف » .
__________________
وهل تعاد البسملة
بينهما؟ الأقرب ذلك ؛ لأنّها ثابتة في المصحف ، وللإجماع على أنها آية من كل سورة
، والاستثناء في رواية المفضل يدل على الاثنينية.
وقال الشيخ في
التبيان : لا تعاد ؛ لأنهما سورة واحدة . والإجماع على أنها ليست آيتين من سورة واحدة. والأولى
ممنوعة وإن وجبت قراءتهما.
مسألة ٢٣٤
: يجوز العدول من سورة إلى أخرى ما لم يتجاوز نصفها إلاّ في
سورة الجحد والإخلاص فإنه لا ينتقل عنهما إلاّ الى سورة الجمعة والمنافقين في
الجمعة وظهريها ؛ لقول الصادق 7 : « يرجع من كل سورة إلاّ قل هو الله أحد ، وقل يا أيها
الكافرون » .
فروع :
أ ـ قال المرتضى :
يحرم الرجوع عن سورة التوحيد والجحد . ويحتمل الكراهة.
ب ـ لو وقفت عليه
آية من السورة وجب العدول عنها إلى سورة أخرى وإن تجاوز النصف ، تحصيلا لسورة
كاملة.
ج ـ إذا رجع عن
السورة إلى أخرى وجب أن يعيد البسملة ؛ لأنها آية من كل سورة ، فالمتلوة آية من
المرجوع عنها فلو لم يأت بها ثانيا لم تكمل السورة ، وكذا من سمى بعد الحمد من غير
قصد سورة معيّنة يعيدها مع القصد ، ولو نسي آية ثم ذكرها بعد الانتقال إلى أخرى
قرأها وأعاد ما بعدها
__________________
وإن قرأ إلى آخر
السورة.
مسألة ٢٣٥
: قد بيّنا جواز القراءة من المصحف ـ وبه قال الشافعي ، ومالك
، وأبو يوسف ، ومحمد ـ لأن من جاز له القراءة ظاهرا جاز باطنا كالآية القصيرة
من المصحف.
وقال أبو حنيفة :
تبطل صلاته إلاّ أن يقرأ آية قصيرة ؛ لأنه عمل طويل .
وهو ضعيف ، لأن
الفكر والنظر لا يبطل الصلاة كما لو أفكر في إشغاله ، ونظر الى المارة ، ولا فرق
بين الحافظ وغيره.
مسألة ٢٣٦
: يجب الجهر بالقراءة خاصة دون غيرها من الأذكار في صلاة
الصبح وأولتي المغرب ، وأولتي العشاء ، والإخفات في الظهرين ، وثالثة المغرب ، وآخرتي
العشاء عند أكثر علمائنا ـ وبه قال ابن أبي ليلى ـ لأنّ النبي 6 كان يفعل ذلك
وقال : ( صلّوا كما رأيتموني أصلّي ) .
ولقول الباقر 7 في رجل جهر فيما
لا ينبغي الجهر فيه أو
__________________
أخفى فيما لا ينبغي
الإخفات فيه فقال : « إن فعل ذلك متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، وإن فعل
ذلك ناسيا ، أو ساهيا ولا يدري فلا شيء عليه وقد تمت صلاته » .
وقال المرتضى ، وباقي الجمهور
كافة : بالاستحباب عملا بالأصل . وهو غلط للإجماع على مداومة النبيّ 6 ، وجميع الصحابة
، والأئمة : فلو كان مسنونا لأخلّوا به في بعض الأحيان.
مسألة ٢٣٧
: يجب الجهر بالبسملة في مواضع الجهر ، ويستحب في مواضع
الإخفات في أول الحمد وأول السورة عند علمائنا ، لأنّها آية من السورة تتبعها في
وجوب الجهر ، وأما استحبابه مع الإخفات فلأن أم سلمة قالت : إن النبي 6 صلّى فقرأ بسم
الله الرحمن الرحيم ، وهو إخبار عن السماع ولا نعني بالجهر إلاّ سماع الغير.
ومن طريق الخاصة
قول صفوان : صلّيت خلف الصادق 7 أيّاما وكان يقرأ في فاتحة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم
، فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وأخفى ما
سوى ذلك .
وقال الشافعي :
يستحب الجهر بها قبل الحمد ، والسورة في
__________________
الجهرية ، والإخفاتية
ـ وبه قال عمر ، وابن الزبير ، وابن عباس ، وابن عمر ، وأبو هريرة ، وهو مذهب عطاء
، وطاوس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ـ وهو موافق لقولنا في الإخفاتية ، وقد بيّنا وجوب الجهر
في الجهرية.
وقال الثوري ، والأوزاعي
، وأبو حنيفة ، وأحمد ، وأبو عبيد : لا يجهر بها بحال. ونقله الجمهور عن علي 7 ، وابن مسعود ، وعمار
لأنّ أنسا قال : صليت خلف النبيّ 6 فلم أسمعه يجهر بها . ولا حجة فيه لصغره أو بعده. وقال النخعي : جهر الإمام بها
بدعة . وقال مالك : المستحب أن لا يقرأها . وقال ابن أبي ليلى ، والحكم ، وإسحاق : إن جهرت فحسن وإن
أخفيت فحسن .
فروع :
أ ـ أقلّ الجهر أن
يسمع غيره القريب تحقيقا ، أو تقديرا ، وحدّ
__________________
الإخفات أن يسمع
نفسه أو بحيث يسمع لو كان سميعا بإجماع العلماء ، ولأنّ ما لا يسمع لا يعد كلاما
ولا قراءة ؛ لقول الباقر 7 : « لا يكتب من القراءة والدعاء إلا ما أسمع نفسه » .
ب ـ لا جهر على
المرأة بإجماع العلماء ، ولأن صوتها عورة ، ولا تخافت دون إسماع نفسها.
ج ـ قال ابن إدريس
: ما لا يتعين فيه بالقراءة لا يجهر فيه بالبسملة لو قرأ . وهو تخصيص لعموم
الروايات ، وتنصيص علمائنا.
د ـ كل صلاة تختص
بالنهار ولا نظير لها ليلا فالسنّة فيها الجهر كالصبح ، وكل صلاة تختص بالليل ولا
نظير لها نهارا فالسنة فيها الجهر كالمغرب ، وكل صلاة تفعل نهارا ولها نظير بالليل
فما تفعل نهارا فالسنّة فيه الإخفات كالظهرين ، وما تفعل ليلا فالسنّة الجهر
كالعشاء ، فصلاة الجمعة ، والعيد سنتهما الجهر ؛ لأنهما يفعلان نهارا ولا نظير
لهما ليلا ، وأصله قوله 7 : ( صلاة النهار عجماء ) .
وكسوف الشمس يستحب
فيها الإسرار ؛ لأنها تفعل نهارا ، ولها نظير بالليل وهي صلاة خسوف القمر ، ويجهر
في الخسوف.
أما صلاة
الاستسقاء فعندنا كصلاة العيد ، وقال الشافعي : إن فعلت نهارا أسرّ بها ، وإن فعلت
ليلا جهر ، ونوافل النهار يسرّ فيها ، ونوافل الليل
__________________
تجهر .
ولا قراءة في صلاة
الجنائز عندنا ، أما الشافعي فاستحب الجهر ليلا لا نهارا .
هـ ـ القضاء
كالفوائت فإن كان الفائت صلاة جهر جهر في قضائها وجوبا وإن فعلت نهارا ، وإن كانت
صلاة إخفات أسرّ فيها وإن فعلت ليلا ، وبه قال بعض الشافعية ، وقال الباقون :
الاعتبار بوقت القضاء . وليس بجيد لقوله 7 : ( فليقضها كما فاتته ) .
و ـ لا فرق بين
الإمام والمنفرد عندنا ـ وبه قال الشافعي ـ لأن المنفرد ليس تابعا لغيره فهو كالإمام ، وقال أبو
حنيفة : لا يسن الجهر للمنفرد .
ز ـ ليس للمأموم
الجهر وإن سوّغنا له القراءة ؛ لأنّ صحابيا جهر خلف النبي 6 فلمّا فرغ من
الصلاة قال : ( ما لي أنازع القرآن؟ ) ولما فيه من تشويش الإمام.
__________________
ح ـ يستحب الجهر في
صلاة الجمعة وظهرها ـ خلافا لابن إدريس ـ وفي صلاة الليل.
مسألة ٢٣٨
: القراءة ليست ركنا عند أكثر علمائنا فلو أخلّ بها سهوا لم تبطل صلاته ـ وبه قال الشافعي في القديم ـ لأنّ عمر صلّى
المغرب فلم يقرأ فيها فقيل له في ذلك ، فقال : كيف كان الركوع والسجود؟ قالوا :
كان حسنا. قال : فلا بأس .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 وقد سأله منصور بن حازم إنّي صلّيت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها ، فقال
: « أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ » قلت : بلى ، فقال : « قد تمت صلاتك » .
وعند بعض علمائنا
أنها ركن لو أخل بها سهوا بطلت صلاته ، وهو قول الشافعي في الجديد ، لقوله 7 : ( لا صلاة لمن
لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ) ولا حجة فيه لافتقاره إلى إضمار.
__________________
مسألة ٢٣٩
: يستحب له ترتيل القراءة ، والتسبيح ، والتشهد ليلحقه من
خلفه ممّن يثقل لسانه. قال الله تعالى ( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ
تَرْتِيلاً ) وقال الصادق 7 : « ينبغي للعبد إذا صلّى أن يرتل قراءته ، وإذا مرّ بآية
فيها ذكر الجنّة أو النار سأل الله الجنّة وتعوّذ بالله من النار ، وإذا مرّ بيا
أيّها الناس ويا أيها الذين آمنوا قال : لبيك ربّنا » .
ولو أطال الدعاء
في خلال القراءة كره ، وربما أبطل إن خرج عن نظم القراءة المعتاد فيبين الحروف ولا
يمده مدة يشبه الغناء ، ولو أدرج ولم يرتل وأتى بالحروف بكمالها صحت صلاته ، ويستحب
تعمد الإعراب والوقوف في مواضعه ، ولا يستحب له التطويل كثيرا فيشق على من خلفه ؛
لقوله 6 : ( من أمّ الناس فليخفف ) وللمنفرد الإطالة.
ولو عرض عارض لبعض
المأمومين يقتضي خروجه استحب للإمام التخفيف ، قال 7 : ( إنّي لأقوم في الصلاة وأنا أريد أن أطوّل فيها فأسمع
بكاء الصبي فأتجوّز فيها كراهية أن يشق على أبيه ) .
مسألة ٢٤٠
: يستحب له أن يسكت قليلا بعد الحمد وبعد السورة ـ وبه قال
عروة بن الزبير ـ لقول الباقر 7 : « إن رجلين اختلفا في صلاة رسول الله 6 كم كان له من
سكتة فكتبا الى أبيّ بن كعب فقال : كان له سكتتان : إذا فرغ من أم القرآن ، وإذا
فرغ من
__________________
السورة » ولأن المقتضي
للسكوت عقيب الحمد مقتض له عقيب السورة.
وقال الشافعي ، والأوزاعي
، وأحمد ، وإسحاق : يسكت بعد تكبيرة الافتتاح وبعد الفاتحة ، لأنّ سمرة بن
جندب حدّث أنه حفظ عن رسول الله 6 سكتتين : سكتة إذا كبّر ، وسكتة إذا فرغ من قراءة الفاتحة
فأنكر عليه عمر فكتبا في ذلك الى أبيّ بن كعب فكان في كتابه إليهما أن
سمرة قد حفظ .
وحديثنا أولى ، لأنّ
أهل البيت : أعرف ، وكره ذلك كله مالك ، وأصحاب الرأي .
مسألة ٢٤١
: يستحب أن يقرأ في الظهرين ، والمغرب بقصار المفصل كالقدر
والنصر ، وفي العشاء بمتوسطاته كالطارق والأعلى ، وفي الصبح بمطولاته كالمدثر
والمزمل ، قاله الشيخ في المبسوط .
وروى محمد بن مسلم
عن الصادق 7 قلت : القراءة في الصلاة فيها شيء موقت؟ قال : « لا ، إلاّ الجمعة تقرأ
بالجمعة والمنافقين » قلت له : فأيّ السور أقرأ في الصلوات؟ قال : « أما الظهر
والعشاء فتقرأ فيهما سواء ، والعصر والمغرب سواء ، وأما الغداة فأطول ، ففي الظهر
__________________
والعشاء بسبح اسم
ربك الأعلى والشمس وضحاها ونحوها ، والعصر والمغرب إذا جاء نصر الله وألهاكم
التكاثر ، ونحوها ، والغداة بعم يتساءلون ، وهل أتاك ، ولا أقسم بيوم القيامة ، وهل
أتى » وقال الشافعي : يقرأ في الصبح كما قلناه لأن النبي 6 قرأ « ق » في الصبح .
ويقرأ في الظهر
نصف ما يقرأ في الصبح ، ويقرأ في العصر بنحو ما يقرأ في العشاء سورة الجمعة وإذا
جاءك المنافقون ، ويقرأ في المغرب بالعاديات وشبهها ، لأنّ النبي 6 كان يقرأ في
المغرب بقصار المفصّل .
وقال أبو حنيفة :
يقرأ في الاولى من الصبح من ثلاثين آية إلى ستين آية ، وفي الثانية من عشرين الى
ثلاثين ، وفي الظهر نصف ما قرأ في الصبح ، وفي العصر والعشاء عشرين آية في كل ركعة
غير الفاتحة في الأوليين . وقال أحمد : يقرأ في العشاء خمس عشرة آية .
ولو خالف ذلك كلّه
جاز بإجماع العلماء فإن النبيّ 6 قرأ في المغرب بالأعراف ، وتارة بالمرسلات ، وتارة بالطور .
مسألة ٢٤٢
: يستحب أن يقرأ في ظهري يوم الجمعة الجمعة والمنافقين ،
__________________
وكذا في الجمعة
سواء الجامع والمنفرد ، والمسافر والحاضر ؛ لأن الباقر 7 قال : « إن الله
أكرم بالجمعة المؤمنين فسنّها رسول الله 6 بشارة لهم ، والمنافقين توبيخا للمنافقين فلا ينبغي تركهما
، ومن تركهما متعمدا فلا صلاة له » .
وليستا واجبتين في
الجمعة أيضا ، خلافا لبعض علمائنا ، والمراد نفي الكمال ؛ لقول الكاظم 7 في الرجل يقرأ في
صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا ، فقال : « لا بأس » .
ويستحب أن يقرأ في
غداة يوم الجمعة ، الجمعة والتوحيد ، وروي المنافقين ، وفي مغرب ليلة
الجمعة وعشائها بالجمعة والأعلى ، وفي رواية عن الصادق 7 قراءة الجمعة ، والتوحيد
في المغرب ، وفي العشاء بالجمعة وسبح اسم .
ويستحب لمن قرأ
غير الجمعة والمنافقين في الجمعة ، والظهرين الرجوع إليهما إن كان ناسيا ولم
يتجاوز النصف ، فإن تجاوز فليتمها ركعتين نافلة ، ويصلّي الفريضة بهما.
وقال المرتضى :
إذا دخل الإمام في صلاة الجمعة وجب أن يقرأ في الأولى بالجمعة ، وفي الثانية
بالمنافقين يجهر بهما لا يجزئه غيرهما ، لقول الصادق 7 : « من صلّى الجمعة بغير الجمعة والمنافقين أعاد
__________________
الصلاة » والمراد
الاستحباب ؛ لقول الرضا 7 وقد سأله علي بن يقطين عن الجمعة ما أقرأ فيهما؟ قال : «
اقرأهما بقل هو الله أحد » .
مسألة ٢٤٣
: يستحب أن يقرأ في غداة الاثنين والخميس هل أتى ، وأن يقرأ
الجحد في سبعة مواضع : في أول ركعة من ركعتي الزوال ، وأول ركعة من نوافل المغرب ،
وأول ركعة من صلاة الليل ، وأول ركعة من ركعتي الإحرام ، وركعتي الفجر والغداة إذا
أصبح بها ، وركعتي الطواف ، لقول الصادق 7 : « لا تدع أن تقرأ قل هو الله أحد ، وقل يا أيها الكافرون
في سبعة مواطن : في الركعتين قبل الفجر ، وركعتي الزوال ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين
في أول صلاة الليل ، وركعتي الإحرام والفجر إذا أصبحت بهما ، وركعتي الطواف » .
قال الشيخ : وفي
رواية اخرى أنه : « يقرأ في هذا كلّه بقل هو الله أحد ، وفي الثانية قل يا أيها
الكافرون » .
ويستحب أن يقرأ في
الركعتين الأوليين من صلاة الليل ثلاثين مرّة قل هو الله أحد في كل ركعة ، وفي
باقي صلاة الليل بالسور الطوال كالأنعام والكهف مع السعة فإن تضيق الوقت خفف
القراءة.
مسألة ٢٤٤
: لو أراد المصلي التقدم خطوة ، أو خطوتين ، أو التأخر كذلك
سكت عن القراءة حالة التخطي لأنها ليست حالة القيام بل حالة المشي ، وهل ذلك على
سبيل الوجوب؟ يحتمل ذلك إن سلبنا القيام عنه وإلاّ مستحبا.
__________________
مسألة ٢٤٥
: يحرم قول آمين آخر الحمد عند الإمامية ، وتبطل الصلاة
بقولها سواء كان منفردا ، أو إماما ، أو مأموما ، لقوله 7 : ( إنّ هذه
الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين ) والتأمين من كلامهم.
وقال 7 : ( إنما هي
التسبيح ، والتكبير ، وقراءة القرآن ) و « إنما » للحصر.
ولأن جماعة من
الصحابة نقلوا صفة صلاة رسول الله 6 منهم أبو حميد الساعدي قال : أنا أعلمكم بصلاة رسول الله 6 قالوا : أعرض
علينا ، ثم وصف الى أن قال : ثم يقرأ ثم يكبر .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 لجميل في الصحيح : « إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها فقل أنت :
الحمد لله رب العالمين ، ولا تقل آمين » وسأل الحلبي الصادق 7 أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب : آمين؟ قال : « لا » .
ولأن معناه اللهم
استجب ، ولو نطق به أبطل صلاته ، فكذا ما قام مقامه ، ولأنّه يستدعي سبق دعاء ولا
يتحقق إلاّ مع قصده فعلى تقدير عدمه يخرج التأمين عن حقيقته فيلغو ، ولأنّ التأمين
لا يجوز إلاّ مع قصد الدعاء وليس ذلك شرطا إجماعا أمّا عندنا فللمنع مطلقا ، وأمّا
عند الجمهور
__________________
فللاستحباب مطلقا.
وأطبق الجمهور على
الاستحباب لقول أبي هريرة : إنّ رسول الله 6 قال : ( إذا قال
الإمام : غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين ) ونمنع صحة
الرواية فإنّ عمر شهد عليه بأنه عدوّ الله وعدوّ المسلمين ، وحكم عليه بالخيانة ، وأوجب
عليه عشرة آلاف دينار ألزمه بها بعد ولايته البحرين ، ومثل هذا لا
يسكن الى روايته ، ولأن ذلك من القضايا الشهيرة التي يعمّ بها البلوى فيستحيل
انفراد أبي هريرة بنقلها.
فروع :
أ ـ قال الشيخ :
آمين تبطل الصلاة سواء وقعت بعد الحمد ، أو بعد السورة ، أو في أثنائهما . وهو جيد ؛ للنهي
عن قولها مطلقا.
ب ـ لو كانت حال
تقية جاز له أن يقولها ، ولهذا عدل الصادق 7 عن الجواب وقد سأله معاوية بن وهب أقول : آمين إذا قال
الإمام : غير المغضوب عليهم ولا الضالين؟ قال : « هم اليهود ، والنصارى » ولم يجب فيه بشيء
كراهة لهذه اللفظة ، ولم يمكنه 7 التصريح بها ، وعليه يحمل قوله 7 وقد سأله جميل
عنها : « ما أحسنها ، وأخفض الصوت بها » .
__________________
ج ـ اختلف الجمهور
فقال الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود : يجهر الإمام بها ، لأنه تابع للفاتحة . وقال أبو حنيفة
، والثوري : لا يجهر بها ؛ لأنه دعاء مشروع في الصلاة فاستحب إخفاؤه كالدعاء في
التشهد .
وعن مالك روايتان
: هذا إحداهما ، والثانية : لا يقولها الإمام ، لأنه 7 قال : ( إذا قال
الإمام : ولا الضالين فقولوا : آمين ) فدل على أن الإمام لا يقولها.
أما المأموم
فللشافعي قولان : الجديد : الإخفاء ـ وبه قال الثوري ، وأبو حنيفة ـ والقديم :
الجهر. وبه قال أحمد ، وأبو ثور ، وإسحاق ، وعطاء من التابعين .
وإذا أسرّ
بالقراءة أسرّ به اتفاقا منهم ، واستحبت الشافعية التأمين عقيب قراءة الحمد مطلقا
للمصلّي وغيره. وفيه لغتان : المدّ مع التخفيف ، والقصر ، ولو شدّد عمدا بطلت
صلاته إجماعا.
__________________
البحث الخامس : الركوع
مسألة ٢٤٦
: الركوع واجب في الصلاة في كلّ ركعة مرّة بإجماع علماء
الإسلام إلاّ في الكسوف ، والآيات على ما يأتي . قال الله تعالى : ( وَارْكَعُوا ) . وعلّمه الأعرابي
لمّا علّمه الصلاة . وهو ركن في الصلاة إجماعا لو أخلّ به سهوا مع القدرة عليه
، أو عمدا بطلت صلاته ؛ لأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه فيبقى في عهدة التكليف.
ولقول الصادق 7 في الرجل ينسى
الركوع حتى يسجد ويقوم ، قال : « يستقبل » ، وسئل الكاظم 7 عن الرجل ينسى أن يركع قال : « يستقبل حتى يضع كل شيء من
ذلك موضعه » ، ولم يجعله الشيخ ركنا في أواخر الرباعيات في بعض أقواله ، وسيأتي تحقيقه
إن شاء الله.
مسألة ٢٤٧
: ويجب فيه الانحناء إلى أن تبلغ راحتاه إلى ركبتيه إجماعا
إلاّ من أبي حنيفة فإنه اكتفى بأصل الانحناء ، لأنه لا يخرج عن حد القيام إلاّ
__________________
بذلك ، ولقوله 7 : ( إذا ركعت فضع
كفّيك على ركبتيك ) وهو يستلزم الانحناء المذكور.
ومن طريق الخاصة
قول الباقر 7 : « وتمكّن راحتيك من ركبتيك » وسنبين أن الوضع غير واجب فتعين الانحناء بقدره.
والعاجز يأتي
بالممكن لأنّ الزيادة تكليف بما لا يطاق ، ولو تعذر أومأ لأنه القدر الممكن فيقتصر
عليه ، ولأنّ إبراهيم الكرخي سأل الصادق 7 عن رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء ولا يمكنه الركوع
والسجود فقال : « ليؤم برأسه إيماء ، وإن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد ، فإن
لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة » .
والراكع خلقة يزيد
يسير انحناء ليفرق بين القيام والركوع وإن لم يفعل لم يلزمه لأنه حدّ الركوع فلا يلزمه
الزيادة عليه.
ولو انخنس وأخرج ركبتيه
وصار بحيث لو مدّ يديه نالتا ركبتيه لم يكن ركوعا ، لأنّ هذا التمكن لم يحصل
بالانحناء ، وطويل اليدين ينحني كالمستوي ، وكذا قصيرهما.
مسألة ٢٤٨
: ويجب فيه بعد الانحناء الطمأنينة ومعناها السكون بحيث
تستقرّ أعضاؤه في هيئة الركوع وينفصل هويه عن ارتفاعه منه عند علمائنا
__________________
أجمع ـ وبه قال
الشافعي ، وأحمد ـ لأن النبيّ 6 قال للمسيء في صلاته : ( ثم اركع حتى تطمئن راكعا ) ومن طريق الخاصة
رواية حماد ـ الطويلة ـ قال : « ثم ركع وملأ كفيه من ركبتيه مفرجات » ولأنه فعل مفروض
في الصلاة فوجبت فيه الطمأنينة كالقيام.
وقال أبو حنيفة :
لا تجب الطمأنينة لقوله تعالى ( وَارْكَعُوا ) وقد حصل مع عدمها
فيخرج عن العهدة. والآية بيّنها النبيّ 6 بفعله.
فروع :
أ ـ الطمأنينة
ليست ركنا لأنّا سنبيّن أن الصلاة لا تبطل بالإخلال بها سهوا وإن بطلت عمدا.
وقال الشيخ في
الخلاف : إنّها ركن. وبه قال الشافعي .
ب ـ حدّ زمانها
قدر الذكر الواجب لوجوب الذكر فيه على ما يأتي فلا بدّ من السكون بقدر أداء
الواجب.
ج ـ لو زاد في
الهويّ ثم ارتفع والحركات متواصلة لم تقم زيادة الهويّ مقام الطمأنينة.
__________________
د ـ يجب أن لا
يقصد بهويّه غير الركوع فلو قرأ آية سجدة فهوى ليسجد ثم لمّا بلغ حدّ الراكعين
أراد أن يجعله ركوعا لم يجز بل يعود إلى القيام ثم يركع لأن الركوع الانحناء ولم
يقصده.
هـ ـ لو عجز عن
الركوع إلاّ بما يعتمد عليه وجب ، ولو عجز وتمكن من الانحناء على أحد جانبيه وجب ،
ولو عجز عن الطمأنينة سقطت ، وكذا الرفع.
و ـ لو لم يضع
راحتيه فشك بعد القيام هل بلغ بالركوع قدر الإجزاء احتمل العود عملا بالأصل ـ وبه
قال الشافعي ـ وعدمه لأنه شك بعد انتقاله.
مسألة ٢٤٩
: ويجب فيه الذكر عند علمائنا أجمع ، وبه قال أحمد ، وإسحاق
، وداود إلاّ أنه قال : إذا تركه عمدا لم تبطل صلاته لقوله 6 لما نزل ( فَسَبِّحْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) قال : ( ضعوها في ركوعكم ) والأمر للوجوب.
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 وقد سأله هشام بن سالم عن التسبيح في الركوع والسجود فقال : « تقول في الركوع
: سبحان ربي العظيم ، وفي السجود : سبحان ربي الأعلى. الفريضة من ذلك تسبيحة ،
__________________
والسنّة ثلاث ، والفضل
في سبع » ، ولأنّه هيئة في كون فيجب فيه الذكر كالقيام.
وقال الشافعي ، وأبو
حنيفة ، ومالك : بعدم الوجوب لأنّ النبيّ 6 لم يعلمه الأعرابي . وهو ممنوع لقوله 7 : ( إذا ركع أحدكم وقال : سبحان ربي العظيم وبحمده ؛ فقد
تم ركوعه ، وذلك أدناه ) وهو يدل على عدم تمام الركوع لو لم يذكر.
فروع :
أ ـ الأقوى أنّ
مطلق الذكر واجب ، ولا يتعين التسبيح ؛ لأنّ هشام بن الحكم ، وهشام بن سالم سألا
الصادق 7 يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود : لا إله إلاّ الله والله أكبر؟
فقال : « نعم كلّ هذا ذكر » علل بالذكر.
وقال بعض علمائنا
: يتعين التسبيح ، وهو سبحان ربي العظيم وبحمده ، ثلاثا . وبعضهم مرّة ، أو
ثلاث مرات سبحان الله ـ وأحمد
__________________
أوجب التسبيح أيضا
ـ لما تقدم في حديث الصادق 7 : « يقول في الركوع : سبحان ربي العظيم » .
وسأل معاوية بن
عمار الصادق 7 أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة ، قال : « ثلاث تسبيحات مترسلا ، يقول :
سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله » ولا حجة فيهما ؛ لأن السؤال وقع أولا عن التسبيح ، وثانيا
عن أخفه.
ب ـ إذا قال :
سبحان ربي العظيم ، أو سبحان ربّي الأعلى استحب أن يقول : وبحمده ـ وبه قال
الشافعي ـ لأن النبيّ 6 كان يقول في ركوعه : ( سبحان ربي العظيم وبحمده ) ثلاثا ومن طريق الخاصة
قول الباقر 7 : « تقول : سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثا » وقال ابن المنذر
: قيل لأحمد : تقول : سبحان ربي العظيم وبحمده؟ قال : أمّا أنا فلا أقول : وبحمده .
ج ـ يجب أن يأتي
بالذكر حال الطمأنينة ، فلو شرع فيه قبل انتهائه في الهويّ الواجب ، أو شرع في
الرفع قبل إكماله بطلت صلاته.
د ـ يستحب أن يقول
ثلاث مرات : سبحان ربي العظيم وبحمده
__________________
إجماعا ؛ لأنّ
النبيّ 6 كان إذا ركع قال : سبحان ربي العظيم ثلاث مرات ، وأفضل منه خمسا
والأكمل سبعا ، وإن زاد فهو أفضل. قال أبان بن تغلب : دخلت على الصادق 7 وهو يصلّي فعددت
له في الركوع والسجود ستين تسبيحة .
وحكى الطحاوي عن
الثوري أنه كان يقول : ينبغي للإمام أن يقول : سبحان ربي العظيم ، خمسا حتى يدرك
الذي خلفه ثلاثا ، وأنكره الشافعي لأنّ النبيّ 6 قاله ثلاثا ، ولأن المأموم يركع مع الإمام فما أمكن الإمام أمكن
المأموم.
هـ ـ ينبغي للإمام
التخفيف ، قال سماعة : سألته عن الركوع والسجود هل نزل في القرآن؟ قال : « نعم »
قول الله عزّ وجلّ ( يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ) فقلت : كيف حدّ الركوع والسجود؟ فقال : « أمّا ما يجزيك من
الركوع فثلاث تسبيحات تقول : سبحان الله ، سبحان الله ثلاثا » .
ومن كان يقوى على
أن يطول الركوع والسجود فليطول ما استطاع يكون
__________________
ذلك في تسبيح الله
، وتحميده ، والتمجيد ، والدعاء ، والتضرع فإن أقرب ما يكون العبد إلى ربّه وهو
ساجد .
فأما الإمام فإنه
إذا قام بالناس فلا ينبغي أن يطوّل بهم فإن في الناس الضعيف ومن له الحاجة ، فإن
رسول الله 6 ( كان إذا صلّى بالناس ) خف بهم .
مسألة ٢٥٠
: ويجب بعد انتهاء الذكر الرفع من الركوع والاعتدال ، والطمأنينة
قائما حتى يرجع كل عضو إلى موضعه عند علمائنا أجمع ، وبه قال الشافعي ، وأحمد لقول النبيّ 6 للمسيء في صلاته
: ( ثم ارفع حتى تعتدل قائما ) .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 : « إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك فإنّه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه » ولأنّه ركن هو
خفض فالرفع منه فرض كالسجود.
وقال أبو حنيفة :
لا يجب الرفع ، ولا الاعتدال ، ولا الطمأنينة بل ينحط من ركوعه ساجدا .
__________________
واختلف أصحاب مالك
في مذهبه على القولين ؛ لأنّ القيام لو وجب لتضمن ذكرا واجبا كالقيام الأول ، فلمّا
لم يتضمن ذكرا واجبا لم يجب كقيام القنوت .
وينتقض بالركوع ، والسجود
، والرفع من السجود ، فإن الذكر عنده ليس بواجب في شيء منها .
مسألة ٢٥١
: والسنة في الركوع أن يكبر له قائما ثم يركع ، والمشهور بين
العلماء مشروعية التكبير لأنّ النبيّ 6 كان يكبر في كل رفع ، وخفض ، وقيام ، وقعود .
ومن طريق الخاصة
قول حماد في صفة صلاة الصادق 7 : ثم رفع يديه حيال وجهه وقال : الله أكبر وهو قائم ثم ركع
. ولأنه شروع في ركن فشرع فيه التكبير كحالة ابتداء الصلاة.
وقال سعيد بن جبير
، وعمر بن عبد العزيز ، وسالم ، والقاسم : لا يكبر إلاّ عند افتتاح الصلاة لقوله 7 : ( مفتاح الصلاة
الطهور ، وتحريمها التكبير ) فدلّ على أنّه لا يكون في غير التكبير. ولا حجة فيه فإنه
لا يدل على أن التكبير لا يكون في غير التحريم.
__________________
فروع :
أ ـ هذا التكبير
ليس بواجب عند أكثر علمائنا ، وأكثر أهل العلم عملا بالأصل ، ولقوله 7 للمسيء : ( ثم اقرأ ما تيسر من القرآن ثم اركع ) ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 وقد سأله أبو بصير عن أدنى ما يجزئ من التكبير في الصلاة ، قال : « تكبيرة
واحدة » .
وقال بعض علمائنا
بالوجوب ـ وبه قال إسحاق ، وداود ، وعن أحمد روايتان ـ لقوله 7 : ( لا تتم صلاة
أحد من الناس حتى يكبر ثم يركع حتى يطمئن ) ونفي التمام لا يدل على نفي الصحة.
ب ـ يستحب أن
يكبّر قائما ثم يركع ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لأن أبا حميد الساعدي وصف صلاة رسول الله 6 قال : ( يقرأ ثم
يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه ثم يركع ) ومن طريق الخاصة رواية حماد في صفة صلاة الصادق 7 : ثم رفع يديه حيال
وجهه وقال : الله أكبر
__________________
وهو قائم ثم ركع . وقال الشافعي :
يهوي بالتكبير .
ج ـ لا ينبغي المد
في التكبير بل يوقعه جزما ـ وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي في القديم ـ لقوله : (
التكبير جزم ) أي لا يمد فيه ، ولأنّه ربما غيّر المعنى ، وفي الجديد
للشافعي : يمد إلى تمام الهوي لئلاّ يخلو جزء من صلاته عن الذكر .
د ـ يستحب رفع
اليدين بالتكبير في كل مواضعه عند أكثر علمائنا لأن الجمهور رووا
أن المشروع أوّلا رفع اليدين ، ثم ادّعوا النسخ ولم يثبت وروى
سالم عن أبيه قال : رأيت النبيّ 6 إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا أراد أن يركع
وبعد ما يرفع رأسه من الركوع ، ولا يرفع بين السجدتين . ومن طريق الخاصة
رواية حماد ، وقد سلفت. وقال
__________________
بعض علمائنا بوجوب
الرفع في التكبير كلّه للأمر . وقد بيّنا أن التكبير مستحب فكيفيته أولى.
وقال الشافعي :
يرفع في تكبير الركوع والرفع منه ، ولا يرفع بين السجدتين لحديث سالم . ونفي الرؤية لا
يدل على نفيه لإمكان غفلته ، وبه قال الأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وروي
عن مالك .
وقال أبو حنيفة ، والثوري
، وابن أبي ليلى : لا يرفع إلاّ في تكبير الافتتاح .
والصحيح ما قلناه
؛ لأن الأئمة : أعرف ، قال الباقر 7 : « فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخرّ ساجدا » ولأنّه تكبير
فاستحب فيه الرفع كالافتتاح.
هـ ـ لو صلى قاعدا
، أو مضطجعا رفع يديه ـ وبه قال الشافعي ـ لأن القعود ناب مناب القيام.
__________________
و ـ لو نسي الرفع
لم يعد التكبير لأنه هيئة له فسقط بفوات محلّه.
ز ـ يرفع يديه
حذاء وجهه ، وفي رواية إلى أذنيه ، وقال الشافعي : إلى منكبيه . والأشهر رواية
حماد : ثم رفع يديه حيال وجهه .
ح ـ ينبغي أن
يبتدئ برفع يديه عند ابتداء التكبير ، وينتهي الرفع عند انتهاء التكبير ، ويرسلهما
بعد ذلك ؛ لأنه لا يتحقق رفعهما بالتكبير إلاّ كذلك.
مسألة ٢٥٢
: يستحب أن يضع يديه على عيني ركبتيه مفرّجات الأصابع بإجماع
العلماء إلاّ عبد الله بن مسعود ، وصاحبيه : الأسود بن يزيد ، وعبد الرحمن بن
الأسود فإنهم قالوا : إذا ركع طبق يديه وجعلهما بين ركبتيه لأن ابن مسعود
رواه عن النبيّ 6 . وهو مدفوع بالنقل عنه 7 : إنه كان إذا ركع وضع راحتيه على ركبتيه وفرّج بين أصابعه
.
ومن طريق الخاصة رواية
حماد عن الصادق 7 : ثم ركع وملأ كفّيه من ركبتيه مفرجات . وبأنه منسوخ.
__________________
قال مصعب بن سعد
بن أبي وقاص : صلّيت إلى جنب أبي فطبقت يدي وجعلتهما بين ركبتي فضرب في يدي وقال
لي : يا بني إنا كنّا نفعل ذلك فأمرنا أن نضرب بالأكف على الركب .
ولو كانتا عليلتين
أو إحداهما انحنى كمال الركوع وأرسلهما.
مسألة ٢٥٣
: ويستحب أن يسوي ظهره ولا يتبازخ به بأن يخرج صدره ويطأ من
ظهره فيكون كالسرج ، ولا يحدودب فيعلي وسط ظهره ، ويجعل رأسه وعنقه حيال ظهره ، ويمد
عنقه محاذيا ظهره لأنّ النبيّ 6 كان إذا ركع لم يرفع رأسه ولم يصوّبه ولكن بين ذلك .
ومن طريق الخاصة
قول الباقر 7 : « وأقم صلبك ومدّ عنقك » .
ويستحب أيضا ردّ
ركبتيه إلى خلفه عند علمائنا أجمع لقول حماد عن الصادق 7 : ورد ركبتيه إلى
خلفه .
وقال الشافعي :
بنصب ركبتيه وأن يجافي الرجل مرفقيه عن جنبيه ، ولا يجاوز في الانحناء استواء
الظهر والرقبة .
مسألة ٢٥٤
: يستحب الدعاء أمام التسبيح لقول النبيّ 6 : ( أما الركوع
فعظّموا الرب فيه ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء
__________________
فقمن أن يستجاب لكم ) .
ومن طريق الخاصة
قول الباقر 7 : « فاركع وقل : رب لك ركعت ، ولك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، فأنت ربي
خشع لك سمعي ، وبصري ، وشعري ، وبشري ، ولحمي ، ودمي ، ومخي ، وعصبي ، وما أقلت
قدماي ، غير مستنكف ، ولا مستكبر ، ولا مستحسر ، سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثا » وبنحوه قال
الشافعي إلاّ أنه قدّم التسبيح .
ولا يستحب أن يقرأ
في ركوعه ، وسجوده ، وتشهده ، بل يكره ، قاله الشيخ في المبسوط ـ وبه قال
الشافعي ، وأحمد ـ لأنّ عليا 7 قال : « إن النبي 6 قال : ألا إني نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا ، أما الركوع
فعظّموا فيه الرب ، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم » .
ويكره أن تكون
يداه تحت ثيابه حالة الركوع بل يستحب أن تكون بارزة أو في كمّه ، ولو خالف لم تبطل
صلاته.
__________________
مسألة ٢٥٥
: يستحب إذا انتصب أن يقول : سمع الله لمن حمده ، سواء
الإمام والمأموم ـ وبه قال عطاء ، ومحمد بن سيرين ، وإسحاق بن راهويه ، والشافعي ـ لأنّ النبيّ 6 كان يقوله .
ومن طريق الخاصة
قول الباقر 7 : « ثم قل : سمع الله لمن حمده ، وأنت منتصب » ولأن ما سنّ للإمام في الانتقال من ركن إلى ركن سنّ للمأموم
كسائر الأذكار.
وقال أبو حنيفة ، ومالك
: يقولها الإمام دون المأموم ـ وبه قال ابن المنذر ، والثوري ، وأبو يوسف ، ومحمد
، وأحمد ـ لقوله 7 : ( إذا قال الإمام : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا
لك الحمد ) وهذا يدل على أن المأموم لا يقولها.
فروع :
أ ـ هذا القول
عندنا مستحب لا واجب للأصل ، ولأنّه 7 لم
__________________
يعلّمه المسيء في
صلاته وهو وقت الحاجة ، وأكثر العلماء على ذلك ، وقال إسحاق : بوجوبه ـ وعن أحمد روايتان ـ لقوله 6 : ( لا تتم صلاة أحدكم ) وساق الحديث حتى قال : ( ثم يقول
: سمع الله لمن حمده ) .
والتمام يطلق على
جملة الأفعال الواجبة والمندوبة.
ب ـ يستحب الدعاء
بعده فيقول : الحمد لله رب العالمين أهل الكبرياء والعظمة. إماما كان ، أو مأموما
، أو منفردا ؛ لقول حذيفة : صلّيت مع رسول الله 6 وكان إذا رفع رأسه من الركوع قال : ( سمع الله لمن حمده )
ثم قال : ( الحمد لله ذي الملكوت والجبروت ، والكبرياء والعظمة ) .
ومن طريق الخاصة
قول الباقر 7 : « ثم قل : سمع الله لمن حمده أهل الجود والكبرياء والعظمة » ولأن قوله : سمع
الله لمن حمده إذكار بالحمد ، وحث عليه فيستحب.
وقال الشافعي :
يقول بعده : ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ، أهل
الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد : كلنا
__________________
لك عبد. اللهمّ لا
مانع لما أعطيت ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ .
ورووه عن علي 7 ـ إماما ، أو
مأموما ، أو منفردا ، وبه قال عطاء ، وابن سيرين ، وإسحاق .
وقال أبو حنيفة ، ومالك
: يقول الإمام : سمع الله لمن حمده ، والمأموم يقول : ربنا لك الحمد. واختاره ابن
المنذر .
وقال الثوري ، وأبو
يوسف ، ومحمد ، وأحمد : يقول الإمام : سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ، ويقول
المأموم : ربنا لك الحمد. لا يزيد عليه .
قال الشيخ : ولو
قال : ربنا ولك الحمد ، لم تفسد صلاته . وهو جيّد لأنه نوع تحميد ، لكن المنقول عن أهل البيت : أولى ، وقال
الطحاوي : خالف الشافعي الإجماع فيما قاله.
__________________
ج ـ من الجمهور من
أسقط الواو ، ومنهم من أثبتها ، لأنها قد تزاد لغة.
د ـ لو عكس فقال :
من حمد الله سمع له لم يأت بالمستحب ؛ لأنه خلاف المنقول.
هـ ـ لو عطس فقال
: الحمد لله رب العالمين ونوى المستحب بعد الرفع جاز ؛ لأن انضمام هذه النيّة لم
يغير شيئا من المقصود.
و ـ لو منعه عارض
عن الرفع من الركوع سجد ، وسقط الذكر ، ولو ركع ثم اطمأنّ ثم سقط على الأرض فإنه
يقوم منتصبا ولا يعيد الركوع ، لأن الركوع سقط بفعله فالانتصاب منه يحصل بقيامه ، ويحتمل
أن يسجد من غير قيام لفوات محلّه لعذر.
ز ـ لو سجد ثم شك
هل رفع رأسه من الركوع لم يلتفت عندنا. وقال الشافعي : يجب أن ينتصب فإذا انتصب
سجد .
ح ـ لو ركع ولم
يطمئن فسقط احتمل إعادة الركوع لعدم الإتيان به على وجهه ، وعدمها لأنّ الركوع
حصل فلو أعاد زاد ركوعا.
ط ـ لو منعته
العلّة عن الانتصاب سجد ، فإن زالت العلّة قبل بلوغ
__________________
جبهته الأرض فإنه
يرفع وينتصب ويسجد لزوال العلّة قبل الشروع في الركن ، وفي المبسوط : يمضي في
صلاته . وليس بجيد ؛ لأن الانتصاب والطمأنينة واجبان ، وإن زالت بعد الوضع سقط ؛
لأنه شرع في السجود.
ي ـ هذا الذكر وهو
: سمع الله لمن حمده يقوله عند الانتصاب لحديث الباقر 7 ، وقال الشافعي :
يبتدئ عند ابتداء الرفع. وله قول آخر : أنه يقول : سمع الله لمن حمده وهو راكع
فإذا انتصب قال : ربنا لك الحمد .
يا ـ إذا قام من
الركوع لا يستحب رفع اليدين بل إذا كبّر للسجود قائما رفعهما ، واستحبه الشافعي ، خلافا لأبي
حنيفة .
يب ـ لو ترك
الاعتدال عن الركوع والسجود في صلاة النفل صحت صلاته ، ويكون قد ترك الأفضل ، وللشافعية
وجهان .
يج ـ يستحب للإمام
رفع صوته بالذكر في الركوع والرفع.
البحث السادس : السجود
مسألة ٢٥٦
: السجود واجب بالنص والإجماع وهو في كلّ ركعة سجدتان
__________________
هما معا ركن في
الصلاة ، لو أخل بهما عمدا أو سهوا بطلت صلاته بإجماع العلماء. ويجب على الأعضاء
السبعة في كلّ سجدة : الجبهة ، والكفّان ، والركبتان ، وإبهاما الرجلين عند
علمائنا أجمع ، إلاّ المرتضى فإنه قال عوض الكفين : مفصل الكفين عند الزندين .
وما قلناه ذهب
إليه أحمد ، وإسحاق ، والشافعي في أحد القولين ، لأنّ ابن عباس قال : أمر النبيّ 6 أن يسجد على سبع
: يديه ، وركبتيه ، وأطراف أصابعه ، وجبهته .
ومن طريق الخاصة
قول حمّاد في صفة صلاة الصادق 7 : وسجد على ثمانية أعظم : الكفين ، والركبتين ، وأنامل
إبهامي الرجلين ، والجبهة ، والأنف وقال : سبع منها فرض ، ووضع الأنف على الأرض
سنة .
والقول الآخر
للشافعي : لا يجب إلاّ على الجبهة دون باقي السبعة. وبه قال أبو حنيفة ، ومالك ، وأكثر
الفقهاء لقوله 7 : ( سجد
__________________
وجهي ) وهو يدل على أن
السجود للوجه ، ولأنه لا يجب كشفها في السجود.
والحديث لا دلالة
فيه ، والتخصيص بالذكر لأنه أبلغ في الخضوع وقد قال : ( سجد لحمي وعظمي وما أقلته
قدماي ) ولا يلزم من عدم الكشف انتفاء وجوب السجود عليها كما لا
يلزم انتفاء استحبابه عنده.
فروع :
أ ـ لو أخل
بالسبعة أو بأحدها عمدا بطلت صلاته ، وناسيا لا يعيد لعدم وجوبه حينئذ.
ب ـ يجب وضع
الجبهة على ما يصح السجود عليه ممّا لا يؤكل ، ولا يلبس وقد سلف ، دون باقي
الأعضاء ، لكن يستحب في اليدين ، ويسقط مع الضرورة.
وللشافعي على
تقدير وجوب السجود عليها قولان في وجوب كشف اليدين ، أشهرهما : ذلك لأن خباب بن
الأرت قال : شكونا إلى رسول الله 6 حرّ الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا ، والثاني : العدم
كقولنا ؛ لأنه عضو يغطى عادة فأشبه الركبتين. والحديث محمول على
__________________
أنه لم يشكهم في
السؤال لأجل الجبهة.
ج ـ لا يجب
استيعاب الجبهة بالوضع بل يكفي المسمى مع التمكين لأن النبيّ 6 سجد بأعلى جبهته .
ولقول الباقر 7 : « ما بين قصاص
شعر الرأس إلى موضع الحاجب ما وضعت منه أجزأك » وشرط بعض علمائنا
قدر الدرهم ، وكذا لا يجب استيعاب كل مسجد بل يكفي الملاقاة ببعضه ، والأفضل
الاستيعاب.
د ـ لا يجزئ أحد
جانبي الجبهة عنها ، وبه قال الشافعي .
مسألة ٢٥٧
: يتعين وضع الجبهة مع القدرة فلا يجزئ الأنف عنها عند
علمائنا أجمع ، وبه قال الشافعي ، وأحمد لقول النبيّ 6 : ( إذا سجدت فمكّن جبهتك من الأرض ) والأمر للوجوب ، ولقول
الصادق 7 : « سبعة منها فرض » وعدّ الجبهة.
وقال أبو حنيفة :
إذا سجد على أنفه أجزأه عن جبهته ؛ لأن الأنف والجبهة عضو واحد ، فإذا سجد على
الأنف أجزأه كما لو سجد على بعض
__________________
الجبهة . ويبطل بعظم
الرأس فإنه متصل بعظم الجبهة.
فروع :
أ ـ لو سجد على
خدّه أو رأسه لم يجزئه ، وبه قال الشافعي .
ب ـ لا يجب السجود
على الأنف بل يستحب استحبابا مؤكدا ، فلو اقتصر على الجبهة أجزأه عند علمائنا ، وبه
قال عطاء ، وطاوس ، وعكرمة ، والحسن ، وابن سيرين ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأبو
يوسف ، ومحمد ، وأحمد في رواية ، وأبو حنيفة ، والثوري ، ومالك ، لأن النبيّ 6 قال : ( أمرت أن
أسجد على سبعة أعظم ) ولم يذكر الأنف.
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 : « ووضع الأنف على الأرض سنة » .
وقال الأوزاعي ، وأحمد
في الرواية الأخرى ، وإسحاق : يجب السجود على الأنف أيضا ، لقوله 7 : ( لا صلاة لمن
لا يصيب
__________________
أنفه من الأرض ما
يصيب الجبين ) وهو محمول على نفي الفضيلة.
ج ـ يستحب الإرغام
بطرف الأنف الأعلى ، قاله المرتضى .
مسألة ٢٥٨
: لا يجوز أن يكون موضع السجود أعلى من موقف المصلي
بالمعتد اختيارا
عند علمائنا ، لقول الصادق 7 وقد سأله ابن سنان عن موضع جبهة الساجد يكون أرفع من مقامه؟
فقال : « لا ، ولكن يكون مستويا » ولأنه يخرج عن الهيئة المشروعة.
ويجوز العلوّ
بمقدار لبنة لأنه لا يعدّ علوّا ، ولعدم التمكن من الاحتراز عنه إذ علوّ ذلك غالب
، ولقول الصادق 7 وقد سأله ابن سنان عن السجود على الأرض المرتفعة فقال : «
إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس » ولو كان مساويا
أو أخفض جاز إجماعا.
مسألة ٢٥٩
: ويجب فيه الذكر ، والخلاف فيه كالركوع لقوله 7 لمّا نزل سبح اسم
ربك الأعلى : ( اجعلوها في سجودكم ) ومن طريق الخاصة قول الصادق 7 : « يقول في السجود : سبحان ربي الأعلى الفريضة من ذلك
تسبيحة ، والسنّة ثلاث ، والفضل في سبع » .
وأما إجزاء الذكر
، فلقول الصادق 7 وقد سئل أيجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود :
لا إله إلا الله ، والله أكبر؟
__________________
فقال : « نعم كل
هذا ذكر » وقد تقدم.
مسألة ٢٦٠
: ويجب فيه الطمأنينة بقدر الذكر في كل واحدة منهما ، وإيقاع
الذكر مطمئنا ، فلو شرع فيه قبل وصول الجبهة الأرض ، أو رفع قبل انتهائه بطل سجوده
عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ـ لقوله 6 للأعرابي : ( ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ) .
ومن طريق الخاصة
حديث حماد ـ الطويل ـ لمّا وصف صلاة الصادق 7 : ثم سجد وبسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال
وجهه فقال : « سبحان ربي الأعلى وبحمده » ثلاث مرات .
وقال أبو حنيفة :
لا تجب الطمأنينة لأنه أمر بالسجود وقد امتثل . ونمنع الامتثال ؛ لأن النبيّ 6 بيّن الهيئة ، وقال الشيخ في
الخلاف : إنه ركن .
مسألة ٢٦١
: فإذا أكمل الذكر وجب عليه رفع رأسه من السجود ، والطمأنينة
في الجلوس بين السجدتين عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ،
__________________
وأحمد ـ لقوله 7 للأعرابي : ( ثم
ارفع رأسك حتى تطمئن ) .
ومن طريق الخاصة في
حديث حماد : فلما استوى جالسا قال : « الله أكبر » ثم قعد على فخذه الأيسر ولأنه رفع واجب
فكان إلى الاعتدال واجبا كالرفع من السجدة الأخيرة من الصلاة.
وقال أبو حنيفة :
لا يجب ذلك. واكتفى أبو حنيفة بأن يرفع رأسه مثل حدّ السيف ومعه تتحقق السجدتان
لأنها جلسة فصل بين متشاكلين فلم تكن واجبة كالتشهد الأول ، ونمنع الحكم في
الأصل على ما يأتي ، ثم يفرق على مذهبه بأنّ هذه مقصودة في نفسها بخلاف جلسة
التشهد فإنها تقصد لذكر غير واجب عنده.
وقال الشيخ في
الخلاف : إن ذلك ركن . فإن قصد به الفرض فهو مسلّم ، وإن قصد إبطال الصلاة
بالإخلال به سهوا فهو ممنوع.
مسألة ٢٦٢
: والسجود الثاني واجب كالأول بإجماع العلماء ، وهيئته
كهيئته في السجود على الأعضاء السبعة ، ووجوب الذكر فيه ، والطمأنينة بقدره ، ووضع
الجبهة على ما يصح السجود عليه ، ووجوب الرفع منه إمّا للقيام أو الجلوس
__________________
لا خلاف بينهما
إجماعا.
مسألة ٢٦٣
: يستحب إذا أراد السجود الأول أن يكبر له عند علمائنا ـ وبه
قال الشافعي ، وأحمد ـ لأن النبيّ 6 كان يكبر حين يسجد ، ورووا أيضا أنه كان يكبّر عند كل رفع وخفض .
ومن طريق الخاصة
قول الباقر 7 : « إذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخرّ ساجدا » ولأنه انتقال إلى
ركن فشرع فيه الذكر.
وقال بعض علمائنا
بوجوبه ، وبه قال أحمد ، وقد تقدم في تكبير الركوع.
فروع :
أ ـ يستحب رفع
اليدين به عند علمائنا ، وقال المرتضى بوجوبه .
وقال الشافعي : لا
يستحب ؛ لأنه يصل طرفه بسجود فهو كالتكبير بين السجدتين . ونمنع الحكم في
الأصل ، وقول الباقر 7 : « فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير » .
__________________
ب ـ يستحب التكبير
قائما ، فإذا فرغ منه أهوى إلى السجود عند علمائنا ، وقال الشافعي ، وأحمد : يهوي
بالتكبير ليكون انتهاء التكبير مع انتهاء الانحطاط ، وابتداؤه مع ابتدائه لأنه
هيئة من هيئات الانحطاط .
وحديث حماد عن
الصادق 7 يبطل ذلك ، ونمنع أنه هيئة من هيئات الانحطاط بل هو ابتداء ذكر لركن فشرع
قبله كالتحريم.
ج ـ الأجود
الإتيان به جزما مؤخرا ، وللشافعية وجهان : أحدهما : أنه يستحب أن يمده مدّا
لينتهي مع انتهاء الهوي .
مسألة ٢٦٤
: يستحب إذا أهوى إلى السجود أن يبتدئ بوضع يديه على الأرض يتلقاها
بهما عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الأوزاعي ، ومالك ، وأحمد في رواية ـ لأن النبيّ 6 قال : ( إذا سجد
أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير ، وليضع يديه قبل ركبتيه ) وعن ابن عمر :
قبل اليدين أولا .
ومن طريق الخاصة
قول الباقر 7 : « وابدأ بيديك تضعهما قبل ركبتيك » .
__________________
وقال أبو حنيفة ، والثوري
، والشافعي ، وأحمد في رواية ، وإسحاق ، وعمر بن الخطاب ، والنخعي : أول ما يقع
على الأرض ركبتاه لأن وائل بن حجر قال : رأيت النبيّ 6 إذا سجد وضع
ركبتيه قبل يديه ، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه ، ولأنّ اليدين
لمّا تقدم رفعهما تأخر وضعهما كالجبهة. والقول مقدم خصوصا مع ندبيّة الفعل فجاز أن
يتركه 7 أحيانا لبيان الندبية ، ونمنع سبق رفع اليدين.
ولو غيّر إحدى
الهيئتين بالأخرى جاز إجماعا ويكون قد ترك الأفضل ، قال الصادق 7 : « لا بأس إذا
صلّى الرجل أن يضع ركبتيه على الأرض قبل يديه » .
مسألة ٢٦٥
: يستحب أن يكون موضع جبهته مساويا لموقفه ؛ لأنه أنسب
بالاعتدال المطلوب في السجود ، وأمكن للساجد ، وقال الصادق 7 وقد سأله أبو
بصير عن الرجل يرفع جبهته في المسجد : « إني أحب أن أضع وجهي في موضع قدمي » وكرهه
.
فإن وقعت على
المرتفع فإن كان بمقدار لبنة فما دون جاز ، وإن كان أزيد رفع رأسه ثم وضعه على
المعتدل ، ولا تكون هنا زيادة سجود ؛ لأن الوضع الأول ليس بسجود.
أما لو وقعت على
لبنة فإنه يستحب جر الجبهة إلى المعتدل ، ولا يجوز
__________________
رفعها حينئذ لئلاّ
تزيد سجدة ، ولو بقي على حاله جاز ، وكذا التفصيل لو سجد على ما يكره السجود عليه
أو يحرم.
مسألة ٢٦٦
: يستحب الدعاء أمام التسبيح بإجماع العلماء ؛ لقوله 7 : ( وأما السجود
فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم ) .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 : « إذا سجدت فكبّر ، وقل : اللهم لك سجدت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، وأنت
ربي سجد وجهي للذي خلقه ، وشق سمعه وبصره ، والحمد لله رب العالمين ، تبارك الله
أحسن الخالقين ، ثم قل : سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات » .
وسأل عبد الله بن
سنان الصادق 7 أدعو الله وأنا ساجد؟ فقال : « نعم ، ادع الله للدنيا والآخرة » .
مسألة ٢٦٧
: ويستحب التخوية في السجود بأن يفرق بين فخذيه وساقيه ، وبين
بطنه وفخذيه ، وبين جنبيه وعضديه ، وبين عضديه وساعديه ، وبين ركبتيه ومرفقيه ، ويفرق
بين رجليه ، وسمي تخوية ؛ لأنه إلقاء الخوابين الأعضاء.
وهذا للرجل خاصة
دون المرأة بل تضم بعضها إلى بعض ؛ لأن النبيّ 6 كان إذا سجد فرج يديه عن جنبيه وجخّى ـ والجخ الخاوي ـ وفرج
بين رجليه ، وقال 7 : ( إذا سجد أحدكم فلا
__________________
يفترش ذراعيه
افتراش الكلب ) ومعناه أن يضعهما بالأرض ولا يتجافى بهما.
ومن طريق الخاصة
رواية حماد عن صفة صلاة الصادق 7 : ولم يضع شيئا من جسده على شيء منه لمّا سجد ، وقول الباقر 7 : « لا تفترش
ذراعيك افتراش السبع » .
ويستحب الاعتدال
في السجود إجماعا ؛ لقوله 7 : ( اعتدلوا في السجود ) .
قال الجمهور : لا
ينبغي أن يجمع ثيابه ، وشعره في سجوده لأن النبيّ 6 رأى رجلا يجمع ثيابه في الصلاة فقال 7 : ( دعها فإنها
تركع بركوعك ، وتسجد بسجودك ) ونهى [ 6 ] أن يكفت منه الشعر والثياب أي يجمعهما. قال
عطاء : وكانوا يكرهون أن يسجد وهو عاقص شعره ، ولعل النهي لما فيه من الفعل الذي
ليس من الصلاة.
__________________
مسألة ٢٦٨
: يستحب التورك في الجلوس بين السجدتين عند علمائنا أجمع
ومعناه أن يجلس على وركه الأيسر ، ويخرج رجليه جميعا ، ويجعل رجله اليسرى على
الأرض ، وظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى ، ويفضي بمقعدته إلى الأرض ؛ لأن
ابن مسعود روى أن النبيّ 6 كان يجلس في وسط الصلاة وآخرها متوركا .
ومن طريق الخاصة
رواية حماد في صفة صلاة الصادق 7 : ثم قعد على جانبه الأيسر ، ووضع ظاهر قدمه اليمنى على
طرف قدمه اليسرى . وقال الصادق 7 : « إذا جلست في الصلاة فلا تجلس على يمينك واجلس على
يسارك » .
وقال الشافعي ، وأبو
حنيفة ، وأحمد : المستحب الافتراش وهو أن يثني رجله اليسرى ، فيبسطها ، ويجلس
عليها ، وينصب رجله اليمنى ، ويخرجها من تحته ، ويجعل بطون أصابعه على الأرض
معتمدا عليها ليكون أطراف أصابعها إلى القبلة لأنّ أبا حميد الساعدي لمّا وصف صلاة رسول الله 6 قال : ثم ثنّى
رجله اليسرى وقعد عليها . ولا حجة فيه لاحتمال جلوسه على فخذه. وللشافعي قول
باستحباب الإقعاء ، وسيأتي.
__________________
مسألة ٢٦٩
: يستحب التكبير إذا استوى جالسا عقيب الاولى ، ثم يكبر
للثانية قاعدا ، ثم يسجد ، ثم يكبر بعد جلوسه لرواية حماد في صفة صلاة الصادق 7 : فلمّا استوى
جالسا قال : الله أكبر ، ثم قعد على فخذه الأيسر ، ووضع قدمه الأيمن على بطن قدمه
الأيسر ، وقال : أستغفر الله ربي وأتوب إليه ، ثم كبر وهو جالس ، وسجد ثانية وقال
كما قال في الاولى .
وقال المرتضى : قد
روي إذا كبّر للدخول في فعل من الصلاة ابتدأ بالتكبير في حال ابتدائه ، وللخروج
بعد الانفصال عنه . وما تقدم يدل على إكمال التكبير قبل الدخول ، والابتداء
به بعد الخروج ، وكلاهما جائز لكن الأول أولى.
وقال الشافعي ، وأحمد
: يكبر عند شروعه في الرفع . وقد سبق.
مسألة ٢٧٠
: يستحب الدعاء بين السجدتين عند علمائنا أجمع ـ وبه قال
الشافعي ـ لأن النبيّ 6 كان يقول بين السجدتين : ( اللهم اغفر لي ، وارحمني ، واجبرني
، وارزقني ، واهدني السبيل الأقوم ، وعافني ) .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 : « إذا رفعت رأسك بين السجدتين فقل : اللهم اغفر لي ، وارحمني ، واجبرني ، وعافني
، إني لما أنزلت إليّ من خير فقير ، تبارك الله ربّ العالمين » .
__________________
وأنكر ذلك أبو
حنيفة ، وقال أحمد : تكرر رب اغفر لي رب اغفر لي ، الواجب منه مرّة وأدنى الكمال
ثلاث . والأصل عدم الوجوب ، والنبيّ 6 لم يعلّمه الأعرابي .
مسألة ٢٧١
: جلسة الاستراحة مستحبة عند أكثر علمائنا ـ وبه قال
الشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين ـ لأن أبا حميد
الساعدي وصف صلاة النبيّ 6 إلى أن قال : ثم ثنّى رجليه فقعد عليها ، ثم هوى ساجدا ، فقال
: الله أكبر ، ثم ثنّى رجليه ، وقعد ، واعتدل ، ثم نهض .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 : « إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية حين تريد أن تقوم فاستو جالسا ، ثم قم »
.
وعن علي 7 كان إذا رفع رأسه
من السجود قعد حتى يطمئن ، ثم يقوم ، فقيل له : كان أبو بكر ، وعمر إذا رفعا من
السجود نهضا على صدور إقدامهما كما تنهض الإبل ؛ فقال : « إنما يفعل ذلك أهل
الجفاء من
__________________
الناس إن هذا من
توقير الصلاة » .
وقال المرتضى
بالوجوب لأنه مأمور به ، والأمر للوجوب . ونمنع الكبرى ؛ لأنّ زرارة قال : رأيت الباقر 7 ، والصادق 7 إذا رفعا رءوسهما
من الثانية نهضا ولم يجلسا .
وقال مالك ، والثوري
، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، والشافعي في القول الآخر ، وأحمد في الرواية الأخرى :
يقوم ولا يجلس . ورووه عن علي 7 ، وعمر ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس لأن وائل ابن حجر
روى أن النبيّ 6 كان إذا رفع رأسه من السجود استوى قائما بتكبيرة . ولا حجة فيه ؛
لأنه مندوب فجاز له تركه ليعلم ندبيته ، وللشافعية قول باستحبابها للضعيف لا
القويّ .
فروع :
أ ـ يستحب الدعاء
؛ لقول الصادق 7 : « إذا قمت من السجود قلت : اللهم رب بحولك وقوتك ، أقوم
وأقعد ، وإن شئت قلت : وأركع وأسجد » .
__________________
ب ـ يستحب الجلوس
متوركا كما تقدم ، وقال الشافعي : يجلس مفترشا كما بين السجدتين لأن النبيّ 6 ثنّى رجليه وقعد
واعتدل حتى يرجع كل عضو إلى موضعه . وأحمد وافقنا ليفرّق بينه وبين الجلوس بين السجدتين فيأمن الشك ، هل جلس
عن الأولى ، أو الثانية؟.
ج ـ قالت الشافعية
: إن قلنا بالجلوس أنهى التكبير حالة الجلوس ، ويقوم بغير تكبير ، وإن قلنا لا
يجلس أنهاه مع انتهاء الرفع وذلك عند ابتداء القيام. وقال بعضهم : يتم التكبير عند
انتهاء القيام فيمدّه . وقد بينا أنه يكبر عند انتهاء الجلوس.
مسألة ٢٧٢
: يستحب الاعتماد على يديه سابقا برفع ركبتيه عند القيام من
السجدة الثانية ، أو من جلسة الاستراحة عند علمائنا أجمع ـ وبه قال ابن عمر ، وعمر
بن عبد العزيز ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ـ لأن مالك بن
الحويرث لما وصف صلاة النبيّ 6 قال : فلمّا رفع رأسه من السجدة الأخيرة في الركعة الاولى
واستوى قاعدا ، قام واعتمد على الأرض بيديه .
ومن طريق الخاصة
قول محمد بن مسلم : رأيت الصادق 7
__________________
إذا سجد وأراد
القيام ، رفع ركبتيه قبل يديه ، ولأنه أشبه بالتواضع وأعون للمصلي.
وقال أبو حنيفة ، والثوري
: لا يعتمد على يديه بل يرفعهما أولا ويقوم على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه. وهو
رواية عن أحمد ، ورواه الجمهور عن علي 7 ، وابن مسعود لقول أبي هريرة : كان رسول الله 6 ينهض من الصلاة
معتمدا على صدور قدميه ، وخبرنا زائد والزائد أولى.
مسألة ٢٧٣
: يكره الإقعاء بين السجدتين ، وهو أن يعتمد بصدور قدميه على
الأرض ويجلس على عقبيه ، وقال بعض أهل اللغة : هو أن يجلس على ألييه ناصبا فخذيه
مثل إقعاء الكلب . وتفسير الفقهاء أولى لأن البحث على تقديره.
وبالكراهة قال علي
7 ، وأبو هريرة ، ومالك ، وقتادة ، والشافعي ، وأحمد ، وأصحاب الرأي ، وعليه
العمل عند أكثر أهل العلم ـ وفعله ابن عمرو قال : لا تفتدوا بي فإني قد كبرت ـ لأن عليا 7
__________________
قال : « قال رسول
الله 6 : ( لا تقع بين السجدتين ) » .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 : « لا تقع بين السجدتين » والنهي للكراهة لا التحريم ، لقول الصادق 7 : « لا بأس
بالإقعاء في الصلاة بين السجدتين » .
وللشافعي قول آخر
باستحبابه لأنّ طاوسا قال لابن عباس في الإقعاء على القدمين فقال :
هي السنّة . قال طاوس : رأيت العبادلة ـ ابن عمر ، وابن الزبير ، وابن
العباس ـ يقعون بين السجدتين .
والأصح الأول ؛
لأنّ أبا حميد الساعدي لمّا وصف جلوسه 7 في ( عشرة ) من الصحابة قال : ثم ثنى رجله اليسرى فقعد عليها ثم هوى
ساجدا ، فصدقه كلهم .
مسألة ٢٧٤
: يستحب له رفع اليدين بالتكبير عند القيام من السجود ، وبالجملة
عند كل تكبير ، وبه قال ابن المنذر ، قال : وهذا باب ( أغفله ) كثير من أصحابنا
قد ثبت فيه حديث أبي حميد
__________________
الساعدي ، وروي في حديث
علي 7 أيضا ، ولأنه ابتداء ركعة فكان بمنزلة تكبيرة الافتتاح.
وقال الشافعي : لا
يستحب الرفع ، لأن ابن عمر قال : رأيت رسول الله 6 إذا افتتح الصلاة
رفع يديه حذو منكبيه ، وإذا أراد أن يركع ، وبعد ما رفع ، ولا يرفع بين السجدتين ، ولأنها تكبيرة
يتصل طرفها بسجود أو قعود فلا يرفع يديه فيها كتكبيرة السجود من القيام. ولا تقبل
رواية النفي مع الإثبات ، والحكم في الأصل ممنوع.
مسألة ٢٧٥
: قد بينا وجوب وضع الجبهة على الأرض ، فإن كان عليها دمل
حفر حفيرة ليقع الدمل فيها ، والصحيح على الأرض لأن مصادفا قال : خرج بي دمل فكنت
أسجد على جانب ، فرآني الصادق 7 فقال : « ما هذا؟ » فقلت : لا استطيع أن أسجد لمكان الدمل.
فقال : « احفر حفيرة واجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع جبهتك على الأرض » .
فإن كانت مستوعبة
سجد على أحد اللحيين ؛ لأنه أشبه بالسجود على الجبهة من الإيماء ، والإيماء سجود
مع تعذر الجبهة فالجبين أولى.
فإن تعذّر سجد على
ذقنه وهو مجمع اللحيين ؛ لقوله تعالى ( يَخِرُّونَ
لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) وإذا صدق عليه اسم السجود وجب أن يكون مجزئا ، وقد سئل
الصادق 7 عمّن بجبهته علّة لا يقدر على السجود عليها ،
__________________
فقال : « يضع ذقنه
على الأرض ، إن الله سبحانه يقول ( يَخِرُّونَ
لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) » فإن تعذّر أومأ.
مسألة ٢٧٦
: لو عجز عن التنكيس ـ وهو الانحناء إلى أن تستعلي الأسافل ـ
لمرض ، وجب وضع وسادة ليضع الجبهة عليها أو رفع ما يسجد عليه عند علمائنا ـ وبه
قال أحمد ـ لأن السجود فرض فيجب أن يؤدّى على القدر الممكن ، ولأنه
أشبه بالسجود من الإيماء ، وقول الصادق 7 : « وإن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد » ، ولأن على
الساجد هيئة التنكس ووضع الجبهة فلا يسقط الثاني بتعذر الأول.
وقال أبو حنيفة :
لا يجب . وللشافعي قولان : أحدهما : وجوبه ، والآخر : وجوب الهوي
بقدر الإمكان لأن هيئة السجود فاتته ، وإن وضع الجبهة فيكتفي بالانحناء المقدور
عليه ، ولو تعذر رفع شيء أجزأه الإيماء إجماعا ، ولو عجز عن الطمأنينة سقطت.
مسألة ٢٧٧
: يجب أن لا يقصد بهويّه غير السجود ، فلو سقط لا للسجود لم
يجزئه ، والأقرب بطلان الصلاة لوجود ما ينافيها ، ولأنه تغيير لهيئة الصلاة ، ولو
أراد السجود فسقط من غير قصد أجزأته إرادته السابقة ، إذ لا يجب في كل فعل تجديد
قصد مقارن على التفصيل ، ولو لم تسبق منه نيّة السجود ففي الإجزاء إشكال أقربه ذلك
، لأنه لم يخرج بذلك عن هيئة الصلاة ونيّتها.
__________________
ولو هوى ليسجد
فسقط على بعض جسده ثم انقلب على وجهه فماست جبهته الأرض ، قال الشافعي : لا يعتد
بهذا السجود لأنه لم يرده بانقلابه وإنما أراد انقلابه فقطع بذلك نية السجود كما
لو نوى الطهارة ثم نوى بغسل بعض الأعضاء التبرد ، وقطع بذلك نيّة الطهارة .
ولو انقلب يريده
أجزأه فلو سجد فعرض له ألم ألقاه على جنبه ثم عاد للسجود ، فإن تطاول انقلابه لم
يجزئه ، وإلاّ أجزأه لبقائه على النيّة.
مسألة ٢٧٨
: ويجب الاعتماد على موضع السجود فلا يتحامل عنه بثقل رأسه
وعنقه ، ولو كان يسجد على قطن ، أو حشيش ثقّل عليه حتى ينكبس وتمكن جبهته عليه.
ويجب أن يجافي بطنه عن الأرض فلو أكب على وجهه ومدّ يديه ورجليه ووضع جبهته على
الأرض منبطحا لم يجزئه ؛ لأن ذلك لا يسمّى سجودا. ولو كان به مرض ولا يتمكن من
السجود إلاّ على هذا الوجه أجزأه. وهل يجب أن يلقى الأرض ببطون راحتيه ، أو يجزئه
إلقاء زنديه؟ ظاهر كلام الأصحاب الأول ، وكلام المرتضى الثاني.
ولو ضم أصابعه إلى
كفه ، وسجد عليها ، ففي الإجزاء إشكال أقربه المنع ؛ لأنه 7 جعل يديه
مبسوطتين حالة السجود . ولو قلب يديه وسجد على ظهر راحتيه لم يجزئه ـ وبه قال
الشافعي ـ لأنّه مناف لفعله 7.
ويستحب أن يفرج
بين رجليه في السجود ؛ لأنه 7 صلّى
__________________
كذلك ـ وبه قال
الشافعي ـ وهل يجزئه وضع الأصابع دون الكف وبالعكس؟ الأقرب ذلك ، وبه
قال الشافعي .
مسألة ٢٧٩
: المريض الذي يصلي مضطجعا يومئ برأسه بالركوع والسجود ، ويجعل
إشارته بالسجود أخفض من إشارته بالركوع ، فإن عجز عن الإشارة بالرأس أومأ بطرفه ، فإن
عجز عن ذلك تفكّر بقلبه.
ولا يسقط فرض
الصلاة ما دام عقله تاما ـ وبه قال الشافعي ـ للعموم ، ولما رووه عن علي 7 : « فإن لم يستطع صلّى مستلقيا على قفاه ورجلاه إلى القبلة
وأومى بطرفه » .
وقال أبو حنيفة :
إذا عجز عن الإشارة بالرأس سقط عنه فرض الصلاة . وقد تقدم.
خاتمة : السجدات
الخارجة عن الصلاة ثلاث :
الأولى : سجدة التلاوة وهي في خمسة عشر موضعا : في الأعراف ، والرعد ، والنحل ، وبني
إسرائيل ، ومريم ، والحج في موضعين ،
__________________
والفرقان ، والنمل
، والم تنزيل وهي سجدة لقمان ، وص ، وحم السجدة ، والنجم ، والانشقاق ، واقرأ باسم
ربّك ، ثلاث منها في المفصل وهي النجم ، والانشقاق ، واقرأ عند علمائنا ، لأن عبد
الله بن عمرو بن العاص قال : أقرأني رسول الله 6 خمس عشرة سجدة ثلاث في المفصل ، وسجدتان في الحج .
والخلاف مع
الجمهور في المفصّل ، والثانية في الحج ، و « ص » ، فأما المفصّل فقال الشافعي
في القديم : ليس فيه سجود ـ وبه قال مالك في المشهور عنه ـ لان ابن عباس
روى أن النبيّ 6 لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة .
وقال في الجديد :
فيه سجود ـ وبه قال أبو حنيفة ، وأحمد ، وإسحاق ـ كما قلناه نحن
، لأن أبا رافع صلّى خلف أبي هريرة العتمة فقرأ إذا السماء انشقت وسجد ، فقلت : ما
هذه السجدة؟ فقال : سجدت
__________________
فيها خلف أبي
القاسم 6 ولا أزال أسجدها حتى ألقاه . وأبو هريرة متأخر أسلم بالمدينة ، وهو مثبت فيقدم
على النافي.
وقال أبو ثور :
ليس في النجم خاصة سجدة . ويدفعه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص .
وأما الحج فقال
الشافعي كقولنا بالسجدتين فيها ـ وبه قال أحمد وإسحاق ، وأبو ثور ـ لأن عقبة بن
عامر قال : قلت لرسول الله 6 : في سورة الحج سجدتان؟ فقال : ( نعم من لم يسجدهما فلا
يقرأهما ) وسجدهما علي 7 ، وعمر ، وابن عباس ، وأبو الدرداء ، وأبو موسى الأشعري ، وابن
عمر . قال أبو إسحاق : أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين ، وهذا إجماع.
وقال أبو حنيفة ، ومالك
: الثانية ليست سجدة ؛ لأنه جمع فيها بين
__________________
الركوع والسجود فقال ( ارْكَعُوا
وَاسْجُدُوا ) كقوله لمريم : ( وَاسْجُدِي
وَارْكَعِي ) ولا حجة فيه.
وأما ( ص ) ، فعند
الشافعي أنها سجدة شكر ليست من سجود التلاوة ـ وبه قال أحمد في إحدى الروايتين ـ لأن النبيّ 6 قرأ على المنبر (
ص ) فلمّا بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه فلمّا كان يوم آخر قرأها فلمّا بلغ
السجود ( تشزن ) الناس للسجود ، فقال : ( إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم
تشزنتم للسجود فنزلت وسجدت ) فبيّن أنها توبة وليست سجدة.
وقال أبو حنيفة ، ومالك
، وأبو ثور ، وإسحاق ، وأحمد في الرواية الأخرى : إنها من عزائم السجود لحديث عبد الله
بن عمرو بن العاص ، وعن ابن عباس أن النبي 6 سجدها ،
__________________
وروى غيره أنه
سجدها وقرأ ( أُولئِكَ الَّذِينَ
هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) .
مسألة ٢٨٠
: موضع السجود في ( حم ) عند قوله تعالى ( وَاسْجُدُوا لِلّهِ
الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ ) ـ وبه قال ابن عمر ، والحسن البصري ، ومالك ، وحكاه مسروق
عن أصحاب ابن مسعود ـ لأن الأمر بالسجود فيها فيجب عندها.
وقال الشافعي : في
الآية الثانية عند قوله ( وَهُمْ لا
يَسْأَمُونَ ) ـ وبه قال سعيد بن المسيب ، والنخعي ، والثوري ، وأبو
حنيفة ، وأحمد ، وهو مروي عن ابن عباس ـ لأن تمام الكلام في الثانية فكان السجود عقيبها ، وأولوية
السجود عند الذكر راجحة عليه عند التتمة.
أما الأعراف
فآخرها ( وَلَهُ يَسْجُدُونَ ) والرعد (
وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ) والنحل ( وَيَفْعَلُونَ ما
يُؤْمَرُونَ ) وبني إسرائيل : ( وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً
) ومريم ( خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا ) والحج : ( يَفْعَلُ
__________________
ما يَشاءُ ) (
وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ) والفرقان ( وَزادَهُمْ نُفُوراً ) والنمل : ( رَبُّ
الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) والم تنزيل ( وَهُمْ لا
يَسْتَكْبِرُونَ ) والنجم : ( فَاسْجُدُوا لِلّهِ ) والانشقاق ( وَإِذا
قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ ) والقلم ( وَاسْجُدْ
وَاقْتَرِبْ ) .
مسألة ٢٨١
: سجود التلاوة واجب في العزائم الأربع : سجدة لقمان ، وحم ،
والنجم ، والقلم. ومستحب في البواقي عند علمائنا أجمع ؛ لأنّ عليا 7 قال : « عزائم
السجود أربع » وقال الصادق 7 : « إذا قرئ شيء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد ، وان
كنت على غير وضوء ، وان كنت جنبا ، وان كانت المرأة لا تصلي ، وسائر القرآن أنت
فيه بالخيار » ولأنها تتضمن الأمر بالسجود فتكون واجبة ؛ لأن الأمر
للوجوب ، وغير الأربع ليس بصريح في الأمر فيكون ندبا.
وقال أبو حنيفة ، وأصحابه
: السجود واجب في الجميع ولم يفصل لقوله تعالى ( وَإِذا قُرِئَ
عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ ) وهذا ذم ، ولأنه
__________________
سجود يفعل في
الصلاة فكان واجبا كسجودها ، والذم على ترك السجود الواجب وهي العزائم الأربع ، أو
غير معتقد فضله ولا مشروعيته. ونمنع المشترك ، وينتقض بسجود السهو فإنه ليس بواجب
عندهم.
وقال مالك ، والأوزاعي
، والليث ، والشافعي ، وأحمد : الكل مستحب ، لأن عمر خطب يوم الجمعة ولم يسجد في
النحل . ونقول بموجبه فإنه ليس بواجب عندنا.
مسألة ٢٨٢
: وتجب الأربع على القاري والمستمع بلا خلاف عندنا وعند
الموجبين ، ومستحب في الباقي عندنا لهما وعند الباقين لأن ابن عمر قال : كان رسول
الله 6 يقرأ علينا السورة في غير الصلاة فيسجد ونسجد معه حتى لا يجد أحدنا مكانا
لموضع جبهته .
أما السامع غير
القاصد للسماع فيستحب في حقه في الجميع عندنا عملا بالأصل ، ولقول الصادق 7 وقد سأله عبد
الله بن سنان عن رجل يسمع السجدة تقرأ قال : « لا يسجد إلاّ أن يكون منصتا ، مستمعا
لها ، أو يصلّي بصلاته ، فأما أن يكون يصلّي في ناحية وأنت في ناحية فلا تسجد لما
سمعت » .
وقال أبو حنيفة :
يجب على السامع أيضا. ونحوه عن ابن عمر ،
__________________
والنخعي ، وسعيد
بن جبير ، ونافع ، وإسحاق ، لأنه سامع للسجدة فأشبه المستمع.
وقال الشافعي : لا
أوكد عليه السجود ، وإن سجد فحسن .
وقال مالك ، وأحمد
: لا يستحب للسامع ، وهو مروي عن عثمان ، وابن عباس وعمران بن الحصين ، لأن عثمان مرّ
بقاص فقرأ القاص سجدة ليسجد عثمان معه فلم يسجد وقال : إنما السجدة على من استمع .
مسألة ٢٨٣
: هذا السجود ليس بصلاة ، ولا بجزء منها فلا يشترط فيه ما
يشترط في الصلاة عند علمائنا ـ وبه قال عثمان ، وسعيد بن المسيب ، والشعبي ـ عملا بالأصل ، وقول
الصادق 7 : « فاسجد وإن كنت على غير وضوء ، وإن كنت جنبا ، وإن كانت المرأة لا تصلّي »
.
وقال الشافعي ، وأحمد
، وأبو حنيفة ، ومالك : تشترط الطهارة من الحدث والخبث ، وستر العورة ، والاستقبال
لقوله 6 :
__________________
( لا يقبل الله
صلاة بغير طهور ) فيدخل في عمومه السجود ، ولأنّ ما نافى الصلاة نافى السجود
كالكفر.
ولا دلالة في
الخبر ؛ لأنها ليست صلاة ، والكفر مناف للعبادات الواجبة والمندوبة المشروطة فيها
الطهارة وغير المشروطة بها.
أما النية فلا بدّ
منها ؛ لأنه فعل مشترك فيفتقر التخصيص إلى نيته.
فروع :
أ ـ لو سمع السجود
وهو على غير طهارة لم يلزمه الوضوء ولا التيمم ـ وبه قال أحمد ـ لأنها تتعلق
بسبب فإذا فات لم يسجد كما لو قرأ سجدة في الصلاة فلم يسجد لم يسجد بعدها ، ونحن
نوجب السجود ، أو نستحبه وإن لم يتطهر ؛ لعدم اشتراط الطهارة كما تقدم.
وقال النخعي :
يتيمم ويسجد ، وعنه : يتوضأ ويسجد ، وبه قال الثوري وأصحاب الرأي .
ب ـ لو توضأ سجد ،
وقال أحمد : لا يسجد ؛ لفوات سببها ، ولا يتيمم لها مع وجود الماء .
ج ـ لو عدم الماء
فتيمم سجد عندنا ، وبه قال أحمد إذا لم يطل ؛ لعدم بعد سببها ، بخلاف الوضوء عنده
.
مسألة ٢٨٤
: ولا تكبير فيها للسجود عندنا ـ وبه قال أبو حنيفة في
رواية ،
__________________
وابن أبي هريرة ـ عملا بالأصل ، قال
الشيخ : ويكبّر للرفع منه لقول الصادق 7 : « إذا قرأت السجدة فاسجد ، ولا تكبّر حتى ترفع رأسك » وقال 7 فيمن يقرأ السجدة
من القرآن من العزائم : « فلا يكبّر حين يسجد ولكن يكبّر حين يرفع رأسه » .
وقال الشافعي : إن
كان في غير صلاة نوى الساجد ، وكبّر للافتتاح ، ورفع يديه حذو منكبيه كما في
افتتاح الصلاة ـ خلافا لأبي حنيفة في الرفع ـ ثم يكبّر
تكبيرة أخرى للهويّ من غير رفع ، فإذا رفع رأسه كبّر.
وفي وجه : لا يكبّر
للافتتاح.
ثم هو مستحب أو
شرط؟ وجهان.
وإن كان في الصلاة
فلا يكبّر للافتتاح ، ويكبّر للهوي من غير رفع اليدين ثم يكبّر عند رفع الرأس .
وقال ابن أبي
هريرة : لا يكبّر للسجود ، ولا للرفع في غير الصلاة .
وقال النخعي ، وأحمد
، وأصحاب الرأي ـ كقول الشافعي ـ : باستحباب التكبير للسجود ، والرفع منه ؛ لأنها
صلاة ذات سجود فوجب أن
__________________
تفتقر إلى تكبيرة
الإحرام كسائر الصلوات . والصغرى ممنوعة.
فروع :
أ ـ منع أحمد من
تثنية التكبير في الابتداء وإن كان خارجا من الصلاة ، وقال الشافعي :
إذا سجد خارجا من الصلاة كبّر واحدة للافتتاح ، واخرى للسجود ؛ لأنها صلاة فيكبّر
للافتتاح غير تكبيرة السجود . والصغرى ممنوعة.
ب ـ قال الشافعي ،
وأحمد : يرفع يديه عند تكبيرة الابتداء إن كان في غير الصلاة ؛ لأنها تكبيرة
إحرام . وإن سجد في الصلاة ، قال أحمد : يرفع ، خلافا للشافعي .
ج ـ ليس فيها ذكر
موظف ؛ لأصالة براءة الذمة فإن الأمر تعلق بالسجود خاصة ، وقال أحمد : يقول ما
يقول في سجود صلب صلاته . وهو ممنوع ، نعم يستحب الذكر.
مسألة ٢٨٥
: وليس في سجود التلاوة تشهد ، ولا تسليم عند علمائنا أجمع
ـ وهو قول أبي حنيفة ، وأحد قولي الشافعي ـ لأن الأمر بالسجود
__________________
لا يتناول غيره
فيكون منفيا بالأصل ، ولأنه لم ينقل عن النبيّ 6 ولا عن أحد من الأئمة : تشهد ولا تسليم ، ولأن التشهد في مقابلة القيام ولا قيام ،
ولأنه لا تشهد فيه عند أحمد فلا يستحب له التسليم كغير الصلاة ، وبه قال النخعي ، والحسن
، وسعيد بن جبير .
وقال بعض الشافعية
: يتشهد ؛ لأنه سجود يحتاج إلى الإحرام والسلام فيكون كسجود الصلاة . والصغرى ممنوعة
، وهو خلاف نص الشافعي .
والقول الثاني
للشافعي : أنه يسلّم من غير تشهد ـ وبه قال أحمد ـ لقوله 6 : ( تحريمها
التكبير وتحليلها التسليم ) ولأنّها ذات تكبيرة إحرام فافتقرت إلى التسليم. والصغرى
ممنوعة ، وضمير الحديث راجع إلى الصلاة.
إذا ثبت هذا
فاختلفت الرواية عن أحمد فروي إيجاب تسليمتين ، وروي واحدة .
مسألة ٢٨٦
: لا يقوم الركوع مقام السجود عند علمائنا أجمع ـ وبه قال
الشافعي ، وأحمد ـ لأنه سجود مشروع فلا يقوم الركوع مقامه كسجود الصلاة ، ولأن
الأمر ورد بالسجود والركوع مغاير.
__________________
وقال أبو حنيفة :
يقوم مقامه استحسانا ؛ لقوله تعالى ( وَخَرَّ راكِعاً
وَأَنابَ ) وإنما يقال : خرّ ساجدا لا راكعا فعبّر بالركوع عن السجود
مجازا ، ولأن المروي عن داود [ 7 ] السجود .
مسألة ٢٨٧
: يجوز السجود في الأوقات المكروهة عند علمائنا ـ وبه قال الحسن
، والشعبي ، وسالم ، وعطاء ، وعكرمة ، والشافعي ، وأحمد في رواية ـ لإطلاق الأمر
بالسجود فيتناول بإطلاقه جميع الأوقات ، ولأنها ذات سبب.
وقال أبو ثور ، وابن
عمر ، وسعيد بن المسيب ، وأحمد في رواية ، وإسحاق : إنّه لا يسجد لقوله 7 : ( لا صلاة بعد
الفجر حتى تطلع الشمس ، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس ) ونحن نقول بموجبه
فإنها ليست صلاة ، وكره مالك قراءة السجدة في وقت النهي .
مسألة ٢٨٨
: لا يشترط لسجود المستمع سوى الاستماع لعموم الأمر ، وقال
مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وقتادة : يشترط كون التالي ممّن يصلح أن يكون
إماما للمستمع ، فإن كان التالي امرأة أو خنثى مشكلا لم يسجد الرجل باستماعه منهما
، ولو كان التالي أمّيا سجد القارئ المستمع
__________________
لسجوده ؛ لأن
القراءة ليست بركن في السجود ، وإن كان صبيا ففي سجود الرجل بسجوده عند أحمد وجهان
بناء على صحة إمامته ، والكل عندنا باطل ؛ لما تقدم.
ولو لم يسجد
التالي سجد المستمع عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي ـ لأن السبب وهو
الاستماع موجود.
وقال أحمد : لا
يسجد ؛ لأنه تابع له فإنّ الاستماع إنما يحصل بالقراءة ، ولا يسجد بدون سجوده . وهو ممنوع.
ولا فرق بين أن
يكون التالي إماما ، أو لا.
وقال الشافعي : إن
كان التالي إماما ولم يسجد تبعه في تركها كما يتبعه في ترك سائر المسنونات .
وتحقيق مذهبنا أن
الإمام إن كان ممّن يقتدى به وقرأ العزيمة في فرض ناسيا أومأ بالسجود عند آيته ، وكذا
المأموم ، وإن كان في نافلة تسوغ فيها الجماعة فإن سجد الإمام سجد المأموم ، وكذا
إن لم يسجد إن كانت السجدة عزيمة ، وإلاّ فلا ، وإن كان ممّن لا يقتدى به وقرأ في
فرض لم يتابعه المأموم في سجوده بل يومئ ، وإن لم يسجد الإمام تابعه في الترك
وأومى.
ولو كان التالي في
غير الصلاة والمستمع في الصلاة حرم عليه الاستماع فإن فعله احتمل السجود إذا فرغ ـ
وبه قال أبو حنيفة ـ لوجود سبب
__________________
( السجود ) وامتنع منه لعارض
فإذا زال سجد ، والإيماء.
وقال الشافعي ، وأحمد
: لا يسجد ؛ لأن سببها لم يوجد في صلاته ، ولا يسجد إذا فرغ وإن كان التالي
في صلاة والمستمع في غير الصلاة سجد.
مسألة ٢٨٩
: لو قرأ السجدة ماشيا سجد فإن لم يتمكن أومى ـ وبه قال أبو
العالية ، وأبو زرعة ، وأحمد ، وأصحاب الرأي ـ وقال عطاء ، ومجاهد : يومئ .
وإن كان راكبا سجد
على راحلته إن تمكن ، وإلاّ نزل ، وفعله علي 7 ، وابن عمر ، وابن الزبير ، والنخعي ، وعطاء ، وبه قال
مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأصحاب الرأي ، ولا نعلم فيه خلافا ؛ لأن رسول الله 6 قرأ عام الفتح
سجدة فسجد الناس كلهم منهم الراكب والساجد في الأرض ، حتى أن الراكب يسجد على يده .
قيل : يكره اختصار
السجود وهو أن ينتزع الآيات التي فيها السجود فيقرأها ويسجد فيها. وبه قال الشعبي
، والنخعي ، والحسن ، وإسحاق ، ورخص فيه أبو حنيفة ، ومحمد ، وأبو ثور ، وقيل : اختصار
السجود أن
__________________
يقرأ القرآن ويحذف
آيات السجود . والأخير عندي أولى.
مسألة ٢٩٠
: لو فاتت ، قال في المبسوط : يجب قضاء العزائم ، وفي الندب
هو بالخيار ، وقال في الخلاف : تعلّقت ذمته بفرض أو سنة ولا تبرأ إلاّ
بقضائه . ويحتمل أن يقال بالأداء لعدم التوقيت.
وقال الشافعي :
إذا لم يسجد في موضع السجود لم يسجد بعد ذلك ، لأنها تتعلق بسبب فإذا فات سقطت ، ولأنه
لا يتقرب إلى الله تعالى بسجدة ابتداء كصلاة الاستسقاء . والكبرى ممنوعة
في الأول ، والصغرى في الثاني ؛ لأنها عندهم صلاة ، وتارك الصلاة يجب عليه قضاؤها
، وله قول : بالقضاء .
ولو كرر آية
السجدة في مجلس واحد ولم يسجد للمرة الأولى احتمل الاكتفاء بسجدة واحدة ـ وبه قال
الشافعي ـ ووجوبهما معا. ولو سجد للأولى سجد للثانية أيضا لوجود
السبب. وقال أبو حنيفة : تكفيه الاولى . وللشافعي قولان : أظهرهما الأول .
أما لو طال الفصل
فإنه يسجد مرة أخرى ، والركعة الواحدة في الصلاة كالمجلس الواحد عند الشافعي ، والركعتان
كالمجلسين .
__________________
الثانية : سجدة الشكر ، وهي مستحبة عقيب الفرائض ، وعند تجدد النعم ، ودفع
النقم عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ، وأحمد ـ لأن رسول الله 6 كان إذا جاءه شيء
يسره خرّ ساجدا .
وقال عبد الرحمن
بن عوف : سجد رسول الله 6 فأطال فسألناه فقال : ( أتاني جبرئيل فقال : من صلّى عليك
مرّة صلّى الله تعالى عليه عشرا فخررت شكرا لله ) .
وسجد علي 7 شكرا يوم
النهروان لمّا وجدوا ذا الثدية وسجد أبو بكر لمّا بلغه فتح اليمامة ، وقتل مسيلمة .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 : « سجدة الشكر واجبة على كل مسلم تتم بها صلاتك ، وترضي بها ربك ، وتعجب
الملائكة منك ، وأن العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تعالى الحجاب بين
الملائكة وبين العبد » .
وقال مالك : إنه
مكروه . وقال الطحاوي : وأبو حنيفة لا يرى
__________________
سجود الشكر شيئا ، وروى محمد عن
أبي حنيفة الكراهة ، ومحمد لا يكرهه .
واحتجوا بأن
النبيّ 6 قد كانت في أيامه الفتوح واستسقى على المنبر وسقي ولم ينقل أنه سجد . وتركه أحيانا لا
ينفي الاستحباب.
فروع :
أ ـ يستحب عقيب
الصلوات على ما بينا ـ خلافا للجمهور ـ لأنها مظنّة التعبد ، وموضع الخضوع ، والشكر على التوفيق
لأداء العبادة ، وحديث الصادق 7 يدل عليه.
ب ـ يستحب فيها
التعفير عند علمائنا ـ ولم يعتبره الجمهور ـ لأنها وضعت للتذلل والخضوع بين يدي
الرب ، والتعفير أبلغ في الخضوع والذل ، وقال إسحاق بن عمار : سمعت الصادق 7 يقول : « كان
موسى بن عمران 7 إذا صلّى لم ينفتل حتى يلصق خده الأيمن بالأرض ، وخده
الأيسر بالأرض » قال إسحاق : رأيت من يصنع ذلك ، قال محمد بن سنان : يعني موسى بن
جعفر 8 ، في الحجر في جوف الليل .
__________________
ج ـ يستحب الدعاء
بما روي ، أو بما يتخيره الإنسان من الأدعية ، ويستحب أن يقول : شكرا شكرا مائة
مرّة ، وإن قال : عفوا عفوا جاز.
د ـ روى هارون بن
خارجة عن الصادق 7 قال : « إذا أنعم الله عزّ وجلّ عليك بنعمة فصلّ ركعتين تقرأ
في الأولى بفاتحة الكتاب ، وقل هو الله أحد ، وتقرأ في الثانية بفاتحة الكتاب ، وقل
يا أيها الكافرون ، وتقول في الركعة الاولى في ركوعك وسجودك : الحمد لله شكرا شكرا
وحمدا ، وتقول في الركعة الثانية في ركوعك وسجودك : الحمد لله الذي استجاب دعائي ،
وأعطاني مسألتي » .
هـ ـ الأقرب
استحباب السجدة عند تذكر ( النعمة ) وإن لم تكن
متجددة ـ خلافا للجمهور ـ لأن دوام النعمة نعمة ، وعن إسحاق بن عمار قال : « إذا
ذكرت نعمة الله عليك وكنت في موضع لا يراك أحد فألصق خدك بالأرض ، وإذا كنت في ملء
من الناس فضع يدك على أسفل بطنك ، وأحن ظهرك ، وليكن تواضعا لله ، فان ذلك أحب » .
__________________
و ـ يستحب السجود
إذا رأى مبتلى ببليّة أو فاسقا شكرا لله وستره عن المبتلى لئلاّ يتأذى به ، ويظهره
للفاسق ليرجع عن فسقه.
ز ـ ليس في سجود
الشكر تكبير الافتتاح ، ولا تكبير السجود ، ولا تشهد ، ولا تسليم.
وقال في المبسوط :
يستحب التكبير لرفع رأسه من السجود . وقال الشافعي : إنه كسجود التلاوة . والمعتمد ما
قلناه للامتثال بإيقاعه كيف كان.
ح ـ هل يجب وضع
الأعضاء السبعة في السجود الواجب في التلاوة ، ويستحب في مندوبها ، والشكر؟ إشكال
ينشأ من أصالة البراءة وصرف السجود إلى وضع الجبهة ، ومن صرف السجود في الصلاة إلى
ما وضع فيه الأعضاء.
ط ـ يجوز أن يؤدي
هذا السجود ، وسجود التلاوة أيضا على الراحلة عندنا ـ خلافا للشافعي ـ لحصول المسمى.
ي ـ لو تجددت عليه
نعمة وهو في الصلاة فإنه لا يسجد فيها ؛ لأن سبب السجدة ليس منها ، وبه قال
الشافعي . لكن لو قرأ ( ص ) فإن سجدتها عنده للشكر فهل يسجد؟ وجهان
: السجود ؛ لأن سببه وجد في الصلاة ، والعدم ؛ لأنها سجدة شكر ، وليست متعلقة
بالتلاوة .
الثالثة : سجدة
السهو ، وسيأتي البحث فيها إن شاء الله تعالى.
__________________
البحث السابع : في التشهد
التشهد واجب في كل
ثنائية مرّة في آخرها ، ومرتين في الثلاثية بعد الثانية والثالثة ، والرباعية بعد
الثانية والرابعة ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الليث بن سعد ، وإسحاق ، وأبو ثور
، وداود ، وأحمد في رواية ـ لأن النبيّ 6 فعل ذلك وداوم عليه ، وكذا الصحابة والأئمة : ، وأمر به النبيّ
6 في حديث ابن عباس ، والأمر للوجوب ، وسجد ابن عباس لما نسيه ، وعن ابن مسعود
: علّمني رسول الله 6 التشهد في وسط الصلاة وآخرها . ومن طريق الخاصة
ما رواه البزنطي : « التشهد تشهدان في الثانية ، والرابعة » .
وقال الشافعي :
الأول سنة ، وكذا الجلوس فيه ـ وبه قال مالك ، وأبو حنيفة ، وأحمد في رواية ـ لأنه
يسقط بالسهو فأشبه السنن . وهو ممنوع
__________________
لقول الصادق 7 وقد سئل عن الرجل
ينسى التشهد ، قال : « يرجع فيتشهد » .
وأوجب الشافعي
التشهد الأخير ، وهو الذي يتعقبه التسليم ، سواء كانت الصلاة ثنائية ، أو ثلاثية ،
أو رباعية ـ وبه قال عمر ، وابنه ، وأبو مسعود البدري ، والحسن البصري ، وأحمد كما
قلناه ـ لأن ابن مسعود قال : كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد : السلام على الله
قبل عباده ، السلام على جبرئيل وميكائيل ، السلام على فلان ، فقال النبيّ 6 : ( لا تقولوا :
السلام على الله فإن الله هو السلام ، ولكن قولوا : التحيات لله ، إلى آخره ) ولأنه ذكر قدّر
به ركن من أركان الصلاة فكان واجبا كالقراءة.
وقال مالك ، وأبو
حنيفة ، والثوري : إنه غير واجب كالأول ، إلاّ أنّ أبا حنيفة يقول : الجلوس في الثاني قدر التشهد
واجب ، لأن النبيّ 6 لم يعلّمه الأعرابي ، ولأنه أحد التشهدين فلم يكن واجبا كالأول. ونمنع عدم
تعليم التشهد ، أو أنه كان يعرفه ، أو كان قبل فرضه. ونمنع عدم وجوب الأول ، وقد
سبق ، وأيضا الفرق : أن محله غير واجب عندهم ، والثاني قدّر به ركن.
__________________
مسألة ٢٩١
: يجب فيه الجلوس بقدره مطمئنا في الأول والثاني ، فلو شرع
فيه قبل انتهاء رفعه من السجدة أو شرع في النهوض قبل إكماله متعمدا ، بطلت صلاته
عند علمائنا ـ وبه قال في الثاني أبو حنيفة ، والشافعي ، وأحمد ـ لأن النبيّ 6 داوم عليه ، وكذا
الصحابة والتابعون ، وهو يعطي الوجوب ، ولأنه 7 فعله بيانا.
إذا ثبت هذا فعلى
أي هيئة جلس أجزأه للامتثال بأيّ نوع ، إلاّ أن الأفضل التورك فيهما ـ وبه قال
مالك ـ لقول ابن مسعود : كان رسول الله 6 يجلس وسط الصلاة وآخرها متوركا .
ومن طريق الخاصة
قول الباقر ، والصادق 8 : « إذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض ، وفرّج بينهما
، وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض ، وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى ، وأليتاك
على الأرض وطرف إبهام اليمنى على الأرض ، وإياك والقعود على قدميك .. فلا تصبر
للتشهد والدعاء » .
وقال الشافعي :
الجلسات في الصلاة أربع : الجلسة بين السجدتين ، والتشهّد الأخير ، وهما واجبتان ،
وجلسة التشهد الأول ، وجلسة الاستراحة وهما مستحبتان.
ويستحب في جميع
الجلسات الافتراش بأن يفرش رجله اليسرى
__________________
ويجلس عليها ، وينصب
اليمنى إلاّ التشهد الأخير الذي يتعقبه التسليم وإن كان واحدا فإنه يستحب فيه
التورك لحديث أبي حميد الساعدي : فلما جلس بين السجدتين ثنّى رجله
اليسرى فجلس عليها ، ونصب قدمه اليمنى ، وإذا جلس في الأربع أماط رجليه عن وركه
وأفضى بمقعدته إلى الأرض ونصب وركه اليمنى ، وقد ضعّفه الطحاوي فلا حجة فيه .
وقال أبو حنيفة
والثوري : يجلس في جميعها مفترشا لقوله 7 : ( إذا جلست فاجعل عقبك تحت أليتيك ) قال الشافعي : لو
أدرك من الصبح ركعة مع الإمام قعد معه مفترشا ويتورك في الثاني ، ولو أدرك الثانية
من المغرب جلس أربع مرات يفترش في ثلاثة ويتورك في الأخير .
مسألة ٢٩٢
:
ويجب فيه الشهادتان بالتوحيد ، والرسالة في الأول والثاني عند علمائنا أجمع ـ وبه قال كل من أوجبه ـ قال محمد بن مسلم
للصادق 7 : التشهد في الصلاة قال : « مرتان » قلت : وكيف مرتان؟ قال : « إذا استويت
جالسا فقل : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله » .
وأقل الواجب فيه
الشهادتان ؛ لقول سورة بن كليب ، قلت : أدنى ما يجزي من التشهد؟ قال : « الشهادتان
». وقول الباقر 7 وقد سأله زرارة ما يجزي من التشهد في الأخريين؟ قال : «
الشهادتان » .
__________________
وقال الشافعي :
يجب خمس كلمات ، أن يقول : التحيات الله ، السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله ، السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأن محمدا رسول الله
؛ لاختلاف ورود الأخبار وسقوط ما سوى هذا في بعضها .
ونحن لا نوجب
التحيات ؛ للأصل ، وقول محمد بن مسلم للصادق 7 قلت : قول العبد : التحيات لله والصلوات الطيبات ، قال : «
ذلك اللطف يلطف العبد ربه » وأيضا لو وجب لتواتر ؛ لأنه ممّا تعم به البلوى ، ولأن
الواجب التشهد وهو مأخوذ من الشهادة ولفظ التحيات ليس منها.
ونمنع من تقديم :
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وتبطل به الصلاة ؛ لأن التسليم مخرج عن
الصلاة لقوله 6 : ( تحليلها التسليم ) .
لا يقال : المخرج
قوله : السلام عليكم. لأنا نقول : إنه تحكم لتناول إطلاق التسليم ذلك ، ولأن قوله
: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين يتناول الحاضرين والغائبين من الصلحاء ، وقوله
: السلام عليكم يختص الحاضرين فإذا كان السلام على الحاضرين مخرجا كان السلام على
__________________
الحاضرين والغيّاب
أولى.
ولقول الصادق 7 : « كلّما ذكرت الله والنبيّ 6 فهو من الصلاة ، فإذا قلت : السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين فقد انصرفت » وسأله أبو كهمش عن الركعتين الأوليين إذا جلست فيهما ، فقلت
وأنا جالس : السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته انصراف هو؟ قال 7 : « لا ، ولكن إذا
قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو الانصراف » .
مسألة ٢٩٣
: ويجب الصلاة على النبيّ 6 في التشهدين عند
علمائنا أجمع لقوله تعالى ( صَلُّوا عَلَيْهِ ) والأمر للوجوب ، ولا
يجب في غير الصلاة إجماعا فيجب فيها ، ولأن عائشة قالت : سمعت رسول الله 6 يقول : ( لا يقبل
صلاة إلاّ بطهور ، وبالصلاة عليّ ) ولقول الصادق 7 : « من صلّى ولم يصلّ على النبيّ 6 ، وتركه عامدا
فلا صلاة له » .
وقال الشافعي :
إنها واجبة في التشهد الأخير خاصة. وبه قال أحمد في إحدى الروايتين ، وإسحاق ، وأبو
مسعود الأنصاري ، وفي مشروعيتها في الأول للشافعي قولان ، لأن العبادة
إذا شرط فيها ذكر الله تعالى بالشهادة
__________________
شرط فيها ذكر
النبيّ 6 كالأذان ، ولحديث عائشة .
وقال أبو حنيفة ، ومالك
، والثوري ، والأوزاعي : لا يجب لأن ابن مسعود علّمه النبيّ 6 التشهد ، ثم قال : ( إذا قلت هذا تمت صلاتك ) ويحمل على قرب
التمام ، أو على سبق المشروعية بالصلاة.
مسألة ٢٩٤
: وتجب الصلاة على آله : عند علمائنا
أجمع ، وأحمد في إحدى الروايتين ، وبعض الشافعية ـ وللشافعية
وجهان ، وقيل : قولان ـ لأن كعب بن عجرة قال : كان رسول الله 6 يقول في صلاته :
( اللهم صلّ على محمد وآل محمد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد )
فتجب متابعته ؛ لقوله 7 : ( صلّوا كما رأيتموني أصلي ) .
وعن أبي مسعود
الأنصاري قال : قال رسول الله 6 : ( من صلّى صلاة ولم يصلّ فيها عليّ وعلى أهل بيتي لم
تقبل منه ) وقال الشافعي : بالاستحباب للأصل . وهو ممنوع لثبوت
المخرج منه.
__________________
فروع :
أ ـ قال بعض الناس
: آل محمد هم بنو هاشم وبنو المطلب ؛ لأنهم أهل النبيّ ، وآل منقلب عن أهل . فلو قال : وعلى
أهل محمد أجزأه عند بعض الجمهور ، وكذا لو صغّر فقال : اهيل والحق عدم
الإجزاء ؛ لأنه أمر مشروع فيتبع فيه النقل.
وقيل : آل محمد من
كان على دينه ، لأنه سئل 7 من آل محمد؟ فقال : ( كل تقي ) ولقوله تعالى (
أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ) والوجه : أن الآل
هنا المعصومون من أهل بيته إذ لا تجب الصلاة على غيرهم.
ب ـ من لا يحسن
التشهد والصلاة وجب عليه التعلّم ، فإن ضاق الوقت أو عجز أتى بالممكن ، ولو عجز
سقط.
ج ـ لا يجزئ بغير
العربية ولو لم يقدر وجب التعلم ، فإن ضاق الوقت أو عجز أجزأت الترجمة ، وكذا
الأذكار الواجبة ، أما الدعاء بغير العربية فإنه جائز.
د ـ يجب الترتيب
فيبدأ بالشهادة بالتوحيد ، ثم بالنبوة ، ثم بالصلاة على النبيّ 6 ، ثم على آله ، ولو عكس لم يجزئه وقوفا على المأخوذ عن صاحب الشرع.
__________________
وقال الشافعي :
يجزئه لحصول المعنى فيكفي . وهو ممنوع.
هـ ـ يجب فيه
التتابع فلو تركه لم يجزئه ، وبه قال الشافعي .
و ـ يجب في الصلاة
ذكر اسم الرسول 6 ، فلو قال : اللهم صلّ على الرسول لم يجزئه ؛ لأنه 7 سئل كيف يصلّى
عليك؟ فقال : ( قولوا : اللهم صل على محمد وآل محمد ) .
مسألة ٢٩٥
: قد بينا أن الواجب الشهادتان ، والصلاتان ، وأقلّه : أشهد
أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، اللهم صلّ على محمد وآل محمد.
وفي وجوب ( وحده
لا شريك له ) عقيب الشهادة بالتوحيد إشكال ينشأ من حديث محمد بن مسلم عن الصادق 7 وقد سلف ، ومن
أصالة البراءة.
ولو أسقط الواو في
الثاني ، أو اكتفى به ، أو أضاف الآل إلى المضمر ، فالوجه : الإجزاء للامتثال ، أما
لو حذف لفظة الشهادة ثانيا والواو فإنه لا يجزئه قطعا.
ولا بدّ من
الإتيان بصيغة الشهادة ، فلو قال : أعلم أو أخبر عن علم لم يجزئ ؛ وكذا لو قال :
أشهد أن الله واحد ، ولو أتى عوض حرف الاستثناء بغيره مما يدل عليه ك « غير » و «
سوى » فالوجه : عدم الإجزاء ؛ لأنه خلاف المنقول.
__________________
مسألة ٢٩٦
: ويستحب الزيادة في التشهد بالأذكار المنقولة عن أهل البيت
: ، لأنهم أعرف بمواقع الشرع وكيفيته لأنهم مهبط الوحي ، قال الصادق 7 : « إذا جلست في
الثانية ، فقل : بسم الله وبالله ، والحمد لله ، وخير الأسماء لله ، أشهد أن لا
إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيرا
ونذيرا بين يدي الساعة ، وأشهد أن ربّي نعم الرب ، وأن محمدا نعم الرسول ، اللهم
صلّ على محمد وآل محمد ، وتقبّل شفاعته في أمته وارفع درجته ، ثم تحمد الله مرتين
، أو ثلاثا ، ثم تقوم.
فإذا جلست في
الرابعة قلت : بسم الله وبالله ، والحمد لله ، وخير الأسماء لله ، أشهد أن لا إله
إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيرا
ونذيرا بين يدي الساعة ، أشهد أنك نعم الرب ، وأن محمدا نعم الرسول ، التحيات لله
الصلوات الطاهرات ، الطيبات ، الزاكيات ، الغاديات ، الرائحات ، السابغات ، الناعمات
لله ، ما طاب ، وزكى ، وطهر وخلص ، وصفى فلله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا
شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة
، أشهد أن ربي نعم الرب ، وأن محمدا نعم الرسول ، وأشهد أن الساعة آتية لا ريب
فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو
لا أن هدانا الله ، الحمد لله رب العالمين ، اللهم صلى على محمد وآل محمد ، وبارك
على محمد وآل محمد ، وسلّم على محمد وآل محمد ، وترحم على محمد وآل محمد كما صليت
وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم صل على محمد وآل
محمد ، وامنن عليّ بالجنّة وعافني من النار » وقد روي زيادة على ذلك.
__________________
أما الجمهور
فالمشهور عندهم ثلاث روايات :
إحداها : ما رواه
ابن عباس : التحيات المباركات ، الصلوات الطيبات لله ، سلام عليك أيها النبيّ
ورحمة الله وبركاته ، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلاّ
الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله .
الثانية : عن ابن
مسعود : التحيات لله ، والصلوات ، والطيبات ، السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله
وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله ، وهي مذكورة في الصحيحين .
الثالثة : عن عمر
بن الخطاب : التحيات لله ، الزاكيات لله ، الطيبات لله ، الصلوات لله ، السلام
عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد
أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
واختار الشافعي
الأول ، وأبو حنيفة الثاني ، وبه قال الثوري ،
__________________
وأحمد ، وإسحاق ، وابن
المنذر ، واختار مالك الثالث .
والكل عندنا باطل
، لأن التسليم مخرج عن الصلاة.
إذا ثبت هذا ، فإنه
يستحب عندنا تقديم التسمية ؛ لما تقدم في الأحاديث عن أهل البيت : ، ورواه الجمهور
عن جابر ، وأنكره الشافعي ، وابن المنذر ، لأن ابن عباس
سمع رجلا يقول : بسم الله ، فانتهره .
تنبيه : قال ابن عباس : التحيات لله يعني العظمة لله ، الصلوات يريد الصلوات الخمس ، الطيبات
الأعمال الصالحة .
وقال أبو عمرو :
التحيات لله ، معناه الملك لله ، وقيل : الطيبات هو الثناء على الله .
وفي السلام قولان
: أحدهما : أن معناه اسم السلام ، والسلام هو الله
__________________
كما يقال : اسم
الله عليك ، والثاني : سلام الله عليك تسليما وسلاما.
مسألة ٢٩٧
: يستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين ، وليس على
المأموم ذلك ، قال أبو بصير : صليت خلف الصادق 7 ، فلمّا كان في آخر تشهده رفع صوته حتى أسمعنا ، فلما
انصرف قلت : كذا ينبغي للإمام أن يسمع تشهده من خلفه؟ قال : « نعم » وقال الصادق 7 : « ينبغي للإمام
أن يسمع من خلفه التشهد ولا يسمعونه شيئا » وليس على الوجوب إجماعا ، ولأن علي بن يقطين سأل أبا الحسن
الماضي 7 عن الرجل هل يصلح أن يجهر بالتشهد ، وبالقول في الركوع والسجود والقنوت؟ قال
: « إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر » .
وقال أحمد : يستحب
إخفاء التشهد ؛ لأن النبيّ 6 لم يكن يجهر به . وهو ممنوع ؛ لأن عدم السماع لا يدل على العدم ، ولأنه
مندوب فجاز تركه أحيانا.
مسألة ٢٩٨
: يجوز الدعاء في التشهد ، وفي جميع أحوال الصلاة كالقنوت ،
والركوع ، والسجود ، والقيام قبل القراءة ، وبعدها بالمباح من أمر الدين والدنيا
عند علمائنا أجمع ، سواء كان مما ورد به الشرع ، أو لا ـ وبه قال الشافعي ـ لأن أبا هريرة
روى أن النبيّ 6 قال : ( إذا تشهد أحدكم فليتعوذ من أربع : من عذاب النار ،
وعذاب القبر ، وفتنة المحيى وفتنة الممات ، وفتنة المسيح الدجال ، ثم يدعو لنفسه
ما بدا
__________________
له ) وقال 7 لابن مسعود : (
ثم ليتخيّر من الدعاء ما أعجبه ) .
ومن طريق الخاصة
قول الباقر 7 وقد سأله بكر بن حبيب أيّ شيء أقول في التشهد والقنوت؟ قال : « قل بأحسن ما
علمت فإنه لو كان موقتا لهلك الناس » ولأنه دعاء لله تعالى يجوز خارج الصلاة فجاز في الصلاة
كالدعاء المأثور.
وقال أبو حنيفة ، وأصحابه
: لا يدعو إلاّ بما يشبه ألفاظ القرآن ، والأدعية المأثورة ، ولا يدعو بما يشبه
كلام الناس . ومن أصحابه من قال : ما لا يطلب إلاّ من الله تعالى يجوز
، وما يجوز أن يطلب من المخلوقين إذا سأله الله تعالى في الصلاة أفسدها ، لأنه ذكر
لو أتى به على غير وجه الدعاء أفسدها كالدعاء المحظور . وينتقض بالدعاء
المأثور فإنه لو ذكر الفتنة والمسيح الدجال على غير وجه الدعاء أبطل الصلاة.
فروع :
أ ـ يجوز الدعاء
بغير العربية على قول أكثر علمائنا للأصل ، وعند
__________________
بعضهم لا يجوز ، لأن المنقول عن
النبيّ 6 الدعاء بالعربية ، وقال : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) وللشافعية
كالقولين .
ب ـ الدعاء أفضل
من تطويل القراءة. سأل معاوية بن عمار الصادق 7 : رجلان افتتحا الصلاة في ساعة واحدة فتلا هذا القرآن
وكانت تلاوته أكثر من دعائه ، ودعا هذا وكان دعاؤه أكثر من تلاوته ، أيّهما أفضل؟ قال
: « كلّ فيه فضل » قلت : قد علمت أن كلا حسن ، فقال : « الدعاء أفضل ، أما سمعت
قول الله عزّ وجلّ ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ
لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ
داخِرِينَ ) هي والله العبادة ، هي والله أفضل » .
ج ـ لا ينبغي
للإمام التطويل في الدعاء إرفاقا بمن خلفه ، وللشافعي قولان : أحدهما : يدعو أقل
من التشهد والصلاة على النبيّ 6 ، والثاني : بقدرهما . أما المنفرد فيجوز له أن يطوّل ما لم يخرجه ذلك إلى
السهو.
د ـ يكره قراءة
القرآن في التشهد ؛ لأن كل ركن لا تشرع فيه القراءة كرهت فيه كالركوع والسجود.
هـ ـ الدعاء مستحب
في التشهد الأول أيضا كالثاني عند علمائنا ، وبه
__________________
قال مالك ، وقال الشافعي :
لا يستحب .
و ـ يجوز الدعاء
لمن شاء من أهله ، وإخوانه ، وغيرهم من المؤمنين من الرجال ، والنساء ، والصبيان
ـ وبه قال الشافعي ـ لعموم قوله تعالى ( قُلِ ادْعُوا اللهَ
أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ ) ( وَلِلّهِ الْأَسْماءُ
الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها ) .
وقال أبو هريرة :
إن النبيّ 6 لمّا رفع رأسه من الركعة الأخيرة من الفجر قال : ( اللهم انج الوليد بن
الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، والمستضعفين من المؤمنين ، واشدد
وطأتك على مضر ، ورعل ، وذكوان ، واجعل عليهم سنين كسني يوسف ) وقنت علي 7 فدعا فيه على قوم
بأعيانهم وأسمائهم .
البحث الثامن : التسليم
مسألة ٢٩٩
: اختلف علماؤنا في وجوبه ، فقال المرتضى ، وجماعة من
علمائنا به ـ وبه قال الشافعي ، والثوري ـ لقوله 7 : ( مفتاح
__________________
الصلاة الوضوء ، وتحريمها
التكبير ، وتحليلها التسليم ) ولأنه ذكر في أحد طرفي الصلاة فكان واجبا كالتكبير.
وقال الشيخان ، ومن
تبعهما : بالاستحباب ؛ وبه قال أبو حنيفة ، وهو الأقوى عندي عملا بالأصل ، ولأن الحدث المتخلل بين
الصلاة على النبيّ وآله : وبينه غير مبطل للصلاة ؛ لقول الباقر 7 وقد سئل عن رجل
يصلّي ثم يجلس فيحدث قبل أن يسلم ، قال : « تمت صلاته » ولأن النبيّ 6 لم يعلّمه المسيء
في صلاته ، ولأن التسليمة الثانية ليست واجبة فكذا الاولى. ونمنع
الحديث والحصر ، ونمنع كونه طرفا بل الصلاة على النبيّ وآله :.
إذا ثبت هذا ، فقال
أبو حنيفة : الخروج من الصلاة واجب ، وإذا خرج بما ينافي الصلاة من عمل ، أو حدث ،
أو غير ذلك كطلوع الشمس ، أو وجدان المتيمم الماء أجزأه .
__________________
مسألة ٣٠٠
: وتجزئ التسليمة الواحدة عند علمائنا أجمع ـ وبه قال علي 7 ، وعمار ، وابن
مسعود ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، والثوري ، وإسحاق ، ومالك ، والأوزاعي ـ لأن النبيّ 6 كان يسلم تسليمة
واحدة تلقاء وجهه .
وقال الحسن بن
صالح بن حي : تجب التسليمتان. وهو أصح الروايتين عن أحمد ، لأن النبيّ 6 كان يسلم عن
يمينه وشماله ، وهو محمول على الاستحباب.
وللشافعي قول في
القديم : إنه إن اتسع المسجد ، وكثر الناس واللغط من حول المسجد وجب أن يسلم
اثنتين ، وإن قلّوا وسكتوا فواحدة .
إذا عرفت هذا
فالمنفرد يسلم تسليمة واحدة إلى القبلة ، ويومئ إلى يمينه بمؤخر عينه ، والإمام
يومئ بصفحة وجهه.
والمأموم كالإمام
إن لم يكن على يساره أحد ، وإن كان على يساره غيره سلّم تسليمتين بوجهه يمينا
وشمالا ، لقول الصادق 7 : « إن كنت إماما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك ، وإن كنت
مع إمام فتسليمتين ، وإن
__________________
لم يكن على يسارك
أحد فسلّم واحدة » وقال 7 : « إذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك » .
مسألة ٣٠١
: وله عبارتان : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أو
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، لقوله 7 : ( وتحليلها التسليم ) وهو يقع على كل
واحد منهما ، ولقولهم : : « وتقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإذا
قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة » .
وسئل الصادق 7 عن السلام عليك
أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته انصراف هو؟ قال : « لا ، ولكن إذا قلت : السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو انصراف » وقال الصادق 7 : « فإن قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد
انصرفت » .
وأما العبارة
الثانية فعليها علماء الإسلام كافة ، ومنع الجمهور من الخروج بالأولى ، وهو مدفوع بما
تقدم.
__________________
إذا عرفت هذا
فبأيّهما بدأ كان الثاني مستحبا ، وكذا الأول عندنا ، وأما الموجبون منّا فإنهم
أوجبوا الأول ، واستحبوا الثاني.
فروع :
أ ـ على القول
بالوجوب لا يخرج بقول : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته عندهم.
ب ـ إذا اقتصر على
الاولى وجب أن يأتي بالصورة فلو نكس أو قرأ الترجمة لم يجزئه ، وتبطل صلاته لو
فعله عمدا ؛ لأنه كلام في الصلاة غير مشروع.
ج ـ لو اقتصر على
الثانية أجزأه السلام عليكم عند ابن بابويه ، وابن أبي عقيل ، وابن الجنيد ـ وبه قال
الشافعي ـ لأن عليا 7 كان يسلم عن يمينه وشماله السلام عليكم ، السلام عليكم .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 : « يقول : السلام عليكم » .
وقال أبو الصلاح :
الفرض أن يقول : السلام عليكم ورحمة الله .
د ـ لو نكس فقال :
عليكم السلام ، أو ترك حرفا بأن قال : السلام عليك ، أو قال : سلام عليكم بضم
الميم من غير تنوين لم يجزئه ـ وبه قال
__________________
الشافعي ـ إلاّ في
النكس فله قول بالجواز .
ولو قال : سلام
عليكم منونا فالأقرب : الإجزاء ؛ لأنّ عليا 7 كان يقول : سلام عليكم عن يمينه وشماله ، وظاهر مذهب
الشافعي : العدم ؛ لأنه نقص الألف واللام . وليس بجيد ، لأنه نوّن وهو يقوم مقامهما.
هـ ـ يستحب أن
يضيف ورحمة الله وبركاته.
مسألة ٣٠٢
: قال في المبسوط : من قال : إن التسليم فرض فتسليمة واحدة
تخرج من الصلاة ، وينبغي أن ينوي بها ذلك ، والثانية ينوي بها السلام على
الملائكة ، أو على من في يساره .
إذا عرفت هذا فهل
تجب نية الخروج عن الصلاة بالسلام؟ الأقرب : العدم ؛ لأنه فعل من أفعال الصلاة
فصار كسائر الأفعال ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : تجب ؛ لأنه أحد طرفي
الصلاة فصار كالتكبير في وجوب مقارنة النية له .
ولا يجب تعيين
النية في الخروج ؛ لأن الصلاة تعينت بالشروع فيها فيكون الخروج عما هو متلبس به
يخالف حالة الافتتاح.
قال الشافعي :
يستحب أن ينوي الإمام بالتسليمة الأولى ثلاثة
__________________
أشياء : الخروج من
الصلاة ، والسلام على الحفظة ، وعلى من على يمينه من المأمومين ، وبالثانية شيئين
: السلام على الحفظة ، وعلى المأمومين الذين على يساره ، والمأموم إن كان الإمام
عن يمينه ينوي أربعة أشياء : الخروج من الصلاة ، والسلام على الحفظة ، والسلام على
الإمام ، والسلام على من على يمينه ، وإن سلم عن يساره نوى الحفظة والمأمومين ، وإن
كان الإمام عن يساره نوى بالسلام عن يمينه ثلاثة أشياء ، وعن يساره ثلاثة أشياء ، وإن
كان تجاهه فإن شاء نواه بالسلام عن يمينه ، وإن شاء بالسلام عن يساره ، والمنفرد
ينوي عن يمينه الخروج ، والسلام على الحفظة .
إذا عرفت هذا
فالتسليمة الأوّلة من الصلاة ـ وبه قال الشافعي ـ لأنه ذكر مشروع
في محل الصلاة يجوز أن يرد عليه ما يفسد الصلاة فكان منها كالتشهد.
وقال أبو حنيفة :
ليست من الصلاة لقوله 7 : ( إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنّما
هي التسبيح ، والتكبير ، وقراءة القرآن ) ولأن السلام ينافيها فلم يكن منها كالكلام. والخبر محمول
على ما لم يشرع لها ، وبهذا فارق الكلام أيضا.
مسألة ٣٠٣
: إذا فرغ من التسليم كبّر الله تعالى ثلاث مرات يرفع بها
يديه إلى شحمتي أذنيه ، ثم إن كان له حاجة انصرف في جهتها ، وإن لم تكن له حاجة في
جهة أو غرض كان الأولى أن ينصرف في جهة اليمين ـ وبه قال الشافعي ـ لقول الصادق 7 : « إذا انصرفت
من الصلاة فانصرف
__________________
عن يمينك » .
وقال أبو حنيفة :
ينصرف عن يساره . وليس بجيّد ؛ لأنه ربما كان معه مأموم واحد فإذا دار إلى
اليسار ( جعل ) ظهره إليه بخلاف اليمين.
ويستحب للإمام أن
لا ينصرف من مكانه حتى يتم المسبوق صلاته ، ولو لم يكن فيهم مسبوق ذهب حيث شاء ، لقول
الصادق 7 : « أيّما رجل أمّ قوما فعليه أن يقعد بعد التسليم ، ولا يخرج من ذلك الموضع
حتى يتمّ الذين سبقوا صلاتهم ، ذلك على كل إمام واجب إذا علم أن فيهم مسبوقا ، وإن
علم أن ليس فيهم مسبوق بالصلاة فليذهب حيث شاء » ولو كان في
الجماعة نساء استحب له اللبث حتى يخرجن لئلاّ يمتزجن بالرجال.
__________________
الفصل الثاني : في
مندوبات الصلاة
وقد سلف بعضها ، وبقي
أمور :
الأول : وضع اليدين حالة القيام على فخذيه مضمومتي الأصابع محاذيا بهما عيني ركبتيه عند
علمائنا ؛ لأنّه أبلغ في الخضوع ، ولقول الباقر 7 : « أرسل يديك ، وليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك » وقول الصادق 7 : أرسل يديه
جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه .
ولا يجوز التكفير
وهو وضع اليمين على الشمال ، وهو مبطل عندنا على ما يأتي ، وأطبق الجمهور على جواز
الإرسال ، واختلفوا في الأفضل ، فقال الشافعي : التكفير سنّة فإن أرسلهما ولم يعبث
فلا بأس ـ وبه قال أبو حنيفة ، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود ـ لأنّ عليا 7 قرأ
__________________
هذه الآية
( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) فوضع يده اليمنى
على ساعده اليسرى ثم وضعهما على صدره .
وعن مالك روايتان
: إحداهما : أن ذلك مستحب ، والثاني : أنه مباح . وروى ابن المنذر
عن ابن الزبير أنه كان يرسل يديه ، وهو مروي عن الحسن ، وابن سيرين ، والنخعي . وقال الليث :
يرسل يديه إلاّ أن يطيل القيام فيعيى وقال الأوزاعي : من شاء فعل ، ومن شاء ترك .
مسألة ٣٠٤
: ويستحب وضعهما حالة الركوع على عيني الركبتين مفرجات
الأصابع عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي ـ لأن أبا حميد الساعدي وصف صلاة رسول الله 6 في عشرة من
الصحابة ، أحدهم أبو قتادة ، فوصف ركوعه كما قلناه .
ومن طريق الخاصة
وصف حماد صلاة الصادق 7 ، قال : ثم ركع وملأ كفيه من ركبتيه مفرجات . وقال الباقر 7 : « ومكّن راحتيك
من ركبتيك تدع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى وتلقم بأطراف
__________________
أصابعك عين الركبة
، وفرج بين أصابعك » .
وروي عن عبد الله
بن مسعود أنه كان إذا ركع طبق يديه وجعلهما بين ركبتيه ويرويه عن النبيّ 6 ، وهو منسوخ . ومنع بعض
علمائنا من جواز التطبيق .
مسألة ٣٠٥
: ويستحب وضعهما حالة السجود حيال منكبيه مضمومتي الأصابع
مبسوطتين موجهتين إلى القبلة ـ وهو مذهب العلماء ـ لأن وائل بن حجر قال : إن
النبيّ 6 كان إذا سجد ضم أصابعه وجعل يديه حذو منكبيه . وعن البراء أن
النبيّ 6 قال : ( إذا سجدت فضم كفيك وارفع مرفقيك ) .
ومن طريق الخاصة
ما رواه زرارة قال : « ولا تلزق كفيك بركبتيك ، ولا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال
منكبيك ، ولا تفرجن أصابعك ولكن اضممهنّ جميعا » .
مسألة ٣٠٦
: ويستحب وضعهما حالة الجلوس للتشهد وغيره على فخذيه
مبسوطتين مضمومتي الأصابع بحذاء عيني ركبتيه عند علمائنا ، لأن رسول الله 6 كان إذا قعد يدعو
، يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ،
__________________
ويده اليسرى على
فخذه اليسرى ، ويشير بإصبعه ، ونحوه من طريق الخاصة .
ووافقنا الشافعي ،
وأحمد في اليسرى ، وفي اليمنى ثلاثة أقوال للشافعي : أن يقبض أصابعها إلاّ
المسبحة ، وهو مروي عن ابن عمر ، وابن الزبير .
وفي وضع الإبهام
وجهان : على حرف راحته أسفل من المسبّحة كأنه قابض على ثلاثة وخمسين ، وعلى حرف
إصبعه الوسطى.
وأن يقبض الخنصر
والبنصر والوسطى ، ويبسّط المسبّحة والإبهام ، وأن يقبض الخنصر والبنصر ويجعل
الوسطى مع الإبهام خلفه ، ويشير بالمسبّحة متشهدا .
مسألة ٣٠٧
: ويستحب جعلهما حالة القنوت حيال وجهه مبسوطتين لقول
الصادق 7 : « وترفع يديك في الوتر حيال وجهك ، وإن شئت تحت ثوبك » وهو يعطي عدم
الوجوب.
الثاني : شغل النظر بما يمنعه عن الاشتغال بالصلاة فينظر حالة قيامه إلى موضع سجوده ،
وحالة ركوعه إلى بين رجليه ، وفي سجوده إلى طرف أنفه أو يغمضهما ، وفي جلوسه إلى
حجره ، وحالة القنوت إلى باطن كفيه ، وبه قال شريك بن عبد الله لقول علي 7 : « لا تتجاوز
بطرفك في
__________________
الصلاة موضع سجودك
» وقول الباقر 7 : « وليكن نظرك إلى ما بين قدميك » يعني حالة
الركوع.
وروي جواز التغميض
أيضا في رواية حماد عن صفة صلاة الصادق 7 : ثم ركع ، وسوى ظهره ، ومد عنقه ، وغمض عينيه . ويكره النظر إلى
السماء ؛ لقول الباقر 7 : « اجمع بصرك ، ولا ترفعه إلى السماء » .
وقال الشافعي :
ينظر المصلي في صلاته إلى موضع سجوده ، وإن رمى بصره أمامه كان حقيقيا. وبه قال
أبو حنيفة ، والثوري .
وقال مالك : يكون
بصره أمام قبلته .
الثالث : القنوت وهو
مستحب في كل صلاة مرة واحدة فرضا كانت أو نفلا ، أداء أو قضاء عند علمائنا أجمع ، وآكده
ما يجهر فيه بالقراءة ؛ لقوله تعالى ( وَقُومُوا لِلّهِ
قانِتِينَ ) .
ولما رواه أحمد بن
حنبل أن رسول الله 6 قال : ( الصلاة مثنى مثنى ، وتشهد في كل ركعتين ، وتضرع
وتخشع ، ثم تقنع يديك ترفعهما إلى ربّك مستقبلا ببطونهما وجهك ، فتقول : يا رب يا
رب ) وعن البراء بن عازب قال : كان رسول الله 6 لا
__________________
يصلي صلاة مكتوبة
إلاّ قنت فيها . وروي عن علي 7 أنه قنت في صلاة المغرب على أناس وأشياعهم .
ومن طريق الخاصة
قول الباقر 7 : « القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع » وقوله 7 : « القنوت في كل
ركعتين في التطوع والفريضة » وسأل محمد بن مسلم الصادق 7 القنوت في كل الصلوات؟ فقال : « أما ما لا يشك فيه فما
يجهر فيه بالقراءة » .
ولأنه دعاء فيكون
مأمورا به لقوله تعالى ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ
لَكُمْ ) . ولأن الدعاء أفضل العبادات فلا يكون منافيا للصلاة.
وقال الثوري ، وأبو
حنيفة : إنه غير مسنون ، ورواه الجمهور عن ابن عباس ، وابن عمر ، وابن مسعود ، وأبي
الدرداء ، لأنّ أم سلمة روت أن النبيّ 6 نهى عن القنوت في
الفجر ، وروى ابن مسعود ، وأنس أن النبيّ 6 قنت شهرا وترك ، وضعّفه
__________________
الشافعي ، ويحمل على أن
المراد الدعاء على الكفار ، وكذا حديث أنس.
وقال الشافعي :
إنه مستحب في الصبح خاصة دون باقي الصلوات إلاّ أن تنزل نازلة فيقنت في الصلوات
كلّها إن شاء الإمام ـ وبه قال مالك ، وابن أبي ليلى ، والحسن بن صالح بن حي ، ورواه
الشافعي عن الخلفاء الأربعة ، وأنس ، وهو مذهب الحسن البصري ـ لأن النبيّ 6 كان يقنت في
الفجر حتى فارق الدنيا . ولا يدل على نفي غيره ، ولأنها صلاة فشرع فيها القنوت
كالصبح.
وقال أبو يوسف :
إذا قنت الإمام فاقنت معه . وقال أحمد : القنوت للأئمة يدعون للجيوش وان ذهب إليه
ذاهب فلا بأس . وقال إسحاق : هو سنة عند الحوادث لا تدعه الأئمة . وقال أبو حنيفة
: القنوت مكروه إلاّ في الوتر . وقال مالك ، والشافعي : إنما يستحب في الوتر في النصف
الأخير من رمضان .
مسألة ٣٠٨
: ومحلّه قبل الركوع في الثانية عند علمائنا أجمع ـ وبه قال
__________________
مالك ، وأبو حنيفة
، والأوزاعي ، وابن أبي ليلى ـ لأن عمر قال : كان بعض أصحاب النبيّ 6 يقنت قبل الركوع ، وروى ابن مسعود
أن النبيّ 6 قنت قبل الركوع ، وروي ذلك عن أبيّ ، وابن عباس ، وأنس ، ومن طريق
الخاصة قول الباقر 7 : « القنوت في كل صلاة في الثانية قبل الركوع » .
وقال الشافعي :
إنه بعد الركوع ، لأن العوام بن حمزة قال لأبي عثمان النهدي : القنوت قبل
الركوع أو بعده؟ فقال : بعده ، فقلت : عمن أخذت هذا؟ فقال : عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان
. وفعل النبيّ 6 والأئمة : أولى ، مع أن عمر قال : إنه قبل الركوع .
مسألة ٣٠٩
: وتقنت في الجمعة مرتين : في الأولى قبل الركوع ، وفي الثانية
بعده ، قاله الشيخان ، وقال المرتضى : اختلفت الرواية فروي أن الإمام يقنت في
الأولى قبل الركوع وكذا من خلفه ، ومن صلاها منفردا
__________________
[ أو ] في جماعة ظهرا
قنت في الثانية قبل الركوع ، وروي أنه إذا صلاها جمعة مقصورة قنت قنوتين في الأولى
قبل الركوع ، وفي الثانية بعده .
وأنكر ابن بابويه
القنوتين واقتصر على الواحد في الصلوات كلّها ، وذكر أن زرارة تفرد به ، وأطبق الجمهور
على خلاف ذلك.
والأقرب : أن
الإمام إن صلاها جمعة قنت قنوتين ، وغيره يقنت مرة وإن كان في جماعة لقول الصادق 7 : « كل القنوت
قبل الركوع إلاّ الجمعة فإن القنوت في الأولى قبل الركوع وفي الأخيرة بعد الركوع »
.
تذنيب : ويستحب في المفردة من الوتر القنوت قبل الركوع وبعده لأن الكاظم 7 كان إذا رفع رأسه
من آخر ركعة الوتر قال : « هذا مقام من حسناته نعمة منك » إلى آخر الدعاء .
مسألة ٣١٠
: ويستحب الدعاء فيه بالمأثور مثل كلمات الفرج ، وأدناه : «
رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم » أو يسبح ثلاث تسبيحات.
وليس فيه شيء
معلوم لا يجوز التجاوز عنه إجماعا ، لأن إسماعيل بن الفضل سأل الصادق 7 عن القنوت ، وما
يقال فيه؟ فقال 7 : « ما قضى الله على لسانك ، ولا أعلم فيه شيئا موقتا » وسئل 7 عن أدنى القنوت ،
فقال : « خمس تسبيحات » .
__________________
ويجوز الدعاء
بالعربية وغيرها ـ وبه قال الصدوق ـ لقول أبي جعفر الثاني 7 : « لا بأس أن يتكلم الرجل في صلاة الفريضة بكل شيء يناجي
به ربه عزّ وجلّ » ولقول الصادق 7 : « كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي » .
قال محمد بن الحسن
بن الوليد : كان سعد بن عبد الله لا يجيز الدعاء في القنوت بالفارسية .
واستحب الشافعي
الكلمات الثماني التي رواها عن الحسن بن علي 8 ، قال : « علمني رسول الله 6 كلمات في القنوت أقولهن : اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني
فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، إنك
تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت تباركت ربّنا وتعاليت » .
مسألة ٣١١
: القنوت سنّة ، ليس بفرض عند علمائنا ، وقد يجري في بعض
عبارات علمائنا : الوجوب والقصد : شدة الاستحباب عملا بالأصل ، ولأن النبيّ 6 كان يقنت تارة ، ويترك
اخرى .
__________________
وقال الباقر 7 في القنوت : « إن
شئت فاقنت ، وإن شئت لا تقنت » .
وقول الصادق 7 : « فمن ترك
القنوت رغبة عنه فلا صلاة له » محمول على نفي الفضيلة ، أو لأنه مشروع فتركه رغبة عنه
يعطي كون التارك مستخفا بالعبادات وهذا لا صلاة له حينئذ.
ولو تركه ناسيا لم
يعد إجماعا لقول الصادق 7 : « إن نسي الرجل القنوت في شيء من الصلاة حتى يركع فقد
جازت صلاته ، وليس عليه شيء ، وليس له أن يدعه متعمدا » .
مسألة ٣١٢
: ويستحب فيه الجهر لقول الباقر 7 : « القنوت كلّه
جهار » .
قال المرتضى : إنه
تابع للقراءة يجهر فيما يجهر فيه ، ويخافت فيما يخافت لأنه ذكر فيتبع القراءة .
وقال الشافعي :
يخافت به مطلقا لأنه مسنون فأشبه التشهّد الأول . والأصل ممنوع.
مسألة ٣١٣
: لو نسيه في الثانية قبل الركوع قضاه بعده لقول الصادق 7 في الرجل ينسى
القنوت حتى يركع قال : « يقنت بعد الركوع ، فإن لم يذكر حتى ينصرف فلا شيء عليه »
.
ولو لم يذكر حتى
ركع في الثالثة قضاه بعد فراغه من الصلاة لفوات محله ـ وهو الثانية ـ ولقول الصادق
7 : « إذا سها الرجل في
__________________
القنوت قنت بعد ما
ينصرف وهو جالس » .
مسألة ٣١٤
: إذا قنت الإمام تبعه المأموم فيه ، وللشافعية قولان :
أحدهما : ذلك ، والثاني : التأمين لدعاء الإمام وقال بعضهم : إن
كان ثناء على الله تعالى تابعه ، وإن كان دعاء أمّن عليه وقولنا أولى.
وقد بيّنا استحباب
رفع اليدين بالقنوت ، وبه قال الشافعي لأن أنسا قال : رأيت النبي 6 كلما صلّى الغداة رفع يديه يدعو على الذين قتلوا القراءة
ببئر معونة .
فإذا فرغ من
القنوت استحب الشافعي مسح وجهه بيديه لأن ابن عباس روى قول النبيّ 6 : « إذا دعوت الله فادع الله ببطون كفيك ، ولا تدع
بظهورهما ، فإذا فرغت فامسح راحتيك على وجهك » ولا يستحب مسح غير الوجه ، ومنع القفال من رفع اليدين في
القنوت قياسا على الدعاء في التشهد .
وكره الشافعي
تخصيص الإمام نفسه بالدعاء لقوله 7 :
__________________
( إذا خصّ الإمام
نفسه بالدعاء فقد خان ) .
وروى واحد من
الصحابة صورتين : إحداهما : ( اللهم إنا نستعينك ، ونستغفرك ، ونستهديك ، ونستنصرك
، ونؤمن بك ، ونتوكل عليك ، ونثني عليك الخير كله ، نشكرك ، ولا نكفرك ، ونخلع
ونترك من يفجرك ).
والثانية : (
اللهم إياك نعبد ، ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، ونرجو رحمتك ، ونخشى عذابك
، إن عذابك بالكفار ملحق ) ، فقال عثمان : اجعلوهما في القنوت ، ولم يثبتهما في
المصحف لانفراد الواحد ، وكان عمر يقنت بذلك ، ولم ينقل ذلك من طريق أهل البيت : ، فلو قنت بذلك
جاز لاشتماله على الدعاء.
الرابع : التكبيرات الزائدة على تكبيرة الإحرام منها ما هو خارج عن الصلاة ، وهي ست
متقدمة ، وثلاث بعد التسليم ، ومنها ما هو في الصلاة ، وقد اتفق علماؤنا على ثبوت
أربع وتسعين تكبيرة مستحبة في كلّ الصلوات الخمس تكبيرة الركوع ، والسجودين ، والرفع
منهما.
واختلف الشيخان في
إثبات تكبيرة أخرى ، والأصل فيه أن شيخنا المفيد يقوم إلى الثالثة بالتكبير ، ويسقط
تكبير القنوت ، والشيخ الطوسي يقوم إلى الثالثة كما يقوم إلى الثانية
بحول الله وقوته أقوم وأقعد ، وتكبير القنوت يسقط باعتبار قول المفيد وتكبير القيام
إلى الثالثة في الصبح .
__________________
وقول الشيخ أجود
لقول الصادق 7 : « التكبير في صلاة الفرض في الخمس الصلوات خمس وتسعون تكبيرة منها القنوت
خمس .
وعن عبد الله بن
المغيرة : وفسّرهن في الظهر إحدى وعشرون تكبيرة ، وفي العصر إحدى وعشرون تكبيرة ، وفي
المغرب ستة عشر تكبيرة ، وفي العشاء الآخرة إحدى وعشرون تكبيرة ، وفي الفجر إحدى
عشرة تكبيرة ، وخمس تكبيرات في القنوت في خمس صلوات .
وقال علي 7 : « خمس وتسعون
تكبيرة في اليوم والليلة للصلوات منها تكبيرة القنوت » .
وقال الصادق 7 : « إذا جلست في
الركعتين الأوليين فتشهدت ثم قمت ، فقل : بحول الله وقوته أقوم وأقعد » .
وقال 7 : « إذا قمت من
الركعتين فاعتمد على كفّيك ، وقل : بحول الله وقوته أقوم وأقعد ، فإن عليّا 7 كان يفعل ذلك » .
الخامس : التعقيب : وقد أجمع العلماء على استحبابه عقيب الصلوات لقول أبي هريرة : جاء
الفقراء إلى رسول الله 6 ، فقالوا : ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى ، والنعيم
المقيم ، يصلّون كما نصلّي ، ويصومون كما نصوم ، ولهم فضول أموال يحجّون بها ، ويعتمرون
، ويتصدّقون ، فقال : ( ألا أحدّثكم بحديث إن أخذتم به أدركتم من سبقكم ، ولم
يدرككم أحد بعدكم ، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم ، إلاّ من عمل
__________________
مثله ، تسبحون ، وتحمدون
، وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين .
ومن طريق الخاصة :
قول الصادق 7 : « التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد » قال الراوي : يعني
بالتعقيب : الدعاء عقيب الصلوات وهو أفضل من التنفل بعد الفريضة ، لقول الباقر 7 : « الدعاء بعد
الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا » .
مسألة ٣١٥
: ويستحب الدعاء بالمنقول عن أهل البيت : ، وأفضله تسبيح الزهراء 3 ، قال رسول الله 6 : « معقبات لا يخيب قائلهن دبر كل صلاة مكتوبة ثلاث
وثلاثون تسبيحة ، وثلاث وثلاثون تحميدة ، وأربع وثلاثون تكبيرة » .
ومن طريق الخاصة
قول الباقر 7 : « ما عبد الله بشيء أفضل من تسبيح الزهراء 3 ، ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله 6 فاطمة 3 » وكان يقول : «
تسبيح فاطمة 3 في كل يوم دبر كل صلاة أحب إليّ من صلاة ألف ركعة في كل يوم » .
وإنما نسب التسبيح
إليها 3 لأنها 3 السبب في تشريعه ، روى الصدوق أن أمير المؤمنين 7 قال لرجل من بني سعد : « إلا أحدثكم عني ، وعن فاطمة أنها
كانت عندي فاستقت بالقربة
__________________
حتى أثر في صدرها
، وطحنت بالرحا حتى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى أغبرت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت
ثيابها فأصابها من ذلك ضرر شديد ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك
حرّ ما أنت فيه من هذا العمل؟ فأتت النبي 6 فوجدت عنده حدّاثا فاستحيت وانصرفت ، فعلم 7 أنها جاءت لحاجة
فغدا علينا ونحن في لفاعتنا ، فقال : السلام عليكم ، فسكتنا واستحيينا لمكاننا ، ثم
قال : السلام عليكم ، فسكتنا ، ثم قال : السلام عليكم ، فخشينا إن لم نرد عليه أن
ينصرف ، وقد كان يفعل ذلك يسلم ثلاثا فإن اذن له وإلا انصرف ، فقلت : وعليك السلام
يا رسول الله ادخل ، فدخل وجلس عند رءوسنا ، فقال : يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس
عند محمد؟ فخشيت إن لم نجبة أن يقوم فأخرجت رأسي فقلت : أنا والله أخبرك يا رسول
الله إنّها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها ، وجرّت بالرحا حتى مجلت يداها ، وكسحت
البيت حتى أغبرت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فقلت لها : لو أتيت
أباك فسألتيه خادما يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل ، قال : أفلا أعلّمكما ما
هو خير لكما من الخادم إذا أخذتما منامكما فكبّرا أربعا وثلاثين تكبيرة ، وسبّحا
ثلاثا وثلاثين ، وأحمدا ثلاثا وثلاثين ، فأخرجت فاطمة 3 رأسها فقالت :
رضيت عن الله وعن رسوله ، رضيت عن الله وعن رسوله » .
مسألة ٣١٦
: المشهور : أنه يبدأ بالتكبير ، ثم بالتحميد ، ثم بالتسبيح ،
قال محمد بن عذافر : دخلت على الصادق 7 فسألته عن تسبيح فاطمة
__________________
3 ، فقال : « الله أكبر أربعا وثلاثين مرّة ، ثم قال : الحمد
لله حتى بلغ سبعا وستين ، ثم قال : سبحان الله حتى بلغ مائة يحصيها بيده جملة
واحدة » . وعن الصادق 7 قال : « من سبّح تسبيح الزهراء 3 قبل أن يثنّي
رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له ويبدأ بالتكبير » . وفي رواية :
تقديم التسبيح على التحميد .
ويستحب قول سبحان
الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ثلاثين مرة ، قال الصادق 7 : « إن رسول الله
6 قال لأصحابه : أرأيتم لو جمعتم ما عندكم من الثياب والآنية ، ثم وضعتم بعضها
على بعض ترونه يبلغ السماء؟ قالوا : لا يا رسول الله ، فقال : يقول أحدكم إذا فرغ من
صلاته : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ثلاثين مرة ، وهنّ
يدفعن الهدم ، والغرق ، والحرق ، والتردي في البئر ، وأكل السبع ، وميتة السوء ، والبلية
التي نزلت على العبد في ذلك اليوم » .
مسألة ٣١٧
: قال الصادق 7 : « أدنى ما يجزي من الدعاء بعد المكتوبة أن تقول : اللهم
صلّ على محمد وآل محمد ، اللهم إنّا نسألك من كل خير أحاط به علمك ، ونعوذ بك من
كل شر أحاط به علمك ، اللهم إنا نسألك عافيتك في أمورنا كلّها ، ونعوذ بك من خزي
الدنيا وعذاب الآخرة » .
وقال أمير
المؤمنين 7 : « من أحب أن يخرج من الدنيا وقد خلص من الذنوب كما يتخلص الذهب الذي لا كدر
فيه ، ولا يطلبه أحد
__________________
بمظلمة ، فليقل في
دبر الصلوات الخمس نسبة الرب تبارك وتعالى اثنتي عشرة مرة ، ثم يبسط يده فيقول : اللهم إني أسألك
باسمك المكنون المخزون ، الطاهر الطهر المبارك ، وأسألك باسمك العظيم ، وسلطانك
القديم ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، يا واهب العطايا ، يا مطلق الأسارى ، يا
فكّاك الرقاب من النار أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تعتق رقبتي من النار
، وتخرجني من الدنيا آمنا ، وتدخلني الجنّة سالما ، وأن تجعل دعائي أوله فلاحا ، وأوسطه
نجاحا ، وآخره صلاحا إنك أنت علاّم الغيوب » ثم قال أمير المؤمنين 7 : « هذا من
المخبيات مما علّمني رسول الله 6 وأمرني أن أعلّمه الحسن 7 والحسين 7 » .
وقال الباقر 7 : « تقول في دبر
كل صلاة : اللهم اهدني من عندك ، وأفض عليّ من فضلك ، وانشر عليّ من رحمتك ، وانزل
عليّ من بركاتك » .
وقال الجواد 7 : « إذا انصرفت
من صلاة مكتوبة فقل : رضيت بالله ربّا ، وبالإسلام دينا ، وبالقرآن كتابا ، وبمحمد
نبيّا ، وبعلي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن
محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن
علي ، والحجة بن الحسن بن علي أئمة ، اللهم وليّك الحجة فاحفظه من بين يديه ، ومن
خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، ومن فوقه ، ومن تحته ، وامدد في عمره ، واجعله
القائم بأمرك والمنتصر لدينك ، وأره ما يحب ، وتقر به عينه في نفسه ، وفي ذريته ، وأهله
، وماله ، وفي شيعته ، وفي عدوّه ، وأرهم منه ما يحذرون ، وأره فيهم ما يحب وتقرّ
به
__________________
عينه ، واشف
صدورنا وصدور قوم مؤمنين » .
وقال النبيّ 6 : ( قال الله جلّ
جلاله : يا ابن آدم اذكرني بعد الغداة ساعة ، وبعد العصر ساعة أكفيك ما أهمك ) .
وقال الباقر 7 : « ما بسط عبد
يده إلى الله عز وجل إلا استحى الله أن يردها صفرا ، حتى يجعل فيها من فضله ، ورحمته
ما يشاء ، فإذا دعا أحدكم فلا يرد يديه حتى يمسح بهما على رأسه ووجهه » ، وفي خبر
آخر : « على وجهه وصدره » والأدعية في ذلك كثيرة فلتطلب من مظانها .
__________________
الفصل الثالث : في التروك
وفيه بحثان :
الأول : في التروك الواجبة
مسألة ٣١٨
: يجب ترك الحدث فإن فعله عمدا أو سهوا في الصلاة بطلت إجماعا
لأنه مخل بالطهارة ، وهي شرط وفساد الشرط يقتضي فساد المشروط ، فإن وجد بعد الصلاة
على النبي 6 قبل التسليم فمن جعل التسليم واجبا أبطل الصلاة ، وبه قال الشافعي ومن جعله ندبا لم
تبطل صلاته ، وبه قال أبو حنيفة ، وقد تقدم.
أما لو سبقه الحدث
فللشيخ ، والمرتضى قول : باستئناف الوضوء ، والبناء وبه قال الشافعي
في القديم ، وأبو حنيفة ، وابن أبي ليلى ، وداود لقوله 7 : ( من قاء أو
رعف ، أو أمذى فلينصرف وليتوضأ
__________________
وليبن على ما مضى
من صلاته ما لم يتكلم ) .
ومن طريق الخاصة
ما رواه فضيل بن يسار ، قال : قلت للباقر 7 : أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا فقال
: « انصرف ثم توضّأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة متعمدا ، وإن
تكلمت ناسيا فلا بأس عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا » قلت : وإن قلب
وجهه عن القبلة؟ قال : « نعم وإن قلب وجهه عن القبلة » .
قال المرتضى : لو
لم يكن الأذى والغمز ناقضا للطهارة لم يأمره بالانصراف ، وقد بيّنا أن
الرعاف ، والقيء ، والمذي ، ليست ناقضة للطهارة. فيحمل الوضوء على غسل ما أصابه
للتحسين ، لأنه الحقيقة الأصلية ، وكذا الأز ، والغمز ، والأذى ليست ناقضة.
وقال أكثر علمائنا
: ببطلان الصلاة وبه قال الشافعي في الجديد ، ومالك ، وابن شبرمة . وقال الثوري :
إن كان حدثه من رعاف أو قيء توضأ وبنى ، وإن كان من بول ، أو ريح ، أو ضحك أعاد
الوضوء والصلاة لقوله 7 : ( إذا قاء أحدكم في صلاته فلينصرف ، وليتوضأ ، وليعد
صلاته ) ، وهو إلزامي ، وقوله 7 : ( إذا فسا
__________________
أحدكم وهو في
الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة ) .
ومن طريق الخاصة
قول الباقر والصادق 8 : « لا يقطع الصلاة إلا أربع : الخلاء ، والبول ، والريح ،
والصوت » .
ولأن الطهارة شرط
وقد بطلت فيبطل المشروط ، ولأنه حدث يمنع المضي في الصلاة فمنع من البناء عليها كما
لو رمي بحجر فشج ، فإن أبا حنيفة سلم ذلك وكذا إذا رماه به الطائر لسقوطه عليه.
إذا ثبت هذا فإن
قلنا : بالبطلان فلا بحث ، وإن لم نقل به ، فلو انصرف من الصلاة وأخرج باقي الحدث
وتوضأ لم يكن له البناء لأنه حدث اختياري فأبطل الصلاة كما أبطل الطهارة.
وقالت الشافعية
بناء على القديم : إن له البناء ، واختلفوا في التعليل ، فمنهم من قال : إنما لم
تبطل لأن الحدث لا يؤثر بعد نقض الطهارة فيها ، ومنهم من قال : إنه محتاج إلى
إخراج بقيته وهو حدث واحد فكان حكم باقية حكم أوله ويلزم الأول أنه
إذا أحدث حدثا آخر لا تبطل صلاته.
قال الشيخ تفريعا
على البناء : لو سبقه الحدث فأحدث ناسيا استأنف ـ وبه قال أبو حنيفة ـ للتمسك بإطلاق
الأحاديث ، وقال الشافعي في القديم : يبني لأنه حدث طرأ على حدث فلم
يكن له حكم .
__________________
مسألة ٣١٩
: يجب ترك الكلام بحرفين فصاعدا مما ليس بقرآن ، ولا دعاء ،
فلو تكلم عامدا بحرفين ، وإن لم يكن مفهما بطلت صلاته سواء كان لمصلحة الصلاة ، أو
لا عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ، وسعيد بن المسيب ، والنخعي ، وحماد بن
أبي سليمان ، وهو محكي عن عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن
عباس ، وأنس بن مالك ، والحسن البصري ، وعطاء ، وعروة بن الزبير ، وقتادة ، وابن
أبي ليلى ـ لقوله 7 : ( إنما صلاتنا هذه تكبير ، وتسبيح ، وقرآن ، ليس فيها شيء
من كلام الناس ) وهو خبر يراد به النهي فيكون منافيا للصلاة.
وقال مالك ، والأوزاعي
: إن كان لمصلحة الصلاة لم يبطلها كتنبيه الإمام ، ودفع المار بين يديه لأن ذا اليدين
تكلم عامدا ، ولم يأمره النبي 6 بالإعادة .
وقال الأوزاعي
أيضا : إن تكلم لمصلحة لا تتعلق بالصلاة كأن يقول للأعمى : البئر أمامك ، أو يرى
من يحترق ماله فيعرفه ذلك لم تبطل صلاته . وهو غلط ، لأنه خطاب أوقعه على وجه العمد فأبطل الصلاة
كما لو لم يكن لمصلحة.
وخبر ذي اليدين
عندنا باطل ؛ لأن النبيّ 6 لا يجوز عليه
__________________
السهو ، مع أن
جماعة من أصحاب الحديث طعنوا فيه ، لأن رواية أبو هريرة وكان إسلامه بعد موت ذي اليدين
بسنتين ، فإن ذا اليدين قتل يوم بدر وذلك بعد الهجرة بسنتين ، وأسلم أبو هريرة بعد
الهجرة بسبع سنين .
قال المحتجون به :
إنّ المقتول يوم بدر هو ذو الشمالين واسمه عبد الله بن عمرو بن نضلة الخزاعي ، وذو
اليدين عاش بعد النبيّ 6 ، ومات في أيام معاوية وقبره بذي خشب واسمه الخرباق لأن عمران بن
الحصين روى هذا الحديث فقال فيه : فقام الخرباق فقال : أقصرت الصلاة؟ .
وأجيب بأن
الأوزاعي قال : فقام ذو الشمالين ، فقال : أقصرت الصلاة؟
وذو الشمالين قتل
يوم بدر لا محالة وروي في هذا الخبر أن ذا اليدين قال : أقصرت الصلاة أم
نسيت يا رسول الله؟ فقال : ( كل ذلك لم يكن )
__________________
وروي أنه قال : (
إنما أسهو لأبين لكم ) وروي أنه قال : ( لم أنس ولم تقصر الصلاة ) وروي من طريق
الخاصة أن ذا اليدين كان يقال له ذو الشمالين عن الصادق 7.
فروع :
أ ـ الكلام الواجب
يبطل الصلاة أيضا كإجابة النبيّ 6 لما تقدم ، وقال الشافعي : لا تبطل الصلاة لأن أبا هريرة
قال : خرج رسول الله 6 على أبيّ بن كعب وهو يصلّي في المسجد ، فقال : ( السلام
عليك يا أبيّ ) فالتفت إليه أبي فلم يجبه ، ثم إن أبيّا خفف الصلاة ، ثم انصرف إلى
النبيّ 6 فقال : السلام عليك يا نبي الله ، فقال : ( وعليك السلام ، ما منعك أن تجيبني
إذ دعوتك؟ ) فقال : يا رسول الله كنت أصلي ؛ قال : ( أفلم تجد فيما أوحي إليّ أن ( اسْتَجِيبُوا
لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ )؟! ) قال : بلى يا
رسول الله لا أعود . ولا حجة فيه لأن رد السلام عندنا واجب في الصلاة وغيرها.
ب ـ للشافعية في
تنبيه الأعمى على بئر يخاف من التردي فيها ، والصبي على نار يقع فيها قولان :
أحدهما : البطلان ـ كما قلناه نحن ـ لجواز أن لا يقع ، بخلاف إجابة النبي 7 ، والثاني : عدمه
لأنه واجب كإجابة
__________________
النبيّ 6 ، والأصل ممنوع.
وأما ردّ الوديعة
، وتفرقة الزكاة فإنهما وإن وجبا لكنهما مبطلان إن كان عملا كثيرا لأنه لا يتعين
في الصلاة لإمكان حصوله قبلها وبعدها بخلاف إجابة النبيّ 6 ، وإنقاذ الأعمى.
ج ـ الجاهل وهو
الذي يقصد الكلام ويعتقد أنه جائز في الصلاة كالعالم عند علمائنا ـ وبه قال أبو
حنيفة ـ لقوله 7 : ( إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين ) ولأن علمه مبطل
فكذا جهله كالحدث.
وقال الشافعي : لا
تبطل به الصلاة ؛ وبه قال مالك ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور لأن النبيّ 6 لما انصرف من
اثنتين قال ذو اليدين : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال : ( أصدق ذو
اليدين؟ ) فقال الناس : نعم ، فقام رسول الله 6 فصلّى اثنتين أخريين ، ثم سلّم ، ثم كبّر ، ثم سجد مثل
سجوده أو أطول ، ثم رفع .
وقد بيّنا بطلان
الحديث ، ولأنه 7 يمتنع عليه جهل تحريم الكلام في الصلاة.
__________________
ولا فرق بين أن
يكون قريب العهد بالإسلام أو لا ـ خلافا للشافعي في قول له ـ ولو علم تحريم
الكلام ولم يعلم أنّه مبطل لم يعذر ، وبه قال الشافعي ، لأنّه لما عرف
التحريم كان حقه الامتناع منه.
د ـ لو تكلّم
ناسيا لم تبطل صلاته ، ويسجد للسهو عند علمائنا ـ وبه قال مالك ، والشافعي ، والأوزاعي
، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ـ لقوله 6 : ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) .
ومن طريق الخاصة
قول الباقر 7 في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم ، قال : « يتم ما بقي من صلاته » وسئل الصادق 7 عن الرجل يتكلم
في الصلاة ناسيا يقول : أقيموا صفوفكم ، قال : « يتم صلاته ، ثم يسجد سجدتين » .
وقال أبو حنيفة :
تبطل إلا أن يسلم من اثنتين ساهيا لأن عمده يبطل الصلاة فكذا سهوه كالحدث. والفرق أن الحدث
يبطل الطهارة أو يوجبها.
هـ ـ لا فرق بين
أن يطول كلام الناسي أو يقصر لأنه خطاب الآدمي على وجه السهو ، وللشافعي قول
بالفرق فأبطلها مع الكثرة كالفعل .
__________________
ونمنع الأصل ، ويفرق
بأن الفعل آكد ، فإن عتق المجنون لا ينفذ ، وينفذ إحباله.
و ـ لا خلاف في أن
الحرف الواحد ليس مبطلا لأنه لا يعد كلاما ، ولعدم انفكاك الصوت منه غالبا ، نعم
في الحرف الواحد المفهم ك ( ق ) و ( ش ) و ( ع ) إشكال ينشأ من حصول الإفهام به
فأشبه الكلام ، ومن دلالة مفهوم النطق بحرفين على عدم الإبطال به.
وأما الحرف بعد
مدّه ففيه نظر أيضا ينشأ من تولّد المدّ من إشباع الحركة ولا يعد حرفا ، ومن أنه
إما ألف ، أو واو ، أو ياء.
ز ـ لو تكلّم
مكرها عليه فالأقوى الإبطال به لأنه مناف للصلاة فاستوى الاختيار فيه وعدمه
كالحدث ، ويحتمل عدمه لرفع ما استكرهوا عليه وللشافعي قولان .
ح ـ لا يجوز أن
يئنّ بحرفين ، ولا يتأوّه بهما لأنّه يعدّ كلاما.
ط ـ السكوت الطويل
إن خرج به عن كونه مصليا أبطل ، وإلاّ فلا.
مسألة ٣٢٠
: يجوز التنبيه على الحاجة إمّا بالتصفيق ، أو بتلاوة القرآن
، كما لو أراد الإذن لقوم فقال ( ادْخُلُوها بِسَلامٍ
آمِنِينَ ) أو قال لمن أراد التخطي على البساط بنعله ( فَاخْلَعْ
نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً ) أو أراد إعطاء
كتاب لمن اسمه يحيى ( يا يَحْيى خُذِ
الْكِتابَ بِقُوَّةٍ ) أو
__________________
( يُوسُفُ أَعْرِضْ
عَنْ هذا ) أو أتى بتسبيح ، أو تهليل ، وقصد القرآن ، والتنبيه ـ وبه
قال الشافعي ـ لأن عليا 7 قال : « كانت لي ساعة أدخل فيها على رسول الله 6 فإن كان في
الصلاة سبّح وذلك إذنه ، وإن كان في غير الصلاة أذن » .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 : « نعم » لمّا قال له ناجية أبو حبيب : أضرب الحائط لأوقظ الغلام؟ .
وقال أبو حنيفة :
تبطل صلاته إلا أن ينبه إمامه ، والمارّ بين يديه . لأنه قصد به
خطاب الآدمي لا لإصلاح الصلاة ، فأشبه رد السلام.
والأصل ممنوع ، والفرق
بأنه خطاب لآدمي بالوضع.
فروع :
أ ـ لو لم يقصد
إلاّ التفهيم بطلت صلاته لأنه لم يقصد القرآن فلم يكن قرآنا ، وفيه إشكال ينشأ من
أن القرآن لا يخرج عن كونه قرآنا بعدم قصده.
ب ـ لا فرق بين
الرجل والمرأة في ذلك ـ وبه قال مالك ـ لعموم قوله 7 : ( من نابه في صلاته شيء فليسبح ) .
__________________
وقال الشافعي :
يسبح الرجل ، وتصفق المرأة لقوله 7 : ( إذا نابكم شيء في الصلاة فالتسبيح للرجال ، والتصفيق
للنساء ) ولو خالفا فسبحت المرأة ، وصفق الرجل لم تبطل الصلاة عنده
بل خالفا السنة .
ج ـ لو صفقت
المرأة أو الرجل على وجه اللعب لا للإعلام بطلت صلاتهما لأن اللعب ينافي الصلاة ،
ويحتمل ذلك مع الكثرة خاصة.
مسألة ٣٢١
: إذا سلّم عليه وهو في الصلاة وجب عليه الرد لفظا عند
علمائنا ـ وبه قال سعيد بن المسيب ، والحسن ، وقتادة ـ لقول الباقر 7 : « إن عمارا
سلّم على رسول الله 6 فردّ 7 » .
وقال محمد بن مسلم
: دخلت على الباقر 7 وهو في الصلاة ، فقلت : السلام عليك ، فقال : « السلام
عليك » قلت : كيف أصبحت فسكت ، فلما انصرف ، قلت له : أيرد السلام وهو في الصلاة؟ قال
: « نعم مثل ما قيل له » . ولأن الأمر بالرد مطلق فيتناول حال الصلاة كغيرها ، ولأنه
واجب فلا تبطل الصلاة به كالكلام الواجب عند الشافعي . وقال الشافعي :
يرد السلام بالإشارة لأن أبا مسعود لمّا قدم من
__________________
الحبشة سلّم على
رسول الله 6 وهو في الصلاة فلم يرد عليه ، قال أبو مسعود : فأخذني ما قرب وما بعد ، فلما
فرغ ، قلت : يا رسول الله أنزل فيّ شيء؟ قال : ( لا ولكن الله يحدث من أمره ما
يشاء ، وأن مما أحدث أن لا تتكلموا في الصلاة ) وليس حجة لجواز
أن يكون قبل الأمر بالرد ، أو أنه حيّاه بغير السلام وسماه سلاما مجازا.
وقال أبو حنيفة :
لا يرد عليه وتبطل ، فإن رسول الله 6 دخل مسجد بني عمرو بن عوف يصلي ، ودخل معه صهيب ، فدخل معه
رجال من الأنصار يسلّمون عليه ، فسألت صهيبا كيف كان يصنع إذا سلّم عليه؟ فقال : كان يشير بيده .
وقال عطاء ، والنخعي
، والثوري : يرد بعد فراغه ، ونقله الجمهور عن أبي ذر .
فروع :
أ ـ لا يكره
السلام على المصلي ـ وبه قال ابن عمر ، وأحمد ـ للأصل ، ولقوله
تعالى ( فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى
أَنْفُسِكُمْ ) وهو عام ، وحكى ابن المنذر عن عطاء ، وأبي مجلز ، والشعبي
، وإسحاق بن
__________________
راهويه ، وجابر
الكراهة ، وعن أحمد روايتان ، وظاهر كلام الشافعي الكراهة لأنه كره السلام على الإمام
حال الخطبة فحال الصلاة أولى.
ب ـ إذا سلّم
بقوله : سلام عليكم رد مثله ، ولا يقول : وعليكم السلام لأنه عكس القرآن ، ولقول
الصادق 7 وقد سأله عثمان بن عيسى عن الرجل يسلّم عليه وهو في الصلاة : « يقول : سلام
عليكم ، ولا يقول : وعليكم السلام ، فإن رسول الله 6 كان قائما يصلي فمرّ به عمار بن ياسر فسلّم عليه فرد عليه
النبيّ 6 هكذا » .
ج ـ لو سلّم عليه
بغير اللفظ المذكور فإن سمّي تحية فالوجه : جواز الرد به ، وبقوله : سلام عليكم ،
لعموم قوله تعالى ( فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) ولو لم تسم تحية
جاز إجابته بالدعاء له إذا كان مستحقا له وقصد الدعاء ، لا ردّ السلام ، ولو سلّم
عليه بقوله : عليك السلام ففي جواز إجابته بالصورة إشكال ينشأ من النهي ، ومن جواز
الرد مثل التحية.
د ـ لو اتّقى رد
فيما بينه وبين نفسه تحصيلا لثواب الرد وتخليصا من الضرر ، ولقول الصادق 7 : « إذا سلّم
عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة فرد عليه فيما بينك وبين نفسك ، ولا ترفع
صوتك » وفي رواية أخرى : « ترد عليه خفيّا » .
مسألة ٣٢٢
: يجوز تسميت العاطس بأن يقول المصلي له : يرحمك الله لأنه.
__________________
دعاء ، وقد دعا
رسول الله 6 لقوم ، ودعا على آخرين وهو محكي عن الشافعي وظاهر مذهبه : البطلان لأن معاوية بن الحكم السلمي قال : صليت مع رسول الله 6 فعطس رجل من
القوم ، فقلت : يرحمك الله ، فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : وأثكل أماه وما شأنكم
تنظرون إليّ؟ قال : فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فعرفت أنهم يصمتوني ، فلما
صلّى رسول الله 6 قال : ( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس
إنما هي التكبير وقراءة القرآن ) ولا حجة فيه لأن إنكاره 7 وقع على كلامه لا على تسميته.
إذا عرفت هذا فإنه
يجوز أن يحمد الله تعالى إن عطس هو أو غيره لأنه شكر لله تعالى على نعمه ، ولقول
الصادق 7 : « إذا عطس الرجل فليقل : الحمد لله » وقال له أبو بصير : أسمع العطسة فأحمد الله وأصلي على
النبي 7 وأنا في الصلاة؟ قال : « نعم ولو كان بينك وبين صاحبك البحر » .
مسألة ٣٢٣
: التنحنح جائز لأنه لا يعد كلاما ، وأظهر وجوه الشافعية : البطلان
به إن ظهر منه حرفان ، وإن لم يبن كما إذا استرسل سعال لا يبين منه
__________________
حرف لم يبطل ، والثاني : عدم
البطلان وإن بان منه حرفان لأنه ليس من جنس الكلام ، والثالث : إن
كان مطبقا شفتيه لم يضر كقرقرة البطن ، وإن كان فاتحا فمه فإن بان منه حرفان بطلت
وإلاّ فلا .
ولو تعذرت القراءة
إلاّ به فهو معذور ، وإن أمكنه القراءة وتعذر الجهر فوجهان عندهم : أحدهما : إنه
كالقراءة لإقامة شعار الجهر ، والثاني : المنع لأن الجهر سنة فلا ضرورة إلى
التنحنح له .
ولو تنحنح الإمام
وبان منه حرفان فللشافعية وجهان في مداومة المأموم : أظهرهما : ذلك لأن الأصل بقاء
عبادته والظاهر من حاله الاحتراز عن مبطلات الصلاة ، وأنه غير مختار فيه ، والثاني
: المنع لأن العاقل لا يفعل إلاّ عن قصد ، فالظاهر أن الإمام قاصد
فبطلت صلاته فلا يجوز له المتابعة.
مسألة ٣٢٤
: الدعاء المحرّم مبطل للصلاة إجماعا لأنه ليس بقرآن ، ولا
دعاء مأمور به بل هو منهي عنه ، والنهي يدل على الفساد ، أما الدعاء بالمباح فقد
بيّنا جوازه في جميع أحوال الصلاة.
ولو جهل تحريم
المطلوب ففي بطلان الصلاة إشكال ينشأ من عدم التحريم لجهله ، ومن تفريطه بترك
التعلّم ، أما لو جهل تحريم الدعاء فالوجه : البطلان.
مسألة ٣٢٥
: القهقهة عمدا تبطل الصلاة إجماعا منّا ، وعليه أكثر
العلماء
__________________
سواء غلب عليه أو
لا لقوله 6 : ( من قهقه فليعد صلاته ) ومن طريق الخاصة قول الباقر 7 : « القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة » .
وقالت الشافعية :
إن غلب عليه لم تبطل صلاته لعدم الاختيار فأشبه الناسي ، وإن كان مختارا
فإن لم يظهر في صوته حرفان لم تبطل صلاته وإن ظهر فقولان : البطلان لأن التفوه بما
يتهجى حرفين قد وجد على وجه يسمع من قصده ، وهو الظاهر من مذهبه ، والعدم لعدم
تسميته كلاما . ونحن لا نبطل من حيث الكلام بل للنص ، والحكمة هتك
الحرمة.
فروع :
أ ـ القهقهة لا
يبطل بها الوضوء ـ خلافا لبعض علمائنا ـ لحديث الباقر 7 ، وقد سبق.
ب ـ لو قهقهه
ناسيا لم تبطل صلاته إجماعا.
ج ـ لو تبسّم ـ وهو
ما إذا لم يكن له صوت ـ لم تبطل صلاته إجماعا.
مسألة ٣٢٦
: البكاء خوفا من الله تعالى ، وخشية من عقابه غير مبطل
للصلاة وإن نطق فيه بحرفين ، وإن كان لأمور الدنيا بطلت صلاته وإن لم ينطق بحرفين
عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لقوله تعالى : ( إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ
__________________
آياتُ
الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا ) ولأن أبا مطرف قال : أتيت النبي 6 وهو يصلّي ولصدره
أزيز كأزيز المرجل ، والأزيز غليان صدره وحركته بالبكاء.
وسأل أبو حنيفة
الصادق 7 عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ فقال : « إن كان لذكر جنة أو نار فذلك
أفضل الأعمال في الصلاة ، وإن كان لذكر ميت له فصلاته فاسدة .
وقال الشافعي : إن
كان مغلوبا لم تبطل صلاته ، وإن كان مختارا : فإن لم يظهر فيه حرفان لم تبطل سواء
كان لمصاب الدنيا أو الآخرة لعدم الاعتبار بما في القلب ، وإنما يعتبر الظاهر وهو
في الحالتين واحد .
وهو ممنوع لأنه
مأمور به في أمور الآخرة لأنه من الخشوع المأمور به بخلاف أمر الدنيا.
وإن ظهر فيه حرفان
فوجهان : الظاهر : عدم البطلان لأن الشمس كسفت على عهد رسول الله 6 فلمّا كان في
السجدة الأخيرة جعل ينفخ في الأرض ويبكي ، ولأنه لا يسمى كلاما من غير تفصيل.
مسألة ٣٢٧
: النفخ بحرفين يوجب الإعادة ، وكذا الأنين ، والتأوّه ، ولو
كان بحرف واحد لم تبطل ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأن تعمد الكلام مناف
__________________
للصلاة ، ولقول
علي 7 : « من أنّ في صلاته فقد تكلم » وللشافعي قول آخر : أنه لا يبطلها وإن كان بحرفين لأنه لا يعد
كلاما. وهو ممنوع.
وقال أبو حنيفة :
النفخ يبطلها وإن كان بحرف واحد ، والتأوّه للخوف من الله تعالى عند ذكر المخوفات
لا يبطلها ولو كان بحرفين ، ويبطلها لو كان لغير ذلك كالألم يجده . ولا دليل على
هذا التفصيل.
مسألة ٣٢٨
: الفعل الذي ليس من أفعال الصلاة إن كان قليلا لم تبطل به
الصلاة كالإشارة بالرأس ، والخطوة ، والضربة ، وإن كان كثيرا أبطلها بلا خلاف في
الحكمين لأن النبيّ 6 أمر بقتل الأسودين في الصلاة : الحية ، والعقرب ، ودفع 7 المار بين يديه وحمل أمامة بنت
أبي العاص ، وكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها ، وقتل عقربا وهو
يصلي ، وأخذ بأذن ابن عباس وأداره عن يساره إلى يمينه .
واختلف الفقهاء في
حدّ الكثرة ، فالذي عوّل عليه علماؤنا البناء على
__________________
العادة فما يسمى
في العادة كثيرا فهو كثير وإلاّ فلا لأن عادة الشرع رد الناس فيما لم ينص عليه إلى
عرفهم ، وبه قال بعض الشافعية .
وقال بعضهم :
القليل ما لا يسع زمانه لفعل ركعة من الصلاة ، والكثير ما يسع .
وقال بعضهم : ما
لا يحتاج إلى فعل اليدين معا كرفع العمامة وحل الإزار فهو قليل ، وما يحتاج إليهما
معا كتكوير العمامة وعقد السراويل فهو كثير .
وقال بعضهم :
القليل ما لا يظن الناظر إلى فاعله أنه ليس في الصلاة ، والكثير ما يظن به الناظر
إلى فاعله الإعراض عن الصلاة .
إذا عرفت هذا
فالخطوة الواحدة والضربة قليل ، والثلاث كثير ، وفي الفعلين للشافعية وجهان :
أحدهما : أنه كثير لتكرره. والأصحّ خلافه لأن النبيّ 6 خلع نعليه في الصلاة وهما فعلان .
فروع :
أ ـ الكثير إذا
توالى أبطل ، أما مع التفرّق فإشكال ينشأ من صدق الكثرة عليه ، وعدمه للتفرق ، فإن
النبيّ 6 كان يضع أمامة ويرفعها ، فلو خطا خطوة ثم بعد زمان خطوة أخرى لم تبطل صلاته ،
وقال بعض الشافعية : ينبغي أن يقع بين الاولى والثانية قدر ركعة .
__________________
ب ـ الفعلة
الواحدة لا تبطل ، فإن تفاحشت فإشكال ، كالوثبة الفاحشة فإنها لإفراطها وبعدها عن
حال المصلّي توجب البطلان.
ج ـ الثلاثة
المبطلة يراد بها الخطوات المتباعدة ، أمّا الحركات الخفيفة كتحريك الأصابع في
مسبحة ، أو حكمه فالأقرب منع الإبطال بها لأنها لا تخل بهيئة الخشوع والاستكانة
فهي مع الكثرة بمثابة الفعل القليل ، ويحتمل الإبطال للكثرة ، وللشافعية وجهان .
د ـ لا يكره قتل
الحية والعقرب في الصلاة ـ وبه قال الشافعي ـ لأن النبيّ 6 أمر به ، وقال النخعي : يكره .
هـ ـ الفعل الكثير
إنما يبطل مع العمد أمّا مع النسيان فلا خلاف عند علمائنا لقوله 7 : ( رفع عن أمتي
الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه ) وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : أنه مبطل لأن النسيان
بالفعل الكثير قلّما يقع ، ويمكن الاحتراز عنه في العادة.
وينتقض عندهم بقصة
ذي اليدين ، فإنهم رووا أن النبيّ 6 سلّم عن اثنتين ، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد ، فوضع
يديه عليها وخرج سرعان القوم من المسجد ، وقالوا : قصرت الصلاة ، ثم لما عرف رسول
الله 6 أنه ساه عاد فبنى على صلاته ، والذين خرجوا
__________________
من المسجد بنوا
على الصلاة ، والرسول 6 ما أمرهم بالإعادة ، وهو إلزام لامتناع السهو على النبيّ 6 عندنا.
و ـ لو قرأ كتابا
بين يديه في نفسه من غير نطق لم تبطل صلاته لقوله 6 : ( تجاوز الله لأمتي عما حدثت به نفوسها ما لم يتكلموا ) ولأن الإنسان لا
ينفك من التصورات ، وبه قال الشافعي .
وقال أبو حنيفة :
تبطل صلاته وإن قرأ القرآن من المصحف لأن النظر عمل دائم ، وقد سبق.
ز ـ ما ليس من
أفعال الصلاة إذا كان من جنس أفعالها وزاده المصلي ناسيا لم تبطل صلاته
كما لو صلى خمسا
ناسيا إن كان قد قعد في الرابعة بقدر التشهد ، وأطلق الشافعي ، وأبو حنيفة الصحة .
أما لو زاد عامدا
فإن الصلاة تبطل كما لو زاد ركوعا أو سجدة ـ وبه قال الشافعي ـ لأن الزيادة
كالنقصان ، والثاني مبطل مع العمد فكذا الأول.
__________________
وقال أبو حنيفة :
لا تبطل ما لم تبلغ الزيادة ركعة .
ح ـ يجوز عدّ
الركعات والتسبيحات بأصابعه ، أو بشيء يكون معه من الحصى ، والنوى إذا لم يتلفظ
به ، ولا كراهة فيه ـ وبه قال مالك ، والثوري ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وابن أبي ليلى
، والنخعي ـ لأن النبيّ 6 كان يسبّح ثلاث تسبيحات ، وذلك إنما يكون
بالعدد.
وقال أبو الدرداء
: إني لأدعو في صلاتي لسبعين رجلا من إخواني ، وعلّم النبيّ 6 العباس صلاة التسبيح ، وأمره في كل ركن بتسبيحات مقدرة ، وليس ذلك بعقد
القلب لاشتغاله به عن الخشوع فلا بدّ وأن يكون بعقد الأصابع.
وقال أبو حنيفة :
يكره ـ وبه قال محمد ـ لأنه ليس من الصلاة. وقال أبو يوسف : لا بأس به في
التطوع . وقال الشافعي : تركه أحب إليّ .
ط ـ الأكل والشرب
مبطلان لأنهما فعل كثير إذ تناول المأكول ومضغه
__________________
وابتلاعه أفعال
متعددة ، وكذا المشروب ، وبه قال الشافعي ، وأبو حنيفة .
وحكي عن سعيد بن
جبير أنه شرب الماء في صلاته النفل ، وعن طاوس أنه قال : لا بأس بشرب الماء في صلاة النافلة ـ وبه قال الشيخ
في الخلاف ـ لأن الأصل الإباحة. وهو ممنوع ، ومنع الشافعي من ذلك في
النافلة والفريضة .
واستدلّ الشيخ بقول الصادق 7 ، إني أريد الصوم
وأكون في الوتر فأعطش ، فأكره أن أقطع الدعاء وأشرب ، وأكره أن أصبح وأنا عطشان
وأمامي قلة بيني وبينها خطوتان ، أو ثلاثة قال : « تسعى إليها وتشرب منها حاجتك
وتعود في الدعاء » .
ويحتمل الاقتصار
على ذلك للحاجة فيختص الترخص بالوتر مع إرادة الصوم وخوف العطش وكونه في دعاء
الوتر ، وقال الشافعي : إن قليله مبطل لأنه إعراض ، وله وجه : أنه غير مبطل .
ولو كان في فيه شيء
من الطعام ، أو بين أسنانه فازدرده لم تنقطع صلاته إذا كان يمر مع الريق من حيث لا
يملكه بلا مضغ ، ولا علك ،
__________________
وللشافعية في امتصاص
سكرة من غير مضغ وجهان ، وأقواهما : البطلان لأن الإمساك شرط في الصلاة كما هو في الصوم بل الصلاة آكد
فإن الكلام يبطلها بخلاف الصوم.
ولو أكل ناسيا لم
تبطل صلاته وإن كثر ، وأبطلها الشافعي مع الكثرة في أصح الوجهين ، ولو كان مغلوبا
بأن نزلت النخامة ولم يقدر على إمساكها لم تبطل صلاته إجماعا ، ولو كان في فمه شيء
لا يذوب صحت صلاته إن لم تمنعه القراءة.
مسألة ٣٢٩
: الالتفات إلى ما وراءه مبطل للصلاة لأن الاستقبال شرط
والالتفات بكلّه مفوت لشرطها ، ولقول الباقر 7 : « إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة
فتفسد صلاتك ، إن الله تعالى يقول لنبيه في الفريضة ( فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ
شَطْرَهُ ) وقال الباقر 7 : « الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه » .
ويكره الالتفات
بوجهه يمينا وشمالا ، وليس بمحرم لدلالة مفهوم قول الباقر 7 : « إذا كان بكله
» ومفهوم قول الصادق 7 : « إذا التفت في صلاة المكتوبة من غير فراغ فأعد إذا كان
الالتفات فاحشا ، وإن كنت قد تشهدت فلا تعد » .
__________________
وقال بعض الحنفية
: تبطل لرواية عبد الله بن سلام عن النبي 6 : ( لا تلتفتوا
في صلاتكم فإنه لا صلاة لملتفت ) ـ وعبد الله ضعيف ـ ونقول بموجبه فإن الالتفات هنا يراد به
الالتفات بالجميع ، ولأن نفي الصلاة لا يستلزم نفي جميع الأحكام فيحمل على نفي
الفضيلة.
مسألة ٣٣٠
: التكفير مبطل للصلاة وهو وضع اليمين على الشمال في
القراءة عند علمائنا لإجماع الفرقة عليه ـ قاله الشيخ والمرتضى ـ ولأنه فعل كثير
فيكون مبطلا ، ولأنه أحوط لوقوع الخلاف فيه دون الإرسال ، ولقول الباقر 7 : « النحر
الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه .. ولا تكفّر ، إنما يصنع ذلك المجوس » وسأل محمد بن
مسلم أحدهما 8 عن الرجل يضع يده في الصلاة اليمنى على اليسرى ، فقال : « ذلك التكفير لا
تفعله » .
وقال الشافعي ، وأبو
حنيفة ، وسفيان ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود : إنّ وضع اليمين على الشمال
مسنون مستحب إلاّ أن الشافعي قال : وضع اليمين على الشمال فوق السرّة . وقال أبو حنيفة
: تحت
__________________
السرّة. وهو مذهب
أبي هريرة ، وعن مالك روايتان : إحداهما مثل قول الشافعي ، والثانية
: الإرسال وروي عنه أيضا أنه يفعل ذلك في النافلة إذا طالت فإن لم
تطل لم يفعل فيها ولا في الفرض .
وقال الليث بن سعد
: إن أعيى فعل وإن لم يعي لم يفعل ، وروى ابن المنذر عن ابن الزبير : أنه كان يرسل يديه ، وهو
مروي عن الحسن ، وابن سيرين ، والنخعي ، وقال الأوزاعي : من شاء فعل ومن شاء ترك .
واحتجوا برواية
وائل بن حجر قال : رأيت رسول الله 6 إذا دخل في الصلاة يأخذ شماله بيمينه ، ولا حجة فيه
لعدم الدلالة ، ولوقوع الخلاف في مضمونها بينهم فدل على ضعفها.
فروع :
أ ـ يجوز فعل ذلك
للتقية.
ب ـ قال الشيخ :
لا فرق بين وضع اليمين على الشمال وبالعكس ، ولا
__________________
فوق السرة ، ولا
تحتها .
ج ـ لا فرق في
المنع بين أن يكون بينهما حائل أو لا ، وفي تحريم وضع الكف على الساعد إشكال ينشأ
من إطلاق اسم التكفير عليه ، ومن أصالة الإباحة.
د ـ قال الشيخ في
الخلاف : لا يجوز التطبيق في الصلاة ـ وهو أن يطبّق إحدى يديه إلى الأخرى ويضعهما
بين ركبتيه ـ وبه قال جميع الفقهاء ، وأوجبه ابن مسعود ، واحتج الشيخ بالإجماع ، وخلاف
ابن مسعود منقرض .
البحث الثاني : في التروك المندوبة وقد تقدم بعضها ، وبقي
أمور :
أ ـ نفخ موضع
السجود ، لما فيه من الاشتغال عن الصلاة ، وتأذي المجاور ، ولقوله 7 : ( أربع من
الجفاء : أن ينفخ في الصلاة ، وأن يمسح وجهه قبل أن ينصرف من الصلاة ، وأن يبول
قائما ، وأن يسمع المنادي فلا يجيبه ) .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 وقد سئل الرجل ينفخ في الصلاة ، قال : « لا » ، وليس للتحريم
لقول الصادق 7 : « لا
__________________
بأس بالنفخ في
الصلاة موضع السجود ما لم يؤذ أحدا » .
ب ـ فرقعة الأصابع
، لقوله 7 لعلي 7 : ( لا تفرقع أصابعك وأنت تصلّي ) ومن طريق الخاصة قول الصادق 7 : « إذا قمت إلى الصلاة فاعلم أنك بين يدي الله ، فإن كنت
لا تراه فاعلم أنه يراك ، فأقبل قبل صلاتك ولا تمتخط ، ولا تبصق ، ولا تنقض أصابعك
، ولا تورك فإن قوما عذّبوا بنقض الأصابع ، والتورك في الصلاة » .
ج ـ العبث ، لما
فيه من الاشتغال عن الصلاة ، وترك الخشوع.
د ـ التثاؤب.
هـ ـ التمطي ، لما
فيها من الاستراحة وتغيير هيئة الصلاة المشروعة.
و ـ التنخم.
ز ـ البصاق لأنه 7 كان يأخذ النخامة
في ثوبه وهو يصلي .
حـ ـ مدافعة
الأخبثين والريح لما فيه من الاشتغال عن الصلاة ، ولقول الصادق 7 : « إن رسول الله
6 قال : لا تصل وأنت تجد شيئا من الأخبثين » وقال 7 : « لا صلاة
لحاقن ولا لحاقنة » .
ط ـ لبس الخف
الضيق لما يحصل معه من الشغل عن الصلاة.
ي ـ التورك ـ وهو
أن يعتمد بيديه على وركيه وهو التخصر ـ لأن النبيّ
__________________
6 نهى عن التخصر في الصلاة ، ومن طريق
الخاصة قول الصادق 7 : « ولا تورك » .
يا ـ السدل ـ وبه
قال أبو حنيفة ، والشافعي ـ لما فيه من الخيلاء ، ولم يكرهه مالك ، ومعناه وضع
الثوب على الرأس أو الكتف ، وإرسال طرفيه.
مسألة ٣٣١
: يحرم قطع الصلاة لغير حاجة لقوله تعالى ( وَلا
تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) ويجوز للحاجة كما لو رأى دابة له انفلتت ، أو غريما يخاف
فوته ، أو مالا يخاف ضياعه ، أو غريقا يخاف هلاكه ، أو طفلا يخاف سقوطه لئلا يلحقه
الضرر وهو منفي.
ولقول الصادق 7 : « إذا كنت في
صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق ، أو غريما لك عليه مال ، أو حية تخافها على
نفسك فاقطع الصلاة واتبع الغلام أو الغريم ، واقتل الحية » .
وسأله سماعة عن
الرجل يكون قائما في صلاة الفريضة فينسى كيسه ، أو متاعا يتخوف ضيعته أو هلاكه ، قال
: « يقطع صلاته ، ويحرز متاعه ، ثم يستقبل الصلاة » قلت : فيكون في الصلاة فتفلت
دابته ويخاف أن تذهب ، أو
__________________
يصيب منها ( عنتا
) ؟ قال : « لا بأس أن يقطع صلاته » .
مسألة ٣٣٢
: لا يقطع الصلاة ما يمر بين يدي المصلي حيوانا كان أو
إنسانا ، ذكرا كان أو أنثى ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال عروة ، والشعبي ، والثوري
، ومالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي ـ لقول رسول الله 6 : « لا يقطع الصلاة شيء » .
وقال الفضل بن
عباس : أتانا رسول الله 6 ونحن في بادية فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة ، وحمارة
لنا وكلبة تعبثان بين يديه ، فما بالي ذلك ، وقالت عائشة : كان رسول الله 6 يصلي صلاته من
الليل كلها وأنا معترضة بينه وبين القبلة .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 : « لا يقطع الصلاة شيء كلب ، ولا حمار ، ولا امرأة ، ولكن استتروا بشيء » وسأل ابن أبي
يعفور الصادق 7 عن الرجل هل يقطع صلاته شيء مما يمر به؟ قال : « لا يقطع
صلاة المسلم شيء ، ولكن ادرءوا ما استطعتم » .
__________________
وقال أحمد :
يقطعها الكلب الأسود ، والمرأة ، والحمار لأن أبا هريرة قال : قال رسول الله 6 : ( يقطع الصلاة
المرأة ، والحمار ، والكلب ) وهو منسوخ بما تقدم من الأحاديث للإجماع على نسخ حكم
المرأة.
فروع :
أ ـ لو جعل بينه
وبين ما يمر به حاجزا زالت الكراهة ، قال رسول الله 6 : ( إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصلّ ، ولا
يبالي ما وراء ذلك ) .
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 « كان رحل رسول الله 6 ذراعا ، وكان إذا صلى وضعه بين يديه يستتر به ممن يمرّ بين
يديه » .
ب ـ لو لم يتفق له
سترة استحب له دفع المار بين يديه لقوله 7 : ( لا يقطع الصلاة شيء ، فادرؤا ما استطعتم ) ، وكذا قول
الصادق 7 .
ج ـ لا فرق بين
فرض الصلاة ونفلها إجماعا.
د ـ لو كان الكلب
واقفا بين يديه لم تبطل صلاته على قولنا ، وعن
__________________
أحمد روايتان :
إحداهما : البطلان لشبهه بالمارّ .
مسألة ٣٣٣
: لا يقطع الصلاة رعاف ، ولا قيء ، ولو عرض الرعاف في
الصلاة أزاله وأتم الصلاة ما لم يحتج إلى فعل كثير ، أو كلام ، أو استدبار لأن ذلك
ليس بناقض للطهارة ، وهو إجماع منّا ، والأصل يعطيه.
مسألة ٣٣٤
: حكم المرأة حكم الرجل في جميع الأحكام لكن لا جهر عليها ، ولا
أذان ، ولا إقامة ، فإن أذنت وأقامت خافتت فيهما.
ويستحب لها اعتماد
ما رواه زرارة ، قال : « إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها ، ولا تفرج
بينهما ، وتضم يديها إلى صدرها لمكان ثدييها ، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها
على فخذيها لئلا تتطأطأ كثيرا ، فإذا جلست فعلى أليتيها كما يقعد الرجل ، فإذا
سقطت للسجود بدأت بالقعود وبالركبتين قبل اليدين ، ثم تسجد لاطئة بالأرض ، وإذا
كانت في جلوسها ضمت فخذيها ورفعت ركبتيها ، فإذا نهضت انسلّت انسلالا لا ترفع
عجيزتها أوّلا » .
وفي رواية ابن أبي
يعفور عن الصادق 7 ، قال : « إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها » وبهذا قال الشافعي
أيضا ، وقال أبو حنيفة : تجلس كأستر ما يكون . وقال الشعبي : تجلس كما يتيسر عليها . وكان ابن عمر
يأمر نساءه أن يجلسن متربعات .
__________________
الفصل الرابع :
في أحكام السهو
وفيه مباحث :
الأول : فيما يوجب
الإعادة :
مسألة ٣٣٥
: من أخل بشيء من واجبات الصلاة عمدا بطلت صلاته سواء كان
شرطا كالطهارة ، والاستقبال ، وستر العورة ، أو جزءا منها ، سواء كان ركنا كالركوع
، أو غيره كالتسبيح فيه ، أو كيفية كالطمأنينة. وسواء كان عالما ، أو جاهلا لأن
الإخلال بالشرط يستلزم الإخلال بالمشروط ، فلو صحت بدونه لم يكن ما فرضناه شرطا
بشرط ، هذا خلف.
والإخلال بجزء من
الماهية يستلزم الإخلال بها لتوقف وجود المركب على وجود أجزائه فلا يكون المخلّ
ببعض الأجزاء آتيا بالصلاة المأمور بها شرعا ، فيبقى في عهدة التكليف عدا الجهر
والإخفات ، فقد عذر الجاهل فيهما بالإخلال بهما باتفاق الموجبين له لقول الباقر 7 في رجل جهر فيما
لا ينبغي الجهر فيه ، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال : « إن فعل ذلك
متعمدا فقد نقض صلاته ، وعليه الإعادة ، فإن فعل ذلك ناسيا ، أو ساهيا ولا يدري
فلا شيء عليه » وكذا لو فعل شيئا لا يجوز فعله في الصلاة عمدا بطلت صلاته
كالكلام وشبهه وقد تقدم.
ولو جهل غصبية
الثوب الذي يصلّي فيه ، أو المكان ، أو نجاسة
__________________
الثوب ، أو البدن
، أو موضع السجود فلا إعادة ، ولو توضأ بماء مغصوب مع علم الغصبية وصلّى أعاد
الطهارة والصلاة ، ولو جهل الغصبية لم يعد إحداهما ، ولا يعذر جاهل الحكم ، ولا
الناسي على إشكال ينشأ من إلحاقه بالعامد ، وبالنجس إن قلنا بالعذر فيه.
ولو لم يعلم أن
الجلد ميتة وصلى فيه ثم علم لم يعد إذا كان في يد مسلم غير مستحل ، أو شراه من سوق
المسلمين ، فإن أخذه من غير مسلم أو منه وكان مستحلا ، أو وجده مطروحا أعاد لأصالة
الموت ، ولو لم يعلم أنه من جنس ما يصلّى فيه أعاد لتفريطه.
مسألة ٣٣٦
: وتبطل الصلاة لو أخل بركن سهوا أو عمدا ، وقد عرفت أن
الركن هو ما تبطل بتركه الصلاة عمدا وسهوا.
واختلف علماؤنا في
عدد الأركان فالمشهور أنها خمسة : النية ، والقيام ، وتكبيرة الافتتاح ، والركوع ،
ومجموع السجدتين في ركعة ، وأسقط بعضهم القيام ، وأثبت آخرون مع الخمسة القراءة .
وفي كون النيّة من
الأركان أو الشروط احتمال من حيث انها تتعلق بالصلاة فتكون خارجة عنها وإلاّ
لتعلقت بنفسها ، ومن إمكان تعلقها بسائر الأركان وهي من الصلاة.
هذا إذا تجاوز
المحل كما لو سها عن القيام حتى نوى ، أو عن النيّة حتى كبّر للإحرام ، أو عن
تكبيرة الإحرام حتى قرأ ، أو عن الركوع حتى سجد ، أو عن السجدتين حتى ركع ؛ لقول
الكاظم 7 : « يعيد الصلاة » لما سئل عن الرجل ينسى التكبيرة حتى قرأ .
__________________
أما لو كان في
محله فإنه يأتي به لإمكانه على وجه لا يخل بهيئة الصلاة ، ولقول الصادق 7 لمّا سأله أبو
بصير عن رجل يشك وهو قائم فلا يدري ركع أم لم يركع ، قال : « يركع ويسجد » .
وعند الشافعية أن
الصلاة تشتمل على أركان وأبعاض وهيئات ، فالركن ما إذا تركه عمدا بطلت صلاته ، وإن
تركه سهوا لزمه العود إليه ولا يجبر بالسجود ، وهي خمسة عشر : النية ، والتكبير ، والقيام
، والقراءة ، والركوع والاعتدال عنه ، والرفع والاعتدال عنه ، والسجود والاعتدال
عنه ، والجلسة بين السجدتين ، والقعود للتشهد الأخير ، وقراءة التشهد الأخير ، والصلاة
على الرسول 6 في الأخير ، والتسليم الأول ، ومراعاة الترتيب بين الأركان ، والموالاة بين
الأفعال حتى لو فرقها لم تصح صلاته.
وزاد بعضهم :
الطمأنينة في الركوع والسجود ، والصلاة على الآل : ، ونيّة الخروج عن الصلاة.
وأما الأبعاض فهي
التي لا تبطل الصلاة بتركها ولكنها تقتضي السجود ، وهي القنوت في صلاة الصبح ، والقعود
في التشهّد الأول ، وقراءة التشهد الأول ، والصلاة على النبيّ في التشهّد الأول
على قول ، والصلاة على آله في الأخير في وجه.
وأما الهيئات فما
عدا ذلك ، ولا يقتضي تركها بطلان الصلاة ، ولا سجود السهو .
مسألة ٣٣٧
: ولا فرق بين الأولتين والآخرتين في الإبطال بترك الركن
__________________
سهواً عند أكثر
علمائنا فلو نسي ركوع الأولى ، أو الثانية ، أو الثالثة ، أو
الرابعة بطلت صلاته ، وكذا لو ترك سجدتين من ركعة واحدة أيها كانت لأنه أخلّ بركن
من الصلاة حتى دخل في آخر فسقط الثاني ، فلو أعاد الأول لزاد ركنا ، ولو لم يأت به
نقص ركنا ، وكلاهما مبطل ، ولأن الزائد لا يكون من الصلاة وهو فعل كثير فيكون
مبطلا.
ولقول الصادق 7 : « إذا أيقن
الرجل أنه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين ، وترك الركوع استأنف الصلاة » وسئل 7 عن الرجل ينسى
الركوع حتى يسجد ، ويقوم ، قال : « يستقبل » .
وقال الشيخ : إن
كان في الأولتين أبطل الصلاة ، وإن كان في الأخيرتين حذف الزائد وأتى بالفائت
فيلفّق فلو ترك الركوع في الثالثة حتى سجد سجدتيها أسقطهما وركع وأعاد السجدتين ، وكذا
لو ترك سجدتيها حتى ركع في الرابعة أسقط الركوع وسجد للثالثة ، ثم أتى بالرابعة لقول الباقر 7 في رجل شك بعد ما
سجد أنه لم يركع ، قال : « إذا استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة فيهما ، ويبني
على صلاته ، وإن لم يستيقن إلاّ بعد ما فرغ وانصرف فليصل ركعة ويسجد سجدتين ولا شيء
عليه » .
وهو معارض
بالأحاديث الكثيرة ، ويحمل على النافلة جمعا بين الأدلة ، وبعض علمائنا يلفق مطلقا لا
يعتد بالزيادة.
__________________
تذنيب : لو ترك ركوعا من رباعية ولم يدر من أي الركعات أعاد على ما اخترناه ـ وعلى
مذهب الشيخ أيضا ـ لاحتمال أن يكون من الأوّلتين ، ولو تيقن سلامتهما أضاف
إليهما ركعة ، وعلى مذهب من يلفق مطلقا يضيف إليها ركعة.
ولو ترك سجدتين
ولم يدر من أي الأربع أعاد على ما اخترناه مطلقا ، وكذا على قول الشيخ ، إلاّ أن يتحقق
سلامة الأولتين فتصير الرابعة ثالثة ويتمم بركعة ويسقط حكم الركوع المتخلل لأنه
وقع سهوا ، وعلى المذهب الآخر يتم له ثلاث ركعات ويضيف إليها ركعة.
ولو لم يعلم هل
هما من ركعة أو ركعتين أعاد مراعاة للاحتياط.
مسألة ٣٣٨
: زيادة الركن عمدا وسهوا مبطلة كنقصانه لما فيه من تغيير
هيئة الصلاة إلا زيادة القيام سهوا ، فلو زاد ركوعا أو سجدتين دفعة أعاد ، ولأنه
فعل كثير فتبطل الصلاة ، ولقول الصادق 7 في رجل صلّى وذكر أنه زاد سجدة : « لا يعيد الصلاة من سجدة
ويعيدها من ركعة » .
وقال الشافعي ، وأحمد
، وأبو حنيفة : لا يعيد لو زاد سهوا بل يسجد للسهو لأن النبي 6 الظهر خمسا ، فلمّا
قيل له سجد للسهو .
ونمنع تطرق السهو
إلى النبيّ 6 ، سلّمنا لكن جاز أن
__________________
يكون قعد بعد
الرابعة ، سلّمنا لكن يحتمل أنه لم يكن يظن قولهم بل حدث عنده شك ، والشك في
الزيادة لا يبطل بل يسجد للسهو.
مسألة ٣٣٩
: لو زاد على الرباعية خامسة سهوا فإن لم يكن قد جلس عقيب
الرابعة وجب عليه إعادة الصلاة عند علمائنا أجمع.
وإن كان قد جلس
عقيب الرابعة بقدر التشهّد صحّت صلاته وتشهّد ، وسلّم ، وسجد للسهو عند بعض
علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لأن أبا سعيد الخدري قال : قال رسول الله 6 : ( إذا شك أحدكم
في صلاته فليلغ الشك ، وليبن على اليقين ، وإذا استيقن التمام سجد سجدتين فإن كانت
الصلاة تامة كانت الركعة نافلة له والسجدتان ، وإن كانت ناقصة كانت الركعة تماما
لصلاته وكانت السجدتان مرغمتي الشيطان ) .
ومن طريق الخاصة
قول الباقر 7 في رجل استيقن أنه صلّى الظهر خمسا فقال : « إن كان علم أنه جلس في الرابعة
فصلاته الظهر تامة ويضيف إلى الخامسة ركعة ويسجد سجدتين فيكونان نافلة ولا شيء
عليه » . ولأن نسيان التشهّد غير مبطل ، فإذا جلس قدر التشهد يكون
قد فصل بين الفرض والزيادة.
أما إذا لم يجلس
عقيب الرابعة فإن النافلة قد اختلطت بالفرض فصار جميعه نفلا ، ومع الجلوس يكون قد
خرج من الصلاة لأن التشهد ليس بركن
__________________
والتسليم ليس بواجب
، ولقول الصادق 7 : « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » ولأنها زيادة
مغيّرة لهيئة الصلاة فتكون مبطلة.
وقال الشافعي :
يسجد للسهو وتصح صلاته مطلقا ـ وبه قال الحسن البصري ، وعطاء ، والزهري ، ومالك ، والليث
بن سعد ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ـ لأن عبد الله
بن مسعود قال : صلّى بنا رسول الله 6 خمسا فلمّا انفتل تشوش القوم بينهم فقال : ( ما شأنكم؟ )
قالوا : يا رسول الله هل زيد في الصلاة؟ قال : ( لا ) قالوا : فإنك قد صليت خمسا ،
فانفتل فسجد سجدتين ثم سلّم ثم قال : ( إنّما أنا بشر أنسى كما تنسون ) وهذا لا يصح على
ما بيّناه في علم الكلام من عصمة النبي 6 عن السهو .
فروع :
أ ـ لو ذكر
الزيادة قبل الركوع جلس ، وتشهد ، وسلم ، وسجد للسهو ـ وبه قال الشافعي ، وأبو
حنيفة ، ومالك ، وأحمد ـ لأنه لم يأت بركن يغيّر هيئة الصلاة.
ب ـ لو ذكر
الزيادة بعد السجود وكان قد جلس بعد الرابعة احتمل أن يضيف إلى الخامسة ركعة
ويسجد سجدتين وتكون نافلة ، لقول الباقر 7 : « ويضيف إلى الخامسة ركعة ، ويسجد سجدتين فتكونان نافلة ،
__________________
وبه قال أبو حنيفة
، ويحتمل التسليم ويسجد للسهو ويلغي الركعة إذا لم يقصد النفل بها.
ج ـ لو ذكر
الزيادة بعد الركوع قبل السجود احتمل الجلوس ، والتشهد ، والتسليم ، ويسجد للسهو لأنه
لو أكمل الركعة فعل ذلك ففي بعضها أولى ، والبطلان لأنّا إن أمرناه بالسجود زاد
ركنا آخر ، وإن لم نأمره زاد ركوعا غير معتد به بخلاف الركعة لصلاحيتها للنفل ، ويحتمل
إتمامها وإضافة أخرى ، ويسجد للسهو كما لو كان بعد السجدة.
أما الشافعي فقال
: إن ذكر في الخامسة فإن كان بعد ما جلس وتشهد فإنه يسجد للسهو ويسلّم ، وإن ذكر
بعد ما سلّم فكذلك ، وإن ذكر قبل أن يجلس بأن يذكر في القيام إليها ، أو الركوع ، أو
السجود ، فإن كان لم يتشهد في الرابعة جلس وتشهد وسجد للسهو وسلّم ، وإن كان تشهد
في الرابعة جلس وسجد للسهو وسلم ، وفي إعادة التشهد قولان .
د ـ لو ذكر
الزيادة بعد السجود فقد بيّنا أنها تبطل إن لم يكن جلس عقيب الرابعة بقدر التشهد
، وبه قال أبو حنيفة إلاّ أن أبا حنيفة قال : تبطل فرضا وتكون نافلة فيضيف إليها سادسة
، وهو ممنوع إذا لم يقصد النفل.
مسألة ٣٤٠
: لو نقص من عدد صلاته ناسيا وسلّم ثم ذكر بعد فعل المبطل
عمدا وسهوا ، كالحدث إجماعا ، والاستدبار خلافا للشافعي بطلت
__________________
صلاته ، كما لو
سلّم في الأولتين من الرباعية ، أو الثلاثية ، أو تشهد في الاولى من الثنائية
وسلّم ناسيا ، ثم أحدث أو استدبر ، لأن ذلك يبطل صلاة المصلّي حقيقة فكيف من هو في
حكمه؟! ولأنه لا يمكن الإتيان بالفائت من غير خلل في هيئة الصلاة ، ولأنه قد فعل
المنافي للصلاة فلا يصح معه الإتمام.
ولقول أحدهما 8 : « إذا حوّل
وجهه عن القبلة استقبل الصلاة استقبالا » ولقول الصادق 7 : « إن كنت انصرفت فعليك الإعادة » .
وإن كان بعد فعل
المبطل عمدا كالكلام فللشيخ قولان : أحدهما : الإتمام ويسجد للسهو ـ وبه قال
الشافعي ، ومالك ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ـ لحديث ذي اليدين
.
ومن طريق الخاصة
قول الباقر 7 في الرجل يتكلم ثم يذكر أنه لم يتم صلاته ، قال : « يتم ما بقي من صلاته ، ولا
شيء عليه » .
وقال أبو حنيفة :
يعيد مع الكلام وهو الثاني للشيخ لقوله عليه
__________________
السلام : « إن
صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين » ونحن نقول بموجبه
إذ الظاهر حمله على العمد.
فروع :
أ ـ لو فعل المبطل
عمدا على وجه السهو وتطاول الفصل ، ظاهر كلام علمائنا : عدم البطلان ـ وبه قال
الأوزاعي ، والليث ، ويحيى الأنصاري ـ لأن النبي 6 في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة فقام رجل بسيط
اليدين فقال : أقصرت الصلاة يا رسول الله؟ فخرج مغضبا فصلّى الركعة التي كان ترك ،
ثم سلّم ، ثم سجد سجدتي السهو ، ثم سلّم وهو عندنا ممنوع.
وقال الشافعي : إن
طال الفصل استأنف الصلاة ـ وبه قال مالك ، وأحمد ـ لأنها صلاة واحدة فلم يجز بناء
بعضها على بعض في طول الفصل كما لو انتقض الوضوء ولا بأس عندي
بهذا القول لخروجه عن كونه مصليا.
ب ـ إن قلنا
بالأخير رجع في حد التطاول إلى العرف ـ وهو ظاهر كلام الشافعي في الأم ـ واختلفت الشافعية
، فقال بعضهم : حدّه ما زاد على فعل رسول الله 6 فإنه بعد ما سلم قام ومشى إلى مقدم المسجد وجلس وراجعه ذو
اليدين فسأل رسول الله 6 الصحابة عن الحال فأخبروه فعاد إلى الصلاة .
__________________
وقال آخرون : أن
يمضي مقدار ركعة تامة ، وهو قول الشافعي في البويطي ، وقال آخرون :
مقدار الصلاة التي هو فيها وهو غلط لأدائه إلى اختلاف التطاول باختلاف عدد الصلوات.
ج ـ لو ذكر بعد أن
شرع في صلاة أخرى فإن طال الفصل بطلت الاولى وصحت الثانية ، وإن لم يطل الفصل عاد
إلى الأولى فأتمها ، وبه قال الشافعي ويحتمل البطلان لأنه زاد ركنا هو النية ، والتكبير وهو
مبطل ، وإن كان سهوا ، ويمكن الجواب بأنه ليس ركنا في تلك الصلاة فلا يبطلها.
وهل تبنى الثانية
على الاولى؟ يحتمل ذلك فيجعل ما شرع فيه من الصلاة الثانية تمام الاولى فيكون وجود
السلام كعدمه لأنه سهو معذور فيه ، ويحتمل بطلان الثانية ، لأنها لم تقع بنيّة
الاولى فلا تصير بعد عدمه منها ، فحينئذ لا فرق بين أن يكون ما شرع فيه ثانيا فرضا
أو نفلا ، أما على احتمال البناء ، فقال بعض الشافعية : إن كان فرضا صح له البناء
بخلاف النافلة لأنه لا يتأدى الفرض بنية النفل.
ولو نوى المسافر
القصر فصلى أربعا ناسيا ثم نوى الإقامة لم يحتسب له بالركعتين ، وعليه أن يصلي
ركعتين بعد نية الإتمام ، لأن وجوب الركعتين بعد الفراغ من الزائدتين ، فلم يعتد
بهما ، وعلى ما اخترناه نحن إن كان جلس عقيب الركعتين صحت صلاته وإلاّ فلا.
د ـ إذا أراد أن
يبني على صلاته لم يحتج إلى النية ، ولا إلى التكبير لأن التحريمة الأولى باقية
فلو كبر ونوى الافتتاح بطلت صلاته.
__________________
هـ ـ لو كان قد
قام عن موضعه لم يعد إليه بل يبني على الصلاة في الموضع الذي ذكر فيه ، لأن عوده
إلى مكان الصلاة ليس من مصلحتها.
و ـ لو شك بعد أن
سلم هل ترك بعض الركعات أم لا؟ لم يلتفت إليه لأنه قد شك في شيء بعد انتقاله عنه
فلا يؤثر فيه ، وإلاّ لزم الحرج لتطرق الشك دائما في الصلوات الماضية ، والأصل صحة
الصلاة ، وهو قول الشافعي في القديم ، وفي الجديد : يلزمه إتمام الصلاة لأنها في
الذمة بيقين فلا يبرأ بدونه ، فإن كان الفصل قريبا بنى ، وإن طال استأنف .
ز ـ لو سلّم عن
ركعتين ، فقال له إنسان : سلّمت عن ركعتين فإن تداخله شك احتمل عدم الالتفات عملا
بالأصل ، والإتمام ، لأن إخبار المسلم على أصل الصحة.
ولو اشتغل بجوابه
فلم يذكر فأراد العود إلى صلاته جاز لأن الكلام وقع ناسيا ، ومنعت الشافعية منه ، أما
لو لم يتداخله شك فأجابه ، وقال : بل أتممت ، ثم ذكر النقصان فإنه يبني عندهم أيضا
لخبر ذي اليدين .
مسألة ٣٤١
: لو شك في عدد الركعات فإن كان في الثنائية كالصبح ، وصلاة
المسافر ، والجمعة ، والعيدين ، والكسوف ، أو في الثلاثية كالمغرب ، أو في
الأوليين من الرباعية أعاد عند علمائنا.
وإن كان في
الأخيرتين من الرباعية احتاط بما يأتي.
__________________
ولم يفرق أحد من
الجمهور بين الصلوات بل سوّوا بينها في الحكم ـ وهو قول الصدوق منا ـ والحق ما قلناه ، لأنّ الصلاة في الذمة بيقين فلا يخرج
عن العهدة بدونه ، ولأنّه إن أمر بالانفصال احتمل النقصان وهو مبطل قطعا ، وإن أمر
بالإتمام احتملت الزيادة وهي مبطلة قطعا فيكون المأتي به مترددا بين الصحة
والبطلان فلا يبرأ عن عهدة التكليف.
ولا ينتقض
بالأخيرتين لأن عناية الشارع بالأولتين أتم ، ولهذا سقطت الأخيرتان في السفر ، ولقول
الصادق 7 وقد سأله العلاء عن الشك في الغداة : « إذا لم تدر واحدة صليت أم اثنتين فأعد
الصلاة من أولها » ، وسأل محمد بن مسلم أحدهما 8 عن السهو في المغرب ، قال : « يعيد حتى يحفظ أنها ليست مثل
الشفع » .
وقال الصادق 7 : « إذا لم تحفظ
الركعتين الأولتين فأعد صلاتك » وسأله العلاء عن الرجل يشك في الفجر فقال 7 : « يعيد » قلت :
والمغرب ، قال : « نعم ، والوتر والجمعة » من غير أن أسأله .
واحتجاج الصدوق
بقول الكاظم 7 في الرجل لا يدري صلّى
__________________
ركعة أو ركعتين؟ :
« يبني على الركعة » محمول على النوافل لأنها مطلقة ، وما قلناه مقيد.
فروع :
أ ـ لو شك في جزء
منهما لا في عدد كالركوع ، أو السجود ، أو الذكر فيهما ، أو الطمأنينة ، أو
القراءة كان حكمه حكم الشك في غيرهما ـ وسيأتي ـ عند أكثر علمائنا لأصالة البراءة ،
وقال الشيخان : يعيد لقول الصادق 7 : « إذا لم تحفظ
الأولتين فأعد صلاتك » والمشهور الأول ، وتحمل الرواية على العدد.
ب ـ لا فرق عند
علمائنا بين الركن وغيره من الواجبات بل أوجب الشيخان الإعادة بالشك في الجزء من
الأولتين مطلقا والباقون على الصحة مطلقا وليس بعيدا من
الصواب الفرق بين الركن وغيره ، لأن ترك الركن سهوا مبطل كعمده فالشك فيه في
الحقيقة شك في الركعة إذ لا فرق بين الشك في فعلها وعدمه ، وبين الشك في فعلها على
وجه الصحة والبطلان.
ج ـ هل الشك في
أجزاء ثالثة المغرب وكيفياتها الواجبة كالشك في الأولتين أو في الأخيرتين؟ لم ينص
علماؤنا على شيء منهما وكلاهما يحتمل لإجراء الثالثة مجرى الثانية في الشك عددا
فكذا كيفية للمساواة في طلب المحافظة عليها ، وعدم التنصيص الثابت في الأولتين.
__________________
د ـ لو شك في
ركعات الكسوف أعاد على قول الشيخ ، وعلى ما اخترناه من الفرق بين الركن وغيره ، أما
على قول الباقين فإنه يأتي به لأنه لم يتجاوز محله إن شك في العدد مطلقا أو في
الأخير ، أما لو شك في سابق كما لو شك هل ركع عقيب قراءة التوحيد ـ مثلا وكان قد
قرأها ـ أو لا فإنه لا يلتفت لانتقاله عن محله.
هـ ـ لو شك في عدد
الثنائية ثم ذكر قبل فعل المبطل أتم صلاته على ما ذكره وإلاّ بطلت.
مسألة ٣٤٢
: لو شك فلا يدري كم صلّى أعاد إذ لا طريق له إلى براءة
ذمته إلاّ ذلك ، ولقول الصادق 7 : « إذا لم تدر في ثلاث أنت أم في اثنتين ، أم في واحدة ، أو
أربع فأعد ، ولا تمض على الشك » وقول الكاظم 7 : « إذا لم تدر كم صليت ولم يقع وهمك على شيء فأعد الصلاة
» .
مسألة ٣٤٣
: لو شك في الإتيان بركن أو غيره من الواجبات فإن كان قد
تجاوز المحل لم يلتفت مثل أن يشك في النيّة وقد كبّر ، أو في تكبيرة الافتتاح وقد
قرأ ، أو في القراءة وقد ركع ، أو في الركوع وقد سجد ، أو في السجود ، أو التشهد
وقد قام ـ وإن كان في محلّه لم يتجاوز عنه فإنّه يأتي به ـ لأنّ الأصل ـ بعد
التجاوز ـ الفعل ؛ إذ العادة قاضية بأن الإنسان لا ينتقل عن فعل إلاّ بعد إكماله.
ولأنّ اعتبار الشك بعد الانتقال حرج ؛ لعروضه غالبا.
ولقول الصادق 7 : « إذا خرجت من
شيء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء » .
__________________
أما في المحل فإن
الأصل عدم الفعل ، والإتيان به ممكن من غير خلل ولا تغيير لهيئة الصلاة ، ولقول
الصادق 7 : « يركع ويسجد » لمّا سأله أبو بصير عن رجل شك وهو قائم فلا يدري ركع أم لم
يركع .
وقال الشافعي : لو
شك الراكع في ترك القراءة ، أو الساجد في ترك الركوع فعليه أن يعود في الوقت إلى
ما شك في فعله لأنّ الفرض قد توجه عليه فلا يسقط إلاّ بيقين . ونمنع التوجه
مطلقا.
إذا ثبت هذا فإن
ذكر أنه كان قد فعله قبل أعاد الصلاة إن كان ركنا كالركوع والسجدتين لأن زيادته
مطلقا مبطلة ، وإن لم يكن ركنا كالسجدة الواحدة ، والتشهد ، والقراءة لم يعد لعدم
الإبطال بسهوه ، ولقول الصادق 7 : « لا يعيد الصلاة من سجدة ، ويعيدها من ركعة » .
فروع :
أ ـ لو شك في
الركوع وهو قائم فأتى به ثم ذكر أنه كان قد ركع قبل أن ينتصب أعاد ـ وبه قال ابن
أبي عقيل منّا ـ لأن الركوع الانحناء وقد وجد فيكون قد زاد ركنا وصار كما
لو ذكر بعد الانتصاب.
وقال الشيخ ، والمرتضى
: يهوي للسجود ولا يرفع رأسه لأن ركوعه مع هويه لازم فلا يعد زيادة . وهو ممنوع لأن
مسمّى الركوع وهو الانحناء قد حصل ، والرفع ليس جزءا منه بل انفصال عنه وقد قصد
الركوع.
ب ـ لو شك في
قراءة الفاتحة وهو في السورة قرأ الفاتحة وأعاد السورة
__________________
لأن محل القراءتين
واحد.
ج ـ لو شك في
السجود وهو قائم ، أو في التشهد ، قال الشيخ : يرجع ويسجد أو يتشهد ثم يقوم لأن القيام
والقراءة ليسا ركنين فيكون في حكم ركن السجود ، ولقول الصادق 7 : « يسجد » في
رجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما فلم يدر سجد أم لم يسجد . وقد بيّنا أن
القيام ركن وقبل الاستواء مغاير للاستواء ، والنزاع في الثاني ، والوجه عدم
الالتفات لقول الصادق 7 : « إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شك في السجود
بعد ما قام فليمض ، كل شيء شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » .
د ـ لو سها عن ركن
ولم يذكر إلاّ بعد انتقاله أعاد الصلاة لأن ترك الركن مبطل سواء كان عن عمد أو
سهو.
البحث الثاني : فيما لا حكم له
مسألة ٣٤٤
: لو نسي القراءة حتى ركع مضى في صلاته ولم يجب عليه تدارك
القراءة ، وكذا لو نسي الحمد أو السورة لأنه عذر فيسقط معه الوجوب ، ولأن الأصل
براءة الذمة ، ولقول الصادق 7 وقد قال له منصور بن حازم : صليت المكتوبة ونسيت أن أقرأ
في صلاتي كلها : « أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ » قلت : بلى ، قال : « تمت صلاتك
» .
وقال الشافعي :
يتدارك القراءة ثم يأتي بما بعدها .
وهل تجب سجدتا
السهو؟ لعلمائنا قولان : أحدهما : الوجوب وهو
__________________
أقوى لما يأتي ، والثاني
: المنع عملا بالبراءة.
مسألة ٣٤٥
: لو نسي الجهر والإخفات حتى فرغ من القراءة مضى في صلاته ولا
يستأنف القراءة وإن كان لم يركع لأنه فعل المأمور به وهو القراءة ، والكيفية لا
تجب مع النسيان لأنه عذر ، ولقول الباقر 7 وقد سأله زرارة عن رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر
فيه وأخفى فيما لا ينبغي الإخفات فيه وترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه وقرأ
فيما لا ينبغي القراءة فيه فقال : « إن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا فلا شيء عليه » ولأنه لو ترك أصل
القراءة ناسيا صحت صلاته فالكيفية أولى.
وهل يسجد له؟
لعلمائنا قولان : أحدهما : الوجوب بناء على أن كل سهو يلحق الإنسان يجب فيه
السجدتان على ما يأتي.
والثاني : المنع
لأن قول الباقر 7 : « لا شيء عليه » يقتضي نفي السجود.
وبالأول قال مالك لقوله 7 : ( لكل سهو
سجدتان ) وبالثاني قال الشافعي ، والأوزاعي لأن أنسا جهر في
العصر فلم يسجد له ، ولأنها هيئة مسنونة فلم يسجد لتركها كرفع اليدين.
ولا حجة في فعل
أنس مع أنها شهادة نفي ، ونمنع الجامع لأنه عندنا
__________________
واجب ، وعن أحمد
روايتان كهذين .
وقال أبو حنيفة :
إن كان إماما سجد . ونقل عنه إن أسرّ المصلي بما يجهر فلا سجود عليه وإن جهر
بما يسرّ فعليه سجود السهو . ثم اختلفوا في قدره فمنهم من اعتبر أن يجهر بقدر ثلاث
آيات ، ومنهم من اعتبر الجهر بآية ، ونقل أبو إسحاق عن الشافعي أنه يسجد لكل مسنون تركه في
الصلاة سواء كان ذكرا أو عملا .
مسألة ٣٤٦
: لو سها عن الذكر في الركوع أو السجود فإن كان بعد لم يرفع
رأسه سبّح ، وإن كان قد رفع مضى في صلاته لما تقدم ، ولقول علي 7 وقد سئل عن رجل
ركع ولم يسبح ناسيا ، قال : « تمت صلاته » وسئل الكاظم 7 عن رجل نسي تسبيحة في ركوعه وسجوده قال : « لا بأس بذلك » .
وهل يسجد للسهو؟
لعلمائنا قولان ، وقال الشافعي : لا يسجد فيها للسهو لأنها ليست أركانا مقصودة بل
هيئات لها ؛ وبه قال أبو حنيفة أيضا .
مسألة ٣٤٧
: لو ترك الطمأنينة في الركوع ، أو الرفع منه ، أو في إحدى
السجدتين ، أو في الرفع من الأولى ، أو في إكماله ، أو في الرفع من الركوع ، أو في
الجلوس للتشهد ، أو ترك عضوا من السبعة لم يسجد عليه فما زاد
__________________
سهوا ، فإن كان في
محله أتى به ، وإن انتقل لم يلتفت لأنه عذر في الأفعال فكذا في كيفياتها.
مسألة ٣٤٨
: لا حكم للسهو في السهو لأنه لو تداركه أمكن أن يسهو ثانيا
، فلا ينفك عن التدارك وهو حرج فيكون منفيا ، ولأنه شرّع لإزالة حكم السهو فلا
يكون سببا لزيادته ، ولقول الصادق 7 : « ليس على السهو سهو ، ولا على الإعادة إعادة » .
إذا عرفت هذا
فاعلم أن الشافعي قال : إن استيقن أنه سها وشك هل سجد للسهو أم لا ، يسجد لأن
الأصل أنه لم يسجد ، وكذا إذا سجد وشك هل سجد واحدة أو اثنتين فإنه يأتي بسجدة
أخرى ، والنفل أولى .
أما لو شك هل سها
أم لا فإنه لا يلتفت ولا شيء عليه لأن الأصل عدم السهو سواء كان في الزيادة أو
النقصان.
وقال الشافعي : إن
كان في الزيادة مثل أن شك هل زاد في الصلاة سهوا أم لا ، أو هل جرى في صلاته ما
يقتضي سجودا أم لا فإنه لا سهو فيه ولا سجود عليه. وإن كان في النقصان فإن كان قد
شك في نقصان فعل واجب كسجود وغيره أتى به وسجد للسهو. وإن كان في مسنون يسجد له
كالتشهد الأول أو القنوت فإنه يسجد له لأن الأصل عدمه .
مسألة ٣٤٩
: ولا سهو على من كثر سهوه وتواتر بل يبني على وقوع ما شك
فيه ، ولا يسجد للسهو فيه لما في وجوب تداركه من الحرج ، ولقول الصادق 7 : « إذا كثر عليك
السهو فامض في صلاتك » وقول الباقر عليه
__________________
السلام : إذا كثر
عليك السهو فامض في صلاتك فإنه يوشك أن يدعك فإنما هو الشيطان » .
إذا عرفت هذا
فالمرجع إلى العرف في حدّ الكثرة إذ عادة الشرع ردّ الناس إلى عرفهم فيما لم ينص
عليه.
وقال بعض علمائنا
: حدّه أن يسهو في شيء واحد ، أو فريضة واحدة ثلاث مرات ، أو يسهو في أكثر
الصلوات الخمس كالثلاث فيسقط بعد ذلك حكم السهو في الرابعة .
قال الشيخ في
المبسوط : قيل : إنّ حدّ ذلك أن يسهو ثلاث مرات متوالية .
مسألة ٣٥٠
: ولا سهو على المأموم إذا حفظ عليه الإمام ، وبالعكس عملا
بأصالة البراءة ، ولقوله 7 : ( ليس على من خلف الإمام سهو ) .
ومن طريق الخاصة
قول الرضا 7 : « الإمام يحمل أوهام من خلفه إلاّ تكبيرة الافتتاح » وقول الصادق 7 : « ليس على من
خلف الإمام سهو » .
ولو اختص المأموم
بالسهو فإن كان بالزيادة مثل أن يتكلم ناسيا أو يقوم في موضع قعود الإمام ناسيا أو
بالعكس كان وجود سهوه كعدمه ، ولا شيء
__________________
عليه عملا
بالأحاديث السابقة ـ وهو قول الجمهور كافة ـ لأن معاوية بن الحكم تكلم خلف النبيّ 6 فلم يأمره
بالسجود ، إلاّ ما نقل عن مكحول : أنه قام مع قعود إمامه فسجد
للسهو . ولا عبرة بخلافه مع انقراضه.
وإن كان بالنقصان
فإن كان في محلّه أتى به لأنه مخاطب بفعله ولم يحصل فيبقى في العهدة ، وإن تجاوز
المحل فإن كان ركنا بطلت صلاته كما لو سها عن الركوع وذكر بعد سجوده مع الإمام ، وإن
لم يكن ركنا كالسجدة قضاها بعد التسليم.
ولو كان مما لا
يقضى كالذكر في السجود ، أو الركوع فلا سجود للسهو فيه عملا بما تقدم من الأخبار ،
ولو قيل : بوجوب السجود في كلّ موضع يسجد للسهو فيه كان وجها لقول أحدهما 8 : « ليس على
الإمام ضمان » .
مسألة ٣٥١
: لو انفرد الإمام بالسهو لم يجب على المأموم متابعته لأن
المقتضي للسجود ـ وهو السهو ـ منتف عنه فينتفي معلوله.
وقال الشيخ : يجب
على المأموم ـ وهو قول الجمهور كافة ـ لقوله
__________________
7 : ( ليس على من خلف الإمام سهو ، فإن سها الإمام فعليه
وعلى من خلفه ) ولأن صلاة المأموم تابعه لصلاة الإمام ، وإنما يتم صلاة
الإمام بالسجود للسهو ، ونمنع الحديث ، ونمنع التبعية كما لو انفرد بما يوجب
الإعادة.
أما لو اشترك
السهو بين الإمام والمأموم فإنهما يشتركان في موجبه قطعا لوجود المقتضي في حق كل
منهما.
فروع :
أ ـ لو اختص
الإمام بالسهو فلم يسجد له لم يسجد له المأموم ـ وبه قال أبو حنيفة ، وإبراهيم
النخعي ، وحماد ، والمزني ، وأحمد في رواية ـ لأنه لم يسه ولم يسجد إمامه فيتابعه.
وقال الشافعي :
يسجد المأموم ـ وبه قال مالك ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وأبو ثور ، وأحمد في
رواية ـ لأن صلاة المأموم تنقص بنقصان صلاة الإمام كما تكمل بكمالها فإذا لم يجبرها
الإمام جبرها المأموم. ونمنع المقدمة الأولى.
ب ـ لو اشترك
السهو بينهما فإن سجد الإمام تبعه المأموم بنية الائتمام أو الانفراد إن شاء ، ولو
لم يسجد الإمام سجد المأموم وبالعكس.
ج ـ لو سها الإمام
لم يجب على المسبوق بعده متابعته في سجود
__________________
السهو لعدم الموجب
في حقه سواء قلنا : إنّ السجود قبل التسليم ، أو بعده بل ينوي المأموم الانفراد
ويسلم ، وإن شاء انتظر إمامه ليسلم معه ـ وبه قال ابن سيرين ـ لأن هذا ليس
موضع سجود السهو في حق المأموم.
وقال الجمهور كافة
: يتابعه المأموم لقوله 7 : ( إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا ) ويحمل على سجود
الصلاة.
فإن سلم الإمام ثم
سجد لم يتابعه المأموم بل قام فأتم صلاته ـ وبه قال الشافعي ـ خلافا لأبي
حنيفة لأن عنده الإمام يسجد بعد السلام ويعود إلى حكم صلاته فيتابعه فيه .
إذا عرفت هذا فإذا
قضى المسبوق ما بقي عليه لم يسجد للسهو عندنا لاختصاص الإمام بموجبه ـ وهو القديم
للشافعي ـ لأن سجود الإمام قد كملت به الصلاة في حق الإمام
والمأموم فلا حاجة به إلى السجود كما لو سها المأموم فإنه لا يسجد لأن كمال صلاة
الإمام أغناه عن تكميل صلاته بالسجود.
وفي الجديد : أنه
يسجد في آخر صلاته لأنه قد لزمه حكم سهو الإمام
__________________
فيسجد له موضع
السجود ، وما فعله مع الإمام كان متابعا له .
إذا ثبت هذا فلو
سها هذا المسبوق فيما انفرد به سجد له.
وقال الشافعي : إن
كان قد سجد مع إمامه وقلنا : لا يلزمه إعادة السجود سجد لسهوه الذي انفرد به
سجدتين ، وإن قلنا : يعيد أو لم يكن سجد مع إمامه سجد سجدتين ، وكفاه عن سهو
الإمام وسهو نفسه. ومن الشافعية من قال : يسجد أربع سجدات لاختلاف السهوين .
د ـ لو سها الإمام
فيما سبق به المأموم لم يلزمه حكم سهو الإمام لأنه لا يلزمه فيما يتابعه فغيره
أولى ـ وهو قول لبعض الشافعية ـ لأنه كان ، منفردا عنه.
وقال الشافعي ، ومالك
: يلزمه حكم سهو الإمام لدخول النقص فيها فيسجد لو سجد إمامه .
وعلى القول الأول
لو سجد إمامه ، قال الشافعي : يتبعه وإذا أتم صلاته لا يعيد ، وكذلك إن لم يسجد
إمامه لا يلزمه أن يسجد إذا تمم صلاته .
هـ ـ لو قام
الإمام إلى الخامسة ساهيا فسبح به المأموم فلم يرجع جاز أن ينوي الانفراد ، والبقاء
على الائتمام ، فلا يجوز له متابعة الإمام في الأفعال لأنها زيادة في الصلاة إلا
أن صلاة الإمام لا تبطل بها لسهوه ، بل ينتظر قاعدا حتى يفرغ من الركعة ويعود إلى
التشهد ويتشهد معه.
فإن سجد الإمام
للسهو لم يسجد المأموم ، وقال الشافعي :
__________________
يسجد . وإن لم يسجد
الإمام لم يسجد المأموم أيضا ، وقال الشافعي : يسجد .
فلو كان المأموم
مسبوقا بركعة وقام الإمام إلى الخامسة فإن علم المأموم أنها خامسة لم يكن له
المتابعة ، وإن لم يعلم وتابعه احتسب له الركعة.
و ـ لو صلى ركعة
فأحرم إمام بالصلاة فنوى الاقتداء به احتمل البطلان والصحة ، والقولان للشافعي ، وسيأتي ، فإن
سوغناه وكان قد سها المأموم فيما انفرد به ثم سها إمامه فيما يتبعه فيه فلما فارق
الإمام وأراد السلام وجب عليه أربع سجدات إن قلنا بالمتابعة وإلاّ فسجدتان عما
اختص به.
ز ـ لو ترك الإمام
سجدة وقام سبح به المأموم فإن رجع ، وإلاّ فللمأموم متابعته
بعد أن يسجد لأن
صلاة الإمام صحيحة.
وقال الشافعي : لا
يجوز له متابعته لأن فعل الإمام بعد ذلك غير معتد به . وهو ممنوع.
فإن أخرج نفسه عن
متابعة الإمام جاز سواء كان قبل أن يبلغ الإمام حد الراكعين أو زاد عليه ولا يسجد
المأموم.
وقال الشافعي : إن
أخرج قبل أن يبلغ الإمام حد الراكعين أو زاد عليه لزمه أن يسجد للسهو لأنه فارق
إمامه بعد استقرار حكم السهو في صلاته .
__________________
فإن أراد أن
ينتظره فإن كان المأموم قد رفع رأسه من السجدة الأولى فإن أراد أن ينتظره في
الجلسة لم يجز لأن الجلسة ركن قصير فلا يجوز تطويلها ، فلو أراد أن يسجد السجدة
الثانية وينتظره فيها كره له ذلك لأنه يكره للمأموم أن يسجد قبل إمامه إلاّ أنه لو
فعل ذلك لم تبطل صلاته.
ثم إذا سجد الإمام
فيصبر المأموم ساجدا إلى أن يرفع الإمام رأسه من السجدتين جميعا إن أراد ، وإن
أراد أن يرفع رأسه من السجود بعد ما رفع الإمام رأسه من السجدة الأولى جاز لأن
المحسوب للإمام السجدة الأولى على ظاهر المذهب.
ولو رفع رأسه من
السجود قبل أن يسجد الإمام بطلت صلاته ، لأن الإمام ما شرع في السجدة الثانية وهو
قد فرغ منها ، والمأموم إذا سبق الإمام بركن كامل بطلت صلاته.
ثم إذا رفع الإمام
رأسه وكان قد ترك السجود من الركعة الأولى فأراد الإمام أن يجلس للتشهد الأول
فالمأموم لا يتابعه في التشهد ولكن ينتظره قائما فإذا صلّى ركعة أخرى فقد تمت
للمأموم ركعتان وهو موضع التشهد إلاّ أن الإمام يعتقد ذلك ثالثة فلا يقعد للتشهد
ويترك المأموم التشهد أيضا متابعة له.
فإذا صلّى ركعة
أخرى فاعتقاد الإمام أن صلاته قد تمت فيقعد للتشهد والمأموم لا يتابعه بعد ذلك ، فإن
تابعه بطلت صلاته ، فإن أحسّ بقيامه وبعد لم يرفع رأسه من السجدة الأولى ، فأراد
أن ينتظره فيها جاز ؛ لأن السجود ركن ممتد.
ثم إذا أراد
الإمام أن يسجد فعلى المأموم أن يرفع رأسه ثم يسجد معه لأن الإمام قد فرغ من سجدة
فالمحسوب له السجدة الاولى ، فلو لم يرفع رأسه حتى زاد الإمام ولكن سجد معه السجدة
الثانية لم يجز لأن الثانية زائدة ولو فعل بطلت صلاته. وهذا كله ساقط عندنا.
ح ـ لو ظن المأموم
أن الإمام قد سلم فسلم ثم بان له أنه لم يسلم بعد
احتمل خروجه عن
الصلاة باستيفاء أفعاله وسلامه ، وخطؤه ليس بمفسد لشيء من أفعاله ، وأن يسلم مع
الإمام فيسجد إن قلنا به فيما ينفرد به وإلاّ فلا ، لأنه سهو في حالة الاقتداء ، وبه
قال الشافعي .
ولو ذكر في
التشهّد أنه ترك الفاتحة لم يلتفت عندنا ، وقال الشافعي : إذا سلّم الإمام قام إلى
ركعة أخرى ولا يسجد للسهو ، لأن سهوه كان خلف الإمام وكذا لو ذكر أنه ترك ركوعا وعندنا تبطل
صلاته لأنه ركن.
ولو سلّم الإمام
فسلم المسبوق ناسيا ثم تذكّر بنى على صلاته وسجد للسهو ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ سلامه وقع
بعد انفراده ، ولو ظنّ المسبوق أن الإمام سلم لصوت سمع فقام ليتدارك ما عليه وفعله
وجلس ، ثم علم أن الإمام لم يسلم احتسب ما فعله لأنه بقيامه نوى الانفراد وله ذلك.
وقال الشافعي : لا
يحسب ما فعله لأن وقت انقطاع القدوة إما بخروج الإمام عن الصلاة أو بقطع القدوة
حيث يجوز ذلك ولم يوجد واحد منهما ، فلا يسجد للسهو بما أتى به لبقاء حكم الاقتداء
.
ولو تبين له في
القيام أن الإمام لم يسلّم فإن أراد أن يستمر على التدارك وقصد الانفراد فهو مبني
على أن المقتدي هل له قطع القدوة؟ فإن منعناه رجع ، وإن جوّزناه فوجهان :
أحدهما
: ذلك لأن نهوضه
غير معتد به ثم ليقطع القدوة إن شاء.
__________________
والثاني : لا يجب
لأن الانتهاض ليس متعينا لعينه ، وإنما المقصود القيام وما بعده فصار كما لو قصد
القطع في ابتداء النهوض.
وإن لم يقطع
القدوة تخير بين أن يرجع أو ينتظر قائما سلام الإمام ، فإذا سلم اشتغل بتدارك ما
عليه.
ط ـ إن قلنا بالتحمل
ـ كما هو قول الشيخ والشافعي ـ فإنما يكون لو
كانت صلاة الإمام صحيحة
فلو تبيّن كون
الإمام جنبا لم يسجد لسهوه ولا يتحمل هو عن المأموم ، ولو عرف أن الإمام مخطئ فيما
ظنه من السهو فلا يوافقه إذا سجد.
ي ـ كل موضع يلحقه
سهو الإمام فإنه يوافقه ، فإن ترك عمدا ففي إبطال الصلاة نظر ـ وجزم به الشافعي ـ ولو رأى الإمام
يسجد في آخر صلاته سجدتين فعلى المأموم أن يتابعه حملا على أنه قد سها ، وإن لم
يعرف سهوه.
يا ـ لو اعتقد
الإمام سبق التسليم على سجدتي السهو فسلم واعتقد المأموم خلافه لم يسلّم بل يسجد
ولا ينتظر سجود الإمام لأنه فارقه بالسلام ، وهو وجه للشافعي ، وله اثنان : أن
يسلم معه ويسجد معه ، وأنه لا يسلم ، فإذا سجد سجد معه ثم يجلس معه ، فإذا فرغ من
تشهده سلّم معه .
يب ـ لو سجد
الإمام آخر صلاته عن سهو اختص به بعد اقتداء المسبوق لم يتبعه على الأقوى ، وعلى
الآخر : يتبعه ـ وبه قال الشافعي ـ لأن عليه متابعته.
__________________
وفيه وجه آخر :
أنه لا يسجد معه لأن موضعه آخر الصلاة .
وإذا سجد معه فهل
يعيد في آخر صلاته؟ له قولان :
أصحهما : الإعادة
، لأن المأتي به كان للمتابعة وقد تعدى الخلل إلى صلاته بسهو الإمام ومحل الجبر
بالسجود آخر الصلاة.
والعدم ؛ لأنه لم
يسه ، والمأتي به سببه المتابعة وقد ارتفعت بسلام الإمام .
يج ـ لو اشترك
الإمام والمأموم في نسيان التشهّد أو سجدة رجعوا ما لم يركعوا
فإن رجع الإمام
بعد ركوعه لم يتبعه المأموم لأنه خطأ ، فلا يتبعه فيه وينوي الانفراد ، ولو ركع
المأموم أوّلا قبل الذكر رجع الإمام وتبعه المأموم إن نسي سبق ركوعه ، وإن تعمد
استمر على ركوعه وقضى السجدة وسجد للسهو.
يد ـ المسبوق إذا
قضى ما فاته مع الإمام لا يسجد للسهو إذ المقتضي وهو السهو منفي هنا ـ وبه قال
الشافعي ـ لقوله 6 : ( ما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فأتموا ) ولم يأمر
بالسجود.
وحكي عن ابن عمر ،
وابن الزبير ، وأبي سعيد الخدري أنهم قالوا : يسجد للسهو ثم يسلّم لأنه زاد في
الصلاة ما ليس من صلاته مع إمامه ،
__________________
وهو غلط لأن
الزيادة إنما تفتقر إلى الجبران لو نقصت صلاته ، وهذه الزيادة واجبة فلا يجبرها
إذا فعلها.
مسألة ٣٥٢
: لا حكم للسهو في النافلة فلو شك في عددها بنى على الأقل
استحبابا ، وإن بنى على الأكثر جاز ، ولا يجبر سهوه بركعة ، ولا سجود عند علمائنا
أجمع لأن النافلة لا تجب بالشروع فيقتصر على ما أراد ، وبه قال ابن سيرين .
وقال الشافعي :
يسجد للنافلة كالفريضة لأن السجود لترك ما اقتضاه الإحرام ، أو لفعل شيء يمنع منه
الإحرام وهو موجود في النفل كالفرض ، ونمنع اقتضاء مطلق الإحرام بل الواجب.
البحث الثالث : فيما يوجب التلافي.
كلّ ساه أو شاك في
شيء وإن كان ركنا وهو في محله فإنه يأتي به على ما تقدم ، وإن تجاوز المحل فمنه
ما يجب معه سجدتا السهو إجماعا منّا ، وهو نسيان السجدة أو السجدتين وتذكر قبل
الركوع ، ونسيان التشهد كذلك ، ومنه ما لا يجب على خلاف ، ونحن نذكر ذلك كلّه إن
شاء الله تعالى.
مسألة ٣٥٣
: لو ترك سجدة في الأولى ساهيا ثم ذكر قبل الركوع في الثانية
رجع فسجد ثم قام فاستقبل الثانية ـ وبالرجوع قال العلماء ـ ولأن القيام ليس ركنا
يمنع عن العود إلى السجود ، ولقول الصادق 7 في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام ، قال : «
فليسجد ما لم يركع » .
وكذا لو ترك سجدة
في الثانية فذكر قبل أن يركع في الثالثة ، أو في الثالثة فذكر قبل أن يركع في
الرابعة ، ويجب عليه بعد ذلك سجدتا السهو
__________________
لقول الكاظم 7 في الرجل ينسى
السجدة من صلاته ، قال : « إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ، ثم سجد
سجدتي السهو بعد انصرافه » .
وهل تجب جلسة
الفصل قبل السجود إن لم يكن قد جلس ، أو كان نيته جلسة الاستراحة؟ إشكال ينشأ من
عدم النص ، وقيام القيام مقامه في الفصل ، وأصالة البراءة ، ومن أنها واجبة فيأتي
بها.
وكذا لو نسي
السجدتين معا وذكر قبل الركوع فإنه يرجع ويسجدهما ثم يقوم لأن محل السجود قبل
الركوع باق وإلاّ لما صح الرجوع إلى السجدة الواحدة ، ويسجد أيضا سجدتي السهو.
أما لو ذكر بعد
الركوع أنه نسي سجدة واحدة من السابقة فإنه يتم الصلاة ويقضيها بعد التسليم ، ويسجد
سجدتي السهو ، ولا يرجع إلى السجود لما فيه من تغيير هيئة الصلاة ، وزيادة الركن ،
ولقول الصادق 7 : « إذا ذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض في صلاته حتى
يسلّم ثم يسجدها ، فإنها قضاء » .
ولو ذكر بعد
الركوع ترك سجدتين من السابقة بطلت صلاته لأنّه أخلّ بركن.
وقال الشافعي :
إذا ذكر وهو قائم في الثانية أو بعد ركوعها قبل أن يسجد للثانية نسيان سجدة من
الأولى أتى بها كما يذكر.
ثم إن لم يجلس
عقيب السجدة المأتي بها فيكفيه أن يسجد عن قيام ، أو يجلس مطمئنا ثم يسجد؟ وجهان :
أحدهما : أن
القيام كالجلسة لأن الغرض الفصل بين السجدتين.
__________________
وأصحهما عنده :
أنه يجلس مطمئنا ثم يسجد ، لأن مقصود الجلسة وإن كان هو الفصل فالواجب الفصل بهيئة
الجلوس.
وإن كان قد جلس ، إن
جلس على قصد الجلسة بين السجدتين ، فإن اكتفينا في الصورة السابقة بأن يسجد عن
قيام فهنا أولى ، وإن قلنا : يجلس ثم يسجد فقد قيل بمثله هنا لينتقل من الجلوس إلى
السجود ، والأصح : أنه يكفيه أن يسجد عن قيامه فإنه الذي تركه.
وإن قصد بتلك
الجلسة الاستراحة فوجهان : من حيث ان السنة لا تقوم مقام الفرض ، وأن ظن الاستراحة
بتلك الجلسة لا يقدح.
وإن ذكر بعد أن
سجد للثانية فإن السجدة التي سجدها تقع عن الاولى ويبطل عمله في الثانية وتحصل له
ركعة ملفقة.
وإن ذكر بعد فراغه
من الثانية فإن لم يقيّد سجوده في الثانية بنيّة تمت الاولى بسجود الثانية ولغت
أعماله في الثانية ، وإن نوى أنها للثانية فأكثرهم على تمام الاولى بسجوده لأن نية
الصلاة تشتمل على جميع أفعالها وقد فعل السجود حال توجه الخطاب عليه بفعله .
وقال ابن سريج :
لا يتم الاولى بهذه السجدة لأن نية الصلاة يجب استدامتها حكما وقد وجدت نية حقيقية
تخالفها فكانت الحقيقية أغلب.
وقال أبو حنيفة :
إن ذكر نسيان السجدة الأولى قبل ركوعه في الثانية عاد إليها كما قلناه نحن ، وإن
كان بعد ركوعه أو سجوده في الثانية سجد ثلاث سجدات متواليات فتلتحق سجدة بالأولى
واثنتان عن الركعة الثانية وتتم له الركعتان ، وإن ذكر بعد اشتغاله بالتشهد سجد
سجدة كما تذكر وتلتحق بالركعة الأولى .
__________________
وقال مالك : إن لم
يكن قد ركع عاد إلى السجود ـ كما قلناه ـ وإن كان قد ركع لغت الاولى وصار الحكم
للثانية فيتمها بسجدتين .
فروع :
أ ـ إذا ذكر نسيان
سجدة بعد سجدتي الثانية فقد بيّنا أنه يستمر ويقضي المنسية ، وعند الشافعي يلفق
فيجعل سجدة منهما للأولى ويبطل المتخلل بينهما ، وأيّ السجدتين تحتسب له بها؟ أكثر
أصحابه على أنها تتم بالأولى وتلغو السجدة الثانية سواء كان قد جلس أولا للفصل أو
لا ، وعلى قول أبي إسحاق : يتم ركعته بالسجدة الثانية لأن عليه أن ينتقل إليهما
من القعود .
ب ـ لو ترك أربع
سجدات من أربع ركعات ، فإن ذكر قبل التسليم سجد واحدة عن الركعة الأخيرة لأنّ
المحل باق ثم يعيد التشهد ويسلم ويقضي السجدات الثلاث لفوات محلّها ، ويسجد سجدتي
السهو لكلّ سهو ، وإن ذكر بعد التسليم قضى السجدات الأربع ولاء ، ويسجد السهو أربع
مرات لفوات المحل.
وقال الشافعي :
يتم الأولى بما في الثانية ، والثانية بما في الثالثة ، والثالثة بما في الرابعة
فتصح له ركعتان لأن السجود الأول من الثانية يحسب عن الاولى ، ويبطل المتخلل
بينهما ، والثالثة تحسب ثانية ، وسجود الرابعة يكمل الثالثة ثانية ، هذا إن كان قد
جلس للفصل.
__________________
وإن ترك الجلسة
أيضا فإن كان جلس للتشهد الأول صحت له ركعتان إلاّ سجدة لأن التشهد الأول قام مقام
جلسة الفصل للركعة الاولى ووقعت السجدة الاولى في الركعة الثالثة تمامها فصحت له
ركعة بالثالثة ، وصحت له الرابعة بسجدة واحدة فيبني على ذلك.
وإن لم يجلس
للتشهّد الأول صحّت له ركعة إلا سجدة إن كان جلس في الرابعة فيسجد أخرى ويتم له
ركعة ويبني عليها ، ومن اجتزأ بالقيام في الفصل حصل له ركعتان ، وإن ذكر بعد
التسليم ولم يطل الفصل فكما لو ذكر قبله ، وإن طال وجب الاستئناف .
وقال مالك : تصح
الرابعة إلاّ سجدة ويبطل ما قبلها . وعن أحمد روايتان ، إحداهما : كقول مالك ، والأخرى :
بطلان الصلاة .
وقال أبو حنيفة :
يأتي في آخر صلاته بأربع سجدات ويتم صلاته. وبه قال الثوري ، والأوزاعي ، وحكاه
ابن المنذر عن الحسن البصري وحكى الطحاوي عن الحسن بن صالح بن حي : أنّه لو نسي ثمان
سجدات أتى بهن متواليات لأن الركعة إذا سجد فيها فقد أتى بأكثرها ، والحكم يتعلق
بالأكثر في صحة البناء كما إذا أدرك الركوع مع الإمام ، والسجود متكرر فلا يعتبر
فيه الترتيب كأيام رمضان .
ج ـ لو صلّى الظهر
فنسي سجدة وذكر أنّها من الأولى أتم صلاته وقضاها بعد التسليم وسجد للسهو ، وقال
الشافعي : تمت الأولى بالثانية
__________________
وتصير الثالثة
ثانية والرابعة ثالثة ، وتبقى عليه ركعة ، وكذا لو كانت من الثانية أو الثالثة .
ولو لم يعلم من أي
ركعة هي حمل على أحسن الأحوال عنده ، وهو أنه تركها من ركعة قبل الرابعة ، فلا تصح
الركعة التي بعدها فيأتي بركعة لتتم الصلاة بيقين.
ولو نسي سجدتين من
الرباعية ولا يدري كيف تركهما أخذ بأسوإ الأحوال ويجعل كأنه ترك من الأولى سجدة ، ومن
الثالثة سجدة فيتم الأولى بالثانية ، والثالثة بالرابعة وتحصل له ركعتان.
ولو نسي ثلاث
سجدات جعل كأنه ترك من الأولى سجدة ولم يترك من الثانية شيئا فتمت الأولى بالثانية
، وترك من الثالثة سجدة ، ومن الرابعة سجدة فتحصل من مجموعها ركعتان.
ولو نسي أربع
سجدات قدر كأنه ترك من الأولى سجدة ، ومن الثانية لم يترك شيئا ومن الثالثة ترك
سجدة ، وما سجد شيئا من الرابعة فتحصل له ركعتان إلاّ سجدة.
ولو ترك خمس سجدات
جعل كأنه ترك من الأولى سجدة ، ومن الثانية سجدتين ، ومن الثالثة سجدتين ، ولم
يترك من الرابعة شيئا فتمت الاولى بالرابعة وحصل له ركعة .
وعلى مذهبنا أنه
إذا ترك سجدتين من ركعة واحدة بطلت صلاته على ما تقدم ، وإن لم يعلم أهما من ركعة
أو ركعتين؟ رجحنا جانب الاحتياط ، وأبطلنا الصلاة ، لاحتمال أن يكونا من ركعة
فتبطل الصلاة لفوات ركن فيها ، وكذا لو علم أنهما من ركعة ولم يعلم أهما من
الرابعة أو مما سبق؟
__________________
د ـ لو نسي جميع
السجود بطلت صلاته عندنا ، وقال الشافعي : صح له القيام ، والقراءة ، والركوع
الأول . وقال بعض أصحابه : بل الركوع الأخير.
مسألة ٣٥٤
: لو نسي التشهّد الأول ، ثم ذكر قبل الركوع رجع إليه وتشهد
، ثم قام فاستقبل الثالثة ، وفي سجود السهو قولان ، ولو لم يذكر حتى ركع مضى في
صلاته ، وقضاه بعد التسليم ، وسجد للسهو ـ وبه قال الحسن البصري ـ لقول الصادق 7 وقد سأله سليمان
بن خالد عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين ، فقال : « إن ذكر قبل أن يركع
فليجلس ، وإن لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة حتى إذا فرغ فليسلّم ويسجد سجدتي
السهو » ولأنه قبل الركوع في محل التشهد كالسجود.
وقال الشافعي : إن
ذكر قبل انتصابه عاد إليه ، وإن ذكر بعد انتصابه لم يعد لقوله 7 : ( إذا قام
أحدكم في الركعتين فلم يستتم قائما فليجلس ، وإذا استتم قائما فلا يجلس ويسجد
سجدتي السهو ) .
وقال مالك : إن
فارقت أليتاه الأرض مضى ولا يرجع . وقال
__________________
النخعي : يرجع ما
لم يستفتح القراءة . وقال أحمد : إن ذكر قبل أن يستوي قائما وجب أن يرجع ، وإن
ذكر بعد أن يستوي قائما وقبل القراءة تخيّر والأولى أن لا يرجع .
فروع :
أ ـ إذا ذكر قبل
انتصابه رجع إلى التشهّد عندنا وعند الشافعي ، وكذا يرجع عندنا قبل الركوع وإن أنهى القراءة.
وهل يسجد للسهو؟
قولان :
أحدهما
: الوجوب لما تقدم
من وجوبهما لكل زيادة ونقصان ـ وبه قال أحمد ، والشافعي في أحد القولين ـ لأنه زاد في
الصلاة من جنسها على وجه السهو فأشبه زيادة سجود.
والثاني
: عدمه ـ وبه قال
الشافعي أيضا ، والأوزاعي ، وعلقمة ، والأسود ـ لقول الصادق 7 وقد سئل عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهد : « يرجع
فيتشهد » قلت : أيسجد سجدتي السهو؟ فقال : « ليس في هذا سجدتا السهو » .
__________________
ب ـ لو ذكر قبل
الركوع بعد الانتصاب فقد قلنا : إنه يجب عليه الرجوع ، خلافا للشافعي فإنه يمنع
منه لأن القيام فرض والتشهّد سنة عنده والفرض لا يقطع بالسنة ، وقد بيّنا
وجوبه.
فلو خالف وعاد
عامدا عالما بأنه لا يجوز على مذهبه بطلت صلاته عنده ، وإن كان ناسيا
لم تبطل ويقوم كما يذكر ، وإن عاد جاهلا بأنه لا يجوز فوجهان : البطلان لتقصيره
بترك العلم وأصحهما : الصحة لأنه قد يخفى فيعذر .
هذا في المنفرد ، وكذا
الإمام لا يرجع بعد الانتصاب عنده والمأموم يوافقه ، فإن نوى مفارقته ليتشهد جاز ،
وإن نهض المأموم ناسيا فأصح الوجهين عنده : العود لوجوب متابعة الإمام ، والآخر :
الصبر إلى أن يلحقه الإمام لأنه ليس فيما فعله إلا التقدم على الإمام بركن وهو غير
مبطل ، وإن كان عمدا فلا حاجة إلى الرجوع ، وهذا كلّه عندنا باطل لوجوب الرجوع قبل الركوع.
ج ـ المراد
بالانتصاب الاعتدال قائما ، وهو أحد وجهي الشافعية والآخر : أن يصير أرفع من حدّ
أقل الركوع ، وعند أبي حنيفة ، ومالك : إن صار أقرب إلى القيام لم يعد
.
__________________
د ـ إذا عاد قبل
الانتصاب فالأقرب وجوب سجدتي السهو لزيادة بعض القيام ، وهو أحد قولي الشافعي ، وقال بعض
علمائنا : لا يجب . وهو ثاني الشافعي .
وقال بعض الشافعية
: إن عاد قبل أن ينتهي إلى حدّ الراكعين لم يسجد ، وإن عاد بعد الانتهاء إليه سجد
لأنه زاد ركوعا سهوا .
هـ ـ لا فرق بين
نسيان التشهد ونسيان بعض الواجب فيه ، وكذا لو نسي الصلاة على النبي وآله : ، ولو لم يذكر
إلاّ بعد الركوع قضى الصلاة عليهم دون التشهد لقول الصادق 7 وقد سئل عن رجل
ينسى من صلاته ركعة ، أو سجدة ، أو الشيء منها ، ثم يذكر بعد ذلك ، فقال : « يقضي
ذلك بعينه » فقلت : يعيد الصلاة؟ قال : « لا » .
و ـ لو أخلّ
بالتشهد الأخير حتى سلم قضاه وسجد للسهو ، ولو أحدث قبل قضائه ، قال بعض أصحابنا
: يعيد الصلاة لأنه أحدث فيها ووقع التسليم في غير موضعه . وليس بجيّد لأن
التسليم وقع موقعه مع السهو فحينئذ يتطهر ، ويقضي التشهد ، ويسجد للسهو إن لم يبطل
الحدث المتخلل بين الصلاة والجزء المنسي الصلاة.
مسألة ٣٥٥
: لو ذكر ـ وهو في السورة ـ نسيان قراءة الحمد استأنف الحمد
وأعاد السورة أو غيرها ، لأن محل القراءة باق ، وكذا لو نسي الركوع ثم ذكر قبل
السجود قام وركع ، ثم سجد ، وكذا لو نسي سجدة أو سجدتين وذكر قبل
__________________
الركوع قعد وفعل
ما نسيه ، ثم قام فقرأ.
وهل تجب السجدتان
للسهو في هذه الأماكن؟ قولان وقد سلف البحث في ذلك كله.
البحث الرابع : فيما يوجب
الاحتياط :
مسألة ٣٥٦
: قد بيّنا أن الشك في عدد الثنائية ، أو الثلاثية ، أو
الأوليين من الرباعية مبطل ، خلافا للجمهور .
أما لو شك في
الزائد على الاثنتين في الرباعية مثل أن يشك بين الاثنتين والثلاث ، أو بين الثلاث
والأربع ، أو بين الاثنتين والأربع ، أو بين الاثنتين والثلاث والأربع ، فإنه يبني
على الأكثر ويسلم بعد إكمال الصلاة ، ويأتي بالفائت ، أو مساوية احتياطا ، فيبني
في الأول على الثلاث ، ثم يتمم صلاته ويسلم ، ثم يصلي ركعة من قيام أو ركعتين من
جلوس ، وفي الثانية يبني على الأربع ويفعل ما تقدم ، وفي الثالثة يبني على الأربع
ويسلّم ، ثم يصلّي ركعتين من قيام ، وفي الرابعة يبني على الأربع ويصلي ركعتين من
قيام وركعتين من جلوس فإن كان قد صلّى اثنتين كانت الركعتان من قيام تمام الصلاة
والركعتان من جلوس نافلة وإن كان قد صلّى ثلاثا فبالعكس.
وإن كان قد صلّى
أربعا فالجميع نفل لأن البناء على الأقل يحتمل زيادة الركعة وهي مبطلة عمدا وسهوا
، والقول بإعادة الصلاة باطل هنا إجماعا فتعين العمل بما قلناه ، ولأن التسليم في
غير موضعه لا يبطل الصلاة سهوا فكذا هنا لأنه يجري مجرى السهو.
ولقول الصادق 7 : « إذا سهوت
فابن على الأكثر ، فإذا فرغت وسلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنك نقصت ، فإن كنت أتممت لم
يكن
__________________
عليك في هذا شيء
، وإن ذكرت أنك نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت » .
هذا عند أكثر
علمائنا ، وقال الصدوق : يتخير بين ذلك وبين البناء على الأقل لقول الرضا 7 : « يبني على
يقينه ويسجد سجدتي السهو » والمشهور الأول ، فيتعين المصير إليه ، وتحمل الرواية على
الظن.
وقال الشافعي :
يبني على الأقل ويأتي بالتمام ـ وبه قال مالك ، وإسحاق ، وأبو ثور ـ لقوله 7 : ( إذا شك أحدكم
في صلاته فليلغ الشك وليبن على اليقين ، وإذا استيقن التمام سجد سجدتين ، فإن كانت
صلاته تامة كانت الركعة نافلة له والسجدتان ، وإن كانت ناقصة كانت الركعة تماما
لصلاته وكانت السجدتان مرغمتي الشيطان ) وفيما قلناه إلغاء للشك وأخذ باليقين أيضا.
وقال أبو حنيفة :
إن كان أول ما أصابه أعاد الصلاة لقوله عليه
__________________
السلام : ( لا
غرار في الصلاة ) وإن تكرر تحرى وعمل على ما يؤديه تحريه إليه لقوله 6 : ( إذا شك أحدكم
في صلاته فليتحر الصواب ، وليبن عليه ، ويسلم ، ويسجد سجدتين ) ونحن نقول بموجبه
، فإن تحري الصواب هو ما قلناه لما تقدم.
وعن أحمد في
المنفرد كالشافعي ، وفي الإمام روايتان : إحداهما : ذلك ، والثانية : يبني على
غالب ظنه ، وعن الثوري روايتان : إحداهما : يتحرى ، والثانية : يبني
على اليقين .
وقال الحسن البصري
: يسجد سجدتي السهو ويجزيه لقوله 7 : ( يأتي الشيطان أحدكم فيلبس عليه صلاته فلا يدري أزاد أم
نقص فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالس ) وحديثنا أولى
لأنه مبين.
فروع :
أ ـ لو غلب على
ظنه أحد طرفي ما شك فيه بنى على ظنه ولا شيء عليه لقول الصادق 7 : « إذا لم تدر
ثلاثا صليت أم أربعا ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث ، وإن وقع رأيك على
الأربع فسلّم
__________________
وانصرف ، وإن
اعتدل وهمك فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس » .
ويدل على التخيير
بين الركعة من قيام والركعتين من جلوس قول الصادق 7 : « إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار إن شاء
صلى ركعة وهو قائم ، وإن شاء صلى ركعتين وأربع سجدات » .
ب ـ يتخير الشاك
بين الاثنتين والثلاث والأربع بين صلاة ركعتين من قيام وركعتين من جلوس ، وبين
ركعتين من قيام ويسلّم وركعة أخرى من قيام إذ الركعة قائما تعدل الركعتين جالسا
وهي إلى الفائت المعوض عنه أقرب فكان أولى ، وكذا يتخير بين أن يفعل الركعتين من
قيام أولا ، أو الركعتين من جلوس ، أو الركعة من قيام.
وقول الصادق 7 : « يقوم فيصلّي
ركعتين ويسلم ، ثم يصلّي ركعتين من جلوس ويسلّم ، فإن كان قد صلّى أربعا كانت
الركعات نافلة وإلاّ تمت الأربع » الظاهر أنه لا يراد فيه الترتيب وهذه الصورة لا تنفك من
وجوب نافلة ، وليس له أن يصلي ركعتين قائما يفصل بينهما بالتسليم ، ولا ست ركعات
من جلوس ، ولا ركعة من قيام وأربعا من جلوس.
ج ـ لو شك بين
الأربع والخمس بنى على الأربع وتشهد وسلم وسجد سجدتي السهو ـ وبه قال الشافعي ، وأبو
حنيفة ، وأحمد ـ لقوله 7 : ( إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر صلّى خمسا أو أربعا
فليطرح الشك وليبن على اليقين ثم يسجد سجدتين ) .
__________________
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 : « إذا كنت لا تدري أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم
سلّم بعدهما » ولأن الشك هنا لا يوجب تلافيا ولا إعادة فيجبر بسجدتي
السهو.
مسألة ٣٥٧
: المراد بقولنا : بين كذا وكذا ، الشك في الزائد على العدد
الأول بعد إكماله.
فلو قال : لا أدري
قيامي لثانية أو لثالثة بطلت صلاته لأنه في الحقيقة شك بين الاولى والثانية.
ولو قال : لثالثة
أو رابعة فهو شك في الاثنتين والثلاث ، فيكمل الرابعة ويتشهد ويسلم ويصلي ركعة من
قيام أو ركعتين من جلوس.
ولو قال : لرابعة
أو خامسة فهو شك بين الثلاث والأربع فيقعد ويتشهد ويسلم ثم يصلي ركعة من قيام أو
ركعتين من جلوس لاحتمال أن يكون القيام إلى رابعة ، ويسجد للسهو إن قلنا بوجوبه
على من قام في حال قعود.
ولو قال : لثالثة
أو خامسة قعد وسلّم وصلى ركعتين من قيام وسجد للسهو ، ولو قام من الركوع فقال قبل
السجود : لا أدري قيامي لثانية أو ثالثة فالأقرب البطلان لأنه لم يحرز الأولتين ، ويحتمل
الصحة تنزيلا للأكثر منزلة الجميع وبركوعه حصل أكثر الثانية.
ولو قال : لرابعة
أو خامسة بطلت صلاته ، إذ مع الأمر بالإتمام يحتمل الزيادة المبطلة ، وبعدمه يحتمل
النقصان المبطل ، وإنما تصح الصلاة لو صحت قطعا على أحد التقديرين وكذا تبطل لو
قال : لثالثة أو خامسة.
أما لو قال :
لثالثة أو رابعة فإنه يتم الركعة ويتشهد ويسلم ويصلي ركعة من قيام أو ركعتين من
جلوس لاحتمال أن تكون ثالثة فيجبرها الاحتياط ورابعة فتكون الركعة نفلا.
__________________
مسألة ٣٥٨
: لا بدّ في الاحتياط من النية وتكبيرة الافتتاح ، لأنها
صلاة فعلت بعد تسليم فيجب فيها ذلك كغيرها ، وهل تجب الفاتحة عينا أم يتخير بينها
وبين التسبيح؟
قال بعض علمائنا :
بالأول ، لأنها صلاة منفردة فتجب الفاتحة لقوله 7 : ( لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب ) وقال آخرون :
بالثاني لأنها بدل عن الثالثة أو الرابعة فيثبت فيها ما ثبت في حكم المبدل . ونمنع المقدمتين
، ولا خلاف في إجزاء الفاتحة وعدم الزيادة عليها.
مسألة ٣٥٩
: لو أحدث قبل الاحتياط ، قال بعض علمائنا : تبطل الصلاة ويسقط
الاحتياط لأنه في معرض التمامية للصلاة ، وكما تبطل الصلاة بتخلل الحدث بين
أجزائها كذا تبطل بتخلله بين ما يقوم مقام الأجزاء ، ويحتمل أن يكون جزءا ، وقال
بعضهم : لا تبطل لأنها صلاة منفردة ، ولا يلزم من كونها بدلا مساواتها للمبدل في
كل حكم والأول أحوط.
أما السجدة
المنسية ، أو التشهد المنسي ، أو الصلاة على النبي وآله : فالوجه اشتراط
عدم تخلل الحدث بين الصلاة وبينها ، وكذا الركعة المنسيّة.
ويشترط في السجدة
المنسيّة الطهارة لأنها جزء من الصلاة التي تجب الطهارة في جميع أجزائها ، وكذا
الاستقبال ، والأداء في الوقت ، فإن خرج الوقت قبل فعلها عمدا بطلت صلاته ، وإن
خرج سهوا قضاها ، ويتأخر حينئذ عن الفائتة السابقة.
__________________
البحث الخامس : في سجدتي السهو وباقي مسائله.
مسألة ٣٦٠
: قال الشيخ في الخلاف : لا تجب سجدتا السهو إلاّ في أربعة
مواضع : من تكلم في الصلاة ناسيا ، أو سلّم في غير موضعه ناسيا أو نسي سجدة ولم
يذكر حتى يركع ، أو التشهد ولا يذكر حتى يركع في الثالثة ، ولا يجب في غير ذلك
فعلا كان أو قولا ، زيادة كان أو نقصانا ، متحققة كانت أو متوهمة ، وعلى كل حال.
وفي أصحابنا من
قال : تجب سجدتا السهو في كل زيادة ونقصان . وزاد في المبسوط : من شك بين الأربع والخمس ، وقال المرتضى :
من قعد في حال قيام فتلافاه وبالعكس سجد للسهو .
والوجه وجوبهما في
كل زيادة ونقصان لقول الصادق 7 « يسجد للسهو في كل زيادة ونقصان » .
وقال الشافعي :
يجب سجود السهو لأمرين : إما لزيادة أو نقصان ، فالزيادة أما قول أو فعل ، فالقول
مثل أن يسلّم ساهيا في غير موضعه ، أو يتكلم ساهيا ، أو يقرأ في غير موضع القراءة
كالركوع والسجود.
والفعل إما زيادة متحققة
كأن يقعد في موضع قيامه عقيب الاولى والثالثة أكثر من جلسة الاستراحة ، أو يقوم في
موضع قعوده وهو أن يقوم عن الثانية ثم يعود للقعود ، أو يقوم بعد الرابعة إلى
الخامسة يعتقدها رابعة.
وإما زيادة متوهمة
وهو البناء على اليقين في الشك مثل أن يشك هل
__________________
صلّى ثلاثا أو
أربعا فإنه يضيف إليها أخرى ، وضابط ذلك أن كلّ ما إذا فعله عامدا بطلت صلاته لو
فعله ساهيا جبره بسجود السهو.
وأما النقصان فأن
يترك التشهد الأول أو الجلوس له ، وكذلك القنوت في الفجر وفي النصف الأخير من شهر
رمضان من صلاة الوتر ، وأما الصلاة على النبي في التشهد الأول ففي الجديد على
قولين : أحدهما : أنه سنة فيجبره بالسجود ، والثاني ، أنه ليس بسنة فلا يجبره.
وأما ما لا يجبر
به فأركان الصلاة وهيئاتها فإن ترك ركنا لم يجبر بسهو لكن إن ذكره قريبا أتى به
وسجد للسهو لأجل ما زاد من الفعل بتركه ، وإن ذكره بعيدا بطلت صلاته.
وأما الهيئات فإن
ترك دعاء الافتتاح ، والتعوّذ ، والجهر فيما يسر به وبالعكس ، وترك القراءة بعد
الفاتحة ، والتكبيرات بعد الإحرام ، والتسبيحات في الركوع والسجود.
وأما الأفعال فترك
رفع اليدين مع الافتتاح ، وعند الركوع والرفع منه ، ووضع اليمين على الشمال حال
القيام ، وترك وضعهما على الركبتين حال الركوع ، وعلى الفخذين حال الجلوس ، وترك
جلسة الاستراحة عقيب الاولى والثالثة ، وترك هيئة ركن من الأفعال كالافتراش في
موضع التورك ، والتورك في موضع الافتراش ، وكذلك إذا خطا خطوة أو خطوتين ، أو
التفت ، أو لفّ عمامته لفّة أو لفّتين كل هذا ترك هيئات الأركان فلا يجبره بسجود
السهو.
والحاصل أن الصلاة
تشتمل على أركان فلا تجبر بالسهو ، وعلى هيئات فكذلك ، وعلى مسنونات تجبر بسجدتي
السهو .
ووافقه أبو حنيفة
على ذلك وزاد عليه في خمس مسائل ، فقال : إن جهر
__________________
فيما يسر ، أو أسر
فيما يجهر به ـ يعني الإمام ـ فإن المأموم عنده لا يجهر ، أو ترك فاتحة الكتاب ، أو
قرأ سورة قبل الفاتحة ، أو أخر القراءة عن الأولتين إلى الأخريين ، أو ترك
التكبيرات المتوالية في العيدين ، أو تورك في موضع الافتراش سجد للجميع .
وقال مالك : متى
ترك الهيآت سجد ، ودعاء الافتتاح والتعوذ عنده في الصلاة لكن بتكبيرات الصلاة غير
الافتتاح ، وترك التسبيح في الركوع والسجود ، وترك الإسرار أو الجهر فمذهبه أنه
يجبر كل سهو يقع في الصلاة .
وقال ابن أبي ليلى
: إن أسر فيما يجهر فيه ، أو جهر فيما يسر فيه بطلت صلاته كقولنا ، وقد
ذكرنا أكثر هذه المسائل على سبيل التفصيل.
مسألة ٣٦١
: لو جلس في الأولى أو الثالثة للتشهد وتشهد ، ثم ذكر قام
وصلّى وتشهّد ، ويسجد سجدتي السهو عند بعض علمائنا على ما تقدم وبه قال الشافعي لما تقدم.
وحكي عن علقمة
والأسود أنهما قالا : لا يسجد لأن الجبران إنما يكون للنقصان لا للزيادة وهو ممنوع.
ولأن الزيادة تؤثر
نقصانا ، ولهذا إذا كانت عمدا أبطلتها ، وإن ذكر قبل أن يتشهد ، فإن كان قد جلس
قدر جلسة الاستراحة لم يسجد ، وإن زاد
__________________
سجد ، وبه قال
الشافعي .
مسألة ٣٦٢
: لا سجود لترك المندوب لجواز تركه مطلقا فلا يستعقب تركه
نسيانا تكليفا ، فلو ترك القنوت في صلاة الصبح أعاده بعد الركوع استحبابا ولا يسجد
للسهو ، وقال الشافعي : يسجد .
ولو ذكر بعد
الانحطاط إلى السجود لم يعد لفوات محله ، وقال الشافعي : إن سجد لم يجز أن يرجع
لأنه تلبس بالفرض فلا يعود إلى السنّة وإن لم يكن وضع جبهته على الأرض عاد إليه ، ويسجد
للسهو إن كان قد بلغ حد الراكعين أو زاد ، وإلاّ فلا .
ولو ترك الإمام
القنوت لاعتقاده لم يسجد المأموم لأجله ـ وبه قال القفال ـ إذ لا خلل في
صلاة الإمام ، وقال بعض الشافعية : يسجد المأموم لأنه اعتقد أن إمامه ترك مأمورا
فاختلت صلاته فعليه جبرها بالسجود .
فروع :
أ ـ ترك التكبيرات
المستحبة لا يقتضي سجود السهو ، وبه قال الشافعي . وقال أبو حنيفة
: إذا ترك تكبيرات العيدين خاصة سجد لها لأنه
__________________
ذكر في محل واحد ،
فإذا تركه سجد له كالتشهد والقنوت وينتقض بدعاء الاستفتاح.
ب ـ لو زاد فعلا
مندوبا أو واجبا في غير موضعه سجد للسهو ، فلو قنت في الركعة الأولى ساهيا سجد
للسهو ـ وبه قال الشافعي ـ لما تقدم ، واختلف أصحابه في العلّة.
فقيل : إنه نقل
ذكرا مقصودا من محله إلى غير محله فيجعل كتركه في محله.
وقيل : إن قيام الاعتدال
ركن قصير وقد طوّله بالقنوت .
وتظهر الفائدة
فيما لو قنت في الاولى من الصبح عامدا هل تبطل صلاته أم لا؟
أما عندنا فإنها
تبطل لأنه زاد ذكرا غير مشروع فيكون حكمه حكم ما لو تكلم في الصلاة بما ليس منها
عامدا.
وأما الشافعية فمن
علل بالأول لم يبطل ، لأن الصلاة محل الذكر ، وفي سجود السهو قولان.
ومن علل بالثاني
أبطلها ، لأن تطويل الركن القصير كزيادة ركن في الصلاة .
ولو قنت قبل
الركوع لم يسجد عندنا لأنه المأمور به ، والشافعية قالوا : إنه بعده فهل يسجد؟ إن
علل بالأول سجد ، وإلاّ فلا لأن القيام ركن ممتد .
__________________
ولو تشهد قائما
متعمدا بطلت صلاته ، لأن التشهد عندنا فرض في محله وقد أخلّ به عمدا ، وعند
الشافعية أنّه مستحب فلا تبطل لأن الذكر في الصلاة لا يبطلها نقله.
والقيام والقعود
ركن ممتد ، ولو فعله ساهيا سجد عندنا وتداركه ، ومن علّل من الشافعية بالأول سجد
لأنه نقل الذكر ، ومن علّل بالثاني لم يسجد لأن الركن طويل في نفسه.
ج ـ لو عزم أن
يفعل فعلا مخالفا للصلاة أو أن يتكلم عامدا ولم يفعل لم يلزمه سجود السهو لأن
حديث النفس مرفوع عن هذه الأمة ، ولا سجود إلاّ في عمل البدن.
د ـ لو سها في
صلاة النفل بنى على الأقل استحبابا ، ويجوز البناء على الأكثر ، وبه قال ابن
سيرين ، وهو قول الشافعي ، وعنه السجود لترك ما اقتضت التحريمة فعله .
هـ ـ لو سها في
سجود السهو بأن ظن ترك سجدة وقلنا بفعله في الصلاة فسجد ، ثم ذكر أنه لم يتركها
وأن سجوده للسهو كان سهوا في الصلاة لم يسجد له لما تقدم من أنه لا سهو في سهو ، وعند
الشافعية يسجد لوجود السبب وهو السهو .
__________________
و ـ لو سها بعد
سجود السهو إذا جعلناه في الصلاة بأن فرغ من السجود وقبل أن يسلّم تكلم ناسيا ، أو
قام على ظن أنه رفع رأسه من سجدات الصلوات سجد ثانيا لوجود السبب ، وسجود السهو
يجبر ما قبله لا ما بعده ، وبه قال بعض الشافعية ، وظاهر مذهبهم :
أنه لا يسجد ثانيا لأنه ربما ( يسهو ) فيحتاج إلى سجود آخر فيؤدي إلى ما لا يتناهى .
ز ـ المسبوق إذا
أدرك الإمام بعد السجود تابعه ولا سجود عليه ، ولو أدركه بعد الرفع من الركوع فإن
سوغنا الدخول معه والاعتداد بهذه النية والتكبير لم يسجد للسهو ، وبه قال الشافعي .
وقال عبد الله بن
عمر ، وعبد الله بن الزبير : يسجد لوجود زيادة في صلاته لا يعتد بها . ويبطله قوله 7 : ( ما أدركتم
فصلوا وما فاتكم فاقضوا ) ولم يأمر بسجود.
مسألة ٣٦٣
: سجدتا السهو بعد التسليم مطلقا عند أكثر علمائنا ـ وبه قال علي 7 ، وابن مسعود ، وعمار
، وسعد بن أبي وقاص ، والنخعي ، وابن أبي ليلى ، والثوري ، وأصحاب الرأي ، وهو قول
__________________
الشافعي ـ لقوله 7 : ( إذا شك أحدكم
في صلاته فليتحر الصواب وليبن عليه ويسلم ويسجد سجدتين ) وقوله 7 : ( لكل سهو
سجدتان بعد أن يسلم ) .
ومن طريق الخاصة
قول علي 7 : « سجدتا السهو بعد السلام وقبل الكلام » ولأنه زيادة في
الصلاة وفعل كثير ليس منها فيكون مبطلا ، ولأن فيه تغييرا لهيئة الصلاة إذ السجود
لا يتبع التشهد في شيء من صور الصلاة.
وقال بعض علمائنا
: إنّهما قبل التسليم سواء زاد في الصلاة أو نقص ـ وهو قول أبي
هريرة ، وأبي سعيد الخدري ، والزهري ، وسعيد بن المسيب ، وربيعة ، والأوزاعي ، والليث
بن سعد ـ لما رووه عن النبيّ 6 أنه صلّى صلاة العشاء فقام في ركعتين فقام الناس معه فلما
انتظروا تسليمه كبر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ثم سلّم .
__________________
ومن طريق الخاصة
قول الصادق 7 : « إنّهما قبل التسليم فإذا سلمت ذهبت حرمة صلاتك » .
والحديث الأول
ممنوع لمنافاته الأصول الدالة على عصمة النبيّ 6 عن السهو. والثاني ضعيف السند.
وقال بعض علمائنا
بالتفصيل فإن كان للنقصان ففي الصلاة وإن كان للزيادة فبعد التسليم ـ وبه قال مالك ،
والمزني ، وإسحاق ، وأبو ثور ، والشافعي في القديم ـ لأن خبر ذي
اليدين ذكر السجود بعد السلام لأن السهو في الزيادة ، والخبر
السابق ذكر السجود في الصلاة لأنه للنقصان.
ومن طريق الخاصة
قول الرضا 7 : « إذا نقصت فقبل التسليم وإذا زدت فبعده » والأولان بيّنا
ضعفهما ، والثالث معارض بالأخبار الكثيرة فتكون أرجح.
وقال أحمد : السجود
قبل السلام إلاّ في موضع ورد فيه الأثر خاصة ، واختاره ابن المنذر .
__________________
فروع :
أ ـ لو تعدد
الموجب ـ وقلنا بالاتحاد وقبل التسليم إن كان للنقصان وبعده إن كان للزيادة ـ واختلف
، قالت الشافعية : يسجد قبله لأن القائل بأن السجود بعده يسوغه قبله ، ولأنها حالة
متقدمة فاعتبارها أولى.
ب ـ إذا قلنا بأنه
قبل التسليم فإذا فرغ من التشهد سجدهما ثم سلم بعد الرفع ولا يحتاج إلى إعادة
التشهد عند الشافعي ، والوجه عندنا وجوبه ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لأنهما مستقلان
بوجوبه فالتشهد لهما.
ج ـ لو نسي السجود
فسلم ثم ذكر سجد لوجود المقتضي ، وقال الشافعي : إن كان الفصل قصيرا سجد وإن طال
فقولان .
مسألة ٣٦٤
: لا سجود فيما يترك عمدا لأنه إن كان واجبا أبطل الصلاة ، وإن
كان مندوبا لم يشرع له السجود كما تقدم ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لأنه سجود يضاف
إلى السهو فيختص به كسجود التلاوة.
وقال الشافعي :
يسجد لو ترك التشهد والقنوت عمدا لأنه يسجد لهما
__________________
للسهو فالعمد أولى
.
والمقدمتان
ممنوعتان.
مسألة ٣٦٥
: سجود السهو واجب. قال الشيخ في الخلاف : وشرط في صحة
الصلاة ـ وبه قال مالك ـ لأن النبي 6 والأئمة : أمروا به والأمر للوجوب ، ولأنه جبران يفعل في العبادة فكان واجبا
كجبران الحج.
وقال أحمد : إنه
واجب . وحكى أبو الحسن الكرخي عن أبي حنيفة : أنه واجب وليس بشرط في الصلاة ، وحكى أصحاب
مالك عنه : أنه واجب في النقصان .
وقال الشافعي :
إنه ليس بواجب مطلقا لقوله 7 في حديث
__________________
أبي سعيد الخدري :
« فإن كانت الصلاة تامة كانت الركعة والسجدتان نافلة ) ولأنها تفعل
تكملة للصلاة وليس بشرط فيها فلم يكن واجبا كسائر المسنونات.
ولا حجة في الحديث
إذ كونها نافلة على تقدير لا يقتضي كونها نافلة مطلقا ، ونمنع القياس على
المسنونات فإنّ العلّة موجودة في الواجبات.
فروع :
أ ـ قول الشيخ :
إنهما شرط في [ صحة ] الصلاة إن قصد بذلك بطلان الصلاة بتركهما مع الذكر منعناه عملا
بأصالة البراءة والصحة ، وإن قصد وجوبهما فهو مسلم ، فعلى هذا لو لم يسجد لم تبطل
صلاته بل يجب عليه السجود دائما إلى أن يفعله.
ب ـ لو نسي
السجدتين أتى بهما إذا ذكر سواء تطاولت المدة أو لا ـ وبه قال الأوزاعي ـ لقول الصادق 7 في الرجل ينسى
سجدتي السهو : « يسجدهما متى ذكر » ولأنه مأمور بهما فيأتي بهما عند الذكر ليتحقق الامتثال.
وقال أبو حنيفة :
إن تكلم بعد الصلاة أو خرج من المسجد سقط عنه السجود .
__________________
وقال الشافعي : إن
لم يطل الفصل سجد ، وإن طال ففي القديم : يأتي به لأنه جبران يفعل لنقص في العبادة
فلا يسقط بتطاول الفصل كجبران الحج ، والثاني : يسقط لأنه يبنى على الصلاة .
فإذا طال الفصل
منع من البناء عليها كما لو ترك من الأخيرة سجدة وتطاول الفصل فإن الصلاة تبطل ، والفرق
أن المنسي هنا جزء بخلاف سجدتي السهو.
وقال مالك : إن
كان لزيادة أتى بهما ولو بعد شهر وإن كان لنقصان فإن ذكرهما قريبا سجدهما ، وإن
تطاول أعاد الصلاة . وقال ابن شبرمة : إذا خرج من المسجد أعاد الصلاة .
وقال الحسن وابن
سيرين : إذا صرف وجهه عن القبلة لم يسجد . وقال أحمد : ما كان منه في الصلاة إذا تركه عامدا بطلت ، وإن
تركه ناسيا حتى يسلم فإن لم يطل الفصل أتى به وإن طال لم يأت به .
ج ـ لو تحقق السهو
وشك هل سجد أم لا؟ سجد ، لأن الأصل العدم ، أما لو شك أنه سجد واحدة أو اثنتين
احتمل البناء على اليقين فيسجد ثانية ولا يسجد للسهو ـ وبه قال الشافعي ـ وإلاّ لزم عدم
التناهي لو سها ثانيا ، ويحتمل البناء على الأكثر لعموم قولهم : : « لا سهو في
__________________
سهو » .
د ـ عند القائلين
بأن السجود في الصلاة فإنه يقع آخرها قبل التسليم فلو سجد على أن المحل آخر صلاته
فتبين البقية أمر بإعادة السجود ـ وبه قال الشافعي ـ ويحتمل إعادة الصلاة لزيادة
ركن.
فلو سها الإمام في
صلاة الجمعة فتشهد وسجد فأطال ثم رفع رأسه فظهر خروج وقت الجمعة أتم صلاته جمعة
عندنا ، لأنها تدرك بإدراك ركعة.
وقال الشافعي :
يتمم صلاته ظهرا ، ويؤمر بإعادة السجود آخر الصلاة .
أما المسافر إذا
فرغ من التشهد فسجد فاتصلت السفينة بدار إقامته ، أو نوى المقام فإنه يلزمه إتمام الصلاة
وإعادة السجود آخر الصلاة.
مسألة ٣٦٦
: يجب في سجدتي السهو النية لأنها عبادة ، والسجود على
الأعضاء السبعة ، والطمأنينة فيهما وفي الرفع لأنه المتبادر في عرف الشرع ، والجلوس
بينهما مطمئنا لأن التعدد في صلب الصلاة لا يحصل بدونه فكذا هنا. أما التشهد
فأوجبه علماؤنا لقول الصادق 7 : « إذا لم يدر أربعا صلّيت أم خمسا ، أم نقصت ، أم زدت
فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة فتشهد فيهما تشهدا خفيفا » .
ويسلم عقيبه لقول
الصادق 7 : « فاسجد سجدتي السهو بعد
__________________
تسليمك ثم تسلّم
بعدهما » وبوجوب التشهد والتسليم عقيبهما قال أبو حنيفة .
وقال الشافعي : إن
قلنا : السجود للزيادة بعد السلام فإنه يتشهد ويسلم عقيبهما ـ وإليه ذهب أكثر من
يقول : إنه بعد السلام ـ وإن قلنا : إنه قبل السلام فإنه يكفيه أن يسلم .
فإن نسي السجود
حتى سلّم ، وقلنا : إن موضعه قبل السلام لو كان لنقصان اختلف أصحابه ، فبعض قال :
يتشهد ويسلم ، وبعض قال : يسلم لأنه سجود تركه من الصلاة فلا يلزمه أن يعيد ما
قبله .
مسألة ٣٦٧
: قال الشيخ : إذا أراد السجود افتتح بالتكبير وسجد عقيبه ، فإن أراد بذلك
الوجوب ـ كما هو قول أبي حنيفة ، والشافعي ـ منعنا ذلك للأصل ولقول الصادق 7 لما سأله عمار عن
سجدتي السهو هل فيهما تكبير أو تسبيح؟ فقال : « لا إنما هما سجدتان فقط » .
وهل تجب فيهما
الطهارة والاستقبال؟ إن قلنا بوقوعهما في الصلاة وجب وإلاّ فإشكال ينشأ من أصالة
البراءة ، ومن أنه سجود واجب فاشترطا له كسجود الصلاة. وقال الشافعي : يشترط فيهما
ما يشترط في سجود الصلاة .
__________________
مسألة ٣٦٨
: وهل يجب فيهما الذكر؟ أكثر علمائنا عليه لما رواه الحلبي قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول في سجدتي السهو : « بسم الله وبالله ، اللهم صلّ على
محمد وآل محمد » قال : وسمعته مرة أخرى يقول : « بسم الله ، وبالله ، والسلام عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته » فيجب أحدهما ويتخير فيهما.
وقال بعض علمائنا
: بعدم الوجوب لمنافاة الرواية المذهب ، لامتناع تطرق السهو على الإمام 7 ، ولقول الصادق 7 لما سأله عمار عن
سجدتي السهو هل فيهما تكبير أو تسبيح؟ : « لا إنما هما سجدتان فقط » .
ولا منافاة بين
الرواية والمذهب ، إذ سماعه يقول في سجدتي السهو ، لا يدل على أنه 7 قاله في سجوده له
بل المراد سماعه هذا الحكم في هذا الفرض كما يقال : سمعته يقول : « في النفس
المؤمنة مائة من الإبل » .
وعمار ضعيف ، ولا
حجة فيه لأن نفي وجوب التكبير والتسبيح لا يدل على نفي ما ذكره.
وقال الشافعي ، وأبو
حنيفة : يسبح فيهما كما يسبح في سجدات الصلاة . ولا جامع بينهما مع الفرق بأن ذاك جزء من الصلاة وهذا
جبران فلا يجب التساوي.
__________________
مسألة ٣٦٩
: إذا تعدد السهو في الصلاة الواحدة تعدد جبرانه سواء اختلف
أو تجانس لأن كل واحد سبب تام في وجوب السجدتين فكذا حالة الاجتماع لأن الاجتماع
لا يخرج الحقيقة عن حقيقتها ، ولما رواه الجمهور عن النبي 6 : ( لكل سهو
سجدتان ) .
وقال الأوزاعي :
يتداخل المتجانس دون المختلف قياسا على جبران الحج فإنه لو كرر اللبس اتحد الجبران
، ولو لبس وتطيب تعدد . ونمنع الأول مع تكثر المجلس.
وقال الشافعي ، وباقي
الجمهور : بالتداخل تجانس أو اختلف لأن في خبر ذي اليدين أنه 7 سلم من اثنتين ، وتكلم وسجد سجدتين . وقد بيّنا
امتناع ذلك على أصولنا.
فروع :
أ ـ لو تعدد السهو
في صلوات تعدد الجبران إجماعا أما عند القائلين بسبقه على التسليم فظاهر. وأما
عند الآخرين فلأن الصلاة لا تبنى على غيرها.
ب ـ لا يكفي
الاحتياط عن سجود الجبران لو حصلا وإن قلنا بتداخل
__________________
السجود لاختلاف
الفرضين.
ج ـ لو نسي أربع
سجدات من أربع ركعات قضاهنّ أولا ورتب في القضاء ثم يسجد بعد قضاء الجميع ثمان
سجدات للسهو. وهل له التفريق بينها بالجبران؟ إشكال.
د ـ لو كان السهو
لزيادة ونقصان كالكلام ونسيان سجدة فإنه يبدأ بقضاء السجدة. وهل يجب تقديم جبرانها
على جبران الزيادة وإن تأخرت عن الزيادة؟ إشكال ينشأ من أنها كالتتمة للسجدة
المنسية التي هي من صلب الصلاة ، ومن أصالة البراءة وعدم الترتيب.
مسألة ٣٧٠
: لو صلى المغرب أربعا سهوا قال الشيخ : أعاد ، وأطلق ، والوجه التفصيل وهو أنه إن كان قد جلس عقيب الثالثة بقدر التشهد
أجزأه وقعد وتشهد وسلم وسجد سجدتي السهو وإلاّ أعاد.
وقال الأوزاعي ، وقتادة
: يضيف إليها أخرى ويسجد للسهو لأنه إذا لم يضف صارت شفعا ، وقال باقي
الجمهور : يسجد للسهو وأطلقوا لأنه 7 صلّى الظهر خمسا فلمّا قيل له سجد للسهو ولم يضف أخرى
لتصير شفعا . وقد بينا امتناع السهو على النبيّ 6.
مسألة ٣٧١
: لو ذكر بعد الاحتياط النقصان لم يلتفت مطلقا سواء كان في
الوقت أو بعده لأنه فعل المأمور به فيخرج عن العهدة.
ولو ذكر قبله أكمل
الصلاة وسجد للسهو ما لم يحدث لأنه ساه في فعله فلا يبطل صلاته إلاّ الحدث.
__________________
ولو ذكره في
أثنائه استأنف الصلاة لأنه ذكر النقصان بعد فعل كثير قبل خروجه عن العهدة ، ويحتمل
الصحة لأنه مأمور به وهو من الصلاة.
ولو شك بين
الاثنتين والثلاث والأربع فذكر بعد الركعتين من جلوس أنها ثلاث صحت صلاته وسقط
الباقي لظهور بطلان شكه فيما يوجبه.
ولو ذكر أنها
اثنتان بطلت لأنه ذكر النقصان قبل فعل الجبران.
ولو بدأ بالركعتين
من قيام انعكس الحكم فتبطل صلاته لو ذكر الثلاث وتصح لو ذكر الاثنتين.
ولو ذكر الثلاث
بعد أن رفع رأسه من السجدة الثانية احتمل أن يتشهد ويسلم لأن الاحتياط المساوي قد
فعله وهو الركعة والتشهد ليس من الأصل بل وجب لكونه جزءا من كلّ صلاة.
والبطلان لأن
التشهد جزء من الجبران ولم يأت به.
تم الجزء الثاني
من كتاب تذكرة الفقهاء بحمد الله ومنّه ، يتلوه في الثالث بتوفيق الله تعالى
المقصد الثالث في باقي الصلوات ، والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله
الطاهرين ، فرغت من تسويده في ثامن عشر شعبان من سنة ثلاث وسبعمائة ، وكتب حسن بن
يوسف بن مطهر مصنف الكتاب حامدا مصليا مستغفرا .
__________________
فهرس
الموضوعات
القبلة........................................................................ ٥
القبلة الأولى للمسلمين........................................................... ٥
القبلة هي الكعبة للمشاهد وجهتها للنائي........................................... ٦
كيفية الصلاة فوق الكعبة في التوجه اليها........................................... ٨
استحباب التياسر لأهل العراق ومن والاهم......................................... ٩
كيفية الاستقبال في الصلاة جوف الكعبة.......................................... ١٠
فروع :.................................................................... ١٠
علامات القبلة لأهل كل إقليم................................................... ١٢
ما يستقبل له............................................................... ١٥
وجوب الاستقبال في فرائض الصلوات............................................ ١٥
حکم الاستقبال في سجدتي التلاوة والشکر....................................... ١٥
حكم الاستقبال عند الذبح واحتضار الميت وتجهيزه................................ ١٥
عدم جواز الفريضة على الراحلة اختياراً........................................... ١٦
عدم جواز صلاة الجنائز على الراحلة............................................. ١٦
حكم إتيان الصلاة المنذورة على الراحلة.......................................... ١٦
سقوط فرض الاستقبال في الفرائض والنوافل حالة الخوف........................... ١٧
سقوط فرض الاستقبال في النوافل سفراً وحضراً................................... ١٧
فروع :.................................................................... ١٧
المستقبل................................................................... ٢٢
حکم الاجتهاد لمن يقدر على معرفة القبلة......................................... ٢٢
حكم فاقد العلم بالقبلة......................................................... ٢٢
فروع :.................................................................... ٢٤
حكم الصلاة جماعة وفرادى فيما إذا تعدّد المجتهدون............................... ٢٥
فروع :.................................................................... ٢٦
حكم العارف بأدلّة القبلة اذا لم يتمكن من الاجتهاد لضيق الوقت................... ٢٧
حكم العارف بأدلة القبلة فيما إذا اتّسع الوقت ولم يحصل له الظن
بعد الاجتهاد....... ٢٨
حكم الصلاة فيما إذا تبين الخطأ في أثنائها أو بعدها................................ ٢٩
فروع :.................................................................... ٣٠
ما هو وظيفة الأعمى؟.......................................................... ٣٢
حكم من صلّى ظاناً ثم ظهر الخطأ في أثناء الصلاة أو بعدها......................... ٣٢
هل يجوز للمجتهد ـ في ضيق الوقت ـ تقليد غيره؟.............................. ٣٣
جواز الصلاة في السفينة فرضاً ونفلاً وكيفيتها..................................... ٣٤
الأذان والإقامة............................................................. ٣٧
تعريف الأذان.................................................................. ٣٧
فضيلة الأذان.................................................................. ٤٠
هل الإمامة أفضل من الأذان أم لا؟............................................... ٤٠
فصول الأذان.................................................................. ٤١
فصول الإقامة.................................................................. ٤٣
استحباب التكبير في آخر الأذان أربع مرات....................................... ٤٤
استحباب التكبير في أول الإقامة وآخرها أربعاً..................................... ٤٥
تثنية الإقامة أفضل من إفراد الأذان والإقامة....................................... ٤٥
حكم الترجيع في الأذان......................................................... ٤٥
جواز تكرار الشهادتين للمؤذّن لأجل تنبيه الغير................................... ٤٧
حكم التثويب في الأذان......................................................... ٤٧
فروع :.................................................................... ٤٩
اشتراط الترتيب في الأذان والاقامة............................................... ٥١
كراهة الكلام خلال الأذان والإقامة.............................................. ٥١
فروع :.................................................................... ٥١
استحباب ترك الإعراب في أواخر فصول الأذان والإقامة............................ ٥١
استحباب الترسّل في الأذان...................................................... ٥٣
استحباب رفع الصوت بالأذان................................................... ٥٣
استحباب الفصل بين الأذان والإقامة بجلسة أو سجدة.............................. ٥٤
محلّ الأذان والإقامة......................................................... ٥٥
عدم مسنونية الأذان لشيء من النوافل ولا الفرائض عدا الخمس
اليومية............... ٥٧
استحباب الأذان في الفرائض الخمس اليومية....................................... ٥٧
تأكّد استحباب الأذان في الصلوات الجهرية خاصة الغداة والمغرب.................... ٥٧
استحباب الأذان والإقامة للفوائت اليومية......................................... ٥٧
فروع :.................................................................... ٥٩
استحباب الأذان لصلاة المنفرد................................................... ٦٠
فروع :.................................................................... ٦١
سقوط الأذان والإقامة في الجماعة الثانية.......................................... ٦٢
استحباب الأذان والإقامة في صلاة جماعة النساء................................... ٦٢
فروع :.................................................................... ٦٣
جواز استغناء الإمام عن أذان الجماعة بأذان المنفرد................................. ٦٤
المؤذن..................................................................... ٦٥
ما يشترط في المؤذن............................................................ ٦٥
جواز الاعتداد بأذان العبد....................................................... ٦٦
استحباب كون المؤذن عدلاً..................................................... ٦٦
حكم الاعتداد بأذان الفاسق..................................................... ٦٦
حكم الاعتداد بأذان السكران................................................... ٦٦
عدم صحة أذان الملحن.......................................................... ٦٦
استحباب كون المؤذن بصيرا.................................................... ٦٧
استحباب كون المؤذن متطهرا................................................... ٦٧
حكم أذان غير المتطهر.......................................................... ٦٧
فروع :.................................................................... ٦٨
استحباب كون المؤذّن مستقبل القبلة............................................. ٦٩
فروع :.................................................................... ٦٩
استحباب كون المؤذّن قائماً..................................................... ٧٠
فروع :.................................................................... ٧١
عدم اختصاص الأذان بقبيل خاص............................................... ٧٢
حكم ما لو تشاح اثنان في الأذان................................................ ٧٢
فروع :.................................................................... ٧٣
أحكام الأذان والإقامة...................................................... ٧٥
استحباب الأذان والإقامة في جميع الفرائض اليومية................................. ٧٥
عدم جواز الأذان قبل دخول الوقت في غير الصبح................................. ٧٧
حكم الأذان قبل دخول الوقت في الصبح......................................... ٧٨
فروع :.................................................................... ٧٩
حكم ما لو ترك الأذان والإقامة وصلّى........................................... ٨٠
حكم أخذ الأُجرة على الأذان................................................... ٨١
فروع :.................................................................... ٨١
استحباب حكاية الأذان لسامعه.................................................. ٨٢
فروع :.................................................................... ٨٣
عدم لزوم إعادة الإقامة فيما لو أحدث في الصلاة.................................. ٨٤
إعادة الإقامة فيما لو تكلّم في الصلاة............................................. ٨٤
من صلّى خلف من لا يقتدي به أذّن لنفسه وأقام.................................. ٨٥
وقت القيام الى الصلاة.......................................................... ٨٥
أفعال الصلاة وتروكها.......................................................... ٨٧
القيام...................................................................... ٨٩
وجوب القيام في الصلاة......................................................... ٨٩
حكم القيام فيما لو عجز عن الركوع والسجود................................... ٨٩
حدّ القيام ومراتبه.............................................................. ٩٠
القيام من الأركان.............................................................. ٩١
صلاة القاعد فيما لو عجز عن القيام أصلاً........................................ ٩١
ما هو حدّ العجز عن القيام؟..................................................... ٩١
فروع :.................................................................... ٩٢
كيفية جلوس المصلّي قاعداً...................................................... ٩٢
صلاة المضطجع................................................................ ٩٣
كيفية صلاة العاجز عن الاضطجاع.............................................. ٩٤
من كان قادراً على القيام وبه رمد هل يجوز له الصلاة مستلقياً؟..................... ٩٥
فروع :.................................................................... ٩٦
انتقال كل من القادر والعاجز عن حالة إلى أُخرى عند حصول سببها................ ٩٧
عدم وجوب القيام في النافلة..................................................... ٩٩
هل تجوز الصلاة مضطجعاً لمن يقدر على القعود والقيام؟............................ ٩٩
البحث الثاني : النية......................................................... ٩٩
النية من الأركان............................................................... ٩٩
كيفية النية................................................................... ١٠٠
فروع :.................................................................. ١٠٢
عدم اشتراط نية عدد الركعات ولا القصر والتمام ولا الاستقبال
ولا تعيين
اليوم........................................................................ ١٠٤
وجوب نية اليوم السابق على اللاحق في قضاء الصلوات........................... ١٠٤
في من فاتته صلاة ونسي تعيينها................................................ ١٠٥
في من فاتته رباعية لم يدر أظهر أم عصر........................................ ١٠٥
في من صلّى الظهر والعصر وذكر نسيان النية في إحداهما.......................... ١٠٦
وقت النية................................................................... ١٠٦
فروع :.................................................................. ١٠٧
وجوب استدامة النية حكماً.................................................... ١٠٨
حكم صلاة من نوى الخروج من الصلاة أو أنه سيخرج........................... ١٠٨
فروع :.................................................................. ١٠٨
عدم جواز نقل النية من صلاة الى غيرها......................................... ١٠٩
جواز نقل النية من صلاة ظهر حاضر الى عصر فائت............................. ١٠٩
جواز نقل النية من فرض الى تطوع في مواضع خاصة............................. ١٠٩
بطلان صلاة من نوى الرياء بصلاته أو ببعضها................................... ١١٠
حكم صلاة المحبوس لو نوى الأداء فبان خروج الوقت أو نوى القضاء
فظهر بقاء الوقت ١١٠
عدم جواز نقل النية من النفل الى الفرض........................................ ١١١
البحث الثالث : التكبير................................................... ١١١
تكبيرة الإحرام من الأركان.................................................... ١١١
انعقاد الصلاة بالتكبير......................................................... ١١١
اشتراط عين التكبير........................................................... ١١٢
هل يشترط في التكبير قول : الله أكبر ، أو الله الأكبر؟........................... ١١٣
فروع :.................................................................. ١١٣
عدم الاجتزاء بترجمة التكبير................................................... ١١٥
فروع :.................................................................. ١١٦
استحباب التوجه بسبع تكبيرات................................................ ١١٧
فروع :.................................................................. ١١٨
حکم رفع اليدين بالتكبير في الصلوات.......................................... ١١٩
حكم رفع اليدين في كل تكبيرات الصلاة....................................... ١١٩
بسط الكفين حال الرفع....................................................... ١٢٠
استحباب الاستقبال بباطن الكفين.............................................. ١٢٠
استحباب ضمّ الأصابع في الصلاة.............................................. ١٢١
استحباب رفع اليدين الى حذاء الأُذنين أو المنكبين................................ ١٢١
فروع :.................................................................. ١٢٢
حكم تكبير المأموم مع الإمام................................................... ١٢٣
حكم تكبير المأموم قبل تكبير الإمام............................................. ١٢٣
القراءة................................................................... ١٢٤
استحباب التوجّه بعد التكبير................................................... ١٢٤
استحباب التعوّد.............................................................. ١٢٥
فروع :................................................................. ١٢٦
وجوب القراءة واشتراطها في الصلاة............................................ ١٢٨
تعيّن الفاتحة في القراءة......................................................... ١٢٨
حكم قراءة سورة بعد الحمد................................................... ١٣٠
جواز قراءة الحمد وحدها في حال الضرورة والاستعجال.......................... ١٣١
جواز قراءة بعض السورة حالة الضرورة......................................... ١٣١
حكم قراءة شيء من القرآن بعد الحمد في الثالثة والرابعة.......................... ١٣٢
البسملة هل هي آية من القرآن؟................................................ ١٣٢
وجوب القراءة بالعربية وعدم إجزاء مرادفها..................................... ١٣٥
وجوب تعلّم القراءة والعربية لمن لم يحسنهما..................................... ١٣٥
وجوب قراءة سبع آيات لمن يحسن قراءة غير الفاتحة.............................. ١٣٦
وجوب التسبيح والتهلل والتكبير بقدر القراءة لمن لم يحسن
الفاتحة ولا غيرها......... ١٣٦
فروع :.................................................................. ١٣٧
وجوب الإتيان بحروف الفاتحة أجمع حتى التشديد................................ ١٤٠
وجوب إخراج الحروف من مواضعها........................................... ١٤٠
الإعراب شرط في القراءة...................................................... ١٤١
وجوب القراءة بالمتواتر من القراءات وبالمتواتر من الآيات.......................... ١٤١
المعوّذتان من القرآن........................................................... ١٤١
وجوب الإتيان بالفاتحة والسورة على ترتيبهما المخصوص......................... ١٤٢
حكم ترك الموالاة في القراءة سهواً.............................................. ١٤٣
تعيّن قراءة الفاتحة في الاُوليين من كل صلاة وعدم وجوبها عيناً
في الثالثة والرابعة .... ١٤٣
فروع :.................................................................. ١٤٤
کيفية التسبيح في الثالثة والرابعة من الصلاة...................................... ١٤٥
عدم جواز قراءة شيء من العزائم في الفريضة.................................... ١٤٦
فروع :.................................................................. ١٤٦
عدم جواز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته........................................ ١٤٧
هل يجوز القرآن بين السورتين في ركعة واحدة؟................................. ١٤٧
فروع :.................................................................. ١٤٨
الضحى وألم نشرح وكذا الفيل ولإيلاف سورة واحدة........................... ١٤٩
هل تعاد البسملة بين الفيل ولإيلاف ، وبين الضحى وألم نشرح؟.................. ١٥٠
فروع :.................................................................. ١٥٠
جواز العدول ـ في غير الجحد والإخلاص ـ من سورة الى أُخرى ما لم
يتجاوز النصف ١٥٠
فروع :.................................................................. ١٥٠
جواز القراءة من المصحف..................................................... ١٥١
وجوب الجهر بالقراءة في غير الظهرين والإخفات فيهما........................... ١٥١
حكم الجهر بالبسملة في الجهرية والإخفاتية...................................... ١٥٢
فروع :.................................................................. ١٥٣
هل القراءة ركن في الصلاة؟................................................... ١٥٦
استحباب الترتيل في القراءة والتسبيح والتشهد................................... ١٥٧
استحباب السكوت قليلاً بعد الحمد وبعد السورة................................ ١٥٧
استحباب القراءة بقصار المفصّل في الظهرين والمغرب............................. ١٥٨
استحباب القراءة بالجمعة والمنافقين في الجمعة وظهري يومها....................... ١٥٩
استحباب القراءة بالجمعة والتوحيد في غداة يوم الجمعة............................ ١٦٠
استحباب الرجوع الى الجمعة والمنافقين لمن قرأ غيرهما في الجمعة
وظهري يومها...... ١٦٠
استحباب قراءة هل أتى في غداة الاثنين والخميس................................ ١٦١
استحباب قراءة الجحد في سبعة مواضع.......................................... ١٦١
استحباب قراءة الإخلاص ثلاثين مرة في الأُوليين من صلاة الليل................... ١٦١
استحباب قراءة السور الطوال في غير الأُوليين من صلاة الليل...................... ١٦١
اعتبار السكوت عن القراءة حالة التخطّي في الصلاة.............................. ١٦١
حرمة قول « آمين » آخر الحمد............................................... ١٦٢
بطلان الصلاة بقول « آمين »................................................. ١٦٢
فروع :.................................................................. ١٦٣
الركوع.................................................................. ١٦٥
الرکوع رکن في الصلاة...................................................... ١٦٥
حدّ الانحناء في الركوع........................................................ ١٦٥
وجوب الطمأنينة في الركوع................................................... ١٦٦
فروع :.................................................................. ١٦٧
وجوب الذكر في الركوع..................................................... ١٦٨
فروع :.................................................................. ١٦٩
وجوب الرفع من الركوع والاعتدال............................................ ١٧٢
مسنونية التكبير قائماً قبل الركوع.............................................. ١٧٣
فروع :.................................................................. ١٧٤
استحباب وضع اليدين على عيني الركبتين مفرجات الأصابع...................... ١٧٧
استحباب استواء الظهر........................................................ ١٧٨
استحباب الدعاء أمام التسبيح.................................................. ١٧٨
كراهة القراءة في الركوع والسجود والتشهد.................................... ١٧٩
كراهة كون اليدين تحت الثياب حالة الركوع................................... ١٧٩
استحباب قول « سمع الله لمن حمده » بعد الانتصاب.............................. ١٨٠
فروع :.................................................................. ١٨٠
السجود................................................................. ١٨٤
السجدتان ركن في الصلاة.................................................... ١٨٤
وجوب السجدة على الأعضاء السبعة........................................... ١٨٥
فروع :.................................................................. ١٨٦
تعيّن وضع الجبهة في السجود.................................................. ١٨٧
فروع :.................................................................. ١٨٨
عدم جواز اعتلاء موضع السجود عن موقف المصلّي بالمعتد........................ ١٨٩
جواز اعتلاء موضع السجود بمقدار لبنة......................................... ١٨٩
وجوب الذكر في السجود..................................................... ١٨٩
وجوب الطمأنينة بقدر الذكر في كل واحدة من السجدتين........................ ١٩٠
وجوب رفع الرأس من السجود والطمأنينة في الجلوس بين السجدتين............... ١٩٠
وجوب السجود الثاني......................................................... ١٩١
حكم التكبير للسجود الأول................................................... ١٩٢
فروع :.................................................................. ١٩٢
استحباب الابتداء بوضع اليدين على الأرض عند الهويّ........................... ١٩٣
استحباب تساوي موضع جبهة المصلّي لموقفه..................................... ١٩٤
استحباب الدعاء أمام التسبيح.................................................. ١٩٥
استحباب ( التخوية ) التجافي والتفريج في السجود للرجل........................ ١٩٥
استحباب الاعتدال في السجود................................................. ١٩٦
حكم التورك والافتراش في الجلوس بين
السجدتين................................ ١٩٧
استحباب التكبير بعد السجدة الأولى
وللثانية قبلها وبعدها جالساً.................. ١٩٨
استحباب الدعاء بين السجدتين................................................ ١٩٨
حكم جلسة الاستراحة........................................................ ١٩٩
فروع :.................................................................. ٢٠٠
كيفية القيام من السجود...................................................... ٢٠١
كراهة الاقعاء بين السجدتين.................................................. ٢٠٢
حكم رفع اليدين بالتكبير عند القيام من
السجود وعند كل تكبير.................. ٢٠٣
كيفية السجدة فيما لو كان على الجبهة
دمل..................................... ٢٠٤
حكم ما لو عجز عن الانحناء لأجل السجدة..................................... ٢٠٥
وجوب قصد السجود عند الهوي............................................... ٢٠٥
وجوب الاعتماء على موضع السجود........................................... ٢٠٦
وجوب تجافي البطن عن الأرض................................................ ٢٠٦
ايماء المريض المضطجع في الصلاة............................................... ٢٠٧
سجدة التلاوة................................................................ ٢٠٧
موضع السجود من الآيات..................................................... ٢١١
وجوب سجود التلاوة في العزائم الأربع......................................... ٢١٢
وجوب سجود التلاوة على القارئ والمستمع..................................... ٢١٣
عدم اشتراط الطهارة وستر العورة
والاستقبال في سجود التلاوة.................... ٢١٤
وجوب النيّة في سجود التلاوة.................................................. ٢١٥
فروع :.................................................................. ٢١٥
لا تكبير في سجود التلاوة..................................................... ٢١٥
فروع :.................................................................. ٢١٧
ليس في سجود التلاوة تشهد ولا تسليم......................................... ٢١٧
عدم قيام الركوع مقام السجود................................................ ٢١٨
جواز السجود في الأوقات المكروهة............................................ ٢١٩
عدم اشتراط شيء لسجود المستمع سوى
الاستماع.............................. ٢١٩
وجوب سجود التلاوة فيما لو قرأ السجدة
ماشياً « أو راكباً ».................... ٢٢١
كراهة اختصار السجود ومعناه................................................. ٢٢١
حكم ما لو فاتت سجدة التلاوة................................................ ٢٢٢
سجدة الشكر وحكمها....................................................... ٢٢٣
فروع :.................................................................. ٢٢٤
سجدة السهو................................................................ ٧٢٢
التشهد.................................................................. ٢٢٧
وجوب التشهد مرة في الثنائية ومرتين في
الثلاثية والرباعية......................... ٢٢٧
وجوب الجلوس في التشهد بقدره مطمئناً........................................ ٢٢٩
بيان كيفية الجلوس للتشهد وغيره............................................... ٢٢٩
بيان ما هو الواجب في التشهد................................................. ٢٣٠
وجوب الصلاة على النبيّ ( ص ) في
التشهدين................................... ٢٣٢
وجوب الصلاة على آل النبيّ : في التشهدين................................. ٢٣٣
فروع :.................................................................. ٢٣٤
أقل الواجب في التشهد........................................................ ٢٣٥
ما ورد من كيفية التشهد...................................................... ٢٣٦
معنى التحيات لله............................................................. ٢٣٨
معنى السلام.................................................................. ٢٣٨
استحباب إسماع الإمام الشهادتين لمن
خلفه...................................... ٢٣٩
جواز الدعاء في التشهد وفي جميع أحوال
الصلاة.................................. ٢٣٩
فروع :.................................................................. ٢٤٠
التسليم.................................................................. ٢٤٠
ما هو حكم التسليم؟......................................................... ٢٤٢
إجزاء التسليمة الواحدة....................................................... ٢٤٤
صيغة السلام................................................................. ٢٤٥
فروع :.................................................................. ٢٤٦
هل تجب نيّة الخروج عن الصلاة بالسلام؟....................................... ٢٤٧
عدم وجوب تعيين النيّة في الخروج عن
الصلاة................................... ٢٤٧
هل تكون التسليمة الأولة من الصلاة؟.......................................... ٢٤٨
التكبير ثلاثاً بعد الفراغ من التسليم............................................. ٢٤٨
انصراف المصلّي بعد الفراغ عن اليمين.......................................... ٢٤٨
استحباب عدم انصراف الإمام من مكانه
قبل إتمام المسبوق صلاته.................. ٢٤٩
مندوبات الصلاة......................................................... ٢٥١
١ ـ وضع اليدين حالة القيام على
الفخذين
عدم جواز التكفير ـ وضع اليمين على الشمال.................................. ٢٥١
استحباب وضع اليدين حالة الركوع على
عيني الركبتين.......................... ٢٥٢
استحباب وضع اليدين حالة السجود حيال
المنكبين............................... ٢٥٣
استحباب وضع اليدين حالة السجود على
الفخذين مبسوطتين مضمومتي الأصابع.... ٢٥٣
استحباب جعل اليدين حالة القنوت حيال
الوجه................................. ٢٥٤
٢ ـ عدم شغل النظر بما يمنع عن
الاشتغال بالصلاة.............................. ٢٥٤
٣ ـ استحباب القنوت في
الصلاة.............................................. ٢٥٥
محل القنوت قبل الركوع في الثانية.............................................. ٢٥٧
قنوتان في صلاة الجمعة ومحلهما................................................ ٢٥٨
استحباب القنوت في صلاة الوتر............................................... ٢٥٩
استحباب الدعاء في القنوت بالمأثور............................................. ٢٥٩
جواز الدعاء بالعربية وغيرها................................................... ٢٦٠
القنوت سنة ليس بفرض...................................................... ٢٦٠
استحباب الجهر بالقنوت...................................................... ٢٦١
قضاء القنوت بعد الركوع أو بعد الفراغ
من الصلاة............................. ٢٦١
تبعية المأموم للإمام في القنوت.................................................. ٢٦٢
استحباب رفع اليدين بالقنوت................................................. ٢٦٢
٤ ـ التكبيرات الزائدة على
تكبير الاحرام...................................... ٢٦٣
٥ ـ التعقيب................................................................ ٢٦٤
استحباب الدعاء بالمنقول عن أهل البيت :.................................. ٢٦٥
أفضل التعقيب تسبيح الزهراء 3............................................ ٢٦٥
وجه نسبة التسبيح إلى الزهراء 3............................................ ٢٦٥
كيفية تسبيح الزهراء 3.................................................... ٢٦٦
بيان أدنى ما يجزي من الدعاء.................................................. ٢٦٧
التروك................................................................... ٢٧١
التروك الواجبة............................................................... ٢٧١
وجوب ترك الحدث في الصلاة................................................. ٢٧١
فيما لو سبق المصلّي الحدث.................................................... ٢٧١
بطلان الصلاة بالكلام بحرفين فصاعداً «
عمداً »................................ ٢٧٤
فروع :.................................................................. ٢٧٦
جواز التنبيه على الحاجة بالتصفيق أو
بتلاوة القرآن............................... ٢٧٩
فروع :.................................................................. ٢٨٠
وجوب رد السلام في الصلاة.................................................. ٢٨١
فروع :.................................................................. ٢٨٢
جواز التنحنح في الصلاة....................................................... ٢٨٤
بطلان الصلاة بالدعاء المحرّم فيها............................................... ٢٨٥
بطلان الصلاة بالقهقهة عمداً.................................................. ٢٨٥
فروع :.................................................................. ٢٨٦
البكاء خوفاً من الله غير مبطل للصلاة........................................... ٢٨٦
بطلان الصلاة بالنفخ بحرفين وكذا
الأنين والتأوه................................. ٢٨٧
عدم بطلان الصلاة بالفعل القليل
وبطلانها بالكثير................................ ٢٨٨
بيان حد الكثرة.............................................................. ٢٨٨
فروع :.................................................................. ٢٨٩
بطلان الصلاة بالالتفات إلى الوراء............................................. ٢٩٤
كراهة الالتفات بالوجه يميناً وشمالاً............................................. ٢٩٤
بطلان الصلاة بالتكفير ـ وضع اليمين على
الشمال ـ........................... ٢٩٥
فروع :.................................................................. ٢٩٦
التروک المندوبة.......................................................... ٢٩٧
١ ـ نفخ موضع السجود..................................................... ٢٩٧
٢ ـ فرقعة الأصابع.......................................................... ٢٩٨
٣ ـ ٧ ـ العبث ، التثاوب ، التمطي
، التنخم ، البصاق........................ ٢٩٨
٨ ـ ١٠ ـ مدافعة الأخبثين
والريح ولبس الخف الضيق والتورك................. ٢٩٨
١١ ـ السدل............................................................... ٢٩٩
حرمة قطع الصلاة لغير حاجة.................................................. ٢٩٩
عدم قطع الصلاة مرور شيء بين يدي
المصلي................................... ٣٠٠
فروع :.................................................................. ٣٠١
عدم قطع الصلاة بالرعاف والقئ............................................... ٣٠٢
ليس على المرأة جهر ولا أذان ولا إقامة......................................... ٣٠٢
ما يستحب للمرأة في كيفية أداء الصلاة........................................ ٣٠٢
أحكام السهو............................................................ ٣٠٣
بيان ما يوجب إعادة الصلاة................................................... ٣٠٣
بطلان الصلاة بالاخلال بشئ من واجبات
الصلاة عمداً........................... ٣٠٣
بطلان الصلاة بالاخلال بالركن سهواً «
أو عمداً » وبعد تجاوز المحلّ............... ٣٠٤
عدد الأركان............................................................. ٣٠٤
النية هل هي من الأركان أو الشروط؟.......................................... ٣٠٤
عدم بطلان الصلاة بالاتيان بالركن قبل
تجاوز المحل............................... ٣٠٥
بطلان الصلاة بترك الركن سهواً في
الأولتين أو الأخيرتين......................... ٣٠٥
حكم ما لو ترك ركوعاً من رباعية ولم
يدر من أي الركعات...................... ٣٠٧
حكم ما لو ترك سجدتين ولم يدر من أي
الأربع ، أو من ركعة أو ركعتين......... ٣٠٧
مبطلية زيادة الركن عمداً « وسهوا » .......................................... ٣٠٧
حكم ما لو زاد على الرباعية خامسة
سهواً...................................... ٣٠٨
فروع :.................................................................. ٣٠٩
بطلان الصلاة بنقص ركعاتها نسيانا
والتذكر بعد فعل المبطل عمداً «وسهوا»........ ٣١٠
حكم ما لو نقص من عدد صلاته نسيانا
وسلّم ثم تذكر بعد فعل المبطل عمداً........ ٣١١
فروع :.................................................................. ٣١٢
حكم ما لو شك في عدد الركعات............................................. ٣١٤
فروع :.................................................................. ٣١٦
حكم ما لو شك فلا يدري كم صلى........................................... ٣١٧
حكم ما لو شك في الإتيان بركن أو غيره....................................... ٣١٧
فروع :.................................................................. ٣١٨
بيان ما لا حكم له من السهو.................................................. ٣١٩
حكم نسيان القراءة حتى الركوع............................................... ٣١٩
حكم نسيان الجهر والاخفات حتى الفراغ
من القراءة............................. ٣٢٠
حكم السهو عن ذكر الركوع أو السجود...................................... ٣٢١
حكم ترك الطمأنينة في الركوع أو إحدى
السجدتين أو في غيرهما................. ٣٢١
لا حكم للسهو في السهو...................................................... ٣٢٢
لا سهو لكثير السهو.......................................................... ٣٢٢
لا سهو على المأموم إذا حفظ عليه
الإمام وبالعكس............................... ٣٢٣
لو انفرد الإمام بالسهو هل يجب على
المأموم متابعته.............................. ٣٢٤
فروع :.................................................................. ٣٢٥
لا حكم للسهو في النافلة...................................................... ٣٣٣
فروع :.................................................................. ٣٣٣
حكم ترك سجدة في الأولى أو الثانية أو
الثالثة................................... ٣٣٣
فروع :.................................................................. ٣٣٦
حكم نسيان التشهد الأول..................................................... ٣٣٩
فروع :.................................................................. ٣٤٠
فيما إذا نسيان القراءة وهو في السورة........................................... ٣٤٢
فيما إذا ذكر قبل السجود نسيان الركوع....................................... ٣٤٢
فيما إذا ذكر قبل الركوع نسيان سجدة أو
سجدتين............................. ٣٤٢
ما يوجب الاحتياط :...................................................... ٣٤٣
الشك في عدد الثنائية أو الثلاثية أو
الأوليتين من الرباعية مبطل للصلاة............. ٣٤٣
حكم ما لو شك في الزائد عن الاثنتين في
الرباعية................................ ٣٤٣
فروع :.................................................................. ٣٤٥
بيان المراد من القول : بين كذا وكذا........................................... ٣٤٧
اعتبار النيّة وتكبيرة الافتتاح في
صلاة الاحتياط................................... ٣٤٨
هل تجب الفاتحة عينا أم مخيراً بينها
وبين التسبيح؟................................ ٣٤٨
حكم ما لو أحدث قبل صلاة الاحتياط......................................... ٣٤٨
سجدتا السهو............................................................ ٣٤٩
ما يوجب سجدتي السهو...................................................... ٣٤٩
فروع :.................................................................. ٣٥٢
سجدتا السهو بعد التسليم أو قبله؟............................................. ٣٥٥
فروع :.................................................................. ٣٥٨
لا سجود فيما يترك عمداً..................................................... ٣٥٨
وجوب سجود السهو وشرطيته في صحة الصلاة................................. ٣٥٩
فروع :.................................................................. ٣٦٠
ما يجب في سجدتي السهو..................................................... ٣٦٢
عدم وجوب افتتاح السجود بالتكبير............................................ ٣٦٣
هل يجب في سجدتي السهو الطهارة والاستقبال؟................................. ٣٦٣
هل يجب في سجدتي السهو الذكر؟............................................. ٣٦٤
فيما اذا تعدد السهو في الصلاة الواحدة؟........................................ ٣٦٥
فروع :.................................................................. ٣٦٥
فيما اذا صلى المغرب أربعاً سهواً............................................... ٣٦٦
فيما اذا ذكر النقص بعد الاحتياط أو قبله....................................... ٣٦٦
|