

الإهداء
إلى روح والدتى النبيلة
إلى واحدة من أعظم الأمهات
فى التاريخ الإنسانى
إلى روح والدتي العظيمة
أهدى هذا الكتاب
ابنك عامر النجار
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
فى هذا الكتاب
أتناول فرقا ثلاث تعد من أخطر المذاهب المعاصرة مقدما للإسلام ، وهى فرق البابية
والبهائية والقاديانية ، فمثلا بالنسبة للبابية والبهائية فإن أفكار هما تقوم على
أساس التلفيق والتوفيق بين المذاهب والأديان الموجودة فى المجتمعات المعاصرة فى
محاولة منهما خبيثة ما كرة لهدم العقائد الأخرى ، وبالتحديد محاولة النيل من
الإسلام ومن مباديه السامية الرفيعة الصالحة لكل زمان ومكان.
وفى هذه الدراسة
نعرض لجذور البهائية وأعنى جذورها البابية ، فالباب الشيرازى مؤسس البابية هو ذاته
أستاذ البهاء المازندرانى مؤسس البهائية.
ولقد استخدم
الرجلان فى عرض مباديهما أخطر منهج عرفه الغلاة وهو التأويل الباطنى ، ذلك المنهج
الّذي استخدمه أعداء الإسلام من الفرق الباطنية والإسماعيلية وغلاة الشيعة وغلاة
الصوفية ، ومن هنا كانت تلك العقائد الضالة الغريبة عن فكرنا الإسلامى الصحيح ومن
خلال هذه الدراسة ألقيت الضوء على أساتذة الباب وتلاميذه ، وفكر الشيرازى البابى ،
وعقائد وشرائع البهائية فى الدعوة لمذاهبها ومبادئها ، وبينت عقائد وشرائع
البهائية أيضا.
وحاولت أن أتعرف
على الفرقتين من خلال المراجع الأصلية وكتب الفرقتين والتزمت الموضوعية فى عرضى
لمذهبيهما.
أما بالنسبة
للفرقة الثالثة وهى القاديانية ، فقد ألقيت ضوءا حول صلة القاديانية بالاستعمار
الإنجليزى وبينت مراحل القاديانى الفكرية من بداية ادعائه الإلهام والكشف ثم مرحلة
ادعائه أنه المهدى المنتظر والمسيح الموعود ، ثم ادعائه الوحى والنبوة.
وفى مبحث آخر قمت
بالرد على أفكار ومبادي القاديانية ، وبينت ختم النبوة فى القرآن الكريم والسنة
المطهرة ، وإجماع الصحابة ، وكشفت عن كذب القاديانى فى نبوءاته. ثم خصصت مبحثا عن
أسس مبادي القاديانى وهى الحلول والتناسخ ، والتأويل ، وإلغاء فريضة الجهاد فى
الإسلام خدمة للمستعمر الإنجليزى.
وفى الختام بينت
نشاط وأخطار أتباع القاديانى بعد هلاكه ، كما أوضحت حكم الإسلام فى القاديانيين.
وقد التزمت بالموضوعية والنزاهة العلمية فى عرضى للقاديانية .. هذا وبالله تعالى
التوفيق والسداد.
القسم الأول
البابية
المبحث الأول :
أساتذة الباب وتلاميذه.
المبحث الثانى :
مؤتمر بدشت.
المبحث الثالث :
الشيرازى وفكره.
المبحث الرابع :
عقائد البابية.
المبحث الخامس :
الشريعة عند البابية.
المبحث الأول
أساتذة الباب
من
أين استقى الباب فكره.
إن
أستاذه الأول هو كاظم الرشتى تلميذ الشيخ أحمد الأحسائي مؤسس فرقة"
الشيخية" الشيعية.
فمن هو أستاذ الباب :
إنه الشيخ أحمد
زين الدين الأحسائي ، ولد عام ١١٥٧ ه ١٧٤٤ م ، وقتل ١١٦٦ ه ١٧٥٣ م بمنطقة
الإحساء بالمنطقة الشرقية من المملكة السعودية ، والشيخ أحمد الأحسائي من علماء الشيعة الإمامية الاثنى
عشرية ، وقد تلقى تعليمه وعقائدها فى إيران خصوصا فى " يزد" و"كرمانشاهان"
و" كربلاء" وذهب أيضا إلى" قزوين".
وكان كثير التأليف
ويذكرون أن له مائة وأربعين كتابا ورسالة ، وإن كثيرا من الشيعة الإمامية يعتبرونه عالما
بارزا من علمائهم ومتكلما فحلا من متكلميهم ، ويدافعون عنه ويعتبرون ما ذكر عنه
تهم ظالمة حيكت حول الرجل ، يقول عنه محمد حسين آل كاشف الغطاء أحد متكلمى الشيعة
البارزين ، إنه من أكابر العلماء المجتهدين والزهاد الورعين ، فيقول عنه فى
__________________
كتابه الآيات
البينات فى قمع البدع والضلالات : " كان العارف أحمد الأحسائي فى أوائل القرن
الثالث عشر وحضر على السيد بحر العلوم وكاشف الغطاء ، وله منهما إجازة تدل على
مقامه عندهما وعند سائر علماء ذلك العصر ، والحق أنه رجل من أكابر علماء الإمامية
وعرفائهم وكان على غاية الورع والزهد والاجتهاد فى العبادة كما سمعناه ممن نثق به
ممن عاصره ورآه ، نعم له كلمات فى مؤلفاته مجملة متشابهة لا يجوز من أجلها التهجم
والجرأة على تفكيره . وقد لاقى فكر هذا الرجل مقاومة عنيفة من علماء إمامية
أخلصوا فى بحثهم عن الحق والحقيقة فى فكر الأحسائي وثبت لهم خروجه عن الفكر
الإسلامى الصحيح.
ولعل من أبرز من
درسوه دراسة موضوعية نزيهة ووضع فكره فى إطاره الدقيق ميرزا محمد رضا الهمدانى فى
كتابه" هدية النملة" والشيخ محمد مهدى الخالص فى كتابه" رسالة الشيخية
والبابية" ، والناظر فى كتابات الأحسائي يتضح له أنه من الغالين فى أمير
المؤمنين على بن أبى طالب غلوّا شديدا ، بل إن المستشرق براون يعتبره من"
الشيعة الحلولية الذين يعبدون عليّا" .
وإن علماء
مدينة" يزد" الإيرانية نشروا عنه أخبارا بمجافاة تعاليمه للسنة القويمة
، وتحدوا بصفة خاصة آراءه فى أمور الآخرة ، وهى آراء أنكر فيه ـ فى قولهم ـ البعث
بالأجساد وفسّره بأنه بعث روحى خالص" .
__________________
ويذكر هؤلاء
العلماء أن الشيخية ـ أتباع الشيخ أحمد الأحسائي يقولون : " إن الحقيقة
المحمدية تجلت فى الأنبياء قبل محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، تجليا ضعيفا ، ثم تجلت تجليا أقوى فى محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، ثم اختفت زهاء ألف سنة ، وتجلت فى الشيخ أحمد الأحسائي
والسيد كاظم الرشتى ، ثم تجلت فى كريم خان الكرمانى وأولاده إلى أبى قاسم خان.
وهذا التجلى فى
الحقيقة هو أعظم التجليات لله ، والأنبياء ، والأئمة والركن الرابع من الشيخ أحمد
الأحسائي إلى ما بعده هم شيء واحد ، يختلفون فى الصورة ، ويتحدون فى الحقيقة التى
هى الله ظهر فيهم.
ويعتقدون أن محمدا
رسول الله ، وأن الأئمة الاثنى عشر هم أئمة الهدى ، ومعنى الرسالة ، والإمامة
عندهم أن الله تجلى فى هذه الصورة ، فمنهم رسول ، ومنهم إمام ، ويعتقدون أن
اللاحقين هم أفضل من السابقين ، وعلى ذلك فالشيخ أحمد فى رأى أصحابه أعظم من جميع
الأنبياء والمرسلين ، ويعتقد هؤلاء بالرجعة ويفسرونها بأن الله بعد أن غاب عن صور
الأئمة رجع وتجلى تجليا أقوى فى الركن الرابع الّذي هو الشيخ أحمد ومن يأتى بعده .
ولقد غالى الشيخ
أحمد الأحسائي فى الرسول ، صلىاللهعليهوسلم ، والأئمة الاثنى عشر غلوّا شديدا ، وبلغ به الغلو فى أن
يعتبرهم علة مادية لجميع المخلوقات ، بل يقول إن الأشياء خلقت من أجلهم وأنهم
السبب الأكبر لوجود هذا العالم ، وأنهم مخلوقون من عظمة الله ، وتصل به المبالغة
حدّا إلى أن يقول : " وإنهم المحيون والمميتون والمتصرفون فى شئون العالم ؛
لأن
__________________
الله قد أذن لهم
ذلك ، وأنهم مخلوقون من نور عظمة الله ، وهم ليسوا من جنس البشر ، ويقول الدكتور محسن عبد الحميد : " إن كلام
الأحسائي فى المعاد غامض ، ويتحمل ما اتهموه من أنه كان يقول بالمعاد الروحانى .. كما
أنه فى كتابه" الرجعة" يبدو خرافى العقل ؛ لأنه يحشد عشرات الروايات
الكاذبة والقصص الخرافية لتأييد وجهة نظره فى الرجعة وما يتبعها من الحوادث ، وهو
لا يتورع أن يسند بعض هذه الأحاديث الأكاذيب إلى الكتب الصحاح" .
وقد توفى صاحب
فرقة" الشيخية" الشيخ أحمد الأحسائي عام ١٢٤٢ ه ١٨٢٧ م أثناء أدائه
فريضة الحج بمكة ودفن بالبقيع بالمدينة المنورة ، وخلفه فى مدرسته تلميذه كاظم
رشتى ، وهو أستاذ ميرزا على الشيرازى صاحب المذهب البابى.
__________________
كاظم رشتى
ولد فى
إقليم" رشت" بإيران سنة ١٢٠٥ ه ١٦٩٠ م وكانت وفاته عام ١٢٤٥ ه ١٨٤٣ م
، والتقى وهو شاب فى حوالى السادسة والعشرين من عمره فى مدينة" يزد"
الإيرانية وفى" طهران" بالشيخ أحمد الأحسائي الّذي تتلمذ على يديه وأخذ
عنه فكره ومباديه" الشيخية" ، ويعد كاظم الرشتى الرجل الّذي لعب دورا
خطيرا فى نشر عقائد الأحسائي والمبشر الحقيقى بالبابية والداعى لتلميذه على
الشيرازى صاحب البابية.
وكان كاظم الرشتى
يجيد الكتابة والتأليف ، فمن كتبه المعروفة عند غلاة الشيعة والبابية كتاب"
دليل المتحيرين" الّذي كتبه تمجيدا لأستاذه الأحسائي وتعريفا به ، وله شرح
لقصيدة عبد الله العمرى فى مدح على بن أبى طالب ، رضى الله عنه ، ويظهر فى القصيدة
مدى الغلو الكبير وإضفاء القداسة والعصمة لعلى بن أبى طالب ، رضى الله عنه.
والحقيقة أن فى فكر الأستاذ والتلميذ غلوّا واضحا عن فكر الشيعة الإمامية.
وقد حاك كاظم
الرشتى كثيرا من الأساطير حول كرامات أستاذه أحمد الأحسائي ولم يتورع فى أن يضع
الأحاديث الموضوعة والأوهام والأحلام الكاذبة فى سبيل تأكيد مذهب الشيخية ، فيقول
مثلا فى كتابه" دليل المتحيرين" : " إن مولانا رأى الإمام الحسن عليهالسلام ذات ليلة يضع لسانه المقدس فى فمه ، فمن ريقه المقدس
ومعونة الله ، تعلم العلوم ، وكان
فى فمه كطعم السكر
، وأحلى من العسل ، وأطيب من رائحة المسك ، ولما استيقظ أصبح فى خاصته محاطا
بأنوار معرفة الله" .
ومن يتأمل فكر
الرشتى وكلماته يجد أنها" ترشح بما هو ادعى وأمر مما ترشح به كلمات
شيخه" ، بل إنه كان يدعى الكشف والإلهام ؛ ولهذا سمى طريقته
الكشفية محدثا فى ذلك تطورا فى طريقة شيخه الأحسائي.
وكاظم الرشتى هذا
هو الّذي مهد الطريق لظهور الباب ، فقد أشاع بين تلاميذه قرب ظهور المهدى ، وأنه
واحد منهم ، وكان يشير بالذات إلى تلميذة الشيرازى ، فيقول أحد مؤرخى البابية
الكبار وهو الميرزا جانى الكاشانى الّذي قتل لبابيته : " إن السيد كاظم كان كثيرا
ما يشير بالكتابة والتلويح إلى أن المهدى هو" الميرزا على محمد
الشيرازى" وإن الرشتى مع شيخوخته وكبر سنه ومقامه ، كان يكرم" الميرزا
على محمد" ويحبه إلى أن كان يحير الآخرين ويجعلهم فى ريبة وشك! وكان يومئ
إليهم بأن هذه الاحترامات لا تليق إلا بشخص يكون هو الموعود ؛ ولهذا فإن الرشتية أو الكشفية كانوا يعتقدون تماما فى
الشيرازى بأنه الموعود وهم الذين اعتقدوا بعد ذلك فيه وفى بابيته.
وكان الرشتى يؤكد
على قرب ميعاد ظهور الموعود فيقول : " إن الموعود يعيش بين هؤلاء القوم ، وإن
ميعاد ظهوره قد قرب ، فهيئوا الطريق
__________________
إليه ، وطهّروا
أنفسكم حتى تروا جماله ، ولا يظهر لكم جماله إلا بعد أن أفارق هذا العالم ، فعليكم
بعد فراقى أن تقوموا على طلبه ، ولا تستريحوا لحظة واحدة" .
فالرشتى هو الّذي
أصّل فكرة المهدى المنتظر عند الشيرازى ، وهو الّذي أوحى إليه بفكرة الباب وفكرة
نسخ الشرائع القديمة ، وكان يقول له : " إن الشريعة وأصول الآداب هو غذاء
الروح ؛ لذلك يجب أن تكون الشرائع متنوعة ، وعلى ذلك يجب نزع الشرائع
القديمة" .
وهذا كلام خطير
للغاية أدى إلى تضخيم المسألة عند الشيرازى وتطور الأمر إلى نسخ الشريعة الخاتمة
باعتبار أنه وريث نبوة محمد ، صلىاللهعليهوسلم.
وعندى أن كاظم
الرشتى هو المحرك الحقيقى لظهور البابية نتيجة غلوه فى فكر أستاذه الأحسائي ، ثم
بدعوته لظهور المهدى ، وإشارته تصريحا وتلميحا إلى أنه على الشيرازى.
وقد لقيت أفكار
الرشتى قبولا واستحسانا عظيمين لدى كل من يريد أن ينخر ويخرب فى عقائد المسلمين ،
وها هو" كنياز دالجوركى" المترجم بالسفارة الروسية وأحد رواد حلقة كاظم
الرشتى باسم إسلامى" الشيخ عيسى النكرانى" الّذي كان صديقا حميما لعلى
الشيرازى .. كتب فى مذكراته التى نشرت فى مجلة الشرق السوفيتية سنة ١٩٢٤ ـ ١٩٢٥
بعد سقوط القيصرية مبينا أهمية إشعال الخلافات الدينية بين المسلمين للقضاء
__________________
على وحدة الإسلام
، وقال : إنى سألت الرشتى يوما عن المهدى أين هو؟ فقال : أأنا أدرى؟ يكون هنا فى
هذا المجلس .. عندئذ لمح الخيال فى خاطرى كالبرق الخاطف ، وأردت إنجازه وإبداله فى
صورة الحقيقة فرأيت فى المجلس الميرزا على محمد الشيرازى ، فتبسمت وصممت فى نفسى
على أن أجعله ذلك المهدى المزعوم.
ومنذ ذلك اليوم
بدأت كلما أجد الفرصة والخلوة أرسخ فى ذهنه أنه هو الّذي سيكون القائم الموعود ،
ويوميّا كنت أخاطبه : يا صاحب الأمر ، ويا صاحب الزمان والمكان ، فكان فى أول
الأمر بدأ يترفع ويتأفف لهذا القول ويتنكر ، ولكنه لم يلبث إلا القليل ، حتى كان
يبدى السرور والفرحة من هذه المخاطبات" .
وهنا يبدو لنا
واضحا دور أعداء الإسلام فى محاولاتهم تفتيت عقائده عن طريق نشر هذه الخزعبلات
التى تشوه صورة الإسلام الوضيء.
ووجد رجل آخر يقال
له ملا حسين البشروئى فى على محمد الشيرازى ضالته فأوهمه أنه المهدى المنتظر وأنه
الباب ؛ فخلع عليه الباب لقب" باب الباب" و" أول من آمن".
وقد وصل الأمر
بالشيرازى إلى أن يقول بعد ذلك : " أنا أفضل من محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، كما أن قرآنى أفضل من قرآن محمد ، وإذا قال محمد بعجز
البشر عن الإتيان بسورة من سور القرآن ، فأنا أقول بعجز البشر عن الإتيان بحرف من
حروف قرآنى ، إن محمدا كان بمقام الألف وأنا بمقام النقطة .. ثم لقب نفسه"
بالذكر" ، وزعم أنه المراد من الآية :
__________________
(إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر" ٩] ،
ومن قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل : ٤٣] .
__________________
الملا حسين البشروئى
هو تلميذ كاظم
رشتى أحد دعائم المدرسة الشيخية التى أسسها الشيخ أحمد الأحسائي كما أشرنا إلى ذلك
من قبل ، وكاظم رشتى هذا هو الّذي زعم بأن المهدى سيظهر بعد وفاته ، وكان يطلب من
تلاميذه الجد فى البحث عنه.
وكان الملا حسين
البشروئى أكثر طلبته بحثا عنه ، وقد وجد ضالته فى الميرزا على الشيرازى ؛ ولهذا
أطلق عليه الباب لقب" باب الباب" ولقب" أول من آمن" ، وكان
الملا حسين البشروئى الخراسانى أبرز الرجال الذين أرسلهم الباب للتبشير بدعوته ،
وهو الّذي أقنع" ميرزا نورى" (البهاء) وأخوه يحيى (صبح أزل) بأن يدخلا
فى البابية.
والبشروئى نسبة
إلى بلده بوشير ، وبوشير أو بوشهر ثغر من أهم ثغور الفرس ، وقد ولد فى وسط أسرة
فقيرة لا ذكر لها ، وارتحل بعد سنوات ليتلقى دروسه على يد كاظم رشتى الّذي سقاه
لبان المدرسة الشيخية وحين التقى بالميرزا على الشيرازى وجد فيه ما يبغيه من
طموحات عريضة فأوهمه أنه الباب وأنه المهدى ، بل وأنه نبى هذا الزمان ؛ فأنعم عليه
الباب بلقب باب الباب ، ولقب أول من آمن كما ذكرنا ، يقول عنه البهاء فى كتابه
الإيقان : " ومنهم جناب الملا حسين الّذي صار محلّا لإشراق الظهور ولولاه ما
استوى الله على عرش رحمانيته ، وما استقر على كرسى صمدانيته" .
__________________
وهذا كلام عجيب
الشأن ، غريب المعنى ، مما يؤكد عمق الخزعبلات والخرافات التى امتلأت بها كتابات
البهائية والبابية هذا الّذي لولاه ما استوى الله على عرش رحمانيته ، ومن هذا
الّذي لولاه ما استقر الله على كرسى صمدانيته.
حقّا .. لقد
استطاع الفكر البابى أن يؤثر تأثيرا عجيبا فى عقول استوت عليها الخرافات
والخزعبلات ، وقد استطاع ملا حسين البشروئى الخراسانى أن يجمع عددا لا بأس به من
هؤلاء الذين يؤمنون بالخرافات ولما اجتمع حوله عدد كبير ممن اعتقدوا بالبابية ،
بدأ يحارب الدولة الإيرانية ، ويحاول بسط نفوذ البابية فى كل مكان.
يقول محمد فاضل :
" إن حسين الخراسانى جمع إليه رجاله وسمى كل فرد من نخبتهم باسم من أسماء
الأنبياء ، ومن دونهم بأسماء الأولياء ، ووعدهم بالإمارة والسلطنة إن سلموا ،
وبالجنة إن قتلوا ، ثم قال : " اعلموا أيها الأحباب إنه لا بد أن يفتح الباب
الدنيا ، ويوحد الدين ، وتفتحون أنتم مدينة مازندران ومدينة الرى ، وتذبحون اثنى عشر ألف من الأنفس .. فاشتدت بذلك عزائم
رجاله وقاتلوا بشدة ، وكان ذلك فى شهرى ذى القعدة وذى الحجة من سنة ١٢٦٤ ه ،
والحكومة لاهية بوفاة الشاه محمد وجلوس الشاه ناصر الدين ، والمقاطعات خالية من
حكامها لذهابهم إلى طهران يؤدون فرائض التهنئة والتعزية ، فلما تبوأ الشاه ناصر
الدين أريكه الملك أمر بقطع دابر البابيين ، ونازل البابيون المسلمين فى ميدان
القتال
__________________
وانتصر البابيون
فى البداية ، وأحدث البابيون مذابح كبيرة بين المسلمين فى مدينة مازندران.
فلما انتشر نبأ
هذه المصيبة فى أرجاء مازندران هلعت له القلوب ، وأخذ الناس أهبتهم للذود عن دينهم
، والدفاع عن أنفسهم وأموالهم ، وأرسل الشاه قائدا من أبرز قواده هو الأمير"
مهدى قلى مرزا" وزحف الأمير على قلعة الخراسانى فى اليوم التاسع والعشرين من
المحرم سنة ١٢٦٥ ه فلما دنا منها عسكر قبالتها ، وقامت الحرب على ساقها بين
الفريقين ، ودامت أشهرا تأكل النفوس والأموال ، وكانت الحرب سجالا بينهم خلال هذه
المدة حتى أصيب الخراسانى برصاصة فى صدره وأخرى فى بطنه من جيش المسلمين ، فكتم
الأمر على رجاله ، وثبت على ظهر جواده ، وأمرهم بالرجوع إلى القلعة ، حتى إذا
دخلوها انقلب طريحا على الأرض إلى جانب الملا محمد على البارفروشي ، وأوصى قومه
بطاعة البارفروشي ، وأوصاهم بأن يدفنوه تحت جدار القلعة ، ويدفنوا معه ملابسه
وسيفه ، ويمحو آثار قبره حتى لا يعرف فينبش ، ويمثل به ، ثم قضى نحبه ونفذوا وصيته
.. واستطاع جيش المسلمين أن يضيقوا الخناق على البابيين وأصلوهم فى قلعتهم الهزيمة
المرة ـ فلم يكن خليفة ـ حسين الخراسانى قائدا ماهرا ، وقيل : إن عدد الجنود
والأهالى الذين استشهدوا فى حربهم مع جيوش الملا" حسين الخراسانى" حوالى
خمسمائة ، وهلك من البابيين ألفان وخمسمائة .
هذا هو باب الباب
الملا حسين البشروئى والخراسانى رجل آمن بعقيدة فاسدة تنكر الأديان ، وقاتل من
دونها قتالا مريرا ، لكن جهوده
__________________
العنيفة من أجل
نصرة البابية أنهكت قواه ، ودمرته وأنهت حياته دون أن يحقق مراده ، فقد انكشفت
حقيقة البابية للناس ، وخسر دنياه وآخرته ، (تِلْكَ الدَّارُ
الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا
فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)" .
__________________
الباب على محمد الشيرازى
ولد ميرزا على
محمد فى غرة المحرم سنة ١٢٣٥ ه ، الموافق ٢٦ مارس سنة ١٨١٩ م بمدينة شيراز الإيرانية التى تقع جنوب وسط إيران.
وكان أبوه من تجار
شيراز ، لكنه توفى وعلى لا زال صغيرا ، فكفله خاله الميرزا سيد على ، وكان أيضا
يعمل بالتجارة ، ورحل معه إلى مدينة بوشهر ؛ فاشتغل معه وتعلم منه أصول التجارة كما تعلم الكتابة
والقراءة وأحسن الخط واهتم بقراءة كتب غلاة الشيعة وغلاة الصوفية وكتب السحر
والشعوذة ، ويقال أنه كان يجلس فوق سطح منزله فى وقت الحر والهاجرة وهو عارى الرأس
ويحاول حل ألغاز وطلسمات كتب الحروفية وكتب الشعوذة ، وفى هذا الوقت تعرف عليه رجل
اسمه جواد الطباطبائى وهو من تلاميذ كاظم رشتى ، ووجد فى الفتى الشيرازى بغية
الرشتى الّذي كان يبحث عن المهدى المنتظر ، وقد وله الطباطبائى بالشيرازى ولها
تامّا وخصوصا بعد أن عرف اهتمامه بعلوم الطلسمات والسحر ، ومكث معه فى بيت خاله
ستة أشهر وأوهمه خلالها بأن بشارات أحمد الأحسائي وكاظم رشتى تشير إليه ، وقد أحس
خاله عليّ أن ابن أخته تعتريه من وقت لآخر لحظات ذهول وانطواء ، فخاف عليه من سوء
حالته النفسية ، فأخذه إلى النجف وكربلاء للراحة والاستشفاء النفسى بزيارة المشاهد
الشيعية الكبرى كمشهد الإمام على والإمام الحسين ، واستقر بعد ذلك فى كربلاء.
__________________
والتقى بكاظم رشتى
فلازمه ملازمة الظل لصاحبه ، وكان الرشتى معجبا بالفتى وجماله فأوحى لتلاميذه بأنه
المهدى المنتظر ، والباب الّذي يتوقعونه ، وساعده على ذلك تلميذ من تلاميذ الرشتى
، اسمه ملا حسين البشروئى الّذي كان يبحث عن خليفة يخلف الرشتى فتوسم ذلك فى على
محمد الشيرازى الّذي أحبه الرشتى وأرهص إرهاصات متعددة بأنه الخليفة من بعده ،
وبأنه الباب والمهدى المنتظر.
فكان ملا حسين
البشروئى أول من آمن بهذا الباب ، فأنعم عليه الباب بلقب باب الباب ، واختار
ثمانية عشر من أتباعه وأطلق عليهم لفظ" حي" ؛ لأن مجموعها بحساب الجمل
ثمانية عشر ، وأرسلهم لنشر مذهبه فى أنحاء إيران المختلفة.
وادعى الشيرازى
أنه خليفة موسى وعيسى ومحمد ، وأنه نقطة التقاء الأديان ، فثار عليه العلماء ،
وسجن ثم أعدم بعد ذلك فى اليوم السابع والعشرين من شعبان سنة ١٢٦٦ ه ، الموافق
الثامن من يوليو ١٨٥٠ م. " اقتيد مع اثنين من أصحابه ، من قلعة جهريق فطيف
بهم فى شوارع تبريز وطرقها إلى ساحة الإعدام.
وهو وصاحباه
يتبرءون من البابية ، وقنصل الروس يتابع المشهد وهو لا يكتم قهره وحسرته ، وألقى
بجثته فى خندق خارج المدينة ، مشيعا بلعنات المؤمنين والتقط القنصل الروسى صور
المشهد وبعث بها إلى حكومته.
وفى قول الكاشانى
فى (نقطة الكاف) أن الدولة الإيرانية سمحت بعد أيام لوصيه" يحيى صبح
أزل" فأخرج الجثة وكفنها بكفن من الحرير الأبيض
__________________
ودفنها.
وقال" آواره" فى الكواكب الدرية : " إن نعش الباب سرق من الخندق
ووضع فى صندوق أعد لهذا الغرض ووضع فى مصنع أحمد الميلانى التاجر المعروف ،
المشمول بحماية دولة الروس".
زاد النبيل"
الزرندى البهائى" : " أن الّذي نقل ذلك الصندوق إلى حيفا بفلسطين
الميرزا عبد الكريم الأصفهانى ؛ فسمى أحمد أحد أبواب المرقد باسم عبد الكريم
اعترافا بفضله ، وكان عمر الباب الشيرازى يوم أعدم إحدى وثلاثين سنة وسبعة أشهر
وعشرين يوما ، على أصح الأقوال" .
* معنى الباب :
جاء فى دائرة
المعارف الإسلامية ، مادة باب أنه" مصطلح أطلقه أنصار مذهب الشيعة فى عهدها
الأول على المريد الأكبر المفوض من الإمام وتردد كتب السيرة الخاصة بأئمة الشيعة
الاثنى عشرية أسماء أبواب الأئمة ، وكان الباب مرتبة فى الطبقات الروحية عند طائفة
الإسماعيلية.
ويأتى الباب فى
المرتبة الثانية بعد الإمام ، ومنه يتلقى التعاليم مباشرة وهو بدوره يهدى الحجج
الذين يقودون الدعوة ؛ ولذلك يبدو أن المصطلح يدل على رأس القائمين بالدعوة ،
ويرادف فى مصطلح الإسماعيلية" داعى الدعاة" الّذي يتردد فى كتب التاريخ
العامة ، ولكن قلما يظهر فى بعض نصوص الإسماعيلي" .
وكلمة الباب فى
الاصطلاح الشيعى : " الشخص الّذي يكون واسطة بين الشيعة الإمامية ، وإمامهم
الثانى عشر محمد بن الحسن العسكرى
__________________
، ولما كان من
تقاليد الشيعة أن الشخص الممتاز الّذي يكون واسطة بين المهدى الغائب وبين شيعته
يسمى" الباب" فقد زين لعلى الشيرازى ادعاء هذا اللقب شخص ينتمى لهذه
النحلة وهو البشروئى ، وكان أقرب الرجال إلى الباب حيث وجد فى الباب الطريق إلى
المجد ، فما زال به حتى أقنعه أنه المهدى المنتظر الّذي ينتظره العالم ليملأ
الدنيا عدلا بعد أن ملئت جورا" .
والبابية تحلة
باطلة تنسب إلى الشيرازى الّذي سمى بالباب ثم أطلق على نفسه (النقطة) ، وتطور
الأمر حتى أطلق على نفسه وزعم أنه خالق الحق.
والحقيقة أن
الشيرازى بعد أن أقنع نفسه وأقنع من حوله بأنه الباب نجد الأثر الإسماعيلي فى فكره
واضحا" فقد اقتنع بأنه الباب الّذي أشرقت منه على العالم الرغبة المعصومة
التى للإمام المستور الّذي يعد المصدر الأعلى لكل حقيقة وهداية" ، وسرعان ما
جال فى روعه أنه أكبر من أن يكون أداة لإمام الوقت الّذي يحيا ليعلم الناس ويهديهم
رغم اختفائه عن الأنظار ، وقد رفع الله قدره على إمام الوقت اقتصادا فى مراحل
التطور الروحى ، واختصارا لمراتب الهداية ، فاعتقد أنه المهدى الجديد إذ لا بد من
ظهوره على وجه التحقيق حوالى نهاية الألف الأول من السنين بعد ظهور الإمام الثانى
عشر ٢٦٠ ه ـ ١٢٦٠ ه ، ولكنه لا يلى مرتبة المهدية وفقا لنظرية الشيعة فى ظهور
المهدى ، فإن عند الباب أن المهدى ينبغى أن يكون مظهرا من مظاهر العقل الكونى ، أى
أن يكون محل ظهوره ، وهو فى هذا يتابع مبادي فرقة الإسماعيلية من غلاة الشيعة ،
كما أنه هو أرفع مراتب الحقيقة
__________________
التى حلت فى شخصه
حلولا جثمانيّا ، وقد اختلفت فى شكلها الظاهرى فحسب مع المظاهر السابقة لهذه
المادة الروحانية المنبعثة من الله تعالى ، ولكنها فى حقيقتها وجوهرها تتماثل معها
تماما ، فموسى وعيسى اتخذا من شخصية الباب سبيلا إلى العودة إلى الدنيا ، كما تجسد
فى شخصه غيرهما من الأنبياء الذين تجلى العقل الكلى الإلهي فى صورهم الجثمانية منذ
أقدم العصور والأحقاب .... وأعلن أن هذا التجلى للروح الإلهي الّذي تجسد فى شخصه
لهداية أهل عصره ، سوف يتجدد فى المستقبل" .
* الشيرازى يؤله
نفسه :
بعد أن ادعى أنه
تجلت فيه روح باب المهدى أولا ، وروح المهدى ثانيا ، ثم روح على ، وروح النبي محمد
، تدرج به الأمر لأن يدعى أن روح الله تجلت فيه ، وأنه المرآة التى يرى فيها الله
، والتى يستطيع المؤمنون أن يشاهدوا بها الله نفسه فيقول : " وصبرت حتى يمحص
الكل ، ولا يبقى إلا وجهى ، وأعلم بأنه لست أنا بل أنا مرآة فإنه لا يرى فىّ إلا
الله" .
وفى وصيته إلى
الميرزا يحيى (صبح أزل) يعلنها صريحة أن وصى الرب لا يكون إلا ربّا وإلها ونص
الوصية يقول فيها لصبح أزل : " الله أكبر تكبيرا كبيرا ، هذا كتاب من عند
الله المهيمن ، القيوم قل كل من الله مبدءون ، قل كل إلى الله يعودون ، هذا كتاب
من عليّ قبل نبيل (النبيل يطابق محمدا فى العدد بحساب الجمل) ، وذكر الله للعالمين
إلى من يعدل اسمه اسم الوحيد أى يحيى ، لأن يحيى يطابق فى العدد بحساب الجمل
الوحيد). ذكر الله للعالمين ،
__________________
قل كل من نقطة
البيان ليبدءون أن يا اسمه الوحيد ، فاحفظ ما نزل فى البيان ، وأمر به فإنك لصراط
حق عظيم" . ويقول داعية البهائيين أبو الفضل الجلبائيجانى : "
نحن لا نعتقد فى الميرزا على محمد الباب إلا أنه رب وإله" .
__________________
الملا محمد على البار فروشي
واحد من أبرز
تلاميذ الباب الميرزا على الشيرازى ، وهو أحد الذين ارتبط اسمهم بتلميذة الباب
المعروفة ب" قرة عين" ارتباطا جسديّا محرما فقد عرفت بشدة عشقها له ،
وشدة ولهه بها ، وما كان البارفروشي إلا واحدا من عشاق كثر لها مثله مثل الميرزا
يحيى صبح الأزل أخو البهاء صاحب الدعوة البهائية فقد كان يحيى وسيما أنيقا فى
مظهره وملبسه يبدو فتيّا قويّا جذابا فاستطاعت أن تضمه إلى سلسلة من عشقوها.
يقول مؤرخ البابية
الميرزا جانبى الكاشانى : " كان الميرزا يحيى مركز الجمال والجلال يتكرر إلى
الطاهرة! وكانت ـ وهى فى الثانية والعشرين من عمرها شابة ملتهبة ، تحتضن ذلك الطفل
الأزلى ـ وهو فى السابعة عشر من العمر ، عمر المراهقة والفتوة والشباب المقبل ،
وترضعه من لبن لم يتغير طعمه ، وتربيه فى مهد الآداب الحسنة ، والأخلاق الطيبة ،
وتلبسه ملابس أهل الفكرة المستقيمة إلى أن قويت بنيته" .
فلم يكن محمد على
البارفروشي إلا واحدا من هؤلاء العشاق لتلك المرأة التى كانت تقول بأنه يجوز
للمرأة أن تتزوج تسعة رجال" .
وكانت ترى"
حل الفروج ورفع التكاليف بالكلية" ، يقول الشهيد إحسان إلهى ظهير : " لقد أحبت قرة عين
الملا محمد على البارفروشي
__________________
حبّا جنونيّا ،
وقدمت له نفسها وكل ما تملك ، وسمحت له أن يستذلها ويرغمها ويستعبدها ، ولكنها لم
تكتف به وحده وسخت ـ بنفسها ، وجادت للميرزا حسين على المازندرانى البهاء مع
امتصاص أخيه الصغير الميرزا يحيى صبح أزل" .
ولد محمد على
البارفروشي حوالى عام ١٢٣٨ ه من سفاح فكان مولده على فراش الميرزا مهدى
البارفروشي نسبة إلى مدينة بارفروش التابعة لمنطقة مازندرانى الإيرانية .. ومن
العجيب أن هذا الّذي ولد من زنا أطلق عليه اسم الباب اسم القدوس ، وكان محمد
البارفروشي هذا يعتقد أنه المسيح كما نقل عنه مؤرخ البابية الكاشانى فى نقطة الكاف
، فيقول : " إن والدة القدوس لما زفت إلى والده كانت حبلى من ثلاثة أشهر ،
وبعد ستة أشهر من الزواج وضعت حملها ، وأنجبت حضرته ؛ لذلك كان الأعداء يعرضون به
وينسبون إلى أمه التهمة ، ويطعنون فى نسبه ، ولكن الأحباء والمخلصين يؤولون هذا
بالخير ، ويعدونه معجزة حكاية للمسيح" ؛ ولهذا ليس غريبا أن نجد ولد الزنا يدعى بعد ذلك أنه عيسى
فيقول للميرزا مهدى الّذي ولد على فراشه .. فاعلم أنى لست بولدك .. بل أنا عيسى
وظهرت بصورة ابنك ، واعترفت بأبوتك مصلحة .. القدوس .. إنه هو عيسى الّذي ولد بلا
والد بقدرة الله وإظهارا للمعجزة الربانية" .
هذا القدوس عند
البابية مثال الحياة الجنسية غير النظيفة سجد له
__________________
الباب الشيرازى
مرتين ، أما باب الباب البشروئى فكان يقدسه قداسة عجيبة لدرجة أنه كان ينحنى له
ذلّا وتعبدا ويعتبره مقدسا فعلا ، رغم أن ثقافة القدوس ثقافة محدودة ، وأسرته لم
تكن من الأسر المعروفة عند الشيعة ، فقد تعلم فى مدارس الشيخية وصاحب باب الباب
البشروئى وشاركه فى الدعوة إلى الباب ، وأصبح هو الآخر من أقرب الناس إليه ومنحه
لقب القدوس ، ومنها ادعى المهدوية ، وأنه هو عيسى الّذي ولد بلا والد.
ولقد آمن البابية
بهذا الكلام العجيب من شاب عرف عنه المجون والاستهتار.
وكان الباب
البشروئى ينزهه ويقدسه حتى أقام له سرادقا عظيما حجبه فيه عن الناس فلا تدركه
الأبصار ، ولا تراه العيون ، إجلالا لشأنه وتنزيها لذاته .. ويروى أن البارفروشي
طلب الاغتسال فى بعض الأيام ، فلما برز من السرادق ، والبابية وقوف حوله خروا له
ساجدين ، ومسحوا جباههم بالأرض وكانت مبتلة بماء المطر ، ولم يرفعوها حتى أذن
لهم" .
وحينما أرادت
الدولة الإيرانية القضاء على البابية التى كانت منتشرة فى مازندران بإيران استطاع
باب الباب أن يحصنها بقلعة ضخمة حصينة منيعة ، وكون جيشا كبيرا استطاع أن يحارب به
جيش الحكومة وينتصر عليه فى مواقع كثيرة حتى أنه استطاع أن يقضى على الجيش الّذي
أرسله الشاه ناصر الدين ، وجعلهم يفرون إلى قرية قريبة من مازندران"
فراد" ولحق بهم وأفناهم ، وقضى على كل أبناء القرية ، بل ذبحهم ذبحا شيوخا
وأطفالا وشبابا وإناثا وحرق القرية كلها.
__________________
وبعد ذلك استطاع
جيش الحكومة أن يقتل باب الباب فى مازندران وقبل قتله أوصى أتباعه بطاعة
البارفروشي الّذي تولى أمر قيادة الجيش من بعده ، لكنه لم يكن بدرجة كفاءة
الخراسانى البشروئى باب الباب ، فلم يستطع أن يحافظ على القلعة الحصينة طويلا
خصوصا بعد أن حاصرتها قوات الشاه زمنا طويلا ، فاستنفدوا كل مؤنهم ولم يجدوا خبزا
ولا ماء فطلبوا الأمان من قائد جيش الشاه ، وكان اسم هذا القائد" سليمان خان
الافشار" فاستأمنهم وأجابهم إلى طلبهم ، ثم عقد مجلسا للنظر فى عقيدتهم ،
فرجع بعض البابيين إلى الإسلام وتاب من كفره وردته ، وظل آخرون على بابيته وكفره
فحكم عليهم المجلس بالقتل ، أما البارفروشي وأصحابه من قادة البابية فأرسلوا إلى
مدينة بارفروش ليحكم عليه وعليهم علماء المدينة بحكم الإسلام فحكموا عليهم جميعا
بالموت ، وكان قتله فى أول رجب سنة ١٢٦٥ ه.
المبحث الثانى
مؤتمر بدشت
لما كان الباب معتقلا
فى قلعة" ماكو" قرر أتباعه أن يعقدوا مؤتمرا فى صحراء" بدشت"
القريبة منه وهى واقعة على نهر" شاهرود" بين خراسان ومازندران ، وكان من
رءوس هذا الاجتماع حسين البشروئى المسمى" باب الباب" وملا محمد على
البارفروشي المسمى عندهم بالقدوس و" قرة عين" بنت ملا صالح القزوينى
ويلقبونها" الطاهرة" وميرزا حسين على المازندرانى الّذي عرف بعد ذلك
بالبهاء وصاحب الدعوة البهائية ، والميرزا يحيى على ، أخوا الميرزا حسين على
الملقب ب" صبح أزل".
يقول مؤرخ
البهائية البهائى ميرزا عبد الحسين أواره فى كتابه" الكواكب الدرية فى تاريخ
ظهور البابية والبهائية" : " لما تم اجتماع الأحباء فى بدشت شرعوا فى
البحث ، وكانت مجالسهم منقسمة إلى طبقتين : الطبقة الأولى المجالس الخاصة ، وهى
التى تعقد بكبراء الأصحاب وعظمائهم ، والطبقة الثانية المجالس العامة ، وهى التى
تعقد بمن سواهم ، أما المجالس الخاصة فكانت المذاكرات التى تجرى بين خواص الأحياء
وأكابرهم فيها تدور حول تغيير الفروع ، وتجديد الشريعة ، وبعد أن أقر الرأى العام
على وجوب السعى فى تخليص حضرة الباب وإنقاذه ، قرر أيضا إرسال المبلغين إلى
النواحي والأكناف ليحثّوا الأحباء على زيارة الحضرة (الباب) فى ماكو
مستصحبين معهم من
يتسنى استصحابه من ذوى قرباهم وودهم ، وأن يجعلوا مركز اجتماعهم ماكو ، حتى إذا تم
منهم العدد الكافى طلبوا من الشاه الإفراج عن حضرة الباب ، فإذا لبى الشاه طلبهم
فبها ونعمت ، وإلا أنقذوا الحضرة بصارم القوة وحدّ الاقتدار" .
ويقول آواره :
" دار البحث حول الأحكام الفرعية من حيث التبديل وعدمه ، وتبين بعد المذاكرات
الطويلة أن أكثرهم يعتقد بوجوب أن يكون الظهور اللاحق أعظم مرتبة وأعم دائرة من
سابقه ، وأن يكون كل خلف أرقى وأكمل من سلفه ، فعلى هذا القياس يكون حضرة الباب
أعظم مقاما وآثارا من جميع الأنبياء والذين خلوا من قبله ، ويثبت أن له الخيار
المطلق فى تغيير الأحكام وتبديلها ، وذهب قلائل إلى عدم جواز التصرف فى الشريعة
الإسلامية ، مستندين إلى أن حضرة الباب ليس إلا مروجا ومصلحا لأحكامها مما دخل
عليها من البدعة والفساد .. وفى أخريات الأمر تدخل حضرة بهاء الله فى المسألة ،
وأبرز من أساليب الحكم ، ولطائف الحزم ما هدأ به روع الجميع ، وذلك أنه طلب إحضار
المصحف الشريف ، فأحضر إليه أمام الجمع كله ، ففتحه وتلا سورة الواقعة وأخذ فى
تفسيرها وتأويلها وأفاض فى شرحها وبيانها أى بما يوافق اقتراح تغيير دين الإسلام ،
وأن القرآن نفسه أشار إلى ذلك وأنبأ بوقوعه ، حتى اطمأنت قلوب الجميع وعلموا بأنه
لا بد من وقوع هذه الواقعات وحدوث هذه الحادثات كلها"
__________________
وفى النهاية يقول
مؤرخ البابية : " وفى خاتمة المجلس تقرر تحرير هذه المسألة ورفعه إلى حضرة
الباب فى ماكو والتماس إصدار الحكم الفاصل الجازم منه وفيها ، وهذا ما كان ، ومما
علم فيما بعد وتبين أن خواص الأحباء كانوا على حق ، وأن رأى حضرة بهاء الله كان
متفقا مع حكم حضرة الباب على وجوب تغيير الشريعة ، وأن القدوس وباب الباب والطاهرة
كانوا أيضا قائمين على سواء السبيل وجادة اليقين فى إدراكهم وفهمهم (أسرار الأمر)
.. اما الذين ضاقت صدورهم ، ولم تتسع لقبول هذا التجديد العظيم فإنهم قاموا بتشويش
الأفكار وإفساد الناس على زمرة الأحباء ، ونجم عن ذلك ما نجم من إغارة عصابة من
المسلمين عليهم واعتدائهم بالضرب والسلب وطردهم من الجهة ، فتفرق عند ذلك جمع
الأحباء إلى ثلاث فرق ، ففرقة سارت بركاب حضرة بهاء الله متجهة إلى طهران ، وأخرى
ذهبت مع القدوس والطاهرة إلى مازندران ، وثالثة تحت لواء باب الباب إلى خراسان ،
ولكن الجميع أجمع العزم وعقد النية على تنفيذ ما تقرر فى هذا التجمع ولم الشعث فى
ماكو ، والعمل على إنقاذ حضرة الباب .
وينقل الأستاذ
إحسان إلهى ظهير فى كتابه المهم عن البابية نصوصا من مصادر البابيين أنفسهم
مثل" مطالع الأنوار" و" نقطة الكاف" للبابى الميرزا جانى
الكاشانى ، و" مفتاح باب الأبواب" و" الكواكب". تصور ما كان
عليه البابيون فى صحراء بدشت من انحراف وفساد أخلاقى وانحلال شنيع فينقل عنهم ما
ذكروه : " فنصبت الخيام فى تلك البداء الجملة ، الغناء ، المنعزلة
__________________
من العمائر
وسكانها ، وصاروا يرتكبون الفواحش والفجور والفسوق ، ويعبثون بالنساء. وكانت
الشابة الجميلة" قرة عين" تتوهج شبابا ونضرة وأنوثة ملتهبة عارمة ، والشاب
الوسيم الجميل المتألق ، قوى البنية ، بعيد المنكبين ، المتدفق بالرجولة والحيوية
والجمال محمد على البارفروشي القدوس محل الأنظار ، وموقع الأعين ، حيث لم يبلغ
كلاهما الثلاثين من عمره ، كما كان من الجهة الثانية الميرزا حسين على (البهاء)
يمتاز بترفه وغناه ، وباستضافته جميع الحاضرين ، علاوة على حسنه وشبابه ، وبأن كان
آنذاك كما يقول مؤرخوه شابّا ذا شعر مرسل ، كشعر الأوانس".
وحتى الميرزا جانى
الكاشانى المؤلف لكتاب" نقطة الكاف" ألمح بأشياء منها ، قوله : إن قرة
عين لما فرت من قزوين بعد مقتل عمها إلى خراسان ، ووصلت إلى شاهرود" ، ففى نفس الوقت وصل جناب الحاج محمد على القدوس من مشهد ،
وصارا مصداق ، و" جمع الشمس والقمر" ؛ لذلك لما اقترن سماء المشيئة
القدوس ، بأرض الإرادة قرة عين ظهر أسرار التوحيد وسر العبادة ، وارتفع الحجاب عن
وجه المعشوق المقصود ، وأعطيا كئوسا من جوهر الخمر لذة للشاربين ، حتى فقدت
الجماعة شعورها من وفور السرور والنشوان ، وتغنوا بألحان بديعة ، وظهر معنى"
هتك الستر لغلبة السر" ، وتجاوبت أصواتهم الفرحة المسرورة ببصائر السماوات
السبعة" .
__________________
وذهبت قرة عين مع
الشاب القدوس إلى مازندران" ودخلت معه فى قرية" هزار جريب" فى حمام واحد للاستحمام ، ولما سمع أهل القرية ما هم عليه
من الفجور العلنى ، وعدم العفة والحياء ، والجهر باقتراف الكبائر ، هجموا عليهم
جماعات ووحدانا ، فقتلوا البعض وفرقوا جمعهم ، كما افترقت هذه المومسة أيضا من
عشيقها وزميلها فى الخلوة والجلوة" .
ولكى نتعرف على
حقيقة هذه المرأة التى لعبت دورا خطيرا فى تطور البابية وانتشارها أذكر نصّا من
خطبها فى مؤتمر بدشت التى أعلنت من خلاله أنه لا بد من نسخ الشريعة الإسلامية
وإلغاء شعائر الإسلام من صلاة وصوم وزكاة وسائر التكاليف الإسلامية ، ودعت من
خلاله إلى خلع الحجاب عن المرأة والتحرر من التقاليد البالية ، والدعوة إلى الزنا
باعتبار أن المرأة كالزهرة لا بد من قطفها وشمها بالكيف والكم معا.
تقول فى خطبة لها
فى المؤتمر : " اعلموا أيها الأحباب والأخيار ، اعلموا أن أحكام الشريعة
المحمدية قد نسخت الآن بظهور الباب ، وأن أحكام الشريعة الجديدة البابية تصل إلينا
، وأن اشتغالكم بالصوم والصلاة والزكاة وسائر ما أتى به محمد ، كله عمل لغو ، وفعل
باطل ، ولا يعمل بها الآن إلا كل غافل وجاهل ، إن مولانا الباب سيفتح البلاد ويسخر
العباد ،
__________________
وستخضع له
الأقاليم السبعة المسكونة ، وسيوحد الأديان الموجودة على وجه البسيطة ، حتى لا
يبقى إلا دين واحد ، هو دينه الحق .. الحق الأول ، لا أمر اليوم ولا تكليف ، ولا
نهى ولا تعنيف ، مزقوا الحجاب بينكم وبين نسائكم ، وأخرجوهن من الخلوة إلى الجلوة
، فما هى إلا زهرة الحياة الدنيا ، وإن الزهرة لا بد من قطفها وشمها ، شموها
بالكيف والكم ، فالزهرة تجنى وتقطف وللأحباب تهدى وتتحف" .
وتقول أيضا فى هذه
الخطبة : " مزقوا هذا الحجاب الّذي بينكم وبين النساء ، وفكوا عنكم هذه
القيود الشنعاء ، وشاركوهم فى الأفعال والأقوال ولا تمنعوهن الحق من مشاركة الرجال
، وأخرجوهم من الخلوة إلى الجلوة ، وواصلوهن بعد تلك الجفوة والسلوة ، فما هن إلا
رياحين خلقن للشم ، وتصاوير جعلن للثم والضم ، ولا بد من قطف الريحانة وشمها ،
ولثم صورة الحبيب وضمها ، دون أن يحدد عدد الشام أو يكيف كم اللاثم والضام ،
فالريحانة تجنى وتقطف وصورة الحبيب تهدى وتتحف ، أما المال فمشاع غير مقسوم ، فيه
حق للسائل والمحروم ، جعل للناس سواء بسواء. لا للأغنياء دون الفقراء ، فادفعوا
الفاقة عنكم بهذا الذهب ، وشاركوا بعضكم بعضا فى المال والنسب ، وساووا فى ذلك بين
فقيركم وغنيكم ، ولا تردوا من يطلب التمتع بحلائلكم أو بناتكم فلا نهى اليوم ولا
أمر ، ولا تكليف ولا حد ولا زجر ، فخذوا حظكم من هذه الحياة ، فلا شيء بعد
الممات" .
__________________
أعتقد أن
كلام" قرة عين" ينبئ عن فكرها وهدفها الخبيث وهو محاولة تحطيم الأخلاق
الإسلامية ، ونشر الرذيلة فى المجتمعات الإسلامية ، وتحطيم عقائد الإسلام ومباديه
، وإن شعائر الإسلام فى رأيها لا تناسب روح العصر لأنه فى معتقدها عبارة عن قيود
لا بد من التحرر منها فلا داعى للصلاة ولا الصيام ، ولا الزكاة ، ولا أى شعيرة من
شعائر الإسلام ؛ لأنها تريد أن تهدم قواعده ، وفى رأيها أن الّذي يفعل ذلك الآن
مجموعة من المغفلين الجهلة المتأخرين ، بل تعلنها صريحة أن أحكام الشريعة الإسلامية
قد نسخت بظهور الباب.
وتدعو إلى التحرر
من الحجاب والثياب فتقول : مزقوا الحجاب بينكم وبين نسائكم. وتقول للرجال وتقصد
المرأة لا بد من قطفها وشمها ، شموها بالكيف والكم فخذوا من هذه الحياة ، فلا شيء
بعد الممات.
ولنا أن نتصور
الآن كم كانت البابية دعوة إلى الفجور الصارخ ؛ ولهذا استطاع الباب أن يجمع حوله
كل ساقط ومنحرف ، وكل من يريد أن يتحلل عن قواعد الإسلام بدعوى انتهاء زمن
التكاليف فقد تم رفع التكاليف فى رأيها.
والمهم عندنا أن
هذه المرأة اتضح لنا دورها الخطير فى الدعوة إلى نسخ الشريعة الإسلامية والتحلل من
كل روابط الإسلام وقيوده الأخلاقية ، وصدق الأستاذ إلهى ظهير ـ رحمهالله ـ حين قال :
" إن المؤرخين قاطبة اتفقوا على أن أول من اقترح نسخ البابية لشريعة الإسلام
ورفع أحكامها" قرة عين" .
__________________
ولقد بلغ بها الأمر
فى الإباحية مبلغا كبيرا لدرجة أنها نزلت فى منزل رفيق لها ، فاجتمع جمع من
البابيين ، وقضوا معها ليلة مفعمة بالتهتك واقتراف المنكر ، فلم يوافق قسم منهم
على هذا الفجور ، فكتبوا إلى الميرزا على محمد فى سجنه ، يعلمونه باستهتارها ،
فكان أن أجابهم : ما ذا عسى أن أقول فيمن سماها لسان العظمة والاقتدار
بالطاهرة" .
ومن أشعار قرة عين
الغزلية بالعربية التى تبين شدة ولعها وهيام قلبها ووجدها قولها :
يا نديمى قم فإن
الديك صاح
|
|
غنّ لى بيتا
وتاول كأس راح
|
لست أصبر عن
حبيبى لحظة
|
|
هل إليه نظرة
منى تباح
|
بذل روحى فى
هواه هين
|
|
تحمد القوم
السرى عند الصباح
|
قاتلتنى لحظة من
غير سيف
|
|
أسكرتنى عينه من
دون راح
|
قد كلفتنى نظرة
منى إليه
|
|
من بهائى فى
غداة فى رواح
|
هام قلبى فى
هواه كيف هام
|
|
راح روحى فى
قفاه أين راح
|
لم يفارقنى خيال
منه قط
|
|
لم يزل هو فى
فؤادى لا يراح
|
إن يشأ يحرق
فؤادى فى النوى
|
|
أو يشأ يقتل له
قتلى له مباح
|
ويبلغ بها الفسق
والفجر والعصيان أن تقول بالفارسية ما معناه بالعربية :
يا صنمى عشقك
أوقعنى فى المعاصى
|
|
أهجرتنى وقتلتنى
وأخذتنى بجنايتى
|
__________________
|
والآن لم يبق لى
قوة الصبر
|
|
وطاقة الانتظار
إلى متى فراقك
|
|
|
إن جسمى بجميع
أجزائه
|
|
صار كالناس يحكى
هجرك
|
|
|
يا ليت تضع قدمك
على فراشى
|
|
ليلة ما فجأة
بكرمك
|
|
فأطير فرحا
وسرورا
|
|
بدون أجنحة
|
|
|
|
|
|
|
|
__________________
قرة عين
كانت تميل إلى
الشباب المراهق الصغير ميلا شديدا ؛ ولهذا احتضنت الشاب الصغير يحيى صبح أخو
البهاء وكان وسيما جميلا.
وبقدر عشقها
للصغير يحيى صبح أزل فكانت تمارس الجنس أيضا مع أخيه الميرزا حسين على المازندرانى
الّذي أصبح البهاء ، ونبى البهائية.
وقد وهبها البهاء
لأحد أتباعه من شيراز اسمه الميرزا عبد الله الّذي استمتع بها كثيرا ، فقد كان
يعلم أنها نهمة شديدة لا تشبع من جنس قط ، فقد كان صدرها الفوار يتوق دائما إلى
المتع البهيمية ؛ ولأنها كانت تحمل بين أضلعها ثروة جنسية عارمة فقد كانت تحاول
دائما إطفاء لهيب ثورتها عن طريق الحرام بعد أن دعت إسقاط التكاليف فنادت بأن
النساء زهيرات لا بد من قطفهن وشمهن لأنهن ما خلقن إلا للضم والشم والقطف والإهداء
إلى الأحباب ، وكان سبيلها إلى الانحراف دعوتها إلى نسخ شريعة الإسلام ورفع
الأحكام والتكاليف الإسلامية فيقال عنها أنها كانت تقول" بحل الفروج ورفع
التكاليف بالكلية" .
وقد عشقت أيضا
الملا محمد على البارفروشي عشقا رهيبا وارتوت بين أضلعه واحترقت بنار هواه وولهت
به ولها كبيرا كما أشرنا من قبل.
__________________
وينقل الدكتور
محسن عبد الحميد عن دائرة معارف الحياة التركية ما يلى عن هذه المرأة :
ـ كانت تقول :
" لكل امرأة تسعة رجال".
ـ كانت تتزين
وكأنها طاوس الجنة ، وكانت تزين غرفتها بأكمل زينة كغرفة العروسة.
ـ وكانت تجتمع
بأنصارها فى هذه الغرفة على هذه الزينة وكانت تعظهم.
ـ كان مباحا على
البابيين تقبيل شفتيها ، والتمسح بوجوههم على صدرها.
ـ لما حكم عليها
بالإحراق ، قابلت الحكم بابتسامة وامتنعت عن التوبة .
ويقول عنها إدوارد
براون البابى وهو من دعاة البابية : " إن الشخصية الجذابة الخلابة لأنظارنا ،
غير الباب الشيرازى ، هى الجميلة الذكية ، التى وهبت حظّا من الحسن والذكاء
والفطنة ، قرة عين التى كانت شاعرة وعالمة وخطيبة" .
__________________
المبحث الثالث
الشيرازى وفكره
كتاب البيان
للشيرازى :
يظهر فكر الشيرازى
بوضوح فى كتابه" البيان" ، الّذي يقول عنه البهاء فى كتابه"
الإيقان" : " فى عهد عيسى كان الإنجيل ، وفى زمن موسى التوراة ، وفى عهد
محمد ـ رسول الله ـ كان القرآن ، وفى هذا العصر البيان" .
أى أنه يعتبر
البيان كتاب العصر ، ويقول الشيرازى رب البابية عن كتابه البيان : " قد نزلت
البيان ، وجعلته حجة من لدنا على العالمين ، فيه ما لم يكن له كفوا ذلك آيات الله
، قل كل منها يعجزون ، فيه ما لم يكن له عدل ذلك ما أنتم به تدعون ، فيه ما لم يكن
له مثيل ذلك ما ينطق به الفارسيون ، وأنتم فى الواحد لتنظمون" .
ويقول الشيرازى عن
نفسه فى كتاب البيان : " أنه ما خلق له من كفو وعدل ولا شبه ولا قرين ولا
مثال" ، ووصل به الأمر إلى أن يقول عن القرآن الكريم : " إن
نبيكم لم يخلف بعده غير القرآن ، فهاكم كتابى
__________________
البيان ، فاتلوه
واقرءوه تجدوه أفصح عبارة من القرآن وأحكامه ناسخة لاحكام القرآن" .
أسلوب الباب
الشيرازى :
إذا قرأت أى سطر
من أسطر كتابات الباب يتملكك شعور بسذاجة الرجل وأسلوبه وتشعر بأن صاحبها كذاب أشر
، فليس فيها صدق فى معانيها ولا جمال فى أسلوبها ، ولا بديع فى ألفاظها ، ولا
إشراق فى كلماتها ، ولا معنى فى مدلولها أو مضمونها ، وهذا أظهر شيء على كذب
الرجل.
ومن العجيب أن
محركيه أفهموه خطأ أنه لا بد أن تكون خطبه وكتاباته ورسائله بالعربية ؛ لأن
العربية لغة الوحى ، ونسوا أن الله تعالى يقول : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ
رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ
وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [إبراهيم : ٤].
ولم يكن الرجل
يجيد العربية فأوقعوه فى خطأ جسيم وخدعوه دون أن يدروا ، وفضحوه من حيث كانوا يريدون
نصرته ، وخذلوه وكانوا يرغبون فى أزره وتأييده.
انظر إلى ما كتبه
فى البيان" النسخة العربية" التى زعم أنه بالبيان نسخ القرآن الكريم
يقول فى عربية ركيكة ومعان رديئة ، وكلمات مشينة : " ولا تكتبن السور إلا
وأنتم فى الآيات على عدد المستغاث لا تتجاوزون ، ومن أول العدد أذن لكم يا عبادى
لتدقون ، وأذنت أن يكون مع كل نفس ألف بيت مما يشاء ليتلذذون ، حينما يتلو وكان من
المحرزين ، قل : إنما
__________________
البيت ثلاثين حرفا
إن أنتم تعربون ، لتحسبون على عدد الميم ، ثم على أحسن الحسن تكتبون وتحفظون ، ذلك
واحد الأول أنتم بالله تسكنون ، ثم الثانى أنتم فى كل أرض بيت حر تبنيون ، ولتلطفن
كل أرضكم وكل شيء على أحسن ما أنتم عليه مقتدرون ، لئلا يشهد عينى على كره أن يا
عبادى فاتقون" .
لقد خاب وافترى ،
وعلى الله تعالى اجترأ فما استطاع حتى الآن إنس ولا جان أن يأتى بمثل هذا القرآن (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ
وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ
وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [الإسراء : ٨٨].
وقال أيضا فى
بيانه العجيب : " ولا تضيعن خلق أحد بعد ما أكمل الله خلقه لما تريدون من عز
أيام معدودة ، فإذا كلتاهما ينقطع عنكم وأنتم ما قد خلقتم" . إنها لغة مشعوذين وكلمات دجالين.
هكذا نلاحظ بحق أن
أسلوبه فى كتابه البيان ينم عن مدى سذاجة عقله وسطحيته ، وجهله التام بأبسط قواعد
الأساليب واللغة ، فإن أى طالب فى المرحلة الإعدادية يستطيع أن يكتب أفضل منه
بكثير.
ولا يتورع المفترى
أن يكذب على الله تعالى فيسند ما فى البيان إلى الله تعالى ، مع أن أى عاقل يقرأ
ما فى بيانه هذا يتبين لد مدى رداءة لغته
__________________
وأسلوبه ومعانيه ،
ولا بد أن يكون كاتبه رجل خبيث السريرة أو رجل فقد عقله.
ومن أعجب ما قاله
الشيرازى هو تفسيره لسورة يوسف ، فإن أى قارئ لتأويل الشيرازى لسورة يوسف يستشعر
على الفور مد الكذب ومدى الجهل الّذي كان يتمتع به الرجل الّذي ادعى المهدوية
والنبوة والألوهية ، قال الشيرازى فى تفسير سورة يوسف : " قصد الرحمن من ذكر
يوسف نفس الرسول وثمرة البتول حسين بن على بن أبى طالب مشهودا ، قد أراد الله فوق
العرش مشعر الفؤاد أن الشمس والقمر والنجوم قد كانت لنفسه ساجدة لله الحق مشهودا
إذ قال حسين لأبيه يوما : إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم بالإحاطة
لى على الحق الله القديم سجادا ، ولقد سجدوا ، نجوم العرش فى كتاب الله تقتل
الحسين بالحق على الحق ، وكان عدتهم فى أم الكتاب إحدى عشر ، هو الله الّذي قد جعل
التوحيد فى حقائق الأشياء من أشعته وإن الله قد أراد بالشمس فاطمة وبالقمر محمد ،
وبالنجوم أئمة الحق فى أم الكتاب معروفا ، فهم الذين يبكون على يوسف بإذن الله
سجدا وقياما .
وأيضا من أعجب ما
قاله ما نقله محمد مهدى خان صاحب مفتاح باب الأبواب ، عن كتاب الباب" شئون
الحمراء" فى لوحه الأول قوله : " إنا قد جعلناك جليلا للجالين ، وإنا قد
جعلناك عظيما للعاظمين ، وإنا قد جعلناك نورا نورانا للناورين ، وإنا قد جعلناك
رحمانا رحيما للراحمين ، وإنا قد جعلناك تماما تميما للتامين ، قل إنا جعلناك
كمالا كميلا للكاملين ، وقل
__________________
إنا قد جعلناك
كبرانا كبيرا للكابرين ...".
ولهذا حق لعبد
الرحمن الوكيل أن يقول : " إن قارئ كتب الشيرازى يشعر شعورا صادقا يطابق
الحقيقة والواقع أنه رجل خولط فى عقله ، وإن ما فى هذه الكتب أشباح متباينة
متناقضة اختارها غلام يتنازعه فكر مضطرب ، وخيالات هاذية فلا ترى فيها فكرة نابهة
، أو عاطفة صادقة ، او تصويرا جميلا أو أسلوبا مشرقا ، إنما ترى جملا ينفر بعضها
من بعض ، وأشد ما يثير الدهشة والسخرية تلك السجعات النى يختم بها فقراته فهى حروف
مركبة تركيبا لا يوحى بمعنى ، ولا يومئ إلى دلالة" .
ومن عجب كلامه ما
قاله فى الواحد الثانى من البيان العربى : " أن يا حرف الراء والباء فلتشهدان
على أنه لا إله إلا أنها ، قد نزلت فى الباب الأول من الواحد الثانى أن أعرف قدرة
ربك فى الآيات ، ثم أشهد ذكر اللانهاية فى كل شيء ، ثم عجز الناس عما نزل البيان
فإن به يثبت ما تريد.
ثم فى الثانى لم
يحط بعلم البيان إلا إياك فى آخريك ثم أوليك أو من شهد على من شهد على ما أريد فيه
، فإن أولئك هم الفائزون ، ثم فى الثالث ما أذنت أحدا أن يفسر إلا بما فسرت ، قل
كل الخير يرجع إلى ودون ذلك إلى حرف النفى ، ذلك علم البيان إن أنتم تعلمون ، ثم
الخير يذكر إلى منتهى الذر فى علم المتقين دون الخير فى منتهى بما تشهدون على دون
المخلصين فلتقرئن آية الأولى إن أنتم تقدرون ثم كل ذلك مثل هذا إن أنتم
تعلمون" .
__________________
إنها عبارات غامضة
كالكلمات المتقاطعة التى لا تفيد شيئا ، والأغرب من ذلك قوله : " تبارك الله
من شمخ مشمخ شميخ ، تبارك الله من بذخ مبذخ بذيخ ، تبارك الله من بدء مبتدأ بديء ،
تبارك الله من مفتخر فخير ، تبارك الله من مظهر ظهير .." .
ومن العجيب أن
الشيرازى يدعى أن كلامه أفضل من القرآن فيقول : " إن أقوى دليل وأقنعه على
صحة دعوة رسول الله هو كلامه" دلل على ذلك بقوله" ألم يكفهم أنا أنزلنا
عليك الكتاب" ولقد آتني الله هذا البرهان ، ففى ظرف يومين وليلتين أقرر أنى
أقدر أنا أظهر آيات توازى فى الحجم جميع القرآن ... إننى أفضل من محمد كما أن
قرآنى أفضل من قرآن محمد ، وإذا قال محمد بعجز البشر عن الإتيان بسورة من سور
القرآن ، فأنا أقول بعجز البشر عن الإتيان بحرف مثل حروف قرآنى .. إن نبيكم لم
يخلف بعده غير القرآن فهاكم كتابى البيان واتلوه واقرءوه تجدوه أفصح عبارة عن
القرآن وأحكامه ناسخة لأحكام الفرقان" . هكذا يقول نبى البابية عن كتابه البيان الّذي كتب بأضعف
أسلوب وأرك عبارة.
(وَمَنْ أَضَلُّ
مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص : ٥٠].
أما قوله بأن
معجزة نبى الإسلام أنه لم يخلف بعده غير القرآن فالقرآن هو المعجزة الخالدة
الباقية الدالة على نبوة محمد ، صلى الله عليه
__________________
وسلم ، وختم
الرسالات السماوية به ، " إن معجزات الرسل السابقين الدالة على صدق نبوتهم هى
وثائق تنقضى يراها الذين عاصروا الأنبياء فيؤمنون حق الإيمان بما جاءت على يدهم ،
ولا يراها الذين يأتون من بعدهم ، بل تصل إليهم أخبارها فيضعف تأثيرها على الأمم
التالية ، ثم إن المعجزات توافق عقول تلك الأزمان التى كان فيها العقل فى طور
الطفولة ، والآن بعد أن ترقى العقل وكثرت المعارف ودخلت الشبهات على الأديان ضعف
تأثير هذه المعجزات على أتباع الأديان أو بالأحرى ضعف الإيمان وسرى الإلحاد ، فكان
الدين بحاجة إلى دلائل ، وبراهين على صحته غير البراهين السالفة.
فالقرآن هو الكتاب
المعجز للبشر بهدايته وتشريعه وأسلوبه وأحكامه التى تتميز بخلودها وبقائها على
الزمن ، فقد أنزل القرآن بعد أن ترقى العقل البشرى ، فكان البرهان الّذي أتى به
يتفق مع هذا الرقى" .
الحقيقة إن كلام
الله تعالى فى قرآنه المجيد هو وحى السماء إلى الأرض ، أما كلمات الشيرازى فهى
تنبئ عن كذب صاحبها ، فما هذه الكتب إلا أوهام صاحب فكر مضطرب أو مخرب يضمر شرّا
بالإسلام وأهله ، فاخترع للناس دينا آخر ، وكتابا موضوعا (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ
بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) .
__________________
المبحث الرابع
عقائد البابية
يعتقد الباب فى
أن" أرفع مراتب الحقيقة الإلهية حلت فى شخصه حلولا ماديّا وجسمانيّا ، ويعتقد أنه" فى كل الظهورات من آدم إلى محمد وقبل
آدم لم يكن مظهر المشيئة إلا نقطة البيان ذات الحروف السبعة إلا أنه كان طفلا فى
وقت آدم والآن شاب وسيم" .
ويعتقد البابية
أنه جوهر وحقيقة كل نبى رسول ، وأنه أكمل من ظهرت فيه الحقيقة الإلهية ، يقول
الباب فى ذلك عن نفسه : " كنت فى يوم نوح نوحا ، وفى يوم إبراهيم إبراهيم ،
وفى يوم موسى موسى ، وفى يوم عيسى عيسى ، وفى يوم محمد محمدا ، وفى يوم على قبل
نبيل ـ ومن المعروف أن الشيعة تسمى محمدا ، صلىاللهعليهوسلم ب نبيل ، فيكون معنى على قبل نبيل أى على قبل محمد ـ
ولأكونن فى يوم من يظهره الله من يظهره الله ، وفى يوم من يظهره من بعد من يظهر
الله من بعد من يظهره الله إلى آخر الّذي لا آخر له قبل أول الّذي لا أول له. كنت
فى كل ظهور حجة الله على العالمين .
__________________
ويزعم الباب أنه
جاء ناسخا لكل الشرائع ولشريعة القرآن الكريم ، ويقرر أن كل من كان يدين بها ،
ويعمل بأحكامها ، فهو على الحق حتى ليلة القيامة ، ويوم الساعة أى ليلة قيامه
بالدعوة وساعة ظهوره بالأمر ، وهى الساعة الثانية والدقيقة الحادية عشرة لغروب شمس
اليوم الرابع من جمادى الأولى سنة ١٢٦٠ من الهجرة ، ودخول دجى الليلة الخامسة من
لياليه ، فكل من لا يؤمن به من هذا الحين ، ولا يعمل بشريعته وأحكامها ، فهو كافر
، مهدور الدم .
ويزعم الباب أنه
المرآة التى يستطيع المؤمنون من خلالها أن يشاهدوا الله نفسه ، فهو كما يقول مرآة
لا يرى فيها إلا الله حيث يقول عن نفسه : " أنا قيوم الأسماء ، مضى من ظهورى
ما مضى ، وصبرت حتى يمحص الكل ولا يبقى إلا وجهى ، واعلم بأنه لست أنا ، بل أنا
مرآة فإنه لا يرى فىّ إلا الله" .
بل تدرج فى الأمر
تدريجا خطيرا حين صرح بأنه الرب وأن وصيته من بعده يحيى" صبح أزل" وصى
الرب ، ووصى الرب لا يكون إلا ربّا وإلها مثله ، فيقول لوصيه" والله أكبر
تكبيرا ، وهذا كتاب من عند الله المهيمن القيوم ، قل كل من الله مبدءون ، قل كل
إلى الله يعودون ، هذا كتاب من على قبل نبيل (يعنى نفسه فاسمه على محمد) ، ذكر
الله للعالمين إلى من يعدل اسمه الوحيد (يقصد يحيى لأن يحيى يطابق الوحيد فى العدد
بحساب الجمل) ذكر الله للعالمين قل كل من نقطة البيان ليبدءون أن يا اسمه
__________________
الوحيد فاحفظ ما
نزل فى البيان ، وأمر به فإنك لصراط حق عظيم" .
ولقد كان البابيون
بعد اعتقادهم فى نبوته يعتقدون أيضا فى ألوهيته (" وَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ
يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ
تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا
أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما
كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ
تَسْتَكْبِرُونَ") [الأنعام : ٩٣].
وكان تطاوله على
الله شديدا ، فاعتقد بألوهية نفسه ، وقال : " ما خلق له من كفو وعدل ولا شبه
ولا قرين ولا مثال" .
وقال أيضا عن نفسه
: أنا قيوم الأسماء ، مضى ظهورى ما مضى ، وصبرت حتى يمحص الكل ولا يبقى إلا
وجهى" .
موقف الباب من
السمعيات :
يزعم الباب أن
المراد من كل ما ورد فى القرآن الكريم من ألفاظ القيامة ، والساعة ، والبعث ،
والحشر ، والنشر ، وما جرى مجراها إنما هو ظهوره بالأمر ، وقيامه بالدعوة ، وإن
الجنة كناية عن الدخول فى دينه ، والنار كناية عن الكفر به ، واليوم الآخر كناية
عن يوم ظهوره ، ولقاء الله تعالى كناية عن لقائه ، والنفخ فى الصور كناية عن الجهر
بدعوته ، والمناداة
__________________
بها ، وصعق من فى
السماوات والأرض كناية عن نسخ الأديان بيديه وقيام أمته مقام الأمم ، وهذا هو عين
ما يقوله البهاء صاحب البهائية عن نفسه ودينه" .
ومن العجيب أن
ينسخ البهاء دين الباب مع أن الباب يؤكد أنه لا يمكن نسخ ديانته قبل مضى حروف (المستغاث)
، أى : قبل ٢٠٣١ عاما بحساب الجمل حيث قال فى البيان : " كل من ادعى أمرا قبل
سنين المستغاث ، فهو مفتر كذاب اقتلوه حيث ثقفتموه" .
والنار والقيامة
والبعث والنشور والحساب وكل مسائل السمعيات التى يؤمن بها أتباع الشرائع الثلاث ،
يؤولون كل هذه السمعيات تأويلا خاصّا يتفق مع عقائدهم.
فيقول الباب
الشيرازى عن القيامة مثلا : " إن قيامة البيان تقوم يوم ظهور من يظهره الله ،
واليوم الّذي يظهر فيه المظهر الإلهي الآخر هو نفس يوم البعث والحشر للجميع من
قبورهم" .
ويقول عن الجنة :
" إن الجنة عبارة عن الإثبات أى التصديق والإيمان بنقطة الظهور (يعنى الباب
نفسه) والنار عبارة عن النفى ، يعنى عدم الإيمان بنقطة الظهور وإنكاره هو" .
__________________
المبحث الخامس
الشريعة عن البابية
افترى الباب على
الله كذبا أنه جاء لينسخ شريعة الإسلام ؛ ولهذا عمل على أن يكون لأتباعه عباداتهم
الخاصة التى تختلف عن عبادات المسلمين فى الصلاة والصوم والزكاة والحج والأحوال
الشخصية والميراث.
فقد جعل الصلاة
ركعتين فى الصباح ، ثم هناك صلاتين على البابى أن يقوم بهما فى حياته وهى صلاة
الجنازة وصلاة الوضع.
فبالنسبة لصلاة
الوضع فعلى الرجل والمرأة اللذان أنجبا فإنه حين نزول الجنين عليهما أن يكبرا خمس
تكبيرات ، وبعد كل تكبيرة يذكر بعض نصوص البابية ، فبعد التكبيرة الأولى يقول :
"إنا بكل مؤمنون" تسع عشرة مرة ، وبعد التكبيرة الثانية يقول : "إنا
بكل موقنون" تسع عشرة مرة ، وبعد التكبيرة الثالثة يردد : "إنا كل بالله
محيون" تسع عشرة مرة ، وبعد الرابعة : "إنا كل بالله مميتون" تسع
عشرة مرة وبعد التكبيرة الأخيرة : "إنا كل بالله راضون" تسع عشرة مرة
كذلك.
أما بالنسبة لصلاة
الجنازة فعلى البابى أن يصلى على الميت صلاة ذات ست تكبيرات يذكر بعد كل تكبيرة
دعاء من أدعية الباب تسع عشرة مرة ، فبعد التكبيرة الأولى يقول : "إنا كل
بالله عابدون" تسع عشرة مرة ، وبعد التكبيرة الثانية يقول : "إنا كل لله
ساجدون" تسع عشرة مرة. وفى الثالثة يقول : "إنا كل لله قانتون" تسع
عشرة مرة. وفى الرابعة يقول : "إنا
كل لله ذاكرون"
تسع عشرة مرة. وفى الخامسة : "إنا كل لله شاكرون" تسع عشرة مرة ، وفى
السادسة : "إنا كل لله صابرون" تسع عشرة مرة.
ولا بد أن يدفن
الميت البابى فى صندوق من بلور أو مرمر أو حديد أو نحاس أو خشب ، والأفضل أن يكون
من بلور أو مرمر ، وأن يكفن الميت بدون غسل.
ويوضع فى إصبعه
خاتم يفضل أن يكون من العقيق الأحمر ينقش عليه اسم الباب ، ويدفن بصندوقة فى حفرة
سحيقة عميقة ، وإن أمكن أن يشق له مدفنا فى الصخر فهذا أفضل عندهم ، ولا بد من
تحنيط الميت لأنه يجب أن يبقى الميت فى بيته تسعة عشر يوما قبل دفنه وبجواره أهله
وناسه ويكفن فى خمسة أثواب من الحرير أو القطن طبقا لتعاليم الباب.
ولقد أبطل الباب
صلاة الجماعة إلا على الجنازة وأباح للمرأة أن تصلى بملابسها العادية ـ دون حجاب ـ
وقال فى إبطاله صلاة الجماعة : " أنتم بالجماعة لا تصلون ، وأنتم على الكرسى
بما يحبه الله تذكرون وتوعظون" أى أنهم يصلون وهم جالسون على مقاعد ، وأكد على إنكار
فريضة الجماعة حين قال : "أنتم بالجماعة لا تصلون". وقوله : "ولتصلين
كلكم مرة ، ولكنكم فرادى تقعدون" .
وبهذه الطريقة
خالف البابيون شريعة الإسلام مخالفة تامة فخرجوا عن العقيدة والملة السمحة
باختراعات الباب فى إبطاله صلاة الجماعة إلا على الجنازة واختراعه صلاة الوضع ،
والصلاة على المقاعد ، فخالف شريعة
__________________
الله فى كل ما
يتعلق بالصلاة ومواقيتها وكيفيتها وشروطها وواجباتها ، وليس للبابية قبلة محددة
فمرة يقول لهم إنها بيته ، ومرة يردد"(فَأَيْنَما تُوَلُّوا
فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) أنتم إلى الله تنظرون" .
ومن قبل قال :
" إن مسجد الحرام ما يولد من يظهره الله عليه ذلك ما ولدت عليه أنتم هنا لك
لتصلون" . ومنه يفهم أن قبلتهم بيته لكن تناقض الفكر غالب على صاحب
البابية.
والوضوء عنده يكون
بماء مضاف إليه ماء الورد ، وفى حالة عدم وجود الماء يكفى للبابى أن يقول خمس مرات
: " باسم الله الأمنع والأقدس" وبذلك يتحقق الوضوء ، وتتم الطهارة باسم
الباب والنار والشمس والهواء والماء والتراب ، ويقول الباب فى بيانه : " يطهركم
اسم الله إذا تقرئين الله أطهر ست وستون مرة ، ثم النقطة (أى نفسه) وما يشرف من
عندها من آيات الله ، ثم كلماته ، إن أنتم بها موقنون ، ثم من يدخل فى الدين ثم
يبدل كينونته ، ثم النار والهواء والماء والتراب ثم الشمس إذا تجفف أن يا عبادى
فاشكرون" .
ويتحدث الباب عن
الوضوء فيقول فى عربية ركيكة أيضا : " انتم بالخلال والمسواك بعد ما تفرغون
من رزقكم ، أفواهكم تلطفون ، ثم لترقدون ثم وجوهكم وأيديكم من حد الكف تغسلون ، إن
تريدون أن تصلون ، ثم بمنديل تلطفن وجوهكم وأيديكم ، وإن فى بيت الطهر تحفظن ما
يشم كل ريح بمنديل لعلكم دون ما تحيون لا تشدون ، ولتوضأن على
__________________
هيكل الواحد بماء
طيب مثل ورد لعلكم بين يدى يوم القيامة بماء الورد والعطر تدخلون" .
وكيفية التطهر
بكتابه البيان أن يقرأ على أى شيء يراد تطهيره ما تيسر من اسم النقطة يعنى الباب
مع قراءة كلمة التطهير ، وهى" الله أطهر" ٦٦ مرة.
ومع أن صلاة
البابى ركعتان فقط فى الصبح إلا أن الباب أمر أتباعه بأن يؤذنوا خمس مرات فى اليوم
والليلة وفى الأذان الأول يؤذن المؤذن بقوله" لا إله إلا الله تسع عشرة مرة ،
وفى الأذان الثانى يقول أيضا : لا إله إلا الله تسع عشرة مرة ، ثم يقول بعد ذلك
الله أعلم".
وفى الثالث يقول
أيضا" لا إله إلا الله" تسع عشرة مرة ، ثم يقول بعدد الواحد (أى تسع
عشرة مرة) الله أحكم.
ويقول فى الأذان
الرابع" لا إله إلا الله" تسع عشرة مرة والله أملك بعدد الواحد (أى تسع
عشرة مرة).
وفى الأذان الخامس
يقول : " لا إله إلا الله" تسع عشرة مرة ، ويقول بعدد الواحد (أى تسع
عشرة مرة) الله أسلط ، تسع عشرة مرة ، وإذا لم يستطع أن يؤذن بسبب من الأسباب
فيمكنه أن يقول : " شهد الله أنه لا إله إلا هو وأن من يظهره الله حق"
مرة واحدة ، فهذه تكفى عن تسع عشرة مرة فى كل أذان.
الزكاة :
__________________
فرض الباب على كل من
بلغ نصاب الزكاة من أتباعه أن يزكى ، ومقدار النصاب خمسمائة وواحد وأربعين مثقالا
من الذهب أو ما يعادله من الفضة بشرط أن يحول عليه حول بابى (الحول البابى تسعة
عشر شهرا ، والشهر تسعة عشر يوما) أى أن السنة البابية ٣٦١ يوما ، ويعطى الزكاة
للباب فى حياته ولمجلس البابية من بعده وهو يتكون من تسعة عشر عضوا ، وهو الّذي
تؤدى إليه زكاة مقدارها خمس قيمة العقار وتجمع فى كل عام من رأس المال ما دام رأس
المال لم ينقص" .
الصوم :
مدته شهر ، والشهر
عند البابيين تسعة عشر يوما ، وهو من شروق الشمس إلى غروبها.
ويوم فطر البابية
هو يوم النيروز الموافق للحادى والعشرين من مارس ، وقد سماه الباب" عيد
رضوان" والاحتفال بيوم النيروز هو إحياء لعقائد الفرس القديمة ، بهذا اليوم
من أعيادهم القديمة المعروفة عند المجوس وعلى الصائم أن يقول هذا الذكر ٣٦٦ مرة فى
أول ليلة من صيامه" شهد الله أنه لا إله إلا هو المهيمن القيوم" وفى
الصباح عليه أن يقول : " شهد الله أنه لا إله إلا هو العزيز المحبوب"
٣٦٦ مرة أيضا.
وقد أباح الباب
لأتباعه قبل أيام الصيام قضاء خمسة أيام فى مجون ولهو وعبث وإباحية وسماها"
الخمسة المباحة".
ويبدأ البابى
الصوم وهو ابن إحدى عشر سنة فإذا ما بلغ الثانية والأربعين فلا صيام مع أن سن
الثانية والأربعين سن القوة والفتوة.
__________________
الحج :
الحج عند البابيين
هو الطواف حول الباب بشيراز ، وهو مفروض على الرجال دون النساء عدا نساء شيراز
فواجب عليهم الطواف ليلا ولا يجوز أن يحج أحد عن أحد.
ومن المعروف أن
الباب جعل من بيته بشيراز حرما آمنا ، وكعبة يتوجه إلى شطرها أتباعه البابيون.
والعجيب فى أمره
أن أباح الحج للرجال دون النساء مع أن دعوته تسمح بالاختلاط بل وسفور المرأة ، وهو
لا يحدد وقتا معينا للحج ، ويعتبر حاجّا بابيّا من زار بيته فى شيراز أو بيوت
أصحابه الثمانية عشر الذين أطلق عليهم لفظ" حروف حي".
من ذلك كله يتضح
لنا مدى عمق الانحراف فى عقائد وشرائع البابية ، فالباب الشيرازى كما هو واضح
تماما من خلال عرض مباديه وشرائعه حاول أن يكون معول هدم لشريعة الإسلام (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى
اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) . [صدق الله العظيم].
__________________
القسم الثانى
البهائية
المبحث الأول :
سيرة البهاء.
المبحث الثانى :
مؤلفات البهاء.
المبحث الثالث :
أساليب البهائية.
المبحث الرابع :
عقائد البهائية.
المبحث الخامس :
شريعة البهاء.
المبحث الأول
سيرة البهاء
اسمه الميرزا حسين
على سماه والده هكذا تبركا باسم الإمام الحسين ووالده الإمام على بن أبى طالب ،
فهو حسين على بن الميرزا عباس بزرك المازندرانى النورى ، نسبة إلى نور القرية التى
ولد فيها ، وهى من أعمال مازندران الإيرانية ، وكان مولده فى الثانى من المحرم سنة
١٢٣٣ للهجرة الموافق للثانى عشر من نوفمبر سنة ١٨١٧ م.
وكان والده
الميرزا عباس بزرك موظفا بوزارة المالية ، ويقال أنه كان أمينا لبيت المال فى
مازندران ، وكان والده كثير الزيجات ، ذكروا أنه تزوج أربع مرات ، وقالوا تسع مرات
، وكان حسين على الثالث من خمسة عشر طفلا ، والعشرة منهم ذكورا والبقية
إناثا" .
وقال محمد فاضل :
" خلف من الأولاد سبعة ذكور : الأول الميرزا محمد حسن ، والثانى الميرزا حسين
على صاحب الترجمة ، والثالث الميرزا موسى الملقب عند البهائية بالكليم ، والرابع
الميرزا تقى بريشان ، والخامس الميرزا رضاقلى الطبيب ، والسادس الميرزا يحيى
الملقب من الباب بصبح أزل ، والسابع الميرزا محمدقلى. وكان الثانى والسابع من أم
واحدة" .
__________________
وكان حسين على ـ
منذ صباه ـ محبّا لمعرفة العلوم الباطنية ، شغوفا بالاطلاع على الأفكار الغربية
والفلسفات الشاردة والفكر المنحرف ، كذا أخوه يحيى الّذي لقبه الباب بصبح أزل ..
فما أن عرف بدعوة الباب الخارجة عن الإسلام ، وبأفكاره المنحرفة عن جادة الإسلام ،
وميوله الإلحادية ودعوته الانحلالية حتى سارع مع أخيه للانضمام إلى جماعته والسير
فى ركاب مذهبه الهدام ، والتفانى فى خدمة عقيدته الفاسدة.
وقال بعض الباحثين
أن يحيى الملقب بصبح أزل وحسين على البهاء اجتمعا بالباب أثناء سجنه بقلعة جهريق
بأذربيجان ، واتفقا معه على الإيمان بدعوته" فبايعاه على الكفر ، وعاهداه على
دعوة الناس إليه ، وشخصا إلى طهران يبثان فى ملتها أضاليله وكفرياته ، ثم انحدر البهاء
إلى مازندران وطاف ببلدانها يدعو إلى هذا الإفك مبتدئا من بلدة نور الإيرانية مسقط
رأسه ، ثم قفل راجعا إلى طهران ، وكان ذلك فى آخر أيام الشاه محمد رحمة الله
عليه" . وكان فى حوالى السابعة والعشرين من عمره حين اعتنق
البابية ، قال أحد أتباعه فى كتابه بهاء الله والعصر الجديد : " لما أعلن
الباب دعوته اعتنق أمر الدين الجديد بشجاعة وكان إذ ذاك فى السنة السابعة والعشرين
من عمره" . أى أنه كان بابيّا منذ عام ١٢٦٠ ه الموافق لعام ١٨٤٤ م ،
أى مع بداية الدعوة البابية.
وفى مؤتمر بدشت
أشهر مؤتمرات البابية ، والّذي أشرنا إليه من قبل استطاع حسين على أن يؤثر على قرة
عين ، بشبابه وجاذبيته ، فهامت به
__________________
وجدا وتدللا ،
وكذا تمكن من غزو عقلها قبل أن يغزو قلبها ، وقد وافقها ميرزا حسين على فى كل
أفكارها المنحرفة ودعوتها إلى الانحراف عن الشريعة الإسلامية وحدودها ، وكذا
دعوتها إلى نسخ الشريعة الإسلامية ، حتى إنه لما ثار عليها بعض البابيين نتيجة
تطرف أفكارها ومناداتها بنسخ الشريعة الإسلامية وبظهور البابية وقف بجانبها مناصرا
ومؤيدا ومشجعا أفكارها تشجيعا كبيرا وقويّا ، و" فتح المصحف الشريف وقرأ منه
سورة الواقعة وفسرها بتفسير يؤيد ما قالته قرة العين ويصوبها ، وكتب بعد ذلك إلى
الباب الشيرازى بماكو يطلب منه الفصل فى القول ، فوافق الشيرازى قرة العين وحسين
على وعصابتهما القائلين بنسخ الإسلام" .
وحسين على هذا هو
الّذي أوحى إلى قرة عين بأن تطلق عليه اسم بهاء الله ؛ فنشرته بين البابية ،
ومنحته هذا الاسم.
ويقال إن تلقيب
الميرزا حسين على نفسه بالبهاء ، مأخوذ من دعاء يتلوه الشيعة فى أوقات السحر من
شهر رمضان منه : " اللهم إنى أسألك من بهائك بأبهاه وكل بهائك بهي ، اللهم
إنى أسألك من جمالك بأجمله وكل جمالك جميل ، اللهم إنى أسألك بجمالك كله" .
كذلك فإن سبب
تلقيب الميرزا يحيى ب" صبح أزل" مأخوذ مما ينسب إلى سيدنا على بن أبى
طالب ، لما سأله كميل بن زياد عن الحقيقة فقال له على : مالك والحقيقة ، قال كميل
: أو لست بصاحب سرك قال : نعم ، يرشح عليك ما يطفح منى. فقال كميل : أو مثلك يخيب
السائل؟
__________________
قال : الموهوم
وصحو المعلوم قال : زدنى بيانا. قال : نور أشرق من صبح الأزل فلاح على هياكل
التوحيد وأناره. قال : زدنى بيانا. قال كرم الله وجهه : أطفئ السراج فقد طلع
الصبح" .
ويكاد يجمع
الباحثون والمؤرخون على أن الباب استخلف الميرزا يحيى أخو البهاء قبل هلاكه ، وأن
البهاء بمكره استطاع أن يدعى أنه خليفة الباب وليس الميرزا يحيى هو الخليفة وقد
استفاد من كونه وكيلا لأخيه صبح أزل ، فقد أنعم عليه الباب بالوكالة ، وزعم أنه
الخليفة لا صبح أزل واحتدم الخلاف بين الأخوين لدرجة أن كلا منهما دس لأخيه السم
فى طعامه دون طائل.
ولما احتدم الخلاف
بين الأخوين نفت الحكومة التركية البهاء وأتباعه إلى عكا ، وصبح أزل وأتباعه إلى
فاماغوسا بقبرس. وقد وصف صبح أزل أخاه البهاء فى كتابه" ألواح" بالعجل ،
ووصف البهاء صبح أزل فى كتابه الأقدس بالمشرك الكافر.
وفى الوقت الّذي
وضع فيه البهاء كتاب" الإيقان" للدفاع عن عقائد البابية والدفاع عن
الشيرازى وأفكاره الغريبة نجد أن البهاء يدعى أيضا أنه هو الّذي أرسل الباب ، ومن
الطرائف أن كتاب الإيقان يتنازع فيه صبح أزل والبهاء حيث يدعى كل واحد منها بأنه
من تأليفه ، والجدير بالذكر أن الإيقان الخطى باسم الميرزا يحيى صبح أزل" .
__________________
وقد تدرج البهاء
فى مراتبه ، ولقب نفسه فى البداية بالذكر ، وزعم أنه المراد بقوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ
وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ثم سمى نفسه جمال القدم والحق والبهاء ، وزعم البهاء أنه
هو المقصود فى ألواح الباب" بمن يظهره الله" ثم تدرج به الأمر فزعم أنه
هو الّذي أرسل الباب وأرسل نفسه من قبل فى شخص زرادشت وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد
وغيرهم ، وهكذا زعم البهاء أن الباب كان (نقطة) وأن الباب كمحمد وعيسى وموسى إنما
جاء ليبشر بمجيء البهاء ، وأن هذه هى مهمة جميع الأنبياء ، فقد بعثوا جميعا وجاءوا
ليبشروا بظهور الله فيه ، ووصل به الأمر إلى انه كان يكتب كتبا مسجوعة إلى الملوك
والعظماء تذكرنا بسجع مسيلمة الكذاب.
والبهاء فى
تطوراته الروحية العجيبة إنما كان يقلد أستاذه الباب فقد بدأ الباب فكره وعقائده
بادعائه أولا أنه" باب القائم الموعود" ثم القائم ، ثم النبي ، ثم ارتقى
بعد ذلك إلى عرش الربوبية والألوهية.
* علاقة البهاء
بالروس :
كان أخوه الأكبر
كاتبا بالسفارة الروسية فى طهران كما كان زوج أخته الميرزا مجيد سكرتيرا للوزير
المفوض الروسى بطهران.
وكان صديق الأسرة
آقا خان الصدر الأعظم للدولة الإيرانية وقتذاك كان مواليا للروس وكان معروفا
بعمالته لهم.
وكان البهاء صديقا
للروس وعميلا من عملائهم فى إيران ؛ ولهذا قدمت له السفارة الروسية فى طهران
مساعدات كبيرة ووقفت بجانبه حينما
أراد شاه إيران
ناصر الدين القبض عليه ومحاكمته لتهمة تدبيره محاولة اغتياله ففر هاربا إلى
السفارة الروسية فآوته ودافعت عنه ، وحينما طلبت الحكومة الإيرانية من السفير
الروسى تسليمه رفض رفضا باتّا ، بل أرسله إلى منزل صديق الروس وعميلهم الكبير
آنذاك آقا خان رئيس وزراء إيران وكتب إليه رسميّا : " عن الحكومة الروسية
ترغب أن لا يمسه أحد بسوء ، وأن يكون فى حفظ وحماية تامة ، وحذره أن يكون رئيس
الوزراء مسئولا شخصيّا إذا لم يعتن به".
وطبيعى أن رئيس
الوزراء ذو السلطة الوثيقة بالروس وبالبهاء وعائلته أن يعتنى به شخصيّا أكثر من
اللازم ، فأخفاه عنده واستضافه فى بيته بعض أيام ، ثم قدمه إلى المحاكمة واعتقل
أربعة أشهر ، وظهر وقوف سفارة روسيا وعميلهم آقا خان بجانب البهاء حتى تمت تبرئته
من محاولة تدبير اغتيال ناصر الدين شاه القاجار ، وهكذا لعبت حكومة روسيا وسفارتها
دورا بارزا فى خروج عميلها البهاء من السجن ، وكانت أصابع رئيس الوزراء الخفية
تلعب دورها من وراء ستار لتخرجه من معتقله ؛ حتى يتمكن من نشر مذهبه البهائى ويستطيع
من خلاله إحداث التخريب الّذي يريدونه لتحطيم عقائد المسلمين ، فروسيا كانت تعلم
جيدا مدى أهمية نشر هذه المبادي الهدامة كى تستطيع أن تصيب عقائد المسلمين وتفسد
مبادي هذا الدين القويم.
ولقد ذكر
المازندرانى نفسه هذه العلاقة الحميمة بينه وبين الروس وأثنى كثيرا على سفير روسيا
فى طهران ، وعلى ملك الروس ، وبين أنه لو لا تدخل حكومة روسيا فى مسألته لظل فى
أغلال السجن ، وقيوده الرهيبة
فقال فى سورة
الهيكل : " يا ملك الروس .. ولما كنت أسيرا فى السلاسل والأغلال فى سجن طهران
نصرنى سفيرك" .
وأكثر من مرة ذكر
فضل الروس عليه وموقفهم الّذي لا ينسى معه ، وألهج بالثناء عليهم ، بل وضع ملكهم
فى مقام كريم لم يحط به أحد إلا هو ، فيقول فى كتاب من كتبه : " يا ملك الروس
، قد نصرنى أحد سفرائك إذ كنت فى السجن تحت السلاسل والأغلال ، بذلك كتب الله لك
مقاما لم يحط به أحد إلا هو" .
وحين أمرت الحكومة
الإيرانية بنفيه إلى بغداد بلغ اعتناء الحكومة الروسية بعميلها البهاء أن أرسلت
عددا من فرسانها الروس لتأمين حمايته وحفظه وإيصاله سالما إلى بغداد ، والبهاء
نفسه يعترف بذلك فيقول : " إنا ما فررنا ، ولم نهرب ، بل يهرب منا عباد
جاهلون ، خرجنا من الوطن ومعنا فرسان من جانب الدولة ـ العلية الإيرانية ، ودولة
الروس إلى أن وردنا العراق بالعزة والاقتدار" .
والأعجب من ذلك
أمر آخر ، أنه مع ارتباطه العميق بالاستعمار الروسى والثناء عليه كان أيضا يحب
الاستعمار الإنجليزى ويدعو لبقائه فى بلاد الإسلام ، ويلهج بالثناء على ملك
إنجلترا جورج الخامس ويشيد بانتصاراته ، ويطلب من الله أن يؤيده ويصونه ويحميه
يقول البهاء فى دعائه للملك جورج الخامس ملك الإنجليز : " اللهم أيد
الإمبراطور الأعظم ، جورج الخامس ، عاهل إنجلترا بتوفيقاتك الرحمانية ، وأدم ظلها
الظليل على
__________________
هذا الإقليم
بعرفانك وصونك وحمايتك إنك أنت المقتدر المتعالى العزيز الكريم" . ولنا أن نتصور إنسانا مسلما يدعو للاستعمار والمستعمرين
بالنصر ومزيد من المستعمرات الجديدة.
وفى الوقت الّذي
كان يدعو فيه للاستعمار الروسى والاستعمار الإنجليزى كان يدعو أيضا للدولة العلية
العثمانية بالنصر والتمكن فى الأرض مع أن إنجلترا وروسيا كانا من ألد أعداء الدولة
العثمانية.
يقول فى دعائه
للدولة العثمانية : " إلهى أسألك بتأييداتك الغيبية ، وتوفيقاتك الصمدانية ،
وفيوضاتك الرحمانية أن تؤيد الدولة العلية العثمانية ، والخلافة المحمدية على
التمكن فى الأرض والاستقرار على العرش" .
فلا شك أنه كان
ربيبا للاستعمار ؛ ولهذا ليس غريبا أن ينعم عليه بنيشان الإمبراطورية البريطانية ،
ويحصل على لقب سير عام ١٩٢٠ م.
موت البهاء :
فى الثانى من ذى
القعدة سنة ١٣٠٩ ه الموافق للسادس عشر من شهر مايو سنة ١٨٩٢ م مات البهاء
المازندرانى رب البهائية .. يقول داعية البهائية أبى الفضل الجلبائيانى" صعد
الرب (يقصد البهاء) إلى مقر عزه الأقدس الأعلى ، وغابت حقيقته المقدسة فى هويته
الخفية القصوى" .
ونلاحظ هنا مدى
الغلو فى تصوير البهاء واعتقاد ألوهيته.
وقد خلفه من بعده
ابنه عباس أفندى الملقب عند البهائية بعبد البهاء وهو زعيم البهائية ونبيها من بعد
أبيه ، فعبد البهاء نبى أما أبوه فكان عندهم
__________________
فى مقام الربوبية
، ولهذا حين مات البهاء بكاه ابنه عبد البهاء فى مكاتيبه وقال : " إلهى إلهى
، تفتت كبدى ، واحترقت أحشائى فى مصيبتك الكبرى ورزيتك العظمى" .
وقد دفن البهاء
قرب منزله بمنطقة بهجة فى عكا بأرض فلسطين التى قضى فيها حوالى ربع قرن من الزمان
يدعو لمذهبه.
وينقل عمر عنائت
فى كتابه العقائد عن أحد أبناء البهاء أنه جن فى أواخر أيامه ، وكان ابنه عباس عبد
البهاء يعمل كحاجب له ، فاستأثر بالأمر وأغدق على الجماعة أموالا" .
وعباس أفندى كما
ذكرنا هو وصى البهاء ، ويذكر أسلمنت الداعية البهائى فى كتابه بهاء الله والعصر
الجديد : " وكانت الوصية من الألواح الأخيرة التى نزلت وأمضاها وأختمها بنفسه
، وفضّت بعد تسعة أيام من صعوده بواسطة نجله الأكبر بحضور أعضاء أسرته وبعض
الأصحاب ، وعرفوا مضمون الكتاب المختص الشهير بكتاب العهد ، وعلى مقتضى هذه الوصية
أصبح عبد البهاء بدلا عن والده ومفسرا لتعاليمه ، وقد أمر بهاء الله أسرته
وأقرباءه وجميع الأحباب أن يتوجهوا إليه ويطيعوه ، وبهذا الترتيب امتنع ظهور
الانقسام بين الأحباء وأصبح الاتحاد على الأمر مضمونا" .
__________________
المبحث الثانى
مؤلفات البهاء
كتب البهاء
المازندرانى كتبا كثيرة تحتوى على صفحات قليلة يمكننا اعتبارها رسائل ،
فكتابه" الأقدس" الّذي يعتبره البهائيون كتابهم المقدس لا تزيد صفحاته
عن ملزمة وربع الملزمة ، و" لوح أحمد" ولوح على" و" لوح
طرازات" لا تتجاوز صفحات أى واحد منهم عن نصف ملزمة.
ومن العجيب أن
البهاء المازندرانى يعتبر كتابه الأقدس هو أغنى كتاب نزل ، فهو عنده أفضل من كل
الكتب السماوية السابقة ، حيث يقول فى كتابه الأقدس ما نصه : " قل فالله الحق
، لا يغنيكم اليوم كتب العالم وما فيه من الصحف إلا بهذا الكتاب الّذي ينطق فى قطب
الإبداع أنه لا إله إلا أنا العليم الحكيم" .
ويقول فى سورة
الأمين : " يا قوم امسكوا أقلامكم ، قد ارتفع صرير القلم الأعظم من لدن مالك
القدم ، ثم أنصتوا وقد ارتفع نداء الله الأبهى فى برية الهدى إنه لا إله إلا أن
المهيمن القيوم" .
وكتاب الأقدس ملئ
بالأساطير التى يصور فيها البهاء نفسه على أنه الله سبحانه وتعالى عما يصفون ،
فالكتاب يحتوى على ضلال البهاء المبين وإفكه الكبير ، فيقول مثلا فى الآية ١٢ ـ ١٥
: " قد تكلم لسان قدرتى فى جبروت عظمتى مخاطبا لبريتى أن اعلموا حدودى حبّا
لجمالى ، طوبى لحبيب وجد عرف المحبوب من هذه الكلمة التى فاحت منها نفحات الفضل
على
__________________
شأن لا توصف
بالأذكار ، لعمرى من شرب رحيق الإنصاف من أيادى الألطاف ، إنه يطوف حول أوامرى
المشرقة من أفق الإبداع ، لا تحسبن أنا نزلنا لكم الأحكام ، بل فتحنا ختم الرحيق
المختوم بأصابع القدرة والاقتدار ، يشهد بذلك ما نزل من قلم الوحى تفكروا يا أولى
الأفكار".
وفى الآيتين ١٩٨ ،
١٩٩ من الأقدس يقول البهاء : " يا معشر الملوك ، أنتم المماليك قد ظهر المالك
(يقصد نفسه) بأحسن الطراز ، ويدعوكم إلى نفسه المهيمن القيوم! إياكم أن يمنعكم
الغرور عن مشرق الظهور أو يحجبكم الدنيا عن فاطر السماء". ويسمى نفسه مالك
الأسماء فيقول فى الآية ٣١٣ : " اسمعوا نداء مالك الأسماء ، غنه يناديكم من
شطر سجنه الأعظم ـ بعكا ـ أنه لا إله إلا أنا المقتدر المتكبر المسخر المتعالى
العليم الحكيم".
وهذا افتراء كبير
أن يتصور البهاء ألوهيته ، ويتخيل البهائيون أن رجلهم هو إله ، تعالى الله عما
يصفون : (كَبُرَتْ كَلِمَةً
تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) [الكهف : ٥].
وفى الآيات (٣٣٦ ـ
٤٠٢) من الأقدس يتحدث البهاء عن ألوهيته ، وأنه لا يسأل عما يفعل ، فليس لأحد أن
يعترض على أوامره الإلهية ؛ لأنه الله الّذي سينجيهم فى الدنيا والآخرة وأنه
الغفور الّذي أنزل الكتب والرسل.
يقول فى أقدسه
المنحرف عن كل صواب : " طوبى لمن آمن بالله وآياته واعترف بأنه لا يسأل عما
يفعل ، هذه كلمة قد جعلها الله طراز العقائد وأصلها وبها يقبل عمل العاملين ،
اجعلوا هذه الكلمة نصب عيونكم
لئلا تزلكم إشارات
المعترضين ، لو يحل ما حرم فى أزل الآزال أو العكس ، ليس لأحد أن يعترض عليه ،
والّذي يتوقف فى أقل من آن إنه من المعتدين. والّذي ما فاز بهذا الأصل الأسنى
والمقام الأعلى تحركه أرياح الشبهات وتقلبه مقالات المشركين ، من فاز بهذا الأصل
قد فاز بالاستقامة الكبرى ، حبذا هذا المقام الأبهى الّذي يذكره زين كل لوح منيع.
كذلك يعلمكم الله ما يخلصكم عن الريب والحيرة وينحيكم فى الدنيا والآخرة ، إنه هو
الغفور الكريم ، هو الّذي أرسل الرسل وأنزل الكتب ، إنه لا إله إلا أنا العزيز
الحكيم".
وما ذا بعد أن
يعتقد بشر من البشر أن البهاء إله وأنه يقول : " لا إله إلا أنا العزيز الحكيم"
ويعتقد أتباعه فى ألوهيته بهذه الطريقة العجيبة البعيدة عن العقل والفكر السليم.
ولأنه الله ، فله أن يحل ما حرم فى أزل الآزال أو يحرم ما أحل ، فليس لأحد أن
يعترض على حكمه كما ادعى ، أليس هو الله الّذي لا يسأل عما يفعل ، تعالى الله عما
يصفون (اللهُ وَلِيُّ
الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ
كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى
الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). [البقرة : ٢٥٧].
وكما قلنا فإن
البهائيين يعتبرون أن كتاب الأقدس هو أسمى وأفضل الكتب جميعا ، وأن من يقرأ آية من
آياته خير له من أن يقرأ الأولين والآخرين" . وهذا الكتاب ملئ بالتراكيب اللغوية الخاطئة ، والأخطاء
اللغوية التى لا يصح أن يقع فيها تلميذ صغير فى المرحلة الابتدائية.
__________________
يقول مولانا إحسان
إلهى ظهير : " الجدير بالذكر أن البهائيين لم يطبعوا الأقدس مدة طويلة وبعكس
ذلك كانوا يمنعون الآخرين من أتباعهم من طبعه خوفا من الخزى والفضيحة ، ورغبة فى
إخفاء الجهل الشائن والحمق المطلق المتدفق فى كل سطر من سطوره وفقرة من فقراته لا
يقع فى مثله متعلم مبتدئ فضلا عن العالم والعارف المثقف لما فيه من أخطاء فاحشة
وتراكيب وأسلوب ركيك وعربية ضعيفة" .
ويقول أيضا عن
كتاب الأقدس : " كل فقرة من فقراته وعبارة من عباراته مهملة رديئة ومليئة
بالأخطاء من حيث اللغة والقواعد ، بل وكل جملة من جمله ، وكلمة من كلماته تخالف
محاورات العرب وأساليبهم ، فلا تجد عربيّا يكتب مثلما كتب ، ولا ينطق مثلما نطق ،
لا الأولين ولا الآخرين وأطفالهم وجهلتهم يشمئزون وينفرون من تلك العربية التى
يصوغها إله البهائية وربهم" .
ولأن البهاء لا
يسأل عما يفعل فإنه ميراث المنازل والألبسة للذكور دون الإناث ، فيقول فى أقدسه :
" وجعلنا الدار المسكونة ، والألبسة المخصوصة للذرية من الذكران دون الإناث ،
والوارث إنه لهو المعطى الفياض" .
ولقد حاول جاهدا
دون جدوى أن ينسخ على منوال القرآن الكريم ولكنه خاب ؛ لأن كلمات الله عزوجل فى قرآنه الكريم وحى إلهى صادق ، أما كلمات البهاء فى
الأقدس فهى افتراءات واضحة لكل ذى لب
__________________
سليم ، ومن أهم
محاولاته للاستيلاء على معانى القرآن قوله : " ألا بذكره تستنير الصدور وتقر
الأبصار" . فهذه محاولة رديئة لاستلاب قول الله تعالى : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ) [الرعد : ٢٨].
وقوله فى أقدسه :
" لا تتبعوا أنفسكم إنها لأمارة بالبغى والفحشاء" فهذا المعنى سلبه من قول الله تعالى : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ
لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) [يوسف : ٥٣].
وقوله فى أقدسه :
" إنه يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يشاء" . سلبه البهاء من قوله تعالى : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ
يُسْئَلُونَ) [سورة الأنبياء ٢٣].
لقد فشل
المازندرانى فشلا ذريعا فى أن يقلد القرآن الكريم ؛ لأن كلمات القرآن تشهد بأنه
وحى إلهى ، وأنه لن يستطيع أحد أن يأتى بمثل هذا القرآن أبدا ، يقول تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) (أى شك) (مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) (أى رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم) (فَأْتُوا بِسُورَةٍ
مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ) (المعنى : أى
نادوا الذين اتخذتموهم أولياء من غير الله ليعينوكم على المعارضة) (مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي
وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) [البقرة : ٢٣ ـ ٢٤].
__________________
يقول الإمام محمد
عبده : " فهذا القضاء الحاتم منه بأنهم لن يستطيعوا أن يأتوا بشيء من مثل ما
تحداهم به ليس قضاء بشريّا ، وإنما ذلك هو الله المتكلم ، والعليم الخبير هو
الناطق على لسانه (أى محمد ، صلىاللهعليهوسلم) وقد أحاط علمه بقصور جميع القوى عن تناول ما استنهضهم له
، وبلوغ ما حثهم عليه" . وهذا ما نلاحظه فى الأخطاء الواضحة فى كتاب البهاء ،
فكتابه الأقدس تضمن كثيرا من العبارات والمعانى الغريبة ، وإنك لتستشعر من خلال
كلماته بالتكلف الظاهر ، ورداءة الأسلوب ، وضعف المعانى ، فمثلا يقول : " قل
قد جعل الله مفتاح الكنز حبى المكنون لو أنتم تعرفون ، لو لا المفتاح لكان مكنونا
فى أزل الآزال لو أنتم توقنون" .
ويقول : "
إنا أمرناكم بكسر حدودات" النفس والهدى ، لا ما رقم فى القلم الأعلى ، إنه لروح الحيوان
لمن فى الإمكان ، قد ماجت بحور الحكمة والبيان بما هاجت نسمة الحيوان ، اغتنموا يا
أولى الألباب" .
وهذه كلمات لا
معنى لها ، أو معانيها سطحية ساذجة.
من تناقضات البهاء
:
من المعروف أن
البهاء حسين على المازندرانى كان من أشد المعتنقين لمبادئ البابية والمؤمنين
إيمانا قويّا بكل ما قاله وجاء به الباب الشيرازى ،
__________________
فكل ما قاله
بالنسبة له وحى من ربه الباب ، بل قال : " لا يمكن لشخص أن يكون بهائيّا ولا
يعتقد بديانة الباب وألوهيته" .
وإذا كان ذلك كذلك
فإن جميع المؤرخين أجمعوا على أن الباب أوصى لأخيه غير الشقيق صبح أزل بالخلافة
على ما أشرنا من قبل فلما ذا تنكر البهاء لوصية سيده الباب لدرجة أنه يقول عن أخيه
صبح أزل : " إن المرزا يحيى ليس إلا نقطة الظلمة" . ويقول أيضا عن أخيه واصفا إياه بالشرك : " إياكم أن
تتمسكوا بالذى كفر بلقائه وآياته ، وكان من المشركين ، فى كتاب كان بالحق
مرقوما" .
فهل أخطأ ربه ورب
البابية الشيرازى حين أوصى لصح أزل المشرك الكافر فى نظر رب البهائية حسين على
المازندرانى ، ومن هنا يبدو أن الكذب واضح والتناقض واضح فى مبادى وفكر رب البابية
ورب البهائية.
كذلك نجد أن
البهائيين يتلونون على كل الأديان ، حدث مرة أن حضر عباس أفندى (عبد البهاء) حفلة
للبراهمة فى لندن ، فقال رئيسهم البرهمى : " إنه لا خلاف بين البرهمية
والبهائية!. ولم يمتعض عبد البهاء بل استخف لحيته الجذل والمجون ، وهو يعبث فيها
بأصابعه ، فتعبر بحركاتها عن التأييد والإعجاب ، وسأل عبد البهاء ملحد وصفته
البهائية بأنه أحد طلاب الأفكار العالية : " ينبغى لك ألا تنفصل عنها ، فاعلم
أن الملكوت ليس خاصّا بجمعية مخصوصة ، فإنك يمكنك أن تكون بهائيّا يهوديّا ،
وبهائيّا مسيحيّا ، وبهائيّا ماسونيّا ، وبهائيّا مسلما. ومعنى ذلك أن عبد البهاء
يقول بجواز
__________________
الجمع بين الكفر
والإيمان ، فالإنسان عنده يمكن أن يكون مؤمنا وكافرا فى الوقت ذاته ، وهذا إفك
مبين ، وضلال كبير ، وكان عبد البهاء يعلم جيدا أن سادته الأجانب سيقفون يجانبه فى
كل محاولاته لزعزعة العقيدة الإسلامية" فلم تجد الحكومة العثمانية بدّا من
التحقيق معه ، متهمة إياه بأنه يدعو إلى دين جديد ، ويعمل لتأسيس أمة جديدة ، وبأنه
يشيد الحصون ، ويشترى مساحات شاسعة من الأرض فى حيفا وهذا عين ما كانت تفعله
الصهيونية حينذاك سنة ١٩٠٧ م ، واقترحت لجنة التحقيق نفيه إلى" فزان"
بطرابلس ليبيا ، أو إعدامه ، إذا ثبت صدق ما اتهم به ، غير أن عبد البهاء كان يقسم
أمام المحققين فاجر الكذب أنه شيخ مسلم ، ولم يبال بما اقترحوه ، إذ كان واثقا من
أن سادته لن يتخلوا عنه" .
وكان الإنجليز
يعرفون دور عبد البهاء جيدا فى محاولة النيل من العقيدة الإسلامية ، وكانوا يقدرون
جهده ويحرصون على مكافأته ومن هذه المكافأة دعوتهم له إلى نزهة فى أوربا ، فنزل
سويسرا سنة ١٩١١ م فى أغلى وأفخم فنادقها التى تطل على بحيرة جنوا.
وفى خطابات عبد
البهاء نفسه نجد صورا عجيبة : " فقد جلس مرة فى ناد ليلى مع بعض الفتيات
اللاتى يسمين بفراشات الليل ، فتحدث عن جمال أبيه ، وشبهه بالمصباح الّذي أشرق ،
فتهافتت حوله الفراشات!! فقالت إحداهن : هل نستعد لأن نغمس أجنحتنا فى هذا النور؟
فأجاب فى لهفة وشوق : حسنا قلت ، فإنى مسرور من جوابك". والأمر لا يحتاج إلى
تعليق.
__________________
لقد كان عبد
البهاء يميل إلى الغرب والثقافة الغربية بشدة ولهذا أضاف إلى تعاليم أبيه البهاء
على التعاليم التى ورثها عن أبيه زيادة كبيرة ، وسعى تدريجيّا فى أن يوفق بينها
وبين صور التفكير الغربى ومرامى الثقافة الحديثة ، أو خفف بقدر الإمكان من وطأة
الخزعبلات والخوارق التى كانت لا تزال عالقة بالمراتب الروحية السابقة ، إن لم يكن
قد انتبذها كلها جانبا ، وكثيرا ما استعان عباس بأسفار العهد القديم والجديد التى
استشهد بالكثير من آياتها فى كتاباته وبياناته ، محاولا بذلك أن يؤثر فى بيئات
أوسع مدى من تلك التى نثر فيها أبوه ديانته" .
والحقيقة إن عبد
البهاء كان محبّا للاستعمار الإنجليزى ويقول عن الإنجليز : " إن مغناطيس حبكم
هو الّذي جذبنى إلى هذه المملكة". وقد خطب فى كنائسها ، وقال رئيس
كنيسة" سيتى تمبل" معقبا على عظة عبد البهاء فى كنيسته : " إنها فى
روحها مطابقة لجميع الخطابات الدينية التى تسمعونها كل أسبوع ، ولقد تصافح هذه
الليلة الشرق والغرب فى هذه الكنيسة. وكذلك فعل رئيس كنيسة" سانت جونس"
حتى لقد طلب من عبد البهاء مناجاة الله ، وهم ركوع ، وقد بلغ سرور الإنجليزيات منه
مبلغا عظيما حتى لقد قالت إحداهن عن مجالسه : " وقد كان الإنسان يشعر بقدرته
على خلع العذار". هذا أثر البهائية فى النساء ، تجعلهن قادرات على اقتراف
الخطايا فى مجامع الرجال ، دون خشية من الله ، أو دون شعور بأنهن اقترفن
خطيئة" .
__________________
كذلك هيأ له
أسياده الإنجليز رحلات خاصة وتكلفت مبالغ باهظة فى فرنسا وأمريكا وألمانيا والمجر
والنمسا والإسكندرية ، وهناك فى الإسكندرية صدرت له الأوامر من سادته الإنجليز
بالسفر إلى حيفا بأرض فلسطين عام ١٩١٣ م ، لما ذا؟ " ليكون تحت إمرة بريطانيا
فى المكان الّذي كانت تعد العدة للوثوب به ، والّذي كانت الصهيونية تتشوف إليه ،
وهناك منع الناس عن زيارته ليصنع الجريمة فى حرية ، ولم يبق معه من البهائية سوى
الأشياع الذين يعينونه على الخيانة ، ثم اندلعت الحرب العالمية الأولى سنة ١٩١٤ م
، وجاء عبد البهاء يدمر القوى المعنوية ، ويبشر بقرب النجاة ، والخلاص على يد
الحلفاء من طغيان الترك ، وليبث للاستعمار الولاء وهو يقفز من عكا وحيفا ومن حيفا
إلى عكا ، يرهب من المقاومة ويجمع الأنباء ، ويرسل بها إلى سادته ، ودخل الجنرال
اللنبى أبواب فلسطين بجيوش الحلفاء ، وسقطت حيفا فى ٢٣ سبتمبر ١٩١٨ م ، وعبرت
البهائية عن فرحها بسقوط حيفا بقولها : " وكان الابتهاج عظيما عند ما استولت
الجنود البريطانية والهندية عليها" وبقولها : " ومنذ الاحتلال البريطانى
طلب عدد عظيم من العسكريين والموظفين من كل الطبقات حتى العليا مقابلة عبد البهاء
، وكانوا يبتهجون بمحادثته النوراء".
وما ذا كانت
المكافأة التى تكشف خدماته الكبيرة للاستعمار الإنجليزى ، إنها أكبر مكافأة تمنحها
بريطانيا لرجل خدمها خدمات كبيرة ففى أبريل سنة ١٩٢٠ م قدم الحاكم الإنجليزى
العسكرى لفلسطين لاسم الإمبراطورية البريطانية أرفع وسام انجليزى يعطيه لقب فارس
الإمبراطورية البريطانية وهو لقب سير.
وهذا أقوى دليل
وأشده على مدى تعاونه مع الاستعمار ، ولهذا فليس غريبا حين مات فى ٦ من ربيع الأول
سنة ١٣٤٠ ه ٨ نوفمبر سنة ١٩٢١ م أن يسير خلف نعشه الحاكم الإنجليزى لمدينة القدس
وغيره من القادة العسكريين والمدنيين بأرض فلسطين فقد كان أكثر الناس ولاء للاستعمار
الإنجليزى.
المبحث الثالث
أساليب البهائية فى الدعوة إلى مذهبها
منهج البهائية فى
الدعوة إلى ديانتها منهج قائم على أساس التلفيق والتوفيق بين المذاهب والأديان
الموجودة فى المجتمعات المعاصرة بدعوى محاولة التقريب بينها ، وهى فى الحقيقة تهدف
إلى بث أفكارها وعقائدها البهائية وتحاول فى الوقت نفسه القضاء على العقائد
الأخرى.
ولهذا فإننا نلمس
بوضوح تام أن البهائى يتظاهر بأنه مسلم بين المسلمين ، ونصرانى بين النصارى ،
وبوذى بين البوذيين ، ويهودى بين اليهود ، وإذا كان البهائى فى بلاد الشرق ادعى
أنه يتبع عقيدة تساير روح العصر الحديث وتصلح للزمن الحاضر والأزمان التالية ،
وإذا كان موجودا فى بلاد الغرب ادعى أن حضارتهم أفضل من حضارة الشرق ، وأن مذهبهم
أكثر عصرية ، وحضارة وتقدما من الشرقيين ، وأن عقائدهم العصرية تنفق مع الدعوة
البهائية. والبهائيون فى دعوتهم لديانتهم يستخدمون منهجا غريبا قريبا من المنهج
التبشيرى البروتستانتى مع فارق بسيط بينهما هو أن الداعى البهائى يحاول أن يلونك
بلون البهائية عند أول بادرة تبدر منك ، فإذا سألك مثلا هل توافق على تقبيل
المقامات للأولياء وقلت : لا. ينبهك إلى أنك بهائى ، ولو أفهمته أنك لست بهائيّا
قال لك إنك بهائى ، ولكنك مكابر
ومن الفضيلة
الرجوع إلى الحق" .
وفى خطابات"
عبد البهاء" نجد نصّا يبين لنا كيف كان الرجل يتلون مع كل اتجاه ومع أى ريح
حتى مع الإلحاد والكفر ، فقد سئل نبى البهائية الثانى عبد البهاء عن إنسان ترك
الدين ، وعكف على دراسة الاقتصاد وحده؟. فقال للسائل : إن أمثال هؤلاء النفوس
يشتغلون بالدين الحق" .
أى أن التدين الحق
فى البعد عن الأديان وعقائدها فهو مع الملحدين ملحد ومع المؤمنين شيخ وقديس
وخاخام.
كتب عبد البهاء
إلى أحد دعاته الّذي كان نصرانيّا وأصبح بهائيّا فقال له فى رسالته : " حضرة
يوحنا ، الحكمة ضرورية ، والاحتياط لازم ، ولا ترفعوا الحجاب أمام كل أحد ، بل
كلموا النفوس المستعدة للقبول ، ولا تتحدثوا عن العقائد مطلقا ، بل حثوا عن تعاليم
الجمال المبارك ، روحى لأحبائه الفداء" .
ويتضح من ذلك أن
البهائيين يلبسون لكل شيء لبوسه ، فقد تراهم مع المسلمين فى المسجد يصلون ، ومع
النصارى فى كنائسهم يركعون أمام الصليب ، ومع اليهود فى بيعهم يقرءون التوراة ،
ومع الهندوس يعبدون البقر ، ومع المجوس يركعون للنار ، فقد أمرهم البهاء بأن
يسايروا الناس جميعا على اختلاف عقائدهم وأن يعانقوهم بالروح والريحان.
__________________
ومن الذين خدعوا
بالبهائية المفكر الإسلامى وشاعر الإسلام الكبير محمد إقبال الّذي ظن أن البهائية
حركة تقدمية إصلاحية داخل نطاق العالم الفارسى الشيعى" .
وكذلك شكيب أرسلان
، حيث خدعه عبد البهاء ، وأكد له بأن" البهائية فرقة إسلامية لتقوية المبادي
الأخلاقية" .
ولقد استطاع عبد
البهاء أن يخدع الإمام محمد عبده ؛ فقد كان يصلى الجمعة فى بيروت مع الشيخ محمد
عبده مع أن البهاء نفسه أسقط وأبطل صلاة الجمعة ، ولم يكن الإمام محمد عبده ـ رحمهالله ـ يعرف حقيقة
البهائية إلا حين حدثه الإمام محمد رشيد رضا ـ رحمهالله ـ عن مبادئها ،
يقول رضا : " دهشت أشد الدهشة إذ رأيت الأستاذ الإمام غير واقف على حقيقة
دينهم ومصدقا ما كان يسمعه من زعيمهم الداهية عباس أفندى نجل البهاء ومنظم دعوته
وناشرها حتى أوقفته على ذلك ، كان يجتمع بعباس أفندى أيام إقامته فى بيروت ، إذ
كان عباس أفندى يتردد ويصلى الصلوات الخمس والجمعة ، ويحضر بعض دروس الأستاذ
الإمام ومجالسه ، واستمر على مكاتبته بعد عودته إلى مصر" .
بل إن البهاء حاول
أن يشرح للإمام محمد عبده بمنهج البهائية الباطنية حقيقة مذهبهم وأن يضلل الحقائق
وقال الإمام محمد عبده : أنا لم
__________________
أفهم من عباس
أفندى شيئا من هذا ، وإنما صرح لى إن قيامهم لإصلاح مذهب الشيعة وتقريبه إلى مذهب
أهل السنة" .
ولقد رأينا من قبل
كيف نسخ عبد البهاء حكم أبيه البهاء فى صلاة الجماعة ، فإن أباه كان قد رفع حكم
صلاة الجماعة إلا عند صلاة الميت ، لكن عبد البهاء أباح لأتباعه صلاة الجماعة
خداعا للمسلمين ونفاقا ، وقد برر عباس أفندى (عبد البهاء) إباحة صلاة الجماعة
بقوله : " ربما يقول الإنسان إنى أصلي كلما أريد وعند ما أجد قلبى متوجها إلى
الله ، سواء فى المدينة أو الخلوات ، فلما ذا أذهب إلى المحل الّذي يجتمع فيه
الآخرون فى يوم معين ، وفى ساعة معينة ، وأجتمع فى الصلاة معهم ، فذلك القول باطل
لا معنى له ؛ لأنه إذا اجتمع جمع كثير ، فإن قوتهم تكون عظيمة" .
ومن المعروف إنما
هو نسخ حكم أبيه البهاء خداعا للمسلمين ، فقد صلى من قبل فى البيع والكنائس وفى
معاهد البوذيين بالهند.
أما بالنسبة للذين
لا يعرفون شيئا عن البهائية من عامة الناس فكان البهائيون يرددون فى عقولهم :
" إن البهاء مجدد ، فإن آمنوا نقلوهم إلى الخطوة الثانية ، وهى أن البهاء جاء
بشريعة جديدة" ، ولا فرق بين أساليب الفرق الباطنية القديمة فى الدعوة
لباطنيتها وبين البهائيين المعاصرين ، ولقد ربى البهاء ابنه عباس أفندى على
استخدام هذا الأسلوب فى التدرج نحو استقطاب عضو جديد إلى حظيرة البهائية.
__________________
فالبهائى فى كل
مكان مثال حي لهذه الروح المتلونة ، إنه يعرف جيدا كيف يختفى عن أنظار الحق ، وهو
يعلم دائما متى ينسحب فى الوقت المناسب وراء ستار كثيف من دخان المراوغة والنفاق واصطناع
المجاملة ، إن البهائى يخشى الحقيقة أبدا ، فإذا دخلت معه فى نقاش علمى هادئ تراه
ينسحب بحجة أن البهاء يمنعه من المناقشة مع من لا يدينون بمذهبه" .
ويقول الدكتور
محسن عبد الحميد : " إننى أدعو كل بهائى يحترم عقله ويحترم ثقافته أن يقرأ
كتابا للباب ، وكتابا للبهاء ، ثم يقرأ القرآن الكريم ، وكتابا فى مبادي الإسلام
العامة وشريعته العادلة ، ثم يحكم الإنصاف ليصل إلى وجه الحق فيتخلص من هذه
الخرافة الفارسية الكبرى التى تسمى بدين البهاء ، إن الجهل بمبادىء الإسلام الحقة
، والجهل بحقيقة الأوضاع التى أحاطت بظهور حركة البابية والبهائية هى التى تحول
بين معظم البهائيين وبين عودتهم إلى حظيرة الإسلام ، وكثير من البهائيين عادوا إلى
الانضواء تحت راية القرآن عند ما علموا الحق ، خاصة أولئك المخدوعين الذين لم
يدخلوا إلى البهائية إلا نتيجة لظروف اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية" .
__________________
المبحث الرابع
عقائد البهائية
لا شكّ أن الناظر
فى مبادي البهائية يكتشف لأول وهلة أن عقائدهم خليط من نحل ومذاهب وعقائد متباينة
، فهى مزيج من عقائد ومذاهب ديانات الهند القديمة والصين وفارس واعتقادات الفلاسفة
، وغلاة الصوفية ، والباطنية والأديان والشرائع السماوية.
يقول علماء
البهائية فى تفسير قول الله تعالى : (وَالسَّماواتُ
مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) القصد منها الأديان السبعة : البرهمية والبوذية
والكونفوسيوسية والزرادشتية واليهودية والنصرانية والإسلام ، إنها جميعا مطويات
بيمين الميرزا حسين على البهاء" ، وهذا التأويل العجيب لا يقره عقل ولا نص ، ويكشف عن ضعف
مناهج البهائية فى التأويل ، وليّهم النص القرآنى لصالح عقائدهم الباطنة.
وقد استقرت عقيدة
البهائيين كما قررها لهم البهاء ، وكما فسرها دعاته فى كتبهم ونشراتهم" على
أن الله ليس له أسماء ولا صفات ولا أفعال ، وأن كل ما يضاف إليه من أسماء وصفات
وأفعال هى رموز لأشخاص ممتازين من البشر قديما وحديثا هم مظاهر أمر الله ومهابط وحيه
فى زعمهم وآخرهم الّذي لقب نفسه (بهاء الله) وهو عندهم مظهر الله الأكمل ، وهو
الموعود ،
__________________
ومجيئه الساعة
الكبرى ، وقيامه القيامة ، ورسالته البعث ، والانتهاء إليه الجنة ، ومخالفته هى النار"
.
وهنا يبدو الغلو
جليّا واضحا فى عقائد البهائية ، فهم ينكرون على الله أسماءه الحسنى وصفاته العلى
، وأفعاله الإلهية ، تعالى الله عما يصفون علوّا كبيرا.
ونتج عن هذا القول
تأليه البهاء البشر والتوجه إلى قبلته ، يقول ابن البهاء فى إجابته على سؤال سائل بهائى
عن القبلة" بخصوص محل التوجه فإنه مقبرته المقدسة (أى مقبرته بعكا) بنص قطعى
إلهى الّذي جعله مكانا للملإ الأعلى .. والتوجه إلى غير تلك العتبة المقدسة لا
يجوز .. لعمرى إنه لمسجدى الأقصى وسورتى المنتهى وجنتى العليا ومقصدى الأعلى"
.
وهكذا نجد أن
البهائيين ما قدروا الله حق قدره ، يقول الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ
فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا
ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا
يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ. ما قَدَرُوا اللهَ
حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) .
ويدعو عبد البهاء
والده رب البهائية بأن ينور أجساد البهائيين وأرواحهم بالنور والإلهام ، فيقول عبد
البهاء فى إحدى الخطابات التى ألقاها فى أمريكا للحاضرين : " يا بهاء الله
نشكرك على انجذاب هذه الفتيات ، فأيدهن واجعلهن ملكوتيات بعد كونهن ناسوتيات واجعل
قلوبهن ملهمة
__________________
وأرواحهن مبشرة ،
يا بهاء الله نور أجسادنا وأرواحنا .. يا بهاء الله أعطنا القوة السماوية ،
وتأييداتك الربانية لأنك أنت الرءوف ، وصاحب الفضل والإحسان" .
ويقول الأستاذ
محمد فريد وجدى : " البهائية عقيدة فى الله على طريقة الذين يقولون بأنه
مجموع الكائنات فعندهم أن الرسل السابقة على بهاء الله إنما بعثوا لينبهوا الطبيعة
أولا بمظهر الباب الملقب بحضرة العلى ، ثم ظهوره وإشراقه أخيرا فى بهاء الله الّذي
كان منفيّا فى عكا ، فهو فى اعتقادهم المظهر الإلهي الأكمل تجلى على خلقه ليوحى
إليهم الحقائق الخالدة التى توصلهم إلى حظيرته القدسية العليا" . ومعنى ذلك أن الله تعالى عند البهائيين قد ظهر فى مظهر
البهاء الّذي بلغ الكمال الأعلى .
وهو فى ذلك يسير
على نهج أستاذه الباب الشيرازى الّذي سمى نفسه بالباب وقال : " فى كل
الظهورات من آدم إلى محمد وقبل آدم لم يكن مظهر المشيئة إلا النقطة" .
وهذا ما أكده
البهاء كثيرا وأشرنا إليه من قبل مثل قوله عن نفسه : " لا يرى فى هيكلى إلا
هيكل الله ، ولا فى جمالى إلا جماله ، ولا فى كينونتى إلى كينونته ، ولا فى ذاتى
إلا ذاته ، ولا يرى فى ذاتى إلا الله" .
__________________
ويصفه ابن عبد
البهاء عباس بأنه رب الأرباب فيقول : " تجلى رب الأرباب والمجرمون لخاسرون ،
وأنشأكم النشأة الأخرى ، وأقام الطامة الكبرى" .
ويقول أحد
البهائيين بجرأة شديدة : " قد أذعنا وأيقنا بألوهية البهاء الحى الّذي لا
يزال بلا مثال" . والبهاء يسأل أتباعه الاستغاثة به عند الملمات والحاجات
فهو ربهم ومغيثهم وملجأهم من كل كرب وبلية ، ويقول فى الإيقان : " يا معشر
الروح لعلكم فى زمن المستغاث توفقون ، ومن لقاء الله فى أيامه لا تحتجون" . وكان يعلم أتباعه الأدعية التى يدعونها به فمن هذه الصيغ
: " أسألك يا إله الوجود ومالك الغيب والشهود بسبحانك ومظلوميتك ، وما ورد
عليك من خلقك لا تخيبنى عما عندك ، إنك أنت مالك الظهور والمستوى على العرش فى يوم
النشور لا إله إلا أنت العليم الحكيم" .
ويدعى البهاء أنه
موعود كل الأزمنة لأنه فى رأيه إن جميع الظهورات لم تنته ويقول : " هذا هو
مبلغ إدراك هؤلاء الهمج الرعاع الذين اعتقدوا بجواز انقطاع الفيض الكلى والرحمة
المنبسطة الأمر الّذي لا يجوز لأى عقل أو إدراك أن يسلم بانقطاعه" .
والحقيقة إن
البهاء قد ادّعى النبوة والرسالة كما ادّعى الألوهية فى وقت واحد أى أنه قال بحلول
الله فيه ، ويبين ذلك داعية البهائية أسلمنت
__________________
فيقول : " من
المهم أن يكون عندنا علم تام واضح بخصوص رسالة بهاء الله ، فإن أقواله مثل أقوال
سائر المظاهر تنقسم إلى قسمين ، ففى أحدهما يتكلم أو يكتب كرجل أمر من الله برسالة
إلى أصحابه ، بينما القسم الآخر ينبئ عن أنه أقوال ذات الله" .
والبهاء نفسه يدعى
أنه ليس هناك فصل بين طوره البشرى والإلهي فيقول فى سورة الهيكل : " قل لا
يرى فى هيكلى إلا هيكل الله ، ولا فى جمالى إلا جماله ، ولا فى كينونتى إلى
كينونته ، ولا فى ذاتى إلا ذاته ، ولا فى قلمى إلا قلمه العزيز المحمود ، فلم يكن
فى نفسى إلا الحق ، ولا يرى فى ذاتى إلا الله" .
إن البهاء يدعى
الألوهية بكل جرأة فيقول فى أقدسه : " يا ملأ الإنشاء ، اسمعوا نداء مالك
الأسماء ، إنه يناديكم من شطر سجنه الأعظم إنه لا إله إلا أنا المقتدر المتكبر ،
المتسخر ، المتعالى ، العليم ، الحكيم ، إنه لا إله إلا هو المقتدر على
العالمين" .
ويرى البهاء"
أن الشريعة الإسلامية قد انقضى عهدها انقضاء تامّا وبطل مفعول أحكامها ، وأحلت
مكانها أوضاعا جديدة للصلوات والعبادات" .
التأويل عند
البهائيين :
__________________
يؤول البهائيون
القرآن تأويلا باطنيّا غريبا عن مناهج التفسير الصحيحة.
والتأويل الباطنى
منهج خبيث استخدمه أعداء الإسلام من الفرق الباطنية والإسماعيلية وغلاة الشيعة
وغلاة الصوفية الّذي أسقطوا التكاليف وابتدعوا مبادي وعقائد غريبة عن الإسلام
الصحيح ، انظر إلى تأويلاتهم مثلا لسورة التكوير ، فقالوا : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) ذهب ضوؤها ، أى أن الشريعة الإسلامية ذهب زمانها واستبدلت
بشريعة البهاء. (وَإِذَا الْجِبالُ
سُيِّرَتْ) أى أن الدساتير الحديثة قد ظهرت. (وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ) أى : استعيضت عنها بالقاطرات. (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ) وهى الجنين يسقط فى هذه الأيام فيموت ، فيسأل عنه من قبل
القوانين لأنها تمنع الإجهاض. (وَإِذَا الصُّحُفُ
نُشِرَتْ) كثرت الجرائد والمجلات. (وَإِذَا السَّماءُ
كُشِطَتْ) انقشعت أى : أن الشريعة الإسلامية لم يعد يستظل بها أحد. (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ). (وَإِذَا الْجَنَّةُ
أُزْلِفَتْ) الأولى لمن عارض الميرزا حسين ، والثانية لأتباعه
والمؤمنين" .
وهذه محاولة
مكشوفة من البهائيين لإقناع أتباعهم بأن البهاء هو المراد المقصود بهذه الآيات ،
وأنه ينبغى الاعتقاد بذلك ، وإلا فإن النار جزاء من عارض الميرزا حسين ، والجنة
لأتباعه والمؤمنين به.
__________________
موقف البهائية من
النبوة :
يدعى البهاء
والبهائيون أصحابه أن عقيدة ختم النبوة بمحمد ، صلىاللهعليهوسلم عقيدة غير صحيحة ، ومبدأ لا أساس له ، وإن هذه العقيدة
إحدى البلايا التى يختبر بها الله تعالى عباده ليميز الذكى منهم ومن هو قليل
الإدراك لمعنى ختم النبوة.
وإذا سألتهم وما
تفسيرهم لقول الله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ
أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ
اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) . أوّل ربهم البهاء ذلك بأنها حتمية مجازية فليس محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، خاتم الأنبياء على الحقيقة ، ومعنى (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ
النَّبِيِّينَ) عنده أن ذلك لون من ألوان الاختيار الإلهي للناس فى
تأويلهم لمعنى ختم النبوة ، فمن قال بأن معناها أن محمدا هو النبي الخاتم على
الحقيقة سقط فى الامتحان ولم يحز أسباب القبول والرجحان" .
وهذا فهم خاطئ
للنص القرآنى ، فالذى قال بختم النبوة بمحمد ، صلىاللهعليهوسلم ليس بشرا من البشر وإنما هو خالق كل شيء ، والنص واضح وصريح
ولا يحتاج إلى تأويل على الإطلاق.
ويعتبر البهاء أن
القول بختم النبوة حجر على فيض الله وجوده العظيم فيقول : "لم يزل سلطان
الوجود بظهور مظاهر نفسه ، ومطالع قدرته محيطا بجميع الممتلكات قاطبة ، وليس هناك
أوان ينقطع فيه فيضه ومدده أو
__________________
تقلع سماء عنايته
عن إرسال أمطار رحمته" . إنه يريد أن ينزع من عقول الناس حقيقة الحقائق وختم
النبوة برسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، فهو يزعم أن فى ذلك وصف لله تعالى بالبخل والضّنّ على
الناس برحمته وكرمه وفيضه المدرار ، بل يفترى ويقول إن ذلك عنده" هو عين
الكفر الجلى والضلال الصراح ، وبعيد كل البعد عن صاحب الفيض المدرار ، والرحمة
المنبسطة على كل التلال والديار" .
ويشبه البهاء
المازندرانى موقف المسلمين منه ، وقولهم بختم النبوة بمحمد ، صلىاللهعليهوسلم ، بموقف اليهود من عيسى عليهالسلام ، فيقول فى جرأة عجيبة : " إنهم (أى : أمة الإسلام
والفرقان) اعتقدوا (أى : مثل اعتقاد اليهود فى عيسى وعدم إيمانهم به) وقالوا شبه
قولهم ، وذهبوا إلى ما ذهبوا إليه ، بل عوّلوا على ما عوّلوا عليه ، أما سمعتهم
يقولون : طوى بساط الرحمة والظهور والتنبؤ وأوصد باب الرحمة والبعثة فلن تطلع
اليوم شمس من مشرق القدس المعنوى ، ولن يتمخض فيض القدم الصمدانى بظهور" . وبعد أن شبه موقف المسلمين منه بموقف اليهود من عيسى عليهالسلام ، شبه البهاء موقف المسلمين منه بموقف النصارى أمة الإنجيل
من محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، فيقول إن علماء النصارى يرون" أنه لن يأتى بعد عيسى
إلا مجرد شراح ومفسرون ، فها هم النصارى أيضا ينكرون محمد صلىاللهعليهوسلم كنبىّ مرسل ومبعوث جديد" .
__________________
ويرى البهاء
المازندرانى أن جميع الأنبياء السابقين يجتمعون فيه وأنهم شخص واحد فهم حكم نفس
فردة وذات واحدة" . فهو يرى أن النبي الأول هو ذاته النبي الأخير : "
الاتحاد أمرهما ووحدة جوهرهما وما يرميان إليه ، حيث أن الجميع مرسل فردة وذات
واحدة" . فالأنبياء جميعا عنده شخص واحد ، ظهر بأسماء متعددة فى
الأزمنة السابقة ، وهو فى زمنه ظهر فى شخصه البهاء ، فسائر الأنبياء فى رأيه هياكل
أمر الله" فإذا نادى وجهر أحدهم بأنه دعوة السالف فأنى لا يغد صادقا" .
وهذا كلام عجيب ،
فلم يقل أحد من الأنبياء قط أنه رجعة لكل الأنبياء السابقين عليه ، والقول بالرجعة
ليس من المعتقدات الإسلامية الصحيحة.
وهكذا يحاول
البهائيون هدم عقيدة ختم النبوة من عقول المؤمنين ويحاول البهاء أن يجعل مرتبته
وقدره أسمى وأرقى من جميع الأنبياء فيقول : " إن العلم مقسم على سبعة وعشرين
حرفا ، وأن ما جاء به الأنبياء من آدم إلى الخاتم حرفين فقط ، وأوكل بيان الباقى
وهو خمسة وعشرون إلى القائم ، وجعل ذلك من شئون وظيفته ، فالحظ من هذا التباين
والتقرير جلالة قدر تلك الحضرة حيث يتبين منه رفعة قدره وسموه على جميع الأنبياء ،
وأن أمره أرفع وأجل من مستوى إدراك وعرفان جميع الأولياء" .
__________________
وفى الحديث الشريف
يقول رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، وكلما هلك
نبى خلفه نبى ، وأنه لا نبى بعدى" [رواه البخارى].
وقال صلىاللهعليهوسلم : " إن مثلى ومثل الأنبياء من قبلى كمثل رجل بنى بيتا
فأحسنه وجمله إلا موضع لبنة من زاوية ، فجعل الناس يطوفون بها ، ويعجبون له ،
ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ، فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين" [رواه
البخارى].
وهكذا انعقد إجماع
المسلمين على انقطاع النبوة والرسالة بعد خاتم الأنبياء والمرسلين وأصبح من الأمور
المعلومة بالضرورة هذا الأمر ، ولهذا فإن الرعيل الأول من المسلمين الأوائل حاربوا
كل من ادعى النبوة ، وبينوا كذبه.
ويحاول البهاء
المازندرانى أن يكذب على رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، فينسب إليه الأحاديث الموضوعة الكاذبة فيقول : روى عن
الحضرة قوله : " أما النبيون فأنا" وقوله : " أنا آدم ونوح وموسى
وعيسى". فإذا جاز له نسبة مبدأ الأنبياء الّذي هو آدم إلى نفسه ، فلم يبعد
إضافة الخاتمية إليه بعلة تلك النسبة عينها وما أوضح صدق الخاتمية على من صدقت
عليه البدئية" . ويستشهد فى ذلك بأقوال لا أساس لها من الصحة كقوله :
" أئمة الدين يقولون أولنا محمد وآخرنا محمد وأوسطنا محمد" . وهو يريد من ذلك هدم عقيدة ختم النبوة بمحمد ، صلىاللهعليهوسلم.
__________________
إن البهائيين
بذلوا أقصى ما عندهم فى سبيل هدم عقيدة ختم النبوة برسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، ومن أبرز هذه المحاولات محاولة الجرفادقانى فى الدرر
البهية لىّ نص الكتاب المقدس عن التجلى فى سيناء والتلألؤ فى سعير (أى بلاد الشام)
والإشراق من فاران (أى جبال مكة) ، وهو نص يرمز إلى ظهور موسى بأرض سيناء وعيسى
بفلسطين من بلاد الشام ، وإشراق نور محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، تأويلا غريبا لصالح عقيدتهم البهائية فيقول الجرفادقاني
: " ... وإذا أشرقت من فاران فهى هذه النجمة الربانية ، وإذا هبت من فارس ،
فهى هذه النفحة الروحانية ، وإذا بزغت ولمعت وأضاءت وألاحت من طهران فهى هذه الشمس
الحقيقة الواحدة التى لم تزل كانت مشرقة فى أزل الآزال ، ولا تزال تكون ساطعة
الأنوار فيما يأتى من القرون والأجيال" ، فالتبشير بظهور مظهر جديد عندهم جاء فى تعاليم سائر
الرسل السابقين.
ولكى يضفى البهاء
وصف الألوهية على الأنبياء يقول بأنهم نزلوا من عرش الأمر وأنهم جواهر قدس نورانية
فيقول فى إيقانه : " .. لكنهم فى الحقيقة نازلون من عروش الأمر متكئون على
رفرف المعانى ، طائرون فى جو الغرب ، سائرون فى سهل الروح بلا قدم ، صاعدون على
معارج الأحدية بلا جناح ، مجتازون فى كل نفس مشرق ومغرب الإبداع .." .
والحقيقة أن هذه
أفكار بعيدة عن الفكر الإسلامى الصحيح ، فليس الأنبياء كما ادعى البهاء فى الإيقان
بأنهم" يحاكون بعلومهم علم الله تعالى ،
__________________
وباقتدارهم قدرته
، وسلطانهم سلطته ، وبجمالهم وسنائهم بهجته" .
إنهم بشر من البشر
فقد قال الله تعالى على لسان الرسل : (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ
إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) . ويقول تعالى نافيا عن رسله صفة الألوهية : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ
الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً
لِي مِنْ دُونِ اللهِ) ويقول تعالى على لسان نبيه : (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي
هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) .
وهذا التعنت
وتأويل النصوص على غير مرادها هدفه القول بنبوته وألوهيته فى الوقت ذاته ، لكنه
أخطأ الطريق ، ولم يستطع ولن يستطيع عاقل قط أن يقول بغير ختم النبوة بمحمد ، صلىاللهعليهوسلم. وذلك ما عجز عن إثبات غيره عشرات الأدعياء من قبله خلال
التاريخ ولكنهم لم يستطيعوا ولن يستطيعوا أبدا فقد قال تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ
رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) . فبمحمد ، صلىاللهعليهوسلم ، أكمل الله الدين به ، وأتم نعمته على المؤمنين ، ورضى
لهم الإسلام دينا (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ
دِيناً) .
__________________
وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعلى : " ألا ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى
، إلا أنه ليس نبى بعدى" [رواه البخارى].
وهذا هو إجماع
المسلمين" فمن أنكره وادعى لنفسه أو لغيره النبوة بعد رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، فقد انسلخ من الإسلام ، وكان من الغاوين" . وصدق الله تعالى حين قال : (إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩].
موقف البهائية من
المعجزات :
يرى البهائيون أن
المعجزات الحسية ليست قرينة قوية على صدق الأنبياء والمرسلين ، فالمعجزة عندهم
ليست شرطا فى النبوة أو فى الدلالة على صدق النبي ، فيقول الجرفادقانى البهائى :
" إن العجائب والمعجزات من الأدلة التأييدية لا من البراهين الذاتية الأصلية
وإن دلالتها ثانوية على أحقية مظاهر أمر الله لا دلالة أولية" .
وهذا يعنى أن
البهائية يرون أن المعجزة دلالتها ثانوية وليست أساسية مع أن المعجزة عند أهل
العلم وأهل الحق وعلماء المسلمين جميعا هى" أمر خارق للعادة مقرون بالتحدى مع
عدم المعارضة ، قصد به إظهار صدق من ادعى أنه رسول الله" .
__________________
ويعرفها الجرجانى
بأنه" أمر خارق للعادة ، داعية إلى الخير والسعادة مقرونة بدعوى النبوة قصد
به إظهار صدق من ادعى أنه رسول الله" .
فالإجماع على أن
المعجزة ضرورية لكل نبى ورسول حتى يستطيع أن يقدم لقومه الدليل على صدق دعواه بأنه
رسول من عند الله تعالى ، فكل الأنبياء والمرسلين أصحاب معجزات حسية تشهد بنبوتهم
وصدق رسالتهم.
الحقيقة إن
البهائيين اتخذوا من محاولتهم هدم عقيدة ختم النبوة سبيلا إلى إنكار معجزات
الأنبياء ، بل يقول داعيتهم الجرفادقانى فى الدرر البهية على فرض صحة هذه المعجزات
، فإنه لم يرها غير أعداد قليلة من أقوام هؤلاء الأنبياء فيقول : هب أن موسى كما
تزعم اليهود فلق البحر ، وجفف النهر ، وبدل العصا بحية تسعى ، وأخرج اليد البيضاء
وغيرهما من الآيات الكبرى ، وأن المسيح له المجد أحيا ميتا ، وأبرأ أكمها ، وشفى
أبرصا فإن تلك الآيات لو صحت على الظاهر لم يرها غير نفوس معدودة من الجمهور"
.
وهكذا فإننا نرى
أن داعية البهائية لم يفهم حقيقة معجزات الأنبياء أو أنه يحاول الخلط والكذب على
الله تعالى فمن الحقائق المعروفة مثلا أن معجزة موسى كانت السبب المباشر فى إيمان
سحرة فرعون : (وَأَلْقِ ما فِي
يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ
السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى. فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ
هارُونَ وَمُوسى). [طه : ٦٩ ـ ٧٠]
__________________
فمعجزة العصا هى
التى جعلت السحرة يؤمنون بموسى ، وقول الله تعالى : (فَأُلْقِيَ
السَّحَرَةُ سُجَّداً) الفاء هنا برهان أكيد على أن السحرة آمنوا فور مشاهدتهم
معجزة موسى خصوصا وأن التوراة لم تكن نزلت بعد على موسى.
والإمام الجوينى
فى إثبات معجزات الأنبياء قال فى كتابه الإرشاد : " يقول النبي فى مخاطبة من
سبق اعتقاده للإلهية قد علمتم أن ابتعاث النبي غير منكر عقلا ، وأنا رسول الله
إليكم ، وآية صدقى ، أنكم تعلمون تفرد الرب بالقدرة على إحياء الموتى ، وتعلمون أن
الله عالم" بسرنا وعلانيتنا" وما نخفيه من سرائرنا ، ونبديه من ظواهرنا
، وإنما أنا رسول الله إليكم ، فإن كنت صادقا ، فاقلب يا رب هذه الخشبة حية تسعى ،
فإذا انقلبت ـ كما قال ـ وأهل الجمع عالمون بالله تعالى ، فحينئذ يعلمون على
الضرورة أن الرب تعالى قصد بإبداع ما أبدع تصديقه ، ومن كان غائبا عن المجلس
الموصوف ، فبلغه ما جرى شارك الحاضرين فى العلم بالرسالة ، وإن لم يحس حالا" .
ومعنى ذلك أن هناك
علاقة وثيقة وتامة بين الرسول والمعجزة ، فإتيان المعجزة على يديه يعنى تأييد الله
تعالى له ، وتصديق قومه له.
رأى الدين فى
البهائية :
ـ أفتى الشيخ سليم
البشرى شيخ الأزهر بكفر ميرزا عباس زعيم البهائيين ، ونشر ذلك فى جريدة مصر الفتاة
، بالعدد ٦٩٢ فى ٢٧ / ١٢ / ١٩١٠ م.
__________________
ـ صدر حكم قضائى
فى ٣٠ / ٦ / ١٩٤٩ م من محكمة المحلة الكبرى الشرعية بمصر بطلاق امرأة اعتنق زوجها
البهائية لأنه مرتد.
ـ أصدرت لجنة
الفتوى بالأزهر فى ٢٣ / ٩ / ١٩٤٧ م وفى ٣ / ٩ / ١٩٤٩ م فتوى بردة من يعتنق
البهائية.
ـ صدرت فتوى من
دار الإفتاء المصرية فى ١١ / ٣ / ١٩٣٩ م وفى ٢٥ / ٣ / ١٩٦٨ م وفى ١٣ / ٤ / ١٩٥٠
بأن البهائيين مرتدون. وفى ٨ من ديسمبر سنة ١٩٨١ م ببطلان عقد الزواج بين المسلمة
والبهائى.
ـ حكمت محكمة
القضاء الإدارى بمجلس الدولة فى القضية رقم ١٩٥ لسنة ٤ قضائية بتاريخ ١١ / ٦ /
١٩٥٢ بأن البهائيين مرتدون.
ـ صدر قرار جمهورى
بالقانون رقم ٢٦٣ لسنة ١٩٦٠ بحل المحافل البهائية ووقف نشاطها فى مصر.
ومن فتاوى لجنة
الفتوى بالأزهر" إن مذهب البهائية باطل ليس من الإسلام فى شيء" بل إنه
ليس من اليهودية ولا النصرانية ، ومن يعتنقه من المسلمين يكون مرتدّا خارجا عن دين
الإسلام ، فإن هذا المذهب قد اشتمل على عقائد تخالف الإسلام ، ويأباها كل الإباء ،
منها ادعاء النبوة لبعض زعماء هذا المذهب ، وادعاء أن هذا المذهب ناسخ لجميع
الأديان إلى غير ذلك.
ومن المقرر شرعا
أن المرتد لا يرث المسلم ولا غيره ، وعلى ذلك فمعتنق مذهب البهائية لا يرث غيره
مطلقا" .
__________________
المبحث الخامس
شريعة البهاء
إن شريعة البهاء
من صنع البهاء ؛ ولهذا فهى مليئة بأخطاء البشر لأنها بعيدة عن السماء ، وخالق
الأرض والسماء ، وخالق كل شيء ، سبحانه وتعالى عما يصفون ، فشرائع السماء لا تدعو
أبدا إلى عبادة البشر كما نادى البهاء بعبادته بدعوى ألوهيته ، ومن ذلك فرض على
أتباعه عبوديته ، يقول فى كتابه المسمى الأقدس : " يا ملأ الإنشاء ، اسمعوا
نداء مالك الأسماء ، إنه يناديكم من شطر سجنه الأعظم أنه لا إله إلا أنا المقتدر
المتكبر المتسخر المتعالى العليم الحكيم ..." .
وفى جرأة عجيبة
يقول : " من توجه إلى قد توجه إلى المعبود كذلك فصّل فى الكتاب وقضى الأمر من
لدن الله رب العالمين" . فالبهاء هو رب البهائيين الأعلى ، ولا رب سواه فهم يقولون
فى دروسهم : " إنه اليوم استوى على عرش الربوبية الكبرى ، جمال الأقدس الأبهى
(البهاء) ، ويتجلى على أهل الأرض بكل أسمائه الحسنى وصفاته العليا" .
وهكذا نلاحظ أنها
شريعة تدعو إلى تقديس البهاء ومن كتابهم دروس الديانة ما نصه : " إنه لا بد
من توجه القلب عند الذكر والدعاء إلى
__________________
بهاء الله ؛ لأن
جميع أدعيتنا وكل أسرارنا معه ، ولا يوجد سميع للدعوات ، ومجيب لها غيره" .
وقال ميرزا حيدر
على فى كتابه بهجة الصدور ص ٣٦٧ : " نحن أهل البهاء نعتقد ونوقن بألوهية
البهاء العديم المثال الحى القيوم الّذي لا يزول ولا يفنى" .
ويقول جلال الدين
شمس أحمدى : " ولا يخجل البهائيون من ادعائهم أنهم يعتقدون بكتاب الله ،
القرآن الكريم ، مع انهم فى نفس الوقت يكذبونه فى جميع أعمالهم ، وأفعالهم وينقضون
شريعة محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، ثم يدعون ألوهية البهاء" .
إن البهاء يعتبر
أن شريعته ناسخة للإسلام والأديان السابقة عليه ، وأن كتابه ناسخ لكل الكتب
السابقة ، قال فى كتابه الأقدس : " قل تالله الحق ، لا يغنيكم اليوم كتب
العالم ، ولا ما فيه من الصحف إلا بهذا الكتاب الّذي ينطق فى قطب الإبداع أنه لا
إله إلا أنا العليم الحكيم" .
وقال أيضا عنه :
" من يقرأ آية من آياته لخير له من أن يقرأ كتب الأولين والآخرين" .
إن شريعة البهاء
وضعها واحد من أعدى أعداء الإسلام فى محاولة خبيثة لهدم قواعد الدين الحق وشريعته
العظيمة ، ودعوى البهاء أن شريعة
__________________
الإسلام شريعة لا
تصلح لهذا الزمان دعوى لا أساس لها من الصحة فقد شهد لها كبار رجال القانون فى
العالم.
قبلة البهائيين :
قبلتهم عكا حيث
قبر البهاء ، والحقيقة أن قبلتهم تغيرت بتغير ظروف البهاء ، فأيام أن كان مسجونا
فى طهران كان سجن طهران قبلة البهائيين ، وأيام أن كان فى بغداد كانت قبلتهم بغداد
، وحينما كان فى أدرنة كانت قبلتهم أدرنة ، ولما دفن فى عكا أصبحت قبلتهم عكا.
يقول البهاء فى
كتابه الأقدس مناشدا أستاذه فى الزندقة والخروج على الإسلام الباب : " يا ملأ
البيان القوا الرحمن ثم انظروا ما أنزله فى مقام آخر ... إنما القبلة من يظهره
الله (يقصد البهاء نفسه) متى ينقلب تنقلب إلى أن يستقر ، كذلك نزل من لدن مالك
القدر .." .
وقد بين خليفته
ابنه عبد البهاء عباس أفندى فى جوابه لسؤال حول قبلة البهائية بأنها حيث قبر أى
حيث توجد مقبرته فى عكا فقال : " أما بخصوص محل التوجه فإنه مقبرته المقدسة (أى
مقبرة البهاء بعكا) بنص قطعى إلهى ، الّذي جعله مكانا للملإ الأعلى ، روحى وذاتى
وكينونتى لترابه الفداء ، والتوجه إلى غير ذلك العتبة المقدسة لا يجوز ، إياك إياك
إلى غيره .. لعمرى إنه لمسجد الأقصى ، وسدرتى المنتهى ، وجنتى العليا ، ومقصدى
الأعلى" . ويكفى خروجا عن الإسلام تحويل قبلة المسلمين من مكة
المكرمة إلى عكا حيث قبر البهاء.
__________________
ولقد أشار البهاء
بنفسه إلى قبلة أتباعه بأنها حيث يوجد مقره الأخير ويدفن فقال : " وعن غروب
شمس الحقيقة والتبيان (أى حين يموت) المقر الّذي قدرناه لكم إنه لهو العزيز العلام" .
ويقول فى الأقدس :
" وإذا أردتم الصلاة ولوا وجوهكم شطرى الأقدس المقام الّذي جعله الله مطاف
الملأ الأعلى ومقبل أهل مدائن البقاء ، ومصدر الأمر لمن فى الأرض والسماوات" .
إن البهائيين
يولون وجوههم جهة معبودهم البهاء الّذي لم يستطع أن يخلص نفسه من السجن أيام كان
سجينا ، والّذي كان يخاف من الناس ، فأى إله هذا الّذي يخشى خلقه وعبيده ، ويقول
وهو مسجون : " أنا المظلوم المرمى فى السجن الأعظم ، والغريب الّذي لم يخلص
من الأعداء ، ولن يخلص" .
وما أعظم قول الله
تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ
ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ
لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ
شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ. ما قَدَرُوا
اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج : ٧٣ ـ ٧٤].
والحقيقة" إن
أعمال البهائيين وسجودهم على قبر مؤسس البهائية ، وطوافهم حوله ، واعتقادهم أن
البهاء سميع الدعوات ومجيبها ، والعليم بما
__________________
كان وما يكون ، إن
كل هذه الأمور تدل دلالة واضحة على أنهم سبقوا المشركين الوثنيين فى عبادة الأموات
، أهل القبور الذين لا يملكون لأنفسهم ضرّا ولا نفعا ، ولا يملكون موتا ولا حياة
ولا نشورا" .
الوضوء :
قال البهاء عن
أحكام الوضوء : " يغسل فى كل يوم يديه ، ثم وجهه ويقعد مقبلا إلى الله ،
ويذكر خمسا وتسعين مرة الله أبهى" .
وقال عن التيمم :
" ومن لم يجد الماء ، يذكر خمس مرات بسم الله الأطهر ، ثم يشرع فى
العمل" .
والوضوء عند
البهائية لا ينقض بحدث أصغر أو أكبر ، فالجماع لا ينقض الوضوء ، ولا ما يخرج من
السبيلين ناقض ، ولا غير ذلك أبدا على الإطلاق بل قال البهاء : " قد حكم الله
بالطهارة على ماء النطفة رحمة من عنده على البرية" .
الصلاة :
عدد الصلوات عند
البهائيين ثلاث مرات فى اليوم حين الزوال ، وفى البكور والآصال ، وعدد ركعات كل
صلاة ثلاث ركعات يقول البهاء : " قد كتب عليكم الصلاة تسع ركعات لله منزل
الآيات ، حين الزوال ، فى البكور والآصال ، وعفونا عدة أخرى أمرا فى كتاب الله إنه
لهو الآمر
__________________
المقتدر
المختار" .
ومن أجل أن يكسب
البهاء مزيدا من الأتباع فقد يسر أمر الصلاة على طائفته ، فإنه غفر للعجوز والمريض
ألا يصلوا ، وكذلك للمسافر ألا يصلى ، فقط عليه أن يسجد سجدة واحدة ، يقول البهاء
: " عفى المسافرون عن الصلاة ، والصوم ، وجعل بدل الصلاة سجدة واحدة" . ويقول فى سجدته سبحان الله ، وقال : " من كان فى
نفسه ضعف من المرض أو الهرم عفا الله عنه (أى الصلاة والصوم) فضلا من عنده إنه لهو
الغفور الكريم" .
ومع أن المفروض أن
يؤدى البهائى هذه الركعات التسع فى اليوم ، فى ثلاث صلوات ، كل صلاة ثلاث ركعات ،
إلا أن أى بهائى يمكنه أن يؤدى صلاة واحدة من هذه الصلوات التى تسمى الكبرى
والوسطى والصغرى ففى إجابة أحد السائلين لعبد البهاء عباس : هل تجب الصلوات
الثلاثة كما نزل فى الأقدس أم لا؟ قال : " إن الصلوات الثلاثة ليست بواجبة بل
تكفى منها الواحدة" .
وهكذا فإن أمر
الصلاة هين عند البهائيين ، فللبهائى أن يتكاسل عن أدائها ، ويتهاون فلا يصلى ،
ولا تجب عليه الصلاة ، يقول عبد البهاء عباس أفندى : " عند التكسر والتكاسل
لا يجوز الصلاة ولا يجب وهذا حكم الله من قبل ومن بعد" .
__________________
فمرة يقول عبد
البهاء عباس ابن البهاء بأن الصلاة" أساس الأمر الإلهي ، وأعظم الفرائض حيث
قال : " اعلم أن الصلاة لازمة مفروضة ولا عذر للإنسان بأى حال من الأحوال من
عدم إجرائها إلا إذا كان معتوها أو منعه منها مانع قهرى فوق العادة" . ويقول : " الصلاة أساس الأمر الإلهي وسبب الروح
وحياة القلوب الرحمانية" . ومرة يسقطها بالكلية عن المتكاسلين فعند التكاسل : "
لا يجوز الصلاة ولا يجب". وطبعى أنه أيسر على الإنسان أن يتكاسل ولا يصلى
فعبد البهاء يزعم أن" هذا حكم الله من قبل ومن بعد ، طوبى للسامعين والسامعات
ـ حسب زعمه ـ والعاملين والعاملات ، الحمد لله منزل الآيات ومظهر البينات" .
كيفية أداء الصلاة
عند البهائيين :
ذكر البهاء فى
كتابه أدعية محبوب صورة أداء الصلاة عند طائفته وملخصها كما ذكر صاحب تنوير
الألباب : " إن المصلى البهائى لا يقرأ شيئا مما نقرأه نحن فى صلواتنا كسورة
الفاتحة ، والتسبيحات ، والتحيات ، والتشهد ، والصلاة على رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، بل يقرأ ما ابتدعه بهاء الله من عند نفسه ، وذلك أن
المصلى يقف متوجها شطر عكا بعد أن يلتفت يمنة ويسرة ، ويقرأ بضع كلمات ، ثم يرفع
يديه للدعاء ، وبعدها يسجد ، ويقول كلمات أخرى ثم يقول بعدها : الله أبهى ، عوضا
عن الله أكبر ، ويكررها ثلاث مرات ، ويركع بعدها ثم يقف للدعاء وهو رافع يديه ، ثم
يسجد وبعد السجود يبقى قاعدا لقراءة بعض الكلمات.
__________________
وبذلك تنتهى الركعة
الثانية ، وبعدها ينهض واقفا للركعة الثالثة ، وهى الركعة الأخيرة ؛ صلاتهم ثلاث
ركعات ، فيفعل مثل ما فعل فى الركعة الثانية إلا أنه فى هذه الركعة يقول قبل
السجود : الله أبهى ثلاث مرات ، ثم يقعد بعد السجود ويقرأ بضع كلمات ، وتنتهى بذلك
الصلاة .. والصلاة المذكورة تسمى عندهم بالصلاة الكبيرة ، والصلاة الصغيرة هى أنهم
يقومون متوجهين إلى روضة بهاء الله ، ويركعون ، ثم يقعدون ، ويقرءون فى هذه
الحالات الكلمات التى أمر بهاء الله بتلاوتها" .
وبالطبع فإن أى
مسلم يلاحظ ببساطة شديدة أن البهاء ابتدع لهم طريقة فى أداء الصلاة تختلف عن كيفية
أداء الصلاة عند المسلمين ، بل فيها خروج واضح عن تعاليم الإسلام بشأن كيفية
الصلاة.
وتؤدى الصلاة
عندهم فرادى ، وصلاة الجماعة لا تجوز إلا عند الصلاة على الميت ، وذلك طبقا
لتعاليم البهاء فى أقدسه ، ولكن ابنه عباس أفندى أباح للبهائيين بعد وفاة أبيه
صلاة الجماعة .. ولهذا نجد اختلافا بين الابن وأبيه فى شريعة البهائية مما يبرهن
لكل صاحب نظر أنها نحلة ابتدعها من افترى على الله كذبا.
الصوم عند
البهائية :
الصوم عند
البهائية يكون فى شهر سموه بشهر العلاء ، وهذا الشهر هو آخر الشهور فى السنة
البهائية ، والسنة البهائية تتكون من تسعة عشر شهرا ، والشهر ينقسم إلى تسعة عشر
يوما ، وقد جعل البهاء النيروز عيدا لأتباعه ، والنيروز يكون أول الربيع فى ٢١
مارس على ما ذكرنا من قبل.
__________________
يقول البهاء فى
الأقدس : " يا قلمى الأعلى قل يا ملأ الإنشاء قد كتبنا عليكم الصيام أياما
معدودات ، وجعلنا النيروز عيدا لكم بعد إكمالها" .
والصوم عند
البهائية مجرد الامتناع عن الأكل والشرب من مطلع الشمس إلى غروبها ، ولم يقرر
البهاء أكثر من ذلك ، ولم يوضح لأتباعه غير ذلك المفهوم للصوم ، وهذا يعنى عندهم
أن الجماع فى فترة الصيام لا يفسد الصوم ، فالصوم عند البهاء مجرد الكف عن الطعام
والشراب من طلوع الشمس إلى أفولها .. يقول البهاء : " كفوا أنفسكم من الطلوع
إلى الغروب كذلك حكم المحبوب من لدن الله المقتدر المختار" .
وقال أيضا فى
أقدسه : " كفوا أنفسكم عن الأكل والشرب من الطلوع إلى الأفول ، إياكم أن
يمنعكم الهوى عن هذا الفضل الّذي قدر فى الكتاب" .
ورغم أنه أمر
أتباعه بالصيام إلا أنه أفرغ هذا الأمر من الوجوب وجعله كأن لم يكن ، فإنه رفع
الصوم عن المتكاسل ، وعن المريض والحامل ، والمرضع ، والعجوز ، وعن النساء حين
يجدن الدم ، ومن يقوم بأعمال صعبة شاقة ، كذلك يوم عيد الشيرازى ، والبهاء
المازندرانى ، ويوم المبعث وهو يوم إعلان دعوة الباب الشيرازى للبابية.
هكذا نلاحظ أن
الصوم كالصلاة ، يمكن لأى بهائى أن لا يؤديهما ، ألم يقل البهاء من قبل : "
من كان فى نفسه ضعف من المرض أو الهرم عفا عنه ـ الصلاة والصوم ـ فضلا من عنده إنه
لهو الغفور الكريم" .
__________________
وقال : " ليس
على المسافر والمريض والحامل والمرضع حرج عفا الله عنهم فضلا من عنده إنه لهو
العزيز الوهاب" .
" وعند
التكاسل لا يجوز الصلاة والصوم وهذا حكم الله من قبل ومن بعد" . ونحن نتساءل .. على من يبقى حكم الصوم بعد ذلك؟!!.
الزكاة عند
البهائية :
قال البهاء فى
كتابه الأقدس : " قد كتب عليكم تزكية الأقوات وما دونها بالزكاة ، هذا ما حكم
به منزل الآيات ، فى هذا الرق المنيع" .
ولما سئل عن
نصابها قال : " سوف نفصل لكم نصابها إذا شاء الله وأراد ، إنه يفعل ما يشاء
بعلم من عنده إنه لهو العلام الحكيم" .
ولما لم يستطع إله
البهائية تحديد نصاب الزكاة قال : " يعمل فى الزكاة كما نزل فى الفرقان"
. يقصد القرآن الكريم .. وهذه معلومة خاطئة فالسنة المطهرة هى التى بينت نصاب
الزكاة وشروطها وأنواعها لا القرآن الكريم ، وهذا يؤكد لنا مدى بعده عن نصوص
القرآن الكريم .. لكننا بعد ذلك نلاحظ أن تقديس البهائيين للرقم ١٩ جعله يقرر لهم
أنه من يملك مائة مثقال من الذهب يؤخذ منه تسعة عشر مثقالا.
وينقل محمد فاضل
فى كتابه الحراب فى صدر الباب والبهاء ما ذكره محمد مهدى خان فى كتابه مفتاح باب
الأبواب من كتاب الأقدس للبهاء مع
__________________
تعليق مهدى خان ،
فيذكر قول البهاء : " والّذي يملك مائة مثقال من الذهب فتسعة عشر مثقالا لله
فاطر السماوات وإياكم يا قوم أن تمنعوا أنفسكم عن هذا الفضل العظيم قد أمرناكم
بهذا بعد أن كنا أغنياء عنكم ، وعن كل من فى السماوات والأرض ... يا قوم لا تخونوا
فى حقوق الله ، ولا تصرفوا فيها إلا بعد إذنه (يقصد إذنه هو) كذلك قضى الأمر فى
الألواح ، وفى هذا اللوح المنيع (إلى أن يقول) قد حضرت لدى العرش (يقصد نفسه)
عرائض شتى من الذين آمنوا وسألوا فيها الله رب ما يرى وما لا يرى رب العالمين ،
لذا نزلنا اللوح بطراز الأمر لعل الناس بأحكام ربهم يعملون ، وكذلك سئلنا من قبل
سنين متواليات ، وأمسكنا القلم حكمة من لدنا إلى أن حضرت كتب من أنفس معدودات فى
تلك الأيام ؛ لذا أجبناهم بالحق بما يحيى به القلوب" .
وقال محمد مهدى
خان : " يظهر من هذه الأقوال أنه لو لا إلحاح المؤمنين به ، لما كان ينزل هذه
الأحكام وما كان يؤسس دينه ، ويلزم عباده باتباعه ، وهذا شأن بديع من الألوهية
الجديدة يختلف عن شئون الآلهة القديمة" .
الحج عند البهائية
:
الحج عندهم هو
الحج إلى البيت الّذي سكن فيه البهاء المازندرانى ببغداد ، والمسكن الّذي عاش فيه
الباب الشيرازى بشيراز.
__________________
قال البهاء فى لغة
ركيكة : " وارفعن البيتين فى المقامتين والمقامات التى فيها استقر عرش ربكم
الرحمن" والمراد من البيتين اللذين أمر بطوافهما والحج إليهما بيت على محمد
الباب فى شيراز ، والبيت الّذي كان يسكن فيه بهاء الله ببغداد" .
وكذلك أمر بهاء
الله رجلا من أتباعه اسمه محمد فى كتابه مبين ص ٢٢٥ ـ ص ٢٢٨ ، بقوله ـ : " يا
محمد إذا خرجت من ساحة العرش عكا اقصد زيارة البيت ببغداد ، من قبل ربك ، وإذا
حضرت تلقاء الباب قف وقل يا بيت الله الأعظم ، زين جمال القدم بهاء الله .. ما لى
يا عرش الله أرى تغير حالك واضطربت أركانك ، وما لى أراك الخراب .... يا بيت الله
إن هتك المشركون ستر حرمتك لا تحزن ، يسمع نداء من يزورك ، ويطوف حولك" .
والحج واجب على
الرجال دون النساء عند البهائية .. يقول البهاء فى أقدسه : " قد حكم الله لمن
استطاع منكم حج البيت دون النساء ، عفا الله عنهن رحمة من عنده ، إنه لهو المعطى
الوهاب" .
والعجيب فى الأمر
أن البهاء فى كتبه المختلفة لم يحدد زمنا للحج ، ولا كيفية أداء مناسك الحج
لأتباعه البهائيين ، ولا سائر أعمال الحج.
يقول إحسان إلهى
ظهير : " وأطرف من ذلك أن البيتين لا يوجد لهما أثر ؛ لأن حكومة إيران هدمت
تلك الدار التى سكنها الباب الشيرازى ،
__________________
كما أن الدار التى
كانت فى بغداد والتى أقام فيها حسين المازندرانى (بهاء الدين) لم تبق فى ملكهم ،
فالحكومة حظرت نشاطات البهائيين فى العراق ، وحلت المجالس والمحافل البهائية ، ولم
تسمح لأى بهائى بالدخول فى دار الحج ببغداد. ويقصد البهائيون فى حجهم مدفن البهاء
بعكا لقوله السابق : " قد حكم الله لمن استطاع منكم حج البيت (يقصد هنا مدفنه
بعكا) دون النساء" .
عدة الشهور
والأيام عند البهائية
قال البهاء :
" إن عدة الشهور تسعة عشر شهرا فى كتاب الله قد زين أولها بهذا الاسم المهيمن
على العالمين" . ويقصد نفسه فأول الشهور عندهم شهر البهاء.
وقد خالف بهذا
شريعة الإسلام ، وبدّل الشهور وأسماءها والله تعالى يقول فى محكم تنزيله : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ
اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) [التوبة : ٣٦].
فكيف يدعى :
" إن عدة الشهور تسعة عشر شهرا فى كتاب الله" وقد اقتفى البهاء خطوات
الباب فى تقسيم السنة ـ كما يقول محمد فاضل : " فجعلها تسعة عشر شهرا ، وكل
شهر تسعة عشر يوما ، وسمى الأيام الباقية التى يتم بها الحول ٣٦٦ يوما على الحساب
الشمسى وهى خمسة أيام سماها أيام البهاء" ، وهو مستفاد من طائفة الباطنية ، ولكن بتصرف
__________________
يسير وجعل لكل شهر
من شهور السنة اسما خاصّا به ، فالأول اسمه (بهاء) والثانى (جلال) ، والثالث (جمال)
، والرابع (عظمة) ، والخامس (نور) ، والسادس (رحمة) ، والسابع (كلمات) ، والثامن (كمال)
، والتاسع (أسماء) ، والعاشر (عزة) ، والحادى عشر (مشيئة) والثانى عشر (علم) ،
والثالث عشر (قدرة) ، والرابع عشر (قول) ، والخامس عشر (سائل) ، والسادس عشر (شرف)
، والسابع عشر (سلطان) ، والثامن عشر (ملك) ، والتاسع عشر (علاء) وبه يتم الحول ..
وجعل لكل يوم من أيام الأسبوع اسما خاصّا به أيضا : فالأول (جلال) ، والثانى (جمال)
، والثالث (كمال) ، والرابع (فضال) ، والخامس (عدال) ، والسادس (استجلال) ،
والسابع (استقلال) وبه تتم أيام الأسبوع".
وكل هذا ابتداع لا
أساس له فى عقائد المسلمين ومبادئهم ، ولكن البهاء أراد أن ينخر فى مبادي المسلمين
، فاخترع لهم نحلته الباطلة .. وشاء الله أن يقيض للإسلام والمسلمين من يكشف لهم
ضلال البهاء والبهائية.
المحرمات عند
البهائيين :
يقول البهاء :
" قد حرمت عليكم أزواج آبائكم" . أى أن البهاء اقتصر على تحريم أزواج الآباء فقط ، أما
باقى الأقارب فحلال للرجل أن ينكحهن كالأخوات ، والعمات ، والخالات ، وبنات الأخ ،
وبنات الأخت ، وأمهات الرضاعة ، وأخوات الرضاعة ، فلم يحرم إلا أزواج الآباء كما
نص فى كتابه الأقدس ، ولم يبين البهاء ولا ابنه العباس ، ولا شوقى أفندى الرجل
الثالث فى كتبهم المحرمات سوى أزواج الآباء ، حتى أن عباس عبد البهاء أفتى فى
مكاتيبه بأنه لا يحرم نكاح الأقارب ما دام البهائيون قلة ضعفاء ، ولما تقوى
البهائية وتزداد نفوسها عندئذ يندر وقوع الزواج بين الأقارب" .
ويعلق جلال الدين
شمس أحمدى على قول البهاء فى أقدسه : " قد حرمت عليكم أزواج آبائكم" إنا
نستحى أن نذكر حكم الغلمان" أى حكم اللواطة بالغلمان فيقول : " إن
اكتفاء البهاء بتحريم أزواج الآباء فقط وسكوته عن بقية المحرمات التى ذكرها القرآن
المجيد ، دليل قاطع على أنه يجوز عند البهائيين نكاح البنات ، والأخوات ، وخلافهما
، مما لا يجوز فى أى شريعة من الشرائع السماوية الموجودة ، ثم إننا لا نعلم شريعته
الجديدة ، خصوصا وأن هذا المرض الخبيث يفتك فى الأخلاق فتكا مريعا فى الشرق والغرب
، وإن سكوته عن بيان الحكم فى هذا الأمر القبيح جعل بعض أتباعه يرتكبه بحجة أن
البهاء لم ينص على تحريمه كما ذكر ذلك مبلغهم السابق
__________________
الملقب أواره فى
كتابه كشف الحيل" .
وينقل محمد فاضل
عن محمد مهدى خان صاحب كتاب مفتاح باب الأبواب قوله : " يجوز عند البهائية
نكاح ما لا يجوز عند اليهود والنصارى والمسلمين قاطبة من نكاح بناتهم وأخواتهم ،
وتغيير هذا الحكم كان من ضمن أسباب الشقاق بين عباس أفندى وشقيقه الميرزا محمد على
إذ لم يرض الثانى ما أبطله الأول من أحكام أبيهما أو إلههما فيما يتعلق بنكاح
الأخت وغيرها من المحرمات والله أعلم ، فقاما بكفر بعضهما بعضا وانشقت بذلك عصا
البابية البهائية وحلت عروة انفصامهما" .
أحكام النكاح عند
البهائيين :
يحرم البهائيون
الزواج بأكثر من اثنتين فيقول البهاء : " قد كتب عليكم النكاح إياكم أن
تتجاوزوا عن اثنتين ، والّذي أقنع بواحدة من الإماء استراحت نفسه ونفسها ، ومن
اتخذ بكرا لخدمته لا بأس عليه كذلك ، كان الأمر من حكم الوحى بالحق مرقوما ،
تزوجوا يا قوم ليظهر منكم من يذكرنى بى عبادى (يقصد نفسه) هذا من أمرى عليكم
اتخذوه لأنفسكم معينا" .
وقد أشار عبد
البهاء عباس فى خطاب له إلى الآنسة روز نبرك إلى أن التعدد بنص الكتاب الأقدس
ممنوع ؛ لأنه اشترط بشرط يتعذر تحقيقه ، وهو أنه لا يستطيع العدالة بين الاثنتين.
__________________
وفى الوقت الّذي
يمنعون فيه التعدد ، يبيحون اتخذا الرقيق من النساء فيقول البهاء زيادة على ما
أشرنا : " ومن اتخذ بكر لخدمته لا بأس عليه كذلك كان الأمر من قلم الوحى
بالحق مرقوما" فهو يسيغ للناس الارتباط المحرم ، ولا يبيح لهم الزواج الشرعى
القانونى.
ويبدو أن البهاء
لم يبح الزواج بأكثر من زوجتين لأنه نفسه كان مقترنا بزوجتين.
وعن الصداق والمهر
:
فقد حدد البهاء
مهر الزواج للمدن تسعة عشر مثقالا من الذهب ، وللقرى مثلها من الفضة ، ومن أراد
الزيادة حرم عليه البهاء أن يتجاوز عن خمسة وتسعين مثقالا فيقول فى الأقدس :
" لا يحقق الصهار إلا بالأمهار ، قد قدر للمدن تسعة عشر مثقالا من الذهب
الأبريز ، وللقرى من الفضة ، ومن أراد الزيادة حرم عليه أن يتجاوز عن خمسة وتسعين
مثقالا ، كذلك كان الأمر بالعز مسطورا" .
الطلاق عند
البهائية :
قال البهاء فى
الأقدس : " قد نهاكم الله عما عملتم بعد طلقات ثلاث فضلا من عنده لتكونوا من
الشاكرين فى لوح كان من قلم الأمر مسطورا ، والّذي طلق له الاختيار فى الرجوع بعد
انقضاء كل شهر بالمودة والرضاء ما لم يستحصن ، وإذا استحصنت تحقق الفصل بوصل آخر ،
وقضى الأمر ،
__________________
إلا من بعد أمر
مبين كذلك كان الأمر من مطلع الجمال فى لوح الجلال بالإجلال مرقوما" .
ومعنى هذا أن بهاء
الله يحل للزوج الأول أن يراجع زوجته بعد كل طلاق إلا إذا تزوجت برجل آخر فإنها
تصبح محرمة عليه تحريما أبديّا عند البهائية. ومن أحكام الطلاق عند البهائية أنه
يفترق الزوجان عاما كاملا ، فإذا لم يمكن التوفيق بينهما انفصلا بالطلاق.
يقول جلال الدين
أحمدى : " كان الرجل فى الجاهلية يطلق المرأة حينما يريد ثم يرجعها وهكذا ،
فجاء الإسلام وقيد الطلاق بشروط ، وجعله مرتين ، لتكون للزوجين فرصة فى كل مرة
للتفكر فى مرارة الفراق ، وهل يمكنهما أن يعيشا بعيدين عن بعضهما بعد ما عاشاه من
العمر أم يندمان على تسرعهما ويرجعان للوئام والوفاق ، وقد حرم الله بقاء الزواج
عند الطلقة الثالثة ؛ لأن تجربة الزوجين أمر الفراق مرتين كافية لأن يعرفا أنهما
لم يعودا يقدران على العيش سويّا ، وأن بعدهما عن بعض وجداه أهون من بقائهما معا ،
ثم إن الطلاق هو مثل جميع أوامر الدين ، لخير الإنسان ودفع الضر عنه ولذلك عبر
القرآن المجيد عن الطلاق فى المرة الثالثة بقوله : أو تسريح بإحسان" ففى لفظ
إحسان يبين الله سبب مشروعية الطلاق بأنه لجلب الخير وكذلك لفظ تسريح يدل على أن
المرأة تطلق لأجل خيرها .. فالطلاق فى الإسلام شرع ليخرج المرء من حالة سيئة إلى
حالة أحسن منها" .
__________________
ومن الملاحظ أن
البهاء" أقر الطلاق ولكن فى حدود الضرورات البشرية ، وأباح التزوج بالمطلقة
ما دام لم يعقد عليها من جديد ، وهكذا تراه يخالف فيما تذهب إليه القواعد المتبعة
فى الإسلام" .
وبعد فهذه هى
البابية والبهائية من وضع الباب والبهاء افتراء على الله تعالى.
وختاما فقد أردت
تقديم المذهبين بأمانة علمية خالصة من مصادرهما الأصلية ، فإن أكن وفقت فلله تعالى
وحده المنة والفضل ، وإن أكن قصرت فإن الكمال لله وحده ، منه أستمد العون لدرك ما
فاتنى ، وهو الموفق والهادى سواء السبيل.
__________________
ملحق
عن حكم محكمة القضاء الإدارى
بمجلس الدولة فى قضية رفعها بهائى
مجلس الدولة
محكمة القضاء الإدارى
الدائرة الرابعة
المشكلة علنا تحت
رئاسة حضرة صاحب العزة عبد المجيد التهامى بك رئيس المحكمة وحضور حضرتى صاحبى
العزة على على منصور بك ، وعبد العزيز الببلاوى بك ـ المستشارين وحضرة سيد خلف
الله سكرتير المحكمة.
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بالجدول العمومى رقم ١٩٥ سنة ٤ ق.
المقامة من
مصطفى كامل عبد
الله ، وحضر عنه الأستاذ سعد الفيشاوى عن الأستاذ سابا حبشى المحامى.
ضد
وزارة المواصلات
ومصلحة السكة الحديد ، وحضر عنهما الأستاذ جلال عبد الحميد المحامى بإدارة قضايا
الحكومة.
الوقائع :
أقام المدعى هذه
الدعوى بصحيفة موقع عليها من سابا حبشى باشا المحامى ، أودعها هى والمذكرة الشارحة
وحافظة مستندات فى ١٩ من يناير ١٩٥٠ م ، طلب فيها تعديل راتبه بجعله ١٠٠ ، ١٢
جنيها مصريّا بدلا من ١٠٠ ، ١١ جنيها اعتبارا من ٢٠ مارس سنة ١٩٤٧ م وبجعله
اعتبارا من
أول يناير ١٩٤٨ م
مع إلزام المدعى عليهما بصرف الفرق المتجمد حتى رفع الدعوى وقدره ٤٨٣ ، ٥٦ ج ، وما
يستجد حتى تاريخ الحكم فى الدعوى مع المصروفات ومقابل الأتعاب وحفظ الحقوق الأخرى
كافة. وقال بيانا لدعواه أنه بعد أن رسب فى امتحان شهادة الدراسة الثانوية قسم ثان
عام ١٩٣٧ قعدت به ظروفه عن متابعة الدراسة ؛ فالتحق بخدمة السكة الحديد سنة ١٩٣٤
بوظيفة تلميذ بضائع بالمياومة ثم رقى إلى مساعد مخزن ، وإلى تذكرجى بدل ، ولما كان
الإنصاف عام ١٩٤٤ بلغ راتبه ثمانية جنيهات ، وبعد صرف علاوتين دوريتين بلغ راتبه
تسعة جنيهات عدا علاوة الغلاء ، وقد تزوج فى ٢٠ مارس سنة ١٩٤٧ وطلب إلى المصلحة
منحه العلاوة المستحقة بسبب الزواج ـ العلاوة الاجتماعية ـ وقدرها ١ ج شهريّا ،
فلم تجبه إلى طلبه ، ثم رزق فى أول يناير ١٩٤٨ وطالب بفرق علاوة الغلاء عن الولد
إذ تصبح علاوة الغلاء ٤٢% من أصل الراتب شهريّا بدلا من ٢٨% فلم يجب إلى طلبه أيضا
فاضطر إلى رفع الدعوى الحالية وقدّم تأييدا لدعواه إلى مصلحة السكة الحديد ، وهذا
العقد عبارة عن وثيقة عقد زواج صدر من المحفل الروحانى المركزى بالقطر المصرى موثق
بتاريخ ٢٠ من مارس سنة ١٩٤٧ (الموافق يوم الاستحلال ١٩ من شهر العلا سنة ١٠٣
بهائية) بمدينة الإسماعيلية بحظيرة القدس حيث جرى الزواج بين مصطفى كامل عبد الله
البالغ من العمر ٣٤ سنة والآنسة بهيجة خليل عياد والبالغة من العمر ١٧ سنة على
صداق قدره تسعة عشر مثقالا من الذهب الأبريز ، وتم العقد طبقا لأحكام الشريعة
البهائية وموقع عليه من الزوج ومن والده ووالدته ومن الزوجة ومن رئيس المحفل
الروحانى وسكرتيره ومختوم بخاتم
المحفل. وأعلى الوثيقة
عبارات مطبوعة منها (يا بهاء الأبهى) وتحتها عبارة قوله تبارك وتعالى فى كتابه
الأقدس (تزوجوا يا قوم ليظهر منكم من يذكرنى بين عبادى هذا من أمرى عليكم اتخذوه
لأنفسكم معينا). أما شهادة ميلاد الطفل نبيل فهمى عبارة عن مستخرج من وزارة الصحة
العمومية يفيد الولادة فى أول يناير ١٩٤٨ والتطعيم ضد الجدرى فى ٦ / ٣ / ٤٨ وقد
ندب حضرة صاحب العزة على على منصور بك المستشار لوضع التقرير ، ولم تكن الحكومة قد
قامت دفاعا فى الموعد القانونى فكلفها حضرة المستشار المقرر إيداع مذكرة بدفاعها
ومستنداتها وملف الخدمة مع تبادل الردود ، والتعقيب ، وانقضى الموعد المحدد لتقديم
دفاع منها فكلفها بذلك للمرة الثانية ، وانقضت المواعيد أيضا ، ولم تقدم الحكومة
شيئا فكلفها ذلك بقرار آخر للمرة الثالثة أودعت الحكومة المذكرة بدفاعها فى ١١ من
يولية ١٩٥٠ قائلة أن المدعى حين تقدم بعقد زواجه على المذهب البهائى الفته مصلحة
السكة الحديد عقدا غريبا لم يسبق له مثيل ، فطلبت الإفتاء فى شأنه من مستشار
الدولة الّذي أرسل العقد بدوره إلى مفتى الديار المصرية مستوضحا عن شريعة ذلك
الزواج وما يترتب عليه من آثار ، فأفتى فضيلة المفتى بأنه إذا كان المدعى قد اعتنق
مذهب البهائيين بعد أن كان مسلما اعتبر مرتدّا عن الإسلام ، تجرى عليه أحكام
المرتدين ، وكان زواجه بمحفل البهائيين بمن تزوج بها زواجا باطلا شرعا سواء أكان
من زوجة بهائية أم غير بهائية ، ولا خفاء فى أن عقائد البهائيين وتعاليمهم غير
إسلامية يخرج بها معتنقها عن ربعة الإسلام ، وقد سبق الإفتاء بكفر البهائيين
ومعاملتهم معاملة المرتدين ، وأضاف الدفاع عن الحكومة إن من عقائد البهائية
الفاسدة أن
محمدا ، صلىاللهعليهوسلم ، ليس آخر الأنبياء والرسل وإن الناس لم يبعثوا بصورهم
الدنيوية ، بل بأرواحهم أو بصورة أخرى إلى غير ذلك مما يتنافى مع عقائد الإسلام
الأساسية وانتهى إلى أن الزواج باطل لا يترتب عليه أى حق ، فلا حق له إذا فى
المطالبة بالعلاوة الاجتماعية للزواج ولا بإعانة الغلاء بسبب ولادة الطفل ؛ لأن
الباطل لا ينتج إلا باطلا ، وشفعت الحكومة دفاعها بحافظة مستندات بها صورة من إفتاء
مفتى الديار المصرية ، وكذا ملف خدمة المدعى.
عقّب المدعى على
دفاع الحكومة بمذكرة أودعها فى أول يوليو سنة ١٩٤٠ قال فيها أن مقطع النزاع فى
معرفة حكم زواج البهائيين من الناحيتين الشرعية والوضعية ، وقدم للإجابة على هذا
السؤال بموجز عن عقائد البهائيين الأساسية والروح التى صدر عنها مستندا إلى مجموعة
من كتبهم ونشراتهم قدمها بحافظة وأشار إلى انتشار هذا المذهب وسماه دينا فى أكثر
من مائة قطر ، وإلى أن هيئة الأمم المتحدة اعترفت بالبهائيين كمنظمة عالمية غير
حكومية ، وإلى أن البهائية بدأت فى مصر منذ مائة عام ، وأصبح عدد معتنقيها يزيد عن
الألف أسرة ، واستطرد الدفاع عن المدعى إلى القول بأنه لا يتعرض لإفتاء المفتى
بكفر البهائيين ، ولا بأن من كان مسلما وأصبح بهائيّا يعتبر مرتدّا ، إذ أن ذلك من
أخص خصائص رجال الدين ، ولكنه لا يوافق على ما رتبه الإفتاء على ذلك من بطلان زواج
البهائى ببهائية أو غير بهائية ؛ لأنه على فرض أن من كان مسلما وأصبح بهائيّا
يعتبر مرتدّا ، فحكم المرتد فى الشريعة الإسلامية أن يقتل ، وحكم المرتدة أن تحبس
، أما زواج المرتد والمرتدة فلم يتعرض لبحثه فقيه من فقهاء الإسلام ، وإنما يمكن
قياسه
على أن يكون وثنيّا
أو كتابيّا ، ومن المعلوم أن ركن الزواج فى الإسلام الإيجاب والقبول ، وشرطى صحته
حضور الشاهدين وأن تكون المرأة محلّا للعقد ، بأن تكون غير محرمة على الرجل حرمة
مؤقتة أو مؤبدة ، وانتهى المدعى إلى القول بأن كل نكاح كان صحيحا عند المسلمين
لاستيفائه شروط الصحة فهو صحيح عند الذميين وارتكن فى ذلك إلى رأى الشيخ محمد أبو
زهرة فى كتاب الأحوال الشخصية ، قسم الزواج ص ٣٥٢ وأيد رأيه بما تحدث به الفقهاء
عن أحكام التوريث فى مثل زواج الذميين مشيرا إلى المرجع السابق ص ١٩٠ بند ١٤٨ ، ثم
انتقل الدفاع عن المدعى إلى التشريع الوضعى فقال : إن المادة ١٢ من الدستور تقول :
حرية الاعتقاد مطلقة ، وحوت حافظة المدعى الثانية كتاب الأقدس ونشرة عن البهائية ،
وبيان بهائى فى الالتزامات وحقوق الإنسان مقدم إلى لجنة حقوق الإنسان بهيئة الأمم
المتحدة فأحالته إلى قسم حقوق الإنسان دون إشارة إلى اعتراف بالبهائية كما قال
المدعى فيما سلف وقانون الأحوال الشخصية على مقتضى الشريعة البهائية ودستور المحفل
الروحانى المركزى بالقطر المصرى وإحصائية عن البهائية فى العالم ، وكتاب موعود كل
الأزمنة تأليف جورج تاونزند وترجمة بهية فرح الكردى ، وذلك بيانا للعقيدة البهائية.
وطلبت الحكومة مهلة للرد على دفاع المدعى الأخير ، على أن يكون واسعا حتى يتيسر
الرجوع إلى دار الإفتاء الشرعى فأعطيت لها المهلة. ولما لم تقدم شيئا قرر حضرة
المستشار المقرر تحديد جلسة ٢٢ / ٥ / ١٩٥١ لمناقشة الطرفين ، وفى جلسة المناقشة
نبه الطرفين إلى حكم الشريعة الإسلامية فى زواج المرتد بمناسبة ما أثاره دفاع
المدعى من أن فقهاء الإسلام لم يتحدثوا عن زواج المرتد ، وأشار
إلى كثير من
الأدلة من جميع المذاهب وأشار إلى أماكن النقل فى السرخسى والبدائع للكاستاني ،
والرواية لبرهان الدين ، والدر المختار للحصفكى ، والبحر الرائق لأبى حنيفة الثانى
والزيلعى ، والمغنى لابن قدامة الحنبلى ، وتعليق العلامة ابن الهمام ، وصاحب الشرح
الكبير ، وخلاصة البحث أن أئمة الإسلام على إجماع فى بطلان زواج المرتد ، وإن
اختلف بعضهم فى التصرفات الأخرى غير النكاح. فقال البعض القليل منهم بأنها موقوفة
فإن أسلم حكم بصحتها وإلا فلا ، وحاصل الحكم ومبناه عند أولئك الفقهاء إن من بين
تصرفات المرتد ما هو باطل بالاتفاق فى الحال كالنكاح فلا يجوز للمرتد أن يتزوج
مرتدة ولا مسلمة ولا كافرة أصيلة ؛ لأن النكاح يعتمد الملة ولا ملة للمرتد ، فإنه
ترك ما كان عليه أى الإسلام ولا يقره أحد على ما انتقل إليه من الكفر ، ومبنى
الحكم من ثلاثة أوجه : أحدها أن المرتد مستحق للقتل. وإنما يمهل أياما ليتأمل فيما
عرض له. وقام فى ذهنه من شبهة فلا يصح منه عقد النكاح لأنه لا حياة له حكما.
واشتغاله بعقد النكاح يشغله عما أمهل من أجله وهو التأمل والتدبر. وثانيها : أن
النكاح مشروع لمعنى البقاء (النسل) وهو لم يشرع لعينه وإنما شرع لمصالحه والمرتد
مستحق للقتل. فكل ما كان سببا للبقاء فهو غير مشروع فى حقه. وثالثها : أن الردة لو
اعترضت على النكاح لرفعته ، فإذا قارنته تمنعه من الوجوب من باب أولى"
كالرضاع" لأن المنع أسهل من الرفع ، فوعد محامو الطرفين ببحث هذه المسألة
وقدم الدفاع عن الحكومة فى جلسة المناقشة صورة إفتاء آخرة مؤرخة ٢ من سبتمبر سنة
١٩٤٩ ، وقت أن كان شيخ الأزهر الحالى رئيسا للجنة الفتوى (صاحب الفضيلة الشيخ عبد
المجيد سليم) جاء فيها
أن البهائية فرقة
ليست من فرق المسلمين ، إذ أن مذهبهم يناقض أصول الدين وعقائده التى لا يكون المرء
مسلما إلا بالإيمان بها جميعا ، بل هو مذهب مخالف لسائر الملل السماوية ، ولا يجوز
للمسلمة أن تتزوج بواحد من هذه الفرقة وزواج المسلمة باطل ، بل إن من اعتنق مذهبهم
بعد ما كان مسلما صار مرتدّا عن دين الإسلام فلا يجوز زواجه مطلقا ولو ببهائية
مثله.
وأثناء المناقشة
طلب حضرة المستشار المقرر إلى الطرفين استيفاء البحث فى النقطة الآتية ، وهى : أن
الدستور فى المادة ١٤٩ ينص على أن الإسلام دين الدولة الرسمى ، كما ينص فى المادة
١٢ منه على أن حرية الاعتقاد مطلقة فكيف يمكن إعمال النصين معا. وما مجال كل منهما
، وأثر ذلك فى الدعوى الحالية ، لم تقدم الحكومة شيئا وعقّب المدعى بمذكرة أودعها
فى ١٢ من يونية سنة ١٩٥١ قال فيها أنه ليس للحكومة أن تتمسك بتطبيق قواعد الشريعة
الإسلامية على هذا الزواج ، إذ معلوم فى أحكام الشريعة الإسلامية غير مطبقة فى الوقت
الحاضر والحكم الواجب التطبيق هو حكم الدستور الّذي يقضى بحرية الاعتقاد وبإطلاقها
، على أن الحكومة قد صرفت للمدعى علاوة غلاء المعيشة الخاصة بالابن وهو ثمرة
الزواج ، فكأنها تعترف بالبنوة وتنكر الزوجية ، ثم صمم على طلباته فى شأن تعديل
مرتبه اعتبارا من مارس سنة ١٩٤٧ بجعله ١٠٠ ، ١٠ ج شهريّا بدلا من ١٠٠ ، ١١ ج ،
واعتبارا من أول يناير سنة ١٩٤٨ بجعله ١٥٠ م ١٢ ج ، ثم عدل طلباته فى شأن المتجمد
فقصره على فرق العلاوة الاجتماعية عن الزواج لغاية تاريخ رفع الدعوى وقدره ٦٦٦ ،
٣٢ ج مع ما يتجمد حتى الحكم فى
الدعوى مع المصروفات
ومقابل الأتعاب ولم يعقب الدفاع عن الحكومة على مذكرة المدعى الأخيرة.
وبعد وضع التقرير
فى الدعوى عين لنظرها جلسة ٢٦ من نوفمبر سنة ١٩٥١ وفيها تلى حضرة المستشار المقرر
التقرير وسمعت ملاحظات محامى الطرفين ، فقال الحاضر عن المدعى : إن البهائية دين
يعتقد فى وحدانية الله ، شأنه فى ذلك شأن جميع الأديان السماوية ويعتقد برسالة
الرسل أجمعين : موسى وعيسى ومحمد ، ويعتقد أن بهاء الله الّذي نادى بهذا الدين من
المرسلين ، هذان هما الركنان الأساسيان للعقيدة : الوحدانية والرسل ومنهم بهاء
الله ، وأضاف محامى الحكومة أن البهائيين كانوا على دين الإسلام وتطورت أفكارهم
فقالوا إن القرآن ليس آخر الكتب السماوية ومحمد ، صلىاللهعليهوسلم ، ليس آخر الأنبياء والرسل ، بل يجب لكل عصر أن يأتى نبى
جديد بتعاليم جديدة تتفق مع روح العصر وتعاليم كتاب البهائيين يخالف ما جاء به
الدين المعمول به فى الدولة (الإسلام) فهم مرتدون ومخالفون للقواعد الأساسية
للإسلام ، وعقب محامى المدعى على ذلك أن المدعى بهائى أبا وأمّا وكذلك الزوجة
فناقشته المحكمة مستوضحة عن حكم الشريعة الإسلامية فى ابن المرتد إذا كان أبوه
مرتدّا فطلب تأجيل الدعوى ليبحث هذه النقطة وغيرها مما أثير فى الجلسة ، فتقرر
تأجيل الدعوى لجلسة ٢١ من يناير ١٩٥٢ مع الترخيص للطرفين فى تبادل المذكرات
المكملة ، وفيها طلب الحاضر عن المدعى أجلا آخر لاستكمال البحث وقدم حافظة مستندات
بها شهادة مؤرخة ٤ يناير سنة ١٩٥٢ من سكرتير المحفل الروحانى المركزى للبهائيين
بمصر والسودان ورد فيها : " نقرر أنه بالاطلاع
على سجلات المحفل
تبين أن على أفندى عبد الله (والد المدعى) مقيد بهذه السجلات الممسوكة منذ عام
١٩٢٩ كأحد أفراد الطائفة البهائية بمصر".
وشهادة أخرى نفس
النص عن خليل أفندى عياد والد زوجة المدعى السيدة بهيجة ، ثم قررت المحكمة تأجيل
نظر الدعوى لجلسة ١٠ من مارس سنة ١٩٥٢ كطلب الحاضر عن المدعى ، وفيها قدم الحاضر
عن المدعى مذكرة وطلب التأجيل مرة أخرى للاستعداد ، ولم يمانع ممثل الحكومة فقررت
المحكمة التأجيل لجلسة ١٤ من إبريل ١٩٥٢ ليستعد محامى المدعى ولترد الحكومة على
مذكرته الأخيرة.
وفيها سمعت
ملاحظات الطرفين من جديد ، فقال محامى المدعى أن دفاعه يقوم على أسس ثلاثة كما هو
واضح من مذكرته الأخيرة ، أولها : إن حكم الشريعة الإسلامية بقتل المرتد وحبس
المرتدة غير مطبق. والقول ببطلان زواج المرتد فرع عن الحكم الأصلي ، والفرع يتبع
الأصل فلا محل لتطبيق حكم زواج المرتد على المدعى ، هذا إذا كان وصف الردة ينطبق
على المدعى. وثانيها : أن الواقع غير ذلك إذ أنه لم يكن مسلما وارتد عن الإسلام
إلى البهائية ، بل إنه بهائى أصلا ولد لأب بهائى ، وكذلك زوجته ولدت لأب بهائى ،
ودلل على ذلك بالشهادتين الصادرتين من محفل البهائيين والمقدمتين بالجلسة السابقة.
وثالثها : إن أحكام القانون الوضعى الحالى (الدستور) وارتباطات مصر الدولية تمنع
من تطبيق أحكام الردة كليّا وجزئيّا. فقد نصت المادة ١٨ من حقوق الإنسان التى
أصدرتها هيئة الأمم المتحدة ومصر عضو فيها على أن لكل إنسان الحق فى حرية الضمير
والتعبير والدين وما دامت مصر قد انضمت إلى هيئة الأمم المتحدة فهى مرتبطة
بنظمها ، وملتزمة
بها كما أشار إلى أن الحكومة قد سلمت بحقه فى فرق إعانة الغلاء عن الولد الّذي ولد
له وصرفت متجمدها. فرد الحاضر عنها إنه صح ذلك ، فإعانة الولد غير إعانة الزوجة ،
إذ يكفى شرعا لصحة نسب الولد إقرار بنسبه دون بحث فى شرعية الزواج ذاته ، وأضاف أن
البهائيين مرتدون عن الإسلام كفرقة حتى لو ولد المدعى لأب بهائى فهو مرتد. ثم قررت
المحكمة النطق بالحكم بجلسة ٢٦ من مايو ١٩٥٢ مع الترخيص للطرفين بتبادل مذكرات
مكملة فى مدى شهر يبدؤها المدعى ، فلم يقدم أحد منهما شيئا.
[المحكمة]
بعد تلاوة التقرير
وسماع ملاحظات محامى الطرفين ، وبعد الاطلاع على ملف الدعوى وأوراقها وبعد
المداولة.
من حيث أنه تبين
من مساق الواقعات على نحو ما سلف ، أنه لا خلاف بين الطرفين فى أن المدعى بهائى
النحلة وأنه تزوج لأحكام البهائية فى ٢٠ من مارس سنة ١٩٤٧. وأنه كان من ثمرة هذه
الزيجة ولده نبيل حيث ولده فى أول يناير ١٩٤٨ وأنه موظف بمصلحة السكة الحديد
بوظيفة تذكرجى براتب شهرى قدره تسعة جنيهات وأنه من بين قرارات مجلس الوزراء فى
عام ١٩٤٤ منح علاوة اجتماعية قدرها جنيه مصرى واحد شهريّا لكل موظف متزوج وعلاوة
لغلاء المعيشة تزداد كلما زادت أعباء الموظف العائلية ، فهى لمثل حالة المدعى قبل
الذرية ٢٨% من الراتب وتصبح بعد الولد الأول ٤٢% لا خلاف على ذلك ، وإنما الخلاف
منحصر بين طرفى النزاع فى معرفة قيمة هذا الزواج البهائى من الناحية
القانونية
والشرعية ، إذ فى ذلك القول الفصل فيما إذا كان المدعى مستحق لهذه العلاوة أم لا.
ومن حيث أن
الحكومة تذهب إلى أن هذا الزواج باطل لا ينتج إلا باطلا مستندة إلى ما أفتى به
مفتى الديار المصرية فى ١٣ / ٤ / ١٩٥٠ فى شأنه حيث قال : " إذا كان المدعى قد
اعتنق مذهب البهائيين بعد أن كان مسلما اعتبر مرتدّا عن الإسلام تجرى عليه أحكام
المرتدين ، وكان زواجه بمحفل البهائيين بمن تزوج بها زواجا باطلا شرعا سواء كان من
زوجة بهائية أم غير بهائية ، ولا خفاء فى أن عقائد البهائيين وتعاليمهم غير
إسلامية يخرج بها معتنقها عن ربعة الإسلام ، وقد سبق الإفتاء بكفر البهائيين
ومعاملتهم معاملة المرتدين".
كما استندت أيضا
إلى فتيا أخرى صادرة فى ٣ من سبتمبر ، سنة ١٩٤٩ وقت أن كان شيخ الأزهر الحالى
فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم ريسا للجنة الفتوى جاء بها : " إن البهائية فرقة
ليست من فرق المسلمين إذ أن مذهبهم يناقض أصول الدين وعقائده التى لا يكون المرء
مسلما الا بالإيمان بها جميعا ، بل هو مذهب مخالف لسائر الملل السماوية ، ولا يجوز
للمسلمة أن تتزوج بواحد من هذه الفرقة وزواج المسلمة باطل ، بل إن من اعتنق مذهبهم
من بعد ما كان مسلما صار مرتدّا عن دين الإسلام ولا يجوز زواجه مطلقا ولو ببهائية
مثله".
ومن حيث أن هذا
الّذي ورد فى الفتيا من أن تعاليم البهائية تناقض أصول الدين الإسلامى وعقائده
وتخرج معتنقها عن حظيرة الإسلام ومن أن البهائية مذهب مخالف لسائر الملل السماوية
أما قد استظهرته المحكمة من
أقوال الدفاع عن
المدعى ومن المستندات التى قدمها هو بنفسه وآية ذلك :
أولا
: ما ثبت على لسان
محامى المدعى فى محضر جلسة ٢٦ من نوفمبر ١٩٥١ حيث قال : " إن البهائية دين
يعتقد فى وحدانية الله ويعتقد أن بهاء الله الّذي نادى بهذا الدين من المرسلين ،
هذان هما الركنان الأساسيان للعقيدة البهائية الوحدانية والرسل ومنهم بهاء
الله".
ثانيا
: قول البهائيين أن
رسولين معينين بلّغا هذا الدين إلى أهل الأرض بعد أن فسد الدين الإسلامى وأصبح غير
صالح لمسايرة التطور الّذي وصلته البشرية فى العصور الحديثة ، وهما ميرزا على محمد
الّذي أعلن دعوته عام ١٨٤٤ بإيران ومن هذه السنة يبدأ البهائيون تاريخهم وكان لقبه
المقدس (الباب) وكانت غايته إعداد الناس لقدوم (بهاء الله) أى التبشير لقدومه
ويقولون أنه رسول وأن رسالته كانت تحضيرية (هذا واضح فى ص ٩١١ من كتاب موعود كل
الأزمنة تأليف جورج تاونزند وهو من رجال الكنيسة بإيرلندا والنسخة المقدمة نقلتها
إلى العربية بهية فرح الله ومطبوعة سنة ١٩٤٦ والمقدمة من المدعى بحافظة مستنداته
وقد طبع هذا الكتاب بإجازة المحفل الروحانى البهائى بمصر والسودان واحتفظ بحقوق
الطبع لهذا المحفل.
وقد جاء فى
الصحيفة ١١٩ من الكتاب نفسه" وكان المؤثر فى إيمان البابين الأول بالباب هو
الإخلاص لشخصه والإيمان الراسخ بنبوته" وجاء فى الصحيفة نفسها : " ولقد
أثبت أولئك الذين تزعموا الإسلام أنهم عاجزون عجزا مخزيا عن إدراك عظمته والاعتراف
بصحة رسالته .. وعمل علماء الإسلام على تفسير تعاليم رسولهم محورين إياها حتى
تلائم أغراضهم ، وتمكن علماء الدين الإسلامى من أن يزاولوا باسم نبيهم أهواءهم
الدنسة ..
وقد تحدث إصلاحات
الباب زيغ العصر ونفاقه". وفى الصحيفة ١٣٩ ورد : " فقد كان للباب منزلة
مستقلة كرسول عظيم قائم بذاته يوحى إليه من العلى القدير" وجاء بها أيضا :
" أنه جاء لإعلان دورة دينية جديدة من شأنها أن تختم الدورة السابقة وأن تعطل
شعائرها وعاداتها وكتبها ونظمها".
أما ثانى رسل
البهائية فهو ميرزا حسين على الابن الأكبر للوزير ميرزا يزرك ، إذ بعد قتل الباب
بثلاثة أعوام ناجى نفسه بأنه المركز الّذي دارت حو ـ له الحركة التى قام بها الباب
ص ١٢٨ وقد أعلن دعوته بحديقة بغداد ، حيث كان فى طريقه إلى المنفى بين ٢١ من إبريل
والثانى من مايو سنة ١٨٦٢ ، وكان فى إعلان دعوته تحقق البشرى التى بشّر بها الباب
وظهر موعود كل الأزمنة" وأن العهد القديم قد تحقق ، وأن ذلك الّذي جاء
المبشرون يبشرون بمقدمه باعتباره الأب الأبدى يوشك أن يحقق لأبنائه الإخاء وأن
يحيا على الأرض بينهم". ص ١٤١ من الكتاب نفسه : " ولما صدر الأمر بوضعه
فى سجن عكا آثر العزلة وانكب على الإملاء والتحرير. وجاء فى هذا المؤلف فى ص ١٥١ :
" أن البهائية دين كتابى قبل كل شيء وكتبه المقدسة هى أصل الاعتقاد دون
الأحاديث الشفوية وهى كتب الباب وكتب بهاء الله ، ومنها الكلمات المكنونة وكتاب
الإيقان والألواح التى أرسلها بهاء الله إلى الملوك والأمراء والقياصرة ، وأهم هذه
الكتب (الكتاب الأقدس) وقدم المدّعى بحافظة مستنداته نسخة منه ووصفه جورج تاونزند
فى كتابه ص ١٥٧ بأنه يشمل الأحكام والشرائع فى ملكوت الله طول العصر الجديد ..
ويبدو من الاطلاع عليه أنه يجرى على نسق الآيات القرآنية فى مقطوعات على نسق السور
القرآنية منها الكبار ومنها الصغار.
ثم جاء فى كتاب
جورج تاونزند بالصحيفة ٥٠ والبهائية لا تنتمى إلى ديانة بالذات ولا هى فرقة أو
مذهب وإنما هى دعوة إلهية جديدة ، ثم فى الصحيفة ١٦٢ : " صعد بهاء الله إلى
الرفيق الأعلى فى سنة ١٨٩٢ .. وقد عين فى وصية مكتوبة ابنه الأكبر عبد البهاء
مبينا لكلماته ومركزا لميثاقه وخليفة له بحيث من توجه إليه توجه إلى مظهر أمر الله
نفسه". وجاء فى ص ٢٠٨ : " أن عبد البهاء صعد إلى الرفيق الأعلى فى
نوفمبر ١٩٢١".
ثالثا
: جميع النشرات التى
تصدر عن المحفل الروحانى للبهائيين كقانون الأحوال الشخصية ودستور المحفل ونماذج
وثائق الزواج نفسها موسومة فى أعلاها بميسم (أكلشيه) به عبارة منقوشة بالخط
الفارسى كالخاتم تقريبا (بهاء يا إلهى) فإذا اقترن ذلك ببعض العبارات التى وردت فى
كتب البهائية والتى ترتفع ببهاء الله إلى مرتبة التقديس الإلهي ومنها قولهم فى
كتاب جورج تاونزند عن البهاء : " إن الأب الأبدى يوشك أن يحقق لأبنائه الإخاء
، وأن يحيا على الأرض بينهم". دلّ ذلك كله على ما ذهب إليه بعض البهائيين عن
أن الإله قد حلّ فى البهاء.
رابعا
: من بين ما قدمه
المدعى فى الدعوى كتيب عنوانه" قانون الأحوال الشخصية على مقتضى الشريعة
البهائية" وهو مستخرج من كتاب الأقدس ومطبوع سنة ٨٨ بهائية و ١٣٥٠ ه ١٩٣٢ م.
وكل باب من أبوابه مصدر بآية من آيات كتاب الأقدس والكثرة الغالبة من أحكامه تناقض
أحكام الإسلام ، وتخالف تعاليم المسيحية واليهودية. فمنها عدم زواج أكثر من اثنتين
، ومنها : أن اختلاف الدين ليس بمانع من الزواج (مادة ٩). ومعنى ذلك أنه يجوز
للمسلمة أن تتزوج بمسيحى أو يهودى أو
ببهائى أو بشخص من
أية ملة وكذا المسيحية. ومنها تحديد المهر بقدر معين من الذهب الإبريز بحيث لا يقل
عن تسعة عشر مثقالا ولا يزيد عن خمسة وتسعين مثقالا. ومنها تقسيمه الميراث على
٢٥٢٠ جزء للذرية منها ١٠٨٠ ، وللأزواج ٣٩٠ ، وللآباء ٣٣٠ ، وللأمهات ٢٧٠ ،
وللإخوان ٢١٠ ، وللأخوات ١٥٠ ، وللمعلمين ٩٠ ، فإن لم يترك المتوفى أحدا من هؤلاء
رجع ثلث التركة إلى المحفل البهائى إن كان له ذوى قربى ، وإلا رجعت التركة كلها
للمحفل (المواد من ٣١ إلى ٣٤). ومنها أن غير البهائى لا يرث البهائى. وأن الدار
المسكونة وملابس المتوفى يختص بها أكبر الأبناء الذكور (م ٤٤). ومنها : أن يدفن
الميت فى البللور أو الحجر أو الخشب. وتوضع فى أصابعه الخواتم المنقوشة عليها
عبارات معينة (م ٥٠). ومنها : أن السنة البهائية تنقسم إلى تسعة عشر شهرا ويبدأ
التقويم البهائى من سنة ١٨٤٤ ميلادية وقت إعلان الباب لدعوته. هذا عدا ما عرف عنهم
ولم ينكروه فى ردهم على جبهة العلماء من أن الصوم عندهم تسعة عشر يوما وجعلوه
يبتدئ من شروق الشمس لا من طلوع الفجر. وجعلوه دائما فى وقت الاعتدال الربيعى حيث
يكون عيد الفطر عندهم يوم النيروز باستمرار بدلا من شهر رمضان أيّا كان موقعه من
فصول العام كما جعلوا الصلاة تسع ركعات فى اليوم والليلة. وحولوا قبلة الصلاة من
مكة إلى عكا حيث قضى البهاء مدة سجنه وتوفى هناك.
خامسا
: قدم المدعى أيضا
نسخة من دستور المحفل الروحانى البهائى بالقطر المصرى وواضح فى صدره إن واضعى هذا
الدستور تسعة أشخاص من القاهرة والإسكندرية وبور سعيد والسويس والإسماعيلية ذكروا
بأسمائهم كوكلاء
للبهائيين. وأعلنوا الدستور فى أول مايو سنة ١٩٢٨ وجاء فيه : " ومنذ ذلك
التاريخ تكون جميع الواجبات والحقوق والامتيازات والمسئوليات التى أو كلها حضرة
بهاء الله مؤسس الدين البهائى والتى بينها ومثلها حضرة عبد البهاء والتى يقوم حضرة
شوقى أفندى ربانى على حفظها وصيانتها راجعة إلى المحفل الروحانى البهائى وإلى
المحافل التى تخلفه فى ظل هذا الدستور". وهذا الدستور مكون من ثمانى مواد
وملحق به لائحة داخلية ويشير إلى وجوب تأسيس بيت العدل العام المنصوص عنه فى
الآثار المقدسة للأمر البهائى ووجوب الاعتراف التام والطاعة والخضوع لكل ما جاءوا
به والولاء والخضوع لكل عبارة من العبارات الواردة فى وصية عبد البهاء المقدسة كما
أوجبت أن تكون جميع قرارات وأعمال المحفل البهائى المركزى حائزة لرضاء واعتماد ولى
أمر الله شوقى أفندى ربانى أو بيت العدل العام.
سادسا
: من بين مستندات
المدعى نشرة عن البهائية وهى عبارة عن رد على تحذير مذاع من جبهة العلماء مطبوع
سنة ١٩٤٧ وفيها لا ينكر رد البهائيين على جبهة العلماء ما قالته من أن البهائيين يعتبرون
(الباب) و (بهاء الله) رسولين من عند الله وبذلك يجحدون أهم مبادي العقيدة
الإسلامية من أن محمدا عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين والرسل وأن رسالته باقية
صالحة لكل زمان ومكان. فقد جاء فى هذا الرد نفسه بالصحيفة (٥٠) : " والبهائية
دعوة إلهية عامة تدعو الجميع إلى الله". وبالصحيفة ٥٢ : " والبهائية لا
تنتمى إلى ديانة بالذات ولا هى فرقة أو مذهب وإنما هى دعوى إلهية جديدة غايتها
تحقيق الاتحاد والتفاهم بين أهل الأديان".
هذا فضلا عما سلف
ذكره نقلا من مستنداتهم المقدمة فى الدعوى من أن الباب كان نبيّا وإنه رسول قائم
بذاته يوحى إليه من العلى القدير ، وإن البهائية دين كتابى ، وأن المعتمد من كتبها
المقدسة كتب الباب ومنها كتاب البيان ، وكتاب بهاء الله ومنها الكلمات المكنونة
وكتاب الأقدس. هذا وقد بان أيضا من الاطلاع على رد البهائيين على تحذير جبهة
العلماء المقدم فى الدعوى أنهم يجحدون أهم مبادي العقيدة الإسلامية من أن محمدا ،
عليه الصلاة والسلام ، خاتم النبيين والرسل ، وأن رسالته باقية إلى يوم الدين
صالحة لكل زمان ومكان ، وذلك بأنهم يذهبون فى تفسير الآية القرآنية الكريمة :
" ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين" إلى أن
الختم واقع على مقام النبوة وليس بواقع على مقام الرسالة ولا عبرة فى رأيهم بما
قال به مفسرو هذه الآية من علماء الإسلام من أن مقام الرسالة خاص ، ومقام النبوة
عام ، وختم الأعم معناه ختم الأخص. إذ لا حجة فى ذلك لدى البهائيين لتناقضه مع
المنطق لأن القول بانقطاع الوحى الإلهي. وغلق باب الرحمة الإلهية من الأقوال التى
لا يجد لها البهائيون سندا فى منطق الواقع. ثم قالوا فى ردهم : " فقد أجمع
مفكرو أهل الملل والعقائد على أن الإنسانية فى تطورها الحالى فى أشد الحاجة إلى
الفيض الإلهي" ص ٢٢. ثم قالوا : " ولا يستطيع العقل المنير أن يقول بأن
أية شريعة أو قانون يصلح لكل زمان ومكان فضلا عن أن منزل الشرائع ومصدر الهدى
والنور لم يقل بذلك" ص ٢٧. ثم قالوا : " فالبهائية كالإسلام والمسيحية
واليهودية وغيرها من الأديان حلقة من حلقات التاريخ الروحى الّذي كان سنة الله فى
كل عصر من عصور رسالته" ص ٥١.
ومن حيث أن الدفاع
عن المدعى عقب على فتيا مفتى الديار قائلا بأنه لا يتعرض لما تضمنته من كفر
البهائيين فقد ردوا على ذلك فى ردهم على تحذير جبهة العلماء وأنه لا يتعرض أيضا
للقول بأن من كان مسلما وأصبح بهائيّا يعتبر مرتدّا. وإنما يعترض على ما قررته
الفتيا من بطلان زواج البهائى بمن تزوج بها سواء أكانت بهائية أم غير بهائية بحجة
أن فقهاء الشريعة الإسلامية لم يتحدثوا عن زواج المرتد ولم يتعرض له واحد منهم
بالبحث. بل ذهب إلى أنهم لم يكونوا فى حاجة إلى هذا البحث لسبب واضح بسيط هو أنهم
يرون أن المرتد مستحق للقتل والمرتدة مستحقة للحبس فلا يتصور قيام مثل هذا الزواج.
مع وجوب قتل المرتد وحبس المرتدة. واستطرد الدفاع عن المدعى إلى أنه ما دام حكم
الشريعة الإسلامية بقتل الرجل وحبس المرأة غير مطبق الآن ، وبهذا أصبح من المتصور
قيام زواج مرتد ويتعين إذا استنباط حكم له ، فلا مناص من قياسه على حكم زواج الذمى
فى الشريعة الإسلامية. والذمى عند فقهائنا هو الوثنى والكتابى. وزواجه عندهم صحيح
متى استوفى الشروط التى يشترطها الإسلام وهى الإيجاب والقبول وحضور الشاهدين. وأن
تكون المرأة محلّا للعقد. بأن تكون غير محرمة على الرجل حرمة مؤقتة أو مؤبدة.
وانتهى إلى اقتباس
قول للأستاذ الشيخ أبو زهرة بأن كل : " نكاح كان عند المسلمين صحيحا
لاستيفائه شروط الصحة جميعا فهو صحيح عند الذميين". ثم أشار إلى رد الحسن
البصرى على عمر بن عبد العزيز حين سأله قائلا : " ما بال الخلفاء الراشدين
تركوا أهل الذمة وما هم عليه من نكاح المحارم واقتناء الخنازير والخمور. فرد عليه
بقوله : إنما بذلوا الجزية
ليتركوا وما
يعتقدون ، وإنما أنت متبع ولست بمبتدع والسلام". ثم انتهى المدعى من ذلك إلى
أن زواجه رغم أنه بهائى زواج صحيح فى نظر الإسلام وغير صحيح ما يقول به المفتى.
ومن حيث أن حجة
المدعى فى هذا الصدد داحضة تسقط بسقوط الأساس التى قامت عليه وتنهار بانهياره.
وذلك أن هذا الّذي يتصوره المدعى ولم يدر له بخلد من أن يبحث علماء الإسلام زواج
المرتد ؛ لأنه مستحق للقتل تصوره علماء الإسلام وقتلوه بحثا وتمحيصا. بل إنهم
افترضوا المستحيلات وأعدّوا لها البحوث ورتبوا لها الأحكام ليقينهم بان شريعتهم
باقية على الزمن وما قد يبدو مستحيلا فى زمانهم قد يصبح فى زمان آخر مقبل حقيقة
واقعة وأقرب الأمثال لذلك أن محمد بن الحسين كتب فى سبعة وعشرين ألفا من الأقضية
وأفتى فى المستحيلات فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور"
[الحج : ٤٦]!!!. هذا وقد أفاض فقهاء الإسلام فى كل عصر فى الكلام عن زواج المرتد
وجماع رأيهم رغم اختلاف مذاهبهم أنه باطل بطلانا أصليّا. وفيما يلى قليل من كثير
بغية التمثيل لا الحصر والإحاطة.
١
ـ عقد العلامة السيد
شمس الدين السرخسى فى كتابه المبسوط ، الطبعة الأولى ، بمطبعة السعادة سنة ١٣٢٤ ه
بابا لنكاح المرتد جاء فى أول جزء ص ٤٨ : " ولا يجوز للمرتد أن يتزوج مرتدة
أو مسلمة ولا كافرة أصلية ؛ لأن النكاح يعتمد الملة. أى يعتمد على الاعتقاد بملة
صحيحة. ولا ملة للمرتد فإنه ترك ما كان عليه أى الإسلام وهو غير مقر على ما
اعتقده". وقد علل هذا الحكم بأسباب منها أن النكاح مشروع لقاء النسل والقيام
بمصالح المعيشة
والمرتد مستحق للقتل وإنما يمهل أياما ليتأمل فيما عرض له وجدّ فى ذهنه من شبهة
وزيغ واشتغاله بأمر النكاح يشغله عما أمهل من أجله وهو التأمل. وكذلك الحال فى شأن
المرتدة للأسباب نفسها ويزيد عليها أنها بالردة صارت محرمة وينبغى فى النكاح أن
يختص بمحل الحل.
وقد جاء فى نفس
المرجع ص ١٠٤ جزء ١٠ ضمن الكلام عن تصرفات المرتد : " ومنها ما هو باطل
بالاتفاق فى الحال كالنكاح والزيجة لأن الحل بهما يعتمد الملة ولا ملة للمرتد فقد
ترك ما كان عليه الإسلام وهو غير مقر على ما اعتمده أى انتقل إليه".
٢
ـ وقد جاء فى كتاب
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع (٢) ص ٢٧٠ للإمام علاء الدين أبو بكر بن مسعود
الكاسانى الحنفى المذهب ، طبع بمطبعة شركة المطبوعات العلمية بمصر سنة ١٣٢٧ ه وهو
بصدد الكلام عن شرائط جواز النكاح ونفاذه" فصل ومنها أن يكون للزوجين ملة
يقرّان عليها فإن لم يكن بأن كان أحدهما مرتدّا لا يجوز نكاحه أصلا بمسلم ولا
بكافر غير مرتد ولا بمرتد مثله ؛ لأنه ترك ملة الإسلام ولا يقر على الردة ويجبر
على الإسلام بالقتل فكانت الردة فى معنى الموت والميت لا يكون محلّا للنكاح ؛ ولأن
النكاح ملك معصوم ولا عصمة مع الردة .. والدليل عليه أن الردة لو اعترضت على
النكاح رفعته .. فإذا قارنته تمنعه من الوجود من طريق الأولى كالرضاع لأن المنع
أسهل من الرفع".
٣
ـ كما ورد فى كتاب
الهداية شرح بداية المبتدئ لشيخ الإسلام برهان الدين أبى بكر المرغينانيّ ، طبع
المطبعة الأميرية سنة ١٣١٥ ه جزء ٢ ص ٥٠٥ باب نكاح أهل الشرك ما نصه." ولا
يجوز أن يتزوج المرتد
مسلمة ولا كافرة
ولا مرتدة ؛ لأنه مستحق للقتل والإمهال ضرورة التأمل والنكاح يشغله عنه".
وعلّق الكمال بن الهمام على ذلك بقوله : " أما المسلمة فظاهر لأنها لا تكون
تحت كافر وأما الكافرة فلأنه مقتول معنى. وكذا المرتدة لا تتزوج أصلا لأنها محبوسة
للتأمل ومناط المنع مطلقا عدم انتظام مقاصد النكاح وهو لم يشرع إلا لها". وقد
جاء فى المرجع الأصلي للمرغيناني فى باب أحكام المرتدين جزء ٤ ص ٢٩٦ حيث قسم
تصرفات المرتد إلى أقسام وجعل القسم الثانى منها باطلا بالاتفاق ومثل له بالذبيحة
والنكاح.
٤
ـ وفى كتاب الدر
المختار شرح تنوير الأبصار للعلامة محمد علاء الدين الحصفكى طبع المطبعة الأميرية
جزء ١ ص ٤٠٧ فى باب نكاح الكافر : " ولا يصلح أن ينكح مرتد أو مرتدة أحدا من
الناس مطلقا" وفى باب المرتد جزء ٢ ص ٢١٠ : " ويبطل منه اتفاقا ما يعتمد
الملة وهو خمس النكاح والذبيحة والصيد والشهادة والإرث" وعلق الشيخ بن عابدين
فى حاشيته على قول الحصفكى ما يعتمد الملة نقلا عن الطحاوى" إن ما يكون
الاعتماد فى صحته على كون فاعله معتمدا ملة من الملل والمرتد لا ملة له أصلا لأنه
لا يقر على ما انتقل إليه".
٥
ـ وورد فى كتاب
البحر الرائق فى شرح كنز الدقائق للعلامة زين العابدين بن نجيم الملقب بأبى حنيفة
الثانى جزء ٥ ص ١٤٤ الطبعة الأولى ، بالمطبعة العلمية ، بعد أن تكلم على تصرفات
المرتد حال الردة : " والحاصل إن ما يعتمد الملة لا يصح منه اتفاقا وهى خمسة
النكاح والذبيحة والصيد والإرث والشهادة".
٦
ـ وذكر الزيلعى فى
شرحه للكنز جزء ٢ ص ٢٨٨ طبع بالمطبعة الأميرية سنة ١٣١٢ ه نحو ذلك ومثل للباطل من
تصرفات المرتد بالنكاح وذكر المؤلف نفسه فى باب النكاح الكافر جزء ٢ ص ١٧٣ شرحا
لقول المتن" ولا ينكح مرتد ولا مرتدة أحدا لأن النكاح يعتمد الملة ولا ملة
للمرتد".
٧
ـ كما ورد فى كتاب
المغنى لابن قدامة الحنبلى ص ٨٣ جزء ١٠ الطبعة الأولى بمطبعة المنار سنة ١٢٤٨ ه
تحت عنوان بطلان تزوج المرتد وبطلان ملكه" وإن تزوج لم يصح تزوجه لأنه لا يقر
على النكاح وما منع الإقرار على النكاح منع انعقاده كنكاح الكافر المسلمة وإن زوج
لم يصح تزوجه لأن ولايته على موليته قد زالت بردته".
٨
ـ وقال مثل ذلك صاحب
الشرح الكبير المطبوع مع المغنى ص ٩٨ من الجزء نفسه.
٩
ـ وقال مثله الهيثمى
بن حجر فى شرحه تحفة المحتاج بشرح المنهاج ج ٩ ، ص ١٠٠
ومن حيث أن المدعى
بعد أن استبان فى جلسة المناقشة فساد ما يؤسس عليه دعواه من أن فقهاء الشريعة
الإسلامية لم يضعوا لزواج المرتد حكما عمد إلى إقامة الدعوى على أساس آخر ذلك أن
وصف الردة على ما ينطبق عليه لا يلحقه فلا محل لتطبيق أحكام زواج المرتد على زواجه
واستشهد فى تعريف الردة قولا لابن عابدين فى حاشيته رد المحتار على الدر المختار
جاء فيه أن المرتد لغة هو الراجع مطلقا والمرتد شرعا هو الراجع عن دين الإسلام وركنها
إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد الإيمان وهو
تصديق محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، فى جميع ما جاء به عن الله تعالى مما علم مجيئه بالضرورة
ويستطرد المدعى إلى أنه لم يكن مسلما فى أى وقت من الأوقات بل أنه ولد بهائيّا عن
أبيه وتبعا له ، واستدل على بهائية أبيه بالشهادة التى قدمها من المحفل المركزى
للبهائيين بمصر والسودان ثم رتب على ذلك كله أن يعتبر ذميّا لا مرتدّا ، ولا تنطبق
فتيا المفتى على حالته حيث ورد فيها أن من اعتنق مذهب البهائية بعد ما كان مسلما
صار مرتدّا عن دين الإسلام ولا يجوز زواجه مطلقا ولو ببهائية مثله ، ثم أشار إلى
أن زوجته مولودة لأبوين بهائيين وأنه لم يكن مسلما لا هو ولا زوجته فى أى وقت حتى
يقال أنه مرتد.
ومن حيث أنه وإن
كانت الردة معنى شرعيّا للتكذيب بعد سابقة التصديق إلا أن مقطع النزاع فى الأساس
الجديد الّذي يحاول المدعى أن يقيم عليه دعواه هو معرفة حكم ابن المرتد فى الشريعة
الإسلامية متى كان أبوه أو أمه أو أحد أجداده مسلما الأمر الّذي كلفت المحكمة
الطرفين بحثه فتقاعسا عنه (وبحث ابن عابدين الّذي أتينا به فى مذكرتنا؟) وهو ما
نؤخر التصدى له إلى ما بعد مناقشة الأوراق المقدمة من المدعى عن المحفل البهائى إذ
هى دليل الواقعة التى يقيم المدعى نظريته الجديدة عليها.
ومن حيث أنه قد
بان للمحكمة من الرجوع إلى شهادة المحفل البهائى المقدمة من المدعى أخيرا أن
عبارتها جرت على النحو الآتى : " بناء على الطلب المقدم من حضرة مصطفى كامل
عبد الله أفندى المدعى بإعطائه شهادة من واقع سجلات المحفل الروحانى المركزى
للبهائيين بمصر والسودان عن قد والده حضرة على أفندى عبد الله بها تقرر أنه
بالاطلاع على
سجلات المحفل تبين
أن حضرة على أفندى عبد الله مقيد بهذه السجلات الممسوكة منذ عام ١٩٢٩ كأحد أفراد
الطائفة البهائية بمصر". وأول ما يلحظ فى شأن هذه الشهادة أنها جهلت تاريخ
تمذهب والد المدعى بالبهائية كما أنها لم تعين بالضبط الوقت الّذي مسكت فيه سجلات
المحفل واكتفت بالقول أنها ممسوكة منذ عام ١٩٢٩ ويأخذ الأمر على ظاهر ما فيه
وبافتراض أن والد المدعى كان من أوائل من اعتنقوا البهائية فى سنة ١٩٢٩.
فإن ما جاء بوثيقة
زواج المدعى المؤرخة ٢٠ من مارس سنة ١٩٤٧ والتى ذكر بها أن عمره أربعة وثلاثين سنة
أى أنه مولود عام ١٩١٢ إذا ما قورن هذا الأمر بذلك أمكن استخلاص أن سن المدعى وقت
أن اعتنق والده البهائية ١٦ سنة ومقتضى ذلك ولازمه أن وقت أن حملت أم المدعى به
كان أبوه مسلما ، ووقت أن ولد المدعى كان الأب مسلما أيضا ، ووقت أن بلغ المدعى سن
التكليف كان الأب لا يزال على إسلامه ، ولا خلاف فى أن سن التكليف وهو سن المحاسبة
على ترك فرائض الإسلام هو من سن الخامسة عشر ، بل البهائية نفسها تتخذ هذا السن
سنّا للبلوغ كما ورد فى قانون أحوالها الشخصية على نحو ما سلف ذكره. ومن ثم يكون
المدعى قد علق فى بطن أمه بأب مسلم وولد لأب مسلم ، فهو مسلم تبعا لأبيه ، وهو
الابن قد بلغ مسلما قبل أن يرتد أبوه عن الإسلام وهو (المدعى) إذ يقول اليوم أنه
بهائى يكون قد ارتد عن الإسلام بكل معانى الكلمة لغة وشرعا بحكم فتيا المفتى من أن
من كان مسلما واعتنق البهائية فهو مرتد وزواجه باطل سواء أكان من مسلمة أو بهائية
ومن ثم فلا حاجة فى هذا المقام إلى بحث ما إذا كان زوجته مولودة لوالدين بهائيين
كما يقول المدعى أم لا. ويكفى الإشارة إلى
أن الشهادة المقدمة
لم تشر إلى والدة الزوجة وإنما أشارت إلى أن أباها خليل عياد أفندى من الطائفة
بحسب السجلات الممسوكة بالمحفل سنة ١٩٢٩. وهذا لا يفوت المحكمة أن تشير إلى أن
الورقة ١١١ من ملف خدمة المدعى المقدم من الحكومة تدل على أن المدعى ولد على
التحقيق فى ٢٨ مايو ١٩١٢ مما يقطع بأنه كان يقارب السابعة عشر حينما ارتد أبوه على
فرض أن تلك الردة كانت فى أوائل سنة ١٩٢٩ عقب إصدار الدستور البهائى وإنشاء المحفل
الروحانى.
ومن حيث أن حكم
الشريعة الإسلامية فى شأن ابن المرتد قاطع لكل شبهة دافع للأساس الجديد الّذي
يحاول المدعى إقامة الدعوى عليه وذلك أن ابن المرتد مسلم فى نظر الإسلام سواء أعلق
فى بطن أمه قبل الردة أم بعدها. ومن باب أولى ما إذا كان قد ولد قبل ردة أبيه ، بل
يكفى لاعتبار ابن المرتد مسلما أن يكون لأحد أبويه أب مسلم مهما علا وبعد سواء
أمات هذا الجد البعيد على الإسلام أو ارتد عنه حال حياته. ويرى البعض أن ابن
المرتد مرتد ولكن لا يقتل إلا بعد البلوغ وحاصل ذلك أن ابن المرتد يعلق ويولد
ويبلغ مسلما ، فإن ظهر منه الكفر بترك الإسلام فهو مرتد أصيل يستتاب ويمهل فإن لم
يتب يعامل معاملة المرتد من وجوب القتل إن كان ذكرا والحبس والضرب حتى الموت إن
كان أنثى وذلك من عدة أوجه أساسية منها أن الإسلام دين الفطرة فهو دين من لا دين
له. ومنها أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. ومنها أن من ولد فى دار الإسلام ولم
يعرف والده فهو مسلم فحكم الإسلام يثبت ابتداء تبعة الدار عند الولادة. ومن باب
أولى من بقى بدار الإسلام حتى بلغ أشدّه ، وهذا أمر مسلم متفق عليه فى المذاهب
الأربعة وأما أدلة
ذلك :
فأولا
: جاء فى ٩٣ ج ١٠ من
كتاب المغنى لابن قدامة على مختصر الخرقى وهو حنبلى المذهب : " فأما أولاد
المرتد فإن كانوا ولدوا قبل الردة فإنهم محكوم بإسلامهم تبعا لآبائهم ولا يتبعونهم
فى الردة ؛ لأن الإسلام يعلو وقد تبعوهم فيه فلا يتبعونهم فى الكفر ، ولا يجوز
استرقاقهم صغارا لأنهم مسلمون ولا كبارا لأنهم إن ثبتوا على إسلامهم فهم مسلمون ،
وإن كفروا فهم مرتدون حكمهم حكم آبائهم فى الاستتابة". وهذا رأى الحنابلة فى
ابن المرتد إن ولد قبل ارتداد أبيه أما المالكية فيرون أن ابن المرتد مسلم حتى ولو
ولد حال ردة أبيه ودليله هو.
ثانيا
: فقد قال الشيخ
أحمد الدردير فى الشرح الكبير على خليل جزء ٤ ص ٣٠٥ فى باب الردة : " ويبقى
ولده الصغير مسلما ولو ولد فى حال ردة أبيه أى حكم بإسلامه ولا يتبعه. ويجبر على
الإسلام إن أظهر خلافه. فإن ترك أى : لم يطلع عليه حتى بلغ وأظهر خلاف الإسلام
فيحكم عليه بالإسلام ويجبر عليه ولو بالسيف".
ثالثا
: أما الأحناف فقد
جاء فى المبسوط للسرخسى ص ٢٧ جزء ٣٠ فى صدر الحديث عما إذا ارتد الزوجان ثم ولدت
الزوجة منه : " وأما الولد فإن ولدته لأقل من ستة أشهر منذ يوم أن ارتد فله
الميراث لأننا تيقنا أنه كان فى بطن أمه حين كان الزوجان مسلمين فهو محكوم له
بالإسلام ثم لا يصير مرتدّا بردة الأبوين ما بقى فى دار الإسلام لأن حكم الإسلام
يثبت ابتداء بتبعة الدار فلأن يبقى فهو أولى به".
رابعا
: أما الشوافع ففى
رأيهم جماع الآراء السابقة بل وأكثر فقد جاء فى متن المنهاج مع شرحه لابن حجر ص ٩٨
وما بعدها" وولد المرتد إن انعقد ـ أى علق فى بطن أمه ـ قبل الردة أو بعدها
وكان أحد أبويه من جهة الأب أو الأم وإن علا أو مات مسلما فهو مسلم تغليبا للإسلام
، وإن كان أبواه مرتدين وليس فى أصوله مسلم فمسلم أيضا لا يسترق ويرثه قريبه
المسلم ويجزئ عتقه عن الكفارات إن كان فتى فبقاء علقة الإسلام فى أبويه وفى قول من
هو مرتد وفى قول هو كافر أصلا لتولده بين كافرين ولم يباشر إسلاما حتى يغلظ عليه
فيعامل معاملة الحربى إذ لا أمان له ، نعم ولا يقر بجزية لأن كفره لم يسند بشبهة
دين كان حقّا قبل الإسلام إلا ظهر أنه مرتد وقطع به العراقيون ونقل إمامهم القاضى
أبو الطيب الاتفاق من أهل المذهب على كفره ولا يقتل حتى يبلغ ويمتنع عن
الإسلام".
ومن ثم فلا حاجة
لما يثيره المدعى من أن وصف الردة لا ينطبق عليه لأنه لم يكن مسلما وارتد عن
الإسلام إذ أنه ولد لأب بهائى ، لا حجة فى ذلك بعد أن ثبت أن البهائى مرتد وأن ابن
المرتد إما مسلم فإن بلغ وأظهر غير الإسلام فيكون قد ارتد بعد البلوغ تجرى فى شأنه
أحكام الردة من حيث وجوب القتل وبطلان التصرفات التى تعتمد الملة وأهمها الزواج.
وإما أنه مرتد تبعا لأبيه أو أبويه ولكن لا يقتل إلا بعد البلوغ وبعد أن يستتاب
فإن لم يتب تجرى فى شأنه أحكام الردة.
ومن حيث أن لا
تزال فى ذهن المدعى شبهة يجب أن تندفع تلك هى أنه يحوم حول الذميين بحجة أنه صاحب
دين يترك وما هو عليه ، وتستحق عليه الجزية فيكون زواجه صحيحا فى نظر الإسلام
وفاته أن الدين الّذي يقر
معتنقه عليه
بالجزية هو الدين الّذي كان حقّا قبل الإسلام كما سلف فى متن المنهاج وشرحه لابن
حجر. وأما ما تلى الإسلام من الادعاء بنزول دين جديد فزندقة وكفر وتفصيل ذلك ما
جاء فى المغنى لابن قدامة الحنبلى ص ٥٦٨ جزء ١٠ مما يلى : " الذين تقبل منهم
الجزية صنفان .. أهل الكتاب ومن له شبهة كتاب أما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى.
ومن يدين بدينهم كالسّامرة يدينون بالتوراة ويعلمون بشريعة عيسى وإنما خالفوهم فى
فروع دينهم وفرق النصارى من اليعقوبية والنسطورية والملكية والفرنجة والروم
والأرمن وغيرهم ومن دان بالإنجيل وانتسب إلى عيسى عليهالسلام فكلهم من أهل الكتاب (الإنجيل) ومن عدا هؤلاء فكفار ليسوا
من أهل الكتاب. وأما الذين لهم شبهة كتاب فهم المجوس فقد روى عن على بن أبى طالب
قوله : " كان للمجوس علم يعلمونه وكتاب يدرسونه". ولأن النبي ، صلىاللهعليهوسلم قال : " سنوا بهم سنة أهل الكتاب". كما جاء فى
الصفحة ٥٧٠ من المرجع نفسه : " إذا ثبت ذلك فإن أخذ الجزية من أهل الكتاب
والمجوس ثابت بالإجماع من غير نكير ولا مخالف مع دلالة القرآن على أخذ الجزية من
أهل الكتاب ودلالة السنة على أخذ الجزية من المجوس وما روى من قول المغيرة لأهل
فارس : أمر نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية. وحديث بربك
وعبد الله بن عوف ولا فرق بين كونهم عجما أو عربا".
ومن حيث أن المدعى
لجأ فى مذكرته الأخيرة إلى محاولة إيجاد سند آخر لدعواه فذهب إلى القول بأنه ليس
من مصلحة العدالة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على زواج المرتد فى الوقت الحاضر
الّذي تعطل فيه
حكمها بقتل المرتد
؛ إذ أن حكم الشريعة ببطلان زواج المرتد إن هو إلا فرع عن أصل هو استحقاق المرتد
للقتل أما وقد وتعطل الأصل فلا وجود ولا بقاء للفرع.
ومن حيث أن هذا
الّذي يستحدثه المدعى مردود من عدة أوجه :
أولها : إن
الطرفين قد احتكما إلى الشريعة الإسلامية فى شأن الزواج البهائى وتطاولا فى هذا
المضمار ، وأدلى كل منهما بدلوه وتركا إلى المحكمة أن تقضى فيما تطاولا فيه.
وثانيها : أن
الشريعة الإسلامية هى الأصل الأصيل لكل تقنين يصدر فى هذه البلاد وكانت للمحاكم
الشرعية فى مصر زهاء ثلاثة عشر قرنا ولاية القضاء كاملة فى جميع الأقضية على مختلف
أنواعها من شخصية إلى مدنية إلى جنائية إلى أن كانت الامتيازات الأجنبية التى بدأ
من السلطان منة وفضلا وانقلبت فى آخر عهدها إلى أغلال وقيود تحد من سلطان الدولة
ومن سيادة شريعتها ، وقد زال هذا القيد وانفك هذا الغل بحمد الله. صحيح أنه فى
أواخر القرن الماضى أنشئت المحاكم الوطنية التى أريد بها أن تسمى بالمحاكم
النظامية أو الأهلية كما أنشئت المحاكم المختلطة إذ ذاك وأصدر ولى الأمر إذ ذاك
قوانين وضعية لتطبق فى تلك المحاكم وقد زالت المحاكم المختلطة وقوانينها بزوال
الامتيازات الأجنبية وبقيت المحاكم الوطنية بقوانينها ولكن المقطوع به أن ولى
الأمر لم يقصد حين أصدر القوانين المدنية والجنائية وقوانين الإجراءات لكليهما لم
يقصد مخالفة الشريعة الإسلامية بل إنه بعد أن أعد نوبار باشا رئيس الوزراء إذ ذاك
تلك القوانين الوضعية بوساطة لجان كان معظمها من المشرعين الأجانب أو من الأجانب
المتمصرين دفع بها ـ
ولى الأمر ـ قبل
إصدار أمره الكريم بالعمل بها إلى شيخ الأزهر ، وكان إذ ذاك الشيخ المنياوى وعرضت
الكثرة الغالبة منها ٢٢٧٧ مادة على علماء الأزهر فأقروا أنها لا تخالف الشريعة
الإسلامية فهى إما نصوص توافق الشريعة الغراء تماما أو نصوص توافق الرأى الراجح
بين فقهاء الشريعة أو نصوص توافق بعض الآراء فى المذاهب ولو كانت مرجوحة أو نصوص
لا تقابل نصّا ولا رأيا فى الإسلام ، ولكنها من قبيل المصالح المرسلة التى ترك
الإسلام لأهلها الاجتهاد فيها كل مصر بحسب ظروف زمانه ومكانه كقوانين الإجراءات
ومنها قانون المرافعات وقانون تحقيق الجنايات وصحيح إلى جانب ذلك أن بعض مواد
قانون العقوبات لم تعرض على هيئة كبار العلماء إذ ذاك وكل ما ترتب على ذلك من أثر
أن تعطلت بعض الحدود الشرعية. فلما جاء الدستور أكد تلك الحقيقة الواقعة وهى سيادة
الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية فنص فى المادة ١٤٩ منه على أن الإسلام هو
دين الدولة الرسمى مما سيجيء الكلام عنه بعد فترة ، ومن ثم يكون كل تقنين يعارض
أصلا أساسيّا فى شرعة الإسلام غير دستورى. هذا وقد توقع بعض فقهاء الإسلام تعذر
قتل المرتد لأى سبب كالهرب والاختفاء عن الأعين أو كونه خارج حدود دار الإسلام أو
كونه داخلها لكن تحوطه قوة ومنعة يحسن معها التربص إلى حين مباغتته ؛ ولذلك قالوا
إن مناط قتل المرتد القدرة على ذلك فقد روى فى المغنى لابن قدامة موفق الدين على
مختصر الخرقى عند الكلام على حكم المرتد : " ومتى قدر على الزوجين المرتدين
أو على أولادهما استتيب منهم من كان بالغا عاقلا ، ومن كان غير بالغ انتظرنا بلوغه
، وينبغى أن يحبس حتى لا يهرب". هذا وقد علم أيضا أن حد السرقة وهو
قطع اليد قد عطل
عام المجاعة ، وكان التعطيل فى عهد من؟ فى عهد عمر بن الخطاب .. وهو من؟ هو أشد
المسلمين استمساكا بأحكام الشريعة حتى إنه حين أمر بإقامة حد الخمر على ابنه ولحظ
أن منفذ الحد يترفق بابنه حتى لا يوجعه ثار وأبى إلا أن ينفذه بشدة وعنف قضيا على
حياة ابنه بين يديه. ولم يعرف إذ ذلك أن تعطيل هذا القدر من الحدود للضرورة دعا
إلى تعطيل بقية الحدود وإلى تعطيل أحكام الشريعة الإسلامية التى هى أصل لذلك
الفرع.
ومن حيث أن المدعى
قد استند ضمن ما استند إليه فى صحة دعواه إلى أن أحكام القانون الوضعى تحول دون
تطبيق أحكام الردة كليّا أو جزئيّا حيث نص الدستور وهو القانون الأصلي لكل
القوانين فى المادة ١٢ منه على أن" حرية الاعتقاد مطلقة". وذهب فى
تفسيرها إلى أن حرية الاستمرار على عقيدة ما وحرية تغيير تلك العقيدة فى أى وقت
لأن حرية تغيير العقيدة هى مظهر من المظاهر الأولية الأساسية لحرية الاعتقاد وفى
إبطال زواج من يغير عقيدته لتلك الحرية التى نص الدستور على أنها مطلقة.
ومن حيث أن هذا
الّذي يذهب إليه المدعى فى تفسير هذه المادة هو على العكس تماما مما قصد إليه
واضعوها فى لجنة الدستور وبالرجوع إلى الأعمال التحضيرية للدستور طبعة مطبعة مصر
فى ١٩٤٠ ص ٨٧ جزء ١ فى شأن المادة ١٢ ونصها الحالى بالدستور" حرية الاعتقاد
مطلقة" تجد صياغتها الأولى من لجنة وضع المبادي العامة للدستور كانت تجرى على
هذا النسق" حرية الاعتقاد الدينى مطلقة فلجميع سكان مصر الحق فى أن يقوموا
بحرية علانية أو غير علانية بشعائر أية ملة أو دين أو عقيدة ما دامت هذه
الشعائر لا تنافى
النظام العام أو الآداب العامة". هكذا وضعتها اللجنة العامة فى الدستور
مسترشدة بمشروع كان قد أعدّه اللورد كرزون وزير خارجية إنجلترا إذ ذاك للدستور
المصرى. ولا خفاء فى أن النص لو بقى على حالة من السعة والشمول لأمكن القول فى ظله
بما يقوله المدعى اليوم من إطلاق الدستور لحرية الاعتقاد الدينى وكفالته لإقامة
شعائر الأديان أيّا كانت لا الأديان المعترف بها إذ ذاك فحسب وهى الأديان السماوية
، وإنما شعائر أية ملة أو عقيدة أو دين ولو كان مستحدثا هذا الإطلاق والشمول يمكن
كل صاحب دين أن يخرج من دينه إلى أى دين آخر سواء أكان سماويّا أو غير ذلك معترفا
به من قبل أو مبتدعا ويسوغ له أيضا أن يأتى هذا الأمر مرارا وتكرارا غير ملق بالا
إلى ما لهذه الفوضى من أثر ومساس بحقوق خطيرة كالإرث والنسب والزواج وبحقوق أخرى
لا يستطيع أصحابها الدفاع عنها كالقصر ومعدومى الأهلية وكل ذلك دون أن يتحمل أية
مسئولية مدنية أو جنائية ولهذا نجد أن فضيلة الشيخ بخيت يقول فى جلسة ١٥ من أغسطس
سنة ١٩٢٢ : " أطلب تعديل المادة العاشرة ـ هكذا كان ترتيبها ـ من باب حقوق الأفراد
لأنها بحالتها الحاضرة لا يقرّها دين من الأديان ؛ ولأنها تؤدى إلى الفوضى
والإخلال بالنظام وأطلب أن يكون النص قاصرا كأن يدعى شخص مثلا أنه المهدى المنتظر
ويأتى بشرع جيد" وقد أيد هذا الاقتراح نيافة الأنبا يؤنس بقوله : "
اقتراح الأستاذ مفيد ولنا عليه دليل قريب فإن سرجيوس خرج على الدين ـ المسيحية ـ
وشرع فى استحداث دين جديد وطلب من الحكومة الترخيص له بذلك فرفضت وهذا دليل على
أنه لا يمكن الترخيص بغير الأديان المعترف بها" كما نجد أن الشيخ
محمد خيرت راضى بك
قد اقترح حذف كلمة الدين من الفقرة الأولى فتصبح حرية الاعتقاد مطلقة وشرح اقتراحه
بقوله : " وبغير ذلك يباح لكل شخص أن يترك دينه ويعتنق دينا آخر دون أن يتحمل
مسئولية ذلك من مدنى وغير مدنى مع انه لا نزاع فى أنه يترتب على تغيير الدين نتائج
هامة فى الميراث وغيره ويكفى أن يكفل النص حرية الاعتقاد ؛ لأن هذا هو الغرض
المقصود من المادة على ما أعتقد. أما المادة الثانية من المادة فقد جعلت إقامة
الشعائر الدينية مطلقة من كل قيد وهذا يؤدى إلى الإخلال بالنظام".
وهنا تساءل
إبراهيم الهلباوى فى حالة ما إذا أخذ بالاقتراح الأخير وأصبحت الفقرة الأولى"
حرية الاعتقاد مطلقة" عن أى اعتقاد يقصد المقترح وهل يدخل فيه الاعتقاد
الدينى أو لا؟. فرد الشيخ بخيت بقوله : " الاعتقاد شيء والدين شيء آخر ،
فالمسلمون افترقوا إلى ثلاث وسبعين فرقة ـ لكل فرقة اعتقاد خاص ـ مع أن لهم دينا
واحدا".
صحيح أن جلسة ١٥
من أغسطس سنة ١٩٢٢ انتهت بموافقة أغلبية الحاضرين من لجنة الدستور على الإبقاء على
النص الأصلي الّذي أعدتّه لجنة وضع المبادي العامة إلا أن ذلك كان عقب ما قرره
حضرة عبد العزيز بك فهمى حيث قال : " ألفت نظر اللجنة إلى ان هذا النص مأخوذ
بحروفه من مشروع اللورد كرزون ، وقد اتفقنا على أن نأخذ هذه النصوص فى دستورنا حتى
لا نرغم على وضعها عند المفاوضات" وهذا واضح الدلالة على أن لجنة الدستور لم
تكن مختارة حين قبلت أغلبيتها هذا النص بل كان مفروضا عليها ، ورغم ذلك ورغم تلك
السلطة الأجنبية الغالبة استطاعت الاتصالات خارج اللجنة إلى تعديل المادة على
النحو الّذي اقترحه الشيخ
خيرت راضى وكان
ذلك فى فترة وفى جلسة ٢٨ من أغسطس سنة ١٩٢٢ حيث قال فضيلة الشيخ بخيت : "
حسما للنزاع الّذي قام بشأن المبدأ الخاص بحرية الأديان أقترح أن تحذف كلمة الدين
من صدر المادة لتكون حرية الاعتقاد مطلقة بدلا من أن تكون حرية الاعتقاد الدينى
مطلقة" موافقة عامة. ومفاد ذلك فى ضوء المناقشات التى جرت حين قدّم هذا
الاقتراح لأول مرة فى الجلسة السابقة على لسان الشيخ محمد خيرت راضى بك أن قصر
عبارة المادة على حرية الاعتقاد مع حذف كلمة الدين مقصود منه ما قرره الشيخ بخيت
من أن الاعتقاد شيء والدين شيء آخر. وأصبح بحالة يحمى المسلم الّذي يغير مذهبه من
شافعى إلى حنفى والمسلم الّذي يترك فرقة الشيعة وينضم إلى فرقة أهل السنة أو فرقة
الخوارج أو المعتزلة كما يحمى النص المسيحى الّذي يدّعى الكثلكة أو يتمذهب
بالبروتستانية ولكنه لا يحمى المسلم الّذي يرتد عن دينه من أن يتحمل مسئولية تلك
الردة مدنية كانت أو غير مدنية ، كما لا يبيح لأى شخص أن يدّعى أنه المسيح نزل إلى
الأرض أو المهدى المنتظر أو أنه رسول جديد يهبط عليه الوحى من السماء أو أنه صاحب
كتاب سماوى إذ لا حماية لهذا المدّعى من الدستور بحسب النص الجديد للمادة ١٢ منه.
ومن حيث أنه مما
يزيد هذا الأمر جلاء ووضوحا ما نص عليه الدستور فى المادة ١٤٩ من أن الإسلام دين
الدولة الرسمى فعبارة مطلقة كهذه تقطع بأن أحكام الإسلام لها السيادة التامة فى
هذه البلاد ترفع كل ما يعترضها وتزيله وكل تشريع يصدر مناقضا لها يكون غير دستورى.
ويؤيد هذا الرأى التاريخ التشريعى لهذه المادة ، وذلك أنه فى جلسة ٢ من مايو
١٩٢٢ وضعت لجنة
المبادي العامة للدستور هذا النص بناء على اقتراح من فضيلة الشيخ بخيت : "
أريد أن أعرض بعض قواعد تضاف إلى أحكام الدستور فأطلب أن ينص على أن الدين الرسمى
للدولة المصرية هو الإسلام" فاقترح دولة حسين رشدى أخذ الآراء على هذا
الاقتراح فوافق عليه بالإجماع دون أى اعتراض أو تعليق ثم كررت تلاوته وتكررت
الموافقة الإجماعية فى أربع جلسات متتالية. وهذا النص من الإطلاق والشمول والعموم
بحيث لا يسمح بأى مدخل لريبة المستريب أو لظن من المتظننين الصرف. ولا مقنع فيما
ساقه المدعى تعليقا على هذه المادة من أنه لا يقصد منها التدخل فى ديانات ومعتقدات
الأفراد الشخصية بعد ما سلف إيراده. ولا ما يقوله المدعى من أن ما قصد إليه واضع
الدستور وعناه هو الرسميات التى تتعلق بالدولة كشخص معنوى إذ أن ذلك أقرب إلى
الهزل منه إلى الجد الّذي يعنى به فى مقام الرد.
ومن حيث أنه متى
تقرر ذلك كانت أحكام الردة فى شأن البهائيين واجبة التطبيق جملة وتفصيلا بأصولها
وفروعها (أى أن الحكم يعتبر دمهم مهدرا!!) ولا يغير من هذا النظر كون قانون
العقوبات الحالى لا ينص على إعدام المرتد (!!) وليتحمل المرتد (البهائى) على الأقل
بطلان زواجه إطلاقا ما دامت للبلاد جهات قضائية لها ولاية القضاء بهذا البطلان
بصفة أصلية أو بصفة تبعية. كما لا يغير من هذا النظر أيضا نص المادة ١٣ من الدستور
وهو : " تحمى الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقا للعادات
المرعية فى الديار المصرية على أن لا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافى
الآداب". وواضح أن هذا النص وضع بدلا من الفقرة الثانية للمادة
السابقة فى
المشروع الأصلي وفى مشروع كرزون ، وهو" ولجميع سكان مصر الحق فى أن يقوموا
بحرية تامة علانية أو غير علانية بشعائر أى ملة أو دين أو عقيدة أو مذهب"
وذلك بعد المناقشات التى أشرنا إليها. كل ذلك واضح الدلالة على الأخذ بفكرة
المعارضة من رجال الأديان فحذفت شعائر الملة وأصبح مقصورا على شعائر الأديان
المعترف بها إذ ذاك وعلى شعائر العقائد على أنها فروع وفرق لتلك الأديان المعترف
بها من قبل وقيد كل ذلك بالعادات المرعية فى الديار المصرية وبشرط عدم الإخلال
بالنظام والآداب.
وحيث أنه متى تقرر
أن الدستور لا يحمى المذاهب المبتدعة التى تحاول أن ترقى بنفسها إلى مصاف الأديان
السماوية والتى لا تعدو أن تكون زندقة وإلحادا ، فالمحكمة تهيب بالحكومة أن تأخذ
للأمر أهبته بما يستأهله من حزم وعزم لتقضى على الفتنة فى مهدها ؛ أن تلك المذاهب
المخربة مهما تسللت فى رفق وهوادة وفى غفلة من الجميع متخذة من التشدق بالحرية
والسلام ومن تمجيدها لبعض الأديان سترا لما تخفيه من زيغ وضلال فإنها لا تلبث أن
يعرف أمرها وينكشف سترها وقد تكون استمالت إليها الكثيرين من الجهلة والسذج وهنالك
قد تثور نفوس المؤمنين حفاظا لدينهم واستجابة للفطرة السليمة التى فطر الله الناس
عليها وتكون هى الفتنة بعينها التى قصد الدستور وقاية النظام العام من شرورها.
ومن حيث أن المدعى
اختتم دفاعه فى مذكرته الأخيرة بطرح مسألة أخيرة لبحث الدعوى منها تلك ما سماه
ارتباطات مصر الدولية وحجته فى ذلك أن مصر قد وقّعت ميثاق الأمم المتحدة فهى
مرتبطة بأنظمتها وقد أقرت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة عام ١٩٤٨ حقوق
الإنسان وجاء
بالمادة ١٨ منه :
" ولكل إنسان الحق فى حرية الفكر والضمير والدين وهذا الحق يوليه الحرية فى
تغير دينه أو معتقده ويوليه كذلك الحرية فى الإعراب عنهما بالتكلم والممارسة
والعبادة وإقامة الشعائر الدينية".
وخلص من ذلك إلى
القول بإلزام مصر باتباع ذلك كله ، وقدم المدعى نسخة مما أقرته الجمعية العمومية
للهيئة فى هذا الشأن يبين منها أنها إعلان للعالم ودعوة إلى جميع الدول سواء
المشتركة فى الهيئة وغير المشتركة وقد أذيع هذا الإعلان بموافقة الجمعية العمومية
بغية العمل على بثه وعرضه وقراءته وشرحه وعلى الأخص بالمدارس حتى يمكن التسليم
بصلاحيتها والعمل تدريجيّا على الإيمان بها فلم تدع الهيئة التى أصدرته أنه ملزم
للدول الأعضاء وما كانت لتستطيع أن تدعى ذلك وليس له بمصر أية قوة ملزمة ما لم
يصدر بأحكامه ومباديه قانون من السلطة التشريعية المحلية على أن بعض مبادي هذا
الإعلان غير مطبقة فى الولايات المتحدة وبها المقر الدائم لتلك الهيئة العالمية.
مثال ذلك أن المادة الثانية من الإعلان تنص على أن لكل إنسان جميع الحقوق والحريات
المنصوص عليها فيه دون أى تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين ،
والتمييز بسبب اللون فى أمريكا أمر معروف بلغ التشدد فيه حدّا أهدرت من أجله حقوق
الملونين أو المساواة الحقة وخير ما كرم به بنى الإنسان من نصفة وحرية فقد أتى به
الإسلام منذ نيف وثلاثة عشر قرنا من غير ما نظر إلى جنس أو عصبية ، (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا
خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات : ١٣]. (صدق
الله العظيم)
" لا فضل
لعربى على عجمى إلا بالتقوى"" استمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد
حبشى رأسه كالزبيبة" (صدق رسول الله).
ومن حيث أنه لكل
ما سلف تكون دعوى المدعى بجميع أسسها ومن جميع نواحيها ساقطة منهارة لا سند لها من
قانون أو واقع حقيقة بالرفض.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض
الدعوى وإلزام المدعى بمصر وفاتها وبمبلغ ٣٠٠ قرشا ثلاثمائة قرشا أتعاب محاماة.
صدر هذا الحكم
وتلى علنا بجلسة يوم الاثنين ٢٦ من مايو سنة ١٩٥٢ الموافق ٢ من رمضان ١٣٧١.
رئيس المحكمة
أهم المراجع
ملحوظة : المراجع
التى لها تاريخ طبع ذكرته ، والتى لم يذكر لها تاريخ الطبع تركته.
ـ أضواء وحقائق على
البابية ، البهائية ،
القاديانية ، الدكتورة آمنة نصير ، دار الشروق ، مصر ، ١٤٠٤ ه ١٩٨٤ م.
ـ الأقدس ، البهاء ، طبعة بومباى ، الهند.
ـ الإيقان ، البهاء ، عرّبه عن الفارسية : محمد حسين بيجارة ،
المطبعة العربية بمصر.
ـ البابية : عرض ونقد ، إحسان إلهى ظهير ، طبعة إدارة ترجمان السنة ،
باكستان ، ١٤٠١ ه ١٩٨١ م.
ـ البابيون والبهائيون ، ماضيهم وحاضرهم ، عبد الرزاق الحسنى ، طبعة العرفان ،
لبنان ، ١٩٥٧ م.
ـ البابية والبهائية ، تاريخ ووثائق ، الدكتور عبد المنعم النمر ، طبعة مكتبة
التراث الإسلامى ، القاهرة ، ١٩٨٩ م.
ـ بهاء الله والعصر
الجديد ، أسلمنت البهائى
، النص العربى ، طبعة لجنة النشر والترجمة البهائية بمصر.
ـ البهائية : السيد محب الدين الخطيب ، الطبعة السلفية بمصر ، ١٣٩٧ ه.
ـ البهائية ، تاريخها وعقائدها ، عبد الرحمن الوكيل ، طبعة دار المدنى
، جدة ١٤٠٧ ه ١٩٨٦ م.
ـ البهائية نقد وتحليل ، إحسان إلهى ظهير ، طبعة لاهور ، باكستان ،
١٤٠١ ه.
ـ البيان : محمد على الشيرازى (الباب) النص العربى ، ط بغداد.
ـ تاريخ الأستاذ محمد
عبده ، محمد رشيد رضا
، طبعة مطبعة المنار بالقاهرة ١٣٥٠ ه ١٩٣١ م.
ـ تاريخ الشعوب
الإسلامية : كارل بروكلمان
، طبعة لبنان ، ١٩٧٨ م.
ـ تجديد الفكر الدينى : محمد إقبال ، ترجمة : عباس محمود ، طبعة لجنة التأليف
والترجمة والنشر ، القاهرة ، ١٩٦٣ م.
ـ التراث اليونانى فى
الحضارة الإسلامية : د / عبد الرحمن بدوى ، نشر وكالة المطبوعات بالكويت ، دار القلم لبنان ،
١٩٨٠ م.
ـ التعريفات : السيد الشريف على الجرجانى ، طبعة مصطفى البابى الحلبى ،
مصر ١٣٥٧ ه ١٩٣٨ م.
ـ تنوير الألباب لإبطال
دعوة البهاء والباب : جلال الدين شمس أحمدى ، طبعة المطبعة الهندية بمصر ، ١٩٣٥ م.
ـ حاضر العالم الإسلامى : شكيب أرسلان ، ط دار الفكر العربى ، مصر ١٩٢٥ م.
ـ الحراب فى صدر البهاء
والباب : محمد فاضل ،
طبع دار المدنى ، جدة ، ١٤٠٧ ه ١٩٨٦ م.
ـ حقيقة البابية
والبهائية : دكتور محسن عبد
الحميد ، دار الصحوة ، القاهرة ، ١٤٠٥ ه ١٩٨٥ م.
ـ الحجج البهية : أبى الفضائل الجلبائيانى ، مطبعة السعادة بمصر ، ١٣٤٣ ه
١٩٢٥ م.
ـ الدرر البهية فى جواب
الأسئلة الهندية : أبو الفضل محمد الجرفادقانى ، مطبعة الموسوعات بمصر ، ١٣١٨ ه ١٩٠٠ م.
ـ رسائل الإصلاح : الإمام الشيخ محمد الخضر حسين ، مكتبة القدس ، مصر ١٣٥٨
ه.
ـ رسالة التوحيد : الشيخ محمد عبده ، طبعة دار المنار بمصر.
ـ سورة الأمين : البهاء ، طبع باكستان.
ـ العقائد : عنائت عمر ، طبعة مصر ، ١٩٢٨ م.
ـ العقيدة والشريعة فى
الإسلام : جولد تسهير ،
ترجمة : دكتور محمد يوسف موسى مع آخرين ، نشر دار الكتاب المصرى ، القاهرة ، ١٩٤٦
م.
ـ الفرائد : أبو الفضل الجلبائيجانى ، طبعة باكستان.
ـ قراءة فى وثائق
البهائية : الدكتورة عائشة
عبد الرحمن ، نشر مؤسسة الأهرام ، القاهرة ، ١٤٠٦ ه ١٩٨٦ م.
ـ الكشف عن المدنية الإلهية : شوقى أفندى ربانى (حفيد البهاء) ، طبع لجنة الترجمة
والطبع للمحفل الروحانى المركزى للبهائيين بمصر والسودان طبعة رمسيس بالإسكندرية ،
١٩٤٧ م.
ـ الكواكب الدرية فى
تاريخ ظهور البابية والبهائية : ميرزا عبد الحسين أواره ، طبع بالقاهرة ، ١٣٤٣ ه ١٩٢٤
م.
ـ مختصر التحفة الاثنى
عشرية : تأليف شاه عبد
العزيز الدهلوى ، المطبعة السلفية ومكتبتها بمصر ١٣٧٣ م.
ـ مكاتيب عبد البهاء
العباسى (ابن البهاء) الترجمة العربية ، ترجمها وأشرف على طبعها فرج
الله زكى الكردى ، طبعة مصر المحروسة ١٣٤٩ ه ١٩٢١ م.
ـ مفتاح باب الأبواب : محمد مهدى خان ،
طبعة المنار القاهرة ، ١٣٢١ ه ١٩٠٣ م.
ـ المواقف فى علم
الكلام : عضد الدين
الإيجى ، مكتبة المتنبى ، القاهرة ، نقطة الكاف ، الميرزا جانى الكائانى ، المقدمة
لبراون ، طبعة ليدن.
القسم الثالث
القاديانية
مقدمة
تناولت فى هذه
الدراسة فكر ومبادي القاديانية تلك الفرقة التى مرقت عن الإسلام بادعاء صاحب
الفرقة النبوة ، وقد ختم الله تعالى الرسالات بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، يقول تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ
أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب : ٤٠].
وفى هذه الدراسة
ألقيت ضوءا حول صلة القاديانية بالاستعمار الإنجليزى ، وبينت مراحل القاديانى
الفكرية من بداية ادعائه الإلهام والكشف ، ثم مرحلة ادعائه أنه المهدى المنتظر ،
والمسيح الموعود ، ثم ادعائه الوحى والنبوة. وفى مبحث آخر قمت بالرد على أفكار
ومبادي القاديانية ، ثم خصصت مبحثا للحديث عن أسس مبادي القاديانية وهى : الحلول
والتناسخ ، والتأويل الفاسد ، وإلغاء فريضة الجهاد فى الإسلام خدمة للمستعمر
الإنجليزى. وفى الختام بينت نشاط وأخطار أتباع القاديانى بعد هلاكه ، كما أوضحت
حكم الإسلام فى القاديانيين.
وكل ما أرجوه من
الله تعالى أن يجعل هذا العمل قربة من القرب إليه ، وأن يكون من العلم الّذي ينتفع
به ، والعمل الباقى بعد أن تنقطع الأعمار بالموت ، فعن أبى هريرة ، رضى الله عنه ،
قال : قال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : علم ينتفع
به ، أو صدقة جارية ، أو ولد صالح يدعو له" [أخرجه مسلم].
اللهم اجعل هذا
العمل خالصا لوجهك الكريم .. اللهم آمين.
أ. د / عامر النجار
المبحث الأول
القاديانى
وحياته الاجتماعية وحياته الصحية والنفسية
والخلقية
أولا : من هو
القاديانى :
يقول غلام أحمد عن
نفسه : " إنى أنا المسمى بغلام أحمد بن مرزا غلام مرتضى بن مرزا عطا محمد ،
بن مرزا كل محمد بن مرزا فيض محمد بن مرزا محمد قائم بن مرزا محمد أسلم بن مرزا
دلاور بك بن مرزا الله دين بن مرزا جعفر بك بن مرزا محمد بك بن مرزا محمد عبد
الباقى بن مرزا محمد سلطان بن مرزا هادى بك" .
وقد زعم أنه من
سلالة أسرة مغولية الأصل ، ثم زعم بعد ذلك أنه من نسل فارسى ، يقول مرزا غلام أحمد
فى" كتاب البرية" : " قرأت فى بعض الكتب وبها ذكر آبائى أنهم كانوا
من سمرقند ، وكانوا من بيت السلطنة والإمارة ، ثم اضطروا إلى الهجرة من جراء التنافرات
القومية ، ودخل أرض البنجاب مرزا عبد الهادى بك كرئيس مكرم مع مائتى نفر من
الأقرباء ، والأحباب ، والأعوان ، وانضموا فى سلك الملك الكريم بابركان" .
__________________
ولم يكتف غلام
أحمد بزعمه نسبا مغوليّا ، بل ادعى بعد ذلك نسبا فارسيّا ، بل ربط هذا الزعم بنسب
إلى بنت رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، فاطمة الزهراء ، حيث يقول : " كتبت مرارا عن عائلتى
أنها من أسرة حاكمة أتت الهند من سمرقند ، وكانت الأسرة خليطا مركبا من بنى فارس
وبنى فاطمة أو بعبارة أخرى من الأسرة المغولية والأسرة الشريفة من بنى فاطمة بنت
سيد الرسل" .
لقد زعم أنه من
نسل فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقال فى جرأة شديدة : " أخبرنى ربى بأن بعض أمهاتى
كن من بنى فاطمة ، ومن أهل بيت النبوة ، والله جمع فيهم نسل إسحاق وإسماعيل من
كمال الحكمة والمصلحة" .
ثانيا : نشأته
وحياته الاجتماعية :
ولد غلام أحمد عام
١٨٣٩ م ، وقيل : ١٨٤٠ م ، فى آخر عهد السكة فى إقليم بنجاب ، ودرس غلام أحمد على
بعض المعلمين فى منزل أبيه ، فتعلم الفارسية والعربية ، والمنطق ، والفلسفة ، كما
درس على أبيه بعض كتب الطب القديمة ، كما اهتم بدراسة بعض كتب التفسير ، والحديث.
وكانت نشأته فى
أسرة فقيرة ، وفى عام ١٨٦٤ م عمل بإحدى الوظائف الحكومية البسيطة فى محكمة حاكم
مديرية مدينة سيالكوت بمرتب
__________________
قدره خمس عشر
روبية ، واستمر فى عمله هذا مدة أربع سنوات ، ثم استقال من عمله ، وشارك والده فى
عمله بالقضايا والمحاكمات.
زواجه :
كان زواجه الأول
حوالى عام ١٨٥٣ م لامرأة من عائلته ، واستمر الزواج طويلا قرابة أربعين عاما ،
لكنه فى عام ١٨٩١ م ، طلق زوجته هذه ، وتزوج بامرأة ثانية سماها القاديانيون أم
المؤمنين.
ورزق من زوجته
الأولى ولدين أولهما : المرزا سلطان أحمد ، والثانى : المرزا فضل أحمد.
أما زوجته الثانية
فقد أتت له بسائر أولاده الباقين ، وكان أبرزهم خليفته المرزا بشير الدين محمود ،
والمرزا بشير أحمد ، والمرزا شريف أحمد.
وفاته :
هلك غلام أحمد
صباح السادس والعشرين من مايو عام ١٩٠٨ م ، بعد اصابته بالهيضة الوبائية ، وكان
بمدينة لاهور ، ثم نقلت جثته إلى مقبرته بقاديان ، وهى المقبرة التى يسميها
القاديانيون بمقبرة الجنة" بهثتى مقبرة".
ثالثا : حياته
الصحية والنفسية والخلقية :
كان مصابا
بالهستيريا والصداع ، يقول الأستاذ جلرزار أحمد مظاهرى فى كتاب القاديانية ،
تاريخها وغاياتها : " ذكر ابن غلام أحمد وهو بشير أحمد فى صفحة ١٣ من الجزء
الأول من كتابه (سيرة المهدى) قوله :
لقد ذكرت لى
الوالدة بأن حضرة المسيح الموعود [أى والده غلام أحمد] أصيب بالصداع والهيستريا
بعد بضعة أيام من وفاة ابنه بشير الأول ، ولكن العارض كان خفيفا.
وكان مصابا
بالسرسام ، وجاء فى الصفحة ١٠ من مجلة قاديان الإنجليزية ، عدد أغسطس ١٩٤٦ م"
إن السرسام لم يكن مرضا وراثيّا يعانيه حضرة المرزا ، بل كان ناتجا عن أسباب
خارجية مثل تعب الفكر والتفكير والهم وسوء الهضم ، مما نتج عنه ضعف عقلى تمثل فى
السرسام وغيره من علامات الضعف مثل الدوخة" .
ومما يدل على
اختلال عقله ما حوته مؤلفاته من كلمات عجيبة وآراء غريبة ، يذكر بعضها الأستاذ
جلرزار مظاهرى ، منها قوله :
ـ " أنا أبو
الله (حقيقة الوحى صفحة ٨٦).
ـ " وقال فى
كتابه (أربعين) المجلد ٤ ، صفحة ١٩ : " لقد ألهمت بشأن إلهى بخشى [كان عالما
كبيرا قاوم افتراءات غلام أحمد] ما يلى : " إن إلهى بخش يريد أن يرى حيضك ،
أو أن يعثر على قذارة ونجاسة فيك ، ولكن الله سيريك نعمه ، وستتوالى عليك هذه
النعم ، ولن يكون لك حيض بل ولد سيكون بمنزلة أولاد الله".
ـ قال فى كتابه
تتمة حقيقة الوحى صفحة ١٤٣ ، ما يلى : " إن الله نفخ روح عيسى كما فعل بمريم
، وعلى سبيل الاستعارة حملت ، ثم إنى بعد شهور لا تزيد على عشرة ألهمنى الله أنه قلبنى
من مريم إلى عيسى".
ـ وقال فى الجزء
الثانى من كتابه أربعين صفحة ٣٦ : " قال الله : أنا أيضا
__________________
سوف أصوم وسوف
أفطر".
وقال فى صفحة ٣١
من كتابه (تذكرة) وفيه مجموعة الإيحاءات والإلهامات والمكاشفات ، خاطبنى الله
قائلا : " إن (بلاش) هو اسم الله. وأضاف غلام أحمد قائلا : " إن هذا لفظ
إلهامى جديد ، وإنى حتى الآن لم أره لا فى القرآن ولا فى الحديث ، ولم أجده فى أى
معجم".
ـ وقد جاء فى بيان
رقم ٣٤ بعنوان" إسلامى قربانى" تأليف قاضى يار محمد قاديانى نقلا عن
غلام أحمد قوله : " أنا أنثى وأحيض" .
إن أى عاقل يستطيع
أن يكتشف بسهولة حين قراءة هذه الآراء العجيبة أن قائلها غير سليم العقل على
الإطلاق ، وأنه صاحب فكر مشوش مضطرب ، ومن الغريب أن هناك آلاف مؤلفة آمنت
بمعتقدات هذا الرجل ، وصدقت أنه المسيح الموعود ، وأنه نبى يوحى إليه.
سلاطة لسانه وسوء
أدبه مع مخالفية :
عرف عن غلام أحمد
بذاءة لسانه وسوء أدبه مع مخالفيه ، ويذكر مظاهرى نماذج من ألفاظه وكلماته السيئة
مع مخالفيه منها قوله :
ـ " إن الّذي
لا يؤمن بنصرنا فلسوف يعلم أنه كان يرغب فى أن يكون ابن حرام لا ابن حلال" [أنوار
الإسلام : ص ٣٠].
ـ " إنهم
كذابون ويأكلون الجيف كالكلاب" [ضميمة أنجام أشهم ، صفحة ٢٥].
ـ " لقد أصبح
أعداؤنا خنازير الفلوات ، ونساؤهم أذل من الكلاب". [نجم الهدى ، صفحة ١٠].
__________________
ـ " إن كل
المسلمين ينظرون إلى هذه الكتب (كتب غلام أحمد) بكل شوق ويفيدون من معارفها ، ولكن
أولاد العواهر لا يؤمنون" [أئينة كمالات إسلام ، ص ٥٤٧] .
هذا هو حال لسان
نبى القاديانية ، والأمر لا يحتاج إلى أدنى تعليق ، فالوعاء ينضح بما فيه من كلمات
أولاد الحرام ، وأولاد العواهر ، فأى نبى هذا الّذي يخرج من فيه هذه العبارات؟!!.
غروره واعتقاده
أنه أفضل من الأنبياء :
يعتقد القاديانية
أن غلام أحمد نبيهم المزعوم أفضل من سائر الأنبياء ، وينقل لنا العلامة إحسان إلهى
نظير عن ابنه محمود أحمد قوله فى مجلة" الفضل القاديانية" ، فى ١٨ يوليو
١٩٣١ : " قال أبى إنه أفضل من آدم ونوح وعيسى ؛ لأن آدم أخرجه الشيطان من
الجنة ، وإنه يدخل بنى آدم فى الجنة ، وعيسى صلبه اليهود ، وهو يكسر الصليب ، وهو
أفضل من نوح ؛ لأن ابنه الكبير حرم من الهداية ، وأما ابنه فدخل فى الهداية" .
ونرى أن الطين
يزداد بلة حين يتطاول غلام أحمد على سيد الأنبياء والمرسلين محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، فيزعم أن معجزاته أكثر من معجزات رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، فيفترى الغلام أحمد على الله كذبا حين يقول : " إن
النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، له ثلاثة آلاف معجزة ، ولكن معجزاتى زادت على مليون
معجزة" .
__________________
المبحث الثانى
صلة القاديانية بالاستعمار الإنجليزى
تمهيد :
كان المسلمون فى
الهند أشد الناس مقاومة للإنجليز ، فقاموا بثورات كثيرة ضد المحتل ، وكانوا
يعتبرون أن جهاد المستعمر من أعظم القربات إلى الله تعالى ؛ ولذا كانوا حجر عثرة
فى وجه المستعمر الإنجليزى.
وعرف الإنجليز أن
عقيدة الجهاد من أعظم العقائد عند المسلمين ؛ فظلوا يبحثون عن كاتب مسلم يستطيع أن
يقف مع الإنجليز ويعلن إلغاء فريضة الجهاد ، بل يمكنه أن يقول بتحريم جهاد
المستعمر الإنجليزى ، ولقد وجدوا بعد بحثهم الدءوب ضالتهم فى ميرزا غلام أحمد
الّذي نشأ فى أسرة معروفة بخدمة المستعمر الإنجليزى ، فساعدوه على بث أفكاره
المنحرفة مثل ادعاء أنه المهدى ، ثم ادعاء النبوة فى مقابل دعوته إلغاء فريضة
الجهاد فى الإسلام ؛ ولذا فإن الصلة قوية بين الاستعمار الإنجليزى وبين ظهور
القاديانية والعمل على انتشارها فى شبه القارة الهندية.
أولا : أسرته فى
خدمة الاستعمار الإنجليزى :
كان والده المرزا
غلام مرتضى مؤيدا ومساندا للمستعمر الإنجليزى لبلاده لدرجة أنه" قدم فرقة
مؤلفة من خمسين فارسا لمساعدة الحكومة الإنجليزية فى ثورة عام ١٨٥٧ م ، وتلقى على
ذلك رسائل شكر وتقدير من رجال الحكومة وكان بجوار الإنجليز على جبهة من جبهات حرب
الثورة" .
__________________
يقول آغا شورش
كشميرى فى كتابه" خونة الإسلام" : " إن أسرة المرزا غلام أحمد
القاديانى هى أكثر أسر مدينة القاديان وفاء للإنجليز ، كما أن المرزا غلام أحمد
نفسه أقرّ بولائه الصادق للإنجليز فى عدد لا يحصى من كتبه ورسائله ، بل أبدى
اعتزازه بهذا الولاء" .
لقد كانت أسرة
غلام أحمد معروفة بشدة ولائها للمستعمر الإنجليزى ؛ لدرجة أنه يؤكد على هذه
الحقيقة دون أدنى خجل فيقول : " لم نقصّر فى إراقة دمائنا والتضحية بأنفسنا
فى سبيل الحكم الإنجليزى" .
ويقول فى كتاب
البرية : " لقد أقرت الحكومة بأن أسرتى فى مقدمة الأسر التى عرفت فى الهند
بالنصح والإخلاص للحكومة الإنجليزية ، ودلت الوثائق التاريخية على أن والدى وأسرتى
كانوا من كبار المخلصين لهذه الحكومة من أول عهدها" .
ويعتز غلام أحمد
بخدمته وتعاونه مع الإنجليز فيقول : " لقد ظللت منذ حداثتى وقد ناهزت اليوم
الستين أجاهد بلسانى وقلمى ؛ لأصرف قلوب المسلمين إلى الإخلاص للحكومة الإنجليزية
والنصح لها والعطف عليها" .
ويفتخر
القاديانيون بأنهم قدموا للاستعمار الإنجليزى أفضل الجواسيس الذين بذلوا دماءهم
وأرواحهم رخيصة فى سبيل خدمة الاستعمار الإنجليزى ، ويؤكدون هذه الحقيقة التاريخية
فى مجلتهم" الفضل" ويذكرون ذلك بتبجح تام كأنهم ليسوا عملاء ولا خونة ،
بل صناديد أبطالا وشهداء
__________________
عظاما ، فقد جاء
فى مجلة القاديانيين" الفضل" ما نصه : " ولقد أمدت الحركة [القاديانية]
وهذه الفئة الحكومة الإنجليزية بخير جواسيس لمصالحها ، وأصدقاء أوفياء ومتطوعين
متحمسين كانوا موضع ثقة الحكومة الإنجليزية ، ومن خيار رجالها ، خدموا الحكومة
الإنجليزية فى الهند وخارج الهند ، وبذلوا نفوسهم ودماءهم فى سبيلها بسخاء" .
ويشرح المرزا غلام
أحمد عقيدته بوضوح تام فيقول : " إن عقيدتى التى أذكرها أن للإسلام جزءين ،
الجزء الأول إطاعة الله ، والجزء الثانى إطاعة الحكومة التى بسطت الأمن وآوتنا فى
ظلها من الظالمين ، وهى الحكومة البريطانية" .
ويعلن المرزا
خدمته للمستعمر الإنجليزى بلا مواربة ، بل يقول أنه أحد خدام الإنجليز كما كان
والده كذلك فيقول : " ولا يخفى على هذه الدولة المباركة أنّا من خدامها
ونصّاحها ودواعى خيرها من قديم ، وجئناها فى كل وقت بقلب حميم ، وكان لأبى عندها
زلفى وخطاب التحسين ، ولنا لدى هذه الدولة أيدى الخدمة ، ولا تظن أن ننساها" .
ويوصى المرزا غلام
الحكومة الإنجليزية بأن تعامل أسرته معاملة خاصة ؛ لأن هذه الأسرة من غرس الإنجليز
، وصنيعة من صنائعهم على حد قوله ؛ لذا فهى تستحق فى رأيه كل رعاية وعطف واهتمام
من الحكومة ، يقول بالحرف الواحد : " والمأمول من الحكومة أن تعامل هذه
الاسرة التى هى من غرس الإنجليز أنفسهم ومن صنائعهم بكل حزم واحتياط وتحقيق
__________________
ورعاية ، وتوصى
رجال حكومتها أن تعاملنى وجماعتى بعطف خاص ورعاية فائقة" .
ثانيا : المستعمر
الإنجليزى والإسلام :
شعر الإنجليز أن
عقيدة الجهاد عند المسلمين هى سبب القلاقل والثورات ضد الاستعمار ؛ فبدأت بدراسة
الأحوال دراسة علمية دقيقة ، وأرسلت الحكومة الإنجليزية بعثات لتقصى المعلومات
لمعرفة الأسباب الحقيقية المحركة للثورة ضد الإنجليز : " وفى مقتبل عام ١٨٦٩
م جاءت بعثة إنجليزية مكونة من المحررين الإنجليز والزعماء المسيحيين لدراسة
الوسائل التى تخلق فى قلوب سكان القارة الهندية عاطفة ولاء للإنجليز ، وتخضعهم لهم
بعد انتزاع عاطفة الجهاد من قلوبهم ، وبعد أن عادت البعثة إلى انجلترا عام ١٨٧٠ م
، رفعت إلى الحكومة تقريرين كتبت فى أحدهما وهو تقرير عنوانه (وصول السلطنة
البريطانية إلى الهند): " إن أغلبية مسلمى الهند تتبع زعماءها الدينيين
اتباعا أعمى ، وإذا وجدنا الآن أحدا يستعد لأن يزعم أنه نبى أمكن لنا تحقيق مطامع
بريطانيا بتنشيط دعواه تحت رعاية الحكومة" .
وظل الإنجليز
يبحثون عن الرجل الّذي يمكن أن يساعدهم ويساعدوه فى دعوى النبوة حتى يستطيعوا أن
يضربوا عقائد الإسلام من داخل المسلمين أنفسهم .. ولم يستمر بحثهم طويلا ، فقد
وجدوا الشخصية التى يبحثون عنها بسهولة ، إنه رجلهم سليل أسرة يفتخرون بولائهم
__________________
للاستعمار ،
فصنعوا منه مهديّا ، ثم نبيّا ، وعرفوا متى يقدموه للناس مهديّا ، ومتى يعرضوه
نسّا ، أو نبيّا ظليّا كما زعم القاديانى.
يقول آغا شورش
كشميرى فى كتابه خونة الإسلام : " وقع الاختيار [أى اختيار الإنجليز] على
المرزا غلام أحمد القاديانى لتحقيق هذا الهدف ، وقد ظهر فى بداية الأمر فى مظهر
المتكلم الّذي كان يجادل الآباء اليسوعيين الذين كانوا يواجهون الإسلام .. ثم كوّن
جماعة من أتباعه فى عام ١٨٨٠ م وادّعى بأنه محدث (ملهم من الله) .. ثم أعلن دعواه
عن كونه مجددا ، وفى عام ١٨٨٨ م أعلن أن الله أمره بأخذ البيعة من المسلمين ،
وادّعى فى عام ١٨٩١ م أنه هو المسيح الموعود ، كما اخترع لنفسه مصطلحا جديدا ، وهو
أنه نبى ظلىّ" .
إذن القاديانية
حركة من صنع الإنجليز ، فهم الذين أوجدوها لمحاربة الإسلام الّذي يدعو أتباعه إلى
الجهاد فى سبيل الله ، ومقاومة الاستعمار والمحتلين" فدبرت الحكومة
الإنجليزية بعث المرزا غلام أحمد المتنبى ؛ لكى يميت بهذه الوسيلة روح الجهاد فى
قلوب المسلمين ويمكنوا نفوذهم فى إقليم البنجاب ، وكان الإنجليز يستيقنون ـ على حد
زعمهم ـ أن منطقة بنجاب لا تخضع لهم إلّا من خلال المتنبى ، وإذا لم يوفقوا فى
إخضاعهم بواسطته ، فلا أقل من أن يشغلوا العلماء به ، ويصرفوهم عن الجهاد إلى
المسائل الأخرى" ، أى يشغلوهم بالقضايا الخلافية والكلامية حتى يختلفوا
ويتفرقوا ويبتعدوا بفكرهم عن جهاد المستعمر الإنجليزى.
__________________
ولأن مرزا غلام
أحمد كان صنيعة الإنجليز فقد دعا إلى ضرورة طاعة الإنجليز الذين هم فى نظره أولى
الأمر. يقول غلام أحمد فى" ضرورة الإمام ص ٢٣" : " أنا أشكر الله عزوجل أنه أظلنى تحت ظل رحمة بريطانية التى أستطيع تحت ظلها أن
أعمل وأعظ ، فواجب على رعية هذه الحكومة المحسنة أن تشكر لها وخصوصا عليّ أن أبدى
لها الشكر الجزيل ؛ لأنى ما كنت أستطيع أن أنجح فى مقاصدى العليا تحت ظل أى حكومة
أخرى سوى حكومة حضرة قيصر الهند. وقال : لعنة الله على من يريد أن يكون تحت أمر
الأمير مع أن الله قال : أطيعوا الله والرسول وأولى الأمر ، فالمراد من أولى الأمر
هاهنا" الملك المعظم ؛ ولذا أنا أنصح مريدى وأشياعى بأن يدخلوا الإنجليز فى
أولى الأمر ويطيعوه من صميم قلوبهم" .
لقد صنع الإنجليز
من بعض القاديانية جواسيس للحكومة الإنجليزية ، لقد أغرت نفوسهم بالجنية
الاسترلينى ، وعيونهم ببريق الذهب فصاروا من أكبر الجواسيس لدى الإنجليز.
يقول أبو الحسن
الندوى : " لقد أمدت هذه الحركة القاديانية وهذه الفئة الحكومة الإنجليزية
بخير الجواسيس لمصالحها ، خدموا الحكومة الإنجليزية فى الهند وخارج الهند ، وبذلوا
نفوسهم ودماءهم فى سبيلها بسخاء ، كعبد اللطيف القاديانى الّذي كان فى أفغانستان
يدعو إلى القاديانية ويستنكر الجهاد ، وخافت الحكومة الأفغانية أن تقضى دعوته على
عاطفة الجهاد والروح الحربية التى يمتاز بها الشعب الأفغانى فقتلته ، كذلك الملا
عبد الحليم والملا نور
__________________
على القاديانيان
عثرت الحكومة الأفغانية عندهما على رسائل ووثائق تدل على أنهما وكيلان للحكومة
الإنجليزية ، وأنهما يدبران مؤامرة ضد الحكومة الأفغانية ، وكان جزاؤهما القتل كما
صرح بذلك وزير داخلية أفغانستان سنة ١٩٢٥ م" .
والحق أن زعماء
القاديانية كانوا عملاء مخلصين للاستعمار الإنجليزى ومن هنا كانت دعوتهم لإسقاط
فريضة الجهاد والدعوة إلى الاستكانة والخنوع مع الاستعمار والمستعمرين.
__________________
المبحث الثالث
حركة القاديانية والمراحل الفكرية للقاديانى
تمهيد :
بداية حركة
القاديانية :
بدأت هذه الحركة
فى نهاية القرن التاسع عشر. وبلغت أوج قوتها مع بدايات القرن العشرين.
وكان ظهور
القاديانية فى شبه القارة الهندية حينما وقعت الهند الكبرى فى أيدى الاستعمار
الإنجليزى حيث ظهرت على يد أحد عملاء الإنجليز بإقليم البنجاب الميرزا غلام أحمد ،
وكان موطن هذه الحركة الغالية قرية قاديان إحدى قرى مقاطعة البنجاب ، وفى هذه
القرية ولد غلام أحمد كما أشرنا من قبل.
ولقد كانت
القاديانية حركة ضد الإسلام وثورة على النبوة المحمدية فكانت حركة مشبوهة أرادت
هدم تعاليم الإسلام ، يقول الأستاذ الندوى : " هى ثورة على النبوة المحمدية
ومؤامرة دينية وسياسية إن وجد لها نظير فى الخطر والضرر على الإسلام ففى الحركة
الإسماعيلية الباطنية التى تولى كبرها عبيد الله بن ميمون القداح فى القرن الثالث
الهجرى ، وأشك أنها بلغت مبلغ الأولى فى حالة الفساد ودقة المؤامرة ، ومعاداة
الإسلام" .
__________________
مراحل القاديانى
الفكرية :
بدأ غلام أحمد
تنفيذ خطة الدعوة إلى نبوته بخطوات موضوعة تماما جاهزة للتنفيذ ، فبدأ الخطة
بالدعوة إلى مواجهة النصارى ورجال الدين المسيحيين الذين كانوا يهاجمون الإسلام
ويحاولون نشر النصرانية بين مسلمى الهند ، بل أخذ يرد أيضا على الديانات والمذاهب
التى كانت معروفة فى الهند كالبرهمية والهندوسية ، فكانت البداية ظهوره كمدافع عن
الإسلام ، وظهر ذلك واضحا فى الجزء الأول من كتابه براهين أحمدية.
وقد بلغت كتبه
ورسائله أكثر من ثمانين كتابا ورسالة من أهمها :
تبليغ الرسالة ،
حقيقة الوحى ، مكتوبات أحمدية ، البرية ، إزالة أوهام ، مواهب الرحمن ، فتح إسلام
، الأربعين ، وغيرها.
كتاب براهين
أحمدية :
ادعى فى هذا
الكتاب بأنه مأمور من الله تعالى لإقامة حجة الإسلام ، ومكلف من الله عزوجل بإصلاح الخلق ، فيقول فى الجزء الأول من هذا الكتاب إنه
مأمور من الله لإقامة حجة الإسلام ، ومستعد لإقناع الجميع : " .. لقد كلفنى
الله إصلاح الخلق بمسكنة وتواضع وفقر وتذلل على طريقة النبي الناصرى الإسرائيلى
المسيح ، وقد ألفت لهذا الغرض كتاب براهين أحمدية" .
__________________
أولا مراحل ادعاء
الإلهام والكشف :
فى الجزء الثالث
من براهين أحمدية ، بدأ غلام أحمد يتحدث عن نفسه كملهم من الله تعالى ، وخطط قبل
ادعائه النبوة لدعوى الإلهام حتى لا يثور عليه أهل الإسلام فقال فى براهين أحمدية
: " إن الّذي يتم اتباعه للرسول ، صلىاللهعليهوسلم ، يكرم بالعلم الظاهر والباطن الّذي أكرم به الرسول
أصالة" . وقال : " إن الإلهام لم ينقطع ، ولن ينقطع" . وقال أيضا : " لا يجوز حصر كلمة الإلهام بمعناها
اللغوى لأن جمهور العلماء متفقون على اعتبار الإلهام مرادفا للوحى" .
وهذا يؤكد أن
دعوته دعوة باطنية ، وزعمه أنه من أصحاب الإلهام يثبت الصلة القوية بين الفكر
الباطنى وبين الدعوة القاديانية ، فإن صاحب هذه الدعوة كان يرى أنه من أصحاب العلم
الباطنى حيث قال فى براهين أحمدية : " إذا كان العلماء لم يعطوا العلم
الباطنى فكيف ، ولم يرثون النبوة؟ ألم يقل النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، أنه يكون فى هذه الأمة محدثون" .
وقد زعم المرزا
غلام أحمد أن النزاع بينه وبين من يعارضونه فى مسألة الوحى بأنه مجرد خلاف لفظى
فقط فقال فى براهين أحمدية : " النزاع بيننا وبين جماعة المسلمين الآخرين
نزاع لفظى فالإعلامات الربانية التى نسميها وحيا يسميها علماء الإسلام فى كلامهم
إلهاما أيضا" .
__________________
وطبعى أن هذا كذب
واضح وسوء فهم متعمد لمعنى الإلهام والوحى ، وهدفه هو التمهيد لدعواه إلى أنه
المهدى المنتظر ، ثم التمهيد بعد ذلك لدعوته إلى النبوة.
ثانيا مرحلة
المهدى المنتظر والمسيح الموعود :
فى كتابه"
فتح إسلام" بدأ غلام أحمد يخطط لمرحلة جديدة ، وزعم أن عصر ظهور المسيح جاء ،
بل أعلن بلا مواربة بأنه المهدى المنتظر الّذي أرسله الله تعالى لإصلاح العالم ،
وإقامة الدين فقال فى" فتح إسلام" : " يا أيها الناس إذا كنتم
أصحاب إيمان ودين ؛ فاحمدوا الله واسجدوا لله شكرا ، أن العصر الّذي قضى آباؤكم
حياتهم فى انتظاره ولم يدركوه ، وتشوقت إليه أرواح ولم تسعد به قد حلّ وأدركتموه
وإليكم وحدكم أن تقدروا هذه النعمة وتنتهزوا هذه الفرصة ، سأكرر ذلك ولا أفتأ
أذكرهم أننى ذلك الرجل الّذي أرسل للإصلاح الحق ؛ ليقيم هذا الدين فى القلوب من
جديد" .
وما زال يكرر
افتياءه وكذبه وزعمه أنه المهدى المنتظر والمسيح الموعود بل ازداد غلوّا وكفرا حين
قال أنه أفضل من النبي الكليم ، يقول فى جرأة متناهية : " لقد أرسلت كما أرسل
الرجل المسيح بعد كليم الله موسى الّذي رفعت روحه بعد تعذيب وإيذاء شديدين فى عهد
هيرودوس ، فكما جاء الكليم الثانى محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، الّذي هو أول كليم وسيد الأنبياء لقمع الفراعنة الآخرين
الّذي قال الله عنهم : (إِنَّا أَرْسَلْنا
إِلَيْكُمْ رَسُولاً
__________________
شاهِداً
عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً) ، فكان لا بد أن يكون بعد هذا النبي ، الّذي هو فى تصرفاته
مثل الكليم ، ولكنه أفضل منه" .
وهذا كذب واضح
وافتراء مبين وجرأة شديدة على نبى الله ، صلىاللهعليهوسلم.
مسألة المهدى فى
السنة النبوية :
ورد فى السنة
النبوية عدة أحاديث تؤكد ظهور المهدى فى آخر الزمان منها ما رواه أبو سعيد الخدرى
، رضى الله عنه ، قال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : " أبشركم المهدى فى أمتى على اختلاف من الناس ،
وزلازل فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، يرضى عنه ساكن السماء وساكن
الأرض ، يقسم الأرض صحاحا. فقال رجل : وما صحاحا؟ قال : بالسوية بين الناس. قال :
ويملأ الله قلوب أمة محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، غنى ويسعهم عدله حتى يأمر مناديا فينادى فيقول : من له
فى مال حاجة؟ فما يقوم من الناس إلا رجل واحد فيقول : ائت السدّان ـ وفى رواية
السادن ـ أى الخازن ـ فقل له : إن المهدى يأمرك أن تعطينى مالا فيقول له : احث حتى
إذا جعله فى حجره وأبرزه ندم. فيقول : كنت أجشع أمة محمد نفسا؟ أو عجز عنى ما
وسعهم؟ قال : فيرده فلا يقبل منه فيقال : إنّا لا نأخذ شيئا أعطيناه فيكون كذلك
سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين ثم لا خير فى العيش بعده أو قال : ثم لا خير فى
الحياة بعده.
[رواه أحمد وأبو
داود وابن ماجة].
__________________
وقد جاء فى صحيح
مسلم أثر فيه إشارة إلى المهدى دون ذكر اسم المهدى ، فعن أبى سعيد الخدرى ، وجابر
بن عبد الله قالا : قال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : " يكون فى آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا
يعده".
وعن عبد الله بن
مسعود ، رضى الله عنه ، عن النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، قال : " يلى رجل من أهل بيتى يواطئ اسمه
اسمى". وقال أبو هريرة ، رضى الله عنه : " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم
لطوّل الله ذلك اليوم حتى يلى" [رواه أحمد والترمذي].
إن أحاديث ظهور
المهدى فى آخر الزمان كثيرة ، وصحيح أن فى بعض هذه الأحاديث ضعف فى إسنادها إلا أن
كثرة رواياتها مما يقوى بعضها بعضا ، يقول العلامة ابن القيم رحمهالله : " وهذه الأحاديث وإن كان فى إسنادها بعض الضعف
والغرابة فهى مما يقوى بعضها بعضا ، ويشد بعضها بعضا ، فهذه أقوال أهل السنة"
.
ويقول العلامة ابن
خلدون فى مقدمته : " إن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممرّ الأعصار
أنه لا بد فى آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ، ويظهر العدل
ويتبعه المسلمون ، ويستولى على الممالك الإسلامية ، ويسمى المهدى ، ويكون خروج
الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة فى الصحيح على أثره ، وإن عيسى ينزل من
بعده فيقتل الدجال أو ينزل معه فيساعده على قتله ويأتم بالمهدى فى صلاته" .
__________________
وقال العلامة
السفارينى فى كتابه لوامع الأنوار البهية : " والصواب الّذي عليه أهل الحق أن
المهدى غير عيسى ، وأنه يخرج قبل نزول عيسى عليهالسلام ، وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوى
وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عدّ من معتقداتهم ... فالإيمان بخروج المهدى واجب
كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون فى عقائد أهل السنة والجماعة" .
هكذا ورد فى نزول
عيسى فى آخر الزمان عدة أحاديث صحيحة بلغت حد التواتر ؛ حيث سينزل عيسى ، عليهالسلام ، لقتل الدجال ولإحياء ما درس من شريعة الإسلام.
ومن هنا نفهم أن
مسألة نزوله لا يعنى أبدا أنه سيأتى بشريعة جديدة ، بل سيعمل ويحكم بشريعة الإسلام
، ذلك أن رسالة محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، هى خاتمة الشرائع ، ونبوته هى النبوة الخاتمة ، ففى
الحديث الّذي رواه البخارى ومسلم وغيرهما عن أبى هريرة ، رضى الله عنه ـ وأشرنا
إليه ـ قال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : " والّذي نفسى بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم
حكما مقسطا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا
يقبله أحد" [رواه البخارى ومسلم وأبو داود وابن ماجة وأحمد].
وعن جابر بن عبد
الله قال : سمعت النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، يقول : " ولا تزال طائفة من أمتى يقاتلون على الحق
ظاهرين إلى يوم القيامة قال : فينزل عيسى ابن مريم ، صلىاللهعليهوسلم ، فيقول أميرهم :
__________________
تعال صل لنا.
فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة" [رواه مسلم].
فمسألة نزول عيسى
، عليهالسلام ، وقتله الدجال والخنزير ، وحكمه بشريعة الإسلام من
المسائل المقررة التى يعتقدها جمهور العلماء من أهل السنة والجماعة ، وإن قول عيسى
، عليهالسلام ، فى الحديث الّذي رواه مسلم حين طلب منه أن يصلى إماما
تأكيدا لقول رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : " لا نبى بعدى" [البخارى]. ومعنى ذلك أيضا أن
نبى الله عيسى ، عليهالسلام ، سينزل حاكما بشريعة الإسلام ، ويحيى تعاليم الإسلام التى
اندرست وغابت عن حياة الناس.
والأمر العجيب
حقّا ما يدعيه القاديانيون حيث يدّعون أن المقصود بالمسيح الموعود فى الأحاديث
النبوية الشريفة ليس عيسى ابن مريم ، عليهالسلام ؛ لأنه مات ، وإنما المقصود هو مثيل المسيح ، يعنى مسيح
مثل ابن مريم ، ويعنون بذلك مسيحهم المزعوم مرزا غلام أحمد ، ويقولون : طالما أن
المسيح كان نبيّا ، فلا يتنافى مجيئه مع ختم النبوة.
والحقيقة .... إن
الأحاديث النبوية الشريفة تبين لنا تعسف القاديانية فى تأويلها تأويلا خاطئا لصالح
زعمهم بأن غلام أحمد هو المسيح الموعود ، والأحاديث فى نزول عيسى ابن مريم كثيرة
كما ذكرنا.
فعن أبى هريرة ،
رضى الله عنه ، أن رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، قال : " كيف أنتم إذا نزل ابن مريم وإمامكم
منكم".
[البخارى ومسلم
وأحمد].
والحديث ينص على
أن النازل هو عيسى ابن مريم لا مثيله كما يدعى القاديانيون ، ويشير أيضا إلى أن
عيسى ، عليهالسلام ، يصلّى خلف إمام المسلمين يوم ذاك ، فهو لا يؤم فى الصلاة
؛ لأنه لن يأتى بشريعة جديدة وإنما يتبع شريعة خاتم الأنبياء ، صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه لا نبوة بعده ، صلىاللهعليهوسلم.
وعن جابر بن عبد
الله ، قال : سمعت رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : " ... فينزل عيسى ابن مريم ، صلىاللهعليهوسلم ، فيقول أميرهم : تعالى فصلّ فيقول : لا ، إن بعضكم على
بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة؟. [مسلم ، وأحمد].
وعن أبى هريرة ،
رضى الله عنه ، أن النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، قال : " ليس بينى وبينه نبى (يقصد عيسى ابن مريم)
وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه ، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ، بين مصرتين كأن
رأسه يقطر ، وإن لم يصبه بلل ، فيقاتل الناس على الإسلام فيدق الصليب ، ويقتل
الخنزير ، ويضع الجزية ، ويهلك الله فى زمانه الملل كلها إلا الإسلام ، ويهلك
المسيح الدجال ، فيمكث فى الأرض أربعين سنة ، ثم يتوفى ، فيصلى عليه
المسلمون" [أبو داود ، وأحمد].
وعن جابر رضى الله
عنه ، أن رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، قال : " .... فإذا هم بعيسى ابن مريم ، عليهالسلام ، فتقام الصلاة فيقال له : تقدم يا روح الله ، فيقول :
" ليتقدم إمامكم فليصل بكم ، فإذا صلى صلاة الصبح خرجوا إليه ، فحين يرى
الكذاب ينماث كما ينماث الملح فى الماء ، فيمشى إليه فيقتله حتى إن الشجر والحجر
ينادى يا روح الله : هذا
اليهودى فلا يترك
ممن كان يتبعه أحدا إلا قتله" [أحمد].
وعن عائشة ، رضى
الله عنها ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال فى قصة الدجال : " .. فينزل عيسى ، عليهالسلام ، فيقتله ، ثم يمكث عيسى ، عليهالسلام فى الأرض أربعين سنة إماما عادلا وحكما مقسطا". [الإمام
أحمد].
وهذه الأحاديث
وغيرها تدلنا على أن الّذي ينزل هو عيسى ابن مريم ، وليس غيره ولا مثيله.
وحين نزول عيسى ، عليهالسلام ، لا ينزل عليه الوحى ، ولا يأتى بشريعة جديدة ، وإنما
سيكون متبعا لشريعة محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، والغرض من نزوله هو القضاء على فتنة الدجال لا الإتيان
بنبوة جديدة ورسالة أخرى ، يقول ابن حزم ، رضى الله عنه : " لا يقدح فى كون
رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، خاتم الأنبياء والمرسلين نزول عيسى ، عليهالسلام بعده ؛ لأنه يكون على دينه مع أن المراد أنه آخر من
نبىء" .
ويقول الإمام
النووى فى شرح مسلم : " ينزل عيسى ابن مريم حكما أى حاكما بهذه الشريعة ، ولا
ينزل برسالة مستقلة وشريعة ناسخة ، بل هو حاكم من حكام هذه الأمة" .
ويقول صاحب تفسير
الخازن : .. فإن قلت قد صح أن عيسى ، عليهالسلام ، ينزل فى آخر الزمان بعده وهو نبى ، قلت : أن عيسى ، عليهالسلام ، ممن نبىء قبله ، وحين ينزل فى آخر الزمان ، ينزل عاملا
__________________
بشريعة محمد ، صلىاللهعليهوسلم ومصليا إلى قبلته كأنه بعض أمته" .
فالذى سينزل فى
آخر الزمان عيسى ابن مريم عليهالسلام ، وليس ميرزا غلام أحمد كما يزعم ويفترى.
ثالثا : ادعاؤه
الوحى والنبوة :
زعم غلام أحمد أنه
يوحى إليه ، وأنه يسمع من وحى الله ، يقول فى تكملة البراهين الأحمدية ، ج ٥ ، ص
١٨٣ ،." من العقيدة الباطلة الواهية أن يظن أحد أن باب الوحى قد انغلق إلى
أبد الآباد بعد محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، ولا رجاء فيه ـ أى فى انفتاحه ـ فى المستقبل إلى يوم
القيامة ، كأنكم أمرتم أن لا تعبدوا إلا القصص والأساطير ، فهل من الممكن أن يكون
الدين الّذي لا يعرف الله فيه معرفة مباشرة دينا" .
وقال أيضا فى الدر
الثمين ، ص ٢٨٢ ، " ونزول المسيح" ص ٢٨٢ : " والّذي أنا أسمع من
وحى الله ، والله منزه عن الخطأ ، وأنا أعرف أنه منزه عن الخطأ كالقرآن. والله هذا
هو إيمانى. والله إن هذا لهو كلام الله ، وهو من لسان الله الوحيد الطاهر" .
ومن مزاعم وحيه
الكاذب :
زعم المرزا غلام
أحمد أنه يوحى إليه ، وما أوحى إليه إلا الكذب المحض ، إنه يأخذ بعض آيات القرآن
الكريم ، أو جزء منها فيخلطها بكلام يثير السخرية ، من أمثلة ذلك : قوله فى تذكرة (وحى
مقدس): " يا آدم
__________________
اسكن أنت وزوجك
الجنة ، ويا مريم اسكن أنت وزوجك الجنة ، ويا أحمد اسكن أنت وزوجك الجنة ، نصرت
وقالوا حين مناص ، إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله رد عليهم رجل من فارس ـ شكر
الله سعيه أم يقولون نحن جميع منتصر" .
وقد وضع غلام أحمد
بذرة الإشارة إلى النبوة فى كتابه براهين أحمدية حين زعم أنه ألهم إلهامات كثيرة
من قبل الله تعالى فقال : " لقد ألهمت آنفا وأنا أعلق هذه الحاشية وذلك فى
شهر مارس عام ١٨٨٢ م ما نصه حرفيّا : " يا أحمد بارك الله فيك ما رميت إذ
رميت ولكن الله رمى ، الرحمن علم القرآن ، لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم ، ولتستبين
سبيل المجرمين ، قل إنى أمرت وأنا أول المؤمنين ، قل جاء الحق وزهق الباطل إن
الباطل كان زهوقا" .
وابنه المرزا
الخليفة الثانى للقاديانية المرزا بشير الدين محمود ، يرى هذا الأمر ويعلنه بكل
وضوح ويقول أن والده ليس مسيحا موعودا مجازا فقط بل هو نبى أيضا ، ويؤكد هذا
المعنى فيقول : " فالمعنى الّذي تفهمنا إياه الشريعة الإسلامية عن النبي لا
يسمح أن يكون المسيح الموعود نبيّا مجازا فقط بل لا بد أن يكون نبيّا حقّا ، إنا
نؤمن بنبوة ميرزا عليهالسلام".
ويقول ميرزا غلام
أحمد : " كل مسلم قد بلغته دعوتى ، وإن كان مسلما ولكنه لا يحكمنى ولا يؤمن
بى مسيحا موعودا ، ولا يعتقد أن وحيى هو من عند الله فهو يستوجب المؤاخذة فى
السماء" .
__________________
ويقول أيضا :
" كل رجل لا يتبعك ولا يدخل فى بيعتك ، ويبقى مخالفا لك ، هو عاص لله وللرسول
، وهو من أصحاب النار" .
هكذا خطط مرزا
غلام أحمد لدعوى النبوة ، فبعد ادعائه المهدية ، وأنه المسيح الموعود ، بدأ يجهز
نفسه لمرحلة جديدة وهى ادعاؤه النبوة ، فزعم أن باب النبوة لم يغلق كليّا ؛ لأنه
لم يغلق باب نزول جبريل على شكل وحى ، وقال إن الدين الّذي ينقطع فيه سلسلة النبوة
ليس بدين على الإطلاق ، وزعم أن هذا هو الفارق الكبير بين الإسلام والديانات
الأخرى ، فالإسلام هو الدين الوحيد فى افتراءاته الّذي لم ينقطع من خلاله سلسلة
النبوة ، وكان يذكر دائما : " مذهبنا أن الدين الّذي انقطعت فيه سلسلة النبوة
ليس بدين حي. ونقول للأديان الأخرى إنها ليست حية لأجل أنه لم تبق فيها سلسلة
النبوة ، مثل اليهودية والمسيحية والهندوكية ، فإذا كان حال الإسلام كذلك لا يكن
هناك أى فرق بين الإسلام والديانات الأخرى" .
ويعتبر غلام أحمد
أن النبوة آخر درجات الترقى الإنسانى ، فالإنسان المحب لله ولرسوله يمكنه أن يصل
إلى درجة الصالحين ، ثم يرتقى بعد ذلك إلى درجة الشهداء ، ومنها إلى درجة الصديقين
، فإذا تجاوز هذه الدرجة يمكنه أن يصل ـ فى زعمه ـ إلى درجة النبي ، ويسميها
النبوة الظلية ، أى أن صاحبها ظل للنبى ، صلىاللهعليهوسلم.
يقول محمود ابن
نبى القاديانية غلام أحمد فى كتاب حقيقة النبوة : " إن النبوة ليست شيئا
مستقلّا بذاته ، بل الواقع هو أنها شيئا آخر درجة
__________________
من درجات ترقى
الإنسان ، فالإنسان يتدرج فى محبة الله من درجة إلى أخرى من درجة الصالحين إلى
درجة الشهداء ، ومن درجة الشهداء إلى درجة الصديقين ، وعند ما يتجاوز هذه الدرجة
الأخيرة يصبح حامل الأسرار الإلهية أى يكون نبيّا" .
وينفى غلام أحمد
ختم النبوة فيقول : " إذا قال أحد أن النبوة انتهت فكيف يمكن أن يكون نبى من
أتباع محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، فالجواب على ذلك هو أن الله ، عزوجل ، إنما سمى هذا العبد [المرزا غلام أحمد] نبيّا ؛ لأن كمال
نبوة محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، لا يمكن أن يثبت دون كمال أمته ، ودون ذلك ليس إلا دعوى بغير
دليل" .
ويزداد غلو غلام
أحمد فى مسألة عدم ختم النبوة ويقول : " إن الزعم القائم أن النبوة انتهت على
رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، زعم باطل ، ولا يعدو كونه لغوا ، إن القرآن والأحاديث
النبوية تعلن بطلان هذا الزعم ، والحقيقة أن فضل وشأن الأمة المحمدية يكمن فى أن
يكون فيها أنبياء ورجال يخاطبون الله ، ويتكلمون معه ، كما يمكن أن يكون فيها
الأولياء والشهداء والعلماء ؛ لكى تكون هذه الأمة فى الواقع خير أمة" .
ويزعم هذا المفترى
على الله تعالى أن الله عزوجل يكلمه وأنه سبحانه وتعالى يكشف له كثيرا من أمور الغيب ؛
ولهذا فهو فى افترائه يدّعى أنه نبى ؛ لأن الله يتكلم معه ويرد عليه فيقول :
" إننى أزعم النبوة على أساس أننى شرف بمكالمة الله تعالى ، إن الله يتكلم
معى بكثرة ويرد على
__________________
كلامى ، ويكشف
عليّ كثيرا من أمور الغيب ، ويفتح عليّ أبواب المستقبل ، وما لم يكن المرء مقربا
منه قربا خاصّا لا يكشف عليه الأسرار ، ولكثرة هذه الأمور فقد سمانى نبيّا ، من
هنا إننى نبى بأمر الله وبحكمه ، وإذا أنكرت ذلك أكون مذنبا ومخطئا وعند ما سمانى
نبيّا كيف يمكن أن أنكر ذلك ، إننى قائم على ذلك إلى أن أترك هذه الدنيا" .
وخشى مرزا غلام
أحمد من ثورة المسلمين عليه بدعواه النبوة ، فزعم أن نبوته نبوة ظلية أى أن نبوته ظلّا
لنبوة محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، فقال : " إنما يريد منكم الله سبحانه من حيث
العقيدة أن تؤمنوا بأن الله واحد وأن محمدا رسوله ، وأنه خاتم النبيين ، وهو أفضل
الناس أجمعين ، لا نبى بعده إلا الّذي ألبس رداء المحمدية على سبيل التمثيل أو
البروز ، فإن الخادم ليس بمنفصل عن مخدومه ، ولا الفرع بمنصرم عن جزعه ؛ لذلك كان
بكليته فانيا فى سيده ، وينال من الله لقب نبى فما هو مخلو بختم النبوة مثلما تكون
أنت اثنين إذا نظرت فى المرآة ، بل إنما تكون واحدا ، وإن يتراءى لك اثنان بادئ
الرؤيا ، وليس الفرق ثمة إلا بين الظل والأصل ، فهكذا تمت وقضت مشيئة الله فى
المسيح الموعود" .
ويقول فى براهين
أحمدية : " ولا ينبغى أن نقول هنا كيف يكون شخص أدنى من أمة النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، شريكا فى أسمائه أو أوصافه أو كمالاته ، ومما لا شك فيه
أنه لا يقدر أحد ولو كان نبيّا أن يكون شريكه فى كمالاته ، القدسية ، ولا الملائكة
كلهم يستطيعون ذلك. فكيف
__________________
يستطيع ذلك غيرهم؟
ولكن اسمع يا طالب العلم منتبها إن الله تعالى قضى بكمال حكمته ورحمته أن يبعث
رجالا من الأمة المحمدية يتبعونه فى غاية العجز والتذلل ، يظهر بوجودهم الخفى
بركات نبيه ، صلىاللهعليهوسلم ، حتى تدوم بركاته وتظل أنوار أشعته الكاملة تبهر الخصوم
وتبهتهم ، والنبي ، صلىاللهعليهوسلم ، هو المصدر الكامل والمرجع التام لما تصدر منهم من بركات
وآيات ومعارف ، وهو وحده المستحق للثناء الكامل والحقيقى ، ولكن حيث أن منبع سنن
النبي ، صلىاللهعليهوسلم بسبب اتباعه الكامل يصير الظل للشخص النورانى الفياض لحضرة
النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، وجميع الأنوار الربانية التى ظهرت فى ذلك الوجود المقدس
تظهر وتبدو فى ظله أيضا ، وظهور هيئة الأصل وكيفيته الكاملتين فى ظله أمر معلوم لا
يخفى على أحد" .
وما أن هدأ الثورة
بعض الشيء حتى وجد الفرصة لينتقل من دعواه النبوة الظلية إلى دعوى النبوة المستقلة
فيقول : " إذا حصل أحد أتباع النبي بفضل اتباعه على درجة الوحى والإلهام
والنبوة ويطلق عليه اسم النبي ، فلا يعنى ذلك كسر ختم النبوة ؛ لأنه بنفسه ليس
بشيء ، بل ما حصل عليه من كمال يعود إلى نبيه الّذي يتبعه ، وهو ليس نبى فقط ، بل
نبى وفى نفس الوقت من أمتى ، وختم النبوة يمنع مجىء نبى لا يكون من أمتى" .
وبلغت جرأته على
القرآن الكريم وعلى رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، فزعم أن القرآن شهد له بالنبوة ، وأن الرسول ، صلى الله
عليه
__________________
وسلم ، شهد له
بالنبوة ، بل إن السماء والأرض وما من نبى إلا شهد له بالنبوة ، ويأمر المسلمين
باتباعه فيقول : " إننى صادق كموسى وعيسى وداود ومحمد ، صلىاللهعليهوسلم ، وقد أنزل الله لتصديقى آيات سماوية تربو على عشرة آلاف ،
وقد شهد لى القرآن الكريم ، وشهد لى الرسول ، وقد عين الأنبياء زمن بعثتى وذلك هو
عصرنا هذا ، والقرآن يعين عصرى ، ولقد شهدت لى السماء والأرض ، وما من نبى إلا وقد
شهد لى" .
ولقد كان جريئا فى
الكذب حين ادعى النبوة وقال : " يؤيد الله كونى مرسلا من قبله ، فقد أظهر على
يدىّ من الآيات ما لو قسم على ألف نبى لكفت لإثبات نبوتهم ، ولكن شياطين الإنس لا
يؤمنون" . وقال : " أنا نبى بأمر الله ، وإذا أنكرت ذلك أرتكب
إثما ، وكيف أستطيع أن أرفض ذلك ، والله سمانى نبيّا ، فأنا على ذلك ما دمت
حيّا" .
تأويل معنى خاتم
النبيين لدى القاديانيين :
أوّل القاديانيون
معنى قول الله تعالى (ما كانَ مُحَمَّدٌ
أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) . معنى خاتم النبيين عندهم أى طابعهم ، فيزعمون أن كل نبى
يظهر الآن بعده ، فإن نبوته تكون مطبوعة بخاتمه ، صلىاللهعليهوسلم.
__________________
يقول محمد منظور
إلهى القاديانى فى كتابه ملفوظات أحمدية (ص ٢٩٠): " المراد بخاتم النبيين أنه
لا يمكن أن تصدق الآن نبوة أى نبى من الأنبياء إلا بخاتمه صلىاللهعليهوسلم وكما أن كل قرطاس لا يكون مصدقا مؤكدا إلا حين يطبع عليه
بالخاتم ، فكذلك كل نبوة لا تكون مطبوعا عليها بخاتمه وتصديقه ، صلىاللهعليهوسلم ، تكون غير صحيحة" .
وجاء فى جريدة
الفضل القاديانية فى عددها الصادر فى ٢٢ مايو ١٩٢٢ م" الخاتم هو الطابع ،
فإذا كان النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، طابعا ، فكيف يكون طابعا إذا لم يكن فى أمته نبى" .
ويفسر القاضى
القاديانى آية" وخاتم النبيين" بأنه أفضل الأنبياء وأكبرهم درجة ومرتبة
، والآية فى زعم القاديانية لا تدل أبدا على انقطاع النبوة ، يقول فى القول الصريح
: " إن الآية المذكورة لا تدل مطلقا على انقطاع للنبوة ، بل تدل على بقائها
لأن كمال النبي لا يتحقق إلا بكمال الأمة وفضيلة الأستاذ لا تظهر إلا بفضل التلميذ
.. وإن أصر أحد على أنه بمعنى الآخر زمانا فيمكننا أن نجعله مطابقا للمعانى الأخرى
بكل سهولة ونقول : إن المراد من النبيين هم المشرعون والمستقلون ، والنبي ، صلىاللهعليهوسلم ، ختم النبوة التشريعية والمستقلة ؛ لأنها موجودة قبله ،
وأما النبوة الغير مستقلة فما كانت موجودة قبله" .
__________________
ويقول ميرزا غلام
أحمد : " نعنى بختم النبوة ختم كمالاتها على نبينا الّذي هو أفضل رسل الله
وأنبيائه ، ونعتقد أنه لا نبى بعده إلا الّذي من أمته ومن أكمل أتباعه الّذي وجد
الفيض كله من روحانيته وأضاء بضيائه" .
ويقول أيضا فى
تفسير" وخاتم النبيين" : " إن الله جعل رسول الله خاتم النبيين
بمعنى أنه أعطاه خاتم إفاضة الكمال مما لم يعطه أحدا سواه ، فلأجل ذلك سمى بخاتم
النبيين ، أى أن اتّباعه يورث كمالات النبوة ، وأن القوة القدسية التى تصنع
الأنبياء لم يعطها نبى سواه" .
ونقل الأستاذ أبو
الأعلى المودودى فى كتابه" ما هى القاديانية" نصوصا عديدة ذكرها المرزا
غلام أحمد وجماعته توضح تأويلاتهم المختلفة لختم النبوة منها :
التأويل
الأول : " فإن كان
الله كرّم أحدا من هذه الأمة وسماه بالنبى إذا نال درجة الوحى والإلهام والنبوة
بمجرد اتّباع محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، فإن خاتم النبوة أى طابعها لا ينقض بذلك ؛ لأنه لا يزال
من أفراد الأمة الإسلامية ، ولكن مما ينافى ختم النبوة أن يأتى نبى من غير الأمة
الإسلامية".
ويقول المرزا غلام
أحمد : " إن محمدا ، صلىاللهعليهوسلم ، ، صلىاللهعليهوسلم ، خاتم الأنبياء بمفهوم أنه قد تمت عليه كمالات النبوة ،
وأنه لا يأتى بعده رسول ذو شريعة جديدة ، ولا نبى من غير أمته".
__________________
التأويل
الثانى : قال غلام أحمد فى
حقيقة الوحى : " قد جعل الله جل شأنه محمدا ، صلىاللهعليهوسلم ، الخاتم أى أعطاه الخاتم لإفاضة الكمال ، وذلك لم يؤته
أحد غيره ، ولذلك سمى بخاتم النبيين ، أى أن اطاعته تمنح كمالات النبوة ، وأن
التقائه الروحى يصنع الأنبياء".
التأويل
الثالث : قال غلام أحمد فى
إرشاده المندرج فى عدد جريدة الحكم الصادر فى ١٧ أبريل من عام ١٩٠٣ م : " ومن
حكمة الله ولطفه بالأمة المحمدية أن رفع عنها هذه الكلمة ـ النبوة ـ ثلاثة عشر
قرنا بعد محمد ، صلىاللهعليهوسلم ؛ وذلك لتتم عظمة نبوته ، ثم لما كانت عظمة الإسلام تقتضى
أن يكون فى الأمة أفراد تطلق عليهم كلمة النبي بعده ، صلىاللهعليهوسلم ، لتتم المشابهة بالسلسلة القديمة ـ أى سلسلة الأنبياء
الموسويين ـ أجريت على لسانه ، صلىاللهعليهوسلم ، كلمة" النبي" للمسيح الموعود فى آخر
الزمان".
التأويل
الرابع : يقول غلام أحمد فى
إزالة الخطأ : " أنا محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، بصفة ظلية ، فلأجل هذا ما انفض هذا الخاتم ـ خاتم
النبيين ـ لأن نبوة محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، بقيت على حالها منحصرة فى محمد وحده ، أى أن محمدا وحده
هو النبي إلى الآن ، وإذا كنت أنا محمدا بصفة تجسدية فأى رجل غيره يكون قد ادعى
النبوة بصفة مستقلة؟ ".
وهذه تأويلات
باطلة فاسدة لختم النبوة ، وقد وضع القاديانيون أدلة من القرآن والسنة على أن
الوحى والنبوة مستمران لا ينقطعان أبدا ، وأوّلوا النصوص حسب هواهم وهذا ما سنبينه
الآن.
أدلة القاديانيون
على أن الوحى والنبوة مستمران لا ينقطعان أبدا :
ـ أدلتهم من
القرآن الكريم :
يقول تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ
اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) [الشورى : ٥١].
يقول القاضى
القاديانى فى كتابه القول الصريح : " إن الله سبحانه وتعالى يوحى إلى غير
الأنبياء بالطرق التى يوحى بها إلى الأنبياء لأن الله لم يقل وما كان لنبى بل قال
ما كان لبشر سواء كان نبيّا أو غير نبى" .
والحقيقة أنه ليس
فى هذه الآية أى دليل على وحى أو نبوة بعد رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، وإنما قال ابن كثير فى تفسيره : " هذه الآية فى ذكر
مقامات الوحى بالنسبة إلى جانب الله عزوجل" فلا وحى ولا نبوة بعد محمد ، صلىاللهعليهوسلم.
وهكذا يزعم القاضى
القاديانى أن باب النبوة لا زال مفتوحا أمام البشر ويذكر أن الله تعالى يقول : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ
فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ
وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) .
ويفسر الآية ـ كما
أشرنا من قبل ـ بأن معناها" أن الّذي يطيع الله ومحمدا ، صلىاللهعليهوسلم ، فعلى قدر إطاعته يكون من الصالحين أو
__________________
الشهداء أو
الصديقين أو النبيين ، فهى تصريح جليّ أن النبوة باقية فى الأمة المحمدية" .
وطبعى أنه ليس فى
الآية دليل قط على استمرار النبوة بعد رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، وإنما مقصود الآية كما ذكر ابن كثير : " إن من عمل
بما أمره الله به ورسوله ، وترك ما نهاه الله عنه ورسوله ، فإن الله عزوجل يسكنه دار كرامته ويجعله مرافقا لمن ذكر فى الآية" .
فالآية لا تدل
أبدا على أن النبوة مستمرة كما ادعى القاديانيون.
ويقول أيضا :
" إن الله تعالى يقول فى كتابه العزيز : (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ
ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ
لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) .
يقول المراد من
الروح فى الآية الوحى أو روح القدس ، والآية تصرح بأن النبوة باقية ؛ لأن صيغة
يلقى تدل على الاستمرار ، فكما أن الله تعالى أخبر بنزول الملائكة فى المستقبل
كذلك أخبرنا بالإنذار ، والإنذار من صفة الرسل" .
وهذا فهم خاطئ
وتأويل باطل للآية ، فالآية تبين لنا بوضوح تام أن الله تعالى يختص من يشاء
ليكونوا أنبياء ورسلا يبلغون رسالة الله فى الأرض ، وقد ختم الله تعالى الرسالات ،
بمحمد ، صلىاللهعليهوسلم.
__________________
وفى قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ
رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ.
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) .
يقول القاضى
القاديانى فى كتابه القول الصريح : " إن قوله تعالى : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ) يدل على أن البعثة الثانية للنبى ، صلىاللهعليهوسلم فى الآخرين الذين يأتون بعد من الصحابة تكون منهم لا من
غيرهم ، ومعلوم أن النبي لا يبعث بذاته مرة ثانية ، فليس المراد إذا إلا المسيح
الموعود بكونه نبيّا فى الآخرين من الآخرين باسم النبي ، صلىاللهعليهوسلم" .
وهذا تفسير باطل
للآية ؛ لأن ظاهر الآية واضح لكل ذى عينين ، فالآية تشير بجلاء تام إلى أن الله
تعالى بعث محمدا ، صلىاللهعليهوسلم ، إلى الناس كافة (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ
آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) ، فليس فى الآية دليل على بعثة المسيح الموعود كما يزعم
القاديانيون.
ويقول فى قوله
تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ
دِيناً) [المائدة : ٣].
يقول : "
معلوم أن النبوة هى أعظم نعمة من نعم الله ، فلو كانت منقطعة لما كانت النعمة تامة
، بل كانت ناقصة" .
__________________
والحقيقة إن هذه
الآية أكبر دليل على ختم النبوة ، فالله سبحانه وتعالى أكمل برسالة الإسلام الدين
، فلا دين بعده ، ولا نبى بعده ، لاكتمال الرسالة وختمها برسول الله ، صلىاللهعليهوسلم.
الأدلة من السنة
على استمرار النبوة فى زعم القاديانيين :
عن ابن عباس ، رضى
الله عنه : " لما توفى إبراهيم ابن الرسول قال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، لو عاش لكان صديقا نبيّا". [أخرجه ابن ماجة].
يقول القاديانيون
: إن هذا الحديث فيه دلالة واضحة على أن الرسول ، صلىاللهعليهوسلم ، ليس خاتم الأنبياء.
والمسألة أن
القاديانيين ليسوا بعلماء فى الحديث النبوى ؛ ولذا فهم لا يعرفون المطلق والمقيد
والعام والخاص ، فحديث : " لو عاش ـ أى إبراهيم ـ لكان صديقا نبيّا" روى
بروايات متعددة وحديث أنس عند ابن منده يحل الإشكال تماما وهو : " ولو بقى أى
إبراهيم ابن رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم لكان نبيّا ولكن لم يكن ليبقى ؛ لأن نبيكم آخر
الأنبياء" .
ثم إن كل الأحاديث
التى رويت بهذا المعنى علقت بصيغة شرطية ، ولم يتحقق الشرط وهو عدم وفاة إبراهيم ،
فلم يتحقق الجواب ، وهو أن يكون نبيّا" .
__________________
والأمر الآخر إن
حديث ابن ماجة لا يصح لأن فى سلسلة رجاله من لا يحتج به وهو إبراهيم بن عثمان
الواسطى ، قال البخارى : سكتوا عنه. وقال النسائى : متروك الحديث. وقال ابن معين :
ليس بثقة. وضعفه أحمد.
إذن هذا الحديث لا
يعتد به ، بالإضافة إلى أن المسألة مشروطة بشرط لو عاش إبراهيم ، ومن الجلى أنه
مات فى حياة أبيه ، فهو شرط لم يتحقق.
وقال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : " أبو بكر أفضل هذه الأمة إلا أن يكون نبى" [رواه
الطبرانى].
وهذا الحديث ضعيف
؛ لأن من رواته إسماعيل بن أبى زياد ، وهو لا يحتج به ؛ قال عنه ابن حجر : "
متروك كذبوه". وقال الذهبى : قال يحيى : كذاب ، وقال أبو حاتم : مجهول.
إن مأساة
القاديانيين أنهم أخذوا الأحاديث الضعيفة والموضوعات وأوّلوها حسب هواهم ورغبتهم.
المبحث الرابع
الرد على القاديانية فى زعمهم عدم انقطاع النبوة
أولا : ختم النبوة
فى القرآن الكريم :
لقد أكد القرآن
الكريم على هذه الحقيقة وهذا الأصل قال تعالى :
(ما كانَ مُحَمَّدٌ
أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب : ٤٠].
وعلى قراءة : خاتم
بكسر التاء فهذا وصف له ، صلىاللهعليهوسلم ، بأنه ختم الأنبياء ، وأنه ليس بعده نبى ، وكذا بفتح
التاء ، فإن كلا منهما يستعمل بمعنى الآخر.
ويؤكد هذا المعنى
حديث رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، فى صحيح البخارى ، فعن أبى هريرة ، رضى الله عنه ، أن
النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن مثلى ومثل الأنبياء من قبلى كمثل
رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية ، فجعل الناس يطوفون به ،
ويعجبون له ، ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ، قال : فأنا اللبنة ، وأنا خاتم
النبيين".
وهذا الأمر أجمع
عليه أهل الإسلام ، قال الإمام ابن عطية فى تفسير قوله تعالى : (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ
النَّبِيِّينَ) هذه الألفاظ عند جماعة علماء الأمة خلفا وسلفا متعلقة على
العموم التام ، مقتضية نصّا : أن لا نبى بعده ، صلىاللهعليهوسلم".
إن القرآن الكريم
والسنة المطهرة يبينان للخلق جميعا أن الرسول ، صلىاللهعليهوسلم ، هو خاتم الأنبياء والمرسلين ، يقول ابن كثير : " أخبر
الله تعالى فى كتابه ورسوله ، صلىاللهعليهوسلم ، فى السنة المتواترة عنه أن لا نبى بعده ؛ ليعلموا أن كل
من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال ضال مضل" .
لقد انقطع وحى
السماء إلى الأرض بختم نبوة محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، يقول تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ
أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) . أى آخرهم ، فخاتم كل شيء أى عاقبته وآخره.
قال ابن حيان فى
تفسيره البحر المحيط : " قرأ الجمهور وخاتم النبيين بكسر التاء بمعنى أنه
ختمهم أى جاء آخرهم" .
وقال القاسمى فى
تفسيره محاسن التأويل : " تمت الرسالات برسالته إلى الناس أجمعين ، وظهر
مصداق ذلك بخيبة من ادّعى النبوة بعده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها" .
ويقول ابن الجوزى
: " ومن قرأ" خاتم" بكسر التاء فمعناه وختم النبيين ، ومن فتحها
فالمعنى آخر النبيين" .
__________________
ويقول العلامة ابن
كثير : " فهذه الآية نص فى أنه لا نبى بعده ، وإذا كان لا نبى بعده فلا رسول
بعده بالطريق الأولى والأحرى ؛ لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة ، فإن كل رسول
نبى ولا ينعكس" .
ولأن الله سبحانه
وتعالى جعل نبيه محمدا ، صلىاللهعليهوسلم ، خاتم الأنبياء والرسل أجمعين فقد جعل رسالته عامة للبشر
جميعا يقول تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) .
يقول الإمام
الطبرى فى تفسيره : " قل يا محمد للناس كلهم إنى رسول الله إليكم جميعا لا
إلى بعضكم دون بعض ، كما كان من قبلى من الرسل مرسلا إلى بعض الناس دون بعض" .
وتأكيدا لهذا
المعنى فقد امتلأ كتاب الله تعالى بآيات كثيرة تبين للناس أن صاحب الرسالة الخاتمة
، صلىاللهعليهوسلم ، رسالته عامة للبشر جميعا يقول تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً
لِلنَّاسِ) . وقال تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ
إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) . وقال تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) .
ولأن الله سبحانه
وتعالى جعل الإسلام الدين الخاتم ، ورسوله الرسول
__________________
الخاتم ؛ لذا فقد
كمل الدين بالنبوة الخاتمة التى لا نبوة بعدها ، يقول تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) .
وأخرج الإمام
الطبرى عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، أنه قال : (أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ) ، وهو الإسلام. قال : أخبر الله نبيه ، صلىاللهعليهوسلم ، والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان ، فلا يحتاجون إلى
زيادة أبدا ، وقد أتمه الله عزوجل فلا ينقصه أبدا ، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدا" .
ولأن رسالة محمد ،
صلىاللهعليهوسلم ، الرسالة الخاتمة ؛ ولأن دينه خاتم الأديان ؛ لذا كانت
معجزته عقلية خالدة ، باقية ما بقى الزمان ، فقد كانت الرسالات السابقة على
الإسلام معجزاتها حسية لا تتجاوز فترة حياة النبي صاحب المعجزة. أما معجزة محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، فهى باقية ؛ لأنها تخاطب العقل فى كل زمان ومكان.
ولقد تحدى القرآن
الكريم أن يأتى العرب وغير العرب بمثل سورة منه فعجزوا عن ذلك منذ نزل القرآن الكريم
وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، يقول تعالى فى عظمة وقوة : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ
وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ
وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) .
__________________
ويقول الشيخ محمد
عبده فى رسالة التوحيد : " فهذا القضاء الحاتم منه ـ تعالى ـ بأنهم لن
يستطيعوا أن يأتوا بشيء من مثل ما تحداهم به ، ليس قضاء بشريّا ، ومن الصعب بل ومن
المتعذر أن يصدر عن عاقل التزام كالذى التزمه ، وشرط كالذى شرطه على نفسه ، لغلبة
الظن عند من له شيء من العقل أن الأرض لا تخلو من صاحب قوة مثل قوته ، وإنما ذلك
هو الله المتكلم ، والعليم الخبير ، هو الناطق على لسانه ، صلىاللهعليهوسلم ، وقد أحاط علمه بقصور جميع القوى عن تناول ما استنهضهم له
وبلوغ ما حثهم عليه" .
والحقيقة كما يقول
عفيف طبارة : " إن معجزات الرسل السابقين الدالة على صدق نبوتهم هى وقائع
تنقضى ، يراها الذين عاصروا الأنبياء فيؤمنون حق الإيمان بمن جاءت على يدهم ولا
يراها الذين يأتون من بعدهم ، بل تصل إليهم أخبارها فيضعف تأثيرها على الأمم
التابعة ... والآن بعد أن ترقى العقل وكثرت المعارف ودخلت الشبهات على الأديان ضعف
تأثير هذه المعجزات على أتباع الأديان ، أو بالأحرى ضعف الإيمان وسرى الإلحاد ،
فكان الدين بحاجة إلى دلائل وبراهين على صحته غير البراهين السالفة" .
لقد كان القرآن
الكريم معجزة محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، ومعجزة الدين الخاتم والرسالة الخاتمة : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ
رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب : ٤٠].
__________________
ثانيا خصائص
القرآن دليل على ختم نبوته :
يقول تعالى فى
سورة المائدة : (وَأَنْزَلْنا
إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ
وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) [المائدة : ٤٨].
هذه الآية الكريمة
تبين لنا بوضوح أن القرآن الكريم هو المصدق للكتب السماوية السابقة على الإسلام ،
وأنه الشاهد والمهيمن عليها والمبين لما فيها من خطأ أو صواب ، وهذا يؤكد لنا أن
القرآن الكريم هو آخر الكتب السماوية ؛ لهذا جعله الله تعالى بيانا لما اختلفوا
فيه فى كتبهم ، يقول تعالى : (وَما أَنْزَلْنا
عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) [النحل : ٦٤].
يقول الإمام محمد
بن على الشوكانى فى فتح القدير : " إن القرآن صار شاهدا بصحة الكتب المنزلة ،
ومقررا لما فيها مما لم ينسخ ، ناسخا لما خالفه منها ، ورقيبا عليها ، وحافظا لما
فيها من أصول الشرائع ، وغالبا لها لكونه المرجع فى المحكم منها والمنسوخ" .
يقول تعالى : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ
وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ). [البقرة : ٩٧]. ولقد أنزل الله سبحانه وتعالى على رسوله
الكريم لينذر به الخلق جميعا ، قال تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا
ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) [ص : ٨٧].
وقال تعالى : (وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) [القلم : ٥٢].
__________________
ولقد تكفل الله
سبحانه وتعالى بحفظ هذا الكتاب من كل تحريف أو زيادة أو نقص : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ
وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩].
وهذا عكس الكتب
السابقة حيث استحفظ الله الربانيون والأحبار على كتابه واستأمنهم عليه ، لكنهم لم
يكونوا أمناء على ما استحفظوا عليه.
قال القرطبى فى
تفسير قوله تعالى : (وَإِنَّا لَهُ
لَحافِظُونَ) أى حفظه الله من أن تزيد فيه الشياطين باطلا أو تنقص منه
حقّا ، فتولى سبحانه حفظه فلم يزل محفوظا ، وقال فى غيره : " بما
استحفظوا" فوكل حفظه إليهم فبدلوا وغيروا" .
ثالثا : خصائص الرسول
والرسالة :
إن خصائص الرسول
والرسالة تدل على أن رسالته الخاتمة وأنه خاتم الأنبياء ، لقد بعث الله تعالى
محمدا ، صلىاللهعليهوسلم ، برسالته للناس جميعا ، مما يبين لنا أنه النبي الخاتم ،
يقول تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) . وقال تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ
إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) .
وهذا يقتضي عموم
رسالته للناس كافة ؛ ولأن رسالته عامة للناس جميعا فلا نبى بعده ، فهو خاتم
الأنبياء ؛ لذا جعله الله ـ تعالى ـ رحمة للعالمين مؤمنهم وكافرهم ، فقد كان
المكذبون بالرسل قبل مبعثه يهلكهم الله
__________________
ـ سبحانه وتعالى ـ
أشد الهلاك ، لكن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أجّل عذاب من كذّب برسالة محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، إلى موته أو إلى قيام الساعة ؛ لأن الله سبحانه وتعالى
أرسله رحمة للعالمين ، (وَما أَرْسَلْناكَ
إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) . وقال تعالى : (وَما كانَ اللهُ
لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) .
ولقد نسخ الله
تعالى برسالة محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، جميع الشرائع التى كانت قبل الإسلام وارتضى للناس دينه
الخاتم شريعة وعقيدة يقول تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ
دِيناً) .
وأخذ الله العهد
على جميع أنبيائه ورسله أن يؤمنوا بمحمد ، صلىاللهعليهوسلم ، إذا بعث محمد وهم أحياء ، فعليهم الإيمان به وبنصرته ،
قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ
مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ
رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ
وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا
مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) .
__________________
وقد ورد تفسير آخر
للآية : " أن الله تعالى أخذ ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضا ، ويأمر
بعضهم بالإيمان ببعض ذلك معنى النصرة بالتصديق" .
والحقيقة أنه لا
تعارض بين التفسيرين ؛ لأن النتيجة واحدة ، فتصديق الأنبياء بعضهم بعضا يؤدى
بالضرورة إلى التصديق ونصرة خاتمهم محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، يقول تعالى : (بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ
وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) [الصافات : ٣٧].
وقرئت وصدّق المرسلون.
رابعا : ختم
النبوة فى السنة المطهرة :
بين رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، فى سنته المتواترة أنه لا نبى بعده ، ففى حديث طويل قال
: " .. وإنه سيكون فى أمتى كذابون كلهم يزعم أنه نبى وأنا خاتم النبيين لا
نبى بعدى" [رواه أبو داود والترمذي وأحمد].
وعن ابن عباس ،
رضى الله عنه ، فى حديث الشفاعة يوم القيامة ، وهو حديث طويل ، وفيه أن رسول الله
، صلىاللهعليهوسلم ، ذكر طلب الناس الشفاعة من الأنبياء واحدا تلو الآخر
ليشفعوا إلى الله ـ عزوجل ـ فى الحساب بين
الناس لطول وقوفهم دون حساب" حتى يصل الناس إلى عيسى ـ عليهالسلام ـ فيقول لهم : أرأيتم
لو كان متاع فى وعاء قد ختم عليه ، أكان يقدر على ما فى الوعاء حتى يفض الخاتم؟
فيقولون : لا.
فيقول : إن محمدا
، صلىاللهعليهوسلم ، خاتم النبيين" [رواه أحمد].
__________________
والأحاديث فى ختم
النبوة صحيحة منها حديث أبى هريرة : " .... وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بى
النبوة" [رواه مسلم]. ومنها حديث عبد الله بن عمر حيث قال : " خرج علينا
رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، يوما كالمودع فقال : " أنا محمد النبي الأمى ـ
ثلاثا ـ ولا نبى بعدى. [رواه أحمد].
وقد بين رسول الله
، صلىاللهعليهوسلم ، أن النبوة انقطعت بنبوته الخاتمة ، وأنه لم يبق من
مبشرات النبوة إلا الرؤية الصالحة ، فعن ابن عباس ، رضى الله عنه ، قال : "
كشف رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، الستار والناس صفوف خلف أبى بكر ، رضى الله عنه ، فقال :
" أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة ، يراها المسلم
أو ترى له" [رواه مسلم وأحمد والنسائى].
وعن جابر بن عبد
الله ، رضى الله عنه ، أن النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، قال : " أنا قائد المرسلين ولا فخر ، وأنا خاتم
النبيين ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر" [رواه أحمد].
وعن أبى سعيد
الخدرى ، رضى الله عنه ، أنه أتى لأبى الوداك : هل يقر الخوارج بالدجال قال أبو
الوداك : فقلت : لا. فقال أبو سعيد الخدرى : قال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : " إنى خاتم ألف نبى وأكثر ما بعث نبى يتبع إلا قد
حذر أمته الدجال .." [رواه أحمد والحاكم فى مستدركه].
وعن أبى هريرة ،
رضى الله عنه ، عن النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ،
كلما هلك نبى خلفه نبى ، وأنه لا نبى بعدى ، وسيكون خلفاء فيكثرون" ... [رواه
البخارى ومسلم
وأحمد وابن ماجة].
وعن أبى هريرة ،
رضى الله عنه ، أن رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم قال : " إن مثلى ومثل الأنبياء من قبلى ، كمثل رجل
بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية ، فجعل الناس يطوفون به ويتعجبون
له ويقولون : هلا وضعت اللبنة. قال : فأنا اللبنة ، وأن خاتم النبيين" [رواه
البخارى ومسلم وأحمد].
وقد حذرنا رسول
الله ، صلىاللهعليهوسلم ، من أدعياء النبوة من بعده ، فعن جابر بن سمرة قال. سمعت
رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، يقول : " إن بين يدى الساعة كذابين فاحذروهم" [رواه
مسلم وأحمد].
وعن أبى سعيد
الخدرى ، رضى الله عنه ، قال : قال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : " لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا رجالا كلهم
يكذب على الله عزوجل ورسوله ، صلىاللهعليهوسلم" [رواه أحمد].
وعن محمد بن جبير
بن مطعم عن أبيه ، أن النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، قال : " أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحى الّذي يمحى
به الكفر ، وأنا الحاشر الّذي يحشر الناس على عقبى ، وأنا العاقب ـ والعاقب الّذي
ليس بعده نبى" [رواه البخارى ومسلم ومالك وأحمد والدارمى والترمذي ، وغيرهم].
وجملة العاقب
الّذي ليس بعده نبى" قيل : إنها من كلام النبي ، صلىاللهعليهوسلم. وقيل : إنها من كلام الصحابى الراوى. وقيل : إنها من كلام
الزهرى.
ومن الأحاديث
الشريفة التى تبين أن محمدا رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، هو الرسول
الخاتم ، يقول رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : " فضّلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ،
ونصرت بالرعب ، وأحلّت لى الغنائم ، وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا ، وأرسلت إلى
الخلق كافة ، وختم بى النبيون" [رواه مسلم والترمذي وابن ماجة].
وعن عبد الرحمن بن
جبير قال : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : " خرج علينا رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، يوما كالمودع ، فقال : أنا محمد النبي الأمى ـ ثلاثا ـ
ولا نبى بعدى" [رواه أحمد].
وقال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : " إن الرسالة والنبوة انقطعت فلا رسول بعدى ولا
نبى" [رواه الترمذي].
وقال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : " إن الله لم يبعث نبيّا إلا حذر أمته من الدجال ،
وأنا آخر الأنبياء ، وأنتم آخر الأمم ، وهو خارج فيكم لا محالة" [رواه ابن
ماجة].
وقال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : " لا نبى بعدى ولا أمة بعد أمتى" [رواه
الطبرانى والبيهقى].
وعن ثوبان قال :
قال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : " ... وإنه سيكون فى أمتى كذابون ثلاثون ، كلهم
يزعم أنه نبى ، وأنا خاتم النبيين لا نبى بعدى؟ [رواه أبو داود].
إن هذه النصوص
وغيرها تبين لكل ذى عينين وعقل صريح وقلب سليم ، أنه لا نبى بعد رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، وأن سلسلة الأنبياء قد انتهت به ، وأن كل من ادّعى
النبوة فى حياته أو بعد مماته إنما هو
كذاب ضال مضل ..
فهذه النصوص النبوية تجزم بما لا يدع مجالا للشك أن رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، هو النبي الخاتم ، وقد انقطع الوحى بوفاته ، صلىاللهعليهوسلم.
يقول الإمام أبو
حامد الغزالى رحمهالله : " إن الأمة فهمت بالإجماع من هذا اللفظ (أى لا نبى
بعدى) ومن قرائن أحواله أنه أفهم عدم نبى بعده أبدا ، وعدم رسول بعده أبدا ، وإنه
ليس فيه تأويل ولا تخصيص ، فمنكر هذا لا يكون إلا منكر الإجماع" .
وقال الزمخشرى :
" فإن قلت كيف كان آخر الأنبياء وعيسى ينزل فى آخر الزمان؟ قلت : معنى كونه
آخر الأنبياء أنه لا ينبأ أحد بعده ، وعيسى مما نبّئ قبله ، وحين ينزل ، ينزل
عاملا على شريعة محمد مصليا إلى قبلته كأنه بعض أمته" .
وقال البيضاوى فى
تفسيره : " محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، آخر الأنبياء الّذي ختمهم أو ختموا به ، ولا يقدح فيه
نزول عيسى بعده ؛ لأنه إذا نزل كان على دينه" .
وإن المسلم يجب أن
يكون معتقدا اعتقادا جازما بأن رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، هو خاتم الأنبياء ، وإن عدم الإيمان بختم النبوة بمحمد ،
صلىاللهعليهوسلم ، فهذا جزم بأن صاحب هذا الاعتقاد كافر وليس بمسلم على
الإطلاق ، فالإيمان بختم النبوة من المسلّمات ومن الأمور المعروفة فى الدين
بالضرورة ، وقد ادّعى رجل فى عصر الإمام الأعظم أبى حنيفة
__________________
النبوة وقال أنه
عنده دليل على صحة نبوته فقال الإمام الأعظم ، رضى الله عنه : من طلب منه الدليل
فقد كفر ؛ لأن رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم قال فى الحديث
الصحيح : " لا نبىّ بعدى".
خامسا : إجماع
الصحابة :
ولقد أجمع الصحابة
، رضوان الله عليهم ، بعد وفاة رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، على أنه النبي الخاتم بدليل أنهم هم أنفسهم الذين نقلوا
إلينا أحاديث ختم النبوة بمحمد ، صلىاللهعليهوسلم ، وهم الذين أجمعوا على قتال المتنبئين بعد وفاته ، صلىاللهعليهوسلم.
وعن ابن أبى أوفى
، رضى الله عنه ، لما سئل عن إبراهيم ابن النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، قال : " مات صغيرا ولو قضى أن يكون بعد محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، نبى عاش ابنه ، ولكن لا نبىّ بعده" [رواه البخارى
وأحمد].
ويقول القاضى عياض
: " أخبر ، صلىاللهعليهوسلم ، أنه خاتم النبيين ، لا نبى بعده ، وأخبر عن الله تعالى
أنه خاتم النبيين ، وأنه أرسل كافة للناس ، وأجمعت الأمة على حمل هذا الكلام على
ظاهره ، وأن مفهومه المراد منه دون تأويل ولا تخصيص" .
ويقول الألوسى فى
تفسيره روح المعانى : " وكونه ، صلىاللهعليهوسلم ، خاتم النبيين مما نطق به الكتاب ، وصدعت به السنة ،
وأجمعت عليه الأمة ، فيكفر مدّعى خلافه ، ويقتل إن أصرّ" .
__________________
ولقد أراد الله أن
يفضح القاديانى ويكشف ستره وكذبه ، فبان ذلك جليّا فى نبوءاته الكاذبة ، وهذا طرف
من أكاذيبه.
سادسا : كذب
القاديانى فى نبوءاته :
زعم مرزا غلام
أحمد بموت أحد مناظريه خلال خمسة عشر شهرا ، ولم يمت الرجل المناظر له ، بل عاش
بعد هذه النبوءة الكاذبة سنوات وسنوات ، فقد كان المنصّر المسيحى عبد الله آتم
مناظرا قويّا لميرزا غلام أحمد ، وقد أجرى معه ومع عدد من المنصرين المسيحيين عدة
مناظرات من ٢٢ مايو ١٨٩٣ إلى ٥ يونيو ١٩٨٣ حول الإسلام وأنه دين الله الحق. وفى
اليوم الأخير للمناظرة زعم مرزا غلام أحمد بموت عبد الله آتم المسيحى خلال خمسة
عشر شهرا ، وكذب كعادته فى افتراءاته وكهاناته الكاذبة.
قال مرزا غلام
أحمد : " إنى لما دعوت الله البارحة وتضرعت إليه أن اقض فى هذا الأمر ، نحن
عبادك العاجزون ولا نقدر على شيء. فبشرنى بآية بأن الفريق المصرّ على الباطل ،
والمعرض عن الإله الحق ، والّذي يتخذ الإنسان الضعيف آلهة ، سيذل وسيلقى فى
الهاوية بحساب شهر عن كل يوم من أيام المناظرة ـ أى خلال خمسة عشر شهرا ما لم يعد
إلى الحق. وأن الّذي هو على الحق ويؤمن بالإله الحق فسيكرم بذلك. وعند ما تتحقق
هذه النبوءة سيبصر بعض العميان ، ويستقيم بعض العرجان ، ويستمع بعض الصم ، وإننى
أقر بهذا أنه إذا لم تتحقق هذه النبوءة ، أى إذا لم يلق الفريق الّذي هو على
الباطل عند الله ، فى الهاوية بعد موته خلال خمسة عشر شهرا من اليوم فسأكون
مستعدّا لكل عقوبة ، من إذلالى وتسوية وجهى وتطويق
عنقى وقتلى وشنقى
، أنا مستعد لكل هذا ، وأقسم بالله ليفعلن ذلك وليفعلن ويفعلن" .
ومضت المدة التى
حددها مرزا غلام أحمد بخمسة عشر شهرا ولم يتحقق نبوءة نبى القاديانية المزعوم ،
فكان وأتباعه فى همّ وغمّ عظيمين ، وكان من السهل على المناوئين له بوسمه بالكاذب
الأفاك.
وكان الشيخ ثناء
الله الآمر تسرى ، وهو من أبرز علماء الهند الذين واجهوا صاحب الدعوة القاديانية
بقوة ، وكثيرا ما كان يسميه بالكذاب مما جعل غلام أحمد يزداد حنقا على العالم
الجليل ثناء الله الآمر تسرى ؛ فزعم أن ثناء الله سيموت قبله. وقال غلام أحمد :
" إن كنت كذابا ومفتريا كما تذكرنى كثيرا فى كل عدد من صحيفتك فسأهلك فى
حياتك ؛ لأننى أعلم أن المفسد الكذاب لا يعمر طويلا ويموت نادما وذليلا فى حياة
أعدائه وفى موته مصلحة لئلا يهلك خلق الله. وإن لم أكن كذلك مفتريا ، بل أتشرف
بالمكالمات والمخاطبات الإلهية وأنا المسيح الموعود فأرجو من فضل الله أن لا تنجو
من عاقبة المكذبين حسب سنة الله تعالى فإن لم يأخذك عقاب الله الّذي لا يكون من
قبل الإنسان بل منه فقط من الأمراض المميتة مثل الطاعون والكوليرا ، فى حياتى فلست
إذا من الله" .
وقد فضح الله ستر
هذا المدّعى الكذاب فمات قبل العلامة ثناء الله بمدة طويلة ، وعاش ثناء الله بعده
ليكشف الله كذب غلام أحمد ويفضح أمره أمام الناس من أتباعه وغيرهم.
__________________
ويذكر الأستاد
إلهى إحسان ظهير هذه النبوءة من نبوءاته الكاذبة : " من نبوءاته أنه ولد له
ولد بتاريخ ١٤ يونيو سنة ١٨٩٩ م ، وسماه" مبارك أحمد" وبعد ولادته بأيام
، أعلن المتنبأ : " إن هذا الولد نور من نور الله ، ومصلح موعود ، وصاحب
العظمة والدولة ، ومسيحى النفس ، ومشفى الأمراض ، وكلمة الله ، وسعيد الحظ ، وهذا
يشتهر فى أنحاء العالم وأطرافها ، يفك الأسارى ، ويتبرك به الأقوام [الغلام
القاديانى ، ترياق القلوب ، ص ٤٣] ، فمرض هذا الولد سنة ١٩٠٧ م ، أى بعد ولادته
بثمانى سنوات ، فاضطرب غلام أحمد أيما اضطراب ؛ لأنه كان قد أعلن أن هذا الولد
يكون كذا وكذا ، فعالجه بكل علاج ممكن ، وفى تاريخ ٢٧ أغسطس ١٩٠٧ م حينما خف مرضه
أعلن المتنبأ : " ألهمنى الله بأنه قد قبل الدعاء ، وذهب المرض ، ومعنى هذا
أن الله قبل الدعاء ، ويشفى مبارك أحمد" بدر" جريدة قاديانية ٢٩ أغسطس
١٩٠٧ م".
وما أن أعلن
المتنبّئ القاديانى هذا الافتراء على الله حتى عاد المرض من جديد ، وفى ١٦ سبتمبر
سنة ١٩٠٧ م ، مات هذا المصلح الموعود ، وصاحب العظمة والدولة ، مشفى الأمراض ،
ومسيحى النفس ، والّذي كان الأقوام منتظرة له حتى يفك الأسارى ويضع عنهم إصرهم
والأغلال التى كانت عليهم" .
__________________
المبحث الخامس
أسس مبادي القاديانية
أولا الحلول
والتناسخ :
نجد جذور فكرة
الحلول لدى النصارى الذين يقولون بأن الله تعالى حل فى المسيح الإنسان ليتكون
المسيح الإله من طبيعتين ، وهى فكرة اتحاد اللاهوت بالناسوت ، أو حلول اللاهوت فى
الناسوت.
وقد تأثر بهذه
الفكرة بعض غلاة الشيعة مثل الدروز الذين يقولون بحلول الله تعالى فى شخص الحاكم
بأمر الله ، والنصيرية الذين يدّعون حلول الله تعالى فى على بن أبى طالب ، رضى
الله عنه ، وغلاة الشيعة الذين يزعمون حلول الله تعالى فى جعفر الصادق ، رضى الله
عنه ، ومن غلاة الصوفية الحلاج صاحب المقولة الشهيرة عنه : " أنا الحق".
ومفهوم الحلول عند
هؤلاء أن الله سبحانه وتعالى حلّ فى بعض خلقه وامتزج به بحيث تلاشت الذات
الإنسانية فى الذات الإلهية ، فصارتا متحدتين غير منفصلتين.
أما التناسخ : فهو
انتقال الروح بعد الموت من جسد إلى آخر ، وقد يكون التناسخ من جسم إنسانى إلى جسم
آخر إنسانى أو حيوانى أو نباتى من إنسان إلى جماد.
وقد يعرف التناسخ
بأنه تجوال للروح أو تكرار للمولد. والهدف من تكرار المولد فى زعم القائلين
بالتناسخ تطهير روح الإنسان من أرجاسها
وأدرانها ، وقد
ترتب على القول بالتناسخ القول بعدم انقطاع النبوة ؛ لأنه بموت الرسول لا تنقطع
الرسالة ؛ لحلول روح الرسول فى بدن شخص آخر يحمل رسالة الرسول الّذي مات.
ولعلنا نستطيع أن
نفهم الآن العلاقة القوية بين الحلول والتناسخ ، فالقول بالتناسخ يؤدى إلى القول
بالحلول. والحقيقة إننا نجد فى كتابات المرزا غلام أحمد نصوص واضحة تؤكد القول
بالحلول والتناسخ وزعم أن الله حلّ روح عيسى فى روحه ، ثم مضى مئات الأفراد تحققت
فيهم الحقيقة المحمدية.
يقول مرزا غلام
أحمد : " إن الله أرسل رجلا كان نموذجا لروح عيسى ، وقد ظهر فى مظهره وسمى
المسيح الموعود ؛ لأن الحقيقة العيسوية قد حلت فيه ، ومعنى ذلك أن الحقيقة
العيسوية قد اتحدت به ، وقد مضى مئات من الأفراد تحققت فيهم الحقيقة المحمدية ،
وكانوا يسمون عند الله عن طريق الظل محمد وأحمد" .
وفى نفس الكتاب
يزعم غلام أحمد أنه قد أعطى نصيبا من الصفات التى كانت للأنبياء ، وأن الله تعالى
أراد أن يتمثل جميع الأنبياء فى شخصه فيقول : " لقد أعطيت نصيبا من جميع
الحوادث والصفات التى كانت لجميع الأنبياء .... ولقد أراد الله أن يتمثل جميع
الأنبياء والمرسلين فى شخص رجل واحد ، وإننى ذلك الرجل" .
ويزعم أنه يوحى
إليه من السماء ، وأن لسانه ينطلق بكلمات هى من صنع الله تعالى فيقول فى الخطبة
الإلهامية : " أوحى الرب صباح عيد
__________________
الأضحى أبريل ١٩٠٠
م أن أخطب اليوم بالعربية ، وقد وهبتم القوة على ذلك ، وأيضا أوحى إلى بكلام عربى
، كلام أفصحت عن لدن رب كريم ، فعندئذ قمت صلاة العيد للخطاب بالعربية ، والله
يعلم أننى أعطيت قوة من الغيب وكان لسانى ينطلق بخطاب عربى فصيح يفوق كل ما أملك
من قوة .... وسبحان الله إن عينا نضاخة من الغيب كانت تتدفق عندئذ ولم أكن أشعر
عندئذ أننى أنا أتكلم أم ملك من الملائك يصرن أعنة لسانى ؛ لأننى أعرف أن قوة
غيبية تسيطر على مداركى ، ولم ينطلق لسانى إلا بكلمات هى من صنع الله عزوجل ، وكانت كل جملة آية بينة من بينات الله ، وهذه معجزة تجلى
فيها الله تعالى وليس لأحد أن يأتى لها مثيل" .
وإذا كنا قد وجدنا
فى مبادي القاديانية قولا بالحلول والتناسخ فإننا نستطيع أن نتلمس أيضا قولا
بالحلول والاتحاد فيقول مرزا غلام أحمد : " إن الله أرسل رجلا كان أنموذجا
لروحانية عيسى ، وقد ظهر فى مظهره وسمى المسيح الموعود ؛ لأن الحقيقة العيسوية قد
اتحدت به" .
ويقول مرزا غلام
أحمد" فى كمالات إسلام" بالحقيقة المحمدية حيث يقول : " وتحل
الحقيقة المحمدية وتتجلى فى منبع كامل .... وقد مضى مئات من الأفراد تحققت فيهم
الحقيقة المحمدية ، وكانوا يسمون عند الله عن طريق الظل محمدا وأحمد" .
__________________
ثانيا : التأويل :
يعرف الجرجانى
التأويل بأنه : صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله إذا كان المحتمل الّذي
يراه موافقا بالكتاب والسنة ، مثل قوله تعالى : (يُخْرِجُ الْحَيَّ
مِنَ الْمَيِّتِ) ، إن أراد به إخراج الطير من البيضة كان تفسيرا ، وإن أراد
إخراج المؤمن من الكافر أو العالم من الجاهل كان تأويلا .
وهذا يعنى أن
التأويل يقصد به صرف الكلام عن ظاهره إلى معنى يحتمله.
وأصل التأويل فى
اللغة بمعنى التفسير ، وقد دعا رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، لابن عباس ، رضى الله عنه ، فقال : " اللهم فقه فى
الدين وعلّمه التأويل" .
ولا خلاف بين
علماء أهل السنة والجماعة فى قبول التأويل الصحيح وهو تأويل الأمر بعمل المأمور به
، وتأويل النهى بترك المنهى عنه ، أما التأويل الّذي يخالف الكتاب والسنة ويؤدى
إلى تحريف الكلم عن مواضعه فهذا هو التأويل المذموم المنهى عنه.
وأيضا من
التأويلات الفاسدة المرفوضة عند علماء أهل السنة والجماعة ما يسمى بالتأويل الرمزى
وفيه يؤول الباطنية والفلاسفة وغلاة الصوفية وغلاة الشيعة النصوص تأويلات باطنية
غير صحيحة على الإطلاق.
__________________
من نماذج تأويل
زعماء القاديانية للقرآن الكريم :
يعد محمد على صاحب
ترجمة القرآن للغة الإنجليزية من أبرز زعماء القاديانية وهو زعيم الفرع اللاهورى
الّذي يقول بأن المرزا غلام أحمد لم يدع النبوة ، وإنما هو فى زعمه مجدد القرن
الرابع عشر الهجرى ، وهو مسيح هذه الأمة ، وفى كتابه بيان القرآن يقدم تفسيرا
وتأويلا منحرفا لمعانى القرآن الكريم.
يقول الأستاذ أبو
الحسن الندوى : " يغلب على محمد على اتجاه تفسير المعجزات والأمور الغيبية
التى تتعلق بقدرة الله الواسعة بالأمور الطبيعية والحوادث العادية التى تتفق مع
النواميس الطبيعية والتجارب اليومية وهو يبالغ فى ذلك ويغرق فى التأويل ، ولو أبى
ذلك اللغة الصريحة ، واللفظ الصريح ، وهو أسلوب لبق من أساليب إنكار المعجزات
والأمور الغيبية والفرار من الإيمان بالغيب والاعتماد على قدرة الله وصفاته
وأفعاله ، والخضوع الزائد للمقررات الطبيعية التى لا تزال فى دور التحول والتطور ،
وهذا تفكير خطير على الإسلام ، ومعارضته للدين الّذي يطلب الإيمان بالغيب" .
ويقدم الأستاذ أبو
الحسن الندوى نماذج لتأويلات محمد على زعيم الفرع اللاهورى من الطائفة القاديانية
من خلال كتاب محمد على بيان القرآن فينقل عنه تفسيره لبعض الآيات الّذي يظهر من
خلالها تأويلاته المنحرفة لآيات الله تعالى ، فمثلا إنه يفسر قوله تعالى فى مسألة
طائفة من بنى
__________________
إسرائيل عبدت
العجل وعاقبها الله بأن يقتل بعضها بعضا ، يقول الله تعالى : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا
أَنْفُسَكُمْ) ، يقول : " إن المراد بالقتل هنا إماتة الشهوات وهذا
الّذي أرجحه بناء على السياق السابق" .
ومن هذا يتضح لنا
مدى التعسف فى تأويل آيات كتاب الله تعالى تأويلا يخرجه عن معناه الحقيقى وهذا
منهج باطنى واضح فى تأويل القرآن الكريم ، وصدق الأستاذ أبو الحسن الندوى حين قال
عن تفسير محمد على : " ما هذه التفسيرات المتطرفة إلا نسخة صادقة لتفسيرات
الباطنية والإسماعيلية فى العصور الماضية" .
ومن أبرز تأويلات
مرزا غلام أحمد الفاسدة أنه لما اعترض عليه العلماء فى زعمه أنه المسيح الموعود
وقالوا له : إن أحاديث نزول المسيح التى يرددها ويحتج بها تنص على أن المسيح ينزل
وعليه رداءان أصفران.
فأوّل الحديث
تأويلا باطلا عجيبا حين قال : " المراد بالرداء الأصفر : العلة ، وقد جاء فى
الحديث أن المسيح ينزل وعليه رداءان أصفران وهذا شأنى ، فإننى أعانى من علتين :
إحداهما : فى مقدم جسمى وهو الدوار الشديد ، الّذي قد أخرّ به إلى الأرض ، وأخاف
به على نفسى. والعلة الثانية : فى أسفل الجسم وهى كثرة البول" .
وبالطبع فهذا
تأويل ظاهر البطلان والفساد ولا يقول بهذا التأويل إلا من انتابته الأمراض النفسية
والقلبية والجسمية ، وهو يعترف بذلك فيقول
__________________
عن نفسه : "
إننى أعانى علتين من مدة طويلة ، إحداهما الصداع الشديد الّذي أعالج منه الشدة
والكرب والأهوال الشديدة ، وقد زال وبقى الدوار الّذي ينتابنى بعض الأحيان ،
والعلة الثانية مرض السكر الّذي أعانيه منذ عشرين سنة" .
ومن التأويلات
الباطلة التى يحاول من خلالها لى النص القرآنى لصالح دعواه النبوة ، تأويله لقول
الله تعالى : (" وَمُبَشِّراً
بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ"). فقال : " إن الآية مبشرا برسول ومصداقها السيد
المسيح الموعود المرزا ، وهو المقصود باسم أحمد فى هذه الآية" .
وقال فى تأويله
لقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي
أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ
وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) .
" وردت هذه
الآية فى شأن المسيح الموعود ، وقد نص بها منذ الأزل إعلاء حجة الإسلام الأرفع
التى تنخفض لديها سائر الأصوات ، وقدّر منذ قديم الأيام أن يكون قدم المسيح
الموعود على المنارة العليا التى لا تعلوها بناية أخرى" .
ومن أعجب
التأويلات تأويل القاديانية لمكة والمدينة بأنهما قاديان!!.
يقول محمود أحمد
بن غلام أحمد وخليفته الثانى فى جريدة الفضل فى ٥ يناير ، سنة ١٩٣٣ م : "
.... أما إلهام حضرة المسيح الموعود عليه
__________________
الصلاة والسلام
بأننا نموت فى مكة أو فى المدينة فنقول : إن هذين الاسمين لقاديان" .
ويقول فى تأويل
قوله تعالى : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ
آمِناً) ، إن هذه الآية تنعت المسجد الّذي أسس فى قاديان. ويقول :
" إن المراد بالمسجد الأقصى فى قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي
أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) هو مسجد قاديان" .
ثالثا : الغاؤه
الجهاد :
لعل أبرز مبادي
القاديانية الدعوة إلى الغاء الجهاد ، بل إن المرزا غلام أحمد كان يفتخر بدعوته
إلى عدم الجهاد فيقول : " إن الفرقة الإسلامية التى قلدنى الله إمامتها
وسيادتها تمتاز بأنها لا ترى الجهاد بالسيف ولا تنتظره بل إن الفرقة المباركة لا
تستحل سرّا كان أو علانية وتحرمه تحريما باتّا" .
ويعتقد
القاديانيون بنسخ الجهاد اتباعا لأوامر نبيهم المزعوم مرزا غلام القاديانى الّذي
يقول : " إن مبادي وعقائدى وتعليماتى لا تحل أى طابع من المحاربة والعدوان ،
وأنا متأكد من أن أتباعى كلما زاد عددهم قل عدد القائلين بالجهاد المزعوم ؛ لأن
الإيمان بى كمسيح ومهدى معناه رفض ذلك الجهاد" .
__________________
رابعا : المسلمون
فى نظر القاديانيين كافرون :
يرى القاديانيون
أن المسلمين كافرون لأنهم لم يؤمنوا بنبوة غلام أحمد يقول غلام أحمد فيما نقله عنه
مظاهرى : " أطلعنى الله على أن كل من وصلته رسالتى ، ولم يؤمن بى فهو ليس
بمسلم" .
ويقول : " كل
من لا يتبعك ولا يبايعك ويظل يخالفك فهو يعصى الله ورسوله وهو من أهل النار" .
ويقول : " إن
كل من لا يؤمن بى فإنه لا يؤمن بالله ولا برسوله ؛ لأن الله ورسوله بشّرا بى ، فكل
من لا يؤمن بأحكام الله ورسوله ويكذب القرآن ويرفض آيات الله ، ويقول : إنى مفتر
وكذاب على الرغم من وجود مئات الآيات المؤيدة لى لا يكون مؤمنا ، وإذا كان مؤمنا
يكفر بالافتراء عليّ" .
ونشرت جريدة الفضل
القاديانية فى عدد ٢١ حزيران [يونيو] ١٩٢٣ م مقالا لطالب فى جامعة ملية اسمه عبد
القادر جاء فيه : " سألت ذات يوم بعد صلاة العصر حضرة الخليفة لما ذا يكفّر
غير الأحمديين ، فكانت خلاصة الحديث ما يلى :
السائل : أصحيح
أنكم تكفرون غير الأحمديين.
الخليفة : نعم هذا
صحيح.
السائل : على ما
تعتمدون فى هذا التكفير أفلا يلفظون كلمة الشهادة؟
الخليفة : إنهم
ولا شك يلفظون كلمة الشهادة ، ولكن الاختلاف بيننا
__________________
وبينهم ليس فرعيّا
، بل اختلاف رئيسى ، فالمسلمون يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وإن من ينكر
نبيّا من أنبياء الله فهو كافر ، ومثال ذلك المسيحيون ، فهم يؤمنون بكل الأنبياء
الذين جاءوا قبل عيسى عليهالسلام ، ولكنهم بكفرهم بمحمد فقد كفروا ، وهكذا فإن من ينكر نبوة
غلام أحمد فهو كافر بنص القرآن ، فالله قد بعث رسولا آمنا به ولم يؤمنوا به" .
ولم يكتف
القاديانيون بتكفير المسلمين ، بل سلكوا فى ذلك مسلكا عمليّا ، فلأن أهل الإسلام
فى معتقدهم الكاذب كفارا ، فلا يجوز عندهم الصلاة وراء المسلمين ، وكذلك لا يجوز
الزواج منهم.
وقد جاء فى جريدة
الحكم القاديانية بتاريخ ١٠ أغسطس ١٩٠١ قول غلام أحمد : " اصبروا ولا تصلوا
خلف أحد من غير جماعتكم ، ففى ذلك الخير والصلاح وفيه نصركم العظيم". وقال فى
العدد ٣ من أربعين ، صفحة ٣٤ : " اذكروا بأن الله قد أطلعنى بأنه حرام عليكم
وحرام بات أن تصلوا خلف مكفر أو مكذب أو متردد".
والقاديانيون لا
يصلون صلاة الجنازة على المسلمين ؛ لأنهم يعتقدون عدم جواز الصلاة على من لم يؤمن
بغلام أحمد ، وقالت جريدة الفضل المؤرخة فى ١٥ كانون الأول ١٩٣١ م : إن غلام أحمد
لم يصل على ابنه فضل أحمد ؛ لأنه لم يكن مؤمنا به" .
__________________
ويقول فى صفحة ٧
من فتاوى أحمدية : " لا تزوجوا بناتكم ممن لم يؤمن بى" .
وينقل العلامة
إحسان إلهى ظهير عن محمود أحمد ابن الغلام فى كتابه بركات خلافات ص ٧٥ حكم
القاديانية بأنه لا يجوز لأى قاديانى أن ينكح ابنته من غير القاديانى ؛ لأن هذا
أمر من المسيح الموعود (يقصد والده غلام أحمد) أمر مؤكد ، وقال : " عن من
ينكح ابنته من غير القاديانى فهو خارج من جماعتنا مهما يدّعى القاديانية ، وأيضا
لا ينبغى لأحد من أتباعنا أن يشترك فى مثل هذه الحفلات الزواجية (الفضل ٢٣ مايو
١٩٣١ م). وأكثر من ذلك فقد نشرت جريدة الحكم القاديانية بأنه ينبغى أن يراعى فى
الزواج من المسلمين أن لا تعطى لهم البنات ، ويجوز الزواج ببناتهم لأنهم كأهل كتاب
، فنحن لا نعطى بناتنا ونأخذ بناتهم كما يعامل أهل الكتاب كما بينه إمامنا بأن غير
القاديانيين من المسلمين هم أهل الكتاب ، فلو أعطيناهم بناتنا لا يجوز ، ولو أخذنا
منهم بناتهم يجوز ، وفيه فائدة بأننا قد زدنا واحدا فى صفنا" .
__________________
المبحث السادس
القاديانيون بعد هلاك المرزا
نشاطهم وأخطارهم وحكم الإسلام فيهم
أولا : الحكيم نور
الدين البهيردى [١٨٤١ ـ ١٩١٤ م] :
هو الخليفة الأول
بعد هلاك مرزا غلام القاديانى فى عام ١٩٠٨ م وقد ادعى نور الدين أنه خليفة الغلام
وأقسم للقاديانيين بأن الغلام هو الّذي جعله خليفته من بعده وأقسم بالله على ذلك ،
يقول نور الدرين : " أنا أقسم بالله العظيم أنه هو الّذي جعلنى خليفته ، فمن
يستطيع أن يسلب منى رداء هذه الخلافة ، فالله مصالحه ومشيئته ، أراد أن يجعلنى
إمامكم وخليفتكم ، فقولوا ما تشاءون ، ولكن كل ما تتهمونى به لا يصل إلى ، بل يرجع
إلى الله ؛ لأنه هو الّذي جعلنى الخليفة" .
وكان الإنجليز قد
قاموا بوضع تاج الخلافة على رأسه ، وبهذا تم تأكيد خلافته للغلام ، وكان نور الدين
طبيبا ، وأخلص أصدقاء المرزا إليه ، ومن شدة إخلاصه له أنه لما أخبر بأن المرزا
ادّعى النبوة قال : " لو ادّعى هذا الرجل أنه نبى صاحب شريعة ونسخ شريعة
القرآن لما أنكرت عليه" .
__________________
ولما كتب المرزا
غلام أحمد كتابه" براهين أحمدية" كتب الحكيم نور الدين كتابه"
تصديق براهين أحمدية".
وقد استخلف الحكيم
نور الدين قبل وفاته ابن المرزا الأكبر بشير الدين محمود.
ثانيا الخليفة
الثانى : بشير الدين محمود :
وهو بشير الدين
محمود بن مرزا غلام أحمد [١٨٨٩ ـ ١٩٦٥ م] ، وله تفسير مطول للقرآن الكريم سماه
التفسير الكبير ، وهو فى عشرة أجزاء وقد اختصر بعد ذلك هذا التفسير وسمى بالتفسير
الصغير" ، ومن مؤلفاته أيضا : سيرة المهدى ، وكلمة الفصل.
ومن المعروف أنه
بمجرد تولى بشير الدين الخلافة انقسمت القاديانية إلى فرقتين ، أحدهما : تدعى أن
مرزا غلام أحمد هو المهدى المعهود والمسيح الموعود ، كما يعتقدون بنبوته ، بينما
تقول الفرقة الأخرى ، وهى فرقة لاهور بأنه كان مجددا ، وأنه المهدى والمسيح
الموعود وليس نبيّا.
وقد زعم بشير
الدين محمود الخليفة الثانى أنه ليس خليفة القاديانية فقط ، بل خليفة العالم أجمع
فقال : " أنا لست فقط خليفة القاديانية ولا خليفة الهند ، بل أنا خليفة
المسيح الموعود ، فلذا أنا خليفة لأفغانستان والعالم العربى وإيران والصين واليابان
وأوربا وأمريكا وإفريقيا وسومطرة وجاوا ، وحتى أنا خليفة لبريطانيا أيضا ، وسلطانى
محيط قارات العالم" .
__________________
وقد عرف محمود بن
الغلام بسوء أخلاقه وارتكابه العديد من الآثام والفواحش ، فيذكر إحسان إلهى
ظهير" أنه اتهم باغتيال العديد من مخالفيه فى القاديانية بما فيه زوجه ابنة
نور الدين الخليفة الأول ، ورحيمه أخو زوجه (جريدة قاديانية" الفضل" ١٤
أغسطس ١٩٣٧ م) بسبب أنهم عرفوا سيرته الأصلية المملوءة من الغدر والخيانة العائلية
والزوجية ، وإتيانه المحرمات والفواحش ، وها هو واحد من القاديانية يتهمه بالزنا
جبرا مع كنته" أنا أحمد دين أعلن على الملأ أنى قاديانى وأعتقد أن المسيح
الموعود عليهالسلام كان نبى الله ورسوله ، وأنا بايعت الخليفة الثانى لحضرة
المسيح محمود أحمد ابن الغلام ، فكان زوجى وأهلى يذهبن إلى بيت الخليفة الثانى
محمود أحمد ليخدمن أهله وأهل حضرة المسيح الموعود ، وقبل أيام ذهبت كنّتي : (زوج
الابن) إلى بيته حسب العادة لتقوم ببعض الخدمة فلما رآها محمود أحمد وحدها ذهب بها
إلى غرفته بالحيلة وثم فجر بها جبرا ، وقال : لا تخبرى لأحد لأنك لو أخبرت لا
يصدقك أحد وتسقطى أنت عن الأعين ، فجاءت إلى البيت باكية وأخبرت عما حدث ، فذهبت
إلى الخليفة وسألته فأنكر ثم استحلفته فأبى أن يحلف وأيضا هددنى بالموت أو الطرد
من القاديان إن فتحت فمى وتكلمت مع أحد ، وأنا أرسل هذه الرسالة إلى الجرائد لكى
يعرف الناس حقيقة هذا الخليفة الّذي هو يلوث سلسلة القاديانية بجرائمه ، وإن هو لم
يزن بكنتى فليباهل معى ويجعل لعنة الله على الكاذبين" (مكتوب أحمد دين
القاديانى المنشور فى جريدة يومية" زميندار" لاهور وما إن نشر هذا
المكتوب إلا أعطى لهذا الرجل المبلغ الضخم حتى أعلن فى جريدة قاديانية"
الفضل" أنا أتأسف على أنى نشرت المكتوب فى جريدة" زميندار"
لأن زوجة ابنى
اتهمت خليفة المسيح كذبا وافتراء (وهل من المعقول أن امرأة متزوجة تفسد عليها
الدنيا بمثل هذا كذبا؟) فلذلك طلقناها وأما الاستحلاف من حضرته فكان أيضا خطأ منى
، وكنت آنذاك مغترّا ، مخدوعا ، وهكذا المباهلة لأنى ما كنت أعرف أن المباهلة لا
تجوز فى مثل هذه الأشياء ، وعلى هذا أعلن بأنى أيقنت دون حلف حضرته وبدون المباهلة
معه أن كنّتي اتهمت حضرته (أى محمود أحمد) افتراء وكذبا" (إعلان أحمد دين
القاديانى المنشور فى" الفضل" ٣ يونيو ١٩٣٠ م). وهكذا اتهمه بنفس هذا
الاتهام عدة أشخاص يبلغ عددهم أكثر من عشرين شخصا منهم : عبد الرحمن القاديانى ،
والمهندس عبد الكريم ، والطبيب عبد العزيز ، وكل من طلب منه الحلف أو المباهلة
أعرض عنه وأبى ، كما نشرت جريدة قاديانية لاهورية" أن عدد اتهامات الزنا على
محمود أحمد بلغ ما فوق العشرين من سنة ١٩٢٥ م إلى اليوم سنة ١٩٤٩ م ، وكل هذه
الاتهامات وجهت عن الذين تركوا مدنهم وقراهم وهاجروا إلى القاديان ابتغاء لمرضاة
الله ومرضاة السلسلة القاديانية ، ومع ذلك لم يجترئ الخليفة محمود أحمد أن يقول
فقط كلمة واحدة (لَعْنَتَ اللهِ عَلَى
الْكاذِبِينَ) ؛ لأنه يعرف الحقيقة" (" بيغام صلح" ١٦
نوفمبر ١٩٤٩ م) ، وكتب واحد من هؤلاء رسالة مستقلة سماها" مظلومو
القاديان" قال فيها بعد ذكر الاتهامات : " إن عبد الرحمن مصرى القاديانى
طالب أن يشكل لجنة من كبار القاديانية لكى تحقق فى هذه الاتهامات ولكن الخليفة لم
يجبه بل طرده بعد أيام من الجماعة وأعلن إخراجه من القاديانية بدل أن يقبل شروطه
المعقولة" (مظلومو القاديان لفخر الدين القاديانى ملتانى) ، فهذا كان إمام
القاديانية وخليفتهم الّذي
كان دائما يتهم
بمثل هذه الاتهامات الشنيعة ، وليس من مخالفيه بل من مريديه" .
ثالثا : نشاط
القاديانيون :
للقاديانيين نشاط
واسع فى محاولة نشر عقيدتهم المنحرفة وبخاصة فى إفريقيا ، حيث أن لهم فى إفريقيا
أكثر من خمسة آلاف مبشر وداعية إلى دينهم المزيف ، وقد قاموا بترجمة معانى القرآن
إلى اللغات الإفريقية واللهجات الإفريقية المتعددة ، وفقا لعقيدتهم الباطلة.
ومن أبرز نشاطات
الجماعة القاديانية فى لندن أنها تمتلك قناة تليفزيونية خاصة ، وقد وافقت الحكومة
الإنجليزية على إنشاء هذه القناة الخاصة تقديرا لدور القاديانية فى وقوفها إلى
جانب الاستعمار الإنجليزى فى الهند ودعوة القاديانية إلى الغاء فريضة الجهاد
الإسلامى ، وهذه القناة التليفزيونية تبث بأكثر من خمس عشرة لغة مختلفة فى أنحاء
العالم منها اللغة العربية ، وتغطى العالم كله برامجها الداعية لمذهبها الخارج عن
الإسلام ومن العجيب أن اسمها القناة الإسلامية.
وللقاديانية نشاط
معروف مع الصهاينة ، فقد أسس المركز القاديانى فى حيفا عام ١٩٢٨ م ، ويضم المركز
مكتبة عامة ومكتبة تجارية ومدرسة ومسجدا للقاديانية ، ومقرّا للبعثة القاديانية ،
وقام المركز بترجمة معظم مؤلفات مجلة شهرية باسم البشرى باللغة العربية.
ومن المعروف أن
ميرزا بشير الدين محمود أقام فى فلسطين سنة ١٩٢٤ م بعد صدور وعد بلفور سنة ١٩١٧ م
بإنشاء دولة إسرائيل فى
__________________
فلسطين ، حتى إنه
لما قامت الدولة العبرية عام ١٩٤٨ م ، وطردت سكان فلسطين ، لكنها سمحت للقاديانيين
بالإقامة والدعوة إلى دينهم الخارج عن الإسلام حتى إن بشير الدين محمود قال : إنه
لا يسمح لأحد بالإقامة فى قلب فلسطين غير الأحمدى (أى القاديانى).
ومن المعروف أيضا
أن بشير الدين محمود أيد إقامة دولة عبرية صهيونية فى فلسطين العربية.
رابعا : خطر
القاديانية :
يقول الأستاذ أبو
الحسن الندوى : " لقد شهد التاريخ الإسلامى محنا عظيمة ومؤامرات خطيرة ،
ولكنه لم يشهد مثل هذه المحنة ومثل هذه المؤامرة ، لقد كانت المحن القديمة ثورة
على الحكم الإسلامى ، أو ثورة على الشريعة الإسلامية ، ولكن القاديانية كانت ثورة
على النبوة المحمدية ، وعلى خلود الرسالة الإسلامية ، وعلى وحدة هذه الأمة" .
وإن أخطار
القاديانية فى المجتمع الإسلامى عظيمة للغاية ، فهى ليست قاصرة على النواحي
الدينية فقط ، بل أيضا على النواحي الاجتماعية فقد أدت إلى تقاطع اجتماعى بين
المسلمين وبين القاديانيين فما حلت القاديانية بيتا أو أسرة أو مجتمعا من
المجتمعات إلا بذرت فيها بذور الشقاق والمشاحنة والتباغض ؛ فرأينا كيف انقطع الأخ
عن الصلاة على جنازة أخيه إذا مات ، وبدأ الأب يعامل ابنه ، والابن أباه معاملة
الكفار ، وانقطعت علاقات الزواج والمصاهرة فى الأسرة الواحدة" .
__________________
خامسا : صلة
القاديانية بإسرائيل :
لعل أبرز ما يبرز
لنا عداء القاديانية للمسلمين صلتهم الوثيقة بإسرائيل ؛ فلهم هناك مركز ثقافى نشيط
ينشر دعوتهم ، ولهم مسجدهم الخاص ومكتبة عامة كبيرة ، ومدرسة ، ومجلة شهرية تنشر
أفكار القاديانية وسمومها تجاه الإسلام والمسلمين ، كما أن مركزهم يحاول نشر
القاديانية فى العالم العربى من خلال منشوراتهم المطبوعة بالعربية وتوزيعها إلى
أماكن عديدة فى العالم العربى.
وينقل لنا العلامة
إحسان إلهى ظهير نصّا طويلا من كتاب" مراكزنا" أى : مراكز
القاديانية" فى الخارج ، فتحت عنوان" المركز الإسرائيلى" تقول
القاديانية : إن المركز القاديانى فى حيفا ، ونحن نملك هناك مسجدا وبيتا للمركز ،
ومكتبة عامة للمطالعة ، ومكتبة خاصة لبيع الكتب ، ومدرسة ، ويصدر المركز مجلة
شهرية باسم" البشرى" التى ترسل إلى ثلاثين بلدا عربيّا مختلفا وقد ترجم أكثر مؤلفات المسيح الموعود (الغلام) إلى العربية
بطريق هذا المركز ، وإن مركز القاديانية تأثر من تقسيم فلسطين من عدة وجوه ، وإن
المسلمين الذين بقوا فى إسرائيل قد أخذوا من المركز الفوائد الجمة .... ويمكن
للقارئين أن يعرفوا مكانتنا فى إسرائيل بأمر بسيط بأن مبلّغنا جوهدرى محمد شريف
حينما أراد الرجوع من إسرائيل إلى باكستان سنة ١٩٥٦ م أرسل إليه رئيس دولة إسرائيل
بأن يزوره قبل مغادرته البلاد ...... وقد نشرت الصحف الإسرائيلية تفاصيل هذا
اللقاء
__________________
كما أذيع فى
الإذاعة" [كتاب مراكزنا فى الخارج : ص ٧٩] .
ومن ذلك كله يتضح
لنا بجلاء تام عمق الصلات الوثيقة بين القاديانية وإسرائيل وليس ذلك بغريب على
أتباع عقيدة تربت فى أحضان الاستعمار الإنجليزى ، بل كانت مؤيدة كل التأييد
للاحتلال الإنجليزى ، ليس فقط للهند ، وإنما لكل بلد دخلها الإنجليز واحتلها.
رأى العقاد فى
دعوة القاديانى :
يبدو أن الكاتب
الكبير عباس محمود العقاد لم يطلع على سائر كتب ورسائل القاديانى ، فقال أن
القاديانى لم يدّع النبوة ، " وأن مدار الرسالة القاديانية كلها على التوفيق
بين الأديان ، وتدعيم السلام بين الأمم" .
ولقد اعتمد العقاد
فى رأيه هذا على نص لميرزا غلام أحمد فى منشور أبريل سنة ١٨٩٧ م ، قال فيه :
" لعنة الله على كل من ادعى النبوة بعد محمد". لكن العقاد نسى أن هذه
مرحلة من مراحل دعوته للقاديانية ؛ بدليل أن القاديانى نفسه أعلنها صريحة مدوية فى
عدد مجلة البدر ، الصادر فى الخامس من مارس سنة ١٩٠٨ م ، حيث قال بجرأة شديدة :
" أنا نبى وفقا لأمر الله وأكون آثما إن أنكرت ذلك".
__________________
سادسا : حكم
الإسلام فى القاديانية :
فى عام ١٣٩٤ ه
١٩٧٤ م أصدرت رابطة العالم الإسلامى بيانا مطولا بينت فيه حكم الإسلام فى
القاديانية ، ومن أهم القرارات التى اتخذتها الرابطة فى هذا المؤتمر :
ـ إعلان كفر طائفة
القاديانية وخروجها عن الإسلام.
ـ عدم التعامل مع
القاديانيين أو الأحمديين ومقاطعتهم اقتصاديّا وثقافيّا ، وعدم التزوج منهم ، وعدم
دفنهم فى مقابر المسلمين ، ومعاملتهم باعتبارهم كفارا.
ـ مطالبة الحكومات
الإسلامية بمنع كل نشاط لأتباع ميرزا غلام أحمد مدّعى النبوة ، واعتبارهم أقلية
غير مسلمة ، ويمنعون من تولى الوظائف الحساسة فى الدولة.
ـ نشر مصورات لكل
التحريفات القاديانية فى القرآن الكريم ، مع حصر الترجمات القاديانية" لمعانى
القرآن الكريم" ، والتنبيه عليها ، ومنع تداول هذه الترجمات.
هكذا حكم علماء
الأمة على منكر عقيدة ختم النبوة بأنه كافر مرتد ، يقتل إن أصر على اعتقاده ؛ لأن
ختم النبوة من المعلوم من الدين بالضرورة ، والكتاب والسنة والإجماع يؤكدون ذلك.
وبعد أختم كلامى
بما قاله ابن القيم : " من كان عنده علم فليرشدنا إليه ، ومن رأى فى كلامنا
زيغا أو نقصا أو خطأ فليهد إلينا الصواب ، نشكر له سعيه ، ونقابله بالقبول
والإذعان والانقياد والتسليم والله أعلم".
* أهم المصادر
والمراجع :
ـ الإسلام فى القرن
العشرين ، عباس محمود
العقاد.
ـ الاقتصاد فى الاعتقاد ، لأبى حامد الغزالى.
ـ البحر المحيط ، لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن حيان.
ـ التعريفات ، للجرجانى.
ـ تفسير الألوسى (روح المعانى) ، الألوسى.
ـ تفسير البيضاوى ، المسمى : أنوار التنزيل ، البيضاوى.
ـ تفسير الشوكانى ، فتح القدير ، لمحمد بن على الشوكانى.
ـ تفسير الطبرى ، لأبى جعفر الطبرى.
ـ تفسير القاسمى ، المعروف بمحاسن التأويل ، لمحمد جمال الدين القاسمى.
ـ تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير.
ـ تفسير القرطبى ، القرطبى.
ـ روح الدين الإسلامى ، عفيف طبارة.
ـ زاد المسير ، عبد الرحمن بن الجوزى.
ـ الشفاء ، القاضى عياض.
ـ صحيح البخارى.
ـ صحيح مسلم.
ـ العبر وديوان المبتدأ
والخبر المعروف بمقدمة ابن خلدون ، عبد الرحمن بن خلدون ، دار الكتاب اللبنانى ، بيروت ،
١٩٦١ م.
ـ فتح البارى ، شرح صحيح البخارى ، لابن حجر.
ـ القاديانى
والقاديانية ، لأبى الحسن
الندوى.
ـ القاديانية : تاريخها وغاياتها ، جلرزار أحمد مظاهرى.
ـ القاديانية ، دراسة وتحليل ، إحسان إلهى ظهير.
ـ القول الصريح فى ظهور
المهدى والمسيح ، نذير السيالكوتى القاديانى.
ـ لوامع الأنوار البهية ، السفارينى.
ـ ما هى القاديانية : لأبى الأعلى المودودى.
ـ المحلى ، ابن حزم الأندلسى.
ـ المسند ، للإمام أحمد بن حنبل.
ـ المنار المنيف فى
الصحيح والضعيف ، ابن قيم الجوزية.
ـ المودودى فى الميزان ، للمبشر القاديانى منير الحصنى.
فهرس الكتاب
الإهداء :...................................................................... ٥
مقدمة :........................................................................ ٧
القسم
الأول البابية
المبحث الأول اساتذة البابية................................................... ١١
المبحث الثاني مؤتمر بدشت................................................... ٣٤
المبحث الثالث الشيرازى وفكرة............................................... ٤٥
المبحث الرابع عقائد البابية.................................................... ٥٢
المبحث الخامس الشريعة عن البابية............................................ ٥٦
القسم
الثاني البهائية
المبحث الأول سيرة البهاء..................................................... ٦٥
المبحث الثاني مؤلفات البهاء.................................................. ٧٤
المبحث الثالث أساليب البهائية في الدعوة...................................... ٨٥
المبحث الرابع عقائد البهائية................................................... ٩٠
المبحث الخامس شريعة البهائية.............................................. ١٠٦
القسم الثالث القاديانية
المبحث الأول
القاديانى وحياته الاجتماعية وحياته
الصحية والنفسية والخلقية
أولا : من هو القاديانى.................................................... ١٧٢
ثانيا : نشأته وحياته الاجتماعية............................................ ١٧٣
ـ زواجه.................................................................. ١٧٤
ـ وفاته.........................................................................
ثالثا : حياته الصحية والنفسية
والخلقية..........................................
ـ غروره واعتقاده أنه أفضل من الأنبياء...................................... ١٧٧
المبحث الثانى
صلة القاديانية بالاستعمار الإنجليزى
ـ تمهيد..................................................................... ١٧٨
أولا : أسرته فى خدمة الاستعمار
الإنجليزى................................ ١٧٨
ثانيا : المستعمر الإنجليزى والإسلام....................................... ١٨١
المبحث الثالث
حركة القاديانية والمراحل الفكرية
للقاديانى ـ
بداية حركة القاديانية...................................................... ١٨٥
ـ مراحل القاديانى الفكرية................................................. ١٨٦
أولا : مراحل ادعاء الإلهام والكشف...................................... ١٨٧
ثانيا : مرحلة المهدى المنتظر والمسيح
الموعود............................ ١٨٨
ـ مسألة المهدى فى السنة النبوية............................................. ١٨٩
ثالثا : ادعاؤه الوحى والنبوة............................................... ١٩٥
المبحث الرابع
الرد على القاديانية فى زعمهم عدم
انقطاع النبوة
أولا : ختم النبوة فى القرآن الكريم........................................ ٢١٠
ثانيا : خصائص القرآن دليل على ختم
نبوته................................ ٢١٥
ثالثا : خصائص الرسول والرسالة.......................................... ٢١٦
رابعا : ختم النبوة فى السنة المطهرة....................................... ٢١٨
خامسا : إجماع الصحابة.................................................. ٢٢٣
سادسا : كذب القاديانى فى نبوءاته........................................ ٢٢٤
المبحث الخامس
أسس مبادي القاديانية
أولا : الحلول والتناسخ................................................... ٢٢٧
ثانيا : التأويل............................................................ ٢٣٠
ثالثا : الغاؤه الجهاد...................................................... ٢٣٤
رابعا : المسلمون فى نظر القاديانيين
كافرون................................ ٢٣٥
المبحث السادس
القاديانيون بعد هلاك المرزا
نشاطهم وأخطارهم وحكم الإسلام فيهم
أولا : الحكيم نور الدين البهيردى......................................... ٢٣٨
ثانيا : الخليفة الثانى بشير الدين
محمود................................... ٢٣٩
ثالثا : نشاط القاديانيون................................................... ٢٤٢
رابعا : خطر القاديانية..................................................... ٢٤٣
خامسا : صلة القاديانية بإسرائيل........................................... ٢٤٤
سادسا : حكم الإسلام فى القاديانية....................................... ٢٤٦
أهم المصادر والمراجع................................................... ٢٤٧
|