
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب
العالمين ، وصلى الله على خير خلقه وأفضل بريته محمد وآله الطاهرين.
المطلب
السادس : الكفر :
وفيه بحوث : الأول : وفيه مسائل :
الاولى : لا خلاف بين الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ كما نقله
غير واحد من محققيهم في أنه لا يجوز للمسلم أن ينكح غير الكتابية.
وأما الكتابية
فقد اختلفوا فيها على أقوال ستة ، والأصل في ذلك اختلاف ظاهر الآيات والروايات في
ذلك ، واختلاف الأفهام في الجمع بينها.
والأول من
الأقوال المذكورة التحريم مطلقا ، وهو مذهب المرتضى والشيخ في أحد قوليه ، وهو أحد
قولي الشيخ أيضا ، وقواه ابن إدريس ، قال المرتضى : مما انفردت به الإمامية حظر
نكاح الكتابيات ، وقال الشيخ في الخلاف : المحصلون من أصحابنا يقولون : لا يحل
نكاح من خالف الإسلام ، لا اليهود ولا النصارى ولا غيرهم ، وقال قوم من أصحاب
الحديث من أصحابنا : يجوز ذلك ، واختار في كتابي الأخبار التحريم أيضا مطلقا.
والثاني : الجواز مطلقا ، وهو منقول عن الشيخ علي بن الحسين بن
بابويه وابنه ، وابن أبي عقيل ، قال الشيخ علي المذكور على ما نقله عنه في المختلف
: وإن تزوجت يهودية أو نصرانية فامنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، واعلم
أن عليك في دينك في تزويجك إياها غضاضة. ونحوه قال ابنه في المقنع ، وزاد :
وتزويج المجوسية حرام ، ولكن إذا كان للرجل أمة مجوسية ، فلا بأس أن يطأها ويعزل
عنها ولا يطلب ولدها.
وقال ابن
العقيل : وأما المشركات فقوله تعالى «وَلا تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ»
إلا ما استثناه من عفائف أهل الكتاب ، فقال «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ»
ثم قال في موضع آخر ، قال الله عزوجل «وَلا تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ ـ إلى قوله ـ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ» وذكر مشركي أهل الكتاب فقال «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ـ إلى قوله ـ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ».
وأهل الشرك عند
آل الرسول (صلىاللهعليهوآله) صنفان : صنف أهل الكتاب ، وصنف مجوس وعبدة أوثان
وأصنام ونيران ، فأما الصنف الذي بدأنا ذكره فقد حرم الله نساءهم حتى يسلموا ،
وأما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى فلا بأس بنكاح نسائهم متعة وإعلانا ، ولا
يجمع في نكاح الإعلان منهن إلا أربع فما دون.
الثالث : جواز متعة اليهود والنصارى اختيارا والدوام اضطرارا ،
وهو مذهب الشيخ في النهاية وابن حمزة وابن البراج ، قال في النهاية : لا يجوز
للرجل المسلم أن يعقد على المشركات على اختلاف أصنافهن يهودية كانت أو نصرانية ،
أو عابدة وثن ، فإن اضطر إلى العقد عليهن عقد على اليهودية والنصرانية ، وذلك جائز
عند الضرورة ، ولا بأس أن يعقد على هذين الجنسين عقد المتعة مع الاختيار. انتهى ،
وعلى هذا النهج كلام الفاضلين الآخرين.
الرابع : عدم
جواز العقد بحال ، وجواز ملك اليمين ، ونقل عن الشيخ في أحد قوليه.
أقول : وبهذا
القول صرح الشيخ المفيد على ما نقله عنه في المختلف حيث قال : وقال المفيد : نكاح
الكافرة محرم بسبب كفرها ، سواء كانت عابدة وثن أو
__________________
مجوسية أو يهودية أو نصرانية ، قال الله عزوجل «وَلا تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ»
وقال في باب
العقد على الإماء : وتنكح بملك اليمين اليهودية والنصرانية ولا يجوز له ذلك بعقد
نكاح ولا يجوز وطؤ المجوسية والصابئية والوثنية على حال.
وقال في باب
السراري : ولا بأس أن يطأ اليهودية والنصرانية بملك اليمين ، ولا يجوز له وطؤ
المجوسية على حال ، وكذا الصابئيات والوثنيات حرام وطؤهن بالعقود وملك اليمين.
الخامس : جواز
المتعة وملك اليمين ، وتحريم الدوام ، ونقل عن أبي الصلاح وسلار ، وأنه اختيار
المتأخرين.
أقول : وهو
ظاهر كلام الشيخ في المبسوط حيث قسم المشركين فيه إلى أقسام ثلاثة : من له كتاب ،
وهم اليهود والنصارى ، أهل التوراة وأهل الإنجيل ، قال : فهؤلاء عند المحصلين من
أصحابنا لا يجوز أكل ذبائحهم ولا تزويج حرائرهم ، بل يقرون على أديانهم إذا بذلوا
الجزية ، وفيه خلاف بين أصحابنا ، وقال جميع الفقهاء : يجوز أكل ذبائحهم ونكاح
حرائرهم.
فأما السامرة
والصابئون فقد قيل : إن السامرة قوم من اليهود ، والصابئون قوم من النصارى ، فعلى
هذا يحل جميع ذلك ، والصحيح في الصابئة أنهم غير النصارى ، لأنهم يعبدون الكواكب ،
فعلى هذا لا يحل جميع ذلك بلا خلاف ، وأما غير هذين الكتابين من الكتب كصحف
إبراهيم عليهالسلام وزبور داود عليهالسلام ، فلا يحل نكاح حرائر من كان من أهلها ولا أكل ذبائحهم.
ومن لا كتاب له
ولا شبهة كتاب كعبدة الأوثان ، فلا يحل نكاحهم ، ولا أكل ذبائحهم ولا يقرون على
أديانهم بلا خلاف.
ومن له شبهة
كتاب ، وهم المجوس قال قوم : هم أهل الكتاب ، كان لهم كتاب ثم نسخ ، ورفع من بين
أظهرهم ، وقال آخرون : ما كان لهم كتاب أصلا ، وغلب التحريم ، فقيل على القولين ،
يحقن دماؤهم ببذل الجزية ، وتحريم مناكحهم
وذبائحهم بلا خلاف وقد اختار أصحابنا كلهم التمتع بالكتابية ووطأها بملك
اليمين ، ورووا رخصة في التمتع بالمجوسية. انتهى.
السادس : تحريم
نكاحهن مطلقا اختيارا ، وتجويزه مطلقا اضطرارا. وتجويز الوطي بملك اليمين ، ونقل
عن ابن الجنيد ، قال في المختلف : وقال ابن الجنيد : واختار لمن وجد الغناء ـ عن
نكاح أهل الكتابين ـ ترك مناكحتهن بالعقد في دار الإسلام ، أما في دار حربهم فلا
يجوز ذلك ، فإن رغبت إلى ذلك ضرورة في دار الإسلام أن يكون الأبكار منهن ، وأن
يمنعهن أكل وشرب ما هو محرم في دار الإسلام ، ولا يحل نكاح من كان نصارى من بني
تغلب وذميمة العرب ومشركيهن.
ومن لم يصح له
كتاب من الصابئين وغيرهن واجتناب مناكحتهن أحب إلي ، وأما السامرة فيجرون مجرى
اليهود ، وإن كانوا من بني إسرائيل ، ولا بأس بوطىء من ملك من هذه الأصناف كلها
بملك اليمين ولكن لا يطلب الولد من غير الكتابية ، وقال في نكاح الحر للإماء : ولا
يحل للمسلم التزويج على إماء أهل الكتاب. انتهى.
ومنشأ هذا
الاختلاف اختلاف الأخبار كما أشرنا إليه آنفا ، فإنها خرجت في هذا المقام على
أنواع متعددة.
الأول : على
الجواز مطلقا ، وهي ما رواه المشايخ الثلاثة ـ رضوان الله عليهم ـ عن معاوية بن وهب وغيره في الصحيح
عن ابي عبد الله عليهالسلام «في الرجل المؤمن يتزوج النصرانية واليهودية ، قال : إذا أصاب المسلمة فما
يصنع باليهودية والنصرانية : فقلت : يكون له فيها الهوى ، فقال : إن فعل فليمنعها
من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير واعلم أن عليه في دينه في تزويجه إياها غضاضة».
__________________
وما رواه في
الكافي في الصحيح كما عن ابن رئاب عن ابي بصير وهو مشترك إلا
أن الأظهر عندي عده في الصحيح كما تقدمت الإشارة إليه عن ابي جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن رجل له امرأة نصرانية له أن يتزوج
عليها يهودية؟ فقال : إن أهل الكتاب مماليك للإمام ، وذلك موسع منا عليكم خاصة ،
فلا بأس أن يتزوج قلت : فإنه يتزوج عليها أمة؟ قال : لا يصلح له أن يتزوج ثلاث
إماء ، فإن تزوج عليهما حرة مسلمة ولم تعلم أن له امرأة نصرانية ويهودية ثم دخل
بها فإن لها مما أخذت من المهر فإن شاءت أن تقيم بعد معه أقامت ، وإن شاءت أن تذهب
إلى أهلها ذهبت ، وإذا حاضت ثلاثة حيض أو مرت لها ثلاثة أشهر حلت للأزواج ، قلت :
فإن طلق عليها اليهودية والنصرانية قبل أن تنقضي عدة المسلمة ، له عليها سبيل أن
يردها إلى منزله؟ قال : نعم» .
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن رجل تزوج ذمية على مسلمة ، ولم
يستأمرها ، قال : ويفرق بينهما ،
__________________
قلت : فعليه أدب؟ قال : نعم اثنى عشر سوطا ونصف ثمن حد الزاني وهو صاغر ،
قلت : فإن رضيت المرأة الحرة المسلمة بفعله بعد ما كان فعل؟ قال : لا يضرب ولا
يفرق بينهما يبقيان على النكاح الأول» ، أقول : في التهذيب «أمة» مكان «ذمية».
وما رواه في
الفقيه في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن ابي
عبد الله عليهالسلام «في رجل تزوج ذمية على مسلمة قال : يفرق بينهما ، ويضرب ثمن الحد اثنى عشر
سوطا ونصفا ، فإن رضيت المسلمة ضرب ثمن الحد ولم يفرق بينهما ، قلت : كيف يضرب
النصف؟ قال : يؤخذ بالسوط بالنصف فيضرب به».
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن أبى مريم الأنصاري عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن طعام أهل الكتاب ونكاحهم حلال هو؟ قال
: نعم قد كان تحت طلحة يهودية».
وعن محمد بن
مسلم في الموثق عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية ، فقال : لا
بأس ، أما علمت أنه كان تحت طلحة بن عبد الله يهودية على عهد النبي صلىاللهعليهوآله».
وما رواه في
الكافي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : «سألت أبا عبد
الله عليهالسلام هل للرجل أن يتزوج النصرانية على المسلمة ، والأمة على
الحرة؟ فقال : لا يتزوج واحدة منهما على المسلمة ، ويتزوج المسلمة على الأمة
والنصرانية ، وللمسلمة الثلثان وللأمة والنصرانية الثلث».
وعن سماعة في الموثق قال : «سألته عن اليهودية والنصرانية أيتزوجها
__________________
الرجل على المسلمة؟ قال : لا ، ويتزوج المسلمة على اليهودية والنصرانية».
وما في كتاب
الفقه الرضوي حيث قال عليهالسلام : وإن تزوجت يهودية أو نصرانية فامنعها من شرب الخمر
وأكل لحم الخنزير ، واعلم أن عليك في دينك في تزويجك إياها غضاضة ، ولا يجوز تزويج
المجوسية ، ولا يجوز أن تزوج من أهل الكتاب ولا من الإماء إلا اثنتين». إلى آخره.
وكلام الشيخ
علي بن بابويه المتقدم نقله عين صدر هذه العبارة ، وقد تقدم التنبيه على أن أكثر
عبائره وفتاويه في الرسالة مأخوذ من هذا الكتاب ، وهذه الأخبار هي مستند قول
الثاني.
والنوع الثاني
: ما دل على التحريم مطلقا ، ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب عن الحسن بن الجهم في الموثق قال : «قال لي أبو الحسن
الرضا عليهالسلام : يا أبا محمد ما تقول في رجل يتزوج نصرانية على مسلمة؟
قلت : جعلت فداك ، وما قولي بين يديك ، قال : لتقولن فإن ذلك يعلم به قولي ، قلت :
لا يجوز تزويج النصرانية على مسلمة ، ولا على غير مسلمة ، قال : لم؟ قلت : لقول
الله عزوجل «وَلا تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ»
قال : فما تقول في هذه الآية؟. «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ»
قلت فقوله «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ»
نسخت هذه الآية
فتبسم ثم سكت».
وعن زرارة عن ابي جعفر عليهالسلام قال : «لا ينبغي نكاح أهل الكتاب ، قلت :
__________________
جعلت فداك وأين تحريمه؟ قال : قوله «وَلا تُمْسِكُوا
بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» .
وعن زرارة في
الصحيح أو الحسن قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن قول الله سبحانه «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ»
فقال : هذه
منسوخة بقوله «وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ».
وما رواه الثقة
الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره عن ابي جعفر عليهالسلام في تفسير قوله «وَلا تُمْسِكُوا
بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» أن من كانت عنده امرأة كافرة يعني على غير ملة الإسلام
وهو على ملة الإسلام فليعرض عليها الإسلام فإن قبلت فهي امرأته ، وإلا فهي بريئة
منه ، فنهى الله أن يمسك بعصمهم.
وما رواه الراوندي
في نوادره بإسناده عن موسى بن جعفر عن أبيه عليهماالسلام قال : «قال علي عليهالسلام : لا يجوز للمسلم التزويج بالأمة اليهودية ولا
النصرانية ، لأن الله تعالى قال (مِنْ فَتَياتِكُمُ
الْمُؤْمِناتِ)» الحديث.
وروى العياشي
في تفسيره عن مسعدة بن صدقة ، قال : سئل أبو جعفر عليهالسلام عن قول الله «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ»
قال : نسختها «وَلا تُمْسِكُوا
بِعِصَمِ الْكَوافِرِ».
وهذه الأخبار
أدلة القول الأول.
والنوع الثالث
: ما دل على الجواز للضرورة ، ومنها ما رواه في الكافي
__________________
عن يونس عنهم عليهمالسلام قال : «لا ينبغي للمسلم الموسر أن يتزوج الأمة إلا أن
لا يجد حرة ، فكذلك لا ينبغي له أن يتزوج امرأة من أهل الكتاب إلا في حال الضرورة
، حيث لا يجد مسلمة حرة ولا أمة».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح وإن اشتمل على إرسال ابن أبي عمير لعدهم مرسلاته في
الصحاح عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «لا ينبغي للمسلم أن يتزوج يهودية ولا نصرانية
وهو يجد مسلمة حرة أو أمة». والتقريب فيه بحمل «لا ينبغي» على التحريم كما هو ظاهر
الخبر الأول.
والنوع الرابع
: ما دل على الجواز على كراهة ، ومنه صحيحة معاوية ابن وهب المتقدمة في صدر روايات الجواز.
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد
الله عليهالسلام في حديث قال : «وما أحب للرجل المسلم أن يتزوج اليهودية
ولا النصرانية مخافة أن يتهود ولده أو يتنصر».
وما رواه في
كتاب قرب الاسناد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام «أنه كره مناكحة أهل الحرب».
إلا أن هذا
مبني على أن لفظ «لا أحب» ولفظ «كره» بمعنى المكروه المستعمل بين الناس ، وهو في
الأخبار أعم من ذلك ، فإنه قد ورد بمعنى التحريم كثيرا فهما من الألفاظ المتشابهة
كما تقدم تحقيقه.
والنوع الخامس
: ما دل على تخصيص الجواز بالبله كما رواه في الكافي عن
__________________
زرارة قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال : لا يصلح للمسلم أن
ينكح يهودية ولا نصرانية ، وإنما يحل منهن نكاح البله».
ولفظ «لا يصلح»
وإن كان ظاهرا في الكراهة باعتبار اصطلاح الناس ، إلا أنه في الأخبار من الألفاظ
المتشابهة المستعملة في التحريم أيضا ، وقرينة التحريم هنا قوله «إنما يحل».
والنوع السادس
: ما ورد في التمتع بهن ، ومن ذلك ما رواه في التهذيب عن الحسن بن علي بن فضال في الموثق عن بعض أصحابنا عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : لا بأس أن يتمتع الرجل باليهودية والنصرانية
وعنده حرة».
وعن زرارة قال : «سمعته يقول : لا بأس بأن يتزوج اليهودية
والنصرانية متعة ، وعنده امرأة».
وعن محمد بن
سنان عن الرضا عليهالسلام قال : «سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية ، فقال : لا
بأس ، فقلت : فمجوسية ، فقال : لا بأس به ، يعني متعة».
أقول : قوله «يعني
متعة» من كلام الراوي ، وهو تفسير لكلامه عليهالسلام وبيان لإجماله ، لعلمه بذلك بقرينة الحال يومئذ ، إلا
أن هذا التفسير يمكن ان يكون للمجوسية خاصة ، وأن نفي البأس عنها إنما هو بالنسبة
إلى المتعة دون الدائم ، وحينئذ فنفي البأس في اليهودية والنصرانية أعم من المتعة
والدائم ، وبهذا تكون هذه الرواية من روايات النوع الأول ، وهذا هو الأقرب ،
ويحتمل أن يكون للجميع.
وعن منصور
الصيقل عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «لا بأس بالرجل أن يتمتع
__________________
بالمجوسية».
وعن إسماعيل بن
سعد الأشعري في الصحيح قال : «سألته عن الرجل يتمتع من اليهودية
والنصرانية؟ قال : لا أرى بذلك بأسا ، قال : قلت : بالمجوسية؟ قال : وأما المجوسية
فلا». وحمل في التهذيبين المنع عن المجوسية على الكراهة عند التمكن من غيرها ، هذا
ما ورد من الأخبار على ما عرفت من الاختلاف ومثلها الآيات القرآنية ، فإنها مختلفة
أيضا.
فمما يدل على
التحريم قوله عزوجل في سورة البقرة «وَلا تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ
ـ إلى قوله ـ
وَلا
تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا» . وقوله عزوجل في سورة الممتحنة «يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ
اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا
تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ
لَهُنَّ ـ إلى قوله ـ
وَلا
تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» .
ومما يدل على
الجواز قوله عزوجل في سورة المائدة «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ
إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا
مُتَّخِذِي أَخْدانٍ» .
وأنت خبير بأن
أكثر الأخبار دال على الجواز وإن كان على كراهة كما يفهم من الأخبار الأخر
المتقدمة ، ولا ينافي ذلك روايات المتعة إن لم تؤكده ، لدلالتها على الجواز في
الجملة ، ولهذا مال إلى الجواز شيخنا في المسالك وسبطه السيد السند في شرح النافع.
__________________
ويؤيده ما رواه
النعماني في تفسيره عن علي عليهالسلام وصرح به الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره أيضا في بيان ما نصفه منسوخ من الآيات ونصفه باق من أن
قوله «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى
يُؤْمِنَّ» قد نسخ بقوله تعالى في سورة المائدة «الْيَوْمَ أُحِلَّ
لَكُمُ الطَّيِّباتُ ـ إلى قوله ـ وَالْمُحْصَناتُ
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ» وقوله «وَلا تُنْكِحُوا
الْمُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا»
لم ينسخ إلى
آخر كلامهما زيد في إكرامهما ، وحينئذ ربما يمكن القول بترجيح الجواز ، إلا أن
إجماع العامة على الجواز كما نقله الشيخ وغيره.
وقد تقرر في
طريق الترجيح في مقام اختلاف الأخبار ، عرض الأخبار على مذهبهم والأخذ بخلافه كما
تضمنته مقبولة عمر بن حنظلة ، ورواية زرارة وغيرها حتى ورد أنهم ليسوا من الحنيفية
على شيء ، وأن الرشد في خلافهم ، وبلغ الأمر إلى أنهم أمروا شيعتهم بأنه متى
أعوزهم الحكم الشرعي رجعوا إلى قضاة العامة ، وأخذوا بخلاف ما يفتون به ، وحينئذ
فيشكل العمل بأخبار الجواز ، لإمكان الحمل على التقية.
فإن قيل : إن
من جملة القواعد أيضا العرض على الكتاب العزيز ، والأخذ بما وافقه ، بل العرض عليه
والترجيح مقدم في الأخبار على رتبة العرض على مذهب العامة.
قلنا : نعم
الأمر وإن كان كذلك ، لكن الآيات كما عرفت مختلفة ، والجمع بينها مشكل ، إلا أنه
يمكن أن يقال : إن مقتضى ما قدمنا نقله عن تفسير النعماني وعلي بن إبراهيم أن آية «وَلا تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكاتِ» الدالة على التحريم قد
__________________
نسخت بآية «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ» الدالة على الجواز ، ولهذا جعلنا ذلك مؤيدا للجواز.
ومقتضى ما دلت
عليه حسنة زرارة أو صحيحته ، وكذا روايته الأخرى المتقدمتين في النوع الثاني أن
آية التحريم إنما هي «وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ»
وأن هذه الآية قد نسخت آية «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ»
ويؤيد ذلك
الروايات الواردة في تفسير «وَلا تُمْسِكُوا
بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» المتقدمة في الموضع المذكور.
وأما آية «وَلا تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكاتِ» فالظاهر من إيراده في الاستدلال على التحريم في حسنة
زرارة وروايته بآية «وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ»
دونها ، مع أنه
أصرح في التحريم : أنها قد نسخت بآية المائدة كما نقله الشيخان المتقدم ذكرهما في
تفسيريهما ، ولعله بعد ذلك نسخت آية المائدة بآية «وَلا تُمْسِكُوا
بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» كما صرحت به الروايتان المذكورتان.
وما يقال من أن
المائدة آخر القرآن نزولا غير معلوم على إطلاقه ، نعم بعض آياتها كذلك ، فإن
الظاهر من الأخبار أن السور لم تنزل دفعة واحدة بل القرآن كله إنما نزل نجوما بحسب
الأحكام المتجددة والوقائع المتعددة ، ولهذا صرحوا بأنه لم يتكامل في نزوله إلا
بعد عشرين سنة ، وحينئذ فيكون القرآن دليلا على التحريم بمعونة هذه الروايات ،
لأنا لا نفهم من القرآن إلا ما أفهمونا إياه ، وأوقفونا عليه ، سيما عند تشابهه
علينا ، ونسخ بعضه بعضا.
ومن ذلك يظهر
ترجيح القول بالتحريم بالنظر إلى هاتين القاعدتين الواردتين في مقام الترجيح ، لأن
العرض على مذهب العامة والأخذ بخلافه لا يتم إلا على القول بالتحريم والعرض على
الكتاب بالتقريب الذي أوضحناه
__________________
يقتضي القول بالتحريم ، فإنه هو المفهوم من الآيات بمعونة هذه الروايات.
وأما ما ذكره
شيخنا في المسالك ـ من أن إثبات النسخ بهذه الرواية يعني حسنة زرارة مشكل ، خصوصا
مع عدم صحة سندها ـ محل نظر ، فإن حسنها إنما هو بإبراهيم بن هاشم الذي لا راد
لروايته لما هو عليه من علو الشأن ورفعة المكان ، حتى عد روايته في الصحيح جملة من
محققي متأخري المتأخرين كالشيخ البهائي ووالده ، وشيخنا المجلسي ووالده المولى
محمد تقي وغيرهم.
وهو قد اعترف
في غير موضع ، وكذا سبطه السيد السند بأنه لا راد لروايته ، وإن نظموها في قسم
الحسن ، فالمناقشة في ذلك واهية على أنها كما عرفت قد عاضدها رواية زرارة الثانية
، ورواية تفسير الشيخ علي بن إبراهيم ، وحينئذ فتحمل تلك الروايات الدالة على
الجواز على التقية.
ويؤيده ما
سيأتي تحقيقه ـ إن شاء الله تعالى ـ في مسألة اشتراط الكفاءة في في النكاح التي هي
عبارة عن التساوي في الايمان ـ كما هو المشهور ـ أو الإسلام ـ كما هو القول الآخر
ـ فإنه وإن كان المشهور اختصاص ذلك بجانب الزوج إلا أن الأظهر هو اشتراط ذلك من
الجانبين ، كما هو مذهب سلار ، حيث قال : ومن الشرائط أن تكون مؤمنة أو مستضعفة ،
فإن كانت ذمية أو مجوسية أو معاندة لم يحل نكاحها قط ، لأن الكفاءة في الدين
مراعاة عندنا في صحة هذا العقد ، فأما في عقد المتعة والإماء فجائز في الذميات خاصة
، دون المجوسية ، انتهى.
وأما ما ذكره
السيد السند في شرح النافع وإليه أشار جده في المسالك من أن آية «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ»
الدالة على الجواز. لا ينافيها قوله تعالى «وَلا تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ»
لأن الأولى خاصة ، والعمل على الخاص مقدم.
__________________
ففيه أنه جيد
لو لم تعارضه الرواية عنهم عليهمالسلام فإن موثقة الحسن بن الجهم دلت على أن آية «وَلا تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكاتِ» قد نسخت آية «وَالْمُحْصَناتُ»
وهو وإن وقع في
كلام الراوي إلا أنه عليهالسلام قد قرره على ذلك ، لكن هذه الرواية معارضة بما قدمنا
نقله عن تفسير النعماني.
وكلام الشيخ
علي بن إبراهيم في تفسيره ـ من أن آية «وَلا تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ»
قد نسخت بقوله
تعالى في سورة المائدة «الْيَوْمَ أُحِلَّ
لَكُمُ الطَّيِّباتُ ـ إلى قوله ـ
وَالْمُحْصَناتُ» وما ذكروه من الجمع بين الآيتين بتخصيص إحداهما بالأخرى
ـ لا يتم على كل من الروايتين ، بل الروايتان ظاهرتان في
__________________
في التعارض ، وأنه لا مخرج من ذلك إلا بنسخ إحداهما للثانية ، وإن وقع
الاختلاف بينهما في أن أيتهما الناسخة وأيتهما المنسوخة.
وكيف كان
فالمسألة بمحل من الاشكال ، لما عرفت من الاختلاف في الآيات والروايات ، وإن كان
ما ذكرناه هو الذي يترجح في النظر القاصر والذهن الفاتر ، والله العالم.
تنبيهات
الأول : ظاهر الأصحاب أن المجوس ليسوا داخلين تحت إطلاق أهل
الكتاب ، وأن أهل الكتاب حقيقة إنما هم اليهود والنصارى ، وهذا البحث المتقدم
مخصوص بهم وإن ألحقوا بهم في بعض الأحكام.
قال شيخنا في
المسالك بعد تمام البحث في اليهود والنصارى : بقي الكلام في المجوسية ، فإن الظاهر
عدم دخولها في أهل الكتاب ، لقول النبي صلىاللهعليهوآله «سنوا بهم سنة أهل الكتاب». فإن فيه إيماء إلى أنهم ليسوا منهم ولذلك قيل :
إنهم ممن لهم شبهة كتاب ، وقد روي أنهم حرقوا كتابهم فرفع. وأيضا فلا يلزم أن يسن بهم
سنتهم في جميع الأحكام ، وظاهر الرواية كونه في الجزية ، ويؤيده أنهم رووا فيها
أيضا غير ناكحي نسائهم ولا أكل ذبائحهم ، فيضعف الاحتجاج ببعضها دون بعض ،
والرواية عامية ، انتهى.
أقول : المفهوم
من بعض الأخبار كونهم من أهل الكتاب وأنه كان لهم نبي وكتاب ، فروى في الكافي
والتهذيب عن أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابنا
__________________
قال : «سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن المجوس كان لهم نبي؟ فقال : نعم. أما بلغك كتاب رسول
الله صلىاللهعليهوآله إلى أهل مكة أن أسلموا وإلا نابذتكم بحرب ، فكتبوا إلى
النبي صلىاللهعليهوآله أن خذ منا الجزية ودعنا على عبادة الأصنام ، فكتب إليهم
النبي صلىاللهعليهوآله : إني لم آخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، فكتبوا إليه صلىاللهعليهوآله يريدون بذلك تكذيبه صلىاللهعليهوآله : زعمت أنك لا تأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ثم أخذت
الجزية من مجوس هجر ، فكتب إليهم النبي صلىاللهعليهوآله : أن المجوس كان لهم نبي فقتلوه ، وكتاب فأحرقوه ،
أتاهم نبيهم بكتابهم في اثنى عشر ألف جلد ثور».
وما رواه في
التهذيب عن أبي يحيى الواسطي قال : «سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن المجوس فقال : كان لهم نبي قتلوه وكتاب أحرقوه ،
أتاهم نبيهم بكتابهم في اثنى عشر ألف جلد ثور.».
«وقال الصدوق
في الفقيه المجوس تؤخذ منهم الجزية ، لأن النبي صلىاللهعليهوآله قال : سنوا بهم سنة أهل الكتاب ، وكان لهم نبي اسمه
جاماست فقتلوه ، وكتاب يقال إنه كان يقع في اثنى عشر ألف جلد ثور فحرقوه».
وروى الصدوق في
كتاب المجالس بسنده عن الأصبغ بن نباتة أن عليا عليهالسلام قال على المنبر : سلوني قبل أن تفقدوني ، فقام إليه
الأشعث فقال : يا أمير المؤمنين عليهالسلام كيف تؤخذ الجزية عن المجوس ولم ينزل عليهم كتاب ولم
يبعث إليهم نبي فقال : بلى يا أشعث قد أنزل الله عليهم كتابا وبعث إليهم نبيا». الحديث.
وروى الشيخ الطوسي
في كتاب مجالسه عن علي بن علي بن دعبل أخي
__________________
دعبل بن علي عن علي بن موسى الرضا عليهالسلام عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام عن علي بن الحسين عليهالسلام أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : سنوا بهم سنة أهل الكتاب يعني المجوس».
وروى الشيخ
المفيد في المقنعة عن أمير المؤمنين عليهالسلام مرسلا أنه قال : المجوس إنما ألحقوا باليهود والنصارى
في الجزية والديات لأنه قد كان لهم في ما مضى كتاب».
أقول : الظاهر
أنه حيث لم يشتهر نبي المجوس وكتابهم كشهرة كتابي اليهود والنصارى ونبيهما بل
كانوا عند الناس أولا وآخرا أنهم ليسوا بأهل الكتاب ولا نبي وقع التعبير بأن يسن
بهم سنة أهل الكتاب المشهورين ويلحقوا بهم.
وظاهر أكثر هذه
الأخبار أن ذلك إنما هو بالنسبة إلى الجزية ، وظاهر خبر الشيخ المفيد الإلحاق في
الديات أيضا ، والظاهر أنه لهذا لم تجر عليهم أحكام أهل الكتاب المذكورة في هذا
المقام بالنسبة إلى الكلام المتقدم نصا وفتوى ، وإن كانت الأخبار مختلفة فيهم أيضا
لكن لا على الوجه المذكور.
ومن ذلك ما
تقدم في النوع الأول من قول الرضا عليهالسلام في كتاب الفقيه «ولا يجوز تزويج المجوسية».
وما تقدم في
النوع السادس من رواية محمد بن سنان عن الرضا عليهالسلام قال : «سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال : لا
بأس ، فقلت : فمجوسية ، فقال : لا بأس به يعني متعة». بالتقريب المذكور في ذيلها
ثمة.
ورواية منصور
الصيقل المتقدم نقلها ثمة أيضا عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا بأس بالرجل أن يتمتع بالمجوسية».
__________________
وصحيحة إسماعيل
بن سعد الأشعري المتقدمة ثمة أيضا قال : «سألته عن الرجل يتمتع من
اليهودية والنصرانية : قال : لا أرى بذلك بأسا قال : قلت : بالمجوسية؟ قال : أما
المجوسية فلا».
وروى الشيخ في
التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل المسلم يتزوج المجوسية؟ فقال :
لا ، ولكن إن كانت له أمة مجوسية فلا بأس أن يطأها ويعزل عنها ولا يطلب ولدها».
قال في المسالك
: وليس في حكم المجوسية أوضح من هذه الرواية ، وقد دلت على النهي عن تزويجها مطلقا
الشامل للدوام والمتعة ، ونفي البأس عن وطئها بملك اليمين ، ويمكن أن يستنبط منها
جواز المتعة ، لما روي أن المتمتع بها بمنزلة الأمة ، إلا أن يلحق بأهل الكتاب
حقيقة أو حكما ، وفيه نظر لأن الرواية عامية. انتهى.
أقول : قد دلت
صحيحة محمد بن مسلم وكلامه عليهالسلام في الفقه الرضوي على تحريم التزويج بالمجوسية ،
وظاهرهما الإطلاق أعم من أن يكون دائمة أو متعة إلا أن غيرهما من هذه الأخبار قد
اختلفت في المتعة ، فمما يدل على الجواز رواية محمد بن سنان ومنصور الصيقل ، ومما
يدل على المنع صحيحة إسماعيل بن سعد.
وحينئذ فمن
يعمل بالأخبار كلها ضعيفها وصحيحها فوجه الجمع عنده هو حمل صحيحة إسماعيل على ما
ذكره الشيخ من الكراهة عند التمكن من غير المجوسية ، وتخصيص إطلاق كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه وصحيحة محمد بن مسلم بهذه الأخبار الدالة
على جواز المتعة ، فيحمل ذلك الإطلاق على الدائمة وهذا هو الأظهر.
ومن يعمل على
الاصطلاح المحدث كشيخنا الشهيد الثاني في المسالك وغيره ،
__________________
فإنهم يقفون على إطلاق الصحيحة المذكورة ونحوها فيمنعون من التزويج بها
مطلقا ، إلا أن فيه أنك قد عرفت الروايات المتقدمة أنها دالة على أن المجوس من
جملة أهل الكتاب فيلحقهم في هذا المقام ما يلحق اليهود والنصارى من الأحكام ولا
سيما التمتع الذي تكاثرت به الأخبار.
وقوله في
المسالك : أن الرواية بكونهم ملحقين بأهل الكتاب عامية ـ بناء على ما قدمنا نقله
عنه من إيراد تلك الرواية العامية ـ ضعيف لما عرفت من الروايات التي أوردناها من
طرق أصحابنا ـ رضوان الله عليهم.
وبالجملة
فالأظهر هو المنع من تزويجها دواما ، وأنه يجوز تزويجها متعة وبملك اليمين.
وأما قوله في
المسالك ـ بعد ذكر صحيحة محمد بن مسلم ـ أنه ليس في روايات المسألة أوضح من هذه
الرواية يعني باعتبار السند وصحته ، ففيه أن صحيحة إسماعيل مثلها في الصحة لأنه
نقلها في التهذيب عن أحمد بن محمد بن عيسى عن إسماعيل ، وطريقه إلى أحمد المذكور
صحيح كما صرحوا به في الرجال ، وهي في المعنى مؤكدة لظاهر إطلاق صحيحة محمد بن
مسلم.
الثاني
: قد اختلف كلام
الأصحاب في الصابئة ودينهم فقال الشيخ في المبسوط كما قدمنا نقله : فأما السامرة
والصابئون فقد قيل إن السامرة قوم من اليهود ، والصابئون قوم من النصارى ،
والصحيح في الصائبة أنهم غير النصارى ، لأنهم يعبدون الكواكب.
وقال الفيومي
في كتاب المصباح المنير : وصبأ من دين الى دين يصبأ ـ مهموز
__________________
بفتحتين ـ : خرج ، فهو صابئ ، ثم جعل هذا اللقب علما على طائفة من الكفار
يقال أنهم تعبد الكواكب في الباطن ، وتنسب إلى النصرانية في الظاهر ، وهم الصابئة
والصابئون ويدعون أنهم على دين صابئ بن شيث بن آدم ، ويجوز التخفيف فيقال :
الصابون.
وقال في
القاموس : والصابئون يزعمون أنهم على دين نوح عليهالسلام وقبلتهم من مهب الشمال عند منتصف النهار.
وقال في الصحاح
: هم جنس من أهل الكتاب. ونقل العلامة في التذكرة عن الشافعي أنهم مبتدعة النصارى
كما أن السامرة مبتدعة اليهود.
أقول : والظاهر
أن هذا هو القول الذي رده الشيخ في المبسوط.
وقال المحقق
الشيخ علي في شرح القواعد : ويقال إن الصابئين فرقتان ، فرقة توافق النصارى في
أصول الدين ، والأخرى تخالفهم فيعبدون الكواكب السبعة ، وتضيف الآثار إليها وتنفي
الصانع المختار.
قال : وكلام
المفيد قريب من هذا ، لأنه قال : إن جمهور الصابئين توحد الصانع في الأزل ، ومنهم
من يجعل معه هيولى في القدم صنع منها العالم ، فكانت عندهم الأصل ، ويعتقدون في
الفلك وما فيه الحياة والنطق أنه المدبر في هذا العالم الدال عليه وعظموا الكواكب
وعبدوها من دون الله ، وسموها بعضهم ملائكة ، وجعلها بعضهم آلهة وبنوا لها بيوتا
للعبادات ، انتهى.
وفي كتاب تفسير
الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي : الصابئون قوم لا مجوس ولا يهود ولا نصارى ولا مسلمون
، ولكنهم يعبدون الكواكب والنجوم.
وفي التبيان للشيخ أبي جعفر الطوسي ، ومجمع البيان لأبي علي الطبرسي :
__________________
إنه لا يجوز عندنا أخذ الجزية عن الصابئة لأنهم ليسوا من أهل الكتاب.
إلى غير ذلك من
أقوال العلماء المختلفة فيهم ، ولا سيما في كتاب الملل والنحل ، فإنهم تكلم فيهم
في مواضع وأطال.
والذي وقفت
عليه من الأخبار المتعلقة بهذه الطائفة ما نقله الشيخ فخر الدين ابن طريح في كتاب
مجمع البحرين عن الصادق عليهالسلام قال : «سمي الصابئون لأنهم صبوا إلى تعطيل الأنبياء
والرسل والشرائع ، وقالوا كلما جاءوا به باطل ، فجحدوا توحيد الله ونبوة الأنبياء
ورسالة المرسلين ، ووصية الأوصياء ، فهم بلا شريعة ولا كتاب ولا رسول» ، ومن هذا
الخبر يظهر أنهم ملاحدة كفار ، ولا مجرى لهم في هذا المضمار.
وأما السامرة
فظاهر كلام من تعرض لذكرهم أنهم قوم من اليهود كما تقدم في عبارة الشيخ في المبسوط
، والشيخ إنما أنكر ذلك في الصابئين ، ولم يتعرض لذكر السامرة ، وربما أشعر كلامه
بالموافقة على ما ذكره.
قال في كتاب
المصباح المنير : فالسامرة فرقة من اليهود وتخالف في أكثر الأحكام.
ونحو ذلك نقل العلامة ـ أجزل الله إكرامه ـ في القواعد ، وحينئذ فالظاهر إجراء
أحكام اليهود عليهم لصدق الاسم ، ودوران الأحكام مداره ، والله العالم.
الثالث : قال في المسالك : واعلم أنه لا فرق في أهل الكتاب بين الحربي منهم والذمي
لشمول الاسم لهما ، ولكن تتأكد الكراهة في نكاح الحربية حذرا من أن يسترق وهي حامل
منه ، ولا يقبل قولها في أن حملها من مسلم.
أقول : الظاهر
بعد ما ذكره ـ قدسسره ـ من الشمول للحربي في هذا الحكم ، فإنه وإن كان الأمر
كذلك من حيث الإطلاق ، وإلا أن حكم الحربي لما كان إنما هو القتل أو الدخول في
الإسلام كتابيا أو غير كتابي وجب تخصيص
__________________
الحكم بغير الحربي ، وإلا لجاز نكاح الحربية من غير أهل الكتاب ، لأن
الجميع واحد من حيث الأحكام ، مع أنه لا يقول به.
على أن بعض
روايات المسألة تضمن التعبير بالذمية كرواية منصور بن حازم ورواية هشام بن سالم المتقدمتين في النوع الأول ، وحينئذ فيجب حمل ما عداهما
من أخبار المسألة عليهما ، ويصير الحكم مختصا بالذمية دون الحربية ، وبالجملة فإن
ما ذكره من العموم عندي محل إشكال.
ثم إنه قال في
المسالك أيضا : وإنما اختص أهل الكتاب باليهود والنصارى دون غيرهم ممن يتمسكون
بكتب الأنبياء كصحف شئت وإدريس وإبراهيم أو بالزبور ، لأن تلك الكتب لم تنزل عليهم
بنظم تدرس وتتلى ، وإنما أوحي إليهم معانيها ، وقيل : إنها كانت حكما ومواعظ لم
تتضمن أحكاما وشرائع ، ولذلك كان كل خطاب في القرآن لأهل الكتاب مختصا بهاتين
الملتين ، انتهى.
المسألة
الثانية : في ارتداد
أحد الزوجين أو إسلامه ، والكلام هنا يقع في مواضع :
الأول : قد صرح الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ بأنه لو ارتد أحد الزوجين عن
الإسلام قبل الدخول انفسخ العقد بينهما في الحال ، ونسب ذلك إلى عامة أهل العلم من
الأصحاب وغيرهم ، سواء كان الارتداد عن ملة أو عن فطرة ، لأن الارتداد نوع من
أنواع الكفر الذي لا يباح التناكح معه.
ثم إنه لا يخلو
إما أن يكون المرتد هو الزوجة أو الزوج ، فإن كان الزوجة فإنه لا شيء لها لأن
الفسخ جاء من قبلها قبل الدخول بها ، ويمكن الاستدلال بفحوى ما يدل على أن
النصرانية إذا أسلمت قبل الدخول انفسخ نكاحها ولا مهر لها ، كما سيأتي ـ إن شاء
الله تعالى ـ في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، فإن ذلك
__________________
يقتضي سقوط المهر هنا بطريق أولى .
وإن كان المرتد
الزوج فعليه نصف المهر المسمى إن كانت التسمية صحيحة ، لأن الفسخ جاء من قبله فأشبه
الطلاق ، وإن كانت التسمية فاسدة فنصف مهر المثل وإن لم يكن سمى شيئا فالمتعة ،
كذا صرح جملة منهم.
وقيل بثبوت
جميع المهر في الصورة المذكورة ، لأنه هو الثابت بالعقد ، وتنصيفه يحتاج إلى دليل
، وقيام الدليل على التنصيف بالطلاق أو بإضافة الموت على قول لا يوجب إلحاق ما لا
دليل عليه إلا بطريق القياس المحظور في الشريعة.
واختار هذا
القول شيخنا في المسالك ، وسبطه السيد السند في شرح النافع وقوته ظاهره إلا أنه قد روي في الكافي والتهذيب عن السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال أمير المؤمنين عليهالسلام في مجوسية أسلمت قبل أن يدخل بها زوجها فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام لزوجها : أسلم ، فأبى زوجها أن يسلم ، فقضى لها عليه
نصف الصداق ، قال : ولم يزدها الإسلام إلا عزا».
والظاهر أنه
إنما قضى عليهالسلام لها بنصف المهر عليه ، لأن الفسخ جاء من قبله بعد إسلامه
بعد تكليفه له عليهالسلام بذلك ، فإنه لو أسلم لكانا على نكاحهما ، فيكون من قبيل
ما نحن فيه ، وفيه إشكال يأتي التنبيه عليه ، قالوا : ولو وقع الارتداد
__________________
منهما دفعة انفسخ النكاح إجماعا ، كذا نقل عن التذكرة ، وهل يسقط المهر أم
لا؟ وجهان ، والأصل يقتضي العدم.
هذا فيما إذا كان
الارتداد قبل الدخول ، وأما بعد الدخول ، فإن كانت المرتدة هي المرأة ملية كانت أو
فطرية وقف انفساخ العقد على انقضاء العدة وهي عندهم عدة الطلاق ، ولم أقف فيها على
نص ، فإن انقضت العدة ولم ترجع إلى الإسلام فقد بانت ، ولا يجوز له في ضمن العدة
التزويج بأختها ولا بخامسة لأنها كالعدة الرجعية ، حيث إنه يرجى رجوعها وعودها في
كل وقت ، كذا ذكروه ، ولا يحضرني الآن نص في أنها هل تبين بمجرد الارتداد ، أو يقف
على انقضاء العدة كما ذكروه.
وإن كان المرتد
هو الزوج فإن كان عن ملة وقف الفسخ على انقضاء العدة وهي كعدة الطلاق ، فإن عاد
قبل انقضاء عدتها فهو أملك بها ، وإلا فقد بانت منه ، كذا قالوا ، وبه صرح في
المسالك.
والذي حضرني من
الأخبار المتعلقة بهذه الصورة حسنة أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا ارتد الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه
امرأته كما تبين المطلقة ثلاثا وتعتد منه كما تعتد المطلقة ، فإن رجع إلى الإسلام
وتاب قبل أن يتزوج فهو خاطب من الخطاب ، ولا عدة عليها منه ، وإنما عليها العدة
لغيره ، فإن قتل أو مات قبل انقضاء العدة اعتدت منه عدة المتوفى عنها زوجها ، وهي
ترثه في العدة ولا يرثها إن ماتت ، وهو مرتد عن الإسلام».
وهذه الرواية ـ
كما ترى ـ دالة على أنها تبين منه بمجرد الارتداد كما تبين المطلقة ثلاثا ، وأنه
لو تاب وهي في العدة فهو خاطب من الخطاب ، وهو أيضا صريح في البينونة بمجرد
الارتداد ، غاية الأمر أن له أن يتزوجها في العدة ، حيث
__________________
إنها عدته ، وأما غيره فلا يتزوجها إلا بعد انقضاء العدة.
ومورد الخبر هو
الملي ، لأن الفطري ـ كما سيأتي الكلام فيه ـ يجب قتله ، ولا يتزوج ولا يقبل توبته
بالنسبة إلى التزويج ونحوه ، وهم قد ذكروا ـ كما قدمنا نقله عنهم ـ أنه يقف فسخ
عقد النكاح على انقضاء عدة المرأة منه ، وأنه إن عاد إلى الإسلام قبل انقضاء العدة
فهو أملك بها ولا يحتاج إلى عقد آخر والرواية ـ كما ترى ـ على خلافه ، وقد صرحوا
بأنه لا يسقط من المهر هنا شيء لاستقراره بالدخول ، وهو كذلك.
وإن كان ارتداد
الزوج عن فطرة فإن زوجته تبين منه في الحال ، وتعتد عدة الوفاة لوجوب قتله وعدم
قبول توبته بالنسبة إلى الأحكام الدنيوية من بينونة زوجته ، وقسمة أمواله ووجوب
قتله ، وإن قبلت فيما بينه وبين الله عزوجل ، كما تقدم تحقيقه في باب القضاء من كتاب الصلاة ،
والأخبار بما ذكرنا من حكم المرتد الفطري متظافرة.
منها ما رواه في
الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن المرتد ، فقال : من رغب عن الإسلام وكفر بما أنزل
الله على محمد صلىاللهعليهوآله بعد إسلامه فلا توبة له ، وقد وجب قتله ، وبانت منه
امرأته ، ويقسم ما ترك على ولده».
وما رواه المشايخ
الثلاثة عن عمار الساباطي في الموثق قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام وجحد محمدا صلىاللهعليهوآله نبوته وكذبه ، فإن دمه مباح لكل من سمع ذلك منه ،
وامرأته بائنة منه يوم ارتد ، فلا تقربه ، ويقسم ماله على ورثته ، وتعتد امرأته
عدة المتوفى عنها زوجها ، وعلى
__________________
الامام أن يقتله ، ولا يستتيبه». إلى غير ذلك من الأخبار ، ويثبت المهر
أيضا في هذه الصورة كما في سابقتها للعلة المتقدمة.
بقي هنا شيء ،
وهو أنهم قالوا : لو كان ارتداده عن فطرة وبانت منه فلو وطأها شبهة عليها فعليه
مهر آخر للشبهة ، والظاهر أنه مما لا إشكال فيه.
وإن كان
ارتداده عن ملة وكان بعد الدخول بها فإنه يقف نكاحه على العدة ـ كما تقدم ـ فإن
رجع إلى الإسلام فيها استمر على نكاحه الأول ، وإن بقي على ارتداده تبين انفساخ
النكاح من حين الردة ، وعلى هذا لو وطأها بشبهة على المرأة فإن رجع في العدة فلا
شيء عليه ، لأن إسلامه كشف عن كونها زوجته حال النكاح ، ومن ثم إنه بنى على العقد
الأول.
وإن بقي على
كفره حتى مضت العدة ، فهل عليه مهر لو وطأ الشبهة زائدا على الأول أم لا؟ قولان :
أولهما للشيخ ،
قال : لأن عدم عوده إلى الإسلام كشف عن بطلان النكاح بالردة فكانت كالأجنبية.
وقيل : لا يلزمه لهذا الوطي مهر لأنها في حكم الزوجة وإن
حرمت عليه ولهذا لو رجع لم يفتقر إلى عقد جديد ، بل يبني على الأول ، فدل على بقاء
حكمه وإن حصل التحريم ، غايته أن يكون الردة كالطلاق الرجعي ، وهو لا يوجب
البينونة.
قال في المسالك
: ولعل هذا أقوى ، والظاهر أنه بناء على ما اختاره في المسالك من أنه لا حد عليه
لو وطأها لأنها في حكم الزوجة وإن كان ممنوعا من وطئها.
وأما على مذهب
الشيخ فيشكل ذلك بما ذكرنا ، وما ذكره من كونها بحكم الأجنبية ، إلا أن يحمل كلامه
على أنها بحكم الأجنبية بالنسبة إلى المهر لوطء
__________________
الشبهة خاصة.
قال في المسالك
: ويجب العدة لهذا الوطي ، وهما عدتان من شخص واحد فهو بمثابة ما لو طلق امرأته ثم
وطأها في العدة واجتماعهما في الإسلام بمثابة الرجعة هناك ، انتهى.
وأنت خبير بأن
ظاهر كلام الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ أن الأصل في مسألة المرتد هو ما تقدم في
الكافر الغير الكتابي من عدم جواز مناكحته ، بناء على الاشتراك في الكفر كما تقدمت
الإشارة إلى صدر المسألة فبنوا الأحكام في جميع شقوقها المذكورة على ذلك.
وأيده ببعض ما
ورد في أحكام المرتد ، وللنظر في ذلك مجال ، فإن الأدلة الدالة على تحريم نكاح
الكفارة ذكورا واناثا من الآيات والروايات إنما يتبادر منها المشرك الغير الكتابي
مثل قوله عزوجل «وَلا تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ» «وَلا
تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا»
«وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ»
ونحو ذلك الروايات أيضا ، وليس بعد ذلك إلا الأخبار الواردة في المرتد ،
وهي غير وافية بالأحكام المذكورة هنا ، وحينئذ فيشكل الحكم في جملة منها كما أشرنا
إليه آنفا سيما بما عرفته من كلامهم في حكم المرتد الملي إذا كان بعد الدخول ،
ودلالة الرواية على خلاف ما ذكروه.
الثاني : قالوا
إذا أسلم زوج الكتابية فهو على نكاحه سواء كان إسلامه قبل الدخول. أو بعده ، وهو
موضع وفاق من العلماء المجوزين نكاح الكتابية والمانعين ، ومحل الخلاف المتقدم
إنما هو في ابتداء نكاح المسلم الكتابية دون استدامته ، قالوا : ولا فرق في هذا
الحكم بين أن يكون الزوج كتابيا أو غير كتابي من أصناف الكفار.
__________________
أقول : يمكن
الاستدلال على ذلك بما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إن أهل الكتاب وجميع من له ذمة إذا أسلم أحد
الزوجين فهما على نكاحهما» الخبر.
فإنه بإطلاقه
شامل لما نحن فيه إلا أنه قد روي في الكافي أيضا عن منصور ابن حازم قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل أو مشرك من غير أهل الكتاب كانت تحته امرأة
فأسلم أو أسلمت قال : ينظر بذلك انقضاء عدتها وإن هو أسلم أو أسلمت قبل أن تنقضي
عدتها فهما على نكاحهما الأول ، وإن هو لم يسلم حتى تنقضي العدة فقد بانت منه».
وما رواه في
التهذيب عن أحمد بن محمد أبي نصير في الصحيح قال : «سألت الرضا عليهالسلام عن الرجل تكون له الزوجة النصرانية فتسلم ، هل يحل لها
أن تقيم معه؟ قال : إذا أسلمت لم تحل له ، قلت : جعلت فداك فإن الزوج أسلم بعد ذلك
أيكونان على النكاح؟ قال : لا ، بتزويج جديد .
__________________
قوله «فإن
الزوج أسلم بعد ذلك» ينبغي حمله على انقضاء العدة ، أي أسلم بعد انقضاء العدة كما
دل عليه الخبر المتقدم ، والمفهوم منهما أنه مع إسلام أحدهما فإنه يكون ثبوت
النكاح واستمراره مشروطا بإسلام الآخر قبل انقضاء العدة ، وإطلاقهما شامل لما نحن
فيه.
وعلى هذا يمكن
تقييد خبر محمد بن مسلم المتقدم بمورده ، وهو أهل الذمة خاصة بأن يكون الزوج
والزوجة ذميين ، ويكون من جملة الأخبار المتقدمة الدالة على جواز نكاحهن ، إلا أنه
يشكل بما يدل عليه على إطلاقه من جواز نكاح المسلمة ، والأقرب تقييده بخبر منصور
بن حازم بأن يكون معنى قوله «يكونان على نكاحهما» يعني إذا أسلم الآخر قبل انقضاء
العدة.
وكيف كان
فالظاهر أنه لا مستند لما ذكروه من الحكم الذي قدمنا نقله عنهم إلا الإجماع المدعى
في المقام ، إذ لم أقف في الأخبار بعد الفحص على ما يدل على ذلك بخصوصه ، والله
العالم.
الثالث : إذا
أسلمت زوجة الكافر فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال ، لعدم العدة وامتناع
كون الكافر زوجا للمسلمة ، ولا مهر لأن الفرقة جاءت من قبلها ، ويدل على ذلك ما
رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج
__________________
عن أبي الحسن «في نصراني تزوج نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها ، قال : قد
انقطعت عصمتها منه ولا مهر لها ولا عدة عليها منه».
أقول : ما دل
عليه الخبر من عدم المهر لها في هذه الصورة هو المعروف من مذهب الأصحاب كما صرحوا
به ، إلا أنه قد تقدم في رواية السكوني المذكورة في صدر المسألة عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) «في مجوسية أسلمت قبل أن يدخل بها زوجها فقضى (عليهالسلام) أن لها عليه نصف الصداق».
ويمكن الجمع
بين الروايتين : بأن رواية السكوني قد تضمنت أن أمير المؤمنين (عليهالسلام) قد دعاه إلى الإسلام فلم يجب ، ولو أجاب لكانا على
نكاحهما ، فلما لم يجب كان الفسخ من قبله فيكون في حكم الطلاق ، بخلاف صحيحة عبد
الرحمن ، فإنها لم تتضمن ذلك ، فكان الفسخ من قبل الزوجة ، ولعل قصر رواية السكوني
على موردها ، والعمل بما دلت عليه الصحيحة المذكورة أولى ، سيما مع اعتضادها بفتوى
الأصحاب .
وإن كان بعد
الدخول وقف انفساخ العقد على انقضاء العدة ، وهي عدة الطلاق من حين إسلامها فإن
انقضت العدة وهو على كفره تبين أنها قد بانت منه حين إسلامها ، وإن أسلم قبل
انقضائها تبين بقاء النكاح.
__________________
ويدل على هذا
رواية منصور بن حازم المتقدمة في سابق هذا الموضع ، ونحوها ما رواه الشيخ في
التهذيب عن السكوني «عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (عليهمالسلام) إن امرأة مجوسية أسلمت قبل زوجها ، قال علي (عليهالسلام) : أتسلم؟ قال : لا ، ففرق بينهما ، ثم قال : إن أسلمت
قبل انقضاء عدتها فهي امرأتك ، وإن انقضت عدتها قبل أن تسلم ثم أسلمت فأنت خاطب من
الخطاب».
والمشهور بين
الأصحاب أنه لا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون الزوج كتابيا أو غير كتابي ، وذهب
الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار إلى اختصاص الحكم المذكور بغير الكتابي ، أما
الكتابي فإنه ذهب فيه إلى بقاء النكاح وعدم انفساخه إذا كان الزوج بشرائط الذمة ،
ولكنه لا يمكن من الدخول عليها ليلا ، ولا من الخلوة بها نهارا.
واستدل على
المشهور بما تقدم من أخبار المسألة ، وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر المتقدمة في سابق هذا الموضع.
ويدل على ما
ذهب إليه الشيخ ما رواه عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهماالسلام) «أنه قال في اليهودي والنصراني والمجوسي إذا أسلمت
امرأته ولم يسلم قال : هما على نكاحهما ، ولا يفرق بينهما ، ولا يترك أن يخرج بها
من دار الإسلام إلى دار الكفر».
وعن محمد بن
مسلم في الحسن بإبراهيم بن هاشم مع إرسال ابن أبي عمير
__________________
الذي ينظمون مرسلاته في الصحاح عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إن أهل الكتاب وجميع من له ذمة إذا أسلم أحد
الزوجين فهما على نكاحهما وليس له أن يخرجها من دار الإسلام إلى غيرها ، ولا يبيت
معها ، ولكنه يأتيها بالنهار ، وأما المشركون مثل مشركي العرب وغيرهم فهم على
نكاحهم إلى انقضاء العدة ، فإن أسلمت المرأة ثم أسلم الرجل قبل انقضاء عدتها فهي
امرأته ، وإن لم يسلم إلا بعد انقضاء العدة فقد بانت منه ولا سبيل له عليها ،
وكذلك جميع من لا ذمة له .
وما رواه في
الكافي عن يونس قال : «الذمي تكون له المرأة الذمية فتسلم
امرأته ، قال : هي امرأته يكون عندها بالنهار ، ولا يكون عندها بالليل ، قال : فإن
أسلم الرجل ولم تسلم المرأة يكون الرجل عندها بالليل والنهار».
وطعن السيد السند
في شرح النافع في الروايتين الأولتين بضعف السند من حيث إرسال الاولى مع اشتمال
سندها على علي بن حديد ، وإرسال الثانية ، حيث إن ابن أبي عمير قد رواها عن بعض
أصحابه وهو مشعر باعترافه بصراحة دلالة الخبرين ، وحينئذ فمن لا يرى العمل بهذا
الاصطلاح المحدث يتحتم عليه العمل بالروايتين المذكورتين سيما مع تصريحه هو وغيره
بقبول مرسلات ابن أبي عمير ، وأنها في حكم المسانيد عندهم.
وقال المحدث
الكاشاني في الوافي ـ بعد إيراد خبر محمد بن مسلم وما قبله ـ ما لفظه : أفتى في
التهذيبين بهذا الخبر في حكم أهل الذمة ، وأول المقيد من الأخبار بانقضاء العدة
فيهم بما إذا أخلوا بشرائط الذمة ، وفيه بعد ، بل هذا الخبر وما قبله أولى
بالتأويل مما تقدمها لمخالفتها قوله عزوجل «وَلَنْ يَجْعَلَ
اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى
__________________
الْمُؤْمِنِينَ
سَبِيلاً» انتهى.
أقول : فيه (أولا)
إن الأخبار المتضمنة للتقييد بانقضاء العدة بمعنى أنه لا يحكم بالبينونة إلا بعد
انقضاء العدة ليست إلا رواية منصور بن حازم ، ورواية السكوني ، وليس في شيء منهما
ما يدل على أن الزوج كان ذميا بل هما مطلقتان بل رواية منصور ظاهرة في كون الزوج
ليس من أهل الذمة ، ورواية محمد بن مسلم المذكورة قد فصلت حكم الذمي وغيره ،
ومقتضى القاعدة حمل المجمل على المفصل والمطلق على المقيد.
و (ثانيا) ما
استند إليه في الاستدلال على ما اختاره من جعل التأويل في جانب هذه الروايات
الثلاثة من الآية المذكورة تبعا للأصحاب فيما استدلوا به في جملة من الأبواب بهذه
الآية ، مع أنه روى في تفسيره الصافي عن الرضا عليهالسلام ما يدل على أن المراد من السبيل إنما هو من حيث الحجة
والدليل لا الاستيلاء والغلبة ، فإن استيلاء الكفرة والفراعنة على المؤمنين بل
الأنبياء والأئمة المعصومين عليهمالسلام بالقتل والإهانة أمر لا ينكر ـ كما صرح به عليهالسلام في الخبر ـ وقد تقدم ذكرنا ذلك في غير موضع.
وبالجملة فإن
قول الشيخ المذكور قوي لا أعرف له علة إلا ما يتخيل من ضعف أخباره ، بناء على هذا
الاصطلاح المحدث الذي هو إلى الفساد أقرب منه إلى الصلاح ، وروايات المسألة التي
استدل بها للقول المشهور مطلقة قابلة للتقييد بهذه الأخبار .
__________________
قال السيد
السند في شرح النافع : والعجب أن الشيخ في الخلاف وافق الجماعة على انفساخ النكاح
بخروجها من العدة محتجا بإجماع الفرقة ، مع اختياره لهذا القول في النهاية وكتابي
الأخبار.
أقول : من يعرف
حال الشيخ وطريقته في دعوى الإجماع واختلاف أقواله وفتاويه في كتبه لا يتعجب منه ،
فإنه في بعض كتبه كالخلاف والمبسوط من رؤوس المجتهدين ، وفي بعض آخر كالنهاية
وكتابي الأخبار من رؤوس الأخباريين وشتان ما بين الحالتين.
وقال في
المسالك : واعلم أنه على قول الشيخ بعدم بطلان النكاح في الذمي لا فرق بين كون
إسلامها قبل الدخول وبعده لتناول الأدلة للحالتين ، وربما فهم من عبارة بعض
الأصحاب اختصاص الخلاف بما لو كان الإسلام بعد الدخول وليس كذلك.
__________________
انتهى وهو جيد.
تذنيب
لو انتقلت زوجة
الذمي من دين الكفر الذي كانت عليه إلى دين آخر من أديان الكفر أيضا قالوا : وقع
الفسخ في الحال ، وإن عادت بعد ذلك إلى دينها ، وظاهره أن الدين الذي انتقلت إليه
أعم من أن يقر أهله عليه أم لا ، لعموم قوله تعالى «وَمَنْ يَبْتَغِ
غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ»
وقوله صلىاللهعليهوآله «من بدل دينه فاقتلوه» وحينئذ فيقع الفسخ بينهما في الحال لأنها لا تقر على
ذلك ، وإنما الحكم فيها القتل ، أو الدخول في الإسلام ، وعلى التقديرين ينفسخ
النكاح بينهما وبين الذمي.
وأورد عليه أنه
محل نظر من وجهين : (أحدهما) إن حكمنا على الذمي بذلك غير لازم لجواز انتقالها إلى
دين يصح فيه التناكح في دينهم ، فلا ينفسخ ما دامت حية ، وعلى تقدير قتلها
فالانفساخ من جهته لا من جهة الكفر.
(الثاني) إنه
على تقدير الإسلام لا ينبغي إطلاق الحكم بالانفساخ بل يجيء فيه التفصيل السابق
حتى لو كان بعد الدخول فوقف الانفساخ على انقضاء العدة قبل إسلامه ، ولو كان
انتقالها إلى دين يقر أهله عليه كما لو انتقلت اليهودية إلى النصرانية ، فيبني على
أنها هل تقر على ذلك أم لا؟ وعلى تقدير عدم إقرارها لو عادت إلى دينها هل تقر على
ذلك كما كانت تقر ابتداء أم لا؟ خلاف ، ذكر في بحث الجهاد. انتهى.
أقول : وحيث
كانت المسألة عارية من النص ، فالكلام فيها مشكل ، إلا أن هذا خلاصة ما ذكروه في
المقام.
__________________
المسألة
الثالثة : إذا أسلم
الذمي على أكثر من أربع منكوحات بالعقد الدائم من الحرائر وأمتين وحرتين فارق ما
زاد على العدد المذكور ، ولو كان عبدا استدام حرتين أو حرة وأمتين وفارق ما زاد ،
واستدل عليه في المسالك
بأن النبي صلىاللهعليهوآله قال لغيلان «أمسك أربعا وفارق سائرهن». حيث إنه أسلم
وعنده ثمان نسوة فقال له النبي صلىاللهعليهوآله ذلك.
أقول : الظاهر
أن الخبر المذكور من أخبار العامة فإني لم أقف عليه في كتب أخبارنا ، والموجود
فيها ما رواه في الكافي والتهذيب عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليهالسلام «في المجوسي أسلم وله سبع نسوة وأسلمن معه كيف يصنع؟ قال : يمسك أربعا
ويطلق ثلاثا». إلا أن مورد هذه الرواية خارج عما نحن فيه لكونها متضمنة لاسلامهن
معه ، ومحل البحث بقاء الزوجات على دينهن ، نعم الرواية الأولى دالة بإطلاقها على
ذلك ، إلا أنك قد عرفت ما فيها ، والظاهر أن قوله في الرواية المذكورة «يطلق» من
الإطلاق من باب الأفعال ، أو يحتمل على التطليق اللغوي بمعنى التخلية والترك ، فإن
المعلوم من كلام الأصحاب أنه ينفسخ عقد الزائد على من يختاره من الأربع ولا يتوقف
على طلاق ، إلا أني لم أقف لهم على نص فيه ، والخروج عن ظاهر الخبر بغير معارض
مشكل.
وكيف كان فلا
بد من تقييد هذا الحكم المذكور في صدر المسألة بقيود ، منها تقييد الزوجات بكونهن
كتابيات مثله ليصح استدامة نكاح العدد المعتبر لما تقدم في الموضع الثاني من سابق
هذه المسألة من أن الخلاف في نكاح المسلم الكتابية إنما هو في الابتداء دون
الاستدامة ، فإن الجواز فيها موضع وفاق ، وحينئذ فيجب تخصيص الزوجات بالذميات ،
فلو كن كافرات غير ذميات فلا بد
__________________
من مراعاة ما تقدم فيهن من أنه إن أسلمن معه في العدة إن كان بعد الدخول ،
أو مطلقا إن كان قبله ، وإلا انفسخ نكاحهن بإسلامه لعدم جواز تزويج المسلم الكافرة
الغير الكتابية.
ومنها أنه يجب
تقييدهن بكونهن ممن يجوز نكاحهن في دين الإسلام كما نبه عليه بعض الأعلام وهو
واضح.
ومنها أن تخيير
الحر أمتين وحرتين كما تقدم مبني على جواز نكاح الأمة بدون الشرطين ، وحينئذ
اعتبرنا الشرطين في جواز نكاح الأمة كما هو أحد القولين احتمل انفساخ النكاح ههنا
إذا جامعت حرة لفوات الشرط ، ويحتمل عدم الانفساخ بناء على أن اعتبار الشرطين إنما
هو بالنسبة إلى ابتداء النكاح لا في استدامته ، وإلى هذا مال في التذكرة ونسبه إلى
علمائنا واستوجهه في المسالك ، قالوا : ولا فرق في جواز اختياره لمن شاء منهن على
تقدير زيادتهن على العدد الشرعي بين من ترتب عقدهن أو اقترن ، ولا بين الأوائل
والأواخر ، ولا بين من دخل بهن وغيرهن.
وظاهر العلامة
في التذكرة أن ذلك موضع وفاق بين علمائنا حيث إنه إنما نقل الخلاف في ذلك عن بعض
العامة واستدل على هذا الحكم بحديث غيلان المتقدم من حيث إن
عدم الاستفصال فيه يفيد العموم. قال في شرح النافع : وفي السند والدلالة نظر ، ولا
فرق عندهم في هذا الحكم بين ما لو أسلم بعض تلك الزوجات وعدمه ، فإن التخيير باق
حتى لو كان عنده ثمان فأسلم معه أربع منهن لم يمنع ذلك من اختيار الكتابيات ، لأن
الإسلام لا يمنع الاستمرار على نكاح الكتابية ولا يوجب تحتم نكاح المسلمة. نعم
الأولى والأفضل اختيار المسلمات لشرف المسلمة
__________________
على الكافرة ، إلا أنه قد تقدمت الإشارة إلى أنا لم نقف لهم على نص يدل على
ما ذكروه من هذه الدعوى ، وليس إلا ما ينقل من اتفاقهم على ذلك كما تقدم في آخر
الموضع الثاني من سابق هذه المسألة ، ثم إن من أراد فراقها لا يخلو إما أن يكون قد
دخل بها أم لا ، وعلى الثاني فلا مهر لها ، وعلى الأول فالمسمى إن كان ، على قول ،
وقواه في المسالك ، وقيل يثبت لها مهر المثل لفساد نكاح ما زاد على العدد فيكون
كوطئ الشبهة.
تذنيبان
الأول : روى الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب في الموثق عن عمار الساباطي قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل أذن لعبده في تزويج امرأة حرة فتزوجها ، ثم إن
العبد أبق من مواليه فجاءت امرأة العبد تطلب نفقتها من مولى العبد فقال : ليس لها
على مولى العبد نفقة وقد بانت عصمتها منه ، لأن إباق العبد طلاق امرأته ، وهو
بمنزلة المرتد عن الإسلام ، قلت : فإن هو رجع إلى مولاه أترجع امرأته إليه؟ قال :
إن كانت انقضت عدتها منه ثم تزوجت زوجا غيره فلا سبيل له عليها ، وإن كانت لم
تتزوج «ولم تنقض العدة» فهي امرأته على النكاح الأول». هكذا في رواية الشيخ ،
الخبر.
وفي رواية
الصدوق له هكذا «وإن كانت لم تتزوج فهي امرأته على النكاح الأول» ولفظ «ولم تنقض
العدة» غير مذكور في البين ، وظاهر رواية الصدوق أنها من انقضاء العدة تبقى على
نكاحها ما لم تتزوج ، وأما على رواية الشيخ فهو مسكوت عنه ، والقول بمضمون هذه
الرواية منقول عن الشيخ في النهاية وابن حمزة إلا أن ابن حمزة قيده بكون الزوجة
أمة غير سيدة ، وتزوجها بإذن السيد ثم
__________________
أبق ، وعلل الحكم مع الرواية بأن الارتداد خروج العبد عن طاعة السيد ، وهذا
المعنى حاصل في الإباق ، فإنه كما يجب على المكلف الحر طاعة الله كذلك يجب على
العبد طاعة سيده ، فيتجه الحكم مع اتحاد علته ، ورد بأن طريق الرواية ضعيف ، وفي
التعليل فساد ، لمنع كون الارتداد خروج العبد عن طاعة سيده مطلقا ، بل خروجه عن
طاعة الله معتقدا عدم وجوب الطاعة وما في معنى ذلك ، والإباق ليس كذلك ، وإلا لزم
قتل الآبق كما يقتل المرتد.
قال في المسالك
بعد ذكر ذلك : والحق بقاء الزوجية ووجوب النفقة على مولاه لعدم دليل صالح يخرجها
عن الأصل ، انتهى. وقال سبطه السيد السند في شرح النافع بعد ذكر الرواية : ونقل
قول الشيخ وابن حمزة بذلك والمعتمد بقاء الزوجية إلى أن تقع البينونة بطلاق أو
غيره ، لأن هذه الرواية لا تبلغ حجة في إثبات هذا الحكم ، انتهى.
أقول : والحكم
في هذا المقام لا يخلو من شوب الاشكال لخروج هذه الرواية على خلاف القواعد المقررة
والضوابط المعتبرة المستفادة من الأخبار المتكاثرة ، وإمكان تخصيص تلك القواعد
بهذا الخبر والعمل بمضمونه في هذا الفرد كما تقدم نظائر ذلك في مواضع عديدة ،
والله العالم.
الثاني : قد صرح جملة من الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ بأنه ليس للمسلم إجبار
زوجته الذمية على الغسل من حيض كان أو جنابة ، لأن ذلك حق الله عزوجل ، لا حق الزوج ، والحال أنها قد أقرت على دينها شرعا
فليس له اعتراضها هذا إن قلنا بجواز الوطي قبل الغسل من الحيض ، ولو قلنا بالتحريم
كما هو أحد القولين أوجبنا عليها ذلك ، فللزوج إجبارها على ذلك لتوقف الاستمتاع
الذي هو حقه عليه ، وإن كان الذي يجبر عليه إنما هو صورة الغسل مع النية ، لأن
الغسل وكذا غيره من العبادات لا يصح منها حال الكفر.
قالوا : وله
إجبارها أيضا على كل ما ينقض الاستمتاع بدون فعله ، وإزالة
كل ما ينقصه بقاؤه كالوسخ الكثير والنتن الغالب ، وطول الأظفار وشعر الإبط
والعانة ، وشرب الخمر المؤدي إلى الإسكار ، لأن السكر مانع من تمام الاستمتاع ،
وكذا أكل لحم الخنزير ومباشرة النجاسات المنفرة للنفس ، ولا فرق بين قليل السكر
وكثيره ، لاختلاف الناس في مقدار ما يسكر ، فربما أسكر القليل منه فينافي المقصود
، لكن قيل : بأنه يشكل هذا الإطلاق بنحو تناول القطرات اليسيرة التي يعلم قطعا عدم
إسكارها ، وكذلك إطلاق منعها من استعمال النجاسات إنما يتم على تقدير إيجابه نفرة
، أو على القول بطهارة بدنها كما يعتبره العامة هنا ، أما على قول أصحابنا من
نجاستها بدونه ، فلا يظهر وجه المنع من مباشرتها لها مطلقا بل من حيث إنها تنافي
الاستمتاع وتوجب نفرة الطبع ، ومثل هذا لا يختص بالكافرة بل تشاركها فيه المسلمة ،
حتى أن له منعها من تناول كل ذي رائحة خبيثة توجب ذلك كالثوم والبصل ، وكذا له
منعها من الخروج إلى البيع والكنائس وغيرها لمنافاته الاستمتاع الواجب عليها في كل
وقت ، كما له منع المسلمة من الخروج إلى المساجد ونحوها من بيوت الأقارب والجيران
، فإن هذا الحكم يشترك بين الزوجات مطلقا ، ولا فرق بين الشابة والمسنة وإن كان
المنع في حق الشابة أقوى خوفا من الفتنة ، والله العالم.
البحث الثاني : في كيفية الاختيار :
قالوا : وهو
إما بالقول أو بالفعل ، والأول إما بالتصريح أو الكناية.
أما (الأول)
فهو كل ما دل من الألفاظ على الإمساك للنكاح ، مثل اخترت نكاحك ، أو اخترت تقرير
نكاحك ، أو اخترت بقاءك على النكاح ، ونحو ذلك ، وفي اخترتك وأمسكتك مطلقا إشكال
من حيث عدم النكاح ، وعده في الشرائع من الألفاظ الدالة على ذلك.
وأما (الثاني)
وهو ما يدل بالكناية ، فهو ما يدل عليه اللفظ بالالتزام كما
لو كان عنده ثمان نسوة فاختار أربعا للفسخ فإنه يلزم نكاح الأربع الباقيات
، وإن لم يتلفظ في حقهن بشيء ، فإن الشارع قد جعل له الخيار في أن يفسخ عقد من
شاء ، فإذا اختار فسخ نكاح أربع ثبت عقد البواقي بدون لفظ يدل على الاختيار ، بل
لا مجال للاختيار هنا بعد خروج أولئك بالفسخ.
وظاهر شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك عد لفظ «اخترتك» و «أمسكتك» في هذا القسم لما قلناه من عدم
التصريح بإرادة الإمساك للنكاح والاختيار له.
وأما (الثالث)
وهو الاختيار بالفعل فمثل أن يطأ ، فإن ظاهر ذلك أنه لا يطأ إلا من يختار نكاحها
لدلالته على الرغبة فيها ، عملا بحمل أفعال المسلم على الصحة وصيانته عن الزنا ،
ولهذا عد ذلك رجوعا في الطلاق ، وفسخا على تقدير الخيار للبائع ، وعلى هذا لو وطأ
أربعا ثبت عقدهن ، واندفع البواقي. ويظهر من جماعة من الأصحاب عدم الخلاف في ذلك
عندنا.
أقول : الأظهر
أن يقال : إنه إن اقترن ذلك بالقصد إلى الاختيار فما ذكروه في محله ، وإلا فهو محل
إشكال ، لأن الاختيار الذي به يتحقق بقاء نكاح من يختارهن إنما هو عبارة عن القصد
واللفظ ، والفعل إنما جعل موجبا لذلك ، لأنه دال عليه ومبني عنه ، وحينئذ فإطلاق
القول يكون مجرد الوطي اختيارا بالفعل كما ذكروه لا يخلو من إشكال.
ثم إنهم قالوا
: لو لمس أو قبل بشهوة فإنه يمكن أن يكون اختيارا ، بتقريب ما ذكر في الوطي من حيث
الدلالة على الرغبة ، وصيانة حال المسلم ، فإنه قائم في الموضعين ، وحينئذ فيدلان
على الاختيار ، كما أنهما يدلان على الرجعة لا بطريق القياس عليها بل المراد تشبيه
الاختيار بالرجعة لتقاربها في المعنى ، ويمكن أن لا يكون ذلك اختيارا من حيث إنهما
أضعف دلالة من الوطي ، والاحتمال فيهما يتطرق من حيث إنهما قد يوجدان في الأجنبية.
أقول : والأظهر
أن يقال هنا ما قدمناه أيضا من أنه إن اقترن ذلك بالقصد
إلى الاختيار ، فالظاهر أنه موجب للاختيار ، وإلا فهو محل إشكال.
تتمة
قد صرحوا بأن
من جملة الألفاظ الدالة على الاختيار الطلاق ، لواحدة أو أزيد ، لأن الطلاق موضوع
لازالة قيد النكاح ، فلا تواجه به إلا الزوجة ، فإذا خاطب واحدة منهن به كان ذلك
دليلا على اختيارها زوجة أو لا ، ثم يقع بها الطلاق إن حصلت شرائطه ، وينقطع نكاح
الأربع المطلقات بالطلاق ، ويندفع نكاح الباقيات بالشرع ، والأصل في ذلك أن
الاختيار ليس باللفظ ، بل بالقصد ، واللفظ وضع دالا عليه ، والطلاق يدل على إرادة
النكاح كما قررناه.
أما لفظ الظهار
والإيلاء فليس كذلك على المشهور ، إذ لا دلالة فيهما على الاختيار ، وهو وجه الفرق
بينهما وبين الطلاق.
وتوضيحه : إن
الظهار وصف بتحريم المرأة المواجهة به ، والإيلاء حلف على الامتناع من وطئها وكل
منهما بالأجنبية أليق منه بالزوجة ، غاية الأمر أن الظهار إذا خوطبت به الزوجة
ترتب عليه أحكام مخصوصة ، وإذا خوطبت به الأجنبية لم تترتب عليه الأحكام ، وكان
قولا صحيحا بالنسبة إليها ، وفي الإيلاء لو حلف على الامتناع من وطئ الأجنبية
فتزوجها ووطأها كان عليه الكفارة ، وكذلك بالزوجة مع زيادة أحكام أخر.
والحاصل : إن
نفس المخاطبة بهما لا تستلزم الزوجية ، فلا يكون أحدهما اختيارا ، بخلاف الطلاق
فإنه رافع للنكاح ، والنكاح جزء مفهومه ، أو لازمه لزوما بينا ، فإثباته يستلزم
إثباته.
ونقل عن الشيخ
إن كل واحدة من الظهار والإيلاء يكون تعيينا للنكاح كالطلاق ، لأنهما تصرفان
مخصوصان بالنكاح ، فأشبها لفظ الطلاق ، كذا أفاده شيخنا ـ قدسسره ـ في المسالك ، وعندي في أصل الحكم المذكور توقف لعدم
النص بما ذكروه ، فإثبات الأحكام الشرعية بأمثال هذه التقريبات العقلية
عندي محل إشكال.
ولم أقف في هذا
الباب إلا على خبر عقبة بن خالد المتقدم ، وغاية ما يدل عليه أنه يمسك أربعا ويطلق ثلاثا ،
والمتبادر من الإمساك هو القصد إلى اختيار بقاء أربع معينات من تلك السبع والمفارقة
للباقين.
على أنك قد
عرفت دلالة ظاهر الخبر المذكور على توقف فسخ نكاح من لا يريدهن على الطلاق ، وإن
كانوا لا يقولون به ، إلا أن الخبر كما عرفت لا معارض له إلا مجرد شهرة الحكم
بينهم بما قالوه.
وبالجملة
فالخروج عما ظاهرهم الاتفاق عليه مشكل ، والخروج عن ظاهر الأخبار بذلك أشكل ،
والله العالم.
البحث الثالث في اللواحق :
وهي مسائل
مترتبة على اختلاف الدين الأولى : إذا تزوج الكافر امرأة وبنتها ثم أسلم ، فلا يخلو إما
أن يكون قد دخل بهما معا ، أو لم يدخل بواحدة منهما ، أو دخل بالأم دون البنت ، أو
بالعكس ، فههنا صور أربع.
الاولى : أن
يكون قد دخل بهما ، فيحرمان عليه معا ، أما الأم فللعقد على البنت فضلا عن الدخول
بها ، وأما البنت فللدخول بالأم ، وعلى هذا فيسقط الاختيار لتحريم كل منهما عليه
كما عرفت.
الثانية : أن
يدخل بالأم خاصة ، وهو موجب لتحريمهما معا أيضا ، أما البنت فللدخول بالأم ، وأما
الأم فللعقد على البنت كما عرفت في سابق هذه الصورة.
الثالثة : أن
يدخل بالبنت خاصة ، وحينئذ تحرم الأم خاصة للعقد على البنت فضلا عن الدخول المفروض
هنا ، وأما البنت فنكاحها صحيح لا موجب لتحريمها
__________________
لأن مجرد العقد على الام لا يحرمها ، وإنما يحرمها الدخول مع ذلك.
الرابعة : أن
لا يدخل بواحدة منهما ، وفيها قولان :
(أحدهما) وهو
المشهور بين المتأخرين أن هذه الصورة كسابقتها في أنها تحرم عليه الأم خاصة ،
ويبطل عقدها للعقد على البنت ، فإنه موجب لتحريم الام وإن لم يقترن به دخول ، وأما
البنت فيلزم نكاحها لعدم الموجب لبطلانه ، لأن نكاح الكفر صحيح ، ومن ثم يتخير
أربعا لو أسلم على أزيد منهن ، ويصح نكاحهن بغير تجديد عقد آخر.
و (ثانيهما)
وهو المنقول عن الشيخ ـ رحمهالله ـ القول بأن له اختيار أيتهما شاء بناء على أن عقد
المشرك لا يحكم صحته إلا بانضمام الاختيار في حال الإسلام ، وإلا فهو في حد ذاته
باطل بدون ذلك ، فإنه لو تزوج بعشر واختار منهن أربعا لم يكن للبواقي مهر ولا نفقة
ولا متعة ، بل هن بمنزلة من لم يقع عليهن عقد ، ولأنه لو أسلم على أختين قد
تزوجهما دفعة تخير أيتهما شاء ، ولو كان العقد الذي صدر حال الكفر صحيحا لزم
بطلانه كالمسلم ، وليس له الاختيار ، وعلى هذا فإن اختار نكاح البنت استقر نكاحها
وحرمت الأم مؤبدا ، وإن اختار نكاح الام لم تحرم البنت بدون الدخول.
وأجيب بأن ما
ذكر من سقوط المهر والنفقة لا يدل على بطلان العقد ، بل الوجه فيه أنه فسخ جاء لا
من قبل الزوج ، ولأن العقد لو لم يكن صحيحا لم يكن ، لانضمام الاختيار أثر في صحته
، كما في كل عقد باطل.
هذا ما ذكروه ـ
نور الله تعالى مراقدهم ـ في هذا المقام ، ولم أقف على نص في ذلك عنهم عليهمالسلام وأنت خبير بان الظاهر أن الكلام في هذه المسألة مبني
على ما هو المشهور بينهم ، وكذا بين العامة ، بل الظاهر اتفاق الجميع عليه حيث لم
ينقلوا الخلاف فيه إلا عن أبي حنيفة من أن الكافر مكلف بالفروع ، والخطابات
الشرعية متوجهة إليه كما تتوجه إلى المسلم ، وإن كان قبول ذلك وصحته منه
موقوفا على الإسلام ، وحينئذ فما دل من الأخبار على تحريم الام بالعقد على
البنت أو الدخول بها ، وكذا ما دل على تحريم البنت بالدخول بالأم دون مجرد العقد
عليها ، ونحو ذلك شامل للكافر كالمسلم فيؤخذ به بعد الإسلام ويحكم عليه بذلك.
وأما على ما
يظهر من جملة من الأخبار من أن الخطابات الشرعية والتكاليف الفرعية لا تتناول
الكافر في حال كفره ، بل هي مختصة بالمسلم ، وإنما يخاطب بها ويكلف بأحكامها بعد
الإقرار بالإسلام ، فمن الجائز أن يقال : إن جميع ما فعله في حال كفره من العقد
والتزويج بكل من كان وكيف كان وعلى أي نحو كان لا يترتب عليه أثر ولا حكم بالنظر
إلى شريعتنا ، وإنما يترتب على أحكام شريعتهم وملتهم.
نعم متى دخل في
الإسلام تعلقت به التكاليف الإسلامية ، وتوجهت إليه الخطابات الشرعية ، وحينئذ
فإذا أسلم على امرأة وبنتها قد تزوجهما في حال الكفر لم ينظر فيما فعله في حال
الكفر من دخول أو عدمه أو نحو ذلك مما رفعوه وذكروه ، بل الواجب التفريق بينه
وبينهما ، حيث إن ذلك غير جائز في شريعة الإسلام.
بقي الكلام في
جواز اختيار إحداهما وعدمه ، والمسألة غير منصوصة كما عرفت ، إلا أنه بالنظر إلى
ما ورد في إسلام الكافر على أزيد من أربع أنه يختار أربعا ويفارق الباقي يمكن القول هنا بذلك ، لأن الجميع من باب واحد فيختار
إحداهما حينئذ ، ويثبت نكاحها بالاختيار ، وينفسخ نكاح الثانية.
ومن الأخبار
المشار إليها ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن
__________________
زرارة قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟
فقال : «إن الله عزوجل بعث محمدا صلىاللهعليهوآله إلى الناس أجمعين رسولا وحجة لله على جميع خلقه في أرضه
، فمن آمن بالله وبمحمد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم واتبعه وصدقه ، فإن معرفة الإمام منا واجبة عليه ، ومن
لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتبعه ولم يصدقه ويعرف حقهما ، فكيف يجب عليه معرفة
الامام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقهما» الحديث.
والحديث صحيح
صريح في المدعى ، والتقريب فيه أنه إذا لم يجب عليه معرفة الإمام الحامل للشريعة
والمستودع أحكامها فبطريق الأولى لا يجب على القيام بتلك الأحكام ولا تعرفها ولا
الفحص عنها التي هي لا تؤخذ إلا منه ، وهذا بحمد الله سبحانه واضح لا خفاء عليه.
وما رواه الثقة
الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن الصادق عليهالسلام في تفسير قوله تعالى «وَوَيْلٌ
لِلْمُشْرِكِينَ ، الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ
كافِرُونَ» قال عليهالسلام : أترى أن الله تعالى طلب من المشركين زكاة أموالهم وهم
مشركون به ، حيث قال : (وَوَيْلٌ
لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ
كافِرُونَ) ، إنما دعا العباد إلى الايمان ، فإذا آمنوا بالله
ورسوله افترض عليهم الفرض».
وما رواه في
كتاب الاحتجاج في حديث الزنديق الذي جاء إلى أمير المؤمنين عليهالسلام مستدلا بآي من القرآن على تناقضه واختلافه ، حيث قال عليهالسلام «فكان أول ما قيدهم به الإقرار بالوحدانية والربوبية والشهادة أن لا إله
إلا الله ، فلما أقروا بذلك تلاه بالإقرار لنبيه صلىاللهعليهوآله بالنبوة ، والشهادة بالرسالة ، فلما انقادوا لذلك
__________________
فرض عليهم الصلاة ثم الصوم ثم الحج» الحديث.
ولم أر من تنبه
لما ذكرناه في هذا المقام ولا حام حوله من العلماء الأعلام إلا المحدثين الأمين
الأسترآبادي في كتابه الفوائد المدينة ، والمحسن الكاشاني في كتابه الوافي وتفسيره
الصافي ، فقال في الأول بعد نقل الخبر الأول : وفي هذا الحديث دلالة على أن الكفار
ليسوا مكلفين بشرائع الإسلام كما هو الحق ، خلافا لما اشتهر بين متأخري أصحابنا.
وقال في الثاني
بعد نقل الخبر الثاني : هذا الحديث يدل على ما هو التحقيق عندي من أن الكفار غير
مكلفين بالأحكام الشرعية ما داموا باقين على الكفر ، انتهى.
ونحن قد بسطنا
الكلام في هذا المقام بما لا يحوم حوله نقض ولا إبرام في كتابنا الدرة النجفية من
الملتقطات اليوسفية ، وتقدم نبذة منه في الجلد الأول من كتاب الطهارة في باب غسل
الجنابة وأوردنا جملة من الأدلة العقلية والنقلية زيادة على ما
ذكرناه ، وأبطلنا ما استدل به للقول المشهور بما هو واضح الظهور فليرجع إليه من
أحب الوقوف عليه.
وبالجملة فإنه
لو قام لهم دليل في هذا المقام على ما ذكروه من هذه الأحكام من الأخبار الواردة
عنهم عليهمالسلام لوجب علينا الانقياد ، وجذب أعنة الأقلام من هذا الكلام
، وحيث لا دليل فالمانع مستظهر ، كما هو ظاهر لذوي الأفهام وإن كان هذا يكبر في
صدور الآلفين بتقليد المشهورات ، ولا سيما إذا زخرفت بالإجماعات ، والله الهادي
لمن يشاء.
تذنيبات
الأول : قالوا بناء على ما تقدم : لو أسلم من أمة وبنتها وهما مملوكتان له ، فإن
كان قد وطأهما حرمتها معا ، وإن كان وطأ إحداهما حرمت الأخرى ،
__________________
وإن لم يكن وطئ واحدة منهما تخير ، وعلل الحكم الأول بأن وطئ كل من الام
والبنت يحرم الأخرى سواء وقع بعقد أو ملك أو شبهة.
وعلل الثاني
بأنها أم امرأة مدخول بها أو بنتها ، وكلتاهما محرم ، وأما المدخول بها أيتهما
كانت ، فإنه يستقر حل وطئها إذ لا موجب لتحريمها.
وعلل الثالث
بما تقدم في المسلم إذا تزوج الأختين دفعة أو ملكهما فإنه يتخير لنكاح أيتهما شاء
، وقد تقدم الكلام في ذلك.
الثاني : قالوا : لو أسلم عن أختين تخير أيتهما شاء وإن كان قد
وطأها ، بخبر فيروز الديلمي حيث أسلم عن أختين فخيره النبي صلىاللهعليهوآله في إمساك أي الأختين شاء ، ووطئهما لا دخل له في
التحريم هنا ، إذ ليستا مثل الام والبنت ويصير حكم غير المختارة حكم الزائد على
العدد الشرعي.
الثالث
: لو أسلم عن
عمة وبنت أخيها ، أو خالة وبنت أختها فإن رضيت العمة أو الخالة بالجمع بينها وبين
بنت أخيها أو بنت أختها فلا بحث ، وإن اختارتا عدم الجمع تخير بين العمة وبنت
أخيها والخالة وبنت أختها فكل من اختارها صح نكاحها وبطل نكاح الأخرى كما في
الأختين ، ولو أسلم عن حرة وأمة ، فإن رضيت الحرة بالجمع فلا إشكال ، وإلا انفسخ
عقد الأمة وبقيت الحرة وحدها ، ثم أنه على تقدير رضى الحرة بالجمع فعند الأصحاب
أنه لا يبنى على القول بجواز نكاح الأمة بدون الشرطين بل هو جاز على القولين ، لأن
محل الخلاف كما تقدمت الإشارة إليه إنما هو في ابتداء نكاح الأمة لا في استدامته ،
ويجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء ، كما أنه ليس له العقد على الكتابية
على القول به ، وله استدامته على هذا القول ، ولا فرق في رضى العمة أو الخالة أو
الحرة بالجمع بين كونه في حال الكفر أو حال الإسلام ، فلو رضين في حال الكفر فليس
لهن الرجوع عنه بعد الإسلام تمسكا بالاستصحاب ولأن نكاح الكفر صحيح ، فإذا
__________________
وقع مستجمعا للأمور المعتبرة في شرع الإسلام كان لازما.
هذا ما صرحوا
به ـ نور الله تعالى مراقدهم ـ في المقام ، وهو كما عرفت فيما تقدم خال عن
الروايات الدالة على شيء من هذه الأحكام ، ولا ريب أن هذه الفروع كلها ـ ما ذكر
وما يأتي ، وكذا ما تقدم في الكتب السابقة كما تقدمت الإشارة إليه ـ إنما أخذت
الأصحاب من كتب المخالفين لعدم وجود أمثال هذه التفريعات في كتب أصحابنا المتقدمين
حيث إنها مقصورة على مجرد نقل الأخبار.
نعم ربما أمكن
ارتباط بعضها بالأدلة العامة ، وربما وجد نص في بعضها ، وما ذكرناه من البحث سابقا
يمكن تطرقه إلى بعض هذه المواضع أيضا.
وبالجملة
فالوقوف على جادة الاحتياط فيما لا دليل واضح عليه طريق السلامة ، وحيث كان بقية
مسائل هذا البحث من هذا القبيل ضربنا صفحا عن ذكرها ، وطوينا كشحا عن نشرها ، لعدم
الأدلة الواضحة فيما ذكروه فيها من الأحكام سيما مع كونها مما لا وقوع لها بين
الأنام في جملة من الأيام والأعوام ، ورأينا التشاغل بغيرها مما هو أهم ونفعه أعم
أولى بالمسارعة إليه لدى الملك العلام ، والله العالم.
مسائل من لواحق
العقد قد حصلت الغفلة عن ذكرها ثمة ، فذكرناها في آخر هذا الفصل.
الاولى : لا خلاف بين الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ في اشتراط الكفاءة في صحة
النكاح ، وهي لغة التساوي والمماثلة ، من قولهم تكافأ القوم أي تماثلوا ، وشرعا
التساوي في الايمان على المشهور ، وقيل : إنها عبارة عن التساوي في الإسلام وهو
اختيار المحقق في كتابيه ، والشهيد الثاني في المسالك ، والمحدث الكاشاني في
المفاتيح ، ونقل في المسالك عن الشيخ المفيد وابن حمزة قال : للإجماع على اعتباره
وعدم الدليل الصالح لاعتبار غيره ، ثم قال : ووافقهم ابن الجنيد في غيره من تحرم
عليه الصدقة.
أقول : لا بد
قبل الخوض في البحث من تقديم مقدمة في المقام ، ليتضح بها
محل الخلاف ، ويبتني عليها الكلام ، فنقول قد عرفت فيما تقدم أنه لا يجوز
للمسلم التزويج بالكافرة مطلقا ، وهو موضع نص ووفاق ، ولا يجوز للمسلم التزويج
بالكافرة أيضا إلا ما استثني من جواز نكاح الكتابية استدامة وابتداء على الخلاف
المتقدم ، والمراد من الإسلام هنا هو التصديق بالشهادتين وجميع ما جاء به النبي صلىاللهعليهوآله عدا الإمامة ، والايمان عبارة عن الاعتقاد بالإمامة مع
الإسلام المذكور ، ثم أنه على تقدير القول المشهور ، وهو اعتبار الايمان ، فمذهب
الأكثر اعتباره في جانب الزوج دون الزوجة ، بمعنى أنه لا يجوز للمؤمنة التزويج
بالمخالف دون العكس ، وهو تزويج المؤمن بالمخالفة ، وحكى الشهيد الثاني في الروضة
عن بعضهم أنه ادعي الإجماع على ذلك ، وعلى هذا فالكفاءة إنما تشترط في جانب الزوج
دون الزوجة.
وقد نقل في
المختلف عن سلار ما يشعر باشتراط الكفاءة من جانب الزوجة فإنه قال : وقال سلار :
ومن الشرائط أن تكون المرأة مؤمنة أو مستضعفة ، وإن كانت ذمية أو مجوسية أو معاندة
لم يحل نكاحها قط غبطة ، لأن الكفاءة في الدين مراعاة عندنا في صحة هذا العقد ،
انتهى وهو المؤيد بالأخبار الآتية في المقام فإنها صريحة في المنع إلا من
المستضعفين والشكاك.
وبالجملة فالذي
يظهر لي من الروايات اعتبار الكفاءة من الطرفين ، نعم دلت على استثناء المستضعفة
فيجوز تزويجها من حيث إسلامها على كلام يأتي في ذلك إن شاء الله.
والظاهر أن
الحامل لأكثر المتأخرين ـ على القول بجواز تزويج المخالفة وأن الكفاءة غير مشترطة
في جانب المرأة ـ هو الأخبار الدالة على جواز التزويج بالذمية فجعلوا المخالفة من
قبيل ذلك ، وفيه ما قدمنا تحقيقه من أن الروايات وإن اختلفت في ذلك إلا أن الأقرب
حمل روايات الجواز على التقية.
وكيف كان فمظهر
الخلاف بين القولين المتقدمين عند أصحابنا هو المخالفون
أهل السنة والمستضعفون من الفريقين.
وأنت خبير بأن
هذا إنما يتمشى على مذهب المتأخرين القائلين بإسلام المخالفين ووجوب إجراء أحكام
الإسلام عليهم ، وأما على مذهب المتقدمين القائلين بكفر المخالفين ونصبهم وعدم
جواز إجراء شيء من أحكام الإسلام عليهم إلا أن يكون للتقية كما هو الظاهر من
الأخبار الواضحة المنار الساطعة الأنوار كما حققناه في كتاب «الشهاب الثاقب في
بيان معنى الناصب» وما يترتب عليه من المطالب ، فلا يتم هذا الكلام ، بل يجب الحكم
بعدم صحة مناكحتهم كسائر أفراد الكفار ، كما ستأتيك به الأخبار إن شاء الله في
المقام ، مكشوفة القناع لذوي الأفهام ، وعلى هذا فإنما مظهر الخلاف المستضعف خاصة.
إذا تقرر ذلك
فاعلم أن ما يدل من الأخبار على اشتراط الايمان ، وجواز نكاح في المستضعف والشكاك
خاصة ما رواه المشايخ الثلاثة ـ عطر الله مراقدهم ـ عن الحسين بن بشار قال : «كتبت
إلى أبي جعفر الثاني عليهالسلام أسأله عن النكاح فكتب عليهالسلام : من خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته «كائنا من كان»
فزوجوه ، (إِلّا تَفْعَلُوهُ
تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ)» ، وقوله «كائنا من كان» في رواية الفقيه خاصة.
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن علي بن مهزيار قال : «كتب علي بن أسباط
إلى أبي جعفر عليهالسلام في أمر بناته ، وأنه لا يجد أحدا مثله ، فكتب إليه أبو
جعفر عليهالسلام : فهمت ما ذكرت من أمر بناتك ، وأنك لا تجد أحدا مثلك ،
فلا تنظر في ذلك رحمك الله ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوه
تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».
__________________
وبهذا المضمون
أخبار عديدة ، والتقريب فيها إن غير المؤمن لا يرضى دينه ، والخلق في هذه الرواية
وغيرها بمعنى الدين كما صرح به أهل اللغة ، لأنه وإن كان لغة بمعنى السجية والطبيعة
أيضا فهو مستعمل في المعنيين.
قال في القاموس
: والخلق بالضم وبضمتين : السجية والطبيعية والمروة والدين ، وقال في كتاب
مجمع البحرين : إن هذا إلا خلق الأولين بسكون اللام يريد مذهبهم إلى
أن قال : والخلق بالضم السجية لأنه لا قائل هنا باشتراط حسن الخلق والطبع في صحة
النكاح ، ولا ورد بذلك نص ، فيتعين حمله على المعنى الثاني ، وحينئذ فيكون من قبيل
عطف المرادف.
وبذلك يظهر لك
أن ما طعن به في المسالك على هذه الروايات من أن ذكر الخلق هنا وإضافته إلى الدين
مع أن الخلق غير معتبر في الكفاءة إجماعا قرينة على أن اشتراط كل من الأمرين إنما
قصد به الكمال ، والأمر بتزويج من هو كذلك لكماله ، فلا يلزم منه تحريم تزويج غيره
، فإن فيه إنه إنما يتم ما ذكره لو انحصر معنى الخلق في السجية والطبيعة ، وأما
إذا كان بمعنى الدين كما صرحوا به أيضا فالواجب حمل اللفظ عليه دون المعنى الآخر
لتأيده بالروايات المتكاثرة الدالة على اشتراط الايمان ، وأيضا فإن الفتنة والفساد
الكبير إنما يترتب على ترك تزويج من اتصف بالمعنى الذي ذكرناه ، لا بالمعنى الذي
ذهب إليه.
ومنها ما رواه في
الكافي والتهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : تزوجوا في الشكاك ، ولا تزوجوهم لأن المرأة تأخذ
من أدب زوجها ويقهرها على دينه».
__________________
ورواه في
الفقيه عن صفوان عن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام مثله ، وطريقه إلى صفوان حسن بإبراهيم بن هاشم فيكون
الحديث كالصحيح.
وما رواه الشيخ
عن زرارة في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أتزوج مرجئة أو حرورية؟ قال : لا ، عليك بالبله من
النساء ، قال زرارة : فقلت : والله ما هي إلا مؤمنة أو كافرة ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : وأين أهل ثنوي الله عزوجل قول الله عزوجل أصدق من قولك (إِلَّا
الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ
حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً)» .
وما رواه في
الكافي عن زرارة في الصحيح أو الحسن قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام : إني أخشى أن لا يحل لي أن أتزوج من لم تكن على أمري ،
فقال : ما يمنعك من البله من النساء؟ قلت : وما البله؟ قال : هن المستضعفات من
اللاتي لا ينصبن ولا يعرفن ما أنتم عليه».
وعن حمران بن
أعين قال : «كان بعض أهله يريد التزويج ولم يجد امرأة مسلمة موافقة فذكرت ذلك
لأبي عبد الله عليهالسلام فقال : أين أنت من البله الذين لا يعرفون شيئا».
وما رواه في
الفقيه عن حمران بن أعين في الحسن أو الموثق «وكان بعض أهله
يريد التزويج فلم يجد امرأة يرضاها ، فذكر ذلك لأبي عبد الله عليهالسلام فقال : أين
__________________
أنت من البلهاء واللواتي لا يعرفن شيئا؟ قلت : إنا نقول : إن الناس على
وجهين كافر ومؤمن ، فقال : فأين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا؟ وأين المرجون
لأمر الله؟ وأين عفو الله».
وما رواه في
الكافي عن زرارة في الموثق عن أبى جعفر عليهالسلام قال : «قلت : ما تقول في مناكحة الناس فإني قد بلغت ما
ترى وما تزوجت قط ، قال : وما يمنعك من ذلك؟ قلت : ما يمنعني إلا أخشى أن لا يكون
يحل لي مناكحتهم ، فما تأمرني؟ قال : كيف تصنع وأنت شاب أتصبر؟ ثم ساق الخبر إلى
أن قال : قلت : أصلحك الله فما تأمرني أنطلق فأتزوج بأمرك؟ فقال : إن كنت فاعلا
فعليك بالبلهاء من النساء ، قلت : وما البلهاء؟ قال : ذوات الخدور العفائف ، قلت :
من هو على دين سالم بن أبي حفصة؟ فقال : لا ، فقلت : من هو على دين ربيعة الرأي؟
فقال : لا ، ولكن العواتق اللاتي لا ينصبن ولا يعرفن ما تعرفون».
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن زرارة قال : «قال أبو جعفر عليهالسلام : عليك بالبله من النساء التي لا تنصب والمستضعفات» .
أقول : قد دلت
هذه الأخبار على أن زرارة ونحوه كانوا يعتقدون الناس يومئذ إما مؤمن أو كافر ،
وأنه لا تحل مناكحة الكافرة ، والامام عليهالسلام قد أقرّه على الحكم بالكفر ، وأن نكاحها لا يجوز لذلك ،
وإنما رد عليه في حصره الناس في القسمين
__________________
المذكورين مع وجود قسم ثالث ، ومنهم البله والمستضعفون الذين ليسوا بمؤمنين
ولا كافرين ، فإنهم من المسلمين.
وقوله عليهالسلام في هذه الأخبار «لا ينصبون» كناية عن المخالف الذي حكم
أصحابنا بإسلامه ، وظاهر هذه الأخبار كما ترى هو كفره ، وقوله عليهالسلام «ولا يعرفون» كناية عن المؤمنين القائلين بإمامة الأئمة عليهمالسلام ، وهذا هو الموافق للأخبار المستفيضة الدالة على أن الناس في زمانهم عليهمالسلام على أقسام ثلاثة : مؤمن وكافر وضال ، والمراد بالضال
الشكاك والمستضعفون ، وقد نقلناها بكمالها في كتابنا الشهاب الثاقب المتقدم ذكره ،
وهي صريحة في كفر المخالفين كما عليه جل علمائنا المتقدمين حسبما أوضحناه في
الكتاب المشار إليه.
ومنها ما رواه في
الكافي والتهذيب عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا يتزوج المؤمن الناصبة المعروفة بذلك».
وما رواه في
الكافي عن ربعي عن الفضيل بن يسار في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال له الفضيل : أتزوج الناصبة؟ قال : لا ، ولا
كرامة ، قلت : جعلت فداك والله إني لأقول لك هذا ، ولو جاءني ببيت ملآن دراهم ما
فعلت».
وعن الفضيل بن
يسار قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إن لامرأتي أختا عارفة على رأينا ، وليس على رأينا
بالبصرة إلا قليل فأزوجها ممن لا يرى رأيها؟ قال : لا ولا نعمة ولا كرامة إن الله عزوجل يقول «فَلا تَرْجِعُوهُنَّ
إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ ، وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ».
__________________
وعن الفضيل بن
يسار في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن نكاح الناصب فقال : لا وجه والله ما يحل ، قال فضيل
: ثم سألته مرة أخرى فقلت : جعلت فداك ما تقول في نكاحهم؟ قال : والمرأة عارفة؟
قلت : عارفة ، قال : إن العارفة لا توضع إلا عند عارف».
وما رواه في
التهذيب عن فضيل بن يسار قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن المرأة العارفة هل أزوجها الناصب؟ قال : لا ، لأن
الناصب كافر ، قال : فأزوجها الرجل غير الناصب ولا العارف؟ فقال : غيره أحب إلي
منه».
أقول : أفعل
التفضيل هنا ليس على بابه ، بل هو بمعنى أصل الفعل كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله
تعالى.
وما رواه في
الكافي عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه أتاه قوم من أهل خراسان من وراء النهر فقال لهم : تصافحون أهل بلادكم
وتناكحونهم أما إنكم إذا صافحتموهم انقطعت عروة من عرى الإسلام ، وإذا ناكحتموهم
انهتك الحجاب بينكم وبين الله عزوجل».
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال : «تزوج اليهودية والنصرانية أفضل ـ أو قال ـ خير
من تزوج الناصب والناصبية».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن عبد الله بن سنان في الصحيح قال : «سألت أبا عبد
الله عليهالسلام عن الناصب الذي قد عرف نصبه وعداوته ، هل نزوجه المؤمنة
وهو قادر على رده ، وهو لا يعلم برده؟ قال : لا يزوج المؤمن الناصبة ولا يتزوج
الناصب
__________________
المؤمنة ، ولا يتزوج المستضعف مؤمنة».
إلى غير ذلك من
الأخبار البالغة حد التواتر المعنوي ، والمفهوم من الأخبار أن الناصب حيثما يطلق
إنما يراد به المخالف الغير المستضعف كما أشرنا إليه في ذيل روايات زرارة ، لأن
بعضا ورد بأنه عبارة عن المقدم للجبت والطاغوت وبعضا آخر ورد بأنه المبغض للشيعة
من حيث التشيع ، والمعنيان متلازمان كما هو المؤيد بالوجدان ، وأصحابنا المتأخرون
الحاكمون بإسلام المخالفين جعلوا الناصب هو المبغض لأهل البيت عليهمالسلام أو المعلن ببغضهم فجعلوه أخص من المخالف ، والحق أن
المستفاد من الأخبار هو حصول البغض لهم عليهمالسلام من جميع المخالفين ، فإن مجرد التقديم عليهم في الإمامة
بغض لهم كما اعترف به شيخنا الشهيد الثاني الحاكم بإسلامهم هنا في كتاب روض الجنان
مضافا إلى استفاضة الأخبار بثبوت البعض لهم كما نقلناه في كتابنا المتقدم ذكره ، وبذلك يظهر لك
__________________
ضعف قوله في المسالك بعد الخلاف في أن الناصب هل هو المعلن بعداوة أهل
البيت عليهمالسلام أو لا يشترط الإعلان؟ وعلى التقديرين فهذا أمر عزيز في
المسلمين الآن لا يكاد يتفق إلا نادرا ، فلا تغتر بمن يتوهم خلاف ذلك ، انتهى.
فإنه كلام باطل
لا يلتفت إليه وعاطل لا يعرج عليه ، وإنما نشأ من عدم التعمق في الأخبار وملاحظتها
بعين الاعتبار ، وذيل البحث في المقام واسع ، ومن أراد الاستقصاء في ذلك فليرجع
إلى كتابنا المذكور ، وإلى كتاب الأنوار الخيرية والأقمار الدرية في أجوبة المسائل
الأحمدية.
وبالجملة
فالحكم بالكفر وتحريم المناكحة مما لا ريب فيه ولا شك يعتريه.
وبذلك يظهر لك
ما في كلامه في المسالك من المجازفة حيث نقل بعض الروايات الضعيفة السند وردها بذلك
، ونقل بعض روايات «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه» ورده بما قدمنا نقله عنه ، وقد
عرفت جوابه ، ونقل من جملة ذلك
__________________
رواية أبي بصير المروية في الكافي الدالة على النهي عن تزويج الشكاك معللا بأن المرأة
تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه ، وردها بضعف السند ثم طعن في متنها بأن النهي
عن الشكاك لا يستلزم النهي عن غيرهم ، وقد عرفت أنها وإن كانت ضعيفة برواية صاحب
الكافي إلا أن الصدوق رواها في الفقيه كما قدمناه عن صفوان عن زرارة وطريقه إلى
صفوان حسن بإبراهيم بن هاشم الذي هو في حكم الصحيح على المشهور ، وصحيح على القول
الآخر.
وأما طعنه في
متنها فستعرف ما فيه إن شاء الله ثم ، نقل صحيحة عبد الله بن سنان ، وهي الأخيرة من الروايات التي قدمناها الدالة على أنه لا يتزوج المستضعف
مؤمنة ، ثم قال : وهي وإن كانت صحيحة إلا أن المستضعف يطلق على معان ، منها ما هو
أسوء حالا من المخالف العارف ، فلا يلزم من النهي عن نكاح المستضعف النهي عن نكاح
غير المؤمن مطلقا ، وإن كان في أفراده ما هو أحسن حالا من المخالف. انتهى ، ثم نقل
موثقة الفضيل بن يسار الدالة على أن العارفة لا توضع إلا عند عارف ، ثم طعن
في سندها ، ثم حمل النهي على الكراهة ، واستدل برواية الفضيل الأخرى الدالة على أن «غيره أحب إلي منه».
والعجب أنه بعد
نقل هذه الروايات التي ذكرناها عنه قال : فهذه جملة الروايات للقول المشهور في هذا
الباب إيذانا بأنه لا دليل للقول المشهور سواها ، وهو غلط محض وسهو صرف ناش من عدم
إعطاء التأمل حقه في تتبع الأخبار
__________________
كما لا يخفى على من جاس خلال الديار ، والموجود في الأخبار مما يدل على
تحريم المناكحة ما يزيد على ما قدمناه أضعافا مضاعفة ، ثم أنه استدل على القول
الذي اختاره بما قدمنا نقله عنه في صدر المسألة من الإجماع على اعتبار الإسلام ،
وعدم الدليل الصالح لاعتبار غيره ، ثم قال في آخر البحث : وروى عبد الله بن سنان في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام : بم يكون الرجل مسلما يحل مناكحته وموارثته ، وبم يحرم
دمه؟ فقال : يحرم دمه بالإسلام إذا أظهر وتحل مناكحته وموارثته». وهو أصح ما في
الباب سندا وأظهر دلالة ، فقد ظهر بذلك قوة ما اختاره المصنف وإن كان الاحتياط في
الفروج أولى ، انتهى.
أقول : ووجه
النظر يتطرق إلى مواضع من هذا الكلام : الأول : ما قدمنا نقله من قوله في الجواب
عن رواية أبي بصير المروية في الفقيه عن صفوان عن زرارة ـ أن النهي عن الشكاك لا
يستلزم النهي عن غيرهم ـ فإن فيه منعا ظاهرا ، كيف وتعليله عليهالسلام ذلك بأن المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه ،
ينادي باستلزام النهي عن تزويج الشكاك النهي عن تزويج المخالفين الذين هم أسوء
حالا وأثقل أحمالا وأسوء عقيدة من الشكاك كما لا يخفى على من له أدنى ذوق وروية ،
وقد ساعدنا على هذه المقالة سبطه السيد السند ـ قدسسره ـ في شرح النافع ، فقال بعد نقله الصحيحة المذكورة :
ووجه الدلالة أن المنع من تزويج الشكاك يقتضي المنع من تزويج غيره من المعتقدين
لمذهب أهل الخلاف بطريق أولى ، ويؤيده التعليل المستفاد من قوله عليهالسلام : لأن المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه ،
انتهى.
الثاني : ما
أجاب به عن صحيحة عبد الله بن سنان من قوله : إن المستضعف يطلق ـ إلى آخر ما قدمنا
نقله عنه ـ فإن فيه أن ما ذكره من هذا المعنى لم ينقله ناقل من علمائنا ، ولا ورد
به خبر من أخبارنا ، والظاهر أنه ألجأته إليه ضرورة التعصب لهذا القول الضعيف
والمذهب السخيف ، فإن جملة من الأصحاب
__________________
فسروا المستضعف بتفسيرات متقاربة ومعان متناسبة ، لا مدخل لهذا القول الذي
تحمله فيها ، وقد فسره ابن إدريس ـ طاب ثراه ـ بمن لا يعرف اختلاف الناس في
المذاهب ولا يبغض أهل الحق على اعتقادهم.
وعرف في الذكرى
بأنه الذي لا يعرف الحق ولا يعاند عليه ، ولا يوالي أحدا بعينه.
وعرفه الشيخ
المفيد في المسائل الغرية بأنه لا يعرف بالولاء ، ويتوقف عن البراءة ، وهذه
التعاريف كلها متقاربة في المعنى ، وتعاريف الأصحاب كلها من هذا القبيل ، كما
صرحوا به في بحث الصلاة على الأموات ، وأما الأخبار في تفسيره فمن هذا القبيل أيضا
، وقد عقد له في الكافي بابا وسماه باب المستضعف وأخباره كلها كما ذكرناه ، ففي جملة منها أنه عبارة «عمن
لا يستطيع أن يؤمن ، ولا يستطيع أن يكفر» وفي بعضها هم النساء والأولاد ، وفي
بعضها من لم يعرف اختلاف الناس ، وفي بعضها من لم ترفع له حجة ، ومرجعها كلها إلى
ضعف العقل ، على أن ما ذكره من المعنى فاسد في حد ذاته ، حيث إنه لا يفهم من
الأسوء حالا من المخالف العارف ، وهو المعنى الذي فسر به المستضعف هنا إلا الأشد
عنادا في مذهبه الباطل وتعصبا في دينه العاطل ، وليس ذلك إلا بعداوة أهل البيت أو
عداوة شيعتهم لأجلهم ، لأنا لا نعقل من المخالف متى أطلق إلا المخالف في الإمامة ،
والمقدم فيها سيما مع وصفه بالعارف ، وحينئذ فالأسوء حالا منه إنما هو الناصب
المجاهر بالعداوة ، وقد عرفت أن الرواية تضمنت حكم الناصب أولا فلا معنى لذكره
ثانيا. وبالجملة فإن كلامه هنا مختبط لا يظهر له وجه استقامة بالكلية.
الثالث : فيما
استند اليه من رواية الفضيل بحمل قوله عليهالسلام ـ بعد قول السائل فأزوجها الغير الناصب ولا العارف ـ : «وغيره
أحب إلي منه» على إرادة التفضيل من هذه الصيغة ، فإنه يقتضي كون تزويج الغير
الناصب والعارف وهو المستضعف
__________________
والشكاك محبوبا في الجملة ، فإن فيه أنه يجب حمل أفعل التفضيل هنا على غير
بابه جمعا بين هذا الخبر وغيره مما دل على اشتراط الايمان في الرجل فإن ذلك شائع
ذائع ، ومن ذلك قوله عزوجل «ما عِنْدَ اللهِ
خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ» الآية ، وقوله عليهالسلام في صحيحة عبد الله بن سنان وقد سأله أبوه عن نكاح اليهودية والنصرانية ، فقال عليهالسلام «نكاحهما أحب إلي من نكاح الناصبية». فإنه بمقتضى ما قاله يدل على جواز
نكاح الناصبية مع أنه حرام نصا وإجماعا. ونحوها رواية أبي بصير المتقدمة الدالة
على أن تزويج اليهودية والنصرانية أفضل ، أو قال : خير من تزويج الناصب والناصبية.
وبذلك يظهر لك
أن الاستدلال بهذه الرواية على إسلام المخالفين أشد بعدا ، لأن موردها المستضعف ،
فإنه هو المراد من غير الناصب ولا العارف ، والناصب هنا بقرينة المقابلة بالعارف
إنما أريد به المخالف كما تقدم في أخبار زرارة من قوله عليهالسلام «اللواتي لا يعرفن ولا ينصبن». فإن ذلك مبني على نصب المخالفين وكفرهم ،
فلا يعبر عنهم إلا بهذا اللفظ.
وأما ما اشتهر
بين المتأخرين من تخصيص الناصب بفرد آخر غير المخالف فهو باطل لا دليل عليه كما
تقدمت الإشارة إليه.
الرابع : ما
استدل به على ما اختاره من القول بالإسلام من الإجماع على اعتبار الإسلام ، وعدم
الدليل الصالح لاعتبار غيره فإنه باطل مردود بالأخبار الدالة على كفر القوم ونصبهم
وشركهم ، وحل أموالهم ودمائهم ، كما أوضحناه في كتابنا المتقدم ذكره بما لا يحوم
حوله شبهة للناظرين ، والدليل الصالح لاعتبار الايمان قد عرفته ساطع البيان مشيد
الأركان.
وأما صحيحة عبد
الله بن سنان التي نوه بأنها أصح ما في الباب سندا وأظهر
__________________
دلالة ، فأما ما ذكره من أنها أصح ما في الباب سندا فهو جيد بالنسبة إلى ما
أورده من الروايات التي ادعى أنها هي الروايات القول المشهور ، وأنه ليس غيرها في
الباب ، وإلا فإن فيما قدمناه من الأخبار ما هو مثلها ، وكذا ما لم ننقله من أخبار
المسألة.
وأما ما ذكره
من أنها أظهر دلالة على مدعاه ، فهو على الضد والعكس مما قاله وادعاه ، بل هي أخفى
من السهى الذي لا يكاد أحد يراه.
وبيان ذلك أن
السائل سأل عما به يحصل الإسلام لتجري عليه تلك الأحكام ، لأنه قال : بم يكون
الرجل مسلما تحل مناكحته ، والامام عليهالسلام لم يجبه عن سؤاله ، وإنما ذكر له أن هذه الأحكام مترتبة
على الإسلام ، وهذا ليس من محل السؤال في شيء.
وبالجملة فإن
السؤال عن معنى الإسلام وبيان حقيقته ، ونحن لا نخالف في أنه متى ثبت الإسلام لأحد
فإنه يجب أن تجري عليه تلك الأحكام ، والمدعى في المقام ثبوت الإسلام لأولئك
المخالفين ، وليس في الخبر دلالة عليه بوجه ، لأنه عليهالسلام لم يذكر أن الإسلام يحصل بكذا وكذا ، وأن هذا الذي يحصل
به الإسلام موجود في المخالفين ليحكم بإسلامهم لذلك ، ولعل في عدول الامام عليهالسلام عن صريح الجواب إلى التعمية والإبهام ما ينبئ عن تقية
في المقام ، فإن السائل سأل عن الإسلام بم يحصل ويتحقق حتى يحكم بإسلام المتصف به
وإجراء أحكام الإسلام عليه ، ولم يجب عن أصل السؤال ، وهذا بحمد الله سبحانه واضح
، ولما ذكره من الاستدلال بالرواية على مدعاه فاضح ، والله العالم.
تنبيهات
الأول : حيث إن السيد السند صاحب المدارك في شرح النافع إختار
عدم الحكم بمناكحة المخالفين مع قوله بإسلامهم أجاب عن صحيحة عبد الله بن سنان
المذكورة ، قال : الظاهر أن المراد من حل المناكحة والموارثة الحكم بصحة
نكاحهم وموارثتهم ، لا جواز تزويجهم ، انتهى.
وأنت خبير بما
فيه من البعد ، ولكنه لا مندوحة له عن ارتكابه حيث إنه ممن يحكم بإسلام أولئك
المخالفين.
والتحقيق أن
الرواية المذكورة بمعزل عن الدلالة على ما ذكروه ، فلا يحتاج إلى تأويل لما
أوضحناه من الاشتباه فيها المؤدي إلى طرحها والاعراض عنها في هذا المقام ، كما هو
ظاهر لمن سرح بريد النظر فيما قدمناه من الكلام.
الثاني : قد عرفت دلالة صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة على
أنه لا يتزوج المستضعف المؤمنة ، ونحوها صحيحة زرارة المروية في الفقيه الدالة على
جواز التزويج في الشكاك ، وعدم جواز نكاحهم المؤمنة ، المعلل بأن المرأة تأخذ من
أدب زوجها ويقهرها على دينه ، وهو مشكل غاية الإشكال ، حيث إنه لا خلاف ولا إشكال
في كون الشكاك والمستضعفين من أفراد المسلمين ، وقد استفاضت الأخبار بأنه متى حكم بإسلام
أحد وجب أن تجري عليه أحكامه من حل المناكحة والموارثة ، وحقن المال والدم ونحوها
، فكيف يتم المنع من مناكحته ، وتؤيد الصحيحتين المذكورتين أيضا قوله عليهالسلام في بعض روايات الفضيل المتقدمة «العارفة لا توضع إلا
عند عارف». وقوله في أخرى «غيره أحب إلي منه». أي غير المستضعف كما تقدم بيانه ،
ويؤكده أيضا الأخبار الكثيرة الدالة على أنه «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه
فزوجوه ، وإلا تفعلون تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». فإن مفهومها أن من لا يرضى
دينه لا يزوجوه ، والشكاك والمستضعفين ممن لا يرضى دينه البتة فلا يزوجوه ، وحمل
النهي على الكراهة وإن أمكن لكنه بعيد عن سياق نظامها ومقتضى مقامها ، والاحتياط
لا يخفى.
الثالث
: قد عرفت أن
المشهور بين المتأخرين هو المنع من مناكحة المخالفين مع قولهم بإسلامهم ،
لاشتراطهم ، الايمان في صحة المناكحة ، ولم يذهب منهم
إلى الاكتفاء بالإسلام إلا المحقق والشهيد الثاني والمحدث الكاشاني كما
قدمنا ذكره.
وفيه (أولا) إن
هذا القول بالنظر إلى الأخبار لا يخلو من تدافع وتناقض ، فإن مقتضى الحكم بالإسلام
جواز المناكحة وغيرها من الأحكام المترتبة على الإسلام كما عرفت آنفا ، ففي رواية
حمران بن أعين عن أبي عبد الله عليهالسلام «والإسلام ما ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها
وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح» الحديث.
وفي رواية
سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله ، والتصديق برسول
الله صلىاللهعليهوآله وبه حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى
ظاهره عامة الناس».
وفي حسنة
الفضيل بن يسار «والإسلام ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء». إلى غير ذلك من
الروايات التي يقف عليها المتتبع.
و (ثانيا) إنه
من المعلوم في زمنه صلىاللهعليهوآله جواز مناكحة المنافقين المظهرين للإسلام مع العلم
بنفاقهم ، وأنه صلىاللهعليهوآله قد نكح وأنكح بناء على ظاهر الإسلام ، وإن علم بالنفاق
، وليس ذلك إلا باعتبار الاكتفاء بالإسلام في صحة المناكحة ، وعدم اشتراط الايمان.
وبالجملة
فالقول بالإسلام والمنع من المناكحة مما لا يجتمعان ، فالقائل بإسلامهم يتحتم عليه
القول بجواز مناكحتهم كما هو أحد القولين ، والقائل بالمنع من مناكحتهم لا يتم له
إلا مع القول بكفرهم وعدم إسلامهم بالكلية كما هو القول الفصل ، والمذهب الجزل ،
المؤيد بتظافر الآيات والروايات ، وهذه الأخبار المانعة من المناكحة إنما منعت من
حيث الكفر ، ولكن جل هؤلاء القائلين بالإسلام قد وقعوا لذاك في مضيق الإلزام ،
فاختل نظامهم وانحل زمامهم ،
__________________
وقد وقع لهم مثل هذا الخبط والخلط في مسألة غسل المخالفين كما تقدم في غسل
الأموات من كتاب الطهارة ، وكذا الصلاة على الأموات ، حيث منعوا من الغسل والصلاة
أو توقفوا مع حكمهم بالإسلام.
الرابع : روى الصدوق ـ عطر الله مرقده ـ في الصحيح عن العلاء بن رزين «أنه
سأل أبا جعفر عليهالسلام عن جمهور الناس ، فقال : هم اليوم أهل هدنة ترد ظالتهم
وتؤدى أمانتهم وتجوز مناكحتهم وموارثتهم في هذه الحال».
وهذه الرواية
بحسب ظاهرها منافية لما قدمناه ، والأظهر عندي حملها على التقية ، وإلى ذلك أشار
صاحب الوسائل أيضا حيث قال : باب جواز مناكحة الناصب عند الضرورة والتقية ، ثم
أورد الرواية المذكورة وأورد فيها برواية تزويج عمر أم كلثوم ، وظاهر السيد السند في شرح النافع حمل هذه الرواية على
ما حمل عليه صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة من أن المراد بجواز مناكحتهم يعني
بعضهم في بعض ، قال بعد ذكر ما قدمنا نقله عنه في التنبيه الأول : وأوضح منها
دلالة على هذا المعنى ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن العلاء بن رزين. ثم ساق
الرواية إلى آخرها ، وهو بعيد بل الأظهر إنما هو الحمل على التقية ، ويؤيده ما
رواه الشيخ عن محمد بن علي الحلبي قال : «استودعني رجل من بني
مروان ألف دينار ، فغاب فلم أدر ما أصنع بالدنانير ، فأتيت أبا عبد الله عليهالسلام فذكرت ذلك له ، وقلت : أنت أحق بها ، فقال : لا إن أبي عليهالسلام كان يقول : نحن فيهم بمنزلة هدنة نؤدي أمانتهم ونرد
ضالتهم ونقيم الشهادة لهم وعليهم ، فإذا تفرق الأهواء لم يسمع أحد المقام».
__________________
وعن الحسين
الشيباني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له : رجل من مواليك يستحل مال بني أمية
ودماءهم ، وإنه وقع لهم عنده وديعة ، فقال : أدوا الأمانات إلى أهلها وإن كان
مجوسيا ، فإن ذلك لا يكون حتى يقوم قائمنا فيحل ويحرم».
المسألة
الثانية : المشهور بين الأصحاب ـ رضياللهعنهم ـ أن التمكن من النفقة ليس شرطا في الكفاءة بل يحصل الكفاءة
ويصح العقد وإن كان عاجزا عن ذلك ، وقيل باشتراط ذلك ، وظاهرهم أنه شرط في صحة
النكاح ، وهو منقول عن الشيخ في المبسوط والعلامة في التذكرة ، قال في المبسوط على
ما نقله في المختلف : والكفاءة معتبرة في النكاح ، وهي عندنا شيئان : الايمان
وإمكان القيام بالنفقة واليسار المراعى ما يملك القيام بمئونة المرأة وكفايتها لا
أكثر من ذلك.
وقيل وهو ظاهر
ابن إدريس : إن ذلك ليس شرطا في صحة العقد وإنما للمرأة الخيار إذا تبين كونه غير
مؤسر بنفقتها ، ولا يكون العقد باطلا بل لها الخيار وليس كذلك خلاف الإيمان الذي
هو الكفر إذا بان كافرا فإن العقد باطل ولا يكون للمرأة الخيار كما كان لها في
اليسار ، ثم أمر بأن يلحظ ذلك ويتأمل .
واستوجهه
العلامة في المختلف ، وقال : إن المرأة لو نكحت ابتداء بفقير
__________________
عالمة بذلك صح نكاحها إجماعا ، ولو كانت الكفاءة شرطا لم يصح ، وإذا صح مع
العلم وجب أن يصح مع الجهل ، لوجود المقتضى السالم عن معارضة كون الفقر مانعا. نعم
أثبتنا لها الخيار دفعا للضرر عنها ، ودفعا للمشقة اللاحقة بها.
واستشكل السيد
السند في شرح النافع في ثبوت هذا الخيار هنا ، من جهة التمسك بلزوم العقد إلى أن
يثبت ما يزيله ، ومن لزوم الضرر ببقائها معه كذلك المنفي بالآية والرواية ، قال :
والمسألة محل تردد.
وقال الشيخ
المفيد : المسلمون الأحرار يتكافؤون بالإسلام والحرية في النكاح وإن تفاضلوا في
الشرف والنسب ، كما يتكافؤون في الدماء والقصاص ، فالمسلم إذا كان واجدا طولا
للإنفاق بحسب الحاجة إلى الأزواج مستطيعا للنكاح مأمونا على الأنفس والأموال ، ولم
يلزمه آفة في عقله ولا سفه في رأيه ، فهو كفو في النكاح.
وقال ابن
الجنيد : والإسلام جامع وأهلوه إخوة متكافؤ دماءهم إلا أن لمن حرمت عليه الصدقة
فضلا على غيرهم ، فوجب ألا يتزوج فيهم إلا من هو منهم ، لئلا يستحل بذلك الصدقة من
حرمت عليه إذا كان الولد منسوبا إلى من يحل له الصدقة ، انتهى.
أقول : ومما
يدل على القول المشهور (أولا) إطلاق الأخبار الدالة على الاكتفاء في الكفاءة بمجرد
الايمان ، كالأخبار المتقدمة الدالة على أنه
«إذا جاءكم من
ترضون خلقه ودينه فزوجوه ، (إِلّا تَفْعَلُوهُ
تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ)».
ومنها زيادة
على ما قدمناه ما رواه الكليني في الكافي مرسلا عن الصادق عليهالسلام قال : «إن الله عزوجل لم يترك شيئا مما يحتاج إليه إلا علمه نبيه ، فكان من
تعليمه إياه أنه صعد المنبر ذات يوم فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس
__________________
إن جبرئيل أتاني عن اللطيف الخبير فقال : إن الأبكار بمنزلة الثمر على
الشجر ، إذا أدرك ثمرة فلم يجتنى أفسدته الشمس ونثرته الرياح ، وكذلك الأبكار إذا
أدركن ما يدرك النساء فليس لهن دواء إلا البعولة ، وإلا لم يؤمن عليهن الفساد
لأنهن بشر ، قال : فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فمن نزوج؟ فقال : الأكفاء ، فقال : يا رسول الله ومن
الأكفاء؟ فقال : المؤمنون بعضهم أكفاء بعض».
وروى الصدوق في
كتاب علل الشرائع وعيون أخبار الرضا بسنده عن أبي جون مولى الرضا عنه عليهالسلام قال : «نزل جبرئيل على النبي صلىاللهعليهوآله فقال : يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ، ويقول : إن
الأبكار من النساء بمنزلة الثمر على الشجر ، فإذا أينع الثمر فلا دواء له إلا
اجتناؤه ، وإلا أفسدته الشمس وغيرته الريح ، وإن الأبكار إذا أدركن ما تدرك النساء
فلا دواء لهن إلا البعول ، وإلا لم يؤمن عليهن الفتنة ، فصعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المنبر فخطب الناس ثم أعلمهم ما أمر الله تعالى به ،
فقالوا : ممن يا رسول الله؟ فقال : من الأكفاء ، فقالوا : ومن الأكفاء؟ فقال : المؤمنون
بعضهم أكفاء بعض ، ثم لم ينزل حتى زوج ضباعة المقداد بن الأسود ، ثم قال : أيها
الناس إنما زوجت ابنة عمي المقداد ليتصنع النكاح».
و (ثانيا) خصوص
قوله عزوجل «إِنْ يَكُونُوا
فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ»
.
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن أبي حمزة الثمالي قال : «كنت عند أبي جعفر
عليهالسلام إذا استأذن عليه رجل فأذن له فدخل عليه فسلم فرحب أبو
جعفر عليهالسلام وأدناه وسأله ، فقال الرجل : جعلت فداك إني خطبت إلى
مولاك فلان ابن أبي رافع ابنته ، فردني ورغب عني وازدرأني لدمامتي وحاجتي وغربتي ،
وقد دخلني من
__________________
ذلك غضاضة هجمة غض لها قلبي تمنيت عندها الموت ، فقال أبو جعفر عليهالسلام : اذهب فأنت رسولي إليه ، وقل له : يقول لك محمد بن علي
بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام زوج منجح بن رباح مولاي ابنتك فلانة ولا ترده ، قال أبو
حمزة : فوثب الرجل فرحا مسرعا برسالة أبي جعفر عليهالسلام فلما أن توارى الرجل قال أبو جعفر عليهالسلام : إن رجلا كان من أهل اليمامة يقال له جويبر أتى رسول
الله صلىاللهعليهوآله منتجعا للإسلام فأسلم وحسن إسلامه وكان رجلا قصيرا دميما محتاجا عاريا
ـ ثم ساق الخبر المشتمل على فقر جويبر وأنه من جملة أهل الصفة الذين كانوا
يتعاهدهم رسول الله صلىاللهعليهوآله بالبر والتمر والشعير إلى أن قال : فقال له : يا جويبر
لو تزوجت امرأة فعففت بها فرجك وأعانتك على دنياك وآخرتك ، فقال له جويبر : يا
رسول الله بأبي أنت وأمي من يرغب في؟ فوالله ما من حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال ،
فأية امرأة ترغب في؟ فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا جويبر إن الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية
شريفا ، وشرف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعا ، وأعز بالإسلام من كان في
الجاهلية ذليلا ، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها ،
وباسق أنسابها ـ إلى أن قال ـ : ثم قال له : انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد
فإنه من أشرف بني بياضة حسبا فيهم فقل له : إني رسول الله إليك ، وهو يقول لك :
زوج جويبرا ابنتك الذلفاء». ثم ساق الكلام بما يتضمن تزويج جويبر المرأة المذكورة.
والخبر المذكور
ظاهر بالنظر الى صدره في المطلوب والمراد ، وصريح بالنظر إلى حكاية قصة جويبر
بأوضح صراحة لا يعتريها الإيراد.
ومما يدل على
ذلك قول الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي «إذا خطب
__________________
إليك رجل رضيت دينه وخلقه فزوجه ، ولا يمنعك فقره وفاقته ، قال الله تعالى «وَإِنْ يَتَفَرَّقا
يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ»
، وقال «إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ
اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ، وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ»
. وهو كما ترى أيضا صريح في المدعى ، وتؤيده الآيات والروايات الدالة على
ضمان الله عزوجل الرزق لمن خلق وتكفله به.
واستدل للقول
الثاني بما رواه في الكافي في الصحيح عن أبان عن رجل عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «الكفو أن يكون عفيفا وعنده يسار».
ورواه الشيخ في
التهذيب عن محمد بن الفضيل ، عمن ذكره عن أبي عبد الله عليهالسلام مثله.
وأجاب عنه في
المختلف بالحمل على الأولوية والاستحباب ، وهو جيد ويشير إليه اشتراط العفة التي
هي عبارة عن التقوى ، فإنه لم يشترطها أحد في الكفاءة وصحة النكاح ، وإلا لبطل
بدونه ، وعلى هذا ينبغي حمل كلام الشيخ المفيد فيما قدمنا من عبارته.
وأما ما ذهب
إليه ابن الجنيد فإنه استدل له في المختلف بما رواه في الكافي عن علي بن بلال قال : «لقي هشام بن الحكم بعض الخوارج
فقال : يا هشام ما تقول في العجم يجوز أن يتزوجوا في العرب؟ قال : نعم ، قال :
فالعرب يتزوجوا من قريش؟ قال : نعم ، قال : فقريش يتزوج في بني هاشم؟ قال : نعم ،
قال : عمن أخذت هذا؟ قال : عن جعفر بن محمد عليهالسلام سمعته يقول : أتتكافأ دماؤكم ، ولا تتكافأ فروجكم؟ قال
: فخرج الخارجي حتى أتى أبا عبد الله عليهالسلام فقال : إني لقيت هشاما فسألته
__________________
عن كذا ، فأخبرني بكذا ، وذكر أنه سمعه منك ، قال : نعم قد قلت ذلك ، فقال
الخارجي : فها أنا ذا قد جئتك خاطبا ، فقال له أبو عبد الله عليهالسلام : إنك لكفو في دمك وحسبك في قومك ، ولكن الله عزوجل صاننا عن الصدقة ، وهي أوساخ أيدي الناس فنكره أن نشرك
فيما فضلنا الله به من لم يجعل الله مثل ما جعل الله لنا ، فقام الخارجي وهو يقول
: تالله ما رأيت رجلا مثله قط ردني والله أقبح رد ، وما خرج من قول صاحبه».
وحمله في
المختلف على الأولوية أيضا ، ويحتمل أن هذا الكلام إنما خرج في مقام دفع الخارجي
بما لا يستوحش منه من كفره وعدم جواز مناكحته ، ولا يراد به ظاهره بالنسبة إلى
غيره من الإمامية ، فإنهم يتزوجون في بني هاشم من غير خلاف ولا كراهة ، كما دل
عليه صدر الخبر المذكورة ، وحديث تزويج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب من المقداد بن الأسود ،
كما دلت عليه جملة من الأخبار ، منها الخبر المتقدم.
ومنها ما رواه في
الكافي والتهذيب عن أبي بكر الحضرمي «عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله زوج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب
وإنما زوجه لتتصنع المناكح وليتأسوا برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وليعلموا أن أكرمهم عند الله أتقاهم».
ورواه في
الكافي بسند آخر عن هشام بن سالم عن رجل عن أبي عبد الله عليهالسلام مثله ، وزاد فيه «وكان الزبير أخا عبد الله وأبي طالب
لأبيهما وأمهما».
وروى في
التهذيب عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إن
__________________
رسول الله صلىاللهعليهوآله زوج ضبيعة بنت الزبير بن عبد المطلب من مقداد بن الأسود
، فتكلمت في ذلك بنو هاشم فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إني إنما أردت أن تصنع المناكحة». وبالجملة فإن القول
المذكور بمكان من الضعف والقصور.
وأما ما ذهب
إليه ابن إدريس والعلامة في المختلف من الخيار للمرأة لو ظهر كون الزوج فقيرا بعد
عقدة عليها ، فإن أثر له في أخبار المسألة ، وما استدلوا به من دفع الضرر عن
المرأة مدفوع بما ذكرنا من الآيات والأخبار الدالة على أن الله سبحانه ضامن بالرزق
ومتكفل به سواء أجراه على يد الزوج أو غيره ، ألا ترى إلى قوله عزوجل «وَإِنْ يَتَفَرَّقا
يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ»
، فإن فيه إشارة إلى أن التفرق الموجب لقطع إنفاق الزوج على المرأة أو
استعانة الزوج بالمرأة على ذلك لا يكون موجبا لاحتياج كل منهما وفقره بالله سبحانه
يغني كلا من سعته وكرمه وكذا قوله «إِنْ يَكُونُوا
فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ»
فإن فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي الرد عن التزويج لأجل الفقر ، فإن الله عزوجل هو الرزاق لا الزوج ، وقد ضمن ذلك في كتابه وهو لا يخلف
الميعاد ، فلا يمنعه التزويج لأجل فقره ، والآية ظاهرة في الرد على هذا القائل
بأوضح ظهور ، الظاهر أنه إلى ما ذكرنا يشير كلام الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي حيث استدل بهذه الآية والآية التي بعدها على عدم منع
الفقير من تزويج من رضي دينه ، وبذلك يظهر قوة التمسك بلزوم العقد حتى يقوم دليل
على جواز فسخه ، ويظهر أيضا ضعف استشكال السيد السند في المسألة كما قدمنا نقله
عنه.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أنهم قد صرحوا بأن هذا الشرط ليس على نهج ما قبله من شرط الايمان أو الإسلام
للاتفاق هنا على جواز تزويج الفقير المؤمن ،
__________________
وإنما يظهر فائدة هذا الاشتراط هنا على تقدير القول به في الوكيل المطلق
والولي ، فإنه ليس لهما أن يزوجاها إلا من كفو ، فإذا اعتبرنا اليسار في الكفاءة
لم يصح لهما تزويجهما بالفقير ، وإن زوجاها تخيرت في الفسخ كما تتخير في العيوب.
واختلف كلام
العلامة في كتبه هذه المسألة ففي التذكرة اشتراط في الكفاءة اليسار كما قدمنا نقله
عنه ، وجوز للولي أن يزوجها بالفقير ، ولو كان الذي يزوجها السلطان لم يكن له أن
يزوجها إلا بكفو في الدين واليسار ، وهذا الكلام لا يخلو من تدافع كما عرفت ، وفي
المختلف لم يعتبر اليسار ، واكتفي بالايمان لكنه حكم بأنها لو تزوجت الفقير جاهلة
بفقره كان لها الخيار إذا علمت ، وهو قول ابن إدريس كما تقدم ، وفي القواعد لم
يجعل اليسار شرطا ولا أثبت لها الخيار.
وكيف كان
فالظاهر أن اليسار شرط في وجوب الإجابة عليها أو على الولي فلو لم يكن ذا يسار لم
تجب إجابته ، لأن الصبر على الفقر ضرر يدفع الوجوب ، وإن ترجحت الإجابة مع كمال
دينه كما في قضية جويبر ونحوه ، والمعتبر في اليسار من النفقة كونه مالكا لها
بالفعل أو القوة القريبة منه ، بأن يكون قادرا على تحصيلها بحرفة يحترفها أو تجارة
يتجرها ، ولا يشترط اليسار في المهر وإنما محل البحث والخلاف في النفقة خاصة ،
والله العالم.
المسألة
الثالثة : المشهور بين الأصحاب أنه لو تجدد عجز الزوج عن النفقة
فليس للمرأة الفسخ ، ونقل عن ابن الجنيد أنها تتخير بين الفسخ وعدمه ، وقيل : بأن
الحاكم يبينهما ، وهذا القول نقله السيد السند في شرح النافع ، قال : نقل المحقق
الشيخ فخر الدين عن المصنف أنه نقل عن بعض علمائنا قولا بأن الحاكم يبينهما.
حجة القول
المشهور أن النكاح عقد لازم ، فيستصحب ، ولظاهر قوله تعالى
«وَإِنْ كانَ ذُو
عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ»
وما رواه الشيخ في التهذيب عن السكوني «عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهمالسلام أن امرأة استعدت على زوجها أنه لا ينفق عليها وكان
زوجها معسرا ، فأبى علي عليهالسلام أن يحبسه ، وقال : إن مع العسر يسرا». ولو كان لها
الفسخ لعرفها به ليندفع عنها الضرر الذي استعدت لأجله ، وحجة ما ذهب إليه ابن الجنيد
ما رواه الصدوق في الصحيح عن ربعي والفضيل بن يسار «عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله عزوجل «وَمَنْ قُدِرَ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ»
قال : إن أنفق
عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة ، وإلا فرق بينهما».
وما رواه في
الفقيه أيضا عن عاصم بن حميد عن أبي بصير ـ والظاهر أنه ليث
المرادي ـ فتكون الرواية صحيحة قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها
ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على الامام أن يفرق بينهما». والظاهر أن هذه
الرواية هي مستند القول الثالث ، وإلى هذا القول ـ بما نقل عن ابن الجنيد ـ مال
السيد السند في شرح النافع للصحيحتين المذكورتين ، قال : والروايتان صحيحتا السند
، فيتجه العمل بهما مضافا إلى ما يلزم في كثير من الموارد من الحرج العظيم المنفي
بقوله تعالى «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ
مِنْ حَرَجٍ» والعسر الزائد الذي هو غير مراد لله عزوجل.
أقول :
والرواية الأولى قد رواها في الكافي أيضا عن روح بن عبد الرحيم قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : قول الله عزوجل «وَمَنْ قُدِرَ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ» الحديث. كما تقدم.
__________________
ويقرب من هذين
الخبرين ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج
قال : «لا يجبر الرجل إلا في نفقة الأبوين والولد ، قال ابن ابي عمير : قلت لجميل
: والمرأة؟ قال : قد روى عنبسة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إذا كساها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها
أقامت معه وإلا طلقها» الحديث ،. وحاصل معنى الخبر أنه في العمودين يجبر على
النفقة ، وأما في الزوجة فإنها ليست لازمة له لزوم العمودين ، بل يجبر على النفقة
أو الطلاق.
ويعضد ذلك ما
ورد في خبر رواه في أصول الكافي في باب سيرتهم عليهمالسلام مع الناس إذا ظهر أمرهم «قال فيه : والرجل ليس له على
عياله أمر ولا نهي إذا لم يجر عليهم النفقة» .
والعلامة في
المختلف بعد أن نقل الاستدلال للقول المشهور باستصحاب لزوم العقد ورواية السكوني ،
ولابن الجنيد بلزوم الضرر ، والرواية عن الصادق عليهالسلام وعارضها برواية السكوني قال في آخر كلامه : ونحن في المسألة من المتوقفين.
__________________
وظاهر شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك التوقف ايضا حيث اقتصر على نقل الأقوال وأدلتها ولم يرجح
شيئا في البين ، إلا أن الظاهر أنه لم يقف على صحة الخبرين اللذين قدمناهما دليلا
لابن الجنيد ، فإنه إنما نقل رواية ربعي والفضيل عارية عن وصفها بالصحة ، والظاهر
أنه أخذها من التهذيب ، فإنها فيه ضعيفة وإلا فهي في الفقيه صحيحة ، وأما صحيحة أبي
بصير فلم يتعرض لها ، والظاهر أنه لو وقف على صحة هاتين الروايتين لما عدل عنها
بناء على عادته وطريقته كما علمته من سبطه في شرح النافع.
إذا عرفت هذا
فاعلم أن الظاهر عندي في المقام بالنظر إلى هذه الأخبار ـ بناء على قاعدتنا في
العمل بجميع الأخبار من غير التفات إلى هذا الاصطلاح المحدث ـ أمر آخر غير ما
ذكروه ، وذلك فإن صريح رواية السكوني كون الزوج معسرا ، وأما صحيحة ربعي والفضيل
وكذا صحيحة أبي بصير فإنهما مطلقتان ، وحينئذ فيمكن حمل إطلاقهما على ما صرحت به
رواية السكوني من التقييد ، فينتج من ذلك أن الزوج متى كان معسرا وجب عليها الصبر
، عملا باستصحاب لزوم العقد ولا تتخير في فسخ عقدها ، ولا يجوز أن يفرق بينهما ،
وأما إذا كان ذا يسار ولم ينفق عليها فإن الحكم فيه ما دلت عليه الصحيحتان من
التفريق بينهما ، ويؤيد ما ذكرناه ما هو المفهوم من رواية جميل بن دراج كما ذيلناها
به من أنه يجبر على الإنفاق عليها أو الطلاق ، ومن الظاهر أن الخبر على الإنفاق
إنما هو مع إمكانه ، وعلى ما ذكرناه لا تكون الصحيحتان من محل البحث في شيء
لتخصيصهما بمن كان ذا يسار ، ومحل البحث إنما هو العاجز عن الإنفاق.
وبالجملة
فالأظهر عندي في الجميع بين الأخبار هو ما ذكرته ، وبه يظهر قوة القول المشهور ،
وأنه هو المؤيد المنصور.
ثم أنه لا يخفى
أن الذي ذكروه هنا ـ بناء على قول ابن الجنيد ـ هو تخير المرأة في فسخ العقد وعدمه
، والذي دلت عليه الصحيحتان التفريق ، وهو
أعم من ذلك لاحتمال أن يكون المراد به الطلاق بمعنى أنه يجبر على طلاقها ،
وإلا طلقها الحاكم الشرعي ، ويؤيده ما قدمنا نقله من صحيحة جميل أو حسنته الظاهرة
في الطلاق إن لم ينفق عليها ، بمعنى أنه يجبر عليه مع عدمه الإنفاق عليها.
ونقل عن فخر
المحققين أنه بني الخلاف في هذه المسألة على أن اليسار بالنفقة ليس شرطا في لزوم
العقد فلو جعلناه شرطا تسلطت بتجدد العجز بغير إشكال ، قال في المسالك : وهذا
البناء ليس بعيد ، إلا أن عبارات الأصحاب مطلقة ، بحيث يحتمل كون الخلاف هنا جاريا
على القولين ، إذ يحتمل على القول بأن اليسار جزء من الكفارة أن يختص بالابتداء ،
ولا يلزم مثله في الاستدامة كما في العيوب الموجبة للخيار ابتداء ، ولا يثبت مع
تجددها كما سيأتي ، وعلى كل حال فكلام فخر الدين موجه. انتهى.
المسألة
الرابعة : قالوا : لو خطب المؤمن القادر على النفقة وجبت إجابته
على الولي ، وإن كان أخفض نسبا ، وإن منعه الولي كان عاصيا ، وقيد بعضهم وجوب
الإجابة بعدم قصد الأعلى مع وجوده بالفعل أو القوة ، فلو قصد الأعلى مع وجوده لم
تجب الإجابة بل يتخير بينهما ، وهل يعتبر في وجوب الإجابة بلوغ المرأة ، أم يجب
على الولي الإجابة وإن كانت صغيرة؟ احتمالان ، من إطلاق الأمر وانتفاء الحاجة ،
وعلل تخصيص الأولياء بالحكم بأن الولي هو المجيب ، والمانع غالبا وإن لم يكن له
ولاية شرعية ، كما تشير إليه صحيحة علي بن مهزيار المتقدمة الدالة على أنه «كتب علي بن أسباط إلى أبي
جعفر عليهالسلام في أمر بناته أنه لا يجد أحدا مثله ، فكتب إليه أبو
جعفر عليهالسلام : فهمت ما ذكرت في أمر بناتك ، وأنك لا تجد أحدا مثلك ،
فلا تنظر في ذلك» الخبر.
والأصل في هذا
الحكم من أصله الأخبار الكثيرة المتقدمة الدالة على قوله عليهالسلام «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ، وإلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض
وفساد كبير». والتقريب فيها أن مقتضى الأمر الوجوب ، وأن مخالفته معصية.
__________________
ويمكن أن يناقش
في دلالة الأمر على الوجوب هنا حيث إن الظاهر من السياق كونه للإباحة ، ولا ينافي
ذلك «إِلّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي
الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ»
إذ الظاهر أن
المراد أنه إذا حصل الامتناع من الإجابة لكون المخاطب حقيرا في نسبة لا لغيره من
الأغراض فإنه يترتب على ذلك الفساد أو الفتنة من نحو التفاخر بالعشائر والمباهاة
بالتكاثر كما في زمن الجاهلية ، وما يترتب على ذلك من القبائح الخارجة عن جادة
الدين.
ويعضد ما
ذكرناه ما صرح به ابن إدريس في كتابه حيث قال : وروي أنه إذا خطب المؤمن إلى غيره
بنته وكان عنده يسار بقدر نفقتها ، وكان ممن يرضى فعاله وأمانته ولا يكون مرتكبا
لشيء يدخل به في جملة الفساق وإن كان حقيرا في نسبه قليلا في ماله فلا يزوجه
إياها كان عاصيا لله تعالى مخالفا لسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ووجه الحديث في ذلك أنه إنما يكون عاصيا إذا رده ولم
يزوجه لما هو عليه من الفقر ، والأنفة منه لذلك ، واعتقاده أن ذلك ليس بكفو في
الشرع ، فأما إن رده ولم يزوجه لا لذلك ، بل لأمر آخر وغرض غير ذلك من مصالح دنياه
فلا حرج عليه ولا يكون عاصيا ، فهذا فقه الحديث. انتهى كلامه زيد إكرامه ، وهو جيد
وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.
ومنه يعلم ما
قدمنا ذكره من أن الولي لو ترك الإجابة لأجل العدول إلى الأعلى لا يكون عاصيا ،
وكذا لو ترك الإجابة لما هو عليه من الصفات الذميمة من فسق ونحوه ، فإنه لا حرج
عليه ولا يكون عاصيا ، والظاهر من الروايات المذكورة أن الخطاب فيها والأمر
بالتزويج والنهي عن الرد إنما توجه إلى الأولياء بالتقريب الذي قدمناه ، وعلى هذا
ففي تعلق الحكم بالثيب والبكر البالغ التي لا ولي لها ووجوب الإجابة عليها إن قلنا
بالوجوب على الولي إشكال ، من حيث إن ظاهر النصوص كما عرفت أن توجه الخطاب فيها
إنما هو لخصوص الولي ، فلا يتعلق بغيره ، وإطلاق هذه الأخبار شامل لجواز مناكحة
الأخفض نسبا والأدنى صنعة
وحرفة ونحو ذلك ، لأن المدار فيها على المماثلة في الأيمان أو الإسلام خاصة
، وأنت خبير بأنها بإطلاقها شاملة للقادر على النفقة والعاجز عنها ، وهم قد قيدوا
وجوب الإجابة بالقدرة على النفقة ، وكأنهم نظروا إلى أن في الصبر على الفقر ضررا
عظيما فخصصوا إطلاق هذه الأخبار بذلك ، وفيه ما لا يخفى كما تقدم الكلام عليه في
شرط الكفاءة ، ومقتضى الأخبار المذكورة أيضا تزويج الفاسق ، ولا سيما شارب الخمر ،
إلا أنه قد ورد في النهي عنه أخبار عديدة حملها أكثر الأصحاب على الكراهة جمعا ،
ومنع منه بعض الأصحاب ، لقوله تعالى «أَفَمَنْ كانَ
مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ»
.
وفيه إن الظاهر
من أكثر آيات القرآن أن إطلاق الفسق فيها إنما هو بمعنى الكفر ، لا بمعنى المشهور
الآن من الأمور المخلة بالعدالة ، سيما ما ورد في تفسير هذه الآية من أن المؤمن
أمير المؤمنين عليهالسلام والفاسق الوليد أخو عثمان لامه .
ومن الأخبار
الواردة في النهي عن تزويج شارب الخمر ما رواه في الكافي عن أحمد بن محمد رفعه قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام : من زوج كريمته من شارب الخمر فقد قطع رحمها».
وعن ابن أبي
عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : شارب الخمر لا يزوج إذا خطب». إلى غير ذلك من الأخبار
الكثيرة ، إلا
__________________
أنها محمولة عند الأصحاب على الكراهة جمعا بينها وبين ما تقدم.
المسألة
الخامسة : المشهور بين الأصحاب أنه إذا تزوج امرأة ثم علم أنها
كانت زنت فليس له الفسخ ، ولا الرجوع على الولي بالمهر ، وعلل الأول بأن ذلك مقتضى
العقد اللازم ، وأما عدم الرجوع بالمهر فلأن ذلك مقتضى الأصل.
أقول : ويدل
على الأول أيضا ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون
والعفل».
وفي رواية عبد
الرحمن بن أبي عبد الله المروية في التهذيب قال : «وترد المرأة من العفل والبرص والجذام والجنون
وأما سوى ذلك فلا».
وذهب ابن
بابويه في المقنع إلى أنه يفرق بينهما ولا صداق لها ، لأن الحديث كان من قبلها ،
ويدل عليه ما رواه المشايخ الثلاثة عن السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام عن أبيه عليهالسلام قال : «قال أمير المؤمنين عليهالسلام في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها الرجل يفرق بينهما
ولا صداق لها لأن الحديث كان من قبلها».
ويدل عليه أيضا
ما رواه في الفقيه عن الحسن بن محبوب عن الفضل بن يونس في الموثق قال : «سألت
أبا الحسن موسى عليهالسلام عن رجل تزوج امرأة فلم يدخل بها فزنت ، قال : يفرق بينهما
وتحد الحد ولا صداق لها» ، ورد المتأخرون هذه الروايات بضعف السند.
__________________
ونقل عن الشيخ
المفيد وجماعة أن له الخيار في المحدودة ، قال في شرح النافع : ولم نقف لهم في ذلك على مستند
سوى ما في الالتزام بها من الضرر ، لاشتماله على العار ، ويضعف بأنه قادر على
طلاقه ، وبه يندفع الضرر ، ثم نقل صحيحة الحلبي التي قدمنا نقلها عن الصدوق ،
وعقبها بما رواه
الكليني عن رفاعة بن موسى قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المحدود والمحدودة ، هل ترد من النكاح؟ قال : لا».
أقول : ونحو
هذه الرواية ما رواه الحسين بن سعيد في كتابه عن فضالة عن رفاعة بن موسى قال : «سألته عن المحدودة؟ قال : لا يفرق بينهما ولا
يترادان النكاح» الحديث ، وهو صحيح صريح ، والظاهر أن المستند للشيخ المفيد ـ فيما
نقل عنه ـ هو ما قدمناه من الأخبار الدالة على مذهب ابن بابويه ، وإلا فلم نقف على
غيرها.
وذهب الشيخ في
النهاية إلى أنها لا ترد ، وكذلك التي كانت زنت قبل العقد
__________________
إلا أن له الرجوع على وليها بالمهر ، وقريب منه قول ابن إدريس ، إلا أنه
قيل الرجوع عليه بعلمه بحالها.
أما عدم ردها
وفسخ نكاحها فلما تقدم في القول المشهور.
وأما الرجوع
على وليها فلما رواه الشيخ في التهذيب عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : «سألت أبا عبد
الله عليهالسلام عن رجل تزوج امرأة فعلم بعد ما تزوجها أنها قد كانت زنت
، قال : إن شاء زوجها أخذ الصداق ممن زوجها ولها الصداق بما استحل من فرجها ، وإن
شاء تركها ، قال : وترد المرأة من العفل والبرص والجذام». إلى آخر ما تقدم في أدلة
القول الأول.
وروى هذا الخبر
الكليني في الكافي في الصحيح عن معاوية بن وهب بدون الزيادة التي في آخره
، ومنه يظهر قوة القول بالرجوع إلى المهر لكن ينبغي تقييده بما ذكره ابن إدريس من
علم الولي بالزنا ، وعدم إخباره الزوج والظاهر أن مراد الشيخ ذلك وإن أطلق ، ويؤيده عموم
الأخبار الدالة على الرجوع على الولي إذا كان عالما بالعيب ، والزنا من أظهر
العيوب وأفحشها.
وخصوص ما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله
__________________
عليهالسلام قال : «سألته عن المرأة تلد من الزنا ولا يعلم بذلك أحد
إلا وليها ، أيصلح له أن يزوجها ويسكت على ذلك إذا كان قد رأى منها توبة أو معروفا؟
فقال : إن لم يذكر ذلك لزوجها ، ثم علم بعد ذلك ، فشاء أن يأخذ صداقها من وليها
مما دلس عليه ، كان له ذلك على وليها ، وكان الصداق الذي أخذت لها لا سبيل عليها
فيه بما استحل من فرجها ، وإن شاء زوجها أن يمسكها فلا بأس».
ورواه الحسين
بن سعيد في كتابه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي قال : «سألته عن المرأة» الحديث ، وهو صحيح وبما ذكرنا
يظهر ضعف ما تقدم في القول الأول من تعليل عدم الرجوع بالمهر ، من أن ذلك مقتضى
الأصل فإن فيه أنه وإن كان ذلك مقتضى الأصل لكن يجب الخروج عنه بالدليل وقد عرفته.
بقي الكلام في
الروايات المتعارضة في الفسخ وعدمه ، والظاهر ترجيح الروايات الدالة على العدم ،
وقد تقدم الكلام في هذا المقام بالنسبة إلى الرد بالزنا وعدمه في المطلب الثالث
فيما يحرم بالمصاهرة في الإلحاق الذي في آخر المقام الثاني في الزنا ، وإنما
ذكرناه هنا بالنسبة إلى ما يتعلق به من الرجوع بالمهر وعدمه ، ومما يؤيد أخبار عدم
الرد أيضا صحيحة رفاعة المتقدمة ثمة ، وإن كان موردها إنما هو زنا الزوج ، إلا أن
الصدوق قائل بالرد وفسخ العقد بالزنا ، أعم من أن يكون من الزوج أو الزوجة كما
تضمنته عبارة المقنع المتقدمة ثمة.
المسألة
السادسة : قال الشيخ في النهاية ، إذا ائتمن الرجل إلى قبيلة
وتزوج ، فوجد على خلاف ذلك بطل التزويج ، واختاره ابن الجنيد وابن حمزة ، وجعله
ابن البراج في كتابيه معا رواية.
وقال الشيخ في
المبسوط : إن كان الغرور بالنسب ، فهل لها الخيار أم لا؟
__________________
قولان ، والأقوى أن الاختيار لها ، وفي الناس من قال لها الخيار وقد روي
ذلك في أخبارنا ، واختار ابن إدريس المنع ، قال : وقد روي أن الرجل إذا انتسب إلى قبيلة فخرج من غيرها ، سواء كان
أرذل أو أعلى ، يكون للمرأة الخيار في فسخ النكاح. والأظهر أنه لا يفسخ بذلك
النكاح لقوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»
ونسب ما قاله الشيخ في النهاية إلى أنه خبر واحد ، ثم قال : إلا أن هذا
وإن لم يكن عيبا ، فإنه يرد به لأنه تدليس ، فرددناه من حيث التدليس بالاشتراط ،
لا من حيث إنه عيب يرد به من غير اشتراط ، لأن العيوب في الخلقة يرد بها النكاح
وإن لم يشترط السلامة في حال العقد ، بل بمجرد العقد يرد النكاح بعيب الخلقة ،
فأما التدليس فإنه إذا اشترط أنه حر فخرج عبدا أو انتسب إلى قبيلة فخرج بخلافها ،
سواء كان أعلى منها أو أدنى ، وكذلك السواد والبياض إذا شرطه فخرج بخلافه ، وما
أشبه ذلك ، فلا يرد به النكاح إلا إذا اشترط خلافه ، وأما بمجرد العقد دون تقدم
الشرط فلا يرد به النكاح ، فهذا الفرق بين عيب الخلقة وبين التدليس.
وقال في
المختلف بعد نقل هذه الأقوال : والأقرب أنه إذا انتسب إلى قبيلة فبان أدنى منها
بحيث لا يلائم شرف المرأة كان لها الخيار في الفسخ ، لما فيه من الفضاحة والنقص
والتضرر بذلك.
وما رواه الحلبي
في الصحيح «قال في رجل يتزوج المرأة ، فيقول لها أنا من بني فلان ، فلا
يكون كذلك؟ قال : تفسخ النكاح أو قال : ترد النكاح». انتهى.
أقول : وهذا
التفصيل صار قولا ثالثا في المسألة لأن المشهور فيها القولان المتقدمات خاصة من
الخيار مطلقا ، أو عدمه مطلقا ، وأنت خبير بأن الرواية
__________________
مطلقة لا دلالة لها على ما ذكره من التفصيل كما عرفت من كلام ابن إدريس.
وإلى القول
بعدم الخيار يميل كلام المحقق في كتابيه ، وهو اختيار شيخنا في المسالك حيث قال ـ بعد
نقل الصحيحة المذكورة ـ ما لفظه : والرواية موقوفة لا تصلح للحجية على فسخ مثل هذا
العقد اللازم المعتضد بقوله تعالى «أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ» وأصالة بقاء النكاح ، نعم لو شرط ذلك في متن العقد توجه
التسلط على الفسخ بالإخلال بالشرط ، وإن لم يرد في ذلك رواية عملا بالعموم.
وفي المختلف
وافق الشيخ على الفسخ بدون الشرط بزيادة قيد آخر ، وهو ظهوره أدنى مما انتسب إليه
بحيث لا يلائم شرف المرأة ، والأقوى عدم الخيار بدون الشرط في متن العقد وهو قول
الشيخ في المبسوط والأكثر ، انتهى.
وظاهر السيد
السند في شرح النافع الميل إلى العمل بالرواية المذكورة ، فقال ـ مشيرا إلى الجواب
عما طعن به جده على الرواية ، ونعم ما قال ـ : وهذه الرواية صحيحة السند ، لكن
ردها المتأخرون بالإضمار ، حيث إن المسؤول فيها غير مذكور ، وعندي أن ذلك غير قادح
إذ من المعلوم أن الحلبي إنما يروي عن الامام عليهالسلام خاصة ، والوجه في وقوع هذه الإضمار في روايات الأصحاب
أن الحلبي وغيره من الرواة إذا أورد عدة أحاديث عن الامام عليهالسلام يصرح أولا باسم المروي عنه ثم يرجع الضمير إليه ، فيقول
وسألته عن كذا إلى أن يستوفي الأحاديث التي رواها ، فلما نقل من بعده تلك الروايات
، وفرقها ذلك الناقل على مقتضى ما أراد ، اتفق فيها مثل هذه الإضمار ، وهو غير
قادح قطعا ، انتهى.
أقول : وبمثل
ذلك صرح المحقق الشيخ حسن في مقدمات منتقى الجمان وغيره من الأعيان.
ثم قال السيد
المذكور : ومقتضى الرواية تسلط المرأة على الفسخ إذا انتسب الرجل إلى قبيلة ، فبان
بخلاف ذلك ، وكان الباعث على تزويجه ذلك الانتساب ، والعمل بها متجه ، ولو بشرط
ذلك في متن العقد وظهر بخلافه تسلط على الفسخ
بغير إشكال. انتهى ، وهو جيد.
ونقل في
المختلف عن ابن الجنيد أنه قال : لو انتسب أحد الزوجين إلى نسب أو صناعة ولم يكن
كذلك كان النكاح منفسخا إن لم يرضه الآخر بعد علمه به ، فإن تأول تأويلا يكون به
صادقا لم يبطل النكاح ، وقد روي «أن رجلا تزوج على أنه يبيع الدواب ، فوجد بايعا
للسنانير لم يفسخ أمير المؤمنين عليهالسلام نكاحه ، وقال : السنانير دواب».
وقال في
المختلف بعد ذلك : والبحث هنا يقع في مقامين :
الأول : هل حكم
الصنعة حكم القبيلة؟ نص ابن الجنيد عليه في كلامه ، هذا وفي الرواية دلالة ما من
حيث المفهوم عليه.
الثاني : هل
الانتساب إلى القبيلة مشترك بين الرجل والمرأة؟ نص ابن الجنيد عليه ، وهو قول ابن
حمزة ولم يتعرض الشيخ في النهاية لانتساب المرأة ، انتهى.
أقول :
والرواية التي أشار إليها ابن الجنيد هي ما رواه الشيخ في التهذيب عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليهالسلام عن أبيه عليهالسلام قال : «خطب رجل إلى قوم ، فقالوا : ما تجارتك؟ فقال :
أبيع الدواب ، فزوجوه ، فإذا هو يبيع السنانير ، فاختصموه إلى أمير المؤمنين عليهالسلام فأجاز نكاحه وقال : السنانير دواب». ويفهم منه أن إجازة
النكاح إنما هو من حيث صدق الدواب على السنانير ، فلو لم يثبت صدقها عليها لم يجز
النكاح ، وحينئذ يكون حكم الصنعة حكم القبيلة والله العالم.
المسألة
السابعة : قد صرح الأصحاب بأنه لا يجوز التعريض بالخطبة لذات
العدة الرجعية لأنها زوجة ، ويجوز للمطلقة ثلاثا من الزوج وغيره ، ولا يجوز
التصريح لها منه ولا من غيره ، أما المطلقة تسعا للعدة ينكحها بينها رجلان فلا
يجوز
__________________
التعريض لها من الزوج ويجوز من غيره ، ولا يجوز التصريح في العدة منه ولا
من غيره.
وأما المعتدة
البائنة فيجوز التعريض من الزوج وغيره ، والتصريح من الزوج دون غيره.
أقول : التصريح
هو الخطاب بما لا يحتمل إلا النكاح ، مأخوذ من الصراحة وهو الخلوص ، ومنه تسمية
اللبن الخالص من المذق بالصريح مثل أن يقول : أتزوجك بعد العدة ، ونحوه ، والتعريض
هو الخطاب بما يحتمل الرغبة في النكاح وغيرها ، وإن كان في النكاح أقرب كما سيأتي
في الأخبار إن شاء الله.
وأما تحريم
التعريض لذات العدة الرجعية فلما ذكروه من أنها زوجة ، فيتعلق بها ما يتعلق
بالزوجة ، ومن ذلك تحريم خطبتها تعريضا وتصريحا بواسطة وغيرها من غير خلاف يعرف.
وأما جواز
التعريض للمعتدة في العدة البائنة دون التصريح لها فقيل بأنه موضع وفاق ، واستدل
عليه بقوله «وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما
عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ ، أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ،
عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا ،
إِلّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً»
.
وبالجملة
فالضابط عندهم في جميع ما ذكر أن التصريح بالخطبة للمعتدة حرام مطلقا ، إلا من
الزوج في العدة التي يجوز له نكاحها بعدها بحيث لا تكون محرمة عليه كالعدة الرجعية
، وكذا إذا كانت بائنا إذا كانت تحل له في الحال ، وإن توقف الحل على رجوعها في
البذل كما في المختلعة ، والتعريض جائز من كل من يجوز له تزويجها بعد العدة ، ومن
الزوج وإن لم يجز له تزويجها حينئذ كالمطلقة ثلاثا قبل المحلل ما لم تكن محرمة
عليه مؤبدا.
__________________
والذي وقفت
عليه من الأخبار المتعلقة بهذا المقام ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن قول الله عزوجل «وَلكِنْ لا
تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً»
قال : هو الرجل
يقول للمرأة قبل أن تنقضي عدتها : أوعدك بيت آل فلان ، ليعرض لها بالخطبة ، ويعني
بقوله «إِلّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً
مَعْرُوفاً» التعريض بالخطبة «ولا يعزم عقدة النكاح (حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ)».
وعن عبد الله
بن سنان في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزوجل «وَلكِنْ لا
تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا» الآية ، قال : السر أن يقول الرجل موعدك بيت آل فلان ثم
يطلب إليها أن لا تسبقه بنفسها إذا انقضت عدتها ، فقلت. فقوله «إِلّا أَنْ تَقُولُوا
قَوْلاً مَعْرُوفاً»؟ قال : هو طلب الحلال في غيره أن يعزم عقدة النكاح (حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ)».
وعن علي بن أبي
حمزة قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن قول الله عزوجل «وَلكِنْ لا
تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا» قال : يقول الرجل أواعدك بيت آل فلان يعرض لها بالرفث
ويرفث ، يقول الله عزوجل «إِلّا أَنْ تَقُولُوا
قَوْلاً مَعْرُوفاً» والقول المعروف التعريض بالخطبة على وجهها وحلها «وَلا تَعْزِمُوا
عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ».
وعن عبد الرحمن
بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله عزوجل «إِلّا أَنْ تَقُولُوا
قَوْلاً مَعْرُوفاً» قال : يلقاها فيقول إني فيك لراغب وإني للنساء
__________________
لمكرم ، ولا تسبقيني بنفسك ، والسر لا يخلو معها حيث وعدها».
وعن عبد الرحمن
بن سليمان عن خالته «قالت : دخل علي أبو جعفر محمد بن علي وأنا في عدتي ، فقال : قد علمت قرابتي
من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وحق جدي علي وقدمي في الإسلام ، فقلت له : غفر الله لك أتخطبني
وأنا في عدتي ، وأنت يؤخذ عنك ، فقال : أو قد فعلت؟ إنما أخبرتك بقرابتي من رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وموضعي ، وقد دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله على أم سلمة وكانت عند ابن عمها أبي سلمة فتوفي عنها
فلم يزل يذكر لها منزلته من الله وهو متحامل على يده حتى أثر الحصير في يده من شدة
تحامله عليها فما كانت تلك خطبة».
وروى أمين
الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن الصادق عليهالسلام في قوله «لا جُناحَ عَلَيْكُمْ
فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي
أَنْفُسِكُمْ ـ إلى قوله ـ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا» قال : «لا تصرحوا لهن بالنكاح والتزويج» قال : «ومن
السر أن يقول لها موعدك بيت آل فلان».
وروى العياشي
في تفسيره عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله عزوجل «وَلكِنْ لا
تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً»
قال : المرأة
في عدتها تقول لها قولا جميلا ، ترغبها في نفسك : ولا تقول : إني أصنع كذا وأصنع
كذا القبيح من الأمر في البضع وكل أمر قبيح».
وعن مسعد بن
صدقة عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله «إِلّا أَنْ تَقُولُوا
قَوْلاً مَعْرُوفاً» قال : «يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها : يا هذه ما أحب
إلا ما أسرك ولو قد مضى عدتك لا تفوتني إن شاء الله فلا تسبقيني بنفسك ، وهذا كله
من غير أن يعزموا عقدة النكاح».
__________________
وقال الشيخ علي
بن إبراهيم في تفسيره وقوله «وَلا جُناحَ
عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي
أَنْفُسِكُمْ» فهو أن يقول الرجل للمرأة في العدة إذا توفي عنها زوجها
: لا تحدثي حدثا ، ولا يصرح لها بالنكاح والتزويج ، فنهى الله عن ذلك ، والسر في
النكاح ، فقال «وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلّا
أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً»
قال : من السر
أيضا أن يقول الرجل في عدة المرأة موعدك بيت آل فلان ، انتهى.
وأنت خبير بأنه
ليس في هذه الأخبار ما يفي بالتفصيل الذي ذكروه في أفراد العدد من العدة الرجعية
والبائنة بينونة مؤبدة ، أو يمكن الرجوع فيها بعد المحلل من الزوج وغيره.
نعم ظاهر كلام
الشيخ علي بن إبراهيم فرض ما ذكره في عدة الوفاة ، لكنه لا يفيد الاختصاص ، وغاية
ما يستفاد من هذه الأخبار ـ بعد ضم بعضها إلى بعض ـ هو أنه إذا خطبها لا يصرح لها
بالنكاح ، وإنما يعرض بها تعريضا ، ولا يخلو بها ، ويقول بها ما يستهجن من القول
ترغيبا لها ، مثل أنه عظيم الآلة أو أني كثير المجامعة للنساء ، ونحوه ، وإليه
يشير خبر علي بن أبي حمزة ، وأصرح منه خبر العياشي وتفسير «السر» المواعدة في مكان
كما في أكثر هذه الأخبار كأن فيه إشارة إلى أنهم في السابق هكذا كانوا يفعلون ،
بأن يواعدها في مكان ويخلو بها ويقول لها من تلك الأقوال القبيحة ، فنهى في الآية
عنه إلا أن يقولوا قولا سديدا ، وهو التعريض الذي دلت الأخبار على جوازه ، فالنهي
راجع إلى الخلوة بها على المذكور.
وبالجملة فإن
ما ذكروه من التفصيل ، الظاهر أنه لا مستند له إلا اتفاقهم كما يظهر من بعض
عباراتهم ، ثم أن ما قدمنا نقله عنهم من جواز التعريض للمطلقة ثلاثا قبل المحلل
للزوج وغيره دون التصريح ظاهر السيد السند في شرح
__________________
النافع المناقشة فيه بالنسبة إلى الزوج حيث قال ـ بعد نقل ذلك عنهم ـ :
والأجود تحريمهما معا ، لامتناع نكاحه لها قبل المحلل ، وهو جيد بناء على ما يفهم
من كلامهم من أنه متى كانت المرأة محرمة مؤبدا ، فإنه لا يجوز التصريح ولا التعريض
لها كالمطلقة تسعا للعدة ، وهذه قبل المحلل كذلك ، إلا أنك قد عرفت ما في أصل هذه
الأحكام من عدم دليل واضح حتى بالنسبة إلى التعريض ، بل التصريح في العدة الرجعية
حيث إنها زوجة ، بل الزوجة فضلا عن العدة ، فأي دليل دل على التحريم فإني لم أقف على نص يقتضيه ، والتحريم حكم شرعي يترتب
عليه المؤاخذة والعقاب من الله سبحانه ، وثبوت الفسق مع المخالفة ، والحكم به من
غير دليل مشكل.
ومن الممكن أن
يقال : إنه لغو من القول لا أثر يترتب عليه. نعم يمكن أن يقال : إن النهي في الآية
عن الخلوة بها وهي في العدة وقول ما هو غير المعروف من التصريح بالخطبة أو الكلام
المستهجن يدل على النهي عن ذلك لذات الزوج بطريق أولى.
وفيه ما فيه إذ
يمكن منع الأولوية بأنه يجوز أن يكون للعدة خصوصية في ذلك ، نعم اتفاقهم على الحكم
المذكور كما يظهر من كلامهم من أقوى المؤيدات.
وبالجملة فباب
المناقشة غير مسدود ، وكيف كان فإنه لو صرح بالخطبة في موضع المنع فالظاهر كما
صرحوا به أيضا أنه لا يفيد أزيد من الإثم ، فلو نكحها بعد انقضاء العدة فنكاحه
صحيح ، ولا يؤثر فيه ما صنعه أولا كما لو نظر إليها محرما ثم تزوجها ، ولم ينقل
الخلاف هنا إلا عن بعض العامة.
__________________
المسألة
الثامنة : قالوا : إذا
تزوجت المطلقة ثلاثا وشرطت في العقد أنه إذا حللها فلا نكاح بينهما بطل العقد ،
وربما قيل بلغوا الشرط ، فلو شرطت الطلاق قيل يصح النكاح ويبطل الشرط ، وإن دخل
بها فلها مهر المثل ، وأما لو لم يصرح بالشرط في العقد ، وكان ذلك في نيته أو نية
الزوجة أو الولي لم يفسد ، وكل موضع قيل يصح العقد فمع الدخول تحل للمطلق مع
الفرقة وانقضاء العدة ، وكل موضع قيل يفسد لا تحل له ، لأنه لا يكفي الوطي ما لم
يكن عن عقد صحيح.
أقول : وتفصيل
هذه الجملة وبيان ما اشتملت عليه من الأحكام يقع في مواضع :
الأول : فيما
إذا شرطت في العقد أنه بعد التحليل فلا نكاح بينهما ، والظاهر أنه لا ريب في بطلان
هذا الشرط لمنافاته لمقتضى العقد ، إذ قضيته بقاء التزويج إلى أن يحصلا ما يزيله
شرعا من طلاق ونحوه بما علم من الشارع كونه مزيلا ورافعا للنكاح ، ولم يثبت من
الشارع أن شرط ارتفاعه من نفسه وإن كان على هذا الوجه المعين من جملة ذلك ، فقضية
الأصل بمعنى الاستصحاب الشرعي المتفق على صحة الحكم به بقاء النكاح وبطلان هذا
الشرط.
بقي الكلام في
صحة العقد على هذا التقدير وعدمه ، والمشهور بين المتأخرين بطلانه ، وعللوه بأن
التراضي بالعقد إنما وقع على هذا الوجه المخصوص ولم يتم لهما ، فلو لم يبطل النكاح
لزم صحته بدون التراضي ، وهو باطل ، ومرجعه إلى أن العقود بالقصود ، فلو قيل
بالصحة للزم أن ما وقع غير مقصود ، وما قصد غير واقع.
وذهب جمع من
الأصحاب إلى صحة العقد وإن بطل الشرط ، منهم الشيخ وابن الجنيد وابن البراج وابن
إدريس استنادا إلى ما دل على أن الأصل في العقد الصحة ، وقال في المسالك ـ بعد أن
نقل أن القول بالبطلان للأكثر بل ادعى عليه
الشيخ الإجماع ، ثم علله بما ذكرناه ـ ما لفظه : والقول بصحة العقد دون
الشرط لم يظهر قائله ، وينسب إلى الشيخ وقد صرح بخلافه. نعم هو بابن إدريس أنسب
لأنه صرح في غير موضع من النكاح وغيره أن فساد الشرط لا يفسد العقد محتجا عليه
بعموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»
، ولأنهما
شيئان كل منهما منفك عن الآخر ، فلا يلزم من بطلان أحدهما بطلان الآخر.
وجوابه : أن
الوفاء بالعقد العمل بمقتضاه من صحة وبطلان ، سلمنا أن المراد به العمل بمضمونه
لكنه مشروط بوقوعه صحيحا بالتراضي ولم يحصل هنا ، وانفكاك العقد عن الشرط في نفسه
مسلم ، لكنه في العقد المخصوص مرتبط به ، لأن التراضي إنما وقع كذلك ، والأقوى
بطلان العقد أيضا. انتهى ، وفيه أن ما ذكره من أن القول بصحة العقد دون الشرط لم
يظهر قائله إن أراد به في خصوص هذه المسألة فهو ممكن ، إلا أن ما ذكره بقوله «وهو
بابن إدريس أنسب» ـ حيث إنه صرح في مواضع عديدة بأن الشرط الفاسد لا يفسد العقد ـ يجري
أيضا في غيره ممن قال بهذا القول ومنهم الشيخ والجماعة الذين قدمنا ذكرهم ، وقد
تقدم في كتاب البيع في الفصل الثاني عشر في نكت متفرقة ذكر المسألة ، وأنه لو
اشتمل العقد على شرط فاسد ، فهل يبطل الشرط خاصة مع صحة العقد أو يبطل العقد أيضا؟
وأن العلامة ـ رحمهالله ـ نقل في المختلف القول الأول عن الشيخ وابن الجنيد
وابن البراج ، وقد حققنا في الموضع المذكور وكذا في مواضع أخر مما تقدم ولا سيما
في مقدمات الكتاب في أول جلد كتاب الطهارة أن ما ذكروه من هذا التعليل وإن كان
المتسارع إلى الذهن صحته وقبوله ، إلا أنه بالنظر إلى الروايات الواردة في ذلك
واختلافها فيما هناك فالحكم لا يخلو من الاشكال ، حيث إن جملة من الأخبار ظاهرة بل
صريحة في القول بصحة العقد وفساد الشرط خاصة وبعضا دل على بطلان العقد من أصله.
ومن الأخبار
الدالة على صحة العقد وفساد الشرط خاصة زيادة على ما
قدمناه ثمة من الأخبار ما رواه الشيخ في التهذيب عن زرارة قال : «سئل أبو جعفر عليهالسلام عن النهارية يشترط عليها عند عقدة النكاح أن يأتيها متى
شاء كل شهر أو كل جمعة يوما ، ومن النفقة كذا وكذا؟ فليس ذلك الشرط بشيء ، ومن
تزوج امرأة فلها ما للمرأة من النفقة والقسمة» الحديث.
أقول :
والنهارية على ما ذكره بعض محققي المحدثين هو أن الرجل يخاف من زوجته فيتزوج امرأة
أخرى سترا عنها ، ويشترط على الثانية إلا يأتيها ليلا ، وحاصل كلامه عليهالسلام أن أصل العقد صحيح والشرط باطل ، وأنه بعد تمام عقد
النكاح تستحق المرأة القسمة والنفقة كغيرها من الزوجات ، وهو صريح كما ترى في
المدعى ، ومنه يظهر أن جعل ذلك قاعدة كلية كما يظهر من كلامهم بالنظر إلى هذا
التعليل الذي ذكره غير جيد ، بل الواجب الوقوف على مقتضى الأدلة إن وجدت ، وإلا
فالتمسك بالاحتياط في هذا الموضع وغيره ، والمسألة عارية هنا من النص فيتحتم
الاحتياط فيها.
وأما ما ذكره
في معنى قوله عزوجل «أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ» من أنه العمل بمقتضاه من صحة وبطلان فهو بعيد غاية البعد
، بل المعنى فيه إنما هو ما سلمه من أن المراد بالعمل بمضمونه كما هو الظاهر لكل
ناظر. نعم ما اعترضه به جيد في الظاهر إلا أنه بالرجوع إلى الأخبار يزول عنه
الاعتبار كما ذكرناه ، ومن أراد تحقيق المسألة رجع إلى أحد المواضع التي أشرنا
إليها.
الثاني : فيما
لو شرط الطلاق ، والكلام يجري على نحو ما تقدم في سابقه ، قال في المسالك : وبطلان
الشرط هنا متفق عليه ، ثم إنه على القول بصحة العقد وبطلان الشرط يبطل المهر ، لأن
الشرط جزء من العقد ومحسوب منه وله قسط من المهر ، فيتجهل المهر حيث فات منه ما
يجهل نسبته إلى المجموع فيبطل ،
__________________
وحينئذ فيجب مع الدخول مهر المثل ، وعلى القول ببطلان العقد من أصله ، فإن
كانت جاهلة بالتحريم ودخل بها صار نكاح شبهة والواجب فيه مهر المثل ، وإلا فلا مهر
لها لأنها بغي.
الثالث : ما لو
لم يصرح بالشرط ، وإن كانت ذلك في نية أحدهما فإن النكاح صحيح ، قال في المسالك :
وهو موضع اتفاق ، وهو الدليل مضافا إلى عموم الوفاء بالعقود ، حيث لم يثبت المخصص
، ونية الطلاق من حيث العقد لم يثبت كونها مانعة من الصحة وإنما المانع اشتراطه في
متن العقد.
أقول : ويؤيده
ما ورد في بعض الأخبار من أنه إنما يحرم الكلام.
الرابع : ما
ذكره من أن كل موضع قيل فيه بصحة العقد. إلى آخره ، فإنه مما لا إشكال فيه ، لأنه
شرط التحليل التزويج ، والدخول بالزوجة ، وهذا لا يحصل إلا بصحة العقد مع الدخول
بها ، فلو قيل بفساد العقد ـ كما هو أحد القولين في المسألة ـ لم يترتب عليه
التحليل وإن نكح ، لأنه نكاح لا عن تزويج وعقد ، وهو ظاهر.
المسألة
التاسعة : قد صرح الأصحاب بأن نكاح الشغار باطل ـ وهو بكسر الشين
وفتحها ثم الغين المعجمتين ، نكاح كان معمولا عليه في الجاهلية وهو أن يجعل بضع
امرأة مهرا لأخرى.
قال الجواهري :
الشغار ـ بكسر الشين ـ نكاح كان في الجاهلية ، وهو أن يقول الرجل لآخر : زوجني
ابنتك أو أختك على أن أزوجك ابنتي أو أختي على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى.
وقريب منه في
القاموس والمصباح المنير ، وهو مأخوذ إما من شغر الكلب برجله ليبول أي رفعها ،
وشغرت المرأة رفعت رجلها للنكاح ، ومنه قول زياد لبنت معاوية التي كانت عند ابنه
عبيد الله بن زياد لما افتخرت عليه يوما وتطاولت فشكاها إلى أبيه فدخل عليهما
بالدرة ليضربها ، وهو يقول : أشغرا وفخرا. أو
مأخوذ من شغر البلد إذا خلا من القاضي والسلطان ، لخلوه من المهر ، وهو باطل
بإجماع العلماء والأخبار.
ومنها ما رواه في
الكافي عن غياث بن إبراهيم قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام ، والشغار أن
يزوج الرجل ابنته أو أخته ، ويتزوج هو ابنة المتزوج أو أخته ولا يكون بينهما مهر
غير تزويج هذا من هذا وهذا من هذا».
أقول : الظاهر
أن هذا التفسير في الخبر من الامام عليهالسلام لكلامه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأما الجلب والجنب ، محركين ـ فلهما معان.
منها : أن ينزل
عامل الصدقات موضعا ثم يرسل من يجلب إليه الأموال من أماكنها ليأخذ صدقاتها ،
والجنب أيضا أن ينزل العامل بأقصى مواضع الصدقة ثم يأمر بالأموال أن تجنب إليه أي
تحضر بين يديه.
ومنها : أن
يجنب رب المال بماله ، أي يبعده عن موضعه ، حتى يحتاج العامل إلى الابعاد في طلبه.
ومنها : أي
يجلب الرجل على فرسه في السباق حثا له على الجري ، يقال : أجلب عليه إذا صاح به
واستحسنه.
ومنها : أي
يجنب فرسا في السياق إلى فرسه الذي يسابق عليه ، فإذا عجز المركوب تحول إلى
المجنوب ، والظاهر أن المراد في الخبر إنما هو بالنسبة إلى عامل الصدقات في كل من
اللفظين كما تقدم في كتاب الزكاة.
ومنها ما رواه في
الكافي عن ابن جمهور عن أبيه رفعة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «نهى رسول الله صلىاللهعليهوآله عن نكاح الشغار وهي الممانحة وهو أن يقول الرجل
__________________
للرجل : زوجني ابنتك حتى أزوجك ابنتي على أن لا مهر بينهما». قال في الوافي
: الممانحة إما بالنون من المنحة بمعنى العطية ، أو الياء التحتانية المثناة من
الميح ، وهو إيلاء المعروف ، وكلاهما موجودان في النسخ.
وما رواه
عن ابن بكير في
الموثق عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر عليهالسلام أو أبي عبد الله عليهالسلام قال : «نهى عن نكاح المرأتين ليس لواحدة منهما صداق إلا
بضع صاحبتها ، وقال : لا يحل أن ينكح واحدة منهما إلا بصداق ونكاح المسلمين».
ولم ينقل
الخلاف في عدم صحته عند العامة ، إلا عن أبي حنيفة فإنه قال : بصحته.
المسألة
العاشرة : في جملة من
مكروهات النكاح زيادة على ما تقدم ، ومنها العقد على القابلة وبنتها ، والمشهور
بين الأصحاب الكراهة ، وخص الشيخ والمحقق وجماعة الكراهة بالقابلة المربية ، وظاهر
الصدوق في المقنع التحريم حيث قال في الكتاب المذكور : ولا تحل القابلة للمولود
ولابنتها ، وهي كبعض أمهاته ، وفي حديث إن قبلت ومرت فالقوابل أكثر من ذلك ، وإن
قبلت وربت حرمت عليه ، انتهى.
والذي وقفت
عليه من الأخبار ما رواه في الكافي عن عمرو بن شمر عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له : الرجل يتزوج قابلته؟ قال : لا ، ولا
ابنتها».
وما رواه في
التهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا يتزوج المرأة التي قبلته ولا ابنتها».
وما رواه المشايخ
الثلاثة عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته
__________________
عن القابلة أيحل للمولود أن ينكحها؟ فقال : لا ، ولا ابنتها هي كبعض أمهاته».
أقول : وهذه
الروايات ظاهرة الدلالات على ما ذهب إليه الصدوق.
وقال في الكافي
وكذا في الفقيه وفي رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إن قبلت ومرت فالقوابل أكثر من ذلك ، وإن قبلت
وربت حرمت عليه» ، وهذه هي الرواية التي أشار إليها في المقنع بقوله «وفي حديث.»
والظاهر أن المراد بقوله «قبلت ومرت» أي تقدمت ومضت ولم تكلفه ولم تربه ، والقوابل
بهذا المعنى أكثر من أن يقال بتحريمهن ، ونظيره ما ورد في رواية نجاسة أبوال
الدواب ، بعد الحكم بنجاسة الأبوال «وأما أرواثها فهي أكثر من
ذلك» يعني أكثر من أن يحكم بنجاسته وهو كناية عن القول بطهارته.
ومنها ما رواه في
الكافي عن إبراهيم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا استقبل الصبي القابلة بوجهه حرمت عليه وحرم
عليه ولدها».
أقول : وهذه
الرواية أيضا ينتظم في سلك تلك الروايات السابقة : والظاهر أن المراد باستقبال
الصبي القابلة بوجهه يعني وقت الولادة وخروجه من بطن امه ، وهو ظاهر في التحريم
بمجرد كونها قابلة.
وما رواه في
التهذيب عن إبراهيم بن عبد الحميد في الصحيح قال : «سألت أبا
الحسن عليهالسلام عن القابلة تقبل الرجل ، إله أن يتزوجها؟ فقال : إن
كانت قبلته المرة والمرتين والثلاثة فلا بأس ، وإن كانت قبلته وربته وكفلته فإني
أنهى عنها
__________________
نفسي وولدي». وفي خبر آخر «وصديقي».
وأنت خبير بأنه
لا يظهر لقوله «إن كان قبلته المرة والمرتين والثلاثة» وجه ظاهر ، لأن القبالة
بكسر القاف إنما هي عبارة عن تلقي القابلة الولد عند خروجه ، ولا معنى للفظ غير ما
ذكرناه ، وهذا لا يتكرر ولا يتعدد بحيث يكون مرتين وثلاثا ، إلا أن يراد بالقابلة
ما هو أعم من التربية والكفالة ، فيصير معنى الخبر إن كانت كفلته بعد الولادة في
بعض من الزمان دفعات غير مستمرة ولا متصلة فلا بأس ، وإن استمرت بعد القبالة على
كفالته وتربيته فإنه قد نهى عنها ، وهذا النهي محتمل لكونه نهي تحريم كما يدعيه
الصدوق أو نهي كراهة كما يدعيه الأصحاب حيث استدلوا بهذه الرواية على الكراهة.
وقد ورد في
جملة من الأخبار
«قولهم عليهمالسلام «أحلتهما آية وحرمتهما آية أخرى وأنا أنهى عنهما نفسي وولدي». مع حكمهم
بكون النهي هناك نهي تحريم كما تقدم في نكاح الأختين المملوكتين ، وبالجملة فإنه
ظاهر فيما ذهب إليه الصدوق .
ومنها ما رواه الشيخ
في التهذيب عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح قال : «قلت للرضا
عليهالسلام : يتزوج الرجل المرأة التي قبلته؟ فقال : سبحان الله ما
حرم الله عليه من ذلك».
وما رواه الحميري
في كتاب قرب الاسناد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في
__________________
الصحيح عن الرضا عليهالسلام قال : «سألته عن المرأة تقبلها القابلة فتلد الغلام ،
يحل للغلام أن يتزوج قابلة امه قال : سبحان الله وما يحرم عليه من ذلك». وهذان
الخبران صريحان في الجواز وهما مستند القول المشهور ، إلا أن الأصحاب لم ينقلوا في
كتب الاستدلال إلا الرواية الاولى ، والظاهر أنه بناء منهم على عدم الاعتماد إلا
على أخبار الكتب الأربعة كما هو المشهور بينهم ، والشيخ في كتابي الأخبار حمل
النهي المطلق على المقيد بالتربية ، ثم حمل الجميع على الكراهة جمعا ، كما تقدم
نقله عنه في صدر المسألة ، ويمكن حمل الأخبار الدالة على التربية مثل صحيحة
إبراهيم بن عبد الحميد ، ورواية معاوية بن عمار ، على ما إذا أرضعته بأن يكون
التعبير بالتربية والكفالة كناية عن الرضاع ، فالتحريم إنما جاء من قبل الرضاع.
وبالجملة
فالمسألة لا تخلو من نوع إشكال ، وإن كان القول المشهور أقرب ولا يحضرني الآن مذهب
العامة في المسألة ، فلعل بعض أخبارها خرج مخرج ، التقية ، والله العالم.
ومنها أن يزوج
ابنه بنت زوجته من غيره إذا ولدتها بعد مفارقته ، ولا بأس بتزويجه ابنتها التي
ولدتها من زوج آخر قبله ، والظاهر أن مستند الكراهة هنا هو الجمع بين ما دل على
المنع والجواز.
والذي وصل إلي
من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ في التهذيب عن أبي همام إسماعيل بن همام في الصحيح قال : «قال أبو
الحسن عليهالسلام : قال محمد ابن علي عليهالسلام في الرجل يتزوج المرأة ويزوج بنتها ابنه فيفارقها ،
ويتزوجها آخر بعد فتلد منه بنتا ، فكره أن يتزوجها أحد من ولده لأنها كانت امرأته
فطلقها فصار بمنزلة الأب ، وكان قبل ذلك أبا لها».
وعن علي بن
إدريس قال : «سألت الرضا عليهالسلام عن جارية كانت في ملكي
__________________
فوطأتها ثم خرجت من ملكي فولدت جارية ، يحل لابني أن يتزوجها؟ قال : نعم لا
بأس به قبل الوطي وبعد الوطي واحد».
وما رواه في
الكافي عن العيص بن القاسم في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يطلق امرأته ثم خلف عليها رجل
بعده فولدت للآخر هل يحل ولدها من الآخر لولد الأول من غيرها؟ قال : نعم ، قال :
وسألته عن رجل أعتق سرية له ثم خلف عليها رجل بعده ثم ولدت للآخر ، هل يحل ولدها
لولد الذي أعتقها؟ قال : نعم».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن شعيب العقرقوفي قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يكون له الجارية يقع عليها يطلب ولدها فلم يرزق
منها ولدا فوهبها لأخيه أو باعها فولدت له أولادا ، أيزوج ولده من غيرها ولد أخيه
منها؟ فقال : أعد علي ، فأعدت عليه ، فقال : لا بأس به».
وعن الحسين بن
خالد الصيرفي قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن هذه المسألة ، فقال : كررها علي ، قلت له : إنه كانت
لي جارية فلم ترزق مني ولدا فبعتها ، فولدت من غيري ولدا ، ولي ولد من غيرها ،
فأزوج ولدي من غيرها ولدها؟ قال : تزوج ما كان لها من ولد قبلك يقول : قبل أن يكون
لك».
وعن زيد بن
الجهم الهلالي قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يتزوج
__________________
المرأة ويزوج ابنه ابنتها؟ فقال : إن كانت الابنة لها قبل أن يتزوج بها فلا
بأس».
وما رواه في
الفقيه عن صفوان بن يحيى عن زيد بن الجهم الهلالي قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يتزوج المرأة ولها ابنة من غيره أيزوج ابنه
ابنتها؟ قال : إن كانت من زوج قبل أن يتزوجها فلا بأس ، وإن كانت من زوج بعد ما
تزوجها فلا».
أقول : هذا ما
حضرني من أخبار المسألة وقد اشتركت في الدلالة على جواز التزويج بين ولد الزوج
وولد المرأة الذين كانوا لها قبل أن يتزوج به ، وإنما اختلف في المناكحة بين أولاد
الزوج وأولادها الذين تجددوا بعد مفارقة الزوج لها ، وقد دلت رواية الحسين بن خالد
الصيرفي ورواية زيد بن الجهم الاولى وكذا الثانية على المنع من ذلك ، وقد حملها
الشيخ ومن تأخر عنه على الكراهة جمعا بينها وبين ما دل على الجواز ، واستدل على
ذلك بصحيحة إسماعيل ابن همام لاشتمالها على الكراهة ، وهو جيد وإن كان لفظ الكراهة
في الأخبار أعم ، إلا أن ظاهر التعليل المذكور في الرواية مؤذن بذلك ، مضافا إلى
ما دل على الجواز.
ومن الأخبار
المذكورة في هذا المقام ما رواه الشيخ في التهذيب عن الصفار عن محمد بن عيسى قال : «كتبت إليه خشف أم ولد
عيسى بن علي بن يقطين في سنة ثلاث ومائتين تسأل عن تزويج ابنتها من الحسين بن عبيد
: أخبرك يا سيدي ومولاي إن ابنة مولاك عيسى بن علي بن يقطين أملكتها من ابن عبيد
بن يقطين ، فبعد ما أملكتها ذكروا أن جدتها أم عيسى بن علي بن يقطين كانت لعبيد بن
يقطين ثم صارت إلى علي بن يقطين فأولدها عيسى بن علي ، فذكروا أن ابن عبيد
__________________
قد صار عمها من قبل جدتها أم أبيها أنها كانت لعبيد بن يقطين ، فرأيك يا
سيدي ومولاي أن تمن على مولاتك بتفسير منك ، وتخبرني هل تحل له؟ فإن مولاتك يا
سيدي في غم ، الله به عليم : فوقع عليهالسلام في هذا الموضع بين السطرين : إذا صار عما لا تحل له ،
والعم والد وعم».
قال الشيخ :
هذا الخبر يحتمل شيئين : (أحدهما) ما تضمنه حديث زيد بن الجهم والحسين بن خالد
الصيرفي أنه إذا كانت للرجل سرية وطأها ثم صارت إلى غيره فرزقت من الآخر أولادا لم
يجز أن يتزوج أولاده من غيرها بأولادها من غيره ، لمكان وطئه لها ، وقد بينا أن
ذلك محمول على ضرب من الكراهة ، وأنه لا فرق بين أن يكون الولد قبل الوطي أو بعده
في أن ذلك ليس بمحظور.
و (الوجه الآخر)
هو أن يكون إنما صار عمها لأن جدتها لما كانت لعبيد ابن يقطين ولدت منه الحسين بن
عبيد وليس في الخبر أن الحسين كان من غيرها ، ثم لما أدخلت على علي بن يقطين ولدت
منه أيضا عيسى ، فصارا أخوين من جهة الأم وابني عمين من جهة الأب ، فإذا رزق عيسى
بنتا كان أخوه الحسين بن عبيد من قبل أمها عما لها ، فلم يجز أن يتزوجها ، ولو كان
الحسين بن عبيد مولودا من غيرها لم تحرم بنت عيسى عليه على وجه ، لأنه كان يكون
ابن عم له لا غير ، وذلك غير محرم على حال ، انتهى.
أقول : لا يخفى
أن الاحتمال الأول لا وجه له ، لأن جواب الامام عليهالسلام صريح في أن التحريم إنما هو لصيرورته عما لها ، والصواب
الحق إنما هو الثاني.
بقي هنا شيء
وهو أن المحقق الشيخ علي في شرح القواعد والشهيد الثاني في المسالك بعد أن ذكرا من
أدلة المسألة صحيحة إسماعيل بن همام وصحيحة العيص اعترضا على عبارة المتن ، بأنه
لو أبدل الابن والبنت بالولد ليشمل الذكر والأنثى كما ورد في صحيحة العيص لكان
أجود.
وفيه أن مستند
الكراهة في المسألة إنما هي صحيحة إسماعيل بن همام
وموردها إنما هو ابن الزوج وبنت المرأة لا مطلق الولد كما تضمنته الروايات
الدالة على الجواز من صحيحة العيص وغيرها ، وحينئذ فتلك الروايات الدالة على
الجواز إنما يستثني منها هذا الفرد خاصة ، وأما غيره فلا كراهة فيه ، هذا بالنسبة
إلى ما ذكروه من الروايتين المتقدمتين حيث إنهما إنما اعتمدا عليهما لصحتهما.
وأما على ما
نقلناه من الأخبار كملا فإن التعارض بينهما قد حصل في مطلق الولد ، فإن كلا من
روايات المنع وروايات الجواز عدا رواية أبي همام قد اشتملت على مطلق الولد ، ووجه
الجمع بينهما حمل المنع على الكراهة ، وحينئذ فيتم ما ذكروه إلا أنهم لا يرتضونه
لعدم عملهم بالروايات المذكورة لضعفها باصطلاحهم ، والله العالم.
(ومنها) أن
يتزوج ضرة كانت لامه مع غير أبيه ، ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : ما أحب للرجل المسلم أن يتزوج ضرة كانت لامه مع
غير أبيه».
وخص المحقق في
الشرائع الكراهة بمن كانت ضرة لامه قبل أبيه ، واعترضه في المسالك بأن الرواية
شاملة للمتقدمة والمتأخرة.
(ومنها) أن
يتزوج الرجل أخت أخيه ، لما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار قال : «سألته عن الرجل يتزوج أخت أخيه؟
قال : ما أحب له ذلك».
ويدل على
الجواز ما رواه في الفقيه عن صفوان بن يحيى عن أبي جرير القمي قال : «سألت أبا
الحسن عليهالسلام أزوج أخي من أمي أختي من أبي؟ فقال أبو الحسن عليهالسلام : زوج إياها إياه ، أو زوج إياه إياها». وقد مر في الرضاع
ما يدل على
__________________
الجواز على الكراهة في الإخوة الرضاعية.
(ومنها)
التزويج بالزانية قبل التوبة عند أكثر الأصحاب ، وقيل بالتحريم ، وقد تقدم تحقيق
الكلام في هذا المقام في الإلحاق المذكور ذيل المقام الثاني من المطلب الثالث فيما
يحرم بالمصاهرة.
(ومنها) نكاح
المرأة المتولدة من الزنا بالعقد أو الملك ، ويتأكد في استيلادها ، روى الكليني ـ رحمهالله عليه ـ عن عبد الله بن سنان في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام ولد الزنا ينكح؟ قال : نعم ، ولا يطلب ولدها».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام : الخبيثة يتزوجها الرجل؟ قال : لا ، وقال : إن كان له
أمة وطأها ولا يتخذها أم ولده».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليهالسلام قال : سألته عن الخبيثة أتزوجها ، قال : لا».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهماالسلام «في الرجل يشتري الجارية أو يتزوجها لغير رشدة ويتخذها لنفسه ، فقال : إن
لم يخف العيب على ولده فلا بأس».
وعن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سئل عن الرجل يكون له الخادم ولد زنا ، عليه
جناح أن يطأها؟ قال : لا ، وإن تنزه عن ذلك فهو أحب إلي».
وروى البرقي في
المحاسن عن ثعلبة وعن عبد الله بن هلال عن أبي عبد الله
__________________
عليهالسلام «في الرجل يتزوج ولد الزنا؟ قال : لا بأس ، إنما يكره ذلك مخافة العار ،
وإنما الولد للصلب ، وإنما المرأة وعاء ، قلت : الرجل يشتري خادما ولد زنا فيطأها
قال : لا بأس».
(ومنها) نكاح
المجنونة ، فروى في الكافي والتهذيب عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سأله بعض أصحابنا عن الرجل المسلم تعجبه المرأة
الحسناء أيصلح له أن يتزوجها وهي مجنونة؟ قال : لا ، ولكن إن كانت عنده أمة مجنونة
فلا بأس بأن يطأها ولا يطلب ولدها».
(ومنها) نكاح
الحمقاء ، فروى في الكافي والتهذيب عن السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال أمير المؤمنين عليهالسلام : إياكم وتزويج الحمقاء ، فإن صحبتها بلاء وولدها ضياع».
وروى في الكافي
في الصحيح عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عمن حدثه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : زوجوا الأحمق ولا تزوجوا الحمقاء ، فإن الأحمق
ينجب والحمقاء لا تنجب».
(ومنها) تزويج
شارب الخمر ، وقد مر بعض الأخبار الدالة على المنع من تزويجه في المسألة الرابعة.
(ومنها) تزويج
سيئ الخلق ، ويدل عليه ما رواه الصدوق بطريقه إلى
__________________
يعقوب بن يزيد عن الحسين بن بشار الواسطي قال : «كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليهالسلام : إن لي قرابة قد خطب إلي ابنتي وفي خلقه سوء ، قال :
لا تزوجه إن كان سيئ الخلق».
(ومنها) تزويج
المخنث ، فروى عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه قال :
«سألته أن أزوج ابنتي غلاما فيه لين وأبوه لا بأس به ، قال : إذا لم يكن فاحشة فلا
بأس به». يعني المخنث. ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله.
(ومنها) تزويج
الزنج والأكراد والخزر ، فروى في الكافي والتهذيب عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال أمير المؤمنين عليهالسلام : إياكم ونكاح الزنج فإنه خلق مشوه». قيل : الزنجي
بالفتح والكسر : صنف من السودان واحدهم زنجي.
وروى في الكافي
عن أبي ربيع الشامي قال : «قال لي أبو عبد الله عليهالسلام : لا تشتر من السودان أحدا ، فإن كان لا بد فمن النوبة
، فإنهم من الذين قال الله عزوجل «وَمِنَ الَّذِينَ
قالُوا إِنّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ»
أما إنهم سيذكرون ذلك الحظ ، وسيخرج مع القائم عليهالسلام منا عصابة منهم ، ولا تنكحوا من الأكراد أحدا فإنهم جنس
من الجن كشف عنهم الغطاء».
__________________
وروى في الكافي
عن علي بن داود الحداد عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا تناكحوا الزنج والخزر ، فإن لهم أرحاما تدل على غير الوفاء ، قال : والهند
والسند والقند ليس فيهم نجيب يعني القندهار.
قال في الوافي
: خوز : بالضم صنف من الناس ، وفي بعض النسخ الخزر بالمعجمتين ثم المهملة وهو
محركة ضيق العين وصفرها سمي به صنف من الناس هذه صفتهم.
(ومنها) تزويج
الأعرابي بالمهاجرة ، لما رواه في الفقيه في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن العلاء «والخراز» عن
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام «قال : لا يتزوج الأعرابي المهاجرة فيخرجها من دار الهجرة إلى الأعراب».
ومن هذه
الأخبار الدالة على كراهة تزويج شارب الخمر وسيئ الخلق ونحوهما من الأفراد
المعدودة يعلم صحة ما ذكره ابن إدريس في معنى الحديث النبوي صلىاللهعليهوآلهوسلم كما تقدم نقله عنه في المسألة الرابعة من أن النهي عن
رده متى كان ممن يرضى خلقه ودينه وترتيب الفتنة والفساد على الرد ، وعدم التزويج
إنما هو فيما إذا رده من حيث الفقر والمسكنة والحقارة في نسبه لا أن يكون رده لا
تصافه بهذه الأوصاف المنهي عنهما شرعا ، والله العالم.
__________________
الفصل الثالث
في نكاح المتعة
ويعبر عنها
أيضا بالنكاح المنقطع لتحديده بأجل معين ، وقد أجمع علماء الفريقين كافة على أن
نكاح المتعة كان مشروعا في صدر الإسلام ، وفعله الصحابة في زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وزمن أبي بكر وبرهة من زمن عمر ، ثم نهى عنها وتوعد من
فعلها ، ووافقه بعض ، وخالفه بعض ، وسكت آخرون ، وأجمع أهل البيت عليهمالسلام وشيعتهم على بقاء شرعيتها وأنه لم ينسخ حكمها ، ووافقهم
على ذلك جماعة من الصحابة والتابعين.
والأخبار
الواردة بها عن أهل البيت عليهمالسلام قد بلغت حد التواتر المعنوي ، ومن أخبارهم الدالة على
إباحتها ما رواه الحميدي في الجميع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن عباس قال :
«قال أبو نضرة : كان ابن عباس يأمر بالمتعة ، وكان ابن الزبير ينهى عنها ، قال :
فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال : على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلما قام عمر قال : إن الله كان يحل لرسوله ما شاء
بما شاء ، وإن القرآن قد نزل منازله ، فأتموا الحج والعمرة كما أمركم الله ،
وأبتوا نكاح هذه النساء ، فلن اوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة».
وروى الحميدي أيضا في كتابه في مسند جابر بن عبد الله من طريق آخر
قال : «كنا نتمتع بالقبضة من التمر والدقيق ، الأيام على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله وأبي بكر حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث».
__________________
وروى الترمذي
في صحيحة عن ابن عمر ، وقد سأله رجل من أهل الشام عن متعة النساء
، فقال : حلال ، فقال : إن أباك قد نهى عنها ، فقال ابن عمر : أرأيت إن كان أبي قد
نهى عنها وصنعها رسول الله صلىاللهعليهوآله أنترك السنة ونتبع أبي؟
وروى الحافظ
أبو نعيم في كتاب الحلية وأحمد بن حنبل في المسند عن عمران بن حصين في متعة النساء ،
واللفظ له ، قال : أنزلت آية المتعة في كتاب الله وعملناها وفعلنا مع النبي صلىاللهعليهوآله ولم ينزل قران بحرمتها ولم ينه عنها حتى مات.
إلى غير ذلك من
الأخبار التي يضيق عنها المقام ، ثم إنهم لانحلال زمامهم واختلال نظامهم مع دلالة
هذه الأخبار وأمثالها على استمرار الحل إلى زمان عمر ، اعتذروا لعمر في نهيه عنها
بأنه إنما نهى عنها لنسخها في زمنه صلىاللهعليهوآله وأن معنى قول عمر في الخبر المشهور «متعتان كانتا في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حلالا وأنا أنهى عنهما». يعني أخبركم بالنهي عنهما
موافقة لنهي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. هذا مع اضطراب أخبارهم التي رووها له في النسخ وعدم
إمكان الجمع بينها.
فروى البخاري
ومسلم في صحيحهما عن ابن مسعود قال : «كنا نغزو مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليس معنا نساء فقلنا : ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ، ثم
رخص لنا بعد أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثم قرأ عبد الله «يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ»
.
وروى الترمذي
عن ابن عباس ـ رضياللهعنه ـ قال : إنما كانت المتعة في
__________________
صدر الإسلام كان الرجل يقدم البلد ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما
يرى أنه يقيم فتحفظ متاعه وتصلح له شيئه حتى نزلت هذه الآية «إِلّا عَلى
أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ»
.
ورووا في
الصحيحين «عن علي عليهالسلام أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر».
ورووا عن سلمة
بن الأكوع «أنه قال : رخص لنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها».
ورووا عن سيرة
الجهني «أنه غزي مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في فتح مكة قال :
فأقمنا فيها
خمسة عشر فأذن لنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في متعة النساء ثم لم يخرج حتى نهى عنها» ورواه مسلم.
وروى أبو داود
وأحمد عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حجة الوداع نهى عنها.
أقول : انظر
إلى هذه الأخبار في هذا المقام وما هي عليه من التناقض الذي لا يقبل الالتئام وهي
بانضمام بعضها إلى بعض دالة على التحليل مرارا عديدة والنسخ كذلك ، مع أن غاية ما
يدعونه كما نقل عن الشافعي إنما هو مرتان ، فإنهم نقلوا عن الشافعي أنه قال : ما
علمت شيئا حرم مرتين وأبيح مرتين إلا المتعة.
قال شيخنا في
المسالك بعد نقل هذه الروايات التي في النسخ ونعم ما قال : تأمل هذا الاختلاف في
رواية نسخها ، وأين النهي عنها في خيبر ، والاذن فيها في أوطاس ، ثم النهي عنها
بعد ثلاثة أيام مع الحكم بأنها كانت سائغة في أول الإسلام
__________________
إلى آخر ذلك الحديث المقتضي لطول مدة شرعيتها ، ثم الاذن فيها في فتح مكة
وهي متأخرة عن الجميع ، ثم النهي عنها ذلك الوقت ، ثم في حجة الوداع وهي متأخرة عن
الجميع ، فيلزم على هذا أن تكون شرعت مرارا ونسخت كذلك.
ومن اللطائف في
هذا المقام ما نقله في المسالك عن بعض كتب الجمهور : أن رجلا كان يفعلها فقيل له :
عمن أخذت حلها؟ فقال : عن عمر ، فقالوا : كيف ذلك وعمر هو الذي نهى عنها وعاقب على
فعلها؟ فقال : لقوله «متعتان كانتا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنا احرمهما وأعاقب عليهما ، متعة الحج ومتعة النساء». فأنا
أقبل روايته في شرعيتها على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولا أقبل نهيه من قبل نفسه.
والبحث معهم في
أمثال هذه المسائل واسع ، وقد استوفينا ذلك في مقدمات كتابنا «سلاسل الحديد في
تقييد ابن أبي الحديد».
ولننقل هنا
طرفا من الأخبار المروية عن أهل البيت عليهمالسلام تيمنا كما هي عادتنا في الكتاب ، ومنها ما يدل على
إباحتها ، ومنها ما يدل على فضلها واستحبابها مضافا إلى ما يأتي في أثناء مباحث
الكتاب مما يدل على أحكامها.
فروى في الكافي
في الصحيح عن أبي بصير قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن المتعة ، فقال : نزلت في القرآن (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ
بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ)» .
وعن عبد الله
بن سليمان قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : كان علي عليهالسلام يقول : لو لا ما سبقني به بني الخطاب ما زنى إلا شقي». كذا
في الرواية المنقولة في
__________________
كتب الأصحاب .
وقال ابن إدريس
في سرائره : روي في بعض كتب أصحابنا عن أمير المؤمنين عليهالسلام لو لا ما سبقني إليه بني (ابن) الخطاب ما زنى إلا شفي».
بالشين المعجمة والفاء ومعناه إلا قليل ، والدليل عليه حديث ابن عباس ذكره الهروي
في الغريبين : ما كانت المتعة إلا رحمة ، رحم الله بها امة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولو لا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شفاء. وقد
أورده الهروي في باب الشين والفاء ، لأن الشفاء عند أهل اللغة القليل بلا خلاف
بينهم ، وبعض أصحابنا ربما حرف ذلك وقال : وتكلم بالقاف والياء المشددة ، وما
ذكرناه هو وضع اللغة وإليهم المرجع وعليهم المعول في أمثال ذلك ، انتهى.
أقول : ويؤيده
ما في النهاية الأثيرية قال : وفي حديث ابن عباس : ما كانت المتعة إلا رحمة ،
رحم بها أمة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم لو لا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شفاء. أي
القليل من الناس من قولهم غابت الشمس إلا قليلا من ضوئها عند غروبها.
وقال الأزهري :
قوله إلا شفاء ، إلا أن يشفي ، يعني يشرف على الزنا ولا يواقعه ، وأقام الاسم وهو
الشفاء مقام المصدر الحقيقي ، وهو الإشفاء على الشيء.
أقول : انظر
إلى روايتهم هذا الخبر في كتبهم الموافق لما قدمناه عنهم من الأخبار الدالة على
استمرارها إلى زمان عمر ، ودلالتها على أن عمر هو الناهي عنها مع أخبار النسخ التي
قدمنا نقله عنهم ، فأي الخبرين أولى بالقبول عند ذوي العقول ، فإن أحدهما باطل
البتة وكذب محض بلا ريبة ، ولا ريب أن الصحيح منها
__________________
هو ما اتفق عليه الفريقان ، وهو خبر البقاء والاستمرار إلى ذلك الوقت ،
فتعين بذلك كذب أخبار النسخ وإن رووها في الصحاح بزعمهم.
ومنها ما رواه في
الكافي عن ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إنما نزلت «فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً».
أقول : وقد روي
نحو هذا الخبر من طرقهم ، رواه الثعلبي في تفسيره عن حبيب بن أبي ثابت قال :
أعطاني عبد الله بن العباس مصحفا وقال : هذا قراءة أبي ابن كعب ، فرأيت في المصحف «فما
استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم
به من بعد الفريضة إن الله كان حكيما عليما» ..
ورواه الثعلبي
أيضا في تفسيره عن عبد الله بن جبير وأبي نضرة.
وعن علي
النسائي قال : «قلت لأبي الحسن عليهالسلام : جعلت فداك إني كنت أتزوج المتعة فكرهتها فتشأمت بها
فأعطيت الله عهدا بين الركن والمقام وجعلت علي في ذلك نذرا وصياما أن لا أتزوجها ،
ثم أن ذلك شق علي وندمت على يميني ، ولم يكن بيدي من القوة وما أتزوج في العلانية
، قال : فقال : عاهدت الله أن لا تطيعه ، والله لئن لم تطعه لتعصينه».
وما رواه في
الفقيه عن جميل بن صالح قال : «إن بعض أصحابنا قال لأبي عبد
الله عليهالسلام : إنه يدخلني من المتعة شيء فقد حلفت أن لا أتزوج متعة
أبدا ، فقال له أبو عبد الله عليهالسلام : إنك إذا لم تطع الله فقد عصيته».
__________________
وعن جميل بن
صالح عن عقبة عن أبيه عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قلت له : للمتمتع ثواب؟ قال : إن كان يريد بذلك
وجه الله تعالى وخلافا على من أنكرها لم يكلمها كلمة إلا كتب الله تعالى له بها
حسنة ، ولم يمد يده إليها إلا كتب الله له حسنة ، فإذا دنى منها غفر الله تعالى له
بذلك ذنبا ، فإذا اغتسل غفر الله له بقدر ما مر من الماء على شعره ، قلت : بعدد
الشعر؟ قال : نعم بعدد الشعر».
وعن بكر بن
محمد عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن المتعة ، فقال : إني لأكره للرجل
المسلم أن يخرج عن الدنيا وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يصنعها».
وقال الصادق عليهالسلام إني لأكره للرجل أن يموت وقد بقيت عليه خلة من خلال
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يأتها ، فقلت له : فهل تمتع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ قال : نعم ، وقرأ هذه الآية «وَإِذْ أَسَرَّ
النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً ـ إلى قوله تعالى ـ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً».
ونقل شيخنا
المجلسي ـ رحمهالله عليه ـ في كتاب البحار عن رسالة الشيخ المفيد ـ رحمة الله عليه ـ في المتعة
أخبارا عديدة في استحبابها ، منها ما رواه بسنده في الرسالة إلى هشام بن سالم في
الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «يستحب للرجل أن يتزوج المتعة وما أحب للرجل منكم
أن يخرج من الدنيا حتى يتزوج المتعة ولو مرة».
__________________
وعن بكر بن
محمد «عن الصادق عليهالسلام حيث سئل عن المتعة ، فقال : أكره للرجل أن يخرج من
الدنيا وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم تقض».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه قال : قال لي : تمتعت؟ قلت : لا ، قال : لا تخرج من الدنيا حتى تحيي
السنة».
وعن صالح بن
عقبة عن أبيه عن الباقر عليهالسلام قال : «قلت : للمتمتع ثواب؟». الحديث كما تقدم نقله عن
الفقيه.
وبالإسناد
المتقدم أولا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن محمد الهمداني عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «ما من رجل تمتع ثم اغتسل إلا خلق الله من كل
قطرة يقطر منه سبعين ملكا يستغفرون له إلى يوم القيامة ، ويلعنون متجنبيها إلى أن
تقوم الساعة».
ثم نقل جملة من
الأخبار إلى ان قال في الرسالة : هذا قليل من كثير في هذا المعنى.
وروى في الكافي
عن علي ـ والمراد به علي بن إبراهيم الذي هو أحد مشايخه ـ رفعه قال : «سأل
أبو حنيفة أبا جعفر محمد بن النعمان صاحب الطاق فقال له : يا أبا جعفر ما تقول في
المتعة أتزعم أنها حلال؟ قال : نعم ، قال : فما يمنعك أن تأمر نساءك أن يتمتعن
ويكتسبن عليك؟ فقال له أبو جعفر : ليس كل الصنعات يرغب فيها وإن كانت حلالا ،
وللناس إقدار ومراتب يرفعون أقدارهم ، ولكن ما تقول يا أبا حنيفة في النبيذ أتزعم
أنه حلال؟ فقال : نعم ، قال : فما يمنعك
__________________
أن تقعد نساءك في الحوانيت نباذات فيكتسبن عليك؟ فقال أبو حنيفة : واحدة
بواحدة وسهمك أنفذ ، ثم قال له : يا أبا جعفر إن الآية التي في «سأل سائل» تنطق
بتحريم المتعة ، والرواية عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد جاءت بنسخها؟ فقال له أبو جعفر : يا أبا حنيفة
إن سورة سأل سائل مكية وآية المتعة مدينة وروايتك شاذة ردية ، فقال له أبو حنيفة :
وآية الميراث أيضا تنطق بنسخ المتعة ، فقال أبو جعفر : قد ثبت النكاح بغير ميراث ،
قال أبو حنيفة : من أين قلت ذاك؟ فقال أبو جعفر : لو أن رجلا من المسلمين تزوج
امرأة من أهل الكتاب ثم توفي عنها ما تقول فيها؟ قال : لا ترث منه ، قال : فقد ثبت النكاح بغير ميراث ثم
افترقا» .
أقول : كان أبو
جعفر المذكور حديد النظر سريع الجواب بديهة ، وكان له مع المخالفين إلزامات ، وهو
عند الشيعة يلقب بمؤمن الطاق وشاه الطاق وصاحب الطاق ، والمخالفون يلقبونه بشيطان
الطاق لما يجرعهم في إلزاماته لهم من المشاق.
وله مع أبي
حنيفة من هذا القبيل كثير ، قال له أبو حنيفة لما بلغه موت الصادق عليهالسلام شماتة : يا أبا جعفر مات إمامك ، فقال له : وإمامك من
المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم.
وفي بعض
الأخبار ما يدل على المنع من الإلحاح فيها ومداومتها متى أغناه الله بالأزواج فروى في الكافي
عن علي بن يقطين في الصحيح أو الحسن قال : «سألت أبا الحسن موسى عليهالسلام عن المتعة فقال : وما أنت وذاك فقد أغناك الله عنها ،
قلت : إنما أردت أن أعلمها ، فقال : هي في كتاب علي عليهالسلام ، فقلت : تزيدها وتزداد؟ فقال : وهل يطيبه إلا ذاك». والمراد «تزيدها»
في المهر «وتزداد» في
__________________
الأجل ، بأن يعقد عليها بعد انقضاء المدة وإن كانت في العدة بمهر جديد ومدة
أخرى ، وقوله «وهل يطيبه إلا ذاك» لعل المراد به أنها ليست مثل الدائمة متى تزوجها
صارت كلا عليه ، فإن هذه باعتبار المدة التي لها إن أعجبته جدد العقد عليها بعد
المدة وزادها وزادته وإلا تركها.
وعن الفتح بن
يزيد قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن المتعة؟ فقال : هي حلال مباح مطلق لمن لم يغنه الله
بالتزويج ، فليستعفف بالمتعة ، فإن استغنى عنها بالتزويج فهي مباح له إذا غاب عنها».
وعن ابن شمون قال : «كتب أبو الحسن عليهالسلام إلى بعض مواليه لا تلحوا على المتعة ، إنما عليكم إقامة
السنة ، فلا تشتغلوا بها عن فرشكم وحرائركم فيكفرن ويتبرين ويدعين على الآمر بذلك
ويلعنونا». إلى غير ذلك من الأخبار.
إذا عرفت ذلك
فالكلام هنا يقع في الأركان والأحكام فهنا مقامان :
الأول في الأركان :
وهي عند
الأصحاب أربعة : الصيغة ، والمحل ، والأجل ، والمهر. وتفصيل الكلام فيها يقع في
موارد :
الأول : في الصيغة ، ولا خلاف في انعقاد نكاح المتعة بأحد هذه
الألفاظ الثلاثة وهي : زوجتك وأنكحتك ومتعتك بأن تقول المرأة ذلك في الإيجاب ،
فيقبل الزوج بما يدل على ذلك من الألفاظ ، وجوز أبو الصلاح وابن البراج في الإيجاب
أن يقع من الرجل بقوله متعيني نفسك كذا فتقول المرأة قبلت أو رضيت.
ونقل عن
المرتضى أنه جعل تحليل الأمة عقد متعة ، وعلى هذا فينعقد عنده بلفظ الإباحة
والتحليل ، قال في شرح النافع وهو جيد لو ثبت كونه كذلك ، لكنه غير واضح كما ستقف
عليه في محله ، والمشهور في كلام المتأخرين
__________________
اعتبار اللفظ الماضي في عقد النكاح مطلقا ، لأنه صريح في الإنشاء ، بخلاف
المستقبل المحتمل للوعد ، وخالف جماعة فاكتفوا بلفظ المستقبل ، وهذا هو المستفاد
من الأخبار المتكاثرة.
منها ما رواه في
الكافي عن أبي بصير ، قال : «لا بد من أن تقول في هذه الشروط :
أتزوجك متعة كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما نكاحا غير سفاح» الحديث ، وظاهره أن
هذه الصيغة العقد كما تدل عليه جملة من الأخبار الآتية :
وعن أبان بن
تغلب قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال : تقول : أتزوجك متعة
على كتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم لا وارثة ولا موروثة كذا وكذا يوما وإن شئت كذا وكذا
سنة بكذا وكذا درهما ، وتسمي من الأجر ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا ، فإذا
قالت : نعم ، فقد رضيت فهي امرأتك ، وأنت أولى الناس بها» الحديث ، وهو كما ترى
ظاهر في مخالفة ما ذكروه من وجوه :
منها اشتراط
الماضي في الإيجاب وهو هنا بلفظ المستقبل.
ومنها كون
الإيجاب من المرأة والقبول من الرجل ، والإيجاب هنا من الرجل والقبول من المرأة
عكس ما قالوه.
وفي رواية
ثعلبة «أتزوجك متعة
على كتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم نكاحا غير سفاح.» إلى آخره.
__________________
وفي رواية مؤمن
الطاق «يقول لها
زوجيني نفسك على كتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم.» إلى آخره. إلى غير ذلك من الأخبار التي من هذا
القبيل.
وبالجملة
فالظاهر من تتبع الروايات في هذا الباب وغيره أن المدار في صحة العقود كيف كانت
على التراضي من الطرفين بالألفاظ الدالة على مقتضى ذلك العقد ، كما تقدم ذكره في
غير موضع من الكتب المتقدمة.
ويؤكده بالنسبة
إلى ما نحن فيه ما رواه في الكافي عن نوح بن شعيب عن علي عن عمه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «جاءت امرأة إلى عمر فقالت : إني زنيت فطهرني ،
فأمر بها أن ترجم فأخبر بذلك أمير المؤمنين عليهالسلام فقال : كيف زنيت؟
فقالت : مررت
بالبادية فأصابني عطش شديد فاستسقيت أعرابيا ، فأبى أن يسقيني إلا أن امكنه من
نفسي ، فلما أجهدني العطش وخفت على نفسي سقاني فأمكنته من نفسي ، فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام : تزويج ورب الكعبة».
قال في الوافي
: إنما كان تزويجا لحصول الرضا من الطرفين ووقوع اللفظ الدال على النكاح والإنكاح
فيه ، وذكر المهر وتعيينه ، والمرة المستفادة من الإطلاق القائمة مقام ذكر الأجل ،
انتهى.
أقول : ويؤيد
ما ذكره ـ رحمة الله عليه ـ من حمل الخبر على التزويج المنقطع ذكر الكليني له في
هذا الباب وجعله من قبيل أخبار العقد المنقطع ، وكأنه فهم منه أنها زوجته نفسها
بشربة من ماء.
إلا أنه قد
رويت هذه القصة بعينها في خبر آخر بما يدل على خلاف هذا الخبر ، فروى الصدوق في
الفقيه والشيخ في التهذيب عن محمد بن عمرو بن سعيد عن
__________________
بعض أصحابنا قال : «أتت امرأة إلى عمر فقالت : يا أمير المؤمنين إني فجرت
فأقم في حد الله ، فأمر برجمها وكان علي عليهالسلام حاضرا قال : فقال له : سلها كيف فجرت؟ قالت : كنت في
فلاة من الأرض فأصابني عطش شديد فرفعت لي خيمة فأتيتها فأصبت فيها رجلا أعرابيا
فسألته الماء فأبى علي أن يسقيني إلا أن امكنه من نفسي فوليت منه هاربة فاشتد بي
العطش حتى غارت عيناي وذهب لساني ، فلما بلغ مني أتيته فسقاني ووقع علي ، فقال له عليهالسلام : هذه التي قال الله تعالى «فَمَنِ اضْطُرَّ
غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ» هذه غير باغية ولا عادية إليه ، فخلى سبيلها ، فقال عمر
: لو لا علي لهلك عمر».
ولم أقف على من
تكلم في هذين الخبرين وما هما عليه من الاختلاف في البين إلا المحدث المحسن
الكاشاني في الوافي ، ولا بأس بنقل كلامه بطوله ، وإن طال به زمام الكلام لجودة
محصوله ، قال في ذيل هذا الخبر ـ بعد أن أورده في أبواب الحدود في باب من أتى ما
يوجب الحد لجهالة أو لضرورة ـ ما لفظه : «البغي الخيانة ، والظلم والعدوان التجاوز
عن الحد وعن قدر الضرورة ، والمجرور في «إليه» راجع إلى الفجور ، والظاهر من أمر
عمر برجم المرأة بعد إقرارها بالفجور من اكتفائه بالمرة من دون سؤال عن كونها محصنة
أو غير محصنة ، وليس هذا من مثله ببعيد ، ثم المستفاد من هذا الحديث جواز الزنا
إذا اضطر الإنسان إليه بحيث يخاف على نفسه التلف ، إلا أنه ستأتي هذه القصة بعينها
في باب إثبات المتعة من كتاب النكاح بإسناد آخر وعبارة أخرى عن أبي عبد الله عليهالسلام وليس في آخر قوله عليهالسلام هذه التي قال الله تعالى. إلى آخر الحديث ، بل قال عليهالسلام : فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : تزويج ورب الكعبة ، ومفاده أنه ليس ذلك بزنا ولا فجور
مضطر إليه بل هو نكاح حلال وتزويج صحيح ، وذلك لحصول شرائط النكاح فيه
__________________
من خلوها عن الزوج وعن ولاية أحد عليها ، ورضاء الطرفين ووقوع اللفظ الدال
على النكاح والإنكاح فيه ، وذكر المهر وتعينه ، فهو تزويج متعة ونكاح انقطاع ، لا
يحتاج إلى الطلاق ، فإن قيل : يشترط في صحة المتعة ذكر الأجل ، قلنا : قد ثبت أنه
يغني عنه ذكر المرة والمرتين ، والإطلاق يقتضي المرة فيقوم مقام ذكر الأجل ، إن
قيل : أنها لم تعتقد حلها وإنما زعمت أنها زنت ، قلنا : لعل الحد إنما يجب على
الإنسان إذا زنى دون ما إذا زعم أنه زنى ، مع أنها كانت مضطرة إلى ما فعلت ، فكل
من الأمرين جاز أن يكون مسقطا للحد عنها ، ولعل هذا هو الوجه في ورود الاعتذار
عنها تارة بأنها ليست بزانية واخرى بأنها كانت مضطرة للزنا ، والتحقيق هو الأول ،
ولعل الثاني إن صح وروده فإنما ورد على التقية والمماشاة مع عمر وأصحابه ، وعلى
هذا فلا دلالة فيه على جواز الزنا مع الاضطرار إليه ، إن قيل : إن القصة واحدة
يستبعد وقوعها مرتين فما وجه اختلاف الفتيا فيها من مفت واحد في مجلس واحد؟ قلنا :
الاعتماد فيها إنما هو على رواية أبى عبد الله عليهالسلام دون رواية غيره ، مع أن الحكم الذي في روايته عليهالسلام هو الصواب في المسألة كما دريت ، وإن أريد تصحيح الأخرى
أيضا قيل : لعل أمير المؤمنين عليهالسلام : خاطب القوم فيها علانية على جهة التقية بما يناسب قدر
عقولهم ومبلغ ما عندهم من العلم ، وخاطب أصحابه سرا بما وافق الحل وبما هم أهله ،
فروى الثاني عنه أولاده عليه وعليهمالسلام ، والأول الأجانب ، والعلم عند الله» انتهى كلامه زيد
مقامه.
أقول : الأظهر
في الجواب عن السؤال الثاني أن اعتقاد الحل وعدمه لا مدخل له في صحة العقد إذا وقع
مستكملا لشرائط الصحة ، والعقد هنا كذلك كما اختاره ، ومن الجائز أن تكون المرأة
جاهلة بحل نكاح المتعة لعدم اشتهارها يومئذ ، وأنها على مذهب عمر في تحريمها
فاعتقدت كون ما وقع منها زنا يوجب الحد ، فلذا اعترفت بذلك وطلبت اقامة الحد عليها
، والامام عليهالسلام أسقط الحد
عنها لصحة النكاح كما في رواية الصادق عليهالسلام ، أو لمكان الضرورة كما في الرواية الأخرى ، وسقوطه
لمكان الضرورة غير بعيد.
فإن جملة من
الأخبار دلت على أنه ما من شيء حرمة الله إلا أباحه لمكان الضرورة ، ففي موثقة
سماعة قال : «قال : إذا حلف الرجل تقية لم يضره ـ إلى أن قال : ـ وقال : ليس شيء
مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه». ونحوه غيره من الأخبار المؤيدة بالدليل
العقلي أيضا.
بقي الكلام في
اختلاف الخبرين في أن سقوط الحد هل هو لكونه نكاحا صحيحا كما في رواية الصادق عليهالسلام أو لمكان الضرورة وأنه كان زنا؟ وما ذكره ـ رحمة الله
عليه ـ في الجميع بين فتواه عليهالسلام في هذين الخبرين جيد ، ويؤيده أنه عليهالسلام خاطب بهذا الجواب الذي في هذا الخبر عمر وأصحابه ،
ومذهب عمر تحريم المتعة فلم يصرح له بأن عدم الحد لصحة النكاح متعة ، وإنما صرح له
بالاضطرار ، وهو صحيح كما عرفت ، فإن الضرورات تبيح المحظورات ، وأما خبر الصادق عليهالسلام فليس فيه دلالة على مخاطبة عمر بذلك ، وغاية ما يدل
عليه أنه أخبر أمير المؤمنين عليهالسلام بذلك فسألها ، فلما أخبرته القضية قال : «تزويج ورب
الكعبة» وليس في الخبر أنها حدث بعد ذلك أو لم تحد ، وبلغ ذلك عمر أو لم يبلغه ،
بل الخبر مجمل في ذلك ، فيجمد على إجماله ، والله العالم.
الثاني : في المحل ، وفيه مسائل :
الاولى قالوا ، يشترط أن تكون مسلمة أو كتابية كاليهود والنصارى والمجوس على أشهر
الروايتين ، ويمنعها من شرب الخمر ، وارتكاب المحرمات ، أما المسلمة فلا تتمتع إلا
بالمسلم خاصة ، ولا يجوز بالوثنية والناصبية ، ولا تتمتع أمة وعنده حرة إلا بإذنها
، ولو فعل كان العقد باطلا ، وكذا لا يدخل عليها بنت أخيها
__________________
ولا بنت أختها إلا مع الاذن ، ولو فعل كان العقد باطلا.
أقول : قد تقدم
الكلام في هذه المواضع ، وكلما ثبت هناك من الجواز أو التحريم فهو يجري في هذا
الموضع أيضا من هذه المذكورات وغيرها ، فلا وجه لإعادته.
الثانية
: قالوا :
يستحب أن تكون مؤمنة عفيفة ، وأن يسألها عن حالها مع التهمة ، وليس ذلك شرطا في
الصحة ، وهذا الكلام يتضمن جملة من الأحكام.
(منها) يستحب
أن تكون مؤمنة عفيفة ، ويدل على ذلك ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : «سأل رجل
أبا الحسن الرضا عليهالسلام ـ إلى أن قال ـ : فقال : لا ينبغي لك أن تتزوج إلا
مؤمنة أو مسلمة ، فإن الله عزوجل يقول «الزّانِي لا يَنْكِحُ
إِلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلّا زانٍ أَوْ
مُشْرِكٌ ، وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ»
وفي رواية الفقيه «إلا بمأمونة». عوض «مؤمنة».
وفي حديث أبي
سارة قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عنها ـ يعني المتعة ـ قال لي : حلال ولا تتزوج إلا
عفيفة ، إن الله عزوجل يقول «وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ»
فلا تضع فرجك حيث لا تأمن على درهمك».
أقول : قد قيل
في معنى هذا الخبر وجوه : (أحدها) إن من لا تأمنها على درهمك كيف تأمنها على فرجك
، فلعلها تكون في عدة غيرك فيكون وطؤك
__________________
لها بشبهة ، والاحتياط في تجنب الشبهات مطلوب.
(الثاني) إنها
إذا لم تكن عفيفة كانت فاسقة ، فهي ليست بمحل للأمانة ، فربما تذهب بدراهمك ولا
تفي بالأجل.
(الثالث) إنها
لما لم تكن مؤتمنة على الدراهم فبالحري أن لا تؤمن على الفرج وإيداع النطفة لديها
فلعلها تزني وتخلط ماءك بماء غيرك.
وفي الحديث
الحسن التفليسي قال : «سألت الرضا عليهالسلام أيتمتع من اليهودية والنصرانية؟ قال : يتمتع من المرأة المؤمنة أحب إلي وهي
أعظم حرمة منهما».
وفي رواية محمد
بن الفيض قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المتعة ، فقال : نعم إذا كانت عارفة ، قلت : فإن لم
تكن عارفة؟ قال : فأعرض عليها وقل لها فإن قبلت فتزوجها ، وإن أبت أن ترضى بقولك
فدعها» الحديث.
وأما ما رواه الشيخ
عن الحسن بن علي عن بعض أصحابه يرفعه إلى أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا تمتع بالمؤمنة فتذلها». فقد قال الشيخ إنه
يحتمل أن يكون المراد به إذا كانت المرأة من أهل بيت الشرف يلحق أهلها العار
ويلحقها الذل ويكون ذلك مكروها ، انتهى.
و (منها) إنها
متى كانت غير مأمونة فالأفضل له أن يسأل عن حالها ، ويدل على ذلك ما رواه المشايخ
الثلاثة ـ رحمة الله عليهم ـ عن أبي مريم في الصحيح عن أبي جعفر
عليهالسلام أنه سئل عن المتعة فقال : إن المتعة اليوم ليس كما كانت
قبل اليوم
__________________
إنهن كن يومئذ يؤمن واليوم لا يؤمن فاسألوا عنهن».
قال في الوافي
: يؤمن إما بكسر الميم من الايمان ، بمعنى إيمانهن بحل المتعة ، وإما بفتحها من
الأمانة ، بمعنى صيانة أنفسهن عن الفجور ، أو عن الإذاعة إلى المخالفين.
أقول : الظاهر
هو الثاني ، وفيه إشارة إلى شيوع الزنا وكثرته يومئذ كما تدل عليه رواية علي بن
يقطين قال : «قلت لأبي الحسن عليهالسلام : نساء أهل المدينة ، قال : فواسق ، قلت : فأتزوج منهن؟
قال : نعم». على أن الايمان بحل المتعة والتصديق به لا معنى لترتب السؤال عليه ،
فإنه يجوز التمتع بغير المؤمنة بذلك ، وظاهر الخبر هو السؤال من الغير عن حالها ،
وعبارات الأصحاب تضمنت سؤالها عن أنه هل لها زوج أم لا؟ والرواية لا تدل عليه ،
وإنما تدل على ما ذكرناه.
(ومنها) إنه
يصح التمتع بها بغير سؤال ، بل الأفضل ترك الفحص والسؤال فإنها مصدق في عدم الزوج
والعدة ، والأخبار بذلك متكاثرة.
فروى الكليني في الصحيح عن ميسر قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : ألقى المرأة بالفلاة التي ليس فيها أحد ، فأقول لها :
هل لك زوج؟ فتقول : لا ، فأتزوجها؟ قال : نعم هي المصدقة على نفسها».
وروى الصدوق بإسناده عن يونس بن عبد الرحمن عن الرضا عليهالسلام في حديث قال : «قلت : المرأة نتزوج متعة فينقضي شرطها ،
فتتزوج رجلا آخر قبل أن تنقضي عدتها ، قال : وما عليك ، إنما إثم ذلك عليها».
__________________
وروى في
التهذيب عن فضل مولى محمد بن راشد عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت : إني تزوجت امرأة متعة فوقع في نفسي أن لها
زوجا ، ففتشت عن ذلك فوجدت لها زوجا ، قال : ولم فتشت».
وعن مهران بن
محمد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قيل له : إن فلانا تزوج امرأة متعة ، فقيل له :
إن لها زوجا ، فسألها ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : ولم سألها».
وعن محمد بن
عبد الله الأشعري قال : «قلت للرضا عليهالسلام : الرجل يتزوج المرأة فيقع في قلبه أن لها زوجا ، قال :
ما عليه ، أرأيت لو سألها البينة؟ كانت تجد من يشهد أن ليس لها زوج».
وفي رسالة
المتعة للشيخ المفيد على ما نقله في البحار عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليهالسلام «في المرأة الحسناء ترى في الطريق ، ولا يعرف أن تكون ذات بعل أو عاهرة ،
فقال : ليس هذا عليك ، إنما عليك أن تصدقها في نفسها».
وعن جعفر بن
محمد بن عبيد الأشعري عن أبيه قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن تزويج المتعة وقلت : أتهمها بأن لها زوجا ، يحل لي
الدخول بها؟ قال عليهالسلام : أرأيت إن سألتها البينة على أن ليس لها زوج ، هل تقدر
على ذلك».
وظاهر هذه
الأخبار كما ترى كراهية السؤال وإن كان مع التهمة ، وهو خلاف ما دل عليه صحيح أبي
مريم المتقدم ، ولا يخلو ذلك من الإشكال.
الثالثة
: المشهور بين
الأصحاب كراهة التمتع بالزانية ، ونقل التحريم عن الصدوق في المقنع.
__________________
وعن ابن البراج
أنه لا يعقد على فاجرة إلا إذا منعها من الفجور ، فإذا لم تمتنع من الفجور فلا
يعقد عليها ، وهو ظاهر الشيخ في النهاية أيضا .
والذي وقفت
عليه من الأخبار في هذا المقام منها رواية محمد بن الفيض المتقدم صدرها في المسألة الثانية ، حيث قال عليهالسلام فيها : «وإياكم والكواشف والدواعي والبغايا وذوات
الأزواج ، فقلت : ما الكواشف؟ قال : اللواتي كاشفن ، وبيوتهن معلومة ويزنين ، قلت
: فالدواعي؟ قال : اللواتي يدعون إلى أنفسهن وقد عرفت بالفساد ، قلت : والبغايا؟
قال : المعروفات بالزنا ، قلت : فذوات الأزواج قال : المطلقات على غير السنة».
أقول : الظاهر
أن هذه الرواية كملا ما تقدم من صدرها ، وما ذكرناه هنا من تتمتها هي حجة الصدوق
فيما نقل عنه ، حيث إنه قال في الكتاب المذكور : ولا يتمتع إلا بعارفة ، فإن لم
تكن عارفة فأعرض عليها فإن قبلت. إلى آخر الخبر كملا ، ثم قال : واعلم أن من تمتع
بزانية فهو زان ، لأن الله يقول (الزّانِي لا يَنْكِحُ
إِلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً)» ، انتهى.
وما رواه المشايخ
الثلاثة عن محمد بن إسماعيل بن بزيع في الصحيح قال : «سأل رجل
أبا الحسن الرضا عليهالسلام وأنا أسمع عن رجل تزوج المرأة متعة ويشترط عليها على أن
لا يطلب ولدها ، فتأتي بعد ذلك بولد ، فشدد في إنكار الولد ، وقال :
__________________
أيجحده إعظاما لذلك؟ فقال الرجل : فإن اتهمها؟ فقال : لا ينبغي لك أن تتزوج
إلا مؤمنة أو مسلمة ، فإن الله عزوجل يقول (الزّانِي لا يَنْكِحُ
إِلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً)». الحديث كما تقدم ، والظاهر أن هذا الخبر مستند الصدوق
فيما ذكره ، من تتمة عبارته السابقة بحمل لفظ «لا ينبغي لك» على التحريم كما هو
شائع ذائع في الأخبار.
وما رواه الشيخ
عن زرارة قال : «سأله عمار وأنا عنده عن الرجل يتزوج الفاجرة متعة ، قال :
لا بأس ، وإن كان التزويج الآخر فليحسن بابه» ، وفيه دلالة على جواز التمتع بها
وإن كان يعلم أنها تزني بخلاف الزوجة الدائمة ، فإنه شرط عليه أن يمنعها عن
الفجور.
وعن علي بن
يقطين قال : «قلت لأبي الحسن عليهالسلام : نساء أهل المدينة» الخبر. وقد تقدم قريبا.
وعن إسحاق بن
جرير قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام إن عندنا بالكوفة امرأة معروفة بالفجور ، هل يحل لي أن
أتزوجها متعة؟ فقال : رفعت راية؟ قلت : لا ، لو رفعت راية لأخذها السلطان ، قال :
نعم تزوجها متعة ، قال : ثم أصغى إلى بعض مواليه فأسر إليه شيئا ، فلقيت مولاه
فقلت له : ما قال لك؟ فقال : إنما قال : ولو رفعت راية ما كان عليه في تزويجها شيء
، إنما يخرجها من حرام إلى حلال».
ومنها ما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن أبي عمير عن أبي يعفور رفعه
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن المرأة ولا أدري ما حالها أيتزوجها
الرجل متعة؟ قال يتعرض لها فإن أجابته إلى الفجور فلا يفعل». ويمكن أن تكون هذه
الرواية دليلا لابن البراج فيما تقدم نقله عنه.
__________________
وعن يونس عن
بعض رجاله عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج المرأة متعة أياما معلومة
، فتجيئه في بعض أيامها فتقول إني قد بغيت قبل مجيئي إليك بساعة أو يوم ، هل له أن
يطأها ، وقد أقرت له ببغيها؟ قال : لا ينبغي له أن يطأها».
وقال الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي «وروي لا تمتع بلصة ولا مشهورة
بالفجور ، وادع المرأة قبل المتعة إلى ما لا يحل ، فإن أجابت فلا تمتع بها».
ومن الأخبار
المنقولة في كتاب البحار عن رسالة الشيخ المفيد المتقدم ذكرها ما رواه عن محمد بن
فضيل عن أبي الحسن عليهالسلام «في المرأة الحسناء الفاجرة هل يجوز للرجل أن يتمتع بها يوما أو أكثر؟ قال
: إذا كانت مشهورة بالزنا فلا يتمتع بها ولا ينكحها».
وعن ابن جرير قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المرأة تزني أيتمتع بها؟ قال : أرأيت ذلك؟ قلت : لا
، ولكنها ترمى به ، قال : نعم يتمتع بها ، على أنك تغادر وتغلق بابك».
وعن الحسن عن الصادق عليهالسلام «في المرأة الفاجرة هل يحل تزويجها؟ قال : نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي
عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله أن يتزوجها بعد أن يقف على توبتها».
وروى في كتاب
كشف الغمة عن كتاب دلائل الحميري عن الحسن بن ظريف قال : «كتبت
إلى أبي محمد عليهالسلام وقد تركت التمتع ثلاثين سنة ، وقد نشطت
__________________
لذلك ، وكان في الحي امرأة وصفت لي بالجمال فمال إليها قلبي ، وكانت عاهرا
لا تمنع يد لامس فكرهتها ، ثم قلت : قد قال الأئمة : تمتع بالفاجرة فإنك تخرجها من
حرام إلى حلال ، فكتبت إلى أبي محمد عليهالسلام أشاوره في المتعة ، وقلت : أيجوز بعد هذه السنين أن
أتمتع ، فكتب : إنما تحيي سنة وتميت بدعة ، ولا بأس ، وإياك وجارتك المعروفة
بالمهر وإن حدثتك نفسك ، إن آبائي قالوا : تمتع بالفاجرة فإنك تخرجها من حرام إلى
حلال ، فهذه امرأة معروفة بالهتك ، وهي جارتك ، وأخاف عليك استفاضة الخبر. فتركتها
ولم أتمتع بها ، وتمتعها شاذان بن سعيد ، رجل من إخواننا وجيراننا ، فاشتهر بها
حتى علا أمره وصار إلى السلطان وغرم بسبها مالا نفيسا ، وأعاذني الله من ذلك ببركة
سيدي».
أقول : هذا ما
حضرني من أخبار المسألة ، وهي كما ترى ما بين ما يدل على الجواز كما هو المشهور ،
وما يدل على التحريم كما هو مذهب الصدوق ، والأصحاب حملوا ما دل على المنع على
الكراهة ، جمعا بين الأخبار.
وأما على القول
بالتحريم فاللازم طرح ما دل على الجواز ، وهو مشكل ، وبعض ما دل على الجواز وإن
أمكن تقييده بما يرجع إلى القول بالتحريم ، كأن يقيد بمنعها من الفجور ، المكنى
عنه بأن يغلق بابه ، أو بظهور التوبة ، كما دلت عليه جملة من هذه الأخبار ، إلا أن
بعضا آخر كصحيحة زرارة ، ورواية إسحاق ابن جرير ، ورواية علي بن يقطين ، ورواية
كشف الغمة ظاهر في الجواز مع عدم القيدين المذكورين ، ولا يحضرني الآن مذهب العامة
في المسألة فلعل أخبار أحد الطرفين إنما خرج مخرج التقية.
وبالجملة فإن
المسألة غير خالية من شوب الإشكال ، فإن جملة من أخبار المنع صريح في التحريم ،
والله العالم.
الرابعة : قد صرح جملة من الأصحاب بأنه يكره التمتع ببكر ليس لها أب فإن فعل فلا
يفتضها وليس محرما.
أقول : الكلام
هنا يقع في موضعين (أحدهما) البكر التي لها أب ، هل يجوز التمتع بها دون الأب أم
لا؟ وقد تقدم تحقيق الكلام في هذه المسألة ، في مسائل المقصد الثاني في الأولياء
للعقد من الفصل الأول.
(الثاني) في
البكر التي لا أب لها ، ولم نقف فيها على نص بخصوص ما قالوه وإنما نصوص المسألة ما
بين مطلق وما بين مصرح بوجود الأب.
والظاهر أن
الأصحاب إنما استندوا فيما ذكروه إلى الإطلاق ، ومن ذلك ما رواه في الكافي عن زياد بن أبي الحلال في الصحيح قال : «سمعت أبا عبد
الله عليهالسلام يقول : لا بأس بأن يتمتع بالبكر ما لم يفض إليها ،
مخافة كراهية العيب على أهلها».
وما رواه المشايخ
الثلاثة نور الله مراقدهم ـ عن حفص بن البختري في الصحيح عن أبي
عبد الله عليهالسلام «قال في الرجل يتزوج البكر متعة ، قال : يكره للعيب على أهلها».
وما رواه في
الكافي عن محمد بن أبي حمزة عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليهالسلام «في البكر يتزوجها الرجل متعة؟ قال : لا بأس ما لم يفتضها».
وعن جميل بن
دراج في الصحيح أو الحسن قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يتمتع من الجارية البكر ، قال : لا بأس بذلك
ما لم يستصغرها».
أقول : الظاهر
أن المعنى في قوله «ما لم يستصغرها» أي : يعدها صغيرة لم تكمل التسع ، فإنه لا يصح
العقد عليها إلا من الولي ، وقيل : إن معناه ما لم يفتضها ، لأنه موجب لصغارها
وذلها عند أهلها ، والأول أظهر.
__________________
وما رواه في
الفقيه عن ابن أسباط عن محمد بن عذافر عمن ذكره عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «سألته عن التمتع بالأبكار ، فقال : هل جعل ذلك
إلا لهن ، فليستترن به وليستعففن».
ومن كتاب
الحسين بن سعيد على ما نقله في كتاب البحار بسنده فيه عن أبي بكر الحضرمي قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام : يا أبا بكر ، إياكم والأبكار أن تزوجوهن متعة».
وعن عبد الملك
بن عمرو قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المتعة ، فقال : إن أمرها شديد ، فاتقوا الأبكار». وإطلاق
هذه الأخبار شامل لذات الأب وغيرها ، خرجت منها ذات الأب باختلاف الأخبار فيها
بجواز تمتعها بدون إذن الأب وعدمه كما تقدم الكلام فيه ، وبقيت غير ذات الأب على
مقتضى ما دلت عليه هذه الأخبار والمستفاد منها بعد ضم بعضها إلى بعض هو كراهة
التمتع بها ، وأشد كراهة الإفضاء إليها بعد التمتع بها ، وهو فتوى الأصحاب كما
عرفت ، والله العالم.
الخامسة : قالوا : إذا أسلم المشرك وعنده كتابية بالعقد المنقطع كان عقدها ثابتا ،
وكذا لو كن أكثر ، ولو سبقت بالإسلام وقف على انقضاء العدة إن كان دخل بها ، فإن
انقضت ولم يسلم بطل العقد ، وإن لحق بها قبل العدة فهو أحق بها ما دام أجله باقيا
، وعللت هذه الأحكام بأنه لما كان عقد المتعة صحيحا عندنا ، فإذا أسلم المشرك على
منكوحة يجوز استدامة نكاحها كالكتابية أقر عليه كما يقر على الدوام ، وكذا لو كن
أكثر من واحدة لما سلف من أنه لا تنحصر شرعا في عدد.
ولو انعكس
الفرض بأن أسلمت هي دونه توقف فسخ النكاح على العدة ، لأن نكاح المسلمة لا يصح
لكافر مطلقا ، فإن انقضت العدة أو المدة التي جعلاها أجلا للمتعة
__________________
ولم يسلم تبين انفساخ النكاح في حين الإسلام ، أما مع انقضاء العدة
فلانفساخ النكاح حينئذ ، وأما مع انتهاء المدة فلاقتضائه بالبينونة ، وإن أسلم في
العدة وقد بقي من المدة شيء فهو أملك بها ما دامت المدة باقية ، وعلى التقديرين
يثبت المسمى لاستقراره بالدخول لأنه المفروض ، فلو كان الإسلام قبل الدخول ، فإن
كان منه فالحكم بحاله ، وإن كان منها انفسخ النكاح ولا مهر كما مر ، لأن الفسخ من
قبلها هذا كله إذا كانت المرأة كتابية ، فلو كانت غير كتابية فأسلم أحدهما بعد
الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدة وتبين منه بانقضاء الأجل أو خروج العدة ،
فأيهما حصل بعد الإسلام انفسخ به النكاح.
والوجه في ذلك
أنه لما لم يجز نكاح غير الكتابية للمسلم دواما ومتعة ابتداء واستدامة ، وامتنع
نكاح الكافر وإن كان كتابيا للمسلم ابتداء واستدامة ، وجب فيما إذا كانت الزوجة
غير كتابية ـ أعم من أن تكون وثنية أو غيرها من فرق الكفر ـ الحكم بانفساخ النكاح
إن كان قبل الدخول مطلقا ، وتوقفه على انقضاء العدة أو المدة إن كان بعده ، فأيهما
حصل حكم بانفساخ النكاح أو انتهائه ، ويثبت المسمى مع الدخول وبدونه إن كان المسلم
الزوج كما مر ، هكذا حققه شيخنا ـ رحمهالله ـ في المسالك ، والله العالم.
الثالث : في الأجل ، أجمع الأصحاب على أن ذكر الأجل شرط في صحة
نكاح المتعة ، فلو لم يذكره انعقد دائما ، قالوا : ولا يتقدر في القلة والكثرة
بقدر ، بل بما تراضيا عليه ، وإن بلغ في حد الكثرة إلى ما يقضي العادة بعدم بلوغه
إليه وفي جانب القلة إلى حد لا يمكن الجماع فيه ، لأن غاية العقد لا ينحصر في ذلك.
ونقل عن ابن
حمزة أنه قدر الأجل بما بين طلوع الشمس ونصف النهار ، وقيل ولعله أراد التمثيل لا
الحصر.
قالوا : ولا بد
أن يكون محروسا من الزيادة والنقصان كغيره من الأجل.
والواجب أولا
نقل ما وصل إلينا من الأخبار في هذا المقام ، ثم الكلام فيها
بتوفيق الملك العلام ، وبيان ما يستفاد منها من الأحكام.
الأول : ما
رواه في الكافي والتهذيب عن زرارة في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا تكون متعة إلا بأمرين أجل مسمى وأجر مسمى».
الثاني : ما
رواه في التهذيب عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي في الصحيح قال : «سألت أبا
عبد الله عليهالسلام عن المتعة ، فقال : مهر معلوم إلى أجل معلوم».
الثالث : ما
رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن أبي بصير قال : «لا بد من أن تقول فيه هذه
الشروط : أتزوجك متعة كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما ، نكاحا غير سفاح على كتاب
الله عزوجل وسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى أن لا ترثيني ولا أرثك ، وعلى أن تعتدي خمسة
وأربعين يوما ، وقال بعضهم : حيضة».
أقول : الظاهر
أنه لما كانت المتعة غير معهودة في تلك الأزمان فربما توهمت المرأة الزنا ، فأمروا
عليهمالسلام بذكر هذه الشروط المذكورة التي لا مدخل لها في صحتها
دفعا لتوهم الدوام وتوهم الزنا ، ولهذا لم يقل أحد من أصحابنا باشتراط ما ذكر في
هذا الخبر ونحوه في صحة العقد كما يظهر من هذا الخبر ونحوه ، وقوله في آخر الخبر «وقال
بعضهم» الظاهر أنه من كلام أبي بصير ، ويحتمل أن يكون من من بعض الرواة ، والضمير
البارز الظاهر رجوعه إلى الأئمة عليهمالسلام ، واحتمال الرجوع إلى بعض الرواة الظاهر بعده.
الرابع : عن
أبان بن تغلب قال : «قلت : لأبي عبد الله عليهالسلام : كيف
__________________
أقول لها إذا خلوت بها؟ قال : تقول أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لا وارثة ولا موروثة كذا وكذا يوما ، وإن شئت كذا
وكذا سنة ، بكذا وكذا درهما ، وتسمي من الأجر ما تراضيتما عليه قليلا كان أم كثيرا
، فإذا قالت نعم فقد رضيت : فهي امرأتك وأنت أولى الناس بها ، قلت : فإني أستحيي
أن أذكر شرط الأيام ، قال : هو أضر عليك ، قلت : وكيف؟ قال : إنك إن لم تشترط كان
تزويج مقام ، ولزمتك النفقة في العدة وكانت وارثة ولم تقدر على أن تطلقها إلا طلاق
السنة».
الخامس : ما
رواه في الكافي عن ثعلبة قال : «تقول : أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة
نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم نكاحا غير سفاح ، وعلى أن لا ترثيني ولا أرثك كذا وكذا
يوما بكذا وكذا درهما ، وعلى أن عليك العدة».
السادس : عن
هشام بن سالم قال : «قلت : كيف يتزوج المتعة؟ قال : تقول يا أمة الله
أتزوجك كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما ، فإذا مضت تلك الأيام كان طلاقها في شرطها
، ولا عدة لها عليك».
السابع : ما
رواه في التهذيب عن محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام قال : «قلت له : الرجل يتزوج متعة سنة أو أقل أو أكثر؟
قال : إذا كان شيئا معلوما إلى أجل معلوم ، قال : قلت : وتبين بغير طلاق؟ قال :
نعم».
الثامن : ما
رواه أيضا عن زرارة في الموثق قال : «قلت له : هل يجوز أن
__________________
يتمتع الرجل من المرأة ساعة أو ساعتين؟ فقال : الساعة والساعتان لا يوقف
على حدهما ، ولكن العرد والعردتين واليوم واليومين ، والليلة وأشباه ذلك».
التاسع : ما
رواه في الكافي عن خلف بن حماد قال : «أرسلت إلى أبي الحسن عليهالسلام : كم أدنى أجل المتعة ، هل يجوز أن يتمتع الرجل بشرط
مرة واحدة؟ قال : نعم».
العاشر : ما
رواه أيضا عن القاسم بن محمد عن رجل سماه قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يتزوج المرأة على عرد واحد ، فقال : لا بأس ،
ولكن إذا فرغ فليحول وجهه ولا ينظر».
الحادي عشر :
ما رواه في التهذيب عن هشام قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أتزوج المرأة متعة مرة مبهمة؟ قال : فقال : ذلك أشد
عليك ، ترثها وترثك ، ولا يجوز لك أن تطلقها إلا على طهر وشاهدين ، قلت : أصلحك
الله فكيف أتزوجها؟ قال : أياما معدودة بشيء مسمى مقدار ما تراضيتم به ، فإذا مضت
أيامها كان طلاقها في شرطها ، ولا نفقة ولا عدة لها عليك ، قلت : ما أقول لها؟ قال
: تقول لها : أتزوجك على كتاب الله وسنة نبيه ، والله وليي ووليك كذا وكذا شهرا
بكذا وكذا درهما ، على أن الله لي عليك كفيلا لتفين لي ولا اقسم لك ، ولا أطلب
ولدك ولا عدة لك علي ، فإذا مضى شرطك فلا تتزوجي حتى يمضي لك خمس وأربعون ليلة ،
وإن حدث بك ولد فأعلميني».
الثاني عشر :
وما رواه المشايخ الثلاثة ـ رحمة الله عليهم ـ عن بكار بن كردم
__________________
قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يلقى المرأة فيقول لها : زوجيني نفسك شهرا ،
ولا يسمي الشهر بعينه ، ثم يمضي فيلقاها بعد سنين ، قال : فقال : له شهره إن كان
سماه ، وإن لم يكن سمى فلا سبيل له عليها».
الثالث عشر :
ما رواه في الكافي عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن بكير في الموثق في حديث
«إن سمي الأجل فهو متعة ، وإن لم يسم الأجل فهو نكاح بات».
أقول : هذه
جملة ما وقفت عليه من الروايات المتعلقة بالأجل ، والكلام فيها يقع في مواضع :
الأول : قد اتفقت هذه الأخبار في الدلالة على صحة ما ذكره الأصحاب من اشتراط
الأجل في صحة عقد المتعة ، وقضية ذلك بطلان العقد لو خلا منه ، كما هو ظاهر جملة
من الأصحاب ومذهب العلامة ووالده وولده وجمع من الأصحاب منهم شيخنا في المسالك
وسبطه السيد السند في شرح النافع.
وقيل بأنه
ينقلب العقد دائما وهو المشهور وعليه يدل الخبر الرابع والخبر الثالث عشر.
وقيل ـ وهو
اختيار ابن إدريس ـ : إنه إن كان الإيجاب بلفظ التزويج أو النكاح انقلب دائما ،
وإن كان بلفظ التمتع بطل العقد.
احتج من قال
بالأول ، أما على البطلان فبأنه لم ينعقد متعة لفوات الشرط الذي هو ذكر الأجل ،
وهو موضع وفاق ، وأما على عدم انعقاده دائما ، فإن الدوام غير مقصود بل المقصود
خلافه ، والعقود تابعة للقصود ، وبالجملة فإنه مع الحكم بكونه يكون دائما يلزم أن
ما وقع غير مقصود ، وما قصد غير واقع.
أقول : وهذا
التعليل ربما يترائى صحته في بادي النظر ، إلا أنك بالرجوع إلى الأخبار وتتبعها في
جملة مواضع يظهر لك فساده ، ومن ذلك الروايتان المذكورتان
__________________
هنا ، فإنهما صريحتان في أنه ينقلب دائما ، ونحوهما أيضا الرواية الحادية
عشر ، ومن ذلك ما تقدم في غير مقام من دلالة جملة من الأخبار على صحة العقد المشتمل
على الشرط الفاسد ، وبطلان الشرط خاصة مع أن القصد إنما تعلق بالجميع ، فما وقع
غير مقصود ، وما قصد غير واقع ، وبذلك يظهر منع تبعية العقد للقصد على إطلاقه ،
ويؤيده ما ذكروه من الإجماع على أن عقد النكاح ـ إذا تضمن شروطا فاسدة ـ صحيح مع
بطلان الشروط المقصودة ، ذكر ذلك السيد السند في شرح النافع ، وأما ما أجاب به عنه
حيث إنه ممن يختار هذا القول غير موجه.
وبالجملة فإن
الاعتماد على هذا التعليل في تأسيس الأحكام الشرعية في مقابلة هذه النصوص الواضحة
الجلية لا يخرج عن مقابلة النصوص بالاجتهاد ، وفيه خروج عن نهج السداد وطريق
الرشاد.
ومما ذكرناه
علم حجة القول الثاني ، إلا أنه في المسالك نقل الاحتجاج للقول المذكور قال : لأن
لفظ الإيجاب صالح لكل منهما ، وإنما يتمحض للمتعة بذكر الأجل وللدوام بعدمه ، فإذا
انتفى الأول ثبت الثاني ، ولأن الأصل في العقد الصحة ، والفساد على خلاف الأصل ،
ولموثقة عبد الله بن بكير ، ثم نقل الخبر الثالث عشر ، ثم قال : وفيه نظر ، لأن
المقصود إنما هو المتعة كما هو الفرض ، والأجل شرط فيها ، وفوات الشرط يستلزم فوات
المشروط ، وصلاحية العبارة غير كاف مع كون المقصود خلاف ما يصلح له اللفظ ،
والمعتبر اتفاق اللفظ والقصد على معنى واحد ، وهو غير حاصل هنا ، لأن المقصود هو
المتعة ، والمطابق للفظ هو الدائم ، وذلك يقتضي البطلان لفوات شرط المقصود وقصد
الملفوظ ، والأصل إنما يكون حجة مع عدم الناقل ، وهو موجود ، والخبر ـ مع قطع
النظر عن سنده ـ ليس فيه دلالة على أن من قصد المتعة ولم يذكر الأجل يكون دائما ،
بل إنما دل على أن الدوام لا يذكر فيه الأجل وهو كذلك ، لكنه غير المدعى ، وحينئذ
فالقول بالبطلان مطلقا أقوى ، انتهى.
أقول : قد عرفت
في غير موضع مما تقدم أن الاعتماد عندنا في تأسيس الأحكام الشرعية إنما هو على
الأدلة المعصومية دون التخريجات العقلية ، وقد عرفت أن هذا التعليل الذي بنى عليه
وإن كان مما يتسارع إلى الفهم قبوله ، إلا أن الأخبار ترده كما عرفت ، وحينئذ فمن
الجائز أن يقال في الجواب عما ذكره أولا إنه لما كان لفظ الإيجاب صالحا لكل منهما
، وامتنع حمله على المتعة وإن كانت هي المقصودة ، للإخلال بشرطها وهو ذكر الأجل ،
إلا أنه لا مانع من حيث صلاحية اللفظ الدائم أن يحمل عليه ، وينقلب العقد إليه وأن
لم يكن مقصودا وهو يرجع إلى بطلان ما ادعوه من اشتراط الصحة بالقصد هذا.
وأما جوابه عن
الخبر بعدم الدلالة ، وأن المعنى فيه ما ذكره فهو بعيد ، إذ لا يخفى على المتأمل
أن الخبر ظاهر في أن المدار في الفرق بين كون العقد دائما أو منقطعا إنما هو على
تسمية الأجل في العقد وعدمها ، وفيه إشعار بأن القصد لا اعتبار به ، وإنما
الاعتبار بذكر الأجل وعدمه ، فإن ذكر الأجل كان منقطعا وإن قصد الدائم ، وإن لم
يذكره فهو دائم وإن قصد المنقطع ، هذا ظاهره ، وإن كان على خلاف مقتضى قاعدته التي
بنى عليها ، وضابطته التي استند إليها ، وأظهر منه خبر أبان بن تغلب ، وهو الخبر
الرابع ، فإنه صريح الدلالة ، وهو الذي استدل به غيره ، إلا أنه لم ينقله في
المقام ، ومثلهما كما عرفت الخبر الحادي عشر ، فإنه ظاهر في عدم انعقاد العقد متعة
إذا جعل الأجل مرة مبهمة : ومقتضاه على ما يدعيه أن يكون العقد باطلا مع أنه لم
يحكم عليهالسلام فيه بالبطلان ، وإنما حكم بانقلابه دائما فيكون من قبيل
الخبرين الأولين ، وهو ظاهر الدلالة في خلاف ما زعمه.
نعم ، له الطعن
في هذه الأخبار بضعف السند ، إلا أنه عندنا وعند متقدمي أصحابنا غير مسموع ولا
معتمد ، ومن العجب أن سبطه في شرح النافع بعد أن ذكر الروايتين أجاب عنهما بما
أجاب جده عن موثقة ابن بكير من أنه لا دلالة
فيهما على أنه إذا قصد المتعة ولم يذكر الشرط ينعقد دائما ، وإنما المستفاد
منهما أن الدوام لا يذكر فيه الأجل ، وهو عجيب من مثل هذا الفحل المشهور ، فإنه لا
يخفى على أدنى ناظر في خبر أبان أن سياق الخبر ينادي بأفصح لسان ، ويصرح بأوضح
بيان ، بأنه في صورة عقد المتعة المشتمل على شروطها المتكررة في الأخبار لو أخل
بذكر هذا الشرط من بينها لمكان الاستحياء انقلب عقده دائما ، وإن اشتمل على تلك
الشروط الأخر ، فكيف يتم له دعوى أنه لم يقصد المتعة ، وسياق الخبر كما ترى ونحوها
فيما ذكرناه أيضا الخبر الحادي عشر بالتقريب المتقدم.
وبالجملة فإن
جوابهم عن هذه الأخبار لتشييد قاعدتهم التي بنوا عليها وضابطتهم التي استندوا
إليها محض مجازفة لا تشفي العليل ولا يبرد الغليل ، على أنك قد عرفت انتقاض هذه
القاعدة وبطلان ما يترتب عليها من الفائدة بما دلت عليه الأخبار الدالة على صحة
العقود المشتملة على الشروط الفاسدة ، مع بطلان الشروط.
وأما ما ذهب
إليه ابن إدريس من التفصيل المتقدم ، فإنه علله بأن اللفظين الأولين صالحان لهما
بخلاف الثالث ، فإنه يختص بالمتعة ، فإذا فات شرطها بطل.
وأورد عليه بأن
بطلان عقد المتعة كما حصل بفوات شرطه وهو الأجل ، فكذلك الدوام بطل بفوات شرطه ،
وهو القصد إليه ، وهو الركن الأعظم في صحة العقود ، وهو جيد لو تم ما ذكره من
شرطية القصد في صحة العقد كليا.
ونقل هنا أيضا
قول رابع وهو التفصيل بأنه إن وقع الإخلال بالأجل على وجه النسيان أو الجهل بطل ،
وإن وقع عمدا انقلب دائما.
وفيه أنه لا
دليل على هذا التفصيل العليل ، قال في المسالك بعد نقل هذا القول : وقد ظهر ضعفه
مما تقدم ، فإنه مع التعمد وقصد المتعة يكون قد أخل بركن من أركان عقدها عمدا ،
ولم يقصد غيرها ، ثم قال : وبالجملة فالأصل في القول بالصحة والانقلاب دائما هو
الرواية السابقة على أي وجه اعتبر وقد عرفت قصورها
عن تأسيس مثل هذا الحكم المخالف للأصل متنا وسندا ، انتهى.
أقول ، وقد
عرفت أن الدال على هذا الحكم الروايات الثلاث المتقدمة ، وأن ضعف السند غير مرضي
عندنا ولا معتمد.
وأما الدلالة
فقد أوضحناها بأوضح إيضاح فلا قصور فيها ولا حرج في القول بها ولا جناح ، والله
العالم.
فرع
لو اختلف
الزوجان بعد اتفاقهما على وقوع العقد فادعى أحدهما أنه متعة وادعى الآخر الدوام ،
فإن قلنا بأن إهمال الأجل مطلقا يقتضي الدوام كان القول قول مدعي الدوام ، لأن
الآخر يدعي الزيادة وهي الأجل ، والقول قول منكرها ، وإن قلنا أن الإهمال يقتضي
الإبطال ما لم يقصد الدوام كما هو القول الآخر فالوجه أنهما يتحالفان ، وينفسخ
النكاح ، لأن كلا منهما مدع ومنكر ، والقول قول المنكر بيمينه ، ولو اشتبه الحال
لموت ونحوه لم يحكم بالتوارث ونحوه إلا مع ثبوت الدوام ، كذا صرح به السيد السند
في شرح النافع.
وفيه أن تفريع
المسألة المذكورة على الخلاف المتقدم هنا لا يخلو من الإشكال فإن القائل بالإبطال
في صورة إهمال الأجل إنما هو فيما إذا كان القصد إلى المتعة وأهمل الأجل كما تقدم
، والظاهر من أصل المسألة المفروضة أنهما متفقان على وقوع عقد النكاح في الجملة ،
ولكن أحدهما يدعي أنه عقد نكاح منقطع مستكمل لجميع شرائط المنقطع ، والآخر يدعي
أنه عقد نكاح دائم مستكمل لجميع شرائط الدائم ، ومتى كان الفرض كذلك فإنه لا تعلق
له بهذه المسألة المذكورة ولا تفرع له عليها بوجه.
والذي يقتضيه
النظر في قواعدهم في أمثال هذا المقام هو القول بالتحالف وانفساخ النكاح ، لأن
ضابطة التحالف هو أن يدعي كل منهما على صاحبه ما ينفيه
الآخر بحيث لا يتفقان على أمر ، وهو هنا كذلك ، فإن كلا من العقدين مغاير
للآخر في الأحكام وما يترتب عليه في المقام ، فإذا ادعى أحدهما الدوام والآخر
المتعة ، فكل منهما يدعي ما ينفيه صاحبه ، كما إذا ادعى أنه باعه هذا الثوب ، فقال
الآخر إنما بعتني هذا الثوب إشارة إلى ثوب آخر ، فإن الحكم التحالف ، وأما ترتب
ذلك على المسألة المتقدمة والخلاف فيها كما ذكره ـ قدسسره ـ وقبله العلامة في المختلف أيضا فلا أعرف له وجها.
قال في المختلف
: قال ابن البراج : إذا اختلف الزوجان بعد اتفاقهما على العقد ، فادعى أحدهما أنه
متعة ، كان على مدعي المتعة البينة وعلى المنكر اليمين ، لأن الزوج إن ادعى المتعة
كان مدعيا لما يسقط عنه حقوقا من نفقة وميراث وغير ذلك ، وإن ادعت المرأة ذلك كانت
مدعيه لما تملك نفسها معه بغير طلاق وما أشبهه ، والمعتمد أن نقول إن كان إهمال
الأجل يقتضي الدوام ، فالقول قول مدعي الدوام لأن الآخر يدعي زيادة ، فالقول قول
من ينكرها وإن كان الإهمال يقتضي الإبطال ـ كما اخترناه نحن ـ فالوجه أنهما
يتحالفان ويفسخ النكاح ، لأن كلا منهما مدع ، فالقول قول المنكر بيمينه. انتهى ،
وأنت خبير بما في كل من القولين بعد التأمل فيما قدمناه ، والله العالم.
الثاني
: من المواضع
المتقدم ذكرها : قد عرفت أنه لا بد من اعتبار ضبط الأجل على وجه يكون محروسا من
احتمال الزيادة والنقصان كقدوم المسافر وإدراك الثمرة كغيره من الآجال ، ويشير إليه
ما تقدم في بعض الأخبار المتقدمة إلى أجل معلوم ، وقوله في الخبر الثامن «الساعة
والساعتان لا يوقف على حدهما» فإن الجميع ظاهر في أنه لا بد من أن يكون الأجل
محدودا ، وكذا لا تقدر له في جانب القلة والكثرة ، فلو قدره بوقت لا يعيش إليه لم
يضر ، لأن الموت قبله غير قادح في صحته شرعا ، وكذا في جانب القلة بما لا يمكن فيه
الجماع لم يقدح في صحته لأنه لا ينحصر صحته في الجماع.
قال في المسالك
: ولا يشترط أن يكون بقدر يمكن فيه الجماع ، لأنه غير
معتبر فيه ، وإنما هو بعض ما يترتب عليه ، فلو جعلاه لحظة واحدة مضبوطة صح
ويترتب عليه حكم العقد من إباحة النظر ، وتحريم المصاهرة كالأم ونحو ذلك مما يترتب
على صحة العقد وإن كان المقصود ذلك ، لأنه أحد الأغراض المقصودة من النكاح بالعقد
إذ لا يعتبر في العقد قصد جميعها ولا أهمها في صحته ، ولا فرق في ذلك بين كون
الزوجة في محل الاستمتاع وعدمه. انتهى ، وهو جيد.
وفيه رد على ما
زعمه بعض الأفاضل المعاصرين من بطلان العقد لو وقع لمجرد التحليل وجواز النظر إلى
ابنة المعقودة أو أمها ونحو ذلك ، وقد بسطنا الكلام معه في ذلك في كتابنا الدرر
النجفية.
وكذا قوله «في
محل الاستمتاع وعدمه» فيه رد على المحقق الشيخ على ـ رحمهالله ـ كما ذكرناه ثمة ، ويجوز جعل المدة بعض يوم إذا كان
مضبوطا إما بغاية معروفة كالزوال وغروب الشمس أو بمقدار معين كنصف يوم ، ثم إن
اتفق معرفتهما ذلك عملا بما علماه ، وإلا رجعا فيه إلى أهل الخبرة العارفين بذلك
وظاهرهم اشتراط العدالة في المخبر ، وهل يشترط التعدد كالشهادة أو لا ، فيكون من
باب الخبر؟ وجهان ، قالوا : ولا يشترط ذكر وقت الابتداء ولا العلم به ، حيث جعلاه
إلى الزوال أو الغروب ونحو ذلك بل أوله وقت العقد كيفما اتفق.
الثالث : المشهور في كلام الأصحاب أنه لا يجوز أن يعين شهرا متصلا بالعقد ومتأخرا عنه ،
ولو أطلق اقتضى الاتصال ، وقيل بعدم جواز الانفصال ، واختاره السيد السند في شرح
النافع حيث قال في الكتاب المذكور : وهل يعتبر في المدة الاتصال أم يجوز جعلها
منفصلة عن العقد؟ قولان ، أظهرهما الأول ، لأن
__________________
الوظائف الشرعية إنما تثبت بالتوقيف ، ولم ينقل تجويز ذلك ، وإنما المنقول
ما تضمن اتصال المدة بالعقد ، فيجب القول بنفي ما عداه إلى أن يثبت دليل الجواز.
وقيل بالثاني
لوجود المقتضي وهو العقد المشتمل على الأجل المضبوط وهو ضعيف. انتهى ، وهو جيد لو
لا ورود الخبر الثاني عشر فإنه صريح في أنه متى سمي شهرا وعليه ـ وإن كان بعد مضي
سنين بين العقد وذلك الشهر ـ فإن له شهره وبه استدل الأصحاب القائلون بالجواز ،
إلا أن له أن يرده بضعف السند بناء على تصلبه في العمل بهذا الاصطلاح المحدث ،
والظاهر أنه لم يقف على الخبر وإلا لأشار إليه وأجاب عنه.
والخلاف في هذا
المقام وقع في موضعين :
أحدهما : ما
ذكرناه من جواز الانفصال وعدمه ، وقد عرفت دلالة الرواية على الجواز ، إلا أنه قد
قيل في وجه القول بالبطلان أيضا زيادة على ما ذكره السيد السند في شرح النافع حيث
قال : إن صحة العقد توجب ترتب أثره ، وأثره هنا هو تحقق الزوجية ، وذلك يمتنع مع
تأخر الأجل فيكون فاسدا ، لأنا لا نعني بالفاسد إلا ما لا يترتب أثره عليه ، ولأنه
لو صح العقد كذلك لزم كونها زوجة للعاقد ، وخلية من الزوج في المدة ، فيلزم جواز
تزويجها لغيره خصوصا على تقدير وفاء المدة بالأجل والعدة ، والرواية المذكورة وإن
دلت بإطلاقها على الجواز لكنها ضعيفة السند مجهولة الراوي فلا تصلح للدلالة.
وأجاب في
المسالك عن ذلك فقال : ويمكن الجواب بأن الأثر مترتب على العقد ، ومن ثم حكمنا
بالزوجية في المدة ، فلو كان غير مترتب لما صح في ذلك
__________________
الوقت وتخلفه عن العقد بحسب مقتضى العقد ، وإنما يتم ما ذكروه على تقدير
اقتضائه الاتصال ثم لا يوجد الأثر.
أقول : فيه أن
هذا الجواب غير تام لأن القائل بالبطلان هنا إنما قال به من حيث إن الواجب عنده
اتصال الأجل بالعقد ، وإنه لا يجوز جعله منفصلا لما ذكره من قوله «إن صحة العقد
توجب ترتب أثره. إلى آخره» ، وحينئذ فقوله ـ قدسسره ـ في الجواب بأن الأثر مترتب على العقد بالنظر إلى
الحكم بالزوجية في المدة المتأخرة لا يرد على هذا القائل ، لأنه يمنع ذلك ويقول
بالبطلان في المدة المتأخرة وغيرها ، فإن استند فيه إلى الرواية فهو قد اعترف كما
تقدم ، وسيأتي في كلامه الآتي من أنه لم يستند إليها لضعفها ، وإنما جعلها شاهدة
على هذه الاعتبار.
وبالجملة فإن
الحكم بما ادعاه من صحة الزوجية في المدة المتأخرة حيث قال في آخره : وإنما يتم ما
ذكروه على تقدير اقتضائه الاتصال ثم لا يوجد الأثر.
والعجب منه ـ قدسسره ـ أن صريح كلامه قبل هذا الكلام الذي نقلناه هو أن محل
الخلاف ما قررناه من أنه هل يصح العقد مع انفصال الأجل عن العقد أم لا؟ وما نقلناه
من الاحتجاج الذي أجاب عنه هو احتجاج القائلين بالعدم ، وأن صحة العقد يقتضي
الاتصال ، ولو فصل الأجل بطل العقد ، فكيف يقول : وهذا إنما يتم على تقدير اقتضائه
الاتصال ثم لا يوجد؟ فإن فيه اعترافا بصحة ما ذكروه من الاحتجاج وبطلان ما ذكره من
الجواب ، حيث إن الأمر كذلك كما عرفت ، فإن هذا المحتج بهذه الحجة إنما احتج بها
لقوله بالاتصال ، وأنه لا يجوز عنده الانفصال للزوم تخلف أثره عند العقد.
وبالجملة فإن
كلامه ـ رحمهالله ـ هنا لا يخلو عن تشويش واضطراب ، ثم إنه قال في تتمة
الكلام المذكور عنه : وأما استلزام جواز العقد عليها فيمكن منع الملازمة أولا من
حيث إنها ذات بعل ، والعقد على ذات البعل لا يجوز ،
ويمكن التزام الجواز لما ذكر ومنع كونها ذات بعل مطلقا بل في المدة المعينة ويترتب على ذلك ثبوت المحرمية قبل
المدة وثبوت المهر لو مات قبلها ، فعلى الأول يمكن القول به ، وعلى الثاني ينتفيان
إلى أن قال : والرواية المذكورة جعلت شاهدا للاعتبار لا مستندا للحكم فلا يضر
ضعفها ، وكيف كان فالقول بجواز النكاح مع تأخر المدة عن العقد قوي ، انتهى.
أقول : أراد
بالاعتبار الذي استند إليه وجعل الرواية شاهدا عليه هو ما قدمه أولا حيث قال : وإن
عيناه منفصلا صح أيضا على الأقوى عملا بالأصل ، ولوجود المقتضي للصحة وهو العقد
المشتمل على الأجل المضبوط ، وانتفاء المانع ، وليس إلا تأخره عن العقد ، ولم يثبت
شرعا كون ذلك مانعا ، ويشهد له إطلاق رواية بكار بن كردم ، ثم ساق الرواية.
وفيه أولا ما
عرفت فيما قدمنا نقله عن سبطه في شرح النافع ، فإنه كلام جيد ، ومرجعه إلى أن
الأصل عصمة الفروج حتى يقوم دليل على إباحتها ، والذي علم من الأدلة ـ بناء على
طرح الرواية كما هو المفروض في كلامهم ـ هو اتصال الأجل بالعقد ، ومن ادعى سوى ذلك
فعليه الدليل.
وبذلك يظهر لك
ضعف تمسكه بالأصل بمعنى أصالة صحة العقد ، فإن الأصل الذي ذكرناه أقوى متمسكا ،
لأن مرجعه إلى أصالة العدم وهو بديهي لا نزاع فيه.
وكيف كان
فدليله بعد ما عرفت لا يخرج عن المصادرة ، لأن قوله لوجود
__________________
المقتضي للصحة إلى آخره عين المدعى ، والخصم يمنعه من حيث انفصال الأجل حتى
يقوم دليل على الصحة مع الانفصال ، وقوله «ولم يثبت شرعا كون ذلك مانعا فيه» أن
الأصل العدم ، وهو يقتضي أن الأصل المنع حتى يقوم دليل الثبوت.
وبالجملة فإن
الخصم يدعي أن تأخير الأجل مانع لعدم ثبوت التعدية ، والنوافل الشرعية من نكاح أو
بيع أو نحوها موقوفة على السماع من صاحب الشريعة ولم يوجد دليل على أن هذا منها ،
وبذلك يظهر ضعف تقويته لما اختاره مع طرحه الرواية.
الموضع الثاني
من الموضعين المذكورين : فيما لو أطلق يعني شرط أجلا مطلقا لم يعينه بكونه مفصولا
أو موصولا ، فالمشهور صحة العقد ، وأنه يحمل على الاتصال لأنه المتبادر عرفا ،
ويؤيده أن أثر العقد يجب أن يترتب عليه حين وقوعه ، إلا أن يمنع مانع كاشتراط
التأخير أو نحوه ، والمانع هنا منتف ، ولأن المطلق يوجد في ضمن المتصل فيحصل به
البراءة ، وظاهر الخبر المذكور في المسألة أيضا ذلك ، فإن حكمه عليهالسلام بنفي السبيل عليها مع عدم تسمية الشهر ، بعد مضي الشهر
المتصل بالعقد ظاهر في ذلك ، وبه صرح الشيخ في النهاية تبعا لظاهر الخبر فقال :
ومتى عقد عليها شهرا ، ولم يذكر الشهر بعينه ، ومضى عليه شهر ثم طالبها بعد ذلك
بما عقد عليها لم يكن له عليها سبيل. انتهى ، وهو مبني على حمل الإطلاق على
الاتصال كما هو ظاهر.
وقال ابن إدريس
: الصحيح ترك هذه الرواية لأن هذا أجل مجهول ، إلا أن يقول شهرا من هذا الوقت فيصح
لأنه معلوم ، ورد بمنع المجهولية ، لما عرفت من شهادة العرف بالاتصال ، ومثله ما
لو أجله إلى الخميس أو إلى الربيع فإنه يحمل على الأقرب مؤيدا بما قدمنا ذكره ،
والله العالم.
الرابع : قد دل الخبر الثامن على جواز جعل الأجل العرد والعردين ، وهو على ما في
أكثر النسخ بالعين والراء المهملتين.
قال في القاموس
: العرد : الصلب الشديد المنتصب والذكر المنتشر المنتصب ، وهو هنا كناية عن المرة
والمرتين ، وفي بعض نسخ التهذيب العود بالواو ، ولا يبعد أن يكون تصحيفا كما وقع
التصريح بالمرة أيضا في الخبر التاسع ، وفي الخبر العاشر على عرد واحد أي مرة
واحدة ، والذي ذكره الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ هو أنه إذا اتفقا على اشتراط
المرة والمرتين ، فإما أن يقتصرا على ذلك ، أو يقيدا بزمان معين ، بحيث يكون أجلا
وظرفا للعمل ، أو يقيده بزمان على أن يكون ظرفا خاصة ، كرة في هذا اليوم من غير أن
يجعلا آخره منتهى الأجل ، فهنا أقسام ثلاثة :
(أحدها) أن
يقتصرا على ذكر العدد مرة أو مرتين أو أزيد على وجه مضبوط من غير تقييد بزمان كما
هو ظاهر الأخبار المذكورة ، وقد اختلف كلام الأصحاب فيه على قولين : أحدهما ـ وعليه
الأكثر ـ البطلان لقولهم عليهمالسلام في جملة من الأخبار المتقدمة إلى أجل معلوم ، والأجل
الواقع على هذا الوجه غير معلوم ، إذ يمكن وقوع المرة والمرات في الزمن الطويل
والقصير ، وظاهر الأخبار الثلاثة المتقدم ذكرها هو الجواز سيما الخبر العاشر ،
وقوله فيه «إذا فرغ فليحول وجهه».
والجمع بين
الأخبار هنا لا يخلو من الاشكال للمجهولية في هذه الصورة ، وقد صرح بذلك في الحديث
الحادي عشر ، فقال : مرة مبهمة ، إلا أنه حكم فيه بالانقلاب إلى الدائم ، وهو
القول الثاني في المسألة ، وبه صرح الشيخ في النهاية والتهذيب والمحقق في الشرائع
استنادا إلى الخبر المذكور ، ويأتي فيه البحث المتقدم ، فإن الأصحاب قد ردوه بما
تقدم في مسألة الإخلال بالأجل بالمرة من عدم القصد إلى الدائم ، بل توجه القصد إلى
المتعة ، فلا ينصرف إلى الدائم بل يبطل من أصله ، وقد تقدم الكلام معهم في ذلك
ويأتي بناء على ما حققناه ثمة من عدم ثبوت هذه الضابطة التي بنوا عليها ، وطرحوا
الأخبار لأجلها ، بل ظاهر الأخبار يدفعها ، ويردها قوة ما ذهب إليه الشيخ.
وبالجملة
فالمتأخرون القائلون بهذه الاصطلاح المحدث لهم أن يردوا هذه الأخبار كملا بضعف
الاسناد ، ويبنوا على ما ذكروه من القاعدة المذكورة ونحوها وأما القائلون بالعمل
بجميع الأخبار كما هي قاعدة متقدمي علمائنا الأبرار وجملة من متأخري المتأخرين كما
هو الحق العلي المنار ، فيشكل الحكم لاختلاف هذه الأخبار كما عرفت ، وإن كان قول
الشيخ في النهاية لا يخلو من قرب.
و (ثانيها) أن
يشترط العدد في زمان معين بحيث يكون الزمان أجلا مضبوطاكيوم وشهر ولكن ذكر العدد
شرطا زائدا على ذلك ، وهذا مما لا إشكال فيه ولا ريب يعتريه ، لاستجماع العقد
لشرائط الصحة المتفق عليها ، وليس فيه زيادة على غيره من العقود المذكورة في
الأخبار إلا اشتراط الجماع مرة أو مرات ، وهو من الشروط السائغة في هذا العقد ،
وعموم ما دل على وجوب الوفاء بالشروط يشمله ، ويظهر الفائدة في عدم جواز الزيادة
على المرات المشترطة ، ولا تخرج عن الزوجية إلا بانقضاء المدة ، ولا منافاة بين
كونها زوجة وتحريم وطئها بعد تمام العدد المشترط ، ويجوز الاستمتاع بها في بقية
المدة بغير الوطي ، لأنها زوجة.
بقي الكلام في
أنها لو أذنت بالوطء بعد ذلك فهل يجوز أم لا؟ قال في المسالك : وفي جواز الوطي
بإذنها وجه ، لأن ذلك حقها ، فإذا أذنت جاز مع كونها زوجته ، ويحتمل المنع لأن
العقد لم يتضمن سوى ذلك العدد ، ولم يتشخص إلا بما ذكر.
أقول : لا يخفى
عليك ضعف هذا الاحتمال ، وأن الوجه إنما هو الأول ، لما رواه الصدوق عن إسحاق بن عمار ، وطريقه إليه صحيح ، وهو مشترك بين
الثقة والموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له : رجل تزوج بجارية عاتق على أن لا يفتضها
، ثم أذنت له بعد ذلك ، قال : إذا أذنت له فلا بأس». وهي الدليل الحق
__________________
دون هذا الوجه الاعتباري الذي ذكره.
و (ثالثها) أن
يشترطاه في وقت معين بحيث يكون ظرفا له كاليوم مثلا ، ولا مدخل له في التأجيل ،
والمراد أن لا يقع خارج ذلك اليوم منه شيء ، وتبين بانتهاء العدد المشروط ، كما
أنها تبين بانقضاء ذلك الوقت ، وإن لم يفعل.
قال في المسالك
، وفي صحته قولان : أصحهما البطلان لجهالة الأجل ، إذ يحتمل الزيادة والنقصان حيث
يكون مقيدا بانقضاء العدد.
ويظهر من الشيخ
في النهاية الصحة ، حيث قال : إن ذكر المرة والمرتين جاز إذا أسنده إلى يوم معلوم
، فإن إسناده إلى اليوم أعم من جعله بمجموعه أجلا أو جعل اليوم ظرفا كما ذكرناه.
وهذا هو الذي
فهمه منه العلامة في المختلف ، فإنه قال بعد نقله لكلامه بصحة ذلك والبطلان مع
إبهام المرة : والحق البطلان في الجميع ، وعلل البطلان بأنه ذكر أجلا مجهولا ،
ويجيء على قول الشيخ بانعقاد الشرط بالعدد المبهم صحته دائما أن يصح هنا كذلك ،
لأن الأجل المجهول باطل ، فيساوي غير المذكور ، وجوابه الفرق ومنع الأصل ، انتهى.
الخامس : ظاهر
قوله عليهالسلام في الخبر السابع كان طلاقها في شرطها ولا عدة لها عليك
ـ ومثله في الخبر الحادي عشر ـ «أنه يجوز للزوج التزويج بأخت زوجته المتمتع بها
بعد انقضاء مدتها وإن كانت في العدة» لأن المراد بأنه لا عدة لها على الزوج أنه لا يلزمه
الصبر إلى انقضاء عدتها ليحل له ما حرم عليه بتزويجها
__________________
من نكاح الأخت ، والخامسة ، وابنة الأخت ، وابنة الأخت ، وهو موافق لما هو
المشهور بين الأصحاب من جواز التزويج بهؤلاء المذكورين في عدة المتعة ، لأنها
بائنة ليس للزوج عليها رجعة كالعدة الرجعية ، إلا أن بعض الأخبار قد دلت على تحريم
التزويج بالأخت في هذه العدة ، وهو مذهب الشيخ المفيد وجماعة تقدم ذكرهم ، وقد
تقدم تحقيق الكلام في هذه المسألة الثالثة من المقام الأول من المطلب الرابع في
استيفاء العدد من الفصل الثاني فليراجع ، والمسألة بسبب تأييد الأخبار السابقة
الدالة على الجواز بهذين الخبرين لا يخلو من الإشكال ، إلا أن الاحتياط سيما في
الفروج مطلوب ، وهو في العمل برواية التحريم ، والله العالم.
الرابع
من الموارد
المتقدم ذكرها في المهر : الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب ـ رضياللهعنهم ـ في أن ذكر المهر شرط في صحة هذا العقد ، فيبطل بفواته
بخلاف الدائم ، وعليه تدل النصوص المتقدمة في سابق هذا المورد كقوله عليهالسلام في خبر الأول «لا يكون متعة إلا بأمرين أجل مسمى ومهر
مسمى» وفي الثاني «مهر معلوم إلى أجل معلوم» ونحوهما غيرهما ، والفارق بينه وبين
العقد الدائم في ذلك النصوص باشتراطه هنا في صحة هذا العقد ، وعدم الاشتراط ثمة ،
وعلل أيضا زيادة على ذلك ، بأن الغرض الأصلي من نكاح المتعة هو الاستمتاع وإعفاف
النفس ، فاشتد شبهة بعقود المعاوضات بخلاف عقد الدوام ، فإن الغرض الأصلي منه بقاء
النسل وغيره من الأغراض المترتبة عليه التي لا تقصد من المتعة ، فكان شبهه
بالمعاوضات أقل ، فمن ثم جاز تجريد العقد منه ، ولم يكن ذكره شرطا.
ولا يخفى ما
فيه من تطرق المناقشة ، إلا أن الأمر في ذلك سهل بعد دلالة النصوص على المراد.
وكيف كان ففي
هذا المقام أحكام يجب التنبيه عليها لالجاء الضرورة والحاجة في أكثر الموارد
إليها.
أحدها : قالوا : إنه يشترط في المهر أن يكون مملوكا معلوما بالكيل
أو الوزن أو المشاهدة أو الوصف ، ويتقدر بالمرضاة قل أو كثر ، وهذا الكلام
يتضمن أحكاما ثلاثة :
(أحدها) أن
يكون مملوكا ، والمراد به ما يشمل ما يصح تملكه كالخمر والخنزير ، وما يختص تملكه
بالعاقد ، فلا يجوز العقد على مال مغصوب غير مملوك للعاقد ، قالوا : فلو عقد على
مال الغير لم يصح ، لامتناع أن يملك البضع بمال غيره ، وإن رضي المالك بعد ذلك ،
بخلاف البيع ونحوه من عقود المعاوضات ، فإن الإجازة تؤثر في نقله إلى ملك المالك ،
وهنا لا يتصور ذلك.
أقول : لا يظهر
لي وجه حسن في الفرق بين الأمرين ، بناء على ما يدعونه من صحة الفضولي ، وأما بناء
على ما هو المختار من بطلان الفضولي فلا إشكال.
و (ثانيها)
العلم بمقداره ، فإن كان مكيلا فبالكيل ، وإن كان موزونا فبالوزن أو معدودا
فبالعدد ، قالوا : وتكفي المشاهدة في هذه الثلاثة عن الاعتبار بما ذكر كصبرة
الحنطة لاندفاع الغرر المطلوب دفعه في هذه المعاوضة ، وإن لم يندفع في غيرها لأنها
ليست معاوضة محضة بحيث تبنى على المغابنة والمكايسة ، بل يعتبر رفع الغرر في
الجملة ، لأن الركن الأظهر فيها الاستمتاع ولواحقه ، ومن ثم أطلق عليه اسم الصدقة
والنحلة.
أقول : قد عرفت
ما في البناء على أمثال هذه التعليلات في تأسيس الأحكام الشرعية من الاشكال ، ولا
يحضرني الآن نص في المسألة ، وكيف كان فما ذكروه من الاكتفاء بالمشاهدة مخصوص بما
إذا كان حاضرا ، فلو كان غائبا اعتبر وصفه بما يرفع الجهالة فيبطل العقد بدونه ،
هكذا قالوا أيضا وقال السيد السند في شرح النافع بعد ذكر نحو ما ذكرنا فيما قطع به
الأصحاب : وللنظر فيه مجال ، والظاهر أنه إشارة إلى ما أشرنا إليه.
و (ثالثها) إنه
لا تقدير له قلة وكثرة وإنما يتقدر بالمراضاة ، وعلى ذلك تدل جملة من الأخبار.
منها ما رواه الكليني
عن الكناني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن المهر ما هو؟ قال : ما تراضى عليه
الناس».
وعن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «الصداق كل شيء تراضى الناس عليه قل أو كثر في
متعة أو تزويج غير متعة».
وعن فضيل بن يسار
عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «الصداق ما تراضيا عليه من قليل أو كثير فهذا
الصداق».
وعن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن أدنى مهر المتعة ما هو؟ قال : كف من طعام ، دقيق أو
سويق أو تمر».
وما رواه ابن
بابويه في الحسن عن محمد بن النعمان الأحول «أنه سأل أبا عبد
الله عليهالسلام قال : أدنى ما يتزوج به الرجل متعة؟ قال : كفين من بر».
ونقل عن ابن بابويه أنه قال : أدنى ما يجزي في المتعة درهم فما فوقه.
وربما كان
مستنده ما رواه أبو بصير قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن متعة النساء؟ فقال : حلال ، وأنه يجزي فيه الدرهم
فما فوقه».
__________________
وحمل الخبر
جمعا بينه وبين ما عرفت من هذه الأخبار المتقدمة ونحوها على الأدنى في العادة وإن
كانت الأدنى منه جائزا شرعا.
وثانيها قد صرح
جملة من الأصحاب بأنه يجب دفع المهر بالعقد ، واستشكله آخرون.
أما (أولا) فبأن
المهر أحد العوضين الذي لا يجب تسليمه إلا بتسليم العوض الآخر ، فلا بد من تسليمها
نفسها.
و (ثانيا) بما
رواه في الكافي في الصحيح عن عمر بن أبان عن عمر بن حنظلة قال : «قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام : أتزوج المرأة شهرا فتريد مني المهر كملا وأتخوف أن
تخلفني ، فقال : يجوز أن تحبس ما قدرت عليه ، فإن هي أخلفتك فخذ منها بقدر ما
تخلفك». وهي ظاهرة كما ترى في عدم وجوب دفعه إليها كملا.
وكيف كان
فالمفهوم من الأخبار أنه لا يستقر ملكها للمهر إلا بالدخول ومضي المدة ، فلو لم تف
له المدة جاز له مقاصتها بالنسبة ، وظاهرهم أنه موضع وفاق.
ومما يدل على
ذلك الرواية المذكورة ، وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح إلى عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له : أتزوج المرأة شهرا فأحبس عنها شيئا؟
قال : نعم ، خذ منها بقدر ما تخلفك ، إن كان نصف شهر فالنصف ، وإن كان ثلثا فالثلث».
وعن إسحاق بن
عمار في الموثق قال : «قلت لأبي الحسن عليهالسلام : الرجل
__________________
يتزوج المرأة متعة بشرط أن تأتيه كل يوم حتى توفيه شرطه ، أو يشترط أياما
معلومة تأتيه فتغدر به فلا تأتيه على ما شرط عليها ، فهل يصلح أن يحاسبها على ما
لم تأته من الأيام فيحبس عنها من مهرها بحساب ذلك؟ قال : نعم ، فينظر ما قطعت من
الشرط ، فيحبس عنها من مهرها بمقدار ما لم تف له ما خلا أيام الطمث فإنها لها ،
فلا يكون له إلا ما حل له فرجها».
وما رواه في
الفقيه عن صفوان بن يحيى عن عمر بن حنظلة قال : «قلت لأبي عبد
الله عليهالسلام : أتزوج المرأة شهرا بشيء مسمى فتأتي بعض الشهر ، ولا
تفي ببعض؟ قال : تحبس عنها من صداقها بقدر ما أحبست عنك ، إلا أيام حيضها فإنها
لها».
أقول : ظاهر
لفظ حبس بعض المهر في جملة من هذه الأخبار دال على ما قدمنا من عدم وجوب دفع المهر
بمجرد العقد خلافا لما ذكروه ، لأن حبسه عنها يقتضي بقاءه في ذمة الزوج وعدم دفعه
لها ، وبذلك يظهر ضعف ما تقدم نقله عنهم ، والله العالم.
وثالثها الظاهر
لا خلاف بين الأصحاب في أنه لو وهب المتمتع زوجته المدة بعد الدخول بها فإنه لا
يسقط شيء من المهر لاقتضاء العقد وجوب الجميع واستقراره بالدخول ، فسقوط شيء منه
يتوقف على دليل ، وليس فليس ، وسقوط بعض منه بالتوزيع كما تقدم لقيام دليل عليه ـ لا
يقتضي ذلك في غيره بغير دليل ، وإن كان قبل الدخول وجب نصف المهر ، وسقط النصف
الآخر.
وينبغي أن يعلم
أولا أن مذهب الأصحاب من غير خلاف يعرف أنه يصح لمن تمتع بامرأة أن يهبها جميع
المدة وبعضها قبل الدخول وبعده ، وعلى ذلك تدل جملة من الأخبار.
__________________
منها ما رواه الصدوق
في الصحيح عن علي بن رئاب قال : «كتبت إليه أسأله عن رجل تمتع بامرأة ثم
وهب لها أيامها قبل أن يفضي إليها ، أو وهب لها أيامها بعد ما أفضى إليها ، هل له
أن يرجع فيما وهب من ذلك؟ فوقع عليهالسلام : لا يرجع».
وعن يونس بن
عبد الرحمن قال : «سألت الرضا عليهالسلام عن رجل تزوج امرأة متعة ، فعلم بها أهلها ، فزوجوها من
رجل في العلانية ، وهي امرأة صدق ، قال : لا تمكن زوجها من نفسها حتى تنقضي عدتها
وشرطها ، قلت : إنه كان شرطها سنة ، ولا يصبر زوجها ، قال : فليتق الله زوجها
وليتصدق عليها بما بقي» الحديث.
ورواه في
الكافي عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى عليهالسلام بأدنى تفاوت ، وفيه «فليتق الله زوجها الأول وليتصدق
عليها بالأيام ، فإنها قد ابتليت والدار دار هدنة ، والمؤمنون في تقية» الحديث .
وعن أبان بن
تغلب قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : جعلت فداك الرجل يتزوج المرأة متعة فيتزوجها على شهر
، ثم إنها تقع في قلبه فيجب أن يكون شرطه أكثر من شهر ، فهل يجوز أن يزيدها في
أجرها ويزداد في الأيام قبل أن
__________________
تنقضي أيامه التي شرط عليها ، فقال : لا يجوز شرطان في شرط ، قلت : كيف
يصنع ، قال : يتصدق عليها بما بقي من الأيام ، ثم يستأنف شرطا جديدا».
وهذه الأخبار
مع اتفاقها على ما ذكرناه من صحة الهبة بجميع المدة وبعضها قبل الدخول وبعده مؤيدة
بظاهر اتفاق الأصحاب على الحكم المذكور ، وبذلك يظهر ما في كلام شيخنا الشهيد
الثاني في المسالك ـ حيث قال : وقد يشك في جواز هذه الهبة من حيث تجدده شيئا فشيئا
، فالثابت في الذمة حال البراءة ليس هو الحق للتجدد ـ فإنه محض اجتهاد في مقابلة
النصوص.
إذا تقرر ذلك
فاعلم أن ما قدمنا ذكره من أنه لو كان هبة المدة قبل الدخول وجب لها نصف المهر
وسقط النصف الآخر كما في الطلاق قبل الدخول ، الظاهر أنه مما لا خلاف فيه بل ادعى
عليه المحقق الشيخ علي الإجماع.
ويدل عليه أيضا
ما رواه الشيخ في التهذيب بطريقين أحدهما في الموثق عن سماعة قال : «سألته عن رجل
تزويج جارية أو تمتع بها ثم جعلته في حل من صداقها يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها
شيئا؟ قال : نعم ، إذا جعلته في حل فقد قبضته منه ، فإن خلالها قبل أن يدخل بها
ردت المرأة على الزوج نصف الصداق».
والتقريب فيها
أنه لو لا أن الحكم تنصيف المهر في الصورة المذكورة لكان الواجب أن لا ترد إليه
شيئا أو ترد الجميع كما لا يخفى ، وظاهره في المسالك التوقف في الحكم ، ومنشأه
المناقشة في ثبوت الإجماع المدعى ، وأن الرواية مقطوعة يعني مضمرة ، واعتمد في
وجوب تمام المهر على اقتضاء العقد ، لقصور الدلالة على المسقط ، وظاهر السيد السند
في شرح النافع العمل بالرواية ، وإن كانت ضعيفة لجبرها باتفاق الأصحاب لعدم ظهور
المخالف ، بل دعوى الإجماع كما عرفت ، وكل منهما قد خالف نفسه في غير موضع فيما
ذكرناه هنا ، والوجه فيه ما قدمنا ذكره من أن أصحاب هذا الاصطلاح ـ لضيق الخناق ـ لا
يقفون على ضابطة
__________________
يعتمدون عليها ولا قاعدة يرجعون إليها ، والحق هو القول المشهور ، فإنه بعد
ورود الخبر به لا يعتريه قصور ولا فتور ، وقد صرح غير واحد منهم كما تقدم قريبا
بأن الإضمار غير مضر في الأخبار ولا موجب فيها لسقوط الاعتبار.
ثم إنه ينبغي
أن يعلم أن ما ذكر من التنصيف في الهبة قبل الدخول مما لا إشكال فيه ، إذا وقعت
الهبة بجميع المدة الباقية وقت الهبة كما هو ظاهر الخبر الذي هو مستند هذا الحكم ،
أما لو وهبها البعض خاصة قبل الدخول وقلنا بجوازه وانقضت المدة ولم يدخل فالأظهر
أنه لا يسقط من المهر شيء اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النص والوفاق ، قيل :
ويحتمل السقوط لصدق التفرق قبل الدخول ورد بأنه ضعيف.
والظاهر كما
استظهره جملة من الأصحاب أن هذه الهبة في معنى الإبراء ، فلا يتوقف على القبول ،
وقال في المسالك : يصح هبة المدة جميعها.
ورابعها إذا
تبين فساد عقد المتعة بأحد الوجوه الموجبة لذلك ، كأن ظهر أن لها زوجا ، أو أنها
أخت زوجته ، أو أمها أو نحو ذلك مما يوجب فسخ العقد فإن كان قبل الدخول فلا خلاف
في أنه لا شيء لها من المهر ، وإن أخذته استعاده منها ، إنما الخلاف فيما إذا ظهر
شيء من ذلك بعد الدخول ، فللأصحاب فيه أقوال :
(أحدها) وهو
مذهب الشيخين في المقنعة والنهاية أن لها ما أخذت ولا يلزمه أن يعطيها ما بقي ،
ولم يفصلا بين كونها عالمة أو جاهلة ، واستدل عليه الشيخ في التهذيب بما رواه في الحسن عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا بقي عليه شيء من المهر وعلم أن لها زوجا
فما أخذته فلها بما استحل من فرجها ويحبس عنها ما بقي عنده».
__________________
أقول : ونحو
هذه الرواية ما رواه في الكافي عن علي بن أحمد بن أشيم قال : «كتب إليه الريان بن شبيب
ـ يعني أبا الحسن عليهالسلام ـ : الرجل يتزوج المرأة متعة بمهر إلى أجل معلوم
وأعطاها بعض مهرها وأخرته بالباقي ثم دخل بها وعلم بعد دخوله بها قبل أن يوفيها
باقي مهرها إنما زوجته نفسها ولها زوج مقيم معها ، أيجوز له حبس باقي مهرها أم لا
يجوز؟ فكتب عليهالسلام : لا يعطيها شيئا لأنها عصت الله عزوجل».
والرواية
الاولى وإن دلت بإطلاقها على عدم الفرق بين العالمة بالزوج والجاهلة بأن تعتقد
خلوها من الزوج بطلاق أو موت ثم يظهر خلافه ، إلا أنه يجب حملها على الجاهلة
بقرينة قوله عليهالسلام في الخبر «فما أخذته فلها بما استحل من فرجها» حيث إنه
مع فرض كونها عالمة تكون بغيا ولا مهر لبغي ، فكيف يكون ما أخذت ملكا لها بما
استحل من فرجها!!
ويؤيده قوله عليهالسلام في الرواية الثانية المشتملة على العالمة «لا تعطها
شيئا فإنها عصت الله تعالى» ، وظاهره جواز استرجاع ما أخذته ، ولكن لما كان سؤال
السائل إنما هو عن جواز حبس الباقي وعدمه أجابه بما ذكر في الخبر ، فكأنه عليهالسلام فهم منه الاعراض عما دفعه لها وعدم إرادته ، وإلا فإنه
يستحق المطالبة به ، لما عرفت من أنها بغي ، فلا يستحق شيئا. والظاهر أيضا حمل
كلام الشيخين على ذلك ، ولا يحضرني الآن صورة كلاميهما فإن كان وفق عبارة الخبر
فالقرينة فيه ظاهرة أيضا.
وبالجملة فما
ذكرناه هو الأوفق بالأصول والقواعد ، وقد عرفت أن الرواية لا تأباه إلا ان في ذلك
إشكالا سيأتي التنبيه عليه.
بقي الكلام
فيما لو لم يدفع إليها شيئا بالكلية ، أو دفع الجميع ، فإن الرواية لا دلالة فيها
على حكم شيء من هذين الفردين ، ومقتضى القواعد في هذا الباب أنها إن كانت عالمة
فإنه يسترجع ما دفع ويمنعها من الجميع إن لم يدفع ،
__________________
وإن كانت جاهلة فإنه يكون نكاح شبهة يرجع فيه إلى مهر المثل ، لكن هل يقسط
على المدة كما إذا أخلفته ولم تف له بتمام المدة أو تستحق الجميع؟ إشكال ، ولعل
الأول أقرب والله العالم.
و (ثانيها)
أنها إن كانت عالمة فلا شيء لها مطلقا لأنها بغي ، ولا مهر لبغي ، وإن كانت جاهلة
فلها مجموع المسمى ، فإن قبضته وإلا أكمل لها ، واختاره المحقق في الشرائع وجماعة
، وأورد عليه بالنسبة إلى صورة الجهل ، بأن المسمى إنما يلزم بالعقد الصحيح لا
الفاسد ، والعقد هنا فاسد ، ومجرد التراضي بالعقد لا يقتضي لزومه.
و (ثالثها) أنه
لا شيء لها مع العلم مطلقا ، ومع الجهل فلها مهر المثل مطلقا لأن ذلك هو عوض
البضع في وطئ الشبهة ، والواقع هنا كذلك ، وهذا هو مختار المحقق في النافع وشيخنا
الشهيد الثاني في المسالك ، قال السيد السند في شرح النافع : وهو جيد مع إطراح
الرواية.
أقول : لا ريب
أن مقتضى القواعد بالنسبة إلى صورة الجهل هو وجوب مهر المثل مطلقا ، والرواية ولو
على تقدير ما حملناها عليه من التخصيص بالجاهلة قد تضمنت حبس الباقي من المهر ،
والقول الثالث إنما يتم بطرحها ، إلا أنه يمكن أن يقال بتخصيص القاعدة المذكورة
بهذه الرواية ، ويجب الوقوف فيها على مورد النص من عقد المتعة إذا ظهر أن لها زوجا
بعد أن أخذت بعضا من المهر وبقي بعض.
وهل المراد
بمهر المثل مهر أمثالها بحسب حالها لتلك المدة التي سلمت نفسها فيها متعة أو مهر
المثل للنكاح الدائم ، لأن ذلك هو قيمة البضع عند وطئ الشبهة من غير اعتبار العقد
المخصوص أو غيره؟ قولان : استظهر في شرح النافع الأول ونفي البعد في المسالك عن
الثاني لما ذكرناه من التعليل ، وسيجيء الكلام في ذلك والمسألة محل إشكال.
و (رابعها) أنه
لا شيء لها مع العلم ، ومع الجهل يلزمه أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل ، لأن
مهر المثل إن كان أقل فهو عوض البضع حيث تبين بطلان العقد ، وإن كان المسمى هو
الأقل فقد قدمت على أن لا يستحق غيره.
وأورد عليه
بأنه يشكل بأن المسمى إنما رضيت به على وجه مخصوص وهو كونها زوجة ، فلا يلزم
الرضاء به على تقدير فساد العقد ، ثم إنه على تقدير صحة القول المذكور فلو كان في
أثناء المدة فالمعتبر الأقل من قسطها من المسمى ومهر المثل بأحد الاختيارين.
قال في المسالك
: ولا بأس بهذا القول لو قال به أحد يعتد به من الفقهاء بحيث لا يخرق الإجماع إن
اعتبر في الأقوال الحادثة مثل هذا كما هو المشهور.
واعترضه سبطه
في شرح النافع فقال بعد نقل ذلك عنه : أقول : إن إحداث القول في المسألة إنما يمنع
منه إذا كان قد انعقد الإجماع البسيط أو المركب على خلافه لاقتضائه الخروج عن قول
الامام عليهالسلام لدخول قوله عليهالسلام في أقوال المجمعين كما هو المقدر ، هذا إنما يتحقق إذا
نقل الإجماع في المسألة ، أما إذا وجد فيها منا قول أو أقوال ولم ينقل عليها إجماع
ولا ظهر المخالف فإن ذلك لا يكون إجماعا ولا يقتضي المنع من إحداث قول مخالف له ،
وإن لم يعلم وجود قائل به.
هذا كله بعد
تسليم كون الإجماع المنقول في كتب الأصحاب هو الإجماع الذي علم فيه دخول قول
المعصوم عليهالسلام في أقوال المجمعين ، ومن تتبع كلام الأصحاب وما وقع لهم
في نقل الإجماع من الاختلاف والاضطراب خصوصا ما وقع في كلام الشيخ والمرتضى من
دعوى كل منهما الإجماع على نقيض ما ادعى عليه الآخر في عدة مسائل ، ودعوى الشيخ في
الخلاف الإجماع في مسائل كثيرة وإفتائه بخلاف ذلك في مواضع أخر علم أنهم لا يريدون
بالإجماع ذلك المعنى ، وإنما يريدون به المشهور بين الطائفة أو غير ذلك مما لم
تثبت حجيته والله العالم ، انتهى وهو جيد.
أقول : لا يخفى
على من تتبع كلام شيخنا الشهيد الثاني ـ رحمهالله ـ في
المسالك ما وقع من الاضطراب في هذا المقام ، وقد قدمنا عنه في كتاب الوصايا
في مسألة ما لو أوصى له بأبيه فقبل الوصية ما هو ظاهر بل صريح في إبطال هذا الكلام
وأنه من أضعف الأوهام.
فإنه قال : ولا
يقدح دعواه الإجماع في فتوى العلامة بخلافه ، لأن الحق أن إجماع أصحابنا إنما يكون
حجة مع تحقق دخول قول المعصوم عليهالسلام في جملة أقوالهم ، فإن حجيته إنما هي باعتبار قوله
عندهم ، ودخول قوله في أقوالهم في مثل هذه المسألة النظرية غير معلوم ، وقد نبه
المصنف في أوائل المعتبر على ذلك فقال : إن حجية الإجماع لا تتحقق إلا مع العلم
القطعي بدخول قول المعصوم عليهالسلام في قول المجمعين ، ونهى عن الاغترار بمن يتحكم ويدعي
خلاف ذلك ، وهذا عند الإنصاف عين الحق ، فإن إدخال قول شخص غائب لا يعرف قوله في
قول جماعة معروفين بمجرد اتفاقهم على ذلك القول بدون العلم بموافقته لهم تحكم بارد
، وبهذا يظهر جواز مخالفة الفقيه المتأخر لغيره من المتقدمين في كثير من المسائل
التي ادعوا فيها الإجماع إذا قام عنده الدليل على ما يقتضي خلافهم ، وقد اتفق ذلك
لهم كثيرا ، لكن زلة المتقدم مسامحة عند الناس دون المتأخر. انتهى ، وهو جيد يستحق
أن يكتب بالنور على وجنات الحور.
المقام الثاني في الأحكام واللواحق التابعة للمقام :
وفيه مسائل : الأولى : لا ريب ولا إشكال في صحة الاشتراط في العقود بما لا يخالف
الكتاب والسنة ، ووجوب الوفاء به لعموم الأخبار الدالة على وجوب الوفاء بها ،
والمفهوم في كلام أكثر الأصحاب أن الشرط إنما يعتد به ويجب الوفاء إذا وقع بين
الإيجاب والقبول ليكون من جملة العقد اللازم ، فلو قدمه على العقد أو أخره عنه لم
يقع معتدا به ، لأنه والحال هذه لا يكون محسوبا من العقد.
وقال الشيخ في
النهاية : كل شرط يشترط الرجل على المرأة يكون له
تأثير بعد ذكر العقد ، فإن ذكر الشروط وذكر بعدها العقد كانت الشروط التي
قدم ذكرها باطلة لا تأثير لها ، فإن كررها بعد العقد ثبت على ما شرط.
وأنكر ابن
إدريس ذلك وخص اللزوم بما اشتمل عليه العقد ، وعليه كافة المتأخرين ، وربما قيل
بأن ما دل على الوفاء بالشرط كما يشمل الشرط الذي في العقد يشمل ما تقدم وما تأخر
عنه أيضا ، إلا أن يدعى منع صدق اسم الشرط على غير ما لم يذكر في العقد.
والذي وقفت من
الأخبار في هذا المقام ما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد ابن مسلم في الموثق قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول في الرجل يتزوج المرأة متعة إنهما يتوارثان إذا لم
يشترطا ، وإنما الشرط بعد النكاح».
وعن ابن بكير في الموثق أو الحسن قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام : ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح ، وما كان بعد
النكاح فهو جائز» الحديث.
وما رواه في
الكافي عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزوجل «وَلا جُناحَ
عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ»
فقال : ما تراضوا به من بعد النكاح فهو جائز وما كان قبل النكاح فلا يجوز
إلا برضاها وبشيء يعطيها فترضى به».
وعن ابن بكير
في الموثق قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام : إذا اشترطت على
__________________
المرأة شروط المتعة فرضيت به وأوجبت التزويج فاردد عليها شرطك الأول بعد
النكاح ، فإن أجازته فقد جاز ، وإن لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من الشرط قبل
النكاح».
وقال الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي بعد أن ذكر أن وجوه النكاح الذي أمر الله جل وعز بها
أربعة أوجه إلى أن قال : «والوجه الثاني نكاح بغير شهود ولا ميراث وهو نكاح المتعة
بشروطها ، وهي أن تسأل المرأة فارغة هي أم مشغولة بزوج أو بعدة أو بحمل ، وإذا
كانت خالية من ذلك قال لها : وتمتعيني نفسك على كتاب الله وسنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نكاح غير سفاح كذا وكذا بكذا وكذا ، وبين المهر والأجل
على أن لا ترثيني ولا أرثك ، وعلى أن الماء أضعه حيث أشاء ، وعلى أن الأجل إذا
انقضى كان عليك عدة خمسة وأربعين يوما ، فإذا أتممت قلت لها : متعيني نفسك ، وتعيد
جميع الشروط عليها ، لأن القول الأول خطبة ، وكل شرط قبل النكاح فاسد ، وإنما
ينعقد الأمر بالقول الثاني ، فإذا قالت في الثاني : نعم دفع إليها المهر أو ما حضر
منه ، وكان ما بقي دينا عليك ، وقد حل لك وطؤها». انتهى.
ونقل شيخنا
المجلسي في كتاب البحار عن خبر المفضل الوارد في الغيبة قال : «وفيه قال المفضل
للصادق عليهالسلام : يا مولاي فالمتعة؟ قال : المتعة حلال طلق ، والشاهد
فيها قول الله عزوجل ، ثم ساق كلاما طويلا إلى أن قال : قال المفضل : يا
مولاي فما شرائط المتعة؟ قال : يا مفضل لها سبعون شرطا من خالف منها شرطا واحدا
ظلم نفسه ، قال : قلت : يا سيدي قد أمرتمونا أن لا نتمتع ببغية ولا مشهورة بفساد
ولا مجنونة ، وأن ندعو المتعة إلى الفاحشة فإن أجابت فقد حرم الاستمتاع بها ، وأن
نسأل أفارغة أم مشغولة ببعل أو حمل أو عدة ، فإن شغلت بواحدة من الثلاث فلا تحل ،
وإن خلت فيقول لها : متعيني نفسك على كتاب الله عزوجل
__________________
وسنة نبيه صلىاللهعليهوآله نكاحا غير سفاح ، أجلا معلوما بأجرة معلومة ـ وهي ساعة
أو يوم أو يومان أو شهر أو سنة أو ما دون ذلك أو أكثر ، والأجرة ما تراضيا عليه من
حلقة خاتم أو شسع نعل أو شق تمرة إلى فوق ذلك من الدراهم والدنانير أو عرض ترضى به
ـ على أن لا ترثيني ولا أرثك ، وعلى أن الماء لي أضعه منك حيث أشاء ، وعليك
الاستبراء خمسة وأربعين يوما أو محيضا واحدا ، فإذا قالت ، نعم أعدت القول ثانية
وعقدت النكاح ، فإن أحببت وأحبت هي الاستزادة في الأجل زدتما» الحديث.
أقول : هذه
الأخبار قد اتفقت على بطلان الشرط المتقدم قبل العقد ، والأصحاب قد فهموا من كلام
الشيخ أن ذكر الشروط في أثناء العقد لا تلزم إلا أن تعاد بعده ، وهو ظاهر أكثر
الأخبار المتقدمة ، إلا أنهم حملوا لفظ النكاح ـ في قوله عليهالسلام : وما كان بعد النكاح فهو جائز ـ على الإيجاب ، وأنه عليهالسلام سماه نكاحا مجازا ، وعلى ذلك أيضا حملوا عبارة الشيخ.
وأنت إذا تأملت
في كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي وكذا حديث المفضل ظهر لك صحة ذلك
، فإن ظاهر الخبرين المذكورين هو ذكر الشروط مرتين (أما) المرة الأولى فهي للاعلام
بها ، واستعلام رضا المرأة بذلك وعدمه ، و (أما) الثانية فهي للعقد الذي يستبيح
نكاحها كما هو صريح عبارة كتاب الفقه الرضوي ، وكذا حديث المفضل حيث قال : فإذا
قالت : نعم أعدت القول ثانية وعقدت النكاح ، وهما ظاهران في أن عقد النكاح إنما هو
بالقول الثاني ، وحينئذ فيحمل قولهم عليهمالسلام في تلك الأخبار المجملة وما كان بعد النكاح ، يعني بعد
الإيجاب بقولها أنكحتك نفسي ، أو خطابه لها في المرة الثانية بقوله أتمتعيني نفسك
، ونحو ذلك من ألفاظ الإيجاب.
وبالجملة فإنه
متى حكم على إجمال تلك الأخبار بهذين الخبرين ، فإنه يرتفع بذلك الخلاف من البين ،
والله العالم.
الثانية : قد صرحوا بأنه يجوز للمتمتع العزل وإن لم ترض ، وأن الولد
يلحق به وإن عزل ، وأنه لو نفاه عن نفسه انتفى ولم يفتقر إلى لعان ، وهذا
الكلام يتضمن أحكاما ثلاثة :
الأول : إنه
يجوز للمتمتع العزل وإن لم تأذن ، وقد نقل غير واحد من الأصحاب أنه موضع وفاق ،
ويؤيده ما تقدم في الفائدة الحادية عشر من الفوائد المتقدمة من أن الأظهر الأشهر
جواز العزل عن الحرة على كراهية.
ويؤيده أيضا أن
الوطي لا يجب لهن إجماعا ، لأن الغرض الأصلي منهن الاستمتاع دون النسل ، وقوله عليهالسلام
في رواية ابن
أبي عمير المرسلة : الماء ماء الرجل يضعه حيث يشاء ، إلا أنه إذا
جاء ولد لم ينكره وشدد في إنكار الولد ، وبالجملة فالحكم مما لا خلاف ولا إشكال.
الثاني : إن
الولد يلحق به وإن عزل ، وهذا الحكم لا يختص بالمتعة بل يجري في كل وطئ صحيح ،
والوجه فيه بعد النص الدال على أن «الولد للفراش» . وخصوص رواية ابن أبي عمير المتقدمة جواز سبق المني من
حيث لا يشعر ، ويعضد ذلك إطلاق صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث في المتعة قال : «قلت : أرأيت إن حملت؟ قال :
هو ولده». فإن ترك الاستفصال دليل على العموم في المقال.
وفي صحيحة محمد
بن إسماعيل بن بزيع قال : «سأل رجل الرضا عليهالسلام عن
__________________
الرجل يتزوج المرأة متعة ، ويشترط عليها أن لا يطلب ولدها فتأتي بعد ذلك
بولد فينكر الولد ، فشدد في ذلك ، فقال : يجحد ، وكيف يجحد إعظاما لذلك ، قال
الرجل : فإن اتهمها؟ قال : لا ينبغي لك أن تتزوج إلا مأمونة».
قوله «ويشترط
عليها أن لا يطلب ولدها» كناية عن العزل بمعنى أنه يشترط عليها العزل ، وهو ظاهر
في أنه ليس له بعد الوطي نفي الولد وإن عزل ، ولا بمجرد التهمة ، بل لا بد من
العلم بانتفائه.
وفي رواية
الفتح بن يزيد قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليهالسلام عن الشروط في المتعة ، فقال : الشروط فيها بكذا وكذا
إلى كذا وكذا ، فإن قالت نعم فذاك له جائز ، ولا تقول كما أنهى إلي أن أهل العراق
يقولون : الماء مائي والأرض لك ولست أسقي أرضك الماء ، وإن نبت هناك نبت فهو لصاحب
الأرض ، فإن شرطين في شرط فاسد : فإن رزقت ولدا قبله ، والأمر واضح ، فمن شاء
التلبيس على نفسه لبس».
قيل : المراد
بالشرطين هما الإفضاء إليها وعدم قبول الولد : وإنما فسدا لتنافيهما شرعا ، وقيل :
المراد بأحد الشرطين شرط الله لقبول الولد ، والآخر شرط الرجل لنفسه ، والظاهر أن
الأول أقرب ، لأن ذلك هو الذي اشتمل عليه العقد. وكيف كان فالخبر دال على أنه متى
جامعها فإن عزل فإنه يجب عليه قبول الولد متى رزقها الله تعالى إياه ، ولا يجوز له
نفيه بأن يلحقه بالأم ، وهو المشار إليه بقوله «وإن نبت هناك نبت فهو لصاحب الأرض»
فإن المراد بالنبت الولد.
الثالث : إنه
لو نفاه عن نفسه ، فإنه ينتفي ظاهرا ، ولا يتوقف على اللعان ، قال في المسالك : وهو
موضع وفاق.
__________________
أقول : ويدل
على ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتع منها».
وما رواه في
التهذيب عن ابن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا يلاعن الحر الأمة ، ولا الذمية ، ولا التي
يتمتع بها».
والتقريب فيها
أن مقتضى سقوط اللعان مطلقا انتفاء الولد بغير لعان ، وإلا لا نسد باب نفيه ، ولزم
كونه أقوى من ولد الزوجة الدائمة وهو معلوم البطلان.
فإن قيل : إن
مقتضى ما تقدم من الأخبار هو أن الولد يلحق به وإنه لا يجوز له نفيه إلا أن يعلم
بانتفائه ، ومقتضى ما ذر هنا أنه لو نفاه عن نفسه انتفى قلنا : ما ذكر هنا مبني
على الظاهر كما أشير إليه آنفا ، ومبني ما ذكر سابقا على ما بينه وبين الله عزوجل ، فهو وإن قبل قوله ظاهرا في انتفائه إلا أنه لا يجوز
له فيما بينه وبين الله عزوجل إلا مع العلم بانتفائه ، لا بمجرد العزل ولا التهمة ،
إلا أن لقائل أن يقول : إن ما دل عليه الخبران المذكوران من أنه لا يلاعن الرجل
المرأة المتمتع بها لا تصريح فيه بكون اللعان لنفي الولد ، فيجوز أن يكون نفي
اللعان إنما هو بالنسبة إلى القذف ، فإنه أحد موضعي اللعان.
وحينئذ فلا
دليل على الحكم المذكور ، إلا ما يدعونه من الاتفاق إن ثبت ، فلو قيل بعد انتفائه
بنفيه ـ للأخبار الأولة الدالة على وجوب قبوله للولد ، وأنه لا يجوز نفيه لعدم
التعويل على مثل هذه الإجماعات ـ لكان في غاية القوة إلا أن الخروج عما ظاهرهم
الاتفاق عليه مشكل ، وموافقتهم من غير دليل واضح أشكل.
تنبيه
قد طعن شيخنا
الشهيد في صحيحة ابن سنان المذكورة هنا ، بأن ابن سنان
__________________
مشترك بين عبد الله وهو ثقة ، ومحمد وهو ضعيف ، والاشتراك يمنع الوصف
بالصحة.
واعترضه سبطه
في شرح النافع بأن ابن سنان الذي يروي عن أبي عبد الله عليهالسلام ، هو عبد الله الثقة الجليل قطعا ، لأن محمد لم يرو عن
الصادق عليهالسلام أصلا ، وإنما يروي عن أصحابه ، وقد روى محمد عن عبد
الله ، وذلك معلوم من كتب الرجال ، انتهى.
أقول : ما ذكره
جيد بالنسبة إلى محمد بن سنان الزاهري الضعيف ، إلا أنه يبقى احتمال محمد بن سنان
أخي عبد الله بن سنان ، فإنه قد نقلت روايته عن الصادق عليهالسلام في مواضع من كتاب طب الأئمة عليهمالسلام ، ويمكن أن يقال : إنه وإن كان كذلك إلا أن الغالب
المتكرر روايته هو عبد الله دون أخيه محمد ، والحمل على الغالب أقوى دون الشاذ
النادر.
الثالثة : لا خلاف نصا وفتوى في أن المتعة لا يقع بها طلاق ، بل تبين بانقضاء المدة
، وقد تقدمت جملة من الأخبار دالة على ذلك.
وقد عرفت أنه
لا يقع بها لعان لنفي الولد اتفاقا ، إلا أنك قد عرفت ما فيه ، وأما اللعان للقذف
فالمشهور أنه لا يقع بها كما هو ظاهر الصحيحين المتقدمين.
ونقل عن الشيخ
المفيد والسيد المرتضى أنه يقع بها ، لأنها زوجته فتدخل في عموم «وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ»
وأجيب عنه بأن عموم القرآن مخصص بالسنة وإن كانت آحادا كما هو الأشهر
الأظهر ، والمشهور أيضا أنه لا يقع بها إيلاء لقوله عزوجل في قصة الإيلاء «وَإِنْ عَزَمُوا
الطَّلاقَ» الدال على قبول المولى منها الطلاق ، والمتعة ليست كذلك
، ولأن من لوازم الإيلاء المطالبة بالوطء وهو منتف فيها ، وانتفاء اللازم يدل على
انتفاء الملزوم.
ونقل عن
المرتضى ـ رضي الله تعالى عنه ـ وقوع الإيلاء بها لعموم قوله
__________________
تعالى «لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ»
فإنه جمع مضاف وهو من صيغ العموم.
وأجيب عنه بأنه
مخصوص بقوله تعالى «وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ»
فإن عود الضمير
إلى بعض أفراد العام يخصصه.
قال في المسالك
: وفيه نظر والمسألة موضع خلاف بين الأصوليين ، وقد ذهب جماعة من المحققين إلى أنه
لا يخصص.
أقول :
والمسألة لعدم النص الظاهر لا تخلو من توقف وإن كان القول المشهور لا يخلو من قرب.
وهل يقع بها
ظهار أم لا؟ قولان : المشهور الأول ، لأن المتمتع بها زوجة ، فتدخل في العمومات
المتضمنة لظهار الزوجة وذهب جماعة منهم ابن بابويه وابن إدريس إلى الثاني ، لأصالة
بقاء الحل ، ولأن المظاهر يلزم بالفئة أو الطلاق ولا طلاق في المتعة ولا يجب الوطي
، فيلزم بالفئة ، مع أن إيجابها وحدها لا دليل ، وإقامة هبة المدة مقام الطلاق
قياس ، ولأن أمره بأحد الأمرين موقوف على المرافقة المتوقفة على وجوب الوطي.
قال في المسالك
مشيرا إلى الجواب عن ذلك قوله «ولأن المظاهر يلزم بالفئة أو الطلاق.» إلى آخره :
والإلزام بأحد الأمرين لا يوجب التخصيص ، فجاز اختصاصه بمن يمكن معه أحد الأمرين
وهو الدائم ، وهكذا الموافقة ، ويبقى أثر الظهار باقيا في غيره كوجوب اعتزالها ،
وهذا هو هو الأقوى ، انتهى.
أقول :
والمسألة أيضا محل توقف ، لعدم الدليل الواضح ، وبالتردد في المسألة أيضا صرح
السيد السند في شرح النافع وهو في محله.
الرابعة
: اختلف
الأصحاب في ثبوت التوارث بهذا العقد على أقوال : (أحدهما) إنه يقتضي التوارث
كالدائم حتى لو شرطا سقوطه بطل الشرط ، كما لو شرطا عدمه في النكاح الدائم ، ويعبر
عنه بأن المقتضي للإرث هو العقد
__________________
لا بشرط شيء ، وهذا القول لابن البراج ، واستند فيه إلى عموم الآية الدالة
على توريث الزوجة ، وهذه زوجة ، فترث كسائر الزوجات ، ويدل على كونها
زوجة آية «إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما
مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ» وملك اليمين منتف عنها قطعا ، فلو لم تثبت كونها زوجة
لزم تحريمها ، وعدم حلها كما تدعيه العامة من الآية.
وفي هذا القول
طرح للأخبار بجملتها ، ولعله إما بناء من قائله على أنها قد تعارضت فتساقطت ، أو
كونها خبر واحد لا يخصص عموم القرآن ، أو الطعن في السند بالضعف ، إلا أن الثالث
بعيد ، لتفرعه على هذا الاصطلاح المحدث ، وهو غير معمول عليه عند أمثال هذا القائل
من المتقدمين.
قيل : ولقد كان
هذا القول بالسيد المرتضى أنسب ، وبأصول أليق ، لكنه ـ رحمهالله ـ عدل عنه لما ظنه من الإجماع على خلافه.
و (ثانيها) عكس
القول المذكور ، وهو أنه لا توارث فيه من الجانبين ، سواء شرطا التوارث أو عدمه ،
أو لم يشترط شيئا منهما ، ذهب إليه أبو الصلاح وابن إدريس والعلامة في أحد قوليه ،
وابنه فخر المحققين ، والمحقق الشيخ علي ، والظاهر أنه مذهب أكثر المتأخرين ،
تمسكا بأصالة العدم ، لأن الإرث حكم شرعي يتوقف ثبوته على الدليل ، ومطلق الزوجية
لا يقتضي استحقاق الإرث ، لأن من الزوجات من ترث ، ومنهن من لا ترث ، والرواية
سعيد بن يسار الآتية إن شاء الله تعالى ـ ونحوها رواية عبد الله بن
عمر الآتية أيضا إن شاء الله تعالى
__________________
بالتقريب الآتي ذيلهما.
و (ثالثها) إن
أصل العقد لا يقتضي التوارث بل اشتراطه ، فإذا شرط ثبت تبعا للشرط ، أما عدم
اقتضائه الإرث بدون الشرط فللأدلة المتقدمة ، وأما ثبوته مع الشرط فلعموم «المسلمون
عند شروطهم» . اختاره الشيخ وأتباعه إلا القاضي ابن البراج ، وبه قطع
المحقق والشهيدان ، وستأتي الأخبار الدالة عليه إن شاء الله تعالى.
و (رابعها)
عكسه ، وهو أنهما يتوارثان ما لم يشترطا سقوطه ، فيكون المقتضي للإرث هو العقد
بشرط لا شيء ، ولو اشترطا ثبوته كان اشتراطا لما يقتضيه العقد ، وإلى هذا القول
ذهب المرتضى وابن أبي عقيل ، أما ثبوت التوارث مع انتفاء شرط السقوط ، فلعموم
الآية ، وأما السقوط مع الشرط ، فلعموم «المؤمنون عند شروطهم» وقد استدل عليه
أيضا بموثقة محمد بن مسلم الآتية إن شاء الله تعالى.
والواجب نقل ما
وصل إلينا من روايات المسألة ، ثم الكلام فيها بما وفق الله سبحانه فهمه منها.
الأول : ما
رواه في الكافي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح أو الحسن عن أبي
الحسن الرضا عليهالسلام قال : «تزويج المتعة نكاح بميراث ، ونكاح بغير ميراث ،
إن اشترطت كان ، وإن لم يشترط لم يكن».
ورواه الحميري
في قرب الاسناد عن أحمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال في
الكافي بعد نقل الخبر المزبور : وروى أيضا «ليس بينهما ميراث
__________________
اشتراط أو لم يشترط».
الثاني : ما رواه
في الكافي أيضا في الموثق عن محمد بن مسلم قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول في الرجل يتزوج المرأة متعة : إنهما يتوارثان ما
لم يشترطا ، وإنما الشرط بعد النكاح».
ورواه الحسين
بن سعيد في كتابه عن صفوان بن يحيى بن بكير عن محمد بن مسلم قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول :.» الحديث.
ورواه ابن
إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب عبد الله بن بكير ، وحمله الشيخ على أنهما
يتوارثان إذا لم يشترطا الأجل ، وأيده بما تقدم في رواية أبان بن تغلب إن لم يشترط كان تزويج مقام.
الثالث : من
الكتاب المذكور عن أبي عمير في الصحيح أو الحسن عن عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث في المتعة قال : «فإن أحدث به حدث لم يكن لها
ميراث».
الرابع : ما
رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام : كم المهر؟ يعني في المتعة ، فقال : ما تراضيا عليه ـ إلى
أن قال : ـ وإن اشترطا الميراث فهما على شرطهما».
ورواه الحسين
بن سعيد في كتابه عن النضر عن عاصم عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام.» الحديث إلى آخره.
__________________
الخامس : ما
رواه أيضا عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث في المتعة قال : «وليس بينهما ميراث».
السادس :
وبإسناده عن سعيد بن يسار في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج المرأة متعة ولم يشترط
الميراث؟ قال : ليس بينهما ميراث ، اشترط أو لم يشترط» .
وحمله الشيخ
على اشتراط سقوط الميراث وقال : وإنما يحتاج ثبوته إلى شرط ، لا ارتفاعه ، وأيده
في الوافي بأنه لما كان المتعارف اشتراطه في هذا العقد نفي التوارث لا إثباته ،
كما مضى في عدة أخبار حمل قوله «اشترط أو لم يشترط» على ذلك.
السابع : ما
رواه أيضا عن عبد الله بن عمر قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المتعة ، فقال : حلال من الله ورسوله ، قلت : فما
حدها؟ قال : من حدودها أن لا ترثها ولا ترثك» الحديث.
الثامن : ما
رواه في الفقيه عن موسى بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث قال : «ولا ميراث بينهما في المتعة إذا مات
واحد منهما في ذلك الأجل».
ورواه الحسين
بن سعيد في كتابه عن النضر عن موسى بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام.
__________________
التاسع : ما
صرح به الرضا عليهالسلام في كتابه الفقه الرضوي حيث قال : اعلم أن وجوه النكاح الذي أمر الله عزوجل بها أربعة أوجه منها نكاح بميراث ، وهو بولي وشاهدين
ومهر معلوم ـ إلى أن قال : ـ والوجه الثاني نكاح بغير شهود ولا ميراث ، وهي نكاح
المتعة بشروطها. إلى آخر عبارته المتقدمة في المسألة الأولى.
إذا عرفت ذلك فاعلم
أن مما يدل على القول الثاني الرواية السادسة والسابعة ، والتقريب في الثانية
منهما أنه عليهالسلام جعل نفي التوارث من حدود نكاح المتعة ، بمعنى أن عقد
المتعة لا يقتضي التوارث ، إلا أن غاية ما تدل عليه هو عدم التوارث بالعقد ، ولا
ينافيه ثبوت الإرث بالشرط الخارج عن العقد ، وحينئذ فلا تكون هذه الرواية منافية
لما دل على ثبوته بالشرط ، كما هو القول الثالث.
وأما ما قيل في
وجه الاستدلال بالرواية المذكورة من أنه عليهالسلام نفي التوارث من الجانبين وجعله من حدود المتعة
ومقتضياتها ، فوجب أن لا يثبت بها توارث إنما مع عدم الاشتراط العدم فواضح ، وأما
مع شرط الإرث فلأنه شرط ينافي مقتضى العقد على ما دل عليه الحديث ، فوجب أن يكون
باطلا.
ففيه أنه في
صورة شرط الإرث إنما يحصل المنافاة لمقتضى العقد لو كان العقد يقتضي عدم الإرث ،
وقد عرفت أن غاية ما يدل عليه الخبر هو عدم اقتضاء الإرث ، لا اقتضاء عدمه ،
والمنافاة إنما تحصل بناء على الثاني لا الأول ، إذ معنى قوله عليهالسلام «من حدودها أن لا ترثها ولا ترثك» هو أن من حدودها ومقتضياتها أن عقدها لا
يقتضي الإرث ، لا أنه يقتضي عدم التوارث ، والفرق بين الأمرين ظاهر.
ومما يدل على
القول الثالث الرواية الاولى والرابعة ، وهما مع صحة سنديهما ظاهرتا الدلالة على
القول المذكور.
ومما يدل على
القول الرابع الرواية الثانية ، وقد عرفت حمل الشيخ لها على أن المراد بالشرط
اشتراط الأجل ، بمعنى أنهما يتوارثان إذا لم يشترطا
__________________
الأجل ، فإن العقد بدون الأجل يصير دائما كما تقدم ، ولا بأس به جمعا بين
الأخبار.
ولعل أقرب هذه
الأقوال هو القول الثالث لما عرفت من قوة دليله سندا ومتنا ، ولا ينافيه إلا
الرواية السادسة ، وإلا فالسابعة قد عرفت أنه لا منافاة فيها ، والرواية الثانية
بما ذكرناه من حملها على ما ذكره الشيخ يرتفع المنافاة منها ، والرواية الثالثة
غاية ما تدل عليه أنه لا ميراث بمقتضى العقد ، وهو موافق للقول المذكور ، وكذلك
الرواية الخامسة فإن المعنى فيها أنه ليس بينهما توارث ، يعني بمقتضى العقد ، ولا
ينافيه ثبوته بالشرط ، وكذلك الرواية الثامنة والتاسعة ، فإن مقتضى الجميع أنه لا
توارث بمقتضى العقد كما في النكاح الدائم ، وهو أحد جزئي المدعى ، وحينئذ فتنحصر
المنافاة في الرواية السادسة ، والشيخ ـ رحمة الله عليه ـ قد حملها على أن المراد
اشتراط نفي الميراث ولم يشترط ، وهو وإن كان لا يخلو من بعد إلا أنه في مقام الجمع
بين الأخبار لا بأس به ، لئلا ينافي ما دل على ثبوت الميراث مع الشرط.
وبما حررناه في
المقام ، يظهر أن أظهر الأقوال المذكورة ـ بعد رد هذه الأخبار بعضها إلى بعض حسبما
عرفت ـ هو القول المزبور ، إلا أنه ربما أشكل من وجه آخر ، وهو أن الاشتراط ليس
بسبب شرعي في ثبوت الإرث ، وأسباب الإرث محصورة وليس هذا منها ، وما ليس بسبب شرعي
لا يمكن جعله سببا ، ولا مقتضى للتوارث هنا إلا الزوجية ، ولا يقتضي ميراث الزوجية
إلا الآية ، فإن اندرجت المتعة في الزوجية التي دلت الآية على ثبوت الإرث لها ورثت
على كل حال وإن لم يشترط ثبوته ، وبطل شرط نفيه ، وإن لم تندرج في الزوجية التي في
الآية لم يثبت بالشرط لأنه شرط توريث من ليس بوارث ، وهو باطل قطعا ، وربما حمل
الخبران لأجل ما عرفت على إرادة الوصية باشتراط الإرث في عقد المتعة ، فيكون
كالإرث ، لا إرثا حقيقيا.
وأجيب عن
الاشكال المذكور بأنه لما كان الخبران المذكوران مع اعتبار
سنديهما واضحا الدلالة على المدعي ، والمستفاد منهما كون اشتراط الميراث
سائغا لازما فيثبت به ، وإن كان أصل الزوجية لا يقتضيه ، والواجب تخصيص الآيات الدالة
على ميراث الزوجة بهما كما خصصت في الزوجة الذمية إذا أسلمت تحت كافر ، برواية أن
الكافر لا يرث المسلم ، ومن ذلك يعلم الجواب عن قوله «ولا مقتضى للتوارث هنا إلا
الزوجية. إلى آخره» فإنه مسلم إلا أنها بدون الشرط مخصوصة بالروايتين المذكورتين
بمعنى أن الآيات وإن دلت على كونها زوجة ، والزوجية تقتضي الميراث ، إلا أن
الخبرين دلا على تخصيص الميراث لعدم المقتضى فيجب تخصيص الآيات بهما ، فمع
الاشتراط تدخل في عموم الآيات لعدم المقتضى للتخصيص ، ومع العدم يجب إخراجهما من
العموم بالخبرين ، نعم هذا الحكم غريب لعدم النظير ، إلا أن الجمع بين الأدلة
يقتضيه ، فلا بعد فيه ، وليس بعده إلا اطراح الخبرين مع ما هما عليه من جودة الاسناد
والدلالة على المراد.
وأما قوله «إن
الاشتراط ليس بسبب شرعي في ثبوت الإرث. إلى آخره» فإنه مردود بأنه بعد دلالة النص
على ذلك لا وجه لهذا الكلام لما يتضمنه من الرد على الامام عليهالسلام حيث جعله سببا في ذلك ، والأسباب لا تنحصر في دلالة
الكتاب فهو وإن لم يثبت بالكتاب إلا أنه ثبت بالسنة.
وبالجملة
فالنظر في أخبار المسألة بالتقريب الذي قدمناه في حمل بعضها على بعض يقتضي العمل
بالقول المذكور.
ومما يتفرع على
القول المذكور أنهما لو اشترطا التوارث لأحدهما دون الآخر فإن مقتضى الخبرين العمل
بشرطهما ، وله نظائر في الأحكام كما في إرث المسلم الكافر دون العكس ، وإرث الولد
المنفي باللعان إذا اعترف به الأب بعد ذلك فإن الولد يرثه وهو لا يرث الولد ،
والله العالم.
الخامسة : اختلف الأصحاب في عدة المتمتع بها متى دخل بها الزوج وانقضت
__________________
مدتها ، أو وهبها إياها ولم تكن يائسة وكانت ممن تحيض على أقوال : ومنشأ
هذا الاختلاف اختلاف الروايات في المسألة.
(فأحدها) ـ وهو
قول الشيخ في النهاية وجمع من الأصحاب منهم ابن البراج في كتابيه وسلار والمحقق في
الشرائع والشهيد في اللمعة وغيرهم ـ أنها حيضتان فإن كانت في سن من تحيض ولا تحيض
فخمسة وأربعون يوما.
ويدل على هذا
القول ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن إسماعيل ابن الفضل قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن المتعة فقال : الق عبد الملك بن جريج فاسأله عنها ،
فإن عنده منها علما ، فلقيته فأملى علي منها شيئا كثيرا في استحلالها ، فكان فيما
روى لي ابن جريح قال : ليس فيها وقت ولا عدد ، إنما هي بمنزلة الإماء يتزوج منهن
كم شاء ، وصاحب الأربع نسوة يتزوج منهن ما شاء بغير ولي ولا شهود ، فإذا انقضى
الأجل بانت منه بغير طلاق ، ويعطيها الشيء اليسير ، وعدتها حيضتان ، وإن كانت لا
تحيض فخمسة وأربعون يوما. فأتيت بالكتاب أبا عبد الله عليهالسلام فعرضت عليه ، فقال : صدق وأقر به ، قال ابن أذينة :
وكان زرارة بن أعين يقول هذا ويحلف أنه الحق ، إلا أنه كان يقول : إن كانت تحيض
فحيضة ، وإن كانت لا تحيض فشهر ونصف».
ويدل على ذلك
أيضا ما رواه العياشي في تفسيره عن أبي بصير عن أبي جعفر عليهالسلام في المتعة إلى أن قال : «ولا تحل لغيرك حتى تنقضي عدتها
، وعدتها حيضتان».
وما رواه الحسين
بن سعيد في كتابه على ما نقله في كتاب البحار عن النضر عن عاصم بن حميد عن أبي بصير قال : «سألت أبا
جعفر عليهالسلام عن المتعة ، فقال : نزلت في القرآن ـ إلى أن قال : ـ فلا
تحل لغيرك حتى تنقضي لها عدتها ، وعدتها حيضتان».
__________________
ولم أقف على من
استدل بهذه الأخبار لهذا القول ، وإنما استدل له في المسالك والروضة برواية محمد
بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي عليهالسلام قال : «طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان». قال : وروى
زرارة في الصحيح عن الباقر عليهالسلام «أن على المتعة ما على الأمة». ثم قال : فيجتمع من الروايتين أن عدة المتعة
حيضتان.
ولا يخفى ما
فيه سيما مع اختلاف الروايات في الأمة التي جعلوها أصلا للمتعة ، على أن صحيحة
زرارة التي ذكرها وإن أوهمت ما ذكره باعتبار ما نقله منها إلا أنها بملاحظة ما
تقدم منها على هذه العبارة غير دالة على ما أراده.
فإن صورة
الرواية هكذا : زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام «قال : وعدة المطلقة ثلاثة أشهر ، والأمة المطلقة عليها نصف ما على الحرة ،
وكذلك المتعة عليها مثل ما على الأمة» وظاهر هذه الرواية أن المماثلة بين المتعة
والأمة إنما هو في الاعتداد بالأشهر لا الحيض ، إذ لا تعرض فيها للحيض بالكلية كما
هو ظاهر.
و (ثانيها)
إنها حيضة واحدة ذهب إليه ابن أبي عقيل ، ويدل عليه من الأخبار ما رواه في الكافي
في الصحيح أو الحسن عن ابن أذينة عن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «عدة المتعة إن كانت تحيض فحيضة ، وإن كانت لا
تحيض فشهر ونصف».
أقول : هكذا نقل
الرواية في الوافي ، والذي في الكافي إنما هو بهذه الصورة عن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال : «إن كانت تحيض فحيضة. إلى آخر ما تقدم».
وبهذه الكيفية
نقلها صاحب الوسائل ، وينبه عليه أيضا ما ذكره السيد السند في شرح النافع بعد
الرواية كما ذكرناه حيث قال : كذا في الوافي ، وصدرها
__________________
غير مذكور ، لكنه أوردها في أول باب عدة المتعة. انتهى ، ومن ذلك ويعلم أن
ما نقله في الوافي من الزيادة في أولها اجتهاد منه كما هي عادته غالبا.
وكيف كان فإن
صاحب الكافي لم يورد في هذا الباب من روايات الاعتداد بالحيض إلا هذه الرواية ،
وربما أشعر ذلك بأن مذهبه الاكتفاء بالحيضة الواحدة كما هو المنقول عن ابن أبي
عقيل ، وقد عرفت في عجز صحيحة إسماعيل بن الفضل أو حسنة ما نقله ابن أذينة عن زرارة من أن مذهبه في
العدة بالحيض ، القول بالحيضة الواحدة ، والظاهر أن معتمد زرارة على هذه الرواية ،
والراوي لها عنه ابن أذينة كما عرفت ، وفي جميع ذلك نوع تقوية لهذا القول كما لا
يخفى.
ومما يدل على
هذا القول أيضا ما رواه في الكافي عن عبد الله بن عمر قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المتعة ـ الحديث كما تقدم في سابق هذه المسألة ، وهو
الحديث السابع ، إلى أن قال في آخره ـ قال : فقلت : فكم عدتها؟ فقال : خمسة
وأربعون يوما أو حيضة مستقيمة».
وما رواه في
كتاب قرب الاسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر
عن الرضا عليهالسلام قال : «سمعته يقول : قال أبو جعفر عليهالسلام : عدة المتعة حيضة ، وقال : خمسة وأربعون يوما لبعض
أصحابه».
ويؤيده ما رواه
في الكافي عن أبي بصير قال : «لا بد من أن تقول في هذه الشروط :
أتزوجك متعة كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما نكاحا غير سفاح على كتاب الله عزوجل وسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى أن لا ترثيني ولا أرثك ، وعلى أن
__________________
تعتدي خمسة وأربعين يوما ، وقال بعضهم : حيضة».
أقول : قوله «وقال
بعضهم» إما من كلام صاحب الكافي أو من أحد الرواة للخبر.
وروى الطبرسي
أبو منصور أحمد بن أبي طالب في كتاب الاحتجاج عن محمد ابن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان
صلوات الله عليه أنه كتب إليه في رجل تزوج امرأة بشيء معلوم إلى وقت معلوم ، وبقي
له عليها وقت فجعلها في حل مما بقي له عليها ، وقد كانت طمثت قبل أن يجعلها في حل
من أيامها بثلاثة أيام ، أيجوز أن يتزوجها رجل آخر بشيء معلوم إلى وقت معلوم عند
طهرها من هذه الحيضة ، أو يستقبل بها حيضة أخرى؟ فأجاب عليهالسلام : يستقبل بها حيضة غير تلك الحيضة ، لأن أقل العدة حيضة
وطهرة تامة. وفي بعض النسخ «وطهارة».
وهذه الرواية
أيضا ظاهرة في هذا القول ، والمعنى في قوله «لأن أقل العدة. إلى آخره» أن العدة
عبارة عن حيضة كاملة حتى تطهر منها.
و (ثالثها)
أنها حيضة ونصف ، وهو مذهب الصدوق في المقنع حيث قال : وإذا تزوج الرجل امرأة متعة
ثم مات عنها فعليها أن تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام ، وإذا انقضت أيامها وهو حي
فحيضة ونصف مثل ما يجب على الأمة ، وإن مكثت عنده أياما فعليها أن تحد وإن كانت
عنده يوما أو يومين أو ساعة من النهار فتعتد ولا تحد ، انتهى.
وهو مضمون ما
رواه في الفقيه في الصحيح عن صفوان عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها هل عليها
العدة؟ قال : تعتد أربعة أشهر وعشرا ، فإذا انقضت أيامها وهو حي فحيضة ونصف مثل ما
يجب على الأمة قال : قلت : فتحد؟ قال : فقال : نعم إذا مكثت
__________________
عنده أياما فعليها العدة وتحد ، وأما إذا كانت عنده يوما أو يومين أو ساعة
من النهار فقد وجبت العدة ولا تحد .
ورواه الشيخ في
التهذيب عن محمد بن أحمد عن علي الميثمي عن صفوان إلى آخر ما تقدم.
و (رابعها)
إنها طهران ، وهو اختيار الشيخ المفيد وابن إدريس والعلامة في المختلف ، وهو ظاهر
شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، ولم أقف بعد التتبع على خبر يدل على هذا القول ،
وإنما استدل له في المختلف بما رواه
الشيخ عن ليث
المرادي قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : كم تعتد الأمة من ماء العبد؟ قال : بحيضة».
قال في المختلف
في تقرير الاستدلال بهذا الخبر : والاعتبار بالقرء الذي هو الطهر بحيضة واحدة يحصل
قران ، القرء الذي طلقها فيه ، والقرء الذي بعد الحيضة ، والمتمتع بها كالأمة ،
انتهى.
ومرجعه إلى حمل
المتمتع بها على الأمة ، وعلى ذلك حمل الخبر في التهذيب أيضا واعترضه السيد السند
في شرح النافع وقبله جده في المسالك بأن فيه نظرا ، فإن الحيضة تتحقق بدون الطهرين
معا فضلا عن أحدهما كما لو أتاها الحيض بعد انتهاء المدة بغير فصل ، فإن الطهر
السابق منتف ، وإذا انتهت أيام الحيض تحققت الحيضة التامة وإن لم يتم الطهر ، بل
بمعنى لحظة منه ، ومثل هذا لا يسمى طهرا في اعتبار العدة ، وإن اكتفي به سابقا على
الحيض ، انتهى.
واستدل له في
المسالك بحسنة زرارة عن الباقر عليهالسلام وفيها «إن كان حر
__________________
تحته أمة فطلاقها تطليقتان ، وعدتها قران». مضافا إلى صحيحة زرارة المتقدمة
الدالة على «أن على المتمتعة ما على الأمة». قال : وهذه أوضح دلالة من
الاولى ، وأشار بالأولى إلى رواية محمد بن الفضيل التي قدمنا نقلها عنه دليلا على
القبول الأول ، قال : لأنها حسنة ، ومحمد بن الفضيل الذي يروى عن الكاظم عليهالسلام ضعيف ، وإن كان العمل بها أحوط لأن العدة بالحيضتين
أزيد منها بالقرءين ، انتهى.
وأنت خبير بما
في هذا الاستدلال من الوهن والاختلال أما (أولا) فلأن حسنة زرارة التي استدل بها
إنما تضمنت القرءين ، وهو كما يطلق على الطهرين يطلق على الحيضتين لغة وشرعا كما
قد استفاض في الأخبار ، وسيأتي تحقيقه في محله إن شاء الله.
ومع الإغماض عن
ذلك فقد عرفت أن ما دلت عليه صحيحة زرارة من أن على المتمتعة ما على الأمة إنما هو
بالنسبة إلى الاعتداد بالأشهر لا بالأقراء ، حيضا كانت أو أطهارا.
وأما (ثانيا)
فلأن الحمل على الأمة مع اختلاف الأخبار فيها أيضا بالطهرين أو الحيضتين ، أو
الحيضة ونصف كما سلف في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج التي بها أفتى الصدوق في
المقنع واختلاف كلمة الأصحاب كذلك مما لا يجدي نفعا ، ولا يثمر ترجيحا ، والحيضتان
في الأمة ليس مختصا برواية محمد بن الفضيل حتى أنه يرجح حسنة زرارة عليها بل هو
مدلول صحيحة محمد بن مسلم وصحيحة زرارة كما سيأتي تحقيقه في تلك المسألة إن شاء
الله تعالى.
وبالجملة فإن
كلامه وغيره في هذا المقام مبني على حمل المتمتع بها على الأمة ، وقد عرفت ما فيه
، والقول الأول قد عرفت قوة مستنده ، وصراحة الروايات مع صحتها به ، والقول الثاني
والثالث أيضا ظاهران من الأخبار التي قدمناها ، ومن أجل ذلك حصل الإشكال إذ لا
أعرف وجها للجمع بينها على وجه يشفي
__________________
العليل ، ويبرد الغليل ، والحمل على التقية هنا مغلق بابه ومسدل حجابه ،
إلا أن يكون بالمعنى الآخر الذي تقدمت الإشارة إليه مرارا ، لكنه غير معلوم في أي
هذه الأقسام ، وظاهر جملة من أفاضل متأخري المتأخرين كالسيد السند في شرح النافع
والمحدث الكاشاني في المفاتيح والفاضل الخراساني في الكفاية التوقف في المسألة.
وربما جمع بين
الأخبار بحمل ما زاد على الحيضة على الاستحباب ، وجعله السيد
السند الأولى في الجمع بينهما ، وجعل الاحتياط في الحيضتين ، وهو جيد ، وظاهر
المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في الوسائل اختيار مذهب الشيخ المفيد
تبعا للجماعة المتقدم ذكرهم استنادا إلى الأخبار الدالة على تفسير الأقراء
المعتبرة في العدد بالأطهار ، واتفاق الأصحاب على اعتبار الأطهار في العدة ،
وتفسير الأقراء التي تضمنتها الآية بها ، وعدم عملهم على ما قابلها من روايات
الحيض بل حملها على التقية كما ذكره الشيخ.
وفيه (أولا)
إنه وإن كان الأمر كما ذكره من حمل الروايات الدالة على تفسير الأقراء بالحيض على
التقية وعدم عملهم عليها ، إلا أن ذلك إنما وقع لهم في مسألة الزوجة التي يجب
عليها العدة بثلاثة أقراء ، والروايات إنما اختلفت في أنه هل المراد بالأقراء هنا
هي الأطهار أو الحيض ، إنما هو في هذه المسألة واتفاق الأصحاب على أن المراد
بالأقراء هي الأطهار لا الحيض إنما هو ثمة دون ما نحن فيه ، ونحن إنما صرنا إلى
العمل بتلك الأخبار في تلك المسألة لاتفاق الأصحاب ، واعتضاد تلك الأخبار به ،
وهذا مفقود فيما نحن فيه لما عرفت من الاختلاف في هذه المسألة ، والحمل على التقية
في هذه المسألة غير ميسر لعدم قول
__________________
العامة بها ، فرد تلك الأخبار المعارضة في تلك المسألة من هذه الحيثية لا
يستلزم ردها مطلقا.
و (ثانيا) إنك
قد عرفت دلالة جملة من الروايات الصحيحة الصريحة على الحيضتين ، وجملة أخرى على
الحيضة ، وصحيحة عبد الرحمن على الحيضة والنصف ، والعمل بهذا القول مع عدم الدليل
الواضح عليه إلا مجرد هذا التخريج السحيق يستلزم طرح جملة تلك الأخبار ، مع ما هي
عليه من الصراحة وصحة أكثرها ، وهذا لا يلتزمه محصل.
وبالجملة فإني
لا أعرف لهذا القول وجها يعتمد عليه ، وكيف كان فالاحتياط بالعمل بأخبار الحيضتين
عندي متعين ، فإنه أحد المرجحات الشرعية في مقام اختلاف الأخبار ، والله العالم.
السادسة
: قد اختلف
الأصحاب في عدة المتعة من الوفاة لو مات الزوج في المدة المعينة بينهما ، والكلام
هنا يقع في مقامين :
الأول
: أن تكون
الزوجة المتمتع بها حرة والمشهورة أن عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام إن لم تكن حاملا
، وإلا فبأبعد الأجلين منها ومن وضع الحمل كالدائم.
وذهب جمع من
الأصحاب ـ منهم المفيد والمرتضى وسلار وابن أبي عقيل ـ إلى أن عدتها شهران وخمسة
أيام.
احتج القائلون
بالأول بعموم قوله عزوجل «وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً»
الآية ، والزوجة صادقة على المتمتع بها بلا خلاف ولا إشكال. وما تقدم في
صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج من قوله «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها ، هل عليها
العدة؟ فقال : تعتد
__________________
أربعة أشهر وعشرا» الحديث.
وما رواه في
الفقيه في الصحيح عن ابن أذينة عن زرارة قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام ما عدة المتعة إذا مات عنها الذي يتمتع بها؟ قال :
أربعة أشهر وعشرا ، قال : ثم قال : يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة
حرة كانت أو أمة وعلى أي وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة
أربعة أشهر وعشرا ، وعدة المطلقة ثلاثة أشهر ، والأمة المطلقة عليها نصف ما على
الحرة وكذلك المتعة عليها ما على الأمة».
والذي يدل على
القول الثاني ما رواه الشيخ عن علي بن حسن الطاطري عن علي بن عبد الله بن علي بن
شعبة الحلبي عن أبيه عن رجل عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة متعة ثم مات عنها ، ما
عدتها؟ قال : خمسة وستون يوما».
وردها
المتأخرون بضعف الاسناد سيما بالطاطري ، فإن الشيخ ذكر في الفهرست أنه كان واقفيا
شديد العناد في مذهبه صعب العصبية على من خالفه من الإمامية ، وأجاب الشيخ عنها
بالحمل على ما إذا كانت أمة ، لما سيأتي إن شاء الله تعالى من أن عدة الأمة من
الوفاة هذا القدر ، ولا بأس به جمعا بين الأخبار.
بقي من أخبار
هذه المسألة ما رواه الشيخ عن علي بن يقطين عن أبي الحسن عليهالسلام قال : «عدة المرأة إذا تمتع بها فمات عنها زوجها خمسة
وأربعون يوما».
وهذا الخبر لا
ينطبق على شيء من القولين المذكورين ، وحمله الشيخ على موت الزوج في العدة بعد
انقضاء الأجل ، وهو جيد ويؤنس به ، عطف الموت بالفاء
__________________
على المتمتع بها ، فكأنه في معنى أن موته وقع على أثر تمام التمتع بانقضاء
الأجل.
الثاني : أن تكون أمة ، والمشهور أن عدتها شهران وخمسة أيام ،
نصف عدة الحرة إذا كانت حاملا ، وتدل عليه الأخبار الكثيرة الدالة على أن عدة
الأمة في الوفاة زوجة دائمة كانت أو متعة شهران وخمسة أيام.
ومن ذلك ما
رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «الأمة إذا توفي عنها زوجها فعدتها شهران وخمسة
أيام».
وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «عدة الأمة إذا توفي عنها زوجها شهران وخمسة أيام
، وعدة المطلقة التي لا تحيض شهر ونصف».
وعن أبي بصير قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام : عدة الأمة التي يتوفى عنها زوجها شهران وخمسة أيام ،
وعدة الأمة المطلقة شهر ونصف».
وبهذا المضمون
موثقة سماعة ، وعلى هذه الروايات حمل الشيخ رواية ابن أبي شعبة المتقدمة فخصص
المرأة بالأمة لمناسبتها لها في العدة.
وذهب جمع من
الأصحاب منهم ابن إدريس والعلامة في المختلف إلى أن عدة الأمة في الوفاة عدة الحرة
مطلقا.
قال في المسالك
: وفي صحيحة زرارة السابقة ما يدل عليه ، ويشكل بمعارضتها بهذه الأخبار الكثيرة ،
وربما كانت أصح سندا وإن شاركها في وصف الصحة ، وأشار بصحيحة زرارة السابقة إلى
صحيحته المتقدمة في المقام الأول ، وهو قوله «يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج»
إلى آخره ، وفحوى كلامه يدل على أنه لا مستند لهذا القول إلا هذه الصحيحة مع أن
الروايات الدالة عليه كثيرة.
__________________
ومنها ما رواه في
الكافي في الصحيح عن سليمان بن خالد قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الأمة إذا طلقت ما عدتها؟ إلى أن قال : قلت : فإن
توفي عنها زوجها؟ فقال : إن عليا عليهالسلام قال : في أمهات الأولاد لا يتزوجن حتى يعتدن أربعة أشهر
وعشرا وهن إماء».
وما رواه في
الكافي والفقيه عن الحسن بن محبوب عن وهب بن عبد ربه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن رجل كان له أم ولد ، فزوجها من رجل
فأولدها غلاما ، ثم إن الرجل مات فرجعت إلى سيدها ، إله أن يطأها؟ قال : تعتد من
الزوج الميت أربعة أشهر وعشرة أيام ، ثم يطأها بالملك بغير نكاح». وطريق الصدوق
إلى حسن بن محبوب صحيح ، فتكون الرواية صحيحة.
وما رواه في
التهذيب عن سليمان بن خالد في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «عدة المملوكة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر
وعشرا».
وبالجملة
فالروايات في المقام مختلفة ، والشيخ قد جمع بينها بحمل هذه الروايات الدالة على
عدة الحرة على أمهات الأولاد ، والأخبار الدالة على التنصيف على غيرها من الإماء ،
وهذا الحمل لا يجري في صحيحة وهب بن عبد ربه ، وهو ظاهر ، لكون العدة عن الرجل
الذي زوجه السيد ، ولا موثقة سليمان بن خالد المصرحة بأن المتوفى الزوج لا السيد ،
ودلالة الروايات من الطرفين إنما هو باعتبار إطلاق الأمة المتوفى عنها زوجها
الشامل للزوجة الدائمة والمتمتع بها ، وأم الولد بالنسبة إلى سيدها لا تدخل في ذلك
وبالجملة فالمسألة محل
__________________
توقف وإشكال.
قال في المسالك
: ولو كانت الأمة حاملا اعتدت بأبعد الأجلين من المدة المذكورة ووضع الحمل ، أما
إذا كانت الأشهر الأبعد ، فظاهر ، للتحديد بها في الآية والرواية ، وأما إذا كان
الوضع أبعد فلامتناع الخروج عن العدة مع بقاء الحمل ، لأنه أثر ماء الميت الذي
يقصد بالعدة إزالته ، ولعموم قوله تعالى «وَأُولاتُ
الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ»
فلا بد من مراعاة المقامين ، وذلك بأبعد الأجلين ، انتهى.
أقول : وسيأتي
تحقيق المسألة إن شاء الله تعالى في محل اللائق به ، والله العالم.
السابعة : لا ريب في جواز تجديد العقد عليها بعد الأجل وإن كانت في العدة سواء أراد
العقد عليها دواما أو متعة ، وهذا مخصوص به ، أما غيره فلا يجوز له العقد عليها
إلا بعد تمام العدة.
ويدل على ذلك
ما رواه في الكافي عن أبي بصير في الصحيح أو الموثق قال : «لا بأس بأن
تزيدك وتزيدها إذا انقطع الأجل فيما بينكما ، تقول لها : استحللتك بأجل آخر برضا
منها ، ولا يحل ذلك لغيرك حتى تنقضي عدتها» الخبر.
ولا يصح قبل
انقضاء أجلها ، ولو أراد ذلك وهبها المدة الباقية من الأجل ، واستأنف العقد متعة
أو دواما ، وعلى ذلك يدل مفهوم الشرط في الخبر المتقدم.
وما رواه في
الكافي عن أبان بن تغلب قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : جعلت فداك الرجل يتزوج المرأة متعة فيتزوجها على شهر
ثم إنها تقع في قلبه فيجب أن
__________________
يكون شرطه أكثر من شهر ، فهل يجوز أن يزيدها في أجرها ، ويزداد في الأيام
قبل أن تنقضي أيامه التي شرط عليها؟ فقال : لا ، لا يجوز شرطان في شرط ، قلت : فكيف
يصنع؟ قال : يتصدق عليها بما بقي من الأيام ثم يستأنف شرطا جديدا».
قوله عليهالسلام «لا يجوز شرطان في شرط» قيل في معناه وجوه : (منها) إن الشرطان المدتان
المتخالفتان والأجران المتباينان في شرط أي في عقد واحد ، ذكره المحدث الكاشاني في
الوافي.
و (منها) ما
ذكره المحدث الأمين الأسترآبادي قال : أي أجلان في عقد واحد ، فلذا لا يجوز عقد
جديد قبل انفساخ العقد الأول.
و (منها) ما
ذكره المجلسي في حواشيه على الكافي ، قال : لعل المراد بالشرط ثانيا الزمان على
طريقة مجاز المشاكلة ، وبالشرطين العقدين ، أي لا يتعلق عقدان بزمان واحد.
ويحتمل أن يكون
المفروض زيادة الأجل والمهر في أثناء المدة تعويلا على العقد السابق من غير تجديد
، فيكون بمنزلة اشتراط أجلين ومهرين في عقد واحد.
أقول : الظاهر
من هذه الوجوه هو ما ذكره المحدث الكاشاني.
وربما بنى
الكلام هنا على الخلاف المتقدم في وجوب اتصال المدة بالعقد وعدمه ، فإن قلنا
بالأول امتنع حتى ينقضي أجلها ، وإن قلنا بالثاني جاز العقد عليها قبل انقضاء
الأجل ، وهو جيد ، إلا أن المحقق ـ مع تصريحه في الشرائع بجواز انفصال الأجل عن
وقت العقد ـ صرح في النافع في هذه المسألة بأنه لا يصح العقد قبل انقضاء الأجل ،
واحتمال رجوعه عما أفتى به في الشرائع بعيد.
وما ذكرناه من
عدم جواز تجديد العقد عليها قبل انقضاء الأجل هو المشهور بين الأصحاب ، ونقل في
المختلف عن ابن حمزة أنه قال : «وإن أراد أن يزيد في الأجل جاز وزاد في المهر ،
وروي أنه يهب منها مدته ثم يستأنف ، وأنه لا يصح ما ذكرناه أولا.
ونقل في
المختلف أنه احتج بأصالة الجواز السالم عن معارضة شغلها بعقد
غيره ، وكونها مشغولة بعقد لا يمنع من العقد عليها مدة أخرى كما لو كانت
مشغولة بعدته ، ثم قال في المختلف. ولا بأس به عندي ، ثم نقل عن ابن أبي عقيل أنه
قال : لو نكح متعة إلى أيام مسماة ، فإن أراد أن ينكحها نكاح الدائم قبل أن تنقضي
أيامه منها لم يجز ذلك ما لم تملك نفسها ، وهو أملك بها منها ما لم تنقض أيامها ،
فإذا انقضت أيامها فشاءت المرأة أن تنكحه من ساعته جاز ، ولو وهب أيامه ثم نكحها
نكاح إعلان جاز ذلك.
قال في المختلف
بعد نقل ذلك عنه : وهو يعضد قول ابن حمزة ، إلا أنه قيد بالإعلان.
أقول : ما ذكره
ـ رحمهالله ـ من الاحتجاج لابن حمزة واختاره محض اجتهاد في مقابلة
النصوص ، وهو مما منعت منه الشريعة على العموم والخصوص ، والخبران المتقدمان
ظاهران في عدم جواز ذلك.
أما الأول فإنه
يدل على ذلك بمفهوم الشرط الذي هو حجة عند محققي الأصوليين ، وعليه دلت جملة من
الأخبار التي تقدمت الإشارة إليها مرارا.
وأما الثاني
فهو صريح في ذلك ، وبها يجب الخروج عن الأصل الذي استند إليه ، وقياسه العقد في
الأجل على العقد في العدة قياس مع الفارق ، فإنها في الأجل زوجة ، وفي العدة تباين
، قد خرجت عن الزوجية بالكلية ، وإنما وجبت العدة عليها لأجل استبراء رحمها ، ولو
جدد العقد عليها لم يضر بالعلة في العدة ، بخلاف غيره ، ولو صح تجديد العقد عليها
متعة في الأجل لصح ذلك دواما إذ لا فرق بينهما إذ المقتضي للصحة أمر واحد فيها مع
أنه لا يقول به.
وبالجملة فإن
ما اختاره من القول المذكور الموجب لرد الخبرين المذكورين مع ظهور دلالتهما وعدم
المعارض لهما مما لا يلتزمه محصل ، وكان الواجب عليه الجواب عنهما ، وهو قد ذكر
رواية أبان دليلا للقول المشهور ، واختار ما ذكره ولم يتعرض للجواب عنها.
الثامنة : المشهور بين الأصحاب أنه لو اشترط المرأة المتمتع بها أن لا يطأها في
الفرج لزم الشرط ولم يجز له الوطي ، ولو أذنت بعد ذلك جاز.
قال الشيخ في
النهاية : إذا اشترط الرجل في حال العقد أن لا يطأها في فرجها لم يكن له وطؤها فيه
، فإن رضيت بعد العقد بذلك كان ذلك جائزا ، وجعله ابن إدريس رواية ، وهو مؤذن
بتوقفه في ذلك.
وظاهر العلامة
في المختلف عدم الجواز وإن رضيت ، فإنه قال ـ بعد نقل كلام الشيخ في النهاية ونقل
نسبة ابن إدريس ذلك إلى الرواية ـ ما لفظه : والشيخ عول على رواية عمار بن مروان عن الصادق عليهالسلام قال : «قلت : رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها
، فقالت : أزوجك نفسي على أن تلتمس مني ما شئت من نظر أو التماس وتنال مني ما ينال
الرجل من أهله ، إلا أنك لا تدخل فرجك في فرجي وتلذذ بما شئت فإني أخاف الفضيحة؟
قال : لا بأس ، ليس له إلا ما اشترط». ثم قال : والجواب نحن نقول بموجب الرواية ،
وأنها لو اشترطت عليه عدم الإتيان في الفرج لزم ، وتمنع تسويغه بعد ذلك بالاذن ،
انتهى.
أقول : فيه أن
الشيخ لم يعود على هذه الرواية كما توهمه ، فإنها غير وافية بالاستدلال على ما قال
، بل دليله الذي اعتمد عليه إنما هو ما ذكره من الرواية مع ما رواه في التهذيب عن
إسحاق بن عمار ، ورواه الصدوق في الفقيه بطريقه إلى إسحاق بن عمار أيضا عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له : رجل تزوج بجارية عاتق على أن لا يفتضها
، ثم أذنت له بعد ذلك ، قال : إذا أذنت له فلا بأس».
وهي كما ترى
ظاهرة بل صريحة في جواز الوطي بعد الاذن ، وطريق
__________________
الصدوق ـ رحمهالله ـ إلى إسحاق بن عمار صحيح ، ولكن لما كان إسحاق المذكور
مشتركا بين الصيرفي الإمامي الثقة ، وبين الفطحي الثقة ، فالخبر من الموثق.
وفي معنى خبر
عمار بن مروان ما رواه سماعة أيضا عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له : رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوجه
نفسها ، فقالت : أزوجك نفسي على أن تلتمس منى ما شئت من نظر والتماس وتنال مني ما
ينال الرجل من أهله ، إلا أنك لا يدخل فرجك في فرجي ، وتلذذ بما شئت ، فإني أخاف
الفضيحة ، فقال : ليس له إلا ما اشترط».
والمفهوم من
هذه الأخبار الثلاثة ـ بعد ضم بعضها إلى بعض ـ هو صحة الشرط المذكور ، وعدم جواز
الجماع إلا مع الاذن بعد ذلك فإنه يجوز.
قال السيد
السند في شرح النافع بعد ذكر روايات المسألة كملا : ويظهر من العلامة في المختلف
عدم جواز مخالفة الشرط ، وإن رضيت بذلك ، وربما كان وجهه أن العقد لم يتشخص سوى
ذلك بالشرط ، فلا يكون خلافه مندرجا في العقد ، والمسألة محل إشكال وإن كان الجواز
لا يخلو من رجحان ، انتهى.
أقول : الظاهر
أن العلامة لم يقف في وقت ما كتبه هنا في الكتاب المذكور على رواية إسحاق بن عمار
الدالة على مدعى الشيخ كما سمعت مما نقلناه عنه ، وإنما استدل له بتلك الرواية
الدالة على المنع من الوطي بالشرط وهو مما لا ريب فيه ، ولم يقف على ما دل على
الجواز مع الاذن فهو معذور فيما ذهب إليه ، وإلا فلو أنه وقف على الرواية ـ ومع
هذا اختار المنع ـ لأجاب عن الرواية المذكورة.
بقي الكلام معه
في هذا الوجه الذي استدل به على المنع ، واستشكل لأجله مع نقله للخبر المذكور.
وفيه أنه لا
ريب في كونها زوجة ، وأن الوطي حق لها ، فمتى أذنت جاز
__________________
والاعتماد على تشخص العقد بذلك الشرط ـ فلا يكون خلافه مندرجا في العقد ـ قد
هدمنا بنيانه ، وزعزعنا أركانه بالأخبار الكثيرة الصحيحة الصريحة في صحة العقود
المشتملة على الشروط الفاسدة مع بطلان تلك الشروط كما تقدم في غير مقام.
هذا مع تسليم
جواز الاعتماد على أمثال هذه التعليلات العليلة في تأسيس الأحكام الشرعية ، مع عدم
المعارض لها من الأخبار ، وإلا فمع منعه سيما بعد وجود الخبر الصريح الصحيح
بالاصطلاح القديم ، فالحكم أظهر من أن يعتريه شائبة الإشكال.
ثم إنه لا يخفى
أن مورد هذه الروايات الثلاث هو الزوجة مطلقا أعم من أن تكون دائمة أو متعة ،
والظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال في صحة هذا الشرط في عقد المتعة لعموم ما دل على
الوفاء بالشروط ، وعدم ما يدل على المنافاة ، وما ربما يقال من أن مقتضى العقد
إباحة الاستمتاع في كل وقت فتخصيصه ببعض الأوقات ينافيه ، مدفوع بأن ذلك إنما
يقتضيه العقد المطلق أي المجرد عن الشرط ، لا مطلق العقد ، على أن ذلك لو تم
لاقتضى عدم جواز اشتراط انتفاع البائع بالمبيع مدة معينة وإسقاط الخيار وما شاكل
ذلك ، مما أجمع الأصحاب على صحة اشتراطه.
ويعضده ما
قدمنا تحقيقه في كتب المعاملات من أن الشروط كائنة ما كانت إنما هي بمنزلة
الاستثناء الذي عرفوه بأنه إخراج ما لولاه لدخل ، فالمنافاة لأجل العقد حاصلة
البتة ، ولا خصوصية له بهذا المكان كما يوهمه كلام هذا القائل.
نعم يبقى
الكلام والاشكال في صحة هذا الشرط وعدمه في النكاح الدائم ، والقول بلزوم الشرط
وجواز الوطي مع الاذن في المنقطع والدائم للشيخ والمحقق في كتابيه وجماعة.
قال في النافع
: لو شرطت أن لا يفتضها صح ولو أذنت بعده جاز ، ومنهم من خص الجواز بالمتعة ،
انتهى.
والقول باختصاص
صحة هذا الاشتراط بالمتعة ، وبطلانه بل بطلان العقد في الدائم ، للشيخ أيضا وجماعة
منهم العلامة في المختلف وولده في الشرح ، استدلوا على البطلان في الدائم بمنافاة
هذا الشرط لمقتضى العقد ، إذ من أهم مقتضياته حصول التناسل ، وهو يستدعي الوطي ،
وإذا فسد الشرط فسد العقد ، لعدم الرضا به بدون الشرط.
أقول : لا يخفى
أن الأخبار الثلاثة الواردة في المسألة شاملة بإطلاقها للنكاح الدائم والمنقطع ،
وبها أخذ من قال بالعموم ، إلا أن الظاهر من روايتي عمار وسماعة الاختصاص بنكاح
المتعة ، فإنه هو الذي يترتب عليه حصول الفضيحة ، وسيجيء إن شاء الله الكلام في
هذه المسألة بمزيد تحقيق في المقام ، والله العالم.
التاسعة
: المشهور بين
الأصحاب أنه لا يجوز التمتع بأمة المرأة بغير إذنها ، وخالف في ذلك الشيخ في
النهاية والتهذيب فجوز التمتع بها بغير إذن المرأة استنادا إلى روايات سيف بن
عميرة وقد تقدم تحقيق البحث في هذه المسألة مستوفى ، كما هو حقه في المسألة
الثانية عشر من المقصد الثاني في الأولياء للعقد من الفصل الأول في العقد ، والله العالم.
الفصل الرابع
في نكاح الإماء
وهو إما بالملك
للرقبة أو المنفعة أو العقد دواما أو متعة ، وقد تقدم في الأبحاث السابقة ذكر كثير
من أحكامهن وبقي الكلام هنا في مطالب ثلاثة :
__________________
الأول : في جملة من المسائل المتعلقة بالمقام
الأولى : لا يجوز للعبد ولا للأمة أن يعقدا على أنفسهما نكاحا إلا بإذن السيد ،
لأنهما ملك له ، فليس لهما أن يتصرفا في ملكه بغير رضاه ، ثم إنه لو تصرفا بغير
إذنه كان ذلك من قبيل العقد الفضولي ، وقد تقدم الكلام في عقد النكاح الفضولي ،
وأنه هل يكون صحيحا موقوفا على الإجازة أو باطلا ، تقدم ذلك في المسألة السابقة من
المقصد الثاني في الأولياء من الفصل الأول ، وقد حققنا ثمة أن الأصح صحته ، وإن
قلنا بالبطلان في غير النكاح من العقود ، كما تقدم تحقيقه في كتاب البيع ، ثم إن
من قال بالبطلان في النكاح مطلقا فقد أبطله هنا.
ومن قال بالصحة
وتوقفه على الإجازة ، فقد اختلفوا هنا على أقوال ، فمنهم من قال بالصحة وجعله
موقوفا على الإجازة ، ومن أفراد النكاح وهو الأشهر عندهم.
ومنهم من جعل
الإجازة كالعقد المستأنف وهو قول الشيخ في النهاية ، فإنه قال : من عقد على أمة
غيره بغير إذن مولاها كان العقد باطلا ، فإن رضي المولى بذلك كان رضاه كالعقد
المستأنف ، يستباح به الفرج ، وقد اختلفوا في تنزيل كلامه حيث إن ظاهره التناقض ،
لحكمه ببطلان العقد ، ثم الاكتفاء عنه بالإجازة ، وجعلها مبيحة للنكاح كالعقد ، مع
أن ما يقع باطلا في نفسه لا تثبت صحته بالإجازة على وجوه :
منها ما ذكره
العلامة في المختلف من حمل كونه باطلا ، على معنى أنه يؤول إلى البطلان وهو جيد ،
لأن إطلاق البطلان على الموقوف كثير شائع ، وعلى هذا فيرجع إلى القول الأول.
ومنهم من قال
بالبطلان وهو مذهب ابن إدريس مع أنه حكم بصحة نكاح الفضولي في غير المملوك محتجا
بالنهي المقتضي للفساد.
ومنهم من فرق
بين نكاح العبد والأمة ، فيقف الأول ويبطل الثاني ، وهو قول ابن حمزة.
والذي وقفت
عليه ـ من الأخبار المتعلقة بالمسألة ـ جملة من الأخبار قد تقدمت في المسألة
المشار إليها آنفا ، وهي صريحة في صحة ذلك ، وتوقفه على الإجازة ، إلا أن موردها
كلها إنما هو نكاح المملوك بغير إذن سيده.
ومنها حسنة
زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن مملوك تزويج بغير إذن سيده ، فقال :
ذاك إلى سيده ، إن شاء أجازه ، وإن شاء فرق بينهما ، قلت : أصلحك الله إن الحكم بن
عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون إن أصل النكاح فاسد ولا تحل إجازة السيد
له ، فقال : أبو جعفر عليهالسلام إنه لم يعص الله إنما عصى سيده فإذا أجازه فهو له جائز».
وأما نكاح
الأمة فلم أقف في شيء من الأخبار على ما يدل على أن الحكم فيه ذلك ، بل ربما ظهر
منها خلافه ، وهو البطلان من رأس.
ومنها ما رواه في
التهذيب عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن نكاح الأمة ، قال : لا يصلح نكاح الأمة إلا بإذن
مولاها».
وما رواه في
الكافي عن أبي العباس قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الأمة تتزوج بغير إذن أهلها؟ قال : يحرم ذلك عليها
وهو الزنا».
وما رواه في
الفقيه والتهذيب عن أبي العباس البقباق قال : «قلت لأبي عبد الله
__________________
عليهالسلام : الرجل يتزوج الأمة بغير علم أهلها؟ قال : هو زنا ، إن
الله يقول «فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ».
وما رواه في
الكافي عن فضل بن عبد الملك قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الأمة تتزوج بغير إذن مواليها؟ قال : يحرم ذلك عليها
وهو زنا».
وفي رواية
الوليد بن صبيح «عن الصادق عليهالسلام «إن كان الذي زوجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد» .
وفي رواية سيف
بن عميرة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا بأس أن يتمتع الرجل بأمة المرأة ، فأما أمة
الرجل فلا يتمتع إلا بأمره».
وفي رواية داود
بن فرقد عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج بأمة بغير إذن مواليها؟
فقال : إن كانت لامرأة فنعم ، وإن كانت لرجل فلا».
وأنت خبير بما
في هذه الروايات من ظهور الدلالة على بطلان العقد من أصله ، بل صراحتها في ذلك ،
ولو كان الحكم في الأمة كما في العبد لأجابوا في هذه الأخبار بما أجابوا به في تلك
، من أن ذلك للسيد ، فإن شاء أجازه ، وإن شاء منعه ، مع أنها إنما دلت على كونه
فاسدا وحراما وأنه زنا.
وبالجملة فإن
دلالتها على ما ذكرنا ظاهر ، لا يقبل الإنكار ، ومنه يظهر قوة
__________________
ما ذهب إليه ابن حمزة من الصحة في العبد وإن كان موقوفا ، دون الأمة ، فإنه
باطل ومنه أيضا يظهر قوة قول الشيخ في النهاية بالبطلان حيث خصه بالعقد على الأمة
إلا أن ما ذكره من أن الإجازة كالعقد المستأنف محل إشكال ، ويمكن أن يقال في دفع
الاشكال أنه لما ثبت عنده بالإجماع أن إجازة المولى لعقد الفضولي ماضية في النكاح
، جمع بين الأمرين بذلك فقال بالبطلان عملا بتلك الأخبار ، وجعل الإجازة كالعقد
المستأنف بناء على الإجماع المذكور.
ومن الأصحاب من
حمل كلام الشيخ المتقدم على أن العقد يكون باطلا بدون الاذن كما ذكرناه ، ولكن
الإجازة تقوم مقام التحليل ، فيكون الرضا عبارة عن التحليل ، قال : ومن ثم فرضها
في الأمة ، لأن العبد لا يأتي فيه ذلك ، وعلى هذا الوجه أيضا يرتفع الإشكال الذي
ذكرناه أيضا إلا أنه في المسالك قد اعترض على هذا الوجه بأن التحليل منحصر في
عبارات ، وليس الرضا منها ، فليس بتحليل ولا عقد.
أقول : إن كانت
هذه العبارات التي ادعى انحصار التحليل فيها مما دلت عليها الأخبار ، ودلت على
انحصاره فيها ، فما ذكره جيد وإن كانت من كلام الأصحاب من غير دليل يدل عليها في
الباب ، فكلامه لا يخلو من المناقشة ، وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.
ومما ذكرنا من
دلالة الأخبار على بطلان عقد الأمة دون عقد العبد يظهر لك ضعف حمل العلامة لكلام
الشيخ في النهاية على الحمل المتقدم ذكره.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن ظاهره في المسالك أن ما استند إليه ابن حمزة من البطلان في الأمة إنما هو
بعض الروايات العامية ، وكذلك ابن إدريس في احتجاجه بالنهي ، إنما أراد به النهي
الوارد في الأخبار العامية ، ولهذا اعترضه في المسالك بأنه لا يناسب أصول ابن
إدريس ، لأن طريقه عامي ، وهو لا يكتفي به لو كان خاصيا.
أقول :
والتحقيق ما عرفت من أن ما ذكروه من الصحة وكونه فضوليا إنما يتم لهم في نكاح
العبد خاصة دون الأمة ، وأن المستند في بطلان عقد الأمة إنما هو الأخبار التي
قدمناها ، وبه يظهر ضعف القول المشهور من الصحة مطلقا ، وضعف قول ابن إدريس من
البطلان مطلقا ، وقوة قول ابن حمزة من التفصيل المذكور ، والمفهوم من جملة من الأخبار
المتقدمة في المسألة المشار إليها آنفا ، أنه تكفي في الإجازة سكوت السيد بعد علمه
بالنكاح وعدم إنكاره له ، وبذلك صرح ابن الجنيد فقال : لو كان السيد علم بعقد
العبد والأمة على نفسه فلم ينكر ذلك ، ولا فرق بينهما ، جرى ذلك مجرى الرضا في
الإمضاء ، واستقر به في المختلف وهو جيد للأخبار المشار إليها ، إلا أن موردها
نكاح العبد كما عرفت ، والله العالم.
تذنيبات
الأول : المشهور بين الأصحاب أنه إذا أذن المولى لعبده في التزويج كان المهر
ونفقة الزوجة على السيد ، لأن النكاح لما وقع صحيحا لزمه الحكم بثبوت المهر
والنفقة ، ولا محل لهما إلا ذمة السيد ، لأن العبد لا يملك. هكذا علله في المسالك.
ونقل الشيخ في
المبسوط تعلق ذلك بكسب العبد ، لأن المهر والنفقة من لوازم النكاح ، وكسب العبد
أقرب شيء إليه ، فإن مصرف الكسب مؤنة الإنسان وضروراته ، ومن أهمها لوازم النكاح.
وأورد عليه بأن
الدين لا بد له من ذمة يتعلق بها ، وذمة العبد ليست أهلا لذلك ، فلا بد من تعلقه
بذمة السيد ، كذا ذكره السيد السند في شرح النافع. ثم اعترضه بأنه يمكن دفعه بمنع
كون ذمة العبد ليست أهلا للتعلق ، ولهذا يتعلق بها عوض التلف إجماعا ، ولجواز تعلق
المهر بالكسب كما يتعلق أرش الجناية برقبة الجاني ، إذ لا مانع من ذلك عقلا ولا
شرعا. ثم قال : واحتمل العلامة ثبوتها
في ذمته والمسألة قوية الإشكال لفقد النص فيها على أحد الوجوه ، وأصالة
براءة ذمة المولى من ذلك والأحوط أن يعين في العقد كون المهر في ذمة المولى أو في
كسب العبد أو في ذمته ، يتبع به بعد العتق واليسار ، ولو قلنا : إن العبد يملك
مطلقا ، أو على بعض الوجوه ثبت المهر والنفقة في ذمته من غير إشكال. انتهى كلامه ،
زيد مقامه. أقول : قد تقدم الكلام في هذه المسألة في المسألة الرابعة عشر من مسائل
المقصد الثاني من الفصل الأول في العقد.
وقد ذكرنا ثمة
روايتين يظهر منهما أن المهر على السيد (أو لهما) رواية زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن رجل تزوج عبده بغير إذنه فدخل بها ، ثم
اطلع على ذلك مولاه ، فقال : ذلك إلى مولاه ، إن شاء فرق بينهما ، وإن شاء أجاز نكاحهما ، فإن فرق بينهما فللمرأة ما
أصدقها ، إلا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقا كثيرا ، وإن أجاز نكاحه فهما على
نكاحهما الأول» الحديث.
و (الثانية) رواية
علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليهالسلام «في رجل يتزوج مملوكا له امرأة حرة على مائة درهم ، ثم أنه باعه قبل أن يدخل
عليها ، فقال : يعطيها سيده من ثمنه نصف ما فرض لها ، إنما هو بمنزلة دين استدانه
بإذن سيده».
وأما الأولى
فإن القرينة فيها على كونه على السيد قوله «فللمرأة ما أصدقها إن لم يكن أصدقها
صداقا كثيرا» فإن الظاهر أن المراد بالصداق الكثير
__________________
هو الزائد على مهر المثل ، والمعنى فيه أن الصداق على السيد بشرط أن لا
يزيد على مهر المثل ، ولو كان الصداق إنما على العبد في رقبته أو كسبه لكان هذا
الشرط لغوا وإيجاب المهر كملا في الرواية الاولى ونصفه في الثانية من حيث تضمن
الاولى الدخول والثانية عدم الدخول.
وفي الثانية
دلالة على تنصيف المهر بغير الطلاق كما هو أحد القولين ، وفي الأولى دلالة على أنه
مع الدخول قبل إذن المولى لا يعد زانيا يستوجب حد الزاني ، وفي بعض الروايات
المتقدمة ثمة ما يؤيده.
ثم إن الأظهر
في تقرير حجة القول المشهور هو ما قدمنا نقله ثمة عن جده في المسالك ، فإنه شاف
واف بذلك ، وتخرج الروايتان شاهدا عليه.
الثاني : قد صرحوا بأنه إذا أذن المولى لأمته في التزويج أو زوجها هو كان المهر له
دون الأمة ، والظاهر أنه لا إشكال فيه ، لأن الأمة ومنافعها مملوكة له ، والمهر
الذي هو في مقابلة البضع من جملة تلك المنافع المشار إليها ، والله العالم.
الثالث
: لا فرق في
توقف نكاح المملوك على إذن مالكه بين كون المالك متحدا أو متعددا لتحقق المالية
لكل من الملاك ، وقبح التصرف بغير إذن المالك عقلا ونقلا ، والخلاف في كون النكاح
موقوفا على الإجازة أو باطلا يجري هنا كما في المالك المتحد ، وكذا القول في المهر
والنفقة ، ويوزع على كل واحد بمقدار ما يخصه من الملك ، والله العالم.
المسألة
الثانية : لا خلاف ولا إشكال في أنه إذا كان الأبوان مملوكين
يكون الولد مملوكا لمالكهما ، فإنه نماؤهما وتابع لهما ، فإن كانا لمالك واحد
فالولد له ، وإن كان كل واحد منهما لمالك فالولد نصفين بين المالكين عند الأصحاب
لأنه نماء ملكهما ولا مزية لأحدهما على الآخر ، بخلاف باقي الحيوانات ، فإن الولد
لمالك الام ، وفرقوا بينهما بأن النسب مقصود في الآدميين وهو تابع لهما فيه بخلاف
غيره من الحيوانات فإن النسب فيه غير معتبر والنمو والتبعية فيه لاحق
بالأم خاصة ، كذا ذكروا ـ رضياللهعنهم ـ ولم أقف في ذلك على نص.
قال في المسالك
ـ بعد نقله للفرق بين الإنسان وغيره من الحيوانات في التبعية فيه دونها ـ : وفي
الفرق خفاء إن لم يكن هنا إجماع ، مع أن أبا الصلاح ذهب إلى أنه يتبع الام كغيره
من الحيوانات ، انتهى.
وبالجملة فما
ذكروه من الفرق لعدم الوقوف على نص فيه لا يخلو من الاشكال.
ويدل على الحكم
الأول ـ وهو ما إذا كان الأبوان ملكا لمالك واحد ، فإن الولد لمالك أبويه ـ ما
رواه في الكافي عن أبي هارون المكفوف قال : «قال لي أبو عبد الله عليهالسلام : أيسرك أن يكون لك قائد يا أبا هارون؟ قال : قلت : نعم
جعلت فداك ، قال : فأعطاني ثلاثين دينارا فقال : اشتر خادما كسوميا ، فاشتراه ،
فلما أن حج دخل عليه فقال له : كيف رأيت قائدك يا أبا هارون؟ فقال : خيرا ، فأعطاه
خمسة وعشرين دينارا فقال له : اشتر جارية شبانية فإن أولادهن قرة ، فاشتريت جارية
شبانية فزوجتها منه ، فأصبت ثلاثة بنات فأهديت واحدة منهن إلى بعض ولد أبي عبد
الله عليهالسلام وأرجو أن يجعل ثوابي منها الجنة ، وبقيت بنتان ما يسرني
بهن ألوف».
أقول : في
القاموس الكسوم : الماضي في الأمور ، وفيه أيضا الشابن : الغلام الناعم وقد شبن ،
وشبانة اسم ، ثم قال : والشباني والاشباني ـ بالضم ـ الأحمر الوجه والسبال.
نعم لو شرط
أحدهما انفراده بالولد أو الزيادة على نصيبه منه فالظاهر صحة الشرط ، لعموم ما دل
على وجوب الوفاء بالشروط .
أما لو كان أحد
الأبوين حرا والآخر مملوكا فالمشهور أن الولد يتبع الحر
__________________
منهما ، فيكون حرا مطلقا ، وذهب ابن الجنيد إلى أن الولد رق وأنه تبع للرق
منهما إلا مع اشتراط الحرية.
ويدل على القول
المشهور أخبار مستفيضة منها ما رواه في الكافي عن مؤمن الطاق عن رجل عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه سئل عن المملوك يتزوج الحرة ، ما حال الولد؟ فقال : حر ، فقلت : والحر
يتزوج المملوكة؟ قال : يلحق الولد بالحرية حيث كانت إن كانت ، الأم حرة أعتق بأمه
، وإن كان الأب حرا أعتق بأبيه».
وعن جميل وابن
بكير «في الولد من
الحر والمملوكة؟ قال : يذهب إلى الحر منهما».
وعن جميل بن
دراج قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : إذا تزوج العبد الحرة فولده أحرار ، وإذا تزوج
الحرة الأمة فولده أحرار».
وعن جميل بن
دراج قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الحر يتزوج الأمة ، أو عبد يتزوج حرة ، قال : فقال
لي : ليس يسترق الولد إذا كان أحد أبويه حرا إنه يلحق بالحر منهما أيهما كان ، أبا
كان أو اما».
وما رواه في
الفقيه عن جميل بن دراج في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل تزوج بأمة فجاءت بولد ، قال : يلحق الولد بأبيه
، قلت : فعبد يتزوج بحرة؟ قال : يلحق الولد بأمه».
__________________
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن ، وفي التهذيب في الصحيح عن عبد
الله ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «في العبد تكون تحته الحرة ، قال : ولده أحرار ،
فإن أعتق المملوك لحق بأبيه».
أقول : يعني في
الحضانة والميراث ، وأما أصل الحرية فإنما حصلت من تبعية الأم.
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا ،
ورواه في الفقيه مرسلا عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل الحر يتزوج بأمة قوم ، الولد
مماليك أو أحرار؟ قال : إذا كان أحد أبويه حرا فالولد أحرار».
وما رواه في
التهذيب عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام «في مملوك يتزوج حرة ، قال : الولد للحرة ، وفي حر تزوج مملوكة؟ قال :
الولد للأب».
هذه جملة ما
وقفت عليه من روايات القول المذكور.
وأما ما يدل
على ما ذهب إليه ابن الجنيد ، فجملة من الأخبار أيضا منها ما رواه الشيخ في
التهذيب عن أبي بصير قال : «لو أن رجلا دبر ـ وفي الاستبصار
رواها عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : لو أن رجلا دبر ـ جارية ثم زوجها من رجل فوطأها
كانت جاريته وولدها منه مدبرين ، كما لو أن رجلا أتى قوما فتزوج إليهم مملوكهم كان
ما ولد لهم مماليك».
وما رواه الصدوق
في الفقيه في الصحيح والشيخ في التهذيب في الصحيح أو
__________________
الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل زوج أمته من رجل وشرط له أن ما ولدت من ولد فهو حر ، فطلقها زوجها
أو مات عنها ، فزوجها من آخر ، ما منزلة ولدها؟ قال : منزلتها ما جعل ذلك إلا
للأول ، وهو في الآخر بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء أمسك».
وما رواه في
التهذيب عن الحسن بن زياد قال : «قلت له : أمة كان مولاها يقع
عليها ثم بدا له فزوجها ، ما منزلة ولدها؟ قال : بمنزلتها إلا أن يشترط زوجها».
وعن عبد الرحمن
بن أبي عبد الله البصري في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل يزوج جاريته رجلا ، واشترط عليه أن كل ولد تلده فهو حر فطلقها
زوجها ثم تزوجت آخر فولدت ، قال : إن شاء أعتق وإن شاء لم يعتق».
وعن أبان بن
تغلب في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل دبر مملوكته ، ثم زوجها من رجل آخر فولدت منه
أولادا ثم مات زوجها ، وترك الأولاد منها ، فقال : أولاده منها كهيئتها ، فإذا مات
الذي دبر أمهم فهم أحرار ، قلت له : أيجوز للذي دبر أمهم ان يردها في تدبيره إذا
احتاج؟ قال : نعم ، قلت : أرأيت إن ماتت أمهم بعد ما مات الزوج وبقي أولادها من
الزوج الحر ، أيجوز لسيدها أن يبيع أولادها ، ويرجع عليهم في التدبير؟ قال : لا ،
إنما كان له أن يرجع في تدبير أمهم إذا احتاج ورضيت هي بذلك».
وعن عبد الله
بن سليمان في حديث قال : «سألته عن رجل يزوج وليدته من رجل وقال :
أول ولد تلدينه فهو حر ، فتوفي الرجل وتزوجها آخر ، فولدت
__________________
له أولادا؟ فقال : أما من الأول فهو حر ، وأما من الآخر فإن شاء استرقهم».
هذه جملة ما
حضرني من الأخبار الدالة على ما ذهب إليه ابن الجنيد ، وأصحابنا لم ينقلوا لابن
الجنيد من الأخبار سوى رواية أبي بصير كما في المختلف وشرح النافع للسيد السند ،
وزاد في المسالك الاستدلال له برواية الحسن بن زياد ثم طعنوا فيها بضعف الاسناد ،
والأخبار كما ترى فيها الصحيح باصطلاحهم بل هو أكثرها ، إلا أن هذه قاعدتهم غالبا
من عدم إعطاء التتبع حقه في روايات المسألة.
والشيخ ـ رحمة
الله عليه ـ في الاستبصار أجاب عن رواية أبي بصير بالحمل على ما إذا شرط عليه أن
يكون الولد مماليك ، فإنهم يكونون كذلك ، وقال في التهذيب ـ بعد ذكر هذا الحمل ـ :
وهذا الخبر وإن لم يكن فيه ذكر الشرط صريحا فنحن نعلم أنه المراد بدلالة ما قدمناه
من الأخبار ، وأن الولد لاحق بالحرية فإذا ثبت ذلك فلا وجه لهذا الخبر إلا الوجه
الذي ذكرناه. انتهى ، ولا يخفى ما فيه.
وأجاب عن رواية
الحسن بن زياد وصحيحة عبد الرحمن بالحمل على التقية تارة ، قال : لأن في العامة من
يذهب إلى أن الولد يتبع الام على كل حال ، وتارة على ما إذا كان الزوج مملوكا
للغير ، قال : فإن الولد يكون لاحقا لها إلا أن يشترط مولى العبد.
أقول :
والمسألة لتصادم هذه الأخبار وبعد ما ذكره من المحامل محل إشكال ، إلا أنه يمكن أن
يرجح الحمل على التقية ، لشهرة القول الأول في الصدر الأول حيث لم ينقل المخالفة
ثمة إلا عن ابن الجنيد سيما مع ما علم غالبا من جريه على مذهب العامة ، وقوله
بأقوالهم ، وعمله بقياساتهم.
هذا كله مع
الإطلاق وعدم الشرط ، وأما مع الاشتراط فإن كان الواقع هو اشتراط الحرية فلا خلاف
ولا إشكال في صحة ذلك كما دلت عليه النصوص المتقدمة وإن كان الشرط هو الرقية فمحل
خلاف وإشكال ، والمشهور صحة الشرط لعموم
قوله عزوجل «أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ» وعموم
«المؤمنون عند
شروطهم» . وذهب جمع من المتأخرين إلى فساد هذا الشرط ، وأنه إذا
كان الولد محكوما بحريته مع الإطلاق ، وعدم الشرط كما هو القول المشهور ، فإنه لا
يكون اشتراط رقيته مشروعا ، كما أنه لا يصح اشتراط رقية ولد الحرين.
ويعضده أن
الولد ليس مملوكا للحر من الأبوين ليصح اشتراطه للمولى ، وإنما ألحق فيه لله
سبحانه ، فلا يصح اشتراطه ، وهو كلام جيد متين ، ويزيده تأييدا أن أقصى ما دلت
عليه الروايات الدالة على الرقية مع الإطلاق هو صحة شرط الحرية بناء على ذلك ، أما
على العكس وهو ما إذا حكم بالحرية كما هو مدلول أخبار القول المشهور ، فإنه لم
يتضمن شيء منها الدلالة على الرقية مع اشتراطها ، بل ربما أفاد إطلاقها ـ بأن أحد
الأبوين إذا كان حرا فالولد حر ـ الحكم بالحرية مطلقا بتقريب أن ترك الاستفصال في
جواب السؤال مع قيام الاحتمال يفيد العموم في المقال.
ومن ثم إن
المحقق تردد في النافع ، وفي الشرائع نسب لزوم الشرط هنا إلى قول المشهور مؤذنا
بضعفه وعدم الدليل عليه ، وإلى ما ذكرناه من القول الآخر مال في المسالك وسبطه في
شرح النافع وهو كذلك لما عرفت ، ثم إنه على تقدير بطلان الشرط فهل يبطل العقد ، أم
يختص البطلان بالشرط؟ قولان ، قد تقدم الكلام فيهما في غير موضع ، ومما يتفرع على
ذلك ما لو وطأها بهذا العقد فأولدها ، فإن قلنا بصحة العقد وبطلان الشرط خاصة
فالولد حر كما لو لم يشترط بالكلية ، وكذا إن قلنا بفساده مع الجهل بالفساد ، لأنه
نكاح شبهة يلحق بالصحيح ، أما لو قلنا ببطلان العقد وكان عالما فإنه يكون زانيا ،
والولد يكون رقا تبعا
__________________
للام من حيث الزنا لا من حيث الشرط ، وإن قلنا بصحة الشروط لزوم ولم يسقط
بالإسقاط ، وإنما يعود إلى الحرية بسبب جديد ، كملك الأب له ونحوه ، والله العالم.
المسألة
الثالثة : إذا تزوج الحر أمة بدون إذن السيد ، ودخل بها قبل رضا السيد وإجازته ، فلا
يخلو الحال من أن يكونا معا عالمين بالتحريم أو جاهلين أو أحدهما عالما والآخر
جاهلا وبالعكس ، فهنا صور أربع :
الاولى : أن يكونا عالمين بالتحريم ، وقد قطع الأصحاب بكون
الوطي زنا يثبت به الحد عليهما والولد رق لمولى الأمة ، وإنما اختلفوا في ثبوت
المهر للمولى وعدمه.
أقول : أما
الحكم بكونه زنا فقد تقدم ما يدل عليه من الأخبار المذكورة في صدر المسألة الأولى
الدالة على أن نكاح الأمة من غير إذن المولى باطل ، دخل بها أو لم يدخل ، خلافا
لما ذهب إليه أصحابنا من كونه فضوليا موقوفا على الإجازة ، وقد صرح جملة من تلك
الأخبار بكونه زنا ، كقوله عليهالسلام
في رواية أبي
العباس بعد السؤال عن الأمة تتزوج بغير إذن أهلها؟ قال : يحرم
ذلك عليها وهو الزنا.
وفي رواية
الثانية هو الزنا إن الله يقول «فَانْكِحُوهُنَّ
بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ».
ونحوه في رواية
الثالثة .
وأما تزويج
العبد بدون إذن سيده وإن كان خارجا عن موضوع المسألة ، فظاهر الأخبار التي تقدمت
في المسألة السابعة من المقصد الثاني في الأولياء من الفصل الأول أنه موقوف على
إذن السيد ، وإن دخل بها كما صرح به في بعضها وإن ذلك ليس بزنا معللا في جملة منها
بأنه لم يعص الله عزوجل ، وإنما عصى
__________________
سيده ، وربما ظهر من كلام بعض الأصحاب أنه مع الدخول أيضا زنا يجب به الحد
، وظاهر الأخبار المشار إليها يرده.
وأما الولد
فإنه لا خلاف في كونه رقا في صورة تسافح المملوكين أو زنا الحر بالأمة ، وما هنا
من قبيل الثاني وإن وقع بلفظ العقد ، وقد علل بأن الولد نماء الأمة.
والأولى
الاستدلال عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهماالسلام «في رجل أقر على نفسه أنه غصب جارية رجل فولدت الجارية من الغاصب ، قال :
ترد الجارية والولد على المغصوب منه إذا أقر بذلك الغاصب».
ورواه الكليني
، كذلك والصدوق ـ رحمة الله عليه ـ عن الصادق عليهالسلام مرسلا ، إلا أنه قال فيه «إذا أقر بذلك أو كانت عليه
بينة».
ولا إشكال ولا
خلاف في كل من هذين الحكمين ، إنما الاشكال والخلاف في المهر ، فإن فيه قولين :
(أحدهما) ـ وهو
مختار المحقق في الشرائع ـ العدم ، لأنها زانية ، فلا مهر لها ، لقوله عليهالسلام «لا مهر لبغي» ولأن البضع لا يثبت لمنافعه عوض إلا بعقد أو شبهة أو إكراه
لها تخرج به عن كونها بغيا ، والوجه أن مالية ليست على نهج الأموال الصرفة ، ليكون
مطلق الانتفاع بها موجبا للعوض ، ألا ترى أنه لو قبل أحد مملوكة الغير أو استمتع
بها فيما دون الوطي لم يكن عليه عوض ، بخلاف ما لو استخدمها ، والفرق عدم نقصانها
بسببه ، وحينئذ فالأصل عدم ثبوت كون البضع مضمونا على هذا الوجه ، وإنما تضمن بأحد
الوجه الثلاثة المتقدمة.
و (ثانيهما)
ثبوت المهر للمولى ، لأن البضع ملكه ، فلا يؤثر علمها ورضاها
__________________
في سقوط حقه ، وأجيب عن الخبر بعد تسليم صحته بأنه خارج عن محل البحث ، وأن
المراد به إنما هو الحرة لا الأمة ، وذلك ظاهر من وجهين.
أحدهما : إن لفظ
المهر إنما يقال بالنسبة إلى الحرة ، وأما عوض بضع الأمة فإنما يطلق عليه اسم
العقر أو العشر أو نصفه ، وإن أطلق عليه المهر فهو مجاز ، والأصل عدمه ، ولهذا وقع
التعبير عن الزوجة بابنة المهيرة في قولهم : لو زوجه بنت مهيرة وأدخل عليه بنت
أمة.
والثاني : من
جهة اللام المفيد للملك أو الاستحقاق أو الاختصاص ، فإن المنفي في الخبر إنما هو
ملك البغي له ، واستحقاقها أو اختصاصها ، والثلاثة منفية عن الأمة هنا ، لأن
المالك له أو المختص أو المستحق إنما هو المولى دون الأمة ، وذلك واضح ، لما عرفت
من أن البضع ملكه ، فما جعل عوضا له إنما يكون للمولى لا للأمة ، وبذلك يظهر لك أن
الخبر المذكور لا وجه للاستدلال به هنا.
نعم يبقى
الإشكال بالنسبة إلى التعليل الثاني ، ولهذا أنه في المسالك قوى هذا القول ، وجعل
ثبوته متوقفا على إثبات كون البضع مضمونا حسبما قدمنا تحقيقه ، إلى أن قال : والثابت
على الزاني العقوبة الدنيوية أو الأخروية ، وما سواه يحتاج إلى دليل وهو حاصل مع
العقد أو الشبهة.
أقول : وقد
عرفت أن الإكراه المخرج لها عن كونها بغيا ثابت لهذين الأمرين.
قال السيد
السند في شرح النافع ـ بعد ذكر القول الثاني والاستدلال له بأن البضع ملكه فلا
يؤثر علمها في سقوط حقه ـ : ويمكن الاستدلال عليه أيضا بصحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليهالسلام ، حيث قال فيها «قلت : أرأيت إن أحل له ما دون الفرج
فغلبته الشهوة فافتضها؟ قال : لا ينبغي له ذلك ، قلت : فإن فعل أيكون زانيا؟ قال :
لا ، ولكن يكون خائنا ، ويغرم لصاحبها عشر قيمتها
__________________
إن كانت بكرا ، وإن لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها».
قال : فإن ثبوت
العوض هنا يقتضي ثبوته في الزنا المحض بطريق أولى ، انتهى.
وفيه ما ذكره
جده في المسالك حيث قال ـ بعد الكلام المتقدم ـ : نعم لو كانت بكرا لزمه أرش
البكارة ، لأنها خيانة ، فلا دخل في المهر هنا ، وإن دخلت فيه على بعض الوجوه ،
ولربما احتمل كونها مهرا ، لأن الشارع جعله تبعا للوطئ ، فيأتي فيه الخلاف السابق
، والأصح الأول ، لأن الخيانة على المال المملوك الموجبة لنقص المالية مضمونة بغير
إشكال ، بخلاف المهر ، انتهى.
وهو ظاهر في
كونه وجوب العشر أو نصفه ، إنما وجب من حيث النقص الحاصل بتصرفه في مال الغير بدون
إذنه ، ولا خصوصية له بالنكاح ، فمنشؤه إنما هو التصرف الموجب للنقص ، لا ما يراد
من المهر ، وهو كونه في مقابلة الانتفاع بالبضع ، وحينئذ فحمله عليه لا يخرج عن
القياس وإن كان قياس أولوية.
وبالجملة فإن
المسألة بما عرفت من القيل والقال ، وعدم وجود النص لا تخلو من الاشكال ، والله
العالم.
الثانية : أن يكونا جاهلين بالتحريم ويتحقق ذلك إما بأن لا
يكونا عالمين بتحريم تزويج الأمة بغير إذن مالكها ، أو كانا يعلمان ذلك ، ولكن
عرضت شبهة أوجبت لهما ذلك ، بأن وجدها على فراشه فظنها زوجته أو أمته بعد أن عقد
عليها أولا ، فإنك قد عرفت أن هذا العقد حيث لم يكن بإذن المالك لا ثمرة له ، ولا
أثر يترتب عليه وظنت هي أنه مولاها ، لا العاقد عليها ، وحينئذ فنكاحه لها والحال
هذه من الطرفين نكاح شبهة ، موجب لحرية الولد ، ولحوقه بالأب ، ودراية للحد وموجب
للمهر.
ولكن في المهر
هنا أقوال ثلاثة : فقيل : بأنه المسمى في العقد ، لأنه العوض الذي تراضيا عليه
بالعقد ، والعقد صحيح ظاهرا للشبهة.
وقيل : مهر
المثل لظهور فساد العقد في نفس الأمر ، وأن مهر المثل هو
المحكوم به في نكاح الشبهة ، وقواه في المسالك ، وقد تقدم تحقيق الكلام في
ذلك في باب الرضاع ، وأن الأظهر هو الثاني.
وقيل : بأنه
العشر أو نصف العشر ، واختاره السيد السند في شرح النافع ، قال : وهذا أقوى ،
لصحيحة الفضيل المتقدمة ، وقوله عليهالسلام
في صحيحة
الوليد بن صبيح ـ إذا تزوج امرأة حرة فوجدها أمة قد دلست نفسها ـ «ولمواليها
عليه عشر ثمنها إن كانت بكرا ، وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من
فرجها».
وفيه ما عرفت
آنفا أن مورد كل من الروايتين صورة مخصوصة ، والتعدي إلى غيرها كما في ما نحن فيه
يحتاج إلى دليل ، وإلا فهو مجرد قياس ، والأظهر الاقتصار في كل منهما على مورده.
ومما ذكرنا
يظهر أن الأقرب إلى القواعد الشرعية هو القول بمهر المثل. قالوا : وإن أنت بولد
كان حرا تابعا لأبيه ، وعلى الأب قيمته للمولى لأنه نماء ملكه ويعتبر القيمة يوم
سقوطه حيا ، لأنه وقت الحكم عليه بالمالية لو كان رقا ، والظاهر أنهم استندوا في
وجوب القيمة على الأب للمولى إلى الأخبار الواردة في تدليس المرأة نفسها ، أو
تدليس من زوجها على أنها حرة ، ثم ظهر كونها أمة ، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ بعد هذه
المسألة.
الثالثة
: أن يكون الحر
عالما ، والأمة جاهلة ، قالوا : والحد عليه في هذه الصورة ، وينتفي عنه الولد لأنه
عاهر ، له الحجر ، ويثبت عليه مهر المثل أو العشر أو نصفه للمولى ، كما سبق والولد
رق ، وهذه الأحكام كلها ظاهرة مما سبق.
الرابعة : العكس ، بأن يكون الحر جاهلا ، وهي عالمة وفي هذه
الصورة يسقط عنه الحد ، ويلحقه الولد ، وعليه فكه بالقيمة يوم سقوطه حيا كما تقدم
، وكذا وجوب المهر حسب ما تقدم جميع ذلك في الصورة الثانية وظاهره في المسالك
__________________
التوقف هنا في وجوب المهر ، حيث قال : والحكم بسقوط الحد ولحوق الولد به ،
ووجوب القيمة كالسابقة ، وكذا في وجوب المهر على ما أطلقه المصنف والجماعة بناء على
أنه وطئ محترم من قبله من حيث الشبهة ، فيثبت عوضه ، وظاهرهم بل صريح بعضهم عدم
الفرق بين علمها وجهلها في ذلك ، هنا لا يخلو من إشكال ، لأنها مع العلم بغي ،
فينبغي مجيء الخلاف السابق ، لكن لم يتعرضوا له هنا. انتهى ، وهو جيد ، وأشار
بذلك إلى الخلاف المذكور في هذه الصورة ، وقد عرفت الكلام فيه.
قالوا : هذا
كله إذا لم يجز المولى العقد ، فإن أجازه قبل الوطي فواضح ، وإن كان بعده بنى على
أن الإجازة هل هي كاشفة عن صحة العقد من حينه ، أو مصححة له من حينها؟
فعل الأول قال
في المسالك وهو الأقوى : يلحق به الولد وإن كان عالما حال الوطي بالتحريم ، وسقط
عنه الحد وإن كان قد وطأ محرما حالته ، ويلزمه المهر لانكشاف كونها زوجة حال الوطي
، وإقدامه على المحرم يوجب التعزير لا الحد.
وعلى الثاني
تبقى الأحكام السابقة بأسرها ، لأنها حين الوطي لم تكن زوجة ظاهرا ولا في نفس
الأمر ، وإنما كان قد حصل جزء السبب المبيح ولم يتم إلا بعد الوطي ، فكان كما لو
لم يكن هناك عقد أصلا. قال في شرح النافع : والأصح الثاني.
أقول : فيه (أولا)
إنا لم نقف بعد التتبع التام للأخبار على أثر يدل على شيء من هذين القولين ، وليس
إلا مجرد كلامهم في البين ، سيما مع ما عرفت في كتاب البيع من عدم صحة البيع
الفضولي الذي هو الأصل في اعتبار الإجازة ، ولزوم العقد بها ، بل بطلانه من رأس ،
وإن صح في النكاح كما تقدم تحقيقه ، وأما كون الإجازة له بعد وقوعه كاشفة أو ناقلة
فلا أثر له في الأخبار سوى ما ذكروه من هذا الاعتبار.
و (ثانيا) إنك
قد عرفت مما قدمنا ذكره في المسألة الأولى دلالة الأخبار
على بطلان تزويج الأمة بغير إذن مولاها ، لا أنه صحيح موقوف على الإجازة
كما ادعوه ، وما ذكروه هنا متفرع على ما وقع لهم ثمة من حكمهم بالصحة من غير فرق
بين العبد والأمة لو تزوج كل منهما بغير إذن السيد ، والأخبار إنما دلت على ذلك
بالنسبة إلى تزويج العبد كما قدمناها في المسألة المذكورة.
وأما أخبار
تزويج الأمة فإنها قد اتفقت على بطلانه وتحريمه ، وأنه زنا محض ، ولكنهم غفلوا عن
ملاحظتها والتأمل فيما وقع فيها ، فتأمل وأنصف ، والله العالم.
المسألة
الرابعة : إذا ادعت والتأمل فيما وقع فيها ، فتأمل وأنصف ، والله العالم. المسألة
الرابعة : إذا ادعت المرأة الحرية ، فتزوجها الحر بناء على ذلك من غير علمه بفساد
دعواها ، وإلا كان زانيا ، وكان الحكم فيه كما تقدم في الصورة الاولى من صور
المسألة المتقدمة ، ودعواها الحرية إما باعتبار أنها حرة الأصل ولم يكن الزوج
عالما بحالها ، أو ادعت العتق وظهر للزوج من قرائن الحال ما أثمر له الظن بصدقها ،
وتوهم الحل بذلك.
أما لو كان
عالما بفساد دعواها ، أو بعدم الالتفات إلى قولها بدون البينة أو الشياع أو نحو
ذلك مما يفيد العلم ، فإنه يكون زانيا ، ويكون الحكم كما تقدم في الصورة المشار
إليها ، وحينئذ فمع العمل على يدعواها بالتقريب المتقدم يكون من قبيل الشبهة ،
فيسقط عنه الحد ويلزمه المهر على الخلاف فيه من كونه المسمى أو مهر المثل أو العشر
أو نصفه ، وهل يكون الولد حرا أو رقا؟ قولان ، وعلى كل منهما يجب على الأب فكه عند
الأصحاب بدفع القيمة إلى مولى الجارية ، والكلام هنا يقع في موضعين :
الأول : في
المهر ، وظاهرهم الاتفاق عليه وإن كانت الأمة عالمة بالتحريم ، واحتمال العدم كما
تقدمت الإشارة إليه ممكن ، ثم إنهم اختلفوا في تقديره ، فقيل : إنه المسمى لأنه
عقد صحيح ، قبض فيه أحد العوضين فيجب الآخر ، وعروض الفسخ لا يوجب فساده من أصله.
قال في المسالك
ـ وهو ظاهر اختيار المصنف والأكثر ، ثم تنظر فيه ،
قال ـ : لأنه واقع بغير إذن السيد ولا أثر لصحته ظاهرا إذا تبين فساده بعد
ذلك ، ودعوى كون الفسخ لا يفسده من أصله غير سديد. انتهى ، وهو جيد.
وقد تقدم
الكلام في ذلك ، وأن الأظهر بطلان المسمى لظهور بطلان العقد الذي اشتمل عليه ، نعم
يتم القول بالصحة لو أجاز السيد العقد ، بناء على ما يدعونه من كون العقد فضوليا ،
وأن الإجازة كاشفة.
وقيل : مهر
المثل ، ذهب إليه الشيخ في المبسوط ، ونقله فخر المحققين عن ابن حمزة ، كما نقل
الأول عن القاضي ابن البراج ، وغلطه الشهيد في شرح الإرشاد في كل من النقلين
بأنهما قائلان بالقول الثالث. وقد علم وجه هذا القول مما تقدم في غير مقام من أن
مرجعه إلى نكاح الشبهة ، والواجب في نكاح الشبهة إنما هو مهر المثل ، ووجهه هنا
أنه لا ريب أن الجارية ملك للغير ، والنكاح موقوف على رضاه ، وحيث لم يرض فالنكاح
باطل ، إلا أنه قد حصل الوطي المحرم بسبب الجهل ، فصار نكاح شبهة فوجب مهر المثل ،
هذا عندهم إذا لم يجز المولى ، وإلا فلو أجاز وقلنا بأن الإجازة كاشفة عن صحة
العقد من حينه لا من حينها ، فإن الواجب حينئذ هو المسمى ، إلا أنك قد عرفت ما
فيه.
وقيل : بوجوب
عشر قيمتها إن كانت بكرا ونصفه إن كانت ثيبا ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والقاضي
ابن البراج وابن حمزة ، ومستندهم في ذلك صحيحة الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل تزوج امرأة حرة فوجدتها أمة قد دلست نفسها له ، قال : إن كان الذي
زوجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد ، قلت : فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه
قال : إن وجد مما أعطاها شيئا فليأخذه ، وإن لم يجد شيئا فلا شيء له عليها ، وإن
كان زوجها إياه ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ولمواليها عليه عشر ثمنها إن
كانت بكرا ،
__________________
وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها ، قال : وتعتد منه
عدة الأمة ، قلت : فإن جاءت بولد؟ قال : أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير
إذن المولى».
قال في المسالك
: وينبغي أن يكون العمل بها لصحتها ، وربما حملت على ما إذا طابق العشر أو نصفه
المهر المثل ، وهو بعيد ، ومن الجائز اختصاص الأمة بهذا الحكم وجعل مهر المثل
للحرة أو للأمة أيضا في غير موضع النص. انتهى وهو جيد ، فإن الرواية لا معارض لها
في المقام إلا ما ذكروه من تلك التعليلات مع إمكان الجمع بما ذكره ـ رحمهالله ـ وتخرج صحيحة الفضيل المتقدمة مؤيدا لذلك.
الثاني : في
حكم الولد ، وقد تقدمت الإشارة إلى الخلاف فيه بالحرية والرقية ، ونقل في المسالك
القول بالرقية عن الشيخ وأتباعه واختاره المحقق في الشرائع ، مع أنه قد حكم في
سابق هذه المسألة أن الولد مع الشبهة الجارية على الأب يكون حرا ، وإن لزمه فكه
بالقيمة ، وما نحن فيه من قبيل ذلك ، لأن المفروض اشتباه الحال عليه كما عرفت.
وبالثاني من
القولين المذكورين صرح السيد السند في شرح النافع واستدل على القول بالرقية بحسنة
زرارة قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أمة أبقت من مواليها فأتت قبيلة غير قبيلتها فادعت
أنها حرة فوثب عليها رجل فتزوجها ، فظفر بها مواليها بعد ذلك وقد ولدت أولادا ،
فقال : إن أقام البينة الزوج على أنه تزوجها على أنها حرة أعتق ولدها ، وذهب القوم
بأمتهم ، وإن لم يقم البينة أوجع ظهره واسترق ولده».
وعد هذه
الرواية في الحسن بناء على رواية الشيخ لها في التهذيب عن عبد الله بن يحيى ولكن
الذي في الكافي إنما هو عبد الله بن بحر مكان عبد الله بن
__________________
يحيى ، ولعله الأقرب فتكون الرواية ضعيفة بهذا الاصطلاح.
وموثقة سماعة قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن مملوكة أتت قوما فزعمت أنها حرة فتزوجها رجل منهم
وأولدها ولدا ، ثم إن مولاها أتاهم فأقام عندهم البينة أنها مملوكة ، وأقرت
الجارية بذلك ، فقال : تدفع إلى مولاها هي وولدها ، وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى
أبيه بقيمته يوم تصير إليه ، قلت : فإن لم يكن لأبيه ما يأخذ ابنه به؟ قال : يسعى
أبوه في ثمنه حتى يؤديه ويأخذ ولده ، قلت : فإن أبى الأب أن يسعى في ثمن ابنه؟ قال
: فعلى الامام أن يفتديه ، ولا يملك ولد حر».
واستدل السيد
في شرح النافع على الحرية كما قدمنا نقله عنه بصحيحة الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله عليهالسلام المتقدمة لقوله في آخرها «أولادها منه أحرار إذا كان
النكاح بغير إذن المولى». وعلى وجوب القيمة على الأب بصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام «في رجل تزوج جارية على أنها حرة ، ثم جاء رجل آخر فأقام البينة على أنها
جاريته ، قال : يأخذها ويأخذ قيمة ولدها». ثم قال : وفي هذه الرواية دلالة على
حرية الولد أيضا.
وأنت خبير بأن
الرواية الاولى لا دلالة فيها على القيمة ، والثانية لا دلالة فيها على الحرية ،
فقوله «وفي هذه الرواية دلالة على حرية الولد» لا أعرف له وجها.
والشيخ قد حمل
صحيحة الوليد على أحد وجهين : أحدهما أن يكون قد شهد شاهدان عنده أنها حرة والثاني
أن يكون الأب قد رد ثمنهم.
واحتمل بعضهم
أن هذا الكلام منه عليهالسلام على جهة الإنكار دون الاخبار
__________________
بقرينة الشرط ، وهو قريب ، بل الظاهر أنه أقرب من حملي الشيخ.
ومن أخبار
المسألة موثقة سماعة قال : «سألته عن مملوكة قوم أتت قبيلة غير قبيلتها ،
وأخبرتهم أنها حرة فتزوجها رجل منهم فولدت له ، قال : ولده مملوكون إلا أن يقيم
البينة أنه شهد لها شاهدان أنها حرة ، فلا تملك ولده ويكونون أحرارا».
وفي هذا الخبر
دلالة على ما دلت عليه رواية زرارة المتقدمة من حرية الولد إن أقامت البينة على ما ادعت من
الحرية ، وتزوجها الرجل بناء على ذلك ، وإلا فالولد رق ، وهي مؤيدة للقول المشهور
برقية الولد بناء على ظاهر الحال ، وهي بالنسبة إلى فك الولد بالقيمة مطلقة ،
فيحمل إطلاقها في ذلك على ما تضمنته موثقة سماعة المتقدمة ، وكذا صحيحة محمد بن قيس من وجوب فك الأب له
بالقيمة جمعا بين الأخبار.
ومنها موثقة
محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قضى علي عليهالسلام في امرأة أتت قوما فأخبرتهم أنها حرة ، فتزوجها أحدهم
وأصدقها صداق الحرة ثم جاء سيدها ، فقال : ترد إليه وولدها عبيد».
وهذه الرواية
أيضا صريحة في الرقية كما هو القول المشهور ، وأما بالنسبة إلى فكه بالقيمة فهي
مطلقة ، فيجب تقييد إطلاقها بما في الصحيحة المتقدمة الدالة على أن المولى يأخذ
قيمة الولد ، وأخذ القيمة هو الأنسب بالرقية لا بالحرية
__________________
كما توهمه السيد السند في شرح النافع فيما قدمنا نقله عنه حتى ادعى أنها
دالة على حرية الولد.
وبالجملة فإنه
يحصل من الجمع بين روايتي محمد بن قيس المذكورتين باعتبار اشتمال الاولى على أنه
يأخذ قيمة الولد أعم من أن يكون حرا أو رقا ، واعتبار اشتمال الثانية على أن ولدها
عبيد من غير تعرض للقيمة ، هو أنهم عبيد للسيد ، ولكن يجب على الأب فكهم بالقيمة ،
وسند هذا الجمع موثقة سماعة الأولى الدالة على أنها تدفع هي وولدها إلى مولاها ،
وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن الذي يظهر لي من تدبر هذه الأخبار ـ بعد ضم بعضها إلى بعض من غير فرق
فيها بين ضعيف وصحيح ـ هو أن الزوج إن كان قد تزوجها بعد ثبوت دعوى الحرية
بالشاهدين فأولاده أحرار ولا يجب عليه فكهم بالثمن ، لأنه إنما تزوج حرة باعتبار
ظاهر الشرع فلا وجه للقيمة هنا بالكلية ، وإن تزوجها على ظاهر الحرية بالتقريب
الذي تقدم صدر المسألة ، فالولد يكون رقا ، ويجب عليه فكه بالقيمة.
ويمكن توجيه
ذلك بعد ورود النص به كما عرفت ، فيكون بيانا لوجه النص لا علة في الحكم ، بأن
يقال : إنه لما كانت مملوكة ولم يأذن المالك في تزويجها ولم يكن التزويج على نحو
الشاهدين الموجب للثبوت شرعا كان فيه شائبة من الزنا الموجب لرقية الولد ، ولما
كان ذلك راجعا إلى الشبهة الموجبة لحرية الولد كان الجمع بين الأمرين بالرقية مع
الفك بالقيمة.
نعم صرح ابن
إدريس بأن القيمة في صورة شهادة الشاهدين وإن لم يكن على الأب إلا أنها على الشاهدين
كما سيأتي نقله إن شاء الله.
وفصل العلامة
في المختلف فقال : إن رجعا لم يلتفت إلى رجوعهما وضمنا لمولاها قيمة الجارية
والولد والمهر ، وإن ثبت تزويرهما نقض الحكم وكان الولد
حرا ، وعلى الأب دفع قيمته يوم سقط حيا. إلى آخره.
أقول : لا يخفى
أن أخبار المسألة هنا خالية عن التعرض للقيمة في هذه الصورة ، وإنما تضمنت القيمة
في صورة التزويج على ظاهر الحال المحكوم فيه برقية الولد لا في صورة الشاهدين
المحكوم فيها بالحرية ، والظاهر أن ما ذكره ابن إدريس من أن القيمة على الشاهدين ،
وذكره هو بالنسبة إلى رجوعهما هو الأوفق بالقواعد الشرعية كما نبهنا عليه ، والفرق
في ذلك بين رجوعهما وثبوت تزويرهما ـ كما ذكره العلامة ـ لا أعرف له وجها.
وأما ما ذهب
إليه السيد السند من حرية الولد كما قدمنا نقله عنه استنادا إلى صحيحة الوليد بن
صبيح ، حيث إن سندها صحيح باصطلاحه ، وهو ممن يتهافت على صحة السند ، فهو عندنا
غير مرضي ولا معتمد ، والروايات التي ذكرناها كما عرفت كلها دالة على الرقية ،
والصحيحة المذكورة يمكن تأويلها بما قدمنا ذكره ، والجمع بينها وبين باقي الأخبار
يقتضيه.
وأما على ما
ذكره واختاره فإنه يلزم طرح هذه الأخبار مع ما هي عليه من الصراحة وقوة الأسانيد
أيضا.
وبما ذكرنا من
الحرية مع البينة والرقية بدونها ، صرح الشيخ في النهاية حيث قال : فإن عقد عليها
على ظاهر الأمر بشهادة الشاهدين لها بالحرية ويرزق منها أولادا كان أولادها أحرارا
، وإن عقد عليها على ظاهر الحال ولم يقم عنده بينة بحريتها ثم تبين أنها كانت رقا
كان أولادها رقا لمولاها ، ويجب عليه أن يعطيهم أباهم بالقيمة ، وعلى الأب أن
يعطيه قيمتهم ، فإن لم يكن له مال استسعى في قيمتهم ، فإن أبى كان على الامام أن
يعطي مولى الجارية قيمتهم من سهم الرقاب ، ولا يسترق ولد حر. انتهى ، وإليه يرجع
كلامه في كتابي الأخبار حيث حمل صحيحة الوليد بن صبيح على أحد الحملين المتقدمين.
تذنيبات
الأول
: لو دلسها
عليه مدلس فزوجها منه على أنها حرة فظهرت أمة ، فهل يحكم على الولد بالحرية أو
الرقية؟ الذي صرح به جملة من الأصحاب منهم ابن حمزة وابن إدريس هو الأول.
قال ابن حمزة :
إن تزوجها بغير إذن مولاها فأقسامه خمسة :
(الأول) دلسها
عليه أحد بالحرية ، فيرجع بالمهر على المدلس ، ويكون الولد حرا ، وللسيد عليه عشر
قيمتها إن كانت بكرا ونصف العشر إن كانت ثيبا ، وأرش العيب إن عابت بالولادة ، وإن
دلسها مولاها سقط المهر المسمى ولزم مهر المثل ، ودفع بالمهر على سيدها وتحرر
الولد.
(الثاني) شهد
الشاهدان لها بالحرية ، فيرجع بالمهر على الشاهدين ، وباقي الأحكام على ما ذكر.
(الثالث)
تزوجها بظاهر الحال على الحرية ، فيكون النسب لاحقا والولد رقا ، وله الرجوع إليها
بالمهر ، وعليه للسيد ما ذكرناه من عشر القيمة أو نصفه ، ويجب على السيد أن يبيع
الولد من أبيه ، ولزم الأب قيمته ، فإن عجز استسعى فيها ، فإن لم يسع دفع الامام عليهالسلام قيمته للسيد من سهم الرقاب. إلى آخره .
وقال ابن إدريس
: وإن عقد عليها على ظاهر الحال بشهادة الشاهدين لها بالحرية ورزق منها أولادا
كانوا أحرارا ، ويجب على الشاهدين ضمان المهر إن
__________________
كان الزوج سلمه إليها ، وقيمة الأولاد يوم وضعهم أحياء ، لأن الشهود الزور
يضمنون ما يتلفون بشهاداتهم ، بغير خلاف بيننا ، والإجماع منعقد على ذلك.
وإن عقد عليها
على ظاهر الحال ولم يقم عنده بينة بحريتها ثم تبين أنها كانت رقا كان أولادها رقا
لمولاها ، ويجب عليه أن يعطيهم أباهم بالقيمة ، وعلى الأب أن يعطيه قيمتهم ، فإن
لم يكن له مال استسعى في قيمتهم على ما روي في الأخبار ـ إلى أن قال : ـ وإذا عقد
على امرأة بظن أنها حرة ، والذي عقد عليها كان قد دلسها وكانت أمة ، كان له الرجوع
عليه بمهرها إن كان قد قبضته ، فإن رزق منها أولادا كانوا أحرارا.
وقال أبو الصلاح
: وإذا تزوج الحر بامرأة على أنها حرة فخرجت أمة ، فولدها لاحقون به ، ويرجع بقيمة
الولد والصداق على من تولى أمرها ، وإن كانت هي التي عقدت على نفسها لم ترجع على
أحد بشيء.
أقول : اشتركت
هذه العبارات في الحكم بحرية الولد في صورة التدليس ، إلا أن كلام أبي الصلاح صريح
في الرجوع بقيمة الولد على المدلس كما يرجع الزوج بالصداق إذا كان قد قبضته ،
وكلام ابن حمزة إنما تضمن الرجوع بالصداق خاصة ، وهو بالنسبة إلى قيمة الولد ،
وكلام ابن إدريس مطلق بالنسبة إلى الأمرين أعني المهر وقيمة الولد.
والذي وقفت
عليه من الأخبار المتعلقة بالمقام ما رواه الشيخ في التهذيب عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت : رجل كان يرى امرأة تدخل على قوم وتخرج
فسأل عنها فقيل له إنها أمتهم واسمها فلانه ، فقال لهم : زوجوني فلانة ، فلما
زوجوه عرفوا على أنها أمة غيرهم ، قال : هي وولدها لمولاها ، قلت : فجاء إليهم
فخطب إليهم أن يزوجوه من أنفسهم فزوجوه وهو يرى أنها من أنفسهم ، فعرفوا بعد ما
أولدها أنها أمة ، قال : الولد له وهم ضامنون لقيمة الولد
__________________
لمولى الجارية».
وما رواه في
الكافي عن إسماعيل بن جابر أيضا قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل نظر إلى امرأة فأعجبته فسأل عنها فقيل : هي ابنة
فلان ، فأتى أباها فقال : زوجني ابنتك ، فزوجه غيرها ، فولدت منه فعلم بعد أنها
غير ابنته ، وأنها أمة ، فقال : يرد الوليدة على مولاها ، والولد للرجل ، وعلى
الذي زوجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة كما غر الرجل وخدعه».
وهما ظاهران في
الحكم بحرية الولد ، لأنه لا معنى لقوله في الأول الولد له ، وفي الثاني والولد
للرجل ، إلا اللحوق به في الحرية ، وأنهم أحرار مثله وصريحان أيضا في وجوب القيمة
على المدلس لمولى الجارية لأن الولد نماء ملكه وحينئذ فيجب حمل إطلاق عبارتي ابن
إدريس وابن حمزة على ما دل عليه الخبران المذكوران من وجوب القيمة على المدلس كما
صرح به أبو الصلاح ، وبما ذكر هنا وفيما تقدم تجب القيمة في صورة التدليس على المدلس
مع الحكم بالحرية ، وتجب أيضا في صورة التزويج على ظاهر الحال على الأب مع الحكم
بالرقية على ما يستفاد من الأخبار في المقامين.
وإنما يبقى
الكلام في صورة شهادة الشاهدين ، من وجوب القيمة على الشاهدين كما ذكره ابن إدريس
، أو التفصيل الذي تقدم نقله عن العلامة حيث إن الأخبار خالية من التعرض لذلك ،
إلا أن الظاهر أن الأقرب ما ذكره ابن إدريس ، والله العالم.
الثاني
: قد صرح الشيخ
فيما تقدم من عبارته المنقولة عن النهاية أن الأب إن أبى عن الاستسعاء في قيمة
الولد كان على الامام عليهالسلام أن يعطي مولى الجارية قيمتهم من سهم الرقاب.
وابن إدريس قد
اعترضه هنا فقال ـ بعد نقل ذلك عنه ـ : والذي يقتضيه
__________________
أصول المذهب أن الامام لا يعطي مولى الجارية قيمتهم من سهم الرقاب ، ولا
يجوز أن يشتروا من سهم الرقاب من الزكاة ، لأن ذلك مخصوص بالعبيد والمكاتبين ،
وهؤلاء غير عبيد ولا مكاتبين بل أحرار في الأصل ، انعتقوا كذلك ، ما مسهم رق أبدا
، لأنه قال عليهالسلام «ولا يسترق ولد حر» وصفه بأنه حر ، فكيف يشترى الحر من سهم الرقاب ، وإنما
أثمانهم في ذمة أبيهم ، لأن من حقهم أن يكونوا رقا لمولى أمهم ، فلما حال الأب
بينه وبينهم بالحرية وجب عليه قيمتهم يوم وضعهم أحياء أحرارا ، وهو وقت الحيلولة ،
انتهى.
والعجب منه أنه
قد وافق الشيخ في هذه الصورة ـ أعني صورة التزويج ـ بناء على ظاهر الحال ، فقال
برقية الولد فيها كما قدمنا نقله عنه في عبارته السابقة وأوجب السعي على أبيه في
قيمته ، فكيف يوافقه على رقية الولد ويمنع من إعطائه من سهم الرقاب ، مدعيا حريتهم
ـ وأنهم ما مسهم رق أبدا مستندا إلى جعل «حر» في الرواية «صفة ولد» ـ ومع عدم
تعينه لذلك لاحتمال الإضافة بل هو أظهر مناقض لما صرح به من الرقية في المسألة.
وكيف كان فكلام
الشيخ مبني على الرقية ، وكلامه مبني على الحرية ، فهذا الإنكار منه مصادرة لأن
الشيخ لا يقول بالحرية حتى أنه يرد عليه ما ذكره.
نعم قد ناقش
بعض المتأخرين في جعل الشيخ ذلك من الزكاة من سهم الرقاب ، مع أن الرواية ليس فيها
«إلا أنه على الامام أن يفديه» وهو أعم من كونه من سهم الرقاب أو غيره ، ويجوز أن
يكون من بيت المال لأنه معد للمصالح.
وفيه أنه متى
قيل بالرقية كما هو اختيار الشيخ فجعله من سهم الرقاب أوجه كما صرح به ونازع بعض
المتأخرين أيضا في وجوب استسعاء الأب مع عجزه ، وأوجب النظر إلى يساره ، لضعف
الرواية ، لأنه من جملة الديون «وقد قال الله تعالى «وَإِنْ كانَ ذُو
عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ»
وحمل الرواية على الاستحباب
__________________
أقول فيه : إن
هذا إنما يتم بناء على القول بالحرية كما هو ظاهر كلام ابن إدريس المذكور هنا حيث
صرح بالحرية ، وادعى أن أثمانهم في ذمة أبيهم ، ونحوه كلام العلامة في المختلف .
وأما على القول
بالرقية كما هو ظاهر الأخبار سيما موثقة سماعة ، فإنه غير تام ، إذ الولد رق
للمولى ، والواجب على الأب السعي لفك ابنه من الرقية بكل وجه تمكن منه ، ولو تعذر
وجب على الامام عليهالسلام فكه له ، ولا يجب على المولى دفعه إلى الأب إلا بالقيمة
، لقوله عليهالسلام في الرواية المذكورة «ويدفع إلى مولاها هي وولدها ،
وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته». وليس هنا دين بالكلية ، ومما هو ظاهر
في الرقية دون الحرية في الصورة المذكورة قوله عليهالسلام في رواية زرارة المتقدمة ، «وإن لم يقم البينة أوجع
ظهره واسترق ولده» ، وقوله عليهالسلام في موثقة سماعة الثانية «وولده مملو كون إلا أن يقيم
البينة» الحديث ، وقوله في موثقة محمد بن قيس «وولدها عبيد». فأي دليل في الحكم
بالرقية أصرح من هذه
__________________
الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار.
وظاهر هذه
الأخبار أن الأولاد لا يتصفون بالحرية إلا بعد دفع القيمة إلى المولى من الأب أو
الامام ، وإلا فهم على الرق ، لا أنهم قد ولدوا على الحرية كما ادعاه ابن إدريس
فيما تقدم من كلامه ، وهو ظاهر من كلام العلامة في المختلف أيضا.
قال في المسالك
بعد ذكر القولين أعني الحرية والرقية : وتظهر فائدة القولين ـ مع اتفاقهما على
وجوب دفع القيمة وحريته بدفعها ـ فيما لو لم يدفعها لفقر أو غيره ، فعلى القول
بحريته تبقى دينا في ذمته والولد حر ، وعلى القول الآخر يتوقف على دفعها وهو ظاهر
فيما قلناه ، وواضح فيما ادعيناه. ثم قال أيضا على أثر هذا الكلام :
وأما الحكم
باستسعاء الأب في الثمن فمبني على رواية سماعة ، وسندها ضعيف ، وهو من جملة الديون
ولا يجب الاستسعاء بها بل ينظر إلى اليسار لعموم قوله تعالى «وَإِنْ كانَ ذُو
عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ»
وهذا أقوى ،
ويمكن حمل الأمر بالاستسعاء على الاستحباب ، انتهى.
وفيه أنه قد
صرح بأن القيمة يكون دينا في ذمته ، وإنما هو على تقدير القول بالحرية ، وأما على
تقدير الرقية فلا دين بالكلية ، وإنما غاية الأمر أن الحرية تتوقف على الشراء ودفع
القيمة ، بمعنى أنه يجب عليه الشراء ، وقبل وقوع الشراء. فالذمة غير مشغولة بالثمن
، فلا وجه لتعلقها بالذمة على هذا القول ، وحينئذ فحق الكلام أن يقال : وأما الحكم
باستسعاء الأب في الثمن فهو مبني على القول بالرقية ، ورواية سماعة إنما صرحت
بالاستسعاء لما تضمنته من القول بالرقية ، وقد عرفت دلالة جملة من الأخبار على ذلك
أيضا ، فلا معنى لقصر الحكم على رواية سماعة والطعن فيها بالضعف ، ولا معنى لجعله
ذلك من الديون بناء على هذا القول ، بل كونه من الديون إنما هو على القول بالحرية
كما
اعترف به ، وبالجملة فكلامهم هنا بمعزل عما دلت عليه روايات المسألة.
الثالث : ما تقدم كله بالنسبة إلى التدليس من جهة الزوجة بأن كانت أمة قد دلست
نفسها ، أو دلسها آخر بأنها حرة.
أما العكس بأن
تتزوج الحرة بالعبد الغير المأذون له في التزويج ، قالوا : فإن كانت عالمة بعدم
الاذن لم يكن لها مهر ، ولا نفقة مع علمها بالتحريم ، وكان أولادها منه رقاقا ،
ولو كانت جاهلة كانوا أحرارا ولا يجب عليها قيمتهم ، وكان مهرها لازما لذمة العبد
إن دخل بها يتبع به إذا تحرر ، وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع :
الأول : إنه لا
ريب أنه متى علمت بالتحريم فإنه لا مهر لها ولا نفقة ، لأنها بغي خصوصا مع علمها
بحاله.
ويدل عليه ـ مع
كونه الأوفق بالقواعد الشرعية ـ ما رواه الكليني والصدوق عن السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أيما امرأة حرة تزوجت نفسها عبدا بغير إذن مواليه ،
فقد أباحت فرجها ولا صداق لها». وهو محمول على علمها بالتحريم.
ثم إنه لو اتفق
ولد والحال هذه فإنهم قالوا : إنه رق لمولى الأب لعدم لحوقه بها ، وإن كانت حرة
حيث إنها بغي فلا وجه لحريته ، قال في المسالك : وهو نماء العبد ، وفي بعض
الروايات دليل عليه.
ولو جهلت
التحريم ، إما بجهلها برقية الزوج أو بجهلها الحكم ، فالنكاح صحيح لموضع الجهل
وحصول الشبهة.
والمشهور في
كلام الأصحاب من غير نقل خلاف أن الولد حر ، لأنه لاحق بها فيتبعها في الحرية ،
لما تقدم في المسألة الثانية من الأخبار الدالة على
__________________
تبعيته لأشرف أبويه ، ولا قيمة عليها هنا لمولى الزوج ، لأنه نماؤها حقيقة
، وإنما حكم بالقيمة حيث ينسب إليها وهي أمة.
أقول : والأظهر
أن الفرق بين الموضعين إنما هو لوجود النص ثمة ، وعدم وجوده فيما نحن فيه ، ثم إن
ما صرحوا به هنا من حرية الولد في صورة الجهل بناء على التعليل المذكور لا يخلو من
إشكال ، وإن كان ظاهرهم الاتفاق عليه ، لما رواه الشيخ بسند معتبر عن العلاء بن رزين عن أبي عبد الله عليهالسلام «قال في رجل دبر غلاما فأبق الغلام فمضى إلى قوم فتزوج منهم ، ولم يعلمهم
أنه عبد ، فولد له أولاد ، وكسب مالا ومات مولاه الذي دبره ، فجاء ورثة الميت الذي
دبر العبد فطالبوا العبد ، فما ترى؟ فقال : العبد وولده لورثة الميت ، قلت : أليس
قد دبر العبد؟ قال : إنه لما أبق هدم تدبيره ، ورجع رقا». وهي كما ترى صريحة في
خلاف ما ذكروه ، وهي مستندهم في الحكم ببطلان التدبير بالإباق ، وظاهر الشيخين
أيضا في المقنعة والتهذيب القول بمضمونها.
قال في المقنعة
: إذا تزوج العبد بغير إذن سيده فأولاده رق للسيد ، وإن كانت المرأة حرة.
والشيخ بعد أن
أورد العبارة المذكورة في التهذيب قال : وأما الذي يدل على أن الأولاد يكون رقا
لمولاه ما رواه البزوفري ، ثم ساق الرواية المذكورة ، ولم أقف على من تصدى لنقلها
في هذا المقام فضلا عن الجواب عنها ، والمسألة لذلك محل إشكال ، ولا يحضرني الآن
وجه الجمع بين الأخبار إلا الوقوف على موضع النص ، وتخصيص الأخبار الدالة على
تبعيته للحر من الطرفين بهذا الخبر ، على أنه قد عارضها أيضا أخبار عديدة تقدم
ذكرها في المسألة الثانية.
الثاني : إنه
على تقدير علمها بالتحريم وكونها بغيا فإن مقتضى القواعد الشرعية وجوب الحد عليها
، إلا أنه لم يذكره أحد منهم في المقام ، وربما
__________________
قيل بسقوطه عنها ، لأن العقد الواقع عليها يعد شبهة بالنسبة إلى المرأة
لضعف عقلها ، وهو غير جيد ، فإن مجرد العقد عليها مع علمها بفساده وتحريم الوطي لا
يعد شبهة قطعا ، والأقرب أن عدم ذكرهم للحد هنا لا يقتضي حكمهم بالعدم ، لجواز أن
يكونوا قد اعتمدوا على القواعد المقررة الدالة على وجوب الحد على الزاني العالم
بالتحريم وهو هنا كذلك.
الثالث : إنه
على تقدير الجهل وصحة النكاح فإن المهر يثبت في ذمة العبد لأن الوطي المحرم لا
يكون إلا بمهر فيتبع به إذا أعتق ، وهل هو المسمى أو مهر المثل يبتنى على الخلاف
السابق؟ فلو أجاز المولى بعد ذلك فلا إشكال في كونه المسمى ، ولو قلنا إن الإجازة
كاشفة وحصلت بعد الوطي مع العلم بالتحريم سقط الحد عنها ولحق الولد بها ، لتبين
أنها كانت زوجة حال الوطي وإن لم يكن ذلك معلوما لها ، إلا أنك قد عرفت فيما
قدمناه أنه لم يثبت بذلك دليل على ما ذكروه من هذه القاعدة ، وإن كانت متداولة في
كلامهم.
وأما النفقة
فهي تابعة للزوم العقد بالإجازة ، فإذا انتفت الإجازة انتفت النفقة لعدم الزوجية
التي هي مناطها هنا ، والله العالم.
المسألة
الخامسة : قال الشيخ في النهاية : إذا زوج الرجل جاريته عبده ،
فعليه أن يعطيها شيئا من ماله مهرا لها ، وكان الفراق بينهما بيده ، وليس للزوج
طلاق على حال ، فمتى شاء المولى أن يفرق بينهما أمره باعتزالها ، ويقول قد فرقت
بينكما ، وتبعه ابن البراج وأبو الصلاح وابن حمزة.
وبالغ المفيد
في ذلك فقال : إذا زوج الرجل عبده أمته كان المهر عليه في ماله دون العبد وينبغي
أن يعطي عبده شيئا قل أو كثر ليكون مهرا لأمة يتسلمه من العبد قبل العقد أو في
حاله أو بعده ليحل له بذلك ، ومتى كان العقد من السيد بين عبده وأمته كان الفراق
بينهما بيده ، أي وقت شاء أمرها باعتزاله ، وأمره باعتزالها ، ولم يكن لأحدهما
خلافه فيما يأمره من ذلك فان خالفا سقط
خلافهما وكانت تفريقه بينهما كافيا في التحريم ، ونائبا مناب لفظ الطلاق
الموجب للافتراق.
وقال ابن إدريس
: الذي يقوى في نفسي أنه إذ زوج الرجل عبده أمته ، فإن السيد لا يجب عليه أن
يعطيها شيئا ، وأن هذا الفعال من المولى إباحة للعبد جاريته ، دون أن يكون عقد
نكاح ، وإن سمي تزويجا وعقدا ، فعلى سبيل الاستعارة والمجاز ، وكذا تفريق المولى
بينهما ـ بأمر العبد باعتزالها وأمرها باعتزاله ـ سمي طلاقا مجازا ، لأنه لو كان
طلاقا حقيقيا لروعي فيه أحكام الطلاق وألفاظه وشروطه ، ولا كان يقع إلا أن يتلفظ
به الزوج ، لأن الرسول صلىاللهعليهوآله قال «الطلاق بيد من أخذ بالساق». وهذا قد وقع ممن لم يأخذ بالساق ، وهو المولى
، وهذا أول دليل وأصدق قيل على أن هذا العقد والفعال من المولى إباحة للعبد وطئ
جاريته ، لأنه لو كان عقد نكاح لروعي فيه الإيجاب والقبول من موجب وقابل ، وكان
يراعى ألفاظ ما ينعقد به النكاح ، ولأن العقد حكم شرعي ، يحتاج إلى دليل شرعي ،
انتهى.
وقال العلامة
في المختلف ـ بعد نقل هذه الأقوال : والتحقيق أن نقول : أما إعطاء الأمة فلا شك في
استحبابه ، لأنها ملك له ، فلا تستحق على مالكها شيئا ، وأما كون ذلك إباحة ففي
مقام المنع ، بل هو نكاح صريح ، لأن العبد والأمة كلاهما محل قابل له.
ويؤيده ما رواه
الشيخ في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر عليهالسلام «في المملوك يكون لمولاه أو لمولاته أمة ، فيريد أن يجمع بينهما ، أينكحه
__________________
نكاحا؟ أو يجزيه أن يقول قد أنكحتك فلانة ، ويعطي من قبله شيئا أو من قبل
العبد؟ قال : نعم ولو مدا ، وقد رأيته يعطي الدراهم».
وروى الصدوق في
الفقيه في الصحيح عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل كيف ينكح عبده أمته؟ قال : يجزيه
أن يقول : قد أنكحتك فلانه ، ويعطيها ما شاء من قبله أو من قبل مولاه ، ولا بد من
طعام أو درهم أو نحو ذلك ، ولا بأس بأن يأذن له فيشتري من ماله إن كان له جارية أو
جواري يطأهن».
وروى الشيخ في
التهذيب قريبا من ذلك في الحسن عن الحلبي عن الصادق عليهالسلام.
لا يقال :
النكاح يفتقر إلى القبول ، ولا يفتقر هذا إلى القبول ، فلا يكون نكاحا ، لأنا نقول
: القبول إنما يشترط في حق من يملكه ، والعبد هنا لا يملك القبول ، لأن للمولى
إجباره على النكاح ، فله هنا ولاية طرفي العقد.
ويدل على أنه
ليس بإباحة ، ما رواه علي بن يقطين عن أبي الحسين عليهالسلام «أنه سئل عن المملوك يحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحل له مولاه؟ قال
: لا يحل له».
وأما تسمية هذا
الفراق طلاقا ، فإنه على سبيل المجاز ، لكن الإجماع منا على أن الفراق هنا بيد
السيد.
ويؤيده ما رواه
محمد بن مسلم في الصحيح عن الباقر عليهالسلام قال : «سألته عن
__________________
قول الله عزوجل «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
النِّساءِ إِلّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ»
قال : هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته فيقول له اعتزل امرأتك ولا تقربها
، ثم يحبسها عنه حتى تحيض ثم يمسها». انتهى.
أقول : في عدة
رواية محمد بن مسلم الاولى من الصحيح نظر ، فإن في طريقها عبد الله بن محمد ، وهو
ابن أخو أحمد بن عيسى وليس بموثق.
ثم إنه لا يخفى
أن الكلام هنا يقع في مواضع : الأول : ما ذكر من الخلاف فيما تضمنته هذه الأخبار
من دفع السيد شيئا لأمته ، متى زوجها عبده ، هل هو على وجه الوجوب أو الاستحباب؟
المشهور بين المتأخرين الثاني ، والظاهر أن المشهور بين المتقدمين الأول ، وظاهر
السيد السند في شرح النافع الميل إليه ، حيث قال ـ بعد إيراد صحيحة العلاء عن محمد
بن مسلم المتقدمة ، وحسنة الحلبي المشار إليها في كلام العلامة ، وهي ما رواه
قال : «قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل كيف ينكح عبده أمته؟ قال : يقول : قد أنكحتك
فلانة ويعطيها ما شاء من قبله أو من قبل مولاه ولو مدا من طعام أو درهما أو نحو
ذلك» ـ : ومقتضى الروايتين وجوب الإعطاء وإليه ذهب الشيخان وأبو الصلاح وابن حمزة
وابن البراج وحملها المصنف وبعض من تأخر عنه على الاستحباب ، وهو مشكل والوجوب
أقرب ، انتهى.
وقال في
المسالك : وذهب المصنف والأكثر إلى الاستحباب بعدم صراحة الرواية في الوجوب ، ولما
فيه من جبر قلبها مع أن المملوكة ملك للمولى ، فلا وجه لوجوب صرف شيء من ملكه إلى
وجه آخر من ملكه ، وما يدفعه العبد هو من مال المولى أيضا ، لأن ما بيده من كسب أو
غيره هو للمولى ، انتهى.
أقول : كأنه
أشار بعدم صراحة الرواية في الوجوب إلى كون الأمر هنا بالجملة الخبرية.
__________________
وفيه أن الدليل
على كون الأمر حقيقة في الوجوب من الأدلة الأصولية ، والأخبار المعصومية التي
ذكرناها في المقدمات في صدر كتاب الطهارة لا اختصاص له بصيغة افعل ، بل كلما دل على الطلب بصيغة
الأمر أو الخبر ، وما ذكره ـ من التأييد وفاقا لما تقدم في كلام العلامة أيضا من
أن الأمة ملك للسيد فلا يستحق على مالكها شيئا مردود ـ بأنه من الجائز حمل الأمر
على التعبد الشرعي بذلك ، وإن كان الأمر كما ذكروه.
وبالجملة
فالأظهر الوقوف على ظواهر النصوص المذكورة ، وعدم الالتفات إلى هذه التعليلات في
مقابلتها ، على أنها قد قدمنا في كتاب المتاجر أن الظاهر من الأخبار هو ملك العبد وإن كان مهجور
التصرف إلا بإذن السيد ، فلا ورود لما أورده حينئذ.
الثاني : إن
صريح كلام الشيخين المتقدم ، وهو ظاهر من تبعهما أن المدفوع مهر ، والأخبار
المذكورة لا تنهض بالدلالة على ذلك بل ظاهرها أنه عطية محضة.
وفي المسالك :
واعلم أن الظاهر من حال هذا المدفوع أنه ليس على جهة كونه مهرا بل مجرد الصلة
والبر وجبر خاطر المملوكين.
الثالث : ظاهر
كلام المتقدمين أيضا أن ذلك نكاح لا إباحة كما ذكره ابن إدريس فإن قولهم إذا زوج
الرجل عبده أمته صريح في إرادة النكاح ، وهو ظاهر الأخبار المذكورة أيضا ، وليس
فيها ما ربما ينافي ذلك ، إلا عدم ذكر القبول من الزوج.
والجواب عنه
بما ذكره العلامة جيد ، وربما قيل بتخصيص الوجوب بكونه عقدا ليكون مهرا ، وهو ظاهر
كلام المتقدمين المذكورين ، فإن كلامهم ظاهر في الثلاثة أعني الوجوب ، وكونه عقدا
، وكون المدفوع مهرا ، ولا يبعد حمل الأخبار عليه ، وإن كانت غير ظاهرة في كون
المدفوع مهرا.
الرابع : إن ما
استدل به العلامة على نفي كون المراد بالنكاح هنا إباحة ،
__________________
من رواية على بن يقطين ربما أشعر بعدم جواز نكاح التحليل مطلقا أو في هذه
الصورة ، وليس الأمر كذلك.
والتحقيق أن
الرواية المذكورة ـ لمصادمة الأخبار المستفيضة الدالة على صحة نكاح التحليل لحر
كان أو عبد لها ـ محمولة على التقية ، لأن العامة لا يقولون بصحة نكاح التحليل كما
ذكره بعض الأصحاب وسيأتي إن شاء الله تحقيق الكلام في المسألة كما هو حقه في بحث
التحليل ، ويكفي في رد ما ذهب إليه ابن إدريس من دعوى كونه إباحة ، دلالة الروايات
على كونه نكاحا وظهورها في ذلك ، والمفهوم من رواية محمد بن مسلم التي عدها في
المختلف صحيحة أن هذا النكاح ليس على حد النكاح المشهور في غير هذه الصورة المفتقر
إلى الإيجاب من الزوجة ، والقبول من الزوج ، والشروط المقررة ثمة بل هو نوع خاص
منه ، لأن قوله «أينكحه نكاحا أو يجزيه أن يقول أنكحتك فلانة ويعطى منه من ماله شيئا»
الخبر ، ظاهر فيما قلناه والظاهر أن مرجع السؤال إلى أنه هل يشترط فيه القبول من
العبد بعد قول السيد ذلك أم لا؟ فأجاب بأنه لا يشترط ذلك بل يكفي قول السيد ذلك.
الخامس : إن ما
أطال به ابن إدريس من منع الطلاق هنا وعدم كونه طلاقا حقيقة تطويل بغير طائل لأن
أحدا من المتقدمين لم يدع ذلك ، بل صريح كلام الشيخين المتقدم هو الحرمة بمجرد
الأمر بالاعتزال والتفريق بينهما ، ولعله أراد ـ بهذا التطويل في نفي كون ذلك
طلاقا ـ هو الدلالة على كونه حينئذ إباحة لا عقدا.
وفيه إنك قد
عرفت أن المفهوم من الأخبار أنه وإن كان عقدا إلا أنه لا كالعقود المشهورة
المترتبة عليها تلك الأحكام المذكورة بل هو نوع خاص منها وقوفا على ظواهر الأخبار
الواردة في المقام.
__________________
إلحاق
قالوا : إذا
تزوج عبد بأمة لغير مولاه ، فإن أذنا الموليان فالولد لهما ، وكذا لو لم يأذنا ،
ولو أذن أحدهما كان الولد لمن لم يأذن ، ولو زنا بأمة غير مولاه كان الولد لمولى
الأمة.
قال في المسالك
بعد نقل ذلك : هذا التفصيل ذكره الأصحاب كذلك وظاهرهم الاتفاق عليه ، ويظهر من
بعضهم أنه منصوص ولم نقف عليه.
أقول : قد تقدم
شطر من الكلام في هذا المقام في صدر المسألة الثانية ، وأشرنا ثمة إلى أنا لم نقف
له على دليل سوى ما يدعونه من الاتفاق ، مع أن أبا الصلاح جعل الولد لمولى الأمة
خاصة كغيرها من الحيوانات ، إلا أن يشترط مولى العبد ، فيكون له من حيث الشرط.
وبالجملة فإني
لم أقف على نص يدل على الاشتراك سواء كان مع الاذن منهما أو عدمه.
وأما لحوقه بمن
لم يأذن إذا أذن أحدهما فعللوه بأن الإذن لمملوكه في التزويج مطلقا مقدم على قران
الولد منه ، لأنه قد يتزوج من ليس برق ، فينعقد الولد حرا ، بخلاف من لم يأذن
فيكون الولد له خاصة.
ولا يخفى ما
فيه ، نعم يمكن أن يستأنس له بالأخبار المتقدمة الدالة على أن الأمة إذا تزوجت
بدون إذن السيد بدعوى الحرية ، فإن الولد يكون رقا كرواية زرارة وموثقة سماعة
المتقدمتين في المسألة الرابعة ، والتقريب فيها أنه حيث كان الزوج حرا فهو بمنزلة
المأذون له في النكاح في كون نكاحه صحيحا ، والزوجة حيث أن تزويجها بدعوى الحرية
وهي مملوكة واقعا فهو غير مأذون لها وقد ألحق الشارع هنا الولد بالأم الغير
المأذونة دون الأب الذي هو في معنى المأذون.
وأما في الزنا
والحكم بالولد لمولى الجارية فيدل عليه مضافا إلى الاتفاق
المدعى ما قدمناه في الصورة الاولى من المسألة الثالثة من رواية جميل عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل أقر على نفسه أنه غصب جارية فولدت الجارية من الغاصب فقال : ترد
الجارية والولد على المغصوب» الخبر.
المسألة
السادسة : لو تزوج أمة
بين شريكين ثم اشترى حصة أحدهما بطل العقد ، وحرم عليه وطؤها ، ولو أمضى الشريك
الآخر العقد بعد الابتياع لم يصح ، وقيل : يجوز له وطؤها بذلك ، وهو ضعيف.
ولو حللها له
قيل : يحل وهو مروي ، وقيل : لا ، لأن سبب الاستباحة لا يتبعض.
وكذا لو ملك
نصفها وكان الباقي حرا لم يجز وطؤها بالملك ، ولا بالعقد الدائم ، فإن هاباها على
الزمان قيل : يجوز أن يعقد عليها متعة في الزمان المختص بها وهو مروي ، وفيه تردد
لما ذكرنا من العلة كذا صرح به المحقق ـ رحمة الله عليه ـ وتفصيل الكلام في بيان
هذه الأحكام يقع في مواضع :
الأول : في
الحكم ببطلان العقد في الصورة المذكورة بشراء حصة أحد الشريكين ، وعلله في المسالك
بأن ملك الجزء يبطل عقده لامتناع أن يعقد الإنسان لنفسه على أمته عقدا ، وهو
يستلزم بطلان الاستدامة ولا يمكن الحكم ببقاء العقد في الجزء الآخر ، لأن العقد لا
يتبعض ليبطل في بعضه ويصح في بعض آخر ، فتعين بطلانه في الجميع.
قال : وأما
تحريم وطئها فلاستلزامه التصرف في مال الغير بغير إذنه الممتنع عقلا وشرعا.
أقول : والأظهر
الاستدلال على ذلك بما رواه الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ
__________________
بطريقه عن زرعة عن سماعة قال : «سألته عن رجلين بينهما أمة فزوجاها من رجل
ثم إن الرجل اشترى بعض السهمين ، قال : حرمت عليه باشترائه إياها وذلك أن بيعها
طلاقها إلا أن يشتريها جميعا».
ورواه في
الكافي في الموثق عن سماعة أيضا مثله ، إلا أن فيه «إلا أن
يشتريها من جميعهم».
وإذا ثبت بطلان
العقد بالخبر المذكور حرم وطؤها لاستلزامه التصرف في مال الشريك بغير إذنه ،
وحينئذ فلا طريق إلى حلها إلا بشراء الجميع أو ببيع الجميع ، ثم تجديد النكاح بأحد
الأسباب المبيحة له ، وأشار ـ بقوله : ولو أمضى الشريك الآخر العقد ـ إلى الرد على
الشيخ في النهاية حيث قال : إذا تزوج رجل جارية بين شريكين فاشترى نصيب أحدهما
حرمت عليه ، إلا أن يشتري النصف الآخر ، أو يرضى مالك نصفها بالعقد ، فيكون ذلك
عقدا مستأنفا ، وتبعه ابن البراج.
ورد بأنه إن
كان عقد النكاح قد بطل بالشراء كما هو الظاهر فكيف يصير صحيحا بمجرد الرضا ، وإن
لم يبطل فلا وجه لاعتبار رضاه بعد العقد ، لأن العقد المذكور وقع أولا برضاه ولم
يتجدد له ملك فلا يقف على إجازته.
أقول : وقد
عرفت دلالة الخبر على البطلان فتعين الحكم به ، فتصحيحه بعد ذلك بمجرد الرضا غير
معقول ، وتأول المحقق في نكت النهاية كلام الشيخ هنا فحمله على أن المراد بقوله ـ أو
يرضى مالك نصفها بالعقد ـ عقد البيع على النصف الثاني ، قال : فكأنه يقول : إلا أن
يشتري النصف الآخر من بايع النصف الأول فضولا ، ويرضى مالك ذلك النصف بالعقد ،
فتكون الإجازة كالعقد المستأنف ، ويكون الألف في قوله «أو وقعت» سهوا من الناسخ أو
يكون بمعنى الواو ، وعلى هذا فيكون الطريق إلى حلها في كلام الشيخ أمرا واحدا ،
وهو شراء النصف الآخر.
قال فخر
المحققين بعد أن نقل هذا التأويل : وفيه تأسف وبعد ، وقال في
__________________
المسالك : وهذا التأويل وإن كان بعيدا إلا أن بناء حكم الشيخ ـ رحمهالله ـ على ظاهره أبعد.
أقول : إن
الشيخ ليس بمعصوم من ذلك الاقدام ، فكم له من هفوات الأقلام في الأحكام التي لا تقبل
الإصلاح بين الأنام ، والظاهر أن ما هنا من ذلك القبيل.
الثاني : ما
ذكره بقوله «ولو حللها له» إلى آخره ، وتوضيحه أن الأمة إذا كانت مشتركة بين
شريكين ، فأحل أحد الشريكين للآخر وطئها ، فهل تحل بذلك؟ الأكثر على العدم ، قالوا
: لاستلزامه تبعيض سبب الإباحة ، بمعنى حصول النكاح بالملك والتحليل معا ، مع أن
الله عزوجل حصره في أمرين ، العقد والملك بقوله «إِلّا عَلى
أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ»
والتفصيل قاطع الشركة ، فلا يكون الملفق منهما سببا.
وذهب ابن إدريس
إلى حلها بذلك ، لأن المراد بالملك الذي هو أحد السببين المذكورين ما هو أعم من
ملك الرقبة والمنفعة ، والسبب الموجب للتحليل هنا هو الملك ، وإن كان مركبا من ملك
الرقبة في بعضها وملك المنفعة في البعض الآخر ، فيكون السبب في حل جميعها واحدا ،
وهو الملك.
ويدل عليه أيضا
ـ وإن كان ابن إدريس لا يستند إليه ـ ما رواه الكليني والشيخ في باب السراري وملك الايمان في الصحيح عن الحسن بن
محبوب عن علي بن رئاب عن محمد بن قيس قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام ـ ورواه الصدوق في الصحيح أيضا عن الحسن بن محبوب عن
ابن رئاب عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : سألته ـ عن جارية بين رجلين دبراها جميعا ثم أحل
أحدهما فرجها لشريكه ، قال : هي له حلال ، فأيهما مات قبل صاحبه فقد صار نصفها حرا
من
__________________
قبل الذي مات ، ونصفها مدبرا ، قلت : أرأيت إن أراد الثاني منهما أن يمسها
، إله ذلك؟ قال : لا ، إلا أن يثبت عتقها ويتزوجها برضا منها متى ما أراد ، قلت له
: أليس قد صار نصفها حرا ، وقد ملكت نصف رقبتها والنصف الآخر الباقي منها؟ قال :
بلى ، قلت : فإن هي جعلت مولاها في حل من فرجها؟ قال : لا يجوز لها ذلك ، قلت : لم
لا يجوز لها ذلك وكيف أجزت للذي له نصفها حين أحلها فرجها لشريكه فيها؟ قال : لأن
الحرة لا تهب فرجها ولا تعيره ولا تحله ، ولكن لها من نفسها يوم ، وللذي دبرها يوم
، فإن أحب أن يتزوجها متعة بشيء في ذلك اليوم الذي تملك فيه نفسها فليتمتع منها
بشيء قبل أو كثر».
وهذه الرواية
قد رواها المشايخ الثلاثة بطرق صحيحة ، إلا أن الشيخ في التهذيب رواها في أول كتاب النكاح بطريق فيه علي بن الحسن بن
فضال عن محمد ابن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام ومن تأخر عنه كالمحقق وغيره لم يقفوا إلا على هذا السند
، فردوا الرواية لذلك بالضعف. قال المحقق في النافع : وبالتحليل رواية فيها ضعف ،
وفي الشرائع نسبه إلى الرواية كما قدمنا ذكره مؤذنا بضعفه.
وقال في
المسالك بعد نقل قول ابن إدريس والاستدلال له بنحو ما قدمنا ذكره : ويؤيده رواية
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام «في جارية بين رجلين دبراها جميعا ثم أحل أحدهما فرجها لصاحبه ، قال : هو
له حلال». وهذه الرواية تصلح شاهدا لغير ابن إدريس ، فإنه لا يستند إلى مثل هذه
الأخبار مع صحتها ، فكيف مع ضعفها ، وكلام ابن إدريس متوجه وإن كان المنع أولى ،
انتهى.
والظاهر أنه لو
وقف على هذه الأسانيد الصحيحة المتعددة لهذه الرواية عن محمد بن قيس وعن محمد بن
مسلم عنه عليهالسلام لما عدل عن مذهب ابن إدريس ، وبالجملة فالظاهر هو ما
ذهب إليه ابن إدريس لما عرفت.
الثالث : ما
ذكره بقوله «وكذا لو ملك نصفها وكان الباقي حرا» بمعنى أنه
__________________
لا يجوز له وطؤها أيضا لو ملك بعضها وكان البعض الآخر حرا ، وعلل بأن الجزء
الحر لا يستباح بملك البعض قطعا ، ولا بالعقد الدائم اتفاقا لتبعيض السبب ، ولا
بالمنقطع لذلك ، ولا بالتحليل ، لأن المرأة ليس لها تحليل نفسها إجماعا وإنما يقع
التحليل من المولى.
أقول : وقد
صرحت بالحكم المذكور صحيحة محمد بن قيس المتقدمة ، فإنه عليهالسلام قد صرح بأنه متى مات أحد الشريكين الذي دبرها وصار
نصفها حرا ، فإنه لا يجوز للآخر من الشريكين وطؤها والحال هذه إلا أن يثبت عتقها
بمعنى أن تعتق كملا ويتزوجه تزويجا جديدا برضا منها واختيار ، وبالجملة فالظاهر أن
الحكم مما لا خلاف فيه.
بقي الكلام في
العقد عليها متعة في أيامها وهو المشار إليه بقوله «فإن هاباها على الزمان» فإن
الرواية المذكورة قد دلت على جواز ذلك ، والأكثر على المنع ، لضعف الخبر عندهم كما
عرفت ، ومع ذلك عللوا المنع بأنها بالمهاباة لا تخرج عن كون المولى مالكا لذلك
البعض ، وهو يمنع من العقد ، لاستحالة العقد على ملكه ، وتعدد السبب ، وهو المشار
إليه بقوله «لما ذكرنا من العلة» وعلل أيضا بأن منافع البضع لا تدخل في المهاباة ،
وإلا لحل لها المتعة في أيامها وهو باطل اتفاقا ، والشيخ في النهاية أفتى بالجواز
للرواية المذكورة ، وهو الظاهر ، فإن الرواية المذكورة لنقل المشايخ الثلاثة لها
بعدة أسانيد أكثرها صحيح ـ مع عدم المعارض لها إلا هذه التعليلات العقلية التي
عرفت ما فيها في غير مقام ـ لا يمكن طرحها والاعراض عنها ، ومن الظاهر أيضا أن
المتأخرين لو اطلعوا لها على سند صحيح لما عدلوا عنها إلى هذه التعليلات ، وإلى ما
ذكرنا من العمل بالرواية المذكورة يميل كلام السيد السند ـ رحمة الله عليه ـ في
شرح النافع لاطلاعه على تلك الأسانيد الصحيحة ، والله العالم.
المطلب الثاني في الطواري :
وهي ثلاثة :
العتق والبيع والطلاق ، فتحقيق الكلام في هذا المطلب يقع في مقامات ثلاثة :
الأول
: في العتق : وفيه
مسائل :
الأولى : لا خلاف بين الأصحاب في أن الأمة لو أعتقت وكانت تحت عبد فإنها تتخير في
فسخ نكاحها ، والروايات بذلك متظافرة مستفيضة ، إنما الخلاف فيما لو كانت تحت حر ،
فهل يثبت لها الخيار أيضا أم لا؟ فذهب الأكثر ومنهم الشيخ في النهاية والمحقق في
النافع إلى ثبوته أيضا ، وذهب الشيخ في المبسوط والخلاف والمحقق في الشرائع إلى
العدم ، والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من روايات المسألة والكلام فيها بما وفق
الله سبحانه لفهمه منها.
فمن الأخبار
المذكورة ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن أمة كانت تحت عبد فأعتقت الأمة ، قال : أمرها بيدها
إن شاءت تركت نفسها مع زوجها ، وإن شاءت نزعت نفسها منه ، قال : وذكر أن بريرة
كانت عند زوج لها ، وهي مملوكة ، فاشترتها عائشة ، فأعتقتها ،
__________________
فخيرها رسول الله صلىاللهعليهوآله» الحديث.
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن سماعة في الموثق قال : «ذكر أن بريرة مولاة عائشة
كان لها زوج عبد ، فلما أعتقت قال لها رسول الله صلىاللهعليهوآله : اختاري ، إن شئت أقمت مع زوجك ، وإن شئت فلا».
وما رواه في
التهذيب عن عبد الله بن سنان في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه كان لبريرة زوج عبد فلما أعتقت قال لها رسول الله صلىاللهعليهوآله : اختاري».
وعن محمد بن
آدم عن الرضا عليهالسلام «أنه قال : إذا أعتقت الأمة ولها زوج خيرت إن كانت تحت عبد أو حر».
ورواه بسند آخر
عن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا أعتقت الأمة ولها زوج خيرت إن كانت تحت حر
أو عبد».
وما رواه في
الفقيه والتهذيب عن محمد بن مسلم في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المملوكة تكون تحت العبد ثم تعتق؟ فقال : تخير فإن
شاءت أقامت على زوجها ، وإن شاءت فارقته».
وهذه الأخبار
متفقة الدلالة على الحكم الأول مضافة إلى الاتفاق عليه.
وأما بالنسبة
إلى ما إذا كان الزوج حرا فالذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك رواية محمد بن
آدم ورواية زيد الشحام الدالتان على تخيرها سواء
__________________
كان الزوج عبدا أو حرا كما هو المنقول عن الأكثر.
ومنها ما رواه الشيخ
عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «أيما امرأة أعتقت فأمرها بيدها ، إن شاءت قامت
معه ، وإن شاءت فارقته».
وهي دالة على
ذلك أيضا بإطلاقها ، وهذه الرواية وصفها جملة من الأصحاب ـ ومنهم شيخنا في المسالك
ـ بالصحة مع أن في طريقها محمد بن الفضيل ، وهو مشترك بين الثقة والضعيف كما لا
يخفى على من راجع سندها.
وعن عبد الله
بن بكير في الموثق عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليهالسلام في رجل حر نكح أمة مملوكة ثم أعتقت قبل أن يطلقها : قال
هي أملك ببضعها».
وهذه الرواية
أيضا صريحة في القول المذكور ، ولم أقف للقول الآخر على دليل ، إلا أصالة لزوم
العقد ، وأن إبطاله يحتاج إلى دليل ، فإن هذه الأخبار حيث كانت ضعيفة الاسناد فهي
لا تنهض دليلا يخرج به عن مقتضى الأصل ، وبذلك تمسك السيد السند في شرح النافع حيث
قال ـ بعد إيراد الروايات الثلاث المذكورة ـ : ويشكل بأن هذه الروايات كلها ضعيفة
السند فلا تصلح لإثبات حكم مخالف للأصل ، ثم نقل عن الشيخ في المبسوط والخلاف أنه
ذهب إلى عدم ثبوت الخيار هنا ، ثم قال : والمصير إليه متعين.
وشيخنا الشهيد
الثاني في المسالك لما وصف رواية الكناني بالصحة تمسك بها في الجواب ، وجعلها موجبة للخروج عن حكم الأصل
، وأيدها بالروايتين
__________________
الأخيرتين وإن ضعف سندهما ، وهو ظاهر في أنه مع ثبوت ضعف الرواية المذكورة
كما أوضحناه فإنه لا يتمسك بها ويلتزم بالقول الثاني.
وبالجملة فإن
من يعمل بهذا الاصطلاح المحدث يتعين عليه القول بما ذهب إليه الشيخ في المبسوط
والخلاف ، ومن لم يلتفت إليه ولا يعمل عليه فإنه يتحتم عليه القول بما هو المشهور
، وهو عندنا المؤيد المنصور.
تنبيهات :
الأول : ظاهر الأصحاب الاتفاق على وجوب الفورية بهذا الخيار ،
ولم أقف له على دليل إلا على وجوه اعتبارية وكلمات عامية ، وأخبار المسألة
المتقدمة عارية عنه ، والأصل عدمه ، إلا إن الخروج عما ظاهرهم الاتفاق عليه مشكل
إن تم الاتفاق.
قال السيد
السند في شرح النافع : وقد قطع الأصحاب بأن هذا الخيار على الفور ، ولا بأس به
اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق والضرورة.
وكيف كان
فالظاهر كما صرح به جملة منهم ـ رضياللهعنهم ـ أنه لو أخرت الفسخ جهلا بالعتق أو جهلا بالخيار ،
فإنه لا يسقط خيارها فتعذر في عدم الفورية وهل تعذر مع الجهل بالفورية؟ احتمالان :
العدم ، لاندفاع الضرر مع العلم بالخيار ، ولإشعاره بالرضا حيث علمت بالخيار وأخرت
والمعذورية لاحتمال كون التأخير لفائدة التروي ونحوه ، حيث لا تعلم باشتراط
الفورية ، والتأخير لا يكون دليلا على الرضا إلا مع العلم باشتراط الفورية ، وإلا
فلا .
الثاني : لا
يخفى أن الحكم بالتخيير في الأخبار المتقدمة معلق على عتق جميع الأمة ، وقضية ذلك
أنه لو أعتق بعضها قليلا كان أو كثيرا فلا خيار ، وقوفا فيما خالف الأصل على مورده
، وبذلك صرح أيضا جملة من الأصحاب من غير نقل خلاف.
__________________
الثالث : لو
كانت صغيرة أو مجنونة ثبت لها الخيار عند الكمال ، قالوا : وليس للمولى هنا تولي
الاختيار ، لأنه منوط بالشهوة والميل القلبي ، فلا يعتد بوقوعه من غيرها ، وإذا
أكملت كان الخيار لها على الفور بناء على ما تقدم من وجوب الفورية ، وللزوج الوطي
قبل الاختيار لبقاء الزوجية وعدم انفساخها ما لم تفسخ وهكذا في وطئها وهي كاملة
قبل اختيارها الفسخ ، فإنه يجوز له الوطي حيث لا ينافي الفورية.
الرابع : لا
فرق في ثبوت الخيار بين أن يحدث العتق قبل الدخول أو بعده ، فلو كان قبله سقط
المهر ، لأن الفسخ جاء من قبلها وهو موجب لسقوط المهر كما تقدم ، وإن كان بعده
فالمهر باق على حاله لاستقراره بالدخول ، وهو ظاهر فيما لو كان العتق بعد الدخول ،
فإن العتق الذي هو سبب الخيار إنما وقع بعد استقرار المهر ، أما لو كان العتق قبل
الدخول ثم حصل الدخول قبل الاختيار ـ لما عرفت آنفا من عدم المنافاة ـ فهو مبني
على أن الفسخ إنما يرفع النكاح من حينه ، وإن كان سببه قد حصل قبل الدخول ، وحينئذ
فقد استقر المهر ، وحيث يستقر باختيارها الزوج أو بالدخول قبل الفسخ فهو للسيد ،
لوجوبه بالعقد على الأصح ، وكونها حالة العقد مملوكة ، هذا ملخص كلامهم.
الخامس : استثنى
العلامة في القواعد من الحكم بتخيرها على الإطلاق صورة واحدة ، وهي ما إذا كان
لشخص جارية قيمتها مائة مثلا ، وهو يملك مائة أخرى فزوجها بمائة ، ثم أعتقها في
مرض الموت قبل الدخول ، وبعبارة أخرى إذا كان قد زوجها بثلث ماله وقيمتها ثلث اخرى
وترك مالا بقدر قيمتها ، ثم أعتقها في مرضه ، أو أوصى بعتقها ووقع العتق قبل
الدخول ، فإن تخيرها الفسخ يوجب سقوط المهر كما تقدم ، فلا ينفذ العتق في جميعها ،
لانحصار التركة حينئذ في الجارية ومقدار قيمتها ، فيبطل العتق فيما زاد على الثلث
فيبطل خيارها ، لاشتراطه بعتق جميعها كما سلف ، فيؤدي ثبوته إلى عدم ثبوته ، وهو
دور ، ولا فرق
في ذلك بين وقوع التزويج في مرضه وعدمه ، لأن تزويجها لا يتضمن إتلافا ، بل
اكتسابا للمهر ، نعم يشترط وقوع العتق في المرض إذا جعلنا منجزات المريض من الثلث
، أو كونه بطريق الوصية كما مثلناه ، ولو كان العتق في حال الصحة أو بعد الدخول ،
فالتخيير بحاله ، كذا حققه شيخنا في المسالك.
السادس : مورد
النص التي تقدمت أن الخيار للأمة لو أعتقت ، حرا كان زوجها أو عبدا على الأشهر
الأظهر ، أما لو كان الزوج عبدا وأعتق ، فإنه لا خيار له لاختصاص النصوص بالأمة ،
ولأن الله سبحانه قد جعل بيده الطلاق ، فله التخلص منها بالطلاق بخلاف المرأة ،
ونقل عن بعض العامة أنه أثبت له الخيار قياسا على الزوجة ، ونقل ذلك عن ابن الجنيد
من علمائنا على ما ذكره في المختلف حيث قال : وقال ابن الجنيد : فإن أعتق العبد
وبقيت الزوجة أمة كان له الخيار دونها وفيه ما عرفت.
ونقل عن ابن
حمزة أنه إن أعتق السيد عبده ولم يكرهه على النكاح لم يكن له الخيار ، وإن أكرهه
كان له ذلك.
وقال في
المختلف ـ بعد رد كلام ابن الجنيد بأنه قياس ، والقياس عندنا باطل ـ : أما لو
أكرهه مولاه ، فإن الوجه ثبوت الخيار له كالحر المكره ، وكما لا خيار له فلا خيار
أيضا لمولاه لعدم المقتضي في حقه ، وكذا لا خيار للزوجة حرة كانت أو أمة ، لأنها
رضيت به عبدا فأولى بأن ترضى به حرا.
وقد ورد هذا
التعليل في رواية على بن حنظلة عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل زوج أم ولد له من عبد ، فأعتق العبد بعد ما دخل بها ، هل يكون لها
الخيار؟ قال : لا ، قد تزوجته عبدا ورضيت به فهو حين صار حرا أحق أن
__________________
ترضى به» .
السابع : إذا
زوج عبده أمته ثم أعتق الأمة أو أعتقهما معا ، وكذا لو كانا لمالكين فأعتقا دفعة
واحدة ، فإن الخيار للزوجة كما تقدم.
أما ثبوت
الخيار لها في صورة عتقها خاصة فيدل عليه ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : «وسألته عن الرجل
ينكح بعبده أمته ثم أعتقها ، تخير فيه أم لا؟ قال : نعم تخير فيه إذا أعتقت».
وما رواه في
التهذيب عن عبد الله بن سليمان قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل نكح أمته عبده وأعتقها ، هل تخير المرأة إذا
أعتقت أو لا؟ قال : تخير».
وأما في صورة
عتقهما معا دفعة واحدة الظاهر أن تخير الأمة هنا مبني على ما تقدم من الخلاف فيما
إذا كان الزوج حرا وذلك لأن عتقهما دفعة اقتضى كون الحكم بخيارها حال حريته ، فلا
يتم لها الخيار إلا على القول به.
والمحقق في
الشرائع قد جمع بين اختصاص التخيير بما إذا كان الزوج عبدا وبين ثبوت الخيار لها
إذا أعتقا دفعة ، ومثله ما في التحرير وهو لا يخلو عن غفلة
__________________
لما عرفت من أن التخيير لها في صورة عتقهما معا دفعة واحدة إنما يتم على
القول المشهور من عدم الفرق بين كون الزوج حرا أو عبدا لا على القول الآخر الذي هو
مذهبه في الشرائع كما تقدم.
والعلامة في
القواعد قد تنبه لذلك ، فرتب الحكم بتخيرها هنا على الخلاف المتقدم.
بقي هنا إشكال
قل من تنبه له وهو أنه قد روى الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : «سمعت أبا عبد
الله عليهالسلام يقول : إذا أعتقت مملوكيك رجلا وامرأته فليس بينهما
نكاح ، وقال : إذا أحبت أن يكون زوجها كان ذلك بصداق». والمستفاد منه بطلان نكاح
المملوكين بعتقهما معا ، والمعروف من كلام الأصحاب من غير خلاف يعرف كما عرفت هو
التخيير لا البطلان ، والله العالم.
المسألة
الثانية : لا خلاف بين
أصحابنا في جواز تزويج الرجل أمته بأن يجعل عتقها صداقها ، واعترف غير واحد منهم
بأنه من الأصول المقررة إن تزويج الرجل أمته باطل إلا في هذه الصورة فإنه يجوز عند
علمائنا أجمع للنصوص المستفيضة ، بل ادعى بعضهم وصولها إلى حد التواتر.
وأورد المحقق
في نكت النهاية على هذا الحكم ـ بسبب مخالفته للأصول ـ سؤالات ، ثم تكلف الجواب عنها ، وقال في آخر كلامه : إنه
بتقدير منا فإنها الأصل يجب المصير إليها لتحقيق مشروعيتها بالنقل المستفيض.
__________________
وقريب منه كلام
العلامة في المختلف حيث قال ـ بعد كلام في المقام ـ : وبالجملة فلو كانت هذه
المسألة منافية للأصول ، لكن بعد ورود النقل فيه يجب المصير إليه متابعة للنقل ،
وتصير أصلا بنفسها ، كما صارت الدية على العاقلة أصلا ، انتهى.
أقول : وفيه
تأييد أكيد وتشييد سديد لما قدمناه في غير موضع من أن الواجب الوقوف على ما وردت
به الأخبار عنهم عليهمالسلام وإن خالفت مقتضى القواعد المقررة بينهم ، وتخصيص تلك
القواعد بها.
قال شيخنا في
المسالك : والأصل فيه أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم اصطفي صفية بنت حي ابن أخطب من ولد هارون بن عمران عليهالسلام في فتح خيبر وأعتقها ، وتزوجها ، وجعل عتقها مهرها بعد
أن حاضت حيضة .
أقول : ولا بأس
بنقل جملة من الأخبار الواردة بذلك ، ومنها ما رواه في الكافي عن عبيد بن زرارة في الحسن «أنه سمع أبا عبد الله عليهالسلام يقول : إذا قال الرجل لأمته : أعتقك وأتزوجك وأجعل مهرك
عتقك ، فهو جائز».
وعن سماعة بن
مهران في الموثق قال : «سألته عن رجل له زوجة وسرية يبدو له أن يعتق سريته
ويتزوجها ، فقال : إن شاء اشترط عليها ، أن عتقها صداقها فإن ذلك حلال ، أو يشترط
عليها ، إن شاء قسم لها ، وإن شاء لم يقسم ، وإن شاء فضل الحرة عليها ، فإن رضيت
بذلك فلا بأس».
وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن
__________________
الرجل يعتق الأمة ويقول : مهرك عتقك؟ فقال : حسن».
وعن عبد الرحمن
بن أبي عبد الله قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل تكون له الأمة فيريد أن يعتقها فيتزوجها ، أيجعل
عتقها مهرها ، أو يعتقها ثم يصدقها؟ وهل عليها منه عدة؟ وكم تعتد إن أعتقها؟ وهل
يجوز له نكاحها بغير مهر؟ وكم تعتد من غيره؟ فقال : يجعل عتقها صداقها إن شاء ،
وإن شاء أعتقها ثم أصدقها ، وإن كان عتقها صداقها فإنها تعتد ولا يجوز نكاحها إذا
أعتقها إلا بمهر ولا يطأ الرجل المرأة إذا تزوجها حتى يجعل لها شيئا وإن كان درهما».
وعن عبيد بن
زرارة في الصحيح أو الحسن بثعلبة وهو ابن ميمون «أنه سمع أبا عبد الله عليهالسلام يقول : إذا قال الرجل لأمته : أعتقك وأتزوجك وأجعل مهرك
عتقك ، فهو جائز».
وما رواه الشيخ
عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «أيما رجل شاء أن يعتق جاريته ويتزوجها ويجعل
عتقها صداقها فعل».
وعن عبيد بن
زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت : رجل قال لجاريته : أعتقتك وجعلت عتقك مهرك؟
قال : فقال : جائز».
وما رواه الشيخ
في الأمالي بسنده فيه عن صفية «قالت : أعتقني رسول الله صلىاللهعليهوآله وجعل عتقي صداقي».
إلى غير ذلك من
الأخبار الآتية ـ إن شاء الله تعالى ـ في المقام.
وكيف كان
فتحقيق البحث في هذه المسألة يستدعي بسط الكلام في مواضع :
__________________
الأول : اختلف الأصحاب في الصيغة الموجبة لهذا الحكم من صحة التزويج وحصول العتق
وكونه عوضا عن المهر ، فلا يجب عليه مهر بعد ذلك ، فهل يشترط تقديم التزويج على
العتق أو عكسه؟ أو يجوز الكل منهما؟ الأكثر منهم على الأول وذهب الشيخ في الخلاف
وقبله الشيخ المفيد ـ رحمهالله ـ إلى اشتراط تقديم العتق ، اختاره العلامة في المختلف
والإرشاد ، وإلى القول الثالث ذهب المحقق في الشرائع وجملة من المتأخرين منهم
السيد السند في شرح النافع ، وقبله جده في المسالك ، والظاهر أنه المشهور بين
المتأخرين.
واستدل على
القول الأول بما رواه الصدوق في الفقيه عن علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى عليهالسلام قال : «سألته عن رجل قال لأمته : أعتقتك وجعلت عتقك
مهرك ، فقال : أعتقت وهي بالخيار ، إن شاءت تزوجته ، وإن شاءت فلا ، فإن تزوجته
فليعطها شيئا ، فإن قال : قد تزوجتك وجعلت مهرك عتقك فإن النكاح واقع ولا يعطيها
شيئا» .
روى هذه
الرواية الشيخ في التهذيب مرسلة عن علي بن جعفر ، فلذا ردها في المسالك بالضعف
بناء على رواية الشيخ لها ، ولم يطلع على رواية الصدوق لها بالطريق الصحيح ، ومن
العجب أيضا أنه في المسالك نقل عجز الرواية بهذه الصورة «وإن قال : تزوجتك وجعلت
مهرك عتقك فإن النكاح باطل لا يعطيها شيئا» فجعل محل قوله «واقع» في الرواية لفظ «باطل»
وقال بعد ذلك في دفع دلالة الرواية على مطلوبهم : ويدل عليه تصريحه بالبطلان في
رواية علي بن جعفر مع
__________________
تقديم التزويج الذي هو مطلوبهم ، ولم ينقلها ناقل غيره بهذه الكيفية ، لا
في كتب الحديث ، ولا في كتب الاستدلال.
والتقريب في
الاستدلال بالرواية المذكورة أنه عليهالسلام حكم بالعتق دون التزويج في صورة تقديم العتق ، وحكم
بالتزويج والعتق معا في صورة تقديم التزويج.
ورد بأنه يجوز
أن يكون حكمه عليهالسلام ببطلان النكاح في الصورة الأولى إنما استند الى عدم ذكر
التزويج في هذه الصيغة ، لا إلى تقديم العتق على التزويج ، إذ لفظ التزويج غير
مذكور في السؤال ، وغاية ما ذكر فيها العتق والمهر فجاز أن يكون البطلان إنما نشأ
من الإخلال بهذا اللفظ ، لا من تقديم العتق عليه.
ونحو هذه
الرواية رواية محمد بن آدم عن الرضا عليهالسلام «في الرجل يقول لجاريته : قد أعتقتك وجعلت صداقك ، عتقك ، قال : جاز العتق
، والأمر إليها ، إن شاءت زوجته نفسها وإن شاءت لم تفعل ، فإن زوجته نفسها فأحب له
أن يعطيها شيئا».
والتقريب
التقريب المتقدم ، والجواب عن ذلك الجواب المتقدم ، ويزيده أن القائل بالصحة على
تقدير تقديم العتق يعتبر معه التصريح بالتزويج ، وهو منتف في الروايتين
المذكورتين.
أقول : ظاهر
رواية عبيد بن زرارة المتقدم نقلها عن التهذيب صحة النكاح وحصول العتق بقوله «أعتقتك
وجعلت عتقك مهرك» فإن قوله عليهالسلام «جائز» إنما هو بمعنى الصحيح لأنه لا وجه للحمل على العقد المتزلزل هنا ،
بل هو إما صحيح أو باطل ، وهو بظاهره مخالف لما دل عليه صحيح علي بن جعفر ، ورواية
محمد بن آدم من عدم صحة النكاح ، وإنما الثابت العتق خاصة ، إلا أن يحمل الجواز في
كلامه عليهالسلام على جواز العتق خاصة كما هو مدلول الخبرين المذكورين ،
ويحتمل أيضا أن لفظ «التزويج» سقط من هذا الخبر بناء على رواية صاحب الكافي له
بزيادة
__________________
لفظ «التزويج» كما سلف.
وبالجملة فإنه
لا بد من ارتكاب التأويل فيه بما يخرجه عن المخالفة للخبرين المذكورين ، وفي
المسالك أورد هذا الخبر دليلا للقول بما ذهب إليه الشيخ في الخلاف من اشتراط تقديم
العتق في صحة النكاح ، ثم أطال فيما أورد على الاستدلال به والجواب عن ذلك ،
والأظهر ما عرفت من أنه على ظاهره لا يخلو من الاشكال ، فلا بد من ارتكاب التأويل
فيه.
واحتج القائلون
بالقول الثاني ـ كما أشار إليه المحقق في الشرائع ـ بأن بضع الأمة مباح لمالكها
بدون العقد ، فلا يستباح بالعقد ، فلا بد من تقديم العتق ليقع العقد على الحرة.
ورد بأن الكلام
إنما يتم بآخره ، ولو لا ذلك لم يصح جعل العتق مهرا ، لأنه لو حكم بوقوعه بأول
الصيغة امتنع اعتباره في التزويج المأتي به بعد.
أقول : ومن ذلك
ظهر وجه القول الثالث ، وهو الأظهر ، ومرجعه إلى أنه لا فرق بين تقديم لفظ التزويج
أو العتق ، لأن الكلام جملة واحدة إنما يتم بآخره.
ومما يدل على
الصحة مع تقديم لفظ التزويج صحيحة علي بن جعفر المتقدمة.
ووما يدل على
الصحة مع تقديم لفظ العتق صحيحة عبيد بن زرارة المتقدم نقلها عن الكافي ، وفي
معناها رواية محمد بن مسلم المتقدمة أيضا ، وعلى هذا يحمل إجمال باقي روايات
المسألة مما قدمناه وغيره ، فإن اشتمل الكلام على العتق والتزويج حكم بهما من غير
نظر إلى تقدم خصوص واحد منهما ، وإن اشتمل على العتق خاصة فإنما يحكم به خاصة.
الثاني : لو
قال : تزوجتك وجعلت مهرك عتقك ، فهل يكفي في العتق عن الإتيان بلفظ أعتقتك؟ الأشهر
الأظهر الأول ، وعليه يدل صحيحة علي بن جعفر المتقدمة.
قال في المختلف
: ألفاظ علمائنا وما ورد في الأخبار يدل على الاكتفاء بقوله تزوجتك وجعلت مهرك
عتقك ، وإن لم يقل أعتقتك أو أنت حرة ، بل يقع العتق بقوله وجعلت عتقك مهرك ، كما
لو أمهر امرأة ثوبا وقال لها : قد تزوجتك وجعلت مهرك هذا الثوب ، فإذا قبلت ملكته
بالقبول ، فكذا لو جعل العتق مهرا فإنها تملك نفسها بالقبول ، ولا حاجة إلى النطق
بالعتق وغير ذلك ، انتهى وهو جيد.
ونقل عن ظاهر
المفيد وأبي الصلاح أنهما اعتبرا لفظ أعتقتك ، لأن العتق لا يقع إلا بالصيغة
الصريحة ، وهو التحرير أو الإعتاق ، فلا بد من اللفظ بأحدهما.
ورد ـ بعد
تسليم انحصار العتق في هاتين الصيغتين ـ بأن هذا العقد قد ثبت بالنصوص الصحيحة
الصريحة التي لا سبيل إلى ردها ، فلا يقدح فيه مخالفته للأصول المقررة سيما مع ما
عرفت آنفا من أن أصل هذه المسألة إنما بني على خلاف الأصول المقررة والقواعد
المعتبرة ، وظاهره في المختلف اختيار ما ذهب إليه الشيخ المفيد وأبو الصلاح بعد اعترافه بأن الأول هو الوارد في الأخبار ، وتعليله
ذلك زيادة على دلالة الأخبار بما قدمنا نقله عنه ، وهو لا يخلو من تعجب.
الثالث : الظاهر
كما استظهره العلامة في المختلف وجمع من المتأخرين أنه لا حاجة إلى القبول هنا من
المرأة ، وذلك لأن مستند شرعية هذا العقد هو النصوص المستفيضة ، وهي خالية من
اعتبار ذلك إذ ليس في شيء منها ما يدل على ذلك ، ولأنها حال الصيغة مملوكة ، فلا
اعتبار برضاها ، ولأن رضاها لو كان معتبرا لبطل ما وقع من المولى ، لأنه قائم مقام
القبول ، حيث إنه وظيفته ، ووظيفة الإيجاب من جهتها ، ولأنه لا بد من كمال
المتعاقدين حال الإيجاب والقبول ، وهو منتف هنا ، واحتمل جملة من الأصحاب اشتراط
القبول كغيره من العقود
__________________
الشرعية ، لأن العقد في عرف أهل الشرع هو المركب من الإيجاب والقبول ،
قالوا : ولا يقدح في ذلك كونها مملوكة ، لأنها بمنزلة الحرة حيث تحرر بتمام العقد
، فرقيتها غير مستقرة ، ولو لا ذلك لامتنع تزويجها ، والواقع منها منزل منزلة الإيجاب
، وإن كان بلفظ القبول لحصول ما يعتبر في العقد في اللفظ الواقع من المولى فكان
المعتبر من جانبها مجرد الرضاء به ، سواء سميناه إيجابا أم قبولا.
أقول : العجب
منهم ـ رضوان الله عليهم ـ أنهم يعترفون بأن أصل هذه المسألة إنما بنيت على خلاف
القواعد الشرعية المقررة عندهم لدلالة النصوص المستفيضة على شرعية هذا العقد وصحته
وإن كان على خلاف القواعد ، ويتكلفون هنا لوجوب القبول بهذه التكلفات البعيدة مع
خلو النصوص على كثرتها من ذلك حتى أنهم قالوا : إنه يعتبر وقوعه بالعربية وعلى
الفور على نهج سائر العقود اللازمة.
والذي اختاره
في المسالك ومثله سبطه السيد السند في شرح النافع هو الأول ولا ريب في ظهور قوته ،
وضعف ما عارضه ، وهو يرجع إلى ما ورد في جملة من الأخبار من الأمر بالسكوت عما سكت
الله عنه وإبهام ما أبهمه الله ، والنهي عن القول في الأحكام الشرعية بغير سماع
منهم.
الرابع : اختلف
الأصحاب فيما إذا طلقها قبل الدخول ، فقال الشيخ في النهاية : وإن طلق التي جعل
عتقها مهرها قبل الدخول بها ، رجع نصفها رقا ، واستسعيت في ذلك النصف ، فإن لم تسع
فيه كان له منها يوم ، ولها من نفسها يوم في الخدمة ، وإن كان لها ولد له مال ألزم
أن يؤدي عنها النصف الباقي وينعتق حينئذ ، انتهى. وتبعه ابن حمزة في ذلك ، وبه قال
العلامة في الإرشاد.
وقال الصدوق في
المقنع : وإذا أعتقها وجعل عتقها صداقها ثم طلقها قبل أن يدخل بها فقد مضى عتقها ،
ويرتجع إليها سيدها بنصف قيمة ثمنها تسعى فيه ، وبه قال ابن الجنيد وابن البراج
وابن إدريس والعلامة في المختلف.
والأصل في هذا
الخلاف اختلاف الأخبار في المسألة ، فمما يدل على القول الأول ما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يعتق جاريته ، ويقول لها : عتقك مهرك ، ثم يطلقها قبل أن يدخل
بها ، قال : يرجع نصفها مملوكا ويستسعيها في النصف الآخر».
وعن يونس بن
يعقوب في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل أعتق أمة له وجعل عتقها صداقها ، ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، قال :
يستسعيها في نصف قيمتها ، فإن أبت كان لها يوم ، وله يوم في الخدمة ، فإن كان لها ولد
وله مال أدى عنها نصف قيمتها وعتقت».
ورواه الصدوق
في الفقيه بإسناده عن الحسن بن محبوب عن يونس بن يعقوب.
وعن عباد بن
كثير البصري قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : رجل أعتق أم ولد له وجعل عتقها صداقها ، ثم طلقها قبل
أن يدخل بها ، قال : يعرض عليها أن تستسعي في نصف قيمتها ، فإن أبت هي فنصفها رق
ونصفها حر».
وأما ما يدل
على الثاني فهو ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : «سألت أبا عبد
الله عليهالسلام عن رجل أعتق مملوكة له وجعل عتقها صداقها ، ثم طلقها
قبل أن يدخل بها ، قال : فقال : قد مضى عتقها وترد على السيد نصف قيمة ثمنها تسعى
فيه ولا عدة عليها».
وما رواه في
الكافي عن السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يعتق أمته
__________________
فيجعل عتقها مهرها ، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها ، قال : ترد عليها نصف
قيمتها تستسعي فيها».
والعلامة في
المختلف قد احتج على ما اختاره ـ من مذهب الصدوق ـ بأنها ملكت نفسها بالإصداق
وعتقت فلا ترجع مملوكة بعد العتق ، قال : وكلام الشيخ إنما يتم لو قلنا أن المرأة
لا تملك جميع المهر بالعقد ، بل تملك النصف به ، والنصف الآخر بالدخول ، ثم أجاب
عن الأخبار الثلاثة المتقدمة بأنها ضعيفة السند ، ثم قال : والوجه أن يقال كما قال
الصدوق : تستسعي في نصف قيمتها ، لأن نصفها يجري مجرى التالف من المهر المعين ، أو
تنتظر إلى أن يوسع الله تعالى عليها ويؤيد برواية عبد الله بن سنان ، ثم ساق
الرواية كما قدمنا ، وعده الرواية مؤيدا دون أن يعدها دليلا ، كأنه لعدم صحتها
عنده مع أنها كما عرفت صحيحة السند ، لأن الشيخ رواها عن الحسن بن محبوب عن عبد
الله بن سنان ، وطريقه إلى الحسن بن محبوب صحيح كما نبهوا عليه ، وأنت خبير بأن المسألة
محل إشكال لتعارض هذه الأخبار ، وعدم ظهور وجه للجمع بينها ، وإن أمكن أن يقال
بتخير المولى بين الأمرين لأنه ملك نصفها بالطلاق ، كما لو أصدقها زوجته ، وملكها أنفسها بالعتق كما يشير إليه كلامه مع تسليمه
فهو ملك متزلزل ، إنما يستقر بالدخول كما في غيره من المهور ، وقوله : إن الحر لا
يعود رقا مسلم بالنسبة إلى من استقرت حريته لا مطلقا.
ولا يحضرني
الآن كلام لأحد من أصحابنا في المقام غير ما نقلته عن العلامة في المختلف.
__________________
ثم إن ما ذكره
الشيخ فيما قدمنا نقله عنه ـ من أنه إن كان لها ولد له مال ألزم أن يؤدي عنها
النصف الباقي ـ قد اعترضه فيه جماعة منهم ابن إدريس والعلامة في المختلف ، قالوا :
لأصالة براءة ذمة الولد إلا أن يتبرع الولد بأداء ذلك ، وبه صرح ابن الجنيد فقال :
ولو طلقها قبل الدخول بها مضى عتقها ، واستسعت في نصف قيمتها ، وإن كان لها ولد
فأدى نصف قيمتها عتقت ، انتهى.
والظاهر أن
الشيخ قد استند فيما ذكروه إلى رواية يونس بن يعقوب المتقدمة ، إلا أنها غير صريحة
في إلزام الولد بذلك ووجوبه عليه ، والله العالم.
المسألة
الثالثة : اختلف
الأصحاب فيما إذا اشترى أمة نسية ، فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها مهرها فحملت منه ،
ثم مات المولى ولم يترك ما يقوم بثمنها فقيل : بأن العتق صحيح ولا سبيل عليها ولا
على ولدها ، بل يكونان حرين ، وهو اختيار ابن إدريس والعلامة وولده وأكثر
المتأخرين ، وقيل ، ببطلان العتق وعودها رقا ، وأن ولدها رق ، وهو قول الشيخ في النهاية
وابن الجنيد وابن البراج.
والأصل في هذه
المسألة ما رواه الكليني في الكافي في الصحيح والحسن معا عن هشام بن سالم قال : «سئل أبو
عبد الله عليهالسلام وأنا حاضر عن رجل باع من رجل جارية بكذا إلى سنة فلما
قبضها المشتري أعتقها من الغد ، وتزوجها وجعل مهرها عتقها ، ثم مات بعد ذلك بشهر
فقال ، أبو عبد الله عليهالسلام : إن كان للذي اشتراها إلى سنة مال أو عقدة تحيط بقضاء
ما عليه من الدين في رقبتها ، فإن عتقه ونكاحه جائزان ، قال : وإن لم يكن للذي
اشتراها فأعتقها وتزوجها مال ولا عقدة يوم مات تحيط بقضاء ما عليه من الدين
برقبتها ، فإن عتقه ونكاحه باطلان لأنه أعتق ما لا يملك ، وأرى أنها رق لمولاها
الأول ، قيل له : فإن كانت علقت ـ أعني من المعتق لها المتزوج بها ـ ما حال الذي
في بطنها؟ فقال : الذي في بطنها مع أمه كهيئتها».
__________________
ورواه الشيخ في
التهذيب عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي بصير قال : «سئل
أبو عبد الله عليهالسلام» الحديث ، واضطربت آراء المتأخرين في هذه الرواية من
حيث صحة سندها فلم يتجاسروا على ردها ، ومن حيث مخالفتها لجملة من القواعد الشرعية
والضوابط المرعية فلم يقدموا على القول بما دلت عليه بظاهرها كما قدم عليه الشيخ
ومن تبعه.
ونقل عن المحقق
في نكت النهاية أنه قال : إن سلم هذا النقل ، فلا كلام في جواز استثناء هذا الحكم
من جميع الأصول المنافية لعلة لا نعلمها ، لكن عندي أن هذا خبر واحد لا يعضده دليل
، فالرجوع إلى الأصل أولى ، وفي الشرائع صرح بردها تبعا لابن إدريس لمخالفتها
الأصول الشرعية ، لأن العتق والتزويج صدرا من أهلها في محلها فوجب الحكم بصحتها
وبحرية الولد لحرية أبويه ، وحملها العلامة في المختلف على وقوع العتق والنكاح
والشراء في مرض الموت ، بناء على مذهبه من بطلان التصرف المنجز مع وجود الدين
المستغرق ، وحينئذ فترجع رقا ويتبين بطلان النكاح ، واعترضه تلميذه السيد السند
عميد الدين بأن الرواية اقتضت عودها وولدها رقا كهيئتها ، وتأويله لا يتم إلا في
عودها إلى الرق لا في عود الولد ، لأن غايته بطلان العتق في المرض فتبقى أمة ،
فإذا وطأ الحر أمته لا ينقلب ولده رقا ، بل غايته أن امه تباع في الدين .
__________________
وأجاب ابنه فخر
المحققين انتصارا لوالده عن ذلك بأنه ليس في الرواية ما يدل على رقية الولد إذ ليس
فيها إلا قوله كهيئتها ، وهو أعم من أن يكون كهيئتها في حال الحكم بحريتها قبل
ظهور عجزه عن الثمن ، فيكون حرا ، أو بعده فيكون رقا ، ولا دلالة للعام على الخاص
بإحدى الدلالات.
ورده شيخنا
الشهيد في شرح الإرشاد بأن هذا الكلام على النص فإن المفهوم من قوله كهيئتها ليس
إلا أن حكمه حكمها في حال السؤال ، وقد حكم قبل ذلك بأنها رق فيكون الولد رقا ،
فهو دال على رقيته بالمطابقة ، إذ هذا اللفظ موضوع لهذا المعنى ، وتجويز مثل هذا
التأويل يمنع التمسك بجميع النصوص ، وفي التزامه ما لا يخفى. انتهى وهو جيد.
وبذلك يظهر أن
حمل العلامة الرواية على ما ذكره مع تسليمه فإنه لا يتم في الولد مع أنه قد نوقش
في أصل الحمل المذكور بأنه يشكل في الأم أيضا من جهة أخرى ، وهي أن الرواية دلت
على عودها رقا للبائع ومقتضى الحمل جواز بيعها في دينه ، لا عودها إلى ملكه.
ونقل عن
العلامة في التحرير الحمل على أنه انكشف فساد البيع ووطأ بعد علمه بذلك ومات ،
فعلى هذا يكون زانيا فيرق ولده.
واختار هذا
الحمل الشيخ أحمد بن فهد الأحسائي في شرحه على الإرشاد ، قال : والمختار ما أوله
المصنف في التحرير ، ثم ذكر العبارة المذكورة ، وأورد عليه بأن الرواية قد تضمنت
أنه إذا خلف ما يقوم بقضاء ما عليه يكون العتق والنكاح صحيحين جائزين ، ومتى حمل
على فساد البيع ـ كما ذكره ـ فإنه لا معنى
__________________
للحكم بجوازهما سواء خلف شيئا أو لم يخلف ، وهو ظاهر.
وحملها ثالث على أنه فعل ذلك مضارة ، والعتق يشترط فيه القربة ، ورد
بأن بطلان العتق لا يقتضي عودها إلى مولاها الأول ولا رقية الولد ، مع أن البطلان
قد علل في الرواية بأنه أعتق ما لا يملك ، وهو غير مناسب لهذا الحمل.
وقال شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك بعد ذكر التأويلات المذكورة ما ملخصه : وأقول : أن الموجب
لهذا الاعتناء والتكلف لهذه الرواية المخالفة للأصول هو ما اعتقدوه من صحة سندها ،
وقد صرح بصحتها جماعة من الأصحاب المعتبرين كالعلامة وتلميذه الفخر والعميد
والشهيد وغيرهم ، أو في صحتها عندي نظر من وجهين ، ثم ذكر الوجه الأول بما ملخصه :
إن أبا بصير الراوي مشترك بين ليث المرادي ، ويحيى بن القاسم الأسدي ، والأول وان
كان ثقة الا ان الثاني ضعيف مختلط ، ولا قرينة هنا على تعيين الثقة منهما ، ثم ذكر
الوجه الثاني بما ملخصه :
إن الرواية
المذكورة رواها الشيخ في مواضع عديدة ، وفي بعضها هشام بن سالم عن أبي بصير ، وفي
بعضها عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليهالسلام ، والكليني رواها عن هشام عنه عليهالسلام بغير واسطة ، قال : وحينئذ تكون الرواية مضطربة الاسناد
، والاضطراب في الإسناد يمنع الصحة كما قرره في علم الدراية ، والغرض أن هذه
الرواية ليست مقطوعة الصحة في سندها كما ذكروه ، فلا يصعب إطراحها حيث يخالف
الأمور القطعية التي شهد لها الأصول الشرعية ، انتهى.
أقول : أما
كلامه في الوجه الأول فجيد ، بناء على العمل بهذا الاصطلاح المحدث.
وأما كلامه في
الوجه الثاني ففيه أن عد ذلك من باب الاضطراب الذي ترد به الرواية منع ظاهر ، كما
تقدم الكلام فيه في غير موضع ، فإنه من الجائز أن
__________________
يروي الراوي تارة مشافهة وتارة بواسطة ، وأي مانع من ذلك.
وبالجملة
فالطعن في الرواية بضعف السند ليس في محله ، نعم الطعن فيها بمخالفة الأصول
والقواعد المتفق عليها نصا وفتوى يمكن ، إلا أنه قد تقدم له نظائر لا تكاد تحصى
كثرة ، وما ذكره المحقق في نكت النهاية ـ من أنه متى سلم هذا النقل فلا كلام في
جواز استثناء هذا الحكم من جميع الأصول المنافية لعلة لا نعلمها ـ جيد وإن كان قد
رجع عنه ، وكيف كان فالمسألة غير خالية من من شوب الاشكال لما عرفت ، والله العالم
بحقيقة الحال.
المسألة
الرابعة : لا إشكال في أن أم الولد إنما تنعتق بعد وفاة المولى من نصيب ولدها ، لأن
مجرد الاستيلاد لا يكون سببا في العتق ، وإنما غايته التشبث بواسطته بالحرية ، ولا
خلاف أيضا في أنه لو مات ولدها وأبوه حي عادت إلى محض الرقية وجاز بيعها ، إنما
الخلاف هنا في مواضع :
أحدها : ما
نقله في المختلف عن ابن إدريس أنه نقل عن المرتضى أنه لا يجوز بيعها ما دام الولد
باقيا لا في الثمن ولا في غيره ، وهو ضعيف مردود بالأخبار الصحيحة الصريحة في جواز
البيع في بعض المواضع ، كما سيأتي بعض منها إن شاء الله تعالى في المقام ، ويؤيده
أنها لم تخرج بالاستيلاد عن الملك.
وثانيها : فيما
لو عجز نصيب ابنها من التركة عن التخلف منها ، بمعنى أنه إذا مات المولى والولد حي
انعتقت بموت المولى لانتقالها أو بعضها إلى ولدها ، فينعتق عليه ما يرثه منها ،
لأن ملك الولد لأحد أبويه يوجب عتقه عليه كما قدمنا تحقيقه ولو بقي منها شيء خارج
عن ملكه سرى إليه العتق إن كان نصيبه من التركة يفي به ، وإلا أعتق منها بقدره.
ولو عجز النصيب
عن المتخلف ـ وهذا هو محل الكلام هنا ـ فهل الحكم في ذلك أنها تسعى في المتخلف ،
ولا يسري عليه ولو كان له مال من غير التركة ، ولا يلزمه السعي لو لم يكن له مال؟
أم يجب على الولد فكها من ماله؟ الأكثر على
الأول ، لأن السراية من شروطه الملك الاختياري ، والإرث ليس منه ، وإنما
قلنا بسرايته عليه في نصيبه من باقي التركة لإطلاق النصوص بأنها تعتق من نصيبه من
التركة ، وإلا فالأصل يقتضي أن لا تعتق عليه سوى نصيبه منها.
وذهب ابن حمزة
والشيخ في المبسوط إلى أنه يجب على الولد فك باقيها ، أما ابن حمزة فإنه نقل عنه
أنه أوجب على الولد السعي في فك باقيها ، وأما الشيخ في المبسوط فإنه أوجب على
الولد فكها من ماله ، ولم نقف لها على دليل ، والأصل يقتضي العدم ، لأصالة البراءة
من وجوب السعى وعدم المقتضي للسراية عليه حتى يجب عليه فكها من بقية ماله لعدم
الاختيار في ملكها.
وثالثها : في
بيعها في حياة المولى في ثمن رقبتها ، وتفصيل ذلك أنه لا خلاف في جواز بيعها مع
وجود ولدها في ثمن رقبتها إذا مات مولاها ولم يخلف سواها ، وإنما الخلاف فيما إذا
كان كذلك مع حياة المولى ، بمعنى أنه هل يجوز بيعها في ثمن رقبتها إذا كان مولاها
حيا ، وليس له من المال ما يفي بثمنها؟ ذهب الأكثر إلى الجواز.
واستدل عليه في
المسالك برواية عمر بن يزيد عن أبي الحسن عليهالسلام قال : «سألته عن أم الولد تباع في الدين؟ قال : نعم في
ثمن رقبتها».
وروى عمر بن
يزيد في الصحيح قال : «قلت لأبي إبراهيم عليهالسلام : أسألك قال : سل ، قلت : لم باع أمير المؤمنين عليهالسلام أمهات الأولاد؟ قال : في فكاك رقابهن قلت : وكيف ذلك؟
فقال : أيما رجل اشترى جارية فأولدها ثم لم يؤد ثمنها ولم يدع من المال ما يؤدي
عنه ، أخذ ولدها منها ، وبيعت فأدي ثمنها ، قلت :
__________________
فيبعن فيما سوى ذلك من أبواب الدين ووجوهه؟ قال : لا».
وعندي في الاستدلال
بالصحيحة المذكورة نظر ، فإن قوله عليهالسلام فيها «ولم يدع من المال ما يؤدي عنه» ظاهر في أن ذلك في
صورة موت المولى لا حياته كما ادعاه ، نعم الرواية الأول مطلقة ، لكن يمكن حمل
إطلاقها على ما دلت عليه الصحيحة المذكورة من تخصيص ذلك بالموت ، وحينئذ فيشكل
الاستدلال بهما على الحكم المذكور وإن كان هو المشهور.
ومن ثم نقل عن
ابن حمزة تخصيص الجواز بالموت والمنع مما سواه وظاهر السيد السند في شرح النافع تقوية القول بالمنع
أيضا حيث قال : والقول بالمنع نادر لكنه لا يخلو من قوة.
أقول : ويؤيده
قوله عليهالسلام في آخر الخبر بعد سؤال السائل «فيبعن فيما سوى ذلك من
دين؟» والتقريب فيه أنه حيث كان مورد الخبر كما ذكرناه إنما هو جواز البيع في فكاك
رقابهن بعد موت المولى إذا لم يدع من المال ما يؤدي عنه ، فإنه تدخل حينئذ هذه
الصورة المفروضة ـ وهو البيع حال الحياة ـ فيما سوى ذلك ، فلا يجوز البيع حينئذ.
فإذا دلت
الرواية المذكورة مع صحة سندها عندهم الذي هو المدار عليه في الاستدلال بينهم على
تخصيص الجواز بهذه الصورة الخاصة ، وهي بعد الوفاة بالقيود المتقدمة ، مع تصريحها
بعدم الجواز فيما سوى ذلك ، فإنه يتحتم حمل إطلاق رواية عمر بن يزيد المذكورة على
هذه الصحيحة جمعا.
__________________
ورابعها : إن
المشهور أنه لا يجوز بيعها في مطلق الدين ، بل ثمن رقبتها على ما عرفت من الخلاف
في التخصيص بالموت أو العموم لحال الحياة ، ونقل عن ابن حمزة جواز بيعها في دينه
وإن لم يكن ثمنا لها مع موته واستغراق الدين للتركة .
واختاره الشهيد
في اللمعة ، ووجهه أن عتقها بعد موت مولاها إنما هو من نصيب ولدها ، والحال أنه لا
نصيب له على تقدير استغراق الدين للتركة لقوله عزوجل «مِنْ بَعْدِ
وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ»
.
واحتج له أيضا برواية
أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام حيث قال في آخره «فإن مات وعليه دين قومت على ابنها ،
فإن كان ابنها صغيرا انتظر به حتى يكبر ، ثم يجبر على قيمتها».
قال في المسالك
بعد نقل ذلك : وجوابه أن الأقوى انتقال التركة إلى الوارث مطلقا ، وإن منع من
التصرف فيها على تقدير استغراق الدين فيعتق نصيب الولد منها ، كما لو لم يكن دين ،
ويلزمه إذا مقدار قيمة النصيب من ماله ، والرواية قاصرة سندا ودلالة ، ومشتملة من
الأحكام على ما لا يوافق الأصول فلا اعتداد بها ، انتهى.
وظاهر العلامة
في المختلف التوقف في هذه الصورة ، حيث قال : المشهور أنه لا يجوز بيع أم الولد
إلا في ثمن رقبتها إذا كان دينا على مولاها ، وليس له سواها.
وقال ابن حمزة
: وإن مات سيدها وعليه دين في غير ثمن رقبتها قومت على ولدها ، فإذا بلغ ألزم
أداؤها ، فإن لم يكن له مال استسعي فيه ، فإن مات
__________________
قبل البلوغ بيعت في الدين.
احتج الأولون
بما رواه عمر بن يزيد عن الكاظم عليهالسلام ، ثم أورد مضمون صحيحة عمر بن يزيد كما قدمنا ذكره ، ثم
قال :
احتج ابن حمزة
بما رواه أبو بصير عن الصادق عليهالسلام قال : «سألته عن رجل اشترى جارية فولدت منه ولدا فمات ،
قال : إن شاء أن يبيعها باعها ، وإن مات مولاها وعليه دين قامت على ابنها ، فإن
كان ابنها صغيرا انتظر به حتى يكبر ثم يجبر على قيمتها ، فإن مات ابنها قبل امه
بيعت في ميراث الورثة إن شاء الورثة ، ولأنها مملوكة فيجب صرف ثمنها في الدين كما لو كان الدين ثمنها ، ونحن
في هذه المسألة من المتوقفين ، انتهى.
أقول : لا يخفى
أن النقل عن ابن حمزة في هذا الموضع مختلف ، فإن مقتضى النقل الأول ـ وبه صرح في
المسالك ـ إنما هو جواز بيعها في الدين وإن لم يكن ذلك الدين ثمنها إذا كان
مستغرقا كما يدل عليه دليله المتقدم ، وعلى هذا فرواية أبي بصير المذكورة لا تعلق
لها بذلك ، ولا دلالة فيها عليه بوجه ، ولهذا ردها في المسالك بذلك.
ومقتضى ما نقله
العلامة عنه في المختلف إنما هو تقويمها على ولدها ، لا بيعها مطلقا كما هو النقل
الأول ، وهذا هو مدلول رواية أبي بصير المذكورة ، فالاستدلال بها عليه في محله ،
إلا أنه لا يظهر لي هنا وجه وجيه في مخالفته للقول المشهور كما يعطيه كلام العلامة
في المختلف ، إذ مقتضى القول المشهور إنما هو
__________________
تحريم بيعها. إلا في ثمن رقبتها.
وغاية ما يدل
عليه هذا القول بناء على هذا النقل ، وكذا روايته هو أنها تنتقل إلى ولدها ويكون
ضامنا لقيمتها ، يجب عليه بعد البلوغ أداؤها ، وليس فيها ما يدل على بيعها في غير
ثمن رقبتها ، ليكون مخالفا ، بل ما دلت عليه الرواية هو الأوفق بالقواعد الشرعية ،
لأن المفروض أن مولاها مديون ولا مال سواها ، ولا وارث سوى ابنها ، وقد تقرر أن
التركة تنتقل إلى الوارث مع اختياره ضمان الدين ، فالولد هنا قد ورثتها بموت أبيه
، فوجب انعتاقها عليه ووجب عليه أداء قيمتها في الدين ، غاية الأمر أنه من حيث
كونه صغيرا ينتظر بإخراج الدين من قيمتها إلى بلوغه ، وأي منافاة على هذا التقدير
، بين هذا القول وبين القول المشهور ، نعم في قوله في آخر الرواية «فإن مات ابنها
قبل امه بيعت في ميراث الورثة إن شاء الورثة». إشكال ، إلا أنه خارج عن موضع
الاستدلال.
وبالجملة فالرواية
المذكورة لا تبلغ قوة المعارضة للصحيحة المتقدمة لو ثبت التعارض ، فالعمل على
الصحيحة المشار إليها لتأيدها زيادة على ما هي عليه بعمل الأصحاب وفتواهم بها.
هذا ولك أن
تقول : إن الدين المذكور في رواية أبي بصير مطلق فيحمل على ثمن رقبتها ، ويكون
الحكم فيه ما ذكر في الخبر ، وعلى هذا يكون الجمع بينه وبين صحيحة عمر بن يزيد
المتقدمة التخيير فيما إذا مات المولى مشغول الذمة بقيمة الأمة ، ولم يخلف سواها
بين بيعها ودفع ثمنها في الدين ، كما تدل عليه الصحيحة المذكورة ، وبين التقويم
على الولد كما دلت عليه رواية أبي بصير.
وبما ذكرناه في
معنى رواية أبي بصير صرح الشيخ ـ رحمة الله عليه ـ في النهاية حيث قال : فإن لم
يخلف غيرها وكان ثمنها دينا على مولاها قومت على ولدها ويترك إلى أن يبلغ ، فإذا
بلغ اجبر على ثمنها ، وإن مات قبل البلوغ بيعت في ثمنها وقضى به الدين ، انتهى.
أقول : وهذا هو
ما دلت عليه رواية أبي بصير المذكورة ، والشيخ فرضها في الدين الذي هو ثمن رقبتها
، حملا للرواية على ذلك ، وحينئذ فلا إشكال في بيعها لو مات الولد قبل البلوغ ،
لأنه يجوز بيعها في حياته كما دلت على صحيحة عمر بن يزيد ، فكيف بعد موته.
وابن إدريس قد
اعترض على الشيخ فقال : هذا غير واضح لأنا نبيعها في ثمن رقبتها في حياة مولاها ،
فكيف بعد موته ، ولأي شيء يجبر الولد بعد بلوغه على ثمنها ، ولأي شيء يؤخر الدين
، إلا أن شيخنا رجع عن هذا في عدة مواضع ، ولا شك أن هذا خبر واحد أورده هنا
إيرادا لا اعتقادا ، انتهى.
وكلام ابن
إدريس هو الموافق للمشهور من جواز بيع أم الولد في ثمن رقبتها حيا كان المولى أم
ميتا ، لما تقدم ، إلا أنك قد عرفت أن الدليل لا تنهض بالعموم لحال الحياة.
وكيف كان
فمقتضى عمل الشيخ بهذه الرواية هنا موافقة لما تقدم نقله في المختلف عن ابن حمزة ،
والوجه في الجمع بين الرواية المذكورة وصحيحة عمر بن يزيد هو ما أشرنا إليه من
التخيير ، والله العالم.
المقام
الثاني في البيع ، وفيه مسائل :
الأولى
: لا خلاف بين
الأصحاب في أنه إذا بيعت الأمة ذات البعل ، فإن بيعها طلاقها ، ويتخير المشتري في
الإجازة والفسخ ، والأصل في هذا الحكم الأخبار المستفيضة.
ومنها ما رواه في
الكافي في الصحيح إلى الحسن بن زياد وهو مشترك بين الثقة وغيره
قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل اشترى جارية يطؤها ، فبلغه أن لها زوجا ، قال :
يطؤها فإن بيعها طلاقها ، وذلك أنهما لا يقدران على شيء من أمرها إذا بيعا».
__________________
وعن عبد الرحمن
بن أبي عبد الله في الصحيح أو الحسن قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الأمة تباع ولها زوج؟ فقال : صفقتها طلاقها».
وعن بريد بن
معاوية وبكير في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام «قالا : من اشترى مملوكة لها زوج فإن بيعها طلاقها ، فإن شاء المشتري فرق
بينهما ، وإن شاء تركهما على نكاحهما».
وما رواه في
الكافي ومن لا يحضره الفقيه عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهماالسلام قال : «طلاق الأمة بيعها ، أو بيع زوجها ، وقال في
الرجل يزوج أمته رجلا حرا ثم يبيعها ، قال : هو فراق ما بينهما ، إلا أن يشاء
المشتري أن يدعهما».
وما رواه في
الكافي عن عبيد بن زرارة في الموثق قال : «قلت : لأبي عبد الله
عليهالسلام : إن الناس يروون أن عليا عليهالسلام كتب إلى عامله بالمدائن أن يشتري له جارية فاشتراها
وبعث بها إليه ، وكتب إليه أن لها زوجا ، فكتب إلى علي عليهالسلام أن يشتري يضعها ، فاشتراه ، فقال : كذبوا على علي عليهالسلام ، أعلى عليهالسلام يقول هذا».
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام طلاق الأمة بيعها».
وما رواه في من
لا يحضره الفقيه عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني
__________________
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا بيعت الأمة ولها زوج فالذي اشتراها بالخيار
، إن شاء فرق بينهما. وإن شاء تركها معه ، فإن هو تركها معه فليس له أن يفرق
بينهما بعد ما رضي ، قال : وإن بيع العبد ، فإن شاء مولاه الذي اشتراه أن يصنع مثل
الذي صنع صاحب الجارية فذلك له ، وإن سلم فليس له أن يفرق بينهما بعد ما سلم».
وأما ما رواه الشيخ
في التهذيب عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يبتاع الجارية ولها زوج؟ قال : لا تحل لأحد أن يمسها حتى يطلقها
زوجها الحر». فحمله الشيخ على ما إذا كان المشتري قد أقر الزوج على عقده ورضي به.
إذا عرفت ذلك
فالكلام هنا يقع في مواضع :
الأول : قال في
المسالك : والأصل في الحكم بعد النص أن بقاء النكاح لازما على هذه الحالة مظنة
لضرر المالك ، إذ قد لا يناسب بقاء النكاح فجعل له طريق إلى التخلص بالفسخ.
وأنت خبير بما
فيه كما لا يخفى على الموفق النبيه ، إذ لا وجود لهذه العلة في الأخبار فيكون
مستنبطة. وإطلاق الأخبار المذكورة وكذا إطلاق كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين
كون البيع قبل الدخول أو بعده ، وكذا بين كون الزوج حرا أو مملوكا ، بل في صحيحة
محمد بن مسلم تصريح بثبوت الخيار مع كونه حرا ، وقد قطع الأصحاب بأن هذا الخيار
على الفور ، ويشير إليه قوله عليهالسلام في رواية أبي الصباح الكناني : فإن هو تركها معه فليس
له أن يفرق بينهما بعد التراضي ، فإنه ظاهر في أنه بعد علمه وعدم فسخه بل سكوته
مثلا فإنه رضا منه بذلك ، وليس له التفريق بعد ذلك ، فعلى هذا لو أخر لا لعذر
كالجهل بأصل الخيار سقط خياره ، وفي كون الجهل بفوريته عذرا وجهان ، وتقدم الإشارة
إليهما.
__________________
الثاني : لا
خلاف في أن حكم العبد إذا بيع وتحته أمة ، حكم الأمة إذا بيعت ولها زوج ، حرا كان
أو عبدا ، وعلى ذلك دلت صحيحة محمد بن مسلم ورواية أبي الصباح الكناني ، إلا أنها
مطلقة بالنسبة إلى زوجة العبد بخلاف الأولى ، فإنها صريحة في كونها أمة.
وإنما الخلاف
فيما لو كان العبد المبتاع تحته حرة ، فالأكثر كما نقله في المسالك على ثبوت
الخيار للمشتري أيضا ، فإن الحكم كما في الأمة لتساويهما في المعنى المقتضي له ،
وهو توقع الضرر ببقاء التزويج.
ولرواية محمد
بن علي عن أبي الحسن عليهالسلام قال : «إذا تزوج المملوك حرة فللمولى أن يفرق بينهما
فإن زوجه المولى حرة فله أن يفرق بينهما».
والتقريب فيها
أنه ليس له التفريق بغير البيع إجماعا فينحصر في البيع.
وردها
المتأخرون بضعف السند والدلالة ، فلا يسوغ التعلق بها في إثبات هذا الحكم ، ولهذا
جزم ابن إدريس ـ وجمع ممن تأخر عنه ـ بعدم ثبوت الخيار هنا تمسكا بلزوم العقد ،
وعدم المخرج عنه لشذوذ الرواية ، والحمل على البيع والأمة قياس باطل.
والعلامة في
المختلف قد شنع على ابن إدريس في هذا المقام ، قال : ونسبة كلام الشيخ إلى القياس
جهل منه وقلة تأمل وسوء نظر في الأدلة واستخراجها ، لأنه لو فقدت النصوص لكان
الحكم مساويا للأمة ، لأن الشارع لم يفرق بينهما في مثل هذه الأحكام كما لم يفرق
في التقويم وعدمه.
ورده جملة من
المتأخرين ـ منهم الشهيد الثاني في المسالك وسبطه في شرح النافع ـ بأن الحكم
بالمساواة يحتاج إلى دليل من نص أو إجماع ، ومع انتفائه يجب التمسك بمقتضى العقد
اللازم ، وحكموا بأن الأصح ما اختاره ابن إدريس ،
__________________
وقال في المسالك : ونمنع من مساواة الحرة والأمة في هذا المعنى ، لأن الحرة
أشرف ، ولا يلزم مع ثبوت الحكم في الأدنى ثبوته في الأعلى ، والرواية قد عرفت
ضعفها ، وبعدها عن الدلالة ، انتهى.
أقول : لا يخفى
ما في تعليله المذكور في المسالك من الضعف والوهن ، وإنما الظاهر ما ذكرناه أولا ،
إلا أنه يمكن أن يقال : إن إطلاق رواية أبي الصباح الكناني شامل لما لو كانت
الزوجة حرة أو أمة ، فإنه عليهالسلام حكم بأنه متى بيع العبد فلمشتريه الخيار ، كما في مشتري
الجارية ، ولم يفرق بين كون الزوجة حرة أو أمة ، ولو كان الحكم كما يدعونه من
تخصيص الخيار بما إذا كانت أمة لم يحسن هذا الإطلاق ، إلا أن للمتأخرين الطعن بضعف
سند الرواية ، ومن لا يرى العمل بهذا الاصطلاح فإن له التمسك بالرواية المذكورة ،
إذ لا طعن فيها من جهة الدلالة ، بل هي ظاهرة الدلالة فيما قلناه ، وبه يطهر قوة
القول المشهور ، والله العالم.
الثالث : المستفاد
من كلام جملة من الأصحاب وهو صريح كلام ابن إدريس هو تخصيص الخيار بالمشتري في بيع
العبد أو الأمة ، بمعنى أنه لو زوج السيد أمته عبد غيره فباع السيد أمته أو العبد
سيده فإن الخيار مخصوص بالمشتري في كل من الصورتين ، وذهب الشيخ في النهاية إلى
ثبوته أيضا لمالك الآخر الذي لم يبع ، قال الشيخ في النهاية : ومتى عقد الرجل
لعبده على أمة غيره جاز العقد ، وكان الطلاق بيد العبد ، وليس لمولاه أن يطلق ،
فإن باعه كان ذلك فراقا بينه وبينهما إلا أن يشاء المشتري إقراره على العقد ،
ويرضى بذلك مولى الجارية فإن أبى واحد منهما ذلك لم يثبت العقد على حال ، وكذلك لو
باع مولى الجارية جاريته كان ذلك فراقا بينهما إلا أن يشاء الذي اشتراها إقرارها
على العقد ، ورضي بذلك مولى العبد ، وإن أبى واحد منهما كان العقد مفسوخا ، وتبعه
ابن البراج في ذلك.
والشيخ المفيد
لم يذكر سوى المشتري ولم يذكر حكم الآخر ، وكذا
ابن حمزة ، وقال ابن إدريس : لا أرى لرضاء الذي لم يبع وجها ، لأن الخيار
في إقرار العبد وفسخه للمشتري في جميع أصول هذا الباب ، وإنما جعل الشارع لمن لم
يحضر العقد ولا كان مالكا لأحدهما وإنما انتقل إليه الملك الخيار ، لأنه لم يرض
بشيء من ذلك الفعال ، لا الإيجاب ولا القبول ولا كان له حكم فيها ، والموجب
والقابل أعنى السيدين المالكين الأولين رضيا وأوجبا وقبلا ، فمن جعل الخيار لهما
أو لأحدهما يحتاج إلى دليل ، لأنه حكم شرعي يحتاج مثبتة إلى دليل ، وإنما أوجبنا
الخيار للمشتري ، لأنه انتقل الملك إليه ، وليس هو واحدا منهما.
وظاهر العلامة
في المختلف الميل إلى ما ذهب اليه الشيخ حيث نفى عنه البعد عن الصواب ، قال : لأن
الذي لم يبع إنما رضي بالعقد مع المالك الأول ، والأغراض تختلف باختلاف الملاك ،
وأيضا البائع أوجد سبب الفسخ ، وهو الخيار للمشتري ، فيكون للآخر ذلك أيضا ، لأنه
مالك كالبائع مساو له في الحكم ، فيثبت له ما يثبت له.
أقول : والظاهر
هو ما ذهب إليه ابن إدريس ، لأنه هو المستفاد من الأخبار المتقدمة ، وما ادعوه
زيادة على ذلك لا دليل عليه ، وما ذكره العلامة من الدليلين المذكورين.
أما (الأول)
فإنه يصلح لأن يكون وجها للنص بعد وروده ، لا دليلا مستقلا برأسه لما عرفت من أن
الأحكام الشرعية إنما تبنى على الأدلة المنصوصة الواضحة الجلية ، لا على هذه
التعليلات العقلية.
وأما (الثاني)
فإنه مع صحته لا يخرج عن القياس ، والله العالم.
الرابع : قالوا
: لو كان كل واحد من العبد والأمة المزوجين لمالك واحد ، فباعهما لاثنين ، سواء
باع أحدهما لواحد والآخر لآخر ، أم باعهما معا لاثنين على وجه الاشتراك ، فإن
الخيار في الفسخ للمشتري المتعدد كما ثبت للواحد ،
ولو باع أحدهما خاصة كان الخيار في فسخ العقد وإمضائه لكل من البائع
والمشتري ، فظاهر مما تقدم ، وأما البائع فلا طلاق النص السابق في كون البيع
كالطلاق ، ومعناه ثبوت التسلط على فسخ العقد المتناول لهما ولاشتراكهما في المعنى
المقتضي لجواز الفسخ ، فإن المشتري كما يتضرر ويتزوج مملوكه لغير مملوكته كذلك
البائع ، وحينئذ فيتوقف عقدهما على رضا المتبايعين معا ، كذا ذكره شيخنا في
المسالك.
وأنت خبير بأن
ما ذكره من الحكم الأول جيد لا إشكال فيه ، إذ الخيار الثابت للمشتري لا فرق فيه
بين تعدد المشتري واتحاده ، لإطلاق النصوص.
وأما الثاني
وهو ما ذكره بقوله : ولو باع أحدهما خاصة إلى آخره ، ففيه أن إثبات الخيار فيه
للبائع لا دليل عليه ، وما احتج به من إطلاق النص في كون البيع كالطلاق بمعنى ثبوت
التسلط على الفسخ المتناول لهما.
ففيه أن مقتضى
قوله عليهالسلام
في حسنة بكير
وبريد المتقدمة «فإن بيعها طلاقهما فإن شاء المشتري فرق بينهما ، وإن شاء تركهما
على نكاحهما». هو تخصيص الخيار بالمشتري ، والتشبيه بكونه طلاقا إنما هو باعتبار
ذلك خاصة ، ونحوها قوله عليهالسلام
في صحيحة محمد
بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام «هو فراق فيما بينهما إلا أن يشاء المشتري أن يدعها ،» وما احتج به من
اشتراكهما في المعنى المقتضي لجواز الفسخ». إلى آخره ، ففيه ما أشرنا إليه سابقا
من أن هذه العلة مستنبطة فلا تقوم حجة.
وبالجملة فإنه
لا فرق في اختصاص الخيار بالمشتري بين كون الزوجين لمالك واحد كما هو المفروض هنا
، أو لمالكين متعددين كما تقدم في سابق هذا الموضع ، ويؤيد ذلك أيضا إطلاق رواية
أبي الصباح الكناني المتقدمة عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : «إذا بيعت الأمة ولها زوج فالذي اشتراها بالخيار».
الخبر إلى آخره ، فإنه دال بإطلاقه على تخصيص الخيار بالمشتري أعم من أن يكون
الزوجان لمالك واحد أو لمالكين متعددين في كل من بيع الأمة أو الزوج ، وهو ظاهر في
الدلالة على المراد
أتم الظهور ، لا يعتريه شائبة الفتور ولا القصور.
ثم إنه قال في
المسالك ـ على أثر الكلام المتقدم ـ : فإن اتفقا على إبقائه لزم ، وإن اتفقا على
فسخه أو طلب أحدهما فسخه والآخر إمضاءه انفسخ ، أما الأول فظاهر ، وأما الثاني
فلأن رضاء أحدهما به يوجب تقرره من جانبه ، ويبقى من جانب الآخر متزلزلا ، فإذا
فسخه انفسخ كما لو لم يكن للآخر خيار ، ومثله ما لو اشترك الخيار بين البائع
والمشتري ، فاختار أحدهما الإمضاء والآخر الفسخ.
انتهى ، وهو
بالنسبة إلى ما نحن فيه جيد متى ثبت عموم الخيار للبائع والمشتري.
المسألة
الثانية : إذا زوج
الرجل أمته من غيره بمهر مسمى فلا إشكال في أن المهر للمولى ، لأنه عوض البضع الذي
هو ملكه ، فإن باعها بعد الدخول بها فقد استقر المهر ، وثبت للمولى لما عرفت ، ولا
يسقط بالبيع الواقع بعده سواء أجاز المشتري أم لا ، وسواء قبض البائع شيئا من
المهر أم لا ، والوجه فيه أن الدخول موجب لاستقرار المهر في الحرة حتى لو طلق
الزوج ، والحال هذه لم يسقط من المهر شيء ، فالبيع أولى.
وبالجملة فإنه
قد ثبت واستقر بالأدلة المتكاثرة ، وسقوطه بالبيع يحتاج إلى دليل ، وليس فليس.
وإن كان البيع
قبل الدخول فظاهرهم سقوط المهر وعدم استحقاق المولى له ، وقد تقدم أن للمشتري
الخيار ، فإن أجاز لزم المهر فكان له ، لأن الإجازة كالعقد المستأنف ، وإن فسخ سقط
المهر ، لأن الفرقة قبل الدخول إذا كانت من قبل المرأة توجب سقوطه ، وهي هنا من
المالك للبضع ، فيكون بمنزلة المرأة كما لو كان من قبلها ، وهذا هو المشهور بين
المتأخرين من ابن إدريس فمن دونه.
وقال ابن إدريس
ـ رحمهالله ـ : إذا زوج أمته من غيره وسمى لها مهرا معينا ثم باع
المولى الجارية قبل الدخول بها لم يكن لها المطالبة بشيء من المهر ، لأن الفسخ
جاء من قبل مولى الجارية ، وكل فسخ جاء من قبل النساء قبل
الدخول بهن فإنه يبطل مهورهن ، وكذلك ليس لمن يشتريها أيضا المطالبة بالمهر
إلا أن يرضى بالعقد ، فإن رضي المشتري بالعقد كان رضاه كالعقد المستأنف وله حينئذ
المطالبة بالمهر كملا ، فإن كان الزوج قد دخل بها قبل أن يبيعها مولاها الأول فإن
المهر للأول يستحقه جميعه ، لأن بالدخول يستقر جميع المهر وله المطالبة به ، فإن
رضي المولى الثاني الذي هو المشتري بالعقد الأول لم يكن له مهر على الزوج وإن لم
يرض بالعقد الأول انفسخ النكاح ، وكان للمولى الأول المطالبة بكمال المهر إن لم
يكن استوفاه ولا قبضه. انتهى ، وعلى هذه المقالة جرى من تأخر عنه.
وقال الشيخ في
النهاية : وإذا زوج الرجل أمته من غيره وسمى لها مهرا معينا ، وقدم الرجل من المهر
شيئا معينا ثم باع الرجل الجارية لم يكن له المطالبة بباقي المهر ، ولا لمن
يشتريها إلا أن ترضى ، وتبعه ابن البراج في هذه المقالة.
أقول : والشيخ
قد عول فيما ذكره هنا على ما رواه في التهذيب عن أبي بصير عن أحدهما عليهماالسلام «في رجل زوج مملوكة له من رجل حر على أربعمائة درهم ، فجعل له مائتي درهم
وأخر عنه مائتي درهم فدخل بها زوجها ، ثم إن سيدها باعها بعد من رجل ، لمن تكون
المائتان المؤخرتان على الزوج؟ قال : إن كان الزوج دخل بها وهي معه ولم يطالب
السيد منه بقية المهر حتى باعها فلا شيء عليه ولا لغيره ، وإذا باعها السيد فقد
بانت من الزوج الحر إذا كان يعرف هذا الأمر».
وهذه الرواية
ردها المتأخرون بضعف الاسناد ، قال في المسالك بعد نقل قول الشيخ المذكور : واستند
في هذا التفصيل إلى رواية ضعيفة السند لا تصلح لإثبات مثل هذا الحكم الذي لا يوافق
الأصول. ونحوه كلام سبطه في شرح النافع.
__________________
ونقل عن الشيخ
أنه أجاب عنها في كتابي الأخبار بحمل الدخول على الخلوة دون الإيلاج ، قال : وقوله
«إن لم يكن أوفاها بقية المهر» معناه إن لم يكن فعل الدخول الذي باعتباره يجب أن
يوفيها المهر ثم باعها لم يكن له شيء ـ للفسخ بالبيع من قبله قبل الدخول ـ ولا
لغيره إذا لم يجز العقد ، وبذلك أجاب في المختلف أيضا ، وبعده أظهر من أن يخفى.
ومن أجل ذلك
اعتمدوا على ما ذهب إليه ابن إدريس إلا أن ظاهر شيخنا في المسالك الميل إلى أنه في
صورة عدم الدخول وإجازة العقد يكون المهر للأول لوجوبه وهي ملكه ، أو نصفه بناء
على أن البيع بمنزلة الطلاق كما صرحت به النصوص المتقدمة ، ولا ريب في تنصفه
بالطلاق فينتصف هنا بالبيع أيضا.
وقواه سبطه في
شرح النافع بالنسبة إلى المهر كملا ، قال ـ قدسسره ـ : ويحتمل قويا القول بكون المهر للأول مع إجازة
الثاني العقد لدخوله في ملكه بالعقد ، والإجازة تقرير للعقد الأول ، وليست عقدا
مستأنفا ، ويؤيده اتفاق الأصحاب ظاهرا على أن الأمة المزوجة إذا أعتقت قبل الدخول
فأجازت العقد يكون المهر للسيد ، والحكم في إجازة الأمة بعد العتق وإجازة المشتري
واحد.
وربما فرق
بينهما بأن البيع معاوضة تقتضي تمليك المنافع تبعا للعين ، فتصير منافع البضع
مملوكة للمشتري بخلاف العتق فإنه لا يقتضي تمليكا ، فإنما هو فك ملك ، ففي الأمة
المعتقة يكون المنافع كالمستثناة للسيد وفي البيع ينتقل إلى المشتري ، وفي الفرق
نظر يعلم مما حررناه ، انتهى.
أقول ـ وبالله
التوفيق ـ : لا يخفى أن الرواية المذكورة قد رواها الشيخ بهذا النحو الذي قدمنا
ذكره ، ورواها الصدوق وكذا الشيخ أيضا مرة ثانية بنحو آخر يأتي ذكره إن شاء الله
تعالى ، وهي بناء على ما قدمنا ذكره موافقة لما صرح به ابن إدريس ومن تبعه من أنه
مع الدخول قبل البيع فالمهر للمولى الأول وتوهم المنافاة فيها من حيث حكمه عليهالسلام بعدم استحقاق المولى الأول وغيره باقي
المهر إذا دخل بها ولم يطلبه السيد بذلك مبني على مسألة أخرى : وهي أن
الدخول هل يسقط الأجل أم لا؟ كما سيأتي إن شاء الله تعالى في باب المهور.
ودلت جملة من
الأخبار الصحيحة الصريحة في الزوجة الحرة على مثل ما دلت عليه هذه الرواية ، ولكن
المشهور بين الأصحاب الاعراض عن هذه الروايات لمخالفتها لمقتضى الأصول الشرعية ،
وحينئذ فلا طعن في هذه الرواية من هذه الجهة ، فكل من عمل بتلك الروايات عمل بهذه
الرواية أيضا ، وكل من أطرحها أطرح هذه الرواية أيضا.
وروى هذه
الرواية أيضا الصدوق في الفقيه عن الحسن بن محبوب عن سعدان بن مسلم عن أبي بصير عن
أحدهما عليهماالسلام «في رجل زوج مملوكة له من رجل حر على أربعمائة درهم فعجل له مائتي درهم ،
ثم أخر عنه مائتي درهم فدخل بها زوجها ، ثم أن سيدها باعها بعد من رجل ، لمن تكون
المائتان المؤخرة عليه؟ فقال : إن لم يكن أوفاها بقية المهر حتى باعها فلا شيء له
عليه ولا لغيره ، وإذا باعها السيد فقد بانت من الزوج الحر إذا كان يعرف هذا الأمر
، وقد تقدم من ذلك على أن بيع الأمة طلاقها».
أقول :
والتقريب في هذه الرواية كما في السابقة ، وإن كان في السابقة أصرح من حيث التصريح
بعدم الدخول في الجواب ، وقوله ولم يطلب السيد منه بقية المهر حتى باعها.
وبالجملة
فالرواية على كل من النقلين ظاهرة في ما ذكرناه من التقريب المذكور ، وبذلك يظهر
أنه لا موجب لردها بالضعف ، ولا ضرورة إلى ما ارتكبه الشيخ ومثله العلامة في
المختلف من ذلك التأويل البعيد.
بقي الكلام
فيما مال إليه في المسالك من تقوية احتمال المهر أو نصفه في صورة عدم الدخول.
__________________
أقول : هذا
الاحتمال بالنسبة إلى النصف ضعيف إذ التشبيه بالطلاق لا يقتضي أن يكون من كل وجه
كما تقدم ذكره ، بل إنما أريد من حيث تسلط المشتري على الفسخ كما تقدم ذكره ، وأما
بالنسبة إلى المهر كملا فإشكال ، لعدم النص ، إذ مورد الرواية المتقدمة إنما هو
صورة الدخول ، وليس غيرها في الباب ، والتعليلات الاعتبارية مع كونها لا تصلح
لتأسيس الأحكام الشرعية متصادمة من الطرفين ، ومتعارضة في البين ، وفي المسألة
أقوال ضعيفة ليس في التعرض لها مزيد فائدة والله العالم.
فائدة
قوله عليهالسلام في رواية الفقيه «وإذا باعها السيد فقد بانت من الزوج
الحر إذا كان يعرف هذا الأمر إلى آخره». الظاهر من هذا الكلام أن البينونة بالبيع
مخصوص بالشيعة الإمامية ، وحينئذ فهذا الزوج متى كان منهم وهو عارف بمذهبهم فإنه
قد قدم على ذلك ، أو أنه قد تقدم له العلم بذلك ، وهو يدل بمفهومه على أنه لو لم
يكن إماميا فلا يلزمه ذلك ولا تبين بالبيع.
ونظير ذلك ما
ورد في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قلت له : الرجل يزوج أمته من رجل حر ثم يريد أن
ينزعها منه ويأخذ منه نصف الصداق فقال : إن كان الذي زوجها منه يبصر ما أنتم عليه
ويدين به فله أن ينزعها منه ويأخذ منه نصف الصداق ، لأنه قد تقدم من ذلك على معرفة
أن ذلك للمولى ، وإن كان الزوج لا يعرف هذا ، وهو من جمهور الناس يعامله المولى
على ما يعامله به مثله ، فقد تقدم على معرفة ذلك منه».
ومورد هذا
الخبر هو جواز تفريق السيد بين أمته وبين من زوجه بها حرا كان أو عبدا لغيره ،
والمشهور هنا أن الطلاق بيد العبد ، ولكن جملة من الأخبار
__________________
ومنها هذا الخبر دلت على أن الأمر بيد السيد ، ويظهر من هذا الخبر حمل تلك
الأخبار الدالة على أن الطلاق بيد العبد على التقية كما سيجيء ذكره ان شاء الله
تعالى.
وحاصل المعنى
في الخبر المذكور أنه إن كان الذي زوجه المولى إماميا عارفا بمذهب الإمامية في
جواز نزع المولى أمته متى أراد ، فللمولى نزعها منه وأخذ نصف الصداق ، لأنه إنما
تزوجها قادما على ذلك ، وإن لم يكن إماميا عامله بمقتضى مذهبه من عدم جواز النزع ،
بل يكون الطلاق بيد العبد لا اختيار للمولى فيه ، هذا حاصل المعنى فيه ، ومنه يفهم
حمل تلك الأخبار الدالة على ما هو المشهور من أن الطلاق بيد العبد على التقية إلا
أنه لا قائل بذلك كما سيأتي تحقيق المسألة في محلها إن شاء الله تعالى ، والله
العالم.
المسألة
الثالثة : قد تقدم في الموضع الثاني من المسألة الأولى الكلام
فيما لو زوج السيد عبده بحرة ثم باعه من أنه هل للمشتري الخيار في الفسخ كما هو
المشهور أم لا ، كما ذهب إليه ابن إدريس وجميع من تأخر عنه ، وأوضحنا ما اقتضته
الأدلة في المسألة.
بقي هنا خلاف
آخر في المهر ، وتفصيل الكلام فيه أنه لا إشكال في أن السيد إذا زوج عبده لزمه
المهر ، إلا أنه متى باعه بعد الدخول فقد استقر المهر ولزم السيد كملا ، وإن باعه
قبل الدخول فالذي صرح به الشيخ وجماعة هو تنصيف المهر ، لما تقرر في نظيره من أن
الفرقة قبل الدخول توجب تنصيف المهر كالطلاق.
ويؤيده تأكيدا
هنا رواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليهالسلام «في رجل زوج مملوكا له امرأة حرة على مائة درهم ثم إنه باعه قبل أن يدخل
عليها ،
__________________
فقال : يعطيها سيده من ثمنه نصف ما فرض لها ، إنما هو بمنزلة دين استدانه
بأمر سيده» .
وأنكر ابن
إدريس ذلك هنا كما أنكر ثبوت الخيار للمشتري لما علم من ثبوت المهر بالعقد ،
وتنصيفه بالطلاق قبل الدخول وقع على خلاف مقتضى الأدلة ، فيقتصر فيه على مورده ،
وإلحاق غيره به قياس ، والرواية المذكورة ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة.
أقول : وملخص
الكلام هنا يرجع إلى أنه من يعمل على هذا الاصطلاح المحدث فلا شك في قوة قول ابن
إدريس عنده ، ولهذا مال إليه جملة من المتأخرين منهم صاحب المسالك وغيره ، ومن لا
يرى العمل به فالدليل عنده موجود وهي الرواية المذكورة ، وروايات أخر في موارد أخر
أيضا.
منها ما تقدم
في المورد الرابع في المهر من الفصل الثالث في المتعة من موثقة سماعة قال : «سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها ثم جعلته
في حل من صداقها ، أيجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا ، قال : نعم إذا جعلته في
حل فقد قبضته منه فإن خلاها قبل أن يدخل بها ردت المرأة على الرجل نصف الصداق».
والتقريب فيها
أنه لو لا أن الحكم تنصيف المهر هنا لكان الواجب أن لا ترد إليه شيئا أو ترد
الجميع كما لا يخفى ، وفي رواية علي بن أبي حمزة المذكورة دلالة على أن المهر في
الصورة المذكورة على السيد كما هو المشهور ، لا أنه يتعلق بكسب العبد كما ذهب إليه
الشيخ ، وقد تقدم الكلام في ذلك في التذنيب الأول
__________________
من المسألة الاولى من المطلب الأول من هذا الفصل ، والله العالم.
المقام
الثالث في الطلاق : لا خلاف نصا وفتوى فيما أعلم في أنه إذا زوج السيد عبده أمته ، فإن
الطلاق بيد السيد ، وله أن يأمر به وأن يفرق بينهما بغير لفظ الطلاق.
ومن الأخبار في
ذلك ما رواه في الكافي عن ليث المرادي قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن العبد هل يجوز طلاقه ، فقال : إن كانت أمتك فلا ، إن
الله عزوجل يقول «عَبْداً مَمْلُوكاً
لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ»
وإن كانت أمة قوم آخرين أو حرة جاز طلاقها».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا كان العبد وامرأته لرجل واحد ، فإن المولى
يأخذها إذا شاء وإذا شاء ردها ، وقال : لا يجوز طلاق العبد إذا كان هو وامرأته
لرجل واحد إلا أن يكون العبد لرجل والمرأة لرجل ، وتزوجها بإذن مولاها وإذن مولاها
، فإن طلق وهو بهذه المنزلة فإن طلاقه جائز».
وما رواه الكافي
عن علي بن يقطين في الموثق عن العبد الصالح عليهالسلام في حديث قال : «وسألته عن رجل زوج غلامه جاريته ، فقال
: الطلاق بيد المولى».
وما رواه في
التهذيب عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليهالسلام قال : طلاق
__________________
العبد ـ إذا تزوج امرأة حرة ، أو تزوج وليدة قوم آخرين ـ إلى العبد ، وإن
تزوج وليدة مولاه كان هو الذي يفرق بينهما إن شاء ، وإن شاء نزعها منه بغير طلاق».
وما رواه في
الكافي عن عبد الله بن سنان في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «سمعته يقول : إذا زوج الرجل عبده أمته ثم
اشتهاها ، قال له : اعتزلها فلما طمثت وطأها ، ثم يردها عليه إذا شاء».
وما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن قول الله عزوجل «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
النِّساءِ إِلّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ»
قال هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته فيقول له : اعتزل امرأتك ولا تقربها
ثم يحبسها عنه حتى تحيض ثم يمسها ، فإذا حاضت بعد مسه إياها ردها عليه بغير نكاح».
وما رواه في
الكافي عن عمار الساباطي في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يزوج جاريته من عبده فيريد أن
يفرق بينهما ، فيفر العبد ، كيف يصنع؟ قال : يقول لها : اعتزلي فقد فرقت بينكما ،
فاعتدي فتعتد خمسة وأربعين يوما ثم يجامعها مولاها إن شاء ، وإن لم يفر قال له مثل
ذلك ، قلت : فإن كان المملوك لم يجامعها؟ قال : يقول لها : اعتزلي فقد فرقت بينكما
ثم يجامعها مولاها من ساعته إن شاء ولا عدة عليها».
وعن حفص بن
البختري في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا كان للرجل أمة فزوجها مملوكه فرق بينهما إذا
شاء ، وجمع بينهما إذا شاء».
__________________
وما رواه في
التهذيب عن محمد بن مسلم في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل ينكح أمته من رجل أيفرق بينهما إذا شاء؟ فقال :
إن كان مملوكه فليفرق بينهما إذا شاء ، إن الله تعالى يقول «عَبْداً مَمْلُوكاً
لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ»
فليس للعبد شيء
من الأمر وإن كان زوجها حرا فإن طلاقها صفقتها».
قوله عليهالسلام «فإن طلاقها صفقتها» أي الطلاق الذي بيد المولى في هذه الصورة إنما هو
بيعها كما تقدم.
وأما ما رواه الشيخ
عن علي بن سليمان قال : «كتبت إليه : جعلت فداك ، رجل له غلام وجارية ،
زوج غلامه جاريته ، ثم وقع عليها سيدها ، هل يجب في ذلك شيء؟ قال : لا ينبغي له
أن يمسها حتى يطلقها الغلام».
فهو مع ضعف
سنده شاذ لا يلتفت إليه بعد ما عرفت من هذه الأخبار المستفيضة ، وقد حمله الشيخ
على أن المعنى حتى تبين من الغلام وتعتد وتصير في حكم المطلقة ، وذلك يكون
بالتفريق الذي قدمناه ، انتهى.
وبالجملة فإن
الحكم مما لا خلاف فيه كما عرفت ، إنما الخلاف فيما لو لم تكن الزوجة أمة المولى
بأن تكون حرة أو أمة لغيره ، والمشهور بين الأصحاب أن الطلاق بيد العبد وليس للسيد
إجباره على ذلك ، ولا نهيه عنه ، وذهب جمع منهم ابن أبي عقيل وابن الجنيد إلى نفي
ملكية العبد للطلاق إلا بإذن السيد.
والأصل في هذا
الخلاف ما عليه الأخبار من الاختلاف ، فمما يدل على القول المشهور ما تقدم من
رواية ليث المرادي ورواية أبي الصباح ورواية محمد بن الفضيل ، إلا أن الأخيرة أظهر
دلالة ، حيث دلت على أن أمر الطلاق إلى العبد ، بخلاف الأولتين ، فإن غاية ما دلتا
عليه أن طلاق العبد جائز ، وهو لا ينفي طلاق السيد إلا أن يقال : إنه لا قائل
بالتشريك بينهما في الطلاق ، فحيث دلتا على جواز
__________________
وقوعه منه مع عدم القول بالتشريك اقتضى ذلك اختصاصه به.
ومنها أيضا ما
رواه في الكافي عن أبي بصير قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن الرجل يأذن لعبده أن يتزوج الحرة أو أمة قوم ، الطلاق
إلى السيد أو إلى العبد؟ قال : الطلاق إلى العبد».
وفي الموثق عن
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن رجل تزوج غلامه جارية حرة ، فقال :
الطلاق بيد الغلام فإن تزوجها بغير إذن مولاه فالطلاق بيد المولى».
وعن علي بن
يقطين في الموثق عن العبد الصالح عليهالسلام قال : «سألته عن رجل تزوج غلامه جارية حرة ، فقال : الطلاق
بيد الغلام ، قال : وسألته عن رجل زوج أمته رجلا حرا؟ فقال : الطلاق بيد الحر».
ويؤيده أيضا قوله
عليهالسلام «الطلاق بيد من أخذ بالساق».
ومما يدل على
القول الثاني ما رواه الشيخ في الصحيح عن بكير وبريد بن معاوية عن أبي جعفر وأبي
عبد الله عليهماالسلام «أنهما قالا في العبد المملوك : ليس له طلاق إلا بإذن مولاه».
وما رواه في
الفقيه والتهذيب عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام «قالا : المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلا بإذن سيده قلت : فإن كان
السيد زوجه ، بيد من الطلاق؟ قال : بيد السيد «ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً
عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ
__________________
عَلى
شَيْءٍ» الشيء الطلاق».
وما رواه في
التهذيب عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يزوج عبده أمته ثم يبدو له
فينزعها منه بطيبة نفسه ، أيكون ذلك طلاقا من العبد؟ فقال : نعم ، لأن طلاق المولى
هو طلاقها ، ولا طلاق للعبد إلا بإذن مولاه».
وعن شعيب
العقرقوفي في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سئل وأنا عنده أسمع عن طلاق العبد ، قال : ليس له
طلاق ولا نكاح ، أما تسمع الله تعالى يقول «عَبْداً مَمْلُوكاً
لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ»
قال : لا يقدر
على طلاق ولا نكاح إلا بإذن مولاه».
وعن محمد بن
علي عن أبي الحسن عليهالسلام قال : «إذا تزوج المملوك حرة فللمولى أن يفرق بينهما ،
وإن زوجه المولى حرة فله أن يفرق بينهما».
هذا ما حضرني
من أخبار القولين ، والشيخ حمل هذه الأخيرة من حيث إطلاقها على ما إذا كانت زوجة
العبد أمة مولاه كما قيد به بعضها.
وأنت خبير بأن
هذا وإن تم في بعضها إلا أنه لا يتم في بعض آخر ، مثل قوله في صحيحة زرارة «قلت :
وإن كان السيد زوجه بيد من الطلاق؟ قال : بيد السيد». فإن ظاهره كون الزوجة أجنبية
غير أمته ، وأظهر منه قوله في رواية محمد بن علي «وإن زوجه المولى حرة فله أن يفرق
بينهما».
وبالجملة فإن
ظاهرها باعتبار ضم بعضها إلى بعض إنما هو بالنسبة إلى كون الزوجة غير أمة السيد.
وظاهر شيخنا الشهيد
الثاني في المسالك هو الميل إلى القول الثاني لصحة أخباره ، حيث إنه ـ بعد أن ذكر
حمل الشيخ المذكور ـ رده بأن الجمع بين
__________________
الأخبار بتقييد بعضها ببعض فرع حصول المعارضة ، وتلك الأخبار لضعفها لا
تبلغ قوة المعارضة لهذه الأخبار الصحيحة ، إلا أن شيخنا المذكور لم ينقل للقول
المشهور إلا الروايات الثلاث الأول ، وهي رواية ليث وأبي الصباح ومحمد بن الفضيل.
وظاهر سبطه
السيد السند في شرح النافع بعد الاشكال الميل إلى القول المشهور حيث إنه قد طعن في
أدلة القول الثاني بأن غاية ما يدل عليه أكثرها وهو ـ ما عدا صحيحة شعيب العقرقوفي
ـ توقف طلاق العبد على إذن مولاه ، لا أن الطلاق بيد السيد ، وحينئذ فهو غير واضح
الدلالة نعم صحيحة شعيب صريحة في المطلوب ، قال : والجمع بينهما
وبين الأخبار المتقدمة لا يخلو من الاشكال والمسألة محل تردد ، وإن كان القول
المشهور لا يخلو من قرب ، لاستفاضة الروايات به واعتبار أسانيد بعضها واعتضادها
بعمل الأصحاب ، انتهى.
أقول : من
العجب هنا خروج السيد المذكور ـ توجه الله بتاج السرور ـ عن مقتضى قاعدته في
الدوران مدار الأسانيد صحة وضعفا ، ودوره مدار صحة السند وإن اشتمل متن الخبر على
علل واضحة كما أوضحناه في غير موضع مما تقدم.
وكيف كان
فالمسألة عندي محل إشكال لما عرفت من تعارض أخبارها ، وعدم استقامة ما ذكره الشيخ
من الجمع ، إلا أنه قد روى العياشي في تفسيره بسند فيه عن الحسين بن زيد بن علي ، عن جعفر بن محمد عليهالسلام قال : كان علي بن أبي طالب عليهالسلام يقول «ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً
عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ»
ويقول : «للعبد
لا طلاق ولا نكاح ، ذلك إلى سيده ، والناس يرون خلاف ذلك إذا أذن السيد لعبده ،
__________________
لا يرون له أن يفرق بينهما».
ويفهم من هذا
الخبر أن ما دل على القول المشهور من الأخبار إنما خرج مخرج التقية ، وأن الحكم
الشرعي في المسألة إنما هو القول الثاني ، وأنت خبير بأن ظاهر الآية أيضا ليشهد
لهذا القول كما ذكره عليهالسلام في هذا الخبر.
وحينئذ فيحصل
الترجيح لأخبار القول الثاني بموافقته ظاهر القرآن الذي هو أحد المرجحات المنصوصة
ومخالفة العامة كما يفهم من هذا الخبر التي هي أيضا أحد المرجحات المنصوصة مضافا
ذلك إلى صحة أخباره ، وبه يظهر قوة القول به ، وزوال ما ذكرنا آنفا من الاشكال ،
والله العالم.
تنبيهات
الأول : قد تقدم في المسألة الخامسة من المطلب الأول تحقيق الكلام في أن نكاح
السيد عبده أمته هل هو ضرب من ضروب النكاح كتزويج غيرها يفتقر إلى العقد المشتمل
على الإيجاب والقبول ونحوهما ، فلا يكفي مجرد الاذن كما هو ظاهر المشهور؟ أم يكفي
مجرد الاذن والتحليل كما هو قول ابن إدريس؟ وقد حققنا الكلام ثمة في المقام بما لا
يحوم حوله نقض ولا إبرام ، وبينا أن الظاهر من الأخبار هو كون ذلك نكاحا ، إلا أنه
ليس كغيره من العقود المفتقرة إلى تلك الشرائط المقررة ولا سيما القبول ، فإنه هنا
غير مشترط ، وإنما هو نوع خاص منه.
ومما يشير إلى
ما قلناه من الروايات في هذه المسألة زيادة على ما تقدم ثمة قوله في موثقة علي بن
يقطين «وسألته عن رجل زوج غلامه جاريته» ، وقوله عليهالسلام
في رواية محمد
بن الفضيل «وإن تزوج وليدة مولاه كان هو الذي يفرق بينهما» ، وقوله عليهالسلام
في صحيحة عبد
الله بن سنان «إذا زوج الرجل عبده أمته» ، ونحوها موثقة عمار ، والتزويج عبارة عن
العقد.
وبالجملة فإن
تحقيق الكلام قد مر مستوفى في الموضع المتقدم ذكره ،
والذي يتلخص من الكلام في المسألة كون الأقوال فيها ثلاثة :
(أحدهما) ـ وهو
المشهور ـ اشتراط وقوع النكاح بالإيجاب والقبول.
و (ثانيها)
الاكتفاء بالإيجاب مع تسميته نكاحا ، وهذا هو الذي اخترناه ثمة ، وبه صرح العلامة
في المختلف ، وإليه يميل كلام شيخنا في المسالك.
و (ثالثها)
كونه إباحة يكفي فيه كل ما دل على الاذن ، وهو مذهب ابن إدريس.
الثاني : المفهوم من الروايات المتقدمة أنه يكفي في فسخ المولى لهذا النكاح كل لفظ
دل عليه من طلاق أو غيره حتى مجرد أمرهما بالتفريق واعتزال أحدهما الآخر ، وهو وإن
كان بالقول بالإباحة كما ذهب إليه ابن إدريس أنسب ، إلا أنك قد عرفت دلالة الأخبار
على إطلاق التزويج والنكاح عليه الموجب لكونه عقدا ، وقد دلت أيضا على أن رفع هذا
العقد بيد السيد بأي نحو فعل ، فلا بعد في ارتفاعه بغير الطلاق كما يرتفع النكاح
بالفسخ في مواضع عديدة.
والظاهر أنه إن
وقع التفريق بالطلاق واستجمع شروط الطلاق من الشاهدين وكونه في طهر لم يواقعها فيه
ونحو ذلك سمي طلاقا ، وإن لم يستجمع الشروط فإنه يكون فسخا إذ لا يقصر عن غيره من
الألفاظ الدالة على الفسخ كالأمر بالاعتزال ونحوه بل هو أظهر في ذلك.
وقيل : إن جميع
ما يفسخ به النكاح يكون طلاقا ، لإفادته فائدته كالخلع.
وقيل : إنه إن
وقع بلفظ الطلاق كان طلاقا مطلقا ، فإن اتفق خلل في بعض شروطه وقع باطلا لا فسخا ،
وإن جمع الشروط كان طلاق حقيقا ، وإن وقع الفسخ بغير لفظ الطلاق لم يكن طلاقا ،
واختار في المسالك الأول من هذه الأقوال الثلاثة.
الثالث : لو أمر المولى العبد بالطلاق ولم يباشره بنفسه ، فهل يكون مجرد الأمر
للعبد بذلك فسخا من السيد أم لا؟ قيل فيه وجهان :
(أحدهما) نعم ،
لدلالته عليه كما دل عليه ما هو أضعف منه كالأمر بالاعتزال ونحوه.
و (ثانيهما)
العدم لأن المفهوم إرادة إيجاده من العبد فلا يحصل قبله ، ولأن الأمر بالطلاق
يستدعي بقاء الزوجية إلى حين إيقاعه ، فلو دل على الفسخ قبلها ، لتنافي مدلول
اللفظ ، ولأنه لو دل على الفسخ لامتنع فعل مقتضاه ، ووجه الملازمة أن الفسخ لو وقع
لامتنع الطلاق مع أنه مأمور به ، فلا يكون ممتنعا.
وأجيب عنه بأن
دلالته على إيجاد الطلاق مطابقة ، فلا تنافي دلالته بالالتزام على كونه فسخا وهو
المدعى ، ونمنع كون الأمر بالطلاق يستدعي بقاء الزوجية إلى حينه ، وإنما يستدعيه
الطلاق الصحيح ، والقائل بكونه فسخا لا يجعل الطلاق الواقع بعده صحيحا ، وهو جواب
الثالث ، فإن الأمر إذا دل على الفسخ لا ينافيه امتناع فعل مقتضاه من حيث انفساخ
النكاح به ، فلا يتوقف على فسخ آخر.
الرابع : لو طلق الزوج الأمة ثم باعها المالك فلا خلاف في وجوب
عدة الطلاق عليها ، وهل يجب على المشتري مع إكمالها العدة أن يستبرءها زيادة على
العدة؟ قولان مبنيان على التداخل وعدمه.
فقيل : بعدم
التداخل ، وبه قال الشيخ ـ رحمهالله ـ وأتباعه وابن إدريس نظرا إلى أن العدة والاستبراء
حكمان مختلفان ، ولكل منهما سبب يقتضيه ، وتعدد الأسباب يقتضي تعدد المسببات إلا
بدليل يوجب التداخل.
وذهب جملة من
المتأخرين ومنهم المحقق في الشرائع إلى القول بالتداخل واختاره في المسالك وعلله
بوجود الدليل المقتضي ، وهو أن الغرض من الاستبراء إنما هو العلم ببراءة الرحم كيف
اتفق ، ولهذا اكتفى باستبراء البائع ، ويسقط لو كانت امرأة أو حائضا ، والعدة أدل
على ذلك ، ولأنها بقضاء العدة مستبرءة ، فلا يجب عليها استبراء آخر ، لأن وجوب
الاستبراء بالبيع إنما هو من احتمال وطئ البائع لغرض وطئ المشتري ، وكلاهما ممتنع
في صورة النزاع ، انتهى ، وهو من
حيث الاعتبار جيد ، إلا هذه العلة التي اعتمد عليها وهي براءة الرحم غير
مطردة لوجوب العدة في مواضع مع العلم ببراءة الرحم يقينيا كمن طلقها زوجها مع
فراقه لها سنين عديدة ، والمتوفى عنها زوجها وإن لم يدخل بها ، ونحو ذلك.
وبالجملة فإن
علل الشرع ليست عللا حقيقية يدور المعلول معها وجودا وعدما كما تقدم تحقيقه في غير
موضع ، فاحتمال وجوب الاستبراء على المشتري قائم ، والمسألة خالية من النص ،
فالاحتياط فيها مطلوب سيما مع كونها من مسائل الفروج المطلوب فيها الاحتياط زيادة
على غيرها كما تكاثرت به الأخبار.
ثم إن ما فرضنا
به المسألة تبعا لكلامهم من الترتيب بين الطلاق والبيع ـ يطلق الزوج أو لا ثم يبيع
السيد ـ الظاهر أنه متعين ، بل لو باع السيد ثم طلق الزوج قبل فسخ المشتري فإن
الحكم أيضا كما تقدم.
تذنيبان
أحدهما : المشهور في كلام الأصحاب ـ رضياللهعنهم ـ من غير خلاف يعرف أنه إذا زوج السيد أمته لعبده فإنها
تصير من مولاها بمنزلة الأجنبية لا تحل له منها إلا ما يحل له من أمة غيره كنظر الوجه
والكفين بغير شهوة ، ويحرم عليه جميع وجوه الاستمتاع ونظر ما يحل منها بشهوة.
قال في المسالك
: والنصوص به كثيرة ، والوجه في ذلك مع النص أن وجوه الاستمتاع صارت مملوكة للزوج
فيحرم على غيره ، لامتناع حل الاستمتاع بالمرأة لأزيد من واحد شرعا ، انتهى.
وظاهر سبطه
السيد السند في شرح النافع المناقشة في هذا الحكم حيث قال : وأطلق العلامة في جملة
كتبه أن الأمة المزوجة يحرم على مالكها ما يحرم على غير المالك ، وهو غير واضح
المأخذ.
والذي وقفت
عليه في هذه المسألة من الأخبار ما رواه الكليني وابن بابويه في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد
الله عليهالسلام عن الرجل يزوج مملوكته عبده ، أتقوم عليه كما كانت تقوم
فتراه منكشفا أو يراها على تلك الحال؟ فكره ذلك ، وقال : قد منعني أبي أن أزوج بعض
خدمي غلامي لذلك». والظاهر أن المراد بالكراهة هنا التحريم.
وما رواه الشيخ
في الموثق عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يزوج جاريته ، هل ينبغي له أن ترى عورته؟ قال : لا».
ويستفاد من
هاتين الروايتين تحريم النظر إلى العورة وما في معناها مطلقا ولا يبعد تحريم اللمس
والنظر بشهوة أيضا كما ذكره المصنف ، أما تحريم النظر إلى ما عدا العورة وما في
معناه بغير شهوة فمشكل ، لانتفاء الدليل عليه ، والأصل يقتضي العدم ، انتهى.
أقول : وروى
الكليني في الكافي موثقة عبيد بن زرارة وزاد فيها على ما تقدم برواية
الشيخ «وأنا أتقي ذلك من مملوكتي إذا زوجتها».
ومن الأخبار الواردة
في المقام أيضا خبر مسمع عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال أمير المؤمنين عليهالسلام : عشرة لا يحل نكاحهن ولا غشيانهن إلى أن قال : وأمتك
ولها زوج».
وفي حديث مسعدة
بن زيادة عن أبي عبد الله عليهالسلام «تحرم من الإماء عشرة : لا تجمع بين الام والبنت إلى أن قال : ولا أمتك
ولها زوج».
__________________
وروى الحميري
في كتاب قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين ابن علوان عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام قال : «إنه قال : إذا زوج الرجل أمته ، فلا ينظر إلى
عورتها ، والعورة ما بين السرة والركبة».
وأنت خبير بأن
ظاهر هذه الرواية هو تحريم النظر إلى ما بين السرة والركبة أعم من أن يكون بشهوة
أم لا ، وبها يتم الاستدلال للأصحاب فيما تقدم نقله عنهم.
وبالجملة
فالظاهر هو العمل بما قاله الأصحاب ، وفي معنى الأمة المزوجة المحلل وطؤها للغير ،
أما لو حلل منها ما دون الوطي ، فهل تحرم بذلك على المالك؟ إشكال.
وثانيهما : المفهوم من كلام الأصحاب أنه متى كان زوج الأمة حرا أو مملوكا لغير سيد
الأمة ، فإن السيد لا يتسلط على الفسخ بل الطلاق للزوج حرا كان أو عبدا ، أما لو
كان الزوج مملوكا للسيد ، فإن للسيد التسلط على الفسخ كما تقدم مشروحا.
ويدل على
الحكمين المذكورين هنا ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا أنكح الرجل عبده أمته ، فرق بينهما إذا شاء
، قال : وسألته عن رجل يزوج أمته من رجل حر أو عبد لقوم آخرين ، إله أن ينزعها منه؟
قال : لا ، إلا أن يبيعها ، فإن باعها فشاء الذي اشتراها أن يفرق بينهما فرق
بينهما».
وعن محمد بن
مسلم قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل ينكح أمته من رجل أيفرق بينهما إذا شاء؟ فقال :
إن كان مملوكه فليفرق بينهما إذا شاء ، إن الله تعالى يقول «عَبْداً مَمْلُوكاً
لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ»
فليس للعبد شيء
من الأمر ، وإن
__________________
كان زوجها حرا فإن طلاقها صفقتها».
أقول : يعني أن
طلاق السيد وتسلطه على فسخ النكاح إنما يكون ببيعه الأمة.
ومما يدل على
الحكم الأول ما رواه الشيخ في الموثق عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل يزوج أمته من حر؟ قال : ليس له أن ينزعها».
وما رواه المشايخ
الثلاثة عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل أنكح أمته حرا أو عبد قوم آخرين ، فقال : ليس له
أن ينزعها ، فإن باعها فشاء الذي اشتراها أن ينزعها من زوجها فعل».
إلا أنه قد ورد
هنا جملة من الأخبار ظاهرة في المنافاة لما ذكرناه.
ومنها ما رواه الشيخ
في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يزوج جاريته من رجل حر أو عبد ، أله أن ينزعها
بغير طلاق؟ قال : نعم ، هي جاريته ينزعها متى شاء».
والشيخ حمل هذا
الخبر على أن له ذلك بأن يبيعها ، فيكون ببيعه تفريقا بينهما ، ولا يخفى ما فيه من
البعد.
ومنها ما رواه الشيخ
في الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليهالسلام قال : «سألته عن رجل كانت له جارية ، فزوجها من رجل آخر
، بيد من طلاقها؟ قال : بيد مولاه ، وذلك لأنه تزوجها وهو يعلم أنها كذلك».
وهذا الخبر
أيضا حمله الشيخ على ما حمل عليه سابقه ، واحتمل أيضا حمله على كون المولى قد
اشترط على الزوج عند العقد أن بيده الطلاق ، كما دل عليه بعض
__________________
أخبار المسألة ، ولا يخفى بعد الجميع.
ومنها ما رواه في
الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قلت له : الرجل يزوج أمته من رجل حر ، ثم يريد
أن ينزعها منه ، ويأخذ منه نصف الصداق ، فقال : إن كان الذي زوجها منه يبصر ما
أنتم عليه ويدين به ، فله أن ينزعها منه ، ويأخذ منه نصف الصداق ، لأنه قد تقدم من
ذلك على معرفة أن ذلك للمولى ، وإن كان الزوج لا يعرف هذا ، وهو من جمهور الناس
يعامله المولى على ما يعامل مثله ، فقد تقدم على معرفة ذلك منه».
وهذا الخبر كما
ترى ظاهر في أن ما ورد من الأخبار الدالة على أن الطلاق بيد الزوج ، وأن السيد ليس
له انتزاعها إنما خرجت مخرج التقية وأن الحكم الشرعي في المسألة إنما هو رجوع
الاختيار إلى السيد ، فله أن ينزعها.
وإلى ما تضمنه
هذا الخبر يشير أيضا قوله في موثقة إسحاق بن عمار «لأنه تزوجها وهو يعلم أنها كذلك»
يعني يعلم أن للسيد انتزاعها ، وأن طلاقها بيده ، وهو مثل قوله في الخبر «لأنه قد
تقدم من ذلك على معرفة أن ذلك للمولى» وقد تقدم الكلام في بيان معنى هذا الخبر.
وبالجملة فإن
حاصله الجمع بين الأخبار بحمل أخبار القول المشهور على التقية ، وهو جمع حسن بين
الأخبار ، إلا أن الاشكال فيه أنه لا قائل بذلك ، بل المشهور الذي لم يظهر فيه
خلاف إنما هو العكس.
ومنها ما رواه العياشي
في تفسيره على ما نقله عنه شيخنا المجلسي في كتاب البحار ، وروى
عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل ينكح أمته من رجل ، قال : إن كان مملوكا
فليفرق بينهما إذا شاء لأن الله يقول «عَبْداً مَمْلُوكاً
لا
__________________
يَقْدِرُ
عَلى شَيْءٍ» فليس للعبد من الأمر شيء ، وإن كان زوجها حرا فإن
طلاقها صفقتها».
وهذا الخبر كما
ترى أغرب وأعجب حيث دل على الفرق بين الحر والعبد فجعل الطلاق بيد الزوج إن كان
حرا ، وبيد السيد إذا كان عبدا.
ومنها ما رواه العياشي
أيضا عن أبي بصير «في الرجل ينكح أمته لرجل ، إله أن يفرق بينهما إذا شاء؟
قال : إن كان مملوكا فليفرق بينهما إذا شاء؟ قال : إن كان مملوكا فليفرق بينهما
إذا شاء ، لأن الله يقول «عَبْداً مَمْلُوكاً
لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ». فليس للعبد من الأمر شيء ، وإن ان زوجها حرا فرق بينهما إذا شاء المولى».
ويشبه أن يكون قد وقع في هذا الخبر تحريف وتغيير لأن قضية التفصيل المغايرة ، مع
أن مرجعها إلى أمر واحد.
وبالجملة
فالمسألة لما عرفت في غاية الاشكال ، ونهاية الإعضال ، ومن ذكر هذه المسألة من
الأصحاب لم يذكر من الأخبار المنافية للقول المشهور إلا صحيحة عبد الرحمن بن أبي
عبد الله ، وأجاب عنها بما قدمناه نقله عن الشيخ ، والله العالم.
المطلب الثالث في الملك :
قد تقدم أن
نكاح الإماء يقع بالعقد وبالملك ، والأول قد تقدم الكلام فيه. والكلام هنا في
الثاني ، وحيث كان الملك ينقسم إلى ملك الرقبة وملك المنفعة ، فلا بد من بيان
أحكامه في مقامين :
الأول : في ملك الرقبة ، والكلام فيه يقع في مواضع :
الأول : لا
خلاف نصا وفتوى في عدم انحصار النكاح بملك اليمين في عدد ، بخلاف نكاحهن بالعقد.
__________________
ففي صحيحة ابن
أذينة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت : كم يحل من المتعة؟ قال : فقال : هن بمنزلة
الإماء».
وفي حسنة
إسماعيل بن الفضيل «عن أبي عبد الله عليهالسلام فيما أخبر به ابن جريح في أحكام المتعة ، قال : ليس
فيها وقت ولا عدد ، إنما هي بمنزلة الإماء».
وفي حديث أحمد
بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن عليهالسلام في حديث المتعة «حكى زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام : إنما هي مثل الإماء يتزوج ما شاء».
قال في المسالك
: واعلم أن النص والإجماع متطابقان على جواز النكاح بملك اليمين ، وعلى عدم
انحصاره في عدد ، بخلاف نكاحهن بالعقد ، ولعل الوجه فيه خفة حقوق المملوكة ، وكون
استحقاق منافع البضع بالمالية ، فيكون كالتصرف في مطلق الأموال ، فلا يتطرق إليه
ما يتطرق إلى النكاح بالعقد من محذور الحيف والميل ، انتهى.
والحكم مختص
بالرجال ، أما النساء فإن الملك فيهن ليس طريقا إلى حل الوطي.
وروى ابن
بابويه في الصحيح عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قضى أمير المؤمنين عليهالسلام في امرأة أمكنت من نفسها عبد ا لها أن يباع بصغر منها
ومحرم على كل مسلم أن يبيعها عبدا مدركا بعد ذلك».
وروى الكليني الرواية المذكورة ، وزاد فيها «تضرب مائة ، ويضرب العبد
خمسين».
__________________
الثاني : لا خلاف في جواز الجمع بين الأختين وبين الام والبنت في الملك ، ولا
إشكال ، إنما يحرم ذلك في العقد أو الوطي على التفصيل الذي تقدم في مسائل المقصد
الثاني فيما يحرم جمعا من المطلب الثالث فيما يحرم بالمصاهرة ، وكذا يجوز أن يملك
موطوءة الأب كما يجوز للأب ملك موطوءة الابن ، فإنه كما لا يمتنع أن ينتقل إلى
الأب أو الابن مال الآخر كذلك لا يمتنع أن ينتقل إليه مملوكته ، وإن كان قد وطأها
المالك الأول ، وإنما يحرم على كل واحد منهما وطئ من وطأها الآخر لعموم قوله عزوجل «وَلا تَنْكِحُوا ما
نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ»
.
وبالجملة فإن
تحريم الوطي لا يقدح في صحة التملك كما لو تملك بعض من يحرم عليه بالنسب.
الثالث : إذا
بيعت الأمة ولها زوج فإن أجاز المشتري النكاح لم يكن له فسخه بعد ذلك ، لأن الذي
له شرعا هو الخيار ، فإذا أجاز سقط حقه ، ولزم النكاح ، وكذا لو علم وسكت ولم يعرض
له ، لما عرفت آنفا من أن الخيار فوري ، فإذا أعرض بعد علمه بطل خياره ، وإن لم
يجز النكاح انفسخ العقد ، وجاز للمشتري نكاحها ، إلا أنه لا يحل له إلا بعد العدة
، وهي قران ، أو شهر ونصف على قول إن كانت لم تحض ومثلها تحيض ، وقيل : يكفي الاستبراء
بحيضة أو خمسة وأربعين يوما.
وجه الأول :
إطلاق الطلاق على هذا البيع في كثير من الأخبار المتقدمة لكونه سببا في التسلط على
الفسخ ، فإذا حصل الفسخ كان طلاقا بطريق أولى ، كذا ذكره في المسالك ، وفيه ما
عرفت آنفا من أن غاية ما تدل عليه هذه العبارة في الأخبار هو المشابهة للطلاق ،
ويكفي في ذلك مجرد التسلط به على الفسخ كما يشير إليه قوله في صحيحة بريد وبكير
المتقدمة «فإن بيعها طلاقها ، فإن شاء المشتري فرق بينهما ، وإن شاء تركهما على
نكاحهما» وهو لا يستلزم كونه طلاقا لو وقع ، بحيث يترتب عليه ما يترتب على الطلاق
من الأحكام التي من
__________________
جملتها وجوب العدة ، وبذلك يظهر أن قوله «فإذا حصل الفسخ كان طلاقا بطريق
أولى» غير موجه.
ووجه الثاني :
إطلاق النصوص الدالة على استبراء المشتري للأمة إذا اشتراها ، وما نحن فيه من جملة
ذلك ، واستبراؤها كما سيأتي ذكره بحيضة أو خمسة وأربعين يوما.
ومن العجب ما
وقع له في المسالك في هذا المقام ، فإنه نقل في المتن عن المصنف أنه لو لم يجز
نكاحها لم يكن عليها عدة وكفى الاستبراء في جواز الوطي ، ثم إنه قال في الشرح :
وحيث يفسخ المشتري العقد لا تحل له حتى تنقضي عدتها من الفسخ كالطلاق بمعنى قرءين
أو شهر ونصف ـ إلى أن قال : ـ وقيل : ويكفي استبراؤها بحيضة أو خمسة وأربعين يوما
، وهو الذي اختاره العلامة ولم ينقل غيره ، والأقوى الأول ، وهو الذي اختاره
المصنف ولم ينقل غيره. انتهى ملخصا ، وفيه أن المصنف إنما صرح بالاستبراء كما نقله
عن العلامة مع تصريحه بنفي العدة ، فكيف ينسب إليه اختيار القول الأول ، وهو القول
بوجوب العدة.
وأما ما ذكره
من أن الأقوى القول بالعدة بناء على ما قدمنا نقله عنه في بيان وجهه ففيه ما عرفت.
الرابع : قد
صرح الأصحاب من غير خلاف يعرف بأنه يجوز ابتياع ذوات الأزواج من أهل الحرب ولو من
أزواجهن ، وكذا يجوز شراء بناتهم وأبنائهم ولو من الآباء ، ويصيرون ملكا للمشتري ،
ويترتب على هذا التملك أحكامه التي من جملتها وطئ الجارية بملك اليمين ، وعلى ذلك
دلت جملة من النصوص ، وقد تقدمت في كتاب البيع في الفصل التاسع في بيع الحيوان .
ومنها رواية
عبد الله اللحام قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل يشتري
__________________
من رجل من أهل الشرك ابنته ، فيتخذها؟ قال : لا بأس».
وبهذا الاسناد قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يشتري امرأة رجل من أهل الشرك ، يتخذها أم ولد؟
قال : فقال : لا بأس». وأشار بقوله يتخذها إلى الوطي.
وروى الشيخ في
التهذيب عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن سبي الأكراد إذا حاربوا ومن حارب من المشركين ، هل
يحل نكاحهم وشراءهم؟ قال : نعم». إلى غير ذلك من الأخبار المتقدمة ثمة.
وقد صرح جملة
من الأصحاب منهم المحقق الشيخ على في الشرح والشهيد الثاني في المسالك ، بأن إطلاق
البيع على ذلك يعني بالنسبة إلى الشراء من الزوج أو الأب ونحوهما إنما هو بطريق
المجاز ، باعتبار صورته ، فهو بالاستنقاذ أشبه منه بالبيع ، فإنهم فيء للمسلمين
يملكون بمجرد الاستيلاء عليهم ، فإذا حصل البيع كان آكد في ثبوت الملك وتحققه.
قال المحقق
المذكور : نعم في صورة بيع القريب قريبه الذي حقه أن ينعتق عليه إشكال.
وقال في
المسالك : والأقوى أنه لا يترتب عليه أحكامه من طرف المشتري ، حتى لو كان المبيع
قريبه الذي ينعتق عليه عتق بمجرد البيع ، وتسليطه عليه ، لإفادة اليد الملك
المقتضي للعتق.
أقول : قد تقدم
الكلام في ذلك في المسألة الحادية عشر من المقصد الثاني من الفصل التاسع في بيع
الحيوان من كتاب البيع وكذا يجوز شراء ما يبيعه أهل
__________________
الضلال من أهل الحرب وإن كان ذلك للإمام عليهالسلام لحصول الاذن منهم عليهمالسلام وفي رواية الهاشمي المتقدمة ما يدل عليه ، وتقدم أيضا
في المسألة الاولى من المقصد الأول من الفصل التاسع في بيع الحيوان من الأخبار ما يدل عليه.
الخامس : قد
صرح جل الأصحاب بأن كل من ملك أمة بوجه من وجوه التملك ببيع أو هبة أو إرث أو صلح
أو قرض أو استرقاق أو نحو ذلك ، فإنه يجب عليه استبراؤها قبل الوطي.
وخص ابن إدريس
ذلك بالبيع والشراء اقتصارا على مورد النص ، فإنه هو الذي وردت النصوص فيه
بالاستبراء دون غيره من الوجوه المذكورة ، مستدلا على نفيه في غير البيع بالأصل
وعموم «ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ»
.
واحتج الأصحاب
على ما ذهبوا إليه من العموم باشتراك هذه الوجوه في المقتضى لذلك ، وهو العلم
ببراءة الرحم من ماء الغير ، والمحافظة على الأنساب من الاختلاط.
ونقل عن ابن
إدريس أنه وافق الأصحاب أيضا في موضع آخر من كتابه ، ثم إنهم صرحوا أيضا بسقوطه في
مواضع.
أقول : وتحقيق
المسألة بتفصيل هذا الجمال بما يزيل عنه نقاب الاشكال قد تقدم في كتاب البيع في
فصل بيع الحيوان فلا حاجة إلى إعادته ، وإن كان جملة من أصحابنا قد كرروا الكلام
عليه في هذا الموضع أيضا.
نعم هنا موضعان
يسقط الاستبراء فيهما لم يتقدم ذكرهما :
(أحدهما) ما لو
ملك أمة فأعتقها فإن له العقد عليها بعد العتق ، وأن يطأها من غير استبراء ، وإن
كان الأفضل له الاستبراء.
قال في المسالك
: وظاهر الأصحاب الاتفاق عليه ، أما غيره فقد أطلق جملة
__________________
من الأصحاب أنه ليس له ذلك إلا بعد العدة ، ويدل على الحكم الأول جملة من
الأخبار :
منها ما رواه الشيخ
في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام «في الرجل يشتري الجارية فيعتقها ثم يتزوجها ، هل يقع عليها قبل أن يستبرئ
رحمها؟ قال : يستبرئ رحمها بحيضة ، قلت : فإن وقع عليها؟ قال : لا بأس».
وعن عبيد بن
زرارة في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يشتري الجارية ثم يعتقها ويتزوجها ، هل يقع عليها قبل أن يستبرئ
رحمها؟ قال : يستبرئ رحمها بحيضة ، وإن وقع عليها فلا بأس».
وعن أبي العباس
البقباق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل اشترى جارية فأعتقها ثم تزوجها ولم يستبرئ رحمها
، قال : كان نوله أن يفعل ، وان لم يفعل فلا بأس».
وعن ابن أبي
يعفور عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث «. وقال في رجل اشترى جارية ثم أعتقها ولم
يستبرئ رحمها ، قال : كان نوله أن يفعل ، فإذا لم يفعل فلا شيء عليه». قوله «نوله
أن يفعل» أي ينبغي له أن يفعل.
واستدلوا على
الحكم المذكور أيضا بأن الاستبراء إنما للمملوكة ، وهذه قد خرجت بالعتق عن كونها
مملوكة ، فإنها تصير بالعتق أجنبية منه ، نسبتها إليه وإلى غيره على السواء.
وفيه أن هذا
إنما يصلح وجها للنص لا لتأسيس الحكم ، لأن أدلة وجوب الاستبراء على المشتري مطلقة
أو عامة ، فهي شاملة لمن أعتق ولم يعتق ، إلا أنه لما ورد النص باستثناء من أعتق
وجب الوقوف على مورد النص ، وبقي ما عداه
__________________
داخلا تحت الإطلاق.
وكيف كان فإن
هذا الأخبار كما أنها دالة على جواز الوطي من غير استبراء فهي دالة على أفضلية
الاستبراء ، وإطلاق أكثر عبارات الأصحاب تقتضي عدم الفرق بين أن يعلم للأمة وطئ
محرم أم لا ، وقيده العلامة في جملة من كتبه بأن لا يعلم لها وطئ محرم ، وإلا وجب
الاستبراء ، ولا ريب أنه أحوط.
وأما الحكم
الثاني وهو أنه لا يجوز لغيره وطؤها حتى تعتد كالحرة ، فهو مما لا ريب فيه ولا
إشكال إذا كان المولى قد وطأها كما سيأتي الدلالة عليه في حسنة الحلبي وصحيحة
زرارة الآتيتين في الموضع الثاني.
أما لو لم
يطأها المولى فإطلاق جملة من العبارات يقتضي وجوب العدة ، وهو لا يخلو من إشكال ،
إذ لا يظهر هنا وجه للفرق بين الأجنبي والمولى ، لأنها بالعتق صارت أجنبية للجميع
، فوجوب العدة للأجنبي وسقوطها عن المولى لا يظهر له وجه والمفهوم من عبارته في
الشرائع سقوط العدة في الموضعين وهو صريح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك حيث قال
: وحاصل الحكم أن المولى إذا أعتق أمته فلا يخلو إما أن يكون بعد أن وطأها أو قبله
، فإن كان قبل الوطي جاز لغيره تزويجها بغير عدة ولا استبراء ، وإن أمكن أن تكون
موطوءة في ذلك الطهر لغير المعتق ، بأن يكون المعتق اشتراها ثم أعتقها قبل أن تحيض
عنده ، ووجه جواز تزويجها لغيره بغيره استبراء ما تقدم من جواز تزويج مولاها لها
من غير استبراء من حيث إنه مختص بالمالك ، وتابع لنقل الملك ، وهو هنا منتف لأنها
حرة ، انتهى.
أقول : ويمكن
أن يقال على ما ذكره في وجه الجواز إن الذي تقدم في كلامه في الاستدلال على جواز تزويج
المولى من غير استبراء هو الاستدلال بالأخبار
__________________
الثلاثة الأول ، ثم أردفها بالدليل العقلي الذي قدمنا ذكره عنهم ، وقد عرفت
ما فيه ، وأنه لا يصلح لتأسيس حكم شرعي ، وإن صلح لأن يكون وجها للنص ، فلم يبق
إلا الأخبار وموردها إنما هو المولى ، وحينئذ يبقى غير المولى لا دليل عليه فيجب
العدة بالنسبة إليه وبه يزول الإشكال الذي أشرنا إليه آنفا ويقوى الفرق بين المولى
وغيره كما دل عليه إطلاق العبارات المشار إليها آنفا.
قال في المسالك
: وألحق بعضهم بالعتق تزويج المولى للأمة المبتاعة فإنه لا يجب على الزوج
استبراؤها ما لم يعلم سبق وطئ محرم في ذلك الطهر ، وذلك لأن الاستبراء تابع
لانتقال الملك ، وهو منتف هنا ، وعلى هذا فيمكن أن يجعل ذلك وسيلة إلى سقوط
الاستبراء من المولى أيضا بأن يزوجها من غيره ، ثم يطلقها الزوج قبل الدخول ،
فيسقط الاستبراء بالتزويج ، والعدة بالطلاق قبل المسيس ، وإن وجد ما يظن كونه علة
للاستبراء ، وهو اعتبار براءة الرحم من ماء السابق ، فإن العلة مستنبطة لا منصوصة
، ومثله الحيلة على إسقاطه ببيعها من امرأة ونحو ذلك ، انتهى.
أقول : مدار
صحة هذا الكلام من أوله إلى آخره على ما ادعاه من أن العلة في الاستبراء هو طلب
براءة الرحم إنما هي علة مستنبطة وإلا فإن ظاهر النصوص أن الأمر بالاستبراء إنما
هو على جهة التعبد شرعا بذلك.
وفيه أنه قد
روى الكليني في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل اشترى جارية ـ إلى أن قال : ـ قلت : جارية لم تحض ، كيف يصنع بها؟ فقال
: أمرها شديد ، غير أنه إن أتاها فلا ينزل عليها حتى يستبين له إن كان بها حبل ،
قلت : وفي كم يستبين له؟ قال : في خمسة وأربعين ليلة».
وهي ظاهرة كما
ترى في أن العلة في الاستبراء هو اعتبار براءة الرحم من ماء السابق ، وحينئذ فإذا
كانت العلة ذلك كما دل عليه النص فإنه لا يتم ما ادعاه
__________________
ذلك البعض الذي نقل عنه إلحاق تزويج المولى للأمة بالعتق ، فإنه إذا كانت
العلة في الاستبراء شرعا هو ما عرفت ، فإنه لا يختص ذلك بالمشتري ، بل يجري فيه
وفي ذلك الرجل الذي زوجه الأمة ، وتكاثر الأخبار بالنسبة إلى المشتري إنما هو من
حيث كون شرائه لأجل الوطي ، لا من حيث كونه مشتريا ومالكا كما توهموه.
و (ثانيهما) ما
لو كانت الأمة سرية للمولى فأعتقها ، فإنه يجوز له وطؤها بالعقد عليها من غير
استبراء ولا عدة ، وأما غيره فلا يجوز إلا بعد العدة.
ويدل على ذلك
ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله
عليهالسلام عن رجل يعتق سريته ، أيصلح له أن يتزوجها بغير عدة؟ قال
: نعم ، قلت : فغيره؟ قال : لا ، حتى تعتد ثلاثة أشهر» الخبر.
وما رواه في
التهذيب عن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن رجل أعتق سريته ، إله أن يتزوجها بغير
عدة؟ قال : نعم ، قلت : فغيره؟ قال : لا ، حتى تعتد ثلاثة أشهر».
المقام
الثاني : في ملك
المنفعة الحاصل بالتحليل ، والكلام في هذا المقام يقع في موارد :
الأول : المعروف
من مذهب الأصحاب صحة تحليل المولى وطؤ أمته لغيره.
قال ابن إدريس
: إنه جائز عند أكثر أصحابنا المحصلين ، وبه تواترت الأخبار ، وهو الأظهر بين
الطائفة والعمل عليه والفتوى به ، ومنهم من منع منه ، انتهى.
وحكى الشيخ في
المبسوط قولا بالمنع منه ، وهو الذي أشار إليه ابن إدريس بقوله : ومنهم من منع.
ويدل على
المشهور الأخبار المستفيضة المتكاثرة التي يضيق المقام عن الإتيان
__________________
عليها ، ولكن ننقل شطرا منها.
ومنها ما رواه الكليني
والشيخ في الصحيح عن الفضيل بن يسار قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : جعلت فداك إن بعض أصحابنا قد روى عنك أنك قلت : إذا
أحل الرجل لأخيه جاريته فهي له حلال ، فقال : نعم يا فضيل ، قلت له : فما تقول في
رجل عنده جاريته نفيسة وهي بكر أحل لأخيه ما دون فرجها ، إله أن يفتضها؟ قال : لا
، ليس له إلا ما أحل له منها ، ولو أحل له قبلة منها لم يحل له سوى ذلك ، قلت : أرأيت
إن أحل له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضها؟ قال : لا ينبغي له ذلك ، قلت : فإن
فعل ، أيكون زانيا؟ قال : لا ، ولكن يكون خائنا ، ويغرم لصاحبها عشر قيمتها». وزاد
في الكافي «وإن لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها» الحديث.
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن ابن رئاب عن أبي بصير ، وهو مشترك والأظهر
عندي عد حديثهما معا في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن امرأة أحلت لابنها فرج جاريتها ، قال : هو له حلال ،
قلت : أفيحل له ثمنها؟ قال : لا ، إنما يحل له ما أحلت له» الحديث.
وفي الصحيح عن
ضريس بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يحل لأخيه من جاريته وهي تخرج في حوائجه؟ قال : هي له حلال».
__________________
وفي الصحيح عن
محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام في امرأة أحلت لزوجها جاريتها ، فقال : ذلك له ، قال :
فإن كانت تمزح؟ فقال : وكيف له بما في قلبها ، إذا علم أنها تمزح فلا».
وفي الحسن عن
زرارة قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يحل جاريته لأخيه؟ قال : لا بأس ، قال : قلت :
فإنها جاءت بولد» الحديث ، وسيأتي تمامه إن شاء الله قريبا.
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن عبد الكريم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قلت له : في الرجل يحل لأخيه فرج جاريته؟ قال :
نعم ، له ما أحل منها».
وعن أبي بكر
الحضرمي قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام إن امرأتي أحلت لي جاريتها ، فقال : انكحها إن أردت ،
قلت : أبيعها؟ قال : لا ، إنما حل لك منها ما أحلت».
وعن الحسن بن
عطية عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا أحل الرجل من جاريته قبلة لم يجز له غيرها ،
فإن أحل له منها دون الفرج لم يحل له غيره ، وإن أحل له الفرج حل له جميعا».
__________________
وفي الصحيح عن
هشام بن سالم وحفص بن البختري عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يقول لامرأته : أحلي لي جاريتك ، فإني أكره أن تراني منكشفا ،
فتحلها له ، قال : لا يحل له منها إلا ذلك ، وليس له أن يمسها ولا أن يطأها» وزاد
فيه هشام «له أن يأتيها؟ قال : لا يحل له إلا الذي قالت».
وعن محمد بن
إسماعيل بن بزيع قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن امرأة أحلت لي جاريتها؟ فقال : ذلك لك ، قلت : فإن
كانت تمزح؟ قال : كيف لك بما في قلبها ، فإن علمت أنها تمزح فلا».
إلى غير ذلك من
الأخبار ، وسيأتي شطر منها إن شاء الله تعالى في الأبحاث الآتية.
احتج المانعون
على ما نقله في المختلف بقوله عزوجل «وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ
فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ
العادُونَ» وهذا خارج عن القسمين فيدخل تحت العدوان.
وما رواه الحسين
بن علي بن يقطين في الصحيح قال : «سألته عن الرجل يحل فرج جاريته؟ قال :
لا أحب ذلك».
وعن عمار
الساباطي عن الصادق عليهالسلام «في المرأة تقول لزوجها : جاريتي لك قال : لا يحل له فرجها إلا أن تبيعه أو
تهب له».
وأجاب في
المختلف عن الآية بأن المراد بالملك في الآية ما يشمل ملك المنفعة ، فيكون نكاح
التحليل مندرجا تحت الآية ، وعن الحديث الأول بالحمل
__________________
على الاستحباب ، قال : والثاني ضعيف السند ، مع أن الصيغة وهي التحليل لم
توجد ، انتهى.
والأظهر عندي
حمل الخبرين على التقية ، فإن العامة مطبقون على عدم صحة نكاح التحليل وهو من خواص
الإمامية ـ أنار الله برهانهم.
ويشير إلى ما
ذكرنا كلام الشيخ في الجواب عن خبر الحسين بن علي بن يقطين حيث إنه قال : إن هذا
الخبر ورد مورد الكراهة ، والوجه فيه أن هذا مما لا يراه غيرنا ، ومما يشنع علينا
مخالفونا به ، فالتنزه عنه أولى. انتهى ، وهو يرجع إلى الحمل على التقية كما
ذكرناه.
ومن هذه
الأخبار المتقدمة وأمثالها يعلم صحة ما صرح به الأصحاب من أنه يجب الاقتصار في
التحليل على ما تناوله اللفظ ، فلو أحل له قبلة خاصة ـ اقتصر عليها وحرم ما زاد ـ والنظر
خاصة اختص الحل به ، ولو أحل له الخدمة خاصة حرم ما سواها ، ولو أحل له الوطي لم
يحل له الاستخدام. نعم يحل له غيره من ضروب الاستمتاع لدلالته على الوطي بالمطابقة
، ودلالته على باقي وجوه الاستمتاع كالنظر واللمس والقبلة ونحوها بالالتزام ،
وبذلك صرحت رواية الحسن بن عطية.
الثاني : لا
ريب في اعتبار صيغة لهذا النكاح ، فإن مجرد التراضي لا يكفي حل الفروج إجماعا ،
وقد أجمعوا على الجواز بلفظ التحليل ، لأنه هو الوارد في النصوص كما عرفت مما
قدمناه من الأخبار وغيره على هذا المنوال أيضا ، فيصح بقوله : أحللت لك وطؤ فلانة
، أو : جعلتك في حل من وطئها ، قاصدا به الإنشاء.
واختلفوا في
لفظ الإباحة ، فالمشهور ـ وهو قول الشيخ في النهاية وأتباعه والمرتضى ـ أنه لا
يفيد الحل ، ونقل عن العلامة في أحد قوليه وقوفا على ظاهر النصوص ، وتمسكا بالأصل
، وذهب الشيخ في المبسوط وابن إدريس والمحقق والعلامة في القول الآخر وجماعة إلى
الاكتفاء به لمشاركته للتحليل في المعنى ، ويجوز إقامة كل من المترادفين مقام
الآخر كما ذكر في الأصول.
ورد بمنع
الاكتفاء بالمرادف ، فإن في النكاح شائبة العبادة ، وكثير من أحكامه توقيفية ، وفي
معنى الإباحة أذنت لك في وطئها ، وسوغت لك وملكتك ذلك ، فمن جوز الإباحة اكتفى
بهذه الألفاظ لأنها في معناها ، ومن اقتصر على التحليل منع منها.
أقول : وروى
الشيخ في التهذيب عن هشام بن سالم قال : «أخبرنا محمد بن مضارب قال : قال
لي أبو عبد الله عليهالسلام : يا محمد خذ هذه الجارية تخدمك وتصيب منها فإذا خرجت
فارددها إلينا».
وفيه كما ترى
دلالة على الاكتفاء بالكنايات ، فبطريق الأولى الاكتفاء بالإباحة ، وما في معناها
من هذه الألفاظ المذكورة ونحوها.
وأما لفظ
العارية فظاهر المحقق في النافع أنه لا خلاف في المنع منه حيث نقل الاتفاق من
الجميع على المنع.
ويدل عليه ما
رواه في الكافي عن أبي العباس البقباق قال : «سأل رجل أبا عبد الله عليهالسلام ونحن عنده عن عارية الفرج ، فقال : حرام ، ثم مكث قليلا
ثم قال : ولكن لا بأس بأن يحل الرجل جاريته لأخيه».
إلا أنه نقل
السيد السند في شرح النافع عن ظاهر ابن إدريس حصول أبا عبد الله عليهالسلام ونحن عنده عن عارية الفرج ، فقال : حرام ، ثم مكث قليلا
ثم قال : لكن : لا بأس بأن يحل الرجل جاريته لأخيه». إلا أنه نقل السيد في شرح
النافع عن ظاهر ابن إدريس حصول التحليل به ، ثم قال : ويدل عليه رواية الحسن
العطار قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن عارية الفرج ، قال : لا بأس به ، قلت : فإن كان منه
ولد؟ فقال : لصاحب الجارية إلا أن يشترط عليه».
__________________
ثم قال : وهي
ضعيفة بجهالة الراوي ، فالأحوط الاقتصار على لفظ التحليل ، لأنه المتفق وإن كان
الاجتزاء بكل لفظ أفاد الاذن في الوطي لا يخلو من قوة ، انتهى.
أقول : أما ما
ذكره من ضعف الرواية بجهالة الراوي فإنه يمكن المناقشة فيه بأن الحسن العطار هنا
الظاهر أنه الحسن بن زياد العطار الضبي ، وهو ثقة فتكون الرواية صحيحة.
وأما ما ذكره
من الاحتياط أو الاقتصار على لفظ التحليل وإن كان الاجتزاء بكل لفظ أفاد الاذن في
الوطي لا يخلو من قوة فهو جيد ، ويؤيده ما تقدم في غير مقام من أن المدار في العقود
مطلقا على الألفاظ الدالة على الرضاء بمقتضى ذلك العقد بأي لفظ كان ، فهنا بطريق
أولى حيث إنه في الحقيقة لا يخرج عن الإباحة كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى ،
والأمر فيها أوسع دائرة من العقود ويؤيده تأييدا رواية محمد بن مضارب المتقدمة.
بقي الكلام في
تعارض رواية البقباق الدالة على عدم جواز النكاح بالعارية ، ورواية الحسن العطار
الدالة على جوازه ، وأنه لا بأس به ، وقد جمع بينهما في الوافي بحمل العارية في
رواية الحسن على التحليل ، وأنه قد أطلق عليه تجوزا ، ولا بأس به في مقام الجمع ،
والله العالم.
الثالث : اختلف
الأصحاب في أن التحليل هنا هل هو عقد إباحة وتمليك منفعة؟ فنقل عن السيد المرتضى
أنه عقد متعة محتجا على ذلك بأنه ليس ملك يمين ، لأن المفهوم من ملك اليمين ملك
الرقبة فيكون عقدا لانحصار سبب الإباحة في العقد والملك بنص القرآن ، والمشهور أنه
ملك منفعة ، لأنه ليس عقد دوام ، وإلا لم يرتفع إلا بالطلاق وهو باطل إجماعا ، ولا
عقد متعة ، لأنه مشروط بذكر المهر والأجل وهما غير معتبرين في التحليل ، وإذا
انتفى كونه عقدا ثبت كونه تمليك منفعة ، لأن الحل دائر مع العقد والملك على سبيل
منع الخلو ، وإذا انتفى الأول ثبت الثاني.
قال السيد
السند في شرح النافع بعد ذكر ذلك وهو جيد : لو انحصر طريق الحل في المنفعة والملك
، لكنه غير ثابت خصوصا مع استفاضة الأخبار بل تواترها بأن التحليل طريق إلى حل
الوطي ، انتهى.
أقول : فيه أنه
لا ريب في أن مقتضى قوله عزوجل «إِلّا عَلى
أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ،
فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ»
هو انحصار الحل في العقد والملك ، إلا أنه حيث ثبت بالأخبار حصول الحل
بالتحليل فلا بد من إرجاع ذلك إلى أحد الفردين المذكورين في الآية لئلا يلزم طرح
الأخبار المذكورة لخروجها على خلاف ما صرح به الكتاب العزيز حسب ما استفاضت به أخبارهم
عليهمالسلام «أن كل خبر خالف القرآن يضرب به عرض الحائط .
وبالجملة
فاللازم إما منع دلالة الآية على الحصر ، والظاهر أنه لا يقول به لتصريحها بأن من
ابتلى وراء ذلك فهو عاد ، وأما طرح الأخبار المذكورة فالجمع بين الأدلة حيثما أمكن
أولى من طرحها ، وهو هنا ممكن على القول المشهور بحمل الملك في الآية على ما هو
أعم من ملك الرقبة أو المنفعة.
وكيف كان
فالظاهر هو القول المشهور ، إذ لا يخفى على من تأمل الأخبار المتقدمة وما اشتملت
عليه من قوله عليهالسلام «لو أحل له قبلة لم يحل له سواها ، وأنه لا يحل له إلا ما أحل». وقوله «يحل
له ما دون الفرج».
ونحو ذلك أنه
لا مجال للحمل على العقد المدعى هنا ولا معنى له ، بل ليس إلا مجرد الإباحة وتمليك
تلك المنفعة الخاصة التي تعلق بها الاذن ، وكذا ما تضمن أنه لو أحل له الفرج حل له
جميع ذلك ، لا معنى له إلا إباحة الفرج له ، فإنه يستبيح به ما عداه من نظر ولمس
وتقبيل ونحوها ، ولا معنى للعقد هنا بوجه ، فكلام السيد المزبور على غاية من
القصور.
__________________
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن ظاهر الأصحاب وجوب القبول على كل من القولين ، قال في المسالك : أما على
العقد فظاهر ، واما التمليك فلأنه في معنى هبة المنفعة فيكون أيضا من قبيل العقود
، وإنما نفينا عنه اسم عقد النكاح ، لا مطلق العقود ، فالتحقيق أنه عقد في الجملة
على التقديرين ، انتهى.
وفيه أنه لا
يخفى على من راجع الأخبار الواردة في المقام أنها على كثرتها وتعددها لا إشارة
فيها إلى اعتبار القبول كما عرفت من الأخبار المتقدمة ونحوها غيرها فإنها كلها على
هذا المنوال ، بل هي بالدلالة على العدم أنسب وإليه أقرب ، وقد اعترف بذلك أيضا
سبطه السيد السند في شرح النافع ، فقال بعد نقل ذلك عنهم : وليس في الروايات ما
يدل عليه ، بل الظاهر منها خلافة ، انتهى.
ثم إن المشهور
بينهم أنه لا يفتقر إلى تعيين مدة ، ونقل عن الشيخ في المبسوط أنه يفتقر ، ولم نقف
له على دليل ، والروايات على كثرتها خالية من ذلك ، والظاهر أنه لا يشترط فيه ما
تقدم في نكاح الإماء من الاشتراط بفقدان الطول وخوف العنت لإطلاق أكثر الأخبار
وخصوص صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع المتقدمة وهي الأولى منها ، ورواية أبي بكر
الحضرمي المتقدمة أيضا.
الرابع : اختلف
الأصحاب في تحليل السيد أمته لعبده ، فذهب جملة منهم الشيخ في النهاية والعلامة في
المختلف وولده فخر المحققين إلى العدم لصحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن عليهالسلام «أنه سئل عن المملوك أيحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحل له مولاه؟
قال : لا يحل له». واستدلوا أيضا بأنه نوع تمليك ، والعبد ليس أهلا له.
وذهب ابن إدريس
والمحقق في الشرائع إلى الجواز ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في التهذيب عن فضيل مولى راشد قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : لمولاي في
__________________
يدي مال ، فسألته أن يحل لي مما أشتري من الجواري ، فقال : إن كان يحل لك
إن أحل لك فهو حلال ، فسألت أبا عبد الله عليهالسلام عن ذلك فقال : إن أحل لك جارية بعينها فهو لك حلال ،
وإن قال : اشتر منهن ما شئت ، فلا تطأ منهن شيئا إلا من يأمرك ، إلا جارية يراها
فيقول : هي لك حلال ، وإن كان لك أنت مال فاشتر من مالك ما بدا لك».
وإلى هذه
الرواية مع الرواية السابقة أشار المحقق في الشرائع بقوله : وفي تحليل أمته
لمملوكه روايتان : إحداهما المنع ، وظاهر شيخنا في المسالك أنه لم يقف على الرواية
الثانية حيث قال : والرواية التي أشار المصنف إلى دلالتها على الجواز لم نقف عليها
ولا ذكرها غيره ، وإنما التجأ في تعليل هذا القول والاحتجاج له إلى الأدلة العقلية
التي يتكلفونها في أمثال هذا الموضع.
قال : واختار
المصنف الحل لوجود المقتضي ، وانتفاء المانع ، إذ ليس إلا كونه لا يملك ونفي ملكه
مطلقا ممنوع ، سلمنا لكن المراد بالملك هنا الإباحة بمعنى استحقاق البضع وإباحته
لا الملك بالمعنى المشهور لأن ملك البضع لا معنى له إلا الاستحقاق المذكور.
وأنت خبير بما
فيه كما سلف الكلام في مثله في غير موضع ، وقد اتفق لسبطه في شرح النافع أيضا ـ من
حيث عدم وقوفه على الرواية ـ ارتكاب تكلف آخر أيضا ، فقال ـ بعد قول المصنف : وفي
تحليل أمته لمملوكه تردد ، ومساواته للأجنبي أشبه ـ ما هذا لفظه : منشأ التردد من
إطلاقات الروايات المتضمنة لحل الأمة بالتحليل المتناولة للحر والعبد ، ومن صحيحة
علي بن يقطين المتضمنة للمنع من ذلك ، ثم ساق الرواية.
وفيه أن ما
ادعاه من إطلاق الروايات وتناوله للحر والعبد غير مسلم ، إذ لا وجود له في الأخبار
كما لا يخفى على من راجعها ، وقد تقدم لك شطر منها ، فإنه ليس فيها ما يتناول للمملوك
بوجه ، إذ غاية ما دلت عليه وبه صرحت عباراتها
إنما هو الرجل يحل جاريته لأخيه ، ومنها ما هو مخصوص بالمرأة تحل لزوجها أو
المرأة لابنها ونحو ذلك ، وليس فيها إشارة إلى الحل للمملوك بالكلية.
وتردد المصنف
إنما هو من تعارض الخبرين المذكورين ، ولكنه لما لم يطلع على الخبر الدال على
الجواز ارتكب هذا التكلف مع ما عرفت من بطلانه.
وكيف كان
فالظاهر هو حمل صحيحة علي بن يقطين على التقية ، كما قدمنا ذكره في المورد الأول ،
لاعتضاد رواية الجواز المذكورة بجملة من الأخبار الدالة على جواز تسري العبد
الجواري بإذن مولاه.
ومنها ما رواه في
الكافي والتهذيب عن زرارة عن أحدهما عليهماالسلام قال : «سألته عن المملوك كم يحل أن يتزوج؟ قال : حرتان
أو أربع إماء : وقال : لا بأس إن كان في يده مال ، وكان مأذونا له في التجارة أن
يتسري ما شاء من الجواري ويطأهن».
وما رواه في
الكافي عن إسحاق بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المملوك يأذن له مولاه أن يشتري من ماله الجارية
والثنتين والثلاث ورقيقة له حلال؟ قال : يحد له حدا لا يجاوزه».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إذا أذن الرجل لعبده أن يتسرى من ماله ، فإنه
يتسرى كم شاء بعد أن يكون قد أذن له».
وظاهره في
المسالك أيضا حمل صحيحة علي بن يقطين على التقية ، قال : لأن العامة يمنعون
التحليل مطلقا ، إلا أنه من حيث عدم اطلاعه على الرواية المعارضة
__________________
استشكل ، فقال : ومع ذلك ففي تكلف الحمل مع عدم وجود المعارض إشكال ، ثم
قال : إنه لا فرق على القولين بين تحليل عبده لأمته أو عبد غيره إذا أذن سيده
وإنما خص المصنف عبده لموضع النص.
وعندي فيه
إشكال ، لأن التحليل على خلاف الأصل وخارج عن مقتضى القواعد وظاهر القرآن ، ولهذا
أطبق العامة على عدم جوازه ، ولكن لما تكاثرت به أخبارنا من غير معارض فيها أطبق
الأصحاب على جوازه ، إلا الشاذ النادر ، وتكلفوا إدخاله في الآية كما تقدم ، ولا
ريب أن مورد الأخبار كما لا يخفى على من تتبعها إنما هو التحليل للحر خاصة ،
والتحليل للعبد إنما وقع في خبر فضيل مولى راشد ، ومورده مختص بتحليل السيد أمته
لعبده ، وحينئذ فالحكم بتحليل السيد أمته لعبد غيره مع إذن مالك العبد مما لا دليل
له في الأخبار ، وحمله على ما نحن فيه من عبد السيد وأمته كما يفهم من كلامه لا
يخرج عن القياس.
الخامس : قالوا
: لو ملك بعض الأمة ، وكان البعض الآخر حرا ، فأحلت نفسها له ، لم يحل له نكاحها ،
ولو كانت بين شريكين ، فأحل أحد الشريكين حصته لشريكه فقولان : المشهور المنع.
أقول : قد تقدم
تحقيق الكلام في هذا المقام بما يتعلق بكل من المسألتين المذكورتين في المسألة
السادسة من المطلب الأول مفصلا فليرجع إليه.
السادس : إذا
أحل السيد أمته لحر وحصل من التحليل ولد ، فلا يخلو إما أن يشترط في صيغة التحليل
كونه حرا أو رقا ، أو لا يشترط شيء منهما.
وعلى الأول
فإنه يكون حرا ، ولا قيمة على الأب إجماعا.
وعلى الثاني
يبنى على صحة هذا الشرط في نكاح الأمة وعدمه ، وقد تقدم الكلام فيه في المسألة
الثانية من المطلب الأول.
وعلى الثالث
فالمسألة محل خلاف بين الأصحاب ، فالمشهور بين المتأخرين وبه قال الشيخ في الخلاف
والمرتضى وابن إدريس أنه حر ، ولا قيمة على أبيه
وخالف في ذلك الشيخ في النهاية والمبسوط وكتابي الأخبار ، فقال : بأنه رق ،
قال في النهاية : ومتى جعله في حل من وطئها ، وأتت بولد كان لمولاها وعلى أبيه أن
يشتريه بماله إن كان له مال ، وإن لم يكن له مال استسعى في ثمنه ، وإن شرط أن يكون
حرا كان على ما شرط ونحوه في المبسوط وكتابي الأخبار ، ومنشأ هذا الخلاف اختلاف
الأخبار والانظار.
فمما يدل على
القول المشهور ما رواه في الكافي عن زرارة في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليهالسلام «في الرجل يحل جاريته لأخيه؟ فقال : لا بأس بذلك ، قلت : فإنه قد أولدها ،
قال : يضم إليه ولده ، فترد الجارية على مولاها ، قلت : فإنه لم يأذن له في ذلك ،
قال : إنه قد حلله منها فهو لا يأمن ذلك».
وما رواه الشيخ
في الموثق عن إسحاق بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يحل جاريته لأخيه؟ أو حرة حللت جاريتها لأخيها؟
قال : يحل له من ذلك ما أحل له ، قلت : فجاءت بولد ، قال : يلحق بالحر من أبويه».
وعن عبد الله
بن محمد قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يقول لأخيه جاريتي لك حلال ، قال : قد حلت له
، قلت : فإنها قد ولدت ، قال : الولد له والام للمولى ، واني لأحب للرجل إذا فعل
بأخيه أن يمن عليه فيهبها له». أقول : يعني إذا جاءت بولد.
ومما يدل على
القول الآخر ما رواه الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ والشيخ عن ضريس بن عبد الملك في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام «الرجل يحل لأخيه جاريته
__________________
وهي تخرج في حوائجه ، قال : هي له حلال ، قلت : أرأيت إن جاءت بولد ما يصنع
به؟ قال : هو لمولى الجارية ، إلا أن يكون قد اشترط عليه حين أحلها له أنها إن
جاءت بولد فهو حر ، قال : إن كان فعل فهو حر ، قلت : فيملك ولده؟ قال : إن كان له
مال اشتراه بالقيمة».
وروى الشيخ هذه
الرواية في التهذيب بسند آخر ضعيف ، وهو الذي نقله الأصحاب في كتب الاستدلال ،
ولذا ردوا الرواية بذلك كما أشار إليه المحقق في الشرائع ، وصرح به الشارح في
المسالك ، والعلامة في المختلف ، ولم يقفوا على رواية الشيخ لها بالسند الآخر
الصحيح ومثله الصدوق في الفقيه.
ويدل على ذلك صحيحة
الحسن العطار وهو الحسن بن زياد العطار ، وقد وثقة النجاشي قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن عارية الفرج؟ قال : لا بأس به ، قلت : فان كان منه
ولد ، فقال : لصاحب الجارية إلا أن يشترط عليه». والمراد بالعارية هنا التحليل كما
تقدم ذكره.
وما رواه في
التهذيب عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبى الحسن عليهالسلام «في امرأة قالت لرجل : فرج جاريتي لك حلال ، فوطأها فولدت ولدا ، قال :
يقوم الولد عليه بقيمته».
وقد رد
المتأخرون هذه الروايات بضعف الاسناد ، وقال في المسالك : وفي طريق الاولى علي بن
فضال ، والثانية مجهولة بالعطار ، والثالثة بعبد الرحمن بن حماد ، وأراد بالأولى
صحيحة ضريس بناء على نقلها بذلك السند الضعيف كما عرفت ، وأراد بالثانية صحيحة
الحسن العطار ، وبالثالثة رواية إبراهيم بن عبد الحميد ، ومثله العلامة في المختلف
، وكان الحامل لهم على الطعن في الحسن العطار هو ما في الفهرست من قول الشيخ :
الحسن العطار له أصل يروى عنه ابن أبي عمير ،
__________________
وفيه أن الظاهر إن الرجل المذكور هو ما ذكره النجاشي بقوله الحسن بن زياد
العطار مولى بني ضبة كوفي ثقة ـ إلى أن قال : ـ له كتاب يروي عنه ابن أبي عمير فإن
الوصف بالعطار ورواية ابن أبي عمير عنه قد اتفقت عليه العبارتان ، ولكن النجاشي
زاد ذكر الأب ، والشيخ لم يتعرض له ، وبالجملة فالمتأمل في ذلك لا يخفى عليه أن
الرجل واحد.
وأجاب الشيخ عن
الروايات الأولة بالحمل على أحد وجهين :
(الأول) الحمل
على اشتراط الأب الحرية فإنها مجملة قابلة لذلك.
(الثاني) الحمل
على أن يكون ضم ولده إليه ولحوقه به بالقيمة كما هو صريح عبارته في النهاية
المتقدمة ذكرها ، ويبعد الأول قوله عليهالسلام في آخر حسنة زرارة قد حلله منها وهو لا يأمن ذلك ،
ويرجح الثاني قوله عليهالسلام
في آخر رواية
إبراهيم بن عبد الحميد «يقوم الولد عليه بقيمته». وقوله في آخر صحيحة ضريس «قلت :
فيملك ولده؟ قال : إن كان له مال اشتراه بالقيمة».
وقال الصدوق في
كتاب من لا يحضره الفقيه ـ بعد أن أورد حسنة زرارة وصحيحة ضريس ـ ما صورته : قال
مصنف هذا الكتاب ـ رحمة الله عليه ـ : هذان الحديثان متفقان ، وليسا بمختلفين وخبر
حريز عن زرارة قال «يضم إليه ولده». يعني بالقيمة ما لم يقع الشرط بأنه حر. انتهى
، وهو جمع حسن بين الأخبار ، وقد رجحه السيد السند في شرح النافع فإنه قال ـ بعد
نقل كلام الصدوق ـ : وما ذكره من الجمع جيد.
وأما ما احتج
به بعض المتأخرين من عموم الأخبار المتقدمة ـ في المسألة الثانية من المطلب الأول
الدالة على أن ولد الحر لا يكون إلا حرا ـ منظور فيه بأن الدليل هناك مورده
التزويج ، والتحليل أمر آخر ، ولهذا أن الشيخ في المبسوط فرق بين ما إذا قلنا بأن
التحليل عقد كما هو قول المرتضى أو إباحة ، فأوجب إلحاقه بالحر منهما على الأول
وحكم بالرقية على الثاني ، فقال على
ما نقله في المختلف : ويكون الولد لاحقا بأمه ويكون رقا إلا أن يشترط
الحرية ، ولو كان عقدا يعني التحليل الحق بالحرية على كل حال ، لأن الولد عندنا
يلحق بالحرية من أي جهة كان. ذكر ذلك في معرض الاستدلال على أن التحليل نوع تمليك
لا عقد ، على أنه قد دلت هناك جملة من الروايات على الرقية أيضا كما هو مذهب ابن
الجنيد.
وبذلك يظهر لك
رجحان ما ذهب إليه الشيخ ـ عطر الله مرقده ـ والأصحاب لم ينقلوا الخلاف في هذا
المقام إلا عن الشيخ وحده ، مع أن عبارة الصدوق المذكورة صريحة في ذلك.
هذا وظاهر
عبارة المحقق في كتابيه أنه لا خلاف في حرية الولد ، وإنما الخلاف في وجوب فكه
بالقيمة على الأب ، قال في الشرائع : ولد المحللة حر ، ثم إن شرط الحرية مع لفظ
الإباحة فالولد حر ، ولا سبيل على الأب ، وإن لم يشترط قيل : يجب على أبيه فكه
بالقيمة ، وقيل : لا يجب ، وهو أصح الروايتين ، وقال في النافع : ولد المحللة حر ،
فإن شرط الحرية في العقد فلا سبيل على الأب وإن لم يشترط ففي إلزامه قيمة الولد
روايتان ، أشبههما أنه لا يلزم.
وأنت خبير بما
فيه ، فإن الخلاف كما عرفت إنما هو في الحرية والرقية ، وقد صرح الشيخ في عبارته
المتقدم نقلها عن المبسوط بالرقية ، فقال : ويكون رقا إلا أن يشترط الحرية ، وكذا
عبارة النهاية ، وقوله «كان لمولاها» يعني ملكا لمولاها ، والأخبار أيضا إنما
تصادمت في ذلك ، والقول بوجوب فكه بالقيمة إنما هو على تقدير الرقية كما عرفت من
عبارة الشيخ في النهاية والصدوق في الفقيه ، والقائل بالحرية لا يقول بلزوم القيمة
للأب.
أقول : وقد
تقدم جملة من أحكام الإماء في كتاب البيع ، وفي الفصول السابقة من هذا الكتاب.
ختام
يتضمن جملة من
الأخبار كالنوادر لهذا الفصل.
فمنها ما رواه في
الكافي عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا بأس أن ينام الرجل بين أمتين والحرتين ، إنما
نساؤكم بمنزلة اللعب».
وعن عبد الرحمن
بن أبي نجران عمن رواه عن أبي الحسن عليهالسلام أنه كان ينام بين جاريتين.
أقول : قد صرح
الأصحاب هنا بأنه لا بأس بالنوم بين أمتين ، ويكره بين الحرتين.
أما الحكم
الأول فاستدلوا عليه بالرواية الثانية ، وعللوا الكراهة بما فيه من الامتهان كما
ذكره في المسالك ، ونحوه سبطه في شرح النافع حيث نقل عنهم ذلك ، وقال : لا بأس به.
وفيه أن الخبر
الأول ـ كما ترى ـ ظاهر في الجواز بالنسبة إلى الإماء والحرائر ، معللا له بما ذكر
مما يدل على حسنه وحصول اللذة به.
وروى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل ينكح الجارية من جواريه وفي البيت من يرى ويسمع ، قال : لا بأس».
وبمضمون هذه
الرواية صرح المحقق في النافع فقال : ولا بأس أن يطأ الأمة وفي البيت غيره.
__________________
أقول : قد روى
في الكافي عن ابن راشد عن أبيه قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام قال : لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبي
، فإن ذلك مما يورث الزنا». وهو ظاهر في الكراهة كالحرة ، اللهم إلا أن يقال : إنه
لا منافاة بين نفي البأس الدال على الجواز والكراهة.
وروى في الكافي
عن عبد الرحمن بن أبي نجران عمن رواه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا أتى الرجل جاريته ثم أراد أن يأتي الأخرى
توضأ». وفيه دلالة على استحباب الوضوء في هذا الحال.
وروى الراوندي
سعيد بن هبة الله في كتاب الخرائج والجرائح عن الحسن ابن أبي العلاء قال : «دخل على أبي عبد الله عليهالسلام رجل من أهل خراسان فقال : إن فلانا بن فلان بعث معي
بجارية وأمرني أن أدفعها إليك ، قال : لا حاجة لي فيها إنا أهل بيت لا تدخل الدنس
بيوتنا ، قال : لقد أخبرني أنها ربيبة حجره ، قال : لا خير فيها ، فإنها قد أفسدت
، قال : لا علم لي بهذا ، قال : أعلم أنه كذا».
وعن أبي عبد
الله عليهالسلام «أنه دخل عليه رجل من أهل خراسان ، فقال عليهالسلام : ما فعل فلان؟ قال : لا علم لي به ، قال : أنا أخبرك
به ، بعث معك بجارية لا حاجة فيها ، قال : ولم قال : لأنك لم تراقب الله فيها حيث
عملت ما عملت ليلة نهر بلخ ، فسكت الرجل ، وعلم أنه أعلم بأمر عرفه».
قال في الوسائل
بعد نقل هذين الخبرين : وروى الراوندي والمفيد والطبرسي والصدوق وغيرهم أحاديث
كبيرة في هذا المعنى ، وأنه أرسل إليهم عليهمالسلام بهدايا
__________________
وجواز زنا بهن الرسل ، فأخبروا بالحال ، وردوا الجواري .
وظاهر صاحب
الوسائل عموم هذا الحكم لغيرهم عليهمالسلام أيضا فقال : باب كراهة وطئ الجارية الزانية بالملك
وتملكها وقبول هبتها ، والظاهر بعده ، فإن ظاهر الخبر الأول هو اختصاص هذا الحكم
بهم عليهمالسلام لقوله عليهالسلام «إنا أهل بيت لا تدخل الدنس بيوتنا» لا أنه عام لغيرهم ، مع ما عرفت من
الأخبار المتكاثرة الدالة على جواز تزويج الزانية ، والمتعة بها ، وإمساك امرأته
التي يعلم أنها تزني ، وجوازه في الحرة ـ خصوصا الزوجة ـ يقتضي ثبوته في الأمة
بطريق أولى كما لا يخفى.
وروى في الكافي
عن جعفر بن يحيى الخزاعي عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهماالسلام قال : «قلت له : اشتريت جارية من غير رشدة ، فوقعت مني
كل موقع ، فقال : سل عن أمها لمن كانت ، فسله يحلل الفاعل بأمها ما فعل ليطيب
الولد».
أقول : قد تقدم
في باب الرضاع أخبار عديدة نظير هذا الخبر في الاسترضاع ممن ولادتها من الزنا.
ومنها رواية
إسحاق بن عمار قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن غلام لي وثب على جارية لي فأحبلها فولدت ، واحتجنا
إلى لبنها فإن أحللت لهما ما صنعا أيطيب اللبن؟ قال : نعم».
وقد صرح جملة
من الأصحاب بالإعراض عنها ، وارتكبوا التأويل فيها بالحمل على ما إذا كانت الأمة
قد تزوجت بدون إذن مولاها ، فإن الأولى له إجازة العقد ليطيب اللبن ، مستندين إلى
أن إحلال ما مضى من الزنا لا يرفع إثمه ، ولا يرفع حكمه ، فكيف يطيب لبنه ، وهذه
المناقشة تجري في هذا الخبر أيضا إلا أنها
__________________
غير ملتفت إليها ، فإنه اجتهاد في مقابلة النصوص ، واستبعاد محض بل جرأة
على أهل الخصوص.
وروى الشيخ عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «أيما رجل وقع على وليدة قوم حراما ثم اشتراها
فادعى ولدها فإنه لا يورث منه ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوآله سلم قال : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، ولا يورث ولد
الزنا إلا رجل يدعى ابن وليدته». وهو محمول على كون الشراء وقع بعد تحقق الولد كما
هو ظاهر الخبر المذكور.
وعن أبي بصير قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : نهى رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يقال للإماء يا بنت كذا وكذا ، وقال : لكل قوم نكاح».
أقول : فيه
دلالة على عدم جواز قذف أصحاب الملل والأديان والطعن في أنسابهم بما خالف مقتضى
شريعتنا إذا كان سائغا في شرائعهم ، وعليه تدل جملة من الأخبار.
منها ما رواه في
التهذيب عن عبد الله بن سنان في الحسن قال : «قذف رجل رجلا
مجوسيا عند أبي عبد الله عليهالسلام فقال : مه ، فقال الرجل : إنه ينكح امه وأخته ، فقال :
ذاك عندهم نكاح في دينهم».
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «كل قوم يعرفون النكاح من السفاح فنكاحهم جائز». إلى
غير ذلك من الأخبار.
__________________
وروى في الكافي
عن أبي شبل قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : رجل مسلم ابتلى ففجر بجارية أخيه ، فما توبته؟ قال :
يأتيه فيخبره ويسأله أن يجعله من ذلك في حل ولا يعود ، قال : قلت : فإن لم يجعله
من ذلك في حل؟ قال : قد لقي الله وهو زان خائن» الحديث.
والأصحاب قد
صرحوا في هذا الموضع بأنه في صورة طلب التحليل والبراءة منه يعرض له ويكنى ولا
يصرح ، لما فيه من إثارة العداوة ومزيد الشحناء ، والخبر كما ترى بخلافه.
وعن سليمان بن
صالح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سئل عن الرجل ينكح جارية امرأته ، ثم يسألها أن
تجعله في حل فتأبى ، فيقول : إذا لأطلقنك ويجتنب فراشها فتجعله في حل ، فقال : هذا
غاصب ، فأين هو من اللطف».
وعن عبد الرحمن
بن أبي عبد الله قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل تصب عليه جارية امرأته إذا اغتسل وتمسحه بالدهن؟
قال : يستحل ذلك من مولاتها ، قال : قلت : إذا أحلت له هل يحل له ما مضى؟ قال :
نعم» الحديث.
أقول : وهذا
الخبر من قبيل ما تقدم من مرسلة الخزاعي وأخبار الرضاع.
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام «في امرأة الرجل يكون لها الخادم قد فجرت فتحتاج إلى لبنها؟ قال : مرها ،
فلتحللها يطيب اللبن».
__________________
وعن جميل بن
دراج عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل كانت له مملوكة فولدت من فجور فكر ، مولاها أن ترضع له مخالفة أن
لا يكون ذلك جائزا له ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : فحلل خادمك من ذلك حتى يطيب اللبن».
أقول : وهذان
الخبران من الأخبار المشار إليها آنفا في الدلالة على ما دلت عليه رواية إسحاق بن
عمار المتقدمة.
وروى في الكافي
عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا يجوز للعبد تحرير ولا تزويج ولا إعطاء من
ماله إلا بإذن مولاه».
وعن منصور بن
حازم في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام في مملوك تزوج بغير إذن مولاه ، أعاص لله؟ قال : عاص
لمولاه ، قلت : حرام هو؟ قال : ما أزعم أنه حرام ، وقل له أن لا يفعل إلا بإذن
مولاه».
وعن معاوية بن
وهب في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه قال في رجل كاتب على نفسه وماله وله أمة وقد شرط عليه أن لا يتزوج ،
فأعتق الأمة وتزوجها؟ قال : لا يصلح له أن يحدث في ماله إلا الأكلة من الطعام
ونكاحه فاسد مردود» الحديث.
أقول : في هذه
الأخبار دلالة على ما هو المختار كما قدمنا ذكره في كتاب البيع من القول بأن العبد
يملك ولكن التصرف محجور عليه إلا بإذن المولى ، وظاهر هذه الأخبار بعد ضم بعضها
إلى بعض هو أن نكاحه بغير إذن المولى وإجازته باطل وإن لم يكن حراما يستحق عليه
العقاب ، ويشير إليه قول الباقر
__________________
عليهالسلام في حسنة زرارة المتقدمة في المسألة الاولى من المطلب الأول في الرد على العامة
القائلين ببطلان النكاح وأنه لا يكون موقوفا على الإجازة ، أنه لم يعص الله ،
وإنما عصى سيده فإذا أجازه فهو جائز.
وروى الشيخ عن مسعدة بن زياد قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام : تحرم من الإماء عشرة : لا تجمع بين الام والبنت ، ولا
بين الأختين ، ولا أمتك وهي حامل من غيرك حتى تضع ، ولا أمتك ولها زوج ، ولا أمتك
وهي عمتك من الرضاعة ، ولا أمتك وهي خالتك من الرضاعة ، ولا أمتك وهي أختك من
الرضاعة ، ولا أمتك وهي ابنة أختك من الرضاعة ، ولا أمتك وهي في عدة ، ولا أمتك
ولك فيها شريك».
وعن مسمع كردين
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال أمير المؤمنين عليهالسلام : عشرة لا يحل نكاحهن ولاغشيانهن : أمتك أمها أمتك ،
وأمتك أختها أمتك ، وأمتك وهي عمتك من الرضاعة ، وأمتك وهي خالتك من الرضاعة ،
وأمتك وهي أختك من الرضاعة ، وأمتك وقد أرضعتك ، وأمتك وقد وطأت حتى تستبرئ بحيضة
، وأمتك وهي حامل من غيرك ، وأمتك وهي على سوم من مشتري ، وأمتك ولها زوج وهي تحته».
وروى في كتاب
مكارم الأخلاق عن الحسين بن المختار رفعه «إن سلمان تزوج امرأة غنية ،
فدخل فإذا البيت فيه الفراش ، فقال : إن بيتكم لمحرم ، إذ قد تحولت فيه الكعبة ،
قال : فإذا جارية محتمة ، فقال : لمن هذه؟
__________________
فقالوا : لفلانة امرأتك ، قال : من اتخذ جارية لا يأتيها ثم أتت محرما كان
وزر ذلك عليه».
وعن الصادق عليهالسلام «من اتخذ جارية في أنها في كل أربعين يوما مرة».
وعنه عليهالسلام قال : «إذا أتى الرجل جاريته ثم أراد أن يأتي الأخرى
توضأ».
أقول : في
الخبر الثاني دلالة على كراهة ترك الجارية بغير وطئ بعد الأربعين يوما. ونقل في
كتاب البحار عن نوادر الراوندي بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهمالسلام قال : «قال علي عليهالسلام : إذا تزوج الرجل حرة وأمة في عقد واحد ، فنكاحهما باطل».
وبهذا الاسناد قال : «قال علي عليهالسلام إذا تزوج الحر أمة فإنها تخدم أهلها نهارا ، وتأتي
زوجها ليلا ، وعليه النفقة إذا فعلوا ذلك ، فإن حالوا بينه وبينها ليلا فلا نفقة».
والله أعلم بحقائق أحكامه.
__________________
الفصل الخامس
فيما يلحق بالنكاح
وفيه مقاصد
الأول فيما يرد به النكاح ، والكلام فيه يقطع في مطالب ثلاثة :
الأول : في العيوب ، وهي إما في الرجل أو المرأة ، فههنا
مقامان :
الأول : في عيوب الرجل ، وهي على المشهور بين الأصحاب أربعة :
الجنون ، والخصاء ، والعنن ، والجب. وتردد في الشرائع في الرابع ثم قال : والأشبه
تسلطها على الفسخ ، ونقل عن ابن البراج في المهذب أنه ذهب إلى اشتراك الرجل المرأة
في كون كل من الجنون والجذام والبرص والعمى موجبا للخيار في النكاح.
وكذلك ابن
الجنيد وزاد العرج والزنا ، وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الميل إلى عد
الجذام والبرص في عيوب الرجل حيث قال ـ بعد نقل قولي ابن البراج وابن الجنيد ـ :
ودليلهما في غير الجذام والبرص غير واضح ، أما فيهما ففي غاية الجودة ، لصحيحة
الحلبي ، ثم ساق الرواية ، وسيأتي ذكرها ونقل كلامه الذي على أثرها ، وبيان ما
فيه.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أنه لا بد من الكلام في كل واحد واحد من هذه الأمور المذكورة.
(ومنها الجنون)
قال في المسالك : لا خلاف في كون الجنون من عيوب الرجل المجوزة لفسخ المرأة النكاح
في الجملة ، ثم إذا كان مقدما على العقد أو مقارنا له ثبت لها به الفسخ مطلقا سواء
كان مطبقا أم دوارا ، وسواء عقل أوقات الصلاة أم لا ، وإن كان متجددا بعد العقد
سواء كان قد وطأ أم لا ، فإن كان لا يعرف أوقات الصلاة فلها الفسخ أيضا ، وإن عقل
حينئذ فأكثر المتقدمين كالشيخ وأتباعه على عدم الفسخ ، والأقوى عدم اشتراطه لعدم
وجود دليل يفيد التقييد ، وتناول
الجنون بإطلاقه لجميع أقسامه ، فإن الجنون فنون ، والجامع بينهما فساد
العقل كيف اتفق ، انتهى.
ونقل عن ابن
حمزة أنه أطلق أن الجنون الموجب للخيار في الرجل والمرأة هو الذي لا يعقل معه
أوقات الصلاة ، وهو يشمل المتقدم منه والمتجدد ، والمشهور في كلام الأصحاب أنهم لم
يقيدوا الجنون بهذا القيد إلا في المتجدد بعد العقد.
قال في المسالك
: وكيف كان فلا دليل على اعتبار ذلك ، وإن كان مشهورا.
أقول : والذي
وقفت عليه من الأخبار هنا ما رواه المشايخ الثلاثة عن علي ابن أبي حمزة قال : «سئل أبو إبراهيم عليهالسلام عن المرأة يكون لها زوج ، وقد أصيب في عقله بعد ما
تزوجها أو عرض له جنون ، فقال لها : أن تنزع نفسها منه إن شاءت».
قال في الفقيه بعد أن أورد هذه الرواية : وروى في خبر آخر أنه «إن بلغ
به الجنون مبلغا لا يعرف أوقات الصلاة فرق بينهما ، وإن عرف أوقات الصلاة فلتصبر
المرأة معه ، فقد ابتليت».
قال السيد
السند في شرح النافع بعد نقل ذلك : وكأن هذه الرواية مستند ابن حمزة ومن قال
بمقالته ، لكنها مرسلة ، ثم طعن في الرواية الأولى بأن راويها علي بن أبي حمزة ،
وهو أحد عمد الواقفية ، فلا تنهض روايته حجة في إثبات الأحكام الشرعية.
أقول : الظاهر
أن الرواية التي أشار إليها الصدوق إنما هي ما صرح به الرضا عليهالسلام في كتاب الفقيه الرضوي حيث قال عليهالسلام : «إذا تزوج رجل فأصابه بعد ذلك جنون فبلغ به مبلغا لا
يعرف أوقات الصلاة فرق بينهما ، فإن عرف
__________________
أوقات الصلاة فلتصبر المرأة معه فقد ابتليت».
وقد عرفت مما
تقدم سيما في كتب العبادات نقل الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ وأبيه في الرسالة عبارات
هذا الكتاب والإفتاء بها وإن كان نقله هنا إنما هو بطريق الرواية ، وأبوه في
الرسالة قد أفتى بهذه العبارة بعينها ، على ما نقله في المختلف ولم أقف في هذا الحكم إلا على هذين الخبرين.
ويمكن الجمع
بينهما بتقييد إطلاق رواية علي بن أبي حمزة بما ذكره عليهالسلام في كتاب الفقه.
ثم إن ظاهر
كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه هو أن الجنون بعد العقد ، وأن التفصيل
بكونه إن كان لا يعقل أوقات الصلاة فلها الفسخ وإن عقل فلا فسخ إنما هو في صورة ما
إذا كان الجنون بعد العقد ، وطأ أم لا ، وهو على هذا دليل لقول الشيخ ومن تبعه ،
ولا يصلح لأن يكون دليلا لابن حمزة ، لأن كلامه عليهالسلام أعم من المتقدم على العقد والمتأخر عنه ، وإن كانت
العبارة التي نقلها الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ
__________________
مطلقة ، ولهذا إن السيد في شرح النافع جعلها دليلا له ، إلا أن الظاهر كما
عرفت أن كلام الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ إنما هو مأخوذ من كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه ، وإن أجمل في التعبير عنه ، وعبارة
الكتاب صريحة في المتأخر عن العقد كما عرفت ، وظاهر رواية علي بن أبي حمزة أيضا أن
الجنون إنما هو بعد العقد لقوله عليهالسلام «وقد أصيب في عقله بعد ما تزوجها».
وعلى هذا فمورد
روايات المسألة إنما هو المتجدد بعد العقد ، والظاهر أن الوجه فيه هو عدم صحة
النكاح لو فرض الجنون قبل العقد ، إلا أن يكون الجنون أدوارا وعقد في حال الصحة ،
أو قلنا بجواز تزويج الولي له.
وكيف كان فإن
ما ذكره الأصحاب من العموم أو الإطلاق في المسألة لما قبل العقد أو قارنه أو تأخر
عنه لا دليل عليه ، بل الموجود في الأدلة إنما هو المتأخر خاصة ، والظاهر أن معتمد
المتأخرين بعد الطعن في أخبار المسألة بالضعف إنما هو الاتفاق والإجماع إن ثبت.
وفي المسالك
استدل على الحكم المذكور بصحيحة الحلبي عن الصادق عليهالسلام قال : «إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون
والعقل». قال : وهو شامل لما قبل العقد وبعده ، ولما يعقل معه أوقات الصلاة وغيره
، ثم نقل رواية علي بن أبي حمزة ، ثم قال : وهي صريحة في المتجدد شاملة بإطلاقها
لما قبل الدخول وبعده ، ثم قال : لكن في طريقها ضعف ، وعمدة الأمر على الاتفاق على
كون الجنون عيبا مطلقا مع عدم وجود دليل مخصص ، انتهى.
أقول : ما ذكره
من الاستدلال على هذا الحكم بصحيحة الحلبي محل نظر.
أما (أولا)
فلأن المتبادر من قوله «إنما يرد النكاح» إنما هو تسلط الزوج
__________________
على الفسخ إذا ظهر بالزوجة أحد هذه العيوب لأن النكاح إنما يستند إلى
الزوجة ، فيكون رده من قبل الزوج.
وأما (ثانيا)
فلأن الكليني والصدوق ـ رحمة الله عليهما ـ قد رويا هذه الرواية بالاشتمال على
السؤال عن عيوب المرأة ، والشيخ قد أسقط السؤال ، واقتصر على مجرد الجواب.
وهذه صورة الرواية
بنقل الشيخين المذكورين : عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه قال في رجل تزوج إلى قوم فإذا امرأته عوراء ، ولم يبينوا له ، قال :
لا ترد إنما
يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل ، قلت : أرأيت إن كان قد دخل بها كيف
يصنع بمهرها قال : لها المهر بما استحل من فرجها ، ويغرم وليها الذي أنكحها مثل ما
ساق إليها».
ونقلها شيخنا
المجلسي في كتاب البحار عن الحسين بن سعيد في كتابه عن ابن أبي عمير عن حماد بن
عثمان عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه قال في الرجل : يتزوج إلى قوم» الحديث. كما نقله الشيخان المذكوران.
وبالجملة فإن
من يقول بهذا الاصطلاح المحدث لا دليل عنده لهذا الحكم إلا ما يتشبثون به من
الإجماع الذي قد عرفت في غير مقام ما فيه من النزاع ، ولهذا إن السيد السند في شرح
النافع قال : والمسألة قوية الإشكال ، لانتفاء ما يعتمد عليه من النص فيها ، فإن
ثبت فيها إجماع على أن الجنون مطلقا أو على بعض الوجوه موجب للخيار : وجب المصير
إليه ، وإلا فالأمر كما ترى.
وأما من لا
يقول به ـ كما هو الحق الحقيق بالاتباع ، وإن كان في هذه الأزمان قليل الاتباع ـ فالأمر
واضح ، والعمل على الروايتين المذكورتين ، إلا
__________________
أن موردهما كما عرفت إنما هو الجنون المتجدد بعد العقد أعم من أن يكون قد
وطأ أم لا.
بقي شيء ، وهو
أنه هل يفتقر فسخ المرأة في المتجدد إلى طلاق أم لا؟ ظاهر الشيخ في النهاية الأول
حيث قال : فإن حدث بالرجل جنة يعقل معها أوقات الصلاة لم يكن لها اختيار ، وإن لم
يعقل أوقات الصلاة كان لها الخيار ، فإن اختارت فراقه كان على وليه أن يطلقها ،
وكذا قال ابن البراج في المهذب وابن زهرة وابن إدريس لم يذكرا الطلاق.
قال في المختلف
: والوجه أنه لا يفتقر الى طلاق ، سواء تجدد بعد الدخول أو قبله كغيره من العيوب ،
انتهى.
أقول : أنت
خبير بأن الروايتين الواردتين في المسألة لا دلالة فيهما على الطلاق بوجه ، بل
ظاهر رواية علي بن أبي حمزة وقوله فيها «لها أن تنزع نفسها منه إن شاءت» إنما هو
الفسخ خاصة وأن الاختيار لها ، فأيهما اختارت مضى ، وعبارة كتاب الفقه وإن كانت
مجملة إلا أن الظاهر حملها على هذه الرواية لصراحتها في الفسخ ، وبالجملة فالظاهر
ضعف القول المذكور.
(ومنها الخصاء)
وهو بكسر الخاء المعجمة : المرسل الأنثيين ، قاله الجوهري ، وفي كتاب المصباح
المنير للفيومي : خصيت العبد وأخصيته خصاء بالكسر والمد سللت خصيته ، فهو فعيل
بمعنى مفعول ، قيل : والحق به الوجاء ، وهو رض الخصيتين بحيث تبطل قوتهما.
وفي القاموس :
أنه بمعنى الخصاء.
وقال في
المسالك : والوجاء بالكسر والمد أيضا هو رض الخصيتين بحيث تبطل قوتهما ، قيل : إنه
من أفراد الخصاء ، فيتناوله لفظه ، انتهى.
وعد الخصاء من
عيوب الرجل هو المشهور بين الأصحاب ، ويدل عليه
جملة من الأخبار.
منها ما رواه المشايخ
الثلاثة في الموثق عن عبد الله بن بكير عن أبيه عن أحدهما عليهماالسلام «في خصي دلس نفسه لامرأة مسلمة فتزوجها ، قال : فقال : يفرق بينهما إن شاءت
المرأة ، ويوجع رأسه ، وإن رضيت به وأقامت معه لم يكن لها بعد رضاها به إن تأباه».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن سماعة في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام «أن خصيا دلس نفسه لامرأة ، قال : يفرق بينهما وتأخذ المرأة منه صداقها ،
ويوجع ظهره كما دلس نفسه».
وما رواه في
التهذيب عن عبد الله بن مسكان في الصحيح قال : «بعثت بمسألة مع
ابن أعين قلت : سله عن خصي دلس نفسه لامرأة ودخل بها فوجدته خصيا ، قال : يفرق
بينهما ويوجع ظهره ويكون لها المهر بدخوله عليها».
وما رواه الحميري
في كتاب قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه عليهالسلام قال : «سألته عن خصي دلس نفسه لامرأة ، ما عليه؟ قال :
يوجع ظهره ويفرق بينهما وعليه المهر كاملا إن دخل بها وإن لم يدخل بها فعليه نصف
المهر».
وقال الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي «وإن تزوجها خصي فدلس نفسه لها وهي لا تعلم فرق بينهما ، ويوجع ظهره كما
دلس نفسه ، وعليه نصف الصداق ولا عدة عليها منه ، فإن رضيت بذلك لم يفرق بينهما ،
وليس لها الخيار بعد ذلك».
__________________
وبهذه العبارة بعينها أفتى الشيخ علي بن بابويه في الرسالة على ما نقله عنه
في المختلف .
وما رواه الكشي
في كتاب الرجال عن ابن مسكان «أنه كتب إلى الصادق عليهالسلام مع إبراهيم بن ميمون يسأله عن خصي دلس نفسه على امرأة ،
قال : يفرق بينهما ويوجع ظهره».
ونقل عن الشيخ
في الخلاف والمبسوط أن الخصاء ليس بعيب ، محتجا بأن الخصي يولج ويبالغ أكثر من
الفحل ، وإنما لا ينزل وعدم الانزال ليس بعيب.
والعجب منه مع
ورود هذه الأخبار ونقله لجملة منها في كتب الأخبار كيف يطرحها في معارضة هذا
التعليل ويرجحه عليها. وبالجملة فإن الحكم بعد ورود هذه الأخبار مما لا ريب فيه.
بقي الكلام في
الوجاء فإن ثبت أنه داخل تحت الخصاء ، وإلا فالتمسك بأصالة صحة العقد أقوى مستند
في المقام ، وبما ذكرناه أيضا صرح السيد السند في شرح النافع.
(ومنها العنن)
وقد عرفه المحقق في الشرائع بأنه مرض تضعف معه القوة عن نشر العضو بحيث يعجز عن
الإيلاج.
قال في المسالك
: والاسم العنة بالضم ، ويقال للرجل إذا كان كذلك : عنين كسكين.
__________________
أقول : قال في
القاموس : العنين كسكين من لا يأتي النساء عجزا ، ولا يريدهن.
وقال في كتاب
مصباح المنير : رجل عنين لا يقدر على إتيان النساء ، ولا يشتهي النساء ، وظاهره
أنه لا بد في تحقق العنن من أمرين : أحدهما العجز عن إتيانهن لضعف العضو وعدم
قدرته عن الانتشار ، وثانيهما عدم إرادة القلبية بالكلية ، وظاهر كلام الفقهاء
إنما هو الأول خاصة كما عرفت من كلام المحقق.
وكيف كان فإنه
قد أجمع الأصحاب على أنه من العيوب الموجبة لتسلط المرأة على الفسخ ، وعليه تدل
جملة من الأخبار.
منها ما رواه الشيخ
في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «العنين يتربص به سنة ، ثم إن شاءت امرأته تزوجت
وإن شاءت أقامت».
وما رواه المشايخ
الثلاثة عن عباد الضبي وفي الفقيه والتهذيبين غياث مكان عباد ،
عن أبي عبد الله عليهالسلام «قال في العنين : إذا علم أنه عنين لا يأتي النساء فرق بينهما ، فإذا وقع
عليها وقعة واحدة لم يفرق بينهما والرجل لا يرد من عيب».
وما رواه في
الكافي عن أبي بصير في الصحيح ، وهو المرادي بقرينة ابن مسكان
عنه قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن امرأة ابتلى زوجها فلا يقدر على الجماع ، أتفارقه؟
قال : نعم إن شاءت ، قال ابن مسكان : وفي حديث آخر تنتظر سنة ، فإن أتاها وإلا
فارقته ، فإن أحبت أن تقيم معه فلتقم».
وما رواه في
الكافي والفقيه عن السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال
__________________
أمير المؤمنين عليهالسلام من أتى امرأته مرة واحدة ثم أخذ عنها فلا خيار لها». قال
في الفقيه : وفي خبر آخر «أنه متى أقامت المرأة مع زوجها بعد ما علمت أنه عنين
ورضيت به لم يكن لها خيار بعد الرضا».
وما رواه في
التهذيب عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام «أن عليا عليهالسلام كان يقول : إذا تزوج الرجل امرأة فوقع عليها مرة ثم
أعرض عنها فليس لها الخيار لتصبر فقد ابتليت».
وعن أبي الصباح
الكناني قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن امرأة ابتلى زوجها فلا يقدر على الجماع أبدا ، أتفارقه؟
قال : نعم إن شاءت».
وعن الكناني بهذا الاسناد قال : «إذا تزوج الرجل المرأة وهو لا يقدر
على النساء أجل سنة حتى يعالج نفسه».
وعن أبي
البختري عن أبي جعفر عليهالسلام عن أبيه عليهالسلام «أن عليا عليهالسلام كان يقول : يؤخر العنين سنة من يوم ترافعه امرأته ، فإن
خلص إليها ، وإلا فرق بينهما ، فإن رضيت أن تقيم معه ثم طلبت الخيار بعد ذلك فقد
سقط الخيار ولا خيار لها».
وما رواه في كتاب
قرب الاسناد عن الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهالسلام عن علي عليهالسلام «أنه كان يقضي في العنين أنه يؤجل سنة من يوم مرافعة المرأة».
وعن عبد الله
بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن عنين دلس نفسه لامرأة ، ما حاله؟ قال :
عليه المهر ، ويفرق
__________________
بينهما إذا علم أنه لا يأتي النساء».
وفي كتاب الفقه
الرضوي قال عليهالسلام «فإن تزوجها عنين وهي لا تعلم ، فإن علم أن فيه علة تصبر عليه حتى يعالج
نفسه سنة ، فإن صلح فهي امرأته على النكاح الأول ، وإن لم يصلح فرق بينهما ، ولها
نصف الصداق ، ولا عدة عليها منه ، فإن رضيت بذلك لا يفرق بينهما ، وليس لها خيار
بعد ذلك».
أقول : ويفهم
من هذه الأخبار بعد ضم بعضها إلى بعض بحمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها
أمور :
الأول : إنه
يجب تأجيله سنة بعد ظهور العنن ، وأن مبدأ ذلك من وقت المرافعة إلى الحاكم الذي
وقعت النزاع والدعوى بينهما ، وقد نقل الشهيد الثاني وقبله المحقق الشيخ علي
الاتفاق على وجوب التأجيل سنة ، مع أن العلامة في المختلف نقل عن ابن الجنيد أنه
إن كانت العنة متقدمة على العقد جاز للمرأة الفسخ في الحال ، وإن كانت حادثة بعد
العقد أجل سنة من حين الترافع.
واحتج له في
المختلف برواية الضبي ورواية أبي الصباح الكناني ، والجواب عنهما بما ذكرناه من
تقييد إطلاقهما بالأخبار الدالة على التأجيل ، وحمل المطلق على المقيد.
وأجاب العلامة
عنهم في المختلف بأن العلم إنما يحصل بعد السنة ، قال : ولو قدر حصوله قبلها
فالأقوى ما قاله ابن الجنيد.
أقول : الظاهر
من الأخبار أن التأجيل سنة ليس لأن العلم به لا يحصل إلا بعد السنة كما ذكره ، بل
إنما هو لاحتمال زواله بالمعالجة ونحوها وإلا فهو قد ثبت بأحد الأمور الآتية في
ثبوته من العجز عن وطئ النساء ، أو القيام في الماء البارد ونحوهما مما سيأتي ،
ولكن الشارع لأجل التوسعة عليه ضرب له هذه المدة للمعالجة كما تضمنه خبر الكناني
الثاني ، وسيأتي إن شاء الله ما يدل
__________________
على ما ذكرناه.
الثاني : إنه
له تجدد بعد وطئها ولو مرة واحدة فإنه لا فسخ لها ، فلتصبر فإنها قد ابتليت ، وهو
أشهر القولين بين الأصحاب ، وذهب الشيخ المفيد وجماعة إلى أن لها الفسخ أيضا
للاشتراك في الضرر الحاصل باليأس من الوطي ، وفيه طرح للأخبار المصرحة بالصبر لها
وأنها قد ابتليت كرواية إسحاق بن عمار ، ورواية الضبي ورواية السكوني.
وظاهره في
المسالك الميل إلى القول الثاني لضعف الأخبار المذكورة ، لأن الجمع بين الأخبار
بحمل المطلق على المقيد فرع تحقق المعارضة ، وهذه الأخبار تقصر عن معارضة الأخبار
المطلقة التي فيها الصحيح كصحيحة محمد بن مسلم ، قال : وتوقف في المختلف وله وجه ،
انتهى.
أقول : وسيأتي
تتمة الكلام في هذا المقام في المطلب الآتي في أحكام العيوب إن شاء الله تعالى.
الثالث : لو
رضيت من المرأة بالزوج بعد العلم بالعنن فإنه لا خيار لها ، والظاهر أنه لا خلاف
فيه.
الرابع :
الظاهر من الأخبار المتقدمة أن العنن الموجب للفسخ هو عدم إمكان إتيانه النساء ،
سواء كانت هي أو غيرها ، فلو عجز عنها مع إمكان إتيانه غيرها لم يسم عنينا ، فإن
قوله في رواية الضبي «إذا علم أنه لا يأتي النساء ، فرق بينهما». وقوله في رواية
أبي بصير «ابتلى زوجها فلم يقدر على الجماع». ظاهر فيما قلناه ، ونحوهما غيرهما.
ويظهر من عبارة
الشيخ المفيد المتقدمة أن المعتبر في صدق العنن وعدمه إنما هو بالنسبة إلى الزوجة
، ولا عبرة بغيرها ، حيث قال : فإن وصل إليها ولو مرة واحدة فهو أملك بها ، وإن لم
يصل إليها في السنة كان لها الخيار ، ومفهومه
أنه لو لم يصل إليها وإن وصل إلى غيرها فإن لها الخيار ، وهو مشكل .
ويمكن حمل
كلامه على التمثيل ، بمعنى أنه إن أمكنه الوصول إلى من يريد نكاحها من تلك المرأة
أو غيرها ، والتعبير بها إنما وقع من حيث كونها هي الزوجة المراد الدخول بها.
والظاهر أنه لا
وجه لهذا التقدير الذي بنى عليه الكلام من إمكان زوال العنن بالنسبة إلى امرأته
دون أخرى ، فإن العنن الذي هو عبارة عن المرض المذكور إن وجد فإنه مانع مطلقا ،
وإن زال فهو يقدر على الجماع مطلقا ، والتعبير في الروايات إنما وقع بناء على ذلك
، فربما عبر بالنساء مطلقا ، وربما عبر بالمرأة ، وهكذا من العبارات الخارجة مخرج
التمثيل دون الخصوصية بفرد دون آخر.
الخامس : ما
تضمنته رواية عبد الله بن الحسن المروية في كتاب قرب الاسناد من وجوب المهر كملا ،
وكلامه في كتاب الفقه الرضوي من التخصيص بالنصف لا يخول من إشكال ، ومقتضى قواعد
الأصحاب أنه إذا كان الفسخ من قبل المرأة وكان قبل الدخول فإنه يسقط المهر ، إلا
أنهم استثنوا العنن في هذا المقام ، فقالوا : بأنه ينتصف المهر بالفسخ كما دل عليه
كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي ، وعليه تدل أيضا صحيحة أبي حمزة قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : إذا تزوج الرجل المرأة الثيب التي قد تزوجت زوجا
غيره ، فزعمت أنه لم يقربها منذ دخل بها ـ إلى أن قال : ـ فعلى الامام أن يؤجله
سنة ، فإن وصل إليها وإلا فرق بينهما وأعطيت نصف الصداق ، ولا عدة عليها». وهذه
الرواية هي مستند الأصحاب
__________________
في تنصيف المهر في هذه الصورة ونحوها كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه.
وأما رواية قرب
الاسناد الدالة على إعطاء المهر كملا فلا أعلم بها قائلا ، إلا أن المنقول عن ابن
الجنيد أنه قال : إن المرأة إن اختارت الفسخ بعد تمكينها إياه من نفسها وجب المهر
وإن لم يولج ، ويمكن جعل هذه الرواية مستندا له ، والعلامة في المختلف قد جعل كلام
ابن الجنيد بناء على أصله من قوله بوجوب المهر بالخلوة ، مع أن هذه الرواية كما ترى ظاهرة فيه.
(ومنها الجب)
والمشهور بين الأصحاب على وجه لم ينقل فيه أحد خلافا هو عد الجب من العيوب الموجبة
للفسخ ، وإن تردد فيه المحقق في الشرائع ، والظاهر أن وجهه عدم ورد نص فيه بخصوصه
، كغيره من العيوب المتقدمة ، وأن مقتضى العقد لزوم النكاح ، وفسخه يتوقف على دليل
شرعي ، وليس فليس ، ويمكن الاستدلال عليه بفحوى ما دل على ثبوت الخيار بالخصاء
والعنن بخلاف المجبوب الذي لم يبق له ما يمكنه به الوطي بالكلية ، ويعضده إطلاق
رواية أبي الصباح الكناني المتقدمة.
قال في المسالك
: ويمكن إثباته من النصوص الدالة على حكم الخصاء فإنه أقوى عيبا منه لقدرة الخصي
على الجماع في الجملة ، بل قيل : إنه يصير أقوى من
__________________
الفحل بواسطة عدم خروج المني منه ، ومن ثم ذهب بعضهم إلى عدم كونه عيبا
لذلك ، بخلاف المجبوب ، فإنه قد انتفى عنه القدرة على الجماع رأسا لعدم الآلة ،
وكذلك استفادته من العنن لمشاركته له في المعنى وزيادة ، لأن العنن يمكن برؤه ،
والمجبوب يستحيل ، ويمكن استفادته من عموم الأخبار كقوله في رواية أبي الصباح في امرأة ابتلى زوجها فلا يقدر على الجماع إلى آخره ،
فإنه يشمل بإطلاقه المجبوب لأنه لا يقدر على الجماع مضافا الى لزوم الضرر بالمرأة
على تقدير عدم إثبات الخيار لها ، وهو منفي ، وحينئذ فالمذهب كونه عيبا. انتهى وهو
جيد.
ويؤكده أن
الظاهر من جعل الشارع لها الخيار في المواضع المتقدمة إنما هو لرفع الضرر عنها ،
ولهذا لو رضيت سقط خيارها ، ولا ريب في حصول الضرر في هذا الموضع ، بل هو أشد ضررا
من غيره كما ذكره شيخنا المذكور ، فيكون أولى بجعل الخيار لها فيه ، واشترط في
الشرائع أن لا يبقى له ما يمكن معه الوطي ولو قدر الحشفة ، وهو كذلك لأن الوطي
يصدق بذلك المقدار ويترتب عليه أحكامه من الغسل والمهر والحد ونحوها.
وبالجملة
فالظاهر أنه عيب يثبت به الفسخ اتفاقا ، هذا إذا كان ثابتا قبل العقد.
أما لو تجدد بعد
العقد سواء كان قبل الوطي أو بعده ، فهل يكون الحكم فيه كذلك أم لا ، قولان ، وقد
اضطرب هنا كلام الشيخ والعلامة في كتبهما ، فذهب الشيخ في المبسوط وابن البراج
وجماعة إلى ثبوت الخيار متى وجد.
واستدل عليه في
المبسوط بالإجماع ، وعموم الأخبار ، مع أنه في موضع آخر من الكتاب المذكور ، قال :
وعندنا لا يرد الرجل من عيب يحدث به إلا الجنون الذي لا يعقل معه أوقات الصلاة ،
وقال المخالف : إذا حدث واحد من الأربعة : الجنون والجذام والبرص والجب فلها
الخيار ، وعندنا أنه لا خيار ، انتهى.
وهو مشعر بدعوى
الإجماع عليه مع ادعائه الإجماع في مقابله ، وهذا من
__________________
جملة ما اتفق له في غير موضع من دعوى الإجماع على حكم ، ودعواه في موضع آخر
على خلافه ، وكذلك ذهب في الخلاف إلى عدم الخيار بالحادث ، وإليه ذهب ابن إدريس.
وأما العلامة
فإنه في المختلف قوى جواز الفسخ بالجب والخصاء والعنن ، وإن تجددت بعد الدخول ،
وفي الإرشاد قطع بعدم ثبوته بالمتجدد منها مطلقا ، وكذا في التحرير ، ثم في موضع
آخر منه قرب جواز الفسخ بالمتجدد من الجب بعد الوطي وإبقاء الخصاء على الحكم الأول
من عدم الفسخ بالمتجدد منه بعد العقد مطلقا ، وفي العنة جوز بالمتجدد بعد العقد
وقبل الدخول خاصة.
وفي القواعد
جزم بالجباء المتجدد منه بعد العقد وقبل الوطي وتردد في المتجدد بعد الوطي وشرط في
الخصاء سبقه على العقد ، ونسب الحكم في المتجدد إلى قول ، مشعرا بتردده ، وفي
العنة شرط عدم الوطي.
والتحقيق في
هذا المقام أن يقال : إنك قد عرفت أنه ليس في الأخبار ما يدل على حكم الجب بالكلية
، وإنما المرجع في حكمه إلى الأخبار المتقدمة في تلك الأفراد بالتقريب المتقدم ،
وقد عرفت أن الظاهر من تلك الأخبار باعتبار ضم بعضها إلى بعض ، وحمل مطلقها على
مقيدها ، ومجملها على مفصلها من غير التفات إلى صحيح منها أو ضعيف هو أنه مع
الدخول بها ولو مرة فلا فسخ ، والفسخ إنما هو فيما عدا ذلك ، وحينئذ فيكون الحكم
في الجب أيضا كذلك ، ويأتي على القول الآخر المتقدم ذكره ثمة جواز الفسخ مطلقا ،
ولعله من هنا نشأ هذا الخلاف في هذه الصورة أيضا.
(ومنها) الجذام
والبرص والعمى ، وذهب إليه ابن البراج في المهذب ، وجعله مشتركا بين المرأة والرجل
، وقبله ابن الجنيد أيضا وزاد العرج والزنا.
قال في المسالك
: ودليلهما في غير الجذام والبرص غير واضح ، أما فيهما ففي
غاية الجودة ، لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام «يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل». قال : وهو متناول بإطلاقه
للرجل والمرأة ، ولأن ثبوتهما عيبا في المرأة مع أن للرجل وسيلة إلى التخلص منها
بالطلاق يوجب كونها عيبا في الرجل بالنسبة إليها بطريق أولى ، لعدم قدرتها على
التخلص لو لا الخيار ، وحصول الضرر منه بالعدوى باتفاق الأطباء ـ إلى أن قال : ـ ويبقى
الكلام في اعتبار سبقه على العقد والاكتفاء بالمتجدد منه مطلقا أو قبل الدخول كما
سبق في نظائره ، بل العموم هنا أولى لإطلاق النص الصحيح المتناول لجميع الأقسام ،
انتهى.
وفيه أن ما
استند إليه هنا من النص المذكور قد تقدم الجواب عنه وأن هذا النص ليس من محل البحث
في شيء ، فإن مورد الخبر إنما هو عيوب النساء كما تقدم ذلك مشروحا مبينا في مسألة
الفسخ بالجنون ، ويؤيده ذكر العفل في جملة تلك العيوب ، فإنه مخصوص بالمرأة ، ومن
نظر إلى روايتي الكليني والصدوق المشتملتين على السؤال عن عيوب المرأة ، وهو عليهالسلام قد أجابه بما هو مذكور هنا علم أن الشيخ قد أسقط السؤال
واقتصر على إيراد الجواب ، وهو معيب عند المحدثين كما ذكره جملة من المحققين ،
لعروض مثل هذا الاشتباه هنا ، فإن هذا الجواب مبني على السؤال المذكور في صدر
الخبر ، وإقطاعه عنه يوجب ما وقع فيه هذا المستدل هنا ، وكيف كان فإنه لا أقل أن
يكون ما ذكرناه مساويا لما قالوه للاحتمال ، وبه يبطل الاستدلال.
وأما الوجه
العقلي الذي ذكره فقد عرفت في غير موضع مما تقدم أن هذه التعليلات العقلية لا تصلح
لتأسيس الأحكام الشرعية ، لاستفاضة الآيات والروايات بالرجوع في الأحكام إلى
الكتاب العزيز أو ما ورد عنهم عليهمالسلام.
__________________
(ومنها) الزنا
، المشهور أنه ليس بعيب يرد به النكاح ، وقال ابن الجنيد : الزنا قبل العقد وبعده
يرد به النكاح ، فلو زنت المرأة قبل دخول الرجل بها فرق بينهما ، وكذلك إن كان
الزاني رجلا فلم ترض المرأة فرق بينهما ، ووافقه الصدوق في المقنع في الزوجة ،
فقال في الكتاب المذكور : إذا زنت المرأة قبل دخول الرجل بها فرق بينهما ولا صداق
لها ، لأن الحدث كان من قبلها ، لقول على عليهالسلام «إذا زنت قبل أن يدخل بها زوجها؟ قال : يفرق بينهما ولا صداق لها ، لأن
الحدث كان من قبلها».
أقول : لا ريب
أن ما ذكره الصدوق وابن الجنيد هنا قد دل عليه جملة من الأخبار المتقدمة في
الإلحاق الذي بعد المقام الثاني في الزنا من المطلب الثالث فيما يحرم بالمصاهرة ،
إلا أنه قد دلت صحيحة رفاعة المذكورة ثمة على خلاف ما دلت عليه تلك الروايات ،
وبهذه الصحيحة أفتى الصدوق في علل الشرائع مع أنه قد أفتى في المقنع كما عرفت بالأخبار الدالة على
الفسخ ، وهو غريب منه.
وبالجملة فإن
ظاهر الأصحاب الاعراض عن تلك الروايات وعدم العمل بها ، وقد تقدم تحقيق الكلام في
هذا المقام في مواضع ، منها في المسألة الخامسة من من مسائل لواحق المذكورة في آخر
الفصل الثاني فليراجع ذلك من أحب.
(ومنها) ما لو
ظهر كون الزوج خنثى قيل : لها الفسخ ، وهو قول الشيخ في المبسوط في موضعين
منه ، قال في أحدهما : ولو أصابته خنثى وقد ثبت أنه رجل فهل لها الخيار؟ على قولين
: أحدهما أن لها الخيار وهو الأقوى ،
__________________
وفي موضع ثالث أنه ليس بعيب وإنما هو بمنزلة الإصبع الزائدة ، وهذا هو الأقوى
، وكذا لو ظهرت المرأة خنثى ، لأن الزائد فيها كالإصبع الزائدة.
أقول : والأظهر
أن يقال ، بالنسبة إلى الرجل كالثقبة الزائدة ، لا كالإصبع كما ذكره ، وإنما
التشبيه بالإصبع لمن حكم بكونها امرأة.
قال في المسالك
: وموضع الخلاف ما إذا كان محكوما له بالذكورية ، أو الأنوثية ، أما لو كان مشكلا
تبين فساد النكاح ، وبذلك صرح الشيخ في المبسوط بأنه صرح بكون الخلاف في الخنثى
الواضح ، لأنه قال في الموضعين المشار إليهما آنفا : لو بان خنثى وحكم بأنه ذكر هل
لها الخيار أم لا؟ واختار العلامة في المختلف عدم الخيار لما ذكره الشيخ من
التعليل بأن هذه الزيادة كالإصبع الزائدة ، قال : ولا وجه للخيار مع إمكان الوطي
وثبوت الرجولية ، وقال في المسالك :ووجه الخيار مع وضوحه وجود النفرة منه ، وكون العلامات ظنية لا تدفع الشبهة ،
والانحراف الطبيعي.
أقول : وبمقتضى
هذا التقرير أنه لو ظهر كون الزوج امرأة والزوجة رجلا بالعلامات التي يستعلم بها
الواضح بطل العقد ، وكذا لو ظهر كونه خنثى مشكلا بطل أيضا ، ولم أقف في هذه
المسألة على نص يدل على ما ذكروه من ثبوت الخيار للمرأة لو ظهر كون زوجها خنثى وقد
حكم بكونه رجلا شرعا ، وللرجل لو ظهر كون زوجته خنثى قد حكم شرعا بكونها امرأة ،
إلا أن حديث دينار الخصي المشتمل على عد الأضلاع ، وأن أمير المؤمنين عليهالسلام ألحق تلك الخنثى بالرجل لما كانت أضلاعها مثل أضلاع
الرجال ، يدل على بطلان النكاح لو ظهر كون الخنثى
__________________
التي كانت زوجة ـ رجلا ، ويأتي مثله في الزوج إذا كان خنثى ، وظهر كونه
امرأة بالعلامات المنصوبة من الشارع ، وهو مما لا إشكال فيه كما صرح به الأصحاب ،
وأما موضع البحث فلم أقف فيه على نص.
(ومنها) ما لو
انتمى الرجل إلى قبيلة فزوجوه بناء على ذلك ، فظهر خلاف ما ادعاه ، فهل للمرأة
الخيار أم لا؟ قولان : وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في المسألة السادسة من مسائل
لواحق العقد المذكورة في آخر الفصل الثاني ، فلا حاجة الى إعادته.
المقام
الثاني : في عيوب
المرأة ، وهي على المشهور في كلامهم سبعة : الجنون والجذام
والبرص والقرن والإفضاء والعمى والإقعاد ، وفي العرج أقوال ، يأتي ذكرها إن شاء
الله تعالى ، وعد الصدوق في المقنع من عيوب المرأة الموجبة للفسخ ما إذا زنت
المرأة قبل دخول الزوج بها ، وعد ابن الجنيد مطلق الزنا من الرجل والمرأة قبل
العقد وبعده ، وعد ابن الجنيد مطلق الزنا من الرجل والمرأة قبل العقد وبعده ، وعد
المفيد وجماعة المحدودة في الزنا ، بل الظاهر أنه المشهور بين المتقدمين على ما
نقله في المسالك ، والمشهور بين المتأخرين عدم عد ذلك ، والواجب أولا نقل ما وصل
إلينا من الأخبار المتعلقة بالمقام ، ثم الكلام فيها بتوفيق الملك العلام وبركة
أهل الذكر عليهمالسلام.
الأول : ما
رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن رجل تزوج إلى قوم فإذا امرأته عوراء ،
ولم يبين وله ، قال : يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعقل».
الثاني : ما
رواه الشيخ والصدوق في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن
__________________
أبي عبد الله عليهالسلام «أنه قال في رجل تزوج إلى قوم فإذا امرأته عوراء ، ولم يبينوا له ، قال :
لا تردد ، إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل ، قلت : أرأيت إن كان
قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟ قال : لها المهر بما استحل من فرجها ، ويغرم وليها
الذي أنكحها مثل ما ساق إليها».
الثالث : ما
رواه الشيخ في التهذيب عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون
والعفل».
الرابع : ما
رواه عن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «ترد البرصاء والمجنونة والمجذومة ، قلت :
العوراء؟ قال : لا».
الخامس : ما
رواه في الكافي والتهذيب عن رفاعة قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المحدود والمحدودة هل ترد من النكاح؟ قال : لا ، قال
رفاعة : وسألته عن البرصاء؟ قال : قضى أمير المؤمنين عليهالسلام في امرأة زوجها وليها وهي برصاء أن لها المهر بما استحل
من فرجها ، وأن المهر على الذي زوجها ، وإنما صار المهر عليه لأنه دلسها ، ولو أن
رجلا تزوج امرأة وزوجها رجل لا يعرف دخيلة أمرها لم يكن عليه شيء وكان المهر
يأخذه منها» .
السادس : عن
عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال في الرجل إذا.
__________________
تزوج المرأة فوجد بها قرنا وهو العفل أو بياضا أو جذاما أنه يردها ما لم يدخل
بها».
السابع : عن
الحذاء في الصحيح عن أبي جعفر عليهالسلام «في رجل تزوج امرأة من وليها فوجد بها عيبا بعد ما دخل بها ، قال : فقال :
إذا دلست العفلاء نفسها والبرصاء والمجنونة والمفضاة وما كان بها من زمانة ظاهرة ،
فإنها ترد على أهلها من غير طلاق ، ويأخذ الزوج المهر من وليها الذي كان دلسها ،
فإن لم يكن وليها علم بشيء من ذلك فلا شيء عليه ، وترد إلى أهلها ، قال : وإن
أصاب الزوج شيئا مما أخذت منه فهو له ، وإن لم يصب شيئا فلا شيء له ، قال : وتعتد
منه عدة المطلقة إن كان قد دخل بها ، وإن لم يكن دخل بها فلا عدة ولا مهر».
الثامن : ما
رواه في الكافي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله في الصحيح عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «المرأة ترد من أربعة أشياء من البرص والجذام
والجنون والقرن وهو العفل ما لم يقع عليها فإذا وقع عليها فلا».
التاسع : ما
رواه في الكافي والفقيه عن الحسن بن صالح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل تزوج امرأة فوجد بها قرنا ، قال : هذه لا تحبل
وينقبض زوجها عن مجامعتها ترد على أهلها ، قلت : فإن كان دخل بها؟ قال : إن كان
علم بها قبل أن يجامعها ثم جامعها فقد رضي بها ، وإن لم يعلم بها إلا بعد ما
جامعها ، فإن شاء بعد أمسكها ، وإن شاء سرحها إلى أهلها ، ولها ما أخذت منه بما
استحل من فرجها».
__________________
العاشر : ما
رواه في الكافي عن أبي الصباح الكناني في الصحيح قال : «سألت أبا عبد
الله عليهالسلام عن رجل تزوج امرأة فوجد بها قرنا قال : هذه لا تحبل ولا
يقدر زوجها على مجامعتها ، يردها على أهلها صاغرة ولا مهر لها ، قلت : فإن كان دخل
بها؟ قال إن كان علم بذلك قبل أن ينكحها يعني المجامعة ثم جامعها فقد رضي بها ،
وإن لم يعلم إلا بعد ما جامعها ، فإن شاء بعد أمسك وإن شاء طلق».
الحادي عشر :
ما رواه الشيخ في الصحيح عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يتزوج المرأة فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء ، قال : ترد على
وليها ، ويكون لها المهر على وليها. فإن كان بها زمانة لا يراها الرجال أجيز شهادة
النساء عليها».
الثاني عشر :
ما رواه في التهذيب عن محمد بن مسلم في الموثق عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «ترد البرصاء والعمياء والعرجاء». وزاد في الفقيه
: الجذماء.
الثالث عشر :
ما رواه في التهذيب عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي عليهمالسلام «في رجل تزوج امرأة فوجدها برصاء أو جذماء ، قال : إن كان لم يدخل بها ولم
يبين له فإن شاء طلق ، وإن شاء أمسك ، ولا صداق لها وإذا دخل بها فهي امرأته».
الرابع عشر :
ما رواه في التهذيب عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : «سألت
__________________
أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل تزوج امرأة فعلم بعد ما تزوجها أنها قد كانت زنت
، قال : إن شاء زوجها أخذ الصداق ممن زوجها ، ولها الصداق بما استحل من فرجها ،
وإن شاء تركها ، قال : وترد المرأة من العفل والبرص والجذام والجنون فأما ما سوى
ذلك فلا».
الخامس عشر :
ما رواه في التهذيب عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليهالسلام «أنه قال : في كتاب علي عليهالسلام : من تزوج امرأة فيها عيب دلسته ولم تبين ذلك لزوجها
فإنه يكون لها الصداق بما استحل من فرجها ، ويكون الذي ساق الرجل إليها على الذي
زوجها ولم يبين».
السادس عشر :
ما ذكره الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي قال : «وإن تزوج رجل بامرأة فوجدها قرناء أو عفلاء أو
برصاء أو مجنونة ، إذا كان بها ظاهرا كان له أن يردها على أهلها بغير طلاق ، ويرجع
الزوج على وليها بما أصدقها إن كان أعطاها شيئا ، فإن لم يكن أعطاها شيئا فلا شيء
عليه».
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن الكلام هنا يقع في مواضع.
الأول
: لا خلاف نصا
وفتوى في أن الجنون الذي هو عبارة عن فساد العقل من العيوب الموجبة للفسخ وإطلاق
النصوص يقتضي الفسخ به متى تحقق ، بأي سبب كان ، وعلى أي وجه كان دائما أو أدوارا
، عقل معه أوقات الصلوات أو لم يعقل ، وكذا إطلاق فتاوى الأصحاب على ما صرح به غير
واحد منهم ـ رضياللهعنهم ـ ، نعم يشترط استقراره ، فلا عبرة بعروض زوال العقل
وقتا ثم يعود ، لعدم صدق الجنون عرفا على من كان كذلك.
وكذا الجذام
متفق عليه نصا وفتوى ، إلا أنه لا يحكم به إلا بعد تحققه بتناثر اللحم وسقوط بعض
الأطراف كالأنف ، وذلك لأن الجذام بالفتح بمعنى القطع ،
__________________
وإنما سمي مجذوما لذلك.
قال في كتاب
المصباح المنير ـ بعد أن ذكر أن الجذام مصدر من باب ضرب بمعنى القطع ـ ما
لفظه : ومنه يقال : جذم الإنسان بالبناء للمفعول إذا أصابه الجذام ، لأنه يقطع
اللحم ويسقطه وهو مجذوم ، انتهى.
وأما مع ظهور
علاماته قبل أن يتحقق من ضيق النفس وبحة الصوت وكمود العينين إلى حمرة ، ونحو ذلك
، فإنه يرجع فيه إلى أهل الخبرة من الأطباء ، قالوا : ويشترط فيهم العدالة والتعدد
والذكورة كغيرها من الشهادات أو الشياع المتاخم للعلم ، وبدون ذلك يتمسك بأصالة
لزوم العقد.
وكذا لا خلاف
في البرص نصا وفتوى ، والذي ذكره جملة من الأصحاب ، وبه صرح في القاموس أنه بياض يظهر في ظاهر البدن لفساد مزاج. وقال المحقق
في الشرائع هو البياض الذي يظهر على صفحة البدن لغلبة البلغم.
وقالوا في
المسالك : والبرص مرض معروف يحدث في البدن يغير لونه إلى السواد أو إلى البياض ،
لأن سببه قد يكون غلبة السوداء فيحدث الأسود ، وقد يكون غلبة البلغم فيحدث الأبيض.
وقال في كتاب
مجمع البحرين : البرص لون مختلط حمرة وبياضا أو غيرهما. ولا يحصل إلا
من فساد المزاج وخلل في الطبيعة.
أقول :
والمفهوم من دعاء أمير المؤمنين عليهالسلام على أنس لما لم يشهد بخبر الغدير فدعا عليه ببياض لا
تواريه العمامة ، أن البرص هو البياض.
وكيف كان فإنه
لا يحكم به إلا بعد تحققه كالجذام.
قال في المسالك
: فإنه يشتبه بالبهق في القسمين والسببين ، قال : والفرق
__________________
بينهما أن البرص يكون غائصا في الجلد واللحم ، والبهق يكون في سطح الجلد
خاصة ليس له غرز وقد يتميزان بأن يغرز فيه الإبرة ، فإن خرج منه دم فهو بهق ، وإن
خرج منه رطوبة بيضاء فهو برص ، انتهى.
وبالجملة فإنه
مع اشتباه الحال يرجع فيه إلى أرباب الخبرة بذلك حسبما تقدم في الجذام.
الثاني : قد دل الحديث الأول على أن من جملة تلك العيوب العفل ، وكذا في الخبر
الثاني والثالث والسابع والرابع عشر ، وفي بعضها ذكر عوضه «القرن» كالخبر التاسع
والعاشر والخامس عشر ، وفي بعضها فسر أحدهما كما في الخبر السادس والثامن ، وبه
يزول الاشكال من البين ، وكلام أهل اللغة قد اختلف في الاتحاد والتغاير ،
وباختلافه اختلف كلام الفقهاء أيضا.
قال في كتاب
المصباح المنير : عفلت المرأة عفلا من باب تعب إذا خرج من فرجها شيء
يشبه أدرة الرجل فهي عفلاء وزان حمراء ، والاسم العفلة مثل قصبة.
وقال ابن
الأعرجي : العفل لحم ينبت في قبل المرأة وهو القرن ، قالوا : ولا
يكون العفل في البكر ، وإنما يصيب المرأة بعد الولادة ، وقيل : هي المتلاحمة أيضا
، وقيل هو ورم يكون بين مسلكي المرأة فيقبض فرجها حتى يمنع الإيلاج ، انتهى. وقال
في مادة قرن : والقرن مثل فلس أيضا العفلة ، وهو لحم ينبت في الفرج في مدخل الذكر
كالغدة الغليظة ، وقد يكون عظما ، ثم نقل عن الأصمعي أنه سمي قرنا لأنه اقترن مع
الذكر خارج الفرج ، انتهى.
وقال في
القاموس : العفل والعفلة متحركتين شيء يخرج من قبل النساء
وحياء الناقة كالأدرة للرجال ولم يذكر القرن.
__________________
وقال في
النهاية الأثيرية : القرن بسكون الراء شيء يكون في فرج المرأة كالسن
يمنع من الوطي يقال له العفل.
وقريب منه قال
الجوهري ، إلا أنه قال في موضع آخر : العفل شيء يخرج من قبل
النساء وحياء الناقة شبيه بالأدرة التي للرجل.
ونقل عن ابن
دريد في الجمهرة أن القرناء هي المرأة التي يخرج قرنة من رحمها ، قال :
والاسم القرن وضبطه محركا مفتوحا ، وقال في العفل : إنه غلظ في الرحم.
أقول : وكلام
أكثرهم يدل على اتحاد العفل والقرن ، ولكنه مختلف في أنه هل هو عبارة عن شيء يخرج
من قبل المرأة إلى خارج القبل ، ويكون كالأدرة للرجال ، والأدرة على ما ذكروه وزان
غرفة انتفاخ الخصيتين ، أو أنه عبارة عن عظم كالسن يكون في باطن القبل يمنع من
الوطي أو أنه لحم ينبت في باطن القبل ، وعلى كل تقدير فإن النصوص قد دلت على أنه
عيب يجوز الفسخ به ، فبأي معنى كان من هذه المعاني فإن الفسخ به جائز ، لدوران
الحكم مدار هذا الاسم بأي معنى كان ، والظاهر من جملة من الأخبار المتقدمة هو أنه
لا يمنع الجماع وإن كان يعسر كالخبر الثاني لقوله «أرأيت إن كان قد دخل بها» إلى
أن قال «لها المهر بما استحل من فرجها» مع عده العفل في جملة تلك العيوب وكذا
مفهوم الخبر السادس لقوله «يردها ما لم يدخل بها» وصريح الخبر الثامن ، وكذا
التاسع ، وعدم الرد مع الدخول بها محمول على الدخول مع العلم بالعيب ، فإنه دال
على الرضاء بها فليس له الفسخ حينئذ كما صرح به في الخبر التاسع ونحوه الخبر
العاشر.
__________________
وهذه الأخبار
كلها دالة على إمكان المجامعة مع عده عيبا يفسخ به ، والأصحاب قد اختلفوا في ذلك
بعد اتفاقهم على أن المانع عيب يتخير في الفسخ به.
فالمشهور وهو
الذي قطع به الشيخ عدم الخيار به لعدم المقتضي له ، فإن الخيار إنما نشأ من حيث
المنع من الوطي الذي هو أهم المطالب من التزويج ، وظاهر المحقق في الشرائع الميل
إلى ثبوت الخيار به ، وقوفا على ظاهر النصوص الدالة على عده عيبا أعم من أن يمكن
معه الوطي أم لا ، ولم أقف على قائل صريح بذلك ، وعبارة المحقق بقوله «ولو قيل
بالفسخ» تشعر بأنه لا قائل بذلك.
قال في المسالك
: وهذا القول قوي إن لم يكن الإجماع على خلافه إذ لا يظهر به قائل صريحا كما يظهر
من عبارة المصنف ، انتهى.
أقول : العجب
منهم ـ رحمة الله عليهم ـ في استنادهم في الخيار إلى إطلاق الأخبار مع أن ما ذكرنا
من الأخبار مع كثرتها مطابقة الدلالة على إمكان النكاح معه مع عده عيبا يوجب
الخيار.
وبالجملة
فالظاهر من الأخبار هو ثبوت الخيار به ، وإن أمكن الوطي ، وما ذكروه من التعليل
العقلي بأن الخيار إنما نشأ من حيث المنع من الوطي ممنوع ، فإنها علة مستنبطة لا
دلالة في شيء من الأخبار عليها ، ولعل العلة إنما هو نفرة الزوج من ذلك أو عدم
الحبل أو عسر مجامعتها كما يشير إليه الخبر التاسع والعاشر ، وكيف كان فإن هذا
التعليل في مقابلة ما ذكرناه من الأخبار عليل لا يلتفت إليه.
الثالث : أكثر الأخبار المتقدمة خالية من عد العرج في جملة عيوب المرأة ، وإنما
تضمنه الخبر الحادي عشر والثاني عشر مع تضمن جملة منها الحصر في الأربعة المشهورة
وهي : الجذام والبرص والجنون والعفل ، ويؤكده قوله في الخبر الرابع عشر بعد عد
الأربعة المذكورة «فأما ما سوى ذلك فلا» ومن هنا اختلف كلمة الأصحاب في ذلك على
أقوال عديدة :
(أحدها) عده
مطلقا وهو قول الشيخين في الفقيه والتهذيب والمقنعة وابن الجنيد وأبي الصلاح وأكثر
الأصحاب للخبرين المذكورين.
و (ثانيها)
ثبوته بشرط كونه بينا ، ذهب إليه العلامة في المختلف والتحرير ، ونقله عن ابن
إدريس ، واستدل عليه بالروايتين المذكورتين.
وأنت خبير بأنه
لا دلالة فيهما على هذا القيد ، والعجب أن العلامة نسب هذا القول إلى الشيخ في
النهاية والتهذيب مع أن الشيخ لم يقيده بذلك ، والمتبادر من لفظ البين ما كان
ظاهرا في الحس وإن لم يبلغ حدا يمنع من التردد إلا بمشقة كثيرة ، وهذا هو المتبادر
من لفظ العرج ، وحينئذ فيرجع القولان إلى قول وأحد ، وإن أريد هنا معنى آخر فلا
أعرف له دليلا.
و (ثالثها)
تقييده ببلوغ حد الإقعاد ، وهو قول المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد
والإرشاد ، وأنت خبير بما فيه ، فإن هذا لا يسمى عرجا لغة ولا عرفا.
قال في المسالك
: وكأن الحامل لهم على هذا التقييد أمران : أحدهما : استبعاد كون مطلق العرج عيبا
موجبا للخيار خصوصا مع وقوع الخلاف فيه ، وحصول الشك في خروج العقد من اللزوم إلى
الجواز ، ومعارضة صحيحة الحلبي السابقة الدالة على عدم الرد بغير ما ذكره فيها من
العيوب.
والثاني : ورود
كون الزمانة عيبا في صحيحة داود بن سرحان ، فإن ظاهرها أن الرد منوط بالزمانة عملا
بمفهوم الشرط وكذا رواية أبي عبيدة السالفة ، فيجب حمل المطلق على المقيد ، ثم قال
: وفيه نظر ، لأن مفهوم الزمانة أمر آخر غير المفهوم من العرج ، ومقتضى النصوص كون
كل واحد منهما عيبا برأسه ، وليس ذلك من باب المطلق والمقيد في شيء ، بل الظاهر
أن الزمانة أمر خفي لا يطلع عليه الرجال ، والعرج ليس كذلك ، وسيأتي النقل عن
الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ أنه جعلهما أمرين وأثبت الخيار بالزمانة دون العرج ،
واستبعاد كون العرج عيبا مطلقا غير مسموع بعد ورود النص الصحيح ، والشك في خروج
العقد من اللزوم منتف بعد ورود النص ، وعمل أكثر الأصحاب. انتهى ، وهو جيد
، ومنه يعلم ضعف القول المذكور ، وأنه بمحل من القصور.
و (رابعها) عدم
عده عيبا مطلقا ، وهو الظاهر من كلام الشيخ في المبسوط والخلاف حيث إنه لم يعده في
عيوب المرأة ، وكذا ابن البراج في المهذب ، وهو ظاهر الصدوق في المقنع حيث إنه لم
يعده في عيوب المرأة ، وإنما نسبه إلى الرواية ، فقال : واعلم أن النكاح لا يرد
إلا من أربعة أشياء : من البرص والجذام والجنون والعقل ، إلا أنه روي في الحديث أن
العمياء والعرجاء ترد.
أقول :
والمسألة عندي لا تخلو من الإشكال لدلالة الخبرين المذكورين على عده من العيوب ،
ومفهوم الحصر في تلك الأخبار الدال على العدم المؤكد بقوله في بعضها «وأما ما سوى
ذلك فلا».
فإن قيل : هنا
أشياء آخر خارجة عن الأربعة المذكورة قد وردت بها النصوص أيضا وقال بها جملة من
الأصحاب ، قلنا : ما ذكرناه في العرج يجري فيها أيضا.
وأما ما أجاب
به في المسالك حيث نقل عن أصحاب هذا القول الاحتجاج بأصالة لزوم العقد ، وظاهر
الحصر في صحيحة الحلبي في قوله عليهالسلام «إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل». ثم قال : ولا يخفى ضعف
الدليلين ، فإن الأصل قد عدل عنه بما ثبت في النصوص الصحيحة من الخيار فيه ، وفي
غيره من العيوب ، والحصر في الرواية غير مراد ، لخروج كثير من العيوب عنها ،
وإثبات الاختيار حينئذ بدليل خارجي ليشاركه العرج فيه ، والكليني رواها عن الحلبي
مجردة عن أداة الحصر وهو أوضح ، انتهى.
ففيه أن الحصر
ليس مخصوصا بالرواية التي ذكرها وهي الرواية الثالثة ، بل هو موجود في الرواية
الثانية أيضا ، وأظهر منها ما في الرواية الرابعة عشر من قوله عليهالسلام بعد عد الأربعة المذكورة «وأما ما سوى ذلك فلا» وحينئذ
فكيف
لا يكون الحصر مرادا في تلك الأخبار مع صراحة هذه الرواية في أنه لا ترد
فيما سوى هذه الأربعة.
وبذلك يظهر لك
بقاء الاشكال فيما ذكرناه بالنسبة إلى هذه الأربعة وما زيد عليها من عرج وغيره ،
فأن مقتضى هذه الروايات هو انحصار العيب في هذه الأربعة ، ومقتضى ما ورد في غير
هذه الأخبار موجودة في مواضع أخر.
وكيف كان
فالظاهر ترجيح ما ذكره من العمل بالأخبار في كل فرد فرد وردت به ، إلا أنه بعد لا
يخلو من نوع توقف ، ولعل روايات أحد الطرفين إنما خرجت مخرج التقية.
الرابع : قد تضمنت الرواية السابعة عد الإفضاء في جملة عيوب المرأة ، وقد تقدم ذكر
معناه ، وهو أحد السبعة التي ذكرها الأصحاب كما تقدم ذكره ، وهو مما لا إشكال ولا
خلاف فيه عندهم فيما أعلم مع أنه زائد على الأربعة المتقدمة ، وتضمنت أيضا «من بها
زمانة» وكذا الرواية الحادية عشر.
والزمانة على
ما ذكره في القاموس العاهة ، وقال في كتاب المصباح المنير : زمن الشخص زمنا وزمانة ، فهو زمن من باب تعب ، وهو
مرض يدوم زمانا طويلا.
ولم يعده
الأصحاب هنا من عيوب المرأة سوى الصدوق في المقنع فإنه قال : من تزوج امرأة فوجدها
قرناء أو عفلاء أو برصاء أو مجنونة أو كان بها زمانة ظاهرة كان له أن يردها على
أهلها بغير طلاق ، وإنما ذكر أكثرهم الإقعاد ، مع أنه لا وجود له في الأخبار ، إلا
أن جملة ممن تأخر استدلوا له بصدق الزمانة عليه ، فإنها بكل من التفسيرين
المذكورين صادقة على المقعد ، ويؤيده أنه قد تقدم دلالة الأخبار على عد العرج في
العيوب ، والإقعاد أسوء حالا منه فيكون عيبا البتة.
__________________
وبالجملة
فالأقرب عده بالتقريب المذكورة ، وقد تقدم أنه أحد السبعة المشهورة في كلامهم.
الخامس : قد عدوا من جملة السبعة المشهورة العمى أيضا ، ويدل عليه الخبر الحادي
عشر والثاني عشر ، وربما ظهر من كلام الشيخ في المبسوط أنه ليس بعيب ، فإنه عد
عيوب المرأة ستة ، ثم قال : وفي أصحابنا من ألحق بها العمى ، وكونها محدودة في
الزنا ، والظاهر هو المشهور لما عرفت من دلالة الخبرين المذكورين عليه.
السادس : قد عد بعضهم الرتق من جملة العيوب الموجبة للخيار ، ونسبه المحقق في
الشرائع إلى لفظ قيل مؤذنا ، بتمريضه لعدم وجوده في النصوص ، وإن كان الاعتبار
بالنظر إلى ما تقدم في الأخبار يساعده ، ولهذا قال في الشرائع : وربما كان صوابا
إن منع الوطي أصلا ، لفوات الاستمتاع.
والرتق على ما
ذكره أهل اللغة : التحام الفرج على وجه لا يمكن دخول الذكر فيه.
قال في كتاب
المصباح المنير : رتقت المرأة رتقا من باب تعب فهي رتقاء ، إذا انسد
مدخل الذكر من فرجها ولا يستطاع جماعها.
وفي القاموس امرأة رتقاء : بينة الرتق لا يستطاع جماعها ، أو لا خرق
لها إلا المبال خاصة. ونحوه كلام الجوهري في الصحاح .
وفسره العلامة
في القواعد بأنه عبارة عن كون الفرج ملتحما بحيث لا يكون فيه مدخل للذكر ، وهذا هو
الموافق لما ذكره أهل اللغة ، ولكنه قال في السرائر : إن الرتق لحم ينبت في الفرج
يمنع دخول الذكر ، وعلى هذا يكون مرادفا للعفل بأحد معانيه المتقدمة.
__________________
والظاهر أنه
إلى هذا أشار في المسالك بقوله : وذكر بعضهم أن الرتق مرادف للقرن والعفل ، وأن
الثلاثة بمعنى وأحد ، فعلى هذا يكون داخلا في النص ، ثم إنه على تقدير تفسيره
بالمعنى المشهور فإنه وإن كان لم يرد به نص بخصوصه إلا أنه يمكن استفادة حكمه من
الخبر التاسع والخبر العاشر ، وقوله فيهما «هذه لا تحبل ولا يقدر زوجها على
مجامعتها يردها على أهلها» فإنه بمنزلة التعليل لجواز الرد بالنسبة إلى المسؤول
عنه في الروايتين فيتعدى إلى كل موضع وجدت فيه العلة المذكورة.
قال في المسالك
: وما قيده به من كونه عيبا على تقدير منعه الوطي أصلا هو المذهب ، لأنه حينئذ
يصير أولى بالحكم من القرن والعفل اللذين لا يوجبان انسداد المحل أصلا مع
اشتراكهما في العلة الموجبة للفسخ وهو فوات الاستمتاع ، فجرى مجرى فوات المنفعة
فيما يطلب بالعقد منفعة. انتهى وهو جيد.
السابع
: عد الشيخ
المفيد في عيوب النساء المحدودة في الفجور ، وبه قال سلار وابن البراج وابن الجنيد
وأبو الصلاح وقطب الدين الكيدري ، وعد الصدوق في المقنع المرأة إذا زنت قبل الدخول
بها فإنه يفرق بينهما ولا صداق لها ، لأن الحدث كان من قبلها.
وقال الشيخ في
النهاية : المحدودة في الزنا لا ترد وكذلك التي كانت قد زنت قبل العقد ، فليس
للرجل ردها ، إلا أن يرجع على وليها بالمهر وليس له فراقها إلا بالطلاق ، وقال ابن
إدريس : الذي يقوى في نفسي أن المحدودة لا ترد بل يرجع على وليها بالمهر إذا كان
عالما بدخلة أمرها ، فإن أراد فراقها طلقها. انتهى ، وهو يرجع إلى كلام الشيخ في
النهاية وهو المشهور بين المتأخرين.
ونقل عن الشيخ
المفيد أنه احتج باشتماله على العار فكان موجبا للتسلط على الفسخ وبالرواية
الرابعة عشر ، والظاهر أن بناء الاستدلال بها على أن قوله
«إن شاء زوجها أخذ الصداق ممن زوجها ، ولها الصداق بما استحل من فرجها» وهو
كناية عن المفارقة بقرينة المقابلة بقوله «وإن شاء تركها» وحاصل الجواب أنه يتخير
بين فراقها فيأخذ الصداق ممن زوجها ، وبين إمساكها وتركها على حالها ، والشيخ قد
أجاب عن هذه الرواية فقال : إن هذا لا ينافي ما قدمناه من أنه ليس الرد بمجرد
الفسق لأنه قال : إذا علم بها أنها كانت قد زنت كان له الرجوع على وليها بالصداق ،
ولم يقل أن له ردها ، ولا يمنع أن يكون له استرجاع الصداق وإن لم يكن له رد العقد
، لأن بأحد الحكمين منفصل عن الآخر ، وظاهر من تأخر عنه الجمود على هذا الجواب ،
ولا يخفى ما فيه ، فإن ما ادعاه من إمساكها مع أخذ الصداق مما لا يوافق أصولهم
وقواعدهم ، وكأنه على هذا حمل قوله «وإن شاء تركها» على ترك أخذ المهر وإلا فلا
معنى لهذا الكلام على تقدير حمله المذكور.
وبالجملة
فالظاهر من الرواية إنما هو التخيير بين فراقها وإمساكها ، لكنه عبر عن فراقها
بلازمه الذي هو استرجاع المهر ممن زوجها ولا معنى لقوله «وإن شاء تركها» إلا على
هذا الوجه ، على أنه قد اعترضه في المختلف في هذا الجواب أيضا فقال : إذا ثبت هذا
ففي إيجاب المهر على الولي مع عدم كونه عيبا كما اختاره الشيخ وابن إدريس إشكال ،
ينشأ من أن التضمين إنما هو باعتبار تدليس العيب على الزوج ، فإن كان عيبا كان له
الفسخ ، وإن لم يكن فلا ، وحاصله أن وجوب الضمان إنما هو باعتبار تدليس العيب على
الزوج ، فلو لم يكن عيبا فإنه لا ضمان ومتى كان عيبا يوجب الضمان فإنه يوجب الفسخ
أيضا.
وبالجملة فإنه
لا معنى للرواية إلا ما ذكرناه على أنه قد تقدم جملة من الأخبار الدالة على ما دل
عليه هذا الخبر في الإلحاق الذي بعد المقام الثاني في الزنا من المطلب الثالث فيما
يحرم بالمصاهرة ، وتقدم ما يعارضها ، والأصحاب قد
أعرضوا عن العمل بتلك الأخبار ، لمعارضتها بما هو أكثر عددا وأقوى سندا كما
تقدم تحقيقه في الموضع المذكور ، مع أن هذه الرواية لا تنطبق على القول المذكور ،
لأن موردها المحدودة في الزنا لا مطلق الزانية ، والرواية إنما اشتملت على الثاني
دون الأول ، والمنقول عن أصحاب القول المذكور إنما هو التعليل العقلي ، وهو الأول
، والاستدلال لهم بالرواية إنما وقع من العلامة في المختلف بناء على قاعدته من
تكلف الأدلة لما ينقله من الأقوال.
قال شيخنا في
المسالك ـ ونعم ما قال ـ : ومنها المحدودة في الزنا ، ذهب أكثر قدماء الأصحاب إلى
أنه يجوز للزوج فسخ نكاحها لأن ذلك من الأمور الفاحشة التي يكرهها الأزواج ، ونفور
النفوس منه أقوى من نحو العمى والعرج ، ولزوم العار العظيم به يقتضي كون تحمله
ضررا عظيما ، وللرواية السابقة ، وفيها مع قصور الدلالة عن جواز الرد ، عدم
دلالتها على محل النزاع ، ومن ثم ذهب المتأخرون إلى أن ذلك كله ليس بعيب يجوز
الفسخ ، والطلاق بيد الزوج لجبر ما يشاء من الضرر والمشقة بتحملها ، وللشيخ قول
آخر بعدم الفسخ ، لكن يرجع الزوج بالمهر على وليها العالم بحالها ، عملا بمدلول
الرواية ، ورده في المختلف بأن الضمان إنما هو باعتبار تدليس العيب على الزوج ،
فإن كان عيبا أوجب الفسخ ، وإلا لم يجب المهر. انتهى وهو جيد وجيه.
وبالجملة فإنه
لا دليل على ما نقله الشيخ المفيد ومن تبعه إلا هذا الوجه العقلي الاعتباري ، فإن
الروايات خالية منه ، وما نقل عن الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ من مطلق الزنا ، فقد
تقدم الكلام فيه مشروحا في الموضع المشار إليه آنفا.
المطلب
الثاني : في أحكام العيوب ، وفيه مسائل :
الاولى : عيوب المرأة المبيحة للفسخ إما أن تكون متقدمة على
العقد أو أو متجددة بعده وقبل الدخول أو متأخرة عن الدخول ، والظاهر أنه لا خلاف
ولا إشكال في الفسخ في المتقدم على العقد ، وعدم الفسخ في المتأخر عن الدخول.
أما الأول
فلأنه مورد النصوص المتكاثرة المتقدمة.
وأما الثاني
فإنه قال في المسالك : لا خيار في هذه الصورة اتفاقا على ما يظهر من المصنف وغيره
لجريان الدخول مجرى التصرف المانع من الرد بالعيب ، وسبق لزوم العقد فيستصحب ، ولصحيحة
عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «المرأة ترد من أربعة أشياء : من البرص والجذام
والجنون والقرن ما لم يقع عليها ، فإذا وقع عليها فلا». وهي شاملة بإطلاقها لوقوعه
عليها قبل وجود العيب وبعده ، انتهى.
وربما ظهر من
كلام الشيخ في المبسوط أن العيب الحادث بعد الدخول يثبت به الفسخ كما نقله عنه في
المسالك ، وبالجملة فالعمدة عندهم الاستدلال على عدم الفسخ مع تأخر العيب عن
الدخول هو الإجماع المدعى مع ظاهر إطلاق الخبر المذكور.
أقول : والتمسك
بأصالة لزوم العقد حتى يقوم دليل على تطرق الفسخ إليه أقوى مستمسك في المقام ،
ومحل الخلاف في هذا المقام إنما هو تجدد العيب بعد العقد وقبل الدخول ، وفيه قولان
:
(أحدهما) ثبوت
الفسخ ، ذهب إليه الشيخ في المبسوط والخلاف تمسكا بإطلاق الأخبار المتقدمة الدالة
على ثبوت الفسخ بهذه العيوب أعم من أن تكون موجودة قبل العقد أو متجددة بعده.
و (ثانيهما)
العدم ، واختاره ابن إدريس والمحقق في الشرائع والعلامة في جملة من كتبه ، وهو
المشهور بين المتأخرين ، محتجين بأن العقد وقع لازما فيستصحب ، وبأن أمر النكاح
مبني على الاحتياط فلا يتسلط على فسخه بأي سبب كان ، وأجابوا عن الأخبار بأنها
ليست صريحة في ذلك ، بل ربما ظهر من
__________________
أكثرها تعلق الحكم بالموجود قبل العقد فيجب التمسك فيما عداه بمقتضى العقد
اللازم ، قال في المسالك : ولا بأس بهذا القول وإن كان القول الآخر لا يخلو من قوة
أيضا.
وظاهر سبطه في
شرح النافع اختيار هذا القول حيث قال ـ بعد الاحتجاج عليه بنحو ما ذكرنا ـ : وهذا
أقوى.
أقول : لا يخفى
أن أكثر الروايات المتقدمة المشتملة على الأسئلة ظاهرة في تقدم العيب على العقد
مثل قوله في الخبر الأول والثاني
قال : «سألته
عن رجل تزوج إلى قوم فإذا امرأته عوراء». فإنه ظاهر في تقدم العور على العقد ، لكن
لما لم يكن العور من العيوب ، قال عليهالسلام «لا ترد ولكن ترد من البرص والجذام والجنون والعفل». بمعنى أنها ترد لو
كانت المرأة المسؤول عنها كذلك ، والمسؤول عنها كما عرفت من كان العور متقدما فيها
على العقد ، وقوله في الخبر الخامس «قضى أمير المؤمنين عليهالسلام في امرأة زوجها وليها وهي برصاء». وهو ظاهر في تقدم
البرص على العقد ، وقوله في الخبر السادس «في الرجل إذا تزوج المرأة فوجد بها قرنا».
وهو أيضا ظاهر في التقدم ، ومثله الخبر السابع بل هو أظهر باعتبار نسبة التدليس
إلى المرأة أو الولي ، والتدليس إنما يكون باعتبار العقد عليها وهي معيبة ، وإلا
فلو عقد عليها وهي صحيحة سالمة من العيب وإنما حدث العيب بعد العقد فإنه لا ينسب
التدليس إليها ولا إلى وليها وهو ظاهر ، وفيها دلالة بالمفهوم الشرطي ـ الذي هو
حجة عند المحققين ـ على أنه متى لم يحصل التدليس الذي هو كما عرفت عبارة عن تقدم
العيب على العقد فإنها لا ترد على أهلها ، وهو يصدق على من حدث بها العيب بعد
العقد وقبل الدخول وأنها لا ترد لعدم التدليس فيها الموجب للرد ، وهو بحمد الله
سبحانه ظاهر ومثل ذلك الخبر
__________________
التاسع والعاشر وقوله «تزوج امرأة فوجد بها قرنا». وقوله في الخبر الحادي
عشر «يتزوج المرأة فيؤتى بها عمياء أو برصاء». ومثله الخبر الثالث عشر والخامس
عشر.
وبالجملة فإن
هذه الأخبار كما ترى ظاهرة في تقدم العيب على العقد ، وما أجمل منها وهو الأقل
يمكن حمله على ما دلت عليه هذه الأخبار من التقدم ، وعلى هذا فتبقى أصالة لزوم
العقد سالمة من المعارض ، وبه يظهر قوة القول المشهور بين المتأخرين ، إلا أنه بعد
لا يخلو من نوع توقف ، والمشهور في كتب الأصحاب انحصار الخلاف في هذه المسألة في
القولين المذكورين ، وربما يظهر من ابن الجنيد هنا قول ثالث على ما نقله في
المسالك ، وهو ثبوت الفسخ بالجنون المتجدد ، وإن كان بعد الدخول كما تقدم في الرجل
لأنه قال : ولو حدث ما يوجب الرد قبل العقد بعد الدخول لم يفرق بينهما إلا الجنون
فقط ، فجعل الجنون موجبا للخيار في كل من الزوجين وإن حدث بعد الدخول ، لأنه كما
تقدم نقله عنه آنفا شرك في العيوب التي ذكرها بين الرجل والمرأة ، ومفهوم عبارته
المذكورة أيضا ثبوت الخيار بباقي العيوب لو حدث قبل الدخول كقول الشيخ ـ رحمة الله
عليه.
المسألة
الثانية : قد ذكر الأصحاب لخيار الفسخ هنا أحكاما (منها) الفورية
، والمشهور في كلامهم من غير خلاف يعرف أن الخيار المذكور هنا فوري للرجل كان أم للمرأة
، فلو علم من له الخيار ولم يبادر بالفسخ لزم العقد ، وعلل مع ذلك بأن الغرض من
الخيار دفع الضرر بالتسلط على الفسخ ، وهو يحصل بذلك فيقتصر فيما خالف الأصل على
مقدار ما يحصل به.
واعترف في
المسالك بأنه ليس لهم نص في ذلك بالخصوص. وقال سبطه في شرح النافع : وفي بعض
الروايات دلالة عليه ، ثم إنه إن كان العيب ظاهرا متفقا عليه لا نزاع فيه بينهما
فالفورية معتبرة في الفسخ ، وإن توقف ثبوته على المرافعة إلى الحاكم فالفورية في
المرافعة إلى الحاكم ، فإذا ثبت صار الفسخ فوريا.
و (منها) أن
الفسخ المذكور ليس بطلاق ، لأن الطلاق يفتقر إلى لفظ خاص
وشروط مقررة لا دليل على اعتبارها هنا ولا قائل بها ، فلا يعد من الثلاث
المحرمة ، ولا ينتصف به المهر كما ينتصف بالطلاق إلا في صورة خاصة خرجت بنص خاص ،
وهي الفسخ بالعنة كما تقدم.
و (منها) أن
المشهور أنه لا يفتقر الفسخ بالعيوب إلى الحاكم ، سواء كانت في المرأة أو الرجل ،
بل لكل من المرأة والزوج التفرد بالفسخ في موضع يجب له الخيار إلا في العنة ، فإنه
يفتقر لضرب الأجل ، وغاية ما يفهم من النصوص أن الفسخ حق ثابت لكل من الزوجين في
مورده ، فمتى اختاره فسخ به.
ومن الأخبار
الدالة على كل من الحكمين الأخيرين رواية علي بن أبي حمزة الواردة في الجنون ، وفيها «لها أن تنزع نفسها متى شاءت».
وفي روايات الخصاء «يفرق بينهما» وهو خطاب لمن له قوة يد في الأمر والنهي مطلقا ،
وكناية عن انفساخ النكاح إذا لم ترض به ، وفي بعض روايات العنن أنه بعد مضي السنة «إن
شاءت تزوجت وإن شاءت أقامت» وفي بعض «تفارقه إن شاءت» وفي بعض «فإن أتاها في ضمن
السنة وإلا فارقته» وفي بعض أخبار عيوب المرأة «ترد على أهلها من غير طلاق» وهو
صريح في نفي الطلاق ومثله في كتاب الفقه الرضوي مما تقدم قوله «يردها إلى أهلها
بغير طلاق» وفي جملة منها «يرد النكاح من البرص والجنون» ونحو ذلك مما ذكر في تلك
الأخبار ، والجميع كما ترى ظاهر في أنه ليس بطلاق ، ولا يفتقر إلى الحاكم الشرعي
بوجه.
وأما ما اشتمل
عليه بعض تلك الأخبار من قوله «إن شاء طلق وإن شاء أمسك» فالمراد بالطلاق هنا كما
ذكره الشيخ ـ رحمهالله ـ الرد والسراح المذكوران في غير هذا الخبر.
وبالجملة
فالحكم بالنسبة إلى النظر في الأخبار مما لا شك فيه ومما يدل
__________________
على المرافعة إلى الحاكم في العنة لضرب الأجل ما تقدم في حديث أبي البختري من قوله «يؤخر العنين سنة من يوم مرافعة امرأته». ومثله
حديث كتاب قرب الاسناد المتقدم أيضا.
وما ذكرناه من
أنه لا يفتقر الفسخ إلى الرجوع إلى الحاكم في غير العنة هو المشهور في كلام
الأصحاب ، ونقل الخلاف هنا عن ابن الجنيد حيث قال : وإذا أريدت الفرقة لم يكن إلا
عند من يجوز حكمه من والي المسلمين أو خليفته أو بمحضر من المسلمين إن كانا في بلد
هدنة أو سلطان متغلب ، انتهى.
واضطرب كلام
الشيخ في المبسوط في هذا المقام فقال : وإن اختار الفسخ أتى الحاكم بفسخ النكاح ،
وليس له أن ينفرد به لأنها مسألة خلاف ، هذا عند المخالف ولا يمنع عندنا أن يفسخ
الرجل ذلك بنفسه أو المرأة ، لأن الأخبار مطلقة في هذا الباب ، ثم قال بعد كلام
طويل : فأما الفسخ فإلى الحاكم لأنه مختلف فيه ، ولو قلنا على مذهبنا أنه له الفسخ
بنفسه كان قويا ، والأول أحوط لقطع الخصومة ، ثم قال بعد ذلك : لا يجوز أن تفسخ ـ يعني
امرأة العنين ـ بغير حاكم لأنه مختلف فيه.
أقول : ظاهر
كلامه وكذا ظاهر كلام ابن الجنيد أن اشتراط الفسخ بالحاكم مذهب المخالفين. أما
كلام الشيخ فهو صريح في ذلك ، وأن مذهب الإمامية عدم اشتراطه ، وأن هذا الاحتياط
الذي صار إليه إنما هو بالنظر إلى خلاف العامة. وأما كلام ابن الجنيد فإنه يشير
إلى ذلك بقوله إن كانا في بلد هدنة ـ يعني تقية ـ أو سلطان متغلب ـ يعني سلاطين
الجور.
وبالجملة فإن
القول المذكور كما عرفت مع شذوذه لا دليل عليه ، وليس في هذا الكلام المنقول عنهما
ما يدل على المخالفة لما عليه الأصحاب وصريحا إن
__________________
لم يكن أولى بالدلالة على الموافقة ، فإن كلامهم يدور على أن ذلك إنما هو
مذهب المخالفين ، والقول به إنما هو على جهة التقية منهم ، وهو ظاهر فيما قلناه
وواضح فيما ادعيناه.
المسألة
الثالثة : الظاهر أنه لا خلاف في أنه إذا فسخ الزوج قبل الدخول
فإنه لا مهر لها ، ولو فسخ بعده فلها المسمى ويرجع به على المدلس ، ويدل على الحكم
المذكور جملة من الأخبار المتقدمة في المقام الثاني من سابق هذا المطلب مثل صحيحة
أبي عبيدة وهي الرواية السابعة من تلك الروايات ، وقوله فيها «وترد
على أهلها بغير طلاق ، ويأخذ الزوج المهر من وليها الذي كان دلسها ، فإن لم يكن
وليها علم بشيء من ذلك فلا شيء عليه ، وترد إلى أهلها ، قال : وإن أصاب الزوج
شيئا مما أخذت منه فهو له ، وإن لم يصب شيئا فلا شيء له ، قال : وتعتد عدة
المطلقة إن كان دخل بها ، وإن لم يكن دخل بها فلا عدة ولا مهر».
ورواية رفاعة وهي الخامسة من الروايات المتقدمة ، وقوله عليهالسلام فيها «قضى أمير المؤمنين عليهالسلام في امرأة زوجها وليها وهي برصاء أن لها المهر بما استحل
من فرجها وأن المهر على الذي زوجها ، وإنما صار المهر عليه لأنه دلسها ، ولو أن
رجلا تزوج امرأة أو زوجها رجل لا يعرف دخيلة أمرها لم يكن عليه شيء وكان المهر
يأخذه منها».
وصحيحة الحلبي
أو حسنته وهي الثانية من تلك الروايات وفيها «قلت : أرأيت إن كان
قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟ قال : لها المهر بما استحل من
__________________
فرجها ، ويغرم وليها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها».
ونحو هذه
الروايات أيضا رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله وهي الرابعة عشر من تلك الروايات ، وكذا صحيحة محمد بن
مسلم وهي الخامسة عشر.
وتمام تحقيق
الكلام في المقام يتوقف على رسم مباحث :
الأول : إذا فسخ الزوج بعد الدخول استحقت الزوجة المسمى
ومقتضى القواعد الشرعية أنه لا فرق في ذلك بين كون العيب الذي فسخ به كان قبل
العقد أو حدث بعده ، لأن النكاح صحيح وإن فسخ بالخيار وثبوت الخيار فرع على صحة
العقد في نفسه ، لأن الفسخ لا يبطله من أصله ، ولهذا لا يرجع بالنفقة الماضية ،
وحينئذ فالواجب هو المسمى لصحة العقد.
وقال الشيخ في
المبسوط : إن كان الفسخ بالمتجدد بعد الدخول فالواجب المسمى لأن الفسخ إنما يستند
إلى العيب الطارئ بعد استقراره ، وإن كان بعيب موجود قبل العقد أو بعده قبل الدخول
وجب مهر المثل ، لأن الفسخ وإن كان في الحال إلا أنه مستند إلى حال حدوث العيب ،
فيكون كأنه وقع مفسوخا حين حدث العيب ، فيصير كأنه وقع فاسدا ، فيلحقه أحكام
الفاسد ، إن كان قبل الدخول فلا مهر ولا متعة ، وإن كان بعده فلا نفقة للعدة ويجب
مهر المثل.
قال في المسالك
: ولا يخفى ضعفه لأن النكاح وقع صحيحا ، والفسخ وإن كان بسبب العيب السابق لا
يبطله من أصله بل من حين الفسخ ، ولا يزيل الأحكام التي سبقت عليه خصوصا إذا كان
العيب حادثا بعد العقد ، فإن دليله لا يخفى عليه.
أقول : وفيه
أيضا أن مقتضى كلامه أن ظهور العيب السابق على العقد أو على الدخول موجب لبطلان
العقد ، حيث إنه جعل العقد في قوة المفسوخ به.
وفيه أنه قد
ثبت له التخيير بين الفسخ والإمضاء ، واختياره الإمضاء لا يجامع
__________________
بطلانه بالعيب حين ظهوره.
وكيف كان فإن
المعتمد في ذلك على الأخبار ، وهي كما عرفت دالة على أنه متى فسخ فإن لها المسمى
مع الدخول ، أعم من أن يكون العيب متقدما على العقد أو متأخرا ، بل ظاهر أكثرها
كما قدمنا بيانه إنما هو تقدم العيب على العقد ، وهو الذي حكم فيه بمهر المثل ،
والروايات صريحة في المسمى كما عرفت.
الثاني : قد
دلت الأخبار وبه صرح الأصحاب على أنه متى فسخ الزوج بعد الدخول فإن لها المسمى ،
وأن الزوج يرجع به على وليها الذي دلسها ، والمراد من التدليس هو عدم إخبار الزوج
بالعيب المذكور ، مع علم المتولي للتزويج به ، ولا فرق في ذلك بين كون المدلس وليا
شرعيا أو غيره ، بل لو كان التدليس إنما وقع منها من غير واسطة في البين فإنه يرجع
عليها بالمهر متى قبضته ، ولو لم يدفع إليها شيئا لم تستحق شيئا.
ويدل على ذلك
فيما إذا كانت هي التي دلست نفسها ما تقدم في رواية رفاعة من قوله «ولو أن رجلا تزوج امرأة قد زوجها رجل لا يعرف
دخيلة أمرها لم يكن عليه شيء ، وكان المهر يأخذه منها». وحاصله أن التدليس لما لم
يحصل من المتولي لتزويجها لعدم علمه ، وإنما حصل منها لعدم إخبارها بالعيب مع
علمها به ، فإن للزوج الرجوع بالمهر عليها ، ومقتضاه أنه لو لم يدفع إليها شيئا
فإنه لا يجب عليه ، إذ لا معنى لدفعه لها واسترجاعه منها ، وبما ذكرنا صرح الأصحاب
أيضا.
ويدل على ذلك
أيضا ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل ولته امرأة أمرها أو ذات قرابة أو جار لها لا يعلم دخيلة أمرها
فوجدها قد دلست عيبا هو بها ، قال : يؤخذ المهر منها ولا يكون
__________________
على الذي زوجها شيء».
قال في المسالك
: إذا تقرر ذلك فمما غرم الزوج من المهر ، وكان هناك مدلس رجع به عليه سواء كان
وليا أم غيره ، حتى لو كان المدلس هو المرأة رجع عليها أيضا بمعنى أنه لا يثبت
عليه لها مهر ، ولا وجه لإعطائها إياه ثم الرجوع عليها به.
بقي الكلام
فيما لو انتفى التدليس بأن كان العيب خفيا لم تطلع عليه المرأة فضلا عن المتولي
لتزويجها ، والظاهر أنه لا رجوع لانتفاء المقتضي لذلك ، ثم إنهم ذكروا أنه لو كان
الرجوع على غير الزوجة فلا ريب أنه يرجع لجميع ما غرمه ، وإن كان الرجوع عليها فإن
المشهور أنه لا يرجع بالجميع بل يجب أن يستثني منه ما يكون مهرا ، لأن الوطي
المحرم لا يخلو من مهر ، وقيل إنه يرجع بالجميع تمسكا بالإطلاق ، واستظهره السيد
السند في شرح النافع.
أقول : ويؤيده
ما ذكرنا من رواية رفاعة ، وقوله فيها «وكان المهر يأخذه منها» فإنه صريح في
الرجوع بالمهر كملا ، وأصرح منها صحيحة الحلبي أو حسنته المذكورة.
وأما ما ذكروه
من أن النكاح المحرم لا يخلو من مهر على إطلاقه ممنوع ، فإن الظاهر أن الرجوع
عليها بالمهر هنا عقوبة لتدليسها كما في صورة الرجوع على المتولي لنكاحها إذا كان
عالما بالعيب مع أنه أجنبي.
ثم إنه على
تقدير القول المشهور من استثناء شيء يكون مهرا ففي تقديره قولان :
(أحدهما) ما
ذهب إليه ابن الجنيد من أنه أقل مهر مثلها ، لأنه قد استوفى منفعة البضع فوجب عوضه
، وهو مهر المثل.
(وثانيها)
وعليه الأكثر أنه أقل ما يكون مهرا وهو أقل ما يتمول في العادة ، ووجهه ورود النص
بالرجوع بالجميع ، فيجب الاقتصار في المخالفة على موضع
اليقين ، واعترف في المسالك بأن النصوص خالية من هذا الاستثناء. أقول : بل
هي ظاهرة في رده لما عرفت من حديث رفاعة.
الثالث : قد
دلت جملة من الأخبار المتقدمة في المقام الثاني في عيوب المرأة من المطلب الأول
على جواز الفسخ بعد الدخول مثل الخبر الثاني والخامس والسابع ويستفاد منها أن الوطي لا يمنع من الفسخ بالعيب السابق
على العقد ، ولكن قد دلت جملة منها أيضا على أن الدخول بها يمنع من الرد ، كقوله عليهالسلام في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله وهي الرواية السادسة «أنه يردها ما لم يدخل بها». فإن
مفهومه أنه متى دخل بها لا يردها ، وفي صحيحته وهي الثامنة من تلك الروايات «ترد من أربعة أشياء. ما
لم يقع عليها ، فإذا وقع عليها فلا».
وفي رواية غياث
بن إبراهيم وهي الرواية الثالثة عشر «وإذا دخل بها فهي امرأته». والوجه
الواضح المنار في الجمع بين هذه الأخبار هو أنه إن دخل بها مع علمه بالعيب فهو رضا
منه بها ، فليس له الفسخ حينئذ ، وعليه تحمل الأخبار الأخيرة ، وإن دخل بها جاهلا
به فإن له الرد ، وعليه تحمل الأخبار الأولة ، وقد دل على هذا التفصيل الخبر
التاسع والخبر العاشر بأوضح دلالة.
__________________
الرابع : إذا
فسخت الزوجة بعيب في الزوج ، فإن كان بعد الدخول فإن لها المسمى في العقد لأن
المسمى يلزم بالعقد ، ويستقر بالدخول ، وإن كان قبل الدخول فلا شيء لها لأن الفسخ
جاء من قبلها ، واستثنى من ذلك الفسخ بالعنن فإن لها نصف المهر.
فأما ما يدل
على أن الفسخ متى كان من قبل المرأة فإنه مع عدم الدخول لا مهر لها فهو ما رواه المشايخ
الثلاثة عن السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال أمير المؤمنين عليهالسلام في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها الرجل : يفرق بينهما
ولا صداق لها ، إن الحدث كان من قبلها».
وهو ظاهر في
أنه متى كان السبب الموجب للفسخ من قبلها فإنه لا مهر لها عملا بالعلة المذكورة ،
وهذا الحكم من القواعد المتفق عليها عندهم والمسلمة بينهم كما صرحوا به في غير
موضع من الأحكام.
وأما ما يدل
على استثناء الفسخ بالعنن من هذه القاعدة فصحيحة أبي حمزة قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : إذا تزوج الرجل المرأة الثيب التي قد تزوجت زوجا
غيره فزعمت أنه لم يقربها منذ دخل بها ـ إلى أن قال : ـ فعلى الامام أن يؤجله سنة
فإن وصل إليها وإلا فرق بينهما وأعطيت نصف الصداق ولا عدة عليها». وقد تقدم الكلام
في هذا المقام أيضا.
الخامس : قد
ذكر الشيخ وجملة من الأصحاب أنه لو فسخت المرأة بالخصاء ثبت لها المهر مع الخلوة
ويعزر ، واستدلوا عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن
__________________
ابن مسكان قال : «بعثت بمسألة مع ابن أعين قلت : سله عن خصي قد دلس نفسه لامرأة
ودخل بها فوجدته خصيا ، قال : يفرق بينهما ويوجع ظهره ، ويكون لها المهر بدخوله
عليها».
وعن سماعة في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام «أن خصيا دلس نفسه لامرأة ، قال : يفرق بينهما وتأخذ المرأة منه صداقها
ويوجع ظهره كما دلس نفسه».
وأنكر ابن
إدريس هذا الحكم وقال : لا دليل على صحة هذه الرواية من كتاب ولا سنة مقطوع بها
ولا إجماع ، والأصل براءة الذمة ، وإن كان أورده شيخنا في نهايته إيرادا لا
اعتقادا.
وقال العلامة
في المختلف : إن الشيخ بنى ذلك على أصله من ثبوت المهر بالخلوة.
قال السيد
السند في شرح النافع ـ بعد نقل ذلك عن العلامة ـ : وفيه نظر فإن الشيخ إنما استند
في هذا الحكم إلى هذه الروايات ، ولو صح سندها لوجب المصير إليه ، وإذا لم يثبت
ذلك الأصل فالمسألة محل تردد ، انتهى.
أقول : ومن
روايات المسألة ما رواه الثقة الجليل عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب
الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام قال : «سألته عن خصي دلس نفسه لامرأة ما عليه؟ قال :
يوجع ظهره ويفرق بينهما وعليه المهر كاملا إن دخل بها ، وإن لم يدخل بها فعليه نصف
المهر».
وما صرح به الرضا
عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي حيث قال : وإن تزوجها خصي فدلس نفسه لها وهي لا تعلم
فرق بينهما ويوجع ظهره كما دلس نفسه ، وعليه نصف الصداق ولا عدة عليها منه». ونقل
في المختلف هذه العبارة بلفظها عن
__________________
الشيخ علي بن بابويه في الرسالة ، وابنه في المقنع على وجه الإفتاء بها.
وأنت خبير بأن
المستفاد من هذه الروايات بعد ضم بعضها إلى بعض هو أن الخصاء وإن كان عيبا إلا أنه
يمكن الجماع معه كما ذكره الشيخ وغيره ، ومن هذه الجهة لم يعده عيبا كما تقدم نقله
عنه ، قال : لأن غايته أنه لا ينزل ، وإلا فإنه يبالغ في الإيلاج أكثر من الفحل ،
وعدم الانزال ليس بعيب ، وحينئذ فنقول إنه متى دخل الخصي بها وجب المهر. وهو مما
لا إشكال فيه ، وبه صرحت صحيحة علي بن جعفر ، وعليه يحمل صحيحة ابن مسكان وموثقة
سماعة ، وإن لم يدخل بها فنصف المهر كما صرحت به صحيحة علي بن جعفر أيضا وعليه
يحمل كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي.
وبذلك يظهر لك
أن ما ذكره هؤلاء الأجلاء في المقام فإنه نفخ في غير ضرام ، ومبنى هذا الاشكال
عندهم والاختلاف بينهم على دعوى دلالة صحيحة ابن مسكان وموثقة سماعة على وجوب
المهر بالخلوة ، فمن ثم اتخذهما الشيخ دليلا على ما ادعاه من وجوب المهر بالخلوة ،
وردهما ابن إدريس لذلك ، وهكذا كلام العلامة والسيد المذكور.
وفيه أن غاية
ما يدل عليه الخبران المذكوران هو أنه بتزويجه بها ودخوله عليها يجب المهر ، وهو
مجمل بالنسبة إلى الوطي وعدمه ، ولكن صحيحة علي بن جعفر قد فصلت الحكم بأنه إن كان
قد دخل بها فلها المهر كملا ، وإن لم يدخل فنصفه ، والمجمل يحمل على المفصل كما هو
القاعدة الكلية ويعضدها كلامه عليهالسلام في كتاب الفقيه ، وحكمه بالتنصيف فإنه محمول على الفسخ
مع عدم الدخول ، وهذا بكرامته سبحانه واضح لا سترة عليه ، والله العالم.
المسألة
الرابعة : قد ثبت بما قدمناه في المقام الأول من المطلب الأول أن
العنن من جملة عيوب الرجل المتفق على جواز فسخ المرأة به ، بقي الكلام هنا في
مواضع من أحكامه :
الأول
: إنك قد عرفت
أن العنة عبارة عن ضعف الآلة عن الانتشار والولوج في الفرج ، فهو أمر مخفي لا يطلع
عليه غير من ابتلى به ، فلا يمكن الاطلاع عليه بالشهادة حينئذ فلا طريق إلى الحكم
به إلا بإقرار صاحبه على نفسه أو قيام بينة بإقراره ، فعلى هذا لو ادعت المرأة
عليه بذلك وأنكر الرجل فالقول قوله بيمينه عملا بأصالة السلامة الراجعة إلى أصالة
العدم ، فإن حلف استقر النكاح ، وإن نكل فإن قضينا بمجرد النكول ثبت العيب ، وإلا
ردت اليمين على المرأة ، فإن حلفت ثبت العيب ، إلا أنه لا بد في حلفها من حصول
العلم لها به ، وذلك يحصل بممارستها له مدة على وجه يحصل لها بتعاضد القرائن العلم
بالعنة.
ونقل الأصحاب
عن الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ أن الرجل المدعى عليه العنة يقام في الماء البارد ،
فإن تقلص حكم بقوله ، وإن بقي مسترخيا حكم لها.
ونقل ذلك في
المسالك عن ابن حمزة أيضا قال : ومعنى تقلص انضم وانزوى ، ولفظ الصدوق «وإن تشنج»
والمراد به تقبض الجلد ، قال : وأنكر هذه العلامة المتأخرون ، لعدم الوثوق
بالانضباط وعدم الوقوف على مستند صالح ، نعم هو قول الأطباء وكلامهم فيثمر الظن
الغالب بالصحة ، إلا أنه ليس طريقا شرعيا ، انتهى.
أقول : لا يخفى
أن ما نقلوه عن الصدوق فإنه قد رواه في كتابه من لا يحضره الفقيه عن الصادق عليهالسلام مرسلا وبه صرح الرضا عليهالسلام في كتابه حيث قال : وإذا ادعيت عليه أنه عنين وأنكر الرجل أن
يكون كذلك ، فإن الحكم فيه أن يجلس الرجل في ماء بارد فإن استرخى ذكره فهو عنين ،
وإن تشنج فليس بعنين». ولكن أصحابنا المتأخرين حيث لم يصل إليهم الكتاب المذكور
ولا اطلعوا عليه لم يطلعوا على ما فيه من الأحكام.
__________________
وروى الصدوق في
الفقيه قال : وفي خبر آخر أنه يطعم السمك الطري ثلاثة أيام ثم
يقال له : بل على الرماة ، فإن ثقب بوله الرماد فليس بعنين ، وإن لم يثقب بوله
الرماد فهو عنين.
الثاني : إذا تحقق العنن للرجل فإما أن يثبت تقدمه على العقد أو تأخره عنه قبل
الوطي أو بعده ، وإنما يحصل بعد الوطي ، ولا خلاف في الفسخ به في الصورة الاولى
وعليه تدل الأخبار المتقدمة.
وأما بعد العقد
وقبل الوطي فالمشهور جواز الفسخ به أيضا ، وربما ظهر من عبارة المبسوط عدمه ، وأما
المتجدد بعد الوطي فأكثر الأصحاب على عدم الفسخ به.
وذهب الشيخ
المفيد وجماعة إلى أن لها الفسخ به أيضا ، قال الشيخ المذكور ـ على ما نقله عنه في
المختلف ـ : وإن تزوجته على أنه سليم فظهر لها أنه عنين انتظرت به سنة ، فإن وصل
إليها فيها ولو مرة واحدة فهو أملك بها ، وإن لم يصل إليها في مدة السنة كان لها
الخيار ، فإن اختارت المقام معه على أنه عنين لم يكن لها بعد ذلك خيار ، وإن حدث
بالرجل عنة بعد صحته كان الحكم في ذلك كما وصفناه ينتظر به سنة ، فإن تعالج فيها
وصلح وإلا كانت المرأة بالخيار ، انتهى.
قال الشيخ في
التهذيب ـ بعد نقل ذلك عنه ـ : فأما الذي ذكره ـ رحمة الله عليه ـ من التسوية بين
العنة إذا حدثت بعد الدخول وبينهما إذا كانت قبل الدخول إنما حمله على ذلك عموم
الأخبار التي رويت في ذلك مثل ما رواه الحسين بن سعيد ، ثم نقل صحيحة محمد بن مسلم
عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «العنين يتربص به سنة ، ثم إن شاءت امرأته تزوجت
وإن شاءت أقامت».
__________________
وعن أبي الصباح
الكناني قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن امرأة ابتلى زوجها فلا يقدر على الجماع أبدا ، أتفارقه؟
قال : نعم إن شاءت».
وعن أبي
البختري عن أبي جعفر عن أبيه عليهماالسلام «أن عليا عليهالسلام كان يقول : يؤخر العنين سنة من يوم ترافعه امرأته فإن
خلص إليها وإلا فرق بينهما».
ثم قال :
والأولى عندي الأخذ بالخبر الذي رويناه عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهالسلام «أن عليا عليهالسلام كان يقول : إذا تزوج الرجل امرأة فوقع عليها مرة ثم
أعرض عنها فليس لها الخيار فلتصبر فقد ابتليت وليس لأمهات الأولاد ولا الإماء ما
لم يمسها من الدهر إلا مرة واحدة خيار».
وعن غياث الضبي
عن الصادق عليهالسلام «قال في العنين : إذا علم أنه عنين لا يأتي النساء فرق بينهما ، وإذا وقع
عليها دفعة واحدة لم يفرق بينهما ، والرجل لا يرد من عيب».
أقول : مرجع
كلام الشيخ إلى أن الأخبار التي استدل إليه الشيخ المفيد وإن دلت على ما ذكره
بإطلاقها إلا أن هذه الروايات باعتبار ما اشتملت عليه من أنه متى جامعها ولو مرة
واحدة فإنه لا خيار لها خاصة صالحه لتقييد تلك الأخبار ، وقضية الجمع بينها تقييد
ذلك الإطلاق بهذه الأخبار ، وهو جيد ، فإن ذلك قاعدة كلية عندهم في الجمع بين
الأخبار.
__________________
وجملة من
المتأخرين منهم صاحب المسالك وسبطه في شرح النافع وغيرهما رجحوا مذهب الشيخ المفيد عملا بذلك الإطلاق حيث
إن في رواياته صحيحة محمد ابن مسلم ، والأخبار المقيدة ضعيفة باصطلاحهم لا تصلح
لمعارضة تلك الأخبار ، والجمع بين الأخبار عندهم فرع حصول التعارض ، وموجب ذلك أن
من لا يرى العمل بهذا الاصطلاح كالمتقدمين ومن تبعهم من متأخري المتأخرين فإنه
يتحتم عندهم الجمع بين الأخبار بما ذكره الشيخ ـ رحمة الله عليه.
قال في المختلف
ـ بعد نقل ما ذكرناه ـ : والأشهر قول الشيخ عملا بمقتضى العقد اللازم وبما تقدم في
الرواية ، وإن كان قول المفيد لا يخلوا أيضا من قوة ، لما فيه من دفع الضرر بفوات
فائدة النكاح ، فنحن في ذلك من المتوقفين ، انتهى.
وفيه أنه بعد
ثبوت الحكم بالأخبار ودلالتها على أنها قد ابتليت فلتصبر لا وجه لهذا الكلام ،
والأدلة العقلية في حد ذاتها غير مسموعة ، فكيف في مقابلة الأخبار الصريحة في
ردها.
والعجب من
شيخنا المفيد أنه حكم في صورة العنن الأصلي بأنه متى أجل سنة ووصل إليها في تلك
المدة ولو مرة فإنه يكون أملك بها ـ يعني لا خيار لها ـ وهو أعم من أن يعود العنن
إليه بعد ذلك أم لا ، فإنه لا خيار لها في هذه الصورة على كلا الاحتمالين ، وحينئذ
فلا بد من تقييد إطلاق الأخبار بغير هذه الصورة ، لأن مقتضى إطلاق تلك الأخبار هو
أن العنن موجب للخيار أعم من أن يكون أصليا أو إنما عرض بعد التزويج والدخول ،
ومقتضى ما ذكره من أنه بعد ثبوت العنن وكونه أصليا لو وصل إليها مرة فإنها لا خيار
لها وإن عاد العنن له بعد
__________________
ذلك كما هو مقتضى إطلاق كلامه ، الخروج عن مقتضى ذلك الإطلاق ، فيجب تخصيصه
بغير هذه الصورة.
وأنت خبير بأنه
لا فرق بين هذه الصورة ولا بين العنن العارض بعد الوطي إذ الجميع من باب واحد ،
فلا معنى لاستثنائه هذه الصورة ، وحكمه بالفسخ في تلك الصورة. وبالجملة فالمعتمد
هو القول الأول وهو الذي عليه المعول.
الثالث : ظاهر
جملة من الأصحاب أن العنن إنما يتحقق بالعجز عن وطئها قبلا ودبرا ، والعجز عن وطئ
غيرها. فلو عجز عنها مثلا وأمكن وطئ غيرها لم يكن عنينا ، ولم يترتب عليه جواز
الفسخ.
ويدل على ذلك
قوله عليهالسلام
في رواية غياث
الضبي المتقدمة «إذا علم أنه لا يأتي النساء فرق بينهما». وقوله في رواية أبي
بصير المتقدمة أيضا «ابتلى زوجها فلم يقدر على الجماع».
واستدل السيد
السند في شرح النافع على هذا القول برواية عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه سئل عن رجل أخذ عن امرأته فلا يقدر على إتيانها ، فقال : إن كان لا
يقدر على إتيان غيرها من النساء فلا يمسكها إلا برضاها بذلك ، وإن كان يقدر على
غيرها فلا بأس بإمساكها».
ثم ردها مع
رواية الضبي بضعف السند ، وظني أن هذه الرواية ليست من روايات العنن ، وإنما
المراد بالأخذ فيها هو عمل شيء كالسحر يمنع من الجماع. قال في القاموس : والأخذ بالضم رقية كالسحر ، وعلى هذا المعنى حمله في
الوافي
__________________
أيضا وإن احتمل ارادة العنن أيضا.
وظاهر عبارة
الشيخ المفيد المتقدمة في سابق هذا الموضع وقوله «انتظرت به سنة فإن وصل إليها
فيها ولو مرة واحدة فهو أملك بها ، وإن لم يصل إليها في مدة السنة كان لها الخيار»
فإن ظاهرها أن العنن يصدق بمجرد عدم الوصول إليها وإن أمكن الوصول إلى غيرها.
ويدل على ذلك
قوله عليهالسلام
في صحيحة أبي
حمزة الثمالي وقد تقدمت «فإذا ذكرت أنها عذراء فعلى الامام أن يؤجله
سنة فإن وصل إليها ، وإلا فرق بينهما». فإن ظاهر هذا الكلام هو الاكتفاء في حصول
العنن ، وجواز الفسخ بعجزه عن وطئها وإن لم يعلم عجزه عن وطئ غيرها ، ويعتريني في
هذا المقام إشكال ، وهو أنه قد تقدم في كلام أهل اللغة في معنى العنين أنه الذي لا
يقدر على إتيان النساء ولا يريدهن بالكلية ، وفي كلام الفقهاء أنه مرض تضعف معه
القوة عن نشر العضو.
وظاهر الكلام
في الموضعين أنه لا يختلف باختلاف النساء فيزول بالنسبة إلى بعض ، ويحصل بالنسبة
إلى أخرى ، ففرض الأصحاب هذا الخلاف وجعله مسألة في البين ليس في محله ، والروايات
المذكورة لا دلالة فيها على ما ادعوه من الاختلاف بل هي بالنسبة إلى ما ندعيه أقرب
وبما ذكرناه أنسب.
وأما رواية
الضبي وكذا رواية أبي بصير فهما ظاهرتان في أن العنين من لا يقدر على مجامعة
النساء من زوجته وغيرها وهو صريح فيما قلناه.
وأما صحيحة أبي
حمزة فغاية ما تدل عليه أنه إن جامعها في هذه المدة فإنه يعمل زوال العنة عنه ،
وإن لم يمكنه جماعها علم أنه عنين لا يمكن جماعها ولا جماع غيرها ، نعم رواية عمار
ظاهرة فيما ذكروه إلا أنك قد عرفت أنها ليست من محل البحث في شيء.
__________________
الرابع : أطلق
الأكثر بأنه لو ادعى الوطي وأنكرت فالقول قوله بيمينه ، سواء كان بعد ثبوت العنن
أو قبله ، والمحقق في الشرائع فرض المسألة فيما لو ادعى الزوج الوطي بعد ثبوت العنن
، وحكم بأن القول قوله بيمينه ، والحكم ظاهر فيما لو ادعى الزوج الوطي قبل ثبوت
العنن ، فإنه يقبل قوله بيمينه.
قالوا : لأن
دعوى الوطي يتضمن إنكار العنن المؤيد بأصالة السلامة من العيب فيكون قوله مقبولا
بيمينه ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي حمزة قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : إذا تزوج الرجل المرأة الثيب التي قد تزوجت زوجا
غيره فزعمت أنه لم يقربها منذ دخل بها فإن القول في ذلك قول الرجل ، وعليه أن يحلف
بالله لقد جامعها ، لأنها المدعية ، قال : فإن تزوجها وهي بكر فزعمت أنه لم يصل
إليها فإن مثل هذا تعرفه النساء فلينظر إليها من يوثق به منهن ، فإذا ذكرت أنها
عذراء فعلى الامام أن يؤجله سنة ، فإن وصل إليها وإلا فرق بينهما ، وأعطيت نصف
الصداق ولا عدة عليها».
وقال في الفقه
الرضوي «وإذا ادعت أنه لا يجامعها ـ عنينا كان أو غير عنين ـ فيقول الرجل أنه قد
جامعها ، فعليه اليمين وعليها البينة لأنها المدعية».
والخبران
ظاهران في أن الدعوى المذكورة قبل ثبوت العنن.
وإنما الإشكال
فيما إذا كانت الدعوى بعد ثبوت العنن كما فرضه المحقق ونحوه العلامة في القواعد ،
ووجه الاشكال أنه مدع لزوال ما قد ثبت ، فلا يكون قوله مقبولا ، مع أنهم حكموا هنا
بقبول قوله بيمينه.
والمفهوم من
كلام المحقق الشيخ علي في شرح القواعد أن الوجه فيما حكموا به من قبول قوله بيمينه
في هذه الدعوى مع ثبوت العنن أحد أمرين :
__________________
إما لأن هذا الفعل لا يعلم إلا من قبله فيقبل قوله فيه ، كدعوى المرأة
انقضاء العدة بالأقراء ، وإما لأن العنة لا تثبت قبل مضي السنة ، وإلا لثبت الفسخ
، وأما الثابت العجز الذي يمكن أن يكون عنة وأن يكون غيرها ، ولهذا يجب أن يؤجل
سنة لينظر فيها هل يقدر على الوطي أم لا ، فإن قدر فلا عنة وإلا ثبتت وحكم بها ،
فيكون الزوج بدعواه الوطي وإن كان بصورة المدعي ، إلا أنه في الحقيقة منكر للعنة
والأصل الصحة وحصول العيب على خلاف الأصل ، وإن كان بعد ثبوت العجز ، وحينئذ فيقبل
قوله فيه ، واستدلوا أيضا بصحيحة أبي حمزة المذكورة بدعوى أنها مطلقة فإن موردها
اختلافهما في حصول الوطي وعدمه المتناول لما إذا وقع ذلك قبل ثبوت العنة وبعده.
وفيه أن الظاهر
بعده ، لأنه بعد ثبوت العنة يثبت لها الخيار في الفسخ وعدمه ، فلا وجه لما تضمنه
الخبر حينئذ من الحكم المذكور فيه ، ولا ضرورة تلجأ إليه.
وفي المسألة
قول آخر أيضا صرح به الشيخ في الخلاف والصدوق في المقنع وجماعة من الأصحاب ، وهو
أن دعواه الوطي إن كان في القبل ، فإن كانت بكرا صدق بشهادة أربع نساء يشهدون
بذهابها ، وإن كانت ثيبا حشي قبلها خلوقا ، ثم يؤمر بالوطء فإن خرج الخلوق على
ذكره كان القول قوله ، وإلا فلا.
واستدل عليه في
الخلاف بإجماع الفرقة وأخبارهم.
والذي ورد من
الأخبار في ذلك أما بالنسبة إلى البكر فما تقدم في صحيحة أبي حمزة.
وأما بالنسبة
إلى الثيب فهو ما رواه الشيخ في التهذيب والكليني في الكافي عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن بعض مشيخته قال : «قالت
امرأة لأبي عبد الله
__________________
عليهالسلام ، أو سأله رجل عن رجل تدعي عليه امرأته أنه عنين وينكر
الرجل ، قال : تحشوها القابلة بالخلوق ولا تعلم الرجل ويدخل عليها الرجل ، فإن خرج
وعلى ذكره الخلوق صدق ، وكذبت ، وإلا صدقت وكذب».
ورواه الشيخ في
التهذيب عن عبد الملك بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له ، أو سأله رجل عن رجل ادعت عليه امرأته»
الحديث .
وما رواه في
الكافي عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «ادعت امرأة على زوجها على عهد أمير المؤمنين عليهالسلام أنه لا يجامعها ، فأمرها أمير المؤمنين عليهالسلام أن تستذفر بالزعفران ثم يغسل ذكره فإن خرج الماء أصفر
صدقه ، وإلا أمره بطلاقها».
ورد المتأخرون
الروايات المذكورة بضعف الاسناد ، فلا يسوغ التعلق بها ، والأظهر بناء على إطراح
هذا الاصطلاح المحدث العمل بها كما عمل بها المشايخ المتقدمون.
__________________
أما بالنسبة
إلى البكر فحيث كان الخبر كما عرفت صحيحا باصطلاحهم ، فإنهم حكموا بمضمونه ، ثم
إنه لو ادعى عود البكارة بعد ثبوتها بشهادة النساء وأنه قد وطأها ، ولكن هذه
البكارة التي شهدت النساء بها إنما تجددت بعد الوطي فالقول قول المرأة بيمينها ،
وإما بعدم الوطي أو بأن هذه البكارة بكارة الأصل لا متجددة ، فإن دعواها معتضدة
بأصالة بقاء البكارة ، وأن الظاهر عدم العود ، هذا كله فيما لو كانت الدعوى وطؤها
قبلا.
أما لو ادعى
وطؤ غيرها من النساء أو وطؤها دبرا فإن القول قوله بيمينه أيضا كما تقدم في سابق
هذا الموضع عملا بما تقدم في تينك المسألتين من أصالة الصحة وعدم العيب في إحداهما
وتعذر إقامة البينة في الأخرى.
الخامس : قد
تقدم أن العنن يثبت بأحد الطرق المتقدمة من اعتراف الرجل بالعجز عن المجامعة ، أو
القيام في الماء البارد كما ذهب إليه الشيخ في الخلاف والصدوق في المقنع ، أو أكل
السمك طريا ثلاثة أيام والبول على الرماد كما روي ، وحينئذ فإن صبرت المرأة مع
علمها بأن لها الخيار ورضيت به فلا خيار لها بعد ذلك لأن الخيار فوري ، وإن لم
تصبر رفعت أمرها إلى الحاكم فيؤجله سنة من يوم المرافعة ، فإن واقعها في ضمن تلك
المدة فلا خيار لها ، وإلا تخيرت وفسخت ، ولها نصف المهر ، وقد تقدمت جملة من
الأخبار الدالة على هذه الأحكام.
وعلل التمديد
بالسنة الواقع في الأخبار بأن تعذر الجماع ربما كان لعارض من خارج من حرارة ،
فيزول في فصل الشتاء ، أو برودة فيزول في فصل الصيف ، أو يبوسة فيزول في فصل
الربيع ، أو رطوبة فيزول في الخريف ، والمشهور أنه ليس لها الفسخ قبل المرافعة
ومضي المدة المذكورة.
وقد تقدم نقل
خلاف ابن الجنيد وقوله : إن كانت العنة متقدمة على العقد جاز للمرأة الفسخ في
الحال ، وإن كانت حادثة بعد العقد أجل سنة ، ويدل
عليه خبر غياث الضبي وخبر أبي الصباح الكناني ، إلا أنهما مطلقان فيحمل إطلاقهما
على ما تضمنته الأخبار المقيدة بذكر السنة.
والمفهوم من
الاخبار وكلام الأصحاب أن العجز عن إتيان النساء الذي فسر به العنن ليس باعتبار
بعض دون بعض ، لأنه مرض مخصوص يمنع من حركة العضو وانتشاره مطلقا ، وهو لا يختلف
باختلاف النسوة ، فأما مع العجز عن امرأة مخصوصة فإنه قد يتفق ويكون لانحباس
الشهوة عنها بسبب نفرة أو حياء أو نحو ذلك ، ولا يكون بذلك عنينا ، وقد يكون له
نوع اختصاص بالقدور على جماعها بالإنس بها والميل إليها وانتفاء ذلك من غيرها ،
ولا فرق في العنة عندهم بين كونها خلقية أو عارضة ، بين كونها قبل العقد وبعده قبل
الدخول ، وأما بعد الدخول فقد تقدم أن الأشهر الأظهر عدم الخيار وحيث يختار لها
الفسخ فلها نصف المهر ، وإن كان على خلاف القاعدة المقررة بينهم ، لصحيحة أبي حمزة
، وقد تقدمت وتقدم الكلام في ذلك والله العالم.
المطلب الثالث
في التدليس : تفعيل من الدلس وهو الظلمة ، قال في كتاب المصباح المنير : دلس البائع تدليسا كتم عيب السلعة من المشتري وأخفاه.
وقال الخطابي وجماعة ويقال : دلس دلسا من باب ضرب ، والتشديد أشهر في الاستعمال. قال
الأزهري : سمعت أعرابيا يقول : ليس لي الأمر دنس ولا دلس ، أي لا خيانة ولا خديعة
، والدلسة بالضم الخديعة أيضا. وقال ابن فارس : أصله من الدلسة وهي الظلمة ،
انتهى.
أقول : ومنه
يعلم أنه لغة بمعنى الظلمة والمخادعة ، وكأن المدلس لما أتى بالمعيب أو الناقص إلى
المخدوع وقد كتم عليه عيبه ونقصانه أتاه به في الظلمة وخدعه.
قال في المسالك
: والفرق بينه ـ يعني التدليس ـ وبين العيب أن التدليس لا يثبت إلا بسبب اشتراط
صفة كمال ، وهي غير موجودة أو ما هو في معنى الشرط ،
__________________
ولولاه لم يثبت الخيار بخلاف العيب ، فإن منشأه وجوده ، وإن لم يشترط
الكمال وما في معناه فمرجع التدليس إلى إظهار ما يوجب الكمال أو إخفاء ما يوجب
النقص ، ومنشأ الخيار فوات مقتضى الشرط أو الظاهر ، انتهى.
وظاهر هذا
الكلام يقتضي أن للتدليس معنى أخص فيقابل العيب ، ومعنى أعم يشمل به العيب ،
والمفهوم من كلام أهل اللغة هو الثاني ، إلا أنه سبب الخيار في العيب غيره بالنسبة
إلى إظهار ما يوجب الكمال ، وكيف كان فالأمر في ذلك سهل بعد وضوح المقصود.
وتحقيق الكلام
في هذا المطلب يقع في مسائل :
الأولى : إذا تزوج امرأة على أنها حرة باشتراط ذلك في نفس العقد فبانت أمة ،
فللزوج فسخ النكاح إذا وقع النكاح بإذن المولى وكان ممن يجوز له نكاح الإماء ، أما
بدون ذلك فإنه يقع العقد باطلا في الثاني ، وفي الأول موقوفا على الإجازة على
المشهور ، وقيل : إنه باطل ، وهو الأظهر ، ولا فرق في جواز الفسخ في الصورة
المذكورة بين الدخول بها وعدمه.
أما ثبوت الفسخ
فلأن ذلك قضية الشرط دخل أم لم يدخل ، فإن التصرف لا يسقط خيار الشرط كما سبق في
موضعه ، أما لو وقع ذلك بغير شرط ، بل أخبرته أو أخبره المتولي لنكاحها بالحرية
فتزوجها لذلك على وجه حصل به تدليس بأن وقع الخبر في معرض التزويج ، ففي إلحاقه
بالشرط قولان ناشئان من تحقق التدليس وأصالة لزوم العقد ، ونقل عن الشيخ في
المبسوط أنه صرح باختصاص الحكم بما لو شرط ذلك ، وعن القواعد أنه صرح بمساواة
الأمرين.
قال في المسالك
: وعبارة المصنف وجماعة يحتمل إرادة القسمين ، وكذلك الرواية التي هي مستند الحكم
وهي رواية الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله
__________________
عليهالسلام «في رجل تزوج امرأة حرة فوجدها أمة قد دلست نفسها».
إلى آخره ،
انتهى. وظاهر السيد السند في شرح النافع القول بمساواة الأمرين حيث قال : إذا تزوج
امرأة على أنها حرة فظهرت أمة ، سواء شرط ذلك في نفس العقد أو ذكر قبله وجرى العقد
عليه ، وكان للزوج فسخ النكاح ـ إلى أن قال : ـ أما ثبوت الفسخ مع اشتراط ذلك في
العقد فظاهر ، لأن ذلك فائدة الشرط ، وأما مع ذكره قبل العقد وجريان العقد عليه ،
فإن التراضي إنما وقع على هذا الوجه المخصوص فإذا لم يبطل العقد بفواته فلا أقل من
ثبوت الخيار ، انتهى.
أقول : لم أقف
لما ذكره من الحكم بأن له الفسخ في الصورة المذكورة على نص واضح ، إلا أنه في صورة
الشرط الظاهر أنه لا إشكال فيه عملا بقضية الشرط وهو موضع اتفاق ، وأما مع عدمه
فليس إلا ما ذكره السيد السند هنا ، وظاهر جملة منهم الاستدلال على ذلك برواية
الوليد بن صبيح التي أشار إليها في المسالك ، وهي ما رواه عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل تزوج امرأة حرة فوجدها أمة قد دلست نفسها قال : إن كان الذي زوجها
إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد ، قلت : وكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ قال :
إن وجد مما أعطاها شيئا فليأخذه ، وإن لم يجد شيئا فلا شيء له عليها ، وإن كان
زوجها إياه ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ، ولمواليها عليه عشر ثمنها إن
كانت بكرا ، وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها ، قال : وتعتد
منه عدة الأمة ، قلت : فإن جاءت منه بولد؟ قال : أولادها منه أحرار إذا كان النكاح
بغير إذن الولي» .
وأنت خبير بأن
هذه الرواية لا دلالة فيها على المدعى ، وإنما الظاهر
__________________
منها أنه متى كان الذي زوجها من غير مواليها فالنكاح فاسد ، وفيه رد لما
يدعونه من أنه موقوف على الإجازة كما تقدمت الإشارة إليه ، ومتى كان المزوج لها من
مواليها فإنه يرجع عليه بالمهر الذي أخذته منه ، وهو ظاهر في بطلان النكاح ، ولكن
لمولاها عوض ما استحل من فرجها العشر أو نصف العشر ، والمدعى هو أنه لو كان
التزويج بإذن المولى والتدليس إنما وقع منه فإن الزوج يتخير بين الرضا بالعقد
وفسخه ، والرواية إنما تدل بظاهرها على البطلان ، لقضية الرجوع على المولى بالمهر
الذي دفعه ، وحينئذ فالخبر بالدلالة على خلاف ما يدعونه أنسب ، وإلى ما ذكرناه
أقرب.
وأما ما اشتمل
عليه صدر الخبر من أنه إذا كان الذي زوجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد ،
وأنه يرجع بالمهر عليها فيأخذ مما وجده دون أن يرجع على الذي زوجها ، فيجب حمله
على عدم علم الذي زوجها بالتدليس كما يشير إليه قوله «دلست نفسها» فإنه في هذه
الحال إنما يرجع عليها ، وأما لو كان المدلس هو الذي زوجها فالرجوع بالمهر إنما هو
عليه دونها ، كما تقدم تحقيقه.
وبالجملة
فالظاهر عندي من الخبر المذكور هو بطلان النكاح في الصورة التي ادعوا أن للزوج
الفسخ ، بمعنى التخيير بين الرضا بالعقد وبين فسخه ، فليتأمل في المقام.
ثم إنه بناء
على ما ذكره من تخيير الزوج في الفسخ لو فسخ قبل الدخول فإنه لا مهر ، والظاهر أنه
لا خلاف فيه كما سبق في العيوب ، وإن فسخ بعده فحيث كان بإذن السيد كما هو المفروض
يلزم المسمى ، وأما لو لم يكن بإذنه فإنه بناء على ما قالوه ، من أن العقد يقع
موقوفا على إذنه تأتي الأقوال الثلاثة المتقدمة في مثله من المسمى أو مهر المثل أو
العشر ونصف العشر على التقديرين ، إلا أنك قد عرفت أن الظاهر من الأخبار في هذه
الصورة إنما هو البطلان. ومنها رواية الوليد المذكورة وقوله فيها «إن كان الذي
زوجها من غير
مواليها فالنكاح فاسد» ونحوها غيرها مما تقدم في المسألة الاولى من الفصل
الرابع في نكاح الإماء.
وأنت خبير بأن
ما ذكروه أيضا من لزوم المسمى بالدخول متى كان بإذن المولى مشكل بما ذكرناه ، من
أن المفهوم من رواية الوليد المذكورة هو أنه يرجع في الصورة المذكورة على وليها
بالمهر الذي أخذته منه ، ولكن الولي يرجع عليه بالعشر أو نصف العشر ، فالواجب في
هذه الحال إنما هو العشر أو نصف العشر ، وفيه إشارة إلى بطلان المسمى في الصورة
المذكورة ، والرجوع إلى العشر ونصف العشر.
هذا مقتضى
الخبر ، وهم ـ رضوان الله عليهم ـ قد نقلوا الخبر المذكور ولم يتكلموا في معناه
وما اشتمل عليه من هذه الأحكام بشيء بالكلية ، وما ذكرناه من بيان معناه وما
اشتمل عليه من هذا التفصيل الذي ذكرناه ظاهر لمن تأمل بعين البصيرة ، ونظر بمقلة
غير حسيرة ، وتناوله بيد غير قصيرة.
ثم إنهم قالوا
بناء على ما ذكره من أن للزوج الفسخ في الصورة المذكورة أنه لو فسخ بعد الدخول فلا
كلام في وجوب المهر للمولى ، وأنه لو فسخ بعد الدخول وغرم المهر وما في معناه
وتبين بطلان العقد فإنه يرجع به على المدلس ، وقد تقدم في أحكام العيوب ما يدل
عليه.
ثم إنه لا يخلو
إما أن يكون المدلس هو المرأة أو مولاها أو أجنبيا ، فإن كانت هي المدلسة لم يكن
الرجوع عليها حال الرقية ، لأنه يكون كالرجوع على المولى وهو باطل ، بل إنما يرجع
عليها بعد العتق واليسار ، فإن لم يكن دفع المهر إليها غرمه المولى ، لأنه له ،
ولكن يرجع به عليها كما عرفت على الوجه المتقدم ، وإن كان قد دفعه إليها استعاده ،
لأنه باق على ملكه حيث إن قبضها إياه قبض فاسد إن كانت عينه باقية كلا أو بعضا ،
وتبعها بالباقي حسبما تقدم ، وإن كان المدلس المولى قالوا : فإن أتى في لفظه بما
يقتضي العتق ، مثل
قوله هي حرة ، إنشاء أو إخبارا حكم عليه بحريتها إعمالا لسبب بحسب مقتضاه ،
وحينئذ فيصح العقد ويكون المهر لها دون السيد ، لأنها قد تحررت ، ويعتبر في صحة
النكاح حينئذ إذنها سابقا أو إجازتها لاحقا كغيرها من الحرائر.
وإن لم يتلفظ
بما يقتضي العتق بل تكلم بكلام يحتمل الحرية وغيرها فلا شيء للسيد ، ولا للمملوكة
، أما المملوكة فإنها لا تستحق من مهرها شيئا ، والسيد وإن استحقه بالدخول إلا أن
للزوج الرجوع عليه لتدليسه عليه وتغريره إياه ، ولا وجه لدفعه إليه ثم استرجاعه
منه.
وهل يستثني
للسيد أقل ما يصح أن يجعل مهرا وهو أقل ما يتمول أو أقل ما يكون مهرا لأمثالها كما
ذهب إليه ابن الجنيد؟ قيل : لا ، وهو ظاهر اختيار المحقق تمسكا بإطلاق ما دل على
الرجوع على المدلس مما غرمه وإن كان هو المولى. وقيل : نعم ، لأن الوطي المحرم في
غير صورة التحليل يمتنع خلوه من العوض ، وأجيب بأن العوض متحقق لكن يرجع به على
المدلس.
أقول : قد تقدم
الكلام في هذا المقام في المسألة الثالثة من المطلب الثاني ، وقد ذكرنا ثمة أن ما
ادعوه من هذه القاعدة ، وهو أن الوطي المحرم يمتنع خلوه من العوض على إطلاقه ممنوع
، بل ظاهر الأخبار خلافه كما قدمنا بيانه وشيدنا بنيانه.
وإن كان المدلس
أجنبيا رجع عليه بجميع المهر المسمى للمولى. قالوا : ولو دفعه إليها في هذه الصورة
وتلف في يدها غرم مهرا آخر للسيد ورجع به على المدلس ، لأن دفعه لها غير شرعي ،
حيث إن المهر للمولى ، فيجب عليه دفعه مرة أخرى للمولى ، ويرجع به على المدلس.
أقول : حيث إنه
لم يرد في الأخبار ماله تعلق بهذه المسألة إلا رواية الوليد ابن صبيح المتقدمة
بالتقريب الذي ذكرناه فيها ، فإنه يعسر الجمع بينها وبين ما قرروه في هذا المقام
في جملة من المواضع :
(منها) إنهم
ذكروا في صورة ما إذا كانت هي المدلسة ، أنه لو دفع إليها المهر استعاده إن كان
موجودا كلا أو بعضا ، وإن لم يكن تبعها به العتق واليسار ، وظاهر الرواية في هذه
الصورة كما بيناه أنه إن لم يجد شيئا فلا شيء له عليها.
(ومنها) إن ما
ذكروه في صورة تزويج المولى لها من التفصيل في الألفاظ التي حصل بسببها التدليس من
حصول العتق بها في بعض وعدم حصوله في آخر يرده إطلاق الخبر المذكور فإن غاية ما دل
عليه أنه إذا زوجها الولي ـ وهو الذي عرفت أن المراد به المولى ـ فإنه يرجع عليه
بما أخذت منه أعم من أن يأتي بتلك الألفاظ المذكورة أو غيرها ، ويؤيده أن الحكم
بحصول العتق بمجرد تلك الألفاظ كما ذكروه من غير قصد إليه ـ ولا سيما أنه مشروط
بالقربة ولم تحصل ـ مشكل.
(ومنها) ما
تقدم ذكره من أن مقتضى كلامهم أنه متى كان النكاح بغير إذن المولى فإنه يقع صحيحا
موقوفا على إجازته ، والخبر المذكور صريح في أن النكاح فاسد ويعضده في ذلك جملة من
الأخبار التي قد تقدمت الإشارة إليها.
(ومنها) ما
تقدم الإشارة إليه أيضا من أنهم صرحوا بأنه متى كان التزويج بإذن السيد فإن له
المسمى مع الدخول ، مع أن الرواية المذكورة تدل بناء على ما شرحناه في معناها على
أن الزوج يرجع على السيد بالمهر المسمى لتدليسه ، ولكن للسيد عليه العشر أو نصف
العشر بما استحل منها ، وهو ظاهر في بطلان المسمى الذي حكموا به والانتقال عنه إلى
العشر أو نصف العشر.
وبالجملة فإن
من تأمل الرواية المذكورة حق التأمل لا يخفى عليه صحة ما قلناه ، ولم أر من تعرض
للكلام على ما اشتملت عليه من هذه الأحكام ، وقد تقدم الكلام في المسألة بالنسبة
إلى المهر والولد في المسألة الرابعة من الفصل الرابع في نكاح الإماء.
المسألة
الثانية : إذا تزوجت الحرة عبدا على أنه حر ـ وإن كان بمجرد
إخباره قبل العقد بكونه حرا ـ ثم ظهر كونه عبدا ، فإن كان التزويج بغير إذن
مولاه ولم يجز العقد بعد وقوعه كان العقد باطلا ، وإن كان بإذنه أو إجازته صح
العقد وكان للمرأة الفسخ ، ولا فرق في ذلك بين أن تتبين الحال قبل الدخول أو بعده
إلا أنه إن فسخت قبل الدخول فلا مهر ، وكذا لو تبين بطلان العقد لعدم إذن السيد
قبل الدخول بها فإنه لا مهر لها أيضا ، وإن فسخت بعد الدخول فلها المهر ، وإن وقع
النكاح برضاء السيد كان لها عليه المسمى وإلا كان لها مهر المثل على المملوك يتبع
به بعد العتق.
والذي وقفت
عليه من الأخبار في هذا المقام ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن امرأة حرة قد تزوجت مملوكا على أنه حر فعلمت بعد أنه
مملوك ، فقال : هي أملك بنفسها إن شاءت قرت معه ، وإن شاءت فلا ، فإن كان دخل بها
بعد ما علمت أنه مملوك وأقرت بذلك فهو أملك بها». ورواه الكليني والصدوق.
وما رواه في
الكافي عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قضى أمير المؤمنين عليهالسلام في امرأة حرة دلس لها عبد فنكحها ولم تعلم إلا أنه حر ،
قال : يفرق بينهما إن شاءت المرأة».
والروايتان
صريحتان في ثبوت الخيار لها بعد العلم وإطلاقها دال على أنه لا فرق في ذلك بين كون
ذلك بعد الدخول أو قبله ، وأما باقي الأحكام فهي معلومة مما سبق في غير مقام.
__________________
المسألة
الثالثة : اختلف الأصحاب فيما لو عقد على بنت رجل على أنها بنت
مهيرة فبانت بنت أمة ، فقال الشيخ في النهاية أن له ردها ، فإن لم يكن دخل بها لم
يكن لها عليه شيء وكان المهر على أبيها ، وإن كان قد دخل بها كان المهر عليه بما
استحل من فرجها ، وقال ابن البراج : إذا تزوج من رجل على ابنته أنها بنت مهيرة
فوجدها بنت أمة كان مخيرا بين ردها وبين إقرارها على العقد ، فإن ردها فعلى قسمين
: إما أن يكون دخل بها فعليه المهر بما استحل من فرجها ، وإن لم يكن دخل بها لم
يكن عليه شيء ، وقد ذكر أن المهر يجب لها على أبيها إذا لم يدخل بها ، والأولى أن
ذلك لا يجب.
وقال الكيدري :
إن لم يدخل بها فلا شيء عليه والمهر على أبيها على ما روي ، والأصل انه غير واجب.
وقال ابن إدريس
: إن لم يكن دخل بها لم يكن عليه شيء ، وروي أن المهر على أبيها ، وليس عليه دليل
من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع ، والأصل براءة الذمة ، فمن شغل ذمة الأب
بالمهر يحتاج إلى دليل ، وإن دخل بها كان المهر عليه لها بما استحل من فرجها ،
ورجع على أبيها به ، فإن رضي بعد ذلك بالعقد لم يكن له بعد رضاه الرجوع بالمهر ولا
خيار الرد.
وقال المحقق في
الشرائع : قيل : إذا عقد على بنت رجل على أنها بنت مهيرة فبانت بنت أمة كان له
الفسخ ، والوجه ثبوت الخيار مع الشرط لا مع إطلاق العقد ، فإن فسخ قبل الدخول فلا
مهر ، ولو فسخ بعده كان لها المهر ويرجع به على المدلس أبا كان أو غيره.
أقول : وقد
اتضح بما ذكرناه أن الخلاف هنا في مواضع ثلاثة :
(أحدها) إنه مع
عدم الدخول بها هل يثبت لها المهر على أبيها أم لا؟ والأول قول الشيخ في النهاية
خاصة ، والثاني هو المشهور.
و (ثانيها) إنه
هل الحكم في هذه الصورة هو ردها على أبيها كما ذكره
الشيخ ، أو أنه يتخير بين الرد والقبول كما هو المشهور.
و (ثالثها) إنه
على تقدير أن الحكم هو الخيار كما هو المشهور ، هل الخيار مخصوص بما إذا شرط كونها
بنت مهيرة في أصل العقد أو مطلقا؟ عبارة المحقق المذكورة صريحة كما ترى في الأول ،
ومثله العلامة في المختلف حيث قال : والوجه عندي أنه لا خيار إلا مع الشرع ،
واختاره في المسالك فقال ـ بعد أن نقل عن المحقق ذلك ـ : وهذا هو الأقوى وظاهر
الأكثر الثاني.
ثم إن الأصحاب
ذكروا مسألة أخرى على أثر هذه المسألة ، فقالوا : لو زوجه بنت مهيرة وأدخل عليه
بنته من أمة فعليه ردها ، ولها مهر المثل إن دخل بها ، ويرجع به على من سائقها
إليه ويرد عليه التي زوجها ، وكذا كل من أدخل عليه غير زوجته فظنها زوجته ، قالوا
: والفرق بين المسألتين أن العقد في السابقة على بنت الأمة مع دخوله على أن تكون
بنت الحرة ، فلذا كان له الخيار لفوات شرطه ، أو ما أقدم عليه ، وفي هذه الصورة
وقع على بنت الحرة باتفاقهما ، وإنما أدخل عليه بنت الأمة بغير عقد ، والحكم بوجوب
رد التي أدخلت عليه ظاهر ، لأنها ليست هي المعقود عليها ، ولها مهر المثل إذا دخل
بها جاهلا بالحال ، لأنه وطء شبهة ، ومهر المثل عوضه ، ويرجع به على المدلس الذي
ساقها إليه لغروره.
وقال الشيخ في
النهاية : ومتى كان للرجل بنتان أحدهما بنت مهيرة والأخرى بنت
أمة فعقد الرجل على بنته من المهيرة ، ثم ادخل عليه بنته من أمة كان له ردها ، وإن
كان قد دخل بها وأعطاها المهر كان المهر لها بما استحل من فرجها ، وإن لم يكن دخل
بها فليس لها عليه مهر ، وعلى الأب أن يسوق إليه ابنته من المهيرة ، وكان عليه
المهر من ماله إذا كان المهر الأول قد وصل إلى
__________________
ابنته الاولى ، وإن لم يكن قد وصل إليها ولا يكون قد دخل بها كان المهر في
ذمة الزوج.
وقال ابن
البراج : وإن كان الرجل قد دفع الصداق إلى الأولى لم يكن لهذه عليه شيء ، ووجب
على أبيها في ماله صداقها دون الزوج.
أقول : والذي
وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن رجل خطب إلى رجل ابنة له من مهيرة ،
فلما كان ليلة دخولها على زوجها ادخل عليه ابنة له اخرى من أمة قال : ترد على
أبيها وترد إليه امرأته ، ويكون مهرها على أبيها».
وهذه الرواية
ظاهرة في المسألة بل صريحة في المسألة الثانية لدلالتها على أن التي أدخلت عليه
غير الابنة التي وقع العقد عليها ، وقد حكم عليهالسلام بأنه ترد الابنة التي أدخلت عليه إلى أبيها لأنها ليست
هي الزوجة ، ويرد إلى الرجل ابنته التي وقع عليها العقد لأنها زوجته ، ومهرها على
أبيها عوض تدليسه ، والمهر الذي دفعه أولا للتي أدخلت عليه بناء على أنه دخل بها ،
والرواية وإن كانت مجملة في ذلك إلا أن هذا التفصيل معلوم مما سيأتي إن شاء الله
تعالى.
وما رواه في
الكافي عن محمد بن مسلم في الصحيح أو الحسن قال : «سألت أبا
عبد الله عليهالسلام عن الرجل يخطب إلى الرجل ابنته من مهيرة فأتاه بغيرها ،
قال : ترد إليه التي سميت له بمهر آخر من عند أبيها ، والمهر الأول للتي دخل بها».
وهذه الرواية
أيضا ظاهرة بل صريحة في المسألة الثانية ، وأن التي أدخلت عليه غير زوجته المعقود
بها ، وقد كني عن العقد في الخبرين بالخطبة ، وقد حكم
__________________
عليهالسلام بأن ما ساقه الزوج من المهر يكون للتي أدخلت عليه لمكان
دخوله بها مع جهله بالحال ، وأن على الأب أن يدفع لزوجته التي عقد بها عليه المهر
من ماله.
والروايتان
المذكورتان كما ترى على خلاف قواعدهم من إيجاب مهر المثل للتي أدخلت عليه لأنه نكاح شبهة ،
وهو موضع مهر المثل ، وأنه يرجع به على الأب لتدليسه ، مع أن الروايتين ظاهرتان في
أن لها المهر الذي ساقه الزوج أولا ، ومقتضى قواعدهم أنه يجب للزوجة المهر الذي
سمي في العقد ، ويجب على الزوج دفعة لها ، مع أنه عليهالسلام حكم في الخبرين بإيجابه على الأب.
ويعضد هذين
الخبرين أيضا ما رواه الثقة الجليل أحمد بن محمد بن عيسى في كتاب النوادر عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إن عليا عليهالسلام قضى في رجل له ابنتان إحداهما لمهيرة والأخرى لأم ولد ،
فزوج ابنته المهيرة فلما كان ليلة البناء أدخلت عليه ابنته لام ولد فوقع عليها ،
قال : ترد عليه امرأته التي كانت تزوجها ، وترد هذه على أبيها ، ويكون مهرها على
أبيها».
ورواه الصدوق
في المقنع مرسلا قال : «قضى علي عليهالسلام» الحديث.
أقول : قول «ويكون
مهرها على أبيها» راجع إلى التي كانت قد تزوجها
__________________
كما صرح به الخبر المتقدم.
ويؤكده أيضا ما
رواه ابن شهرآشوب في كتاب المناقب عن إسماعيل بن موسى بإسناده «أن رجلا خطب إلى رجل ابنة
له عربية فأنكحها إياه ، ثم بعث إليه بابنة له أمها أعجمية فعلم بذلك بعد أن دخل
بها ، فأتى معاوية وقص عليه القصة فقال : معضلة لها أبو الحسن ، فاستأذنه وأتى
الكوفة وقص على أمير المؤمنين عليهالسلام فقال : على أبي الجارية أن يجهز لابنة التي أنكحها إياه
بمثل صداق التي ساق إليه فيها ، ويكون صداق التي ساق منها لأختها بما أصاب من
فرجها ، وأمره أن لا يمس التي تزف إليه حتى تقضي عدتها ، ويجلد أبوها نكالا لما
فعل» .
وأنت خبير بأن
هذه الأخبار بعد حمل مجملها على مفصلها قد اتفقت على أن الحكم في المسألة الثانية
هو وجوب مهر الزوجة التي أخر دخولها على أبيها ، والمهر الذي ساق الزوج أولا يكون
للتي أدخلت عليه لمكان الدخول بها ، وإن كان ذلك على خلاف قواعدهم المشهورة إلا
أنه صريح كلام الشيخ في النهاية كما قدمناه ، وكذا كلام ابن البراج ، والمشهور بين
المتأخرين خلافه كما عرفت مما قدمنا نقله عنهم.
قال العلامة في
المختلف ـ بعد ذكر المسألة الثانية ونقل قول الشيخ في النهاية بنحو ما نقلناه آنفا
وذكر رواية محمد بن مسلم الاولى ـ : والحق أن نقول إن كانت الأولى عالمة بأنها
ليست الزوجة ودخل بها على علمها بالتحريم لم يكن لها مهر لأنها زانية ، وإن لم تكن
عالمة أو جهلت التحريم كان لها مهر مثلها ـ إلى أن
__________________
قال : ـ وأما الأولى فلها مهرها على الزوج لأنه لا يسقط بدفع الزوج إلى
الثانية ، ثم الزوج يطالب الأب الرافع بما دفعه الزوج إلى الثانية لأنه غره ،
انتهى.
وفيه أنه وإن
كان ذلك مقتضى قواعدهم المقررة ، لكن اتفاق هذه الروايات ودلالتها صريحا على ما
ذكرناه يمنع من ردها وطرحها في مقابلة ما ذكروه سيما مع ما عرفت في غير موضع مما
تقدم من وقوع نحو ذلك في مواضع لا تحصى كثرة.
وكيف كان فجملة
هذه الأخبار إنما تضمنت حكم المسألة الثانية ، وليس غيرها في الباب ، وعلى هذا
فالمسألة الأولى خالية من الدليل ، وإن كثر فيها القال والقيل ، وما ذكروه فيها من
الرواية بأن مهر تلك المرأة مع عدم الدخول بها على أبيها لم نقف عليه في خبر
بالكلية ، وكذا المواضع التي وقع فيها الخلاف كما قدمنا ذكره لم نقف فيها على خبر.
وبالجملة فإنه
لم يصل إلينا خبر يتضمن تلك المسألة بالكلية ، وإنما الذي وصل إلينا هذه الأخبار
التي ذكرناها ، وموضعها إنما هو المسألة الثانية ، وحينئذ فيشكل الكلام فيها وإن
أمكن بالنظر إلى تقريباتهم العقلية في بعض المواضع منها ، إلا أنها غير معمول
عليها عندنا كما عرفت في غير موضع مما تقدم.
والعلامة في
المختلف بعد أن اختار فيها أنه لا خيار إلا مع الشرط كما قدمنا نقله عنه قال :
والشيخ عول على رواية محمد بن مسلم عن الباقر عليهالسلام ، ثم ساق الرواية الاولى من روايته ، ثم قال : وإن كان
ضامنا في هذه الصورة فكذا في المتنازع لعدم التفاوت ، وفي إيجاب المهر على الأب
إشكال ، انتهى.
وأنت خبير بأن
ظاهر كلامه أن الشيخ إنما قال بوجوب المهر على الأب في المسألة الأولى إلحاقا لها
بالمسألة الثانية ، حيث أوجب على الأب المهر للزوجة ، ولا يخفى أنه مع كونها قياسا
، فهو قياس مع الفارق ، لأن التي حكم بإيجاب المهر لها على الأب في المسألة الأولى
ليست زوجة ، لأن الشرط والتراضي إنما وقع على بنت المهيرة ، وهذه إنما هي مدلسة ،
ولذا حكم بردها على أبيها ، ومن أجل
ذلك استشكل أيضا في إيجاب المهر على الأب ، والتي حكم بإيجاب المهر لها في
المسألة الثانية زوجة شرعية مستحقة للمهر ، لكن لما كان الأب سببا في فوات مهرها
باستحقاق الأخت التي أدخلت عليه لدخوله بها ، غرم المهر عقوبة لابنته التي أخر
إدخالها على زوجها.
وبالجملة
فالمسألة حيث كانت عارية عن النص فالكلام فيها مشكل ، وحبس الفكر عن الجولان في
ميدانها أوفق بالامتثال لما أمروا به في أمثالها.
فوائد
الأولى : قد وقع التعبير بالمهيرة في الأخبار وكلام الأصحاب ، وفي
الحديث كان لداود عليهالسلام ثلاثمائة مهيرة ، وسبعمائة سرية. وهي فعلية بمعنى
مفعولة ، والمراد بها على ما ذكره أهل اللغة الحرة كالجوهري وغيره ، سميت بذلك
لأنها لا ينكح إلا بمهر ، بخلاف الأمة فإنها قد توطئ بالملك والتحليل.
قال في القاموس
المهيرة هي الحرة الغالية المهر. وفي الصحاح : المهيرة هي الحرة.
الثانية
: قال في
المسالك : واعلم أنه لا فرق في بنت المهيرة بين كون أمها حرة في الأصل ، أو معتقة
لما عرفت من أن المراد منها لغة الحرة ، وهي شاملة لهما ويحتمل ضعيفا الفرق ، بناء على أن المعتقة يصدق عليها أنها كانت أمة
،
__________________
إذ لا يشترط في صدق المشتق بقاء المعنى المشتق منه ، ولا يخفى ضعفه إذ لا
اشتقاق هنا ، بل الأمة اسم للرقية ، وهو منتف بعد العتق ، وتعريف أهل اللغة ينافيه
، انتهى.
الثالثة : لا يخفى أن ما صرحت به أخبار المسألة الثانية من ثبوت
المهر لمن أدخلت عليه مبني على الدخول بها مع عدم علمها بالحال ، وإلا فلو كانت
عالمة بأنها ليست زوجة فإنه لا شيء لها لأنها زانية ، ولو علم هو مع جهلها كان هو
زانيا ، ولكن لها مهر المثل عند الأصحاب لموضع الشبهة ، والمهر الذي تضمنته
الأخبار ، هذا مع الدخول بها وإلا فلا شيء لها لا على الرجل الذي أدخلت عليه ولا
غيره ، لأنها ليست معقودا عليها ولا موطوءة ، والله أعلم.
المسألة
الرابعة : إذا تزوج الرجل امرأة على أنها بكر فظهرت ثيبا فظاهر كلام جملة من الأصحاب
التفصيل في ذلك بأنه إن كان شرط كونها بكرا وثبت سبق الثيبوبة على العقد فإنه يجوز
له الفسخ لفوات الشرط المقتضي للتخيير كنظائره ، وإلا فلا ، لأن الثيبوبة في نفسها
ليست عيبا بحيث ترد به المرأة ، ولذلك لم يذكر في العيوب المتقدمة ، وإنما جاز الفسخ
من حيث الشرط.
ويثبت سبق
الثيبوبة بإقرارها وبالبينة ، أو بقرائن الأحوال المفيد للعلم ، ولو تجددت
الثيبوبة بعد العقد فلا خيار أيضا ولا رجوع لعدم المقتضي ، وما تجدد بعد العقد من
جملة العوارض اللاحقة لها لا توجب شيئا ، ولا يترتب عليها أثر ، ولو اشتبه الحال
بأن لم يعلم تقدم ذلك على العقد أو تأخره عنه ، فلا خيار أيضا لأصالة عدم التقدم ،
ثم إنه متى فسخ فإن كان قبل الدخول فلا شيء لها ، وإن كان بعده فقد استقر المهر
ويرجع به على المدلس ، وإن كانت هي المدلسة فلا شيء لها ، إلا أنهم قالوا هنا
جريا على ما تقدم من نظائر هذا الموضع أنه يستثني لها أقل ما يصلح لأن يكون مهرا
كما هو أحد القولين.
والذي وقفت
عليه من الأخبار في هذا المقام ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح
__________________
عن محمد بن القاسم بن الفضيل عن أبي الحسن عليهالسلام «في الرجل يتزوج امرأة على أنها بكر فيجدها ثيبا ، يجوز له أن يقيم عليها؟
قال : فقال : قد تفتق البكر من المركب ومن النزوة».
وما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن جزك قال : «كتبت إلى أبي الحسن عليهالسلام أسأله عن رجل تزوج جارية بكرا فوجدها ثيبا ، هل يجب لها
الصداق وافيا أم ينتقص؟ قال : ينتقص».
وظاهر الخبر
الأول يتناول من اشترط بكارتها في العقد أو ذكرت قبله وجرى العقد عليها من غير
اشتراط له في نفس العقد ، وأنه مع عدم العلم بالتقدم على العقد يجوز تجدده بأحد
الوجهين المذكورين فلا يوجب ذلك الخيار ، وظاهر الثانية هو أنه مع ظهور الثيبوبة
ينقص شيء من المسمى ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى ، وأما باقي الأحكام
في المقام فقد علم وجهها مما سبق.
بقي هنا شيء ،
وهو أنه حيث لا فسخ إما لعدم وجود موجبه ، أو لاختياره المقام معها وإن جاز له
الفسخ ، فهل للزوج أن ينقص شيئا من المهر لظهور الثيبوبة التي هي على خلاف ما وقع
عليه الاتفاق من البكارة أم لا؟ قولان ، والثاني منقول عن أبي الصلاح وبن البراج والأول هو المشهور.
قال أبو الصلاح
على ما نقل عنه في المختلف في بحث المهور : إذا تزوج بكرا فوجدها ثيبا وأقرت للزوج
بذلك حسب ، أو قامت به البينة فليس يوجب الرد ولا نقصانا في المهر.
وظاهر هذا
الكلام عدم ثبوت الخيار ، وإن تقدم حصول الثيبوبة على العقد
__________________
وشرط البكارة ، وهو خلاف ما يفهم من كلام الأصحاب كما عرفت ، ولهذا أن
العلامة في المختلف قال : وأبو الصلاح إن قصد التزويج بالبكر مع عدم شرط البكارة
فهو مسلم ، وإن قصد ذلك مع اشتراط البكارة فهو ممنوع ، ثم إنه على تقدير القول
المشهور من جواز أن ينقص من المهر شيئا فإنهم قد اختلفوا في قدر ذلك على أقوال :
(أحدها) أن
ينقص شيء في الجملة ، حيث قد ورد عن الشارع نقص شيء ولم يقدره كما تشعر به صحيحة
محمد بن جزك المتقدمة ، والتقريب فيها استلزام النقص تقدير منقوص ، والمناسب تقدير
لفظ شيء مبهم لاقتضاء المقام إياه ، وهذا القول للشيخ في النهاية.
و (ثانيها) إن
الناقص السدس ، ونقل عن القطب الراوندي في شرح مشكل النهاية محتجا بأن الشيء في
عرف الشرع السدس ، فلهذا حمل عليه في الوصية فكذا هنا ، وغلطه المحقق فقال : بأن
الشيء لم يذكر في الرواية ، وإنما وجب تقديره لاقتضاء اللفظ نقصان قدر مبهم ، وهو
الشيء المنكر ، لا الشيء المعين الذي هو السدس ، ثم كون الشيء سدسا في الوصية
لا يقتضيه في غيرها ، لانتفاء الدليل عليه مع كونه أعم ، ورده العلامة أيضا في
المختلف فقال : الجواب المنع من العرف الشرعي في ذلك ، ولهذا لا يحمل عليه في
الإقرار وغيره ، ولا يلزم من تقديره في الوصية تقديره في غيرها ، إذ ليس في
الرواية لفظ شيء.
و (ثالثها) إنه
ينقص منه مقدار ما بين مهر البكر والثيب ، وهو قول ابن إدريس حيث قال ـ على ما
نقله في المختلف ـ : الصحيح أنه ينقص من المسمى مقدار مثل ما بين مهر البكر إلى
مهر الثيب ، وذلك يختلف باختلاف الجمال والسن والشرف وغير ذلك ، فلأجل هذا قيل
ينقص من مهرها شيء منكر غير معروف ، واختاره في المختلف ، وهو قول المحقق في
الشرائع.
وقد اعترض على
هذا القول السيد عميد الدين في شرحه على القواعد فقال : وأنا أقول : إن كلام ابن
إدريس ليس جيدا على إطلاقه ، فإنه ربما
أدى إلى سقوط المهر بالكلية ، وذلك لأنا لو فرضنا أن مهرها بكرا خمسون
وثيبا أربعون كان له أن يسقط التفاوت وهو عشرة ، كما قال ابن إدريس ، فلو فرضنا أن
المسمى كان عشرة لزم خلو البضع من المهر بإسقاط جميعه ، بل ينبغي أن يقال أنه يسقط
نسبة ما بين مهرها بكرا وثيبا ، ففي هذه الصورة يسقط خمس ما وقع عليه العقد ، وذلك
ديناران. انتهى وهو جيد ، وقد تقدم نظيره في كتاب البيع.
ونقل الشيخ ابن
فهد في الموجز عن فخر المحققين أنه رده بأن قيمة المثل يعتبر في المعاوضات المحضة
والنكاح ليس منها ، وهو ظاهر في رد قول ابن إدريس.
وظاهره في
المسالك وسبطه في شرح النافع حمل كلام ابن إدريس على ما ذكره
السيد عميد الدين من إرادة النسبة بين المهرين لا مجموع ما بينهما. ونسبه في
المسالك إلى العلامة في التحرير أيضا ، وقال : ووجهه أن الرضاء بالمهر المعين إنما
حصل على تقدير اتصافها بالبكارة ولم تحصل إلا خالية من الوصف ، فيلزم التفاوت كأرض
ما بين المبيع صحيحا ومعيبا ، قال : ويضعف بأن ذلك إنما يتم حيث يكون فواته قبل
العقد ، أما مع إمكان تجدده فلا ، لعدم العلم بما يقتضي السقوط. انتهى وهو جيد.
و (رابعها) ما
نقله في المسالك عن المحقق أيضا وهو إحالة تقدير ذلك على نظر الحاكم ، لانتفاء
تقدير النص شرعا مع الحكم بأصله بالرواية الصحيحة فيرجع فيه إلى رأي الحاكم ، قال
: وهذا القول منسوب إلى المصنف أيضا وهو أوجه الأقوال ، لثبوت النقص بالرواية
الصحيحة وعدم تقديره لغة وشرعا ، فلا
__________________
شيء أنسب له من نظر الحاكم ، وحينئذ فينظر في أصل المسألة برأيه ، انتهى.
أقول : الموجود
من الأقوال في المسألة هو الثلاثة الأول كما ذكره في المختلف ، ومثله السيد عميد
الدين في شرح القواعد ، وهذا القول نقله الشيخ أحمد ابن فهد عن المحقق في النكت .
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن المسألة غير خالية من الاشكال ، والظاهر عندي ضعف القول الرابع بعد
الثاني فإنه أضعف الأقوال ، وما احتج في المسالك بهذا القول من ثبوت النقص
بالرواية ، وعدم تقديره لغة وشرعا يعني عدم تقدير الشيء ، فإنه لا يستلزم الرجوع
إلى الحاكم بوجه من الوجوه ، وكيف والحاكم إنما يجوز له الحكم بشيء بعد قيام دليل
عليه عنده ، ولم يرد من الشرع تفويض الأحكام الشرعية أو تقدير المجهولات إليه يحكم
فيها برأيه كما ادعاه من قوله ، وينظر في أصل المسألة برأيه ، وأي دليل دل على
تفويض ذلك إليه يحكم فيه برأيه ، مع أنه مأخوذ عليه آية ورواية أن لا يحكم إلا بما
أنزل الله ، وأقرب هذه الأقوال القول الأول والثالث ، بل يمكن إرجاعهما إلى قول
واحد كما هو ظاهر العلامة في المختلف حيث قال ـ بعد اختيار مذهب ابن إدريس ـ وهو
غير مناف لما قاله الشيخ ، والله العالم.
المسألة
الخامسة : قد صرح جملة من الأصحاب بأنه إذا تزوج رجلان بامرأتين
فأدخلت امرأة كل واحد منهما على الآخر فوطأها ، فلكل واحدة منهما على واطئها مهر
المثل ، وترد كل واحدة على زوجها ، وعليه مهرها المسمى ، وليس له وطؤها حتى تنقضي
عدتها من وطئ الأول ، ولو ماتتا في العدة أو مات الزوجان ورث كل منهما زوجة نفسه
وورثته.
__________________
وقال الشيخ في
النهاية إذا عقد الرجلان على امرأتين فأدخلت امرأة هذا على هذا
، والأخرى على الآخر ثم علم بعد ذلك فإن كانا قد دخلا بهما فإن لكل واحدة منهما
الصداق ، فإن كان الولي تعمد ذلك ، اغرم الصداق ، ولا يقرب كل واحد منهما امرأته
حتى تنقضي عدتها ، فإن ماتتا قبل انقضاء العدة فليرجع الزوجان بنصف الصداق على
ورثتها ، ويرثانهما الزوجان ، وإن مات الرجلان وهما في العدة فإنهما يرثانهما ،
ولهما المسمى.
وقال ابن إدريس
: والصحيح من الأقوال أن بموت أحد الزوجين يستقر جميع المهر كملا ، سواء دخل بها
الرجل أو لا.
أقول : والأصل
في هذه المسألة ما رواه في الكافي والتهذيب عن جميل بن صالح عن بعض أصحاب أبي عبد الله عليهالسلام «في أختين هديتا إلى أخوين في ليلة ، فأدخلت امرأة هذا على هذا ، وأدخلت
امرأة هذا على هذا ، قال : لكل واحد منهما الصداق بالغشيان ، وإن كان وليهما تعمد
ذلك اغرم الصداق ، ولا يقرب واحد منهما امرأته حتى تنقضي العدة ، فإذا انقضت العدة
صارت كل واحدة منهما إلى زوجها بالنكاح الأول ، قيل له : فإن ماتتا قبل انقضاء
العدة؟ قال : فقال : يرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما ، ويرثانهما الرجلان ،
قيل : فإن مات الرجلان وهما في العدة؟ قال : ترثانهما ولهما نصف المهر المسمى ،
وعليهما العدة بعد ما تفرغان من العدة الأولى تعتدان عدة المتوفى عنها زوجها».
وروى هذه
الرواية الصدوق في الفقيه عن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح أن أبا عبد الله عليهالسلام قال : «في أختين أهديتا» الحديث ،. وهو صحيح لأن طريق
__________________
الصدوق إلى الحسن بن محبوب صحيح ، وباقي رجاله ثقات ، والأصحاب في كتب
الاستدلال كالمختلف والمسالك وغيرهما إنما نقلوا الخبر برواية الكليني والشيخ ،
وردوه بضعف السند ، لما عرفت من الإرسال ، وطعن فيه المسالك باشتماله على تنصيف
المهر في موت كل منهما ، ولا بأس بنقل كلامه ، وإن طال به زمام الكلام ليظهر لك ما
فيه من صحة أو سقام.
قال ـ رحمة
الله عليه ـ بعد الكلام في المسألة وذكر الرواية : وقد ظهر أن الرواية ضعيفة
بالإرسال والقطع معا ، ومع ذلك فالشيخ لم يعمل بموجبها في الزوجين لتضمنها لثبوت
نصف المهر بالموت في كل منهما ، والشيخ خصه بموت الزوجة ، وأوجب مع موت الزوج
المسمى ، ولعل لفظ المسمى وقع سهوا ، وكان حقه نصف المسمى كما في الرواية ، لأنها
هي مستند ذكره لها في النهاية ، وقد ذكرها الصدوق في المقنع كما ذكرها في التهذيب
، ولكن الصدوق لم يجعلها مقطوعة ، بل قال : وسئل الصادق عليهالسلام عن أختين أهديتا إلى أخوين. إلى آخر الحديث ، وفي
المختلف اقتصر في نقل الرواية على ما تضمنه كلام الشيخ ، وترك حكاية آخرها المتضمن
لثبوت نصف المهر على تقدير موت الزوج ، فلم يحصل فيها مخالفة إلا في موضع واحد ،
وهو ثبوت نصف المهر على تقدير موت الزوجة كما ذكره في النهاية ، ثم حمل الرواية
على أن المرأتين ليس لهما ولد ، فيرجع الزوجان بالنصف فيما دفعاه مهرا على سبيل
الميراث ، ورضيه منه المتأخرون ، وهذا الحل مع بعده يتم في جانب الزوج دون الزوجة
لحكمه لها أيضا بالنصف ، مع أن أول الرواية تضمن حصول الغشيان ووجوب الصداق ،
وآخرها اقتضى ثبوت النصف بالموت ، وحملها على ما لوقع ذلك قبل الدخول خلاف ظاهرها
، وعلى كل تقدير ، فإطراح الرواية لما ذكر من وجه الضعف أولى من تكلف حملها على ما
لا تدل عليه ، انتهى.
أقول ـ وبالله
التوفيق ـ : إن ما طعن به من ضعف السند فقد عرفت جوابه ،
وأنه مبني على نقله الرواية من التهذيب أو الكافي ، وإلا فهي كما عرفت
صحيحة في الفقيه ، وعبارة المقنع التي حكاها مبنية على ذلك.
وأما ما طعن به
في متن الخبر من اشتماله على تنصيف المهر بموت الزوج والزوجة مع ذكر الغشيان الذي
هو كناية عن الدخول في صدر الخبر ، فالجواب عنه أنه لا يخفى أن الغشيان الذي وقع
إنما هو من ذلك الرجل الأجنبي الذي أدخلت عليه المرأة بظن أنه زوجها فجامعها على
أنها زوجته ، والصداق المذكور الذي استحقه بالغشيان مراد به مهر المثل الذي ذكره
الأصحاب ، حيث إن النكاح هنا وقع نكاح شبهة يوجب مهر المثل ، غاية الأمر أنه عبر
عنه بالصداق ، وهو غير بعيد ولا مستغرب.
وأما ما ذكره
من السؤال في الرواية بقوله : فإن ماتتا قبل انقضاء العدة؟ قال : يرجع بنصف
الصداق. فالمراد بالصداق هنا إنما هو المسمى في العقد بين تلك المرأة وزوجها لا
مهر المثل الذي تقدم في صدور الرواية.
وبذلك على ذلك
أن هذا السؤال إنما وقع على أثر قوله : ولا يقرب واحد منهما امرأته حتى تنقضي
العدة ، فإذا انقضت العدة صارت كل امرأة منهما إلى زوجها ، فإنه لما تضمن وجوب
إرجاع كل واحدة منهما إلى زوجها الذي عقد عليها ، بعد أن تنقضي عدة نكاح الشبهة
رجع السائل وسأل عن موت أحد الزوجين من المرأة أو الرجل في تلك العدة.
وحاصله يرجع
إلى موت أحد الزوجين قبل الدخول وهي مسألة مشهورة سيأتي تحقيق الكلام فيها ، وقد
قيل بتنصيف المهر في الموضعين ودلت عليه جملة من الأخبار أيضا ، وهذا الخبر من
جملتها ، وإن عارضها غيرها من الأخبار.
وبالجملة فإن
كلا من المرأتين المذكورتين لها صداقان : أحدهما وهو مهر المثل على الواطئ لها ،
وهو المذكور في صدر الرواية ، والمهر الآخر المسمى في العقد على الزوج ، وهذا هو
الذي وقع السؤال عن وجوبه كملا أو
تنصيفه بالموت ، وهي مسألة مشهورة ، وأخبارها من الطرفين مأثورة ، وهذا
الخبر من جملتها ، وبذلك يظهر أنه لا طعن من هذه الجهة لوجود القائل ، ودلالة
الأخبار على تنصيف المهر في الموضعين ، ولا ضرورة إلى ما تكلفه في المختلف ولا
غيره ، ولا إشكال بحمد الملك المتعال في هذا المجال كما لا يخفى على من عرف الرجال
بالحق ، لا الحق بالرجال.
ومن روايات
المسألة أيضا وإن لم تشتمل على هذه الأحكام ما رواه في الفقيه عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن رجلين نكحا امرأتين ، فأتى هذا بامرأة
هذا ، وهذا بامرأة هذا؟ قال : تعتد هذه من هذا ، وهذه من هذا ، ثم ترجع كل واحدة
إلى زوجها».
أقول : حكمه عليهالسلام بالعدة هنا محمول على وقوع الدخول ، وإلا فمع عدمه فإنه
ترجع كل واحدة إلى زوجها من حين العلم بالحال ، وبه صرح الأصحاب أيضا ، وقد صرحوا
أيضا بأنه متى كان الرجل عالما بالحال وهي جاهلة فإنه يكون زانيا فيحد لذلك ، ولها
المهر ، وعليها العدة ولو علمت هي وجهل هو كانت زانية لا مهر لها ، ويجب عليها
الحد وعليها العدة لوطئه المحرم ، والعدة تثبت مع احترام الوطي من جهتها أو من
جهته كما عرفت ، ولو علما معا كانا زانيين فلا مهر ولا عدة ، ولو فرض دخول أحدهما
دون الآخر أو العلم من أحدهما دون الآخر اختص كل بما يلزمه من الأحكام المذكورة ،
والله العالم.
المسألة
السادسة : من القواعد المقررة بينهم أن كل موضع حكم فيه ببطلان
العقد فللزوجة مع الوطي مهر المثل لا المسمى ، وكل موضع حكم فيه بصحة العقد فلها
مع الوطي المسمى وإن تعقبه الفسخ.
وعلل الأول بأن
مهر المثل عوض البضع المحرم حيث لا عقد ، ومع بطلان العقد ينزل كعدمه فيكون كالوطئ
لشبهة المجرد عن العقد.
__________________
وعلل الثاني
بأن المسمى تابع لصحة العقد ، فمتى صح العقد وجب المسمى وإن تعقبه الفسخ لوجوبه
بالعقد ، والفسخ إنما يرفع العقد من حين الفسخ لا من أصل العقد ، فلا يبطل المسمى
الذي قد استقر بالدخول سواء كان الفسخ بعيب سابق له أو لا حق ، وللشيخ في المبسوط
قول بالتفصيل ، وهو أنه إن كان الفسخ بعيب سابق على الوطي لزم مهر المثل سواء كان
حدوثه قبل العقد أو بعده ، وقد تقدم الكلام في ذلك.
المقصد الثاني في المهور :
جمع مهر وهو
على ما عرفة في الصحاح والقاموس : الصداق ، قالا : والصداق بكسر الصاد وفتحها : المهر.
قال في المسالك
: وهو مال يجب بوطىء غير زنا منهما ولا ملك يمين أو بعقد النكاح أو تفويت بضع
قهرا على بعض الوجوه كإرضاع ورجوع شهود.
قال سبطه في
شرح النافع بعد نقل ذلك : وأورد عليه طردا عقر الأمة الزانية إن جعلنا العقر مهرا
كما ذكره المعرف فإنه جعل من أسماء المهر العقر ، وعكسا أرض البكارة ، فإنه يجب
بالوطء المخصوص وليس مهرا والنفقة إن قلنا أنها تجب بالعقد ، والنشوز مانع ، ثم
قال : والأمر في ذلك هين.
ثم إنه قال في
المسالك : وله أسماء كثيرة منها الصداق بفتح الصاد وكسرها سمي به لإشعاره بصدق
رغبة باذله في النكاح الذي هو الأصل في إيجابه ، والصدقة بفتح أوله وضم ثانيه ،
والنحلة ، والأجر ، والفريضة ، وقد ورد بها القرآن ، قال الله تعالى «وَآتُوا النِّساءَ
صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» وقال «فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ»
وقال «وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً»
والعليقة ، والعلائق ، وقد روي أن النبي صلىاللهعليهوآله قال : أدوا العلائق ، قيل : وما العلائق؟ قال : ما ترضى
به الأهلون.
__________________
والعقر بالضم ، والحباء بالكسر ، ويقال من لفظ الصداق والصدقة : صدقتها ،
ومن المهر : مهرتها ، ولا يقال : أصدقتها وأمهرتها ، ومنهم من جوزه ، وقد استعمله
المصنف وغيره من الفقهاء ، انتهى كلامه.
قال في كتاب
المصباح المنير : ومهرت المرأة مهرا من باب نفع أعطيتها المهر ، وأمهرتها
بالألف كذلك ، والثاني لغة تميم وهي أكثر استعمالا ، ومنهم من يقول مهرتها إذا
زوجها من رجل على مهر فهي مهيرة ، فعلى هذا يكون مهرت وأمهرت لاختلاف معنيين.
انتهى.
وقال أيضا في
الكتاب المذكورة : وصداق المرأة فيه لغات أكثرها فتح الصاد ، والثانية كسرها ،
والجمع صدق بضمتين ، والثالثة لغة الحجاز صدقة ، ويجمع صدقات على لفظها ، وفي
التنزيل «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ»
والرابعة لغة
تميم صدقة ، والجمع صدقات ، مثل غرفة وغرفات ، وصدقه لغة خامسة وجمعها صدق مثل
قرية وقرى ، وأصدقتها بالألف أعطيتها صداقها ، وأصدقتها تزوجتها على صداق ، انتهى.
وكيف كان ففي
هذا المقصد بحوث :
الأول : فيما يصح أن يكون مهرا ، وفيه مسائل :
الأولى
: المفهوم من
كلام الأصحاب الاتفاق على أن كل ما يملكه المسلم مما يعد مالا يصلح جعله مهرا
للزوجة عينا كان أو دينا أو منفعة ، والمراد بالمنفعة ما يشمل منفعة العقار
والحيوان والغلام والأجير ، وإنما وقع الخلاف في جعل المهر عملا من الزوج للزوجة
أو وليها ، فمنعها الشيخ في النهاية ، والمشهور الجواز وهو قوله في الخلاف
والمبسوط ، وإليه ذهب الشيخ المفيد وابن الجنيد وابن إدريس ، وجملة من تأخر عنه.
قال في النهاية
: يجوز العقد على تعليم آية من القرآن أو شيء من الحكم والآداب ، لأن ذلك له أجر
معين ، وقيمة مقدورة ، ولا يجوز العقد على إجارة ،
__________________
وهو أن يعقد الرجل على امرأة على أن يعمل لها أو لوليها أياما معلومة ، أو
سنين معينة.
وظاهر كلامه في
الخلاف أن القول بما ذهب إليه في النهاية كان موجودا قبله حيث قال : يجوز أن يكون
منافع الحر مهرا مثل تعليم قرآن أو شعر مباح أو تعليم بناء أو خياطة ثوب وغير ذلك
مما له أجر ، واستثنى أصحابنا من جملة ذلك الإجارة ، وقالوا : لا يجوز ، لأنه كان
يختص بموسى عليهالسلام ، ونحوه في المبسوط.
وابن البراج قد
تبع الشيخ في النهاية في كتاب الكامل ، ووافق المشهور في المهذب فقال : ويجوز أن
يكون منافع الحر مهرا ، مثل أن يخدمها شهرا وعلى خياطة ثوب ، وعلى أن يخيط له شهرا
، وكذلك البناء وما أشبهه ، وكذلك تعليم القرآن ، والمباح من الشعر ، وروى أصحابنا
أن الإجارة مدة لا تصلح أن تكون صداقا لأن ذلك مخصوص بموسى عليهالسلام.
وقال ابن إدريس
: يجوز أن يكون منافع الحر مهرا ، مثل تعليم القرآن أو شعر مباح أو بناء أو خياطة
ثوب وغير ذلك مما له اجرة ، لأن كل ذلك له أجر معين وقيمة مقدرة.
واستثنى بعض
أصحابنا من جملة ذلك الإجارة إذا كانت معينة يعملها الزوج بنفسه ، قال : لأن ذلك
كان مخصوصا بموسى عليهالسلام ، والوجه في ذلك أن الإجارة إذا كانت معينة لا تكون
مضمونة ، بل إذا مات المستأجر لا يؤخذ من تركته ، ولا يستأجر لتمام العمل ، وإذا
كانت في الذمة تؤخذ من تركته ، ويستأجر لتمام العمل ، قال : والذي أعتمده وأعمل
عليه وأفتي به أن منافع الحر ينعقد بها عقود النكاح ، وتصح الإجارة ، والأجرة على
ذلك ، سواء كانت الإجارة في الذمة أو معينة لعموم الأخبار ، وما ذكره بعض أصحابنا
من استثنائه الإجارة وأنها كانت مخصوصة بموسى عليهالسلام فكلام في غير موضعه ، واعتماد على خبر شاذ نادر.
فإذا تأمل حق
التأمل بان ووضح أن شعيبا عليهالسلام استأجر موسى عليهالسلام ليرعى له ، لا ليرعى لبنته ، وذلك كان في شرعه وملته أن
المهر للأب دون البنت ، وإذا كان كذلك فإنه لا يجوز في شرعنا ما جاز في شرع شعيب عليهالسلام ، فأما إذا عقد على إجارة ليعمل لها فالعقد صحيح سواء
كانت الإجارة معينة أو في الذمة.
وقد أورد شيخنا
في التهذيب خبرا عن السكوني عن الصادق عليهالسلام «قال لا يحل النكاح اليوم في الإسلام بإجارة بأن يقول : أعمل عندك كذا سنة
على أن تزوجني أختك أو بنتك ، قال : حرام ، لأنه ثمن رقبتها وهي أحق بمهرها».
فهذا يدلك على
ما حررناه وبيناه ، فمن استثنى من أصحابنا الإجارة ، إن أراد الإجارة التي فعلها
شعيب عليهالسلام مع موسى عليهالسلام فصحيح ، وإن أراد غير ذلك فباطل. انتهى كلامه ، وهو جيد
للأخبار الدالة على ذلك عموما وخصوصا.
ومنها ما رواه في
الكافي عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليهالسلام «قال سألته عن المهر ما هو؟ قال : ما تراضى عليه الناس».
وعن الفضيل بن
يسار في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «الصداق ما تراضيا عليه من قليل أو كثير فهذا
الصداق».
وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن المهر ، فقال : ما تراضى عليه الناس»
الحديث.
__________________
وعن زرارة بن
أعين عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «الصداق كل شيء تراضى عليه الناس قل أو كثر في
متعة أو تزويج غير متعة». إلى غير ذلك من الأخبار التي بهذا المضمون.
وما رواه في
الكافي عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «جاءت امرأة إلى النبي صلىاللهعليهوآله فقالت : زوجني ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من لهذه؟ فقام رجل فقال : أنا يا رسول الله صلىاللهعليهوآله زوجنيها ، فقال : ما تعطيها؟ فقال : ما لي شيء ، قال :
لا ، فأعادت ، فأعاد رسول الله صلىاللهعليهوآله الكلام ، فلم يقم أحد غير الرجل ، ثم أعاد ، فقال رسول
الله صلىاللهعليهوآله ، في المرة الثالثة أتحسن من القرآن شيئا؟ قال : نعم ،
قال : قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن فعلمها إياه».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة على أن يعلمها سورة من
كتاب الله عزوجل ، فقال : ما أحب أن يدخل بها حتى يعلمها السورة ويعطيها
شيئا ، قلت : أيجوز أن يعطيها تمرا أو زبيبا؟ فقال : لا بأس بذلك إذا رضيت به
كائنا ما كان». وهذه الأخبار كما ترى ظاهرة في القول المشهور غاية الظهور ، ولا
سيما الخبرين الأخيرين.
هذا والذي وقفت
عليه من الأخبار في قصة موسى عليهالسلام ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : «قلت
لأبي الحسن عليهالسلام : قول شعيب عليهالسلام إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني
ثماني حجج ،
__________________
فإن أتممت عشرا فمن عندك ، أي الأجلين قضى؟ قال : الوفاء منهما أبعدهما عشر
سنين ، قلت : فدخل بها قبل أن ينقضي ، الشرط أو بعد انقضائه؟ قال قبل أن ينقضي ،
قلت له : فالرجل يتزوج المرأة ويشترط لأبيها إجارة شهرين ، يجوز ذلك؟ فقال : إن
موسى عليهالسلام قد علم أنه سيتم له شرطه ، فكيف لهذا بأن يعلم أنه
سيبقى حتى يفي له ، وقد كان الرجل على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله يتزوج المرأة على السورة من القرآن ، وعلى الدرهم ،
وعلى القبضة من الحنطة».
وروى الشيخ في
التهذيب عن أحمد بن محمد عن أبي الحسن عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج المرأة ويشترط إجارة شهرين
، قال : إن موسى عليهالسلام» الحديث. كما تقدم بأدنى تفاوت.
وروى الثقة
الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن محمد بن مسلم في حديث طويل قال : «قلت لأبي عبد الله
عليهالسلام : أي الأجلين قضى؟ قال : أتمها عشر حجج ، قلت له : فدخل بها قبل أن يقضي
الأجل أو بعده؟ قال : قبل ، وقال قلت : فالرجل يتزوج المرأة ويشترط لأبيها إجارة
شهرين مثلا ، أيجوز ذلك؟ قال : إن موسى بن عمران عليهالسلام علم أنه يتم له شرطه ، فكيف لهذا أن يعلم أنه يبقى حتى
يفي» الحديث.
وأجيب عن هذه
الأخبار بأن الظاهر هو حمل النهي فيها على الكراهة لا التحريم ، لأن ما اشتملت
عليه جار في تعليم القرآن الذي قد دلت الأخبار كما عرفت على جواز جعله مهرا ، بل
كل مهر قبل تسليمه كذلك ، لأنه لا وثوق له بالبقاء حتى يسلمه ، مع أن ذلك غير قادح
في الصحة إجماعا.
أقول : والظاهر
عندي أن هذه الأخبار إنما خرجت مخرج المجاراة ، والتسليم بمعنى أن العقد بهذه
الصورة غير جائز ، لأن المهر حق للزوجة لا للأب ،
__________________
ومع فرض جواز ذلك للأب فإنه كيف له بالعلم بالبقاء هذه المدة ، وفعل موسى عليهالسلام بناء على جوازه في تلك الشريعة إنما كان لعلمه بالبقاء
إلى أن يفي بالمدة ، وأما غيره ممن لا يعلم فلا ينبغي له ذلك ، والنهي أيضا على هذا
التقدير لا يخرج عن الكراهة على تقدير جواز التزويج ، وإلا فهو غير جائز.
ويدل على عدم
جواز التزويج بهذه الكيفية ما رواه في الكافي والتهذيب عن السكوني عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : «لا يحل النكاح ـ كذا في الكافي ، وفي الكتابين
الأخيرين عن أبي عبد الله عليهالسلام أن عليا عليهالسلام قال : لا يحل النكاح ـ اليوم في الإسلام بإجارة ، بأن
يقول : أعمل عندك كذا وكذا سنة على أن تزوجني ابنتك أو أختك ، قال : هو حرام ،
لأنه ثمن رقبتها وهي أحق بمهرها».
قال في الفقيه
ذيل هذا الخبر : وفي حديث آخر «إنما كان ذلك لموسى بن عمران لأنه علم من طريق
الوحي هل يموت قبل الوفاء أم لا ، فوفي بأتم الأجلين». والتقريب في الخبر المذكور
دلالته على أن المنع من هذه الصورة إنما هو من حيث جعل المهر للأب وهو حق للمرأة ،
وثمن رقبتها لا من جهة الإجارة ، وفيه إشعار بأنه لو كانت الإجارة لها بأن يكون
العمل لها فإنه صحيح لا مانع منه ، وهو صريح في بطلان هذا العقد لو كان العمل
المجعول مهرا لأبيها ، وما ذيله في الفقيه لا يظهر له وجه ارتباط بالخبر ، بناء
على ما قلناه ، لأن الخبر لم يتضمن المنع من حيث الإجارة ، والتذييل المذكور إنما
ينصب على ذلك ، ليصير بمعنى التخصيص له ، بل إنما تضمن بالمنع والبطلان من حيث إن
هذا العمل الذي جعله مهرا لا يجوز جعله للأب لأنه مهر ، والمهر حق الزوجة لا الأب.
وبالجملة
فالظاهر هو القول المشهور كما عرفت من ظهور الأخبار المتقدمة
__________________
في ذلك ، وعدم ظهور المنافاة من هذه الأخبار. والله العالم وأولياؤه
الأخيار.
المسألة
الثانية : لو عقد الذميان
ونحوهما على ما لا يجوز العقد عليه في شريعة الإسلام كالخمر والخنزير صح ، لأن ذلك
مما يملك في شريعتهم فيجوز جعله مهرا ، لكن لو أسلما معا أو أحدهما ، فإن كان بعد
التقابض لا شيء للزوجة ، لبراءة ذمة الزوج بقبضها في شريعتهم ، وإن كان قبل
التقابض لم يجز دفع المعقود عليه ، أما مع إسلامهما معا فإنه يحرم القبض والإقباض
في دين الإسلام ، وأما مع إسلام الزوج فإنه لا يجوز له إقباضه ولا دفعه ، وأما مع
إسلامها فإنه لا يجوز لها قبضه ، والعلة في هذه المواضع هو عدم صحة تملك هذه
الأشياء في شريعة الإسلام ، وما لا يكون مملوكا لا يكون مهرا ، وحينئذ فالواجب
بناء على ما هو المشهور هو القيمة عند مستحليه ، لأن التسمية وقعت صحيحة ، ولهذا
لو كان قد حصل التقابض قبل الإسلام برء ، ولكن حيث تعذر تسليم العين لما عرفت وجب
الانتقال إلى القيمة ، وهذا القول هو المشهور ، مثله ما لو جعلاه ثمنا لمبيع أو
عوضا لصلح أو إجارة أو نحوهما.
وقيل : إن
الواجب مهر المثل تنزيلا ـ لتعذر تسليم العين ـ منزلة الفساد ، ورده السيد السند
في شرح النافع بأنه ضعيف.
أقول : ويدل
على ما هو المشهور من الرجوع إلى القيمة ما رواه المشايخ الثلاثة عن رومي بن زرارة عن عبيد بن زرارة قال : «قلت : لأبي
عبد الله عليهالسلام : النصراني يتزوج النصرانية على ثلاثين دنا من خمر
وثلاثين خنزيرا ، ثم أسلما بعد ذلك ، ولم يكن دخل بها ، قال : ينظر ، كم قيمة
الخمر وكم قيمة الخنازير فيرسل بها إليها ثم يدخل عليها ، وهما على نكاحهما الأول».
__________________
وقد روى في
الكافي والتهذيب عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سأله رجل عن رجلين من أهل الذمة أو من أهل الحرب يتزوج كل
واحد منهما امرأة وأمهرها خمرا وخنازير ثم أسلما ، فقال : ذلك النكاح جائز حلال ،
لا يحرم من قبل الخمر ، ولا من قبل الخنازير ، قلت : فإن أسلما قبل أن يدفع إليها
الخمر والخنازير؟ فقال : إذا أسلما حرم عليه أن يدفع إليها شيئا من ذلك ، ولكن
يعطيها صداقا».
وأنت خبير بأن
هذه الرواية للدلالة على القول بمهر المثل ، واحتمال حملها على القيمة ـ كما دلت
عليه الرواية الأولى ـ يحتاج إلى تكلف بعيد.
ولو كانا
مسلمين أو أحدهما مسلما فعقدا على خمر أو خنزير أو نحوهما مما لا يصح تملكه ، فلا
ريب في بطلان المسمى ، وهل يبطل العقد أو يصح؟ قولان وعلى تقدير الصحة ما الذي يجب
عوض ذلك ، فالكلام هنا في موضعين :
(أحدهما) في
صحة العقد وبطلانه ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك فذهب جمع منهم الشيخان في المقنعة
والنهاية والقاضي وابن البراج والتقي أبو الصلاح إلى القول بالبطلان ، وقيل :
بالصحة وهو مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، وبه قال ابن حمزة وابن زهرة وابن
إدريس والمحقق ، والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين.
احتج الأولون
بأن الرضا شرط في صحة العقد ، وهو إنما وقع على جعل الخمر في مقابلة البضع مع أنه
باطل ، فما وقع عليه الرضا غير صحيح ، وما هو صحيح لم يقع عليه التراضي ، ولأنه
عقد معاوضة فيفسد بفساد العوض كالبيع ،
__________________
وقول الباقر عليهالسلام «الصداق ما تراضيا عليه قل أو كثر». ويلزمه بطريق عكس النقيض أن ما لم
يتراضيا عليه لم يكن مهرا.
احتج الآخرون
بوجود المقتضي للصحة وهو الإيجاب والقبول وعدم المانع إذ ليس إلا بطلان المهر ،
لكن بطلانه لا يؤثر في بطلان العقد ، لصحة ، عرائه عنه ، بل صحة العقد مع شرط عدمه
، فلا يكون ذكر المهر الفاسد أعظم من اشتراط عدم المهر ، ولأن المهر والعقد غير ان
، ففساد أحدهما لا يوجب فساد الآخر ، ويظهر الغيرية فيما لو عقد بغير مهر ، فإنه
يصح بلا خلاف.
وأجيب عن دليل
الأولين بأن ما ادعوه من أن بطلان المسمى يوجب عدم الرضا بأصل العقد قياسا على
سائر المعاوضات منقوض بما لو ظهر المهر مستحقا ، فإن العقد صحيح بلا إشكال ، مع
أنه لو كان كذلك في المعاوضة المحضة فإنها تفسد بظهور استحقاق أحد العوضين ، وبذلك
يظهر أنه ليس النكاح كالمعاوضة المحضة ، ومن ثم سماه الله تعالى نحلة وهي العطية ، وركن العقد يقوم بالزوجين.
وأما ما
استندوا إليه من الخبر ، ففيه أن الظاهر أن المراد من الصداق الذي تراضيا عليه هو
المهر الذي يذكر في العقد ، لا مطلق المهر ، لأن المهر الواجب مع عدم ذكره في
العقد لم يتراضيا عليه ، مع أنه صح أن يكون مهرا ، وأيضا فالظاهر منه كون التراضي
في جانب القلة والكثرة مع التعيين بقرينة قوله «قل أو كثر».
__________________
وأجيب عن دليل
الآخرين بالفرق بين عدم التسمية وتسمية الفاسد ، لأنهما في الأول قد تراضيا على
عدم المهر ، فصح العقد للرضا به خاليا عن العوض ، إلا أنه يثبت مهر المثل حينئذ ،
لأنه العوض شرعا في مثل ذلك ، بخلاف الثاني ، لأن التراضي لم يقع بالعقد خاليا عن
العوض والمسمى باطل شرعا ، وغيره غير مرضي به ، فلا تصح للعوضية ، ولا يلزم من
تغايرهما مع التعويض تغايرهما مع التسمية ، لأن التراضي إنما وقع على العقد المشخص
بالمهر المعين ، فكانا أمرا واحدا مركبا ، فيفوت بفوات أحد أجزائه.
أقول :
والمسألة لخلوها عن النص محل إشكال ، سيما مع تدافع هذه الأقوال ، ولهذا توقف
العلامة في المختلف ، وكذا شيخنا الشهيد الثاني في المسالك وسبطه في شرح النافع ،
إلا أنه في المسالك مع موافقته للعلامة في التوقف قال : إن جانب الصحة لا يخلو من
رجحان ، وسبطه قال بعد نقله التوقف عن العلامة : وهو في محله ، وإن كان القول
بالبطلان لا يخلو من رجحان ، وقد عرفت في غير موضع مما تقدم عدم جواز الاعتماد في
تأسيس الأحكام الشرعية على هذه التعليلات العقلية مع سلامتها من التعارض ، فكيف والحال
كما رأيت.
و (ثانيهما)
أنه على تقدير القول بالصحة كما هو المشهور بين المتأخرين ، فما الذي يجب؟ قد
اختلف الأصحاب القائلون بهذا القول على أقوال :
الأول : إنه
يجب مهر المثل مع الدخول كالمفوضة ، ذهب إليه الشيخ في الخلاف وابن إدريس والمحقق
، وعلل بأن عدم صلاحية المسمى لأن يكون صداقا اقتضى بطلان التسمية ، فيصير العقد
خاليا من المهر ، ويلزم بالوطء مهر المثل ، لأنه قيمة البضع حيث لا تسمية ، وقد
اختلف كلام العلامة هنا ، ففي الإرشاد قيد بالدخول كما ذكره هؤلاء المشار إليهم ،
وفي غيره أطلق مهر المثل ، وظاهره وجوب مهر المثل وإن كان بمجرد العقد بدل المسمى
حيث تعذر ، وعلى هذا يكون هذا القول منقسما إلى قولين ، وقد نبه عليهما شيخنا
الشهيد في شرح نكت الإرشاد ،
ونقل القول بوجوب مهر المثل بنفس العقد عن الشيخ ، وعلل هذا القول بأن
العقد وقع بالعوض ، فلا يكون تفويضا ، لكن لما تعذر العوض المعين وجب الانتقال إلى
بدله ، وهو مهر المثل.
ورد بأن مهر
المثل إنما ثبت كونه عوضا للوطئ حيث لا تسمية ، لا أنه يكون بدلا عن المهر الفاسد
، ولا يبعد أن يكون مراده ـ رحمة الله عليه ـ بما أطلقه هو التقييد بالدخول كما
ذكره في الإرشاد ، وإنما أطلق اعتمادا على ظهور ذلك من القواعد الشرعية ، وكيف كان
فإنه لو حمل على ظاهره ضعيف جدا لا ينبغي أن يلتفت إليه.
الثاني : إن
الواجب قيمته عند مستحليه حتى لو كان المهر حرا قدر على تقدير رقيته ، ونقل عن
الشيخ في موضع من المبسوط ، والوجه فيه أن قيمة الشيء أقرب إليه عند تعذره ،
ولأنهما عقدا على شخص باعتبار ماليته ، فمع تعذر الشخص يجب المصير إلى المال.
ورد الأول بأن
الانتقال إلى القيمة فرع صحة العقد على ذي القيمة ، لأن القيمة لم يقع التراضي
عليها ، ورد الثاني بأن تقدير المالية هنا ممتنع شرعا ، فيجب أن تلغى كما ألغى التعيين.
أقول : ومع قطع
النظر عن الرد بما ذكر في كل من الوجهين فإن إثبات الأحكام الشرعية بمثل هذه
التعليلات العقلية مما منعت منه الآيات القرآنية والسنة النبوية على الصادع بها
وآله أشرف صلاة وتحية.
الثالث : الفرق
بين كون المهر الذي لا يملكه المسلم متقوما في الجملة كالخمر والخنزير فيعتبر
قيمته ، وغير متقوم كالحر فيعتبر مهر المثل ، وتوضيحه أن الحر ليس مالا بالكلية ،
فيكون ذكره كالعدم بخلاف الخمر ، فإنه مضمون على المسلم للذمي المستتر وكذا الذمي
على مثله ، فتكون المالية فيه ملحوظة في الجملة ، فلا يكون العقد خاليا عن المهر
أصلا بخلاف الحر ، وضعف هذا القول يعلم مما سبق ، فإنه مركب منهما.
قال في المسالك
: واعلم أنه على القول الثاني يكون وجوب القيمة منوطا بمجرد العقد وإن لم يدخل
بغير خلاف ، بخلاف القول الأول فإن فيه وجهين ، وكذا على الثالث ، فإن الجهة التي
توجب فيه القيمة تلحقه بالثاني ، والذي توجب مهر المثل تلحقه بالأول ، انتهى.
وظاهر السيد
السند في شرح النافع ترجيح الأول من هذه الأقوال الثلاثة حيث قال : وأجود الأقوال
دليلا الأول ، وهذا الترجيح مبني على القول بالصحة ، بمعنى أنه لو قيل بالصحة لكان
هذا القول أجود الأقوال المذكورة ، وإلا فقد عرفت آنفا أنه قد رجح القول بالبطلان
من عبد التوقف في المسألة ، والله العالم.
المسألة
الثالثة : لا خلاف بين الأصحاب في أن المهر لا يتقدر بقدر في
جانب القلة إلا بأقل ما يتمول ، أي يعد مالا.
وأما في جانب
الكثرة ، فالمشهورة بين المتقدمين ـ وعليه كافة المتأخرين ـ أنه لا يتقدر بقدر بل
بما شاء.
ونقل الخلاف
هنا صريحا عن المرتضى ـ عليه الرحمة ـ في الانتصار ، فإنه قال : ومما انفردت به
الإمامية أن لا يتجاوز بالمهر خمسمائة درهم جياد قيمتها خمسون دينارا ، فما زاد
على ذلك رد إلى السنة ، وهو ظاهر ابن الجنيد والصدوق في الفقيه ، وكذا في الهداية ورد ذلك بالآيات والروايات ، قال الله عزوجل «وَآتَيْتُمْ
إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً»
.
__________________
والقنطار على
ما في القاموس : بالكسر وزن أربعين أوقية من ذهب أو فضة أو ألف دينار
أو ألف ومائتا أوقية ، أو سبعون ألف دينار أو ثمانون ألف درهم أو مائة رطل من ذهب
أو فضة أو ألف دينار أو ملأ مسك ثور ذهبا أو فضة.
وقال عزوجل «فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ»
وقال «فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ»
وهي عامة لكل ما وقع عليه التراضي ، وقد تقدمت جملة من الروايات في
المسألة الأولى صريحة الدلالة بأن المهر ما وقع عليه التراضي قليلا كان أو كثيرا.
وفي حسنة
الوشاء عن الرضا عليهالسلام «لو أن رجلا تزوج امرأة جعل مهرها عشرين ألفا وجعل لأبيها عشرة آلاف كان
المهر جائزا ، والذي جعل لأبيها فاسدا».
وروي في الكافي
في الصحيح عن الفضيل قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل تزوج امرأة بألف درهم ، فأعطاها عبدا آبقا وبردا
حبرة بألف درهم التي أصدقها ، قال : إذا رضيت بالعبد وكانت قد عرفته فلا بأس إذا
هي قبضت الثوب ورضيت بالعبد» الحديث ، إلى غير ذلك مما يضيق المقام عن نقله.
احتج المرتضى
على ما نقله عنه بإجماع الطائفة ، وبأن المهر يتبعه أحكام شرعية ، فإذا وقع العقد
على مهر السنة فما دون ترتب عليه الأحكام بالإجماع ، وأما الزائد فليس عليه إجماع
ولا دليل شرعي ، فيجب نفيه.
وأنت خبير بما
فيه بعد ما عرفت ، وضعفه أظهر من أن يذكر.
__________________
نعم ربما أمكن
الاستدلال له بما رواه الشيخ عن محمد بن سنان عن المفضل ابن عمر قال : «دخلت على أبي
عبد الله عليهالسلام فقلت له : أخبرني عن مهر المرأة الذي لا يجوز للمؤمنين
أن يجوزوه؟ قال : فقال : السنة المحمدية خمسمائة درهم فمن زاد على ذلك رد إلى
السنة ولا شيء عليه أكثر من الخمسمائة درهم ، فإن أعطاها من الخمسمائة درهما أو
أكثر من ذلك ثم دخل بها فلا شيء عليه ، قال : قلت : فإن طلقها بعد ما دخل بها؟
قال : لا شيء لها ، إنما كان شرطها خمسمائة درهم ، فلما أن دخل بها قبل أن تستوفي
صداقها هدم الصداق ، فلا شيء لها ، إنما لها ما أخذت من قبل أن يدخل بها ، فإذا
طلبت بعد ذلك في حياة منه أو بعد موته فلا شيء لها». إلا أنه لا يوافق مذهبه ، في
عدم العمل بالأخبار ولو كانت صحيحة فكيف إذا كانت ضعيفة.
وقد أجاب
العلامة في المختلف عنها بالحمل على الاستحباب ، قال : ومع الزيادة يستحب الرد
بالبراء إلى مهر السنة ، فإذا حصل الإبراء لا يلزمه أكثر منه. انتهى ، ولا بأس به
، فإنه ليس بعد ذلك إلا طرحه لمخالفته لما عرفت من الآيات القرآنية والسنة
المستفيضة النبوية ، وقد استفاضت الأخبار بعرض الأخبار عليهما ورمى ما خالفهما
وهذا الخبر بظاهره مخالف لهما كما عرفت.
قال في المسالك
: واحتج المرتضى على مذهبه بإجماع الطائفة وهو عجيب ، فإنه لا يعلم له موافق فضلا
عن أن يكون مما يدعى فيه الإجماع ، وقد اتفق له ذلك في الانتصار في مسائل كثيرة
ادعى فيها الإجماع ، وليس له موافق ، ذكرنا جملة منها في بعض الرسائل ـ الى أن قال
بعد الطعن في سند الرواية بمحمد بن سنان والمفضل بن عمرو الطعن في متنها بمخالفتها
لعموم الكتاب والسنة ـ ما لفظه : وبقي أنه قال بعد ذلك ، فإن أعطاها من الخمسمائة
إلى آخر ما تقدم ، ثم قال :
__________________
فانظر إلى هذه المخالفات العجيبة والأحكام الغريبة في هذا الخبر الواهي ،
وكيف يحسن بعد ذلك الاستناد إليه في حكم من هذه الأحكام مع مخالفة مدلوله في
جميعها لما عليه علماء الإسلام ، بل مثل هذا لا ينبغي إبداعه في كتب الحديث فضلا
عن أن يجعل سند الحكم ، انتهى.
وفيه أن هذا
الطعن ليس من خصوصيات هذا الخبر ، بل هنا أخبار عديدة فيها الصحيح باصطلاحهم دالة
عليه ، وبها قال جملة من الأصحاب أيضا كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى عند ذكر
المسألة المشار إليها ، بل ظاهر عبارة الصدوق في الفقيه والهداية هو القول بمضمون
هذه الرواية ، وكذا عبارة ابن الجنيد القائل بذلك أيضا ، ولكن شيخنا الحر ـ رحمهالله ـ على رد هذا الخبر ورميه من البين غفل عن ذلك ، نعم هو
بما تضمنه صدره من عدم جواز الزيادة على الخمسمائة درهم مخالف لعمومات الكتاب
والسنة كما عرفت ، والله العالم.
وكيف كان فإن
الأفضل هو الاقتصار على الخمسمائة لاستفاضة الأخبار بأنه مهر السنة حتى وقعت
المبالغة فيه بما تضمنه هذا الخبر مما يؤذن بتعينه.
فمن الأخبار
المشار إليها ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن معاوية بن وهب قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : ساق رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى أزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا ، والأوقية أربعون
درهما ، والنش نصف الأوقية عشرون درهما ، فكان ذلك خمسمائة درهم ، قلت : بوزننا ،
قال : نعم».
وعن حماد بن
عيسى في الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سمعته يقول : قال أبي : ما زوج رسول الله صلىاللهعليهوآله شيئا من بناته ، ولا تزوج شيئا من نسائه على أكثر من
اثنتي عشرة أوقية ونش ، والأوقية أربعون درهما ، والنش عشرون درهما».
__________________
وعن عبيد بن
زرارة قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : مهر رسول الله صلىاللهعليهوآله نساءه اثنى عشر أوقية ونشأ ، والأوقية أربعون درهما ،
والنش نصف الأوقية وهو عشرون درهما».
أقول : وبما
دلت عليه هذه الأخبار من تفسير الأوقية والنش وصرح به أهل اللغة أيضا ، قال ابن
إدريس في سرائره : النش ـ بالنون المفتوحة والشين المعجمة المشددة ـ وهو عشرون
درهما وهو نصف الأوقية من الدراهم ، لأن الأوقية عند أهل اللغة أربعون درهما ،
فإني سألت ابن القصار ببغداد وهو إمام أهل اللغة في عصره فأخبرني بذلك ، انتهى.
وقال في
القاموس : النش إلى أن قال : ونصف أوقية عشرون درهما.
وقال الجوهري : النش عشرون درهما وهو نصف أوقية لأنهم يسمون الأربعين
درهما أوقية ويسمون العشرين نشا ، ويسمون الخمسة نواتا.
وروى ثقة
الإسلام عن الحسين بن خالد قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن مهر السنة كيف صار خمسمائة درهم؟ فقال : إن الله
تبارك وتعالى أوجب على نفسه أن لا يكبره مؤمن مائة تكبيرة ، ويسبحه مائة تسبيحة ،
ويحمده مائة تحميدة ، ويهلله مائة تهليلة ، ويصلي على محمد وآله مائة مرة ثم يقول
: اللهم زوجني من الحور العين إلا زوجه الله حوراء عيناء وجعل ذلك مهرها ، ثم أوحى
الله إلى نبيه صلىاللهعليهوآله أن يسن مهر المؤمنات خمسمائة درهم ففعل ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله وأيما مؤمن خطب أخيه مؤمنة وبذل له خمسمائة درهم فلم
يزوجه فقد عقه واستحق من الله أن لا يزوجه حوراء».
__________________
المسألة
الرابعة : قد صرح الأصحاب بأن المهر إذا ذكر في العقد فلا بد من تعيينه ليخرج عن
الجهالة إما بالإشارة كهذا الثوب وهذه الدابة ، أو بالوصف الذي يحصل به التعيين.
وظاهرهم أنه
يكفي فيه المشاهدة وإن كان مكيلا أو موزونا وأمكن استعلامه بها ، بل صرح بذلك جملة
منهم كالصبرة من الطعام والقطعة من الفضة أو الذهب ، ومرجع ذلك إلى المعلومية في
الجملة من غير استقصاء لجميع طرقها ، قالوا ، والوجه فيه أن النكاح ليس على حد
المعاوضات الحقيقية ، والركن الأعظم فيه الزوجان ، والمهر دخيل فيه لم يعتبر فيه
ما يعتبر في غيره من المعاوضات المحضة.
أقول : ويدل
على ذلك صحيح محمد بن مسلم المتقدمة المتضمن لحكاية المرأة التي أتت إلى رسول الله
صلىاللهعليهوآله وطلبت منه أن يزوجها فإن المهر فيها قد جعل ما يحسنه من
القرآن ، ولم يسأل عن مقداره ، وهو مجهول ، فإذا جاز التزويج بالمهر الذي على هذا
النحو ، فبالمشاهدة من غير وزن ولا كيل بطريق أولى لحصول المعلومية في الجملة ،
بخلاف المهر في هذا الخبر.
ويؤيد ذلك أيضا
ما تقدم في جملة من الأخبار «أن المهر ما تراضيا عليه» فإنه شامل بإطلاقه لما نحن
فيه ، وقد تقدم في جملة من أخبار المتعة كف من طعام دقيق أو سويق أو تمر.
وفي خبر عن الكاظم عليهالسلام «كان الرجل يتزوج على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله على القبضة من الحنطة». وفي الجميع دلالة واضحة على
الاكتفاء بالمعلومية في الجملة.
بقي الكلام
فيما لو قبضته والحال هذه فإنه إن لم يتوقف على العلم به أمر
__________________
وحصل العلم لها بعد ذلك فلا إشكال ، وإن استمر الأمر على المجهولية واحتج
بعد ذلك إلى معلوميته لتلفه قبل التسليم أو بعده ، وقد طلقها قبل الدخول ليرجع
بنصفه ، فالظاهر أنه لا وجه للرجوع إلا بطريق الصلح إذ لا طريق للمعلومية لفواته
على المجهولية ، ونقل عن المحقق الشيخ علي أنه احتمل وجوب مهر المثل ورده في المسالك ومثله سبطه في شرح النافع بأن ضمان
المهر عندنا ضمان يد ، لا ضمان معاوضة ، ومن ثم كان التلف قبل القبض يوجب الرجوع
إلى القيمة ، لا مهر المثل ، وزاد في المسالك : نعم هو مذهب العامة.
المسألة
الخامسة : الظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال في صحة النكاح لو تزوج
امرأتين فصاعدا في عقد واحد بمهر واحد ، إنما الخلاف والاشكال في صحة المهر في هذه
الصورة وبطلانه ، وأنه على تقدير الصحة ، فهل يقسط المهر على عدد رؤوسهن بالسوية
أو يقسط على مهر أمثالهن؟ وجهان ، بل قولان ، وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع :
الأول : إن ما
ذكر من صحة النكاح في هذه الصورة لم أقف فيه على نص بخصوصه ، إلا أن الظاهر دخوله
تحت العمومات ، والأصحاب قد عللوا ذلك بوجود المقتضي للصحة وهو العقد الجامع
لشرائطه ، وانتفاء المانع ، إذ ليس إلا جمع المهر على شيء واحد وهو لا يصلح
للمانعية ، لأنه على تقدير صحة المهر يظهر حق كل واحدة بالتوزيع ، وعلى تقرير
البطلان لا يؤثر في العقد كما سيأتي بيانه وهو يرجع إلى ما ذكرناه.
الثاني : في
صحة المهر وبطلانه ، والمشهور هو الأول ، حتى أن أكثرهم
__________________
لم ينقل هنا خلافا ، وإنما تعرضوا للخلاف في التقسيط كما سنذكره في الموضع
الآتي ، ومن حكم بالصحة كما هو المشهور قال : لأنه معلوم جملة ، وحصة كل واحدة
يمكن علمها بعد ذلك كثمن المبيعين في عقد واحد.
ومن حكم
بالبطلان قال : لأن المهر هنا متعدد في نفسه وإن كان مجتمعا ، وحصة كل واحدة منه
ليست معلومة عند العقد ، وعلمها بعد ذلك لا يفيد الصحة كما لو كان مجهولا منفردا
وعلم به بعد ذلك ، ونمنع صحة البيع للملكين غير المشتركين بثمن واحد كما هو مذهب
الشيخ في الخلاف وغيره .
أقول : ويؤيده
ما تقدم في كتاب البيع من دلالة صحيحة محمد بن الحسن الصفار على أنه «لو باع ماله ومال الغير بطل بالنسبة إلى مال
الغير ، وصح بالنسبة إلى ماله». والوجهان حكاهما الشيخ في المبسوط ، ولم يتعرض
الأكثر لذكر البطلان ولا لذكر وجهه.
أقول : حيث
كانت المسألة عارية من النص أشكال الكلام فيها سيما مع تدافع هذه التعليلات ، وإن
كانت لا تصلح لتأسيس حكم شرعي.
__________________
الثالث : إنه
على تقدير القول بالصحة يقسط المسمى على كل واحدة ليعرف مقدار ما يخصها من المهر ،
وفيه وجهان ، بل قولان :
(أحدهما) وهو
قول الشيخ في المبسوط وتبعه ابن البراج أنه يقسم بينهن بالتسوية ، فيقسم على الزوجين
أنصافا وعلى الثلاث أثلاثا وهكذا.
وعلل بأنه
الأصل في إطلاق الاستحقاق إذا قيل لفلان وفلان كذا والترجيح على خلاف الأصل.
و (الثاني) وهو
اختيار المحقق والعلامة والأكثر ومنهم المحقق الشيخ علي والشهيد الثاني في المسالك
وغيره التقسيط على مهور أمثالهن ، وتعطى كل واحدة ما يقتضيه التقسيط كما لو باع
عبده وعبد غيره بثمن واحد ، أو جمع بين نكاح وبيع ، وعلل بأن العرض المالي إذا
قوبل بعوض متقوم كانت القيمة ملحوظة ، ومن ثم يكون زيادة العوض ونقصانه ناشئا عن
زيادتها ونقصانها غالبا ، وقيمة البضع إنما هي مهر المثل فيكون قسط كل واحدة من
المسمى بحسبه لا محالة.
ثم إنه لا
ينبغي أن يعلم أنه على القول بفساد المهر ، فالذي صرح به في المسالك أن لكل واحدة
مهر مثلها كما لو أصدقها مجهولا يتعذر تقويمه كعبد ودابة وشيء ، لأن الصداق وإن
لم يكن عوضا في أصله إلا أنه إذا ذكر في العقد جرت عليه أحكام المعاوضات ،
والجهالة من موانع صحتها فيثبت مهر المثل ، قال : ويحتمل الفرق وتوزيع المسمى هنا
على مهور أمثالهن ، ولكن واحدة منه ما يقتضيه التوزيع ، ويكون الحاصل لهن على هذا
القول كالحاصل إذا قلنا بصحة المسمى ، والفرق بينه وبين المجهول المطلق تعذر تقويم
ذلك ، وإمكان تقويم هذا.
أقول : هذا
حاصل ما ذكروه في المسألة ، وقد عرفت أن المسألة خالية من النص بجميع شقوقها ،
وظاهر من ذهب إلى التقسيط على مهور أمثالهن أن الوجه في ذلك عنده هو إلحاق النكاح
بالبيع ، وقياسه عليه للاشتراك في المعاوضة ، حيث إن المهر عوض البضع كما أن الثمن
عوض المثمن ، مع أنا قد قدمنا في
كتاب البيع (أقول : قد تقدم ذلك في المسألة الرابعة من المقام الثاني في
المتعاقدين من الفصل الأول) أن هذا التقسيط على الوجه المذكور ، والأخذ بالنسبة من
الثمن لم نقف له على نص ، وأن طريق الاحتياط فيه هو الصلح ، وبذلك يظهر لك أن
المسألة غير خالية من شوب الاشكال.
وكيف كان فإن
الذي ذكروه ثمة من التقسيط أو الأخذ من المسمى بالنسبة هو أنه يقوم المجموع أعني
ما باعه من ماله ومال غيره بقيمة عادلة ، ثم إنه يقوم أحدهما بانفراده وتنسب قيمته
إلى قيمة المجموع ويؤخذ بهذه النسبة من المسمى في العقد ، ومقتضى ذلك بالنسبة إلى
ما نحن فيه أن ينظر إلى مهور أمثال هؤلاء المعقود عليهن اثنتين أو أكثر ، وإلى مهر
مثل كل واحدة واحدة منهن فينسب إلى ذلك المجموع ويؤخذ من المسمى في العقد بتلك
النسبة ، مثلا مهور أمثال هؤلاء المعقود عليهن مائة درهم ، ومهر إحداهن خمسون
درهما ، والثانية خمسة وعشرون ، والثالثة خمسة وعشرون ، فيؤخذ من المسمى للأولى
بالضعف ، ولكل من الثانية والثالثة بالربع ، وعلى هذا فقس.
ثم إنه قال في
المسالك : واعلم أنه لو زوج أمته من رجل على صداق واحد صح النكاح والصداق قولا
واحدا. لأن المستحق هنا واحد ، فهو كما لو باع عبدين بثمن واحد ، ولو كان له بنات
وللآخر بنون ، فزوجهن صفقة واحدة بمهر واحد ، بأن قال : زوجت ابنتي فلانة من ابنك
فلان ، وفلانة من فلان إلى آخره بألف ، ففي صحة الصداق كالسابقة وجهان ، وأولى
بالبطلان هنا لو قيل به ، ثم لأن تعدد العقد هنا أظهر لتعدد من وقع له من الجانبين
، انتهى.
المسألة
السادسة : لا خلاف بين الأصحاب كما ادعاه في المسالك وغيره في
غيره في أنه إذا عقد على مهر مجهول بحيث لا يمكن استعلامه في نفسه كعبد ودابة وشيء
ونحو ذلك ، فإنه يبطل المسمى ويثبت مهر المثل ، لامتناع تقويم
__________________
المجهول على هذا الوجه.
أقول : والوجه
فيه هو ما تقدم من أن المهر متى ذكر في العقد فإنه يشترط فيه التعيين بالإشارة أو
الوصف الرافعين للجهالة ، وقضية ذلك بطلان المسمى لو كان أحد هذه المذكورات أو
بطلان العقد ، إلا أنه نقل عن الشيخ وأتباعه وتبعه جمع من المتأخرين فيما لو
تزوجها على خادم أو دار أو بيت فإنهم حكموا بصحة العقد والمهر ، وأن الواجب لها ما
كان وسطا من هذه الأشياء ، استنادا إلى أخبار وردت بذلك وهي :
ما رواه في
الكافي والتهذيب عن ابن أبي عمير عن علي بن أبي حمزة قال : «قلت لأبي
الحسن عليهالسلام : تزوج رجل امرأة على خادم ، قال : فقال : لها وسط من
الخدم قال : قلت : على بيت؟ قال : وسط من البيوت».
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن
عليهالسلام «في رجل تزوج امرأة على دار ، قال : لها دار وسط».
وما رواه في
الكافي عن علي بن أبي حمزة قال : «سألت أبا إبراهيم عليهالسلام عن رجل زوج ابنته ابن أخيه ، وأمهرها بيتا وخادما ، ثم
مات الرجل ، قال : يؤخذ المهر من وسط المال ، قال : قلت : فالبيت والخادم؟ قال :
وسط من البيوت والخادم وسط من الخدم ، قلت : ثلاثين أربعين دينارا؟ والبيت نحو من
ذلك ، فقال : هذا سبعين ثمانين دينار ، أو مائة نحو من ذلك».
وظاهر المحقق
في الشرائع التوقف في هذا الحكم حيث نسبه إلى «قيل» وكذا عبارة العلامة في القواعد
، ويلوح عن ابن إدريس اختياره ، حيث أورده
__________________
بصيغة «روي» ولم يرده.
وبالجملة
فالظاهر من كلام المتأخرين الذين هم أصحاب هذا الاصطلاح المحدث في الأخبار أنهم ما
بين جازم ببطلان المسمى والرجوع إلى مهر المثل ، وما بين متوقف في المسألة.
وأما المتقدمون
الذين لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم فإنهم قائلون بهذا الأخبار ، وقصروها على موردها
لما عرفت من مخالفتها للقاعدة التي قرروها في المهر وهو الأظهر.
قال في المسالك
ـ بعد نقل رواية علي بن أبي حمزة الاولى ومرسلة ابن أبي عمير ـ ما لفظه : ولا يخفى
ضعف الرواية الأولى بعلي المذكور ، فإنه رأس الواقفية ، والثانية مرسلة ، لكن مرسل
ابن أبي عمير قبله الأصحاب ، اعتمادا منهم على أنه لا يرسل إلا عن الثقة ، مع أنه
راوي الرواية الأولى عن ابن أبي حمزة ، فإن تم ما قالوه فهو يتسامح في الرواية مع
ذكر المروي عنه لا مع تركه ، ولا بد لهذه الدعوى من إثبات ، والأقوى بطلان المهر
كغيره ، والرجوع إلى مهر المثل لما ذكر ، ولأن الوسط من هذه الأشياء لا ينضبط بل
هو مختلف اختلافا شديدا خصوصا مع عدم تعيين بلد الدار والبيت ، انتهى .
__________________
أقول : لا يخفى
أن ما جرى عليه المتقدمون من المعاصرين للأئمة إلى زمان المحقق والعلامة ومن في
عصرهم من أصحاب هذا الاصطلاح المحدث إنما هو صحة هذه الأخبار المنقولة في أصولهم
المشهورة ، والصحة والضعف عندهم ليس باعتبار الراوي ، وتعليل العمل بمراسيل ابن
أبي عمير بما ذكره إنما هو تخرج من المتأخرين بناء على عملهم بهذا الاصطلاح وضيق
الخناق فيه ، فيعتذرون بهذه الأعذار الواهية ليتسع لهم المجال إلى العمل بالأخبار
، ونحوه قولهم بجبر الخبر الضعيف بالشهرة ، إذ لا يخفى على المتأمل بالفكر الصائب
أنه لو اقتصر في العمل بالأحكام الشرعية على الأخبار الصحيحة باصطلاحهم لبطلت هذه
الشريعة من أصلها واضمحلت بكلها أصولا وفروعا ، إذ ليس في هذا القسم من الأخبار ما
يفي بأقل قليل من الأحكام كما لا يخفى على ذوي الأفهام ، والمنقول عن ابن أبي عمير
في إرساله الروايات إنما هو حيث ذهبت كتبه لما كان في حبس الرشيد خمس سنين ، فقيل
: إن أخته وضعتها في غرفة فذهبت بالمطر ، وقيل : إنها دفنتها تلك المدة حتى ذهبت ،
فحدث لذلك من حفظه وأرسل الأخبار لذلك ، ولكنهم لضيق الخناق في اصطلاحهم واحتياجهم
إلى العمل بأخباره لفقوا لأنفسهم هذا الاعتذار الشارد.
وبالجملة
فالكلام في هذا الباب واسع ليس هذا مقامه ، على أن لقائل أن يقول : إن ما ادعوه من
القاعدة في المهر فإنه لا بد بعد ذكره في العقد من الإشارة إليه أو وصفه بما يحصل
به التعيين لم نقف لهم فيه على نص يوجب الالتزام به ، ورد ما خالفه إليه ، وإنما
هو مجرد اصطلاح منهم بزعم أن الجهالة فيه
__________________
تؤدي إلى النزاع ، وقد عرفت ما في الاستناد إلى الأدلة العقلية في الأحكام
الشرعية لورود الأخبار بخلافها في مواضع لا تحصى مما مر بك ، وسيأتي أمثاله إن شاء
الله ، ويؤيد ما قلناه ما صرحوا به آنفا من اغتفار الجهالة في المهر ، وجوازه بمثل
قبضة من طعام ونحو ذلك على أن ما ذكروه من أن الوسط لا ينضبط بل هو مختلف اختلافا
شديدا إن أريد به الانضباط على تقدير ما اختاروه مسلم ، ولكن لا دليل عليه وإن
أريد في الجملة ، وإن حصل الاختلاق أيضا في الجملة فهو غير ضائر ولا مانع من الصحة
كما تشير إليه الرواية الثالثة ، ولم يذكرها أحد منهم فإن ظاهرها أن الوسط الذي
يؤخذ به في قيم هذه الأشياء هي هذه المقادير المذكورة في الخبر لصدق الوسط على كل
منها عرفا.
وبالجملة فإن
الأمر بالنظر إلى الأخبار أوسع مما ضيقوا به في هذا الموضع وغيره مما تقدم ، وتقدم
الكلام فيه.
وكيف كان
فالأحوط الوقوف على ما ذكروه من القاعدة وما يترتب عليها من الفائدة ، والوقوف على
موارد هذه الأخبار جمعا بين ما ذكروه ، وبين ما دلت عليه الأخبار المذكورة ، والله
العالم.
المسألة
السابعة : لو تزوجها
على كتاب الله وسنة نبيه ص ولم يسم مهرا فالمشهور من غير خلاف يعرف ، بل ظاهر
المحقق الشيخ على والشهيد الثاني في الروضة إن ذلك إجماع أن مهرها خمسمائة درهم
لما عرفت من الأخبار المتقدمة أن مهر السنة هو هذا القدر.
ويدل عليه هذا
الحكم بخصوصه ما رواه في التهذيب عن أسامة بن حفص ، وكان قيما لأبي الحسن موسى عليهالسلام قال : «قلت له : رجل تزوج امرأة ولم يسم لها مهرا وكان
في الكلام أتزوجك على كتاب الله وسنة نبيه ، فمات عنها أو أراد أن يدخل بها ، فما
لها من المهر؟ قال : مهر السنة ، قال : قلت : يقولون أهلها
__________________
مهور نسائها ، قال : فقال : هو مهر السنة ، وكلما قلت له شيئا قال : مهر
السنة».
وظاهر شيخنا
الشهيد الثاني في الروضة موافقة الأصحاب في الحكم المذكور من غير إشكال ولا مناقشة
، قال بعد ذكر المصنف الحكم المذكور ما لفظه : للنص والإجماع ، وبهما يندفع
الاشكال مع جهل الزوجين أو أحدهما لما جرت به السنة منه ، ولقبوله الغرر كما تقرر
، والعجب أنه خالف نفسه في المسالك فناقش أولا في صدق كون ذلك على كتاب الله ، حيث
إنه ليس في الكتاب ما يدل على كون المهر خمسمائة ثم التجأ إلى قوله «وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ
فَخُذُوهُ» قال : ومما آتانا به كون السنة في المهر ذلك ، ثم نقل
رواية أسامة بن حفص المذكورة وطعن في سندها بالضعف ، ثم قال : فإن كان على الحكم
إجماع ، وإلا فلا يخلو من إشكال ، لأن تزويجها على الكتاب والسنة أعم من جعل المهر
مهر السنة ، كما لا يخفى ، إذ كل نكاح مندوب إليه بل جائز فهو على كتاب الله وسنة
نبيه صلىاللهعليهوآله ثم على تقدير إرادتهما بذلك كون المهر مهر السنة ، ففي
الاكتفاء بذلك عن ذكر القدر في العقد نظر ، كما لو قال : تزوجتك على المهر الذي
تزوج به فلان ، انتهى.
أقول : أما
المناقشة الأولى فإنها مدفوعة أولا بالرواية المذكورة وثانيا بالأخبار المستفيضة
الدالة على أنه لا حكم من الأحكام إلا وهو مذكور في القرآن حتى أرش الخدش ،
والجلدة ونصف الجلدة ، وفي جملة من الأخبار ما يدل على استنباطهم عليهمالسلام لجملة من الأحكام المخصوصة من آيات القرآن ما لم تبلغه
عقولنا ولا تصل إليه أفهامنا ، وحينئذ فعدم علمه ومعرفته ـ رحمة الله عليه ـ هو
وغيره لهذا الحكم من القرآن لا يدل على العدم ، كما لا يخفى.
وأما المناقشة
الثانية فإنها مدفوعة بالخبر المذكور المنجبر بالشهرة ، إذ لا مخالف في الحكم
المذكور وهو ممن نقل الإجماع عليه في الروضة كما سمعت ، وهذه قاعدة مسلمة بين
أصحاب هذا الاصطلاح بالاتفاق ، وإن كانت ناشئة عن
__________________
ضنك المجال في هذا الاصطلاح وضيق الخناق كما تقدمت الإشارة إليه.
ومما ذكرنا
يعلم الجواب عن المناقشة الثالثة ، فإنه متى ثبت المذكور وجب القبول لما اشتمل
عليه من الأحكام ، ومنها ما ذكره في هذا المقام.
وبالجملة فإن
الظاهر هو العمل بالخبر المذكور ، وما تضمنته من الأحكام ، ومنه يستفاد صحة العقد
وإن كانا جاهلين بقدر مهر السنة كما أشار إليه في الروضة ، وأما مع علمهما بذلك
فينبغي القطع بالصحة.
وكيف كان فهذا
الخبر مؤيدا لما قدمنا ذكره في المسألة السابقة من سعة الدائرة في صحة العقود ،
وأنها ليست على الوجه الذي ضيقوه واشترطوه من الشروط الموجبة للتعيين والتشخيص على
وجه لا يتطرق إليه الجهالة الموجبة للتخاصم والتنازع.
المسألة
الثامنة : لو سمى لها
مهرا ولأبيها أو غيره من الأولياء أو واسطة أو أجنبي شيئا فظاهر كلام جملة من
الأصحاب كالمحقق في الشرائع والعلامة في في القواعد وغيرهما في غيرهما التفصيل في
ذلك بين أن يكون المشروط لغيرها خارجا عن المهر ويكون جزء من المهر ناسبين الثاني
إلى لفظ قيل ، وحينئذ فتحقيق الكلام في هذا المقام في موضعين :
الأول : أن
يكون المشروط لغيرها خارجا عن المهر بأن يجعل مهرها مثلا ألفا ويعقدان على ذلك ،
ويشترطان لأبيها أو غيره في العقد شيئا آخر زائدا على الألف ، وظاهر الأصحاب
الاتفاق على صحة المهر الذي جعله للزوجة وبطلان ما سماه لغيرها ، وبذلك صرح الشيخ
في النهاية فقال : لو عقد على امرأة وسمى لها مهرا ولأبيها أيضا شيئا كان المهر
لازما له ، وما سماه لأبيها لم يكن منه عليه شيء.
واستند الأصحاب
فيما ذكروه هنا إلى حسنة الوشاء عن الرضا عليهالسلام «قال
__________________
لو أن رجلا تزوج امرأة وجعل مهرها عشرين ألفا وجعل لأبيها عشرة آلاف كان
المهر جائزا ، والذي جعله لأبيها فاسدا».
وإطلاق الخبر
يقتضي عدم الفرق بين كون المجعول لأبيها تبرعا محضا ، أو لأجل وساطة وعمل محلل ،
ولا بين كون المجعول له مؤثرا في تقليل مهر الزوجة بسبب جعله في العقد ، وقصدها
إلزامه به وعدمه.
ونقل عن ابن
الجنيد أنه قال : ولا يلزم الزوج غير المهر من جعالة جعلها لولي أو واسطة ، ولو
وفى الزوج بذلك تطوعا كان أحوط لقول النبي صلىاللهعليهوآله «أحق الشروط ما نكحت به الفروج». فإن طلقها قبل الدخول لم يكن عليه إلا نصف
الصداق دون غيره ، فإن كان قد دفع ذلك رجع عليها بنصف المهر ، وكذلك الجعالة على
الواسطة.
وقال في
المختلف : والوجه أن نقول إن كان قد جعل للواسطة شيئا على فعل مباح ، وفعله لزمه
ولم يسقط منه شيء بالطلاق ، لأنه جعالة على عمل محلل مطلوب في نظر العقلاء ، وكان
واجبا بالفعل كغيره ، وإن لم يكن على جهة الجعالة بل ذكره في العقد لم يكن عليه
منه شيء سواء طلق أو لا.
واعترضه في
المسالك بأن ما ذكره جيد إلا أنه خارج عن محل الفرض ، لأن الكلام فيما يشترط في
العقد ويلزم بمجرده ، وكذلك كلام ابن الجنيد ، وإنما جعل الوفاء به على وجه
الاحتياط رعاية للحديث النبوي ، وإذا دفعه على هذا الوجه لا يملكه القابض بمجرد
الدفع ، فيجوز الرجوع فيه بعده سواء طلق أم لا ، لكن فرضه مع الطلاق نظرا إلى فوات
المطلوب من النكاح ، فلم نجد في الرجوع مخالفة للحديث.
وما ذكره في
المختلف إنما يلزم من حيث الجعالة ، لا من حيث ذكره في العقد بل ذكره في العقد
بدون لفظ يقتضي الجعالة لغو ، فهو خارج عن محل
__________________
الفرض ، وبتقدير وقوعه بالجعالة على عمل محلل لا إشكال في لزومه بالفعل
وعدم الرجوع فيه بالطلاق حيث لا يكون له مدخل في ذلك ، انتهى وهو جيد.
أقول : لا يخفى
أن ما ذكروه في فرض المسألة كما قدمنا ذكره وكذا ما يفهم من ظاهر الخبر من الإطلاق
لا يخلو من الاشكال ، والأنسب بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية هو أن يقال : إنه
إذا تزوج المرأة وسمى لها مهرا ، وسمى لأبيها أو غيره شيئا بحيث يكون المجموع في
مقابلة البضع فإنه يسقط ما سمى لغيرها ، لأن المهر إنما هو حق الزوجة في مقابلة
البضع دون غيرها ، وعلى ذلك يحمل إطلاق الخبر المذكور.
وبالجملة فإن
سقوطه لا بد أن يكون من حيث استناده إلى عقد النكاح وإلا فلو شرط له شيئا على جهة
التبرع خارجا عن المهر وعن كونه جعالة فلا مانع من صحته ، وقضية الأخبار الدالة
على وجوب الوفاء بالشروط وجوب الوفاء به ، ولا فرق في ذلك بين كون الاشتراط
المذكور باستدعاء الزوجة أو بفعل الزوج ابتداء ، وينبغي على تقرير صحة الشرط
المذكور أن لا يؤثر الطلاق فيه كما هو ظاهر ، وبما ذكرناه يظهر لك أيضا ما في قول
العلامة في المختلف ، وإن لم يكن على جهة الجعالة بل ذكره في العقد لم يكن عليه منه
شيء ، فإنه على إطلاقه ممنوع ، فإنه لو وقع على جهة الشرط كما ذكرناه فما المانع
من لزومه ، بل ظواهر أخباره وجوب الوفاء بالشروط يقتضي وجوب الوفاء به ، طلق أو لم
يطلق.
الثاني : أن
يكون المشروط من جملة المهر ، وظاهر كلام ابن الجنيد لزومه ، حيث قال ـ على أثر
الكلام المتقدم نقله عنه ـ : فإن كانت المرأة اشترطت رجع عليها بنصف صداقها ، ونصف
ما أخذه من الذي شرطت له ذلك ، لأن ذلك كله بعض الصداق الذي لم ترض بنكاحها إلا به
، والمشهور بين الأصحاب على ما نقله في المسالك عدم الصحة نظرا إلى ما قدمنا ذكره
من أن المهر حق الزوجة ،
فشرطه لغيرها مناف لمقتضى العقد ، ومن ثم إن المحقق ـ رحمهالله ـ إنما نسب القول باللزوم إلى لفظ قيل كما قدمت الإشارة إليه ، وربما أيد كلام
ابن الجنيد هنا بعموم الأخبار الدالة على أن
«المؤمنين عند
شروطهم». ولأن عطيتها من مالها جائز ، فاشتراطه في العقد لا يخالف السنة ، ونقل عن
الشهيد في شرح نكت الإرشاد الميل إليه ، وكذلك المحقق الشيخ علي وهذا القدر المشروط هنا ينتصف بالطلاق لأنه من جملة
المهر كما هو المفروض بأن شرط عليها بعد فرضه مهرها أن يدفع إلى أبيها منه شيء ،
فمتى طلقها رجع عليها بنصف المجموع ، وبذلك صرح الشيخ علي فيما طويناه من كلامه
وهو صريح عبارة ابن الجنيد المذكورة.
المسألة
التاسعة : قال في الشرائع : لا بد من تعيين المهر بما يرفع
الجهالة ، فلو أصدقها تعليم سورة وجب تعيينها ولو أبهم فسد المهر ، وكان لها مع
الدخول مهر المثل.
وقال في المسالك
ـ بعد ذكر ذلك ـ : من جملة المفسد للمهر جهالته ، فمتى عقد على مجهول كدابة وتعليم
سورة غير معينة بطل المسمى ، لأن الصداق وإن لم يكن عوضا في أصله ، إلا أنه مع
ذكره في العقد يجري عليه أحكام
__________________
المعاوضات ، والجهالة من موانع صحتها ، فيثبت مهر المثل مع الدخول ،
والمتعة مع الطلاق ، كالمفوضة ، لا بمجرد العقد لأن فساد المهر باعتبار الجهل به
الموجب لتعذر تقويمه صير العقد كالخالي عن المهر ، فلا يثبت مثل المهر بمجرد العقد
كما صرح به المصنف وغيره ، وفهم خلاف ذلك وهم ، انتهى.
أقول : قد عرفت
مما قدمنا ذكره أن ما ذكره من اشتراط التعيين على الوجه الذي ذكروه مما لم يقم
عليه دليل ، بل ربما ظهر من الأدلة خلافه .
وصحيح محمد بن
مسلم المتضمن لحكاية المرأة التي طلبت من النبي صلىاللهعليهوآله أن يزوجها ظاهر فيما قلناه ، فإنه صلىاللهعليهوآله قال في المرة الثالثة «أتحسن من القرآن شيئا؟ قال : نعم
، قال : قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن ، فعلمها إياه». ومن الظاهر أن هذه صيغة
العقد مع أن ما يحسنه غير معلوم ولا مضبوط بكونه سورة أو أقل أو أكثر ، فأي جهالة
أشد من هذه الجهالة ، وهم قد أثبتوا الجهالة فيما لو أصدقها تعليم سورة ، وهي أعم
من الطويلة والقصيرة فلا بد من تعيينها ، والخبر قد تضمن ما يحسن من القرآن ، وهو
أشد إجمالا وإبهاما ، والرواية صحيحة باصطلاحهم ، وقد تلقوها بالقبول في جملة من
الأحكام التي اشتملت عليها ، وهي ظاهرة في خلاف ما ذكروه هنا.
وقد عرفت أيضا
ورد الأخبار بصحة التزويج على الدار والبيت والخادم ، وأن لها وسطا من هذه الأشياء
، ومن الظاهر أن هذه الأشياء إنما خرجت مخرج التمثيل ، فالحكم بالصحة غير مقصور
عليها ، لكنهم من حيث الالتزام بهذه القاعدة التي اتفقوا
__________________
عليها في المهر قصروا الحكم فيها على مورد هذا الأخبار ، وإلا فالحق أن هذه
القاعدة وإن اتفقوا ظاهرا عليها لكن لما كانت غير منصوصة ولا دليل عليها في
الأخبار فإنه بالنظر إلى الأخبار الواردة في المقام مما ذكرناه وغيره لا مانع من
صحة العقد فيما منعوا منه ، ويؤيد ذلك الأخبار الدالة على أن المهر ما تراضيا عليه
من قليل أو كثير ، فإنه بإطلاقه شامل للمجهول الذي منعوا من العقد عليه ، على أنهم
قد صرحوا ـ كما قدمنا نقله عنهم آنفا في المسألة الرابعة ـ بالاكتفاء بالمعلومية
في الجملة ، حتى أنهم حكموا في الموضع الذي يحتاج فيه إلى تنصيف المهر بالرجوع إلى
الصلح من حيث المجهولية ، وعدم إمكان استعلام النصف.
ويؤيد ذلك أيضا
الأخبار المتفق على العمل بها الواردة بجعل المهر ما حكمت به الزوجة أو الزوج ، فإن العقد قد اشتمل على مهر مجهول ، ومن شروط صحته أن
يكون المهر المذكور في العقد معلوما ، والاكتفاء في الصحة بالمعلومية بعد العقد
كما دلت عليه تلك الأخبار لا يوجب الصحة بمقتضى قواعدهم ، فإنهم صرحوا بأنه لو عقد
على مجهول بطل العقد ، ولا يفيده العلم بعد ذلك صحة ، وإليه يشير قوله في عبارة
المسالك المذكورة ، إلا أنه مع ذكره في العقد تجري عليه أحكام المعاوضات ،
والجهالة من موانع صحتها.
وما يؤيد ذلك
أيضا ما رواه في التهذيب عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له : ما أدنى ما يجرى من المهر؟ قال : تمثال
من سكر». وحمله على تمثال مشاهد أو معلوم بأحد الوجوه خلاف ظاهر الخبر.
__________________
ومن الأخبار
الظاهرة في المسألة المذكورة ما رواه الشيخ عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة على أن يعلمها سورة من
كتاب الله عزوجل ، فقال : ما أحب ان يدخل بها حتى يعلمها السورة ،
ويعطيها شيئا ، قلت : أيجوز أن يعطيها تمرا أو زبيبا؟ فقال : لا بأس بذلك إذا رضيت
به كائنا ما كان».
والخبر كما ترى
ظاهر في أن المهر تعليم سورة في الجملة وهو عليهالسلام قد حكم بالصحة ، ولم يشترط تعيينها وكونها سورة كذا كما
هو ظاهر كلامهم ، وليس في سند هذا الخبر مما ربما يتوقف في شأنه ، إلا الحارث بن
مؤمن الطاق ، وهو وإن لم يوصف بمدح ولا توثيق ، إلا أنه من أصحاب الأصول.
قال النجاشي بعد ذكره : روى عن الصادق عليهالسلام ، له كتاب يرويه عنه عدة من أصحابنا منهم الحسن بن
محبوب. وقال الشيخ في الفهرست : له أصل عنه الحسن بن محبوب ، والراوي عنه هنا هو
الحسن بن محبوب ، وهو مشعر بنوع مدح له ، لأن رواية هؤلاء الأجلاء عنه والاعتماد
على كتابه لا يقصر عن وصفه بالمدح الموجب لعد حديثه في الحسن ، بناء على اصطلاحهم
، وكيف كان فالخبر ظاهر في خلاف ما ذكروه من اشتراط التعيين ، كما هو ظاهر للحاذق
المكين.
المسألة
العاشرة : قد صرحوا بأنه يجوز أن يجعل الصداق تعليم صنعة لا
يحسنها بالفعل ، أو تعليم سورة لا يعلمها ونحو ذلك ، والوجه فيه أن المعتبر كونه
معينا في حد ذاته ومقدورا عليه عادة ، ولا يشترط فيه وجوده بالفعل عنده ،
__________________
بل لمكان تحصيله له بنفسه أو بمعاون ، وغايته أنه يثبت في الذمة ، ويجب
وفاؤه عند المطالبة إن أمكن ذلك ، ومع عدم إمكان حصوله فيما نحن فيه من تعليم
الصنعة أو السورة فإنه يرجع إلى أجرة المثل ، لأنه قيمة المهر حيث تتعذر عينه.
قال في المسالك
: وهل يعتبر في المعلم لها غيره المحرمية؟ وجهان ، من استلزامه سماع صوت الأجنبي
المحرم ونظره كذلك ، ومن تقييده بخوف الفتنة ، واستثناء نظر يمكن معه التعليم ،
وقد تقدم بحثه في بابه خصوصا تعليم القرآن إذا كان واجبا فإنه يستثني للضرورة ،
ولا إشكال لو أمكن من وراء الحجاب.
أقول : قد تقدم
الكلام في أن ما ادعوه ـ من تحريم سماع صوت المرأة وتحريمه بأكثر من خمس كلمات ـ وإن
كان هو المشهور ، إلا أن الأدلة المعصومية في خلافه واضحة الظهور ، وتحدث النساء
في مجالس الأئمة وفاطمة صلوات الله عليها مع الصحابة ، ولا سيما في مخاصمتها لطلب
الميراث أمر غير منكور ، وتقدم أيضا في كتب العبادات وغيرها استثناء الوجه وظاهر
الكفين والرجلين من المرأة ، ولهذا يجوز كشفها في الصلاة ، وحينئذ فلا إشكال في
جواز تعليم الأجنبي لها ، نعم يبقى الاشكال لو فيما استلزم الفتنة فما ذكروه من
الكلام في المقام على إطلاقه غير موجه ، ثم إنه إن شرط تعليمها بنفسه فالظاهر أنه
لا إشكال في وجوب تعلمه لتعليمها ، وأما مع عدمه فإشكال من أنه تكسب لوفاء الدين ،
وهو غير واجب عليه ، ومن توقف الواجب عليه.
المسألة
الحادية عشر : إذا عقد على هذا الظرف على أنه خل في زعمها فبان خمرا
، أو على شخص
معين أنه عبد فبان حرا ونحو ذلك مما يظن صلاحيته لأن يكون مهرا فيظهر عدمها ، فإنه
لا خلاف في صحة العقد ، لما عرفت من أن المهر ليس من أركانه ، ولا شرط في صحته ولا
خلاف أيضا في فساد المعين بعد ظهوره على خلاف ما يصلح لأن يكون مهرا ، وإنما
الخلاف فيما يجب من المهر في هذه الحال ، لأن العقد صحيح والبضع لا بد له من عوض ،
وفي ذلك أقوال :
(أحدها) هو
اختيار ابن الجنيد وابن إدريس والمحقق في الشرائع والعلامة في المختلف في مثل الخل
في المثال المتقدم ، وهكذا في باقي الأمثلة يرجع إلى مثل ذلك المظنون ، وعلل بأن
تراضيهما وقع على ذلك الجزئي المعين الذي ظنا كونه خلا ، وهو يستلزم الرضا بالخل
الكلي مهرا ، لأن الجزئي يستلزم الكلي ، فالرضاء به يستلزم الرضاء به ، فإذا فات
ذلك الجزئي لعدم صلاحيته للملك بقي الكلي ، لأنه أحد الأمرين اللذين وقع التراضي
بهما ، ولأنه أقرب إلى المعقود عليه لأنه مثله ، واعترضه المحقق الشيخ علي في شرح
القواعد فقال : ولقائل أن يقول أن الكلي الذي وقع التراضي عليه بالعقد على الجزئي
هو الكلي المقترن بالمشخصات الموجودة في ذهن المتعاقدين ، وهذا يمتنع بقاؤه ، وإذا
ارتفعت المشخصات ، والمحكوم بوجوبه غيره ، أعني الكلي في ضمن شخص آخر وهذا لم يقع
التراضي عليه أصلا أصالة ولا تبعا ، فإيجابه بالعقد إيجاب لما لم يتراضيا عليه ،
وكونه أقرب إلى المعقود عليه مع تسليم صحته لا يستلزم وجوبه ، لأن المهر الذي يجب
بالعقد هو ما تراضيا عليه ، ولا يلزم من التراضي على أحد المثلين التراضي على
الآخر.
أجاب في
المسالك عن ذلك ـ بعد أن ذكره بلفظ إن قيل ـ بما صورته : قلنا الجزئي الذي وقع
التراضي عليه وإن لم يساوه غيره من أفراد الكلي ، إلا أن الأمر لما دار بين وجوب
مهر المثل وقيمة الخمر ، ومثل الخل ، كان اعتبار المثل أقرب الثلاثة ، لأن العقد
على الجزئي المعين اقتضى ثلاثة أشياء ذلك المعين بالمطابقة ، وإرادة الخل الكلي
بالالتزام ، وكون المهر واجبا بالعقد ، بحيث لا تنفك المرأة عن استحقاقه ، حتى لو
طلقها كان لها نصفه ، أو مات أحدهما فجميعه ، وإذا فات أحد الثلاثة ، وهو الأول ،
وجب المصير إلى بقاء الآخرين بحسب الإمكان
«إذ
__________________
لا يسقط الميسور بالمعسور». وعموم
«إذا أمرتكم
بأمر فأتوا منه ما استطعتم». وهما لا يوجدان معا في ضمن وجوب مهر المثل ، لأنه لا
يجب إلا بالدخول عند القائل به ، وإمكان وجودهما في ضمن قيمة الخمر يفسد بما
سنبينه من ضعف دليله له ، فلم يبق إلا المثل ، ولا شبهة في أن الرضاء بالخل المعين
في الظرف يستلزم إرادة كون المهر خلا بخلاف القيمة ونحوها.
أقول : يقتضي
هذا الكلام تسليم صحة ما أورده المحقق المذكور وبطلان الدليل الأول الذي قرروه ،
وأن المعتمد إنما هو الدليل الذي قرره هنا.
و (ثانيها) إن
الواجب مهر المثل ، إختاره العلامة في القواعد وفي أكثر كتبه مستدلا عليه بأن
الكلي غير مرضي به إلا في ضمن الجزئي المشترط ، فهو منفي بتغليب التشخص عليه ،
والشخصي باطل لخروجه عن المالية ، فيرجع الأمر في شرط عوض لم يسلم لها فينتقل الى
مهر المثل.
وظاهر المحقق
الشيخ علي في شرح القواعد اختيار هذا القول ، قال في المسالك : ويشكل بما مر ،
وبأن مهر المثل ربما كان زائدا عن قيمة الخل كثيرا ، فلا يكون مقصودا للزوج أصلا ،
أو ناقصا كثيرا فلا يكون مقصودا للزوجة ولا مرضيا به ، وقد قال عليهالسلام «المهر ما تراضيا عليه الزوجان». ولا يرد مثله في وجوب مثل الخل ، لأن ذلك
أقرب إلى ما تراضيا عليه ، بل ربما لم يخالف ما تراضيا عليه إلا بمشخصات لا دخل
لها في المقصود ولا في المالية ، فيلغو عند حصول مثل هذا العارض ، انتهى.
و (ثالثها)
وجوب قيمة الخمر عند مستحليه ، وإليه ذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، مستندا إلى
أن قيمة الشيء أقرب إليه عند تعذره ، ولأنهما عقدا على شخص باعتبار ماليته ، فمع
تعذره لظهور بطلان المعاوضة عليه يصار إلى القيمة.
__________________
قال في المسالك
: وفيه منع بين لأن الخمر غير مقصود أصلا ، ولا وقع عليه التراضي ، فكيف ينتقل إلى
قيمته ، واعتبارها فرع صحة العقد على العين بخلاف ما لو عقدا على الخمر عالمين به
، فإنهما قد تراضيا على العين ، فلا يمتنع الانتقال إلى القيمة لتعذر العين كما
تقدم ، وظاهر الحال أن قول المصنف أقرب الأقوال إلى مراد المتعاقدين فينبغي أن
يكون العمل عليه.
ثم قال في
المسالك أيضا : هذا كله في المثلي كالخمر. أما القيمي كالعبد إذا ظهر حرا
فالانتقال إلى قيمته لقيامها مقام المثل في المثلين وليس هذا كالقول الثالث ، لأن
ذلك يعتبر فيه قيمة العين بالوصف الواقع الذي امتنع صحته عليه بواسطته ، وهنا
اعتبرت القيمة باعتبار الوصف المقصود لهما ، وعلى هذا فيسقط القول الثالث في
القيمي لأن الحر لا قيمة له. نعم لو ظهر مستحقا كان اعتبار قيمته جاريا على
القولين ، وعلى هذا فالقول بالمثل متعذر في القيمي مطلقا ، وبقيمة الواقع متعذر في
الحر ، فليس فيه إلا القول بقيمته أو مهر المثل ، فإطلاقهم تشبيه الحكم في مسألة
الحر بظرف الخمر لا يأتي على إطلاقه ، بل يحتاج إلى تنقيح.
أقول : وحيث إن
المسألة غير منصوصة فالاعتماد في الحكم فيها على هذه التعليلات سيما مع ما عرفت من
تدافعها مشكل على طريقتنا ، والاحتياط فيها واجب ، والظاهر أنه يحصل بالتراضي على
مهر المثل أو مثل الخل ، والثاني أظهر لأنه الأقرب إلى ما ظناه وعقدا على تقديره ،
والله العالم.
المسألة
الثانية عشر : لا خلاف بين الأصحاب في أن المهر مضمون في يد الزوج قبل تسليمه إلى الزوجة
، وإنما الكلام في وجه الضمان في أنه هل يكون ضمانه كضمان المبيع في يد البائع
والثمن في يد المشتري؟ أو كضمان المقبوض بالسوم وضمان العارية المضمونة؟ ويعبر عن
الأول بضمان العقد وضمان المعاوضة ، ويعبر عن الثاني بضمان اليد ، وعلى تقدير
الأول فالمضمون مهر المثل كما سيأتي
تحقيقه ، وعلى تقدير الثاني يكون المضمون مثل المهر إن كان مثليا ، وقيمته
إن كان قيميا.
وجه الأول على
ما ذكروه إن الصداق مملوك بعقد معاوضة ، فكان كالمبيع في البيع ، ويظهر كونه
معاوضة من قوله عزوجل «وَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ» وقولهم «زوجتك بكذا» كما يقال «بعتك بكذا» ولأنها تتمكن
من رده بالعيب كما في المبيع ، وتحبس نفسها لتستوفيه بمعنى أنها تمنع عن الدخول
بها حتى تقبضه كما سيأتي ذكره في محله ـ إن شاء الله تعالى ـ والحكمان الأخيران من
أحكام المعاوضة.
ووجه الثاني
إنه ليس عوضا حقيقيا لجواز العقد ، وصحته بدونه وأن يكون عاريا منه وعدم انفساخ
النكاح بتلفه ، ولا ينفسخ برده ، ولا يفسد بفساده ، ولا يتزلزل بتزلزله ، ولا شيء
من الأعواض الحقيقية كذلك ، ويؤيده أيضا إطلاق اسم النحلة عليه في قوله سبحانه «وَآتُوا النِّساءَ
صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» ومن أجل ما ذكرناه في هذين الوجهين حصل الاشتباه في الضمان
على أحد الأمرين المذكورين ، إلا أن المشهور في كلام الأصحاب هو الثاني كما صرح به
في المسالك ، وإليه يشير كلام المحقق في الشرائع بقوله «والمهر مضمون على الزوج ،
فلو تلف قبل تسليمه كان ضامنا له بقيمة وقت تلفه على قول المشهور لنا».
قال الشارح :
ونبه بنسبته إلى القول على عدم تعينه واحتمال القول الآخر.
أقول : لا يبعد
أن مراده بالنسبة إلى قول المشهور إنما هو الإشارة إلى عدم دليل من النصوص على
الحكم المذكور ، وليس إلا مجرد الشهرة كما هو الغالب في عباراته وعبارات غيره.
وبالجملة فإن
المسألة ـ كما عرفت ـ عارية عن النص ، وليس إلا هذان الوجهان الاعتباريان
المتضادان ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر إلا بالشهرة المدعاة
__________________
في الثاني ، وفرعوا على الوجهين المذكورين فروعا منها ما نحن فيه من تلف
المهر في يد الزوج قبل تسليمه إذا كان التلف من جهته أو من جهة الله.
فعلى الوجه
الأول يجب مهر المثل لأنه ينفسخ المهر فيرجع إلى مهر المثل ، كما أنه إذا تلف أحد
العوضين في البيع قبل القبض انفسخ البيع ، وإنما جعل الانفساخ في البيع دون النكاح
لأن العوضين من أركان البيع ، بخلاف المهر ، فإنه ليس بركن في عقد النكاح ، فإنما
أركانه الزوجان فلا يبطل النكاح بفواته قبل القبض ، ومعنى كونه مضمونا عليه هو أن
فواته من ماله فيكون في حكم ما لو لم يذكر بالكلية ، ويرجع إلى مهر المثل ويكون هو
الواجب ، كما لو لم يذكر المهر بالكلية.
وعلى الوجه الثاني
يكون مضمونا على الزوج بالمثل إن كان مثليا ، أو القيمة إن كان قيميا كغيره من
الأموال المضمونة ضمان يد مما تقدم ذكره ونحوه ، وأكثر الأصحاب إنما ذكروا في هذا
المقام الضمان على هذا الوجه من غير أن ينقلوا قولا بوجوب مهر المثل أو يذكروه
احتمالا في المسألة.
والظاهر أن
القول بمهر المثل إنما هو للعامة ، وإن ذكره بعض متأخري أصحابنا وجها واحتمالا في
المسألة كما يشير إليه كلام الشيخ في المبسوط حيث قال ـ بعد نقل القولين عن العامة
ـ : والذي يقتضيه مذهبنا في كل مهر معين إذا تلف ، فإنه تجب قيمته ولا يجب مهر
المثل ، لا يقال : إن ظاهر كلام العلامة ينافي ذلك ، حيث إنه أوجب مهر المثل في
مواضع نزل فيها المهر منزلة التالف ، ومن جملتها ما لو تزوجها على ظرف خل فظهر
خمرا ، أو ما لو تزوج المسلم على خمر أو خنزير عالما بالحال ، فإن حكمه بمهر المثل
هنا إنما يتم على تقدير ضمان المعاوضة لا ضمان اليد ، من حيث إن هذا في حكم التلف
، مع أنه لا يقول بضمان المعاوضة في التلف الحقيقي ، لأنا نقول : إن موضع البحث في
البناء على ضمان المعاوضة أو ضمان اليد إنما هو بالنسبة إلى عروض التلف بعد الحكم
بالصحة
كما في ما نحن فيه ، لأنه بعد صحة المهر عرض له البطلان بالتلف ، أما مع
فساد المهر ابتداء من أول الأمر فلا إشكال في وجوب مهر المثل.
والمواضع التي
نقلناها عن العلامة إنما هي من قبيل الثاني ، لا الأول ، وبذلك صرح الشيخ في
المبسوط أيضا حيث قال ـ عقيب ما تقدم نقله عنه ـ : وأما المهر إذا كان فاسدا فإنه يوجب
مهر المثل بلا شك ، والعلامة إنما ذكر مهر المثل بناء على أن المهر المذكور فاسد
من أصله ، ولذلك ذكر مهر المثل.
بقي الكلام في
أنه على تقدير الضمان بالقيمة إذا كان قيميا ، فالاعتبار بأي القيم ، هل هي قيمته
وقت التلف؟ أو أعلى القيم من حين العقد إلى حين التلف؟ أو الأعلى من حين المطالبة
إلى وقت التلف فيما إذا طالبته وامتنع من التسليم؟ أقوال :
للأول أن العين
ما دامت موجودة لا تجب القيمة قطعا ، وإنما ينتقل إليها مع تلف العين فيكون
المعتبر فيها وقت الانتقال إليها ، ولا ينافي ذلك كون العين مضمونة عليه حينئذ ،
لأن معنى ضمانها إنما هو بمعنى أنها لو تلفت لوجب الانتقال إلى البدل ، وهذا القول
هو الذي صرح به المحقق في الشرائع والعلامة في الإرشاد ، قال في المسالك : وهو
الأقوى. وفي القواعد اقتصر على القولين الأولين من غير ترجيح لشيء منها ، والظاهر
أنه هو المشهور كما تقدم في كتاب البيع.
وعلل الثاني
بأنه مضمون في جميع الأوقات ، ومن جملتها ضمان علو القيمة
__________________
خصوصا مع مطالبتها بالتسليم وامتناعه ، لأنه يصير حينئذ غاصبا فيؤخذ بأشق
الأحوال وجوابه يعلم مما ذكر في تعليل القول الأول.
وبيانه أن ما
ذكره من كونه مضمونا في جميع الأوقات ليس إلا بمعنى أنه لو تلف لوجب الانتقال إلى
البدل كما عرفت ، والتعدي بالمنع بعد المطالبة ، وعدم التسليم غاية ما يوجبه الإثم
لا الزيادة في القدر الذي قام الدليل على ضمانه ، ومنه يعلم الجواب عن الثالث
أيضا.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن المذكور في كلام غير واحد من الأصحاب هنا كما تقدمت الإشارة إليه إنما هو
الضمان بالمثل أو القيمة من غير تعرض لمهر المثل ، ولا تفريع ذلك على مسألة أخرى ،
وما نقلناه من تفريع ذلك على تقسيم الضمان إلى ضمان يد وضمان معاوضة لم أقف عليه
إلا في كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والمحقق الشيخ علي في شرح القواعد ،
وقد صرحا بأنه لو تلف المبيع في يد البائع أو الثمن في يد المشتري فإنه ينفسخ
البيع ويجب مثل المبيع أو قيمته في الأول ، وحيث إنه لا سبيل هنا إلى فسخ النكاح ،
لأن المهر ليس ركنا فيه ، بخلاف البيع بالنسبة إلى المبيع والثمن ، فإنهما ركنان
فيه ، وإنما ينفسخ المهر خاصة ، كان الواجب على هذا الوجه مهر المثل ، قال في
المسالك : وعلى الأول ـ وأراد ضمان المعاوضة ـ يجب مهر المثل ، كما لو تلف أحد
العوضين في البيع قبل القبض ، فإن البيع ينفسخ ، ويجب مثل البيع أو قيمته ، ونحوه
كلام المحقق الشيخ علي أيضا ، ولا يخلو من الاشكال.
ووجه الاشكال ـ
أن ما صرحوا به هنا من الضمان لو تلف المبيع في يد البائع فإنه ينفسخ العقد ، ويجب
عليه مثل المبيع أو قيمته ـ ينافي ما صرحوا به في كتاب البيع من أنه في هذه الصورة
يبطل البيع من أصله ، ويرجع كل من المبيع والثمن إلى صاحبه الأول ، ولا ضمان
بالكلية.
قال في المسالك
ـ بعد قول المصنف إذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال
بايعه ـ ما صورته : المراد أنه ينفسخ العقد بتلفه من حينه ، ويرجع الثمن
إلى المشتري إلى آخره ، فإنه صريح في بطلان البيع من رأس ، ولم يذكروا ثمة ضمانا
ولو إشارة ، ويؤكده أنهم حكموا بأن بطلان البيع إنما هو بعد دخول المبيع في ملك
البائع بعد انتقاله آنا ما ، وأن التلف كاشف عنه.
وبالجملة فإن
كلامهم ثمة ظاهر في أنه لا ضمان بالكلية ، وبذلك يظهر لك أن الحكم هنا بالضمان
وتسميته ضمان معاوضة ، وتفريع النكاح عليه من هذه الجهة لا يخلو عندي من إشكال ،
ولعله لقصور فهمي الفاتر وجمود ذهني القاصر ، فليتأمل.
المسألة
الثالثة عشر : لو ظهر الصداق معيبا فلا يخلو (إما) أن يكون العيب كان قبل العقد ولكن
لم تعلم به الزوجة ، والحكم فيه عند الأصحاب أن لها رده بالعيب والرجوع إلى قيمته
، ولها إمساكه بالأرش ، لأن العقد إنما وقع على السليم ، فإذا لم يجده كذلك أخذت
عوض الفائت وهو الأرش ، ولم ينقلوا فيها خلافا.
(وإما) أن يكون
بعد العقد وقبل التسليم ، فالذي صرح به الشيخ في المبسوط على ما نقل عنه أنها
تتخير بين أخذه بالأرش ، ورده فتأخذ القيمة كما لو تلف ، لأنه مضمون عليه وقد وقع
العقد عليه سليما ، فإذا تعيب كان لها رده ، والمشهور في كلام المتأخرين أن الذي
لها في هذه الصورة أرش النقصان من غير رد ، لأنه عين حقها ، ونقصه ينجبر بضمان
أرشه ، وضعفوا ما ذكره الشيخ بأن كونه مضمونا ضمان اليد يوجب بقاؤه على ملكها ،
وضمان الفائت لا غير ، كما لو عابت العين المغصوبة عند الغاصب ، على أنه في موضع
آخر من المبسوط قوى عدم الخيار وتعين أخذ الأرش.
أقول : لم أقف
على نص في المقام وبذلك يشكل البحث فيها والكلام.
المسألة
الرابعة عشر : الظاهر أنه
لا خلاف بين الأصحاب في أنه يجوز للزوجة الغير المدخول بها الامتناع من تسليم
نفسها حتى تقبض إذا كان المهر
حالا والزوج موسرا ، وإنما الخلاف فيما إذا كان معسرا ، وكذا الخلاف لو
كانت المطالبة بعد الدخول ، والكلام في هذا المقام يقع في مواضع :
الأول : فيما إذا سمى لها مهرا وكان موسرا ولم يدخل بها
والمهر حال ، والمشهور ـ بل ادعي عليه الإجماع ـ هو جواز الامتناع لها ، ولا أعرف
لهم دليلا غير ما يدعونه من الإجماع ، وأن النكاح من قبيل المعاوضات التي قد تقرر
فيها أن لكل من المتعاوضين الامتناع من تسليم ما في يده من العوض حتى يتسلم الآخر.
قال شيخنا
الشهيد في المسالك ـ بعد الكلام في المسألة وذكر مقدمات مهدها قبل الكلام في
المسألة ـ ما صورته : وخلاصة القول فيها أن الزوجة إن كانت كاملة صالحة للاستمتاع
ولم يكن قد دخل بها الزوج والمهر حال وهو موسر ، فلها الامتناع من التمكين حتى
تقبض مهرها بتمامه اتفاقا ، لا بمعنى وجوب ابتداء الزوج بتسليم المهر أولا ، بل
إما كذلك ، أو بتقابضهما معا ، بأن يؤمر الزوج بوضع الصداق في يد من يتفقان عليه
أو يد عدل ، وتؤمر بالتمكين ، فإذا مكنت سلم العدل الصداق إليها ، وهذا في الحقيقة
في معنى إقباض المهر أولا ، إلا أن ما يخافه الزوج من فواته بوصوله إليها يستدرك
بوضعه على يد العدل فيصير في معنى التقابض معا ، حيث إن القابض نائب عنها ، وإنما
اعتبر ذلك لما تقرر في المقدمة الأولى أن في النكاح معنى المعاوضة ، وفي الثانية
أن لكل من المتعاوضين الامتناع من الإقباض حتى يقبض الآخر وطريق الجمع ما ذكره ،
وفي المسألة وجهان آخران :
أحدهما : أنه
يجبر الزوج على تسليم الصداق أولا ، فإذا سلم سلمت نفسها ، والفرق بينهما أن فائت
المال يستدرك ، وفائت البضع لا يستدرك.
والثاني : لا
يجبر واحد منهما ، لكن إذا بادر أحدهما إلى التسليم اجبر الآخر على تسليم ما عنده
، وأصحهما الأول لما فيه من الجمع بين الحقين ، وبه
يحصل الجواب عن الوجه الثاني.
وفي الثالث :
أنه قد يؤدي إلى بقاء النزاع لعدم بدءة أحدهما ولا بد من نصب طريق شرعي يحسم مادته
، وهذه الأوجه قد مضى نقلها في البيع ، انتهى كلامه علت في الخلد أقدامه.
وقال سبطه
السيد السند والعلامة الأوحد السيد محمد في شرح النافع ـ بعد ذكر ذلك ، ونعم ما
قال ، فإنه الأصح من هذه الأقوال كما لا يخفى على من عرف الرجال بالحق ، لا الحق
بالرجال ـ ما صورته : إنا لم نقف في هذه المسألة على نص ، والذي يقتضيه النظر فيها
أن تسليم الزوجة نفسها حق عليها ، وتسليم المهر إليها حق عليه ، فيجب على كل منهما
إيصال الحق إلى مستحقه ، وإذا أخل أحدهما بالواجب عصى ، ولا يسقط بعصيانه حق الآخر
، فإن تم الإجماع على أن لها الامتناع من تسليم نفسها إلى أن تقبض المهر كما ذكره
الأكثر أو إلى أن يحصل التقابض من الطرفين فلا كلام ، وإلا وجب المصير إلى ما
ذكرناه. انتهى وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.
وما اعترضه به
هنا بعض مشايخنا المعاصرين من المحدثين ـ حيث قال بعد نقله ما صورته : وقد ظهر من كلامه أنه
مخالف للأصحاب في المسألة ، وإنما خالفهم لعدم وقوفه في المسألة على نص ، مع أن
الذي ذكره أيضا خال من النص ، فلا وجه لترجيحه على كلامهم ، انتهى ـ ظاهر السقوط ،
وذلك لأن ما ذكره السيد المزبور وإن كان خاليا من النص على الخصوص ، إلا أنه
الموافق للقواعد الشرعية والضوابط المرعية ، إذ لا يخفى أن قضية العقد أوجبت
استحقاق الزوج البضع ، واستحقاق المرأة المهر ، فليس لأحدهما الإخلال بما وجب عليه
في مقابلة امتناع الآخر ، وإخلاله بما وجب عليه ، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لكل
ناظر.
__________________
وما ذكره السيد
المشار إليه هنا قد سبقه إليه أستاذه المحقق الأوحد المولى أحمد الأردبيلي ـ رحمهالله عليه ـ في كتاب البيع في شرحه على الإرشاد كما ذكره ثمة
حيث قال ـ بعد نقل قول المصنف «ويجب على المتبايعين دفع العوضين من غير أولوية»
إلى آخره ـ ما صورته : اعلم أن الأكثر هكذا قالوا :
وحاصله أنها
يجب عليها معا الدفع ، أو بعد أخذ العوض ، ويجوز لكل المنع حتى يقبض ، وكأنهم
نظروا إلى أن البيع معاوضة محضة ، ولا يجب على كل منهما الدفع ، لأن العوض مال
الآخر ، فما لم يأخذ العوض لا يجب إعطاء العوض ، والمسألة مشكلة كسائرها لعدم النص
، وثبوت الانتقال بالعقد يقتضي وجوب الدفع على كل واحد منهما عند طلب الآخر ، وعدم
جواز الحبس حتى يقبض ، وجواز الأخذ لكل حقه من غير إذن الآخر إن أمكن له على أي
وجه كان ، لأن ذلك هو مقتضى الملك ، ومنع أحدهما حق الآخر وظلمه لا يستلزم جواز
الظلم للآخر ، ومنعه من حقه فيجبرهما الحاكم معا على ذلك إن امتنعا ، فيعطي من يد
ويأخذ من أخرى ، أو يقبض لأحدهما ، ويأمره بالإعطاء ، انتهى كلامه.
وقد تكلف بعض
المجتهدين من مشايخنا المعاصرين في الاستدلال للقول المشهور بأدلة لا يخلو من القصور
حيث سئل عن هذه المسألة فأجاب ـ رحمة الله عليه ـ بأن لها الامتناع حتى تقبضه هي
أو وكيلها وفاقا للمشهور ، قال : لأن تقديم المهر أو بعضه هو المتعارف في جميع
الأعصار وبه جرت السنة ، فعند إطلاق العقد يكون بمنزلة ما شرط تقديمه ، فلها
الامتناع حتى تقبضه أو ترضى بشيء عملا لمقتضى الشرط ، وما كان بمنزلته.
ويدل عليه ما
رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا
__________________
تزوج الرجل المرأة فلا يحل له فرجها حتى يسوق إليها شيئا درهما فما فوقه أو
هدية من سويق أو غيره». والمعنى لا يحل له جبرها على فرجها حتى يسوق إليها مهرها
أو شيئا ترضى به ، وأما إذا رضيت فهي حلال له ، ولا تحرم بلا خلاف ، ويكون المهر
دينا عليه كما تدل عليه الأخبار.
ويدل عليه أيضا
قول أبي جعفر عليهالسلام في صحيحة الفضيل بن يسار «فالذي أخذت من الزوج قبل أن يدخل بها حل للزوج به فرجها قليلا كان أو
كثيرا إذا هي قبضته منه وقبلت ودخلت عليه ، ولا شيء لها بعد ذلك».
وقول أبي عبد
الله عليهالسلام في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج «إذا أهديت إليه ودخلت بيته ثم طلبت بعد ذلك فلا شيء لها». فإن فيه إشعارا
وواضحا بأن لها الامتناع من الدخول حتى تقبض ما ترضى به ، ويرشد إلى ذلك ، أن فائت
المال يستدرك بإقامة مثله ، وفائت البضع لا يستدرك ، لعدم إمكان قيام مثله مقامه. فينبغي
أن يسلم المهر إليها أولا ثم هي تسلم نفسها ، فإذا أرادت مهرها وبذلت نفسها فعلى
الحاكم أن يجبره على التسليم أولا إذا امتنع ، كما يجبره على الحقوق ، فإن بذله
لها مقدما فعلى الحاكم أن يجبرها على تسليم نفسها إن امتنعت ، وهذا هو الموافق
للعدل ، والمأمور به من قوله «(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، والمفتي به عند الكل ، انتهى.
أقول : الظاهر
عندي أن ما تكلفه من هذا الدليل ، فإنه لا يشفي العليل ، ولا يبرد الغليل ، ولا
يفي بالهداية إلى ذلك السبيل.
أما (أولا) فإن
ما ذكره من أن تقديم المهر أو بعضه لما كان هو المتعارف في جميع الأعصار ، وبه جرت
السنة ، فهو كالشرط في إطلاق العقد ، فلها الامتناع
__________________
حينئذ حتى تقبض المهر ، لا يخفى ما فيه بعد تسليم ما ذكره على من راجع
الآيات والأخبار الدالة على التشديد في الفتوى ، فإنه لا بد من العلم واليقين فيما
يحكم به ويفتي به ، ووجوب الوقوف مع الاشتباه ، وهي مستفيضة في الكافي وغيره.
ومن ذلك ما
رواه في الكافي بإسناده إلى زرارة قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام : ما حق الله على العباد؟ فقال : أن يقولوا ما يعلمون ،
ويقفوا عند ما لا يعلمون».
وعن هشام بن
سالم عن أبي عبد الله عليهالسلام مثله.
وعن زياد بن
أبي رجا عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «ما علمتم فقولوا ، وما لم تعلموا فقولوا : الله
أعلم».
وعن إسحاق بن
عبد الله عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إن الله خص عباده بآيتين من كتابه «أن لا يقولوا
حتى يعلموا ، ولا يردوا ما لم يعلموا ، وقال الله تعالى «أَلَمْ يُؤْخَذْ
عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ»
.
وعن حمزة
الطيار قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام : لا يسعكم فيما ينزل بكم مما لا تعلمون إلا الكف عنه ،
والتثبت والرد إلى أئمة الهدى حتى يحملوكم فيه على القصد».
وفي حديث صاحب
البريد المروي في الكافي عن أبي عبد الله عليهالسلام «أما إنه شر عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منا». إلى غير ذلك من
الأخبار.
__________________
وحينئذ فكيف
يمكن التجاسر على الحكم لها بالامتناع من تسليم نفسها بعد ملك الزوج للبضع بالعقد
، وأنه هو الناقل له ، والمبيح أن يقال فيه أنه محتمل لذلك ، لا أنه دليل شرعي يصح
تأسيس الأحكام الشرعية به وترتبها عليها ، ولو صح الاعتماد على مثل هذه التخريجات
في الأحكام الشرعية لاتسع المجال وعظم الاشكال ، سيما مع ما عرفت من استفاضة
الآيات والروايات بالنهي عن القول والفتوى بغير علم قطعي ، ويقين شرعي كما عرفت.
وأما (ثانيا)
فإن ما استند إليه من رواية أبي بصير ـ وأن المعنى أنه لا يحل له جبرها على فرجها
حتى يسوق إليها مهرها أو شيئا ترضى به ـ ففيه أن المراد من الرواية كما ذكره
الأصحاب قديما وحديثا إنما هو كراهة الدخول بها قبل ذلك ، وكيف لا ، وهو قد استباح
فرجها بالعقد ، وملك بضعها بذلك ، فكيف يتوقف حلها على دفع المهر أو شيء آخر مع
اتفاق الأصحاب على أن المهر ليس ركنا في العقد ، ويملك البضع بدون ذكره بالكلية.
ويوضح ذلك بأتم
إيضاح قيام غير المهر مقامه في ذلك ، فإن الاتفاق قائم على أن حل الفرج لا يتوقف
على ذلك بالكلية ، فكيف يتوهم من لفظ لا يحل هنا التحريم ، والحال كما عرفت.
ومن الأخبار
الظاهرة فيما ذكرناه صحيحة بريد العجلي عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة على أن يعلمها سورة من
كتاب الله ، فقال : ما أحب أن يدخل حتى يعلمها السورة أو يعطيها شيئا ، قلت : أيجوز
أن يعطيها تمرا أو زبيبا؟ قال : لا بأس بذلك إذا رضيت به كائنا ما كان».
__________________
وروى أحمد بن
محمد بن عيسى في كتاب النوادر عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : «سألت
أبا الحسن عليهالسلام عن رجل تزوج امرأة بنسية ، فقال : إن أبا جعفر عليهالسلام تزوج امرأة بنسية ، ثم قال لأبي عبد الله عليهالسلام : يا بني ليس عندي من صداقها شيء أعطيها إياه وأدخل
عليها ، فأعطني كساءك هذا فأعطيها إياه ، فأعطاها ثم دخل بها».
وفي موثقة أبي
بصير قال : «تزوج أبو جعفر امرأة فزارها وأراد أن يجامعها ، فألقى عليها كساه
ثم أتاها ، قلت : أرأيت إذا أوفى مهرها إله أن يرتجع الكساء؟ قال : لا إنما استحل
به فرجها».
وإنما حملنا
هذه الأخبار على الكراهة ، لما بإزائها من الأخبار الدالة على جواز الدخول بها من
غير أن يعطيها شيئا.
ومنها رواية
عبد الحميد بن عواض عن أبي عبد الله عليهالسلام الدالة على أنه يصلح أن يواقعها ولم ينقدها من مهرها
شيئا.
وفي رواية أخرى
له عنه عليهالسلام قال : «قلت له : أتزوج المرأة وأدخل بها ولا أعطيها
شيئا؟ قال : نعم يكون دينا لها عليك».
وفي ثالثة له قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يتزوج المرأة فلا يكون
__________________
عنده ما يعطيها فيدخل بها؟ قال : لا بأس ، إنما هو دين لها عليه».
وما رواه أحمد
بن محمد بن عيسى في كتاب النوادر في الموثق عن زرارة قال : «سألت أبا
عبد الله عليهالسلام عن رجل تزوج امرأة ، أيحل له أن يدخل بها قبل أن يعطيها
شيئا؟ قال : نعم».
ولو تم ما ذكره
من أنه لا يحل له جبرها على فرجها حتى يسوق إليها مهرها أو شيئا ترضى به ، للزم
طرح هذه الأخبار ، مع أنها هي المعتضدة بالاتفاق على التحليل بالعقد ، وأنه هو
المبيح لذلك لا غير.
وأما ما اشتمل
عليه خبر أبي بصير من أنه لا يرتجع الكساء ، لأنه إنما استحل فرجها به ، فإنه
محمول على تأكد استحباب الدفع إليها شيئا قبل الدخول ، وذلك لأنه إنما استحل فرجها
بالعقد لا بما دفعه أخيرا من مهر أو هدية ، وما استند إليه من لفظ «لا تحل» وأنه
محمول على ظاهره من التحريم فهو مما لا يتجسمه محصل ، للاتفاق نصا وفتوى على
التحليل بالعقد ، فلا بد من الحمل على المجاز كما ورد في قوله صلىاللهعليهوآله «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تدع عانتها فوق عشرين يوما». رواه
في الكافي ، على أن ما اعتمده من هذه الأخبار مدخول أيضا من وجهين
:
أحدهما : إن
مقتضى كلامه أن الأمر بدفع هذه الأشياء قبل الدخول إنما هو ليرضيها ، وإلا فلو
رضيت من غير شيء فهي له حلال ، والمفهوم من الأخبار التي تلوناها أن دفع ذلك إنما
هو من حيث إنه السنة في الدخول قبل دفع المهر ، فإنه يدفع لها ذلك ، وإن رضيت
بالدخول بغير شيء بالكلية إذ لا إشعار في شيء منها بأن الدفع إنما هو لامتناع
المرأة من الدخول ، وأن الإعطاء إنما هو لاسترضائها ، وأخبار الكساء الذي ألقاه
الباقر عليهالسلام على امرأته ثم أتاها ظاهرة
__________________
فيما قلناه ، وكذا غيرها.
وثانيهما : إن
محل البحث ومطرح الكلام هو أن لها الامتناع حتى تقبض المهر ، والذي دلت عليه هذه
الأخبار هو الاكتفاء بدفع شيء على جهة الهدية ، وأنه ليس لها الامتناع بعد ذلك ،
وأحدهما غير الآخر ، وحينئذ فلا دلالة فيها على ما ادعوه.
وأما (ثالثا)
فإن ما استند إليه من صحيحة الفضيل بن يسار وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الدالتين
على سقوط المهر بالدخول ، فمع أنهما لا إشعار فيهما بما نحن فيه كما ادعاه وسجل
عليه بأنه إشعار واضح ، فالقول بما دلا عليه مرغوب عنه كما سيأتي تحقيقه إن شاء
الله تعالى في محله.
وكيف كان فما
ادعاه من إشعارهما بما ذكره لا أعرف له وجها ، ولعل وجه الاشعار عنده بهذه العبارة
التي نقلها من صحيحة الفضيل وهي قوله : فالذي أخذت من الزوج قبل أن يدخل بها ، حل
للزوج به فرجها من حيث الاشعار بتحريم الفرج على الزوج مع عدم الأخذ ، وإذا كان
الفرج حراما بدون ذلك فلها الامتناع حينئذ قبل الأخذ ، وفيه ما عرفت من أن حل
الفرج هنا إنما حصل بالعقد ، لا بدفع المهر كلا أو بعضا أو غيره من هدية ونحوها ،
وهذا الكلام في جملة هذه الاخبار إنما خرج مخرج التجوز في الكناية عن استحباب
تقديم المهر أو بعضه أو غيره من هدية ونحوها لا أنه محمول على ظاهره فإنه باطل
اتفاقا إذ لا خلاف ولا إشكال في أن تحليل الفرج إنما حصل بالعقد ، وتؤيده الأخبار
المتقدمة الدالة على جواز الدخول بها وإن لم يدفع إليها شيئا.
وأما (رابعا)
فإن ما ذكره ـ من أنه يرشد إلى ذلك أن فائت المال يستدرك إلى آخره ـ بمعنى أنه يجب
تقديم المهر إليها أولا لأنه لو امتنعت من تسليم
__________________
البضع يمكن استرجاعه منها ، بخلاف ما إذا قدمت البضع ودخل بها ، فإنه لا
يمكن استدراكه إذا لم يدفع المهر.
فيه أنه أول
المسألة ومحل البحث ، فإن الخصم يمنع ذلك ، ويقول : إن البضع هنا ليس بفائت ، بل
هو تسليم للحق إلى مستحقه ، دفع الزوج المهر أم لم يدفع ، لأن الزوج قد ملك البضع
بمجرد ، العقد ، كما أنها قد ملكت المهر في الصورة المفروضة كذلك ، وبما شرحناه
وأوضحناه يظهر لك ما في قوله ، هذا هو الموافق للعدل والمأمور به من قوله «أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ» فإن فيه أن دعوى موافقته للعدل عدول عن المنهج الواضح ،
بل الموافقة للعدل إنما تحصل بالجري على ما اقتضاه العقد من انتقال كل من العوضين
إلى الآخر ، ووجوب تسليمه إليه من غير توقفه على شيء ، وهذا هو المأمور به في
قوله عزوجل «أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ» حيث إن قضية العقد انتقال البضع إلى الزوج والمهر إلى
الزوجة ، فيجب على كل منهما الوفاء بما اقتضاه العقد من الانتقال على الوجه
المذكور من غير توقف لأحدهما على الأخر ، وحينئذ فالآية عليه لا له ، وبالجملة فإن
جميع ما لفقه في هذا المقام وزعم أنه دليل واضح فهو من جملة الأوهام التي لا يعرج
عليها في الأحكام.
الثاني : الصورة الأولى بحالها ولكن الزوج معسر ، والمشهور أن
الحكم فيها كما تقدم من جواز الامتناع لها حتى تقبض المهر ، وإنما الفرق بين
الصورتين عندهم بالإثم وعدمه ، فإنه مع اليسار وطالبتها يأثم الزوج بالمنع ،
وتستحق عنده النفقة ، وإن لم تسلم نفسها إذا بذلت التمكين بشرط تسليم المهر ، وأما
مع إعساره فلا إثم عليه بالتأخير.
وفي استحقاق
النفقة وجهان وذهب ابن إدريس إلى أنه ليس لها الامتناع
__________________
مع الإعسار لمنع مطالبته ، فيبقى وجوب حقه بلا معارض ، واختاره السيد السند
في شرح النافع ، وهو جيد ، واعترضه المحقق الشيخ علي ومثله الشهيد الثاني بأن منع
المطالبة مع الإعسار لا يقتضي وجوب التسليم قبل دفع العوض ، ولأن النكاح نوع
معاوضة ، فلا يجب تسليم أحد العوضين بدون الآخر ، وإلى ما ذكره يميل كلام شيخنا
المحدث المعاصر المتقدم ذكره حيث قال ـ في رد كلام ابن إدريس بناء على ما ذكره في
المسألة السابقة ـ : إن الذي اقتضاه الدليل أمران ، أحدهما جواز الامتناع قبله ،
والثاني جبره على تسليم المهر إليها إذا طلبته ، والإعسار إنما رفع الثاني ولا
يستلزم رفع الأول.
وأنت خبير بعد
الإحاطة بما أسلفناه ما في كلاميهما من النظر الظاهر ، ومن ثم مال إلى ما اخترناه
في هذه المسألة وفي السابقة المولى الفاضل ملا محمد باقر الخراساني في كتاب
الكفاية.
قال السيد
السند في شرح النافع ـ بعد نقل كلام المحقق الشيخ علي المتقدم ـ ما صورته : وهو
مدفوع بعموم ما دل على أنه يجب للزوجة طاعة الزوج خرج من ذلك ما إذا امتنع من
تسليم المهر إليها مع يسار ، فيبقى ما عداه مندرجا في العموم ، انتهى.
واعترضه هنا
أيضا شيخنا المحدث المذكور بأن فيه نظرا ، لأن مقتضى هذا الدليل يتناول المعسر
والموسر معا ، وقد تقرر سابقا أن مقتضى النظر أن ليس
__________________
لها الامتناع وإن عصى ، لعدم النص على ذلك ، وليس الإجماع عنده متحققا ،
فما باله يرد كلام الشيخ بحجة لم يتحقق عنده ، فإما أن يقول الأصحاب مطلقا ، أو
يخالفهم مطلقا ، فإن التفصيل مدخول ، والدليل معلول. انتهى ، وظني أن ما اعترضه به
ـ رحمة الله عليه ـ لا وجه له.
أما (أولا)
فلأن كلام السيد ـ رحمة الله عليه ـ في المسألة الاولى ليس بصريح في الجزم والفتوى
بما ذكره بل علق على ثبوت الإجماع وعدمه ، فإن ثبت الإجماع على ما ادعوه كان الأمر
على ما قالوه ، وإلا وجب المصير إلى ما ذكره ، ولم يصرح بأن الإجماع عنده متحقق أو
غير متحقق ، بل الإجماع عنده في مقام الاحتمال ، فلذا جعل الحكم في قالب الإجمال.
و (ثانيا) إن
كلامه هنا إنما جرى فيه على طريق المماشاة مع الأصحاب فيما ذكروه في تلك المسألة
فإنه على تقدير صحة كلامهم في المسألة السابقة لا يتم إلحاق هذه بها ، وجعلها
مثلها ـ كما ادعوه ـ لظهور الفرق بينهما بما ذكره من أن ما دل على عموم إطاعة الزوجة للزوج وإن خصص في تلك المسألة
بالإجماع المدعى على جواز امتناعها ، إلا أنه لا مخصص هنا له ، لعدم تحقق الإجماع
في المسألة ، وهو كلام صحيح لا غبار عليه ، ولا يتطرق القدح بوجه من الوجوه إليه ،
ثم إن شيخنا المحدث المذكور ، قال ـ بعد البحث في المسألة الذي من جملته ما نقلناه
عنه ـ ما صورته : وعندي في كلا الحكمين توقف ، لعدم الظفر بشيء من النصوص من أهل
العصمة عليهمالسلام فيها وقد أرجيت حكمها إلى العالم من أهل بيت محمد ـ عجل
الله فرجه ـ ورددتها إلى الله ورسوله وإليه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ انتهى
كلامه.
أقول : ما ذكره
من التوقف ـ وإن كان لا يخلو من وجه ـ لعدم النص في المسألة على الخصوص ، إلا أن
ما ذكره السيد السند المتقدم ذكره جريا على ما ذكره
__________________
شيخه المحقق الأردبيلي ـ عطر الله مرقديهما ـ في المقام لا يخلو من قرب تام
لما ذكرناه من أن مقتضى العقد انتقال البضع إلى الزوج ، وانتقال حق المهر في
الصورة المفروضة إلى الزوجة ، وأنه لا دليل على توقف دفع أحدهما على الآخر إلا ما
يدعى من الإجماع ، وقد عرفت ما فيه في غير موضع مما تقدم ، ولا سيما في بحث صلاة
الجمعة من كتب العبادات ، وما يدعونه من أن النكاح من المعاوضات ، وفيه ما عرفت
أيضا من عدم الدليل على الامتناع في المعاوضات ، ومع تسليم الدليل في المعاوضات ،
فحمل النكاح عليها قياس لا يناسب أصول المذهب سيما مع اعترافهم بأنه ليس من
المعاوضات الحقيقية كما تقدم ذكره ، وإنما له شبه بها في بعض الموارد ، ومجرد
المشابهة لا يقتضي أن يكون من كل وجه ، وللأدلة الدالة على وجوب قيامها بحقوق
الزوجية الواجبة عليها ، ووجوب إطاعته متى أرادها ، خرج من ذلك ما قام الدليل على
خروجه ، وبقي الباقي وهذا منه ، حيث إنه لم يقم هنا دليل شرعي على العذر لها في
الامتناع.
الثالث : الصورة الاولى وأن يكون المهر مؤجلا ، معسرا كان
الزوج أو مؤسرا ، وقد قطع الأصحاب بأنه ليس لها الامتناع ، إذ لا يجب لها عليه شيء
فيبقى وجوب حقه عليها بلا معارض ، فيجب الوفاء بالعقد الواقع عن رضاها به ، والحكم
هنا لا إشكال فيه ، وإنما الكلام فيما لو مضت المدة ولم يدخل بها لمانع من جهته
كمرض أو غيبته أو نحوهما ، أو مانع من جهتها شرعي كالحج والمرض المانع من جميع
أنواع الاستمتاع ، أو غير شرعي كما لو منعت نفسها عصيانا وأقدمت على فعل الحرام
حتى انقضت المدة ، قالوا : في جواز امتناعها إلى أن تقبضه تنزيلا له منزلة الحال
ابتداء ، وعدمه نظرا إلى استصحاب وجوب التمكين الثابت قبل الحلول وجهان : استجود
السيد في شرح النافع الثاني ، وجعله الأقوى في شرح المسالك ، ونقله عن الشيخ في
المبسوط قال : وتبعه عليه الأكثر.
أقول : والقول
بجواز الامتناع منقول عن الشيخ في النهاية ، حيث أطلق جواز امتناعها حتى تقبض
المهر الشامل لمحل النزاع ، أما بخصوص المسألة فلا نعلم به قائلا ، ولا ذكره أحد
ممن تعرض لنقل الأقوال على ما صرح به في المسالك ، وإنما ذكره من ذكره وجها في
المسألة واحتمالا.
ثم أقول : وعلى
ما اخترناه وحققناه فلا وجه للوجه الأول ، إذ الواجب عليها بذل الطاعة وعدم جواز
الامتناع سواء كان المهر حالا أو مؤجلا كما عرفت.
الرابع : الصورة الأولى ، إلا أنه قد دخل بها ، والمشهور أنه
ليس لها الامتناع بعد ذلك ، وبه صرح الشيخ في الخلاف والمرتضى وأبو الصلاح ،
واختار المحقق وجملة من المتأخرين ، قال في المسالك : وهو الأقوى عملا بمقتضى
القواعد السابقة ، فإن المهر قد استقر بالوطء ، وقد حصل تسليمها نفسها برضاها ،
ومتى سلم أحد المتعاوضين الذي قبله باختياره لم يكن له بعد ذلك حبسه ، وقيل بجواز
الامتناع لها وهو خيرة الشيخ في النهاية والمبسوط والشيخ المفيد والقاضي ابن
البراج ، وفرق ابن حمزة بين تسليم نفسها اختيارا ، فحكم بسقوط حقها من الامتناع ،
وإكراها ، فجوز لها الامتناع لأنه بسبب الإكراه قبض فاسدا فلا يترتب عليه أثر
القبض الصحيح ، ولأصالة بقاء الحق الثابت إلى أن يثبت المزيل.
أقول : وهذا
التفصيل مبني على ما ذكره في المسالك من أنه هل يشترط في القبض وقوعه طوعا ، أم
يكتفي به مطلقا؟ وجهان ، من حصول الغرض وانتفاء الضمان به كيف اتفق ، ومن تحريم
القبض بدون الاذن ، فلا يترتب عليه أثر الصحيح ، قال : والحق أن بعض أحكام القبض
متحققة كاستقرار المهر بالوطء كغيرها ، وبعضها غير متحقق قطعا كالنفقة ، ويبقى
التردد في موضع النزاع حيث يدخل بها أكرها هل لها الامتناع بعده من الإقباض حتى
تقبض المهر أم لا؟ انتهى.
وأنت خبير بأنه
على ما حققه فإن الحكم بقي في قالب الاشتباه ، ثم لا يخفى
أن البحث هنا جار على ما مهدوه من الحكم يكون النكاح من قبيل المعاوضات
التي يشترط فيها التقابض من الطرفين ، وأما على ما اخترناه فإنه لا ثمرة لهذا
الخلاف لوجوب الطاعة عليها ، وبذل نفسها له متى طلبها ، سلم إليها المهر أو لم
يسلمه ، دخل بها أو لم يدخل ، ثم إنه على تقدير تسليم ما ذكروه من البناء على تلك
القاعدة ، فإنه يمكن أن يقال في بطلان القول
الثاني : إن
مقتضى العمومات الدالة على وجوب التمكين متى طلبها وأرادها هو عدم جواز الامتناع ،
خرج منه ما قبل الدخول بالإجماع المدعى إن تم ، فيبقى الباقي مندرجا تحت العمومات
المذكورة.
وأما ما ذكره
ابن حمزة ـ في صورة الإكراه من أنه قبض فاسد ، فلا يترتب عليه أثر القبض الصحيح ،
ولأصالة بقاء الحق الثابت إلى أن يثبت المزيل ـ يمكن دفعه بأن العقد لما اقتضى
استحقاق الزوج للبضع وملكه له ، ودلت الأخبار على وجوب إطاعة الزوجة لزوجها متى
طلبها وأرادها مطلقا ، مع ما عرفت من عدم الدليل على التوقف على المهر ، فإن ما
ذكره من فساد القبض ممنوع ، فإنه قبض حقه ، والاذن فيها غير شرط بعد ثبوت استحقاقه
، ووجوب الطاعة عليها ، والحق الذي أوجبه لها وهو الامتناع حتى تقبض المهر ممنوع ،
لعدم الدليل عليه ، هذا هو مقتضى التحقيق بالنظر إلى الأدلة الشرعية والقوانين
المرعية ، وما عداه فهو كما عرفت إنما تبنى على دعاوي عارية من الدليل ، لا تشفي
العليل ولا تبرد الغليل وإن اشتهرت بينهم جيلا بعد جيل.
البحث
الثاني : في التفويض ،
وهو لغة الرد إلى الغير ، ومنه قوله «وَأُفَوِّضُ أَمْرِي
إِلَى اللهِ» والإهمال ، ومنه قوله شعرا :
لا يصلح
الناس فوضى لا سراة لهم
|
|
ولا سراة إذا
جهالهم سادوا
|
قال في كتاب
المصباح : وفوض إليه أمره تفويضا : أسلم أمره إليه ،
__________________
وفوضت المرأة نكاحها إلى الزوج حتى تزوجها من غير مهر ، وقيل : فوضت أي
أهملت حكم المهر ، وهي مفوضة اسم فاعل ، قيل : مفوضة اسم مفعول لان الشرع فوض أمر
المهر إليها في إثباته وإسقاطه ، وقوم فوضى إذا كانوا متساوين لا رئيس لهم ، والمال
فوضى بينهم أي مختلط من أراد منهم شيئا أخذه ، وكانت خيبر فوضى أي مشتركة بين
الصحابة غير مقسومة ، انتهى.
والتفويض شرعا
رد أمر المهر أو البضع إلى أحد الزوجين أو ثالث ، أو إهمال المهر في العقد وعدم
ذكره بالمرة ، والأول منهما يسمى تفويض المهر ، والثاني تفويض البضع ، فالكلام هنا
يقع في مطلبين :
الأول
: في تفويض
البضع ، وهو أن لا يذكر في العقد مهر ، مثل أن تقول هي زوجتك نفسي ، أو يقول وليها
أو وكيلها زوجتك فلانة ، فيقول الزوج قبلت ، وتحقيق القول فيه يقع في موضعين :
الأول : لا خلاف بين الأصحاب في جواز إخلاء العقد من المهر ، وادعى عليه جماعة
الإجماع ، وعليه تدل الآية والأخبار الكثيرة.
أما الآية فهي
قوله عزوجل «لا جُناحَ عَلَيْكُمْ
إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ
فَرِيضَةً» والتقريب فيها على ما ذكره بعض الأصحاب أن الظاهر أن
المراد من الجناح المنفي هو المهر ، لأنه تعالى نفي الجناح إلى إحدى الغايتين ،
__________________
وهي المسيس أو الفرض ، والثابت عند أحد هذين الأمرين هو المهر ، فإنه يجب
بالجماع أو فرضه بعد إخلاء العقد منه.
أقول : ويشير
إلى ذلك تتمة الآية من قوله سبحانه «وَمَتِّعُوهُنَّ
عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ، مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ
حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ، وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً ، فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ»
الآية ، فإنه
تعالى حكم بالمتعة لتلك التي نفي الجناح عن طلاقها قبل المسيس والفرض ، ولا متعة
لمن طلقها قبل الدخول إلا التي لم يسم لها مهرا ، ثم عقبها بالمطلقة قبل المسيس مع
فرض المهر ، وبين حكمها وهو ظاهر أيضا في أن الاولى لم يفرض لها مهر في العقد.
وأما الأخبار
فمنها ما رواه في الكافي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : «قال أبو عبد الله
عليهالسلام في رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ثم دخل بها قال :
لها صداق نسائها».
وعن عبد الرحمن
المذكور قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل تزوج المرأة ولم يفرض لها صداقا فمات عنها أو
طلقها قبل أن يدخل بها ، ما لها عليه؟ قال : ليس لها صداق وهي ترثه ويرثها».
وما رواه الشيخ
في الموثق عن منصور بن حازم قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام في رجل يتزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ، قال : لا شيء
لها من الصداق ، فإن كان دخل بها فلها مهر نسائها».
وعن الحلبي في الصحيح قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة فدخل بها
__________________
ولم يفرض لها مهرا ثم طلقها ، فقال : لها مهر مثل مهور نسائها ويمتعها».
وعن أبي بصير قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة فوهم أن يسمي لها صداقا
حتى دخل بها ، قال : السنة ، والسنة خمسمائة درهم».
وعن أسامة بن
حفص وكان قيما لأبي الحسن موسى عليهالسلام قال : «قلت له : رجل تزوج امرأة ولم يسم لها مهرا ،
وكان في الكلام أتزوجك على كتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآله فمات عنها ، أو أراد أن يدخل بها ، فمالها من المهر؟
قال : مهر السنة ، قال : قلت : يقول أهلها : مهور نسائها ، قال : فقال هو مهر
السنة» الحديث.
والوجه في صحة
العقد ـ مع خلوه عن ذكر المهر ـ ما تقدم من أن المهر ليس من أركان عقد النكاح
كالعوضين في البيع ونحوه من عقود المعاوضات وإنما الأركان فيه الزوجان خاصة ، وإن
كان المهر لازما في الجملة ، ويتحقق التفويض بعدم ذكر المهر في العقد سواء أطلق ،
أم شرط أن لا مهر عليه في الحال ، أو أطلق ، بأن قال لا مهر عليه ، فإن مرجع
الجميع إلى أمر واحد ، لأن عدم ذكره في معنى نفيه في الحال ، وهو لا ينافي مقتضى
التفويض ووجوبه في المئال. نعم لو صرح بنفيه في الحال والمئال على وجه يشمل ما بعد
الدخول أو قال : قبل الدخول وبعده ، فالظاهر كما صرح به الأصحاب بطلان العقد ، لأن
المعلوم من الأخبار أن وجوب المهر من مقتضيات عقد النكاح إما بالعقد أو بالوطء أو
بالفرض ، فإذا شرط خلاف ذلك فقد شرط خلاف مقتضى العقد فيبطل.
ويدل على ذلك
ما رواه الشيخ عن زرارة في الصحيح قال : «سألته كم أحل لرسول الله صلىاللهعليهوآله من النساء؟ قال : ما شاء من شيء ، قلت : فأخبرني عن
قول
__________________
الله عزوجل «وَامْرَأَةً
مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ»
قال : لا تحل الهبة إلا لرسول الله صلىاللهعليهوآله وأما غيره فلا يصلح له نكاح إلا بمهر».
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن مجرد العقد في التفويض لا يوجب المهر ولا المتعة ، بل إنما يجب المتعة
بالطلاق قبل الدخول ، ومهر المثل بالدخول ، ويجب أيضا ما يفرضانه ويتفقان عليه
بالفرض قبل الدخول ، ولا فرق في وجوب مهر المثل بالدخول بين أن يطلقها أو لا
يطلقها ، لأنه قد استقر بالدخول.
وأما ما يفرض
قبل الدخول فإنه لو طلقها والحال كذلك فلها نصف المفروض كما دلت عليه الآية «فَنِصْفُ ما
فَرَضْتُمْ» .
ويدل على وجوب
المتعة الآية المتقدمة ، للأمر فيها وهو للوجوب ، وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها ، قال : عليه نصف المهر إن كان فرض لها
شيئا ، وإن لم يكن فرض فليمتعها على نحو مما مثلها من النساء».
ولو مات أحد
الزوجين قبل الدخول والطلاق ، فإن كان الموت قبل المرض فلا شيء لها لانتفاء سبب
الوجوب فإنه منحصر في الفرض والدخول.
وعليه تدل صحيحة
الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه قال في المتوفى عنها زوجها إذا لم يدخل بها : فإن لم يكن فرض لها مهرا
فلا مهر لها ، وعليها العدة ولها الميراث». وهو يدل بمفهوم الشرط على ثبوت المهر
المفروض إن كان فرضه.
__________________
وصحيحة زرارة قال : «سألته عن المرأة تموت قبل أن يدخل بها ، أو يموت
الزوج قبل أن يدخل بها ، قال : فقال : أيهما مات فللمرأة نصف ما فرض لها ، وإن لم
يكن فرض لها فلا مهر لها».
إلى غير ذلك من
الأخبار الكثيرة الجارية على هذا المنوال ، وقد اشتركت في الدلالة على عدم المهر
مع موتها أو أحدهما إذا لم يفرض المهر لا في العقد ولا بعده ، واختلفت في استحقاق
الجميع أو النصف لو فرض المهر ، وحصل الموت قبل الدخول ، وسيجيء تحقيق ذلك في
موضعه إن شاء الله تعالى ، ثم إنه لا يخفى أن المفوضة وإن لم تستحق المهر بنفس
العقد ولكنه حيث كان المهر لازما للنكاح كما عرفت وأنها ملكت بالعقد أن تملك المهر
كما ذكروه ، فإن لها المطالبة بفرضه وتعيينه قبل الدخول لتعرف ما تستحق بالوطء أو
الموت وما تشطر بالطلاق قبل الدخول أو الفسخ على القول بالتنصيف به ، ثم إن اتفقا
على قدر معين صح ولزم ولم يكن لها غيره ، ولا فرق بين كونه بقدر مهر المثل أو أقل
منه أو أكثر ، وليس لأحد منهما بعد الاتفاق الرجوع فيه مطلقا ، وإن اختلفا بأن فرض
الزوج لها أقل مما ترضى به فإشكال ، ولم أقف في المقام على نص ، إلا أنهم ذكروا
أنه إن كان مفروضة بقدر مهر السنة فصاعدا ففي لزومه من طرفها وجهان ينشئان من أنه
لو فرض إليها التقدير لما كان لها الزيادة عليه ، وكذا الحاكم كما سيأتي ، ومن أن
البضع يقتضي مهر المثل ، والخروج عنه في بعض الموارد على خلاف الأصل فيقتصر عليه ،
وكون ذلك للحاكم ممنوع ، وإن كان أقل منه لم يقع بغير رضاها اتفاقا ، فحينئذ إن
ترافعا إلى الحاكم فرض لها مهر المثل من غير زيادة ولا نقصان ما لم يتجاوز السنة
فيرد إليها إن اعتبرنا ذلك في مهر المثل ، وإلا لم يتقيد بذلك قال في المسالك :
وهو الأقوى. والمسألة لما عرفت محل توقف وإشكال.
__________________
الموضع الثاني :
قد صرح الأصحاب بأن المعتبر في مهر المثل بحال المرأة ، وفي المتعة بحال الزوج ،
فالكلام هنا أيضا في موضعين :
(أحدهما) في
مهر المثل ، والمراد به ما يبذل عادة في مقابل نكاح أمثالها ، والمراد بأمثالها من
كان متصفا بمثل صفاتها وما هي عليه من الجمال والبكارة والشرف والثروة والعقل
والأدب وحسن التدبير في المنزل ونحو ذلك ، وأضداد هذه الأشياء لأن ذلك مما يختلف
به المهر اختلافا ظاهرا.
وفي الأخبار
فسروا عليهمالسلام مهر المثل هنا بمهور نسائها ، كما تقدم في رواية عبد
الرحمن بن أبي عبد الله الاولى ، وموثقة منصور بن حازم وصحيحة الحلبي ، وحينئذ فيجب تقييد ما ذكره الأصحاب ـ من مثلها ، وأن
المراد به من شأنها في أوصافها ـ بمن كان من نسائها وأقاربها من الأب أو الأم
للإطلاق ، وهل يعتبر في أقاربها أن يكونوا من أهل بلدها؟ قولان
، قال السيد السند في شرح
__________________
النافع أظهرهما ذلك ، لأن المهر يختلف باختلاف البلدان اختلاف عظيما ، وفيه
تأمل. وقيد جملة من الأصحاب ـ بل الظاهر أنه المشهور ـ الحكم بلزوم مهر المثل بما
إذا لم يتجاوز مهر السنة وهي خمسمائة درهم ، وإلا رد إليها ، وادعى عليه فخر
المحققين الإجماع ، مع أن والده في المختلف نقل الاختلاف في ذلك ، وحكى القولين ،
ولم يرجح شيئا في البين قال بعد نقل جملة من الأقوال في المسألة : بقي هنا بحثان :
(الأول) هل يعتبر البلد؟ قال بعض علمائنا به ، ويحتمل العدم (الثاني) أكثر الأصحاب
على أنه لا يزيد على مهر السنة وهو خمسمائة درهم ، لما رواه أبو بصير عن الصادق عليهالسلام قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة فوهم أن أن يسمي صداقها»
ـ الخبر ، وقد تقدم قريبا ـ ثم قال : وهو غير دال صريحا على المطلوب ، وقال بعض
علمائنا : لا يتقدر بقدر ، لما دلت الأخبار المطلقة عليه. انتهى.
وربما أشعر
ظاهره باختيار القول الأخير ، حيث إنه طعن في رواية أبي بصير التي استند إليه
الأكثر بأنها غير دالة صريحا على المطلوب ولم يطعن في دليل الأخر ، وتوجيه ما أشار
إليه في رد رواية أبي بصير وعدم دلالتها على القول المذكور ، وما ذكره شيخنا في
المسالك قال ـ بعد نقل الرواية ـ : وفيها مع ضعف السند قصور الدلالة ، لأن الكلام
في المفوضة ، ومورد الرواية ما إذا وهم أن يسمي صداقها ، وهو يقتضي كونه أراد
التسمية فنسيها ، وهذا ليس من التفويض في شيء ، وإن كان العقد قد وقع بصورة
التفويض ، فجاز اختلاف الحكم لذلك ، ومن ثم ذهب بعض علمائنا إلى أن مهر المثل لا
يتقدر بقدر لإطلاق الأخبار في ذلك ، ثم نقل رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ،
وموثقة منصور بن حازم وصحيحة الحلبي ، انتهى.
وبذلك يظهر لك
أن الأظهر هو القول الآخر ، وأن القول المشهور بمحل من القصور.
__________________
ثم إنه لا يخفى
أن مهر المثل قد حكموا به في مواضع عديدة غير هذا الموضع ، منها نكاح الشبهة ،
والوطي في النكاح الفاسد والإكراه ، والتسمية الفاسدة ، وإذا نكح عدة نساء بمهر
واحد كما تقدم كل منها في موضعه.
ولم يذكروا في
شيء من هذه المواضع هذا التقييد إلا في مسألة التفويض ، ووجه الشبهة في ذكره هنا
دون تلك المواضع من حيث ذهاب معظم الأصحاب إلى التقييد وقصور دليله.
و (ثانيهما) في
المتعة ، ومستحقها هي المفوضة إذا طلقها قبل الدخول وقبل أن يفرض لها فريضة ،
والاعتبار فيها بحال الزوج في يساره وإعساره كما دلت عليه الآية (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ
قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ»
وعلى ذلك تدل الأخبار.
ومنها ما رواه في
الفقيه عن محمد بن الفضيل عن الكناني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف
مهرها ، وإن لم يكن سمى لها مهرا فمتاع بالمعروف على الموسع قدره وعلى المقتر قدره»
الحديث.
وما رواه في
الكافي عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها ـ إلى أن قال ـ وإن
لم يكن فرض لها شيئا فليمتعها على مثل ما تمتع به مثلها من النساء».
وما رواه في
الكافي عن حفص بن البختري في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يطلق امرأته ، أيمتعها؟ قال : نعم أما يحب أن يكون من المحسنين ،
__________________
أما يحب أن يكون من المتقين».
وما رواه في
التهذيب عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن بعض أصحابنا عن أبي عبد
الله عليهالسلام «أن متعة المطلقة فريضة».
وما رواه في
الفقيه قال : وفي رواية البزنطي «أن متعة المطلقة فريضة».
وما رواه في
الفقيه عن ابن رئاب عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «متعة النساء واجبة ، دخل بها أو لم يدخل ، وتمتع
قبل أن تطلق».
وما رواه في
الكافي عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام «في قول الله عزوجل «وَلِلْمُطَلَّقاتِ
مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ»
قال : متاعها بعد ما تنقضي عدتها على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ، وكيف
يمتعها وهي في عدتها ترجوه ويرجوها ، ويحدث الله بينهما ما يشاء ، وقال : إذا كان
الرجل موسعا عليه يمتع امرأته بالعبد والأمة ، والمقتر يمتع بالحنطة والزبيب
والثوب والدراهم ، وإن الحسن ابن علي عليهماالسلام متع امرأة له بأمة ، ولم يطلق امرأة إلا متعها».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن أبي بصير قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام : أخبرني عن قول الله عزوجل «وَلِلْمُطَلَّقاتِ
مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ»
ما أدنى ذلك
المتاع إذا كان معسرا لا يجد؟ قال : خمار وشبهه».
__________________
قال في الفقيه : وروي أن الغني يمتع بدار أو خادم ، والوسط يمتع بثوب
، والفقير يمتع بدرهم أو خاتم ، وروي أن أدناه خمار وشبهه.
وما رواه في
التهذيب عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يريد أن يطلق امرأته قبل أن يدخل
بها ، قال : يمتعها قبل أن يطلقها فإن الله تعالى قال «وَمَتِّعُوهُنَّ
عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ»
.
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يطلق امرأته ، قال : يمتعها قبل
أن يطلق ، فإن الله تعالى يقول (وَمَتِّعُوهُنَّ
عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ)».
وما رواه في
كتاب قرب الاسناد عن ابن الوليد عن ابن بكير قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزوجل «وَمَتِّعُوهُنَّ
عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ»
ما قدر الموسع
والمقتر؟ قال : كان علي بن الحسين عليهالسلام يمتع بالراحلة».
وروى هذا الخبر
العياشي في تفسيره وزاد «يعني حملها الذي عليها». وظاهره أن المتعة إنما
هو الحمل لا أصل الراحلة ، فهو على حذف مضاف مثل وسأل القرية.
وفي كتاب
الفقيه الرضوي «كل من طلق امرأته من قبل أن يدخل بها
__________________
فلا عدة عليها منه ، فإن كان سمى لها صداقا فلها نصف الصداق ، فإن لم يكن
سمى لها صداقا فلا صداق لها ولكن يمتعها بشيء قل أم كثر على قدر يساره ، فالموسع
يمتع بخادم أو دابة ، والوسط بثوب ، والفقير بدرهم أو خاتم ، كما قال الله تبارك
وتعالى «وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ
قَدَرُهُ ، وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ».
وتمام الكلام
في المقام يتوقف على بيان أمور :
الأول : المفهوم
من ظاهر الآية وأكثر الأخبار هو انقسام حال الزوج إلى قسمين ، اليسار والإعسار ،
والمشهور في كلام الأصحاب زيادة قسم ثالث وهو المتوسط ، وعليه يدل كلام الرضا عليهالسلام في كتاب الفقيه الرضوي ، ومرسلة الصدوق المتقدمة ،
والظاهر أنها من الكتاب فإنها عين عبارته ، ولا ريب أنها منه حسب ما تقدم بيانه في
غير مقام ، سيما في كتب العبادات ، والظاهر كما استظهره في المسالك أن مرجع
الثلاثة الأقسام المذكورة إلى القسمين المذكورين ، لأن القسم الثالث الذي هو الوسط
بعض أفراده ما يلحق بالأعلى ، وبعضها ما يلحق بالأسفل ، فهو لا يخرج منهما ، ومن
ثم أنه عليهالسلام في كتاب الفقه بعد أن ذكر الأقسام الثلاثة استدل عليه
بالآية التي ظاهرها إنما هو التقسيم إلى قسمين ، وما ذاك إلا من حيث ما ذكرنا.
الثاني : قال
المحقق في النافع : فالغني يمتع بالثوب المرتفع وعشرة دنانير وأزيد ، واعترضه
السيد السند في شرحه بأنه لم يقف على مستنده ، قال : وزاد في الشرائع الدابة أيضا
، وهو كالذي قبله ، ثم قال : والأجود اتباع ما ورد به النقل ، وهو أن الغني يمتع
بالعبد أو الأمة أو الدار ، والفقير بالحنطة والزبيب والخاتم والثوب والدرهم فما
فوق.
أقول : الظاهر
أن ما ذكره في هذه الأخبار التي قدمناها من ذكر هذه الأشياء المعدودة إنما خرج
مخرج التمثيل لا الحصر ، وكلام الأصحاب في عد هذه الأشياء الغير المنصوصة إنما هو
بناء على ما ذكرناه ، ويشير إلى ذلك قول
الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي المذكور «يمتعها بشيء قل أم كثر على قدر يساره». ويؤيد
ذلك أيضا إطلاق الآية ، وأما ما ذكره ـ من أن المحقق في الشرائع ذكر الدابة وهي
غير موجودة في النصوص ـ فالجواب عن ذلك ما عرفت مع أنها مذكورة في كتاب الفقه
الرضوي فلعله وإن لم يقف على الكتاب المذكور إلا أنه تبع من عد الدابة لورودها في
هذا الكتاب كالشيخ علي بن بابويه والشيخ المفيد ونحوهم ، والمحقق تبعهم في عدها.
الثالث : الظاهر
أنه لا خلاف في وجوب المتعة هنا للآية والروايات المتقدمة ونحوها المشتملة على
الأمر بها الذي هو حقيقة في الوجوب وفي بعضها أنها فريضة ، وظاهر جملة من الأخبار
المتقدمة أنها قبل الطلاق كرواية أبي حمزة وصحيحة محمد بن مسلم ورواية زرارة المنقولة في الفقيه ، إلا أن رواية الحلبي المنقولة في الكافي صريحة في أن المتعة إنما هي بعد أن
تنقضي عدتها معللا ذلك بأنها في العدة ترجوه ويرجوها ، والجمع بين هذه الأخبار لا
يخلو من إشكال ، ولا يحضرني الآن وجه يعتمد عليه في ذلك ، هذا على تقدير ما دلت
عليه الأخبار من ثبوت المتعة للمدخول بها ، وأما على ما ذكره الأصحاب من تخصيصها
بغير المدخول بها فالظاهر أنها قبل الطلاق ، كما هو ظاهر هذه الأخبار ، ولم أقف
على من ذكر هذا الحكم من الأصحاب ، بل ظاهرهم وجوب دفع ذلك وإن كان بعد الطلاق ،
ولعل مستندهم الإطلاق في أكثر الأخبار ، إلا أن مقتضى القاعدة بعد ورود هذه
__________________
الأخبار بالتقييد هو حمل المطلق على المقيد.
الرابع : قد
عرفت مما قدمنا في صدر هذه المسألة أن مستحق المتعة هي المطلقة على الوجه المتقدم
، فلو حصلت البينونة بينهما بغيره من فسخ أو موت أو لعان أو غير ذلك من قبله أو من
قبلها أو منهما فلا مهر ولا متعة للأصل ، وهذا هو المشهور ، وقوى الشيخ في المبسوط
ثبوتها بما يقع من قبله من طلاق أو فسخ أو من قبلهما ، دون ما كان من قبلها خاصة ،
وقوى في المختلف وجوبها في الجميع.
قال في المبسوط
: الفراق أربعة أضرب : إما أن يكون من جهته بطلاق أو لعان أو ردة أو إسلام ، فإن
كان بالطلاق فلها المتعة لعموم الآية ، وإن كان باللعان أو بالارتداد أو الإسلام
قال قوم : تجب المتعة ، لأن الفراق من قبله ، وهو الذي يقوى في نفسي ، ولو قلنا لا
يلزمه متعة ـ لأنه لا دليل عليه ـ لكان قويا.
وإما من جهتها
بارتداد أو إسلام أو بعتق تحت عبد فتختار نفسها ، أو تجد به عيبا فتفسخ ، أو يجد بها
عيبا فإنه وإن كان الفاسخ هو ، فهي المدلسة ، فالكل من جهتها ، ولا متعة في ذلك
كله ، فأما امرأة العنين فلو شاءت أقامت معه ، وقال قوم : لها متعة ، وقال آخرون :
لا متعة لها وهو الصحيح.
وأما إن جاءت
الفرقة من جهتهما معا كالخلع وهو كالطلاق يجب المتعة.
وأما من جهة
أجنبي بأن ترضعها امه فهو كالخلع المغلب فيه حكم الزوج ، لأنه يعود إليه بها قبل
الدخول نصف المهر ، فكأنه طلقها هو ، فعليه المتعة.
قال في المختلف
ـ بعد نقل ذلك عنه ـ وهذا الكلام يدل على تردده في إيجاب المتعة باللعان وشبهه ،
والوجه عندي الوجوب ، وكذا في زوجة العنين لما تقدم في الأول ، ولوجوب نصف المهر
في الثاني ، انتهى.
والشيخ في
الخلاف قد وافق القول المشهور ، فقال : كل فرقة تحصل بين الزوجين سواء كان من قبله
أو من قبلها أو من قبل أجنبي أو من قبلهما فلا يجب بها المتعة إلا الطلاق فحسب ،
وبه قال ابن إدريس وجل من تأخر عنه وهو
الأظهر ، لدلالة الآية والأخبار المتقدمة ، على أن ذلك في الطلاق مع تأيدها
بالأصل ، وحمل غيره عليه بمجرد المشابهة قياس لا يوافق أصول المذهب.
الخامس : الظاهر
من كلام الأصحاب هو اختصاص المتعة بغير المدخول بها كما قدمناه في عنوان المسألة ،
وعليه تدل أكثر أخبار المسألة المتقدمة ، إلا أن جملة من الأخبار قد دلت على
ثبوتها للمدخول بها أيضا كرواية زرارة وقوله فيها «متعة النساء واجبة دخل بها أو لم يدخل» ، ورواية
الحلبي لقوله فيها «متاعها بعد ما تنقضي عدتها ، إلى أن قال :
وكيف يمتعها وهي في عدة ترجوه ويرجوها». فإنه ظاهر في المدخول بها إذ لا عدة على
غير المدخول بها إجماعا نصا وفتوى ، وصحيحة الحلبي قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة فدخل بها ولم يفرض لها
مهرا ثم طلقها ، فقال : لها مهر مثل مهور نسائها ويمتعها». وهي صريحة في مجامعة
المتعة للمهر.
والشيخ قد حمل
هذه الأخبار على الاستحباب ، وتبعه الجماعة ، ولا يخفى بعد سيما مع قوله في رواية
زرارة «واجبة دخل بها أو لم يدخل» والمسألة لا تخلو من توقف وإشكال والاحتياط فيها
مطلوب على كل حال.
السادس : لا
إشكال في صحة التفويض من البالغة الرشيدة الغير المولى عليها ، لأن الحق في ذلك
لها ، وأمر نكاحها بيدها ، تختار ما تريد من الوجوه الصحيحة ، ومنها التفويض وإنما
الكلام في المولى عليها بجميع أنواعها ، فهل للولي أن يزوجها مفوضة أم لا؟ قولان :
(أحدهما) صحة التفويض كغيرها ، فعلى هذا ليس لها بعد الطلاق وقبل الفرض أو الدخول
إلا المتعة.
__________________
و (الثاني) صحة
العقد ، وأن الثابت لها مهر المثل بمجرد العقد ولا تفويض ، وعلى هذا فبالطلاق
ينتصف المهر.
وأنت خبير بأن
إطلاق الأخبار المتقدمة الواردة في التفويض شامل للتفويض من الزوجة والولي ، مثل
قولهم في تلك الأخبار «رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا» ونحو ذلك من العبارات ،
وحينئذ فإذا صح التفويض من الولي كما هو أحد القولين المذكورين ترتب عليه أحكام
التفويض ، والقائل بوجوب مهر المثل هنا إنما علله بأن تصرف الولي منوط بمهر المثل
وثمن المثل ، لأن النكاح يلحق بالمعاوضات فيجب مراعاة عوض البضع ، فإذا فرض دون
مهر المثل وقع فاسدا ، فوجب مهر المثل كما لو فسد المهر بغيره.
وفيه أنك قد
عرفت ما في قياس النكاح على المعاوضات ، وأنه متى كانت الأخبار شاملة لهذا الفرد ،
فالتفصيل الذي اشتملت عليه ـ بأنه إن دخل بها فلها مهر المثل أو فرض لها فرضا فهو
ما فرضه ، وإلا فالمتعة إن وقع الطلاق بدون أحد الأمرين ـ جار فيه. والله العالم
بأحكامه ونوابه القائمون بمعالم حلاله وحرامه.
المطلب
الثاني : في تفويض
المهر ، وهو كما تقدمت الإشارة إليه أن يذكر في العقد مجملا ، ويفوض تعيينه إلى
أحد الزوجين ولا خلاف بين أصحابنا في جوازه ، وأخبارهم دالة عليه ، وإنما خالف فيه
العامة ، فحكموا بأن المهر الواقع على هذه الكيفية فاسد ، فيكون الكلام فيه على
قياس المهر الفاسد من من الرجوع إلى مهر المثل.
وتحقيق الكلام
في هذه المطلب يتوقف على نقل الأخبار الواردة في المقام ، ثم الكلام فيما دلت عليه
من الأحكام.
فمنها ما رواه في
الكافي والتهذيب في الحسن عن الحسن بن زرارة عن
__________________
أبيه قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن رجل تزوج امرأة على حكمها ، قال : لا تجاوز بحكمها
مهر نساء آل محمد صلىاللهعليهوآله اثنتي عشرة أوقية ونش ، وهو وزن خمسمائة درهم من الفضة
، قلت : أرأيت إن تزوجها على حكمه ورضيت بذلك ، فقال : ما حكم به من شيء فهي جائز
عليهما قليلا كان أو كثيرا ، قال : فقلت له : كيف لم تجز حكمها عليه وأجزت حكمه
عليها؟ قال : فقال : لأنه حكمها فلم يكن لها أن تجوز ما سن رسول الله صلىاللهعليهوآله وتزوج عليه نساءه فرددتها إلى السنة ، ولأنها هي حكمته
وجعلت الأمر إليه في المهر ورضيت بحكمه في ذلك فعليها أن تقبل حكمه قليلا كان أو
كثيرا».
قال بعض
مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين بعد ذكر هذا الخبر : الحكم إجماعي والتفصيل
والفرق غير واضح ، ولعله يرجع إلى أنه لما حكمها فلو لم يقدر لها حد فيمكن أن تجحف
وتحكم بما لا يطيق ، فلذا حد لها ، ولما كان خير الحدود ما حده رسول الله صلىاللهعليهوآله جعل ذلك حده ، انتهى.
ومنها ما رواه المشايخ
الثلاثة عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليهالسلام «في رجل تزوج امرأة على حكمها أو على حكمه فمات أو ماتت قبل أن يدخل بها ،
قال : لها المتعة والميراث ، ولا مهر لها ، قلت : فإن طلقها وقد تزوجها على حكمها؟
قال : إذا طلقها وقد تزوجها على حكمها لم يتجاوز بحكمها عليه أكثير من وزن خمسمائة
درهم فضة مهور نساء رسول الله صلىاللهعليهوآله قوله «أكثر من وزن خمسمائة درهم». هكذا في الكافي
والفقيه ، وفي التهذيبين «لم يتجاوز بحكمها على خمسمائة درهم» وهو الصواب.
وما رواه في من
لا يحضره الفقيه عن صفوان بن يحيى في الصحيح عن أبي جعفر
__________________
ـ يعني الأحوال ـ قال : «قلت لأبي بعد الله عليهالسلام : رجل تزوج امرأة بحكمها ثم مات قبل أن تحكم ، قال :
ليس لها صداق وهي ترث».
ورواه في
الفقيه أيضا عن البزنطي عن عبد الكريم بن عمرو عن محمد بن مسلم
عن أبي جعفر عليهالسلام.
وما رواه في
التهذيب عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يفوض إليه صداق امرأته ، فينقص عن صداق نسائها
، قال : يلحق بمهر نسائها». وحمله الشيخ في كتابي الأخبار على ما إذا فوض إليه على
أن يجعله مثل مهر نسائها.
قال في الوافي
: وبعده لا يخفى ، والصواب حمله على ما هو الأولى وإن لم يلزمه أكثر مما أوفي.
انتهى وهو جيد.
إذا عرفت ذلك
فالكلام هنا يقع في مواضع :
الأول : الظاهر
من الأخبار المذكورة هو اختصاص تفويض تقدير المهر بأحد الزوجين ، وهو المتفق عليه
، وقيل بجواز التفويض إليهما معا ، واختاره في المسالك. وقيل بجوازه إلى أجنبي
ورده في المسالك ، قال ـ رحمهالله ـ في الكتاب المذكور : ويفوض تقديره إلى أحد الزوجين ،
وعليه اقتصر المصنف أو إليهما معا ولا إشكال في جوازه أيضا ، وألحق بعضهم جعله
للأجنبي غيرهما ، لأنه وإن لم يكن منصوصا بخصوصه ، إلا أنه في معنى التوكيل وقد
تراضيا عليه ، ولعموم قوله صلىاللهعليهوآله «المؤمنون عند شروطهم». ووجه المنع أن المهر حق يتعلق بالزوجين فلا يتعدى
إلى غيرهما بغير إذن شرعي وهذا أجود ، انتهى.
وفيه أن ما
أورده على هذا القول وارد عليه فيما ذهب إليه من جعل الاختيار إليهما معا مع أن
الوارد في النصوص إنما هو التفويض إلى أحدهما ،
__________________
فالخروج عنه إلى كل من الفردين الآخرين يكون بغير إذن شرعي ، وهو قد منع من
التعدي إلا بإذن شرعي بل يمكن أن يدعى أن المنع هنا أظهر منه في الأجنبي ، لأن
التفويض إليهما معا مظنة النزاع والاختلاف ، ثم إنه قال في المسالك بناء على ما
اختاره من التفويض إليهما معا وتفويضه إلى الزوجين معا يتوقف على اتفاقهما معا
عليه كاتفاقهما على فرضه في القسم الأول ، فإن اختلفا قال الشيخ في المبسوط : وقف
حتى يصطلحا. وتبعه العلامة ، ولم يذكروا الرجوع هنا إلى الحاكم ، ولو قيل به كان
حسنا ، لوجود المقتضي فيهما مع اشتراكهما في عدم النص على الخصوص ، انتهى.
أقول : هذا ما
أشرنا إليه آنفا من مفسدات هذا القول ، فإنه لو لم يتفقا بالكلية يلزم الحرج
والعسر المنفيين بالآية والرواية ، وكلما أدى إليهما يكون باطلا ، وما اختاره من
الرجوع إلى الحاكم بمجرد تخرج لا دليل عليه ، نعم لو كان أصل الحكم مما ثبت
بالدليل فلا بأس بما ذكره إلا أن الأصل غير ثابت كما اعترف به. وبالجملة فالأظهر
هو الوقوف على مورد النصوص.
الثاني : المفهوم
من الأخبار المذكورة أن المهر متى فوض تقديره إلى الزوج كان له الحكم بما شاء من
قليل أو كثير ، فلا تقدير له في طرف الكثرة ، ومتى فوض إلى الزوجة لم يتقدر في طرف
القلة ، ويتقدر في طرف الكثرة بمهر السنة ، فلا يمضي حكمها فيما زاد عليه ،
والظاهر أنه لا خلاف فيه بين الأصحاب أيضا ، إذا لم ينقل في المسألة خلاف فيما
أعلم ، ويظهر من السيد السند في شرح النافع المناقشة في الدليل حيث إنه استدل على
الحكم المذكور برواية الحسن بن زرارة ، ثم طعن فيها من حيث السند باشتماله على
الحسن بن زرارة وهو مجهول ، وأن ما تضمنه من تعليل الفرق غير واضح ، فإنه فرق بنفس
الدعوى.
وفيه أن الحسن
بن زرارة وإن لم يذكر في كتب الرجال كما ذكره إلا أن مدح الصادق عليهالسلام له ولأخيه الحسين في الحديث الصحيح الذي ورد في حق
أبيه كما رواه الكشي مما يوجب عد حديثه في الحسن ، حيث قال عليهالسلام : ولقد أدى إلى ابناك الحسن والحسين رسالتك أحاطهما
الله وكلأهما ورعاهما وحفظهما بصلاح أبيهما. إلى آخره ، ولذا قال شيخنا المجلسي في
رسالته الوجيزة في الرجال إنه مهمل على المشهور ، ممدوح على الظاهر.
وأما الطعن في
المتن بما ذكره من عدم وضوح الفرق ، فغير مضر بالمقصود من الاستدلال بالخبر.
الثالث : قد ذكر الأصحاب أنه لو طلقها قبل الدخول وقبل الحكم ألزم من إليه الحكم
أن يحكم ، وكان لها النصف مما حكم به ، ولو كانت الحاكمة هي المرأة وحكمت بما يزيد
على مهر السنة ، فالواجب هو نصف مهر السنة لما تقدم من بطلان ما زاد عليه ، ولو
كان الحكم بعد الدخول فالواجب هو جميع ما يحكم به الحاكم لأنه مقتضى العقد ، وقد
استقر بالدخول ولا موجب لتنصيفه.
ويشير إلى هذه
الصورة قوله عليهالسلام
في صحيحة محمد
بن مسلم المتقدمة «فإن طلقها ، وقد تزوجها على حكمها لم تتجاوز بحكمها على خمسمائة
درهم» الحديث. والرواية وإن كان موردها كون الحاكم هو المرأة إلا أنه لا قائل
بالفرق ، والأصل بقاء الحكم حتى يحكم الحاكم أيهما كان ، والحكم بالتنصيف بالطلاق
وإن لم يتضمنه هنا روايات المسألة إلا أنه مستفاد من أدلة أخرى.
الرابع : اختلف الأصحاب فيما لو مات الحاكم قبل الحكم وقبل الدخول ، فالمشهور
بينهم ومنهم الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة والصدوق في المقنع والعلامة
في المختلف وولده في الشرح والشهيد في شرح الإرشاد أن لها المتعة وعلى هذا القول
تدل صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة ، وربما قيل : إن الرواية غير صريحة الدلالة على
المطلوب لأن قوله «فمات أو ماتت» محتمل لكون الميت هو الحاكم ، أو كونه المحكوم
عليه ، ومع قيام الاحتمال يبطل الاستدلال.
ورد بأنه لا
ريب أن الظاهر منها كون الميت هو الحاكم ، لأنه الأقرب
والمحدث عنه ، ولأنه عليهالسلام في آخر الحديث ذكر أن الحكم لا يسقط بالطلاق مع بقاء
الحاكم ، وإذا لم يسقط بالطلاق لم يسقط بالموت بطريق أولى.
قال في المسالك
في الجواب عن الاحتمال المذكور : لأنا نقول : لفظها وإن احتمل ذلك بمجرده إلا أن
فيها ما ينفي كون الميت المحكوم عليه ، لأنه ذكر فيها أن المحكوم عليه لو مات قبل
الحكم لا يبطل الحكم ، ويحكم الحاكم بعد ذلك ، ويثبت ما يحكم به ، وإذا كان الطلاق
لا يسقط الحق مع بقاء الحاكم فلأن لا يسقط مع موت أحدهما مع بقائه أولى ، ووجه
الأولوية بقاء حكم الزوجية بالموت دون الطلاق ، ولا يضر اختلاف الحق حيث إنه هنا
المتعة ، وهناك المهر المحكوم به ، لاشتراكهما في أصل الاستحقاق ، وإن فرق النص
بينهما في المقدار ، وأيضا فموت المحكوم عليه خارج بالإجماع ، على أنه لا أثر له
في وجوب المتعة ، فيبقى الآخر. انتهى المقصود من كلامه ، وفيه زيادة في إيضاح
الحكم على ما نقلناه.
وذهب العلامة
في القواعد إلى ثبوت مهر المثل ، وعلله بأنه هو قيمة البضع حيث لم يتعين غيره ،
وبأن المهر مذكور ، غايته أنه مجهول ، فإذا تعذرت معرفته وجب الرجوع إلى مهر
المثل.
ورد الأول بأن
الزوج لم يتحقق منه الدخول ليثبت عليه عوض البضع ، والثاني بأنه نفس المدعى ، فكيف
يجعل دليلا عليه مع أنهما معارضان بالنص الصحيح المتقدم.
قال السيد
السند في شرح النافع : وحكى الشيخ في المبسوط في هذه المسألة قولا بلزوم مهر المثل
وقواه ، واختاره العلامة في القواعد واستدل له ثم ذكر الدليل المتقدم.
أقول : إن كتاب
المبسوط لا يحضرني الآن ، ولكن الذي نقله العلامة عن المبسوط لا يساعد ما ذكره ،
بل هو على خلافه ، حيث نقل عنه إنه قال : لو مات
أحدهما فقولان : أحدهما أن لها مهر مثلها ، والثاني لا مهر لها ، وهو
الصحيح عندنا ، وفيه خلاف ، هذه صورة ما نقله في المختلف عنه ، ومع ذلك فإن الشهيد
الثاني في المسالك بعد أن نقل عن المختلف ما ذكرناه ، وكذا عن الشهيد في شرح
الإرشاد ، اعترضهما بأن في هذا النقل نظرا لأن الشيخ إنما ذكر هذه العبارة والخلاف
المذكور في مفوضة البضع ، وأما مفوضة المهر فلم يذكر حكم موت الحاكم فيها أصلا.
وذهب ابن إدريس
إلى عدم ثبوت شيء مع موت الحاكم قبل الحاكم قال : لو مات الحاكم قبل الدخول وقبل
الحكم لم يثبت للزوجة مهر ولا متعة كمفوضة البضع ، لأن مهر المثل ، إنما يجب
بالدخول ، والمتعة إنما تجب بالطلاق ، والأصل براءة الذمة : وإلحاق الموت بالطلاق
قياس ، وإلى هذا القول ذهب الشيخ في الخلاف وابن الجنيد أيضا ، والخبر الصحيح حجة
على من عدا ابن إدريس ، فإنه بمقتضى أصوله الغير الأصيلة لا يلزمه القول به ،
والله العالم.
البحث
الثالث : في اللواحق وفيه
مسائل :
الاولى : المشهور بين الأصحاب أن المهر كلا أو بعضا لا يسقط بالدخول لو لم تقبضه
بل يكون دينا عليه ، طالت المدة أم قصرت ، طالبت أم لم تطالب ، ويدل عليه ظاهر
قوله عزوجل «وَآتُوا النِّساءَ
صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» .
ومن الأخبار
الدالة على ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : «قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يتزوج المرأة على الصداق المعلوم ، فيدخل بها
قبل أن يعطيها؟ فقال : يقدم إليها ما قل أو كثر إلا أن يكون له وفاء من عرض إن حدث
به حدث ادي عنه فلا بأس».
__________________
وعن عبد الحميد
بن عواض في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يتزوج المرأة فلا يكون عنده ما يعطيها فيدخل
بها؟ قال : لا بأس إنما هو دين عليه لها».
وعن غياث بن
إبراهيم عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يتزوج بعاجل وآجل؟ قال : الأجل إلى موت أو فرقة».
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن عبد الحميد الطائي قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أتزوج المرأة وأدخل بها ولا أعطيها شيئا؟ قال : نعم
يكون دينا عليك».
ورواه الكليني في الحسن عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن عبد الحميد.
وعن عبد الحميد
بن عواض في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : المرأة أتزوجها أيصلح أن أواقعها ولم أنقدها من مهرها
شيئا؟ قال : نعم إنما هو دين عليك».
ورواه الكليني أيضا مثله.
وعن عمرو بن
خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهالسلام «أن امرأة أتته ورجل قد تزوجها ودخل بها وسمى لها مهرا وسمى لمهرها أجلا ،
فقال له علي عليهالسلام : لا أجل لك في مهرها إذا دخلت بها فأد إليها حقها» .
__________________
وعن عبد الخالق
قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يتزوج المرأة فيدخل بها قبل أن يعطيها شيئا ،
قال : هو دين عليه».
ومما يؤيد ذلك
تأييدا ظاهرا جملة من الروايات الدالة على أن من لم ينو إعطاء المهر فهو زان ، ولا
فرق بين عدم نيته سابقا أو لاحقا.
ومنها ما رواه في
الكافي عن الفضيل بن يسار في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يتزوج المرأة ، ولا يجعل في نفسه أن يعطيها مهرها فهو زان».
وعن حماد بن
عثمان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «من تزوج امرأة ولا يجعل في نفسه أن يعطيها مهرها
فهو زنا».
وعن السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إن الله ليغفر كل ذنب يوم القيامة إلا مهر امرأة ،
ومن غصب أجيرا أجرته ، ومن باع حرا».
وما رواه الصدوق
في الفقيه مرسلا قال : «قال الصادق عليهالسلام من تزوج امرأة ولم ينو أن يوفيها صداقها فهو عند الله
زان».
«قال وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : إن أحق الشروط أن يوفي به ما استحللتم به الفروج».
وروى في حديث
المناهي عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عليهالسلام عن آبائه عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «من ظلم امرأة مهرها فهو عند الله
__________________
زان ، يقول الله عزوجل يوم القيامة : عبدي زوجتك أمتي على عهدي فلم توف بعهدي
وظلمت أمتي ، فيؤخذ من حسناته فيدفع إليها بقدر حقها ، فإذا لم تبق له حسنة أمر به
إلى النار ، بنكثه العهد إن العهد كان مسؤولا».
وروى الراوندي
في كتاب النوادر عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهمالسلام قال : «قال علي عليهالسلام ـ في قوله تعالى «وَآتُوا النِّساءَ
صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» ـ : أعطوهن الصداق الذي استحللتم به فروجهن ، فمن ظلم
المرأة صداقها الذي استحل به فرجها فقد استباح فرجها زنا».
وما رواه الصدوق
في كتابي العلل والعيون عن الرضا عليهالسلام في علل محمد بن سنان أنه كتب إليه أن «علة المهر ووجوبه
على الرجال ، ولا يجب على النساء أن يعطين أزواجهن؟ قال : لأن على الرجال مؤنة
المرأة وهي بائعة نفسها ، والرجل مشتر ، ولا يكون البيع بلا ثمن ، ولا الشراء بغير
إعطاء الثمن».
والتقريب في
هذه الأخبار الأخيرة أن المرأة متى جاءت تطلب مهرها الذي وقع عليه العقد كلا أو
بعضا ومنعها إياه من أجل رضاها بالدخول أو جبرها عليه ، فقد دخل تحت مصداق هذه
الأخبار ، إذ النواقل الشرعية محصورة ، وليس مجرد الدخول بالمرأة منها ، والأصل
بقاء الحق الثابت أولا حتى يظهر ما يوجب البراءة منه.
ونقل الشيخ في
التهذيب عن بعض أصحابنا أنه إذا دخل بها هدم الصداق ، وعليه تدل جملة من الأخبار
أيضا.
ومنها ما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح عن الفضيل عن أبي جعفر عليهالسلام
__________________
«في رجل تزوج امرأة ودخل بها ثم أولدها ثم مات عنها فادعت شيئا من صداقها
على ورثة زوجها ، فجاءت تطلبه منهم وتطلب الميراث ، فقال : أما الميراث فلها أن
تطلبه ، وأما الصداق فالذي أخذت من الزوج قبل أن يدخل بها ، فهو الذي حل للزوج به
فرجها قليلا كان أو كثيرا إذا هي قبضته منه وقبلت ودخلت عليه به ، ولا شيء لها
بعد ذلك».
وما رواه في
الكافي عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح قال : «سألت أبا عبد
الله عليهالسلام عن الزوج والمرأة يهلكان جميعا فيأتي ورثة المرأة
فيدعون على ورثة الرجل الصداق ، فقال : وقد هلكا وقسم الميراث؟ فقلت : نعم ، فقال
ليس لهم شيء ، فقلت : وإن كانت المرأة حية فجاءت بعد موت زوجها تدعي صداقها؟ فقال
: لا شيء لها وقد أقامت معه مقرة حتى هلك زوجها ، فقلت : فإن ماتت وهو حي فجاءت
ورثتها يطالبونه بصداقها؟ فقال : وقد أقامت معه حتى ماتت لا تطلبه؟ فقلت : نعم ،
فقال : لا شيء لهم ، قلت : فإن طلقها فجاءت تطلب صداقها؟ قال : وقد أقامت لا
تطلبه حتى طلقها لا شيء لها ، قلت : فمتى حد ذلك الذي إذا طلبته كان لها؟ قال :
إذا أهديت إليه ودخلت بيته ثم طلبت بعد ذلك فلا شيء لها ، إنه كثير لها أن تستحلف
بالله مالها قبله من صداقها قليل ولا كثير».
وعن محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام «في الرجل يتزوج المرأة ويدخل بها ثم تدعي عليه مهرها ، فقال : إذا دخل بها
فقد هدم العاجل».
وعن عبيد بن
زرارة في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يدخل
__________________
بالمرأة ثم تدعي عليه مهرها ، فقال : إذا دخل بها فقد هدم العاجل».
وما رواه في
التهذيب عن الحسن بن علي بن كيسان قال : «كتبت إلى الصادق عليهالسلام أسأله عن رجل يطلق امرأته وطلبت منه المهر ، وروى
أصحابنا أنه إذا دخل بها لم يكن لها مهر ، فكتب : لا مهر لها».
وعن المفضل بن
عمر قال : «دخلت على أبي عبد الله عليهالسلام فقلت له : أخبرني مهر المرأة الذي لا يجوز للمؤمنين أن
يجوزوه ، قال : فقال : السنة المحمدية خمسمائة درهم فمن زاد على ذلك رد إلى السنة
ولا شيء عليه أكثر من الخمسمائة درهم ، فإن أعطاها من الخمسمائة درهم درهما أو
أكثر من ذلك ثم دخل بها فلا شيء عليه ، قال : قلت : فإن طلقها بعد ما دخل بها؟
قال : لا شيء لها ، إنما كان شرطها خمسمائة درهم ، فلما أن دخل بها قبل أن تستوفي
صداقها هدم الصداق ، فلا شيء لها ، إنما لها ما أخذت من قبل أن يدخل بها ، فإذا
طلبت بعد ذلك في حياة منه أو بعد موته فلا شيء لها».
وأنت خبير بأن
هذه الأخبار على كثرتها وصحة جملة منها لم أقف على قائل بما دلت عليه غير ذلك
البعض الذي نقل عنه الشيخ ، وإلا فالشيخ ومن تأخر عنه كلهم قد صرحوا بخلاف ما دلت
عليه ، وارتكبوا التأويل فيها ، وهو لما عرفت من وضوح أدلة القول المشهور
وموافقتها لأصول المذهب ، ومخالفة هذه.
والشيخ حمل هذه
الأخبار تارة على أنه ليس لها شيء بمجرد الدعوى من دون بينة كما يدل عليه خبر
الحسن بن زياد عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا دخل الرجل بامرأته ثم ادعت المهر ، وقال
الزوج : قد أعطيتك ، فعليها البينة
__________________
وعليه اليمين».
قال : ولو كان
الأمر على ما ذهب إليه بعض أصحابنا من أنه إذا دخل بها هدم الصداق لم يكن لقوله عليهالسلام «عليها البينة وعليه اليمين» معنى ، لأن الدخول قد أسقط الحق ، فلا وجه
لإقامة البينة ولا اليمين.
وتارة على ما
إذا لم يسم لها مهرا ، وقد ساق إليها شيئا كما نبه عليه خبر الفضيل .
وقد اعترضه
شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بالنسبة إلى الوجه الأول بعد أن نقل عنه الجمع بين
الأخبار به فقال : وفي هذا الحمل نظر ، لأن الخصم يستند إلى تلك الأخبار ، وهي
صريحة في إسقاط الدخول ، ولا يضره هذا الخبر لأنها أصح منه سندا مع أن في الخبر مع
تسليم سنده إشكالا من حيث إن المهر إذا تعين في ذمة الزوج ، فهو المدعي للايفاء ،
وهي المنكرة ، فيكون البينة عليه لا عليها ، نعم لو كان النزاع في التسمية وعدمها
مع عدم الدخول أمكن توجيه ذلك ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى ، انتهى.
وأما التأويل
الثاني فاعترضه فيه المحدث الكاشاني بأنه ليس في خبر الفضيل ما يدل على عدم
التسمية ، بل فيه ما يشير إلى التسمية ، انتهى.
أقول : لا يخفى
أن الخبر غير صريح ولا ظاهر في شيء من الأمرين ، ومع تسليم ظهوره فيما ذكره فهو
لا ينافي ارتكاب التأويل فيه بما ذكره الشيخ ـ رحمة الله عليه ـ إذ التأويل إنما
هو على خلاف الظاهر.
ثم إن المحدث
المذكور قال : ويخطر بالبال أن يحمل مطلق هذه الأخبار على مقيدها ـ أعني يحمل سقوط
مطلق الصداق على سقوط العاجل منه ـ فإنهم كانوا يومئذ يجعلون بعض الصداق عاجلا
وبعضه آجلا ، كما مر التنبيه عليه في
__________________
بعض ألفاظ خطب النكاح ، وكان معنى العاجل ما كان دخوله بها مشروطا على
إعطائه إياها ، فإذا دخل بها قبل الإعطاء فكأن المرأة أسقطت عنه حقها العاجل ورضيت
بتركه ، ولا سيما إذا كانت قد أخذت بعضه أو شيئا آخر كما دل عليه حديث الفضيل ، وأما الآجل فلما جعلته حين العقد دينا عليه فلا يسقط
إلا بالأداء ، وعليه تحمل أخبار أول الباب. انتهى ، وأشار بأخبار أول الباب إلى
أخبار القول المشهور.
أقول : ما ذكره
من الحمل وإن كان وجيها في حد ذاته ، وعليه يدل خبر غياث بن إبراهيم المتقدم ، إلا أن فيه أن خبر الفضيل ظاهر بل صريح في
خلافه ، فإنه ظاهر كالصريح في أن المهر وهو خمسمائة درهم إنما هي عاجلة لا تأجيل
فيها ، وأنها متى قبضت منها ولو درهما واحدا أو دخلت عليه سقط الباقي بمجرد دخوله
بها ، وكذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج فإنه عليهالسلام قد قرر فيها ضابطة كلية ، وهي أنه متى عقد على مهر ثم
دخلت عليه فليس لها المطالبة ، وإما لها المطالبة قبل الدخول ، والذي يقرب في
الفكر العليل أن يقال : إن هذه الأخبار قد خرجت على نوعين :
(أحدهما) إن
الدخول يهدم العاجل مثل رواية محمد بن مسلم ورواية عبيد بن زرارة وهذه الأخبار ظاهرة في أن المهر آجل وعاجل ، والمعنى
فيها
__________________
ما ذكره في الوافي وبه تشهد رواية غياث المتقدمة ، والأقرب عندي حملها على
التقية كما ذكره جملة من الأصحاب من تصريح جملة من العامة بذلك ، وأن العاجل عندهم
يهدم بالدخول ، وإلا فمجرد رضاها بالدخول بعد استقرار المهر في ذمته وإن اشترط
تقديمه على الدخول لا يوجب سقوطه بالدخول.
و (النوع
الثاني) سقوط المهر مطلقا بالدخول وإن لم يكن ثمة حال ولا مؤجل ، وهذه محل الاشكال
والداء العضال ، فإن بعضها وإن أمكن حمله على عدم التسمية كما احتمله الشيخ إلا أن
خبر الفضيل صريح في التسمية ، وعليه يحمل إطلاق باقي الأخبار إلا أن قوله في صحيحة
عبد الرحمن بن الحجاج «إنه كثير لها أن تستحلف بالله ما لها قبله من صداقها قليل ولا كثير». صريح
في عدم الهدم ، وإلا لم يكن لتحليفه على ذلك وجه ، ثم إنه بالنظر إلى إطلاق تلك
الأخبار وعدم التسمية فيها وقطع النظر عن رواية الفضيل ، وظاهر الأصحاب أن الحكم
فيها كما حملت عليه هذه الأخبار من أنه متى لم يسم مهرا وأعطاها شيئا ودخل بها مع
رضاها بذلك فإنها لا تستحق سواه ، وليس لها مطالبة بشيء.
وقال شيخنا
الشهيد الثاني : هذا القول هو المشهور بين الأصحاب خصوصا المتقدمين منهم ،
ولاشتهاره وافقهم ابن إدريس عليه مستندا إلى الإجماع والموافق
__________________
للأصول أنها إن رضيت به مهرا لم يكن لها غيره ، وإلا فلها مع الدخول مهر
المثل ويحسب ما وصل إليها منه إذا لم يكن على وجه التبرع ، انتهى.
أقول : ينبغي
أن تحمل الأخبار المذكورة على الرضاء به عن المهر ليحسم مادة الاشكال.
وإنما يبقى
الكلام في رواية المفضل ، ولعلها لقصورها سندا وعددا لا يعارض بها الأخبار
المذكورة سيما مع ما اشتملت عليه مما ظاهر الأصحاب على خلافه من عدم جواز الزيادة
على مهر السنة كما تقدم الكلام فيه ، فيجب إرجاعها إلى قائلها ، ولا يبعد حملها
على التقية أيضا ، واحتمل العلامة في المختلف هنا وجها آخر ، وهو أن العادة كانت
في الزمان السابق أن لا يدخل بالمرأة حتى يقدم المهر ، والأخبار المذكورة إنما
خرجت بهذا التقريب ، قال : بقي هنا شيء ، وهو أن تقول : قد كان في الزمن الأول لا
يدخل الرجل حتى يقدم المهر ، والعادة الآن بخلاف ذلك ، فلعل منشأ الحكم العادة
فنقول : إن كانت العادة في بعض الأزمان أو الأصقاع كالعادة القديمة كان الحكم ما
تقدم ، وإن كانت العادة كالعادة الآن كان القول قولها ، انتهى.
ومنه يظهر حمل
الأخبار المذكورة على ما جرت به العادة يومئذ من التقديم قبل الدخول ، فيكون القول
قول الزوج عملا بمقتضى العادة ، وظاهر شيخنا الشهيد الثاني ـ رحمهالله عليه ـ في المسالك التوقف في المسألة حيث اقتصر على نقل
الخلاف في المسألة ونقل بعض الروايات المتعلقة بها ولم يرجح شيئا في البين ، وسبطه
السيد السند قد اختار القول المشهور وأشار إلى بعض ما في أدلة خلافه من القصور ،
والمعتمد هو القول المشهور ، والله العالم.
تنبيه
قد عرفت مما
تقدم أن المشهور بين الأصحاب أنه لو لم يسم لها مهرا وقدم لها شيئا قبل الدخول كان
ذلك مهرها ، وأن ابن إدريس قد ادعى عليه الإجماع ، ولم نقف له عليه دليل من
الأخبار ، والشيخ قد حمل رواية الفضيل المتقدمة
على ذلك ، فقال : يدل على صحة التأويل قوله عليهالسلام في رواية الفضيل الذي أخذته قبل أن يدخل بها فهو الذي
حل له به فرجها ، وليس بعد ذلك شيء وأورد عليه أن سكوتها ورضاها بالدخول لا يدل
على رضاها به مهرا ، بل هو أعم منه ، والعام لا يدل على الخاص ، على أنه قد تقدم
في مفوضة البضع أن المستفاد من أخبارها أنها تستحق بالدخول مهر المثل ، وهذه من
جملة أفرادها.
وأما ما نقل عن
الشيخ المفيد من تعليل ذلك بأنها لو لم ترض به مهر لما مكنته من نفسها حتى تستوفي
تمامه أو توافقه على ذلك وتجعله دينا عليه في ذمته.
فرده في
المسالك بأن منعه ظاهر ، إذ لا يلزم من عدم رضاها عدم تمكينها لجواز اعتمادها في
ذلك على ما يلزم شرعا بالدخول وهو مهر المثل.
أقول : ومن ثم
إن المحقق في الشرائع قال هنا : قيل : إذا لم يسم لها مهرا وقدم لها شيئا ثم دخل
كان ذلك مهرها ، ولم يكن لها مطالبته بعد الدخول إلا أن تشارطه قبل الدخول ، على
أن المهر غيره ، وهو تعويل على تأويل رواية واستناد إلى قول المشهور. انتهى ، وهو
جيد ، وقد قدمنا أن الأظهر حمل رواية الفضيل على الرضاء بما قدمه مهر لئلا يلزم
مخالفتها للقواعد الشرعية ، والله العالم.
المسألة
الثانية : لا خلاف بين الأصحاب في أن الوطي الموجب للغسل موجب لاستقرار ملك جميع
المهر المسمى في العقد ، وإنما الخلاف في أنه هل يقوم غيره من مقدمات الوطي ـ كالخلوة
ونحوها مما يأتي ذكره ـ مقامه أم لا؟ الأشهر الأظهر الثاني ، وذهب جمع من
المتقدمين إلى أن الخلوة توجب المهر ظاهرا حيث لا يثبت شرعا عدم الدخول ، وأما
باطنا فلا يستقر المهر جميعه إلا بالدخول ، وأطلق الصدوق وجوبه بمجرد الخلوة ،
وأضاف ابن الجنيد إلى الجماع إنزال الماء بغير إيلاج ولمس العورة والنظر إليها
والقبلة متلذذا بذلك ، وإن لم يكن قد دخل ، ولا بأس بنقل جملة من عباراتهم فنقول :
قال الشيخ في
النهاية : ومتى خلا الرجل بامرأته وأرخى الستر ثم طلقها
وجب عليه المهر على ظاهر الحال ، وكان على الحاكم أن يحكم بذلك وإن لم يكن
بها ، إلا أنه لا يحل للمرأة أن تأخذ أكثر من نصف المهر.
وقال في الخلاف
: إذا طلقها بعد أن خلا بها وقبل أن يمسها اختلف الناس فيه على ثلاثة مذاهب ،
فذهبت طائفة إلى أن وجود هذه الخلوة وعدمها سواء ، وترجع عليه نصف الصداق ولا عدة
عليها ، وهو الظاهر من روايات أصحابنا ، وذهب طائفة إلى أن الخلوة يستقر بها
المسمى وتجب لها العدة ، وبه قال قوم من أصحابنا ، ونحوه قال في المبسوط.
وقال ابن
الجنيد : الذي يوجبه العقد من المهر المسمى النصف ، والذي يوجب النصف الثاني من
المهر بعد الذي وجب من العقد منه الوقاع أو ما قام مقامه من تسليم المرأة نفسها
لذلك ، فإن وقعت الخلوة بحيث لا مانع ظهر من علة ولا غيرها فالحكم بالأغلب يقع
بوجوب المهر من الحاكم ، ولا يحل للمرأة أخذه إذا علمت أنه لم يقع جماع ولا ما
يقوم مقام ذلك من إنزال الماء من غير إيلاج أو لمس عورة أو نظر إليها أو قبلة ،
فإن تلذذ بشيء من ذلك خصيا كان أو عنينا أو فحلا لزمه المهر.
وقال ابن أبي
العقيل : وقد اختلف الأخبار عنهم عليهمالسلام في الرجل يطلق المرأة قبل أن يجامعها وقد دخل بها ومس
كل شيء منها إلا أنه لم يصبها ، فروي عنهم في بعض الأخبار أنهم قالوا : إذا أغلق
الباب وأرخيت الستور وجب لها المهر كاملا ووجبت العدة. وفي بعض الأخبار أن لها نصف
المهر ولا عدة عليها ، وهذا أدل الخبرين بدلالة الكتاب وأشبه بقولهم ، لأن الله عزوجل يقول «وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ
فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ»
فأخبر أنه إذا طلقها قبل أن يجامعها أن لها نصف المهر.
وقد جاء عنهم عليهمالسلام ما يخص هذا في قضائهم في العنن أن الرجل إذا تزوج
__________________
المرأة فدخل بها فادعت المرأة أنه لم يصبها وخلا بها أجله الإمام سنة ،
فإذا مضت السنة ولم يصبها فرق بينهما وأعطيت نصف الصداق ولا عدة عليها منه ، وفي
هذا إبطال لرواية من روى عنهم عليهمالسلام أنه إذا أغلق الباب وأرخى الستور وجب المهر كاملا ،
وهذا العنين قد أغلق الباب وأرخى الستور وأقام معها سنة لا يجب عليه إلا نصف
الصداق ، والمسألتان واحدة لا فرق بينهما.
وابن البراج
وقطب الدين الكيدري وافقا الشيخ في النهاية.
وقال الصدوق في
المقنع : وإذا تزوج الرجل المرأة وأرخى الستور وأغلق الباب ثم أنكرا جميعا
المجامعة فلا يصدقان ، لأنها ترفع عن نفسها العدة ، ويرفع عن نفسه المهر.
وقال ابن حمزة
: وإذا دخل بها وأرخى الستر عليها وادعى الرجل أنه لم يواقعها وأمكنه إقامة البينة
وأقامها قبلت منه ، وإن لم يمكنه كان له أن يستحلفها ، فإن استحلفها وإلا لزمه
المهر.
أقول : والواجب
أولا نقل ما وصل إلينا من أخبار المسألة ثم الكلام في المقام بما رزق الله عزوجل فهمه منها ببركة أهل الذكر عليهمالسلام.
فمنها ما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل دخل بامرأته ، قال : إذا التقى الختانان وجب المهر والعدة».
وعن حفص بن
البختري في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا التقى الختانان وجب المهر والعدة والغسل».
وعن داود بن
سرحان في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا أولج فقد وجب الغسل والجلد والرجم ووجب
المهر».
__________________
وعن يونس بن
يعقوب في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل تزوج امرأة فأغلق بابا وأرخى سترا ولمس وقبل ثم طلقها
، أيوجب عليه الصداق؟ قال : لا يوجب الصداق إلا الوقاع».
وعن عبد الله
بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سأله أبي وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة فأدخلت
عليه فلم يمسها ولم يصل إليها حتى طلقها ، هل عليها عدة منه؟ فقال : إنما العدة من
الماء ، قيل له : وإن كان واقعها في الفرج ولم ينزل؟ قال : إذا أدخله وجب الغسل
والمهر والعدة».
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن يونس بن يعقوب في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سمعته يقول : لا يوجب المهر إلا الوقاع في الفرج».
وعن محمد بن
مسلم في الموثق قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام متى يجب المهر؟ قال : إذا دخل بها».
وعن حفص بن
البختري عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل دخل بامرأته ، قال : إذا التقى الختانان وجب المهر والعدة».
وعن يونس بن
يعقوب في الحسن أو الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل تزوج امرأة فأدخلت عليه فأغلق الباب وأرخى الستر
وقبل ولمس من غير أن يكون وصل إليها بعد ، ثم طلقها على تلك الحال ، قال : ليس
عليه إلا نصف المهر».
أقول : وهذه
الأخبار هي أدلة القول المشهور.
ويدل على القول
الآخر ما رواه في الكافي عن الحلبي في الصحيح أو
__________________
الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يطلق المرأة وقد مس كل شيء منها
إلا أنه لم يجامعها ، إلها عدة؟ فقال : ابتلى أبو جعفر عليهالسلام بذلك فقال له أبوه علي بن الحسين عليهالسلام : إذا أغلق بابا وأرخى سترا وجب المهر والعدة».
قال في الكافي
: قال ابن أبي عمير ، اختلف الحديث في أن لها المهر كملا ، وبعضهم قال : نصف المهر
، وإنما معنى ذلك أن الوالي إنما يحكم بالحكم الظاهر إذا أغلق الباب وأرخى الستر
وجب المهر ، وإنما هذا عليها إذا علمت أنه لم يمسها فليس لها فيما بينهما وبين
الله إلا نصف المهر.
وما رواه في
التهذيب عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إذا تزوج الرجل المرأة ثم خلا بها فأغلق عليها
بابا وأو أرخى سترا ثم طلقها فقد وجب عليه الصداق ، وخلاؤه بها دخول».
وعن السكوني عن جعفر عن أبيه ع أن عليا ع كان يقول : من أجاف من
الرجال على أهله بابا وأرخى سترا ثم طلقها فقد وجب عليه الصداق».
والشيخ حمل
هذين الخبرين على ما إذا كانا متهمين ، يعني يريد الرجل أن يدفع المهر عن نفسه ،
والمرأة أن تدفع العدة عن نفسها.
واستدل عليه
بما رواه في الكافي عن أبي بصير قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يتزوج المرأة فيرخي عليها وعليها الستر ويغلق
الباب ثم يطلقها ، فتسأل المرأة : هل أتاك؟ فتقول : ما أتاني ، ويسأل هو : هل
أتيتها؟ فيقول : لم آتها ، فقال : لا يصدقان ، وذلك أنها تريد أن تدفع العدة عن
نفسها ، ويريد هو أن يدفع المهر عن نفسه ، يعني إذا كانا متهمين». قال : ومتى كانا
صادقين أو كان هناك طريق
__________________
يمكن أن يعرف به صدقهما فلا يوجب المهر إلا المواقعة.
واستدل عليه
برواية زرارة الدالة على تنصيف المهر بالطلاق قبل الدخول ، ثم ذكر ما
نقله في الكافي عن ابن أبي عمير قال : وهذا وجه حسن ولا ينافي ما قدمناه ، لأنا
إنما أوجبنا نصف المهر مع العلم بعدم الدخول ومع التمكن من معرفة ذلك ، فإما مع
ارتفاع العلم وارتفاع التمكن فالقول ما قاله ابن أبي عمير ، انتهى.
ومنها ما رواه في
التهذيب عن محمد بن مسلم في الموثق عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن المهر متى يجب؟ قال : إذا أرخيت الستور
وأجيف الباب ، وقال : إني تزوجت امرأة في حياة أبي علي بن الحسين عليهالسلام وإن نفسي تاقت إليها ، فذهبت إليها فنهاني أبي فقال :
لا تفعل يا بني ، لا تأتها في هذه الساعة ، وإني أبيت إلا أن أفعل فلما دخلت عليها
قذفت إليها بكساء كان علي ، وكرهتها وذهبت لأخرج ، فنامت مولاة لها فأرخت وأجافت
الباب ، فقلت : مه ، وقد وجب الذي تريدين».
وعن أبي بصير قال : «تزوج أبو جعفر عليهالسلام امرأة فأغلق الباب ، فقال : افتحوا ولكم ما سألتم ، فلما فتحوا صالحهم».
وما رواه في
الكافي عن إسحاق بن عمار في الموثق عن أبي الحسن عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج المرأة فيدخل بها فيغلق
بابا ويرخي سترا عليها ويزعم أنه لم يمسها ، وتصدقه هي بذلك ، عليها عدة؟ قال : لا
، قلت : فإنه شيء دون شيء؟ قال : إن أخرج الماء اعتدت ، يعني إذا كانا مأمونين
صدقا».
وما رواه في
الصدوق عن كتاب العلل عن أبي عبيدة في الصحيح عن أبي عبد الله
__________________
عليهالسلام عن الرجل يتزوج المرأة البكر أو الثيب ويرخي عليه
وعليها الستر أو أغلق عليه وعليها الباب ، ثم يطلقها فتقول : لم يمسني ، ويقول هو
: لم أمسها ، قال : لا يصدقان ، فإنها تدفع عن نفسها العدة ويدفع عن نفسه المهر.
أقول : هذا ما
حضرني من أخبار المسألة ، والشيخ ـ رحمة الله عليه ـ فيما تقدم من كلامه قد جنح
إلى ما ذكره ابن أبي عمير في الجميع بين هذه الأخبار وهذه الأخبار ، وإلى هذا مال
السيد السند في شرح النافع حيث قال بعد نقل كلام ابن أبي عمير : واستحسن الشيخ ـ رحمة
الله ـ هذا الوجه من الجمع ، ولا بأس به ، انتهى.
ومرجعه إلى حمل
أخبار إرخاء الستر وإغلاق الباب على الكناية عن الدخول بها ، وأن الظاهر من هذا
العمل وقوع الدخول لوجوب التستر به عن الناس ، وحينئذ فترجع هذه الأخبار إلى
الأخبار الأولة الدالة على وجوب المهر كملا بالدخول ، ويخطر بخاطري القاصر وذهني
الفاتر بعد ما ذكروه بل الذي يظهر من هذه الروايات بعد التأمل في مضامينها
وعباراتها والنظر في مطاوي قرائنها وإشاراتها هو أن الموجب للمهر إنما هو إرخاء
الستر وإغلاق الباب من حيث هو ، لا من حيث إنه مظنة للوقاع ، وكاشف عن وقوعه ، بل
وإن علم عدم الوقاع فالواجب هو ذلك ، وينبهك على ذلك قوله عليهالسلام في رواية زرارة المتقدمة بعد أن حكم بوجوب الصداق بمجرد
إغلاق الباب وإرخاء الستر «خلاؤه بها دخول» بجعل مجرد خلائه بها دخولا ، والحمل
على أنه إنما حكم بذلك من حيث كونه مظنة للدخول ، خلاف الظاهر ، وأوضح منه في ذلك
أخبار تزويج الباقر عليهالسلام وقد تضمن خبر محمد بن مسلم أنه عليهالسلام بعد أن قذف عليها بالكساء ورآها كرهها فذهب ليخرج ،
فقامت مولاتها لما رأته عازما على الخروج وأرخت الستر وأجافت الباب ، فقال عليهالسلام : «قد وجب الذي تريدين» يعني المهر كملا ، ومن الظاهر
أنه لم يجامعها كما يدل عليه سياق الخبر ، وقد حكم عليهالسلام لها بوجوب المهر بمجرد ما فعلته مع عدم الجماع ، وهو
أظهر ظاهر فيما قلناه ، وهو أيضا ظاهر
خبر أبي بصير وإن كان الخبر الأول أوضح ، ويقرب عندي حمل هذه الأخبار بناء
على ما ذكرناه على التقية.
أما (أولا)
فلأنها هي الأصل في اختلاف الأخبار كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب من جلد كتاب
الطهارة .
وأما (ثانيا)
فلأنه بعد بطلان الحمل الذي ذكروه بما عرفت فليس إلا رد الأخبار المذكورة ، وقد
تقدم أن الحمل على التقية لا يشترط فيه وجود القائل به منهم ، على أنه يمكن وجود
القائل به ، فإنه لا يحضرني الآن مذاهب العامة في هذه المسألة ، وكيف كان فالظاهر
الذي عليه العمل هو القول المشهور ، وأما ما ذكره ابن الجنيد من تلك الأمور
الزائدة على الخلوة فلم نظفر له في أخبارنا على أثر ، وهذه أخبار المسألة كملا ،
والظاهر أنه تبع في ذلك العامة كما هي عادته غالبا ، والعجب من أصحابنا في نقل أقوال
، والاعتداد بها مع ما يطعنون به عليه من اقتفاء العامة ، ولا سيما في العمل
بالقياس والاستحسان ، هذا بالنسبة إلى ما عدا رواية أبي بصير وصحيحة أبي عبيدة
المنقولة من كتاب العلل وموثقة إسحاق ابن عمار ، وأما هذه الأخبار الثلاثة
فالمستفاد منها بعد ضم بعضها إلى بعض أنه إن كانا في اعترافهما بعدم الدخول متهمين
يجر كل منهما النفع إلى نفسه من جهة كما صرح به في خبري أبي بصير وصحيحة أبي عبيدة
فإنها لا يقبل قولهما ، ولو كانا مأمونين صدقا كما صرح به موثق إسحاق بن عمار ،
والظاهر حمل خبر أبي بصير وصحيحة أبي عبيدة على وقوع الدخول في الخلوة وظهور ذلك
بقرائن الحال ، وأنهما إنما أنكرا ذلك للعلة المذكورة في كل منهما وموثقة إسحاق
ابن عمار على عدم ظهور ذلك مع كونهما مأمونين ، وحينئذ فلا ينافي ما قدمنا ذكره من
أن ظاهر تلك الأخبار هو ترتب وجوب المهر على مجرد الخلوة وإن علم عدم الدخول ،
والله العالم.
__________________
المسألة
الثالثة : لا خلاف بين الأصحاب في أنه إذا طلق زوجته قبل الدخول
وقد فرض لها مهرا فإنه يرجع بنصفه ، فإن كان قد دفع المهر لها استعاد نصفه ، وإلا
أعطاها النصف خاصة ، سواء قلنا بأنها تملك المهر جميعا بمجرد العقد أو نصفه خاصة.
ويدل على ذلك
من الأخبار ما رواه في الفقيه عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف
مهرها ، وإن لم يكن سمي لها مهرا فمتاع بالمعروف» الحديث.
وما رواه في
الكافي عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها ، قال : عليه نصف
المهر إن كان فرض لها شيئا» الحديث.
وما رواه في
الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فقد بانت
منه وتزوج إن شاءت من ساعتها ، وإن كان فرض لها مهرا فلها نصف المهر» الحديث.
وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها ، قال : عليه نصف المهر إن كان فرض لها
شيئا» الحديث.
إلى غير ذلك من
الأخبار الآتي جملة منها إن شاء الله تعالى في المقام ، ثم إن في هذا المقام صورا
عديدة :
الاولى : أن
يكون المهر دينا في ذمته ، ولا إشكال في أنه إذا طلقها قبل الدخول برءت ذمته من
نصفه ، ووجب عليه دفع النصف الآخر إليها.
__________________
الثانية : أن
يكون عينا إلا أنها باقية في يد الزوج ، وحينئذ فإن كانت باقية إلى وقت الطلاق من
غير زيادة ولا نقصان فلا إشكال في أنه يستحق نصفها ويكونان شريكين فيها ، وإن زادت
بزيادة من الله سبحانه فالزيادة لها بناء على ما هو الأشهر الأظهر من انتقال المهر
كملا إليها بالعقد وأنها تملكت ، وإن كان ملك أحد النصفين متزلزلا وإن كانت
الزيادة بفعله فهو بمنزلة الغاصب بناء على القول بانتقال المهر إليها كملا كما هو
المعتمد فإنه كالأجنبي ويصير كالغاصب. وإن نقصت كان النقص مضمونا عليه ، وإن تلف
رجعت عليه بالقيمة أو المثل.
الثالثة : أن
يكون عينا إلا أنه قد سلمها إليها ، فإن كان باقيا استعاد نصفه ، وإن وجده تالفا
استعاد نصف مثله إن كان مثليا ، ونصف قيمته إن كان قيميا ، ثم إنه إن اتفقت قيمته
من حين العقد إلى حين القبض فلا إشكال ، وإن اختلفت قالوا : يرجع بأقل القيم ، لأن
قيمته يوم العقد إن كانت هي الأكثر منها حين قبضها فما نقص قبل القبض كان مضمونا
عليه ، فلا يضمنها ما هو في ضمانه ، وإن كانت القيمة يوم القبض أكثر مما زاد بعد
العقد لها ، فلا يضمنها ما هو ملكها ، قالوا : وفي حكم التلف ما لو انتقل عن ملكها
انتقالا لازما كالبيع والعتق والهبة اللازمة.
الرابعة :
كسابقتها إلا أنه وجد العين ناقصة ، وكان النقص نقصان عين ، كعور الدابة أو صفة
كنسيان الصنعة ، ففي كيفية الرجوع أقوال ثلاثة :
(أحدها) وهو
المنقول عن الشيخ في المبسوط أن الزوج يتخير بين الرجوع بنصف القيمة سليما ، وبين
أخذ نصف العين من غير أرش.
و (ثانيها)
الرجوع بنصف العين ونصف الأرش لأن العين لا تخرج عن حقيقتها بالتعيب ، ومستحقة
إنما هو العين وتعيبها مجبور بالأرش ، وظاهره في المسالك اختيار هذا القول.
و (ثالثها)
التفصيل بأن النقص إن كان بفعلها أو فعل الله سبحانه تخير بين أخذ نصفه ناقصا وبين
تضمينها نصف قيمته ، وإن كان من قبل أجنبي لم يكن
له سبيل على المهر وضمنها نصف القيمة يوم قبضه ، وهو قول ابن البراج.
الخامسة :
الصورة بحالها إلا أنه وجد العين زائدة ، وحينئذ فلا يخلوا إما أن تكون الزيادة
باعتبار القيمة السوقية ، ولا إشكال في أنه يأخذ نصف العين كما لو نقصت كذلك ، وإن
كانت الزيادة منفصلة كالولد واللبن وثمرة الشجرة والكسب فهي للمرأة بناء على ما هو
الأشهر الأظهر من ملكها المهر كملا بمجرد العقد وهذه الأشياء نماء ملكها سواء كانت
العين في يدها أو في يده ، ويختص رجوعه بنصف الأصل.
ويدل على خصوص
هذا الحكم من الأخبار ما رواه في الكافي عن عبيد ابن زرارة في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : رجل تزوج امرأة على مائة شاة ، ثم ساق إليها الغنم ،
ثم طلقها قبل أن يدخل بها وقد ولدت الغنم ، قال : إن كان الغنم حملت عنده رجع
بنصفها ونصف أولادها ، وإن لم يكن الحمل عنده رجع بنصفها ولم يرجع من الأولاد بشيء».
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن عبيد بن زرارة قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : رجل تزوج امرأة ومهرها مهرا فساق إليها غنما ورقيقا
فولدت عندها فطلقها قبل أن يدخل بها ، قال : إن كان ساق إليها ما ساق وقد حملن
عنده فله نصفها ونصف ولدها ، وإن كن حملن عندها فلا شيء له من الأولاد».
والتقريب فيها
أن تلك الغنم والرقيق إذا حملن عنده فالمهر مجموع الأمهات والأولاد ، فمع الطلاق
قبل الدخول يرجع بنصف كل منهما ، وأما إذا حملن عندها فإن المهر إنما هو الأمهات
خاصة ، وقد فرضنا أنها تملك المهر بأجمعه بمجرد العقد فيكون هذا النماء نماء ملكها
، وفي الخبر دلالة واضحة على القول المشهور من ملكها المهر بمجرد العقد خلافا لابن
الجنيد إذ لو كان كما يدعيه من ملكها
__________________
النصف خاصة بالعقد والنصف الآخر إنما تملك بالدخول لكان الرجوع عنها بنصف
الأولاد إذا حملن عندها.
إلا أنه قد روى
الصدوق في الفقيه عن الحسن بن محبوب عن حماد الناب عن أبي بصير عن أبي
عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة على بستان له معروف وله
غلة كثيرة ، ثم مكث سنين لم يدخل لها ثم طلقها ، قال : ينظر إلى ما صار إليه من
غلة البستان من يوم تزوجها فيعطيها نصفه ويعطيها نصف البستان ، إلا أن تعفو فتقبل
منه ويصطلحا على شيء ترضى به منه فإنه أقرب للتقوى».
وهو كما ترى
ظاهر فيما ذهب إليه ابن الجنيد من أنها بالعقد لا تملك إلا النصف خاصة ، ولهذا حكم
بأن غلة البستان في تلك السنين التي بين العقد والطلاق تقسم أنصافا بينهما ، ومن
المعلوم أن الغلة تابعة للأصل.
وبذلك يظهر لك
ما في كلام السيد السند في شرح النافع حيث قال في الجواب عن دلالتها على مذهب ابن
الجنيد ما صورته : وهذه الرواية غير دالة على المطلوب صريحا ، إذ لا مانع من ثبوت
هذا الحكم وإن قلنا إن المرأة تملك المهر بأجمعه بالعقد ، فإن فيه إن من القواعد
المقررة المتفق عليها نصا وفتوى أن النماء تابع للأصل ، فإذا فرض أن المرأة تملك
المهر كملا بمجرد العقد ، فكيف يحكم عليهالسلام للزوج بنصفه؟ وما الوجه فيه؟ ومقتضى القواعد إنما هو
كونه للمرأة ، والموافق للقاعدة إنما هو ما ذكرناه من كون نصف الأصل لها بمجرد
العقد والنصف الآخر قبل الدخول للزوج ، هذا كلامه في تلك المسألة ـ أي مسألة ملك
الكل أو النصف بالعقد ـ وأما في هذه المسألة فأقصى ما أجاب به عنها هو ضعف السند.
وبالجملة
فالمسألة غير خالية من شوب الإشكال في كل من الموضعين لعدم ظهور محمل لرواية أبي
بصير المذكورة ، وليس في سندها ممن ربما يتوقف في شأنه إلا أبو بصير لاشتراكه بين
يحيى بن القاسم الضعيف باصطلاحهم والمرادي
__________________
الثقة ، والحق عندي كما عليه جملة من أفاضل متأخري المتأخرين هو جلالة يحيى
بن القاسم وعد حديثه في الصحيح ، فإن المستفاد من جملة من الأخبار أنه بالمحل
الأعلى عندهم عليهمالسلام ، وحينئذ فتكون الرواية صحيحة معتبرة ، وبذلك يعظم
الاشكال.
هذا كله في
الزيادة المنفصلة ، وأما لو كانت متصلة كالسمن وكبر الحيوان فإنه قطع جماعة من
الأصحاب بأن للزوج نصف قيمته من دون الزيادة ، وأن المرأة لا تجبر على دفع العين ،
لأن الزيادة ليست مما فرض فلا يكون للزوج الرجوع بها ، وعلله في المسالك بأن
الزيادة ملكها ولا يمكن فصلها ولا تجبر على بذلها مجانا ولا بالعوض ، لكنها تتخير
حينئذ بين دفع نصف المشتمل على الزيادة وبين بذل نصف القيمة مجردة عنها ، فإن سمحت
ببذل العين اجبر على القبول ، لأن النفع عائد إليه واصل حقه في العين عملا بظاهر
الآية ، وإنما منع تعلق حقها بها الذي لا يمكن فصله ، فإذا سمحت ببذله زال المانع
، انتهى.
أقول : روى
الشيخ في التهذيب عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام عن أبيه أن عليا عليهالسلام «قال في الرجل يتزوج المرأة على وصيف فكبر عندها فيريد أن يطلقها قبل أن
يدخل بها قال : عليه نصف قيمته يوم دفعه إليها لا ينظر في زيادة ولا نقصان».
__________________
ورواه الكليني عن السكوني «عن أبي عبد الله عليهالسلام «قال : إن أمير المؤمنين عليهالسلام قال في المرأة : تزوج على الوصف فيكبر عندها فتزيد أو
ينقص ثم يطلقها قبل أن يدخل بها» الحديث. كما تقدم ، وهو كما ترى ظاهر بل صريح
فيما ذكره الأصحاب من حكم المسألة ، والشيخ في المبسوط بعد أن قوى تخيرها بين دفع نصف
العين ونصف قيمتها من دون الزيادة كما قدمنا نقله عن المسالك قال : ويقوى في نفسي
أن له الرجوع بنصفه مع الزيادة التي لا يتميز لقوله تعالى «فَنِصْفُ ما
فَرَضْتُمْ» وظاهره أنها تجبر على دفع نصف العين في صورة الزيادة
التي لا يتميز ، وأورد عليه في المسالك بأن الزيادة ليست مما فرض فلا تدخل في
مدلول الآية.
وأجاب سبطه
السيد السند في شرح النافع فقال : ويمكن دفعه بأن العين مع الزيادة التي لا تتميز
يصدق عليها عرفا أنها المفروضة فتناوله الآية الشريفة ، وبالجملة فما قوى في نفس
الشيخ لا يخلو من قوة ، انتهى.
أقول : لا يخفى
أنه بعد دلالة الخبر المذكور على أن الحكم في المسألة هو دفع نصف القيمة لا ينظر
في زيادة ولا نقصان ، فما ذكره الشيخ وقواه بمكان من الضعف ، وأن ظاهره كما عرفت
أن الحكم الشرعي هو جبر المرأة على دفع نصف العين في الصورة المذكورة ، ولهذا أن
المحقق في الشرائع أشار إلى رده بقوله : ولا تجبر المرأة على الأظهر ، وهل هو إلا
الاجتهاد في مقابلة النصوص ، وبذلك يظهر لك ما في تقوية السيد السند لقول الشيخ
هنا من النظر الظاهر ، والله العالم.
__________________
تنبيهات
الأول : قالوا
: لو أصدقها حيوانا حاملا وحكمنا بدخول الحمل في الصداق إما بمجرد الإطلاق كما هو
مذهب الشيخ وجماعة أو بالشرط كما هو القول الآخر صار الجميع مهرا ، فإذا طلقها قبل
الدخول رجع بنصف الجميع لأنه هو المهر.
أقول : وقد
تقدم ما يدل على ذلك من روايتي عبيد بن زرارة وقوله عليهالسلام في الأولى منهما «إن كانت الغنم حملت عنده رجع بنصفها
ونصف أولادها». ونحوه في الثانية ، وقد تقدم بيان الوجه فيه ، وإطلاق الخبرين
المذكورين شامل لما لو وقع الطلاق قبل وضع الحمل أو بعده فإنه يرجع بالنصف في كلتا
الحالين ، لأنه قد علق الرجوع بالنصف على حصول الحمل عنده المستلزم لوقوع العقد
بعد الحمل ، وهو أعم من أن تضع قبل الطلاق أو بعده ، وبذلك يظهر أن ما وقع لهم في
هذا المقام من الاحتمالات والتفريعات والتكلفات ـ كما نقله في المسالك حتى ذهب
بعضهم في صورة الطلاق بعد الوضع إلى الرجوع بنصف الأم خاصة وأرش نقصانها ، قال :
لأن الحمل زيادة ظهرت بالانفصال عن ملكها ، وبعضهم جعله احتمالا في المسألة ـ كله
نفخ في غير ضرام وخروج عما جاء عنهم عليهمالسلام ، والظاهر أنه لم تخطر لهم هذه الأخبار بالبال ، وإنما
بنوا على مجرد التخريجات العقلية كما هي عادتهم غالبا.
الثاني
: قالوا : لو
أصدقها تعليم صناعة ثم طلقها قبل الدخول كان لها نصف اجرة تعلمها ، ولو كان علمها
قبل الطلاق رجع بنصف الأجرة. وعلل الرجوع بنصف الأجرة في الموضعين المذكورين بأنه (في
الأول) يتعذر تعليمها نصف الصنعة خاصة ، إذ ليس للنصف حد يوقف عليه أو لا نصف لها
مطلقا فينزل ذلك منزلة
__________________
ما لو تلف الصداق في يده ، فترجع بنصف الأجرة ، ولأنه صار أجنبيا لا يصلح تعلمها
منه لو فرض إمكان التوصل إلى الحق.
وأما (في
الثاني) فلتعذر رجوعه بعين ما فرض ، إذ لا يمكن تخليص نصف الصنعة منها فيكون المهر
بمنزلة التالف في يدها ، فيرجع بنصف الصنعة منها فيكون المهر بمنزلة التالف في
يدها ، فيرجع بنصف الأجرة. قالوا : والحكم في الموضعين مما لا إشكال فيه.
قالوا : ولو
كان الصداق تعليم سورة وطلقها قبل الدخول ، فإن كان قد علمها رجع عليها بنصف
الأجرة كالصنعة ، وإن لم يكن علمها فليس الحكم فيها كالصنعة لأن تعليم نصف السورة
أمر ممكن في نفسه ، ولكن الزوج صار أجنبيا منها ، فإن حرمنا على الأجنبي سماع صوت
المرأة أو جوزناه ، ولكن خيف الفتنة أو لم يمكن ذلك إلا بالخلوة المحرمة رجعت عليه
بنصف الأجرة كالصنعة ، لتعذر الرجوع إلى نصف المفروض بمانع شرعي ، فيكون كالمانع
العقلي ، وإن أمكن ذلك من غير محذور قيل : جاز تعليمها النصف من وراء حجاب ، لأنه
موضع ضرورة كمعاملة الأجنبية ، أو لأنه تعليم واجب ، أو لأن مطلق سماع صوتها غير
محرم ، وهذا الوجه خيرة الشيخ في المبسوط ، وقيل : ترجع عليه بنصف الأجرة مطلقا ،
لما ذكر من الموانع ، ولأن النصف يعسر الوقوف عليه ، لاختلاف الآيات في سهولة
التعليم وصعوبته ، وعلى الأول تقسم السورة بالحروف ، لا بالآيات.
أقول : لم أقف
في هذا المقام على شيء من الأخبار إلا ما رواه في الكافي والتهذيب عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام «في رجل تزوج امرأة على سورة من كتاب الله عزوجل ثم طلقها من قبل أن يدخل بها ، وبما يرجع عليها؟ قال :
بنصف ما يعلم به مثل تلك السورة». ومورد الرواية ما إذا علمها السورة ، لأن الرجوع
عليها دليل وصول المهر إليها ، وإلا لكانت هي التي ترجع عليه ، ويبقى الاشكال فيما
لو لم يعلمها السورة ، فهل الواجب عليه تعليمها النصف لأنه ممكن؟ وما ذكروه من
تحريم سماع
__________________
الأجنبية على إطلاقه ممنوع كما تقدم قريبا ، بل الأدلة الكثيرة صريحة في
الجواز فيعلمها ولو من وراء حجاب ـ أنها ترجع بنصف الأجرة؟ احتمالان ، والظاهر أن
الحكم في الصنعة إذا طلقها بعد أن علمها إياها كذلك ، ومن وجوب الرجوع عليها بنصف
اجرة مثلها كما ذكره عليهالسلام في السورة ، لاشتراك الجميع في التعليم الذي هو الموجب
للأجرة ، وحينئذ فيكون حكم هذه الصورة مستفاد من النص المذكور ، فلا حاجة إلى ما
أطالوا به في تعليل ذلك مما تقدم نقله عنهم ، من قولهم : وأما في الثاني فلتعذر
رجوعه بعين ما فرض إلى آخره.
الثالث : المشهور
بين الأصحاب أنه لو أبرأته من الصداق قبل الدخول بها ثم طلقها قبل الدخول أنه يرجع
عليها نصف المهر الذي وقع عليه العقد ، لأنه لا فرق بين تصرفها فيه يصرفه في
مصالحها ولا بين تصرفها فيه بالإبراء منه أو بهبته له أو لغيره ، ومجملة أنها متى
تصرفت فيه تصرفا ناقلا عن ملكها لازما لا يمكن الرجوع فيه ، فإنه يلزمها عوض
النصف.
وحكى في
القواعد وجها بعدم الرجوع ، وقبله الشيخ في المبسوط ، قال في المسالك : وهو قول
لبعض العامة ، واحتجوا عليه بأنها لم تأخذ منه مالا ولا نقلت إليه الصداق ولا
أتلفته عليه ، فلا تضمن.
ورد بأن ضعفه
ظاهر ، فإن المهر كان مستحقا لها في ذمة الزوج ، فلما أبرأته منه انتقل عن ملكها
إليه فتحقق النقل ، أو يقال : بأنها إسقاط المهر من ذمته بعد أن كان ثابتا فيها قد
أتلفته ، إذ لا شبهة في أنه كان ملكها ثم خرج عنه فتغرم له البدل .
__________________
أقول : والذي
حضرني من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن مسلم في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل تزوج امرأة فأمهرها ألف درهم ودفعها إليها فوهبت
له خمسمائة درهم وردتها عليه ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، قال : ترد عليه الخمسمائة
درهم الباقية لأنها إنما كانت لها خمسمائة درهم فوهبتها له ، وهبتها إياها له ولغيره
سواء».
وما رواه في
التهذيب والفقيه عن شهاب بن عبد ربه في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله
عليهالسلام عن رجل تزوج امرأة على ألف درهم ، فبعث بها إليها
فردتها عليه ووهبتها له ، وقالت : أنا فيك أرغب مني في هذه الألف هي لك ، فقبلها
منها ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، قال : لا شيء لها وترد عليه خمسمائة درهم».
وما رواه الشيخ
في الموثق عن سماعة قال : «سألته عن رجل تزوج جارية أو تتمتع بها ثم جعلته
من صداقها في حل ، أيجوز له أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا؟ قال : نعم إذا جعلته
في حل فقد قبضته منه ، فإن خلاها قبل أن يدخل بها ردت المرأة على الزوج نصف الصداق».
وبذلك يظهر لك
ضعف ما احتمله الشيخ والعلامة من عدم الرجوع بناء على تلك التخرصات الباردة
والتخريجات الشاردة ، ومنشأ ذلك الغفلة عن ملاحظة الأخبار وعدم إعطاء التأمل حقه
في تتبع الآثار الواردة عن الأئمة عليهمالسلام.
الرابع
: لو أعطاها
عوض المهر متاعا أو عبدا آبقا أو شيئا ثم طلق قبل الدخول رجع بنصف المسمى دون
العوض ، والوجه في رجوعه بنصف المسمى دون
__________________
نصف العوض أن الذي يستحقه الزوج بالطلاق نصف المهر المفروض ، وعوضه غيره ،
فلا يرجع به ، وينبغي أن يعلم أن المراد برجوعه بنصف المسمى هنا إنما هو رجوعه
بمثله أو قيمته ، لأن المسمى بالمعاوضة ودفع العوض الذي هو أحد هذه المذكورات قد
صار ملك الزوج ، فالنصف المحكوم بعوده إليه قد انتقال عن ملكها بالمعاوضة المذكورة
، فيرجع حينئذ إلى مثله أو قيمته ، كما لو انتقل منها إلى غيره ، ولا فرق في ذلك
بين انتقاله بعوض يساوي قيمته أو ينقص أو يزيد ، ولا بين أنواع الأعواض لاشتراك
الجميع في المقتضى وهو خروجه بذلك عن ملكها كما خرج بغير عوض كالهبة.
ويدل على أصل
الحكم المذكور ما رواه الكليني في الصحيح عن الفضيل ابن يسار قال : «سألت أبا عبد الله
عليهالسلام عن رجل تزوج امرأة بألف درهم فأعطاها عبدا له آبقا
وبردا حبرة بألف درهم التي أصدقها ، قال : إذا رضيت بالعبد وكانت قد عرفته فلا بأس
إذا هي قبضت الثوب ورضيت بالعبد ، قلت : فإن طلقها قبل أن يدخل بها؟ قال : لا مهر
لها وترد عليه خمسمائة ويكون العبد لها».
الخامس : الظاهر أنه لا إشكال ولا خلاف في أنه إذا دبر مملوكا ذكرا كان أو أنثى
جاز لمن دبره أن يجعله مهرا لزوجته ، لأنه بالتدبير لا يخرج عن ملكه ، بل له
التصرف فيه بجميع أنواع التصرفات من بيع وغيره ، وهو كالوصية بل هو في التحقيق وصية
بالعتق ، وحينئذ فلو طلقها قبل الدخول صار المدبر مشتركا بينهما لرجوع نصفه إلى
الزوج ، حيث إنه المهر وحكمه الرجوع بنصفه في الطلاق ، وهذا كله مما لا خلاف فيه.
إنما الخلاف في أنه يجعله مهرا ، هل يبطل التدبير أو يبقى صحيحا؟ أكثر الأصحاب
سيما المتأخرين على الأول ، وهو مذهب ابن إدريس ومن تأخر عنه ، وذهب الشيخ في
النهاية وبعض أتباعه
__________________
إلى الثاني.
قال في النهاية
: إذا عقد لها على جارية مدبرة له ورضيت المرأة به ثم طلقها قبل الدخول بها كان
لها يوم من خدمتها ، وله يوم ، فإذا مات المدبر صارت حرة ولم يكن لها عليها سبيل ،
وإن ماتت المدبرة وكان لها مال كان نصفه للرجل ونصفه للمرأة. ونحوه كلام ابن
البراج في كتابيه المهذب والكامل.
وقال ابن إدريس
: الذي يقتضيه أصول المذهب أن العقد على هذه المدبرة صحيح ، وتخرج عن كونها مدبرة
وتستحقها المرأة ، لأن التدبير وصية ، ولو أوصى ببعض أملاكه ثم أخرجه عن ملكه قبل
موته بطلت وصيته ، والمدبرة هنا قد أخرجها بجعلها مهرا ـ إلى أن قال : ـ اللهم إلا
أن يكون التدبير المذكور واجبا على وجه النذر لا رجوع للمدبر فيه ، فيصح ما قاله
شيخنا ـ رحمهالله.
واعترضه
العلامة في المختلف ببطلان جعلها مهرا حينئذ ، وقيد بقاء التدبير بما لو شرط إبقاء
التدبير فإنه يكون لازما لعموم
«المؤمنون عند
شروطهم». ولأنه كشرط العتق في البيع ونحوه.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن مستند الشيخ فيما ذهب إليه في النهاية هو ما رواه عن المعلى بن خنيس قال : «سئل أبو عبد الله عليهالسلام وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة على جارية له مدبرة قد
عرفتها المرأة وتقدمت على ذلك وطلقها قبل أن يدخل بها ، قال : فقال : أرى للمرأة
نصف خدمة المدبرة ، ويكون للمرأة يوم في الخدمة ، ويكون لسيدها الذي كان دبرها يوم
في الخدمة ، قيل له : فإن ماتت المدبرة قبل المرأة والسيد ، لمن يكون الميراث؟ قال
: يكون نصف ما تركت
__________________
للمرأة والنصف الآخر لسيدها الذي دبرها» .
قال في المسالك
: وهذه الرواية مع ضعف سندها لا تدل على انعتاقها بموت السيد كما ادعاه الشيخ ،
وإنما تضمنت صحة جعلها مهرا وعود نصفها إلى المولى ، وكونها مشتركة بينه وبين
المرأة ، وما تركته بينهما كذلك ، وهذا كله لا كلام فيه.
نعم يظهر منها
رائحة البقاء على التدبير من قوله «وتقدمت على ذلك» وقوله «فإن ماتت المدبرة» وشبه
ذلك ، ومثل هذا لا يكفي في إثبات الحكم بالمخالف للأصل. انتهى ، وهو جيد.
أقول الأقرب في
هذه الرواية وإرجاعها إلى ما عليه الأصحاب هو ما ذكره في المختلف من الحمل على
الشرط بمعنى أنه أمهرها المدبرة وشرط بقاء التدبير ، فإن الشرط سائغ كما في شرط
العتق في البيع ، فيكون التدبير لازما لا يمكن الرجوع فيه لوجوب الوفاء بالشرط ،
ويشير إليه قوله في الرواية وقد عرفتها المرأة وتقدمت على ذلك بمعنى أنها عرفت
الشرط عليها بذلك ورضيت به ، وعلى هذا يرتفع منافاة الخبر للقواعد الشرعية وينطبق
على ما قاله الأصحاب ، ولا ريب أنه أقرب ما يمكن أن يقال.
المسألة
الرابعة : المشهور في كلام الأصحاب أنه إذا اشترط في العقد ما
يخالف المشروع مثل أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى بطل الشرط وصح العقد والمهر ،
وكذا لو شرط تسليم المهر في أجل ، فإن لم يسلمه كان العقد باطلا ، لزم العقد
والمهر وبطل الشرط.
__________________
قال في المسالك
: لا إشكال في فساد الشرط المخالف للمشروع لذلك ، وإنما الكلام في صحة العقد بدون
الشرط من حيث إنهما لم يقصدا إلى العقد إلا مقيدا بالشرط المذكور ، وقد سبق غير
مرة أن فساد الشرط يوجب فساد العقد عند المصنف والأكثر ، ولكن ظاهرهم هنا هو
الاتفاق على صحة العقد ، لأنهم لم ينقلوا فيه خلافا ، انتهى.
واعترضه سبطه
السيد السند في شرح النافع فيما ذكره من أن ظاهرهم الاتفاق على صحة العقد وأنهم لم
ينقلوا خلافا ، فقال : وهو غير جيد ، فإن العلامة ـ رحمهالله عليه ـ حكى في المختلف عن الشيخ في المبسوط أنه قال :
إن كان الشرط يعود بفساد العقد ـ مثل أن تشترط الزوجة عليه أن لا يطأها ـ فالنكاح
باطل ، لأنه شرط يمنع المقصود بالعقد ، ثم قال في المختلف : والوجه عندي ما قاله
الشيخ في المبسوط إلى آخره.
أقول : فيه أن
الظاهر من كلام جده في المسالك ومثله المحقق في الشرائع أن مسألة اشتراط أن لا
يطأها الزوج غير مسألة اشتراط أن لا يتزوج ولا يتسرى عليها ، وأن الثانية منهما
مما لا خلاف في كون الشرط مخالفا للمشروع بخلاف الأولى ، فإن المحقق قد صرح
بالمسألتين كل منهما في مقالة على حدة ، فذكر مسألة اشتراط أن لا يتسرى ولا يتزوج
بنحو ما قدمنا ، ووصفه بأنه شرط يخالف المشروع ، وحكم فيها ببطلان الشرط وصحة
العقد ، ثم ذكر بعدها بلا فصل مسألة اشتراط أن لا يطأها ، واختار لزوم الشرط وصحة
العقد ، ومثله الشارح في المسالك فإنه اختار ذلك أيضا ، ونقل كلام الشيخ في
المبسوط الذي اعترض به عليه في شرح هذه المقالة ، وهو ظاهر في تغاير المسألتين
واختلاف الحكمين ، وأن الاتفاق الذي ادعاه إنما هو بالنسبة إلى الشروط المتفق على
كونها مخالفة للمشروع ، وشرط عدم الوطي ـ عنده ، وعند من قال بجواز اشتراطه وهو
مذهب الشيخ في النهاية وغيره كما سيأتي إن شاء الله ـ غير مخالف للمشروع ، وبذلك
يظهر لك
أن إيراده عليه غير متوجه كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى تمام الظهور من
الكلام في ثاني هذه المسألة ، على أن جده قد نقل في شرح هذه المسألة ـ أعني مسألة
أن لا تشترط ما يخالف المشروع كعدم التزويج والتسري ـ عن الشيخ في المبسوط أنه قال
في هذه المسألة : ولا يفسد المهر عندنا. قال في المسالك : وهو ظاهر في الاتفاق
عليه ، وصحة المهر إنما يكون مع صحة العقد.
أقول : وفيه
كما ترى دلالة واضحة على ما قلناه من تغاير المسألتين ، وأن ظاهر كلام الشيخ في
المبسوط في هذه المسألة الاتفاق على صحة العقد بالتقريب الذي أشار إليه جده ، وفي
مسألة اشتراط أن لا يطأها ، ذكر ذلك الكلام الظاهر في بطلان العقد كما عرفت ، ويدل
أيضا على اختلاف المسألتين اختلاف أخبارهما كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى .
والواجب هنا
أولا نقل ما وصل إلينا من الأخبار في هذه المسألة ، ثم الكلام بما يتعلق بها من
نقض أو إبرام.
فمنها ما رواه الشيخ
في التهذيب عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام «في رجل تزوج امرأة وشرط لها إن هو تزوج عليها امرأة أو هجرها أو اتخذ
عليها سرية فهي طالق ، فقضى في ذلك بأن شرط الله قبل شرطكم ، فإن شاء وفي لها
بالشرط ، وإن شاء أمسكها واتخذ عليها ونكح عليها».
وعن ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل قال لامرأته : إن نكحت عليك أو تسريت فهي طالق قال : ليس ذلك بشيء
، إن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : من اشترط شرطا سوى كتاب الله فلا يجوز ذلك له ولا
عليه».
__________________
وما رواه في
الكافي عن زرارة «أن ضريسا كان تحته بنت حمران بن أعين ، فجعل
لها أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى أبدا في حياتها ولا بعد موتها على إن جعلت له هي
أن لا تتزوج بعده وجعلا عليهما من الهدي والحج والبدن وكل ما لهما في المساكين إن
لم يف كل واحد منهما لصاحبه ، ثم إنه أتى أبا عبد الله عليهالسلام فذكر ذلك له ، فقال : إن لابنة حمران لحقا ، ولن يحملنا
ذلك على أن لا نقول لك الحق ، اذهب وتزوج وتسر ، فإن ذلك ليس بشيء ، وليس شيء
عليك ولا عليها وليس ذلك الذي صنعتما بشيء ، فجاء فتسرى وولد له بعد ذلك أولاد».
ورواه في
الفقيه عن موسى بن بكر عن زرارة قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام إن ضريسا كان تحته أنبه حمران» الحديث. على تفاوت في
ألفاظه وزيادة ونقصان.
إلا أنه قد ورد
بإزاء هذه الأخبار ما يدل أيضا على لزوم الشرط المذكور.
وهو ما رواه في
الكافي عن ابن بزرج قال : «قلت لأبي الحسن موسى عليهالسلام وأنا قائم : جعلني الله فداك إن شريكا لي كانت تحته
امرأة فطلقها فبانت منه فأراد مراجعتها ، وقالت المرأة : لا والله لا أتزوجك أبدا
حتى تجعل الله عليك لي إلا تطلقني ولا تزوج علي ، قال : وفعل؟ فقلت : نعم قد فعل ،
جعلني الله فداك ، قال : بئس ما صنع وما كان يدريه ما وقع في قلبه في جوف الليل أو
النهار ، ثم قال له : أما الآن فقل له : فليتم للمرأة شرطها فإن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : «المسلمون عند شروطهم» الحديث.
وما رواه في
التهذيب عن بزرج عن عبد صالح عليهالسلام قال : قلت : إن رجلا
__________________
من مواليك تزوج امرأة ثم طلقها فبانت منه فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا
أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها ولا يتزوج عليها فأعطاها ذلك ، ثم بدا له في
التزويج بعد ذلك ، فكيف يصنع؟ قال : بئس ما صنع وما كان يدريه ما يقع في قلبه
بالليل والنهار ، قل له فليف للمرأة بشرطها ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : «المؤمنون عند شروطهم».
قال في التهذيب
بعد ذكر الرواية الثانية : ليس بين هذه الرواية والرواية الأولى تضاد ، لأن هذه
الرواية محمولة على الاستحباب على أن هذه الرواية تضمنت أنه جعل الله عليه ذلك ،
وهذا نذر وجب عليه الوفاء ، وما تقدم في الرواية الأولى جعلا على أنفسهما ولم يقل
لله فلم يكن ذلك نذرا يجب الوفاء به.
وفي الاستبصار
جوز حمله على التقية ، قال : لموافقته العامة.
أقول : وهذا هو
الظاهر الذي يجب حمل الخبرين المذكورين عليه وإلا فالاستحباب قد عرفت ما فيه فيما
تقدم ، وأما الحمل على النذر ، ففيه إشكال لأن الظاهر أنه يرجع إلى نذر المباح ،
وفي انعقاده خلاف ، أظهره عدم الانعقاد كما تحقق في محله ، والأخبار دلت على أن
النذر ليس بشيء حتى يسمى لله شيئا صدقة أو صلاة أو نحو ذلك من الطاعات الراجحة ،
ومجرد قوله لله مع كون المنذور إنما هو أن لا يطلقها ولا يتزوج عليها لا يخرج عن
المباح.
وبالجملة
فالظاهر هو حمل الخبرين على التقية ، ويكون العمل على تلك الأخبار المؤيدة باتفاق
الأصحاب على الحكم المذكور.
ثم إن من
الأخبار الدالة على صحة العقد مع بطلان الشرط خلافا لما زعموه من أن مقتضى القواعد
بطلان العقد ببطلان الشرط من حيث عدم القصد إلى العقد إلا مقيدا بالشرط ـ ما رواه الشيخ
في الصحيح عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام «في الرجل يتزوج المرأة إلى أجل مسمى فإن جاء بصداقها إلى أجل
__________________
مسمى فهي امرأته ، وإن لم يأت بصداقها إلى الأجل فليس له عليها سبيل ـ وذلك
شرطهم بينهم حين أنكحوا ـ فقضى للرجل أن بيده بضع امرأته وأحبط شرطهم».
ورواه الكليني أيضا بسند فيه سهل.
وعن محمد بن قيس
في الصحيح عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قضى علي في رجل تزوج امرأة وأصدقها واشترطت في
ذلك أن بيدها الجماع والطلاق ، قال : خالفت السنة ، وولت الحق من ليس بأهله ، قال
: فقضى علي عليهالسلام أن على الرجل النفقة وبيده الجماع والطلاق وذلك السنة».
وفي معناها
أخبار عديدة تقدمت في كتاب البيع ، ومنها أخبار بريرة .
ومما يدل على
ما هو المشهور هنا ما رواه في الكافي والتهذيب عن هارون ابن مسلم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له : ما تقول في رجل جعل أمر امرأته بيدها؟
قال : فقال : ولى الأمر من ليس أهله وخالف السنة ، ولم يجز النكاح».
أقول : ويمكن
حمل إطلاق الخبر الأول على هذا الخبر : فإنه صريح في بطلان النكاح ، والسابق لا
ظهور له في ذلك ، وإن استدل به أصحابنا على صحة العقد مع بطلان الشرط ، إلا أنه
عندي غير ظاهر في حكم العقد من صحة أو بطلان ، بل هو مطلق ، والذي قدمناه من
التحقيق في هذا المقام هو أنه لما كانت الأخبار مختلفة في ذلك فالواجب الوقوف على
ما دلت عليه من غير أن يكون
__________________
هنا قاعدة يبنى عليها كما ذكروه ، وما لم يرد فيه خبر ينبغي التوقف في
الحكم.
وكيف كان
فالعمل في المسألة على ما دلت عليه الأخبار المتقدمة من صحة العقد وبطلان الشرط في
صورة اشتراط أن لا يتزوج ولا يتسرى ، وكذا في صورة اشتراط تسليم المهر إلى أجل.
وقد صرح في
المسالك بأن في المسألة وجها أو قولا بصحة العقد دون المهر ، ثم شرح ذلك بما هو
مذكور ثمة وهو اجتهاد في مقابلة النصوص ، ومن ثم أعرضنا عن ذكره
وطوينا الكلام دون نشره ، فإن مقتضى النصوص المذكورة هو صحة العقد والمهر وبطلان
الشرط خاصة ، والله العالم.
المسألة
الخامسة : اختلف الأصحاب فيما لو شرطت أن لا يفتضها على أقوال : (أحدها)
ما ذهب إليه الشيخ في النهاية من لزوم الشروط وصحة العقد في الدائم والمنقطع ، وبه
قال جمع من الأصحاب منهم المحقق في الشرائع ، والشارح في المسالك.
__________________
قال في النهاية
: لو شرطت عليه في حال العقد أن لا يفتضها لم يكن له افتضاضها فإن أذنت له بعد ذلك
في الافتضاض جاز له ذلك.
وقال المحقق في
الشرائع : وإذا شرط أن لا يفتضها لزم الشرط ، ولو أذنت بعد ذلك جاز عملا بإطلاق
الرواية ، وقيل : يختص لزوم هذا الشرط بالنكاح المنقطع وهو تحكم.
واستدلوا على
ذلك بما تكرر من الحديث المستفيض
«المؤمنون عند
شروطهم».
وما رواه الشيخ
عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له : رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوجه
نفسها ، فقالت : أزوجك نفسي على أن تلتمس مني ما شئت من نظر والتماس ، وتنال مني
ما ينال الرجل من أهله إلا أنك لا تدخل فرجك في فرجي وتلذذ بما شئت فإني أخاف
الفضيحة ، قال : ليس له منها إلا ما اشترط».
ورواه في
الكافي عن عمار بن مروان عن أبي عبد الله عليهالسلام مثله.
وعن إسحاق بن
عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له رجل تزوج بجارية عاتق على أن لا يفتضها ،
ثم أذنت له بعد ذلك ، قال : إذا أذنت له فلا بأس».
والرواية
الأولى دالة على جواز اشتراط عدم الوطي مطلقا ، وإن لم يكن بطريق الافتضاض ، وهما
بإطلاقهما شاملتان للعقد الدائم والمنقطع.
و (ثانيها) ما
ذهب إليه الشيخ في المبسوط من بطلان الشرط والعقد معا في الدائم وصحة الشرط في
المنقطع ، وهو مذهب العلامة في المختلف وولده في الشرح
__________________
واختاره المحقق الشيخ علي في شرح القواعد والسيد السند في شرح النافع ، قال في المبسوط : إذا كان
الشرط يعود بفساد العقد مثل أن تشترط الزوجة عليه أن لا يطأها فالنكاح باطل ، لأنه
شرط يمنع المقصود بالعقد ، قال : وقد روى أصحابنا أن العقد صحيح والشرط صحيح ولا
يكون له وطؤها ، فإن أذنت فيما بعد كان له ذلك ، قال : وعندي أن هذا يختص عقد
المتعة دون عقد الدوام ، ومثله قال القطب الكيدري.
قال في المختلف
بعد نقل الأقوال في المسألة : والوجه عندي ما قاله الشيخ في المبسوط من بطلان
العقد والشرط معا ، أما الشرط فلأنه مناف لمقتضى العقد ، ومن أهم مقتضياته حصول
التناسل ، وهو يستدعي الوطي ، وأما العقد فلعدم الرضاء به بدون الشرط.
واحتجوا على
الجواز في المنقطع بأن المقصود الأصلي من التمتع التلذذ وكسر الشهوة دون التوالد
والتناسل ، وذلك لا يستدعي الوطي ، وعليه نزلوا الروايتين المذكورتين.
قال في المسالك
: وهذا لا يخلو من التحكم كما قاله المصنف ، لأن النص مطلق ، والمقاصد في النكاح
مطلقا مختلفة ، وجاز أن يكون المطلوب من الدائم ما ادعوه في المنقطع وبالعكس ، ولا
يعتبر في صحة العقد تتبع غايته ، ولا رعاية مقاصده الغائية ، بل يكفي قصد بعضها ،
وهو متحقق في المتنازع فيهما ، انتهى ، وهو جيد.
و (ثالثهما) ما
ذهب إليه ابن إدريس وجماعة من فساد الشرط في الدائم
__________________
والمنقطع ، وصحة العقد ، قال في كتاب السرائر : إن شرط ما يخالف الكتاب
والسنة كان العقد صحيحا ، والشرط باطلا ، وروى أنه إن شرطت عليه في حال العقد أن
لا يفتضها لم يكن له افتضاضها ، فإن أذنت له بعد ذلك في الافتضاض جاز له ذلك ،
فأوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته إيرادا لا اعتقادا ، لأنه رجع عنه في مبسوطه ،
وقال : ينبغي أن يخص هذه الرواية بالنكاح المؤجل دون الدوام ، لأن المقصود من ذلك
الافتضاض ، والذي يقتضيه المذهب الأول ، إذ الشرط باطل لأنه مخالف لموضوع الكتاب
والسنة ، ولأن الأصل براءة الذمة من لزوم هذا الشرط ، والإجماع غير منعقد عليه ،
بل ما يورد ذلك إلا في شواذ الأخبار ، انتهى.
أقول : أما ما
ذهب إلى بطلان العقد استنادا إلى تلك القاعدة التي قرروها ، والضابطة التي
اعتبروها فهو مردود بما قدمنا تحقيقه في غير موضع من أن أكثر الأخبار خرجت على
خلاف هذه الضابطة وإن دل بعضها على اعتبارها ، فهي حينئذ لا تصلح لأن تكون ضابطة
كلية ترد في مقابلتها الأخبار ، بل الواجب هو العمل على الأخبار في كل حكم وأفقت
تلك الضابطة أو خالفتها ، ومع عدم وجود خبر فالتوقف في المسألة والرجوع إلى
الاحتياط.
وأما من ذهب
إلى فساد الشرط فهو أيضا مبني على ما ذكروه وادعوه من أن الغرض من النكاح الدائم
والتوالد والتناسل الذي يتوقف على الجماع ، وأنه بذلك يكون هذا الشرط مخالفا
للكتاب والسنة.
وفيه ما ذكره
شيخنا الشهيد الثاني فإنه كلام موجه ، ويرجع ذلك إلى منع مخالفة الكتاب والسنة ،
فإنه حيث دل الخبر على صحة اشتراطه فلا مخالفة فيه ، وأنه شرط سائغ كغيره من
الشروط السائغة ، والغرض من النكاح غير منحصر في الجماع ولا طلب الولد فإن كان هو أعظم غاياته.
بقي الكلام في
الأخبار المذكورة ، ولا ريب أن ظاهرها العموم للنكاح الدائم
__________________
والمنقطع ، إلا أن احتمال الحمل على المنقطع قائم بقرينة ذكر خوف الفضيحة
في الرواية الاولى.
و (رابعها) ما
ذهب إليه ابن حمزة وهو كقول ابن إدريس في الدائم مع الحكم بصحتها في المنقطع ، قال
ـ على ما نقله عنه في المختلف ـ : الشرط الذي لا يقتضيه العقد ويخالف الكتاب
والسنة يبطل الشرط ، دون العقد ، وهي تسعة ، اشتراطها عليه أن لا يتزوج عليها في
حياتها وبعد وفاتها ولا يتسرى ولا يجامعها إلا في نكاح المتعة.
أقول : ووجهه
يعلم مما تقدم ، وكيف كان فإن المسألة لما عرفت لا تخلو من شوب الاشكال ، وإن كان
الأقرب هو القول الأول وينبغي التنبيه على أمرين :
الأول : المذكور
في كلام الأصحاب في هذا المقام هو اشتراط عدم الافتضاض ، والظاهر جريان الحكم في
الوطي مطلقا كما تضمنه خبر سماعة ، وحينئذ فيجري فيه الكلام كما في الافتضاض ، وهل
اشتراط عدم التقبيل ونحوه ومن مقدمات الوطي معه كذلك؟ قال في شرح القواعد : لم أقف
فيه على شيء ، وإلحاقه باشتراط عدم الوطي ليس ببعيد ، وينبغي أن يستوي في ذلك
الدوام والمتعة ، انتهى.
وقال في
المسالك : ولو اشترط ترك بعض مقدمات الوطي ففي إلحاقه باشتراط تركه وجهان : من
مساواته له في المقتضي ، واختصاص الوطي بالنص ، وفي الأول قوة ، لضعف المخصص.
أقول : لا يخفى
أن المقتضي لاشتراط عدم الوطي هو خوف الفضيحة كما تضمنه الخبر الأول ، وهذا لا
يجري في مقدمات النكاح من تقبيل ونحوه ، ومورد النص هو الوطي خاصة والخروج عنه إلى
تلك الأمور قياس لا يوافق أصول المذهب ،
__________________
وهو قد عمل بمقتضى النص ، ووافق الشيخ في النهاية فيما أفتى به عملا بالنص
المذكور ، وكيف يطعن فيه بالضعف هنا ، وهو قد عمل به في الأصل المسألة؟
الثاني : قد
عرفت أنه على القول بصحة شرط عدم الافتضاض فإنه يلزم ولا يجوز له الاقتضاض ، فإذا
أذنت بعد ذلك ففي جوازه قولان :
(أحدهما)
الجواز ، وبه قطع الشيخ والمحقق فيما تقدم من عبارتيهما ، وعليه دل خبر إسحاق بن
عمار ، وعلل أيضا بأن المنع حق لها فيزول بإذنها إذ الزوجية متحققة.
و (ثانيهما)
العدم ، لأن الفروج لا تحل بالاذن بل بالعقد ، ولما لم يكن العقد مثمرا للحل لم
يكن للاذن اعتبار.
وأجيب عنه بأن
السبب في الحل هو العقد المتقدم ، لا مجرد الإذن ، غاية الأمر أن الشرط كان مانعا
من عمل السبب عمله ، وبالاذن يرتفع المانع ، وظاهر المحقق الشيخ علي في شرح
القواعد اختيار الثاني محتجا بما نقلناه ، وأن الرواية ضعيفة ، وفيه ما عرفت من
الجواب عما احتج به ، والطعن بضعف الرواية غير مسموع عندنا.
وقال في شرح
النافع ـ بعد ذكر دليل القول الثاني وجوابه ـ : والمسألة محل تردد ، وإن كان القول
بالجواز لا يخلو من قرب ، والظاهر أن منشأ التردد عنده ضعف الرواية الدالة على
الجواز.
وبالجملة
فالعمل على ما دل عليه الخبر ، ولا يلتفت إلى هذه التعليلات في مقابلته.
المسألة
السادسة : اختلف الأصحاب فيما إذا اشترط أن لا يخرجها من بلدها ،
فقيل : يلزم الشرط ، وهو قول الشيخ في النهاية ، قال في الكتاب المذكور : ومتى شرط
الرجل لامرأته في حال العقد أن لا يخرجها من بلدها لم يكن له أن يخرجها إلا برضاها
، وتبعه على ذلك جمع من الأصحاب منهم ابن حمزة وابن البراج
والعلامة في المختلف والإرشاد والشهيد في اللمعة وشرح نكت الإرشاد ، وظاهر
المحقق في الشرائع التوقف فيه ، حيث قال : قيل يلزم وهو المروي ، فإن نسبته إلى
قيل ثم إلى الرواية مما يؤذن بتمريضه والتوقف فيه ، ونحو ذلك عبارة العلامة في
القواعد أيضا.
ويدل عليه
صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي العباس عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يتزوج امرأة ويشترط لها أن لها يخرجها من بلدها ، قال : يفي له
لذلك (أو قال :) يلزمه ذلك».
وما رواه في
التهذيب عن علي الميثمي عن ابن عمير قال : «قلت لجميل ابن دراج
: رجل تزوج امرأة وشرط لها المقام بها في أهلها أو بلد معلوم ، فقال : قد روى
أصحابنا عنهم عليهمالسلام أن ذلك لها ، وأنه لا يخرجها إذا شرط ذلك لها».
ويدل عليه
عموما أيضا ما رواه في التهذيب عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام «أن عليا عليهالسلام كان يقول : من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فإن
المؤمنين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما».
ويؤكده أيضا أن
ذلك شرط مقصود للعقلاء ، والأغراض تتعلق باللبث في المنازل والاستيطان في البلدان
التي حصل بها الأنس ، والنشوء بين الأهل ورعاية مصلحتها وذلك أمرهم ، فجاز اشتراطه
لهذه الأغراض الصحيحة المترتبة عليه.
وذهب ابن إدريس
إلى بطلان الشرط وصحة العقد ، وتبعه عليه جميع منهم المحقق الشيخ علي في شرح
القواعد ، ونقل أيضا عن الشيخ في المبسوط والخلاف
__________________
قالوا : لأن الاستمتاع بالزوجة في جميع الأزمنة والأمكنة حق للزوج بأصل
الشرع فإذا شرط ما يخالفه بطل.
وأجابوا عن
الرواية الأولى حيث إنها هي المتداولة في كلامهم بالحمل على الاستحباب ، وفيه أن
الحمل على الاستحباب ـ الذي هو خلاف الظاهر ـ فرع وجود المعارض الأقوى ، والمعارض
هنا ليس إلا هذا التعليل ، وضعفه ظاهر للمتأمل بعين الإنصاف.
فإن فيه (أولا)
إن ما ادعى من كون الاستمتاع في جميع الأزمنة والأمكنة حقا للزوج إن أريد مع عدم
الشرط فهو مسلم ولا يضرنا ، وإن أريد ولو مع الشرط فهو محل البحث وعين المتنازع
فيه ، فالاستدلال به مصادرة محضة.
و (ثانيا) إنه
لا تخفى أن الشروط إنما هي بمنزلة الاستثناء في الكلام الذي هو عبارة عن إخراج ما
لو لا استثناء لدخل بمعنى أن مقتضى العقد هو الدخول ولكن بالاشتراط يجب خروجه ،
ولو كان اشتراط ما يخالف الثابت بالعقد والشرع باطلا للزم بطلان جميع الشروط
المخالفة لمقتضى العقد كاشتراط تأجيل المهر ، وإسقاط الخيار في البيع ، وانتفاع
البائع بالمبيع مدة معينة ، وكذا المشتري بالثمن مدة معينة ، وهو معلوم البطلان ،
والمستفاد من الأخبار أن البطلان في الشروط إنما هو باعتبار المخالفة للكتاب
والسنة ، وهو المشار إليه بقولهم في تلك الأخبار ، ومنها الرواية التي قدمناها ما
أحل حراما أو حرم حلالا ، وبذلك يظهر لك ضعف القول المذكور وأنه بمحل من القصور ،
سيما بعد دلالة الأخبار الواضحة عليه كما عرفت عموما وخصوصا ، وينبغي التنبيه على
أمور :
الأول : قد نقل جملة من الأصحاب منهم المحقق الشيخ على كما
تقدم موافقة مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف لما ذهب إليه ابن إدريس من بطلان الشرط
، وصحة العقد في صورة اشتراط أن لا يخرجها من بلدها ، والموجود في عبارة الشيخ في
الكتابين إنما هو اشتراط أن لا يسافر بها ، ولهذا اعترضهم في المسالك بأن
عد الشيخ من جملة القائلين بالمنع في المسألة كابن إدريس وغيره ليس كذلك ،
قال : لأن السفر أمر آخر غير الخروج من البلد كما لا يخفى والخروج من البلد قد
يصدق من غير السفر ، انتهى.
أقول : الظاهر
أن ما استدركه ـ رحمهالله ـ على الأصحاب ليس في محله لعدم خطور هذه التدقيقات ـ التي
جرى عليها هو وغيره من المتأخرين ـ ببال الشيخ ، وذكره عدم السفر إنما أراد به عدم
الخروج تجوزا على الغالب من أن الخروج عن البلد لأجل الاستيطان إنما يكون بالسفر.
الثاني : قد
صرح في المسالك وغيره في غيره بأنه على قدير القول بصحة الشرط هنا ، فهل يتعدى
الحكم إلى شرط أن لا يخرجها من منزلها ومن محلها أم لا؟ وجهان ، من مشاركته النصوص
في الحكمة الباعثة على الحكم وعموم الأدلة الأخرى ، ومن عدم النص وبطلان القياس.
وقطع الشهيد في اللمعة بالأول ، واختاره السيد السند في شرح النافع ، وقواه جده في
المسالك.
وبالثاني صرح
المحقق الشيخ علي في شرح القواعد معللا له بأن اشتراط ذلك على خلاف الأصل لما
قلناه من أن سلطنة إسكان الزوجة بيد الزوج ، فيقتصر فيه على مورد النص ، قال :
والأصح عدم التعدي.
أقول : لا يخفى
أن كلام كل من هذين القائلين وما اعتمد عليه في البين مبني على أنه ليس في المسألة
إلا صحيحة أبي العباس المذكورة التي موردها الإخراج من البلد ، فإنها هي المتداولة
في كلامهم ، والجارية في هذا المقام على رؤوس أقلامهم ، وأما على ما نقلناه من
الخبرين الأخيرين فإنه لا إشكال في صحة التعدي إلى ما ذكروه من هذه المواضع.
فإن (الأولى)
منهما دلت على أنه لو شرط لها المقام في أهلها أو بلد معلوم وجب عليه الوفاء به ،
والأول منهما هو ما ذكروه من أنه شرط لها أن لا يخرجها من منزلها.
و (الثانية)
منهما قد دلت على أن من شرط لامرأته شرطا فليف به ،
وعلله بالخبر المستفيض ، ولا ريب أن المفروض هنا من قبيل ذلك ، وحينئذ
فالواجب هو الاستدلال بما ذكرناه من الأخبار ، ولا يحتاج إلى ما بنوه عليه ،
ووقعوا به بسببه في التردد من تلك الوجوه ، إلا أنهم لعدم الاطلاع على هذه الأخبار
في عذر مما أوردناه عليهم ، ثم إنه مع قطع النظر عن هذين الخبرين والرجوع إلى ما
ذكروه من التعليلات ، فالظاهر تعدي الحكم إلى هذه المذكورات عملا بعموم الأدلة
الدالة على وجوب الوفاء بالشروط إلا ما استثني ، وليس هذا منه ، وبه يندفع ما قيل
من أنه قياس فإن العمل كما يجب بالأدلة الخاصة كذلك بالعمومات مع عدم التخصيص ،
وما استند إليه المحقق الشيخ علي من أن سلطنة إسكان الزوجة بيد الزوج قد عرفت
الجواب عنه آنفا.
الثالث : هل
يسقط هذا الشرط بإسقاطه بعد العقد؟ قيل : لا ، لأن الذي يعقل سقوطه بالإسقاط هو
الحق الثابت واستحقاق السكنى يتجدد بتجدد الزمان ، فلا يسقط بالإسقاط كالنفقة ،
ويحتمل السقوط كما في إسقاط الخيار ، وهبة مدة المتمتع بها ، وتوقف لذلك السيد
السند في شرح النافع.
أقول : لا ريب
أن الشرط المذكور هو أن لا يخرجها من البلد ، وإسقاطه هو الرضاء بالخروج ، ولا ريب
في أنه مع الرضاء بالخروج مع طلب الزوج ذلك ، فإن الواجب شرعا هو الخروج لوجوب طاعته
بمقتضى الأدلة ، ولا معارض لها هنا مع رضاها ، ولو تم ما ذكروه من عدم السقوط
بإسقاطها الشرط المذكور لكان لها التخلف عن طاعته بغير عذر شرعي ، وهو باطل ،
والظاهر أن ما ذكروه من عدم السقوط بالإسقاط إنما هو بالنسبة إلى الحق المالي الذي
يتجدد بتجدد الزمان كنفقة الزوجة مثلا ، لا مطلق الحق ، والحق الذي لها هنا هو عدم
الخروج ومتابعته فيه لا السكنى كما ذكروه ، فإذا أسقطت حقها ورضيت بالخروج سقط
ووجب عليها الخروج مع طلب الزوج ذلك.
المسألة
السابعة : لو شرط لها مائة دينار إن خرجت معه ، وخمسين إن
لم تخرج معه ، فإن أخرجها إلى بلد الشرك يبطل شرطه ولزمته المائة ، وإن
أخرجها إلى بلاد الإسلام لزم الشرط.
والمستند في
هذا الحكم ما رواه الكليني في الحسن عن علي بن رئاب عن أبي الحسن موسى عليهالسلام قال : «سئل وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة على مائة دينار
على أن تخرج معه إلى بلاده» فإن لم تخرج معه فمهرها خمسون دينار ، أرأيت إن لم
تخرج معه إلى بلاده؟ قال : فقال : إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الشرك فلا شرط له
عليها في ذلك ، ولها مائة دينار التي أصدقها إياها ، وإن أراد أن يخرج بها إلى بلد
المسلمين ودار الإسلام فله ما اشترط عليها ، والمسلمون عند شروطهم ، وليس له أن
يخرج بها إلى بلاده حتى يؤدي إليها صداقها ، أو ترضى من ذلك بما رضيت وهو جائز له».
أقول : لا ريب
أن هذه المسألة من فروع المسألة السابقة ، فكل من منع من صحة هذا الشرط ثمة كابن
إدريس ومن تبعه منع من الصحة هنا ، وإن صح العقد.
ومن جوز الشرط
وقال بصحته ثمة ، فبعض منهم قالوا بذلك هنا أيضا ، وبعض توقف وتنظر هنا.
ومن الأولين
الشيخ في النهاية وجماعة منهم العلامة في أكثر كتبه ، والمحقق في النافع عملا
بالخبر المذكور وعموم الأمر بالوفاء بالشروط.
ومن الآخرين
المحقق في الشرائع فإنه حكم بالصحة في المسألة الاولى ، وتردد في هذه المسألة.
ثم إن قوله عليهالسلام في الجواب «إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الشرك» إلى
آخره معناه أنه لما اشترط عليها أن يخرج إلى بلاده ، وهو أعم من أن يكون بلاد
الإسلام أو بلاد الشرك أراد عليهالسلام إيضاح الحكم بالنسبة إلى كل
__________________
من الفردين ، فقال : إن كان بلاده التي شرط الخروج إليها بلاد الشرك فإنه
لا شرط له عليها في ذلك ، بمعنى أن شرطه باطل ، والوجه فيه ظاهر ، لما في الإقامة
في بلاد الشرك من الشرر بالمسلم في دينه ، فلا يجب عليها إطاعته ، وكان لها مجموع
المائة الدينار التي أصدقها إياها ، وإن كان بلاده بلاد الإسلام فله ما اشترط
عليها ، بمعنى أنه يجب عليها متابعته والوفاء بما شرطه عليها من الخروج إلى بلاده
، لدخوله في الحديث المشهور
«المسلمون عند
شروطهم».
بقي هنا شيء ،
وهو أنه قد طعن جملة من الأصحاب في متن هذه الرواية بمخالفتها لمقتضى الأصول في
مواضع : (أحدها) مجهولية المهر وعدم تعينه ، حيث جعله مائة على تقدير ، وخمسين على
تقدير.
و (ثانيها) إنه
أوجب فيها مائة دينار على تقدير إرادة الخروج بها إلى بلاد الشرك ، وإنه لا شرط له
عليها ، بمعنى أنه لا يجب عليها الخروج معها مع أنه خلاف الشرط الذي وقع العقد
عليه ، لأن استحقاق المائة إنما وقع على تقدير الخروج معه إلى بلاده كائنة ما كانت
، فكيف تستحق المائة مع عدم الخروج؟
و (ثالثهما)
الحكم بعدم جواز إخراجها إلى بلاده ـ وإن كانت دار الإسلام ـ إلا بعد أن يعطيها
المهر الشامل لما لو كان ذلك قبل الدخول وبعده ، مع أنه بعد الدخول لا يجوز لها
الامتناع عند أكثر الأصحاب ، كما تقدم على أنه لا يجب عليه إعطاء المهر مطلقا من
دون أن تطلبه ، مع أنه قد حكم في الرواية بعدم جواز خروجه بها إلا بعد أن يؤدي
صداقها ، ولو لم تطلبه ، وربما كان منشأ تردد المحقق كما قدمنا نقله عنه من هذه
المخالفات التي اشتملت عليها الرواية ، وظاهر المحقق الشيخ علي في شرح القواعد
بناء على مذهبه في المسألة السابقة
__________________
من موافقة ابن إدريس في بطلان الشرط ، رد الرواية هنا بما اشتملت عليه من
هذه المخالفات مضافا إلى ما اعتمد من المخالفات التي ذكرها في تلك المسألة.
قال في المسالك
: والذي يوافق الأصل بطلان الشرط المذكور لما ذكرناه ، وبطلان المهر لكونه غير
معين ، وصحة العقد لعدم ارتباطه به كما سلف في نظائره ، ولعدم القائل ببطلانه ،
وإن كان محتملا ، وعلى هذا فيثبت لها مهر المثل لكونه مجهولا ابتداء ، ثم أورد على
نفسه جملة من الإشكالات في المقام. إلى أن قال : ولو عملنا بالرواية لجودة سندها
كان حسنا ، وسلمنا من هذا الاشكال ، ثم ذكر الاعتذار عن تلك المخالفات.
وقال سبطه
السيد السند في شرح النافع : والحق أنه إن بلغت الرواية من حيث السند حدا يجب معه
العمل بها ، وجب المصير إلى ما تضمنته من الأحكام ، إذ ليس فيها ما يخالف دليلا
قطعيا وإلا وجب ردها والرجوع إلى مقتضى الأصول المقررة ، وهو بطلان المسمى إن قدح
فيه مثل هذه الجهالة ، والرجوع إلى مهر المثل أو بطلان العقد من رأس ، لعدم الرضاء
به دون الشرط ، انتهى.
أقول : وكلامه
هنا كلام متردد ومتوقف ، ولعله من حيث إن الرواية ليست من قسم الصحيح باصطلاحهم ،
وإنما هي من الحسن ، وكلامه فيه لا يخلو من اضطراب مع أن حسنها إنما هو بإبراهيم
بن هاشم الذي لا راد لحديثه ، بل عده في الصحيح جملة من أرباب هذا الاصطلاح.
ثم إنه لا يخفى
أنه قد تقدم في غير موضع من هذا الكتاب في كتب المعاملات مما لا يكاد يحصى كثرة من
ورود الأحاديث على خلاف قواعدهم المقررة وضوابطهم المعتبرة واضطراب كلامهم في ذلك
، فما بين أن يعملوا بالأخبار في بعض تلك المواضع ، ويغمضون النظر عن تلك القواعد
، وما بين أن يردوا النصوص وقوفا على تلك القواعد ، وما بين أن يتكلفوا الجمع بين الجميع.
والحق هو
الوقوف على ما وردت به الأخبار كما قدمنا في غير موضع على
أن المخالفة الاولى مدفوعة بما تقدم في كتاب البيع من الأخبار الدالة على صحة البيع مع الترديد في الثمن
بين كونه نسبة بكذا وكذا ونقدا بكذا وكذا ، وقد ذكرنا ثمة صحة ذلك كما دلت عليه الأخبار
وإن كان خلاف قواعدهم ، وقد صرحوا أيضا بالصحة فيما لو قال : إن خطته كذا فلك كذا
، وإن خطته كذا فلك كذا ، وهذا كله مما يؤيد الصحة هنا مع أنه قد تقدم النقل عنهم
بالاكتفاء في المهر بالمشاهدة عن الكيل والوزن فيما يشترط فيه الكيل والوزن نظرا
إلى أن مثل هذه الجهالة غير مؤثرة في بطلان المهر ، لأنه ليس على حد المعاوضات
المشترطة فيها المعلومية من كل وجه ، وقد تقدم في المسألة الرابعة من البحث الأول
من المقصد الثاني في المهور ما فيه مزيد تأييد لما ذكرناه وتأكيد لما سطرناه ،
وبالجملة فالعمل على ما دل عليه الخبر في المقام ، وهكذا في غير هذا من الأحكام ،
والله العالم.
المسألة
الثامنة : المشهور بين الأصحاب بطلان النكاح بشرط الخيار ، وبه
قطع الشيخ في المبسوط وغيره من المتأخرين ، وعللوه بأن النكاح ليس من عقود
المعاوضات القابلة لخيار الشرط ، بل فيه شائبة العبادة ، فالشرط يخرجه عن وضعه ،
وحينئذ فيبطل الشرط ، وأما بطلان العقد فلأن التراضي لم يقع على العقد إلا مقترنا
بالشرط المذكور ، وإذا لم يتم الشرط لم يصح العقد مجردا لعدم القصد إليه كذلك ،
وصحة العقود مترتبة على القصود ، فليس إلا الحكم ببطلانهما معا وصحتهما معا ، لكن
لا سبيل إلى الثاني ، لمنافاته وضع النكاح كما عرفت ، فتعين الأول ، قال في
المسالك : وهذا هو الأقوى.
أقول : مبني
هذا الاستدلال على ثبوت هذه القاعدة التي تكررت في كلامهم ، وهي أن العقود بالقصود
، والقصد هنا إنما توجه للعقد المقرون بذلك الشرط ، وحينئذ فيبطل مع بطلان الشرط ،
لعدم القصد المذكور ، وفيه ما نبهنا
__________________
عليه في غير موضع مما تقدم من أن الأخبار الواردة في هذا المضمار تدفع هذه
القاعدة ، وتبطل ما يترتب عليها من الفائدة لتكاثرها بصحة العقد مع بطلان الشرط في
غير موضع من الأحكام.
وبذلك يظهر لك
قوة ما ذهب إليه ابن إدريس في هذه المسألة من صحة العقد وبطلان الشرط ، ووجهه ما
أشار إليه من وجود المقتضي لصحة العقد ، وهو اجتماع شرائط الصحة فيه ، لأنه الفرض
، وانتفاع المانع إذ ليس إلا اشتراط الخيار فيه وإذا كان العقد غير قابل للخيار
لنفي شرطه ، وعمل بمقتضى العقد لأصالة الصحة ، وعموم «أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ» كما لو اقترن بغيره من الشرائط الفاسدة ، فإن كل واحد
من العقد والشرط أمر منفك عن الآخر ، فلا يلزم من بطلان أحدهما بطلان الآخر ،
وبالغ في ذلك فقال : إنه لا دليل على البطلان من كتاب ولا سنة ولا إجماع ، بل
الإجماع على الصحة لأنه لم يذهب إلى البطلان أحد من أصحابنا ، وإنما هو تخريج
المخالفين وفروعهم ، إختاره الشيخ على عادته في الكتاب. انتهى ، وهو جيد لما عرفت.
وأما اشتراط
الخيار في الصداق فالظاهر أنه لا مانع من صحته وقد تقدم تحقيق القول في هذه المسألة
بكلا فرديها في المسألة السادسة من الفصل الأول في العقد.
المسألة
التاسعة : المشهور بين الأصحاب أن المرأة تملك المهر بمجرد العقد
، وإن كان الملك كملا لا يستقر إلا بالدخول ، فلو طلقها قبل الدخول رجع عليها
بنصفه إن كان قد دفعه إليها ، وخالف في ذلك ابن الجنيد ، فقال : الذي يوجبه العقد
من المهر المسمى النصف ، والذي يوجب النصف الثاني من المهر بعد الذي وجب بالعقد
منه هو الوقاع ، أو ما قام مقامه من تسليم المرأة نفسها لذلك.
__________________
احتج من ذهب
إلى الأول بقوله عزوجل «وَآتُوا النِّساءَ
صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» حيث أضاف الصداق إليهن ، ولم يفرق بين قبل الدخول وبعده
، وأمر أيضا بإيتائهن ذلك ، فثبت أن الكل لهن ، وأن الصداق عوض البضع ، فإذا ملك
الزوج البضع بالعقد وجب أن تملك المرأة عوضه لأن ذلك مقتضى المعاوضة ، وهذا الوجه
من حيث الاعتبار جيد.
ويدل على ذلك
أيضا موثقة عبيد بن زرارة المروية في الكافي ، وكذا موثقته المروية في التهذيب وقد تقدمنا في المسألة الثالثة ، وتقدم القول في تقريب
الاستدلال بهما ، ويدل على ذلك أيضا الأخبار الآتية إن شاء الله في مسألة موت أحد
الزوجين قبل الدخول الدالة على ان الزوجة المتوفى عنها زوجها قبل الدخول تستحق
المهر كملا.
ومنها صحيحة
منصور بن حازم قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يدخل بها ،
قال : لها صداقها كاملا وترثه وتعتد أربعة أشهر وعشرا كعدة المتوفى عنها زوجها».
والتقريب فيها
أنه لو كان الأمر كما يدعيه ابن الجنيد من أنها لا تملك بالعقد إلا النصف ، والنصف
الآخر إنما تملكه بالدخول والتمكين لما حكم عليهالسلام بأن الصداق بعد الموت لها كاملا ، إلا أنه قد تقدم في
المسألة المشار إليها دلالة رواية أبي بصير على ما ذهب ابن الجنيد بالتقريب الذي
ذكرناه ثمة ، ومن أجل ذلك بقي الإشكال في المسألة ، والعلامة في المختلف احتج لابن
الجنيد بأنه لو ملكت بالعقد لاستقر ولم يزل عن ملكها إلا بسبب ناقل كبيع ونحوه.
__________________
وما رواه يونس
بن يعقوب عن الصادق عليهالسلام قال : «لا يوجب المهر إلا الوقاع في الفرج».
وعن محمد بن
مسلم عن الباقر عليهالسلام قال : «سألته متى يجب المهر؟ قال : إذا دخل بها».
قال : وهو
يقتضي عدم الوجوب مع عدم الدخول ، ثم رده بما ملخصه : منع الملازمة في الأول ، فإن
الوجوب أعم من الاستقرار ، ولأن المتبادر من الوجوب اللزوم ، والاستقرار وانتفاؤه
قبل الدخول لا يقتضي انتفاء أصل الملك.
وبالجملة فإن
محل الاشكال إنما هو باعتبار دلالة ظاهر رواية أبي بصير المذكورة على ما ادعاه ،
وما أجيب به عنها قد عرفت ما فيه مما قدمناه في تلك المسألة ، ولا يحضرني الآن وجه
تحمل عليه.
ثم إن مما
يتفرع على الخلاف المذكور جواز التصرف لها في المهر قبل القبض وعدمه ، فمتى قلنا
بملكها له بمجرد العقد فإنه يجوز لها التصرف فيه قبل القبض وبعده عملا بالخبر
المشهور عنه صلىاللهعليهوآله
«الناس مسلطون
على أموالهم». وقضية التسلط جواز التصرف.
ونقل عن الشيخ
في الخلاف أنه منع منه قبل القبض استنادا إلى ما روي عنه صلىاللهعليهوآله «أنه نهى عن بيع ما لم يقبض». وبأن تصرفها بعد القبض جائز بالإجماع ، ولا
دليل على جوازه قبله ، وضعفه أظهر من أن يخفى.
أما (أولا)
فلأن النهي في الخبر على إطلاقه ممنوع ، ومورده إنما هو النهي عن بيع ما اشتراه
قبل قبضه لا مطلقا ، سلمنا ، لكن لا يلزم من النهي عن بيعه النهي عن مطلق التصرف
الذي هو المدعى ، لأن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم.
وأما (ثانيا)
فإنه يمكن حمل النهي على الكراهة جمعا.
__________________
وأما (ثالثا)
فلأن نفي الدلالة على جواز التصرف فيه قبل القبض ممنوع ، وسند المنع قد عرفته ،
والدليل لا ينحصر في الإجماع.
وأما (رابعا)
فإنه قد اعترف قبل هذا الكلام ـ في الكتاب المذكور كما نقله عنه في المختلف ـ بأن
المرأة تملك الصداق بالعقد ، وهو في ضمان الزوج إن تلف قبل القبض ، وهو ظاهر
المناقضة لما ذكره ، وبالجملة فإن كلامه هنا عليل لا يلتفت إليه ولا يعول عليه.
المسألة
العاشرة : قد عرفت أن الأشهر الأظهر هو وجوب المهر كملا بمجرد
العقد ، إلا أنه لا يستقر إلا بالدخول ، وأنه لا خلاف نصا وفتوى في استقراره
بالدخول. وعليه تدل الأخبار المستفيضة ، وقد تقدم شطر منها في المسألة الثانية من
هذا البحث ، وأنه ينتصف بالطلاق قبل الدخول من غير خلاف ، كما دلت عليه الأخبار ،
وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثالثة.
بقي الكلام هنا
في حكم المهر مع موت أحد الزوجين قبل الدخول ، وأنه هل ينتصف المهر بذلك أم لا؟
والواجب أولا
نقل ما وصل إلينا من كلامهم ، ثم نقل الأخبار الواردة في المقام ، والكلام فيها
بما يسر الله تعالى فهمه ببركة أهل الذكر عليهمالسلام.
فنقول : قال
الشيخ في النهاية : ومتى مات الرجل عن زوجته قبل الدخول بها وجب على ورثته أن
يعطوا المرأة المهر كاملا ، ويستحب لها أن تترك نصف المهر ، فإن لم تفعل كان لها
المهر كله. وإن ماتت المرأة قبل الدخول بها كان لأوليائها نصف المهر ، وتبعه ابن
البراج في الكامل ، وقال في المهذب : لورثتها المطالبة بالمهر ، وقطب الدين
الكيدري تابع الشيخ أيضا ، وقال ابن حمزة : يلزم المهر المعين بنفس العقد ، ويستقر
بأحد ثلاثة أشياء بالدخول والموت وارتداد الزوج .
__________________
وقال ابن إدريس
: متى مات أحد الزوجين قبل الدخول استقر جميع المهر كاملا ، لأن الموت عند محصلي
أصحابنا يجري مجرى الدخول في استقرار المهر جميعه ، وهو اختيار شيخنا المفيد في
أحكام النساء ، وهو الصحيح لأنا قد بينا بغير خلاف بيننا أن بالعقد تستحق المرأة
جميع المهر المسمى ، ويسقط بالطلاق قبل الدخول نصفه ، والطلاق غير حاصل إذا مات ،
فيقينا على ما كنا عليه من استحقاقه فمن ادعى سقوط شيء منه يحتاج إلى دليل ، ولا
دليل على ذلك من إجماع ، لأن أصحابنا مختلفون في ذلك ، ولا من كتاب الله تعالى ،
ولا تواتر أخبار ولا دليل عقلي ، بل الكتاب قاض بما قلناه ، والعقل حاكم بما
اخترناه ، ثم نسب كلام الشيخ في النهاية إلى أنها أخبار آحاد أوردها إيرادا لا
اعتقادا ، فلا رجوع عن الأدلة القاهرة اللائحة ، والبراهين الواضحة بأخبار الآحاد
التي لا توجب علما ولا عملا.
قال في المختلف
: وقول ابن إدريس قوي ، ثم قال في المختلف : تذنيب : لو مات الزوج قبل الدخول وجب
لها المهر كملا كما نقلناه في صدر المسألة.
وقال الصدوق في
المقنع : وفي حديث آخر إن لم يكن دخل بها وقد فرض لها مهرا فلها نصفه ، ولها
الميراث وعليها العدة ، وهو الذي أعتمده وأفتي به ، والوجه الأول لما تقدم ،
انتهى.
أقول : ظاهر
كلامه أنه لا مخالف في وجوب المهر كملا بموت الزوج إلا الصدوق في المقنع ، وقد
اقتفاه في نقل هذا القول من تأخر عنه ، والذي وقفت عليه في كتاب المقنع لا يساعد
ما تذكروه ، بل ظاهره إنما هو موافقة القول المشهور.
وهذه صورة
عبارته في النسخة التي عندي : والمتوفى عنها زوجها التي لم يدخل بها ، إن كان فرض
لها صداقا فلها صداقها الذي فرض لها ، ولها الميراث وعدتها أربعة أشهر وعشرا ،
كعدة التي دخل بها. وإن لم يكن فرض لها مهرا
__________________
فلا مهر لها ، وعليا العدة ولها الميراث. وفي حديث آخر إن لم يكن دخل بها
وقد فرض لها مهرا فلها نصفه ولها الميراث وعليها العدة.
هذه صورة ما في
الكتاب والظاهر منه هو الفتوى بما ذكره أولا من وجوب المهر كملا ، والقول بالنصف
إنما نسبه إلى الرواية مؤذنا بضعفه أو التوقف فيه ، كما هو الجاري في عبائر غيره ،
فقوله «وهو الذي أعتمده وأفتى به» يعني القول بالتنصيف لا أعرف له وجها ، وهذه
عبارته كما عرفت ، ولا يحضرني الآن نسخة اخرى من الكتاب المذكور ، فليتأمل في ذلك.
هذا وأما
روايات المسألة فمنها ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام «في الرجل يموت وتحته امرأة لم يدخل بها ، قال : لها نصف المهر ولها
الميراث كاملا وعليها العدة كاملة».
وما رواه في
التهذيب عن عبيد بن زرارة في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها ، قال : إن هلكت أو هلك
أو طلقها ولم يدخل بها فلها النصف وعليها العدة كملا ولها الميراث».
وما رواه في
الكافي عن عبد الرحمن بن حجاج في الصحيح عن رجل عن علي بن
الحسين عليهالسلام «أنه قال في المتوفى عنها زوجها ولم يدخل بها : أن لها نصف الصداق ولها
الميراث وعليها العدة».
وما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي
__________________
عبد الله عليهالسلام قال : «إن لم يكن دخل بها وقد فرض لها مهرا فلها نصف ما
فرض ولها الميراث وعليها العدة».
وعن زرارة في الصحيح قال : «سألته عن المرأة تموت قبل أن يدخل بها
أو يموت الزوج قبل أن يدخل بها؟ فقال أيهما مات فللمرأة نصف ما فرض لها ، وإن لم
يكن فرض لها ، فلا مهر لها».
وما رواه في
الكافي عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه قال في امرأة توفيت قبل أن يدخل بها ، ما لها من المهر؟ وكيف ميراثها؟
فقال : إذا كان قد فرض لها صداقا فلها نصف المهر ، وهو يرثها ، وإن لم يكن فرض لها
صداقا فلا صداق لها. وقال في رجل توفي قبل أن يدخل بامرأته ، قال : إن كان فرض لها
مهرا فلها نصف المهر ، وهي ترثه ، وإن لم يكن فرض لها مهرا فلا مهر لها».
ورواه في
التهذيب في الصحيح مثله إلى قوله «فلا صداق لها».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن عبيد بن زرارة وأبي العباس «قالا : قلنا لأبي عبد
الله عليهالسلام : ما تقول في رجل تزوج امرأة ثم مات عنها وقد فرض لها
الصداق؟ فقال : لها نصف الصداق وترثه من كل شيء ، وإن ماتت فهو كذلك».
وعن عبيد بن
زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام «في المتوفى عنها زوجها ولم يدخل بها ، قال : هي بمنزلة المطلقة التي لم
يدخل بها ، إن كان سمى لها مهرا فلها نصفه» الحديث.
__________________
وعن الصيقل
وأبي العباس في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام «في المرأة يموت عنها زوجها قبل أن يدخل بها ، قال : لها نصف المهر».
الحديث.
وما رواه في
الكافي والفقيه عن عبيد بن زرارة في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن امرأة هلك زوجها ولم يدخل بها ، قال : لها الميراث
وعليها العدة كاملة ، وإن سمى لها مهرا فلها نصفه ، وإن لم يكن سمى لها مهرا ، فلا
شيء لها».
وما رواه في
الفقيه في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن العلاء عن محمد بن مسلم
عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج المرأة ثم يموت قبل أن
يدخل بها ، فقال : لها الميراث ـ إلى أن قال : ـ وإن كان سمى لها مهرا يعني صداقا
فلها نصفه» الحديث.
وما رواه في
التهذيب عن الشحام عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل تزوج امرأة ولم يسم لها مهرا فمات قبل أن يدخل بها ، قال : هي
بمنزلة المطلقة».
هذا ما وقفت
عليه من أخبار التنصيف في موت الزوج.
وأما الأخبار
الدالة على الجميع فمنها :
ما رواه في
التهذيب عن سليمان بن خالد قال : «سألته عن المتوفى عنها زوجها
ولم يدخل بها ، فقال : إن كان فرض لها مهرا فلها مهرها وعليها العدة ولها الميراث
وعدتها أربعة أشهر وعشرا ، وإن لم يكن قد فرض لها مهرا فليس لها مهر ، ولها
__________________
الميراث وعليها العدة».
وعن الكناني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا توفي الرجل عن امرأته ولم يدخل بها فلها
المهر كله إن كان سمى لها مهرا وسهمها من الميراث ، وإن لم يكن سمى لها مهرا لم
يكن لها مهر وكان لها الميراث».
وعن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام «قال في المتوفى عنها زوجها إذا لم يدخل بها : إن كان فرض لها مهرا فلها
مهرها الذي فرض لها ولها الميراث» الحديث.
ورواه بسند آخر
عن زرارة مثله .
وعن منصور بن
حازم في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يدخل بها ،
قال : لها صداقها كاملا وترثه» الحديث.
وعن منصور بن
حازم قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : رجل تزوج امرأة وسمى لها صداقا ، ثم مات عنها ولم
يدخل بها ، قال : لها المهر كاملا ولها الميراث ، قلت : فإنهم رووا عنك أن لها نصف
المهر ، قال : لا يحفظون عني إنما ذلك في المطلقة».
أقول : هذا ما
حضرني من أخبار المسألة ، وهي كما ترى إنما اختلفت بالنسبة إلى موت الرجل وأكثرها
قد دل على التنصيف.
وأما بالنسبة
إلى موت المرأة فهي متفقة على التنصيف ، وليس في شيء منها
__________________
دلالة على استحقاق ورثتها لجميع المهر ، وبذلك يظهر لك ضعف قول من ذهب إلى
وجوب الجميع في هذه الصورة ، ولا أعرف لهم مستندة في وجوب ذلك إلا وجوب المهر بأصل
العقد كما هو ظاهر كلام ابن إدريس فيستصحب الحكم المذكور.
وفيه أنهم قد
خرجوا عن ذلك في الطلاق بورود الأخبار الدالة على التنصيف ، والأخبار هنا أيضا قد
اتفقت على التنصيف بغير معارض ، فيجب الخروج بها عن حكم الاستصحاب المذكور.
ولهذا قال
الشيخ ـ رحمهالله ـ في التهذيب : على أن الذي اختاره وأفتي هو أن أقول :
إذا مات الرجل عن زوجته قبل الدخول بها كان لها المهر كله ، وإن ماتت هي كان
لأوليائها نصف المهر ، وإنما فصلت هذا التفصيل ، لأن جميع الأخبار التي قدمناها في
وجوب المهر فإنها تتضمن إذا مات الزوج ، وليس في شيء منها أنها إذا ماتت هي كان
لأوليائها المهر كاملا ، وأنا لا أتعدى الأخبار. وأما ما عارضها من التسوية بين
موت كل واحد منهما في وجوب نصف المهر فمحمول على الاستحباب الذي قدمناه. وأما
الأخبار التي تتضمن أنه إذا ماتت كان لأوليائها نصف المهر ، فمحمولة على ظاهرها
ولست أحتاج إلى تأويلها ، وهذا المذهب أسلم لتأويل الأخبار انتهى كلامه.
أقول : أما ما
ذكره بالنسبة إلى موت الزوجة فجيد لما عرفته. وأما بالنسبة إلى موت الزوج من أن
الواجب هو الجميع فمحل إشكال ، وإن كان هو المشهور في كلامهم ، إلا أن ظاهر صاحبي
الكافي والفقيه هو القول بالتنصيف حيث إنهما اقتصرا في نقل أخبار المسألة على
أخبار التنصيف ، ولم ينقلا شيئا من أخبار وجوب الجميع ، وإلى هذا يميل كلام
المحدثين الفاضل المحسن الكاشاني في الوافي ، والشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي
في الوسائل ، وإلى ذلك أيضا يميل كلام السيد السند في شرح النافع بعد الإشكال في
المقام ، وهو الأقرب عندي.
أما (أولا)
فلتكاثر الأخبار بالتنصيف كما عرفت منها ما نقلناه ، ومنها ما لم
ننقله مما ورد في مواضع من الأحكام.
منها ما رواه في
الفقيه عن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح في الصحيح عن أبي
عبد الله عليهالسلام «في أختين أهديتا إلى أخوين ـ ثم ساق الحديث إلى أن قال : ـ فإن ماتتا؟ قال
: يرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما ، ويرثانهما الزوجان ، قيل : فإن مات
الزوجان؟ قال : ترثانهما ولهما نصف الصداق».
وعن عبد العزيز
بن المهتدي عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يزوج ابنه يتيمة في حجره ، وابنه مدرك واليتيمة غير مدركة ، قال
: نكاحه جائز على ابنه ، فإن مات عزل ميراثها منها حتى تدرك ، فإذا أدركت حلفت
بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالنكاح ، ثم يدفع إليها الميراث ونصف
المهر» الحديث.
وفي صحيح أبي
عبيدة الحذاء وقد تقدم قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما وهما غير مدركين ـ إلى
أن قال : ـ قلت : فإن الرجل أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح ثم مات قبل أن تدرك
الجارية ، أترثه؟ قال : نعم يعزل ميراثها منه حتى تدرك فتحلف بالله ما دعاها إلى
أخذ الميراث إلا رضاها بالتزويج ، ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر» الحديث.
وفي حديث زرارة
عن أبي جعفر عليهالسلام «في جارية لم تدرك لا يجامع مثلها أو رتقاء ـ إلى أن قال : ـ قلت : فإن مات
الزوج عنهن قبل أن يطلق؟ قال : لها
__________________
الميراث ونصف الصداق وعليهن العدة».
وفي حديث عبد
الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل أرسل يخطب عليه امرأة وهو غائب فأنكحوا الغائب وفرضوا الصداق ، ثم
جاء خبره أنه توفي بعد ما سبق الصداق لها ، قال : إن كان أملك بعد ما توفي فليس
لها صداق ولا ميراث ، وإن كان أملك قبل أن يتوفى فلها نصف الصداق وهي وارثة وعليها
العدة».
ويؤيده مفهوم
الروايات الكثيرة الدالة على أنه لا يوجب المهر إلا الوقاع في الفرج ، وإذا أدخله
وجب الجلد والغسل والمهر ، ونحو ذلك من العبارات.
وأنت خبير بأن
أخبار المهر كملا ، وهي الأربع الروايات المتقدمة لا تبلغ قوة في معارضة هذه
الأخبار المستفيضة في أحكام عديدة ومواضع متفرقة ، فالواجب هو جعل التأويل في
جانبها لقلتها ورجحان ما عارضها بالكثرة والاستفاضة.
وأما (ثانيا)
فإنه قد نقل جملة من أصحابنا أن جمهور العامة على القول في هذه المسألة بوجوب
المهر كملا.
ويؤيده ما نقله
بعض أصحابنا عن كتاب ينابيع الأحكام في معرفة الحلال والحرام حيث قال : ويتقرر
المهر كله بالوطء ولو حراما وموت أحدهما ، لانتهاء العقد به ، وهو كاستيفاء
المعقود عليه به قبله. انتهى ، قال : وضابطه في الكتاب نقل مذاهبهم الأربعة ،
متفقة كانت أو مختلفة ، انتهى.
ويشير إلى ما
ذكرناه من حمل أخبار المهر كملا على التقية ، قوله في رواية منصور بن حازم الثانية
«قلت : فإنهم
رووا عنك أن لها نصف المهر ، قال : لا يحفظون عني إنما ذلك في المطلقة.
ويوضحه ما رواه
الثقة الجليل سعد بن عبد الله في بصائر الدرجات عن محمد
__________________
ابن أبي عمير عن جميل بن صالح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «أما أحد أجد أحدثه وإني لأحدث الرجل بالحديث ،
فيتحدث به فأوتى فأقول : إني لم أقله». فإن فيه إشعار بالشكاية من أصحابه في عدم
كتمان ما يحدث عن غير أهله ، وأنه إذا سئل بعد ذلك أنكر ما قاله أولا تقية ، ولا
يخفى أن الأمر هنا كذلك ، فإن قوله عليهالسلام بالتنصيف قد استفاض كما عرفت من هذه الأخبار التي
ذكرناها على وجه لا يقبل الإنكار ، فإنكاره عليهالسلام لذلك ، وقوله «لا يحفظون عني» بعد إفتائه بوجوب الجميع
إنما خرج مخرج التقية ، وهو بحمد الله سبحانه واضح لكل ذي فكر وروية ، وحمل رواية
التنصيف على الاستحباب ـ كما زعمه الشيخ ، بمعنى أنه يستحب للمرأة أخذ النصف خاصة
ـ أبعد بعيد لما عرفت من هذه الأخبار وتكاثرها في غير حكم من الأحكام مضافا إلى ما
عرفته في غير موضع مما تقدم مما في الحمل على الاستحباب ، وإن اتخذوه قاعدة كلية
في جميع الأبواب.
وبالجملة
فالظاهر عندي بالنظر إلى ما ذكرته من الأخبار هو القول بالتنصيف وحمل الأخبار المعارضة
على التقية التي هي في اختلاف الأخبار أصل كل بلية ، إلا أن لقائل أن يقول : إن
مرجع ما اخترعوه إلى ترجيح أخبار التنصيف باعتبار مخالفتها للعامة ، وأخبار الجميع
موافقة لهم عملا بالقاعدة المنصوصة من عرض الأخبار عند الاختلاف على مذهب العامة
والأخذ بخلافه ، وهو جيد إلا أنه يمكن أن يقال أيضا إن من القواعد عرضها ـ عند
الاختلاف ـ على الكتاب العزيز والأخذ بما وافقه ، وطرح ما خالفه ، وأخبار الجميع
موافقة له بقوله عزوجل «وَآتُوا النِّساءَ
صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» الشامل بإطلاقه لحال الحياة والموت ، وأخبار التنصيف
مخالفة له ، فيجب طرحها بمقتضى هذه القاعدة.
ويمكن الجواب
بأن الأمر وإن كان كذلك ، إلا أنه هنا لا يمكن العمل
__________________
بهذه القاعدة لما عرفت من تكاثر الأخبار الدالة على التنصيف ، وتعددها في
موارد عديدة بحث لا يمكن طرحها ، ولو جاز ردها على ما هي عليه من الاستفاضة وصحة
الأسانيد ورواية الثقات لها في الأصول المعتمدة ، لأشكل الحال أي إشكال ، وصار
الداء عضالا وأي عضال ، والتأويلات التي ذكرها الشيخ بعيدة غاية البعد ، لا وجه
للقول بها فلم يبق إلا طرحها بل الواجب تخصيص الآية بها كما جرى عليه الأصحاب في
غير موضع من نظائر هذه المسألة ، حسبما قدمناه في غير موضع ، ويبقى حمل تلك
الأخبار على التقية كما قلناه ، وهذه هو الأقرب ، والله العالم.
المسألة
الحادية عشر : قد عرفت أن الأشهر الأظهر هو أن المرأة تملك المهر بمجرد العقد إلا أنه متى
طلقها قبل الدخول عاد نصفه إلى الزوج ، وينبغي أن يعلم أن عود النصف إلى الزوج
مقيد بأن لا تعفو عن النصف الباقي لها ، فيصير الجميع للزوج حينئذ أو يعفو الذي
بيده عقدة النكاح ، لقوله عزوجل «وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ
مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما
فَرَضْتُمْ إِلّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ
النِّكاحِ» إلا أن من له عقدة النكاح ليس له أن يعفو عن الجميع ،
وأما هي فإن لها العفو عن الجميع كما تدل عليه الأخبار.
بقي الكلام في
من بيده عقدة النكاح أنه من هو؟ هل هو الولي الجبري الذي هو الأب أو الجد له؟ أو
هو مع من توليه أمرها في النكاح كان من كان؟ والأول مذهب أكثر الأصحاب ، ومنهم
الشيخ في الخلاف مدعيا عليه الإجماع ، والثاني قوله في النهاية ، وتلميذه القاضي.
والواجب أولا
نقل ما وصل إلينا من عباراتهم ثم عطف الكلام على نقل أخبار المسألة ، ثم الكلام في
المقام بما وفق الله سبحانه لفهمه منها ببركة أهل الذكر عليهمالسلام.
فنقول : قال
الشيخ في النهاية : الذي بيده عقدة النكاح الأب أو الأخ إذا
__________________
جعلت الأخت أمرها إليه ، أو من وكلته في أمرها ، فأي هؤلاء كان جاز له أن
يعفو عن بعض المهر ، وليس له أن يعفو عن جميعه.
وقال في كتاب
الخلاف : الذي بيده عقدة النكاح عندنا هو الولي الذي هو الأب أو الجد ، إلا أن
عندنا له أن يعفو عن بعضه ، وليس له أن يعفو عن جميعه.
وقال في كتاب
التبيان : قوله تعالى «إِلّا أَنْ يَعْفُونَ»
معناه من يصح
عفوها من الحرائر البالغات غير المولى عليها لفساد عقلها ، فيترك ما يجب لها من
نصف الصداق. وقوله «أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ
عُقْدَةُ النِّكاحِ» قال مجاهد والحسن وعلقمة أنه الولي ، وهو المروي عن
الباقر عليهالسلام والصادق عليهالسلام غير أنه لا ولاية لأحد عندنا إلا الأب والجد على البكر
غير البالغ ، فأما من عداهما فلا ولاية له إلا بتولية منها ، وروي عن علي عليهالسلام وسعيد بن المسيب وشريح أنه الزوج ، وروي ذلك أيضا في
أخبارنا ، غير أن الأول أظهر وهو المذهب ، ومن جعل العفو للزوج ـ قال : ـ له أن
يعفو عن جميع النصف ، ومن جعله للولي قال أصحابنا : له أن يعفو عن بعضه ، وليس له
أن يعفو عن جميعه ، وإن امتنعت المرأة من ذلك لم يكن لها ذلك إذا اقتضت المصلحة ،
ذلك عن أبي عبد الله عليهالسلام واختار الجبائي أن يكون المراد به الزوج ، لأنه ليس
للولي أن يهب مال المرأة.
وقال ابن
البراج : الذي بيده عقدة النكاح من الأب وغيره ممن تجعل المرأة إليه ذلك ، وتوليه
إياه يجوز له العفو عن بعض المهر ، ولا يجوز له العفو عن جميعه.
وقال ابن إدريس
: الذي يقوى في نفس ويقتضيه أصول المذهب ، ويشهد بصحته النظر والاعتبار والأدلة
القاهرة والآثار ، أنه الأب والجد من قبله مع حياته أو موته إذا عقدا على غير
البالغ ، فلهما أن يعفوا عما تستحقه من نصف المهر بعد الطلاق إذا رأيا ذلك مصلحة
لها ، ويكون المرأة وقت عفوهما غير بالغ ، فأما من عداهما أو هما مع بلوغها ورشدها
فلا يجوز لهما العفو عن النصف ، وصارا
كالأجانب ، لأنهما لا ولاية لهما في هذه الحال ، ولا يجوز لأحد التصرف في
مالها بالهبة والعفو وغير ذلك إلا عن إذنها للمنع من التصرف في مال الغير عقلا
وسمعا إلا بإذنه ، وليس في الآية متعلق سوى ما ذكرناه ، لأنه تعالى قال «إِلّا أَنْ يَعْفُونَ»
فدل هذا القول
أنهن ممن لهن العفو وهن الحرائر البالغات الواليات على أنفسهن في العقد والعفو
والبيع والشراء وغير ذلك ، ثم قال «أَوْ يَعْفُوَا
الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ»
معناه إن لم
يكن بالغات ، ولا واليات على أنفسهن ، فعند هذه الحال لا يلي عليهن عندنا سوى الأب
والجد بغير خلاف ، فلهما العفو بعد الطلاق عما تستحقه ، ولو لا إجماع أصحابنا ـ على
أن الذي بيده عقدة النكاح هو الأب والجد على غير البالغ ـ لكان قول الجبائي قويا ،
مع أنه قد ورد في بعض أخبارنا أنه الزوج.
قال في المختلف
بعد نقل هذه الأقوال : والتحقيق أن نقول : الزوجة إن كانت صغيرة كان ولي أمرها
الأب والجد له ، ولهما العفو عن جميع النصف وبعضه مع المصلحة في ذلك ، وإن كانت
بالغة رشيدة فالأمر لها. إلى آخره.
وأما الأخبار
الواردة في المسألة فمنها ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي في حديث قال : «وقال في
قول الله عزوجل «أَوْ يَعْفُوَا
الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ»
قال : هو الأب
والأخ والرجل يوصى إليه ، والرجل يجوز أمره في مال المرأة ، فيبيع لها ويشتري لها
فإذا عفى فقد جاز».
وما رواه في
الكافي والفقيه عن سماعة كما في الأول ، وعن الحلبي وأبي بصير وسماعة
كما في الثاني ، والخبر في الموثق على الأول والصحيح على الثاني عن
__________________
أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله عزوجل «وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ
فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي
بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ»
قال : هو الأب
أو الأخ أو الرجل يوصى إليه ، والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ، فتجيز ،
فإذا عفا فقد جاز». وفي الفقيه عوض قوله «فتجيز» «ويتجر» وهو أظهر.
قال في الفقيه : وفي خبر آخر «يأخذ بعضا ويدع بعضا ، وليس له أن يدع
كله».
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الذي بيده عقدة النكاح ، قال : هو الأب
والأخ والرجل يوصى إليه ، والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ويشتري فأي
هؤلاء عفا فقد جاز».
وما رواه العياشي
في تفسيره عن أبي بصير عن أبي جعفر عليهالسلام «في قول الله عزوجل «أَوْ يَعْفُوَا
الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ»
قال : هو الأب والأخ
والرجل يوصى إليه» الحديث كما هنا.
وعن أبي بصير
ومحمد بن مسلم في الصحيح كلاهما عن أبي جعفر عليهالسلام «في (الَّذِي بِيَدِهِ
عُقْدَةُ النِّكاحِ) ، فقال : هو الأب والأخ والموصى إليه ، والذي يجوز أمره
في مال المرأة من قرابتها فيبيع لها ويشتري ، قال : فأي هؤلاء عفا فعفوه جائز في
المهر إذا عفا عنه».
__________________
وعن ابن أبي
عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليهالسلام «في قوله تعالى «أَوْ يَعْفُوَا
الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ»
قال : يعني
الأب والذي توكله المرأة وتوليه أمرها من أخ أو قرابة أو غيرهما».
وعن عبد الله
بن سنان في الصحيح «قال (الَّذِي بِيَدِهِ
عُقْدَةُ النِّكاحِ) هو ولي أمرها».
ورواه العياشي
في تفسيره عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام مثله.
وعن رفاعة في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الذي بيده عقدة النكاح ، قال : الولي الذي يأخذ بعضا
ويترك بعضا ، وليس له أن يدع كله».
ورواه العياشي
في تفسيره عن رفاعة مثله ، إلا أن فيه قال : «هو الولي الذي يزوج
، ويأخذ بعضا ويترك بعضا». إلى آخر ما هنا.
وما رواه العياشي
في تفسيره عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد
الله عليهماالسلام «في قوله «إِلّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا
الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ»
قال : هو الولي
والذين يعفون عن الصداق أو يحطون عنه بعضه أو كله».
وعن إسحاق بن
عمار قال : «سألت جعفر بن محمد عليهالسلام عن قول الله «إِلّا أَنْ يَعْفُونَ»
قال : المرأة
تعفو عن نصف الصداق ، قلت «أَوْ يَعْفُوَا
الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ»
قال : أبوها
إذا عفا جاز ، وأخوها إذا كان يقيم بها وهو القائم عليها فهو
__________________
بمنزلة الأب يجوز له ، وإذا كان الأخ لا يقيم بها ولا يقوم عليها لم يجز
عليها أمره».
وعن محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام «في قوله «إِلّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا
الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ»
قال : الذي
يعفو عن الصداق أو يحط بعضه أو كله».
وعن سماعة «عن أبي عبد الله عليهالسلام «أَوْ يَعْفُوَا
الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ»
قال : هو الأب
والأخ والرجل الذي يوصى إليه والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ويشتري فأي
هؤلاء عفا فقد جاز ، قلت : أرأيت إن قالت ، لا أجيزها ، ما يصنع؟ قال : ليس لها
ذلك ، أتجيز بيعه في مالها ولا تجيز هذا».
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام «في قول الله «أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ
عُقْدَةُ النِّكاحِ» قال : هو الأخ والأب والرجل يوصى إليه ، والذي يجوز أمره
في مال يتيمة ، قلت : أرأيت إن قالت : لا أجيز ، ما يصنع؟ قال : ليس ذلك لها ، أتجيز
بيعه في مالها ولا تجيز هذا».
هذا ما حضرني
من أخبار المسألة ، والكلام فيها يقع في مواضع :
الأول : لا يخفى أن أكثر هذه الروايات إنما تدل على القول
الثاني الذي هو خلاف المشهور بينهم ، والأصحاب لم يذكروا دليلا عليه إلا صحيحة أبي
بصير ومحمد بن مسلم ، ورواية أبي بصير عارية عن الوصف بالصحة ، والعلامة في
المختلف حيث اختار القول المشهور رد رواية أبي بصير بأنها مرسلة.
وبالجملة فإنهم
لعدم إعطاء الوسع حقه في تتبع الأخبار يقعون في مثل هذه الإشكالات ، وسوء الاختيار
، كما لا يخفى على من نظر ما نقلناه من أخبار المسألة هنا من الكتب الأربعة وغيرها
، وليس فيها على تعددها ما تدل على المشهور
__________________
إلا صحيحة عبد الله بن سنان وصحيحة رفاعة ، مع أنهما غير صريحتين في الحصر
في الولي ، بل غايتهما أنهما بالنسبة إلى غيره مطلقات ، وقضية الجمع بينهما وبين
باقي الأخبار حمل إطلاقهما على ما فصلته الأخبار الباقية ، سيما مع ما عرفت من صحة
أسانيد كثيرة منها.
وبالجملة
فالظاهر بالنسبة إلى ما ذكرناه من الأخبار هو القول الثاني لما عرفت ، وإلا فالعمل
بما دلت عليه هاتان الروايتان وطرح باقي أخبار المسألة على كثرتها وصحة أكثرها مما
لا يتجشمه محصل ، على أنه متى كان جواز عفوه مشروطا بكونه وكيلا من جهتها في ذلك ،
فإنه لا مانع حينئذ من ذلك كما سيأتي ذكره.
الثاني : لا يخفى أن ما ذكره جملة من أصحابنا كما عرفت من كلام
الشيخ ـ رحمة الله ـ في التبيان وابن إدريس من ورود الرواية من طرقنا بتفسير «الَّذِي بِيَدِهِ
عُقْدَةُ النِّكاحِ» بالزوج ، لم نقف عليها فيما وصل إلينا من أخبار المسألة
وهي هذه التي ذكرناها ، ولو ثبت ورود خبر بذلك فالظاهر خرج مخرج التقية لاختصاص
هذا القول بالعامة وروايتهم له عن علي عليهالسلام كما تقدم في كلام الشيخ في التبيان ، على أن انطباق
الآية على ذلك لا يخلو من تعسف ، لأن العفو حقيقة إنما هو بمعنى الاسقاط ، فمعنى
عفو الزوجة عن النصف الباقي لها في ذمة الزوج بعد الطلاق يعني إسقاطه فيكون الجميع
للزوج ، وليس للزوجة شيء بالكلية ، وعفو الزوج ليس بهذه الكيفية ، بل هو عبارة عن
التزامه ما سقط بالطلاق ورده على على الزوجة ، فيكون المهر كملا للزوجة ، وهذا ليس
بإسقاط ، بل هو عكسه ، على أن صدق من بيده عقدة النكاح على الزوج أيضا لا يخلو من
تكلف ، فإن الظاهر أن الذي بيده عقدة النكاح إنما هو الموجب له ، وهو الذي يعقده
كالمرأة أو الولي دون القابل الذي هو الزوج.
وبالجملة فإن
هذا القول وإن طال في المسالك الذب عنه فهو بمحل من
الضعف ، لخلو أخبارنا عنه ، وعدم قائل به فيما أعلم ، فالاشتغال بغيره أهم.
الثالث : لا يخفى أن ظاهر هذه الأخبار أن أحد أفراد من بيده عقدة النكاح الذي يقوم
على المرأة ويبيع ويشتري لها قريبا كان كما تضمنه صحيح أبي بصير ومحمد بن مسلم ،
وغيره كما هو ظاهر الأخبار الباقية ، والأصحاب حملوه على أن يكون وكيلا في النكاح
أو العفو ، وإلا فمجرد قيامه بأمرها والبيع والشراء لها لا يسوغ له العفو عن مهرها
، لعدم دخوله في من بيده عقدة النكاح ، إذ لا يسوغ له تزويجها بمجرد ذلك ، إلا أن
الحمل على ذلك في غاية البعد عن ظواهر سياق أكثر الأخبار ، مثل رواية إسحاق بن
عمار المنقولة من تفسير العياشي وقوله في الأخ إن كان يقيم بها وهو القائم عليها «فهو
بمنزلة الأب يجوز له ، وإذا كان لا يقيم بها ولا يقوم عليها لم يجز عليها أمره»
فجعل مناط صحة العفو إنما هو القيام بأمرها وعدمه ، ولو كان الأمر منوطا بالتوكيل
ـ كما ذكره الأصحاب ـ لما حسن هذا الترديد ، ونحو ذلك قوله في روايتي سماعة وأبي
بصير المنقولتين من تفسير العياشي أيضا «أرأيت إن قال لا أجيز». إلى آخره ، وتعليله عليهالسلام إن ذلك ليس لها بأنها تجيز بيعه في مالها ولا تجيز هذا
، فإنه لو كان الأمر كما ذكره الأصحاب من أنه وكيل من جهتها في العقد والعفو أو في
العفو خاصة لكان الظاهر الرد لما قالته إنما هو ليس لها ذلك لأنها وكلته ، وجعلته
قائما مقامها في ذلك إلا أن مرسلة ابن أبي عمير ظاهرة فيما ذكره الأصحاب.
وبالجملة فإن
الأحوط هو ما ذكروه ، وإن كان انطباق أكثر الأخبار عليه في غاية البعد.
الرابع : أكثر الأخبار مطلق بالنسبة إلى عفو غيرها بأنه يعفو عن الكل أو البعض ،
وربما ظهر من بعضها جواز عفوه عن الكل أيضا ، إلا أن صحيحة رفاعة قد صرحت بأنه ليس
له العفو عن الكل ، وعليها ظاهر كلام الأصحاب ،
__________________
بل ربما ظهر من المبسوط والتبيان ومجمع البيان والراوندي في فقه القرآن
دعوى الإجماع عليه ، وفي المختلف وفاقا للجامع أن المصلحة إن اقتضت العفو عن الكل
جاز ، ومورد الصحيحة المذكورة هو الولي الشرعي ، وإطلاقها يقتضي جواز عفوه ، سواء
كان فيه مصلحة المولى عليه أم لا ، وأما هي فلها أن تعفو عن الجميع لأنه مالها ، ثم
إن الظاهر من الآية وأكثر الأخبار أن عفوها من النصف الذي لها إنما هو على جهة
الفضل والاستحباب ، وظاهر روايتي سماعة وأبي بصير المنقولتين عن تفسير العياشي
تحتم الإجازة عليها والرضاء اللهم إلا أن يحملا على الوكالة ، وأن الوكيل إذا تصرف
بعد الوكالة فليس للموكل فسخه ، بل يجب عليه إمضاؤه ، وربما قيد تحتم ذلك عليها
بما إذا اقتضته المصلحة ، قال في كتاب مجمع البيان : فإن امتنعت المرأة عن ذلك لم
يكن لها ذلك إذا اقتضته المصلحة عن أبي عبد الله عليهالسلام.
أقول : وهذه
الرواية لم تصل إلينا ولا وقفنا عليها ، فإن هذه روايات المسألة التي قدمناها ،
والروايتان الدالتان على ذلك خاليتان من هذا القيد.
وكيف كان فلا
أعرف للزوم ذلك إلا الوجه الذي ذكرته ، وهو أعم من أن تقتضيه المصلحة أم لا ،
وربما أشعر ظاهر هذا الكلام الذي ذكره في مجمع البيان بأن ذلك في صورة عفو الولي
بالنسبة إلى الصغيرة ، وأنه ليس لها بعد البلوغ رده إذا اقتضته المصلحة ، حيث إن
فعل الولي منوط بها ، إلا أن مورد الأخبار كما عرفت إنما هو بالنسبة إلى البالغة ،
والقائم بأمرها في بيع وشراء ونحوه كما عرفت.
الخامس : مقتضى إطلاق الآية والأخبار انتقال الجميع إلى الزوج بالعفو عن النصف
الباقي لها ، أعم من أن يكون المهر دينا أو عينا ، وبهذا صرح الشيخ في المبسوط
وأكثر الأصحاب وحمل على أن العفو بمعنى العطاء ، فيتناول الأعيان ، قال في المسالك
: وهو قوي لوروده بمعنى العطاء لغة كما سننبه عليه.
وقيل : إن
العفو مختص بالدين ، وأما العين فلا تنتقل إلا بلفظ الهبة أو
التمليك أو نحوهما ، لا بالعفو ، لأنه لا مجال فيه للأعيان ، كلفظ الإبراء
فلا يتناول إلا الدين.
وأجابوا عن
الآية بأن المراد من العفو معناه لا لفظه ، بمعنى إرادة حصول الملك للعفو عنه ،
بعبارة تقيد ذلك ، ولو كان المراد لفظه لتعين في الموضعين ، وهو منفي بالإجماع ،
وسمي نقله منها عفوا تنبيها على حصول فضيلة العفو والمدح ، فإن توقف النقل له على
صيغة شرعية ـ كما لو قال : ملكه هذا ـ فإنه يريد نقل ملكه إليه بلفظ شرعي يفيده
بأي لفظ ادعى معناه وإن لم يكن بلفظ التمليك.
أقول : الظاهر
عندي قوة هذا القول : وإن كان خلاف ما عليه الأكثر ، فإن الأول مبني على صحة كون
العفو بمعنى الإعطاء ، وما ادعاه شيخنا المتقدم ذكره من وروده بمعنى العطاء لغة لم
أقف عليه في كلام أحد من أهل اللغة ، والمذكور في كلامهم إنما هو الاسقاط.
قال في كتاب
المصباح المنير «وعفوت عن الحق : أسقطته» وغاية ما استند إليه ـ رحمهالله عليه ـ وهو الذي أشار إليه بقوله «كما سننبه عليه» هو
ما ذكره أخيرا حيث قال : والعفو كما يطلق على الاسقاط ، يطلق على الإعطاء كما
أشرنا إليه سابقا ، ومن الأول قوله تعالى «وَالْعافِينَ عَنِ
النّاسِ» أي التاركين ما لهم عندهم من مظلمة. ومن الثاني قوله
تعالى «يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ
الْعَفْوَ» أي الفضل من الأموال الذي يسهل إعطاؤه. وقوله تعالى «خُذِ الْعَفْوَ»
أي خذ ما أعطاك الناس من ميسور أخلاقهم ولا تنقص عليهم ، وغير ذلك فيصلح
للأمرين.
أقول : لا يخفى
أن غاية ما تدل عليه الآيتان هو كون العفو هنا بمعنى الميسور.
__________________
وعن الصادق عليهالسلام في تفسير الآية الأولى قال : العفو الوسط من غير إسراف
ولا إفتار.
وبالجملة
فالمراد ما يسهل إعطاؤه ، فأين هذا مما يدعيه من أن العفو بمعنى الإعطاء ،
والإعطاء إنما استفيد من لفظ آخر كقوله خذ في قوله «خُذِ الْعَفْوَ»
وينفقون في
قوله «ما ذا يُنْفِقُونَ»
لا من لفظ
العفو.
وبالجملة فإن
الاستدلال بذلك من مثله ـ رحمهالله ـ غريب عجيب كما لا يخفى على الأديب اللبيب والموافق
المصيب ، وحينئذ فالواجب على ما اخترناه أنه متى كان المهر دينا فإنه يصح بلفظ
العفو والهبة والإبراء ، والترك والاسقاط والتمليك ، لإفادة كل من هذه الألفاظ
المعنى المراد من إسقاط حقها الذي في ذمته ، وإن كان عينا وكان في يده فبلفظ التمليك والهبة ، ولا
يصح بلفظ الإبراء والاسقاط والترك لأن هذه الألفاظ ظاهرة عندهم في إسقاط ما في
الذمة ، وكذا لو كان في يدها فإنه يكفي التمليك والهبة بشرط القبض له من يدها كما
تقدم في الهبة دون التمليك ، قالوا : ولا بد من القبول على التقديرين إذا كان عينا
، والنصوص لا دلالة لها عليه.
السادس : قد صرحوا بأنه ليس لولي الزوج العفو من حقه كلا أو بعضا مع الطلاق ، لأن
العفو عن مال الغير بغير إذن المالك على خلاف الأصل ، فيجب الاقتصار فيه على مورد
الاذن والرخصة ، وهو ولي المرأة خاصة ، ولأنه لا غبطة للمولى عليه في ذلك ، وتصرف
الولي منوط بالمصلحة ، وإنما خرج عنها ولي المرأة بالنص الخاص ، ومن ثم منع بعضهم
من عفو ولي المرأة أيضا لذلك ، كما
__________________
تقدم في كلام ابن إدريس ، قالوا : ويتصور الولاية على الزوج مع وقوع طلاقه
عن مولى عليه فيما إذا بلغ فاسد العقل ، فإن للولي أن يطلق عنه مع المصلحة كما
سيأتي بخلاف الصبي ، ولو فسرنا من بيده عقدة النكاح بما يشتمل الوكيل كما هو القول
الآخر ، وهو الذي قد عرفت دلالة جل الأخبار عليه وإن كان خلاف المشهور دخل وكيل
الزوج في الحكم المذكور هنا كما يدخل وليه.
السابع
: ظاهر الآية
والأخبار المتقدمة هو أن القدر المعفو عنه ينتقل بمجرد العفو إلى من عفي له من زوج
أو زوجة ، ولا يتوقف على أمر آخر ، وهو لا يوافق ما فصله الأصحاب في هذا الباب مما
تقدمت الإشارة إليه ، وبسط جملة من الأصحاب الكلام عليه.
ونحن نذكر هنا
ملخص ما ذكره شيخنا في المسالك الذي أوضح فيه طرق الأحكام لكل قاصد وسالك ، قال :
ليس المراد من العفو الموجب لبراءة كل من الزوجين من حق الآخر كونه سببا تاما
بمجرده في نقل الملك أو البراءة منه ، بل المراد كونه سببا في ذلك ، أعم من أن
يكون تاما أو ناقصا أو متوقفا على شرط آخر ، وإن كان قد أطلق في الآية كون العفو
موجبا لسقوط الحق أو نقله ، لأن إطلاقه كذلك لا ينافي اعتبار أمر آخر.
إذا تقرر ذلك
فنقول : المهر إما أن يكون عينا أو دينا ، وعلى الأول إما أن يكون في يدها أو في
يده ، والثاني إما أن يكون في ذمتها ـ بأن قبضته وتلف في يدها ـ أو في ذمته ، وعلى
التقادير الأربعة إما أن يكون العافي الزوج أو أو الزوجة أو من يقوم مقامهما في
معناهما ، فتحقق الملك وانتقاله وسقوطه عن الذمة يتم بثمان صور :
الاولى : أن
يكون دينا في ذمة الزوج ، والعافي المرأة ، فتحصل براءة ذمته بمجرد عفوها ، لأن
العفو حينئذ بمنزلة الإبراء ، فلا يشترط فيه سوى اللفظ الدال عليه وإن لم يقبل من
عليه الحق على الأقوى ، وقد تقدم تحقيقه في باب
الهبة ، ويصح ذلك بلفظ العفو والإبراء والاسقاط والترك والهبة والتمليك
لاشتراك الجميع في الدلالة عليه.
الثانية :
الصورة بحالها ويكون عينا في يده فلا يكفي مجرد العفو ، لأن ذلك بمنزلة الهبة
لغيره ، بل لا بد من لفظ يدل عليه ، كلفظ الهبة والتمليك أو العفو على قول قوي ،
لا الإبراء والاسقاط وما شاكلهما ، ويشترط أيضا قبول المتهب ، ولا يشترط قبض جديد
، لأنه مقبوض بيده بالفعل ، ويلحقه حينئذ أحكام الهبة من اللزوم والجواز على ما
سبق تفصيله.
الثالثة :
الصورة بحالها بأن كان عينا في يده لكن كان هو العافي عن حقه ، فيشترط فيه ما
اشترط في السابقة من الإيجاب والقبول ، ويزيد اشتراط إقباضها إياه ، لأنه خارج عن
يدها.
الرابعة :
الصورة بحالها بأن كان هو العافي ، ولكن كان دينا في ذمته ، ولا ينقل بالإبراء وما
في معناه قطعا لاختصاصه بالدين في ذمة المعفو عنه لا العافي ، وينتقل بلفظ الهبة
لكن بشرط التسليم.
الخامسة : أن
يكون دينا في ذمتها وتكون هي العافية ، والحكم فيه كالسابقة ، والأقوى افتقاره إلى
العقد بعد التعيين فيهما لأن ذلك مقتضى الهبة ، ولا وجه هنا سواها ، وهذا هو الذي
اختاره الشيخ في المبسوط.
السادسة :
الصورة بحالها وهو كونه دينا في ذمتها لكن العافي هو الزوج ، وهنا ينزل منزلة
الإبراء كما مر في نظيره ، ويصح بجميع الألفاظ الستة ، ولا يفتقر إلى القبول على
الأقوى.
السابعة : أن
يكون عينا في يدها ، وهي العافية أيضا ، ويشترط فيه ما يشترط في الهبة من العقد
والإقباض.
الثامنة :
الصورة بحالها ، والعافي هو الزوج فيشترط فيه عقد الهبة ، ولا يشترط تجديد الإقباض
لحصوله في يدها ، واشترط الشيخ مضي مدة يمكن فيها قبض من
هي في يده ، والأقوى عدم اشتراطه ، وقد تقدم البحث في بابه ، انتهى ملخصا.
المسألة
الثانية عشر : المشهور في كلام الأصحاب بل الظاهر أنه لا خلاف فيه ، كما يفهم من المسالك
ونقل عن التذكرة أنه استند إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه أنه إن زوج الرجل
ولده الصغير وللولد مال ، فإن المهر في مال الولد ، وإن كان الولد فقيرا فالمهر
لازم للأب يخرج من أصل ماله لو مات ولم يدفعه ، وإن بلغ الولد وأيسر أو مات قبل
ذلك.
والذي وقفت
عليه من الأخبار في هذه المسألة ما رواه في الكافي عن الفضل ابن عبد الملك قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يزوج ابنه وهو صغير؟ قال : لا بأس ، قلت :
يجوز طلاق الأب؟ قال : لا ، قلت : على من الصداق؟ قال : على الأب إن كان ضمنه لهم
، وإن لم يكن ضمنه فهو على الغلام ، إلا أن يكون للغلام مال فهو ضامن له ، وإن لم
يكن ضمن» الحديث.
هكذا صورة
الخبر في الكافي على ما نقله في الوافي ، وفيه إشكال ، ونقله في المسالك «إلا أن
لا يكون للغلام مال» وهو الظاهر ، وهذه الخبر وصفه في المسالك بالصحة مع أن في
طريقه عبد الله بن محمد عن علي بن الحكم ، وعبد الله بن محمد هذا هو المشهور ببنان
أخو أحمد بن محمد بن عيسى ، وهو مجهول في كتب الرجال.
وعن عبيد بن
زرارة في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يزوج ابنه وهو صغير؟ قال : إن كان لابنه مال
فعليه المهر ، وان لم يكن للابن مال فالأب ضامن المهر ، ضمن أو لم يضمن».
__________________
وما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام قال : «سألته عن رجل له ولد فزوج منهم اثنين وفرض
الصداق ثم مات ، من أين يحسب الصداق من جملة المال أو من حصتهما؟ قال : من جميع
المال إنما هو بمنزلة الدين».
ورواه الشيخ بطريق آخر في الموثق عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته» الحديث.
وفي آخر صحيحة أبي
عبيدة الحذاء المتقدمة الواردة في تزويج الصغيرين «قلت : فإن كان
أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك؟ قال : يجوز عليها تزويج الأب ، ويجوز على الغلام
، والمهر على الأب للجارية».
وما رواه في
التهذيب عن محمد بن مسلم في الصحيح قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن الصبي يتزوج الصبية؟ قال : إذا كان أبواهما اللذان
زوجاهما فنعم جائز ، ولكن لهما الخيار إذا أدركا ، فإن رضيا بذلك ، فإن المهر على
الأب ، قلت له : فهل يجوز طلاق الأب على ابنه في صغره؟ قال : لا».
ولا يضر اشتمال
الرواية على ما لا يقول به الأصحاب من ثبوت الخيار في صورة تزويج الأبوين لهما ،
فإن طرح بعض الخبر لمعارض أقوى ، لا يستلزم طرح ما لا معارض له.
وما رواه علي
بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليهالسلام قال : «
__________________
سألته عن الرجل يزوج ابنه وهو صغير ، فدخل الابن بامرأته ، على من المهر؟ على
الأب أو على الابن؟ قال : المهر على الغلام ، وإن لم يكن له شيء فعلى الأب ، ضمن
ذلك على ابنه أو لم يضمن إذا كان هو أنكحه وهو صغير».
وما رواه أحمد
بن محمد بن عيسى في النوادر عن صفوان عن محمد عن أحدهما عليهماالسلام قال : «قلت : الرجل يزوج ابنه وهو صغير ، فيجوز طلاق
أبيه ، قال : لا ، قلت : فعلى من الصداق؟ قال : على أبيه إذا كان قد ضمنه لهم ،
فإن لم يكن ضمن لهم فعلى الغلام ، إلا أن لا يكون للغلام مال فعلى الأب ، ضمن أو
لم يضمن».
والمفهوم من
هذين الخبرين الأخيرين أن المهر يكون على الأب وإن كان للولد مال ، وأما في حال
فقر الولد فإنه عليه ، ضمن أو لم يضمن ، وعلى هذا المعنى يحمل إطلاق رواية الفضل
بن عبد الملك ، فإن قوله «قال : على الأب إن كان ضمنه لهم» يعني في صورة ما إذا
كان للولد مال ، فإن وجوبه عليه مشروط بضمانه له ، فلو لم يضمنه فإنه على الولد ،
ولهذا قال «فإن لم يكن ضمنه فهو على الغلام» ثم استثنى منه «إلا أن لا يكون للغلام
مال» بالكلية ، فإن الأب ضامن وإن لم يضمن ، هذا على تقدير ما رواه في المسالك كما
قدمنا ذكره ، وأما على ما نقله في الوافي ـ وهو الموجود في الكافي ـ فهو لا يخلو من الاشكال لعدم استقامة المعنى ، كما
دلت عليه الروايات الأخر.
وأما ما أطلق
في بعض هذه الروايات من كون المهر على الأب فيجب حمله على فقر الولد كما فصلته
الأخبار الأخر.
بقي الكلام هنا
في مواضع :
الأول : نقل عن العلامة في التذكرة أنه استثنى من الحكم بضمان الأب
__________________
له على تقدير فقر الابن ما لو صرح الأب بنفي الضمان ، فإنه لا يضمن ، وحمل
قوله في الرواية «أولم يضمن» على عدم اشتراط الضمان لا على اشتراط عدمه.
واعترضه في
المسالك بأنه لا يخلو من إشكال ، قال : لأن النص والفتوى متناول لما استثناه ،
وحمله على غيره يحتاج إلى دليل نقلي يعارضه حتى يوجب حمله على ذلك ، ولأن الصبي لا
يحتاج إلى النكاح فلا حظ له في التزام المهر في ذمته مع الإعسار عنه ، فتزويج
الولي متوقف على وجود المصلحة ، بل وانتفاء المفسدة ، ولو قيد ذلك بما إذا كان في
التزام الصبي بالمهر مصلحة ـ بأن كانت الزوجة مناسبة له وخاف فوتها بدون ذلك ،
ونحوه ـ قرب من الصواب ، إلا أن تخصيص النصوص الصحيحة بذلك لا يخلو من إشكال ،
انتهى.
وقال سبطه
السيد السند في شرح النافع بعد أن نقل عن جده ـ أن النص والفتوى متناول لما
استثناه ـ ما لفظه : وهو كذلك ، لكن لا يبعد المصير إلى ما ذكره في التذكرة لعموم
قوله عليهالسلام
«المؤمنون عند
شروطهم». والرواية لا تنافيه صريحا ولا ظاهرا.
أقول : لا يخفى
قوة ما ذكره شيخنا في المسالك فإن قوله عليهالسلام «أو لم يضمن» شامل لكل من صورتي عدم الضمان واشتراط عدمه ، والتخصيص بالأول
يحتاج إلى مخصص ، وبذلك يظهر ما في قول سبطه «والرواية لا تنافيه صريحا ولا ظاهرا»
وكيف لا تنافيه ، وهي دالة بإطلاقها أو عمومها على الصورة المذكورة ، فإنه يصدق
على من اشترط عدم الضمان أنه لم يضمن وحديث «المؤمنون عند شروطهم» إنما يتم
الاستدلال به لو لم يكن له معارض ، والمعارض كما ذكرنا موجود ، فإن مقتضى إطلاق
الروايات المتقدمة أنه يضمن في هذه الصورة أعني صورة فقر الولد أعم من أن يشترط
الضمان على نفسه أو لا يشترط بأن اشترط عدمه أو لم يشترط ، والعجب من قوله ـ رحمة
الله عليه ـ «والرواية لا تنافيه صريحا ولا ظاهرا» بعد اعترافه أولا بأن النص
متناول لما استثناه ، فإنه إذا كان متناولا لذلك الفرد
__________________
المستثنى فكيف لا تنافي استثناؤه ولو ظاهرا.
الثاني : قالوا : لو كان الصبي مالكا لبعض المهر دون بعض لزمه
بنسبة ما بملكه ، ولزم الأب الباقي ، وهو جيد.
الثالث
: إطلاق المال
في الروايات ـ الدالة على أنه متى كان للولد مال فإن المهر على الأب شامل لما يؤخذ
في الدين وما لا يؤخذ فيه ، مثل دار السكنى ودابة الركوب ونحوهما إلا أن ذلك لا
يقتضي صرف الثاني من هذين الفردين في أداء دين المهر لو تزوج والحال كذلك ، فلو
كان له دار سكنى وفرس ركوب ونحوهما ، فإن إطلاق النصوص والفتاوى يقتضي أن المهر
عليه دون الأب ، ولكنه متى تزوج كذلك كان المهر في ذمته ، ولا يجب عليه صرف هذه
الأشياء في أداء دين المهر لو طلبته الزوجة ، بل يبقى المهر ثابتا في ذمته إلى أن
يتيسر له قضاؤه ، وقوفا على مقتضى الدليلين في كل من المقامين ، فإن غاية ما يدل
عليه الدليل في هذه المسألة هو أنه متى كان له مال فالمهر عليه دون أبيه ، بمعنى
أن المهر يكون في ذمته والحكم بوجوب المهر في ذمته لا يقتضي وجوب صرف هذه الأشياء
في أدائه ، بل يرجع في ذلك إلى تلك المسألة الأخرى ، وهو استثناء هذه الأشياء من
الصرف في الدين ، بل يبقي في ذمته إلى أن يقدر على الوفاء جمعا بين الأصلين
المذكورين.
الرابع : لا ريب أن كل موضع لا يضمن الأب المهر فيه لو أداه تبرعا عنه فإنه لا
رجوع له به ، كما لو أداه الأجنبي ، أما لو ضمنه صريحا وانتقل إلى ذمته بالضمان ،
فلو ادى بعد ذلك فهل يرجع به أم لا؟ اختلف كلام العلامة في التذكرة في ذلك فقال في
موضع منها بجواز رجوعه إذا قصد بالضمان الرجوع ، محتجا بأن قصد الرجوع هنا يجري
مجري إذن المضمون عنه في الضمان ، وفي موضع آخر قطع بعد الرجوع محتجا بأنه أدى
مالا وجب عليه بأصل الشرع.
وأورد عليه بأن
في الفرق بين ضمانه لذلك وأدائه له ابتداء نظرا ، لأنه بالنظر إلى الطفل متبرع في
الموضعين ، وبالنظر إلى كونه وليا منصوبا للنظر ،
ورعاية المصلحة للابن ينبغي عدم الضمان في الموضعين إذا أدى وضمن بطريق
الولاية على قصد الرجوع على الطفل.
ويتجه على هذا
أن يقيد بكون ذلك مصلحة للطفل ، فإن مطلق وفاء الدين عن المعسر وانتقاله من مستحق
إلى آخر لا يكون مصلحة مطلقا ، بل قد يكون ، كما لو كان المستحق الثاني أسهل من
الأول ، وأرفق بالمديون ، وقد ينعكس ، فإن انضم إلى كون الأداء والضمان مصلحة
للطفل مع قصد الرجوع عليه اتجه جوازه ، وإلا فلا.
الخامس : إذا دفع الأب عن ولده الصغير مع يسار الولد تبرعا أو
مع فقره لكونه ضامنا له ، ثم بلغ الولد وطلق قبل الدخول ، فإنه يزول ملك المرأة عن
نصف الصداق ، وهل يرجع في هذه الصورة إلى الأب أو الابن؟ الأقوى أنه يرجع إلى
الابن ، وهو اختيار جمع من الأصحاب منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، وسبطه
السيد السند في شرح النافع ، وتردد المحقق في الشرائع.
ووجه القوة
فيما قويناه ما صرحوا به من أنه لا ريب أن المرأة قد ملكته بقبضها إياه من الأب ،
سواء كان قد لزمه بالضمان أم دفعه تبرعا ، ومن ثم كان النماء لها ، وخروج النصف
بالطلاق ثابت للزوج بالنص ، وهو ملك جديد ثبت له بعد ملك المرأة ، لا إبطال لملك
المرأة السابق ، ليرجع إلى مالكه ، ولأن دفع الأب له كالهبة للابن التي لا يجوز
الرجوع فيها.
والأظهر
الاستناد إلى عموم النصوص الدالة على رجوع النصف إلى الزوج بالطلاق فإنه شامل لهذه
الصورة ، لأن ترك الاستفصال دليل على العموم في المقال.
وأما ما ذكره
المحقق من التردد في الحكم فإن منشأه مما ذكرناه ، ومن أن المهر عوض البضع ،
والبضع ملك للولد قطعا ، فيكون عوضه عليه ، ولزومه للأب من حيث إلزامه ذمة الصغير
الذي لا يحتاج إلى النكاح لا يوجب كون دفعه هبة له ، وإن نزل منزلتها ، فلا يلزم
مساواتها في جميع الأحكام ، وإنما القصد منه
وفاء دين الولد ، فإذا برءت ذمته من النصف بالطلاق ينبغي أن يعود إلى الأب.
ورد بمنع
استلزام ملك الولد البضع كون عوضه عليه ، وانتفاضة ظاهر بالمتنازع ، فإن العوض على
الأب إجماعا.
إنما الكلام في
عوده بعد خروجه عن ملكه ، ووجوب وفائه ، ثم لا نقول : إن دفع الأب له هبة حتى يلزم
ما ذكره ، وإنما فرضناه منزلا منزلة الهبة لما بينهما من المناسبة ، وإلا فهو دين
وفاه المستحق عليه وانتقاله من المستحق له بالطلاق ملك آخر قهري إلى الزوج ، لا
اختيار فيه لأحد.
أقول : والأظهر
عندي ما تقدمت الإشارة إليه من أن الاعتماد في ذلك إنما هو على الأخبار الدالة على
استحقاق الزوج للنصف بعد الطلاق قبل الدخول ورجوعه إليه ، وفيها غنية عن هذه
التكلفات ولا نزاع في كونها بإطلاقها أو عمومها شاملة لموضع البحث.
السادس : لو لم يدفع الأب المهر مع لزومه له وطلقها قبل الدخول
فقد قطع الشيخ في المبسوط وتبعه العلامة في القواعد بأنه لا يستحقه الابن ، وتبرأ
ذمة الأب من النصف ويلزمه دفع النصف الآخر إلى الزوجة ، وعللوا ذلك بأن دفع المهر
بمنزلة الهبة للولد ، فبعد قبضه لا رجوع فيها ، وقبله غير متحققة فتبرء ذمته من
النصف ، فلا يملكه الولد لعدم القبض.
وفيه ـ على
تقدير تسليم الاعتماد على مثل هذه التعليلات العليلة ـ أن هذا إنما يتم فيما إذا
كان الأب متبرعا بالدفع عن الصغير ، كما إذا كان الصغير موسرا أو معسرا ، وقد شرط
الأب عدم الضمان على القول به ، أما إذا لزمه ابتداء ، كما إذا كان الولد معسرا
ولم يشترط عدم ضمانه ، فإن المهر يلزمه بالعقد سواء كان قبضته الزوجة أم لا ، حتى
لو كان عينا ملكت نماؤها كما سلف ، فلا يظهر الفرق بين قبضها وعدمه هنا ، والتعليل
بالهبة لا يظهر إلا مع التبرع به لا مع لزومه ابتداء وهو جيد.
السابع : لو دفع الأب المهر عن الولد الكبير متبرعا ، ثم طلق
قبل الدخول ، فهل يعود النصف إلى الدافع وهو الأب أو إلى الزوج وهو الابن؟ قولان ،
وبالثاني قطع العلامة في التذكرة على ما نقل عنه ، وتردد فيه في الشرائع ،
واستشكله في القواعد ، وفي التحرير قوى الأول ، وجزم الشهيد الثاني في المسالك
وسبطه في شرح النافع بالحكم برجوعه إلى الزوج ، وهو الظاهر لعين ما تقدم من أن
العين قد انتقلت إلى الزوجة وصارت ملكها بعد قبضها إياها ، والعود إلى الولد إنما
وقع بملك جديد ، وفي معناه ما لو دفعه أجنبي تبرعا فإن الحكم فيه بعد القبض كذلك.
قالوا : ومن
هنا ظهر الفرق بين دفع الأب المهر إلى الزوجة وعدمه ، لأنه لما لم يكن المهر لازما
له فهو متبرع بالوفاء فلا يخرج عن ملكه إلا بدفعه ، فإن دفع الجميع كان الحكم كما
سبق ، وإن دفع النصف وطلق الولد قبل الدخول سقط النصف الآخر عن ذمة الزوج ، ولم
يجب على الأب دفعه إلى الولد بغير إشكال ، لانتفاء ما يقتضيه.
ووجه تردد
المحقق هنا واستشكال العلامة ما ذكروا من الأصل بقاء الملك على مالكه حيث لم يتحقق
قصد التمليك ، بل غايته إرادة إبراء ذمته من الدين ، فإذا برءت بالطلاق عاد المال
إلى أصله ، ودفعه في قضاء الدين عنه لا يستلزم أن يكون هبة ، حتى أنه يقال : إن
الولد ملكه ، ولا يصح للأب الرجوع في هبة الولد.
ورد بما عرفت
من أنه بالدفع إلى المرأة قد انتقل عن ملكه ، وصار ملكا لها قطعا.
وأما الولد فلا
دخل له في ذلك ، ليقال إنه هبة أو إنه صار مملوكا للولد. بل الزوج إنما استحقه
بملك جديد بعد أن صار للمرأة ، للأخبار الدالة على رجوع النصف له بالطلاق.
وقال شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك : واعلم أن الشيخ في المبسوط قطع في المسألتين بعدم عود
النصف المدفوع إلى الوالد كما ذكر المصنف من غير تردد ،
واتفق كلام العلامة في كتبه في أن الحكم في الصغير كذلك ، واختلف كلامه في
الكبير ، ففي التذكرة والإرشاد قطع بكون حكمه حكم الصغير في عود النصف إليه ، وفي
التحرير قوى رجوعه إلى الأب بعد أن حكم بكونه للولد ، وفي القواعد استشكل بعد حكمه
بكونه للولد أيضا.
وبالجملة فلم
يتحقق في الصغير خلاف ، وإنما هو ظاهر في الكبير ، وإنما تردد المصنف نظرا إلى ما
يظهر من عدم إفادة تعليلهم المدعى ، فإن الشيخ وغيره إنما عللوه بكونه هبة ،
والهبة لا يرجع فيها بعد إقباضها للرحم ، أو بعد التصرف فيها ، ولا يخفى قصور
التعليل ، انتهى.
البحث
الرابع : في التنازع ،
وفيه مسائل :
الاولى : لو اختلفا في أصل المهر بأن ادعته المرأة وأنكر الزوج
، فقال : لا مهر لك عندي ، وما أشبهه ، فإن كان ذلك قبل الدخول فالظاهر أنه لا
إشكال ولا خلاف في أن القول قول الزوج بيمينه ، لأن مجرد العقد لا يستلزم المهر
لانفكاكه عنه في صورة التفويض ، ثم يمكن استمرار براءته إلى أن يموت أحدهما قبل
الدخول.
وإن كان بعد
الدخول فقد أطلق الأكثر أنه كذلك أيضا ، وهو على إطلاقه مشكل ، لأن العقد إن اشتمل
على مهر فهو الواجب ، والأصل بقاؤه ، وإن لم يشتمل على مهر كان مهر المثل واجبا
بالدخول ، فالقول بأن القول قول الزوج بيمينه ـ والحال كما عرفت ـ مشكل.
وربما أجيب
بالتمسك بالبراءة الأصلية ، وتوضيحه أن العقد لا يستلزم وجوب المهر على الزوج وكذا
الدخول لا يستلزمه بل هو أعم منه ، والعام لا يدل على الخاص ، وبيان العموم أن
الزوج قد يكون صغيرا معسرا زوجه أبوه ، فإن المهر في ذمة الأب ، أو يكون عبدا زوجه
مولاه ، فكان المهر على المولى.
وبذلك يظهر أن
الدخول لا يستلزم ثبوت المهر في ذمة الزوج ، ومنه يظهر
صحة التمسك بأصالة البراءة في مقام الاختلاف.
وفيه أنه لا
خلاف نصا وفتوى في أن تفويض البضع موجب لمهر المثل مع الدخول ، وهذا هو الذي
تمسكنا به ، وما ذكر من هذين الموضعين لا ينافي ذلك ، فإنا نقول بموجبهما ، فإن
ثبت هنا أن النكاح كان على أحد هذين الوجهين فلا نزاع في أن القول قول الزوج
بيمينه ، أما لو علم انتفاؤهما فهو محل الاشكال ، فلا يتم ما ذكروه كليا.
وبالجملة فإن
ما ذكروه جيد إن ثبت انتفاء التفويض ، إما باتفاقهما على ذلك ، أو قيام البينة وما
في معناها على ذلك ، لجواز أن يكون المهر المسمى دينا في ذمة المرأة أو عينا في
يدها ، فلا يكون العقد المشتمل على التسمية بمجرده مقتضيا لاشتغال ذمة الزوج بشيء
من المهر.
ونقل عن
العلامة في التحرير قول آخر في المسألة ، وهو أنه إذا وقع الاختلاف في أصل المهر
بعد الدخول يستفسر ، هل سمى أو لا؟ فإن ذكر تسميته كان القول قوله مع اليمين ، وإن
ذكر عدمها لزم مهر المثل ، وإن لم يجب بشيء حبس حتى يبين. واعترضه في المسالك
بوجوه ، من أحب الوقوف عليها فليرجع إلى الكتاب المذكور.
وفي القواعد
فصل تفصيلا آخر ، فقال : والتحقيق أنه إن انكسر التسمية صدق باليمين ، لكن يثبت
عليه ـ قبل الدخول مع الطلاق ـ المتعة ، ومع الدخول مهر المثل ، والأقرب أن دعواها
إن قصرت عنهما ثبت ما ادعته ، ولو أنكر لاستحقاق عقيب دعواها إياه أو دعواها
التسمية ، فإن اعترفا بالنكاح فالأقرب عدم سماعه.
قال في المسالك
: وهو أقل إشكالا من الأول. ثم أطال في الكلام عليه وبيان ما اختاره في المسألة
بتفصيل يقف عليه من أحب الرجوع إليه ، والملخص عندي ما قدمنا ذكره.
وأما ما أضيف
إلى ذلك من التفريعات في المسألة فمحل إشكال ، ولو كان
الاختلاف في القدر بأن ادعت الزوجة قدرا زائدا على ما أقر به الزوج ، فلا
إشكال ولا خلاف في أن القول قول الزوج بيمينه ، بمقتضى القاعدة الكلية المستفادة
من النصوص المستفيضة ، وخصوص صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر عليهالسلام «في رجل تزوج امرأة فلم يدخل بها فادعت أن صداقها مائة دينار ، وذكر الرجل
أنه أقل مما قالت ، وليس لها بينة على ذلك؟ قال : القول قول الزوج مع يمينه». إلا
أنه ينبغي تقييد ذلك بما لو أطلق الدعوى ، أو ادعت هي التسمية هذا القدر في العقد
، وادعى هو تسمية الأقل ، والشيخ في المبسوط فرض المسألة في هذا القسم الأخير.
أما لو اتفقا
على عدم التسمية فالواجب مهر المثل ، والاختلاف يقع حينئذ فيه ، فإن كان القدر
الذي يعترف به الزوج أقل منه ، فدعواه في قوة إيفاء الزائد أو التخلص منه بالإبراء
ونحوه ، ومثل هذا لا يقبل قوله فيه.
وكذا مع
اتفاقهما على التسمية ، واعترف بأنهما أكثر ، ويدعي التخلص من الزائد بإبراء أو
وفاء ونحوهما ، على أنه يمكن المناقشة أيضا فيما فرضه في المبسوط محلا للمسألة من
الاختلاف في دعوى التسمية بأن يقال : إنه مع اختلافهما في قدر التسمية ، يكون كل
منهما منكرا لما يدعيه الآخر ، ومقتضى ذلك وجوب التحالف ، والرجوع إلى مهر المثل ،
إلا أنه يشكل بأن إطلاق الرواية الصحيحة شامل لهذه الصورة كما فهمه الشيخ ـ رحمة
الله عليه ـ على ما فيه مما عرفت من الحزازة ، ومن هنا قال في القواعد : وليس
بعيدا من الصواب تقديم قول من يدعي مهر المثل ، فإن ادعى النقصان وادعت الزيادة
تحالفا ، ورد إليه ، ولو كان الاختلاف في صفة المهر كالصحيح والمكسر ، والجيد
والردي ، فالقول قول الزوج بيمينه ، لأصالة براءة ذمته مما تدعيه المرأة من الوصف
الزائد ،
__________________
ولا فرق في ذلك بين الدخول وعدمه ، ولا بين ما لو كان ما تدعيه مهر المثل أم
أقل.
وألحق به بعض
الأصحاب الاختلاف في الحلول والتأجيل ، أو في تقدير الأجل ، بل جعلها من أفراد
الاختلاف في الصفة ، واستشكله في المسالك بأن الأصل عدم التأجيل وعدم زيادة الأجل
عما تدعيه ، فهي المنكرة وهو المدعي ، فتقديم قوله فيهما ممنوع ، قال : ولو قيل
بالتحالف على تقدير الاختلاف في الصفة لأن كلا منهما منكر ما يدعيه الآخر خصوصا مع
تصريح كل منهما بكون ما يدعيه هو الذي وقع عليه العقد كان وجها فيثبت مهر المثل ،
إلا أن يزيد على ما تدعيه المرأة أو ينقص عما يدعيه الزوج ، انتهى.
وألحق جماعة من
الأصحاب منهم الشيخ في المبسوط وابن إدريس والعلامة في التحرير اختلافهما في جنسه
بالاختلاف في قدره ، كما لو قالت : المهر مائة دينار فقال : بل مائة درهم ،
واستدلوا عليه بأن الزوج منكر ، فيكون القول قوله.
قال في المسالك
: والاشكال فيه أقوى ، ووجه التحالف فيه أولى ، إلا أن الأصحاب أعرضوا عنه رأسا ،
وجماعة من العامة أثبتوه في أكثر هذه المسائل حتى في الاختلاف في أصل المهر ، وما
حققناه أظهر.
أقول : ما ذكره
من اختيار القول بالتحالف في هذه المواضع يخالف ما قدمه في كتاب البيع في مسألة
اختلاف المتبايعين ، فإنه قد جعل لذلك ضابطة ، وهو ادعاء كل منهما على صاحبه ما
ينفيه الآخر ، بحيث لا يتفقان على أمر ، فلو اتفقا على أمر خرج ذلك عن مقتضى
الضابطة المذكورة ، وفي هذا الموضع قد اتفقا على أمر ، وإنما الاختلاف في الزيادة
التي يدعيها المدعي والزيادة في الوصف أو الزيادة في الجنس ، وقد تقدم منا تحقيق الكلام
في ذلك في المسألة المذكورة في كتاب التجارة ، وتحقيق آخر أيضا في آخر أبواب
الإجارة فليرجع إليه من أحب الوقوف عليه. وكيف كان فالاحتياط فيما عدا المنصوص من
هذه المواضع بالصلح ونحوه أولى.
الثانية
: لو أقر
بالمهر وادعى تسليمه ، وأنكر المرأة ، فمقتضى القواعد الشرعية أن القول قولها
بيمينها ، وبه صرح الأصحاب أيضا لثبوته في ذمته باعترافه وأصالة بقائه وعدم تسليمه
حتى يثبت ذلك بوجه شرعي ، وأما ما ورد في رواية الحسن بن زياد عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا دخل الرجل بامرأته ثم ادعت المهر ، وقال
الزوج : قد أعطيتك ، فعليها البينة ، وعليه اليمين». فهي غير معمول عليها عند
أصحابنا سيما مع ما في منتها من المخالفة للأصول ، فإن المهر إذا تعين في ذمة
الزوج فهو المدعى للايفاء ، وهي المنكرة ، فتكون البينة عليه لا عليها ، وأما ما
ورد في معنى هذه الرواية من الأخبار التي دلت على سقوط المهر كلا أو بعضا بالدخول
فقد تقدم الكلام فيها وأنه لا عامل بها منها ، لمعارضتها بالأخبار الراجحة بعمل
الأصحاب وموافقة الضوابط الشرعية ، تقدم ذلك في المسألة الاولى من سابق هذا البحث
، وعمل بمضمونها ابن الجنيد ، فقال بتقديم قول الرجل في البراءة من المهر بعد
الدخول ، وقولها في ثبوتها قبله.
قال في المسالك
بعد نقل ذلك عنه : والمذهب هو الأول ، وأنه لا فرق بين وقوع الدعوى قبل الدخول
وبعده.
أقول : لا يبعد
حمل الأخبار المشار إليها على التقية كما تقدمت الإشارة إليه.
الثالثة
: لو اختلفا في
المدفوع بعد أن كان قدر مهرها فقالت : دفعته هبة ، فقال : بل صداقا ، فظاهر جملة
من الأصحاب كالمحقق في الشرائع أن القول قوله لأنه أبصر بنيته ، وفصل شيخنا في
المسالك في ذلك فقال : إن كان دعواها عليه أنه نوى بالدفع الهبة من غير أن يتلفظ
بما يدل عليها فالقول قوله بغير يمين ، لأنه لو اعترف لها بما تدعيه لم يتحقق
الهبة إلا بانضمام لفظ يدل عليها ، فلا يفتقر إلى اليمين ، وإن ادعت تلفظه بما يدل
على الهبة فالقول قوله مع اليمين ، لأصالة
__________________
العدم ، ولأنه منكر.
أقول : وبهذا
التفصيل صرح في القواعد فقال : ولو دفع مساوي المهر فادعت دفعه هبة ، قدم قوله مع
اليمين إن ادعت تلفظه بالهبة ، وإلا قبل من غير يمين ، بأن تدعي أنه نوى بالدفع
الهبة ، لأنه لو نواه لم يصر هبة.
الرابعة : إذا خلا بها فادعت المواقعة ، فلا يخلو إما أن تكون
بكرا أو ثيبا ، وعلى الأول فلا إشكال ، لإمكان استعلام الحال بنظر الثقات من
النساء إلى ذلك ، وهو مستثنى لموضع الحاجة ، كنظر الطبيب ونحوه ، وإنما الاشكال
والخلاف في الثاني ، فقيل : القول قول الرجل عملا بالأصل ، لأن الأصل العدم حتى
يثبت خلافه. وقيل : إن القول قولها عملا بالظاهر من حال الصحيح في خلوته بالحلال
مع عدم الموانع وحصول الدواعي ، وتؤيده الأخبار المتقدمة بأن إرخاء الستر يوجب
المهر ، وقد تقدم الكلام في هذه الأخبار ، وأن الظاهر عدم العمل عليها.
وبالجملة فمرجع
الكلام هنا إلى تعارض الأصل والظاهر ، فمن عمل بظاهر تلك الأخبار فقد رجح البناء
على الظاهر ، ويكون الحكم هنا عنده هو تقديم قول المرأة بيمينها ، وأما مع عدم
العمل بها فالظاهر هو ترجيح الأصل ، وبه صرح في المسالك ، فقال : لكن الأقوى تقديم
الأصل ، لأن وجود القدرة والدواعي وانتفاء الصارف مظنون لا معلوم ، ومعها لا بد
لفعل القادر من ترجيح ، والأصل عدمه.
الخامسة
: إذا اختلف
الزوجان بعد اتفاقهما على وقوع عقد نكاح بينهما في وقتين ، فادعى الزوج التكرار
المحض إما على وجه الاحتياط في تصحيحه أو لقصد اشتهاره أولا كذلك وادعت المرأة أن
كلا منهما عقد شرعي مستقل لا مجرد تكرار ، وإن لم تذكر سبب الفرقة من العقد الأول
، لأن الدعوى تدل عليه ، فظاهر كلام الأصحاب أن القول قولها ، وعلل بأن العقد
حقيقة شرعية في السبب المبيح للبضع ، واستعماله في مجرد الإيجاب والقبول المجردين
عن ذلك الأثر مجاز بحسب الصورة كتسمية الصورة المنقوشة على الجدار فرسا.
بقي الكلام في
أنه مع تقديم قولها فما الواجب من المهر في هذه الصورة؟ قال الشيخ في المبسوط : لو
أقامت بينة لعقدين في وقتين فادعى الزوج التكرار وادعت صحة العقدين وتعدد النكاح
قدم قولها باليمين ، والأولى أن يقول : أن يلزمه المهران معا ، وقال بعضهم يلزمه
مهر ونصف لأنه يقول : طلقتها بعد الأول قبل الدخول فعلي نصف المهر ، ثم تزوجت بها
ثانيا ، وهذا أقوى.
قال في المختلف
وهو يدل على تردده في ذلك ، قال : وكان والدي ـ رحمهالله عليه ـ يقوي الثاني ، وشيخنا أبو القاسم جعفر بن سعيد ـ
رحمهالله ـ يقوي الأول وهو الأقوى عندي لاعتراف الزوج بثبوت
الأول في ذمته ، وقيام البينة عليه بالثاني ، وتعليل الشيخ ليس بجيد ، لأن دعواه
الطلاق المتخلل بين العقدين ينافي دعوى التكرار ، ولو ادعى تخلل الطلاق كان القول
قوله مع اليمين. انتهى.
أقول : وهنا
قول ثالث ، لم يتعرض إليه في المختلف وهو وجوب مهر واحد وقد نقله في المسالك ثالثا
للقولين المذكورين ، وعلل القول بوجوب المهرين بأن كل عقد له سبب تام في وجوب
المهر والأصل استمراره ولأنه لا ينتصف إلا بالطلاق ، وسماع دعواه الطلاق الموجب
للتنصيف ينافي دعواه التكرار كما عرفت من كلامه في المختلف ، وعلل القول الثاني
بأن الفرقة متحققة ليصح فرض العقد الثاني ، والوطؤ غير معلوم مع أن الأصل عدمه
فيجب النصف بالعقد الأول والمهر كملا بالعقد الثاني.
وعلل القول
الثالث بأن من أسباب الفرقة ما لا يوجب مهرا ولا نصفها كردتها وإسلامها ، وفسخه
بعيبها قبل الدخول ، وفسخها بعيب غير العنة قبله ، أيضا فإنه يجوز أن تكون الفرقة
الموجبة لتعدد العقد من أحد هذه المذكورات ، فلا توجب شيئا بالكلية ، ويبقى المهر
بالعقد الثاني ، على أنه يمكن أيضا كونه مهرا واحدا بالطلاق في الأول قبل الدخول ،
وفي الثاني كذلك ، فإن كل واحد من الطلاقين موجب للنصف ، ومن المجموع يحصل مهر
واحد.
وظاهر في
المسالك اختيار القول الأول على تردد قال : والأقوى وجوب
المهرين لأصالة بقائهما في ذمته حتى يحصل المزيل وهو غير معلوم ، ومجرد
الفرقة أعم من كونها مسقطة وعدمه ، إلا أن يدعي عدم الإصابة والطلاق ، فيلزم مهر
ونصف ، أو يدعي الطلاق في الثاني أيضا قبل الدخول فمهر واحد يجتمع منهما ، أو يدعي
الفسخ بأحد الأسباب الموجبة لعدم المهر مع إمكانه ، فيجب المهر الثاني خاصة أو
يدعي الطلاق قبل الدخول في الثاني فنصفه لا غير ، لكن يشكل قبول دعواه الفسخ
بالعيب ، لأصالة عدمه ، ويظهر من الشهيد في شرح الإرشاد قبوله محتجا بأن تجويزه
ينفي القطع بالزيادة على المهر الثاني ، وهذا بخلاف دعوى الطلاق ، فإنه بفعله ،
ويرجع فيه إليه ، وأما الدخول فالأصل عدمه ، كما أن الأصل استصحاب المهر كملا إلا
إن يدعي المزيل ، فلو سكت عن الدعوى ثبت المهران على الأقوى ، وهذا كما يقال : إن
المستودع بعد ثبوت الإيداع مطالب بها ، ومحبوس عليها ما دام ساكتا ، فإن ادعى تلفا
أو ردا صدق بيمينه ، وانقطعت المطالبة ، انتهى.
هذا ملخص
كلامهم في المقام ، قد أوردناه لتطلع على ما وقع لهم فيه من النقض والإبرام ،
والمسألة لخلوها عن النص القاطع لمادة القيل والقال لا تخلو من الاشكال ، ولهذا
كثر فيها الاحتمال وتعددت الأقوال.
المقصد الثالث في القسم والنشوز والشقاق :
فهنا مقالتان ،
الاولى في القسم : وهو بفتح القاف مصدر قسم يقسم ، وبالكسر : الحظ والنصيب ، قال :
في كتاب المصباح المنير : قسمته قسما من باب ضرب فرزته أجزاء فانقسم ، والموضع
مقسم مثل مسجد ، والفاعل قاسم ، وقسام مبالغة ، والاسم القسم بالكسر ، ثم أطلق على
الحصة والنصيب ، فيقال هذا قسمي ، والجمع أقسام مثل حمل وأحمال.
__________________
وعرفه في
المسالك بأنه حق واجب لمن يجب الإنفاق عليه من الزوجات.
وأورد عليه
سبطه في شرح النافع بأنه ينتقض طردا بوطىء الزوجة الواجب في أربعة أشهر ، فإن
التعريف صادق عليه ، وعكسا بمن لا يجب عليه الإنفاق من الأزواج ، كالمعسر والصغير
، فإن القسم يجب عليه مع أن النفقة غير واجبة ، قال : ويمكن دفعها بتكلف ، والأمر
في ذلك هين. انتهى ، والكلام هنا يقع في موارد : الأول لا خلاف ولا إشكال في أن
لكل من الزوجين على الآخر حقوقا واجبة ومستحبة ، ومن الواجب على الزوج النفقة
والكسوة والإسكان.
ومن الواجب
عليها التمكين من الاستمتاع ، وإلى ما ذكرنا يشير قوله عزوجل «قَدْ عَلِمْنا ما
فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ»
وقوله عزوجل «وَعاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ» وقال «وَلَهُنَّ مِثْلُ
الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ»
والمراد تشبيه أصل الحقوق بالحقوق لا في الكيفية والكمية لاختلافهما.
وأما الأخبار
الواردة في هذا المقام الدالة على حقوق كل منهما على الآخر فهي مستفيضة متكاثرة ،
وقد تقدم جملة منها في الفائدة السادسة عشر من فوائد المقدمة.
ومجمل حقوق
الزوج عليها كما دلت عليه الأخبار المشار إليها أن تطيعه ولا تعصيه ولا تصدق من
بيته إلا بإذنه ، ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه ، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر
قتب ، ولا تخرج من بيته إلا بإذنه ، وعليها أن تطيب وتزين له بأطيب طيبها وأزين
زينتها ، وأن لا تبيت ليلة وهو عليها ساخط وان كان ظالما لها.
وقال صلىاللهعليهوآله «لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد
__________________
لزوجها». وفي خبر آخر عنه صلىاللهعليهوآله «وأكثر من ذلك حقوقه عليها».
ومجمل حقوقها
عليه أن يكسوها ويشبعها ، وإن جهلت غفر لها ، وفي خبر عنه صلىاللهعليهوآله «فقلت : فليس لها عليه شيء غير هذا؟ قال صلىاللهعليهوآله : لا ، قالت : لا والله لا تزوجت أبدا».
وفي خبر آخر «يسد جوعها ويستر عورتها ولا يقبح لها وجها ، وإذا فعل ذلك فقد والله أدى
إليها حقوقها».
إذا تقرر ذلك
فالواجب على كل منهما القيام بالحق الواجب عليه من غير أن يخرج صاحبه إلى طلبه له
والاستعانة بالغير على ذلك.
الثاني : لا خلاف بين الأصحاب في وجوب القسمة بين الزوجات لما
فيه من العدل والمعروف وحسن المعاشرة المشار إليه بقوله عزوجل «وَعاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ» والتأسي به صلىاللهعليهوآله فإنه كان يقسم بين زوجاته ، حتى أنه كان في مرضه يطاف
به بينهن ، وكان يقول : هذا قسمي فيما أملك ، وأنت أعلم بما لا أملك» يعني المودة
والميل القلبي.
وروي «أن عليا عليهالسلام كان له امرأتان ، فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في
بيت الأخرى».
وروي في كتاب
عقاب الأعمال عنه صلىاللهعليهوآله «أنه قال : ومن كانت له امرأتان
__________________
فلم يعدل بينهما في القسم من نفسه وماله جاء يوم القيامة مغلولا مائلا شقه
حتى يدخل النار».
وينبغي أن يعلم
أن وجوب العدل في القسم إنما هو باعتبار المساواة فيما تقدم ذكره من الأمور
الواجبة عليه من النفقة والكسوة والإسكان والمبيت والإقامة عندها في يومها وليلتها
لا بالنسبة إلى المودة التي هي أمر قلبي ، لقوله عزوجل «وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا
أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ، فَلا تَمِيلُوا كُلَّ
الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ»
الآية وإليه يشير الحديث النبوي المتقدم.
وروي في الكافي
في الصحيح أو الحسن عن نوح بن شعيب ومحمد بن الحسن قال : «سأل ابن أبي العوجاء هشام بن الحكم فقال له : أليس
الله حكيما؟ قال : بل هو أحكم الحاكمين ، قال : فأخبرني عن قول الله عزوجل «فَانْكِحُوا ما طابَ
لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا
تَعْدِلُوا فَواحِدَةً» أليس هذا فرض؟ قال : بلى ، قال : فأخبرني عن قول الله عزوجل «وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا
أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ، فَلا تَمِيلُوا كُلَّ
الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ»
أي حكيم يتكلم
بهذا؟ فلم يكن عنده جواب ، فرحل إلى المدينة إلى أبي عبد الله عليهالسلام فقال : يا هشام في غير وقت حج ولا عمرة؟ قال : نعم جعلت
فداك لأمر أهمني ، إن ابن أبي العوجاء سألني عن مسألة لم يكن عندي فيها شيء ، قال
: وما هي؟ قال : ـ فأخبره بالقصة ـ فقال له أبو عبد الله عليهالسلام : أما قوله عزوجل «فَانْكِحُوا ما طابَ
لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا تَعْدِلُوا
فَواحِدَةً» يعني في النفقة ، وأما قوله «وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا
أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ
الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ»
يعني في المودة
، قال : فلما قدم عليه هشام بهذا
__________________
الجواب وأخبره قال : والله ما هذا من عندك» .
وبالجملة فإنه
لا خلاف في وجوب القسمة ، إنما الخلاف في أنه هل تجب بنفس العقد والتمكين ، أم
يتوقف على الشروع؟ قولان ، المشهور ـ على ما نقله في المختلف ـ الأول ، ومبنى هذا
الخلاف على أن القسمة هل هي حق للزوج خاصة أو مشتركة بينه وبين الزوجة؟ وقال الشيخ
في المبسوط : لا يجب عليه القسمة ابتداء ، لكن الذي يجب عليه النفقة والكسوة
والمهر والسكنى ، فمتى تكفل بهذا لا يلزمه القسم ، لأنه حق له ، فإذا أسقطه لا
يجبر عليه ، ويجوز له تركه ، وأن يبيت في المساجد وعنه أصدقائه ، فأما إذا أراد أن
يبتدئ بواحدة منهن فيجب عليه القسمة ، لأنهن ليس واحدة منهن أولى بالتقديم من
الأخرى ، انتهى.
واعترضه في
المختلف بأنا نمنع أنه حقه المختص به بحيث يكون له تركه ، فإنه حق مشترك ، فللمرأة
المطالبة بحقها منه ، والأخبار وردت مطلقة بالأمر بالقسمة ، فإن الباقر عليهالسلام قسم للحرة الثلثين من ماله ونفسه ، وللأمة الثلث من
ماله ونفسه ، وإلى القول بما ذهب إليه الشيخ في المبسوط ذهب المحقق في الشرائع
والعلامة في التحرير ، واختاره السيد السند في شرح النافع ، قال ـ رحمهالله ـ
__________________
بعد نقل ذلك عن هؤلاء المذكورين : وهو المعتمد تمسكا بمقتضى الأصل السالم
عما يصلح للمعارضة ، فإن الأخبار الواردة في هذا الباب قليلة جدا وليس فيها ما يدل
على وجوب القسم ابتداء بخصوصه أو إطلاقه كما يظهر للمتتبع ، وكذا الكلام في التأسي
، فإنه لم يثبت أن النبي صلىاللهعليهوآله قسم بين نسائه ابتداء على وجه الوجوب ليجب التأسي به في
ذلك ، على أن المشهور بين الخاصة والعامة أن القسم لم يكن واجبا عليه صلىاللهعليهوآله ، انتهى.
أقول : والحق
أنه لا دليل في الأخبار على شيء من القولين ، إلا أن ما ذهب إليه الشيخ ومن تبعه
مؤيد بالأصل كما ذكره السيد السند ، فلا يبعد ترجيحه لذلك ، وأدلة القول المشهور
كلها مدخولة كما بسط عليه الكلام في المسالك.
الثالث : ينبغي أن يعلم أن مما يتفرع على الخلاف المتقدم كما صرح به الأصحاب أيضا
أنه لو لم يكن له إلا زوجة واحدة فعلى المشهور من وجوب القسم ابتداء ، فإن لها
ليلة من أربع ليال يبيت فيها عندها ، وثلاث له يضعها حيث يشاء ، لأن الله تعالى
أباح له أن ينكح أربع نساء لا أزيد ، فللواحدة من الأربع ليلة ، فإذا انقضت الأربع
وجب أن يبيت عندها ليلة ، ثم له ثلاث يضعها حيث يشاء وهكذا ، ومن كان له زوجتان
فلكل واحدة ليلة من الأربع ، واثنتان من الدور له ، يضعها حيث يشاء ، ومن كان له
ثلاث زوجات يبقى له من الدور ليلة يضعها حيث يشاء ، ومن كان له أربع فقد كل الدور
لهن فليس له شيء زائد ، ولم يكن له الإخلال بالمبيت عند صاحبة الليلة أبدا مع
الاختيار ، وعدم الاذن ، وكل ما فرغ الدور استأنف الدور على الترتيب الذي فعل في
الدور الأول وله أن يخص بعض الزوجات بالليلة التي له ، إلا أن الفضل المساواة
بينهن.
وأما على القول
الآخر من عدم الوجوب إلا إذا ابتدأه ، فلو لم يكن عنده إلا زوجة واحدة لم يجب
القسم لها مطلقا ، بل له أن يبيت عندها متى شاء ، ويعتزلها متى شاء ، ومن كانت
عنده زوجتان فإنه لا يجب عليه القسم لها ابتداء
بل له أن يبيت حيث يشاء ، فإن بات عند واحدة منهن ليلة وجب عليه أن يبيت
عند الأخرى ، مراعاة للعدل بينهما ، وعملا بالأمر بالمعاشرة بالمعروف. ونحو ذلك من
الأدلة الدالة على وجوب العدل كما تقدم ، فإذا ساوى بينهما في المبيت كما ذكرنا
جاز له اعتزالهما وترك القسمة إلى أن يبيت عند واحدة منهما فيلزمه المبيت عند
الأخرى لما تقدم ، وهكذا ، ومثله يأتي فيما لو كان عنده ثلاث أو أربع ، فإنه بعد
كمال دوره عليهن والمساواة بينهن في ذلك الدور له الاعراض عنهن كما في الابتداء.
ومن الأخبار
الواردة في المقام ما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسن ابن زياد عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يكون له المرأتان وإحداهما أحب
إليه من الأخرى ، إله أن يفضلها بشيء؟ قال : نعم له أن يأتيها ثلاث ليال ،
والأخرى ليلة ، لأن له أن يتزوج أربع نسوة ، فليلتاه يجعلهما حيث يشاء ـ إلى أن
قال : ـ وللرجل أن يفضل نساءه بعضهن على بعض ما لم يكن أربعا».
وما رواه في
الفقيه في الصحيح عن العلاء عن محمد بن مسلم قال : «سألته عن
الرجل يكون عنده امرأتان إحداهما أحب إليه من الأخرى؟ قال : له أن يأتيها ثلاث
ليال والأخرى ليلة ، فإن شاء أن يتزوج أربع نسوة كان لكل امرأة ليلة ، ولذلك كان
له أن يفضل بعضهن على بعض ما لم يكن أربعا».
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سئل عن الرجل يكون عنده امرأتان إحداهما أحب
إليه من الأخرى ، أله أن يفضل إحداهما على الأخرى؟ قال : نعم يفضل بعضهن على بعض
ما لم يكن أربعا».
__________________
وما رواه في
كتاب قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه عليهالسلام قال : «سألته عن رجل له امرأتان هل له أن يفضل إحداهما
على الأخرى؟ قال : له أربع ، فليجعل لواحدة ليلة ، وللأخرى ثلاث ليال ، قال :
وسألته عن رجل له ثلاث نسوة ، هل له أن يفضل إحداهن؟ قال : له أربع ليال فليجعل
لواحدة إن أحب ليلتين ، وللاخرتين لكل واحدة ليلة ، وفي الكسوة والنفقة مثل ذلك».
وغاية ما تدل
عليه هذه الأخبار ونحوها هو أنه يجوز له التفضيل بما له من ليالي الدور بمن شاء من
نسائه ما لم يكن أربعا.
وأما ما نحن
فيه من الخلاف فلا دلالة ولا إشارة في هذه الأخبار إليه ، وقد عرفت أنه على
المشهور يجب عليه استئناف الدور كلما فرغ وعلى القول الآخر لا يجب عليه بل له أن
يبيت حيث شاء إلى أن يبيت عند واحدة منهن ، فيجب عليه المبيت عند الأخرى متحدة أو
متعددة.
ومما يتفرع على
القولين أنه لو كان عنده منكوحات لا يجب لهن قسمة ، فعلى الأول بعد تمام الدور لا
يجوز له المبيت عند واحدة منهن إلا بإذن مستحقة تلك الليلة ، وعلى الثاني يجوز له
المبيت عند كل من لا يستحق قسمته إلى أن يبيت عند واحدة من ذوي القسم فيجب عليه
إتمام الدور ، وله بعد تمام الدور أن يعدل إلى من لا يستحق قسمة ، وذلك واضح ،
والله العالم.
الرابع
: لا خلاف ولا
إشكال في أن أقل أفراد القسم لو تعددت الزوجة ليلة ليلة فإنه هو المستفاد من الأخبار
ومن سيرة النبي صلىاللهعليهوآله والأئمة الأبرار عليهمالسلام وإنما الخلاف والاشكال في الزيادة.
فقيل : يجوز أن
يجعلها أزيد من ليلة ، ونقل عن الشيخ في المبسوط وجمع من الأصحاب للأصل وحصول
الغرض حيث تحصل التسوية بينهن في الزمان ، ولأن الحق له ، فتقديره إليه ، وحقهن
إنما هو في العدل والتسوية وهو متحقق.
__________________
وقيل : لا يجوز
الزيادة على ليلة ، وهو اختيار المحقق في الشرائع وغيره ، والظاهر أنه المشهور بين
المتأخرين تأسيا بالنبي صلىاللهعليهوآله ، ولما فيه من الإضرار والتضرير ، إذ قد يحصل لبعضهن
القسم ، ويلحقه ما يقطعه عن القسم للباقيات ، ولا يخفى ما في هذه التعليلات
العليلة من الضعف والقصور لو جوزنا بناء الأحكام الشرعية على مثلها ، وقد أوضحه
شيخنا في المسالك.
وبالجملة فإنه بالنظر
إلى تعليلاتهم في المقام ، فالأول هو الأقرب ، وقد اختلفوا أيضا في أنه على تقدير
جواز الزيادة ، فهل لها قدر محدود؟ ففي المبسوط قدرها بثلاث ليال ، واعتبر في
الزائد عنها رضاهن.
ونقل عن ظاهر
ابن الجنيد جواز جعلها سبعا ، والظاهر ـ كما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم سيما
في كتب المعاملات ـ أن هذه التفريعات ونحوها الأصل فيها العامة ، والشيخ حذا حذوهم
كما هي عادته في المبسوط ، ومن تأخر عن الشيخ أخذ ذلك عنه ، وهي بمعزل عن الأخبار
، والكلام فيها بمثل هذه التخرصات والتخريجات مشكل ، وطريق الاحتياط يقتضي الوقوف
على القسمة ليلة ليلة ، من غير زيادة ولا نقصان ، فإنه هو المعلوم من سيرته صلىاللهعليهوآله وسيرة أبنائه الطاهرين عليهمالسلام وشيعتهم الماضين.
الخامس : إذا أراد القسمة سواء قلنا بوجوبها ابتداء أو بعد الاختيار ، فقد اختلف
الأصحاب في كيفية البدأة ، فهل له أن يبدأ بمن شاء منهن ، ثم يختار ثانيا وثالثا
إلى أن يتم الدور على العدد الذي عنده ، ولا يتوقف ذلك على القرعة؟ أو أنه يجب
الرجوع إلى القرعة؟ قولان ، المشهور الأول ، وهو اختيار المحقق في الشرائع والشارح
في المسالك ، وعلى الثاني فمن خرج اسمها بدأ بها ، فإن كانتا اثنتين اكتفى بالقرعة
مرة واحدة ، لأن الثانية تعينت ثانيا ، وإن كن ثلاثا أقرع بين الباقين في الليلة
الثانية ، وإن كن أربعا أقرع بين الثلاث ثانيا ثم بين الاثنين ثالثا تحرزا عن
التفضيل والترجيح ، ولأنه ليس واحدة منهن أولى
بالتقدم من الأخرى ، فالتقديم بالقرعة عدل ، ولأن تقديم واحدة بغير قرعة
يقتضي الميل إليها فيدخل في الوعيد السابق من الخبر النبوي ، ولأن النبي صلىاللهعليهوآله كان يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا ويصحب من أخرجتها
القرعة ، ومن هذا الكلام علم أدلة القول الثاني.
وأما الأول
فاستدل عليه في المسالك بالأصل ، ولأنه على القول بعدم وجوب الابتداء بالقسمة ،
بسبيل من الاعراض عنهن جميعا ، ولما لم يبت عند بعضهن لا يلزم شيء للباقيات ، فلا
يحتاج إلى القرعة ابتداء ، قال : وهذا أقوى ، وهو الذي اختاره المصنف والأكثر.
أقول : والكلام
في هذا الفرع كغيره مما تقدم مما لا نص فيه ولا دليل عليه ، ولهم فيه تفريعات ليس
في التطويل بها مزيد فائدة بعد ما عرفت من عدم ثبوت الأصل.
السادس : قد صرح الأصحاب بأن الواجب في القسمة هو المضاجعة ليلا دون المجامعة ،
والمراد بالمضاجعة النوم معها على فراش واحد قريبا منها عادة بحث لا يعد هاجرا وإن
لم يتلاصقا ، قالوا : ويدل عليه التأسي ، وظاهر قوله تعالى «وَعاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ».
أقول : ويشير
إليه أيضا قوله عزوجل «وَجَعَلْنَا
اللَّيْلَ لِباساً» الآية ، روى الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ في كتاب علل
الشرائع بإسناده إلى عبد الله بن زيد بن سلام «أنه سأل رسول
الله صلىاللهعليهوآله فقال : أخبرني لم سمي الليل ليلا؟ قال : لأنه يلائل
الرجال من النساء ، جعله الله عزوجل ألفه ولباسا ، وذلك قول الله عزوجل «وَجَعَلْنَا
اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً»
فقال : صدقت يا محمد صلىاللهعليهوآله» الحديث.
وأما المواقعة
فلا تجب عند الأصحاب إلا في كل أربعة أشهر مرة وقد تقدم
__________________
أن مورد الخبر إنما هو المرأة الشابة لا مطلقا.
وأما النهار
فالمشهور أنه لا قسمة فيه ، ووجوب القسمة مختص بالليل لقوله سبحانه «وَجَعَلْنَا
النَّهارَ مَعاشاً» أي لتحصيل المعاش ، وهو وقت التردد والانتشار في
الحوائج.
وربما ظهر من
كلام الشيخ في المبسوط وجوب الكون مع صاحبته الليلة نهارا ، فإنه قال : قد بينا أن
القسم يكون ليلا ، وكل امرأة قسم لها ليلا فإن لها نهار تلك الليلة ، فإن أراد أن
يبتدأ بالنهار جاز ، وإن أراد أن يبتدأ بالليل جاز ، لكن المستحب أن يبتدأ بالليل.
وقريب منه كلام
العلامة في التحرير ، لكنه جعل النهار تابعا لليلة الماضية فقال : النهار تابع
لليلة الماضية فلصاحبتها نهار تلك الليلة ، لكن له أن يدخل فيه إلى غيرها لحاجة
كعبادة أو دفع نفقة أو زيارتها أو استعلام حالها ، أو لغير حاجة ، وليس له الإطالة
، والأقرب جواز الجماع ولو استوعب النهار قضاء لصاحبة الليلة ، انتهى.
ونقل عن ابن
الجنيد أنه أضاف إلى الليلة القيلولة ، ولم نقف له على مستند بالخصوص.
أقول : والذي
وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمقام ما رواه المشايخ الثلاثة عن إبراهيم الكرخي قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل له أربع نسوة ، فهو يبيت عند ثلاث منهن في
لياليهن ويمسهن ، فإذا نام عند الرابعة في ليلتها لم يمسها ، فهل عليه في هذا إثم؟
قال : إنما عليه أن يكون عندها في ليلتها ويظل عندها صبيحتها ، وليس عليه أن
يجامعها إذا لم يرد ذلك».
وظاهر هذه
الرواية تخصيص المقام عندها نهارا بصبيحة تلك الليلة ، وهي
__________________
عبارة عن أول النهار ، ويحتمل على بعد كون هذا التعبير كناية عن مجموع
النهار أيضا.
وكيف كان فإنه
يظهر ضعف قول من استدل بهذه الرواية لابن الجنيد ، والأصحاب ـ لضعف الرواية
بالراوي المذكور ـ حملوها على الاستحباب ، فإنه لا قائل بها على ظاهرها ، وقد
تقدمت الرواية عن علي عليهالسلام «إنه كان له امرأتان فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في بيت الأخرى». ولعله
محمول على الفضل والاستحباب ، ثم إن ما تقدم ذكره من تخصيص القسم بالليل ليس
المراد به أنه يجب المقام عندها من أول الليل إلى آخره بل يجب الرجوع إلى ما جرت
به العادة من كون ذلك بعد قضاء الحوائج كالصلاة في المسجد ومجالسة الضيف ونحو ذلك.
نعم ليس له الدخول في تلك الليلة عند ضربتها إلا للضرورة فيما قطع به الأصحاب ،
ومن الضرورة عيادتها إذا كانت مريضة ، وقيده في المبسوط بما إذا كان المرض ثقيلا ،
وإلا لم يصح ، فإن مكث عندها وجب قضاء زمانه ما لم يقصر بحيث لا يعد إقامة عرفا ،
فيأثم خاصة ، قيل : هذا كله فيمن لا يكون كسبه ليلا كالحارس وشبهه ، وإلا فعماد
القسمة في حقهم النهار ، وحكم الليل عندهم كنهار غيرهم ، والنهار كالليل عند غيرهم
في جميع ما ذكر.
السابع : إذا اجتمع عنده حرة وأمة بالعقد فالمشهور أن للأمة
ليلة وللحرة ليلتين ، وهو مبني على جواز الجمع بينهما ، كما تقدم تحقيقه في موضعه
، فكل موضع يجوز الجمع بينهما فإن للحرة الثلثين ، وللأمة الثلث على المشهور ،
ونقل عن الشيخ المفيد ـ رحمة الله عليه ـ أن الأمة لا قسمة لها ، والأخبار
ترده.
__________________
ومنها ما رواه الشيخ
في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج المملوكة على الحرة؟ قال :
لا ، فإذا كانت تحته امرأة مملوكة فتزوج عليها حرة قسم للحرة مثلي ما يقسم
للمملوكة».
وعن محمد بن
قيس في الموثق عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قضى في رجل نكح أمة ثم وجد طولا ـ يعني استغناء
ـ ولم يشته أن يطلق الأمة نفسه فيها ، فقضى أن الحرة تنكح على الأمة ، ولا تنكح
الأمة على الحرة إذا كانت الحرة أولهما عنده ، وإذا كانت الأمة عنده قبل نكاح
الحرة على الأمة ، قسم للحرة الثلثين من ماله ونفسه ـ يعني نفقته ـ وللأمة الثلث
من ماله ونفسه».
وعن عبد الرحمن
بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج الأمة على الحرة؟ قال : لا
يتزوج الأمة على الحرة ويتزوج الحرة على الأمة ، وللحرة ليلتان وللأمة ليلة».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن نكاح الأمة ، قال : يتزوج الحرة على الأمة ـ إلى أن
قال : ـ وإن اجتمعت عندك حرة وأمة فللحرة يومان وللأمة يوم» الحديث.
وما رواه الصدوق
في الفقيه مرسلا قال : «قال أبو جعفر عليهالسلام : تزوج
__________________
الأمة على الأمة ولا تزوج الأمة على الحرة ، وتزوج الحرة على الأمة ، فإن
تزوجت الحرة على الأمة فللحرة ثلثان وللأمة الثلث ، وليلتان وليلة».
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن ابن مسكان عن أبي بصير في حديث قال : «ولا
بأس أن يتزوج الحرة على الأمة ، فإن تزوج الحرة على الأمة فللحرة يومان وللأمة يوم».
وفي رواية محمد
بن الفضيل عن أبي الحسن عليهالسلام فالقسم للحرة يومان وللأمة يوم». إلى غير ذلك من
الأخبار الجارية في هذا المضمار.
قال في المسالك
: والمشهور أن للأمة نصف حق الحرة ، ولما كانت القسمة لا تصح من دون ليلة كاملة
جعل للحرة ليلتان ، وللأمة ليلة ، وليكن ذلك من ثمان جمعا بين حقهما وحق الزوج ،
فيكون الذي له منها خمس ليال ولهما ثلاث ، هكذا ذكره جماعة من المتأخرين ، ولا
يخلو من نظر لأن تنصيف الليلة في في القسمة يجوز لعوارض كما سيأتي ، فإن لم يجز
ابتداء فلا مانع من كونه هنا كذلك ، ولما كان الأصل في دور القسمة أربع ليال
فالعدول إلى جعله من ثمان بمجرد ذلك مشكل.
أقول : الظاهر
أن منشأ هذا الكلام هو الإجمال الذي في بعض هذه الروايات كما في صحيحة محمد بن
مسلم وهي التي أوردها في هذا المقام من قوله «قسم للحرة مثلي ما قسم للمملوكة»
ونحوها موثقة محمد بن قيس المشتملة أيضا على الثلثين والثلث ، فإن ذلك يمكن بجعل
نصف ليلة للأمة ، وليلة كاملة للحرة فيكون الدور من أربع ، ولا يتوقف صحة القسمة
على جعل ليلة كاملة للأمة
__________________
وليلتين للحرة كما ذكروه ، ولما فيه من أنه يلزم الخروج عن الدور الأول
بجعل ثمان ليال.
وفيه أنه لا
يخفى أن جملة من أخبار المسألة قد خرجت مجملة كما حكيناه ، وجملة قد اشتملت على
التفصيل ، وتعيين القسمة بكونها ليلتين وليلة ، ويومين ويوما ، فإذا حمل مجملها
على مفصلها ومبهمها على مبينها ظهر أن القسمة إنما هي على ما ذكره الأصحاب لا ما
ذكره هو ، وإيراده بأن الدور يلزم أن يكون من ثمان لا خير فيه ، بعد اقتضاء ما
تضمنته الأخبار له ، وحينئذ فالعمدة فيما ذكره الأصحاب ـ من جعل القسمة ليلة
وليلتين ـ إنما هو الأخبار ، والظاهر أنها لا تصح بدون ذلك ، وإلا لوقعت الإشارة
إليه فيها ، ولعل الوجه في ذلك دون أن يكون بنصف ليلة وليلة كاملة كما ذكر أن في
ذلك رفعا للاستئناس وتنقيصا للعيش مضافا إلى تعسر ضبط النصف غالبا ، فلا يصح أن
يكون مناطا للأحكام الشرعية ، وبذلك يتضح لك ما في قوله «فالعدول إلى جعله من ثمان
بمجرد ذلك مشكل» فإن العدول إنما وقع لاقتضاء الأخبار ـ الدالة على القسمة بالليلة
والليلتين ـ ذلك ، واتفاقها على ذلك بعد حمل مجملها على مبينها لا بمجرد ما توهم.
قيل : ويجب
تفريق ليلتي الحرة في الثمان الذي هو الدور ، بأن يكون واحدة في الأربع الاولى ،
والثانية في الأربع الثانية ليقع لها من كل أربع واحدة إن لم ترض بغيره.
وفيه أن إطلاق
الأخبار المذكورة يدفعه ، والله العالم.
هذا ولو اجتمع
عنده حرة وزوجة كتابية ، فالمشهور بين الأصحاب من غير خلاف يعرف أن للكتابية مثل
ما للأمة في هذه الصورة ، فلها ليلة وللحرة المسلمة ليلتان.
والمستند في
ذلك ما رواه في الكافي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : «سألت أبا عبد
الله عليهالسلام : هل للرجل أن يتزوج النصرانية على المسلمة والأمة على
الحرة؟ فقال : لا يتزوج واحدة منهما على المسلمة ، ويتزوج المسلمة على الأمة
والنصرانية ، وللمسلمة الثلثان ، وللأمة والنصرانية الثلث».
وبذلك يظهر ما
في كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك من إنكار النص في هذه المسألة حيث قال :
مساواة الحرة الكتابية للأمة في القسمة لا نص عليه ظاهرا ، لكنه مشهور بين الأصحاب
، وذكر ابن إدريس أنه مروي ، وربما استدل له باقتضاء الإسلام أن يعلو على غيره ،
ولا يعلى عليه ، فلو ساوت المسلمة لزم عدم العلو ، وفيه نظر ، لأن مثل ذلك لا
يقاوم الأدلة العامة المتناولة لها إلى آخره.
والعجب أيضا من
سبطه السيد السند في شرح النافع حيث قال ـ بعد أن أورد الرواية المذكورة مستندا
للحكم المذكور ـ ما لفظه : وسندها معتبر إذ ليس فيه من يتوقف في حاله سوى عبد الله
بن محمد بن عيسى الأشعري ، فإنه غير موثق ، لكن كثيرا ما يصف الأصحاب روايته
بالصحة ، مع أن عدم ظهور الخلاف في المسألة كاف في إثبات هذا الحكم ، انتهى.
أقول : لا يخفى
ما فيه على الفطن النبيه من الوهن والتستر بما هو أوهن من بيت العنكبوت وإنه لأوهن
البيوت ، ولكن هذا عادة أصحاب هذا الاصطلاح المحدث إذا ضاق عليهم الخناق واضطروا
إلى العمل بالرواية الضعيفة باصطلاحهم لستروا بأمثال هذه الأعذار السخيفة ، وهو
أظهر دليل على ضعف اصطلاحهم كما تقدم تحقيقه في غير موضع.
وكذا قوله «مع
أن عدم ظهور الخلاف في المسألة كاف في إثبات الحكم» فإن فيه أن غاية ما يستندون
إليه مع فقد النصف بالإجماع ، وهو هنا مما لم يدعه أحد ، ومجرد عدم ظهور الخلاف لا
يدل على العدم ، والأحكام الشرعية مطلوب فيها وجود الأدلة الشرعية ، وإلا كان قولا
على الله بغير علم ، فيدخل قائله تحت
__________________
ذم الآيات والروايات المتضمنة لذلك.
وبالجملة فإن
كلامه ـ رحمة الله عليه ـ هنا بمحمل من الضعف والقصور.
قالوا : ولو
كانت الزوجة أمة كتابية ، فالظاهر أنها تستحق من القسم نصف ما تستحقه الأمة
المسلمة فيكون لها مع الحرة المسلمة ربع القسمة ، فتصير القسمة من ستة عشر ليلة
للأمة الكتابية منها ليلة ، وللحرة المسلمة أربع ، والباقي للزوج ، حيث لا يكون له
غيرهما ، ولا يخفى أن اجتماع المختلفات يتشعب إلى صور كثيرة تعرف أحكامها
بالمقايسة إلى ما ذكرناه.
الثامن : المشهور بين الأصحاب أن البكر تختص عند الدخول بسبع ، والثيب بثلاث ، وبه
صرح المحقق في الشرائع ، وقال في النافع : وتختص البكر عند الدخول بثلاث إلى سبع ،
والثيب بثلاث. ونقل عن الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار أن اختصاص البكر بالسبع
على وجه الاستحباب ، وأما الواجب لها ثلاث ، والظاهر أن عبارة النافع مبنية على
هذا القول.
وقال ابن
الجنيد : إذا دخل ببكر وعنده ثيب واحدة فله أن يقيم عند البكر أول ما يدخل بها
سبعا ثم يقسم ، وإن كان عنده ثلاث ثيب أقام عند البكر ثلاثا حق الدخول ، فإن شاء
أن يسلفها من يوم إلى أربعة تتمة سبعة ويقيم عند كل واحدة من نسائه مثل ذلك ثم
يقسم لهن جاز ، والثيب إذا تزوجها فله أن يقيم عندها ثلاثا حق الدخول ، ثم يقسم
لها ولمن عنده واحدة كانت أو ثلاثا قسمة متساوية ، انتهى.
والأصل في ذلك
الأخبار وباختلافها ، اختلفت هذه الأقوال في مقام الجمع بينها ، فالواجب أولا نقل
ما وصل إلينا من أخبار المسألة ، ثم الكلام بما وفق سبحانه لفهمه منها ببركة أهل
الذكر عليهمالسلام.
فمنها ما رواه في
الكافي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليهالسلام
__________________
«في الرجل تكون عنده المرأة فيتزوج اخرى ، كم يجعل للتي يدخل بها؟ قال : ثلاثة
أيام ، ثم يقسم». وهذه الرواية كما ترى مطلقة ، وليس فيها دلالة على خصوص شيء من
الفردين اللذين هما محل البحث.
وما رواه في
الكافي عن هشام بن سالم في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يتزوج البكر ، قال : يقيم عندها سبعة أيام».
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن الحضرمي عن محمد بن مسلم قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام : رجل تزوج امرأة وعنده امرأة؟ فقال : إن كانت بكرا
فيلبت عندها سبعا ، وإن كانت ثيبا فثلاثا».
وعن ابن أبي
عمير عن غير واحد عن محمد بن مسلم قال : «قلت : الرجل يكون عنده المرأة يتزوج الأخرى ، أله
أن يفضلها؟ قال : نعم ، إن كانت بكرا فسبعة أيام ، وإن كانت ثيبا فثلاثة أيام». وهذه
الرواية رواها الصدوق في كتابه عن ابن أبي عمير ، وطريقه اليه صحيح ، فتكون
الرواية صحيحة ، ولا يضر الإرسال إن لم يكن مؤكدا للصحة ، لأن الرواية عن غير واحد
مما يؤذن بالاستفاضة ، وهي أظهر في الصحة عن الرواية عن الثقة المتحد ، وهذه
روايات السبع.
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن الحسن بن زياد عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث قد تقدم قريبا ، قال فيه : «قلت : فيكون عنده
المرأة فيتزوج جارية بكرا؟ قال : فليفضلها حين يدخل بها بثلاث ليال» الخبر.
وعن سماعة في الموثق قال : «سألته عن رجل كانت له امرأة فيتزوج عليها
، هل يحل له أن يفضل واحدة على الأخرى؟ قال : يفضل للمحدثة حدثان
__________________
عرسها بثلاثة أيام إذا كانت بكرا ثم يسوي بينهما بطيبة نفس إحداهما للأخرى».
وعن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث تقدم ، قال فيه :
«وقال : إذا
تزوج الرجل بكرا وعنده ثيب فله أن يفضل البكر ثلاثة أيام». وهذه الروايات الثلاث.
هذا ما وقفت
عليه من الأخبار في المسألة ، والشيخ قد جمع بينها بحمل أخبار السبع على الجواز ،
والثلاث على الأفضل ، قال : لأن الأفضل أن لا يفضل البكر أكثر من ثلاث ليال عندنا
في عرسها.
أقول : ظاهر
حسنة محمد بن مسلم وجوب السبع للبكر والثلاث للثيب ، لقوله فيها «فليبت» وهو أمر
باللام ، إلا أنه يعارضها في ذلك لفظ الأمر أيضا بالتفضيل بثلاث في رواية الحسن بن
زياد ، والظاهر أنه لا مندوحة عما ذكره الشيخ من الجمع المذكور ، وأن البكر أكثر
ما تفضل به السبع ، وأقله الثلاث ، والثيب بالثلاث خاصة.
إنما يبقى
الكلام في الوجوب ، وأكثر أخبار المسألة ظاهر في الجواز مثل قوله «وله أن يفضل»
ويحمل الأمر في الروايتين اللتين ذكرناهما على على الاستحباب ، وأن أقل مراتبه
الثلاث وأكثرها السبع ، ولم أقف على مصرح بالوجوب صريحا في كلامهم.
بقي الكلام هنا
في مواضع : الأول : ظاهر النص والفتوى أنه لا فرق في الزوجة بين الحرة والأمة ،
ولا في الثيب بين من ذهب بكارتها بجماع أو غيره ، ونقل عن العلامة في النهاية أنه
استقرب تخصيص الأمة بنصف ما تختص به ، لو كانت حرة ورجح في القواعد المساواة ،
والروايات كما ترى مطلقة.
الثاني ، قال
في المسالك : يجب التوالي في الثلاث والسبع ، لأن الغرض لا يتم إلا به ، ويتحقق
بعدم خروجه في الليل إلى عنده واحدة من نسائه مطلقا
__________________
على حد ما يعتبر في القسمة ، ولا إلى غيرها لغير ضرورة أو طاعة كصلاة جماعة
ونحوها مما لا يطول زمانه ، وإن كان طاعة لأن المقام عندها واجب فهو أفضل من
المندوب.
أقول : ظاهر
هذا الكلام وجوب السبع والثلاث ، وهو مشكل لعدم الدليل الواضح عليه من الأخبار ،
وجملة منها إنما دلت على أن له أن يفضل ، وظاهر هذه العبارة إنما هو الجواز ، وأما
بعض الأخبار الدالة على ذلك بلفظ الأمر فقد عرفت ما فيه من تعارض الخبرين بالثلاثة
في أحدهما والسبعة في الآخر ، ولا طريق في الجمع بينهما إلا بحمل الأمر على
الاستحباب والترتيب فيه بمعنى أن أقل أفراد الفضل ثلاثة وأكثرها سبعة.
وبالجملة
فالقول بالوجوب يحتاج إلى دليل من النصوص واضح الدلالة صريح المقالة ، وظاهر كلامه
أن مستنده في الوجوب إنما هو الغرض المترتب على ذلك ، وهو إشارة منه إلى ما قدمه
في صدر البحث حيث قال ـ بعد ذكر تخصيص البكر بسبع ، والثيب بثلاث ـ ما لفظه :
والمقصود منه أن ترتفع الحشمة وتحصل الألفة والانس ، وخصت البكر بزيادة ، لأن
حياءها أكثر. انتهى ، وفيه أن هذه العلة غير منصوصة بل هي مستنبطة فلا يكون حجة.
وبالجملة فإني
لا أعرف على الوجوب دليلا واضحا ، وأصالة براءة الذمة أقوى متمسك حتى يقوم دليل
واضح على ما يوجب شغلها. نعم ما ذكره من من التوالي هو المتبادر من ظواهر الأخبار
المذكورة ، وأما كونه على جهة الوجوب فغير واضح.
ووجه استفادة
التوالي منها كما ذكرنا هو قوله عليهالسلام
في رواية عبد
الرحمن ابن أبي عبد الله «ثلاثة أيام ثم يقسم». وفي موثقة سماعة «ثلاثة أيام ثم
يسوي بينهما». فإن ظاهرهما هو توالي الثلاثة ثم القسمة الشرعية بعد ذلك ، على أنهم
صرحوا في مسألة ثلاثة أيام التي هي أقل الحيض وعشرة أيام الإقامة بأن المتبادر
من ذلك هو التوالي ، والظاهر أنه هنا كذلك.
ويعضده أن
التوالي هو المعمول عليه في جميع الأعصار والأمصار من زمن النبي صلىاللهعليهوآله إلى يومنا هذا ، وإطلاق الأخبار إنما يحمل على الأفراد
المتعارفة المتكررة دون الفروض النادرة التي ربما لا توجد ، وإنما تذكر فرضا كما
هنا.
الثالث : روى
الصدوق في كتاب علل الشرائع عن محمد بن الحسن عن الصفار عن أحمد بن محمد عن الحسين
بن سعيد عن الحسين بن علوان عن الأعمش عن عباية الأسدي عن عبد الله بن عباس في
حديث «أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تزوج زينب بنت جحش فأولم وأطعم الناس ـ إلى أن قال :
ولبث سبعة أيام بلياليهن عند زينب ثم تحول إلى بيت أم سلمة وكان ليلتها وصبيحة
يومها من رسول الله صلىاللهعليهوآله».
أقول : ما دل
عليه هذا الخبر من إقامته صلىاللهعليهوآلهوسلم سبعة أيام عند زينب مع كونها ثيبا ، ظاهر المخالفة لما
تقدم من الأخبار المتفقة على أن الثيب ليس لها إلا ثلاثة أيام ، والأخبار إنما اختلفت
في البكر دون الثيب ، إلا أن الخبر سنده غير نقي كما عرفت ، فإن صح وجب قصره على
مورده وتخصيصه صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك ، وأن مورد تلك الأخبار ما عداه صلىاللهعليهوآلهوسلم وظاهر الخبر المذكور أن الدخول بزينب كان في ليلة أم
سلمة ، وهي حقها من القسم ، وأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد إقامة السبعة عند زينب تحول إلى بيت أم سلمة حيث
كان الدخول بزينب في ليلتها ، والظاهر أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم استمر على القسم بعد ذلك كما كان أولا.
وظاهره في
المسالك أنه لو كان التزويج في أثناء القسم ظلم على من بقي بتأخير حقها بعد حضوره
، وأنه يجب التخلص بما ذكره في سابق هذا الكلام ، مما لا أعرف له وجه استقامة في
المقام ، فليراجع إليه من أحب الوقوف عليه.
الرابع : ظاهر
أكثر الأصحاب أنه لا فرق هنا في الزوجة بين الأمة والحرة عملا بعموم الأدلة.
__________________
ونقل عن
العلامة في التحرير أنه استقرب تخصيص الأمة بنصف ما يختص به لو كانت حرة كالقسم في
دوام النكاح ، فكما أنها في القسم إنما لها نصف الحرة فكذا هنا ، وفي القواعد رجح
المساواة.
ثم إنه على
القول بالتشطير كما قربه في التحرير ففي كيفيته وجهان :
(أحدهما) أن
يكمل المنكسر فيثبت للبكر أربع ليال ، وللثيب ليلتان.
و (ثانيهما) ـ وهو
أصحهما على ما ذكره في المسالك ـ أن للبكر ثلاث ليال ونصفا ، وللثيب ليلة ونصفا ،
قال : لأن المدة قابلة للتنصيف ، فيخرج عند انتصاف الليل إلى بيت منفردا ومتحدا ،
ثم قال : وتعتبر الحرية والرقية بحال الزفاف ، فلو نكحها وهي أمة ، وزفت إليه وهي
حرة فلها حق الحرائر ، انتهى.
التاسع : المفهوم من كلام جملة من الأصحاب سقوط القسمة بالسفر
، بمعنى أنه متى أراد سفرا وأحب أن يصحب بعض نسائه دون بعض فإن له ذلك ، ولا يجب
عليه القضاء لمن خلفهن بعد الرجوع.
واحتجوا على
ذلك بأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يفعل ذلك ، ولم ينقل عنه القضاء ، ولو وقع لنقل ،
وقيد بعضهم عدم القضاء بما إذا صحب من أراده بالقرعة ، ولو صحبها بمجرد الميل
القلبي قضى ، لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ما كان يخرج معه واحدة إلا بالقرعة ، ولهذا أنه لم يقض
، وصحبتها دون غيرها بمجرد الميل القلبي من غير قرعة لا يخلو من الظلم لغيرها
والميل على الباقين ، ومن أطلق نظر إلى أن السفر لا حق للنساء فيه ، ومن ثم جاز
انفراده به.
وأورد عليه
بالفرق بين الأمرين ، فإن جواز ذلك له منفردا لا يستلزم جواز صحبة من أراد بمجرد
الميل إليها.
ثم إنه مع
الإطلاق أو التقييد بالقرعة هل يعم الحكم لكل سفر النقلة والإقامة كإرادة الانتقال
إلى بلد والتوطن فيها ، وسفر الغيبة الذي يريد الرجوع بعد قضاء غرضه إلى بلده
كسفره للتجارة ونحوها؟ قولان :
(أحدهما)
العموم ، معللا بأن السفر لا حق لهن فيه ، ولا مزية لسفر على سفر ، ولأن الاشتغال
بمشقة السفر وعناية يمنع من حقوق القسمة وخلوص الصحبة ، والتفرد بالخلوة التي هي
غاية القسمة.
و (ثانيهما)
الاختصاص بسفر الغيبة فيقضى في سفر النقلة ، قالوا : والفرق بينهما أن سفر النقلة
لا يختص ببعضهن ، بل يحتاج إلى نقلهن جميعا ، فلا يخصص واحدة بالاستصحاب كما في
الحضر ، فإن صحب بعضهن قضى للباقين ، بخلاف السفر الآخر ، إذ لا حق لهن فيه.
قالوا : وفي
حكم سفر النقلة الإقامة في سفر الغيبة بحيث يخرج عن اسم المسافر بالتمام أو ما في
معناه : لأنه بالإقامة على ذلك الوجه يصير كالحاضر في التمتع بالزوجة ، والخروج عن
مشقة السفر.
أقول : ولم أقف
بعد التتبع على نص في هذا المقام بحيث يمكن الرجوع إليه في استنباط شيء من هذه
الأحكام. نعم من المشهورات الذايعات بين الخاصة والعامة صحبته صلىاللهعليهوآلهوسلم لبعض نسائه في السفر ، وأن ذلك بالقرعة ، حتى أن أبا
حنيفة ـ فيما نقله عنه العامة والخاصة ـ قد رد على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في مواضع منها هذا الموضع ، فقال : إنه كان يصحب بعض
نسائه بالقرعة ، والقرعة عندي قمار ، والظاهر أن جميع ما ذكره الأصحاب هنا تبعا
للشيخ في المبسوط وغيره إنما هو من تفريعات العامة على ما عرفت في غير مقام مما
تقدم ، والاعتماد في تأسيس الأحكام على مجرد هذه التعليلات العقلية لا يوافق أصول
مذهبنا المبنية على الكتاب والسنة ، وأن ما عداهما مما تكاثرت الآيات والأخبار
بالمنع من الاعتماد عليه والرجوع في الأحكام الشرعية إليه ، والواجب الرجوع فيما
لم ترد به النصوص إلى الاحتياط والوقوف فيه على سواء ذلك الصراط كما وردت به
أخبارهم عليهمالسلام.
العاشر
: من المستحبات
عند الأصحاب في هذا المقام أن يقرع بينهن إذا
أراد أن يصحب بعضهن في السفر معه تأسيا بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنه كان يقرع بينهن لذلك كما تقدم ، وكيفية القرعة هنا
أن يكتب أسماء النسوة في رقاع بعددهن ، ويدرجها في بنادق متساوية ، ويضعها على وجه
لا يتميز ويخرج منها واحدة على السفر ، فمن خرج منها صحبها ، وإن أراد استصحاب
اثنتين معه أخرج رقعة أخرى ، وهكذا. وإن شاء أثبت الحضر في ثلاث رقاع والسفر في
واحدة وأدرجها ثم يخرج رقعة على اسم واحدة فإن خرجت رقعة السفر صحبها ، وإن خرجت
من رقاع الحضر أخرج رقعة أخرى على اسم اخرى. وهكذا حتى يبقى رقعة السفر ، فيتعين
المتخلفة ، وإذا أراد السفر باثنتين أثبت السفر في رقعتين والحضر في رقعتين ، ثم
إنه بعد خروج القرعة ، على من تخرج عليه من واحدة أو أكثر لا يكون ذلك موجبا
لاستصحابها بل يجوز له أن يجعلها مع المتخلفات ، لكن هل يجوز له مع تركها أن
يستصحب غيرها؟ منع منه الشيخ في المبسوط وإلا لانتفت فائدة القرعة.
وقيل : يجوز
ذلك لأنها ليست من الملزمات ، فإن الاستصحاب تبرع ، حيث إن زمان السفر لا يستحق
الزوجات فيه القسم ، وإنما فائدة القرعة دفع المشقة ، والشحناء عن قلوب المتخلفات
حيث لم يصحبهن وصحب من يريد بمجرد الميل والهوى ، وإذا كان صحبتها بالقرعة التي هي
من الله عزوجل ارتفع ذلك من قلوبهن ، والفرق بين تركها مع المتخلفات
وعدم أخذ غيرها ، وبين تركها وأخذ غيرها ـ حيث جاز الأول بلا خلاف دون الثاني ـ أن
القرعة لا يوجب الصحبة وإنما تعين من يستحق التقديم على تقدير إرادته ، وكيف كان
فالأولى مراعاة القرعة.
ومنها استحباب
التسوية بين الزوجات في الإنفاق وحسن المعاشرة وطلاقه الوجه والجماع ونحو ذلك ،
لما في ذلك من رعاية العدل والإنصاف.
ومن الأخبار
الجارية في هذا المضمار ما رواه الصدوق مرسلا قال : «قال
__________________
الصادق عليهالسلام : رحم الله عبدا أحسن فيما بينه وبين زوجته ، فإن الله
تعالى قد ملكه ناصيتها وجعله القيم عليها. قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : خيركم خيركم لنسائه ، وأنا خيركم لنسائي. قال : وقال
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : عيال الرجل أسراؤه ، وأحب العباد إلى الله تعالى
أحسنهم صنعا إلى أسرائه».
وروى الشيخ في
التهذيب عن عبد الملك بن عتبة الهاشمي قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الرجل يكون له امرأتان يريد أن يؤثر إحداهما بالكسوة
والعطية ، أيصلح ذلك؟ قال : قال : لا بأس بذلك واجتهد في العدل بينهما».
وعن معمر بن
خلاد قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام هل يفضل الرجل نساءه بعضهن على بعض؟ قال : لا ، ولكن لا
بأس به في الإماء». والنهي في هذا الخبر محمول على الكراهة جمعا بينه وبين ما
تقدمه ، وقد تقدمت الرواية عن علي أنه إذا كان يوم واحدة ، لا يتوضأ في بيت الأخرى.
ومنها أن يكون
صبيحة ذلك اليوم عند صاحبة الليلة لما تقدم في المورد الخامس من رواية إبراهيم
الكرخي الدالة على أنه إنما عليه أن يكون عندها في ليلتها ، ويظل عندها صبيحتها ،
وقد تقدم أن الحمل على الاستحباب إنما هو من حيث ضعف سند الرواية ، وإلا فلو كانت
صحيحة لحكم بالوجوب ، وحينئذ فمن لا يرى العمل بهذا الاصطلاح فالحكم عنده الوجوب
كما هو ظاهر كلام الشيخ في المبسوط المتقدم ذكره ثمة.
ومنها أنه
يستحب له أن يأذن لها في عيادة مرض أبيها وأمها وحضور موتهما ونحوهما من أقاربها
أيضا ، وله منعها عن ذلك ، كذا ذكره الأصحاب.
وعللوا الأول
بما في عدم ذلك من التأدية إلى الوحشة وقطيعة الرحم.
__________________
وأما الثاني
فيدل عليه ما رواه الكليني عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إن رجلا من الأنصار على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خرج في بعض حوائجه فعهد إلى امرأته عهدا أن لا تخرج من
بيتها حتى يقدم قال : وإن أباها مرض فبعثت المرأة إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت : إن زوجي خرج وعهد إلي أن لا أخرج من بيتي حتى
يقدم ، فإن أبي قد مرض ، فتأمرني أن أعوده؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لا اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك ، قال : فثقل فأرسلت
إليه ثانيا بذلك ، فقالت : فتأمرني أن أعوده؟ فقال : اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك ،
قال : فمات أبوها فبعثت إليه أن أبي قد مات فتأمرني أن أصلي عليه ، فقال : لا
اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك ، قال : فدفن الرجل فبعث إليها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إن الله قد غفر لك ولأبيك بطاعتك لزوجك».
أقول : ما
عللوا به الحكم الأول عليل لا يصلح للاستدلال ، فإن الاستحباب حكم شرعي كالوجوب
والتحريم لا يثبت إلا بدليل من الكتاب والسنة أو الإجماع عند من يرى حجيته ، لا
بمثل هذه المناسبات والتقريبات العقلية.
وبالجملة فإني
لم أقف على نص يدل على استحباب ذلك له مع عدم صراحة الرواية المذكورة في أن له
المنع من ذلك.
الحادي
عشر : لو وهبت إحدى
الزوجات حقها من القسم للزوج أو لبعض نسائه
جاز ، لكن لا
يجب على الزوج القبول لأن الاستمتاع بها حق له في الجملة ، فإن رضي بذلك جاز.
ويدل على جواز
ذلك ما رواه الشيخ عن علي بن جعفر عن أخيه موسى ابن جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن رجل له امرأتان ، قالت إحداهما ليلتي
ويومي
__________________
لك يوما أو شهرا أو ما كان ، أيجوز ذلك؟ قال : إذا طابت نفسها واشترى ذلك
منها فلا بأس». وظاهر الخبر حصول المعاوضة عن الهبة المذكورة ، والتعبير بالشراء
والبيع مجاز ، لأن البيع والشراء متعلقة بالأعيان المالية ، وإن كان للشيخ قول كما
تقدم في كتاب البيع بتعلقه بالمنافع ونحوها. وكيف كان فالظاهر أن المراد المعاوضة
عليه في الجملة.
هذا بالنسبة
إلى هبته للزوج ، وفي معنى هذا الخبر أخبار أخر تأتي إن شاء الله تعالى في النشوز.
وأما الهبة
لبعض الزوجات فيدل عليه ما نقله في المسالك من رواية سودة بنت زمعة زوجة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال بعد ذكر الحكم المذكور ، والأصل في ذلك ما روي أن سودة بنت زمعة لما كبرت وهبت ليلتها لعائشة ، وكان
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقسم لها يوما ويوم سودة.
أقول : الظاهر
أن هذه الرواية من روايات العامة فإني لم أقف بعد التتبع عليها في شيء من كتب
أخبارنا ، وعلى هذا فلو كانت الهبة لبعض الزوجات ، فإن كانت ليلة الواهبة متصلة
بليلة الموهوبة بات عند الموهوبة ليلتين متواليتين ، وإن كانت منفصلة فالأظهر أنه
تبقى على ما كان سابقا ، بمعنى أنه يبيت عند الموهوبة فيها من غير أن يجوز له
تقديمها وجعلها متصلة بليلة الموهوبة ، لأن من الجائز رجوع الواهبة في تلك الأيام
للمتوسطة ، وبالتقديم يفوت حق الرجوع ولو كانت الهبة للزوج فهو مخير في وضعها حيث
شاء ، لكن الظاهر أنه ليس تقديمها على ووقتها ، فينظر مع ذلك في ليلة التي يريد
تخصيصها بها ، فإن كانتا متواليتين فلا إشكال ، وإلا أخر المبيت بها عندها إلى ذلك
الوقت ، لعين ما تقدم ، وإن وهبتها لجميع نسوته كان القسم كما لو لم تكن ، واختص
القسم بمن عداها.
بقي الكلام هنا
في شيئين (أحدهما) أنه ينبغي أن يعلم أنه لما كانت الهبة
__________________
مشروطة برضاء الزوج كما تقدم ، وكانت هذه الهبة في معنى الاسقاط للحق
والمسامحة به ، فلزومها إنما يمكن باعتبار الزمان الماضي بمعنى أنه لو رجعت فيما
مضى لم يجب قضاؤه لخروجه عن ملكها بالهبة والقبض وانتقاله إلى الموهوب ، وأما
المستقبل فلا تلزم الهبة فيه ، بل لها الرجوع كما عرفت ، لأنه متجدد لا يمكن قبضة
وإنما هو بمعنى الاسقاط لا هبة حقيقة ، حتى أنها لو رجعت في أثناء الليل وجب على
الزوج الانتقال والخروج مع العلم من عند الموهوبة إليها ، وما مضى فلا تأثير
للرجوع فيه لجريان الهبة فيه.
و (ثانيهما)
أنه لو طلبت عوضا عن هذه الهبة فأجابها الزوج والضرات. فهل يكون العوض المذكور
لازما أم لا؟ نقل عن الشيخ في المبسوط الثاني محتجا بأن العوض إنما يكون في مقابلة
عين أو منفعة ، وهذا الحق ليس عينا ولا منفعة ، وإنما هو مأوى ومسكن فلا تصح المعاوضة
عليه بالمال.
والمحقق في
الشرائع نقل هذا القول بلفظ «قيل» مؤذنا بتمريضه وتضعيفه أو تردده فيه ، ووجهه في
المسالك بمنع انحصار المعاوضة في الأمرين المذكورين ، قال : لجواز المعاوضة بالصلح
على حق الشفعة والتحجير وغيرهما من الحقوق.
أقول : قد عرفت
من ظاهر رواية علي بن جعفر المتقدمة صحة ذلك ، وإن عبر عنه بالشراء مجازا والمراد
الكناية عن المعاوضة عليه ، وبذلك يظهر قوة القول الأول.
الثاني
عشر : لا قسمة
للصغيرة ولا الناشزة عند الأصحاب ، وعلل بأن القسمة كالنفقة التي هي من جملة
الحقوق الواجبة ، فمن لا يستحق النفقة لصغر أو نشوز لا تستحق القسمة.
وأما المجنونة
فإن كان جنونها أدوارا فظاهرهم أن لها نصيب من القسمة ، وإن كان مطبقا فظاهر جمع
منهم إطلاق عدم القسمة لها ، وإن استحقت النفقة ، إذ لا عقل لها حتى يدعوها إلى
الانس بالزوج والتمتع به ، وفصل آخرون فخصوا عدم القسمة بما إذا كان يخاف أذاها ،
ولم يكن لها شعور بالإنس به ، وإلا قسم لها.
وأما المسافرة
فإن كان سفرها بغير إذنه في غير واجب فهي ناشزة لا تستحق قسمة ، وإن كان واجبا
مضيقا كالحج الواجب بالأصل والنذر المعين فظاهرهم أنه لا يسقط حقها بل يجب القضاء
لها بعد الرجوع ، ولو كان السفر بإذنه في غرض لها غير الواجب أو الواجب الموسع فهل
تستحق قسمة أم لا؟ قولان : أولهما للعلامة في التحرير ، وثانيهما له في القواعد.
ووجه الأول أنه بالإذن لها وإن فات حقه ، إلا أن حقها باق فيجب القسم لها ، ووجه
الثاني فوات التمكين والاستمتاع المستحق عليها لأجل مصلحتها ، والاذن إنما يؤثر في
سقوط الإثم عنها ، وفوات التسليم المستحق عليها ، وإن كان بسبب غير مأثوم فيه ،
لكنه يوجب سقوط ما يقابله وهو القسم ، كما إذا فات تسليم المبيع قبل القبض بسبب
تعذر التسليم فيه ، فإنه يسقط تسليم الثمن ، وحيث يحكم بالوجوب في هذه المواضع أو
عدم الوجوب ، فالمراد وجوب القضاء وعدم وجوبه ، وظاهره في المسالك التوقف هنا حيث
اقتصر على نقل القولين المذكورين والوجه فيهما ولم يرجح شيئا ، ولم أقف في هذا
الموضع على شيء من النصوص إلا أن جملة من الأحكام المذكورة في المقام مما تقتضيه
القواعد الشرعية والضوابط المرعية.
المقالة
الثانية في النشوز والشقاق ، والكلام فيها يقع في مقامين :
الأول
في النشوز : وهو لغة الارتفاع ، وشرعا الخروج عن الطاعة ، يقال : نشز الرجل ينشز نشزا
، إذا كان قاعدا فنهض قائما ، ومنه قوله عزوجل «وَإِذا قِيلَ
انْشُزُوا فَانْشُزُوا» أى انهضوا إلى أمر من أمور الله تعالى.
قالوا : وسمى
خروج أحد الزوجين عن طاعة الآخر نشوزا ، لأنه بمعصيته قد ارتفع وتعالى عما أوجب
الله عليه من ذلك ، ولذلك خص النشوز بما إذا كان الخروج من أحدهما ، لأن الخارج
ارتفع على الآخر ، فلم يقم بحقه أو عن
__________________
الحق ، ولو كان الخروج منهما معا خص باسم الشقاق ـ كما سيأتي ـ لا النشوز ،
لاستوائهما معا في الارتفاع فلم يتحقق ارتفاع أحدهما عن الآخر.
أقول : في كتاب
المصباح المنير : نشزت المرأة من زوجها نشوزا ـ من بابي قعد وضرب ـ عصت
زوجها وامتنعت عليه ، ونشز الرجل من امرأته نشوزا ـ بالوجهين ـ تركها وجفاها ، وفي
التنزيل «وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها
نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً»
وأصله الارتفاع ، يقال : نشز من مكانه نشوزا ـ بالوجهين ـ إذا ارتفع عنه.
انتهى ، ومقتضى هذا الكلام إطلاق النشوز لغة على المعنى الشرعي.
ونحو هذه
العبارة فيما ذكرناه عبارة القاموس ، وحينئذ فما ذكره الأصحاب من أنه لغة بمعنى الارتفاع
وشرعا بمعنى الخروج عن الطاعة غير جيد ، لما عرفت من أنه يطلق لغة على المعنيين
المذكورين.
إذا تقرر ذلك
فاعلم أن النشوز قد يكون من الزوجة ، وقد يكون من الزوج ، وإلى الأول يشير قوله عزوجل «وَاللّاتِي تَخافُونَ
نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ»
وإلى الثاني يشير قوله عزوجل «وَإِنِ امْرَأَةٌ
خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ
يُصْلِحا بَيْنَهُما» الآية ، فالكلام هنا يقع في موضعين :
الأول : في نشوز المرأة ، والأصل في هذا المقام الآية
المتقدمة ، وهي قوله تعالى «وَاللّاتِي تَخافُونَ
نُشُوزَهُنَّ» الآية ، إلا أنه قد وقع الكلام فيها في مواضع :
الأول : إنه هل
تثبت هذه الأمور المذكورة في الآية مع تحقق النشوز أو ظهور أماراته قبل وقوعه أو
معهما؟ فقيل : إن المراد بخوف النشوز توقعه ،
__________________
وقال الفراء على ما نقله في كتاب مجمع البيان تعلمون نشوزهن ، قال : وقد يكون الخوف بمعنى العلم ،
وهو ظاهر جملة من الأصحاب كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى.
الثاني : إن
هذه الأمور الثلاثة المذكورة في الآية على التخيير أو الجمع أو الترتيب بالتدرج من
الأخف إلى الأثقل ، وهو جل شأنه قد ذكر الثلاثة متعاطفة بالواو ، والمفيدة للجمع ،
وقد ذهب ابن الجنيد إلى الجمع في هذه الأمور الثلاثة كما هو ظاهر الواو ، وجعلها
مترتبة على النشوز بالفعل ، ولم يتعرض للحكم مع ظهور أماراته ، وكأنه حمل الخوف
على معنى العلم كما تقدم نقله عن الفراء ، وأبقى الواو على ظاهرها من إفادة الجمع
، وذهب جمع منهم المحقق في النافع إلى أن هذه الأمور الثلاثة مترتبة ، لكن المحقق
اعتبر في الوعظ ظهور أمارة العصيان ، وفي الهجر عدم إفادة الوعظ ، وفي الضرب عدم
إفادة الهجر.
وأنت خبير بأنه
إذا لم يفد الوعظ يكون النشوز متحققا بالفعل.
والعلامة في
الإرشاد جعل الأمور الثلاثة مترتبة على النشوز بالفعل مع كونها في نفسها مرتبة وهو
ظاهر كلام الثقة الجليل علي بن إبراهيم الآتي إن شاء الله تعالى.
وظاهر جماعة
منهم المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد جعل الأمور الثلاثة منزلة على الحالين
ـ أعني ظهور أمارات النشوز ، وتحققه بالفعل ـ فإنهم جعلوا الوعظ والهجر معلقا على
ظهور أماراته ، والضرب منوطا بحصوله بالفعل ، والعلامة في التحرير وقوله جمع من
الأصحاب فصلوا في المسألة تفصيلا آخر فجعلوه الأمور الثلاثة مترتبة على مراتب
ثلاثة من حالها ، فمع ظهور أمارات النشوز يقتصر على الوعظ ، ومع تحققه قبل الإصرار
ينتقل إلى الهجر ، فإن لم ينجع وأصرت انتقل إلى الضرب ، واستقر به السيد السند في
شرح النافع قال : فيكون معنى الآية «وَاللّاتِي تَخافُونَ
نُشُوزَهُنَّ» فَعِظُوهُنَّ) ، فإن نشزن فاهجروهن
__________________
في المضاجع فإن أصررن فاضربوهن ، انتهى.
وقال الثقة
الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره «وَاللّاتِي تَخافُونَ
نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ
فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً»
وذلك إذا نشزت المرأة عن فراش زوجها ، قال زوجها ، اتقي الله وارجعي إلى
فراشك ، فهذه الموعظة ، فإن أطاعته فسبيل ذلك ، وإلا سبها وهو الهجر ، فإن رجعت
إلى فراشها فذلك ، وإلا ضربها ضربا غير مبرح ، فإن رجعت وأطاعت فضاجته ، يقول الله
«فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا
عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً» يقول : لا تكلفوهن الحب ، فإنما جعل الموعظة والسب
والضرب لهن في المضجع «إِنَّ اللهَ كانَ
عَلِيًّا كَبِيراً». انتهى ، وظاهره كما ترى ترتب هذه الأمور على النشوز بالفعل لا خوفه ، وهو
محمول على ما تقدم نقله عن الفراء من أن الخوف بمعنى العلم.
الثالث : فيما
هو المراد من هذه الأمور الثلاثة المذكورة في الآية ، (أما) الوعظ فظاهر ، وهو
تخويفها بالله سبحانه وذكر ما ورد من حقوق الزوج على المرأة في الأخبار عن النبي صلىاللهعليهوآله وأبنائه الأطهار.
و (أما) الهجر
فقد اختلف فيه كلامهم ، وظاهر كلام الشيخ علي بن إبراهيم المتقدم ، تفسيره بالسب
وهو غريب ، ولم يذكره غيره فيما أعلم ولا ريب أنه أحد معاني الهجر لكنه هنا بعيد ،
بل المراد إنما هو ما يؤذن بالصد والاعراض والقطعية ، وقيل : هو أن يحول ظهره
إليها في المضجع ، وبه قال ابن بابويه ، ورواه
__________________
الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن الباقر عليهالسلام ، ونسبه في الشرائع إلى الرواية.
وفي كتاب الفقه
الرضوي : وأما النشوز ـ إلى أن قال ـ والهجران هو أن يحول
إليها ظهره في المضجع والضرب بالسواك وشبهه ضربا رفيقا ،. انتهى.
وقيل : أن
يعتزل فراشها ويبيت على فراش آخر ، إختاره الشيخ في المبسوط وابن إدريس ، وقيل :
إنه كناية عن ترك الجماع.
وأما الضرب فقد
تقدم في كلام علي بن إبراهيم أنه يضربها ضربا غير مبرح ، وبه صرح غيره أيضا ،
والمراد من غير المبرح ما لا يدمي لحما ، ولا يهشم عظما ، ويكون كضرب الصبيان
للتأديب بحيث يتألم منه المضروب ، ولا يوجب ضررا في بدنه.
وفي تفسير مجمع
البيان عن الباقر عليهالسلام «أنه الضرب بالسواك». ومثله ما عرفت من كلام الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي.
قال في المسالك
ونعم ما قال : وفي بعض الأخبار أنه يضربها بالسواك ، ولعل حكمته توهمها إرادة
المداعبة ، وإلا فهذا الفعل بعيد عن التأديب والإصلاح ، انتهى وهو جيد.
وقيل : إن
الضرب يكون بمنديل ملفوف ، أو درة ، ولا يكون بسياط ولا خشب ،
__________________
نقله الشيخ في المبسوط عن قوم ، وأظهر هذه الأقوال الأول فإنه هو الذي يرجى
به الرجوع إلى الطاعة. ولو حصل بالضرب تلف ، قيل : وجب عليه الغرم لأنه قد تبين
بذلك أنه إتلاف لا إصلاح بخلاف الولي إذا أدب الطفل ، وفرق بينهما بأن تأديب
المرأة لحظ نفسها ، والولد لحظه لا لحظ الولي.
وأورد عليه بأن
في الفرق نظرا ، قال في شرح النافع : وينبغي القطع بعدم غرمه لأنه بتأديب الطفل
محسن ، وما على المحسنين من سبيل ، ولا يبعد إلحاق الزوج به في ذلك ، خصوصا إن كان
المقصود من الضرب تأديبها على فعل محرم انتهى.
أقول : يمكن أن
يقال : إنه إن كان الضرب المذكور ليس مما يترتب عليه التلف بحسب العادة ، وإنما
اتفق التلف بعده اتفاقا فهذا لا يترتب عليه ضمان ، وإن كان مما يمكن ترتب التلف
عليه فلا يبعد وجوب الضمان.
الثاني
: في نشوز
الزوج ، وهو المشار إليه بقوله عزوجل «وَإِنِ امْرَأَةٌ
خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً»
الآية : قالوا : وهو عبارة عن أن يتعدى الزوج عليها ويمنعها بعض حقوقها
الواجبة من نفقة أو كسوة أو قسم أو نحو ذلك أو أنه يضربها ويؤذيها بغير سبب مبيح له
ذلك ، وحينئذ فترفع أمرها إلى الحاكم ، فإن ثبت عنده ما ادعته ببينة أو اعتراف أو
نحو ذلك عزره بما يراه ، وأجرى عليها النفقة من ماله ولو ببيع عقاره عليه ، وإلا
نصب بينهما ثقة يستعلم صدق ما ادعته ، ويكون الحكم كما تقدم ، ولو لم يكن يؤذيها
ولا يمنعها شيئا من حقوقها الواجبة إلا أنه يكرهها لكبر أو مرض أو غيرهما فلا
يدعوها إلى فراشه ويهم بطلاقها ، فلها أن تسترضيه بإسقاط بعض حقوقها من القسم أو
النفقة أو نحوهما ويحل له ذلك ، وهذا هو الصلح الذي أشارت إليه الآية بقوله «وَإِنِ امْرَأَةٌ
خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ
يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً».
__________________
وعلى ذلك تدل
جملة من الأخبار ، منها ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن قول الله عزوجل «وَإِنِ امْرَأَةٌ
خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً»
فقال : هي
المرأة تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها : إني أريد أن أطلقك ، فتقول له : لا
تفعل إني أكره أن تشمت بي ، ولكن انظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت ، وما كان سوى
ذلك من شيء فهو لك ، ودعني على حالتي ، فهو قوله تبارك وتعالى «فَلا جُناحَ
عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً»
وهذا هو الصلح».
وعن علي بن أبي
حمزة قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن قول الله عزوجل «وَإِنِ امْرَأَةٌ
خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً»
فقال : إذا كان
كذلك فهم بطلاقها قالت له : أمسكني وادع لك بعض ما عليك وأحللك من يومي وليلتي ،
حل له ذلك ولا جناح عليهما».
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن قول الله عزوجل «وَإِنِ امْرَأَةٌ
خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً»
قال : هذا تكون
عنده المرأة لا تعجبه فيريد طلاقها فتقول له : أمسكني ولا تطلقني وادع لك ما على
ظهرك ، وأعطيك من مالي وأحللك من يومي وليلتي ، فقد طاب ذلك له كله».
ما رواه في
الفقيه عن المفضل بن صالح عن زيد الشحام عن أبي عبد الله
__________________
عليهالسلام قال : «النشوز قد يكون من الرجل والمرأة جميعا ، فأما
الذي من الرجل فهو ما قال الله عزوجل في كتابه «وَإِنِ امْرَأَةٌ
خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ
يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ»
وهو أن تكون المرأة عند الرجل لا تعجبه فيريد طلاقها فتقول له : أمسكني
ولا تطلقني وادع لك ما على ظهرك ، وأحل لك يومي وليلتي ، فقد طاب له ذلك».
وما رواه العياشي
في تفسيره عن أحمد بن محمد عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام «في قول الله عزوجل «وَإِنِ امْرَأَةٌ
خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً»
فقال : النشوز
: الرجل يهم بطلاق امرأته ، فتقول له : ادع ما على ظهرك ، وأعطيك كذا وكذا ، وأحللك
من يومي وليلتي على ما اصطلحا ، فهو جائز».
وعن زرارة قال : «سئل أبو جعفر عليهالسلام عن النهارية ـ إلى أن قال : ـ ولكنه إن تزوج امرأة
فخافت منه نشوزا أو خافت أن يتزوج عليها أو يطلقها فصالحته من حقها على شيء من
نفقتها أو قسمتها ، فإن ذلك جائز لا بأس به».
أقول : وهذه
الأخبار بعد حمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مبينها ظاهرة الاتفاق في تخصيص صحة
الصلح ـ وبراءة ذمة الزوج مما أسقطته عنه المرأة ـ بما لو كرهها أو أراد التزويج
عليها أو نحو ذلك مما لا يتضمن إخلالا بواجب أو ارتكاب محرم.
وبذلك يظهر ضعف
قول من قال : إنه لو أخل الزوج بحقوقها الواجبة أو بعضها فتركت له بعض الحقوق جاز
ذلك وبرءت ذمته ، وإن كان آثما في نشوزها ،
__________________
لأن الآية بمقتضى الروايات التي وردت بتفسيرها أكثرها صريح في تخصيص ذلك
بكراهته لها ونحو ذلك دون الإخلال بالحقوق الواجبة عليه لها ، وما أطلق فقرائن
ألفاظه ظاهر في ذلك أيضا.
وبالجملة فإن
المستفاد من الآية والأخبار ـ بتقريب ما قلناه ـ أن النشوز الموجب لصحة الصلح
بإسقاط بعض الحقوق هو ما لم يتحقق إخلال الزوج بشيء من الحقوق الواجبة عليه ، على
أنه متى كان القسم والنفقة من الأمور الواجبة عليه ، فتركت له النفقة مثلا لأجل
القسم ، فإنه يكون هذا الترك لا في مقابلة عوض ، لأن القسم واجب عليه تركت النفقة
أم لم تتركها ، فيكون إسقاط النفقة من غير سبب يوجبه قبيحا ، ولو قهرها على بذل ما
تركت له فلا ريب في عدم حله. لأنه إكراه بغير حق شرعي.
المقام
الثاني في الشقاق : وهو أن يكره كل واحد من الزوجين صاحبه ، فيكون كل واحد منهما بكراهيته
للآخر في شق عنه ـ أي ناحية ـ والحكم في ذلك ، بعث كل واحد منهما حكما من أهله
حسبما يأتي تفصيله.
والأصل في هذا
المقام الآية أعني قوله عزوجل «وَإِنْ خِفْتُمْ
شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها
إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما»
.
والأخبار ومنها
ما رواه في الكافي عن علي بن أبي حمزة قال : «سألت العبد الصالح عليهالسلام عن قول الله عزوجل (وَإِنْ خِفْتُمْ
شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها»
فقال : يشترط
الحكمان إن شاءا فرقا وإن شاءا جمعا ، ففرقا أو جمعا جاز».
وعن سماعة في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزوجل
__________________
«فَابْعَثُوا حَكَماً
مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها»
أرأيت إن
استأذن الحكمان فقالا للرجل والمرأة : أليس قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح
والتفريق؟ فقال الرجل والمرأة : نعم ، فأشهدا بذلك شهودا عليهما ، أيجوز تفريقهما
عليهما؟ قال : نعم ، ولكن لا يكون إلا على طهر من المرأة من غير جماع من الزوج ،
قيل له : أرأيت إن قال أحد الحكمين : قد فرقت بينهما ، وقال الآخر : لم أفرق
بينهما ، فقال : لا يكون تفريقا حتى يجتمعا جميعا على التفريق ، فإذا اجتمعا على
التفريق جاز تفريقهما».
وعن محمد بن
مسلم عن أحدهما عليهماالسلام قال : «سألته عن قول الله عزوجل «فَابْعَثُوا حَكَماً
مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها»؟ قال : ليس للحكمين أن يفرقا حتى يستأمروا».
وما رواه المشايخ
الثلاثة عن الحلبي في الصحيح ، وفي آخر في الحسن عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «سألته عن قول الله عزوجل «فَابْعَثُوا حَكَماً
مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها»
قال : ليس
للحكمين أن يفرقا حتى يستأمرا الرجل والمرأة ، ويشترطا عليهما إن شئنا جمعنا وإن
شئنا فرقنا فإن جمعا فجائز ، وإن فرقا فجائز».
وما رواه في
الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام «في قول الله عزوجل «فَابْعَثُوا حَكَماً
مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها»
قال : الحكمان
يشترطان إن شاءا فرقا وإن شاءا جمعا ، فإن جمعا فجائز ، وإن فرقا فجائز».
وفي كتاب الفقه
الرضوي «وأما الشقاق فيكون من الزوج والمرأة جميعا كما
__________________
قال الله تعالى «وَإِنْ خِفْتُمْ
شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها»
يختار الرجل
رجلا والمرأة تختار رجلا فيجتمعان على فرقة أو على صلح ، فإن أرادا إصلاحا أصلحا
من غير أن يستأمرا ، وإن أرادا التفريق بينهما فليس لها إلا بعد أن يستأمرا الزوج
والمرأة». انتهى.
وفي تفسير
العياشي عن محمد بن سيرين عن عبيدة قال : «أتى علي بن أبي طالب عليهالسلام رجل وامرأة ، ومع كل واحد منهما فئام من الناس فقال عليهالسلام : ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ، ثم قال للحكمين
: هل تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن يجمعا جمعتما ، وإن رأيتما أن يفرقا
فرقتما ، فقالت المرأة : رضيت بكتاب الله علي ولي ، فقال الرجل : أما في الفرقة
فلا ، فقال علي عليهالسلام : ما تبرح حتى تقر بما أقرت به».
وروى في الكتاب
المذكور عن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليهالسلام «في قوله تعالى «فَابْعَثُوا حَكَماً
مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها»
قال : ليس
للحكمين أن يفرقا حتى يستأمرا الرجل والمرأة».
قال : وفي خبر
آخر عن الحلبي عنه عليهالسلام «ويشترط عليهما إن شاءا جمعا وإن شاءا فرقا» فإن جمعا فجائز ، فإن فرقا
فجائز ، قال : وفي رواية فضالة «فإن رضيا وقلداهما الفرقة ففرق فهو جائز». انتهي.
هذا ما حضرني
من أخبار المسألة ، وقال الشيخ علي بن إبراهيم في تفسيره «وَإِنْ خِفْتُمْ
شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها»
فما حكم به
الحكمان فهو جائز ، يقول الله «إِنْ يُرِيدا
إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما»
يعني الحكمان ،
فإذا كان الحكمان عدلين دخل حكم المرأة على المرأة فيقول : أخبرني ما في نفسك فإني
لا أحب أن أقطع شيئا دونك ، فإن كانت هي الناشزة قالت :
__________________
أعطه من مالي ما شاء وفرق بيني وبينه ، وإن لم تكن ناشزة قالت : أنشدك الله
أن لا تفرق بيني وبينه ، ولكن استزد لي في نفقتي ، فإنه إلى مسيء ، ويخلو حكم
الرجل بالرجل ، فيقول : أخبرني بما في نفسك ، فإني لا أحب أن أقطع شيئا دونك ، فإن
كان هو الناشز قال : خذ لي منها ما استطعت وفرق بيني وبينها فلا حاجة لي فيها ،
وإن لم يكن ناشزا قال : أنشدك الله أن لا تفرق بيني وبينها فإنها أحب الناس إلي ،
فأرضها من مالي بما شئت ، ثم يلتقي الحكمان وقد علم كل واحد منهما ما أوصى به إليه
صاحبه ، فأخذ كل واحد منهما على صاحبه عهد الله وميثاقه لتصدقني ولأصدقنك ، وذلك
حين يريد الله أن يوفق بينهما ، فإذا فعلا وحدث كل واحد منهما صاحبه بما أفضي إليه
عرفا من الناشز ، فإن كانت المرأة هي الناشزة قالا : أنت عدوة الله الناشزة
العاصية لزوجك ليس لك عليه نفقة ولا كرامة لك وهو أحق أن يبغضك أبدا حتى ترجعين
إلى أمر الله ، وإن كان الرجل هو الناشز قالا له : يا عدو الله أنت العاصي لأمر
الله المبغض لامرأته فعليك نفقتها ولا تدخل لها بيتا ولا ترى لها وجها أبدا حتى
ترجع إلى أمر الله عزوجل وكتابه.
وقال : وأتى
علي بن أبي طالب عليهالسلام رجل وامرأة على هذه الحال فبعث حكما من أهله وحكما من
أهلها ، وقال للحكمين هل تدريان ما تحكمان؟ احكما ، إن شئتما فرقتما ، وإن شئتما
جمعتما ، فقال الزوج : لا أرضى بحكم فرقة ولا أطلقها ، فأوجب عليه نفقتها ، ومنعه
أن يدخل عليها ، وإن مات على ذلك الحال الزوج ورثته ، وإن ماتت لم يرثها إذا رضيت
منه بحكم الحكمين وكره الزوج ، فإن رضي الزوج وكرهت المرأة أنزلت هذه المنزلة إن
كرهت ولم يكن لها عليه نفقة ، وإن مات لم ترثه ، وإن ماتت ورثها حتى ترجع إلى حكم
الحكمين ، انتهى.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن تحقيق الكلام في المقام يقع في مواضع :
الأول : هل المراد من خوف الشقاق في الآية هو خشية الشقاق كما هو ظاهر اللفظ ، أو
العلم به؟ قولان ، وإلى الأول يميل كلام أمين الإسلام الطبرسي
في كتاب مجمع البيان حيث قال «وَإِنْ خِفْتُمْ»
أي خشيتم ،
وقيل علمتم ، والأول أصح ، لأنه لو علم الشقاق يقينا لما احتيج إلى الحكمين.
وإلى الثاني
يميل كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، حيث حمل الآية أولا على المعنى الظاهر
من اللفظ مع تقدير الاستمرار بمعنى أنه إن خشيتم استمرار الشقاق ، لأن ظهور النشوز
منها موجب لحصول الشقاق.
أقول : فالمراد
حينئذ خوف استمراره ، ثم قال : ويجوز أن يراد من خشية الشقاق العلم به كما سلف ،
وهو أولى من إضمار الاستمرار ، وكلام سبطه في شرح النافع يميل إلى الأول حيث قال :
والظاهر أن المراد والله أعلم «إن خفتم استمرار الشقاق بينهما» أو يقال : إن
الشقاق إنما يتحقق مع تمام الكراهة بينهما ، فيكون المراد أنه إذ حصلت كراهة كل
منهما لصاحبه وخفتم حصول الشقاق بينهما «فَابْعَثُوا حَكَماً»
وقيل : معنى
خفتم علمتم.
أقول : الظاهر
أن المراد من قول شيخنا الطبرسي «لأنه لو علم الشقاق يقينا لما احتيج إلى الحكمين»
هو أن الغرض من بعث الحكمين هو الإصلاح بينهما باجتماع أو فرقة ، ومتى كان الشقاق
معلوما علم أنه لا يمكن الإصلاح بالاجتماع ، فموضع إرسالهما إنما هو في مقام يرجو
فيه الاجتماع بأن يظهر الكراهة من كل منهما لصاحبه في الجملة إلا أنه يرجى الاجتماع
حينئذ ، وهو يرجع إلى المعنى الثاني الذي ذكره في شرح النافع ، والظاهر قربه.
الثاني : اختلف المفسرون والفقهاء في المخاطب في الآية بإنفاذ الحكمين هل هو
الحاكم الشرعي؟ أو الزوجان؟ أو أهل الزوجين؟ على أقوال ، وبالأول قطع المحقق في
الشرائع والعلامة في القواعد ، ونسبه في المسالك إلى الأكثر ، قال : وجعلوا ضمير
فابعثوا في الآية راجعا إلى الحكام.
والثاني اختيار
ابن بابويه في الفقيه والمقنع وأبيه في الرسالة والمحقق في الشرائع ، إلا أنه في
النافع قال : إذا امتنعا بعثهما الحاكم.
قال في كتاب
مجمع البيان : «واختلف في المخاطب بإنفاذ الحكمين من هو؟ فقيل :
السلطان الذي ترافع الزوجان إليه ، عن سعيد بن جبير والضحاك وأكثر الفقهاء ، وهو
الظاهر في الأخبار عن الصادقين عليهماالسلام وقيل : إنه الزوجان أو أهل الزوجين عن السدي ، واختلفوا
في الحكمين هل لهما أن يفرقا بالطلاق إن رأيا أم لا؟ والذي في روايات أصحابنا عنهم
عليهمالسلام أنه ليس لهما ذلك إلا بعد أن يستأمراهما ويرضيا بذلك ،
وقيل : إن لهما ذلك ، عن سعيد بن جبير والشعبي والسدي وإبراهيم ، ورووه عن علي عليهالسلام ، ومن ذهب إلى هذا القول قال : إن الحكمين وكيلان ،
انتهى.
وأنت خبير بأنه
ليس في الأخبار المتقدمة ما يدل على ما نحن فيه إلا كلام الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه ، فإنه صريح في أن البعث من الزوجين ،
وإنما نسب هذا القول إلى الصدوق في الفقيه لأنه قد عبر بهذه العبارة حيث قال : الشقاق قد يكون من
المرأة والرجل جميعا ، وهو ما قال الله تعالى «وَإِنْ خِفْتُمْ
شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها»
فيختار الرجل رجلا وتختار المرأة رجلا ، فيجتمعان على فرقة أو صلح ، فإن
أرادا الإصلاح أصلحا من غير أن يستأمرا ، وإن أرادا أن يفرقا فليس لهما أن يفرقا
إلا بعد أن يستأمرا الزوج والمرأة ، انتهى .
والظاهر أن
عبارة أبيه في الرسالة كذلك أيضا ، وأما عبارة المقنع فهي
__________________
مثل عبارته في الفقيه ، وهو نظير ما قدمنا في غير موضع من إفتاء الصدوق
وأبيه في الرسالة إليه بعبارات هذا الكتاب ، ومن أجل ذلك اعتمدنا عليه فيما تضمنه
من الأحكام وظاهر الرواية المرسلة المذكورة في كلام علي بن إبراهيم ، هو أن المرسل
هو الامام عليهالسلام حيث تضمنت أنه بعد أن أتاه الرجل والمرأة على هذه
الحالة بعث حكما من أهله وحكما من أهلها.
وأما رواية
عبيدة المنقولة من تفسير العياشي فهي محتملة لكون خطابه عليهالسلام للزوجين ، وإن كان الخطاب بضمير الجمع فإنه غير غريب في
الكلام ، ويحتمل أن يكون لأهلها ، ولعله الأقرب.
وظاهر موثقة
سماعة هو أن البعث من الزوجين أيضا كما دل عليه كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه حيث قال الراوي بعد ذكر الآية : أرأيت إن
استأذن الحكمان فقالا للرجل والمرأة : أليس قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح
والتفريق إلى آخره ، فإنه ظاهر في كون البعث منهما كما لا يخفى بل هو ظاهر
الروايات الدالة على اشتراط الحكمين على الزوجين قبول ما يحكمان به ، فإنه لو كان
البعث إنما هو من الامام من غير تعلق بالزوجين بالكلية كما هو ظاهر القول المشهور
، لما كان لهذا الاشتراط هنا وجه كما لا يخفى .
ونقل عن ابن
الجنيد أن الامام يأمر الزوجين أن يبعثا فيكون هذا قولا ثالثا ، ويدل عليه ظاهر
رواية عبيدة المنقولة من تفسير العياشي بجعل الخطاب فيها للزوجين كما قدمنا ذكره.
وأما ما ذكره
في كتاب مجمع البيان من أن القول بأن البعث من السلطان ـ يعني الإمام ـ «هو الظاهر
في الأخبار عن الصادقين» فلا أعرف له وجها ، وهذه
__________________
أخبار المسألة كملا الموجودة في الكتب الأربعة وغيرها ، وليس فيها ما يدل
على ذلك إلا المرسلة المذكورة في كلام علي بن إبراهيم ، مع معارضتها بما عرفت من
ظاهر موثقة سماعة ، وصريح كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي ، وظواهر تلك الأخبار المشار
إليها ، اللهم إلا أن يكون قد وصلت إليه أخبار لم تصل إلينا.
وكيف كان
فالظاهر أن وجه الجمع بين الأخبار المذكورة هو كون البعث من الزوجين ، فإن أخلا به
بعث الحاكم كما قدمنا نقله عن المحقق في النافع ، والظاهر أنه جعله وجه جمع بين
الأخبار ، ولعله إلى ذلك يشير خبر عبيدة المنقولة عن تفسير العياشي حيث أمر عليهالسلام غيره بأن يبعث ، وهو كما عرفت محتمل لأن يكون الزوجان
أو أهلهما ، ويحتمل أيضا أن يكون البعث إنما هو من الامام ، ولكن مع تعذره
فالزوجان ، وهذا أنسب بالقول المشهور من أن الباعث إنما هو الامام ، لكن رواية
عبيدة المذكورة منافرة لهذا الحمل.
الثالث : المشهور بين الأصحاب القائلين بأن الباعث هو الامام أن ذلك على جهة
التحكيم ، لا التوكيل ، بأن يكون الامام قد نصبهما وكيلين عن الزوج والزوجة ، لأن
البضع حق للزوج ، والمال حق للزوجة ، وهما بالغان رشيدان ، فلا يكون لأحد ولاية
عليهما ، فلا يكونا إلا وكيلين.
واعترض عليه
بأن حكم الشارع قد يجري على غير المحجور عليه كالمماطل وبإصرار الزوجين على الشقاق
قد صارا ممتنعين عن قبول الحق ، فجاز الحكم عليهما.
والقول بكونه
توكيلا لابن البراج في الكامل ، إلا أنه عدل عنه في المهذب ووافق المشهور ، قال في
كتاب المهذب : وقد ذكرنا في كتابنا الكامل في الفقه في هذا الموضع أنه على طريق
التوكيل ، والصحيح أنه على طريق التحكيم ، لأنه لو كان توكيلا لكان ذلك تابعا للوكالة
وبحسب شرطها ، انتهى.
وقال الشيخ في
المبسوط : الذي يقتضيه مذهبنا أن ذلك حكم لأنهم رووا أن لهما الإصلاح من غير
استئذان ، وليس لهما الفرقة بالطلاق وغيره إلا بعد
أن يستأذناهما ، ولو كان توكيلا لكان ذلك تابعا للوكالة وبحسب شرطها ، وبه
قال ابن إدريس ، والعلامة وغيرهما.
وظاهر الأصحاب
الاتفاق على أنه متى كان البعث من الزوجين فلا يكون إلا توكيلا. قال في المسالك :
ولو جعلنا بعثهما من الزوجين فلا شبهة في كونه توكيلا ، لأنهما ليسا من أهل
التفويض في الحكم الكلي وإن كان متعلقة جزئيا.
أقول ـ وبالله
الثقة لإدراك كل مأمول : إنه لا يخفى على من راجع الأخبار التي قدمناها وهي أخبار
المسألة التي وصلت إلينا أنها متفقة على كون ذلك تحكيما ، سواء كان الباعث الإمام
أو الزوجين ، والذي يدل على كونه تحكيما لا توكيلا مع بعث الزوجين كلام الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي وهو مذهب الصدوقين أيضا حيث عبرا بعبارته حسبما عرفت
آنفا ، فإنه عليهالسلام ذكر أن الحكمين بعد بعث الزوجين لهما يجتمعان على فرقة
أو إصلاح ، فإن اجتمعا على الإصلاح لم يحتج إلى مراجعة ، وإن اجتمعا على الفرقة
فلا بد لهما أن يستأمرا الزوج والزوجة ، وهذا هو الذي دلت عليه رواية محمد بن مسلم
وحسنة الحلبي فإنهما دلتا على الاستئمار في الفرقة دون الإصلاح ، ولو كان ما
يدعونه من أنه إذا كان البعث من الزوجين فإنه لا يكون إلا توكيلا ـ كما سمعته من
كلامه في المسالك ـ لكان الواجب في كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه أن يجعل الحكم منوطا بما يأمران به
ويعينانه لهما كما في سائر أفراد الوكالة ، لا أنه يجعل ذلك مفوضا لهما ، وأظهر من
ذلك أنه عليهالسلام قد جعل كلامه تفسيرا للآية ، الصريحة في التحكيم دون
الوكالة.
وبالجملة فإنه
لا شك في دلالة كلامه عليهالسلام على أنه في صورة بعث الزوجين تحكيم لا توكيل ، كما
ادعوه ، وإن كان ظاهرهم الاتفاق عليه ، وقد عرفت أيضا أن ظاهر موثقة سماعة هو كون
الباعث الزوجين ، وقد اعترف بذلك أيضا في المسالك ، فقال بعد إيراد الرواية :
ويمكن أن يستدل بها على أن المرسل الزوجان ،
__________________
مع أنه لا ريب في أن ما اشتملت عليه تحكيم بلا إشكال لا توكيل.
وبالجملة فإن
ما ذكره ابن البراج في الكامل من كونه توكيلا مع كون الباعث الامام ، وما ذكروه من
أنه أيضا توكيل مع كون الباعث الزوجين ، لا دليل عليه سوى هذه الوجوه الاعتبارية
التي لفقوها ، والأخبار كما ترى على خلافها .
الرابع : المفهوم من كلام الأصحاب أنه لا إشكال في أن الحكمين لو رأيا الصلح
واجتمعا عليه ، فإنه لا يتوقف على الاستئذان من الزوجين ، وإنما الخلاف فيما لو
رأيا الفرقة بخلع أو طلاق فهل لهما الاستقلال بذلك أم يتوقف على الاستئذان؟ قولان
، قال في المسالك بعد كلام في المقام : ثم إن رأيا الإصلاح هو الأصلح فعلاه ، وإن
رأيا الأصلح لهما الفراق فهل يجوز لهما الاستبداد به فيباشر حكمه الطلاق وحكمها
بذل عوض الخلع إن رأيا الخلع هو الصلاح؟ أم يختص بحكمهما بالإصلاح دون الفراق؟
قولان مرتبان على كونهما وكيلين أو حكمين ، فعلى الأول لا إشكال في وجوب مراعاة
الوكالة ، فإن تناولت الفراق فعلاه وإلا فلا.
وعلى الثاني
ففي جواز الفراق أيضا قولان مبنيان على أن مقتضى التحكيم على الإطلاق تسويغهما فعل
ما يريانه صلاحا ، فيتناول الطلاق والبذل حيث يكون صلاحا ، وبأن أمر طلاق المكلف
إلى الزوج لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم «الطلاق بيد من أخذ بالساق». وهذا هو الأشهر.
أقول : لا يخفى
أن ما يكررونه في هذا المقام من احتمال التوكيل ويفرعون
__________________
عليه فروعا مثل ما ذكره هنا قد عرفت ما فيه ، وليس في أخبار المسألة ما
يشير إليه فضلا عن الدلالة عليه ، بل هي ظاهرة في خلافه حيث إنهم قد ادعوا أنه متى
كان البعث من الزوجين فإنه لا يكون إلا توكيلا ، مع أنا بينا دلالة كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي ، ونحوه موثقة سماعة على خلافه بل
هو ظاهر تلك الأخبار التي أشرنا إليه آنفا ، وبذلك يظهر لك أن ما ذكره من البناء
في الخلاف ـ الأول ـ على كونهما وكيلين أو حكمين لا وجه له بالكلية ، والتحقيق
إنما هو ما ذكره ثانيا من أن القولين المذكورين إنما هما على تقدير كونهما حكمين ،
وهذا هو الذي دلت عليه الأخبار المتقدمة ، فإن بعضها قد دل على الاستئذان متى
اختارا الفراق ، وبعضها قد دل بظاهره على العدم.
ومن هنا علم
دليل كل من القولين ، إلا أن المفهوم منها بعد التأمل في مضامينها إنه إن شرط
الحكمان على الزوجين الرضاء بكل ما فعلاه ، وقبول كل ما رأياه من فرقة أو اجتماع
فإن تفريقهما جائز لا يتوقف على المراجعة متى رأيا ذلك صلاحا وإن لم يشترطا فإنه
يجب عليهما الاستئذان في الفراق متى رأيا المصلحة فيه ، وعلى الأول من هذين
الأمرين تدل رواية علي بن أبي حمزة وموثقة سماعة ورواية أبي بصير فإنهما قد اشتركت في أنه متى وقع الاشتراط كان ما فعلاه
من أي الأمرين جائزا وإن لم يحصل الاستئذان ، ألا ترى أنه في موثقة سماعة لم يستثن
بعد الاشتراط إلا كونها على طهر لو أراد الطلاق أو الخلع ، وأظهر من ذلك مرسلة
فضالة المنقولة في آخر كلام العياشي ، وقوله فيها «فإن رضيا وقلداهما الفراق ففرقا
فهو جائز».
__________________
وعلى الثاني
تدل رواية محمد بن مسلم وصدر حسنة الحلبي ورواية زيد الشحام المنقولة من تفسير العياشي ، وعبارة كتاب الفقه الرضوي والظاهر أن حسنة الحلبي قد جمعت الأمرين باعتبار صدرها
وعجزها ، وأن العطف بالواو في قوله «وإن يشترطا» وقع سهوا من النساخ ، وإنما هو «بأو»
المخيرة ، ويكون حاصل المعنى أنه ليس لهما أن يفرقا حتى يستأمرا ، أو أنهما
يشترطان إن شاءا جمعا وإن شاءا فرقا ، فلا يتوقف التفريق على الاستئذان ، بل إن
جمعا فجائز وإن فرقا فجائز ، وعلى تقدير العطف بالواو كما هو الموجود فيما حضرني
من نسخ الخبر لا يخلو معنى الخبر من إشكال ، لما عرفت من الأخبار الأخر.
وبما ذكرنا
يظهر أنه لا معنى للخلاف المذكور ، بل الحكم هو ما صرحت به هذه الأخبار بالتقريب
الذي ذكرناه وعليه تجتمع الأخبار.
وأما ما علله
في المسالك من بناء القولين المذكورين على ما ذكره من العلتين فكلام قشري ناش عن
عدم تتبع الأخبار والتأمل فيما دلت عليه.
أما ما ذكره من
تعليل جواز الفراق بغير استئذان بأن مقتضى التحكيم على الإطلاق تسويغها ، ففيه إن
جملة من الأخبار قد صرحت بوجوب الاستئذان مع إرادة الفراق ، وحينئذ فيجب تقييد هذا
الإطلاق بها فلا معنى للاستدلال به.
وأما ما ذكره
من تعليل عدم الجواز بأن الطلاق بيد الزوج للخبر النبوي ، ففيه أنه لا عام إلا وقد
خص ، على أن ما نحن فيه لا ينافي الخبر حقيقة لأن الطلاق إنما وقع عن إذنه ، حيث
إنه جعل اختياره إلى من حكمه ، وقد شرط
__________________
عليه الحكم الذي عينه قبول الفراق إن رأيا المصلحة فيه فرضي وقبل بذلك كما
أشارت إليه الأخبار المتقدمة سيما مرسلة فضالة.
وبالجملة فإن
الظاهر عندي من الأخبار هو ما ذكرته وافق كلامهم أو خالفه.
الخامس
: المشهور
بينهم أنه لا يتعين كون الحكمين من أهل الزوجين ، بأن يكون المبعوث من قبل الزوج
من أهله والمبعوث من قبل الزوجة من أهلها ، وهو قول الشيخ في المبسوط وابن البراج
وتبعهما الأكثر ، وإن دل ظاهر الآية على ذلك ، لحصول الغرض بهما وإن كانا أجنبيين
، وأجابوا عن الآية بأنها مسوقة للإرشاد ، فلا يدل الأمر فيها على الوجوب ، بل هي
من قبيل «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ»
.
__________________
وقيل : بوجوب
كونهما من أهلهما ، وقوفا على ظاهر الآية ، وهو مذهب ابن إدريس ، وقواه العلامة في
المختلف فلا يتحقق الامتثال بدونه ، وأيد بأن الأهل أعرف بالمصلحة من الأجانب.
أقول : لا يخفى
أن المسألة لا تخلو من نوع إشكال ، والاحتياط فيها مطلوب على كل حال.
ويمكن تأييد
القول الثاني بأن المأمور به وجوبا أو استحبابا إنما هو من كان من الأهل ، فإجزاء
غيره يتوقف على دليل ، ومجرد ما ذكر من الاحتمال لا ينهض قوة بالاستدلال ، وإلى ما
ذكرنا يميل كلام السيد السند في شرح النافع حيث قال : وهل يجوز كونه أجنبيا؟ قيل :
نعم ، وبه قطع المصنف في الشرائع لحصول الغرض بهما.
وقيل : يعتبر
كونهما من أهلها لدلالة الآية عليه ، ولأن الأهل أعرف بالمصلحة من الأجانب ، وهو
جيد خصوصا بعد حمل الأمر على الوجوب ، ثم نقل عن جده في المسالك أنه قال : ولو
تعذر الأهل فلا كلام في جواز الأجانب ، ثم قال : وقد يناقش فيه بعد تعلق الأمر
بذلك ، انتهى وهو جيد.
السادس : قد وقع الخلاف أيضا في أن بعث الحكمين هل هو واجب أو مستحب؟ فقيل بالأول
نظرا إلى ظاهر الأمر في الآية الذي هو حقيقة في الوجوب. وقيل بالثاني نظرا إلى أن
الغرض منه مصلحة دنيوية فيكون الأمر للإرشاد كما في قوله «وَأَشْهِدُوا إِذا
تَبايَعْتُمْ».
أقول : يمكن أن
يستدل على الوجوب بما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى من أن الامام يجبر المتخلف عن
حكم الحكمين بعد التحكيم على القبول ، ويعاقبه ، فإنه لو كان البعث مستحبا لما حسن
ترتب هذا التكليف عليه.
وربما علل
الوجوب بأن الظاهر من حال الشقاق وقوع الزوجين أو أحدهما في المحرم فيجب تخليصهما
منه حسبة ، وعلل العدم بإمكان الإصلاح
بدون ذلك فلا يكون واجبا ، وإن كان راجحا نظرا إلى ظاهر الآية ، وفي الأول
منهما نظر .
قال في المسالك
: والوجه ـ بناء على أن البعث من وظائف الحاكم ـ الوجوب ، ولو جعلنا متعلق الأمر
الزوجين فالاستحباب أوجه ، لإمكان رجوعهما إلى الحق بدون الحكمين. نعم لو توقف
الرجوع إلى الحق عليهما وجب بعثهما مطلقا من باب المقدمة ، انتهى.
السابع
: المفهوم من
خبر عبيدة المنقول عن العياشي وكذا الخبر المرسل المنقول في كلام الشيخ الجليل علي بن
إبراهيم أن الامام يجبر الزوجين على الرضا بما حكم به الحكمان ،
أعم من أن يكونا مبعوثين من الامام أو الزوجين.
أما الأول
فلأنه لما رضيت المرأة بما حكم به الحكمان لها أو عليها يعني من اجتماع أو فرقة ،
وامتنع الزوج من الرضاء بالفراق فقال له عليهالسلام : لا تبرح حتى تقر بما أقرت به ، أي ترضى بما رضيت به ،
وظاهره الحبس حتى يرضى بذلك.
وأما الثاني
فإنه لما علم عليهالسلام الحكمين الحكم بأنكما إن شئتما فرقتما وإن شئتما اجتمعا
، امتنع الزوج من الحكم بالفراق فأوجب عليه نفقتها ، ومنعه الدخول عليها وأنه إن
مات الزوج على تلك الحال ورثته المرأة ، وإن ماتت لم يرثها ، وهكذا لو كان
الامتناع من جهة المرأة وهو ظاهر في أن الحكم الشرعي فيما لو امتنع أحدهما هو حصول
الفرقة من جانب الممتنع بحيث إنه لا يرث من صاحبه لو مات ، وصاحبه يرثه ، ولم أقف
على ذلك في غير الكتاب المذكور والشيخ المذكور من الثقات المعتمدين ، وكتابه مشهور
معمول عليه ، ومن الأصول
__________________
المعتمدة ، وهو ظاهر في كون ذلك مذهبه في هذه المسألة ، ولم أقف في كلام
أحد من الأصحاب على من تعرض للكلام في هذه الصورة إلا ما يظهر من كلام ابن الجنيد
حيث أوجب على الزوجين إنفاذ ما حكم به الحكمان من فرقة أو اجتماع من غير استئذان
متى اشترط الحكمان عليهما ذلك ، فإنه يشعر بأنه مع إخلال أحدهما بهذا الواجب فعلى
الامام أن يجبره على القيام به ، بل صرح بذلك في كلامه كما سيأتي نقله إن شاء الله
تعالى قريبا.
والعجب أنه مع
حرص أصحابنا على نقل الأقوال وبيان الخلاف في جميع المسائل كيف غفلوا عن نقل ذلك
والتنبيه عليه وبيان ما فيه من صحة أو بطلان ، مع أن الشيخ المذكور من أساطين
الفرقة الناجية ، وكتابه مشهور متداول بينهم ، ومثل ذلك أيضا ما اشتمل عليه صدر
كلامه الذي جعله تفسيرا للآية فإنه لا خلاف بين الأصحاب في أن الشقاق عبارة عن
النشوز من كل من الزوجين عن الآخر والبغض من كل منهما لصاحبه ، وهو صريح كلام
الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه كما قدمناه ، وهذا الكلام الذي ذكره ـ رحمهالله ـ يرجع إلى أن النشوز إنما هو من أحدهما ، وأيضا مقتضى
ما دلت عليه الأخبار وصرح به الأصحاب أن الحكمين بعد أن يجتمعا ويتفقا على الحكم
فهو إما صلح وجمع بينهما ، وإما فرقة وطلاق ، وظاهر كلامه ـ رحمة الله عليه ـ هنا
أنه بعد اجتماعهما وظهور الناشز منهما وأنه الزوج أو الزوجة فإنهما ينكران على
الناشز منهما ، وأن الحكم الشرعي فيه إن كان الناشز هو الزوج أن تجب عليه النفقة
وحقوق الزوجية ولا يمكن من المرأة ، وإن كانت الزوجة فإنها لا تستحق عليه نفقة ولا
يجب لها شيء من الحقوق ، وأيد ذلك بما رواه عن علي عليهالسلام كما قدمنا إيضاحه ، ومن ذلك تفسيره الهجر في المضاجع
بالسب كما قدمنا ذكره.
وبالجملة فإن
جميع ما ذكره في هذا المقام من الأحكام الغريبة التي لم نقف
__________________
عليها في كلام غيره ، والشيخ المذكور كما عرفت على غاية من الجلالة وهو من
أرباب النصوص ومن معاصري الأئمة عليهمالسلام ومن الظاهر أنه لا يفتي بذلك إلا عن خبر وصل إليه.
الثامن : قال ابن الجنيد على ما نقله العلامة في المختلف عنه : وإن كان النشوز
منهما ولم يرجعا بالوعظ من الوالي ولا الذي يتحاكمان إليه أمر الرجل بأن يختار من
أهله من لا يتهم على المرأة ولا عليه ، وكذلك تؤمر المرأة بأن تختار من أهلها
ويشترط الوالي أو المرتضي بحكمه على الزوجين أن للمختارين جميعا أن يفرقا بينهما
أو يجمعا إن رأيا ذلك صوابا ، وكذلك إن رأيا إيقاع شروط بينهما لا يردها كتاب ولا
سنة ولا إجماع ، وعلى كل واحد من الزوجين إنفاذ ذلك والرضاء به ، وأنهما قد
وكلاهما في ذلك ، ومهما فعلاه فهو جائز عليهما ، ثم يخلو كل واحد من المختارين
بصاحبه ، فيعلم ذات نفسه ويشير عليه بالصواب ثم يجتمعان فيحكمان ، وعلى الوالي إن
كان التحاكم إلى غيره أن يأخذ الزوجين بالعمل بذلك ، إلا أن يكون المختاران أو
أحدهما قد تجاوز شيئا رسماه أو رسمه صاحبه له.
قال العلامة
بعد نقله : وهذا الكلام يعطي أنه توكيل ، وأن لها أن يفرقا.
أقول : الظاهر
أن قوله «وأنهما وكلاهما في ذلك» إنما خرج مخرج التجوز بمعنى أنه في حكم الوكالة ،
وإلا فصدر الكلام ظاهر بل صريح في أنه تحكيم ، ثم إن في هذا الكلام دلالة على ما
قدمنا ذكره في وجه الجمع بين أخبار المسألة ، من أنه متى شرط الحكمان على الزوجين
الرضاء بما حكما به ، فلهما أن يفرقا بينهما من غير استئذان ، وهو جيد كما عرفت ،
وإن كان خلاف المشهور بينهم ، وأما قوله «وكذلك إن رأيا إيقاع شروط بينهما لا
يردها كتاب ولا سنة» فهو مما صرح به غيره أيضا ، كما إذا شرطا على الزوج أن يسكنها
في البلد الفلاني ، أو المسكن الفلاني ، أو لا يسكن معها ضرة في دار واحدة أو
نحو ذلك ، أو شرطا على الزوجة أن يؤجل عليه الحال من المهر إلى أجل ، أو
ترد عليه ما قبضته منه قرضا أو نحو ذلك ، لعموم الأخبار الدالة على وجوب الوفاء
بالشروط ، ويلزم الزوج والزوجة القيام بذلك حسبما اشترطا عليهما أولا.
وأما الشروط
المخالفة للمشروع كعدم التزويج والتسري ونحو ذلك مما تقدم الكلام فيه ، أو ترك بعض
حقوقها من القسم أو النفقة أو المهر أو نحو ذلك ، فهو غير لازم إجماعا.
وأما قوله «ثم
يخلو كل واحد. إلى آخره» فإن ظاهر الأصحاب أن هذا من مستحبات التحكيم.
قال في المسالك
: وينبغي أن يخلو حكم الرجل بالرجل وحكم المرأة بالمرأة خلوة غير محرمة ليعرفا ما
عندهما ، وما فيه رغبتهما وإذا اجتمعا لم يخف أحدهما على الآخر ليتمكنا من الرأي
الصواب. انتهى ، والظاهر أن الأصل في ذلك ما قدمنا نقله عن الثقة الجليل علي بن
إبراهيم في تفسيره.
التاسع
: من المستحبات
عندهم أيضا في هذا المقام ما ذكره شيخنا في المسالك : قال : وينبغي للحكمين إخلاص
النية في السعي وقصد الإصلاح ، فمن حسنت نيته فيما يتحراه أصلح الله مسعاه ، وكان
ذلك سببا لحصول مبتغاه كما ينبه عليه قوله تعالى «إِنْ يُرِيدا
إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما»
ومفهوم الشرط أن عدم التوفيق بين الزوجين يدل على فساد قصد الحكمين ،
وأنهما لم يجتمعا على قصد الاصطلاح بل في نية أحدهما أو هما فساد ، فلذا لم يبلغا
المراد ، انتهى.
أقول : ومما
يزيد ما ذكره تأييدا ويعليه تشييدا ما رواه الصدوق في الفقيه في هذا الباب عن ابن
أبي عمير عن هشام بن الحكم أنه تناظر هو وبعض المخالفين في الحكمين بصفين عمرو بن
العاص وأبي موسى الأشعري ، فقال المخالف : إن الحكمين لقبولهما الحكم كانا مريدين
الإصلاح بين الطائفتين ، فقال هشام ، بل
__________________
كانا غير مريدين للإصلاح بينهما ، قال المخالف : من أين قلت هذا؟ قال هشام
: من قول الله في الحكمين «إِنْ يُرِيدا
إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما». فلما اختلفا ولم يكن اتفاق على أمر واحد ولم يوفق الله
بينهما ، علمنا أنهما لم يريدا الإصلاح.
العاشر : لو غاب الزوجان أو أحدهما بعد بعث الحكمين فهل ينفذ
حكمهما أم لا؟ صرح الشيخ في المبسوط بالثاني ، فقال : لا يجوز الحكم مع غيبة
أحدهما لأن الحكم حينئذ مشروط ببقاء الشقاق والخصومة بينهما ، ومع الغيبة لا يعرف
بقاء ذلك ، ولأن كل واحد منهما محكوم له وعليه ، ولا يجوز القضاء للغائب وإنما
يجوز عليه.
وجوز المحقق
والمتأخرون الحكم مع الغيبة ، لأنه مقصور على الإصلاح وهو غير متوقف على الحضور ،
وأجابوا عن دليل الشيخ بأن الأصل بقاء الشقاق استصحابا لما كان قبل الغيبة.
قال في المسالك
: وفيه نظر ، لجواز أن يشمل الحكم مع الإصلاح على شرط لأحدهما ، فيكون حكما للغائب
وإن حصل معه الإصلاح.
أقول : لا يخفى
أن كلام المجوزين مبني على ما تقدم نقله عنهم من أنه لا يجوز للحكمين الحكم
بالفرقة إلا بعد الاستئذان ، فلذا خصوا الجواز بالإصلاح.
والتحقيق أنك
قد عرفت أن أخبار المسألة قد خرجت على نوعين (أحدهما) ما إذا اشترط الحكمان على
الزوجين قبول ما يحكمان به ، وأنه ليس في هذه الصورة مراجعة ، لا في فرقة ولا
إصلاح ، كما دلت عليه الأخبار المذكورة ، وقضية ذلك جواز الحكم مع الغيبة ، لأنه
بالاشتراط عليهما وقبولهما الشرط لزم قبولهما لما يحكمان به ، حضرا أو غابا كما
اعترفوا به في صورة الإصلاح ، اشتمل الحكم على شروط أو لم يشتمل ، والفرق بين
الحكم له وعليه لا أعرف له دليلا واضحا ، فإن قضية التحكيم قبول ما يحكم به
الحكمان كيف كان ، وبأي صورة كان ، هذا مقتضى ظاهر الأخبار المذكورة.
و (ثانيهما)
إذا لم يشترطا وأنه لا بد في هذه الصورة من المراجعة في إرادة التفريق كما دلت
عليه الأخبار المذكورة وقضية ذلك الجواز مع الغيبة بالنسبة إلى الصلح خاصة دون
التفريق.
هذا ما يظهر لي
من الأخبار حسبما أدى إليه الفهم السقيم.
الحادي
عشر : قد صرح جملة من الأصحاب بأنه لو منعها شيئا من حقوقها
الواجبة كالنفقة والقسم مثلا ، فبذلت له مالا للخلع لم يكن ذلك إكراها وإن كان
محرما ، وإنما لم يكن ذلك إكراها لأنه أمر منفك عن طلب الخلع ، فإنه قد يفعل ذلك
مع إرادته المقام معها ، وإنما منعها لحرصه على المال ، وقلة ديانته وضعف دينه أو
ميله إلى ضرتها ، وكذا لو بذلت له مالا للخلع ، حيث إنه أغارها وتزوج عليها ، وهو
أولى بعدم ترتب الإكراه عليه ، فإن التزويج جائز بل مستحب.
وما ذكرنا من
أصل الحكم المذكور صرح به الشيخ في المبسوط والمحقق في الشرائع وغيرهما ، والظاهر
أنه المشهور ، واختلف كلام العلامة في ذلك ، ففي الإرشاد وافق الشيخ وأفتى بما
ذكره ، وفي التحرير نسب القول المذكور إلى الشيخ ساكتا عليه ، وهو يؤذن بتردده فيه
أو ضعفه عنده ، وفي القواعد قيد حقوقها بالمستحبة ، ومفهومه أنه لو منعها الحقوق
الواجبة كان ذلك إكراها ، وهذا القول نقله الشيخ في المبسوط أولا عن بعض العامة ،
ثم قال : الذي يقتضي مذهبنا أن هذا ليس بإكراه وهو المعتمد.
وكيف كان فإن
مقتضى ما ذكره الشيخ ومن تبعه أنه لا يشترط في الكراهة الموجبة للخلع أن تكون
ذاتية كما هو المعمول عليه في بلادنا البحرين ، وحضرناه مع جملة من مشايخنا
المعاصرين بل تكفي الكراهة العارضة بسبب ترك القسم أو النفقة ونحوهما ، وسيأتي
تحقيق الكلام في باب الخلع إن شاء الله تعالى.
إلى هنا تم
الجزء الرابع والعشرون حسب تجزئتنا بحمد الله ومنه ،
وقد بذلنا
الجهد غاية في تصحيحه ومقابلته مع النسخ المطبوعة
واستخراج
أحاديثه. وسيليه الجزء الخامس والعشرون
في بقية كتاب
النكاح وأول كتاب الطلاق بمشيئة
الباري عز
اسمه.
فهرس الجزء الرابع والعشرون
من كتاب الحدائق الناظرة
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
في أنه لا
يجوز للمسلم أن ينكح غير الكتابية
|
٣
|
فيما لو
أسلمت زوجة الكافر قبل الدخول
|
٣٢
|
الأخبار
الدالة على جواز نكاح الكتابية مطلقاً
|
٧
|
نقد المصنف
ما أفاده المحدث الكاشاني في المقام
|
٣٥
|
الأخبار
الدالة على تحريم نكاح الكتابية مطلقاً
|
٩
|
فيما لو
انتقلت زوجة الذمي من دين الكفر الذي كانت عليه إلى دين آخر من أديان الكفر
|
٣٨
|
في طرق
الترجيح في مقام اختلاف الأخبار
|
١٤
|
فيما لو أسلم
الذمي على أكثر من أربع منكوحات بالعقد الدائم
|
٣٩
|
في أن
المحبوس ليسوا داخلين تحت إطلاق أهل الكتاب
|
١٨
|
فيما رواه
الصدوق في إباق العبد
|
٤١
|
في اختلاف
كلام الأصحاب في الصابئة ودينهم
|
٢٢
|
في أنه ليس
للمسلم إجبار زوجته الذمية على الغسل من حيض كان أو جنابة
|
٤٢
|
فيما أشكله
المصنف في قول صاحب المسالك في أنه لا فرق في أهل الكتاب بين الحربي منهم والذمي
|
٢٤
|
في كيفية
الاختيار
|
٤٣
|
في ارتداد
أحد الزوجين أو إسلامه
|
٢٥
|
فيما لو تزوج
الكافر امرأة وبنتها ثم أسلم
|
٤٦
|
فيما لو أسلم
زوج الكتابية
|
٣٠
|
فيما لو أسلم
عن أمة وبنتها وهما مملوكتان
|
٥٠
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
فيما لو أسلم
عن عمة وبنت أخيها أو خالة وبنت أختها
|
٥١
|
ما استدل به
المشهور
|
٧٩
|
لا خلاف بين
الأصحاب في اشتراط الكفاءة في صحة النكاح
|
٥٢
|
فيما لو خطب
المؤمن القادر على النفقة
|
٨١
|
الأخبار
الدالة على اشتراط الايمان في النكاح
|
٥٥
|
فيما لو تزوج
الرجل امرأة ثم علم أنها كانت زنت
|
٨٤
|
الأخبار
الناهية عن تزويج الناصب والناصبة
|
٥٩
|
فيما لو
أئتمن الرجل إلى قبيلة وتزوج فوجد على خلاف ذلك
|
٨٧
|
نقد المصنف
لما ذكره صاحب المسالك في جواز تزويج المخالف
|
٦١
|
في عدم جواز
التعريض بالخطبة لذات العدة الرجعية
|
٩٠
|
فيما اختاره
صاحب المدارك من عدم الحكم بمناكحة المخالفين مع قوله بإسلامهم
|
٦٦
|
الأخبار
الدالة على عدم جواز التعريض بالخطبة
|
٩٣
|
في المنع من
مناكحة المخالفين مع القول بإسلامهم
|
٦٧
|
فيما لو
تزوجت المطلقة ثلاثاً وشرطت في العقد أنه إذا حللها فلا نكاح بينهما
|
٩٦
|
في جواز
مناكحة المخالفين
|
٦٩
|
هل الشرط
الفاسد يفسد العقد أم لا؟
|
٩٧
|
في أن التمكن
من النفقة ليس شرطاً في الكفاءة
|
٧٠
|
في بطلان
نكاح الشغار
|
٩٩
|
ما استدل به
المشهور
|
٧٣
|
في كراهية
العقد على القابلة وبنتها
|
١٠١
|
نقد أدلة
القائلين باشتراط التمكن من النفقة في الكفاءة
|
٧٥
|
في كراهية
تزويج الرجل ابنه من بنت زوجته من غيره إذا ولدتها بعد مفارقته
|
١٠٤
|
فيما لو تجدد
عجز الزوج عن النفقة
|
٧٧
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
في كراهية
تزويج الرجل أخت أخيه
|
١٠٨
|
مؤمنة عفيفة
|
١٢٨
|
في كراهية
نكاح المرأة المتولدة من الزنا بالعقد أو الملك
|
١٠٩
|
في كراهة
التمتع بالزانية
|
١٣١
|
في كراهية
نكاح المجنونة والحمقاء وشارب الخمر وسيئ الخلق
|
١١٠
|
في الأخبار
الدالة على جواز التمتع بالزانية
|
١٣٣
|
في كراهية
تزويج المخنث والزنج والأكراد والخزر
|
١١١
|
في كراهة
التمتع ببكر ليس لها أب
|
١٣٥
|
في كراهية
تزويج الأعرابي بالمهاجرة
|
١١٢
|
فيما إذا
أسلم المشرك وعنده كتابية بالعقد المنقطع
|
١٣٧
|
الفصل الثالث
في نكاح المتعة فيما روته العامة في جواز المتعة
|
١١٣
|
في أن ذكر
الأجل شرط في صحة نكاح المتعة
|
١٣٨
|
الأخبار
المروية في استحباب المتعة وفضلها
|
١١٦
|
الأخبار الواردة
في المقام
|
١٣٩
|
ما يدل على
المنع من الالحاح في المتعة متى أغناه الله بالأزواج
|
١٢١
|
استدلال
القائل ببطلان العقد لو خلا من الأجل ونقده
|
١٤٢
|
في الصيغة
التي بها ينعقد نكاح المتعة
|
١٢٢
|
فيما لو وقع
الاخلال بالأجل على وجه النسيان أو الجهل أو العمد
|
١٤٥
|
في اعتبار
اللفظ الماضي في العقد
|
١٢٣
|
فيما لو
اختلف الزوجان بعد اتفاقهما على وقوع العقد فادعى أحد هما أنه متعة وادعى الآخر
الدوام
|
١٤٦
|
في اشتراط
كون المتمتع بها مسلمة أو كتابية
|
١٢٧
|
في جواز
تعيين شهراً متصلا بالعقد ومتأخرا عنه
|
١٤٨
|
في استحباب
كون المتمتع بها
|
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
في نقد ما
أفاده صاحب المسالك في المقام
|
١٥١
|
لم ترض في أن
المتعة لا يقع بها طلاق
|
١٧٠
|
فيما دل على
جواز جعل الأجل العرد والعردين
|
١٥٢
|
في ثبوت
التوارث بعقد المتعة
|
١٧٥
|
في أنه يشترط
في المهر أن يكون مملوكاً معلوماً بالكيل أو الوزن أو المشاهدة أو الوصف
|
١٥٦
|
الأخبار
الواردة في المقام
|
١٧٧
|
في أن المهر
يتقدر بالمرضاة قل أو كثر
|
١٥٧
|
في عدة
المتمتع بها متى دخل بها الزوج
|
١٨٢
|
الأخبار
الواردة في المقام
|
١٥٨
|
في القول من
أن العدة طهران
|
١٨٧
|
في القول
بوجوب دفع المهر بالعقد
|
١٥٩
|
الجمع بين
الأخبار الواردة في تحديد عدة المتمتع بها
|
١٨٩
|
الأخبار
الدالة على أنه يصح لمن تمتع بامرأة أن يهبها جميع المدة
|
١٦١
|
في وجه الجمع
بين الأخبار الواردة في عدة الوفاة
|
١٩٣
|
فيما إذا
تبين فساد عقد المتعة بأحد الوجوه الموجبة لذلك
|
١٦٣
|
فيما لو
اشترط المرأة المتمتع بها أن لا يطأها في الفرج
|
١٩٧
|
في بيان
المراد من مهر المثل في المقام
|
١٦٥
|
الفصل الرابع
في نكاح الإماء لا يجوز للعبد ولا للأمة أن يعقدا على أنفسهما نكاحا إلا بإذن
السيد
|
٢٠٠
|
في صحة
الاشتراط في العقود بما لا يخالف الكتاب والسنة
|
١٦٧
|
الأخبار
الدالة على بطلان نكاح الأمة بغير أذن مولاها
|
٢٠٣
|
في جواز
العزل للمتمتع وإن
|
|
فيما لو أذن
المولى لعبده في التزويج
|
٢٠٥
|
|
|
فيما لو كان
الأبوان مملوكين
|
٢٠٧
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
فيما لو كان
أحد الأبوين حراً والآخر مملوكا
|
٢٠٨
|
الاخبار
الواردة في المقام
|
٢٣٧
|
في دلالة
الأخبار المستفيضة على ما ذهب إليه المشهور
|
٢٠٩
|
فيما لو دفع
السيد شيئاً لامته متى زوجها
|
٢٣٩
|
في اشتراط كل
من الحرية والرقية في العقد
|
٢١٢
|
فيما لو تزوج
أمة بين شريكين ثم اشترى حصة أحدهما
|
٢٤٢
|
فيما لو تزوج
الحر أمة بدون إذن السيد ودخل بها قبل رضاه
|
٢١٤
|
فيما لو
أعتقت الأمة وكانت تحت عبد
|
٢٤٧
|
فيما لو ادعت
المرأة الحرية فتزوجها الحر من غير علمه بفساد دعواها
|
٢٢٠
|
الأخبار
الواردة في عتق الأمة التي كان لها زوج حر
|
٢٤٩
|
الأخبار
الواردة في المقام
|
٢٢٣
|
في أن الحكم
بالتخيير في أخبار المقام معلق على عتق جميع الأمة
|
٢٥٠
|
الجمع بين
الأخبار الواردة في المقام
|
٢٢٥
|
فيما لو كانت
الأمة صغيرة أو مجنونة
|
٢٥١
|
فيما لو
دلسها عليه مدلس فزوجها منه على أنها حرة فظهرت أمة
|
٢٢٧
|
فيما لو كان
الزوج عبداً واعتق
|
٢٥٢
|
اعتراض ابن
إدريس على عبارة الشيخ في إباء الأب عن الاستسعاء في قيمة الولد ونقد المصنف له
|
٢٢٩
|
فيما لو زوج
عبده أمته ثم أعتق الأمة أو أعتقهما معاً
|
٢٥٣
|
فيما لو
تزوجت الحرة بالعبد الغير المأذون له في التزويج
|
٢٣٣
|
في جواز
تزويج الرجل أمته بأن يجعل عتقها صداقها
|
٢٥٤
|
فيما لو زوج
الرجل جاريته عبده
|
٢٣٥
|
الأخبار
الواردة في المقام
|
٢٥٥
|
|
|
هل يشترط
تقديم التزويج على العتق أو العكس؟
|
٢٥٧
|
|
|
فيما لو قال
تزوجتك وجعلت مهرك عتقك فهل يكفي في العتق
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
عن الاتيان
بلفظ أعتقتك؟
|
٢٥٩
|
تقوية احتمال
المهر أو نصفه في صورة عدم الدخول ونقد المصنف له
|
٢٨٥
|
فيما لو طلق
التي جعل عتقها مهرها قبل الدخول بها
|
٢٦١
|
فيما لو زوج
السيد عبده أمته
|
٢٨٨
|
فيما لو
اشترى أمة نسية فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها مهرها فحملت منه
|
٢٦٤
|
الأخبار
الواردة في المقام
|
٢٨٩
|
في أن أم
الولد إنما تنعتق بعد وفاة المولى من نصيب ولدها
|
٢٦٨
|
وجه الجمع
بين أخبار المقام
|
٢٩٣
|
في عدم جواز
بيع الأمة في مطلق الدين
|
٢٧١
|
فيما لو أمر
المولى العبد بالطلاق ولم يباشره بنفسه
|
٢٩٥
|
الجمع بين
الأخبار الواردة في المقام
|
٢٧٣
|
هل يجب على
المشتري مع إكمالها العدة أن يستبرءها زيادة على العدة؟
|
٢٩٦
|
فيما لو بيعت
الأمة ذات البعل فأن بيعها طلاقها
|
٢٧٤
|
فيما لو زوج
السيد أمته لعبده فإنها تصير من مولاها بمنزلة الأجنبية
|
٢٩٧
|
الاخبار
الواردة في بيع الأمة ذات البعل
|
٢٧٥
|
المفهوم من
كلام الأصحاب أنه متى كان زوج الأمة حراً أو مملوكا لغير سيد الأمة فإن السيد لا
يتسلط على الفسخ
|
٢٩٩
|
نقد كلام
صاحب المسالك في المقام
|
٢٧٦
|
في عدم
انحصار النكاح بملك اليمين في عدد بخلاف نكاحهن بالعقد
|
٣٠٢
|
فيما لو بيع
العبد وتحته أمة
|
٢٧٧
|
فيما لو بيعت
الأمة ولها زوج
|
٣٠٤
|
في القول
بتخصيص الخيار بالمشتري في بيع العبد أو الأمة
|
٢٧٨
|
في جواز
ابتياع ذوات الأزواج
|
|
فيما لو زوج
الرجل أمته من غيره بمهر مسمى
|
٢٨١
|
|
|
فيما مال
إليه صاحب المسالك من
|
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
من أهل الحرب
ولو من أزواجهن
|
٣٠٥
|
هل الجنون ـ مطلقاً
أو على بعض الوجوه ـ يكون موجباً للخيار
|
٣٣٩
|
في أن كل من
ملك أمة فإنه يجب عليه استبراؤها قبل الوطئ
|
٣٠٧
|
في الخصاء
|
٣٤٠
|
في صحة تحليل
المولى وطئ أمته لغيره
|
٣١١
|
في العنن
|
٣٤٢
|
الأخبار
الدالة في المقام
|
٣١٢
|
الأخبار
الدالة على تأجيل العنين سنة بعد ظهور العنن
|
٣٤٥
|
في اعتبار
صيغة النكاح التحليل
|
٣١٥
|
في أن العنن
الموجب للفسخ هو عدم إمكان إتيانه النساء
|
٣٤٦
|
في أن
التحليل هل هو عقد أو إباحة؟
|
٣١٧
|
في الجب
|
٣٤٨
|
في تحليل
السيد أمته لعبده
|
٣١٩
|
في الجذام
والبرص والعمى
|
٣٥٠
|
الجمع بين
الأخبار الواردة في المقام
|
٣٢١
|
في أن الزنا
ليس بعيب يرد به النكاح ما لو ظهر كون الزوج خنثى
|
٣٥٢
|
فيما لو أحل
السيد أمته لحر وحصل من التحليل ولد
|
٣٢٢
|
في أن عيوب
المرأة سبعة
|
٣٥٤
|
الأخبار
الواردة في المقام
|
٣٢٣
|
في أن عيوب
المرأة سبعة
|
٣٥٥
|
وجه الجمع
بين أخبار المقام
|
٣٢٥
|
في أن الجنون
من العيوب الموجبة للفسخ
|
٣٥٨
|
لا بأس أن
ينام الرجل بين أمتين والحرتين
|
٣٢٧
|
في بيان
حقيقة البرص
|
٣٥٩
|
في جواز وطئ
الجارية الزانية بالملك وتملكها
|
٣٢٩
|
في بيان
حقيقة القرن
|
٣٦١
|
في الإماء
اللاتي يحرم نكاحهن
|
٣٣٣
|
في بيان معنى
الزمانة
|
٣٦٥
|
في الجنون
|
٣٣٥
|
في عد الرتق
من علة العيوب
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
الموجبة
للخيار
|
٣٦٦
|
فيما لو
تزوجت الحرة عبداً على أنه حر
|
٣٩٩
|
في ذكر من عد
المحدودة في الفجور من عيوب النساء
|
٣٦٧
|
فيما لو عقد
على بنت رجل على أنها بنت مهيرة فبانت بنت أمة
|
٤٠١
|
فيما لو تجدد
العيب بعد العقد وقبل الدخول
|
٣٦٩
|
في الأخبار
الواردة في المقام
|
٤٠٣
|
في أحكام
خيار الفسخ
|
٣٧٢
|
فيما لو تزوج
الرجل امرأة على أنها بكر فظهرت ثيباً
|
٤٠٨
|
فيما لو فسخ
الزوج قبل الدخول
|
٣٧٥
|
الأخبار
الواردة في المقام
|
٤٠٩
|
الجمع بين
الأخبار الواردة في المقام
|
٣٧٩
|
فيما لو تزوج
رجلان بامرأتين فأدخلت امرأة كل واحد منهما على الآخر فوطأها
|
٤١٢
|
في أنه لا
طريق إلى الحكم بالعنن إلا بإقرار صاحبه على نفسه أو قيام بينة بإقراره
|
٣٨٣
|
في أن كل
موضع حكم فيه ببطلان العقد فللزوجة مع الوطئ مهر المثل
|
٤١٦
|
إنما يتحقق
العنن بالعجز عن وطئها قبلا ودبراً والعجز عن وطئ غيرها
|
٣٨٧
|
في بيان معنى
المهر
|
٤١٧
|
فيما لو ادعى
الوطئ وأنكرت فالقول قوله بيمينه
|
٣٨٩
|
في أن كل ما
يملكه المسلم يصح جعله مهراً للزوجة
|
٤١٨
|
فيما لو تزوج
امرأة على أنها حرة باشتراط ذلك في نفس العقد فبانت أمة
|
٣٩٤
|
الأخبار
الواردة في المقام
|
٤٢٠
|
فيما لو فسخ
بعد الدخول وغرم المهر وتبين بطلان العقد
|
٣٩٧
|
في صحة عقد
الذميان ونحو هما على ما لا يجوز العقد عليه في الاسلام
|
٤٢٤
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
في أن المهر
لا يتقدر بقدر في جانب القلة إلا بأقل ما يتمول
|
٤٢٥
|
موسراً ولم
يدخل بها والمهر حال
|
٤٦٠
|
في أن المهر
إذا ذكر في العقد فلابد من تعيينه ليخرج عن الجهالة
|
٤٣٤
|
مناقشة
المصنف لما استدل به بعض المجتهدين للقول المشهور
|
٤٦٣
|
فيما لو تزوج
امرأتين فصاعداً في عقد واحد بمهر واحد
|
٤٣٥
|
الأخبار
الدالة على جواز الدخول بها من غير أن يعطيها شيئاً
|
٤٦٦
|
فيما لو عقد
على مهر مجهول لا يمكن استعلامه في نفسه
|
٤٣٨
|
فيما لو سمى
لها مهرا وكان معسراً ولم يدخل بها والمهر حال
|
٤٦٩
|
فيما لو
تزوجها على الكتاب والسنة ولم يسم مهراً
|
٤٤٢
|
فيما لو كان
المهر مؤجلا ولم يدخل بها لمانع من جهته
|
٤٧٢
|
فيما لو سمى
لها مهراً ولأبيها أو غيره من الأولياء أو واسطة أو أجنبي شيئاً
|
٤٤٤
|
فيما لو سمى
لها مهراً وكان موسراً ودخل لها
|
٤٧٣
|
في نقد ما
أفاده صاحب المسالك في المقام
|
٤٤٨
|
في جواز
إخلاء العقد من المهر
|
٤٧٥
|
في جواز جعل
الصداق تعليم صنعة لا يحسنها أو سورة لا يعلمها
|
٤٥٠
|
الأخبار
الدالة على المقام
|
٤٧٨
|
في أن المهر
مضمون في يد الزوج قبل تسليمه إلى الزوجة
|
٤٥٤
|
في انقسام
حال الزوج إلى اليسار والإعسار ولا ثالث لهما
|
٤٨٥
|
فيما لو ظهر
الصداق معيناً
|
٤٥٩
|
في تفويض
المهر
|
٤٨٩
|
فيما لو سمى
لها مهراً وكان
|
|
الأخبار
الواردة في المقام
|
٤٩٠
|
|
|
فيما لو
طلقها قبل الدخول وقبل الحكم
|
٤٩٣
|
|
|
في أن المهر
كلا أو بعضاً لا يسقط بالدخول
|
٤٩٥
|
|
|
في هدم
الصداق بالدخول
|
٤٩٩
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
في سقوط
المهر مطلقا بالدخول وإن لم يكن ثمة حال ولا مؤجل
|
٥٠٣
|
فيما لو
اشترط أن لا يخرجها من بلدها
|
٥٣٦
|
في أن الخلوة
ونحوها هل توجب المهر أم لا؟
|
٥٠٥
|
فيما لو شرط
لها مائة دينار إن خرجت معه ، وخمسين إن لم تخرج معه
|
٥٤٠
|
في الأخبار
الدالة على ما ذهب إليه المشهور في المقام
|
٥٠٧
|
في بطلان
النكاح بشرط الخيار
|
٥٤٤
|
في وجه الجمع
بين أخبار المقام
|
٥١١
|
في أن المرأة
تملك المهر بمجرد العقد
|
٥٤٥
|
فيما لو طلق
زوجته قبل الدخول وقد فرض لها مهراً
|
٥١٣
|
في حكم المهر
مع موت أحد الزوجين قبل الدخول
|
٥٤٨
|
فيما لو كانت
الزيادة متصلة كالسمن وكبر الحيوان
|
٥١٧
|
الأخبار
الواردة في المقام
|
٥٥٠
|
فيما لو
أصدقها حيواناً حاملا وحكمنا بدخول الحمل في الصداق
|
٥١٩
|
في وجه الجمع
بين أخبار المقام
|
٥٥٧
|
فيما لو
أعطاها عوض المهر متاعاً أو عبدا آبقا أو شيئا ثم طلق قبل الدخول
|
٥٢٢
|
في الذي بيده
عقدة النكاح
|
٥٥٨
|
فيما لو دبر
مملوكا ذكراً كان أو أنثى
|
٥٢٣
|
في أن أكثر
الأخبار مطلق بالنسبة إلى عفو غيرها الكل أو البعض
|
٥٦٥
|
فيما لو
اشترط في العقد ما يخالف المشروع
|
٥٢٥
|
في أنه ليس
الولي الزوج العفو من حقه كلا أو بعضا مع الطلاق
|
٥٦٨
|
فيما لو شرطت
أن لا يفتضها
|
٥٣١
|
فيما لو زوج
الرجل ولده الصغير وللولد مال
|
٥٧١
|
|
|
في أن كل
موضع لا يضمن الأب المهر فيه لو أداه تبرعا عنه فإنه
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
لا رجوع له
به
|
٥٧٥
|
في استحباب
التسوية بين الزوجات في الانفاق وحسن المعاشرة وطلاقة الوجه والجماع
|
٦٠٩
|
فيما لو دفع
الأب المهر عن الولد الكبير متبرعاً ثم طلق قبل الدخول
|
٥٧٨
|
فيما لو وهبت
إحدى الزوجات حقها من القسم للزوج أو لبعض نسائه
|
٦١١
|
فيما لو
اختلفا في أصل المهر
|
٥٧٩
|
في أنه لا
قمة للصغيرة ولا الناشزة
|
٦١٣
|
فيما لو أقر
بالمهر وادعى تسليمه وأنكر المرأة
|
٥٨٣
|
في بيان معنى
النشوز
|
٦١٤
|
فيما لو خلا
بها فادعت المواقعة
|
٥٨٤
|
في نشوز
المرأة
|
٦١٥
|
في بيان معنى
القسم
|
٥٨٦
|
في المراد من
الوعظ والهجر والضرب
|
٦١٧
|
في وجوب
القسمة بين الزوجات
|
٥٨٨
|
في نشوز
الزوج
|
٦١٩
|
في أن أقل
أفراد القسم لو تعددت الزوجة ليلة ليلة
|
٥٩٣
|
في نشوز
الزوج
|
٦٢١
|
في أن الواجب
في القسمة هو المضاجعة ليلا دون المجامعة
|
٥٩٥
|
في بيان معنى
الشقاق
|
٦٢٢
|
فيما إذا
اجتمع عنده حرة وأمة بالعقد
|
٥٩٧
|
في الأخبار
الواردة في حكم الشقاق
|
٦٢٣
|
في نقد
المصنف ما أفاده صاحب المسالك وسبطه
|
٦٠١
|
في من
المخاطب بإنفاذ الحكمين
|
٦٢٦
|
في اختيار
المصنف عدم وجوب السبع والثلاث
|
٦٠٥
|
المشهور بين
الأصحاب القائلين بأن الباعث هو الإمام أن ذلك على جهة التحكيم
|
٦٢٩
|
في سقوط
القسمة بالسفر
|
٦٠٧
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
في أن
الحكمين لو رأيا الصلح واجتمعا عليه فإنه لا يتوقف على الاستئذان من الزوجين
|
٦٣١
|
في أنه ينبغي
للحكمين إخلاص النية في السعي وقصد الاصلاح
|
٦٣٩
|
في أنه لا
يتعين كون الحكمين من أهل الزوجين
|
٦٣٤
|
فيما لو غاب
الزوجان أو أحد هما بعد بعث الحكمين
|
٦٤٠
|
في أن بعث
الحكمين هل هو واجب أو مستحب؟
|
٦٣٥
|
فيما لو
منعها شيئاً من حقوقها الواجبة
|
٦٤١
|
|
|
فهرس
|
٦٤٣
|
|