بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الباب الثاني

في الإحرام وما يتبعه ، ومنه حكم الحصر والصد والبحث فيه يقع في مقاصد :

المقصد الأول في مقدماته

وهي أمور الأول ـ توفير شعر الرأس من أول ذي القعدة إذا أراد التمتع ، ويتأكد عند هلال ذي الحجة. والمشهور بين الأصحاب ان ذلك على سبيل الاستحباب ، وهو قول الشيخ في الجمل وابن إدريس وسائر المتأخرين. وقال الشيخ في النهاية : فإذا أراد الإنسان ان يحج متمتعا فعليه ان يوفر شعر رأسه ولحيته من أول ذي القعدة ولا يمس شيئا منها. وهو يعطي الوجوب. ونحوه قال في الاستبصار. وقال الشيخ المفيد في المقنعة : إذا أراد الحج فليوفر شعر رأسه في مستهل ذي القعدة فإن حلقه في ذي القعدة كان عليه دم يهريقه.

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة روايات :

منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن ابي عبد الله


(عليه‌السلام) (١) قال : «لا تأخذ من شعرك ـ وأنت تريد الحج ـ في ذي القعدة ، ولا في الشهر الذي تريد فيه الخروج إلى العمرة».

وما رواه أيضا في الحسن ـ وابن بابويه في الصحيح ـ عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) : شوال وذو القعدة وذو الحجة ، فمن أراد الحج وفر شعره إذا نظر الى هلال ذي القعدة ، ومن أراد العمرة وفر شعره شهرا».

وما رواه الكليني في الحسن أو الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «اعف شعرك للحج إذا رأيت هلال ذي القعدة ، وللعمرة شهرا».

وعن الحسين بن ابي العلاء في الحسن به (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يريد الحج ، أيأخذ من رأسه في شوال كله ما لم ير الهلال؟ قال : لا بأس ما لم ير الهلال».

وعن إسماعيل بن جابر (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) كم أوفر شعري إذا أردت هذا السفر؟ قال : أعفه شهرا».

وعن إسحاق بن عمار (٦) قال : «قلت لأبي الحسن موسى (عليه

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من الإحرام. والراوي في المخطوطة والمطبوعة هو «ابن مسكان» تبعا للوسائل ، وفي التهذيب ج ٥ ص ٤٦ وص ٤٤٥ هو «ابن سنان» وكذا في الوافي باب (أشهر الحج وتوفير الشعر فيها).

(٢) الوسائل الباب ٢ من الإحرام. والشيخ يرويه عن الكليني.

(٣) الوسائل الباب ٢ من الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٤ من الإحرام.

(٥) التهذيب ج ٥ ص ٤٧ ، والوسائل الباب ٣ من الإحرام.

(٦) التهذيب ج ٥ ص ٤٤٥ ، والوسائل الباب ٣ من الإحرام.


السلام) : كم أوفر شعري إذا أردت العمرة؟ قال : ثلاثين يوما».

وقال الصدوق (١) بعد نقل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة : وقد يجزئ الحاج بالرخص ان يوفر شعره شهرا ، روى ذلك هشام بن الحكم وإسماعيل بن جابر عن الصادق (عليه‌السلام) ورواه إسحاق بن عمار عن ابي الحسن موسى بن جعفر (عليه‌السلام). وطريق الصدوق الى هشام بن الحكم صحيح.

والظاهر ـ كما استظهره في الوافي ـ حمل رواية إسماعيل بن جابر على العمرة لا الرخصة كما ذكره الصدوق (قدس‌سره).

وعن سعيد الأعرج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا يأخذ الرجل ـ إذا رأى هلال ذي القعدة وأراد الخروج ـ من رأسه ولا من لحيته».

وعن أبي حمزة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا تأخذ من شعرك ـ وأنت تريد الحج ـ في ذي القعدة ، ولا في الشهر الذي تريد فيه الخروج إلى العمرة».

وموثقة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «خذ من شعرك إذا أزمعت على الحج شوال كله الى غرة ذي القعدة».

وبهذه الأخبار أخذ القائلون بالوجوب ، وهي ظاهرة في ذلك كما لا يخفى.

وقال العلامة في المختلف ـ بعد ان نقل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة دليلا للقائلين بالوجوب ـ ما صورته : والجواب : نقول بموجب

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ١٩٧ و ١٩٨.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢ من الإحرام.


الحديث ، فان المستحب مأمور به كالواجب. قال في المدارك رادا عليه ـ ونعم ما قال ـ : ان أراد بكون المستحب مأمورا به انه تستعمل فيه صيغة «افعل» حقيقة منعناه ، لأن الحق انها حقيقة في الوجوب كما هو مذهبه (رحمه‌الله) في كتبه الأصولية ، وان أراد ان المندوب يطلق عليه هذا اللفظ أعني : «المأمور به» سلمناه ولا ينفعه.

واما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة ـ حيث قال بعد نقل الأخبار المذكورة : وبهذه الاخبار استدل من زعم وجوب التوفير ، ونحن حيث توقفنا في دلالة الأمر في أخبارنا على الوجوب لم يستقم لنا الحكم بالوجوب ، فيثبت حكم الاستحباب بانضمام الأصل ـ فهو من جملة تشكيكاته الضعيفة وتوهماته السخيفة ، وليت شعري إذا كانت الأوامر الواردة في الاخبار لا تدل على الوجوب ، فالواجب عليه القول بإباحة جميع الأشياء وعدم التحريم والوجوب في حكم من أحكام الشريعة بالكلية ، لأنه متى كانت الأوامر لا تدل على الوجوب والنواهي لا تدل على التحريم ، فليس إلا القول بالإباحة وتحليل المحرمات وسقوط الواجبات ، وهو خروج عن الدين من حيث لا يشعر قائله.

واستدل العلامة في المختلف للقول المشهور بموثقة سماعة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الحجامة وحلق القفا في أشهر الحج. فقال : لا بأس به ، والسواك والنورة». وردها في المدارك بضعف السند وقصور الدلالة.

ويدل عليه أيضا رواية زرعة عن محمد بن خالد الخزاز (٢) قال : «سمعت أبا الحسن (عليه‌السلام) يقول : اما انا فآخذ من شعري حين أريد

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤ من الإحرام.


الخروج. يعني : إلى مكة للإحرام».

وأنت خبير بان الظاهر من الروايات المتقدمة ان هذا التوفير ـ وجوبا أو استحبابا ـ إنما هو بالنسبة إلى شعر الرأس. ولهذا حمل في الاستبصار رواية الخزاز على ما قبل ذي القعدة أو على ما سوى شعر الرأس.

وتؤيده رواية أبي الصباح الكناني (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يريد الحج ، أيأخذ من شعره في أشهر الحج؟ فقال : لا ، ولا من لحيته ، ولكن يأخذ من شاربه وأظفاره. وليطل ان شاء». وبه يظهر ضعف الدلالة في موثقة سماعة المذكورة.

ثم انه لا يخفى انه ليس في شي‌ء من الاخبار المذكورة ما يدل على التقييد بالتمتع كما هو المذكور في كلامهم ، فالقول بالتعميم أظهر. وبذلك صرح جملة من متأخري المتأخرين أيضا.

واما ما ذكره الشيخ المفيد (قدس‌سره) من وجوب الدم بالحلق في ذي القعدة فاستدل عليه الشيخ في التهذيب بما رواه عن جميل بن دراج (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن متمتع حلق رأسه بمكة. قال : ان كان جاهلا فليس عليه شي‌ء ، وان تعمد ذلك في أول الشهور للحج بثلاثين يوما فليس عليه شي‌ء ، وان تعمد بعد الثلاثين التي يوفر فيها الشعر للحج فان عليه دما يهريقه».

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من الإحرام. وفي المخطوطة والمطبوعة «بريد الكناسي» وقد أوردناه كما ورد في كتب الحديث. راجع التهذيب ج ٥ ص ٤٨.

(٢) الوسائل الباب ٥ من الإحرام ، والباب ٤ من التقصير.


وأجاب في المدارك عنها (أولا) : بالطعن في السند باشتماله على علي بن حديد. و (ثانيا) : بالمنع من الدلالة ، قال : فإنها إنما تضمنت لزوم الدم بالحلق بعد الثلاثين التي يوفر فيها الشعر للحج ، وهو خلاف المدعى. مع ان السؤال ، إنما وقع عن من حلق رأسه بمكة ، والجواب مقيد بذلك السؤال لعود الضمير الواقع فيه الى المسؤل عنه ، فلا يمكن الاستدلال بها على لزوم الدم بذلك على وجه العموم. وبالجملة فهذه الرواية ضعيفة السند متهافتة المتن ، فلا يمكن الاستناد إليها في إثبات حكم مخالف للأصل. انتهى.

أقول : فيه أولا ـ ان الطعن في السند لا يقوم حجة على المتقدمين كالشيخ ونحوه ممن لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم ، كما أشرنا إليه في غير موضع من ما تقدم.

وثانيا ـ ان هذه الرواية قد رواها الصدوق في الفقيه (١) عن جميل ابن دراج ، وطريقه إليه في المشيخة صحيح ، كما لا يخفى على من راجع ذلك. وهو إنما نقل الرواية عن التهذيب ، وهي فيه ضعيفة كما ذكره.

وثالثا ـ ان ما طعن به على الدلالة مردود ، بان ظاهر سؤال السائل وان كان خاصا بمن حلق رأسه بمكة ، وظاهره ان ذلك بعد عمرة التمتع ، إلا ان الامام (عليه‌السلام) اجابه بجواب مفصل يشتمل على شقوق المسألة كملا في مكة أو غير مكة ، فبين حكم الجاهل والمتعمد ، وانه على تقدير التعمد ان كان في أول شهور الحج ـ يعني : شوال ـ في مدة ثلاثين يوما فلا شي‌ء عليه ، وان تعمد بعد الثلاثين التي يوفر فيها الشعر ،

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٣٨.


يعني : بعد دخول الثلاثين المذكورة ، والمراد ذو القعدة كما مر في الاخبار من انه يوفر الشعر من أول ذي القعدة ، لا ان معناه بعد مضي الثلاثين كما توهمه ، فإنه معنى مغسول عن الفصاحة لا يمكن نسبته الى تلك الساحة. وبالجملة فإنه لا بد من تقدير مضاف في البين ، وليس تقدير المضي الذي هو في الفساد أظهر من ان يراد بأولى من تقدير الدخول الذي به يتم المراد وتنتظم الرواية مع الروايات السابقة على وجه لا يعتريه الشك والإيراد.

وبذلك يظهر لك صحة الرواية ووضوح دلالتها على المدعى ، وان مناقشته فيها ـ وان تبعه فيها من تأخر عنه كما هي عادتهم غالبا ـ من ما لا ينبغي ان يلتفت اليه ولا يعرج في مقام التحقيق عليه.

ثم ان هذه الرواية قد تضمنت ان الجاهل معذور لا شي‌ء عليه. والظاهر ان الناسي أيضا كذلك ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) : «في متمتع حلق رأسه؟ فقال : ان كان ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي‌ء ، وان كان متمتعا في أول شهور الحج فليس عليه إذا كان قد أعفاه شهرا».

وبمضمون رواية جميل المذكورة قال في كتاب الفقه الرضوي (٢) حيث قال : «وإذا حلق المتمتع رأسه بمكة فليس عليه شي‌ء ان كان جاهلا ، وان تعمد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شي‌ء ، وان تعمد بعد الثلاثين التي يوفر فيها شعر الحج فان عليه دما».

ومعنى العبارة للذكورة : ان المتمتع متى حلق رأسه بمكة ـ يعني.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من التقصير.

(٢) ص ٢٩ و ٣٠.


عوض التقصير من العمرة ـ جاهلا فلا شي‌ء عليه ، لموضع جهله. وان تعمد الحلق ، يعني : في مكة أو غيرها. وهذا بيان لحكم آخر غير الأول لا ارتباط له به ، وهو انه لما كان يستحب توفير الشعر للحج ، فان حلقه في أول شهور الحج في مدة ثلاثين يوما ـ يعني : شهر شوال ـ فليس عليه شي‌ء ، وان تعمد بعد الثلاثين التي يوفر فيها شعر الحج ـ يعني : بعد دخولها ، وهي عبارة عن أول ذي القعدة ـ فإن عليه دما. وهذا هو معنى رواية جميل الذي ذكرناه.

الثاني ـ تنظيف جسده ، وقص أظفاره ، والأخذ من شاربه ، وطلي جسده وإبطيه. ولا خلاف في استحباب ذلك نصا وفتوى.

ويدل على ذلك روايات كثيرة : منها ـ صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا انتهيت الى العقيق من قبل العراق أو الى وقت من هذه المواقيت ، وأنت تريد الإحرام ـ ان شاء الله ـ فانتف إبطيك ، وقلم أظفارك ، واطل عانتك ، وخذ من شاربك. ولا يضرك بأي ذلك بدأت. ثم استك ، واغتسل ، والبس ثوبيك. وليكن فراغك من ذلك ـ ان شاء الله ـ عند زوال الشمس ، فان لم يكن ذلك عند زوال الشمس فلا يضرك».

وصحيحة حريز (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التهيؤ للإحرام. فقال : تقليم الأظفار ، وأخذ الشارب ، وحلق العانة».

وحسنة حريز ايضا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «السنة في الإحرام : تقليم الأظفار ، وأخذ الشارب ، وحلق العانة».

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٠٠ ، والوسائل الباب ٦ و ١٥ من الإحرام.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٦ من الإحرام.


وصحيحة معاوية بن وهب (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) ـ ونحن بالمدينة ـ عن التهيؤ للإحرام. قال : اطل بالمدينة ، وتجهز بكل ما تريد ، واغتسل ان شئت ، وان شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي مسجد الشجرة».

ثم انه قد ذكر الأصحاب انه متى اطلى فإنه يجزئه لإحرامه ما لم تمض خمسة عشر يوما.

وربما كان المستند فيه ما رواه الشيخ عن علي بن أبي حمزة (٢) قال : «سأل أبو بصير أبا عبد الله (عليه‌السلام) وانا حاضر ، فقال : إذا اطليت للإحرام الأول كيف أصنع في الطلية الأخيرة؟ وكم بينهما؟ قال : إذا كان بينهما جمعتان (خمسة عشر يوما) فاطل».

وروى ثقة الإسلام في الكافي عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا بأس بأن تطلي قبل الإحرام بخمسة عشر يوما».

وظاهر هذه الرواية الاكتفاء بالطلية المتقدمة على الإحرام بخمسة عشر يوما ، وانه لا يستحب إعادة الطلية للإحرام بعد مضي هذه المدة ، مع ان ظاهر الاولى هو استحباب الإعادة بعد مضي خمسة عشر يوما.

وروى الصدوق في الفقيه (٤) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) «انه سأل عن الرجل يطلي قبل أن يأتي

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٠٠ ، والوسائل الباب ٧ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٧ من الإحرام. والشيخ يرويه عن الكليني.

(٣) الوسائل الباب ٧ من الإحرام.

(٤) ج ٢ ص ٢٠٠ ، والوسائل الباب ٧ من الإحرام.


الوقت بست ليال. قال : لا بأس به. وسأله عن الرجل يطلي قبل ان يأتي مكة بسبع ليال أو ثمان ليال. قال : لا بأس به».

والظاهر ان التحديد بالخمسة عشر المذكورة إنما هو لبيان أقصى غاية الاجزاء ، فلا ينافيه استحباب ذلك قبل مضي المدة المذكورة.

ويؤيده ما رواه ثقة الإسلام في الكافي (١) عن عبد الله بن ابي يعفور قال : «كما بالمدينة فلاحاني زرارة في نتف الإبط وحلقه ، فقلت : حلقه أفضل ، وقال زرارة : نتفه أفضل. فاستأذنا على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فاذن لنا ، وهو في الحمام يطلي ، قد اطلى إبطيه ، فقلت لزرارة : يكفيك. قال : لا ، لعله فعل هذا لما لا يجوز لي ان أفعله. فقال : فيما أنتما؟ فقلت : ان زرارة لاحاني في نتف الإبط وحلقه ، فقلت : حلقه أفضل ، وقال زرارة : نتفه أفضل. فقال : أصبت السنة وأخطأها زرارة ، حلقه أفضل من نتفه ، وطليه أفضل من حلقه. ثم قال لنا : اطليا. فقلنا : فعلنا منذ ثلاث. فقال : أعيدا ، فإن الإطلاء طهور».

الثالث ـ الغسل. والمشهور استحبابه ، بل قال في المنتهى : انه لا يعرف فيه خلافا ، مع انه في المختلف نقل عن ابن ابي عقيل انه قال : غسل الإحرام فرض واجب. وقد تقدم الكلام في ذلك في باب الأغسال.

وتحقيق البحث في المقام يقتضي بسطه في مواضع الأول ـ هل يجب التيمم بدلا عنه لو تعذر؟ قولان ، المشهور العدم ، ونقل عن الشيخ

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ٢٥٥ وج ٢ ص ٢٢١ ، والوسائل الباب ٣٢ و ٨٥ من آداب الحمام.


وجماعة : القول بوجوب ذلك. وربما بني ذلك على القول برفع الأغسال المستحبة ، وبه جزم الشهيد الثاني. وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في كتاب الطهارة.

الثاني ـ لو اغتسل ثم أكل أو لبس ما لا يجوز للمحرم اكله ولبسه أعاد الغسل استحبابا في ظاهر كلام الأصحاب.

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا لبست ثوبا لا ينبغي لك لبسه ، أو أكلت طعاما لا ينبغي لك أكله ، فأعد الغسل».

وفي الصحيح عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا اغتسلت للإحرام ، فلا تقنع ، ولا تطيب ، ولا تأكل طعاما فيه طيب ، فتعيد الغسل».

وعن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا اغتسل الرجل وهو يريد ان يحرم ، فلبس قميصا قبل ان يلبي ، فعليه الغسل».

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن علي بن أبي حمزة (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل اغتسل للإحرام ثم لبس قميصا قبل ان يحرم. قال : قد انتقض غسله».

وأنت خبير بان هذه الروايات إنما دلت على اعادة الغسل بالنسبة إلى أشياء مخصوصة ، وهو لبس ما لا ينبغي ، وأكل ما لا ينبغي ، والتطيب

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٣ من الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ١١ من الإحرام. والشيخ يرويه عن الكليني.

(٤) الوسائل الباب ١١ من الإحرام.


واما التقنع في رواية عمر بن يزيد فالظاهر انه داخل في لبس ما لا ينبغي والمدعي في كلامهم أعم من ذلك كما عرفت. ولهذا استظهر السيد السند في المدارك عدم استحباب الإعادة بفعل ما عدا ذلك من تروك الإحرام لفقد النص. ويعضده ما ورد في من قلم أظفاره بعد الغسل من انه لا يعيده وإنما يمسحها بالماء ، كما رواه الشيخ في الحسن عن جميل بن دراج عن بعض أصحابه عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) : «في رجل اغتسل للإحرام ثم قلم أظفاره؟ قال : يمسحها بالماء ولا يعيد الغسل».

الثالث ـ انه يجوز له تقديم الغسل على الميقات إذا خاف عوز الماء فيه. ولو وجده فيه استحب له الإعادة.

ويدل على الحكمين المذكورين ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام ابن سالم (٢) قال : «أرسلنا الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) ونحن جماعة ونحن بالمدينة : انا نريد ان نودعك. فأرسل إلينا : ان اغتسلوا بالمدينة فإني أخاف ان يعز عليكم الماء بذي الحليفة ، فاغتسلوا بالمدينة ، والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ، ثم تعالوا فرادى أو مثاني. فقال له ابن ابي يعفور : ما تقول في دهنة بعد الغسل للإحرام؟ فقال : قبل وبعد ومع ليس به بأس. قال : ثم دعا بقارورة بان سليخة ليس فيها شي‌ء فأمرنا فادهنا منها. فلما أردنا أن نخرج قال : لا عليكم ان تغتسلوا ان وجدتم ماء إذا بلغتم ذا الحليفة».

وظاهر جملة من الاخبار جواز تقديم الغسل على الميقات مطلقا :

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٦٦ ، والوسائل الباب ١٢ من الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٦٣ و ٦٤ وص ٣٠٣ ، والوسائل الباب ٨ من الإحرام والباب ٣٠ من تروك الإحرام.


نحو ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يغتسل بالمدينة للإحرام ، أيجزئه عن غسل ذي الحليفة؟ قال : نعم». وصحيحة معاوية بن وهب المتقدمة في الأمر الثاني (٢).

وما رواه الكليني عن ابي بصير (٣) قال : «سألته عن الرجل يغتسل بالمدينة لإحرامه ، أيجزئه ذلك من غسل ذي الحليفة؟ قال : نعم. فأتاه رجل وانا عنده ، فقال : اغتسل بعض أصحابنا فعرضت له حاجة حتى أمسى؟ فقال : يعيد الغسل ، يغتسل نهارا ليومه ذلك وليلا لليلته».

الرابع ـ انه قد صرح الأصحاب بأنه يجزئ الغسل في أول النهار ليومه وفي أول الليل لليلته ما لم ينم.

ويدل عليه جملة من الاخبار : منها ـ رواية أبي بصير المتقدمة في سابق هذا الموضع.

ومنها : صحيحة عمر بن يزيد ـ وربما وجد في نسخ التهذيب عثمان ابن يزيد ، ولعله من تحريفات صاحب التهذيب ، كما لا يخفى على من له انس بما جرى له فيه ـ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله الى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل ، ومن اغتسل ليلا كفاه غسله الى طلوع الفجر».

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من الإحرام.

(٢) ص ١٠.

(٣) فروع الكافي ج ١ ص ٢٥٥ ، والوسائل الباب ٨ و ٩ من الإحرام.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٦٤ ، والوسائل الباب ٩ من الإحرام.


وعن ابي بصير وسماعة في الموثق كلاهما عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «من اغتسل قبل طلوع الفجر ـ وقد استحم قبل ذلك ـ ثم أحرم من يومه أجزأه غسله ، وان اغتسل في أول الليل ثم أحرم في آخر الليل أجزأه غسله». والظاهر ان المراد بالاستحمام : التنوير والتنظيف.

وما رواه ثقة الإسلام عن عمر بن يزيد في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «غسل يومك ليومك ، وغسل ليلتك لليلتك».

والظاهر ايضا الاكتفاء بغسل اليوم لذلك اليوم والليلة التي بعده ، وغسل الليلة لتلك الليلة واليوم الذي بعدها :

لما رواه الصدوق في الصحيح عن جميل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «غسل يومك يجزئك لليلتك ، وغسل ليلتك يجزئك ليومك».

وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر عن كتاب جميل عن حسين الخراساني عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٤) انه سمعه يقول : «غسل يومك. الحديث».

والأفضل هنا اعادة الغسل ، لرواية أبي بصير المتقدمة الدالة على انه متى أمسى ودخل عليه الليل ولم يأت بالإحرام أعاد الغسل. إلا ان يحمل هذا الخبر على ما عدا غسل الإحرام.

واما ما يدل على استحباب اعادة الغسل بالنوم فهو ما رواه الكليني والشيخ عنه عن النضر بن سويد في الصحيح عن ابي الحسن (عليه

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٩ من الإحرام.


السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل يغتسل للإحرام ثم ينام قبل ان يحرم. قال : عليه اعادة الغسل».

وما رواه أيضا في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٢) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثم ينام ، فيتوضأ قبل ان يدخل ، أيجزئه ذلك أو يعيد؟ قال : لا يجزئه لانه إنما دخل بوضوء».

وما رواه ايضا عن علي بن أبي حمزة عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٣) قال : قال لي : «إن اغتسلت بمكة ثم نمت قبل ان تطوف فأعد غسلك».

وهل ينتقض الغسل الأول بالنوم؟ ظاهر السيد السند في المدارك العدم ، حيث قال : والأصح عدم انتقاض الغسل بذلك وان استحب الإعادة. وظاهر الاخبار المذكورة الانتقاض ، ولا سيما الثاني.

إلا ان الأصحاب لم ينقلوا في هذه المسألة إلا صحيحة ابن سويد ، وهي وان احتملت ما ذكره إلا ان ظاهر الرواية التي ذكرناها هو الانتقاض. وبذلك يظهر ما في قوله بعد ذكر ما قدمنا نقله عنه : بل لا يبعد عدم تأكد الاستحباب ، كما تدل عليه صحيحة العيص. ثم ساق الرواية الآتية :

واما ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن العيص بن القاسم (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة ويلبس ثوبين ثم ينام قبل ان يحرم. قال : ليس عليه غسل». فالظاهر حمله على الرخصة. وقيل انه محمول على نفي تأكيد

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ١٠ من الإحرام.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٦ من مقدمات الطواف وما يتبعها.


الاستحباب. وفيه ما عرفت.

وحمله الشيخ على ان المراد به نفى الوجوب. وهو بعيد ، لان سوق الخبر يقتضي ان سقوط الإعادة للاعتداد بالغسل المتقدم ، لا لكون غسل الإحرام غير واجب كما ذكره.

ونقل عن ابن إدريس انه نفى استحباب الإعادة بذلك. وهو مردود بما ذكرناه من الاخبار الصحيحة الصريحة في الإعادة ، بل في انتقاض الغسل السابق كما عرفت.

وألحق الشهيد في الدروس بالنوم غيره من النواقض ، قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : ونفى عنه الشارح البأس ، نظرا الى ان غيره أقوى منه. ثم قال : وهو ضعيف ، والأصح عدم الاستحباب ، لانتفاء الدليل وربما كان في صحيحة جميل المتقدمة إشعار بذلك.

أقول : ما ذكره من اشعار الصحيحة المذكورة بذلك صحيح ، لانه يبعد ان لا يحدث الإنسان من أول اليوم ـ لو اغتسل في أوله ـ إلى آخر تلك الليلة ، إلا ان صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج التي تضمنت الغسل لدخول مكة مشعرة أيضا بأنه ينبغي ان يكون الدخول بالغسل من غير ان ينقضه بناقض من حدث وغيره ، لأن قوله : «لا يجزئه ، لانه إنما دخل بوضوء» من ما يشير إلى أنه لا بد ان يكون الدخول بغسل غير منتقض بشي‌ء من النواقض.

وأصرح منها في ذلك موثقة إسحاق بن عمار المروية في التهذيب (١) قال : «سألته عن غسل الزيارة ، يغتسل بالنهار ويزور بالليل بغسل واحد. قال : يجزئه ان لم يحدث ، فإن أحدث ما يوجب وضوء فليعد غسله».

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من زيارة البيت.


ونحوها موثقته في الكافي أيضا (١).

وبذلك يظهر قوة ما نقله في المدارك عن الشهيدين. وحينئذ فيجب تخصيص صحيحة جميل ونحوها بهذه الأخبار الدالة على الإعادة بحدث النوم أو غيره. ويظهر ان ما ذهب إليه في المدارك ـ وان كان هو ظاهر المشهور ـ بمحل من القصور.

الخامس ـ لو أحرم بغير غسل أو صلاة ثم ذكر ، تدارك ما تركه وأعاد الإحرام. ذكر ذلك الشيخ وجمع من الأصحاب. وصرح في المبسوط بأن الإعادة على سبيل الاستحباب.

واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن الحسين بن سعيد عن أخيه الحسن (٢) قال : «كتبت الى العبد الصالح ابي الحسن (عليه‌السلام): رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما ، ما عليه في ذلك؟ وكيف ينبغي له ان يصنع؟ فكتب : يعيده».

ورواه في الكافي أيضا عن علي بن مهزيار (٣) قال : «كتب الحسن ابن سعيد الى ابي الحسن (عليه‌السلام). الحديث».

قال في المدارك : وإنما حملنا الإعادة على الاستحباب لأن السؤال إنما وقع عن ما ينبغي لا عن ما يجب. وفيه ما قدمنا ذكره في غير مقام من ان لفظ : «ينبغي ولا ينبغي» في الأخبار أكثر كثير في معنى الوجوب والتحريم ، وان استعمل في هذا المعنى الذي ذكره أحيانا ، وان الحمل على أحدهما يتوقف على القرينة.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من زيارة البيت.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٠ من الإحرام.


ونقل عن ابن إدريس انه أنكر استحباب الإعادة. وهو جيد على أصوله الغير الأصلية.

وهل المعتبر الإحرام الأول أو الثاني؟ فالشهيدان على انه الأول ، قال في المسالك : والمعتبر هو الأول ، إذ لا سبيل إلى إبطال الإحرام بعد انعقاده. وعلى هذا ينبغي ان يكون المعاد هو اللبس والتلبية لا النية. وظاهر العلامة في المختلف انه الثاني ، حيث قال : لا استبعاد في استحباب اعادة الفرض لأجل النفل ، كما في الصلاة المكتوبة إذا دخل المصلي فيها بغير أذان ولا إقامة ، فإنه يستحب إعادتها. وأجاب عنه في المسالك بان الفرق بين المقامين واضح ، فإن الصلاة تقبل الإبطال بخلافه.

واستشكل العلامة في القواعد في ان أيهما المعتبر. وقطع بوجوب الكفارة بتخلل الموجب بينهما.

وربما أمكن توجيه الإشكال بأن الأول لم يقع فاسدا ، فلا سبيل إلى إبطاله بعد انعقاده ، فيكون هو المعتبر المبرئ للذمة. وان الأمر بإعادته يدل على عدم اعتباره. ولأنه أرجح في نظر الشارع ، فيكون اولى بالاعتبار.

وفيه انه لا منافاة بين الإعادة لطلب الكمال وبين براءة الذمة بالأول. ولان عدم اعتباره لا يدل على إبطاله. وقد عرفت انه لا دليل على إبطاله بعد انعقاده. ومن ما ينسب الى الشهيد ان المعتبر في الاجزاء الأول وفي الكمال الثاني. وهو ظاهر في ما ذكرناه. وقضية قطعه بالكفارة بتخلل الموجب بينهما إنما يتم على تقدير صحة الأول وتعلق غرض الشارع به.

الرابع ـ ان يحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة فان لم يتفق صلى للإحرام


ست ركعات ، وأقلها ركعتان.

ويدل على ذلك جملة من الاخبار ، كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) انه قال : «لا يكون إحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة ، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم وان كانت نافلة صليت ركعتين وأحرمت في دبرها ، فإذا انفتلت من الصلاة فاحمد الله (عزوجل) وأثن عليه. الحديث».

وصحيحته الأخرى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة فريضة فصل ركعتين ثم أحرم في دبرهما».

وثالثة له ايضا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة ، واخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء. الحديث».

وما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار وعبيد الله الحلبي كلاهما عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا يضرك بليل أحرمت أو نهار إلا ان أفضل ذلك عند زوال الشمس».

وعن الحلبي في الصحيح (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) أليلا أحرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أم نهارا؟ فقال : بل نهارا فقلت : فأية ساعة؟ قال : صلاة الظهر».

وما رواه الصدوق والكليني في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٣٤ من الإحرام.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ١٥ من الإحرام.


(عليه‌السلام) (١) قال : «سألته أليلا أحرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أم نهارا؟ فقال : نهارا. فقلت : أي ساعة؟ قال : صلاة الظهر. فسألته متى ترى ان نحرم؟ فقال : سواء عليكم ، إنما أحرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلاة الظهر ، لان الماء كان قليلا كان يكون في رؤوس الجبال ، فيهجر الرجل الى مثل ذلك من الغد ، ولا يكاد يقدرون على الماء ، وإنما أحدثت هذه المياه حديثا».

أقول : والظاهر ان هذه الاخبار الثلاثة هي مستند الأصحاب في ما ذكروه من استحباب الإحرام عقيب فريضة الظهر. وظاهر الخبر الأخير ان السبب في إحرامه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في ذلك الوقت إنما هو قلة الماء وإنما يؤتى به بعد الهجرة إليه في اليوم السابق في ذلك الوقت ، ولهذا لما سأله الراوي : «متى ترى ان نحرم؟ قال : سواء عليكم» يعني : أي وقت أردتم. ثم ذكر له العلة في إحرامه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعد صلاة الظهر. نعم (٢) صحيحة الحلبي تضمنت ان أفضل ذلك عند زوال الشمس ولعل وجه الجمع بينهما انه لما اتفق إحرامه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في ذلك الوقت للعلة المذكورة صار الفضل في ذلك الوقت. إلا ان قوله (عليه‌السلام) : «سواء عليكم» من ما ينافر ذلك ، وان كان الجواز لا ينافي الاستحباب.

وما رواه الشيخ عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «تصلي للإحرام ست ركعات تحرم في دبرها». وهذه الرواية هي

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من الإحرام.

(٢) أوردنا العبارة هنا كما جاءت في المخطوطة.

(٣) الوسائل الباب ١٨ من الإحرام.


مستندهم في الاستحباب بعد الست ركعات.

وما رواه ابن بابويه في الموثق عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (١) «في الرجل يأتي ذا الحليفة أو بعض الأوقات بعد صلاة العصر أو في غير وقت صلاة؟ قال : لا ، ينتظر حتى تكون الساعة التي يصلى فيها وإنما قال ذلك مخافة الشهرة». هكذا صورة الخبر في الفقيه (٢).

وظاهر المحدث الكاشاني ان قوله : «وإنما. الى آخره» هو من كلام صاحب الفقيه حيث لم يذكره في متن الخبر وإنما ذكره في البيان نقلا عنه. وظاهر غيره ممن نقل الخبر انه من متن الخبر ، وكأنه بناء على ذلك من كلام بعض الرواة.

وما رواه الشيخ في التهذيب عن إدريس بن عبد الله (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر كيف يصنع؟ قال : يقيم الى المغرب. قلت : فان ابي جماله ان يقيم عليه؟ قال : ليس له أن يخالف السنة. قلت : إله أن يتطوع بعد العصر؟ قال : لا بأس به ، ولكني أكرهه للشهرة ، وتأخير ذلك أحب الي. قلت : كم أصلي إذا تطوعت؟ قال : اربع ركعات».

وفي هذا الخبر ما يكشف عن الخبر المتقدم من الأمر بانتظار الساعة التي يصلى فيها لئلا يصلي نافلة في الأوقات المكروهة فيها الصلاة عند العامة (٤) فيعرف بالتشيع ويؤخذ به. والظاهر ان المراد بقوله : «ليس

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ١٩ من الإحرام.

(٢) ج ٢ ص ٢٠٨.

(٤) راجع طرح التثريب في شرح التقريب لعبد الرحيم العراقي الشافعي ج ٢ ص ١٨٢ الى ص ١٨٤.


له ان يخالف السنة» أي يحرم من غير صلاة.

فوائد

الاولى ـ ينبغي ان يعلم انه على تقدير القول بكراهة الصلاة في الأوقات المشهورة فإن صلاة الإحرام مستثناة من ذلك ، كما استفاضت به الاخبار :

ومنها ـ قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار (١) : «خمس صلوات لا تترك على حال : إذا طفت بالبيت ، وإذا أردت أن تحرم. الحديث».

وقوله (عليه‌السلام) في رواية أبي بصير (٢) : «خمس صلوات تصليها في كل وقت : منها : صلاة الإحرام». الى غير ذلك من الاخبار.

الثانية ـ المفهوم من الاخبار التي ذكرناها في المقام ـ وهي التي وقفنا عليها من اخبار المسألة ـ ان السنة في الإحرام ان يحرم عقيب فريضة ان اتفق وإلا عقيب نافلة ، وأفضلها ست ركعات وأقلها اثنتان. والمفهوم من كلام الأصحاب هو الجمع بين النافلة والفريضة ، مقدما للنافلة على الفريضة كما في بعض ، أو مؤخرا لها كما في آخر.

قال الشيخ في المبسوط : وأفضل الأوقات التي يحرم فيها عند الزوال ويكون ذلك بعد فريضة الظهر ، فان اتفق ان يكون في غير هذا الوقت جاز ، والأفضل ان يكون عقيب فريضة ، فان لم يكن وقت فريضة صلى ست ركعات من النوافل وأحرم في دبرها ، فان لم يتمكن من ذلك أجزأه ركعتان.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٩ من مواقيت الصلاة ، والباب ١٩ من الإحرام.


وظاهر هذه العبارة عدم الجمع ، وهو المفهوم من الاخبار.

ثم قال بعد ذلك بأسطر : ويجوز ان يصلى صلاة الإحرام أي وقت كان من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة قد تضيق ، فان تضيق الوقت بدأ بالفرض ثم بصلاة الإحرام ، وان كان أول الوقت بدأ بصلاة الإحرام ثم بصلاة الفرض.

ولا يخفى ما بين الكلامين من المدافعة والمنافاة ، مع عدم وجود دليل على هذا الكلام الأخير ـ كما عرفت ـ من اخبار المسألة. ونحو ذلك عبارته في النهاية في الموضعين الظاهرين في التنافي رأي العين.

والظاهر ان المراد بقوله في الكلام الأول : «والأفضل ان يكون عقيب فريضة» يعني : مع تقديم نافلة الإحرام على الفريضة والجمع بينهما ، بمعنى ان الأفضل تقديم النافلة وعقد الإحرام عقيب الفريضة دون العكس ويكون مقيدا باتساع الوقت ، كما يشعر به الكلام الأخير. وبه يندفع التنافي عن كلاميه.

وقريب من عبارتي المبسوط والنهاية عبارة المحقق في الشرائع.

ويكشف عن ما ذكرناه عبارة ابن إدريس في السرائر حيث قال : وأفضل الأوقات التي يحرم الإنسان فيها بعد الزوال ، ويكون ذلك بعد فريضة الظهر ، فعلى هذا تكون ركعتا الإحرام المندوبة قبل فريضة الظهر بحيث يكون الإحرام عقيب صلاة الظهر. ثم ساق الكلام على نحو ما ذكره الشيخ في الموضعين المتقدمين. ونحو ذلك من ما يدل على الجمع كلام الشيخ المفيد في المقنعة ، والعلامة في المنتهى والقواعد والتذكرة والشهيد في الدروس. وكل ذلك مع تقديم النافلة على الفريضة. ونقل في المختلف عن ابن ابي عقيل ما يشعر بتقديم الفريضة على النافلة ، وبه


صرح ابن حمزة في الوسيلة ، حيث قال : وإذا كان بعد فريضة صلى ركعتين له وأحرم بعدهما ، وان صلى ستا كان أفضل.

قال في المسالك ـ بعد قول المصنف : ويحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة غيرها ، وان لم يتفق صلى قبل الإحرام ست ركعات ، وأقله ركعتان ـ ما لفظه : ظاهر العبارة يقتضي انه مع صلاة الفريضة لا يحتاج إلى سنة الإحرام وإنما يكون عند عدم الظهر أو فريضة. وليس كذلك. وإنما السنة ان يصلى سنة الإحرام أولا ثم يصلى الظهر أو غيرها من الفرائض ثم يحرم ، فان لم يتفق ثم فريضة اقتصر على سنة الإحرام الست أو الركعتين. ولا فرق في الفريضة بين اليومية وغيرها ، ولا بين المؤداة والمقضية. وقد اتفق أكثر العبارات على القصور عن تأدية المراد هنا.

أقول : وهذه العبارة نظير صدر عبارتي المبسوط والنهاية كما قدمنا ذكره. وأشار بقوله : «وقد اتفق أكثر العبارات. الى آخره» الى نحو هذه العبارة التي اقتصر فيها على الإحرام بعد الفريضة من غير الإتيان بسنة الإحرام.

ثم قال (قدس‌سره) ـ بعد قول المصنف : ويوقع نافلة الإحرام تبعا له ولو كان وقت فريضة ـ ما صورته : أي تابعة للإحرام ، فلا يكره ولا يحرم فعلها في وقت الفريضة قبل ان يصلى الفريضة ، كما لا يحرم أو يكره فعل النوافل التابعة للفرائض كذلك. وقد خرجت هذه بالنص كما خرجت تلك ، فإن إيقاع الإحرام في وقت الفريضة بعدها وبعد النافلة يقتضي ذلك غالبا. انتهى.

أقول : وعبارة المصنف هنا نظير عجز عبارتي المبسوط والنهاية


كما قدمنا ـ في الدلالة على ان الإحرام وقت الفريضة بعد سنة الإحرام والفريضة جميعا. ولا ريب ان هذا مناف لما قدمه في صدر عبارته التي اعترض عليها الشارح. والعجب انه (قدس‌سره) لم يتنبه لذلك. والظاهر ان وجه الجمع بين الكلامين هو ما قدمناه ، كما هو صريح عبارة السرائر.

ثم العجب من اتفاق كلمتهم (نور الله تعالى مراقدهم) على اعتبار الجمع في وقت الفريضة بين سنة الإحرام والفريضة مع عدم وجوده في النصوص المتقدمة. وأعجب من ذلك دعوى شيخنا المشار إليه في كلامه الثاني وجود النص في قوله : «وقد خرجت هذه بالنص» والنصوص المتقدمة ـ كما دريت ـ ظاهرة الدلالة في الإحرام عقيب الفريضة أو النافلة كل على حده.

نعم في كتاب الفقه الرضوي ما يدل على ما ذكروه ، ولعله المستند عند المتقدمين فجرى عليه المتأخرون.

قال (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور (١) : فان كان وقت صلاة فريضة فصل هذه الركعات قبل الفريضة ثم صل الفريضة ـ وروى ان أفضل ما يحرم الإنسان في دبر الصلاة الفريضة ـ ثم أحرم في دبرها ليكون أفضل. انتهى.

وقد ذكرنا في غير موضع من ما تقدم ان كثيرا ما يذكر المتقدمون بعض الأحكام التي لم يرد لها مستند في كتب الأخبار المشهورة ويوجد مستندها في هذا الكتاب ، فلعل هذا من ذاك. والصدوق في الفقيه (٢) قد افتى بمضمون هذه الرواية.

__________________

(١) ص ٢٦ و ٢٧.

(٢) ج ٢ ص ٣١٣.


وبما حققناه في المقام يظهر ان ما ذكره في المدارك ـ من نسبة القول المذكور الى جده (قدس الله سرهما وروحيهما) خاصة وبحثه معه ـ ليس في محله ، بل هو قول كافة الأصحاب كما تلوناه عليك.

الثالثة ـ قد اختلفت كلمة الأصحاب في ما يقرأ في سنة الإحرام ، فقيل انه يقرأ في الأولى بعد الحمد «قل يا ايها الكافرون» وفي الثانية بعد الحمد «قل هو الله أحد» صرح به الشيخ في النهاية ، وابن إدريس في السرائر ، والعلامة في التذكرة والمنتهى ، وفي المبسوط عكس ذلك ، وفي الشرائع بعد ذكر القول الأول قال : وفيه رواية أخرى.

وأنت خبير بانا لم نقف في الاخبار على ما يتعلق بهذه المسألة إلا على ما رواه الكليني في الحسن عن معاذ بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تدع أن تقرأ ب «قل هو الله أحد» و «قل يا ايها الكافرون» في سبع مواطن : في الركعتين قبل الفجر ، وركعتي الزوال ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين من أول صلاة الليل ، وركعتي الإحرام ، والفجر إذا أصبحت بها ، وركعتي الطواف». قال الشيخ في التهذيب (٢) بعد ان أورد هذه الرواية : وفي رواية اخرى : انه يبدأ في هذا كله ب «قل هو الله أحد» وفي الثانية ب «قل يا ايها الكافرون» إلا في الركعتين قبل الفجر فإنه يبدأ : «قل يا ايها الكافرون» ثم يقرأ في الركعة الثانية ب «قل هو الله أحد».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من القراءة في الصلاة.

(٢) ج ١ ص ١٥٥ ، وكذا في فروع الكافي ج ١ ص ٨٧ ، وفي الوسائل عنهما في الباب ١٥ من القراءة في الصلاة.


المقصد الثاني في كيفيته

وهي تشتمل على واجب ومندوب ، فالكلام هنا يقع في مقامين :

الأول في الواجب ، وهو ـ كما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ ثلاثة :

الأول ـ النية بأن يقصد بقلبه إلى أمور أربعة : ما يحرم به من حج أو عمرة متقربا ، ونوعه من تمتع أو قران أو افراد ، وصفته من وجوب أو ندب ، وما يحرم له من حجة الإسلام أو غيرها. كذا ذكروه (عطر الله مراقدهم).

والعلامة في المنتهى ـ بعد ان اعتبر في نية الإحرام القصد الى هذه الأمور الأربعة ـ قال : ولو نوى الإحرام مطلقا ولم ينو حجا ولا عمرة انعقد إحرامه ، وكان له صرفه إلى أيهما شاء. ولا يخفى ما بين الكلامين من المدافعة.

ثم استدل على صحة نية الإحرام مطلقا بأنه عبادة منوية. وبحديث أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (١) وقوله : «إهلالا كإهلال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله». وتقريره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على ذلك وقوله : «كن على إحرامك مثلي وأنت شريكي في هديي».

أقول : والأمر في النية عندنا هين ، وقد تقدم الكلام فيها في كتاب الطهارة مستوفى ، وفي أثناء مباحث الكتاب. واما حديث إهلال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) فسيأتي الكلام فيه في المقام ان شاء الله تعالى.

والأظهر عندي في هذا المقام هو الوقوف على ما رسمته النصوص الواردة عنهم (عليهم‌السلام) :

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.


ومن أوضحها وأكملها ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) انه قال : «لا يكون إحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة ، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم ، وان كانت نافلة صليت ركعتين وأحرمت في دبرها ، فإذا انفتلت من صلاتك فاحمد الله وأثن عليه ، وصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقل : اللهم إني أسألك أن تجعلني ممن استجاب لك وآمن بوعدك واتبع أمرك ، فإني عبدك وفي قبضتك ، لا أوقى إلا ما وقيت ، ولا آخذ إلا ما أعطيت ، وقد ذكرت الحج فأسألك أن تعزم لي عليه على كتابك وسنة نبيك (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وتقويني على ما ضعفت عنه ، وتسلم مني مناسكي في يسر منك وعافية ، واجعلني من وفدك الذين رضيت وارتضيت وسميت وكتبت ، اللهم انى خرجت من شقة بعيدة ، وأنفقت مالي ابتغاء مرضاتك ، اللهم فتمم لي حجتي وعمرتي ، اللهم اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فان عرض لي عارض يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي ، اللهم ان لم تكن حجة فعمرة ، أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخي وعصبي من النساء والثياب والطيب ، ابتغي بذلك وجهك والدار الآخرة. قال : ويجزئك ان تقول هذا مرة واحدة حين تحرم. ثم قم فامش هنيئة ، فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلب».

وروى الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٣١ ، والتهذيب ج ٥ ص ٧٧ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٠٦ ، والوسائل الباب ١٦ من الإحرام.


السلام) (١) قال : «قلت له : اني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج فكيف أقول؟ قال : تقول : اللهم اني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك (صلى‌الله‌عليه‌وآله). وان شئت أضمرت الذي تريد». وبمضمونها رواية أبي الصباح مولى بسام الصيرفي (٢).

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا أردت الإحرام والتمتع فقل : اللهم اني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج ، فيسر ذلك لي وتقبله مني واعني عليه ، وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي ، أحرم لك شعري وبشري من النساء والطيب والثياب. وان شئت فلب حين تنهض ، وان شئت فأخره حتى تركب بعيرك وتستقبل القبلة فافعل».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٤) قال بعد ذكر العبارة المتقدمة نقلها عنه : فإذا فرغت فارفع يديك ومجد الله كثيرا ، وصل على محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كثيرا ، وقل : اللهم اني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فان عرض لي عرض يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي ، اللهم ان لم تكن حجة فعمرة. ثم تلبي سرا بالتلبية الأربعة وهي المفترضات ، تقول لبيك. الى آخره.

أقول : وغاية ما يستفاد من هذه الاخبار هو ان المكلف ينبغي ان

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ١٧ من الإحرام. والراوي في التهذيب ج ٥ ص ٧٨ وغيره كما أوردناه هنا. نعم في الوسائل ورد بلفظ «ابي الصلاح».

(٣) الوسائل الباب ١٦ من الإحرام.

(٤) ص ٢٧.


يقول هذا القول وقت الإحرام والدعاء والاشتراط على ربه في حله حيث حبسه. ومن الظاهر البين ان النية حقيقة أمر وراء ذلك ، وهي القصد الى الفعل بعد تصور الداعي الباعث له على حركته من وطنه وتوجهه الى هذا الوجه وخروجه ، وان عبر عن ذلك بالنية مجازا فلا مشاحة في ذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان في المقام فوائد الأولى : قال الشيخ في المبسوط ـ على ما نقله في المختلف ـ : لو أحرم مبهما ولم ينو لا حجا ولا عمرة كان مخيرا بين الحج والعمرة أيهما شاء فعل إذا كان في أشهر الحج ، وان كان في غيرها لم ينعقد إحرامه إلا بالعمرة. وبذلك صرح العلامة في المنتهى مستندا الى حديث علي (عليه‌السلام) (١) وإحرامه لما رجع من اليمن ، وقال : «إهلالا كإهلال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله». مع انه رده في المختلف ـ بعد نقله عن الشيخ ـ بان الواجب عليه أحد النسكين ، وإنما يتميز أحدهما عن الآخر بالنية. وهو جيد. ويؤيده ما قدمناه في بحث النية من كتاب الطهارة ، من ان مدار الأفعال ـ وجودا وعدما ، واتحادا وتعددا ، وصحة وبطلانا وجزأيها ثوابا وعقابا ـ على القصود والنيات ، كما دلت عليه الاخبار المذكورة في ذلك المقام.

ثم انه في المختلف أجاب عن حديث علي (عليه‌السلام) بالمنع من انه لم يعلم إهلال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله). ولا يخلو من بعد. وسيأتي تحقيق القول فيه ان شاء الله تعالى.

الثانية ـ قال المحقق في الشرائع : لو أحرم بالحج والعمرة وكان

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.


في أشهر الحج كان مخيرا بين الحج والعمرة إذا لم يتعين عليه أحدها ، وان كان في غير أشهر الحج تعين للعمرة. ولو قيل بالبطلان في الأول ولزوم تجديد النية كان أشبه.

قال في المسالك بعد نقل العبارة المذكورة : أراد بالأول الإحرام بهما في أشهر الحج. والقائل بالصحة فيه ابن ابي عقيل وجماعة ، وله شواهد من الاخبار. والأصح البطلان.

أقول : لا ريب ان ابن ابي عقيل وان قال بالإحرام بالحج والعمرة في نية واحدة بشرط سياق الهدي كما تقدم ذكره ، لكنه لا يقول بالتخيير بين الحج والعمرة ، بل هو قائل بوجوب الإتيان بهما : العمرة أولا ثم الحج ، وانه لا يحل من العمرة بعد الإتيان بأفعالها كما في المتمتع الغير القارن ، وإنما يحل بعد الإتيان بأفعال الحج كملا ، كما تقدم تحقيق الكلام في ذلك في البحث الثاني من المطلب الثاني من المقدمة الرابعة (١).

وفي المدارك نقل القول بالتخيير في هذه الصورة عن الشيخ في الخلاف والظاهر انه الأظهر ، لأنه موافق لما قدمنا نقله عن المبسوط ، وان كان قد فرض المسألة ثمة في ما لو لم ينو حجا ولا عمرة ، وهنا في ما لو نواهما معا. ثم رده في المدارك بأنه ضعيف جدا ، قال : لأن المنوي ـ أعني : وقوع الإحرام الواحد للحج والعمرة معا ـ لم يثبت جوازه شرعا ، فيكون التعبد به باطلا ، وغيره لم تتعلق به النية. مع ان العلامة في المنتهى نقل عن الشيخ في الخلاف انه قال : لا يجوز القران بين حج وعمرة بإحرام واحد. وادعى على ذلك الإجماع. انتهى. وهو جيد.

أقول : ومع تسليم صحة وقوع الإحرام للحج والعمرة ـ بناء على

__________________

(١) ج ١٤ ص ٣٧٢.


مذهب ابن ابي عقيل ومن قال بقوله ـ فالقول بالتخيير يحتاج الى دليل فان مقتضى قول أولئك إنما هو وجوب الإتيان بهما معا ، وانه لا يحل من إحرامه حتى يأتي بالعمرة ثم الحج ، فالقول بالتخيير في الصورة المذكورة لا وجه له.

ثم ظاهر عبارة المحقق المذكورة : انه لو أحرم بهما في غير أشهر الحج تعين للعمرة ، حيث لم يتعرض لرده. وهو ظاهر الشيخ في المبسوط والعلامة في المنتهى في المسألة الاولى. وهو ايضا غير جيد ، كما ذكره في المدارك وقبله جده (قدس الله روحيهما) في المسالك ، لان العبادات توقيفية ، ولم يثبت عن الشارع مثل ذلك. ومجرد كون الزمان لا يقبل غير العمرة المفردة ـ كما احتجوا به ـ لا يصلح دليلا شرعيا.

الثالثة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو قال : «كإحرام فلان» وكان عالما بما أحرم صح ، لحصول النية المعتبرة. واما لو كان جاهلا ، فان حصل العلم قبل الطواف قيل : الأصح صحته ، فإن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لما قدم من اليمن أحرم كذلك ولم يكن عالما بما أحرم به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وانكشف الحال له قبل الطواف. وان استمر الاشتباه لموت أو غيبة قال الشيخ : يتمتع احتياطا للحج والعمرة ، لأنه ان كان متمتعا فقد وافق وان كان غيره فالعدول عنه جائز. ورد بان العدول انما يسوغ في حج الإفراد خاصة إذا لم يكن متعينا عليه. ونقل في المسالك قولا بالبطلان في الصورة المذكورة ، قال : وهو أحوط. قال في التذكرة : ولو بان ان فلانا لم يحرم انعقد مطلقا وكان له صرفه الى اي نسك شاء. وكذا لو لم يعلم هل أحرم فلان أم لا؟ لأصالة عدم إحرامه. قال في المدارك : وهو حسن.


أقول : وعندي في أصل المسألة إشكال ، فإن المستند في ذلك انما هو قول أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لما قدم من اليمن : «إهلالا كإهلال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١). والذي يظهر لي من الخبر المذكور اختصاص ذلك به (عليه‌السلام) حيث ان الصدوق في الفقيه (٢) ذكر حكاية حج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ـ وان لم يسنده ـ بهذه الصورة : قال : «ونزلت المتعة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عند المروة بعد فراغه من السعي ، فقال : ايها الناس هذا جبرئيل (عليه‌السلام) ـ وأشار بيده الى خلفه. وساق الكلام الى ان قال : وكان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ساق معه مائة بدنة ، فجعل لعلي (عليه‌السلام) منها أربعا وثلاثين ولنفسه ستا وستين ، ونحوها كلها بيده. الى ان قال : وكان علي (عليه‌السلام) يفتخر على الصحابة ويقول : من فيكم مثلي وانا شريك رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في هديه ، من فيكم مثلي وانا الذي ذبح رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هديي بيده». ولا ريب ان الصدوق وان لم يسنده هنا إلا انه لم يذكره إلا بعد ورود الخبر به عنده. وهو ظاهر في ما ذكرناه ، فان افتخار علي (عليه‌السلام) على الصحابة ـ بكونه شريك رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في هديه ـ أظهر ظاهر في ما ذكرناه ، ولو كان هذا الحكم عاما في جميع الناس ـ كما يدعونه ـ لم يكن لافتخاره (عليه‌السلام) بذلك وجه. ونحن قد قدمنا الخبر برواية الشيخ والكليني في صدر المقدمة الرابعة (٣)

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

(٢) ج ٢ ص ١٥٣ ، والوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

(٣) ج ١٤ ص ٣١٥.


على غير هذا النحو ، إلا انه لا يخلو من الاشكال كما نبهنا عليه ثمة. وحينئذ فإن وقفوا على مضمون الخبر ـ من انه متى أهل كإهلال فلان ، فبان ان فلانا ساق الهدي ، فإنه يكون شريكا في هديه ، كما تضمنه حديث علي (عليه‌السلام) ـ ففيه ان افتخاره (عليه‌السلام) بذلك ينافي القول بالعموم كما ادعوه ، وان خرجوا عنه في ذلك لم يتم لهم الاستدلال به.

وبذلك يظهر لك ما في الفروع التي فرعوها في المسألة من الاختلال. بل مع صحة الاستدلال بالخبر ـ كما ادعوه ـ لا تخلو ايضا من الاشكال ولا سيما ما استحسنه في المدارك من كلام التذكرة ، فإني لا اعرف له وجه حسن مع بناء العبادات على التوقيف. وما رد به كلام الخلاف في سابق هذه المسألة ـ كما قدمنا نقله عنه ـ جار هنا أيضا.

الرابعة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو نوى الإحرام بنسك ولبى بغيره انعقد ما نواه دون ما تلفظ به ، لان المدار على النية ، واللفظ لا اعتبار به. وهو كذلك.

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن احمد بن محمد بن ابي نصر (١) قال : «قلت لأبي الحسن علي بن موسى (عليه‌السلام): كيف أصنع إذا أردت أن أتمتع؟ فقال : لب بالحج وانو المتعة ، فإذا دخلت مكة ، طفت بالبيت ، وصليت الركعتين خلف المقام ، وسعيت بين الصفا والمروة ، وقصرت ، فنسختها وجعلتها متعة».

وقد تقدمت صحيحة زرارة المنقولة عن كتاب الكشي في التنبيه

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٢ من الإحرام.


الخامس من البحث الرابع من المطلب الثاني في حج الافراد والقران (١) دالة على ما دلت عليه الصحيحة المذكورة.

واما ما ذكره في المدارك في معنى صحيحة أحمد بن محمد بن ابي نصر ـ حيث نقلها الى قوله : «وانو المتعة». كما هو أحد روايتي الشيخ لها ، فإنه رواها تارة كما ذكره في المدارك (٢) واخرى كما نقلناه (٣) ـ من ان المراد انه يهل بحج التمتع وينوي الإتيان بعمرة التمتع قبله ـ فهو ناشى‌ء عن الغفلة عن ملاحظة الرواية الأخرى ، فإنها صريحة في فسخ ما اتى به أولا من حج الافراد والعدول عنه ، وانه ينوي بما اتى به عمرة التمتع.

ونحوها صحيحة زرارة المشار إليها (٤) حيث قال فيها : «وعليك بالحج ان تهل بالإفراد وتنوي الفسخ ، إذا قدمت مكة وطفت وسعيت فسخت ما أهللت به وقلبت الحج عمرة ، وأحللت إلى يوم التروية. الحديث».

والاخبار في هذا المقام مختلفة ، فبعضها يدل على ما دل عليه هذان الخبران من التلبية بحج الافراد وإضمار التمتع ، وبعضها يدل على التلبية بالعمرة المتمتع بها الى الحج. والوجه في تلك الأخبار التقية.

__________________

(١) ج ١٤ ص ٤٠١.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٨٠ ، والوسائل الباب ٢٢ من الإحرام. واللفظ في التهذيب هكذا : «ينوي المتعة ويحرم بالحج» وفي الوسائل كما في الاستبصار ج ٢ ص ١٦٨ : «ينوي العمرة ويحرم بالحج». والذي أورده في المدارك هو اللفظ الوارد في الرواية المتقدمة سؤالا وجوابا.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٨٦.

(٤) الوسائل الباب ١٤ من أعداد الفرائض من كتاب الصلاة ، والباب ٥ من أقسام الحج.


ولا بأس بإيراد جملة من الاخبار المذكورة ، فمنها ـ ما رواه في الكافي في الموثق عن إسحاق بن عمار (١) قال : «قلت لأبي إبراهيم (عليه‌السلام): ان أصحابنا يختلفون في وجهين من الحج ، يقول بعضهم : أحرم بالحج مفردا ، فإذا طفت بالبيت وسعيت بين الصفا والمروة فأحل واجعلها عمرة. وبعضهم يقول : أحرم وانو المتعة بالعمرة إلى الحج. أي هذين أحب إليك؟ قال : انو المتعة».

وما رواه في الصحيح عن الحضرمي والشحام ومنصور بن حازم (٢) قالوا : «أمرنا أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان نلبي ولا نسمي شيئا. وقال : أصحاب الإضمار أحب الي». ونحوها موثقة إسحاق بن عمار (٣) وصحيحة أبان بن تغلب (٤).

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن حمران بن أعين (٥) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن التلبية. فقال لي : لب بالحج فإذا دخلت مكة طفت بالبيت وصليت وأحللت». وبمضمونها صحيحة زرارة (٦).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الملك بن أعين (٧) قال : «حج جماعة من أصحابنا فلما وافوا المدينة دخلوا على ابي جعفر (عليه‌السلام) فقالوا : ان زرارة أمرنا أن نهل بالحج إذا أحرمنا. فقال لهم :

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أقسام الحج ، والباب ٢١ من الإحرام.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٧ من الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٢١ من أقسام الحج ، والباب ٢١ من الإحرام.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ٢٢ من الإحرام.

(٧) الوسائل الباب ٣ من أقسام الحج.


تمتعوا. فلما خرجوا من عنده دخلت عليه ، فقلت له : جعلت فداك والله لئن لم تخبرهم بما أخبرت به زرارة ليأتين الكوفة وليصبحن بها كذابا. قال : ردهم علي. قال : فدخلوا عليه ، فقال : صدق زرارة ثم قال : اما والله لا يسمع هذا بعد اليوم أحد مني». أقول : الظاهر ان مراده (عليه‌السلام) يعني : لا يسمع الأمر بالتمتع.

وروى في التهذيب في الصحيح عن إسماعيل الجعفي (١) قال : «خرجت انا وميسر وأناس من أصحابنا ، فقال لنا زرارة : لبوا بالحج. فدخلنا على ابي جعفر (عليه‌السلام) فقلنا له : أصلحك الله انا نريد الحج ونحن قوم صرورة أو كلنا صرورة ، فكيف نصنع؟ فقال : لبوا بالعمرة. فلما خرجنا قدم عبد الملك بن أعين ، فقلت له : ألا تعجب من زرارة؟ قال لنا : لبوا بالحج. وان أبا جعفر (عليه‌السلام) قال لنا : لبوا بالعمرة. فدخل عليه عبد الملك بن أعين ، فقال له : ان أناسا من مواليك أمرهم زرارة ان يلبوا بالحج عنك ، وانهم دخلوا عليك فأمرتهم أن يلبوا بالعمرة. فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) : يريد كل انسان منهم ان يسمع على حده أعدهم علي. فدخلنا ، فقال : لبوا بالحج ، فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لبى بالحج».

أقول : لا يخفى ان الأمر من زرارة لهم بالإهلال بالحج انما كان تقية ، كما هو صريح حديث الكشي المتقدم ، ومراده الإعلان بذلك ظاهرا بين الناس مع إضمار التمتع في أنفسهم ، فلا ينافي أمره (عليه‌السلام) لهم بالعمرة ، ولكنهم لما لم يفهموا ذلك ، وانه يؤدي الى الطعن في زرارة الذي هو من أخص خواصه (عليه‌السلام) أفتاهم

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من الإحرام.


بالتقية وقررهم على الحج بما يحج به العلامة. وغاضة ذلك منهم فقال : «يريد كل انسان منهم ان يسمع على حده».

الخامسة ـ قالوا : إذا نسي بماذا أحرم ، فإن كان أحد النسكين متعينا عليه انصرف ذلك الإحرام إليه. قال في المدارك : وبه قطع العلامة ومن تأخر عنه ، لان الظاهر من حال المكلف انه إنما يأتي بما هو فرضه. قال : وهو حسن ، خصوصا مع العزم المتقدم على الإتيان بذلك الواجب. وان لم يكن أحد النسكين متعينا عليه ، فقيل بالتخيير بين الحج والعمرة. وهو اختيار الشيخ في المبسوط وجمع من الأصحاب ، لأنه لا سبيل الى الحكم بالخروج من الإحرام بعد الحكم بانعقاده ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر. وقال في الخلاف يجعله للعمرة ، لأنه ان كان متمتعا فقد وافق ، وان كان غيره فالعدول منه الى غيره جائز. قال : وإذا أحرم للعمرة لا يمكنه ان يجعلها حجة مع القدرة على الإتيان بأفعال العمرة ، فلهذا قلنا يجعله عمرة على كل حال. واستحسنه العلامة في المنتهى. قال في المدارك بعد نقل ذلك : ولعل التخيير أجود.

أقول : وعندي في جميع شقوق هذه المسألة إشكال ، لعدم الدليل الواضح في هذا المجال. وبناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات لا يخلو من المجازفة في أحكام الملك المتعال ، سيما مع تكاثر الاخبار بالسكوت عن ما لم يرد فيه نص ، وإرجاع الأمر إليهم (صلوات الله عليهم) والوقوف على جادة الاحتياط في كل ما اشتبه حكمه ، كما استفاضت به اخبار التثليث (١).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من صفات القاضي وما يقضي به.


الثاني ـ التلبيات الأربع ، فلا ينعقد الإحرام لمتمتع ولا لمفرد إلا بها. وهو من ما وقع الإجماع عليه نصا وفتوى.

وتحقيق الكلام في هذا المقام يتوقف على رسم مسائل :

الأولى ـ اختلف الأصحاب في اشتراط مقارنة التلبية للنية ، فقال ابن إدريس باشتراط مقارنتها لها كمقارنة التحريمة لنية الصلاة. واليه ذهب الشهيد في اللمعة. ونقل في المسالك عن الشيخ علي انه تبعهما على ذلك. وقال في الدروس : الثالث ـ مقارنة النية للتلبيات ، فلو تقدمن عليها أو تأخرن لم ينعقد. ويظهر من الرواية والفتوى جواز تأخير التلبية عنها.

وقال العلامة في المنتهى : ويستحب لمن حج على طريق المدينة ان يرفع صوته بالتلبية إذا علت راحلته البيداء ان كان راكبا ، وان كان ماشيا فحيث يحرم. وان كان على غير طريق المدينة لبى من موضعه ان شاء ، وان مشى خطوات ثم لبى كان أفضل. ثم ساق جملة من الروايات الدالة على تأخير التلبية إلى البيداء في الإحرام من مسجد الشجرة ، وقال بعدها : إذا ثبت هذا فان المراد بذلك ان الإجهار بالتلبية مستحب من البيداء ، وبينها وبين ذي الحليفة ميل ، وهذا يكون بعد التلبية سرا في الميقات الذي هو ذو الحليفة ، لأن الإحرام لا ينعقد إلا بالتلبية. ولا يجاوز الميقات إلا محرما.

أقول : ظاهره حمل الروايات الدالة على تأخير التلبية إلى البيداء على تأخير الجهر بها ، فيجب عليه الإتيان بها سرا في الميقات بعد عقد نية الإحرام. وهو ظاهر الصدوق في الفقيه (١) حيث أوجب التلبية

__________________

(١) ج ٢ ص ٣١٣ و ٣١٤.


سرا في الميقات ثم الإعلان بها إذا استوت به الأرض ان كان في غير طريق المدينة ، وإلا فإذا بلغ البيداء عند الميل ان كان في طريق المدينة.

ويحكى عن بعض الأصحاب انه جعل التلبية مقارنة لشد الإزار.

وكلام أكثر الأصحاب خال عن اشتراط المقارنة. بل يحكى عن كثير منهم التصريح بعدم الاشتراط.

أقول : والمستفاد من الاخبار على وجه لا يقبل المدافعة والإنكار هو جواز التأخير ، ومنها صحيحة معاوية بن عمار ، وقد تقدمت في صدر المقام الأول من هذا المقصد (١).

وصحيحة عبد الله بن سنان (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يكن يلبي حتى يأتي البيداء».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا بأس ان يصلي الرجل في مسجد الشجرة ويقول الذي يريد ان يقوله ولا يلبي ، ثم يخرج فيصيب من الصيد وغيره ، فليس عليه فيه شي‌ء».

وما رواه الصدوق عن حفص بن البختري ومعاوية بن عمار وعبد الرحمن بن الحجاج والحلبي جميعا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا صليت في مسجد الشجرة فقل ـ وأنت قاعد في دبر الصلاة

__________________

(١) ص ٢٩.

(٢) الوسائل الباب ٣٤ من الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٣٥ و ٤٦ من الإحرام. وظاهر الفقيه ج ٢ ـ


قبل ان تقوم ـ ما يقول المحرم ، ثم قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء ، فإذا استوت بك البيداء فلب. وان أهللت من المسجد الحرام للحج فإن شئت لبيت خلف المقام ، وأفضل ذلك ان تمضي حتى تأتي الرقطاء وتلبي قبل ان تصير الى الأبطح».

وعن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «انه صلى ركعتين وعقد في مسجد الشجرة ثم خرج ، فاتي بخبيص فيه زعفران فأكل ـ قبل ان يلبي ـ منه».

وعن هشام بن الحكم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان أحرمت من غمرة أو بريد البعث صليت وقلت ما يقول المحرم في دبر صلاتك ، وان شئت لبيت من موضعك ، والفضل ان تمشي قليلا ثم تلبي».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) : «في الرجل يقع على اهله بعد ما يعقد الإحرام ولم يلب؟ قال : ليس عليه شي‌ء».

وعن منصور بن حازم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش».

__________________

ص ٢٠٧ ان الحديث ينتهي بقوله (ع) : «فلب» وان ما بعده من كلام الصدوق. ويظهر ذلك ايضا من الوافي باب (وقت التلبية وكيفيتها).

(١) الوسائل الباب ١٤ من الإحرام.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٠٨ ، والوسائل الباب ٣٥ من الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٣٤ من الإحرام.


وعن عبد الله بن سنان (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يكن يلبي حتى يأتي البيداء».

وما رواه الصدوق عن حفص بن البختري في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في من عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على اهله قبل ان يلبى؟ قال : ليس عليه شي‌ء».

وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة ، واخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء إلى أول ميل عن يسارك ، فإذا استوت بك الأرض ـ راكبا كنت أو ماشيا ـ فلب. الحديث».

وعن إسحاق بن عمار في الموثق عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٤) قال : «قلت له : إذا أحرم الرجل في دبر المكتوبة أيلبى حين ينهض به بعيره أو جالسا في دبر الصلاة؟ قال : اي ذلك شاء صنع».

قال الكليني (قدس‌سره) (٥) : وهذا عندي من الأمر المتوسع ، إلا ان الفضل فيه ان يظهر التلبية حيث أظهر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على طرف البيداء. ولا يجوز لأحد ان يجوز ميل البيداء إلا وقد أظهر التلبية. وأول البيداء أول ميل يلقاك عن يسار الطريق. انتهى.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من الإحرام. وقد تقدمت في الصفحة ٤١ برقم (٢).

(٢) الوسائل الباب ١٤ من الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٣٤ من الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٣٥ من الإحرام.

(٥) فروع الكافي ج ٤ ص ٢٣٤.


وروى الشيخ عن زرارة في القوى (١) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : متى ألبي بالحج؟ قال : إذا خرجت إلى منى. ثم قال : إذا جعلت شعب الدب على يمينك والعقبة على يسارك فلب للحج».

ويدل عليه أيضا جملة من الاخبار (٢) زيادة على ما ذكرناه.

وهذه الاخبار كلها مع صحتها واستفاضتها صريحة في جواز التأخير وبذلك يظهر ضعف القول بوجوب المقارنة. على ان ما حملوه عليه ـ من وجوب المقارنة في نية الصلاة ـ لا دليل عليه ، كما تقدم تحقيقه في محله.

بقي الكلام هنا في شيئين أحدهما ـ ظاهر الروايات المتقدمة الدالة على الإحرام من مسجد الشجرة وجوب تأخير التلبية عن موضع عقد الإحرام في المسجد ، لقوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (٣) في صدر البحث : «ثم قم فامش هنيئة فإذا استوت بك الأرض ـ ماشيا كنت أو راكبا ـ فلب». وقوله (عليه‌السلام) في صحيحته الثانية أو حسنته المذكورة هنا : «واخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء». وقوله (عليه‌السلام) في رواية الصدوق عن الفضلاء الأربعة المتقدمين : «ثم قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء ، فإذا استوت بك البيداء فلب». وقوله (عليه‌السلام) في رواية منصور بن حازم : «إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتي البيداء». ويعضد ذلك ظاهر صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة وقوله (عليه‌السلام)

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٦ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ١٤ و ٣٤ و ٣٥ من الإحرام.

(٣) ص ٢٩.


فيها : «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يكن يلبي حتى يأتي البيداء».

إلا انه قد روى ثقة الإسلام في القوي عن عبد الله بن سنان (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى الحج ان يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ فقال : نعم ، انما لبى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على البيداء لان الناس لم يعرفوا التلبية فأحب أن يعلمهم كيف التلبية».

وظاهر كلام ثقة الإسلام المتقدم حمل الروايات الدالة على التأخير على الأفضلية.

والشيخ فرق بين الراكب والماشي ، فجمع بين الاخبار بحمل رواية عبد الله بن سنان المذكورة على الماشي وحمل الروايات المتقدمة على الراكب قال بعد ذكرها : والوجه في هذه الرواية ان من كان ماشيا يستحب له ان يلبى من المسجد ، وان كان راكبا فلا يلبي إلا من البيداء.

واستدل على ذلك بصحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إن كنت ماشيا فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد ، وان كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء».

ورد بان حمل الروايات المتضمنة للأمر بتأخير التلبية إلى البيداء من غير تفصيل على الراكب بعيد جدا.

أقول : ويعضده الأمر بالتلبية للماشي والراكب ـ بعد الخروج عن موضع عقد الإحرام وان تستوي به الأرض ـ في صحيحة معاوية بن

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٥ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٣٤ من الإحرام.


عمار ، وقوله (عليه‌السلام) في رواية الصدوق عن الفضلاء الأربعة (١) «ثم قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء. فلب».

قال في الوافي! ويشبه ان يكون الفرق صدر عن تقية. وظاهره حمل صحيحة عمر بن يزيد على التقية (٢) وهو غير بعيد.

وبالجملة فالاحتياط في الوقوف على الروايات المتقدمة الدالة على التأخير إلى البيداء راكبا كان أو ماشيا. بل لا يبعد المصير اليه لولا ذهاب جملة من فضلاء قدماء الأصحاب إلى التخيير ، كما سمعت من كلام ثقة الإسلام (قدس الله روحه).

فإنه قد روى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن وهب (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التهيؤ للإحرام. فقال : في مسجد الشجرة ، فقد صلى فيه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقد ترى أناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل ، فتحرمون كما أنتم في محاملكم ، تقول : لبيك اللهم لبيك. الحديث».

أقول : وهذا الخبر ظاهر في ان الإحرام عبارة عن التلبية ، كما قدمنا الكلام فيه في مسألة ناسي الإحرام. والمراد بالتهيؤ للإحرام في الخبر هو الصلاة والدعاء عقيبها بما تقدم ، بعد الغسل ولبس ثوبي

__________________

(١) ص ٤١.

(٢) لم نقف بعد التتبع في كتب العامة على التفرقة بين الراكب والماشي بذلك. وقال العيني الحنفي في عمدة القارئ ج ٤ ص ٥١٩ : اختلف العلماء في الموضع الذي أحرم منه النبي (ص) فقال قوم : أهل من مسجد ذي الحليفة وقال آخرون : حين اطل على البيداء ، وقال آخرون : من البيداء.

(٣) الوسائل الباب ٣٤ من الإحرام.


الإحرام. وقوله : «وقد ترى أناسا يحرمون فلا تفعل» يعني : يلبون ويعقدون بالتلبية. فنهاهم عن ذلك حتى يبلغوا البيداء ، وأمرهم بالإحرام في محاملهم ، يعني : التلبية ، كما يشير اليه قوله : «تقول» يعني : تحرم بهذا القول.

والخبر ظاهر في تعيين تأخير التلبية إلى البيداء ، ومعتضد بالأخبار المتقدمة. والظاهر ان هذا حكم مختص بالإحرام من مسجد الشجرة ، فلا تنافيه الأخبار الدالة على التخيير وأفضلية التأخير في غير هذا الميقات وجملة من الأصحاب استندوا في التخيير في هذا الميقات الى التخيير الوارد في غيره من المواقيت. وفيه ما عرفت.

الثاني ـ انه قد تقدم في اخبار المواقيت انه لا يجوز لأحد قاصد النسك ان يتجاوزها إلا محرما ، مع ان هذه الاخبار دلت على تجاوزها الى البيداء ـ وهو على ميل من مسجد الشجرة كما عرفت ـ بغير إحرام ـ لأن الإحرام ـ كما عرفت ـ انما يحصل بالتلبية ، وهي قد دلت على تأخير التلبية إلى البيداء. ومن هنا صرح العلامة (قدس‌سره) في ما قدمنا نقله عنه من المنتهى انه يحرم سرا بعد الصلاة في المسجد ، قاصدا بذلك حمل روايات تأخير التلبية إلى البيداء على تأخير الإجهار بها لا تأخيرها ولو سرا. إلا ان حمل الروايات على ما ذكره بعيد جدا ، ولا سيما صحيحة معاوية بن وهب المذكورة. ولا يحضرني الآن وجه في الخروج عن هذا الإشكال. إلا ان تحمل الأخبار الدالة على النهي عن تجاوز تلك المواقيت إلا محرما على ما هو أعم من الإحرام والتهيؤ له ، فإن إطلاق الإحرام على الصلاة له والدعاء بعدها ـ بعد الغسل ولبس ثوبي الإحرام ونحو ذلك ـ غير بعيد ، بل هو أقرب المجازات ، وان كان


ترتب الكفارات انما يحصل بعد التلبية.

المسألة الثانية ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو كان قارنا تخير في عقد إحرامه بالتلبية وان شاء قلد أو أشعر. ونقل عن المرتضى وابن إدريس (رضى الله عنهما) انه لا ينعقد إحرام الأصناف الثلاثة إلا بالتلبية ، لأن انعقاد الإحرام بالتلبية مجمع عليه ، ولا دليل على انعقاده بهما. وهو ضعيف مردود بالأخبار الصحيحة الصريحة ، وان كان كلامهما (روح الله روحيهما) جيدا على أصلهما الغير الأصيل من عدم الاعتماد على اخبار الآحاد.

والذي يدل على القول المشهور روايات : منها ـ صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية والاشعار والتقليد ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم».

وصحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «من أشعر بدنته فقد أحرم وان لم يتكلم بقليل ولا كثير».

وصحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «تقلدها نعلا خلقا قد صليت فيها. والأشعار والتقليد بمنزلة التلبية».

وفي حديث طويل برواية الشيخ (٤) عن صفوان في الصحيح ـ عن معاوية بن عمار وغير معاوية ممن روى صفوان عنه الأحاديث المتقدمة المذكورة ، وقال ـ يعني : صفوان ـ هي عندنا مستفيضة ـ عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام). الى ان قال : «لانه قد يوجب الإحرام

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج.

(٤) الوسائل الباب ١٤ من الإحرام.


أشياء ثلاثة : الاشعار والتلبية والتقليد ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم».

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي ـ بإسنادين ، أحدهما صحيح عندي حسن على المشهور بإبراهيم ـ عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في قول الله عزوجل (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) (٢) والفرض : التلبية والاشعار والتقليد ، فأي ذلك فعل فقد فرض الحج. ولا يفرض الحج إلا في هذه الشهور. الحديث».

وعن جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا كانت البدن كثيرة قام في ما بين ثنتين ثم أشعر اليمنى ثم اليسرى.

ولا يشعر ابدا حتى يتهيأ للإحرام ، لأنه إذا أشعر وقلد وجلل وجب عليه الإحرام. وهي بمنزلة التلبية».

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الأشعار ـ على ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ ان يشق سنام البعير من الجانب الأيمن ، ويلطخ صفحته بدم إشعاره. والاخبار لا تساعد على ما ذكروه من اللطخ ، وانما اشتملت على شق سنامها من الجانب الأيمن :

ففي صحيحة الحلبي المتقدمة في المقدمة الرابعة في أنواع الحج في مسألة القارن (٤) : «والاشعار أن يطعن في سنامها بحديدة حتى يدميها».

وروى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٥) قال : «سألت

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من أقسام الحج.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٧.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج.

(٤) ج ١٤ ص ٣٧٠ ، والوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج.


أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن البدنة كيف يشعرها؟ قال : يشعرها وهي باركة ، وينحرها وهي قائمة ، ويشعرها من جانبها الأيمن ، ثم يحرم إذا قلدت وأشعرت».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح (١) قال : «البدنة يشعرها من جانبها الأيمن ، ثم يقلدها بنعل قد صلى فيها».

وروى ثقة الإسلام في الموثق عن يونس بن يعقوب (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : اني قد اشتريت بدنة فكيف اصنع بها؟ فقال : انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة ، فأفض عليك من الماء ، والبس ثوبيك ، ثم أنخها مستقبل القبلة ، ثم ادخل المسجد فصل ، ثم افرض بعد صلاتك ، ثم اخرج إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها ثم قل : بسم الله ، اللهم منك ولك ، اللهم فتقبل مني. ثم انطلق حتى تأتي البيداء فلبه».

وعن عبد الرحمن بن ابي عبد الله وزرارة (٣) قالا : «سألنا أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن البدن كيف تشعر؟ ومتى يحرم صاحبها؟ ومن اي جانب تشعر؟ ومعقولة تنحر أو باركة؟ فقال : تشعر معقولة ، وتشعر من الجانب الأيمن».

وعن معاوية بن عمار في الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «البدن تشعر من الجانب الأيمن ، ويقوم الرجل في الجانب الأيسر ، ثم يقلدها بنعل خلق قد صلى فيها».

وروى الصدوق عن ابي الصباح الكناني (٥) قال : «سألت

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج.

(٥) الفقيه ج ٢ ص ٢٠٩ ، والوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج.


أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن البدن كيف تشعر؟ قال : تشعر وهي باركة من شق سنامها الأيمن ، وتنحر وهي قائمة من قبل الأيمن». الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة.

وينبغي التنبيه على فوائد

الأولى : ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) ودلت عليه الاخبار المتقدمة ـ من استحباب الاشعار من الجانب الأيمن من سنام البدنة ـ مخصوص بغير البدن الكثيرة ، فإنه يدخل بينها ويشعرها يمينا وشمالا.

ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز بن عبد الله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا كانت بدن كثيرة فأردت أن تشعرها ، دخل الرجل بين كل بدنتين ، فيشعر هذه من الشق الأيمن ويشعر هذه من الشق الأيسر ، ولا يشعرها ابدا حتى يتهيأ للإحرام ، فإنه إذا أشعرها وقلدها وجب عليه الإحرام. وهو بمنزلة التلبية». ونحوها رواية جميل المتقدمة.

الثانية : قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان الإشعار مختص بالإبل ، والتقليد مشترك بينها وبين البقر والغنم.

وعلل بضعف البقر والغنم عن الاشعار. وبما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «كان الناس يقلدون الغنم والبقر ، وإنما تركه الناس حديثا ، ويقلدون بخيط أو يسير».

أقول : وهذه الرواية ـ كما ترى ـ لا صراحة فيها بل ولا ظاهرية في ما ادعوه ان لم تكن بالدلالة على خلافه أشبه ، إذ غاية ما تدل عليه

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج.


نقله (عليه‌السلام) عن الناس انهم كان يفعلون ذلك. وهذا اللفظ إنما يطلق غالبا على المخالفين. ومع تسليم إرادة الشيعة فلا دلالة فيه ايضا. ومن المقرر في كلامهم ان الدليل الواضح والحجة الشرعية انما هي قول الامام (عليه‌السلام) الذي هو عبارة عن امره ونهيه ونحوهما ، أو فعله ، أو تقريره ، واما مجرد حكاية ذلك عن الناس ـ أي أناس كانوا ـ فلا دليل فيه. إلا ان الظاهر ان الحكم المذكور متفق عليه بينهم لا اعلم فيه مخالفا.

والأظهر الاستدلال عليه بما رواه العياشي في تفسيره (١) عن عبد الله بن فرقد عن ابي جعفر (عليه‌السلام) قال : «الهدي من الإبل والبقر والغنم ، ولا يجب حتى يعلق عليه ، يعني : إذا قلده فقد وجب. وقال : وما استيسر من الهدي : شاة». والظاهر ان قوله «يعني : إذا قلده» من كلام الراوي تفسيرا لقوله : «حتى يعلق عليه».

الثالثة ـ قد ذكروا (رضوان الله عليهم) ايضا ان التقليد الذي هو أحد الثلاثة الموجبة للإحرام ، اما ان يكون بان يعلق في عنق هديه نعلا قد صلى فيها ـ وهذا هو الذي اشتملت عليه الاخبار الكثيرة المتقدمة وغيرها ـ أو بان يربط في عنقه خيطا أو سيرا. ولم نجده إلا في رواية زرارة المذكورة ، وظاهرها اختصاص ذلك بالغنم والبقر ، فان التقليد المذكور في روايات الإبل إنما هو بالنعل. ولم يرد في شي‌ء منها على كثرتها ذكر الخيط والسير ، وإنما ذكر في هذه الرواية المشتملة على تقليد الغنم والبقر. والوقوف على ظاهر الاخبار يقتضي اختصاص النعل بالإبل ، والخيط والسير بالبقر والغنم.

__________________

(١) ج ١ ص ٨٨ ، ومستدرك الوسائل الباب ٦ و ٨ من الذبح.


الرابعة : قال المحقق في الشرائع ـ بعد ان ذكر ان القارن بالخيار ان شاء عقد إحرامه بالتلبية وان شاء قلد أو أشعر ـ : وبأيهما بدأ كان الآخر مستحبا. قال في المسالك : المراد انه ان بدأ بالتلبية كان الإشعار أو التقليد مستحبا ، وان بدأ بأحدهما كانت التلبية مستحبة. ففي إطلاق أن البدأة بأحد الثلاثة توجب استحباب الآخر إجمال. انتهى. وقال سبطه السيد في المدارك بعد نقل كلامه : ولم أقف على رواية تتضمن ذلك صريحا. ولعل إطلاق الأمر بكل من الثلاثة كاف في ذلك.

أقول : لا يخفى عليك ان بعض الاخبار المتقدمة في بيان معنى الاشعار ـ مثل صحيحة معاوية بن عمار المنقولة وحسنته ـ قد اشتملت على تعليق النعل بعد الاشعار.

ونحوهما رواية الفضيل بن يسار (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل أحرم من الوقت ومضى ، ثم انه اشترى بدنة بعد ذلك بيوم أو يومين ، فأشعرها وقلدها وساقها؟ فقال : ان كان ابتاعها قبل ان يدخل الحرم فلا بأس. قلت : فإنه اشتراها قبل ان ينتهي إلى الوقت الذي يحرم منه فأشعرها وقلدها ، أيجب عليه حين فعل ذلك ما يجب على المحرم؟ قال : لا ، ولكن إذا انتهى الى الوقت فليحرم ثم يشعرها ويقلدها ، فان تقليده الأول ليس بشي‌ء».

ورواية السكوني عن جعفر (عليه‌السلام) (٢) «انه سئل ما بال البدنة تقلد النعل وتشعر؟ فقال : اما النعل فتعرف انها بدنة ويعرفها صاحبها

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج ، والباب ٣٤ من الذبح.


بنعله. واما الاشعار فإنه يحرم ظهرها على صاحبها من حيث أشعرها فلا يستطيع الشيطان ان يتسنمها».

وموثقة يونس بن يعقوب (١) قد اشتملت على التلبية بعد الاشعار ، والروايتان الأوليان ظاهرتان في استحباب التقليد بعد الاشعار ، وروايتا الفضيل والسكوني شاملتان بإطلاقهما لاستحباب الاشعار بعد التقليد ، والرواية الخامسة ظاهرة في استحباب التلبية بعد الاشعار. واما ما يدل على استحباب الاشعار والتقليد بعد التلبية فيظهر ايضا من صدر رواية الفضيل ، حيث انه (عليه‌السلام) حكم بصحة الاشعار والتقليد ، وانه يكون بذلك قارنا متى فعل ذلك قبل دخول الحرم. وبذلك يظهر لك ما في كلام الفاضلين المتقدمين (قدس الله روحيهما).

المسألة الثالثة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في كيفية التلبيات الأربع بعد الاتفاق على ان الواجب هو اربع منها لا غير :

قال الشيخ في النهاية والمبسوط : التلبيات الأربع فريضة ، وهي : «لبيك اللهم لبيك ، لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك» وبه قال أبو الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس ونقله في المدارك عن أكثر المتأخرين.

وقال الشيخ في الاقتصاد : ثم يلبي فرضا واجبا فيقول : «لبيك اللهم لبيك ، لبيك ، ان الحمد والنعمة والملك لك (٢) لا شريك لك لبيك».

__________________

(١) ص ٥٠.

(٢) هذا القول يختلف عن القول الأول في تقديم كلمة «لك» وتأخيرها ، لأنها في القول الأول مقدمة على كلمة «والملك» وفي هذا


وقال المفيد : «لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» (١) وكذا قال علي بن بابويه في رسالته ، وابنه أبو جعفر في مقنعة وهدايته ، وهو قول ابن ابي عقيل وابن الجنيد وسلار.

وقال السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) : «لبيك اللهم لبيك ، لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، لبيك».

هذا ما نقله في المختلف من الأقوال في المسألة.

وقال المحقق في الشرائع : وصورتها ان يقول : «لبيك اللهم لبيك

__________________

القول مؤخرة عنه ، كما ورد في المختلف ج ١ ص ٩٥. وقد اتفقت النسخة المطبوعة والمخطوطة على تقديم كلمة «لك» في هذا القول كما في القول الأول ، وعليه فلا يبقى فرق بين القولين بمقدار ما نقله المصنف (قدس‌سره) وان كان يفترق القول الثاني عن القول الأول بفقرة لم ينقلها (قدس‌سره) وهي قوله في آخرها : «بحجة وعمرة ـ أو حجة مفردة ـ تمامها عليك لبيك» وعليه تكون التلبيات خمسا.

(١) الكيفية المنقولة عن الشيخ المفيد (قدس‌سره) تنتهي إلى هنا كما يظهر بمراجعة المقنعة ص ٦٢ ، والجواهر ج ١٨ ص ٢٢٨ و ٢٢٩ ، وكما يأتي من المصنف (قدس‌سره) ص ٥٩ ، حيث انه ـ بعد ان يذكر حديث الخصال المتضمن للتلبيات الأربع بالكيفية المذكورة ـ يقول : «أقول : ومن هذه الرواية يعلم مستند الشيخ المفيد وابني بابويه ومن تبعهم» فما ورد في المختلف ج ٢ ص ٩٥ ـ من ذكر كلمة «لبيك» في آخر الكيفية المنسوبة إلى الشيخ المفيد ، وورد أيضا في نسخ الحدائق المطبوعة والمخطوطة ـ الظاهر انه زيادة من قلم الناسخ.


لبيك لا شريك لك لبيك» واختار هذا القول العلامة في المختلف واليه يميل كلامه في المنتهى ، واختاره جملة من المتأخرين ومتأخريهم : منهم ـ السيد السند في المدارك ، وجده في المسالك ، والفاضل الخراساني في الذخيرة.

واما الروايات الواردة في المسألة فمنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد ، فقم وامش هنيئة ، فإذا استوت بك الأرض ـ ماشيا كنت أو راكبا ـ فلب. والتلبية ان تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك له لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك ، لبيك ذا المعارج لبيك ، لبيك داعيا الى دار السلام لبيك ، لبيك غفار الذنوب لبيك ، لبيك أهل التلبية لبيك ، لبيك

__________________

(١) هذا الحديث رواه الكليني في فروع الكافي ج ٤ ص ٣٣٥ ، وأول الحديث هكذا : التلبية : لبيك اللهم لبيك. الى آخر ما أورده المصنف (قدس‌سره) ورواه الشيخ عن الكليني بهذا اللفظ في التهذيب ج ٥ ص ٢٨٤. ورواه بطريق آخر أيضا في التهذيب ج ٥ ص ٩١ ، وأول الحديث هو قوله (عليه‌السلام) : «إذا فرغت من صلاتك. الى آخر ما أورده (قدس‌سره) في الكتاب مع الزيادة التي يذكرها بعد ذلك. وهو المقصود بقوله (قدس‌سره) : «ورواه الشيخ ايضا بطريق آخر صحيح» والطريق الأول للشيخ هو طريق الكليني ، إلا ان لفظ الحديث الوارد من هذا الطريق يبتدئ ببيان كيفية التلبية كما تقدم ، وقوله : «إذا فرغت. الى قوله : فلب» يختص بالطريق الآخر للشيخ. وبين اللفظين من الطريقين اختلاف بسيط غير ما ذكرناه يظهر بالمراجعة. وأورد الحديث في الوسائل في الباب ٤٠ من الإحرام.


ذا الجلال والإكرام لبيك ، لبيك مرهوبا ومرغوبا إليك لبيك ، لبيك تبدئ والمعاد إليك لبيك ، لبيك كشاف الكرب العظام لبيك ، لبيك عبدك وابن عبديك لبيك ، لبيك يا كريم لبيك. تقول ذلك في دبر كل صلاة مكتوبة أو نافلة ، وحين ينهض بك بعيرك ، وإذا علوت شرفا ، أو هبطت واديا ، أو لقيت راكبا ، أو استيقظت من منامك وبالأسحار. وأكثر ما استطعت منها. واجهر بها. وان تركت بعض التلبية فلا يضرك ، غير ان تمامها أفضل. واعلم انه لا بد من التلبيات الأربع التي في أول الكلام ، وهي الفريضة ، وهي التوحيد ، وبها لبى المرسلون. وأكثر من «ذي المعارج» فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) كان يكثر منها».

أقول : وبهذا الخبر استدل المحقق ومن تبعه وعليه اعتمدوا ، قال في المختلف : وهو أصح حديث رأيناه في هذا الباب.

أقول : ورواه الشيخ ايضا بطريق آخر صحيح (١) وزاد بعد قوله : «لبيك تبدئ والمعاد إليك لبيك» : «لبيك تستغني ويفتقر إليك لبيك ، لبيك إله الحق لبيك ، لبيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل لبيك» ثم ساق الحديث الى قوله : «وهي الفريضة».

ومنها ـ صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لما لبى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٤٠ من الإحرام. وفي آخره هكذا : «وفي ادبار الصلوات».


لبيك ذا المعارج لبيك. وكان (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يكثر من «ذي المعارج» وكان يلبي كلما لقي راكبا ، أو علا اكمة ، أو هبط واديا ، ومن آخر الليل».

وصحيحة معاوية بن وهب المتقدمة في المسألة الاولى (١) وفيها : «تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، لبيك بمتعة بعمرة إلى الحج».

وروى ثقة الإسلام في الكافي عن عبد الله بن سنان في الصحيح (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ذكر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الحج فكتب الى من بلغه كتابه ممن دخل في الإسلام : ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يريد الحج ، يؤذنهم بذلك ليحج من أطاق الحج ، فاقبل الناس ، فلما نزل الشجرة أمر الناس بنتف الإبط ، وحلق العانة ، والغسل ، والتجرد في إزار ورداء ، أو إزار وعمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء. وذكر انه حيث لبى قال : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. الحديث».

وروى في الفقيه مرسلا (٣) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) جاء جبرئيل (عليه‌السلام) الى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال له : ان التلبية شعار المحرم فارفع صوتك بالتلبية : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك».

وروى الصدوق في الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٨٤ ، والوسائل الباب ٤٠ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

(٣) الوسائل الباب ٣٧ من الإحرام.


(عليهما‌السلام) في حديث شرائع الدين (١) قال : «والتلبيات الأربع وهي : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك».

أقول : ومن هذه الرواية يعلم مستند الشيخ المفيد وابني بابويه ومن تبعهم. واما ما عدا هذين القولين فلم نقف له على دليل.

ومن اخبار المسألة أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا أحرمت من مسجد الشجرة ، فإن كنت ماشيا لبيت من مكانك من المسجد ، تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، لبيك ذا المعارج لبيك لبيك بحجة تمامها عليك. واجهر بها كلما ركبت ، وكلما نزلت ، وكلما هبطت واديا ، أو علوت اكمة ، أو لقيت راكبا ، وبالأسحار».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٣) : ثم تلبي سرا بالتلبية الأربعة وهي المفترضات ، تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. هذه الأربعة مفروضات وتقول : لبيك ذا المعارج لبيك ، لبيك تبدئ وتعيد والمعاد إليك لبيك ، لبيك داعيا الى دار السلام لبيك ، لبيك كشاف الكرب العظام لبيك ، لبيك يا كريم لبيك ، لبيك عبدك وابن عبدك بين يديك لبيك لبيك أتقرب إليك بمحمد وآل محمد لبيك. وأكثر من «ذي المعارج». انتهى.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

(٢) الوسائل الباب ٤٠ من الإحرام.

(٣) ص ٢٧.


أقول : والقول الفصل في هذه الاخبار انه لما دلت صحيحة معاوية ابن عمار المتقدمة في صدر هذه الروايات على ان الفرض الواجب إنما هو التلبيات الأربع التي في صدر الكلام وانه لا يضر ترك غيرها فلا بد من تخصيص باقي الاخبار بها ، بحمل ما زاد على الأربع : «ان الحمد والنعمة لك. الى آخره» في هذه الاخبار على الاستحباب جمعا بين الاخبار. إلا انه يمكن ان يقال : ان هذه الزيادة حيث لم تكن مشتملة على تلبية فلا منافاة في دخولها تحت إطلاق العبارة المذكورة ويؤيده عبارة كتاب الفقه الرضوي التي هي معتمد الصدوقين في ما حكما به من دخول هذه الزيادة ، كما عرفته في غير موضع من ما تقدم ، فإنه ذكر التلبيات الأربع المفروضة بإضافة الزيادة المذكورة ، وأكد ذلك بقوله أخيرا : «هذه الأربعة مفروضات» ثم ذكر التلبيات المستحبة. لكن يمكن تأييد الاستحباب ايضا بخلو صحيحة عمر بن يزيد عن هذه الزيادة. وبالجملة فالاحتياط بهذه الزيادة متعين (١) فان الحكم عندي لا يخلو من اشتباه.

ثم ان من العجب العجاب اشتهار القول بما ذهب اليه الشيخ في النهاية والمبسوط بين أكثر متأخري الأصحاب حتى قال شيخنا الشهيد في الدروس : الرابع ـ التلبيات الأربع ، وأتمها : «لبيك اللهم لبيك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك» ويجزئ : «لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك» وان أضاف الى هذا : «ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» كان حسنا. انتهى. والحال انه لا مستند لهذا القول بالكلية ولا دليل عليه بالمرة ، وهذه

__________________

(١) أوردنا العبارة كما جاءت في النسخة المخطوطة.


جملة أخبار المسألة التي قدمناها عارية عنه.

وتمام القول في المسألة يتوقف على بيان أمور :

الأول ـ المشهور بين الأصحاب استحباب الجهر بالتلبية ، وبذلك صرح ابن إدريس ، فقال : والجهر بها على الرجال مندوب على الأظهر من أقوال أصحابنا. وقال بعضهم : الجهر بها واجب. ونقل في المختلف عن علي بن بابويه انه قال : ثم يلبى سرا بالتلبية الأربعة المفروضة. أقول : وهذه عين عبارة كتاب الفقه المتقدمة ، إلا انه لم يذكر تمامها وإنما ذكر ما يتعلق بالمسألة المذكورة. وقال الشيخ في التهذيب : الإجهار بالتلبية واجب مع القدرة والإمكان. وقال في الخلاف : التلبية فريضة ، ورفع الصوت بها سنة.

أقول : لا يخفى ان الاخبار بالنسبة الى هذه المسألة ما بين مطلق وبين مصرح بالجهر ، ولم أقف على ما يتضمن الأسرار إلا في عبارة كتاب الفقه المتقدمة.

ففي صحيحة حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) وجماعة من أصحابنا ممن روى عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام) (١) انهما قالا : «لما أحرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أتاه جبرئيل (عليه‌السلام) فقال له : مر أصحابك بالعج والثج ـ فالعج رفع الصوت والثج نحر البدن ـ قالا : فقال جابر بن عبد الله : فما مشى الروحاء حتى بحت أصواتنا». والخبر المذكور مروي بطرق عديدة (٢). والظاهر ان

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٩٢ ، والوسائل الباب ٣٧ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٣٧ من الإحرام.


تفسير العج والثج من بعض الرواة. ويحتمل ان يكون منهما (عليهما‌السلام).

وفي صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة في المسألة الاولى (١) : «ان كنت ماشيا فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد ، وان كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء».

وأنت خبير بان حمل الاخبار مطلقها على مقيدها يقتضي وجوب الإجهار.

والعلامة في المختلف لما اختار الاستحباب قال : لنا ـ الأصل عدم الوجوب. ثم قال : ويدل على الأرجحية ما رواه حريز بن عبد الله. وساق الرواية المتقدمة. ثم قال : احتج الموجبون بان الأمر ورد بالجهر ، والأمر للوجوب. والجواب : المنع من الكبرى. انتهى. ولا يخفى ما فيه مع تصريحه في كتبه الأصولية بان الأمر حقيقة في الوجوب ، ولا سيما أوامر الله (عزوجل) كما هو ظاهر حديث حريز. وهذا موجب للخروج عن حكم الأصل ، كما لا يخفى.

وظاهر الأصحاب ان هذا الحكم مختص بالحج من ميقات ذي الحليفة كما هو مورد الروايتين المذكورتين ، وكذا بالإحرام بالحج من مكة فإنه يرفع صورته بالتلبية إذا أشرف على الأبطح ، كما تضمنته صحيحة معاوية بن عمار (٢) وفيها : «فأحرم بالحج ، ثم امض وعليك السكينة

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ١٦٧ ، والفروع ج ٤ ص ٤٥٤ ، والوسائل الباب ٥٢ من الإحرام ، والباب ١ من إحرام الحج. والحديث ينتهي بقوله : «حتى تأتي منى» فكلمة «. الحديث» ربما تكون زيادة من الناسخ.


والوقار ، فإذا انتهيت الى الرقطاء دون الردم فلب ، وإذا انتهيت الى الردم وأشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى. الحديث».

ومقتضاه تأخير التلبية عن موضع الإحرام الى أن ينتهي إلى الرقطاء دون الردم ، فيلبي ثم يرفع صوته بها إذا أشرف على الأبطح.

وإطلاقها يدل على عدم الفرق بين الراكب والماشي ، إلا ان الشيخ في التهذيب ذكر ان الماشي يلبي من موضع إحرامه الذي يصلي فيه والراكب يلبى عند الرقطاء أو عند شعب الدب ، ولا يجهر بالتلبية إلا عند الاشراف على الأبطح.

واستدل على ذلك برواية عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة ثم صل ركعتين خلف المقام ، ثم أهل بالحج ، فان كنت ماشيا فلب عند المقام ، وان كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك». وهي ـ كما ترى ـ غير دالة على ما ادعاه.

وبالجملة فالظاهر هو جواز التلبية من المسجد للماشي والراكب ، وان كان الأفضل تأخير التلبية إلى الموضع المذكور في صحيحة معاوية ابن عمار المتقدمة ، والرفع بها الى الموضع الآخر.

ومن ما يدل على ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن حفص بن البختري ومعاوية بن عمار وعبد الرحمن بن الحجاج والحلبي جميعا عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «وان أهللت من المسجد

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٦ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٤٦ من الإحرام. وقد ذكرنا في التعليقة ٤ ص ٤١ و ٤٢ ما يتعلق بالمورد ، فراجع.


الحرام للحج فإن شئت لبيت خلف المقام ، وأفضل ذلك ان تمضي حتى تأتي الرقطاء وتلبي قبل ان تصير الى الأبطح».

ثم انه ينبغي ان يعلم ان استحباب الجهر بالتلبية أو وجوبه على القول به انما هو للرجال خاصة دون النساء :

لما رواه الشيخ عن فضالة بن أيوب عن من حدثه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ان الله وضع عن النساء أربعا : الجهر بالتلبية ، والسعي بين الصفا والمروة ، ودخول الكعبة ، والاستلام».

وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ليس على النساء جهر بالتلبية».

الثاني ـ المشهور ان إحرام الأخرس ان يحرك بالتلبية لسانه ، ويعقد بها قلبه. وأضاف في المنتهى والدروس : الإشارة باليد. ونقل عن ابن الجنيد انه يلبى عنه غيره ، وعبارته التي نقلها عنه في المختلف هكذا : والأخرس يجزئه تحريك لسانه مع عقده إياها بقلبه. ثم قال : ويلبي عن الصبي والأخرس وعن المغمى عليه. قال في المختلف : وهذا الكلام يشعر بعدم وجوب التلبية عليه وانه تجزئه النيابة.

أقول : والذي وقفت عليه من ما يتعلق بهذه المسألة من الاخبار رواية السكوني عن جعفر (عليه‌السلام) (٣) «ان عليا (عليه‌السلام) قال : تلبية الأخرس وتشهده وقراءته للقرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٨ من الإحرام.

(٣) فروع الكافي ج ٣ ص ٣١٥ وج ٤ ص ٣٣٥ ، والوسائل الباب ٥٩ من القراءة في الصلاة ، والباب ٣٩ من الإحرام.


ويمكن ان يستدل لما ذكره ابن الجنيد بما رواه في الكافي عن زرارة (١) : «ان رجلا قدم حاجا لا يحسن ان يلبى ، فاستفتي له أبو عبد الله (عليه‌السلام) فأمر ان يلبى عنه».

ولا ريب ان طريق الاحتياط الجمع بين الأمرين ، ليحصل يقين براءة الذمة من التكليف المعلوم ثبوته.

والظاهر ان مراد الأصحاب بعقد القلب بها ـ يعني : تصورها إجمالا ـ الكناية عن النية والقصد إلى التلبية.

الثالث ـ قال العلامة في المختلف : لا خلاف عندنا في وجوب التلبيات الأربع ، ولكن الخلاف في انها ركن أم لا ، فللشيخ قولان : أحدهما انها ليست ركنا ، ذهب إليه في المبسوط والجمل ، وقال في النهاية : «من ترك التلبية متعمدا فلا حج له» فجعلها ركنا. وبالأول قال السيد المرتضى وابن حمزة وابن البراج ، وبالثاني قال سلار وابن إدريس وأبو الصلاح. والأقرب الأول ، لنا. انه مع الإخلال بالتلبية لم يأت بالمأمور به على وجهه فيبقى في عهدة التكليف. ولانه ذكر واجب في عبادة افتتحت به فكان ركنا ، كالتكبير في الصلاة. ولما رواه معاوية ابن عمار في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة ـ يعني : التلبيات والاشعار والتقليد ـ فقد أحرم». وتعليق الحكم على الوصف يقتضي عدمه عند عدمه. والإخلال بالإحرام عمدا مبطل إجماعا. احتج الآخرون بأن الأصل صحة الحج. والجواب : المنع لانه لم يأت بالمأمور به على وجهه. انتهى.

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٥٠٤ ، والوسائل الباب ٣٩ من الإحرام ، والباب ١١ من الحلق والتقصير.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج.


أقول : المراد بالركن عند الأصحاب (رضوان الله عليهم) في باب الحج هو ما يكون تركه مبطلا عمدا لا سهوا ، وبالواجب ما يكون تركه عمدا موجبا للإثم دون الابطال. واستثنى من الركن على هذا التعريف الوقوفان ، فان تركهما مبطل وان كان سهوا.

ثم ان استدلال العلامة (قدس‌سره) هنا على الابطال بغير الرواية لا يخلو من نظر : اما الدليل الأول فإنه جار في الواجب ، وهو لا يقول به. واما الثاني فإنه محض قياس على تكبيرة الإحرام كما لا يخفى.

ويمكن المناقشة أيضا في الرواية المذكورة ونحوها بأن غاية ما يدل عليه مفهوم الشرط هو عدم الإحرام ، والخصم لا ينكر ذلك ، والمدعى بطلان الحج ، لأنه قائل بصحة الحج مع ترك الإحرام عمدا ، فإلزامه بما دلت عليه الرواية من بطلان الإحرام لا معنى له. وانما المنافي لما ذكره ما يدل على بطلان الحج بذلك. فالواجب هو الإتيان بدليل يدل على بطلان الحج بترك الإحرام متعمدا. ودعوى الإجماع ـ بقوله : «والإخلال بالإحرام عمدا مبطل إجماعا» ـ ينافي ما نقله عن الجماعة المتقدمين القائلين بأنه واجب وليس بركن. والواجب ـ كما عرفت ـ عندهم هو ما لا يبطل الحج بتركه ولو عمدا وانما غايته الإثم. وسيأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ مزيد تحقيق للمسألة.

الرابع ـ قال ابن الأثير في النهاية : «لبيك اللهم لبيك» هو من التلبية ، وهي إجابة المنادي ، أي إجابتي لك يا رب. وهو مأخوذ من «لب بالمكان وألب» إذا أقام به ، و «ألب على كذا» إذا لم يفارقه ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير ، أي إجابة بعد اجابة وهو منصوب على المصدر بعامل لا يظهر ، كأنك قلت : «ألب إلبابا


بعد الباب». والتلبية من «لبيك» كالتهليل من «لا إله إلا الله» وقيل : معناه : اتجاهي وقصدي يا رب إليك ، من قولهم : «داري تلب دارك» اي تواجهها. وقيل : معناه : إخلاصي لك ، من قولهم : «حسب لباب» إذا كان خالصا محضا. ومنه لب الطعام ولبابه. وقال في القاموس نحو ذلك. وعن الجوهري انه كان حقه ان يقال : «لبالك» وثنى على معنى التأكيد ، اي إلبابا لك بعد الباب ، واقامة بعد اقامة. وقيل : أي إجابة لك يا رب بعد اجابة. وفي كتاب المصباح المنير : أصل «لبيك» لبين لك ، فحذفت النون للإضافة ، قال : وعن يونس انه غير مثنى بل اسم مفرد يتصل بالضمير بمنزلة «على» و «لدى» إذا اتصل به الضمير. وأنكره سيبويه وقال : لو كان مثل «على» و «لدى» لثبتت الياء مع الضمير وبقيت الالف مع الظاهر. وحكى من كلامهم «لبى زيد» بالياء مع الإضافة إلى الظاهر ، فثبوت الياء مع الإضافة إلى الظاهر يدل على انه ليس مثل «على» و «لدى» انتهى قال في المجمع : ولبأت بالحج تلبية. أصله «لبيت» بغير همز قال الجوهري : قال الفراء : ربما خرجت بهم فصاحتهم الى ان يهمزوا ما ليس بمهموز.

ثم انه قد صرح بعضهم بأنه يجوز فتح الهمزة وكسرها من قوله : «ان الحمد والنعمة. الى آخره» وحكى العلامة في المنتهى عن بعض أهل العربية انه من قال «ان» بفتحها فقد خص ، ومن قال بالكسر فقد عم. ووجهه ظاهر ، فان الكسر يقتضي تعميم التلبية وإنشاء الحمد مطلقا ، والفتح يقتضي تخصيص التلبية ، أي لبيك بسبب ان الحمد لك.


الخامس ـ روى الصدوق في كتاب العلل (١) في الصحيح عن عبيد الله ابن علي الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته : لم جعلت التلبية؟ فقال : ان الله (عزوجل) اوحى الى إبراهيم (عليه‌السلام) (وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً) (٢) فنادى فأجيب من كل فج يلبون».

وروى في كتاب من لا يحضره الفقيه (٣) حديثا طويلا يتضمن مناجاة الله (عزوجل) لموسى (عليه‌السلام) قال في آخره : فقال الله (عزوجل) : يا موسى اما علمت ان فضل امة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على جميع الأمم كفضله على جميع الخلق. فقال موسى (عليه‌السلام) : يا رب ليتني كنت أراهم. فأوحى الله (جل جلاله) اليه يا موسى انك لن تراهم فليس هذا أو ان ظهورهم ، ولكن سوف تراهم في جنات عدن والفردوس بحضرة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في نعيمها يتقلبون وفي خيراتها يتنعمون ، أفتحب أن أسمعك كلامهم؟ فقال : نعم يا إلهي. قال الله (عزوجل) : قم بين يدي واشدد مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل. ففعل ذلك موسى (عليه‌السلام) فنادى ربنا (عزوجل) : يا امة محمد. فأجابوه كلهم ـ وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم ـ : «لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، لبيك» قال : فجعل الله (عزوجل) تلك الإجابة شعار الحج.

أقول : وفي هذا الخبر ما يؤيد ما قدمناه من دخول «ان الحمد.

__________________

(١) ص ٤١٦ ، والوسائل الباب ٣٦ من الإحرام.

(٢) سورة الحج ، الآية ٢٧.

(٣) ج ٢ ص ٢١١ و ٢١٢ ، والوسائل الباب ٤٠ من الإحرام.


الى آخره» في التلبية الواجبة.

وفي آخر صحيحة معاوية بن عمار المتقدم ذكرها (١) : «وأول من لبى إبراهيم (عليه‌السلام) قال : ان الله (عزوجل) يدعوكم الى ان تحجوا بيته ، فأجابوه بالتلبية ، فلم يبق أحد أخذ ميثاقه بالموافاة في ظهر رجل ولا بطن امرأة إلا أجاب بالتلبية».

فائدة

روى الصدوق في من لا يحضره الفقيه (٢) قال : «روى ان إبراهيم (عليه‌السلام) لما قضى مناسكه. ثم ساق الخبر الى ان قال : فلما هم ببنائه قعد على كل ركن ثم نادى : «هلم الى الحج» فلو ناداهم «هلموا الى الحج» لم يحج إلا من كان يومئذ إنسيا مخلوقا ، ولكنه نادى : «هلم الى الحج» فلبى الناس في أصلاب الرجال وأرحام النساء : «لبيك داعي الله لبيك داعي الله» فمن لبى مرة حج حجة ، ومن لبى عشرا حج عشر حجج ، ومن لم يلب لم يحج. الحديث».

قال المحقق الكاشاني في الوافي : بيان : «هلم الى الحج» نادى جنس الانس بلفظ المفرد ، ولذا عم نداوة الموجودين والمعدومين ، ولو نادى الافراد بلفظ الجمع لم يشمل المعدومين بل اختص بالموجودين ، وذلك لان حقيقة الإنسان موجودة بوجود فرد ما وتشمل جميع الافراد وجدت أو لم توجد. واما الفرد الخاص منه فلا يصير فردا خاصا

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من الإحرام.

(٢) ج ٢ ص ١٤٩ و ١٥٠ ، والباب ١ من وجوب الحج وشرائطه ، والباب ١١ من مقدمات الطواف وما يتبعها ، والوافي باب (حج إبراهيم وإسماعيل).


جزئيا منه ما لم يوجد. وهذا من لطائف المعاني نطق به الامام لمن وفق لفهمه. انتهى.

وقال الفاضل المحدث السيد نعمة الله الجزائري : الوجه ان المقام ظاهرا يقتضي صيغة الجمع ، فالعدول عنه الى الافراد لا بد له من نكتة وعلة تناسبه ، وليست إلا إرادة استغراق جميع الافراد من شهد ومن غاب ، على ان أهل البلاغة ذكروا ان استغراق الفرد أشمل من استغراق الجمع ، ونص عليه العلامة الزمخشري في مواضع من الكشاف. انتهى.

وقال شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني في كتابه ازهار الرياض : سئلت عن هذا الخبر قديما فكتبت في الجواب : لعل مراده ـ والله اعلم بمراد أوليائه ـ ان الخطاب بصيغة الجمع يتناول الموجودين وتناوله لغيرهم انما هو بدليل من خارج من إجماع أو غيره ، كما تقرر في الأصول مستوفى ، والمخالف فيه الحنابلة خاصة ، وأطبق الكل على فساده ، وصيغة «هلموا» من هذا القبيل. فاما صيغة «هلم» فإنه يمكن ان يجعل من قبيل الخطاب العام ، كما تقرر في المعاني والبيان قد يترك الخطاب من المعين الى غير المعين قصدا للعموم وارادة كل من يصلح لذلك ، وجعلوا منه قوله تعالى (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا) (١) ونحوه ، فكأنه يصلح لغير الموجودين ايضا ، فيدخلون بعد اتصافهم بالوجود والكمال. وحينئذ فحاصله ان العدول من «هلموا» الى «هلم» لذلك فإن صيغة «هلم» تصلح للمذكر والمؤنث ، والمفرد والمثنى والجمع ، بالاعتبار المذكور ، ولغير الموجود بالتقريب السابق ، فيدخل بعد كماله ووجوده

__________________

(١) سورة الانعام ، الآية ٢٧.


بخلاف «هلموا». ومعنى «لم يحج يومئذ إلا من كان إنسيا مخلوقا» لم يحج إلا من كان مخلوقا من الانس ، لأنهم المقصودون بالخطاب المذكور دون غيرهم. هذا ما ظهر لي فتأمل. انتهى.

أقول : اما صحة إطلاق «هلم» على المذكر والمؤنث ، والمفرد والمثنى والجمع ، فهي لغة الحجاز ، وبها نزل القرآن العزيز ، كقوله تعالى : (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا) (١) واما أهل نجد وهم بنو تميم فيلحقون بها الضمائر كغيرها من الصيغ فيقولون : «هلموا وهلمي وهلما» واما تناولها في الخبر للموجودين والمعدومين فقد نقل الشيخ فخر الدين بن طريح في كتاب مجمع البحرين ، قال : وقيل : لفظ «هلم» خطاب لمن يصلح ان يجيب وان لم يكن حاضرا ، ولفظ «هلموا» موضوع للموجودين الحاضرين ، ويفسره الحديث : «هلم الى الحج». ثم ساق الخبر. وبذلك يزول الاشكال ويستغنى عن هذه التكلفات البعيدة والتحملات الشديدة ، فإنه متى كان هذا اللفظ موضوعا في اللغة لذلك فلا اشكال ، ويخرج الخبر شاهدا عليه.

السادس ـ قد عرفت من ما حققناه آنفا ان الإحرام الموجب للكفارات ـ بفعل ما لا يجوز للمحرم فعله ـ إنما هو عبارة عن التلبية أو الإشعار أو التقليد ، فإن ايها فعل حرم عليه ما يحرم على المحرم وترتبت الكفارات على المخالفة. وعلى هذا فلو عقد نية الإحرام ولبس ثوبيه ولم يأت بشي‌ء من التلبية متى كان متمتعا أو مفردا ، ولا بها ولا بإشعار ولا تقليد متى كان قارنا ، وفعل ما لا يجوز للمحرم فعله ، فإنه

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية ١٨.


لا يلزمه كفارة ، ولا يبطل ما فعله سابقا ، ولا يحتاج الى تجديد نية أخرى.

وعلى ذلك تدل الأخبار الكثيرة : منها ـ ما تقدم (١) من صحيحة معاوية بن عمار ، وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، وصحيحته الثانية في المسألة الاولى.

ومنها ـ ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) «في رجل صلى الظهر في مسجد الشجرة ، وعقد الإحرام وأهل بالحج ، ثم مس طيبا أو صاد صيدا أو واقع اهله؟ قال : ليس عليه شي‌ء ما لم يلب».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن النضر بن سويد عن بعض أصحابنا (٣) قال : «كتبت الى ابي إبراهيم (عليه‌السلام) : رجل دخل مسجد الشجرة فصلى وأحرم ثم خرج من المسجد ، فبدا له قبل ان يلبي ان ينقض ذلك بمواقعة النساء ، إله ذلك؟ فكتب : نعم ، ولا بأس به». وبمضمونها رواية زياد بن مروان المروية في الكافي (٤).

وما رواه في الكافي في الصحيح عن صفوان عن عبد الله بن مسكان عن علي بن عبد العزيز (٥) قال : «اغتسل أبو عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١) ص ٤١ و ٤٢.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٣٠ ، والتهذيب ج ٥ ص ٨٢ ، والوسائل الباب ١٤ من الإحرام ، والباب ١١ من تروك الإحرام.

(٣ و ٤) الفروع ج ٤ ص ٣٣١. والوسائل الباب ١٤ من الإحرام ، والوافي باب (ما يجوز فعله بعد التهيؤ وقبل التلبية وما لا يجوز).

(٥) الفروع ج ٤ ص ٣٣٠ ، والوسائل الباب ١٤ من الإحرام.


للإحرام ، ثم دخل مسجد الشجرة فصلى ، ثم خرج الى الغلمان فقال : هاتوا ما عندكم من لحوم الصيد حتى نأكله».

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن حفص بن البختري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في من عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل ان يلبي؟ قال : ليس عليه شي‌ء».

قال الشيخ (٢) بعد ذكر جملة من هذه الاخبار : المعنى في هذه الأحاديث ان من اغتسل للإحرام ، وصلى ، وقال ما أراد من القول بعد الصلاة ، لم يكن في الحقيقة محرما ، وإنما يكون قاعدا للحج والعمرة وانما يدخل في ان يكون محرما إذا لبى. ثم حكى عن موسى عن صفوان عن معاوية بن عمار وغيره ممن روى عنه صفوان هذه الاخبار ان الاخبار مستفيضة عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام) (٣) : ان من صلى ، وقال الذي يريد ان يقول ، وفرض الحج أو العمرة على نفسه وتقدهما ، فله ان يفعل ما شاء ما لم يلب ، فإذا أتم عقد إحرامه بالتلبية أو الإشعار أو التقليد ، فقد حرم عليه الصيد وغيره ، ووجب عليه في فعله ما يجب على المحرم. انتهى ملخصا من كلامه الطويل الذيل.

قال في المدارك بعد ذكر بعض أخبار المسألة : وربما ظهر منها انه لا يجب استئناف نية الإحرام بعد ذلك بل يكفي الإتيان بالتلبية وعلى هذا فيكون المنوي عند عقد الإحرام اجتناب ما يجب على المحرم اجتنابه من حين التلبية. وصرح المرتضى في الانتصار بوجوب استئناف النية قبل التلبية والحال هذه. ويدل عليه ما رواه الكليني عن النضر بن

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ١٤ من الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٨٣.


سويد عن بعض أصحابه. ثم ساق الرواية المتقدمة. ثم قال : لكن الرواية ضعيفة بالإرسال. ولا ريب أن استئناف النية أولى وأحوط. انتهى.

أقول : فيه أولا : ان النية التي أوجبوها في عقد الإحرام ـ كما قدمنا نقله عنهم في صدر المقصد ـ إنما هي عبارة عن القصد إلى أمور أربعة : ما يحرم به من حج أو عمرة ، ونوعه من تمتع أو أحد قسيميه ، وصفته من وجوب أو ندب ، وما يحرم له من حجة الإسلام أو غيرها. ولم يعتبروا فيها قصد ما يجب اجتنابه على المحرم ، وانما هذا أمر لازم لذلك ومترتب عليه متى أضاف التلبية الى ما فعله أولا. ومن ثم انه لا تحصل المنافاة للنية بما يفعله من هذه الأشياء المذكورة في الاخبار. وبذلك يظهر لك ما في قوله : «وعلى هذا فيكون المنوي. الى آخره».

وثانيا : اني لا اعرف لهذه الرواية وجه دلالة على ما ذكره من وجوب استئناف النية ، حتى انه يستدل بها للمرتضى على ما نقله عنه ، بل سبيلها سبيل الروايات المتقدمة.

وثالثا : اني لا اعرف وجها لهذه الأولوية والاحتياط الذي ذكره في استئناف النية ، مع ما عرفت من ما قدمناه من الاخبار المستفيضة المتفقة الدلالة على صحة الإحرام بذلك ، من غير تعرض ولو بالإشارة الى ما ذكره من استئناف النية.

واما ما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن احمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد (١) ـ قال : «سمعت ابي يقول في

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من الإحرام. وارجع الى الاستدراكات.


رجل يلبس ثيابه ويتهيأ للإحرام ثم يواقع اهله قبل ان يهل بالإحرام قال : عليه دم». ـ فهو خبر شاذ لا يبلغ قوة في معارضة الأخبار المتقدمة. وقد حمله الشيخ على من لم يجهر بالتلبية وان كان قد لبى في ما بينه وبين نفسه. واحتمل في الاستبصار حمله على الاستحباب ايضا

الثالث ـ لبس ثوبي الإحرام للرجل ، ووجوبه اتفاقي بين الأصحاب قال في المنتهى : انا لا نعلم فيه خلافا.

وتدل عليه الاخبار : منها ـ قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية ابن عمار (١) : «إذا انتهيت الى العقيق من قبل العراق ، أو الى وقت من هذه المواقيت ـ وأنت تريد الإحرام ـ فانتف إبطيك. الى ان قال : واغتسل ، والبس ثوبيك. الحديث».

وفي صحيحة معاوية بن وهب (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) ـ ونحن بالمدينة ـ عن التهيؤ للإحرام. فقال : اطل بالمدينة ، وتجهز بكل ما تريد ، وان شئت استمتعت بقميصك ، حتى تأتي الشجرة فتفيض عليك من الماء ، وتلبس ثوبيك ، ان شاء الله».

وفي صحيحة هشام بن سالم (٣) قال : «أرسلنا الى ابي عبد الله

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٢٦ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٠٠ ، والوسائل الباب ٦ و ١٥ من الإحرام.

(٢) روى الشيخ في التهذيب ج ٥ ص ٦٢ و ٦٤ هذه الرواية بطريقين ، واللفظ يختلف فيهما. وأوردهما في الوسائل في الباب ٧ من الإحرام برقم (١) و (٣).

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٢٨ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٠١ ، والتهذيب ج ٥ ص ٦٣ وص ٣٠٣ ، والوسائل الباب ٨ من الإحرام ، والباب ٣٠ من تروك الإحرام.


(عليه‌السلام) ـ ونحن جماعة بالمدينة ـ انا نريد ان نودعك ، فأرسل إلينا أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ان اغتسلوا بالمدينة ، فإني أخاف ان يعز عليكم الماء بذي الحليفة ، فاغتسلوا بالمدينة ، والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ، ثم تعالوا فرادى أو مثاني. الحديث».

الى غير ذلك من الاخبار.

والمستفاد من الروايات المذكورة ان اللبس قبل عقد الإحرام ، بل هو من جملة الأشياء التي يتهيأ بها للإحرام. قال العلامة في المنتهى : فإذا أراد الإحرام وجب عليه نزع ثيابه ولبس ثوبي الإحرام ، يأتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر. وقال ابن الجنيد : ولا ينعقد الإحرام بالميقات إلا بعد الغسل والتجرد.

وينبه عليه ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تلبس ـ وأنت تريد الإحرام ـ ثوبا تزره ولا تدرعه ، ولا تلبس سراويل إلا ان لا يكون لك إزار ، ولا الخفين إلا ان لا يكون لك نعلان».

بقي الكلام في انه هل اللبس من شرائط صحة الإحرام؟ حتى لو أحرم عاريا أو لابسا مخيطا لم ينعقد إحرامه ، أم ينعقد إحرامه وان أثم تنظر فيه الشهيد في الدروس ، ونسب الثاني إلى ظاهر الأصحاب ، حيث قال : وظاهر الأصحاب انعقاده ، حيث قالوا : لو أحرم وعليه قميص نزعه ولا يشقه ، ولو لبسه بعد الإحرام وجب شقه وإخراجه من تحته كما هو مروي. انتهى.

وأشار بالرواية الى ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٦٩ و ٧٠ ، والوسائل الباب ٣٥ من تروك الإحرام.


وغير واحد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في رجل أحرم وعليه قميصه؟ فقال : ينزعه ولا يشقه. وان كان لبسه بعد ما أحرم شقه وأخرجه من ما يلي رجليه».

وقال السيد السند في المدارك : ولو أخل باللبس ابتداء فقد ذكر جمع من الأصحاب انه لا يبطل إحرامه وان اثم. وهو حسن. انتهى. أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار ـ زيادة على الصحيحة المذكورة ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن صفوان عن خالد بن محمد الأصم (٢) قال : «دخل رجل المسجد الحرام وهو محرم ، فدخل في الطواف وعليه قميص وكساء ، فاقبل الناس عليه يشقون قميصه وكان صلبا ، فرءاه أبو عبد الله (عليه‌السلام) وهم يعالجون قميصه يشقونه ، فقال : له : كيف صنعت؟ فقال : أحرمت هكذا في قميصي وكسائي. فقال : انزعه من رأسك ، ليس ينزع هذا من رجليه ، إنما جهل. فأتاه غير ذلك فسأله فقال : ما تقول في رجل أحرم في قميصه؟ قال : ينزعه من رأسه».

وما رواه الشيخ عن عبد الصمد بن بشير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «جاء رجل يلبي حتى دخل المسجد الحرام وهو يلبي وعليه قميصه ، فوثب إليه أناس من أصحاب أبي حنيفة فقالوا : شق قميصك وأخرجه من رجليك ، فان عليك بدنة ، وعليك الحج من قابل ، وحجك فاسد. فطلع أبو عبد الله (عليه‌السلام) فقام على باب

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤٥ من تروك الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٧٢ ، والوسائل الباب ٤٥ من تروك الإحرام ، والوافي باب (المحرم يلبس ما لا ينبغي له).


المسجد ، فكبر واستقبل الكعبة ، فدنا الرجل من ابي عبد الله (عليه‌السلام) وهو ينتف شعره ويضرب وجهه ، فقال له أبو عبد الله (عليه‌السلام) : اسكن يا عبد الله. فلما كلمه ـ وكان الرجل أعجميا ـ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ما تقول؟ قال : كنت رجلا أعمل بيدي ، فاجتمعت لي نفقة ، فجئت أحج لم أسأل أحدا عن شي‌ء ، فأفتوني هؤلاء أن أشق قميصي وانزعه من قبل رجلي ، وان حجي فاسد ، وان علي بدنة. فقال له : متى لبست قميصك ، أبعد ما لبيت أم قبل؟ قال : قبل ان ألبي. قال : فأخرجه من رأسك ، فإنه ليس عليك بدنة ، وليس عليك الحج من قابل ، أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي‌ء عليه. طف بالبيت سبعا ، وصل ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) واسع بين الصفا والمروة ، وقصر من شعرك ، فإذا كان يوم التروية فاغتسل وأهل بالحج ، واصنع كما يصنع الناس».

أقول : ظاهر هذين الخبرين ان لبس الثوب قبل الإحرام والإحرام فيه انما كان عن جهل ، وانه معذور في ذلك لمكان الجهل. وصحيحة معاوية ابن عمار المتقدمة وان كانت مطلقة إلا انه يمكن حمل إطلاقها على الخبرين. وحينئذ فيشكل الحكم بالصحة في من تعمد الإحرام في المخيط عالما بالحكم. إلا انه قد تقدم من الاخبار ما يدل على ان الإحرام إنما هو عبارة عن التلبية وأخويها ، فترك الثوبين لا يضربه ولا يبطله. نعم يكون الإحرام فيهما (١) تعمدا موجبا للإثم ، والظاهر سقوطه

__________________

(١) هكذا وردت العبارة في النسخة المطبوعة والمخطوطة ، والظاهر سقوط كلمة «ترك» من العبارة ، والصحيح هكذا : «نعم يكون ترك الإحرام فيهما تعمدا موجبا للإثم».


بالجهل حينئذ هو المؤاخذة والمعاقبة على ذلك.

ثم انه من ما يدل على وجوب الشق والإخراج من الرجلين إذا كان اللبس بعد الإحرام ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا لبست قميصا وأنت محرم فشقه وأخرجه من تحت قدميك».

وما رواه في الكافي في الصحيح ـ أو الحسن على المشهور ـ عن معاوية بن عمار ايضا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان لبست ثوبا في إحرامك لا يصلح لك لبسه فلب وأعد غسلك. وان لبست قميصا فشقه وأخرجه من تحت قدميك».

وتحقيق القول في المقام يتوقف على بيان مسائل :

الأولى ـ ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) الاتفاق على انه يتزر بأحد الثوبين ، واما الآخر فهل يتردى به أو يتخير بين ان يتردى به أو يتوشح؟ قولان ، وبالأول صرح العلامة في المنتهى والتذكرة ، وبالثاني الشهيدان في الدروس والمسالك والروضة ، وقبلهما الشيخان في المقنعة والمبسوط. والتوشح تغطية أحد المنكبين والارتداء تغطيتهما معا. وبه صرح في المسالك والروضة. وذكر ابن حمزة في الوسيلة أنه لا بد في الإزار من كونه ساترا لما بين السرة والركبة ، وبذلك صرح في المسالك ايضا.

والذي صرح به أهل اللغة في معنى التوشح هو انه عبارة عن إدخال الثوب تحت اليد اليمنى وإلقاء طرفيه على المنكب الأيسر. قال في المغرب : توشح الرجل ، وهو ان يدخل ثوبه تحت يده اليمنى ويلقيه

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤٥ من تروك الإحرام.


على منكبه الأيسر ، كما يفعل المحرم. وكذلك الرجل يتوشح بحمائل سيفه ، فتقع الحمائل على عاتقه اليسرى فتكون اليمنى مكشوفة. وقال في كتاب المصباح المنير : وتوشح بثوبه ، وهو ان يدخله تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر ، كما يفعله المحرم.

والذي وقفت عليه من الاخبار في المقام صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في كيفية التلبيات الأربع (١) وفيها : «والتجرد في إزار ورداء ، أو إزار وعمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء». وفي رواية محمد بن مسلم (٢) : «يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء». وفي صحيحة معاوية بن عمار (٣) : «ولا سراويل إلا ان يكون له إزار».

والمستفاد من هذه الاخبار ان الثوبين أحدهما إزار والآخر رداء ، ومن الظاهر ان الذي جرت به العادة في لبسهما هو شد الإزار من السرة ووضع الرداء على المنكبين ، والظاهر انه في حال الإحرام كذلك ايضا. فالقول بالتوشح بالرداء ـ كما ذكروه ـ لا اعرف له وجها. ومجرد ذكر أهل اللغة ـ في بيان التوشح انه كما يفعل المحرم ـ لا يصلح دليلا ، إذ لعله مخصوص بمذهب المخالفين المصرحين بذلك (٤) وقال في المدارك : ويعتبر في الإزار ستر ما بين السرة والركبة ، وفي الرداء كونه من ما يستر المنكبين. ويمكن الرجوع فيه الى العرف. ولا يعتبر في وضعه كيفية

__________________

(١) ص ٥٨ ، والوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢١٨ ، والوسائل الباب ٤٤ من تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٣٥ من تروك الإحرام رقم (١) واللفظ فيها بنحو الخطاب.

(٤) العناية في شرح الهداية على هامش فتح القدير ج ٢ ص ١٣٥ ، وحاشية البحر الرائق لمحمد عابدين الحنفي ج ٢ ص ٣٢٠.


مخصوصة. وظاهره جواز الاتشاح كما تقدم. وبالجملة فالواجب حمل إطلاق الاخبار المذكورة على ما جرت به العادة من لبس الثوبين المذكورين. وبه يظهر قوة القول الأول.

الثانية ـ قد صرح الأصحاب بأنه لا يجوز الإحرام في ما لا يجوز لبسه في الصلاة. ومقتضى ذلك عدم جوازه في الحرير المحض ، والنجس بنجاسة غير معفو عنها في الصلاة ، وما يحكى الصورة ، وجلد غير المأكول.

ويمكن ان يستدل على ذلك بمفهوم قوله (عليه‌السلام) في صحيحة حريز (١) : «كل ثوب تصلي فيه فلا بأس ان تحرم فيه». فان كلا من الأشياء المعدودة من ما في الصلاة فيه البأس. بل ربما يفهم من الرواية المذكورة عدم الإحرام في الجلد وان كان من مأكول اللحم ، لعدم صدق الثوب عليه عرفا.

وإطلاق كلام الأصحاب يقتضي عدم الإحرام في ما يحكي العورة إزارا كان أو رداء. وجزم الشهيد في الدروس بالمنع من الإزار الحاكي ، وجعل اعتبار ذلك في الرداء أحوط. والأقرب عدم اعتباره فيه ، حيث انه تجوز الصلاة فيه وان كان حاكيا.

ويدل على وجوب الطهارة في الثوبين ـ زيادة على ما تقدم ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن المحرم تصيب ثوبه الجنابة. قال : لا يلبسه حتى يغسله. وإحرامه تام».

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٧ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٣٧ من تروك الإحرام.


قال في المدارك : ومقتضى الرواية عدم جواز لبس النجس حال الإحرام مطلقا. ويمكن جمله على ابتداء اللبس ، إذ من المستبعد وجوب الإزالة عن الثوب دون البدن. إلا ان يقال بوجوب إزالتها عن البدن أيضا للإحرام. ولم أقف على مصرح به ، وان كان الاحتياط يقتضي ذلك. انتهى. وهو جيد.

ومن ما يؤيد ذلك ايضا ما رواه الكليني في الحسن أو الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه التي أحرم فيها وغيرها. قال : لا بأس بذلك إذا كانت طاهرة».

أقول : ظاهر هذه الرواية موافق لظاهر الصحيحة المتقدمة في اشتراط استدامة طهارة ثوبي الإحرام ، وعدم جواز لبس النجس حال الإحرام ولا يبعد القول به وان لم يتنبه له الأصحاب في المقام.

الثالثة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز إحرام النساء في الحرير المحض ، فنقل عن الشيخ المفيد في كتاب أحكام النساء ، وابن إدريس ، وجمع من الأصحاب : الجواز ، وهو المشهور بين المتأخرين واليه مال في المدارك والذخيرة ، وعن الشيخ وابن الجنيد : القول بالمنع ، وبه صرح الشيخ المفيد في المقنعة ، والشهيد في الدروس.

واستدل على القول الأولبصحيحة يعقوب بن شعيب (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المرأة تلبس القميص تزره عليها؟

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٤٠ و ٣٤١ ، والوسائل الباب ٣٠ من الإحرام. والباب ٣٧ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٣٣ من الإحرام.


وتلبس الحرير والخز والديباج؟ فقال : نعم لا بأس به».

وصحيحة حريز المتقدمة (١) الدالة على ان كل ثوب يصلى فيه فلا بأس ان يحرم فيه. والحرير من ما يجوز للنساء الصلاة فيه.

ورواية النضر بن سويد عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن المرأة المحرمة أي شي‌ء تلبس من الثياب؟ قال : تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران والدروس. الى ان قال : ولا بأس بالعلم في الثوب. الحديث».

والذي يدل على المنع صريحا صحيحة العيص بن القاسم (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين ، وكره النقاب».

وما رواه الكليني عن داود بن الحصين عن أبي عيينة (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) : ما يحل للمرأة ان تلبس وهي محرمة؟ قال : الثياب كلها ما خلا القفازين والبرقع والحرير. قلت : تلبس الخز؟ قال : نعم. قلت : فان سداه إبريسم وهو حرير؟ قال : ما لم يكن حريرا خالصا فلا بأس». ورواه الشيخ في التهذيب عن

__________________

(١) ص ٨١.

(٢) الوسائل الباب ٣٣ من الإحرام ، والباب ٣٩ و ٤٩ من تروك الإحرام والحديث ينتهي بقوله (ع) : «ولا بأس بالعلم في الثوب» فكلمة «. الحديث» لعلها زيادة من الناسخ.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٤٤ ، والتهذيب ج ٥ ص ٧٣ و ٧٤ ، والوسائل الباب ٣٣ من الإحرام ، والباب ٤٨ من تروك الإحرام.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٣٤٥ ، والوسائل الباب ٣٣ من الإحرام.


داود بن الحصين (١).

وما رواه أيضا في الموثق عن إسماعيل بن الفضل (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة هل يصلح لها ان تلبس ثوبا حريرا وهي محرمة؟ قال : لا ، ولها ان تلبسه في غير إحرامها».

وفي الموثق عن ابن بكير عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «النساء تلبس الحرير والديباج إلا في الإحرام».

وروى الشيخ في التهذيب عن مسمع عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) في حديث قال فيه : «فأما المرأة فإنها يلبس من الثياب ما شاءت ما خلا الحرير المحض والقفازين».

وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب نوادر احمد ابن محمد بن ابي نصر عن جميل (٥) «انه سأل أبا عبد الله (عليه

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٧٥ ، والوسائل الباب ٣٣ من الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٤٦ ، والوسائل الباب ٣٣ من الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ١٦ من لباس المصلي.

(٤) لم أجد حديثا لمسمع بهذا المضمون في كتب الحديث ، وقد روى الشيخ في التهذيب ج ٥ ص ٧٣ عن مسمع حديثا في نسيان الحلق أو التقصير وفي لبس المحرم الخاتم. ثم قال الشيخ : فأما المرأة فإنها تلبس من الثياب ما شاءت ما خلا الحرير المحض والقفازين ، ولا تلبس حليا تتزين به ، ولا تلبس الثياب المصبوغة المفدمة. ثم ذكر الروايات الواردة في ذلك. والظاهر ان منشأ نسبة هذا اللفظ الى مسمع هو تخيل ان كلام الشيخ جزء من حديث مسمع.

(٥) الوسائل الباب ٣٣ من الإحرام.


السلام). الى ان قال : وعن المرأة تلبس الحرير؟ قال : لا». والحديث ـ كما ترى ـ صحيح.

وأصحابنا (رضوان الله عليهم) لم ينقلوا من هذه الروايات إلا القليل وهو ما حضرهم. وأجابوا عنه بالحمل على الكراهة وترك الأفضل جمعا.

وأيد هذا الحمل الفاضل الخراساني في الذخيرة بجملة من الاخبار الدالة على ذلك :

مثل ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبيد الله الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس ان تحرم المرأة في الذهب والخز وليس يكره إلا الحرير المحض».

وعن سماعة في الموثق عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن المحرمة تلبس الحرير؟ فقال : لا يصلح ان تلبس حريرا محضا لا خلط فيه ، فاما الخز والعلم في الثوب فلا بأس ان تلبسه وهي محرمة. وتلبس الخز ، اما انهم يقولون ان في الخز حريرا. وإنما يكره الحرير المبهم».

وعن ابي بصير المرادي (٣) «سأله عن القز تلبسه المرأة في الإحرام؟ قال : لا بأس ، إنما يكره الحرير المبهم».

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٣ من الإحرام.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٠ ، والوسائل الباب ٣٣ من الإحرام. وليس فيه توجيه السؤال بالنحو الذي ذكره (قدس‌سره).

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٠ ، والوسائل الباب ٣٣ من الإحرام ، والمسؤل هو أبو عبد الله (ع).


وروى الكليني في الموثق عن سماعة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا ينبغي للمرأة ان تلبس الحرير المحض وهي محرمة ، فاما في الحر والبرد فلا بأس».

وفي الصحيح عن ابي الحسن الأحمسي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن العمامة السابرية فيها علم حرير ، تحرم فيها المرأة؟ قال : نعم ، إنما يكره ذلك إذا كان سداه ولحمته جميعا حريرا. الحديث».

وأنت خبير بان استعمال لفظ الكراهة في الاخبار بمعنى التحريم وكذا لفظ : «لا ينبغي» من ما لا يكاد يعد ولا يحصى كثرة ، وقد حققنا في غير موضع من زبرنا ومؤلفاتنا ان هذين اللفظين ونحوهما من لفظ «لا أحب» ولفظ «الوجوب والسنة» ونحوها من ما قد وقع استعمالها في الاخبار في المعنيين استعمالا شائعا لا يمكن الحمل على أحدهما إلا مع القرينة الصارفة عن المعنى الآخر.

وقد ساعدنا السيد السند في المدارك على ما ذكرناه في الاخبار المصرحة بالكراهة ، فقال ـ بعد احتمال الجمع بين الاخبار بحمل النهي على الكراهة ، والاستدلال بصحيحة الحلبي ـ ما لفظه : لكن في حمل الكراهة الواقعة في الروايات على المعنى المتعارف نظر تقدم تقريره مرارا. انتهى. وهو إشارة الى ما ذكرناه من استعمال الكراهة في التحريم استعمالا شائعا.

وحينئذ فيرجع الكلام الى الروايات المتقدمة والنظر في الترجيح

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٣٣ من الإحرام.


بينها ، فان الروايات الاولى من ما استدل بها على الجواز ، والروايات الأخيرة ظاهرة في التحريم.

وهو الأظهر عندي في المسألة (اما أولا) : فلأن روايات التحريم أكثر فترجع بالكثرة.

و (اما ثانيا) : فبحمل صحيحة يعقوب بن شعيب التي هي أظهر ما استدل به لهذا القول ـ وعليها اقتصر في المدارك ـ على الحرير الغير المحض.

وبذلك صرح أيضا في المدارك ، فإنه احتمل في الجمع بين الاخبار (أولا) بحمل النهي على الكراهة ، ثم رده بما قدمنا نقله عنه. و (ثانيا) بحمل الأخبار المبيحة على ان المراد بالحرير غير المحض. واستشهد برواية داود بن الحصين المتقدمة ، ثم طعن فيها بضعف السند. وأنت خبير بأنه مع الإغماض عن المناقشة في هذا الطعن كما قدمناه مرارا ، فإن الرواية المذكورة معتضدة بجملة من الروايات التي فيها الصحيح والموثق وغيرهما ، فيتعين حملها البتة على ما ذكرناه.

واما صحيحة حريز باعتبار دلالتها على ان كل ثوب يصلى فيه يجوز الإحرام فيه ، فان فيه انه وان كان المشهور هو جواز صلاة النساء في الحرير المحض ، ولم ينقلوا الخلاف في ذلك إلا عن الصدوق ، إلا ان ما ذهب اليه الصدوق معتضد بجملة من الروايات ايضا ، وقوله لا يخلو من القوة.

ومن ما يدل عليه ما رواه في الخصال (١) عن جابر الجعفي عن

__________________

(١) ج ٢ ص ١٤٢ ، والوسائل الباب ١٦ من لباس المصلي ، والباب ١٢٣ من مقدمات النكاح.


ابي جعفر (عليه‌السلام) قال : «يجوز للمرأة لبس الديباج والحرير في غير صلاة وإحرام».

ورواية زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «سمعته ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط. الى ان قال : وإنما يكره الحرير المحض للرجال والنساء».

واما رواية النضر بن سويد فيقيد إطلاقها بما صرحت به الروايات الأخر ، ويستثني الحرير كما استثنته تلك الاخبار ، ومن هنا تحصل القرينة الدالة على حمل «الكراهة» ولفظ «لا ينبغي» في الاخبار المتقدمة على التحريم ، وتنتظم تلك الاخبار في اخبار التحريم. ويعضده رواية زرارة المذكورة ، فإنه ـ بعد ان نقل عن الامام (عليه‌السلام) انه سمعه ينهى عن لباس الحرير ، للرجال والنساء الدال على التحريم عملا بحقيقة النهى ـ قال في آخر الرواية : «وإنما يكره الحرير المحض» فعبر عن التحريم الذي ذكره في صدر الرواية بالكراهة.

وبالجملة فالأظهر عندي هو القول بالتحريم ، ولا سيما مع اعتضاده بالاحتياط وحصول يقين البراءة.

الرابعة ـ المعروف من مذهب الأصحاب جواز لبس المخيط للنساء حتى قال العلامة في التذكرة. انه مجمع عليه بين الأصحاب. وقال في المنتهى : يجوز للمرأة لبس المخيط إجماعا ، لأنها عورة وليست كالرجال. ولا نعلم فيه خلافا إلا قولا شاذا للشيخ لا اعتداد به. انتهى.

__________________

(١) التهذيب ج ٢ ص ٣٦٧ ، والوسائل الباب ١٣ و ١٦ من لباس المصلي.


والظاهر انه اشارة الى ما ذكره الشيخ في النهاية (١) حيث قال : ويحرم على المرأة في حال الإحرام من لبس الثياب جميع ما يحرم على الرجل ، ويحل لها جميع ما يحل له. ثم قال بعد ذلك : وقد وردت رواية بجواز لبس القميص للنساء ، والأصل ما قدمناه. فاما السراويل فلا بأس بلبسه لهن على كل حال. انتهى.

والظاهر هو القول المشهور ، لما عرفت من تصريح صحيحة يعقوب ابن شعيب بأن المرأة تلبس القميص تزره عليها. والروايات التي بعدها من انها تلبس ما شاءت إلا ما استثنى.

واما ما يدل على جواز لبس السراويل لهن فهو ما رواه الصدوق في الصحيح عن محمد الحلبي (٢) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة إذا أحرمت ، أتلبس السراويل؟ قال : نعم إنما تريد بذلك الستر».

وتجوز الغلالة للحائض ، وهي بكسر الغين : ثوب رقيق يلبس تحت الثياب. وجواز ذلك لها من ما لا خلاف فيه ، بل نقل غير واحد منهم الإجماع عليه ، حتى ان الشيخ في النهاية صرح بجوازه وكذا جواز السراويل كما تقدم في عبارته ، مع ما عرفت من صدر عبارته الدالة على المنع للمرأة من لبس المخيط وانه يحرم عليها ما يحرم على الرجل.

ومن ما يدل على الجواز ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن

__________________

(١) باب (ما يجب على المحرم اجتنابه وما لا يجب). والظاهر انه يقصد بذلك صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة ص ٨٢.

(٢) الوسائل الباب ٥٠ من تروك الإحرام.


سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «تلبس المحرمة الحائض تحت ثيابها غلالة». ورواه ابن بابويه عن عبد الله في الصحيح مثله (٢).

الخامسة ـ الظاهر انه لا خلاف في انه يجوز تعدد الثياب وإبدالها إلا أنه إذا أراد الطواف فالأفضل أن يطوف في ثوبيه اللذين أحرم فيهما. ويدل على الحكم الأول ما رواه الكليني في الحسن أو الصحيح عن الحلبي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يتردى بالثوبين؟ قال : نعم ، والثلاثة ان شاء ، يتقي بها الحر والبرد».

وعلى الثاني والثالث ما رواه الصدوق في الصحيح والكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا بأس بأن يغير المحرم ثيابه ، ولكن إذا دخل مكة لبس ثوبي إحرامه اللذين أحرم فيهما. وكره ان يبيعهما». قال الصدوق : وقد رويت رخصة في بيعهما (٥).

ويدل على الحكم الثاني زيادة على الرواية المذكورة ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) في حديث قال : «ولا بأس ان يحول المحرم ثيابه».

وروى الشيخ عن الحلبي (٧) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الثوبين يرتدي بهما المحرم. قال : نعم ، والثلاثة ، يتقي بها الحر

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥٢ من تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٣٠ من الإحرام.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٣١ من الإحرام.

(٧) التهذيب ج ٥ ص ٧٠ ، والوسائل الباب ٣٠ و ٣١ من الإحرام. والباب ٣٨ من تروك الإحرام.


والبرد. وسألته عن المحرم يحول ثيابه؟ فقال : نعم. وسألته : يغسلها إن أصابها شي‌ء؟ قال : نعم. وإذا احتلم فيها فليغسلها».

السادسة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز لبس السراويل إذا لم يكن له إزار ، وجواز لبس القباء إذا لم يكن له رداء. إلا ان كلامهم في الثاني لا يخلو من اشتباه.

وقد وقع الخلاف في موضعين أحدهما ـ انه هل يكون جواز لبس القباء عند فقد ثوبي الإحرام معا أو فقد الرداء خاصة؟ ظاهر المحقق في الشرائع والنافع : الأول ، حيث قال في الأول : وإذا لم يكن مع الإنسان ثوبا الإحرام وكان معه قباء ، جاز لبسه مقلوبا ، ويجعل ذيله على كتفيه. وقال في الثاني : ويجوز لبس القباء مع عدمهما مقلوبا وبذلك صرح الشيخ في النهاية أيضا ، حيث قال : فإذا لم يكن مع الإنسان ثوبا الإحرام وكان معه قباء فليلبسه مقلوبا ، ولا يدخل يديه في يدي القباء. ونحوها عبارته في المبسوط ايضا. وبه صرح ابن إدريس في السرائر. وربما أشعر تصريح هؤلاء بذلك بشهرة ذلك عند المتقدمين عليهم ، مع انه لم ينقل ذلك إلا عن المحقق في عبارتيه المتقدمتين. وبالثاني صرح الشهيدان في اللمعة والدروس والمسالك قال في المسالك بعد نقل عبارة الشرائع المذكورة : وتعليق الحكم بذلك على فقد الثوبين يشعر بان واجد أحدهما لا يجوز له لبسه ، والظاهر جوازه مع فقد أحدهما خاصة خصوصا الرداء. وخصه في الدروس بفقده وجعل السراويل بدلا عن الإزار. انتهى. وعبائر جملة من الأصحاب هنا مجملة مثل عبارة العلامة في المنتهى ، حيث قال : ولا يجوز له لبس القباء بالإجماع ، لانه مخيط ، فان لم يجد ثوبا جاز له ان يلبسه مقلوبا


ولا يدخل يديه في يدي القباء. ونحوها عبارته في التذكرة.

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بالمقام منه : صحيحة عمر ابن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين ، وان لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه أو قباء بعد ان ينكسه».

وصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) «في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل؟ قال : نعم ، ولكن يشق ظهر القدم. ويلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء ، ويقلب ظهره لباطنه».

وفي الكافي عن مثنى الخياط عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «من اضطر الى ثوب وهو محرم وليس معه إلا قباء فلينكسه وليجعل أعلاه أسفله ويلبسه». قال : وفي رواية أخرى (٤) : «يقلب ظهره بطنه إذا لم يجد غيره».

وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) «في رجل هلكت نعلاه ولم يقدر على نعلين؟ قال : له ان يلبس الخفين إذا اضطر الى ذلك ، وليشقه عن ظهر القدم. وان لبس الطيلسان فلا يزره عليه. وان اضطر الى قباء من برد ولا يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا ، ولا يدخل يديه في يدي القباء».

وأنت خبير بان ظاهر صحيحتي عمر بن يزيد ومحمد بن مسلم الدلالة

__________________

(١ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٤٤ من تروك الإحرام.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢١٨ ، والوسائل الباب ٤٤ و ٥١ من تروك الإحرام.

(٥) الفروع ج ٤ ص ٣٤٦ ، والوسائل الباب ٥١ و ٣٦ و ٤٤ من تروك الإحرام.


على ما ذكره الشهيدان.

والذي يظهر لي في الجمع بين هذه الاخبار هو انه متى فقد الرداء خاصة جاز له لبس القباء ، كما دلت عليه الصحيحتان المذكورتان ، ومتى فقدهما معا ، فان وجد السراويل جعلها عوضا عن الإزار ـ كما دل عليه جملة من الاخبار ـ وجعل القباء عوضا عن الرداء ، ومتى فقد السراويل اجتزأ بالقباء عوضا عن الثوبين. وهو الذي دلت عليه ما بعد الصحيحتين المذكورتين من الاخبار التي ذكرناها ، فإنها قد اشتركت في الدلالة على انه اضطر الى القباء لعدم وجود ثوب غيره من إزار وسراويل ونحوهما. واما تقييد الضرورة بالبرد في رواية أبي بصير فالظاهر ان هذه ضرورة أخرى غير الضرورة المذكورة في الاخبار الباقية.

واما ما يدل على جواز السراويل مع فقد الإزار ، فهو ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم إلا ان تنكسه ، ولا ثوبا تدرعه ، ولا سراويل إلا ان لا يكون لك إزار ، ولا خفين إلا ان لا يكون لك نعلان».

وما رواه الكليني في الكافي في الموثق عن حمران عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «المحرم يلبس السراويل إذا لم يكن معه إزار ، ويلبس الخفين إذا يكن معه نعل».

وثانيهما ـ في انه هل المراد بقلب القباء هو تنكيسه وجعل ذيله

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢١٨ ، والوسائل الباب ٣٥ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٥٠ من تروك الإحرام.


على العنق ، أو جعل باطنه ظاهره وبالعكس؟

وبالأول صرح ابن إدريس في السرائر ، فقال : وان لم يكن مع الإنسان ثوبان لإحرامه وكان معه قباء فليلبسه منكوسا ، ومعنى ذلك ان يجعل ذيله فوق أكتافه. وقال بعض أصحابنا : فليلبسه مقلوبا ولا يدخل يديه في يدي القباء. والى ما فسرناه يذهب ويعني بقوله : «مقلوبا» لان المقصود بذلك انه لا يشبه لبس المخيط إذا جعل ذيله على أكتافه فاما إذا قلبه وجعل ذيله الى تحت فهذا يشبه لبس المخيط. وما فسرناه به قد ورد صريحا في لفظ الأحاديث ، أورده البزنطي صاحب الرضا (عليه‌السلام) في نوادره (١). ويجوز ان يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار ، ولا كفارة عليه. انتهى.

وبالثاني صرح الشيخ وجمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم).

واجتزأ العلامة في المنتهى والمختلف بكل من الأمرين ، وهو الظاهر الذي عليه تجتمع الأخبار فإن بعضا منها قد اشتمل على تفسيره بالتنكيس ، كصحيحة عمر بن يزيد ورواية مثنى الخياط ، وبعضا فسره بجعل الظاهر باطنا وبالعكس ، كصحيحة محمد بن مسلم ومرسلة الكليني ، وهو الظاهر من صحيحة الحلبي ورواية أبي بصير ، فإن النهي عن إدخال يديه في يدي القباء إنما يترتب على ذلك.

قيل : والاحتياط يقتضي الجمع بين الأمرين. وفيه ان الروايات المذكورة قد اشتملت في بيان كيفية القلب على هاتين الصورتين والإنسان مخير بينهما. وما ذكروه صورة ثالثة لا مستند لها ، فهي إلى خلاف الاحتياط أقرب منها اليه ، كما لا يخفى.

واما ما استند اليه ابن إدريس ـ من التعليل لما ذهب اليه ـ فعليل

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٤ من تروك الإحرام.


وكأنه لم يقف على الروايات الدالة على القلب بالمعنى الآخر.

ثم انه قد صرح شيخنا الشهيد الثاني بأن المراد بالجواز في عبارات الأصحاب في قولهم : «يجوز لبس الثوب مقلوبا عند تعذر الثوبين أو أحدهما» هو الجواز بالمعنى الأعم ، والمراد منه الوجوب ، لانه بدل عن الواجب ، وعمل بظاهر الأمر في النصوص. وهو جيد.

المقام الثاني ـ في مندوبات الإحرام ، ومنها ـ رفع الصوت بالتلبية على المشهور. وقد تقدم بيان ذلك (١) في أول ملحقات المسألة الثالثة من مسائل التلبيات.

ومنها ـ تكرار التلبية في المواضع التي تضمنتها الاخبار ، كما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار وصحيحة عبد الله بن سنان ، وقد تقدمتا (٢) في المسألة الثالثة من مسائل التلبيات.

ونحوهما صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «واجهر بها كلما ركبت ، وكلما نزلت ، وكلما هبطت واديا ، أو علوت اكمة ، أو لقيت راكبا ، وبالأسحار».

ومنتهى التلبية وتكرارها ان كان حاجا الى يوم عرفة عند الزوال كما دلت عليه الاخبار :

ومنها ـ صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية عند زوال الشمس».

وصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٥) قال :

__________________

(١) ص ٦١.

(٢) ص ٥٦ و ٥٧ و ٥٨.

(٣) الوسائل الباب ٤٠ من الإحرام.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٤٤ من الإحرام.


«الحاج يقطع التلبية يوم عرفة زوال الشمس».

وصحيحة عمر بن يزيد (١) قال : «إذا زاغت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية».

وظاهر الاخبار المذكورة وجوب القطع في الصورة المذكورة ، وهو المنقول عن الشيخ علي بن بابويه والشيخ (قدس‌سرهما).

وان كان معتمرا بعمرة متعة فإذا شاهد بيوت مكة. قال في الدروس : ونقل الشيخ الإجماع على ان المتمتع يقطعها وجوبا عند مشاهدة مكة.

ويدل على ذلك جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «المتمتع إذا نظر الى بيوت مكة قطع التلبية».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته : أين يمسك المتمتع عن التلبية؟ فقال : إذا دخل البيوت بيوت مكة لا بيوت الأبطح».

وعن حنان بن سدير في الموثق عن أبيه (٤) قال : «قال أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهما‌السلام) : إذا رأيت أبيات مكة فاقطع التلبية». وما رواه الشيخ في الموثق عن معاوية بن عمار ـ والكليني في الصحيح عنه ايضا ـ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «إذا دخلت مكة وأنت متمتع فنظرت الى بيوت مكة فاقطع التلبية. وحد بيوت

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ٤٣ من الإحرام. والشيخ يرويه عن الكليني.

(٣) الوسائل الباب ٤٣ من الإحرام.

(٥) الفروع ج ٤ ص ٣٩٩ ، والتهذيب ج ٥ ص ٩٤ ، والوسائل الباب ٤٣ و ٤٤ و ٤٥ من الإحرام.


مكة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين ، وان الناس قد أحدثوا بمكة ما لم يكن. فاقطع التلبية. وعليك بالتكبير والتهليل والتحميد والثناء على الله (عزوجل) ما استطعت. وان كنت قارنا بالحج فلا تقطع التلبية حتى يوم عرفة عند زوال الشمس. وان كنت معتمرا فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم».

أقول : في رواية الشيخين المذكورين لهذا الخبر زيادة في بعض ونقيصة في آخر ، وما ذكرناه هو المجتمع من الروايتين.

وما رواه في الكافي في الصحيح عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (١) «انه سئل عن المتمتع متى يقطع التلبية؟ قال : إذا نظر الى أعراش مكة عقبة ذي طوى. قلت : بيوت مكة؟ قال : نعم».

وقال الشيخ المفيد في المقنعة : وحد بيوت مكة عقبة المدنيين ، وان كان قاصدا لها من طريق العراق فإنه يقطع التلبية إذا بلغ عقبة ذي طوى. والظاهر انه قصد بذلك الجمع بين صحيحة أحمد بن محمد بن ابي نصر المذكورة وبين صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة أو موثقته برواية الشيخين المتقدمين.

واما ما رواه الشيخ في التهذيب عن زيد الشحام عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) ـ قال : «سألته عن تلبية المتعة متى تقطع؟ قال : حين يدخل الحرم». فحمله في الاستبصار على الجواز ، واخبار النظر الى البيوت على الفضل.

وان كان معتمرا بعمرة مفردة فقيل بالتخيير في قطع التلبية بين

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤٣ من الإحرام.


دخول الحرم أو عند مشاهدة الكعبة. وهو مذهب الصدوق. وقيل : ان كان ممن خرج من مكة للإحرام فإذا شاهد الكعبة ، وان كان ممن أحرم من خارج فإذا دخل الحرم. واليه ذهب الشيخ ومن تبعه. وما صرح به الشيخ صرح به في الشرائع.

ومنشأ الخلاف اختلاف الاخبار ظاهرا ، فإنه قد روى الصدوق في من لا يحضره الفقيه (١) في الصحيح عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «من أراد ان يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة والحديبية وما أشبههما ،. ومن خرج من مكة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة».

وفي الموثق عن يونس بن يعقوب (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يعتمر عمرة مفردة ، من اين يقطع التلبية؟ قال : إذا رأيت بيوت ذي طوى فاقطع التلبية».

وعن الفضيل بن يسار (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) قلت : دخلت بعمرة ، فأين اقطع التلبية؟ قال : حيال العقبة عقبة المدنيين؟ قلت : اين عقبة المدنيين؟ قال : حيال القصارين».

وعن مرازم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «يقطع صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم».

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٧٦ ، والوسائل الباب ٢٢ من المواقيت ، والباب ٤٥ من الإحرام.

(٢ و ٣) الفقيه ج ٢ ص ٢٧٧ ، والتهذيب ج ٥ ص ٩٥ و ٩٦ ، والوسائل الباب ٤٥ من الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٤٥ من الإحرام.


ثم قال بعد ذكر هذه الروايات : وروى (١) : انه يقطع التلبية إذا نظر الى المسجد الحرام.

ثم قال (٢) : هذه الاخبار كلها صحيحة ، متفقة ليست بمختلفة ، والمعتمر عمرة مفردة في ذلك بالخيار يحرم من اي ميقات من هذه المواقيت شاء ، ويقطع التلبية في أي موضع من هذه المواضع شاء ، وهو موسع عليه. ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وقال الشيخ (٣) بعد نقل هذه الروايات ، ورواية عمر بن يزيد الأخرى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «من دخل مكة مفردا للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإبل أخفافها في الحرم» : الوجه في الجمع بين هذه الاخبار ان نحمل الرواية الأخيرة ـ يعني : رواية الفضيل ـ على من جاء من طريق المدينة خاصة ، فإنه يقطع التلبية عند عقبة المدنيين ، والرواية التي قال فيها : «انه يقطع التلبية عند ذي طوى» على من جاء من طريق العراق ، والرواية التي تضمنت عند النظر إلى الكعبة على من يكون قد خرج من مكة للعمرة. وعلى هذا الوجه لا تنافي بينها ولا تضاد. والرواية التي ذكرناها في الباب الأول «انه يقطع المعتمر التلبية إذا دخل الحرم» نحملها على الجواز وهذه الروايات مع اختلاف أحوالها على الفضل والاستحباب. وكان أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه (رحمه‌الله تعالى) حين روى هذه

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٧٧ ، والوسائل الباب ٤٥ من الإحرام.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٧٧.

(٣) الاستبصار ج ٢ ص ١٧٧ و ١٧٨.

(٤) الوسائل الباب ٤٥ من الإحرام.


الروايات حملها على التخيير حين ظن أنها متنافية ، وعلى ما فسرناه ليست متنافية ، ولو كانت متنافية لكان الوجه الذي ذكره صحيحا.

أقول : الوجه هو رجحان ما ذكره الشيخ (رحمه‌الله) وهو الذي استظهره في المسالك ، قال بعد نقل عبارة المصنف : والتفصيل قول الشيخ (رحمه‌الله تعالى) تنزيلا لاختلاف الاخبار على اختلاف حال المعتمر فان كان قد خرج من مكة للإحرام بالعمرة المفردة من خارج الحرم فلا سبيل الى العمل بمدلول الأخبار المتضمنة لقطعها إذا دخل الحرم فإنه قد لا يكون بين موضع الإحرام وأول الحرم مسافة توجب التفصيل فيقطعها إذا شاهد الكعبة ، وان كان قد جاء محرما بها من أحد المواقيت فإذا دخل الحرم. وهذا هو الأصح. انتهى. وهو جيد.

ومنها ـ أن يشترط في إحرامه أن يحله حيث حبسه وفوائد هذا الاشتراط ، وان لم تكن حجة فعمرة. واستحباب ذلك من ما اجمع عليه أصحابنا وأكثر العامة (١).

والأصل فيه الأخبار المستفيضة ، كقول ابي عبد الله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (٢) الواردة في كيفية الإحرام : «اللهم اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فان عرض لي شي‌ء يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي ، اللهم ان لم تكن حجة فعمرة».

وصحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال :

__________________

(١) المغني لابن قدامة الحنبلي ج ٣ ص ٢٨٢.

(٢) ص ٢٩.

(٣) الوسائل الباب ١٦ من الإحرام.


«إذا أردت الإحرام والتمتع فقل : اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج ، فيسر ذلك لي وتقبله مني واعني عليه ، وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي».

ورواية الفضيل بن يسار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربه ان يحله حيث حبسه. ومفرد الحج يشترط على ربه ان لم تكن حجة فعمرة».

ورواية أبي الصباح الكناني (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يشترط في الحج ، كيف يشترط؟ قال : يقول حين يريد ان يحرم : ان حلني حيث حبستني ، فإن حبستني فهي عمرة. الحديث».

وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد عن حنان بن سدير في الموثق (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : إذا أتيت مسجد الشجرة فافرض. قلت : فأي شي‌ء الفرض؟ قال : تصلي ركعتين ثم تقول : اللهم اني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج ، فإن أصابني قدرك فحلني حيث حبستني بقدرك. فإذا أتيت الميل فلبه».

والظاهر حصول الاشتراط بأي لفظ كان إذا أفاد معناه ، كما صرح به في المنتهى ، وان كان الإتيان بالمرسوم اولى.

والمستفاد من بعض الاخبار المذكورة ان وقته بعد الصلاة ، كما صرح به في صحيحة معاوية بن عمار ، ورواية قرب الاسناد.

والظاهر عدم حصول الاشتراط بمجرد النية بل لا بد من التلفظ به وقوفا على ظاهر الاخبار المذكورة. وتردد في المنتهى.

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٢٣ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٢٣ و ٢٤ من الإحرام.


واختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في فائدة هذا الاشتراط وما يترتب عليه على أقوال :

أحدها ـ ان فائدته سقوط الهدى مع الإحصار ، وهو المنع بالمرض فيحصل التحلل متى اشترط بمجرد النية. وهو قول السيد المرتضى وابن إدريس ، مدعيين إجماع الفرقة عليه.

وقيل بعدم السقوط. وهو منقول عن الشيخ وابن الجنيد ، واختاره في المختلف ، وقواه في المنتهى.

ويدل على الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن ذريح المحاربي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج ، وأحصر بعد ما أحرم ، كيف يصنع؟ قال : فقال : أو ما اشترط على ربه قبل ان يحرم ان يحله من إحرامه عند عارض عرض له من أمر الله؟ فقلت : بلى قد اشترط ذلك قال : فليرجع إلى أهله حلالا لا إحرام عليه ، ان الله أحق من وفى بما اشترط عليه. قلت : أفعليه الحج من قابل؟ قال : لا».

وصحيحة البزنطي (٢) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن محرم انكسرت ساقه ، أي شي‌ء يكون حاله؟ وأي شي‌ء عليه؟ قال : هو حلال من كل شي‌ء. فقلت : من النساء والثياب والطيب؟ فقال : نعم من جميع ما يحرم على المحرم. وقال : أو ما بلغك قول ابي عبد الله (عليه‌السلام) : وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي. الحديث».

والتقريب فيهما انهما دلتا على التحلل بمجرد الإحصار متى اشترط

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٨١ ، والوسائل الباب ٢٤ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ١ و ٨ من الإحصار والصد.


من غير تعرض لاعتبار الهدى ، ولو كان واجبا لذكره في مقام البيان.

احتج الشيخ على عدم السقوط بقوله تعالى «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» (١) وأجاب عنه السيد بأنه محمول على من لا يشترط. وهو غير بعيد. ويؤيده ايضا ان المتبادر من قوله : «وحلني حيث حبستني» أن التحلل لا يتوقف على شي‌ء أصلا.

قال في المدارك : وموضع الخلاف من لم يسق الهدى ، اما السائق فقال فخر المحققين انه لا يسقط عنه بإجماع الأمة.

أقول : ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) وبسند آخر صحيح عن رفاعة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «انهما قالا : القارن يحصر ، وقد قال واشترط : فحلني حيث حبستني. قال : يبعث بهديه. قلت : هل يتمتع في قابل؟ قال : لا ولكن يدخل في مثل ما خرج منه».

إلا ان الصدوق في الفقيه (٣) قد ذكر هذا المضمون وقال : فلا يبعث بهديه. قال (قدس‌سره) : «والقارن إذا أحصر وقد اشترط وقال : «وحلني حيث حبستني» فلا يبعث بهديه ولا يستمتع من قابل ، ولكن يدخل في مثل ما خرج منه». وظاهره ـ كما ترى ـ انه يتحلل بمجرد الشرط وان كان قارنا ، ولا يجب عليه بعث ما ساقه. ومنه يظهر وقوع الخلاف في المسألة وعدم ثبوت الإجماع المدعى. وهو ظاهر في ان

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٤٢٣ ، والوافي باب (المحصور والمصدود) والوسائل الباب ٤ من الإحصار والصد.

(٣) ج ٢ ص ٣٠٥ و ٣٠٦.


مذهب الصدوق في هذه المسألة هو ما ذهب اليه المرتضى.

إذا عرفت هذا فاعلم ان الروايات هنا قد اختلفت في وجوب الحج من قابل وعدمه في الصورة المذكورة.

فمن ما يدل على العدم ما تقدم في صحيحة ذريح وصحيحتي محمد بن مسلم ورفاعة المتقدمتين وغيرهما ايضا.

ومن ما يدل على الوجوب قوله في تتمة صحيحة البزنطي المتقدمة (١) «قلت : أصلحك الله ما تقول في الحج؟ قال : لا بد أن يحج من قابل».

وما رواه الشيخ في التهذيب (٢) في الصحيح عن ابي بصير ـ وهو المرادي بقرينة عبد الله بن مسكان عنه ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يشترط في الحج : ان حلني حيث حبستني. أعليه الحج من قابل؟ قال : نعم».

وفي تتمة رواية أبي الصباح الكناني المتقدمة بعد ذكر ما قدمنا نقله منها (٣) «فقلت له : فعليه الحج من قابل؟ قال : نعم». وقال صفوان (٤) : قد روى هذه الرواية عدة من أصحابنا كلهم يقول : ان عليه الحج من قابل.

والشيخ قد جمع بين هذه الاخبار الوجوب على حجة الإسلام واخبار العدم على الحج المستحب. وهو جيد.

وثانيها ـ ان فائدته جواز التحلل عند الإحصار من غير تربص الى ان يبلغ الهدي محله ، فإنه لو لم يشترط لم يجز له التعجيل. وهو ظاهر

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من الإحصار والصد.

(٢) ج ٥ ص ٨٠ و ٨١ ، والوسائل الباب ٢٤ من الإحرام ، والباب ٨ من الإحصار والصد.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٤ من الإحرام.


المحقق في الشرائع وصريحة في النافع ، حيث قال في الأول : الرابعة ـ إذا اشترط في إحرامه ان يحله حيث حبسه ثم أحصر تحلل ، وهل يسقط الهدي؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه. وفائدة الاشتراط جواز التحلل عند الإحصار. وقيل : يجوز التحلل من غير شرط ، والأول أظهر. والتقريب فيها ـ بناء على ما ذكرناه ـ ان قوله : «وفائدة الاشتراط» جواب سؤال مقدر ، وهو ان يقال : إذا أوجبتم هدي التحلل على المحصور وان اشترط على ربه ان يحله حيث حبسه ، فما فائدة هذا الاشتراط؟ ـ وهذا هو الذي اعترض به ابن إدريس على الشيخ في القول المتقدم ـ وإذا لم يكن للشرط فائدة فقد انتفت شرعيته ، وأنتم لا تقولون به. فأجاب ان فائدته جواز التحلل اي تعجيله للمحصور عند الإحصار من غير تربص الى ان يبلغ الهدي محله ، فإنه لو لم يشترط لم يجز له التعجيل. واما عبارة النافع فإنها صريحة في ذلك ، حيث قال : ولا يسقط هدي التحلل بالشرط بل فائدته جواز التحلل للمحصور من غير تربص.

وثالثها ـ ان فائدة هذا الشرط سقوط الحج في القابل عن من فاته الموقفان. ذكره الشيخ في التهذيب.

واستدل عليه بما رواه في الصحيح عن ضريس بن أعين (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج ، فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر. فقال : يقيم على إحرامه ، ويقطع التلبية حين يدخل مكة ، فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٢٩٥ و ٢٩٦ ، والوسائل الباب ٢٧ من الوقوف بالمشعر. والحديث عن ابي جعفر (ع).


رأسه ، وينصرف إلى اهله ان شاء. وقال : هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه ، فان لم يكن اشترط فان عليه الحج من قابل».

واستشكله العلامة في المنتهى بان الحج الفائت ان كان واجبا لم يسقط فرضه في العام القابل بمجرد الاشتراط ، وان لم يكن واجبا لم يجب بترك الاشتراط. ثم قال : والوجه حمل إلزام الحج في القابل مع ترك الاشتراط على شدة الاستحباب. انتهى. وهو جيد. ويؤكده ما صرح به في المنتهى في موضع آخر ، حيث قال : الاشتراط لا يفيد سقوط فرض الحج في القابل لو فاته الحج ، ولا نعلم فيه خلافا. ثم أورد صحيحة أبي بصير ورواية أبي الصباح الكناني المتقدمتين (١) ثم قال : واما ما رواه جميل بن صالح عن ذريح المحاربي. وساق الرواية المتقدمة (٢) ثم نقل عن الشيخ حملها على من كان حجه تطوعا ، واستحسنه. وبالجملة فإن الظاهر ان القول المذكور لا وجه له وروايته متأولة.

ورابعا ـ ان فائدة هذا الشرط استحقاق الثواب بذكره في عقد الإحرام ، لأنه مأمور به ، وان لم يحصل له فائدة لم تحصل بدون الاشتراط. وهو قول شيخنا الشهيد الثاني في جملة من مصنفاته ، قال في المسالك بعد ذكر الفوائد الثلاث المذكورة : وكل واحدة من هذه الفوائد لا تأتي على جميع الأفراد التي يستحب فيها الاشتراط : اما سقوط الهدى فمخصوص بغير السائق ، إذ لو كان قد ساق هديا لم يسقط واما تعجيل التحلل فمخصوص بالمحصر دون المصدود. واما كلام التهذيب فمخصوص بالمتمتع. وظاهر ان ثبوت التحلل بالأصل ، والعارض

__________________

(١) ص ١٠١ و ١٠٤.

(٢) ص ١٠٢.


لا مدخل له في شي‌ء من الأحكام. واستحباب الاشتراط ثابت لجميع افراد الحج. ومن الجائز كونه تعبدا أو دعاء مأمورا به يترتب على فعله الثواب. انتهى.

قال في المدارك بعد نقل الأقوال المذكورة : والذي يقتضيه النظر ان فائدته سقوط التربص عن المحصر ، كما يستفاد من قوله (عليه‌السلام) : «وحلني حيث حبستني» وسقوط الهدي عن المصدود ، لما ذكرناه من الأدلة. مضافا الى ضعف دليل وجوبه بدون الشرط ، كما سنبينه في محله. بل لا يبعد سقوطه مع الحصر ايضا ، كما ذهب اليه المرتضى وابن إدريس. ولا ينافي ذلك قوله (عليه‌السلام) في حسنة زرارة (١) : «هو حل إذا حبسه اشترط أو لم يشترط». لأن أقصى ما يستفاد من الرواية ثبوت التحلل مع الحبس في الحالين ، ونحن نقول به. ولا يلزم من ذلك تساويهما من كل وجه ، فيجوز افتراقهما بسقوط الدم مع الشرط ولزومه بدونه. والله أعلم بحقائق أحكامه.

أقول : لا يخفى ان الظاهر من حسنة زرارة المذكورة الدالة على انه حل إذا حبسه شرط أو لم يشترط ـ ومثلها ما رواه في الفقيه (٢) عن حمزة بن حمران قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من الإحرام.

(٢) ج ٢ ص ٣٠٦ ، والوسائل الباب ٢٣ من الإحرام ، والباب ٨ من الإحصار والصد. واللفظ فيه هكذا : «سأل حمزة بن حمران أبا عبد الله (ع) عن الرجل يقول ...» وما أورده (قدس‌سره) يطابق ما في الفروع ج ٤ ص ٣٣٣ ، والتهذيب ج ٥ ص ٨٠.


الذي يقول : حلني حيث حبستني. فقال : هو حل حيث حبسه قال أو لم يقل». وروى مثله عن حمران بن أعين (١) ـ انما هو التحلل بمجرد الحبس الذي هو عبارة عن الصد والحصر. وهو بالنسبة إلى المصدود ظاهر ، لما دلت عليه الاخبار. مضافا الى اتفاق أكثر الأصحاب من انه يتحلل بذبح الهدي في مكانه. اما المحصور الذي دلت الأخبار المعتضدة بكلام الأصحاب على انه لا يتحلل حتى يبلغ الهدي محله ، من منى ان كان في حج ، ومكة ان كان في عمرة ـ ومع هذا يبقى عليه تحريم النساء الى ان يأتي بالمناسك في العام القابل ان كان الحج واجبا ، أو طواف النساء ان كان مستحبا ، كما سيأتي ان شاء الله (تعالى) جميع ذلك مفصلا في بابه ـ فكيف يصدق عليه انه حل حيث حبسه شرط أو لم يشترط؟ إذ المتبادر من هذه العبارات إنما هو حله بمجرد الحبس من غير توقف على أمر آخر وهو في المحصور مع عدم الاشتراط ليس كذلك. واما مع الاشتراط فيبني على الخلاف.

وبالجملة فظاهر الخبرين المذكورين ـ بناء على ما عرفت ـ لا يخلو من الاشكال. وبذلك يظهر لك ما في قوله : «لأن أقصى ما يستفاد من الرواية ثبوت التحلل مع الحبس في الحالين ونحن نقول به» فان فيه : انه إذا أراد ثبوت التحلل مع الحبس بالنسبة إلى الحصر بمجرد الحبس وان كان مع عدم الشرط فهو لا يقول به ولا غيره ، وان أراد في الجملة ولو كان بعد بلوغ الهدى محله فهو خلاف ظاهر الخبر المذكور. وكذا الخبر الآخر.

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٠٧ ، والوسائل الباب ٢٣ و ٢٥ من الإحرام.


والظاهر ايضا من اخبار هدي المحصور ان الغرض منه إنما هو التحلل به ، وان صاحبه يبقى على إحرامه إلى يوم الوعد بينه وبين أصحابه ، ثم يحل في الساعة التي وأعدهم. وحينئذ فإن كان مجرد الحبس موجبا للحل كما هو ظاهر الروايتين المذكورتين فلا وجه للهدي حينئذ ، لأن الغرض من الهدي بمعاونة الأخبار المشار إليها إنما هو التحلل ، وهو قد تحلل بمجرد الحبس كما دل عليه الخبران المذكوران. وبذلك يظهر ما في قوله (قدس‌سره) : «فيجوز افتراقهما بسقوط الدم مع الشرط ولزومه بدونه» بل لا فرق بينهما بظاهر الخبرين المشار إليهما.

والعجب انه تبعه على هذه المقالة جمع ممن تأخر عنه : منهم ـ الفاضل الخراساني في الذخيرة ، والمحدث الكاشاني في الوافي ، ولم يتنبهوا لما فيه من الاشكال المذكور.

وبالجملة فالمسألة عندي من جهة هذين الخبرين محل اشكال. والله العالم.

ومنها ـ التلفظ بما عزم عليه. ذكر ذلك جملة من الأصحاب.

ويدل عليه جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له : اني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج ، فكيف أقول؟ قال : تقول : اللهم اني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك (صلى‌الله‌عليه‌وآله). وان شئت أضمرت الذي تريد».

وعن ابي الصلاح مولى بسام الصيرفي (٢) قال : «أردت الإحرام

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ١٧ من الإحرام. وارجع الى التعليقة (٢) ص ٣٠.


بالمتعة ، فقلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : كيف أقول؟ قال : تقول : اللهم اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك (صلى‌الله‌عليه‌وآله). وان شئت أضمرت الذي تريد».

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أردت الإحرام والتمتع فقل : اللهم اني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج ، فيسر ذلك لي ، وتقبله مني ، واعني عليه وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي ، أحرم لك شعري وبشري من النساء والطيب والثياب. وان شئت فلب حين تنهض ، وان شئت فأخره حتى تركب بعيرك وتستقبل القبلة فافعل».

قال السيد السند (قدس‌سره) في المدارك في هذا المقام : والأفضل ان يذكر في تلبية عمرة التمتع الحج والعمرة معا ، على معنى أنه ينوي فعل العمرة أولا ثم الحج بعدها باعتبار دخولها في حج التمتع لقوله (عليه‌السلام) في صحيحة الحلبي (٢) : «ان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) كان يقول فيها : لبيك بحجة وعمرة معا لبيك». وفي صحيحة يعقوب بن شعيب (٣) «فقلت له : كيف تصنع أنت؟ قال : اجمعهما فأقول : لبيك بحجة وعمرة معا». ولو أهل المتمتع بالحج جاز ، لدخول عمرة التمتع فيه ، كما تدل عليه صحيحة زرارة (٤) قال :

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ١٧ و ٢١ من الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٢٢ من الإحرام. والحديث في النسخ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) وهو عن ابي جعفر (عليه‌السلام) كما أوردناه.


«قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : كيف أتمتع؟ قال : تأتي الوقت فتلبي بالحج ، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت ، وصليت ركعتين خلف المقام ، وسعيت بين الصفا والمروة ، وقصرت ، وأحللت من كل شي‌ء. وليس لك ان تخرج من مكة حتى تحج». قال الشهيد في الدروس ـ بعد ان ذكر ان في بعض الروايات الإهلال بعمرة التمتع ، وفي بعضها الإهلال بالحج ، وفي بعض آخر الإهلال بهما ـ : وليس ببعيد اجزاء الجميع ، إذ الحج المنوي هو الذي دخلت فيه العمرة. فهو دال عليها بالتضمن ، ونيتهما معا باعتبار دخول الحج فيها. وهو حسن. قال في المنتهى : ولو اتقى كان الأفضل الإضمار. واستدل عليه بروايات : منها ـ صحيحة منصور بن حازم (١) قال : «أمرنا أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان نلبي ولا نسمي شيئا. وقال : أصحاب الإضمار أحب الي». ولا بأس به. انتهى كلام السيد (قدس‌سره).

أقول : لا يخفى على من راجع الأخبار الجارية في هذا المضمار انه لما كان الحج الواجب على أهل الآفاق هو حج التمتع ، والأفضل من افراد الحج بعد الإتيان بحج الإسلام هو حج التمتع ايضا ، وكان العامة يبالغون في المنع من التمتع (٢) خرجت الاخبار في التلبية بحج التمتع مختلفة باختلاف مقتضيات الأحوال ، فجملة منها تضمن التلبية بالحج والعمرة ، وجملة خرجت بالتلبية بالحج ـ يعني : حج

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من الإحرام.

(٢) ارجع الى الصفحة ٣٥٨ و ٣٥٩ و ٤٠٥ من الجزء الرابع عشر من الحدائق.


الافراد ـ مع إضمار نية العدول عنه بعد الوصول إلى مكة والإتيان بالطواف والسعي. ولكن اخبار هذا القسم ما بين مجمل ـ كصحيحة زرارة التي نقلها وحملها على حج التمتع ، وان تقدمه في ذلك في الدروس كما نقله عنه ـ وما بين مصرح بالفسخ بعد الدخول إلى مكة كصحيحة البزنطي التي قدمناها في الفائدة الرابعة من الفوائد الملحقة بمسألة النية من المقصد الثاني (١) ومثلها صحيحة زرارة المنقولة عن كتاب الكشي كما قدمنا ذكرها ايضا (٢) وروايات أخر تقدمت في الموضع المذكور (٣). والفاضلان المذكوران لعدم وقوفهما على تلك الروايات حملوا هذه الرواية ـ ومثلها صحيحة البزنطي الأخرى (٤) لإجمالها ايضا ـ على حج التمتع. وهو سهو محض ، فإنه لا يخفى على من لا حظ الاخبار بعين التدبر والاعتبار ان لفظ الحج بقول مطلق انما يراد به حج الافراد ، وكذا في عبارات الأصحاب أيضا. وجملة منها قد تضمنت الأمر بالإضمار. وسبيل هذين القسمين الأخيرين هو التقية فربما نادت بالإضمار ، وربما لم تناد إلا بالإجهار بالتلبية بحج الافراد فيلبي به ويضمر الفسخ بعد دخوله مكة.

ومن ما يستأنس به لما ذكرناه ـ زيادة على ما قدمناه في الموضع المشار اليه من الروايات الواضحة ـ صحيحة الحلبي التي نقل عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ما ذكره (٥) هذه صورتها : عن الحلبي عن

__________________

(١) ص ٣٥.

(٢) ص ٣٥ و ٣٦ ، وج ١٤ ص ٤٠١.

(٣) ص ٣٧ و ٣٨.

(٤) ص ٣٦.

(٥) الوسائل الباب ٢١ من الإحرام.


ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «ان عثمان خرج حاجا ، فلما صار الى الأبواء أمر مناديا ينادي بالناس : اجعلوها حجة ولا تمتعوا. فنادى المنادي ، فمر المنادي بالمقداد بن الأسود ، فقال : اما لتجدن عند القلائص رجلا ينكر ما تقول. فلما انتهى المنادي الى علي (عليه‌السلام) وكان عند ركائبه يلقمها خبطا ودقيقا ، فلما سمع النداء تركها ومضى الى عثمان ، فقال : ما هذا الذي أمرت به؟ فقال : رأي رأيته. فقال : والله لقد أمرت بخلاف رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم أدبر موليا رافعا صوته : لبيك بحجة وعمرة معا لبيك. الحديث» (١).

أقول : حيث كان عثمان لما فعله من البدع قد سقط قدره من أعين الناس لم يتقه وجاهر بخلافه. ولكن سنته وسنن أمثاله جرت بعد ذلك.

واماصحيحة يعقوب بن شعيب فهي ما رواه عنه في التهذيب (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقلت : كيف ترى لي ان أهل؟ فقال لي : ان شئت سميت وان شئت لم تسم شيئا. فقلت له : كيف تصنع أنت؟ فقال : اجمعهما فأقول : «لبيك بحجة وعمرة معا». ثم قال : اما اني قد قلت لأصحابك غير هذا».

ومنها ـ أن يحرم في الثياب القطن الأبيض.

أما استحباب كونها قطنا فاستدل عليه

بما رواه الكليني في الكافي عن الحسن بن علي عن بعض أصحابنا عن بعضهم (عليهم‌السلام) (٣) قال : «أحرم

__________________

(١) صحيح البخاري باب (التمتع والافراد والقران في الحج) وصحيح مسلم باب (جواز التمتع).

(٢) ج ٥ ص ٨٨ ، والوسائل الباب ١٧ و ٢١ من الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٢٧ من الإحرام.


رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في ثوبي كرسف». ورواه الصدوق ايضا مرسلا (١).

واما استحباب البيض فلما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) انه قال : «خير ثيابكم البياض ، فألبسوها أحياءكم ، وكفنوا بها موتاكم».

والظاهر ان هذه الرواية عامية ، فإني لم أقف عليها في كتب الاخبار.

إلا انه قد روي نحو هذا المضمون في عدة من أخبارنا : منها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن جابر عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ليس من لباسكم شي‌ء أحسن من البياض فالبسوه ، وكفنوا فيه موتاكم».

وما رواه في الكافي في الموثق عن ابن القداح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : البسوا البياض ، فإنه أطيب واطهر. وكفنوا فيه موتاكم».

وعن مثنى الخياط عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : البسوا البياض ، فإنه أطيب وأطهر

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٧ من الإحرام.

(٢) نقل في الوسائل الباب ١٤ من أحكام الملابس عن مجالس الشيخ عن أبي هريرة عن النبي (ص) ما يقارب هذا اللفظ. وكذا في المسند لأبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي ج ١ ص ٢٤٠.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ١٩ من التكفين ، والباب ١٤ من أحكام الملابس.

(٥) الوسائل الباب ١٩ من التكفين.


وكفنوا فيه موتاكم».

ويمكن تأييدها بصحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «كان ثوبا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اللذان أحرم فيهما يمانيين عبري وأظفار ، وفيهما كفن». ووجه التأييد ما ورد من استحباب التكفين في الثياب البيض (٢).

ولا بأس بالإحرام بالثوب الأخضر ، لما رواه الصدوق والكليني عن خالد بن ابي العلاء الخفاف (٣) قال : «رأيت أبا جعفر (عليه‌السلام) وعليه برد أخضر وهو محرم».

والمصبوغ بمشق ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «سمعته وهو يقول : كان علي (عليه‌السلام) محرما ومعه بعض صبيانه ، وعليه ثوبان مصبوغان ، فمر به عمر بن الخطاب فقال : يا أبا الحسن ما هذان الثوبان المصبوغان؟ فقال (عليه‌السلام) : ما نريد أحدا يعلمنا بالسنة ، إنما هما ثوبان صبغا بالمشق ، يعني : الطين».

والخز ، لما رواه الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن محمد بن عبد الله الحميري (٥) «انه كتب الى صاحب الزمان (عليه‌السلام) : هل يجوز للرجل ان يحرم في كساء خز أم لا؟ فكتب إليه في الجواب :

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من التكفين ، والباب ٢٧ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ١٩ من التكفين.

(٣) الوسائل الباب ٢٨ من الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٤٢ من تروك الإحرام.

(٥) الوسائل الباب ٣٢ من الإحرام.


لا بأس بذلك ، وقد فعله قوم صالحون». ورواه الشيخ في كتاب الغيبة مثله (١).

وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٢) «انه سأل أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المحرم يلبس الخز؟ قال : لا بأس». ورواه الكليني مثله (٣).

والبرد ، لما رواه الصدوق (قدس‌سره) بإسناده عن حماد النواء (٤) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) ـ أو سئل وهو حاضر ـ عن المحرم يحرم في برد؟ قال : لا بأس به ، وهل كان الناس يحرمون إلا في البرد».

وعن عمرو بن شمر عن أبيه (٥) قال : «رأيت أبا جعفر (عليه‌السلام) وعليه برد مخفف وهو محرم». والظاهر ان معنى قوله : «مخفف» اي رقيق شفاف يرى ما تحته.

المقصد الثالث في أحكام الإحرام

وقد تقدم أكثرها في المباحث المتقدمة ، إلا انه بقي جملة منها يجب تحريرها في مسائل :

الأولى ـ لا يجوز لمن عقد إحراما أن يعقد إحراما آخر حتى يأتي بأفعال ما أحرم له أو لا كملا ، والظاهر انه لا خلاف فيه كما يظهر من المنتهى.

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٣٢ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٣٢ من الإحرام. والمسؤل في الوسائل هو أبو الحسن (ع) كما أورده ، وفي الفقيه ج ٢ ص ٢١٨ هو أبو عبد الله (ع).

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٨ من الإحرام.


ويدل عليه قوله (عزوجل) «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ» (١) وبإدخال أحدهما على الآخر لا يحصل الإتمام.

ويدل عليه أيضا الأخبار الدالة على كيفية كل من هذه الأفراد التي يحرم لها من عمرة التمتع وحجه وحج الافراد وعمرته ، فإنها صريحة في وجوب إكمال كل منها ، فإدخال بعضها في بعض خلاف الكيفية المستفادة من الشرع ، فيكون تشريعا.

وعلى هذا فلو أحرم بحج التمتع قبل التقصير من عمرته ، فان كان ناسيا فالمشهور انه لا شي‌ء عليه. وقيل عليه دم ، نقل ذلك عن الشيخ علي بن بابويه والشيخ الطوسي وابن البراج. وحكى العلامة في المنتهى قولا لبعض الأصحاب ببطلان الإحرام الثاني والبقاء على الإحرام الأول مع انه قال في المختلف : لو أخل بالتقصير ساهيا وادخل إحرام الحج على العمرة سهوا لم يكن عليه إعادة الإحرام وتمت عمرته إجماعا وصح إحرامه. ثم نقل الخلاف في وجوب الدم خاصة.

وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في رجل متمتع نسي أن يقصر حتى أحرم بالحج؟ قال : يستغفر الله تعالى».

وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٣) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج ، فدخل مكة فطاف وسعى ، ولبس ثيابه وأحل ، ونسي أن يقصر حتى خرج الى عرفات.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٥٤ من الإحرام. والشيخ يرويه عن الكليني.


قال : لا بأس به ، يبنى على العمرة وطوافها وطواف الحج على أثره».

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل أهل بالعمرة ونسي أن يقصر حتى دخل في الحج. قال : يستغفر الله ولا شي‌ء عليه ، وتمت عمرته».

احتج الشيخ على وجوب الدم بما رواه عن إسحاق بن عمار في الموثق (٢) قال : «قلت لأبي إبراهيم (عليه‌السلام) : الرجل يتمتع فينسى أن يقصر حتى يهل بالحج؟ فقال : عليه دم يهريقه».

قال في الفقيه (٣) : الدم على الاستحباب ، والاستغفار يجزئ عنه والخبران غير مختلفين.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٤) : وان نسي المتمتع التقصير حتى يهل بالحج كان عليه دم. وروى يستغفر الله.

وهذا هو مستند الشيخ على بن بابويه ، بل الظاهر ان عبارته ـ لو نقلت ـ عين هذه العبارة ، كما عرفته في غير موضع من ما تقدم.

وان كان عامدا فقيل انه تبطل عمرته ويصير حجة مفردا ، ذهب اليه الشيخ وجمع من الأصحاب : منهم ـ الشهيد في شرح الإرشاد ، وصاحب الجامع على ما نقله فيه ايضا ، والعلامة في المختلف والتذكرة والمنتهى ، والشهيد الثاني في المسالك ، والظاهر انه المشهور. وذهب

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٤ من الإحرام ، والباب ٦ من التقصير. والشيخ يرويه عن الكليني.

(٢) الوسائل الباب ٥٤ من الإحرام ، والباب ٦ من التقصير.

(٣) ج ٢ ص ٢٣٧ ، والوسائل الباب ٦ من التقصير.

(٤) ص ٢٩.


ابن إدريس إلى بطلان الإحرام الثاني والبقاء على الإحرام الأول.

استدل الشيخ في التهذيب على ما ذهب اليه بما رواه في الموثق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «المتمتع إذا طاف وسعى ثم لبى قبل ان يقصر ، فليس له ان يقصر ، وليس له متعة». وهذه الرواية قد وصفها جمع بالصحة : منهم ـ العلامة في التذكرة والمنتهى والمختلف ، والشهيد الثاني في المسالك ، والأول في شرح الإرشاد ، مع ان في طريقها إسحاق بن عمار وهو مشترك بين الثقة والفطحي.

وعن العلاء بن الفضيل (٢) قال : «سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل ان يقصر. قال : بطلت متعته ، هي حجة مبتولة».

قال في المدارك بعد نقل الخبرين المذكورين : وفي الروايتين قصور من حيث السند ، فيشكل التعويل عليهما في إثبات حكم مخالف للأصل والاعتبار. وهو على أصله الغير الأصيل جيد. وقد عرفت في غير موضع من ما تقدم ان الطعن في الاخبار بضعف السند لا يقوم حجة على الشيخ ونحوه من المتقدمين الذين لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم.

وبالجملة فظاهر الروايتين بطلان المتعة ، والثانية صريحة في كونها تصير حجة مفردة. ولا معارض لهما.

وما ذكره في الدروس في الجواب عنهما ـ بالحمل على متمتع عدل عن الافراد ثم لبى بعد السعى ، قال : لانه روى التصريح بذلك ـ

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ١٥٩ ، والوسائل الباب ٥٤ من الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٩٠ ، والوسائل الباب ٥٤ من الإحرام.


فقد رده في المدارك بأنه حمل بعيد ، قال : وما ادعاه من النص لم نقف عليه.

أقول : اما ما ذكره من بعد الحمل فجيد ، لان ظاهر الروايتين المذكورتين ان الطواف والسعي إنما وقع بنية المتعة ، فالحمل ـ على انهما وقعا بنية الافراد ، وانه عدل عن الافراد بعدهما الى التمتع ونقل ما اتى به الى عمرة التمتع ـ تعسف محض. واما ما ذكره ـ من ان ما ادعاه من النص لم يقف عليه ـ فعجيب ، فإنه قد قدم في مسألة جواز عدول المفرد الى التمتع : انه متى طاف وسعى في حج الافراد بعد دخوله مكة وأراد نقله الى التمتع ، فان كان قد لبى بعد الطواف أو بعد السعي امتنع النقل ، لأن التلبية عاقدة للإحرام الأول ، وان لم يلب جاز له العدول. وهذا هو الذي أراده الشهيد هنا ، وهو من ما لا سبيل إلى إنكاره.

ومن روايات المسألة ما رواه في الفقيه عن إسحاق بن عمار ، وفي التهذيب عنه عن ابي بصير (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الرجل يفرد الحج ، فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ثم يبدو له ان يجعلها عمرة؟ قال : ان كان لبى بعد ما سعى قبل ان يقصر فلا متعة له». وهي ظاهرة في ما ذكره الشهيد من ان المفرد متى عدل بعد الطواف والسعي إلا انه لبى بعد السعي فإنه لا متعة له

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٠٤ ، والتهذيب ج ٥ ص ٩٠ ، والوسائل الباب ٥ و ١٩ من أقسام الحج. والحديث في الفقيه عن إسحاق بن عمار عن ابي بصير أيضا. إلا ان صاحب الوسائل نقله في الباب ١٩ من أقسام الحج عن الفقيه وأنهاه إلى إسحاق بن عمار.


بمعنى ان عدوله غير صحيح ، بل يبقى على ما كان عليه حيث عقد إحرامه الأول بالتلبية.

احتج ابن إدريس بأن الإحرام بالحج إنما يسوغ التلبس به بعد التحلل من الأول ، وقبله يكون منهيا عنه ، والنهي في العبادة يقتضي الفساد. وبان الإجماع منعقد على انه لا يجوز إدخال الحج على العمرة ولا العمرة على الحج قبل فراغ مناسكهما.

وأجيب عنه بمنع كون النهي هنا مفسدا ، لرجوعه الى وصف خارج عن ماهية الإحرام. ومنع تحقق الإدخال ، لأن التقصير محلل لا جزء من العمرة.

قال في المدارك بعد نقل هذا الجواب : ويتوجه على الأول : ان المنهي عنه نفس الإحرام ، لأن التلبس به قبل التحلل من إحرام العمرة إدخال في الدين ما ليس منه ، فيكون تشريعا محرما ، ويفسد لأن النهي في العبادة يقتضي الفساد. وإذا كان فاسدا يكون وجوده كعدمه ، ويبقى الحال على ما كان عليه من وجوب التقصير وإنشاء إحرام الحج. وعلى الثاني : ان المستفاد من الاخبار الكثيرة المتضمنة لبيان أفعال العمرة كون التقصير من جملة أفعالها وان حصل التحلل به ، كما في طواف الحج وطواف النساء. وقد صرح بذلك العلامة في المنتهى مدعيا عليه الإجماع. ومتى ثبت كون التقصير نسكا تحقق الإدخال بالتلبس بإحرام الحج قبل الإتيان به جزما. على ان اللازم من ما ذكره المجيب ـ من عدم اقتضاء النهي الفساد ، وعدم تحقق الإدخال المنهي عنه ـ صحة الإحرام بالحج لا صيرورة الحجة مبتولة ، وهم لا يقولون به. ويظهر من المصنف التردد في هذه المسألة حيث اقتصر


على نقل القولين من غير ترجيح لأحدهما. وهو في محله ، وان كان مقتضى الأصل المصير الى ما ذكره ابن إدريس الى ان يثبت سند الروايتين. انتهى.

أقول : لا يخفى ان تصحيح كلام ابن إدريس والذب عنه بما ذكره انما يتجه مع طرح الخبرين كما اعترف به في آخر كلامه ، واما مع العمل بهما عند من لا يرى العمل بهذا الاصطلاح فالقول بهما متعين ، وما ذكره ابن إدريس ساقط ، وما نقله من الجواب عنه والإيراد على الجواب المذكور بما ذكره تطويل بغير طائل. وما قدمناه من الدليل على عدم جواز الإدخال مخصوص بالخبرين المذكورين ، فلا إشكال. على ان اللازم من احتجاج ابن إدريس بعد تصحيحه والذب عنه بما ذكره هو بطلان الإحرام الثاني ، وهو لا ينافي ما دل عليه الخبران من صيرورة الحجة مفردة بذلك.

ثم انه متى صارت الحجة مفردة بذلك ـ كما ذكره الشيخ ـ فيجب إكمالها ، وهل تجزئ عن الفرض الواجب؟ إشكال ينشأ ، من تعلق التكليف بالمتعة وعدم حصول الضرورة المسوغة للعدول كما في غيره من ما تقدم ، ومن عدم الأمر بالإعادة في الخبرين المذكورين مع ان المقام مقام البيان. قال في المسالك : والأقوى انه لا يجزئه عن فرضه لانه عدول اختياري ، ولم يأت بالمأمور به على وجهه. والظاهر ان الجاهل كالعامد ، لدخوله في إطلاق صحيحة أبي بصير (١) وانما خرج الناسي بنص خاص. انتهى. ونقل الشهيد في شرح الإرشاد عن صاحب الجامع انه صرح بعدم الاجزاء عن الفرض ، ثم قال : وهو

__________________

(١) ص ١١٩.


الوجه ، إذ الفرض هو التمتع ولا ضرورة فلا يصح العدول. ويحتمل الاجزاء ، لعدم الأمر بالإعادة فلا يجب ، وإلا لتأخر البيان عن وقت الحاجة أو الخطاب. انتهى.

المسألة الثانية ـ يجب الإحرام من المواقيت المتقدمة على كل من دخل مكة ، فلا يجوز لأحد دخولها بغير إحرام إلا ما استثنى من ما يأتي بيانه.

اما الحكم الأول فيدل عليه ـ مضافا الى اتفاق الأصحاب على الحكم المذكور ـ روايات : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) : هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام؟ فقال : لا إلا ان يكون مريضا أو به بطن».

وفي الصحيح عن عاصم بن حميد (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : أيدخل أحد الحرم إلا محرما؟ قال : لا إلا مريض أو مبطون».

وروى ابن بابويه عن علي بن أبي حمزة (٣) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) عن رجل يدخل مكة في السنة المرة والمرتين والثلاث كيف يصنع؟ قال : إذا دخل فليدخل ملبيا ، وإذا خرج فليخرج محلا».

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم (٤) قال : «سألت أبا جعفر (عليه

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ١٦٥ و ٤٤٨ ، والوسائل الباب ٥٠ من الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ١٦٥ و ٤٤٨ ، والوسائل الباب ٥٠ من الإحرام.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢٣٩ ، والوسائل الباب ٥٠ من الإحرام ، والباب ٦ من العمرة.

(٤) روى الشيخ في التهذيب ج ٥ ص ١٦٥ و ٤٤٨ حديث محمد بن ـ


السلام) : هل يدخل الرجل بغير إحرام؟ فقال : لا إلا ان يكون مريضا أو به بطن».

وظاهر الصحاح الثلاث المذكورة سقوط الإحرام عن المريض مطلقا ، وبه قطع الشيخ في جملة من كتبه ، والمحقق في النافع.

وقال في التهذيب : ان الأفضل للمريض الإحرام. واستدل بما رواه في الصحيح عن رفاعة بن موسى (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل به بطن ووجع شديد ، يدخل مكة حلالا؟ فقال : لا يدخلها إلا محرما. وقال : يحرمون عنه. ان الحطابين والمجتلبة أتوا النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فسألوه ، فأذن لهم ان يدخلوا حلالا».

وبهذا جمع من تأخر عنه ايضا بين هذه الروايات.

ومثل صحيحة رفاعة المذكورة ما رواه في الكافي عنه ايضا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يعرض له المرض الشديد قبل ان يدخل مكة. قال : لا يدخلها إلا بإحرام».

ويمكن الجمع بينها ، بحمل الروايات المبيحة للدخول من غير

__________________

مسلم بطريقين ، وفي كليهما : «هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام؟» وأوردهما في الوسائل في الباب ٥٠ من الإحرام رقم (٢) و (٤) إلا انه أورد الأول بهذا اللفظ : «هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام؟» ورواه الصدوق في الفقيه ج ٢ ص ٢٣٩ بلفظ : «مكة» أيضا. وأورد الحديث في الوافي باب (انه لا يجوز دخول مكة بغير إحرام إلا لعلة) جامعا بين طريقي التهذيب والفقيه ، واللفظ فيه كما أورده المصنف (قدس‌سره) هنا.

(١) التهذيب ج ٥ ص ١٦٥ ، والوسائل الباب ٥٠ و ٥١ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٥٠ من الإحرام.


إحرام على من لا يتمكن من الإتيان بالمناسك ولو بالحمل ، والأخيرين على من يتمكن. ويحتمل ـ ولعله الأقرب ـ حمل خبري رفاعة على التقية ، فإن مذهب أبي حنيفة ـ على ما نقله في المنتهى ـ انه لا يجوز لأحد دخول الحرم بغير إحرام إلا من كان دون الميقات (١). ولا ريب ان مذهب أبي حنيفة في زمانه له صيت وشهرة وقوة بخلاف سائر المذاهب فالتقية أقرب قريب في الخبرين المذكورين.

ويجب على الداخل أن ينوي بإحرامه النسك من حج أو عمرة ، فإن الإحرام وان كان عبادة إلا انه غير مستقل بنفسه بل اما ان يكون لحج أو عمرة. ويجب إكمال النسك الذي تلبس به ليتحلل من الإحرام. ولا يخفى ان الإحرام إنما يوصف بالوجوب مع وجوب الدخول ، وإلا كان شرطا غير واجب كوضوء النافلة.

واما الحكم الثاني فإنه قد استثنى الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) من هذا الحكم مواضع :

أحدها ـ الحطابون والمجتلبة ، ويدل عليه صحيحة رفاعة المتقدمة والظاهر ان المراد بالمجتلبة من يجلب الأشياء الى البلد كالحنطة والدقيق والشعير والحشيش والفواكه ونحوها. والأصحاب قد عبروا هنا بالتكرر قال في المدارك : ومقتضى عبارة المصنف وغيره استثناء كل من يتكرر دخوله وان لم يدخل في قسم المجتلبة. وهو غير بعيد ، وان كان الاقتصار على مورد النص اولى. انتهى. وهو جيد.

وثانيها ـ العبيد ، صرح به الشيخ وجماعة ، فجوزوا لهم دخول مكة بغير إحرام. واستدل عليه في المنتهى بان السيد لم يأذن لهم بالتشاغل

__________________

(١) المغني لابن قدامة ج ٣ ص ٢٦٨.


بالنسك عن خدمته ، فإذا لم تجب عليهم حجة الإسلام لهذا المنع فعدم وجوب الإحرام لذلك اولى. انتهى. وهو جيد. ومرجعه الى ان الإحرام إنما يجب للنسك ، والنسك غير جائز له بدون اذن السيد ، فيسقط الإحرام حينئذ.

وثالثها ـ من دخلها لقتال ، فإنه يجوز ان يدخلها محلا ، كما دخل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأصحابه عام الفتح. والحكم بذلك مشهور بين الأصحاب ، ومستندهم دخوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأصحابه عام الفتح (١). مع ان صحيحة معاوية بن عمار (٢) دلت على انه قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يوم فتح مكة : ان الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، وهي حرام الى ان تقوم الساعة ، لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار.

قال في المنتهى بعد ذكر جواز الدخول بغير إحرام للحطابين والمرضى وكل من يتكرر دخوله إليها : وكذا من يريد دخولها لقتال سائغ ، كأن يرتد قوم فيها ، أو يبغون على امام عادل ، ويحتاج الى قتالهم ، فإنه يجوز له دخولها من غير إحرام ، لأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) دخلها عام الفتح وعليه عمامة سوداء (٣) لا يقال : انه كان مختصا بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لانه قال (عليه‌السلام). وذكر حديث

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٩٨ ، ومشكاة المصابيح ج ٢ ص ٦٢ ، والمغني لابن قدامة ج ٣ ص ٢٦٨.

(٢) الوسائل الباب ٥٠ من الإحرام.

(٣) الإمتاع للمقريزي ج ١ ص ٣٧٧ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٩٨ ، ومشكاة المصابيح ج ٢ ص ٦٢.


معاوية المتقدم. ثم قال : لأنا نقول : يحتمل ان يكون معناه : أحلت لي ولمن هو في مثل حالي. انتهى. ولا يخفى ما فيه.

ومن ما يؤيد صحيحة معاوية المذكورة ما رواه الصدوق في الفقيه بسنده عن كليب الأسدي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) استأذن الله (عزوجل) في مكة ثلاث مرات من الدهر ، فاذن له فيها ساعة من النهار ، ثم جعلها حراما ما دامت السماوات والأرض».

وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب اعلام الورى (٢) نقلا من كتاب ابان بن عثمان عن بشير النبال عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في حديث فتح مكة «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : ألا إن مكة محرمة بتحريم الله ، لم تحل لأحد كان قبلي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ، فهي محرمة الى ان تقوم الساعة ، لا يختلى خلاها ، ولا يقطع شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد. قال : ودخل مكة بغير إحرام وعليهم‌السلام. الحديث».

ورابعها ـ من دخلها بعد خروجه محرما قبل مضي شهره الذي خرج فيه. وقد تقدم تحقيق القول في هذه المسألة في المقدمة الرابعة في المسألة الرابعة من مسائل المطلب الأول في حج التمتع (٣).

المسألة الثالثة ـ إحرام المرأة كإحرام الرجل إلا في أشياء :

أحدها ـ لبس المخيط لهن ، فإنه جائز على المشهور. وقد تقدم

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٠ من الإحرام.

(٢) ص ١١٧ ، والوسائل الباب ٥٠ من الإحرام.

(٣) ج ١٤ ص ٣٦٢.


تحقيق القول فيه (١).

وثانيها ـ الجهر بالتلبية ، فإنه لا جهر عليها.

ويدل عليه ما رواه في الكافي عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ليس على النساء جهر بالتلبية».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن فضالة عن من حدثه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «ان الله (تعالى) وضع عن النساء أربعا : الجهر بالتلبية ، والسعي بين الصفا والمروة ، ودخول الكعبة ، والاستلام». ورواه في الفقيه (٤) عن ابي سعيد المكاري مثله ، وزاد بعد قوله : «المروة» : «يعني : الهرولة» وأضاف «الاستلام» الى «الحجر».

وثالثها ـ التظليل سائرا ، فإنه محرم على الرجال دون النساء.

وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٥) قال : «سألته عن المحرم يركب القبة؟ فقال : لا. قلت : فالمرأة المحرمة؟ قال : نعم».

وصحيحة حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «لا بأس بالقبة على النساء والصبيان وهم محرمون».

__________________

(١) ص ٨٨ و ٨٩.

(٢) الوسائل الباب ٣٨ من الإحرام ، والباب ١٨ من الطواف.

(٣) الوسائل الباب ٣٨ من الإحرام.

(٤) ج ٢ ص ٢١٠ ، والوسائل الباب ٣٨ من الإحرام.

(٥) الوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

(٦) الوسائل الباب ٦٥ من تروك الإحرام.


وصحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس بالظلال للنساء ، وقد رخص فيه للرجال». أقول : يعني : حال الضرورة ، كما يأتي تحقيقه في محله ان شاء الله تعالى.

ورابعها ـ جواز لبس الحرير لها دونه. وقد تقدم الكلام في ذلك (٢).

وخامسها ـ وجوب كشف وجهها دونه ، فإنه يجب عليها ان تسفر عن وجهها إجماعا ، لأن إحرامها في وجهها ، فلا يجوز لها تغطيته.

قال في المنتهى : انه قول علماء الأمصار ، والأصل فيه قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) : «إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها».

ويدل عليه ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «مر أبو جعفر (عليه‌السلام) بامرأة متنقبة وهي محرمة ، فقال : أحرمي وأسفري وارخي ثوبك من فوق رأسك ، فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك. فقال رجل : الى

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

(٢) ص ٨٢.

(٣) هذا اللفظ ورد في حديث عبد الله بن ميمون الآتي غير منسوب إلى النبي (ص). وفي سنن الدار قطني ج ٢ ص ٢٩٤ : عن ابن عمر عن النبي (ص) ولكن في سنن البيهقي ج ٥ ص ٤٧ : انه موقوف على ابن عمر. وفي المغني ج ٣ ص ٣٢٣ : كان ابن عمر يقول : «إحرام الرجل في رأسه». وذكر القاضي في الشرح : ان النبي (ص) قال : «إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها».

(٤) الفروع ج ٤ ص ٣٤٤ ، والوسائل الباب ٤٨ من تروك الإحرام.


أين ترخيه؟ فقال : تغطى عينيها. قال : قلت : يبلغ فمها؟ قال : نعم».

وفي الحسن عن عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) قال : «المحرمة لا تتنقب ، لأن إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه».

وعن احمد بن محمد عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٢) قال : «مر أبو جعفر (عليه‌السلام) بامرأة محرمة قد استترت بمروحة ، فأماط المروحة بقضيبه عن وجهها».

وفي رواية معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا تطوف المرأة بالبيت وهي متنقبة».

أقول : وما تضمنته صحيحة الحلبي من جواز إرخاء الثوب من فوق رأسها على وجهها فقد ورد في جملة من الاخبار :

ففي بعضها الى ان يبلغ الفم ، كما في الرواية المذكورة.

وروى الكليني في الصحيح عن العيص بن القاسم (٤) قال : قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) في حديث : «وكره النقاب» يعني : للمرأة المحرمة. وقال : «تسدل الثوب على وجهها. قلت : حد ذلك الى أين؟ قال : الى طرف الأنف قدر ما تبصر». أقول : المراد

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٨ و ٥٥ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٤٦ ، والفقيه ج ٢ ص ٢١٩ ، والوسائل الباب ٤٨ من تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٤٨ من تروك الإحرام ، والباب ٦٨ من الطواف.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٣٤٤ ، والوسائل الباب ٤٨ من تروك الإحرام.


بالكراهة التحريم ، كما هو شائع في الاخبار.

وفي بعضها الى الذقن ، كما في صحيحة حريز (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : المحرمة تسدل الثوب على وجهها الى الذقن».

وفي آخر الى النحر ، كما في صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «تستدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة».

وفي الصحيح عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «المحرمة تستدل ثوبها الى نحرها».

أقول : ظاهر إطلاق هذه الاخبار عدم وجوب مجافاة الثوب عن الوجه ، فإن إسداله من أعلى الرأس عليه الى المواضع المذكورة لا يكاد يسلم الوجه من اصابة الثوب له ، كما هو ظاهر. إلا ان يقال : ان المحرم انما هو شد الثوب على الوجه كما هو في النقاب ، أو ان تخمره بالثوب ، واليه يشير قوله (عليه‌السلام) في صحيحة الحلبي : «فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك» ومجرد المماسة أحيانا لا يمنع من تغير اللون ، ومن صدق الاسفار المأمور به في الاخبار. وبه يزول الاشكال.

ونقل عن الشيخ انه أوجب مجافاة الثوب عن وجهها بخشبة وشبهها بحيث لا يصيب البشرة ، وحكم بلزوم الدم إذا أصاب الثوب وجهها ولم تزله بسرعة. وقال العلامة في المنتهى بعد نقل ذلك عنه : والوجه عندي سقوط هذا ، لانه غير مذكور في الخبر. مع ان الظاهر خلافه ، فان سدل الثوب لا يكاد تسلم معه البشرة من الإصابة ، فلو

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٤٨ من تروك الإحرام.


كان محرما لبين ، لانه محل الحاجة. انتهى. ونسب الشهيد في الدروس اعتبار المجافاة إلى الشهرة. وهو مؤذن بتردده في ذلك. واستشكله أيضا العلامة في التذكرة.

والظاهر عندي من الاخبار هو ما قدمت ذكره ، إلا ان الأحوط ما ذكره الشيخ من مجافاة الثوب عن وجهها بخشبة ونحوها. واما وجوب الدم فلم أقف على دليل عليه ، ولا ذكره أحد غيره في ما أعلم.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المشهور بين الأصحاب تحريم النقاب على المرأة ، بل قال في المدارك : انه مذهب الأصحاب ، لا اعلم فيه مخالفا. وهو غفلة منه (قدس‌سره) فإن العلامة في القواعد والإرشاد قد أفتى بالكراهة ، ومثله المحقق في النافع ، وتردد في الشرائع. والظاهر انه عبارة عن شد الثوب على فمها وأنفها وما سفل عنهما ، كاللثام للرجل. ويدل على التحريم الأخبار المتقدمة. ولعل من ذهب الى الكراهة استند الى لفظ الكراهة في صحيحة عيص بن القاسم المتقدمة. وفيه ان ورود الكراهة بمعنى التحريم في الاخبار شائع. فالمتجه هو القول بالتحريم.

المسألة الرابعة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في وجوب الإحرام على الحائض إذا مرت بالميقات قاصدة النسك ، ولكن لا تصلي صلاة الإحرام.

ويدل على ذلك جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٨٨ ، والوسائل الباب ٤٨ من الإحرام.


عن الحائض تحرم وهي حائض؟ قال : نعم ، تغتسل ، وتحتشي ، وتصنع كما يصنع المحرم ، ولا تصلي».

وفي الصحيح عن منصور بن حازم (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المرأة الحائض تحرم وهي لا تصلي؟ قال : نعم إذا بلغت الوقت فلتحرم».

وفي الصحيح عن العيص بن القاسم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) : أتحرم المرأة وهي طامث؟ قال : نعم ، تغتسل ، وتلبي.

وروى في الكافي في الموثق عن يونس بن يعقوب (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الحائض تريد الإحرام. قال : تغتسل ، وتحتشي بالكرسف ، وتلبس ثوبا دون ثياب إحرامها ، وتستقبل القبلة ، ولا تدخل المسجد ، وتهل بالحج بغير صلاة».

والظاهر ان المراد بقوله : «تلبس ثوبا دون ثياب إحرامها» أي تحتها لئلا تتلوث بالدم.

وعن زيد الشحام عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سئل عن امرأة حاضت وهي تريد الإحرام فتطمث. فقال : تغتسل ، وتحتشي بكرسف ، وتلبس ثياب الإحرام ، وتحرم ، فإذا كان الليل خلعتها ولبست ثيابها الأخر ، حتى تطهر».

ونقل السيد السند في المدارك عن جده (قدس الله روحيهما) في مناسك الحج : انها تترك الغسل. ورده بأنه غير جيد ، لورود الأمر به

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٨٩ ، والوسائل الباب ٤٨ من الإحرام.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٤٨ من تروك الإحرام.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٤٤٥ ، والوسائل الباب ٤٨ من الإحرام.


في الاخبار الكثيرة. ثم قال : ولو كان الميقات مسجد الشجرة أحرمت منه اختيارا ، فان تعذر أحرمت من خارجه. انتهى. وبذلك صرح غيره أقول : قد صرحت موثقة يونس بن يعقوب بالمنع من دخول المسجد ، وان إحرامها يصح من خارجه ، فلا ضرورة لما ارتكبوه من الإحرام اختيارا في المسجد ، ومع تعذره فمن خارجه.

ولو تركت الإحرام من الميقات جهلا بالحكم وظنا منها انه لا يجوز لها الإحرام ، رجعت اليه وأحرمت منه ان أمكن ، وإلا أحرمت من موضعها ولو في مكة ان لم تتمكن من الخروج الى خارج الحرم.

ويدل على ذلك جملة من الاخبار : منها ـ صحيحة معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن امرأة كانت مع قوم فطمثت ، فأرسلت إليهم فسألتهم ، فقالوا : ما ندري أعليك إحرام أم لا وأنت حائض ، فتركوها حتى دخلت الحرم. فقال : ان كان عليها مهلة فلترجع الى الوقت فلتحرم منه ، وان لم يكن عليها وقت فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها».

الى غير ذلك من الاخبار التي تقدمت في مسائل المقام الثاني من المقدمة الخامسة.

المقصد الرابع

في تروك الإحرام وهي محرمات ومكروهات

وتحقيق الكلام فيه يقتضي بسطه في فصلين :

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٢٥ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٨٩ ، والوسائل الباب ١٤ من المواقيت.


الفصل الأول ـ في التروك المحرمة ، وهي أصناف :

الأول ـ صيد البر ، ويحرم اصطيادا وأكلا واشارة ودلالة وإغلاقا وذبحا.

وههنا بحوث الأول ـ لا يخفى ان هذا الحكم مجمع عليه حتى قال في المنتهى : انه قول كل من يحفظ عنه العلم.

والأصل فيه الكتاب العزيز ، والسنة المطهرة ، قال الله (عزوجل) : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ» (١) وقال (عزوجل) «وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً» (٢).

واما السنة المطهرة فمستفيضة ، ومنها ـ وما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام ، ولا وأنت حلال في الحرم ، ولا تدلن عليه محلا ولا محرما فيصطاده ، ولا تشر اليه فيستحل من أجلك ، فإن فيه فداء لمن تعمده».

وفي الصحيح عن منصور بن حازم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «المحرم لا يدل على الصيد ، فان دل عليه فقتل فعليه الفداء».

وما رواه الشيخ في الصحيح ـ والكليني في الصحيح أو الحسن ـ عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «لا تأكل

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٩٦.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٨١ ، والوسائل الباب ١ من تروك الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ١ من تروك الإحرام ، والباب ١٧ من كفارات الصيد.

(٥) الوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد.


من الصيد وأنت حرام وان كان اصابه محل ، وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد ، فان عليك فيه الفداء بجهل كان أو بعمد».

وما رواه في الكافي أيضا عن معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ما وطأته أو وطأه بعيرك وأنت محرم فعليك فدلوه. وقال : اعلم انه ليس عليك فداء شي‌ء أتيته وأنت جاهل به وأنت محرم في حجك ولا في عمرتك إلا الصيد فان عليك فيه الفداء بجهالة كان أو بعمد».

وفي الصحيح عن احمد بن محمد البزنطي عن ابى الحسن الرضا (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن المحرم يصيب الصيد بجهالة قال : عليه كفارة. قلت : فإن أصابه خطأ؟ قال : وأي شي‌ء الخطأ عندك؟ قلت : يرمي هذه النخلة فيصيب نخلة أخرى. قال : نعم هذا الخطأ ، وعليه الكفارة. قلت : فإنه أخذا طائرا متعمدا فذبحه وهو محرم؟ قال : عليه الكفارة. قلت : ألست قلت : ان الخطأ والجهالة والعمد ليسوا بسواء ، فبأي شي‌ء يفضل المتعمد الجاهل والخاطئ؟ قال : انه اثم ولعب بدينه».

وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا أحرمت فاتق قتل الدواب

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٨٢ و ٣٨٣ ، والوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٨١ ، والوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٦٣ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٦٥ ، والوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام ، والوافي باب (قتل الدواب للمحرم).


كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة ، فأما الفأرة فإنها توهي السقاء وتحرق على أهل البيت ، واما العقرب فإن نبي الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مد يده الى الحجر فلسعته عقرب ، فقال : لعنك الله ، لا برا تدعين ولا فاجرا. والحية إذا أرادتك فاقتلها ، فان لم تردك فلا تردها والكلب العقور والسبع إذا أراداك فاقتلهما ، فان لم يريداك فلا تردهما. والأسود الغدر فاقتله على كل حال. وارم الغراب والحدأة رميا عن ظهر بعيرك».

وما رواه في الصحيح عن حريز عن من أخبره عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «كل ما خاف المحرم على نفسه من السباع والحياة وغيرها فليقتله ، وان لم يردك فلا ترده».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن عمر بن يزيد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «واجتنب في إحرامك صيد البر كله ، ولا تأكل من ما صاده غيرك ، ولا تشر اليه فيصيده».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة.

وتنقيح البحث في المقام يتم برسم مسائل الأولى ـ اختلف كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في المعنى المراد من الصيد في هذا المقام ، فظاهر كلام جملة : منهم ـ المحقق في الشرائع ، والعلامة في الإرشاد : انه الحيوان الممتنع ، وهو أعم من ان يكون محللا أو محرما. وفي النافع : انه الحيوان المحلل الممتنع. ومثله الشهيد في الدروس ، إلا

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٦٣ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٦٥ و ٤٦٥ ، والوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ١ من تروك الإحرام.


انه استثنى افرادا من المحرم فألحقها به ، حيث قال : الأول ـ الصيد وهو الحيوان المحلل ، إلا ان يكون أسدا أو ثعلبا أو أرنبا أو ضبا أو قنفذا أو يربوعا ، الممتنع بالأصالة ، البري. ونقل في المدارك عن جملة من الأصحاب أنهم ألحقوا الستة المذكورة بالمحلل. وعن آخرين أنهم ألحقوا الزنبور والأسد والعظاية. ونقل عن ابى الصلاح انه حرم قتل جميع الحيوان إلا إذا خاف منه أو كان حية أو عقربا أو فأرة أو غرابا. والظاهر ان مراده بالحيوان : الممتنع لا مطلق الحيوان ، للنص (١) والإجماع على جواز ذبح غيره. وعلى هذا يرجع كلامه الى ما تقدم نقله عن المحقق في الشرائع من العموم للمحلل والمحرم. وفي المسالك والروضة : انه الحيوان المحلل الممتنع بالأصالة. ثم قال : ومن المحرم الثعلب والأرنب والضب واليربوع والقنفذ والقمل. وهو يرجع الى ما ذكره الشهيد في الدروس. وفي التذكرة : انه الحيوان الممتنع. وقيل ما جمع ثلاثة أشياء : ان يكون مباحا وحشيا ممتنعا. وفي المنتهى : انه الحيوان الممتنع. وقيل يشترط ان يكون حلالا.

ولا يخفى ان الظاهر من الاخبار هو تحريم الصيد أعم من ان يكون محللا أو محرما ، ولا سيما رواية عمر بن يزيد وهي الأخيرة من قوله (عليه‌السلام): «واجتنب في إحرامك صيد البر كله». ويدل عليه أيضا إطلاق قوله تعالى «لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ» (٢) وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار : «إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة». وفي رواية

__________________

(١) الوسائل الباب ٨٢ من تروك الإحرام ، والباب ٤٠ من كفارات الصيد.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٩٥.


حريز (١) : «كل ما خاف المحرم على نفسه من السباع والحياة وغيرها فليقتله ، وان لم يردك فلا ترده». ولا ينافي ذلك عدم ترتب الكفارة على قتل بعض أنواع غير المأكول ، إذ ليس من لوازم التحريم ترتب الكفارة ، كما لا يخفى.

الثانية ـ الظاهر ان من قيد بالممتنع مقتصرا عليه فمراده الممتنع أصالة ، كما صرح به في الدروس ، وإلا لدخل فيه ما توحش وامتنع من الحيوانات الأهلية ، وخرج عنه ما تأهل من الحيوانات الوحشية الممتنعة ، كالظبي ونحوه ، مع ان الظاهر انه لا خلاف في جواز قتل الأول وعدم جواز قتل الثاني.

واعلم ان الدلالة أعم من الإشارة ، لأن الإشارة لا تكون إلا باجزاء الجسد ، والدلالة كما تكون بذلك تكون بالقول والكتابة.

ولا فرق في تحريم الدلالة على المحرم بين كون المدلول محرما أو محلا ، ولا بين الدلالة الخفية والواضحة.

قيل : ولو فعل المحرم عند رؤية الصيد فعلا أوجب لغيره انه فطن للصيد ، مثل ان يتشوق اليه أو يضحك ، ففي التحريم وجهان ، من الشك في تسميته دلالة ، ومن كونه في معناها.

وقال بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان الدلالة إنما تحرم لمن يريد الصيد إذا كان جاهلا بالمدلول عليه ، فلو لم يكن مريدا للصيد أو كان عالما به ولم تفده الدلالة زيادة انبعاث فلا حكم لها ، بل الظاهر ان مثل ذلك لا يسمى دلالة.

الثالثة ـ ينبغي ان يعلم ان الجراد في معنى الصيد البري فيحرم

__________________

(١) الوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام.


قتله ، ويضمنه المحرم في الحل والحرم ، وان كان أصله من البحر ، لانه يتولد منه أولا ثم يتوالد في البر. وذكر في التذكرة انه قول علمائنا وأكثر العامة (١).

ويدل على تحريمه على المحرم روايات عديدة : منها ـ صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «مر علي (صلوات الله عليه) على قوم يأكلون جرادا وهم محرمون ، فقال : سبحان الله وأنتم محرمون؟ فقالوا : إنما هو من صيد البحر. فقال لهم : ارموه في الماء اذن».

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : الجراد من البحر ، وكل شي‌ء أصله من البحر ويكون في البر والبحر فلا ينبغي للمحرم ان يقتله ، فان قتله فعليه الفداء ، كما قال الله تعالى» (٤).

__________________

(١) المجموع للنووي الشافعي شرح المهذب ج ٧ ص ٢٩٨ الطبعة الثانية ، والمغني لابن قدامة الحنبلي ج ٣ ص ٥١٩ ، والبحر الرائق لابن نجيم الحنفي ج ٣ ص ٣٥.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٩٣ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٦٣ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٣٥ ، والوسائل الباب ٧ من تروك الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٤٦٨ ، والوسائل الباب ٦ من تروك الإحرام ، والباب ٣٧ من كفارات الصيد.

(٤) في سورة المائدة ، الآية ٩٥ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ). الآية.


وعن معاوية في الصحيح ايضا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ليس للمحرم ان يأكل جرادا ، ولا يقتله. قال : قلت : ما تقول في رجل قتل جرادة وهو محرم؟ قال : تمرة خير من جرادة. وهو من البحر ، وكل شي‌ء أصله من البحر ويكون في البر والبحر فلا ينبغي للمحرم ان يقتله ، فان قتله متعمدا فعليه الفداء ، كما قال الله تعالى» (٢).

وعن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «على المحرم ان يتنكب الجراد إذا كان على طريقه ، فان لم يجد بدا فقتل فلا بأس».

وعن ابي بصير في الموثق (٤) قال : «سألته عن الجراد يدخل متاع القوم فيدوسونه من غير تعمد لقتله ، أو يمرون به في الطريق فيطأونه. قال : ان وجدت معدلا فاعدل عنه ، فان قتلته غير متعمد فلا بأس».

وروى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الجراد يكون على ظهر الطريق والقوم محرمون ، فكيف يصنعون؟ قال : يتنكبونه ما استطاعوا. قلت : فان قتلوا منه شيئا ، ما عليهم؟ قال : لا شي‌ء عليهم». وإطلاق الخبر مقيد بسابقه.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٧ من كفارات الصيد.

(٢) في سورة المائدة ، الآية ٩٥ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ). الآية.

(٣) الوسائل الباب ٣٨ من كفارات الصيد.

(٤) الوسائل الباب ٧ من تروك الإحرام.

(٥) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٤ ، والوسائل الباب ٣٨ من كفارات الصيد.


وعن معاوية بن عمار في الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) انه قال : «اعلم ان ما وطأت من الدبا أو أوطأته بعيرك فعليك فداؤه».

الرابعة ـ لا خلاف في جواز صيد البحر ، نصا وفتوى ، وجواز اكله ، وسقوط الفدية فيه.

والأصل فيه قوله (عزوجل) (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ) (٢).

وما رواه ثقة الإسلام في الحسن عن حريز عن من أخبره ـ ورواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) وفي الفقيه مرسلا ـ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا بأس بأن يصيد المحرم السمك ، ويأكل مالحه وطريه ، ويتزود ، قال الله (عزوجل) (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ) (٤) قال : هو مالحه الذي يأكلون. وفصل ما بينهما : كل طير يكون في الآجام يبيض في البر ويفرخ في البر فهو من صيد البر ، وما كان من صيد البر يكون في البر ويبيض في البحر ويفرخ في البحر فهو من صيد البحر».

أقول : ومن هذه الرواية يعلم حكم الطيور التي تعيش في البر والبحر ، فإنه يكون المدار على إلحاقها بأحد الصنفين على البيض في ذلك المكان ، فان باضت في البحر وفرخت فيه فهي من الطيور البحرية ، وان باضت وفرخت في البر فهي من الطيور البرية. والظاهر انه

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٧ و ٥٣ من كفارات الصيد.

(٢ و ٤) سورة المائدة ، الآية ٩٦.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٩٢ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٦٥ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٣٦ ، والوسائل الباب ٦ من تروك الإحرام.


لا خلاف فيه أيضا.

الخامسة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو ذبح المحرم الصيد كان ميتة حراما على المحل والمحرم ، بل قال في المنتهى : انه قول علمائنا اجمع.

واستدل عليه برواية الشيخ عن وهب عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (١) قال : «إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال والحرام وهو كالميتة ، وإذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة ، حلال ذبحه أو حرام».

وعن إسحاق في الموثق عن جعفر (عليه‌السلام) (٢) : «ان عليا (عليه‌السلام) كان يقول : إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم ، وإذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم».

أقول : ويدل عليه ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي أحمد ـ يعني : محمد بن ابي عمير ـ عن من ذكره عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت له : المحرم يصيب الصيد فيفديه ، أيطعمه أو يطرحه؟ قال : إذا يكون عليه فداء آخر. قلت : فما يصنع به؟ قال : يدفنه».

قال الشيخ بعد ذكر هذا الخبر : فلو لا انه جرى مجرى الميتة لما أمر بدفنه بل أمره بأن يطعم المحلين ولم يوجب فداء آخر.

وذهب الصدوق في من لا يحضره الفقيه (٤) الى ان مذبوح المحرم

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٠ من تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من تروك الإحرام ، والباب ٥٥ من كفارات الصيد.

(٤) ج ٢ ص ٢٣٥.


في غير الحرم لا يحرم على المحل ، قال : ولا بأس ان يأكل المحل ما صاده المحرم وعلى المحرم فداؤه. ونقل في الدروس القول بذلك عن ابن الجنيد ايضا ، ونقل العلامة في المختلف هذا القول ايضا عن الشيخ المفيد والسيد المرتضى (رحمهما‌الله) حيث قالا : لا بأس ان يأكل المحل ما صاده المحرم ، وعلى المحرم فداؤه. وكذا نقله عن ابن الجنيد ايضا.

واليه مال في المدارك ، للأخبار الكثيرة الصحيحة الدالة عليه :

ومنها ـ صحيحة معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أصاب صيدا وهو محرم ، أيأكل منه الحلال؟ فقال : لا بأس إنما الفداء على المحرم».

وصحيحة حريز (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن محرم أصاب صيدا ، أيأكل منه المحل؟ قال : ليس على المحل شي‌ء إنما الفداء على المحرم».

وصحيحة منصور بن حازم (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل أصاب صيدا وهو محرم ، آكل منه وانا حلال؟ قال : انا كنت فاعلا. قلت له : فرجل أصاب مالا حراما؟ فقال : ليس هذا مثل هذا يرحمك الله».

وحسنة الحلبي (٤) قال : «المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه ، ويتصدق بالصيد على مسكين».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣ من تروك الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٥ ، والوسائل الباب ٣ من تروك الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ١٠ من تروك الإحرام.


وحسنة معاوية بن عمار (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): إذا أصاب المحرم الصيد في الحرم وهو محرم فإنه ينبغي له ان يدفنه ولا يأكله أحد ، وإذا أصابه في الحل فان الحلال يأكله ، وعليه هو الفداء».

والشيخ (رحمه‌الله تعالى) بعد ذكر الروايتين الأخيرتين تأولهما بالحمل على ما إذا أدرك الصيد وبه رمق ، بان يحتاج الى الذبح ، فإنه يجوز للمحل والحال هذه ان يذبحه ويأكله. ولا يخفى ما فيه من البعد عن ظواهر الاخبار. ثم قال : ويجوز ايضا ان يكون المراد إذا قتله برميه إياه ولم يكن ذبحه ، فإنه إذا كان الأمر على ذلك جاز اكله للمحل دون المحرم ، والاخبار الأولة تناولت من ذبح وهو محرم ، وليس الذبح من قبيل الرمي في شي‌ء. وهذا التفصيل ظاهر شيخنا المفيد في المقنعة ، إلا ان ظاهر نقل العلامة عنه المتقدم ذكره يعطي العموم

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، والاحتياط فيها مطلوب على كل حال.

واما من يقتصر في العمل بالروايات على الصحيح كالسيد السند في المدارك فإنه يتحتم عنده العمل بالقول الثاني ، لصحة أخباره ، كما أشار إليه في المدارك ، ولكن من عداه من أصحاب هذا الاصطلاح إنما جروا على ما جرى عليه المتقدمون من القول المشهور ، والاستدلال بالروايتين المتقدمتين.

السادسة ـ قد استفاضت الروايات ـ مضافا الى اتفاق الأصحاب ـ بتحريم ما ذبحه المحل في الحرم ، وانه في حكم الميتة لا يحل لمحل ولا محرم ، ومنها ـ ما تقدم في روايتي وهب وإسحاق المتقدمتين.

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٨٢ ، والوسائل الباب ٣ من تروك الإحرام.


ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله (عزوجل) (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (٢) قال : من دخل الحرم مستجيرا به فهو آمن من سخط الله (عزوجل) وما دخل في الحرم من الوحش والطير كان آمنا من ان يهاج أو يؤذي حتى يخرج من الحرم».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح (٣) «انه سأل أحدهما (عليهما‌السلام) عن الظبي يدخل الحرم. فقال : لا يؤخذ ولا يمس ، لان الله (تعالى) يقول (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)» (٤).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن فرخين مسرولين ذبحتهما وانا بمكة محل. فقال لي : لم ذبحتهما؟ فقلت : جاءتني بهما جارية قوم من أهل مكة فسألتني أن أذبحهما ، فظننت أني بالكوفة ولم اذكر اني بالحرم ، فذبحتهما. فقال : تصدق بثمنهما. فقلت : فكم ثمنهما؟ فقال : درهم ، وهو خير منهما».

وما رواه الكليني في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦)

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ١٦٣ ، والوسائل الباب ٨٨ من تروك الإحرام ، والباب ١٣ من كفارات الصيد.

(٢ و ٤) سورة آل عمران ، الآية ٩٦.

(٣) الوسائل الباب ٨٨ من تروك الإحرام.

(٥) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٦ ، والفروع ج ٤ ص ٢٣٧ ، والوسائل الباب ١٠ من كفارات الصيد.

(٦) الوسائل الباب ١٤ من كفارات الصيد.


«انه سئل عن الصيد يصاد في الحل ثم يجاء به الى الحرم وهو حي. فقال : إذا أدخله إلى الحرم فقد حرم عليه اكله وإمساكه ، فلا تشترين في الحرم إلا مذبوحا ذبح في الحل ثم جي‌ء به الى الحرم مذبوحا ، فلا بأس به للحلال».

وما رواه الصدوق عن حفص بن البختري في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في من أصاب طيرا في الحرم. قال : ان كان مستوي الجناح فليخل عنه ، وان كان غير مستو نتفه وأطعمه وأسقاه ، فإذا استوى جناحاه خلى عنه».

وما رواه الشيخ عن منصور بن حازم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «في حمام ذبح في الحل. قال : لا يأكله محرم ، وإذا ادخل مكة أكله المحل بمكة ، وإذا ادخل الحرم حيا ثم ذبح في الحرم فلا يأكله ، لأنه ذبح بعد ما دخل مأمنه».

وما رواه الصدوق عن شهاب بن عبد ربه في الصحيح (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : اني أتسحّر بفراخ اوتى بها من غير مكة فتذبح في الحرم فأتسحر بها؟ فقال : بئس السحور سحورك ، اما علمت ان ما دخلت به الحرم حيا فقد حرم عليك ذبحه وإمساكه؟».

وما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (٤)

قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن طائر أهلي أدخل

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد.

(٢) الوسائل الباب ٥ من تروك الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ١٢ و ٣٦ من كفارات الصيد.


الحرم حيا. فقال : لا يمس ، لان الله (تعالى) يقول (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)» (١).

وما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن طير أهلي أقبل فدخل الحرم. فقال : لا يمس ، لان الله (عزوجل) يقول (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)» (٣).

وعن زرارة في الصحيح (٤) «ان الحكم سأل أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل اهدى له في الحرم حمامة مقصوصة. فقال : انتفها وأحسن علفها ، حتى إذا استوى ريشها فخل سبيلها».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة.

ولو ذبحه المحل في الحل جاز اكله للمحل في الحرم. ويدل عليه ـ زيادة على ما تقدم في صحيحة عن الحلبي وصحيحة منصور بن حازم ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «لا تشترين في الحرم إلا مذبوحا قد ذبح في الحل ثم جي‌ء به الى الحرم مذبوحا فلا بأس به للحلال».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن ابي يعفور (٦) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الصيد يصاد في الحل ويذبح في الحل ويدخل

__________________

(١ و ٣) سورة آل عمران ، الآية ٩٦.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ١٧٠ ، والوسائل الباب ١٢ و ٣٦ من كفارات الصيد. وهو نفس الحديث الذي تقدم نقله عن الشيخ والصدوق إلا ان لفظ الصدوق يختلف قليلا عن لفظ الشيخ.

(٤) الوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ٥ من تروك الإحرام.


الحرم ويؤكل؟ قال : نعم لا بأس به».

وفي الصحيح الى الحكم بن عتيبة (١) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : ما تقول في حمام أهلي ذبح في الحل وادخل الحرم؟ فقال :

لا بأس بأكله لمن كان محلا ، فان كان محرما فلا. وقال : فإن ادخل الحرم فذبح فيه فإنه ذبح بعد ما دخل مأمنه».

واما ما رواه الشيخ عن منصور في الصحيح (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : اهدي لنا طير مذبوح فأكله أهلنا؟ فقال : لا يرى به أهل مكة بأسا (٣) قلت : فأي شي‌ء تقول أنت؟ قال : عليهم ثمنه».

قال الشيخ : ليس في هذا الخبر ان الطير ذبح في الحل أو الحرم ، فيحمل على ان ذبحه كان في الحرم لئلا ينافي ما سبق وما يأتي من الاخبار.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) جيد ، فإنه لا يخفى ان مقتضى القواعد الكلية والضوابط الجلية هو حل الطير في هذه الصورة ، لأن كل شي‌ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه (٤). وهذا منه. وحيث حكم (عليه‌السلام) في الخبر بوجوب الثمن فهو

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٥ من تروك الإحرام ، والباب ١٠ من كفارات الصيد عن الفقيه ، والباب ١٤ من كفارات الصيد عن الكافي.

(٣) المبسوط للسرخسي ج ٤ ص ٩٩ باب (جزاء الصيد).

(٤) الوسائل الباب ٤ من ما يكتسب به ، والباب ٦٤ من الأطعمة المحرمة ، والباب ٦١ من الأطعمة المباحة.


البتة إنما يكون عن قرينة مقامية اقتضت الدلالة على ذبحه في الحرم وان خفيت علينا الآن.

السابعة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في جواز صيد البحر وحله ، وقد تقدم الكلام فيه. ومثله الدجاج الحبشي ، قال في المسالك : قيل انه طائر أغبر اللون في قدر الدجاج الأهلي أصله من البحر. انتهى وفي بعض الحواشي : انه طير اسود مشهور في المغرب بالدجاج الحبشي ، كان بحريا في الأصل فصار بريا.

ومن ما يدل على جواز اكله ـ مضافا الى اتفاق الأصحاب على ذلك ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن دجاج الحبش. فقال : ليس من الصيد انما الطير ما طار بين السماء والأرض ، وصف».

وما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الدجاج الحبشي. فقال : ليس من الصيد ، انما الصيد ما كان بين السماء والأرض. قال : وقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ما كان من الطير لا يصف فلك ان تخرجه من الحرم ، وما صف منها فليس لك ان تخرجه».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «كل ما لم يصف من الطير فهو بمنزلة الدجاج».

وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٤٠ من كفارات الصيد.

(٢) الوسائل الباب ٤١ من كفارات الصيد.


(عليه‌السلام) (١) قال : «ما كان يصف من الطير فليس لك ان تخرجه. قال : وسألته عن دجاج الحبش. قال : ليس من الصيد إنما الصيد ما طار بين السماء والأرض».

وعن عمران الحلبي في الصحيح أو الحسن (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : (ما يكره من الطير؟ فقال : ما صف على رأسك».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عندي (٣) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) وانا حاضر عن الدجاج الحبشي يخرج به من الحرم. فقال : نعم ، لأنها لا تستقل بالطيران». قال (٤) : وفي خبر آخر : انها تدف دفيفا.

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ٢٢٩ الطبع القديم ، وج ٤ ص ٢٣٢ الطبع الحديث ، والوافي باب (حكم صيد الحرم) والوسائل الباب ٤١ و ٤٠ من كفارات الصيد. وقد أورد المصنف (قدس‌سره) الحديث ناقصا كما ورد في الطبع القديم من الفروع.

(٢) الوسائل الباب ٤١ من كفارات الصيد.

(٣) روى الكليني هذا الحديث في الفروع ج ٤ ص ٢٣٢ عن جميل ابن محمد بن مسلم ، ورواه الصدوق في الفقيه ج ٢ ص ١٧٢ عن جميل ومحمد ابن مسلم ، وقد أوردهما في الوافي باب (حكم صيد الحرم) وجمع بين السندين بلفظ واحد. وأوردهما في الوسائل في الباب ٤٠ من كفارات الصيد. وقد أورد المصنف (قدس‌سره) اللفظ كما ورد في الوافي والفقيه.

(٤) هذا كلام الصدوق في الفقيه ج ٢ ص ١٧٢ ، وأورده في الوافي باب (حكم صيد الحرم) وفي الوسائل الباب ٤٠ من كفارات الصيد.


وروى عن الحسن الصيقل (١) : «انه سأله عن دجاج مكة وطيرها فقال : ما لم يصف فكله ، وما كان يصف فخل سبيله».

أقول : ومثل ذلك النعم ولو توحشت ، ويدل على ذلك ـ مضافا الى اتفاق علماء الأمصار على ذلك ، كما نقله في المنتهى ـ روايات :

منها ـ ما رواه الكليني في الصحيح عندي عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «المحرم يذبح البقر والإبل والغنم ، وكل ما لم يصف من الطير ، وما أحل للحلال ان يذبحه في الحرم ، وهو محرم في الحل والحرم».

قال في الوافي : قوله : «وهو محرم» متعلق بقوله : «يذبح» وكذا قوله : «في الحل والحرم» يعني : انه يذبح المذكورات حال كونه محرما في الحل والحرم.

ورواية عبد الله بن سنان (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته؟ قال : نعم. قلت : ويحتش لدابته وبعيره؟ قال : نعم ، ويقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل الحرم ، فإذا دخل الحرم فلا».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «المحرم يذبح ما حل للحلال في الحرم ان يذبحه

__________________

(١) هذا الحديث رواه الصدوق في الفقيه ج ٢ ص ١٧٢ ، وأورده في الوافي باب (حكم صيد الحرم) وفي الوسائل الباب ٤٠ من كفارات الصيد.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ٨٢ من تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٨٥ من تروك الإحرام.


هو في الحل والحرم جميعا».

وأنت خبير بان هذه الاخبار قد اشتركت في الدلالة على اباحة الدجاج ونحوه ـ من ما لا يطير أو يطير ولا يصف ـ للمحرم ولو في الحرم وجواز إخراجه من الحرم. والأول لا اشكال فيه ، وانما الإشكال في الثاني وهو ما يطير ولا يصف وإنما يدف دفيفا ، أو يكون دفيفه أكثر من صفيفه ، والمراد به ما حل اكله. وهو ظاهر في ان ما حل اكله من الطير ليس من الصيد المحرم على المحرم. مع انك قد عرفت من ما تقدم في تفسير الصيد هو التخصيص بالمحلل أو ما يشمله ويشمل المحرم. مع ما ورد في حمام الحرم من الاتفاق على تحريمه ، وتحريم إخراجه من مكة ، ووجوب إعادته لو أخرجه (١) والاشكال ظاهر على كلا التقديرين. ولم أر من تنبه لذلك ولا نبه عليه. والله العالم.

الثامنة ـ قال الشيخ في المبسوط : الوحشي غير المأكول أقسام : الأول ـ لاجزاء فيه بالاتفاق ، كالحية والعقرب والفأرة والغراب والحدأة والكلب والذئب. والثاني ـ يجب فيه الجزاء عند من خالفنا ، ولا نص فيه لأصحابنا ، والاولى ان نقول : لاجزاء فيه ، لانه لا دليل عليه ، والأصل براءة الذمة ، كالمتولد بين ما يجب فيه الجزاء وما لا يجب ، كالسمع المتولد بين الضبع والذئب (٢) والمتولد بين الحمار الوحشي والأهلي. والثالث ـ مختلف فيه وهو الجوارح من الطير ، كالبازي والصقر والشاهين والعقاب ونحو ذلك ، والسباع من البهائم كالأسد

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من كفارات الصيد.

(٢) في لسان العرب مادة (سمع) : (السمع) هو ما تولد من الذئب والضبع. وفي تاج العروس : (السمع) : سبع مركب ولد الذئب والضبع.


والنمر والفهد وغير ذلك (١) فلا يجب الجزاء عندنا في شي‌ء منه. وقد روى ان في الأسد خاصة كبشا (٢). وفي الخلاف : إذا قتل السبع لزمه كبش على ما رواه بعض أصحابنا (٣).

وقال في المختلف بعد نقله : ولا شي‌ء في الذئب وغيره من السباع سواء صال أو لم يصل ، ولا في السمع. اما المتولد بين الوحشي والانسي فالأقرب عندي فيه اعتبار الاسم ، لنا : انه قد ورد النص على الجزاء عن أشياء مسماة بأسمائها ، فيثبت في كل ما صدق عليه ذلك الاسم واما الأسد فالأقوى عندي انه لا شي‌ء فيه سواء أراده أو لم يرده ، وبه قال ابن إدريس. وقال علي بن بابويه : وان كان الصيد أسدا ذبحت كبشا. وأوجب ابن حمزة فيه الكبش ، لنا : الأصل براءة الذمة. ولأنه أكثر ضررا من الحية والفأرة والعقرب ، وقد جاز قتلها فجواز قتله اولى. وما رواه حريز في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «كل ما يخاف المحرم على نفسه من السباع والحياة وغيرها فليقتله ، وان لم يردك فلا ترده». احتج الموجبون بما رواه أبو سعيد المكاري (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل قتل أسدا في الحرم؟ قال : عليه كبش يذبحه». والجواب سند حديثنا أوضح وأصح. ونحمل هذا على الاستحباب. انتهى.

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ج ٤ ص ٩٠ باب (جزاء الصيد) والمهذب للشيرازي الشافعي ج ٢ ص ٢١١ ، وطرح التثريب لعبد الرحيم العراقي الشافعي ج ٥ ص ٩٥ وما بعدها.

(٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٣٩ من كفارات الصيد.

(٤) الوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام.


أقول : قد صرح غير واحد من أصحابنا بأنه لا كفارة في قتل السباع ماشية كانت أو طائرة ، إلا الأسد. والظاهر انه لا خلاف في ما عدا الأسد. فقول الشيخ في ما تقدم من عبارته : «الثالث مختلف فيه. الى آخره» لعله إشارة إلى خلاف العامة (١) ويشير اليه قوله : «ولا يجب الجزاء عندنا في شي‌ء منه» ولا يخفى ان وجوب الكفارة متوقف على الدليل ، وليس فليس. نعم يبقى الكلام في ان عدم وجوب الكفارة لا يستلزم جواز القتل أو الصيد ، فيمكن القول بالتحريم ـ كما ذهب إليه الحلي في ما قدمنا نقله عنه ـ وان لم تترتب عليه كفارة ، وتؤيده الروايات التي أشرنا إليها آنفا. واما الأسد فقد ورد فيه ما تقدم من رواية أبي سعيد. إلا انها خاصة بالحرم. ومعارضة العلامة لها بصحيحة حريز المذكورة لا وجه له ، لأنها وان كانت شاملة بإطلاقها للأسد إلا انها اشتملت على التفصيل بين ما إذا اراده وخاف على نفسه فإنه يقتله ، ومتى لم يرده فلا يعرض له. ورواية أبي سعيد وان كانت مطلقة إلا ان كل من قال بها فإنه يخصها بما إذا لم يرده ، كما لا يخفى على من راجع كلامهم. وهو المفهوم من الاخبار ايضا ، كما سيأتي ان شاء الله تعالى. وحينئذ فلا منافاة بين الخبرين بل هما متفقان على معنى واحد.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٢) : ولا بأس للمحرم ان يقتل

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ج ٤ ص ٩٠ باب (جزاء الصيد) والمهذب للشيرازي الشافعي ج ٢ ص ٢١١ ، وطرح التثريب لعبد الرحيم العراقي الشافعي ج ٥ ص ٩٥ وما بعدها.

(٢) ص ٢٩.


الحية والعقرب والفأرة. ولا بأس برمي الحدأة. وان كان الصيد أسدا ذبحت كبشا. انتهى.

أقول : ومن هذه العبارة أخذ علي بن الحسين عبارته التي تقدم نقلها عنه ، وهي مطلقة منطبقة على ما ادعاه الأصحاب ، ولعلها المستند لهم في ما أطلقوه.

والذي وقفت عليه ـ من ما يدل على جواز قتل شي‌ء من هذه المذكورات ـ ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار وصحيحة حريز المتقدمتين في صدر المقصد ، وفي الأولى : الأمر باتقاء الدواب كلها إلا الأفعى ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور ، والسبع إذا أرادك ، والأسود الغدر ، وهو قسم من الحياة خبيث ، وانه يرمي الغراب والحدأة عن ظهر البعير. وفي الثانية : جواز قتل كل ما خاف الإنسان من السباع والحياة ، والنهي عنه إذا لم يرده.

وما رواه الكليني في الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «يقتل في الحرم والإحرام : الأفعى ، والأسود الغدر وكل حية سوء ، والعقرب ، والفأرة وهي الفويسقة ، ويرجم الغراب والحدأة رجما».

وما رواه الكليني في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (٢) قال : «يقتل المحرم كل ما خشيه على نفسه».

__________________

(١) الوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام. والراوي هو عبد الرحمن العزرمي.


وفي حسنة الحسين بن ابي العلاء عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «يقتل المحرم : الأسود الغدر ، والأفعى ، والعقرب ، والفأرة. ويقذف الغراب».

وفي رواية محمد بن الفضيل عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن المحرم وما يقتل من الدواب. فقال : يقتل الأسود ، والأفعى ، والفأرة ، والعقرب ، وكل حية ، وان أرادك السبع فاقتله وان لم يدرك فلا تقتله. والكلب العقور إذا أرادك فاقتله ، ولا بأس للمحرم ان يرمي الحدأة».

وفي رواية غياث بن إبراهيم عن ابي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٣) قال : «يقتل المحرم : الزنبور ، والنسر ، والأسود الغدر ، والذئب ، وما خاف ان يعدو عليه. وقال : الكلب العقور هو الذئب».

وروى في الكافي والتهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن محرم قتل زنبورا. قال : ان كان خطأ فليس عليه شي‌ء. قلت : لا بل معتمدا؟ قال :

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٦ ، والوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام. وما أورده (قدس‌سره) من رواية الحديث عن ابى عبد الله عن أبيه (ع) يوافق ما أورده في الوافي باب (قتل الدواب للمحرم). وفي الفروع ج ٤ ص ٣٦٣ و ٣٦٤ ، والوسائل هكذا. غياث بن إبراهيم عن أبيه عن ابي عبد الله (ع).

(٤) الفروع ج ٤ ص ٣٦٤ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٦٥ ، والوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام ، والباب ٨ من كفارات الصيد.


يطعم شيئا من طعام» وزاد في الكافي : «قلت : انه أرادني؟ قال : كل شي‌ء أرادك فاقتله».

وفي صحيحة أخرى له ايضا عنه (عليه‌السلام) (١) : «في محرم قتل عظاية؟ قال : كف من طعام». والعظاية بالمهملة ثم بالمعجمة : من كبار الوزغ.

أقول : ويستفاد من هذه الروايات أمور : أحدها ـ جواز قتل المؤذيات ، من الأفعى ، والحية ، والعقرب ، والفأرة ، والذئب ، والكلب العقور وان لم يرده ولم يؤذه. وبذلك صرح الشيخ على ما نقله عنه في المنتهى ، فقال : وله ان يقتل جمع المؤذيات ، كالذئب ، والكلب العقور ، والفأرة ، والحياة ، وما أشبه ذلك. ولا جزاء فيه.

وثانيها ـ انه يجوز له ان يقتل كل ما خاف منه على نفسه من غير جزاء ولا فدية.

وثالثها ـ انه يجوز له قتل الزنبور متى عدا عليه ، أو كان ذلك خطأ. وعليه يحمل إطلاق صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ، وإلا ففيه الفداء : شي‌ء من الطعام.

ورابعها ـ ان أكثر الروايات تضمن رمي الغراب والحدأة مطلقا ، وفي صحيحة معاوية بن عمار الاولى : التقييد بقوله : «عن ظهر بعيرك» وبه قيد الحكم بعض الأصحاب. والظاهر العموم ، إذ لا دلالة للخبر المذكور على التخصيص. وظاهر إطلاق الاخبار المذكورة أيضا جواز الرمي وان ادى الى القتل. والمنقول عن الشيخ في المبسوط جواز قتلهما مطلقا. وقيل بالعدم. ونقل عن المحقق الشيخ علي : انه ينبغي

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من كفارات الصيد.


تقييد الغراب الذي يجوز رميه بالمحرم الذي هو من الفواسق الخمس دون المحلل ، لانه محترم لا يعد من الفواسق الخمس. وفيه انه تقييد للنصوص من غير دليل ، لأنها وردت بالغراب مطلقا ، وإخراج بعض افراده يتوقف على الدليل

التاسعة ـ اختلف الأصحاب في قتل البرغوث ، فذهب جمع ـ منهم : المحقق والعلامة في الإرشاد ـ إلى الجواز ، وذهب الشيخ وجماعة ـ منهم : العلامة في جملة من كتبه ـ الى التحريم.

ومستند القول الأول مضافا الى الأصل رواية زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «سألته عن المحرم يقتل البقة والبرغوث إذا رآه. قال : نعم».

ومستند القول الثاني ما تقدم (٢) من قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار. «إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة».

وفي صحيحة زرارة (٣) «أنه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم هل يحك رأسه ، ويغتسل بالماء؟ فقال : يحك رأسه ما لم يعتمد قتل دابة».

أقول : صورة رواية زرارة على ما نقله المحدث الكاشاني في الوافي : «والبرغوث إذا اراده» وفي المدارك ومثله في الذخيرة نقلا الرواية بما قدمناه ، وعلى تقدير ما نقلناه عن الوافي فإنه لا دليل في الرواية على القول المدعى ، إذ لا خلاف نصا وفتوى في جواز قتل ما اراده

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٦٤ ، والوسائل الباب ٧٩ من تروك الإحرام.

(٢) ص ١٣٦ و ١٣٧.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٦٦ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٣٠ ، والوسائل الباب ٧٣ من تروك الإحرام.


من الحيوانات ، كما عرفت من الروايات المتقدمة. والظاهر ان محل الخلاف في المسألة إنما هو في ما إذا لم يرده ولم يقصده بالأذى كما لا يخفى ، ولا دلالة في الرواية على الجواز في الصورة المذكورة. وكذا صحيحة معاوية بن عمار فإنه يجب تخصيص إطلاقها بما ذكرناه كما يدل عليه ما تقدم من صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله (١) وغيرها فالقول بالتحريم مطلقا لا وجه له. واما صحيحة زرارة فالظاهر منها إنما هو القمل ، كما احتج به الأصحاب على ذلك.

العاشرة ـ قد صرح جملة من الأصحاب ـ أولهم الشيخ ـ بأنه يجوز إخراج القماري والدباسي من مكة على كراهة ، لا قتلهما ، ولا أكلهما.

أقول : اما تحريم القتل والأكل فلا ريب فيه ، لعموم الأدلة المتقدمة الدالة على تحريم قتل الصيد واكله (٢) ولا سيما في الحرم.

واما جواز إخراجه فقد نسبه المحقق في الشرائع إلى الرواية ، مؤذنا بتوقفه فيه ، مع انا لم نقف على رواية تدل على جواز الإخراج بل الروايات مستفيضة بالتحريم عموما في مطلق الطير ، وخصوصا في الحمام الشامل لهذين الفردين.

نعم ورد في رواية العيص بن القاسم (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن شراء القماري يخرج من مكة والمدينة. فقال : ما أحب ان يخرج منهما شي‌ء».

وهي مع اختصاصها بالقماري لا دلالة فيها صريحا على الجواز ، فان لفظ : «لا أحب» وان كان بحسب العرف الآن بمعنى الكراهة

__________________

(١) ص ١٥٦.

(٢) ص ١٣٥.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من كفارات الصيد.


إلا ان استعماله في الاخبار بمعنى التحريم كثير ، وهو الأنسب بالحمل على باقي روايات المسألة الآتية.

لا يقال : ان الحمل على التحريم يوجب القول بتحريم الإخراج من المدينة أيضا مع انه لا قائل به.

قلنا : هذا إنما يتجه على القول بالمنع من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، وهو وان كان المشهور بينهم إلا ان المفهوم من الاخبار جوازه ، كما نبهنا عليه في محل أليق.

ونقل عن ابن إدريس القول بالمنع من ذلك ، وقربه العلامة في المختلف ، ونقل ايضا عن ابنه فخر الدين ، واليه ذهب السيد السند في المدارك.

وهو المعتمد ، للأخبار الكثيرة الدالة على عدم جواز إخراج الصيد من مكة طيرا كان أو غيره :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (١) قال : «سألت أخي موسى (عليه‌السلام) عن رجل أخرج حمامة من حمام الحرم إلى الكوفة أو غيرها. قال : عليه ان يردها ، فان ماتت فعليه ثمنها يتصدق به».

وعن يونس بن يعقوب في الموثق (٢) قال : «أرسلت الى ابي الحسن

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من كفارات الصيد.

(٢) هذا الحديث بهذا اللفظ رواه الكليني في الفروع ج ٤ ص ٢٣٥ ، والصدوق في الفقيه ج ٢ ص ١٦٨ ، واما الشيخ فرواه في التهذيب ج ٥ ص ٣٤٩ ، بلفظ أوجز ، ونقلهما في الوسائل الباب ١٤ من كفارات الصيد رقم ٩ و ٤.


(عليه‌السلام) ان اخالي اشترى حماما من المدينة فذهبنا بها الى مكة ، فاعتمرنا وأقمنا إلى الحج ، ثم أخرجنا الحمام معنا من مكة إلى الكوفة فعلينا في ذلك شي‌ء؟ فقال للرسول : اني أظنهن كن فرهة. قل له : يذبح مكان كل طير شاة».

قال في الوافي (١) : «كن فرهة» اى بالغة حد الفراهة ، وهي الحذاقة يعني بها : استقلالهن بالطيران.

أقول : لعل الأظهر حمله على «فره» بالكسر ، يعني : أشر وبطر كما قيل في قراءة : «فرهين» من قوله (عزوجل) (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ) (٢) فإنه مشتق من «فره» بالكسر بمعنى : اشر وبطر. والظاهر هنا حمل الخبر عليه ، بمعنى ان قصدهم من استصحاب الحمام الأشر والبطر واللهو واللعب.

وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة (٣) : «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل اخرج طيرا من مكة إلى الكوفة. قال : يرده إلى مكة».

وما رواه الشيخ عن يعقوب بن يزيد عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا أدخلت الطير المدينة فجائز لك ان تخجه منها ما أدخلت ، وإذا أدخلت مكة فليس لك ان تخرجه».

__________________

(١) باب (حكم صيد الحرم).

(٢) سورة الشعراء ، الآية ١٤٩.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ١٧١ ، والوسائل الباب ١٤ من كفارات الصيد.

(٤) الوسائل الباب ١٤ من كفارات الصيد.


وما رواه الكليني في الكافي عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل خرج بطير من مكة إلى الكوفة. قال : يرده إلى مكة». وعن علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) مثله (٢) وزاد : «فان مات تصدق بثمنه».

ويدل على خصوص القماري ما رواه في الكافي (٣) عن مثنى قال : «خرجنا إلى مكة فاصطاد النساء قمرية من قماري أمج حيث بلغنا البريد ، فنتفت النساء جناحها ثم دخلوا بها مكة ، فدخل أبو بصير علي ابي عبد الله (عليه‌السلام) فأخبره ، فقال : تنظرون امرأة لا بأس بها فتعطونها الطير تعلفه وتمسكه ، حتى إذا استوى جناحاه خلته».

ويؤيد ذلك جملة من الاخبار الدالة على ان من أصاب طيرا في الحرم ، فان كان مستوي الجناحين خلى عنه ، وإلا نتفه وأطعمه وسقاه فإذا استوى جناحاه خلى عنه ، وان كان مسافرا أودعه عند أمين ودفع اليه ما يحتاج اليه من الطعام ، حتى يستوي جناحاه فيخلي عنه (٤) والروايات الدالة على انه لا يجوز التعرض لما في الحرم (٥) لقوله (عزوجل) : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (٦).

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٢٣٤ ، والوسائل الباب ١٤ من كفارات الصيد.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من كفارات الصيد.

(٣) ج ٤ ص ٢٣٧ ، والوافي باب (حكم صيد الحرم) ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد.

(٤) الوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد.

(٥) الوسائل الباب ٨٨ من تروك الإحرام ، والباب ١٢ و ١٣ و ٣٦ من كفارات الصيد.

(٦) سورة آل عمران ، الآية ٩٦.


الحادية عشرة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في انه متى اضطر المحرم إلى أكل الصيد اكله وفداه ، قال العلامة في المنتهى : ويباح أكل الصيد للمحرم في حال الضرورة ، يأكل منه بقدر ما يأكل من الميتة من ما يمسك به الرمق ويحفظ به الحياة لا غير ، ولا يجوز له الشبع ولا التجاوز عن ذلك ، ولا نعلم فيه خلافا.

ويدل عليه جملة من العمومات الدالة على وجوب دفع الضرر عن النفس من الكتاب (١) والسنة (٢) وتحليل المحرمات في مقام الضرورة (٣) وخصوص جملة من الروايات الآتية الدالة على انه يأكل الصيد ويفدي (٤).

__________________

(١) كقوله تعالى في سورة البقرة ، الآية ١٩١ «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» وقوله تعالى في سورة آل عمران ، الآية ٢٧ «وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْ‌ءٍ إِلّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً».

(٢) كالاحاديث الواردة في وجوب التيمم عند خوف الضرر من استعمال الماء ، والأحاديث الواردة في وجوب الإفطار عند خوف الضرر من الصوم والأحاديث الواردة في وجوب التقية عند خوف الضرر من العدو. ارجع الى باب ٢ و ٥ من التيمم ، والباب ١٨ و ٢٠ ممن يصح منه الصوم من كتاب الصوم ، والباب ٢٤ و ٢٥ و ٢٧ من الأمر والنهي من كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

(٣) كقوله تعالى في سورة الانعام ، الآية ١١٩ «وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ» وكقوله تعالى في سورة البقرة ، الآية ١٧٣ : «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» وكما في الوسائل في الباب ١ من القيام في الصلاة رقم ٦ و ٧ ، والباب ٧ من القيام في الصلاة رقم ١.

(٤) الوسائل الباب ٤٣ من كفارات الصيد.


إنما الخلاف في ما إذا كان عنده ميتة وصيد ، فمن أيهما يجوز الأكل؟

قال الشيخ : يأكل الصيد ويفديه ، ولا يأكل الميتة ، فان لم يتمكن من الفداء جاز له ان يأكل الميتة. وكذا قال ابن البراج.

وقال الشيخ المفيد : من اضطر الى صيد وميتة فليأكل الصيد ويفديه ، ولا يأكل الميتة. وأطلق. وكذا قال السيد المرتضى في الجمل والانتصار ، وسلار.

وقال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه : وإذا اضطر المحرم الى صيد وميتة فإنه يأكل الصيد ويفدي ، وان أكل الميتة فلا بأس. إلا ان أبا الحسن الثاني (عليه‌السلام) : قال : «يذبح الصيد ويأكله ويفدي أحب الي من الميتة» (١). وقال في المقنع (٢) : فإذا اضطر المحرم إلى أكل صيد وميتة فإنه يأكل الصيد ويفدي. وقد روى في حديث آخر : انه يأكل الميتة ،. لأنها قد أحلت له ولم يحل له الصيد وقال ابن الجنيد : وإذا اضطر المحرم المطيق للفداء إلى الميتة والصيد أكل الصيد وفداه ، وان كان في الوقت من لا يطيق الجزاء أكل الميتة التي كان مباحا أكلها بالذكاة. فان لم يكن كذلك أكل الصيد.

وقال ابن إدريس : اختلف أصحابنا في ذلك ، واختلفت الاخبار ، فبعض قال : يأكل الميتة. وبعض قال : يأكل الصيد ويفديه. وكل منهما أطلق مقالته. وبعض قال : لا يخلو الصيد ، اما ان يكون حيا أو لا ، فان كان حيا فلا يجوز له ذبحه

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٣٥ ، والوسائل الباب ٤٣ من كفارات الصيد.

(٢) المختلف ج ٢ ص ١٠٩. وليس في المقنع المطبوع ص ٢١ قوله : «وقد روى ...» وكذا في مستدرك الوسائل الباب ٣٠ من كفارات الصيد.


بل يأكل الميتة ، لأنه إذا ذبحه صار ميتة بغير خلاف ، فاما ان كان مذبوحا ، فلا يخلو ذابحه ، اما ان يكون محرما أو محلا ، فان كان محرما فلا فرق بينه وبين الميتة ، وان كان ذابحه محلا ، فان ذبحه في الحرم فهو ميتة أيضا ، وان ذبحه في الحل ، فان كان المحرم المضطر قادرا على الفداء أكل الصيد ولم يأكل الميتة ، وان كان غير قادر على فدائه أكل الميتة. قال : وهذا الذي يقوى في نفسي ، لأن الأدلة تعضده وأصول المذهب تؤيده ، وهو الذي اختاره شيخنا في استبصاره. وذكر في نهايته أنه يأكل الصيد ويفديه ولا يأكل الميتة. ثم رجع (١) عن ما قواه وقال : والأقوى عندي أنه يأكل الميتة على كل حال ، لانه مضطر إليها ولا عليه في أكلها كفارة ، ولحم الصيد ممنوع منه لأجل الإحرام على كل حال ، لأن الأصل براءة الذمة من الكفارة.

أقول : وظاهره هو أكل الميتة إلا في تلك الصورة الخاصة ، وهو ما إذا ذبحه المحل في الحل وكان المضطر إلى أكله قادرا على الفداء. ثم ان ما يدل عليه كلامه ـ من كون مذبوح المحرم ميتة مطلقا ـ منظور فيه بما عرفت في المسألة السادسة من القول بحله على المحل في الصورة المذكورة ، ودلالة جملة من الاخبار الصحاح على ذلك. وحينئذ ففي شموله لمحل البحث تأمل.

ثم انه لا يخفى ان الأصل في اختلاف هذه الأقوال هو اختلاف الأخبار الواردة في المسألة :

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن بكير وزرارة

__________________

(١) يعني : ابن إدريس.


عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في رجل اضطر إلى ميتة وصيد وهو محرم؟ قال : يأكل الصيد ويفدي».

وعن الحلبي في الصحيح عندي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن المحرم يضطر فيجد الميتة والصيد ، أيهما يأكل؟ قال : يأكل من الصيد ، أليس هو بالخيار ان يأكل من ماله؟ قلت : بلى. قال : إنما عليه الفداء فليأكل وليفده».

وعن يونس بن يعقوب في الموثق (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المضطر إلى الميتة وهو يجد الصيد. قال : يأكل الصيد. قلت : ان الله قد أحل له الميتة إذا اضطر إليها ولم يحل له الصيد؟ قال : تأكل من مالك أحب إليك أو ميتة؟ قلت : من مالي قال : هو مالك لان عليك فداءه. قلت : فان لم يكن عندي مال؟ قال : تقضيه إذا رجعت الى مالك».

وما رواه الشيخ عن منصور بن حازم (٤) قال : «سألته عن محرم اضطر إلى أكل الصيد والميتة. قال : أيهما أحب إليك ان تأكل؟ قلت : الميتة ، لأن الصيد محرم على المحرم. فقال : أيهما أحب إليك

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٨٣ ، والوسائل الباب ٤٣ من كفارات الصيد والوافي باب (المحرم يضطر الى الصيد والميتة).

(٢ و ٣) الفروع ج ١ ص ٢٧٠ الطبع القديم وج ٤ ص ٣٨٣ الطبع الحديث ، والوسائل الباب ٤٣ من كفارات الصيد ، والوافي باب (المحرم يضطر الى الصيد والميتة).

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٨ ، والاستبصار ج ٢ ص ٢٠٩ ، والوسائل الباب ٤٣ من كفارات الصيد.


ان تأكل من مالك أو الميتة؟ قلت : آكل من مالي. قال : فكل الصيد وافده».

وما رواه الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المحرم إذا اضطر إلى أكل صيد وميتة ، وقلت : ان الله (عزوجل) حرم الصيد وأحل الميتة. قال : يأكل ويفديه ، فإنما يأكل ماله».

وعن أبي أيوب في الصحيح (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل اضطر وهو محرم الى صيد وميتة ، من أيهما يأكل؟ قال : يأكل من الصيد. قلت : فان الله قد حرمه عليه وأحل له الميتة؟ قال : يأكل ويفدي ، فإنما يأكل من ماله».

وعن منصور بن حازم في الموثق (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : محرم اضطر الى صيد والى ميتة ، من أيهما يأكل؟ قال : يأكل من الصيد. قلت : أليس قد أحل الله الميتة لمن اضطر إليها؟ قال : بلى ولكن يفدي ، ألا ترى انه انما يأكل من ماله ، فيأكل الصيد وعليه فداؤه». قال (٤) : وقد روى انه يأكل من الميتة ، لأنها أحلت له ولم يحل له الصيد.

أقول : وهذه الروايات مع صحة أسانيد أكثرها صريحة في مذهب الشيخ المفيد (قدس الله سره) ومن تبعه.

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٥) : «ان عليا (صلوات الله عليه وعلى أولاده) كان

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٤٣ من كفارات الصيد.


يقول : إذا اضطر المحرم الى الصيد والى الميتة فليأكل الميتة التي أحل الله له».

وعن عبد الغفار الجازي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم إذا اضطر إلى ميتة فوجدها ووجد صيدا. فقال : يأكل الميتة ويترك الصيد».

هذا ما وقفت عليه من روايات المسألة.

والشيخ (رحمه‌الله) قد تأول رواية إسحاق بعد نقلها بأنه ليس في الخبر انه إذا اضطر الى الصيد والميتة ، وهو قادر عليهما متمكن من تناولهما. وإذا لم يكن ذلك في ظاهره حملناه على من لا يجد الصيد ولا يتمكن من الوصول اليه ويتمكن من الميتة. انتهى. ولا يخفى ما فيه. وقال بعد نقل خبر عبد الغفار : يحتمل ان يكون المراد بهذا الخبر من لا يتمكن من الفداء ولا يقدر عليه ، فإنه يجوز له والحال على ما وصفناه ان يأكل الميتة. ويحتمل ان يكون المراد به إذا وجد الصيد وهو غير مذبوح فإنه يأكل الميتة ويخلي سبيل الصيد.

والتأويلان ـ كما ترى ـ على غاية من البعد. والأظهر عندي هو حمل الخبرين المذكورين على التقية كما احتمله في الاستبصار ، فإن ذلك منقول عن جملة من رؤوس المخالفين ، مثل أبي حنيفة والحسن البصري والثوري ومحمد بن الحسن ومالك واحمد (٢) كما ذكره في المنتهى. ومن ذلك يظهر ان الحق في المسألة هو ما ذهب اليه شيخنا

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٣ من كفارات الصيد.

(٢) المغني ج ٣ ص ٣١٤ و ٣١٥ وج ٩ ص ٤١٨ ، والبحر الرائق ج ٣ ص ٣٦.


المفيد والسيد المرتضى ، وهو مختار جمع من الأصحاب.

الثانية عشرة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا يدخل في ملك المحرم شي‌ء من الصيد باصطياد ولا ابتياع ولا هبة ولا ميراث إذا كان معه ، اما لو كان بعيدا فإنه لا يخرج عن ملكه.

قال في المنتهى : لو صاد صيدا لم يملكه بالإجماع. ثم قال : اما لو كان الصيد في منزله فإنه يجوز ذلك ولا يزول ملكه عنه. ونقل في المختلف عن الشيخ (رحمه‌الله) انه قال : إذا انتقل الصيد اليه بالميراث لا يملكه ويكون باقيا على ملك الميت الى ان يحل ، فإذا أحل ملكه. ثم قال : ويقوى في نفسي انه ان كان حاضرا معه فإنه ينتقل اليه ويزول ملكه عنه ، وان كان في بلده يبقى في ملكه. ثم قال (رحمه‌الله) : وفي الانتقال إليه الذي قواه الشيخ اشكال. لنا ـ قوله تعالى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) (١).

أقول : اما الحكم الأول فاستدل عليه بقوله (عزوجل) (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) (٢) كما سمعته من كلام العلامة ، والمراد وجوه الانتفاعات به ، فيخرج عن المالية بالإضافة اليه. والظاهر ضعفه.

واستدل العلامة في المنتهى على ما قدمنا نقله عنه ببعض الروايات المتقدمة الدالة على ان من ادخل الحرم صيدا فإنه لا يجوز له إمساكه (٣) ولا يخفى ما فيه : اما (أولا) فلأنها أخص من المدعى. واما (ثانيا) فلان وجوب تخليته لا يدل على زوال الملك عنه ، فإنه

__________________

(١ و ٢) سورة المائدة ، الآية ٩٦.

(٣) الوسائل الباب ٣٦ من كفارات الصيد.


يجوز ان يبقى على ملكه وان وجب عليه إرساله وتخليته وحرم عليه إمساكه.

ونقل عن الشيخ (رحمه‌الله) انه حكم بدخوله في الملك وان وجب إرساله ، كما في صيد الحرم. قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : ولا يخلو من قوة.

أقول : لا يخفى ان الاخبار التي قدمناها في سابق هذه المسألة صريحة الدلالة واضحة المقالة في الملك ، فإنه في غير خبر منها قد علل الأكل من الصيد وترجيحه على الميتة بأنه إنما يأكل من ماله وظاهرها ان الملك عليه باق وان وجب إرساله في غير الضرورة الموجبة لأكله. ولم أقف على من تنبه للاستدلال بها على هذا الحكم ، وهي صريحة فيه كما ترى.

نعم روى الشيخ بسنده عن ابي سعيد المكاري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا يحرم أحد ومعه شي‌ء من الصيد حتى يخرجه من ملكه ، فإن أدخله الحرم وجب عليه ان يخليه».

إلا ان غاية ما تدل عليه هو المنع من الإحرام حتى يخرج الصيد عن ملكه ، ولا دلالة فيها على انه يخرج الصيد عن ملك المحرم بمجرد الإحرام ، وان كان فيها نوع اشعار بذلك ، إلا انه غير ملتفت اليه بعد ما عرفت من صراحة الروايات المشار إليها في ما ذكرناه.

واما الحكم الثاني فيدل عليه ما رواه الصدوق في الصحيح عن محمد بن مسلم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٢ ، والوسائل الباب ٣٤ من كفارات الصيد.

(٢) الوسائل الباب ٣٤ من كفارات الصيد.


الرجل يحرم وعنده في أهله صيد اما وحش واما طير. قال : لا بأس».

وما رواه ثقة الإسلام والشيخ في الصحيح عن جميل (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الصيد يكون عند الرجل من الوحش في اهله ومن الطير ، يحرم وهو في منزله؟ قال : وما به بأس لا يضره».

والظاهر ان الحكم المذكور لا خلاف فيه.

ثم انه صرح جملة منهم أيضا بأن الصيد في الحرم لا يدخل في ملك المحل ولا المحرم ، وقيل انه مذهب الأكثر. ومال المحقق في النافع الى وجوب الإرسال خاصة ، قال : وهل يملك المحل صيدا في الحرم؟ الأشبه انه يملك ويجب إرسال ما يكون معه. وحكى فخر المحققين هذا القول عن الشيخ ايضا.

واستدل على القول المشهور بصحيحة معاوية بن عمار (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن طائر أهلي ادخل الحرم حيا فقال : لا يمس ، لان الله (عزوجل) يقول (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)» (٣). ونحوها غيرها من ما تقدم ودل على تخلية سبيل ما ادخل الحرم من الصيد.

وأنت خبير بان المستفاد منها انما هو وجوب إرساله وتخلية سبيله كما ذكره في النافع ، لا زوال الملك. وإطلاق الروايات التي أشرنا

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من كفارات الصيد.

(٢) الوسائل الباب ١٢ و ٣٦ من كفارات الصيد.

(٣) سورة آل عمران ، الآية ٩٦.


إليها آنفا شاملة لهذه الصورة أيضا. فيكون الأظهر هو ما ذكره المحقق ونقل عن الشيخ (رحمه‌الله).

البحث الثاني

في الكفارات

وينبغي ان يعلم ان ما تتعلق به الكفارة نوعان الأول ـ ما لكفارته بدل على الخصوص ، وهو كل ما له مثل من النعم ، والأصل في هذا النوع قوله (عزوجل) (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (١) والمتبادر من المماثلة هو المشابهة في الصورة ، كما في النعامة ، فإنها تشابه البدنة ، وبقرة الوحش ، فإنها تشابه البقرة الأهلية ، والظبي يشابه الشاة. إلا انه لا يطرد كليا ، فإنهم عدوا من هذا القبيل البيض وجعلوه من قبيل ذوات الأمثال ، ولعل الحكم مبني على الأغلب. والأمر هين بعد وضوح الحكم والمأخذ.

وكيف كان فقد ذكروا أن أفراد هذا النوع خمسة :

الأول ـ النعامة ، وفي قتلها بدنة بإجماع أصحابنا (رضوان الله عليهم) وأكثر العامة (٢).

ويدل عليه من الاخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٢) المهذب للشيرازي الشافعي ج ١ ص ٢١٦ ، والمجموع للنووي شرح المهذب ج ٧ ص ٤٢١ الطبع الثاني ، وفتح القدير لابن همام الحنفي ج ٣ ص ٢٦٠.


ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) انه قال «في قول الله (عزوجل): (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (٢) قال : في النعامة بدنة ، وفي حمار وحش بقرة ، وفي الضبي شاة ، وفي البقرة بقرة».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن محمد بن مسلم وزرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) : «في محرم قتل نعامة؟ قال : عليه بدنة ، فان لم يجد فإطعام ستين مسكينا ، فان كانت قيمة البدنة أكثر من إطعام ستين مسكينا لم يزد على إطعام ستين مسكينا ، وان كانت قيمة البدنة أقل من إطعام ستين مسكينا لم يكن عليه إلا قيمة البدنة».

وما رواه ثقة الإسلام عن يعقوب بن شعيب في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قلت له : المحرم يقتل نعامة؟ قال : عليه بدنة من الإبل. قلت : يقتل حمار وحش؟ قال : عليه بدنة. قلت : فالبقرة؟ قال : بقرة».

وما رواه الشيخ عن سليمان بن خالد في الصحيح (٥) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : في الظبي شاة ، وفي البقرة بقرة ، وفي الحمار بدنة ، وفي النعامة بدنة ، وفي ما سوى ذلك قيمته».

وما رواه في الكافي عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «سألته عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش. قال : عليه بدنة. قلت : فان لم يقدر على بدنة؟ قال : فليطعم ستين مسكينا. قلت : فان لم يقدر على ان يتصدق؟ قال : فليصم ثمانية عشر يوما.

__________________

(١ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١ من كفارات الصيد.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٣ و ٦) الوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.


والصدقة مد على كل مسكين».

وهل المراد بالبدنة هي الأنثى فالواجب انما هو هي أو ما يشمل الذكر فالواجب أحدهما؟ قولان ، منشأهما اختلاف أهل اللغة في ذلك ، فظاهر الصحاح ـ على ما نقله عنه في المدارك ـ اختصاص البدنة بالناقة ، وظاهره الميل الى ذلك. وظاهر عبارة القاموس إطلاقها على الذكر والأنثى ، حيث قال : والبدنة محركة : من الإبل والبقر ـ كالأضحية من الغنم ـ تهدى الى مكة ، للذكر والأنثى. وقال في كتاب المصباح المنير : قالوا : وإذا أطلقت البدنة في الفروع فالمراد البعير ذكرا كان أو أنثى. وربما أشعرت هذه العبارة بأن هذا الإطلاق ليس من جهة الوضع اللغوي وانما هو اصطلاح المتشرعة. وقال الشيخ فخر الدين بن طريح في مجمع البحرين بعد ذكر البدنة : وانما سميت بذلك لعظم بدنها وسمنها ، وتقع على الجمل والناقة عند جمهور أهل اللغة وبعض الفقهاء. وبذلك يظهر ان الحكم لا يخلو من اشكال.

ثم ان ظاهر عبارة القاموس إطلاق البدنة على البقر ايضا ، وبه صرح في كتاب شمس العلوم ، فقال : والبدنة : الناقة والبقرة تنحر بمكة. انتهى. وهو أشد إشكالا.

إلا ان ظاهر صحيحة يعقوب بن شعيب كون البدنة هنا من الإبل فلا اشكال. قال الفيومي في كتاب المصباح المنير (١) : والبدنة قالوا : هي ناقة أو بقرة ، وزاد الأزهري : أو بعير ذكر. قال : ولا تقع البدنة على الشاة. وقال بعض الأئمة : البدنة هي الإبل خاصة. ويدل عليه قوله

__________________

(١) مادة (بدن).


تعالى «فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها» (١) سميت بذلك لعظم بدنها. وإنما ألحقت البقرة بالإبل بالسنة ، وهو قوله (عليه‌السلام): «تجزئ البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة» (٢). ففرق الحديث بينهما بالعطف ، إذ لو كانت البدنة في الوضع تطلق على البقرة لما ساغ عطفها ، لان المعطوف غير المعطوف عليه. انتهى.

أقول : ويؤيد ذلك ما وقع في جملة من اخبار المسألة من إطلاق البدنة في مقابلة البقرة ، كما في صحيحة حريز المتقدمة ، حيث أوجب في النعامة بدنة وفي حمار الوحش بقرة ، ونحوها غيرها.

ونقل عن بعض الأصحاب ان البدنة هي الأنثى التي كمل لها خمس سنين ودخلت في السادسة.

والقول بشمولها للذكر منقول عن الشيخ وجماعة ، واستدلوا عليه بما رواه الشيخ عن ابي الصباح (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله (عزوجل) في الصيد (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (٤) قال : في الظبي شاة ، وفي حمار وحش بقرة ، وفي النعامة جزور». والجزور يشمل الأنثى والذكر :

قال في المصباح المنير : والجزور من الإبل خاصة يقع على الذكر والأنثى. وفي القاموس : الجزور : البعير أو خاص بالناقة المجزورة.

__________________

(١) سورة الحج ، الآية ٣٦.

(٢) ارجع الى تتمة الكلام في المصباح فإنه يذكر الحديث ، والى المغني لابن قدامة الحنبلي ج ٣ ص ٥٥١ ، وسنن البيهقي ج ٥ ص ٢٣٤.

(٣) الوسائل الباب ١ من كفارات الصيد.

(٤) سورة المائدة ، الآية ٩٥.


والبعير من ما يطلق على الذكر والأنثى.

ويظهر من العلامة في التذكرة والمنتهى : ان البدنة والجزور بمعنى واحد ، حيث قال في التذكرة : يجب في النعامة بدنة عند علمائنا اجمع ، فمن قتل نعامة وهو محرم وجب عليه جزور. ونحوه في المنتهى ايضا. وهو ظاهر في موافقة الشيخ (رحمه‌الله).

وبالجملة فقول الشيخ لا يخلو من قوة ، للرواية المذكورة ، وان كان الاحتياط في جانب القول الآخر.

ونقل عن العلامة في التذكرة انه اعتبر المماثلة بين الصيد وفدائه ففي الصغير من الإبل ما في سنه ، وفي الكبير كذلك ، وفي الأنثى أنثى ، وفي الذكر ذكر. ولم نقف له على دليل ، بل إطلاق الاخبار الواردة في المسألة يدفعه.

تنبيهات

الأول ـ اختلف الأصحاب في ما لو لم يجد بدنة على أقوال : أحدها ـ القول بأنه لو لم يجد قوم الجزاء وفض ثمنه على الحنطة ، وتصدق به على كل مسكين نصف صاع ، فان زاد ذلك على إطعام ستين مسكينا لم يلزمه أكثر منه ، وان كان أقل منه فقد أجزأه. وهو قول الشيخ ، وبه قال ابن إدريس وابن البراج ، وهو المشهور بين المتأخرين. وثانيها ـ انه لو لم يجد البدنة فقيمتها ، فان لم يجد فض القيمة على البر ، وصام لكل نصف صاع يوما. وبه قال أبو الصلاح. وظاهره انه يتصدق بالقيمة ، فان لم يجد القيمة فضها على البر ، وصام عن كل نصف صاع يوما. وثالثها ـ انه لو لم يجد فإطعام ستين مسكينا


وبه قال ابن بابويه وابن ابي عقيل والشيخ المفيد والسيد المرتضى وسلار.

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة هو ما رواه ثقة الإسلام والشيخ في الصحيح عن ابي عبيدة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد ، قوم جزاؤه من النعم دراهم ، ثم قومت الدراهم طعاما ، لكل مسكين نصف صاع ، فان لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما». ونحوها صحيحة محمد بن مسلم وزرارة المتقدمة في صدر البحث.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن قوله (عزوجل) (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) (٣) قال : عدل الهدى ما بلغ يتصدق به ، فان لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكل طعام مسكين يوما».

وما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن جميل عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) : «في محرم قتل نعامة؟ قال : عليه بدنة ، فان لم يجد فإطعام ستين مسكينا. وقال : ان كان قيمة البدنة أكثر من إطعام ستين مسكينا لم يزد على إطعام ستين مسكينا ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد ، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من الوحش).

(٢ و ٤) الوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.

(٣) سورة المائدة ، الآية ٩٥.


وان كان قيمة البدنة أقل من إطعام ستين مسكينا لم يكن عليه إلا قيمة البدنة».

وروى العياشي في تفسيره عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن قول الله (تعالى) في من قتل صيدا متعمدا وهو محرم (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ، يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ، أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ ، أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) (٢) ما هو؟ قال : ينظر إلى الذي عليه بجزاء ما قتل ، فاما ان يهديه ، واما ان يقوم فيشتري به طعاما فيطعمه المساكين ، يطعم كل مسكين مدا ، واما ان ينظركم يبلغ عدد ذلك من المساكين فيصوم مكان كل مسكين يوما».

وقد تقدم في صدر كتاب الصوم (٣) حديث الزهري عن علي بن الحسين (عليه‌السلام) وفيه : «أو تدري كيف يكون عدل ذلك صياما يا زهري؟ قال : قلت : لا أدرى. قال : يقوم الصيد قيمة عدل ، ثم تفض تلك القيمة على البر ، ثم يكال ذلك البر أصواعا ، فيصوم لكل نصف صاع يوما». ونحوه في حديث كتاب الفقه الرضوي (٤) المتقدم ثمة أيضا.

وهذه الروايات ظاهرة في القول الأول.

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن ابي بصير عن ابي عبد الله

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٣) ج ١٣ ص ٣ ، والوسائل الباب ١ من بقية الصوم الواجب.

(٤) ص ٢٣.


(عليه‌السلام) ـ ورواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن ابي بصير (١) وهو ليث المرادي بقرينة عبد الله بن مسكان ـ قال : «سألته عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش. قال : عليه بدنة. قلت : فان لم يقدر على بدنة؟ قال : فليطعم ستين مسكينا. قلت : فان لم يقدر على ان يتصدق؟ قال : فليصم ثمانية عشر يوما. والصدقة مد على كل مسكين. الحديث».

وما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار في الصحيح (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من أصاب شيئا فداؤه بدنة من الإبل ، فان لم يجد ما يشتري به بدنة فأراد أن يتصدق فعليه ان يطعم ستين مسكينا كل مسكين مدا ، فان لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوما ، مكان كل عشرة مساكين ثلاثة أيام. الحديث».

وفي حديث الجواد (عليه‌السلام) مع يحيى بن أكثم القاضي المروي في جملة من الأصول المعتمدة التي من جملتها كتاب تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة (٣) والمنقول هنا من عبارته قال (عليه‌السلام): «وان كان من الوحش فعليه في حمار وحش بدنة وكذلك في النعامة بدنة ، فان لم يقدر فإطعام ستين مسكينا ، فان لم يقدر فليصم ثمانية عشر يوما. الحديث».

وروى الثقة الجليل على بن جعفر (رضي‌الله‌عنه) في كتابه عن

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٨٥ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٣٣ ، والوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٣ ، والوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.

(٣) الوسائل الباب ٣ من كفارات الصيد.


أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل محرم أصاب نعامة ، ما عليه؟ قال : عليه بدنة ، فان لم يجد فليتصدق على ستين مسكينا ، فان لم يجد فليصم ثمانية عشر يوما».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٢) : «فإن كان الصيد نعامة فعليك بدنة ، فان لم تقدر عليها أطعمت ستين مسكينا ، لكل مسكين مد ، فان لم تقدر صمت ثمانية عشر يوما».

أقول : وهذه الاخبار ظاهرة في القول الثالث. واما القول الثاني فلم أقف له في الاخبار على دليل ، وقائله أعرف بما قاله.

ولم أقف على من تعرض للجمع بين هذه الاخبار ، وأكثر المتأخرين ـ كالعلامة في مطولاته وغيره ـ لم يتعرضوا لنقل الخلاف بالكلية فضلا عن الروايات المخالفة ، وانما ذكروا القول الأول ورواياته. ولا يخفى ان مذهب العامة كافة هو ما عليه المشهور بين أصحابنا من القول الأول (٣) واخبارهم كلها موافقة للعامة ، والاخبار الأخر مخالفة لهم والمسألة لذلك لا تخلو من الإشكال ، فإن الخروج عن مقتضى هذه الاخبار مع كثرتها وشهرتها بينهم مشكل ، والقول بها مع موافقتها لمذهب العامة أشكل.

ثم ان ظاهر أصحاب القول الأول هو الصدقة بعد تعذر البدنة بمدين ، وبه صرحت صحيحة ابي عبيدة المذكورة. إلا ان غيرها من اخبار المسألة ـ من ما صرح فيه بقدر الصدقة ـ إنما تضمن المد ، وهو

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.

(٢) ص ٢٩.

(٣) المغني ج ٣ ص ٤٦٤ و ٤٦٥ طبع مطبعة العاصمة.


قول الصدوق وابن ابي عقيل ، كما صرحت به رواية أبي بصير الصحيحة بنقل الصدوق ، وصحيحة معاوية بن عمار ، ورواية العياشي ، ورواية كتاب الفقه الرضوي.

ويؤيده ما رواه ثقة الإسلام في الموثق عن ابن بكير عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في قول الله (عزوجل): (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) (٢) قال : يثمن قيمة الهدي طعاما ، ثم يصوم لكل مد يوما ، فإذا زادت الأمداد على شهرين فليس عليه أكثر منه».

وظاهر صاحب المدارك ومن تبعه الجمع بين الاخبار بحمل صحيحة ابي عبيدة على الاستحباب.

ثم ان ظاهر أصحاب القول الأول هو التصدق بالبر بعد فض قيمة البدنة عليه. وهو ظاهر صحيحة ابي عبيدة ، حيث قال فيها : «ثم قومت الدراهم طعاما» والطعام ـ كما هو المستفاد من الاخبار ـ الحنطة. واكتفى شيخنا الشهيد الثاني وجمع ممن تأخر عنه بمطلق الطعام نظرا الى ظاهر الروايات الأخر المصرحة بالإطعام بقول مطلق. وهو محتمل إلا ان الأحوط العمل بالأول.

الثاني ـ قد صرح أصحاب القول الأول من الأقوال الثلاثة المتقدمة بأنه لو عجز عن الصدقة بعد فض قيمة البدنة على الطعام انه يصوم عن كل مدين يوما ، فان عجز صام ثمانية عشر يوما. ومقتضاه ان يصوم ستين يوما عدد المساكين الذين يتصدق عليهم. وبذلك قال الشيخ المفيد والسيد المرتضى وسلار على ما نقله في المختلف. وبه صرحت

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٩٥.


صحيحة أبي عبيدة المتقدمة ، وكذا مرسلة ابن بكير. إلا ان صوم الثمانية عشر يوما بعد تعذر صوم الستين يوما لم أقف عليه في شي‌ء من رواياتهم ، وانما هو في روايات القول الآخر عوضا عن الصدقة على ستين مسكينا ، كما صرحت به صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ، ورواية أبي بصير المتقدمة أيضا. والمستفاد من رواياتهم إنما هو الصدقة بالبدنة أولا ، ثم مع التعذر فض قيمتها على الطعام ، والتصدق على ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع ، ومع العجز عن الطعام يصوم عن كل نصف صاع يوما ، يكون ستين يوما. هذا ما تضمنته اخبارهم. واما القول الآخر فإنه بعد تعذر البدنة يتصدق على ستين مسكينا ، ومع العجز عن الصدقة يصوم ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام. وحينئذ فإن كان معتمدهم في ما ذكروه من صوم الثمانية عشر يوما هو هذه الروايات فهي إنما تضمنت صوم الثمانية عشر يوما عوضا عن الصدقة ، وهم لا يقولون بذلك. ومقتضى كلامهم إنما هو عوض عن صيام الستين يوما. ولعل مستندهم إنما هو هذه لاخبار ، لكنها لما كانت معارضة ـ بالنسبة إلى حكم الصدقة على الوجه الذي ذكروه ، وكذا صوم الستين يوما ـ بالأخبار التي اعتمدوها ، وحكم صوم الثمانية عشر لا معارض له ، عملوا بها في هذا الحكم خاصة حيث لا مانع منه. والفرق بين القولين من وجهين : أحدهما ـ انه على تقدير القول الأول لو فض قيمة البدنة على الطعام واتفق ان الطعام نقص عن عدد الستين لكل رأس نصف صاع ، فإنه يكتفي بما وسعهم ولا يجب عليه إتمام الستين من غير قيمة البدنة ، وعلى القول الآخر فإنه يجب عليه الصدقة على ستين مسكينا من غير نظر الى قيمة البدنة بالكلية. وثانيهما ـ انه على القول الأول مع


العجز عن الصدقة على ستين مسكينا يصوم ستين يوما ، ومع العجز عن ذلك يصوم ثمانية عشر يوما ، وعلى القول الآخر انه مع العجز عن الصدقة يصوم ثمانية عشر يوما. والجمع بين روايات المسألة لا يخلو من اشكال ، وان كان قد جمع بعضهم بينها بحمل صحيحة ابي عبيدة على الاستحباب والأفضلية وحمل روايات القول الآخر على أقل المجزئ. ومرجع ذلك الى التخيير مع أفضلية أحد الفردين. وأكثر الأصحاب ـ كالعلامة في المنتهى والتذكرة ـ لم يتعرضوا لنقل القول الآخر ، ولا لنقل شي‌ء من رواياته بالكلية كما ذكرنا آنفا. وصاحب المدارك قد غمض عينيه في هذا المقام ولم يتعرض للجمع بين أخبار المسألة بنقض ولا إبرام ، مع ما عرفت من ان روايات القول المشهور معلولة بموافقة العامة. والله العالم.

الثالث ـ اختلف الأصحاب في فرخ النعامة ، فقال في الخلاف : في صغار أولاد الصيد صغار أولاد الإبل. وقال ابن البراج : والكبار أفضل. وقال شيخنا المفيد : في صغار النعام الفداء بقدره من صغار الإبل في سنه ، وكذا في صغار ما قتله من البقر والحمير والظباء. ونحوه قال السيد ، إلا انه فرضه في صغار النعام خاصة. وبه قال أبو الصلاح وقال ابن الجنيد : والاحتياط ان يكون جزاء الذكر من الصيد ذكرا من النعم ، وجزاء الأنثى أنثى ، والمسن مسنا ، والصغير صغيرا ، من الجنس الذي هو مثله في الجزاء ، فان تطوع بالأعلى سنا كان تعظيما لشعائر الله تعالى. وهو اختيار ابن إدريس ، وقواه العلامة في المختلف استنادا الى قوله (عزوجل) (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (١) وقال

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٩٥.


الشيخ في النهاية : في فراخ النعامة مثل ما في النعامة سواء. وقد روى ان فيه من صغار الإبل. والأحوط ما قدمناه. ومثله قال في المبسوط. وقال المحقق في الشرائع : وفي فراخ النعام روايتان : إحداهما مثل ما في النعام والأخرى من صغار الإبل. وهو أشبه.

أقول : والذي وقفت عليه في الاخبار من ما يتعلق بهذه المسألة هو ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن ابان بن تغلب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في قوم حجاج محرمين أصابوا أفراخ نعام فأكلوا جميعا؟ قال : عليهم مكان كل فرخ أكلوه بدنة يشتركون فيها جميعا فيشترونها على عدد الفراخ وعلى عدد الرجال».

واما الرواية التي أشار إليها المحقق ـ وقبله الشيخ في عبارة النهاية ـ فلم تصل إلينا في كتب الاخبار ، ولم ينقلها أحد في كتب الاستدلال ، والظاهر وصولها إليهم ، حيث ان المشهور بينهم ـ كما عرفت ـ هو القول بها. وكيف كان فتكليفنا غير تكليفهم.

فالأظهر هو القول الأخير للصحيحة المذكورة ، مضافا الى ترجيحها بالاحتياط كما لا يخفى.

الرابع ـ قال العلامة في المنتهى : لو بقي ما لا يعدل يوما كربع الصاع كان عليه صيام يوم كامل ، ولا نعلم فيه خلافا ، لان صيام اليوم لا يتبعض ، والسقوط غير ممكن لشغل الذمة ، فيجب إكمال اليوم. وأورد عليه بأنه يمكن المناقشة فيه بان مقتضى النص ان صيام اليوم بدل عن نصف صاع كما في صحيحة أبي عبيدة ، أو عن إطعام مسكين

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٣ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٣٦ ، والوسائل الباب ٢ و ١٨ من كفارات الصيد.


كما في صحيحة محمد بن مسلم ، وهو غير متحقق في محل البحث. وهو جيد. ومرجعه إلى المناقشة في ما ادعاه من شغل الذمة. ومع ذلك فإنه متى كان الصوم في الاخبار انما علق على قدر ما يجب إطعامه المسكين ، من نصف صاع كما في الصحيحة المذكورة ، أو مد كما تقدم في مرسلة ابن بكير ، أو ما هو أعم كما في صحيحة محمد بن مسلم ، فما كان أقل من ذلك فإنه لا يوجب صوما البتة. والظاهر ان تمثيله بربع الصاع بناء على ما قدمنا نقله عنهم من إيجابهم نصف صاع لكل مسكين ، وإلا فربع الصاع الذي هو عبارة عن مد ـ بناء على القول الآخر ـ يعدل يوما ، كما دلت عليه مرسلة ابن بكير والروايات المتقدمة.

الخامس ـ ظاهر كلام أصحاب القول الأول ـ كالشيخ وابن إدريس والمحقق والعلامة وغيرهم ـ انه لو نقصت قيمة البدنة عن إطعام الستين وانتقل فرضه الى الصوم ، فإنه يصوم عن كل نصف صاع يوما بالغا ما بلغ ان أوجبنا نصف الصاع لكل مسكين ، أو مدا كما في مرسلة ابن بكير ، لان الصوم في الاخبار متفرع على الصدقة ، فأي عدد حصل من قيمة البدنة بعد فض قيمتها على الطعام فإنه يجب الصدقة به ان وجد الطعام ، وإلا صام عوض إطعام كل مسكين يوما وعلى هذا كما يكون النقص في الصدقة عن الستين لو عجزت قيمة البدنة كذلك يكون النقص في الصوم.

وقرب العلامة في القواعد انه يصوم الستين كملا في الصورة المذكورة ونقله بعض الأصحاب أيضا عن ابن حمزة في الوسيلة. قال في الذخيرة : ووجهه غير واحد من الشارحين بان الواجب في الأصل هو إطعام الستين


وسقوط الزيادة عنه والعفو عن الناقص على تقديرهما في الإطعام لا يستلزم مثله في الصيام. وبان الكفارة في ذمته ستون ولا يخرج عن العهدة إلا بصوم الستين.

أقول : الذي وقفت عليه في شرح المحقق الشيخ علي على الكتاب المذكور ظاهر في ما قدمناه ، ولم يلم فيه بشي‌ء من هذه التوجيهات الركيكة ، حيث قال بعد قول المصنف : «والأقرب الصوم عن ستين وان نقص البدل» ما صورته : قد يومئ الى ذلك وجوب ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام ، ولا دلالة له صريحا لجواز ان يكون المراد البدل عن ما هو نهاية ما يجب من الإطعام ، وليس في الروايات صيام ستين بل صيام يوم عن نصف صاع. لكن الأحوط وجوب الستين. انتهى.

وأنت خبير بما في الاستناد في هذا الإيماء إلى وجوب ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام ، وذلك فإنك قد عرفت من ما قدمنا ان وجوب صيام الثمانية عشر يوما لم يقع في شي‌ء من روايات القول الأول وانما أخذوه من روايات القول الآخر ، وهو في تلك الروايات ترتب على وجوب الصدقة على ستين مسكينا ان وجد الطعام بلا زيادة ولا نقصان ، لا على ما أوجبه فض قيمة البدنة على الطعام كما قالوا به ، فالتعليل في وجوب الثمانية عشر بان كل ثلاثة أيام عن عشرة مساكين انما ترتب على هذه الستين التي لا يتطرق إليها النقصان بوجه ، لا تلك كما يوهمه كلامه (قدس‌سره).

السادس ـ لو تمكن من الزيادة على ثمانية عشر بعد عجزه عن


الستين صوما فهل تجب الزيادة أم لا؟ استشكل العلامة في القواعد قيل : ولعل منشأ الاشكال ، من ان العجز عن صوم الستين لا يقتضي سقوط المقدور منه ، ومن ان إيجاب العدد المخصوص في الرواية منوط بالعجز عن المجموع فلا تجب الزيادة عليه.

أقول : لا يخفى ان هذا الاشكال لا وجه له بالكلية. وما وجهوه به مبني على وجود الرواية بصوم الثمانية عشر يوما بعد تعذر صوم ستين يوما كما قالوا به ، وليس في الروايات له اثر كما قدمنا ذكره ، وانما الذي فيها هو صوم الثمانية عشر يوما بعد تعذر الصدقة على ستين مسكينا لكل عشرة مساكين ثلاثة أيام ، كما تضمنته صحيحة معاوية ابن عمار المتقدمة ، والتعليل المذكور مؤذن بعدم الزيادة على الثمانية عشر. وبذلك يظهر لك انه لا معنى لقوله : «ان إيجاب العدد المخصوص في الرواية منوط بالعجز عن المجموع» فإنه لم يقع في شي‌ء من الروايات تعليق صوم الثمانية عشر على العجز عن صوم الستين يوما.

السابع ـ لو تجدد العجز عن صيام الستين يوما بعد صيام شهر ، فقيل بأنه يجب ان يصوم تسعة. وعلل بان العجز عن المجموع يوجب ثمانية عشر يوما ، فالعجز عن النصف يوجب التسعة التي هي نصف الثمانية عشر. وقواه في القواعد. ولا يخفى ما فيه ، فان ظاهر الخبر الوارد بصوم ثمانية عشر انما هو البدلية عن الصدقة على ستين مسكينا كما تقدم. ومع تسليم ما ذكره فالمتبادر منه انما هو البدلية عن المجموع. والقول بالتوزيع لو صح ـ كما ادعاه في الصورة المذكورة ـ لوجب بدل ما عجز عنه من الإطعام مع إطعام المقدور ، فلو قدر على إطعام ثلاثين مسكينا صام ثلاثين يوما عن الباقي ، مع انه لا قائل به منهم. واعراضهم عنه دليل على انهم انما فهموا من الخبر المذكور


هو ما أشرنا اليه.

وقيل بوجوب صوم ما قدر عليه. وتوجيهه ان الرواية الواردة بصوم الثمانية عشر على تقديرها منزلة على العجز الحاصل قبل الشروع كما هو المعتاد ، فيكون محل البحث من ما لا نص فيه ، فيلزم القدر المقدور ، لعدم سقوط الميسور بالمعسور (١) ولقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «إذا أمرتكم بشي‌ء فاتوا منه ما استطعتم» (٢).

وبه يظهر ما في كلام المحقق الشيخ علي في الشرح في هذا المقام حيث قال : واما الثاني ـ وأشار به الى القول المذكور ـ فلا يظهر له وجه ، فان الحديث لا يتناوله ، اعني قوله : «إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم» (٣) إذ لو تناوله لوجب مقدوره وان زاد على ثمانية عشر ، وهو ينافي كونها بدلا من الستين الذي دلت عليه الروايات. انتهى. فان كلامه مبني على شمول العجز لما بعد الشروع.

ثم انه لا يخفى ما في قوله : «الذي دلت عليه الروايات» فإنه ليس في شي‌ء من الروايات ان الثمانية عشر بدل من ستين يوما كما عرفت.

وقيل بالسقوط ، لتحقق العجز عن المجموع وحصول البدل في ضمن المتقدم من الثلاثين التي صامها ، كما يظهر من ابنه في الشرح ، حيث بناه على ان المكلف إذا علم انتفاء شرط التكليف قبل دخول وقته لا يحسن منه التكليف ، وان المكلف والحال ما ذكر لا يجوز

__________________

(١) عوائد النراقي ص ٨٨ ، وعناوين مير فتاح ص ١٤٦ عن عوالي اللئالي عن علي (عليه‌السلام).

(٢ و ٣) صحيح مسلم ج ١ ص ٥١٣ ، والنسائي ج ٢ ص ١.


تكليفه بالستين وان ظن ذلك ظاهرا ، بل إنما عليه ثمانية عشر يوما وقد صامها في ضمن ثلاثين.

وقيل عليه انه يشكل على أصله انه ان تم ما ذكره من القاعدة الأصولية أمكن منع الاجزاء عن الثمانية عشر ، لأنه حينئذ إنما اتى بالصوم على انه من جملة الستين التي هي الواجب الثالث لا انه البدل الذي هو ثمانية عشر ، ومن اتى بعبادة ظانا وجوبها بسبب ثم تبين وجوب بعضها خاصة بسبب آخر ففي إجزائها نظر.

أقول : ويعضده انه لو تم ما ذكره للزم صحة صلاة من صلى في السفر تماما ، لوجود صلاة القصر الواجبة عليه في ضمنها وان لم يقصدها. وصحة صلاة من صلى الظهر خمسا ساهيا ، لوجود الأربع في ضمنها بل ينبغي ان يكون هذا أولى بالصحة ، لأنه قصد الأربع في أول دخوله في الصلاة وذلك لم يقصد الثمانية عشر بالكلية. وهو لا يقول بذلك.

وبالجملة فإن المسألة لخلوها من النص موضع اشكال ، والركون الى هذه التخريجات لا يخلو من المجازفة في لاحكام الشرعية.

الثامن ـ اختلف الأصحاب في هذه الكفارة في النعامة وما بعدها هل هي مخيرة أو مرتبة؟ فذهب الأكثر ـ ومنهم : الشيخ في النهاية والمبسوط ، والشيخ المفيد ، وابن ابي عقيل ، وابن بابويه ، والشهيد في الدروس ، والمرتضى ، وغيرهم ـ إلى أنها مرتبة ، ونسبه في المبسوط إلى أصحابنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، بعد اعترافه بان ظاهر القرآن (١) يدل على التخيير. وظاهر العلامة في جملة من كتبه القول بأنها

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٩٥.


مخيرة ، وبه صرح في المنتهى والتذكرة ، ونقله في المختلف عن ابن إدريس ونقل عنه انه نسبه ايضا الى الشيخ في الجمل والخلاف.

ويدل على الأول الاخبار المتقدمة كصحيحة محمد بن مسلم وزرارة وصحيحة ابي عبيدة ، وصحيحة معاوية بن عمار ، ورواية أبي بصير (١) فان الجميع قد اشترك في الدلالة على ان الانتقال إلى المرتبة الثانية مرتب على عدم القدرة على الاولى ، وكذا من الثانية إلى الثالثة.

ويدل على الثاني ظاهر الآية وهو قوله (عزوجل) (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) (٢) المؤكد بقول الصادق (عليه‌السلام) في صحيحة حريز (٣) : «وكل شي‌ء في القرآن «أو» فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ، وكل شي‌ء في القرآن «فمن لم يجد فعليه كذا» فالأول بالخيار». ورواية عبد الله بن سنان المتقدم نقلها عن تفسير العياشي (٤).

والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، والاحتياط في العمل بالترتيب والقول بالتخيير لظاهر الآية فيه قوة ظاهرة. ويمكن إرجاع روايات الترتيب إليها بالحمل على أفضلية المتقدم ، فالترتيب انما هو من حيث الفضل والاستحباب.

ثم انهم اختلفوا هنا أيضا في وجوب التتابع وعدمه ، فالمنقول عن الشيخ المفيد والمرتضى وسلار : الأول ، وعن الشيخ انه صرح بان

__________________

(١) ص ١٧٤ و ١٧٨ و ١٨٠.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٥٨ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٣٣ ، والوسائل الباب ١٤ من بقية كفارات الإحرام.

(٤) ص ١٧٩.


جراء الصيد لا يجب فيه التتابع. وهو الأظهر ، عملا بإطلاق الآية (١) والروايات المتقدمة.

ويدل عليه ايضا ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن سليمان ابن جعفر الجعفري (٢) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان أيقضيها متفرقة؟ قال : لا بأس بتفرقة قضاء شهر رمضان ، انما الصيام الذي لا يفرق صوم كفارة الظهار وكفارة الدم وكفارة اليمين».

الفرد الثاني ـ بقرة الوحش وحماره ، والمشهور بين الأصحاب ان في قتل كل واحد منهما بقرة أهلية. ويدل عليه ما تقدم من صحيحة حريز (٣) وقوله (عليه‌السلام) فيها تفسيرا لقوله (عزوجل) (مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (٤) قال : «في حمار وحش بقرة. وفي البقرة بقرة ،. ورواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «قلت : فإن أصاب بقرة أو حمار وحش ، ما عليه؟ قال : عليه بقرة». ورواية أبي الصباح المتقدمة (٦) وذهب الصدوق الى ان الواجب في الحمار بدنة. ونقله في المختلف عن الشيخين. ويدل عليه ما تقدم من صحيحة يعقوب بن شعيب ، وصحيحة سليمان بن خالد ، ورواية أبي بصير ورواية الجواد (عليه‌السلام) (٧) وعن ابن الجنيد انه خير في فداء

__________________

(١ و ٤) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٩٥ ، والفروع ج ٤ ص ١٢٠ ، والوسائل الباب ٢٦ من أحكام شهر رمضان.

(٣) ص ١٧٣ و ١٧٤.

(٥) الوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.

(٦) ١٧٦.

(٧) ١٧٤ و ١٨٠.


الحمار بين البدنة والبقرة. والظاهر انه جعله وجه جمع بين الاخبار المذكورة. وهو جيد.

ثم انه مع تعذر الفداء المذكور بقرة كان أو بدنة ، فإنه يرجع الحكم فيه الى ما تقدم في مسألة قتل النعامة ، والخلاف الذي تقدم ، فالمشهور انه يفض الثمن على البر ويطعم ثلاثين مسكينا لكل مسكين نصف صاع ، وما زاد فهو له ، وما نقص فليس عليه إتمامه ، ثم الصوم عن كل نصف صاع يوما مع تعذر الإطعام ، ثم صوم تسعة أيام مع تعذر ما قبله. وهذا هو مدلول صحيحة ابي عبيدة المتقدمة (١) وقوله (عليه‌السلام) فيها : «إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد ، قوم جزاؤه من النعم دراهم ثم قومت الدراهم طعاما لكل مسكين نصف صاع ، فان لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما». وهو متناول بإطلاقه للبدنة والبقرة. واما ان الواجب الفض على ثلاثين في ما لو كان الواجب فيهما بقرة فيدل عليه إطلاق صحيحة أبي عبيدة المذكورة. واما انه لا يجب الإكمال مع النقصان فلإطلاق الاجتزاء بالقيمة في الصحيحة المشار إليها.

وقال العلامة في المنتهى : ولو لم يجد البقرة في جزاء حمار الوحش وبقرته قوم ثمنها بدراهم وفضه على الحنطة ، واطعم كل مسكين نصف صاع ، ولا يجب عليه ما زاد على إطعام ثلاثين مسكينا ، ولا إتمام ما نقص عنه ، عند علمائنا اجمع.

ونقل في المختلف هنا عن ابي الصلاح ما تقدم نقله عنه في النعامة من الصدقة بالقيمة ثم الفض. وعن الشيخ المفيد والشيخ علي بن الحسين

__________________

(١) ص ١٧٨.


ابن بابويه كما في النعامة من قولهم بالانتقال إلى الإطعام بعد تعذر الفدية ثم الصوم ، من غير تعرض للتقويم والفض.

وعليه تدل صحيحة معاوية بن عمار (١) وقوله (عليه‌السلام) فيها بعد ذكر ما تقدم منها : «ومن كان عليه شي‌ء من الصيد فداؤه بقرة فان لم يجد فليطعم ثلاثين مسكينا ، فان لم يجد فليصم تسعة أيام».

ورواية أبي بصير التي تقدم انها صحيحة برواية صاحب الفقيه (٢) وفيها : «وسألته عن محرم أصاب بقرة. قال : عليه بقرة. قلت : فان لم يقدر على بقرة؟ قال : فليطعم ثلاثين مسكينا. قلت : فان لم يقدر على ان يتصدق؟ قال : فليصم تسعة أيام».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٣) : «وان كان الصيد بقرة أو حمار وحش فعليك بقرة ، فان لم تقدر أطعمت ثلاثين مسكينا ، فان لم تقدر صمت تسعة أيام».

وفي حديث الجواد (عليه‌السلام) المتقدم ذكره برواية صاحب كتاب تحف العقول (٤) : «فان كان بقرة فعليه بقرة ، فان لم يقدر فليطعم ثلاثين مسكينا ، فان لم يقدر فليصم تسعة أيام».

والخلاف في التخيير بين الأبدال والترتيب كما تقدم في مسألة النعامة. وكذا الخلاف في الإطعام مدين أو مدا كما تقدم فتوى ورواية.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.

(٢) ج ٢ ص ٢٣٣ ، والوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد ، في ذيل رقم ٣.

(٣) ص ٢٩.

(٤) الوسائل الباب ٣ من كفارات الصيد.


وكذا في صغير البقر وحمار الوحش من الصغير في الفداء أيضا أو الكبير عين ما سلف.

الفرد الثالث ـ الظبي والثعلب والأرنب ، فاما الضبي ففي قتله شاة من غير خلاف يعرف. ثم مع تعذر الشاة فالمشهور ـ كما تقدم في النعامة وحمار الوحش وبقرته ـ انه يفض ثمن الشاة على البر ويتصدق به على عشرة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع ، وما فضل فهو له وما أعوز فلا شي‌ء عليه. ومع تعذر البر يصوم عن كل مسكين يوما ومع تعذر الصوم كذلك يصوم ثلاثة أيام. وعن الشيخ المفيد ، والسيد المرتضى ، والصدوق في المقنع ، وسلار ، وابن ابي عقيل ، والشيخ علي بن بابويه : انه مع العجز عن الشاة ينتقل إلى الإطعام ، ومع تعذره الى صيام ثلاثة أيام. وهو جاز على نحو ما تقدم نقله عنهم في المسألتين الأولتين.

ويدل على الأول ما عرفت من إطلاق صحيحة ابي عبيدة.

وعلى الثاني قوله (عليه‌السلام) ـ في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ، زيادة على ما قدمنا نقله منها (١) ـ : «ومن كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام».

وقوله (عليه‌السلام) في رواية أبي بصير بنقل الشيخ (٢) التي هي صحيحة بنقل صاحب الفقيه (٣) : «قلت : فإن أصاب ظبيا ما عليه؟ قال : عليه شاة. قلت : فان لم يجد شاة؟ قال : فعليه إطعام عشرة مساكين. قلت : فان لم يقدر على ما يتصدق به؟ قال : فعليه صيام ثلاثة أيام».

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٣ ، والوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.

(٢) الوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد رقم ١٠.

(٣) ج ٢ ص ٢٣٣.


وفي كتاب الفقه الرضوي (١) : «وان كان الصيد ظبيا فعليك دم شاة ، فان لم تقدر أطعمت عشرة مساكين ، فان لم تقدر صمت ثلاثة أيام».

وفي حديث الجواد (عليه‌السلام) المتقدم ذكره برواية صاحب تحف العقول (٢) : «وان كان ظبيا فعليه شاة ، فان لم يقدر فليطعم عشرة مساكين ، فان لم يجد فليصم ثلاثة أيام. الحديث».

قال في المدارك ـ بعد قول المصنف : «في قتل الظبي شاة ، ومع العجز يقوم الشاة ويفض ثمنها على البر ، ويتصدق به لكل مسكين مدين ، ولا يلزمه ما زاد» ـ ما صورته : لا خلاف في لزوم الشاة بقتل الظبي والانتقال مع العجز الى فض ثمنها على البر والتصدق به. وقد تقدم من الاخبار ما يدل عليه. ويدل على عدم لزوم إطعام ما زاد عن العشرة إذا زادت قيمة الشاة عن ذلك قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار (٣) : «ومن كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام». انتهى.

أقول : الظاهر ان كلامه (قدس‌سره) هنا لا يخلو من سهو وغفلة ، لما عرفت آنفا من ان الانتقال ـ مع العجز عن البدنة في النعامة وعن البقرة في حمار الوحش وبقرته ، وعن الشاة في الظبي ـ إلى فض القيمة على البر ليس مجمعا عليه في موضع من المواضع الثلاثة وانما

__________________

(١) ص ٢٩.

(٢) الوسائل الباب ٣ من كفارات الصيد.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٣ ، والوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.


هو محل الخلاف ، نعم المشهور ذلك كما أوضحناه في ما سبق في كل من المواضع الثلاثة ، فإن مقتضى القول الثالث انما هو الانتقال إلى إطعام ستين مسكينا في النعامة ، وثلاثين في حمار الوحش وبقرته ، وعشرة في الضبي ، من غير ملاحظة قيمة ولا فض ثمن على البر. وبذلك يظهر ايضا ما في قوله : «ويدل على عدم لزوم إطعام ما زاد عن العشرة إذا زادت قيمة الشاة عن ذلك قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار ...» ، فان هذه الرواية إنما دلت في المواضع الثلاثة منها على القول الآخر ، وهو الانتقال من الفداء بعد تعذره إلى الإطعام ، ولا ذكر للفض فيها بالكلية. ومجرد اشتراك القولين في إطعام العدد المذكور في المواضع الثلاثة لا يستلزم حمل أحدهما على الآخر ، والاستدلال بروايات أحدهما على الآخر ، لظهور الفرق كما قدمنا الإشارة اليه ، وذلك لانه على القول الأول من فض قيمة الفداء بعد تعذره على الحنطة ، فالواجب إخراج نصف صاع على المشهور ـ أو مد على القول الآخر ـ لكل واحد من العدد المعتبر في تلك المسألة فلو نقص البر عن الإتيان على العدد كفى ولم يجب عليه الزيادة على ذلك. واما على القول الآخر فلا بد من العدد تاما ، إذ لا مدخل للفض فيه بالكلية. فكيف يدعى أولا عدم الخلاف في الانتقال مع العجز الى فض ثمنها على البر والتصدق به ، وينظم صحيحة معاوية بن عمار في سلك هذا النظام؟

وعن ابي الصلاح هنا مثل ما تقدم في المسألتين السابقتين ، قال : ان كان ظبيا أو ثعلبا أو أرنبا فعليه شاة ، فان لم يجد فقيمتها ، فان لم يجد صام عن كل نصف صاع من قيمتها يوما. الى آخره.


واما الثعلب والأرنب فإنه لا خلاف في ان في قتل كل منهما شاة.

وعليه تدل جملة من الاخبار : منها ـ صحيحة الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الأرنب يصيبه المحرم. فقال : شاة ، هديا بالغ الكعبة».

وصحيحة أحمد بن محمد (٢) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن محرم أصاب أرنبا أو ثعلبا. فقال : في الأرنب دم شاة».

ورواية أبي بصير (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل قتل ثعلبا. قال : عليه دم. قلت : فأرنبا؟ قال : مثل ما في الثعلب».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٤) : «وفي الثعلب والأرنب دم شاة».

إنما الخلاف في مساواتهما للظبي في الأبدال من الطعام والصيام ، فقال الشيخان والمرتضى وابن إدريس بالمساواة ، وعن ابن الجنيد وابن ابي عقيل والشيخ علي بن بابويه : انهم اقتصروا على الشاة ولم يتعرضوا لإبدالها.

واختار في المدارك القول الأول ، واحتج عليه بقوله (عليه‌السلام) في صحيحة أبي عبيدة (٥) : «إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٤ من كفارات الصيد.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٣٣ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٤٣ ، والوسائل الباب ٤ من كفارات الصيد رقم ١ و ٣.

(٤) ص ٢٩.

(٥) الوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.


من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاؤه من النعم دراهم». فان الجزاء متناول للجميع.

وفي صحيحة معاوية بن عمار (١) : «ومن كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام». وهي متناولة للجميع أيضا.

أقول : ويؤيد ذلك أيضا صحيحة محمد بن مسلم (٢) وقوله فيها : «سألته عن قوله تعالى (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) (٣) قال : عدل الهدى ما بلغ يتصدق به ، فان لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ ، لكل طعام مسكين يوما».

ونحو ذلك رواية عبد الله بن سنان المتقدم نقلها من تفسير العياشي ورواية الزهري (٤).

إلا انه يمكن ان يقال : ان الأمر في ما دلت عليه هذه الروايات وان كان كذلك ، لدخول هذا الفرد تحت إطلاقها ، إلا ان ورود روايات الثعلب والأرنب على تعددها خالية من الدلالة على الأبدال ، بل الإشارة إليه بوجه ـ مع اشتمال روايات الأفراد المتقدمة على ذلك ـ من ما يوجب نوع اشكال في الحكم ، ولا سيما كتاب الفقه الرضوي ، كما قدمنا من عبائره في كل فرد من النعامة وحمار الوحش وبقرته والظبي ، فإنه ذكر الإبدال في كل منها ، وفي هذا المكان لم

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٣ ، والوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.

(٢) الوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.

(٣) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٤) ص ١٧٩.


يتعرض له بالكلية كما نقلناه هنا. وعلى هذا اعتمد الشيخ علي بن بابويه في ما نقل عنه هنا ، فإنه ـ كما عرفت في غير موضع من ما تقدم ـ انما يفتي بعبارة الكتاب المذكور.

والى ما ذكرنا يميل كلام المحقق في الشرائع ، حيث قال : وفي الثعلب والأرنب شاة ، وهو المروي. وقيل : فيه ما في الظبي.

واختاره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، فقال بعد نقل العبارة المذكورة : القائل بإلحاقه بالظبي الشيخ وجماعة ، ومستندهم فيه غير واضح ، وأخبارهما على الخصوص انما دلت على وجوب الشاة ولم تتعرض إلى الأبدال ، فعلى الأول ـ وهو الأقوى ـ يجب مع العجز عن الشاة إطعام عشرة مساكين ، فان لم يجد صام ثلاثة أيام ، لصحيحة معاوية بن عمار بوجوب ذلك في كل شاة لا نص في بدلها. وذهب بعض الأصحاب ـ تفريعا على القول الأول ـ إلى انه مع العجز عن الشاة يستغفر الله ولا شي‌ء عليه. والرواية العامة تدفعه. والفرق بين مدلول الرواية وبين إلحاقهما بالظبي يظهر في ما لو نقصت قيمة الشاة عن إطعام عشرة مساكين ، فعلى الإلحاق يقتصر على القيمة وعلى الرواية يجب إطعام العشرة. انتهى.

واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بأنه يتوجه عليه ان رواية ابي عبيدة المتضمنة للاقتصار على التصدق بقيمة الجزاء متناولة للجميع فلا وجه لتسليم الحكم في الظبي ومنعه هنا. مع ان اللازم من ما ذكره زيادة فداء الثعلب عن فداء الظبي. وهو بعيد. انتهى. وهو جيد.

ولا يخفى ان مقتضى الوقوف على ظاهر روايات الثعلب والأرنب


من إيجاب الشاة فيهما والسكوت عن ما عداها ـ هو ما نقله في المسالك عن بعض الأصحاب من انه مع العجز عن الشاة يستغفر الله (تعالى) ولا شي‌ء عليه. وهذا هو الظاهر من كلام أولئك القائلين بوجوب الشاة والسكوت عن ما عداها. وبذلك يظهر ان المسألة لا تخلو من شوب الاشكال. والاحتياط في العمل بالقول الأول.

الفرد الرابع ـ كسر بيض النعام ، وقد اختلفت كلمة الأصحاب في هذا الباب واضطربت اي اضطراب.

فقال الشيخ (رحمه‌الله) : إذا كسر المحرم بيض النعام اعتبر ، فان كان قد تحرك فيه الفرخ فعليه عن كل بيضة بكارة من الإبل ، وان لم يكن تحرك فعليه ان يرسل فحولة الإبل في إناثها بعدد البيض فما خرج كان هديا لبيت الله (تعالى) ، فان لم يقدر على ذلك كان عليه عن كل بيضة شاة ، فان لم يقدر على ذلك كان عليه إطعام عشرة مساكين ، فان لم يقدر على ذلك صام ثلاثة أيام. وهذا هو المشهور سيما بين المتأخرين.

وقال الشيخ المفيد : إذا كسر المحرم بيض نعام فعليه ان يرسل فحولة الإبل في إناثها بعدد ما كسر ، فما نتج كان هديا لبيت الله (تعالى) فان لم يجد ذلك فعليه لكل بيضة دم شاة ، فان لم يجد فإطعام عن كل بيضة عشرة مساكين ، فان لم يجد صام عن كل بيضة ثلاثة أيام. وكذا قال السيد المرتضى.

وقال الشيخ علي بن الحسين بن بابويه : فإن أكلت بيض نعامة فعليك دم شاة ، وكذلك ان وطئتها ، فإن وطئتها ، وكان فيها فرخ يتحرك فعليك ان ترسل فحولة من الإبل على الإناث بقدر عدد البيض ، فما نتج منها


فهو هدى لبيت الله (تعالى).

وقال ابنه في المقنع (١) : فإذا أصاب المحرم بيض نعام ذبح عن كل بيضة شاة بقدر عدد البيض ، فان لم يجد شاة فعليه صيام ثلاثة أيام ، فان لم يقدر فإطعام عشرة مساكين ، فإذا وطئ بيض نعام ففدغها وهو محرم ، فعليه ان يرسل الفحل من الإبل على قدر عدد البيض ، فما لقح وسلم حتى ينتج كان النتاج هديا بالغ الكعبة.

وكذا روى في كتاب من لا يحضره الفقيه (٢) إلا انه قال في الخبر : وإذا وطئ بيض نعام ففدغها وهو محرم وفيها أفراخ تتحرك ، فعليه ان يرسل فحولة من البدن. الى آخر كلامه.

وقال سلار : ومن كسر بيض نعام كان عليه الإرسال ، فان لم يكن له إبل فعليه لكل بيضة شاة.

وقال أبو الصلاح : ان تحرك فيه الفرخ فلكل بيضة فصيل ، وان لم يتحرك فإرسال فحولة الإبل ، فان لم يكن له إبل فلكل بيضة شاة.

وقال ابن البراج : ان تحرك الفرخ فبدنة عن كل بيضة ، وان لم يتحرك أرسل.

وقال ابن حمزة : ان تحرك الفرخ لزمه ما خض من الإبل ، وان لم يتحرك أرسل الفحولة ، فإن عجز فعن كل بيضة شاة ، فإن عجز تصدق على عشرة مساكين ، فان عجز صام ثلاثة أيام.

وقال ابن إدريس : فإن تحرك الفرخ فعن كل بيضة من صغار

__________________

(١) ص ٢١.

(٢) ج ٢ ص ٢٣٣ و ٢٣٤ ، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من الطير والبيض) والوسائل الباب ١٠ و ١١ من كفارات الصيد.


الإبل. وروى : بكارة من الإبل. وليست هي الأنثى بل هي جمع بكر. فوجب عن كل بيضة واحد من هذا الجمع. وان لم يتحرك أرسل الفحولة ، فإن عجز فعن كل بيضة شاة ، فإن عجز فعن كل بيضة إطعام عشرة مساكين ، فان عجز فعن كل بيضة صيام ثلاثة أيام.

أقول : وبذلك يظهر لك ما في كلام صاحب المدارك ، حيث انه بعد نقل عبارة المحقق ـ المطابقة لمذهب الشيخ ، الذي قدمنا نقله عنه ، المشتملة على وجوب بكارة من الإبل ان تحرك فيه الفرخ والإرسال قبل التحرك ـ ادعى ان هذا الحكم في كل من المسألتين مجمع عليه بين الأصحاب. والحال كما ترى.

والذي وقفت عليه من الروايات المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (١) قال : «سألت أخي (عليه‌السلام) عن رجل كسر بيض نعام وفي البيض فراخ قد تحرك. فقال : عليه لكل فرخ تحرك بعير ينحره في المنحر».

وما رواه الصدوق في الفقيه (٢) عن محمد بن الفضيل قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل قتل حمامة. ثم ساق الخبر الى ان قال نقلا عنه (عليه‌السلام) : وإذا أصاب المحرم بيض نعام ذبح عن كل بيضة شاة بقدر عدد البيض ، فان لم يجد شاة فعليه صيام ثلاثة أيام ، فان لم يقدر فإطعام عشرة مساكين. وإذا وطئ بيض نعام ففدغها وهو محرم وفيها أفراخ تتحرك ، فعليه ان يرسل فحولة من

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٥ ، والوسائل الباب ٢٤ من كفارات الصيد.

(٢) ج ٢ ص ٢٣٣ و ٢٣٤ ، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من الطير والبيض) والوسائل الباب ١٠ و ١١ من كفارات الصيد.


البدن على الإناث بقدر عدد البيض ، فما لقح وسلم حتى ينتج فهو هدي لبيت الله الحرام ، فان لم ينتج شيئا فليس عليه شي‌ء».

وما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن سليمان بن خالد (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : في كتاب علي (صلوات الله عليه): في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم ، مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «في كتاب علي (صلوات الله عليه) : في بيض القطاة كفارة مثل ما في بيض النعام».

وعن سليمان بن خالد (٣) قال : «سألته عن رجل وطئ بيض قطاة فشدخه. قال : يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم ، كما يرسل الفحل في عدد البيض من الإبل. ومن أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم».

وعن ابي الصباح الكناني في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) في حديث انه قال «في رجل وطئ بيض نعام ففدغها وهو محرم. فقال : قضى فيه علي (عليه‌السلام) ان يرسل الفحل على مثل عدد البيض من الإبل ، فما لقح وسلم حتى ينتج كان النتاج هديا بالغ الكعبة».

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من كفارات الصيد.

(٢) الوسائل الباب ٢٤ و ٢٥ من كفارات الصيد.

(٣) الوسائل الباب ٢٥ من كفارات الصيد.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٣٨٩ ، والوسائل الباب ٢٣ من كفارات الصيد.


وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابي الصباح ايضا (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن محرم وطئ بيض نعام فشدخها قال : قضى فيها أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ان يرسل الفحل. الحديث المتقدم ، وزاد فيه : وقال : قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): ما وطئته أو وطئه بعيرك أو دابتك وأنت محرم ، فعليك فداؤه».

وروى الشيخ مرسلا (٢) ـ ومثله الشيخ المفيد في كتاب المقنعة (٣) ـ انه روى : «ان رجلا سأل أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (صلوات الله عليه وعلى أولاده) فقال له : يا أمير المؤمنين اني خرجت محرما ، فوطئت ناقتي بيض نعام فكسرته ، فهل علي كفارة؟ فقال له : امض فاسأل ابني الحسن (عليه‌السلام) عنها ـ وكان بحيث يسمع كلامه ـ فتقدم اليه الرجل فسأله ، فقال له الحسن (عليه‌السلام) : يجب عليك ان ترسل فحولة الإبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض ، فما نتج فهو هدي لبيت الله (تعالى). فقال له أمير المؤمنين (عليه‌السلام): يا بني كيف قلت ذلك وأنت تعلم ان الإبل ربما أزلقت أو كان فيها ما يزلق؟ فقال : يا أمير المؤمنين (عليه‌السلام) والبيض ربما أمرق أو كان فيه ما يمرق. فتبسم أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وقال له : صدقت يا بني. ثم تلا (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)» (٤).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٥ ، والوسائل الباب ٢٣ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٤ ، والوسائل الباب ٢٣ من كفارات الصيد.

(٣) الوسائل الباب ٢٣ من كفارات الصيد.

(٤) سورة آل عمران ، الآية ٣٤.


السلام) (١) قال : «من أصاب بيض نعام وهو محرم فعليه ان يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإبل ، فإنه ربما فسد كله وربما خلق كله ، وربما صلح بعضه وفسد بعضه ، فما نتجت الإبل فهديا بالغ الكعبة».

وما رواه في الكافي عن علي بن أبي حمزة عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن رجل أصاب بيض نعام وهو محرم. قال : يرسل الفحل في الإبل على عدد البيض. قلت : فان البيض يفسد كله ويصلح كله؟ قال : ما ينتج من الهدي فهو هدي بالغ الكعبة ، وان لم ينتج فليس عليه شي‌ء. فمن لم يجد إبلا فعليه لكل بيضة شاة ، فان لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين لكل مسكين مد ، فان لم يقدر فصيام ثلاثة أيام».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «في بيضة النعام شاة ، فان لم يجد فصيام ثلاثة أيام ، فمن لم يستطع فكفارته إطعام عشرة مساكين إذا اصابه وهو محرم».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٤) بعد ذكر النعامة : «فإن أكلت بيضها فعليك دم شاة ، وكذلك ان وطئتها ، فإن وطئتها وكان فيها فرخ يتحرك فعليك ان ترسل فحولة من البدن على عددها من الإناث بقدر عدد البيض ، فما نتج منها فهو هدي لبيت الله تعالى».

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٢٣ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٨٧ ، والوسائل الباب ٢٣ من كفارات الصيد.

(٤) ص ٢٩ ، ومستدرك الوسائل الباب ١٨ من كفارات الصيد.


وهذه عين عبارة الشيخ علي بن بابويه المتقدمة ، ومنها يعلم ان مستنده في ما ذكره هو هذا الكتاب ، كما قدمنا نظير ذلك في غير موضع.

هذا ما وقفت عليه من الاخبار الجارية في هذا المضمار ، ولا يخفى ما فيها من التصادم والاختلاف الذي نشأ منه هذا التشاجر والخلاف.

وقد استدل من اختار مذهب الشيخ (رحمه‌الله تعالى) وهو المشهور من هذه الأقوال ـ على ما ذكره من وجوب البكارة من الإبل على من أصاب البيض وقد تحرك فيه الفراخ ـ بصحيحة علي بن جعفر المتقدمة ، وهي صريحة في ذلك ، وحمل عليها صحيحة سليمان بن خالد الدالة على انه في بيض القطاة بكارة من الغنم ، كما في بيض النعام بكارة من الإبل ، بحملها على ما إذا تحرك فيها الفرخ جمعا. وهو جيد إلا ان رواية محمد بن الفضيل قد صرحت بأنه إذا وطئ بيض نعام فكسرها وفيها أفراخ تتحرك ، فعليه الإرسال دون البكارة التي صرحوا بها في هذه الصورة. ومثلها عبارة كتاب الفقه الرضوي التي قد افتى بها الشيخ علي بن الحسين بن بابويه. والجمع بينهما وبين صحيحة علي ابن جعفر مشكل كما ترى. نعم من يعمل على هذا الاصطلاح المحدث له ان يردهما بضعف السند ، وعدم مقاومتهما للصحيحة المذكورة ، واما من لا يعمل عليه فيشكل الحكم عنده في ذلك.

واستدلوا ايضا على الحكم الثاني ـ وهو انه قبل التحرك يرسل فحولة الإبل في إناث منها بعدد البيض ـ بصحيحة الحلبي وصحيحتي أبي الصباح والمرسلة المروية عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) بحملها على ما إذا لم يكن فيها أفراخ تتحرك كما هو ظاهرها. وهو جيد. إلا انه بالنظر الى روايتي محمد بن الفضيل وكتاب الفقه الدالتين على


الإرسال في صورة تحرك الإفراخ يمكن تقييد إطلاق هذه الروايات بذلك وان كان خلاف ظاهرها.

واستدلوا على الأحكام الباقية ـ وهي انه مع العجز عن الإرسال فعليه عن كل بيضة شاة ، فإن عجز فعن كل بيضة إطعام عشرة مساكين فان عجز فعن كل بيضة صيام ثلاثة أيام ـ برواية علي بن أبي حمزة المتقدمة. واعتذر جملة من متصلي أصحاب هذا الاصطلاح عن ضعفها باتفاق الأصحاب على العمل بمضمونها.

وفي الاستدلال بهذه الرواية على الحكم المذكور اشكال من وجهين :

أحدهما ـ دلالة رواية أبي بصير التي بعد رواية علي بن أبي حمزة على ان الواجب في كسر بيض النعامة شاة لا إرسال الفحولة. ومثلها رواية محمد بن الفضيل ، وعبارة كتاب الفقه الرضوي ، حيث انهما (عليهما‌السلام) في الأخيرتين خصا الإرسال بما إذا كان في البيضة فرخ يتحرك ، ومع عدم ذلك أوجبا الشاة ، والأولى دالة على ذلك بإطلاقها ، ويمكن تقييدها برواية علي بن أبي حمزة المذكورة. إلا ان الروايتين الأخيرتين لا يمكن فيهما ذلك لتخصيص الإرسال بصورة تحرك الفرخ.

وثانيهما ـ دلالة رواية أبي بصير ومحمد بن الفضيل على انه بعد تعذر الشاة فعليه صيام ثلاثة أيام ، ومع العجز فإطعام عشرة مساكين وهو خلاف ما صرحوا به من تقديم الطعام على الصوم ، كما دلت عليه رواية علي بن أبي حمزة.

وربما جمع بين الاخبار هنا بالحمل على اختلاف الناس في القدرة والعجز بالنسبة إلى الأمرين المذكورين ، فمنهم من يقدر على الإطعام


دون الصيام ، ومنهم بالعكس. واستظهر المحدث الكاشاني ان في الكلام تقديما وتأخيرا ، ولعله وقع سهوا من الراوي. قال : فإن الإطعام ابدا مقدم. وهو جيد.

وبالجملة فما ذكروه لما عرفت لا يخلو من الاشكال.

واما ما نقل عن الشيخ المفيد والمرتضى فيدل عليه ظاهر صحيحة الحلبي ، وصحيحة أبي الصباح (١). وإطلاق كلام القائلين المذكورين ـ وكذا إطلاق هذه الروايات ـ يقتضي وجوب الإرسال ، وجد فيها فرخ يتحرك أو لم يوجد. إلا انه يرد عليهما ان صحيحة علي بن جعفر (٢) دلت على وجوب البعير في الفرخ الذي يتحرك ، فيجب تقييد ما ذكروه بها. وكيف كان فإنه يشكل ذلك بروايتي محمد بن الفضيل (٣) وكتاب الفقه (٤) الظاهرتين في انه مع تحرك الفرخ الإرسال. واما ما نقل عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه فقد عرفت ان مستنده عبارة كتاب الفقه الرضوي.

واما باقي الأقوال المذكورة فبعضها يرجع الى ما قدمنا نقله من الأقوال ، وبعضها شاذ لا دليل عليه.

وينبغي التنبيه على فوائد تتعلق بالمقام :

الاولى ـ صرح العلامة في المنتهى والمختلف ـ والظاهر انه المشهور ـ بان قدر ما يطعم كل مسكين مد ، وعليه دلت رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة (٥).

الثانية ـ قطع العلامة (قدس‌سره) في المنتهى بأنه لو كسر بيضة فيها فرخ ميت لم يلزمه شي‌ء. وكذا لو كانت البيضة فاسدة. وكذا

__________________

(١) ص ٢٠٤ و ٢٠٥.

(٢ و ٣) ص ٢٠٣.

(٤ و ٥) ص ٢٠٦.


لو كسرها فخرج منها فرخ فعاش. قال : ولو مات كان فيه ما في صغير النعام.

الثالثة ـ قطع العلامة وغيره بان الاعتبار في الإرسال بعدد البيض بالإناث ، فيجب لكل بيضة أنثى وان كان الذكر واحدا ، وعليه تدل ظواهر الأخبار المتقدمة. قال في المدارك : ولا يكفي مجرد الإرسال حتى يشاهد كل واحدة قد طرقت بالفحل. ويشترط صلاحية الإناث للحمل. انتهى.

الرابعة ـ المستفاد من صحيحة أبي الصباح الثانية انه لا فرق بين ان يكسره بنفسه أو بدابته. وبه قال الأصحاب أيضا.

الخامسة ـ ليس في الاخبار ولا كلام الأصحاب تعيين لمصرف هذا الهدي ، قال في المدارك : والظاهر ان مصرفه مساكين الحرم ، كما في مطلق جزاء الصيد. مع إطلاق الهدي عليه في الآية الشريفة (١) قال : وجزم الشارح في الروضة بالتخيير بين صرفه في مصالح الكعبة ومعونة الحاج ، كغيره من أموال الكعبة. انتهى. والمسألة محل توقف.

السادسة ـ إطلاق الأخبار المتقدمة يقتضي صرف النتاج هديا إلى الكعبة من حين نتاجه ، ولا يجب تربيته الى ان يكبر.

الفرد الخامس ـ بيض القطا والقبج ، وقد اختلف فيه كلام الأصحاب ، فقال الشيخ : إذا أصاب المحرم بيض القطا أو القبج فعليه ان يعتبر حال البيض ، فان كان قد تحرك فيها فرخ كان عليه عن كل بيضة مخاض من الغنم ، وان لم يكن تحرك فيها شي‌ء كان عليه ان يرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض ، فما نتج كان هديا لبيت الله (عزوجل) فان لم يقدر كان حكمه حكم بيض النعام سواء. وقد تبعه جل

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٩٥.


من تأخر عنه على ذلك. إلا انهم اختلفوا في المعنى المراد من قوله : «فان لم يقدر كان حكمه حكم بيض النعام سواء» فجملة منهم ـ كابن إدريس وغيره ـ حملوه على وجوب الشاة ، ومع العجز فالصدقة على عشرة مساكين ، ومع العجز فصيام ثلاثة أيام : وجملة منهم ـ كالعلامة في مطولاته ـ جعل وجه الشبه هو الانتقال إلى الإطعام ثم الصوم ، مستندين الى ان الشاة إنما تجب مع تحرك الفرخ لا غير ، بل لا تجب شاة كاملة بل صغيرة ، فكيف تجب الشاة الكاملة مع عدم التحرك وإمكان فساده وعدم خروج الفرخ منه؟

ونقل عن الشيخ المفيد انه قال : فان كسر بيض القطا والقبج وما أشبههما أرسل فحولة الغنم في إناثها ، وكان ما ينتج هديا لبيت الله (تعالى) ، فان لم يجد فعليه لكل بيضة دم شاة ، فان لم يجد اطعم عن كل بيضة عشرة مساكين ، فان لم يجد صام عن كل بيضة ثلاثة أيام.

وقال الشيخ علي بن بابويه : في بيض القطا إذا أصابه قيمته ، فإن وطئتها وفيها فراخ تتحرك فعليك ان ترسل الذكران من المعز على عددها من الإناث على قدر عدد البيض ، فما نتج فهو هدي لبيت الله (تعالى).

وقال ابنه في المقنع ومن لا يحضره الفقيه : فان وطئ بيض قطاة فشدخه فعليه ان يرسل الفحل من الغنم في عدد البيض كما أرسل الفحل من الإبل في عدد البيض وقال سلار : وفي كسر بيض القطاة إرسال ذكور الغنم في إناثها وجعل ما ينتج هديا.

وقال أبو الصلاح : ولبيض القبج والدراج إرسال فحولة الغنم على إناثها ، فما نتج كان هديا.

وقال ابن البراج : فإن أصاب بيض حجلة أو حمامة وقد تحرك الفرخ فشاة ، وان لم يكن قد تحرك أرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض فما نتج كان هديا لبيت الله (تعالى).


وقال ابن حمزة : ان تحرك الفرخ في بيض القطاة والقبح فعن كل بيضة ما خض من الغنم ، وان لم يتحرك أرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض ، فالناتج هدي ، فإن عجز تصدق عن كل بيضة قطاة بدرهم.

وقال ابن إدريس : ان تحرك الفرخ في بيض القطا أو القبج أو الدراج فعن كل بيضة مخاض من الغنم ، اي ما يصح ان يكون ما خضا ، ولا نريد به الحامل ، وان لم يكن قد تحرك كان عليه ان يرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض ، فما نتج كان هديا لبيت الله (تعالى) ، فان لم يقدر كان حكمه حكم بيض النعام. هكذا أورده شيخنا في نهايته ، وقد وردت بذلك اخبار ، ومعناه ان النعام إذا كسر بيضه فتعذر إرسال الغنم وجب في كل بيضة شاة ، والقطا إذا كسر بيضة فتعذر إرسال الغنم وجب في كل بيضة شاة. فهذا وجه المشابهة بينهما ، فصار حكمه حكمه. ولا يمنع ذلك إذا قام الدليل عليه. انتهى.

وقال المحقق في الشرائع : في كسر بيض القطا والقبج إذا تحرك الفرخ من صغار الغنم. وقيل : عن البيضة مخاض من الغنم. واليه مال السيد في المدارك.

أقول : هذا ما وقفت عليه من أقوالهم في المسألة المذكورة.

واما الاخبار المتعلقة بها فمنها ـ ما تقدم من صحيحة سليمان بن خالد (١) وقوله (عليه‌السلام) فيها : «في كتاب على (صلوات الله عليه وعلى أولاده) : في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم ، مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل».

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من كفارات الصيد.


وصحيحته الثانية (١) وفيها : «في بيض القطاة كفارة مثل ما في بيض النعام».

وروايته الثالثة (٢) الدالة على انه إذا وطئ بيض قطاة فشدخه يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم كما يرسل الفحل في عدد البيض من الإبل. ومن أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم.

وصحيحته الرابعة مع منصور بن حازم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قالا : «سألناه عن محرم وطئ بيض القطاة فشدخه. فقال : يرسل الفحل في مثل عدة البيض من الغنم ، كما يرسل الفحل في عدة البيض من الإبل».

وما رواه الشيخ عن ابن رباط عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قالا : «سألته عن بيض القطاة. قال : يصنع فيه في الغنم كما يصنع في بيض النعام في الإبل».

وفي تتمة رواية محمد بن الفضيل المتقدمة (٥) : «وان وطئ بيض قطاة فشدخه فعليه ان يرسل فحولة من الغنم على عددها من الإناث بقدر عدد البيض ، فما سلم فهو هدي لبيت الله الحرام».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٦) بعد ذكر القطاة وان فيها حملا قد

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ و ٢٥ من كفارات الصيد.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من كفارات الصيد.

(٣ و ٤) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٦ ، والوسائل الباب ٢٥ من كفارات الصيد.

(٥) الفقيه ج ٢ ص ٢٣٤ ، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من الطير والبيض).

(٦) ص ٢٩.


فطم من اللبن ورعى من الشجر : «وفي بيضة إذا أصبته قيمته ، فإن وطئتها وفيها فرخ يتحرك فعليك إن ترسل الذكران من المعز على عددها من الإناث على قدر عدد البيض ، فما نتج فهو هدي لبيت الله الحرام».

هذا ما وقفت عليه من اخبار المسألة ، والكلام يقع فيها في مواضع :

الأول ـ لا يخفى ان هذه الاخبار كلها إنما تضمنت حكم بيض القطاة ، وعبارات الأصحاب المتقدمة ، ما بين مصرح بإضافة القبج الى القطاة ، وما بين ما أضيف إليهما «ما أشبههما» ، وما بين من اقتصر على القطاة ، وما بين من لم يذكر القطاة وانما ذكر القبج والدراج وما بين من ذكر القطاة والدراج. ولا يخفى ما في التعدي عن موضع النصوص من الإشكال ، إلا ان يكون لهم دليل لم نقف عليه ، وهم اعرف بما صاروا اليه :

الثاني ـ لا يخفى ان ما ذكره الشيخ ومن تبعه ـ من انه ان كان في البيضة فرخ قد تحرك فالواجب مخاض من الغنم ، وإلا كان عليه الإرسال ـ لا دلالة في شي‌ء من هذه النصوص عليه ، وانما استدلوا عليه تبعا للشيخ (رحمه‌الله) بحمل ما دل على ان في بيض القطاة بكارة من الغنم ـ كصحيحة سليمان بن خالد الاولى ، ومثلها قوله في آخر روايته الثالثة : «ومن أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم» ـ على ان ذلك مع تحرك الفرخ في البيضة ، وما دل على الإرسال بالحمل على ما إذا لم يتحرك ، حسبما ذكروه في بيض النعام.

واختار المحدث الكاشاني في الوافي الجمع بين الاخبار المذكورة بحمل ما دل على وجوب البكارة أو المخاض على الإصابة باليد والأكل


تعمدا. ويشير اليه لفظ الإصابة كما في قوله في رواية أبان بن تغلب (١) : «في قوم حجاج محرمين أصابوا أفراخ نعام فأكلوا جميعا». وحمل ما دل على الإرسال على الوطء ، كما في جملة من الاخبار. وجعل هذا وجه جمع بين اخبار بيض النعام وبيض القطاة.

أقول : ويؤيده ما تقدم من الإشكال في مسألة بيض النعام ، فإن جملة من الاخبار قد دلت على الإرسال مع تحرك الفرخ الذي أوجبوا فيه بكارة من الإبل ، عملا بصحيحة على بن جعفر (٢) فيمكن هنا ان يقال ايضا بوجوب الإرسال مع الوطء ، تحرك الفرخ فيه أم لا ، ويجعل وجوب الشاة في تعمد الأكل. ويعضد ذلك عبارة كتاب الفقه الرضوي وتصريحها بالإرسال مع التحرك في هذه المسألة ، وانه مع عدم التحرك ليس إلا القيمة.

وبالجملة فإنهم قد بنوا الكلام في هذه المسألة على ما ذكروه في مسألة بيض النعام ، نظرا الى تشبيههم (عليهم‌السلام) هذه المسألة في غير خبر من هذه الاخبار بمسألة بيض النعام. وهو جيد لو كان ما ذكروه في بيض النعام خاليا من الاشكال ، والأمر ليس كذلك كما عرفت.

الثالث ـ ما ذكره الشيخ (رحمه‌الله) ومن تبعه ـ من وجوب المخاض من الغنم ـ فهو مدلول رواية سليمان بن خالد الثالثة.

والمحقق في الشرائع قد صرح هنا بان الفداء من صغار الغنم.

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٣٦ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٥٣ ، والوسائل الباب ٢ و ١٨ من كفارات الصيد.

(٢) ص ٢٠٣.


والظاهر انه اعتمد على صحيحة سليمان بن خالد وقوله (عليه‌السلام) فيها : «في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم» والبكرة ـ على ما في القاموس ـ الفتية من الإبل. وقال في المصباح المنير : والبكر بالفتح الفتى من الإبل ، والبكرة الأنثى ، والجمع بكار ، مثل كلبة وكلاب ، وقد يقال بكارة مثل حجارة. انتهى.

والى ذلك مال السيد السند في المدارك لقوة الخبر المذكور ، وضعف الرواية التي اعتمد عليها الشيخ ، مع ما فيها من الإشكال أيضا بأنه إذا كان الواجب في القطاة حملا فطيما فكيف يكون في بيضها ما خض؟ فيزيد حكم البيض على البائض. وهذا الاشكال منتف على ما اختاره ، إذ غاية ما يلزم تساوى الصغير والكبير في الفداء.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) جيد بناء على أصله المعتمد عليه عنده ، واما بناء على القول بصحة جميع الاخبار ـ كما هو مذهب الشيخ وأمثاله من المتقدمين ـ فيمكن القول بالتخيير في المسألة بين الماخض والبكرة ، ولا يلتفت الى ما ذكره من الإشكال ، فإنه مجرد استبعاد عقلي في مقابلة النص. وملاحظة التفاوت بين البائض والبيض يقتضي منع المساواة أيضا وان يكون فداء البائض زائدا على فداء البيض وما فيه ، مع انه لا يقول به.

الرابع ـ قد استشكل العلامة في جملة من كتبه وجوب الشاة بعد تعذر الإرسال ـ كما صرح به ابن إدريس والشيخ المفيد ـ مستندا الى ما قدمنا نقله عنه ، وحمل عبارة الشيخ على التشبيه في وجوب الإطعام والصيام خاصة. وابن إدريس في عبارته المتقدمة قد ادعى ورود الأخبار بالشاة في هذا الموضع ، ولم نقف عليها. وكيف كان فوجوب الإطعام والصيام هنا ايضا ـ كما صرحوا به ـ لا اعرف له مستندا ، فإن غاية ما يفهم من الاخبار المتقدمة هو وجوب البكارة من الغنم أو


المخاض في إصابة البيض كما في بعض ، ووجوب الإرسال في وطء البيض كما في الاخبار الأخر ، واما انه مع تعذر الإرسال فله مرتبة اخرى ـ من وجوب الشاة وما بعدها ، أو الإطعام ثم الصيام ـ فلا يفهم منها بوجه. واستفادة ذلك من التشبيه الموجب للإلحاق ببيض النعام في ذلك غير مسلم ، ولا مفهوم منها بوجه ، فان بعضا منها صريح في التخصيص بالإرسال ، وبعضا في وجوب البكارة ، وما أطلق ـ وهو صحيحة سليمان بن خالد الثانية ـ لا دلالة فيها على أزيد من ان في بيض القطاة كفارة كما في بيض النعام. وهو لا يقتضي ما ادعوه ، إذ غاية ما يدل عليه هو تشبيه أصل الكفارة بأصل الكفارة لا تشبيه الكيفية بالكيفية ، فان المشابهة لا تقتضي المساواة من كل وجه ، ويكفي في المماثلة وجوب الكفارة المذكورة في هذه الاخبار من البكارة أو المخاض أو الإرسال.

وبالجملة فالمسألة على غاية من الاشكال. وأولياؤه العالمون بحقيقة الحال.

الخامس ـ قد عرفت ان ما ذهب اليه الشيخ علي بن الحسين بن بابويه فإنما اعتمد فيه على الفقه الرضوي ، كما عرفت من أخذه عبارة الكتاب والإفتاء بها على عادته التي عرفت في غير مقام من ما تقدم. واما ما ذكره ابنه في المقنع والفقيه فهو مضمون صحيحة سليمان بن خالد الرابعة (١) ومثله كلام سلار وابي الصلاح. وظاهر كلامهم ـ كما هو ظاهر إطلاق الرواية ـ لا يخلو من إجمال. ومثله كلام الشيخ المفيد (قدس‌سره) فإنه يحتمل الحمل على ما هو أعم من ان يكون في البيضة فرخ قد تحرك أم لا. ويحتمل تخصيصه بالبيضة وقوفا على ظاهر

__________________

(١) ص ٢١٣.


خصوص اللفظ ، ويكون حكم الفرخ الذي في البيضة غير مذكور في كلامهم. واما ما ذكره ابن حمزة ـ من وجوب الماخض مع تحرك الفرخ وإلا فالارسال ـ فإنه قد تبع فيه الشيخ ، إلا انه انفرد عنه بالرجوع إلى القيمة مع تعذر الإرسال. والظاهر ان وجهه ما قدمناه من خلو الاخبار عن التعرض لهذه المرتبة ، فيرجع فيه الى القيمة المعلومة من العمومات الشاملة لمثل هذه المسألة. ولذا قال العلامة في المختلف بعد الكلام في المسألة. وما أحسن قول ابن حمزة لو ساعده النقل. وفيه إشارة إلى الطعن عليه بعدم وجود الدليل على وجوب القيمة. ولعل مستنده في ذلك ما أشرنا إليه.

النوع الثاني ـ ما لا بدل له على الخصوص ، وينقسم ايضا الى خمسة أقسام :

(الأول) الحمام ، وقيل : انه اسم لكل طائر يهدر ويعب الماء. ومعنى «يهدر» يواتر صوته. ومعنى «يعب الماء» بالعين المهملة أي يشربه من غير مص ولا يأخذه بمنقاره قطرة قطرة كالدجاج والعصافير. ونسب هذا القول في المدارك الى الشيخ وجمع من الأصحاب ، قال : ولم أقف عليه في ما وصل إلينا من كلام أهل اللغة. وقيل : هو كل مطوق. قال في المدارك : وهو موجود في كلام الجوهري وصاحب القاموس.

أقول : قال في القاموس : والحمام كسحاب : طائر بري لا يألف البيوت ، أو كل ذي طوق ، وتقع واحدته على المذكر والمؤنث.

وقال في كتاب المصباح المنير : والحمام عند العرب كل ذي طوق من الفواخت ، والقماري ، وساق حر ، والقطا ، والدواجن ، والوراشين ، وأشباه ذلك ، الواحدة حمامة ، ويقع على الذكر والأنثى ، فيقال : حمامة ذكر


وحمامة أنثى. والعامة تخص الحمام بالدواجن ، وكان الكسائي يقول : الحمام هو البري واليمام هو الذي يألف البيوت. وقال الأصمعي : اليمام : حمام الوحش ، وهو ضرب من طير الصحراء. انتهى.

وقال في كتاب مجمع البحرين : وقال الجوهري : الحمام عند العرب ذوات الأطواق ، كالفواخت ، والقماري بضم القاف وتشديد الياء ، وساق حر ، والقطا بالفتح ، والوراشين ، وأشباه ذلك. ونقل عن الأصمعي ان كل ذي طوق فهو حمام. والمراد بالطوق الخضرة أو الحمرة أو السواد المحيط بعنق الحمامة. وعن الأزهري عن الشافعي : ان الحمام كل ما عب وهدر وان تفرقت أسماؤه. انتهى.

أقول : وبهذه الأفراد المذكورة ودخولها تحت لفظ الحمام صرح العلامة في المنتهى والتذكرة وغيره ، ولا يخلو من اشكال.

قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ بعد اختيار تعريف الحمام بأنها ذات الطوق ، وان جميع هذه الأفراد المذكورة داخلة تحت ذلك ـ ما صورته : وعلى كل حال فلا بد من إخراج القطا والحجل من التعريف ، لان لهما كفارة معينة غير كفارة الحمام ، مع مشاركتهما له في التعريف. انتهى.

أقول : ما ذكره متجه بالنسبة إلى القطا ، واما الحجل فإنه وان ذكره بعضهم كما تقدم ، إلا انك قد عرفت ان الاخبار غير دالة إلا على القطا خاصة ، وان جميع ما أضافوه إليها لا دليل عليه.

وقال سبطه في المدارك بعد ذكر التعريفين المتقدمين : والذي تقتضيه القواعد وجوب الحمل على المعنى العرفي ان لم يثبت اللغوي. وصرح العلامة في المنتهى بدخول الفواخت والوراشين والقمري والدبسي


والقطا في الحمام. وهو مشكل. انتهى.

أقول : فيه (أولا) : انك قد عرفت في غير موضع من ما تقدم ان هذه القواعد التي تقتضي الحمل على المعنى العرفي في أمثال هذه المواضع لا أصل لها في الدين ، ولا مستند لها عن سادات المسلمين ، وانما هي مجرد اصطلاحات أصولية وتخريجات فضولية ، لأن العرف لا انضباط له في حد ولا نهاية له في عد ، فلكل إقليم عرف يعمل اهله عليه ، ومن ذا الذي يدعى الاطلاع أو يمكنه تعرف عرف جميع الناس في جميع أقطار العالم ، والأحكام الشرعية أمور مضبوطة معينة لا تغير فيها ، فكيف تناط بالعرف الذي هو على ما عرفت؟

و (ثانيا) : ان المستفاد من الاخبار ـ التي هي المرجع وعليها المعول في الإيراد والإصدار ـ هو انه يجب الرجوع في كل حكم حكم وجزئي جزئي إلى عرفهم (عليهم‌السلام) وما ورد عنهم (عليهم‌السلام) فان ثبت هناك شي‌ء وجب الأخذ به ، وإلا وجب الوقوف على ساحل الاحتياط.

و (ثالثا) : ان استشكاله في ما ذكره العلامة من هذه الافراد بعد قوله أولا : «ان الذي تقتضيه القواعد وجوب الحمل على المعنى العرفي ان لم يثبت اللغوي» ليس في محله ، لانه متى كان المعنى اللغوي يجب البناء عليه إذا ثبت ، والحال ان أهل اللغة كلهم صرحوا بان الحمام هو المطوق ، وهذه الافراد داخلة في التعريف ، مع تصريحهم بها على الخصوص كما سمعت ، فأي اشكال يلزم هنا؟ نعم الاشكال انما هو في القطا ، حيث عدوه هنا مع ان له حكما آخر كما تقدم ، فينبغي استثناؤه كما أشير إليه.


إذا عرفت ذلك فاعلم ان الواجب على المحرم في قتل الحمام شاة لكل حمامة ، والظاهر انه لا خلاف فيه ، بل قال في المنتهى : انه قول علمائنا اجمع.

ويدل عليه مضافا الى الاتفاق المذكور ـ روايات عديدة : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) انه قال : «في محرم ذبح طيرا : ان عليه دم شاة يهريقه فان كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن».

وما رواه الكليني والشيخ عن حريز في الحسن على المشهور والصحيح عندي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة ، وان قتل فراخه ففيه حمل ، وان وطئ البيض فعليه درهم».

وعن ابي بصير في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجا من الحرم. فقال : عليه شاة. قلت : فان قتلها في جوف الحرم؟ قال : عليه شاة وقيمة الحمامة. قلت : فان قتلها في الحرم وهو حلال؟ قال : عليه ثمنها ، ليس عليه غيره. قلت : فمن قتل فرخا من فراخ الحمام وهو محرم؟ قال : عليه حمل».

وعن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال :

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٩ من كفارات الصيد.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٧ ، والوسائل الباب ٩ و ١٠ و ١١ من كفارات الصيد.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٧ ، والوسائل الباب ٩ من كفارات الصيد.


«سمعته يقول في حمام مكة الأهلي غير حمام الحرم : من ذبح منه طيرا وهو غير محرم فعليه ان يتصدق ، وان كان محرما فشاة عن كل طير». وروى الكليني في الموثق عن ابي بصير نحوه (١) إلا ان فيه : «فعليه ان يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه».

وما رواه الكليني عن ابي الصباح الكناني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «في الحمامة وأشباهها إذا قتلها المحرم شاة ، وان كان فراخا فعدلها من الحملان».

ولو قتل فرخا من فروخ الحمام فعليه حمل ، وهو بالتحريك من أولاد الضأن ما له أربعة أشهر فصاعدا ، على ما فسره جماعة من الأصحاب.

وفي المصباح المنير : والحمل بفتحتين : ولد الضأن في السنة الاولى والجمع حملان. وفي كتاب مجمع البحرين : والحمل محركة : الخروف إذا بلغ ستة أشهر. وقيل : هو ولد الضأن الجذع فما دونه ، والجمع حملان وأحمال. وفي القاموس : الحمل محركة : الخروف أو الجذع من أولاد الضأن فما دونه. ولا يخفى ما بين هذه الأقوال من التصادم والأخذ بالأحوط ـ وهو ما وقع اتفاق كلام الكل عليه ـ من ما لا ينبغي تركه.

ويدل على وجوب الحمل هنا ما تقدم من صحيحة حريز أو حسنته وموثقة أبي بصير ، ورواية أبي الصباح.

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من كفارات الصيد رقم ٥. والراوي هو (عبد الله ابن سنان).

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٨٩ ، والوسائل الباب ٩ من كفارات الصيد.


وما رواه الكليني عن ابي بصير (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل قتل فرخا وهو محرم في غير الحرم. فقال : عليه حمل وليس عليه قيمته ، لانه ليس في الحرم».

وتدل عليه صحيحة زرارة ورواية أبي بصير الآتيتان في مسألة اجتماع الفداء والقيمة على المحرم في الحرم (٢).

وذهب بعض الأصحاب إلى الاكتفاء هنا بالجدي ، لصحيحة عبد الله ابن سنان المتقدمة. ولا بأس به.

والجدي ـ على ما ذكره في المدارك وغيره ـ : من أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر ، مثل الحمل في كلامهم من أولاد الضأن. وفي مجمع البحرين انه من أولاد المعز ما بلغ ستة أشهر إلى سبعة ، والجمع جداء وأجدي مثل دلاء وأدلي. وفي المصباح عن ابن الأنباري انه قال : الجدي هو الذكر من أولاد المعز والأنثى عناق. وقيده بعضهم بكونه في السنة الأولى. انتهى.

وفي بيض الحمام ان تحرك الفرخ فحمل وإلا فدرهم.

اما الحكم الأول فقد ذكره الشيخ وأكثر الأصحاب.

واستدلوا عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (٣) قال : «سألت أخي موسى (عليه‌السلام) عن رجل كسر بيض الحمام وفي البيض فراخ قد تحرك. فقال : عليه ان يتصدق عن كل فرخ قد تحرك بشاة ، ويتصدق بلحومها ان كان محرما ، وان كان الفرخ

__________________

(٢) ٢٣١.

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٩٠ ، والوسائل الباب ٩ من كفارات الصيد.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٨ ، والوسائل الباب ٩ و ٢٦ من كفارات الصيد.


لم يتحرك تصدق بقيمته ورقا يشتري به علفا يطرحه لحمام الحرم». وأورد عليه ان الرواية تتضمن التصدق بشاة لا الحمل.

أقول : يمكن ان يستدل على وجوب الحمل هنا بما رواه في التهذيب عن يونس بن يعقوب (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض. فقال : ان كان أغلق عليها قبل ان يحرم ، فان عليه لكل طير درهما ، ولكل فرخ نصف درهم ، والبيض لكل بيضة ربع درهم ، وان كان أغلق عليها بعد ما أحرم ، فإن عليه لكل طائر شاة ، ولكل فرخ حملا وان لم يكن تحرك فدرهم ، وللبيض نصف درهم». ، فان ظاهرها ان الحمل في الفرخ سواء كان خارجا عن البيضة أو فيها مع حياته. إلا ان مورد الرواية هنا في الحرم.

واستدل الشيخ على ذلك ايضا بما رواه عن الحلبي عبيد الله في الصحيح (٢) قال : «حرك الغلام مكتلا فكسر بيضتين في الحرم ، فسألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقال : جديان أو حملان». بحملها على ما إذا كان في البيض فرخ قد تحرك ، حسبما ورد في صحيحة عبد الله ابن سنان في الفرخ من التخيير بين الفردين.

وبالجملة فإن ما ذهب اليه الشيخ لا يخلو من قرب.

واما الحكم الثاني فتدل عليه رواية حريز المتقدمة ، وما رواه الشيخ في الصحيح عنه ايضا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «وان وطئ

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٠ ، والوسائل الباب ١٦ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٨ ، والوسائل الباب ٢٦ من كفارات الصيد.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٦ ، والوسائل الباب ٩ من كفارات الصيد.


المحرم بيضة وكسرها فعليه درهم ، كل هذا يتصدق به بمكة ومنى ، وهو قول الله (تعالى) (تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ)» (١).

بقي الكلام في ان صحيحة علي بن جعفر دلت على ان عليه القيمة وبه افتى الشيخ (رحمه‌الله) ومن تبعه. والمستفاد من روايتي حريز المذكورتين ان عليه عن كل بيضة درهما. ولعل وجه الجمع ان تحمل على ان القيمة في ذلك الوقت درهم ، أو التخيير بين الأمرين. والأحوط التصدق بأكثر الأمرين كما ذكره في المنتهى.

وتنقيح البحث في المقام يتوقف على رسم مسائل :

الأولى ـ ينبغي ان يعلم ان ما ذكرناه من أحكام الحمام وفرخه وبيضه مخصوص بما إذا فعل ذلك محرما في الحل ، اما لو فعله المحل في الحرم ، فان عليه في كل حمامة درهم ، ولكل فرخ نصف درهم ، ولكل بيضة ربع درهم

ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري ـ والكليني عنه بإسنادين ، أحدهما من الصحيح أو الحسن بإبراهيم ابن هاشم ـ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «في الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيض ربع درهم».

وما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن الحجاج (٣) قال : «قال

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٩٤.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٥ ، والفروع ج ٤ ص ٢٣٤. والوسائل الباب ١٠ من كفارات الصيد.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من كفارات الصيد. والحديث للصدوق في الفقيه ج ٢ ص ١٧١ و ١٧٢.


أبو عبد الله (عليه‌السلام) : في قيمة الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيض ربع درهم».

وما رواه الكليني في الصحيح عن صفوان عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (١) قال : «من أصاب طيرا في الحرم وهو محل فعليه القيمة ، والقيمة درهم يشتري به علفا لحمام الحرم».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن رجل اهدى له حمام أهلي جي‌ء به وهو في الحرم. فقال : ان هو أصاب منه شيئا فليتصدق بثمنه نحوا من ما كان يسوى في القيمة». ورواه الشيخ في التهذيب (٣) وكذا الصدوق في الفقيه (٤) إلا انه قال في آخره : «فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه».

وعن حماد بن عثمان (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): رجل أصاب طيرين : واحد من حمام الحرم والآخر من حمام غير الحرم؟ قال : يشتري بقيمة الذي من حمام الحرم قمحا فيطعمه حمام الحرم ، ويتصدق بجزاء الآخر».

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٢٣٣ ، والوسائل الباب ١٠ و ٢٢ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٢٣٢ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد ، والوافي باب (حكم صيد الحرم).

(٣) ج ٥ ص ٣٤٧ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد ملحق رقم ٣.

(٤) ج ٢ ص ١٦٨ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد رقم ٣.

(٥) الفروع ج ٤ ص ٣٩٠ و ٣٩١ ، والوسائل الباب ٢٢ من كفارات الصيد.


وما رواه الشيخ والصدوق عن محمد بن الفضيل عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل قتل حمامة من حمام الحرم وهو غير محرم. قال : عليه قيمتها وهو درهم ، يتصدق به أو يشتري به طعاما لحمام الحرم. وان قتلها وهو محرم في الحرم فعليه شاة وقيمة الحمامة».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «في رجل أغلق باب بيت على طير من حمام الحرم فمات؟ قال : يتصدق بدرهم أو يطعم به حمام الحرم».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم (٣) قال : «حدثني صاحب لنا ثقة ، قال : كنت أمشي في بعض طرق مكة فلقيني إنسان فقال لي : اذبح لنا هذين الطيرين. فذبحتهما ناسيا وانا حلال ، ثم سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقال : عليك الثمن».

وما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن فرخين مسرولين ذبحتهما وانا بمكة. فقال لي : لم ذبحتهما؟ فقلت : جاءتني بهما جارية من أهل مكة فسألتني أن أذبحهما ، فظننت أني بالكوفة ولم اذكر اني

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٥ ، والفقيه ج ٢ ص ١٦٧ ، والوسائل الباب ١٠ و ١١ من كفارات الصيد.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ١٦٧ ، والوسائل الباب ١٦ و ٢٢ من كفارات الصيد.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٦ ، والوسائل الباب ١٠ من كفارات الصيد.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٦ ، والفقيه ج ٢ ص ١٧١ ، والفروع ج ٤ ص ٢٣٧ ، والوسائل الباب ١٠ من كفارات الصيد.


بالحرم. فقال : عليك قيمتهما. قلت : كم قيمتهما؟ قال : درهم ، وهو خير منهما» وفي رواية الشيخ : «خير من ثمنهما».

والمفهوم من ضم هذه الاخبار بعضها الى بعض ـ ونحوها من ما يأتي في المقام ايضا ان شاء الله (تعالى) ـ هو الاجتزاء بالدرهم مطلقا ، وان المراد بالقيمة في ما أطلق فيه القيمة هو الدرهم. واما الحمل على ان القيمة في ذلك الوقت كان درهما فالظاهر بعده. بل ربما أشعرت صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المذكورة بأن جعل القيمة درهما إنما هو نوع احتياط في القيمة ، وإلا فربما كانت انقص من ذلك ، كما يومي اليه قوله : «والدرهم خير منهما ، أو خير من ثمنهما» كما في الرواية الأخرى. ومن ما يومئ الى ذلك ايضا ما في صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في حمام مكة ، قال : من ذبح طيرا منه وهو غير محرم فعليه ان يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه». فان الظاهر ان المراد بالصدقة هو الدرهم الذي قد ورد في هذه الاخبار ، الدال بعضها على انه خير منهما أو خير من ثمنهما.

وقال العلامة في المنتهى : ان الأحوط وجوب أكثر الأمرين من الدرهم والقيمة. قال في المدارك بعد نقل ذلك : وهو كذلك ، وان كان المتجه اعتبار القيمة مطلقا. أقول : بل الظاهر ان المتجه اعتبار الدرهم مطلقا ، حملا لمطلق الاخبار على مقيدها بالتقريب الذي ذكرناه.

ونقل عن المحقق الشيخ علي (رحمه‌الله) انه استشكل في اجزاء

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من كفارات الصيد رقم ٥.


الدرهم مطلقا ، فقال : ان اجزاء الدرهم في الحمام مطلقا وان كان مملوكا في غاية الإشكال ، لأن المحل إذا قتل المملوك في غير الحرم تلزمه القيمة السوقية بالغة ما بلغت ، فكيف يجزئ الأنقص في الحرم؟ وأجاب عنه في المسالك ـ ونحوه في المدارك ـ بان هذا الاشكال انما يتجه إذا قلنا ان فداء المملوك لمالكه ، لكن سيأتي ـ ان شاء الله (تعالى) ـ ان الأظهر كون الفداء لله (تعالى) وللمالك القيمة السوقية ، فلا بعد في ان يجب لله (تعالى) في حمام الحرم أقل من القيمة مع وجوبها للمالك. انتهى. وهو جيد.

بقي هنا شي‌ء ، وهو انه قد روى الشيخ عن يزيد بن خليفة (١) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) وانا عنده ، فقال له رجل : ان غلامي طرح مكتلا في منزلي ، وفيه بيضتان من طير حمام الحرم. فقال : عليه قيمة البيضتين يعلف به حمام الحرم ، وقيمة البيضتين وقيمة الطير سواء».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن يزيد بن خليفة (٢) قال : «كان في جانب بيتي مكتل كان فيه بيضتان من حمام الحرم ، فذهب الغلام يكب المكتل وهو لا يعلم ان فيه بيضتين ، فكسرهما ، فخرجت فلقيت عبد الله بن الحسن فذكرت ذلك له ، فقال : تصدق بكفين من دقيق. قال : ثم لقيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) بعد فأخبرته ، فقال : ثمن طيرين تطعم به حمام الحرم. فلقيت عبد الله بن الحسن فأخبرته فقال : صدق (عليه‌السلام) حدث به ، فإنما أخذه عن آبائه عليهم‌السلام».

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٧ ، والوسائل الباب ٢٦ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٢٣٦ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٥٧ ، والوسائل الباب ٢٦ من كفارات الصيد ، والوافي باب (حكم صيد الحرم).


وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبيد الله الحلبي (١) قال : «حرك الغلام مكتلا فكسر بيضتين في الحرم ، فسألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقال : جديان أو حملان».

وهذه الاخبار ـ كما ترى ـ منافية لما تقدم في صحيحتي حفص بن البختري وعبد الرحمن بن الحجاج ، والجواب عنهما : اما عن صحيحة الحلبي فما تقدم من حمل الشيخ لها على ما إذا كان في البيض فرخ. واما الروايتان الأولتان فظاهرهما ان في البيضتين ما في الطير سواء ، وهو القيمة أو الدرهم. ولا اعلم بذلك قائلا ، مع مخالفتهما للأخبار الكثيرة من الدلالة على الفرق بين الطير والبيض ، وان ما في البيض من الجزاء أقل من ما في الطير. والكلام فيهما مرجأ الى قائلهما.

الثانية ـ لو فعله المحرم في الحرم اجتمع عليه الأمران المتقدمان فيجتمع عليه في قتل الحمامة الشاة والدرهم ، وفي قتل الفرخ الحمل ونصف الدرهم ، وفي البيضة درهم وربع ، وإنما اجتمعا عليه لانه هتك حرمة الإحرام والحرم معا ، فوجب عليه موجب كل منهما هذا هو المشهور.

ويدل عليه من الاخبار ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة ، وثمن الحمامة درهم أو شبهه ، يتصدق به أو يطعمه حمام مكة ، فإن قتلها في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها».

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٨ ، والوسائل الباب ٢٦ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٩٥ ، والوسائل الباب ١١ من كفارات الصيد.


وما تقدم في رواية محمد بن الفضيل (١) وقوله (عليه‌السلام) فيها : «وان قتلها وهو محرم في الحرم فعليه شاة ، وقيمة الحمامة».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة الى ان يبلغ الظبي فعليه دم يهريقه ، ويتصدق بمثل ثمنه أيضا ، فإن أصاب منه وهو حلال فعليه ان يتصدق بمثل ثمنه».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجا من الحرم. قال : فقال : عليه شاة. قلت : فان قتلها في جوف الحرم؟ قال : عليه شاة ، وقيمة الحمامة. قلت : فان قتلها في الحرم وهو حلال؟ قال : عليه ثمنها ، ليس عليه غيره. قلت : فمن قتل فرخا من فراخ الحمام وهو محرم؟ قال : عليه حمل».

وما رواه الصدوق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) : «في رجل قتل طيرا من طيور الحرم وهو محرم في الحرم؟ فقال : عليه شاة ، وقيمة الحمامة درهم ، يعلف به حمام الحرم ، وان كان فرخا فعليه حمل ، وقيمة الفرخ نصف درهم ، يعلف به حمام الحرم».

ونقل عن ابن ابي عقيل ان من قتل حمامة في الحرم وهو محرم فعليه شاة. وعن ابن الجنيد ان المحرم في الحرم يجب عليه الفداء

__________________

(١) ص ٢٢٧.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ١٦٧ ، والوسائل الباب ١١ من كفارات الصيد.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٧ ، والوسائل الباب ٩ و ١٠ و ١١ من كفارات الصيد.

(٤) الفقيه ج ٢ ص ١٧١ ، والوسائل الباب ١١ من كفارات الصيد.


مضاعفا. وهو أحد قولي السيد المرتضى. وجعله أبو الصلاح رواية. والقول الآخر : يجب عليه الفداء والقيمة أو القيمة مضاعفة.

ويمكن ان يستدل لمن قال بوجوب مضاعفة الفداء بما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ان أصبت الصيد وأنت حرام في الحرم فالفداء مضاعف عليك ، وان أصبته وأنت حلال في الحرم فقيمة واحدة ، وان أصبته وأنت حرام في الحل فإنما عليك فداء واحد».

وما رواه الشيخ في الموثق عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) في حديث قال : «وان أصبته وأنت حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفا».

واحتمال حملهما على ما هو المشهور غير بعيد ، فان باب التجوز واسع ، وإطلاق الفداء على القيمة غير مستبعد. وبذلك يجمع بين هذين الخبرين المذكورين وما تقدم من الاخبار.

واما القولان الآخران فلم نقف لهما على دليل. بقي في المقام انه

قد روى في الكافي عن الحارث بن المغيرة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سئل عن رجل أكل بيض حمام الحرم وهو محرم. قال : عليه لكل بيضة دم ، وعليه ثمنها سدس أو ربع الدرهم ، الوهم من صالح (٤) ثم قال : ان الدماء لزمته لا كله

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٩٥ ، والوسائل الباب ٤٤ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٠ ، والوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٩٥ ، والوسائل الباب ١٠ و ٤٤ من كفارات الصيد.

(٤) وهو صالح بن عقبة الذي يروي هذا الحديث عن الحارث بن المغيرة.


وهو محرم ، وان الجزاء لزمه لأخذه بيض حمام الحرم». مع ان مقتضى ما تقدم ان في البيض في هذه الصورة درهما وربعا. ويمكن ان يقال : ان ما تقدم مخصوص بالإفساد والكسر ، كما هو ظاهر تلك الاخبار ، واما الأكل ففيه زيادة جزاء ، ولا يبعد زيادة الجزاء والفدية فيه ، كما يدل عليه قوله (عليه‌السلام) : «ان الدماء لزمته لا كله وهو محرم»

الثالثة ـ قد اختلف الأصحاب في حكم تضاعف الفدية والقيمة في الصيد للمحرم في الحرم ، فنقل العلامة في المختلف عن الشيخ في النهاية والمبسوط والتهذيب : القول بوجوب التضعيف ما لم يبلغ بدنة ، فإذا بلغ ذلك لم يجب عليه غير ذلك. وبه قال المحقق. ونقل عن ابن إدريس : القول بالتضاعف مطلقا ، قال : وباقي أصحابنا أطلق القول بالتضعيف.

احتج الشيخ بما رواه عن الحسن بن علي بن فضال عن رجل سماه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في الصيد يضاعفه ما بينه وبين البدنة ، فإذا بلغ البدنة فليس عليه التضعيف». وربما ردت الرواية بضعف السند. وفيه ان هذا لا يقوم حجة على الشيخ ونحوه ممن لا يرى العمل بهذا الاصطلاح.

أقول : ويدل عليه ما رواه في الكافي بسند صحيح الى الحسن بن علي ـ والظاهر انه ابن فضال ـ عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «انما يكون الجزاء مضاعفا في ما دون البدنة حتى يبلغ البدنة ، فإذا بلغ البدنة فلا تضاعف ، لأنه أعظم

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٢ ، والوسائل الباب ٤٦ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٩٥ ، والوسائل الباب ٤٦ من كفارات الصيد.


ما يكون ، قال الله (عزوجل) (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)» (١).

قال في المختلف : والأصل يناسب ما ذهب اليه الشيخ ، والاحتياط ما ذهب اليه ابن إدريس. وكذا عموم رواية معاوية بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) إلا ان في طريقها إبراهيم بن ابي سماك ، ولا يحضرني الآن حاله ، فان كان ثقة فالعمل بعموم الرواية ـ وهو قوله (عليه‌السلام) : «وان أصبته وأنت حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفا» ـ اولى. انتهى.

أقول : قد تقدم ان معاوية بن عمار قد روى ما ذكره بالسند الذي أشار اليه ، ورواه ايضا بسند صحيح أو حسن لا يقصر عن الصحيح (٣) إلا انه مطلق يجب تقييده بما ذكرناه من الروايتين الصريحتين في عدم التضعيف مع وصول الفدية إلى البدنة. نعم من يعمل على هذا الاصطلاح المحدث فله ان يقف على عموم روايتي معاوية ابن عمار ، ويرد الخبرين المذكورين بضعف السند.

الرابعة ـ المستفاد من إطلاق عبارات جملة من الأصحاب في صورة ما إذا كسر بيضة وهو محل في الحرم ان عليه ربع القيمة ، سواء تحرك الفرخ فيها أم لا. وهو ظاهر إطلاق صحيحتي حفص بن البختري وعبد الرحمن بن الحجاج المتقدمتين. وعلى هذا فالحكم بالحمل في صورة تحرك الفرخ مخصوص بالمحرم في الحل كما تقدم.

__________________

(١) سورة الحج ، الآية ٣٤.

(٢) الوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد رقم ٥.

(٣) الوسائل الباب ٤٤ من كفارات الصيد رقم ٥.


وظاهر عبارة المحقق في الشرائع العموم ، حيث قال : وفي بيضها إذا تحرك الفرخ حمل ، وقبل التحرك على المحرم درهم ، وعلى المحل ربع درهم ، ولو كان محرما في الحرم لزمه درهم وربع. ونحوه العلامة في المنتهى والقواعد. ومقتضى تفصيله قبل التحرك بين ما إذا كان محلا في الحرم أو محرما في الحل أو محرما في الحرم وإجماله بعد التحرك هو وجوب الحمل مع التحرك في الصور الثلاث.

والى ذلك مال في المدارك ، استنادا إلى إطلاق صحيحة علي بن جعفر المتقدمة ، وصحيحة الحلبي المتقدمة أيضا ، المتضمنة لكسر البيضتين في المكتل ، وامره (عليه‌السلام) بجديين أو حملين ، بحمل الرواية المذكورة على ما إذا كان في البيض فرخ قد تحرك ، كما قدمنا ذكره وموردها ـ كما هو ظاهرها ـ هو المحل في الحرم.

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني ـ وقبله الشهيد في الدروس ـ ان حكم البيض بعد تحرك الفرخ تابع للفرخ. ومقتضاه اختصاص وجوب الحمل بما إذا أصاب البيض وقد تحرك فيه الفرخ وهو محرم في الحل ، فإنه في هذه الصورة لو أصاب الفرخ فإنه يجب عليه الحمل كما تقدم ، اما لو اصابه وهو محل في الحرم فليس عليه إلا نصف درهم ، الذي هو الواجب في الفرخ في الصورة المذكورة.

قال (قدس‌سره) في المسالك بعد ذكر عبارة المصنف المتقدم ذكرها : تفصيله حكم البيض قبل تحرك الفرخ بالحرم وغيره ، وإطلاق حكمه بعد التحرك ، يقتضي استواء الأقسام الثلاثة فيه. والحق ان ما ذكره حكم المحرم في الحل ، فلو كان محلا في الحرم فنصف درهم ويجتمع الأمران على المحرم في الحرم ، وبالجملة فحكمه حكم الفرخ. وممن صرح بذلك الشهيد في الدروس. انتهى.


وأنت خبير بان مقتضى ما دلت عليه عبارة المحقق واختاره في المدارك هو انه في صورة ما إذا أصاب المحل فرخا في الحرم ، فإنه ليس عليه إلا نصف الدرهم ، كما صرح به هو وغيره ، وهو مقتضى الصحيحتين المتقدمتين ، وفي هذه الصورة لو أصاب البيض وقد تحرك فيه الفرخ ، فان عليه حملا. وهو بظاهره من ما يدل على زيادة البيض الذي فيه فرخ على الفرخ بهذا المقدار من نصف الدرهم الى الحمل. وهو من ما يستبعد بحسب القواعد ، كما صرح به هو وغيره في ما تقدم من مسألة بيض القطاة إذا تحرك فيها الفرخ ، حيث أوجب الشيخ فيها مخاضا من الغنم ، فاستشكله هو وغيره بان القطاة إذا كان الجزاء فيها إنما هو حمل ، فكيف يكون الجزاء في بيضها شاة؟ فيكون الجزاء في البيض أكثر من الجزاء في البائض. والأمر هنا كذلك ، فإذا قام هذا الاستبعاد في تلك المسألة ـ مع وجود الرواية الصريحة بما ذكره الشيخ كما قدمناه ـ فهنا بطريق اولى.

والظاهر ان مستند الشهيدين في ما ذهبا اليه هو ان ما دلت عليه صحيحتا حفص وعبد الرحمن (١) ـ من ان في الفرخ نصف درهم ـ شامل للفرخ الذي تحرك في البيضة ، وربع الدرهم مختص بالبيضة الخالية من ذلك. وعلى هذا فيحمل إطلاق صحيحة علي بن جعفر (٢) على الصورة الاولى ، وهو المحرم في الحل كما قدمناه. واما صحيحة الحلبي (٣) فليس فيها تصريح ولا ظهور في كون البيض فيه فرخ قد تحرك ، وانما هذا تأويل من الشيخ (رحمه‌الله) فلا حجة فيها في التحقيق.

وبالجملة فإن المسألة لا تخلو من شوب الاشكال.

__________________

(١) ص ٢٢٥.

(٢) ص ٢٢٣.

(٣) ص ٢٣٠.


الخامسة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تحريم ذبح الحمام الأهلي ـ يعني : المملوك ـ في الحرم ، كما انه يحرم ذبح حمام الحرم الذي هو غير مملوك.

ويدل على ذلك جملة من الاخبار المتقدمة في مسألة تحريم ما ذبحه المحل في الحرم :

ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن شهاب بن عبد ربه (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : اني أتسحّر بفراخ اوتى بها من غير مكة ، فتذبح في الحرم فأتسحر بها؟ فقال : بئس السحور سحورك ، اما علمت ان ما دخلت به الحرم حيا فقد حرم عليك ذبحه وإمساكه؟».

وفي صحيحة معاوية بن عمار (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن طائر أهلي ادخل الحرم حيا. فقال : لا يمس ، لان الله (تعالى) يقول (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)» (٣).

الى غير ذلك من الاخبار المستفيضة المتقدم كثير منها ثمة.

وقد صرح المحقق الشيخ علي بأنه لا يتصور ملك الصيد في الحرم إلا في القماري والدباسي ، لجواز شرائهما وإخراجهما.

أقول : كلامه (قدس‌سره) هذا مبني على ما هو المشهور من عدم دخول الصيد ـ وان كان أهليا ـ في الملك إذا كان في الحرم ، كما قدمنا نقله عنهم ، واما على مذهب المحقق في النافع من دخوله في الملك

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ١٧٠ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد.

(٢) الوسائل الباب ١٢ و ٣٦ من كفارات الصيد عن التهذيب والفقيه.

(٣) سورة آل عمران ، الآية ٩٦.


وان وجب عليه إرساله فلا. ويأتي على المشهور انه لا يتصور وجود الحمام المملوك في الحرم ، وعلى مذهب المحقق في النافع انه يتصور الملك ولكن يجب عليه الإرسال. وما ذكره ـ من ثبوت الملك في القماري والدباسي من الجهة التي ذكرها ـ فقد بينا في ما سبق انه لا دليل على ذلك ، فيكون حكمهما حكم غيرهما من افراد الطير.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يستوي الحمام الأهلي والحرمي في القيمة ، قال في المنتهى : انا لا نعرف فيه خلافا إلا عن داود ، حيث قال : لاجزاء في صيد الحرم (١).

ويدل على ذلك جملة من الاخبار المتقدمة ، والمفهوم منها ان ما يجب عليه من القيمة في الحمام الحرمي يتخير بين الصدقة به وبين ان يشتري به علفا لحمام الحرم ، وأفضله القمح المفسر بالحنطة.

ومن الاخبار في ذلك صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة ، وثمن الحمامة درهم أو شبهه ، يتصدق به أو يطعمه حمام مكة».

ومن الاخبار زيادة على ما تقدم ما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن زياد الواسطي (٣) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن قوم أغلقوا الباب على حمام من حمام الحرم. فقال : عليهم قيمة كل طائر درهم ، يشتري به علفا لحمام الحرم».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤)

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٣١١ طبع مطبعة العاصمة.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٩٥ ، والوسائل الباب ١١ من كفارات الصيد.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٠ ، والوسائل الباب ١٦ من كفارات الصيد.

(٤) الفقيه ج ٢ ص ١٦٧ ، والوسائل الباب ١٦ من كفارات الصيد.


«في رجل أغلق باب بيت على طير من حمام الحرم فمات؟ قال : يتصدق بدرهم ، أو يطعم به حمام الحرم».

واما الحمام الأهلي فالصدقة ، روى حماد بن عثمان (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل أصاب طيرين : واحد من حمام الحرم ، والآخر من حمام غير الحرم؟ قال : يشتري بقيمة الذي من حمام الحرم قمحا ، فيطعمه حمام الحرم ، ويتصدق بجزاء الآخر».

قال في المدارك : والمراد بالقيمة هنا ما قابل الفداء ، وهي المقدرة في الاخبار بالدرهم ونصفه وربعه. قال : وذكر الشارح (قدس‌سره) ان المراد بالقيمة هنا ما يعم الدرهم والفداء. وهو غير واضح. انتهى وهو جيد. ثم قال في المدارك ايضا : ولو أتلف الحمام الأهلي المملوك بغير اذن مالكه اجتمع على متلفه القيمة لحمام الحرم ، وقيمة أخرى للمالك ، كما صرح به العلامة ومن تأخر عنه.

القسم الثاني ـ القطا والحجل والدراج ، وفي كل واحد منها حمل قد فطم ورعى ، وهو مذهب الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) لا يعرف فيه خلاف.

واستدل عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «وجدنا في كتاب علي (عليه‌السلام) : في القطاة إذا أصابها المحرم حمل قد فطم من اللبن

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٩٠ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٥٣ ، والوسائل الباب ٢٢ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٤ ، والوسائل الباب ٥ من كفارات الصيد.


وأكل من الشجر».

وعن سليمان بن خالد عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «في كتاب على (عليه‌السلام) : من أصاب قطاة أو حجلة أو دراجة أو نظيرهن فعليه دم».

ويدل على ذلك ايضا ما رواه الكليني في الصحيح عن ابن ابي نصر عن المفضل بن صالح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا قتل المحرم قطاة فعليه حمل قد فطم من اللبن ورعى من الشجر».

وقيل عليه : ان الرواية الاولى ـ وكذا الثالثة ـ مختصة بالقطاة ، ومدلول الثانية أعم من المدعي.

أقول : الرواية الثانية وان كانت مجملة ، باعتبار الدم الذي هو أعم من الحمل وغيره ، إلا ان الروايتين الأخيرتين قد صرحتا بان الواجب في القطاة حمل بالوصف المذكور ، فيجب حمل الدم بالنسبة إلى القطا عليه ، وينسحب ذلك الى الفردين الأخيرين كما لا يخفى.

وذكر شيخنا الشهيد الثاني ان المراد بقوله : «قد فطم ورعى» انه قد آن وقت فطامه ورعيه وان لم يكونا قد حصلا بالفعل. وفيه انه خروج عن ظاهر النص بغير ضرورة تدعو الى ذلك.

قال في المدارك : وأورد هنا اشكال ، وهو ان في بيض كل واحدة من هذه بعد تحرك الفرخ مخاضا من الغنم ، وهي ما من شأنها أن تكون حاملا ، فكيف يجب في فرخ البيضة مخاض وفي الطائر حمل؟

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٩٠ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٤٤. والوسائل الباب ٥ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٨٩ ، والوسائل الباب ٥ من كفارات الصيد.


وأجاب عنه في الدروس : اما بحمل المخاض هنا على بنت المخاض وهو بعيد جدا. واما بالتزام وجوب ذلك في الطائر بطريق اولى.

وفيه اطراح للنص المتقدم. بل قيل ان فيه مخالفة للإجماع أيضا. واما بالتخيير بين الأمرين. وهو مشكل ايضا. والأجود اطراح الرواية المتضمنة لوجوب المخاض في الفرخ ، لضعفها ومعارضتها بما هو أصح منها إسنادا وأظهر دلالة ، والاكتفاء بالبكر من الغنم المتحقق بالصغير وغاية ما يلزم من ذلك مساواة الصغير والكبير في الفداء ، ولا محذور فيه. انتهى.

أقول : قد عرفت من ما قدمنا ان هذا الاشكال لازم له في ما ذهب اليه من إطلاق القول بوجوب الحمل في فرخ بيض الحمام إذا تحرك ولو بالنسبة إلى المحل في الحرم ، مع ان الواجب في الفرخ في هذه الصورة إنما هو نصف درهم كما عرفت ، فكيف يكون الواجب في الفرخ الكامل نصف درهم ، وفي الفرخ المتحرك في بيضة حمل ، وهو ماله أربعة أشهر من أولاد الضأن؟ مع انه لا رواية صريحة ثمة بوجوب الحمل في الفرخ المتحرك في الصورة المذكورة ، إلا ما يدعى من إطلاق صحيحة علي بن جعفر ، والرواية بالمخاض في المسألة التي ذكرها موجودة. ولا يبعد في هذا المقام ما نقله جده (قدس‌سره) في المسالك حيث قال في الجواب عن الاشكال المذكور : وقد أجيب أيضا بأن مبنى شرعنا على اختلاف المتماثلات واتفاق المختلفات ، فجاز ان يثبت في الصغير أزيد من ما يثبت في الكبير في بعض الموارد ، وفي بعض آخر بالعكس ، وان كان ذلك خلاف الغالب. انتهى. وبالجملة فإنه متى دل النص على حكم ولا معارض له فرده بمجرد هذه الاستبعادات مشكل.


القسم الثالث ـ القنفذ والضب واليربوع ، وفي قتل كل واحد منها جدي على المشهور بين أصحابنا المتأخرين (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) وعن الشيخين والسيد المرتضى وعلي بن بابويه وابن البراج وابن حمزة : أنهم ألحقوا بها في وجوب الجدي ما أشبهها. وعن ابي الصلاح : ان في الثلاثة المذكورة حملا قد فطم ورعى من الشجر.

احتج الشيخ في التهذيب ـ على ما نقله عن الشيخ المفيد من التعميم لما أشبه هذه الثلاثة ـ بما رواه في الحسن عن مسمع ـ ورواه ثقة الإسلام في الكافي ـ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «في اليربوع والقنفذ والضب إذا أصابه المحرم فعليه جدي ، والجدي خير منه ، وانما جعل عليه هذا لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد». ومثله بطريق آخر (٢) وفيه : «وإنما جعل عليه هذا كي ينكل عن صيد غيره».

قيل : وربما يتكلف في توجيه التعميم بأنه يجب في الصيد المثل ، ولما ثبت بهذه الرواية ان مثل هذه الثلاثة الجدي ـ بل هو خير منه ـ ثبت ذلك في ما أشبهه. ولا يخفى ما فيه من الوهن الذي لا يخفى على النبيه.

وقال في المدارك ـ بعد إيراد حسنة مسمع ووصفها بالصحة دليلا للثلاثة المذكورة ـ : ولم نقف لهذين القولين على مستند.

وفي كتاب الفقه الرضوي (٣) : وفي اليربوع والقنفذ والضب جدي

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٤ ، والفروع ج ٤ ص ٣٦٤ و ٣٨٧ ، والوسائل الباب ٦ من كفارات الصيد.

(٢) هذا اللفظ وارد في الكافي في كلا الموضعين ج ٤ ص ٣٦٤ و ٣٨٧.

(٣) ص ٢٩.


والجدي خير منه.

القسم الرابع ـ العصفور والقنبرة ، وفي كل واحد منهما مد من طعام على المشهور.

واستدل عليه في التهذيب (١) بما رواه عن صفوان بن يحيى عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام): «في القنبرة والعصفور والصعوة يقتلها المحرم؟ قال : عليه مد من طعام لكل واحد».

والحق بها في التذكرة والمنتهى والدروس ما أشبهها ، ونسبه في الأولين إلى أكثر علمائنا.

ونقل عن الشيخ علي بن بابويه : ان في الطائر بجميع اقسامه دم شاة ما عدا النعامة فإن فيها جزورا.

ونقل عن ابن الجنيد : ان في القمري والعصفور وما جرى مجراهما قيمة ، وفي الحرم قيمتان.

قيل : ويدل على قول ابن بابويه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «في محرم ذبح طيرا : ان عليه دم شاة يهريقه ، فان كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن».

وأجاب في المختلف عن هذه الرواية ـ بعد نسبة الاحتجاج بها للشيخ علي بن بابويه ـ بان هذه الرواية عامة ، ورواية صفوان خاصة ، فتكون مقدمة. وصاحب المدارك ومن يحذو حذوه قد ردوا ذلك بان

__________________

(١) ج ٥ ص ٤٦٦ ، والفروع ج ٤ ص ٣٩٠ ، والوسائل الباب ٧ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٦ ، والوسائل الباب ٩ من كفارات الصيد.


هذا الحمل جيد لو تكافأ السندان.

أقول : ألحق ان الشيخ علي بن بابويه إنما استند في القول المذكور الى كتاب الفقه الرضوي ، الذي قد عرفت في ما تقدم أنه يفتي بعباراته ولكنها في بعض المواضع ـ لغرابة الحكم المذكور فيها ، وعدم الاطلاع على ما يساعدها من الاخبار ـ يردها المتأخرون بعدم وجود المستند. وعبارة الشيخ المشار إليه في رسالته على ما نقله في المختلف هكذا : وقال علي بن بابويه : وان كان الصيد يعقوبا أو حجلة أو بلبلة أو عصفورا أو شيئا من الطير ، فعليك دم شاة. واليعقوب : الذكر من القبج ، والحجلة : الأنثى. انتهى. وهو مضمون عبارة الكتاب المذكور بتغيير لا يضر بالمعنى. وعبارة الكتاب الذي عندي في هذا المكان لا تخلو من نوع غلط وسقط بين ، فإن النسخة كثيرة الغلط جدا ، إلا ان العبارة مأخوذة منه بلا ريب ، كما عرفت في غير موضع من ما تقدم.

وبالجملة فما ذكره العلامة ـ من تقديم العمل برواية صفوان وتخصيص صحيحة ابن سنان بها ـ جيد.

إلا انه قد روى الشيخ والكليني عن سليمان بن خالد (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن ما في القمري والدبسي والسماني والعصفور والبلبل. قال : قيمته ، فإن اصابه وهو محرم فقيمتان ، ليس عليه فيه دم». ورواها في التهذيب (٢) بطريق آخر وفيها

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٦٦ ، والفروع ج ٤ ص ٣٩٠ ، والوسائل الباب ٤٤ من كفارات الصيد.

(٢) ج ٥ ص ٣٧١.


«الزنجي» مكان «الدبسي» وظاهر هذه الرواية الدلالة على ما ذهب اليه ابن الجنيد.

القسم الخامس ـ الجرادة والقملة والزنبور ، والكلام هنا يقع في مواضع ثلاثة :

الأول ـ الجرادة ، وفي قتلها كف من طعام ، وقيل تمرة ، وهو قول الشيخ في المبسوط. وقيل بالتخيير بين الأمرين. وفي الكثير دم شاة.

ويدل على الأول ما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن محرم قتل جرادة قال : كف من طعام ، وان كان كثيرا فعليه دم شاة».

وعلى الثاني ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «في محرم قتل جرادة؟ قال : يطعم تمرة ، وتمرة خير من جرادة».

وما رواه في الصحيح عن معاوية بن وهب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت : ما تقول في رجل قتل جرادة وهو محرم؟ قال : تمرة خير من جرادة».

وما رواه في الكافي عن حريز عن من أخبره عن ابي عبد الله (عليه

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٩٣ ، والوسائل الباب ٣٧ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٣ و ٣٦٤ ، والوسائل الباب ٣٧ من كفارات الصيد.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٣ ، والوسائل الباب ٣٧ من كفارات الصيد والراوي معاوية بن عمار كما في الوافي باب (صيد البحر للمحرم وصيد الجراد وكفارته).


السلام) (١) «في محرم قتل جرادة؟ قال : يطعم تمرة ، والتمرة خير من جرادة».

وجمع جملة من الأصحاب (رضى الله ـ تعالى ـ عنهم) بين الاخبار المذكورة بالتخيير ، وهو الوجه في القول الثالث.

واما ما يدل على الشاة في الكثير فصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.

وما رواه الشيخ في الصحيح ايضا عن محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن محرم قتل جرادا كثيرا. قال : كف من طعام ، وان كان أكثر فعليه شاة». والظاهر ان قوله : «جرادا كثيرا» في الخبر وقع سهوا من قلم الشيخ ، وإنما السؤال عن جرادة واحدة ، وكم له (رضوان الله ـ تعالى ـ عليه) مثل ذلك في الأسانيد والمتون ، وإلا فمعنى الخبر المذكور لا يخلو من تناف

واما ما رواه الشيخ ـ عن عروة الحناط عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) : «في رجل أصاب جرادة فأكلها؟ قال : عليه دم» ـ. فرده المتأخرون بضعف الاسناد وعدم القيام بمعارضة ما تقدم من الاخبار. والشيخ حمله على الجراد الكثير بإرادة الجنس وان أطلق عليه لفظ التوحيد. والأظهر ـ كما استظهره في الوافي ـ تخصيص هذا الحكم بالأكل ، كما هو مورد الخبر ، والاخبار الأولة بالقتل ، والدم هنا كفارة القتل والأكل. وقد تقدم له نظائر في غير الجراد أشرنا إليها في ما تقدم ، من ان الأكل موجب لزيادة الكفارة.

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٩٣ ، والوسائل الباب ٣٧ من كفارات الصيد.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٤ ، والوسائل الباب ٣٧ من كفارات الصيد.


قال العلامة في المختلف : ونقل ابن إدريس عن علي بن بابويه : وان أكلت جرادة فعليك دم شاة. والذي وصل إلينا من كلام ابن بابويه في رسالته : وان قتلت جرادة تصدقت بتمرة ، والتمرة خير من جرادة ، فإن كان الجراد كثيرا ذبحت شاة ، وان أكلت منه فعليك دم شاة. وهذا اللفظ ليس صريحا في الواحدة. انتهى.

أقول : ان عبارة الرسالة المذكورة لا تحضرني الآن ، والذي في كتاب الفقه الرضوي ـ الذي قد ظهر لك من ما قدمنا ذكره في غير موضع ان الرسالة المذكورة إنما أخذت منه ـ إنما يساعد ما ذكره ابن إدريس ، حيث قال (عليه‌السلام) (١) : «فان قتلت جرادة تصدقت بتمرة ، والتمرة خير من جرادة ، وان كان الجراد كثيرا ذبحت شاة ، ثم قال : وان أكلت جرادة واحدة فعليك دم شاة». وظاهره (عليه‌السلام) الفرق بين القتل والقتل والأكل ، وان دم الشاة كفارة القتل والأكل ، كما تقدم في رواية الحناط.

ثم انه ينبغي ان يعلم انه لو لم يمكن التحرز من قتل الجراد فلا كفارة في قتله. وقد تقدم ما يدل عليه في صدر المقصد.

الثاني ـ في القملة أيضا كف من طعام ، ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الحسن عن الحسين بن ابي العلاء عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «المحرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمدا ، وان قتل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما ، قبضة بيده».

__________________

(١) ص ٢٩.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٦ ، والوسائل الباب ١٥ من بقية كفارات الإحرام.


وما رواه الكليني عن الحسين بن ابي العلاء (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : لا يرمى المحرم القملة من ثوبه ولا من جسده متعمدا ، فان فعل شيئا من ذلك فليطعم مكانها طعاما. قلت : كم؟ قال : كفا واحدا».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عيسى (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها. قال : يطعم مكانها طعاما».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها. قال : يطعم مكانها طعاما».

وعن ابن مسكان عن الحلبي (٤) قال : «حككت رأسي وانا محرم فوقعت منه قملات ، فأردت ردهن فنهاني ، وقال : تصدق بكف من طعام».

وقد ورد بإزاء هذه الاخبار ما ظاهره المنافاة ، ومنه ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال : لا شي‌ء في القملة ، ولا ينبغي ان يتعمد قتلها».

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٦٢ ، والوسائل الباب ٧٨ من تروك الإحرام.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٦ ، والوسائل الباب ١٥ من بقية كفارات الإحرام.

(٤ و ٥) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٧ ، والوسائل الباب ١٥ من بقية كفارات الإحرام.


وما رواه الشيخ والصدوق عنه ايضا (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم يحك رأسه فتسقط عنه القملة والثنتان؟ فقال : لا شي‌ء عليه ، ولا يعيدها. قلت : كيف يحك المحرم؟ قال : بأظافيره ما لم يدم ، ولا يقطع الشعر». وفي نسخة : «ولا يعود» أي إلى مثل هذا الفعل. وعلى ما نقلناه فالمراد انه لا يعيدها الى موضعها بعد سقوطها.

وما رواه في الكافي عن ابي الجارود (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : حككت رأسي وانا محرم فوقعت قملة؟ قال : لا بأس قلت : اي شي‌ء تجعل علي فيها؟ قال : وما اجعل عليك في قملة؟ ليس عليك فيها شي‌ء».

وما رواه في التهذيب عن مرة مولى خالد (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يلقي القملة. فقال : (عليه‌السلام) : ألقوها أبعدها الله غير محمودة ولا مفقودة».

وما رواه في الكافي عن ابي الجارود (٤) قال : «سأل رجل أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل قتل قملة وهو محرم. قال : بئس ما صنع. قال : فما فداؤها؟ قال : لا فداء لها».

وأجاب الشيخ عن هذه الاخبار بالحمل على الرخصة أولا ، ثم على

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٧ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٢٩ ، والوسائل الباب ١٥ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٦٥ ، والوسائل الباب ١٥ من بقية كفارات الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٧ ، والوسائل الباب ٧٨ من تروك الإحرام.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٣٦٢ ، والوسائل الباب ٧٨ من تروك الإحرام والباب ١٥ من بقية كفارات الإحرام.


من يتأذى بها فيقتل ويكفر. قال : وقوله : «لا شي‌ء عليه» يعني : من العقاب ، أو لا شي‌ء معين. واقتصر في الاستبصار على الأخير. وجملة من متأخري المتأخرين قد جمعوا بين الاخبار هنا بالاستحباب.

والذي يقرب عندي هو حمل الروايات الأخيرة على التقية ، فإنه مذهب جملة من العامة ، ونقل ذلك في المنتهى والتذكرة عن مالك في إحدى الروايتين (١) وسعيد بن جبير وطاوس وابي ثور وابن المنذر.

وعن أصحاب الرأي وعن مالك في إحدى الروايتين : انه يتصدق بمهما أمكن من قليل أو كثير. ولم ينقل القول بكف من طعام ـ كما هو المروي في الروايات الأول ـ إلا عن عطاء خاصة (٢).

والسيد السند في المدارك ـ بعد ان نقل عبارة المصنف المشتملة على كف من طعام ـ قال : واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن حماد ابن عيسى. ثم ساق الرواية المتقدمة ، ثم قال : وعن محمد بن مسلم. ثم ساق الرواية كما قدمناه ، ثم طعن فيهما بان في طريقهما عبد الرحمن وهو مشترك بين جماعة : منهم : عبد الرحمن ابن سيابة ، وهو مجهول ، ثم ذكر صحيحة معاوية بن عمار الدالة على انه لا شي‌ء في القملة ، ثم نقل جمع الشيخ الذي نقلناه ورده بأنه حمل بعيد ، مع انه لا ضرورة تلجئ إليه ، لإمكان حمل

__________________

(١) الروايتان عن احمد ، واللفظ : انه يتصدق بمهما كان من قليل أو كثير. واما مالك فالمنقول عنه انه يتصدق بحفنة من طعام. ارجع الى المنتهى ج ٢ ص ٧٩٦ و ٨١٧ ، والتذكرة البحث الثالث عشر من محرمات الإحرام ، والمغني ج ٣ ص ٢٦٩ و ٤٥٣ طبع مطبعة العاصمة.

(٢) المغني ج ٣ ص ٢٦٩ و ٤٥٣ طبع مطبعة العاصمة.


ما تضمن الكفارة على الاستحباب.

أقول : فيه (أولا) : ان ما ذكره من الطعن في الخبرين الأولين ليس في محله ، فإنه لا يخفى على الممارس ان عبد الرحمن هنا هو ابن ابي نجران ، كما قطع به المحقق الشيخ حسن في المنتقى ، فإن رواية موسى بن القاسم عنه وروايته هو عن حماد بن عيسى أكثر من ان تحصى في الأسانيد ، بل قد اعترف به هو نفسه (قدس‌سره) في مسألة من زاد في طوافه على السبعة سهوا ، فقال بعد نقل صحيحة زرارة الواردة في المسألة (١) : ولا يقدح في صحة هذه الرواية اشتمال سندها على عبد الرحمن وهو مشترك ، لوقوع التصريح في هذا السند بعينه في عدة روايات بأنه ابن ابي نجران. انتهى.

وللمحقق المذكور في كتاب المنتقى هنا كلام في المقام لا بأس بنقله ، سيما مع ما تضمنه من الدلالة على ما قلناه ، فإنه نظم الخبرين في الصحيح ، ونبه على سهو وقع للشيخ في رواية محمد بن مسلم (٢) قال (قدس‌سره) بعد ذكر صحيحة حماد عن موسى بن القاسم عن عبد الرحمن عن حماد بن عيسى. الى آخر الخبر ، ثم قال : وعنه عن ابي جعفر عن عبد الرحمن عن العلاء عن محمد بن مسلم. الى آخره ، ثم قال (قدس‌سره) : كذا أورد الشيخ هذا الحديث في الكتابين ، وظاهر عدم انتظام طريقه مع الرواية عن موسى بن القاسم ، لان المعهود من إطلاق (أبي جعفر) ان يراد به احمد بن محمد بن عيسى ، وهو يروى عن موسى بن القاسم ، لا ان موسى يروى عنه ، ولو اتفق في إيراد الشيخ له ان يتقدمه طريق عن سعد بن عبد الله كما اتفق هنا لتعين

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من الطواف رقم ٧.

(٢) ص ٢٤٨.


رجوع ضمير «عنه» إليه ، فإن رواية سعد عنه بهذه الصورة كثيرة والشيخ ما زال يقع له هذا السهو ، فيرتكب في إيراده للطرق إرجاع الضمير الى ما هو في غاية البعد عن محله مع إيهامه في ظاهر الحال خلاف ذلك ، وقد نبهنا على جملة منه في ما سلف. وعلى كل حال فالظاهر في هذا الطريق انه من روايات سعد بن عبد الله ، وما ندري بأي تقريب وقع في هذا الموضع ، فان بينه وبين الرواية عن سعد في الكتابين مسافة بعيدة لا يتصور معها توهم الربط بوجه. ويحتمل ـ على بعد ـ ان يكون الغلط بذكر (ابى جعفر) في الطريق وانه زيادة من سهو القلم ، والإسناد كالذي قبله عن عبد الرحمن. وحيث ان الصحة متحققة على كل حال فالأمر سهل. انتهى.

و (ثانيا) : ما قدمناه في غير مقام من ما في الجمع بين الاخبار بالحمل على الاستحباب من الوهن وعدم الدليل عليه من سنة ولا كتاب.

الثالث ـ في الزنبور ، وقد اختلف الأصحاب في كفارة قتل الزنبور عمدا ، فعن الشيخ في النهاية : من قتل زنبورا أو زنابير خطأ لم يكن عليه شي‌ء ، وان قتله عمدا فليتصدق بشي‌ء. وقال في المبسوط : يجوز للمحرم قتل الزنابير. وقال الشيخ المفيد : ومن قتل زنبورا تصدق بتمرة ، ومن قتل زنابير كثيرة تصدق بمد من طعام أو مد من تمر. وكذا قال السيد المرتضى. وقال ابن الجنيد : وفي الزنبور كف من تمر أو طعام. وقال ابن البراج : ولو أصاب زنبورا متعمدا فعليه كف من طعام. وكذا قال ابن إدريس ، وقال : ولا شي‌ء في الخطأ. وهو قول الصدوق في المقنع ، وقول الشيخ علي بن بابويه


وقال سلار : ومن قتل زنبورا تصدق بتمرة ، فإن كثر تصدق بمد من تمر. وقال أبو الصلاح : وفي قتل الزنبور كف من طعام ، وان قتل زنابير فصاع ، وفي قتل الكثير دم شاة. والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بذلك

ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن محرم قتل زنبورا. قال : ان كان خطأ فلا شي‌ء عليه ، وان كان متعمدا يطعم شيئا من الطعام».

وعن صفوان في الصحيح عن يحيى الأزرق (٢) قال : «سألت أبا عبد الله وأبا الحسن (عليهما‌السلام) عن محرم قتل زنبورا. فقالا : ان كان خطأ فليس عليه شي‌ء. قال : قلت : فالعمد؟ قالا : يطعم شيئا من طعام».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن محرم قتل زنبورا. قال : ان كان خطأ فليس عليه شي‌ء. قلت : لا بل متعمدا؟ قال : يطعم شيئا من طعام. قلت : انه أرادني؟ قال : ان أرادك فاقتله».

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٥ ، والوسائل الباب ٨ من كفارات الصيد ولفظ الحديث هو الذي تقدم ص ١٥٧ و ١٥٨.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٥ ، والوسائل الباب ٨ من كفارات الصيد.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٦٤ ، والوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام ، والباب ٨ من كفارات الصيد.


وفي كتاب الفقه الرضوي (١) : «وان قتلت زنبورا تصدقت بكف من طعام».

وهذه الاخبار كلها قد اشتركت في ان الواجب مع العمد شي‌ء من طعام كما في الاخبار الثلاثة الأولى ، أو كف من طعام كما في الأخير ، ومورد الجميع الزنبور الواحد ، واما المتعددة فلا تعرض لها في شي‌ء من الاخبار المذكورة. وبذلك يظهر لك ما في هذه الأقوال على كثرتها من الاختلاف.

وينبغي التنبيه هنا على مسائل تتعلق بالمقام وتنتظم في سلك هذا النظام :

الاولى ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بان ما لا تقدير لفديته فإنه يجب مع قتله قيمته ، وكذا البيوض. وظاهرهم الاتفاق عليه. وعلل بتحقق الضمان مع عدم تقدير للمضمون شرعا ، فيرجع الى القيمة كغيره.

ويدل على ذلك صحيحة سليمان بن خالد (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : في الظبي شاة ، وفي البقرة بقرة ، وفي الحمار بدنة ، وفي النعامة بدنة ، وفي ما سوى ذلك قيمته».

ونقل عن الشيخ انه قال : في البط والإوز والكركي شاة. ونسبه المحقق في الشرائع إلى التحكم ، حيث انه لا مستند له. والإوز بكسر الهمزة وفتح الواو وتشديد الزاي. البط ، واحدته اوزة ، والجمع اوزون بالواو والنون ، وفي لغة : وز ، الواحدة وزة ، مثل تمر وتمرة ،

__________________

(١) ص ٢٩.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٤١ ، والوسائل الباب ١ من كفارات الصيد.


كذا في كتاب مجمع البحرين. وقال في المصباح المنير : وحكى في الجمع (اوزون) وهو شاذ. وعلى هذا فيكون العطف في كلام الشيخ من قبيل عطف المرادف.

وقد تقدم النقل عن الشيخ علي بن بابويه انه ذهب الى وجوب الشاة في الطير بأنواعه ما عدا النعامة ، وعليه تدل صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة وعبارة كتاب الفقه الرضوي (١) التي منها أخذ الشيخ المذكور عبارته وعلى هذا يتجه القول بوجوب الشاة في الطير مطلقا ما لم يقم الدليل على خلافه. وبه يندفع عن الشيخ ما أورده عليه المحقق. إلا ان تخصيصه بهذه الثلاثة لا يظهر له وجه. ولعل التحكم باعتبار ذلك.

ثم انه على تقدير وجوب الشاة ، فلو تعذرت رجع الى ما يقوم مقامها من إطعام عشرة مساكين ، ثم مع عدم الإمكان الصيام ثلاثة أيام ، لما تقدم من الاخبار الدالة على ان من وجبت عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام (٢).

الثانية ـ إذا قتل صيدا معيبا كالمكسور والأعور ـ مثلا ـ فداه بصحيح ، ولو فداه بمثله جاز ايضا. وكذا لو كان أنثى فداه بالذكر وبالأنثى ، وكذا بالعكس. وربما قيل بوجوب الفداء بالمماثل ، رعاية للمماثلة المفهومة من الآية (٣). وفيه ان المماثلة لا تعتبر ان تكون من جميع الجهات ، وإطلاق الروايات يقتضي التتميم. ومقتضى كلام العلامة في المنتهى والتذكرة ان إجزاء الأنثى في الذكر لا خلاف فيه ، لأنها أطيب لحما وأرطب وإنما الخلاف في العكس. وبالجملة فالأظهر الإجزاء مطلقا ، إذ الظاهر من

__________________

(١) ص ٢٩.

(٢) الوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد رقم ٣ و ٦ و ١٠ و ١١.

(٣) سورة المائدة ، الآية ٩٥.


المماثلة المماثلة في الخلقة لا في جميع الصفات.

قالوا : ولو قتل ما خضا ضمنها بما خض مثلها للآية (١) ولو تعذر قوم الجزاء ما خضا. ولو فداها بغير ما خض قال في التذكرة : في الاجزاء نظر ، من حيث عدم المماثلة ، ومن حيث ان هذه الصفة لا تزيد في لحمها ، بل قد تنقصه غالبا ، فلا يشترط وجود مثلها في الجزاء ، كالعيب واللون. نعم لو كان الغرض إخراج القيمة لتعذر الماخض كما تقدم لم يجز إلا تقويم الماخض ، لأنها أعلى في الغالب وباختلاف القيمة يختلف المخرج.

قالوا : ولو أصاب صيدا حاملا فألقت جنينا ، فان خرج حيا وماتا معا لزمه فداؤهما معا ، فيفدي الأم بمثلها والصغير بصغير ، وان عاشا ولم يحصل عيب فلا شي‌ء ، عملا بالأصل ، وان حصل ضمنه بأرشه ، ولو مات أحدهما دون الآخر ضمن التالف خاصة ، وان خرج ميتا ضمن الأرش ، وهو ما بين قيمتها حاملا ومجهضا.

الثالثة ـ لو تعذر الجزاء في ما يجب فيه الجزاء وجبت قيمته وقت الإخراج ، وما لا تقدير لقيمته وقت الإتلاف. والوجه في ذلك ان الواجب في الأول هو الجزاء بالمثل ، وإنما ينتقل الحكم إلى القيمة عند تعذر المثل ، فيلزم اعتبار القيمة وقت الإخراج وتعذر المثل ، كما في سائر المثليات. واما الثاني فان الواجب ابتداء انما هو القيمة وهي تثبت في الذمة عند الجناية ، وحينئذ فيعتبر قدرها في ذلك الوقت.

الرابعة ـ قال العلامة في التذكرة : البحث الثالث في ما لا نص فيه (مسألة) : ما لا مثل له من الصيد ، ولا تقدير شرعي فيه ، يرجع الى قول عدلين يقومانه ، وتجب عليه القيمة التي يقدرانها فيه

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٩٥.


ويشترط في الحكمين العدالة إجماعا ، للآية (١) ولا بد أن يكونا اثنين فما زاد ، للآية (٢) ولو كان القاتل أحدهما جاز ، وبه قال الشافعي واحمد وإسحاق وابن المنذر (٣) لقوله (تعالى) (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٤) والقاتل مع غيره ذوا عدل منا ، فيكون مقبولا. الى ان قال : ولو قيل ـ : ان كان القتل عمدا عدوانا لم يجز حكمه ، لفسقه وإلا جاز ـ كان وجها ، انتهى.

وقال في كتاب المنتهى : المطلب الثالث في ما لا نص فيه ، قد بينا في ما تقدم مقادير كفارات الصيد في ما له تقدير شرعي قدره النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام) ، اما ما لا مثل له ولا تقدير شرعي فيه ، فإنه يرجع فيه الى عدلين يقومانه ، وتجب عليه القيمة التي يقدرانها. ثم ساق الكلام على نحو كلامه في التذكرة.

أقول : لا يخفى انه قد وردت الاخبار عنهم (عليهم‌السلام) في تفسير هذه الآية (٥) بما يدل على ان المراد بذي العدل في الآية إنما هو النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) القائم مقامه من بعده ، وإن الالف في الآية من ما أخطأت به الكتاب :

فروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٣) المغني لابن قدامة الحنبلي ج ٣ ص ٤٥٨ طبع مطبعة العاصمة ، والمجموع للنووي الشافعي ج ٧ ص ٤٠٣ و ٤٢٣.


(عليه‌السلام) (١) «في قول الله (عزوجل) (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٢) : فالعدل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) من بعده يحكم به وهو ذو عدل ، فإذا علمت ما حكم به رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) فحسبك ولا تسأل عنه».

وروى في الكافي في الصحيح عن إبراهيم بن عمر اليماني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن قول الله (عزوجل): (ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٤) قال : العدل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) من بعده. ثم قال : هذا من ما أخطأت به الكتاب».

وفي الموثق عن زرارة (٥) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن قول الله (عزوجل) (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٦) قال : العدل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) من بعده ثم قال : هذا من ما أخطأت به الكتاب».

وروى في الصحيح ايضا عن حماد بن عثمان (٧) قال : «تلوت عند ابي عبد الله (عليه‌السلام) (ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٨) فقال : ذو عدل منكم. هذا من ما أخطأت فيه الكتاب».

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٣١٤ ، والوسائل الباب ٧ من صفات القاضي وما يقضي به.

(٢ و ٤ و ٦ و ٨) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٩٦ باب النوادر من الصيد من كتاب الحج.

(٥) الفروع ج ٤ ص ٣٩٧ باب النوادر من الصيد من كتاب الحج.

(٧) روضة الكافي ص ٢٠٥ الطبع الحديث.


وفي تفسير العياشي (١) : وفي رواية حريز عن زرارة قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن قول الله (عزوجل) : يحكم به ذو عدل منكم (٢) قال : العدل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) من بعده. ثم قال : وهذا من ما أخطأت به الكتاب».

وعن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) «في قول الله (تعالى) (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٤) يعني : رجلا واحدا ، يعني : الإمام عليه‌السلام».

وهذه الاخبار ـ كما ترى ـ مع صحتها وتعددها صريحة الدلالة واضحة المقالة في ان ما ذكر في الآية من التثنية انما وقع غلطا من الكتاب وانما هو مفرد ، وان المراد بذلك العدل إنما هو رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) من بعده. وهو يرجع الى ما ورد من النصوص في تلك المواضع.

وبه يظهر ان ما ذكروه (نور الله ـ تعالى ـ مراقدهم) ـ من الرجوع في ما لا نص فيه الى قول عدلين من عدول المسلمين بناء على ظاهر الآية ـ محل إشكال ، فإنه وان كان ظاهر الآية ذلك ، إلا انه مع ورود هذه النصوص الصحيحة في تفسير العدل بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) من بعده خاصة ، وان زيادة الالف الموهمة للتثنية إنما وقع غلطا ، فلا مجال للعدول عنها. ولعل العذر لهم (نور الله مراقدهم) انهم لم يقفوا على الاخبار المذكورة ولم يراجعوها ، وإلا

__________________

(١) ج ١ ص ٣٤٣ و ٣٤٤.

(٢ و ٤) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٣) تفسير العياشي ج ١ ص ٣٤٤.


فالخروج عنها بعد الوقوف عليها ـ سيما مع كثرتها وصحتها وصراحتها ـ من ما لا يكاد يتجشمه ذو مسكة.

نعم قد روى الطبرسي في كتاب الاحتجاج (١) حديثا مرسلا في كلام لعلي (عليه‌السلام) في خطابه مع الخوارج : «واما قولكم : اني حكمت في دين الله الرجال ، فما حكمت الرجال وإنما حكمت كلام ربي الذي جعله الله حكما بين اهله ، وقد حكم الله ـ تعالى ـ الرجال في طائر فقال (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ، يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٢) فدماء المسلمين أعظم من دم طائر. الحديث».

ويمكن الجواب عن الخبر المذكور ـ مع عدم نهوضه بالمعارضة لما تقدم ـ بان كلامه (عليه‌السلام) خرج مخرج المجاراة والإلزام للقوم بما يعتقدونه من ظاهر الآية ، فإنه لا ريب في دلالتها بحسب ظاهرها على ذلك ، كما ذكره أصحابنا هنا. وسلوك هذا الباب مع الخصوم في مقام المجادلة شائع في الكلام.

وبالجملة فان الواجب بمقتضى ما ذكرناه هو الوقوف على النصوص الواردة في كل جزئي جزئي من افراد الصيد ان وجدت ، وإلا فالوقوف على ساحل الاحتياط ، كما هو المروي عنهم (عليهم‌السلام) في جميع الأحكام.

البحث الثالث في موجبات الضمان

وهي ثلاثة : مباشرة الإتلاف ، واليد ، والتسبيب ، فالكلام في هذا البحث

__________________

(١) ج ١ ص ٢٧٨ الطبع الحديث.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٩٥.


يقع في مقامات ثلاثة :

الأول ـ مباشرة الإتلاف ، وفيه مسائل الأولى ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في ما لو قتل الصيد واكله ، فقيل : ان قتله موجب لفديته ، واكله موجب لفداء آخر. وقيل : انه يفدي ما قتله ويضمن قيمة ما أكل. والأول قول الشيخ في النهاية والمبسوط وجمع من الأصحاب : منهم : العلامة في التذكرة والمنتهى والمختلف ، والثاني قول الشيخ في الخلاف ، والمحقق في الشرائع ، والعلامة في الإرشاد وجملة من كتبه.

احتج العلامة في المختلف على ما اختاره من القول الأول بما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن قوم اشتروا ظبيا ، فأكلوا منه جميعا وهم حرم ، ما عليهم؟ فقال : على كل من أكل منه فداء صيد ، على كل انسان منهم على حدته فداء صيد كامل».

ورواية يوسف الطاطري (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : صيد اكله قوم محرمون؟ قال : عليهم شاة ، وليس على الذي ذبحه إلا شاة».

قال في المدارك بعد نقل ذلك عن المختلف : وهو احتجاج ضعيف ، إذ ليس في الروايتين دلالة على تعدد الفداء بوجه ، بل ولا على ترتب الكفارة على الأكل على وجه العموم ، لاختصاص مورد الاولى بمن اشترى الصيد

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥١ ، والوسائل الباب ١٨ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٩١ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٥٢ ، والوسائل الباب ١٨ من كفارات الصيد.


واكله ، وظهور الثانية في مغايرة الآكل للذابح. انتهى.

أقول : الأظهر الاستدلال على القول المذكور بما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي أحمد ـ يعني : محمد بن ابي عمير ـ عن من ذكره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له : المحرم يصيب الصيد فيفديه ، أيطعمه أو يطرحه؟ قال : إذا يكون عليه فداء آخر. قلت : فما يصنع به؟ قال : يدفنه». فإنها تدل بظاهرها على انه بالأكل منه بعد الفدية تجب عليه فدية أخرى ، وكذا لو أطعمه غيره. إلا انه قد تقدم ان هذه الرواية معارضة بجملة من الاخبار الصحيحة الصريحة الدالة على ان ما صاده المحرم يجوز أكل المحل منه ، كما هو مذهب جملة من الأصحاب المتقدم ذكرهم ثمة.

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك اختيار القول الأول ، لصحيحة علي بن جعفر المذكورة ، حيث قال بعد عبارة المصنف المشتملة على القولين المتقدمين : مستند الأول الرواية الصحيحة عن الكاظم (عليه‌السلام) ويتحقق الأكل بمسماه ، وعليه العمل. والقول الذي استوجهه المصنف للشيخ (رحمه‌الله) عملا بأصالة البراءة ، وحملا للخبر على الاستحباب ، أو على بلوغ قيمة المأكول شاة. ولا يخفى ما فيه. انتهى.

أقول : الظاهر ان التقريب في الصحيحة المذكورة الموجب لاستدلال هؤلاء الاعلام (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بها هو ان الواجب من الفداء في الظبي ـ كما تقدم ـ شاة ، والواجب بمقتضى ذلك اشتراكهم

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٨ ، والوسائل الباب ١٠ من تروك الإحرام ، والباب ٥٥ من كفارات الصيد.


جميعا في شاة واحدة ، وحيث انه (عليه‌السلام) أوجب على كل من الآكلين شاة في هذا الخبر ، علم ان هذه الشاة غير الشاة الواجبة في قتله المتقدم التنبيه عليها ، فإنه قد صرح في الخبر بان على كل من أكل منه فداء صيد ، فهذه الشاة إنما هي من حيث الأكل خاصة ، فهي غير شاة القتل المعلوم وجوبها بالأدلة المتقدمة في المسألة. وبالجملة فإن قتل الصيد حرام له موجب يلزم به ، واكله كذلك ، والأصل عدم التداخل فيجب الأمران. واشتمال الرواية على شراء الصيد لا ينافي ذلك ، لأنهم ان كانوا قد شروه حيا وذبحوه ، فان الواجب عليهم كفارة لذبحه واخرى لأكله ، وان كانوا شروه مذبوحا كان عليهم جزاء الأكل. واما الذابح فإنه يبنى على ما تقدم من كون الذابح ممن تجب عليه الكفارة فتجب أم لا فلا. واما الرواية الثانية فينبغي حمل الشاة في قوله (عليه‌السلام) : «عليهم شاة» بمعنى على كل واحد منهم شاة ، فإنه لا خلاف في انهم مع الاشتراك في الأكل يجب الفداء الكامل على كل منهم ، كما ستأتيك الاخبار به في المقام ان شاء الله (تعالى). وقوله : «ليس على الذابح إلا شاة» يعني : من حيث الذبح خاصة ، فإنه ليس عليه إلا شاة. ومن هذا يظهر الوجه في صحة الاستدلال بالروايتين المذكورتين.

واما ما ذكره في المدارك ـ من عدم دلالة الرواية الأولى على العموم لاختصاص مورد الرواية بمن اشترى الصيد واكله ـ ففيه ان خصوص السؤال لا يوجب تخصيص الجواب كما قرروه في محله. وبالجملة فالظاهر ان المناقشة المذكورة هنا لا تخلو من مناقشة.

واما القول الثاني فلم أقف على من تعرض لنقل دليل عليه حتى ممن صار اليه ، قال في المدارك : والقول بوجوب فداء القتل وضمان قيمة المأكول


للشيخ في الخلاف ، والمصنف ، والعلامة في جملة من كتبه ، ولم نقف لهم في ضمان القيمة على دليل يعتد به. ولولا تخيل الإجماع على ثبوت أحد الأمرين لأمكن القول بالاكتفاء بفداء القتل ، تمسكا بمقتضى الأصل. وتؤيده صحيحة أبان بن تغلب (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن محرمين أصابوا أفراخ نعام ، فذبحوها وأكلوها. فقال : عليهم مكان كل فرخ أصابوه وأكلوه بدنة». حيث أطلق الاكتفاء بالبدنة ، ولو تعدد الفداء أو وجبت القيمة مع فداء القتل لوجب ذكره في مقام البيان. انتهى.

أقول : صحيحة أبان المذكورة قد رواها في من لا يحضره الفقيه (٢) في الصحيح هكذا : عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) «في قوم حجاج محرمين ، أصابوا أفراخ نعام ، فأكلوا جميعا. قال : عليهم مكان كل فرخ أكلوه بدنة ، يشتركون فيها جميعا فيشترونها على عدد الفراخ وعلى عدد الرجال». ورواه الشيخ في التهذيب (٣) بسند فيه اللؤلؤي عن ابان مثله ، وزاد : «قلت : فان منهم من لا يقدر على شي‌ء؟ قال : يقوم بحساب ما يصيبه من البدن ، ويصوم لكل بدنة ثمانية عشر يوما». وهي أظهر في لزوم الفداء لكل منهم بالبدنة ، فلو كان ثمة شي‌ء آخر غيرها من قيمة أو فداء آخر لذكره (عليه‌السلام).

ثم أقول : ما ذكره (قدس‌سره) قد تقدمه فيه شيخنا المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ، حيث قال ـ بعد نقل الخلاف في ما يترتب على الأكل من الفداء كاملا أو قيمة ما اكله ـ ما لفظه : ويحتمل عدم شي‌ء أصلا ، لعدم ثبوت ضمان مثله. ولأنه قد ضمنه بالقتل فكأنه

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ و ١٨ من كفارات الصيد.

(٢) ج ٢ ص ٢٣٦.

(٣) ج ٥ ص ٣٥٣.


صار ملكه مثل مال الغير ، فلا يضمن بالأكل منه مرة أخرى. نعم لما كان أكل الصيد حراما حصل الإثم بذلك. إلا انه نقل إجماع علمائنا على وجوب التعدد في المنتهى ، قال : إذا ذبح الصيد ثم اكله ضمنه للقتل ووجب عليه ضمان آخر للأكل ، قاله علماؤنا. وهو ظاهر في تعدد الفداء. وقد عرفت عدم الإجماع على ذلك ، لاختياره قيمة ما أكل هنا ، وعدم دلالة الأخبار على وجوب التعدد حين الأكل والذبح معا وحال الاجتماع ايضا ، فلا يبعد التداخل وعدم لزوم غير شي‌ء واحد ، كما هو ظاهر صحيحة علي بن جعفر المذكورة. ويؤيده ما في صحيحة أبان بن تغلب «في المشتركين في ذبح الفرخ واكله بدنة مكان أكلهم وذبحهم» وستجي‌ء في شرح قوله : ويضمن. الى آخره. انتهى.

وتحقيق الكلام في هذا المقام على ما يستفاد من اخبارهم (عليهم‌السلام) ان يقال : ان الواجب بالأكل من ما حرم للمحرم أكله كائنا ما كان شاة ، ثم ان كان في ذلك المأكول موجب لفداء آخر وجب ان حصل منه ، وإلا فلا.

ومن الاخبار الواردة في المقام ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (١) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : من نتف إبطه. الى ان قال : أو أكل طعاما لا ينبغي له اكله وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة». وما رواه عن ابى عبيدة في الصحيح (٢) قال : «سألت أبا جعفر

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٩ و ٣٧٠ ، والوسائل الباب ٨ و ١٠ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٥ و ٣٥٦ ، والوسائل الباب ٢٤ من كفارات الصيد.


(عليه‌السلام) عن رجل محل اشترى لمحرم بيض نعام فأكله المحرم فما على الذي أكله؟ فقال : على الذي اشتراه فداء لكل بيضة درهم وعلى المحرم لكل بيضة شاة». وروى نحوه في الصحيح ايضا بتفاوت لا يضر بالمعنى (١).

وفي رواية محمد بن الفضيل المتقدمة (٢) : «وإذا أصاب المحرم بيض نعام ذبح عن كل بيضة شاة بقدر عدد البيض». والمراد بالإصابة هنا الأكل ، لأن في الكسر بكارة من الإبل ان تحرك الفرخ فيها ، أو الإرسال ان لم يكن ، كما تقدم في المسألة.

وما رواه الشيخ عن الحارث بن المغيرة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سئل عن رجل أكل بيض حمام الحرم وهو محرم. قال : عليه لكل بيضة دم ، وعليه ثمنها سدس أو ربع الدرهم (الوهم من صالح) (٤) ثم قال : «ان الدماء لزمته لأكله وهو محرم ، وان الجزاء لزمه لأخذه بيض حمام الحرم».

وما رواه في الفقيه والتهذيب عن ابي بصير (٥) قال : «سألت

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٦٦ ، والفروع ج ٤ ص ٣٨٨ ، والوسائل الباب ٢٤ و ٥٧ من كفارات الصيد ، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من الطير والبيض).

(٢) ص ٢٠٣.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٩٥ ، والوسائل الباب ١٠ و ٤٤ من كفارات الصيد.

(٤) وهو صالح بن عقبة الذي يروي الحديث عن الحارث بن المغيرة.

(٥) الفقيه ج ٢ ص ٢٣٦ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٥١ ، والفروع ج ٤ ص ٣٩٢ ، والوسائل الباب ١٨ من كفارات الصيد.


أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قوم محرمين ، اشتروا صيدا فاشتركوا فيه ، فقالت رفيقة لهم : اجعلوا لي فيه بدرهم. فجعلوا لها. فقال : على كل انسان منهم شاة». ومن الظاهر ان الشاة إنما هي من حيث الأكل ، كما هو الظاهر من سياق الخبر ، لا بمجرد الشراء كما لا يخفى.

وما رواه في الكافي والتهذيب عن يزيد بن عبد الملك عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في رجل محرم مر وهو في الحرم ، فأخذ عنق ظبية فاحتلبها وشرب من لبنها. قال : عليه دم وجزاؤه في الحرم ثمن اللبن».

واما بالنسبة إلى المشتركين في أكل الصيد فقد تقدم في صحيحة علي بن جعفر (٢) «ان على كل واحد فداء كاملا». وفي رواية الطاطري «على كل واحد شاة شاة». كما في رواية الوافي (٣) والذي قدمنا نقله صورة ما في الوسائل ، وكيف كان فالمراد تعدد الشاة على كل منهم.

إلا انه قد روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «ان اجتمع قوم على صيد وهم محرمون في صيده ، أو أكلوا منه ، فعلى كل واحد منهم قيمته». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار مثله (٥).

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٨٨ ، والتهذيب ج ٥ ص ٢٧١ و ٤٦٦ ، والوسائل الباب ٥٤ من كفارات الصيد ، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من صيد الحرم).

(٢) ص ٢٦١.

(٣) باب (اجتماع المحرمين على الصيد).

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٣٥١ ، والوسائل الباب ١٨ من كفارات الصيد.

(٥) الفروع ج ٤ ص ٣٩١ ، والوسائل الباب ١٨ من كفارات الصيد.


وفي الموثق عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) في حديث قال في آخره : «وأي قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه ، فان على كل انسان منهم قيمة قيمة ، وان اجتمعوا عليه في صيد فعليهم مثل ذلك».

وظاهر هذين الخبرين انهم بالاجتماع عليه في صيده أو أكله فالواجب على كل واحد منهم قيمة ذلك الصيد. ويمكن حمل صحيحة علي بن جعفر على الروايتين الأخيرتين بحمل الفدية فيها على القيمة في هذا الموضع.

الثانية ـ لو رمى صيدا فلم يؤثر فيه فلا فدية عليه ، ولو اثر فيه وجرحه ثم رءاه بعد ذلك سويا فأقوال ، فان لم يعلم حاله لزمه الفداء قيل : وكذلك لو لم يعلم اثر فيه أم لا.

وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع

الأول ـ في ما إذا رماه ولم يؤثر فيه ، بمعنى انه تحقق وتيقن عدم التأثير فيه ، لما سيجي‌ء في المسألة من القول بالفدية مع الشك ، فإنه لا شي‌ء كما ذكر ، إلا انه ينبغي تقييده بما إذا لم يكن له شريك في الرمي وقد أصاب الصيد فإنه يضمن بسبب المشاركة وان أخطأ ، كما سيأتي ان شاء الله (تعالى) التنبيه عليه.

الثاني ـ لو اثر فيه ثم رآه بعد ذلك سويا ، فإنه قد اختلف فيه الأصحاب ، فنقل في المختلف عن الشيخ في النهاية والمبسوط ، وابن البراج ، وابن إدريس : انه إذا رمى الصيد فأدماه أو كسر يده أو رجله ثم رءاه بعد ذلك صحيحا ، كان عليه ربع الفداء. والظاهر ان مرادهم بالفداء هنا هو القيمة ، كما وقع

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٠ ، والوسائل الباب ١٨ و ٣١ من كفارات الصيد.


في جملة من عبائرهم التعبير بربع القيمة ، كالشرائع والإرشاد وغيرهما ونقل عن الشيخ علي بن بابويه والشيخ المفيد ، وابي الصلاح : انه يتصدق بشي‌ء وذهب المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد الى ان عليه الأرش ، وبه قطع في المنتهى والتذكرة ، إلا انه نقل فيهما عن الشيخ انه يضمن الجميع ، لانه مفض الى تلفه ، قال : وهو قول أبي حنيفة (١) وهو ـ كما ترى ـ خلاف ما نقله عنه في المختلف.

والعجب من صاحب الذخيرة انه قال هنا نقلا عن العلامة في المنتهى : انه قطع بالأرش ، ولم ينقل فيه خلافا إلا عن العامة ، مع ان هذه صورة عبارته : لو جرح الصيد فاندمل وصار غير ممتنع فالوجه الأرش ، وقال أبو حنيفة : يضمن الجميع (٢). وهو قول الشيخ رحمه‌الله (تعالى) لانه مفض الى تلفه ، فصار كما لو جرحه جرحا تيقن موته. ثم رده بأنه ليس بجيد ، لأنه إنما يضمن ما نقص ، والتقدير انه لم يتلف جميعه ، فلم يضمنه. انتهى.

قال في المدارك : والقول بلزوم ربع القيمة بذلك للشيخ وجماعة واستدل عليه بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن رجل رمى صيدا وهو محرم ، فكسر يده أو رجله ، فمضى الصيد على وجهه ، فلم يدر الرجل ما صنع الصيد. قال : عليه الفداء كاملا إذا لم يدر ما صنع الصيد (٤) فان رءاه بعد ان كسر يده أو رجله وقد رعى وانصلح فعليه ربع قيمته». وهذه الرواية لا تدل على ما ذكره الشيخ من التعميم. والمتجه قصر الحكم على مورد الرواية ووجوب

__________________

(١ و ٢) المغني ج ٣ ص ٤٥٩ و ٤٦٠ طبع مطبعة العاصمة.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٩ ، والوسائل الباب ٢٧ من كفارات الصيد.

(٤) قوله : «فان رءاه ...» من كلام الشيخ ظاهرا.


الأرش في غيره ان ثبت كون الاجزاء مضمونة كالجملة ، لكن ظاهر المنتهى انه موضع وفاق. انتهى.

ومرجع مناقشته في الرواية الى ان موردها كسر يد الصيد ورجله وما ادعاه الشيخ أعم من ذلك. وبذلك اعترض في المختلف على الشيخ ايضا ، حيث قال بعد نقل القول المتقدم عنه : والروايات الدالة على ربع الفداء انما وردت على كسر يده أو رجله ، والشيخ (رحمه‌الله تعالى) في كتابيه ساوى بين الجرح والكسر ، ولم نقف على حجته. انتهى. وهو جيد.

ومن الاخبار الواردة في المسألة أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابي بصير (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل رمى ظبيا وهو محرم ، فكسر يده أو رجله ، فذهب الظبي على وجهه فلم يدر ما صنع؟ فقال : عليه فداؤه. قلت : فإنه رءاه بعد ذلك مشى؟ قال : عليه ربع ثمنه».

وما رواه أيضا في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن رجل رمى صيدا ، فكسر يده أو رجله وتركه ، فرعى الصيد. قال : عليه ربع الفداء».

وما رواه في الكافي عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «في محرم رمى ظبيا ، فأصابه في يده فعرج منها؟ قال : ان كان الظبي

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٩ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٣٣ بتفاوت يسير ، والوسائل الباب ٢٧ و ٢٨ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٩ ، والوسائل الباب ٢٨ من كفارات الصيد.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٨٦ ، والوسائل الباب ٢٧ من كفارات الصيد.


مشى عليها ورعى فعليه ربع قيمته ، وان كان ذهب على وجهه فلم يدر ما صنع فعليه الفداء ، لانه لا يدري لعله قد هلك».

وما رواه الشيخ عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن محرم رمى صيدا ، فأصاب يده وجرح. فقال : ان كان الظبي مشى عليها ورعى وهو ينظر اليه فلا شي‌ء عليه ، وان كان الظبي ذهب على وجهه وهو رافعها فلا يدري ما صنع فعليه فداؤه ، لأنه لا يدري لعله قد هلك». كذا في التهذيب ، وفي الاستبصار (٢) «فعرج» مكان «وجرح».

ولعل الشيخ قد استند في عد الجرح مثل الكسر في هذه المسألة الى هذه الرواية. إلا ان روايته لها في الاستبصار كما عرفت من ما يضعف الاعتماد عليها في ذلك.

وعن السكوني عن جعفر عن آبائه (عليهم‌السلام) عن علي (عليه‌السلام) (٣) : «في المحرم يصيب الصيد فيدميه ، ثم يرسله؟ قال : عليه جزاؤه».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٤) : «فإن رميت ظبيا ، فكسرت يده أو رجله ، فذهب على وجهه لا تدري ما صنع ، فعليك فداؤه ، فان

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٧ من كفارات الصيد ، والوافي باب (المحرم يكسر الصيد أو يدميه).

(٢) اللفظ في التهذيب ج ٥ ص ٣٥٨ كما في الاستبصار ج ٢ ص ٢٠٥ «فأصاب يده فعرج» والفرق بينهما يظهر من الوافي باب (المحرم يكسر الصيد أو يدميه).

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٨٣ ، والوسائل الباب ٢٧ من كفارات الصيد.

(٤) ص ٢٩.


رأيته بعد ذلك يرعى ويمشي فعليك ربع قيمته ، وان كسرت قرنه أو جرحته تصدقت بشي‌ء من الطعام».

الثالث ـ ما إذا ذهب الصيد ولم يعلم حاله ، فإنه يلزمه الفداء ، وعلى ذلك تدل الأخبار المتقدمة. مضافا الى اتفاق الأصحاب على الحكم المذكور ، كما يفهم من المنتهى ، حيث أسنده إلى علمائنا ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.

بقي الكلام في ان مورد الاخبار الكسر دون الجرح كما ذكره الشيخ ، ومن ثم اعترض في المدارك ـ بعد نقل الاستدلال بصحيحة علي بن جعفر على الحكم المذكور ـ بعدم العموم فيها على وجه يشمل الجرح.

أقول : يمكن الاستدلال عليه بما تقدم من رواية السكوني الدالة على انه «يصيب الصيد فيدميه ، ثم يرسله. قال : عليه جزاؤه» وهي وان كانت ضعيفة السند باصطلاحهم ، إلا ان هذا الاصطلاح غير معمول عليه عند الشيخ ونحوه ، فالاستدلال بها له في محله.

واما القول بوجوب الأرش في المسألة فاحتج عليه العلامة ومن وافقه بأنها جناية مضمونة ، فكان عليه أرشها.

وفيه (أولا) : انه موقوف على ثبوت كون الاجزاء مضمونة كالجملة ودليله غير واضح ، وان كان ظاهره في المنتهى دعوى الإجماع عليه.

و (ثانيا) : انه اجتهاد في مقابلة النصوص المتقدمة فلا يسمع نعم لا يبعد القول به في ما خرج عن مورد النصوص ان ثبت الإجماع المذكور.

واما القول بالتصدق بشي‌ء فلم نقف له على مستند ، بل الأخبار


المتقدمة صريحة في دفعه.

الرابع ـ ما لو لم يعلم اثر فيه أم لا ، وقد صرح الشيخ وجمع من الأصحاب بأنه كسابقه. ولم نقف له على مستند. وروايات المسألة خالية منه. وظاهر المحقق في النافع التوقف فيه ، حيث نقله بلفظ «قيل».

قال في المدارك : ولو قيل بعدم لزوم الفدية هنا ـ كما في حال الشك في الإصابة ـ كان حسنا. انتهى.

وقال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد : واما دليل وجوب الفداء وجميع القيمة مع الجهل بالتأثير فغير واضح ، والأصل عدم التأثير ، وعدم الوجوب. بل لو لم يكن النص لكان القول بعدمه على تقدير العلم بالتأثير وجهل حاله جيدا ايضا لذلك ، بل كان اللازم هو الأرش ، وهو ما تقتضيه الجناية المتحققة ، إلا مع العلم أو الظن الغالب بكون الجراحة مهلكة ، كما قاله بعض العامة (١). انتهى. وهو جيد.

الثالثة ـ قال الشيخ (رحمه‌الله تعالى) : في كسر قرني الغزال نصف قيمته ، وفي كل واحد ربع القيمة ، وفي عينيه كمال القيمة ، وفي كسر احدى يديه نصف قيمته ، وكذا في كسر احدى رجليه ، ولو كسر يديه معا وجب عليه كمال قيمته ، وكذا لو كسر رجليه معا ، ولو قتله كان عليه فداء واحد. وتبعه على ذلك جملة من الأصحاب ، ونسبه في الشرائع إلى الرواية ، ثم طعن فيها بان فيها ضعفا.

والرواية المذكورة التي استند إليها الشيخ في الحكم المذكور ما رواه

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٤٥٩ و ٤٦٠ طبع مطبعة العاصمة.


(قدس‌سره) عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت : ما تقول في محرم كسر إحدى قرني غزال في الحل؟ قال : عليه ربع قيمة الغزال. قلت : فان كسر قرنية؟ قال : عليه نصف قيمته ، يتصدق به. قلت : فان هو فقأ عينيه؟ قال : عليه قيمته. قلت : فان هو كسر احدى يديه؟ قال : عليه نصف قيمته. قلت : فان هو كسر احدى رجليه؟ قال : عليه نصف قيمته. قلت : فان هو قتله؟ قال : عليه قيمته. قال : قلت : فان هو فعل به وهو محرم في الحرم؟ قال : عليه دم يهريقه ، وعليه هذه القيمة إذا كان محرما في الحرم».

وردها جملة من المتأخرين بضعف السند ، وان في طريقها عدة من الضعفاء : منهم : أبو جميلة المفضل بن صالح ، وقيل : انه كان كذابا يضع الحديث. واستظهروا وجوب الأرش. والظاهر انه قول الأكثر ، كما ذكره في المدارك ، بناء على ما ظاهرهم الاتفاق عليه من كون الاجزاء مضمونة كالجملة.

وفي المسألة قول ثالث ، وهو التصدق بشي‌ء. وهو منقول عن الشيخ علي بن بابويه والشيخ المفيد وسلار ، وعليه تدل عبارة كتاب الفقه الرضوي (٢) وهي المستند للشيخ علي بن بابويه (قدس‌سره) على ما عرفت مرارا.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٨٧ ، والوسائل الباب ٢٨ من كفارات الصيد والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من الوحش).

(٢) ص ٢٩.


وقد روى الشيخ عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن محرم كسر قرن ظبي. قال : يجب عليه الفداء. قال : قلت : فان كسر يده؟ قال : ان كسر يده ولم يرع فعليه دم شاة».

وظاهر هذه الرواية وجوب الفداء في كسر قرن الظبي. وهو مناف لما دلت عليه الرواية الاولى من وجوب ربع القيمة. واحتمال حمل الفداء في الرواية المذكورة على ربع القيمة بعيد. وظاهرها ايضا وجوب شاة في ما إذا كسر يده ولم يرع ، والرواية المتقدمة قد دلت على ان عليه نصف قيمته. وقد تقدم في عبارة كتاب الفقه في ما إذا كسر قرنه انه يتصدق بشي‌ء ، وهذه الرواية تضمنت ان في كسر القرن ربع القيمة. والمسألة عندي محل اشكال.

وقد روى ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا كنت حلالا فقتلت الصيد في الحل ما بين البريد الى الحرم ، فان عليك جزاءه ، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه أو جرحته تصدقت بصدقة».

وروى الشيخ ايضا عن عبد الغفار الجازي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم إذا اضطر إلى ميتة. الى ان

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٨٨ ، والوسائل الباب ٢٧ و ٢٨ من كفارات الصيد ، والوافي باب (المحرم يكسر الصيد أو يدميه).

(٢) الفروع ج ٤ ص ٢٣٢ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٦١. والوسائل الباب ٣٢ من كفارات الصيد.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٤٦٧ ، والوسائل الباب ٤٣ و ٣٢ من كفارات الصيد.


قال : وذكر : انك إذا كنت حلالا وقتلت الصيد ما بين البريد والحرم فان عليك جزاءه ، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه أو جرحته تصدقت بصدقة». وهو مؤيد لما ذكرنا من الإشكال.

الرابعة ـ إذا اشترك جماعة في قتل صيد وجب على كل منهم فداء كامل ، قال في المدارك : هذا قول علمائنا وأكثر العامة (١).

أقول : اما انه قول علمائنا فهو الظاهر ، لعدم الوقوف على مخالف في الحكم ، واما كونه قول أكثر العامة فظاهر المنتهى والتذكرة ان للعامة في ذلك قولين مشهورين : أحدهما ـ ما ذكره ، والآخر ان عليهم جزاء واحدا يشتركون فيه (٢).

ويدل على الحكم المذكور مضافا الى ما عرفت من الاتفاق روايات : منها ـ ما رواه الكليني والشيخ (عطر الله ـ تعالى ـ مرقديهما) في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٣) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان ، الجزاء بينهما أم على كل واحد منهما جزاء؟ فقال : لا بل عليهما ان يجزي كل واحد منهما الصيد. قلت : ان بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه. فقال : إذا أصبتم بمثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا».

أقول : هذا الحديث من جملة الأخبار التي أشرنا إليها في غير موضع ، الدالة على ان الواجب مع تعذر معرفة الحكم الشرعي في

__________________

(١ و ٢) المغني ج ٣ ص ٤٦٨ طبع مطبعة العاصمة.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٩١ ، والتهذيب ج ٥ ص ٤٦٦ و ٤٦٧ ، والوسائل الباب ١٨ من كفارات الصيد ، والباب ١٢ من صفات القاضي وما يقتضي به.


المسألة الوقوف على ساحل الاحتياط حتى يحصل العلم به.

ومنها ـ ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله ـ تعالى ـ مراقدهم) عن ابي بصير (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قوم محرمين اشتروا صيدا فاشتركوا فيه ، فقالت رفيقة لهم : اجعلوا لي فيه بدرهم. فجعلوا لها. فقال : على كل انسان منهم فداء» وفي الفقيه والتهذيب «شاة» مكان «فداء».

وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن زرارة وبكير عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) «في محرمين أصابا صيدا؟ فقال : على كل واحد منهما الفداء».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ضريس بن أعين (٣) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجلين محرمين رميا صيدا فأصابه أحدهما. قال : على كل واحد منهما الفداء».

وكما يجب الفداء على كل من المجتمعين على الصيد كذا يجب على كل من المجتمعين في الأكل ، كما دلت عليه الاخبار ، ومنها ـ ما تقدم من صحيحة علي بن جعفر (٤) وموردها الاشتراك في الأكل ، وصحيحة معاوية بن عمار وموردها الاجتماع على الأكل أو الصيد ، وموثقته وهي كذلك (٥). وجملة

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٩٢ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٣٦ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٥١ ، والوسائل الباب ١٨ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٩٢ عن زرارة ، والفقيه ج ٢ ص ٢٣٦ عن زرارة وبكير ، والوسائل الباب ١٨ من كفارات الصيد.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٢ ، والوسائل الباب ٢٠ من كفارات الصيد.

(٤) ص ٢٦١.

(٥) ص ٢٦٧ و ٢٦٨.


من هذه الاخبار قد تضمنت الفدية وجملة قد تضمنت القيمة. ويحتمل حمل الفداء على القيمة ، ويحتمل العكس. ويرجحه تضمن صحيحة عبد الرحمن الجزاء ، وتضمن رواية أبي بصير ـ بطريقي الفقيه والتهذيب ، وكذا رواية الطاطري المتقدمة ـ الشاة. ويحتمل حمل روايات القيمة على الرخصة وان كان الواجب الجزاء بالشاة.

هذا. وقد روى الشيخ عن إسماعيل بن ابي زياد عن ابي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) قال : «كان علي (عليه‌السلام) يقول في محرم ومحل قتلا صيدا ، فقال : على المحرم الفداء كاملا ، وعلى المحل نصف الفداء».

قال الشيخ : وهذا انما يجب على المحل إذا كان صيده في الحرم ، فاما إذا كان صيده في الحل فليس عليه شي‌ء. انتهى. وهو جيد.

وظاهر الشهيد الثاني في المسالك بل صريحه : انه لا فرق في وجوب الفداء ـ على كل من الجماعة المجتمعين على قتل الصيد ـ بين كونهم محرمين أو محلين في الحرم أو متفرقين ، فيلزم كلا منهم حكمه.

واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بعد إيراد جملة من روايات المسألة بأن هذه الروايات إنما تدل على ضمان كل من المشتركين في قتل الصيد الفداء الكامل إذا كانوا محرمين. فما ذكره غير واضح.

أقول : لا ريب ان أكثر الروايات وأصحها انما موردها المحرم ، إلا ان رواية إسماعيل بن ابي زياد المذكورة هنا ـ وصحيحة الحلبي ، ورواية عبد الغفار الجازي ، المتقدمات في سابق هذه المسألة ـ قد تضمنت

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٢ ، والوسائل الباب ٢١ من كفارات الصيد.


حكم المحل في الحرم ، وان عليه الفداء ، فلا يرد ما أورده على جده (قدس‌سرهما).

قال العلامة في المنتهى : لو اشترك الحلال والحرام في قتل صيد حرمي ، وجب على المحل القيمة كملا ، وعلى المحرم الجزاء والقيمة معا ، وخالف فيه بعض الجمهور فأوجب جزاء واحدا عليهما معا (١) وقال الشيخ في التهذيب : على المحرم الفداء كملا ، وعلى المحل نصف الفداء ، لما رواه إسماعيل بن ابي زياد. ثم نقل الرواية المتقدمة.

الخامسة ـ لو ضرب بطير على الأرض فقتله ، فقد صرح الشيخ ومن تبعه من الأصحاب بان عليه دما وقيمتين : إحداهما لاستصغاره والثانية للحرم. وفي المنتهى زيادة على ذلك : وكان عليه التعزير. وقيده في الدروس بأرض الحرم. والظاهر ان هذا مراد الجماعة ، للرواية التي هي مستند هذا الحكم :

وهي : ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول في محرم اصطاد طيرا في الحرم ، فضرب به الأرض فقتله ، قال : عليه ثلاث قيمات : قيمة لإحرامه ، وقيمة للحرم ، وقيمة لاستصغاره إياه».

قال في المدارك : وهي ضعيفة السند بجهالة حال زكريا ومحمد بن ابي بكر ، فيشكل التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل.

أقول : قد عرفت في غير موضع من ما تقدم ان هذا الإيراد

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٤٦٩ طبع مطبعة العاصمة.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٠ ، والوسائل الباب ٤٥ من كفارات الصيد.


لا يقوم حجة على الشيخ وأمثاله. نعم مقتضى الرواية ان الواجب ثلاث قيم ، والشيخ ذكر ان الواجب دم وقيمتان. وبمضمون الرواية افتى المحقق في النافع ، ونسب ما ذكره في الشرائع من الدم والقيمتين الى الشيخ. قيل : وكأن الحامل للشيخ على ذلك ورود الأخبار الكثيرة بوجوب الدم في الطير ، فتكون القيمة الواحدة كناية عنه. ولا بأس به.

وفي الدروس : ان ضمير «إياه» في خبر معاوية يمكن عوده الى الحرم والى الطير ، قال : وتظهر الفائدة في ما لو ضربه في الحل ، إلا ان يراد الاستصغار بالصيد المختص بالحرم.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : ولا ريب في تعين ارادة ما ذكره ، لان الضمير على الثاني لا يعود الى الطير مطلقا وإنما يعود الى الطير المحدث عنه وهو الحرمي ، فاختصاص الحكم به ثابت على التقديرين. انتهى. وهو كذلك.

واستدل في المنتهى ايضا بما رواه الشيخ والكليني في القوى عن حمران بن أعين عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له : محرم قتل طيرا في ما بين الصفا والمروة عمدا؟ قال : عليه الفداء والجزاء ويعزر. قال : قلت : فإنه قتله في الكعبة عمدا؟ قال : عليه الفداء والجزاء ، ويضرب دون الحد ، ويقام للناس كي ينكل غيره». وهي تصلح للتأييد في الجملة لا الدلالة ، لعدم انطباقها على المدعى.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧١ ، والفروع ج ٤ ص ٣٩٦ ، والوسائل الباب ٤٤ من كفارات الصيد.


وظاهر الرواية حصول القتل بالضرب على الأرض ، كما ذكرنا في صدر المسألة. وعبائر الأصحاب في هذا المقام لا تخلو من القصور حيث انهم صرحوا بأنه لو ضرب بطير على الأرض فدم وقيمتان. وهو أعم من ان يكون قتله أم لا ، استند قتله الى الضرب بالأرض أم الى سبب آخر. والحكم في الرواية مبني على القتل المستند الى الضرب على الأرض ، فلو ضرب به الأرض ثم قتله بسبب آخر ، فالظاهر خروجه عن مورد النص.

السادسة ـ من شرب لبن ظبية في الحرم لزمه دم وقيمة اللبن ، ذكره الشيخ وجمع من الأصحاب.

واستدلوا عليه بما رواه الشيخ في التهذيب عن يزيد بن عبد الملك عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في رجل مر وهو محرم في الحرم ، فأخذ عنز ظبية فاحتلبها وشرب لبنها؟ قال : عليه دم وجزاء في الحرم ثمن اللبن».

ومورد الرواية حلب الظبية ثم شرب لبنها ، وعباراتهم في المقام ـ كما نقلناه ـ خالية من ذكر الحلب مرتبة على مجرد الشرب ، وهو خروج عن موضع النص.

ورد الرواية في المدارك بضعف السند ، لجهالة الراوي ، وبان من جملة رجالها صالح بن عقبة ، وقيل : انه كان كذابا غاليا لا يلتفت اليه. ثم قال : والمتجه اطراح هذه الرواية لضعفها ، والاقتصار على وجوب القيمة في الجميع ، لانه على هذا التقدير يكون من ما لا نص فيه

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧١ و ٤٦٦ ، والفروع ج ٤ ص ٣٩٥ ، والوسائل الباب ٤٤ و ٥٤ من كفارات الصيد.


وفيه (أولا) : ما عرفت آنفا. و (ثانيا) : ان ضعفها بناء على هذا الاصطلاح المحدث مجبور بعمل الأصحاب بها ، فإنه لا راد لها في ما اعلم. وهذه قاعدة كلية عندهم ، وقد وافقهم عليها في غير موضع. و (ثالثا) : ان ما اختاره ـ من الاقتصار على وجوب القيمة بناء على طرح الرواية ـ مبني على كون الاجزاء مضمونة كالجميع ، وهو قد ناقش فيه سابقا. و (رابعا) : ان صالح بن عقبة مشترك بين صالح بن عقبة بن خالد الأسدي ، الذي ذكروا ان له كتابا يرويه عن محمد ابن إسماعيل عن محمد بن أيوب عنه (عليه‌السلام) وبين صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان ، وهذا هو الذي طعنوا عليه بما ذكره ، وهو في الرواية غير متعين للحمل عليه ، بل ربما يبعد إرادته ، لأنهم ذكروا انه روى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) وروايته هنا عنه (عليه‌السلام) بالواسطة ، فهو الى الحمل على الآخر أقرب.

وفي انسحاب الحكم الى غير الظبية من بقرة الوحش ونحوها وجهان ، أظهرها العدم.

المقام الثاني في اليد ، وفيه أيضا مسائل الاولى ـ لو أحرم ومعه صيد ، زال ملكه عنه ، ووجب إرساله. وهو مقطوع به في كلام الأصحاب ، وأسنده في المنتهى الى علمائنا ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه. ونقل عن ابن الجنيد انه قال : ولا استحب ان يحرم وفي يده صيد.

واستدل على المشهور بما رواه الشيخ عن ابي سعيد المكاري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا يحرم أحد ومعه شي‌ء

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٢ ، والوسائل الباب ٣٤ من كفارات الصيد.


من الصيد حتى يخرجه من ملكه ، فإن أدخله الحرم وجب عليه ان يخليه».

وعن بكير بن أعين في الحسن (١) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل أصاب ظبيا فادخله الحرم ، فمات الظبي في الحرم. فقال : ان كان حين ادخله خلى سبيله فلا شي‌ء عليه ، وان كان أمسكه حتى مات فعليه الفداء».

وأنت خبير بأنه لا دلالة في شي‌ء من هذين الخبرين على المدعى بوجه ، اما الأول فإن غاية ما يدل عليه انه يجب إخراجه عن ملكه ، والمدعى خروجه عن ملكه بمجرد الإحرام ، وأحدهما غير الآخر. واما الثاني فغاية ما يدل عليه وجوب الفداء بإمساكه بعد إدخاله الحرم حتى مات.

وقد تقدم تحقيق الكلام في هذه المسألة بجميع شقوقها مستوفى في آخر البحث الأول.

ثم انهم قد صرحوا هنا بأنه لو لم يرسله ومات ضمنه ، وظاهرهم انه لو مات بعد الإحرام ضمنه ، والمستفاد من الاخبار ان الضمان إنما هو بعد إدخاله الحرم وإمساكه لا بعد الإحرام ، لحسنة بكير المذكورة هنا وغيرها من ما تقدم في البحث الأول.

قالوا : وينبغي تقييد وجوب الإرسال بما إذا تمكن من إرساله ، اما لو لم يتمكن وتلف قبل إمكانه ، فالظاهر انه لا ضمان.

قالوا : ولو لم يرسله حتى أحل فلا شي‌ء عليه سوى الإثم. وفي

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٢ ، والفروع ج ٤ ص ٢٣٨ ، والوسائل الباب ٣٦ من كفارات الصيد.


وجوب الإرسال بعد الإحلال قولان.

ولو ادخله الحرم ثم أخرجه ، قيل : وجب إعادته اليه ، لأنه قد صار من صيد الحرم.

ونوقش في تعميم هذا الحكم بالنسبة الى ما عدا الطير ، لاختصاص الروايات المتضمنة لوجوب الإعادة بالطير.

المسألة الثانية ـ لو اجتمع محرم ومحل أو محرمان على صيد ، فأمسك أحدهما وذبح الآخر ، فههنا صور أحدها ـ ان يكون الذابح والممسك محرمين في الحل ، ولا ريب في وجوب الفداء على الذابح كما تقدمت الروايات به صريحة. واما الممسك فلما سيأتي من وجوب الفداء بالدلالة ، فبالإمساك الذي هو اعانة بطريق اولى. وثانيها ـ ان يكون الذابح محرما في الحل والممسك محلا ، والضمان على المحرم خاصة ، والمحل في الحل لا يلزمه شي‌ء ، لأنه لم يهتك حرمه الإحرام ولا حرمة الحرم. وثالثها ـ العكس ، والضمان على الممسك بالتقريب المتقدم. ورابعها ـ الصورة الأولى بعينها في الحرم ، وفيه تضاعف الفداء الذي هو عبارة عن المثل المنصوص في الآية (١) والاخبار والقيمة على كل منهما. وخامسها ـ الصورة الثانية وكون ذلك في الحرم ، وفيه تضاعف الفدية على الذابح خاصة ، والمحل ليس عليه إلا القيمة. وسادسها ـ الصورة الثالثة وكون ذلك في الحرم ، والحكم فيها ظاهر من سابقتها كما لا يخفى.

المسألة الثالثة ـ إذا ذبح المحرم صيدا كان ميتة ، ويحرم على المحل ، وقيل : لا يحرم عليه. وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٩٥.


الخامسة من البحث الأول فليراجع.

المقام الثالث في التسبيب ، وفيه مسائل الاولى ـ من أغلق على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض ، ضمن بالإغلاق ، فإن زال السبب وأرسلها سليمة سقط الضمان ، ولو هلكت ضمن الحمامة بشاة ، والفرخ بحمل ، والبيضة بدرهم ، ان كان محرما ، وان كان محلا ، ففي الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيضة ربع درهم. وقيل : يستقر الضمان بنفس الأغلاق.

والأول مذهب جمع من الأصحاب : منهم : الفاضلان والشهيد في الدروس. والثاني قول الشيخ (رحمه‌الله) وعليه يدل ظاهر الخبر الوارد في المسألة ، وهو ما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب (١) بسند لا يبعد ان يكون موثقا ، قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم ، وفراخ ، وبيض. فقال : ان كان أغلق عليها قبل ان يحرم ، فان عليه لكل طير درهما ، ولكل فرخ نصف درهم ، ولكل بيضة ربع درهم ، وان كان أغلق عليها بعد ما أحرم ، فإن عليه لكل طائر شاة ، ولكل فرخ حملا ، وان لم يكن تحرك فدرهم ، وللبيض نصف درهم». وظاهر الرواية ـ كما ترى ـ ظاهر في القول الثاني.

والأولون انما نزلوها على ما إذا هلكت بالإغلاق ، بناء على انه قبل التلف مخاطب بالإطلاق لا بالفداء ولا بالقيمة.

وفيه : انه لا مانع من مخاطبته بالإطلاق مع إيجاب هذه الأشياء

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٠ ، والوسائل الباب ١٦ من كفارات الصيد.


عليه ـ لما فعله من حبسها وتعريضها للهلاك ـ إذا اقتضاه النص ودل عليه. ويؤيده أن حمام الحرم موجب للفداء والقيمة وان كان بالإغلاق ، كما صرح به العلامة في المنتهى وغيره.

واحتمال حمل الأغلاق في الرواية على ما كان في غير الحرم بعيد عن ظاهر الرواية ، واقتضاء ثبوت القيمة على غير المحرم ثبوت القيمة والفداء على المحرم ، فكيف يوجب هنا الفدية خاصة في الحرم على المحرم؟

إلا ان يقال بوجوب الفداء خاصة على المحرم في الحرم في هذا النوع من الإتلاف وان وجب التضاعف في غيره. والظاهر بعده.

قيل : ويمكن تنزيل الرواية على ما إذا جهل حال الحمام وبيضه وفرخه بعد الأغلاق. ويمنع مساواة فدائه لفداء الإتلاف ، لانتفاء الدليل عليه.

أقول : وفي هذه المسألة روايات أخر لم يتعرض لها الأصحاب :

منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن إبراهيم بن عمر اليماني وسليمان ابن خالد (١) قالا : «قلنا لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل أغلق بابه على طائر؟ فقال : ان كان أغلق الباب بعد ما أحرم فعليه شاة وان كان أغلق الباب قبل ان يحرم فعليه ثمنه».

والصدوق روى هذه الرواية عن سليمان بن خالد (٢) إلا ان فيها «أغلق بابه على طير فمات».

وهي منطبقة على القول الأول ظاهرة فيه واما على رواية الشيخ فيصير سبيلها سبيل الرواية المتقدمة في الاشكال والاحتمال.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٠ ، والوسائل الباب ١٦ من كفارات الصيد.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ١٦٧ ، والوسائل الباب ١٦ من كفارات الصيد.


وكيف كان فإنه يظهر لك ما في كلامه في المدارك ، حيث قال في آخر البحث : «إلا ان ذلك كله موقوف على صحة السند» فان فيه ما يشير الى رد الرواية وما ذكر فيها من البحث من حيث ضعف السند ، وهذه الرواية ـ كما ترى ـ صحيحة السند برواية الشيخين المذكورين. وهي وان لم تتضمن إلا الحمام فقط ، إلا ان الحكم في فراخها وبيضها معلوم من حكمها.

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام والشيخ (رحمهما‌الله تعالى) عن زياد ابى الحسن الواسطي عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن قوم اقفلوا على طير من حمام الحرم الباب فمات. قال : عليهم بقيمة كل طير درهم ، يعلف به حمام الحرم».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «في رجل أغلق باب بيت على طير من حمام الحرم فمات. قال : يتصدق بدرهم ، أو يطعم به حمام الحرم».

والخبران محمولان على من فعل ذلك محلا.

وربما يفهم من هذين الخبرين ـ بانضمامهما إلى رواية الصدوق عن سليمان بن خالد المتقدمة ـ ما أشرنا إليه سابقا من اختصاص هذا النوع من الإتلاف بهذا الحكم ، ويحمل إطلاق رواية يونس بن يعقوب وصحيحة سليمان بن خالد برواية الشيخ على ذلك. والاحتياط لا يخفى

الثانية ـ لو نفر حمام الحرم فشاة ، فان لم يرجع فعليه لكل واحدة

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٢٣٤ و ٢٣٥ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٥٠ ، والوسائل الباب ١٦ من كفارات الصيد ، والوافي باب (حكم صيد الحرم).

(٢) الفقيه ج ٢ ص ١٦٧ ، والوسائل الباب ١٦ من كفارات الصيد.


شاة ، نقله العلامة في المختلف عن الشيخين وعلي بن الحسين بن بابويه وابن البرج وسلار وابن إدريس وابن حمزة ، قال : وقال ابن الجنيد : ومن نفر طيور الحرم كان عليه لكل طائر ربع قيمته. ثم قال : والظاهر ان مقصوده بذلك إذا رجعت ، إذ مع عدم الرجوع يكون كالمتلف ، فيجب عليه عن كل واحدة شاة. ثم نقل عن الشيخ (رحمه‌الله) ـ حيث حكى كلام المفيد : ان من نفر حمام الحرم فعليه دم شاة إذا رجعت ، فان لم ترجع فعليه لكل طائر شاة ـ انه قال : هذا قد ذكره علي بن الحسين بن بابويه في رسالته ، ولم أجد به حديثا مسندا

أقول : لا يخفى ان ما ذكره الشيخ علي بن الحسين بن بابويه هنا إنما أخذه من كتاب الفقه الرضوي ، وهو مستنده في هذا الحكم وغيره من ما عرفت وستعرف ان شاء الله (تعالى) حيث قال (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور (١) : «وان نفرت حمام الحرم فرجعت فعليك في كلها شاة ، وان لم ترها رجعت فعليك لكل طير دم شاة». والعلامة لو نقل صورة عبارته لرأيت هذه العبارة بعينها ، لكنه نقل القول عنه مجملا.

والظاهر ان الشيخ المفيد ومن تبعه إنما تبعوا الشيخ المذكور في ذلك ، لما ذكره شيخنا الشهيد في الذكرى من ان المتقدمين إذا اعوزتهم النصوص رجعوا الى فتاوى علي بن الحسين بن بابويه (رضى الله عنهم جميعا).

والعجب من صاحب المدارك حيث خص ذلك القول بعد نقل عبارة المحقق بالشيخ المفيد ، ثم نقل كلام الشيخ في التهذيب الدال

__________________

(١) ص ٢٩.


على انه لم يجد به حديثا مسندا ، والقول بذلك كما نقله في المختلف مشهور عن جماعة من المتقدمين كما عرفت.

ثم ان إطلاق التنفير في الخبر المذكور شامل لما لو لم يخرج من الحرم ، وقيده الشهيد في بعض تحقيقاته بما لو تجاوز الحرم. وإطلاق الخبر شامل لما لو كان المنفر محرما أو محلا.

واحتمل بعض الأصحاب وجوب الفداء والقيمة إذا كان محرما في الحرم.

قال في المدارك : وهو بعيد جدا ، اما مع العود فواضح ، واما مع عدمه فلان مثل ذلك لا يعد إتلافا.

قيل : ولو كان المنفر حمامة واحدة ففي وجوب الشاة مع العود وعدمه وجهان ، يبتنيان على ان الحمام اسم جنس أو جمع ، فعلى الأول يتعلق الحكم بالواحدة ، دون الثاني. واستقرب العلامة في القواعد وجماعة عدم وجوب الشاة في تنفير الواحدة مع العود ، حذرا من لزوم تساوي حالتي العود وعدمه ، مع ان مقتضى أصل الحكم الفرق بينهما.

قالوا : ولو كان المنفر جماعة ففي تعدد الفداء عليهم أو اشتراكهم فيه ـ خصوصا مع كون فعل كل واحد لا يوجب النفور ـ وجهان. وكذا الوجهان في إلحاق غير الحمام به.

قال في المدارك بعد ذكر جملة من هذه الفروع : والكلام في فروع هذه المسألة قليل الفائدة ، لعدم ثبوت مستند الحكم من أصله ، كما اعترف به الشيخ وغيره. والمطابق للقواعد عدم وجوب شي‌ء مع العود ، ولزوم فدية التلف على الوجه المقرر في حكم الإحرام والحرم مع عدمه


ان نزلنا التنفير مع عدم العود منزلة الإتلاف ، وإلا اتجه السقوط مطلقا. انتهى.

أقول : فيه : ان المستند معلوم من ما ذكرنا ، وان خفي عليه وعلى أمثاله من الأصحاب ، كما أشرنا إليه في غير باب من الأبواب ، إلا ان ما ذكروه من الفروع ـ كما هي عادتهم في جميع المسائل المنصوصة ـ لا يخلو أكثره من الإشكال.

الثالثة ـ إذا رمى اثنان فأصاب أحدهما وأخطأ الآخر ، وجب الفداء على كل واحد منهما على المشهور ، اما المصيب فلإصابته ، واما المخطئ فلجرأته.

والأصل في ذلك صحيحة ضريس بن أعين (١) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجلين محرمين ، رميا صيدا فأصابه أحدهما. قال : على كل واحد منهما الفداء».

ورواية إدريس بن عبد الله (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن محرمين يرميان صيدا فأصابه أحدهما ، الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما؟ قال : عليهما جميعا ، يفدي كل واحد منهما على حدته».

وقال ابن إدريس : لا يجب على المخطئ شي‌ء ، إلا ان يدل ، فيجب للدلالة لا للرمي. والروايتان المذكورتان حجة عليه.

قيل : ولو تعدد الرماة ففي تعدى الحكم الى الجميع أوجه ، أوجهها لزوم فداء واحد لجميع من أخطأ.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٢ ، والوسائل الباب ٢٠ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٥١ ، والوسائل الباب ٢٠ من كفارات الصيد.


والأظهر عدم تعدي هذا الحكم الى المحلين إذا رميا الصيد في الحرم بالنسبة إلى القيمة ، قصرا لما خالف الأصل على موضع النص والوفاق

الرابعة ـ إذا أوقد جماعة محرمون نارا ، فوقع فيها صيد ، لزم كل واحد منهم فداء ، إذا قصدوا بذلك الاصطياد ، وإلا فداء واحد والأصل في ذلك ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن ابي ولاد (١) قال : «خرجنا ستة نفر من أصحابنا إلى مكة ، فأوقدنا نارا عظيمة في بعض المنازل ، أردنا أن نطرح عليها لحما نكببه ، وكنا محرمين ، فمر بها طائر صاف مثل حمامة أو شبهها ، فاحترقت جناحاه فسقط في النار فمات ، فاغتممنا لذلك ، فدخلت على ابي عبد الله (عليه‌السلام) بمكة فأخبرته وسألته ، فقال : عليكم فداء واحد ، دم شاة ، تشتركون فيه جميعا ، لان ذلك كان منكم على غير تعمد ، ولو كان ذلك منكم تعمدا ليقع فيها الصيد فوقع ، ألزمت كل رجل منكم دم شاة. قال أبو ولاد : وكان ذلك منا قبل ان ندخل الحرم».

ومورد الرواية الطير ، وان ذلك كان منهم بعد الإحرام وقبل دخول الحرم. والمحقق في المعتبر عبر بالصيد ، وظاهره انه أعم من الطائر وغيره. ولا بأس به ، لقوله (عليه‌السلام) : «ليقع فيها الصيد» وألحق جمع من الأصحاب بذلك المحل في الحرم بالنسبة إلى لزوم القيمة ، وصرحوا باجتماع الأمرين على المحرم في الحرم. قال في المدارك : وهو جيد مع القصد بذلك الى الاصطياد ، اما بدونه فمشكل ، لانتفاء النص. وهو جيد.

وقيل : ولو اختلفوا في القصد وعدمه ، بان قصد بعض درن بعض ،

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٩٢ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٥٢ ، والوسائل الباب ١٩ من كفارات الصيد.


اختص كل بحكمه ، فيجب على كل من القاصدين فداء ، وعلى جملة الغير القاصدين فداء واحد. قيل : ولو كان غير القاصد واحدا فإشكال ينشأ من مساواته للقاصد ، مع انه أخف منه حكما. واحتمل الشهيد في الدروس مع اختلافهم في القصد ان يجب على من لم يقصد ما كان يلزمه مع عدم قصد الجميع ، فلو كانا اثنين مختلفين ، فعلى القاصد شاة ، وعلى الآخر نصفها ، لو كان الواقع كالحمامة. قال في المدارك : وهو حسن.

وجميع هذه التفريعات لا تخلو من الإشكال.

الخامسة ـ لا خلاف بين الأصحاب في ان من دل على صيد فقتل ، فإنه يضمنه.

وعلى ذلك تدل جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا نستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام ، ولا وأنت حلال في الحرم ، ولا تدلن عليه محلا ولا محرما فيصطاده ، ولا تشر اليه فيستحل من أجلك ، فإن فيه فداء لمن تعمده».

وروى في الكافي والتهذيب في الصحيح عن منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «المحرم لا يدل على الصيد ، فان دل عليه فقتل فعليه الفداء». ورواه الشيخ في موضع من التهذيب (٣) بغير لفظ : «قتل».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١ من تروك الإحرام ، والباب ١٧ من كفارات الصيد.

(٣) ج ٥ ص ٣١٥ ، وأورده أيضا ص ٤٦٧.


وظاهر الخبرين المذكورين ان الضمان إنما يترتب على الدلالة إذا حصل الإتلاف ، وهو الذي صرح به جمهور الأصحاب. وعن ابن البراج إطلاق الحكم ، قال في المختلف : وقال ابن البراج : من دل على صيد فعليه الفداء. ولم يقيد بالقتل ، فان قصد الإطلاق فهو ممنوع. لنا : انه مع عدم القتل لم يحصل على الصيد جناية مباشرة ولا مسببة فلا ضمان. احتج بما رواه منصور بن حازم عن الصادق (عليه‌السلام). ثم ساق الرواية بهذه الكيفية : «فإن دل فعليه الفداء» والجواب : الرواية محمولة على ما قيدناه. انتهى.

أقول : لا حاجة الى التقييد ، فإن الرواية ـ كما في الكافي والتهذيب كما عرفت ـ مشتملة على القتل ، وسقوطه من هذه الرواية المذكورة إنما حصل من قلم الشيخ (رحمه‌الله) كما لا يخفى على من أحاط خبرا بما وقع له في التهذيب من السهو في المتون والأسانيد بما يضيق عن نشره نطاق البيان.

وقد قطع الأصحاب أيضا بضمان المحل في الحرم بالدلالة ، وبه صرحت صحيحة الحلبي المذكورة.

اما المحل في الحل فالظاهر انه لا يلزمه شي‌ء ، سواء كان المدلول محرما أو محلا في الحرم ، وان أثم بذلك. ونقل عن العلامة في المنتهى انه احتمل الضمان على هذا التقدير ايضا.

قال في المدارك : واعلم ان صور المسألة ترتقي إلى اثنتين وثلاثين صورة ، لأن الدال والمدلول اما ان يكونا محلين أو محرمين أو بالتفريق وعلى كل تقدير فاما ان يكونا في الحل أو في الحرم أو بالتفريق ، فهذه ست عشرة صورة ، وعلى كل تقدير فاما ان يكون الصيد في الحل أو في الحرم ، وأحكامها تعلم من ما ذكرناه. انتهى.


السادسة ـ قالوا : لو وقع الصيد في الشبكة فأراد تخليصه فهلك أو عاب ضمنه. ولم أقف لهم في هذا الحكم على مستند. ولعل مستنده هو الإجماع ، كما يفهم من المنتهى على ما نقله عنه المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ، حيث قال : واما دليل ضمان المخلص وكفارته لعله الإجماع المفهوم من المنتهى ، حيث ما نقل الخلاف إلا عن العامة (١) قال المصنف في المنتهى : لو خلص صيدا من سبع أو شبكة أو أخذه ليخلص من رجله خيطا ونحوه ، فتلف بذلك ، كان عليه الضمان. الى قوله : لنا : عموم الأدلة الواردة بوجوب الجزاء. ثم قال المحقق المذكور : الإجماع غير ظاهر ، والعموم لا تظهر دلالته والأصل دليل قوي ، والظاهر ان فعله إحسان ومشروع ، ولا سبيل على المحسنين (٢) انتهى. وهو جيد. وبنحو ذلك صرح في المسالك.

وعلى منوالهما نسج السيد السند في المدارك فقال بعد نقل عبارة المصنف الدالة على الضمان : هذا الحكم مشكل على إطلاقه ، وينبغي القطع بعدم الضمان مع انتفاء التعدي والتفريط ، لان تخليصه على هذا الوجه مباح ، بل إحسان محض ، وما على المحسنين من سبيل (٣) ومثله ما لو خلص الصيد من فم هرة أو سبع أو من شق جدار ، أو أخذه ليداويه ويتعهده ، فمات في يده. انتهى.

وظاهر العلامة في التذكرة التوقف في ذلك. واستشكله في القواعد أيضا.

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٤٥٢ طبع مطبعة العاصمة.

(٢) لقوله تعالى في سورة التوبة ، الآية ٩١ (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ).

(٣) سورة التوبة ، الآية ٩١.


وقيل في وجه الاشكال : ان منشأه ، من تعارض العموم الدال على ان من اثبت يده على صيد ضمنه ، ومن قوله (عزوجل) (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) (١) والتخليص إحسان محض.

قال المحقق الشيخ علي في الشرح : الضمان أحوط ، وان كان العدم قويا ، لعموم قوله (تعالى) (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) (٢). ولا يعارض بعموم الضمان بإثبات اليد على الصيد ، لان الترجيح للأول بالأصل ، وباذن الشارع بهذا الفعل. انتهى.

وبالجملة فالظاهر العدم حتى يقوم الدليل الصحيح الصريح.

السابعة ـ قالوا : إذا أغرى كلبه بصيد فقتله ضمن ، لانه سبب في إتلافه. والحق العلامة (قدس‌سره) بالإغراء بالصيد حل المحرم رباط الكلب عند معاينة الصيد ، لانه يصيد بطبعه عند المعاينة ، فيكون سببا في إتلافه. واستحسنه في المدارك. ولو أغراه عابثا من غير معاينة صيد ، واتفق خروج الصيد ، ففي الضمان وعدمه تردد ، ينشأ من عدم قصد الصيد ، ومن حصول التلف بسببه ، وعدم تأثير الجهالة في ذلك ، لان الصيد يضمن مع الجهل.

الثامنة ـ قالوا : لو أمسك المحرم صيدا له طفل فمات الطفل ضمن لانه سبب في الإتلاف ، وهو أقوى من الدلالة المقتضية للضمان بالنص الصحيح المتقدم. واما الصيد الممسك ، فان تلف بالإمساك ايضا ضمنه ، وإلا فلا. وكذا يضمن الطفل المحل لو كان الإمساك في الحل والطفل في الحرم. أما الأم لو ماتت فلا ، لانه ليس محرما ولا جنايته في الحرم. ولو انعكس الفرض بأن أمسك الأم محلا في الحرم والطفل في الحل ،

__________________

(١ و ٢) سورة التوبة ، الآية ٩١.


ففي ضمان الطفل إشكال ، ينشأ من كونه في الحل فلا يكون مضمونا ومن كون الإتلاف بسبب صدر في الحرم ، كما ورد في الرمي في الحرم الصيد في الحل ، من «ان الآفة جاءت من قبل الحرم» (١). وقوى شيخنا الشهيد الثاني : الثاني.

التاسعة ـ قالوا : إذا رمى المحرم صيدا فاضطرب ، فقتل فرخا أو صيدا آخر ، كان عليه فداء الجميع ، اما ضمان الصيد المرمي فواضح ، واما ضمان الآخرين فلمكان السببية كالدلالة. ولا فرق في ذلك بين المحرم في الحل والمحل في الحرم ومن جميع الوصفين ، فيلحق كل واحد ما يلزمه شرعا.

العاشرة ـ قالوا : السائق يضمن ما تجنيه دابته ، وكذا الراكب إذا وقف بها ، وإذا سار ضمن ما تجنيه بيديها. وإطلاق ضمان السائق والراكب في حال الوقوف ما تجنيه الدابة يشمل ما تجنيه بيديها أو رجليها أو رأسها. ومقتضى تخصيص ضمان الراكب إذا كان سائرا بما تجنيه بيديها يقتضي عدم ضمان ما تجنيه برأسها أو رجليها. والحق العلامة هنا الرأس باليدين ، واقتصر على سقوط ضمان جناية الرجلين خاصة. واستدل عليه بما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «الرجل جبار» يعني : هدر. قال في المدارك : ولم أقف في هذا التفصيل على رواية من طرق الأصحاب ، إلا ان حكمها في مطلق الجناية كذلك. انتهى.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار من ما يتعلق بهذه المسألة

__________________

(١) ص ٣٠٧.

(٢) سنن البيهقي ج ٨ ص ٣٤٣.


ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابي الصباح الكناني (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ما وطأته أو وطأه بعيرك أو دابتك وأنت محرم فعليك فداؤه».

وهي ـ كما ترى ـ مطلقة في ضمان ما تطأه الدابة ، من غير فرق بين اليدين والرجلين ، ولا حال الوقوف والسير.

وذكر العلامة في المنتهى : ان الدابة لو انقلبت فأتلفت صيدا يضمنه ، لانتفاء اليد والحال هذه. ولقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) : «العجماء جبار».

واحتمل في المدارك قويا عدم الضمان إذا أتلفت شيئا وهي سائبة للرعي أو الاستراحة ، للأصل. وانتفاء اليد. وعدم العموم في الخبرين المتقدمين. وتردد فيه في الذخيرة ، نظرا الى عموم الروايتين السابقتين بحسب ظاهر اللفظ. وتبادر الدابة التي ركب عليها. أقول : لا يخفى ضعف الوجه الأول من وجهي التردد.

ومورد الرواية ضمان المحرم ، اما المحل في الحرم فلم أقف على ما يدل على حكمه ، إلا ان الأصحاب قاطعون بان ما يضمنه المحرم يضمنه المحل في الحرم ، ويتضاعف الجزاء عند الاجتماع.

البحث الرابع في صيد الحرم

وفيه مسائل الأولى ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٥ ، والوسائل الباب ٢٣ و ٥٣ من كفارات الصيد.

(٢) الوسائل الباب ٣٢ من موجبات الضمان من كتاب الديات.


عليهم) بأنه يحرم من الصيد على المحل في الحرم ما يحرم على المحرم في الحل ، والظاهر انه مجمع عليهم بينهم ، كما حكاه في المنتهى.

ويدل عليه جملة من الروايات ، ومنها ـ ما رواه الكليني في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام ، ولا وأنت حلال في الحرم».

وقد تقدم في المسألة السادسة من البحث الأول جملة من الاخبار الدالة على ذلك.

ويجوز للمحل في الحرم قتل القمل والبراغيث والبق والنمل ، إجماعا على ما نقله في المدارك.

ويدل عليه ما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «لا بأس بقتل النمل والبق في الحرم. وقال : لا بأس بقتل القملة في الحرم وغيره».

وفي التهذيب (٣) بهذا الاسناد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا بأس بقتل القمل والبق في الحرم».

وما رواه في الفقيه (٤) عن حنان بن سدير عن ابي جعفر (عليه

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من تروك الإحرام ، والباب ١٣ و ١٧ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٦ ، والفقيه ج ٢ ص ١٧٢ ، والوسائل الباب ٨٤ من تروك الإحرام.

(٣) ج ١ ص ٥٥٢ الطبع القديم وج ٥ ص ٣٦٦ الطبع الحديث ، والوسائل الباب ٨٤ من تروك الإحرام ، والوافي باب (حكم صيد الحرم).

(٤) ج ٢ ص ٢٣١ و ٢٣٢ ، والوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام.


السلام) قال : «أمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بقتل الفأرة في الحرم ، والأفعى ، والعقرب ، والغراب الأبقع ، يرميه فإن أصبته فأبعده الله. وكان يسمى الفأرة : الفويسقة. وقال : انها توهي السقاء وتضرم البيت على اهله».

وما رواه الكليني عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس بقتل البرغوث والقملة والبقة في الحرم».

وحينئذ فمن قتل صيدا في الحرم كان عليه فداؤه محلا كان القاتل أو محرما ، إلا ان البحث هنا بالنسبة إلى المحل ، والمراد بالفداء بالنسبة إليه هو القيمة. وقد تقدم في جملة من الاخبار ان الجناية من حيث الإحرام خاصة موجبة للجزاء والفدية ، كل بحسبه ، كما تقدم في نوعي ما لكفارته بدل على الخصوص ، وما لا بدل له على الخصوص ، من البحث الثاني ، والجناية من حيث الحرم موجبة للقيمة ومتى اجتمع السببان اجتمع الأمران المترتبان على كل منهما.

ومن الاخبار الواردة في المقام حسنة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان أصبت الصيد وأنت حرام في الحرم فالفداء مضاعف عليك ، وان أصبته وأنت حلال في الحرم فقيمة واحدة وان أصبته وأنت حرام في الحل فإنما عليك فداء واحد».

وحسنة الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) انه قال : «فان قتلها ـ يعني : الحمامة ـ في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها».

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٦٤ ، والوسائل الباب ٧٩ و ٨٤ من تروك الإحرام.

(٢ و ٣) الفروع ج ٤ ص ٣٩٥ ، والوسائل الباب ٤٤ من كفارات الصيد.


وصحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة الى ان يبلغ الظبي ، فعليه دم يهريقه ، ويتصدق بمثل ثمنه ، فإن أصاب منه وهو حلال ، فعليه ان يتصدق بمثل ثمنه».

والاخبار بذلك كثيرة جدا ، وقد تقدمت في تضاعيف الأبحاث المتقدمة.

وحكى العلامة في المختلف عن الشيخ قولان بان من ذبح الصيد في الحرم وهو محل كان عليه دم. وهو شاذ مردود بالاخبار.

ولو اشترك في قتل الصيد في الحرم جماعة من المحلين ، قيل : على كل واحد منهم قيمة الصيد. وتردد فيه المحقق.

وذكر في المسالك : ان منشأ التردد ، من ان المقتول واحد فيجب له فداء واحد على الجميع ، وأصالة البراءة من الزائد ، خرج منها قتل الجماعة المحرمين للصيد ، فتبقى معمولا بها في ما عداها ، ومن اشتراك المحلين والمحرمين في العلة ، وهي الإقدام على قتل الصيد ، خصوصا إذا كان فعل كل واحد ملفا. وهذا هو الأقوى. انتهى.

واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بأنه لا يخفى ضعف الوجه الثاني من وجهي التردد ، فإنه لا يخرج عن القياس. وهو جيد. ثم نقل عن الشيخ (رحمه‌الله تعالى) انه قوى لزوم الجميع جزاء واحد ، لأصالة البراءة من الزائد. ثم قال : وهو متجه. انتهى. وهو كذلك

الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في حكم رمي الصيد في الحل وهو يؤم الحرم ، فقيل بالتحريم ، ذهب اليه

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ١٦٧ ، والوسائل الباب ١١ و ٤٤ من كفارات الصيد.


الشيخ وجمع من الأصحاب ، وقيل بالكراهة ، واختاره ابن إدريس وأكثر المتأخرين.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار هنا ما رواه الشيخ عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «كان يكره ان يرمى الصيد وهو يؤم الحرم».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل رمى صيدا في الحل وهو يؤم الحرم في ما بين البريد والمسجد ، فأصابه في الحل ، فمضى برميته حتى دخل الحرم ، فمات من رميته ، هل عليه جزاء؟ فقال : ليس عليه جزاء ، إنما مثل ذلك مثل من نصب شركا في الحل الى جانب الحرم ، فوقع فيه صيد ، فاضطرب حتى دخل الحرم فمات ، فليس عليه جزاؤه ، لأنه نصب حيث نصب وهو له حلال ، ورمى حيث رمى وهو له حلال ، فليس عليه في ما كان بعد ذلك شي‌ء. فقلت : هذا القياس عند الناس. فقال : إنما شبهت لك الشي‌ء بالشي‌ء لتعرفه». ونحوه روى في التهذيب (٣) باختلاف ما في الألفاظ.

ورواه في الكافي عنه أيضا في الصحيح (٤) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل رمى صيدا في الحل ، فمضى برميته حتى دخل الحرم فمات ، أعليه جزاؤه؟ قال : لا ليس عليه جزاؤه ، لأنه

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٩ ، والوسائل الباب ٢٩ من كفارات الصيد.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ١٦٨ و ١٦٩ ، والوسائل الباب ٣٠ من كفارات الصيد.

(٣) ج ٥ ص ٣٦٠ ، والوسائل الباب ٣٠ من كفارات الصيد.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٢٣٤ ، والوسائل الباب ٣٠ من كفارات الصيد.


رمى حيث رمى وهو له حلال ، انما مثل ذلك مثل رجل نصب شركا في الحل الى جانب الحرم ، فوقع فيه صيد فاضطرب الصيد حتى دخل الحرم ، فليس عليه جزاؤه ، لأنه كان بعد ذلك شي‌ء. فقلت : هذا القياس عند الناس. فقال : انما شبهت لك شيئا بشي‌ء».

أقول : وبهذه الروايات أخذ من ذهب الى الجواز على كراهية.

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام والشيخ عن عقبة بن خالد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل قضى حجه ثم اقبل حتى إذا خرج من الحرم ، استقبله صيد قريبا من الحرم ، والصيد متوجه نحو الحرم ، فرماه فقتله ، ما عليه في ذلك؟ قال : يفديه على نحوه».

وما رواه في الكافي في الحسن عن مسمع عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن رجل رمى صيدا خارجا من الحرم في الحل ، فتحامل الصيد حتى دخل الحرم. فقال : لحمه حرام مثل الميتة».

والمشهور بين المتأخرين ـ كما عرفت ـ هو الجمع بين هذه الاخبار بالكراهة ، سيما مع تصريح مرسلة ابن ابي عمير بذلك.

وفيه (أولا) : ما عرفت في غير موضع من ما تقدم انه لا مستند لهذا الجمع ، وان اشتهر العمل عليه بينهم ، للوجوه المتقدمة.

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٩٧ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٦٠ ، والوسائل الباب ٣٠ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٢٣٥ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٥٩ و ٣٦٠ ، والوسائل الباب ٢٩ من كفارات الصيد.


(وثانيا) : ان استعمال الكراهة في الاخبار بمعنى التحريم أكثر كثير. ولهذا استدل الشيخ بهذه الرواية مع رواية علي بن عقبة (١) على التحريم.

والذي يقرب عندي في الجمع بينها أحد وجهين : اما حمل صحيحتي عبد الرحمن بن الحجاج على ان الصيد حال رميه لا يؤم الحرم ـ أما رواية الكافي فهي مطلقة قابلة للحمل على ما ذكرنا ، واما رواية الصدوق فبان يجعل قوله : «وهو يؤم الحرم» حالا من «رجل» وبه يجمع بينها وبين رواية عقبة بن خالد الصريحة في كون الصيد متوجها نحو الحرم ـ واما حمل صحيحتي عبد الرحمن على التقية ، فإن العلامة في المنتهى والتذكرة قد نقل عن بعض الجمهور : انه لو رمى صيدا في الحل فجرحه ، فتحامل الصيد فدخل الحرم فمات به ، فإنه يحل اكله ولا جزاء فيه ، لأن الذكاة حصلت في الحل ، فأشبه ما إذا جرح صيدا وهو محل ، ثم أحرم فمات الصيد بعد إحرامه (٢). ثم رده.

والشيخ قد أجاب عن روايتي عبد الرحمن بن الحجاج بالحمل على نفي الإثم والعقاب. وبعده ظاهر ، لأن روايتي الصدوق والكليني مصرحتان بأنه ليس عليه جزاء.

وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الاشكال.

ثم انه من ما يتفرع على القولين المذكورين ضمانه لو مات في الحرم وعدمه ، فان قلنا بجواز الرمي ـ كما هو مدلول صحيحتي عبد الرحمن بن الحجاج ـ فلا ضمان كما صرحتا به ، وان قلنا

__________________

(١) ص ٣٠٢ رقم (١).

(٢) المغني ج ٣ ص ٣١٤ طبع مطبعة العاصمة.


بالتحريم ـ كما هو مدلول رواية عقبة بن خالد ـ وجب الفداء كما صرحت به ايضا.

والمشهور انه يحرم لحمه ، وبه صرح الشيخ وغيره. وذكر الشهيد الثاني انه ميتة على القولين. والظاهر بعده على تقدير القول بالجواز. وظاهر الصحيحتين المذكورتين حل الصيد المذكور ، كما هو قضية التنظير بالشبك المنصوب الى جانب الحرم. وعلى هذا فتكون حسنة مسمع ـ من حيث التصريح فيها بكون لحم الصيد المذكور حراما مثل الميتة ـ مؤيدة للقول بالتحريم.

الثالثة ـ اختلف الأصحاب في حكم الاصطياد بين البريد والحرم ، يعني : الاصطياد بين منتهى البريد وطرف الحرم ، والمشهور الإباحة ، للأصل ، ولان المانع من الاصطياد اما الحرم أو الإحرام ، وهما مفقودان فتثبت الإباحة.

وقال الشيخ المفيد في المقنعة : وكل من قتل صيدا وهو محل في ما بينه وبين الحرم على مقدار بريد لزمه الفداء. وهو ظاهر في القول بالتحريم.

واستدل له الشيخ في التهذيب بما رواه في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا كنت محلا في الحل ، فقلت صيدا في ما بينك وبين البريد الى الحرم ، فان عليك جزاءه ، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه تصدقت بصدقة».

وأجاب عنها المتأخرون بالحمل على الاستحباب. وفيه : ان تأويلها

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٦١ ، والفروع ج ٤ ص ٢٣٢ ، والوسائل الباب ٣٢ من كفارات الصيد.


مع عدم المعارض مشكل. ومجرد ما ادعوه ـ من ان المانع من الاصطياد اما الحرم أو الإحرام ـ لا ينافي زيادة فرد آخر إذا دل عليه الدليل مع انه ليس في شي‌ء من تلك الأخبار الدالة ما يدل على الحصر حتى يكون منافيا لهذا الخبر.

ومثل هذه الرواية أيضا ما رواه الشيخ عن عبد الغفار الجازي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) في حديث قال : «وذكر : انك إذا كنت حلالا وقتلت صيدا ما بين البريد والحرم فان عليك جزاءه ، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه أو جرحته تصدقت بصدقة».

واما صحيحتا عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمتان ، فهما وان دلتا على الجواز كما تقدم ، إلا ان الأظهر فيهما هو الحمل على التقية ، كما قدمنا ذكره ، لمعارضتهما بالروايتين المتقدمتين مع هاتين الروايتين.

الرابعة ـ لو ربط صيدا في الحل فدخل الحرم حرم إخراجه ، لأنه صار بدخوله من صيد الحرم.

ويدل عليه عموم ما دل على تحريم صيد الحرم من الاخبار المستفيضة المتقدم كثير منها.

وخصوص ما رواه الشيخ عن عبد الأعلى بن أعين (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أصاب صيدا في الحل فربطه الى جانب الحرم ، فمشى الصيد برباطه حتى دخل الحرم والرباط في عنقه ، فاجتره الرجل بحبله حتى أخرجه من الحرم ، والرجل في الحل. فقال : ثمنه

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٦٧ ، والوسائل الباب ٣٢ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٢٣٨ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٦١ ، والوسائل الباب ١٥ من كفارات الصيد.


ولحمه حرام مثل الميتة».

الخامسة ـ قالوا : ويضمن لو كان في الحل فرمى صيدا في الحرم فقتله.

واستدلوا على ذلك ـ بعد الإجماع المدعى في المسألة ـ بصحيحة عبد الله ابن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (١) وفيها : «وما دخل في الحرم من الوحش والطير كان آمنا من ان يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم».

وأنت خبير بأنها لا دلالة فيها بوجه ، إذ غاية ما تدل عليه هو تحريم رميه ، لا وجوب الضمان ، واحدهما غير الآخر ، والاخبار الدالة على التحريم كثيرة ، وقد تقدم كثير منها في البحث الأول ، والكلام إنما هو في وجوب الفداء.

قالوا : وفي معنى إرسال السهم إرسال الكلب ونحوه ، لكن يشترط في ضمان مقتول الكلب ونحوه ان يكون مرسلا اليه ، فلو أرسل الى صيد في الحل فدخل الكلب بنفسه الى الحرم فقتل صيدا غيره فلا ضمان كما لو استرسل من نفسه من غير ان يرسله صاحبه.

ولو أرسله على صيد في الحل ، فدخل الصيد الحرم ، فتبعه الكلب فقتله في الحرم ، فقد استقرب العلامة في المنتهى الضمان ، لانه قتل صيدا حرميا بإرسال كلبه عليه ، فكان عليه ضمانه. ويحتمل العدم ، للأصل ، وعدم ثبوت كلية الكبرى.

وكذا يضمن لو كان في الحرم فرمى صيدا في الحل فقتله ، ويدل

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٢٢٦ ، والفقيه ج ٢ ص ١٦٣ و ١٦٤ ، والتهذيب ج ٥ ص ٤٤٩ ، والوسائل الباب ٨٨ من تروك الإحرام ، والباب ١٣ من كفارات الصيد ، والباب ١٣ من مقدمات الطواف.


عليه ـ مضافا الى الاتفاق ايضا على الحكم المذكور ـ

ما رواه الشيخ في الحسن عن مسمع عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في رجل حل في الحرم رمى صيدا خارجا من الحرم فقتله. فقال : عليه الجزاء لأن الآفة جاءته من قبل الحرم».

قالوا : ولو كان بعض الصيد في الحل وبعضه في الحرم فأصاب منه ما هو في الحل أو الحرم فقتله ، فإنه يضمنه. وعلله في المنتهى بتغليب جانب الحرم. قال في المدارك : وربما كان في صحيحة ابن سنان المتقدمة دلالة عليه. أقول : قد عرفت ان صحيحة ابن سنان لا دلالة فيها على الضمان بوجه ، وإنما دلت على تحريم ان يهاج أو يؤذى ، وتحريم القتل لا يستلزم الضمان ، كما لا يخفى.

وكذا يضمن لو قتل الصيد وهو على فرع شجرة في الحل وأصل الشجرة في الحرم.

لما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (٢) : «انه سئل عن شجرة أصلها في الحرم وأغصانها في الحل ، على غصن منها طير رماه رجل فصرعه. قال : عليه جزاؤه إذا كان أصلها في الحرم».

ويشهد لهذه الرواية ـ وان لم يدل صريحا على أصل المسألة ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٢ ، والفروع ج ٤ ص ٢٣٥ ، والوسائل الباب ٣٣ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٨٦ ، والوسائل الباب ٩٠ من تروك الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٩ ، والوسائل الباب ٩٠ من تروك الإحرام.


فقال : حرم فرعها لمكان أصلها. قال : قلت : فإن أصلها في الحل وفرعها في الحرم؟ فقال : حرم أصلها لمكان فرعها». ورواه الكليني والصدوق في الصحيح نحوا منه (١).

ويمكن ان يستنبط من هذه الرواية صحة ما ذكره العلامة في مسألة الصيد الذي بعضه في الحل وبعضه في الحرم من حكمه بالضمان تغليبا لجانب الحرم.

السادسة ـ من دخل بصيد الى الحرم وجب عليه إرساله ، فلو أخره فتلف وجب عليه فداؤه. وكذا لو أخرجه معه فتلف.

وقد تقدم من الاخبار ما يدل على ذلك ، ومنها ـ صحيحة بكير ابن أعين (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أصاب ظبيا فادخله الحرم ، فمات الظبي في الحرم. فقال : ان كان حين ادخله خلى سبيله فلا شي‌ء عليه ، وان كان أمسكه حتى مات فعليه الفداء».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن رجل اهدى له حمام أهلي جي‌ء به وهو في الحرم. فقال : ان هو أصاب منه شيئا فليتصدق

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٢٣١ ، والفقيه ج ٢ ص ١٦٥ ، والوسائل الباب ٩٠ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٢٣٨ عن أحدهما (ع) ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٦٢ والوسائل الباب ٣٦ من كفارات الصيد عن ابي جعفر (ع).

(٣) الفروع ج ٤ ص ٢٣٢ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد. والوافي باب (حكم صيد الحرم).


بثمنه نحوا من ما كان يسوى في القيمة».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «انه سئل عن الصيد يصاد في الحل ثم يجاء به الى الحرم وهو حي. فقال : إذا أدخله إلى الحرم فقد حرم عليه اكله وإمساكه فلا تشترين في الحرم إلا مذبوحا ذبح في الحل ثم جي‌ء به الى الحرم مذبوحا ، فلا بأس به للحلال».

وما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) قال : «قال الحكم بن عتيبة : سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) ما تقول في رجل اهدى له حمام أهلي وهو في الحرم من غير الحرم؟ فقال : اما ان كان مستويا خليت سبيله وان كان غير ذلك أحسنت إليه حتى إذا استوى ريشه خليت سبيله».

وما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن حفص بن البختري (٣) «في من أصاب طيرا في الحرم ، فقال : ان كان مستوي الجناح فليخل عنه ، وان كان غير مستو نتفه وأطعمه وأسقاه فإذا استوى جناحاه خلى عنه».

وما رواه في الكافي عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن رجل خرج بطير من مكة إلى الكوفة. قال : يرده إلى مكة».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٦ ، والفروع ج ٤ ص ٢٣٣ ، والوسائل الباب ٥ من تروك الإحرام ، والباب ١٤ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٨ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ١٦٧ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٢٣٤ ، والوسائل الباب ١٤ من كفارات الصيد.


ولو كان الطائر مقصوصا وجب حفظه وإطعامه حتى يكمل ثم يرسله.

ويدل على ذلك ما تقدم هنا من صحيحة حفص ، وصحيحة معاوية بن عمار ، وما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه (١) في الصحيح عن زرارة «ان الحكم سأل أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل اهدى له حمامة في الحرم مقصوصة. فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) : انتفها وأحسن إليها وأعلفها حتى إذا استوى ريشها فخل سبيلها».

وما رواه في الكافي عن مثنى (٢) قال : «خرجنا إلى مكة فاصطاد النساء قمرية من قماري (أمج) حيث بلغنا البريد ، فنتف النساء جناحيها ثم دخلوا بها مكة ، فدخل أبو بصير على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فأخبره ، فقال : تنظرون امرأة لا بأس بها فتعطونها الطير تعلفه وتمسكه ، حتى استوى جناحاه خلته». أقول : الامج موضع بين مكة والمدينة.

وما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله ـ تعالى ـ مراقدهم) عن كرب الصيرفي (٣) قال : «كنا جماعة فاشترينا طائرا ، فقصصناه ودخلنا به مكة فعاب ذلك علينا أهل مكة ، فأرسل كرب الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) فسأله ، فقال : استودعوه رجلا من أهل مكة مسلما أو امرأة مسلمة

__________________

(١) ج ٢ ص ١٦٨ ، والفروع ج ٤ ص ٢٣٣ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٢٣٧ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد ، والوافي باب (حكم صيد الحرم).

(٣) الفروع ج ٤ ص ٢٣٣ ، والفقيه ج ٢ ص ١٦٩ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٤٨ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد.


فإذا استوى ريشه خلوا سبيله».

ويستفاد من هذه الاخبار وجوب إطعامه وحفظه على من هو في يده حتى يكمل ريشه فيرسله ، ان كان جالسا في مكة ، فلو أرسله قبل ذلك ضمنه مع تلفه ، وإلا أودعه ممن يعتمد عليه ، كما يشير اليه قوله في رواية مثنى : «امرأة لا بأس بها» وفي رواية كرب : «رجلا مسلما أو امرأة مسلمة»

السابعة ـ هل يجوز للمحل في الحل صيد حمام الحرم؟ قولان للشيخ.

والأظهر العدم ، لصحيحة علي بن جعفر (١) قال : «سألت أخي موسى (عليه‌السلام) عن حمام الحرم يصاد في الحل. فقال : لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم انه من حمام الحرم».

الثامنة ـ قد صرح الأصحاب من غير خلاف يعرف بان من اخرج صيدا من الحرم وجب عليه إعادته ، ولو تلف قبل ذلك ضمنه. وإطلاق كلامهم شامل لما لو كان الصيد أصله من الحرم ، أو أدخل إليه من خارجه.

وعلى ذلك تدل جملة من الاخبار : منها ـ ما تقدم من رواية زرارة في الطير الذي خرج به من مكة إلى الكوفة ، ان يرده إلى مكة. وروى هذا الخبر ايضا الصدوق في من لا يحضره الفقيه (٢) في الصحيح عن زرارة.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (٣) قال : «سألت

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٨ ، والوسائل الباب ١٣ من كفارات الصيد.

(٢) ج ٢ ص ١٧١ ، والوسائل الباب ١٤ من كفارات الصيد.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٩ ، والوسائل الباب ١٤ من كفارات الصيد.


أخي موسى (عليه‌السلام) عن رجل أخرج حمامة من حمام الحرم إلى الكوفة أو غيرها. قال : عليه ان يردها ، فان ماتت فعليه ثمنها يتصدق به».

وروى معلقا عن علي بن جعفر عن موسى بن جعفر (عليهما‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل خرج بطير من مكة حتى ورد به الكوفة ، كيف يصنع؟ قال : يرده إلى مكة ، فان مات تصدق بثمنه».

ومورد هذه الاخبار إنما هو الطير في بعض والحمامة في آخر ، إلا ان الأصحاب قاطعون بتساوي أنواع الصيد في هذا الحكم.

التاسعة ـ من نتف ريشة من حمام الحرم تصدق باليد الجانية. وهو مقطوع به في كلام الأصحاب.

واستدل عليه العلامة في المنتهى بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله ابن مسكان عن إبراهيم بن ميمون (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل نتف ريشة حمامة من حمام الحرم. قال يتصدق بصدقة على مسكين ، ويطعم باليد التي نتفها ، فإنه قد أوجعها».

ومورد الرواية نتف الريشة الواحدة ، فلو نتف أكثر احتمل الأرش كغيره من الجنايات ، وتعدد الفدية بتعدده. واستوجه العلامة في المنتهى تكرر الفدية ان كان النتف متفرقا ، والأرش ان كان دفعة وقيل : انه يشكل الأرش ، حيث لا يوجب ذلك نقصا أصلا.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٦٤ ، والوسائل الباب ١٤ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٨ ، والوسائل الباب ١٣ من كفارات الصيد.


الا ان هذه الرواية قد رواها في الكافي وكذا في الفقيه (١) هكذا : «نتف حمامة من حمام الحرم». وليس فيها لفظ «ريشة» والظاهر تقديمهما على الشيخ في ضبط الاخبار ، لما أسلفناه في غير موضع من الإشارة الى ما وقع من الشيخ (رحمه‌الله) في اخبار التهذيب من التحريف والتغيير في المتون والأسانيد. وحينئذ فيهون الإشكال ، لأنه يتناول نتف الريشة فما فوقها.

بقي الكلام في انه لو نتف غير الحمامة أو غير الريش ، وفيه اشكال. وقيل هنا يجب الأرش. وهو محتمل إذا اقتضى ذلك نقص القيمة.

قالوا : ولو حدث بنتف الريشة أو أزيد عيب في الحمامة ضمن أرشه مع الصدقة. ولا يجب تسليم الأرش باليد الجانية. ولا تسقط الفدية بنبات الريش.

العاشرة ـ لا خلاف بين الأصحاب في انه لو ذبح المحل صيدا في الحرم كان ميتة. واما لو ذبحه في الحل وادخله الحرم فلا خلاف أيضا في حله للمحل وتحريمه على المحرم.

ويدل على الحكم الأول صحيحة شهاب بن عبد ربه (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : اني أتسحّر بفراخ اوتى بها من غير مكة ، فتذبح في الحرم فأتسحر بها. فقال : بئس السحور سحورك ، اما علمت ان ما دخلت به الحرم حيا فقد حرم عليك ذبحه وإمساكه».

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٢٣٥ و ٢٣٦ ، والفقيه ج ٢ ص ١٦٩ ، والوسائل الباب ١٣ من كفارات الصيد.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ١٧٠ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد.


وما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه عن مثنى بن عبد السلام عن محمد بن ابي الحكم (١) قال : «قلت لغلام لنا : هي لنا غداء ، فأخذ أطيارا من الحرم فذبحها وطبخها ، فأخبرت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقال : ادفنها وافد كل طير منها».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (٢) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن صيد رمي في الحل ثم ادخل الحرم وهو حي. فقال : إذا أدخله الحرم وهو حي فقد حرم لحمه وإمساكه. وقال : لا تشتره في الحرم إلا مذبوحا قد ذبح في الحل ثم ادخل الحرم ، فلا بأس به».

ويدل على الحكم الثاني صحيحة الحلبي المذكورة ، وفي صحيحة أخرى له مثله (٣) بزيادة قوله : «فلا بأس للحلال». وفيه إشارة إلى الحكم الثالث.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابي يعفور (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الصيد يصاد في الحل ويذبح في الحل ، ويدخل الحرم ويؤكل؟ قال : نعم لا بأس به».

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٢٣٣ ، والفقيه ج ٢ ص ١٧١ ، والوسائل الباب ٥٥ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٦ ، والوسائل الباب ٥ من تروك الإحرام ، والباب ١٤ من كفارات الصيد.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٢٣٣ ، والوسائل الباب ٥ من تروك الإحرام ، والباب ١٤ من كفارات الصيد.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٧ ، والوسائل الباب ٥ من تروك الإحرام.


واما الحكم الثالث فالدليل فيه ظاهر مكشوف من ما تقدم من الاخبار في أثناء المباحث المتقدمة.

ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب (١) عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «واجتنب في إحرامك صيد البر كله ، ولا تأكل من ما صاده غيرك ، ولا تشر اليه فيصيده».

ومن ما يدل على الأحكام الثلاثة صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «في حمام ذبح في الحل ، قال : لا يأكله محرم ، وإذا ادخل مكة أكله المحل بمكة ، وإذا ادخل الحرم حيا ثم ذبح في الحرم فلا يأكله ، لأنه ذبح بعد ما بلغ مأمنه».

الحادية عشرة ـ المشهور بين الأصحاب انه لا يملك الصيد في الحرم لمحل ولا محرم. وقيل : يدخل في الملك وان وجب عليه إرساله إذا كان معه دون ما إذا كان نائيا عنه. وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في المسألة الثانية عشرة من البحث الأول.

البحث الخامس في اللواحق

وفيه أيضا مسائل الأولى ـ قد صرح الأصحاب بأن كل ما يلزم المحرم في الحل من كفارة الصيد والمحل في الحرم ، فإنه يجتمع على المحرم في الحرم حتى ينتهي إلى البدنة فلا يتضاعف. وقد قدمنا تحقيق البحث في هذه المسألة مستوفى في مسألة كفارة الحمام في البحث الثاني.

الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ

__________________

(١) ج ٥ ص ٣٠٠ ، والوسائل الباب ١ من تروك الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٦ ، والوسائل الباب ٥ من تروك الإحرام.


عليهم) في تكرر الكفارة بتكرر الصيد سهوا.

ويدل عليه ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أصاب المحرم الصيد خطأ فعليه كفارة ، فإن أصابه ثانية خطأ فعليه الكفارة أبدا إذا كان خطأ ، فإن أصابه متعمدا كان عليه الكفارة ، فإن أصابه ثانية متعمدا فهو ممن ينتقم الله منه (٢) ولم يكن عليه الكفارة».

وإنما الخلاف في ما لو تكرر عمدا عالما فذهب جمع : منهم : الشيخ في المبسوط والخلاف ، وابن الجنيد ، وابن إدريس ـ إلى التكرار قال ابن إدريس : وهو ظاهر المرتضى. ونقل في المختلف عن ابي الصلاح انه قال : تكرر القتل يوجب تكرر الكفارة. وأطلق.

وعن الشيخ علي بن بابويه انه قال : وكل شي‌ء أتيته في الحرم بجهالة وأنت محل أو محرم ، أو أتيته في الحل وأنت محرم ، فليس عليك شي‌ء إلا الصيد ، فان عليك فداءه ، فان تعمدته كان عليك فداؤه وإثمه.

وذهب ابن بابويه ـ والشيخ في النهاية ، وابن البراج ـ الى العدم

وهو الأظهر ، لظاهر قوله (عزوجل) (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) (٣) والتقريب فيها انه (عزوجل) جعل جزاء العود الانتقام بعد ان جعل جزاء الابتداء الفدية ، وقضية المقابلة اختصاص كل من الأمرين بموضعه.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٢ و ٣٧٣ ، والوسائل الباب ٤٨ من كفارات الصيد.

(٢ و ٣) سورة المائدة ، الآية ٩٥.


ومن الاخبار ما تقدم في مرسلة ابن ابي عمير ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه ، ويتصدق بالصيد على مسكين ، فان عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاء ، وينتقم الله (تعالى) منه ، والنقمة في الآخرة».

وفي الصحيح أو الحسن عن الحلبي (٢) : «في محرم أصاب صيدا ، قال : عليه الكفارة. قلت : فإن أصاب آخر؟ قال : إذا أصاب آخر فليس عليه كفارة ، وهو ممن قال الله (عزوجل) (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ)» (٣).

قال في الكافي (٤) : قال ابن ابي عمير عن بعض أصحابه : «إذا أصاب المحرم ...». ثم نقل مضمون الرواية المتقدمة.

وما رواه الشيخ عن حفص الأعور عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «إذا أصاب المحرم الصيد فقولوا له : هل أصبت صيدا قبل هذا وأنت محرم؟ فان قال : نعم. فقولوا له : ان الله منتقم منك ، فاحذر النقمة. فإن قال : لا. فاحكموا عليه جزاء ذلك الصيد».

احتج الأولون بعموم الآية ، فإن قوله (عزوجل) «وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ» (٦) يتناول المبتدئ والعائد.

وما رواه الكليني عن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٢ ، والوسائل الباب ٤٨ من كفارات الصيد.

(٢ و ٤) الفروع ج ٤ ص ٣٩٤ ، والوسائل الباب ٤٨ من كفارات الصيد.

(٣ و ٦) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٥) التهذيب ج ٥ ص ٤٦٧ ، والوسائل الباب ٤٨ من كفارات الصيد.


السلام) (١) : «في المحرم يصيد الصيد ، قال : عليه الكفارة في كل ما أصاب».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : محرم أصاب صيدا؟ قال : عليه الكفارة. قلت : فان هو عاد؟ قال : عليه كلما عاد كفارة».

والجواب عن الآية ظاهر من ما سبق ، فان لفظ العود إنما يقال لفعل الشي‌ء ثانيا بعد فعله أولا ، وحينئذ فلا يمكن ان يحمل صدر الآية على ما يشمل العود. وعن الخبرين بالحمل على غير المتعمد.

والتحقيق ان جملة روايات المسألة ما عدا مرسلة ابن ابي عمير مطلقة ، فمنها ما دل على عدم التكرار مطلقا ، متعمدا كان أو ساهيا كصحيحتي الحلبي المتقدمتين ، ومنها ما دل على التكرار مطلقا ، كصحيحتي معاوية بن عمار المذكورتين ، إلا انه لا قائل بالإطلاق الأول ، ومرسلة ابن ابي عمير قد دلت على تقييد كل من الإطلاقين بالآخر ، فتصير وجه جمع بين أخبار المسألة.

وفي حديث الجواد مع المأمون ، المنقول في جملة من الأصول ومنها : تفسير الثقة الجليل علي بن إبراهيم (٣) وفيه : «وكل ما اتى به المحرم بجهالة أو خطأ فلا شي‌ء عليه ، إلا الصيد فان عليه فيه الفداء ، بجهالة كان أم بعلم ، بخطإ كان أم بعمد. الى ان قال : وان كان ممن عاد فهو ممن

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٩٤ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٧٢ ، والوسائل الباب ٤٧ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٢ ، والوسائل الباب ٤٧ من كفارات الصيد.

(٣) ج ١ ص ١٨٤ ، والوسائل الباب ٣ من كفارات الصيد.


ينتقم الله (تعالى) منه ليس عليه كفارة ، والنقمة في الآخرة». وهو صريح في رد القول الآخر.

واما ما طعن به العلامة في المختلف في صحيحة الحلبي ـ من انها متروكة الظاهر ، لان مقتول المحرم حرام فكيف يسوغ له التصدق به على مسكين؟ ـ فهو مبني على ما هو المشهور عندهم من ان مقتول المحرم حرام مطلقا ، واما على ما ذهب اليه الصدوق ومن تبعه ـ من ان مذبوح الحرم في غير الحرم لا يحرم على المحل ـ فلا وجه لهذا الطعن وقد تقدم تحقيق المسألة مستوفى. وهذا الطعن منه حيث انه اختار القول الأول ، إلا ان ظاهر آخر كلامه الرجوع عنه.

واما ما نقله في المختلف عن الشيخ علي بن بابويه فهو عين ما في كتاب الفقه الرضوي (١) ، حيث قال (عليه‌السلام): وكل شي‌ء أتيته في الحرم بجهالة وأنت محل أو محرم ، أو أتيت في الحل وأنت محرم ، فليس عليك شي‌ء ، إلا الصيد فان عليك فداءه ، فان تعمدته كان عليك فداؤه وإثمه ، وان علمت أو لم تعلم فعليك فداؤه. انتهى.

الثالثة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في ان الصيد يضمن بقتله عمدا وسهوا وخطأ ، فلو رمى صيدا فمرق السهم فقتل آخر كان عليه فداءان ، ولو رمى غرضا فأصاب صيدا كان عليه فداؤه.

وعلى ذلك تدل جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه ثقة الإسلام (نور الله ـ تعالى ـ مرقده) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن

__________________

(١) ص ٢٩.


ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تأكل من الصيد وأنت حرام وان كان اصابه محل ، وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة ، إلا الصيد فان عليك فيه الفداء ، بجهل كان أو بعمد».

وفي الصحيح عن احمد بن محمد عن ابن ابي نصر عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن المحرم يصيب الصيد بجهالة. قال : عليه كفارة. قلت : فإن أصابه خطأ؟ قال : وأي شي‌ء الخطأ عندك؟ قلت : يرمي هذه النخلة فيصيب نخلة أخرى. قال : نعم هذا الخطأ ، وعليه الكفارة. قلت : فإنه أخذ طائرا متعمدا فذبحه وهو محرم؟ قال : عليه الكفارة. قلت : جعلت فداك ألست قلت : ان الخطأ والجهالة والعمد ليسوا بسواء ، فبأي شي‌ء يفضل المتعمد الجاهل والخاطئ؟ قال : انه اثم ولعب بدينه».

وفي الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) في حديث قال : «اعلم انه ليس عليك فداء شي‌ء أتيته وأنت محرم جاهلا به ، إذا كنت محرما في حجك أو عمرتك ، إلا الصيد فان عليك الفداء ، بجهالة كان أو عمد».

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٨١ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣١٥ ، والوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٨١ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٦٠ ، والوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٨٢ و ٣٨٣ ، والوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد.


وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد (١) عن محمد بن الحسين بن ابي الخطاب عن احمد بن محمد بن ابي نصر قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن المتعمد في الصيد والجاهل والخطأ سواء فيه؟ قال : لا. فقلت له : الجاهل عليه شي‌ء؟ فقال : نعم. فقلت له : جعلت فداك فالعمد بأي شي‌ء يفضل صاحب الجهالة؟ قال : بالإثم ، وهو لاعب بدينه».

ونقل في المختلف هنا عن السيد المرتضى في الانتصار (٢) الفرق بين العمد وغيره ، بتعدد الجزاء على العامة دون غيره. قال في الكتاب المذكور : ومن ما انفردت به الإمامية القول بان المحرم إذا قتل صيدا متعمدا كان عليه جزاءان ، وان كان قتله خطأ أو جهلا فعليه جزاء واحد. ثم نقل عنه الاحتجاج على ذلك بالإجماع والاحتياط. أقول : وضعفه أظهر من ان يحتاج الى مزيد بيان. والله العالم.

الرابعة ـ لو اشترى محل لمحرم بيض نعام فأكله ، كان على المحرم عن كل بيضة شاة ، وعلى المحل لكل بيضة درهم.

والأصل في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابي عبيدة (٣) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل محل اشترى لمحرم بيض نعام فأكله المحرم ، فما على الذي أكله؟ فقال : على الذي اشتراه فداء لكل بيضة درهم ، وعلى المحرم لكل بيضة شاة».

وتحقيق الكلام في هذا الخبر يقع في مواضع الأول ـ ظاهر

__________________

(١) ص ١٦٨ ، والوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد.

(٢) ما نقله عن المختلف منقول بعضه عن الانتصار وبعضه عن المسائل الناصرية ، ارجع الى المختلف ج ٢ ص ١٠٦.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٥ و ٣٥٦ ، والوسائل الباب ٢٤ و ٥٧ من كفارات الصيد.


إطلاق الخبر المذكور يقتضي عدم الفرق في لزوم الدرهم للمحل بين ان يكون في الحل أو الحرم ، مع انه من القواعد المقررة عدم ضمان المحل في غير الحرم ما يحرم على المحرم وان إعانة ، بل وان شاركه في الصيد. ومن القواعد المقررة ايضا لزوم القيمة له لو كان في الحرم وظاهر هذا الخبر لا ينطبق على شي‌ء من هاتين القاعدتين ، فيجب القول بتخصيصه بمورده.

واما ما ذكره في المدارك ـ من الجواب عن لزوم الدرهم في الحل بأنه لا استبعاد في ترتب الكفارة بذلك على المحل في الحل ، لأن المساعدة على المعصية لما كانت معصية لم يمتنع ان تترتب عليها الكفارة بالنص الصحيح ، وان لم تجب عليه الكفارة مع مشاركته المحرم في قتل الصيد ـ

ففيه : ان مشاركته له في قتل الصيد أيضا مساعدة له على قتله ، فتكون معصية ، فينبغي ان تثبت فيه الكفارة لو كان منشأها المساعدة كما زعمه. على ان ما ذكره من تحريم المساعدة على إطلاقه ممنوع ، فإنه لو دل على الصيد وهو محل في الحل فقد ساعده على المعصية ، مع انه لا شي‌ء عليه كما صرحوا به.

الثاني ـ إطلاق النص يقتضي عدم الفرق في وجوب الشاة للمحرم بالأكل بين ان يكون أكله في الحل أو الحرم. وهو ايضا مخالف لما تقدم من التضاعف على المحرم في الحرم ، ووجوب الجزاء والقيمة معا وقوى شيخنا الشهيد الثاني التضاعف على المحرم في الحرم ، وخص الرواية بالمحرم في الحل. واستحسنه سبطه في المدارك. ولا ريب انه الأحوط.


الثالث ـ قد تقرر في مسألة بيض النعام ـ كما تقدم ـ ان المشهور ان في كسره مع عدم تحرك الفرخ الإرسال ، وعليه دلت جملة من الاخبار المتقدمة. هذا مع عدم اكله. وهذه الرواية قد تضمنت الكسر والأكل مع ان الواجب عليه شاة لا غير. ومن ثم قيده بعضهم بان لا يكسره المحرم بل يشتريه له المحل مطبوخا ومكسورا ، أو يطبخه ويكسره هو دون المحرم ، فعلى هذا لا يبقى عليه إلا كفارة الأكل وهي الشاة. وعلى هذا لو كسره المحرم واكله وجب عليه الإرسال للكسر والشاة للأكل.

الرابع ـ لو كان المشتري للمحرم محرما مثله احتمل وجوب الدرهم خاصة ، لأن إيجابه على المحل يقتضي إيجابه على المحرم بطريق اولى والزائد منفي بالأصل. ويحتمل وجوب الشاة لمشاركته للمحرم ، كما لو باشر أحدهما القتل ودل الآخر. والظاهر رجحان الاحتمال الثاني فإنه أنسب بالقواعد المتقدمة. ولو اشتراه المحرم لنفسه فكسره واكله وجب عليه فداء الكسر والأكل. ولو اشتراه مكسورا فأكله وجب عليه فداء الأكل. لكن هل يكون هنا فداؤه الدرهم نظرا الى الشراء ، أو الشاة نظر الى الأكل ، أو الإرسال لوجوبه بدون الشراء؟ احتمالات.

الخامس ـ لو ملكه المحل بغير شراء وبذله للمحرم فأكله ، ففي وجوب الدرهم على المحل وجهان ، يلتفتان الى عدم النص في ذلك ، لخروج هذه الصورة عن مورد الخبر ، والى ان السبب اعانة المحرم ، ولا أثر لخصوصية سبب تملك العين. واستظهر أولهما في المدارك. وقوى ثانيهما ابن فهد في المهذب.


الخامسة ـ لو اضطر المحرم إلى أكل الصيد اكله وفداه بلا خلاف ، وإنما الخلاف في ما إذا كان عنده ميتة ، فهل يأكل الصيد ، أو الميتة ، أو يفرق بين إمكان الفداء لو أكل من الصيد وعدمه؟ أقوال. وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في المسألة الحادية عشرة من البحث الأول.

السادسة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) : منهم : المحقق في الشرائع والنافع ، والعلامة في بعض كتبه بأنه إذا كان الصيد مملوكا ففداؤه لصاحبه.

وقد أورد على هذا الكلام بحسب ظاهره عدة إشكالات ، منشأها : ان الفداء متى أطلق فالمتبادر منه هو ما يلزم المحرم بسبب الجناية على الصيد من مال أو صوم أو إرسال ، وهو شامل لما لو زاد عن قيمة الصيد المملوك أو نقص ، ولما لو كانت الجناية غير موجبة لضمان الأموال ، كالدلالة على الصيد. ومقتضى جعل الفداء للمالك انه لا يجب شي‌ء سوى ما يصرفه للمالك. وهو باطل البتة.

والإشكالات المتفرعة على ما ذكرنا : منها ـ ان الواجب في المتلفات من الأموال القيمة ، وهو ما يعين بالأثمان التي هي الدراهم والدنانير فإيجاب غيرها كالبدنة في النعامة للمالك خروج عن الواجب.

ومنها ـ انه لو عجز عن الفداء يجب عليه الصوم على ما سبق ، وإيجابه خاصة يقتضي ضياع حق المالك ، وإيجاب القيمة معه خروج عن إطلاق كون الفداء للمالك ، وعدم إيجاب الصوم أصلا أبعد ، لما فيه من الخروج عن نص الكتاب العزيز (١).

ومنها ـ ان الفداء لو كان انقص من القيمة فإيجابه خاصة يقتضي

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٩٥.


تضييع بعض حق المالك ، وإيجاب شي‌ء آخر معه يقتضي الخروج عن إطلاق استحقاق المالك الفداء ، وعدم إيجاب شي‌ء واضح البطلان ، لان فيه تضييعا للمال المحترم بغير سبب ظاهر. ولأنه إذا وجبت القيمة السوقية في حال عدم الإحرام والخروج عن الحرم ، فالمناسب التغليظ معهما أو مع أحدهما ، فلا أقل من المساواة.

ومنها ـ لو كان المتلف بيضا ووجب الإرسال ، وقلنا ان الفداء للمالك ولم ينتج شيئا ، يلزم ضياع حق المالك ، وهو باطل. وان أوجبنا القيمة السوقية معه لم يصدق ان الفداء للمالك. وان نفينا الإرسال وأوجبنا القيمة لزم الخروج عن النصوص الصحيحة المتفق على العمل بمضمونها بين الأصحاب.

ومنها ـ انه لو اشترك في قتله جماعة فقد تقدم انه يلزم في قتله الفداء على كل واحد منهم ، واجتماع الجميع للمالك خروج عن قاعدة ضمان الأموال.

ومنها ـ انه قد تقدم ان المباشر إذا اجتمع مع السبب ـ كالذابح مع الدال ـ ضمن كل واحد منهما فداء ، واجتماعهما للمالك خروج عن القاعدة وإعطاء له زيادة عن ما يجب له.

الى غير ذلك من الإشكالات اللازمة من إطلاق كون الفداء في المملوك للمالك.

أقول : ومن أظهر ما يرد على هذا الإطلاق ويبطله بالاتفاق تصريح القرآن العزيز في الفداء من الأنعام انه «هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ» (١) أعم من ان يكون مملوكا وغيره ، فكيف يكون للمالك والصيام أو الإطعام للمساكين في بعض المراتب؟ واي تعلق لهذا بالمالك؟ ونحو ذلك من ما تقدم.

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٩٥.


وبالجملة فإن الظاهر ان مراد من عبر بذلك إنما هو القيمة ، لأنه يطلق عليها الفداء كما تقدم ، وان أجملوا في التعبير ولم يضيفوا إليها الجزاء الذي لله (سبحانه وتعالى) إلا ان ظاهر كلام جملة ممن شرح كلامهم ينافي ما ذكرناه من الاعتذار.

وكيف كان فالظاهر ما ذكره جملة من الأصحاب ـ منهم : الشيخ في المبسوط ، والعلامة في جملة من كتبه ، ومن تأخر عنه ـ من ان الفداء في المملوك لله (تعالى) كغيره ، ويجب على المتلف بالنسبة إلى المملوك القيمة لمالكه إذا كان مضمونا مع الفداء ، أعمالا للدليلين ، الدال أحدهما على لزوم الفداء للصيد ، والثاني على ضمان المتلف بالمثل أو القيمة كما في سائر الأموال. ولو لم يتعلق بالمتلف الضمان ـ ككون يده يد امانة ـ لزمه الفداء لا غير. وكذا لو وجب الفداء بالدلالة خاصة.

وظاهر العلامة في المنتهى ان هذا الحكم موضع وفاق بين الأصحاب فإنه قال : إذا قتل المحرم صيدا مملوكا لغيره لزمه الجزاء لله (تعالى) والقيمة لمالكه ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ، وقال مالك والمزني : لا يجب الجزاء لقتل الصيد المملوك (١) لنا : قوله (تعالى) (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (٢) وهو يتناول صورة النزاع كما يتناول صورة الاتفاق. ومنه يظهر ما قدمنا ذكره من انه ليس مرادهم من تلك العبارة ظاهرها الذي ترد عليه الإشكالات المتقدمة فإنه (قدس‌سره) ممن صرح بذلك في مختصراته كالإرشاد وغيره.

__________________

(١) المجموع للنووي ج ٧ ص ٢٩٥ الطبعة الثانية ، والبحر الرائق ج ٣ ص ٢٧. وارجع الى الاستدراكات.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٩٥.


السابعة ـ لو لم يكن الصيد مملوكا تصدق بالفداء باتفاق الأصحاب وإطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق في الفداء بين ان يكون حيوانا كالبدنة والبقرة والشاة ، أو غيره كالقيمة أو كف من طعام.

ويدل على وجوب الصدقة بالجميع ـ مضافا الى ان ذلك هو المتبادر من إيجاب الجزاء ـ الأخبار الكثيرة ، ومنها : صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة الى ان يبلغ الظبي فعليه دم يهريقه ، ويتصدق بمثل ثمنه ، فإن أصاب منه وهو حلال فعليه ان يتصدق بمثل ثمنه».

وحسنة الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) وفيها : «ان قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة ، وثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدق به ...».

الى غير ذلك من الاخبار المتقدمة.

وصرح العلامة وغيره بان مستحق الصدقة الفقراء والمساكين بالحرم ومقتضى الآية (٣) والاخبار المتقدمة اختصاص الإطعام بالمساكين. إلا ان ظاهرهم إرادة الفقراء من هذا الإطلاق ، بناء على الترادف بين اللفظين. وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك في كتاب الزكاة.

الثامنة ـ قد صرح المحقق في الشرائع بأن كل ما يلزم المحرم

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ١٦٧ ، والوسائل الباب ١١ و ٤٤ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٩٥ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٧٠ ، والوسائل الباب ١١ من كفارات الصيد.

(٣) سورة المائدة ، الآية ٩٥.


من فداء ، يذبحه أو ينحره بمكة ان كان معتمرا ، وبمنى ان كان حاجا.

قال في المدارك : هذا مذهب الأصحاب لا اعلم فيه مخالفا.

أقول : العجب منه (قدس‌سره) في دعوى اتفاق الأصحاب على ذلك مع وجود الخلاف في كتاب المختلف. نعم ما ذكره هو المشهور كما ذكره في المختلف ، حيث نقل عن الشيخ في المبسوط والنهاية ، والشيخ المفيد في المقنعة : ان من وجب عليه جزاء صيد اصابه وهو محرم ، فان كان حاجا نحر ما وجب عليه بمنى ، وان كان معتمرا نحره بمكة قبالة الكعبة. قال : وكذا قال السيد المرتضى وسلار وأبو جعفر ابن بابويه. وزاد الشيخ (رحمه‌الله تعالى) : وما يجب على المحرم بالعمرة في غير كفارة الصيد جاز ان ينحره بمنى. ثم قال : وقال علي بن بابويه : وكل ما أتيته من الصيد في عمرة أو متعة فعليك ان تنحر أو تذبح ما يلزمك من الجزاء بمكة عند الحزورة قبالة الكعبة ، وان شئت أخرته الى أيام التشريق تنحره بمنى ، فإذا وجب عليك في متعة ، وما أتيته في ما يجب عليك فيه الجزاء في حج ، فلا تنحره الا بمنى. وقال أبو الصلاح : محل فداء ما أتاه في إحرام المتعة أو العمرة المبتولة قبالة الكعبة ، وفي إحرام الحج منى. وقال ابن إدريس : من وجب عليه جزاء صيد وهو محرم ، فان كان حاجا أو معتمرا عمرة متمتعا بها الى الحج نحر أو ذبح ما وجب عليه بمنى ، وان كان معتمرا عمرة مبتولة نحر بمكة أو ذبح قبالة الكعبة. وقال ابن حمزة : وما يلزم المحرم من جزاء الصيد وقيمته في إحرام الحج والعمرة المتمتع بها من الذبح والنحر والإطعام صنعها بمنى ، وان لزمه


في إحرام العمرة المبتولة لزمه ذلك بمكة. انتهى ما ذكره في المختلف

ونقل الفاضل الخراساني في الذخيرة عن ابن البراج : ان كل من كان محرما بحج ووجب عليه جزاء صيد اصابه ، وأراد ذبحه أو نحره ، فليذبحه أو ينحره بمنى ، وان كان معتمرا فعل ذلك بمكة أي موضع شاء ، والأفضل ان يكون فعله لذلك بالحزورة مقابل الكعبة وما يجب على المحرم بعمرة مفردة من كفارة ليست كفارة صيد فإنه يجوز ذبحها أو نحرها بمنى. ونقل فيه أيضا عبارة الشيخ علي بن بابويه ، وزاد فيها على ما قدمنا نقله عن المختلف : وان كان عليك دم واجب وقلدته أو جللته أو أشعرته فلا تنحره إلا يوم النحر بمنى.

هذا ما وقفت عليه من كلام الأصحاب.

واما الاخبار الواردة في هذا الباب فمنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي (١) في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من وجب عليه فداء صيد اصابه وهو محرم ، فان كان حاجا نحر هديه الذي يجب عليه بمنى ، وان كان معتمرا نحره بمكة قبالة الكعبة».

وعن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) انه قال «في المحرم إذا أصاب صيدا فوجب عليه الفداء ، فعليه ان ينحره ان كان في الحج بمنى حيث ينحر الناس ، فان كان في عمرة نحره بمكة ، وان

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٨٤ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٧٣ ، والوسائل الباب ٤٩ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٨٤ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٧٣ ، والوسائل الباب ٤٩ و ٥١ من كفارات الصيد.


شاء تركه الى ان يقدم فيشتريه فإنه يجزئ عنه».

قال الشيخ في التهذيب (١) : قوله (عليه‌السلام) : «فوجب عليه الفداء» اي شراؤه. وقوله : «وان شاء تركه» رخصة لتأخير شراء الفداء الى ان يقدم مكة أو منى ، لان من وجب عليه كفارة الصيد فإن الأفضل ان يفديه من حيث اصابه. ثم استدل على ذلك بما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) قال : «يفدي المحرم فداء الصيد من حيث صاد».

ونقل في الدروس عن الشيخ انه جوز فداء الصيد حيث اصابه ، واستحب تأخيره إلى مكة ، لصحيحة معاوية. والظاهر انه بنى على ظاهر هذه العبارة ، مع ان الأمر في العبارة إنما هو خلاف ما ذكره حيث انه جعل الأفضل ان يفديه من حيث اصابه وان التأخير إلى مكة رخصة.

وكيف كان فإنه من هذه الاخبار يعلم مستند القول المشهور.

واما ما نقل عن الشيخ علي بن بابويه فهو من كتاب الفقه الرضوي كما عرفت في غير موضع ، ومنه يعلم مستنده.

قال (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور (٣) : وكل ما أتيته من

__________________

(١) ج ٥ ص ٣٧٣ ، وما ذكره (قدس‌سره) ـ من تفسير وجوب الفداء بشرائه ـ ليس في التهذيب وانما هو في الوافي باب (موضع ذبح الكفارة ومصرفها).

(٢) التهذيب ج ١ ص ٥٥٤ الطبع القديم ، والوسائل الباب ٥١ من كفارات الصيد.

(٣) ص ٢٨.


الصيد في عمرة أو متعة فعليك ان تذبح أو تنحر ما لزمك من الجزاء بمكة عند الحزورة قبالة الكعبة موضع النحر ، وان شئت أخرته الى أيام التشريق فتنحره بمنى. وقد روى ذلك ايضا. وإذا وجب عليك في متعة ، وما أتيته من ما يجب عليك فيه الجزاء من حج ، فلا تنحره إلا بمنى. فان كان عليك دم واجب قلدته أو جللته أو أشعرته فلا تنحره إلا في يوم النحر بمنى. انتهى.

قوله : «كل ما أتيته من الصيد في عمرة» أي مفردة : «أو متعة» يعني : عمرة تمتع. وظاهره ان التأخير إلى منى في الصورة المذكورة مروي أيضا. وقوله : «وإذا وجب عليك في متعة» اي حج تمتع وقوله : «من حج» يعني : مفرد ، فإن إطلاق العمرة على المفردة والحج على حج الافراد كثير في الاخبار ، فلا منافاة كما ربما يتوهم.

وتنقيح البحث في المسألة يتوقف على رسم فوائد الأولى ـ ظاهر المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد جواز فداء الصيد في موضع الإصابة وعدم وجوب التأخير إلى مكة ومنى كما تقدم ، وان كان الأفضل ذلك. واعتضد في ذلك بما تقدم نقله عن معاوية بن عمار في الصحيح (١) قال : «يفدي المحرم فداء الصيد من حيث صاد». قال : والظاهر انه من الامام (عليه‌السلام). ثم قال : ويدل عليه أيضا صحيحة أبي عبيدة الثقة في كفارة قتل النعامة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا أصاب المحرم الصيد ولم

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٥٥٤ الطبع القديم ، والفروع ج ٤ ص ٣٨٤ ، والوسائل الباب ٥١ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٨٧ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٤١ ، والوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.


يجد ما يكفر في موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاؤه. الحديث». قال : وايضا يمكن فهمها من ما في رواية محمد المتقدمة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) «فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه». الى ان قال : فالذي يظهر انه يجوز في مكان الإصابة مطلقا ، وإذا كان في الحج يجوز التأخير إلى منى ، وفي العمرة إلى مكة أفضل. فيمكن حمل قوله (تعالى) (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) (٢) على الأفضلية ، وان يراد بها ما يعم مكة ومنى ، فيكون للحج بمنى وللعمرة بمكة. وهذا في كفارة الصيد اما غيرها فلا يبعد الأفضلية في مكان اللزوم. الى آخر كلامه (زيد في إكرامه).

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) لا يخلو من الإشكال :

أما أولا : فلأنه قد روى ثقة الإسلام في الكافي عن احمد بن محمد ـ والظاهر انه ابن ابي نصر ـ عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «من وجب عليه هدي في إحرامه فله ان ينحره حيث شاء الا فداء الصيد ، فان الله (عزوجل) يقول : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ)» (٤).

وهو (قدس‌سره) قد ذكر الرواية وحملها على الأفضلية بعد رميها بضعف السند. وفيه : ان ضعف السند مجبور باتفاق الأصحاب على القول بمضمونها كما عرفت ، فإنه لا مخالف فيه سوى ما يظهر من كلامه هنا.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من كفارات الصيد رقم ١٠.

(٢ و ٤) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٣) الوسائل الباب ٤٩ من كفارات الصيد.


وروى الصدوق في الفقيه (١) في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الأرنب يصيبه المحرم. فقال : شاة (هديا بالغ الكعبة) (٢)».

وفي جملة من روايات الإرسال ـ وقد تقدمت ـ «فما ينتج فهو هدي بالغ الكعبة» أو «هدي لبيت الله الحرام».

وفي حديث الجواد المتقدم ذكره برواية علي بن إبراهيم في تفسيره (٣) : «وان كان في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا ، هديا بالغ الكعبة ، حقا واجبا عليه ان ينحره ، فان كان في حج بمنى حيث ينحر الناس ، وان كان في عمرة ينحره بمكة. الى ان قال في آخر الخبر : والمحرم بالحج ينحر فداءه بمنى حيث ينحر الناس ، والمحرم بالعمرة ينحر بمكة». ومورد الخبر من أوله الى آخره فداء الصيد.

واما ثانيا : فإن القاعدة المستفادة من اخبار أهل الذكر (عليهم‌السلام) هو إرجاع الاخبار الى القرآن لا القرآن الى الاخبار والاخبار هنا قد اختلفت في هذا الحكم ، فان الظاهر من الاخبار التي ذكرها هو ما ذكره من جواز الفداء في موضع الإصابة ، والمفهوم من صحيحة عبد الله بن سنان ـ ورواية زرارة ، ومرسلة أحمد بن محمد المذكورة ، وما بعدها من الروايات ـ هو التأخير إلى مكة أو منى والترجيح لهذه الأخبار بموافقة ظاهر القرآن ، فلا بد من ارتكاب التأويل في الاخبار التي ذكرها ، أو طرحها عملا بمقتضى القاعدة

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٣٣ ، والوسائل الباب ٤ من كفارات الصيد.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٣) ج ١ ص ١٨٤ ، والوسائل الباب ٣ من كفارات الصيد.


المنصوصة في مقام اختلاف الاخبار والعرض على القرآن. على انه في مسألة الحبوة قد اطرح ظاهر الاخبار تمسكا بظاهر القرآن ، فحمل الاخبار على الاستحباب بالقيمة ، ونحو ذلك في ميراث الأزواج فكيف اختار هنا العمل بهذه الاخبار وإرجاع الآية إليها؟

واما ثالثا : فان الظاهر من صحيحة ابي عبيدة المذكورة انما هو انتقال الحكم من البدنة إلى التقويم بالدراهم في ذلك الموضع ، يعني : انه إذا وجد البدنة في موضع الإصابة تعلق الحكم بالبدنة ، وكان الواجب عليه ذبحها بمكة أو بمنى ، وان صدق عليه انه غير واجد لها انتقل الحكم الى التقويم ، لا ان الواجب ذبح البدنة في ذلك الموضع كما فهمه. واما صحيحة معاوية بن عمار فهي ـ مع كونها غير مسندة الى الامام (عليه‌السلام) فلا تقوم حجة ـ يمكن حملها على ما حمل عليه الشيخ رواية زرارة ، من ان الأفضل شراء الصيد من موضع الإصابة. واما رواية محمد فموردها الصدقة بالثمن دون الهدي ، وهو خارج عن محل البحث.

الثانية ـ قال السيد السند (قدس‌سره) في المدارك بعد ذكر صحيحة عبد الله بن سنان ، ورواية زرارة ، وصحيحة معاوية بن عمار : وهذه الروايات كلها ـ كما ترى ـ مختصة بفداء الصيد ، اما غيره فلم أقف على نص يقتضي تعين ذبحه في هذين الموضعين ، فلو قيل بجواز ذبحه حيث كان لم يكن بعيدا ، للأصل ، ولما رواه الشيخ عن احمد ابن محمد عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «من وجب عليه هدي في إحرامه فله ان ينحره حيث شاء إلا فداء

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٩ من كفارات الصيد.


الصيد. الحديث المتقدم». ثم قال : ولا ريب ان المصير الى ما عليه الأصحاب أولى وأحوط.

أقول : وقد تقدمه في ذلك شيخه المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) حيث قال في شرح الإرشاد على اثر الكلام المتقدم نقله عنه : هذا في كفارة الصيد ، اما غيرها فلا يبعد الأفضلية في مكان اللزوم ، للمسارعة إلى الخيرات. ولئلا يمنع عنه مانع مثل الموت وغيره. ولاحتمال الفورية ، كما يظهر من كلام البعض ان الكفارة فورية. وقد علم من ما سبق انها غير فورية في الجملة. والأصل مؤيد مع عدم ظهور دليل خلافه. انتهى.

والذي وقفت عليه من الاخبار ـ من ما لم يصرح فيه بالصيد أو صرح فيه بغيره ـ أخبار عديدة : منها ـ مرسلة أحمد بن محمد المتقدمة وما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن كفارة العمرة المفردة أين تكون؟ فقال : بمكة ، إلا ان يشاء صاحبها ان يؤخرها إلى منى ، ويجعلها بمكة أحب الي وأفضل».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن كفارة العمرة أين تكون؟ قال : بمكة ، إلا أن يؤخرها إلى الحج فتكون بمنى ، وتعجيلها أفضل وأحب الي».

وهذان الخبران حملهما في التهذيب على كفارة غير الصيد ، لصحيحة

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٤ ، والوسائل الباب ٤٩ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٥٣٩ ، والوسائل الباب ٤ من الذبح رقم ٤.


عبد الله بن سنان المتقدمة. وفي الاستبصار جوز ان تكون مكة أفضل في الصيد وان جاز منى أيضا. والظاهر هو حمله الأول. وكيف كان فهما دالان بإطلاقهما على ان محل الكفارة في العمرة كائنة ما كانت مكة أو منى.

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له : الرجل يجرح من حجته شيئا يلزمه منه دم ، يجزئه ان يذبحه إذا رجع الى أهله؟ فقال : نعم. وقال ـ في ما اعلم ـ : يتصدق به. قال إسحاق : وقلت لأبي إبراهيم (عليه‌السلام) : الرجل يجرح من حجته ما يجب عليه الدم ولا يهريقه حتى يرجع الى أهله؟ فقال : يهريقه في اهله ، ويأكل منه الشي‌ء». أقول : ويجرح بالجيم ثم الراء ثم الحاء المهملة ، بمعنى : يكسب. ونحوه روى الشيخ عن إسحاق أيضا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢).

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن إسماعيل ابن بزيع عن الرضا (عليه‌السلام) (٣) قال : «سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس ـ وانا اسمع ـ فأمره ان يفدي

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٤٨٨ ، والوسائل الباب ٥ من الذبح.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٤٨١ و ٤٨٢ ، والوسائل الباب ٥٠ من كفارات الصيد.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٥١ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣١١ ، والوسائل الباب ٤٩ من كفارات الصيد ، والباب ٦ من بقية كفارات الإحرام رقم ٣ و ٦.


شاة يذبحها بمنى». ورواه في الفقيه (١) ايضا وزاد : «نحن إذا أردنا ذلك ظللنا وفدينا».

وروى في التهذيب (٢) في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الظل للمحرم من أذى مطر أو شمس. فقال : ارى ان يفديه بشاة يذبحها بمنى».

وفي الصحيح عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر (٣) قال : «سألت أخي (عليه‌السلام) : أظلل وانا محرم؟ فقال : نعم ، وعليك الكفارة. قال : فرأيت عليا إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل».

وجملة من الاخبار مطلقة ، والظاهر في وجه الجمع بينها هو ما دلت عليه مرسلة أحمد بن محمد من انه ينحره حيث شاء ، إلا ان الأفضل ان يكون بمكة أو بمنى على التفصيل الذي ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم).

الثالثة ـ الظاهر من كلامي ابن إدريس وابن حمزة المتقدمين إلحاق عمرة التمتع بحجة في الذبح بمنى. ولم نقف لهما على دليل في ذلك. وظاهر الخبرين الأولين اللذين هما المستند في هذا الحكم إنما هو التفصيل بين الحج والعمرة ، فإن كان ما جناه في الحج فمحله منى ، وان كان في العمرة فهو مكة. ومن الظاهر ان المراد بالعمرة ما هو أعم من العمرة المبتولة والمتمتع بها الى الحج ، لأنها لا تدخل

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٢٦ ، والوسائل الباب ٦ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) ج ٥ ص ٣٣٤ ، والوسائل الباب ٤٩ من كفارات الصيد.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٤ ، والوسائل الباب ٤٩ من كفارات الصيد ، والباب ٦ من بقية كفارات الإحرام.


في لفظ الحج ، وإلا لسقط حكمها من البين. وبالجملة فالظاهر هو القول المشهور ، وما ذكراه بمحل من القصور.

الرابعة ـ ظاهر الاخبار المتقدمة ان مكة كلها منحر ، وان كان الأفضل تجاه الكعبة في الحزورة ، وكذلك منى كلها منحر ، وان كان الأفضل عند المسجد ، وهو المنحر المعهود.

ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار (١) : «ان عبادا البصري جاء الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) وقد دخل مكة بعمرة مبتولة ، واهدى هديا فأمر به فنحر في منزله بمكة ، فقال له عباد : نحرت الهدي في منزلك وتركت ان تنحره بفناء الكعبة ، وأنت رجل يؤخذ منك؟ فقال له : ألم تعلم ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نحر هديه بمنى في المنحر ، وأمر الناس فنحروا في منازلهم ، وكان ذلك موسعا عليهم ، فكذلك هو موسع على من ينحر الهدي بمكة في منزله إذا كان معتمرا».

الخامسة ـ قال العلامة في المنتهى : إذا اختار المثل أو قلنا بوجوبه ذبحه وتصدق به على مساكين الحرم ، لانه (تعالى) قال (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) (٢) ولا يجوز ان يتصدق به حيا على المساكين ، لانه (تعالى) سماه هديا ، والهدي يجب ذبحه. وله ذبحه اي وقت شاء لا يختص ذلك بأيام النحر ، لأنه كفارة فيجب إخراجها متى شاء كغيرها من الكفارات. انتهى. ومثله في التذكرة.

ثم ذكر في مسألة الإطعام انه بمكة أو بمنى على ما قلناه

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٤ ، والوسائل الباب ٥٢ من كفارات الصيد.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٩٥.


من الجزاء ، لانه عوض عن ما يجب دفعه الى مساكين ذلك المكان ، فيجب دفعه إليهم. وتعتبر قيمة المثل في الحرم ، لانه محل إخراجه. ولا يجوز إخراج القيمة ، لأنه (تعالى) خير بين ثلاثة أشياء ، وليست القيمة واحدا منها. والطعام المخرج : الحنطة والشعير والتمر والزبيب ولو قيل يجزئ كل ما يسمى طعاما كان حسنا ، لانه (تعالى) أوجب الطعام. ويتصدق على كل مسكين بنصف صاع. انتهى. ومثله في التذكرة.

أقول : أكثر هذه الأحكام لا تخلو من الاشكال ، لعدم الدليل الواضح فيها من الاخبار ، وان كان الأحوط الوقوف على ما ذكروه.

الصنف الثاني في النساء ، والبحث فيه يقع في فصلين :

الأول ـ يحرم على المحرم النساء ، وطأ ، وتقبيلا ، ونظرا بشهوة ، وعقدا لنفسه أو لغيره ، وشهادة تحملا أو إقامة.

وتفصيل هذه الجملة يقع في مسائل الأولى ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في تحريم النكاح في حال الإحرام ، وطأ ، وعقدا لنفسه أو لغيره ، بولاية أو وكالة.

قال في المنتهى : ولا يجوز للمحرم ان يتزوج أو يزوج ، ولا يكون وليا في النكاح ولا وكيلا فيه ، سواء كان رجلا أو امرأة ، ذهب إليه علماؤنا اجمع.

والأصل فيه قوله (عزوجل) (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (١) والرفث هو الجماع بالنص الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) والكاظم (عليه‌السلام) :

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٩٧.


روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله وقلة الكلام إلا بخير ، فان تمام الحج والعمرة ان يحفظ المرء لسانه إلا من خير ، كما قال الله (عزوجل) فان الله يقول (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (٢) فالرفث : الجماع ، والفسوق : الكذب والسباب ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله».

وعن علي بن جعفر في الصحيح (٣) قال : «سألت أخي موسى (عليه‌السلام) عن الرفث والفسوق والجدال ما هو؟ وما على من فعله؟ فقال : الرفث : جماع النساء ، والفسوق : الكذب والمفاخرة ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله. فمن رفث فعليه بدنة ينحرها ، وان لم يجد فشاة ، وكفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله وهو محرم».

قال في الوافي بعد نقل هذا الحديث : هكذا وجد هذا الحديث في ما رأيناه من النسخ ، ولعله سقط من الكلام شي‌ء. انتهى. وهو كذلك.

واما ما يدل على أصل المسألة من الاخبار فمنه ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤)

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٢٩٦ ، والوسائل الباب ٣٢ من تروك الإحرام.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٧.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٢٩٧ ، والوسائل الباب ٣٢ من تروك الإحرام ، والباب ٣ من كفارات الاستمتاع ، والباب ٢ من بقية كفارات الإحرام.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٣٢٨ ، والوسائل الباب ١٤ من تروك الإحرام.


قال : «ليس للمحرم ان يتزوج ولا يزوج ، فان تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل».

وما رواه الكليني في الحسن عن معاوية بن عمار (١) قال : «المحرم لا يتزوج ولا يزوج ، فان فعل فنكاحه باطل».

وما رواه الكليني والشيخ عن ابي بصير (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : للمحرم ان يطلق ولا يتزوج».

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «ليس للمحرم ان يتزوج ولا يزوج محلا ، فان تزوج أو زوج فتزويجه باطل.

وان رجلا من الأنصار تزوج وهو محرم فأبطل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نكاحه».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سمعته يقول : ليس ينبغي للمحرم ان يتزوج ولا يزوج محلا». ولفظ : «ليس ينبغي» هنا بمعنى التحريم ـ كما هو الشائع في الأخبار ـ بقرينة الأخبار المتقدمة.

وفي الصحيح عن محمد بن قيس عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٥)

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ٢٦٧ الطبع القديم ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٣٠ والوسائل الباب ١٤ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٧٢ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٨٣ ، والوسائل الباب ١٧ من تروك الإحرام.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢٣٠ ، والوسائل الباب ١٤ من تروك الإحرام.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٠ ، والوسائل الباب ١٤ من تروك الإحرام.

(٥) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٠ ، والوسائل الباب ١٥ من تروك الإحرام.


قال : «قضى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في رجل ملك بضع امرأة وهو محرم قبل ان يحل ، فقضى ان يخلي سبيلها ، ولم يجعل نكاحه شيئا حتى يحل ، فإذا أحل خطبها ان شاء ، فان شاء أهلها زوجوه ، وان شاءوا لم يزوجوه».

والمستفاد من هذه الرواية انها بالعقد لا تحرم مؤبدا. وحملها الشيخ على الجاهل جمعا بينها وبين ما رواه عن أديم بن الحر الخزاعي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ان المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما ، ولا يتعاودان ابدا».

وفي الموثق عن ابن بكير عن إبراهيم بن الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما ثم لا يتعاودان ابدا». ورواه الكليني في الموثق عن ابن بكير عن إبراهيم ابن الحسن مثله (٣).

وما ذكره الشيخ (قدس‌سره) من الجمع جيد ، ويدل عليه ما رواه الكليني والشيخ عن زرارة وداود بن سرحان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) في حديث قال فيه : «والمحرم إذا تزوج وهو يعلم انه حرام عليه لم تحل له ابدا».

ويحتمل الجمع ايضا بحمل الروايتين الأخيرتين على الدخول والرواية الأولى على عدم الدخول.

ومثل هاتين الروايتين ما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه (٥)

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٢٩ ، والوسائل الباب ١٥ من تروك الإحرام.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٧٢ ، والوسائل الباب ١٥ من تروك الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٣١ من ما يحرم بالمصاهرة.

(٥) ج ٢ ص ٢٣١ ، والوسائل الباب ١٥ من تروك الإحرام.


قال : «وقال ـ يعني : أبا عبد الله (عليه‌السلام) ـ من تزوج امرأة في إحرامه فرق بينهما ولم تحل له ابدا». قال (١) : وفي رواية سماعة : «لها المهر ان كان دخل بها».

وبالجملة فالحكم بما ذكره الشيخ من ما لا اشكال فيه.

ونقل في المنتهى إجماع الفرقة على الحكمين المذكورين ، يعني : حكم الجاهل والعامد ، وأسنده في التذكرة إلى علمائنا.

واما ما ذكره في المدارك ـ حيث قال بعد نقل صحيحة محمد بن قيس : ومقتضى الرواية انها لا تحرم مؤبدا بالعقد. وحملها الشيخ على الجاهل ، جمعا بينها وبين خبرين ضعيفين وردا بالتحريم المؤبد بذلك مطلقا. وحملا على العالم. وهو مشكل. لكن ظاهر المنتهى ان الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، فإن تم فهو الحجة ، وإلا فللنظر فيه مجال ـ

فهو ضعيف لا يلتفت اليه وسخيف لا يعرج عليه. وقد صرح في غير موضع من شرحه ـ بعد إيراد الأخبار الضعيفة بزعمه ، ونقله اتفاق الأصحاب على القول بها ـ انه لا معدل عن ما عليه الأصحاب. بل وافقهم في مواضع لا دليل فيها بالكلية ، كما نبهنا عليه في غير موضع من شرحنا على الكتاب المذكور. على انك قد عرفت في غير موضع من ما قدمنا ان هذا الطعن لا يقوم حجة على المتقدمين الذين لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم. مضافا الى ما ذكرناه من وجود المستند لهذا الجمع الذي ذكره الشيخ (رحمه‌الله).

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٣١ ، والوسائل الباب ١٥ من تروك الإحرام.


الثانية ـ لا خلاف أيضا في تحريم النظر بشهوة ، والتقبيل ، والمس كذلك.

ويدل عليه جملة من الاخبار : منها ـ

ما رواه ثقة الإسلام (قدس‌سره) في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن محرم نظر الى امرأته فأمنى أو أمذى وهو محرم. قال : لا شي‌ء عليه ، ولكن ليغتسل ويستغفر ربه. وان حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى فلا شي‌ء عليه ، وان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم. وقال في المحرم ينظر إلى امرأته وينزلها بشهوة حتى ينزل. قال : عليه بدنة».

وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته. قال : نعم يصلح عليها خمارها ويصلح عليها ثوبها ومحملها. قلت : أفيمسها وهي محرمة؟ قال : نعم. قلت : المحرم يضع يده بشهوة؟ قال : يهريق دم شاة. قلت : فان قبل؟ قال : هذا أشد ينحر بدنة».

ورواية محمد بن مسلم (٣) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يحمل امرأته أو يمسها فأمنى أو أمذى. فقال : ان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو لم يمن ، أو أمذى أو لم يمذ ، فعليه دم شاة

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٧٥ ، والوسائل الباب ١٧ من كفارات الاستمتاع.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٧٥ ، والوسائل الباب ١٧ و ١٨ من كفارات الاستمتاع.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢١٤ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٢٦ ، والوسائل الباب ١٧ من كفارات الاستمتاع.


يهريقه ، وان حملها أو مسها بغير شهوة فليس عليه شي‌ء ، أمنى أو لم يمن ، أمذى أو لم يمذ».

وعن ابي بصير في الموثق (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نظر الى ساق امرأة فأمنى. قال : ان كان موسرا فعلية بدنة ، وان كان بين ذلك فبقرة ، وان كان فقيرا فشاة. أما اني لم اجعل ذلك عليه من أجل الماء ولكن من أجل أنه نظر الى ما لا يحل له». ورواه الشيخ في الموثق والصدوق مثله (٢).

وعن علي بن أبي حمزة عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن رجل قبل امرأته وهو محرم. قال : عليه بدنة وان لم ينزل وليس له ان يأكل منها».

وروى الشيخ عن العلاء بن الفضيل (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل وامرأة تمتعا جميعا فقصرت امرأته ولم يقصر فقبلها. قال : يهريق دما ، وان كانا لم يقصرا جميعا فعلى كل واحد منهما ان يهريق دما».

وهذه الاخبار وان كانت ما بين مطلق ومقيد بالشهوة إلا انه يجب حمل مطلقها في ذلك على مقيدها ، فمتى كان النظر أو المس أو التقبيل

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٧٧ ، والوسائل الباب ١٦ من كفارات الاستمتاع.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٢٥ ، والفقيه ج ٢ ص ٢١٣ ، والوسائل الباب ١٦ من كفارات الاستمتاع.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٧٦ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٢٧ ، والوسائل الباب ١٨ من كفارات الاستمتاع.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٤٧٣ ، والوسائل الباب ١٨ من كفارات الاستمتاع.


بشهوة ترتب عليه الكفارة ، وإلا فلا.

واما ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في محرم نظر الى امرأته بشهوة فأمنى. قال : ليس عليه شي‌ء». فقد أجاب عنه الشيخ بالحمل على حال السهو دون حال العمد. ولا بأس به.

واما ما رواه الكليني والشيخ عن مسمع ابي سيار في الحسن (٢) ـ قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) : يا أبا سيار ان حال المحرم ضيقة ، فمن قبل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم شاة ، ومن قبل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور ، ويستغفر ربه ، ومن مس امرأته بيده وهو محرم على شهوة فعليه دم شاة ، ومن نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور ، ومن مس امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي‌ء عليه». ـ فقد حمله بعض الأصحاب على الاستحباب.

ويؤيده ما رواه الكليني عن الحسين بن حماد (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يقبل امه. قال : لا بأس هذه قبلة رحمة ، إنما تكره قبلة الشهوة». والمراد بالكراهة هنا التحريم كما تقدم.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٢٧ ، والوسائل الباب ١٧ من كفارات الاستمتاع.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٧٦ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٢٦ ، والوسائل الباب ١٢ من تروك الإحرام ، والباب ١٨ من كفارات الاستمتاع.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٧٧ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٢٨ ، والوسائل الباب ١٨ من كفارات الاستمتاع.


وقد خص التحريم بالشهوة ، كما هو ظاهر الروايات المتقدمة ، وهذه الرواية صريحة في كون التقبيل على غير شهوة ، فوجوب الدم فيها مشكل ، ولا بد من ارتكاب جادة التأويل فيها ، وان كان الاحتياط يقتضي الكف عن التقبيل مطلقا. إلا انه سيأتي في المقام الثاني ان شاء الله (تعالى) فتوى جملة من الأصحاب بمضمون الخبر المذكور.

قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد قول المصنف : «ونظرا بشهوة» ما لفظه : لا فرق في ذلك بين الزوجة والأجنبية ، بالنسبة إلى النظرة الاولى ان جوزناها ، والنظر إلى المخطوبة ، وإلا فالحكم مخصوص بالزوجة.

قال في المدارك بعد نقل ذلك : وكأن وجه الاختصاص عموم تحريم النظر إلى الأجنبية على هذا التقدير وعدم اختصاصه بحال الشهوة. وهو جيد. إلا ان ذلك لا ينافي اختصاص التحريم الإحرامي بما كان بالشهوة كما أطلقه المصنف. انتهى.

أقول : الظاهر ان كلامه (قدس‌سره) هنا لا يخلو من خدش ، فإنه متى قيل بتحريم النظر إلى الأجنبية مطلقا ، في أول نظرة أو غيرها ، من محل كان النظر أو محرم ، فالتفصيل بالنسبة إلى المحرم ـ بين ما إذا كان نظره بشهوة فيحرم أو لا بشهوة فيحل ـ لا معنى له ، لان المدعى عموم التحريم للمحرم وغيره ، فكيف يتم ما ادعاه من اختصاص التحريم الإحرامي بما إذا كان بشهوة؟ وبالجملة فإني لا اعرف لهذا الكلام وجه استقامة وان تبعه من تبعه فيه.

الثالثة ـ الشهادة على النكاح وإقامتها ، والحكم في الموضعين من ما ظاهرهم الاتفاق عليه.


اما الأول فينبغي ان يعلم انه لا فرق في تحريم الشهادة بين ان تكون لمحل أو محرم كما صرحوا به.

والأصل في هذه المسألة ما رواه الكليني والشيخ (عطر الله ـ تعالى ـ مرقديهما) عن الحسن بن علي في الموثق عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «المحرم لا ينكح ولا ينكح ولا يخطب ولا يشهد النكاح ، وان نكح فنكاحه باطل». وليس في التهذيب (٢) «ولا يخطب».

وروى الشيخ عن عثمان بن عيسى عن ابن أبي شجرة عن من ذكره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) : «في المحرم يشهد على نكاح محلين؟ قال : لا يشهد. ثم قال : يجوز للمحرم ان يشير بصيد على محل».

قال الشيخ (قدس‌سره) : قوله : «يجوز للمحرم ان يشير بصيد على محل» إنكار وتنبيه على انه إذا لم يجز ذلك فكذلك لا تجوز الشهادة على عقد المحلين.

قال في المدارك بعد إيراد الخبرين المذكورين : وفي الروايتين قصور من حيث السند ، إلا ان الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب.

أقول : انظر الى تستره (قدس‌سره) في الخروج عن جادة اصطلاحه فان حكمه في هذه المسألة بما ذكره إنما هو من حيث كون ذلك مقطوعا به في كلام الأصحاب ، وحينئذ فإذا كان قطع الأصحاب واتفاقهم

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٧٢ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٣٠ ، والوسائل الباب ١٤ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من تروك الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣١٥ ، والوسائل الباب ١ و ١٤ من تروك الإحرام.


على الحكم حجة شرعية ، فما باله يناقش في ذلك في مثل هذه المسألة في مواضع من شرحه؟ ومنها ـ ما تقدم قريبا في صدر المسألة من كون تزويج المحرم عالما عامدا موجبا للتحريم المؤبد. فإن قيل : الفرق بين المسألتين ظاهر ، حيث انه لا معارض لاتفاق الأصحاب هنا بخلاف المسألة المتقدمة ، فإن ظاهر صحيحة محمد بن قيس عدم التحريم مطلقا ، وهو خلاف ما صرح به الأصحاب من التفصيل بالعامد والجاهل. قلنا : ان كان اتفاق الأصحاب على الحكم وقطعهم به حجة شرعية ـ يمكن الاعتماد عليها في إثبات الأحكام ، كما هو ظاهر كلامه في هذا المقام ـ فالواجب عليه الجمع بين الرواية المذكورة وبين كلامهم ، لانه يصير من قبيل تعارض الدليلين في الحكم ، وإلا فلا معنى لكلامه هنا بالمرة.

ثم انه (قدس‌سره) قال : وينبغي قصر الحكم على حضور العقد لأجل الشهادة ، فلو اتفق حضوره لا لأجل الشهادة لم يكن محرما ، ولا يبطل العقد بشهادة المحرم له قطعا ، لان النكاح عندنا لا تعتبر فيه الشهادة. انتهى. وهو جيد.

واما الثاني ـ وهو الإقامة ـ فالمشهور عموم التحريم لما لو تحملها محلا أو محرما ، خلافا للشيخ حيث قيد تحريم إقامة شهادة النكاح على المحرم بما إذا تحملها وهو محرم. ونقل بعض الأصحاب عن بعضهم انه حكم بخطإ هذه النسبة ، وان المنسوب الى الشيخ إنما هو عدم اعتبار الشهادة إذا تحملها محرما. واستوجه العلامة في التذكرة اختصاص التحريم بعقد وقع بين محرمين أو محل ومحرم. وحكى عنه ولده في شرح القواعد انه قال : ان ذلك هو المقصود من كلام الأصحاب. وظاهر كلام


الأصحاب عموم الحكم بالنسبة إلى العقد الواقع بين محلين أو محرمين أو بالتفريق ، إلا ان الفاضل المذكور حكى عن والده ما عرفت.

وكيف كان فالحكم وان كان من ما ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه إلا انى لم أقف له على دليل.

وبذلك اعترف في المدارك ايضا حيث قال بعد ذكر القول المشهور من عموم المنع : ودليله غير واضح. وقال بعد نقل كلام فخر المحققين المتقدم : ولا بأس به قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق ان تم ، وإلا اتجه عدم التحريم مطلقا.

ثم قال : وكيف كان فإنما يحرم على المحرم الإقامة إذا لم يترتب على تركها محرم ، فلو خاف به وقوع الزنا المحرم وجب عليه تنبيه الحاكم على ان عنده شهادة لتوقف الحكم على إحلاله ، ولو لم يندفع إلا بالشهادة وجب إقامتها قطعا. انتهى.

وفي وجوب ما أوجبه في الموضعين اشكال ، لعدم الدليل الواضح عليه ، إلا ان يدعى الاستناد في ذلك الى الأدلة العامة من الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والتعاون على البر والتقوى ، ونحو ذلك

فروع

الأول ـ إذا وكل في حال الإحرام فأوقع ، فإن كان قبل إحلال الموكل بطل ، وان كان بعده صح. اما صحة العقد بعد الإحلال فللأصل السالم من المعارض ، واما البطلان قبل الإحلال فهو ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف ، بل قال في المنتهى : ولو وكل محل مخلا في التزويج ، فعقد له الوكيل بعد إحرام الموكل ، لم يصح النكاح سواء حضره الموكل أو لم يحضره ، وسواء علم الوكيل أو لم يعلم.


واستدل عليه بان الوكيل نائب عن الموكل ، فكان الفعل في الحقيقة مستندا اليه وهو محرم. انتهى. والمسألة لا تخلو من الاشكال ، لعدم الظفر بنص في المقام.

الثاني ـ الظاهر انه لا خلاف في جواز الطلاق للمحرم ، وجواز مراجعة المطلقة ، وشراء الإماء في حال الإحرام.

اما الأول فيدل عليه ـ مضافا الى الأصل السالم عن المعارض ـ صحيحة أبي بصير (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : المحرم يطلق ولا يتزوج». رواها المشايخ الثلاثة (نور الله ـ تعالى ـ مراقدهم) في أصولهم (٢).

وروى في الكافي عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن المحرم يطلق؟ قال : نعم».

واما الثاني فللأصل السالم عن المعارض ، حيث ان مورد الأخبار النهي عن النكاح ، والمراجعة ليست ابتداء نكاح ، فلا يشمله النهي المذكور ، لأن المطلقة رجعية في حكم الزوجة. ولا فرق في ذلك بين المطلقة تبرعا والمختلعة إذا رجعت في البذل.

واما الثالث فيدل على جوازه ـ مضافا الى الأصل السالم عن المعارض ـ صحيحة سعد بن سعد عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (٤) قال :

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٧٢ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٣١ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٨٣.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٧٣ ، والوسائل الباب ١٧ من تروك الإحرام.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٣٧٣ ، والفقيه ج ٢ ص ٣٠٨ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٣١ ، والوسائل الباب ١٦ من تروك الإحرام.


«سألته عن المحرم يشتري الجواري ويبيع؟ قال : نعم».

وإطلاق النص المذكور ـ وكذا كلام الأصحاب في هذا الباب ـ يقتضي عدم الفرق في شراء الإماء بين ان يقصد بذلك الخدمة أو التسري. وهو كذلك ، وان حرمت المباشرة.

وقال شيخنا الشهيد الثاني (طاب ثراه) في المسالك : فلو قصد المباشرة عند عقد الشراء في حال الإحرام حرم ، وهل يبطل الشراء؟ فيه وجه ، منشأه النهي عنه ، والأقوى العدم ، لانه عقد لا عبادة.

وقال سبطه السيد السند في المدارك بعد نقل ذلك عنه : قلت : لا ريب في عدم البطلان ، بل الظاهر عدم تحريم الشراء أيضا ، لأنه ليس منهيا عنه بخصوصه ، ولا علة في المحرم اعني : المباشرة ، فلا يكون تحريمها مستلزما لتحريمه ، كما هو واضح. انتهى. وهو جيد.

الثالث ـ الظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في انه متى اتفق الزوجان على وقوع العقد في حال الإحرام بطل ، وسقط المهر قبل الدخول ، سواء كانا عالمين أو جاهلين أو بالتفريق. ويدل عليه عموم الأخبار المتقدمة (١) الدالة على بطلان النكاح في حال الإحرام. وان دخل بها وهي جاهلة ثبت لها المهر بما استحل من فرجها ، وفرق بينهما مؤبدا مع العلم ، ومع الجهل الى ان يحصل الإحلال كما تقدم.

وانما الإشكال في ما إذا اختلفا فادعى أحدهما انه وقع العقد في حال الإحرام وأنكر الآخر فادعى وقوعه في حال الإحلال.

وقد حكم الأكثر من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان القول قول مدعى الصحة بيمينه ، بمعنى وقوعه في حال الإحلال.

__________________

(١) ص ٣٤٠ الى ٣٤٣.


واحتجوا على ذلك بوجهين : أحدهما ـ حمل أفعال المسلمين على الصحة. وثانيهما ـ انهما اتفقا على حصول أركان العقد واختلفا في أمر زائد على ذلك ، وهو وقوعه في حال الإحرام ، والأصل عدمه.

وأورد على الأول (أولا) : انه لم يثبت دليل واضح على ان كل فعل صدر عن المسلم لا بد من حمله على الصحة ، بمعنى استتباع الآثار الشرعية ، نعم هو من المقدمات الشائعة بين الفقهاء والدائرة على ألسنتهم ، فإن كانت هذه المقدمة إجماعية فذلك ، وإلا فللنظر فيها مجال.

أقول : ويمكن الاستدلال على ذلك بالحديث المشهور (١) : «احمل أخاك المؤمن على سبعين محملا من الخير. الحديث».

وقولهم (عليهم‌السلام) (٢) : «كذب سمعك وبصرك عن أخيك». وما رواه في الكافي (٣) عن الحسين بن المختار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في كلام له : ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه ، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير محملا».

__________________

(١) لم نقف على هذا الحديث بعد الفحص عنه في مظانه. ولعل وصفه بالشهرة إشارة إلى انه مشهور على الألسنة وليس له وجود في كتب الحديث. نعم في البحار ج ١٥ قسم العشرة ص ١٧٠ من الطبع القديم عن مصباح الشريعة عن ابي بن كعب : «إذا رأيتم أحد إخوانكم في خصلة تستنكرونها منه فتأولوا لها سبعين تأويلا ...». وارجع الى الاستدراكات.

(٢) الوسائل الباب ١٥٧ من أحكام العشرة رقم ٤.

(٣) الأصول ج ٢ ص ٣٦٢ ، والوسائل الباب ١٦١ من أحكام العشرة.


ونحو ذلك من الاخبار الدالة على حسن الظن بالمؤمن.

و (ثانيا) : ان هذا التوجيه إنما يتم إذا كان المدعي لوقوع العقد في حال الإحرام عالما بفساد ذلك ، اما مع اعترافهما بالجهل فلا وجه للحمل على الصحة.

وعلى الثاني ان كلا منهما يدعى وصفا زائدا على أركان العقد ينكره الآخر ، فترجيح أحدهما على الآخر يحتاج الى مرجح.

ثم انه لو كان المدعي لوقوع العقد في حال الإحرام هو الزوج والمنكر المرأة ، فإن كان النزاع بعد الدخول وجب المسمى بأجمعه قولا واحدا ، وان كان قبل الدخول فقيل بتصنيف المهر بذلك ، ونقل عن الشيخ (رحمه‌الله تعالى) ومن تبعه ، لاعترافه بما يمنع من الوطء ، قال في الشرائع : ولو قيل لها المهر كله كان حسنا. واستصحه في المدارك ، قال : لثبوته بالعقد ، وتنصيفه بالمفارقة قبل الدخول على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على موضع النص والوفاق وهو الطلاق ، ولا يلحق به ما أشبهه لبطلان القياس.

ثم قال : وقد قطع الأصحاب بأن قبول قول مدعى الصحة بيمينه انما هو بحسب الظاهر وإلا فيجب على كل واحد منهما في ما بينه وبين الله (تعالى) فعل ما هو حكمه في نفس الأمر ، فإن كان المدعي للصحة هو الزوج ثبت النكاح ظاهرا ، وحرم عليه التزويج بأختها ، ووجب عليه نفقتها ، والمبيت عندها ، ويجب عليها في ما بينها وبين الله (تعالى) ان تعمل بما تعلم انه الحق بحسب الإمكان ولو بالهرب واستدعاء الفراق ، وليس لها المطالبة بشي‌ء من حقوق الزوجية ، ولا بالمهر قبل الدخول اما بعده فتطالب بأقل الأمرين من المسمى ومهر المثل مع جهلها.


وان كان المدعى للصحة هو المرأة انعكست الأحكام المذكورة ، فلها المطالبة بالنفقة والمهر وسائر حقوق الزوجية ، ولا يحل لها التزويج بغيره ، ولا الأفعال المتوقفة على اذنه بدون اذنه. ونص شيخنا الشهيد الثاني على انه يجوز له بحسب الظاهر التزويج بأختها وخامسة ونحو ذلك من لوازم الفساد ، لأنها كالأجنبية بحسب دعواه.

ثم قال (قدس‌سره) : وانما جمعنا بين هذه الأحكام المتنافية ـ مع ان اجتماعها في الواقع ممتنع ـ جمعا بين الحقين المبنيين على المضايقة المحضة ، وعملا في كل سبب بمقتضاه حيث يمكن.

أقول : والمسألة وان كانت عارية من النص إلا ان ما ذكروه من هذه الأحكام هو المطابق للقواعد والأصول الشرعية. واليه يشير بعض الاخبار التي لا يحضرني الآن موضعها. والله العالم.

الفصل الثاني في الكفارة ، وفيه مسائل الأولى ـ من جامع أمته أو زوجته قبلا أو دبرا محرما بحج أو عمرة ، واجب أو ندب ، عامدا عالما بالتحريم ، قبل المشعر ، فسد حجه ، وعليه إتمامه ، ويلزمه بدنة ، والحج من قابل ، والافتراق إذا بلغا الموضع الذي وقعت فيه الخطيئة بمصاحبة ثالث الى ان يفرغا.

وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع الأول ـ لا خلاف بين الأصحاب في ان الجماع في الفرج في الصورة المذكورة مع العلم والعمد موجب لفساد الحج ، وإتمامه ، والبدنة ، والحج من قابل.

ويدل عليه ـ مضافا الى الاتفاق ـ روايات : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣١٨ ، والوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع وستأتي ص ٣٥٨.


السلام) عن رجل محرم وقع على اهله. فقال : ان كان جاهلا فليس عليه شي‌ء ، وان لم يكن جاهلا فان عليه ان يسوق بدنة ، ويفرق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا وعليهما الحج من قابل».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن على المشهور عن زرارة (١) قال : «سألته عن محرم غشي امرأته وهي محرمة. فقال جاهلين أو عالمين؟ قلت : أجبني عن الوجهين جميعا. قال : ان كانا جاهلين استغفرا ربهما ومضيا على حجهما وليس عليهما شي‌ء ، وان كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه ، وعليهما بدنة ، وعليهما الحج من قابل ، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا نسكهما ويرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا. قلت : فأي الحجتين لهما؟ قال : الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا ، والأخرى عليهما عقوبة».

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في المحرم يقع على اهله؟ قال : ان كان أفضى إليها فعليه بدنة والحج من قابل ، وان لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل. قال : وسألته عن رجل وقع على امرأته وهو محرم. قال : ان كان جاهلا فليس عليه شي‌ء ، وان لم يكن جاهلا فعليه سوق بدنة

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٧٣ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣١٧ ، والوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٧٣ و ٣٧٤. والوسائل الباب ٧ و ٣ من كفارات الاستمتاع.


وعليه الحج من قابل ، فإذا انتهى الى المكان الذي وقع بها فرق محملاهما فلم يجتمعا في خباء واحد ـ إلا ان يكون معهما غيرهما ـ حتى يبلغ الهدي محله».

وعن زرارة (١) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : رجل وقع على اهله وهو محرم؟ قال : أجاهل أو عالم؟ قال : قلت : جاهل قال : يستغفر الله ولا يعود ولا شي‌ء عليه».

وعن علي بن أبي حمزة (٢) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن محرم واقع اهله. فقال : قد اتى عظيما. قلت : قد ابتلى. فقال : استكرهها فعليه أو لم يستكرهها؟ قلت : أفتني فيهما جميعا.

فقال : ان كان استكرهها فعليه بدنتان ، وان لم يكن استكرهها فعليه بدنة وعليها بدنة ، ويفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكة ، وعليهما الحج من قابل لا بد منه. قال : قلت : فإذا انتهيا إلى مكة فهي امرأته كما كانت؟ فقال : نعم هي امرأته كما هي. فإذا انتهيا الى المكان الذي كان منهما ما كان افترقا حتى يحلا ، فإذا أحلا فقد انقضى عنهما. ان ابى كان يقول ذلك».

قال في الكافي (٣) : وفي رواية أخرى : «فان لم يقدر على بدنة فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد ، فان لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما وعليها ايضا كمثله ان لم يكن استكرهها».

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٧٤ ، والوسائل الباب ٢ من كفارات الاستمتاع.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٧٤ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣١٧ ، والوسائل الباب ٤ من كفارات الاستمتاع.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٧٤ ، والوسائل الباب ٤ من كفارات الاستمتاع.


وفي الصحيح عن سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل باشر امرأته وهما محرمان ، ما عليهما؟ فقال : ان كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدي جميعا ، ويفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك ، وحتى يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، وان كانت المرأة لم تعن بشهوة واستكرهها صاحبها فليس عليها شي‌ء».

وما رواه الصدوق في الفقيه (٢) مرسلا قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) : ان وقعت على أهلك بعد ما تعقد الإحرام وقبل ان تلبي فلا شي‌ء عليك ، وان جامعت وأنت محرم قبل ان تقف بالمشعر فعليك بدنة والحج من قابل ، وان جامعت بعد وقوفك بالمشعر فعليك بدنة وليس عليك الحج من قابل ، وان كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليك».

وما رواه في التهذيب (٣) في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل محرم وقع على اهله. فقال : ان كان جاهلا فليس عليه شي‌ء ، وان لم يكن جاهلا فان عليه ان يسوق بدنة ، ويفرق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، وعليهما الحج من قابل».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح (٤) قال : «سألت أبا عبد الله

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٧٥ ، والوسائل الباب ٤ من كفارات الاستمتاع.

(٢) ج ٢ ص ٢١٣ ، والوسائل الباب ١ و ٦ و ٢ من كفارات الاستمتاع.

(٣) ج ٥ ص ٣١٨ ، والوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص ٣٥٥.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٣١٨ ، والوسائل الباب ٧ من كفارات الاستمتاع.


(عليه‌السلام) عن رجل محرم وقع على أهله في ما دون الفرج. قال : عليه بدنة وليس عليه الحج من قابل ، وان كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه ، وان كان استكرهها فعليه بدنتان ، وعليهما الحج من قابل. آخر الخبر».

وبهذا الاسناد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة أو قبل ان يأتي المزدلفة فعليه الحج من قابل».

وفي الكافي نحوه (٢). وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) : «في المحرم يقع على اهله؟ قال : يفرق بينهما ولا يجتمعان في خباء ـ إلا ان يكون معهما غيرهما ـ حتى يبلغ الهدي محله».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٤) : «والرفث : الجماع ، فان جامعت وأنت محرم في الفرج فعليك بدنة والحج من قابل ، ويجب ان يفرق بينك وبين أهلك حتى تؤدى المناسك ثم تجتمعان ، فإذا حججتما من قابل وبلغتما الموضع الذي واقعتها فرق بينكما حتى تقضيا المناسك ثم تجتمعان ، فإن أخذتما على غير الطريق الذي كنتما أخذتما فيه العام الأول لم يفرق بينكما. وتلزم المرأة بدنة إذا جامعها الرجل فإن أكرهها لزمه بدنتان ولم يلزم المرأة شي‌ء ، فان كان الرجل جامعها

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣١٩ ، والوسائل الباب ٣ و ٦ من كفارات الاستمتاع.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٧٩ ، والوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣١٩ ، والوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.

(٤) ص ٢٧.


دون الفرج فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل ، فان كان الرجل جامعها بعد وقوفه بالمشعر فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل».

وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر (١) نقلا من نوادر احمد ابن محمد بن ابي نصر عن عبد الكريم عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) في حديث قال : «قلت له : أرأيت من ابتلى بالرفث ـ والرفث هو الجماع ـ ما عليه؟ قال : يسوق الهدي ، ويفرق بينه وبين اهله حتى يقضيا المناسك ، وحتى يعودا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا. فقلت : أرأيت إن أرادا أن يرجعا في غير ذلك الطريق؟ قال : فليجتمعا إذا قضيا المناسك».

الثاني ـ قد عرفت اتفاق الأصحاب والاخبار المذكورة في ان الجماع في الفرج عالما عامدا موجب للبدنة واعادة الحج ، وانما الخلاف في انه هل الأولى حجة الإسلام والثانية عقوبة أو بالعكس؟ فذهب الشيخ إلى الأول ، ويظهر من المحقق في النافع الميل اليه ، وذهب ابن إدريس الى أن حجة الإسلام هي الثانية دون الاولى ، واختاره العلامة في المنتهى.

والظاهر هو ما ذهب اليه الشيخ ، لحسنة زرارة أو صحيحته المتقدمة (٢) ولا يضر إضمارها كما نبهوا عليه في غير موضع ، سيما إذا كان المضمر مثل زرارة.

قال العلامة في المنتهى : والأقوى عندي قول ابن إدريس ، لأن الأولى فسدت فلا يخرج بها عن عهدة التكليف ، ووجوب المضي فيها

__________________

(١) ص ٤٦٦ ، والوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.

(٢) ص ٣٥٦.


لا يوجب ان تكون هي الحجة المأمور بها. واما رواية زرارة فإنها وان كانت حسنة لكن زرارة لم يسندها الى امام ، فجاز ان يكون المسؤول غير امام. وهو وان كان بعيدا لكن البعد لا يمنع من تطرق الاحتمال ، فيسقط الاحتجاج بها. انتهى.

أقول : فيه (أولا) : ما ذكره جملة من الأصحاب من ان فساد الحج لا دليل عليه ، واخبار المسألة على تعددها لم يشتمل شي‌ء منها على ذلك ، وغاية ما دلت عليه الروايات وجوب الإتمام والحج من قابل ، وهو لا يستلزم الفساد. نعم وقع التصريح بالفساد في بعض عباراتهم ، ولا حجة فيه ما لم يقم الدليل عليه من الاخبار. أقول : وهذا الوجه جيد بالنظر الى هذه الاخبار ، إلا انه قد روى ثقة الإسلام في الكافي عن سليمان بن خالد في الصحيح (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : في الجدال شاة ،. وفي السباب والفسوق بقرة ، والرفث فساد الحج».

وحينئذ فيمكن ان يكون وجه الجمع بين هذه الرواية ورواية زرارة حمل الفساد في هذه الرواية على المجاز الذي هو عبارة عن حصول النقص فيها لا البطلان بالكلية. ومثل هذا المجاز شائع في الاستعمال. وسيأتي في باب الطواف في حديث حمران بن أعين (٢) : «في من جامع بعد ان طاف ثلاثة أشواط. قال (عليه‌السلام): فقد أفسد حجه وعليه بدنة». مع الاتفاق على صحة الحج في الصورة

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٣٩ ، والتهذيب ج ٥ ص ٢٩٧ ، والوسائل الباب ١ و ٢ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ١١ من كفارات الاستمتاع.


المذكورة. ونحوه في الاخبار غير عزيز.

و (ثانيا) : ان ما استند اليه في رد حسنة زرارة ـ من مجرد الاحتمال مع اعترافه ببعده ، نظرا الى قولهم : إذا قام الاحتمال بطل الاستدلال ـ فهو كلام شعري وخطاب جدلي خارج عن جادة التحقيق وناشى‌ء من الوقوع في لجج المضيق. وليت شعري إذا كان مجرد الاحتمال مبطلا للاستدلال فبأي دليل تقوم لهم الحجة على خصمائهم في الإمامة ومخالفيهم في الأصول وأصحاب الملل والأديان ، لما يبدونه من التأويلات والاحتمالات في أدلتهم وان بعدت ، إذ لا لفظ إلا وهو قابل للاحتمال ، ولا حجة إلا وللمنازع فيها مجال. ولو تم ما ذكروه لانسد عليهم باب الاستدلال في جميع هذه المقامات. بل التحقيق ان الاستدلال مبني على الظاهر من اللفظ والمتسارع الى الفهم ، ولا يجوز ارتكاب خلاف الظاهر الذي هو الاحتمال إلا في مقام اختلاف الأدلة وضرورة الجمع مع ترجيح أحد الدليلين ، فيرتكب في الآخر التأويل ليرجع اليه. والأمر هنا ليس كذلك. وبالجملة فإن ما ذكره (قدس‌سره) خارج عن جادة التحقيق بعيد سحيق.

وتظهر فائدة القولين المتقدمين في الأجير لتلك السنة ، وفي كفارة خلف النذر وشبهه لو كانت مقيدة بتلك السنة ، وفي المفسد المصدود إذا تحلل ثم قدر على الحج لسنته ، كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله (تعالى) في محله.

الثالث ـ إطلاق النصوص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الموطوء بين الزوجة الدائمة والمتمتع بها والأمة ، ولا بين الوطء في القبل والدبر. وبه صرح جملة من متأخري المتأخرين.


اما الأول فلان الحكم في أكثر الأخبار المتقدمة وقع معلقا على وطء اهله ، وهو شامل لكل من هذه الافراد الثلاثة. إلا انه عندي لا يخلو من نوع اشكال وتوقف ، لأن جملة من الاخبار المتقدمة اشتملت على لفظ : «امرأته» ومن الظاهر بعد صدق هذا اللفظ على الأمة ، وصدق الأهل أيضا عليها لا يخلو من البعد ، سيما مع ما قرر في غير موضع من ان الأحكام انما تحمل على ما هو الفرد الشائع الغالب المتكثر وهو الذي يتبادر إليه الإطلاق ، ولا ريب ان الفرد الشائع الغالب إنما هو الزوجة الدائمة. وكيف كان فالاحتياط يقتضي الوقوف على ما ذكروه نور الله (تعالى) مراقدهم وأعلى مقاعدهم.

واما الثاني فلان الحكم في الاخبار ترتب على المواقعة ، والظاهر شمولها لكل من القبل والدبر ، لما روى في الدبر : «انه أحد المأتيين» (١).

ونقل عن الشيخ في المبسوط انه أوجب بالوطء في الدبر البدنة دون الإعادة. وعبارته التي نقلها في المختلف لا تساعد على ذلك ، فإنه (قدس‌سره) قال في النهاية على ما نقله في المختلف : ان كان جماعه في الفرج قبل الوقوف كان عليه بدنة والحج من قابل ، وان كان جماعه في ما دون الفرج كان عليه بدنة دون الحج من قابل. وأطلق وقال في المبسوط : ان جامع المرأة في الفرج قبلا كان أو دبرا قبل الوقوف بالمشعر عامدا ـ سواء كان قبل الوقوف بعرفة أو بعده ـ فسد حجه ووجب عليه المضي فيه ، والحج من قابل ، وبدنة ، وان كان الجماع في ما دون الفرج كان عليه بدنة لا غير. وعبارته هذه صريحة في

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من الجنابة.


جعل الدبر من الفرج. وقال في الخلاف : إذا وطئ في الفرج فسد حجه ، وان وطئ في ما دونه لم يفسد حجه وان انزل. ثم قال : ومن أصحابنا من قال : إتيان البهيمة واللواط بالرجال والنساء بإتيانها في دبرها ، كل ذلك يتعلق به فساد الحج. وبه قال الشافعي (١) ومنهم من قال : لا يتعلق الفساد إلا بالوطء في القبل من المرأة. واستدل على الأول بالاحتياط ، وعلى الثاني بالبراءة.

وقال ابن البراج : إذا جامع في الفرج أو في ما دونه متعمدا قبل الوقوف بالمزدلفة فسد حجه.

قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : فان جعل الفرج عبارة عن القبل وما دونه عبارة عن الدبر صح كلامه وإلا فلا.

ثم قال : وابن إدريس فصل كالشيخ في المبسوط ، وباقي علمائنا أطلقوا كالشيخ في النهاية. ثم قال : والأقرب عندي انه لا فرق بين القبل والدبر سواء كان بامرأة أو بغلام ، لنا : انه هتك محرم عليه مساو للقبل في الأحكام فيساويه في الإفساد. ولأنه أفحش فالعقوبة به أتم. ولانه يصدق عليه انه واقع وغشي امرأته فيثبت فيه الحكم. ولأن الأحاديث معلقة عليه ثم قال : احتج الآخرون بما رواه معاوية بن عمار في الصحيح (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل وقع على أهله في ما دون الفرج. قال : عليه بدنة وليس عليه الحج من قابل». ثم أجاب بأنا نقول بموجبه ، لان الدبر يسمى فرجا ، لأنه مأخوذ من

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٣٠٣ طبع مطبعة العاصمة.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣١٨ ، والوسائل الباب ٧ من كفارات الاستمتاع.


الانفراج وهو متحقق فيه. انتهى.

أقول : لا ريب ان ظاهر لفظ الوقوع في الروايات المتقدمة صادق على القبل والدبر. بقي الكلام في هذه الرواية من حيث تضمنها للوقوع على أهله في ما دون الفرج ، فربما يتوهم منها اختصاص الفرج بالقبل ، كما هو أحد القولين في المسألة ، فيمكن ان يخصص بها إطلاق الروايات المتقدمة. ومن ما ايدها بعض الاخبار المتقدمة في باب غسل الجنابة في مسألة الجماع في الدبر (١). والجواب عن ذلك ان يقال : ان المفهوم من كلام أهل اللغة ان الفرج يطلق على الموضعين لا اختصاص له بالقبل ، قال ابن الأثير في النهاية : وفي حديث ابي جعفر الأنصاري : «فملأت ما بين فروجي» جمع فرج وهو ما بين الرجلين ، يقال للفرس : ملأ فرجه وفروجه. إذا عدا وأسرع. وبه سمي فرج المرأة والرجل ، لأنهما بين الرجلين. انتهى. وقال في القاموس : والفرج : العورة. وقال الفيومي في كتاب المصباح المنير : والفرج من الإنسان يطلق على القبل والدبر ، لان كل واحد منهما منفرج اي منفتح. وأكثر استعماله في العرف في القبل. وقد ورد في حديث الاستنجاء (٢) : اللهم حصن فرجي. وحينئذ فيجب حمل الصحيحة المذكورة على الوقوع في ما عدا القبل والدبر من البدن مثل ان يكون بين الأليتين من دون إيقاب ، أو التفخيذ للمرأة ، كما يشير اليه قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار الأخرى (٣) :

__________________

(١) ج ٣ ص ٤ الى ١٢.

(٢) خلاصة الأذكار للفيض الكاشاني ص ٧٣.

(٣) ص ٣٥٦ ، واللفظ : «في المحرم يقع على اهله».


«وقد سأله عن المحرم يقع على اهله. قال : ان كان أفضى إليها فعليه بدنة. الحديث وقد تقدم ، يعني : جامع وأولج في قبل أو دبر. وان لم يكن افضى فعليه بدنة». يعني : مع الإنزال أو مطلقا ، كما سيأتي بيانه ان شاء الله (تعالى). نعم بقي الكلام في ما عدا المرأة من الغلام والزنى ، وظاهر كلامه هنا وكذا في المنتهى انه كذلك ، فإنه ألحق بوطء الزوجة الزنى ووطء الغلام ، وعلله بما ذكره هنا. وبه صرح غيره ايضا. وللنظر فيه مجال وان كان الاحتياط في ما ذكروه.

الرابع ـ إطلاق الاخبار المتقدمة شامل لما لو كان الحج واجبا أو مندوبا ، عن نفسه أو غيره ، لان المندوب بالدخول فيه يصير واجبا وبذلك صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل صرح السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) بدعوى الإجماع عليه ، حيث قال في المسائل الرسية ـ على ما نقله في المختلف ـ اعلم انه لا خلاف بين الإمامية في ان المجامع قبل الوقوف بعرفة أو بالمشعر الحرام يجب عليه مع الكفارة قضاء هذه الحجة نفلا كانت أو فرضا. انتهى. واما بالنسبة الى ما إذا كانت الحجة عن الغير فقد تقدم ذكره في حج النيابة.

الخامس ـ المشهور بين الأصحاب ان الجماع مفسد إذا وقع قبل الوقوف بالمشعر سواء كان قبل الوقوف بعرفة أو بعده ، ونسبه في المختلف الى الشيخ علي بن بابويه وابنه في المقنع ، قال : ورواه في كتاب من لا يحضره الفقيه (١) وهو قول ابن الجنيد وابن البراج

__________________

(١) ج ٢ ص ٢١٣ ، والوسائل الباب ١ و ٦ و ٢ من كفارات الاستمتاع وتقدم ص ٣٥٨.


وابن حمزة وابن إدريس. ثم نقل عن الشيخ المفيد : انه ان جامع قبل الوقوف بعرفة فكفارته بدنة ، وعليه الحج من قابل ، ويستغفر الله ، وان جامع بعد وقوفه بعرفة فعليه بدنة ، وليس عليه الحج من قابل. وهو قول سلار ولبي الصلاح. وللسيد المرتضى قولان : أحدهما ـ هذا ، ذكره في الجمل ، والثاني كالأول ، ذكره في الانتصار ثم نقل عبارته في الانتصار بما هذه صورته : من ما انفردت به الإمامية القول بان من وطئ عامدا في الفرج قبل الوقوف بالمشعر فعليه بدنة والحج من قابل ، ويجري عندهم مجرى من وطئ قبل الوقوف بعرفة. وقال في المسائل الرسية : اعلم انه لا خلاف بين الإمامية في ان المجامع. العبارة التي تقدمت.

والعمل على القول المشهور ، لما تقدم من مرسلة الصدوق في من لا يحضره الفقيه (١) عن الصادق (عليه‌السلام) وصحيحة معاوية بن عمار التي بعدها المروية في التهذيب ، وفي الكافي نحوها (٢).

ونقل في المختلف عن الشيخ المفيد انه احتج بما روى عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه قال : «الحج عرفة» (٣). ثم أجاب عنه بأنه محمول على ان معظم الحج عرفة ثم قال : وهذا بعد تسليم الحديث.

وبالجملة فإن القول المذكور ضعيف ودليله غير ثابت ، ومع ثبوته

__________________

(١) ج ٢ ص ٢١٣ ، والوسائل الباب ١ و ٦ و ٢ من كفارات الاستمتاع. وتقدم ص ٣٥٨.

(٢) تقدمت ص ٣٥٩.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ١٨ من إحرام الحج. وسنن البيهقي ج ٥ ص ٢١٦. والجامع الصغير ج ١ ص ١٥٠.


فهو غير ظاهر في المدعى ، فلا يعارض الخبرين الصحيحين الصريحين في الحكم المذكور.

السادس ـ ظاهر جملة من الاخبار المتقدمة وصريح بعضها وجوب التفريق بينهما. ونقل في المدارك انه مجمع عليه بين الأصحاب في حج القضاء ، ومحل خلاف في الحجة الاولى.

وظاهر المختلف ان التفريق مطلقا محل خلاف ، حيث قال : قال الشيخ في الخلاف : إذا وجب عليهما الحج في المستقبل فإذا بلغا الى الموضع الذي واقعها فيه فرق بينهما ، واختلف أصحاب الشافعي هل هي واجبة أو مستحبة (١)؟ ولم ينص الشيخ هنا على أحدهما. وفي النهاية والمبسوط : وينبغي لهما ان يفترقا. وليس صريحا في أحدهما إذ قد يستعمله كثيرا فيهما. وقد نص شيخنا علي بن بابويه على وجوبه فقال : ويجب ان يفرق بينك وبين أهلك. وهكذا قال ابنه في المقنع ومن لا يحضره الفقيه. وهو الظاهر من كلام ابن الجنيد. والروايات تدل على الأمر بالتفريق ، فان قلنا الأمر للوجوب كان واجبا وإلا فلا. انتهى.

أقول : ظاهر كلامه هنا التردد في الحكم بالوجوب والتوقف فيه ، ولا وجه له بعد اعترافه بدلالة الروايات على الأمر ، مع تصريحه في الأصول بأن الأمر حقيقة في الوجوب.

وما نقله عن الشيخ علي بن بابويه وابنه في كتابيه فهو عين عبارة كتاب الفقه الرضوي المتقدمة (٢).

__________________

(١) المجموع للنووي ج ٧ ص ٣٨٨ و ٣٩٩ الطبعة الثانية.

(٢) ص ٣٥٩.


وبالجملة فإن الروايات المتقدمة مع كثرتها قد اتفقت على التفريق ، ومنها ـ ما هو بلفظ الأمر وان كان بالجملة الفعلية ، وعبارة كتاب الفقه صريحة في الوجوب ، فلا مجال للتوقف فيه. وقد قطع في المنتهى بالوجوب من غير نقل خلاف إلا من العامة (١).

والظاهر ان المخاطب بالوجوب هو الإمام أو نائبه الذي يحج بالناس ، كما هو المعمول عليه في الصدر الأول. ولم أقف على من تعرض لبيان ذلك من الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم).

بقي الكلام هنا في التفريق هل هو في مجموع الحجتين أو حجة القضاء خاصة؟ وبيان غاية التفريق.

فنقل في المختلف عن الشيخ (قدس‌سره) انه حكم بالتفريق في حجة القضاء مدة بقائهما على النسك ، فإذا قضيا المناسك سقط هذا الحكم. ثم قال : وقال شيخنا علي بن بابويه : ويجب ان يفرق بينك وبين أهلك حتى تقضيا المناسك ثم تجتمعان ، فإذا حججتما من قابل وبلغتما الموضع الذي كان منكما ما كان فرق بينكما حتى تقضيا المناسك ثم تجتمعان. فأوجب التفريق في الحجتين معا. وقال ابن الجنيد : يفرق بينهما ان كانت زوجته أو أمته الى ان يرجعا الى المكان الذي وقع عليها فيه من الطريق ، وهما في جميع ذلك ممتنعان من الجماع ، وان كانا قد أحلا فإذا رجعا اليه جاز لهما ذلك ، فإذا حجا قابلا فبلغا ذلك المكان فرق بينهما ، ولا يجتمعان حتى يبلغ الهدي محله. فاثبت التفريق في الحجتين معا ، وبعد قضاء الحج

__________________

(١) المجموع للنووي ج ٧ ص ٣٨٨ و ٣٩٩ الطبعة الثانية.


الفاسد الى ان يبلغ في الرجوع الى مكان الخطيئة. انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : لا ريب ان ظواهر الأخبار المتقدمة دالة على وجوب التفريق في الحجتين معا ، ومنها كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي ، وهو عين ما نقله في المختلف عن الشيخ علي بن بابويه ومنه يعلم ان مستنده في الحكم المذكور إنما هو الكتاب المذكور لا ما توهمه في المختلف من ان مستنده رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة (١) وان كانت دالة على ذلك. ونقل هذه العبارة أيضا الصدوق في الفقيه عن أبيه في رسالته إليه في باب ما يجب على المحرم اجتنابه من الرفث والفسوق والجدال في الحج (٢).

وظاهر كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه ان غاية التفريق في الحجة الأولى بعد مواقعة الخطيئة الى ان يقضيا المناسك ويتحللا من إحرامهما ، وكذا في الحجة الثانية بعد الوصول الى محل الخطيئة.

وظاهر رواية علي بن أبي حمزة (٣) أنه في الحجة الأولى يفرق بينهما من ذلك المكان الى ان ينتهيا إلى مكة ، وفي الحجة الثانية من وصول ذلك المكان الى ان يحلا من جميع محرمات الحج والفراغ من جميع المناسك. وكذا الإحلال من الحجة الثانية (٤). ويحتمل حمل الإحلال على بلوغ الهدي محله كما سيأتي.

وظاهر صحيحة زرارة أو حسنته (٥) بالنسبة إلى الحجة الأولى وجوب

__________________

(١ و ٣ و ٥) ص ٣٥٧ و ٣٥٦.

(٢) ص ٢١٢ و ٢١٣.

(٤) في النسخة الخطية : «وكذا الإحلال في الحجة الثانية» وكيف كان فيحتمل في هذه الجملة أن تكون زيادة من قلم النساخ.


التفريق من المكان الذي أحدثا فيه ، إلا انه لم يذكر غايته. وفي الحجة الثانية من بلوغ المكان الذي أحدثا فيه الى ان يقضيا المناسك ويرجعا الى ذلك المكان. والواجب حمل هذه الرواية على ما قدمناه من الروايتين الأولتين ، بتقييد إطلاق الغاية في الحجة الأولى بما تقدم من قضاء المناسك ، وحمل الرجوع في الحجة الثانية الى ذلك المكان بعد قضاء المناسك على الاستحباب ، كما صرح به بعض الأصحاب.

واما صحيحة معاوية بن عمار الاولى فقد تضمنت انه ان لم يكن جاهلا فان عليه ان يسوق بدنة ، ويفرق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا. وظاهرها ان ذلك في الحجة الاولى ، ولم يتعرض للحجة الثانية. ومثلها في ذلك صحيحة سليمان بن خالد ورواية السرائر.

وظاهر كلام ابن الجنيد المتقدم نقله انه أوجب التفريق في الحجة الاولى من مكان الخطيئة الى ان يرجعا اليه. وهذه الاخبار تصلح لان تكون مستندا له ، إلا صحيحة معاوية بن عمار الثانية ، فإنها إنما اشتملت على الحجة الثانية ، إلا انه جعل غاية التفريق فيها بلوغ الهدي محله. ومثله في صحيحته الأخيرة من الروايات المتقدمة. والظاهر انه كناية عن الإحلال وان لم يكن عن جميع محرمات الإحرام وقضاء جميع المناسك ، كما تقدم في الروايات السابقة.

ولعل طريق الجمع بينها حمل تعدد هذه الغايات على مراتب الفضل والاستحباب ، فغايته الاولى بلوغ الهدي محله ، وأفضل منه قضاء جميع المناسك ، وأفضل الجميع الرجوع الى موضع الخطيئة.

ثم ان عندي في المقام اشكالا لم أقف على من تنبه له ولابنه عليه


وهو ان جعل الغاية في جملة من هذه الاخبار قضاء المناسك والرجوع الى الموضع الذي أحدثا فيه ما أحدثا إنما يتم لو كان الإحرام بالحج من الميقات خارج مكة ، فإنه لا بد له في الرجوع بعد الحج من المرور على ذلك المكان ان سلك تلك الطريق ، اما لو كان الحج من مكة ـ كما في حج التمتع وبعض أقسام الافراد ـ فإنه يشكل ذلك بأنه بعد الفراغ من المناسك ليس له رجوع الى ذلك الموضع ولا مرور عليه ، لانه بعد فراغه من جميع المناسك يتوجه الى بلاده ، والخطيئة إنما وقعت في سفره الى عرفة ، فكيف يتم ما أطلق في تلك الاخبار من ان غاية الافتراق قضاء جميع المناسك والرجوع الى ذلك الموضع؟

فوائد

الأولى ـ قال الفاضل الخراساني في الذخيرة : واعلم انه نقل الصدوق عن والده : فإن أخذتما على طريق غير الذي كنتما أخذتما فيه العام الأول لم يفرق بينكما. وبمضمونه أفتى جماعة من الأصحاب كالفاضلين والشهيد وغيرهم. وهو متجه ، للأصل السالم من المعارض. واحتمل الشهيد الثاني وجوب التفريق في المتفق من الطريقين ، وهو ضعيف. انتهى.

أقول : ما نقله الصدوق عن والده مأخوذ ـ كما عرفت ـ من عبارة كتاب الفقه المتقدمة ، وهي مستند هذا الحكم. وهذا الحكم لم يوجد في شي‌ء من اخبار المسألة إلا في الكتاب المذكور ، وكذا في رواية السرائر لكن باعتبار الغاية لا الابتداء ، بمعنى انهما ان رجعا في تلك الطريق فغاية التفريق هو ذلك المكان ، وان رجعا في غيره


كان غاية التفريق قضاء المناسك خاصة.

الثانية ـ معنى التفريق المأمور به في هذه الاخبار هو ان لا يجتمعا في مكان واحد الا ومعهما ثالث.

كما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن الى ابان رفعه إلى أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «معنى (يفرق بينهما) اى لا يخلوان وان يكون معهما ثالث». وجملة : «وان يكون» بيان للجملة الاولى.

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ابان رفعه الى ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام) (٢) قالا : «المحرم إذا وقع على اهله يفرق بينهما. يعنى بذلك : لا يخلوان وان يكون معهما ثالث».

واعتبر الأصحاب في الثالث ان يكون مميزا ، لان وجود غير المميز كعدمه. وهو جيد ، لانه المتبادر من العبارة المذكورة بقرينة المقام.

الثالثة ـ لو وطئ ناسيا أو جاهلا فقد صرحت الأخبار المتقدمة بأنه لا شي‌ء عليه. والظاهر انه لا خلاف فيه عندنا. ونقل الخلاف فيه في المنتهى عن مالك وابي حنيفة واحمد والشافعي في القديم (٣) فإنهم أفسدوا به الحج وأوجبوا البدنة. وأخبارنا ترده.

والظاهر ان مثلهما ما لو اكره على الجماع ، كما ذكره العلامة

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٧٣ ، والوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣١٩ و ٣٢٠ ، والوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.

(٣) المغني ج ٣ ص ٣٠٧ و ٤٣٤ و ٤٣٥ طبع مطبعة العاصمة.


في المنتهى. وظاهر عبارته فيه انه إجماعي. ولحديث «رفع عن أمتي» (١). ولأن الإكراه يرفع الفساد في حق المرأة لو أكرهها زوجها ، فكذا هو لو أكره أيضا.

السابع ـ حكم المرأة في ما ذكر حكم الرجل ، من المضي في الحج وقضائه ، ووجوب البدنة منى طاوعته.

وتدل على ذلك صحيحة سليمان بن خالد ، وصحيحة معاوية المتقدمتان (٢) ورواية علي بن أبي حمزة (٣).

وما رواه الشيخ في التهذيب (٤) عن خالد الأصم قال : «حججت وجماعة من أصحابنا وكانت معنا امرأة ، فلما قدمنا مكة جاءنا رجل من أصحابنا فقال : يا هؤلاء اني قد بليت. قلنا : بماذا؟ قال : شكرت بهذه المرأة ، فاسألوا أبا عبد الله (عليه‌السلام). فسألناه فقال : عليه بدنة. فقالت المرأة : فاسألوا لي أبا عبد الله (عليه‌السلام) فاني قد اشتهيت ، فسألناه فقال (عليه‌السلام) : عليها بدنة».

ويتحمل عنها البدنة في صورة الإكراه كما دلت عليه رواية علي ابن أبي حمزة (٥) وعبارة كتاب الفقه الرضوي. واما طعنه في المدارك في رواية علي بن أبي حمزة بأنها ضعيفة ، وقول صاحب الذخيرة انها ضعيفة السند ، فيشكل التعويل عليها في الحكم المخالف للأصل ، فإنه مردود بما صرح به كل منهما في غير موضع من ان ضعف السند

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ من الخلل الواقع في الصلاة ، والباب ٥٦ من جهاد النفس.

(٢) ص ٣٥٨ رقم ١ و ٤.

(٣ و ٥) ص ٣٥٧.

(٤) ج ٥ ص ٣٣١ ، والوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.


مجبور بعمل الأصحاب متى اتفقوا على الحكم المذكور فيها ، وهو هنا كذلك ، فإنه لا مخالف في الحكم المذكور في ما اعلم. وفي المنتهى لم ينقل الخلاف فيه إلا عن العامة (١).

الثامن ـ لو جامع بعد الوقوف بالمشعر وقبل طواف النساء كان حجه صحيحا ، وعليه بدنة. وهو مجمع عليه كما حكاه في المنتهى.

ويدل على سقوط القضاء هنا الأصل المؤيد بمفهوم قول الصادق (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (٢) : «إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة ، أو قبل ان يأتي المزدلفة ، فعليه ، الحج من قابل».

ويدل على سقوط القضاء مع وجوب البدنة مرسلة الصدوق المتقدمة (٣) وقوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (٤) : «فان كان الرجل جامعها بعد وقوفه بالمشعر فعليه بدنة ، وليس عليه الحج من قابل».

ويدل على وجوب البدنة أيضا مع صحة الحج ما رواه في الكافي في الصحيح إلى سلمة بن محرز (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٣٠٢ طبع مطبعة العاصمة.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣١٩ ، والوسائل الباب ٣ و ٦ من كفارات الاستمتاع.

(٣) ص ٣٥٨.

(٤) ص ٣٥٩ و ٣٦٠.

(٥) الوسائل الباب ١٠ من كفارات الاستمتاع.


السلام) عن رجل وقع على اهله قبل ان يطوف طواف النساء. قال : ليس عليه شي‌ء. فخرجت إلى أصحابنا فأخبرتهم ، فقالوا : اتقاك ، هذا ميسر قد سأله عن مثل ما سألت فقال له : عليك بدنة. قال : فدخلت عليه ، فقلت : جعلت فداك إني أخبرت أصحابنا بما أجبتني ، فقالوا : اتقاك ، هذا ميسر قد سأله عن ما سألت فقال له : عليك بدنة فقال : ان ذلك كان بلغه ، فهل بلغك؟ قلت : لا. قال : ليس عليك شي‌ء».

وروى الشيخ في الصحيح ايضا الى سلمة بن محرز (١) «انه كان تمتع ، حتى إذا كان يوم النحر طاف بالبيت وبالصفا والمروة ، ثم رجع الى منى ولم يطف طواف النساء ، فوقع على اهله ، فذكره لأصحابه فقالوا : فلان قد فعل مثل ذلك ، فسأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) فأمره أن ينحر بدنة. قال سلمة : فذهبت الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) فسألته فقال : ليس عليك شي‌ء. فرجعت الى أصحابي فأخبرتهم بما قال ، فقالوا : اتقاك وأعطاك من عين كدرة. فرجعت الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) فقلت : اني لقيت أصحابي فقالوا : اتقاك ، وقد فعل فلان مثل ما فعلت فأمره أن ينحر بدنة. فقال : صدقوا ما اتقيتك ولكن فلان فعله متعمدا وهو يعلم ، وأنت فعلته وأنت لا تعلم ، فهل كان بلغك ذلك؟ قال : قلت : لا والله ما كان بلغني. فقال : ليس عليك شي‌ء».

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (٢)

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٨٦ ، والوسائل الباب ١٠ من كفارات الاستمتاع.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٧٨ ، والوسائل الباب ٩ و ١٨ من كفارات الاستمتاع.


قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن متمتع وقع على اهله ولم يزر. قال : ينحر جزورا ـ وقد خشيت ان يكون قد ثلم حجه ـ ان كان عالما ، وان كان جاهلا فلا شي‌ء عليه. وسألته عن رجل وقع على امرأته قبل ان يطوف طواف النساء. قال : عليه جزور سمينة ، وان كان جاهلا فليس عليه شي‌ء. قال : وسألته عن رجل قبل امرأته ، وقد طاف طواف النساء ولم تطف هي. قال : عليه دم يهريقه من عنده».

وروى في الكافي في الصحيح عن عيص بن القاسم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل واقع اهله حين ضحى قبل ان يزور البيت. قال : يهريق دما».

التاسع ـ لو جامع في ما دون الفرجين قبل الوقوف بالمشعر أو بعده ، كالتفخيذ ونحوه ، صح حجه ، ووجبت عليه البدنة. والظاهر انه لا خلاف فيه.

ويدل عليه ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار (٢) وهي الأخيرة من صحاحه.

وقد تضمنت ايضا ان حكم المرأة كالرجل في ذلك لو طاوعته. ومع إكراهه لها فعليه بدنتان. إلا انها تضمنت ان عليهما الحج من قابل في الصورة المذكورة. ولا قائل به. والاخبار تدفعه ، إذ وجوب الحج إنما هو في صورة الجماع الحقيقي لا في هذه الصورة. وأيضا فإنه في صورة الجماع الحقيقي لا يجب على المرأة الحج مع الاستكراه ولا البدنة ، وهذا الخبر مع تضمنه تحمل الزوج البدنة عنها تضمن

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من كفارات الاستمتاع.

(٢) ص ٣٥٨ رقم ٤.


وجوب الحج عليهما. ولعله قد تطرق الى الخبر المذكور نوع من التحريف الذي أوجب ذلك.

وتدل على ذلك صحيحته الأخرى (١) وهي الثانية من صحاحه المتقدمة حيث اشتملت على انه ان كان أفضى إليها فعليه بدنة والحج من قابل ، وان لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل.

وقد تقدم في كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (٢) : «فإن كان الرجل جامعها دون الفرج فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل».

وإطلاق هذه النصوص ـ وكذا عبارات جملة من الأصحاب ـ يقتضي وجوب البدنة في الصورة المذكورة أنزل أم لم ينزل ، وكذا المرأة إلا أن العلامة في المنتهى تردد في الحكم المذكور ، فقال : لا ريب في وجوبها مع الانزال ، وهل تجب بدونه؟ فيه تردد. ورده في المدارك بأنه لا وجه له بعد إطلاق النص بالوجوب ، وتصريح الأصحاب بوجوب الجزور بالتقبيل ، والشاة بالمس بشهوة ، كما سيجي‌ء بيانه ان شاء الله (تعالى). انتهى.

العاشر ـ قد تقدم في سابق هذا الموضع انه لو جامع بعد الوقوف بالمشعر وقبل طواف النساء ، كان حجه صحيحا ، وعليه بدنة. وقد تقدمت النصوص الدالة على وجوب البدنة في الصورة المذكورة.

بقي ان الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) قد صرحوا بأنه مع العجز عن البدنة فبقرة أو شاة ، وبعض رتب الشاة على البقرة فأوجب البقرة أولا ثم الشاة مع تعذرها.

__________________

(١) ص ٣٥٦.

(٢) ص ٣٥٩ و ٣٦٠.


قال في المدارك بعد نقل ذلك : انه قد اعترف جملة من الأصحاب بعدم الوقوف على مستنده. والظاهر انه أشار بذلك الى ما ذكره جده (قدس‌سرهما) في المسالك والروضة ، حيث قال في الأول ـ بعد نقل عبارة المصنف الدالة على التخيير بين الشاة والبقرة بعد العجز عن البدنة ـ ما لفظه : لا إشكال في وجوب البدنة للجماع وبعد الموقفين وقبل طواف الزيارة ، بل بعده ايضا قبل طواف النساء وانما الكلام في هذين البدلين ، فان النصوص خالية عن البقرة وعن الشاة من جهة كونهما بدلا ، وانما الموجود في رواية معاوية بن عمار وجوب جزور مطلقا ، وفي رواية العيص بن القاسم دم. لكن الذي عليه الأصحاب هو التفصيل ، فالعمل به متعين ، ولعل فيه جمعا بين الروايتين. لكن الموجود في كلامهم ان الشاة مرتبة على العجز عن البقرة ، كما ان البقرة مرتبة على البدنة. والمصنف هنا خير بين الشاة والبقرة. وما ذكروه اولى. انتهى.

أقول : لا ريب ان مستند الأصحاب في الحكم المذكور هو ما رواه الصدوق في الفقيه عن خالد بياع القلانس (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أتى اهله وعليه طواف النساء قال : عليه بدنة. ثم جاءه آخر فسأله عنها ، فقال : عليه بقرة. ثم جاءه آخر فسأله عنها ، فقال : عليه شاة. فقلت بعد ما قاموا : أصلحك الله (تعالى) كيف قلت : عليه بدنة؟ فقال : أنت موسر وعليك بدنة ، وعلى الوسط بقرة ، وعلى الفقير شاة».

وحيث ان الفاضلين المذكورين ومثلهما صاحب الذخيرة ـ حيث

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٣١ ، والوسائل الباب ١٠ من كفارات الاستمتاع.


اقتفى اثر صاحب المدارك كما هي عادته غالبا ـ لم يقفوا على الرواية المذكورة ، وقعوا في ما ذكروا.

الا انه قد تقدم نقلا عن صاحب الكافي انه قال ـ بعد نقل رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة في الموضع الأول (١) المتضمنة لوجوب البدنة على المجامع ـ ما صورته (٢) : وفي رواية أخرى : «فان لم يقدر على بدنة فإطعام ستين مسكينا ، لكل مسكين مد ، فان لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما. وعليها ايضا كمثله ان لم يكن استكرهها».

والظاهر اختصاص هذا الحكم ببدنة المجامع قبل الموقفين ، ووجوب البقرة والشاة على النحو المذكور آنفا مختص ببدنة المجامع بعد الموقفين.

بقي الإشكال أيضا في انه قد تقدم في صدر الفصل الأول من هذا الصنف (٣) نقل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) في تفسير الآية «فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ» (٤) قال (عليه‌السلام): الرفث : الجماع. الى ان قال : فمن رفث فعليه بدنة ينحرها وان لم يجد فشاة. الحديث. وبذلك يعظم الإشكال في المقام. ولم أقف في كلام أحد من الأصحاب (رضوان الله عليهم) على التعرض لذكر بدل البدنة الواجبة بالجماع قبل المشعر مع تعذرها. والذي وقفت عليه في الاخبار مرسلة الكليني الدالة على الإطعام كما عرفت ، وصحيحة علي بن جعفر المذكورة الدالة على

__________________

(١) ص ٣٥٧.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٧٤ ، والوسائل الباب ٤ من كفارات الاستمتاع.

(٣) ص ٣٤٠.

(٤) سورة البقرة ، الآية ١٩٧.


الشاة. والجمع بالتخيير بينهما ممكن.

وروى في الكافي عن ابي خالد القماط (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل وقع على امرأته يوم النحر قبل ان يزور قال : ان كان وقع عليها بشهوة فعليه بدنة ، وان كان غير ذلك فبقرة. قلت : أو شاة؟ قال : أو شاة». ولم أقف على قائل بمضمون هذا التفصيل.

والعلامة في المنتهى بعد ان ذكر هذا الحكم لم يورد له دليلا إلا حسنة معاوية بن عمار ، وصحيحة العيص المشار إليها في كلام المسالك ورواية القماط المذكورة ، ولم يتعرض لنقل رواية خالد بياع القلانس وهذا من ما يؤيد ما صار إليه المتأخرون من إنكار النص في المسألة ، حيث ان هذا كلام من تقدمهم من مثل العلامة ونحوه.

والعجب انه نقل أيضا في جملة ذلك ما رواه ابن بابويه عن ابي بصير (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل واقع امرأته وهو محرم. قال : عليه جزور كوماء. فقال : لا يقدر؟ قال : ينبغي لأصحابه ان يجمعوا له ولا يفسدوا عليه حجه». وهذه الرواية ـ كما ترى ـ انما تدل على خلاف موضوع المسألة من الانتقال إلى البقرة ثم الشاة ، حيث ان ظاهر الخبر تعين البدنة ، وان عجز فيسعى في حصولها ولو بالاستعانة بالناس.

الحادي عشر ـ قال الشيخ : ولو عجز عن البدنة الواجبة بالإفساد فعليه بقرة ، فإن عجز فسبع شياه ، فان عجز فقيمة البدنة دراهم ،

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٧٨ ، والوسائل الباب ٩ من كفارات الاستمتاع.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢١٣ ، والوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.


تصرف في الطعام ويتصدق به ، فان عجز صام عن كل مد يوما. كذا نقله عنه في المنتهى والدروس. ونقل عنه في المنتهى انه قال بعد ذلك : وفي أصحابنا من قال هو مخير. ونقلا ايضا عن ابن بابويه انه قال : من وجب عليه بدنة في كفارة فلم يجدها فعليه سبع شياه ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله.

وفي الدروس : انه قال في التهذيب : روى إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد ، فان عجز صام ثمانية عشر يوما. ذكره في الرجل والمرأة.

أقول : الظاهر ان هذه الرواية هي التي تقدم عن الكافي نقلها بعد نقل رواية علي بن أبي حمزة ، المتقدم جميع ذلك في الموضع الأول ، وقد تقدمت في سابق هذا الموضع ايضا.

ونقل في المنتهى عن الشيخ (قدس‌سره) انه استدل على ما قدمنا نقله عنه بإجماع الفرقة واخبارهم وطريقة الاحتياط.

وظاهره في المنتهى القول بما ذكره الشيخ من الترتيب في البدنة وما بعدها من البقرة ثم الشياه السبع ثم الصدقة ثم الصوم. وفي الدروس اقتصر على نقل القولين المذكورين.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة هو ما رواه المشايخ الثلاثة عن داود بن فرقد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في الرجل تكون عليه بدنة واجبة في فداء. قال : إذا لم يجد بدنة فسبع شياه ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما» وزاد في الفقيه والتهذيب : «بمكة أو في منزله».

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٨٥ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٣٢ ، والتهذيب ج ٥ ص ٤٨١ ، والوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد. والراوي هو داود الرقي.


والظاهر ان هذه الرواية هي مستند الصدوق في ما نقل عنه. إلا انها ظاهرة في كون تلك البدنة فداء ، وهو أخص من الكفارة ، فلا تنهض حجة في ما ادعاه هنا. نعم هي ظاهرة في البدنة التي في كفارة النعامة ونحوها. ولكنها معارضة بالأخبار الكثيرة الصحيحة الصريحة في بيان بدل بدنة الصيد ، كما تقدم في محله. فالقول بها ساقط في كلا الموضعين.

وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد (١) عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الرفث والفسوق والجدال ، ما هو؟ وما على من فعله؟ قال : الرفث : جماع النساء ، والفسوق : الكذب والمفاخرة ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله. فمن رفث فعليه بدنة ينحرها فان لم يجد فشاة. وكفارة الجدال والفسوق شي‌ء يتصدق به إذا فعله وهو محرم». ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله (٢) ولا اعرف به قائلا من الأصحاب.

واما ما ذكره الشيخ (قدس‌سره) فلم أقف له على دليل.

الثاني عشر ـ قد تقدم ان الجماع قبل طواف النساء موجب للبدنة اما لو طاف منه أشواطا ، فإن أكمل منه خمسة فلا كفارة ، وان كانت ثلاثة فما دون وجبت الكفارة ، وفي الأربعة قولان.

وتفصيل هذه الجملة ان وجوب الكفارة في الثلاثة فما دون من ما لا اشكال فيه ـ بل قال شيخنا الشهيد الثاني : انه لا خلاف في وجوب البدنة لو كان الوقاع قبل أربعة أشواط من طواف النساء ، وعدم الوجوب

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.


لو أكمل خمسة ـ وانما الخلاف والاشكال في ما بينهما ، فعن الشيخ انه قال : إذا طاف من طواف النساء شيئا بعد قضاء مناسكه ثم جامع ، فان كان قد طاف منه أكثر من النصف بنى عليه بعد الغسل ولم تلزمه الكفارة ، وان كان أقل من النصف كان عليه الكفارة واعادة الطواف. وقال ابن إدريس : اما اعتبار النصف في صحة الطواف والبناء عليه فصحيح ، واما سقوط الكفارة ففيه نظر ، لأن الإجماع حاصل على ان من جامع قبل طواف النساء وجبت عليه الكفارة ، وهذا جامع قبل طواف النساء ، فالاحتياط يقتضي إيجاب الكفارة. وظاهر كلام ابن إدريس هنا وجوب الكفارة وان كان قد طاف خمسة. وهو خلاف الإجماع المدعى في المسألة ، كما تقدمت الإشارة اليه. وبذلك ايضا صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك.

وقال في المدارك : وما ذكره ابن إدريس من ثبوت الكفارة قبل إكمال السبع لا يخلو من قوة ، وان كان اعتبار الخمسة لا يخلو من رجحان ، عملا بالروايتين المتضمنتين لانتفاء الكفارة بذلك ، المطابقتين لمقتضى الأصل والإجماع المنقول.

والذي وقفت عليه من الاخبار ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في من لا يحضره الفقيه في الصحيح الى حمران بن أعين ـ وهو ممدوح ، وحديثه عند أصحاب هذا الاصطلاح معدود في الحسن ـ عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط ، ثم غمزه بطنه فخاف ان

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٧٩ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٤٥ و ٢٤٦ ، والوسائل الباب ١١ من كفارات الاستمتاع.


يبدره فخرج الى منزله فنفض ، ثم غشي جاريته. قال : يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين ، تمام ما كان قد بقي عليه من طوافه ، ويستغفر الله ، ولا يعود».

وزاد في الكافي : «وان كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ، ثم خرج فغشي ، فقد أفسد حجه ، وعليه بدنة ، ويغتسل ثم يعود فيطوف أسبوعا».

والظاهر ان المراد بإفساد الحج الكناية عن حصول ثلم فيه ، أو إفساد الطواف ، والمراد بالحج الطواف مجازا. ولا استبعاد في التجوز والتعبير عن الجزء باسم الكل.

وقال في المختلف : وعلى هذه الرواية عول الشيخ (رضوان الله ـ تعالى ـ عليه) ثم قال : وقول الشيخ عندي هو المعتمد. وعلله أيضا ـ زيادة على الرواية ـ بأن الأصل براءة الذمة. ولانه مع تجاوزه النصف يكون قد اتى بالأكثر ، فحكمه حكم من اتى بالجميع.

وأورد عليه ان الرواية غير دالة على ما ذكره الشيخ من ان الاعتبار في عدم وجوب الكفارة بمجاوزة النصف ، وانما رتب فيها على طواف الخمسة. ولهذا ان ظاهر المحقق وهو في المنتهى اعتبار الخمسة ، وكذا الشهيد في الدروس.

والظاهر ان مستند الشيخ هنا انما هو ما رواه في من لا يحضره الفقيه عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في رجل نسي طواف النساء. قال : إذا زاد على النصف وخرج ناسيا ، أمر من يطوف عنه ، وله ان يقرب النساء إذا زاد على النصف».

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٤٦ ، والوسائل الباب ٥٨ من الطواف.


قال العلامة في المنتهى ـ بعد إيراد حسنة حمران ووصفها بالصحة ـ ما صورته : وهي انما تدل على سقوطها عن من جامع وقد طاف خمسة أشواط. فإن احتج بمفهوم قوله : «فطاف منه ثلاثة أشواط» كان للمنازع ان يحتج بمفهوم الخمسة. وبالجملة فالذي نختاره نحن انه لا كفارة عليه إذا طاف خمسة أشواط ، اما لو طاف أربعة أشواط فإنه وان تجاوز النصف لكن الكفارة تجب عليه ، عملا بالأخبار الدالة على وجوب الكفارة على من جامع قبل طواف النساء ، إذ هو ثابت في حق من طاف بعضه ، السالم عن معارضة طواف خمسة أشواط. اما ابن إدريس فإنه اعتبر مجاوزة النصف في صحة الطواف والبقاء عليه لا في سقوط الكفارة ، وقال : الإجماع حاصل على ان من جامع قبل طواف النساء فإن الكفارة تجب عليه. وهو متحقق في ما إذا طاف دون الأشواط مع ان الاحتياط يقتضي وجوب الكفارة. ولا تعويل على هذا الكلام مع ورود الحديث الصحيح وموافقة عمل الأصحاب عليه. انتهى.

أقول : يمكن ان يناقش فيه أولا : بان ما ادعاه من معارضة مفهوم الخمسة لمفهوم الشرط في قوله : «فان طاف منه ثلاثة أشواط» لا معنى له ، إذ لا مفهوم في جانب الخمسة بالكلية ، وذلك ان الخمسة انما هي في كلام السائل لا في كلام الامام (عليه‌السلام) وحيث وقع السؤال عن حكمها أجاب (عليه‌السلام) فيها بما حاصله انه لا شي‌ء عليه من كفارة ولا إفساد. وبيان الحكم في المسؤول عنه لا يقتضي نفيه عن ما عداه.

وثانيا : ان ما احتج به ـ من إطلاق الاخبار الدالة على وجوب الكفارة على من جامع قبل طواف النساء ـ ففيه ان المتبادر المنساق


الى الذهن من تلك الاخبار انما هو من لم يدخل في الطواف بالكلية ولم يأت بشي‌ء منه. قال بعض الفضلاء : والتعويل على ظاهر العمومات اللفظية ـ بعد ان يكون المنساق الى الذهن بعض الأنواع ـ لا يخلو من اشكال ، كما أشرنا إليه مرارا. انتهى ، وهو جيد.

وثالثا : ان وصفه رواية حمران بالصحة هنا وفي المختلف ايضا لا يوافق مقتضى اصطلاحه ، فان الرجل لم ينقل توثيقه في شي‌ء من كتب الرجال وان كان المفهوم من الاخبار مدحه. وما أبعد ما بين وصف هذه الرواية بالصحة وردها بالضعف كما ذكره في المدارك حيث قال : ان حمران لم ينص الأصحاب عليه بتوثيق ولا مدح يعتد به. ولهذا قوى مذهب ابن إدريس في المسألة ، كما تقدم نقله عنه.

أقول : المفهوم من الاخبار جلالة الرجل المذكور وعظم منزلته عند الأئمة (عليهم‌السلام) فلا يلتفت الى ما ذكره (قدس‌سره).

وقال في الذخيرة : ولو قيل بعدم لزوم الكفارة بعد مجاوزة الثلاثة لم يكن بعيدا ، نظرا الى مفهوم رواية حمران ، مع اعتضاده بالأصل ، وعدم شمول ما دل على الكفارة قبل طواف النساء لمحل البحث كما بيناه. والمسألة عندي لا تخلو من اشكال. انتهى. وهو جيد. الا ان فيه ان هذا المفهوم معارض بمفهوم رواية أبي بصير المتقدمة التي قد عرفت انها مستند الشيخ.

وبالجملة فالمسألة كما ذكره (قدس‌سره) محل اشكال.

الثالث عشر ـ قد صرح جملة من الأصحاب بان من جامع في إحرام العمرة قبل السعي فسدت عمرته ، وعليه البدنة والقضاء. وظاهر العلامة في المنتهى انه موضع وفاق. ونقل في المختلف عن الشيخ في


النهاية والمبسوط انه قال : من جامع امرأته وهو محرم بعمرة مبتولة قبل ان يفرغ من مناسكها ، فقد بطلت عمرته ، وكان عليه بدنة ، والمقام بمكة إلى الشهر الداخل الى ان يقضي عمرته ، ثم ينصرف ان شاء. وعن ابن ابي عقيل انه قال : وإذا جامع الرجل في عمرته بعد ان طاف بها وسعى قبل ان يقصر ، فعليه بدنة ، وعمرته تامة ، فاما إذا جامع في عمرته قبل ان يطوف لها ويسعى ، فلم احفظ عن الأئمة (عليهم‌السلام) شيئا أعرفكم به ، فوقفت عند ذلك ، ورددت إليهم (عليهم‌السلام). وعن ابي الصلاح : في الوطء في إحرام المتعة قبل طوافها وسعيها فساد المتعة وكفارة بدنة.

قال في المختلف بعد نقل هذه الأقوال : والوجه انه ان جامع قبل السعي في العمرة فسدت عمرته ، سواء كانت عمرة التمتع أو العمرة المفردة ، وعليه بدنة ، والإتيان بها ، اما كون القضاء في الشهر الداخل فسيأتي بحثه. انتهى.

أقول : والذي وقفت عليه من اخبار المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن بريد بن معاوية العجلي (١) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل اعتمر عمرة مفردة ، فغشي أهله قبل ان يفرغ من طوافه وسعيه. قال : عليه بدنة لفساد عمرته ، وعليه ان يقيم الى الشهر الآخر ، فيخرج الى بعض المواقيت فيحرم بعمرة».

وما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه (٢) في الحسن عن علي بن رئاب عن مسمع عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) «في الرجل

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٢٤ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الاستمتاع.

(٢) ج ٢ ص ٢٧٥ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الاستمتاع.


يعتمر عمرة مفردة ، ثم يطوف بالبيت طواف الفريضة ، ثم يغشى أهله قبل ان يسعى بين الصفا والمروة؟ قال : قد أفسد عمرته ، وعليه بدنة ، وعليه ان يقيم بمكة حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه ثم يخرج الى الوقت الذي وقته رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لأهله فيحرم منه ويعتمر». ورواه الكليني في الكافي (١).

وطعن في الذخيرة في هذه الرواية بضعف السند. وهو ظاهر المدارك ايضا. والظاهر ان منشأه أخذ الرواية المذكورة من الكافي ، حيث انه رواها فيه بطريق فيه سهل ، وإلا فهي في كتاب من لا يحضره الفقيه صحيحة ، كما لا يخفى على من راجع فهرسته (٢).

وما رواه في الكافي في الصحيح إلى أحمد بن ابي علي عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) «في رجل اعتمر عمرة مفردة ، ووطئ اهله وهو محرم قبل ان يفرغ من طوافه وسعيه؟ قال : عليه بدنة لفساد عمرته وعليه ان يقيم بمكة حتى يدخل شهر آخر ، فيخرج الى بعض المواقيت فيحرم منه ثم يعتمر».

وهذه الروايات ـ كما ترى ـ ظاهرة الدلالة في ما ذكره الشيخ من اختصاص الحكم المذكور بالعمرة المفردة. وظاهر كلام الأصحاب العموم لما لو كانت عمرة تمتع أو مفردة ، بل صرح بذلك العلامة في المختلف كما عرفت وغيره. ولم أقف له على دليل.

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٥٣٨ و ٥٣٩ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الاستمتاع.

(٢) ذكر في جامع الرواة ج ٢ ص ٥٣٧ : ان طريق الصدوق الى علي بن رئاب الراوي عن مسمع صحيح.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٥٣٨ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الاستمتاع.


قال في المدارك : وربما أشعرت به صحيحة معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن متمتع وقع على امرأته ولم يقصر. قال : ينحر جزورا ـ وقد خشيت ان يكون قد ثلم حجه ـ ان كان عالما ، وان كان جاهلا فلا شي‌ء عليه». فان الخوف من تطرق الفساد الى الحج بالوقاع بعد السعي وقبل التقصير ربما اقتضى تحقق الفساد بوقوع ذلك قبل السعي. انتهى. وفيه تأمل.

فوائد

الأولى ـ اعلم ان الشيخ وأكثر الأصحاب (رضوان الله عليهم) لم يتعرضوا للحكم بوجوب إتمام العمرة الفاسدة ، كما صرحوا به في الحج ، وقطع العلامة في القواعد والشهيدان بالوجوب. ومستنده غير ظاهر ، فإن أخبار المسألة المذكورة خالية منه ، بل ظاهرها العدم ، لتصريحها بفساد العمرة. لا يقال : ان الحج ايضا مع كونه فاسدا ـ كما صرحوا به ـ يجب إتمامه ، فالحكم بالفساد لا ينافي وجوب الإتمام. قلنا : ان وصف الحج بالفساد إنما وقع في كلامهم لا في الاخبار ، كما قدمنا الإشارة إليه. بل ظاهر الاخبار انما هو صحته ووجوب إتمامه. وما أوقعه فيه من الجماع منجبر بالبدنة والإعادة من قابل.

الثانية ـ انه على تقدير القول بوجوب الإكمال ، فهل يجب إكمال الحج لو كانت العمرة الفاسدة عمرة تمتع ، حتى لو كان الوقت واسعا واستأنف العمرة واتى بالحج لم يكف؟ وجهان ، واستوجه

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٤٤٠ ، والوسائل الباب ١٣ من كفارات الاستمتاع.


شيخنا الشهيد الثاني وجوب إكمالهما ثم قضائهما ، لما بينهما من الارتباط. ورده سبطه في المدارك بأنه ضعيف ، قال : لان الارتباط انما ثبت بين الصحيح منهما لا الفاسد. وهو جيد.

الثالثة ـ لو كان الجماع في العمرة بعد السعي وقبل التقصير لم تفسد العمرة وان وجبت البدنة. وظاهر جملة من الأصحاب شمول هذا الحكم لعمرة التمتع والمفردة.

والمروي في الاخبار الأول ، ومنها ـ صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ، ومنها ـ صحيحة الحلبي أو حسنته (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل طاف بالبيت ثم بالصفا والمروة وقد تمتع ، ثم عجل فقبل امرأته قبل ان يقصر من رأسه. فقال : عليه دم يهريقه. وان جامع فعليه جزورا أو بقرة».

الى غير ذلك من الاخبار الآتية ان شاء الله (تعالى) في بحث التقصير.

ولم نقف في شي‌ء من الاخبار على مثل ذلك في العمرة المفردة ، فما ذكروه (رضوان الله عليهم) من العموم لا اعرف له دليلا.

الرابعة ـ اعلم ان العلامة في القواعد قال : ولو جامع في إحرام العمرة المفردة أو المتمتع بها ـ على اشكال ـ قبل السعي عامدا عالما بالتحريم ، بطلت عمرته ووجب إكمالها ، وقضاؤها ، وبدنة.

وظاهر هذه العبارة حصول الإشكال في إلحاق عمرة التمتع بالعمرة المفردة في هذا الحكم. ووجهه ظاهر من ما قدمناه من الاخبار الدالة على ان هذا الحكم انما هو في العمرة المفردة ، كما ذكره الشيخ ، لا مطلقا كما هو المشهور عندهم.

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٤٤٠ ، والوسائل الباب ١٣ من كفارات الاستمتاع.


إلا انه نقل عن الشيخ فخر الدين في شرحه على الكتاب في بيان الاشكال : ان الاشكال انما هو في فساد الحج بعدها لا في فساد العمرة ، قال : ومنشأ الاشكال ، من دخول العمرة في الحج ، ومن انفراد الحج بالإحرام. ونسب ذلك الى تقرير والده.

قال في المدارك : ولا يخفى ضعف الاشكال على هذا التوجيه ، لان حج التمتع لا يعقل صحته مع فساد العمرة المتقدمة عليه. انتهى. وهو جيد.

وما ذكره الفاضل المذكور عن والده (قدس‌سرهما) وان كان ـ كما عرفت ـ ضعيفا إلا انه غير بعيد ، حيث ان ظاهر العلامة (قدس‌سره) في كتبه اتحاد العمرتين في الحكم المذكور كما تقدم ، وكذا غيره من الأصحاب. ولذا قال المحقق الثاني في شرحه على الكتاب بعد ذكر العبارة : لا يظهر لهذا الاشكال موضع ، لان وجوب الأحكام المذكورة مشترك بين عمرة الافراد والتمتع ، وإنما الذي هو محل النظر وجوب إتمامها وإتمام الحج ووجوب قضائهما ، بناء على ان عمرة التمتع لا تنفرد عن حجه ، والشروع فيها شروع فيه. والأصح وجوب الأمرين معا. انتهى. وفيه ما عرفت.

الخامسة ـ ظاهر الاخبار المتقدمة تعين إيقاع القضاء في الشهر الداخل عليه بعد ذلك الشهر بلا فصل. ويجب المصير اليه وان قلنا بالاكتفاء بين العمرتين بعشرة أيام في غير هذه الصورة. وظاهر الأصحاب كون ذلك هنا على جهة الأفضلية لا الوجوب. والى ما اخترناه هنا جنح في المدارك أيضا.

بقي هنا شي‌ء ، وهو ان اعتبار الفصل بين العمرتين بالشهر أو


العشرة أيام ـ مثلا ـ إنما هو بالنسبة إلى العمرة الصحيحة ، والعمرة هنا صارت فاسدة ، فوجوب التأخير إلى الشهر الداخل لا يظهر لي وجهه. والله العالم.

المسألة الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في وجوب البدنة بالاستمناء ، وهو استدعاء المنى وطلبه بالعبث بذكره بيده ، أو ملاعبة غيره ، مع حصوله ، وإنما الخلاف في كونه مفسدا للحج إذا وقع قبل المشعر ، ووجوب القضاء به. فذهب الشيخ في النهاية والمبسوط الى ذلك ، ونقله في المختلف ايضا عن ابن البراج وابن حمزة. إلا ان المنقول عن الشيخ إنما هو التعبير بان من عبث بذكره حتى امنى كان حكمه حكم من جامع على السواء في اعتبار ذلك قبل الوقوف بالمشعر في انه يلزمه الحج من قابل ، وان كان بعد ذلك لم يكن عليه غير الكفارة شي‌ء. انتهى. ونقل عن ابي الصلاح : ان في الاستمناء بدنة قال : وكذا قال ابن إدريس ـ دون الفساد. ونقل ابن إدريس هذا القول الذي ذهب اليه عن الشيخ في الخلاف والاستبصار.

واختار في المختلف الأول ، واستدل عليه بما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار في الموثق عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت : ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟ قال : ارى عليه مثل ما على من اتى اهله وهو محرم : بدنة ، والحج من قابل».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من كفارات الاستمتاع. والشيخ يرويه عن الكليني.


وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المحرم يعبث بأهله وهو محرم ، حتى يمني من غير جماع ، أو يفعل ذلك في شهر رمضان ، ما ذا عليهما؟ قال : عليهما جميعا الكفارة ، مثل ما على الذي يجامع».

ثم قال : احتج ابن إدريس بالبراءة الأصلية. والجواب : المعارضة بالاحتياط. وبما تقدم من الأدلة. انتهى.

أقول : وبموثقة إسحاق استدل ايضا الشيخ في التهذيب. وأجاب عنها في المدارك بأنها قاصرة ، من حيث السند بان راويها ـ وهو إسحاق بن عمار ـ فطحي ، ومن حيث المتن بأنها لا تدل على ترتب البدنة والقضاء على مطلق الاستمناء ، بل على هذا الفعل المخصوص ، مع انه قد لا يكون المطلوب به الاستمناء.

أقول : اما الجواب الأول فالكلام فيه مفروغ منه عندنا ، مع ما عرفت في غير مقام ان هذا الطعن لا يقوم حجة على الشيخ وأمثاله من المتقدمين. واما الثاني فإنك قد عرفت من عبارة الشيخ المتقدمة انه عبر بلفظ هذه الرواية ، وان كان الأصحاب عبروا بعده بلفظ الاستمناء. وحينئذ فتكون الرواية منطبقة على ما ادعاه الشيخ.

وأجاب في المدارك ايضا عن استدلال العلامة بصحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج بأنه لا دلالة لهذه الرواية على وجوب القضاء بوجه.

أقول : لا ريب انه وان كان الأمر كما ذكره إلا انها ايضا لا دلالة لها على عدمه. وحينئذ فغاية الأمر انها بالنسبة إلى وجوب

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٧٦ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٢٤ ، والوسائل الباب ١٤ من كفارات الاستمتاع.


القضاء مطلقة ، فيمكن تقييدها بموثقة إسحاق المتقدمة. إلا ان جملة من الاخبار المتقدمة في مسألة الجماع في غير الفرج قد دلت على وجوب البدنة ونفى الحج من قابل ، وظاهر ان الجماع في غير الفرج داخل تحت العبث بأهله الذي اشتملت عليه صحيحة عبد الرحمن المذكورة وحينئذ فالأقوى نفى القضاء في صورة العبث بأهله.

وبالجملة فإن ما ذكره الأصحاب ـ من التعبير بالاستمناء الذي هو عبارة عن طلب المني بأحد الأشياء المتقدمة ـ لم أقف عليه في شي‌ء من النصوص ، وانما الموجود فيها ما عرفت. وحينئذ فلا يبعد قصر كل ما تضمنته هذه النصوص على موضعه ، فيجب القول بالبدنة والقضاء في من عبث بذكره فأمنى ، كما دلت عليه موثقة إسحاق المذكورة ، ووجوب البدنة خاصة في من عبث بأهله حتى امنى.

وظاهر الدروس الميل الى العمل بالرواية المذكورة حيث قال : وروى إسحاق بن عمار الحج ثانيا إذا أمنى بعبثه بالذكر. ولم نقف على معارض لها. انتهى.

ونقل عن الشيخ في الاستبصار انه قال بعد ان أورد رواية إسحاق المتقدمة : انه يمكن ان يكون هذا الخبر محمولا على ضرب من التغليظ وشدة الاستحباب دون ان يكون ذلك واجبا.

والى القول بما ذهب اليه ابن إدريس ذهب المحقق في الشرائع والنافع ، واختاره في المدارك. وهو مبني على طرح موثقة إسحاق المذكورة ، وقد عرفت انه لا مانع من العمل بها في ما دلت عليه ، كما هو ظاهر عبارة الشيخ المتقدمة. والله العالم.

المسألة الثالثة ـ لو جامع أمته وهو محل وهي محرمة بإذنه ، تحمل


عنها الكفارة : بدنة أو بقرة أو شاة ، وان كان معسرا فشاة أو صيام ثلاثة أيام. والحكم بذلك مقطوع به في كلام الأصحاب. ونقل عن الشيخ انه يلزمه بدنة ، فان عجز فشاة أو صيام ثلاثة أيام.

قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : وكان والدي (رحمه‌الله تعالى) يوجب على الموسر بدنة أو بقرة أو شاة ، وعلى المعسر شاة أو صيام. وهو الوجه ، لما رواه إسحاق بن عمار في الصحيح (١) قال : «قلت لأبي الحسن موسى (عليه‌السلام) : أخبرني عن رجل محل وقع على امة محرمة. قال : موسرا أو معسرا؟ قلت : أخبرني عنهما. فقال : هو أمرها بالإحرام أو لم يأمرها وأحرمت من قبل نفسها؟ قلت أجبني فيهما. قال : ان كان موسرا ، وكان عالما انه لا ينبغي له ، وكان هو الذي أمرها بالإحرام ، فعليه بدنة ، وان شاء بقرة ، وان شاء شاة. وان لم يكن أمرها بالإحرام ، فلا شي‌ء عليه موسرا كان أو معسرا. وان كان أمرها وهو معسر ، فعليه دم شاة أو صيام».

أقول : وصفه للرواية بالصحة ـ مع كون الراوي إسحاق بن عمار المشترك بين الثقة الإمامي والثقة الفطحي ـ لا يخلو من سهو.

وإطلاق النص وكلام كثير من الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين الأمة المكرهة والمطاوعة. وقد صرح العلامة وكثير ممن تأخر عنه بفساد حج الأمة مع المطاوعة ، ووجوب إتمامه ، والقضاء كالحرة ، وانه يجب على المولى الاذن لها في القضاء ، والقيام بمؤنته ، لاستناد

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٧٤ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٢٠ ، والوسائل الباب ٨ من كفارات الاستمتاع.


الفساد الى فعله. ولا اعرف لهم دليلا على ذلك الا القياس على الحرة كما تقدم. ومعلوم بطلانه. وقد قطع الشهيد الثاني بأن تحمل المولى الكفارة انما يثبت مع الإكراه ، اما مع المطاوعة فتتعلق الكفارة بالأمة ، وتصوم بدل البدنة ثمانية عشر يوما. والكلام فيه كسابقه. وإطلاق النص المذكور يأبى ما ذكروه. وتقييده يحتاج الى دليل ، وليس فليس.

بقي هنا روايتان في المقام : إحداهما ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن ضريس (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أمر جاريته ان تحرم من الوقت فأحرمت ، ولم يكن هو أحرم ، فغشيها بعد ما أحرمت. قال : يأمرها فتغتسل ثم تحرم ، ولا شي‌ء عليه». وحملها الشيخ على انها لم تكن لبت بعد. ويحتمل حملها على انه أمرها بالإحرام في وقت وقد أحرمت قبله.

وروى الصدوق عن وهب بن عبد ربه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في رجل كانت معه أم ولد له فأحرمت قبل سيدها ، إله أن ينقض إحرامها ويطأها قبل ان يحرم؟ قال : نعم». وظاهره أنها أحرمت بغير اذن سيدها فلا اشكال فيه.

المسألة الرابعة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بأنه لو عقد محرم أو محل لمحرم على امرأة ، فدخل المحرم بها ، فعلى كل واحد منهما كفارة. واحترزوا بقيد الدخول

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٢٠ ، والوسائل الباب ٨ من كفارات الاستمتاع.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٠٨ ، والوسائل الباب ٨ من كفارات الاستمتاع.


عن ما لو لم يدخل ، فإنه ليس إلا الإثم ، للأصل ، وعدم النص على ما سواه.

ولم أقف في هذه المسألة إلا على رواية سماعة ، وهي ما رواه الشيخ عنه في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا ينبغي للرجل الحلال ان يزوج محرما وهو يعلم انه لا يحل له. قلت : فان فعل فدخل بها المحرم؟ قال : ان كانا عالمين ، فان على كل واحد منهما بدنة ، وعلى المرأة ان كانت محرمة بدنة ، وان لم تكن محرمة فلا شي‌ء عليها ، إلا ان تكون قد علمت ان الذي تزوجها محرم ، فان كانت علمت ثم تزوجته فعليها بدنة».

والرواية المذكورة تضمنت ان العاقد محل ، والأصحاب قطعوا بوجوب الكفارة عليه محلا أو محرما ، وان كان اجزاء ذلك في المحرم عندهم بطريق الأولوية ، وإلا فلا دليل في المقام سوى الخبر المذكور. ومن العجب اقتفاء صاحب الوسائل لهم في ذلك مع ما عرفت ، وهو من المحدثين الذين لا يتجاوزون في فتاويهم الاخبار.

ومقتضى الرواية لزوم البدنة للمرأة المحلة مع العلم بإحرام الزوج. وبه افتى الشيخ وجماعة من الأصحاب (رضوان الله عليهم).

وقال في الدروس : لو عقد لمحرم على امرأة فدخل ، فعلى كل واحد كفارة وان كان العاقد محلا ، ولو كانت المرأة محلة فلا شي‌ء عليها. انتهى. وظاهره عدم الكفارة عليها علمت أو لم تعلم. وفيه طرح للرواية في أحد الحكمين والعمل بها في الحكم الآخر. والفرض

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من تروك الإحرام ، والباب ٢١ من كفارات الاستمتاع. والشيخ يرويه عن الكليني.


انه ليس غيرها في المسألة. وهو تحكم.

وظاهر المحقق الشيخ علي (رحمه‌الله تعالى) ترتب الإفساد ووجوب القضاء مع الإتمام على الجماع هنا ايضا. وهو مبني على ما هو المشهور في كلامهم من إلحاق الزنى في هذا الحكم بالزوجة ، كما تقدمت إليه الإشارة.

واما ما ذكره في المدارك ـ من ان المطابق للأصول هو اطراح الرواية المذكورة مطلقا ، لنص الشيخ على ان راويها وهو سماعة واقفي ، فلا تعويل على روايته ـ فان الظاهر ان منشأه من حيث إيجاب البدنة على العاقد المحل ، والمرأة المحلة العالمة ، كما تضمنته الرواية ، وان مقتضى الأصول بزعمه ترتب الإثم خاصة دون الكفارة. والمشهور بين الأصحاب بالنسبة إلى الأول ـ وبه جزم العلامة في جملة من كتبه والشهيد في الدروس وغيرهما ـ هو وجوب البدنة ، ونسبه المحقق في الشرائع إلى الرواية المذكورة إيذانا بالتوقف فيه ، وفي المنتهى : وفي سماعه قول وعندي في هذه الرواية توقف. وهو ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ايضا. واما بالنسبة الى الثاني فكذلك. وقد عرفت ما في كلام الدروس من المخالفة.

قال في المسالك : وذهب جماعة الى عدم وجوب شي‌ء على المحل مطلقا سوى الإثم ، للأصل ، وضعف المستند ، أو بحمله على الاستحباب

والتحقيق ان الرواية لا معارض لها من الاخبار في المقام ، فإطراحها بمجرد ذلك مشكل. ومع تسليم ما ذكروه فتخصيص العام وتقييد المطلق شائع في الأحكام.

المسألة الخامسة ـ في النظر ، فان كان النظر الى غير أهله فأمنى ،


فالمشهور انه ان كان موسرا فبدنة ، وان كان متوسطا فبقرة ، وان كان معسرا فشاة.

والمستند في ذلك ما رواه الشيخ عن ابي بصير (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل محرم نظر الى ساق امرأة فأمنى؟ فقال : ان كان موسرا فعليه بدنة ، وان كان وسطا فعليه بقرة ، وان كان فقيرا فعليه شاة. ثم قال : اما اني لم اجعل عليه هذا لأنه أمنى إنما جعلته عليه لانه نظر الى ما لا يحل له».

ومقتضى التعليل المذكور وجوب الكفارة وان لم يمن. ولا اعلم به قائلا ، بل عباراتهم كلها صريحة في التقييد بالأمناء.

وعن الصدوق في المقنع انه يتخير بين الجزور والبقرة. فإن عجز فشاة. ويدل عليه ما رواه الشيخ عن زرارة في الصحيح (٢) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل محرم نظر الى غير أهله فأنزل. قال : عليه جزور أو بقرة ، فان لم يجد فشاة».

وعن الشيخ المفيد مثل القول الأول ، إلا انه زاد : وان لم يجد شيئا من ما ذكرناه لتعذره في الحال فعليه صيام ثلاثة أيام يصومها. ولم أقف في الاخبار له على دليل. ولعله نظر الى ان آخر ما يجب عليه الشاة ، وان صيام الثلاثة يقوم مقامها مع تعذرها ، كما صرح به في غير هذا الحكم.

بقي في المسألة رواية ثالثة ، وهي ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (٣) : «في محرم نظر الى غير أهله

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٦ من كفارات الاستمتاع.


فانزل؟ قال : عليه دم ، لانه نظر الى غير ما يحل له. وان لم يكن انزل فليتق الله ولا يعد ، وليس عليه شي‌ء».

ويمكن حملها على المعسر جمعا بينها وبين رواية أبي بصير المتقدمة وإنما يبقى الإشكال في الجمع بين رواية أبي بصير وصحيحة زرارة. وحملها على رواية أبي بصير ـ بان يقال : جزور ان كان موسرا ، أو بقرة ان كان متوسطا ، وان لم يجد بان كان معسرا فشاة ـ الظاهر بعده. ولكن ارتكاب مثله في مقام الجمع شائع في كلامهم.

وصاحب المدارك بناء على اصطلاحه في الاخبار اطرح رواية أبي بصير ، واستجود قول الصدوق للصحيحة المذكورة. واحتمل قويا الاكتفاء بالشاة ، لحسنة معاوية بن عمار المذكورة. وهو جيد على أصوله.

ولو كان النظر إلى أهله فأمنى فلا شي‌ء عليه ، إلا ان يقترن بالشهوة فبدنة. والحكمان إجماعيان كما يظهر من المنتهى.

ويدل على الحكمين المذكورين صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن محرم نظر الى امرأته فأمنى أو أمذى وهو محرم. قال : لا شي‌ء عليه. وان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم. وقال في المحرم ينظر إلى امرأته وينزلها بشهوة حتى ينزل ، قال : عليه بدنة».

ويدل على الحكم الثاني ما رواه في الكافي في الحسن عن مسمع ابي سيار (٢) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) : يا أبا سيار

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص ٣٤٤.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من تروك الإحرام ، والباب ١٨ من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص ٣٤٦.


ان حال المحرم ضيقة. الى ان قال : ومن مس امرأته بيده وهو محرم على شهوة فعليه دم شاة. ومن نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور. ومن مس امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي‌ء عليه».

وصاحب المدارك هنا إنما استدل على الحكم الثاني بحسنة مسمع المذكورة ، وطعن فيها بقصور سندها بعدم توثيق الراوي ، ومعارضتها بموثقة إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في محرم نظر الى امرأته بشهوة فأمنى؟ قال : ليس عليه شي‌ء». قال : وأجاب الشيخ عنها بالحمل على حال السهو دون العمد. وهو بعيد. انتهى.

وفيه (أولا) : ان الدليل غير منحصر في رواية مسمع ، بل هو ـ كما عرفت ـ في صحيحة معاوية بن عمار المذكورة. والعجب انه نقل صدرها دليلا على الحكم الأول ، وغفل عن عجزها الدال على الحكم الثاني.

و (ثانيا) : انه قد عد حديث مسمع المذكور في الصحيح فضلا عن الحسن في مواضع عديدة من كتاب الحج ، وعده في الحسن ـ كما هو المشهور بين أصحاب هذا الاصطلاح ـ في مواضع أخر ، وطعن فيه في هذا الموضع وغيره ايضا ، وهذا من جملة المواضع التي اضطرب فيها كلامه كما أشرنا إليه في غير مقام من شرحنا على الكتاب. ومن المواضع التي عده في الصحيح في شرح قول المصنف : «ويضمن الصيد بقتله عمدا وسهوا» قال : وفي الصحيح عن مسمع بن عبد الملك عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا رمى المحرم صيدا وأصاب اثنين. الحديث».

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٢٧ ، والوسائل الباب ١٧ من كفارات الاستمتاع.

(٢) الوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد.


و (ثالثا) : ان ظاهر كلامه يشعر بأنه لا يعمل إلا بالصحيح خاصة ، حيث رد الرواية بعدم توثيق الراوي ، مع ان المعهود من عادته في الكتاب العمل بالحسن ايضا وإنما يرد الموثق والضعيف ، وان عمل به في موضع الحاجة وتستر ببعض الأعذار الواهية.

وبالجملة فالرجل ممدوح وحديثه في الحسن ، كما هو المعروف من كلام الأصحاب.

وبذلك يظهر ان ما أجاب به الشيخ عن موثقة إسحاق بن عمار وان كان لا يخلو من بعد إلا انه في مقام الجمع اولى من اطراح الرواية لما عرفت من دلالة صحيحة معاوية وحسنة مسمع على خلافها ، والترجيح لهاتين الروايتين المعتضدتين بعمل الأصحاب (رضوان الله عليهم).

قال في المدارك : وذكر الشارح : ان من كان معتادا للإمناء عند النظر بغير شهوة تجب عليه الكفارة كما لو نظر بشهوة. وهو جيد مع القصد ، لأنه في معنى الاستمناء. انتهى.

وفيه ما تقدمت الإشارة إليه من انا لم نقف على حديث يتضمن الاستمناء الذي هو طلب المنى ، وانما الموجود في الاخبار ما تقدم من عبث الرجل بذكره ـ كما في موثقة إسحاق بن عمار ـ والمحرم يعبث بأهله ، كما في صحيحة عبد الرحمن ، وكل منهما أعم من الاستمناء.

المسألة السادسة ـ في التقبيل ، قال الشيخ (رحمه‌الله تعالى) : من قبل امرأته وهو محرم من غير شهوة كان عليه دم شاة ، وان قبلها بشهوة كان عليه جزور. وقال الشيخ المفيد (عطر الله ـ تعالى ـ


مرقده) : من قبل امرأته وهو محرم فعليه بدنة ، أنزل أو لم ينزل وكذا قال السيد المرتضى. وزاد الشيخ المفيد : وان هويت المرأة ذلك كان عليها مثل ما عليه. وقال ابن الجنيد : ان قبلها بغير شهوة فعليه دم شاة ، وان قبلها بشهوة فأمنى فعليه جزور. وقال أبو الصلاح : وفي القبلة دم شاة ، وان أمنى فعليه بدنة. وقال الصدوق في المقنع : فان قبلها فعليه بدنة. وروى : ان عليه دم شاة. وفي كتاب من لا يحضره الفقيه : فان قبلها فعليه دم شاة. وقال ابن إدريس : وان قبلها بغير شهوة فدم ، وان قبلها بشهوة فشاة إذا لم يمن ، فإن أمنى كان عليه جزور.

أقول : والذي وقفت عليه من الروايات المتعلقة بهذه المسألة روايات ثلاثة :

الأولى ـ صحيحة الحلبي أو حسنته عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته. قال : نعم يصلح عليها خمارها ويصلح عليها ثوبها ومحملها. قلت : المحرم يضع يده بشهوة؟ قال : يهريق دم شاة. قلت : فان قبل؟ قال : هذا أشد ينحر بدنة» :

الثانية ـ حسنة مسمع ابي سيار المتقدمة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «يا أبا سيار ان حال المحرم ضيقة ، فمن قبل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم شاة ، ومن قبل امرأته على

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ و ١٨ من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص ٣٤٤.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من تروك الإحرام ، والباب ١٨ من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص ٣٤٦.


شهوة فأمنى فعليه جزور ، ويستغفر ربه. الحديث».

الثالثة ـ رواية علي بن أبي حمزة عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل قبل امرأته وهو محرم. قال : عليه بدنة وان لم ينزل ، وليس له ان يأكل منها».

والظاهر ان منشأ الخلاف المتقدم من اختلاف هذه الاخبار ، فمنهم من تعلق بإطلاق بعضها ، ومنهم من ضم مطلقها الى مقيدها ، ومنهم من ضم الى ذلك بعض القيود من خارج. وكيف كان فالجمع بينها لا يخلو من اشكال ، والمسألة لذلك لا تخلو من توقف.

ومن الاخبار الواردة في القبلة أيضا رواية الحسين بن حماد (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يقبل امه. قال : لا بأس ، هذه قبلة رحمة ، إنما تكره قبلة الشهوة».

وربما ظهر من هذه الرواية تخصيص التحريم ووجوب الكفارة بقبلة الشهوة ، فلو لم تكن عن شهوة فلا شي‌ء فيها. ومن ثم حمل بعض المتأخرين الدم في حسنة مسمع على الاستحباب. ولا يخلو من قرب. وقد تقدمت الإشارة الى ذلك.

ومنها ـ صحيحة معاوية بن عمار أو حسنته عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) في حديث قال : «سألته عن رجل قبل امرأته ، وقد

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص ٣٤٥.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص ٣٤٦.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٧٨ ، والوسائل الباب ٩ و ١٨ من كفارات الاستمتاع.


طاف طواف النساء ، ولم تطف هي. قال : عليه دم يهريقه من عنده». ونحوها رواية زرارة (١).

والحكم في هذين الخبرين لا يخلو من اشكال ، لكونه قد أحل. وغاية ما يلزمه الإثم.

ومنها ـ رواية العلاء بن فضيل (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل وامرأة تمتعا جميعا ، فقصرت امرأته ولم يقصر ، فقبلها. قال : يهريق دما ، وان كانا لم يقصرا جميعا فعلى كل واحد منهما ان يهريق دما». والحكم في هذا الخبر ظاهر.

تنبيهات

الأول ـ قال في المنتهى : ولا فرق في الوطء بين ان يطأ في إحرام حج واجب أو مندوب ، لانه بعد التلبس بالإحرام يصير المندوب واجبا ، ويجب عليه إتمامه كما يجب عليه إتمام الحج الواجب. ولان الحج الفاسد يجب إتمامه فالمندوب اولى ، لقوله (تعالى) (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) (٣). إذا ثبت هذا ، فكل صورة قلنا انه يفسد الحج الواجب فيها ـ كما لو وطئ قبل الوقوف بالموقفين ـ فإنه يفسد الحج المندوب فيها ايضا ، فلو وطئ قبل الوقوف بالموقفين في الحج المندوب ، فسد ووجب عليه إتمامه ، وبدنة ، والحج من قابل ، ولو كان بعد الوقوف بالموقفين ، وجب عليه بدنة لا غير ، عملا بالعمومات المتناولة للواجب

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ و ١٨ من كفارات الاستمتاع.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٤٧٣ ، والوسائل الباب ١٨ من كفارات الاستمتاع.

(٣) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.


والمندوب. انتهى. وهو كذلك.

الثاني ـ قال في الكتاب المذكور ايضا : ويجب عليه القضاء في السنة المقبلة وجوبا على الفور ، ذهب إليه علماؤنا. ثم نقل الخلاف في ذلك عن العامة (١). وما ذكره (قدس‌سره) هو مدلول الأخبار ، ففي صحيحة زرارة أو حسنته (٢) : «وعليهما الحج من قابل». وفي صحيحة معاوية بن عمار (٣) : «فعليه بدنة والحج من قابل». في موضعين منها ، وفي رواية علي بن أبي حمزة (٤) : «وعليهما الحج من قابل لا بد منه». الى غير ذلك من الاخبار.

الثالث ـ إذا مس المحرم امرأته ، فإن كان بغير شهوة فلا شي‌ء عليه ، وان كان بشهوة فعليه دم شاة.

ويدل على ذلك ما تقدم قريبا في صحيحة الحلبي أو حسنته ، وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل حمل امرأته وهو محرم ، فأمنى أو أمذى. فقال : ان كان حملها أو مسها بشي‌ء من الشهوة ـ فأمنى أو لم يمن ، أمذى أو لم يمذ ـ فعليه دم يهريقه ، فان حملها أو مسها بغير شهوة ـ فأمنى أو أمذى ـ فليس عليه شي‌ء».

الرابع ـ لو استمع الى من يجامع ، أو تشاهى لاستماع كلام امرأة من غير نظر ، لم يكن عليه شي‌ء وان أمنى.

__________________

(١) المجموع للنووي ج ٧ ص ٣٨٣ الطبعة الثانية.

(٢ و ٣) ص ٣٥٦.

(٤) ص ٣٥٧.

(٥) التهذيب ج ٥ ص ٣٢٦ ، والوسائل الباب ١٧ من كفارات الاستمتاع.


وتدل على ذلك موثقة أبي بصير (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يسمع كلام امرأة من خلف حائط وهو محرم ، فتشاهى حتى انزل. قال : ليس عليه شي‌ء».

ورواية سماعة بن مهران عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «في محرم استمع على رجل يجامع أهله فأمنى؟ قال : ليس عليه شي‌ء».

قال في المنتهى : اما لو كان برؤية فإنه تجب عليه الكفارة على ما بيناه. وهو إشارة الى ما قدمه من الكفارة في النظر الى غير اهله ويؤيده ما تقدم في المسألة الخامسة (٣) من قوله (عليه‌السلام): «اما اني لم اجعل عليه هذا لأنه أمنى ، إنما جعلته عليه لانه نظر الى ما لا يحل له».

قال في المدارك : ولو امنى بذلك وكان من عادته ذلك أو قصده فقد قطع الشارح بوجوب الكفارة عليه كالاستمناء. وهو حسن. وفيه ما قد تقدمت الإشارة إليه من عدم وجود دليل على الاستمناء. وما روى من خصوصيات بعض الجزئيات لا يشمل ما ذكر ، مع إطلاق الخبرين المذكورين ودخول ما ذكره تحت إطلاقهما.

الخامس ـ لو امنى عن ملاعبة فجزور. وعلى المرأة ان طاوعت مثله.

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٧٧ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٢٧ و ٣٢٨ ، والوسائل الباب ٢٠ من كفارات الاستمتاع.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٢٨ ، والوسائل الباب ٢٠ من كفارات الاستمتاع.

(٣) ص ٤٠٠ رقم (١).


وعلى ذلك تدل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل يعبث بامرأته حتى يمني ـ وهو محرم ـ من غير جماع ، أو يفعل ذلك في شهر رمضان. فقال : عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع».

ومقتضاها وجوب البدنة ، لأنها هي الواجبة على من يجامع.

الصنف الثالث ـ الطيب ، ويحرم على الرجل والمرأة معا ، أكلا وشما ، واطلاء. وادعى عليه في التذكرة إجماع علماء الأمصار.

وتحقيق الكلام في هذا المقام يقع في مسائل الأولى ـ عرف شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) الطيب بأنه : الجسم ذو الريح الطيبة المتخذ للشم غالبا غير الرياحين ، كالمسك والعنبر والزعفران وماء الورد والكافور ، قال : وخرج بقيد الاتخاذ للشم ما يطلب منه الأكل والتداوي غالبا ، كالقرنفل والسنبل والدارچيني والجوزة والمصطكي وسائر الأبازير الطيبة ، فلا يحرم شمه. وكذا ما لا ينبت للطيب ، كالشيخ والقيصوم والخزامى والإذخر والفوتنج والحناء والعصفر ، وان أطلق عليه اسم الرياحين. واما ما يقصد شمه ويتخذ منه الطيب ـ كالياسمين والورد والنيلوفر ـ فان كان رطبا فهو ريحان سيأتي حكمه ، وان كان يابسا ففي تحريمه ان لم نقل بتحريم أخضره وجهان ، واختار العلامة في التذكرة تحريمه ووجوب الفدية به. انتهى.

وقال العلامة في التذكرة : الطيب ما تطيب رائحته ويتخذ للشم ، كالمسك والعنبر والكافور والزعفران وماء الورد ، والأدهان الطيبة كدهن

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٧٦ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٢٧ ، والوسائل الباب ١٤ من كفارات الاستمتاع.


البنفسج والورس. والمعتبر ان يكون معظم الغرض منه التطيب ، أو يظهر فيه هذا الغرض.

ثم قسم النبات الطيب تبعا للشيخ (رحمه‌الله تعالى) إلى ثلاثة أقسام :

الأول ـ ما لا ينبت للطيب ولا يتخذ منه ، كنبات الصحراء من الشيخ والقيصوم والخزامى والإذخر والدارچيني والمصطكي والزنجبيل والسعد وحبق الماء. والفواكه ، كالتفاح والسفرجل والنارنج والأترج. قال : وهذا كله ليس بمحرم ، ولا تتعلق به كفارة إجماعا. وكذا ما ينبته الآدميون لغير قصد الطيب كالحناء والعصفر. الثاني ـ ما ينبته الآدميون للطيب ، ولا يتخذ منه طيب ، كالريحان الفارسي والمرزنجوش والنرجس والبرم. قال الشيخ : فهذا لا تتعلق به كفارة ويكره استعماله.

الثالث ـ ما يقصد شمه ، ويتخذ منه الطيب ، كالياسمين والورد والنيلوفر. والظاهر ان هذا يحرم شمه ، وتجب فيه الفدية.

والذي وقفت عليه من الاخبار الجارية في هذا المضمار ما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : لا بأس ان تشم الإذخر والقيصوم والخزامى والشيخ وأشباهه ، وأنت محرم». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار مثله (٢).

وعن ابن ابي عمير في الصحيح عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٥٥ ، والوسائل الباب ٢٥ من تروك الإحرام.


(عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن التفاح والأترج والنبق وما طابت ريحه. فقال : يمسك على شمه ويأكله».

وروى الكليني في الصحيح عن علي بن مهزيار (٢) قال : «سألت ابن ابي عمير عن التفاح والأترج والنبق وما طاب ريحه. قال : تمسك عن شمه وتأكله». ورواه في الفقيه (٣) مثله ، وزاد : «ولم يرو فيه شيئا».

وفي الكافي عن عمار بن موسى في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن المحرم يأكل الأترج. قال : نعم. قلت : له رائحة طيبة؟ قال : الأترج طعام ليس هو من الطيب».

وما رواه الكليني (قدس‌سره) في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن الحناء. فقال : ان المحرم ليمسه ، ويداوي به بعيره ، وما هو بطيب ، وما به بأس». ورواه الصدوق بإسناده عن عبد الله بن سنان مثله (٦).

وما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٧) قال : «لا تمس ريحانا وأنت محرم ، ولا شيئا

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٠٥ ، والوسائل الباب ٢٦ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٥٦ ، والوسائل الباب ٢٦ من تروك الإحرام.

(٣) ج ٢ ص ٢٢٥ ، والوسائل الباب ٢٦ من تروك الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٢٦ من تروك الإحرام.

(٥) الفروع ج ٤ ص ٣٥٦. والوسائل الباب ٢٣ من تروك الإحرام.

(٦) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٤ ، والوسائل الباب ٢٣ من تروك الإحرام.

(٧) الوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام رقم ٣ و ١٠ عن الكافي والتهذيب.


فيه زعفران ، ولا تطعم طعاما فيه زعفران».

أقول : ظاهر صحيحة معاوية بن عمار جواز شم نبات الصحراء من الأشياء المذكورة ونحوها وان سميت طيبا. وهو مؤيد لما ذكره الشيخ والعلامة في ما تقدم نقله عنهما من انه ليس بمحرم ولا تتعلق به كفارة. وظاهر صحيحة ابن ابي عمير وصحيحة علي بن مهزيار وموثقة عمار جواز أكل الفواكه ، كما صرح به الشيخان المتقدمان ، وظاهرهما دعوى الإجماع على انه ليس من الطيب.

وربما أشعر كلام الشهيد في الدروس بالخلاف في الفواكه ، حيث قال : واختلف في الفواكه ، ففي رواية ابن ابي عمير : يحرم شمها. وكرهه الشيخ في المبسوط ، ويجوز أكلها لو قبض على انفه. وظاهره التردد فيه.

وظاهر المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر في الوسائل (١) تقييد جواز أكل الفواكه بالحاجة اليه ، وانه يمسك على انفه. والظاهر ان منشأه ما يظهر من الشيخ في التهذيب (٢) من تحريم شم التفاح ، وانه إذا أكله عند الحاجة أمسك على انفه ، مستدلا عليه برواية ابن ابي عمير. وأجاب عن رواية عمار بأنه (عليه‌السلام) أباح اكله ، ولم يقل انه يجوز له شمه. والخبر الأول مفصل ، فالعمل به اولى.

وفيه : ان الروايات قد صرحت بجواز أكل هذه الأشياء وما أشبهها مطلقا ، فالتقييد بالحاجة ـ كما ادعياه ـ يحتاج الى دليل. وموثقة عمار صرحت مع جواز أكله بأنه طعام ليس بطيب. ومقتضاه عدم

__________________

(١) الوسائل ج ٩ ص ١٥ رقم ٢٦ الطبع الحديث.

(٢) ج ٥ ص ٣٠٥ و ٣٠٦.


وجوب الإمساك عن شمه. ويعضده تجويز أكله. فإن الظاهر من روايات الطيب ترتب التحريم أكلا وشما على ما يدخل تحت الطيب المحرم ، وانهما متلازمان ، فكل ما حرم شمه حرم اكله وبالعكس كما لا يخفى. وبالجملة فالمختار هو الجواز ، كما ذكره الشيخ والعلامة وغيرهما.

والمفهوم من صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة تحريم الريحان. ومثلها صحيحة حريز الآتية في ثاني هذه المسألة. وسيأتي تحقيق الكلام في المقام ان شاء الله (تعالى).

المسألة الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما يحرم على المحرم من الطيب ، فنقل عن الشيخ المفيد ، والصدوق في المقنع والسيد المرتضى ، وابي الصلاح ، وسلار ، وابن إدريس : القول بالتعميم لكل طيب ، وهو المنقول عن الشيخ في المبسوط والاقتصاد ، حيث قال : ويحرم عليه الطيب على اختلاف أجناسه ، وأغلظها خمسة أجناس : المسك والعنبر والزعفران والعود والورس. وقال في النهاية : ويحرم من الطيب خاصة المسك والعنبر والزعفران والورس والكافور والعود ، فاما ما عدا هذا من الطيب والرياحين فمكروه. وبه قال ابن حمزة. وقال في الخلاف : ما عدا المسك والعنبر والكافور والزعفران والورس والعود عندنا لا تتعلق به كفارة إذا استعمله المحرم وقال في التهذيب (١) : واما الطيب الذي يجب اجتنابه فأربعة أشياء : المسك والعنبر والزعفران والورس ، قال : وقد روى : والعود. وعن ابن البراج : انه حرم المسك والكافور والعنبر والعود والزعفران. والى القول

__________________

(١) ج ٥ ص ٢٩٩.


بالعموم ذهب المحقق والعلامة وأكثر المتأخرين. وهو المشهور بين الأصحاب.

والذي وصل الي من الاخبار المتعلقة بذلك ـ ومنها نشأ هذا الاختلاف ـ روايات :

منها ـ ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تمس شيئا من الطيب ولا من الدهن في إحرامك ، واتق الطيب في طعامك ، وأمسك على انفك من الرائحة الطيبة ، ولا تمسك عليه من الرائحة المنتنة ، فإنه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا يمس المحرم شيئا من الطيب ولا الريحان ، ولا يتلذذ به ، فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه. يعني من الطعام».

ورواه الكليني في الحسن عن حريز عن من أخبره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) وفيه : «بقدر ما صنع قدر سعته».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم ، فان كان ناسيا فلا شي‌ء عليه ، ويستغفر الله ويتوب اليه».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي ومحمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٥٣ ، والوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام رقم ١١ و ٦.

(٤) الوسائل الباب ٤ من بقية كفارات الإحرام.


السلام) (١) قال : «المحرم يمسك على انفه من الريح الطيبة ، ولا يمسك على انفه من الريح الخبيثة». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي مثله (٢) ورواه ايضا عن هشام بن الحكم في الصحيح أو الحسن مثله (٣) وزاد : وقال : «لا بأس بالريح الطيبة في ما بين الصفا والمروة من ريح العطارين ، ولا يمسك على انفه».

وروى في الكافي في الصحيح عن محمد بن إسماعيل (٤) ـ والظاهر انه ابن بزيع ـ قال : «رأيت أبا الحسن (عليه‌السلام) كشف بين يديه طيب لينظر اليه وهو محرم ، فأمسك على انفه بثوبه من ريحه».

وعن الحسن بن زياد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «قلت له : الأشنان فيه الطيب اغسل به يدي وانا محرم؟ قال : إذا أردتم الإحرام فانظروا مزاودكم فاعزلوا الذي لا تحتاجون اليه. وقال : تصدق بشي‌ء كفارة للأشنان الذي غسلت به يدك».

وعن حنان بن سدير عن أبيه (٦) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : ما تقول في الملح فيه زعفران للمحرم؟ قال : لا ينبغي للمحرم ان يأكل شيئا فيه زعفران ، ولا يطعم شيئا من الطيب».

وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٤ من تروك الإحرام.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٥٤ ، والوسائل الباب ٢٠ من تروك الإحرام.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٣٥٤ ، والوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.

(٥) الفروع ج ٤ ص ٣٥٤ ، والوسائل الباب ٢٧ من تروك الإحرام ، والباب ٤ من بقية كفارات الإحرام.

(٦) الوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.


السلام) (١) «في قول الله (عزوجل) (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) (٢) : حفوف الرجل من الطيب».

وقال الصدوق (رحمه‌الله تعالى) (٣) : «وكان علي بن الحسين (عليهما‌السلام) إذا تجهز إلى مكة قال لأهله : إياكم ان تجعلوا في زادنا شيئا من الطيب ولا الزعفران نأكله أو نطعمه».

وروى عن الحسين بن زياد (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): وضأني الغلام ـ ولم اعلم ـ بدستشان فيه طيب ، فغسلت يدي وانا محرم؟ فقال : تصدق بشي‌ء لذلك».

أقول : وهذه الاخبار ظاهرة في القول المشهور. والظاهر ان اعتمادهم عليها واستنادهم إليها.

واما ما ذكره في الذخيرة ـ حيث قال بعد نقلها : ولا يخفى ان دلالة هذه الاخبار على التحريم غير واضحة ، والأصل يقتضي حملها على الكراهة ، ويناسب ذلك قوله (عليه‌السلام) : «لا ينبغي» في الخبر الأول والأخير. انتهى ـ

فهو من جملة تشكيكاته الضعيفة التي لا ينبغي ان يعرج عليها ، وتوهماته السخيفة التي لا ينبغي ان يلتفت إليها. وقد سلف كلامنا عليه في أمثال هذا المقام ، وما يلزمه من أمثال كلامه هذا ، من انه لا واجب في الشريعة ولا حرام ، وفيه من الشناعة ما يوجب الخروج

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٢٩٨ ، والوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.

(٢) سورة الحج ، الآية ٢٧.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٣ ، والوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.

(٤) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٣ ، والوسائل الباب ٤ من بقية كفارات الإحرام.


عن جادة الإسلام من حيث لا يشعر به قائله ، كما هو واضح لذي الأفهام.

وما ادعاه ـ من مناسبة لفظ : «لا ينبغي» لما ذكره ـ ففيه ان استعمال هذا اللفظ في التحريم أكثر من ان يحصر وأشهر من ان ينكر ، كما تقدم بيانه.

ومنها ـ ما رواه الشيخ ـ بطريقين : أحدهما صحيح والآخر ضعيف ـ عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء : المسك والعنبر والورس والزعفران غير انه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح».

وفي الصحيح عن ابن ابى يعفور عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «الطيب : المسك والعنبر والزعفران والعود».

وعن سيف (٣) ـ والظاهر انه ابن عميرة ـ قال : حدثني عبد الغفار قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : الطيب : المسك والعنبر والزعفران والورس».

وروى الصدوق في الفقيه (٤) مرسلا قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) : يكره من الطيب أربعة أشياء للمحرم : المسك والعنبر والزعفران والورس. وكان يكره من الأدهان الطيبة الريح».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام رقم ٨ و ١٤.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٢٩٩ ، والوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.

(٤) ج ٢ ص ٢٢٣ ، والوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.


وروى في التهذيب (١) عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «الطيب : المسك والعنبر والزعفران والعود».

وبهذه الأخبار أخذ الشيخ في التهذيب كما تقدم نقله عنه.

وظاهر صحيحة معاوية بن عمار بل صريحها حصر الطيب المحرم على المحرم في الأربعة المذكورة ، وهو ظاهر روايتي ابن ابي يعفور وعبد الغفار. وحينئذ فالظاهر هو تقييد الإطلاق في الاخبار المتقدمة بهذه الاخبار. ويؤيده ان صحيحة معاوية بن عمار التي هي في صدر الروايات الدالة على العموم رواها الشيخ في التهذيب (٢) كما تقدم من رواية الكليني وزاد بعد قوله : «لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة» : «فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فليعد غسله ، وليتصدق بقدر ما صنع. وإنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء : المسك والعنبر والورس والزعفران غير انه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح». ومن الظاهر انه لو لم يقيد أولها بما ذكر في آخرها للزم التنافي بين طرفيها.

وبذلك يظهر ان ما ذكره في الاستبصار بعد ذكر خبري ابن ابي يعفور وعبد الغفار ـ حيث تأولهما بأن ذكر هذه الأشياء انما وقع تعظيما لها وتفخيما ، ولم يكن القصد بيان تحليلها أو تحريمها ـ من ان هذين الخبرين ليس فيهما أكثر من الاخبار بان الطيب أربعة أشياء ، وليس فيهما ذكر ما يجب اجتنابه على المحرم ، وانه انما تأولهما لذكر الأصحاب لهما في أبواب ما يجب على المحرم اجتنابه وإلا فلا حاجة الى تأويلهما ـ من ما لا يخفى وهنه ، فإنه مع تسليم

__________________

(١) الوافي باب (الطيب والادهان للمحرم) ولم نجده في التهذيب والوسائل.

(٢) ج ٥ ص ٢٩٧ و ٢٩٩ و ٣٠٤ و ٣٠٥ ، والوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.


ما ذكره ، متى دل الخبران على ان الطيب شرعا عبارة عن هذه الأربعة ، فيجب حمل الأحكام المترتبة على الطيب بقول مطلق على هذه الأربعة لأنها هي الطيب شرعا ، والإطلاقات يجب حملها على ما هو المعروف في عرفهم (عليهم‌السلام) فيعود ما فر منه.

والسيد السند في المدارك نقل رواية عبد الغفار بزيادة : «وخلوق الكعبة لا بأس به» ثم استدل بهذه الزيادة على الحصر في الأربعة المذكورة. وهو غفلة منه (قدس‌سره) فان هذه الزيادة إنما هي من كلام الشيخ لا من الرواية ، فإن الحديث ـ كما نقله في الاستبصار (١) ـ عار من هذه الزيادة ، وكذا نقله المحدث الكاشاني في الوافي (٢) والشيخ الحر في الوسائل.

نعم يبقى الكلام هنا في موضعين : أحدهما ـ انك قد عرفت ان ظاهر صحيحتي عبد الله بن سنان وحريز هو تحريم الريحان ، وان كان الشيخ وجمع من الأصحاب قد عدوه في مكروهات الإحرام ، واستدلوا على القول بالكراهة بصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في المسألة الأولى ، المتضمنة لأنه لا بأس ان يشم الإذخر والقيصوم. الحديث. وفيه انه قد يمكن القول بالتحريم مع استثناء هذه الأشياء المذكورة ، فلا منافاة فيه. ولا ينافي ذلك قوله في الخبر : «وأشباهه» باعتبار حمله على غيره من الريحان ، لأنا نقول : المراد أشباهه من نبات الصحراء الطيب الرائحة. وحينئذ فيختص الحكم بما أنبته الآدميون من الريحان ، وهو القسم الثاني في كلام الشيخ ، وان حكم فيه بالكراهة ، فإن ظاهر الصحيحتين المذكورتين التحريم. وحينئذ فيضاف الى الافراد المذكورة في هذه الروايات الأخيرة التي بها خصصنا اخبار الطيب المطلقة.

__________________

(١) ج ٢ ص ١٨٠.

(٢) باب (الطيب والادهان للمحرم).


الثاني ـ ان صحيح معاوية بن عمار ورواية عبد الغفار ومرسلة الفقيه تضمنت ان الرابع الورس ، وصحيح ابن ابي يعفور جعل عوضه العود ، وصاحب الكافي قد نقل حديث عبد الغفار في باب أنواع الطيب من كتاب المروة (١) بلفظ «العود» عوض «الورس» وقد صرح في سنده بان سيفا هو ابن عميرة. والشيخ نسب العود في عبارته المتقدمة من التهذيب إلى الرواية. وفي الخلاف جعل المحرم هذه الخمسة بإضافة العود إلى الأربعة المذكورة. وهو الأحوط. والاحتياط التام في اجتناب الطيب بجميع أنواعه ، إلا ما تقدم في روايات المسألة الأولى ، فإنه لا معارض لها. وبعض رجح رواية الورس على العود ، وطعن في صحة رواية ابن ابي يعفور بما ذكره المحقق الشيخ حسن في المنتقى من العلة في السند الموجبة لضعفه ، وان عد في الصحيح غفلة. وهو جيد بناء على الاصطلاح المذكور.

المسألة الثالثة ـ يستثني من تحريم الطيب على المحرم خلوق الكعبة إجماعا ، كما نقله بعضهم.

ولما رواه الصدوق في الصحيح عن حماد بن عثمان (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن خلوق الكعبة وخلوق القبر يكون في ثوب الإحرام. فقال : لا بأس بهما ، هما طهوران». والظاهر ان المراد بالقبر قبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم).

__________________

(١) الفروع ج ٢ ص ٢٢٣ الطبع القديم ، والوسائل الباب ٩٧ من آداب الحمام.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢١٧ ، والوسائل الباب ٢١ من تروك الإحرام.


وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم. قال : لا بأس به ، ولا يغسله ، فإنه طهور».

وعن يعقوب بن شعيب في الصحيح (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم يصيب ثيابه الزعفران من الكعبة. قال : لا يضره ، ولا يغسله».

وما رواه الكليني عن ابن ابي عمير في الصحيح عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سئل عن خلوق الكعبة للمحرم أيغسل منه الثوب؟ قال : لا هو طهور. ثم قال : ان بثوبي منه لطخا».

وما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه (٤) في الموثق عن سماعة «انه سأله ـ يعني : الصادق (عليه‌السلام) ـ عن الرجل يصيب ثوبه زعفران الكعبة وهو محرم. فقال : لا بأس به ، وهو طهور ، فلا تتقه ان يصيبك».

قال في الذخيرة : ويمكن المناقشة بأن الظاهر من التعليل ان غرض السائل توهم احتمال النجاسة بسبب كثرة ملاقاة العامة والخاصة ومن لا يتوقى النجاسة ، فلا يدل على جواز الشم. لكن فهم الأصحاب واتفاقهم يكفي مؤنة هذه المناقشة.

أقول : لا ريب في ان هذه المناقشة من الاحتمالات الواهية التي

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٥ ص ٦٩ ، والوسائل الباب ٢١ من تروك الإحرام.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٤٢ ، والوسائل الباب ٢١ من تروك الإحرام.

(٤) الفقيه ج ٢ ص ٢١٧ ، والوسائل الباب ٢١ من تروك الإحرام.


هي لبيت العنكبوت ـ وانه لا ضعف البيوت ـ مضاهية ، فإن هؤلاء الأجلاء السائلين في هذه الروايات لا يخفى عليهم الحكم بأصالة الطهارة في كل شي‌ء حتى يسألوا عن ذلك في هذه المادة المخصوصة ، سيما مع قول الامام (عليه‌السلام) في صحيحة ابن ابي عمير : «ان بثوبي منه لطخا» فإنه يبعد عدم شمه مع كونه بثوبه دائما.

ويعضد ما ذكرناه ما تقدم في صحيحة هشام بن الحكم (١) من قوله (عليه‌السلام): «لا بأس بالريح الطيبة في ما بين الصفا والمروة من ريح العطارين ، ولا يمسك على أنفه». فإنه إذا جاز الشم للرائحة الطيبة بين الصفا والمروة من ريح العطارين ، فريح خلوق الكعبة أولى بالجواز.

والخلوق كصبور : ضرب من الطيب ، كما ذكره في الصحاح والقاموس ، وفي النهاية الأثيرية : الخلوق : طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب ، وتغلب عليه الحمرة والصفرة.

بقي الكلام في ما لو طيبت الكعبة بغير الخلوق المذكور ، وبالجواز صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم : الشيخ والعلامة. وقال في الدروس : قال الشيخ : لو دخل الكعبة وهي تجمر أو تطيب لم يكره له الشم. وبمثل ذلك صرح العلامة في التذكرة. وظاهر المدارك الميل اليه. واستدل عليه بفحوى صحيحة هشام بن الحكم بالتقريب الذي قدمناه. وهو غير بعيد ، وان نسبه في الذخيرة إلى انه ضعيف. والاحتياط في العدم.

المسألة الرابعة ـ لو اضطر المحرم الى مس الطيب ، أو أكل ما فيه

__________________

(١) ص ٤١٥.


طيب ، قبض على انفه وجوبا ، لان الاضطرار إلى أحدهما لا يبيح الآخر مع حرمة الجميع ، فيقتصر على محل الضرورة ، إلا ان يعسر ويشق القبض على الأنف ، فإنه يجوز له الشم ايضا.

اما جواز الأكل فدليل إباحته ان الضرورات تبيح المحظورات (١) ، كما هو مسلم بينهم في جميع الأحكام.

واما وجوب الإمساك مع الإمكان فتدل عليه روايات : منها ـ صحيحة الحلبي ومحمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «المحرم يمسك على انفه من الريح الطيبة ، ولا يمسك على انفه من الريح الخبيثة». ونحوها جملة من الاخبار المتقدمة في المسألة الثانية.

واما عدم الوجوب مع المشقة والحرج بذلك ، فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن جابر (٣) وكانت عرضت له ريح في وجهه من علة اصابته وهو محرم ، قال : «فقلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : ان الطبيب الذي يعالجني وصف لي سعوطا فيه مسك؟ فقال : استعط به».

وعن إسماعيل في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن السعوط للمحرم وفيه طيب. فقال : لا بأس». وهو محمول على الضرورة كما تقدم في سابقه. وعلى ذلك حمله الشيخ (رحمه‌الله).

__________________

(١) تقدم دليل ذلك ص ١٦٤.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٤ ، والوسائل الباب ٢٤ من تروك الإحرام.

(٣ و ٤) التهذيب ج ٥ ص ٢٩٨ ، والوسائل الباب ١٩ من تروك الإحرام.


وقال الصدوق (١) : وان اضطر المحرم الى سعوط فيه مسك من ريح يعرض له في وجهه وعلة تصيبه ، فلا بأس بأن يستعط به ، فقد سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن ذلك فقال : استعط به.

ولو استهلك الطيب في المأكول أو الممسوس بحيث زالت أوصافه من ريحه وطعمه ولونه ، فالظاهر انه لا يحرم مباشرته واكله. وبذلك صرح العلامة في التذكرة.

ويعضده ما رواه عمران الحلبي في الصحيح (٢) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يكون به الجرح فيتداوى بدواء فيه زعفران قال : ان كان الغالب على الدواء فلا ، وأنت كان الأدوية الغالبة عليه فلا بأس».

والظاهر ان الاعتبار بالرائحة خاصة دون سائر الأوصاف ، للنهى عن التلذذ بالرائحة الطيبة.

بقي الكلام في ان ظاهر هذه الرواية ينافي ما تقدم من روايات إسماعيل بن جابر ، ويمكن الجمع اما بتخصيص إطلاق تلك الروايات بما دلت عليه هذه الرواية من التفصيل ـ والظاهر بعده ـ أو حمل هذه الرواية على عدم الضرورة التامة. ولعله الأقرب.

واما ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٣) ـ : «في

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٤ ، والوسائل الباب ١٩ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٥٩ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٢٢ ، والوسائل الباب ٦٩ من تروك الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٠٤ ، والوسائل الباب ٤ من بقية كفارات الإحرام.


محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج؟ قال : ان كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وان كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه» ـ.

ففيه ـ مع كونه مقطوعا ـ انه معارض بالأخبار الدالة على العفو عن الجاهل ، وانه لا كفارة عليه في شي‌ء من محرمات الإحرام إلا الصيد ، والاخبار المتقدمة الدالة في خصوص هذه المسألة على الجواز مع الضرورة من غير ذكر كفارة فيه.

واما ما رواه في الكافي عن ابان عن من أخبره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) ـ قال : «إذا اشتكى المحرم فليتداو وبما يحل له ان يأكله وهو محرم».

وما رواه فيه عن الكناني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا اشتكى المحرم فليتداو بما يأكل وهو محرم» ـ.

فيجب حمله على ما يحصل البرء به. واما لو لم يحصل إلا بما لا يجوز له اكله اختيارا حال الإحرام ، فله اكله والتداوي به للضرورة ، كما عليه اتفاق الأصحاب في هذا الموضع وغيره.

المسألة الخامسة ـ قال في التذكرة : لو لصق الطيب ببدنه أو ثوبه على وجه لا يوجب الفدية بأن كان ناسيا أو ألقته الريح ، وجب عليه المبادرة إلى غسله أو تنحيته أو معالجته بما يقطع رائحته. ويأمر غيره بإزالة ذلك عنه ، ولو باشره بنفسه فالأقرب انه لا يضره لانه قصد الإزالة. انتهى. وظاهره التردد في الإزالة بنفسه وان كان الأقرب ذلك عنده.

ونقل عن الشيخ انه قطع بجواز الإزالة باليد.

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٥٩ ، والوسائل الباب ٦٩ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٥٨ ، والوسائل الباب ٦٩ من تروك الإحرام.


أقول : وهو الذي دلت عليه الاخبار ، ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابى عمير عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) : «في محرم اصابه طيب؟ فقال : لا بأس ان يمسحه بيده أو يغسله».

وما رواه الكليني عنه في الصحيح أو الحسن عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «في المحرم يصيب ثوبه الطيب؟ قال : لا بأس بأن يغسله بيد نفسه».

وما رواه الصدوق عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) في حديث قال : «لا بأس ان يغسل الرجل الخلوق عن ثوبه وهو محرم».

وما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن المحرم يمس الطيب وهو نائم لا يعلم به. قال : يغسله ، وليس عليه شي‌ء. وعن المحرم يدهنه الحلال بالدهن الطيب والمحرم لا يعلم ما عليه. قال : يغسله ايضا وليحذر».

وإطلاق هذه الاخبار دال على جواز غسله له بنفسه وان استلزم شم الرائحة في تلك الحال. وكأنه من حيث وجوب التكليف بالإزالة يغتفر له الشم في تلك الحال.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٢٩٩ ، والوسائل الباب ٢٢ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٥٤ ، والوسائل الباب ٢٢ من تروك الإحرام.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٤ ، والوسائل الباب ٢٢ من تروك الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٢٢ من تروك الإحرام ، والباب ٤ من بقية كفارات الإحرام.


فوائد

الاولى ـ لو انقطعت رائحة الطيب من الثوب ، لطول الزمان ، أو صبغ بغيره بحيث لا تظهر رائحته لا مع الرطوبة ولا مع اليبوسة ، فالظاهر جواز استعماله.

الثانية ـ قال في التذكرة : لو أصاب ثوبه طيب وجب عليه غسله أو نزعه ، فلو كان معه من الماء ما لا يكفيه لغسل الطيب وطهارته ، غسل به الطيب ، لان للوضوء بدلا.

قال في المدارك بعد ذكر نحو ذلك : ويحتمل وجوب الطهارة به ، لان وجوب الطهارة قطعي ووجوب الإزالة والحال هذه مشكوك فيه ، لاحتمال استثنائه للضرورة ، كما استثنى شمه في الكعبة والسعي. والاحتياط يقتضي تقديم الغسل على التيمم ، ليتحقق فقد الماء حالته. انتهى.

أقول : ومن المحتمل قريبا التفصيل في ذلك بين الوقت وخارجه فان كان في الوقت فالأظهر تقديم الوضوء ، لانه مخاطب به في تلك الحال ، والتيمم غير مشروع ، لانه واجد للماء ، ويسقط وجوب الإزالة للضرورة. وما ذكره في المدارك ـ من ان الاحتياط يقتضي تقديم الغسل ـ لا يتم في هذه الصورة ، لأنه بالتصرف بالماء في تلك الحال يصير من قبيل من دخل عليه الوقت واجدا للماء فتعمد إراقته وإتلافه ، ولا أقل من التأثيم والعقوبة عليه ان لم نقل ببطلان تيممه. وان كان قبل الوقت فلا يبعد وجوب الإزالة ، لأنه في هذه الحال غير مخاطب بالطهارة ، والخطاب بوجوب الإزالة متوجه اليه ليس له معارض.


وكيف كان فالمسألة ـ لعدم النص الذي هو المعتمد عندنا في جميع الأحكام ـ لا تخلو من الإشكال.

الثالثة ـ قال في التذكرة : لو فرش فوق الثوب المطيب ثوبا يمنع الرائحة والمباشرة ، فلا فدية بالجلوس عليه والنوم. ولو كان الحائل ثياب نومه ، فالوجه المنع ، لانه كما منع من استعمال الطيب في بدنه منع من استعماله في ثوبه. انتهى. وبذلك صرح في المنتهى. وهو جيد.

واما قوله في الذخيرة ـ : ولو كان الحائل ثياب بدنه فوجهان. ثم نقل عن المنتهى المنع ، استنادا الى ما ذكره في التذكرة من التعليل ثم قال : وللتأمل فيه مجال ـ فلا اعرف له وجها. إلا ان يقول بجواز الطيب في ثوب المحرم ، وهو من ما وقع الإجماع نصا وفتوى على تحريمه. فأي مجال هنا للتأمل في ما ذكره والمفروض في المسألة تعدى الطيب الى ثيابه بالنوم على ذلك الثوب المطيب.

الرابعة ـ لو غسل الثوب حتى زال عنه الطيب جاز استعماله ، إجماعا نصا وفتوى.

ومن ذلك ما رواه الصدوق عن الحسين بن ابي العلاء عن الصادق (عليه‌السلام) (١) «انه سأله عن الثوب للمحرم يصيبه الزعفران ثم يغسل. فقال : لا بأس به إذا ذهب ريحه. ولو كان مصبوغا كله إذا ضرب الى البياض وغسل فلا بأس به».

وعن إسماعيل بن الفضل (٢) : «انه سأله عن المحرم يلبس الثوب

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢١٦ ، والوسائل الباب ٤٣ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٤٣ من تروك الإحرام.


قد اصابه الطيب. فقال : إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه».

وروى الكليني عن حماد بن عثمان في الصحيح (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : اني جعلت ثوبي إحرامي مع أثواب قد جمرت فأجد من ريحها؟ قال : فانشرها في الريح حتى تذهب ريحها».

الخامسة ـ روى ثقة الإسلام في الكافي عن المعلى بن خنيس عن ابي عبد الله (٢) قال : «كره ان ينام المحرم على فراش اصفر ، أو على مرفقة صفراء».

وروى الشيخ في الصحيح عن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «يكره للمحرم ان ينام على الفراش الأصفر ، والمرفقة الصفراء». ورواه الصدوق عن ابي بصير مثله (٤).

أقول : ان حملت الصفرة في هذين الخبرين على صفرة الطيب ، فلفظ الكراهة فيهما بمعنى التحريم ، كما هو شائع في الاخبار ، وان حملت على ما دون ذلك ، كانت الكراهة بالمعنى الأصولي المصطلح. ويرجح الأول قول ابي عبد الله (عليه‌السلام) في صحيحة منصور بن حازم (٥) «إذا كنت متمتعا فلا تقربن شيئا فيه صفرة حتى تطوف بالبيت». وحديثه الآخر (٦) حيث : «سئل (عليه‌السلام) أيأكل شيئا فيه

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٥٦ ، والوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٥٥ ، والوسائل الباب ٢٨ من تروك الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٦٨ ، والوسائل ٢٨ من تروك الإحرام.

(٤) الفقيه ج ٢ ص ٢١٨ ، والوسائل الباب ٢٨ من تروك الإحرام.

(٥) الوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.

(٦) الوسائل الباب ١٣ من الحلق والتقصير.


صفرة؟ قال : لا حتى يطوف بالبيت». ويؤيده ان صاحب الكافي إنما أورد الحديث المنقول هنا في باب الطيب للمحرم. وحينئذ فالمراد بالصفرة لون الزعفران ونحوه من الألوان الطيبة الصفر.

السادسة ـ لو مات المحرم لم يجز مسه بالكافور إجماعا نصا وفتوى.

ومن الاخبار في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) : «عن المحرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال : يغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال ، غير انه لا يقربه طيبا».

وفي الكافي عن ابن أبي حمزة عن ابى الحسن (عليه‌السلام) (٢) «في المحرم يموت؟ قال : يغسل ويكفن ويغطى وجهه ، ولا يحنط ، ولا يمس شيئا من الطيب».

وروى في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يموت ، كيف يصنع به؟ فحدثني ان عبد الرحمن بن الحسن بن علي مات بالأبواء مع الحسين بن علي (عليهما‌السلام) وهو محرم ، ومع الحسين عبد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر ، فصنع به كما صنع بالميت ، وغطى وجهه ، ولم يمسه طيبا. قال : وذلك في كتاب على عليه‌السلام». وبهذا المضمون حديث ابى مريم المروي في الكافي (٤) وحديثه الآخر المروي في التهذيب (٥) وحديث عبد الرحمن بن ابى عبد الله البصري (٦).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من غسل الميت ، والباب ٨٣ من تروك الإحرام.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٣ من غسل الميت.


المسألة السادسة ـ أجمع الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) على وجوب الشاة في الطيب ، أكلا ، واطلاء ، وشما ، وبخورا ، وصبغا ، ابتداء واستدامة ، متى استعمله عامدا عالما ، نقل إجماعهم على ذلك العلامة في المنتهى والتذكرة.

واستدل عليه بصحيحة زرارة ، وهي ما رواه الصدوق في الصحيح عنه عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «من أكل زعفرانا متعمدا ، أو طعاما فيه طيب ، فعليه دم ، وان كان ناسيا فلا شي‌ء عليه ، ويستغفر الله ويتوب اليه». ولا يخفى قصورها عن ما ذكروه من التعميم في الحكم المذكور.

ويدل على وجوب الشاة أيضا في الجملة قول ابي جعفر (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (٢) : «من نتف إبطه ، أو قلم ظفره ، أو حلق رأسه ، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه ، أو أكل طعاما لا ينبغي له اكله ، وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا ، فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة».

ويؤيده ما تقدم قريبا (٣) في المسألة الرابعة من مقطوعة معاوية ابن عمار : «وان كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه».

إلا انه قد تقدم في المسألة الثانية من الاخبار ما هو ظاهر في المنافاة ، مثل قوله (عليه‌السلام) في صحيحة حريز (٤) : «فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه. يعني : من

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٣ ، والوسائل الباب ٤ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٨ من بقية كفارات الإحرام.

(٣) ص ٤٢٤ رقم ٣.

(٤) ص ٤١٤.


الطعام». ـ كما في رواية التهذيب ـ و «قدر سعته» كما في الكافي.

وقوله (عليه‌السلام) في رواية الحسن بن زياد (١) : «وقد سأله عن الأشنان فيه الطيب ، يغسل به يده وهو محرم. فقال : تصدق بشي‌ء كفارة للأشنان الذي غسلت به يدك». ونحوها رواية الحسين ابن زياد (٢).

وفي صحيحة معاوية بن عمار (٣) : «فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فليعد غسله ، وليتصدق بصدقة بقدر ما صنع».

وأجاب العلامة ـ بعد ذكره بعض هذه الروايات ـ بالحمل على حال الضرورة ، والحاجة الى استعمال الطيب. ولا يخفى ما فيه من البعد ، إذ لا إشارة في تلك الاخبار ـ فضلا عن الدلالة ـ تؤنس به

واختار في المدارك حملها على حالة الجهل والنسيان ، مع حمل الأمر بالصدقة على الاستحباب ، للأخبار الكثيرة الدالة على سقوط الكفارة عن الناسي والجاهل إلا في الصيد. ولا يخفى ايضا ما فيه من البعد عن ظاهر الاخبار المذكورة.

ويخطر بالبال العليل والفكر الكليل وجه آخر ، لعله أقرب من ما ذكروه ، وهو حمل الطيب في هذه الاخبار على ما عدا الأفراد الأربعة أو الخمسة التي اخترناها وفاقا للشيخ في التهذيب ، ويختص وجوب

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٧ من تروك الإحرام ، والباب ٤ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٣ و ٢٢٤ ، والوسائل الباب ٤ من بقية كفارات الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام رقم ٨.


الشاة بالطيب الذي هو عبارة عن تلك الأفراد المذكورة ، والأمر بالصدقة فيها على الاستحباب.

وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الاشكال ، ولا ريب ان الاحتياط في ما ذكروه (رضوان الله عليهم).

الصنف الرابع ـ لبس المخيط للرجال ، وما يتبعه من أنواع اللبس قال في التذكرة : يحرم على المحرم الرجل لبس الثياب المخيطة عند علماء الأمصار. وقال في المنتهى : يحرم على المحرم لبس المخيط من الثياب ان كان رجلا ، ولا نعلم فيه خلافا. ونقل في الدروس عن ابن الجنيد انه قيده بالضام للبدن. وظاهر المشهور بين الأصحاب تحريم لبس المخيط وان قلت الخياطة.

وأنت خبير بأن الأخبار الواردة في المسألة قاصرة عن افادة ما ذكروه من العموم.

وها أنا أسوق لك ما وقفت عليه منها ، ليظهر لك الحال :

فمنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تلبس ـ وأنت تريد الإحرام ـ ثوبا تزره ، ولا تدرعه ، ولا تلبس سراويل ، إلا ان لا يكون لك إزار ، ولا خفين ، الا ان لا يكون لك نعلان».

وما رواه الصدوق عن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم ، إلا ان تنكسه ، ولا ثوبا تدرعه ، ولا سراويل ، إلا ان لا يكون لك إزار ،

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٦٩ و ٧٠ ، والوسائل الباب ٣٥ من تروك الإحرام.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢١٨ ، والوسائل الباب ٣٥ من تروك الإحرام.


ولا خفين ، إلا ان لا يكون لك نعل».

وما رواه الصدوق ايضا عن زرارة في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «سألته عن ما يكره للمحرم ان يلبسه. فقال : يلبس كل ثوب إلا ثوبا يتدرعه».

وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان لبست ثوبا في إحرامك لا يصلح لك لبسه فلب وأعد غسلك ، وان لبست قميصا فشقه وأخرجه من تحت قدميك».

وعن صفوان في الصحيح عن خالد بن محمد الأصم (٣) قال : «دخل رجل المسجد الحرام وهو محرم ، فدخل في الطواف وعليه قميص وكساء ، فاقبل الناس عليه يشقون قميصه وكان صلبا ، فرءاه أبو عبد الله (عليه‌السلام) ـ وهو يعالجون قميصه يشقونه ـ فقال له : كيف صنعت؟ فقال : أحرمت هكذا في قميصي وكسائي. فقال : انزعه من رأسك ، ليس ينزع هذا من رجليه ، انما جهل». ونحوها رواية عبد الصمد بن بشير (٤) وقد تقدمت في مسألة لبس ثوبي الإحرام (٥).

وما رواه في الكافي عن يعقوب بن شعيب في الصحيح (٦) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يلبس الطيلسان المزرور؟ فقال : نعم. وفي كتاب على (عليه‌السلام) : لا يلبس طيلسان حتى ينزع أزراره. فحدثني أبي انه انما كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل عليه».

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢١٨ ، والوسائل الباب ٣٦ من تروك الإحرام.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٤٥ من تروك الإحرام.

(٥) ص ٧٧.

(٦) الفروع ج ٤ ص ٣٤٠ ، والوسائل الباب ٣٦ من تروك الإحرام.


وروى في الكافي أيضا والتهذيب في الصحيح عن الحلبي مثله (١) بدون قوله : «فحدثني ابي» قال : وقال : «إنما كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل فاما الفقيه فلا بأس ان يلبسه».

وأنت خبير بأنه لا دلالة في شي‌ء من هذه الروايات على تحريم لبس المخيط ، ولا تعرض له بالكلية ، وانما دلت على النهى عن أثواب مخصوصة. وبذلك اعترف شيخنا الشهيد (نور الله مرقده) في الدروس حيث قال : ولم أقف إلى الآن على رواية بتحريم عين المخيط ، انما نهى عن القميص والقباء والسراويل ، وفي صحيح معاوية (٢) : «لا تلبس ثوبا تزره ولا تدرعه ، ولا تلبس سراويل». وتظهر الفائدة في الخياطة في الإزار وشبهه. انتهى. ويعضده ما نقل عن الشيخ المفيد (عطر الله ـ تعالى ـ مرقده) في المقنعة انه لم يذكر إلا المنع من أشياء معينة ، ولم يتعرض لذكر المخيط.

ومن ما ذكرنا يعلم ان ما اشتهر بين جملة من المتأخرين ـ بناء على ما قدمناه من الإجماع المدعى ، من انه يكفى في المنع مسمى الخياطة وان قلت ـ لا وجه له.

وألحق الأصحاب بالمخيط ما أشبهه ، كالدرع المنسوج ، والملصق بعضه ببعض. واحتج عليه في التذكرة بالحمل على المخيط ، لمشابهته إياه في المعنى من الترفه والتنعم. وضعفه ظاهر. والأجود أن يستدل عليه بما يتضمن تحريم لبس الثياب على المحرم ، كصحيحة معاوية ابن عمار الاولى والثانية ، وصحيحة زرارة ، ونحوها من ما نقلناه وما لم ننقله ، فإنها شاملة لذلك.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٦ من تروك الإحرام ، والحديث في الفروع ج ٤ ص ٣٤٠ ، والفقيه ج ٢ ص ٢١٧.

(٢) ص ٤٣٣ رقم (١).


لكن ينبغي ان يستثني منه الطيلسان ، فإنه يجوز لبسه ، كما تقدم في صحيحة يعقوب بن شعيب. وهو ـ على ما نقل ـ ثوب منسوج محيط بالبدن ، قال في كتاب مجمع البحرين : الطيلسان مثلث اللام واحد الطيالسة ، وهو ثوب محيط بالبدن ينسج للبس خال عن التفصيل والخياطة ، وهو من لباس العجم ، والهاء في الجمع للعجمة ، لانه معرب تالشان. انتهى

وظاهر الروايتين المذكورتين جواز لبسه اختيارا ، وبه صرح العلامة في جملة من كتبه ، والشهيد في الدروس. واعتبر في الإرشاد في جواز لبسه الضرورة ، وبه صرح صاحب الوسائل. والظاهر الأول.

ومن ما يدل على وجوب الفدية لو تعمد لبس ما لا يجوز له لبسه ما رواه الكليني عن زرارة في الصحيح عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «من لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم».

وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «سألته عن ضروب من الثياب مختلفة يلبسها المحرم إذا احتاج ، ما عليه؟ قال : لكل صنف منها فداء».

أقول : الظاهر ان المراد بتعدد الصنف ، كالعمامة والقباء والقميص والسراويل ، فان كلا منها صنف من أصناف اللباس ، فلو تعدد القباء ـ مثلا ـ فليس إلا فداء واحد.

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٤٨ ، والوسائل الباب ٨ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٤٨ ، والفقيه ج ٢ ص ٢١٩ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٨٤ عن ابي جعفر (ع) ، والوسائل الباب ٩ من بقية كفارات الإحرام.


وما رواه ثقة الإسلام (نور الله ـ تعالى ـ مرقده) في الصحيح عن زرارة (١) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : من نتف إبطه ، أو قلم ظفره ، أو حلق رأسه ، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه ، أو أكل طعاما لا ينبغي له اكله ، وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة».

وما رواه الشيخ عن سليمان بن العيص (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يلبس القميص متعمدا. قال : عليه دم».

ومن اضطر الى لبس ثوب يحرم عليه لبسه مع الاختيار ، جاز له لبسه ، وعليه دم شاة. والحكم بذلك مقطوع به في كلامهم ، كما نقله غير واحد.

والأصل فيه صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة. والظاهر منها ـ كما أشرنا إليه آنفا ـ تعدد الكفارة بتعدد الصنف ، في مجلس واحد كان أو مجالس متعددة ، ومع اتحاد الصنف فليس إلا كفارة واحدة كذلك اي اتحد المجلس أو تعدد ، تعددت أفراده أو اتحدت.

وبهذا ينبغي ان يجمع بين كلامي العلامة في المنتهى ، فإنه قال في فروع هذه المسألة :

الثاني ـ لو لبس ثيابا كثيرة دفعة واحدة وجب عليه فداء واحد ولو كان في مرات متعددة وجب عليه لكل ثوب دم ، لان لبس كل ثوب يغاير لبس الثوب الآخر ، فيقتضي كل واحد منها مقتضاه من

__________________

(١) هذا الحديث بهذا اللفظ رواه الشيخ في التهذيب ج ٥ ص ٣٦٩ و ٣٧٠ ، والوسائل الباب ٨ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٨ من بقية كفارات الإحرام.


غير تداخل. ثم استدل بصحيحة محمد بن مسلم المذكورة. ثم قال : الرابع ـ لو لبس قميصا وعمامة وخفين وسراويل وجب عليه لكل واحد فدية ، لأن الأصل عدم التداخل ، خلافا لأحمد (١). وظاهر هذا الكلام مناف لما تقدم ، من ان لبس الثياب الكثيرة دفعة واحدة إنما يوجب فداء واحدا. ووجه الجمع هو ما أشرنا إليه من حمل الثياب الكثيرة على ما إذا كانت من صنف واحد ، وان كان ظاهر عبارته من ما يأبى هذا ، حيث انه جعل مناط الاتحاد والتعدد في الفدية انما هو تعدد المجلس واتحاده ، والمفهوم من الخبر انما هو باعتبار تعدد الصنف واتحاده.

ونقل عن الشيخ في التهذيب انه قال : وإذا لبس ثيابا كثيرة فعليه لكل واحد منها فداء. وهو على إطلاقه أيضا مشكل. والوجه ما ذكرناه من التفصيل المستفاد من الصحيحة المذكورة.

ثم انه لا فرق عند الأصحاب في وجوب الكفارة بين اللبس ابتداء واستدامة ، كما لو لبسه ناسيا أو جاهلا ثم ذكر أو علم ، فإنه يجب عليه نزعه على الفور ، ولا فدية عليه ، ولو تركه والحال كذلك وجبت عليه الفدية ، طال الزمان أو قصر.

والواجب نزعه من أسفله ، بان يشقه ويخرجه من رجليه. وعلله في المنتهى بأنه لو نزعه من رأسه لغطاه ، وتغطية الرأس حرام. ورواية عبد الصمد بن بشير المتقدمة في مسألة لبس ثوبي الإحرام (٢) دلت

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٤٤٨ طبع مطبعة العاصمة.

(٢) ص ٧٧ و ٧٨ ، والتهذيب ج ٥ ص ٧٢ ، والوسائل الباب ٤٥ من تروك الإحرام.


على التفصيل في ما إذا كان جاهلا ، بين لبسه للقميص قبل الإحرام فينزعه من رأسه ، وبعد الإحرام فينزعه من رجليه.

وقد تقدم في المسألة المشار إليها التنبيه على جملة من المسائل المتعلقة بثوبي الإحرام.

وبقي من ما يجب التنبيه عليه هنا أمور الأول ـ قال العلامة في المنتهى : يجوز للمحرم ان يعقد إزاره عليه ، لانه يحتاج اليه لستر العورة ، فيباح كاللباس للمرأة. قال في المدارك : وهو حسن.

أقول : قد روى في الاحتجاج (١) عن محمد بن عبد الله الحميري عن صاحب الزمان (عجل الله ـ تعالى ـ فرجه): انه كتب إليه يسأله عن المحرم ، يجوز ان يشد المئزر من خلفه على عقبه بالطول ، ويرفع طرفيه الى حقويه ويجمعهما في خاصرته ويعقدهما ، ويخرج الطرفين الآخرين من بين رجليه ويرفعهما الى خاصرته ويشد طرفيه الى وركيه ، فيكون مثل السراويل يستر ما هناك؟ فإن المئزر الأول كنا نتزر به إذا ركب الرجل جمله يكشف ما هناك ، وهذا أستر. فأجاب (عليه‌السلام): جائز ان يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا بمقراض ولا ابرة يخرجه به عن حد المئزر ، وغرزه غرزا ، ولم يعقده ولم يشد بعضه ببعض ، وإذا غطى سرته وركبتيه كلاهما ، فإن السنة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة والركبتين. والأحب إلينا والأفضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعا ان شاء الله (تعالى). وعنه انه سأله : هل يجوز ان يشد عليه مكان العقد تكة؟ فأجاب : لا يجوز شد المئزر بشي‌ء سواه من تكة أو غيرها. انتهى. وهو ظاهر ـ كما

__________________

(١) ج ٢ ص ٣٠٦ ، والوسائل الباب ٥٣ من تروك الإحرام.


ترى ـ في انه إذا اتزر بالإزار ، يغرزه غرزا ، ولا يعقده ، ولا يشد بعضه ببعض.

وذكر العلامة أيضا في الكتاب المذكور وغيره في غيره : انه يحرم على المحرم عقد الرداء وزره.

واستدلوا عليه بما رواه الصدوق في الموثق عن سعيد الأعرج (١) : «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يعقد إزاره في عنقه؟ قال : لا».

قال في المدارك بعد نقل ذلك : ويمكن حملها على الكراهة ، لقصورها من حيث السند عن إثبات التحريم. وهو جيد على أصله الغير الأصيل. والأظهر هو ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم).

إلا انه روى في الكافي عن القداح عن جعفر (عليه‌السلام) (٢) : «ان عليا (صلوات الله عليه) كان لا يرى بأسا بعقد الثوب إذا قصر ، ثم يصلي فيه وان كان محرما». والظاهر حملها على الضرورة كما هو الظاهر منها ، فلا منافاة. ومفهومها كاف في الدلالة كما لا يخفى.

ويزيد ذلك بيانا ما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن علي ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «المحرم لا يصلح له ان يعقد إزاره على رقبته ، ولكن يثنيه على عنقه ولا يعقده». ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله (٤).

الثاني ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجوز له عقد الهميان في وسطه.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٥٣ من تروك الإحرام.


وعليه تدل جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه ثقة الإسلام (عطر الله ـ تعالى ـ مرقده) في الصحيح عن عاصم بن حميد عن ابي بصير (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يشد على بطنه العمامة؟ قال : لا. ثم قال : ان كان ابي يقول : يشد على بطنه المنطقة التي فيها نفقته يستوثق منها ، فإنها من تمام حجه».

وعن يعقوب بن شعيب في الصحيح (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يصر الدراهم في ثوبه؟ قال : نعم. ويلبس المنطقة والهميان».

وما رواه الصدوق (نور الله مرقده) في الموثق عن يونس بن يعقوب (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم يشد الهميان في وسطه؟ فقال : نعم ، وما خيره بعد نفقته».

وعن ابي بصير عنه (عليه‌السلام) (٤) انه قال : «كان ابي يشد على بطنه نفقته يستوثق بها ، فإنها تمام حجه».

وما تضمنه صحيح ابي بصير ـ من النهي عن شد المحرم العمامة على بطنه ـ لعله محمول على الكراهة ، لما رواه الصدوق في الصحيح عن عمران الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «المحرم يشد على بطنه العمامة ، وان شاء يعصبها على موضع الإزار ، ولا يرفعها الى صدره».

ويمكن حمل البطن في صحيحة أبي بصير على الصدر ، جمعا بين الخبرين ، فان ظاهر هذه الصحيحة تحريم الشد على الصدر. وباب

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٤٧ من تروك الإحرام. وارجع الى الاستدراكات.

(٥) الوسائل الباب ٧٢ من تروك الإحرام.


التجوز في الكلام واسع ، وارتكاب مثل هذا التجوز في طريق الجمع شائع.

الثالث ـ قد صرح العلامة في المنتهى والتذكرة وغيره بأنه لا يجوز للمحرم لبس الخفين ، ولا ما يستر ظهر القدم ، اختيارا ، ويجوز اضطرارا وهو من ما لا خلاف فيه بينهم ، كما ذكره العلامة في الكتابين المذكورين ، قال : ولا نعلم فيه خلافا.

أقول : ويدل عليه ما رواه الصدوق عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) : «في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل؟ قال : نعم ، ولكن يشق ظهر القدم».

وما رواه في الكافي في الموثق عن حمران عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «المحرم يلبس السراويل إذا لم يكن معه إزار ، ويلبس الخفين إذا لم يكن معه نعل».

وصحيحة الحلبي (٣) وفيها : «واي محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله ان يلبس الخفين إذا اضطر الى ذلك ، والجوربين يلبسهما إذا اضطر الى لبسهما».

وفي صحيحة زرارة (٤) : «أنه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يلبس الخفين والجوربين؟ قال : إذا اضطر إليهما».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥١ من تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٥١ من تروك الإحرام.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٣٤٧ ، والفقيه ج ٢ ص ٢١٧ ، والوسائل الباب ٥١ من تروك الإحرام رقم ٤. والراوي هو رفاعة.


وفي صحيحة معاوية بن عمار (١) : «ولا تلبس سراويل إلا ان لا يكون لك إزار ، ولا خفين إلا ان لا يكون لك نعلان».

وهذه الروايات كلها إنما دلت على الخفين والجوربين ، واما ما يستر ظهر القدم من غير ان يدخل تحت اللباس فلا دليل عليه. والظاهر ان مرادهم ليس مجرد ستر القدم ، بل المراد لبس ما يوجب ستر القدم وعلى هذا فيحمل ذكر الخفين والجوربين على التمثيل دون الاختصاص.

والظاهر المتبادر من هذه الروايات هو اختصاص التحريم بما يلزم منه ستر ظهر القدم كلا دون بعضه ، بل احتمل في المدارك اختصاصه بساتر الجميع إذا كان له ساق كما في الخف والجورب.

بقي الكلام في انه متى اضطر الى لبسه فهل يجب شقه أم لا؟ فقال الشيخ واتباعه بالوجوب ، لرواية محمد بن مسلم المتقدمة ، ورواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «في رجل هلكت نعلاه ولم يقدر على نعلين؟ قال : له ان يلبس الخفين إذا اضطر الى ذلك ، وليشقه من ظهر القدم. الحديث».

وقال ابن إدريس وجمع من الأصحاب ـ منهم المحقق ـ : لا يجب شق الخفين ، للأصل ، وإطلاق الأمر بلبس الخفين مع عدم النعلين في الاخبار المتقدمة ، ولو كان الشق واجبا لذكر في مقام البيان. وفيه ان غاية هذه الاخبار ان تكون مطلقة في ذلك ، وهي لا تنافي الأخبار المقيدة ، لأن المقيد يحكم على المطلق ، كما هو القاعدة المسلمة بينهم.

ثم انه قد اختلف كلامهم أيضا في كيفية ذلك ، فقال الشيخ في

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٦٩ و ٧٠ ، والوسائل الباب ٣٥ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٤٦ ، والوسائل الباب ٥١ من تروك الإحرام.


للبسوط : يشق ظهر قدميهما. وقال في الخلاف : انه يقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين. وقال ابن الجنيد : ولا يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين حتى يقطعهما إلى أسفل الكعبين. وقال ابن حمزة : انه يشق ظاهر القدمين ، وان قطع الساقين كان أفضل. والذي دل عليه الخبران المتقدمان شق ظهر القدم خاصة. نعم ورد القطع الى الكعبين في روايات العامة حيث رووا عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) انه قال : «فان لم يجد نعلين فليلبس خفين ، وليقطعهما حتى يكونا الى الكعبين». ولا يبعد ان يكون من ذكر القطع من أصحابنا إنما تبع فيه العامة ، حيث انه لا مستند له في أخبارنا ، أو لعله وصل إليهم ولم يصل إلينا.

والظاهر اختصاص الحكم المذكور بالرجل ، لانه مورد الروايات دون المرأة. واستظهره شيخنا الشهيد في الدروس.

الرابع ـ قد صرحوا (رضوان الله عليهم) بأنه لا يجوز للمرأة المحرمة لبس القفازين ، ولا الحلي الذي لم تجر عادتها بلبسه قبل الإحرام.

ويدل على الأول ما رواه في الكافي في الصحيح عن عيص بن القاسم (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين. وكره النقاب. الحديث».

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ٥١. وارجع الى الاستدراكات.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٤٤ ، والوسائل الباب ٣٣ من الإحرام ، والباب ٤٨ من تروك الإحرام.


وعن النضر بن سويد عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المرأة المحرمة أي شي‌ء تلبس من الثياب؟ قال : تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران والورس ، ولا تلبس القفازين ولا حليا تتزين به لزوجها ، ولا تكتحل إلا من علة ، ولا تمس طيبا ، ولا تلبس حليا ولا فرندا. ولا بأس بالعلم في الثوب».

والقفاز كرمان : شي‌ء يعمل لليدين يحشى بقطن ، تلبسهما المرأة للبرد ، ويكون لهما أزرار تزر على الساعدين.

وعن أبي عيينة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) : ما يحل للمرأة ان تلبس من الثياب وهي محرمة؟ قال : الثياب كلها ما خلا القفازين والبرقع والحرير».

وما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه في الصحيح عن يحيى ابن ابي العلاء عن ابي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٣) : «انه كره للمحرمة البرقع والقفازين».

أقول : والمراد بالكراهة هنا التحريم كما هو شائع في الاخبار. واما الثاني فتحريمه هو المشهور بين الأصحاب ، بل لا نعلم فيه مخالفا إلا ما يظهر من المحقق في الشرائع حيث جعله الاولى. هذا في ما لم يقصد به الزينة ، واما مع ذلك فلا خلاف في تحريمه.

وتدل عليه رواية النضر بن سويد المتقدمة ، وصحيحة محمد بن مسلم المروية في التهذيب وفي من لا يحضره الفقيه عن ابي عبد الله

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٣ من الإحرام ، والباب ٤٩ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٤٥ ، والوسائل الباب ٣٣ من الإحرام.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢١٩ ، والوسائل الباب ٣٣ من الإحرام.


(عليه‌السلام) (١) قال : «المحرمة تلبس الحلي كله إلا حليا مشهورا للزينة». والمراد بالمشهور ، يعني : الظاهر الذي تحصل به الزينة.

واما تحريم ما لم تعتد لبسه قبل الإحرام ـ كما هو المشهور ـ فلم أقف في الاخبار على ما يدل عليه صريحا ولا ظاهرا ، وغاية ما استدل به في المدارك على ذلك مفهوم قوله (عليه‌السلام) في صحيحة حريز (٢) : «إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للإحرام لم ينزع عنها». فان مفهومه يدل على النزع لو أحدثته للإحرام.

والذي وقفت عليه من روايات المسألة زيادة على ما ذكرنا ما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٣) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المرأة يكون عليها الحلي ، والخلخال ، والمسكة ، والقرطان من الذهب والورق ، تحرم فيه وهو عليها ، وقد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها ، انتزعه إذا أحرمت أو تتركه على حاله؟ قال : تحرم فيه وتلبسه ، من غير ان تظهره للرجال في مركبها ومسيرها».

وما رواه في من لا يحضره الفقيه (٤) عن عبد الله بن يحيى الكاهلي في الحسن عنه (عليه‌السلام) انه قال : «تلبس المرأة المحرمة الحلي كله إلا القرط المشهور والقلادة المشهورة».

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٤٩ من تروك الإحرام.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٠ ، والوافي باب (لباس المحرمة وحليها) والوسائل الباب ٤٩ من تروك الإحرام.

(٤) ج ٢ ص ٢٢٠ ، والوسائل الباب ٤٩ من تروك الإحرام.


وقال في من لا يحضره الفقيه (١) : «وسأله يعقوب بن شعيب عن المرأة تلبس الحلي. فقال : تلبس المسك والخلخالين».

وقال : وفي رواية حريز (٢) قال : «إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للإحرام لم تنزعه عنها».

وما رواه في التهذيب (٣) في الصحيح عن يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في حديث قال : «وتلبس الخلخالين والمسك».

وعن عمار الساباطي في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «تلبس المحرمة الخاتم من الذهب».

أقول : والمستفاد من مجموع روايات المسألة وضم بعضها الى بعض هو انه يحرم عليها قصد الزينة ، سواء كان بما تعتاده قبل الإحرام أم لا ، وعليه تدل رواية النضر وصحيحة محمد بن مسلم المذكورتان. واليه يشير قوله في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «تحرم فيه وتلبسه ، من غير ان تظهره للرجال» من زوجها وغيره من أقاربها. فلا وجه لتخصيص الزوج ، كما وقع في عبارات جملة من الأصحاب. واما ما لم تقصد به الزينة فلا بأس بما اعتادته قبل الإحرام بشرط ان لا تظهره ، وفي غير المعتاد تردد ، والأحوط تحريمه.

والظاهر انه لا فدية في لبس القفازين ولا الحلي المحرم سوى

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٢٠ ، والوسائل الباب ٤٩ من تروك الإحرام.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٠ ، والوافي باب (لباس المحرمة وحليها) والوسائل الباب ٤٩ من تروك الإحرام.

(٣) ج ٥ ص ٧٤ و ٧٥ ، والوسائل الباب ٣٣ من الإحرام.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٧٦ ، والوسائل الباب ٤٦ و ٤٩ من تروك الإحرام.


الاستغفار ، للأصل ، وعدم الدليل في الباب.

الخامس ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بأنه يحرم على الرجل لبس الخاتم ان قصد به الزينة ، وان قصد به السنة فلا بأس.

ويدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح عن احمد بن ابي نصر عن نجيح عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس بلبس الخاتم للمحرم». قال في الكافي (٢) : وفي رواية أخرى : «لا يلبسه للزينة».

وما رواه في التهذيب (٣) في الصحيح عن محمد بن إسماعيل قال : «رأيت العبد الصالح (عليه‌السلام) وهو محرم ، وعليه خاتم ، وهو يطوف طواف الفريضة».

وما رواه في من لا يحضره الفقيه (٤) عن مسمع عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته : أيلبس المحرم الخاتم؟ قال : لا يلبسه للزينة».

ويؤيده ما في رواية حريز (٥) قال : «لا تنظر في المرآة وأنت محرم لانه من الزينة.

ولا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ، ان السواد زينة».

السادس ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في لبس السلاح للمحرم لغير ضرورة ، فقيل بالتحريم ، وهو المشهور ، والقول بالجواز نادر.

__________________

(١ و ٢) الفروع ج ٤ ص ٣٤٣ ، والوسائل الباب ٤٦ من تروك الإحرام.

(٣) ج ٥ ص ٧٣ ، والوسائل الباب ٤٦ من تروك الإحرام.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٧٣ ، والوسائل الباب ٤٦ من تروك الإحرام.

(٥) الفروع ج ٤ ص ٣٥٦ ، والوسائل الباب ٣٤ و ٣٣ من تروك الإحرام.


ويدل على القول المشهور الاخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «ان المحرم إذا خاف العدو فلبس السلاح فلا كفارة عليه».

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) : أيحمل السلاح المحرم؟ فقال : إذا خاف المحرم عدوا أو سرقا فليلبس السلاح».

وفي من لا يحضره الفقيه (٣) عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «المحرم إذا خاف لبس السلاح».

وفي الكافي عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا بأس بأن يحرم الرجل وعليه سلاحه إذا خاف العدو».

ودلالة هذه الاخبار على التحريم وان كان بالمفهوم إلا انه مفهوم شرط ، وهو حجة عند محققي الأصوليين وعندي ، للأخبار المتقدمة في مقدمات الكتاب. إلا انه ربما يقال : ان المفهوم إنما يعتبر إذا لم يظهر للتعليق وجه سوى نفى الحكم عن ما عدا محل الشرط ، وهنا ليس كذلك. ولا يبعد ان يكون التعليق باعتبار عدم الاحتياج الى لبس السلاح عند انتفاء الخوف لا تحريمه. ويؤيده ان مقتضى الرواية الأولى لزوم الكفارة بلبس السلاح مع انتفاء الخوف. ولا قائل به. ويمكن حملها على ما لا يجوز للمحرم لبسه كالدرع ، ومعه يسقط الاحتجاج بها رأسا. ومن أجل هذه الوجوه مال في المدارك الى القول بالكراهة وفاقا للمصنف. وفيه نظر ، فان الظاهر ان ما ذكره من

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٨٧ ، والوسائل الباب ٥٤ من تروك الإحرام.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٥٤ من تروك الإحرام.


الفائدة في التعليق بعيد جدا ، فان عدم الاحتياج الى لبس السلاح عند انتفاء الخوف أمر ظاهر لا يحتاج الى تنبيه عليه ليكون هو الغرض من التعليق. وعدم القول بمضمون الرواية الدالة على الكفارة مع صحتها وصراحتها لا يوجب طرحها ولا تأويلها ، بل الواجب العمل بها مع عدم وجود المعارض لها. وبالجملة فالظاهر هو المشهور. والله العالم.

الصنف الخامس والسادس ـ الاكتحال بالسواد ، وما فيه طيب. وكذا النظر في المرآة.

فاما الأول فالمشهور فيه القول بالتحريم ، وهو قول الشيخ في النهاية والمبسوط ، والشيخ المفيد ، وسلار ، وابن إدريس ، وغيرهم. وقال في الخلاف : انه مكروه. وقال أبو جعفر بن بابويه في المقنع : ولا بأس ان يكتحل بالكحل كله إلا كحلا أسود للزينة. وقال ابن الجنيد : ولا تكتحل المرأة بالإثمد.

والذي وقفت عليه من الروايات المتعلقة بالمسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا يكتحل الرجل والمرأة المحرمان بالكحل الأسود إلا من علة».

وعن حريز في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : قال : «لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ، ان السواد زينة».

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن حريز في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا تنظر في المرآة وأنت

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٣ من تروك الإحرام.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٥٦ ، والوسائل الباب ٣٤ و ٣٣ من تروك الإحرام.


محرم ، لانه من الزينة. ولا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ، ان السواد زينة».

وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الكحل للمحرم. قال : اما بالسواد فلا ولكن بالصبر والحضض».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عنه ـ يعني : أبا عبد الله (عليه‌السلام) (٢) ـ قال : «تكتحل المرأة بالكحل كله إلا الكحل الأسود للزينة».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا بأس ان تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه ، فأما للزينة فلا».

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : يكتحل المحرم ان هو رمد بكحل ليس فيه زعفران».

وما رواه ثقة الإسلام عن معاوية في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «المحرم لا يكتحل إلا من وجع. وقال : لا بأس بأن تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه ، فأما للزينة فلا».

وعن ابان عن من أخبره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «إذا اشتكى المحرم عينيه فليكتحل بكحل ليس فيه مسك ولا طيب».

وما رواه في التهذيب عن هارون بن حمزة الغنوي عن ابي عبد الله

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٣٣ من تروك الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٠٢ ، والوسائل الباب ٣٣ من تروك الإحرام.


(عليه‌السلام) (١) قال : «لا يكحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران وليكتحل بكحل فارسي». قال في القاموس : كحل فارس : الانزروت وكحل خولان : الحضض.

أقول : وهذه الاخبار ما بين ما هو ظاهر في المنع من حيث قصد الزينة به ـ كما ذكره الصدوق في المقنع ـ وما بين ما هو ظاهر في المنع مطلقا ، معللا في بعضها بلزوم حصول الزينة منه وان لم يقصدها كما هو القول المشهور. ويشير الى ما قلناه ما في صحيحتي حريز من قوله (عليه‌السلام) : «ان السواد زينة» فعلل التحريم بما يحصل منه الزينة وان لم يقصده المكتحل ، واما إذا قصدها فلا إشكال في التحريم. ولا تنافي بين هذه الاخبار. وحينئذ فتخصيص الصدوق التحريم بقصد الزينة ليس في محله ، لان فيه طرحا لهذه الأخبار الباقية. وبذلك يظهر قوة القول المشهور.

واما ما ذكره في الخلاف فيحتمل ان يكون مستنده قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار الثانية : «لا بأس ان تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه» وقوله (عليه‌السلام) في صحيحته أو حسنته التي بعدها «لا بأس بأن تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه» والجواب : حمل الكحل هنا على سائر الأكحال غير السواد ، جمعا. ويشير اليه قوله بعد هذه العبارة : «فأما للزينة فلا» يعني : الكحل الأسود الذي تحصل منه الزينة ويكتحل به للزينة.

واما ما ذكره في الذخيرة بعد نقل جملة من هذه الاخبار ـ :

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٠١ ، والوسائل الباب ٣٣ من تروك الإحرام.


والجمع بين الاخبار يقتضي حمل ما دل على النهي عن الاكتحال بالسواد على ما كان للزينة. ثم ان قلنا بأن النهي في أخبارنا يدل على التحريم تعين المصير اليه ، وإلا كان المتجه قول الشيخ. ويؤيده إجماع الفرقة عليه. انتهى ـ ففيه ما عرفت من انه لا منافاة بين الاخبار المذكورة بالتقريب الذي ذكرناه ، إذ ما دل على التحريم مطلقا قد علل بلزوم الزينة منه وان لم تقصد ، كما عرفت من صحيحتي حريز ، فلا يصلح للتقييد بما ذكره. وعلى هذا فيصير قصد الزينة به مرتبة اخرى فوق هذه المرتبة وأبلغ في التحريم. واما قوله : «ثم ان قلنا. الى آخره» فهو من تشكيكاته الواهية التي للوساوس مضاهية ، كما أوضحناه في غير موضع من ما تقدم.

هذا كله في الرجل والمرأة مع الاختيار ، اما لو دعت الضرورة إليه فالظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في الجواز.

ويدل عليه ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار الاولى : «لا يكتحل الرجل والمرأة المحرمان بالكحل الأسود إلا من علة» وصحيحة عبد الله بن سنان الدالة على انه إذا رمد يكتحل بكحل ليس فيه زعفران. وصحيحة معاوية أو حسنته الدالة على ان المحرم لا يكتحل إلا من وجع.

ويدل عليه ايضا ما رواه الكليني عن عبد الله بن يحيى الكاهلي في الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سأله رجل ضرير البصر وانا حاضر ، فقال : اكتحل إذا أحرمت؟ قال : لا ، ولم تكتحل؟ قال : اني ضرير البصر فإذا أنا اكتحلت نفعني وإذا لم اكتحل ضرني. قال :

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٥٨ ، والوسائل الباب ٣٣ و ٧٠ من تروك الإحرام.


فاكتحل. قال : فإني أجعل مع الكحل غيره؟ قال : ما هو؟ قال : آخذ خرقتين فأربعهما فاجعل على كل عين خرقة وأعصبهما بعصابة إلى قفاي ، فإذا فعلت ذلك نفعني وإذا تركته ضرني. قال : فاصنعه».

وروى الصدوق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس للمحرم ان يكتحل بكحل ليس فيه مسك ولا كافور إذا اشتكى عينيه».

واما الثاني فإن المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) تحريمه حتى ان العلامة في التذكرة قال : أجمع علماؤنا على انه لا يجوز للمحرم ان يكتحل بكحل فيه طيب ، سواء كان رجلا أو امرأة. ونقل عن ابن البراج انه جعل ذلك مكروها. والظاهر ضعفه ، لما دل على تحريم استعمال الطيب مطلقا. وخصوص ما تقدم من الروايات ، مثل صحيحة معاوية بن عمار الثانية ، وصحيحة عبد الله بن سنان ، وصحيحة معاوية أو حسنته ، ومرسلة أبان ، ورواية الغنوي. وظاهر الاخبار المذكورة تقييد الطيب بأنه توجد رائحته ، فلو كان مسلوب الرائحة فالظاهر جوازه.

واما الثالث فالقول بالتحريم فيه هو المشهور ايضا ، وخالف الشيخ في الخلاف فذهب إلى انه مكروه. والأصح التحريم.

ويدل عليه ما تقدم في صحيحة حريز المتقدمة المروية في الكافي ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا تنظر في المرآة وأنت محرم ، فإنها من الزينة».

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٢١ ، والوسائل الباب ٣٣ من تروك الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٠٢ ، والوسائل الباب ٣٤ من تروك الإحرام.


وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تنظر المرأة المحرمة في المرآة للزينة».

وهذان الخبران جاريان على ما قدمناه في الاخبار السابقة ، فإن الأول منهما دل على النهي عن النظر مطلقا ، معللا بترتب الزينة على النظر وان لم يقصدها الناظر ، والثاني دل على النظر لأجل الزينة. ولا منافاة بينهما ، بل أحدهما مؤكد للآخر. وبه يظهر ان الاخبار المتقدمة لا منافاة بينها لتحتاج الى الجمع بما ذكره ذلك الفاضل (رحمه‌الله تعالى).

النصف السابع والثامن ـ الفسوق والجدال ، والبحث هنا يقع في موضعين :

الأول ـ في الفسوق ، وقد اجمع العلماء كافة على تحريمه في الحج وغيره. والأصل فيه بالنسبة إلى الحج قوله (عزوجل) (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (٢) والحج يتحقق بالتلبس بإحرامه ، بل بإحرام عمرة التمتع ، لدخولها في الحج.

وقد اختلف الأصحاب في تفسير الفسوق ، فقال الشيخ : الفسوق هو الكذب. وكذا قال الشيخ علي بن بابويه ، وابنه في المقنع. وقال ابن الجنيد : انه الكذب والسباب. وكذا قال السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه). وقال ابن ابي عقيل : انه الكذب واللفظ القبيح وقال ابن البراج : انه الكذب على الله (تعالى) وعلى رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعلى الأئمة (عليهم‌السلام).

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٠٢ ، والوسائل الباب ٣٤ من تروك الإحرام.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٧.


والمشهور الأول ، وهو المعتمد. ويدل عليه ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): إذا أحرمت فعليك بتقوى الله (تعالى) وذكر الله كثيرا ، وقلة الكلام إلا بخير ، فان من تمام الحج والعمرة ان يحفظ المرء لسانه إلا من خير ، كما قال الله (عزوجل) ، فان الله (تعالى) يقول (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (٢) والرفث : الجماع ، والفسوق : الكذب والسباب ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله». وزاد في الكافي : «واعلم ان الرجل إذا حلف بثلاثة أيمان ولاء في مقام واحد وهو محرم فقد جادل ، فعليه دم يهريقه ويتصدق به ، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل ، وعليه دم يهريقه ويتصدق به. وقال : اتق المفاخرة ، وعليك بورع يحجزك عن معاصي الله (تعالى) ، فان الله (عزوجل) يقول (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (٣) قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من التفث ان تتكلم في إحرامك بكلام قبيح ، فإذا دخلت مكة وطفت بالبيت وتكلمت بكلام طيب ، فكان ذلك كفارة لذلك. قال : وسألته عن الرجل يقول : لا لعمري وبلى لعمري. قال : ليس هذا من الجدال ، إنما الجدال : لا والله وبلى والله». ورواه الصدوق (٤)

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٢٢٧ و ٢٣٨ ، والتهذيب ج ٥ ص ٢٩٦ ، والوسائل الباب ٣٢ من تروك الإحرام ، والباب ١ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٧.

(٣) سورة الحج ، الآية ٢٧.

(٤) الفقيه ج ٢ ص ٢١٤ ، والوسائل الباب ٣٢ من تروك الإحرام.


من قوله (عليه‌السلام): «اتق المفاخرة» إلى قوله : «وكان ذلك كفارة لذلك».

وما رواه الشيخ في التهذيب (١) في الصحيح عن علي بن جعفر قال : «سألت أخي موسى (عليه‌السلام) عن الرفث والفسوق والجدال ما هو؟ وما على من فعله؟ فقال : الرفث : جماع النساء ، والفسوق : الكذب والمفاخرة ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله. الحديث».

وما رواه الصدوق (قدس‌سره) في كتاب معاني الاخبار (٢) عن زيد الشحام قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرفث والفسوق والجدال. قال : اما الرفث فالجماع ، واما الفسوق فهو الكذب ، ألا تسمع لقوله (تعالى) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ، أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) (٣) والجدال هو قول الرجل : لا والله وبلى والله ، وسباب الرجل الرجل».

وما رواه العياشي في تفسيره (٤) عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) «في قول الله (عزوجل) (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ، فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (٥)

__________________

(١) ج ٥ ص ٢٩٧ ، والوسائل الباب ٣٢ من تروك الإحرام.

(٢) ص ٢٩٤ ، والوسائل الباب ٣٢ من تروك الإحرام.

(٣) سورة الحجرات ، الآية ٦.

(٤) ج ١ ص ٩٥ ، والوسائل الباب ٣٢ من تروك الإحرام.

(٥) سورة البقرة ، الآية ١٩٧.


فالرفث : الجماع ، والفسوق : الكذب ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله».

وفي كتاب الفقه الرضوي (١) : «والفسوق : الكذب ، فاستغفر الله منه ، وتصدق بكف طعيم». والظاهر ان هذه عبارة الشيخ علي بن بابويه (رحمه‌الله).

أقول : قد تضمنت صحيحة معاوية بن عمار اضافة السباب الى الكذب في تفسير الفسوق ، وصحيحة علي بن جعفر اضافة المفاخرة واما باقي الروايات فإنما تضمنت تفسيره بالكذب خاصة. وفي المختلف حمل صحيحة علي بن جعفر على صحيحة معاوية بن عمار بإرجاع المفاخرة إلى السباب ، قال : وفي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) «والفسوق : الكذب والمفاخرة». وهي لا تنفك عن السباب ، إذ المفاخرة إنما تتم بذكر فضائل للمفتخر وسلبها عن خصمه ، أو بسلب رذائل عنه وإثباتها لخصمه. وهذا هو معنى السباب. انتهى. وحينئذ فيرجع الأمر إلى السباب خاصة. ويمكن ان تحمل الروايات المشتملة على هذه الزيادة على التقية ، فإن المنقول في التذكرة عن العامة تفسير الفسوق بالسباب ، قال : وروى العامة قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله): سباب المسلم فسوق (٣). فجعلوا الفسوق هو السباب ، لهذا الخبر. وهو غير دال. انتهى. على ان رواية معاني الأخبار قد تضمنت إدخال السباب في الجدال ايضا

__________________

(١) ص ٢٧.

(٢) تقدمت ص ٤٥٧.

(٣) مجمع الزوائد ج ٨ ص ٧٣ ، والفتح الكبير ج ٢ ص ١٥١.


وبالجملة فإن الأخبار الباقية صريحة في تفسيره بالكذب خاصة ، والخبران المذكوران قد تعارضا في ما عدا الكذب وتساقطا ودفع كل واحد منهما الآخر ، فيؤخذ بالمتفق عليه منهما ويطرح المختلف فيه من كل من الجانبين.

بقي الكلام بالنسبة إلى الكفارة ، وظاهر الأصحاب انه لا كفارة في الفسوق سوى الاستغفار. قال في المنتهى : والفسوق هو الكذب على ما قلناه ، ولا شي‌ء فيه ، عملا بالأصل السالم عن معارضة نص يخالفه ، أو غيره من الأدلة.

ويدل عليه ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن محمد بن مسلم والحلبي جميعا (١) قالا له : «أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال : لم يجعل الله (عزوجل) له حدا ، يستغفر الله ، ويلبي».

أقول : ونحو هذه الرواية ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) في حديث : «قلت : أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال : لم يجعل الله له حدا ، يستغفر الله (تعالى) ويلبي».

وقد تضمنت عبارة كتاب الفقه الرضوي بعد الاستغفار التصدق بكف من طعيم. والظاهر انه تصغير «طعام» إشارة الى قتله.

إلا انه قد روى ثقة الإسلام في الكافي عن سليمان بن خالد في الصحيح (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : في

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢١٢ ، والوسائل الباب ٢ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٢ من بقية كفارات الإحرام.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٣٩ ، والوسائل الباب ١ و ٢ من بقية كفارات الإحرام.


الجدال شاة ، وفي السباب والفسوق بقرة ، والرفث فساد الحج».

وظاهر الخبر وجوب البقرة في الفسوق.

ويؤيده عجز صحيحة علي بن جعفر التي تقدم صدرها ، حيث قال (عليه‌السلام) (١) بعد ما قدمناه منها : «فمن رفث فعليه بدنة ينحرها ، وان لم يجد فشاة ، وكفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله وهو محرم».

وظاهر المحدث الكاشاني الجمع بين الخبرين ، بحمل ما دل على مجرد الاستغفار على ما إذا لم يتضمن الكذب يمينا ، وما دل على البقرة على تكرر ذلك منه مرتين مع اليمين.

وفيه (أولا) : انه لا إشعار في شي‌ء من الروايات بهذا الحمل.

و (ثانيا) : ان اليمين غير معتبرة في معنى الفسوق ، بل انما هو عبارة عن الكذب مطلقا كما عرفت.

والأقرب حمل الرواية المتضمنة للبقرة على ما إذا انضاف الى الفسوق الذي هو عبارة عن الكذب خاصة السباب كما هو موردها ، وتخصيص الاستغفار بالفسوق الذي هو الكذب.

وجمع في الوسائل بين الخبرين بحمل خبر الاستغفار على غير المتعمد ـ قال : لما مر من عدم وجوب الكفارة على غير العامد إلا في الصيد ـ وخبر الكفارة على العامد. والظاهر بعده من خبري الاستغفار ، إذ الظاهر من لفظ الابتلاء انما ينصرف الى العامد ، والاستغفار إنما يناسب العامد ، إذ الجاهل والناسي لا يؤاخذان اتفاقا.

وصاحب الذخيرة حمل الكفارة هنا على الاستحباب ، كما هي الطريقة المعهودة في جميع الأبواب.

بقي الكلام في ان عجز صحيحة علي بن جعفر المذكورة لا يخلو

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٢٩٧ ، والوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.


من خلل ، ولصاحب المنتقى (قدس‌سره) هنا كلام حسن يحسن ذكره ، قال (عطر الله ـ تعالى ـ مرقده) بعد ذكر الصحيحة المذكورة : قلت : كذا في النسخ التي تحضرني للتهذيب ، وما رأيت للحديث ذكرا في الكتب الفقهية ، سوى ان العلامة في المنتهى وبعض المتأخرين عنه ذكروا منه تفسير الفسوق ، وربما أشعر ذلك بتقدم وقوع الخلل فيه ، وإلا لذكروا منه حكم الفسوق في الكفارة أيضا. ولكنهم اقتصروا في هذا الحكم على ما في حديث الحلبي وابن مسلم محتجين به وحده ، ولو رأوا لهذا الحديث افادة للحكم مخالفة لذلك أو موافقة لتعرضوا له كما هي عادتهم ، لا سيما العلامة في المنتهى ، فإنه يستقصي كثيرا في ذكر الاخبار. وكان يختلج بخاطري أن كلمتي : «يتصدق به» تصحيف «يستغفر ربه» فيوافق ما في حديث الحلبي وابن مسلم وفي الاخبار من نحو هذا التصحيف كثير فلا يستبعد. ولكني راجعت كتاب قرب الاسناد لمحمد بن عبد الله الحميري ، فإنه متضمن لرواية كتاب علي بن جعفر ، إلا ان الموجود من نسخته سقيم جدا باعتراف كاتبها الشيخ محمد بن إدريس العجلي (رحمه‌الله تعالى) فالتعويل على ما فيه مشكل. وعلى كل حال فالذي رأيته فيه يوافق ما في التهذيب من الأمر بالتصدق ، وينافي ما في الخبر الآخر وينفي قضية التصحيف ، وفيه زيادة يستقيم بها المعنى ويتم بها الكلام. إلا ان المخالفة معها لما في ذلك الخبر وغيره من ما يأتي أكثر وأشكل. وهذه صورة ما فيه (١) «وكفارة الجدال والفسوق شي‌ء يتصدق به». والعجب من عدم تعرض الشيخ لهذا الاختلاف في الاستبصار. ولعل ما في قرب الاسناد من

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع رقم ١٦.


تصرف النساخ بعد وقوع نوع من الاختلال في أصل كتاب علي بن جعفر. مع ان في طريق الحميري لرواية الكتاب جهالة. وربما يحمل إطلاق التصدق فيه بالنسبة إلى كفارة الجدال على التقييد الوارد في غيره وان بعد. انتهى.

أقول : والعجب منه (قدس‌سره) انه تكلم في هذا الخبر بما عرفت ، من حيث ظهوره في مخالفة رواية الحلبي ومحمد بن مسلم ، وتأويله بوقوع التصحيف فيه على وجه يرجع إليها ، مع ان صحيحة سليمان بن خالد المصرحة بوجوب البقرة صريحة المخالفة ، وهو قد ذكرها في كتابه ، ولم يتعرض للجمع بينها وبين رواية الحلبي ومحمد بن مسلم بل نقلها ومضى في نقله. والاشكال فيها أعظم.

الثاني ـ في الجدال ، وهو قول : «لا والله وبلى والله» كما تقدم في جملة من الاخبار المتقدمة. وظاهر المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) حصره في هذا القول. وقيل : يتعدى الى كل ما يسمى يمينا. واختاره الشهيد في الدروس. والظاهر ان مستنده ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار من قوله (عليه‌السلام): «واعلم ان الرجل إذا حلف بثلاثة أيمان ولاء في مقام واحد وهو محرم فقد جادل ، فعليه دم يهريقه ، ويتصدق به ، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل وعليه دم يهريقه ، ويتصدق به». ونحوها رواية أبي بصير الآتية ان شاء الله (تعالى). وفيه انه لا منافاة بين الحصر في اللفظ المذكور وبين هذا الإطلاق ، لإمكان حمل الإطلاق عليه والجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد ، كما هي القاعدة المتفق عليها عندهم.

وهل الجدال مجموع هذين اللفظين اعني : «لا والله وبلى والله»؟


قولان ، قال في المدارك : أظهرهما الثاني ، وهو خيرة المنتهى. ولعل وجه الأظهرية أن مجموع هذين اللفظين يتضمن نفيا وإثباتا ، وهو من ما لا يكاد يقع في مقام واحد ، بل المتبادر الشائع إنما هو استعمال «بلى والله» في مقام الإثبات و «لا والله» في مقام النفي ، فيكون أيهما اتى به في مقامه جدالا. وبه يظهر ان في ما علقه بعض مشايخنا على هذا الموضع من الكتاب ـ من ان في هذه الأظهرية تأملا ، وقد بسطنا الكلام في بعض رسائلنا ـ لا اعرف له وجها. وكان الواجب ان يبين لنا في هذا المقام ما بسطه في بعض رسائله ولو بالإشارة الى ذلك.

والذي وصل الي من روايات المسألة زيادة على ما تقدم أخبار :

أحدها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن محمد بن مسلم والحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في قول الله (عزوجل): (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (٢). الى ان قال : فقالا له : أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال : لم يجعل الله (عزوجل) له حدا ، يستغفر الله ، ويلبى. فقالا له : فمن ابتلى بالجدال فما عليه؟ فقال : إذا جادل فوق مرتين فعلى المصيب دم يهريقه : شاة ، وعلى المخطئ بقرة». وروى الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي نحوه (٣).

وثانيها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢١٢ ، والوسائل الباب ٣٢ من تروك الإحرام ، والباب ٢ و ١ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٧.

(٣) الوسائل الباب ٢ و ١ من تروك الإحرام.


(عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الجدال في الحج. فقال : من زاد على مرتين فقد وقع عليه الدم. فقيل له : الذي يجادل وهو صادق؟ قال : عليه شاة ، والكاذب عليه بقرة».

وثالثها ـ ما رواه في الكافي عن ابي بصير عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «إذا حلف ثلاث ايمان متتابعات صادقا فقد جادل ، وعليه دم. وإذا حلف بيمين واحدة كاذبا فقد جادل وعليه دم».

ورابعها ـ ما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن ابي بصير (٣) قال : «سألته عن المحرم يريد ان يعمل العمل ، فيقول له صاحبه : والله لا تعمله. فيقول : والله لا عملنه ، فيخالفه مرارا ، أيلزمه ما يلزم صاحب الجدال؟ قال : لا ، انما أراد بهذا إكرام أخيه ، إنما ذلك ما كان لله فيه معصية».

وخامسها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٤) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ان الرجل إذا حلف ثلاثة ايمان في مقام ولاء وهو محرم ، فقد جادل ، وعليه حد الجدال : دم يهريقه ، ويتصدق به».

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٣٨ ، والوسائل الباب ١ من بقية كفارات الإحرام.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٣٨ ، والفقيه ج ٤ ص ٢١٤ ، والوسائل الباب ٣٢ من تروك الإحرام.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٥ ، والوسائل الباب ١ من بقية كفارات الإحرام.


وسادسها ـ ما رواه عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا حلف الرجل ثلاثة ايمان وهو صادق ، وهو محرم ، فعليه دم يهريقه ، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل ، فعليه دم يهريقه».

وسابعها ـ ما رواه عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا جادل الرجل وهو محرم فكذب متعمدا ، فعليه جزور».

وثامنها ـ عن يونس بن يعقوب في الموثق (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يقول : لا والله وبلى والله ، وهو صادق ، عليه شي‌ء؟ قال : لا».

وتاسعها ـ عن معاوية بن عمار في الصحيح (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يقول : لا لعمري ، وهو محرم قال : ليس بالجدال ، انما الجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله. واما قوله : لاها ، فإنما طلب الاسم. وقوله : يا هناه ، فلا بأس به واما قوله : لا بل شانيك ، فإنه من قول الجاهلية».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المشهور بين الأصحاب ان الجدال كاذبا في المرة منه شاة ، والمرتين بقرة ، والثلاث بدنة ، وصادقا في الثلاث منه شاة ، ولا شي‌ء في ما دونها. وانطباق الروايات المذكورة على ما ذكروه من هذا التفصيل مشكل.

واستدل العلامة في المنتهى على ذلك بالنسبة إلى الجدال كذبا بالرواية

__________________

(١ و ٢ و ٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٥ ، والوسائل الباب ١ من بقية كفارات الإحرام.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٦ ، والوسائل الباب ٣٢ من تروك الإحرام.


السادسة والثانية والسابعة ، قال (عطر الله مرقده) بعد ذكر التفصيل الذي نقلناه عنهم ، واختلاف المراتب في الكفارة بإزاء اختلافها في الذنب : ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابي بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : إذا حلف ثلاثة ايمان وهو صادق. ثم ساق الرواية السادسة ، ثم الرواية الثانية ، ثم السابعة. وجعل هذه الروايات الثلاث مستندا للاحكام الثلاثة في الجدال كذبا ، واستدل على وجوب الشاة في المرة الواحدة بالرواية السادسة ، واستدل على وجوب البقرة في المرتين كذبا بالرواية الثانية ، وعلى وجوب البدنة في الثلاث بالرواية السابعة.

وأنت خبير بان ما ذكره في المرة الواحدة مسلم ، لدلالة الرواية المذكورة عليه ، وان غفل في وصفه لها بالصحة. ولهذا اعترضه في المدارك بضعف الرواية وقصورها بسبب ذلك عن الدلالة. وفيه : انه وان كان كذلك بناء على اصطلاحه ، إلا ان هذا الحكم قد دلت عليه أيضا صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في صدر البحث ، فلا مجال للمنازعة فيه.

نعم يبقى الكلام في الحكمين الأخيرين ، فإن الروايتين المذكورتين لا دلالة فيهما على المدعى بوجه ، اما الرواية الثانية ـ وهي صحيحة محمد بن مسلم ـ فان ظاهرها انحصار الجدال الموجب للكفارة في ما زاد على المرتين ، وانه لا يتحقق الجدال إلا به ، وانه مع الزيادة على المرتين فعلى الصادق شاة وعلى الكاذب بقرة. ونحوها في الدلالة على هذا المعنى صحيحة الحلبي ومحمد بن مسلم ، وهي الاولى. ولهذا مال في المدارك الى العمل بهما ، فقال : وينبغي العمل بمضمون هاتين


الروايتين ، لصحة سندهما ، ووضوح دلالتهما. واما الرواية التي استدل بها على الحكم الثاني ـ وهي الرواية السابعة ـ فظاهرها وجوب الجزور في تعمد الكذب في الجدال مطلقا مرة كان أو أزيد.

واما بالنسبة إلى الجدال صادقا فاستدلوا على وجوب الشاة في الثلاث بصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في صدر البحث. ومثلها أيضا الرواية الثالثة والخامسة والسادسة. وينبغي حمل مطلقها على مقيدها ليتم الاستدلال بها. إلا ان مقتضى ذلك وجوب التقييد بالتتابع والتوالي بمعنى كونها في مقام واحد ، وكلام الأصحاب أعم من ذلك. نعم نقل التقييد عن ابن ابي عقيل ، فإنه قال. ومن حلف ثلاث ايمان بلا فصل في مقام واحد فقد جادل ، وعليه دم.

أقول : والظاهر عندي ان المستند في هذا التفصيل الذي اشتهر بين الأصحاب انما هو كتاب الفقه الرضوي ، فإنه صريح الدلالة واضح المقالة في الاستدلال ، لا تعتريه شبهة الشك ولا الاحتمال في هذا المجال حيث قال (عليه‌السلام) (١) : واتق في إحرامك الكذب ، واليمين الكاذبة والصادقة ، وهو الجدال الذي نهى الله (تعالى) عنه. والجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله. فان جادلت مرة أو مرتين وأنت صادق فلا شي‌ء عليك ، وان جادلت ثلاثا وأنت صادق فعليك دم شاة ، وان جادلت مرة وأنت كاذب فعليك دم شاة ، وان جادلت مرتين كاذبا فعليك دم بقرة ، وان جادلت ثلاثا وأنت كاذب فعليك بدنة. انتهى.

والظاهر ان هذه العبارة هي مستند المتقدمين في الحكم المذكور دون هذه الاخبار المختلفة المضطربة ، ولكن لما لم يصل ذلك الى

__________________

(١) ص ٢٧.


المتأخرين تكلفوا الاستدلال عليه بهذه الروايات. وقد عرفت ما في ذلك

والصدوق في الفقيه (١) قد نقل هذه العبارة بعينها عن أبيه في رسالته اليه ، فقال : وقال ابي (رضي‌الله‌عنه) في رسالته الي : اتق في إحرامك الكذب ، واليمين الكاذبة والصادقة ، وهو الجدال. والجدال قول الرجل : لا والله. الى آخر ما قدمناه كلمة كلمة وحرفا حرفا. وهو ظاهر في تأييد ما قدمناه من اعتماد الشيخ المذكور على الكتاب زيادة على الاخبار الواصلة اليه ، وشدة وثوقه به زيادة عليها ، وما ذاك إلا لمزيد علمه وقطعه بثبوت الكتاب عنه (عليه‌السلام) بحيث لا تعتريه فيه الشكوك والأوهام.

وقال الجعفي : الجدال فاحشة إذا كان كاذبا أو في معصية ، فإذا قاله مرتين فعليه شاة. وقال الحسن بن ابي عقيل : من حلف ثلاث ايمان بلا فصل في مقام واحد فقد جادل ، وعليه دم ، قال : وروى ان المحرمين إذا تجادلا ، فعلى المصيب منهما دم شاة ، وعلى المخطئ بدنة. وظاهر كلام الجعفي تخصيص الجدال المحرم على المحرم بهذين الفردين ، وانه إذا جادل مرتين بأحد هذين النوعين فعليه دم شاة. ومستنده غير ظاهر ، بل ظاهر جملة من الروايات المتقدمة رده. واما مذهب الحسن فهو لا يخلو من الإجمال بكون هذه الثلاث الموجبة الدم في الجدال صادقا أو كاذبا أو أعم منهما ، وهل المراد انحصار الجدال في هذا الفرد فلا كفارة في غيره أم هذا بعض افراده؟ وبالجملة فالإجمال فيه ظاهر. وقد عرفت دلالة جملة من الاخبار

__________________

(١) ج ٢ ص ٢١٢.


على وجوب الشاة في الثلاث ولاء ، ولكنها مخصوصة بالجدال صادقا كما عرفت.

ثم انه بناء على التفصيل المشهور انما تجب البقرة في المرتين إذا لم يكفر عن الأولى بالشاة ، وكذا الثلاث بالبدنة إذا لم يكفر عن الثنتين بالبقرة. والضابط اعتبار ترتب الكفارة على العدد المذكور ، فعلى المرة الواحدة شاة ، وعلى الثنتين بقرة ، وعلى الثلاث بدنة. وفي الجدال صادقا لو زاد على الثلاث ولم يكفر فالظاهر شاة واحدة عن الجميع ، ومع تخلله فلكل ثلاث شاة.

ولو اضطر المحرم الى اليمين لإثبات حق أو نفى باطل فالظاهر انه لا كفارة ، كما ذكره جملة من الأصحاب ، عملا بالأخبار الدالة على جوازها والأمر بها.

هذا. وظاهر الحديث الرابع (١) ان الجدال المحرم انما هو ما كان على معصية الله (تعالى) قال في المنتهى بعد ذكر الخبر المذكور : وهذا الحديث يدل على ان مطلق الجدال لا يوجب عقوبة بل ما يتضمن الحلف على معصية الله (تعالى).

والظاهر حصول المعصية بذلك وان كان صادقا ما لم يكن الغرض المترتب عليه امرا دينيا ، مثل إكرام أخيه في الخبر المذكور (٢) فلا ينافي ما دل على وجوب الكفارة في الجدال صادقا ثلاثا.

وقد روى في الكافي (٣) عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) انه قال لسدير : «يا سدير من حلف بالله كاذبا كفر ، ومن حلف بالله صادقا

__________________

(١) ص ٤٦٤.

(٢) ص ٤٦٤.

(٣) الفروع ج ٧ ص ٤٣٤ و ٤٣٥ ، والوسائل الباب ١ من كتاب الايمان.


أثم ، ان الله ـ تعالى ـ يقول (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ)» (١).

الصنف التاسع والعاشر ـ تظليل الرجل سائرا ، وتغطية الرأس.

والكلام هنا يقع في مقامين الأول ـ التظليل ، المشهور ـ بل ادعى عليه في التذكرة والمنتهى إجماع علمائنا ـ انه يحرم على المحرم حالة السير الاستظلال ، فلا يجوز له الركوب في ما يوجب ذلك ، كالمحمل والهودج والكنيسة والعمارية وأشباه ذلك. ونقل عن ابن الجنيد انه قال : يستحب للمحرم ان لا يظلل على نفسه ، لأن السنة بذلك جرت فان لحقه عنت أو خاف من ذلك فقد روى عن أهل البيت (عليهم‌السلام) جوازه (٢). وروى ايضا : انه يفدي عن كل يوم بمد (٣). وروي : في ذلك اجمع دم (٤). وروى : الإحرام المتعة دم والإحرام الحج دم آخر (٥).

والمعتمد الأول ، للأخبار المستفيضة ، ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن المغيرة (٦) قال : «قلت لأبي الحسن الأول (عليه‌السلام) : أظلل وانا محرم؟ قال : لا. قلت : أفأظلل وأكفر؟ قال : لا. قلت : فان مرضت؟ قال : ظلل وكفر. ثم قال : اما علمت ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه معها».

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٢٣.

(٢) الوسائل الباب ٦٤ و ٦٧ من تروك الإحرام.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٦ من بقية كفارات الإحرام.

(٥) الوسائل الباب ٧ من بقية كفارات الإحرام.

(٦) الوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.


وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يركب في القبة؟ فقال : ما يعجبني ذلك إلا ان يكون مريضا».

وفي الصحيح عن إسماعيل بن عبد الخالق (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) : هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال : لا ، إلا ان يكون شيخا كبيرا أو قال : ذا علة».

وفي الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن المحرم ، يظلل على نفسه؟ فقال : أمن علة؟ فقلت : يؤذيه حر الشمس وهو محرم. فقال : هي علة يظلل ويفدى».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن منصور عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن الظلال للمحرم. فقال : لا يظلل إلا من علة أو مرض».

وما رواه في الكافي (٥) عن عثمان قال : «قلت لأبي الحسن الأول (عليه‌السلام) : ان علي بن شهاب يشكو رأسه ، والبرد شديد ، ويريد ان يحرم؟ فقال : ان كان كما زعم فليظلل. واما أنت فاضح لمن أحرمت له».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن سعيد الأعرج (٦) : «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يستتر من الشمس بعود أو بيده؟

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٦ من بقية كفارات الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

(٥) الفروع ج ٤ ص ٣٥١ ، والوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

(٦) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٧ ، والوسائل الباب ٦٧ من تروك الإحرام.


فقال : لا ، إلا من علة».

وما رواه في الكافي (١) في الصحيح أو الحسن عن عبد الله بن المغيرة قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الظلال للمحرم. فقال اضح لمن أحرمت له. قلت : اني محرور ، وان الحر يشتد علي؟ فقال : اما علمت ان الشمس تغرب بذنوب المحرمين».

وما رواه في الكافي (٢) عن قاسم الصيقل قال : «ما رأيت أحدا كان أشد تشديدا في الظلال من ابي جعفر (عليه‌السلام) كان يأمر بقلع القبة والحاجبين إذا أحرم».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال : «سألته عن المحرم ، يركب القبة؟ فقال : لا. قلت : فالمرأة المحرمة؟ قال : نعم».

وما رواه في كتاب من لا يحضره الفقيه (٤) في الصحيح عن علي بن مهزيار عن بكر بن صالح قال : «كتبت الى ابي جعفر الثاني (عليه‌السلام) : ان عمتي معي وهي زميلتي ، ويشتد عليها الحر إذا أحرمت ، فترى أن أظلل عليها وعلي؟ فكتب : ظلل عليها وحدها».

وما رواه في التهذيب (٥) في الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابي الحسن (عليه‌السلام) قال : «سألته عن المحرم ، يظلل عليه

__________________

(١ و ٢) الفروع ج ٤ ص ٣٥٠ ، والوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣١٢ ، والوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

(٤) ج ٢ ص ٢٢٦ ، والوسائل الباب ٦٨ من تروك الإحرام.

(٥) ج ٥ ص ٣٠٩ ، والوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.


وهو محرم؟ قال : لا ، إلا مريض أو من به علة ، والذي لا يطيق الشمس».

وعن هشام بن سالم في الصحيح (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يركب في الكنيسة؟ فقال : لا. وهو للنساء جائز».

وما رواه في الكافي عن جعفر الخطيب ـ والتهذيب عن جعفر المذكور ـ عن محمد بن الفضيل وبشر بن إسماعيل (٢) قال : «قال لي محمد : إلا أسرك يا ابن مثنى؟ فقلت : بلى. وقمت اليه. قال : دخل هذا الفاسق (٣) آنفا فجلس قبالة أبي الحسن (عليه‌السلام) ثم اقبل عليه فقال له : يا أبا الحسن ما تقول في المحرم ، أيستظل على المحمل؟ فقال له : لا. قال : فيستظل في الخباء؟ فقال له : نعم. فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك ، فقال : يا أبا الحسن فما فرق بين هذا وهذا؟ فقال : يا أبا يوسف ان الدين ليس بقياس كقياسكم ، أنتم تلعبون بالدين ، انا صنعنا كما صنع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقلنا كما قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يركب راحلته فلا يستظل عليها ، وتؤذيه الشمس فيستر جسده بعضه ببعض ، وربما ستر وجهه بيده ، وإذا نزل استظل بالخباء وبالبيت وبالجدار».

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣١٢ ، والوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٥٠ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٠٩ ، والوسائل الباب ٦٦ من تروك الإحرام.

(٣) وهو أبو يوسف القاضي تلميذ أبي حنيفة.


وما رواه في الكافي عن محمد بن الفضيل (١) قال : «كنا في دهليز يحيى بن خالد بمكة ، وكان هناك أبو الحسن موسى (عليه‌السلام) وأبو يوسف ، فقام إليه أبو يوسف وتربع بين يديه ، فقال : يا أبا الحسن ـ جعلت فداك ـ المحرم يظلل؟ قال : لا. قال : فيستظل بالجدار والمحمل ويدخل البيت والخباء؟ قال : نعم. فضحك أبو يوسف شبه المستهزئ ، فقال له أبو الحسن : يا أبا يوسف ان الدين ليس بالقياس كقياسك وقياس أصحابك ، ان الله أمر في كتابه بالطلاق وأكد فيه : بشهادة شاهدين ، ولم يرض بهما إلا عدلين (٢) ، وأمر في كتابه بالتزويج وأهمله بلا شهود ، فأتيتم بشاهدين في ما أبطل الله (٣) ، وأبطلتم الشاهدين في ما أكد الله (تعالى) (٤) ، وأجزتم طلاق المجنون والسكران (٥) ، حج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فأحرم ولم

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٥٢ ، والوسائل الباب ٦٦ من تروك الإحرام.

(٢) في قوله تعالى في سورة الطلاق الآية ٢ «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ».

(٣) الأشباه والنظائر للسيوطي ص ٣٥٣ ، والميزان للشعراني ج ٢ ص ٩٦ ، وفيه : ان الشافعي وأبا حنيفة واحمد لا يصححون النكاح إلا بشهادة ومالك لا يعتبرها ولكن يعتبر الإشاعة وترك التراضي بالكتمان.

(٤) يظهر من الأشباه والنظائر للسيوطي ـ حيث عد موارد الشهادة ولم يذكر الطلاق ـ ان من المسلم عندهم عدم اعتبار الشهادة فيه.

(٥) ذكر ابن قدامة في المغني ج ٧ ص ١١٤ : ان في وقوع طلاق السكران روايتين ، وذكر الخلاف في ذلك ، فمنهم من اجازه ، لإطلاق قوله (ص) : «كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه» ومنهم من أبطله. وعلله أحمد بأنه زائل العقل فأشبه المجنون والنائم. ولم يذكر في الفقه على المذاهب الأربعة خلاف في عدم صحة طلاق المجنون. وارجع الى الاستدراكات.


يظلل ، ودخل البيت والخباء واستظل بالمحمل والجدار ، ففعلنا كما فعل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). فسكت».

وما رواه الصدوق في الفقيه (١) عن الحسين بن مسلم عن ابي جعفر الثاني (عليه‌السلام) «انه سئل : ما فرق بين الفسطاط وبين ظل المحمل؟ فقال : لا ينبغي ان يستظل في المحمل ، والفرق بينهما ان المرأة تطمث في شهر رمضان فتقضي الصيام ولا تقضي الصلاة. قال : صدقت جعلت فداك». قال في الفقيه : معنى هذا الحديث : ان السنة لا تقاس.

وما رواه الصدوق في كتاب عيون اخبار الرضا (عليه‌السلام) (٢) في الموثق عن عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه قال : «قال أبو يوسف للمهدي ـ وعنده موسى بن جعفر (عليه‌السلام) ـ : أتأذن لي ان أسأله عن مسائل ليس عنده فيها شي‌ء؟ فقال له : نعم. فقال لموسى بن جعفر (عليه‌السلام) : أسألك؟ قال : نعم. قال : ما تقول في التظليل للمحرم؟ قال : لا يصلح. قال : فيضرب الخباء في الأرض ويدخل البيت؟ قال : نعم. قال : فما الفرق بين هذين؟ قال أبو الحسن (عليه‌السلام) : ما تقول في الطامث ، أتقضي الصلاة؟ قال : لا. قال : فتقضي الصوم؟ قال : نعم. قال : ولم؟ قال : هكذا جاء. فقال أبو الحسن (عليه‌السلام) : وهكذا جاء هذا. فقال المهدي لأبي يوسف : ما أراك صنعت شيئا. قال : رماني بحجر دامغ». ورواه الطبرسي

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٢٥ ، والوسائل الباب ٦٦ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٦٦ من تروك الإحرام.


في الاحتجاج (١) نحوه.

وما رواه الحميري في قرب الاسناد (٢) في الصحيح عن البزنطي عن الرضا (عليه‌السلام) قال : «قال أبو حنيفة : أيش فرق ما بين ظلال المحرم والخباء؟ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ان السنة لا تقاس».

وما رواه الطبرسي في الاحتجاج (٣) قال : «سأل محمد بن الحسن (٤) أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه‌السلام) بمحضر من الرشيد وهم بمكة ، فقال له : أيجوز للمحرم ان يظلل عليه محمله؟ فقال له موسى (عليه‌السلام) : لا يجوز له ذلك مع الاختيار. فقال له محمد بن الحسن : أفيجوز ان يمشي تحت الظلال مختارا؟ فقال له : نعم. فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك ، فقال له أبو الحسن (عليه‌السلام): أتعجب من سنة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وتستهزئ بها؟ ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كشف ظلاله في إحرامه ومشى تحت الظلال وهو محرم ، ان أحكام الله (تعالى) يا محمد لا تقاس ، فمن قاس بعضها على بعض فقد ضل سواء السبيل. فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا». ورواه الشيخ المفيد في الإرشاد (٥) وذكر مثله.

واستدل في الذخيرة لابن الجنيد على الاستحباب بصحيحة الحلبي المتقدمة ، وهي الثانية من الروايات التي قدمناها ، لقوله فيها : «ما يعجبني» حيث قال بعد ذكر جملة وافرة من الاخبار الدالة على

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٦٦ من تروك الإحرام.

(٤) هو محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة.


القول المشهور : وظاهر هذا الخبر الأفضلية. واستدل به بعضهم على التحريم. وهو بعيد. وأشار بذلك البعض الى صاحب المدارك. ثم قال : ومنها ـ ما رواه الشيخ عن علي بن جعفر في الصحيح (١) قال : «سألت أخي (عليه‌السلام) : أظلل وانا محرم؟ فقال : نعم ، وعليك الكفارة. قال : فرأيت عليا إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل». وعن جميل بن دراج في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا بأس بالظلال للنساء ، وقد رخص فيه للرجال». ثم قال : ويمكن الجمع بين الاخبار بوجهين : أحدهما ـ حمل اخبار المنع على الأفضلية ، ويؤيده ان النهي وما في معناه غير واضح الدلالة على التحريم في اخبار أهل البيت (عليهم‌السلام) كما ذكرناه كثيرا ، فهو حمل قريب ، بل ليس فيه عدول عن الظاهر. ويخدشه مخالفته المشهور ، وظاهر صحيحة هشام بن سالم ، فان قوله (عليه‌السلام) : «وهو للنساء جائز» بعد منعه عن المحرم يدل على تحريمه على الرجال والوجه فيه حمل الجواز على الإباحة ، فإن هذا الحمل غير بعيد في الاخبار كما لا يخفى على المتصفح. وثانيهما ـ حمل الأخبار المذكورة على التحريم ويحمل قوله : «ما يعجبني» على المعنى الشامل للتحريم وتحمل صحيحة علي بن جعفر على انه كان به علة يتضرر من الشمس. وفيه : ان الظاهر انه لو كان كذلك لذكر ذلك في مقام نقل الحكم المذكور ، أو ذكر الراوي عنه حيث ينقل عمله في هذا الباب. وتحمل

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٩ من كفارات الصيد ، والباب ٦ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.


صحيحة جميل على ان الترخيص مختص بحال الضرورة ، إذ ليس في الخبر ما يدل على عموم الترخيص. والمسألة عندي محل اشكال. انتهى.

أقول : لا يخفى ان هذا الفاضل قد ارتكب بما تفرد به من هذا القول شططا ، وازداد في جميع الأحكام غلطا ، وقد بينا في ما سبق ان في ارتكاب هذا القول خروجا عن الدين من حيث لا يشعر قائله ، فإنه متى كانت الأوامر الواردة في الاخبار وما في معناها لا تدل على الوجوب والنواهي وما في معناها لا تدل على التحريم ، فاللازم من ذلك اباحة المحرمات وسقوط الواجبات في جميع أبواب الفقه من عبادات ومعاملات ، إذ لا محرم ولا واجب بالكلية ، وبذلك يلزم العبث في بعثة الأنبياء والرسل وسقوط التكليف ، وهو كفر محض. نعوذ بالله من زلل الاقدام وزيغ الافهام.

والعجب من قوله هنا : «والمسألة عندي محل اشكال» بل مسائل الفقه كلها عنده محل اشكال ، بناء على هذه القاعدة الخارجة عن جادة الاعتدال. وأعجب من ذلك انه كثيرا ما يتستر في الحكم بالاخبار ـ بناء على هذه القاعدة ـ باتفاق الأصحاب أو اشتهار الحكم بينهم ، فكيف خرج عنه؟ مع ان هذه الروايات التي استند إليها لا تبلغ قوة في معارضة ما قدمناه سندا ولا عددا ولا دلالة ، والجمع إنما هو فرع وقوع التعارض بناء على قواعدهم.

ثم انه مع الإغماض عن جميع ما ذكرناه لو فرضنا وجود روايات صريحة في الدلالة على الجواز لكان الواجب حملها على التقية ، كما هي القاعدة المنصوصة عن أصحاب العصمة (صلوات الله عليهم). إلا ان الظاهر من العمل بقاعدته المذكورة هو اطراح تلك النصوص الواردة بطرق الترجيح كملا ، من العرض على الكتاب ، أو على مذهب


العامة ، ونحوهما من القواعد المذكورة في مقبولة عمر بن حنظلة وغيرها (١) ، لانه متى قيل بعدم الوجوب في شي‌ء من الأحكام وعدم التحريم وان الأحكام كلها على الإباحة ، فلا اختلاف إلا بالاستحباب والكراهة ، وهذا في التحقيق ليس باختلاف ، لاتفاق الاخبار من الطرفين على الجواز.

وبالجملة فإن كلامه في أمثال هذه المقامات باطل لا ينبغي ان يلتفت اليه ، وعاطل لا يعرج عليه ، ووجود الفساد أظهر من ان يخفى على أحد من ذوي السداد والرشاد.

وينبغي التنبيه هنا على فوائد :

الأولى ـ لا خلاف ولا إشكال في انه لو اضطر المحرم الى الظلال جاز له التظليل ، وقد تقدم ذلك في جملة من الاخبار السابقة.

ولا ينافي ذلك ما تقدم من صحيحة عبد الله بن المغيرة أو حسنته (٢) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الظلال للمحرم. فقال : اضح لمن أحرمت له. قلت : اني محرور وان الحر يشتد علي؟ فقال : اما علمت ان الشمس تغرب بذنوب المحرمين». فالظاهر حمله على ما لم يبلغ المشقة والضرر بحيث يمكن تحمله.

نعم الخلاف هنا في موضعين : أحدهما ـ وجوب الفدية وعدمه ، والمشهور الوجوب ، وخالف فيه ابن الجنيد وذهب الى الاستحباب ، لما تقدم نقله عنه من عدم تحريم التظليل. وهو ضعيف.

وثانيهما ـ ما يجب من الفداء ، والمشهور انه شاة ، وعن ابن ابي عقيل

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من صفات القاضي وما يقضي به.

(٢) الوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.


ان فديته صيام أو صدقة أو نسك ، كالحلق لأذى. وقال الصدوق : لا بأس بالتظليل ، ويتصدق عن كل يوم بمد. وقال أبو الصلاح الحلبي : على المختار لكل يوم شاة ، وعلى المضطر لجملة المدة شاة.

ويدل على المشهور صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (١) قال : «سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس ، وانا اسمع ، فأمره أن يفدي شاة ويذبحها بمنى ، وقال : نحن إذا أردنا ذلك ظللنا وفدينا».

وصحيحة إبراهيم بن ابي محمود (٢) قال : «قلت للرضا (عليه‌السلام) : المحرم يظلل على محمله ويفدي إذا كانت الشمس والمطر يضر به؟ قال : نعم. قلت : كم الفداء؟ قال : شاة».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار عن علي ابن محمد (٣) قال : «كتبت اليه : المحرم هل يظلل على نفسه إذا آذته الشمس أو المطر ، أو كان مريضا ، أم لا؟ فان ظلل هل يجب عليه الفداء أم لا؟ فكتب : يظلل على نفسه ، ويهريق دما ان شاء الله تعالى».

وفي الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (٤) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الظل للمحرم من أذى مطر أو شمس. فقال : ارى ان يفديه بشاة يذبحها بمنى».

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٥١ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٢٦ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣١١ ، والوسائل الباب ٦ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣١١ ، والوسائل الباب ٦ من بقية كفارات الإحرام.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٦ من بقية كفارات الإحرام.


واما ما رواه الشيخ في الصحيح عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر (١) ـ قال : «سألت أخي (عليه‌السلام) : أظلل وانا محرم؟ فقال : نعم ، وعليك الكفارة. قال : فرأيت عليا إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل». ـ فيجب تقييده بالأخبار المستفيضة المتقدمة ، وحمله على الضرورة. وحمل جملة من الأصحاب البدنة هنا على الاستحباب ، لما تقدم من ان الواجب شاة. ونحرها بمكة محمول على كون التظليل في إحرام العمرة ، ومنى على ما كان في إحرام الحج ، كما تقدم ويأتي ان شاء الله (تعالى).

ومن الغريب ما وقع لصاحب الوافي في هذا الخبر ، حيث انه قال بعد ذكره (٢) : بيان : يعني : «علي» أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام). والظاهر ان السبب فيه ان النسخة التي نقل منها الخبر كان فيها لفظ «عليه‌السلام» في الخبر بعد ذكر «علي» فحمل «عليا» في الخبر على الرضا (عليه‌السلام). وهو غفلة ظاهرة ، فان المراد : «علي» إنما هو علي بن جعفر السائل عن هذه المسألة ، والقائل هو موسى ابن القاسم الراوي عن علي. ولفظ «عليه‌السلام» ليس في شي‌ء من كتب الاخبار.

والظاهر ان مستند ابن ابي عقيل ما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال الله ـ تعالى ـ في

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من بقية كفارات الإحرام ،.

(٢) باب (تغطية الرأس والوجه والظلال والاحتباء والارتماس للمحرم).

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٣ و ٣٣٤ ، والوسائل الباب ١٤ من بقية كفارات الإحرام.


كتابه (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (١) فمن عرض له أذى أو وجع ، فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا ، فالصيام ثلاثة أيام ، والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام ، والنسك : شاة يذبحها فيأكل ويطعم. وانما عليه واحد من ذلك».

والجواب عنها : ان ما قدمناه من الاخبار وارد في خصوص التظليل ودلالة هذا الخبر عليه انما هي بطريق الإطلاق ، فيحمل على ما عداه جمعا.

واما ما نقل عن الصدوق فالظاهر ان مستنده ما رواه في الكافي عن علي بن أبي حمزة عن ابي بصير (٢) قال : «سألته عن المرأة يضرب عليها الظلال وهي محرمة؟ قال : نعم. قلت : فالرجل يضرب عليه الظلال وهو محرم؟ قال : نعم إذا كانت به شقيقة ، ويتصدق بمد لكل يوم». ورواه الصدوق ايضا بسنده عن علي بن أبي حمزة مثله (٣). وحمل المد هنا على حال الضرورة والعجز عن الشاة.

وكيف كان فهذه الرواية قاصرة عن معارضة ما قدمناه من الاخبار فالعمل على المشهور. والله العالم.

الثانية ـ ظاهر الروايات المتقدمة عدم تكرر الفدية بتكرار التظليل في النسك الواحد. وقوى شيخنا الشهيد الثاني إلحاق المختار به. والأصل يعضده ، وعدم الدليل على التكرر يسعده.

نعم الظاهر تكرره بتكرر النسك ، لما رواه الشيخ عن ابي علي بن

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٦ من بقية كفارات الإحرام.


راشد (١) قال : «قلت له (عليه‌السلام) : جعلت فداك انه يشتد على كشف الظلال في الإحرام ، لأني محرور يشتد علي حر الشمس؟ فقال : ظلل ، وأرق دما. فقلت له : دما أو دمين؟ قال : للعمرة؟ قلت : انا نحرم بالعمرة وندخل مكة فنحل ونحرم بالحج. قال : فارق دمين».

وما رواه في الكافي (٢) عن ابي علي بن راشد قال : «سألته عن محرم ظلل في عمرته. قال : يجب عليه دم. قال : وان خرج الى مكة وظلل وجب عليه ايضا دم لعمرته ودم لحجته».

الثالثة ـ لو زامل الرجل الصحيح عليلا أو امرأة ، اختص التظليل بالعليل أو المرأة دونه ، من غير خلاف يعرف.

وتدل عليه الاخبار المستفيضة المتقدمة من تحريم التظليل للرجل الصحيح. وخصوص ما تقدم في الاخبار التي قدمناها من صحيحة علي ابن مهزيار عن بكر (٣) قال : «كتبت الى ابي جعفر الثاني (عليه‌السلام). الحديث».

واما ما رواه الشيخ عن العباس بن معروف عن بعض أصحابنا عن الرضا (عليه‌السلام) (٤) ـ قال : «سألته عن المحرم له زميل فاعتل فظلل على رأسه ، إله أن يستظل؟ قال : نعم». ـ

فأجاب عنه الشيخ باحتمال عود الضمير في : «إله أن يستظل» الى المريض الذي قد ظلل. وهو جيد. على ان هذه الرواية لا تبلغ حجة في معارضة ما قدمناه من الاخبار وغيرها أيضا.

الرابعة ـ قد صرح شيخنا الشهيد الثاني (نور الله ـ تعالى ـ مرقده

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧ من بقية كفارات الإحرام.

(٣) ص ١٧٢.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٣١١ ، والوسائل الباب ٦٨ من تروك الإحرام.


ومضجعه) وغيره بان التظليل انما يحرم حالة الركوب ، فلو مشى تحت الظلال ـ كما لو مشى تحت الجمل والمحمل ـ جاز.

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (١) قال : «كتبت الى الرضا (عليه‌السلام) : هل يجوز للمحرم ان يمشى تحت ظل المحمل؟ فكتب : نعم». وبها يخصص إطلاق جملة من الاخبار المتقدمة الدالة على تحريم التظليل مطلقا.

وقال العلامة في المنتهى : انه يجوز للمحرم ان يمشي تحت الظلال وان يستظل بثوب ينصبه إذا كان سائرا أو نازلا ، لكن لا يجعله فوق رأسه سائرا خاصة ، لضرورة وغير ضرورة ، عند جميع أهل العلم.

وظاهر هذا الكلام تحريم الاستظلال في حال المشي بجعل الثوب على رأسه سائرا. والظاهر ان صحيحة ابن بزيع المذكورة لا تنافي ذلك ، فان المتبادر من المشي في ظل المحمل كون المحمل في أحد الجانبين لا على رأسه.

ويؤيده أيضا ما تقدم في صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته : هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال : لا».

ودعوى ان المتبادر منها الاستتار حال الركوب ـ كما ذكر في المدارك ـ بعيد. وأكثر الأخبار المتقدمة شاملة بإطلاقها للراكب الماشي ، والحكم فيها وقع معلقا على المحرم مطلقا ، والحج كما يكون راكبا يكون ماشيا.

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٥١ ، والوسائل الباب ٦٧ من تروك الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣١٠ ، والوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.


وبالجملة فالظاهر الاقتصار على مورد الصحيحة المذكورة ، وتخصيص الاخبار بخصوص ما اشتملت عليه ، ولا سيما مع تأيده بالاحتياط.

والظاهر ان ما ذكرناه هو مراد شيخنا الشهيد الثاني في ما قدمنا نقله عنه ، لا العموم لما فوق الرأس ، كما يشير اليه تمثيله ، ويشير إليه أيضا ظاهر كلامه في الروضة أيضا ، حيث قال : فلا يحرم ـ يعني : التظليل ـ نازلا إجماعا ، ولا ماشيا إذا مر تحت المحمل ونحوه.

فما ذكره في المدارك من ان المسألة محل تردد ـ فالظاهر انه لا وجه له.

الخامسة ـ قال شيخنا الشهيد (عطر الله مرقده) في الدروس : فرع ، هل التحريم في الظل لفوات الضحى أو لمكان الستر؟ فيه نظر ، لقوله (عليه‌السلام) (١) : «اضح لمن أحرمت له». والفائدة في من جلس في المحمل بارزا للشمس ، وفي من تظلل به وليس فيه. وفي الخلاف : لا خلاف ان للمحرم الاستظلال بثوب ينصبه ما لم يمسه فوق رأسه. وقضيته اعتبار المعنى الثاني. انتهى.

أقول : ظاهره (قدس‌سره) التردد في هذا المقام ، ولا اعرف له وجها إلا دعوى الشيخ في الخلاف الإجماع على ما نقله عنه.

وأنت خبير بان الظاهر من الاخبار المتقدمة هو المعنى الأول ، وقد تكرر فيها الأمر بقوله : «اضح لمن أحرمت له» كما في رواية عثمان ، وصحيحة عبد الله بن المغيرة أو حسنته (٢) ومثله في روايات العامة (٣).

قال في النهاية الأثيرية : «وضحا ظله» اى مات ، يقال :

__________________

(١) الوسائل الباب ٦١ و ٦٤ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

(٣) سنن البيهقي ج ٥ ص ٧٠. وارجع الى الاستدراكات.


«ضحا الظل» إذا صار شمسا ، فإذا صار ظل الإنسان شمسا فقد بطل صاحبه ومنه حديث الاستسقاء : «اللهم ضاحت بلادنا وأغبرت أرضنا» اي برزت للشمس وظهرت ، لعدم النبات فيها ، وهي «فاعلت» من «ضحى» مثل «رامت» من «رمى» وأصلها «ضاحيت» ومنه حديث ابن عمر (١) : «رأى محرما قد استظل ، فقال : اضح لمن أحرمت له».

أي أظهر واعتزل الكن والظل ، يقال : «ضحيت للشمس وضحيت اضحى فيهما» إذا برزت لها وظهرت. قال الجوهري : يرويه المحدثون «اضح» بفتح الالف وكسر الحاء وإنما هو بالعكس. انتهى. ونقل في الوافي عن الأصمعي إنما هو بكسر الالف وفتح الحاء من «ضحيت اضحى» لأنه إنما أمره بالبروز للشمس. ومنه قوله تعالى (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) (٢). انتهى. وبذلك يظهر لك قوة ما ذكرناه.

ويؤيده أيضا ما علل به في جملة من الاخبار (٣) من ان الشمس تغيب بذنوب المحرمين ، يعني : بسبب بروزهم لها وصبرهم على حرارتها فلو جاز ان يستظل بالثوب على رأسه ما لم يمسه ـ كما نقله عن الخلاف ـ لم يكن لهذا التعليل وجه.

ويؤيده أيضا النهي عن الاستتار عن الشمس في صحيحة إسماعيل ابن عبد الخالق وصحيحة سعيد الأعرج (٤). ومجرد النهي في بعض الاخبار عن الكنيسة أو المحمل المظلل أو نحوهما لا يقتضي كون العلة

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ٧٠.

(٢) سورة طه ، الآية ١١٩.

(٣) الوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

(٤) ص ٤٧١ و ٤٨٤.


في التحريم هو الاستتار ، حتى انه لو لم يستتر بهذه الأشياء فلا يضره الاستظلال بغيرها من ما لا يوجب الاستتار. واما المشي في ظلال المحمل ونحوه فإنما قلنا به من حيث النص ، وإلا فعموم الاخبار المشار إليها يشمله.

ويوضح ما قلناه ـ زيادة على ما تقدم ـ ما رواه في الكافي (١) في الصحيح الى المعلى بن خنيس عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا يستتر المحرم من الشمس بثوب ، ولا بأس ان يستر بعضه ببعض».

وبذلك يظهر لك ان ما ذكره الشيخ (رحمه‌الله تعالى) وتردد فيه شيخنا المشار اليه لا اعرف له وجها ، بل ظاهر الاخبار يأباه.

السادسة ـ قد تقدم في صحيحة سعيد الأعرج النهي عن ان يستتر المحرم بيده أو بعود. ولعله محمول على الفضل والاستحباب ، لما ورد في الاخبار الكثيرة من جواز ذلك :

ومنها ـ حديث محمد بن الفضيل وبشر بن إسماعيل المتقدم (٢) الدال على ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تؤذيه الشمس فيستر جسده بعضه ببعض ، وربما ستر وجهه بيده.

ومثله ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا بأس ان يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس ، ولا بأس ان يستر بعض جسده ببعض». ورواية المعلى بن خنيس المتقدمة في سابق هذه الفائدة.

واما ما رواه الصدوق عن عبد الله بن سنان (٤) ـ قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : لأبي ، وشكى اليه حر الشمس

__________________

(١ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٦٧ من تروك الإحرام.

(٢) ص ٤٧٣.


وهو محرم وهو يتأذى به ، فقال : ترى ان استتر بطرف ثوبي؟ قال : لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك». ـ

فهو محمول على الضرورة كما هو ظاهر السياق. وقوله : «رأسك» الظاهر انه بدل من الكاف في قوله : «يصبك» وفي بعض النسخ : «يصب رأسك».

السابعة ـ الظاهر انه لا يضر الخشب الباقية في المحمل والعمارية ونحوها بعد رفع الظلال ، لما رواه الفاضل الطبرسي في الاحتجاج (١) في التوقيعات الخارجة الى محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري : «انه كتب الى صاحب الزمان (عليه‌السلام) : يسأله عن المحرم يرفع الظلال ، هل يرفع خشب العمارية أو الكنيسة ، ويرفع الجناحين أم لا؟ فكتب (عليه‌السلام) إليه في الجواب : لا شي‌ء عليه في تركه رفع الخشب». ورواه الشيخ في كتاب الغيبة مثله (٢).

واما ما تقدم (٣) من رواية القاسم الصيقل ـ الدالة على ان أبا جعفر (عليه‌السلام) كان يأمر بقلع القبة والحاجبين ـ فالظاهر حمله على الفضل والاستحباب ، كما يعطيه سياق الخبر.

والظاهر ان «الحاجبين» في هذا الخبر وقع تصحيف «الجناحين» كما في الخبر الأول.

الثامنة ـ الظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في جواز تظليل النساء والصبيان كما تقدم في جملة من الاخبار السابقة.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٦٧ من تروك الإحرام.

(٣) ص ٤٧٢.


ويزيده تأكيدا ما رواه في الكافي (١) في الحسن عن عبد الله بن يحيى الكاهلي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا بأس بالقبة على النساء والصبيان وهم محرمون».

المقام الثاني ـ في تغطية الرأس للرجل ، والحكم من ما لا خلاف فيه ، قال العلامة في المنتهى : ويحرم على الرجل حال الإحرام تغطية رأسه. وهو قول علماء الأمصار ، ولا نعلم فيه خلافا.

والأصل فيه الأخبار الكثيرة : ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (٢) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : الرجل المحرم يريد ان ينام ، يغطى وجهه من الذباب؟ قال : نعم ، ولا يخمر رأسه».

وفي الصحيح عن حريز (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن محرم غطى رأسه ناسيا. فقال : يلقى القناع عن رأسه ، ويلبي ، ولا شي‌ء عليه».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي (٤) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يغطى رأسه ناسيا أو نائما. قال : يلبي إذا ذكر».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن (٥) ـ والظاهر انه ابن الحجاج ـ قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المحرم يجد

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٥١ و ٣٥٢ ، والوسائل الباب ٦٥ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٥٥ و ٥٩ من تروك الإحرام.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٥٥ من تروك الإحرام.


البرد في أذنيه ، يغطيهما؟ قال : لا».

وعن زرارة (١) قال : «سألته عن المحرم ، أيتغطى؟ قال : اما من الحر والبرد فلا».

وفي الحسن عن عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) قال : «المحرمة لا تتنقب ، لأن إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه».

وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد (٣) عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) قال : «المحرم يغطى وجهه عند النوم والغبار الى طرار شعره».

أقول : طرار شعره اي منتهى شعره ، وهو القصاص الذي هو منتهى حد الوجه من الأعلى. وفي اللغة : ان طرة الوادي والنهر : شفيره ، وطرة كل شي‌ء : طرفه.

وتنقيح الكلام في المقام يتوقف على بيان أمور :

الأول ـ قال السيد السند في المدارك : لو ستر رأسه بيده أو ببعض أعضائه فالأظهر جوازه ، كما اختاره العلامة في المنتهى ، واستشكله في التحرير ، وجعل في الدروس تركه اولى. ويدل على الجواز ـ مضافا الى الأصل ، وعدم صدق الستر ، ووجوب مسح الرأس في الوضوء المقتضى لستره باليد في الجملة ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا بأس

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٥٥ من تروك الإحرام.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٣٠٨ والوسائل الباب ٦٧ من تروك الإحرام.


ان يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس. وقال : لا بأس ان يستر بعض جسده ببعض». انتهى.

وكتب عليه بعض مشايخنا المعاصرين في حواشي الكتاب : أقول : لا دلالة لصحيحة معاوية بن عمار على جواز ستر الرأس من المحرم بيده ، كما زعم الشارح وفاقا للعلامة ، إذ أقصى ما تدل عليه جواز وضع المحرم ذراعه على وجهه ، ومعلوم ان هذا القدر لا يستلزم ستر الرأس قطعا ، بل ولا أبعاضه. مع ان الصحيح من المذهب جواز تغطية الرأس كما ستعلمه. والحاصل ان الخبر لا دلالة له على المدعى بوجه ، وقد اعترف بذلك في الدروس. والعجب من السيد (قدس‌سره) حيث وافق العلامة على هذا الاحتجاج. ومن هنا يظهر ان استشكال العلامة الحكم في التحرير في محله.

ثم كتب (قدس‌سره) في حاشية اخرى : أقول : روى ابن بابويه في الفقيه (١) في القوى عن سعيد الأعرج : «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يستتر من الشمس بعود أو بيده؟ فقال : لا ، إلا من علة». وهو صريح في عدم الجواز إلا مع الضرورة. ولعله منشأ استشكال العلامة في التحرير للحكم ، وحكم الشهيد في الدروس بأولوية تركه. ويؤيده ما رواه أيضا في الفقيه (٢) عن سماعة : «انه سأله عن المحرمة ، تلبس الحرير؟ فقال : لا يصلح ان تلبس حريرا محضا لا خلط فيه ، فاما الخز والعلم في الثوب فلا بأس ان تلبسه وهي محرمة. وان مر بها رجل استترت منه بثوبها ، ولا تستتر بيدها

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٢٧ ، والوسائل الباب ٦٧ من تروك الإحرام.

(٢) ج ٢ ص ٢٢٠ ، والوسائل الباب ٣٣ من الإحرام.


من الشمس». وحينئذ يظهر ان ما ذكره (قدس‌سره) من الجواز تعويلا على صحيحة معاوية بن عمار لا يخلو من نظر ، إذ ليست صريحة في المطلوب. انتهى كلامه (قدس‌سره).

وهو محل نظر من وجوه : الأول ـ ان قوله : «إذ أقصى ما تدل عليه جواز وضع المحرم ذراعه على وجهه. الى آخره» ليس في محله ، فان الظاهر ان موضع الاستدلال منها إنما هو قوله : «لا بأس ان يستر بعض جسده ببعض» فإنه دال بإطلاقه على المدعى كما لا يخفى ونحوه في ذلك ما قدمناه من رواية محمد بن الفضيل وبشر بن إسماعيل ورواية المعلى بن خنيس.

الثاني ـ قوله : «ان الصحيح من المذهب جواز تغطية الرأس» فإنه غفلة ظاهرة ، إذ لا خلاف في الحكم كما عرفت ، والاخبار به ـ كما سمعت ـ متظافرة.

الثالث ـ ان ما استند اليه من رواية سعيد الأعرج مردود بما عرفت من معارضتها بما هو أكثر عددا وأصرح دلالة ، فلا بد من تأويلها ، كما قدمنا ذكره من الحمل على الفضل والاستحباب. وعلى ذلك تحمل أيضا رواية سماعة المذكورة ، جمعا بين الاخبار.

الثاني ـ ظاهر الأصحاب القطع بوجوب شاة متى غطى رأسه بثوب أو طينه بطين ، أو ارتمس في الماء ، أو حمل ما يستره. وظاهر العلامة في المنتهى والتذكرة انه إجماع. ولعله الحجة ، فإنا لم نقف في الاخبار على ما يدل على ذلك. وبذلك ايضا اعترف في المدارك. والأصحاب ـ حتى العلامة في المنتهى ـ ذكروا الحكم ولم ينقلوا عليه دليلا ، وكأن مستندهم إنما هو الإجماع.


إلا انه قد روى الشيخ في الصحيح عن الحلبي (١) قال : «المحرم إذا غطى رأسه فليطعم مسكينا في يده».

وظاهر هذه الرواية ان الواجب في تغطية الرأس عمدا إعطاء مسكين ، لانه مع النسيان لا شي‌ء فيه ، كما تقدم في صحيحة حريز.

وبهذا الخبر أفتى في الوسائل (٢) فقال : «ان المحرم إذا غطى رأسه عمدا لزمه طرح الغطاء وإطعام مسكين ، وان كان ناسيا لزمه طرح الغطاء خاصة ، واستحب له تجديد التلبية» ثم أورد صحيحة الحلبي المذكورة وصحيحة حريز المتقدمة المشار إليها. إلا ان صاحب الوافي إنما نقل صحيحة الحلبي المذكورة بلفظ «وجهه» عوض قوله «رأسه» (٣) ولعل نسخ التهذيب كانت مختلفة في ذلك. وسيأتي ما يؤيد ان المذكور فيها هو لفظ الوجه.

ثم انه على تقدير كون الفدية شاة أو إطعام مسكين ، فهل تتكرر بتكرر الفعل؟ قولان ، واستقرب الشهيد التعدد مع الاختيار دون الاضطرار ، وحكم الشهيد الثاني بعدم التعدد مع الاضطرار ، وكذا مع الاختيار إذ اتحدا المجلس ، واستوجه التعدد مع اختلافه. ولا أعرف لشي‌ء من هذه الأقوال مستندا ، سيما مع كون أصل المسألة خاليا من الدليل على ما يدعونه. وقضية الأصل تقتضي العدم مطلقا.

الثالث ـ قد صرح العلامة ومن تأخر عنه بأنه لا فرق في التحريم

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٠٨ ، والوسائل الباب ٥٥ من تروك الإحرام ، والباب ٥ من بقية كفارات الإحرام. وسيأتي ص ٤٩٧.

(٢) ج ٩ ص ٢٩ رقم ٥ الطبع الحديث.

(٣) وكذلك التهذيب والوسائل الباب ٥٥ من تروك الإحرام.


بين ان يغطي رأسه بالمعتاد كالعمامة والقلنسوة ، أو بغيره حتى الطين والحناء وحمل متاع يستره.

واعترضهم في المدارك بأنه غير واضح ، قال : لأن المنهي عنه في الروايات المعتبرة تخمير الرأس ، ووضع القناع عليه ، والستر بالثوب لا مطلق الستر. مع ان النهي لو تعلق به لوجب حمله على ما هو المتعارف منه ، وهو الستر بالمعتاد. إلا ان المصير الى ما ذكروه أحوط. انتهى. وهو جيد.

إلا ان ما يأتي من الاخبار الدالة على النهى عن الارتماس تحت الماء ربما يؤيد ما ذكروه. ولكنه إنما يتم لو كان المنع من ذلك من حيث هذه الحيثية ، وهو غير ظاهر من الاخبار المذكورة ، فلعله من جملة محرمات الإحرام كغيره.

ثم نقل عن التذكرة انه لو توسد بوسادة فلا بأس. وكذلك لو توسد بعمامة مكورة ، لأن المتوسط يطلق عليه عرفا انه مكشوف الرأس. ثم قال : وهو حسن :

أقول : لو استلزم التوسد التغطية للزم منه تحريم النوم عليه مضطجعا ، إذ لا بد من وقوع جزء من رأسه على الأرض أو غيرها من ما يجعله تحت رأسه. وهو باطل قطعا.

الرابع ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بان الرأس هنا عبارة عن منابت الشعر خاصة حقيقة أو حكما. وظاهرهم خروج الأذنين منه.

قال في المسالك : الظاهر ان الرأس هنا اسم لمنابت الشعر حقيقة أو حكما ، فالاذنان ليستا منه ، خلافا للتحرير. انتهى.


وظاهر العلامة في المنتهى التوقف ، حيث نقل في المسألة قولين للعامة الجواز والمنع (١) ، ولم يتعرض لغير ذلك. ونقل عن العلامة حديثا عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) قال : «الأذنان من الرأس».

ويمكن الاستدلال لما ذهب إليه في التحرير برواية عبد الرحمن المتقدمة (٣) الدالة على السؤال عن المحرم يجد البرد في أذنيه ، يغطيهما؟ قال : لا.

الخامس ـ ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) عدم الفرق في التحريم بين تغطية الرأس كلا أو بعضا.

واستدل عليه في المنتهى بأن النهي عن إدخال الشي‌ء في الوجود يستلزم النهي عن إدخال أبعاضه. ولهذا لما حرم الله (تعالى) حلق الرأس تناول التحريم حلق بعضه.

وفيه تأمل ، لعدم دليل على ما ادعاه من اللزوم. وما استند اليه من الحلق فإنما هو من حيث الإطلاق الشامل للكل والبعض.

والأجود الاستدلال على ذلك بصحيحة عبد الله بن سنان (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لأبي ، وشكى اليه حر الشمس وهو محرم وهو يتأذى به ، وقال : ترى ان استتر بطرف ثوبي؟ قال : لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك». والتقريب فيه ان إطلاق النهي عن اصابة الثوب الرأس الصادق ولو ببعضه يقتضي ذلك.

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٢٩٢ طبع مطبعة العاصمة.

(٢) سنن ابن ماجة ج ١ ص ١٦٨.

(٣) ص ٤٨٩ رقم ٥.

(٤) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٧ ، والوسائل الباب ٦٧ من بقية كفارات الإحرام.


واستثنى من ذلك عصام القربة. وعليه تدل صحيحة محمد بن مسلم (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يضع عصام القربة على رأسه إذا استسقى؟ فقال : نعم».

والعصابة عند الحاجة إليها. وعليه تدل صحيحة معاوية بن وهب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا بأس بأن يعصب المحرم رأسه من الصداع».

السادس ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) جواز تغطية الرجل وجهه ، بل قال في التذكرة : انه قول علمائنا اجمع. ونقل في الدروس عن ابن ابي عقيل انه منع من ذلك وجعل كفارته إطعام مسكين في يده. وقال الشيخ في التهذيب : فأما تغطية الوجه فيجوز مع الاختيار غير انه تلزمه الكفارة ، ومتى لم ينو الكفارة لم يجز ذلك.

أقول : ويدل على القول المشهور ما تقدم من صحيحة زرارة ، وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة (٣) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : المحرم يقع الذباب على وجهه حين يريد النوم فيمنعه من النوم ، أيغطي وجهه إذا أراد ان ينام؟ قال : نعم».

ورواية الحميري المتقدمة (٤) وما رواه الحميري أيضا في كتاب قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٢١ ، والوسائل الباب ٥٧ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٥٦ و ٧٠ من تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٥٥ من تروك الإحرام رقم ٥ و ٧ عن التهذيب والفقيه.

(٤) الوسائل الباب ٥٩ من تروك الإحرام.


السلام) قال : «سألته عن المحرم هل يصلح له ان يطرح الثوب على وجهه من الذباب وينام؟ قال : لا بأس».

وما رواه في الكافي عن عبد الملك القمي (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم يتوضأ ثم يجلل وجهه بالمنديل يخمره كله؟ قال : لا بأس».

وتؤيده حسنة عبد الله بن ميمون المتقدمة.

احتج الشيخ في التهذيب ـ على ما ذهب اليه من لزوم الكفارة بذلك ـ بما رواه في الصحيح عن الحلبي (٢) قال : «المحرم إذا غطى وجهه فليطعم مسكينا في يده. قال : ولا بأس ان ينام المحرم على وجهه على راحلته».

وأجيب عن الرواية بالحمل على الاستحباب ، قال في المدارك : وهو غير بعيد ، لإطلاق الإذن بالتغطية في الاخبار الكثيرة ، ولو كانت الكفارة واجبة لذكرت في مقام البيان. ولا ريب ان التكفير اولى وأحوط. انتهى.

أقول : فيه ما عرفت في غير مقام من ما تقدم من ان الحمل على الاستحباب مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة ، واختلاف الاخبار ليس من قرائن المجاز. مع ان القاعدة المشهورة تقتضي حمل إطلاق الاخبار المذكورة على هذه الرواية ، وغاية ما يلزم بناء على ما ذكره هو تأخير البيان عن وقت الخطاب ، وهو جائز عندهم. مع ان دعوى ان المقام مقام بيان الكفارة ممنوعة ، بل المقام مقام بيان مطلق الجواز

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٤٩ ، والوسائل الباب ٥٩ من تروك الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٠٨ ، والوسائل الباب ٥٥ و ٦٠ من تروك الإحرام والباب ٥ من بقية كفارات الإحرام. وتقدم ص ٤٩٣.


فلا ينافيه التقييد بخبر الكفارة المذكور.

السابع ـ نقل الشهيد في الدروس عن الشيخ في المبسوط ان فدية تغطية المرأة وجهها شاة. وقال الحلبي : لكل يوم شاة ، ولو اضطرت فشاة لجميع المدة. وكذا قال في تغطية الرأس. ولم أقف لشي‌ء من هذين القولين على دليل ، كما عرفت في مسألة تغطية الرجل رأسه. وظاهر الشهيد ـ حيث اقتصر على مجرد نقل القولين المذكورين ـ التوقف في المسألة.

الثامن ـ ظاهر الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) الاتفاق على عدم جواز الارتماس في الماء على وجه يعلو الماء رأسه ، قالوا : لأنه في حكم تغطية الرأس.

أقول : ويدل على المنع من الارتماس جملة من الاخبار :

منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سمعته يقول : لا تمس الريحان وأنت محرم. الى ان قال : ولا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك».

وعن حريز في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) في حديث قال : «ولا يرتمس المحرم في الماء ، ولا الصائم».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٨ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٣ من ما يمسك عنه الصائم ، والباب ٥٨ من تروك الإحرام.


(عليه‌السلام) (١) قال : «لا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم».

وروى عن حريز عن من أخبره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا يرتمس المحرم في الماء».

وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن إسماعيل بن عبد الخالق (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام): هل يدخل الصائم رأسه في الماء؟ قال : لا ، ولا المحرم. وقال : مررت ببركة بني فلان وفيها قوم محرمون يترامسون ، فوقفت عليهم فقلت لهم : انكم تصنعون ما لا يحل لكم».

أقول : والارتماس الممنوع منه أعم من ان يكون بدخوله ببدنه كملا تحت الماء أو بإدخال رأسه خاصة ، كما تقدم في ارتماس الصائم. والى الثاني تشير صحيحة عبد الله بن سنان.

والظاهر ان رأس المحرم هنا كرأس الصائم ، وقد تقدم في كتاب الصوم انه ما فوق الرقبة.

والمنع في الاخبار إنما تعلق بالارتماس ، فلا بأس بالصب على الرأس ، وان يفيض عليه الماء في غسل وغيره. والظاهر انه لا خلاف فيه.

وتدل عليه جملة من الاخبار ، كصحيحة حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا اغتسل المحرم من الجنابة صب على رأسه الماء ، يميز الشعر بأنامله بعضه عن بعض».

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من ما يمسك عنه الصائم ، والباب ٥٨ من تروك الإحرام.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٥٨ من تروك الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٧٥ من تروك الإحرام.


وما رواه الشيخ عن يعقوب بن شعيب في الصحيح (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يغتسل؟ فقال : نعم يفيض الماء على رأسه ، ولا يدلكه».

الى غير ذلك من الاخبار.

الصنف الحادي عشر والثاني عشر ـ الادهان ، وقتل هوام الجسد ، فالكلام هنا يقع في مقامين :

الأول في الادهان ، وينبغي ان يعلم ان الادهان على قسمين : مطيبة وغير مطيبة.

فاما القسم الأول فالظاهر انه لا خلاف في تحريمه على المحرم ، إلا ما ينقل عن الشيخ في الجمل من القول بالكراهة. وهو ضعيف. وقال العلامة في المنتهى : انه قول عامة أهل العلم ، وتجب فيه الفدية إجماعا.

وهل يحرم استعماله قبل الإحرام إذا علم بقاء رائحته إلى وقت الإحرام أم لا؟ قولان ، والمشهور التحريم ، ونقل عن ابن حمزة القول بالكراهة.

والظاهر الأول ، للنهي عنه في عدة روايات : منها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا تدهن حين تريد ان تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر ، من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم. وادهن بما شئت من

__________________

(١) الوسائل الباب ٧٥ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٢٩ ، والوسائل الباب ٢٩ من تروك الإحرام.


الدهن حين تريد ان تحرم ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل».

وما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه وثقة الإسلام في الكافي عن علي بن أبي حمزة (١) قال : «سألته عن الرجل يدهن بدهن فيه طيب وهو يريد ان يحرم. فقال : لا تدهن حين تريد ان تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر تبقى رائحته في رأسك بعد ما تحرم ، وادهن بما شئت من الدهن حين تريد ان تحرم قبل الغسل وبعده ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل».

وما رواه في الكافي في الحسن عن الحسين بن ابي العلاء (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل المحرم يدهن بعد الغسل. قال : نعم. فادهنا عنده بسليخة بان. وذكر ان أباه كان يدهن بعد ما يغتسل للإحرام ، وانه يدهن بالدهن ما لم يكن غالية أو دهنا فيه مسك أو عنبر».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «الرجل يدهن بأي دهن شاة ـ إذا لم يكن فيه مسك ولا عنبر ولا زعفران ولا ورس ـ قبل ان يغتسل للإحرام. قال : ولا تجمر ثوبا لإحرامك».

أقول : وهذه الاخبار كما تدل على تحريم الاستعمال قبل الإحرام إذا كانت تبقى رائحته إلى وقت الإحرام تدل على التحريم في الإحرام

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٢٩ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٠٢ ، والوسائل الباب ٢٩ من تروك الإحرام.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٠ من تروك الإحرام.


بطريق أولى ، فإن التحريم أولا على الوجه المذكور انما ينشأ من التحريم ثانيا كما هو ظاهر.

ويدل على ذلك ايضا ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) في حديث قال : «وسألته عن المحرم يدهنه الحلال بالدهن الطيب والمحرم لا يعلم ، ما عليه؟ قال : يغسله ايضا وليحذر».

وبه يظهر ضعف القولين المتقدمين.

واما القسم الثاني فلا خلاف في جواز اكله والادهان به عند الضرورة.

وانما الخلاف في الادهان به اختيارا ، فالمشهور التحريم ، ونقل الجواز في الدروس عن الشيخ المفيد ، ونقله الفاضل الخراساني في الذخيرة أيضا عن الشيخ المفيد وابن ابى عقيل وسلار وابي الصلاح.

والأظهر الأول ، ويدل عليه ما تقدم في صحيحة الحلبي ، ورواية علي بن أبي حمزة ، لقوله (عليه‌السلام) : فيهما بعد ان رخص له في الادهان إذا أراد الإحرام : «فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل».

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا تمس شيئا من الطيب وأنت محرم ، ولا من الدهن. الحديث».

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٥٥ و ٣٥٦ ، والوسائل الباب ٢٢ من تروك الإحرام ، والباب ٤ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ١٨ و ٢٩ من تروك الإحرام.


وقال في آخره : «يكره للمحرم الأدهان الطيبة ، إلا المضطر الى الزيت أو شبهه يتداوى به».

وعنه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ولا تمس شيئا من الطيب ولا من الدهن في إحرامك».

أقول : المراد بمسها يعني : الادهان بها ، لان جواز مسها بالأكل من ما لا خلاف ولا اشكال فيه. ولفظ الكراهة في الخبر الأول بمعنى التحريم ، كما هو شائع في الاخبار بتقريب الأخبار المتقدمة.

احتج من ذهب الى الجواز بالأصل والاخبار : ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم ـ وكذا الصدوق في الصحيح عنه ـ عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «سألته عن محرم تشققت يداه. قال : فقال : يدهنهما بزيت أو بسمن أو إهالة».

وما رواه الكليني في الصحيح عن هشام بن سالم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «ان خرج بالرجل منكم الخراج أو الدمل فليربطه وليتداو بزيت أو سمن».

وأجيب عن الأصل بما تقدم من الروايات. واما الخبران المذكوران وما في معناهما فان موردهما جواز الادهان عند الضرورة ، وهو ليس من محل النزاع في شي‌ء ، بل هو من ما لا خلاف فيه. وبذلك يظهر

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام رقم ٩.

(٢) الوسائل الباب ٣١ و ٦٩ من تروك الإحرام.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٥٩ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٠٤ ، والوسائل الباب ٣١ و ٧٠ من تروك الإحرام.


ان المعتمد هو القول الأول.

ثم ان ظاهر جملة من الأصحاب ان وجوب الكفارة انما هو في الادهان بالدهن المطيب ، قال ابن إدريس : تجب به الكفارة سواء كان مختارا أو مضطرا. وقال في غير المطيب : لا تجب به كفارة بل الإثم ، فليستغفر الله. وقوى في المختلف وجوب الكفارة في المطيب دون غيره ، قال : واما أكل غير المطيب فإنه سائغ مطلقا.

أقول : لم أقف بعد التتبع على ما يدل على الكفارة في الادهان إلا على ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) : «في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج. قال : ان كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وان كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه».

وبهذا استدل الشيخ في التهذيب على ما نقله عنه في المدارك ، وعليها جمد في المدارك ، إذ ليس غيرها في البين.

ولا يخفى ما في الاستدلال بها : اما (أولا) : فلان الظاهر ان ضمير «قال» إنما يرجع الى معاوية بن عمار ، فتكون مقطوعة لا مضمرة كما ذكره في المدارك.

واما (ثانيا) : فلاشتمالها على وجوب الكفارة على الجاهل ، مع اتفاق الاخبار والأصحاب على ان الجاهل لا كفارة عليه إلا في الصيد خاصة كما تقدم.

واما (ثالثا) : فلقصورها عن الدلالة على تمام المدعى ، فان موردها حال الضرورة. إلا ان يستعان بعدم القائل بالفصل ، كما

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من بقية كفارات الإحرام.


هو أحد أصولهم. وفيه ما لا يخفى. أو يقال بالأولوية في غير الضرورة. وفيه منع.

وبالجملة فالاحتياط يقتضي المصير الى ما ذكروه. ولعل اتفاقهم أولا وآخرا باعتضاده بهذه الرواية كاف في الحكم المذكور.

المقام الثاني ـ في قتل هوام الجسد ، جمع هامة : الدابة. والقول بتحريم قتل هوام الجسد ـ من القمل والبراغيث وغيرهما ، سواء كان على الثوب أو الجسد ـ هو المشهور بين الأصحاب. ونقل عن الشيخ وابن حمزة : أنهما جوزا قتل ذلك على البدن ، قال الشيخ : فإن القى القمل عن جسمه فدى ، والاولى ان لا يعرض له ما لم يؤذه. ومنع في النهاية من قتل المحرم البق والبرغوث وشبههما في الحرم ، فان كان محلا في الحرم فلا بأس. وأوجب المرتضى في قتل القملة أو الرمي بها كفا من طعام.

والذي وقفت عليه من الاخبار في المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عيسى (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها. قال : يطعم مكانها طعاما».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها. قال : يطعم مكانها طعاما».

وعن الحسين بن ابي العلاء في الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «المحرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمدا ، وان فعل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما : قبضة بيده».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٥ من بقية كفارات الإحرام.


وما رواه الصدوق عن زرارة في الصحيح (١) قال : «سألته عن المحرم هل يحك رأسه ، أو يغسل بالماء؟ فقال : يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة. الحديث».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «المحرم يلقي عنه الدواب كلها إلا القملة ، فإنها من جسده ، فإذا أراد ان يحول قملة من مكان الى مكان فلا يضره».

وما رواه في الكافي عن الحسين بن ابي العلاء (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : لا يرمي المحرم القملة من ثوبه ولا من جسده متعمدا ، فان فعل شيئا من ذلك فليطعم مكانها طعاما. قلت : كم؟ قال : كفا واحدا».

وعن أبان في الصحيح عن ابي الجارود (٤) قال : «سأل رجل أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل قتل قملة وهو محرم. قال : بئس ما صنع. قال : فما فداؤها؟ قال : لا فداء لها».

وما رواه الشيخ عن معاوية في الصحيح والكليني عنه في الحسن (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال : لا شي‌ء عليه في القملة ، ولا ينبغي ان يتعمد قتلها».

وعن صفوان في الصحيح عن مرة مولى خالد (٦) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يلقي القملة. فقال : ألقوها ،

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٣٠ ، والوسائل الباب ٧٣ و ٧٨ من تروك الإحرام.

(٢ و ٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ٧٨ من تروك الإحرام.

(٥) الوسائل الباب ٧٨ من تروك الإحرام ، والباب ١٥ من بقية كفارات الإحرام.


أبعدها الله ، غير محمودة ولا مفقودة».

وروى زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «سألته عن المحرم ، يقتل البقة والبرغوث إذا رءاه؟ قال : نعم».

وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من نوادر احمد ابن محمد بن ابي نصر عن جميل (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يقتل البقة والبراغيث إذا آذاه؟ قال : نعم».

وما رواه في الكافي عن ابي الجارود (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : حككت رأسي وانا محرم ، فوقعت قملة؟ قال : لا بأس. قلت : اي شي‌ء تجعل علي فيها؟ قال : وما اجعل عليك في قملة؟ ليس عليك فيها شي‌ء».

وما رواه الشيخ عن الحلبي (٤) قال : «حككت رأسي وانا محرم فوقع منه قملات ، فأردت ردهن فنهاني ، وقال : تصدق بكف من طعام».

وما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم يحك رأسه فتسقط منه القملة والثنتان؟ قال : لا شي‌ء عليه ، ولا يعود. قلت : كيف يحك رأسه؟ قال : بأظافيره ما لم يدم ، ولا يقطع الشعر».

أقول : وهذه الاخبار كلها مع اختلافها انما وردت في القملة خاصة ، فالقول بالتعميم لا يخلو من اشكال ، سيما مع دلالة رواية زرارة المذكورة هنا على جواز قتل البرغوث. وقد تقدم ذكر الخلاف في جواز

__________________

(١) الوسائل الباب ٧٩ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٧٨ من تروك الإحرام.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٥ من بقية كفارات الإحرام.


قتل البرغوث في المسألة التاسعة من مسائل الفصل الأول في صيد البر (١).

والشيخ ـ بناء على ما هو المشهور ـ أجاب عن الروايات الأخيرة (أولا) : بالحمل على الرخصة. و (ثانيا) : بالحمل على من يتأذى بها فيقتل ويكفر. قال : وقوله : «لا شي‌ء عليه» يعني : من العقاب أو لا شي‌ء معين.

وأنت خبير بما فيه ، إلا ان الاحتياط يقتضيه. والمسألة لا تخلو من نوع اشكال ، فان الروايات الأخيرة وان كانت على خلاف ما هو المشهور بين الأصحاب ، إلا انها مخالفة لمذهب العامة ، والروايات الأولى موافقة لهم (٢) إلا ان الحكم بها بين أصحابنا مشهور ، والقائل بخلافها نادر. والله العالم.

تنبيه

المشهور بين الأصحاب انه يجوز إلقاء القراد والحلم عن نفسه وبعيره والحلم بفتح الحاء واللام جمع حلمة بالفتح ايضا ، وهي القراد العظيم كما نقل عن الصحاح. وقيل : إنها الصغيرة من القردان أو الضخمة ضدان.

واستدلوا على ذلك بالأصل ، وبما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : أرأيت ان وجدت على قرادا أو حلمة أطرحهما؟ قال : نعم. وصغار لهما ،

__________________

(١) ص ١٥٩.

(٢) ارجع الى الصفحة ٢٤٧ الى ٢٥٠.

(٣) الوسائل الباب ٧٩ من تروك الإحرام.


انهما رقيا في غير مرقاهما». وهذا الخبر ـ كما ترى ـ مختص بالإنسان ولا تعرض فيه للبعير.

وقال الشيخ في التهذيب : ولا بأس ان يلقى المحرم القراد عن بعيره ولا يلقي الحلمة. واستدل عليه بما رواه عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ان القى المحرم القراد عن بعيره فلا بأس ، ولا يلقى الحلمة».

أقول : ويدل على ما ذكره (قدس‌سره) زيادة على الرواية المذكورة ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان القراد ليس من البعير ، والحلمة من البعير بمنزلة القملة من جسدك ، فلا تلقها ، والق القراد».

وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن المحرم ، يقرد البعير؟ قال : نعم ، ولا ينزع الحلمة».

وما رواه في التهذيب عن عمر بن يزيد (٤) قال : «لا بأس ان تنزع القراد عن بعيرك ، ولا ترم الحلمة».

وما رواه في التهذيب ومن لا يحضره الفقيه في الصحيح عن معاوية ابن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «ان القى المحرم القراد عن بعيره فلا بأس ، ولا يلقى الحلمة».

وما رواه الصدوق عن ابي بصير (٦) قال : «سألته عن المحرم

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ٨٠ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٦٤ ، والوسائل الباب ٨٠ من تروك الإحرام.

(٥) الوسائل الباب ٨٠ من تروك الإحرام. وقد تقدم نقله عن التهذيب برقم (١).


ينزع الحلمة عن البعير؟ فقال : لا ، هي بمنزلة القملة من جسدك».

وعن حريز في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ان القراد ليس من البعير ، والحلمة من البعير».

وبذلك يظهر ان ما ذكره الشيخ من التفصيل هو الأظهر. وعليه يحمل إطلاق ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سعيد (٢) قال : «سأل أبو عبد الرحمن أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يعالج دبر الجمل. قال : فقال : يلقي عنه الدواب ، ولا يدميه».

والظاهر من هذه الروايات ان الحلم غير القراد ، حيث انه (عليه‌السلام) جعل الحلمة منه بمنزلة القملة من الإنسان ، بمعنى انها تخلق من وسخه فكأنها من جسمه ، وان القراد ليس منه بل هو من الدواب الخارجة التي تأتي اليه. ومقتضى ما ذكره أهل اللغة ان الحلمة نوع من القراد أما الصغيرة منه أو الضخمة ، وهو لا يلائم ما دلت عليه هذه الاخبار. ولم أر من تنبه لذلك من المحدثين.

ثم ان الظاهر من هذه الاخبار انه لا كفارة في إلقاء الحلم عن البعير ، حيث لم يتعرض في شي‌ء منها لوجوب الكفارة لو فعل ، وانما غاية ما تدل عليه الإثم بذلك.

إلا انه قد روى عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٣) : «ان عليا (عليه‌السلام) كان يقول في المحرم ينزع عن بعيره القردان والحلم : ان عليه الفدية».

والرواية ـ مع ضعف سندها وكون رواتها من العامة ـ قد تضمنت

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٨٠ من تروك الإحرام.


وجوب الفدية في نزع القردان مع ان الروايات المتقدمة قد اشتركت في الدلالة على جواز النزع. وحينئذ فالعمل على هذه الرواية ـ والأمر كما عرفت ـ مشكل.

الصنف الثالث عشر والرابع عشر ـ ازالة الشعر ، وإخراج الدم.

والبحث في ذلك يقع في فصلين الأول ـ في إزالة الشعر.

وتحقيق الكلام فيه يتوقف على بسطه في مسائل :

الأولى ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في انه يحرم على المحرم ازالة الشعر من رأسه ولحيته وسائر بدنه ، بحلق أو نتف أو غيرهما ، مع الاختيار. ونقل عليه في التذكرة والمنتهى إجماع العلماء.

ويدل عليه بالنسبة إلى الحلق قوله (عزوجل) (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) (١).

ويدل عليه وعلى غيره الأخبار الكثيرة ، ومنها ـ صحيحة زرارة (٢) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : من حلق رأسه ، أو نتف إبطه ـ ناسيا أو ساهيا أو جاهلا ـ فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمد أفعليه دم».

وروى الشيخ في الصحيح عن زرارة بن أعين (٣) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : من نتف إبطه ، أو قلم ظفره ، أو حلق رأسه ، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه ، أو أكل طعاما

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٩ ، والوسائل الباب ١٠ من بقية كفارات الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٨ من بقية كفارات الإحرام.


لا ينبغي له اكله وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا ، فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة».

وروى الصدوق في الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس ان يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر. واحتجم الحسن بن علي عليهما‌السلام. وهو محرم». قوله : «واحتجم الحسن بن علي عليهما‌السلام ...» يحتمل ان يكون من الخبر ومن كلام الصدوق. ونحوه ما رواه الشيخ عن حريز في الصحيح مثله (٢).

وقد تقدم في صحيحة معاوية بن عمار (٣) ـ وهي آخر الروايات المتقدمة في مسألة قتل هو أم الجسد ـ انه يحك رأسه بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر.

وعن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا بأس بحك الرأس واللحية ما لم يلق الشعر ، وبحك الجسد ما لم يدمه».

الى غير ذلك من الاخبار الآتية في المقام ان شاء الله (تعالى).

الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف في جوازه مع الضرورة وان وجبت الفدية.

ويدل على الجواز الأصل ، ونفي الحرج (٥) وقوله (عزوجل)

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٢ ، والوسائل الباب ٦٢ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٦٢ من تروك الإحرام.

(٣) ص ٥٠٧ رقم (٥).

(٤) الوسائل الباب ٧٣ من تروك الإحرام.

(٥) ارجع الى الجزء الأول ص ١٥١.


(فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (١).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «مر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على كعب بن عجرة الأنصاري والقمل يتناثر من رأسه ، فقال : أتؤذيك هوامك؟ قال : نعم. قال : فأنزلت هذه الآية (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (٣) فأمره رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بحلق رأسه ، وجعل عليه الصيام ثلاثة أيام ، والصدقة على ستة مساكين لكل مسكين مدان ، والنسك : شاة. قال : وقال أبو عبد الله (عليه‌السلام): وكل شي‌ء في القرآن «أو» فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ، وكل شي‌ء في القرآن «فمن لم يجد فعليه كذا» فالأول بالخيار».

قوله (عليه‌السلام) : «فالأول بالخيار» يعني : فالأول هو المختار وما بعده انما هو عوض عنه مع عدم إمكانه.

وقال الصدوق في الفقيه (٤) : «مر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على كعب بن عجرة الأنصاري وهو محرم ، وقد أكل القمل رأسه وحاجبيه وعينيه ، فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ما كنت ارى ان الأمر يبلغ ما أرى ، فأمره فنسك عنه نسكا ، وحلق رأسه ، لقول الله (تعالى) (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (٥). فالصيام : ثلاثة أيام ، والصدقة : على ستة مساكين ، لكل مسكين صاع من تمر. وروى : مد من تمر. والنسك : شاة لا يطعم منها أحدا إلا المساكين».

__________________

(١ و ٣ و ٥) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٣ ، والوسائل الباب ١٤ من بقية كفارات الإحرام.

(٤) ج ٢ ص ٢٢٨ ، والوسائل الباب ١٤ من بقية كفارات الإحرام.


وما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قال الله (تعالى) في كتابه (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (٢) فمن عرض له أذى أو وجع ، فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا ، فالصيام ثلاثة أيام ، والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام ، والنسك : شاة يذبحها فيأكل ويطعم. وانما عليه واحد من ذلك».

الثالثة ـ لا خلاف في ان الفدية في إزالة الشعر ـ بأي الوجوه المتقدمة ، عمدا كان أو لضرورة ـ واجبة ، وان اختلفت مقاديرها ، قال في المنتهى : لا فرق بين شعر الرأس وبين شعر سائر البدن في وجوب الفدية ، وان اختلف مقاديرها على ما يأتي ، ذهب إليه علماؤنا.

ثم ان ظاهر عبارات جملة من الأصحاب ان التخيير بين الافراد الثلاثة مترتب على حلق الشعر مطلقا من الرأس أو البدن. وتأمل فيه بعض الأفاضل.

أقول : ظاهر رواية عمر بن يزيد العموم ، إلا ان موردها حالة الضرورة دون الاختيار.

بقي الكلام في الصدقة التي هي أحد أفراد الكفارة المخيرة ، وقد صرح جمع من الأصحاب بأنها على عشرة مساكين لكل مد. وقال الشيخ : من حلق رأسه لأذى فعليه دم شاة ، أو صيام ثلاثة أيام ، أو يتصدق على ستة مساكين ، لكل مسكين مد من طعام. وقد روى عشرة مساكين. وهو الأحوط. ونحوه قال الشيخ المفيد ، إلا انه لم يذكر رواية العشرة ، بل جعل الإطعام لستة مساكين لكل مسكين

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٣ ، والوسائل الباب ١٤ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.


مد. وبه قال ابن إدريس. وقال ابن الجنيد : أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع. وهو الذي رواه الصدوق في المقنع. وبه قال ابن ابى عقيل. واختاره في المختلف.

والذي وقفت عليه من الاخبار في ذلك صحيحة حريز المتقدمة ، وكذا رواية عمر بن يزيد ، وصحيحة زرارة المتقدمة في صدر روايات المسألة الاولى.

وروى الشيخ عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أحصر الرجل فبعث يهديه ، فأذاه رأسه قبل ان ينحر هديه ، فإنه يذبح شاة في المكان الذي أحصر فيه ، أو يصوم ، أو يتصدق على ستة مساكين. والصوم : ثلاثة أيام ، والصدقة : نصف صاع لكل مسكين». ورواه الكليني في الكافي عن زرارة مثله (٢).

ومورد صحيحة حريز ورواية عمر بن يزيد ورواية زرارة ـ المشتمل كل منها على التخيير بين الافراد الثلاثة ـ انما هو الحلق للأذى ، وليس فيها ما يدل على حكم المتعمد من غير ضرورة. إلا ان يقال : انه إذا كان الحكم في الضرورة ذلك فالمتعمد بطريق اولى. وظاهر صحيحة زرارة المتقدمة في صدر المسألة الاولى وان كان يدل على المتعمد ، إلا انه أوجب فيها الشاة خاصة ، والحكم عندهم التخيير. قال في المدارك : ولو قيل به إذا كان الحلق لغير ضرورة لم يكن بعيدا. لكن قال في المنتهى : ان التخيير في هذه الكفارة لعذر أو غيره قول علمائنا اجمع.

ويدل على تعدى الحكم الى غير الحلق رواية عمر بن يزيد.

والظاهر ان مستند المشهور من التصدق على عشرة مساكين هو رواية عمر بن يزيد. لكنها قد اشتملت على انه يشبعهم من الطعام ،

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٤ من بقية كفارات الإحرام.


وهم انما قالوا بالمد خاصة. وأيضا فإنها قد اشتملت على ما لا يقول به أحد من الأصحاب ـ في ما اعلم ـ من انه يجوز له ان يأكل من فدائه وقد ورد ـ كما قدمنا نقله ايضا ـ ان الهدي الذي يكون جبرانا لما وقع في الحج أو العمرة من النقصان لا يؤكل منه. وقد تقدم في مرسلة الصدوق المذكورة في المقام (١) : «والنسك شاة لا يطعم منها أحدا إلا المساكين». قال في المنتهى : ولا يجوز ان يأكل منها شيئا ، لأنها كفارة فيجب دفعها الى المساكين كغيرها من الكفارات. انتهى.

وما دلت عليه صحيحة حريز من إطعام الستة هو مستند الشيخين ومن تبعهما ، إلا ان أكثرهم ذكر ان الصدقة مد ، ولم يذكر المدين إلا ابن الجنيد ، فتكون الرواية أشد انطباقا على مذهبه. ويعضدها أيضا رواية زرارة المتقدمة الواردة في حلق رأس المحصر ، فإنه جعل الصدقة على ستة مساكين ، وان يكون لكل مسكين نصف صاع. واما ما دلت عليه مرسلة الصدوق من الصاع فالظاهر انه متروك. ولعل لفظ : «نصف» سقط من قلم المصنف (قدس‌سره) أو من قبله.

وجمع الشيخ ـ بين صحيحة حريز وما دلت عليه من الستة والمدين ورواية عمر بن يزيد وما دلت عليه من العشرة والشبع لكل واحد ـ بالتخيير بين الأمرين. وهو جيد.

قال العلامة في المنتهى : والكفارة عندنا تتعلق بحلق جميع الرأس أو بعضه ، قليلا كان أو كثيرا ، لكن تختلف ، ففي حلق الرأس دم ، وكذا في ما يسمى حلق الرأس ، وفي حلق ثلاث شعرات صدقة بمهما كان. قال في المدارك : وهو جيد. لكن ينبغي تعين الصدقة في ذلك بكف من طعام أو بكف من سويق ، كما سيجي‌ء بيانه.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من بقية كفارات الإحرام رقم (٥).


الرابعة ـ قال في المنتهى : إذا نبت الشعر في عينه أو نزل شعر حاجبه فغطى عينه جاز له قطع النابت في عينه وقص المسترسل. والوجه انه لا فدية عليه ، لانه لو تركه لا ضر بعينه ومنعه من الأبصار ، كما لو صال الصيد عليه فقتله ، فإنه لا فدية عليه.

ثم قال (قدس‌سره) : لو كان له عذر من مرض أو وقع في رأسه قمل أو غير ذلك من أنواع الأذى جاز له الحلق إجماعا ، للآية (١) والأحاديث السابقة. ثم ينظر ، فان كان الضرر اللاحق به من نفس الشعر فلا فدية عليه ، كما لو نبت في عينه أو نزل شعر حاجبه بحيث يمنعه من الأبصار ، لأن الشعر أضر به فكان له ازالة ضرره ، كالصيد إذا صال عليه ، وان كان الأذى من غير الشعر لكن لا يتمكن من إزالة الأذى إلا بحلق الشعر ـ كالقمل ، والقروح برأسه ، والصداع من الحر بكثرة الشعر ـ وجبت الفدية ، لأنه قطع الشعر لازالة الضرر عنه ، فصار كما لو أكل الصيد للمخمصة. (لا يقال) : القمل من ضرر الشعر ، والحر سببه كثرة الشعر ، فكان الضرر منه أيضا (لأنا نقول) : ليس القمل من الشعر وانما لا يمكنه المقام إلا بالرأس ذي الشعر ، فهو محل لا سبب. وكذلك الحر من الزمان ، لان الشعر يوجد في البرد ولا يتأذى به. فقد ظهر ان الأذى في هذين النوعين ليسا من الشعر. انتهى.

واعترضه في المدارك بعد نقل الكلام الأخير بأنه غير واضح ، قال : والمتجه لزوم الفدية إذا كانت الإزالة بسبب المرض ، أو الأذى الحاصل في الرأس مطلقا ، لإطلاق الآية الشريفة (٢) دون ما عدا ذلك ، لان الضرورة مسوغة لإزالته ، والفدية منتفية بالأصل.

__________________

(١ و ٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.


أقول : لا ريب ان مورد الأخبار الموجبة لجواز الحلق مع الضرورة انما هو التضرر بالقمل أو بالصداع كما في روايات المحصر. وعليه يحمل إطلاق الآية (١) ويبقى ما عداه خارجا عن محل البحث. وبالجملة فالفدية انما هو في موضع رفع الأذى بأحد هذه الأشياء. واما ما يستلزم تركه الضرر الموجب للعمى ـ مثلا ـ أو عدم الأبصار ، أو نحو ذلك من الأمراض ، فالظاهر انه لا فدية فيه ، لعدم الدليل.

وبنحو ما ذكره العلامة هنا صرح في الدروس ايضا. وهو جيد. ومناقشة السيد (قدس‌سره) ضعيفة.

الخامسة ـ قال في الدروس : الأقرب انه لا شي‌ء على الناسي والجاهل. وأوجب الفاضل الكفارة على الناسي في الحلق والقلم ، لأن الإتلاف يتساوى فيه العمد والخطأ كالمال. وهو بعيد ، لصحيح زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (٢) : «من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه». ونقل الشيخ الإجماع على عدم وجوب الفدية على الناسي. والقياس عندنا باطل ، وخصوصا مع معارضة النص. انتهى. وهو جيد.

السادسة ـ لو مس لحيته أو رأسه فسقط منه شي‌ء فالواجب كف من طعام. والحكم من ما لا خلاف فيه بين الأصحاب ، كما هو ظاهر المنتهى والتذكرة. ونقل عن ابن حمزة : التصدق بكفين. وقال الصدوق في المقنع : بكف أو كفين من طعام. وقال سلار : وان أسقط بفعله شيئا من شعره فعليه كف من طعام. ومن أسقط كثيرا من شعره فعليه دم شاة. وأطلق. ولم يذكر التفصيل بين الوضوء وغيره.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من بقية كفارات الإحرام.


وكذا قال السيد المرتضى. وقال ابن البراج : إذا مس رأسه أو لحيته لغير طهارة ، فسقط شي‌ء من شعرهما بذلك ، فعليه كف من طعام ، وان كان مسهما للطهارة لم يكن عليه شي‌ء. وقد ذكر انه ان سقط في حال وضوئه كان عليه كف من طعام ، وان كان كثيرا فدم شاة.

واما الروايات الواردة في المقام : فمنها ـ ما رواه الشيخ والصدوق عن معاوية بن عمار في الصحيح (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة والثنتان؟ قال : يطعم شيئا». قال الصدوق (٢) : وفي خبر آخر : «مدا من طعام أو كفين».

وعن هشام بن سالم في الصحيح (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا وضع أحدكم يده على رأسه أو لحيته وهو محرم ، فسقط شي‌ء من الشعر ، فليتصدق بكف من طعام أو كف من سويق». ورواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن هشام مثله (٤) إلا انه قال : «بكف من كعك أو سويق».

وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «ان نتف المحرم من شعر لحيته وغيرها شيئا فعليه ان يطعم مسكينا في يده». وما رواه الشيخ عن منصور عن الصادق (عليه‌السلام) (٦) : «في

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٦ من بقية كفارات الإحرام.

(٤) الوافي باب (الحجامة وازالة الشعر والظفر للمحرم). ولكن في الوسائل الباب ١٦ من بقية كفارات الإحرام ينقله عن الصدوق والكليني فقط. ولم نجده في التهذيب.


المحرم إذا مس لحيته فوقع منها شعرة؟ قال : يطعم كفا من طعام أو كفين».

وعن الحسن بن هارون (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): اني أولع بلحيتي وانا محرم فتسقط الشعرات؟ قال : إذا فرغت من إحرامك فاشتر بدرهم تمرا وتصدق به ، فإن تمرة خير من شعرة».

أقول : وقضية ضم هذه الاخبار مطلقها الى مقيدها الاكتفاء بالكف من الطعام أو السويق أو التمر ، والمد أفضل. واما ما ذكر من هذه الأقوال فلم أقف لها على دليل.

واما ما رواه الشيخ عن ليث المرادي (٢) ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يتناول لحيته وهو محرم يعبث بها ، فينتف منها الطاقات يبقين في يده خطأ أو عمدا. فقال : لا يضره». ـ

فقد حمله الشيخ على نفي العقاب ، قال : لان من تصدق بكف من طعام لم يستضر بذلك. واحتمل بعض الحمل على الإنكار.

أقول : غاية الخبر ان يكون مطلقا بالنسبة إلى الكفارة ، فيجب تقييده. ولا ينافيه قوله : «ولا يضره» لإمكان الحمل على عدم إفساد الحج.

واما ما رواه الشيخ عن المفضل بن عمر (٣) ـ قال : «دخل النباجي على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فقال : ما تقول في محرم مس لحيته فسقط منها شعرتان؟ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان علي شي‌ء».ـ

فحمله الشيخ على صورة السهو وعدم التعمد. أقول :

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٦ من بقية كفارات الإحرام.


ويمكن الحمل على حال الوضوء ، لما سيأتي ان شاء الله ـ تعالى ـ في المقام.

وهذه الرواية رواها في الوافي (١) بهذا الوجه الذي نقلناه ، والموجود في كتب الحديث (٢) : «عن جعفر بن بشير والمفضل بن عمر» فيكون الحديث صحيحا ، لعطف المفضل على جعفر بن بشير. ولكنه لا يخلو من اشكال ـ كما نبه عليه جملة من المحدثين ـ لان جعفر بن بشير من أصحاب الرضا (عليه‌السلام) فتبعد روايته عن الصادق (عليه‌السلام). واحتمل بعض سقوط الواسطة ، وبعض التحريف في الإتيان بالواو عوض «عن». والظاهر ان ما ذكره في الوافي اجتهاد منه ، كما هي عادته في تصحيح الاخبار متنا وسندا بما ادى اليه فكره.

هذا كله في ما لو كان المس في غير الوضوء ، اما لو كان فيه فالمشهور انه لا شي‌ء عليه.

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن الهيثم بن عروة التميمي (٣) قال : «سأل رجل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يريد إسباغ الوضوء ، فتسقط من لحيته الشعرة أو الشعرتان. فقال : ليس بشي‌ء (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)» (٤).

وألحق الشهيد في الدروس بالوضوء الغسل ايضا. قال في المدارك : وهو حسن. بل مقتضى التعليل إلحاق إزالة النجاسة والحك الضروري به ايضا. انتهى.

ونقل في الدروس عن الشيخ المفيد : انه أوجب الكف في السقوط

__________________

(١) باب (الحجامة وازالة الشعر والظفر للمحرم).

(٢ و ٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٩ ، والوسائل الباب ١٦ من بقية كفارات الإحرام.

(٤) سورة الحج ، الآية ٧٨.


بالوضوء ، قال : ولو كثر الساقط من شعره فشاة. ولم نقف على دليله ونقل عن سلار : ان في القليل كفا وفي الكثير شاة. وأطلق. ونقل عن الحلبي : في قص الشارب وحلق العامة والإبطين شاة.

السابعة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بان في نتف الإبط إطعام ثلاثة مساكين ، وفي نتفهما معا شاة.

واستدلوا على الحكم الأول بما رواه الشيخ عن عبد الله بن جبلة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في محرم نتف إبطه؟ قال : يطعم ثلاثة مساكين».

وعلى الثاني بما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم».

وناقش في المدارك في الحكم الأول من حيث ضعف الرواية بان في طريقها عبد الله بن هلال ، وهو مجهول ، وراويها وهو عبد الله بن جبلة واقفي ، فإن مقتضى صحيحة زرارة (٣) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم» (٤).

أقول : اما المناقشة الأولى فهي جيدة على أصوله ولا ثمرة لها

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١١ من بقية كفارات الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٩ ، والوسائل الباب ١٠ من بقية كفارات الإحرام.

(٤) هكذا وردت العبارة في النسخ ، ومن الواضح انها غير تامة. واللفظ الوارد في المدارك بعد تضعيف رواية عبد الله بن جبلة هو هكذا : «فلو قيل بوجوب الدم في نتف الإبط الواحد لصحيحة زرارة المتقدمة لم يكن بعيدا».


عندنا. ويمكن الجمع بحمل الصحيحة المذكورة على الإبطين بإرادة الجنس من المفرد المذكور فيها ، فتكون منطبقة مع صحيحة حريز على معنى واحد. إلا ان المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحرفي الوسائل (١) نقل ان الصدوق روى ايضا صحيحة حريز بلفظ : «إبطه» بدون تثنية. ويشكل ذلك بخلو القول المشهور من الدليل ، إذ المستند في وجوب الشاة في الإبطين انما هو صحيحة حريز المذكورة كما عرفت وعلى هذه الرواية فيشكل الحكم في المقام.

وكيف كان فالاحتياط في الدم بنتف الإبط ، لما عرفت.

الثامنة ـ اختلف كلام الشيخ (قدس‌سره) في المحرم هل له ان يحلق رأس المحل؟ فجوزه في الخلاف ، ولا ضمان. وقال في التهذيب : لا يجوز له ذلك.

واحتج في الخلاف بأن الأصل براءة الذمة ، ولم يوجد دليل على الشغل.

واحتج في التهذيب بما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا يأخذ الحرام من شعر الحلال».

الفصل الثاني ـ في إخراج الدم ، وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في ذلك. ويجب ان يعلم ـ أولا ـ ان أصل الخلاف في المسألة بين المتقدمين انما هو في الحجامة ، كما نقل العلامة في المختلف ، حيث قال : للشيخ في الحجامة قولان : أحدهما ـ التحريم

__________________

(١) الباب ١١ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٦٣ من تروك الإحرام. واللفظ كما في الوسائل.


إلا مع الحاجة. وبه قال شيخنا المفيد والسيد المرتضى وسلار وابن البراج وأبو الصلاح وابن إدريس ، وهو الظاهر من كلام ابن بابويه وابن الجنيد. والثاني ـ انه مكروه. ذكره في الخلاف ، وبه قال ابن حمزة. ثم قال : والأقرب الأول. وجملة من المتأخرين قد أجروا الخلاف أيضا في إخراج الدم ولو بحك جلده أو بالسواك أو نحو ذلك. وبذلك يظهر لك ان ما ذكره في المدارك ـ بعد ذكر المصنف إخراج الدم بهذه الوجوه بقوله : «القول بالتحريم في الجميع للشيخ في النهاية ، والمفيد في المقنعة ، والمرتضى ، وابن إدريس. ثم نقل القول بالكراهة عن الشيخ في الخلاف ، وجمع من الأصحاب ـ ليس من ما ينبغي. ثم ان ممن اختار القول بالكراهة أيضا المحقق في الشرائع والسيد السند في المدارك.

ويدل على القول الأول ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يحتجم؟ قال : لا ، إلا ان لا يجد بدا فليحتجم ، ولا يحلق مكان المحاجم».

وعن زرارة في القوى عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا يحتجم المحرم إلا ان يخاف على نفسه ان لا يستطيع الصلاة».

وما رواه الشيخ عن الحسن الصيقل عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «عن المحرم يحتجم؟ قال : لا ، إلا ان يخاف التلف ولا يستطيع الصلاة. وقال : إذا آذاه الدم فلا بأس به ويحتجم ، ولا يحلق الشعر».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٦٢ من تروك الإحرام.


وما رواه في الفقيه (١) قال : «سأل ذريح أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يحتجم؟ فقال : نعم إذا خشي الدم».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم كيف يحك رأسه؟ قال : بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر».

وعن عمر بن يزيد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام). الرواية المتقدمة في الفصل الأول (٣) حيث قال فيها : «ويحك الجسد ما لم يدمه».

وفي الصحيح عن الحلبي (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يستاك؟ قال : نعم ، ولا يدمي».

وما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن المحرم هل يصلح له ان يستاك؟ قال : لا بأس ، ولا ينبغي ان يدمي فمه». ولفظ : «لا ينبغي» في الاخبار بمعنى التحريم شائع ، كما نبهنا عليه في غير موضع من ما تقدم.

واما ما يدل على القول الثاني فصحيحة حريز عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «لا بأس ان يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر».

قال في الفقيه (٧) : واحتجم الحسن بن علي (عليهما‌السلام) وهو محرم.

وصحيحة معاوية بن عمار (٨) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم يستاك؟ قال : نعم. قلت : فإن أدمى يستاك؟

__________________

(١ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٦٢ من تروك الإحرام.

(٢ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٧٣ من تروك الإحرام.

(٣) ص ٥١٢.

(٨) الفروع ج ٤ ص ٣٦٦ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٢٢ ، والوسائل الباب ٩٢ من تروك الإحرام.


قال : نعم ، هو من السنة».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المحرم يعصر الدمل ، ويربط عليه الخرقة؟ فقال : لا بأس».

وما رواه في الكافي في الموثق عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن المحرم يكون به الجرب فيؤذيه. قال : يحكه ، فان سال منه الدم فلا بأس».

وبهذه الأخبار أخذ صاحب المدارك ، ومثله صاحب الذخيرة ، وجمع بينها وبين الاخبار المتقدمة بحمل النهي في الاخبار المتقدمة على الكراهة.

وأنت خبير بما فيه ، كما أشرنا إليه في غير موضع من ما تقدم. على نه انما يتم القول بالكراهة لو لم يمكن هنا وجه آخر للجمع بين الاخبار المذكورة مع انه ليس كذلك ، فان الظاهر في الجمع انما هو حمل هذه الاخبار على الضرورة ، فإن هذه الاخبار مطلقة والاخبار الأول مفصلة بين الاختيار فيحرم والاضطرار فيجوز. والقاعدة تقتضي حمل المجمل على المفصل. فالقول بالكراهة ـ كما صار اليه ـ ضعيف.

واما ما اعتضد به في المدارك من رواية يونس بن يعقوب (٣) ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يحتجم؟ قال : لا أحبه». قال : فان لفظ : «لا أحبه» ظاهر في الكرامة ـ

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٥٩ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٢٢ ، والوسائل الباب ٧٠ من تروك الإحرام رقم ٥ و ١.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٦٧ ، والوسائل الباب ٧١ من تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٦٢ من تروك الإحرام.


ففيه : ان لفظ : «لا أحبه» وان كان في العرف كما ذكره إلا انه في الاخبار قد استعمل بمعنى التحريم كثيرا ، وقد حققنا سابقا ان هذا من جملة الألفاظ المتشابهة في الاخبار التي لا يجوز حملها على أحد المعنيين إلا بالقرينة.

ثم ان الظاهر من كلام الأصحاب انه على تقدير التحريم فليس فيه إلا مجرد الإثم ، ولا كفارة. وحكى الشهيد في الدروس عن بعض أصحاب المناسك : انه جعل فدية إخراج الدم شاة. وعن الحلبي : انه جعل في حك الجسم حتى يدمي إطعام مسكين.

واعلم ان الخلاف في المسألة بالتحريم والكراهة انما هو عند عدم الضرورة ، وإلا فمعها لا خلاف في الجواز ، كما ذكره

في التذكرة ، وبه صرحت الأخبار المتقدمة ، وعلى تجتمع الاخبار كملا كما ذكرناه.

ويؤيده ما رواه الصدوق عن الحسن الصيقل (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يؤذيه ضرسه ، أيقلعه؟ فقال : نعم لا بأس به».

ونقل في المدارك عن ابن الجنيد والصدوق : انه لا بأس بقلع الضرس مع الحاجة ، ولم يوجبا به شيئا. ونقل عن الشيخ : ان في قلع الضرس شاة ، استنادا الى ما رواه في التهذيب (٢) عن محمد بن عيسى عن عدة من أصحابنا عن رجل من أهل خراسان : «ان مسألة وقعت في الموسم لم يكن عند مواليه فيها شي‌ء : محرم قلع ضرسه. فكتب : يهريق دما». وفيه : ـ مع إرساله ـ ان المكتوب اليه غير معلوم

__________________

(١) الوسائل الباب ٩٥ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ١٩ من بقية كفارات الإحرام.


والاستناد الى ما هذا شأنه وإثبات حكم شرعي به مشكل.

الصنف الخامس عشر والسادس عشر ـ قلع الشجر وقلم الأظفار.

والكلام هنا يقع في مقامين الأول ـ في قلع الشجر ، الظاهر انه لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في انه يحرم على المحرم قطع شجر الحرم ، والحشيش النابت فيه ، عدا ما يأتي استثناؤه في المقام ان شاء الله (تعالى).

وعليه تدل جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) انه قال : «كل شي‌ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلا ما أنبته أنت أو غرسته».

وما رواه الكليني في الحسن عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «كل شي‌ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل.

فقال : حرم فرعها لمكان أصلها. قال : قلت : فإن أصلها في الحل وفرعها في الحرم؟ فقال : حرم أصلها لمكان فرعها».

ورواه ابن بابويه والكليني في الصحيح نحوا منه (٤). وما رواه الصدوق عن سليمان بن خالد في الصحيح أو الحسن (٥) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يقطع من الأراك

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ١٦٦ ، والوسائل الباب ٨٦ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٨٦ من تروك الإحرام.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٩٠ من تروك الإحرام.

(٥) الفقيه ج ٢ ص ١٦٦ ، والوسائل الباب ١٨ من بقية كفارات الإحرام.


الذي بمكة. قال : عليه ثمنه يتصدق به. ولا ينزع من شجر مكة شيئا إلا النخل وشجر الفواكه». ورواه الشيخ عن سليمان بن خالد في الموثق بأدنى تفاوت في المتن (١).

وما رواه الكليني في الحسن أو الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لما قدم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مكة يوم افتتحها فتح باب الكعبة. فساق الحديث الى ان قال نقلا عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ألا ان الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، فهي حرام بحرام الله الى يوم القيامة ، لا ينفر صيدها ، ولا يعضد شجرها ، ولا يختلى خلاها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد. فقال العباس : يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلا الإذخر ، فإنه للقبر والبيوت. فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : إلا الإذخر».

قال الجوهري : الخلى مقصورا : الحشيش اليابس (٣) الواحدة خلاة تقول : «خليت الخلى واختليته» اي جززته وقطعته. وقال في القاموس : الخلى مقصورا : الرطب من النبات ، واحدة خلاة ، أو كل بقلة قلعتها. وفي النهاية : الخلى مقصورا : النبات الرقيق ما دام رطبا ، واختلاؤه قطعه.

وما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة (٤) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : حرم الله حرمه بريدا في بريد : ان يختلى

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٩ و ٣٨٠ ، والوسائل الباب ١٨ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٢٢٥ ، والوسائل الباب ٨٨ من تروك الإحرام.

(٣) ارجع الى الاستدراكات.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٣٨١ ، والوسائل الباب ٨٧ من تروك الإحرام.


خلاه ، أو يعضد شجره ، إلا الإذخر ، أو يصاد طيره. وحرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) المدينة ما بين لابتيها : صيدها ، وحرم ما حولها بريدا في بريد : ان يختلى خلاها ، أو يعضد شجرها ، إلا عودي الناضح».

وما رواه الكليني عن زرارة في الموثق (١) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : حرم الله (تعالى) حرمه : أن يختلى خلاه ، أو يعضد شجره ، إلا الإذخر ، أو يصاد طيره».

وما رواه الشيخ عن جميل بن دراج في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «رءاني علي بن الحسين (عليه‌السلام) وانا أقلع الحشيش من حول الفساطيط بمنى ، فقال : يا بنى ان هذا لا يقلع».

وما رواه الصدوق عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال : «قلت : المحرم ينزع الحشيش من غير الحرم؟ قال : نعم. قلت : فمن الحرم؟ قال : لا».

وما رواه الكليني عن عبد الكريم عن من ذكره عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا ينزع من شجر مكة إلا النخل وشجر الفاكهة».

وما رواه الصدوق عن منصور بن حازم (٥) «انه سأل أبا عبد الله

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٢٢٥ ، والوسائل الباب ٨٧ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٨٦ من تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٨٥ من تروك الإحرام.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٢٣٠ ، والوسائل الباب ٨٧ من تروك الإحرام.

(٥) الوسائل الباب ١٨ من بقية كفارات الإحرام.


(عليه‌السلام) عن الأراك يكون في الحرم فاقطعه. قال : عليك فداؤه».

واما ما رواه الشيخ عن محمد بن حمران في الصحيح ـ (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن النبت الذي في أرض الحرم ، أينزع؟ فقال : اما شي‌ء تأكله الإبل فليس به بأس ان تنزعه». ـ

فقد أجاب عنه الشيخ (رحمه‌الله) بأنه لا بأس ان تنزعه الإبل لانه يخلى عنها ترعى كيف شاءت. واستشهد بما رواه عن حريز في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «يخلى عن البعير في الحرم يأكل ما شاء».

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد اختلف الأصحاب في كفارة قلع الشجر ، فقال الشيخ في الخلاف والمبسوط : في الشجرة الكبيرة بقرة ، وفي الصغيرة شاة ، وفي الأغصان قيمته. وقال ابن الجنيد : وان قلع المحرم أو المحل من شجر الحرم شيئا فعليه قيمة ثمنه. وقال أبو الصلاح : في قطع بعض شجر الحرم من أصله دم شاة ، ولقطع بعضها أو اختلاء خلاها ما تيسر من الصدقة. وقال ابن البراج : في ما يجب فيه بقرة ، أو يقلع شيئا من شجر الحرم الذي لم يغرسه هو في ملكه ولا نبت في داره بعد بنائه لها. ولم يفصل بين الكبيرة والصغيرة. وقال ابن حمزة : والبقرة تلزم بصيد بقرة الوحش وقلع شجر الحرم ثم قال : تجب شاة بقلع شجر صفير من الحرم. وقال ابن إدريس : الأخبار واردة عن الأئمة (عليهم‌السلام) بالمنع من قلع شجر الحرم وقطعه ، ولم يتعرض فيها الكفارة لا في الصغيرة ولا في الكبيرة. قال

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٨٩ من تروك الإحرام.


في المختلف : وهذا قول يشعر بسقوط الكفارة. وظاهر المشهور بين المتأخرين القول الأول. وتردد المحقق في الشرائع فيه.

قال في المدارك بعد نقل عبارة المصنف الموافقة لمذهب الشيخ ، وتردده في ذلك : هذا الحكم ذكره الشيخ وجمع من الأصحاب ، واحتج عليه في الخلاف بإجماع الفرقة والاحتياط. واستدل عليه في المنتهى بما رواه الشيخ عن موسى بن القاسم (١) قال : روى أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) انه قال : «إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع ، فإن أراد نزعها نزعها وكفر بذبح بقرة يتصدق بلحمها على المساكين». وهذه الرواية ـ مع ضعفها بالإرسال ، وكونها متروكة الظاهر ـ لا تدل على وجوب الشاة في الشجرة الصغيرة ، ولا على حكم الأبعاض. وقال ابن الجنيد. ثم ساق عبارته المتقدمة. ونقل انه قواه في المختلف ، واستدل عليه برواية سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن رجل قلع من الأراك الذي بمكة. قال : عليه ثمنه». ثم قال : وهذه الرواية ضعيفة السند أيضا فإن من جملة رجالها الطاطري ، وقال النجاشي : انه كان من وجوه الواقفية وشيوخهم. ومن هنا يظهر ان المتجه سقوط الكفارة بذلك مطلقا كما اختاره ابن إدريس ، وان كان اتباع المنقول أحوط. انتهى.

أقول : فيه (أولا) : ما عرفت سابقا في غير موضع من ان الطعن

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٨١ ، والوسائل الباب ١٨ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٩ و ٣٨٠ ، والوسائل الباب ١٨ من بقية كفارات الإحرام.


في الاخبار بضعف السند لا يقوم حجة على المتقدمين.

و (ثانيا) : ان طعنه في رواية سليمان بن خالد بما ذكره متجه بناء على نقله الرواية من التهذيب ، فإنها فيه مروية في الموثق الذي يعده في الضعيف ، ولكنها في الفقيه ـ كما قدمنا ذكره ـ صحيحة أو حسنة بإبراهيم بن هاشم ، الذي قد اعتمد حديثه في غير موضع من شرحه ، وان ناقض نفسه فيه أيضا في بعض المواضع ، إلا ان الاتفاق بين أصحاب هذا الاصطلاح على قبول روايته ، وان عدوها في الحسن ، بل عدها في الصحيح جملة من المحققين.

و (ثالثا) : انه قد روى الصدوق ايضا عن منصور بن حازم ـ وطريقه إليه في المشيخة صحيح على ما صرح به العلامة في الخلاصة ـ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «انه سأله عن الأراك يكون في الحرم فاقطعه. قال : عليك فداؤه». وهي مطابقة لصحيحة سليمان المذكورة أو حسنته. والمراد بالفداء في رواية منصور هو الثمن المذكور في رواية سليمان بن خالد. وبذلك يظهر ضعف ما اختاره من سقوط الكفارة مطلقا.

وبالجملة فإن الذي وقفت عليه من روايات المسألة هو ما ذكرت ، ومقتضاها وجوب البقرة في نزع الشجرة صغيرة كانت أو كبيرة ، والفدية في غيره من الأراك ونحوه.

أقول : وفي هذا المقام فوائد الأولى ـ يستفاد من صحيحة سليمان ابن خالد وموثقته ومرسلة عبد الكريم استثناء النخل وشجر الفواكه من هذا الحكم. والظاهر انه لا خلاف فيه ، وهو من جملة ما استثناه

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ١٦٦ ، والوسائل الباب ١٨ من بقية كفارات الإحرام.


الأصحاب ، سواء أنبته الله (تعالى) أو الآدمي ، لإطلاق النص المذكور. وظاهر المنتهى انه اتفاقي. لكن المذكور في كلامهم شجر الفواكه ، حيث عدوه من الأربعة المستثناة في كلامهم. والظاهر ان مرادهم ما يعم النخل. وكيف كان فحيث دل النص عليه يجب استثناؤه.

الثانية ـ الإذخر ، وظاهر المنتهى والتذكرة الإجماع على جواز قطعه وهو من جملة الأربعة المستثناة عندهم. ويدل عليه استثناء الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالتماس العباس في صحيحة حريز أو حسنته المتقدمة ، ومثلها موثقة زرارة المتقدمة أيضا ، ورواية زرارة الآتية (١).

الثالثة ـ قد دلت صحيحة حريز ـ وهي الاولى من الاخبار المتقدمة ـ على استثناء ما أنبته الإنسان أو غرسه من البقول والزروع والرياحين والشجر ، ولم يذكره الأصحاب من جملة الأربعة التي صرحوا باستثنائها. والرواية المذكورة صحيحة صريحة في استثنائه ، فلا بأس باستثنائه.

الرابعة ـ قد دلت موثقة زرارة على استثناء عودي الناضح ، وهما عودا المحالة المذكورة في جملة الأربعة التي استثناها الأصحاب. والمحالة بفتح الميم : البكرة العظيمة التي يستقى بها ، قاله الجوهري. والمراد العودان اللذان تجعل عليهما المحالة ليستقى بها.

ويدل على ذلك ايضا ما رواه الشيخ بسند فيه إرسال عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «رخص رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في قطع عودي المحالة ـ وهي البكرة التي يستقى بها ـ من شجر الحرم ، والإذخر».

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٨١ ، والوسائل الباب ٨٧ من تروك الإحرام.


الخامسة ـ قد استثنى الأصحاب أيضا في جملة الأربعة التي ذكروها ما ينبت في ملك الإنسان.

واستدلوا على ذلك بما رواه حماد بن عثمان في القوى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم؟ فقال : ان بنى المنزل والشجرة فيه فليس له ان يقلعها ، وان كانت نبتت في منزله وهو له فليقلعها».

وروى الشيخ عن حماد بن عثمان (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم. فقال : ان كانت الشجرة لم تزل قبل ان يبني الدار أو يتخذ المضرب فليس له ان يقلعها ، وان كانت طرية عليها فله قلعها».

وعليه يحمل ما رواه في الكافي عن إسحاق بن يزيد (٣) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : الرجل يدخل مكة فيقطع من شجرها؟ قال : اقطع ما كان داخلا عليك ، ولا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك».

والمستفاد من هذه الروايات انه ان سبق الملك للأرض على نبت الشجرة جاز قلعها وإلا فلا.

والظاهر ان ذكر المنزل في الاخبار خرج مخرج التمثيل.

السادسة ـ قال في المدارك : ولا بأس بقطع اليابس من الشجر والحشيش ، للأصل. ولانه ميت فلم تبق له حرمة. ولان الخلى المحرم جزه الرطب من النبات لا مطلق النبات.

أقول : فيه : ان ظاهر الاخبار المتقدمة شمول الحكم لليابس والرطب

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٨٠ ، والوسائل الباب ٨٧ من تروك الإحرام.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٢٣١ ، والوسائل الباب ٨٧ من تروك الإحرام.


من الشجر والحشيش ، وبه يجب الخروج عن حكم الأصل. واما ما ذكره ـ من ان الخلى هو الرطب من النبات ـ فهو مسلم بناء على ما نقله من عبارة القاموس ، حيث انه فسره بذلك ، واما عبارة الصحاح التي قدمنا ذكرها فقد فسره فيها باليابس (١) وقال في كتاب مجمع البحرين في ما اوله الخاء المعجمة : لا يختلى خلاها بضم الخاء وفتح اللام ، اي لا يجز نبتها الرقيق ولا يقطع ما دام رطبا ، وإذا يبس فهو حشيش. وظاهر هذا الكلام ان إطلاق الخلى عليه انما هو ما دام رطبا وإذا يبس يسمى حشيشا. وحينئذ فالحشيش هو اليابس ، مع انه قد دلت صحيحة جميل بن دراج وصحيحة محمد بن مسلم المتقدمتان على تحريم نزع الحشيش. ومع الإغماض عن ما ذكرناه فلا أقل من ان يكون الحشيش شاملا للرطب واليابس ، فإطلاق التحريم في الصحيحتين المذكورتين شامل للفردين. وبذلك قال الشيخ ـ على ما ذكره في المختلف ـ حيث نقل عنه انه قال : حشيش الحرم ممنوع من قلعه ، فان قلعه أو شيئا منه لزمته قيمته. ولا بأس ان تخلي الإبل ترعى. وقال ابن الجنيد : فاما الرعي فيه فمن ما لا اختاره ، لان البعير ربما جذب النبت من أصله. فأما ما حصده الإنسان منه وبقي أصله في الأرض فلا بأس به. أقول : إطلاق صحيحة حريز المتقدمة ـ الدالة على انه يخلى عن البعير في الحرم يأكل ما شاء ، ومثلها صحيحة محمد بن حمران ـ يدفع ما ذكره من منع الرعي. ومع تسليم ان الخلى عبارة عن الرطب خاصة فتخصيص الخلى بالذكر لا يدل على عدم شمول الحكم لغيره. ومع تسليمه فإنه مخصوص بالحشيش ولا دليل على ذلك في الشجر.

__________________

(١) ارجع الى الاستدراكات.


واما التعليل بأنه ميت فهو تعليل عليل ميت.

السابعة ـ مقتضى موثقة زرارة المتقدمة تحريم صيد حرم المدينة وشجره. وهو قول الشيخ (قدس‌سره). وقيل بالكراهة ، للأصل. وظاهر الخبر المذكور يوجب الخروج عن هذا الأصل.

الثامنة ـ قال في المدارك : واعلم ان قطع شجر الحرم كما يحرم على المحرم يحرم على المحل ايضا ، كما صرح به الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) ودلت عليه النصوص. وحينئذ فكان المناسب ان لا يجعل ذلك من تروك الإحرام بل يجعل مسألة برأسها كما فعل في الدروس. انتهى. وهو جيد.

أقول : والظاهر ان حكم الحشيش ايضا كذلك. وانه يحل للمحرم قطع الشجر وقلع الحشيش في غير الحرم ، بلا خلاف ولا إشكال في ذلك.

التاسعة ـ قطع العلامة في التذكرة بجواز قطع ما انكسر ولم يبن ، معللا بأنه قد تلف فهو بمنزلة الميت والظفر المنكسر. أقول : وهو لا يخلو من شوب الاشكال.

وجواز أخذ الكمأة ، معللا بأنه لا أصل له فهو كالثمرة الموضوعة على الأرض. أقول : وهو جيد ، فان ظاهر الاخبار المتقدمة التخصيص بالشجر والحشيش ونحوهما من ما لا يتناول ذلك.

ونقل الإجماع على جواز الانتفاع بالغصن المنكسر والورق الساقط إذا كان ذلك بغير فعل الآدمي ، لتناول النهي ما يقطع وهذا لم يقطع. أقول : وهو جيد.

واستقرب الجواز إذا كان بفعل الآدمي ، لأنه بعد القطع يكون


كاليابس. وتحريم الفعل لا ينافي جواز استعماله. ونسب المنع الى بعض العامة ، قياسا على الصيد يذبحه المحرم (١). ورده ، بان الصيد يعتبر في ذبحه الأهلية. أقول : وهو كذلك.

المقام الثاني ـ في قلم الأظفار ، وفي المنتهى والتذكرة ان على تحريمه إجماع فقهاء الأمصار.

ومستنده أخبار عديدة : منها : ما تقدم في صدر الروايات المنقولة في مسألة إزالة الشعر (٢) من صحيحة زرارة المتضمنة لان من قلم أظفاره متعمدا فعليه دم.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «من قلم أظافيره ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم».

وما رواه في الكافي في الموثق عن إسحاق بن عمار (٤) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل نسي ان يقلم أظفاره عند إحرامه. قال : يدعها. قلت : فان رجلا من أصحابنا أفتاه بأن يقلم أظفاره ويعيد إحرامه ، ففعل؟ قال : عليه دم يهريقه». وروى الصدوق عن إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) (٥) نحوا منه.

وما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن ابى الحسن (عليه‌السلام) (٦) قال : «سألته عن رجل أحرم فنسي ان يقلم أظفاره.

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٣١٦ طبع مطبعة العاصمة.

(٢) ص ٥١١.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من بقية كفارات الإحرام.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ١٣ من بقية كفارات الإحرام.

(٦) التهذيب ج ٥ ص ٣١٤ ، والوسائل الباب ٧٧ من تروك الإحرام.


قال : فقال : يدعها. قال : قلت : انها طوال؟ قال : وان كانت. قلت : فان رجلا أفتاه أن يقلمها وان يغتسل ويعيد إحرامه ، ففعل؟ قال : عليه دم».

الى غير ذلك من الاخبار الآتية ونحوها.

والمستفاد من هذه الاخبار ترتب الحكم على القلم الذي هو عبارة عن مطلق الإزالة والقطع ، وجملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) انما عبروا في المقام بالقص ، وهو أخص حيث انه عبارة عن القطع بالمقص.

ولو انكسر ظفره وتأذى به فله إزالته ـ بلا خلاف كما نقله في التذكرة ـ وعليه الفدية.

ويدل على الحكمين المذكورين ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره. قال : لا يقص شيئا منها ان استطاع ، فان كانت تؤذيه فليقصها ، وليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام».

ورواه في الفقيه (٢) في الصحيح عن معاوية بن عمار ، والكليني عنه في الصحيح أو الحسن (٣) وفيهما. «سألته عن المحرم تطول أظفاره أو ينكسر بعضها ، فيؤذيه ذلك. قال. الحديث».

واستشكل العلامة الفداء في الصورة المذكورة. والنص يدفعه.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣١٤ ، والوسائل الباب ٧٧ من تروك الإحرام.

(٢) ج ٢ ص ٢٢٨ ، والوسائل الباب ١٢ من بقية كفارات الإحرام.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٦٠ ، والوسائل الباب ١٢ من بقية كفارات الإحرام.


واما ما يلزم من الفدية في ذلك فالمشهور بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) ان في تقليم كل ظفر مدا من طعام ، فان قلم أظفار يديه جميعا كان عليه دم شاة ، وكذا في أظفار رجليه ، فان قلم أظفار يديه ورجليه فدمان ان تعدد المجلس وان اتحد فدم واحد. ونقله في المختلف عن الشيخين والسيد المرتضى والصدوق وابن البراج وسلار وابن إدريس. وعن ابن ابي عقيل : ان من انكسر ظفره وهو محرم فلا يقصه ، فان فعل فعليه ان يطعم مسكينا في يده. وقال ابن الجنيد : من قص ظفرا كان عليه مد أو قيمته ، وفي الظفرين مدان أو قيمتهما ، فان قص خمسة أظافير من يد واحدة أو زاد على ذلك كان عليه دم ان كان في مجلس واحد ، فان فرق بين يديه ورجليه كان عليه ليديه دم ورجليه دم. وعن ابى الصلاح : في قص ظفر كف من طعام ، وفي أظفار إحدى يديه صاع ، وفي أظفار كلتيهما دم شاة ، وكذلك حكم أظفار رجليه ، وان قص أظفار يديه ورجليه في مجلس واحد فعليه دم واحد.

أقول : والذي وقفت عليه من اخبار المسألة ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن ابن مهزيار عن ابي بصير (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل قلم ظفرا من أظافيره وهو محرم. قال : عليه مد من طعام حتى يبلغ عشرة ، فإن قلم أصابع يديه كلها فعليه دم شاة. قلت : فان قلم أظافير يديه ورجليه جميعا؟ فقال : ان كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم ، وان كان فعله متفرقا في مجلسين فعليه دمان».

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٧ ، والوسائل ١٢ من بقية كفارات الإحرام.


وروى الشيخ هذه الرواية في التهذيب (١) وفيها : قال : «عليه في كل ظفر قيمة مد من طعام حتى يبلغ. الحديث».

وما رواه الشيخ عن الحلبي (٢) : «انه سأله عن محرم قلم أظافيره. قال : عليه مد في كل إصبع ، فإن هو قلم أظافيره عشرتها فان عليه دم شاة».

قال في المدارك : وبمضمون هاتين الروايتين أفتى الأصحاب إلا من شذ. ويؤيدهما صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام). ثم نقل الصحيحة المذكورة في صدر الروايات ، ثم نقل قول ابن الجنيد وقول ابي الصلاح المتقدمين ، ثم قال : ولم نقف لهذين القولين على مستند.

أقول : ظاهر كلامه هنا يؤذن باختيار القول المذكور مع ان الروايتين المنقولتين في كلامه من قسم الضعيف باصطلاحه ، لأن الأولى عن ابي بصير وهو مشترك ، كما طعن به في غير موضع من شرحه ، وفي طريق الثانية. محمد بن سنان كما صرح به في الشرح ، وقد تقدم له في غير موضع الطعن في مثل ذلك ، وان اجمع الأصحاب على المذكور فضلا عن شهرته ، فكيف غض النظر هنا عن ذلك؟ ومقتضى قاعدته رد الروايتين المذكورتين والرجوع الى حكم الأصل كما اعتمده في غير موضع ، ولكن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح ـ الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح ـ أوجب لهم انحلال الزمام واختلال النظام وعدم الوقوف على قاعدة في مقام.

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٢ ، والوسائل الباب ١٢ من بقية كفارات الإحرام.


ومنها : ما رواه في الكافي في الموثق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا قلم المحرم أظفار يديه ورجليه في مكان واحد فعليه دم واحد ، وان كانتا متفرقتين فعليه دمان».

وهذا الخبر ايضا من ما يدل على القول المشهور بالنسبة إلى اتحاد الشاة وتعددها.

ومنها : صحيحة زرارة المتقدمة في صدر الروايات ، بحمل الدم فيها على مجموع الأظافير كما هو ظاهرها. وهو ايضا ظاهر موثقة ابن عمار المتقدمة المتضمنة لمن نسي ان يقلم أظفاره حتى أفتاه رجل ، فان ظاهرها مجموع الأظفار أو أظفار يديه العشرة.

ومنها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «في المحرم ينسى فيقلم ظفرا من أظافيره؟ فقال : يتصدق بكف من الطعام. قلت : فاثنين؟ قال : كفين. قلت : فثلاثة؟ قال : ثلاثة أكف ، كل ظفر كف ، حتى تصير خمسة ، فإذا قلم خمسة فعليه دم واحد ، خمسة كان أو عشرة أو ما كان».

وهذه الرواية حملها جملة من الأصحاب على الاستحباب ، لما دل على عدم الكفارة في صورة النسيان من صحيحة زرارة المتقدمة في صدر الروايات وغيرها.

ومنها : روايتا إسحاق بن عمار المتقدمتان بنقل صاحب الكافي وصاحب التهذيب ، فان ظاهرهما قلم أظفار يديه ورجليه أو أظفار يديه ، ووجوب

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٦٠ ، والوسائل الباب ١٢ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٢ ، والوسائل الباب ١٢ من بقية كفارات الإحرام.


الشاة في ذلك ظاهر ، فتكون هاتان الروايتان من جملة روايات القول المشهور.

ومنها : ما رواه في الكافي عن حريز في الصحيح أو الحسن عن من أخبره عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) : «في محرم قلم ظفرا؟ قال : يتصدق بكف من طعام. قلت : ظفرين؟ قال : كفين. قلت : ثلاثة؟ قال : ثلاثة أكف. قلت : أربعة؟ قال : أربعة أكف. قلت : خمسة؟ قال : عليه دم يهريقه. فان قص عشرة أو أكثر من ذلك فليس عليه إلا دم يهريقه».

قال في الوافي بعد نقل هذا الخبر : ينبغي حمل الدم في الخمسة على الاستحباب ، لما يأتي من انه لا يلزمه الدم حتى يبلغ عشرة.

أقول : وعلى ذلك حمله الشيخ وجملة من الأصحاب. والظاهر عندي حمل الخبر المذكور على التقية ، لأن وجوب الشاة في الخمسة مذهب أبي حنيفة واتباعه (٢) قال في التذكرة : قال أبو حنيفة : ان قلم خمس أصابع من يد واحدة لزمه الدم ، ولو قلم من كل يد أربعة أظفار لم يجب عليه دم بل الصدقة ، وكذا لو قلم يدا واحدة إلا بعض الظفر لم يجب الدم. وبالجملة فالدم عنده انما يجب بتقليم أظفار يد واحدة كاملة. انتهى. هذا. مع ما عرفت في الجمع بين الاخبار بالاستحباب ـ وان اشتهر بين الأصحاب ـ من عدم الدليل عليه من سنة أو كتاب. مع ما فيه من الإشكالات التي تقدم إيضاحها في غير باب.

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٦٠ ، والوسائل الباب ١٢ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) المغني ج ٣ ص ٦٤٤ طبع مطبعة العاصمة.


ولعل هذا الخبر هو مستند ابن الجنيد في ما ذكره من وجوب دم الشاة في خمسة أظافير ، وان لم يدل على تمام ما ذكره من التفصيل. وكيف كان فهو بالإعراض عنه حقيق ، لما عرفت. واما بقية الأقوال المذكورة فلا اعرف لها مستندا.

ومن ذلك يظهر قوة القول المشهور وانه هو المؤيد بالاخبار والنصوص المنصور.

بقي في المقام فوائد يجب التنبيه عليها :

الاولى ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) انه لو أفتاه مفت بتقليم ظفره فأدماه لزم المفتي شاة.

واستدلوا عليه برواية إسحاق الصيرفي (١) قال : «قلت لأبي إبراهيم (عليه‌السلام) : ان رجلا أحرم ، فقلم أظفاره ، وكانت له إصبع عليلة فترك ظفرها لم يقصه ، فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصه فأدماه؟ قال : على الذي افتى شاة».

واستدل عليه في المنتهى ـ زيادة على هذه الرواية ـ بموثقة إسحاق ابن عمار المتقدم نقلها عن صاحب الكافي (٢) : «في الرجل الذي ينسى ان يقلم أظفاره عند إحرامه ، فأفتاه رجل بان يقلمها ويعيد إحرامه ، ففعل ذلك؟ قال : عليه دم يهريقه».

ورده في المدارك والذخيرة بأن الرواية الأولى ضعيفة فلا تصلح لإثبات حكم مخالف للأصل.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٣ ، والوسائل الباب ١٣ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) ص ٥٣٨ رقم (٤).


أقول : فيه (أولا) : ما عرفت في غير مقام من ان هذا الطعن لا يرد على المتقدمين الذين لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم.

و (ثانيا) : انه كيف صار ضعف السند هنا موجبا لرمي الرواية والتمسك بالأصل؟ وهو في أصل المسألة انما تمسك بخبرين ضعيفين وخرج بهما عن حكم الأصل ـ كما نبهنا عليه ثمة ـ ووافق الأصحاب في ما أفتوا به من التفصيل المتقدم ، مع انه ليس في الاخبار الصحيحة ما يدل عليه ، وان كان في بعضها الإشارة في الجملة اليه ، وهو انما اعتمد على خبرين ضعيفين ، فان كان المعتمد على كلام الأصحاب وشهرة الحكم بينهم فهو مشترك بين المسألتين ، وان كان على الخبر وان ضعف فكذلك. وبالجملة فالمناقضة في كلامه ظاهرة.

ثم ان ما استدل به العلامة في المنتهى ـ من الحديث الثاني ـ الظاهر انه لا دلالة فيه ، إذ الظاهر ان رجوع الضمير في قوله : «عليه دم يهريقه» إنما هو للذي قلم أظفاره ـ كما أشرنا إليه آنفا ، فيكون كفارة لما فعله من تقليم أظافيره ـ لا إلى المفتي. على ان وجوب الكفارة على المفتي في كلامهم ـ وكذا في الخبر الذي هو مستند المسألة ـ إنما هو مع ترتب الإدماء على تلك الفتوى ، وهذه الرواية خالية من ذلك. والمعتمد في الاستدلال انما هو الرواية الاولى. والطعن بضعف السند عندنا لا تعويل عليه ، وعند الأصحاب مدفوع بالجبر بالشهرة ، فإنه لا مخالف في الحكم ولا راد لروايته غير هؤلاء المتصلفين الذين لو تم لهم هذا الضابط لبطلت أحكام الدين.

الثانية ـ صرح الشهيد في الدروس بأنه لا يشترط إحرام المفتي ولا كونه من أهل الاجتهاد. واعتبر الشهيد الثاني صلاحيته للإفتاء


بزعم المستفتي ليتحقق كونه مفتيا. قال في المدارك : وهو حسن.

أقول : الظاهر هو الأول ، عملا بإطلاق النص ، فان ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني ـ وان استحسنه سبطه ـ تقييد للنص من غير دليل. وكثيرا ما يقع في الاخبار الاخبار عن إفتاء من لم يكن من أهل الفتوى ، وقد وقع الإنكار على بعضهم بقولهم (عليهم‌السلام) (١) : «فأين باب الرد إلينا». وقوله (عليه‌السلام) (٢) : «اما انه شر عليكم ان تقولوا بشي‌ء ما لم تسمعوه منا». ونحو ذلك.

قال في المدارك : ولو تعدد المفتي ففي تعدد الكفارة أو الاكتفاء بكفارة موزعة على الجميع ، أوجه ، ثالثها الفرق بين ان يقع الإفتاء دفعة وعلى التعاقب ، ولزوم الكفارة للأول خاصة في الثاني والتعدد في الأول ، واختاره في الدروس. والكلام في هذه الفروع قليل الفائدة ، لضعف الأصل المبني عليه. انتهى.

أقول : هذا الضعف الذي حكم به في المستند ليس إلا عنده ، واما مثل الشهيد وغيره فإنهم حاكمون بصحة هذه الاخبار ، كما هو صريح كلامه في مقدمات كتاب الذكرى من ما قدمنا نقله عنه في المقدمة الثانية من مقدمات الكتاب ، لان اتفاق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على العمل بها موجب لصحتها وجبر ضعف سندها.

الثالثة ـ قال في المدارك : وانما يجب الدم والدمان بتقليم أصابع اليدين والرجلين إذا لم يتخلل التكفير عن السابق قبل البلوغ

__________________

(١) محاسن البرقي ص ٢١٣. واللفظ هكذا : فأين باب الرد إذا؟.

(٢) أصول الكافي ج ٢ ص ٤٠١ و ٤٠٢ ، والوسائل الباب ٧ من صفات القاضي وما يجوز ان يقضي به.


الى حد يوجب الشاة ، وإلا تعدد المد خاصة بحسب تعدد الأصابع.

قال في الذخيرة بعد نقل هذا الكلام : وللتأمل فيه مجال.

أقول : لعل وجه التأمل عنده هو ان وجوب الشاة ترتب على تقليم العشرة ، وهو أعم من ان يكون قد اعطى عن كل ظفر مدا من ما تقدم على هذه المرتبة أم لا.

وفيه : انه وان احتمل إلا ان الظاهر ان التكفير عن الفعل يجعله في حكم العدم. من قبيل الاستغفار ، فان المستغفر عن الذنب كمن لا ذنب له (١) وحينئذ فتسقط هذه المراتب المتقدمة على العاشر بسبب التكفير بالمد عنها كلا أو بعضا وتكون في حكم العدم ، فلا بد في حصول العشرة التي تترتب عليها الشاة من خلوها كملا عن التكفير لتكون الشاة كفارة للجميع وإلا لزم وجوب كفارتين إحداهما المد لكل واحد ، والشاة للجميع ، والأمر ليس كذلك. وبالجملة فالظاهر أن تأمله لا يخلو من تأمل.

الرابعة ـ قال في المدارك : ولو كفر بشاة لليدين أو الرجلين ثم أكمل الباقي في المجلس وجب شاة أخرى. انتهى. ووجهه ظاهر ، لانه بعد ان كفر عن العشرة الأولى بالشاة لو لم يكفر عن العشرة الثانية للزم بقاؤها بلا كفارة ، إذ الأولى قد تقدمت على تقليمها فلا تصلح لأن تكون كفارة عنها.

ثم قال على اثر الكلام المتقدم : والظاهر ان بعض الظفر كالكل ، ولو قصه في دفعات مع اتحاد المجلس لم تتعدد الفدية ، وفي التعدد مع الاختلاف وجهان. انتهى. وما ذكره من ان بعض الظفر كالكل قد صرح به العلامة في المنتهى.

__________________

(١) الوسائل الباب ٨٦ من جهاد النفس وما يناسبه.


أقول : لا يخفى ان جملة من الأصحاب قد انهوا محرمات الإحرام إلى ثلاث وعشرين ، كشيخنا الشهيد في الدروس ، وهي في كتابنا لا تنقص عن ذلك ، لان منها ما أدرجناه في طي المباحث لقصر الكلام عليه ، مثل لبس المرأة الحلي ، ولبس القفازين ، ولبس الرجل الخاتم للزينة ولبس السلاح ، فان هذا جميعه قد الحقاه بالصنف الرابع في لبس الرجل المخيط. ونحو ذلك ايضا.

ختام به الإتمام وفيه مسائل :

الأولى ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بأنه إذا اجتمعت أسباب مختلفة ـ كاللبس وتقليم الأظفار والطيب ـ تعددت الكفارة ، سواء كان ذلك في وقت واحد أو وقتين ، في مجلس واحد أو مجلسين ، تخلل التكفير أم لا.

واستدل عليه في المنتهى بان كل واحد منها سبب مستقل في وجوب الكفارة ، والحقيقة باقية عند الاجتماع ، فيجب وجود الأثر. وهو جيد. ويؤيده فحوى ما يدل على تكرر الكفارة بتكرر الصيد ، ولبس الأنواع المتعددة من الثياب.

ومع سبق التكفير فلا إشكال في التعدد ، وانما يحصل التردد مع عدمه ، لاحتمال التداخل. ولا ريب ان التعدد مطلقا أحوط.

الثانية ـ اختلف الأصحاب في ما لو تكرر منه الوطء فهل تتكرر الكفارة أم لا؟ فالمشهور الأول ، حتى ان السيد المرتضى (قدس‌سره) ادعى فيه في الانتصار الإجماع ، فقال : من ما انفردت به الإمامية القول بان الجماع إذا تكرر من المحرم تكررت الكفارة ، سواء كان


ذلك في مجلس واحد أو في أماكن كثيرة ، وسواء كفر عن الأول أو لا ، للإجماع ، وحصول يقين البراءة. ثم اعترض على نفسه بان الجماع الأول أفسد الحج بخلاف الثاني. ثم أجاب بأن الحج وان كان قد فسد لكن حرمته باقية ، ولهذا وجب المضي فيه ، فجاز ان تتعلق به الكفارة. انتهى.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : هذا كلامه (قدس‌سره) وما ذكره من جواز تعلق الكفارة به جيد ، لكن دليل التعلق غير واضح ، لمنع الإجماع على ذلك ، وعدم استفادته من النص ، إذ أقصى ما تدل عليه الروايات ان من جامع قبل الوقوف بالمشعر يلزمه بدنة وإتمام الحج والحج من قابل (١) ومن المعلوم ان مجموع هذه الأحكام الثلاثة انما تترتب على الجماع الأول خاصة ، فإثبات بعضها في غيره يحتاج الى دليل. انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) من عدم الدليل على تعلق الكفارة بالجماع ثانيا جيد ، لكن قوله ـ : «وما ذكره من جواز تعلق الكفارة به جيد» ـ غير جيد ، فإنه إذا كان خاليا من الدليل ـ كما قرره ـ فبأي وجه يكون جيدا.

ونقل عن الشيخ في الخلاف انه قال : ان قلنا بما قاله الشافعي ـ من انه إذا كفر عن الأول لزمه الكفارة ، وان كان قبل ان يكفر فعليه كفارة واحدة (٢) ـ كان قويا.

ونقل في المختلف عن ابن حمزة قال ـ : ونعم ما قال ـ انه قال :

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.

(٢) المغني ج ٣ ص ٣٠٣ طبع مطبعة العاصمة.


الجماع اما مفسد للحج أو لا ، فالأول لا تتكرر فيه الكفارة ، والثاني ان تكرر فعله في حالة واحدة لا تتكرر فيه الكفارة بتكرر الفعل ، وان تكرر في دفعات تكررت الكفارة.

قال في المدارك : وهو غير بعيد. بل لو قيل بعدم التكرر بذلك مطلقا ـ كما هو ظاهر اختيار الشيخ في الخلاف ـ لم يكن بعيدا. انتهى

أقول : ظاهر كلام الشيخ في الخلاف المتقدم انما هو التفصيل بين التكفير عن ما فعله أولا فتتكرر أو لا فلا ، لا مطلقا كما ذكره.

وبالجملة فالمسألة عندي ـ لعدم الدليل الواضح ـ محل توقف واشكال ، وان كان القول بما ذكره في الخلاف لا يخلو من قرب.

الثالثة ـ الظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في انه لو تكرر الحلق في وقت واحد ـ بمعنى انه حلق بعض رأسه ثم حلق بعضا آخر في وقت واحد ـ فلا تتكرر الكفارة ، لصدق الامتثال بالكفارة الواحدة وأصالة البراءة من الزائد ، إذ غاية ما يستفاد من الاخبار ان من حلق رأسه فعليه شاة. والأصحاب جعلوا حكم البعض في حكم الجميع لصدق حلق الرأس في الجملة.

اما لو كرر الحلق في وقتين فظاهرهم تكرر الكفارة ، لأن ما حلقه أولا سبب مستقل في تحقيق الكفارة وإيجابها ، وحلقه في الوقت الثاني صالح للسببية أيضا ، فيترتب على كل منهما مسببه. ويشكل بان ما تقدم من الدليل على الواحدة في الصورة الأولى جار بعينه في الثانية ، من ان الامتثال يحصل بالواحدة ، والأصل براءة الذمة من الزائد ، وان غاية ما يستفاد من الأدلة ترتب الكفارة على حلق الرأس كله للأذى وما عداه يستفاد حكمه بالفحوى أو الإجماع على تعلق الكفارة به في


بعض الموارد ، وذلك لا يقتضي ثبوت الحكم المذكور كليا. وبالجملة فالمسألة محل اشكال ، لعدم وضوح الدليل القاطع لمادة القال والقيل.

الرابعة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تكرر الطيب أو اللبس في مجلس واحد أو مجالس متعددة ، فذهب الفاضلان الى ان مناط التعدد اختلاف المجلس ، فان تكرر في مجلس واحد فالكفارة واحدة ، وان تعدد المجلس تعددت الكفارة. والمنقول عن الشيخ وجمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) انهم اعتبروا في التكرر اختلاف الوقت ، يعني : تراخي الزمان عادة. وذهب بعضهم الى التكرر مع اختلاف صنف الملبوس كالقميص والسراويل وان اتحد الوقت ، وبه جرم في المنتهى ، فقال : لو لبس قميصا وعمامة وخفين وسراويل وجب عليه لكل واحد فدية ، لأن الأصل عدم التداخل ، خلافا لا حمد (١). وربما ظهر من كلامه في موضع آخر من المنتهى تكرر الكفارة بتكرر اللبس مطلقا ، فإنه قال : لو لبس ثيابا كثيرة دفعة واحدة وجب عليه فداء واحد ، ولو كان في مرات متعددة وجب عليه لكل ثوب دم ، لان لبس كل ثوب يغاير لبس الثوب الآخر فيقتضي كل واحد منها مقتضاه.

والأظهر التكرر مع اختلاف صنف الملبوس ، كما ورد في صحيحة محمد بن مسلم وقد تقدمت (٢) ، وتقدم ما يمكن الجمع به بين كلامي العلامة المذكورين هنا في الصنف الرابع في لبس المخيط من أصناف محرمات الإحرام. واما الفرق بين اتحاد المجلس أو الوقت واختلافهما

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٤٤٨ طبع مطبعة العاصمة.

(٢) ص ٤٣٦.


كما تقدم عن الفاضلين والشيخ ـ فلم أقف له على مستند. وبذلك اعترف أيضا في المدارك. والكلام في الطيب كالكلام في اللبس.

وبالجملة فالظاهر التعدد في صورة تعدد الأصناف ، وفي صورة اتحاد الصنف مع تخلل التكفير ، وفي ما عدا ذلك إشكال.

الخامسة ـ لا إشكال في سقوط الكفارة عن الجاهل والناسي والمجنون إلا في الصيد ، فإن الكفارة تجب عليه مع العلم والجهل ، والنسيان والعمد ، وكذا الخطأ.

اما الحكم الأول فلا خلاف فيه ، وقد تقدمت جملة من الاخبار الدالة عليه (١).

واما الحكم الثاني فهو المشهور بين الأصحاب ، وحكى العلامة في المختلف عن ابن ابي عقيل انه نقل عن بعض الأصحاب قولا بسقوط الكفارة عن الناسي في الصيد. والمعتمد المشهور ، لما سبق من الاخبار في المسألة (٢).

قالوا : ولو صال على المحرم صيد ولم يقدر على دفعه إلا بقتله جاز له قتله إجماعا. وهل تجب الكفارة بقتله؟ قولان ، قال في المدارك : والأصح انه لا يجب عليه الجزاء ، كما اختاره العلامة في المنتهى ، والشهيد في الدروس ، للأصل واباحة الفعل ، بل وجوبه عليه شرعا. ولا يعارض بأكل الصيد في حال الضرورة ، حيث وجبت به الكفارة مع تعينه شرعا ، لاختصاصه بالنص ، فيبقى ما عداه على مقتضى الأصل الى ان يثبت المخرج عنه. والله العالم.

__________________

(١) ص ١٣٥ و ١٣٦ و ٣٥٥ الى ٣٥٨ و ٤٣١ و ٤٣٦ و ٤٣٧.

(٢) ص ٣١٩ ، والوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد.


السادسة ـ قد صرح جملة من الأصحاب بأن المحرم إذا أكل ما لا يحل للمحرم أكله ، أو لبس ما لا يجوز لبسه ، من ما لم يقدر فيه فدية مخصوصة ، فعليه شاة.

واستندوا في ذلك الى صحيحة زرارة بن أعين (١) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : من نتف إبطه ، أو قلم ظفره أو حلق رأسه ، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه ، أو أكل طعاما لا ينبغي له اكله ، وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا ، فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة».

وروى الشيخ عن الحسن بن هارون عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت له : أكلت خبيصا فيه زعفران حتى شبعت؟ قال : إذا فرغت من مناسك وأردت الخروج من مكة فاشتر بدرهم تمرا ثم تصدق به ، يكون كفارة لما أكلت ولما دخل عليك في إحرامك من ما لا تعلم».

الفصل الثاني

في تروك الإحرام المكروهة

ومنها : الإحرام في الثياب السود على المشهور ، قال الشيخ في النهاية : لا يجوز الإحرام في الثياب السود. وقال ابن إدريس بعد ما نقل ذلك عنه : معناه انه مكروه شديد الكراهة لا انه محظور. وقال (رحمه‌الله) في المبسوط : فان كانت غير بيض كان جائزا ، إلا إذا كانت سودا ، فإنه لا يجوز الإحرام فيها ، أو تكون مصبوغة بصبغ فيه طيب مثل الزعفران والمسك وغيرهما. ولا يخفى ظهور هذه العبارة في التحريم

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٣ من بقية كفارات الإحرام.


ونقل القول بالتحريم في المختلف عن ابن حمزة أيضا ، ثم استقرب الكراهة كما هو المشهور.

والذي وقفت عليه من اخبار المسألة ما رواه الصدوق والكليني عن الحسين بن المختار (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): يحرم الرجل في الثوب الأسود؟ قال : لا يحرم في الثوب الأسود ، ولا يكفن به الميت».

ومن ما يدل على الجواز عموما ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن ـ والصدوق في الصحيح ـ عن حماد عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «كل ثوب تصلي فيه فلا بأس ان تحرم فيه».

وخصوصا ما رواه في الكافي عن ابي بصير (٣) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الخميصة سداها إبريسم ولحمتها من غزل. قال : لا بأس بأن يحرم فيها ، إنما يكره الخالص منه». ورواه في الفقيه (٤).

والخميصة ـ على ما ذكره في الصحاح ـ بالمعجمة ثم المهملة : كساء اسود مربع له علمان ، فان لم يكن معلما فليس بخميصة. وفي النهاية : ثوب خز أو صوف معلم. وقيل : لا تسمى خميصة إلا ان تكون سوداء معلمة. وكانت من لباس الناس قديما.

ويمكن ان يكون الجواز هنا بلا كراهة من حيث كون الخميصة كساء ، وانه مستثنى في الصلاة ، لما ورد (٥) من انه يكره السواد إلا في

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من الكفن ، والباب ٢٦ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٢٧ من الإحرام.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٩ من الإحرام رقم ١ و ٣.

(٥) الوسائل الباب ١٩ من لباس المصلي.


ثلاثة : الخف والعمامة والكساء.

ومنها الثوب المعصفر. واستدل عليه بما رواه الشيخ عن ابان ابن تغلب (١) قال : «سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) أخي ـ وانا حاضر ـ عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثم يغسل ، ألبسه وانا محرم؟ فقال : نعم ليس العصفر من الطيب ، ولكن أكره ان تلبس ما يشهرك به الناس».

وروى الكليني في الصحيح الى عبد الله بن هلال (٢) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الثوب. الحديث نحوا منه». والصدوق عن الكاهلي (٣) نحوا منه.

وظاهره كراهة ما تحصل به الشهرة من أي الألوان كان.

ويؤيده ما رواه الشيخ عن عامر بن جذاعة (٤) : «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن مصبغات الثياب تلبسها المرأة المحرمة فقال : لا بأس إلا المفدم المشهور». والمفدم بإسكان الفاء : المصبوغ بالحمرة صبغا مشبعا.

ومن ما يدل على الجواز بالمعصفر ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (٥) قال : «سألت أخي موسى (عليه‌السلام) : يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر؟ فقال : إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به».

ومن الاخبار الواردة في لباس المحرم ما رواه الشيخ عن ابي بصير

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٦٩ ، والوسائل الباب ٤٠ من تروك الإحرام.

(٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٤٠ من تروك الإحرام.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٣٤٦ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٢٠ ، والوسائل الباب ٤٠ من تروك الإحرام. ولم نجده في التهذيب.


في القوى (١) عن ابي جعفر (عليه‌السلام) قال : «سمعته وهو يقول : كان علي (عليه‌السلام) محرما ومعه بعض صبيانه وعليه ثوبان مصبوغان ، فمر به عمر بن الخطاب فقال : يا أبا الحسن ما هذان الثوبان المصبوغان؟ فقال له علي (عليه‌السلام) : ما نريد أحدا يعلمنا بالسنة ، انما هما ثوبان صبغا بالمشق ، يعني : الطين».

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا بأس بأن يحرم الرجل في ثوب مصبوغ بمشق».

وروى الشيخ عن عمار بن موسى (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يلبس لحافا ظهارته حمراء وبطانته صفراء ، قد اتى له سنة أو سنتان ، قال : ما لم يكن له ريح فلا بأس. وكل ثوب يصبغ ويغسل يجوز الإحرام فيه ، فان لم يغسل فلا». أقول : يعني : إذا كان مصبوغا بما فيه طيب.

وعن سعيد بن يسار (٤) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الثوب المصبوغ بالزعفران ، اغسله وأحرم فيه؟ قال : لا بأس به».

وعن الحسين بن ابي العلاء في الحسن (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الثوب يصيبه الزعفران ثم يغسل فلا يذهب ،

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٦٧ ، والوسائل الباب ٤٢ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٤٣ ، والوسائل الباب ٤٢ من تروك الإحرام.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٤٣ ، والوسائل الباب ٤٣ من تروك الإحرام.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٦٧ ، والوسائل الباب ٤٣ من تروك الإحرام.

(٥) الفروع ج ٤ ص ٣٤٢ ، والوسائل الباب ٤٣ من تروك الإحرام.


أيحرم فيه؟ فقال : لا بأس به إذا ذهب ريحه ، ولو كان مصبوغا كله إذا ضرب الى البياض وغسل فلا بأس به».

وروى الكليني والصدوق عن خالد بن ابي العلاء الخفاف (١) قال : «رأيت أبا جعفر (عليه‌السلام) وعليه برد أخضر وهو محرم».

ومنها الثياب الوسخة ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن العلاء ابن رزين (٢) قال : «سئل أحدهما (عليهما‌السلام) عن الثوب الوسخ ، أيحرم فيه المحرم؟ فقال : لا ، ولا أقول انه حرام ولكن يطهره أحب الي ، وطهره غسله».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل يحرم في ثوب وسخ؟ قال : لا ، ولا أقول انه حرام ولكن تطهيره أحب الي ، وطهوره غسله. ولا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحل وان توسخ ، إلا ان تصيبه جنابة أو شي‌ء فيغسله». ورواه الصدوق في الصحيح عن محمد ابن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) مثله (٤).

ويستفاد منه أيضا ـ زيادة على محل الاستدلال ـ كراهة غسل ثوب الإحرام وان توسخ ، إلا ان تصيبه نجاسة. ولم أقف على من عده من مكروهات الإحرام.

ومنها الثياب المعلمة. والعلم بالتحريك : علم الثوب من طراز

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٨ من الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٦٨ ، والوسائل الباب ٣٨ من تروك الإحرام.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٤١ ، والوسائل الباب ٣٨ من تروك الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٣٨ من تروك الإحرام.


وغيره ، وهو العلامة ، وجمعه اعلام ، مثل سبب وأسباب. كذا في مجمع البحرين. وفي المصباح المنير. وأعلمت الثوب : جعلت له علما من طراز وغيره ، وهي العلامة. وقد صرح جملة من الأصحاب بكراهة الإحرام فيه.

والأصل في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : لا بأس ان يحرم الرجل في الثوب المعلم ، وتركه أحب الي إذا قدر على غيره».

قال في المدارك : وفي الدلالة نظر. والظاهر ان وجه النظر ان «أحب الي» افعل تفضيل ، وهو يقتضي كون الإحرام في الثوب المعلم محبوبا له (عليه‌السلام) فلا يكون مكروها.

ومن ما يدل على الجواز ما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه عن ليث المرادي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الثوب المعلم ، هل يحرم فيه الرجل؟ قال : نعم ، انما يكره الملحم». قال في الوافي : الملحم من الثياب ما سداه إبريسم ولحمته غير إبريسم

وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي (٣) قال : «سألته ـ يعني : أبا عبد الله (عليه‌السلام) ـ عن الرجل يحرم في ثوب له علم. فقال : لا بأس به».

وظاهر خبر ليث المرادي المذكور كراهة الإحرام في الثوب الملحم. ومن ما يدل على جواز الإحرام فيه ما رواه الوزير السعيد علي

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٧١ ، والوسائل الباب ٣٩ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٣٩ من تروك الإحرام.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢١٦ ، والوسائل الباب ٣٩ من تروك الإحرام.


ابن عيسى الإربلي (قدس‌سره) في كتاب كشف الغمة نقلا من كتاب الدلائل لعبد الله بن جعفر الحميري عن جعفر بن محمد بن يونس (١) قال : «كتب رجل الى الرضا (عليه‌السلام) يسأله عن مسائل ـ وأراد ان يسأله عن الثوب الملحم يلبسه المحرم ، ونسي ذلك ـ فجاء جواب المسائل ، وفيه : لا بأس بالإحرام في الثوب الملحم».

وروى سعيد بن هبة الله الراوندي في الخرائج والجرائح عن محمد ابن عيسى عن الحسن بن علي بن يحيى (٢) قال : «كتبت كتابا الى ابي الحسن (عليه‌السلام) ـ ونسيت ان اكتب إليه أسأله عن المحرم هل يلبس الثوب الملحم أم لا؟ ـ فجاء الجواب بكل ما سألته عنه ، وفي أسفل الكتاب : لا بأس بالملحم ان يلبسه المحرم».

ومنها النوم على الثياب الصفر. ويدل عليه ما رواه في الكافي عن المعلى بن خنيس عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «كره ان ينام المحرم على فراش اصفر أو على مرفقة صفراء».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «يكره للمحرم ان ينام على الفراش الأصفر والمرفقة الصفراء». ورواه الصدوق بسنده عن ابي بصير مثله (٥).

قال في المدارك : وكراهة الأصفر يقتضي كراهة الأسود بطريق اولى ، لكن في الطريق ضعف. انتهى. وفي عبارات الأصحاب هنا الثياب المصبوغة بالعصفر أو السواد أو غيرهما من الألوان. ولذلك استدل في المدارك بهذين الخبرين من حيث مفهوم طريق الأولوية.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤١ من تروك الإحرام.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٨ من تروك الإحرام.


ومنها : استعمال الحناء ، للزينة على المشهور. واستوجه العلامة في المختلف التحريم ، واختاره الشهيد الثاني وسبطه في المدارك. وحكم الشيخ في التهذيب بجوازه ، وبان اجتنابه أفضل. ولم يقيده بالزينة ولا عدمها.

واستدل على الكراهة بما رواه الشيخ عن ابي الصباح الكناني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن امرأة خافت الشقاق فأرادت أن تحرم ، هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك؟ قال : ما يعجبني ان تفعل ذلك».

وهذه الرواية قد استدل بها في المختلف لما اختاره من القول بالتحريم.

والحق انها من أدلة القول المشهور ، إذ الظاهر من قوله : «ما يعجبني» انما هو الكراهة. إلا ان موردها قبل الإحرام ، وهو غير موضع البحث.

نعم ربما يدل على ذلك ما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الحناء. فقال : ان المحرم ليمسه ويداوي به بعيره ، وما هو بطيب ، وما به بأس».

وأجاب العلامة في المختلف عن هذه الرواية بأنا نقول بموجبه ، لأنا نجوز استعماله وانما نمنع استعماله للزينة.

وهو جيد ، فان الظاهر ان الخبر انما خرج في مقام الرد على من زعم أو توهم انه من جملة أفراد الطيب الذي يحرم على المحرم مسه. ولذا

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٠٠ ، والوسائل الباب ٢٣ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٢٣ من تروك الإحرام.


قال فيه : «وما هو بطيب». واما الاستعمال للزينة فهو مسألة أخرى كما لا يخفى. ومسه على هذه الكيفية المذكورة في الخبر لا يستلزم حصول الزينة كما لا يخفى. ومن ثم استند في المدارك ـ تبعا للعلامة في المختلف ـ الى عموم التعليل الذي في رواية حريز ، وهو قوله (عليه‌السلام) (١) : «لا تنظر في للمرآة وأنت محرم ، لانه من الزينة ولا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ، وان السواد زينة». قال : فان مقتضاه تحريم كل ما تتحقق به الزينة. أقول : ويؤيده ما تقدم في الصنف الخامس والسادس من قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية ابن عمار (٢) : «تكتحل المرأة بالكحل كله إلا الكحل الأسود للزينة». وقوله (عليه‌السلام) في صحيحته الأخرى (٣) : «لا بأس ان تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه. فأما للزينة فلا». وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة حماد بن عثمان (٤) : «لا تنظر في المرآة وأنت محرم ، فإنها من الزينة».

وبالجملة فالأقرب هو القول بالتحريم ، وهو الموافق للاحتياط.

ونقل في المدارك عن جده (قدس‌سره) انه لو اتخذه للسنة فلا تحريم ولا كراهة. والفارق القصد.

ثم قال : ويمكن المناقشة فيه بان قصد السنة به لا يخرجه عن

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٥٦ ، والوسائل الباب ٣٤ و ٣٣ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٣٣ من تروك الإحرام ، والراوي زرارة.

(٣) الوسائل الباب ٣٣ من تروك الإحرام. وتقدمت ص ٤٥١ رقم (٣).

(٤) الوسائل الباب ٣٤ من تروك الإحرام. وتقدمت ص ٤٥٤.


كونه زينة ، كما تقدم في الاكتحال. ولا ريب ان اجتنابه مطلقا أحوط. انتهى.

أقول : كلام شيخنا الشهيد الثاني ناظر الى ان التحريم انما ترتب على قصد الزينة به ، وكلام سبطه ناظر الى ترتب التحريم على حصول الزينة منه وان لم يقصدها. وهو الأرجح كما حققناه في مسألة الاكتحال للمحرم بالسواد من الموضع المتقدم ذكره.

ثم انهم قد اختلفوا أيضا في حكم الحناء قبل الإحرام إذا قاربه فظاهر الأكثر الكراهة ، وحكم شيخنا الشهيد الثاني في الروضة بالتحريم إذا بقي أثره عليه. وفي المسالك : انه لا فرق بين الواقع بعد نية الإحرام وبين السابق عليه إذا كان يبقى بعده.

وأنت خبير بأنه ليس في المسألة إلا رواية أبي الصباح الكناني المتقدمة ، وهي قاصرة عن افادة التحريم كما عرفت. والمستفاد منها ايضا ان محل الكراهة استعمال الحناء عند إرادة الإحرام ، فاستعماله قبل ذلك غير داخل تحتها ، وليس غيرها في المسألة. وحينئذ فالقول بذلك عار عن الدليل. وأيضا فإن المستفاد من كلام الأصحاب وفاقا للرواية المذكورة ان محل الكراهة انما هو استعماله عند إرادة الإحرام ، وظاهرهم انه لا قائل بالكراهة قبل ذلك.

ومنها دخول الحمام وتدليك الجسد فيه.

ويدل على الأول ما رواه الشيخ عن عقبة بن خالد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المحرم يدخل الحمام؟ قال : لا يدخل».

__________________

(١) الوسائل الباب ٧٦ من تروك الإحرام.


قالوا : وانما حملنا النهي على الكراهة لما دل على الجواز ، مثل صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس ان يدخل المحرم الحمام ، ولكن لا يتدلك».

وموثقة ابن فضال عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا بأس بأن يدخل المحرم الحمام ، ولكن لا يتدلك».

واما ما يدل على الثاني فالصحيحة المذكورة والموثقة التي بعدها.

والوجه عندي في الجمع بين هذه الاخبار حمل إطلاق الخبر الأول على التدلك المذكور في الخبرين الأخيرين. وعليه فيكون الحكم بكراهة دخول الحمام لغير التدلك لا وجه له وان اشتهر الحكم به بينهم.

ويؤيده ما يدل على كراهة التدلك ولو في غير الحمام ، مثل صحيحة يعقوب بن شعيب (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يغتسل؟ فقال : نعم ، يفيض الماء على رأسه ولا يدلكه».

وعد في الدروس الدلك في غير الحمام ولو في الطهارة ، وغسل الرأس بالسدر والخطمي ، والمبالغة في السواك وفي دلك الوجه والرأس في الطهارة ، والهذر من الكلام ، والاغتسال للتبرد. ونقل عن الحلبي تحريمه.

ومنها تلبية من يناديه بان يقول : «لبيك».

ويدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح عن حماد بن عيسى عن

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧٦ من تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٧٥ من تروك الإحرام.


ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ليس للمحرم ان يلبى من دعاه حتى يقضي إحرامه. قلت : كيف يقول؟ قال : يقول : يا سعد».

وروى الصدوق مرسلا (٢) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام): يكره للرجل ان يجيب بالتلبية إذا نودي وهو محرم» قال (٣) : وفي خبر آخر : «إذا نودي المحرم فلا يقل : لبيك ، ولكن يقول : يا سعد».

وعلل أيضا بأنه في مقام التلبية لله فلا يشرك غيره فيها. والاولى ان يجعل ذلك وجها للنص المذكور.

قال الشيخ : ولا يجوز للمحرم ان يلبي من دعاه ما دام محرما بل يجيب بكلام غير ذلك. وربما أشعر هذا الكلام بالتحريم.

قال الفاضل الخراساني في الذخيرة. ويدل على عدم التحريم الأصل مضافا الى ما رواه الصدوق عن جابر عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا بأس ان يلبي المجيب».

وفيه : ان الخبر الذي اعتضد به ليس كما نقله ، وإنما هو : «لا بأس ان يلبى الجنب» والمراد بالتلبية فيه انما هي التلبية الموظفة بعد الإحرام لا تلبية المنادي. والمراد التنبيه على ان الجنابة لا تمنع من الإتيان بالتلبية. ولهذا ان صاحبي الوافي والوسائل إنما نظما هذا الخبر في اخبار تلبية الحج. والموجود أيضا في كتب الاخبار (٥) انما هو «الجنب» لا «المجيب» بالميم من الإجابة كما ذكره.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٩١ من تروك الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٤٢ من تروك الإحرام. واللفظ كما يذكره المصنف.

(٥) الفقيه ج ٢ ص ٢١١ ، والوافي باب (وقت التلبية وكيفيتها).


ومنها الريحان عند بعض الأصحاب ، ومنهم : الشيخ ، وابن إدريس والمحقق في الشرائع ، والعلامة في جملة من كتبه ، فإنهم ذهبوا الى الكراهة. وقد تقدم نقل القولين فيها في مسألة الطيب وتحريمه على المحرم ، وتحقيق الكلام في ذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان شيخنا الشهيد في الدروس قد عد في المكروهات ايضا افرادا أخر زائدة على ما ذكره جمهور الأصحاب :

منها : ما قدمنا نقله عنه ، ومنها الاحتباء للمحرم ، وفي المسجد الحرام ، والمصارعة ، خوفا من جرح أو سقوط شعر.

ويدل على الاحتباء ما رواه في الكافي عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «يكره الاحتباء للمحرم. ويكره في المسجد الحرام». والاحتباء ـ على ما في النهاية الأثيرية ـ أن يضم الإنسان رجليه الى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ، ويشده عليها. وقد يكون الاحتباء باليدين.

ويدل على الثاني ما رواه عن علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه أبي الحسن (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن المحرم يصارع ، هل يصلح له؟ قال : لا يصلح له ، مخالفة ان يصيبه جراح أو يقع بعض شعره».

أقول : ومن المكروهات رواية الشعر. ولم أقف على من عده من مكروهات الإحرام.

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان (٣)

__________________

(١) الوسائل الباب ٩٣ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٦٧ ، والوسائل الباب ٩٤ من تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٥١ من صلاة الجمعة ، والباب ١٣ من آداب الصائم ، والباب ٩٦ من تروك الإحرام.


قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : يكره رواية الشعر للصائم ، والمحرم ، وفي الحرم ، وفي يوم الجمعة ، وان يروى بالليل. قال : قلت : وان كان شعر حق؟ قال : وان كان شعر حق».

وقد تقدم في كتاب الصيام (١) تحقيق يتعلق بهذا الخبر وأمثاله في هذا المقام.

هذا آخر الجزء الخامس عشر من كتاب الحدائق الناضرة ، ويليه الجزء السادس عشر ـ ان شاء الله ـ والحمد لله أولا وآخرا.

__________________

(١) ج ١٣ ص ١٦٢.


الاستدراكات

(١) ورد ص ٧٤ حديث احمد بن محمد قال : «سمعت ابي يقول ...» وقد أورده الشيخ في التهذيب ج ٥ ص ٣١٧ ، وفي الاستبصار ج ٢ ص ١٩٠ بهذه الصورة ، وكذا الكاشاني في الوافي باب (ما يجوز فعله بعد التهيؤ ـ وقبل التلبية وما لا يجوز) وأورده صاحب الوسائل كما خرجناه ، والعلامة في المنتهى ج ٢ ص ٨٣٨ ، وصاحب الجواهر ج ١٨ ص ٢١٨ من الطبع الحديث. ولم يظهر من الصورة الواردة لسند الحديث انه مروي عن الامام (ع) ، ولم يتعرض هؤلاء الاعلام لهذه الناحية بل اقتصر نظرهم على توجيه الحكم الوارد فيه. ويمكن توجيه سنده بنحو يكون مرويا عن الامام (ع) ـ كما افاده سيدنا الأستاذ آية الله الخوئي دام ظله ـ بالبيان الآتي : المراد من احمد بن محمد هو احمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي بقرينة رواية محمد بن عيسى ـ وهو العبيدي ـ عنه. والقرينة على كونه العبيدي هي رواية محمد بن احمد بن يحيى عنه. والبزنطي يروي مباشرة ـ بمقتضى عصره ـ عن الامام الرضا (ع). وتصحيحا لذلك لا بد من الالتزام بأنه قد سقط من السند شي‌ء بأن تكون صورة السند هكذا : «عن احمد بن محمد عن ابي الحسن الرضا (ع) قال : سمعت ابي يقول ...».

(٢) أورد المصنف (قدس‌سره) ص ٢٧٨ حديث إسماعيل بن ابي زياد وأنهاه بقوله (ع) : «وعلى المحل نصف الفداء» وجعل ما بعد ذلك من كلام الشيخ (قدس‌سره). ولكن في التهذيب ج ٥ ص ٣٥٢ والوافي باب (حكم صيد الحرم وما يقتل فيه وما يخرج منه) والوسائل جعل جزء من الحديث.


(٣) وردت العبارة ص ٢٨٦ س ٢ في النسخ المخطوطة والمطبوعة هكذا : «ويؤيده أن حمام الحرم موجب للفداء والقيمة» ومن المرجح سقوط شي‌ء من العبارة ، والمناسب ظاهرا ان تكون العبارة هكذا : ويؤيده ان إتلاف المحرم حمام الحرم موجب للفداء والقيمة.

(٤) وردت العبارة ص ٣٠٤ في أول المسألة الثالثة في النسخة المطبوعة ناقصة عنها في النسخة المخطوطة ، وفاتنا التنبيه على ذلك في موضعه. والعبارة في النسخة المخطوطة بالنحو التالي : اختلف الأصحاب في حكم الاصطياد بين البريد والحرم. وهذا البريد خارج عن الحرم محيط به من جميع جوانبه ويسمى حرم الحرم ، والحرم داخله بريد في بريد ستة عشر فرسخا. قيل : ومعنى الاصطياد بين البريد والحرم يعني : الاصطياد.

(٥) وعدنا في الصفحة ٣٢٦ التعليقة (١) بالرجوع الى الاستدراكات ، وذلك للتنبيه على ان ما نسب الى مالك ـ من ان المحرم إذا قتل صيدا مملوكا لغيره لم يجب الجزاء بقتله ـ لم نقف عليه في ما تيسر لنا مراجعته من كتب العامة ، بل في المدونة لمالك ج ١ ص ٣٤٠ خلاف ذلك. واما المزني فقد نسب القول المذكور إليه في المجموع للنووي ج ٧ ص ٢٩٥ الطبعة الثانية كما تقدم في التعليقة. ولكن في مختصر المزني على هامش الأم للشافعي ج ٢ ص ١١١ خلاف ذلك ايضا.

(٦) وعدنا في الصفحة ٣٥٣ التعليقة (١) بالرجوع الى الاستدراكات ، وذلك للتنبيه على ما وقفنا عليه في لئالئ الاخبار ج ٢ ص ١٨٤ من الطبع الحديث ، قال : وفي خبر آخر قال : «احمل ما سمعت من أخيك على سبعين محملا من محامل الخير ...».


(٧) جاء ص ٣٨٨ حديث بريد بن معاوية العجلي ، وهو في النسخ المخطوطة والمطبوعة منسوب الى ابى عبد الله (ع) ، وأوردناه في هذه الطبعة منسوبا الى ابي جعفر (ع) كما في كتب الحديث.

(٨) ورد ص ٤٣٧ و ٤٣٨ نقل كلام العلامة في المنتهى ، وفي النسخ المخطوطة والمطبوعة من الحدائق نقل الفرع الثالث والخامس من فروع المنتهى ، وحيث ان الفرعين في النسخة المطبوعة من المنتهى ج ٢ ص ٨١٢ هما الفرع الثاني والرابع أوردناهما في هذه الطبعة طبقا لطبعة المنتهى.

(٩) جاء حديث عاصم بن حميد عن ابي بصير ص ٤٤١ باللفظ الوارد في الفروع ج ٤ ص ٣٤٣ و ٣٤٤ ، وفيه شي‌ء من المخالفة للفظ الوسائل.

(١٠) ورد ص ٤٤٤ حديث العامة في شق الخفين إذا لبسهما المحرم عند الضرورة ، وأرجعنا في تعيين موضعه الى سنن البيهقي ، وفاتنا التنبيه على لفظه الوارد هناك ، فنقول : اللفظ الوارد في سنن البيهقي ج ٥ ص ٥١ هكذا : عن ابن عمر قال : قال رسول الله (ص) : المحرم إذا لم يجد النعلين لبس خفين ويقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين.

(١١) ورد ص ٤٥٦ حديث معاوية بن عمار ، وفيه ص ١٥ : «فكان ذلك كفارة لذلك» وكلمة «لذلك» ليست في الفروع ج ٤ ص ٣٣٨ وإنما أضفناها بالنظر الى رواية الوافي باب (حفظ اللسان للمحرم) حيث ورد اللفظ فيه كذلك.

(١٢) وردت ص ٤٦٥ رواية أبي بصير رقم (١) مسندة الى ابى عبد الله (عليه‌السلام) في النسخ المطبوعة والمخطوطة تبعا للوسائل ، ولكنها


في التهذيب ج ٥ ص ٣٣٥ والوافي باب (حفظ اللسان للمحرم) مقطوعة.

(١٣) ذكر (قدس‌سره) ص ٤٦٦ نقلا عن العلامة في المنتهى انه وصف رواية أبي بصير ـ وهي السادسة الواردة ص ٤٦٥ ـ بالصحة ، وان صاحب المدارك اعترض عليه في السادس من باقي المحظورات في المطلب الثالث بضعف الرواية. هذا. وليس في المنتهى المطبوع ج ٢ ص ٨٤٤ في المسألة (٢) من البحث الحادي عشر وصف الرواية بالصحة.

(١٤) جاء ص ٤٧٤ في حديث محمد بن الفضيل قول ابي الحسن (عليه‌السلام) لأبي يوسف القاضي : «وأجزتم طلاق المجنون والسكران» وجاء في التعليقة ٥ : ان طلاق المجنون مسلم البطلان عندهم في ما تيسر لنا مراجعته من كتبهم. وحينئذ فيمكن ان يكون قوله (عليه‌السلام) : «وأجزتم طلاق المجنون» من باب الأخذ بلازم الفتوى في السكران بالصحة ، وانه إذا أجزتم طلاق السكران فقد أجزتم طلاق المجنون ، لان السكران لا عقل له.

(١٥) ورد ص ٤٨٥ انه قد تكرر في الاخبار الأمر بقوله : «اضح لمن أحرمت له» كما في رواية عثمان وصحيحة عبد الله بن المغيرة أو حسنته ، ثم قال : ومثله في روايات العامة. أقول : ان هذه الجملة لم ترد في رواياتهم مروية عن النبي (ص) وإنما رووها عن ابن عمر كما في سنن البيهقي ج ٥ ص ٧٠ ، وعبارة النهاية الأثيرية التي وردت ص ٤٨٦ حيث قال : «ومنه حديث ابن عمر ...». فهي من كلام ابن عمر ، والوارد في رواياتهم عن النبي (ص) ما رووه عن جابر بن عبد الله «ان رسول الله (ص) قال : ما من محرم يضحى للشمس حتى تغرب إلا غربت بذنوبه حتى يعود كما ولدته امه» سنن البيهقي ج ٥ ص ٧٠


(١٦) جاء ص ٥١٢ حديث عمر بن يزيد ، وفيه نفى البأس عن حك الرأس واللحية وعن حك الجسد. وقد ضبطنا حك الجسد بالباء الموحدة هكذا : «وبحك الجسد» كما هو المناسب لكلمة «لا بأس» والوارد في التهذيب ج ٥ ص ٣١٣. ولكنه (قدس‌سره) أورد ما يتعلق بحك الجسد منها مستقلا ص ٥٢٥ بلفظ الفعل المضارع هكذا : «ويحك الجسد ما لم يدمه» وقد علقنا هناك : ان الحديث تقدم ص ٥١٢ لننبه المطالع على حقيقة الأمر.

(١٧) جاء ص ٥٢٩ النقل عن الجوهري في الصحاح تفسير (الخلى) بأنه الحشيش اليابس ، وقد جاء ذلك في ذخيرة السبزواري في حرمة قطع الشجر والحشيش في المطلب الثالث في تروك الإحرام ، وورد أيضا في الجواهر ج ١٨ ص ٤١٥ من الطبع الحديث. أقول : ان عبارة الصحاح في تفسير (الخلى) هكذا : والخلى مقصورا : الرطب من الحشيش ، الواحدة خلاة. وقد فاتنا التنبيه على ذلك هناك فارجعنا المطالع الى الاستدراكات.

(١٨) جاء ص ٥٣٦ تفسير (الخلى) بالحشيش اليابس عن الجوهري أيضا ، وقد قدمنا عبارة الصحاح في الاستدراك رقم (١٧).

(١٩) أورد (قدس‌سره) ص ٥٣٧ و ٥٣٨ بعض الفروع التي أوردها العلامة (قدس‌سره) في التذكرة في البحث الرابع عشر من أبحاث تروك الإحرام في قطع شجر الحرم ، ومنها : الانتفاع بالغصن المنكسر والورق الساقط بفعل الآدمي ، فإنه جوزه ونسب المنع الى بعض العامة قياسا على الصيد يذبحه المحرم. ثم رده بان الصيد يعتبر في ذبحه الأهلية. هذا ما نقله المصنف (قدس‌سره) عن التذكرة. وتمام الرد


هكذا : والفرق ان الصيد يعتبر في ذبحه الأهلية وهي منتفية عن المحرم بخلاف قطع الشجرة ، فإن الدابة لو قطعته جاز الانتفاع به. ونحوه في المنتهى ج ٢ ص ٧٩٨ الفرع الثالث.

(٢٠) أورد (قدس‌سره) ص ٥٤٠ رواية الصدوق عن الحسن بن محبوب عن ابن مهزيار عن ابي بصير كما في الوافي باب (الحجامة وازالة الشعر والظفر للمحرم) والوسائل الباب ١٢ من بقية كفارات الإحرام. وأشير هناك الى ان في بعض النسخ «علي بن رئاب» بدل «علي بن مهزيار» كما في الفقيه ج ٢ ص ٢٢٧.

(٢١) ذكر (قدس‌سره) ص ٥٣٨ : ان من الاخبار الواردة في حرمة قلم الأظفار على المحرم صحيحة زرارة المتضمنة لان من قلم أظفاره متعمدا فعليه دم ، وهي المرقمة برقم (٢) وقد تقدمت ص ٥١١ برقم (٣) ، واللفظ فيها «أو قلم ظفره». وعند ما عد الروايات الواردة في فدية تقليم المحرم أظفاره تعرض ص ٥٤٢ لصحيحة زرارة الواردة في من قلم أظافيره المتقدمة ص ٥٣٨ برقم (٣) ووجه الحكم بالدم فيها بحمله على مجموع الأظافير كما هو ظاهرها ، ولم يتعرض لصحيحة زرارة المتقدمة ص ٥١١ برقم (٣) التي حكم فيها بالدم في تقليم الظفر.

(٢٢) غيرنا العبارة ص ٥٤٢ س ١٩ الى ما يطابق النسخ الخطية لتطابق العبارة في نفس الصفحة السطر ٨ و ٩ حيث قال : «فان ظاهرها ـ يعني : موثقة ابن عمار ـ مجموع الأظفار أو أظفار يديه العشرة» فإن المراد بموثقة ابن عمار هنا هما روايتا إسحاق بن عمار اللتان ذكرهما في السطر ١٨ و ١٩.


ملحوظة (١) النسخة المطبوعة من الحدائق قد تختلف في التعبير عن النسخ الخطية بما لا يغير المعنى فنورد العبارة كذلك في هذه الطبعة إلا إذا استحسنا التغيير ، وقد يكون الاختلاف مغيرا فنورد العبارة على طبق الخطية ، كما في الصفحة ٢٢٠ السطر ٢٠ و ٢١ ، والصفحة ٣٨١ السطر ١١ و ١٦ ، والصفحة ٤٠٢ السطر ١٥ و ١٦ ، والصفحة ٤٢٧ السطر ٧ ، والصفحة ٤٣٦ السطر ٧ و ٨ ، والصفحة ٤٥٢ السطر ٩ و ٢٠ ، والصفحة ٤٦٦ السطر ١٨ و ١٩ ، والصفحة ٤٦٩ السطر ٥ ، والصفحة ٥٠٢ السطر ٧ ، والصفحة ٥٣٨ السطر ١ ، والصفحة ٥٦٢ السطر ١٩ ، والصفحة ٥٦٣ السطر ١٥. وإذا كان النص المنقول فيه تغيير طبقناه على أصله من كتاب فقهي أو لغوي ، كما في الصفحة ٣٩٢ السطر ٢ و ٣ والصفحة ٥٣٧ السطر ١٤ و ١٦ و ١٧ و ٢٠ و ٢٢ ، والصفحة ٥٣٨ السطر ٥ والصفحة ٥٥٤ السطر ١٦ و ١٧ ، والصفحة ٥٥٨ السطر ٣ ، والصفحة ٥٦٥ السطر ٧ و ٨.

ملحوظة (٢) : الحديث المنقول إذا كان فيه تغيير في اللفظ عن أصله طبقناه على أصله ، وإذا كانت كتب الحديث مختلفة في لفظ الحديث ذكرنا المصادر في التعليق ليقف المطالع على الاختلاف. والمصنف (قدس‌سره) كثيرا ما ينقل الحديث على طبق الوافي ، وصاحب الوافي عند ما تكون مصادر الحديث متعددة ومختلفة في اللفظ يأتي بلفظ واحد مطابق لواحد منها ، فينشأ من ذلك الاختلاف في اللفظ بين ما ينقله المصنف (قدس‌سره) عن مصدر وبين نفس المصدر.

ملحوظة (٣) : أرجعنا في التعاليق ـ لتعيين المصدر لفتاوى العامة الواردة في الكتاب ـ إلى المغني لابن قدامة الحنبلي ، وطبعاته مختلفة ،


فمن أول الكتاب إلى الصفحة ١٦٩ الموضع الأول من التعليقة (٢) وهو ج ٣ ص ٣١٤ و ٣١٥ الإرجاع إلى طبعه دار المنار ، وهو يوافق ج ٣ ص ٢٨٤ من طبعة مطبعة العاصمة ، ومن الموضع الثاني من التعليقة (٢) وهو ج ٩ ص ٤١٨ الى آخر الكتاب الإرجاع إلى طبعه مطبعة العاصمة.


فهرس الجزء الخامس عشر

من كتاب الحدائق الناضرة

عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

مقدمات الاحرام

٢

يكفي غسل الاحرام في النهار لليل وفي الليل للنهار

١٥

مبدأ توفير شعر الرأس لمريد الحج ومريد العمرة

٢

إعادة غسل الاحرام بالنوم

١٥

هل يجب الدم على مريد الحج بالحلق في ذي القعدة؟

٦

هل ينتقض غسل الاحرام بالنوم؟

١٦

التهيؤ للاحرام وغيره

٩

هل ينتقض غسل الاحرام بغير النوم؟

١٧

الغسل للاحرام

١١

من أحرم بغير غسل أو صلاة إعادة بعد التدارك

١٨

هل يتيمم بدلا عن غسل الاحرام لو تعذر؟

١١

هل المعتبر هنا الاحرام الأول أو الثاني؟

١٩

إعادة الاحرام بأكل أو لبسا يجوز للمحرم

١٢

الاحرام عقيب الظهر أو آية فريضة أو نافلة للاحرام

١٩

تقديم غسل الاحرام على الميقات إذا خيف عوز الماء فيه واعادته بوجدانه فيه

١٣

صلاة الاحرام مستثناة من كراهة النافلة في الأوقات المشهورة

٢٣

يجزئ غسل الاحرام في أول النهار ليومه وفي أول الليل لليلته ما لم ينم

١٤

هل السنة الاحرام بعد الفريضة والنافلة؟

٢٣

ما يقرأ في صلاة الاحرام

٢٧


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

كيفية الاحرام ـ نية الاحرام

٢٨

هل يتخير القارن في عقد احرامه بين التلبية والاشعار والتقليد؟

٤٨

ما يقال عند نية الاحرام

٢٩

تعريف الاشعار

٤٩

نية الاحرام مبهما

٣١

موقف المشعر في البدن الكثيرة

٥١

نية الاحرام بالحج والعمرة

٣١

الاشعار يختص الإبل والتقليد يعم الجميع

٥١

قصد الاحرام بما أحرم به شخص آخر من النسك

٣٣

تعريف التقليد

٥٢

قصد الاحرام بنسك والتلبية بغيره

٣٥

بحث في قول المحقق : وبأيهما بدأ كان الآخر مستحباً

٥٣

الاخبار في ما يهل في الآفاقي

٣٦

كيفية التلبيات الأربع

٥٤

من نسى بماذا أحرم

٣٩

أقوال الفقهاء في كيفية التلبيات الأربع

٥٤

وجوب التلبيات الأربع

٤٠

الاخبار الواردة في كيفية التلبيات

٥٦

هل تجب مقارنة التلبية لنية الاحرام؟

٤٠

تحقيق في مفاد اخبار التلبيات

٦٠

ظهور الأخبار في تأخير التلبية عن عقد الاحرام

٤٤

هل يجب الجهر بالتلبية أو يستحب؟

٦١

توجيه ظهور الأخبار في تأخير التلبية

٤٥

الجهر بالتلبية يختص بالحج من ذي الحليفة والحج من مكة

٦٢

ترجيح العمل بظهور الأخبار في تأخير التلبية

٤٦

هل يختلف الراكب والماشي في الجهر بالتلبية؟

٦٣

ظهور الاخبار في تجاوز الميقات بغير احرام

٤٧


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

الجهر بالتلبية يختص بالرجال

٦٤

المحرمة الحائض تلبس الغلالة

٨٩

كيفية احرام الأخرس

٦٤

تعدد الثياب وابدالها حال الاحرام

٩٠

هل التلبيات الأربع ركن؟

٦٥

لبس السراويل عند عدم الازار ولبس القباء عند عدم الرداء

٩١

معنى كلمة : لبيك

٦٦

هل يختص لبس القباء بفقد الثوبين معاً؟

٩١

العلة في صيرورة التلبية شعار الحج

٦٨

تفسير قلب القباء عند لبسه حال الاحرام

٩٣

تحقيق في قول إبراهيم : هلم إلى الحج

٦٩

مندوبات الاحرام

٩٥

الاحرام انما يتحقق بالتلبية أو الاشعار أو التقليد

٧١

رفع الصوت بالتلبية

٩٥

هل تستأنف النية بارتكاب المخالفة قبل التلبية؟

٧٣

تكرار التلبية في المواضع الخاصة

٩٥

لبس المحرم الرجل ثوبي الاحرام

٧٥

منتهى التلبية وتكرارها للحاج

٩٥

هل لبس الثوبين شرط في الاحرام؟

٧٦

منتهى التلبية للمعتمرة بعمرة التمتع

٩٦

كيفية لبس ثوبي الاحرام

٧٩

منتهى التلبية للمعتمر بالعمرة المفردة

٩٧

الاحرام في ما لا تجوز الصلاة فيه

٨١

مريد الاحرام يشترط على الله ان يحله حيث حبسه

١٠٠

هل تحرم النساء في الحرير المحض؟

٨٢

لفظ الاشتراط ووقته

١٠١

لبس النساء المخيط حال الاحرام

٨٨

هل تكفي النية في الاشتراط؟

١٠١


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

فائدة اشتراط الاحلال في نية الاحرام

١٠٢

يجوز للحطابين والمجتلبة دخول مكة بلا احرام

١٢٥

التلفظ في عقد الاحرام بما عزم عليه

١٠٩

يجوز للعبيد دخول مكة بلا احرام

١٢٥

كلام صاحب المدارك في ما يذكره الافاقي في الاعلال

١١٠

يجوز لمن يدخل مكة للقتال ان يدخلها محلا

١٢٦

تحقيق المصنف في ما يذكره الافاقي في الاهلال

١١١

من دخل مكة بعد خروجه محرماً قبل مضى شهر له ان يدخلها محلا

١٢٧

الاحرام في الثوب من القطن الأبيض

١١٣

احرام المرأة كاحرام الرجل إلا في أشياء :

١٢٧

الاحرام في الثوب الأخضر

١١٥

يجوز للمحرمة لبس المخيط

١٢٧

الاحرام في المصبوغ بمشق

١١٥

ليس على المحرمة الجهر بالتلبية

١٢٨

الاحرام في الخز

١١٥

يجوز للمحرمة التظليل حال السير

١٢٨

الاحرام في البرد

١١٦

المحرمة تسفر عن وجهها

١٢٩

احكام الاحرام

١١٦

الحائض تحرم إذا مرت بالميقات قاصدة النسك

١٣٢

من عقد احراماً لا يحرم قبل اكماله

١١٦

ترك الحائض الاحرام من الميقات جهلا بالحكم

١٣٤

الاحرام بحج التمتع قبل التقصير من عمرته

١١٧

تروك الاحرام

١٣٤

لا يدخل أحد مكة بلا احرام

١٢٣

الداخل ينوي باحرامه النسك

١٢٥


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

يحرم على المحرم صيد البر

١٣٥

كلام العلامة في قتل المحرم الحيوان المؤذي

١٥٤

الصيد المحرم حال الاحرام

١٣٧

تحقيق المصنف في قتل المحرم الحيوان المؤذى

١٥٥

تحريم الصيد في الاحرام يعم الحيوان المحلل والمحرم

١٣٨

اخبار قتل المحرم الحيوان المؤذى

١٥٦

الحيوان الممتنع هو الممتنع أصالة

١٣٩

ما يستفاد من اخبار قتل المحرم الحيوان المؤذى

١٥٨

فروع في الدلالة على الصيد

١٣٩

هل يجوز للمحرم قتل البرغوث؟

١٥٩

الجراد من الصيد البري

١٣٩

هل يجوز اخراج القماري والدباسي من مكة؟

١٦٠

يجوز للمحرم صيد البحر واكله

١٤٢

للمحرم اكل الصيد عند الضرورة

١٦٤

الطيور التي تعيش في البر والبحر

١٤٢

إذا كان عند المحرم ميتة وصيد فمن أيهما يأكل؟

١٦٥

هل الصيد الذي يذبحه المحرم ميتة؟

١٤٣

هل لا يملك المحرم شيئاً من الصيد؟

١٧٠

ما يذبحه المحل في الحرم محكوم بحكم الميتة

١٤٥

لا يخرج الصيد بالاحرام عن الملك

١٧١

ما يذبحه المحل في الحل يأكله المحل في الحرم

١٤٨

هل لا يدخل الصيد في الحرم في الملك؟

١٧٢

للمحرم ان يأكل الدجاج الحبشي

١٥٠

كفارات الصيد

١٧٣

يجوز للمحرم ان يذبح المنعم

١٥٢

كلام الشيخ في قتل المحرم الوحشي غير المأكول

١٥٣


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

كفارة قتل المحرم النعامة بدنة

١٧٣

كفارة قتل المحرم بقرة الوحش وحماره

١٩٢

ما هو المراد بالبدنة؟

١٧٥

كفارة قتل المحرم الظبي

١٩٥

ما هو الجزور؟

١٧٦

كفارة قتل المحرم الثعلب أو الأرانب

١٩٨

لو لم يجد المحرم القاتل للنعامة بدنة

١٧٧

كفارة كسر المحرم بيض النعام

٢٠١

ولم يقدر المحرم القاتل للنعامة على الصدقة

١٨٢

فروع في كسر المحرم بيض النعام

٢٠٩

كفارة قتل المحرم فرخ النعامة

١٨٤

كفارة كسر المحرم بيض القطا أو القبج

٢١٠

لو بقي من القيمة ما لا يعدل يوماً

١٨٥

فروع في كسر المحرم بيض القطا أو القبج

٢١٤

هل ينقص الصوم بنقص قيمة البدنة عن الستين؟

١٨٦

قتل المحرم الحمام

٢١٨

لو تمكن في الصوم من الزيادة على الثمانية عشر

١٨٧

تعريف الحمام

٢١٨

لو عجز عن الستين بعد صوم شهر

١٨٨

عبارة المدارك في مفهوم الحمام

٢١٩

هل الكفارة في النعامة وما بعدها مرتبة أو مخيرة؟

١٩٠

الايراد على عبارة المدارك في مفهوم الحمام

٢٢٠

هل يجب التتابع في صوم كفارة الصيد؟

١٩١

كفارة قتل المحرم الحمام

٢٢١

كفارة قتل المحرم فرخ الحمام

٢٢٢

كفارة كسر المحرم بيض الحمام

٢٢٣

جزاء إصابة المحل الحمام أو فرخه أو بيضه في الحرم

٢٢٥


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

جزاء إصابة المحرم الحمام أو فرخه أو بيضه في الحرم

٢٣٠

كلام صاحب المنتقى في بعض أخبار المقام

٢٥١

جزاء اكل المحرم بيض حمام الحرم

٢٣٢

كفارة قتل المحرم الزنبور

٢٥٢

حكم تضاعف الغدية والقيمة في صيد المحرم في الحرم

٢٣٣

جزاء إصابة المحرم ما لا تقدير لفديته

٢٥٤

هل يختلف جزاء كسر البيضة في صورة تحرك الفرخ؟

٢٣٤

هل تجب المماثلة في الفداء من جميع الجهات؟

٢٥٥

يحرم ذبح الحمام الأهلي في الحرم وحمام الحرم

٢٣٧

لو تعذر الجزاء في ما يجب فيه الجزاء

٢٥٦

جزاء ذبح الحمام الأهلي في الحرم والحمام الحرمي

٢٣٨

مورد الرجوع إلى الحكمين

٢٥٦

جزاء إصابة المحرم القطا أو الحجل أو الدراج

٢٣٩

الاخبار الواردة في آية الحكمين

٢٥٧

كفارة قتل المحرم القنفذ أو الضب أو اليربوع

٢٤٢

مقتضى الاخبار في آية الحكمين

٢٥٩

كفارة قتل المحرم الجرادة

٢٤٥

موجبات ضمان الصيد في الاحرام أو الحرم

٢٦٠

كفارة قتل المحرم الجراد الكثير

٢٤٦

جزاء اكل الصيد بعد قتله

٢٦١

القاء المحرم القملة أو قتلها

٢٤٧

إذا رمى المحرم الصيد ولم يؤثر فيه

٢٦٨

إذا رمى المحرم الصيد واثر فيه ثم رآه سويا

٢٦٨

إذا رمى المحرم الصيد فذهب ولم يعلم حاله

٢٧٢


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

إذا رمى المحرم الصيد ولم يعلم اثر فيه أم لا

٢٧٣

جزاء من نفر حمام الحرم

٢٨٧

جزاء قتل المحرم الغزال أو إصابة بعض اجزائه

٢٧٣

إذا رمى محرمان صيداً فاصابه أحدهما وأخطأ الآخر

٢٩٠

إذا اشترك محرمون في قتل صيد

٢٧٦

إذا اوقد محرمون ناراً فوقع فيها صيد

٢٩١

إذا اشترك محرمون في أكل صيد

٢٧٧

المحرم إذا دل على صيد فقتل

٢٩٢

إذا اشترك محرم ومحل في قتل صيد

٢٧٨

دلالة المحل في الحرم أو الحل على الصيد

٢٩٣

لو ضرب المحرم بطير على الأرض فقتله

٢٧٩

أذا أراد تخليص الصيد من سبع أو شبكة فهلك

٢٩٤

جزاء شرب المحرم لبن ظبية في الحرم

٢٨١

اغراء المحرم الكلب بقتل الصيد

٢٩٥

من موجبات ضمان الصيد اليد

٢٨٢

موت طفل الصيد بامساك الصيد

٢٩٥

من أحرم ومعه صيد

٢٨٢

إذا رمى المحرم صيداً فقتل باضطرابه فرخاً أو صيدا آخر

٢٩٦

اجتماع المحرم والمحل أو المحرمين على الصيد

٢٨٤

ما تجنيه دابة السائق والراكب حال وقوفه وسيره

٢٩٦

ذبح المحرم الصيد

٢٨٤

صيد الحرم

٢٩٧

من موجبات ضمان الصيد التسبيب

٢٨٥

يحرم على المحل صيد الحرم

٢٩٧

جزاء من أغلق على حمام الحرم وفراخه وبيضه

٢٨٥

يجوز للمحل قتل القمل والبرغوث والبق والنمل في الحرم

٢٩٨


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

من قتل صيداً في الحرم

٢٩٩

الصيد الذي يذبحه المحل في الحرم

٣١٣

اشتراك محلين في قتل الصيد في الحرم

٣٠٠

الصيد الذي يذبحه المحل في الحل ويدخله الحرم

٣١٣

رمي الصيد في الحل وهو يؤم الحرم

٣٠٠

هل لا يملك الصيد في الحرم؟

٣١٥

الاصطياد بين البريد والحرم

٣٠٤

كفارة صيد المحرم في الحرم

٣١٥

صيد الحل إذا دخل الحرم

٣٠٥

حكم تكرر الصيد سهواً

٣١٥

قتل الصيد في الحرم من الحل

٣٠٦

حكم تكرر الصيد عمداً

٣١٦

قتل الصيد في الحل من الحرم

٣٠٦

الصيد يضمن بقتله عمدا وسهوا وخطأ

٣١٩

قتل الصيد الذي يكون بعضه في الحرم

٣٠٧

لو اشترى محل لمحرم بيض نعام فاكله

٣٢١

قتل الصيد الذي يكون على شجرة أصلها في الحرم

٣٠٧

فروع في اشتراء بيض النعام للمحرم

٣٢١

من دخل بصيد إلى الحرم أو اصابه فيه

٣٠٨

اضطرار المحرم إلى اكل الصيد

٣٢٤

من أصاب طائراً مقصوصاً في الحرم

٣١٠

قول الفقهاء : فداء الصيد المملوك لصاحبه

٣٢٤

هل يجوز للمحل في الحل صيد حمام الحرم؟

٣١١

قتل المحرم الصيد المملوك لشخص

٣٢٦

من اخرج صيداً من الحرم

٣١١

التصدق بالفداء في غير المملوك

٣٢٧

من نتف ريش حمام الحرم

٣١٢

موضع ذبح أو نحر الفداء

٣٢٧


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

هل يجوز ذبح فداء الصيد في موضع الإصابة؟

٣٣١

اتفاق الزوجين على وقوع العقد حال الاحرام

٣٥٢

هل يجوز ذبح فداء غير الصيد حيث شاء؟

٣٣٤

اختلاف الزوجين في وقوع العقد حال الاحرام

٣٥٢

هل تلحق عمرة التمتع بحجه في ذبح الفداء بمنى؟

٣٣٧

كفارة مباشرة المحرم النساء

٣٥٥

الموضع الأفضل من مكة ومنى للذبح والنحر

٣٣٨

الجماع قبل الوقوف بالمشعر

٣٥٥

فروع في كلام العلامة ترتبط بالمقام

٣٣٨

هل العقوبة في إعادة الحج بالجماع هي الحجة الأولى لو الحجة الثانية؟

٣٦٠

يحرم على المحرم النكاح وطأ وعقدا لنفسه ولغيره

٣٣٩

هل يشمل حكم الجماع قبل المشعر غير الزوجة الدائمة؟

٣٦٢

يحرم على المحرم النظر إلى المرأة وتقبيلها ومسها بشهوة

٣٤٤

هل يشمل حكم الجماع قبل المشعر الوطء في الدبر؟

٣٦٣

يحرم على المحرم الشهادة على النكاح وإقامتها

٣٤٧

حكم الجماع قبل المشعر يشمل الحج المندوب والحج عن الغير

٣٦٦

اجراء عقد النكاح بالوكالة حال الاحرام

٣٥٠

هل يشمل حكم الجماع قبل المشعر الجماع بعد عرفة؟

٣٦٦

طلاق المحرم ورجوعه في الطلاق وشراؤه الإماء

٣٥١

هل التفريق بين الرجل والمرأة في الجماع قبل المشعر واجب؟

٣٦٨

هل التفريق واجب في مجموع الحجتين أو في حجة القضاء فقط؟

٣٦٩


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

غاية التفريق في الحجة الأولى والحجة الثانية

٣٧٠

فروع في الجماع في العمرة

٣٩٠

كلام للصدوق في التفريق

٣٧٢

حكم الاستمناء في الحج

٣٩٣

معنى التفريق المأمور به

٣٧٣

جماع المحل أمته المحرمة باذنه

٣٩٥

الوطء نسياناً أو جهلا أو عن اكراه

٣٧٣

لو عقد محرم أو محل على امرأة لمحرم ودخل بها

٣٩٧

حكم المرأة كالرجل في الجماع قبل المشعر أذا طاوعته

٣٧٤

لو نظر المحرم إلى غير أهله فامنى

٣٩٩

الجماع بعد المشعر قبل طواف النساء

٣٧٥

لو نظر المحرم إلى أهله فامنى

٤٠١

الجماع في ما دون الفرج قبل المشعر أو بعده

٣٧٧

من قبل امرأته وهو محرم

٤٠٣

بدل البدنة الواجبة بالجماع بعد المشعر عند العجز عنها

٣٧٨

الحج المندوب كالواجب في الجماع قبل الموقفين أو بعدهما

٤٠٦

بدل البدنة الواجبة بالجماع قبل المشعر عند العجز عنها

٣٨٠

وجوب القضاء في افساد الحج بالجماع قبل المشعر فوري

٤٠٧

بدل البدنة الواجبة بافساد الحج عند العجز عنها

٣٨١

لو استمع المحرم إلى من يجامع أو تشاهى لاستماع كلام امرأة

٤٠٧

الجماع قبل اكمال طواف النساء في الحج

٣٨٣

لو أمنى المحرم عن ملاعبة

٤٠٨

الجماع في العمرة قبل السعي

٣٨٧

يحرم على المحرم استعمال الطيب

٤٠٩

تعريف الطيب

٤٠٩


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

هل يجوز للمحرم اكل الفواكه الطيبة الرائحة؟

٤١٢

هل يلحق بالمخيط ما يشبهه؟

٤٣٥

ما يحرم على المحرم من الطيب

٤١٣

يجوز للمحرم لبس الطيلسان

٤٣٦

لا يحرم على المحرم خلوق الكعبة

٤٢٠

الفدية في لبس المحرم مالا يجوز لبسه

٤٣٦

لو اضطر المحرم إلى مس الطيب أو اكل ما فيه طيب

٤٢٢

اضطرار المحرم إلى لبس المخيط

٤٣٧

لو استهلك الطيب في المأكول أو الممسوس

٤٢٤

تعدد الكفارة على المحرم بتعدد صنف الملبوس

٤٣٧

لو لصق الطيب ببدن المحرم أو ثوبه

٤٢٥

لا فرق في وجوب الكفارة بين اللبس ابتداء واللبس استدامة

٤٣٨

لو انعدمت رائحة الطيب

٤٢٧

كيفية نزع المحرم المخيط إذا لبسه نسياناً أو جهلا

٤٣٨

لو لم يكف الماء لغسل الثوب من الطيب والطهارة

٤٢٧

عقد المحرم ازاره عليه

٤٣٩

لو فرش المحرم فوق الثوب المطيب ثوباً يمنع الرائحة

٤٢٨

عقد المحرم الهميان في وسطه

٤٤٠

لو غسل المحرم الثوب حتى زال عنه الطيب

٤٢٨

لبس المحرم الخفين وما يستر ظهر القدم

٤٤٢

نوم المحرم على فراش أصفر

٤٢٩

هل يجب شق الخف ونحوه عند اضطرار المحرم إلى لبسه؟

٤٤٣

لو مات المحرم لم يمس بالكافور

٤٣٠

لبس المحرمة القفازين

٤٤٤

كفارة استعمال المحرم الطيب

٤٣١

لبس المحرمة الحلي الذي لم تعتد لبسه

٤٤٦

لا يلبس المحرم الرجل المخيط

٤٣٣

لبس المحرم الرجل الخاتم

٤٤٨


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

لبس المحرم السلاح

٤٤٨

نقد كلام صاحب الذخيرة

٤٧٨

اكتحال المحرم بالسواد

٤٥٠

اضطرار المحرم إلى الاستظلال

٤٧٩

اكتحال المحرم بما فيه طيب

٤٥٤

الفداء في استظلال المحرم اضطرارا

٤٧٩

نظر المحرم في المرآة

٤٥٤

تتكرر الفدية بتكرر التظليل إذا تعدد النسك

٤٨٢

حرمة الفسوق في الحج وغيره

٤٥٥

لو زامل المحرم الصحيح عليلا أو امرأة

٤٨٣

تفسير الفسوق

٤٥٥

هل يختص تحريم استظلال المحرم بالراكب؟

٤٨٣

كفارة الفسوق حال الاحرام

٤٥٩

هل تحريم استظلال المحرم لفوات الضحى أو للستر؟

٤٨٥

تحقيق في صحيحة علي بن جعفر في المقام

٤٦٠

استتار المحرم بعود أو بيده

٤٨٧

حرمة الجدال في الحج

٤٦٢

لا تضر الخشب الباقية في المحمل بعد رفع الظلال

٤٨٨

بماذا يتحقق الجدال؟

٤٦٢

يجوز الاستظلال حال الاحرام للنساء والصبيان

٤٨٨

كفارة الجدال حال الاحرام

٤٦٥

يحرم على المحرم الرجل تغطية الرأس

٤٨٩

اضطرار المحرم إلى اليمين

٤٦٩

هل يجوز للمحرم ستر رأسه بيده أو ببعض أعضائه؟

٤٩٠

الجدال المحرم ما كان على معصية الله

٤٦٩

المحرم الرجل لا يظلل حال السير

٤٧٠

استدلال صاحب الذخيرة لاستحباب ترك المحرم التظليل

٤٧٦

كلام صاحب الذخيرة في استظلال المحرم

٤٧٧


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

كفارة تغطية المحرم رأسه

٤٩٢

هل تجب الكفارة في ادهان المحرم بالدهن المطيب؟

٥٠٤

هل تتكرر الفدية بتكرر تغطية المحرم رأسه؟

٤٩٣

قتل للحرم هوام الجسد

٥٠٥

هل يفرق في تغطية المحرم رأسه بين المعتاد وغيره؟

٤٩٣

القاء المحرم القراد عن نفسه وعن بعيره

٥٠٨

هل الأذنان من الرأس في حرمة التغطية حال الاحرام؟

٤٩٤

هل تجب الكفارة في القاء المحرم الحلم عن البعير؟

٥١٠

لا فرق في حرمة تغطية المحرم رأسه بين كله وبعضه

٤٩٥

يحرم إزالة المحرم الشعر عن بدنه

٥١١

يستثنى عصام القربة والعصابة عند الحاجة

٤٩٦

للمحرم إزالة الشعر عند الضرورة

٥١٢

هل يجوز للمحرم الرجل تغطية وجهه؟

٤٩٦

الفدية في إزالة المحرم الشعر

٥١٤

فدية تغطية المحرمة وجهها

٤٩٨

مقدار الصدقة في كفارة إزالة المحرم الشعر

٥١٤

يحرم ارتماس للحرم في الماء

٤٩٨

الكفارة تتعلق بحلق جميع الرأس وبعضه

٥١٦

المحرم إفاضة الماء على رأسه

٤٩٩

هل تسقط الفدية في إزالة المحرم الشعر المضر وجوده؟

٥١٧

ادهان المحرم بالدهن المطيب

٥٠٠

هل تجب الكفارة في الحلق على الناسي؟

٥١٨

الادهان بالدهن المطيب قبل الاحرام

٥٠٠

إذا مس المحرم لحيته أو رأسه فسقط منه شئ

٥١٨

ادهان المحرم بالدهن غير المطيب

٥٠٢


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

الفدية في نتف المحرم إبطه

٥٢٢

لو انكسر ظفر المحرم

٥٣٩

حلق المحرم رأس المحل

٥٢٣

فدية تقليم المحرم المحرم

٥٤٠

اخراج المحرم الدم من بدنه

٥٢٣

لو أفتاه مفت بتقليم ظفره فأدماه لزم المفتي شاة

٥٤٤

هل تجب الكفارة في اخراج المحرم الدم من بدنه؟

٥٢٧

لا يشترط احرام للمفتي في ضمانه

٥٤٥

قلع المحرم ضرسه عند الضرورة

٥٢٧

هل يشترط اجتهاد للفتي في ضمانه؟

٥٤٥

قطع المحرم شجر الحرم وحشيشه

٥٢٨

هل تتعدد الكفارة لو تعدد للفتي؟

٥٤٦

كفارة قلع شجر الحرم

٥٣١

إنما يجب الدم في تقليم المحرم أظفاره إذا لم يتخلل التكفير

٥٤٦

قلع النخل وشجر الفواكه في الحرم

٥٣٣

لو كفر بشاة ثم أكمل باقي الأظفار وجبت أخرى

٥٤٧

قلع الإذخر في الحرم

٥٣٤

بعض الظفر كالكل في الحكم

٥٤٧

قطع ما انبته الانسان أو غرسه في الحرم

٥٣٤

عدد محرمات الاحرام

٥٤٨

قطع عودي الناضح في الحرم

٥٣٤

اجتماع الأسباب المختلفة للكفارة

٥٤٨

قلع النابت في الحرم في الملك

٥٣٥

لو تكرر الوطء من المحرم

٥٤٨

قطع الشجر والحشيش اليابس في الحرم

٥٣٥

لو تكرر الحلق من المحرم

٥٥٠

صيد حرم المدينة وقطع شجره

٥٣٧

مناط تكرر الكفارة بتكرر السبب

٥٥١

قطع المحل شجر الحرم وحشيشه

٥٣٧

لا كفارة على الجاهل والناسي والمجنون إلا في الصيد

٥٥٢

فروع ترتبط بالمقام

٥٣٧

تقليم المحرم أظفاره

٥٣٨


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

لو صال على المحرم صيد

٥٥٢

استعمال المحرم الحناء للزينة

٥٦٠

إذا صدر من المحرم مالم يقدر فيه فدية فعليه شاة

٥٥٣

حكم الحناء قبل الاحرام

٥٦٢

تروك الاحرام المكروهة

٥٥٣

دخول المحرم الحمام ودلكه الجسد

٥٦٢

الاحرام في الثياب السود

٥٥٣

المكروهات التي ذكرها الشهيد

٥٦٣

الاحرام في الثوب المعصفر

٥٥٥

المكروهات التي ذكرها الشهيد

٥٦٣

الاخبار في الاحرام بالمصبوغ

٥٥٥

استعمال المحرم الريحان

٥٦٥

الاحرام في الثياب الوسخة

٥٥٧

احتباء المحرم ومصارعته

٥٦٥

الاحرام في الثياب المعلمة

٥٥٧

رواية المحرم الشعر

٥٦٥

نوم المحرم على الثياب الصفر

٥٥٩

الحدائق الناضرة - ١٥

المؤلف:
الصفحات: 590