بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين

كتاب الصوم

وهنا فوائد ينبغي التنبيه عليها قبل الشروع في المقصود الأولى ـ الصوم لغة الإمساك ، قال في القاموس : صام صوما وصياما واصطام : أمسك عن الطعام والشراب والكلام والنكاح والسير. وقال في المصباح المنير : قيل هو مطلق الإمساك في اللغة ثم استعمل في الشرع في إمساك مخصوص ، وقال أبو عبيدة كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم ، قال خيل صيام وخيل غير صائمة ـ تحت العجاج واخرى تعلك اللجما. أى قيام بلا اعتلاف. انتهى. وقال ابن دريد : كل شي‌ء سكنت حركته فقد صام يصوم صوما. وفي الآية الشريفة حكاية عن مريم عليها‌السلام «إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً» (١) أى صمتا. وكلماتهم متفقة على انه حقيقة في الإمساك وان كان عن كل شي‌ء بنسبته ، واما في الشرع فإنه عبارة عن إمساك مخصوص يأتي بيانه.

الثانية ـ قال العلامة في المنتهى : ان الصوم ينقسم الى واجب وندب ومكروه ومحظور ، فالواجب ستة : صوم شهر رمضان والكفارات ودم

__________________

(١) سورة مريم الآية ٢٨.


المتعة والنذر وما في معناه من اليمين والعهد والاعتكاف على بعض الوجوه وقضاء الواجب ، والندب جميع أيام السنة إلا العيدين وأيام التشريق لمن كان بمنى ، والمؤكد منه أربعة عشر : صوم ثلاثة أيام في كل شهر وأيام البيض والغدير ومولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومبعثه ودحو الأرض وعرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء وعاشوراء على جهة الحزن والمباهلة وكل خميس وكل جمعة وأول ذي الحجة ورجب وشعبان ، والمكروه أربعة : صوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء أو شك في الهلال والنافلة سفرا عدا ثلاثة أيام الحاجة بالمدينة والضيف نافلة بغير اذن مضيفه وكذا الولد من غير اذن الوالد والصوم ندبا لمن دعي إلى طعام ، والمحظور تسعة : صوم العيدين وأيام التشريق لمن كان بمنى ويوم الشك بنية الفرض وصوم نذر المعصية وصوم الصمت وصوم الوصال وصوم المرأة والعبد ندبا من غير اذن الزوج والمالك وصوم الواجب سفرا عدا ما استثنى. انتهى.

وروى ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في الفقيه مسندا في الأول ومرسلا في الثاني عن الزهري عن على بن الحسين (عليهما‌السلام) (١) قال : «قال لي يوما يا زهري من أين جئت؟ فقلت من المسجد. قال فيم كنتم؟ قلت تذاكرنا أمر الصوم فاجمع رأيي ورأى أصحابي على انه ليس من الصوم شي‌ء واجب إلا صوم شهر رمضان. فقال : يا زهري ليس كما قلتم الصوم على أربعين وجها. وفي كتاب الفقه الرضوي (٢) قال : «اعلم ان الصوم على أربعين وجها» ونحن نسوق الحديث بالروايتين ونشير الى مواضع الزيادة والنقصان من أحدهما متى اتفق ـ فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان وعشرة أوجه منها صيامهن حرام وأربعة عشر وجها منها صاحبها بالخيار ان شاء صام وان شاء أفطر وصوم الاذن على ثلاثة أوجه وصوم التأديب وصوم الإباحة وصوم السفر والمرض.

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من بقية الصوم الواجب.

(٢) ص ٢٣.


ففي حديث الفقه بعد ذلك «اما الصوم الواجب» وفي حديث الزهري «قلت جعلت فداك فسرهن لي» قال : اما الواجب فصيام شهر رمضان وصيام شهرين متتابعين في كفارة الظهار لقول الله تعالى (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا). الى قوله تعالى (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) (١) وصيام شهرين متتابعين في من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا ، وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب لقول الله تعالى (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ). إلى قوله تعالى (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (٢). وفي كتاب الفقه اقتصر على قوله «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ» وصوم ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب لمن لم يجد الإطعام قال الله تعالى (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) (٣) كل ذلك متتابع وليس بمتفرق ، وصيام أذى حلق الرأس واجب قال الله تبارك وتعالى (٤) (أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (٥) فصاحبها فيها بالخيار فان صام صام ثلاثة أيام ، وصوم دم المتعة واجب لمن لم يجد الهدى قال الله تبارك وتعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) (٦) الى قوله (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) (٧) وصوم جزاء الصيد واجب قال الله تبارك وتعالى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) (٨) الى قوله(أَوْ عَدْلُ ذلِكَ

__________________

(١) سورة المجادلة الآية ٥ و ٦.

(٢) سورة النساء الآية ٩٥.

(٣) سورة المائدة الآية ٩٢.

(٤) «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ ...» هكذا في كتب الحديث.

(٥ و ٧) سورة البقرة الآية ١٩٣.

(٦) «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ...» هكذا في كتب الحديث.

(٨) في كتب الحديث هكذا «وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً».


صِياماً) (١) ، ففي حديث الزهري هنا «أو تدري كيف يكون عدل ذلك صياما يا زهري؟ قال قلت لا أدرى فقال يقوم الصيد قيمة عدل ثم تفض تلك القيمة على البر ثم يكال ذلك البر أصواعا فيصوم لكل نصف صاع يوما» وفي كتاب الفقه الرضوي «واروى عن العالم عليه‌السلام انه قال : أتدرون كيف يكون عدل ذلك صياما؟ فقيل له لا. فقال يقوم الصيد قيمة ثم يشترى بتلك القيمة البر ثم يكال ذلك البر أصواعا فيصوم لكل نصف صاع يوما» وصوم النذر واجب وصوم الاعتكاف واجب. واما الصوم الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى وثلاثة أيام التشريق وصوم يوم الشك أمرنا به ونهينا عنه : أمرنا أن نصومه من شعبان (٢) ونهينا عنه ان ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس. ففي كتاب الفقه «فان لم يكن صام من شعبان شيئا ينوي به ليلة الشك أنه صائم من شعبان» وفي حديث الزهري «فقلت له جعلت فداك فان لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال ينوي ليلة الشك أنه صائم من شعبان فان كان من شهر رمضان أجزأ عنه وان كان من شعبان لم يضره» ففي حديث الزهري هنا «فقلت وكيف يجزئ صوم تطوع عن فريضة؟ فقال لو أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا وهو لا يعلم انه من شهر رمضان ثم علم بعد ذلك لأجزأ عنه لأن الفرض إنما وقع على اليوم بعينه» وفي كتاب الفقه. ولو ان رجلا صام شهرا تطوعا في بلد الكفر فلما ان عرف كان شهر رمضان وهو لا يدرى ولا يعلم انه من شهر رمضان وصام بأنه من غيره ثم علم بعد ذلك أجزأ عنه من رمضان لأن الفرض إنما وقع على الشهر بعينه» وصوم الوصال حرام وصوم الصمت حرام وصوم نذر المعصية حرام وصوم الدهر حرام. واما الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار فصوم يوم الجمعة والخميس والاثنين وصوم أيام البيض وصوم ستة أيام من شوال بعد الفطر بيوم. وفي

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٩٧.

(٢) في كتب الحديث هكذا : «مع صيام شعبان».


حديث الزهري هنا «وصوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان وصوم عرفة وصوم يوم عاشوراء» ولعل هذين اليومين سقط ذكرهما غلطا من النساخ (١) فان الكتاب غير خال من الغلط. فكل ذلك صاحبه فيه بالخيار ان شاء صام وان شاء أفطر. واما صوم الإذن فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها والعبد لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحب البيت (٢) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا بإذنهم. واما صوم التأديب فإنه يؤمر (٣) الصبي إذا بلغ سبع سنين بالصوم تأديبا وليس ذلك بفرض. وزاد في كتاب الفقه هنا «وان لم يقدر إلا نصف النهار يفطر إذا غلبه العطش» وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم قوى بقية يومه أمر بالإمساك عن الطعام بقية يومه تأديبا وليس بفرض ، وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله أمر بالإمساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض. وزاد في رواية الزهري «وكذلك الحائض إذا طهرت أمسكت بقية يومها» واما صوم الإباحة فمن أكل أو شرب ناسيا أو قاء من غير تعمد فقد أباح الله له ذلك وأجزأ عنه صومه. واما صوم السفر والمرض فإن العامة قد اختلفت في ذلك فقال قوم يصوم وقال آخرون لا يصوم وقال قوم ان شاء صام وان شاء أفطر (٤) واما نحن فنقول يفطر في الحالين جميعا فان صام في السفر أو في حال المرض

__________________

(١) في الفقه الرضوي المطبوع هكذا : «وصوم ستة أيام من شوال بعد الفطر بيوم ويوم عرفة ويوم عاشوراء وكل ذلك.

(٢) هكذا في الفقه ، وفي كتب الحديث الناقلة لحديث الزهري «إلا بإذن صاحبه».

(٣) هكذا في الفقيه ج ٢ ص ٤٨ ، وفي الفروع ج ١ ص ١٨٦ والتهذيب ج ١ ص ٤٣٠ «يؤخذ الصبي» وفي الجميع «إذا راهق» بدل «إذا بلغ سبع سنين» نعم ذلك في الفقه الرضوي.

(٤) المغني ج ٣ ص ١٤٩ والمحلى ج ٦ ص ٢٤٧ ونيل الأوطار ج ٤ ص ٢٣٧ وبداية المجتهد ج ١ ص ٢٨٥ ولم أقف ما في حضرني من كتب العامة على وجوب الصوم في المرض نعم في الفقه على المذاهب الأربعة قسم العبادات ص ٤٥٦ عن الشافعية


فعليه القضاء فان الله تعالى يقول (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (١) فهذا تفسير الصيام». انتهى.

أقول : وسيأتي تحقيق القول في كل من هذه الأشياء المعدودة هنا في محله ان شاء الله تعالى.

قال المحدث الكاشاني في كتاب الوافي بعد نقل حديث الزهري : بيان ـ محمد ابن مسلم بن شهاب الزهري راوي هذا الحديث وان كان خصيصا بعلي بن الحسين (عليهما‌السلام) وكان له ميل ومحبة إلا انه لما كان من العامة وفقهائهم أجمل عليه‌السلام معه في الكلام ولم يذكر له صيام السنة ولا صيام الترغيب لعدم اشتهار خصوصهما بين العامة ، وما زعمته العامة من صيام الترغيب والسنة سماه عليه‌السلام بالذي فيه الخيار لصاحبه تنبيها له على عدم الترغيب فيه فان أكثره من ما ترك صيامه أولى ولصيام بعضه شرائط كما يأتي في الأخبار إنشاء الله تعالى (٢) قوله عليه‌السلام : «أن ينفرد الرجل بصيامه» اضافة الى الفاعل وانفراده به عبارة عن افراده عن سائر أيام شعبان بالصيام فإنه مظنة لاعتقاده وجوبه وكونه من شهر رمضان ، أو المراد انفراده من بين جمهور الناس بصيامه من شهر رمضان مع عدم ثبوت كونه منه ، يدل على هذا حديث الزهري الآتي في باب صيام يوم الشك في هذا المعنى فإنه نص فيه وهو بعينه هذا الحديث إلا انه أورده بابين من هذا ، ويأتي تمام تحقيق هذا المقام في ذلك الباب مع معنى قوله عليه‌السلام : «وأمرنا به أن نصومه مع صيام شعبان» ان شاء الله تعالى. انتهى.

أقول : والظاهر ان الرضا عليه‌السلام جرى على ذلك في الكتاب المذكور تقية.

الثالثة ـ لا ريب ان الصوم من أفضل الطاعات وأشرف العبادات إذا وقع على الوجه المأمور به ، ولو لم يكن فيه إلا الارتقاء من حضيض حظوظ النفس

__________________

لا يجوز الفطر للصحيح الذي يظن بالصوم حصول المرض. إلا ان هذا يرجع الى اعتبار المرض بالفعل.

(١) سورة البقرة الآية ١٨١.

(٢) ارجع الى الاستدراكات في آخر الكتاب.


البهيمية إلى ذروة النشبة بالملائكة الروحانية لكفى به فضلا ومنقبة ، وقد استفاضت الأخبار بفضله :

فروى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (١) قال : «بني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية». وبهذا المضمون أخبار عديدة (٢).

وروى عمرو بن جميع (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث طويل : الصيام جنة من النار».

وروى حفص بن غياث (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ان شهر رمضان لم يفرض الله صيامه على أحد من الأمم قبلنا. فقلت له فقول الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (٥)؟ قال إنما فرض الله صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الأمم ففضل به هذه الأمة وجعل صيامه فرضا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى أمته».

وروى في الفقيه عن ابى عبد الله عليه‌السلام مرسلا وفي الكافي مسندا (٦) قال : «أوحى الله الى موسى عليه‌السلام ما يمنعك من مناجاتي؟ فقال يا رب أجلك عن المناجاة لخلوف فم الصائم. فأوحى الله إليه يا موسى لخلوف فم الصائم عندي أطيب من ريح المسك».

وروى في الفقيه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٧) قال : «للصائم فرحتان : فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه».

وروى فيه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٨) قال : «قال الله الصوم لي وأنا أجزي به».

__________________

(١ و ٣ و ٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ١ من الصوم المندوب.

(٢) الوسائل الباب ١ من مقدمة العبادات.

(٤) الوسائل الباب ١ من أحكام شهر رمضان.

(٥) سورة البقرة الآية ١٨٠.


وروى في الكافي عن الكناني عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «ان الله تبارك وتعالى يقول الصوم لي وأنا أجزي عليه».

وروى الصدوق في الفقيه عن الصادق عليه‌السلام (٢) قال : «نوم الصائم عبادة وصمته تسبيح وعمله متقبل ودعاؤه مستجاب».

وروى في الكافي مسندا والفقيه مرسلا (٣) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام من صام لله يوما في شدة الحر فأصابه ظمأ وكل الله به الف ملك يمسحون وجهه ويبشرونه حتى إذا أفطر قال الله تعالى : ما أطيب ريحك وروحك ملائكتي اشهدوا انى قد غفرت له».

وروى في الفقيه (٤) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما من صائم يحضر قوما يطعمون إلا سبحت له أعضاؤه وكانت صلاة الملائكة عليه وكانت صلاتهم استغفارا». الى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن ذكرها المقام.

الرابعة ـ قد أورد ههنا سؤال مشهور على حديثي الكناني والفقيه المتقدمين المتضمنين للحديث القدسي وقوله عزوجل : «الصوم لي وأما أجزي عليه» بان كل الأعمال الصالحة لله فما وجه تخصيص انه له تبارك وتعالى؟

وأجيب بوجوه : الأول ـ انه اختص بترك الشهوات والملاذ في الفرج والبطن وذلك أمر عظيم يوجب التشريف. وعورض بالجهاد فان فيه ترك الحياة فضلا عن الشهوات ، وبالحج فان فيه الإحرام ومحظوراته كثيرة.

الثاني ـ ان الصوم يوجب صفاء العقل والفكر بواسطة ضعف القوى الشهوانية بسبب الجوع ولذلك قال عليه‌السلام (٥) «لا تدخل الحكمة جوفا ملي‌ء طعاما». وصفاء العقل والفكر يوجبان حصول المعارف الربانية التي هي أشرف أحوال النفس الإنسانية.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١ من الصوم المندوب.

(٣) الوسائل الباب ٣ من الصوم المندوب.

(٤) الوسائل الباب ٩ من آداب الصائم.

(٥) ارجع الى الاستدراكات في آخر الكتاب.


ورد بأن سائر العبادات إذا واظب عليها المكلف أورثت ذلك خصوصا الجهاد ، قال الله تعالى «وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا» (١) وقال الله تعالى «اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ» (٢).

الثالث ـ ان الصوم أمر خفي لا يمكن الاطلاع عليه فلذلك شرف بخلاف الصلاة والحج والجهاد وغيرها من الأعمال. وعورض بان الايمان والإخلاص وأفعال القلوب خفية مع ان الحديث متناول لها ، ويمكن دفعه بتخصيص الأعمال بأفعال الجوارح لأنه المتبادر من اللفظ.

وقال بعض المحققين هب ان كل واحد من هذه الأجوبة مدخول بما ذكر فلم لا يكون مجموعها هو الفارق فان هذه الأمور لا تجتمع في غير الصوم. وهو جيد.

الخامسة ـ في علة فرض الصوم ، روى الصدوق في الصحيح عن هشام بن الحكم (٣) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن علة الصيام فقال إنما فرض الله الصيام ليستوي به الغنى والفقير وذلك ان الغنى لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير لأن الغني كلما أراد شيئا قدر عليه فأراد الله أن يسوى بين خلقه وأن يذيق الغنى مس الجوع والألم ليرق على الضعيف ويرحم الجائع». ورواه في كتاب العلل عن هشام ابن الحكم (٤) وزاد «ثم سألت أبا الحسن عليه‌السلام فأجابني بمثل جواب أبيه».

وبإسناده عن صفوان بن يحيى عن موسى بن بكر عن زرارة عن الصادق عليه‌السلام (٥) قال : «لكل شي‌ء زكاة وزكاة الأجسام الصيام».

وبإسناده عن محمد بن سنان عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام في ما كتب اليه من جواب مسائله (٦) «علة الصوم لعرفان مس الجوع والعطش ليكون ذليلا مستكينا مأجورا محتسبا صابرا ، ويكون ذلك دليلا له على شدائد الآخرة مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات واعظاً له في العاجل دليلا على الآجل ليعلم شدة مبلغ ذلك من أهل

__________________

(١) سورة العنكبوت الآية ٧٠.

(٢) سورة الحديد الآية ٢٩.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١ من وجوب الصوم ونيته.


الفقر والمسكنة في الدنيا والآخرة».

وبإسناده عن حمزة بن محمد (١) «انه كتب الى ابى محمد عليه‌السلام لم فرض الله الصوم؟ فورد في الجواب ليجد الغنى مس الجوع فيمن على الفقير» ورواه الكليني مثله (٢) إلا انه قال : «ليجد الغنى مضض الجوع فيحنو على الفقير».

وروى في الفقيه عن الحسن بن على بن ابى طالب عليه‌السلام (٣) قال : «جاء نفر من اليهود الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسأله أعلمهم عن مسائل فكان في ما سأله انه قال له لأي شي‌ء فرض الله عزوجل الصوم على أمتك بالنهار ثلاثين يوما وفرض الله على الأمم أكثر من ذلك؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ان آدم عليه‌السلام لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما ففرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش والذي يأكلونه بالليل تفضل من الله عليهم وكذلك كان على آدم ففرض الله ذلك على أمتي. ثم تلا هذه الآية «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيّاماً مَعْدُوداتٍ» (٤) قال اليهودي صدقت يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فما جزاء من صامها؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا إلا أوجب الله له سبع خصال : أولاها يذوب الحرام في جسده ، والثانية يقرب من رحمة الله ، والثالثة يكون قد كفر خطيئة أبيه آدم ، والرابعة يهون الله عليه سكرات الموت ، والخامسة أمان من الجوع والعطش يوم القيامة ، والسادسة يعطيه الله براءة من النار ، والسابعة يطعمه الله من طيبات الجنة. قال صدقت يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله».

السادسة ـ في آداب الصائم ، روى الكليني في الحسن عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام (٥) قال : «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك. وعدد

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١ من وجوب الصوم ونيته.

(٣) الوسائل الباب ١ من أحكام شهر رمضان.

(٤) سورة البقرة الآية ١٨٠ و ١٨١.

(٥) الوسائل الباب ١١ من آداب الصائم.


أشياء غير هذا. وقال لا يكون يوم صومك كيوم فطرك».

وعن جراح المدائني عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «ان الصيام ليس من الطعام والشراب وحده. ثم قال : قالت مريم «إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً» (٢) أى صمتا فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم وغضوا أبصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا. قال : وسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله امرأة تسب جارية لها وهي صائمة فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بطعام فقال لها كلى فقالت إني صائمة فقال كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك؟ ان الصوم ليس من الطعام والشراب. قال : وقال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا صمت فليصم سمعك وبصرك من الحرام والقبيح ودع المراء وأذى الخادم وليكن عليك وقار الصائم ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك».

وعن جابر عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لجابر بن عبد الله الأنصاري يا جابر هذا شهر رمضان من صام نهاره وقام وردا من ليله وعف بطنه وفرجه وكف لسانه خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر. فقال جابر يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما أحسن هذا الحديث فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا جابر ما أشد هذه الشروط».

وعن مسعدة بن صدقة عن ابى عبد الله عن آبائه (عليهم‌السلام) (٤) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما من عبد صائم يشتم فيقول انى صائم سلام عليك لا أشتمك كما تشتمني إلا قال الرب تبارك وتعالى استجار عبدي بالصوم من شر عبدي قد أجرته من النار».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٥) : واعلم رحمك الله ان الصوم حجاب ضربه الله

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من آداب الصائم.

(٢) سورة مريم الآية ٢٨.

(٣) الوسائل الباب ١١ من آداب الصائم. والرواية عن ابى جعفر (ع).

(٤) الفروع ج ١ ص ١٨٧ وفي الوسائل الباب ١٢ من آداب الصائم.

(٥) ص ٢٣.


عزوجل على الألسن والأسماع والأبصار وسائر الجوارح حتى يستر به من النار وقد جعل الله على كل جارحة حقا للصائم فمن أدى حقها كان صائما ومن ترك شيئا منها نقص من فضل صومه بحسب ما ترك منها.

السابعة ـ قد اختلف في رمضان فقيل انه علم للشهر كرجب وشعبان ومنع من الصرف للعلمية والألف والنون ، وقيل انه اسم من أسماء الله تعالى ، وعلى هذا فمعنى شهر رمضان شهر الله.

ويدل عليه ما رواه في الكافي عن هشام بن سالم في الصحيح عن سعد عن ابى جعفر عليه‌السلام (١) قال : «كنا عنده ثمانية رجال فذكرنا رمضان فقال لا تقولوا هذا رمضان ولا ذهب رمضان ولا جاء رمضان فان رمضان اسم من أسماء الله عزوجل لا يجي‌ء ولا يذهب وإنما يجي‌ء ويذهب الزائل ولكن قولوا (شَهْرُ رَمَضانَ) فان الشهر مضاف الى الاسم والاسم اسم الله عزوجل وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن جعله مثلا وعيدا». ورواه الصدوق بإسناده عن البزنطي عن هشام بن سالم عن سعد الخفاف (٢) ورواه سعد بن عبد الله في كتاب بصائر الدرجات عن احمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن ابى نصر عن هشام بن سالم عن سعد بن طريف مثله (٣).

وروى في الكافي أيضا عن غياث بن إبراهيم عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لا تقولوا رمضان ولكن قولوا شهر رمضان فإنكم لا تدرون ما رمضان». ورواه الصدوق في الفقيه عن غياث مثله (٥) وكذا رواه في كتاب معاني الأخبار والذي قبله أيضا (٦).

وقال الفيومي في كتاب المصباح المنير : قال بعض العلماء يكره أن يقال جاء رمضان وشبهه إذا أريد به الشهر وليس معه قرينة تدل عليه وإنما يقال جاء شهر رمضان ، واستدل بحديث (٧) «لا تقولوا رمضان فان رمضان اسم من أسماء الله تعالى

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٩ من أحكام شهر رمضان.

(٧) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٠١ و ٢٠٢.


ولكن قولوا شهر رمضان». وهذا الحديث ضعفه البيهقي وضعفه ظاهر لأنه لم ينقل عن أحد من العلماء ان رمضان من أسماء الله تعالى فلا يعمل به. والظاهر جوازه من غير كراهة كما ذهب إليه البخاري وجماعة من المحققين لأنه لم يصح في الكراهة شي‌ء وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة ما يدل على الجواز مطلقا كقوله (١) «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين». وقال القاضي عياض : وفي قوله : «إذا جاء رمضان» دليل على جواز استعماله من غير لفظ شهر خلافا لمن كرهه من العلماء. انتهى.

وفيه دلالة على ان الحديث بذلك مروي من طرقهم أيضا ولكن بعضهم حكم بضعفه. وكيف كان فهو مرغوب عنه بعد ورود الأخبار عندنا بذلك. وما ورد في بعض أخبارنا أيضا من ذكره مجردا عن الشهر محمول على الجواز وهو لا ينافي الكراهة.

ويؤيد ما قلناه ما نقله في كتاب مجمع البحرين عن الأزهري قال : العرب تذكر الشهور كلها مجردة من لفظ شهر إلا شهري ربيع ورمضان.

قال شيخنا الشهيد (قدس‌سره) في كتاب نكت الإرشاد : فائدة ـ نهى عن التلفظ برمضان بل يقال شهر رمضان في أحاديث من أجودها

ما أسنده بعض الأفاضل إلى الكاظم عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (٢) قال : «لا تقولوا رمضان فإنكم لا تدرون ما رمضان فمن قاله فليتصدق وليصم كفارة لقوله ولكن قولوا كما قال الله عزوجل (شَهْرُ رَمَضانَ)» (٣). انتهى.

أقول : ما نقله (قدس‌سره) من الخبر قد نقله السيد السعيد ذو المقامات

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٠٢ واللفظ فيه وفي المصباح «إذا جاء» ولذا أوردناه كذلك وان كان الوارد في رواية «إذا دخل» كما ذكر ذلك في المجموع ج ٦ ص ٢٤٨.

(٢) الوسائل الباب ١٩ من أحكام شهر رمضان.

(٣) سورة البقرة الآية ١٨٢.


والكرامات رضى الدين بن طاوس في كتاب الإقبال عن كتاب الجعفريات وهي ألف حديث بإسناد واحد الى مولانا موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام (١) والظاهر ان الكفارة فيه محمولة على الاستحباب وتغليظ الكراهة لما ثبت في كثير من الأخبار من وروده مجردا عن لفظ شهر.

ثم انه على تقدير ما هو المشهور من انه اسم للشهر فقد اختلفوا في اشتقاقه فعن الخليل (رحمه‌الله) انه من الرمض بسكون الميم وهو مطر يأتي وقت الخريف يطهر وجه الأرض من الغبار ، سمى الشهر بذلك لأنه يطهر الأبدان عن أوضار الأوزار. وقيل من الرمض بمعنى شدة الحر من وقع الشمس ، قال الزمخشري في الكشاف : رمضان مصدر رمض إذا احترق من الرمضاء. سمى بذلك اما لارتماضهم فيه من حر الجوع كما سموه ناتقا لأنه كان ينتقهم أى يزعجهم لشدته عليهم أو لأن الذنوب ترمض فيه أى تحترق. وقيل انهم لما تقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق الشهر أيام رمض الحر فسمى بذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان البحث في هذا الكتاب يقع في مقاصد ثلاثة :

المقصد الأول ـ في بيان الصوم وما يتحقق به وما يفسده ومن يصح منه والكفارة المترتبة على الإفساد :

وفيه مطالب المطلب الأول ـ في النية والكلام فيها يقع في مواضع الأول ـ لا ريب في وجوبها إذ لا عمل إلا بنية ، والأمر فيها عندنا سهل كما قدمناه في كتاب الطهارة ، والكلام في كونها شرطا أو شطرا لا ثمرة فيه لأن القدر المطلوب هو اعتبار النية في الصوم بحيث يبطل بتركها عمدا أو سهوا وهو ثابت على كل من التقديرين. ولم يقم لنا دليل على اعتبار ما ذكروه فيها من القيود في هذا المقام ولا غيره زائدا على القربة له عزوجل للآيات والروايات الصريحة في توقف صحة العبادة على ذلك (٢).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من أحكام شهر رمضان.

(٢) اما الآيات فكقوله تعالى في سورة البينة الآية ٥ «وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا


وقد وقع الخلاف هنا في مواضع ثلاثة أحدها ـ انه هل يكفي في شهر رمضان نية أنه يصوم غدا متقربا من غير اعتبار نية التعيين بكونه من شهر رمضان أم لا بد من نية التعيين؟ قولان أولهما منقول عن الشيخ وبه صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ المحقق والعلامة في جملة من كتبه ، ونقل عن بعض الأصحاب الثاني.

احتج المحقق على ما اختاره بان المراد من نية التعيين وقوع الفعل بها على أحد وجهيه فإذا لم يكن للفعل إلا وجه واحد استغنى عن نية التعيين كرد الوديعة وتسليم الأمانات ، قال ويمكن أن يحتج عليه بقوله تعالى «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» (١) فإذا حصل مع نية التقرب فقد حصل الامتثال وكان ما زاد منفيا.

واعترض عليه بما حاصله ان امتثال الأمر فرع تعقل المأمور أن الآمر أمره بذلك الفعل فإذا لم يعتقد ان الصوم غدا من ما أمر الشارع بالإتيان به فيه لم يكن ممتثلا للتكليف بالصوم غدا ، ونحن لا نعني بالتعيين سوى هذا إذ به يتعين كونه من رمضان.

أقول : وعندي في هذا الخلاف ـ والبحث الذي أطالوا به الكلام من ما ذكرنا وما أعرضنا عن نقله في هذا المقام من أصله ـ نظر فإنهم إن أرادوا بهذه النية التي اختلفوا في اشتراط التعيين فيها وعدمه ما هو عبارة عن التصوير الفكري ـ والحديث النفسي الذي يترجمه قول الصائم «أصوم غدا من شهر رمضان قربة الى الله» كما ذكروه في الصلاة والطهارة ونحوهما من التصوير المشتمل على القيود التي ذكروها ـ فهذا ليس هو النية كما حققناه في كتاب الطهارة بما لا مزيد عليه ، وان أريد بالنية هو المعنى الذي حققناه ثمة وأوضحناه ـ من أنه القصد البسيط الذي لا يكاد

__________________

اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» وقوله تعالى في سورة الزمر الآية ١٧ «قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي» واما الروايات فكالروايات الدالة على توقف العمل على النية وقد أوردها في الوسائل في الباب ٥ من مقدمة العبادات وفي أبواب متفرقة منها الباب ٢ من وجوب الصوم ونيته.

(١) سورة البقرة الآية ١٨٢.


ينفك عنه عاقل عند ارادة الفعل وانه أمر جبلي لو كلف الله بعدمه لكان تكليفا بما لا يطاق ـ فهذا الكلام لا معنى له ، وذلك لأن التكليف بصيام شهر رمضان من الضروريات الدينية ، وحينئذ فكل مكلف دخل عليه هذا الشهر وبادر الى صيامه قربة الى الله تعالى فان تعين كونه من شهر رمضان أمر لا يتصور انفكاكه عنه ولا خلوه منه حتى يصح أن يكون مطرحا للخلاف بأنه لو صام مع عدم تعيين كونه من شهر رمضان هل يصح صومه أم لا من ما يؤذن بأنه يمكن الإتيان بالصيام مع عدم اعتقاد كونه من شهر رمضان. نعم يمكن فرض ذلك نادرا ممن عرض له السهو عن كونه في شهر رمضان وهو خارج عن محل المسألة وغير صالح لمطرح الخلاف.

وثانيها ـ انهم اختلفوا أيضا في انه هل يشترط في نية صوم النذر المعين قصد التعيين أم لا؟ فنقل عن المرتضى وابن إدريس الثاني وقواه العلامة في المنتهى واعتمده في المدارك ، وقيل بالأول وهو منقول عن الشيخ وجماعة واختاره في المختلف.

حجة القول الثاني انه زمان تعين بالنذر للصوم فكان كشهر رمضان ، واختلافهما بأصالة التعين وعرضيته لا يقتضي اختلافهما في هذا الحكم.

واحتج في المختلف على القول الأول بأنه زمان لم يعينه الشارع في الأصل للصوم فافتقر الى التعيين كالنذر المطلق. وبان الأصل وجوب التعيين إذ الأفعال إنما تقع على الوجوه المقصودة ، ترك ذلك في شهر رمضان لأنه زمان لا يقع فيه غيره فيبقى الباقي على الأصالة.

ورد الأول بأنه مصادرة على المطلوب وإلحاقه بالنذر المطلق قياس مع الفارق والثاني بمنع أصالة الوجوب ، ولأن الوجه الذي لأجله ترك العمل بالأصل الذي ذكره في صوم شهر رمضان آت في النذر المعين ، فإنه ان أريد بعدم وقوع غيره فيه استحالته عقلا كان منفيا فيهما وان أريد امتناعه شرعا كان ثابتا فيهما.

أقول : لا يخفى أيضا ان هذا الخلاف انما يجرى في النية التي هي عبارة عن ذلك التصوير الفكري والحديث النفسي الذي أشرنا اليه وبينا أنه ليس هو النية


حقيقة ، واما النية بالمعنى الذي حققناه فإنه لا معنى لهذا الكلام بالكلية ، فإن من نذر صوما معينا ثم قصد الإتيان بذلك فإنه لا ريب في حصول التعيين عنده ، بل لو أراد الصوم على الوجه المذكور من غير التعيين لم يتيسر له ولهذا عد في تكليف ما لا يطاق من حيث انه جبلي لا يمكن الانفكاك عنه مع القصد المذكور إلا أن يكون ساهيا أو ذاهلا وهو خارج عن محل البحث.

وثالثها ـ انه هل يعتبر نية الوجه من الوجوب أو الندب؟ قولان وظاهر جماعة ممن قال باعتبار نية الوجه سقوطه هنا من حيث عدم إمكان وقوع شهر رمضان بنية الندب للمكلف به فلا يحتاج الى التمييز عنه. إلا أن يقال بوجوب إيقاع الفعل بوجهه من وجوب أو ندب كما ذكره المتكلمون فيحب ذلك وان لم يكن مميزا.

قال في المسالك بعد ذكر ذلك : ولا ريب ان اضافة الوجوب إلى القربة أحوط وضم التعيين إليهما أفضل والتعرض للأداء مع ذلك أكمل. انتهى. وفيه نظر وتحقيق البحث في المسألة قد مر مستوفى في كتاب الطهارة.

هذا في ما كان متعينا واما غيره كالقضاء والنذر المطلق والكفارة والنافلة فقد صرحوا بأنه لا بد من التعيين لوقوعه على وجوه متعددة فافتقر إلى نية التعيين ليتميز المنوي عن غيره. قال في المعتبر : وعلى ذلك فتوى الأصحاب.

أقول : ما ذكروه هنا متجه لا إشكال فيه لأن الفعل الواحد الواقع على أنحاء متعددة لا ينصرف إلى أحدها إلا بقصده ونيته ولكن يكفي في ذلك تعينه بأول القصد إلى إيقاعه ولا يحتاج بعده الى تصوير ولا حديث في النفس كما هو النية المشهورة بينهم.

الثاني ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا بد من إيقاع النية ليلا في أوله أو آخره ، وبعبارة أخرى لا بد من حصولها عند أول جزء من الصوم أو تبييتها ، لأن الإخلال بكل من الأمرين يقتضي مضى جزء من الصوم بغير نية


فيفسد لفوات شرطه والصوم لا يتبعض. ولو نسيها ليلا جددها ما بينه وبين الزوال فلو زالت الشمس زال محلها.

وقال ابن أبى عقيل : يجب على من كان صومه فرضا عند آل الرسول (عليهم‌السلام) أن يقدم النية في اعتقاد صومه ذلك من الليل. وهو ظاهر في وجوب تبييتها ، ويمكن حمله على تعذر المقارنة بها فان الطلوع لا يعلم إلا بعد وقوعه فتقع النية بعده وهو يستلزم فوات جزء من النهار بغير نية.

وقال ابن الجنيد : ويستحب للصائم فرضا وغير فرض أن يبيت الصيام من الليل لما يريد به ، وجائز أن يبتدئ بالنية وقد بقي بعض النهار ويحتسب به من واجب إذا لم يكن أحدث ما ينقض الصيام ، ولو جعله تطوعا كان أحوط. وظاهره جواز تجديد النية في الفرض وغيره بعد الزوال مع الذكر والنسيان ، وحمل كلامه على ان مراده بالفرض غير المعين وإلا فهو باطل.

وقال المرتضى (رضي‌الله‌عنه) : ووقت النية في الصيام الواجب من قبل طلوع الفجر الى قبل زوال الشمس. فان كان مراده بالامتداد الى وقت الزوال ما هو أعم من وقت الاختيار والاضطرار ليخص الامتداد الى الزوال بالناسي ونحوه فهو صحيح وإلا فهو مشكل. وظاهر الدليل الذي نقله عنه في المختلف هو ان مراده الامتداد ولو للمختار حسبما سيأتي في قضاء شهر رمضان ، وحينئذ فيكون كلامه مخالفا لما عليه الأصحاب في المسألة.

واما ان الناسي للنية ليلا يجددها ما بينه وبين الزوال فقال المحقق في المعتبر والعلامة في التذكرة والمنتهى انه موضع وفاق بين الأصحاب.

واستدلوا عليه بما روى (١) «ان ليلة الشك أصبح الناس فجاء أعرابي إلى النبي.

__________________

(١) لم أقف حتى في كتب الحديث للعامة على حديث بهذا اللفظ والمضمون وقد نقل البيهقي في السنن ج ٤ ص ٢١١ و ٢١٢ عدة أحاديث في هذا الموضوع : أولها عن عكرمة عن ابن عباس وهو يتضمن شهادة الأعرابي الواحد وفي آخره قال (ص) «يا بلال أذن في


صلى‌الله‌عليه‌وآله فشهد برؤية الهلال فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مناديا ينادى من لم يأكل فليصم ومن أكل فليمسك». قال في المنتهى فإذا جاز مع العذر وهو الجهل بالهلال جاز مع النسيان

__________________

الناس أن يصوموا غدا». والثاني أيضا عن عكرمة عن ابن عباس وقد تضمن مجي‌ء الأعرابي ليلة هلال رمضان وفي آخره : فنادى ان صوموا. والثالث عن عكرمة «أنهم شكوا في هلال رمضان مرة فأرادوا أن لا يقوموا ولا يصوموا فجاء أعرابي من الحرة فشهد انه رأى الهلال فاتى به النبي (ص). الى ان قال فأمر (ص) بلالا فنادى في الناس أن يقوموا وان يصوموا». ثم قال البيهقي : قال أبو داود : ورواه جماعة عن سماك عن عكرمة مرسلا ولم يذكر القيام أحد إلا حماد بن سلمة. ثم نقل من كتاب المستدرك لأبي عبد الله الحافظ نفس الحديث بطريق ينتهي إلى حماد بن سلمة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس. والرابع يتضمن رؤية ابن عمر الهلال واخباره رسول الله (ص) وانه صام وأمر الناس بصيامه. والخامس يتضمن رؤية الهلال بعد رسول الله (ص) والسادس عن فاطمة بنت الحسين يتضمن الشهادة عند على (ع). هذه أحاديث الباب. ولم يتعرض للحديث في كتبهم الفقهية في مقام التعرض لوجوب الإمساك وعدمه في يوم الشك لو ظهر انه من شهر رمضان نهارا والحديث المنقول في المتن من المعتبر يشبه ان يكون هو الحديث الثالث الذي نقلناه من غير طريق حماد بن سلمة إلا ان الحديث من غير هذا الطريق مشعر أيضا بأن دعوى الرؤية كانت في الليل إذ لم يشتمل على النداء بان من لم يأكل فليصم ومن أكل فليمسك. فالحديث المذكور بهذا المضمون لا وجود له في ما حضرني من كتب الحديث والفقه للعامة كما لا وجود له في كتب الحديث للخاصة. نعم النداء بالنحو المذكور فيه وارد في صوم عاشوراء بطريق العامة وقد نقل الأحاديث في هذا الموضوع في السنن ج ٤ ص ٢٨٨ باب (من زعم ان صوم عاشوراء كان واجبا ثم نسخ وجوبه) وفي أحدها «انه (ص) أمر رجلا من أسلم ان اذن في الناس ان من أكل فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم فان اليوم يوم عاشوراء» وفي آخر : انه (ص) أرسل صبيحة عاشوراء الى قرى الأنصار التي حول المدينة ان من كان أصبح صائما فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا فليصم بقية يومه. وكيف كان فلا يخفى ان الأحاديث الثلاثة الأول التي نقلناها من السنن في موضوع الشهادة بهلال شهر رمضان تضمنت سؤال النبي (ص) من الشاهد الشهادة بالتوحيد والنبوة واجابة الشاهد بالإثبات.


قال في المدارك : ويمكن أن يستدل عليه بفحوى ما دل على انعقاد الصوم من المريض والمسافر إذا زال عذرهما قبل الزوال ، وأصالة عدم اعتبار تبييت النية مع النسيان.

وربما استدل على ذلك أيضا بحديث (١) «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان». فإن إيجاب القضاء يقتضي عدم رفع النسيان.

أقول : لم أقف في هذا المقام على نص من الأخبار وهذه الأدلة كلها لا تخلو من شوب الاشكال الموجب لعدم الاعتماد عليها في تأسيس حكم شرعي ، أما الرواية المذكورة فالظاهر انها من طريق الجمهور فانى لم أقف عليها في شي‌ء من الأصول ، ومع هذا فهي مختصة بالجاهل والمساواة ممنوعة ، على انها لا تقتضي تحديد الحكم بالزوال كما هو المدعى بل هي أعم وهم لا يقولون به. واما الاستدلال بفحوى ما ذكر فهو متوقف على ثبوت العلة وأولويتها في الفرع وهو ممنوع ، على ان الدليل المشار اليه إنما ورد في المسافر واما المريض فلم يرد فيه نص بذلك كما سيأتي بيانه في محله وانما ذكر الأصحاب ذلك واستدلوا عليه ببعض الأدلة الاعتبارية. واما أصالة عدم اعتبار تبييت النية ففيه ان الأصل يرتفع بما دل على اعتبار النية في صحة العبادة كلا أو بعضا. واما حديث «رفع عن أمتي» فالظاهر ان المراد منه رفع المؤاخذة والعقاب ولا دلالة فيه على عدم القضاء. وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما تقدم انما هو بالنسبة إلى الواجب المعين واما الواجب الغير المعين كالقضاء والنذر المطلق فقد قطع الأصحاب بأن وقت النية فيه يستمر من الليل الى الزوال إذا لم يفعل المنافي نهارا.

ويدل عليه أخبار كثيرة : منها ـ ما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الرحمن ابن الحجاج عن ابي الحسن عليه‌السلام (٢) «في الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع النهار

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ من الخلل الواقع في الصلاة والباب ٥٦ من جهاد النفس.

(٢) الوسائل الباب ٢ من وجوب الصوم ونيته.


في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان ولم يكن نوى ذلك من الليل؟ قال : نعم ليصمه وليعتد به إذا لم يكن أحدث شيئا».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «من أصبح وهو يريد الصيام ثم يدا له أن يفطر فله أن يفطر ما بينه وبين نصف النهار ثم يقضى ذلك اليوم ، فان بدا له أن يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم فإنه يحسب له من الساعة التي نوى فيها».

وعن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح (٢) قال : «سألته عن الرجل يقضى رمضان إله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ فقال إذا كان نوى ذلك من الليل وكان من قضاء رمضان فلا يفطر ويتم صومه. قال : وسألته عن الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع النهار أن يصوم ذلك اليوم ويقضيه من رمضان وان لم يكن نوى ذلك من الليل؟ قال نعم يصومه ويعتد به إذا لم يحدث شيئا».

وعن هشام بن سالم في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «قلت له الرجل يصبح ولا ينوي الصوم فإذا تعالى النهار حدث له رأى في الصوم؟ فقال ان هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه وان نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى».

وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن الرجل يصبح وهو يريد الصيام ثم يبدو له فيفطر؟ قال هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار. قلت هل يقضيه إذا أفطر؟ قال نعم لأنها حسنة أراد أن يعملها فليتمها قلت : فان رجلا أراد ان يصوم ارتفاع النهار أيصوم؟ قال نعم».

وروى الشيخ في القوى عن صالح بن عبد الله عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (٥) قال : «قلت له : رجل جعل لله عليه صيام شهر فيصبح وهو ينوي الصوم ثم يبدو له

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ١ ص ٤٠٥ وفي الوسائل الباب ٤ و ٢ من وجوب الصوم ونيته.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ٢ من وجوب الصوم ونيته.

(٤) الوسائل الباب ٤ من وجوب الصوم ونيته.


فيفطر ويصبح وهو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم؟ فقال هذا كله جائز».

وعن عبد الرحمن بن الحجاج في الموثق والصحيح (١) قال : «سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن الرجل يصبح ولم يطعم ولم يشرب ولم ينو صوما وكان عليه يوم من شهر رمضان إله أن يصوم ذلك اليوم وقد ذهب عامة النهار؟ قال نعم له أن يصوم ويعتد به من شهر رمضان».

وعن احمد بن محمد بن ابى نصر في الصحيح عن من ذكره عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «قلت له الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان ويصبح فلا يأكل إلى العصر أيجوز أن يجعله قضاء من شهر رمضان؟ قال نعم».

وعن ابن بكير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «سئل عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى من النهار ما مضى؟ قال يصوم ان شاء وهو بالخيار الى نصف النهار».

وفي الموثق عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) «عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان يريد أن يقضيها متى يريد ان ينوي الصيام؟ قال هو بالخيار الى أن تزول الشمس فإذا زالت الشمس فان كان نوى الصوم فليصم وان كان نوى الإفطار فليفطر. سئل فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال لا».

وتنقيح الكلام في المقام يتوقف على رسم مسائل الأولى ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان منتهى وقت النية في القضاء والنذر المطلق هو زوال الشمس فبعد زوالها يفوت الوقت ، وظاهر كلام ابن الجنيد المتقدم استمرار وقت النية ما بقي من النهار شي‌ء ، واختاره الفاضل الخراساني في الذخيرة.

ويدل على القول المشهور موثقة عمار ورواية عبد الله بن بكير ، ويدل على

__________________

(١ و ٢ و ٤) الوسائل الباب ٢ من وجوب الصوم ونيته.

(٣) الوسائل الباب ٢٠ من ما يمسك عنه الصائم.


قول ابن الجنيد ظاهر موثقة عبد الرحمن بن الحجاج وصحيحته فان المتبادر من عامة النهار أي أكثره ، ومرسلة أحمد بن محمد بن أبي نصر.

وأجاب العلامة في المختلف عن الرواية الأولى باحتمال أن يكون قد نوى قبل الزوال ويصدق عليه انه ذهب عامة النهار على سبيل المجاز. وعن الثانية بالطعن بالإرسال وباحتمال أن يكون قد نوى صوما مطلقا مع نسيان القضاء فحاز صرفه اليه.

ورد الأول بأن المتبادر من ذهاب عامة النهار ذهاب أكثره وهو لا يحصل بما قبل الزوال. والثاني بأنه ليس في شي‌ء من الروايات دلالة على الاحتمال الذي ذكره فلا يمكن المصير اليه.

والمحقق في المعتبر استدل للمشهور بان الصوم الواجب يجب أن يؤتى به من أول النهار أو بنية تقوم مقام الإتيان به من أوله ، وقد روى «ان من صام قبل الزوال حسب له يومه». ثم نقل رواية هشام بن سالم المتقدمة ، قال وأيد ذلك بما رواه عمار الساباطي. ثم ساق موثقة عمار المذكورة.

وأنت خبير بأن صحيحة هشام المشار إليها لا دلالة فيها صريحا بل ولا ظاهرا على ما ذكره بل الظاهر أن المراد منها إنما هو صوم النافلة لأن قوله في آخرها «وان نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى» لا ينطبق على الواجب وانما يمكن تطبيقه على النافلة بمعنى ان الفضل الكامل في صيامها يحصل بالنية قبل الزوال واما بعده فلا يثاب عليه إلا بمقدار ما بقي من النهار. نعم موثقة عمار ظاهرة في ما ذهب اليه. والظاهر ان بناء استدلال المحقق بصحيحة هشام المذكورة على حمل قوله : «وان نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى» على بطلان الصيام فإنه إذا لم يحسب له صيام اليوم كملا كان باطلا ، وحساب هذا الجزء الباقي بمعنى اثابته عليه لا يستلزم صحة صيام اليوم كملا. وبالجملة فالمسألة محل إشكال.

الثانية ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يمتد وقت نية


النافلة أيضا الى الزوال ، ونقل عن المرتضى والشيخ وجماعة من الأصحاب امتداده الى الغروب ، قال الشيخ (رحمه‌الله) وتحقيق ذلك أن يبقى بعد النية من الزمان ما يمكن صومه إلا أن يكون انتهاء النية مع انتهاء النهار. واليه مال الفاضل الخراساني في الذخيرة.

واستدل العلامة على القول المشهور في المختلف بأنه عليه‌السلام «نفى العمل بغير نية» (١). ومضى جزء من النهار بغير نية يستلزم نفى حكمه ، ترك العمل به في صورة ما إذا نوى قبل الزوال لمعنى يختص به وهو صيرورة عامة النهار منويا فيبقى الباقي على الأصل. ولأنه عبادة مندوبة فيكون وقت نيتها وقت نية فرضها كالصلاة ، ويؤيده ما رواه هشام بن سالم في الصحيح. ثم ساق الرواية كما قدمناها. ثم قال : وترك الاستفصال عقيب إكمال السؤال يدل على تعميم المقال. انتهى.

ويدل على القول الثاني موثقة أبي بصير (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة؟ قال هو بالخيار ما بينه وبين العصر ، وان مكث حتى العصر ثم بدا له أن يصوم ولم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم ان شاء».

ويدل على ذلك إطلاق صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يدخل إلى أهله فيقول عندكم شي‌ء؟ وإلا صمت فان كان عندهم شي‌ء أتوه به وإلا صام».

وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «قال على عليه‌السلام إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياما ثم ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من مقدمة العبادات والباب ٢ من وجوب الصوم ونيته.

(٢) الوسائل الباب ٣ من وجوب الصوم ونيته.

(٣) الوسائل الباب ٢ من وجوب الصوم ونيته ، والراوي هشام بن سالم.

(٤) الوسائل الباب ٢ من وجوب الصوم ونيته.


شرابا ولم يفطر فهو بالخيار ان شاء صام وان شاء أفطر».

ومن ذلك يعلم قوة هذا القول وضعف ما استدل به في المختلف للقول المشهور

الثالثة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا يشترط في النية من الليل الاستمرار على حكم الصوم بل يجوز أن ينوي ليلا ويفعل بعدها ما ينافي الصوم الى قبل الفجر ، ولا فرق في ذلك بين الجماع وغيره ، وتردد في البيان في الجماع وما يوجب الغسل من أنه مؤثر في صيرورة المكلف غير قابل للصوم فيزيل حكم النية ، ومن حصول شروط الصحة وزوال المانع بالغسل. وضعف الوجه الأول من وجهي الترديد ظاهر فإنه مجرد دعوى خالية من الدليل.

الرابعة ـ لو أخل بالنية ليلا عمدا في الواجب المعين فسد صومه لفوات الشرط ووجب القضاء ، وهل تجب الكفارة؟ قيل نعم وحكاه الشهيد في البيان عن بعض مشايخه نظرا الى ان فوات الشرط والركن أشد من فوات متعلق الإمساك. وقيل لا وبه قطع في المنتهى لأصالة البراءة السالمة من المعارض. وهو جيد.

الخامسة ـ لو جدد النية في أثناء النهار فهل يحكم له بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية أو من ابتداء النهار أو يفرق بين ما إذا وقعت النية بعد الزوال فيكون كالثاني وقبله فيكون كالأول؟ أوجه يدل على الأخير منها قوله في صحيحة هشام بن سالم المتقدمة (١) «ان هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه وان نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى» ويدل على الأول منها قوله في صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة أيضا (٢) «فان بدا له أن يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم فإنه يحسب له من الساعة التي نوى فيها». اللهم إلا أن يحمل ارتفاع النهار على وقت الزوال ليصير ما بعده ما بعد الزوال ، إلا انه بعيد إذ المتبادر من ارتفاع النهار انما هو وقت الضحى. ويمكن الجمع بين الخبرين بان الحساب الاستحقاقي إنما هو من وقت النية التي هي شرط في صحة العمل إذ لا عمل إلا بالنية غاية الأمر انها إذا وقعت قبل الظهر حسب

__________________

(١ و ٢) ص ٢٢.


له ما تقدم عليها تفضلا.

الثالث ـ المشهور بين الأصحاب المتأخرين انه لا بد في كل يوم من شهر رمضان من نية ، ونقل عن الشيخين والمرتضى وابى الصلاح وسلار (رضى الله عنهم) ان شهر رمضان يكفى فيه نية واحدة من أوله.

قال المرتضى (رضى الله عنه) في الانتصار بعد الاحتجاج بالإجماع من الطائفة : ان النية تؤثر في الشهر كله لأن حرمته حرمة واحدة كما أثرت في اليوم الواحد لما وقعت في ابتدائه.

وقال (قدس‌سره) في المسائل الرسية على ما نقله عنه العلامة في المختلف : تغني النية الواحدة في ابتداء شهر رمضان عن تجديدها في كل ليلة وهو المذهب الصحيح الذي عليه إجماع الإمامية ولا خلاف بينهم فيه ولا رووا خلافه. ثم اعترض نفسه بأنه كيف تؤثر النية في جميع الشهر وهي متقدمة في أول ليلة منه؟ وأجاب بأنها تؤثر في الشهر كله كما تؤثر في اليوم كله وان وقعت في ابتداء ليلته ، ولو شرطت مقارنة النية للصوم لما جاز ذلك مع الإجماع على جوازه ، ولو اشترط في تروك الأفعال في زمان الصوم مقارنة النية لها لوجب تجديد النية في كل حال من زمان كل يوم من شهر رمضان لأنه في هذه الأحوال كلها تارك لما يوجب كونه مفطرا ، وقد علمنا ان استمرار النية طول النهار غير واجب وان النية قبل طلوع الفجر كافية مؤثرة في كون تروكه المستمرة طول النهار صوما ، فكذا القول في النية الواحدة إذا فرضنا انها لجميع شهر رمضان انها مؤثرة شرعا في صيام جميع أيامه وان تقدمت. انتهى.

وأورد على ما ذكره منع ان حرمته حرمة واحدة بمعنى كون المجموع عبادة واحدة بل صوم كل يوم أمر مستقل بنفسه غير متعلق بغيره ولهذا تتعدد الكفارات بتعدد المفطر. ومنع ثبوت الإجماع.

ورد المحقق كلام المرتضى أيضا بأنه قياس محض لا يتمشى على أصولنا ، قال


لكن علم الهدى ادعى على ذلك الإجماع وكذلك الشيخ أبو جعفر ، والأولى تجديد النية لكل يوم في ليلته لأنا لا نعلم ما ادعياه من الإجماع.

قال في الذخيرة بعد البحث في المقام : نعم لقائل أن يقول تحصيل العلم بالبراءة من التكليف الثابت يقتضي وجوب تجديد النية بناء على ما ذكرنا سابقا من عدم ثبوت كون النية شرطا خارجا وعدم ثبوت كون الصوم حقيقة شرعية في نفس الإمساك من غير اعتبار استجماع الشرائط المؤثرة في الصحة. إلا ان بهذا الوجه لا يثبت وجوب القضاء عند الإخلال بالتجديد. وكيف ما كان فلا ريب في أولوية التجديد.

وقال العلامة : ان قلنا بالاكتفاء بالنية الواحدة فإن الأولى تجديدها بلا خلاف.

واستشكل هذا الحكم شيخنا الشهيد الثاني بناء على ان القائل بالاكتفاء بنية واحدة للشهر يجعله عبادة واحدة كما صرح به في دليله ومن شأن العبادة الواحدة المشتملة على النية الواحدة ان لا يجوز تفريق النية على أجزائها كما هو المعلوم من حالها وحينئذ يشكل أولوية تعدد النية بتعدد الأيام لاستلزامه تفريق النية على اجزاء العبادة الواحدة التي تفتقر إلى النية الواحدة ، قال والطريق المخرج من الاشكال الجمع بين نية المجموع وبين النية لكل يوم. انتهى. واعترض عليه بما لا مزيد طائل في إيراده بعد ما ستقف عليه ان شاء الله تعالى من التحقيق الرشيق.

ثم انهم قد صرحوا أيضا بأنه لو فاتته النية في أول الشهر لعذر أو غيره هل يكتفى بالنية في ثاني ليلة أو ثالث ليلة للباقي من الشهر؟ تردد فيه العلامة في المنتهى واستوجه الشهيد في البيان عدم الاكتفاء بذلك.

أقول ـ وبالله الهداية والتوفيق الى سواء الطريق ـ أنه لا بد من الكلام هنا في تحقيق النية زيادة على ما قدمناه في كتاب الطهارة ليكون أنموذجا لك في كل مقام ويتضح به ما في كلام هؤلاء الأعلام وان كانوا هم القدوة والمعتمد في النقض والإبرام :


فنقول : ينبغي ان يعلم انه لا ريب ان أفعال العقلاء كلها من عبادات وغيرها لا تصدر إلا بعد تصور الدواعي الباعثة على الإتيان بها وهي المشار إليها في كلامهم بالعلل الغائية ، مثلا يتصور الإنسان ان الإتيان بهذا الفعل يترتب عليه النفع الفلاني فإذا تصورت النفس هذا الغرض انبعث منها شوق الى جذبه وتحصيله ، فقد يتزايد هذا الشوق ويتأكد ويسمى بالإرادة ، فإذا انضم إلى القدرة التي هي هيئة للقوة الفاعلة انبعثت تلك القوة لتحريك الأعضاء إلى إيقاع ذلك الفعل وإيراده وتحركت الى إصداره وإيجاده لأجل غرضها الذي تصورته أولا ، فانبعاث النفس وتوجهها وقصدها الى ما فيه غرضها هو النية ، نعم قد يحصل بسبب تكرر الفعل والاعتياد عليه نوع ذهول عن تلك العلة الغائية الحاملة على الفعل إلا ان النفس بأدنى توجه والتفات تستحضر ذلك كما هو المشاهد في جملة أفعالنا المتكررة منا.

وحينئذ فليست النية بالنسبة إلى الصلاة والطهارة والصيام ونحو ذلك من العبادات إلا كغيرها من سائر أفعال المكلف من قيامه وقعوده وأكله وشربه ونكاحه ونومه ومغداه ومجيئه ونحو ذلك ، ولا ريب ان كل غافل غير ذاهل لا يصدر عنه فعل من هذه الأفعال ونحوها إلا بنية وقصد ، مع انه لا يتوقف شي‌ء من ذلك على هذه النية التي ذكروها والاختلافات التي سطروها.

ولا فرق بين ما ذكرنا من هذه الأفعال وبين العبادات إلا قصد القربة لله سبحانه في العبادات ، وهذا لا يوجب ما ذكروه في أمثال هذا المقام.

وحينئذ فإذا كان المكلف عالما بوجوب الصوم عليه وانه عبارة عن الإمساك عن تلك الأمور المذكورة لله سبحانه كما هو الآن ضروري لعامة الناس فإنه برؤية هلال الشهر المذكور يوطن نفسه على ذلك ويكف عن هذه الأشياء في كل يوم من طلوع الفجر الى غروب الشمس ومتى فعل ذلك فان صومه صحيح شرعي ، وهذا هو الذي جرى عليه السلف زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة (عليهم‌السلام) وما بعدهم ، فإنه متى دخل عليهم الشهر اجتنبوا ما حرم الله عليهم في نهاره وكفوا عنه قاصدين


بذلك التقرب اليه سبحانه مراعين حرمته زيادة على غيره من الشهور ولم يقع التكليف من الشارع بأزيد من هذا.

وانى لأعلم علما لا يخالجه الظن ان جميع هذه الأبحاث والمقالات والتدقيقات التي ذكروها لم تخطر بخاطر أحد من الصحابة زمنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا زمن أحد من الأئمة (عليهم‌السلام) مع انه لا ريب في صحة صومهم ، على انها من ما لم يقم عليها دليل شرعي.

والأنسب بقواعد الشريعة المحمدية وسعتها الواضحة الجلية هو جعل ذلك من قبيل ما ورد من السكوت عن ما سكت الله عنه وإبهام ما أبهمه :

فروى الشيخ المفيد (عطر الله مرقده) في كتاب المجالس بسنده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان الله تعالى حد لكم حدودا فلا تعتدوها وفرض عليكم فرائض فلا تضيعوها وسن لكم سننا فاتبعوها وحرم عليكم حرمات فلا تنتهكوها وعفا لكم عن أشياء رحمة منه من غير نسيان فلا تتكلفوها».

وروى في كتاب عوالي اللئالي عن إسحاق بن عمار عن الصادق عليه‌السلام (٢) «ان عليا عليه‌السلام كان يقول : أبهموا ما أبهم الله».

وروى الصدوق في الفقيه (٣) من خطبة أمير المؤمنين عليه‌السلام حيث قال : «ان الله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تنقصوها وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم فاقبلوها. الحديث».

ومن أراد مزيد تحقيق لما ذكرناه من هذا الكلام فليرجع الى شرحنا على كتاب مدارك الأحكام وما قدمناه في كتاب الطهارة من هذا الكتاب.

__________________

(١) البحار ج ٢ ص ٢٦٣ رقم ١١ الطبع الحديث.

(٢) البحار ج ٢ الباب ٣٣ من كتاب العلم.

(٣) باب (نوادر الحدود) وفي الوسائل الباب ١٢ من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به.


وبذلك يظهر ان جميع ما ذكروه من الأبحاث في النية في كتاب الصيام وكتاب الصلاة وكتاب الطهارة ونحوها من ما لا أثر يترتب عليه ولا حاجة تلجئ اليه بل هو من باب «اسكتوا عن ما سكت الله عنه» (١).

وكلامهم في جميع هذه المواضع كلها يدور على النية التي اصطلحوا عليها وهي الكلام النفسي والتصوير الفكري الذي قدمنا ذكره وقد عرفت انه ليس هو النية حقيقة.

الرابع ـ انه لا يقع في شهر رمضان صوم غير الصوم الواجب فيه بالأصالة فلو نوى غيره واجبا كان أو ندبا فإنه لا يقع ، وهل يجزئ عن شهر رمضان أم لا؟

والخلاف هنا وقع في موضعين أحدهما ـ انه هل يقع في شهر رمضان صوم غيره أم لا؟ المشهور الثاني.

فعلى هذا لو أراد المسافر صومه ندبا بناء على جواز الصوم المندوب في السفر أو واجبا بالنذر كما إذا قيده بالحضر والسفر لم يكن له ذلك :

أما أولا ـ فلأن العبادات توقيفية متلقاة من الشارع فيتوقف جواز ذلك على النقل وليس فليس فيكون فعله بدعة محرمة.

واما ثانيا ـ فلما رواه الشيخ عن الحسن بن بسام الجمال عن رجل (٢) قال : «كنت مع أبى عبد الله عليه‌السلام في ما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم ثم رأينا هلال شهر رمضان فأفطر قلت له جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت صائم واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر؟ فقال : ان ذلك تطوع ولنا أن نفعل ما شئنا وهذا فرض فليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا».

وما رواه عن إسماعيل بن سهل عن رجل (٣) قال : «خرج أبو عبد الله عليه‌السلام من المدينة في أيام بقين من شهر شعبان وكان يصوم ثم دخل عليه شهر رمضان وهو

__________________

(١) أورده بهذا اللفظ القضاعي في الشهاب في حرف الالف.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٢ ممن يصح منه الصوم.


في السفر فأفطر فقيل له تصوم شعبان وتفطر شهر رمضان؟ فقال نعم شعبان الي أن شئت صمت وان شئت لا وشهر رمضان عزم من الله على الإفطار».

ونقل عن الشيخ في المبسوط انه جوز التطوع بالصوم من المسافر في شهر رمضان ، وهو ضعيف لما عرفت من انتفاء التوقيف مع انه عبادة تتوقف على ذلك وإلا لم تكن مشروعة ، ولأن الرواية التي اعتمد عليها في جواز صيام النافلة في السفر قد تضمنت لعدم وقوعه في شهر رمضان.

الموضع الثاني ـ انه مع نية غيره هل يجزئ عن شهر رمضان متى كان حاضرا أم لا؟ قولان اختار أولهما جمع من الأصحاب : منهم ـ الشيخ والمحقق والمرتضى (رضى الله عنهم) وثانيهما جماعة من الأصحاب : منهم ـ ابن إدريس والعلامة ، واليه جنح في المدارك.

والظاهر انه لا خلاف في الاجزاء مع الجهل بالشهر كما اعترف به الأصحاب في صيام يوم الشك بنية الندب واجزائه عن شهر رمضان مع تبين كونه منه ، إنما الخلاف مع العلم.

حجة الأول ـ كما استدل به في المعتبر ـ ان النية المشروطة حاصلة في نية القربة وما زاد لغو لا عبرة به فكان الصوم حاصلا بشرطه فيجزئ عنه.

وأورد عليه بأنه يشكل بان من هذا شأنه لم ينو المطلق لينصرف الى رمضان وانما هو نوى صوما معينا فما نواه لم يقع وغيره ليس بمنوي فيفسد لانتفاء شرطه.

حجة الثاني كما ذكره العلامة في المختلف التنافي بين نية صوم رمضان ونية غيره ، وبأنه منهي عن نية غيره والنهى مفسد ، وبان مطابقة النية للمنوي واجبة.

وأجيب : اما عن الأول فبأن التنافي مسلم لكن لم لا يجوز أن يكفي في صحة صيام رمضان نية الإمساك مع التقرب ولا يعتبر فيها نية خصوصية كونه صوم رمضان؟ لا بد لنفي ذلك من دليل.

أقول : فيه ان الذي علم من الاخبار وهو الموافق للقواعد الشرعية من قولهم


(عليهم‌السلام) (١) «لكل امرئ ما نوى». و «لا عمل إلا بنية» (٢). ونحوهما والذي جرى عليه السلف من زمن التكليف الى الآن هو نية الصيام المخصوص بهذا الشهر ، فهذا هو الذي علم صحته وإثبات صحة ما عداه يحتاج الى دليل لأن العبادات توقيفية والذي علم من الأدلة هو ما ذكرناه ، فلا بد لإثبات ما ذكره من دليل إذ مقتضى الأصول عدمه لا انه لا بد لنفيه من دليل كما ادعاه.

واما عن الثاني فبان النهى متعلق بخصوصية نية كونه غير صوم رمضان وهي أمر خارجة عن حقيقة العبادة فلا يستلزم النهى عنها بطلان الصوم.

أقول : يمكن أن يكون مراد المستدل بما ذكره إنما هو انه لما كان منهيا عن هذه النية فالنهي عنها موجب لفسادها وحينئذ فتبقى العبادة التي أتى بها خالية من النية. وقوله ـ ان النية خارجة عن حقيقة العبادة فلا يستلزم النهى عنها بطلان الصوم ـ مردود بما اتفقوا عليه من أن النية لا تخرج عن كونها شرطا أو شطرا من العبادة ، وعلى أى منهما فالنهي عنها يوجب البطلان لما قرروه من أن النهى عن العبادة أو شرطها أو جزئها موجب لفسادها.

واما عن الثالث فبان وجوب مطابقة النية بجميع أجزائها وخصوصياتها للمنوي غير مسلم ، وان أراد المطابقة في الجملة فهي حاصلة في موضع البحث.

أقول : يلزم بمقتضى ما ذكره من الاكتفاء بهذه المطابقة الجملية في هذا المقام صحة صلاة الظهر لو نوى بها العصر وبالعكس لاشتراكهما في كونهما صلاة كما اشترك صوم رمضان وصوم ما نواه من غيره في كونهما صوما ولا أظنه يلتزمه.

وبالجملة فإن ما ذكره من هذه المناقشات ليس فيه مزيد فائدة.

وكيف كان فالمسألة لخلوها من النص لا تخلو من اشكال وإثبات الأحكام الشرعية بمجرد هذه التعليلات مجازفة محضة والاحتياط لا يخفى.

الخامس ـ لو نوى الوجوب بكونه من شهر رمضان في يوم الشك وهو آخر

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥ من مقدمة العبادات والباب ٢ من وجوب الصوم ونيته.


يوم من شعبان فالمشهور انه يكون فاسدا ولا يجزئ عن أحدهما ، لا عن شهر رمضان وان ظهر كونه منه لوقوعه في شهر شعبان ظاهرا والأحكام الشرعية إنما بنيت على الظاهر ، ولا عن شعبان لعدم نيته ، فما نواه غير واقع بحسب الظاهر الذي هو مناط التكليف وما هو واقع غير منوي ، وعلى ذلك تدل الأخبار الآتية.

والى هذا القول ذهب الشيخ والمرتضى والصدوقان وأبو الصلاح وسلار وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس والفاضلان وغيرهم وهو المعتمد ، وذهب ابن ابى عقيل وابن الجنيد إلى انه يجزئه عن شهر رمضان واليه ذهب الشيخ في الخلاف.

واستدل على القول الأول بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام (١) «في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان؟ فقال عليه‌السلام عليه قضاؤه وان كان كذلك».

والاستدلال بهذا الخبر مبنى على تعلق قوله «من رمضان» بقوله «يصوم» بمعنى انه لا يجوز صيام يوم الشك على انه من شهر رمضان فلو صامه وظهر كونه من شهر رمضان لم يجزئ عنه ووجب قضاؤه ، واما لو علق بقوله «يشك» فلا دلالة فيه ويحمل الأمر فيه بالقضاء على التقية لاتفاق العامة على عدم الاجزاء عن شهر رمضان لو ظهر كونه منه (٢).

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من وجوب الصوم ونيته.

(٢) في نيل الأوطار بعد ذكر أحاديث المنتقى بعنوان باب (ما جاء في يوم الغيم والشك) ج ٤ ص ٢٠١ قال ص ٢٠٤ : وقد استدل بهذه الأحاديث على المنع من صوم يوم الشك ، قال النووي وبه قال مالك والشافعي والجمهور. وحكى الحافظ في الفتح عن مالك وابى حنيفة انه لا يجوز صومه عن فرض رمضان ويجوز عن ما سوى ذلك. قال ابن الجوزي في التحقيق : ولا حمد في هذه المسألة وهي ما إذا حال دون مطلع الهلال غيم أو غيره ليلة الثلاثين من شعبان ثلاثة أقوال : أحدها ـ يجب صومه على انه من رمضان. وثانيها ـ لا يجوز فرضا ولا نقلا مطلقا بل قضاء وكفارة ونذرا ونفلا يوافق عادة. وثالثها ـ المرجع إلى رأى الامام في الصوم والفطر. وذهب جماعة من الصحابة إلى


ومثله في ذلك ما رواه الشيخ في التهذيب عن هشام بن سالم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «انه قال في يوم الشك : من صامه قضاه وان كان كذلك. يعنى من صامه على انه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه وان كان يوما من شهر رمضان لأن السنة جاءت في صيامه على انه من شعبان ومن خالفها كان عليه القضاء».

وقوله : «يعنى من صامه. الى آخره» يحتمل أن يكون من كلام الشيخ في التهذيب ويحتمل أن يكون من كلام أحد الرواة تقييدا لإطلاق الخبر.

والاحتمال الذي قدمناه في الخبر الأول قائم أيضا هنا وبه صرح الشيخ في الاستبصار أيضا.

والأظهر الاستدلال على ذلك بما رواه الكليني في الكافي في الموثق عن سماعة (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل صام يوما وهو لا يدرى أمن شهر رمضان هو أم من غيره فجاء قوم فشهدوا انه كان من شهر رمضان فقال بعض الناس عندنا لا يعتد به فقال بلى فقلت انهم قالوا صمت وأنت لا تدري أمن شهر رمضان هذا أم من غيره؟ فقال بلى. فاعتد به فإنما هو شي‌ء وفقك الله له إنما يصام يوم الشك من شعبان ولا يصومه من شهر رمضان لأنه قد نهى ان ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشك وإنما ينوي من الليلة أنه يصوم من شعبان فان كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضل الله تعالى وبما قد وسع على عباده ولو لا ذلك لهلك الناس».

__________________

صومه. وعد قسما منهم ثم قال وجماعة من التابعين. الى أن قال : وقال جماعة من أهل البيت باستحبابه وقد ادعى المؤيد بالله انه أجمع على استحباب صومه أهل البيت. وفي المجموع ج ٦ ص ٤٠٣ و ٤٠٨ ذكر مذاهب العلماء في صوم يوم الشك بعد ان ذكر ص ٣٩٩ ان الشافعية لا يجوز عندهم صوم يوم الشك عن رمضان ، وفي المغني ج ٣ ص ٨٩ والمحلى ج ٧ ص ٢٣ وبدائع الصنائع ج ٢ ص ٧٨ ذكر الاختلاف فيه ايضا.

(١) الوسائل الباب ٦ من وجوب الصوم ونيته.

(٢) الوسائل الباب ٥ من وجوب الصوم ونيته.


والظاهر ان معنى قوله «لأنه قد نهى أن ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشك» يعنى بصيامه من شهر رمضان مع عدم ثبوته وكون الناس إنما يعدونه من شعبان.

والظاهر ان معنى قوله «ولو لا ذلك لهلك الناس» أي لو لا التكليف بالظاهر دون الواقع ونفس الأمر ، إذ في وقوع التكليف بذلك لزوم تكليف ما لا يطاق وهو موجب لما ذكره ، فالتكليف إنما وقع بصيامه من شعبان بناء على ظاهر الحال وان كان في الواقع انه من شهر رمضان والاجزاء بعد ذلك إنما هو بتفضل منه سبحانه.

ويدل ايضا على ما ذكرناه من القول المشهور ما تقدم في أول الكتاب من حديث الزهري وحديث كتاب الفقه الرضوي وقولهما (عليهما‌السلام) (١) «وصوم يوم الشك أمرنا به ونهينا عنه : أمرنا أن نصومه من شعبان ونهينا عنه ان ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس. الى آخر ما تقدم» وقوله : «ونهينا أن ينفرد الرجل بصيامه» يعنى ما قدمنا ذكره من أن المراد صيامه من شهر رمضان.

والشيخ في التهذيب (٢) قد روى عن الزهري قال : «سمعت على بن الحسين عليه‌السلام يقول يوم الشك أمرنا بصيامه ونهينا عنه : أمرنا أن يصومه الإنسان على انه من شعبان ونهينا عن ان يصومه على انه من شهر رمضان وهو لم ير الهلال». وهو ظاهر الدلالة في المراد.

__________________

(١) ص ٥ س ٨.

(٢) ج ٤ ص ١٦٤ و ١٨٣ الطبع الحديث ، وفي الوسائل الباب ٦ من وجوب الصوم ونيته. والسند فيه يختلف عن سند الحديث الذي يرويه ص ٢٩٦ وقد تقدم ص ٣ فان ذلك يرويه عن الكليني وهذا يرويه بسند آخر مستقل.


واستدل السيد السند (قدس‌سره) في المدارك للقول المشهور أيضا بأن إيقاع المكلف الصوم في الزمان المحكوم بكونه من شعبان على انه من شهر رمضان يتضمن إدخال ما ليس من الشرع فيه فيكون حراما لا محالة كالصلاة بغير طهارة فلا يتحقق به الامتثال. وهو جيد.

واما ما أجاب به الفاضل الخراساني في الذخيرة عن ذلك ـ من أن غاية ما يستفاد من هذا الدليل تحريم نية كونه من رمضان ولا يلزم من ذلك فساد العبادة لأن النهي متعلق بأمر خارج عن العبادة ـ

ففيه ما قدمنا ذكره قريبا من أن النية لا تخلو من أن تكون شرطا أو شطرا من العبادة ، وعلى أى منهما فتوجه النهي إليها موجب لبطلان العبادة إذ لا خلاف بينهم في ما أعلم في أن توجه النهي إلى العبادة أو جزئها أو شرطها موجب لبطلانها ولم نقف للقول الثاني على دليل إلا ما نقل عن الشيخ في الخلاف من انه احتج على ذلك بإجماع الفرقة واخبارهم على انه من صام يوم الشك أجزأ عن شهر رمضان ولم يفرقوا. وأورد عليه بان الفرق في النص وكلام الأصحاب متحقق كما تقدم.

قال السيد السند (قدس‌سره) في المدارك : ولا يخفى ان نية الوجوب مع الشك إنما يتصور من الجاهل الذي يعتقد الوجوب لشبهة أما العالم بانتفائه شرعا فلا يتصور منه ملاحظة الوجوب إلا على سبيل التصور وهو غير النية فإنها إنما تتحقق مع الاعتقاد كما هو واضح. انتهى.

أقول : لا يخفى أن تخصيص محل الخلاف بما فرضه هنا من الجاهل الذي يعتقد الوجوب لشبهة موجب للقدح في استدلاله الذي قدمنا نقله عنه من أن إيقاع المكلف الصوم في الزمان المحكوم بكونه من شعبان على انه من شهر رمضان يتضمن إدخال ما ليس من الشرع فيه ، فان للقائل أن يقول ان هذا الكلام انما يتوجه الى العالم إذ الجاهل من حيث الشبهة التي فرضها لا يكون الزمان عنده محكوما


بكونه من شهر شعبان فلا يتضمن إدخال ما ليس من الشرع فيه ، وكون ذلك واقعا كذلك لا مدخل له في المقام إذ الكلام بالنظر الى ظاهر اعتقاد المكلف.

وبالجملة فإن الدليل المذكور لا يتم مع فرض المسألة كما ذكره ومع بطلان هذا الدليل الذي هو معتمدة في المسألة يصير اختياره للقول المشهور عاريا عن الدليل ، لأنه قد استدل بعد هذا الدليل بصحيحة محمد بن مسلم وقد قدمنا ما يرد عليها ثم استدل بموثقة سماعة ورواية الزهري وهما باصطلاحه من الضعيف الذي لا يقوم حجة ولا يثبت دليلا كما لا يخفى.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان بعض الأخبار المتعلقة بهذه المسألة زيادة على ما ذكرنا لا تخلو من الإجمال وقيام الاحتمال :

ومنها ـ صحيحة معاوية بن وهب أو حسنته (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان فيكون كذلك؟ فقال هو شي‌ء وفق له».

فان قوله : «من شهر رمضان» يحتمل تعلقه ب «يصوم» يعنى يصوم يوم الشك بنية كونه من شهر رمضان ، وحينئذ فقوله عليه‌السلام «هو شي‌ء وفق له» دليل على القول الثاني ، وعلى هذا الاحتمال اعتمد في الذخيرة وجعل الخبر المذكور معارضا لصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة بناء على استدلال الأصحاب بها. ويحتمل تعلقه ب «يشك فيه» وحينئذ فيكون الخبر موافقا لما ذكره الأصحاب ودلت عليه الأخبار من استحباب صوم يوم الشك بنية كونه من شعبان وانه يجزئ عن شهر رمضان. والظاهر هو رجحان هذا الاحتمال لأن جملة الأحاديث المشتملة على انه يوم وفق له إنما وردت في صيامه بنية كونه من شعبان كما تقدم في موثقة سماعة ومثلها غيرها من ما سيأتي ان شاء الله تعالى. وبه يظهر بطلان الاحتمال الأول الذي عول عليه في الذخيرة.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من وجوب الصوم ونيته.


ومنها ـ رواية سماعة (١) قال : «سألته عن اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان لا يدرى أهو من شعبان أو من رمضان فصامه من شهر رمضان؟ قال هو يوم وفق له ولا قضاء عليه».

وهذه الرواية رواها الشيخ في التهذيب (٢) نقلا عن الكافي هكذا وهي بظاهرها دالة على القول الثاني ومؤيدة للاحتمال الأول في صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة ، إلا أن الرواية في الكافي (٣) هكذا : «فصامه فكان من شهر رمضان» وبذلك يظهر حصول الغلط في الخبر ونقصان «فكان» من رواية الشيخ كما هو معلوم من طريقته في الكتاب المذكور وما جرى له فيه من التحريف والتغيير والزيادة والنقصان في متون الأخبار وأسانيدها ، وبذلك تكون الرواية موافقة لما عليه الأصحاب والاخبار.

وبما حققناه في المقام يظهر قوة القول المشهور وانه المؤيد المنصور وان ما ذكره في الذخيرة من الاستشكال في المسألة بناء على ما قدمنا نقله عنه لا يخلو من القصور.

السادس ـ الظاهر انه لا خلاف في انه لو صام يوم الشك بنية الندب ثم ظهر كونه من شهر رمضان فإنه يجزئ عنه ولا يجب عليه قضاؤه.

ويدل على ذلك الأخبار المتكاثرة ومنها ما تقدم من موثقة سماعة وروايته الثانية بناء على رواية صاحب الكافي.

وما رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح عن سعيد الأعرج (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انى صمت اليوم الذي يشك فيه فكان من شهر رمضان أفاقضيه؟ قال لا هو يوم وفقت له».

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ٥ من وجوب الصوم ونيته.

(٢) ج ١ ص ٤٠٣.

(٣) الفروع ج ١ ص ١٨٥.


وعن محمد بن حكيم (١) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن اليوم الذي يشك فيه فان الناس يزعمون ان من صامه بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان؟ فقال كذبوا ان كان من شهر رمضان فهو يوم وفق له وان كان من غيره فهو بمنزلة ما مضى من الأيام».

وعن بشير النبال عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن صوم يوم الشك فقال صمه فإن يك من شعبان كان تطوعا وان يك من شهر رمضان فيوم وفقت له».

وعن الكاهلي في الحسن (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن اليوم الذي يشك فيه من شعبان قال لأن أصوم يوما من شعبان أحب الى من أن أفطر يوما من شهر رمضان».

ومعناه ان صيام هذا اليوم من شعبان أحب الى من أن أفطر فيظهر كونه من شهر رمضان فيكون بمنزلة من أفطر في شهر رمضان ووجب عليه القضاء.

وروى شيخنا المفيد (قدس‌سره) في المقنعة (٤) قال : وروى أبو الصلت عبد السلام بن صالح قال حدثني على بن موسى الرضا عن أبيه عن جده (عليهم‌السلام) انه قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من صام يوم الشك فرارا بدينه فكأنما صام الف يوم من أيام الآخرة غرا زهرا لا يشاكان أيام الدنيا».

قال (٥) وروى أبو خالد عن زيد بن على بن الحسين عن آبائه عن على بن أبى طالب (عليهم‌السلام) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صوموا سر الله. قالوا يا رسول الله وما سر الله؟ قال يوم الشك».

واما ما دل بظاهره على خلاف ما دلت عليه هذه الاخبار من تحريم صوم يوم الشك ـ مثل ما رواه الشيخ في التهذيب عن قتيبة الأعشى (٦) قال : «قال

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٥ من وجوب الصوم ونيته.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ١٦ من أحكام شهر رمضان.

(٦) الوسائل الباب ٦ من وجوب الصوم ونيته والباب ١ من الصوم المحرم والمكروه.


أبو عبد الله عليه‌السلام نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن صوم ستة أيام : العيدين وأيام التشريق واليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان».

وما رواه فيه عن عبد الكريم بن عمرو (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انى جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم؟ فقال لا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيام التشريق ولا اليوم الذي يشك فيه».

ورواه في الفقيه عن عبد الكريم أيضا (٢). وما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن الفضيل (٣) قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن اليوم الذي يشك فيه لا يدرى أهو من شهر رمضان أو من شعبان؟

فقال : شهر رمضان شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة والنقصان فصوموا للرؤية وأفطروا للرؤية ولا يعجبني أن يتقدمه أحد بصيام يوم وذكر الحديث» ـ.

فقد حمله الشيخ على صومه بنية شهر رمضان واستدل بحديث الزهري المتقدم ، والأقرب عندي حمل النهى عن صومه على التقية لما أشارت إليه جملة من الأخبار المتقدمة من الرد على العامة في ما ذهبوا اليه من تحريم صومه (٤).

تنبيهات

الأول ـ ينبغي أن يعلم ان المراد بيوم الشك في هذه الأخبار ليس هو مطلق الثلاثين من شعبان بل المراد به إنما هو في ما إذا حصل الاختلاف في رؤية هلال شعبان على وجه لم تثبت الرؤية فإن اليوم الثلاثين بناء على دعوى الرؤية قبل ذلك يكون أول شهر رمضان وعلى دعوى العدم يكون من شهر شعبان ، أو حصل الاختلاف في رؤية هلال شهر رمضان كذلك فإنه على تقدير دعوى الرؤية يكون

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٦ من وجوب الصوم ونيته.

(٣) الوسائل الباب ٥ من أحكام شهر رمضان.

(٤) ارجع الى التعليقة ٢ ص ٣٤.


من شهر رمضان وعلى تقدير عدمها يكون من شهر شعبان ، وكذا في صورة ما إذا علم هلال شعبان لكن اتفق حصول غيم مانع من الرؤية ليلة الثلاثين ، فإنه في جميع هذه الصور يكون يوم شك ، وهذا هو الذي وردت الاخبار باستحباب صومه وانه ان ظهر من شهر رمضان فهو يوم وفق له. واما لو كان هلال شعبان معلوما يقينا ولم يدع أحد الرؤية ليلة الثلاثين منه ولم تكن في السماء علة مانعة من الرؤية فإن هذا اليوم من شعبان قطعا وليس هو بيوم شك.

ويدل على ذلك من الاخبار ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب بسنديهما عن هارون بن خارجة (١) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام عد شعبان تسعة وعشرين يوما فان كانت متغيمة فأصبح صائما وان كانت صاحية وتبصرته ولم تر شيئا فأصبح مفطرا».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن الربيع بن ولاد عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «إذا رأيت هلال شعبان فعد تسعة وعشرين يوما فإن أصبحت فلم تره فلا تصم وان تغيمت فصم».

وهما ظاهران في أن أمره عليه‌السلام بالصوم مع الغيم إنما هو من حيث كونه يوم الشك الذي ورد فيه ما تقدم من انه يوم وفق له واما مع الصحو فليس هو كذلك.

ويدل على ذلك ايضا ما رواه الشيخ في التهذيب عن معمر بن خلاد عن أبى الحسن عليه‌السلام (٣) قال : «كنت جالسا عنده آخر يوم من شعبان فلم أره صائما فأتوه بمائدة فقال ادن. وكان ذلك بعد العصر قلت له جعلت فداك صمت اليوم. فقال لي ولم؟ قلت جاء عن أبى عبد الله عليه‌السلام في اليوم الذي يشك فيه انه قال يوم وفق له فقال أليس تدرون إنما ذلك إذا كان لا يعلم أهو من شعبان أم من شهر رمضان فصامه الرجل فكان من شهر رمضان فكان يوما وفق له؟ فاما وليس علة ولا شبهة

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٦ من أحكام شهر رمضان.

(٣) الوسائل الباب ٥ و ٤ من وجوب الصوم ونيته.


فلا. فقلت أفطر الآن؟ فقال لا. فقلت وكذلك في النوافل ليس لي أن أفطر بعد الظهر؟ قال نعم».

والظاهر ان ما دل عليه الخبران الأولان صريحا والثالث ظاهرا من عدم صوم يوم الثلاثين مع عدم العلة والشبهة هو مستند الشيخ المفيد (قدس‌سره) في ما نقل عنه من كراهية صوم هذا اليوم مع الصحو كما نقله عنه في البيان حيث قال : ولا يكره صوم يوم الشك بنية شعبان وان كانت الموانع من الرؤية منتفية ، وقال المفيد يكره مع الصحو إلا لمن كان صائما قبله. انتهى.

وما نقل هنا عن الشيخ المفيد (قدس‌سره) لعله من غير المقنعة لأن كلامه في المقنعة صريح في الاستحباب مطلقا كما لا يخفى على من راجعه.

ثم لا يخفى عليك ان ظاهر كلام جملة من أصحابنا ان يوم الشك عندهم هو يوم الثلاثين مطلقا كما لا يخفى على من راجع عباراتهم ومنها عبارة البيان المنقولة هنا.

وفيه ما عرفت من دلالة الأخبار التي قدمناها على ان يوم الثلاثين من شعبان مع عدم العلة في السماء وعدم الاختلاف في الرؤية ليس بيوم شك ولا يستحب صومه من حيث كونه يوم شك.

وربما سبق الى بعض الأوهام من هذه الأخبار التي قدمناها دالة على عدم استحباب صوم هذا اليوم مع عدم العلة هو تحريم صيامه نظرا الى ظاهر النهي في بعضها. وهو توهم ضعيف لما دل على استحباب الصوم مطلقا (١) وصوم شعبان بخصوصه كلا أو بعضا (٢) وما دل عليه آخر رواية معمر بن خلاد من النهى عن الإفطار والحال ذلك وقول الراوي «وكذلك في النوافل» يعنى غير هذا المؤذن بكونه من النوافل.

وأبعد من ذلك ما نقل ايضا عن بعض القاصرين من تحريم الإفطار يوم الشك

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من الصوم المندوب.

(٢) الوسائل الباب ٢٨ من الصوم المندوب.


مطلقا فرضا ونفلا كما نقله بعض الأفاضل.

الثاني ـ الحق الشهيدان بشهر رمضان في الاكتفاء بنية الندب متى ظهر كونه من شهر رمضان كل واجب معين فعل بنية الندب مع عدم العلم ، ونفى عنه البأس جملة ممن تأخر عنهما : منهم ـ السيد السند في المدارك والمحدث الكاشاني في المفاتيح والفاضل الخراساني في الذخيرة.

وعندي فيه توقف لأن الإلحاق المذكور لا يخرج عن القياس إذ مورد الدليل شهر رمضان خاصة واشتراك الصوم المعين مع شهر رمضان في التعين وكون الزمان لا يصلح لغيره لا يوجب تعدى الحكم المذكور.

وبالجملة فالأحكام الشرعية مقصورة عندنا على الأدلة الواضحة خصوصا أو عموما واما تعديها بمجرد المشاركة والمناسبة ونحو ذلك فهو لا يطابق الأصول الواردة عن أصحاب العصمة (صلوات الله عليهم).

وصرح الشهيد في الدروس ـ بعد حكمه بتأدي رمضان بنية النفل مع عدم علمه ـ بتأدية وكذا تأدى كل معين بنية الفرض من غيره ايضا بطريق أولى ، ونفى عنه البعد في المدارك. وفيه ما عرفت.

الثالث ـ لو ردد في نيته بان نوى ان كان غدا من شهر رمضان فهو صائم فرضا وان كان من شعبان فهو صائم نفلا فللشيخ في ذلك قولان : أحدهما ـ الإجزاء ذكره في المبسوط والخلاف ، والثاني العدم ذكره في باقي كتبه ، وبالأول قال ابن حمزة وابن ابى عقيل والعلامة في المختلف وهو ظاهر الدروس والبيان واليه يميل كلام المحقق الأردبيلي والمحدث الكاشاني ، والى الثاني ذهب المحقق وابن إدريس والعلامة في الإرشاد واختاره في المدارك ونسبه الى أكثر المتأخرين.

حجة القول الأول انه نوى الواقع فوجب أن يجزئه ، وانه نوى العبادة على وجهها فوجب أن يخرج من العهدة ، أما المقدمة الأولى فلأن الصوم ان كان من شهر رمضان كان واجبا وان كان من شعبان كان مندوبا ، واما الثانية فظاهرة. وبان


نية القربة كافية وقد نوى القربة.

وأجيب عن الأول والثاني بالمنع من كون النية مطابقة للواقع وكون العبادة واقعة على وجهها ، فان الوجه المعتبر هنا هو الندب خاصة وان فرض كون ذلك اليوم في الواقع من شهر رمضان ، فان الوجوب إنما يتحقق إذا ثبت دخول الشهر لا بدونه والوجوب في نفس الأمر لا معنى له.

وعن الثالث بأنه لا يلزم من الاكتفاء في صوم شهر رمضان بنية القربة الصحة مع إيقاعه على خلاف الوجه المأمور به بل على الوجه المنهي عنه.

وأجاب عنه في المعتبر أيضا بأن نية التعيين تسقط في ما علم انه من شهر رمضان لا في ما لا يعلم.

حجة القول الثاني ان صوم يوم الشك إنما يقع على وجه الندب ففعله على خلاف ذلك يكون تشريعا فلا يتحقق به الامتثال.

وأورد عليه ان غاية ما يستفاد من ذلك تحريم بعض خصوصيات النية فلا يلزم فساد الصوم. وعندي ان هذا الجواب لا يخلو من نظر.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المسألة ليس فيها نص في ما اعلم يدل على نفى أو إثبات وإثبات الأحكام الشرعية بمثل هذه التعليلات مع سلامتها من المناقض لا يخلو من مجازفة فكيف والمناقشة فيها قائمة من الطرفين ، وبذلك يظهر ان المسألة محل توقف على ان حصول الترديد هنا لا يخلو من اشكال : اما بالنسبة إلى العالم بان هذا اليوم بحسب ظاهر الشرع إنما هو من شعبان ـ وانه إنما يصام ندبا من شعبان ولا يجوز صيامه من شهر رمضان كما هو المعلوم من الاخبار المتقدمة وعليه كافة الفرقة الناجية إلا الشاذ القائل بجواز صيامه من شهر رمضان ـ فظاهر لأنه متى علم ان الشارع إنما حكم به من شهر شعبان وانما جوز صيامه بنية شعبان وحرم صيامه بنية شهر رمضان وأعلمه بأنه مع صيامه بنية شعبان يجزئه متى ظهر كونه من شهر رمضان فكيف يردد في نيته ولما ذا يردد فيها وينوي ما منعه الشارع منه مع كونه


يحسب له وان لم ينوه؟ واما بالنسبة إلى الجاهل بالحكم الشرعي فهو وان أمكن إلا ان حججهم وتعليلاتهم المذكورة لا تجتمع عليه فان حجة القول الثاني لا تتم بالنسبة إلى الجاهل كما لا يخفى.

الرابع ـ صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو صام يوم الشك بنية الندب ثم ظهر في أثناء النهار ولو قبل الغروب انه من شهر رمضان وجب ان يجدد نية الوجوب. وهو متجه على تقدير القول بوجوب نية الوجه في شهر رمضان وقد عرفت من ما قدمناه في بحث النية من كتاب الطهارة انه لم يقم دليل على اعتبار نية الوجه في شي‌ء من العبادات لا في هذا المقام ولا غيره وان القربة كافية. نعم نقل النية إلى التعيين بكونه من شهر رمضان حيث ان النية الأولى انما تعلقت بغيره من ما لا بد منه وان كان صوم شهر رمضان لا يفتقر الى تعيين لما علم من ان الزمان لا يصلح لغيره ، إلا ان هذا من ما يحصل للمكلف بعد العلم بذلك من غير اعتمال ولا تكلف.

السابع ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو أصبح في يوم الشك بنية الإفطار ثم ظهر كونه من شهر رمضان فان لم يتناول شيئا جدد نية الصوم ما بينه وبين الزوال وأجزأه ولو زالت الشمس أمسك وقضاه عند الأكثر.

اما الحكم الأول فالظاهر انه لا خلاف فيه بينهم ، وظاهر المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والتذكرة انه موضع وفاق بين العلماء.

واستدل عليه في المعتبر بما تقدم من حديث الأعرابي المنقول في الموضع الثاني (١) واستدل عليه في المدارك ايضا بما تقدم ثمة من فحوى ما دل على انعقاد الصوم من المريض والمسافر إذا زال عذرهما قبل الزوال.

وقد تقدم ما في هذه الأدلة ونحوها من عدم الصلوح لتأسيس الأحكام الشرعية والمسألة لذلك لا تخلو من توقف والعمل بالاحتياط فيها لازم.

__________________

(١) ص ١٩.


واما الحكم الثاني فهو المشهور وقد تقدم في الموضع المشار اليه نقل كلام ابن الجنيد الدال على الاجتزاء بالنية بعد الزوال إذا بقي جزء من النهار.

ولم نقف على دليل لشي‌ء من القولين المذكورين ، والذي تضمن التحديد بالزوال كموثقة عمار المتقدمة ورواية عبد الله بن بكير (١) مورده غير صيام شهر رمضان ، وكذا ما دل ظاهره على الامتداد الى ما بعد الزوال إنما ورد في ما عدا شهر رمضان ، فالحكم هنا لا يخلو من توقف في الموضعين المذكورين.

نعم ربما أمكن الاستناد في ذلك الى صحيحة هشام بن سالم المتقدمة ثمة (٢) قال : «قلت له الرجل يصبح ولا ينوي الصوم فإذا تعالى النهار حدث له رأى في الصوم؟ فقال ان هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه وان نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى». بان تحمل على ما هو أعم من شهر رمضان وان المعنى في قوله : «وان نواه بعد الزوال حسب له من الوقت» انه متى نواه بعد الزوال فهو غير مجزئ وان كان يحسب له ثواب صومه من ذلك الوقت الذي بنى فيه والمراد منه بطلان الصوم وان أثيب بمقدار هذا الجزء الباقي.

ثم لا يخفى ان وجوب الإمساك بعد العلم بكونه من الشهر بعد الزوال ليس من حيث كونه صوما لحكمهم بإيجاب قضائه وإنما هو لتحريم الأكل والشرب في الشهر بغير شي‌ء من الأعذار المنصوصة ، وكذا وجوب الإمساك عليه لو ظهر كونه من الشهر بعد أن تناول المفطر.

الثامن ـ لو نوى الإفطار في يوم من شهر رمضان ثم جدد النية للصوم قبل الزوال فالمشهور ـ بل ظاهر كلام جملة منهم الاتفاق عليه ـ هو عدم الانعقاد ، لأن الإخلال بالنية في جزء من الصوم يقتضي فوات ذلك الجزء لفوات شرطه ويلزم منه فساد الكل لان الصوم لا يتبعض فيجب قضاؤه ، وفي وجوب الكفارة بذلك قولان.

__________________

(١) ص ٢٣.

(٢) الوسائل الباب ٢ من وجوب الصوم ونيته.


وقال المحقق في الشرائع : لو نوى الإفطار في يوم من رمضان ثم جدد قبل الزوال قيل لا ينعقد وعليه القضاء ، ولو قيل بانعقاده كان أشبه.

وربما حكى القول بالانعقاد عن ظاهر كلام الشيخ ، قيل : ولعله نظر الى ظاهر ما دلت عليه صحيحة هشام بن سالم المتقدمة في الموضع الثاني (١) باعتبار دلالتها على انه بالنية قبل الزوال يحسب اليوم.

وفيه انا لم نجد أحدا من الأصحاب نقل ذلك عن الشيخ صريحا ولا ظاهرا ، وعلى تقدير صحة النقل فالاستناد إلى الصحيحة المشار إليها لا يخلو من نظر فان ظاهر سياق الخبر يعطي ان ذلك إنما هو بالنسبة إلى النافلة أو الواجب الغير المعين.

وبالجملة فإن المسألة لما كانت عارية عن النص فالحكم فيها مشكل والاحتياط فيها واجب وهو في جانب القول المشهور فيتعين العمل عليه ، ويؤيده أنه الأوفق أيضا بالأصول الشرعية والقواعد المرعية فإن من قام وقعد وركع وسجد لا بنية الصلاة لم تحسب له صلاة فكذلك من أمسك لا بقصد الصيام بل بقصد الإفطار لا يسمى صياما ، والإخلال بالصيام عمدا لغير عذر في بعض اليوم يقتضي بطلان صيام ذلك اليوم البتة. وبذلك يظهر ضعف توقف صاحب الذخيرة في هذه المسألة وانه من جملة تشكيكاته الركيكة.

وقال شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في المسالك بعد نقل قول المحقق : «ولو قيل بالانعقاد كان أشبه» : هذا ـ على القول بالاجتزاء بنية واحدة مع تقدمها أو على القول بجواز تأخير النية الى قبل الزوال اختيارا ـ متوجه لحصول النية المعتبرة والحاصل منها إنما ينافي الاستدامة الحكمية لا نفس النية ، وشرطية الاستدامة أو توقف صحة الصوم عليها غير معلوم وان ثبت ذلك في الصلاة ، واما على القول بوجوب إيقاع النية ليلا فأخل بها ثم جددها قبل الزوال ففي الصحة نظر لأن الفائت هنا نفس النية في جزء من النهار وهي شرط في صحة الصوم نفسه فيفسد ذلك الجزء

__________________

(١) ص ٢٢ وتقدمت ايضا ص ٤٧.


والصوم لا يتبعض ، وحينئذ فيقوى عدم الانعقاد. انتهى.

واعترض صدر كلامه المؤذن ببيان وجه الصحة لهذا القول سبطه السيد السند في المدارك فقال انه غير جيد ، لأن القول الثاني غير متحقق واللازم على الأول عدم اعتبار تجديد النية مطلقا للاكتفاء بالنية السابقة. ثم قال : وكيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول. انتهى. وهو جيد.

التاسع ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو نوى الإفطار في أثناء النهار بعد أن عقد الصوم ثم جدد نية الصوم بعد نية الإفطار كان صومه صحيحا ، ذهب اليه الشيخ والمرتضى وأتباعهما.

واستدلوا على ذلك بان النواقض محصورة وليست هذه النية من جملتها فمن ادعى كونها ناقضة فعليه الدليل. وبان نية الإفطار إنما تنافي نية الصوم لا حكمها الثابت بالانعقاد الذي لا ينافيه النوم والغروب إجماعا. وبان النية لا يجب تجديدها في كل أزمنة الصوم إجماعا. فلا تتحقق المنافاة.

ونقل عن ابى الصلاح انه جزم بفساد الصوم بذلك وجعله موجبا للقضاء والكفارة.

واختار العلامة في المختلف هذا القول أيضا ولكنه أوجب القضاء دون الكفارة ، فاستدل على انتفاء الكفارة بالأصل السالم من المعارض ، وعلى انه مفسد للصوم بأنه عبادة مشروطة بالنية وقد فات شرطها فتبطل. وبان الأصل اعتبار النية في جميع اجزاء العبادة لكن لما كان ذلك منتفيا اعتبر حكمها وهو أن لا يأتي بنية تخالفها ولا ينوي قطعها ، فإذا نوى القطع زالت النية حقيقة وحكما ، فكان الصوم باطلا لفوات شرطه. وبأنه عمل خلا من النية حقيقة وحكما فلا يكون معتبرا في نظر الشارع. وإذا فسد صوم جزء من النهار فسد صوم ذلك اليوم بالجمعة لأن الصوم لا يتبعض.

وأجاب العلامة في المختلف عن احتجاج الشيخ المتقدم بانا قد بينا الدليل على


ان هذه النية مبطلة للصوم من حيث انها مبطلة لشرطه اعنى نية الصوم ومبطل الشرط مبطل للشروط ، ولا نسلم حصول الشرط لأن ادامة النية شرط لما تقدم وقد فات ونحن قد بينا كون الدوام شرطا. انتهى.

أقول : لا يخفى أن مرجع الخلاف في هذه المسألة عند التأمل في أدلة القولين المذكورين إلى انه هل يشترط استدامة النية في الصوم حقيقة أو حكما أم لا؟ ومبنى القول المشهور على الثاني ومبنى القول الآخر على الأول ، وظاهر كلام شيخنا الشهيد الثاني المتقدم في سابق هذا الموضع هو عدم الاشتراط.

قال في المدارك : وقد قطع الشيخ والمرتضى والمصنف في المعتبر بعدم اشتراطها ثم قال : ولا بأس به لأنه الأصل وليس له معارض يعتد به ، ومع ذلك فالمسألة محل تردد. انتهى.

وربما يقال انه يمكن الاستدلال على وجوب الاستدامة بقوله عليه‌السلام (١) «إنما الأعمال بالنيات». وفيه انه يمكن أن يقال ان العمل هنا لم يقع إلا بنية فيدخل تحت الخبر ، وليس في الخبر المذكور أزيد من أنه يجب وقوعه عن نية وقصد وهو كذلك واما انه يجب استمرار ذلك القصد فلا دلالة فيه عليه.

ويمكن الاستدلال على الصحة في موضع البحث بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (٢) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : ما يضر الصائم ما صنع

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من مقدمة العبادات والباب ٢ من وجوب الصوم ونيته.

(٢) الوسائل الباب ١ من ما يمسك عنه الصائم. وقد رواه في التهذيب ج ٤ الطبع الحديث عن محمد بن مسلم بطرق ثلاثة : الأول ص ١٨٩ عن على بن مهزيار عن ابن ابى عمير ، الثاني ص ٢٠٢ عن الحسين بن سعيد عن ابن ابى عمير ، الثالث ص ٣١٨ عن محمد ابن على بن محبوب عن يعقوب بن يزيد عن ابن ابى عمير ، وفي الأولين اللفظ هكذا : «إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس» نعم في الثاني في التعليقة (١) ان في بعض المخطوطات «أربع» وفي الثالث «إذا اجتنب أربع خصال ...» كما في الفقيه ج ٢ ص ٦٧ واللفظ في الأولين «لا يضر» وفي الثالث «ما يضر» ولا يخفى ان


إذا اجتنب اربع خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس». إلا انه يمكن تطرق الاحتمال الى تخصيص ذلك بأفعال الجوارح كما يشير اليه قوله «ما صنع» أو كون الحصر إضافيا لا حقيقيا.

وبالجملة فالمسألة لعدم النص لا تخلو من الاشكال والاحتياط فيها مطلوب على كل حال وهو في جانب القول الثاني.

بقي هنا شي‌ء وهو ان ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو انه لا بد في صحة الصوم بعد نية الإفطار من تجديد نية الصوم وإلا كان باطلا ، بل صرح العلامة بذلك في المنتهى فقال : قد بينا انه لو نوى الإفطار بعد انعقاد الصوم لم يفطر لأنه انعقد شرعا فلا يخرج عنه إلا بدليل شرعي. هذا إذا عاد ونوى الصوم اما لو لم ينو بعد ذلك الصوم فالوجه وجوب القضاء.

واعترضه في المدارك بعد نقل ذلك عنه بأنه غير جيد لأن المقتضي للفساد عند القائل به العزم على فعل المفطر فان ثبت ذلك وجب الحكم بالبطلان مطلقا وإلا وجب القول بالصحة كذلك كما أطلقه في المعتبر. انتهى.

وهو جيد وبه تزيد المسألة إشكالا فإن الحكم بصحة الصوم بعد النية أولا ثم الرجوع عنها إلى نية الإفطار والاستمرار على هذه النية الى ان ينقضي النهار من ما يكاد يقطع بعدمه.

والأقرب الى التحقيق في هذا المقام أن يقال ان العبادات لما كانت توقيفية والمعلوم من الشرع وهو الذي عليه جرى السلف من زمنه صلى‌الله‌عليه‌وآله هو وجوب النية في الصوم بل غيره من العبادات واستصحاب تلك النية فعلا أو حكما الى آخر العبادة ، فإنه لم يرد ولم ينقل صحته مع العدول عن تلك النية إلى نية تغايرها استمر عليها أو لم يستمر ، فالحكم بالصحة في هذه الصورة خارج عن التوقيف المعلوم من

__________________

ابن ابى عمير يرويه عن حماد بن عثمان عن محمد بن مسلم وسيأتي التعرض من المصنف (قدس‌سره) لذلك في المسألة الأولى من مسائل المطلب الثاني.


الشرع ، وحينئذ فقول المستدل ـ ومن ادعى كونها ناقضة فعليه الدليل ـ مردود بان الدليل على النقض خروجه عن التوقيف الواجب اعتباره في العبادات ، فان الحكم بصحتها يتوقف على وقوعها على الوجه الذي علم من صاحب الشريعة والذي علم منه يقينا هو اعتبار استمرار النية فعلا أو حكما ولم يعلم منه جواز تركها أو العدول عنها الى ما ينافيها ، فالمدعى لصحة العبادة على هذا الوجه عليه الدليل. وبذلك يظهر ان الأصح في المسألة ما ذهب إليه في المختلف مع تأيده بالاحتياط كما عرفت.

العاشر ـ ذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف إلى انه يختص شهر رمضان بجواز تقديم نيته عليه فلو سها عن النية وقت دخوله اكتفى بالنية الأولى ، ونقله في الخلاف عن الأصحاب وصرح بجواز تقديمها بيوم أو يومين.

قال المحقق في المعتبر بعد أن عزى ذلك الى الشيخ وذكر انه لم يذكر له مستندا : ولعل ذلك لكون المقارنة غير مشروطة وكما جاز أن يتقدم من أول ليلة الصوم وان تعقبها النوم والأكل والشرب والجماع جاز ان يتقدم على تلك الليلة بالزمان المقارب كاليومين والثلاثة. لكن هذه الحجة ضعيفة لأن تقديمها في أول ليلة الصوم مستفاد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) «من لم يبيت نية الصوم من الليل فلا صيام له». ولأن إيقاعها قبل الفجر بحيث يكون طلوعه عند إكمال النية عسر فينتفى ، وليس كذلك التقديم بالأيام ولأن الليلة متصلة باليوم اتصال اجزاء النهار بخلاف الأيام. انتهى.

أقول : قد نقل العلامة في المختلف عن الشيخ انه احتج بمضمون ما ذكره في المعتبر ثم رده بنحو ما ذكره في المعتبر ايضا. قال السيد السند في المدارك بعد أن استجود كلام المعتبر : والأصح عدم

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٠٢ عن حفصة عن النبي (ص) «من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له» وارجع في اختلاف لفظ الحديث باختلاف طرفه إلى المغني ج ٣ ص ٩١ ايضا.


الاكتفاء بالعزم المتقدم لان من شرط النية المقارنة للمنوي ، خرج من ذلك تقديم نية الصوم من الليل بالنص والإجماع فيبقى الباقي. انتهى.

ثم ان الشيخ (رحمه‌الله) صرح في النهاية والمبسوط بان العزم السابق إنما يجزئ مع السهو عن تجديد النية عند دخول الشهر ، بل قال الشهيد في البيان : ولو ذكر عند دخول الشهر لم يجزئ العزم السابق قولا واحدا. ولا ريب ان هذا التفصيل من ما يوجب ضعف القول المذكور بناء على أصولهم وقواعدهم ، فإن المقارنة ان كانت معتبرة كما هو المشهور في كلامهم والدائر على ألسنة أقلامهم لم يمكن الاعتماد على العزم السابق مطلقا سها عن النية أو لم يسه وان لم تكن معتبرة وجب الاكتفاء بالعزم السابق مطلقا.

وأنت خبير بان كلامهم هنا كله يدور على النية بالمعنى الذي قدمنا نقله عنهم الذي هو عبارة عن الحديث النفسي والتصوير الفكري الذي يقارن به الفعل بحيث يكون الفعل على آخره من غير فصل وزمان ، وقد عرفت ان النية ليست هذه فإن الأمر فيها أهون من ما ذكروه ، وهذا البحث من أوله الى آخره كسائر ابحاثهم المتقدمة ساقط على المعنى الذي حققناه آنفا.

الحادي عشر ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان نية الصبي المميز صحيحة وصومه شرعي وكذا جملة عباداته شرعية ، بمعنى انها مستندة الى أمر الشارع فيستحق عليها الثواب لا تمرينية ، ذهب اليه الشيخ وجمع : منهم ـ المحقق وغيره لإطلاق الأمر ، ولأن الأمر بالأمر بالشي‌ء أمر بذلك الشي‌ء ، بمعنى ان الظاهر من حال الآمر كونه مريدا لذلك الشي‌ء.

وقال العلامة في المختلف بعد أن نقل القول المذكور عن الشيخ : وعندي في ذلك اشكال والأقرب انه على سبيل التمرين ، واما انه تكليف مندوب إليه فالأقرب المنع ، لنا ـ ان التكليف مشروط بالبلوغ ومع انتفاء الشرط ينتفي المشروط. انتهى

ويمكن تطرق القدح إليه بأن اعتبار هذا الشرط على إطلاقه محل نظر ، فان


العقل لا يأبى توجيه الخطاب الى المميز والعلوم من الشرع ان التكليف المتوقف على البلوغ إنما هو التكليف بالوجوب والتحريم لحديث رفع القلم (١) ونحوه اما التكليف المندوب فلا مانع منه عقلا ولا شرعا.

ويعضد ما قلناه ما ورد في الأخبار من جواز عتق الصبي ابن عشر سنين وصدقته ووصيته :

ففي رواية زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز له في ماله ما أعتق وتصدق وأوصى على حد معروف وحق فهو جائز».

وفي رواية عبد الرحمن بن ابى عبد الله البصري (٣) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيته».

وبمضمون ذلك في الوصية أخبار عديدة (٤).

وفي موثقة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٥) قال : «يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل وصدقته ووصيته وان لم يحتلم».

وفي رواية أبي بصير (٦) «فإذا كان ابن سبع سنين فاوصى من ماله باليسير في حق جازت وصيته».

ومنها ـ الأخبار الدالة على جواز إمامته كموثقة غياث بن إبراهيم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٧) قال : «لا بأس بالغلام الذي لم يبلغ الحلم ان يؤم القوم وان يؤذن». ونحوها رواية طلحة بن زيد (٨) وبمضمونهما عمل الشيخ وجمع من الأصحاب

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من مقدمة العبادات ، وسنن البيهقي ج ٨ ص ٢٦٤.

(٢ و ٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ٤٤ من الوصايا.

(٥) التهذيب ج ٢ ص ٣٨٥ وفي الوسائل الباب ١٥ من الوقوف والصدقات وفيه «جميل بن دراج عن أحدهما ع» وفي التهذيب «جميل عن محمد بن مسلم عن أحدهما ع».

(٧ و ٨) الوسائل الباب ١٤ من صلاة الجماعة.


ومن الظاهر ان اذن الشارع له في الصدقة والوقف والعتق والإمامة موجب لترتب الثواب عليها فتكون شرعية ويدخل بها تحت الأوامر المطلقة بالعتق والصدقة والإمامة ونحوها فيكون داخلا تحت الخطاب مستحقا للأجر والثواب.

وأصحابنا (رضوان الله عليهم) كما قدمنا النقل عنهم إنما استندوا إلى أمر الشارع للولي بتكليف الصبي بالعبادة وان الأمر بالأمر بالشي‌ء أمر بذلك الشي‌ء وما ذكرناه من الاخبار أوضح في الاستدلال وأبعد من تطرق الاحتمال والنزاع في هذا المجال.

وبالجملة فالخطاب بإطلاقه في جميع أبواب العبادات شامل له والفهم الذي هو شرط التكليف حاصل كما هو المفروض ومن ادعى زيادة على ذلك فعليه الدليل ، وتخرج الأخبار التي ذكرناها شاهدة على ذلك.

ويتفرع على الخلاف المذكور وصف العبادة الصادرة منه بالصحة وعدمها ، فان قلنا انها شرعية جاز وصفها بالصحة لأنها عبارة عن موافقة الأمر ، وان قلنا انها تمرينية لم توصف بصحة ولا فساد.

وقال شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في كتاب المسالك ـ بعد قول المصنف : نية الصبي المميز صحيحة وصومه شرعي ـ ما صورته : اما صحة نيته وصومه فلا اشكال فيه لأنها من باب خطاب الوضع وهو غير متوقف على التكليف ، واما كون صومه شرعيا ففيه نظر لاختصاص خطاب الشرع بالمكلفين ، والأصح أنه تمريني لا شرعي. انتهى.

واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بأنه غير جيد ، قال : لأن الصحة والبطلان اللذين هما موافقة الأمر ومخالفته لا يحتاج الى توقيف من الشارع بل يعرف بمجرد العقل ككونه مؤديا للصلاة وتاركا لها ، فلا يكون من حكم الشرع في شي‌ء بل هو عقلي مجرد كما صرح به ابن الحاجب وغيره. انتهى.

أقول : مرجع كلام السيد السند الى منع كون الصحة والبطلان من باب


خطاب الوضع وهو الذي صرح به ابن الحاجب في المختصر وشارحة في الشرح ، وهو ظاهر العلامة في النهاية لما ذكره هنا من انه بعد ورود أمر الشارع بالفعل فكون الفعل موافقا للأمر أو مخالفا وكون ما فعل تمام الواجب حتى يكون مسقطا للقضاء وعدمه لا يحتاج الى توقيف من الشارع بل يعرف بمجرد العقل ، فهو ككونه مؤديا للصلاة وتاركا لها سواء بسواء ، فلا يكون حصوله في نفسه ولا حكمنا به من حكم الشرع في شي‌ء بل هو عقلي مجرد ، وهذا بخلاف الأحكام الوضعية التي هي عبارة عن الشرط والسبب والمانع الذي يكون حصوله في نفسه والحكم به موقوفا على الشرع.

وأنت خبير بان من رجع الى الأخبار التي قدمناها لا يخفى عليه ضعف ما ذهب اليه شيخنا المذكور وكل من تقدمه وتأخر عنه وقال بأن عبادة الصبي تمرينية وليست بشرعية. واما قول شيخنا المشار إليه في منع كون صومه شرعيا ـ لاختصاص خطاب الشرع بالمكلفين ـ فقد عرفت جوابه.

المطلب الثاني

في ما يمسك عنه الصائم وفيه مسائل الأولى ـ يجب الإمساك عن كل مأكول ومشروب معتادا كان أو غير معتاد :

اما المعتاد فلا خلاف فيه بين الأصحاب ويدل عليه مضافا الى الإجماع الآية (١) والاخبار (٢).

ولا خلاف أيضا في كون فعله موجبا للقضاء والكفارة ، ويدل عليه مضافا الى الإجماع الأخبار الآتية الدالة على وجوب الكفارة بالإفطار به (٣).

__________________

(١) وهي قوله تعالى في سورة البقرة الآية ١٨٤ (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ).

(٢) الوسائل الباب ١ و ٩ و ٢٣ و ٢٥ و ٣٧ الى ٥١ من ما يمسك عنه الصائم وغير ذلك.

(٣) الوسائل الباب ٨ و ٩ و ١٠ و ١١ و ٢٢ من ما يمسك عنه الصائم.


واما غير المعتاد كالتراب والحجر والفحم والخزف والحصى وماء الشجر والفواكه وماء الورد ونحوها فالمشهور بين الأصحاب انه كذلك ، ونقل في المختلف عن السيد المرتضى وابن الجنيد انه ينقص الصوم ولا يبطله ، ونقل السيد (رضى الله عنه) عن بعض أصحابنا انه يوجب القضاء خاصة.

حجة القول المشهور ان ما دل على تحريم الأكل والشرب يتناول المعتاد وغيره وان الصوم إمساك عن ما يصل الى الجوف وتناول هذه الأشياء ينافي الإمساك.

حجة القول الآخر ان تحريم الأكل والشرب إنما ينصرف الى المعتاد فيبقى الباقي على أصل الإباحة.

وأجيب عنه بمنع الانصراف الى المعتاد ودعوى العموم بالنسبة إلى المعتاد وغيره.

وعندي ان هذا الجواب لا يخلو من نظر لما صرحوا به في غير موضع من أن الأحكام المودعة في الاخبار إنما تنصرف الى الافراد المتكررة الشائعة دون الأفراد النادرة فشمول الأخبار لغير المعتاد غير واضح.

ويؤيده ما رواه الشيخ عن مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (١) «ان عليا عليه‌السلام سئل عن الذباب يدخل في حلق الصائم قال ليس عليه قضاء انه ليس بطعام».

ونقل عن السيد (رضى الله عنه) في المسائل الناصرية ما يدل على خلاف كلامه المتقدم حيث قال : لا خلاف في ما يصل الى جوف الصائم من جهة فمه إذا اعتمد انه يفطره مثل الحصاة والخرزة وما لا يؤكل ولا يشرب وانما خالف في ذلك الحسن بن صالح وقال انه لا يفطر وروى نحوه عن أبي طلحة (٢) والإجماع متقدم

__________________

(١) التهذيب ج ٤ ص ٣١٣ الطبع الحديث وفي الوسائل الباب ٣٩ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) المغني ج ٣ ص ١٠٣.


ومتأخر عن هذا الخلاف فسقط حكمه. انتهى.

ولا بأس بإيراد جملة من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة العاضدة للآية الشريفة وهي قوله عزوجل (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) (١).

ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم (٢) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء».

هكذا روى الحديث في الفقيه وموضع من التهذيب ، وفي موضعين آخرين منه بسندين آخرين أيضا (٣) بلفظ «ثلاث خصال».

قيل : ولعل الوجه في هذه النسخة ـ ان صحت ـ انه عطف الارتماس على الثلاث وأخرجه منها لأنه من ما يضر ولا يبطل ، أو جعل الطعام والشراب خصلة واحدة لاشتراكهما في إدخال شي‌ء في الجوف ولهذا لم يذكر الحقنة بالمائع مع إيجابه القضاء ، والإخراج في حكم الإدخال ولهذا عدل عن الأكل والشرب الى الطعام والشراب ليشمل القي‌ء الاختياري أيضا. انتهى.

والظاهر انه تكلف مستغنى عنه فإنه لا يخفى على من أحاط خبرا بطريقة الشيخ في الكتاب وما وقع له من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان في المتون والأسانيد ان ما ذكره من نسخة «ثلاث» انما هو سهو من قلمه وان النسخة الصحيحة هي «أربع» وقوله ـ «انه اخرج الارتماس منها لانه يضر ولا يبطل» بناء على ما هو أحد الأقوال في المسألة ـ ممنوع بما سنوضحه ان شاء الله تعالى في المسألة المذكورة ، نعم ينبغي أن يقال انه إنما اقتصر على هذه الأربعة مع ان غيرها كما

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨٤.

(٢) الوسائل الباب ١ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣) ارجع الى التعليقة ٢ ص ٥٠.


سيأتي ان شاء الله تعالى من المضرات بالصيام من حيث انها هي المعتادة المتداولة المتكررة دون غيرها من القي‌ء والحقنة المختصة بالمرضي والكذب على الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحوها.

ومنها ـ رواية أبي بصير (١) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام الصيام من الطعام والشراب ، والإنسان ينبغي له أن يحفظ لسانه من اللغو والباطل في رمضان وغيره».

ومنها ـ ما رواه المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه بإسناده عن على عليه‌السلام (٢) قال : «واما حدود الصوم فأربعة حدود : أولها اجتناب الأكل والشرب والثاني اجتناب النكاح والثالث اجتناب القي‌ء متعمدا. والرابع اجتناب الاغتماس في الماء وما يتصل بها وما يجرى مجراها».

وما رواه في الكافي في الصحيح عندي والحسن على المشهور بإبراهيم بن هاشم عن الحلبي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن (الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) (٤) فقال بياض النهار من سواد الليل. قال : وكان بلال يؤذن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وابن أم مكتوم وكان أعمى يؤذن بليل ويؤذن بلال حين يطلع الفجر فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا سمعتم صوت بلال فدعوا الطعام والشراب فقد أصبحتم».

وما رواه فيه في الصحيح عن ابى بصير (٥) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقلت متى يحرم الطعام والشراب على الصائم وتحل الصلاة صلاة الفجر؟ فقال إذا اعترض الفجر وكان كالقبطية البيضاء فثم يحرم الطعام ويحل الصيام وتحل الصلاة». الى غير ذلك من الأخبار الآتية في تضاعيف الأحكام. إذا عرفت ذلك فاعلم انه ينبغي أن يعلم ان ما ذكرنا من بطلان الصوم بالأكل

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ٤٢ من ما يمسك عنه الصائم.

(٤) سورة البقرة الآية ١٨٤.


والشرب يحب تقييده بالعالم العامد وكذا كل ما يأتي من مفسدات الصوم فإنه لا ريب ولا خلاف في فساد الصوم بذلك وانه موجب للقضاء والكفارة.

اما لو لم يكن كذلك بان كان جاهلا أو ناسيا أو مكرها فتحقيق الكلام فيه يقع في مواضع ثلاثة :

أحدها ـ أن يكون جاهلا والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) فساد صومه كالعالم ، وفان ابن إدريس : لو جامع أو أفطر جاهلا بالتحريم فلا يجب عليه شي‌ء. ونحوه نقل عن الشيخ في موضع من التهذيب. وإطلاق كلامهما يقتضي سقوط القضاء والكفارة ، واحتمله في المنتهى إلحاقا للجاهل بالناسي.

وقال المحقق في المعتبر : والذي يقوى عندي فساد صومه ووجوب القضاء دون الكفارة.

قال في المدارك بعد نقله عنه : والى هذا القول ذهب أكثر المتأخرين وهو المعتمد ، لنا على الحكم الأول إطلاق الأمر بالقضاء عند عروض أحد الأسباب المقتضية لفساد الأداء فإنه يتناول العالم والجاهل. ولنا على سقوط الكفارة التمسك بمقتضى الأصل وما رواه الشيخ عن زرارة وابى بصير (١) قالا : «سألنا أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل أتى أهله في شهر رمضان أو أتى أهله وهو محرم وهو لا يرى إلا ان ذلك حلال له؟ قال ليس عليه شي‌ء». (لا يقال) الأصل يرتفع بالروايات المتضمنة لترتب الكفارة على الإفطار المتناولة بإطلاقها للعالم والجاهل كما اعترفتم به في وجوب القضاء ، والرواية قاصرة من حيث السند فلا تنهض حجة في إثبات هذا الحكم (لأنا نقول) لا دلالة في شي‌ء من الروايات التي وصلت إلينا من هذا الباب على تعلق الكفارة بالجاهل إذ الحكم وقع فيها معلقا على تعمد الإفطار وهو انما يتحقق مع العلم بكون ذلك الفعل مفسدا للصوم ، فان من أتى بالمفطر جاهلا كونه كذلك لا يصدق عليه انه تعمد الإفطار وان صدق عليه انه متعمد لذلك الفعل ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من ما يمسك عنه الصائم والباب ٢ من كفارات الاستمتاع.


بل رواية ابن سنان (١) التي هي الأصل في هذا الباب إنما تضمنت تعلق الكفارة بمن أفطر في شهر رمضان متعمدا من غير عذر ، والجهل بالحكم من أقوى الأعذار كما يدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتضمنة لحكم تزويج المرأة في عدتها (٢) حيث قال فيها «قلت فبأي الجهالتين أعذر جهالته ان ذلك محرم عليه أم جهالته انها في عدة؟ فقال احدى الجهالتين أهون من الأخرى : الجهالة بأن الله حرم ذلك عليه ، وذلك انه لا يقدر على الاحتياط معها. فقلت فهو في الأخرى معذور؟ قال نعم». واما الرواية فهي وان كانت لا تبلغ مرتبة الصحيح لكنها معتبرة الإسناد إذ ليس في طريقها من قد يتوقف في شأنه سوى على بن الحسن بن فضال ، وقال النجاشي انه كان فقيه أصحابنا بالكوفة ووجههم وثقتهم وعارفهم بالحديث والمسموع قوله فيه سمع منه شيئا كثيرا ولم يعثر له على زلة فيه ولا ما يشينه وقل ما يروى عن ضعيف. ويمكن أن يستدل على هذا القول ايضا بقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة عبد الصمد بن بشير الواردة في من ليس قميصا في حال الإحرام (٣) «أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي‌ء عليه». وغير ذلك من العمومات المتضمنة لعذر الجاهل. انتهى كلامه زيد إكرامه.

وفيه نظر من وجوه : الأول ـ ان ما استدل به على وجوب القضاء ـ من إطلاق الأمر بالقضاء عند عروض أحد الأسباب المقتضية لفساد الأداء فإنه يتناول العالم والجاهل ـ فيه أولا ـ انه لا يخفى ان جملة من الروايات المتضمنة للأمر بالقضاء قد اشتملت على قيد التعمد وان كان جملة أخرى مطلقة أيضا ، وهو قد اعترف بان التعمد إنما يتحقق مع العلم بكون ذلك الفعل مفسدا للصوم والمفطر جاهلا لا يصدق

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من ما يمسك عنه الصائم وستأتي ص ٦٣.

(٢) الوسائل الباب ١٧ من ما يحرم بالمصاهرة ونحوها.

(٣) الوسائل الباب ٤٥ من تروك الإحرام.


عليه انه تعمد الإفطار فلا يجب عليه القضاء كما لا يجب عليه الكفارة بالتقريب الذي ذكره ، وسيأتي لك نقل جملة من الأخبار التي تفصح عن صحة ما قلناه.

وثانيا ـ انه مع تسليم صحة ما ذكره من إطلاق الأمر من غير تقييد بالتعمد فتناول الأمر للجاهل ممنوع فانا لا نسلم تناول الأمر للجاهل لا في هذا الموضع ولا غيره إلا ما خرج بدليل خاص لما صرحوا به في جاهل الأصل من امتناع تكليف الغافل ، وهو (قدس‌سره) قد صرح بذلك في كتاب الصلاة في مبحث المكان واللباس حيث رجح صحة صلاة الجاهل بحكم الغصب كالجاهل بأصله ، فإنه قال في مبحث المكان ـ بعد نقل الاتفاق على صحة صلاة الجاهل بالغصب معللا له بان البطلان تابع للنهى وهو انما يتوجه الى العالم ـ ما لفظه : اما الجاهل بالحكم فقد قطع الأصحاب بأنه غير معذور وقوى بعض مشايخنا المحققين إلحاقه بجاهل الغصب لعين ما ذكر ولا يخلو من قوة. وقال في مبحث اللباس ـ بعد أن ذكر عدم بطلان صلاة جاهل الغصب ـ ما لفظه : ولا يبعد اشتراط العلم بالحكم ايضا لامتناع تكليف الغافل فلا يتوجه إليه النهي المقتضي للفساد. بل صرح بذلك قبل هذا المقام في مسألة الارتماس أيضا حيث نقل عن جده (قدس‌سره) ان المرتمس ناسيا يرتفع حدثه لعدم توجه النهي اليه وان الجاهل عامة ، ثم قال (قدس‌سره) وما ذكره (قدس‌سره) في حكم الناسي جيد لكن الأظهر مساواة الجاهل له لاشتراكهما في عدم توجه النهي إليهما. وحينئذ فكيف يدعى هنا ان الأمر بالقضاء يتناول العالم والجاهل مع فصله بينهما في هذه المواضع؟.

وثالثا ـ ان الرواية التي استند إليها في سقوط الكفارة دالة بعمومها على سقوط القضاء ايضا كما هو ظاهر ، مع تأيدها بالروايات المستفيضة الدالة على معذورية الجاهل كما تقدم في المقدمة الخامسة من مقدمات الكتاب (١) ومنها الروايتان المذكورتان هنا ، وحينئذ فمع تسليم ما منعناه أو لا نقول انه معارض بما دلت عليه

__________________

(١) ج ١ ص ٧٨.


هذه الروايات ، والنسبة بين المتعارضين العموم من وجه ، وترجيح العمل بأحدهما على الآخر لا يخلو من اشكال فلا يتم ما ذكره.

الثاني ـ قوله في الجواب عن الإيراد الذي أورده على نفسه ـ انه لا دلالة في شي‌ء من الروايات التي وصلت إلينا من هذا الباب على تعلق الكفارة بالجاهل إذ الحكم وقع فيها معلقا على تعمد الإفطار. الى آخره ـ فان فيه انه لا ريب انه وان ورد التقييد بالتعمد في جملة من الاخبار إلا ان جملة من الاخبار قد وردت مطلقة خالية من قيد التعمد.

وبالجملة فإن الأخبار الواردة في هذا الباب بالنسبة إلى وجوب القضاء والكفارة جملة منها قد اشتملت على قيد تعمد الإفطار فيهما أو أحدهما وجملة قد أطلق فيها الحكم كذلك ، وظاهر كلام الأصحاب حمل مطلقها على مقيدها في الموضعين وبه يزول الإشكال من البين.

ولا بأس بإيراد بعض منها في المقام ليتبين به ما في كلام هؤلاء الأعلام :

فمنها موثقة عبد الرحمن بن ابى عبد الله البصري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا؟ قال يتصدق بعشرين صاعا ويقضى مكانه».

وصحيحته أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا؟ قال عليه خمسة عشر صاعا لكل مسكين مد بمد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل».

وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) «في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر؟ قال يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا فان لم يقدر تصدق بما يطيق».

ورواية أحمد بن محمد بن أبى نصر عن المشرقي عن ابى الحسن عليه‌السلام (٤) قال :

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٨ من ما يمسك عنه الصائم.


«سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أياما متعمدا ما عليه من الكفارة؟ فكتب عليه‌السلام من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة مؤمنة ويصوم يوما بدل يوم».

وموثقة سماعة (١) قال : «سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمدا فقال عليه عتق رقبة وإطعام ستين مسكينا وصيام شهرين متتابعين وقضاء ذلك اليوم ، واين له مثل ذلك اليوم؟».

وجعل الشيخ الواو في هذا الخبر بمعنى «أو» تارة وخصه اخرى بمن أتى أهله في حال يحرم الوطء فيها كالحيض أو الظهار قبل الكفارة كما دل عليه بعض الاخبار إلا ان صاحب الوسائل نقل هذا الخبر من نوادر أحمد بن محمد بن عيسى بلفظ «أو» عوض الواو في المواضع المذكورة.

فهذه جملة من الاخبار المشتملة على قيد التعمد في كل من القضاء والكفارة وبه يظهر لك ما في صدر كلام صاحب المدارك من دعواه إطلاق الأمر بالقضاء الشامل للجاهل مع اعترافه بان تعمد الجاهل ليس بعمد لأنه إنما يتحقق مع العلم بكون ذلك الفعل مفسدا للصوم كما تقدم.

ومنها ـ صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني؟ قال عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع».

وما رواه في الفقيه عن محمد بن النعمان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان؟ فقال كفارته جريبان من طعام وهو عشرون صاعا».

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٨ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) الوسائل الباب ٤ من ما يمسك عنه الصائم.


وموثقة سماعة (١) قال : «سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال عليه إطعام ستين مسكينا أو يعتق رقبة».

ورواية عبد السلام بن صالح الهروي (٢) قال : «قلت للرضا عليه‌السلام يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد روى عن آبائك (عليهم‌السلام) في من جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفارات ، وروى عنهم أيضا كفارة واحدة ، فبأي الحديثين نأخذ؟ قال بهما جميعا : متى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات : عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم ، وان كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفارة واحدة وقضاء ذلك اليوم ، وان كان ناسيا فلا شي‌ء عليه». الى غير ذلك من الاخبار التي يقف عليها المتتبع في الموضعين.

وبذلك يظهر لك ان الاخبار بالنسبة إلى القضاء كالأخبار الواردة بالكفارة في التقييد في بعض منها بالتعمد والإطلاق في آخر ووجوب حمل مطلقها على مقيدها ، وبه يظهر لك ما في كلامه من الفرق بين المقامين.

الثالث ـ قوله في الاعتذار عن مخالفة اصطلاحه في العمل برواية زرارة وابى بصير المذكورة ـ بأنه ليس في طريقها من قد يتوقف في شأنه إلا على بن الحسن ابن فضال وقال النجاشي. إلى آخر ما ذكره ـ فان هذا من جملة المواضع التي كررنا الإشارة إليها في شرحنا على الكتاب من ما حصل له فيه من المخالفة والاضطراب ، فإنه مع عدم الموثق من قسم الضعيف وطعنه فيه ورميه بذلك متى احتاج الى العمل به تستر بهذه الأعذار الواهية ، وقد مر له في كتاب الصلاة ما يدل

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ و ٨ من ما يمسك عنه الصائم. وليس فيها «أو يعتق رقبة» واللفظ هكذا : «قال عليه إطعام ستين مسكينا مد لكل مسكين» راجع التهذيب ج ٤ ص ٣٢٠ الطبع الحديث والوافي باب (تعمد الإفطار في شهر رمضان من غير عذر).

(٢) الوسائل الباب ١٠ من ما يمسك عنه الصائم.


على الطعن في على بن الحسن المذكور في غير مقام ورد روايته ولكنه هنا حيث احتاج الى العمل بها اعتذر بما ذكره. والعجب انه في المقالة المتقدمة على هذه المقالة بلا فصل (١) نقل رواية عن على بن الحسن المذكور عن أبيه ثم أجاب عنها بان على بن الحسن وأباه فطحيان فلا يمكن التعويل على روايتهما ، وليس بين الكلامين إلا أسطر قليلة ، مع انه قد تقدم منه في كتاب الصلاة ـ في مسألة ما لو أهوى المأموم إلى الركوع والسجود قبل الامام ـ انه استدل برواية منقولة عن الحسن بن على بن فضال ثم قال : وهذه الرواية لا تقصر عن الصحيح إذ ليس في رجالها من قد يتوقف في شأنه إلا الحسن بن على بن فضال وقد قال الشيخ انه كان جليل القدر عظيم المنزلة زاهدا ورعا ثقة في رواياته وكان خصيصا بالرضا عليه‌السلام واثنى عليه النجاشي وقال انه كان فطحيا ثم رجع الى الحق (رضي‌الله‌عنه) انتهى. فانظر ـ رحمك الله ـ الى هذا الكلام وما فيه من اختلال النظام الذي يبعد من مثله من العلماء الاعلام وذوي النقض والإبرام ولكن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح أوجب لهم الوقوع في مضيق الإلزام في غير مقام.

وبما ذكرنا من التحقيق في المسألة يظهر ان أظهر الأقوال في المسألة ما نقل عن ابن إدريس استنادا إلى الأدلة الدالة على معذورية الجاهل بالأحكام الشرعية على التفصيل الذي ذكرناه في المقدمة الخامسة من مقدمات الكتاب (٢).

وثانيها ـ أن يكون ناسيا لكونه صائما ، والظاهر انه لا خلاف نصا وفتوى في صحة صومه وانه لا يجب عليه قضاء ولا كفارة :

ومن الاخبار في ذلك ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) «انه سئل عن رجل نسي فأكل وشرب ثم ذكر؟ قال لا يفطر إنما هو شي‌ء رزقه الله فليتم صومه».

__________________

(١) في مسألة الحقنة بالجامد.

(٢) ج ١ ص ٧٨.

(٣) الوسائل الباب ٩ من ما يمسك عنه الصائم.


وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن قيس عن ابى جعفر عليه‌السلام (١) قال : «كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول من صام فنسي فأكل وشرب فلا يفطر من أجل أنه نسي فإنما هو رزق رزقه الله فليتم صومه».

وما رواه الصدوق في الموثق عن عمار بن موسى (٢) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينسى وهو صائم فيجامع أهله؟ قال يغتسل ولا شي‌ء عليه».

وما رواه في الكافي عن داود بن سرحان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «في الرجل ينسى فيأكل في شهر رمضان؟ قال يتم صومه فإنما هو شي‌ء أطعمه الله إياه».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن ابى بصير (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل صام يوما نافلة فأكل وشرب ناسيا؟ قال يتم يومه ذلك وليس عليه شي‌ء». وقد تقدم في رواية عبد السلام بن صالح الهروي نحو ذلك (٥).

وإطلاق الاخبار وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الصوم الواجب والمندوب ولا في الواجب بين المعين وغيره.

وأنت خبير بان مورد هذه الروايات وان كان الأكل والشرب والجماع خاصة إلا ان الأصحاب قاطعون بعموم الحكم في جميع مفسدات الصيام الآتية ان شاء الله تعالى ، والظاهر ان وجهه هو عدم توجه النهي إلى الناسي كما صرحوا به في بعض المواضع وهو كذلك. ويمكن الاستدلال على العموم بما في رواية عبد السلام بن صالح (٦) من التعبير بقوله «أفطر على حرام أو أفطر على حلال». بحمل الإفطار على ما يوجب الإفطار ، إلا ان مقابلته بالجماع ربما عين انصرافه إلى الأكل والشرب خاصة. وبالجملة فالظاهر انه لا إشكال في عموم الحكم لما ذكرنا كما عليه الأصحاب في هذا الباب.

وثالثها ـ أن يكون مكرها على الإفطار ، إما بان يوجر في حلقه ويوضع في

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٩ من ما يمسك عنه الصائم.

(٥ و ٦) ص ٦٥.


فيه بغير اختياره ولا اشكال ولا خلاف في انه لا يفطر به ـ قيل وفي معناه من بلغ به الإكراه حدا رفع قصده ـ أو بان يتوعد على ترك الإفطار بما يكون مضرا به في نفسه أو من يجرى مجراه بحسب حاله مع قدرة المتوعد على فعل ما توعد به وشهادة القرائن بأنه يفعله به لو لم يفطر. ونقل عن الشيخ (قدس‌سره) في المبسوط انه مفسد لصومه.

واستدل على القول المشهور بالأصل السالم من المعارض ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». والمراد رفع حكمها ومن جملته القضاء وسقوط الكفارة.

وقال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ـ بعد قول المصنف : والإكراه على الإفطار غير مفسد ـ ما صورته : دليله واضح وهو عدم التكليف عقلا ونقلا مثل «وعن ما استكرهوا» (٢). ويؤيده ما يدل على وجوب الكفارة على المكره زوجته دونها سواء قلنا عليه كفارتها أيضا أم لا. الى أن قال : ويدل عليه ما يدل على جواز الأكل للتقية. ثم نقل جملة من الأحاديث الدالة على إفطار الصادق عليه‌السلام تقية مع أبى العباس (٣).

قالوا : وفي معنى الإكراه الإفطار في يوم يجب صومه للتقية والتناول قبل الغروب لأجل ذلك.

احتج الشيخ على ما نقل عنه بأنه مع التوعد مختار للفعل فيصدق عليه انه فعل المفطر اختيارا فوجب عليه القضاء.

والى هذا القول مال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك حيث قال بعد نقل الخلاف في المسألة : وأصحهما وجوب القضاء وان ساغ له الفعل لصدق تناول المفطر عليه باختياره. ثم قال مجيبا عن الخبر المتقدم : وقد تقرر في الأصول ان المراد

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٠ من الخلل الواقع في الصلاة والباب ٥٦ من جهاد النفس.

(٣) الوسائل الباب ٥٧ من ما يمسك عنه الصائم.


برفع الخطأ وقسيميه في الحديث رفع المؤاخذة عليها لا رفع جميع أحكامها. ومثله الإفطار في يوم يجب صومه للتقية.

أقول : والمسألة لا تخلو من الاشكال لعدم النص الكاشف عن حكمها وتدافع التعليلات فيها وان كان ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني هنا لا يخلو من قوة ، فإن مجرد تسويغ الشارع الإفطار لدفع الضرر لا ينافي القضاء وإنما ينافي التأثيم ولا ريب في عدمه.

ومن ما يؤيد ذلك انهم جعلوا الإفطار للتقية في معنى الإفطار للإكراه فإنهما في الحقيقة من باب واحد ومرجعهما إلى أمر واحد وهو الإفطار لدفع الضرر.

مع انه قد ورد في بعض الاخبار الواردة في جواز الإفطار للتقية ذكر القضاء وهو ما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن رفاعة عن رجل عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «دخلت على أبى العباس بالحيرة فقال يا أبا عبد الله عليه‌السلام ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت ذاك الى الامام ان صمت صمنا وان أفطرت أفطرنا فقال يا غلام على بالمائدة فأكلت معه وأنا أعلم والله انه يوم من شهر رمضان فكان إفطاري يوما وقضاؤه أيسر علي من أن يضرب عنقي ولا يعبد الله». ومنه يعلم وجوب القضاء في محل الخلاف.

والأحوط عندي وجوب القضاء في صورة الوجوب أيضا حيث ان المسألة خالية من النص وان كان ظاهرهم الاتفاق على صحة الصوم وعدم وجوب القضاء ، وهو الظاهر أيضا لأنه لا يصدق عليه انه تناول المفطر. وقريب منه أيضا بلوغ الإكراه به الى وجه يرتفع القصد إلا ان الأحوط لخلو المسألة من النص هو القضاء وبالجملة فالقدر المعلوم ثبوته في صورتي الإكراه بأي معنى كان والتقية هو عدم المؤاخذة بذلك واما وجوب القضاء فليس على نفيه دليل.

(فان قيل) ان وجوبه يحتاج الى دليل لا نفيه (قلت) لا ريب ان

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٧ من ما يمسك عنه الصائم.


الأخبار المتضمنة لوجوب القضاء بالإفطار اختيارا قد اشتملت على شيئين : أحدهما ـ ثبوت الإثم والذنب الموجب للمؤاخذة وهو الذي أمر بالكفارة لدفعه في جملة من المواضع ، وثانيهما ـ قضاء ذلك اليوم ، والمعلوم المقطوع به من أخبار تسويغ الإفطار للإكراه والتقية هو ارتفاع الإثم خاصة كما أشرنا إليه إذ لا يجوز أن يسوغ له الشارع الإفطار ثم يعاقبه عليه ، وحينئذ فيبقى ما دل على القضاء على حاله بلا معارض يوجب إخراجه عن ما هو عليه ويخرج مرسل رفاعة شاهدا على ذلك.

ثم ان الظاهر من كلام الأصحاب ـ وبه صرح جملة منهم ـ انه يكفى في جواز الإفطار ظن الضرر بالترك ، وربما ظهر من عبارة الدروس ان ذلك إنما يسوغ عند خوف التلف.

ولعله (قدس‌سره) اعتمد على اخبار الصادق عليه‌السلام مع أبى العباس حيث تضمنت ان إفطاره عليه‌السلام لخوف التلف والقتل ، ومنها الخبر المتقدم.

ومنها أيضا ما رواه في الكافي في الصحيح عن داود بن الحصين عن رجل من أصحابه عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) «انه قال وهو بالحيرة في زمان أبى العباس انى دخلت عليه وقد شك الناس في الصوم وهو والله من شهر رمضان فسلمت عليه فقال يا أبا عبد الله عليه‌السلام أصمت اليوم؟ فقلت لا. والمائدة بين يديه فقال فادن فكل قال فدنوت فأكلت. قال وقلت : الصوم معك والفطر معك؟ فقال الرجل لأبي عبد الله عليه‌السلام تفطر يوما من شهر رمضان؟ فقال أى والله أفطر يوما من شهر رمضان أحب الى من أن يضرب عنقي».

والظاهر الاكتفاء بمجرد خوف الضرر كما هو المعلوم من الاخبار في جملة من موارد التقية ولقوله عليه‌السلام في حسنة زرارة (٢) «التقية في كل ضرورة وصاحبها

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٧ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.


أعلم بها حين تنزل به». وفي حسنة الفضلاء (١) «التقية في كل شي‌ء يضطر اليه ابن آدم فقد أحله الله». ولا دلالة في خبري الصادق عليه‌السلام المتقدمين بالتخصيص بما فيهما

ثم ان شيخنا الشهيد الثاني في المسالك قال بعد ذكر الكلام الذي قدمنا نقله عنه : وحيث ساغ الإفطار للإكراه والتقية يجب الاقتصار على ما تندفع به الحاجة فلو زاد عليه كفر ، ومثله ما لو تأدت بالأكل فشرب معه وبالعكس.

واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بأنه يمكن المناقشة في وجوب الكفارة بالزائد بناء على ما ذهب اليه من كون التناول على وجه الإكراه مفسدا للصوم ، لأن الكفارة تختص بما يحصل به الفطر ويفسد به الصوم وما حصل به الفطر هنا كان مباحا فلا تتعلق به الكفارة وما زاد عليه لم يستند اليه الفساد فلا تتعلق به الكفارة وان كان محرما. انتهى.

أقول : فيه ان الظاهر من إيجاب الشارع الكفارة في جملة مواردها إنما هو لتكفير الذنب المترتب على موجبها فهي حينئذ لمحو الذنب وتكفيره ، وحينئذ فالكفارة إنما تتحقق في موضع يحصل فيه الإثم والذنب ، فقول السيد (قدس‌سره) ان الكفارة تختص بما يحصل به الفطر ويفسد به الصوم ليس في محله ، فان كثيرا من المواضع الآتية قد حكم فيها الشارع بفساد الصوم وإيجاب القضاء مع انه لم يوجب بها كفارة ، وحينئذ فإذا كانت الكفارة في الصوم وغيره دائرة مدار ما أوجب الذنب والحال ان التناول زيادة على ما تندفع به الضرورة موجب لذلك كان الحكم بالكفارة لا يخلو من قوة.

ويلحق بهذه المسألة من ما ينتظم في سلك نظامها وينخرط في سمط نقضها وإبرامها مسائل.

الأولى ـ من أكل ناسيا فظن فساد صومه فأفطر عامدا بطل صومه وعليه

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.


القضاء عند الأصحاب ، وفي وجوب الكفارة عليه قولان.

أقول : وهذه المسألة من جزئيات المسألة المتقدمة في جاهل حكم الإفطار وقد تقدم ذكر الخلاف فيها وتحقيق القول فيها.

الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في إيصال الغبار الى الحلق فذهب جمع : منهم ـ الشيخ في أكثر كتبه الى أن إيصال الغبار الغليظ الى الحلق متعمدا موجب للقضاء والكفارة ، واليه مال من أفاضل متأخري المتأخرين المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر في كتاب الوسائل ، وذهب جمع : منهم ـ ابن إدريس والشيخ المفيد على ما نقل عنه وأبو الصلاح وغيرهم ـ والظاهر انه المشهور ـ الى وجوب القضاء خاصة متى كان متعمدا ، وذهب جمع من متأخري المتأخرين الى عدم الإفساد وعدم وجوب شي‌ء من قضاء أو كفارة ، وهو الأقرب.

واستدل على القول الأول بما رواه الشيخ في التهذيب عن سليمان بن حفص المروزي (١) قال : «سمعته يقول إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شم رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين فان ذلك مفطر مثل الأكل والشرب والنكاح».

أقول : لا يخفى انه يمكن تطرق الطعن الى هذه الرواية من وجوه : أحدها ـ جهالة السائل والمسؤول فلعل المسؤول غير امام ، وجهالة المسؤول كما في الإضمار ونحوه إنما يتسامح بها مع معرفة السائل والوثوق به من كونه لا يعتمد في أمور دينه وأحكامه على غير الامام كما صرح به أصحابنا (رضوان الله عليهم) في قبول المضمرات والمرسلات اما إذا كان مجهولا بالمرة كهذا الراوي فلا.

وثانيها ـ المعارضة بموثقة عمرو بن سعيد عن الرضا عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه؟ قال جائز لا بأس به. قال : وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه؟ قال لا بأس».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٢ من ما يمسك عنه الصائم.


والجمع بين هذا الخبر وبين الأول ـ بحمل الأول على الغبار الغليظ والثاني على ما ليس كذلك كما ذكره صاحب الوسائل مع كونه لا دليل عليه ـ مردود بان الغبار نوع من المتناولات فان كان مفسدا للصوم فلا فرق بين قليله وكثيره وإلا فلا وجه للإفساد به.

وثالثها ـ صحيحة محمد بن مسلم الدالة على انه لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس (١). وموثقة مسعدة بن صدقة عن ابى عبد الله عن آبائه (عليهم‌السلام) (٢) «ان عليا عليه‌السلام سئل عن الذباب يدخل حلق الصائم؟ قال ليس عليه قضاء لأنه ليس بطعام».

ورابعها ـ ان الخبر المذكور قد دل على وجوب الكفارة بمجرد المضمضة والاستنشاق ولا قائل به والاخبار ترده :

ففي صحيحة حماد عن من ذكره عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «في الصائم يستنشق ويتمضمض؟ قال نعم ولكن لا يبالغ».

وفي رواية زيد الشحام عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٤) «في الصائم يتمضمض؟ قال لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرات». قال الشيخ في التهذيب بعد نقل الرواية : وقد روى مرة واحدة (٥).

وما أجاب به في الوسائل من حمل الخبر على تعمد إيصال الماء الى الحلق مردود أولا ـ بأن تعمد ابتلاع الماء الموجب للقضاء والكفارة بلا خلاف لا ترتب له على خصوصية المضمضة والاستنشاق ليرتبه عليه هنا بل في أي حال فعل ذلك فإنه يجب عليه القضاء والكفارة بلا اشكال.

وثانيا ـ ان تقديره تعمد إيصال الماء الى الحلق في الخبر اما ان يستند فيه الى

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من ما يمسك عنه الصائم ارجع الى التعليقة ٢ ص ٥٠.

(٢) الوسائل الباب ٣٩ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣) الوسائل الباب ٢٣ من ما يمسك عنه الصائم.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٣١ من ما يمسك عنه الصائم.


قوله «متعمدا» أى متعمدا إيصال الماء الى الحلق ، وفيه ان هذا يكون من قبيل الألغاز الخارج عن الحقيقة والمجاز فان «متعمدا» في الخبر قيد في المضمضة والاستنشاق حيث انه حال من الصائم الذي هو فاعل «يتمضمض ويستنشق» فصرفه الى ما ذكره يكون من قبيل ما ذكرناه وهو مناف لحكمة التعليم والافهام بل مخل بمعنى الكلام وموجب لانحلال الزمام واختلال النظام ، واما ان يقدره في الكلام من خارج من غير أن يكون في ألفاظ الخبر دلالة عليه ولا اشارة اليه ، وحينئذ يلغو ذكر «متعمدا» في الخبر ويصير ذكره بغير فائدة ، لأنه يصير حاصل المعنى حينئذ إذا تمضمض الصائم أو استنشق وقصد إيصال الماء الى الحلق فعليه الكفارة ، إذ الفرض ان هذا القائل قائل بجواز المضمضة والاستنشاق بقول مطلق وانما يمنع منهما إذا قصد بهما إيصال الماء الى الحلق ، فحاصل معنى الخبر على ما يقول به هو ما ذكرناه وحينئذ فذكره عليه‌السلام «متعمدا» في الخبر يكون لغوا لا فائدة فيه ولا أظنه يلتزمه. وبالجملة فما ذكره في الجواب لا أعرف له وجها من وجوه الصواب.

وغاية ما تدل عليه الاخبار هو انه ربما سبق الماء الى حلق الصائم لا عن تعمد ، وانه إذا كان كذلك في وضوء النافلة فعليه القضاء خاصة واما في وضوء الفريضة فلا شي‌ء عليه :

ففي صحيحة حماد عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «في الصائم يتوضأ للصلاة فيدخل حلقه الماء؟ فقال ان كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه شي‌ء وان كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء». ومثلها موثقة سماعة (٢).

وبذلك يظهر لك ان الخبر من ما لا يصلح للاعتماد عليه ولا الاستناد في حكم مخالف للأصل اليه ، وبه يظهر قوة القول الأخير.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٣ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) الوسائل الباب ٢٣ من ما يمسك عنه الصائم ، وهي تفصل بين المضمضة من عطش والمضمضة في الوضوء.


واما القول بوجوب القضاء خاصة فلا أعرف له وجها والمفهوم من كلام ابن إدريس ان الحجة فيه إنما هو الإجماع ، ولا ريب ان الاحتياط يقتضي العمل عليه.

وألحق من المتأخرين بالغبار الدخان الغليظ الذي يحصل منه اجزاء تتعدى الى الحلق كبخار القدر ونحوه ، وأنكره بعض وهو الحق لما عرفت من حال الملحق به وعدم الدليل عليه ، ولما تقدم في موثقة عمرو بن سعيد (١) من نفى البأس عنه.

الثالثة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا بأس بمص الخاتم ومضغ الطعام للصبي وزق الطائر وذوق المرق.

وهو كذلك للأخبار الدالة على ذلك ، ومنها ما رواه ثقة الإسلام الكليني في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في الرجل يعطش في شهر رمضان؟ قال لا بأس بأن يمض الخاتم».

وما رواه في الكافي أيضا عن يونس بن يعقوب (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : الخاتم في فم الصائم ليس به بأس فأما النواة فلا».

وما رواه الصدوق عن منصور بن حازم (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يجعل النواة في فيه وهو صائم؟ قال لا. قلت فيجعل الخاتم؟ فقال نعم». والظاهر ان المراد بالنواة في الخبرين المذكورين النواة التي عليها أثر التمر كما لا يخفى.

وما رواه الكليني في الصحيح عندي والحسن على المشهور عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٥) «انه سئل عن المرأة الصائمة تطبخ القدر فتذوق المرق تنظر اليه؟ فقال لا بأس. وسئل عن المرأة يكون لها الصبي وهي صائمة فتمضغ

__________________

(١) ص ٧٢.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٤٠ من ما يمسك عنه الصائم.

(٥) الوسائل الباب ٣٧ و ٣٨ من ما يمسك عنه الصائم.


له الخبز وتطعمه؟ قال لا بأس به والطير ان كان لها».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن حماد بن عيسى (١) قال : «سأل ابن أبى يعفور أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا أسمع عن الصائم يصب الدواء في اذنه؟ قال نعم ويذوق المرق ويزق الفرخ».

وما رواه أيضا في الموثق عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «لا بأس بأن يذوق الرجل الصائم القدر».

وما رواه الكليني عن الحسين بن زياد عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «لا بأس للطباخ والطباخة أن يذوق المرق وهو صائم».

وما رواه عن مسعدة بن صدقة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) «ان فاطمة (عليها‌السلام) كانت تمضغ للحسن ثم للحسين (عليهما‌السلام) وهي صائمة في شهر رمضان».

وما رواه الشيخ معلقا عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٥) قال : «سألته عن الصائم يذوق الشراب والطعام يجد طعمه في حلقه؟ قال لا يفعل قلت : فان فعل فما عليه؟ قال لا شي‌ء عليه ولا يعود».

واما ما رواه الكليني والشيخ عن سعيد الأعرج في الصحيح (٦) ـ قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يذوق الشي‌ء ولا يبلعه؟ قال لا» ـ.

فقد حمله جملة من الأصحاب على الكراهة. واحتمل بعضهم ان قوله (عليه‌السلام) «لا» يعنى لا يبلعه ، قال : وهو غير بعيد.

وقال الشيخ : هذه الرواية محمولة على من لا يكون به حاجة الى ذلك والرخصة إنما وردت في ذلك لصاحبة الصبي أو الطباخ الذي يخاف على فساد طعامه أو من

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٧ من ما يمسك عنه الصائم ، والراوي حماد بن عثمان.

(٢ , ٣ , ٥ , ٦) الوسائل الباب ٣٧ من ما يمسك عنه الصائم.

(٤) الوسائل الباب ٣٨ من ما يمسك عنه الصائم.


عنده طائر ان لم يزقه يهلك فاما من هو مستغن عن جميع ذلك فلا يجوز له ان يذوق الطعام.

ورده بعض أفاضل متأخري المتأخرين بالبعد ، قال : إذ لا دلالة في الاخبار المتقدمة على ما ذكره من التقييد. وهو كذلك.

ولو مضغ الصائم شيئا فسبق منه شي‌ء إلى الحلق بغير اختياره فقد صرح جمع بأن الأصح ان صومه لا يفسد بذلك للاذن فيه وعدم تعمد الازدراد. وقال في المنتهى : لو أدخل في فمه شيئا فابتلعه سهوا فان كان لغرض صحيح فلا قضاء عليه وإلا وجب القضاء.

ويمكن الاستدلال للقول الأول بصحيحة أبي ولاد الحناط (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انى أقبل بنتا لي صغيرة وأنا صائم فيدخل في جوفي من ريقها شي‌ء؟ قال فقال لي لا بأس ليس عليك شي‌ء». فان الظاهر ان المراد من الخبر هو سبق الريق الى جوفه من غير تعمد واما مع التعمد فالظاهر انه لا خلاف في البطلان على اشكال يأتي الكلام فيه.

بقي الكلام في مضغ العلك إذا تغير الريق بطعمه ولم تنفصل منه اجزاء فابتلع الصائم الريق المتغير ، وقد اختلف فيه كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) فحرمه الشيخ في النهاية حيث قال لا يجوز للصائم مضغ العلك ، وهو ظاهر ابن الجنيد حيث قال لو استجلب الريق بطعام فوصل الى جوفه أفطر وكان عليه القضاء ، وفي بعض الحديث فصيام شهرين متتابعين كالأكل. وقال الشيخ في المبسوط بالكراهة فإنه قال يكره استجلاب الريق بماله طعم وجرى مجرى العلك كالكندر وما أشبهه ، وليس ذلك بمفطر في بعض الروايات وفي بعضها انه يفطر وهو الاحتياط. والى هذا القول مال أكثر المتأخرين.

والذي وقفت عليه من الأخبار في ذلك ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من ما يمسك عنه الصائم.


عندي والحسن على المشهور عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «قلت الصائم يمضغ العلك؟ قال لا».

وما رواه أيضا (قدس‌سره) عن محمد بن مسلم (٢) قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام يا محمد إياك أن تمضغ علكا فانى مضغت اليوم علكا وأنا صائم فوجدت في نفسي منه شيئا».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن ابى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن الصائم يمضغ العلك؟ قال نعم ان شاء».

والذي يظهر من ضم هذه الأخبار بعضها الى بعض هو القول بالجواز على كراهة مؤكدة ، فإن الظاهر من رواية محمد بن مسلم انه عليه‌السلام إنما مضغ العلك وهو صائم مع علمه بما فيه من تغير طعم الفم به لجواز ذلك لكنه بعد مضغه رأى زيادة تغير الريق به على المظنون فنهى عنه تنزها.

والشيخ في التهذيب بعد نقله رواية أبي بصير قال : هذا الخبر غير معمول عليه. مع انه أفتى بمضمونه في المبسوط.

ونقل في المختلف عن الشيخ انه استدل على التحريم بان وجود الطعم في الريق دليل على تخلل شي‌ء من اجزاء ذي الطعم فيه لاستحالة انتقال الاعراض فكان ابتلاعه مفطرا. ثم أجاب بالمنع من التخلل بل الريق ينفعل بكيفية ذي الطعم وهو جيد لما علم من انفعال الماء والهواء بالروائح الذكية والنتنة بالمجاورة ، وقد نقل العلامة في المنتهى والتذكرة ان من لطخ باطن قدميه بالحنظل وجد طعمه ولا يفطر إجماعا.

أقول : لو أن الشيخ استدل بصحيحة الحلبي المتقدمة لكان أظهر إلا انها كما عرفت لا بد من تأويلها جمعا بين الاخبار.

الرابعة ـ قال العلامة في المنتهى : بقايا الغذاء المتخلفة بين أسنانه إذا ابتلعها

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٦ من ما يمسك عنه الصائم.


نهارا فسد صومه سواء أخرجها من فمه أو لم يخرجها. وقد صرح المحقق في الشرائع هنا بوجوب القضاء والكفارة وهو المشهور على ما صرح به بعض الأصحاب ، والظاهر انه لصدق تناول المفطر عمدا فساوى ما لو ازدرده من خارج ونقل عن الشيخ في المبسوط والخلاف انه صرح بوجوب القضاء ولم يتعرض للكفارة.

قال في المدارك : ويمكن المناقشة في فساد الصوم بذلك لعدم تسميته أكلا ولما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (١) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشي‌ء من الطعام أيفطره ذلك؟ قال لا. قلت فان ازدرده بعد أن صار على لسانه؟ قال لا يفطر ذلك».

هذا كله في ما لو ابتلعه عمدا واما لو كان سهوا فقد صرح بعضهم بأنه لا شي‌ء عليه ، وفصل بعض بين من قصر في التخليل فأوجب عليه القضاء لتفريطه وتعرضه للإفطار ـ واليه مال شيخنا الشهيد الثاني ـ ومن لم يقصر فلا شي‌ء عليه.

وما ذكره في المدارك لا يخلو من قرب وان كان الأحوط القضاء ، واما ما جنح إليه في المسالك فلا يخلو من ضعف.

الخامسة ـ الظاهر انه لا إشكال ولا خلاف في جواز ابتلاع الريق الذي في الفم للأصل وعدم الدليل المخرج عنه ، اما إذا أخرجه من فمه ثم رجعه وابتلعه فقالوا انه مفطر بل ربما يمكن انه تجب به كفارة الإفطار على المحرم لأن ظاهرهم القول بتحريم ما يخرج من الفم ، حتى ان بعض الفضلاء المعاصرين ادعى إجماع الأصحاب على تحريم ابتلاع فضلات الإنسان من ريقه وعرقه ودموعه ونحوها وادعى اتفاق الاخبار على ذلك ، وقد كتب ـ في جواب سائل سأله عن العرق المتساقط في مرق اللحم ونحوه ـ ما صورته : فاما تحريم الإنسان وكل شي‌ء منه أكلا وشربا فلا أعلم أحدا من المتقدمين والمتأخرين خالف في ذلك ومناطيق

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من ما يمسك عنه الصائم.


الأخبار مصرحة بذلك ، ولا أعلم أحدا استثنى من ذلك العرق المختلط بالمرق على ان المستثنى عليه البيان وإقامة البرهان ، ونحن باقون على عموم الحكم حتى يثبت المزيل والله الهادي إلى سواء السبيل. وسيأتيك ان شاء الله بيان ما في هذا الكلام من انحلال الزمام واختلال النظام وان كان خارجا عن المقام.

ثم ان ممن صرح بما قدمنا نقله عنهم من إبطال الصوم بابتلاع الريق بعد إخراجه من الفم شيخنا العلامة أجزل الله تعالى إكرامه في المنتهى حيث قال : لو ترك في فمه حصاة أو درهما فأخرجه وعليه لمعة من الريق ثم أعاده فيه فالوجه الإفطار قل أو كثر لابتلاعه البلل الذي على ذلك الجسم ، وقال بعض الجمهور لا يفطر ان كان قليلا (١). وقال (قدس‌سره) ايضا لو أخرجه من فيه الى طرف ثوبه أو بعض أصابعه ثم ابتلعه أفطر.

ولا اعرف لما ذكره (قدس‌سره) دليلا على الإفطار بذلك إلا ان كان ما يدعونه من تحريم فضلة الإنسان وانه بعد الخروج من الفم يكون فضلة فيتعلق به الحكم دون ما إذا كان في الفم وإلا فالفرق بين ابتلاعه وهو في الفم وبعد خروجه منه غير ظاهر ، مع ان ما يدعونه من تحريم فضلة الإنسان لا دليل عليه بل الدليل كما ستعرف ان شاء الله تعالى قائم على خلافه.

قال مولانا المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد ـ بعد ان نقل عنهم انهم حكموا بكونه مفطرا إذا خرج من الفم ثم ابتلعه ـ ما صورته : كأنه للصدق لأنه يقال أكل ريقه. ويمكن إيجاب كفارة الإفطار بالمحرم لأنهم يقولون انه إذا خرج من الفم يحرم أكله وما نعرف دليلهم. ثم قال (قدس‌سره) بعد نقل كلام المنتهى الأول : الظاهر عدم الإفطار للأصل وعدم صدق الأدلة ، ولهذا مع قولهم بالتحريم جوزوا الأكل بالقاشوقة بإدخالها في الفم وكذا أكل الفواكه بعد العض مع بقاء الرطوبة في موضع العض وكذا في الشربة ، نعم لو كان عليه

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ١٠٦ و ١٠٧.


الريق باقيا ظاهرا كثيرا بحيث يصدق عليه أكل الريق يمكن ذلك لا مجرد البلة. انتهى. وظاهر كلامه (قدس‌سره) المناقشة من حيث عدم صدق الأكل على بلع البلة فيكون مرجعه الى ما نقله العلامة عن بعض الجمهور.

وأنت خبير بأنه ان كان المستند هو ما أشار إليه المحقق المذكور من صدق الأكل فإنه لا فرق في ذلك بين ما كان باقيا في الفم أو بعد الإخراج منه مع انهم متفقون على جواز ابتلاع ما كان في الفم. ولو قيل بمنع صدق الأكل على ما كان في الفم عارضناه بتحريم ابتلاع ما يخرجه بلسانه من بين أسنانه من بقية الغذاء فإنهم قائلون بأنه موجب للإفطار لصدق الأكل ، إلا أن يجعل وجه الفرق بين الريق الذي في الفم والذي أخرج منه لزوم المشقة والحرج في ما كان في الفم لو لم يجز ابتلاعه وان صدق عليه الأكل لأنه لو انقطع عنه جف حلقه وضرره ظاهر.

وبالجملة فالظاهر عندي ان وجه الفرق الموجب عندهم لجواز ابتلاعه ما دام في الفم والإفطار به بعد الخروج من الفم إنما هو لما قدمنا ذكره من تحريم فضلة الإنسان من نفسه أو غيره والريق إنما يصدق عليه فضلة بعد انفصاله من الفم وخروجه.

لا يقال : انه يلزم على ما ذكرتم من وجه الفرق عدم فساد الصوم حيث انه ليس بأكل ولا شرب وان حرم.

لأنا نقول : لا يلزم من عدم كونه مأكولا صحة الصوم فإنهم صرحوا ببطلان الصوم بالغبار والدخان الغليظ مع انه ليس بمأكول ونحوهما غيرهما فيجوز أن يكون هذا من قبيله عندهم.

وبذلك يظهر لك ما في مناقشة المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) للعلامة (قدس‌سره) في عبارته الاولى من عدم التحريم في البلة لعدم صدق الأكل ، فإن الظاهر ان كلام العلامة إنما ابتنى على ما ذكرناه من تحريم فضلة الإنسان ولا ريب انه مع ثبوت التحريم فلا فرق بين قليلها وكثيرها ، نعم ما أورده عليهم من تجويز الأكل


بالقاشوقة والفاكهة والشربة وارد عليهم ومناف لكلامهم المدعى في التحريم وحينئذ فيرجع الكلام معهم إلى إثبات دعوى تحريم فضلة الإنسان.

قال المحقق المشار إليه أيضا بعد الكلام في ريق الإنسان نفسه : واما ريق غيره فقالوا أيضا انه حرام وما اعرف دليلهم وما رأيت دليل تحريم فضلات الحيوان أقول ـ وبالله عزوجل الثقة لكل مأمول ـ ان الذي ظهر لي من الأخبار التي عثرت عليها من ما يتعلق بهذه المسألة هو حل ما ادعوا تحريمه ، وها أنا أسوق لك جملة ما وقفت عليه من الاخبار لتنظر فيها بعين التأمل والاعتبار :

فمنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن الحسن بن زياد الصيقل (١) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول مرت امرأة بذية برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يأكل وهو جالس على الحضيض فقالت يا محمد إنك لتأكل أكل العبد. الى أن قال عليه‌السلام قالت فناولني لقمة من طعامك فناولها فقالت لا والله إلا الذي في فيك فاخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اللقمة من فيه فناولها فأكلتها. قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) فما أصابها بذاء حتى فارقت الدنيا».

وما رواه في الكتاب المذكور (٢) في باب الإشارة والنص على ابى جعفر الثاني عليه‌السلام في حديث طويل يتضمن طعن اخوة الرضا عليه‌السلام وعمومته في الجواد عليه‌السلام بعد ولادته حيث انه كان حائل اللون وطلب القافة ليلحقوه بأبيه ، قال على بن جعفر راوي الحديث : «فقمت فمصصت ريق ابى جعفر عليه‌السلام ثم قلت له : أشهد أنك إمامي عند الله. الحديث» وفعل على بن جعفر (رضي‌الله‌عنه) ذلك بمحضر الرضا عليه‌السلام وتقريره له وعدم إنكاره عليه أظهر ظاهر في الجواز.

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ابى ولاد الحناط (٣) قال : «قلت

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من آداب المائدة.

(٢) الأصول ج ١ ص ٣٢٢ الطبع الحديث.

(٣) الوسائل الباب ٣٤ من ما يمسك عنه الصائم.


لأبي عبد الله عليه‌السلام انى أقبل بنتا لي صغيرة وأنا صائم فيدخل في جوفي من ريقها شي‌ء؟ قال : فقال لي : لا بأس ليس عليك شي‌ء».

وروى أيضا في الكتاب المذكور في الموثق عن أبى بصير (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الصائم يقبل امرأته؟ قال : نعم ويعطيها لسانه تمصه».

وروى فيه أيضا عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن الرجل الصائم إله أن يمص لسان المرأة أو تفعل المرأة ذلك؟ قال : لا بأس».

وروى السيد السعيد رضى الدين بن طاوس (قدس‌سره) في كتاب الملهوف على قتلي الطفوف (٣) عن الصادق عليه‌السلام «ان زين العابدين عليه‌السلام بكى على أبيه أربعين سنة صائما نهاره قائما ليله فإذا كان وقت إفطاره أتاه غلامه بطعامه وشرابه فيقول : قتل أبو عبد الله عليه‌السلام جائعا قتل أبو عبد الله عليه‌السلام عطشان فلا يزال يبكي حتى يبل طعامه بدموعه ويمزج شرابه بدموعه فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عزوجل». ولعل المتتبع للاخبار يقف على أمثالها أيضا.

وبذلك يظهر لك ما في حكمهم بتحريم فضلات الإنسان من الخروج عن مقتضى هذه الاخبار الواضحة البيان.

نعم يبقى الكلام في ما دلت عليه الأخبار الثلاثة من عدم إبطال الصوم بابتلاع ريق الغير ، فان ظاهر الأصحاب الإبطال بذلك مع ظهور الروايات في خلافه ، إذ من المعلوم وصول ريق الغير الى فم الصائم بالمص ، وأظهر منه قوله في صحيحة أبي ولاد «فيدخل في جوفي من ريقها شي‌ء».

واما ما أجابوا به عن روايتي أبي بصير وعلى بن جعفر ـ من أن المص لا يستلزم الابتلاع ، وعن صحيحة أبي ولاد من عدم الصراحة في تعمد الابتلاع فجاز ان يبلع شيئا من ريقها من غير شعور وتعمد ـ فلا يخفى ما فيه من البعد عن

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٤ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣) ص ٨٧ طبع المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف ، وهو نقل بالمعنى.


ظاهر الأخبار المذكورة. على انه لو كان ما ذكروه في تأويل صحيحة أبي ولاد من الحمل على عدم التعمد صحيحا للزم الإبطال أيضا فإنه متى كان وصول الريق الى جوفه مبطلا فلا فرق فيه بين تعمده ولا وصوله من غير تعمد ، كما صرحوا به من أنه لو وضع في فمه شيئا من المفطرات عبثا ولعبا فابتلعه بغير اختيار فإنه يبطل صومه ، وسيأتيك في مسألة المضمضة عبثا ما يدل على ذلك.

وبالجملة فإن الأخبار المذكورة مع اتفاقها على الحكم المذكور لا معارض لها من الأخبار ، والى ما ذكرنا يميل كلام المحقق الأردبيلي أيضا في هذا المقام.

السادسة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ابتلاع النخامة على أقوال ثلاثة ، إلا انه يجب أو لا بيان المعنى المراد من النخامة هنا : ظاهر كلام المحقق في الشرائع والعلامة في الإرشاد أن النخامة مختصة بما يخرج من الصدر دون ما ينزل من الدماغ حيث ذكرا النخامة ثم عطفا عليها ما استرسل من الدماغ ، وأطلق جماعة من الأصحاب النخامة عليهما ، قال الفيومي في المصباح : النخاعة بالضم ما يخرجه الإنسان من حلقه من مخرج الخاء المعجمة هكذا قيده ابن الأثير ، وقال المطرزي النخاعة هي النخامة ، وهكذا قال في العباب ، وزاد المطرزي : وهي ما يخرج من الخيشوم عند التنخع ، وكأنه مأخوذ من قولهم تنخع السحاب إذا قاء ما فيه من المطر لأن القي‌ء لا يكون إلا من الباطن ، وتنخع رمى بنخاعته. انتهى. وقال في مادة نخم : النخامة هي النخاعة وزنا ومعنى وتقدم. وقال في القاموس : والنخاعة بالضم النخامة أو ما يخرج من الصدر أو ما يخرج من الخيشوم. وقال ابن الأثير في النهاية : النخامة البزقة التي تخرج من أقصى الحلق ومن مخرج الخاء المعجمة.

وكلام الأصحاب هنا قد اختلف بما يرجع الى أقوال ثلاثة : أحدها ـ جواز ابتلاع ما يخرج من الصدر ما لم ينفصل عن الفم والمنع من ابتلاع ما يسترسل من الدماغ وان لم يصل الى الفم عمدا اما لو استرسل وتعدى الى الحلق فلا بأس. وهو ظاهر عبارتي الشرائع والإرشاد.


وثانيها ـ جواز ابتلاعهما ما لم يصلا الى الفم والمنع منه متى وصلا اليه ، ذهب اليه الشهيدان.

وثالثها ـ جواز اجتلاب النخامة من الصدر والرأس وابتلاعهما ما لم ينفصلا عن فضاء الفم كالريق ، واليه ذهب الفاضلان في المعتبر والمنتهى واختاره في المدارك.

والذي وقفت عليه في هذه المسألة من الأخبار رواية غياث بن إبراهيم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «لا بأس بأن يزدرد الصائم نخامته». وكل من هؤلاء على اختلافهم قد استندوا إلى الرواية.

وزاد في المدارك في الاستدلال على ما اختاره من القول الثالث ، قال : لنا ـ ان ذلك لا يسمى أكلا ولا شربا فكان سائغا تمسكا بمقتضى الأصل السالم من المعارض. ولنا أيضا ان النخامة مساوية للريق في عدم الوصول من خارج فوجب مساواتها له في الحكم.

واستدل عليه في المعتبر أيضا بان ذلك لا ينفك عنه الصائم إلا نادرا فوجب العفو عنه لعموم البلوى به.

أقول : ويمكن تأييده أيضا بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٢) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشي‌ء أيفطره ذلك؟ قال لا. قلت فان ازدرده بعد أن صار على لسانه؟ قال لا يفطر ذلك».

والقلس على ما ذكره ابن إدريس في السرائر من أحد الأقوال فيه وهو الذي اختاره انه خروج الطعام والشراب الى الفم من البطن أعاده صاحبه أو ألقاه ، نقل ذلك عن اليزيدي. ثم قال : وهذا أقوى من ما قاله الجوهري. لأنه قد نقل عن الجوهري قبل ذلك ان القلس بفتح القاف واللام والسين غير المعجمة ما خرج من الحلق مل‌ء الفم أو دونه وليس بقي‌ء فإن عاد فهو القي‌ء.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٩ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) الوسائل الباب ٢٩ من ما يمسك عنه الصائم.


وحينئذ فإذا كان القلس الذي هو عبارة عن الطعام والشراب لا يكون ازدراده مبطلا بعد خروجه الى فضاء الفم فكيف النخامة؟ إلا ان المفهوم من كلامهم كما صرح به في المعتبر ان القلس متى اشتمل على شي‌ء من الغذاء فإنه يفطر بابتلاعه ، وهو تقييد لإطلاق الخبر بغير دليل.

نعم يبقى الكلام في دلالة خبر غياث على الفضلة المسترسلة من الدماغ وصدق النخامة عليها ، فان ظاهر كلام أهل اللغة المذكور إنما ينطبق على الصاعد من الصدر كما لا يخفى على المتأمل فيه ، وحينئذ فتكون الرواية مؤيدة للقول الأول ويبقى حكم ما ينزل من الدماغ خارجا عنها. إلا انه يمكن الاستدلال عليه بما ذكره في المدارك وما ذكرناه من صحيحة عبد الله بن سنان ، ويعضد ذلك أصالة صحة الصيام حتى يقوم الدليل على الابطال.

وكيف كان فالظاهر قوة القول الثالث والاحتياط لا يخفى.

قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد البحث في المسألة : إذا تقرر ذلك فان ابتلع النخامة حيث تحرم فان كان من خارج الفم وجبت الكفارات الثلاث لتحريم تناولها حينئذ على غير الصائم ، وكذا لو تناول نخامة غيره أو ريقه وان كان أحد الزوجين. وما ورد من تجويز الامتصاص (١) لا يستلزم الازدراد. ولو كان التناول من الفم حيث يحرم ففي وجوب الثلاث أو الواحدة نظر ، منشأه الشك في تحريم ذلك على غير الصائم ، والمتيقن هو وجوب الواحدة. انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) من تحريم التناول من خارج الفم ووجوب الكفارات الثلاث على الصائم مبنى على ما قدمنا نقله عنهم من تحريم فضلات الإنسان ، وقد عرفت ما فيه. وما ذكره من التأويل في حديثي امتصاص الصائم لسان غيره (٢) بعيد ، وكأنه غفل عن صحيحة أبي ولاد (٣) الصريحة في دخول ريق

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢ و ٣) ص ٨٢ و ٨٣.


ابنته الى جوفه فلم يجب عنها بشي‌ء.

واما ما ذكره ـ من احتمال وجوب الكفارات الثلاث بناء على تحريم التناول من الفم كما هو القول الأول بناء على تحريم اردراد ذلك على غير الصائم ـ فهو مدفوع بالأصل وبما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان (١) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : من تنخع في المسجد ثم ردها في جوفه لم تمر بداء في جوفه إلا أبرأته».

السابعة ـ لو تمضمض فدخل الماء حلقه فإن أدخله عمدا فلا خلاف ولا إشكال في وجوب القضاء والكفارة ، وان سبقه لا عن تعمد فقد صرح الأصحاب بأنه ان كان ذلك في المضمضة للصلاة أو للتداوي فلا شي‌ء عليه وان كان للتبرد أو العبث فعليه القضاء خاصة ، ونقل عن الشيخ في التهذيب انه قال : المتمضمض والمستنشق قد بينا حكمهما انه إذا كان للصلاة فلا شي‌ء عليه من ما يدخل حلقه وان كان لغير الصلاة فدخل حلقه فعليه القضاء والكفارة. ونقل عن طائفة من الأصحاب الميل إلى انه إن توضأ لنافلة أفطر وان كان لفريضة فلا.

أقول : وإيجاب الشيخ الكفارة هنا لرواية سليمان بن حفص المروزي المتقدمة في صدر المسألة الثانية (٢) وقد عرفت ما فيها ، وظاهرها ترتب الكفارة على مجرد المضمضة والاستنشاق وان لم يسبق منهما شي‌ء إلى حلقه فلا يوافق مدعاه.

وقال العلامة في المنتهى : اما لو تمضمض فدخل الماء الى حلقه فان تعمد ابتلاع الماء وجب عليه القضاء والكفارة ، ولو تمضمض للصلاة فلا قضاء عليه ولا كفارة ، وان كان للتبرد أو العبث وجب عليه القضاء خاصة وهو قول علمائنا. الى أن قال : لنا ـ انه إذا توضأ للصلاة فعل فعلا مشروعا فلا يترتب عليه عقوبة لعدم التفريط شرعا ، ولأنه وصل الى حلقه من غير قصد فأشبه ما لو طارت ذبابة إلى حلقه ، اما إذا كان متبردا أو عابثا فلأنه فرط بتعريض الصوم للإفساد

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من أحكام المساجد.

(٢) ص ٧٢.


فلزمته العقوبة للتفريط ، ولأنه وصل بفعل منهي عنه فأشبه التعمد ، ولا كفارة لأنه غير قاصد للإفساد والهتك. انتهى.

أقول : ما يظهر منه ـ من تحريم المضمضة للتبرد والعبث حيث انه استدل على وجوب القضاء بالتحريم ـ لا اعرف له وجها ولا عليه دليلا مع انه في الإرشاد جعل العبث في قرن المضمضة للصلاة والتداوي وخص القضاء بالمضمضة للتبرد.

ثم انه لا يخفى ما في تعليلاته لوجوب القضاء في الأخيرين وعدمه في الأول من الوهن وعدم الصلوح لابتناء الأحكام الشرعية عليها وان كانوا يزعمونها عللا عقلية ، فإن الأحكام إنما تبنى على النصوص الواضحة من الكتاب أو السنة لا على أمثال هذه التخريجات.

قال المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) بعد ان نقل عن العلامة وجوب القضاء في صورتي التبرد والعبث : والذي يقتضيه الأصول عدم القضاء حينئذ وعدم التحريم ولعله (قدس‌سره) أراد انه من حيث سبقه الى حلقه من غير اختيار فهو معذور كالناسي. إلا أن هذا لا يطرد له فان روايات المسألة قد صرح جملة منها بالقضاء في الصورة المذكورة بل في صورة وضوء النافلة (١) وقد ورد في ناسي النجاسة في الصلاة انه يعيد عقوبة لنسيانه وعدم تحفظه (٢).

أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «في الصائم يتوضأ للصلاة فيدخل الماء في حلقه؟ قال ان كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه قضاء وان كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء».

__________________

(١ و ٣) التهذيب ج ٤ ص ٣٢٤ الطبع الحديث وفي الوسائل الباب ٢٣ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) الوسائل الباب ٤٢ من النجاسات.


وما رواه الكليني والشيخ عن يونس (١) قال : «الصائم في شهر رمضان يستاك متى شاء ، وان تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء حلقه فلا شي‌ء عليه وقد تم صومه ، وان تمضمض في غير وقت فريضة فدخل الماء حلقه فعليه الإعادة ، والأفضل للصائم أن لا يتمضمض».

وما رواه الشيخ والصدوق عن سماعة في الموثق (٢) قال : «سألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه؟ قال عليه قضاؤه ، وان كان في وضوء فلا بأس».

وما رواه الكليني في الحسن أو الصحيح عن حماد عن من ذكره عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «في الصائم يتمضمض ويستنشق؟ قال نعم ولكن لا يبالغ».

وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم؟ قال ليس عليه شي‌ء إذا لم يتعمد ذلك. قلت فان تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء؟ قال ليس عليه شي‌ء قلت تمضمض الثالثة؟ قال فقال قد أساء وليس عليه شي‌ء ولا قضاء».

وما رواه الكليني عن زيد ـ وهو زيد الشحام كما ذكره في التهذيب ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٥) «في الصائم يتمضمض؟ قال لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرات».

ومنها ـ رواية سليمان بن حفص المروزي المتقدمة في المسألة الثانية (٦) وبها احتج من أوجب الكفارة.

أقول : وما دلت عليه صحيحة الحلبي من عدم القضاء لو كان في وضوء الفريضة هو مستند الأصحاب في ما قدمنا نقله عنهم ، ومثلها رواية يونس وقوله : «وان

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٣ من ما يمسك عنه الصائم.

(٥) الوسائل الباب ٣١ من ما يمسك عنه الصائم.

(٦) ص ٧٢.


تمضمض في وقت فريضة» أي لأجل فريضة وهو من ما لا خلاف ولا اشكال فيه. وما دلت عليه من القضاء في وضوء صلاة النافلة يدل بمفهوم الأولوية على وجوب القضاء في التبرد والعبث. وقوله في رواية يونس «وان تمضمض في غير وقت فريضة» أي لغير فريضة وهو أعم من أن يكون لنافلة أو عبثا أو تبردا ، فهو صالح للدلالة على ما ذكره الأصحاب من وجوب القضاء في العبث والتبرد ، وأصرح منه في ذلك ما دلت عليه موثقة سماعة ، وما دلت عليه الموثقة المذكورة من قوله «وان كان في وضوء فلا بأس» ينبغي حمل الوضوء هنا على وضوء الفريضة جمعا بينها وبين صحيحة الحلبي.

بقي الكلام في موثقة عمار فإنها بظاهرها وإطلاقها منافية للاخبار وكلام الأصحاب ، والواجب حملها على وضوء الفريضة جمعا بينها وبين الاخبار المذكورة.

تنبيهات

الأول ـ لا يخفى ان المفهوم من كلام الأصحاب هو عدم القضاء في الوضوء مطلقا لفريضة كان أو نافلة ولا سيما ما سمعت من تعليل صاحب المنتهى المتقدم بأنه فعل فعلا مشروعا ، مع ان صحيحة الحلبي صريحة في القضاء إذا كان في وضوء النافلة ونحوها عموم رواية يونس كما أشرنا إليه آنفا ، والجمع بين كلامهم (رضوان الله عليهم) والاخبار لا يخلو من اشكال.

الثاني ـ قد أضاف الاستنشاق الى المضمضة هنا جملة من الأصحاب ، وظاهر العلامة في المنتهى التردد في ذلك حيث قال : حكم الاستنشاق حكم المضمضة في ذلك على تردد لعدم النص فيه ونحن لا نقول بالقياس.

وأنت خبير بما فيه فان مقتضى التردد في جميع المواضع هو تعارض الأدلة لا عدم الدليل ، وهو هنا إنما أورد ما يدل على العدم من عدم النص وبطلان القياس على المضمضة ، وحينئذ فما وجه التردد؟ بل الواجب الجزم بالعدم لا التردد


قال في المدارك : ولا يلحق بالمضمضة الاستنشاق في هذا الحكم قطعا فلا يجب بما سبق منه قضاء ولا كفارة ، بل لو قيل ان تعمد إدخال الماء من الأنف غير مفسد للصوم لم يكن بعيدا. انتهى. وهو جيد.

الثالث ـ ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز المضمضة للصائم وغيره ، بل قال في المنتهى : ولو تمضمض لم يفطر بلا خلاف بين العلماء سواء كان في الطهارة أو غيرها. وقد عرفت من ما قدمنا من عبارته المنقولة من المنتهى ما يشعر بالتحريم لغير الوضوء ومثله ما صرح به الشيخ في الاستبصار فإنه ـ بعد أن نقل رواية زيد الشحام الدالة على انه لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرات ـ قال قال محمد بن الحسن : هذا الخبر مختص بالمضمضة إذا كانت لأجل الصلاة فاما للتبرد فإنه لا يجوز على حال ، يدل على ذلك ما رواه محمد بن يعقوب. ثم أورد رواية يونس المتقدمة ، مع ان هذه الرواية كما ترى لا تدل على ما ذكره وإنما تضمنت ان الأفضل للصائم أن لا يتمضمض وأين هذا من التحريم؟ وكيف كان فالأظهر حمل رواية الشحام المذكورة على الاستحباب ، ويعضدها قوله في رواية يونس «والأفضل» يعني في غير وضوء الفريضة والنافلة ، لأن ما دل من الأخبار على استحباب المضمضة في الوضوء مطلقا أظهر من هذه الرواية فتحمل على الوضوء للتبرد.

الرابع ـ ظاهر جملة من الأصحاب : منهم ـ السيد السند في المدارك وغيره إلحاق دخول الماء من المضمضة للتداوي أو لإزالة النجاسة بالمضمضة التي في الوضوء الواجب وانه لا يوجب القضاء ، وزاد في التذكرة المضمضة من أكل الطعام. والجميع لا يخلو من شوب الإشكال لدلالة صحيحة الحلبي على وجوب القضاء في وضوء النافلة ففي هذه الأشياء ينبغي أن يكون بطريق أولى ، ولدخول هذه الأمور في عموم قوله في رواية يونس «وان تمضمض في غير وقت فريضة فعليه الإعادة». والمفهوم من كلامهم تعليل ذلك بأنه متى كان الوضع في الفم لغرض صحيح فإنه


مأذون في الفعل ومتى كان مأذونا في الفعل ولم يتعمد الابتلاع فلا شي‌ء عليه. وفيه ما عرفت من ظواهر الأخبار المشار إليها وان غاية الاذن في الفعل عدم التأثيم بذلك لا رفع القضاء أيضا. وقد تلخص من ما حققناه في المقام ان سقوط القضاء إنما هو في ما إذا سبق الماء الى حلقه من الوضوء الواجب واما ما عداه فالواجب القضاء.

الخامس ـ ينبغي أن يعلم ان وجوب القضاء في بعض افراد هذه المسألة أو مع الكفارة إنما هو في ما إذا كان في واجب معين ، لأن ما ليس بمعين متى فسد صومه وجب الإتيان ببدله ولا يسمى ذلك قضاء ، لأن القضاء عندهم اسم لفعل مثل المقضي بعد خروج وقته وغير المتعين وقته متسع.

الثامنة ـ من فعل المفطر قبل مراعاة الفجر متعمدا ـ بمعنى انه استصحب بقاء الليل ففعل المفطر ولم يراجع الفجر مع إمكان ذلك فصادف فعله النهار ـ فإنه يجب عليه القضاء دون الكفارة متى كان ذلك في صوم الواجب المعين وإلا بطل واستأنف يوما آخر غيره.

اما سقوط الكفارة فللأصل وعدم الدليل على ما يخرج عنه ، ويعضده اباحة الفعل كما ذكروه من أنه لا خلاف في جواز فعل المفطر مع الظن الحاصل من استصحاب بقاء الليل مع الشك في طلوع الفجر فينتفي المقتضي للتكفير.

واما وجوب القضاء فللأخبار ، ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) ورواه الكليني أيضا في الصحيح عندي الحسن على المشهور عنه عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) «انه سئل عن رجل تسحر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبين؟ قال يتم صومه ذلك ثم ليقضه ، وان تسحر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر. ثم قال : ان أبى كان ليلة يصلى وأنا آكل فانصرف فقال اما جعفر فقد أكل وشرب بعد الفجر فأمرني فأفطرت ذلك اليوم في غير شهر رمضان».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤٤ و ٤٥ من ما يمسك عنه الصائم.


وما رواه الكليني والشيخ عنه في الموثق عن سماعة بن مهران (١) قال : «سألته عن رجل أكل وشرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان؟ فقال ان كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثم عاد فرأى الفجر فليتم صومه ولا اعادة عليه. وان كان قام فأكل وشرب ثم نظر الى الفجر فرأى انه قد طلع فليتم صومه ويقضى يوما آخر لأنه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الإعادة».

وما رواه الكليني عن إسحاق بن عمار (٢) قال : «قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام يكون على اليوم واليومان من شهر رمضان فأتسحر مصبحا أفطر ذلك اليوم واقضى مكان ذلك يوما آخر أو أتم على صوم ذلك اليوم واقضى يوما آخر؟ فقال لا بل تفطر ذلك اليوم لأنك أكلت مصبحا وتقضى يوما آخر».

وما رواه ايضا عن على بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن رجل شرب بعد ما طلع الفجر وهو لا يعلم في شهر رمضان؟ قال يصوم يومه ذلك ويقضى يوما آخر ، وان كان قضاء لرمضان في شوال أو غيره فشرب بعد الفجر فليفطر يومه ذلك ويقضى».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن إبراهيم بن مهزيار (٤) قال : «كتب الخليل ابن هاشم الى ابى الحسن عليه‌السلام : رجل سمع الوطء والنداء في شهر رمضان فظن ان النداء للسحور فجامع وخرج فإذا الصبح قد أسفر؟ فكتب بخطه عليه‌السلام : يقضى ذلك اليوم ان شاء الله تعالى».

فوائد

الأولى ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) تقييد الحكم المذكور بصورة القدرة على المراعاة فينتفي عند عدمها وجوب القضاء ، فلو ترك المراعاة لعجزه عنها وتناول فصادف النهار فإنه لا يجب عليه القضاء للأصل واختصاص

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ٤٤ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٤٥ من ما يمسك عنه الصائم.


روايات القضاء بالقادر على المراعاة فيبقى ما عداه على حكم الأصل. وهو جيد إلا ان الاحتياط في القضاء.

الثانية ـ المستفاد من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) انتفاء القضاء إذا تناول المفطر بعد المراعاة وان ظهر كون تناوله بعد الصبح ، وعليه تدل موثقة سماعة المتقدمة.

ومثلها ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام آمر الجارية لتنظر الى الفجر فتقول لم يطلع بعد فآكل ثم انظر فأجده قد كان طلع حين نظرت؟ قال اقضه اما انك لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شي‌ء». ومثله رواه الكليني عن معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن (٢)

الثالثة ـ قال الفاضل الخراساني في الذخيرة : واعلم ايضا ان مقتضى صحيحة الحلبي المذكورة ان من تناول المفطر في غير شهر رمضان بعد طلوع الفجر أفسد صومه سواء كان الصوم واجبا أو مندوبا وسواء تناول المفطر بعد المراعاة أم قبلها. وبذلك صرح المصنف وغيره ، ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني. ثم نقل موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة ثم أردفها برواية على بن أبي حمزة المتقدمة أيضا.

أقول : في شمول الروايات المذكورة للإطلاق الثاني نظر : أما رواية الحلبي فإن صدرها ظاهر في عدم المراعاة لأن وجوب القضاء في شهر رمضان انما يترتب على عدم المراعاة كما عرفت في سابق هذه الفائدة ، والكلام في عجزها جار على هذا الوجه أيضا ، فيكون الأمر بالإفطار في غير شهر رمضان إنما هو في صورة عدم المراعاة. ومثله الكلام في رواية على بن أبي حمزة فإن صدرها متضمن لوجوب القضاء في صوم شهر رمضان وهو لا يكون إلا مع عدم المراعاة ، وعليه يبنى عجزها لأن المسألة واحدة وانما وقع الترديد في كون ذلك الصوم من شهر رمضان أو من قضائه. واما موثقة إسحاق بن عمار فظاهر سياقها ايضا هو الإفطار مع عدم

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤٦ من ما يمسك عنه الصائم.


المراعاة أيضا فلو قيل بصحة الصوم مع المراعاة كما في شهر رمضان لم يكن بعيدا.

الرابعة ـ استظهر السيد السند في المدارك إلحاق الواجب المعين بصوم شهر رمضان في الحكم المذكور ، والظاهر انه للاشتراك في التعين ، ونفى عنه البعد صاحب الذخيرة ، وهو مشكل لعدم الدليل وعدم جواز بناء الأحكام على المشابهة والمشاركة. اللهمّ إلا أن يقال انه من باب تنقيح المناط ، وهو متوقف على عدم الخصوصية لشهر رمضان بذلك وعدم العلم بالخصوصية لا يدل على العدم.

الخامسة ـ لو أفطر إخلادا إلى خبر الغير بعدم طلوع الفجر مع القدرة على المراعاة ثم تبين انه بعد الصبح فلا خلاف ولا إشكال في وجوب القضاء وهو معلوم من ما تقدم ، وعليه تدل صريحا صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ومثلها صحيحته الثانية (١) وإطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق في المخبر بين الواحد والمتعدد.

ونقل عن المحقق الشيخ على انه استقرب سقوط القضاء لو كان المخبر عدلين لان اخبار العدلين حجة شرعية ، ونفى عنه البأس شيخنا الشهيد الثاني ، قال : والخبر لا ينافيه لأنه فرض فيه كون المخبر واحدا. واليه جنح سبطه السيد السند في المدارك أيضا.

قال الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد نقل ذلك عن المحقق المذكور : وهو حسن ، لا لما ذكره لعدم وضوح مستند حجية البينة مطلقا بحيث يشمل محل البحث بل للأصل وعدم شمول ما هو مستند القضاء لهذا الموضع ، فان بعضها مختص بإخبار الجارية والمتبادر من الباقي غير صورة اخبار الغير ، بل إثبات القضاء في صورة اخبار العدل الواحد أيضا محل اشكال. انتهى.

وفيه انه لا يخلو اما ان يكون اخبار العدلين هنا حجة شرعية فيكون عدم القضاء إنما هو لذلك ويكون بمنزلة ما لو راعى بنفسه ، أو لا يكون حجة بل يكون في حكم العدم وحينئذ فيرجع الى استصحاب الليل كما تقدم فيجب القضاء البتة ،

__________________

(١) ص ٩٤.


وبالجملة فإنه متى الغى حجية اخبار العدلين فكيف يتمسك بالأصل وعدم وجود الدليل على القضاء في صورة اخبار العدلين أو العدل والحال ان أخبارهما عنده ليس بحجة بل هو في حكم العدم؟ ولا شك انه متى الغى أخبارهما رجع أكله إلى استصحاب الليل وقد ثبت وجوب القضاء بذلك.

والأصح ما ذكره المحقق المذكور ومن تبعه من الاعتماد على اخبار العدلين بل العدل الواحد أيضا ، فإن المستفاد من الأخبار الاعتماد على خبر العدل الثقة في الأمور المطلوب فيها العلم فليكن هذا منها.

ومن الاخبار المذكورة ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار (١) قال : «سألته عن رجل كانت له عندي دنانير وكان مريضا فقال لي ان حدث بي حدث فأعط فلانا عشرين دينارا وأعط أخي بقية الدنانير. فمات ولم أشهد موته فأتاني رجل مسلم صادق فقال لي انه أمرني أن أقول لك : انظر الدنانير التي أمرتك أن تدفعها الى أخي فتصدق منها بعشرة دنانير اقسمها في المسلمين. ولم يعلم أخوه ان عندي شيئا؟ فقال ارى ان تصدق منها بعشرة دنانير كما قال». وفيه دلالة على ثبوت الوصية بقول الثقة.

وما رواه الشيخ في التهذيب بسند فيه العبيدي ـ والصدوق بسنده الى ابن أبى عمير عن هشام بن سالم ـ عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) في حديث قال عليه‌السلام فيه «ان الوكيل إذا وكل ثم قام عن المجلس فأمره ماض ابدا والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه أو يشافه بالعزل عن الوكالة».

والأصحاب (رضوان الله عليهم) قد صرحوا في هذا الموضع بأنه لا ينعزل إلا مع العلم وحينئذ فالخبر مؤذن بان اخبار الثقة مفيد للعلم.

ونحو ذلك ايضا ما ورد في الاخبار من جواز وطء الأمة بغير استبراء إذا

__________________

(١) الوسائل الباب ٩٧ من الوصايا ، والرواية عن ابى عبد الله (ع).

(٢) الوسائل الباب ٢ من الوكالة.


كان البائع عدلا مأمونا وأخبر بالاستبراء (١) والاخبار الدالة على الاعتماد في الأوقات المشترط فيها العلم عندهم على أذان الثقة (٢) ونحو ذلك من ما هو متكرر في جملة من الأحكام التي لا تحضرني الآن على الخاطر ، وبه يعلم افادة قول الثقة العلم فيكون الكلام في ما نحن فيه من ذلك القبيل.

السادسة ـ لو أخبره مخبر بطلوع الفجر فظن كذبه وأكل ثم ظهر صدقه مع القدرة على المراعاة فقد قطع الأصحاب بوجوب القضاء ايضا دون الكفارة ، اما عدم وجوب الكفارة فلما تقدم ، ووجوب القضاء معلوم من ما سبق من حيث بنائه على استصحاب الليل.

ويدل على خصوص المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل خرج في شهر رمضان وأصحابه يتسحرون في بيت فنظر الى الفجر فناداهم فكف بعضهم وظن بعضهم انه يسخر فأكل؟ قال يتم صومه ويقضى».

ونحوه ما في كتاب الفقه الرضوي (٤) حيث قال : ولو ان قوما مجتمعين سألوا أحدهم أن يخرج وينظر هل طلع الفجر؟ ثم قال قد طلع الفجر. فظن بعضهم انه يمزح فأكل وشرب كان عليه قضاء ذلك اليوم.

واستقرب العلامة في المنتهى والشهيدان وجوب القضاء والكفارة لو كان المخبر عدلين للحكم بقولهما شرعا فيكون كتعمد الإفطار بعد طلوع الفجر.

أقول : ولا يبعد ايضا القول بذلك في خبر العدل لما عرفت من الاخبار التي قدمناها وان كان المشهور بين أصحابنا عدمه.

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من بيع الحيوان.

(٢) الوسائل الباب ٣ من الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل الباب ٤٧ من ما يمسك عنه الصائم.

(٤) مستدرك الوسائل الباب ٣٢ من ما يمسك عنه الصائم.


السابعة ـ لو أفطر تقليدا ان الليل دخل ثم تبين فساد الخبر فقد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بوجوب القضاء عليه خاصة.

قال السيد السند في المدارك بعد ذكر ذلك : هذا الإطلاق مشكل لأن المفطر ان كان ممن لا يسوغ له التقليد فينبغي ان يكون عليه القضاء والكفارة ، وان كان ممن يسوغ له ذلك اتجه الحكم بسقوطهما لاستناد فعله إلى اذن الشارع على هذا. التقدير. إلا أن يقال ان ذلك لا يقضى سقوط القضاء كما في تناول المفطر قبل مراعاة الفجر. وهو جيد لو ثبت دليل الوجوب هنا كما ثبت هناك. انتهى. وهو جيد.

وما اعترضه به الفاضل الخراساني في الذخيرة ـ حيث قال بعد نقله : وفيه تأمل فإن مقتضى كون المفطر ممن لا يسوغ له التقليد ترتب الإثم على الإفطار لا القضاء والكفارة ، ولا يبعد ان يقال ان حصل الظن باخبار المخبر اتجه سقوط القضاء والكفارة لصحيحة زرارة المذكورة في المسألة الآتية (١) ولا يبعد انتفاء الإثم أيضا وإلا فالظاهر ترتب الإثم لقوله تعالى (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (٢) فان مقتضاها وجوب تحصيل العلم أو الظن بالامتثال وهو منتف في الفرض المذكور ، واما وجوب القضاء ففيه تأمل لعدم دليل دال عليه وعدم الاستلزام بين حصول الإثم ووجوب القضاء. انتهى ـ فعندي فيه نظر وذلك فان المعلوم من الاخبار وكلام الأصحاب ان وقت الغروب الموجب للصلاة والإفطار لا بد فيه من العلم واليقين بملاحظة السبب الموجب للغروب الذي هو سقوط القرص أو زوال الحمرة ، فلو صلى المكلف قبل ذلك أو أفطر الصائم مع تمكنه من المراعاة وظهر كون ذلك قبل دخول الوقت وجب عليه إعادة الصلاة ووجب عليه القضاء والكفارة في إفطاره لإفطاره نهارا

__________________

(١) تأتى ص ١٠٢.

(٢) سورة البقرة الآية ١٨٤.


مع إمكان المراعاة ، فيدخل تحت الأخبار الدالة على ان من أفطر عامدا وجب عليه القضاء والكفارة ، ومنها صحيحة ابن سنان (١) «في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر؟ قال يعتق نسمة أو يصوم شهرين. الحديث». ونحوه غيره. نعم لو كان في السماء علة من غيم ونحوه تمنع من معرفة الوقت فإنه يرجع الى الظن لتعذر العلم حينئذ ، وحينئذ فهذا المفطر بمجرد اخبار الغير مع تمكنه من المراعاة وان حصل له ظن باخبار الغير متى ظهر كون إفطاره نهارا يجب عليه القضاء والكفارة ، لما عرفت من أن الشارع قد حرم الإفطار في الآية الشريفة (٢) حتى يدخل الليل يقينا أو ظنا مع تعذر اليقين.

ومبنى كلام هذا الفاضل على الاكتفاء بالظن مطلقا ، وهو غلط محض فان البناء على الظن في جواز الصلاة والإفطار إنما هو مع تعذر حصول العلم لغيم ونحوه فيبني على الظن لا انه يكفى الظن مطلقا ولو باخبار الغير مع التمكن من المراعاة. وصحيحة زرارة التي استند إليها وتوهم منها هذا الوهم سيأتي ان شاء الله تعالى تحقيق القول في معناها بما يظهر منه فساد توهمه.

واعلم ان إطلاق كلام أكثر الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين كون المخبر فاسقا أو عدلا ولا بين كونه واحدا أو متعددا.

وقطع المحقق الشيخ على بأنه لو شهد بالغروب عدلان ثم بان كذبهما فلا شي‌ء على المفطر وان كان ممن لا يجوز له التقليد لأن شهادتهما حجة شرعية.

واستشكله في المدارك بانتفاء ما يدل على جواز التعويل على البينة على وجه العموم خصوصا في موضع يجب فيه تحصيل اليقين.

وقال الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد نقل كلام المدارك : وهو حسن إلا ان جعل محل البحث من ما يجب فيه تحصيل اليقين محل تأمل لما ذكرنا من دلالة

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) وهي قوله تعالى في سورة البقرة الآية ١٨٤ : «... ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ».


صحيحة زرارة على جواز الاكتفاء بالظن ، وحينئذ فالظاهر جواز التعويل على شهادة العدلين إلا إذا لم يحصل الظن بشهادتهما. انتهى.

أقول : كلامه هنا مبنى على ما قدمنا نقله عنه وهو باطل بما عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى.

ثم أقول : لا يخفى ان كلام المحقق الشيخ على لا يخلو من قوة لتأيده بالأخبار التي قدمناها دالة على الاكتفاء بقول العدل الواحد في مقام العلم ، بل لو قيل بالاكتفاء بالواحد لكان قويا لما عرفت.

الثامنة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجوز الإفطار عند ظن الغروب إذا لم يكن للظان طريق الى العلم.

ثم ان القائلين بالجواز هنا قد اختلفوا في وجوب القضاء وعدمه إذا انكشف فساد الظن المذكور ، فنقل عن الشيخ في جملة من كتبه وابن بابويه في من لا يحضره الفقيه وجمع من الأصحاب القول بعدم الوجوب وهو اختيار السيد السند في المدارك وغيره من متأخري المتأخرين ، وعن الشيخ المفيد والمرتضى وابى الصلاح القول بالوجوب وهو اختيار المحقق في المعتبر وقواه العلامة في المنتهى وتردد في المختلف ، وقال ابن إدريس : ومن ظن ان الشمس قد غابت لعارض يعرض في السماء من ظلمة أو قتام ولم يغلب على ظنه ذلك ثم تبين الشمس بعد ذلك فالواجب عليه القضاء دون الكفارة ، وان كان مع ظنه غلبة قوية فلا شي‌ء عليه من قضاء ولا كفارة لأن ذلك فرضه لان الدليل قد فقد فصار تكليفه في عبادته غلبة ظنه فإن أفطر لا عن امارة ولا ظن فيجب عليه القضاء والكفارة.

والذي وقفت عليه من الاخبار في هذه المسألة روايات : منها ما رواه الكليني والشيخ ـ بسند فيه محمد بن عيسى عن يونس عن ابى بصير وسماعة وفي سند آخر عن سماعة ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب اسود عند

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٠ من ما يمسك عنه الصائم.


غروب الشمس فرأوا أنه الليل فأفطر بعضهم ثم ان السحاب انجلى فإذا الشمس؟ فقال على الذي أفطر صيام ذلك اليوم ان الله عزوجل يقول (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (١) فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه لأنه أكل متعمدا». وبهذا الخبر استدل من قال بوجوب القضاء في المسألة.

ومنها ـ ما رواه الشيخ وابن بابويه عن زرارة في الصحيح (٢) قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكف عن الطعام ان كنت أصبت منه شيئا». وهي ظاهرة الدلالة على القول الأول.

ويمكن ان تكون هذه الرواية هي التي أشار إليها الفاضل الخراساني في ما تقدم من كلامه واستند الى دلالتها على البناء على الظن.

وأنت خبير بان قوله عليه‌السلام «إذا غاب القرص» إما ان يحمل على غيبوبته عن النظر بالمشاهدة اليه ، وهذا لا يصح ترتب الرؤية عليه بعد ذلك فلا يمكن حمل الخبر عليه ، واما أن يحمل على مجرد احتمال الغيبوبة وظنها مع عدم الحائل في السماء وعدم المشاهدة بالكلية ، وهو مع كونه لا قائل به فالأخبار ترده لأن اخبار وقت المغرب متفقة على كون الغروب المترتب عليه جواز الصلاة والإفطار إنما هو عبارة عن غيبوبة القرص عند النظر اليه كما هو أحد القولين أو زوال الحمرة المشرقية كما هو القول الآخر ، وحينئذ فمجرد ظن ذلك من غير مشاهدة ولا علة في السماء مانعة من المشاهدة لا يجوز العمل عليه اتفاقا نصا وفتوى ، واما ان يحمل على حصول المانع من المشاهدة لغيم ونحوه كما هو صريح الأخبار الباقية ، وبه يتم معنى الخبر المذكور وينتظم مع الأخبار الآتية ويتبين فساد ما توهمه الفاضل المتقدم ذكره.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨٤.

(٢) الوسائل الباب ٥١ من ما يمسك عنه الصائم.


ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (١) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن وقت إفطار الصائم قال حين تبدو ثلاثة أنجم. وقال لرجل ظن أن الشمس قد غابت فأفطر ثم أبصر الشمس بعد ذلك قال : ليس عليه قضاء».

ويحتمل ـ ولعله الأقرب ـ ان هذه الرواية هي التي أشار إليها الفاضل المتقدم ذكره حيث عبر فيها بلفظ الظن.

وفيه انه يجب حملها على الظن المستند الى العذر المانع من تحصيل العلم بدخول الوقت لا مطلقا لما ذكرناه من التقريب في الرواية الاولى.

ويؤكد ذلك ما رواه في الكافي عن ابن ابى عمير عن من ذكره عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار من الصيام ان تقوم بحذاء القبلة وتتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص».

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «يحل لك الإفطار إذا بدت لك ثلاثة أنجم وهي تطلع مع غروب الشمس».

ألا ترى انه عليه‌السلام جعل وقت الإفطار وجوازه مترتبا على النظر الى زوال الحمرة في الأول وظهور الأنجم الثلاثة المقارنة لغروب الشمس في الثاني الراجع ذلك في المعنى الى زوال الحمرة أيضا ، وهذا مبنى على عدم المانع في السماء من غيم ونحوه ، فكيف يجوز البناء على الظن مطلقا وان لم يكن مانع كما توهمه من الخبر المذكور؟ وقد تقدم في اخبار أوقات الصلوات ما هو صريح في انه مع عدم العذر لا بد في الحكم بدخول الوقت من العلم بغيبوبة القرص أو زوال الحمرة.

وبالجملة فإن كلام هذا الفاضل مجرد توهم وغفلة نشأت عن عدم مراجعة الاخبار والتأمل فيها.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٢ و ٥١ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٥٢ من ما يمسك عنه الصائم.


ومنها ـ رواية أبي الصباح الكناني (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صام ثم ظن ان الشمس قد غابت وفي السماء غيم فأفطر ثم ان السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب؟ فقال قد تم صومه ولا يقضيه».

ورواية زيد الشحام عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في رجل صائم ظن ان الليل قد كان وان الشمس غابت وقد كان في السماء سحاب فأفطر ثم ان السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب؟ فقال تم صومه ولا يقضيه».

وجملة هذه الاخبار ما عدا الرواية الأولى ظاهرة الدلالة على القول بعدم وجوب القضاء في المسألة ، ومن قال بوجوب القضاء رد صحيحة زرارة الأولى بعدم الصراحة في المدعى وباقي الأخبار بالطعن في السند ، ومن قال بالعدم رد الرواية الأولى بضعف السند.

ومنهم من جمع بين الأخبار بحمل الرواية الدالة على وجوب القضاء على الشك وتساوى الاعتقاد ، قال الشيخ في الاستبصار بعد ذكر الرواية المذكورة (٣) الوجه في هذه الرواية انه متى شك في دخول الليل عند العارض وتساوت ظنونه ولم يكن لأحدهما مزية على الآخر لم يجز له أن يفطر حتى يتيقن دخول الليل أو يغلب على ظنه ، ومتى أفطر والأمر على ما وصفناه وجب عليه القضاء حسب ما تضمنه هذا الخبر. انتهى.

ويشكل أولا ـ بأن ظاهر قوله في الرواية «فرأوا انه الليل» هو حصول الظن بدخول الليل كما هو المتبادر من هذا اللفظ.

وثانيا ـ بان الظاهر ان من أفطر في هذه الصورة فعليه مع القضاء الكفارة أيضا لأنه متى كان عالما بعدم جواز الإفطار في الصورة المذكورة وأفطر فقد وجبت عليه الكفارة لإقدامه على الإفطار في نهار شهر رمضان عدوانا. إلا أن يقال ان إيجاب

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥١ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣) ج ٢ ص ١١٦.


القضاء في الخبر لا ينافي إيجاب الكفارة أيضا ، ويؤيده قوله في الخبر «لأنه أكل متعمدا» وقد صرح ابن إدريس في ما قدمنا من كلامه بوجوب القضاء والكفارة في الصورة المذكورة.

ومنهم من جمع بين الأخبار بالتنزيل على مراتب الظن وجعل بعضها غالبا على بعض ، فأوجب القضاء بحصول الظن وحمل عليه الخبر الأول ونفاه مع غلبة الظن وحمل عليه الأحاديث الأخر ، وهو صريح كلام ابن إدريس المتقدم وتبعه فيه المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في الوسائل.

وهو ضعيف كما صرح به جملة ممن تأخر عنه ، قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد نقل ذلك عنه : ويشكل بعدم انضباط مراتب الظن حتى يجعل بعضها غالبا وبعضها غير ذلك بل الظن كله غالب ، وبان الحكم في النصوص معلق على مطلق الظن في الحالين.

أقول : والأظهر عندي العمل بالأخبار الدالة على عدم الوجوب وحمل الرواية الدالة على الوجوب على التقية. فإن القول بالوجوب مذهب الجمهور (١) كما نقله في المنتهى ، ونقل من أخبارهم الدالة عليه ما رواه حنظلة (٢) قال : «كنا في شهر رمضان وفي

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ١٣٦.

(٢) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢١٧ وقد رواه عنه بطريقين واللفظ في أحدهما هكذا : كنا عند عمر فاتى بجفنة في شهر رمضان فقال المؤذن الشمس طالعة فقال اغنى الله عنا شرك انا لم نرسلك راعيا للشمس انما أرسلناك داعيا إلى الصلاة. يا هؤلاء من كان منكم أفطر فقضاء يوم يسير وإلا فليتم صومه. وفي الآخر قريب من ذلك وفيه قال عمر «من كان أفطر فليصم يوما مكانه» وليس فيهما ان الظن بغياب الشمس لوجود السحاب. نعم ورد ذلك في رواية خالد بن أسلم عن عمر وفيها انه قال «الخطب يسير وقد اجتهدنا» وقد حمله الشافعي ومالك على ارادة القضاء ، وورد أيضا في رواية بشر بن قيس عمر وفيها قال عمر «لا نبالي والله نقضي يوما مكانه» وورد أيضا في رواية زيد بن وهب وفيها قال عمر «والله لا نقضيه وما تجانفنا لإثم» كل ذلك في سنن البيهقي ج ٤ ص ٢١٧.


السماء سحاب فظننا ان الشمس غابت فأفطر بعضنا فأمر عمر من كان أفطر ان يصوم مكانه».

واما ما استدل به في المنتهى على هذا القول حيث اختاره ـ من انه تناول ما ينافي الصوم عمدا ـ فهو لا يخلو من المصادرة لأن الخصم ينكر كون ذلك ينافي الصوم ، وهو محل النزاع كما لا يخفى فان الخصم يدعى ان الشارع كما جوز له الصلاة بالبناء على ظن دخول الوقت مع تعذر العلم كما مر في كتاب الصلاة كذلك جوز له الإفطار بناء على ذلك ، وحينئذ فما تناوله ـ في حالة جوز الشارع الأكل فيها وكونه بحسب الواقع ليس كذلك لظهور كونه قد تناول نهارا ـ غير ضائر لأن الأحكام الشرعية إنما تبنى على الظاهر في نظر المكلف لا الواقع ، وبالجملة فإنه لما ثبت بالروايات المذكورة هنا والمتقدمة في كتاب الصلاة انه يجوز البناء على الظن في صورة عدم إمكان العلم والمكلف هنا قد بنى على ذلك فلا يتعقبه نقض لأنه لم يخالف أمر الشارع بوجه.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان جملة من المتأخرين ـ كالمحقق في الشرائع والعلامة في الإرشاد وغيره من مختصراته وغيرهما في غيرها ـ قد عبروا في هذه المسألة في تعداد ما يجب به القضاء خاصة دون الكفارة بهذه العبارة ، قالوا : والإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل فلو غلب على ظنه لم يفطر. وشراح كتبهم قد اضطربوا في تصحيح هذه العبارة وبيان المعنى المراد من الوهم فيها بما لا مزيد فائدة في التطويل بالبحث عنه هنا بعد عدم وجود ما يدل عليه في الاخبار ، فإن الأخبار الواردة في المسألة هي ما قدمناه وموردها كلها الظن خاصة وليس في شي‌ء منها ما يدل على حكم الإفطار في صورة الوهم أو الشك ليحتاج إلى التفصي عنه والبحث عن المراد منه. وبذلك صرح شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في المسالك ايضا فقال : واما الإفطار مع الشك أو الوهم فليس فيه نص في ما علمنا ولا ادعاه مدع.

بقي هنا شي‌ء ينبغي التنبيه عليه وهو ان السيد السند (قدس‌سره) هنا في


المدارك ـ بعد أن نقل عبارة المصنف في المسألة وهي ما قدمنا ذكره ـ قال ما صورته : الكلام في هذه المسألة يتوقف على بيان مقدمة وهي انه لا خلاف بين علمائنا ظاهرا في جواز الإفطار عند ظن الغروب إذا لم يكن للظان طريق الى العلم وإنما اختلفوا في وجوب القضاء وعدمه إذا انكشف فساد الظن. ثم نقل الخلاف في المسألة وبعض الأخبار المتعلقة بها. والعجب كل العجب منه (قدس‌سره) في هذا المكان ـ وان كان لا عجب فان المعصوم من عصمه الله تعالى من السهو والنسيان ـ انه (قدس‌سره) في كتاب الصلاة ـ بعد أن ذكر ان من لا طريق له الى العلم يجوز له الاجتهاد في الوقت بمعنى التعويل على الأمارات المفيدة للظن ولا يكلف الصبر حتى يتيقن ـ قال : وهو أحد القولين في المسألة وأشهرهما بل قيل انه إجماع ، وقال ابن الجنيد : ليس للشاك في يوم الغيم ولا غيره أن يصلى إلا عند يقينه بالوقت ، وصلاته في آخر الوقت مع اليقين خير من صلاته مع الشك. ثم استدل للقول المشهور برواية أبي الصباح الكناني التي ذكرها في هذه المسألة وردها بضعف السند ، ونقل صحيحة زرارة وهي الأولى من صحيحتيه المتقدمتين وطعن في دلالتها بحمل قوله فيها «ومضى صومك» يعنى بالمضي الفساد. ثم قال : وبالجملة فالمسألة محل تردد وقول ابن الجنيد لا يخلو من قوة.

فانظر أيدك الله الى هذا السهو الظاهر من مثل هذا الحبر الماهر حيث انه في كتاب الصلاة ينقل عن ابن الجنيد عدم جواز البناء على الظن في مقام الاشتباه ووجوب الأخذ باليقين ويختاره ويطعن في الروايات الدالة على خلافه ، وفي هذه المسألة يدعى الإجماع على عدمه ويختاره.

المسألة الثانية يجب الإمساك عن الجماع في القبل إجماعا نصا وفتوى أنزل أو لم ينزل فان فعل وجب عليه القضاء والكفارة.

واستدل على ذلك بقوله تعالى (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ


وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ). الآية (١) والمستفاد منها بناء على كون الغاية غاية للمجموع تحريم الجماع بعد التبين ، ويضم اليه عدم القائل بالفصل حتى يتم الاستدلال على الإفساد المقتضي للقضاء والكفارة. كذا قالوا في تقرير الاستدلال بالآية.

أقول : من ما يدل على كون الغاية في الآية للجميع ما رواه الثقة الجليل على ابن إبراهيم في التفسير (٢) قال : حدثني أبي رفعه قال : قال الصادق عليه‌السلام كان النكاح والأكل محرمين في شهر رمضان بالليل بعد النوم بمعنى كل من صلى العشاء ونام ولم يفطر ثم انتبه حرم عليه الإفطار وكان النكاح حراما بالليل والنهار في شهر رمضان ، وكان رجل من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقال له خوات بن جبير أخو عبد الله ابن جبير وكان شيخا كبيرا ضعيفا وكان صائما ، فأبطأت عليه أهله بالطعام فنام قبل أن يفطر فلما انتبه قال لأهله قد حرم على الأكل في هذه الليلة ، فلما أصبح حضر حفر الخندق فأغمي عليه فرآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرق له ، وكان قوم من الشبان ينكحون بالليل سرا في شهر رمضان ، فانزل الله (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ). وساق الآية في التفسير الى قوله (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (٣) قال فأحل الله تبارك وتعالى النكاح بالليل في شهر رمضان والأكل بعد النوم الى طلوع الفجر بقوله تعالى (حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) (٤).

وروى السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في رسالة المحكم والمتشابه عن تفسير النعماني بسنده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام نحوه (٥).

أقول : قد دلت الآية بمعونة تفسيرها بالخبرين المذكورين على التحريم.

واما وجوب القضاء والكفارة فيرجع فيه الى الاخبار ، ويدل عليه من الأخبار صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٦) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن

__________________

(١ و ٣ و ٤) سورة البقرة الآية ١٨٤.

(٢ و ٥) الوسائل الباب ٤٣ من ما يمسك عنه الصائم.

(٦) الوسائل الباب ٤ من ما يمسك عنه الصائم.


الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني؟ قال عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع».

وصحيحة حفص بن سوقة عن من ذكره عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «في الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل؟ قال عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان».

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن رجل يعبث بامرأته وهو محرم من غير جماع أو يفعل ذلك في شهر رمضان؟ فقال عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع».

وصحيحة محمد بن مسلم (٣) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء». ونحوها أخبار تأتي في الأحكام الآتية في توابع هذه المسألة.

واما الجماع في الدبر فان كان مع الانزال فظاهرهم الاتفاق على انه كالأول ، ويدل عليه الأخبار المتقدمة من حيث دلالتها على وجوب الكفارة بالإنزال الحاصل بالملاعبة والعبث بأهله.

واما مع عدم الانزال فالمعروف من مذهب الأصحاب انه كذلك ايضا حتى نقل الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة عليه ايضا ، وقال في المبسوط بعد أن حكم بوجوب الكفارة في الجماع مطلقا : وقد روى ان الوطء في الدبر لا يوجب نقض الصوم إلا إذا أنزل معه وان المفعول به لا ينقض صومه بحال (٤) والأحوط الأول. وربما أشعر كلامه هذا بنوع تردد في الحكم.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣) الوسائل الباب ١ من ما يمسك عنه الصائم. ارجع الى التعليقة ٢ ص ٥٠.

(٤) راجع الاخبار ص ١١٠.


احتجوا على الحكم المذكور بإطلاق النهي عن المباشرة في الآية الكريمة (١) وهي لغة عبارة عن إلصاق البشرة بالبشرة وهي ظاهر الجلد ، خرج منه المباشرة بما عدا الوطء في القبل والدبر لعدم الدليل على التحريم فيه بل دلالة الأدلة على الجواز فيبقى الباقي ، ومتى ثبت التحريم كان مفسدا للصوم بالإجماع المركب فيثبت القضاء والكفارة. ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من الوهن والاختلال.

والتحقيق أن يقال : ان المباشرة وان كانت لغة ما ذكر إلا ان المراد في الآية إنما هو الجماع والجماع وان صدق على الوطء في الدبر إلا ان الفرد المتكرر الذي ينصرف إليه الإطلاق إنما هو الجماع في القبل وصدقه في المقام على الوطء في الدبر محل اشكال. وأشكل من ذلك الاستناد إلى الإجماع المركب في تتمة الاستدلال بالآية.

وبالجملة فإني لا أعرف لذلك دليلا بالنسبة إلى التحريم والى إيجاب القضاء والكفارة إلا اتفاقهم على الحكم المذكور ولعله كاف مع عدم وجود دليل يناقضه سيما مع موافقته للاحتياط.

وأيد بعضهم الاستدلال بالآية بالأخبار التي قدمناها (٢) من حيث صدق الجماع فيها على الوطء في الدبر.

وفيه ما عرفت من ان الفرد الشائع المتكثر المأمور به في الاخبار انما هو الجماع في القبل واما الآخر فهو مع كونه منهيا عنه نادر الوقوع والإطلاق انما ينصرف الى الافراد الشائعة المتكثرة.

ولعل منشأ تردد الشيخ في المبسوط في هذه المسألة هو عدم الدليل الصريح على الحكم المذكور مع ما رواه في الصحيح عن احمد بن محمد عن بعض الكوفيين

__________________

(١) وهي قوله تعالى في سورة البقرة الآية ٨٤ : «فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ...».

(٢) ص ١٠٧.


يرفعه الى ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة؟ قال لا ينقض صومها وليس عليها غسل».

وعن على بن الحكم في الصحيح عن رجل عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «إذا أتى الرجل المرأة في دبرها وهي صائمة لم ينقض صومها وليس عليها غسل».

إلا انه قال في التهذيب بعد نقل رواية على بن الحكم : هذا خبر غير معمول عليه وهو مقطوع الإسناد.

أقول : العجب منه انه في باب غسل الجنابة في هذه المسألة اختار عدم وجوب الغسل على الموطوءة في الدبر واستدل بهذه الرواية وكذا التي قبلها وفي هذه المسألة ردها بأنها غير معمول عليها وانها مقطوعة الاسناد ، ومن الظاهر ان كلا من الغسل ونقض الصوم تابع لحصول الجنابة بذلك.

وجملة من المتأخرين قد ردوا هاتين الروايتين بضعف الاسناد بناء على هذا الاصطلاح واما من لا يرى العمل به فيتحتم عليه القول بمضمونهما لعدم المعارض من الاخبار لهما سوى اتفاق الأصحاب.

وبالجملة فالمسألة عندي لذلك محل اشكال والاحتياط فيها لازم على كل حال وهو في جانب العمل بما عليه الأصحاب. والله العالم بحقيقة الحق والصواب.

واما الوطء في دبر الغلام والدابة فاما مع الإنزال فإنه لا خلاف ولا إشكال في فساد الصوم ووجوب القضاء والكفارة من حيث الانزال لما تقدم.

واما مع عدمه فقد اختلف كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك فقال الشيخ في الخلاف : إذا أدخل ذكره في دبر امرأة أو غلام كان عليه القضاء والكفارة ، وادعى الإجماع عليه. ثم قال : وإذا أتى بهيمة فأمنى كان عليه القضاء والكفارة ، فإن أولج ولم ينزل فليس لأصحابنا فيه نص لكن مقتضى المذهب ان عليه القضاء لأنه لا خلاف فيه ، اما الكفارة فلا تلزمه لأن الأصل براءة الذمة.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٢ من الجنابة.


قال ابن إدريس : لما وقفت على كلامه كثر تعجبي والذي دفع به الكفارة يدفع القضاء مع قوله «لا نص لأصحابنا فيه» وإذا لم يكن فيه نص مع قولهم (١) «اسكتوا عن ما سكت الله عنه». فقد كلفه القضاء بغير دليل ، واى مذهب لنا يقتضي وجوب القضاء؟ بل أصول المذهب تقتضي نفيه وهي براءة الذمة والخبر المجمع عليه. أقول : ما ذكره ابن إدريس جيد لا غبار عليه.

وقال في المبسوط : يجب القضاء والكفارة بالجماع في الفرج أنزل أو لم ينزل سواء كان قبلا أو دبرا فرج امرأة أو غلام أو ميتة أو بهيمة وعلى كل حال على الظاهر من المذهب. وقد روى ان الوطء في الدبر لا يوجب نقض الصوم. الى آخر ما قدمناه من عبارته.

وقد بينا سابقا ان الظاهر من قوله : «وقد روى. الى آخره» هو الإشارة إلى الروايتين المتقدمتين من حيث دلالتهما على عدم نقض الصوم وموردهما كما عرفت دبر المرأة ، فيصير محل التردد في عبارته التي قدمناها مخصوصا بدبر المرأة من حيث هاتين الروايتين ، وحينئذ فيبقى ما عدا دبر المرأة من دبر الغلام والبهيمة والميتة خاليا من التردد وموجبا عنده للقضاء والكفارة. وبهذا التقريب يكون فيه منافاة بينه وبين كلامه في المبسوط من انه مع عدم الإنزال فإنما يجب القضاء خاصة.

وظاهر جملة من المتأخرين : منهم ـ المحقق في المعتبر والشرائع والعلامة في جملة من كتبه ان إفساد الصوم وإيجاب القضاء والكفارة تابع لإيجاب الغسل.

قال في المختلف : والأقرب ان إفساد الصوم وإيجاب القضاء والكفارة تابع لإيجاب الغسل وكل موضع قلنا بوجوب الغسل فيه وجبت الأحكام الثلاثة فيه ايضا وإلا فلا.

__________________

(١) الشهاب في الحكم والآداب لمحمد بن سلامة القضاعي حرف الالف عن النبي (ص) ويستفاد من الاخبار الواردة بهذا المضمون المتقدمة ص ٣٠.


وهذا الكلام منه (قدس‌سره) مبنى على ما اختاره في باب الغسل من إيجاب الغسل بذلك.

ثم قال هنا في الاستدلال على هذه المسألة : لنا ـ ان الغسل معلول للجنابة وهي علة للأحكام المذكورة فإذا حصل المعلول دل على وجود العلة فيلزم وجود المعلول الآخر.

أقول : فيه ان مرجع هذا الاستدلال الى ثبوت وجوب الغسل بالجماع في دبر الغلام والبهيمة ، وقد قدمنا في باب غسل الجنابة تحقيق الكلام في المسألة وانا لم نقف على دليل سوى ما يدعونه من الإجماع. وفيه ما عرفت في مقدمات الكتاب ولا سيما في موضع النزاع.

مع ان ما يدعيه هنا ايضا من ان الجنابة علة في فساد الصوم من ما اعترضه فيه بعض محققي متأخري المتأخرين بأنه ليس في الأخبار ما يدل على ذلك صريحا لكن يلوح من بعضها ذلك.

أقول : لعله أشار بالأخبار التي يلوح منها ذلك الى رواية حفص بن سوقة المتقدمة في باب غسل الجنابة عن من أخبره عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) حيث سأله عن الرجل يأتي المرأة من خلفها؟ قال هو أحد المأتيين فيه الغسل. وهو من ما يدل على وجوب الغسل بالوطء في دبر المرأة إلا انه أخص من المدعى.

وبالجملة فذيل الكلام واسع في المقام وليس عندي هنا دليل يعتمد عليه في أحد الجانبين سوى الاحتياط في البين المأمور بالوقوف عليه في مقام الشك والارتياب. والله العالم بحقيقة الحق والصواب.

ويجب ان يلحق بالجماع في هذا المقام ما يتفرع على الجنابة من الأحكام المتعلقة بالصيام ، والبحث عن ذلك ينتظم في مطلبين :

المطلب الأول ـ في البقاء على الجنابة عامدا حتى يطلع الفجر ، والمشهور بين

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من الجنابة.


الأصحاب (رضوان الله عليهم) بطلان الصيام بذلك ووجوب القضاء والكفارة ، ذهب اليه الشيخان وعلى بن بابويه وابن الجنيد والسيد المرتضى وسلار وأبو الصلاح وابن إدريس وهو قول جمهور المتأخرين. ونقل ابن إدريس إجماع الفرقة على انه يفسد الصوم ثم قال ولا يعتد بالشاذ الذي يخالف ذلك ونسبه في المنتهى والتذكرة إلى علمائنا.

وقد وقع الخلاف هنا في موضعين أحدهما ـ في بطلان الصيام بذلك وعدمه ، والمشهور هو البطلان كما عرفت.

ونقل عن ابن بابويه القول بصحة الصيام حيث انه قال في كتاب المقنع (١) : «سأل حماد بن عيسى أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل وأخر الغسل الى أن طلع الفجر فقال كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يجامع نساءه من أول الليل ثم يؤخر الغسل حتى يطلع الفجر ، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب يقضي يوما مكانه (٢)». ومن عادته في الكتاب المذكور الإفتاء بمتون الأخبار التي ينقلها فيه.

إلا أن ظاهر كلام المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد قول الصدوق بذلك صريحا حيث أسند إليه القول بعدم وجوب شي‌ء وانه لا يجب الإمساك عنه بل يجوز البقاء على الجنابة عمدا حتى يصبح ثم يغتسل للصلاة فيصح الصوم والصلاة. إلا أن يكون هذا النقل بناء على فهمه ذلك من إفتائه بالرواية المذكورة وان اللازم منها ذلك.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من ما يمسك عنه الصائم والسائل حماد بن عثمان كما فيه وفي المقنع ص ١٦.

(٢) في بدائع الصنائع ج ٢ ص ٩٢ ونيل الأوطار ج ٤ ص ٢٢٥ ان الجمهور ذهبوا الى عدم بطلان الصوم بالإصباح جنبا وإنما ذهب الى وجوب القضاء بعضهم كأبي هريرة وعروة بن الزبير وطاوس والحسن البصري وسالم بن عبد الله وعطاء والحسن ابن صالح بن حي كما يحكى.


والسيد السند في المدارك قد نسب هذا القول في كتاب الطهارة إلى شيخه المعاصر ، وهو إشارة إلى المحقق المذكور كما وقع منه في غير موضع من هذا الشرح وقد صرح في بعض المواضع منها في حواشيه على الكتاب بأنه المراد.

إلا أن الذي يظهر من بحث المحقق المشار إليه في هذه المسألة في كتاب شرح الإرشاد هو الاستشكال في المسألة ، فإنه أطال الكلام فيها بنقل الخلاف والاخبار ومع ذلك يشير الى الاستشكال وان كان يظهر من كلامه نوع ترجيح لما نقله عن الصدوق.

نعم قد وقفت على كلام للمولى المحقق العماد مير محمد باقر الداماد (قدس‌سره) في رسالة الرضاع صريح في اختيار هذا القول.

وكيف كان فالواجب التشاغل بذكر أدلة الطرفين وبيان ما هو الراجح في البين :

فنقول : من ما استدلوا به على القول المشهور صحيحة معاوية بن عمار (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يجنب من أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان؟ قال ليس عليه شي‌ء. قلت فإنه استيقظ ثم نام حتى أصبح؟ قال فليقض ذلك اليوم عقوبة». ويستفاد من هذا الخبر تحريم النوم بعد التيقظ.

ومنها ـ صحيحة عبد الله بن ابى يعفور (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح؟ قال يتم صومه ويقضى يوما آخر ، وان لم يستيقظ حتى يصبح أتم يومه وجاز له».

ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في شهر رمضان ثم ينام قبل أن يغتسل؟ قال يتم صومه ويقضى ذلك اليوم إلا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر فان انتظر ماء يسخن أو يستقى فطلع الفجر فلا يقضى يومه».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٥ من ما يمسك عنه الصائم.


وصحيحة الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «انه قال في رجل احتلم أول الليل أو أصاب من أهله ثم نام متعمدا في شهر رمضان حتى أصبح؟ قال يتم صومه ذلك ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربه».

وصحيحة أحمد بن محمد ـ وهو ابن ابى نصر ـ عن أبى الحسن عليه‌السلام (٢) قال «سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة ثم ينام حتى يصبح متعمدا؟ قال يتم ذلك اليوم وعليه قضاؤه».

وصحيحة الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن رجل أجنب في رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج رمضان؟ قال عليه قضاء الصلاة والصيام».

ورواية إبراهيم بن ميمون المروية في الفقيه (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثم ينسى أن يغتسل حتى يمضى لذلك جمعة أو يخرج شهر رمضان؟ قال عليه قضاء الصلاة والصوم».

قال : وروى في خبر آخر (٥) ان من جامع في أول شهر رمضان ثم نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان ان عليه أن يغتسل ويقضى صلاته وصومه إلا ان يكون قد اغتسل للجمعة فإنه يقضى صلاته وصيامه الى ذلك اليوم ولا يقضى ما بعد ذلك.

ورواية إبراهيم بن ميمون ايضا (٦) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب في شهر رمضان فينسى ذلك جميعه حتى يخرج شهر رمضان؟ قال يقضى الصلاة والصوم».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) الوسائل الباب ١٥ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ٣٠ ممن يصح منه الصوم. راجع التهذيب ج ٤ ص ٣٢٢.

(٤) الوسائل الباب ١٧ من ما يمسك عنه الصائم و ٣٠ ممن يصح منه الصوم.

(٦) التهذيب ج ٤ ص ٣٣٢ الطبع الحديث ، وفي الوسائل الباب ١٧ من ما يمسك عنه الصائم والباب ٣٠ ممن يصح منه الصوم.


وموثقة سماعة (١) قال : «سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى يدركه الفجر؟ فقال عليه أن يتم صومه ويقضى يوما آخر. فقلت إذا كان ذلك من الرجل وهو يقضى رمضان؟ قال فليأكل يومه ذلك وليقض فإنه لا يشبه رمضان شي‌ء من الشهور».

أقول : وهذه الاخبار ما بين مطلق في وجوب القضاء وما بين مقيد بالتعمد فيجب حمل مطلقها على مقيدها جمعا وبذلك يتم الاستدلال بها كملا على المدعى. واما اخبار النسيان فإنها مطلقة في ما إذا كان النسيان بعد النوم متعمدا أو غير متعمد أو قبل ذلك وحينئذ فتقبل التقييد بما ذكرناه. واما صدر صحيحة معاوية بن عمار وعجز صحيحة عبد الله بن ابى يعفور فسيأتي الكلام عليهما ان شاء الله تعالى.

والظاهر ان المراد من آخر موثقة سماعة ان شهر رمضان وان فسد صوم بعض أيامه ووجب قضاؤه إلا أنه لا يجوز إفطاره ، واما غيره من قضائه ونحوه فإنه يجوز إفطاره ولا يجب عليه الإمساك كما في أيام الشهر.

واما ما ذكره بعضهم ـ من أن معناه ان قضاء شهر رمضان ملحق بأدائه في هذا الحكم وذلك لحرمة هذا الشهر بمعنى ان الإبطال بذلك مختص بشهر رمضان وقضائه ففرع عليه حينئذ ان له صوم النافلة وان أصبح جنبا بل النذر المعين ايضا من غير احتياج الى القضاء ـ فالظاهر انه بعيد.

ومنها ـ موثقة أبي بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح؟ قال يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا. قال وقال انه خليق أن لا أراه يدركه ابدا». قال المحقق في المعتبر بعد نقل هذه الرواية : وبهذا أخذ علماؤنا إلا شاذا.

ورواية سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه‌السلام (٣) قال : «إذا أجنب

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٦ من ما يمسك عنه الصائم.


الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ولا يدرك فضل يومه».

ورواية إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه (١) قال : «سألته عن احتلام الصائم قال فقال إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فليس له أن ينام حتى يغتسل ، ومن أجنب ليلا في شهر رمضان فلا ينام إلى ساعة حتى يغتسل ، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح فعليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم ، ويتم صيامه ، ولن يدركه أبدا». وربما أشعر هذا الخبر ايضا بتحريم النومة الثانية.

واما ما استدلوا به على القول الآخر فقوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) (٢) وقوله تعالى (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ). الى قوله (حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ). الآية (٣).

والتقريب في الأولى أنها تقتضي جواز الرفث في كل جزء من اجزاء الليل وان كان الجزء الأخير منه. وفي الثانية أنها تقتضي جواز المباشرة في الجزء الأخير من الليل وهو يقتضي عدم تحريم البقاء على الجنابة إلى الصبح ، وبعبارة أخرى وجوب تقديم الغسل على طلوع الفجر يقتضي تحريم الرفث والمباشرة في الجزء الأخير من الليل وهو خلاف ما دل عليه إطلاق الآية.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان في أول الليل فاخر الغسل حتى طلع الفجر؟ قال يتم صومه ولا قضاء عليه».

وما رواه الصدوق في الصحيح عنه (٥) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثم يستيقظ ثم ينام قبل أن يغتسل؟ قال لا بأس».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من ما يمسك عنه الصائم. راجع التهذيب ج ٤ ص ٢١٢ و ٣٢١ من الطبع الحديث.

(٢ و ٣) سورة البقرة الآية ٨٤.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ١٣ من ما يمسك عنه الصائم.


وما رواه الشيخ عن حبيب الخثعمي في الصحيح عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلى صلاة الليل في شهر رمضان ثم يجنب ثم يؤخر الغسل متعمدا حتى يطلع الفجر».

ورواية سليمان بن أبي زينبة (٢) قال : «كتبت الى أبى الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام اسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل فاخر الغسل حتى طلع الفجر؟ فكتب الى بخطه عليه‌السلام ـ أعرفه ـ مع مصادف : يغتسل من جنابته ويتم صومه ولا شي‌ء عليه».

ورواية إسماعيل بن عيسى (٣) قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام حتى يصبح أي شي‌ء عليه؟ قال لا يضره هذا ولا يفطر فان ابى عليه‌السلام قال قالت عائشة ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أصبح جنبا من جماع غير احتلام (٤) قال لا يفطر ولا يبالي. ورجل أصابته جنابة فبقي نائما حتى يصبح أي شي‌ء يجب عليه؟ قال لا شي‌ء عليه يغتسل. ورجل أصابته جنابة في آخر الليل فقام ليغتسل ولم يصب ماء فذهب يطلبه أو بعث من يأتيه بالماء فعسر عليه حتى أصبح كيف يصنع؟ قال يغتسل إذا جاءه ثم يصلى».

ورواية سعد بن إسماعيل بن عيسى عن أبيه (٥) قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمدا حتى أصبح أي شي‌ء عليه؟ قال لا يضره هذا ولا يفطر ولا يبالي فان أبى عليه‌السلام قال قالت عائشة ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أصبح جنبا من جماع غير احتلام» (٦).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) الوسائل الباب ١٣ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣) التهذيب ج ٤ ص ٢١٠ والاستبصار ج ٢ ص ٨٥ الطبع الحديث وفي الوسائل الباب ١٣ و ١٤ من ما يمسك عنه الصائم.

(٤ و ٦) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢١٣ و ٢١٤.

(٥) التهذيب ج ٤ ص ٢٣ والاستبصار ج ٢ ص ٨٨ وفي الوافي باب (الصائم يصبح جنبا أو يحتلم نهارا).


وصحيحة أبي سعيد القماط (١) ـ وهو خالد بن سعيد ثقة وفي الذخيرة انه غير موثق في كتب الرجال ولا ممدوح وهو سهو منه (قدس‌سره) ـ «انه سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن من أجنب في أول الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح؟ قال لا شي‌ء عليه وذلك ان جنابته كانت في وقت حلال».

ومنها ـ رواية حماد بن عيسى المتقدمة نقلا عن المقنع في أول البحث (٢).

وأجيب عن هذه الأدلة : اما عن الآية فبان إطلاقها مخصص بالروايات المتقدمة.

واما عن صحيحة العيص فبالحمل على ان التأخير لم يكن عن عمد أو بالحمل على التقية لموافقتها لمذهب جمهور العامة (٣). واما عن صحيحته الثانية فبعدم دلالتها على جواز التأخير الى الفجر بل مقتضاها جواز النومة الأولى ونحن لا ننكر ذلك لكن نقيده بما إذا كانت مع نية الغسل.

وأما عن صحيحة الخثعمي فبالحمل على التقية (٤) لأن في ظاهرها اشعارا بمداومة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على هذا الفعل وإكثاره منه ومداومته على الفعل المكروه بعيد.

واما عن رواية سليمان بن حفص فبما تقدم عن صحيحة العيص الأولى. واما عن روايتي إسماعيل بن عيسى فبالحمل على التقية (٥) وشاهده موجود في الخبرين. واما عن صحيحة أبي سعيد فبالحمل على النوم مع نية الغسل أو الحمل على التقية (٦).

واما عن رواية حماد بن عيسى فبالحمل على التقية (٧) ونسبة القول بالقضاء الذي استفاضت به الأخبار المتقدمة إلى الأقشاب لمزيد التأكيد في التقية.

أقول : ومن ما يوضح ذلك بأوضح بيان ان الرواية دلت على انه صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٧٤ الطبع الحديث ، وفي الوسائل الباب ١٣ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) ص ١١٣.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) بدائع الصنائع ج ٢ ص ٩٢ والمغني ج ٣ ص ١٠٩ ونيل الأوطار ج ٤ ص ٢٢٥.


يجنب من أول الليل ويؤخر الغسل حتى يطلع الفجر مع وجوب صلاة الليل عليه اتفاقا نصا وفتوى.

وبالجملة فإن ما كان من هذه الروايات صريحا في تعمد التأخير لا وجه له إلا الحمل على التقية التي هي في الاختلاف في جملة الأحكام أصل كل بلية.

وثانيهما ـ في أن الواجب على تقدير فساد الصوم هل هو القضاء والكفارة أو القضاء خاصة؟ قولان المشهور الأول استنادا في القضاء الى الروايات المتقدمة في أدلة القول المشهور في المسألة المتقدمة (١) وفي الكفارة إلى الروايات الثلاث الأخيرة منها.

ونقل في المختلف عن ابن ابى عقيل القول بوجوب القضاء خاصة ، ونقله في المدارك عن المرتضى ايضا ، والظاهر انه غفلة فإن المنقول عنه كما في المختلف وغيره إنما هو القول المشهور حتى انه نقل عنه في المختلف انه قال في الانتصار : من ما انفردت به الإمامية إيجابهم على من أجنب في ليالي شهر رمضان وتعمد البقاء الى الصباح من غير اغتسال القضاء والكفارة ، ومنهم من أوجب القضاء دون الكفارة. ومراده ان الإمامية انفردت بإيجاب الأمرين أو أحدهما ، وهو إشارة إلى مذهب العامة من عدم إيجاب شي‌ء بالكلية كما تقدم ذكره (٢) فلا يتوهم التناقض في عبارته.

ويدل على القول المذكور الأخبار المتقدمة (٣) ولصحة الأخبار المذكورة وضعف الأخبار الدالة على الكفارة مال في المدارك الى القول المذكور حيث قال بعد نقل روايات الكفارة : وهذه الروايات كلها ضعيفة السند فيشكل التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل ومن هنا يظهر رجحان ما ذهب اليه ابن ابى عقيل والمرتضى (رضى الله عنهما) من أن الواجب بذلك القضاء دون الكفارة. انتهى.

وأصحاب هذا الاصطلاح من المتأخرين قد تلقوا هذه الأخبار بالقبول وان

__________________

(١ و ٣) ص ١١٤.

(٢) ص ١١٩.


كانت ضعيفة لاعتضادها بعمل الطائفة قديما وحديثا كما هو أحد المرجحات عندهم وشذوذ مذهب ابن أبى عقيل عندهم كما تقدم في عبارة المعتبر وبذلك يظهر ضعف ما اختاره. وروايات وجوب القضاء لا دلالة فيها على عدم وجوب الكفارة حتى تكون صحتها موجبا لطرح أخبار الكفارة وإنما غايتها أن تكون مطلقة في الوجوب وعدمه. وبالجملة فالعمل على القول المشهور. والله العالم.

بقي في المقام أبحاث

الأول ـ ظاهر المشهور من كلام الأصحاب هو عموم هذا الحكم لشهر رمضان وغيره من الصوم الواجب والمستحب ، حيث انهم عدوا من جملة المفطرات تعمد البقاء على الجنابة ، وظاهر المحقق في المعتبر تخصيصه بشهر رمضان حيث قال : ولقائل أن يخص هذا الحكم برمضان دون غيره من الصيام. وظاهر المنتهى التردد في ذلك حيث قال : وهل يختص هذا الحكم برمضان؟ فيه تردد ينشأ من تنصيص الأحاديث على رمضان من غير تعميم ولا قياس يدل عليه ، ومن تعميم الأصحاب وإدراجه في المفطرات مطلقا.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذا الحكم إنما ورد في شهر رمضان كما عرفت من الأخبار التي تقدمت أو قضائه كما تقدم في موثقة سماعة (١).

ومثلها في ذلك ما رواه الكليني في الصحيح عن ابن سنان وهو عبد الله (٢) قال : «كتب أبي الى أبى عبد الله عليه‌السلام وكان يقضى شهر رمضان وقال انى أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة فلم اغتسل حتى طلع الفجر؟ فأجابه (عليه‌السلام) : لا تصم هذا اليوم وصم غدا».

وما رواه الصدوق والشيخ عن عبد الله بن سنان في الصحيح (٣) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقضى شهر رمضان فيجنب من أول الليل ولا يغتسل

__________________

(١) ص ١١٤ الى ١١٧.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٩ من ما يمسك عنه الصائم.


حتى يجي‌ء آخر الليل وهو يرى ان الفجر قد طلع؟ قال لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره».

وما ذكره في الذخيرة ـ من أن دلالة هذه الأخبار على البطلان وعدم الانعقاد غير واضح ـ فهو من جملة تشكيكاته الركيكة.

واما بالنسبة إلى الصوم المستحب فالذي ورد فيه يدل على عدم الابطال بذلك كما رواه الصدوق في الصحيح عن حبيب الخثعمي (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أخبرني عن التطوع وعن هذه الثلاثة الأيام إذا أجنبت من أول الليل فاعلم انى قد أجنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر أصوم أولا أصوم؟ قال صم».

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الموثق عن ابن بكير (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح أيصوم ذلك اليوم تطوعا؟ فقال أليس هو بالخيار بينه وبين نصف النهار. الحديث».

واما ما رواه الشيخ عن ابن بكير ايضا عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) ـ قال : «سئل عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى ما مضى من النهار؟ قال يصوم ان شاء وهو بالخيار الى نصف النهار». ـ فظاهر إطلاقه هو جواز الصوم مطلقا كذلك لما عرفت سابقا من أن ما عدا الواجب المعين كالواجب المطلق وقضاء شهر رمضان فإن النية فيه الى الزوال. نعم خرج منه قضاء شهر رمضان بما تقدم من الأخبار فبقي ما عداه.

وقال الشهيد في الدروس : وان كان نفلا ففي رواية ابن بكير (٤) صحته ولو علم بالجنابة ليلا ، وفي رواية كليب إطلاق الصحة إذا اغتسل. ويحمل على المعين أو الندب للنهى عن قضاء الجنب في رواية عبد الله بن سنان. انتهى.

وما أسنده إلى رواية كليب هو مضمون رواية ابن بكير الثانية ، والرواية التي

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٠ من ما يمسك عنه الصائم.


ذكرها لم أقف عليها في كتب الأخبار بعد الفحص والتتبع (١) وحمله الرواية على ما ذكره يشعر بتجويز ذلك عنده.

وبالجملة فالمسألة في ما عدا ما ذكرناه من صوم شهر رمضان وقضائه وصوم الندب محل اشكال ، لعدم الدليل الواضح على ما ادعاه الأصحاب (رضوان الله) عليهم) من العموم وعدم دليل صريح يدل على الحكم فيه سوى ما ذكرنا من إطلاق الخبر المذكور : وما ذكره في المدارك ـ من أن المطابق لمقتضى الأصل عدم اعتبار هذا الشرط والواجب المصير إليه الى أن يثبت المخرج عنه ـ لا يخلو من مجازفة فإنه لم يقم لنا دليل على اعتبار هذا الأصل الذي يكرر التمسك به في الأحكام في غير مقام بل قد تقدم في مقدمات الكتاب ما هو ظاهر في هدم بنيانه وتزعزع أركانه.

الثاني ـ قال العلامة في المنتهى : لم أجد لأصحابنا نصا صريحا في حكم الحيض في ذلك يعنى انها إذا انقطع دمها قبل الفجر هل يجب عليها الاغتسال ويبطل الصوم لو أخلت به حتى يطلع الفجر؟ الأقرب ذلك لأن حدث الحيض يمنع الصوم فكان أقوى من الجنابة. وتردد في ذلك المحقق في المعتبر وحكم العلامة في النهاية بعدم الوجوب.

أقول : والأقرب هو ما ذكره في المنتهى وهو المشهور بين الأصحاب ، لكن لا لما ذكره من التعليل فإنه ضعيف بل لما رواه الشيخ في الموثق عن ابى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «ان طهرت بليل من حيضتها ثم توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم».

نعم يبقى الكلام في أنه على تقدير فساد الصوم بذلك هل الواجب القضاء خاصة أو القضاء والكفارة؟ ظاهر الخبر المذكور وجوب القضاء خاصة وليس

__________________

(١) يمكن ان يكون ذلك تصحيفا من قلم النساخ وان مراده رواية ابن بكير الأخرى بقرينة اتحاد المضمون وعدم العثور على رواية أخرى في الباب.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من ما يمسك عنه الصائم.


غيره في المسألة ، وهو الذي نص عليه ابن ابى عقيل على ما نقله عنه في المختلف.

ثم استقرب في المختلف ان الحائض كالجنب إذا أخل بالغسل فإن أوجبنا القضاء والكفارة عليه أو جبناهما عليها وإلا فالقضاء.

ثم استدل على ذلك باشتراك الجميع في كونه مفطرا للصوم لأن كل واحد منهما حدث يرتفع بالغسل فيشترك في الأحكام.

وأنت خبير بما فيه وانه من ما لا يحتاج الى تنبيه ، والقول بالكفارة في الجنابة لوجود النصوص على ذلك كما تقدم واما هنا فالذي دل عليه النص إنما هو القضاء خاصة والقول بالكفارة يتوقف على النص. وما أبعد ما بين القول بوجوب القضاء والكفارة كما يومئ اليه كلامه هنا وبين القول بصحة الصوم ولا شي‌ء عليه كما اختاره في النهاية ، ولا ريب ان الاعتدال في الوقوف على الوسط.

الثالث ـ انه هل يجب التيمم للصوم على الجنب وذات الدم عند تعذر الماء؟ قولان : أحدهما ـ العدم لاختصاص الأمر بالغسل فيسقط عند تعذره وينتفي التيمم بالأصل. وثانيهما ـ الوجوب والظاهر انه المشهور لعموم «فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا» (١) ولأن حدث الجنابة والحيض مانع فيستصحب الى أن يثبت المزيل وهو الغسل أو ما يقوم مقامه في الإباحة.

وفي التعليلات من الطرفين تأمل. نعم يمكن الاستدلال على وجوب التيمم بالأخبار المتقدمة في باب التيمم وقولهم (عليهم‌السلام) في بعضها (٢) «ان الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا». وفي آخر (٣) «هو بمنزلة الماء». وفي ثالث (٤) «يجزئك عشر سنين». ونحو ذلك من ما يقتضي وجوب التيمم مع فقد الماء ونيابته عنه عند وجود ما لا يستباح إلا به.

إلا ان ظاهر صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة ورواية إسماعيل بن عيسى السابقة

__________________

(١) سورة النساء الآية ٤٧ والمائدة الآية ١٠.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٣ من التيمم. واللفظ في الرقم (٤) «يكفيك».


ايضا (١) ربما أشعر بخلاف ذلك حيث قال في الأولى : «فإن انتظر ماء يسخن أو يستقى فطلع الفجر فلا يقضى يومه» وفي الثانية «رجل أصابته جنابة في آخر الليل فقام ليغتسل فلم يصب ماء فذهب يطلبه أو بعث من يأتيه بالماء فعسر عليه حتى أصبح كيف يصنع؟ قال يغتسل إذا جاءه ثم يصلى» فإنه لو كان التيمم هنا واجبا لأمره بالتيمم قبل الفجر ولم يجوز له البقاء على جنابته لانتظار حصول الماء الى بعد الصبح.

وكيف كان فالمسألة عندي غير خالية من الاشكال والاحتياط فيها مطلوب على كل حال.

الرابع ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) توقف صوم المستحاضة على الأغسال كتوقف الصلاة عليها فلو أخلت بها وجب قضاء الصوم بل الظاهر انه لا خلاف فيه :

لما رواه الصدوق والكليني والشيخ في الصحيح عن على بن مهزيار (٢) قال : «كتبت إليه امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلت وصامت من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكل صلاتين هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فكتب عليه‌السلام تقضى صومها ولا تقضى صلاتها لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأمر فاطمة (عليها‌السلام) والمؤمنات من نسائه بذلك».

وفي هذا الخبر إشكال من حيث تضمن ظاهره الأمر بقضاء الصوم دون الصلاة مع استفاضة الأخبار والاتفاق على قضاء الصلاة في الصورة المذكورة والعكس كان أولى.

وأجيب عن ذلك بأجوبة بعيدة الانطباق على السياق ولعله لذلك نسب وجوب قضاء الصوم في المعتبر إلى الرواية إيذانا بنوع توقف في الحكم المذكور ، ونحوه نقل عن الشيخ في المبسوط أيضا.

__________________

(١) ص ١١٤ و ١١٨.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من ما يمسك عنه الصائم.


وبالجملة فحيث كان الحكم متفقا عليه بين الأصحاب وهو الأوفق بالاحتياط فلا بأس بالمصير اليه.

الخامس ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان من أجنب ونام ناويا للغسل حتى أصبح فلا قضاء عليه ، ولو انتبه ثم نام ثانيا ناويا أيضا حتى أصبح فعليه القضاء خاصة ، ولو انتبه ثم نام كذلك حتى أصبح فعليه مع القضاء الكفارة.

أقول : اما الحكم الأول والثاني فيدل عليهما ما تقدم من صحيحتي معاوية بن عمار وعبد الله بن أبى يعفور المتقدمتين (١) بحمل إطلاقهما على ذلك.

وأما ما دل عليه إطلاق بعض الأخبار المتقدمة ثمة من وجوب القضاء بأول نومة فقد عرفت انه محمول على تعمد البقاء على الجنابة كما صرح به في بعضها وقد أشرنا الى ذلك ثمة.

ثم ان ظاهر بعض الأصحاب تقييد النوم زيادة على نية الغسل بإمكان الانتباه واعتياده ، وبعض الأصحاب صرح بتحريم النومة الثانية وان عزم على الغسل واعتاد الانتباه وان لم يجب عليه مع المخالفة إلا القضاء خاصة ، وفي بعض الأخبار ما يشير الى التحريم كما قدمنا الإشارة اليه.

وظاهر المعتبر والمنتهى انسحاب التحريم ايضا الى النومة الأولى ولو مع نية الغسل ، حيث قال في المعتبر : ولو أجنب فنام ناويا للغسل حتى أصبح فسد صوم ذلك اليوم وعليه قضاؤه وعليه أكثر علمائنا. مع أنه قال في موضع آخر من الكتاب المذكور : من أجنب ونام ناويا للغسل حتى طلع الفجر فلا شي‌ء عليه لأن نومه سائغ ولا قصد له في بقائه والكفارة مرتبة على التفريط أو الإثم وليس أحدهما مفروضا ، اما لو انتبه ثم نام ثانيا ناويا للغسل فطلع الفجر فعليه القضاء لأنه فرط في الاغتسال مع القدرة ، ولا كذا المرة الأولى لأن في المنع منها تضييقا على المكلف. انتهى.

__________________

(١) ص ١١٤.


وقال في المنتهى : لو أجنب ثم نام ناويا للغسل حتى يطلع الفجر ولم يستيقظ فمفهوم ما تقدم من الأحاديث يدل على الإفساد ووجوب القضاء لكن قد روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار. ثم نقل الرواية التي أشرنا إليها ثم قال : وهو الصحيح عندي وعمل الأصحاب عليه.

وما ذكره في المنتهى من دلالة مفهوم الأخبار التي أشار إليها على الإفساد قد عرفت انها يجب تقييدها بما في صريح بعضها من تعمد البقاء على الجنابة الى أن يصبح فلا إشكال فيها.

واما الحكم الثالث فاستدل عليه الشيخ في التهذيب بالروايات الثلاث التي في آخر روايات القول المشهور المشار اليه آنفا (١).

وأنت خبير بأنه ليس في شي‌ء من هذه الروايات الثلاث ما يدل على التفصيل أو يشير إليه بالكلية وإنما هي ظاهرة في ترتب ذلك على أول نومة إلا انه يجب حملها على من نام متعمدا البقاء على الجنابة كما هو صريح بعضها.

والأصح ما اختاره المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى من سقوط الكفارة مع تكرر النوم ناويا للغسل وإنما يجب القضاء خاصة.

وفي كتاب الفقه الرضوي (٢) قال عليه‌السلام : وان أصابتك جنابة في أول الليل فلا بأس ان تنام متعمدا وفي نيتك أن تقوم وتغتسل قبل الفجر ، فان غلبك النوم حتى تصبح فليس عليك شي‌ء إلا أن تكون انتبهت في بعض الليل ثم نمت وتوانيت ولم تغتسل وكسلت فعليك صوم ذلك اليوم واعادة يوم آخر مكانه ، وان تعمدت النوم الى أن تصبح فعليك قضاء ذلك اليوم والكفارة وهو صوم شهرين متتابعين أو عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا. انتهى. وقد كشف عليه‌السلام بهذا الكلام الإجمال الذي في الروايات المتقدمة وأوضحه بأوضح بيان.

السادس ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما أعلم في أنه

__________________

(١) ص ١١٦ و ١١٧.

(٢) ص ٢٤.


لا يبطل الصيام بالاحتلام نهارا في شهر رمضان وغيره ، وقال العلامة في المنتهى : لو احتلم نهارا في رمضان نائما أو من غير قصد لم يفسد صومه ويجوز له تأخير الغسل ولا نعلم فيه خلافا. انتهى.

أقول : ويدل على ذلك من الاخبار ما رواه الشيخ في الصحيح الى عبد الله ابن ميمون عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «ثلاثة لا يفطرن الصائم : القي‌ء والاحتلام والحجامة».

وما رواه الكليني في الموثق عن ابن بكير في حديث (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يحتلم بالنهار في شهر رمضان أيتم صومه كما هو؟ قال لا بأس».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن العيص بن القاسم (٣) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثم يستيقظ ثم ينام قبل أن يغتسل؟ قال لا بأس». ودلالة هذا الخبر من حيث الإطلاق إذ لا تصريح فيه بالنوم نهارا.

وما رواه الصدوق في كتاب العلل عن عمر بن يزيد (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام لأي علة لا يفطر الاحتلام الصائم والنكاح يفطر الصائم؟ قال لأن النكاح فعله والاحتلام مفعول به».

ورواية إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه المتقدمة (٥) قال : «سألته عن احتلام الصائم قال فقال : إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فليس له ان ينام حتى يغتسل».

وحمل الأصحاب النهي عن النوم في هذا الخبر على الكراهة ، ويؤيده صحيحة العيص المذكورة بالنظر الى دلالتها بإطلاقها على الاحتلام في نهار شهر رمضان.

السابع ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجوز الجماع في شهر

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٥ من ما يمسك عنه الصائم.

(٥) ص ١١٧.


رمضان حتى يبقى لطلوع الفجر مقدار إيقاعه والغسل ، فلو تيقن ضيق الوقت عن ذلك وجامع فسد صومه ووجبت عليه الكفارة بناء على ما هو المشهور المنصور كما تقدم تحقيقه من تحريم تعمد البقاء على الجنابة الى أن يصبح ، قالوا : ولو فعل ذلك ظانا سعة الوقت فان كان مع المراعاة لم يكن عليه شي‌ء وان كان لا معها فعليه القضاء وهو ظاهر من ما قدمناه من الأخبار المتقدمة في الإفطار مع المراعاة وعدمها.

المطلب الثاني ـ في الإنزال بالاستمناء ولمس المرأة ، لا ريب ان الاستمناء في حد ذاته وان كان محرما إلا انه لا يجب به شي‌ء ، ولمس المرأة أجنبية كانت أو محرما لا يجب به شي‌ء ، وإنما يبطل الصوم بالإنزال بذلك اما بطلبه كما في الاستمناء وهو طلب الأمناء بفعل غير الجماع أو بالمس والقبلة والملاعبة مع عدم وثوقه من نفسه بعدم سبق الماء وهو من ما لا خلاف فيه ، وكذا لا خلاف في أنه يجب به القضاء والكفارة ، قال المحقق في المعتبر : ويفطر بإنزال الماء بالاستمناء والملامسة والقبلة اتفاقا. ونحوه في المنتهى والتذكرة.

والذي يدل على ما ذكرنا من الاخبار ما رواه الشيخ والكليني في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني؟ قال : عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع».

وما رواه الشيخان المذكوران في الصحيح عن حفص بن سوقة عن من ذكره عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل؟ قال : عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان».

وما رواه الشيخ عن سماعة في الموثق (٣) قال : «سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال : عليه إطعام ستين مسكينا مد لكل مسكين».

وما رواه عن ابى بصير (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وضع

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٤ من ما يمسك عنه الصائم.


يده على شي‌ء من جسد امرأته فأدفق؟ فقال : كفارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا أو يعتق رقبة».

قال في كتاب الفقه الرضوي (١) : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أما يستحي أحدكم أن لا يصبر يوما الى الليل ، انه كان يقال بدو القتال اللطام ، ولو ان رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأدفق كان عليه عتق رقبة».

وهذه الرواية أوردها الصدوق في الفقيه (٢) بصورتها المذكورة ومن الظاهر انه أخذها عن الكتاب المذكور.

ويؤيد ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم وزرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) «انه سئل هل يباشر الصائم أو يقبل في شهر رمضان؟ فقال : انى أخاف عليه فليتنزه عن ذلك إلا أن يثق ان لا يسبقه منيه».

ويستفاد من مجموع هذه الأخبار ان كل شي‌ء يفعله المكلف من ما يكون سببا في خروج المنى متعمدا بذلك إخراجه أم لا مع حصوله به عادة فإنه يكون موجبا لفساد الصوم وإيجاب القضاء والكفارة ، وبذلك يجمع بين هذه الاخبار وبين ما رواه في المقنع مرسلا عن على عليه‌السلام (٤) قال : «لو ان رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأمنى لم يكن عليه شي‌ء». بحمل هذا الخبر على من لم يكن قاصدا ولا معتادا لذلك ، ولو لا هذا الخبر لأمكن القول بإطلاق تلك الأخبار وهو انه متى فعل شيئا من تلك الأشياء وامنى فسد صومه ووجب عليه القضاء والكفارة متعمدا لذلك أم لا معتادا أم لا؟

إذا عرفت ذلك فاعلم ان السيد السند في المدارك استدل على فساد الصوم بالاستمناء بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المذكورة ، ثم انه استدل على فساده

__________________

(١) ص ٢٦.

(٢) ج ٢ ص ٧٠ وفي الوسائل الباب ٣٣ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٣ من ما يمسك عنه الصائم.


بالأمناء عقيب الملامسة بروايتي أبي بصير وحفص بن سوقة المذكورتين (١) وردهما بضعف السند ثم قال : والأصح ان ذلك يفسد الصوم إذا تعمد الانزال بذلك. انتهى

أقول : فيه أولا ـ ان الاستدلال بالصحيحة المذكورة على خصوص الاستمناء مبنى على كون «حتى» في الخبر تعليلية ، وهو غير متعين وذلك فإن أهل العربية قد صرحوا بان ل «حتى» الداخلة على المضارع المنصوب ثلاثة معان : أحدها ـ ان تكون بمعنى «الى» فتكون لانتهاء الغاية نحو قوله عزوجل (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) (٢) وثانيها ـ بمعنى «كي» التعليلية فتكون للتعليل كما في قوله عزوجل : (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ) (٣) وقوله (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتّى يَنْفَضُّوا) (٤) ومنه قولهم «أسلم حتى تدخل الجنة» والثالث ـ مرادفة «إلا» في الاستثناء ، واستدلال السيد بالخبر مبنى على المعنى الثاني وهو غير متعين بل يحتمل البناء على المعنى الأول وهو الغاية ، والمراد انه عبث بأهله الى أن حصل منه المنى ، فيكون من قبيل خبري أبي بصير وحفص بن سوقة (٥) وبذلك يظهر انه لو خص حكم الإفساد بتعمد الانزال كما جنح إليه أخيرا بناء على ما فهمه من الصحيحة المذكورة فإنه لا دليل عليه ظاهرا من الأخبار.

وثانيا ـ ان الخبرين المذكورين وان كانا ـ كما ذكره ـ ضعيفي السند بناء على اصطلاحه إلا ان الحكم بما دلا عليه إجماعي لا خلاف فيه ، ولذلك عمل بهما من عداه من أصحاب هذا الاصطلاح ، وهو ايضا قد صرح في غير مقام من شرحه هذا بقبول الأخبار الضعيفة المجبورة باتفاق الأصحاب على القول بمضامينها ، ولكنه (عطر الله مرقده) ليس له قاعدة يقف عليها ولا ضابطة يعتمد عليها.

تفريع

اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في من نظر الى امرأة فأمنى فقال

__________________

(١ و ٥) ص ١٢٩.

(٢) سورة طه الآية ٩٤.

(٣) سورة البقرة الآية ٢١٥.

(٤) سورة المنافقين الآية ٨.


الشيخ في الخلاف انه يأثم ولا قضاء عليه ولا كفارة ، وقال في المبسوط : من نظر الى من لا يحل له النظر إليه بشهوة فأمنى فعليه القضاء ، وان كان نظره الى من يحل فأمنى لم يكن عليه شي‌ء. قال في المختلف : وهو اختيار الشيخ المفيد.

وقال سلار : من نظر الى من يحرم عليه فأمنى فعليه القضاء.

ونقل في المختلف عن ابن ابى عقيل ان من أنزل بالنظر الى امرأته من غير أن يقبلها أو يفضي إليها بشي‌ء منه الى جسدها أو تفضي اليه لم يكن عليه شي‌ء.

وعن ابن إدريس انه قال : وان أمنى لنظر لم يكن عليه شي‌ء ولا يعود الى ذلك ، وقد ذهب بعض أصحابنا إلى انه ان نظر الى من يحرم عليه النظر إليه فأمنى كان عليه القضاء دون الكفارة ، قال : والصحيح انه لا قضاء عليه لانه لا دليل على ذلك.

وقال في المختلف : والأقرب انه ان قصد الإنزال فأنزل وجب عليه القضاء والكفارة مطلقا سواء كان النظر الى من يحرم عليه أولا ، وان لم يقصد الانزال فانزل لتكرر النظر من غير قصد بل كرر النظر فسبقه الماء وجب القضاء خاصة.

ثم قال : لنا على الأول انه وجد منه الهتك وهو إنزال الماء متعمدا فوجب عليه القضاء والكفارة كالعابث بأهله والمجامع. وعلى الثاني انه وجد منه مقدمة الإفساد ولم يقصده وكان عليه القضاء كالمتمضمض للتبرد إذا وصل الماء حلقه.

ثم نقل عن الشيخ انه احتج بالإجماع وبعدم دليل على كون النظر مفطرا والأصل براءة الذمة.

ثم أجاب بمنع الإجماع ، قال : وقد بينا الدليل على إيجاب القضاء ، والبراءة معارضة بالاحتياط. انتهى.

وقال في المدارك : والأصح ان النظر غير مفسد إلا إذا كان من عادته الأمناء بذلك وفعله عامدا قاصدا به الى حصول الانزال ، وكذا القول في التخيل لو ترتب عليه الانزال. انتهى. وكلامه هنا مبنى على ما تقدم منه في تلك المسألة من تخصيصه الإفساد بتعمد الإنزال بذلك الفعل.


أقول : والمسألة غير منصوصة على الخصوص إلا انه لا يبعد القول بالإفساد بذلك بما إذا علم من عادته الإنزال بذلك سواء قصد تعمد الإنزال بذلك أم لا جريا على ظواهر الأخبار المتقدمة في ما دلت عليه من الإفساد بما كان من الأفعال موجبا لذلك.

نعم روى الشيخ في التهذيب (١) عن ابى بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كلم امرأته في شهر رمضان وهو صائم فأمنى؟ فقال : لا بأس». والظاهر حمله على ما تقدم في خبر المقنع.

وبالجملة فالاحتياط في أمثال هذه المواضع من ما لا ينبغي تركه.

المسألة الثالثة ـ يجب الإمساك عن الارتماس على الأشهر الأظهر ، وللأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذه المسألة اختلاف زائد فذهب جملة من الأصحاب : منهم ـ الشيخان والسيد المرتضى في الانتصار والشيخ في النهاية والجمل والاقتصاد وابن البراج إلى أنه موجب للقضاء والكفارة ، قال العلامة في المختلف ورواه ابن بابويه في كتابه. ونسبه في المبسوط إلى أظهر الروايات ، ثم قال وفي أصحابنا من قال انه لا يفطر. وقال في الاستبصار : ولست اعرف حديثا في إيجاب القضاء والكفارة أو إيجاب أحدهما على من ارتمس في الماء. ونقل عن أبى الصلاح انه يوجب القضاء خاصة ، وذهب الشيخ في الاستبصار إلى انه محرم لا يوجب قضاء ولا كفارة ، واختاره المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والمختلف والسيد السند في المدارك ، ونقل في المختلف عن على بن بابويه انه عده من المفطرات ، وذهب ابن إدريس إلى أنه ينقص الصوم ولا يبطله ونقله عن السيد المرتضى ، ونقله في المختلف عن ابن أبى عقيل أيضا.

وقد تلخص من ذلك ان الأقوال في المسألة أربعة : أحدها ـ القول بإبطال الصوم ووجوب القضاء والكفارة ، وثانيها ـ القول بالتحريم خاصة مع صحة

__________________

(١) ج ٤ ص ٢٧٣ وفي الوافي باب (مس النساء وقبلتهن).


الصوم ، وثالثها ـ القول بالجواز على كراهة ، ورابعها ـ القول بوجوب القضاء خاصة.

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «الصائم يستنقع في الماء ولا يرمس رأسه».

وفي الصحيح عن حريز عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «لا يرمس الصائم ولا المحرم رأسه في الماء».

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «الصائم يستنقع في الماء ويصب على رأسه ويتبرد بالثوب وينضح بالمروحة وينضح البوريا تحته ولا يغمس رأسه في الماء».

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم (٤) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب اربع خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء».

ورواية عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «يكره للصائم ان يرتمس في الماء».

ورواية إسحاق بن عمار (٦) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل صائم ارتمس في الماء متعمدا عليه قضاء ذلك اليوم؟ قال ليس عليه قضاء ولا يعود».

ورواية حنان بن سدير (٧) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يستنقع في الماء؟ قال : لا بأس ولكن لا ينغمس فيه. الحديث».

ورواية مثنى الحناط والحسن الصيقل (٨) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥ و ٨) الوسائل الباب ٣ من ما يمسك عنه الصائم.

(٤) الوسائل الباب ١ من ما يمسك عنه الصائم. ارجع الى التعليقة ٢ ص ٥٠.

(٦) الوسائل الباب ٦ من ما يمسك عنه الصائم.

(٧) الفروع ج ١ ص ١٩٢ وفي الوسائل الباب ٣ من ما يمسك عنه الصائم.


الصائم يرتمس في الماء؟ قال : لا ولا المحرم».

وما رواه الصدوق في كتاب الخصال (١) قال : «حدثنا محمد بن الحسن (رضى الله عنه) قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن احمد بن ابى عبد الله البرقي عن أبيه محمد بن خالد بإسناده رفعه الى أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «خمسة أشياء تفطر الصائم : الأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الأئمة عليهم‌السلام».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٢) : وادنى ما يتم به فرض الصوم العزيمة وهي النية وترك الكذب على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم ترك الأكل والشرب والنكاح والارتماس في الماء واستدعاء القذف ، فإذا تم هذه الشروط على ما وصفناه كان مؤديا لفرض الصوم مقبولا منه بمنة الله.

وقال في موضع آخر (٣) أيضا : واتق في صومك خمسة أشياء تفطرك : الأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الأئمة (عليهم‌السلام).

إذا عرفت ذلك فاعلم انه لم ينقل الأصحاب دليلا لمن قال بوجوب القضاء والكفارة وانما نقلوا القول بذلك عن من قدمنا ذكره مجردا.

واما القول بالتحريم فاستدلوا عليه بالروايات الدالة على النهى عنه والمنع منه للصائم ، فإن غاية النهى تحريم الفعل المذكور ولا يوجب فساد الصوم لأن النهي هنا عن أمر خارج عن العبادة.

واستدلوا على نفي القضاء والكفارة برواية إسحاق بن عمار المذكورة (٤) واما رواية عبد الله بن سنان (٥) التي هي دليل السيد المرتضى ومن معه ممن ذهب الى الجواز على كراهة فقد أجيب عنها بحمل الكراهة فيها على التحريم كما ذكره في المدارك ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) ص ٢٣.

(٣) ص ٢٤.

(٤ و ٥) ص ١٣٤.


قال : فان كثيرا ما تستعمل بمعنى التحريم بل ربما ظهر من بعض الروايات كونها حقيقة فيه.

واما القول بوجوب القضاء خاصة فلا اعرف له دليلا واضحا ، وذكر شيخنا الشهيد في شرح نكت الإرشاد ان مستنده مفهوم حديث (١) «لا يضر الصائم». ثم أجاب عنه بأنه يكفي في الإضرار فعل الحرام.

أقول : والذي يقرب عندي من هذه الأقوال هو القول الأول :

لنا ـ النهى عنه في أكثر هذه الأخبار والظاهر ان النهى إنما هو من حيث ما يترتب عليه من بطلان الصوم إذ لا يعقل للنهى علة سوى ذلك.

واما ما ذكره في المعتبر واستحسنه في المدارك ـ من أنه يمكن أن يكون الوجه في التحريم الاحتياط في الصوم ، فان المرتمس في الأغلب لا ينفك أن يصل الماء الى جوفه فيحرم وان لم يجب به قضاء ولا كفارة إلا مع اليقين بابتلاعه ما يوجب المفطر. انتهى ـ

فلا يخفى ما فيه من التكلف والبعد ، فان هذا التوجيه إنما يصلح للكراهة لا للتحريم ، على ان ما ذكره من دعوى أغلبية وصول الماء الى جوف المرتمس ممنوع وما دل عليه حديث الخصال وحديث كتاب الفقه الرضوي من التصريح بإبطاله الصيام وعده في قرن ما يوجب القضاء والكفارة إجماعا من الأكل والشرب والجماع ، وحينئذ فيكون مثلها.

وهو أيضا ظاهر مفهوم صحيحة محمد بن مسلم (٢) الدالة على انه لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال ، فان مفهومه الشرطي الذي هو حجة عند المحققين وعليه دلت الأخبار ايضا انه لو لم يجتنب ضره ، وإضراره إنما هو من حيث الصوم لأن التعليق على الوصف يشعر بالعلية.

والى ما ذكرنا لمح في المدارك فقال ـ بعد ما استدل على ما اختاره من مجرد

__________________

(١ و ٢) ص ١٣٤.


التحريم بما أشرنا إليه آنفا ونقل كلام الشيخ في الاستبصار المتقدم من انه لم يجد حديثا في إيجاب القضاء والكفارة. الى آخره ـ ما صورته : وهو كذلك نعم في رواية ابن مسلم (١) اشعار بمساواته للأكل والشرب والنساء لكنها غير صريحة. انتهى

وقال شيخنا الشهيد في كتاب شرح نكت الإرشاد ـ بعد أن نقل القول بالكفارة وانهم لم ينقلوا عليه دليلا معتمدا ـ ما صورته : ويمكن الاحتجاج بعطفه على ما يوجب الكفارة في صحيح محمد بن مسلم المتقدم (٢).

أقول : لا يخفى ان إجمال هذه الرواية قد أوضح في رواية الخصال ورواية كتاب الفقه الرضوي (٣).

واما ما دلت عليه رواية إسحاق بن عمار من عدم القضاء فالأقرب عندي فيها هو الحمل على التقية ، فإن العامة في هذه المسألة على ما نقله في المعتبر والمنتهى على قولين : فالجمهور منهم على الجواز بلا كراهة والقول الآخر الجواز على كراهة (٤) وظاهر هذا الخبر مؤذن بالجواز.

وبالجملة فإنه مع قطع النظر عن روايتي الخصال وكتاب الفقه الرضوي (٥) فالقول بما ذهب اليه المحقق ومن انتفاه من مجرد التحريم ظاهر ، ولكنهم معذورون حيث لم يقفوا على الروايتين المذكورتين ، واما مع وجود هاتين الروايتين وضمهما الى تلك الروايات فإنه لا مجال لإنكار القول بوجوب القضاء والكفارة إلا بالطعن في سند هاتين الروايتين بناء على هذا الاصطلاح المحدث وهو عندنا غير ملتفت اليه ولا معول عليه. وكتاب الفقه وان لم يكن مشهورا بينهم إلا انك قد عرفت من ما قدمنا في كتاب الصلاة وما بعده من هذه الكتب انه معتمد عند الصدوقين كما أوضحناه سابقا رأى العين.

وتمام الكلام في هذه المسألة يتوقف على بيان أمور الأول ـ قد ذكر

__________________

(١ و ٢) ص ١٣٤.

(٣ و ٥) ص ١٣٥.

(٤) المغني ج ٣ ص ١٠٩ والمجموع ج ٦ ص ٣٤٧.


جمع من الأصحاب ان المراد بالارتماس هنا غمس الرأس في الماء أعم من أن يكون مع البدن أو وحده وان كان البدن خارجا من الماء ، ووجهه ظاهر من ما تقدم في الأخبار حيث ان جملة منها تضمنت المنع من غمس الرأس في الماء وهو ظاهر في أن النهى إنما تعلق برمس الرأس خاصة كيف اتفق.

والظاهر ان الرقبة غير داخلة فيه بل المراد منه ما فوق الرقبة ، ودخولها في اخبار الغسل لا يستلزم دخولها هنا لأنها عضو منفصل عن الرأس ، وإنما دخلت في الرأس في أخبار الغسل من حيث تثليث الأعضاء فيه بالرأس والجانب الأيمن والجانب الأيسر وهي غير داخلة في أحد الجانبين اتفاقا فتدخل في الرأس ، ولهذا ان بعضهم كما تقدم في باب الغسل توقف في دخولها فيه أيضا والحق دخولها كما أوضحناه ثمة.

ثم ان بعض الأصحاب اشترط في غمس الرأس الدفعة العرفية فلو غمسه على التعاقب لم يتعلق به التحريم ، وهو مبنى على ما ذكروه في الغسل الارتماسي من اشتراط الدفعة العرفية ، وقد بينا في باب غسل الجنابة من كتاب الطهارة ضعفه وانه مجرد وهم نشأ من قولهم (عليهم‌السلام) في اخبار الغسل الارتماسي «ارتماسة واحدة» فحملوا ذلك على الدفعة وأبطلوا الغسل بما إذا لم يكن كذلك ، والأمر ليس كما ذكروه كما بيناه ثمة. وبه يظهر ان ما فرعوا عليه في هذا الموضع لا وجه له ولا دليل عليه. وحيث قد عرفت ان الرأس هو ما فوق الرقبة فيحب قصر الحكم عليه.

واما ما ذكره في المدارك ـ بعد أن فسر الرأس بما ذكرنا من انه لا يبعد تعلق التحريم بغمس المنافذ كلها دفعة وان كانت منابت الشعر خارجة عن الماء ـ فهو في غاية البعد لعدم صدق غمس الرأس والارتماس المعلق عليه الحكم في الاخبار وكلام الأصحاب.

وكأنه بنى على ان النهى عن الارتماس إنما هو من حيث خوف دخول الماء في شي‌ء من هذه المنافذ فحكم بصدق الارتماس بمجرد غمسها في الماء.


وفيه أولا ـ ان هذه علة مستنبطة إذ لا وجود لها في شي‌ء من الأخبار.

وثانيا ـ انه مع فرض وجودها فان علل الشرع ليست عللا حقيقية يدور المعلول معها وجودا وعدما بل هي معرفات لبيان وجه الحكمة أو المناسبة أو نحو ذلك.

الثاني ـ إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي ان لا فرق في هذا الحكم بين صوم الفريضة والنافلة. ثم انه ان قلنا بأنه مفسد للصوم كما اخترناه فإنه يجوز فعله في صوم النافلة كغيره من المفطرات ، وان قلنا بأنه محرم كما هو أحد الأقوال فقد ذكروا انه يحتمل التحريم في صوم النافلة كالتكفير في صلاة النافلة ويحتمل الإباحة اما لقصور أخبار التحريم عن افادة العموم أو لأنه إذا جاز تناول المفطر جاز ما هو مظنة له بطريق أولى.

أقول : لا يخفى ما في تعليل احتمال الإباحة بالوجه الأول من الضعف ، لأن الكلام من أوله مبنى على ان إطلاق النصوص يقتضي دخول الصوم المندوب. نعم التعليل الثاني متجه بناء على كلامهم ، وحيث ان الظاهر عندنا هو الإفساد به فيجوز فعله في الصوم المندوب حينئذ ولا اشكال.

الثالث ـ قد ذكر شيخنا الشهيد الثاني ان فائدة التحريم تظهر في ما لو ارتمس في غسل مشروع فإنه يقع فاسدا للنهى عن بعض أجزائه المقتضي للفساد في العبادة.

قال سبطه السيد السند في المدارك : وهو جيد ان وقع الغسل في حال الأخذ في الارتماس أو الاستقرار في الماء لاستحالة اجتماع الواجب والحرام في الشي‌ء الواحد ، أما لو وقع في حال الأخذ في رفع الرأس من الماء فإنه يجب الحكم بصحته لان ذلك واجب محض لم يتعلق به نهى أصلا فينتفي المقتضي للفساد. انتهى.

أقول : يمكن المناقشة في ما ذكره شيخنا المشار إليه بأن المعلوم من القاعدة المشهورة وهو ان النهى إذا توجه إلى العبادة أو جزئها أو شرطها يكون مبطلا لها إنما هو ما إذا توجه لها من حيث هي لا من حيث أمر خارج عنها كما حققنا ذلك بما


لا مزيد عليه في كتاب الصلاة في مسألة الصلاة في المكان والثوب المغصوبين ، والأمر هنا كما هو هناك فإن النهي هنا عن الارتماس إنما توجه للصائم من حيث الصوم اغتسل أو لم يغتسل ولم يتوجه للمغتسل ليكون الغسل منهيا عن بعض أجزائه كما أن النهى في تلك المسألة إنما توجه من حيث المنع من التصرف في المغصوب بغير اذن مالكه صلى فيه أو لم يصل. وبالجملة فالكلام في المسألتين من باب واحد.

ثم انه بناء على الإغماض عن ما ذكرناه فكلام السيد (قدس‌سره) هنا لا يخلو من شي‌ء فان الظاهر من كلامه ان الوجه في الفساد إنما هو لزوم اجتماع الواجب والحرام في الشي‌ء الواحد وهو مستحيل ، وهو إنما يتحقق في ما إذا وقعت نية الغسل في حال الأخذ في الارتماس ، فإنه مأمور به وواجب لكونه غسل جنابة مثلا ومنهي عنه من حيث النهى عن غمس الرأس فيبطل حينئذ ، اما لو وقعت نية الغسل بعد الدخول تحت الماء في حال الأخذ في رفع الرأس من الماء فإنه يجب الحكم بصحته لانتهاء النهى الموجب للتحريم حينئذ باعتبار حصول الارتماس أولا فيبقى الوجوب من غير معارض.

وفيه أولا ـ ان ما ذكره أخيرا بعينه جار في حال الاستقرار في الماء إذا نوى الغسل وحرك بدنه على وجه يحصل به الجريان عليه مع انه حكم بالبطلان فيه وجعله من قبيل الغسل حال الأخذ في الارتماس.

وثانيا ـ ان الظاهر ان الارتماس المحرم إنما هو عبارة عن الأمر الكلي الحاصل بأول دفعة فما زاد بعين ما قالوه في القيام الركني الذي هو عبارة عن ما يركع عنه المصلى طال أو قصر وكذا الوقوف بعرفات ونحو ذلك ، وحينئذ فيتوجه صدق النهى عن الارتماس في الصورة الأخيرة ويصير من قبيل الصورة الاولى.

وثالثا ـ ان ثبوت الغسل الارتماسي على الكيفية التي ذكرها من كونه في حال الأخذ في رفع الرأس من الماء من ما يمكن تطرق المناقشة إليه كما ذكره الفاضل الخراساني في كتاب الذخيرة ، حيث قال بعد نقل كلامه : وهو حسن ان كان


الغسل يتحقق بإخراج البدن من الماء ، لكن لي في ذلك تأمل لأن المتبادر من الغسل المأمور به في الاخبار غير ذلك ، وبالجملة لا يحصل اليقين بامتثال التكليف بهذا الفعل. انتهى.

الرابع ـ ذكر شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) ايضا ان المرتمس ناسيا يرتفع حدثه لعدم توجه النهي اليه ، وان الجاهل عامد.

قال سبطه في المدارك : وما ذكره (قدس‌سره) في حكم الناسي جيد ، لكن الأظهر مساواة الجاهل له في ذلك لاشتراكهما في عدم توجه النهي إليهما وان أثم الجاهل بتقصيره في التعلم على بعض الوجوه كما بيناه مرارا.

أقول : وما ذكره (قدس‌سره) من معذورية الجاهل جيد لكنه لم يقف عليه في جميع الأحكام ، وقد تقدم الكلام معه في المسألة الأولى في حكم المفطر جاهلا حيث صرح ثمة بخلاف ما ذكره هنا.

المسألة الرابعة ـ في بقية ما يجب الإمساك عنه وبيان الخلاف فيه وهي ثلاثة

الأول ـ الكذب على الله أو رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الأئمة (عليهم‌السلام) وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك مع اتفاقهم على عدم الإفساد بغيره من أنواع الكذب ، فنقل عن الشيخين والمرتضى في الانتصار وأبى الصلاح وابن البراج انه يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة. وعن المرتضى في الجمل وابن إدريس وهو المشهور بين المتأخرين عدم فساد الصوم به وان حرم ، ونقل في المختلف عن على بن بابويه انه عده في المفطرات.

احتج القائلون بعدم الإفساد كما نقله في المدارك بالأصل والحصر المستفاد من صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (١).

وفيه ان الأصل يجب الخروج عنه بالدليل الآتي ، وصحيحة محمد بن مسلم المذكورة لا يمكن حملها على الحصر الحقيقي لخروج جملة من المضرات بالصوم عن ذلك

__________________

(١) ص ١٣٤.


فالاستناد إليها لا يخلو من مجازفة.

ويدل على القول الأول الاخبار : ومنها ـ ما رواه الشيخ عن منصور بن يونس عن أبى بصير (١) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم. قال قلت هلكنا. قال ليس حيث تذهب انما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الأئمة عليهم‌السلام».

وما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (٢) قال : «سألته عن رجل كذب في شهر رمضان؟ فقال قد أفطر وعليه قضاؤه وهو صائم يقضي صومه ووضوءه إذا تعمد». ورواه الكليني (٣) والصدوق في معاني الاخبار (٤).

وما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة أيضا (٥) قال : «سألته عن رجل كذب في رمضان فقال قد أفطر وعليه قضاؤه. فقلت ما كذبته؟ فقال يكذب على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وما رواه الصدوق عن منصور بن يونس عن أبى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٦) قال : «ان الكذب على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الأئمة (عليهم‌السلام) يفطر الصائم».

وما رواه احمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن أبى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٧) قال : «من كذب على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو صائم نقض صومه ووضوءه إذا تعمد».

ومنها ـ ما قدمناه في المسألة السابقة من روايتي الخصال وكتاب الفقه

__________________

(١ و ٢ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٢ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣) هذا الحديث لم يروه الكليني وانما روى في الفروع ج ١ ص ١٨٧ حديث ابى بصير المتقدم.

(٤) هذا الحديث لم يروه في معاني الاخبار وانما روى فيه ص ١٦٥ حديث ابى بصير المتقدم.


الرضوي (١) الدالتين على ان ذلك يفطر الصائم.

والظاهر ان ما نقله في المختلف في مسألة الارتماس وفي هذه المسألة عن على ابن بابويه انه عد ذلك من المفطرات إنما هو حيث نقل عبارة كتاب الفقه المذكورة في رسالته جريا على ما عرفته في غير مقام من ما قدمناه ، ولكن العلامة لم ينقل صورة عبارته وانما نقل بهذا العنوان الذي ذكرناه.

وكيف كان فطرح هذه الاخبار ـ من غير معارض سوى الأصل الذي ذكروه والحصر الذي في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة مع ما عرفت فيه ـ لا يخلو من جرأة ولكنهم (رضوان الله عليهم) لم يستوفوا روايات المسألة ، والذي نقله في المدارك منها رواية أبي بصير الأولى ورواية سماعة الأولى ثم ردهما بضعف السند وانهما متضمنان لما أجمع العلماء على خلافه وهو نقض الوضوء بذلك وهذا من ما يضعف الخبر.

أقول : والطعن بضعف السند عندنا غير مسموع ولا معمول عليه ، واما الطعن بتضمنهما ما أجمع العلماء على خلافه فقد صرح هو وغيره من المحققين بان طرح بعض الخبر لمعارض أقوى لا يستلزم طرح ما لا معارض له وانه يصير من قبيل العام المخصوص.

نعم يمكن أن يقال : ان ما دل على وجوب الكفارة بالإفطار متعمدا المتبادر من الإفطار فيه إنما هو الإفساد بالأكل والشرب كما ذكره السيد السند في المدارك فيجب الحمل عليه خاصة لأن اللفظ إنما يحمل على حقيقته. وهو جيد ان ثبت ما ادعاه من ان المعنى الحقيقي للفظ الإفطار هو ما ذكره.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والاحتياط في العمل بالقول الأول.

الثاني ـ الحقنة وقد اختلف الأصحاب فيها على أقوال : فقال الشيخ المفيد

__________________

(١) ص ١٣٥.


انها تفسد الصوم وأطلق وقال على بن بابويه لا يجوز للصائم أن يحتقن وأطلق. وقال السيد المرتضى في الجمل : وقد ألحق قوم من أصحابنا بما ذكرناه من وجوب القضاء والكفارة. الى أن قال : والحقنة. ولم يفصل ايضا. ثم قال : وقال قوم ان ذلك ينقص الصوم وان لم يبطله وهو الأشبه. وقالوا في اعتماد الحقنة وما يتيقن وصوله الى الجوف من السعوط وفي اعتماد القي‌ء وبلع الحصى انه يوجب القضاء من غير كفارة. وقال في المسائل الناصرية : فأما الحقنة فلم يختلف في أنها تفطر. وللشيخ أقوال : قال في النهاية يكره الحقنة بالجامدات ويحرم بالمائعات. ولم يوجب بها قضاء ولا كفارة. وكذا في الاستبصار. وأوجب في الجمل والاقتصاد القضاء بالمائعات خاصة وكره الجامدات ، وكذا في المبسوط ، وهو قول ابن البراج ، وقال في الخلاف والحقنة بالمائعات تفطر. ولم يذكر ابن أبى عقيل الحقنة بالمائعات ولا بالجامدات من المفطرات. وقال أبو الصلاح الحقنة يجب بها القضاء ولم يفصل. وقال ابن الجنيد يستحب له الامتناع من الحقنة لأنها تصل الى الجوف. وقال ابن إدريس تحرم الحقنة بالمائعات ولا يجب بها قضاء ولا كفارة وتكره بالجامدات. كذا نقله العلامة في المختلف ، ثم اختار فيه انها مفطرة مطلقا ويجب بها القضاء خاصة. واستوجه المحقق في المعتبر تحريم الحقنة بالمائع والجامد دون الإفساد ، واختاره في المدارك.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة منه ما رواه الكليني في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الرجل والمرأة هل يصلح لهما ان يستدخلا الدواء وهما صائمان؟ قال لا بأس». ورواه الشيخ أيضا بإسناده عن على بن جعفر (٢) ورواه الحميري في قرب الاسناد عنه أيضا مثله (٣).

وما رواه الشيخ والصدوق عن احمد بن محمد بن ابى نصر في الصحيح عن

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٥ من ما يمسك عنه الصائم.


أبي الحسن عليه‌السلام (١) «انه سأله عن الرجل يحتقن تكون به العلة في شهر رمضان؟ فقال : الصائم لا يجوز له أن يحتقن».

وما رواه الشيخ عن على بن الحسن عن أبيه في الموثق (٢) قال : «كتبت الى أبى الحسن عليه‌السلام ما تقول في التلطف من الأشياف يستدخله الإنسان وهو صائم؟ فكتب : لا بأس بالجامد».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٣) : «ولا يجوز للصائم أن يقطر في اذنه شيئا ولا يسعط ولا يحتقن».

والظاهر ان عبارة على بن بابويه مأخوذة من هنا ، والظاهر انه إنما اقتصر على الحقنة لكون البحث فيها في كلامه.

هذا ما وقفت عليه من الأخبار في المسألة ، والظاهر في وجه الجمع بينها هو حمل إطلاق صحيحة على بن جعفر على موثقة الحسن بن على بن فضال ، ومنه يعلم نفى البأس عن الحقنة بالجامد وانه غير مضر بالصوم ، وحمل صحيحة البزنطي على الحقنة بالمائع وانه غير جائز ، وكذا كلام الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه ، وعلى هذا تجتمع الأخبار.

وما ذكره في المدارك حيث اختار تحريم الحقنة مطلقا ـ من رد موثقة الحسن بن على بن فضال بان على بن الحسن وأباه فطحيان فلا يمكن التعويل على روايتهما ـ فهو مردود بما قدمنا نقله عنه من قبولها حيث يحتاج إليها ومدحه لهما واطرائه عليهما بما هو مذكور في كتب الرجال في شأنهما من المدح الزائد الذي اعتمد عليه ثمة.

واما ما ذكره الفاضل الخراساني في المقام من الاحتمالات الركيكة

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من ما يمسك عنه الصائم ورواه الكليني بسند فيه سهل بن زياد.

(٢) الوسائل الباب ٥ من ما يمسك عنه الصائم وفي التهذيب ج ٤ ص ٢٠٤ من الطبع الحديث «التلطف بالأشياف».

(٣) ص ١٦.


والتشكيكات الضعيفة فلا ينبغي الالتفات اليه ، مع انهما قد وافقا على ما ذكرناه حيث قال في المدارك واقتفاه الفاضل المذكور فيه : نعم يمكن ترجيح هذا القول ـ وأشار به الى جواز الحقنة بالجامد ـ بان المتبادر من الاحتقان ما كان بالمائع فينبغي الحمل عليه ويبقى الاحتقان بالجامد على الإباحة. انتهى.

نعم يبقى الكلام في انه لو احتقن بالمائع مع دلالة الخبر على عدم جوازه فهل يكون موجبا للقضاء أو مجرد الإثم خاصة ، إذ غاية مفاد عدم الجواز التحريم وترتب القضاء عليه يحتاج الى دليل؟ اشكال والاحتياط يقتضي القضاء.

فوائد

الأولى ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو صب الدواء في إحليله فوصل الى جوفه ، فذهب في المبسوط إلى انه يفطر واستقربه العلامة في المختلف ، والأكثر على عدم الإفطار وبه صرح في الخلاف.

واحتج العلامة على الإفطار بأنه قد أوصل إلى جوفه مفطرا بأحد المسكين فإن المثانة تنفذ الى الجوف فكان موجبا للإفطار كما في الحقنة. والظاهر ضعفه لأن الأصل صحة الصوم وإبطاله يتوقف على دليل واضح.

الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تقطير الدواء في الاذن والمشهور انه غير مفطر ، وذهب أبو الصلاح إلى أنه مفطر.

والأظهر الأول لما رواه الكليني عن حماد بن عثمان في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الصائم يشتكي أذنه يصب فيها الدواء؟ قال لا بأس به».

وما رواه في الصحيح أو الحسن على المشهور عن حماد (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يصب في اذنه الدهن؟ قال : لا بأس به».

وما رواه في الموثق عن ليث المرادي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٤ من ما يمسك عنه الصائم.


عن الصائم يحتجم ويصب في اذنه الدهن؟ قال لا بأس به إلا السعوط فإنه يكره».

وروى على بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الصائم هل يصلح له أن يصب في اذنه الدهن؟ قال : إذا لم يدخل حلقه فلا بأس».

والجمع بين هذه الرواية وما تقدمها يقتضي الكراهة مع الوصول الى الحلق ولو كانت صريحة في التحريم لحملناها على التقية لأن القول بان ذلك مفطر مذهب الشافعي وأبى حنيفة ومالك واحمد (٢) كما نقله في المنتهى محتجين بأنه أوصل إلى جوفه مع ذكره للصوم مختارا فأفطر كالأكل. والعلامة أجاب عن ذلك في الكتاب المذكور بأنه قد تقدم مرارا انه ليس كل واصل الى جوفه مفطرا. انتهى. وهو جيد

الثالثة ـ قال الشيخ في المبسوط : لو طعنه غيره طعنة وصلت الى جوفه لم يفطر وان أمره هو بذلك ففعل به أو فعل هو بنفسه أفطر.

واستقر به العلامة في المختلف وقال : لنا ـ انه أوصل إلى جوفه الجامد فكان كالازدراد فوجب القضاء والأصل براءة الذمة من الكفارة. ولا يخفى ما فيه من الوهن.

الثالث ـ تعمد القي‌ء وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حكمه فالأكثر على انه موجب للقضاء خاصة ، وقال ابن إدريس انه لا يوجب قضاء ولا كفارة إلا انه محرم ، وعن السيد المرتضى انه حكى عن بعض علمائنا قولا بأنه يوجب القضاء والكفارة ، وعن بعضهم انه ينقص الصوم ولا يبطله ، قال وهو الأشبه.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) المغني ج ٣ ص ١٠٥ وبدائع الصنائع ج ٢ ص ٩٣ وبداية المجتهد ج ١ ص ٢٨٠ و ٢٨١ وقال في المجموع ج ٦ ص ٣١٤ : لو قطر في اذنه ماء أو دهنا أو غيرهما فوصل الى الدماغ فوجهان : أصحهما يفطر وبه قطع المصنف والجمهور.


والأظهر هو ما عليه الأكثر ، ويدل عليه من الأخبار ما رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «إذا تقيأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم فان ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم صومه».

وما رواه عن الحلبي ـ بإسنادين صحيحين وفي أحدهما إبراهيم بن هاشم المعدود حديثه في الحسن على المشهور ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «إذا تقيأ الصائم فقد أفطر وان ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم صومه».

وما رواه الشيخ عن عبد الله بن بكير في الموثق عن بعض أصحابنا عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «من تقيأ متعمدا وهو صائم قضى يوما مكانه».

وما رواه عن سماعة في الموثق (٤) قال : «سألته عن القي‌ء في رمضان قال ان كان شي‌ء يبدره فلا بأس وان كان شي‌ء يكره نفسه عليه أفطر وعليه القضاء».

وروى الصدوق عن سماعة في الموثق عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٥) نحوا منه. وفي الموثق إلى مسعدة بن صدقة وهو عامي عن أبى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٦) انه قال : «من تقيأ متعمدا وهو صائم فقد أفطر وعليه الإعادة فإن شاء الله عذبه وان شاء غفر له. وقال : من تقيأ وهو صائم فعليه القضاء».

وربما قيل بان مقتضى صحيحة الحلبي ورواية مسعدة ان القي‌ء مفطر ومن تعمد الإفطار لزمته الكفارة على ما دلت عليه الأخبار الكثيرة.

وأجيب بأن المتبادر من الإفطار إنما هو إفساد الصوم بالأكل والشرب فيجب الحمل عليه خاصة ، لأن اللفظ إنما يحمل على حقيقته. وقد تقدم ما فيه.

والحق ان اشتمال هذه الأخبار على تعددها على القضاء خاصة من غير تعرض لذكر الكفارة مع ان المقام مقام البيان من ما يفيد نفى الكفارة في المسألة.

احتج ابن إدريس والمرتضى بأصالة البراءة من وجوب القضاء ، وبان الصوم إمساك عن ما يصل الى الجوف لا عن ما ينفصل منه.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٢٩ من ما يمسك عنه الصائم.


ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح الى عبد الله بن ميمون عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «ثلاثة لا يفطرن الصائم : القي‌ء والاحتلام والحجامة».

وأجيب عن الأول بأن الأصل يرتفع بما ذكرنا من الأدلة. وعن الثاني بأنه اجتهاد في مقابلة النص فلا يكون مسموعا. وعن الرواية بالحمل على غير العامد جمعا. وهو جيد.

واما ما ذكره صاحب الذخيرة في هذا المقام ـ من الاحتمالات حتى انه ذكر ان المسألة عنده محل اشكال ـ فهو من جملة تشكيكاته الضعيفة وخيالاته السخيفة ، بل المسألة بحمد الله ظاهرة الدليل على القول المشهور بما لا يداخله القصور ولا الفتور.

وهو إنما يصول في هذا الموضع ونحوه بصحيحة محمد بن مسلم (٢) الدالة على حصر المبطل للصيام في الأربعة المذكورة فيها الدالة على نفي الابطال والقضاء في هذه المسألة ونحوها.

وليت شعري ما يقول في جملة من المواضع المتقدمة التي اتفقت فيها الأخبار وكلمة الأصحاب على الإفساد ، فإن خصصها بها فللقائل أن يخصصها أيضا بأخبار هذه المسألة ونحوها ، وإلا فليقتصر في مبطلات الصوم على الأربعة المذكورة فيها.

والمشهور انه لو ذرعه أى سبقه بغير اختياره فلا شي‌ء فيه ، وظاهر كلام المدارك الاتفاق عليه.

ونقل في المختلف عن ابن الجنيد ان القي‌ء يوجب القضاء خاصة إذا تعمد فان ذرعه لم يكن عليه شي‌ء إلا أن يكون القي‌ء من محرم فيكون فيه إذا ذرع القضاء وإذا استكره القضاء والكفارة. ويدفعه ما تقدم من الأخبار.

المسألة الخامسة ـ في ما يستحب الإمساك عنه وهو أمور الأول ـ النساء

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من ما يمسك عنه الصائم. وأبو عبد الله (ع) برؤية عن أبيه (ع) وقد تقدم ص ١٢٨.

(٢) ص ١٣٤.


تقبيلا ولمسا وملاعبة ، كذا أطلقه أكثر الأصحاب.

وخصه جماعة منهم ـ كالمحقق في المعتبر والعلامة في التذكرة ، واليه مال في المدارك والذخيرة ـ بمن يحرك ذلك شهوته.

وهو الظاهر من الأخبار ومنها ـ ما رواه الكليني في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «انه سئل عن رجل يمس من المرأة شيئا أيفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال ان ذلك يكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المنى».

وما رواه عن منصور بن حازم في الصحيح (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما تقول في الصائم يقبل الجارية والمرأة؟ فقال اما الشيخ الكبير مثلي ومثلك فلا بأس واما الشاب الشبق فلا لأنه لا يؤمن والقبلة إحدى الشهوتين. قلت فما ترى في مثلي تكون له الجارية فيلاعبها؟ فقال لي انك لشبق يا أبا حازم كيف طعمك؟ قلت ان شبعت أضرني وان جعت أضعفني. قال كذلك أنا. فكيف أنت والنساء؟ قلت ولا شي‌ء. قال ولكني يا أبا حازم ما أشاء شيئا أن يكون ذلك منى إلا فعلت».

وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم وزرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام (٣) «انه سئل هل يباشر الصائم أو يقبل في شهر رمضان؟ فقال انى أخاف عليه فليتنزه عن ذلك إلا ان يثق أن لا يسبقه منيه».

وما رواه في الفقيه (٤) قال : «سأل سماعة أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يلصق بأهله في شهر رمضان؟ فقال ما لم يخف على نفسه فلا بأس». الى غير ذلك من الاخبار

وفي جملة من الأخبار ما يدل على الرخصة في ذلك مثل ما رواه في الفقيه مرسلا (٥) قال : «سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الرجل يقبل امرأته وهو صائم؟ قال هل هي إلا ريحانة يشمها».

وما رواه في التهذيب عن ابى بصير (٦) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٣٣ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) الفروع ج ١ ص ١٩١ وفي الوسائل الباب ٣٣ من ما يمسك عنه الصائم.


الرجل يضع يده على جسد امرأته وهو صائم؟ فقال : لا بأس وان أمذى فلا يفطر».

وما رواه أيضا عن ابى بصير (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الصائم يقبل امرأته؟ قال نعم ويعطيها لسانه تمصه».

وما رواه عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن الرجل الصائم إله أن يمص لسان المرأة أو تفعل المرأة ذلك؟ قال لا بأس».

والجمع بين هذه الأخبار وبين ما تقدمها ممكن بحمل هذه على ما إذا وثق بنفسه كما تقدمت الإشارة إليه في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم فلا كراهة حينئذ ، واما بالحمل على أصل الجواز وان كره ذلك مطلقا كما هو ظاهر الأكثر أو بالنسبة الى من لا يثق بنفسه كما هو ظاهر الاخبار المتقدمة.

وفي بعض الأخبار ما يدل على المنع مطلقا ولعله الحجة لظاهر قول الأكثر

مثل ما رواه عبد الله بن جعفر في كتاب قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له أن يقبل أو يلمس وهو يقضى شهر رمضان؟ قال لا».

ومثله روى على بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن المرأة هل يحل لها ان تعتنق الرجل في شهر رمضان وهي صائمة فتقبل بعض جسده من غير شهوة؟ قال لا بأس. قال : وسألته عن الرجل هل يصلح له وهو صائم في رمضان أن يقلب الجارية فيضرب على بطنها وفخذها وعجزها؟ قال ان لم يفعل ذلك بشهوة فلا بأس به واما بشهوة فلا يصلح».

ويمكن الجمع بينها وبين ما تقدم بحمل الأخبار المتقدمة على تأكد الكراهة وان كان أصل الكراهة يحصل بدون ذلك.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٤ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٣ من ما يمسك عنه الصائم.


واما ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن رفاعة (١) ـ قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لامس جارية في شهر رمضان فأمذى؟ قال ان كان حراما فليستغفر الله استغفار من لا يعود أبدا ويصوم يوما مكان يوم» وزاد في التهذيب (٢) «وان كان من حلال فليستغفر الله ولا يعود ويصوم يوما مكان يوم».

فقد نسبه الشيخ في التهذيبين الى الشذوذ ومخالفته لفتوى أصحابنا كلهم ثم الى وهم الراوي ثم حمله على الاستحباب. ولا يخفى ما في الوجهين الأخيرين والوجه إرجاعه إلى قائله فهو أعلم بما قال.

الثاني ـ الاكتحال بما فيه مسك أو يصل الى الحلق ، والروايات في هذه المسألة مختلفة : فمنها ـ ما يدل على الترخص مطلقا مثل

ما رواه الكليني والشيخ عنه عن محمد ابن مسلم في الصحيح عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) «في الصائم يكتحل؟ قال : لا بأس به ليس بطعام ولا شراب».

ورواه الكليني في الحسن على المشهور والصحيح على المختار عن سليم الفراء عن غير واحد عن أبى جعفر عليه‌السلام مثله (٤).

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الحميد بن أبى العلاء عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٥) قال «لا بأس بالكحل للصائم».

وما رواه عن ابن أبى يعفور (٦) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكحل

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٥ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) ج ٢ ص ٢٧٢ و ٣٢٠ من الطبع الحديث ، وفي الوسائل الباب ٥٥ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣) الوسائل الباب ٢٥ من ما يمسك عنه الصائم. ويظهر منه ان الشيخ يرويه من غير طريق الكليني أيضا كما يظهر ذلك ايضا من الاستبصار ج ٢ ص ٨٩.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٢٥ من ما يمسك عنه الصائم.


للصائم؟ فقال : لا بأس به انه ليس بطعام يؤكل».

وما رواه عن الحسين بن ابى غندر (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام اكتحل بكحل فيه مسك وأنا صائم؟ فقال : لا بأس به».

وما رواه عن غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) قال : «لا بأس بالكحل للصائم وكره السعوط».

ورواية عبد الله بن ميمون عن أبى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٣) في حديث «انه كان لا يرى بأسا بالكحل للصائم».

ومنها ـ ما يدل على المنع مطلقا مثل ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٤) «انه سئل عن الرجل يكتحل وهو صائم؟ فقال : لا انى أتخوف عليه أن يدخل رأسه».

وما رواه عن الحسن بن على (٥) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصائم إذا اشتكى عينه يكتحل بالذرور وما أشبهه أم لا يسوغ له ذلك؟ فقال لا يكتحل».

وما رواه الكليني عن سعد بن سعد الأشعري في الصحيح عن أبى الحسن الرضا عليه‌السلام (٦) قال : «سألته عن من يصيبه الرمد في شهر رمضان هل يذر عينه بالنهار وهو صائم؟ قال يذرها إذا أفطر ولا يذرها وهو صائم».

ومنها ـ ما يدل على التفصيل : مثل ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٧) «انه سئل عن المرأة تكتحل وهي صائمة؟ فقال : إذا لم يكن كحلا تجد له طعما في حلقها فلا بأس».

وما رواه الكليني والشيخ عن سماعة في الموثق (٨) قال : «سألته عن الكحل

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٢٥ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) الوسائل الباب ٧ و ٢٥ من ما يمسك عنه الصائم. وفي الباب ٧ انهى الرواية الى على (ع) وفي التهذيب ج ٤ ص ٢١٤ كما هنا والباب ٢٥.

(٨) الوسائل الباب ٢٥ من ما يمسك عنه الصائم. والشيخ يرويه عن الكليني.


للصائم؟ فقال : إذا كان كحلا ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق فليس به بأس».

وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) «ان عليا عليه‌السلام كان لا يرى بأسا بالكحل للصائم إذا لم يجد طعمه».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٢) : ولا بأس بالكحل إذا لم يكن ممسكا ، وقد روى فيه رخصة فإنه يخرج على عكدة لسانه.

ونقل ابن إدريس في كتاب السرائر هذه العبارة عن على بن بابويه في رسالته فقال : وقال ابن بابويه في سألته : ولا بأس بالكحل ما لم يكن ممسكا ، وقد روى فيه رخصة لأنه يخرج على عكدة لسانه.

أقول : يمكن الجمع بين هذه الأخبار بالحكم بالقسم الثالث على القسمين الأولين فتحمل أخبار الرخصة مطلقا على ما إذا لم يجد له طعما في الحلق ولم يكن ممسكا ويكون ذلك جائزا من غير كراهة واخبار المنع على ما إذا كان كذلك فيكون مكروها.

وجمع بعضهم بينها بحمل أخبار الترخص على الجواز المطلق وحمل أخبار المنع على الكراهة وحمل اخبار التفصيل على شدة الكراهة.

والظاهر ان ما ذكرناه أقرب لأن الجمع بين الأخبار بحمل مطلقها على مقيدها هو الشائع الذائع وتكون اخبار التفصيل سندا لهذا الجمع.

وإنما حملنا ذلك على الكراهة مع كون ظاهر النهى فيها التحريم لما علل به عليه‌السلام نفى البأس في بعض الاخبار الأولة من أنه ليس بطعام ولا شراب.

الثالث ـ السعوط وقد قيده جملة من الأصحاب بما لا يتعدى الى الحلق.

وقد اختلف كلام الأصحاب فيه فقال الشيخ في الخلاف والنهاية والجمل والاقتصاد :

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) ص ٢٦.


والسعوط مكروه. وأطلق وفصل في المبسوط فقال انه مكروه سواء بلغ الدماغ أو لم يبلغ إلا ما ينزل الى الحلق فإنه يفطر ويوجب القضاء. وقال ابن الجنيد والصدوق في المقنع لا بأس به. وقال في كتاب من لا يحضره الفقيه : ولا يجوز للصائم ان يستعط. وأوجب المفيد وسلار فيه القضاء والكفارة. وقال السيد المرتضى : وقد ألحق قوم من أصحابنا بما ذكرناه في وجوب القضاء والكفارة. الى أن قال : والسعوط ، وقال قوم انه ينقص الصوم وان لم يبطله وهو الأشبه. واختار ابن إدريس انه لا يوجب قضاء ولا كفارة ، وقال أبو الصلاح وابن البراج انه يوجب القضاء خاصة.

كذا نقله العلامة في المختلف ثم قال : والأقرب عندي انه إذا وصل الى الحلق متعمدا وجب القضاء والكفارة وإلا فلا ، ثم استدل على ذلك فقال : لنا ـ انه أوصل إلى حلقه المفطر متعمدا فكان عليه القضاء والكفارة كما لو أوصل إلى حلقه لقمة ، ولو لم يوصل لم يكن عليه شي‌ء لأن الصوم عبادة شرعية انعقدت على الوجه المأمور به شرعا فلا تبطل إلا بحكم شرعي ولم يثبت.

أقول : والدي وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة رواية غياث بن إبراهيم المتقدمة قريبا (١) وقوله فيها : «وكره السعوط».

ورواية ليث المرادي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يحتجم ويصب في اذنه الدهن؟ قال : لا بأس إلا السعوط فإنه يكره».

ورواية كتاب الفقه الرضوي المتقدمة في المسألة الرابعة (٣) وقوله فيها : «لا يجوز للصائم أن يقطر في اذنه شيئا ولا يسعط».

__________________

(١) ص ١٥٣.

(٢) الوسائل الباب ٢٤ من ما يمسك عنه الصائم.

(٣) ص ١٤٥.


وظاهر هذه الأخبار ـ ان حملنا الكراهة على المعنى المشهور وكذا عدم الجواز في عبارة كتاب الفقه الرضوي على ذلك ـ هو الكراهة مطلقا وصل الى الحلق أم لم يصل.

وما ذكره في المختلف تعليلا لإيجاب القضاء والكفارة ـ بأنه أوصل إلى حلقه المفطر متعمدا ، وكذا ظاهر كلام من قيد الكراهة بما لا يتعدى الى الحلق الدال بمفهومه على المنع من المتعدي ـ

فيه انه لم يقم دليل على كون مطلق الإيصال للحلق مفسدا ، كيف وظاهر كلامهم في مسألة الكحل الحكم بالكراهة في ما يجد له طعما في حلقه دون الإفساد ، والحكم في المسألتين من باب واحد.

وان حملنا الكراهة على معنى التحريم ـ كما هو أحد معنييها في الأخبار فإنها بهذا المعنى شائعة ذائعة في الأخبار ويؤيده ظاهر عبارة كتاب الفقه ـ أشكل الأمر وكان ذلك مؤيدا لمن قال ببطلان الصوم في المسألة وبالجملة فالمسألة غير واضحة الدليل كما لا يخفى.

الرابع ـ السواك بالرطب نص عليه الشيخ والحسن بن أبى عقيل على ما نقله في الدروس ، والمشهور بين الأصحاب الجواز من غير كراهة.

ويدل على الأول ما رواه الشيخ عن أبى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «لا يستاك الصائم بعود رطب».

وما رواه عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «يستاك الصائم أي النهار شاء ولا يستاك بسواك رطب».

وفي الصحيح أو الحسن على المشهور عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن الصائم أيستاك بالماء؟ قال : لا بأس به ولا يستاك بسواك رطب».

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٤) «انه كره للصائم

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٨ من ما يمسك عنه الصائم.


أن يستاك بسواك رطب. وقال : لا يضر أن يبل سواكه بالماء ثم ينفضه حتى لا يبقى فيه شي‌ء».

وفي الموثق عن عمار بن موسى عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) «في الصائم ينزع ضرسه؟ قال : لا ولا يدمي فاه ولا يستاك بعود رطب».

ومن ما يدل على الجواز ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أيستاك الصائم بالماء وبالعود الرطب يجد طعمه؟ فقال : لا بأس به».

وما رواه عن موسى بن أبى الحسن الرازي عن أبى الحسن الرضا عليه‌السلام (٣) قال : «سأله بعض جلسائه عن السواك في شهر رمضان قال : جائز. فقال بعضهم ان السواك تدخل رطوبته في الجوف. فقال ما تقول في السواك الرطب تدخل رطوبته في الحلق؟ فقال الماء للمضمضة أرطب من السواك بالرطب. فان قال قائل لا بد من الماء للمضمضة من أجل السنة فلا بد من السواك من أجل السنة التي جاء بها جبرئيل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وروى في كتاب قرب الاسناد بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) قال : «قال على عليه‌السلام : لا بأس بأن يستاك الصائم بالسواك الرطب في أول النهار وآخره. فقيل لعلى عليه‌السلام في رطوبة السواك فقال المضمضة بالماء أرطب منه. فقال على عليه‌السلام فان قال قائل لا بد من المضمضة لسنة الوضوء قبل له فإنه لا بد من السواك للسنة التي جاء بها جبرئيل عليه‌السلام».

أقول : لا يخفى ما في هذه الأخبار من الإشعار بأن مجرد وصول الطعم الى الحلق من أي الأجسام كان فإنه غير مضر بالصوم ، وفيه تأييد لما ذكرناه في مسألة السعوط من أن وصول طعمه إلى الحلق غير مضر ولا مفسد للصيام.

هذا. واما ما يدل على جواز السواك بقول مطلق فهو كثير لا حاجة الى التطويل بنقله.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٨ من ما يمسك عنه الصائم.


الخامس ـ الحجامة مع خوف الضعف ، ويدل على ذلك جملة من الاخبار :

منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن سعيد الأعرج (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يحتجم؟ فقال لا بأس إلا أن يتخوف على نفسه الضعف».

وفي الصحيح عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن الصائم أيحتجم؟ فقال إني أتخوف عليه اما يتخوف على نفسه؟ قلت ما ذا يتخوف عليه؟ قال الغشيان أو تثور به مرة. قلت : أرأيت ان قوى على ذلك ولم يخش شيئا؟ قال نعم ان شاء».

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «لا بأس بأن يحتجم الصائم إلا في رمضان فإني أكره أن يغرر بنفسه إلا أن لا يخاف على نفسه ، وانا إذا أردنا الحجامة في شهر رمضان احتجمنا ليلا». الى غير ذلك من الأخبار التي على هذا النحو.

والأصحاب قد عبروا في هذه المسألة بإخراج الدم المضعف وكأن التعدية الى غير الحجامة من باب تنقيح المناط نظرا الى ظاهر التعليل ، فإنه يقتضي تعدية الحكم الى غيرها من ما سواها في المعنى.

وفي حكمه أيضا دخول الحمام إذا خيف منه الضعف لما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه‌السلام (٤) «انه سئل عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم؟ فقال : لا بأس ما لم يخش ضعفا».

السادس ـ الريحان وهو لغة كل نبت طيب الريح خصوصا النرجس ، وكراهة شم الرياحين من ما ظاهرهم الاتفاق عليه ، قال في المنتهى : وهو قول علمائنا أجمع.

ويدل عليه من الأخبار ما رواه الشيخ عن الحسن بن راشد عن ابى عبد الله

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٦ من ما يمسك عنه الصائم.

(٤) الوسائل الباب ٢٧ من ما يمسك عنه الصائم.


(عليه‌السلام) (١) قال : «الصائم لا يشم الريحان».

وعن الحسن الصيقل عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول؟ فقال : لا ولا يشم الريحان».

وفي رواية أخرى للحسن بن راشد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قلت : «الصائم يشم الريحان؟ قال : لا لأنه لذة ويكره له ان يتلذذ».

وقال الصدوق في الفقيه (٤) : «وكان الصادق عليه‌السلام إذا صام لا يشم الريحان فسئل عن ذلك فقال انى أكره أن أخلط صومي بلذة». ورواه في كتاب العلل مسندا (٥).

وروى الصدوق مرسلا (٦) قال : «سئل الصادق عليه‌السلام عن المحرم يشم الريحان؟ قال لا. قيل والصائم؟ قال لا. قيل يشم الصائم الغالية والدخنة؟ قال نعم. قيل كيف حل له أن يشم الطيب ولا يشم الريحان؟ قال : لان الطيب سنة والريحان بدعة للصائم».

واما ما يدل على تأكد ذلك في النرجس رواية محمد بن الفيض (٧) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ينهى عن النرجس للصائم فقلت : جعلت فداك لم ذلك؟ فقال : انه ريحان الأعاجم».

قال في الكافي (٨) بعد نقل هذه الرواية : وأخبرني بعض أصحابنا ان الأعاجم كانت تشمه إذا صاموا وقال انه يمسك الجوع.

وذكر الشيخ المفيد ان ملوك العجم كان لهم يوم معين يصومونه ويكثرون فيه شم النرجس فنهوا (عليهم‌السلام) عن ذلك خلافا لهم.

والحق العلامة في المنتهى بالنرجس المسك لشدة رائحته ، ولما رواه الشيخ عن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٩) قال : «ان عليا عليه‌السلام كره المسك

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ٣٢ من ما يمسك عنه الصائم.

(٩) الوسائل الباب ٣٢ من ما يمسك عنه الصائم. والشيخ يرويه عن الكليني.


أن يتطيب به الصائم».

واما ما يدل على الجواز فأخبار عديدة : منها ـ ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن ابن الحجاج في الصحيح (١) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصائم يشم الريحان أم لا ترى ذلك له؟ فقال : لا بأس به».

وما رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح عن محمد بن مسلم (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الصائم يشم الريحان والطيب؟ قال لا بأس به».

قال في الكافي (٣) وروى انه لا يشم الريحان لأنه يكره له أن يتلذذ به.

وما رواه الشيخ عن سعد بن سعد (٤) قال : «كتب رجل الى ابى الحسن عليه‌السلام هل يشم الصائم الريحان يتلذذ به؟ فقال عليه‌السلام : لا بأس به».

وعن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «الصائم يدهن بالطيب ويشم الريحان».

والظاهر انه لا خلاف نصا وفتوى في استحباب الطيب للصائم عدا المسك لما تقدم.

ويدل عليه ما رواه في الكافي عن الحسن بن راشد (٦) قال : «كان أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا صام يتطيب بالطيب ويقول الطيب تحفة الصائم». ورواه الصدوق عن الحسن بن راشد مثله (٧).

وروى الصدوق مرسلا (٨) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) من تطيب بطيب أول النهار وهو صائم لم يكد يفقد عقله». ورواه في كتاب ثواب الأعمال مسندا (٩).

والظاهر ان المراد من قوله (عليه‌السلام) «لم يكد يفقد عقله» انه لقوة دماغه لا يسفه على أحد للضعف الحاصل من الصوم.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨ و ٩) الوسائل الباب ٣٢ من ما يمسك عنه الصائم.


وروى في الخصال عن الحسن بن على عليه‌السلام (١) قال : «تحفة الصائم أن يدهن لحيته ويجمر ثوبه وتحفة المرأة الصائمة أن تمشط رأسه وتجمر ثوبها وكان أبو عبد الله الحسين عليه‌السلام إذا صام يتطيب ويقول : الطيب تحفة الصائم». ونحوه ما تقدم في الاخبار المتقدمة.

السابع ـ بل الثوب على الجسد ، ويدل عليه رواية الحسن بن راشد (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الحائض تقضى الصلاة؟ قال لا. قلت تقضى الصوم؟ قال نعم قلت من أين جاء هذا؟ قال ان أول من قاس إبليس. قلت : فالصائم يستنقع في الماء؟ قال نعم. قلت فيبل ثوبا على جسده؟ قال لا. قلت من أين جاء هذا؟ فقال من ذاك».

وعن الحسن الصيقل عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول؟ فقال : لا».

وعن عبد الله بن سنان (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : لا تلزق ثوبك الى جسدك وهو رطب وأنت صائم حتى تعصره».

ومن ما يدل على ان ذلك على جهة الكراهة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «الصائم يستنقع في الماء ويصب على رأسه ويتبرد بالثوب وينضح المروحة وينضح البوريا تحته ولا يغمس رأسه في الماء».

الثامن ـ جلوس المرأة في الماء ، ويدل عليه ما رواه الشيخ عن حنان بن سدير عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «سألته عن الصائم يستنقع في الماء فقال

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٢ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣ من ما يمسك عنه الصائم.

(٥) التهذيب ج ٤ ص ٢٦ وفي الوسائل الباب ٣ من ما يمسك عنه الصائم. وتراجع الاستدراكات.

(٦) التهذيب ج ٤ ص ٢٦٣ الطبع الحديث ، وفي الوسائل الباب ٣ من ما يمسك عنه الصائم. واللفظ «سألت أبا عبد الله (ع) ...» والشيخ يرويه عن الكليني.


لا بأس ولكن لا ينغمس فيه ، والمرأة لا تستنقع في الماء لأنها تحمل الماء بفرجها».

قال في المعتبر : وحنان المذكور واقفي لكن روايته حسنة مشهورة فتحمل على الكراهة كما اختاره الشيخان.

وقال أبو الصلاح : إذا جلست المرأة في الماء الى وسطها لزمها القضاء. ونقل عن ابن البراج انه أوجب الكفارة أيضا بذلك. وهما ضعيفان.

وألحق الشهيد في اللمعة بالمرأة الخنثى والخصى الممسوح لمساواتهما لها في العلة. وفيه تأمل.

التاسع ـ الشعر ولم يذكره أكثر الأصحاب في مكروهات الصيام ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : تكره رواية الشعر للصائم والمحرم وفي الحرم وفي يوم الجمعة وان يروى بالليل. قال قلت : وان كان شعر حق؟ قال وان كان شعر حق».

وبالإسناد عن حماد بن عثمان وغيره عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا ينشد الشعر بالليل ولا ينشد الشعر في شهر رمضان بليل ولا نهار. فقال له إسماعيل : يا أبتاه فإنه فينا قال وان كان فينا». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن حماد مثله (٣) ورواه الصدوق مرسلا عن الصادق (عليه‌السلام) (٤).

أقول : لا يخفى أن بإزاء هذين الخبرين من الأخبار ما هو ظاهر في المدافعة والمناقضة بالنسبة الى ما كان شعر حق من ما كان متضمنا لحكمة أو وعظ أو مدح أهل البيت (عليهم‌السلام) أو رثائهم ، ولهذا ان أصحابنا (رضوان الله عليهم) قد خصوا الكراهة بالنسبة إلى كراهة إنشاد الشعر في المسجد أو يوم الجمعة أو نحو ذلك من الأزمنة الشريفة والبقاع المنيفة بما كان من الإشعار الدنيوية الخارجة عن ما ذكرناه ، وممن صرح بذلك شيخنا الشهيد في الذكرى والشهيد الثاني في جملة من شروحه والمحقق الشيخ على والسيد السند في المدارك.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٣ من آداب الصائم.


ومن الأخبار الظاهرة في ما ذكرناه صحيحة على بن يقطين (١) «انه سأل أبا الحسن (عليه‌السلام) عن إنشاد الشعر في الطواف فقال : ما كان من الشعر لا بأس به فلا بأس به». ومورد الخبر كما ترى في الطواف مع تصريح الخبر الأول بمنع المحرم منه وفي الحرم.

وما رواه الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه‌السلام) (٢) في الصحيح عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من قال فينا بيت شعر بنى الله له بيتا في الجنة».

وروى فيه أيضا (٣) بسنده فيه عنه عليه‌السلام قال : «ما قال فينا قائل بيتا من الشعر حتى يؤيد بروح القدس».

وروى فيه أيضا (٤) عن الحسن بن الجهم قال : «سمعت الرضا (عليه‌السلام) يقول : «ما قال فينا مؤمن شعرا يمدحنا به إلا بنى الله تبارك وتعالى له مدينة في الجنة أوسع من الدنيا سبع مرات يزوره فيها كل ملك مقرب ونبي مرسل». ونحوها ما ورد في مراثي الحسين (عليه‌السلام) (٥).

وهي كما ترى دالة على ان ذلك من أفضل الطاعات وأشرف العبادات.

وقد روى الصدوق أيضا في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة (٦) قال : حدثنا أبي (رحمه‌الله) قال : حدثنا سعد بن عبد الله عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن ابن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر (عليه‌السلام) قال «بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكة إذ أقبل إليه وفد فسلموا عليه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من القوم؟ قالوا وفد بكر بن وائل. قال فهل

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٤ من الطواف ، وهو نقل بالمضمون.

(٢ و ٣ و ٤) ج ١ ص ٧.

(٥) البحار ج ١٠ ص ١٦٦ وسفينة البحار ج ١ ص ٥٠٩.

(٦) ص ٩٩ و ١٠٠.


عندكم علم من خبر قس بن ساعدة الأيادي؟ قالوا بلى يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال فما فعل؟ قالوا مات. ثم ساق الحديث الى ان قال : ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رحم الله قسا يحشر يوم القيامة أمة واحدة ، ثم قال : هل فيكم أحد يحسن من شعره شيئا؟ قال بعضهم سمعته يقول :

في الأولين الذاهبين

من القرون لنا بصائر

لما رأيت مواردا

للموت ليس لها مصادر

ورأيت قومي نحوها

تمضى الأصاغر والأكابر

لا يرجع الماضي الى

ولا من الباقين غابر

أيقنت انى لا محالة

حيث صار القوم صائر. الحديث.

فانظر الى هذا الخبر فإنه مع صحته صريح في جواز إنشاد شعر هذا الحكيم بين يديه صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد الحرام وأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك.

وروى أمين الإسلام الشيخ أبو على الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي في كتاب الآداب الدينية للخزانة المعينية (١) عن خلف بن حماد قال : «قلت للرضا عليه‌السلام ان أصحابنا يروون عن آبائك (عليهم‌السلام) ان الشعر ليلة الجمعة ويوم الجمعة وفي شهر رمضان وفي الليل مكروه وقد هممت أن أرثي أبا الحسن (عليه‌السلام) وهذا شهر رمضان فقال إرث أبا الحسن (عليه‌السلام) في ليالي الجمع وفي شهر رمضان وفي سائر الأيام فإن الله عزوجل يكافئك على ذلك».

وبالجملة فالظاهر هو تخصيص الكراهة في جميع ما ورد فيه كراهة إنشاد الشعر من زمان شريف أو مكان منيف بما ذكرناه آنفا ، ولا يبعد عندي حمل المبالغة في الخبرين المتقدمين على التقية.

العاشر ـ في جمل من المنهيات التي وردت بها الأخبار وان لم يذكرها أصحابنا (رضوان الله عليهم) في هذا المقام ، وقد تقدم جملة منها في الفائدة

__________________

(١) ارجع الى الاستدراكات في آخر الكتاب.


السادسة من الفوائد المذكورة في صدر الكتاب :

ومنها ايضا ـ الجدال والجهل والحلف لما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضيل ابن يسار عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا صام أحدكم الثلاثة الأيام في الشهر فلا يجادلن أحدا ولا يجهل ولا يسرع الى الايمان والحلف بالله وان جهل عليه أحد فليتحمل». ورواه الكليني والصدوق مثله (٢).

المطلب الثالث ـ في من يصح منه ومن لا يصح وفيه مسائل الأولى ـ إنما يجب الصيام لو كان واجبا ويصح مطلقا من المكلف المسلم غير المتضرر به الطاهر من الحيض والنفاس ، فلا يجب ولا يصح من الصبي ولا المجنون ولا المغمى عليه ولا الكافر ولا الحائض ولا النفساء ولا المريض.

اما انه لا يجب ولا يصح من الصبي ولا المجنون فهو من ما لا خلاف فيه نصا وفتوى ، لأن التكليف يسقط مع عدم العقل ، وقد نقل عن العلامة وغيره ان الجنون إذا عرض في أثناء النهار لحظة واحدة أبطل صوم ذلك اليوم ، ونقل عن الشيخ انه ساوى بينه وبين الإغماء في الصحة مع سبق النية ، قال في المدارك : ولا يخلو من قرب. والمسألة غير منصوصة والاحتياط في الوقوف على الأول.

واما انه لا يجب على الكافر فهو الظاهر عند جملة من محدثي متأخري المتأخرين وهو الظاهر عندي ، خلافا للمشهور من أن الكافر مخاطب بالفروع وان لم تصح منه إلا بالإسلام ، ومرجعه الى أن الإسلام عندهم شرط في الصحة لا في الوجوب.

والمفهوم من الاخبار كما قدمنا تحقيقه في باب غسل الجنابة انه شرط في الوجوب.

ومن الأخبار الدالة على اشتراط الإسلام ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٢ من آداب الصائم.


عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) «انه سئل عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان ما عليه من صيامه؟ قال ليس عليه إلا ما أسلم فيه». وزاد في الفقيه (٢) «وليس عليه أن يقضى ما قد مضى منه».

وما رواه في الكافي عن مسعدة بن صدقة عن أبى عبد الله عن آبائه (عليهم‌السلام) (٣) «ان عليا عليه‌السلام كان يقول في رجل أسلم في نصف شهر رمضان انه ليس عليه إلا ما يستقبل».

وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح من بعضهم عن العيص بن القاسم (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام هل عليهم أن يقضوا ما مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ فقال ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه إلا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر».

واما ما رواه الشيخ في التهذيب عن الحلبي (٥) ـ قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أسلم بعد ما دخل في شهر رمضان أياما؟ فقال ليقض ما فاته». ـ

فقد حمله الشيخ على ما إذا فاته بعد الإسلام لعارض من مرض أو جهل بالوجوب أو غير ذلك ، وحمله بعضهم على الاستحباب.

وكما دلت هذه الأخبار على سقوط الأداء دلت على سقوط القضاء ايضا. نعم ذهب الشيخ (قدس‌سره) في المبسوط على ما نقل عنه إلى انه متى أسلم قبل الزوال يصوم وان تركه قضاه وجوبا ، وقواه المحقق في المعتبر لإطلاق الأمر بالصوم وبقاء وقت النية على وجه يسرى حكمها إلى أول النهار كالمريض والمسافر. وظاهر

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٢ من أحكام شهر رمضان ، والراوي في الفروع والتهذيب هو الحلبي وفي الفقيه ج ٢ ص ٨٠ هكذا : «سئل الصادق ع» وقال في الوسائل : «ورواه الصدوق مرسلا» ويمكن أن يكون وصف الطريق بالصحة في رواية الصدوق بلحاظ ان نسبة السؤال والجواب اليه (ع) يكشف عن وصوله اليه بطريق صحيح.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٢ من أحكام شهر رمضان.


صحيحة العيص المتقدمة يرده حيث قيد القضاء بالإسلام قبل الفجر.

واما انه لا يصح من المغمى عليه فهو المشهور بين الأصحاب لتصريحهم بأنه يفسد بحصول الإغماء في جزء من اجزاء النهار كالجنون ، وقال الشيخ المفيد في المقنعة : فإن استهل الشهر عليه وهو يعقل فنوى صيامه وعزم عليه ثم أغمي عليه وقد صام شيئا منه أو لم يصم ثم أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه لأنه في حكم الصائم بالنية والعزيمة على أداء الفرض. ونحوه قال الشيخ في الخلاف.

احتج العلامة في المنتهى على ما اختاره من القول المشهور بأنه بزوال عقله يسقط التكليف عنه وجوبا وندبا فلا يصح منه الصوم مع سقوطه ، وبان كل ما أفسد الصوم إذا وجد في جميعه أفسده إذا وجد في بعضه كالجنون والحيض ، وبان سقوط القضاء يستلزم سقوط الأداء في الصوم والأول ثابت على ما يأتي فيتحقق الثاني.

ولا يخفى ما في هذه الأدلة من الوهن وعدم الصلوح لابتناء الأحكام الشرعية لو كانت صحيحة فكيف ووجوه الطعن عليها متجهة.

اما الأول فبالمنع من الملازمة فإن النائم غير مكلف قطعا مع ان صومه لا يفسد بذلك إجماعا.

واما الثاني فبالمنع من كون الإغماء في جميع النهار مفسدا للصوم مع سبق النية بل ذلك محل النزاع فكيف يجعل دليلا؟

واما الثالث فبان سقوط القضاء يجامع صحة الأداء وفساده كما ان وجوبه يجامع وجوب الأداء وعدمه ، لأنه فرض مستأنف منفك عن الأداء فيتوقف على الدليل وينتفي بانتفائه ، وحينئذ فلا يكون في سقوط القضاء دلالة على سقوط الأداء.

والحق انه مع قيام الأدلة كما سيأتي ان شاء الله تعالى في المقام على سقوط القضاء عن المغمى عليه مطلقا فالنزاع في صحة صومه هنا وبطلانه مع تقديم النية لا ثمرة


فيه إلا باعتبار ترتب الثواب عليه عند الله تعالى وعدمه ، فان قلنا بأن الإغماء لا يبطله في صورة تقديم النية كان مستحقا للثواب عليه وان قلنا بالإبطال فلا ثواب وحينئذ فليس في النزاع هنا كثير فائدة. والله سبحانه العالم بصحته أو بطلانه يعامله بما علم من ذلك.

قيل : والحق ان الصوم ان كان عبارة عن مجرد الإمساك عن الأمور المخصوصة مع النية كما هو المستفاد من العمومات وجب الحكم بصحة صوم المغمى عليه إذا سبقت منه النية كما اختاره الشيخان ، وان اعتبر مع ذلك وقوعه بجميع اجزائه على وجه الوجوب أو الندب بحيث يكون كل جزء من أجزائه موصوفا بذلك اتجه القول بفساد ذلك الجزء الواقع في حال الإغماء ، لأنه لا يوصف بوجوب ولا ندب ويلزم من فساده فساد الكل لأن الصوم لا يتبعض. إلا ان ذلك منفي بالأصل ومنقوض بالنائم فإنه غير مكلف قطعا مع ان صومه لا يفسد بذلك إجماعا. كذا ذكره السيد السند في المدارك أقول : لقائل أن يختار الشق الأخير وهو أن يعتبر مع ذلك وقوعه بجميع أجزائه على وجه الوجوب أو الندب لكن لا مطلقا بل مع الإمكان فلا ينافيه حصول الغفلة أو النسيان عن ذلك ولا الإغماء ولا النوم ويصير حكم الإغماء كهذه الأشياء المذكورة ، وحينئذ فيمكن الحكم بالصحة في موضع البحث. وسيأتي في كلامه (قدس‌سره) في مسألة النوم ما يؤيد ما قلناه هنا.

واما انه لا يجب على الحائض والنفساء ولا يصح منهما سواء حصل العذر قبل الغروب أو انقطع بعد الفجر فهو موضع وفاق بين الأصحاب كما ذكروه.

ويدل عليه روايات : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم البجليّ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن امرأة طمثت في شهر رمضان قبل ان تغيب الشمس؟ قال : تفطر حين تطمث».

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٣٩٣ الطبع الحديث وفي الوسائل الباب ٢٥ ممن يصح منه الصوم.


وفي الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو كان العشاء حاضت أتفطر؟ قال نعم وان كان وقت المغرب فلتفطر. قال : وسألته عن امرأة رأت الطهر في أول النهار في شهر رمضان فتغتسل ولم تطعم كيف تصنع في ذلك اليوم؟ قال : تفطر ذلك اليوم فإنما إفطارها من الدم».

وما رواه ابن بابويه عن أبى الصباح الكناني عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو كان العشاء حاضت انفطر؟ قال : نعم وان كان قبل المغرب فلتفطر. وعن امرأة ترى الطهر في أول النهار من شهر رمضان ولم تغتسل ولم تطعم شيئا كيف تصنع بذلك اليوم؟ قال : إنما فطرها من الدم».

وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٣) «انه سأل أبا الحسن عليه‌السلام عن المرأة تلد بعد العصر أتتم ذلك اليوم أم تفطر؟ فقال : تفطر ثم تقضى ذلك اليوم».

واما انه لا يصح من المريض مع التضرر به فهو من ما لا خلاف فيه نصا وفتوى في ما أعلم ، ويتحقق الضرر الموجب للإفطار بزيادة المرض بسبب الصوم أو بطوء البرء أو حصول المشقة التي لا يتحمل مثلها عادة أو حدوث مرض آخر والمرجع في ذلك كله الى الظن الغالب سواء استند إلى امارة أو تجربة أو قول عارف وان لم يكن عدلا.

ويدل على وجوب الإفطار في هذه المسألة قوله عزوجل : «وَمَنْ كانَ مَرِيضاً ... الآية» (٤).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن حريز عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٥) قال :

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ ممن يصح منه الصوم والشيخ برؤية عن الكليني.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٩٤ وفي الوسائل الباب ٢٥ ممن يصح منه الصوم.

(٣) الوسائل الباب ٢٦ ممن يصح منه الصوم.

(٤) سورة البقرة الآية ١٨٢.

(٥) الوسائل الباب ١٩ و ٢٠ ممن يصح منه الصوم.


«الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر. وقال : كل ما أضربه الصوم فالإفطار له واجب».

وفي الصحيح عن بكر بن محمد الأزدي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سأله ابى وأنا أسمع عن حد المرض الذي يترك الإنسان فيه الصوم؟ قال : إذا لم يستطع أن يتسحر».

وفي الموثق عن ابن بكير عن زرارة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ما حد المرض الذي يفطر فيه الرجل ويدع الصلاة من قيام؟ فقال : بل الإنسان على نفسه بصيرة (٣) هو أعلم بما يطيقه».

وفي الموثق عن سماعة (٤) قال : «سألته ما حد المرض الذي يجب على صاحبه فيه الإفطار كما يجب عليه في السفر «مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ»؟ قال : هو مؤتمن عليه مفوض إليه فإن وجد ضعفا فليفطر وان وجد قوة فليصمه كان المرض ما كان».

وفي الصحيح عن جميل بن دراج عن الوليد بن صبيح (٥) قال : «حممت بالمدينة في شهر رمضان فبعث الي أبو عبد الله عليه‌السلام بقصعة فيها خل وزيت وقال : أفطر وصل وأنت قاعد».

وما رواه في الكافي والفقيه عن سليمان بن عمرو عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٦)

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ ممن يصح منه الصوم.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٨٣ وفي الوسائل الباب ٢٠ ممن يصح منه الصوم.

(٣) قال الله تعالى في سورة القيامة الآية ١٥ (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ).

(٤) الوسائل الباب ٢٠ ممن يصح منه الصوم. والرواية للكليني في الفروع ج ١ ص ١٩٥ ويرويها الشيخ عنه في التهذيب ج ٤ ص ٢٥٦ من الطبع الحديث.

(٥) الوسائل الباب ١٨ ممن يصح منه الصوم.

(٦) الوسائل الباب ١٩ ممن يصح منه الصوم.


قال : «اشتكت أم سلمة عينها في شهر رمضان فأمرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تفطر وقال عشاء الليل لعينك ردى».

وروى في الفقيه مرسلا (١) قال : وقال عليه‌السلام : «كل ما أضر به الصوم فالإفطار له واجب».

واما ما رواه الشيخ في التهذيب عن عقبة بن خالد عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) ـ «في رجل صام شهر رمضان وهو مريض؟ قال يتم صومه ولا يعيد». ـ فحمله في التهذيب على مرض لا يضر معه الصوم غير بالغ الى حد وجوب الإفطار.

تفريعان

الأول ـ قال العلامة في المنتهى : الصحيح الذي يخشى المرض بالصيام هل يباح له الإفطار؟ فيه تردد ينشأ من وجوب الصوم بالعموم وسلامته عن معارضة المرض ، ومن كون المريض إنما أبيح له الفطر لأجل الضرر به وهو حاصل هنا لأن الخوف من تجدد المرض في معنى الخوف من زيادته وتطاوله. انتهى.

ويمكن ترجيح الوجه الثاني بعموم قوله عزوجل (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٣) وبقوله (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (٤) وقوله عليه‌السلام في صحيحة حريز المتقدمة ورواية الفقيه (٥) «كل ما أضر به الصوم فالإفطار له واجب».

ويؤيده أيضا ان أصل المرض مع عدم بلوغه حد الإضرار لا يكون مبيحا

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ ممن يصح منه الصوم. وهو عين ما تقدم في ذيل صحيح حريز وليس حديثا غيره.

(٢) الوسائل الباب ٢٢ ممن يصح منه الصوم.

(٣) سورة الحج الآية ٧٨.

(٤) سورة البقرة الآية ١٨٢.

(٥) ظاهره (قدس‌سره) ان هذا اللفظ أورده الصدوق في الفقيه بطريقين مع ان الأمر ليس كذلك فان ما ذكره في ذيل صحيحة حريز هو الذي ذكره بنحو الإرسال كما تقدم.


للإفطار وإنما يبيح الإفطار خوف التضرر بزيادته أو نحوها من ما قدمناه ، فاصل المرض والصحيح الذي ليس بمريض بالكلية أمر واحد ، وبالجملة فإن أصل المرض لا مدخل له حتى يتجه ما ذكره من وجوب الصوم بالعموم وسلامته من معارضة المرض ، فإن الذي أوجب الإفطار إنما هو المتجدد بالصيام فهذا هو المعارض وهو هنا حاصل.

الثاني ـ لو صح من مرضه قبل الزوال ولم يتناول شيئا وجب عليه الصوم وان كان بعد الزوال أو كان تناول شيئا استحب له الإمساك تأديبا على المشهور ، ونقل عن الشيخ المفيد الوجوب أيضا وان وجب عليه القضاء.

اما وجوب الصوم في الصورة الأولى فاستدل عليه العلامة في المنتهى والتذكرة وقبله المحقق في المعتبر بأنه قبل الزوال يتمكن من أداء الواجب على وجه تؤثر النية في ابتدائه فوجب. ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من الوهن والاختلال وقال في المدارك : ويدل عليه فحوى ما دل على ثبوت ذلك في المسافر فان المريض أعذر منه. وفيه ما عرفت في ما تقدم في بحث النية.

وبالجملة فحيث كانت المسألة عارية من النص في هذا المجال فهي لا تخلو من الاشكال.

واما عدم الوجوب في الصورة الثانية فاما في صورة التناول فلا اشكال فيه لبطلان الصوم بذلك ، واما في صورة ما بعد الزوال فعللوه بفوات وقت النية ، وهو محل إشكال أيضا فإنه قد تقدم النقل عن ابن الجنيد القول بجواز تجديد النية ولو بعد الزوال ، وعليه تدل ظواهر جملة من الأخبار المتقدمة ثمة.

وبالجملة فإن المسألة في كل من الطرفين غير خالية من شوب الاشكال.

احتج الشيخ المفيد على ما نقل عنه من وجوب الإمساك وان أفطر بأنه وقت يجب فيه الإمساك على غير المريض والتقدير برؤه فيه.

وأجاب عنه في المختلف بأنه إنما يجب الإمساك على الصحيح لوجوب صوم


ابتدأ به اما على تقدير عدمه فلا.

الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف في أن النائم إذا سبقت منه النية وان استمر نومه في جميع النهار فان صومه صحيح لتحقق الصوم الذي هو عبارة عن الإمساك عن تعمد المفطر مع النية.

ويدل عليه الأخبار الكثيرة ومنها ـ ما رواه الكليني بسنده عن الحسن بن صدقة (١) قال : «قال أبو الحسن عليه‌السلام قيلوا فان الله يطعم الصائم ويسقيه في منامه». ورواه الصدوق مرسلا (٢) وفي ثواب الأعمال مسندا (٣).

وروى الشيخ المفيد في المقنعة (٤) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نوم الصائم عبادة ونفسه تسبيح». قال : وقال الصادق عليه‌السلام (٥) «الصائم في عبادة وان كان نائما على فراشه ما لم يغتب مسلما». ورواه الشيخ مرسلا (٦) ورواهما الصدوق (٧)

وقال ابن إدريس ان النائم غير مكلف بالصوم وليس صومه شرعيا. وغلطه العلامة في المختلف قال : لأنه بحكم الصائم ولا تسقط عنه التكاليف بنومه لزوال عذره سريعا. انتهى.

قيل : ومراد ابن إدريس ان الإمساك في حال النوم لا يوصف بوجوب ولا ندب ولا يوصف بالصحة لكنه بحكم الصحيح في استحقاق الثواب عليه للإجماع

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢ من آداب الصائم.

(٤) الوسائل الباب ٢ من آداب الصائم ، وهو يرويه عن الصادق (ع) عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) راجع المقنعة ص ٤٩ ورواه الكليني في الفروع ج ١ ص ١٨٠ والشيخ في التهذيب ج ٤ ص ١٩٠.

(٥) الوسائل الباب ٢ من آداب الصائم ، وهو كسابقه يرويه عن الصادق «ع» عن رسول الله «ص».

(٦) الوسائل الباب ٢ من آداب الصائم ، وقد رواه وما قبله كما تقدم عن الكليني راجع الفروع ج ١ ص ١٨٠ والتهذيب ج ٤ ص ١٩٠.

(٧) الوسائل الباب ٢ من آداب الصائم.


القطعي على ان النوم لا يبطل الصوم.

أقول : فيه أولا ـ انه لا يخفى بعد انطباق كلام ابن إدريس على هذا المذكور وثانيا ـ ان ما ادعاه من أن صوم النائم لا يوصف بالصحة وإنما هو بحكم الصحيح مبنى على تعريفهم الصوم بما ذكروه من أنه الإمساك عن تعمد الإفطار مع النية ، وهذا التعريف مجرد اصطلاح منهم (رضوان الله عليهم) ولا أثر له في النصوص ، ومن الجائز بناء على هذا التعريف أيضا اختصاص ذلك بغير الغافل والساهي والنائم والمغمى عليه ونحوهم وهذا التعريف خرج بناء على الغالب المتكثر فلا منافاة.

قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك انه لا يعرف خلافا ممن يعتد به من العامة (١) والخاصة في أن النوم غير مبطل للصوم ولا مانع منه ، ولانه لو أبطله لحرم النوم على الصائم اختيارا حيث يجب المضي فيه وهو خلاف الإجماع والنصوص الدالة على إباحته بل المجازاة عليه في الآخرة كما روى ان نوم الصائم عبادة ونفسه تسبيح (٢). ونقل عن ابن إدريس ان النائم غير مكلف بالصوم وليس صومه شرعيا وقد عرفت فساده. ثم قال (فان قيل) النائم غير مكلف لانه غافل ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) «رفع القلم عن ثلاثة ...». وعد منهم النائم حتى يستيقظ ، وقد أطبق المحققون في الأصول على استحالة تكليفه وذلك يقتضي عدم وقوع الجزء الحاصل وقت النوم شرعيا لأنه غير مكلف به ، ويلحقه باقي النهار لأن الصوم لا يقبل التجزئة في اليوم الواحد ، وهذا يؤيد ما ذكره ابن إدريس بل يقتضي عدم جواز النوم اختيارا على الوجه المذكور (قلنا) تكليف النائم والغافل وغيرهما ممن يفقد شروط التكليف قد ينظر فيه من حيث الابتداء بمعنى توجه الخطاب الى المكلف بالفعل وأمره بإيقاعه على الوجه المأمور به بعد الخطاب ، وقد ينظر فيه من حيث

__________________

(١) راجع المغني ج ٣ ص ٩٨ والمجموع ج ٦ ص ٣٤٥.

(٢) ص ١٧٣.

(٣) الوسائل الباب ٤ من مقدمة العبادات وسنن البيهقي ج ٨ ص ٢٦٤.


الاستدامة بمعنى انه لو شرع في الفعل قبل النوم والغفلة وغيرهما ثم عرض له ذلك في الأثناء ، والقسم الأول لا إشكال في امتناع التكليف به عند المانع من تكليف ما لا يطاق من غير فرق بين أنواع الغفلة ، وهذا هو المعنى الذي أطلق الأكثر من الأصوليين وغيرهم امتناعه كما يرشد الى ذلك دليلهم عليه وان أطلقوا الكلام فيه ، لأنهم احتجوا عليه بان الإتيان بالفعل المعين لغرض امتثال الأمر يقتضي العلم به المستلزم للعلم بتوجه الأمر ونحوه ، فان هذا الدليل غير قائم في أثناء العبادة في كثير من الموارد إجماعا إذ لا تتوقف صحتها على توجه الذهن إليها فضلا عن إيقاعها على الوجه المطلوب كما سنبينه. واما الثاني فالعارض قد يكون مخرجا عن أهلية الخطاب والتهيؤ له أصلا كالجنون والإغماء على أصح القولين وهذا يمنع استدامة التكليف كما يمنع ابتداءه ، وقد لا يخرج عن ذلك كالنوم والسهو والنسيان مع بقاء التعقل ، وهذه المعاني وان منعت من ابتداء التكليف بالفعل لكن لا تمنع من استدامته إذا وقع على وجهه. انتهى.

واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بأنه غير جيد فان كلام الأصوليين مطلق في امتناع تكليف الغافل ، وكذا الدليل الذي عولت عليه الإمامية في امتناع ذلك من كونه قبيحا عقلا لجريانه مجرى تكليف البهائم والجمادات صريح في سقوط التكاليف كلها عنه وكذا حديث رفع القلم. وبالجملة فالمستفاد من الأدلة العقلية والنقلية عدم تكليف الغافل بوجه وانه لا فرق بين المجنون والمغمى عليه والنائم في ذلك ، لاشتراك الجميع في تحقق الغفلة المقتضية لقبح التكليف معها سواء في ذلك الابتداء والاستدامة. على ان اللازم من كون النائم مكلفا بالاستدامة كونه آثما بالإخلال بها وهو باطل ضرورة. وكيف كان فلا ضرورة الى ما ارتكبه الشارح (قدس‌سره) من التكلف في هذا المقام بعد ثبوت عدم منافاة النوم للصوم بالنص والإجماع. انتهى.

أقول : الظاهر ان ما ذكره (قدس‌سره) في الإيراد على جده (طاب ثراه)


لا يخلو من شي‌ء ، وذلك فان مبنى كلام جده بالنسبة إلى القسم الثاني وهو عروض هذه الأشياء في الاستدامة على الفرق بين ما يبطل به الصيام ـ من الجنون والسكر ونحوهما الإغماء على ما اختاره من حيث انها مزيلة للعقل كما صرح به جده في صدر كلامه في الكتاب المذكور ، وكل ما كان مزيلا للعقل عندهم فهو مخرج عن أهلية التكليف ومبطل للعبادة ـ وبين ما لا يبطل به من النوم والسهو والنسيان فإنها غير مزيلة للعقل وإنما تغطى الحواس الظاهرة وتعطلها وتبطل التمييز والعقل معها باق على حاله ، فهذه ان عرضت في الابتداء فلا إشكال عنده كما ذكره في حصول العذر بها لامتناع التكليف بالفعل من حيث الغفلة والخطاب لا يتوجه الى الغافل لامتناع تكليفه لأنه من باب تكليف ما لا يطاق وهو منفي عقلا ونقلا ، وان عرضت بعد أن انعقد الفعل وصح فلا وجه لبطلان الفعل إذ الإبطال في الصورة السابقة إنما هو من حيث زوال العقل والحال ان العقل هنا موجود ، وليس هنا إلا توهم وجوب الاستدامة والاستدامة الفعلية منفية إجماعا بل الحكمية في الصوم على ما صرح به السيد وجده في ما تقدم ، فلا موجب لبطلان الصوم بعد الحكم بصحته أولا.

واما ما ذكروه من ما قدمنا نقله عنهم قريبا ـ من أنه يجب نية الوجوب أو الندب في كل جزء جزء من نهار الصوم ، وهنا يمتنع تكليفه بذلك من حيث الغفلة لامتناع تكليف الغافل فيبطل هذا الجزء من اليوم ويبطل بذلك بقية اليوم لأن الصوم لا يتبعض ـ فلم يقم عليه دليل ، وحينئذ فيكون صومه حال النوم والنسيان بعد انعقاده بالنية السابقة صحيحا والقول ببطلانه يتوقف على الدليل وليس فليس.

الثالثة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه يستحب تمرين الصبي على الصوم قبل البلوغ ، قال الشيخ في النهاية : ويستحب ان يؤخذ الصبيان بالصيام إذا أطاقوه وبلغوا تسع سنين وان لم يكن واجبا عليهم ولم يتعرض لما قبل التسع وظاهره ان مبدأ الأمر لهم بذلك كمال التسع ، ونقل عنه في المختلف انه قال في المبسوط ان مبدأ ذلك بعد تمام سبع سنين ، وعن الشيخ المفيد انه يؤخذ بالصيام


إذا بلغ الحلم أو قدر على صيام ثلاثة أيام متتابعات قبل أن يبلغ الحلم ، بذلك جاءت الآثار. وقال ابن الجنيد يستحب أن يعود الصبيان وان لم يبلغوا الصيام ويؤخذوا إذا أطاقوا صيام ثلاثة أيام تباعا. وعن ابني بابويه يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام الى ذلك الوقت وإذا غلب عليه الجوع والعطش أفطر ، وإذا صام ثلاثة أيام ولاء أخذ بصوم الشهر كله. واستقرب في المختلف ما ذهب إليه في المبسوط.

أقول : والظاهر ان السبب في اختلاف هذه الأقوال هو اختلاف الأخبار الواردة في هذه المسألة :

ومنها ـ صحيحة الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «إنا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بنى سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم ما كان الى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقل فإذا غلبهم العطش والغرث أفطروا حتى يتعودوا الصوم ويطيقوه ، فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين بما أطاقوا من صيام فإذا غلبهم العطش أفطروا». أقول : والغرث بالغين المعجمة والراء المهملة والثاء المثلثة : الجوع.

وروى هذا الخبر في الفقيه أيضا مرسلا عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢).

وروى فيه أيضا مرسلا (٣) قال : «قال الصادق عليه‌السلام الصبي يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام الى ذلك الوقت فإذا غلب عليه الجوع والعطش أفطر».

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ ممن يصح منه الصوم. واللفظ فيه مطابق لما ورد في الوافي باب (صيام الصبيان ومتى يؤخذون به وفيه هكذا : «إذا كانوا في سبع سنين» وحيث ان الوارد في غيره من كتب الحديث «بنى سبع» أوردناه كذلك.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٩ ممن يصح منه الصوم.


وروى في الكافي والتهذيب عن السكوني عن أبى عبد الله عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) (١) قال : «الصبي إذا أطاق أن يصوم ثلاثة أيام متتابعة فقد وجب عليه صيام شهر رمضان».

وروى في الكافي والفقيه في الموثق عن سماعة (٢) قال : «سألته عن الصبي متى يصوم؟ قال : إذا قوى على الصيام».

وروى في التهذيب عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) «انه سئل عن الصبي متى يصوم؟ قال : إذا أطاقه».

وروى الثلاثة في كتبهم الثلاثة في الصحيح عن معاوية بن وهب (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ قال : ما بينه وبين خمس عشرة وأربع عشرة سنة فان هو صام قبل ذلك فدعه ، ولقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته».

قال في الفقيه : وهذه الأخبار كلها متفقة المعاني يؤخذ الصبي بالصيام إذا بلغ تسع سنين إلى أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة والى الاحتلام ، وكذلك المرأة إلى الحيض. ووجوب الصيام عليهما بعد الاحتلام والحيض وما قبل ذلك تأديب. انتهى.

أقول : ولعل من جعل التمرين بعد السبع أخذ بصدر صحيحة الحلبي ومن ناطه بالتسع أخذ بعجزها مع المرسلة المنقولة عن الفقيه ، ولعله الأظهر لكثرة الأخبار به زيادة على ما نقلناه ، ولدلالة صحيحة الحلبي على ان الأمر بعد السبع إنما هو لأولادهم (عليهم‌السلام) والذي أمروا به شيعتهم إنما هو بعد التسع ، ومن

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ ممن يصح منه الصوم ، وقد رواه في الفروع ج ١ ص ١٩٧ عن ابى عبد الله «ع» وفي التهذيب ج ٤ ص ٢٨١ الطبع الحديث عن ابى عبد الله عن أبيه عن على «ع» وص ٣٢٦ عن ابى عبد الله عن أبيه «ع» وفي الفقيه ج ٢ ص ٧٦ عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق «ع» واللفظ هنا مطابق لما ورد ص ٢٨١ من التهذيب.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٩ ممن يصح منه الصوم.


قيد بصيام ثلاثة أيام متتابعة أخذ برواية السكوني.

واما ما نقله في المختلف عن ابني بابويه فهو عين عبارة كتاب الفقه الرضوي حيث قال عليه‌السلام (١) : واعلم ان الغلام يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام الى ذلك الوقت ، فان غلب عليه الجوع والعطش أفطر ، وإذا صام ثلاثة أيام ولاء يأخذه بصيام الشهر كله. انتهى.

واما ما ذكره المحقق في الشرائع ـ من انه يمرن الصبي والصبية على الصوم قبل البلوغ ويشدد عليهما لسبع مع الطاقة ـ

فلم نقف له على دليل والروايات كما عرفت منها ما دل على السبع أو التسع أو القدرة على ثلاثة أيام متواليات أو الإطاقة والقوة على الصيام ، والذي يتلخص من الجمع بينها وضم بعضها الى بعض هو ان مراتب الأطفال في القوة والضعف والإطاقة وعدمها متفاوتة وبلوغ التسع أعلى المراتب بمعنى إمكان ذلك وتيسره من الجميع ، واما ما قبلها فالمراتب فيه متفاوتة فبعض يكلف قبل السبع لاطاقته ذلك وبعض بوصولها وبعض بعدها وهكذا.

وما صرحت به رواية السكوني من الوجوب فهو محمول على تأكد الاستحباب للإجماع نصا وفتوى على اناطة الوجوب الشرعي بالبلوغ ، ومن المحتمل قريبا حمل الخبر المذكور على التقية فإنه منقول عن أحمد محتجا بما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) قال : «إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام شهر رمضان».

ثم لا يخفى ان مورد الأخبار المتقدمة إنما هو الصبي خاصة والأصحاب قد

__________________

(١) ص ٢٥.

(٢) الإنصاف ج ٣ ص ٢٨١ ، وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني ج ٣ ص ١٥٤ بعد ان ذكر عدم الوجوب حتى يبلغ : وذهب بعض أصحابنا إلى إيجابه على الغلام المطيق له إذا بلغ عشرا لما روى. ثم نقل الرواية المذكورة في المتن وقال بعد ذلك : والمذهب الأول واستدل لذلك بحديث رفع القلم. وارجع الى نيل الأوطار ج ٤ ص ٢١١.


عمموا الحكم في الصبي والصبية فذكروهما معا ، وعللوه بأن المقتضي في الصبي موجود في الصبية. ولا يخلو من توقف إذ من الجائز اختصاص الحكم بالصبي خاصة كما لا يخفى.

واما البحث في كون صوم الصبي هنا شرعيا يستحق عليه الثواب أو تمرينيا فقد تقدم الكلام فيه في الموضع العاشر (١) من المطلب الأول.

بقي هنا شي‌ء وهو انه نقل في المختلف عن الشيخ في الخلاف انه قال : الصبي إذا نوى الصوم ثم بلغ في الأثناء وجب عليه الإمساك. ونقل عنه انه قال في كتاب الصلاة منه : إذا دخل في الصوم ثم بلغ أمسك بقية النهار تأديبا وليس عليه قضاء. ثم قال في المختلف : والوجه هو الثاني وهو اختيار ابن الجنيد وابن إدريس ، لنا ـ ان الصوم عبادة لا تقبل التجزئة وهو في أول النهار لم يكن مكلفا به فلا يقع التكليف به في باقيه.

احتج بأنه بالغ مكلف يصح منه الصوم وقد انعقد صومه شرعا في أول النهار فيجب عليه إتمامه. والجواب المنع من شرعية صومه وانعقاده. انتهى.

أقول : قد صرح جملة من الأصحاب بان من فروع الخلاف في صوم الصبي بأنه تمريني أو شرعي الاتصاف بالصحة والبطلان فيتصف على الثاني دون الأول ، وترتب الثواب وعدمه فيترتب على الثاني دون الأول ، والاجتزاء به لو بلغ في أثناء النهار فإنه ينوي الوجوب ويصح صومه على الثاني دون الأول.

والظاهر ان الشيخ في كتاب صوم الخلاف إنما صرح بوجوب الإمساك بناء على كون الصوم عنده شرعيا والعلامة لما كان مذهبه في المختلف انه تمريني ادعى منافاة أول اليوم لآخره وادعى انه في الأول غير مكلف فلا يقع التكليف به في باقيه. وفيه نظر قد أوضحناه في ما تقدم في الموضع المشار اليه آنفا ، مع انه في المنتهى اختار كون صومه صحيحا شرعيا فقال : ولا خلاف بين أهل العلم في شرعية ذلك. الى أن قال : فكان صومه ثابتا في نظر الشرع ، وإذا ثبت ذلك فان صومه

__________________

(١) ص ٥٣ الموضع الحادي عشر.


صحيح شرعي ونيته صحيحة وينوي الندب لأنه الوجه الذي يقع عليه فعله فلا ينوي غيره. ثم نقل عن أبي حنيفة انه ليس بشرعي وإنما هو إمساك عن المفطرات للتأديب (١) قال : وفيه قوة.

وبالجملة فالأحوط في صورة البلوغ في أثناء اليوم لو كان صائما انه يتمه وجوبا وكذا في الصلاة ثم يأتي بهما بعد ذلك أيضا أداء أو قضاء.

الرابعة ـ البلوغ الذي يترتب عليه التكليف وجوبا بالصوم وغيره إنما يعلم بإنبات الشعر الخشن على العانة أو خروج المنى كيف كان يقظة أو نوما بجماع أو غير جماع ـ وهذا من ما يشترك فيه الذكور والإناث ـ والحيض أو الحبل بالنسبة الى النساء ، إلا ان هذين في الحقيقة إنما هما دليلان على سبق البلوغ وحصوله ، وقيل في الإنبات انه كذلك أيضا ، وقيل انه بنفسه دليل على البلوغ كالمني ـ والسن وبلوغ التسع بمعنى كمالها في الأنثى على المشهور ، ونقل عن الشيخ في كتاب الصوم من المبسوط بلوغ العشر مع انه في كتاب الحجر من الكتاب المذكور وافق المشهور ، وكذا نقل القول بالعشر عن ابن حمزة ، والخمس عشرة كذلك في الذكر على المشهور ، وعن ابن الجنيد بلوغ أربع عشرة سنة كما نقله عنه في المختلف ونقل عنه في المهذب انه من ثلاثة عشر إلى أربعة عشر. وفي المدارك انه لا خلاف في تحقق البلوغ بإكمال الخمس عشرة وإنما الخلاف في ما دونه فقيل بالاكتفاء ببلوغ أربع عشرة سنة ، وقيل بالاكتفاء بإتمام ثلاثة عشرة سنة والدخول في الرابعة عشرة.

وحيث كان ما عدا التحديد بالسن من ما وقع عليه الاتفاق فلا ضرورة في التطويل بذكر رواياته مع وجود ذلك في الأخبار التي نذكرها.

واما ما ورد بالتحديد بالسن فمنها ـ ما رواه في الكافي عن حمزة بن حمران

__________________

(١) لم أقف عليه في ما حضرني من كتبهم ، وفي البحر الرائق لابن نحيم الحنفي ج ٢ ص ٢٧٧ : واما البلوغ فليس من شرط الصحة لصحته من الصبي العاقل ولهذا يثاب عليه. كذا في البدائع.


عن حمران (١) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام قلت له : متى يجب على الغلام ان يؤخذ بالحدود التامة وتقام عليه ويؤخذ بها؟ فقال : إذا خرج عنه اليتم وأدرك. قلت فلذلك حد يعرف به؟ فقال : إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أو أنبت قبل ذلك أقيمت عليه الحدود التامة وأخذ بها وأخذت له. قلت : فالجارية متى تجب عليها الحدود التامة وتؤخذ بها وتؤخذ لها؟ قال : ان الجارية ليست مثل الغلام ان الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها وجاز أمرها في الشراء والبيع وأقيمت عليها الحدود التامة وأخذ لها وبها. قال : والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك».

ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر (٢) نقلا من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن حمزة بن حمران عن ابى جعفر عليه‌السلام بغير واسطة حمران.

وعن يزيد الكناسي عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم وزوجت وأقيمت عليها الحدود التامة عليها ولها».

والاخبار ببلوغ الجارية بالتسع كثيرة لا حاجة الى التطويل بنقلها ، واما القول بالعشر فلم أقف له على دليل وان وجد فهو شاذ مأول.

وفي الحسن على المشهور والصحيح عندي عن سليمان بن خالد عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) في حديث «في غلام صغير لم يدرك ابن عشر سنين زنى بامرأة محصنة؟ قال : لا ترجم لأن الذي زنى بها ليس بمدرك ولو كان مدركا رجمت».

وصحيحة معاوية بن وهب المتقدمة (٥) المتضمنة لأنه يؤخذ الصبي بالصيام ما بينه وبين خمس عشرة سنة واربع عشرة سنة.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٤ من مقدمة العبادات.

(٤) الوسائل الباب ٤ من مقدمة العبادات والباب ٩ من حد الزنا.

(٥) ص ١٧٨.


ورواية أبي حمزة الثمالي عن الباقر عليه‌السلام (١) قال : «قلت له : جعلت فداك في كم تجري الأحكام على الصبيان؟ قال : في ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة. قلت : فان لم يحتلم فيها؟ قال : وان لم يحتلم فيها فإن الأحكام تجري عليه».

وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «إذا بلغ الغلام أشده ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين احتلم أو لم يحتلم وكتبت عليه السيئات وكتبت له الحسنات وجاز له كل شي‌ء إلا أن يكون ضعيفا أو سفيها».

والظاهر انه بظاهر هذين الخبرين أخذ ابن الجنيد ، وفي المختلف نقل حديث الثمالي حجة لابن الجنيد وطعن فيه بضعف السند.

وروى في الكافي والفقيه عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة وكتبت عليه السيئة وعوقب ، وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك وذلك انها تحيض لتسع سنين».

وروى في التهذيب في الموثق عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «سأله أبى وأنا حاضر عن قول الله تعالى (حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) (٥) قال : الاحتلام قال فقال يحتلم في ست عشرة وسبع عشرة سنة ونحوها. فقال إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة ونحوها؟ فقال لا إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات وكتبت عليه السيئات وجاز أمره إلا أن يكون سفيها أو ضعيفا. فقال وما السفيه؟ قال : الذي يشترى الدرهم بأضعافه. قال : وما الضعيف؟ قال الأبله».

وروى في الكافي والتهذيب عن عيسى بن زيد عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٦) قال :

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٥ من الوصايا.

(٢ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ٤٤ من الوصايا.

(٣) الوسائل الباب ٤٤ من الوصايا. ولم تنقل الرواية عن الفقيه نعم وردت في التهذيب أيضا ج ٩ ص ١٨٤.

(٥) سورة الأحقاف الآية ١٥.


«قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يثغر الصبي لسبع سنين ويؤمر بالصلاة لتسع ويفرق بينهم في المضاجع لعشر ويحتلم لأربع عشرة وينتهى طوله لإحدى وعشرين وينتهى عقله لثمان وعشرين إلا التجارب».

وروى في التهذيب في الموثق عن عمار بن موسى الساباطي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ فقال : إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة فإذا احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم ، والجارية مثل ذلك إذا أتى لها ثلاث عشرة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم».

أقول : لا يخفى ما بين هذه الأخبار من التدافع في تعيين البلوغ بالسن بالنسبة إلى الغلام.

وقد وردت أيضا أخبار في باب الوصايات والعتق دالة على صحة وصية ابن عشر سنين وعتقه وصدقته مع رشده وتمييزه (٢).

وجعلها صاحب المفاتيح دالة على البلوغ بالنسبة الى هذه الأشياء وجعل البلوغ مراتب باعتبار التكليفات.

والظاهر بعده فإنه ليس في شي‌ء منها ما يشير الى حصول البلوغ بذلك فضلا عن التصريح به ولا صرح بذلك أحد من أصحابنا ، والظاهر منها إنما هو إرادة بيان رفع الحجر عنه في أمور خاصة متى كان مميزا وان لم يكن بالغا.

وأكثر الأخبار التي ذكرناها دال على البلوغ بكمال ثلاث عشرة والدخول في الرابعة عشرة ، وهي دالة على ما ذهب اليه ابن الجنيد.

ويمكن ان يحمل الاختلاف في هذه الأخبار على اختلاف الناس في الفهم والذكاء وقوة العقل وقوة البدن ، ولذا ردد في رواية الثمالي «في ثلاث عشرة أو أربع عشرة».

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من مقدمة العبادات.

(٢) الوسائل الباب ١٥ من الوقوف والباب ٤٤ من الوصايا والباب ٥٦ من العتق.


وفي صحيحة معاوية بن وهب «خمس عشرة واربع عشرة». ولذا تراها أيضا اختلفت في الاحتلام ، فظاهر موثقة عبد الله بن سنان ان الاحتلام في ست عشرة وسبع عشرة ونحوهما ، وظاهر رواية عيسى بن زيد انه يحتلم لأربع عشرة ، وظاهر موثقة عمار انه يحتلم قبل ثلاث عشرة ، إلا انه لا يبعد أن يكون هذا من قبيل ما يقع في رواياته من التهافتات والغرائب كما يفهم منها أيضا من أن بلوغ الجارية إذا أتى لها ثلاث عشرة سنة مع استفاضة الأخبار واتفاق العلماء على انها تبلغ بتسع سنين أو عشر.

ولا يبعد عندي في الجمع بين الأخبار المذكورة حمل ما دل على البلوغ بخمس عشرة على الحدود والمعاملات كما هو مقتضى سياق رواية حمران وحمل ما دل على ما دون ذلك على العبادات ، ويحتمل خروج بعضها مخرج التقية إلا انه لا يحضرني الآن مذهب العامة (١) في هذه المسألة. وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال.

ثم انه لا يخفى ان ظاهر عبارات الأصحاب وظاهر الاخبار أيضا ان بلوغ الخمس عشرة موجب للبلوغ أعم من أن يكون بالدخول فيها أو بإتمامها ، إلا ان شيخنا الشهيد الثاني في المسالك قال : ويعتبر إكمال السنة الخامسة عشرة والتاسعة في الأنثى فلا يكفى الطعن فيها عملا بالاستصحاب وفتوى الأصحاب ، ولأن الداخل في السنة الأخيرة لا يسمى ابن خمس عشرة سنة لغة ولا عرفا. والاكتفاء بالطعن فيها وجه للشافعية (٢) انتهى.

الخامسة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) عدم صحة الصوم الواجب من المسافر الذي يلزمه التقصير إلا في ما يأتي استثناؤه ، وحكى المحقق في المعتبر والعلامة في المختلف عن الشيخ المفيد قولا بجواز صوم ما عدا شهر رمضان

__________________

(١) في المحلى ج؟ ص ٨٨ و ٩٠ والمغني ج ٤ ص ٤٦٠ تحديد البلوغ في الذكر والأنثى بالخمس عشرة سنة الى التسع عشرة باختلاف الأقوال.

(٢) لم أقف عليه في ما حضرني من كتبهم وفي المحلى ج ١ ص ٩٠ والمهذب ج ١ ص ٣٣٠ والفقه على المذاهب ج ٢ ص ٣٥٢ انه بإكمال خمس عشرة سنة عند الشافعي والشافعية.


من الواجبات في السفر ، والظاهر انه في غير المقنعة فإن مذهبه فيها مطابق للقول المشهور. ونقل عن على بن بابويه انه جوز صوم جزاء الصيد في السفر.

ويدل على القول المشهور وهو المعتمد المنصور الأخبار المستفيضة كصحيحة صفوان بن يحيى عن أبى الحسن عليه‌السلام (١) «انه سئل عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم؟ فقال : ليس من البر الصيام في السفر». والعبرة بعموم الجواب لا بخصوص السؤال.

وصحيحة عمار بن مروان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سمعته يقول من سافر قصر وأفطر إلا أن يكون رجلا سفره الى صيد أو في معصية الله أو رسولا لمن يعصى الله عزوجل أو في طلب شحناء أو سعاية أو ضرر على قوم مسلمين».

ورواية أبان بن تغلب عن أبى جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خيار أمتي الذين إذا سافروا أفطروا وقصروا وإذا أحسنوا استبشروا وإذا أساءوا استغفروا».

وموثقة محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) «انه قال في من ظاهر في شعبان فلم يجد ما يعتق : ينتظر حتى يصوم رمضان ثم يصوم شهرين متتابعين. وان ظاهر وهو مسافر أفطر حتى يقدم».

وموثقة زرارة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «سألته عن الظهار من الحرة

__________________

(١) التهذيب ج ٤ ص ٢١٧ و ٢١٨ وفي الوسائل الباب ١ ممن يصح منه الصوم.

(٢) الوسائل الباب ٨ من صلاة المسافر.

(٣) الوسائل الباب ١ ممن يصح منه الصوم.

(٤) الوسائل الباب ٤ من بقية الصوم الواجب.

(٥) لم أقف على رواية لزرارة بهذا المضمون وانما الوارد بهذا المضمون ثلاث روايات لمحمد بن مسلم : إحداها ـ رواها في الفروع ج ٢ ص ١١٧ عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) ورواها في التهذيب ج ٨ ص ١٧ عن الكليني وهي تشتمل على عدة اسئلة وفيها السؤال عن الظهار على الحرة والأمة ثم عن الظهار في شعبان لو لم يجد ما يعتق ثم


والأمة؟ قال نعم وان ظاهر وهو مسافر أفطر حتى يقدم وان صام فأصاب ما لا يملك فليقض الذي ابتدأ فيه».

وموثقته الأخرى (١) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ان أمي كانت جعلت عليها نذرا ان رد الله عليها بعض ولدها من شي‌ء كانت تخاف عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت ، فخرجت معنا مسافرة إلى مكة فأشكل علينا لمكان النذر أتصوم أم تفطر؟ فقال لا تصوم وضع الله عزوجل عنها حقه وتصوم هي ما جعلت على نفسها. قلت فما ترى إذا هي رجعت الى المنزل أتقضيه؟ قال لا ، قلت أفتترك ذلك؟ قال : لا لأني أخاف ان ترى في الذي نذرت فيه ما تكره».

والظاهر ان المراد من قوله عليه‌السلام «وتصوم هي ما جعلت على نفسها» يعنى من صوم مستحب تعتاده ، ففيه إشارة إلى جواز الصوم المستحب في السفر كما يأتي بيانه. وقوله : «أفتترك ذلك» يعنى تنقض أصل النذر وتترك صيامه بعد رجوعها الى المنزل.

وموثقة عمار (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقول لله على أن أصوم شهرا أو أكثر من ذلك أو أقل فعرض له أمر لا بد له من أن يسافر أيصوم وهو مسافر؟ قال إذا سافر فليفطر لأنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة

__________________

بيان حكم الظهار في السفر. ثانيها ـ رواها الشيخ في التهذيب ج ٨ ص ٣٢٢ عن محمد ابن مسلم عن أحدهما «ع» وهي تشتمل على حكم الظهار في شعبان لو لم يجد ما يعتق ثم حكم الظهار في السفر. ثالثها ـ رواها الشيخ في التهذيب ج ٤ ص ٢٣٢ عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله «ع» وهي تشتمل على السؤال عن الظهار على الحرة والأمة ثم الظهار في شعبان لو لم يجد ما يعتق ثم الظهار في السفر. وبذلك يظهر لك أن ما نسبه الى زرارة هو جزء من موثقة محمد بن مسلم المتقدمة بلحاظ كونه عن أبى عبد الله «ع» راجع الوافي باب (كفارة الظهار ما هي؟) والوسائل الباب ٩ ممن يصح منه الصوم والباب ٤ من بقية الصوم الواجب والباب ١١ من الظهار والباب ٤ و ٥ من الكفارات.

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٠ ممن يصح منه الصوم.


كان أو غيره والصوم في السفر معصية».

ورواية على بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن رجل جعل على نفسه صوم شهر بالكوفة وشهر بالمدينة وشهر بمكة من بلاء ابتلى به فقضى له انه صام بالكوفة شهرا ودخل المدينة فصام بها ثمانية عشر يوما ولم يقم عليه الجمال؟ فقال : يصوم ما بقي عليه إذا انتهى الى بلده».

ورواية عقبة بن خالد عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في رجل مرض في شهر رمضان فلما بري‌ء أراد الحج كيف يصنع بقضاء الصوم؟ قال : إذا رجع فليقضه».

ورواية سماعة (٣) قال : «سألته عن الصيام في السفر فقال : لا صيام في السفر قد صام أناس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسماهم العصاة فلا صيام في السفر إلا الثلاثة الأيام التي قال الله عزوجل في الحج (٤)».

ورواية محمد بن حكيم (٥) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لو ان رجلا مات صائما في السفر ما صليت عليه».

وصحيحة زرارة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٦) قال : «لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصوم في السفر في شهر رمضان ولا غيره وكان يوم بدر في شهر رمضان وكان الفتح في شهر رمضان».

ورواية عبد الكريم بن عمرو (٧) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انى جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم عليه‌السلام؟ فقال : صم ولا تصم في السفر ولا العيدين

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ ممن يصح منه الصوم.

(٢) الوسائل الباب ٨ ممن يصح منه الصوم.

(٣ و ٦) الوسائل الباب ١١ ممن يصح منه الصوم.

(٤) وهو قوله تعالى في سورة البقرة الآية ١٩٣ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ).

(٥) الوسائل الباب ١ ممن يصح منه الصوم.

(٧) الوسائل الباب ١١ من بقية الصوم الواجب ، والراوي كرام ويروى عنه ابن ابى عمير.


ولا أيام التشريق ولا اليوم الذي تشك فيه من شهر رمضان».

أقول : لعل النهى عن صوم اليوم الذي يشك فيه بنية النذر محمول على الكراهة بل الأفضل صومه من شعبان ليكون مجزئا عن شهر رمضان متى ظهر كونه منه بخلاف ما إذا صامه بنية النذر فإنه يحتاج إلى قضائه لو ظهر كونه من شهر رمضان.

ورواية القاسم بن ابى القاسم الصيقل (١) قال : «كتبت اليه يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب اليه : قد وضع الله عنك الصيام في هذه الأيام كلها وتصوم يوما بدل يوم ان شاء الله تعالى».

وفي معناها صحيحة على بن مهزيار (٢) قال : «كتب بندار مولى إدريس : يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب عليه‌السلام وقرأته : لا تتركه إلا من علة وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك. الحديث».

وصحيحة على بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان وهو مسافر يقضي إذا أقام في المكان؟ قال : لا حتى يجمع على مقام عشرة أيام». الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

وإنما قيدنا في صدر المسألة عدم جواز الصوم بالمسافر الذي يلزمه التقصير لأن من ليس كذلك فحكمه حكم المقيم مثل كثير السفر والعاصي بسفره ومن نوى اقامة عشرة أيام في غير بلده أو مر بمنزل قد استوطنه أو مضى عليه ثلاثون يوما مترددا ، فإنه لا ريب في صحة الصوم من هؤلاء جميعا كما يجب عليهم إتمام الصلاة ولا خلاف فيه نصا وفتوى.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٠ ممن يصح منه الصوم.

(٣) الوسائل الباب ٨ ممن يصح منه الصوم.


وفي صحيحة معاوية بن وهب عن الصادق عليه‌السلام (١) «هما ـ يعنى التقصير والإفطار ـ واحد : إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت». والكلام في ذلك قد تقدم مفصلا في كتاب الصلاة.

وقد استثنى الأصحاب من المنع من صوم الواجب في السفر مواضع :

أحدها ـ صوم ثلاثة أيام بدل الهدي لإطلاق قوله عزوجل «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ» (٢).

وخصوص صحيحة رفاعة بن موسى عن ابى عبد الله عليه‌السلام الواردة في صوم هذه الأيام (٣) حيث قال فيها : «يصوم وهو مسافر؟ قال نعم أليس هو يوم عرفة مسافرا إنا أهل بيت نقول ذلك لقول الله عزوجل (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ)» (٤).

وموثقة الحسن بن الجهم (٥) قال : «سألته عن رجل فاته صوم الثلاثة الأيام في الحج قال : من فاته صيام ثلاثة أيام في الحج ما لم يكن عمدا تاركا فإنه يصوم بمكة ما لم يخرج منها فان ابى جماله أن يقيم عليه فليصم في الطريق».

الى غير ذلك من الروايات الآتية ان شاء الله في محلها من كتاب الحج.

ونقل عن ابن ابى عقيل المنع من ذلك في السفر.

وثانيها ـ صوم ثمانية عشر يوما لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا وعجز عن الفداء وهو بدنة :

لما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن ضريس عن ابى جعفر عليه‌السلام (٦) قال : «سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس؟ قال : عليه بدنة

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من صلاة المسافر والباب ٤ ممن يصح منه الصوم.

(٢ و ٤) سورة البقرة الآية ١٩٣.

(٣) الوسائل الباب ٤٦ من أبواب الذبح من كتاب الحج.

(٥) الوسائل الباب ١١ ممن يصح منه الصوم.

(٦) الوسائل الباب ٢٣ من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


ينحرها يوم النحر فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في اهله».

وثالثها ـ من نذر يوما معينا وشرط في نذره أن يصوم سفرا وحضرا ، وقد ذهب الشيخان وأتباعهما إلى أنه يصوم كذلك.

واستدل على ذلك بصحيحة على بن مهزيار المتقدمة (١) وقوله فيها : «وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك».

ويشكل ذلك بما دلت عليه من صحة صوم النذر في المرض إذا نوى ذلك مع انه لا قائل به والأخبار المتقدمة في عدم جواز صوم المريض صريحة في رده.

والظاهر انه من أجل ذلك توقف المحقق في المعتبر فقال : ولمكان ضعف هذه الرواية جعلناه قولا مشهورا.

واعترضه السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة وغيرهما بأن الرواية صحيحة والإضمار الذي فيها غير ضائر وكذا جهالة الكاتب ، قال في الذخيرة بعد ذكر ذلك : وما أدري لأي سبب ضعفها المحقق؟

أقول : لا يخفى ان هذا الاصطلاح الذي نوعوا عليه الأخبار إنما وقع بعد عصر المحقق في زمن العلامة (رضوان الله عليه) أو شيخه أحمد بن طاوس وان كان قد تحدثوا به في زمانه كما يشير اليه كلامه في المعتبر إلا ان مراد المحقق كثيرا ـ كما يفهم من عباراته من وصف الضعيف السند بأنه حسن والصحيح السند بأنه ضعيف ـ إنما هو باعتبار المتن جريا على الاصطلاح القديم كما لا يخفى على من تأمل كلامه ، وقد أشرنا في مواضع من ما تقدم الى ذلك ، وهذه الرواية لما دلت على جواز صوم النذر في السفر إذا نوى ذلك في نذره ـ مع استفاضة الأخبار بالنهي عنه في السفر مطلقا كما سيأتي ان شاء الله تعالى ، ودلت على جواز صوم المريض كذلك مع الاتفاق نصا وفتوى على عدم جوازه ـ صار ذلك سببا في ضعفها وردها والتوقف فيها ، إلا ان الحكم اتفاقي عندهم ولا مخالف فيه ظاهرا إلا ما يظهر من كلام المحقق (قدس‌سره).

__________________

(١) ص ١٨٩.


ونقل العلامة في المختلف عن على بن بابويه في رسالته وابنه في مقنعه انهما استثنيا الصوم في كفارة صيد المحرم وصوم كفارة الإحلال من الإحرام ، قال وهو إشارة إلى بدل الهدى قال وان كان به أذى من رأسه (١) وصوم الاعتكاف. ثم نقل عنهما في مسألة الخلاف في صوم التطوع في السفر انهما قالا : لا يصوم في السفر تطوعا ولا فرضا واستثنى من التطوع صوم ثلاثة أيام للحاجة في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وصوم الاعتكاف في المساجد الأربعة.

وأنت خبير بان ما نقله عن ابني بابويه هنا فهو مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) (٢) ولا يصوم في السفر شيئا من صوم الفرض ولا السنة ولا تطوع إلا الصوم الذي ذكرناه في أول الباب من صوم كفارة صيد الحرم وصوم كفارة الإحلال في الإحرام ان كان به أذى من رأسه وصوم ثلاثة أيام لطلب الحاجة عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يوم الأربعاء والخميس والجمعة وصوم الاعتكاف في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ومسجد الكوفة ومسجد المدائن. انتهى.

ومنه يعلم ان مستند الحكم المذكور عندهما إنما هو الكتاب المشار اليه وان من توهم عدم المستند لهما فهو ليس في محله.

ونقل عن السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) انه استثنى من الصوم الواجب الممنوع في السفر مطلق الصوم المنذور إذا علق بوقت معين فاتفق في السفر.

ويدل عليه ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل يجعل لله عليه صوم يوم مسمى؟ قال : يصومه أبدا في السفر والحضر».

والرواية مع ضعفها معارضة بما هو أصح وأصرح منها من ما دل على عدم الجواز في السفر عموما وخصوصا كما تقدم ، ومن الثاني موثقة زرارة المتقدمة

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٩٣ (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ).

(٢) ص ٢٦.

(٣) الوسائل الباب ١٠ ممن يصح منه الصوم.


ورواية الصيقل وصحيحة على بن مهزيار المتقدمات (١) والشيخ حمل هذه الرواية على من نذر يوما وشرط على نفسه أن يصومه في السفر والحضر واستدل على ذلك بصحيحة على بن مهزيار المتقدمة (٢).

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والأحوط أن لا يتعرض لإيقاع النذر على هذا الوجه.

السادسة ـ لو نذر يوما معينا فاتفق أحد العيدين أو أيام التشريق في منى لم يصح صومه.

وهل يجب عليه قضاؤه أم لا؟ قولان أولهما للشيخ في النهاية وموضع من المبسوط وابن حمزة ونقل عن الصدوق ايضا ، والثاني للشيخ أيضا في موضع آخر من المبسوط واختاره ابن البراج وأبو الصلاح وابن إدريس والمحقق في الشرائع والعلامة في المختلف ، وظاهر الشهيد في الدروس التوقف في ذلك حيث قال بعد ذكر تحريم صوم هذه الأيام : ولو وافقت نذره لم يصمها وفي صيام بدلها قولان أحوطهما الوجوب.

ويدل على وجوب القضاء ما تقدم في سابق هذه المسألة من رواية الصيقل (٣) وصحيحة على بن مهزيار (٤) قال : «كتبت اليه يا سيدي رجل نذر ان يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو سفرا أو مرضا هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب (عليه‌السلام) اليه : قد وضع الله الصيام في هذه الأيام كلها ويصوم يوما بدل يوم ان شاء الله تعالى».

وهذه الرواية قد رواها السيد السند في المدارك بطريق صحيح عن محمد بن يعقوب وزاد فيها بعد قوله «أو أضحى» «أو يوم جمعة» ثم طعن فيها باشتمالها على

__________________

(١ و ٢ و ٣) ص ١٨٧ و ١٨٩.

(٤) الوسائل الباب ١٠ من كتاب النذر والعهد. والمكتوب اليه هو أبو الحسن (ع).


ما أجمع الأصحاب على خلافه من مساواة يوم الجمعة ليومي العيدين في تحريم الصوم. وهذه الزيادة إنما هي في رواية التهذيب (١) لا في رواية الكافي (٢) مع ان الشيخ في التهذيب (٣) أيضا قد روى هذا المتن بعينه عن القاسم بن ابى القاسم الصيقل عنه (عليه‌السلام) بغير هذه الزيادة كما قدمناه (٤) والظاهر ان هذه الزيادة انما هي سهو من قلم الشيخ أو النساخ. واما الرواية الأولى فردها بضعف السند من حيث جهالة الكاتب والمكتوب اليه. ثم نقل عن فخر المحققين بأنه أجاب عن الروايتين بالحمل على الاستحباب لأن القضاء لو كان واجبا لم يعلقه بالمشيئة بلفظ «ان» لان «أن» تختص بالمحتمل لا المتحقق. ثم رده بأنه ضعيف إذ من المعلوم ان هذا التعليق للتبرك لا للشك مع ان المندوب مساو للواجب في مشيئة الله تعالى. ثم قال : والمسألة محل تردد ولا ريب ان القضاء أولى وأحوط.

والعلامة في المختلف بعد أن اختار عدم وجوب القضاء كما قدمنا نقله عنه ـ قال : لنا ـ انه نذر صوم زمان لا ينعقد صومه فلا ينعقد نذره كما لو نذر صوم الليل ولم يعلم به. ولأن صوم العيد حرام فلا يقع قربة فلا يصح نذره ووجوب القضاء تابع للأداء. ثم نقل عن الشيخ انه احتج على وجوب القضاء برواية القاسم ابن أبى القاسم الصيقل ثم ساق الرواية. واستدل له أيضا بأنه نذر صوما على وجه الطاعة ظاهرا ولم يسلم له الزمان فكان عليه القضاء لانعقاد نذره كالمسافر. ثم أجاب عن الرواية بأنه لا يحضرني الآن حال رواتها ومع ذلك فهي مرسلة ولا تدل على المطلوب لاحتمال أن يكون الأمر بالقضاء متوجها الى المريض والمسافر أو يكون للاستحباب ولا نزاع فيه. ثم قال : ونمنع كون النذر منعقدا لأنه تناول ما لا يصح صومه وكان كما لو نذر الليل جاهلا به ، والفرق بينه وبين المسافر ظاهر لأن العيد زمان لا يقع فيه الصوم البتة وزمان السفر يصح فيه الصوم منه مع التقييد

__________________

(١) ج ٨ ص ٣٠٥.

(٢) ج ٢ ص ٣٧٣.

(٣) ج ٤ ص ٢٣٤.

(٤) ص ١٨٩.


بالسفر ومن غيره من المقيمين فلهذا وجب قضاؤه لأن إفطاره ليس باعتبار عدم قبول الزمان إيقاع الصوم فيه بل للإرفاق بالمسافر. انتهى.

أقول : لا يخفى ما في هذه التعليلات العليلة سيما في مقابلة الاخبار خصوصا مع صحة السند في بعضها.

وقال في المنتهى : لو نذر صوم يوم بعينه فظهر انه العيد أفطر إجماعا ، وهل يجب عليه قضاؤه أم لا؟ فيه تردد أقربه عدم الوجوب ، لنا ـ انه زمان لا يصح صومه فلا يتعلق النذر به ولا أثر للجهالة لأنه لا يخرج بذلك عن كونه عيدا ، وإذا لم يجب الأداء سقط القضاء : اما أولا ـ فلأنه إنما يجب بأمر جديد ولم يوجد. واما ثانيا ـ فلأنه يتبع وجوب الأداء والمتبوع منتف فيكون منتفيا. انتهى.

والجواب الحق ان أصل النذر لم يتعلق بالعيد وان اتفق كونه كذلك واقعا والمبطل إنما هو الأول فإن الأحكام الشرعية إنما تبنى على الظاهر لا الواقع ، فقوله ـ انه لا أثر للجهالة لأنه لا يخرج بذلك عن كونه عيدا ـ ممنوع أشد المنع لما ذكرناه وغاية ما يلزم من ذلك عدم جواز الصوم بعد اتفاق كونه يوم عيد وهو لا نزاع فيه إذا الكلام إنما هو في وجوب القضاء. وقوله ـ فلأنه إنما يجب بأمر جديد ـ صحيح والأمر موجود في الروايتين المتقدمتين. واما قوله ـ انه يتبع وجوب الأداء ـ فهو مناف لما ذكره أولا من قوله انه لا يجب إلا بأمر جديد. وهو من مثله (قدس‌سره) بعيد فان القول بتوقف القضاء على أمر جديد ولا تعلق له بالأداء مقابل للقول بكون القضاء تابعا للأداء بمعنى انه متى انتفى الأداء انتفى القضاء. اللهمّ إلا أن يكون مراده هنا سقوط القضاء على كلا القولين.

قال شيخنا الشهيد الثاني في كتاب النذر من المسالك بعد أن أورد صحيحة على بن مهزيار حجة للشيخ ومن تبعه واستدل لهم أيضا بأن اليوم المعين من الأسبوع كيوم الاثنين مثلا قد يتفق فيه العيد وقد لا يتفق فيتناوله النذر. الى أن قال : وأجيب عن الرواية بحملها على الاستحباب لأنه لو كان واجبا لم يعلقه بالمشيئة


بلفظ «ان» لان «أن» مختص بالمحتمل لا بالمتحقق. ثم قال : وفيه نظر لأن من جملة المسؤول عنه ما يجب قضاؤه قطعا وهو أيام السفر والمرض والمشيئة كثيرا ما تقع في كلامهم (صلوات الله عليهم) للتبرك. وهو اللائق بمقام الجواب عن الحكم الشرعي. انتهى. وهو مؤيد لما ذكرناه وظاهر في ما اخترناه.

وكيف كان فإنه مع وجود الروايتين المذكورتين وصراحتهما في وجوب القضاء سيما مع صحة إحداهما وعدم وجود المعارض فلا مجال للخروج عن ما دلتا عليه

نعم يبقى الإشكال في انهما قد دلتا على وجوب القضاء مع اتفاق السفر في ذلك اليوم.

ومثلهما في ذلك ما رواه في الكافي عن ابن جندب (١) قال : «سأل عباد بن ميمون وانا حاضر عن رجل جعل على نفسه نذر صوم وأراد الخروج في الحج فقال ابن جندب سمعت من رواه عن ابى عبد الله عليه‌السلام انه سأله عن رجل جعل على نفسه صوم يوم يصومه فحضرته نية في زيارة أبى عبد الله عليه‌السلام قال : يخرج ولا يصوم في الطريق فإذا رجع قضى ذلك».

وروى هذه الرواية في التهذيب عن ابن جندب (٢) قال : «سأل أبا عبد الله عليه‌السلام ميمون وأنا حاضر. الى آخره.

وظاهر كلام العلامة في المختلف انه لا نزاع في وجوب القضاء هنا ، وبه صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك في كتاب النذر كما سمعته من عبارته المتقدمة ، ومثله سبطه السيد السند في شرح النافع حيث صرح في شرح قول المصنف (قدس‌سره) ـ لو نذر يوما معينا فاتفق السفر أفطر وقضاه وكذا لو مرض أو حاضت المرأة أو نفست ـ بما صورته بعد كلام في المقام : واما وجوب القضاء فمقطوع به في كلام الأصحاب ولم نقف على مستند سوى ما رواه الكليني. ثم ذكر رواية على ابن مهزيار (٣) بطريق فيه محمد بن جعفر الرزاز ثم طعن فيها به حيث انه غير

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٠ ممن يصح منه الصوم. ارجع الى لاستدراكات.

(٣) ص ١٩٣.


موثق وطعن في متنها بما تقدم عنه في كتاب الصوم.

وبالجملة فإن الظاهر هو العمل بالروايتين المتقدمتين في وجوب القضاء في المواضع التي اشتملتا عليها من كون ذلك العيدين أو السفر أو المرض ، والأصحاب إنما اختلفوا في ما لو اتفق في العيدين وظاهرهم الاتفاق على وجوب القضاء في السفر والمرض وهو في المرض من ما لا اشكال فيه حيث لم يرد لهما معارض في ذلك وانما الإشكال في السفر لما تقدم في موثقة زرارة الثانية من ما هو صريح في عدم وجوب القضاء.

ومثلها أيضا ما رواه الكليني والشيخ عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبى عبد الله عن آبائه (عليهم‌السلام) (١) «في الرجل يجعل على نفسه أياما معدودة مسماة في كل شهر ثم يسافر فتمر به الشهور : انه لا يصوم في السفر ولا يقضيها إذا شهد».

ولعل الترجيح للروايتين المتقدمتين لاعتضادهما بعمل الأصحاب مع إمكان التأويل في هذين الخبرين.

السابعة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في صيام التطوع في السفر فقال الشيخ المفيد (قدس الله روحه) لا يجوز ذلك إلا ثلاثة أيام للحاجة عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو في مشهد من مشاهد الأئمة (عليهم‌السلام) قال (٢) وقد روى حديث في جواز التطوع في السفر بالصيام (٣) وجاءت أخبار بكراهة ذلك وانه ليس من البر الصيام في السفر (٤). وهي أكثر وعليها العمل عند فقهاء العصابة ، فمن أخذ بالحديث لم يأثم إذا أخذ به من جهة الاتباع ومن عمل على أكثر الروايات واعتمد على المشهور منها في اجتناب الصوم في السفر على وجه سوى ما عددناه كان أولى بالحق.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ ممن يصح منه الصوم.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ١٢ ممن يصح منه الصوم.

(٣) سيأتي ص ١٩٩.


وقال الشيخ : يكره صيام النوافل في السفر على كل حال وقد وردت رواية في جواز ذلك (١) فمن عمل بها لم يكن مأثوما إلا ان الأحوط ما قدمناه.

وقال السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في الجمل : قد اختلفت الرواية في كراهة صوم التطوع في السفر وجوازه. ولم يتعرض فيه لفتوى.

وقال ابنا بابويه : لا يصوم في السفر تطوعا ولا فرضا ، واستثنى من التطوع صوم ثلاثة أيام للحاجة في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وصوم الاعتكاف في المساجد الأربعة

وقال سلار : ولا يصوم المسافر تطوعا ولا فرضا إلا ثلاثة أيام بدل المتعة وصوم يوم النذر إذا علقه بوقت الحضر والسفر وصوم ثلاثة أيام للحاجة ، وقد روى جواز صوم التطوع في السفر (٢).

وقال ابن حمزة : صيام النفل في السفر ضربان : مستحب وهو ثلاثة أيام للحاجة عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وجائز وهو ما عدا ذلك ، وروى كراهة صوم النافلة في السفر (٣) والأول أثبت.

وهذه الأقوال كما ترى دائرة بين الجواز من غير كراهة وهو قول ابن حمزة وبين الجواز على الكراهة وهو المشهور وبين التحريم إلا ما استثنى وهو قول الصدوقين.

والى القول بالتحريم يميل كلام السيد السند في المدارك حيث قال بعد نقل جملة من الأقوال في المسألة ما لفظه : والأصح المنع من التطوع مطلقا إلا ثلاثة أيام للحاجة عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. ثم أورد جملة من الأخبار الصحاح المتقدمة الدالة على ذلك بإطلاقها مثل صحيحة صفوان بن يحيى وصحيحة عمار بن مروان وصحيحة زرارة (٤) وصحيحة أحمد بن محمد (٥) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصيام

__________________

(١ و ٢) ستأتي ص ١٩٩.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ١٢ ممن يصح منه الصوم.

(٤) ص ١٨٦ و ١٨٨.


بمكة والمدينة ونحن في سفر؟ فقال فريضة؟ فقلت لا ولكنه تطوع كما يتطوع بالصلاة. فقال تقول اليوم وغدا؟ قلت نعم. فقال : لا تصم». ثم قال : قال الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب بعد أن أورد هذه الروايات : ولو خلينا وظاهر هذه الأخبار لقلنا ان صوم التطوع في السفر محظور كما ان صوم الفريضة محظور غير انه قد ورد فيه من الرخصة ما نقلنا عن الحظر إلى الكراهة. ثم أورد في ذلك روايتين أحدهما بطريق فيه عدة من الضعفاء والمجاهيل عن إسماعيل بن سهل عن رجل عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «خرج أبو عبد الله عليه‌السلام من المدينة في أيام بقين من شعبان وكان يصوم ثم دخل عليه شهر رمضان وهو في السفر فأفطر فقيل له أتصوم شعبان وتفطر شهر رمضان؟ فقال نعم شعبان الي ان شئت صمته وان شئت لا وشهر رمضان عزم من الله عزوجل على الإفطار». والثانية رواها بطريق ضعيف جدا عن الحسن بن بسام الجمال عن رجل (٢) قال : «كنت مع ابى عبد الله عليه‌السلام في ما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم ثم رأينا هلال شهر رمضان فأفطر فقلت له جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت صائم واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر؟ فقال ان ذلك تطوع ولنا أن نفعل ما شئنا وهذا فرض وليس لنا ان نفعل إلا ما أمرنا». ثم قال : ولا يخفى ان الخروج عن مقتضى الأخبار الصحيحة المستفيضة بهاتين الروايتين الضعيفتين غير جيد.

أقول : لا يخفى ان كلامه هذا إنما يتجه بناء على ثبوت هذا الاصطلاح المحدث وصحته واما من لا يرى العمل به كاصحابنا المتقدمين وجملة من المتأخرين فلا معنى له لأنهم يحكمون بصحة الأخبار كملا والضعف عندهم ليس باعتبار الأسانيد وإنما هو باعتبار متون الأخبار ومضامينها متى خالفت السنة المستفيضة أو القواعد المقررة أو القرآن أو نحو ذلك من الوجوه التي قرروها ، ولهذا ترى الشيخين وغيرهما من المتقدمين تفادوا من طرح هذه الأخبار بحمل تلك الاخبار على الكراهة وهو

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٢ ممن يصح منه الصوم.


المشهور أيضا بين المتأخرين ، على أن ما دل على الجواز ليس منحصرا في هذين الخبرين بل هو ظاهر

موثقة زرارة المتقدمة (١) لقوله عليه‌السلام : «لا تصوم وضع الله عزوجل عنها حقه وتصوم هي ما جعلت على نفسها».

فإنه منعها عن صوم النذر الذي هو حق الله عزوجل ورخص لها في صيام المستحب وهو ما جعلته على نفسها

وروى الشيخ في الصحيح عن سليمان الجعفري (٢) قال : «سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول كان ابى عليه‌السلام يصوم يوم عرفة في اليوم الحار في الموقف ويأمر بظل مرتفع فيضرب له فيغتسل من ما يبلغ منه من الحر».

ومن الاخبار الصريحة في المنع من الصوم المستحب موثقة عمار المتقدمة (٣) لقوله عليه‌السلام فيها «إذا سافر فليفطر لأنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره والصوم في السفر معصية». ونحوها صحيحة زرارة المتقدمة (٤).

ونقل الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان (٥) قال روى العياشي بإسناده عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصوم في السفر تطوعا ولا فريضة.

بقي الكلام في أن الجمع بين هذه الأخبار بحمل اخبار التحريم على الكراهة كما ذكروه مشكل بما قدمنا ذكره في غير موضع من أن حمل اللفظ الدال على التحريم على الكراهة وإخراجه عن حقيقته مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة ووجود المعارض من الأخبار ليس قرينة على ذلك. وأيضا فإن الكراهة حكم شرعي لا يثبت إلا بالدليل الواضح واختلاف الاخبار ليس بدليل على ذلك. ولعل اخبار الجواز إنما خرجت مخرج التقية كما هو الغالب في اختلاف الأخبار ، فإن ذلك هو المناسب لمذهب العامة (٦) حيث ان أخبار المنع معتضدة بعمل الطائفة قديما وحديثا مع

__________________

(١ و ٣) ص ١٨٧.

(٢) الوسائل الباب ٢٣ من الصوم المندوب.

(٤) ص ١٨٨.

(٥) الوسائل الباب ١٢ ممن يصح منه الصوم.

(٦) لتجويزهم الصوم الواجب في السفر ، ارجع الى المغني ج ٣ ص ١٤٩.


صحتها وصراحتها وبعدها عن مذهب العامة ، وهو من ما يؤذن بكون ذلك مذهب أهل البيت (عليهم‌السلام). وكيف كان فطريق الاحتياط واضح.

واما ما يدل على استثناء صوم ثلاثة أيام للحاجة بالمدينة فهو ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «ان كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء ، وتصلى ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة وهي أسطوانة التوبة التي كان ربط نفسه إليها حتى نزل عذره من السماء وتقعد عندها يوم الأربعاء ، ثم تأتي ليلة الخميس التي تليها من ما يلي مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الخميس ، ثم تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومصلاه ليلة الجمعة فتصلي عندها ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الجمعة ، وان استطعت ان لا تتكلم بشي‌ء في هذه الأيام إلا ما لا بد لك منه ولا تخرج من المسجد إلا لحاجة ولا تنام في ليل ولا نهار فافعل فان ذلك من ما يعد فيه الفضل ، ثم احمد الله في يوم الجمعة وأثن عليه وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسل حاجتك ، وليكن في ما تقول «اللهم ما كانت لي إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها والتماسها أو لم أشرع سألتكها أو لم أسألكها فإني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة صلى‌الله‌عليه‌وآله في قضاء حوائجي صغيرها وكبيرها» فإنك حرى ان تقضى حاجتك ان شاء الله تعالى».

الثامنة ـ قد ورد في الأخبار ـ وبه صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ المنع من صيام التطوع للزوجة إلا بإذن زوجها والعبد إلا بإذن سيده والولد إلا بإذن والده والضيف إلا بإذن مضيفه ، وهل ذلك على وجه التحريم في الجميع أو الكراهة في بعض والتحريم في بعض؟ قولان ، وورد أيضا كراهة الصوم لمن دعي إلى طعام.

وتفصيل ذلك يقع في مواضع خمسة : الأول ـ في حكم الضيف والمشهور هو الكراهة وهو مذهب العلامة في المنتهى وجملة من كتبه والمحقق في الشرائع ، وزاد فيها ان الأظهر انه لا ينعقد مع النهى. وذهب في المعتبر والنافع إلى انه غير

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ ممن يصح منه الصوم والباب ١١ من المزار.


صحيح ، والى ذلك ذهب العلامة في الإرشاد.

ومن الأخبار الواردة في ذلك رواية الزهري ورواية كتاب الفقه الرضوي المتقدم نقلهما في أول الكتاب (١) وقولهما (عليهما‌السلام) فيهما : «واما صوم الإذن فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها والعبد لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحب البيت ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا بإذنهم».

وفي وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام المروية في آخر كتاب الفقيه (٢) «ولا يصوم الضيف تطوعا إلا بإذن صاحبه».

ومنها ـ رواية هشام بن الحكم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه ، ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوعا إلا باذنه وامره ، ومن صلاح العبد وطاعته ونصحه لمولاه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه وأمره ، ومن بر الولد بابويه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن أبويه وأمرهما ، وإلا كان الضيف جاهلا وكانت المرأة عاصية وكان العبد فاسقا عاصيا وكان الولد عاقا».

ومنها ـ ما رواه في الكافي بسنده عن الفضيل بن يسار ـ ورواه في الفقيه عن الفضيل بن يسار وطريقه إليه قوي ـ عن ابى جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم ، ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلا بإذنهم لئلا يعملوا الشي‌ء فيفسد عليهم ، ولا ينبغي لهم أن يصوموا إلا بإذن الضيف لئلا يحتشمهم فيشتهي الطعام فيتركه لهم».

احتج من قال بالكراهة بأن غاية ما تدل عليه رواية هشام هو ان الضيف

__________________

(١) ص ٦.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٠ من الصوم المحرم والمكروه.

(٤) الوسائل الباب ٩ من الصوم المحرم والمكروه.


متى صام كان جاهلا والجهل يتحقق بفعل المكروه فلا يدل على التحريم. واما رواية الفضيل فغاية ما تدل عليه انه لا ينبغي له الصوم إلا بإذنهم ولفظ «لا ينبغي» ظاهر في الكراهة.

ونقل في المدارك عن المحقق في المعتبر انه استدل على التحريم برواية الزهري ثم رده بضعف الرواية ، قال : وهذه الرواية ضعيفة السند جدا فلا تنهض حجة في إثبات التحريم.

أقول : والحق ان روايتي الزهري وكتاب الفقه الرضوي ظاهرتا الدلالة في التحريم ، ولفظ «لا ينبغي» في رواية الفضيل وان كان ظاهرا في الكراهة بالنظر الى عرف الناس إلا ان هذا اللفظ في الاخبار من ما تكاثر استعماله في التحريم على وجه لا يكاد يحيط به العد ، وقد حققنا في غير موضع من زبرنا انه من الألفاظ المشتركة في الاخبار بين التحريم والكراهة بالمعنى العرفي وانه لا يحمل على أحدهما إلا مع القرينة. واما نسبة الضيف الى الجهل بصيامه بغير اذن فهو محتمل للأمرين

وبالجملة فالقول بالتحريم لا يخلو من ظهور وهو ظاهر المحدث الكاشاني في الوافي كما يفهم من عنوانه الباب ، حيث قال : «باب من لا يجوز له صيام التطوع» ثم نقل اخبار الضيف في جملة أخبار الباب إلا انه في المفاتيح صرح بالكراهة فعده في ما يكره من الصيام ، وهو منه غريب.

الثاني ـ في حكم الولد والمشهور الكراهة وبه صرح في المفاتيح ايضا مع نقله اخبار الولد في الباب الذي عنونه في الوافي بما عرفت ، وذهب المحقق في النافع الى عدم الصحة وهو مذهب العلامة في الإرشاد واستقر به الشهيد في الدروس ، وهو المختار في المسألة لتصريح رواية هشام بعقوقه لو وقع بغير إذنهما والعقوق محرم بلا خلاف ولا إشكال.

وجملة من متأخري المتأخرين إنما صاروا إلى الكراهة مع اعترافهم بدلالة الرواية المذكورة على التحريم من جهة الطعن في سندها بناء على هذا الاصطلاح


مع انها مروية في الكافي (١) والفقيه (٢) وقد رواها في الفقيه عن نشيط بن صالح عن هشام بن الحكم ، قال في الذخيرة : وطريقه إليه في المشيخة غير مذكور وكأنه من كتابه فيكون صحيحا. انتهى.

وصريح الخبر المذكور التوقف على اذن الوالدين فيجب العمل بما دل عليه لعدم المعارض في البين.

وهذا الخبر أيضا رواه الصدوق في العلل (٣) عن أبيه عن احمد بن إدريس عن محمد بن احمد عن احمد بن هلال عن مروك بن عبيد عن نشيط بن صالح عن هشام كما تقدم ، وفيه : «ومن بر الولد ان لا يصوم تطوعا ولا يحج تطوعا ولا يصلى تطوعا إلا بإذن أبويه وأمرهما. ثم ساق الخبر الى أن قال : وكان الولد عاقا قاطعا للرحم». إلا ان الصدوق قال بعد نقله : قال محمد بن على مؤلف هذا الكتاب جاء هذا الخبر هكذا : «ولكن ليس للوالدين على الولد طاعة في ترك الحج تطوعا كان أو فريضة ولا في ترك الصلاة ولا في ترك الصوم تطوعا كان أو فريضة ولا في شي‌ء من ترك الطاعات» وظاهره حمل ذلك على الكراهة دون التحريم كما هو المشهور.

الثالث ـ في حكم العبد والظاهر انه لا خلاف في توقف صحة صومه على اذن سيده كما نقله في المنتهى ، قال : لأنه مملوك له لا يصح له التصرف في نفسه ولا يملك منافعه. ثم قال : ولا فرق بين كون المولى حاضرا أو غائبا.

وقد تقدم ما يدل على ذلك في حديثي الزهري وكتاب الفقه الرضوي (٤) وكذا رواية هشام.

وروى الصدوق في الفقيه (٥) في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام : «يا على لا تصوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها ولا يصوم العبد تطوعا إلا بإذن مولاه ولا يصوم الضيف تطوعا إلا بإذن صاحبه».

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ٢٠٤.

(٢) ج ٢ ص ٩٩.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ١٠ من الصوم المحرم والمكروه.

(٤) ص ٦.


والعجب من صاحب الوسائل انه عنوان الباب الذي أورد فيه هذه الأخبار بالكراهة فقال : (باب كراهة صوم العبد والولد تطوعا بغير اذن السيد والوالدين) (١) مع ما عرفت من عدم الخلاف في التحريم هنا ودلالة الأخبار عليه وهو من جملة غفلاته التي وقعت له في هذا الكتاب.

الرابع ـ الزوجة والظاهر انه لا خلاف في توقف صحة صومها على اذن الزوج كما نقله في المعتبر فقال انه موضع وفاق.

ويدل عليه الأخبار المتقدمة وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس للمرأة أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها».

ورواية القاسم بن عروة عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : قال «لا يصلح للمرأة أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابى جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «جاءت امرأة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما حق الزوج على المرأة؟ فقال : أن تطيعه ولا تعصيه ولا تصدق من بيته إلا باذنه ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه. الحديث».

إلا أنه قد روى على بن جعفر في كتابه عن أخيه عليه‌السلام (٥) قال : «سألته عن المرأة إلها أن تخرج بغير اذن زوجها؟ قال لا. قال : وسألته عن المرأة إلها أن تصوم بغير اذن زوجها؟ قال : لا بأس». وظاهرها كما ترى جواز الصوم ندبا بغير اذنه ، ولعله محمول على الصوم الواجب جمعا بينه وبين ما دل من الأخبار المذكورة على النهى.

وصاحب الوسائل قد اختار هنا الكراهة أيضا والظاهر انه جعلها وجه

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من الصوم المحرم والمكروه.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٨ من الصوم المحرم والمكروه.

(٥) الوسائل الباب ٧٩ من مقدمات النكاح والباب ٨ من الصوم المحرم والمكروه.


جمع بين رواية على بن جعفر المذكورة وبين الأخبار المتقدمة ، وقد عرفت غير مرة ما في هذا الجمع بين الأخبار وان كان بالغا بينهم في الاشتهار الى حد لا يقبل عندهم الإنكار إلا انه من قبيل «رب مشهور لا أصل له ورب متأصل ليس بمشهور»

والوجه في الجمع إنما هو ما ذكرناه من حمل الرواية على الصوم الواجب فان الروايات المتقدمة صريحة أو كالصريحة في التحريم ، ويؤيده أيضا ما صرح به الأصحاب من ان منافع الاستمتاع بالزوجة مملوكة للزوج فلا يجوز لها أن تعرض نفسها للتصرف بما يمنعه.

وإطلاق النصوص وكلام الأصحاب يقتضي انه لا فرق في الزوجة بين الدائم ولا المتمتع بها ولا في الزوج بين الحاضر والغائب ، ونقلوا عن الشافعي اشتراط حضوره (١) وردوه بإطلاق النصوص.

الخامس ـ المدعو الى الطعام والظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في استحباب إفطاره وان الأفضل له عدم الاعلام بصومه.

ويدل على ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن جميل بن دراج عنه ـ يعني أبا عبد الله عليه‌السلام ـ (٢) انه قال : «من دخل على أخيه وهو صائم فأفطر عنده ولم يعلمه بصومه فيمن عليه كتب الله له صوم سنة». قال الصدوق (قدس‌سره) قال مصنف هذا الكتاب : هذا في السنة والتطوع جميعا.

وعن داود الرقى عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «لإفطارك في منزل أخيك المؤمن أفضل من صيامك سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا».

__________________

(١) المجموع ج ٦ ص ٣٩٢.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٥١ وفي الوسائل الباب ٨ من آداب الصائم.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٥١ وفي الوسائل الباب ٨ من آداب الصائم ، ورواه في الفروع ج ١ ص ٢٠٤.


وعن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «إفطارك لأخيك المؤمن أفضل من صيامك تطوعا».

وعن نجم بن حطيم عن أبى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «من نوى الصوم ثم دخل على أخيه فسأله أن يفطر عنده فليفطر وليدخل عليه السرور فإنه يحتسب له بذلك اليوم عشرة أيام وهو قول الله عزوجل (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (٣)».

وعن جميل بن دراج (٤) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام من دخل على أخيه وهو صائم فأفطر عنده ولم يعلمه بصومه فيمن عليه كتب الله له صوم سنة».

وعن صالح بن عقبة (٥) قال : «دخلت على جميل بن دراج وبين يديه خوان عليه غسانية يأكل منها فقال ادن فكل فقلت انى صائم فتركني حتى إذا أكلها فلم يبق منها إلا اليسير فعزم على إلا أفطرت فقلت له ألا كان هذا قبل الساعة فقال أردت بذلك أدبك. ثم قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أيما رجل مؤمن دخل على أخيه وهو صائم فسأله الأكل فلم يخبره بصيامه فيمن عليه بإفطاره كتب الله (جل ثناؤه) له بذلك اليوم صيام سنة».

وعن على بن حديد (٦) قال : «قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام أدخل على قوم وهم يأكلون وقد صليت العصر وأنا صائم فيقولون أفطر؟ فقال أفطر فإنه أفضل».

والمستفاد من هذه الأخبار تعليق الاستحباب على الدعوة الى طعام ، واما ما اشتهر في هذه الأوقات سيما في بلاد العجم من تعمد تفطير الصائم بشي‌ء يدفع إليه

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٨ من آداب الصائم عن الفروع ج ١ ص ٢٠٤.

(٣) سورة الانعام الآية ١٦٢.

(٤) الفروع ج ١ ص ٢٠٤ وفي الوسائل الباب ٨ من آداب الصائم رقم ٤.

(٥) الفروع ج ١ ص ٢٠٤ وفي الوسائل الباب ٨ من آداب الصائم رقم ٥.

(٦) الوسائل الباب ٨ من آداب الصائم رقم ٧ ، وعلى بن حديد يرويه عن عبد الله بن جندب والمروي عنه أبو الحسن الماضي (ع).


من تمرة أو يسير من الحلواء أو نحو ذلك لأجل تحصيل الثواب بذلك فليس بداخل تحت هذه الاخبار ولا هو من ما يترتب عليه الثواب المذكور فيها كما لا يخفى.

التاسعة ـ الظاهر انه لا خلاف في ان من عليه قضاء من شهر رمضان فلا يجوز له التطوع بشي‌ء من الصيام حتى يؤدى ما بذمته من القضاء إلا ما يفهم من كلام السيد المرتضى في أجوبة المسائل الرسية حيث قال : ويجوز لمن عليه صيام من شهر رمضان ان يصوم نذرا عليه أو يصوم كفارة لزمته ، ولو صام نفلا أيضا لجاز وان كان مكروها. كذا نقله عنه في المختلف في كتاب الصلاة ، ونقل عنه في كتاب الصوم انه احتج على ما ذكره من جواز صوم النافلة بالأصل الدال على الإباحة ثم رده بأنه معارض بالاخبار. وبالجملة فإن ما ذكره شاذ نادر لا عبرة به.

ويدل على ما ذكرناه ما رواه الكليني في الصحيح عندي والحسن على المشهور عن الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أيتطوع؟ فقال : لا حتى يقضى ما عليه من شهر رمضان».

وما رواه فيه بسنده عن أبى الصباح الكناني (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل عليه من شهر رمضان أيام أيتطوع؟ فقال : لا حتى يقضى ما عليه من شهر رمضان».

قال في الفقيه (٣) : وردت الاخبار والآثار عن الأئمة (عليهم‌السلام) انه لا يجوز ان يتطوع الرجل بالصيام وعليه شي‌ء من الفرض ، وممن روى ذلك الحلبي وأبو الصباح الكناني عن ابى عبد الله عليه‌السلام.

وقال في المقنع : واعلم انه لا يجوز أن يتطوع الرجل وعليه شي‌ء من الفرض ، كذلك وجدته في كل الأحاديث. انتهى.

أقول : ويدل على ذلك صحيحة زرارة المتقدمة في باب الأوقات من كتاب

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٨ من أحكام شهر رمضان.

(٣) ج ٢ ص ٨٧ وفي الوسائل الباب ٢٨ من أحكام شهر رمضان.


الصلاة عن ابى جعفر عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن ركعتي الفجر؟ قال قبل الفجر. ثم ساق الخبر الى أن قال عليه‌السلام : أتريد أن تقايس لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة».

وبالجملة فالحكم في الصوم اتفاقي نصا وفتوى إلا ما عرفت من خلاف المرتضى (رضي‌الله‌عنه) وإنما الخلاف في الصلاة كما تقدم. والله العالم.

المطلب الرابع

في الكفارة وفيه مسائل :

الأولى ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه تجب الكفارة في صوم شهر رمضان وقضائه بعد الزوال والنذر المعين وصوم الاعتكاف إذا وجب ، وما عدا ذلك مثل صوم الكفارات والنذر الغير المعين والصوم المندوب فلا تجب الكفارة فيه بالإفساد.

والحكم الثاني اتفاقي كما يظهر من المنتهى ، وقد نص العلامة وغيره على جواز الإفطار قبل الزوال وبعده ، وربما قيل بتحريم الإفساد في كل واجب لعموم النهى عن إبطال العمل (٢) وهو ضعيف.

وانما الخلاف في الأول حيث ان المنقول عن ابن أبى عقيل انه قال : من جامع أو أكل أو شرب في قضاء شهر رمضان أو صوم كفارة أو نذر فقد أثم وعليه القضاء ولا كفارة. وظاهر هذا الإطلاق عدم وجوب الكفارة في قضاء شهر رمضان قبل الزوال وبعده وكذا في النذر مطلقا كان أو معينا ، ونقل الشهيد في الدروس عنه انه لا كفارة في غير رمضان ثم قال : وهو شاذ.

وبه يظهر ان ما ذكره في المدارك في مسألة وجوب الكفارة في النذر

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٠ من مواقيت الصلاة والباب ٢٨ من أحكام شهر رمضان.

(٢) في قوله تعالى في سورة محمد الآية ٣٦ (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ).


المعين ـ حيث قال : واما وجوب الكفارة فلا خلاف فيه بين الأصحاب وإنما الخلاف في قدرها ـ غفلة عن الاطلاع على القول المذكور.

أقول : اما وجوب الكفارة في صوم شهر رمضان فهو من ما وقع عليه الاتفاق نصا وفتوى وان وقع الخلاف في بعض الجزئيات وإلا فاصل الحكم لا خلاف فيه ، وقد تقدم من الأخبار في تضاعيف المباحث السابقة وسيأتي في اللاحقة أيضا ما يدل عليه.

ويدل على ذلك من الأخبار زيادة على ما تقدم ويأتي ما رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر؟ قال يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا فان لم يقدر تصدق بما يطيق».

وما رواه الكليني عن جميل بن دراج بإسنادين أحدهما حسن على المشهور صحيح على الأصح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) «انه سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فقال ان رجلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال هلكت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال وما لك؟ فقال النار يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال وما لك؟ قال وقعت على أهلي. قال تصدق واستغفر. فقال الرجل فوالذي عظم حقك ما تركت في البيت شيئا لا قليلا ولا كثيرا. قال فدخل رجل من الناس بمكتل من تمر فيه عشرون صاعا يكون عشرة أصوع بصاعنا فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خذ هذا التمر فتصدق به فقال يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على من أتصدق به وقد أخبرتك انه ليس في بيتي قليل ولا كثير؟ قال فخذه وأطعمه عيالك واستغفر الله». الى غير ذلك من الأخبار التي لا حاجة الى التطويل بنقلها بعد ما عرفت.

واما وجوب الكفارة في صوم النذر فيدل عليه روايات : منها ـ ما رواه

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من ما يمسك عنه الصائم. ورواه الشيخ بسند آخر أيضا.

(٢) الوسائل الباب ٨ من ما يمسك عنه الصائم. ويرويه الشيخ عنه ايضا.


الشيخ في الصحيح عن على بن مهزيار (١) قال : «كتب بندار مولى إدريس : يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب عليه‌السلام وقرأته : لا تتركه إلا من علة وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك ، فان كنت أفطرت فيه من غير علة فتصدق بعدد كل يوم على سبعة مساكين نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى».

هذا على ما هو المشهور المنصور بالأدلة الواضحة ، وقد عرفت من ما تقدم نقله عن ابن ابى عقيل انه لا كفارة عنده إلا في شهر رمضان وهو ضعيف مردود بالأخبار المتكاثرة. واما كونها كفارة يمين أو كفارة شهر رمضان فسيأتي الكلام فيه محررا في كتاب النذر ان شاء الله تعالى.

واما في صيام الاعتكاف فهو المشهور ايضا وظاهر كلام ابن ابى عقيل المتقدم السقوط هنا.

ويدل على المشهور أخبار عديدة : منها ـ ما رواه الكليني والشيخ عنه في الموثق عن سماعة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن معتكف واقع أهله؟ قال : هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان».

وعن زرارة (٣) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المعتكف يجامع أهله؟ فقال : إذا فعل فعليه ما على المظاهر».

وعن عبد الأعلى بن أعين (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وطأ امرأته وهو معتكف ليلا في شهر رمضان؟ قال عليه الكفارة. قال : قلت فإن وطأها نهارا؟ قال عليه كفارتان».

قيل : ولعل حجة ابن ابى عقيل ما رواه حماد في الحسن عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٥)

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ ممن يصح منه الصوم.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٦ من الاعتكاف ورواهما في الفقيه ج ٢ ص ١٢٢ و ١٢٣ أيضا.

(٤) الوسائل الباب ٦ من الاعتكاف عن التهذيب والفقيه.

(٥) الوسائل الباب ٥ من الاعتكاف ، وحماد يرويه عن الحلبي.


قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد وضربت له قبة من شعر وشمر المئزر وطوى فراشه. فقال بعضهم : واعتزل النساء. فقال أبو عبد الله عليه‌السلام اما اعتزال النساء فلا». وحملها الشيخ على ان المراد محادثتهن ومجالستهن دون الجماع لا غير. وهو جيد.

واما قضاء شهر رمضان فقد عرفت الخلاف فيه أيضا.

ويدل على القول المشهور بالنسبة إلى قضاء شهر رمضان ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في الفقيه عن بريد العجلي عن أبى جعفر عليه‌السلام (١) «في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان؟ قال ان كان أتى أهله قبل زوال الشمس فلا شي‌ء عليه إلا يوما مكان يوم ، وان كان أتى أهله بعد زوال الشمس فان عليه أن يتصدق على عشرة مساكين فان لم يقدر عليه صام يوما مكان يوم وصام ثلاثة أيام كفارة لما صنع».

قال في الفقيه (٢) : وروى أنه ان أفطر قبل الزوال فلا شي‌ء عليه وان أفطر بعد الزوال فعليه الكفارة مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان.

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن هشام بن سالم (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل وقع على أهله وهو يقضى شهر رمضان؟ فقال ان كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي‌ء عليه يصوم يوما بدل يوم ، وان فعل بعد العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين فان لم يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة لذلك».

وما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة (٤) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فاتى النساء؟ قال عليه من الكفارة ما على الذي أصاب في شهر رمضان لان ذلك اليوم عند الله من أيام رمضان».

وما رواه عن حفص بن سوقة عن من ذكره عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٥) «في

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٩ من أحكام شهر رمضان.

(٥) الوسائل الباب ٤ من ما يمسك عنه الصائم.


الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل؟ فقال : عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (١) «إذا قضيت صوم شهر رمضان أو النذر كنت بالخيار في الإفطار إلى زوال الشمس فإن أفطرت بعد الزوال فعليك كفارة مثل من أفطر يوما من شهر رمضان. وقد روى ان عليه إذا أفطر بعد الزوال إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من طعام فان لم يقدر عليه صام يوما بدل يوم وصام ثلاثة أيام كفارة لما فعل». وبهذه العبارة عبر ابنا بابويه في الرسالة والمقنع كما نقله في المختلف.

وهل الحكم مختص بقضاء شهر رمضان عن نفسه أو يشمل ما كان عن غيره؟ إشكال ينشأ من إطلاق الأخبار فيمكن القول بالعموم ومن ان المتبادر منها ما كان عن نفسه فيختص به. ولم أقف على من تعرض للتنبيه على ذلك من الأصحاب.

احتج ابن ابى عقيل على ما نقل عنه بما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان ويريد أن يقضيها متى يريد أن ينوي الصيام؟ قال : هو بالخيار الى أن تزول الشمس فإذا زالت الشمس فان كان نوى الصوم فليصم وان كان نوى الإفطار فليفطر. سئل فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال لا. سئل فإن نوى الصوم ثم أفطر بعد ما زالت الشمس؟ قال : قد أساء وليس عليه شي‌ء إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه».

وأجاب عنه في المدارك بضعف السند باشتماله على جماعة من الفطحية. وفيه ما عرفت مرارا من ان هذا الجواب لا يقوم حجة على المتقدمين الذين لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم ولا على من يعمل بالأخبار الموثقة من أصحاب هذا الاصطلاح.

__________________

(١) ص ٢٦.

(٢) الوسائل الباب ٢ من وجوب الصوم ونيته والباب ٢٩ من أحكام شهر رمضان.


وأجاب عنه الشيخ في الاستبصار بان الوجه في قوله : «ليس عليه شي‌ء» ان نحمله على انه ليس عليه شي‌ء من العقاب لأن من أفطر في هذا اليوم لا يستحق العقاب وان أفطر بعد الزوال وان لزمته الكفارة حسب ما قدمناه. ولا يخفى ما فيه من البعد سيما مع اعترافه بجواز الإفطار بعد الزوال فيبعد مجامعة الكفارة له.

وأجاب عنه المحدث الكاشاني في الوافي بأنه خبر شاذ لا يصلح لمعارضة تلك الأخبار المتفق عليها.

والأظهر عندي حمل الخبر المذكور على التقية لما صرح به العلامة (قدس‌سره) في المنتهى من اطباق الجمهور على سقوط الكفارة في ما عدا رمضان إلا قتادة (١).

قال (قدس‌سره) : فرق علماؤنا بين الإفطار في قضاء رمضان أول النهار وبعد الزوال فأوجبوا الكفارة في الثاني دون الأول ، والجمهور لم يفرقوا بينهما بل قالوا بسقوط الكفارة في البابين إلا قتادة فإنه أوجبها فيهما معا ، وابن ابى عقيل من علمائنا اختار مذهب الجمهور في سقوط الكفارة. انتهى.

أقول : ومقتضى إطلاق عبارة ابن ابى عقيل التي قدمناها ـ وكذا نقل الشهيد في الدروس عنه انه لا كفارة في غير رمضان ـ هو موافقة الجمهور في سقوط الكفارات من جميع افراد الصوم عدا شهر رمضان كما حكاه في المنتهى عنهم ، حيث قال : وأطبق الجمهور كافة على سقوط الكفارة في ما عدا رمضان.

واما ما جنح اليه صاحب الذخيرة ـ من اختيار مذهب ابن ابى عقيل عملا بموثقة عمار وحمل الروايات الأربع المتقدمة الدالة على وجوب الكفارة على الاستحباب ـ فهو من جملة تشكيكاته التي لا ينبغي أن يصغى إليها ولا يعرج عليها بعد ما عرفت.

وتنقيح الكلام في المقام يتوقف على بيان أمور الأول ـ لا يخفى ان كلمة

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ١٢٥ والمجموع ج ٦ ص ٣٤٥.


الأصحاب القائلين بوجوب الكفارة متفقة على التحديد بالزوال كما تقدم ، وهو صريح رواية بريد العجلي ورواية كتاب الفقه الرضوي ، وإجمال روايتي زرارة وحفص بن سوقة المتقدمتين محمول على ذلك. واما ما دل عليه صحيح هشام بن سالم من التحديد بصلاة العصر فيجب تأويله بما يرجع به الى تلك الاخبار وإلا فطرحه أو حمله على التقية ، لأن الأخبار قد تكاثرت ـ كما ستأتي في المقام ان شاء الله تعالى ـ بان الزوال هو الحد في جواز الإفطار وعدمه فيجب أن يكون هو الحد في وجوب الكفارة وعدمه.

وقال الشيخ في الاستبصار بعد ذكر خبري بريد وهشام انه لا تنافي بين الخبرين لأنه إذا كان وقت الصلاتين عند الزوال إلا ان الظهر قبل العصر على ما بيناه في ما تقدم جاز ان يعبر عن ما قبل الزوال بأنه قبل العصر لقرب ما بين الوقتين ويعبر عن ما بعد الزوال بأنه بعد العصر لمثل ذلك. ورده جملة من متأخري المتأخرين بالبعد وهو وان كان كذلك إلا انه أولى من الطرح رأسا فإن العمل عليه بعد ما عرفت غير ممكن.

ثم ان الشيخ أيضا جوز حمل خبر العصر على الوجوب وخبر الزوال على الاستحباب ، وهو غير جيد وان استقربه في الذخيرة لاستفاضة الأخبار بالتحديد بالزوال في تحريم الإفطار وهو وقت تعلق الكفارة البتة ، ولا معنى لكونه يحرم عليه الإفطار بعد الزوال ولا تجب عليه الكفارة إلا بعد العصر كما هو ظاهر لكل ذي فهم.

وليس ببعيد تطرق التحريف الى هذا الخبر من قلم الشيخ بتبديل الظهر بالعصر كما لا يخفى على من له انس بطريقته وما وقع له في الاخبار متونا وإسنادا من التبديل والتحريف والزيادة والنقصان.

وبالجملة فالعمل على القول المشهور المؤيد بالأخبار المذكورة.

الثاني ـ اختلف أصحابنا (رضوان الله عليهم) في كفارة قضاء شهر رمضان فالمشهور بينهم أنها إطعام عشرة مساكين فان لم يتمكن صام ثلاثة أيام ، ونقل في


المختلف عن ابني بابويه في الرسالة والمقنع ان عليه مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان ، وقد روى ان عليه إذا أفطر. إلى آخر ما تقدم من عبارة كتاب الفقه الرضوي والظاهر انه اقتطع من العبارة موضع الحاجة ولم ينقل عبارة الرسالة من أولها. ونقل في المختلف عن ابن إدريس انه قال بالقول المشهور وقال في موضع آخر انها كفارة يمين ونقله أيضا عن ابن البراج ، وعن ابى الصلاح انها صيام ثلاثة أيام أو إطعام عشرة مساكين.

ويدل على القول المشهور ما تقدم من رواية بريد العجلي وصحيحة هشام (١) وعلى قول ابني بابويه موثقة زرارة ورواية حفص بن سوقة (٢) وان كان معتمدهما إنما هو على كتاب الفقه الذي نقلا عبارته كما هي قاعدتهم في غير مقام من ما أوضحنا بيانه. واما القولان الآخران فلم أقف لهما على دليل.

بقي الكلام في الجمع بين الاخبار المذكورة والشيخ بعد ذكر خبر زرارة حمله على الشذوذ أولا ثم على من أفطر مستخفا بالفرض متهاونا به فيغلظ عليه ويعاقب بذلك. ورده جملة من متأخري المتأخرين بالبعد وهو كذلك. واما الخبر الثاني فذكره في موضع آخر ولم يتعرض له. وجملة من متأخري المتأخرين حملوهما على الاستحباب ، وفيه ما عرفت في غير مقام. والمسألة عندي محل توقف والاحتياط لا يخفى.

الثالث ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز الإفطار قبل الزوال حتى ان المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى لم ينقلا في ذلك خلافا ، ونقل في المختلف عن ابى الصلاح ان كلامه يشعر بتحريمه. وقال ابن ابى عقيل : ومن أصبح صائما لقضاء ما كان عليه من رمضان وقد نوى الصوم من الليل فأراد أن يفطر في بعض النهار لم يكن له ذلك. وهو ظاهر في ما نقل عن ابى الصلاح أيضا.

ويدل على القول المشهور وهو المختار جملة من الأخبار : ومنها ـ رواية بريد العجلي المتقدمة (٣).

__________________

(١ و ٢ و ٣) ص ٢١٢.


ومنها ـ صحيحة جميل بن دراج عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «انه قال في الذي يقضى شهر رمضان انه بالخيار الى زوال الشمس وان كان تطوعا فإنه إلى الليل بالخيار».

وموثقة أبي بصير (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تقضى شهر رمضان فيكرهها زوجها على الإفطار؟ فقال : لا ينبغي له أن يكرهها بعد الزوال».

أقول : ولفظ «لا ينبغي» وان استعمل في الاخبار بمعنى الكراهة تارة والتحريم أخرى إلا انه هنا بالمعنى الثاني للأخبار المتقدمة.

ورواية سماعة بن مهران عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «في قوله : الصائم بالخيار الى زوال الشمس قال : ذلك في الفريضة فاما النافلة فله أن يفطر أي ساعة شاء الى غروب الشمس».

وصحيحة عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى ما شئت وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر الى زوال الشمس فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر».

ورواية إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «الذي يقضى شهر رمضان هو بالخيار في الإفطار ما بينه وبين أن تزول الشمس وفي التطوع ما بينه وبين أن تغيب الشمس».

ولعل حجة المانعين ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٦) قال : «سألته عن الرجل يقضى رمضان إله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ فقال : إذا كان نوى ذلك من الليل وكان من قضاء رمضان فلا يفطر ويتم صومه. الحديث».

وأجيب عنه بالحمل على الاستحباب ، وهو غير بعيد لورود مثل ذلك في الصوم المستحب والواجب اولى.

وقد تقدم في رواية معمر بن خلاد عن ابى الحسن عليه‌السلام) (٧) قال : «كنت

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٤ من وجوب الصوم ونيته.


جالسا عنده آخر يوم من شعبان فلم أره صائما قلت جعلت فداك صمت اليوم؟ فقال لي ولم. الى أن قال : فقلت أفطر الآن؟ فقال : لا. فقلت : وكذلك في النوافل ليس لي ان أفطر بعد الظهر؟ قال نعم».

المسألة الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في كفارة شهر رمضان فالمشهور التخيير بين الأنواع الثلاثة : عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا ، ذهب اليه الشيخان والمرتضى وابن الجنيد وأبو الصلاح وسلار وابن البراج وابن إدريس وغيرهم ، واختاره السيد السند في المدارك. وقال ابن ابى عقيل على ما نقله عنه في المختلف : الكفارة عتق رقبة فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا. قال : وهذا يدل على الترتيب. وقال الشيخ في الخلاف ان فيه روايتين الترتيب والتخيير. ولم يرجح إحداهما. وفي المبسوط اختار التخيير ثم قال : وقد روى انها مرتبة. وذهب الصدوق في من لا يحضره الفقيه الى التفصيل وهو وجوب الثلاث ان أفطر على محرم ووجوب الواحدة في الإفطار على محلل ، وهو قول الشيخ في كتابي الأخبار ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد وابنه فخر المحققين في الإيضاح ونقله عن ابن حمزة أيضا.

ويدل على القول الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام. وقد تقدم في المسألة الأولى (١).

وما رواه في التهذيب عن ابى بصير (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وضع يده على شي‌ء من جسد امرأته فأدفق؟ فقال : كفارته ان يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا أو يعتق رقبة».

وروى في الوسائل نقلا من نوادر احمد بن محمد بن عيسى عن عثمان بن

__________________

(١) ص ٢١٠.

(٢) الوسائل الباب ٤ من ما يمسك عنه الصائم.


عيسى عن سماعة (١) قال : «سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمدا؟ قال : عليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صوم شهرين متتابعين وقضاء ذلك اليوم ومن اين له مثل ذلك اليوم؟». قال : ورواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسى.

ويدل على ذلك أيضا ما تقدم (٢) في المسألة الأولى من حسنة جميل بن دراج الدالة على أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لذلك الرجل الذي شكى إليه انه أتى أهله في شهر رمضان ـ بالصدقة.

ونحوها صحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا؟ قال : عليه خمسة عشر صاعا لكل مسكين مد».

والتقريب في هذين الخبرين دلالتهما على الاجتزاء بالصدقة مطلقا ولو كانت الكفارة مرتبة كما يدعى لكان مقام البيان يقتضي ذكرهما وان الصيرورة إلى الصدقة لتعذرهما.

وفي كتاب الفقه الرضوي (٤) : ومن جامع في شهر رمضان أو أفطر فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد من طعام ، وعليه قضاء ذلك اليوم وانى له بمثله؟.

احتج القائلون بالترتيب بما رواه الصدوق في الفقيه عن عبد المؤمن بن القاسم الأنصاري عن ابى جعفر عليه‌السلام (٥) «ان رجلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : هلكت وأهلكت. فقال : وما أهلكك؟ قال : أتيت امرأتي في شهر رمضان وأنا صائم فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعتق رقبة. قال : لا أجد؟ قال : فصم شهرين متتابعين. قال : لا أطيق؟ قال : تصدق على ستين مسكينا. قال : لا أجد؟ فاتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعذق

__________________

(١ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٨ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) ص ٢١٠.

(٤) ص ٢٥.


في مكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : خذها فتصدق بها فقال والذي بعثك بالحق نبيا ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا. فقال : خذه فكله أنت وأهلك فإنه كفارة لك».

وأجاب عنه في المدارك أولا ـ بالطعن في السند بجهالة الراوي فلا يعارض الأخبار السليمة.

وثانيا ـ بأن أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشي‌ء بعد الشي‌ء ليس صريحا في الترتيب ولو كان كذلك لوجب تنزيله على الاستحباب فتكون جامعين بين العمل بالروايتين وليس كذلك لو أوجبنا الترتيب بل يلزم منه سقوط خبر التخيير.

أقول : وهذا الجواب من حيث عدم الصراحة في الدلالة على القول المذكور جيد إلا انه قد روى على بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان ما عليه؟ قال : عليه القضاء وعتق رقبة فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا فان لم يجد فليستغفر الله».

وهذا الخبر كما ترى صحيح صريح في القول المذكور ، وصاحب الوسائل بعد نقله حمله على الاستحباب والأفضلية ، وقد عرفت ما في هذا الحمل من الاشكال كما أوضحناه في غير موضع من ما تقدم.

والأظهر عندي حمل هذه الرواية لصراحتها على التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كل بلية ، ولو كانت الرواية الأولى صريحة في القول المذكور لوجب حملها على ذلك أيضا بأن تكون التقية في النقل فإن العامة قد رووا الحديث المذكور كذلك (٢) فيكون حكاية لما رووه ، إلا ان الخبر غير صريح كما عرفت.

ووجه الحمل على التقية ما نقله في المنتهى من أن الترتيب مذهب أبي حنيفة

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٢١.


والثوري والشافعي والأوزاعي (١) قال : وبه قال ابن ابى عقيل من علمائنا.

قال في المنتهى : احتج الجمهور بما رواه أبو هريرة (٢) «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال للواقع على أهله : هل تجد رقبة تعتقها؟ قال لا. قال : هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال لا. قال : فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟». فدل على انها للترتيب.

ثم أجاب (قدس‌سره) عنها بأن أمره بشي‌ء بعد آخر لا يدل على الترتيب إذ ليس بصريح فيه. الى آخر ما قدمناه من الجواب المنقول عن المدارك.

وبذلك يظهر لك ان الأظهر في الجمع بين هذه الأخبار هو حمل ما دل على الترتيب على التقية كما ذكرنا.

احتج من ذهب الى التفصيل بما رواه الصدوق في الفقيه عن عبد السلام بن صالح الهروي (٣) قال «قلت للرضا عليه‌السلام يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد روى عن آبائك في من جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفارات ، وروى عنهم أيضا كفارة واحدة ، فبأي الحديثين نأخذ؟ قال بهما جميعا : متى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات : عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم ، وان كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفارة واحدة وقضاء ذلك اليوم ، وان كان ناسيا فلا شي‌ء عليه».

وربما طعن بعضهم في سند الرواية وهو عندنا غير معول عليه ، مع انه بناء على اصطلاحهم يمكن الجواب عنه بان عبد الواحد بن محمد بن عبدوس من مشايخ الصدوق وقد أكثر الرواية عنه في كتبه ، وعلى بن محمد بن قتيبة من مشايخ الكشي وقد أكثر النقل عنه في كتابه ، فهما من مشايخ الإجازة المتفق بينهم على عدم احتياجهم الى التوثيق ، واما حمدان بن سليمان فهو ثقة في كتب الرجال لا خلاف

__________________

(١ و ٢) المغني ج ٣ ص ١٢٧ و ١٢٨.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من ما يمسك عنه الصائم.


فيه ، واما عبد السلام بن صالح فقد وثقه النجاشي وقال انه صحيح الحديث ، واما ما ذكره الشيخ في كتاب الرجال من انه عامي فالظاهر انه وهم منه (قدس‌سره) وقد أورد الكشي روايات تدل على انه من فضلاء الشيعة الإمامية وهو المختار عند جملة من أصحاب هذا الاصطلاح ، فلا طعن في الرواية عند التحقيق.

على انه من ما يعضد هذه الرواية ما صرح به في الفقيه حيث قال : واما الخبر الذي روى ـ في من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا ان عليه ثلاث كفارات ـ فإني افتى به في من أفطر بجماع محرم عليه أو بطعام محرم عليه لوجود ذلك في روايات ابى الحسين الأسدي (رضي‌الله‌عنه) في ما ورد عليه من الشيخ ابى جعفر محمد بن عثمان العمرى. انتهى. والظاهر كما استظهره جملة من أصحابنا اتصال ذلك بصاحب الأمر عليه‌السلام فإن الأسدي كان من الوكلاء الذين ترد عليهم التوقيعات كما ذكره الشيخ في كتاب الغيبة والميرزا محمد في كتاب الرجال ، وحينئذ فهذا الكلام في قوة خبر مرسل.

وبالجملة فالحق انه لا مجال للتوقف في ما دلت عليه هذه الرواية من التفصيل وبها يخصص إطلاق الأخبار المتقدمة.

واما ما ذكره في المعتبر ـ حيث قال بعد أن أورد رواية عبد السلام : ان هذه الرواية لم بظهر العمل بها بين الأصحاب ظهورا يوجب العمل بها وربما حملناها على الاستحباب ليكون آكد في الزجر ـ فلا يخفى ما فيه.

وعلى ما ذكرنا من التفصيل وان الإفطار على محرم موجب للجمع يجب ان يحمل ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (١) قال : «سألته عن رجل أتى أهله في رمضان متعمدا؟ قال عليه عتق رقبة وإطعام ستين مسكينا وصيام شهرين متتابعين وقضاء ذلك اليوم ، واين له مثل ذلك اليوم؟».

والشيخ (رضي‌الله‌عنه) قد أولها بوجهين : أحدهما ما ذكرناه وثانيهما حمل

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من ما يمسك عنه الصائم.


الواو على التخيير دون الجمع كما في قوله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (١) أقول : والظاهر ان الأول أظهر.

وينبغي التنبيه هنا على أمور :

الأول ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان الذي يعطى لكل فقير مد ، ونقل عن الشيخ في المبسوط والخلاف الإطعام لكل مسكين مدان.

ويدل على المشهور جملة من الاخبار : منها ـ صحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد الله المتقدمة في هذه المسألة (٢).

وموثقة سماعة (٣) قال : «سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال : عليه إطعام ستين مسكينا مد لكل مسكين».

وصحيحة عيص بن القاسم (٤) قال : «سألته عن من لم يصم الثلاثة الأيام وهو يشتد عليه الصيام هل فيه فداء؟ قال : مد من طعام في كل يوم».

احتج الشيخ على ما نقله في المختلف بأنه أحوط ، وبان المدين بدل عن اليوم في كفارة صيد الإحرام. ثم أجاب في المختلف عن الأول بأنه معارض بالبراءة ، وعن الثاني بأنه معارض بما تقدم من الأخبار من ان المد بدل عن اليوم.

الثاني ـ قد تقدم في صحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد الله ان الواجب في الإطعام خمسة عشر صاعا لكل مسكين مد ومثلها حديث الأنصاري المتقدم ، وهو المعمول عليه بين الأصحاب لأن الصاع أربعة أمداد وقسمة الخمسة عشر لكل مسكين مد يقتضي بسطها على ستين مسكينا وهو المأمور به في الأخبار المستفيضة.

إلا انه قد تقدم في صحيحة جميل بن دراج المتقدمة في المسألة الأولى (٥) في حكاية الرجل المجامع الذي أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «فدخل رجل من الناس بمكتل

__________________

(١) سورة النساء الآية ٤.

(٢) ص ٢١٩.

(٣) الوسائل الباب ٨ من ما يمسك عنه الصائم.

(٤) التهذيب ج ٤ ص ٣١٣ عن الكليني وفي الوسائل الباب ١١ من الصوم المندوب.

(٥) ص ٢١٠.


من تمر فيه عشرون صاعا يكون عشرة أصوع بصاعنا».

ومثله ما رواه في الفقيه عن إدريس بن هلال عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «انه سئل عن رجل أتى أهله في شهر رمضان؟ قال : عليه عشرون صاعا من تمر فبذلك أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الرجل الذي أتاه فسأله عن ذلك».

وما رواه في الفقيه أيضا عن محمد بن النعمان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) «انه سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان؟ فقال : كفارته جريبان من طعام وهو عشرون صاعا».

وما رواه في الكافي في الموثق عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله البصري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا؟ قال : يتصدق بعشرين صاعا ويقضى مكانه».

ولا ريب في منافاة هذه الاخبار للخبرين المتقدمين اللذين عليهما عمل الأصحاب والعلامة في المنتهى نقل من هذه الأخبار خبر جميل بن دراج وخبر محمد بن النعمان ، وحمل الأول على انه فقير فإذا كفر بعشرة أصوع خرج عن العهدة لأنه فقير غير متمكن من الصيام وإلا أمره عليه‌السلام به.

وظاهره ان صاحب هذه القضية التي في رواية جميل غير الذي في رواية الأنصاري ، والذي يظهر من الفقيه انها قضية واحدة حيث انه ـ بعد نقل رواية الأنصاري المشتملة على ان المكتل فيه خمسة عشر صاعا (٤) قال : وفي رواية جميل ابن دراج عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٥) ان المكتل الذي أتى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان فيه عشرون صاعا من تمر. وعلى هذا يعظم الاشكال.

وحمل الثاني على صغر الصاع. وأنت خبير بما فيه من البعد سيما مع اعتضاد هذا الخبر بخبر إدريس وموثقة عبد الرحمن.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٨ من ما يمسك عنه الصائم.

(٤) ص ٢١٩ و ٢٢٠.

(٥) ٢١٠.


وكيف كان فالظاهر انه لا خروج عن ما عليه الأصحاب لاعتضاده بالأخبار الدالة على التصدق على ستين مسكينا وان الصدقة بمد وان الصاع أربعة أمداد.

إلا انه يبقى الإشكال في الجواب عن هذه الاخبار ويمكن حملها على التقية وان لم يعلم به قائل من العامة كما قدمناه في مقدمات الكتاب. ويحتمل ولعله الأقرب الحمل على اختلاف الصاع وان الخمسة عشر صارت في وقته عليه‌السلام بعشرين صاعا باعتبار اختلاف الأوقات زيادة ونقيصة.

الثالث ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو عجز عن الخصال الثلاث ، فقيل انه يصوم ثمانية عشر يوما وهو منقول عن الشيخ المفيد والمرتضى وابن إدريس ، وقيل انه يتصدق بما يطيق وهو منقول عن الصدوق في المقنع وابن الجنيد.

وقال في المنتهى : ولو عجز عن الأصناف الثلاثة صام ثمانية عشر يوما فان لم يقدر تصدق بما وجد أو صام ما استطاع فان لم يتمكن استغفر الله تعالى ولا شي‌ء عليه ذهب إليه علماؤنا. ثم نقل اختلاف الجمهور وبحث معهم في المسألة (١) وفي المختلف استقرب التخيير بين صوم ثمانية عشر يوما والتصدق بما يطيق.

ويدل على الأول ما رواه الشيخ عن ابى بصير وسماعة بن مهران (٢) قالا : «سألنا أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام ولم يقدر على العتق ولم يقدر على الصدقة؟ قال : فليصم ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام».

وما رواه الشيخ عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : سألته عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين. الى آخر الحديث المتقدم.

ويدل على الثاني صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في المسألة الأولى حيث

__________________

(١) المنتهى ج ٢ ص ٥٧٥ والمغني ج ٣ ص ١٣٢.

(٢) التهذيب ج ٤ ص ٢٠٧ و ٢٠٨.

(٣) الوسائل الباب ٩ من بقية الصوم الواجب.


قال عليه‌السلام بعد التخيير بين الخصال الثلاث : «فان لم يقدر تصدق بما يطيق».

وصحيحته الأخرى الحسنة على المشهور عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) : «في رجل وقع على أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدق به على ستين مسكينا؟ قال : يتصدق بقدر ما يطبق».

والجمع بين الاخبار بالتخيير كما رجحه في المختلف متعين وبه جمع الشهيد في الدروس وبه قطع شيخنا الشهيد الثاني.

وجملة من المتصلبين في هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح كصاحب المدارك وصاحب الذخيرة اطرحوا الروايتين الدالتين على صوم الثمانية عشر لضعف السند واختاروا ما دلت عليه اخبار التصدق بما يطيق محتجين بان الجمع بين الأخبار إنما يكون بعد التكافؤ في السند.

وظاهر عبائر جملة من الأصحاب ان هذا الحكم اعنى الانتقال الى صوم ثمانية عشر يوما حكم من وجب عليه شهران متتابعان مطلقا بكفارة أو نذر أو ما في معناه وما لو وجبا في كفارة تعيينا أو تخييرا. وفي استفادة هذا التعميم من الخبرين المذكورين إشكال فإن ظاهرهما إنما هو الكفارة المشتملة على الخصال الثلاث.

ثم انهم قد اختلفوا في اشتراط التتابع وعدمه في صوم الثمانية عشر (٢).

الرابع ـ الظاهر انه لا خلاف في أن من عجز عن الصوم أصلا فإنه يجزئه الاستغفار والتوبة وهو كفارته ، وهو مقطوع به في كلام الأصحاب.

ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الشيخ عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه من صوم أو عتق

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) ورد في هامش الطبعة القديمة : هذه العبارة هكذا وقعت في النسخ ويحتمل سقوط تتمة الكلام إذ من البعيد في عادة المصنف الاكتفاء بذكر الخلاف فقط. والله العالم.

(٣) الوسائل الباب ٦ من الكفارات.


أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك من ما يجب على صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار».

وعن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن شي‌ء من كفارة اليمين. الى أن قال : قلت فان عجز عن ذلك؟ قال : فليستغفر الله».

وقد تقدم (٢) في حديث المجامع الذي اتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما يدل على ذلك أيضا.

بقي الكلام في ما لو قدر على التكفير بعد الاستغفار وظاهر النصوص المذكورة عدم الوجوب حيث أن بعضها صريح في ان الاستغفار كفارة له ، وقال في الدروس : ولو قدر بعد الاستغفار فإشكال إذ لا تجب الكفارة على الفور. وفيه ما عرفت.

الخامس ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) اشتراط الايمان في الرقبة في هذا الموضع وغيره من افراد الكفارات التي يجب فيها عتق رقبة ، ونقل في المختلف عن السيد المرتضى وابن إدريس التصريح بالأيمان في خصوص هذا الموضع.

والآية أعني قوله عزوجل (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) (٣) وان كان موردها قتل الخطأ إلا انهم حملوا عليها سائر الكفارات حملا للمطلق على المقيد وان اختلف السبب ، ولما في رواية سيف بن عميرة «أيجوز للمسلم أن يعتق مملوكا مشركا؟ قال : لا» (٤).

وقيل بعدم اشتراطه إلا في قتل الخطأ الذي هو مورد الآية ، وهو منقول عن ابن الجنيد والشيخ في المبسوط والخلاف.

ويدل على خصوص ما نحن فيه ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن احمد بن محمد بن ابى نصر البزنطي الذي نقل في شأنه انه ممن أجمعت العصابة على تصحيح

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من الكفارات.

(٢) ص ٢١٠.

(٣) سورة النساء الآية ٩٥.

(٤) الوسائل الباب ١٧ من العتق.


ما يصح عنه عن المشرقي عن ابى الحسن عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أياما متعمدا ما عليه من الكفارة؟ فكتب عليه‌السلام : من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة مؤمنة ويصوم يوما بدل يوم».

والقول الثاني ـ في غير كفارة شهر رمضان لما عرفت من الخبر ـ لا يخلو من قوة. وسيجي‌ء تحقيق المسألة في محلها ان شاء الله تعالى.

السادس ـ الظاهر من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) الاتفاق على انه لا تجزئ القيمة في شي‌ء من خصال الكفارة لاشتغال الذمة بها ، والانتقال إلى القيمة يحتاج الى دليل وليس فليس

السابع ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو تبرع أحد بالكفارة عن الحي ، فقيل انه يجزئ ذلك عنه صوما كان أو غيره وهو قول الشيخ في المبسوط واختاره العلامة في المختلف ، وقيل انه يجزئ ما عدا الصوم واما الصوم فإنه يراعى فيه الوفاة وهو مذهب المحقق في الشرائع ، وقيل بالمنع مطلقا واختاره جماعة من الأصحاب : منهم ـ السيد السند في المدارك ، وهو الأقرب لعدم النص الدال عليه وتعلق التكليف بالحي وتوجه الخطاب اليه فلا يحصل الامتثال بفعل غيره.

احتج العلامة في المختلف على ما ذهب اليه من القول الأول بأنه دين يقضى عن المديون فوجب ان تبرأ ذمته كما لو كان لأجنبي بل هنا أولى لأن حق الله تعالى مبنى على التخفيف.

وهو من حيث الاعتبار جيد إلا ان الظاهر ان التكفير من جملة العبادات التي من شأنها عدم قبول النيابة عن الحي إلا ما استثنى.

وبالجملة فالأحكام الشرعية يجب أن تكون دائرة مدار النصوص الظاهرة

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من ما يمسك عنه الصائم.


والأدلة الباهرة وما ذكره من التعليل يصلح توجيها للنص لو وجد لا أن يكون دليلا مستقلا.

واما ما يظهر من الوسائل من الاجزاء ـ حيث ذكر في باب (١) ان من أفطر يوما من شهر رمضان عمدا وجب عليه مع القضاء كفارة مخيرة. الى ان قال : وان تبرع أحد بالتكفير عنه أجزأه. ثم أورد في الباب خبر المجامع الذي أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المشتمل على انه صلى‌الله‌عليه‌وآله أتى بمكتل فيه خمسة عشر صاعا في أحد الخبرين (٢) أو عشرون كما في الخبر الآخر (٣) فأعطاه ذلك الرجل وقال له تصدق به ـ

ففيه ان محل الخلاف في المسألة من تبرع بالكفارة صدقة كان أو غيرها عن الحي لا من أعطاه شيئا وملكه إياه وامره بالتصدق عنه كما هو مورد الخبرين وهذا من جملة غفلاته (طاب ثراه).

واما التبرع عن الميت فالمشهور جوازه وهو ظاهر الأخبار الكثيرة المتقدمة في كتاب الصلاة (٤) المتضمنة لانتفاعه بما يلحقه من الطاعات :

كرواية حماد بن عثمان (٥) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام ان الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة وكل عمل صالح ينفع الميت حتى ان الميت يكون في ضيق فيوسع عليه ويقال هذا بعمل ابنك فلان وبعمل أخيك فلان ، أخوه في الدين».

ورواية محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٦) قال : «يقضى عن الميت الصوم والحج والعتق وفعله الحسن». الى غير ذلك من الاخبار المتقدمة.

المسألة الثالثة ـ الظاهر انه لا خلاف نصا وفتوى في أن الكفارة تتكرر بتكرر الموجب إذا كان في يومين.

إنما الخلاف في تكررها بتكرر الموجب في اليوم الوحد فقال الشيخ في

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من ما يمسك عنه الصائم.

(٢) ص ٢١٩.

(٣) ص ٢١٠.

(٤) ج ١١ ص ٣٢.

(٥) الوسائل الباب ٢ من قضاء الصلوات.

(٦) الوسائل الباب ٢ من قضاء الصلوات.


المبسوط انه ليس لأصحابنا فيه نص والذي يقتضيه مذهبنا انه لا تتكرر الكفارة ، واختاره ابن حمزة وجماعة : منهم ـ المحقق في كتبه الثلاثة ، وقال المرتضى بتكررها بتكرر الوطء ، وقال ابن الجنيد ان كفر عن الأول كفر ثانيا وإلا كفر كفارة واحدة عنهما. وقال العلامة في المختلف الأقرب عندي انه ان تغاير جنس المفطر تعددت الكفارة وإلا فلا. ورجح المحقق الشيخ على في حاشية الشرائع تكرر الكفارة بتكرر السبب مطلقا.

وقال في المسالك بعد نقل عبارة المصنف : لا ريب في تكررها مع اختلاف الأيام مطلقا واما في اليوم الواحد فالأصح تكررها بتكرر الجماع. ومع تخلل التكفير ومع اختلاف نوع الموجب ، اما مع اتفاقه فقال في الدروس لا تتكرر قطعا وفي المهذب إجماعا ، واختار المحقق الشيخ على تكررها مطلقا وهو الأصح ان لم يكن قد سبق الإجماع على خلافه. والأكل والشرب مختلفان ويتعددان بتعدد الازدراد والجماع بالعود بعد النزع. انتهى.

أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الصدوق (قدس) في كتاب عيون اخبار الرضا وكتاب الخصال بسنده الى الفتح ابن يزيد الجرجاني (١) «انه كتب الى أبى الحسن عليه‌السلام يسأله عن رجل واقع امرأة في شهر رمضان من حلال أو حرام في يوم عشر مرات؟ قال : عليه عشر كفارات لكل مرة كفارة فإن أكل أو شرب فكفارة يوم واحد».

ونقل العلامة في المختلف عن ابن ابى عقيل قال : ذكر أبو الحسن ذكريا بن يحيى صاحب كتاب شمس المذهب عنهم (عليهم‌السلام) (٢) ان الرجل إذا جامع في شهر رمضان عامدا فعليه القضاء والكفارة فإن عاود إلى المجامعة في يومه ذلك مرة أخرى فعليه في كل مرة كفارة.

وقال في المختلف في أثناء البحث في هذه المسألة : ويؤيده ما روى عن

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١١ من ما يمسك عنه الصائم.


الرضا عليه‌السلام ان الكفارة تتكرر بتكرر الوطء. ويمكن أن يكون هذا إشارة إلى الرواية التي قدمناها أو الى رواية أخرى غيرها.

وبالجملة فإن الظاهر عندي هو الوقوف على ما دلت عليه رواية الفتح المذكورة إذ لا معارض لها في المسألة ولم يتعرض أحد من أصحابنا لنقلها وهي ظاهرة في ما نقل عن السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه).

وما ذكره أصحاب هذه الأقوال من التعليلات لما ذهبوا اليه لا يمكن الرجوع اليه ولا التعويل عليه ولو لا وجود ما ذكرناه لكانت المسألة محل توقف واشكال لعدم النص الذي هو العمدة في الاستدلال.

وقد أطال العلامة في المختلف في الاستدلال على ما ذهب اليه بما لا مزيد فائدة في التعرض الى نقله والكلام عليه بعد ما عرفت.

بقي الإشكال في ان ظاهر هذين الخبرين ان الواجب بالتعدد في الجماع كفارة واحدة وان كان الجماع لأجنبية مع انه قد تقدم في سابق هذه المسألة ان الأصح في هذه الصورة ثلاث كفارات للتوقيع المتقدم ورواية الهروي ، والتنافي ظاهر.

ولا يحضرني الآن وجه جمع بين هذه الأخبار إلا أن يخص كل من هذه الأخبار المتنافية بمورده ، فتحمل أخبار التعدد إذا جامع حراما على الجماع مرة واحدة وهذان الخبران على تعدد الجماع كما هو موردهما فإنه ليس عليه إلا كفارة واحدة ، ولعله لمناسبة التخفيف عنه لانه متى جامع عشر مرات حراما وقلنا بان الواجب في الحرام ثلاث كفارات كان الواجب ثلاثين كفارة وهو في غاية العسر والحرج ، فلعله لذلك لم يجب عليه إلا كفارة واحدة. والله العالم بحقائق الأمور.

المسألة الرابعة ـ لو فعل ما تجب به الكفارة ثم سقط فرض الصوم بسفر أو حيض أو شبهه فهل تسقط الكفارة أم لا؟ قولان ثانيهما للشيخ في الخلاف وأكثر الأصحاب وادعى عليه في الخلاف إجماع الفرقة.

واستدل عليه بأنه أفسد صوما واجبا من رمضان فاستقرت عليه الكفارة


كما لو لم يطرأ العذر. وبأنه أوجد المقتضى وهو الهنك والإفساد بالسبب الموجب للكفارة فثبت الأثر ، والمعارض وهو العذر المسقط لفرض الصوم لا يصلح للمانعية عملا بالأصل. والقول الأول حكاه المحقق وغيره واختاره العلامة في جملة من كتبه.

واستدل عليه بان هذا اليوم غير واجب صومه عليه في علم الله تعالى وقد انكشف لنا ذلك بتجدد العذر فلا تجب فيه الكفارة كما لو انكشف أنه من شوال بالبينة.

أقول : يمكن تطرق الطعن الى هذا الاستدلال بأن الأحكام الشرعية والتكاليف الواردة من الشارع إنما بنيت على الظاهر لا على نفس الأمر والواقع ، فان الحلال والحرام والطاهر والنجس ليس إلا عبارة عن ما كان كذلك في نظر المكلف لا عن ما كان واقعا لقولهم (عليهم‌السلام) (١) : «كل شي‌ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه». وقولهم (٢) «كل شي‌ء طاهر حتى تعلم انه قذر». ونحو ذلك. وبه يظهر قوة ما ذكره الشيخ (قدس‌سره).

واما القياس على انكشاف كونه من شوال فهو قياس مع الفارق لأنه بعد انكشاف كونه من شوال لا يصدق عليه انه أفطر يوما من شهر رمضان فلا تجب عليه كفارة ، واما في ما نحن فيه فلا خلاف في انه أفطر يوما من شهر رمضان لغير عذر وان طرأ العذر بعد ذلك فتتناوله الأخبار الدالة على وجوب الكفارة على من كان كذلك.

وبالجملة فإن الأخبار الدالة على وجوب الكفارة على من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا شاملة بإطلاقها لهذه الصورة وتجدد العذر لا يصلح لاسقاطها

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من ما يكتسب به والباب ٦٤ من الأطعمة المحرمة والباب ٦١ من الأطعمة المباحة باختلاف في اللفظ.

(٢) الوسائل الباب ٣٧ من النجاسات واللفظ «كل شي‌ء نظيف ...».


بعد ثبوتها ، وقول ذلك القائل ـ انه غير واجب صومه في علم الله تعالى ـ مدفوع بان الوجوب ليس مبنيا على علم الله تعالى الذي هو عبارة عن الواقع ونفس الأمر كما عرفت.

وذكر العلامة ومن تأخر عنه ان مبنى المسألة على قاعدة أصولية وهي ان المكلف إذا علم فوات شرط الفعل هل يجوز أن يكلف به أم يمتنع؟ فعلى الأول تجب الكفارة وعلى الثاني تسقط.

قال في المدارك بعد نقل ذلك : وعندي في هذا البناء نظر إذ لا منافاة بين الحكم بامتناع التكليف بالفعل مع علم الآمر بانتفاء الشرط كما هو الظاهر وبين الحكم بثبوت الكفارة هنا لتحقق الإفطار في صوم واجب بحسب الظاهر كما هو واضح.

ومرجعه الى عدم اندراج ما نحن فيه تحت القاعدة المذكورة لجواز ان يكون وجوب الكفارة مبنيا على وجوب الصيام بحسب الظاهر وان قلنا انه يمتنع التكليف في الصورة المذكورة.

وفرق بعضهم بين ما لو كان المسقط باختياره كالسفر غير الضروري أو بغير اختياره كالحيض والسفر الضروري فأسقط الكفارة بالثاني دون الأول.

قال في المدارك : ويظهر من العلامة في مطولاته الثلاثة والشارح (قدس‌سره) ان سقوط الكفارة في هذه الصورة ـ يعني صورة ظهور كونه من شوال ـ لا خلاف فيه ، فإنهما استدلا على سقوط الكفارة مع سقوط الفرض بسقوطها إذا انكشف كون ذلك اليوم من شوال بالبينة ، ومقتضى ذلك كون السقوط هنا مسلما عند الجميع. انتهى.

واعترضه بعض مشايخنا المتأخرين بأن هذا غير ظاهر بل الظاهر خلافه فان الشهيد الثاني نقل في سقوط الكفارة بالسفر أقوالا ثلاثة : الأول ـ سقوط الكفارة بالسفر مطلقا إذا كان موجبا للقصر لتبين عدم وجوب الصوم ، الثاني ـ عدم السقوط بذلك مطلقا لصدق فعل موجب الكفارة في صوم واجب ، الثالث ـ


الفرق بين السفر الضروري وغيره ، فظهر ان محل الخلاف أعم من ما ذكره السيد (قدس‌سره). انتهى.

أقول : الظاهر ان ما نقله شيخنا المذكور عن الشهيد الثاني مأخوذ من كتاب تمهيد القواعد فإنه غير موجود في كتاب المسالك ولا في كتاب الروضة.

وكيف كان فالظاهر انه لو كان المكلف إنما فعل ذلك لأجل إسقاط الكفارة بعد أن وجبت عليه فإنه لا يدخل في محل الخلاف وإلا لزم إسقاط الكفارة عن كل مفطر باختياره ثم السفر لإسقاط الكفارة.

ويدل على ذلك صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم الحسنة على المشهور المتقدمة في كتاب الزكاة في حديث طويل (١) قالا : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام أيما رجل كان له مال وحال عليه الحول فإنه يزكيه. قلت فان وهبه قبل حله بشهر أو بيوم؟ قال ليس عليه شي‌ء أبدا. قال وقال زرارة عنه : انه قال انما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في إقامته ثم خرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك إبطال الكفارة التي وجبت عليه. وقال انه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة ولكنه لو كان وهبا قبل ذلك لجاز ولم يكن عليه شي‌ء بمنزلة من خرج ثم أفطر».

المسألة الخامسة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف بان من أكره زوجته على الجماع في نهار شهر رمضان وهما صائمان فإن عليه كفارتين ولا كفارة عليها ، ونقل المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى الإجماع على ذلك.

والمستند فيه ما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن المفضل بن عمر عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة؟ فقال : ان كان استكرهها فعليه كفارتان ، وان كانت طاوعته فعليه كفارة وعليها كفارة ، وان

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من زكاة الذهب والفضة.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من ما يمسك عنه الصائم.


كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحد ، وان كانت طاوعته ضرب خمسة وعشرين سوطا وضربت خمسة وعشرين سوطا».

ورواها الصدوق في الفقيه عن المفضل أيضا (١) وقال بعد نقلها : قال مصنف هذا الكتاب (قدس‌سره) لم أجد ذلك في شي‌ء من الأصول وانما تفرد بروايته على بن إبراهيم بن هاشم.

وروى هذه الرواية أيضا الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا (٢).

قال المحقق في المعتبر بعد نقل الرواية المذكورة : وإبراهيم بن إسحاق هذا ضعيف متهم والمفضل بن عمر ضعيف جدا كما ذكره النجاشي. وقال ابن بابويه : لم يرو هذه الرواية غير المفضل. فإذا الرواية في غاية الضعف لكن علماءنا ادعوا على ذلك إجماع الإمامية ومع ظهور القول بها ونسبة الفتوى إلى الأئمة (عليهم‌السلام) يجب العمل بها ، ويعلم نسبة الفتوى إلى الأئمة (عليهم‌السلام) باشتهارها بين ناقلي مذهبهم كما يعلم أقوال أرباب المذاهب بنقل اتباع مذهبهم وان استندت في الأصل إلى الآحاد من الضعفاء والمجاهيل. انتهى.

قال في المدارك بعد نقل هذا الكلام : وهو جيد لو علم استناد الفتوى بذلك إلى الأئمة (عليهم‌السلام) كما علم بعض أقوال أرباب المذاهب بنقل اتباعهم لكنه غير معلوم وإنما يتفق حصول هذا العلم في آحاد المسائل كما يعلم بالوجدان. انتهى.

وعلى منواله نسج صاحب الذخيرة فقال بعد نقل كلام المحقق المذكور : وفي ثبوت ما نقل إسناده إلى الأئمة (عليهم‌السلام) تأمل ، وثبوت الإسناد في خصوص بعض المسائل بنقل الأصحاب من ما لا ريب فيه لكن في كون هذه المسألة من ذلك القبيل توقفا.

أقول : لا يخفى ان مراد المحقق (قدس‌سره) من هذا الكلام هو ان الأصحاب قد ادعوا الإجماع على هذا الحكم ، ومن الظاهر ان شهرة الفتوى بينهم بهذا

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٢ من ما يمسك عنه الصائم.


الحكم وعدم ظهور المخالف فيه موجب للعلم بكون ذلك مذهب الأئمة (عليهم‌السلام) الذي يفتون به ، لانه متى علم ان اعتماد الشيعة في الأحكام إنما هو على ما ورد عنهم (عليهم‌السلام) ـ وانهم لا يفتون في الأحكام بآرائهم ولا يستندون في شي‌ء منها الى عقولهم ولا يعتمدون على أحد غير أئمتهم (عليهم‌السلام) وانهم في العدالة والتقوى على حد يمنعهم من الافتراء والكذب على أئمتهم (عليهم‌السلام) ـ فاللازم من ذلك هو حصول العلم العادي البتة بكون هذا الحكم الذي أجمعوا عليه مذهب أئمتهم (عليهم‌السلام) وان الفتوى المستندة إليهم به صحيحة وان كان نقلتها من المجاهيل والضعفاء كما يحصل العلم العادي من مقلدي أبي حنيفة واتباعه بكون ما يتعاطونه وينقلونه بينهم هو مذهب أبي حنيفة وهكذا. ولكن هذا الكلام لما كان فيه نوع طعن على هذا الاصطلاح المحدث الذي اعتمده السيد السند وأمثاله من المتصلبين فيه أنكر (قدس‌سره) ومن تبعه استناد الفتوى بذلك إلى الأئمة (عليهم‌السلام).

ونقل عن ظاهر ابن ابى عقيل انه أوجب على الزوج مع الإكراه كفارة واحدة كما في حال المطاوعة.

قال في المدارك : وهو غير بعيد خصوصا على ما ذهب إليه الأكثر من عدم فساد صوم المرأة بذلك فينتفي المقتضي للتكفير.

أقول : لا يخفى ان نفيه البعد عن هذا القول مبنى على إطراحه الخبر المتقدم لضعفه باصطلاحه الذي يعتمده.

واما اعتضاده بما ذهب إليه الأكثر ـ من عدم فساد صوم المرأة بذلك ـ ففيه انه لا منافاة بين تعدد الكفارة على الزوج متى أكرهها وبين الحكم بصحة صومها لأن تحمله كفارتها إنما ترتب على إكراهها على هذا الفعل لا على بطلان صومها.

ونظيره ما سيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب الحج من انه متى جامع زوجته وهما محرمان بالحج فان طاوعته لزمها ما لزمه من فساد الحج ووجوب إتمامه والحج من قابل والبدنة ، وان أكرهها فان حجها صحيح مع تعدد الكفارة عليه.


وقد صرح هو نفسه ثمة بذلك فقال بعد قول المصنف ـ ولو أكرهها كان حجها ماضيا ـ ما لفظه : لا ريب في صحة حج المرأة مع الإكراه للأصل ولان المكره أعذر من الجاهل ، ويدل على تعدد الكفارة عليه مع الإكراه قوله عليه‌السلام في رواية على بن أبي حمزة (١) «ان كان استكرهها فعليه بدنتان». انتهى.

أقول : ومثل رواية على بن أبي حمزة صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) في حديث قال فيه : «ان كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه وان كان استكرهها فعليه بدنتان».

وبذلك يظهر لك ان تعدد الكفارة على المكره لا يترتب على فساد حج المرأة أو صومها حتى انه يجعل حكم الأصحاب هنا بصحة صوم المرأة مستندا للكفارة الواحدة.

فوائد

الاولى ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا فرق في الزوجة بين الدائمة والمستمتع بها عملا بإطلاق النص ، وهو كذلك.

الثانية ـ الحق الشيخ بالمكرهة النائمة ، قال في المعتبر : ونحن نساعده على المكرهة وقوفا على ما ادعاه من إجماع الإمامية ، أما النائمة فلا لأن في الإكراه نوعا من تهجم ليس موجودا في النائمة ، ولأن ذلك ثبت على خلاف الأصل فلا يلزم من ثبوت الحكم هناك لوجود الدلالة ثبوته هنا مع عدمها. انتهى. وهو جيد.

الثالثة ـ لو أكره أجنبية فهل يتحمل عنها أم لا؟ قولان قرب الأول منهما العلامة في القواعد ، واختار الثاني منهما العلامة في المنتهى وابن إدريس والمحقق.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من كفارات الاستمتاع.

(٢) الوسائل الباب ٧ من كفارات الاستمتاع.


واختاره في المدارك لاختصاص النص الوارد بالتحمل بالوطء المحلل فينتفي في غيره بل في غير الزوجة.

واستند القائل الأول الى ان الزنى أغلظ حكما فيكون أولى بالمؤاخذة والتكفير نوع منها.

ورد بأن الكفارة لتكفير الذنب ورفع عقابها فربما لا تناسب الذنب الشديد لعدم تأثيرها في تخفيفه لشدته كما في تكرر قتل الصيد عمدا فإنه لا كفارة فيه مع ثبوت الكفارة في الخطأ.

ووجه الشيخ فخر الدين في الإيضاح تقريب أبيه (قدس‌سرهما) في القواعد بعموم النص وغير الرواية (١) فبدل لفظ «امرأته» في الخبر «بامرأة» بحذف الضمير وكأنه (سهو منه) (قدس‌سره) لأن الموجود في كتب الأخبار (٢) وكذا في كتب الفروع إثبات الضمير كما نقلناه.

الرابعة ـ قالوا : لو وطأ المجنون زوجته وهي صائمة فإن طاوعته لزمتها الكفارة وان أكرهها سقطت الكفارة عنهما ، اما عنه فلعدم التكليف واما عنها فللاكراه.

ولو اكره المسافر زوجته قيل وجبت الكفارة عليه هنا عنها لا عنه ، واحتمل العلامة في القواعد السقوط مطلقا لكونه مباحا له غير مفطر لها.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وربما لاح من هذا التعليل اباحة الإكراه على هذا الوجه ، وكأن وجهه انتفاء المقتضى للتحريم وهو فساد الصوم إذ المفروض ان صومها لا يفسد بذلك. أقول : قد عرفت ما فيه.

ثم قال : والأصح التحريم لأصالة عدم جواز إجبار المسلم على غير الحق الواجب عليه.

__________________

(١) وهي رواية سليمان بن خالد الواردة في الوسائل الباب ٤ من كفارات الاستمتاع.

(٢) الفروع ج ١ ص ٢٦٨ والوافي باب (غشيان النساء للمحرم) من كتاب الحج والوسائل الباب ٤ من كفارات الاستمتاع.


المسألة السادسة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان من أفطر عامدا في شهر رمضان فان كان مستحلا غير معتقد لتحريم ذلك الفعل فهو مرتد ان كان ممن بلغه أحكام الإسلام وقواعد الحلال والحرام ، وان لم يكن كذلك بل كان معترفا بتحريمه فإنه يعزر فان عاد عزر فان عاد قتل في الثالثة على المشهور أو عزر فان عاد قتل في الرابعة على القول الآخر.

ومستند الأول ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن بريد العجلي (١) قال : «سئل أبو جعفر عليه‌السلام عن رجل شهد عليه شهود أنه أفطر من شهر رمضان ثلاثة أيام؟ قال : يسئل هل عليك في إفطارك في شهر رمضان اثم؟ فان قال لا فان على الامام ان يقتله وان قال نعم فان على الامام أن ينهكه ضربا».

وان ادعى الشبهة قبل منه ، وعلى ذلك تحمل رواية زرارة وابى بصير (٢) قالا : «سألنا أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل أتى أهله في شهر رمضان أو أتى أهله وهو محرم وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال له؟ قال : ليس عليه شي‌ء».

ومستند الثاني ما رواه الشيخ والصدوق عن سماعة في الموثق (٣) قال : «سألته عن رجل أخذ في شهر رمضان وقد أفطر ثلاث مرات وقد رفع الى الامام ثلاث مرات؟ قال : فليقتل في الثالثة».

وما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) في الصحيح عن يونس بن عبد الرحمن عن ابى الحسن الماضي عليه‌السلام (٤) قال : «أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة».

ومستند الثالث ما رواه الشيخ (قدس‌سره) عنهم (عليهم‌السلام)

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٢ من أحكام شهر رمضان.

(٢) الوسائل الباب ٩ من ما يمسك عنه الصائم.

(٤) الوسائل الباب ٥ من مقدمات الحدود.


مرسلا (١) ان أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة.

وسيأتي ان شاء الله تعالى في المقصد الثاني تتمة الكلام في ما يتعلق بالكفارات

المقصد الثاني

في أقسام الصوم وهو واجب ومندوب ومكروه وحرام ، فالكلام في هذا المقصد يقع في مطالب :

المطلب الأول ـ في الواجب وهو ستة : شهر رمضان وقضاؤه والكفارات ودم المتعة والنذر وما في معناه والاعتكاف على وجه فالكلام هنا يقع في فصول :

الفصل الأول ـ في شهر رمضان وهو واجب بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين ووجوبه من ضروريات الدين على جامع الشرائط المتقدمة.

ويعلم بأمور أحدها ـ رؤية الهلال سواء انفرد برؤيته أو شاركه غيره.

قال العلامة في التذكرة : ويلزم صوم رمضان من رأى الهلال وان كان واحدا انفرد برؤيته سواء كان عدلا أو غير عدل شهد عند الحاكم أو لم يشهد قبلت شهادته أو ردت ، ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول أكثر العامة ، وعند بعضهم ان المنفرد لا يصوم (٢).

أقول : ويدل على الحكم المذكور بعد قوله عزوجل (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (٣) جملة من الأخبار :

__________________

(١) لم أقف في كتب الحديث على هذا المرسل في مظانه. نعم في التهذيب ج ١٠ ص ٦٢ قال في ضمن كلام له : لأنا قد بينا ان أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة أو الرابعة. ثم ذكر حديث يونس. ويمكن أن يكون الترديد بلحاظ ما ورد في الزنى من قتله في الرابعة كما تقدم ذلك فيه ص ٣٧. وقال في الاستبصار ج ٤ ص ٢٢٥ فإنه إذا صار كذلك ثلاث دفعات قتل في الرابعة. ويمكن أن يكون نظر الفقهاء الى كلامه المذكور.

(٢) المغني ج ٣ ص ١٥٦.

(٣) سورة البقرة الآية ١٨٢.


منها ـ ما رواه الكليني في الصحيح والحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «انه سئل عن الأهلة؟ فقال : هي اهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر. قلت : أرأيت ان كان الشهر تسعة وعشرين يوما اقضى ذلك اليوم؟ فقال : لا إلا ان تشهد لك بينة عدول فان شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابى الصباح والحلبي جميعا عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) «انه سئل عن الأهلة؟ فقال : هي اهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر».

وفي الصحيح عن المفضل وعن زيد الشحام جميعا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «انه سئل عن الأهلة فقال : هي اهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر».

وما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن على بن جعفر (٤) «انه سأل أخاه موسى عليه‌السلام عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وحده لا يبصره غيره إله أن يصوم؟ قال : إذا لم يشك فيه فليصم وإلا فليصم مع الناس».

وثانيها ـ عد ثلاثين يوما من شعبان لو لم ير ، وهو مجمع عليه بين العلماء من الطرفين بل قيل انه من ضروريات الدين.

ويدل عليه ما رواه الشيخ في التهذيب عن ابى خالد الواسطي (٥) قال :

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أحكام شهر رمضان رقم ١ واللفظ ينتهى بقوله : «وإذا رأيته فأفطر» نعم في رواية الحلبي الواردة في الباب ٣ و ٥ من أحكام شهر رمضان رقم ١٨ و ١٧ عن التهذيب اللفظ المذكور كله ، وكذا في رواية أبي الصباح والحلبي ورواية المفضل والشحام الآتيتين عن التهذيب.

(٢) الوسائل الباب ٣ و ٥ من أحكام شهر رمضان رقم ٧ و ٩.

(٣) الوسائل الباب ٣ و ٥ من أحكام شهر رمضان رقم ٣ و ٤.

(٤) الوسائل الباب ٤ من أحكام شهر رمضان.

(٥) الوسائل الباب ١٦ و ٣ من أحكام شهر رمضان رقم ١ و ١٧.


«أتينا أبا جعفر عليه‌السلام في يوم يشك فيه من رمضان فإذا مائدته موضوعة وهو يأكل ونحن نريد أن نسأله فقال : ادنوا الغداء إذا كان مثل هذا اليوم ولم تجئكم فيه بينة رؤية الهلال فلا تصوموا. ثم قال : حدثني أبى على بن الحسين عن على (عليهم‌السلام) ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما ثقل في مرضه قال أيها الناس ان السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم. قال ثم قال بيده : فذاك رجب مفرد وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ثلاثة متواليات ، ألا وهذا الشهر المفروض رمضان فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإذا خفي الشهر فأتموا العدة شعبان ثلاثين وصوموا الواحد وثلاثين. الحديث».

ولا اختصاص لهذا الحكم بهلال شهر رمضان بل كل شهر اشتبهت رؤية هلاله يجب أن يعد ما قبله ثلاثين يوما.

ومن الأخبار زيادة على ما قدمنا قول أبى جعفر عليه‌السلام في صحيحة محمد بن قيس (١) «ان أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقول : وان غم عليكم فعدوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا».

وقوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم (٢) «وإذا كانت علة فأتم شعبان ثلاثين».

بقي الكلام لو غمت شهور السنة كلها أو أكثرها ، قيل انه يعد كل شهر منها ثلاثين ، وهو منقول عن الشيخ في المبسوط وجماعة واختاره المحقق في الشرائع ، وقيل ينقص منها لقضاء العادة بالنقيصة ، وهذا القول مجهول القائل مع جهالة قدر النقص ايضا ، وقيل بالعمل في ذلك برواية الخمسة الآتية في الموضع السادس (٣) واختاره العلامة في جملة من كتبه ، وذكر في المختلف انه إنما اعتمد في ذلك على العادة لا على الرواية. وقيل عليه انه مشكل ايضا لعدم اطراد العادة بالنقيصة على هذا الوجه. والمسألة محل توقف لعدم الدليل الواضح فيها.

هذا في ما ذكرناه من ما لو غمت شهور السنة كلها أو أكثرها ، أما الشهران

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ و ٨ من أحكام شهر رمضان.

(٢) الوسائل الباب ٥ و ١١ من أحكام شهر رمضان.

(٣) من مواضع التنبيه الخامس من التنبيهات الآتية.


والثلاثة فقد قطع جملة من الأصحاب بعدها ثلاثين لامتناع الحكم بدخول الشهر بمجرد الاحتمال ، وعليه تدل ظواهر الأخبار المتقدمة.

وثالثها ـ الشياع بان يرى رؤية شائعة ، قال المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى انه لا خلاف فيه بين العلماء. واستدل عليه في المنتهى بأنه نوع تواتر يفيد العلم. ونحوه قال في التذكرة ، ثم قال : ولو لم يحصل العلم بل حصل ظن غالب بالرؤية فالأقوى التعويل عليه كالشاهدين ، فان الظن بشهادتهما حاصل مع الشياع. ونحوه ذكر شيخنا الشهيد الثاني وغيره.

ونقل في المدارك عن جده (قدس‌سره) في موضع من الشرح اعتبار زيادة الظن الحاصل من ذلك على ما يحصل منه بقول العدلين لتتحقق الأولوية المعتبرة في مفهوم الموافقة. ثم قال بعد نقل ذلك : ويشكل بان ذلك يتوقف على كون الحكم بقبول شهادة العدلين معللا بإفادتهما الظن ليتعدى الى ما يحصل به ذلك وتحقق الأولوية المذكورة ، وليس في النص ما يدل على هذا التعليل وانما هو مستنبط فلا عبرة به ، مع ان اللازم من اعتباره الاكتفاء بالظن الحاصل من القرائن إذا ساوى الظن الحاصل من شهادة العدلين أو كان أقوى وهو باطل إجماعا ثم قال : والأصح اعتبار العلم كما اختاره العلامة في المنتهى وصرح به المصنف في كتاب الشهادات من هذا الكتاب لانتفاء ما يدل على اعتبار الشياع بدون ذلك ، وعلى هذا فينبغي القطع بجريانه في جميع الموارد. وحيث كان المعتبر ما أفاد العلم فلا ينحصر المخبرون في عدد ولا يفرق في ذلك بين خبر المسلم والكافر والصغير والكبير والأنثى والذكر كما قرر في حكم التواتر. انتهى.

أقول : ظاهر كلام أصحابنا (رضوان الله عليهم) في هذا المقام بل صريح بعضهم انهم لم يقفوا على دليل لهذا الحكم من الاخبار ، وانا قد وقع لي تحقيق نفيس في هذه المسألة في أجوبة مسائل بعض الأعلام أحببت إيراده في المقام وان طال به زمان الكلام لما اشتمل عليه من التحقيق الكاشف لنقاب الإبهام وإزاحة ما عرض


فيها من الشكوك والأوهام ، وهذه صورته :

ظاهر كلام أصحابنا (رضوان الله عليهم) عدم الوقوف على نص يدل على ذلك حيث لم يوردوا له دليلا من الاخبار وإنما بنوا الحكم فيه على نوع من الاعتبار بل صرح المحدث الكاشاني في المفاتيح بعدم النص في ذلك ، وحينئذ فإن حصل به العلم واليقين وأثمر القطع دون التخمين فالظاهر انه لا إشكال في اعتباره والعمل بمقتضاه بل ربما يدعى استفادته بهذا المعنى من الاخبار ، مثل الأخبار الدالة على ان الصوم للرؤية والفطر للرؤية (١) بأن يكون المعنى فيها ان كلا من الصوم والفطر مترتب على العلم بالرؤية أعم من أن يكون برؤية المكلف نفسه أو بالشياع الموجب للعلم.

ويمكن أن يستدل على اعتبار الشياع من الاخبار بما رواه الشيخ في التهذيب عن سماعة (٢) «انه سأله عن اليوم في شهر رمضان يختلف فيه؟ فقال : إذا اجتمع أهل المصر على صيامه للرؤية فاقضه إذا كان أهل المصر خمسمائة إنسان».

إذ الظاهر ان ذكر الخمسمائة إنما هو على جهة التمثيل والكناية عن الكثرة الموجبة للعلم ، إذ لا ضرورة لهذا العدد مع وجود العدلين فيهم ولا خصوصية له مع عدمهما.

وما رواه أيضا في الكتاب المذكور بسنده عن عبد الحميد الأزدي (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أكون في الجبل في القرية فيها خمسمائة من الناس؟ فقال : إذا كان كذلك فصم بصيامهم وأفطر بفطرهم».

وما رواه فيه عن ابى عبد الجارود (٤) قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول صم حين يصوم الناس وأفطر حين يفطر الناس فان الله عزوجل جعل الأهلة مواقيت (٥).

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أحكام شهر رمضان.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٢ من أحكام شهر رمضان. والرواية للصدوق في الفقيه ج ٢ ص ٧٧ لا الشيخ.

(٥) في قوله تعالى في سورة البقرة الآية ١٨٦ «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ ...».


وما رواه فيه ايضا عن ابى الجارود (١) قال : «شككنا سنة في عام من تلك الأعوام في الأضحى فلما دخلت على ابى جعفر عليه‌السلام كان بعض أصحابنا يضحى فقال : الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحى الناس والصوم يوم يصوم الناس».

وهذه الاخبار كما ترى ظاهرة الدلالة بل صريحة المقالة على وجوب الصوم والإفطار متى شاعت الرؤية بين الناس واشتهرت بحيث صاموا وأفطروا من غير نظر الى أن يكون فيهم عدلان أم لا ، لان الحكم فيها إنما علق على الكثرة والاتفاق على ذلك.

قال الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب بعد نقل رواية عبد الحميد : يريد عليه‌السلام بذلك ان صومهم إنما يكون بالرؤية فإذا لم يستفض الخبر عندهم برؤية الهلال لم يصوموا على ما جرت به العادة في بلاد الإسلام. انتهى. وهو مؤيد لما قلناه وظاهر في ما ادعيناه.

ومن ما يمكن أن يستدل به في المقام وان لم يتنبه له أحد من علمائنا الأعلام صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا ، وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية ، والرؤية ليس ان يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد هو ذا فينظر تسعة فلا يرونه ، إذا رآه واحد رآه عشرة وألف».

فإن الظاهر ان المعنى فيها ـ والله سبحانه وأولياؤه أعلم ـ انه متى كان الهلال بحيث كل من نظر اليه رآه من غير علة هناك مانعة من ضعف بصر أو غيم أو نحوهما ـ واشتهر وشاع ذلك على هذه الكيفية بحيث لم يقل قائل خال من العذر انى نظرت اليه فلم أره ـ فإنه يجب على سائر الناس ممن لم ينظروا العمل بمقتضى ذلك مع حصول العلم باخبار أولئك ، لأن مساق الخبر بالنسبة الى من لم ينظر وهل

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٧ من ما يمسك عنه الصائم. واللفظ «سألت أبا جعفر (ع) انا ...».

(٢) الوسائل الباب ١١ من أحكام شهر رمضان.


يجب عليه العمل بمقتضى تلك الرؤية أم لا؟ وإلا فلا خلاف ولا إشكال في العمل بمقتضى الرؤية على الرائي نفسه.

وموثقة عبد الله بن بكير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «صم للرؤية وأفطر للرؤية ، وليس رؤية الهلال أن يجي‌ء الرجل والرجلان فيقولان رأينا إنما الرؤية أن يقول القائل رأيت فيقول القوم صدق».

ورواية أبي العباس عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «الصوم للرؤية والفطر للرؤية ، وليس الرؤية أن يراه واحد ولا اثنان ولا خمسون».

وصحيحة إبراهيم بن عثمان الخزاز عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «قلت له كم يجزئ في رؤية الهلال؟ فقال : ان شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوا بالتظني ، وليس رؤية الهلال ان يقوم عدة فيقول واحد قد رأيته ويقول الآخرون لم نره ، إذا رآه واحد رآه مائة وإذا رآه مائة رآه الف ، ولا يجوز في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقل من شهادة خمسين ، وإذا كانت في السماء علة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر».

ومن هذه الاخبار يظهر صحة ما ذكرناه في معنى الصوم للرؤية والفطر للرؤية من أن المراد العلم بالرؤية دون وقوع الرؤية من ذلك الرائي بخصوصه ، فان قوله عليه‌السلام «وليس الرؤية. الى آخره» صريح في ذلك.

وحاصل المعنى في هذه الاخبار انه عليه‌السلام جعل مناط الصوم والفطر العلم بالرؤية ، ثم فسر معنى الرؤية التي هي مناط ذلك بأنها ليست عبارة عن أن يدعيها بعض ويخالفه آخر بل هي عبارة عن ان يخبر بها كل من تعمد النظر من غير مانع هناك ولا علة لا من جهة السماء ولا من جهة الناظر فإنه متى كان كذلك وجب على العالم بها العمل بمقتضاها ، ولو كان المراد من قوله : «الصوم للرؤية والفطر للرؤية» انما هو بالنسبة إلى الرائي نفسه بمعنى انه يجب على كل من رأى الهلال الصوم أو

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١١ من أحكام شهر رمضان.


الفطر لكان لا معنى لبقية الكلام في هذه الاخبار ولا لتفسير الرؤية بما ذكر فيها لأن حكم الرائي لا يتوقف على غيره كما لا يخفى.

وبالجملة فمساق هذه الأخبار وأمثالها إنما هو بالنسبة إلى بيان الرؤية التي يترتب على العلم بها ممن لم ينظر وير العمل بمقتضاها.

ويؤيد ذلك انه لم يرد في اخبار هذا الباب على كثرتها وانتشارها ما يدل على وجوب الرؤية على كل فرد فرد من أفراد المكلفين مع وجوب ما يترتب على ذلك من صيام وإفطار المأخوذ فيهما البناء على العلم واليقين.

بقي في المقام إشكالان : أحدهما ان هذه الاخبار ـ من حيث دلالتها على عدم الاكتفاء في الرؤية بالاثنين والثلاثة بل لا بد أن تكون على تلك الكيفية المتقدمة ـ ربما نافى بظاهره ما دل على الاكتفاء في ثبوت الهلال بشهادة العدلين من الأخبار المستفيضة.

والجواب عن ذلك من وجهين : أولهما ـ ان تحمل هذه الأخبار على عدم وجود العدلين في جملة أولئك الناظرين فلا بد حينئذ من الكثرة الموجبة للعلم.

الثاني ـ ولعله الأقرب ـ أن تحمل هذه الأخبار على ان الغرض منها بيان ثبوت الرؤية بالشياع وتفسير معنى الرؤية التي يثبت بها الشياع من غير ملاحظة لوجود العدلين وعدمه ، بمعنى انه متى شاعت الرؤية على هذه الكيفية بين الناس على وجه أفاد السامع بها العلم وجب العمل بمقتضاها على نهج ما تقدم في الاخبار السالفة الدالة على امره عليه‌السلام بالصيام والإفطار بصيام الناس وإفطارهم ، لان اتفاقهم على الصيام أو الإفطار مؤذن بالاتفاق على الرؤية كلا أو بعضا ، فيجب العمل بمقتضى رؤيتهم من غير ملاحظة لوجود العدلين فيهم وعدمه ، إذ متى رئي الهلال في بلد من غير علة هناك فإنه لا يختص برؤيته ناظر دون ناظر ، لأن الفرض عدم العلة والمانع من جهة السماء ومن جهة الناظر فلا يختص ذلك بالعدلين ولا يتوقف عليهما ولا يحتاج إليهما.


واما اخبار العدلين فيمكن حملها على الرؤية التي لم تقع على هذا الوجه كما إذا لم ير في البلد بالكلية لمانع أو لغير مانع أو رئي فيها ولكن ثمة مانع من رؤية الجميع لوجود غيم واتفق وجود فرجة شاهده فيها عدلان مثلا فإنه يحكم بشهادتهما كما دلت عليه الاخبار.

ويمكن حملها ـ ولعله الأظهر ـ على التخصيص بان يكونا من خارج البلد كما دلت عليه صحيحة الخزاز (١) فإنه متى لم ير في البلد على الوجه الذي ذكرناه من الشياع والانتشار أعم من أن يكون لعلة أو لعدم النظر اليه أو نحو ذلك فمتى شهد على الرؤية عدلان من الخارج أو حصل الشياع بالرؤية في بلاد اخرى قريبة وجب العمل بمقتضى ذلك.

والعلة في أظهرية هذا الوجه كما ذكرنا ان الاخبار المتضمنة لذكر العدلين لا دلالة في شي‌ء منها على كونهما من البلد بل شطر من تلك الاخبار مطلق مثل قوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي (٢) «لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين». ونحوها من الاخبار الكثيرة (٣) وشطر منها ظاهر الدلالة بل صريحها في المدعى مثل صحيحة الخزاز المتقدمة (٤) ومثل الأخبار المستفيضة الدالة على وجوب القضاء بشهادة العدلين (٥) فإن إفطار ما يجب صومه حتى لزم من ذلك وجوب القضاء بشهادتهما دليل على انهما ليسا من البلد كما لا يخفى ، وعلى هذا يحمل مطلق اخبار العدلين على مقيدها ويختص الحكم بالعدلين في ذلك من خارج البلد. ولا ينافي ذلك ما في الاحتمال الأول من فرض رؤية العدلين في البلد مع الغيم إذا حصلت فرجة رأياه فيها ، فإن الأحكام الشرعية التي هي بمنزلة القواعد الكلية إنما تبنى على الغالب والأكثر دون الفروض النادرة كما لا يخفى على من غاص في لجج الاخبار والتقط من خبايا تلك الأسرار.

__________________

(١ و ٤) ص ٢٤٦.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١١ من أحكام شهر رمضان.

(٥) الوسائل الباب ٣ و ٥ و ١١ من أحكام شهر رمضان.


الإشكال الثاني ـ ما تضمنته صحيحة الخزاز من إيجاب الخمسين مع عدم العلة في السماء.

والجواب عن ذلك يقع من وجهين. أحدهما ـ ان ما دل على خلاف هذا الخبر أكثر عددا وأقوى سندا وأوضح دلالة ، وحينئذ فقضية الترجيح عند التعارض هو المصير الى ذلك دون ما دلت عليه هذه الصحيحة.

ولا يرد ان رد هذا الحكم منها يستلزم ردها كملا فلا تصلح للاستدلال بها والاعتماد عليها في المقام.

لأنا نقول : قد صرح غير واحد من علمائنا الفحول (رضوان الله عليهم) بان رد بعض الخبر لمعارض أقوى لا يستلزم رد ما لا معارض له منه بل هو من قبيل العام المخصوص في ذلك.

الثاني ـ ارتكاب جادة التأويل فيها بالحمل على بيان العدد الذي يحصل به الشياع غالبا ويكون كناية عن الكثرة التي يحصل بها العلم واليقين من غير خصوصية في ذلك لخصوص الخمسين.

هذا. ولم أر من تنبه للاستدلال بهذه الاخبار على هذه المسألة من علمائنا الأبرار (رضوان الله عليهم) ولا من كشف عنها نقاب الإبهام في المقام ولا من جمع بينها وبين اخبار العدلين على وجه يزول به التنافي في البين.

ثم انه لا يخفى ان من اكتفى من أصحابنا (رضوان الله عليهم) في معنى الشياع بمجرد الظن ـ إلحاقا له بالظن الحاصل من شهادة العدلين ، أو اعتبر الزيادة في هذا الظن على ما يحصل بقول العدلين لتتحقق الأولوية المعتبرة في مفهوم الموافقة كما صرح به شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) ـ فظني انه لا يخلو من نظر : أما أولا ـ فلعدم الدليل على كون اعتبار شهادة العدلين والاعتماد عليها إنما هو لإفادتها الظن حتى يمكن القول بانسحاب الحكم منها الى ما يحصل به الظن أو يحتاج الى اعتبار زيادة في هذا الظن ليتحقق بذلك مفهوم


الأولوية ، ولهذا لا يكفى الظن الحاصل بالقرائن إذا كان مساويا للظن الحاصل بشهادتهما أو أقوى منه.

والتحقيق في ذلك ما نقله في المعالم عن السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) حيث قال : وجوب الحكم على القاضي بعد شهادة العدلين ليس من حيث انها توجب الظن بل من حيث ان الشارع جعلها سببا لوجوب الحكم على القاضي كما جعل دخول الوقت سببا لوجوب الصلاة. انتهى.

وقال بعض الأفاضل بعد نقل ذلك عن المرتضى : الحق ما افاده علم الهدى لان كثيرا ما لا يحصل الظن بشهادتهما لمعارضة قرينة حالية مع وجوب الحكم على القاضي حينئذ. انتهى.

واما ثانيا ـ فللأخبار الدالة في المقام على انه لا يكفى البناء على الظن في الرؤية بل لا بد من اليقين :

فمن ذلك صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (١) حيث قال فيها : «وليس بالرأي ولا بالتظني».

وصحيحة الخزاز المتقدمة (٢) حيث قال فيها : «شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوا بالتظني».

وموثقة إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «انه قال : في كتاب على عليه‌السلام صم لرؤيته وأفطر لرؤيته وإياك والشك والظن ، فإن خفي عليكم فأتموا الشهر الأول ثلاثين».

ورواية على بن محمد القاساني (٤) قال : «كتبت اليه وأنا بالمدينة عن اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان هل يصام أم لا؟ فكتب عليه‌السلام : اليقين لا يدخل فيه الشك صم للرؤية وأفطر للرؤية». الى غير ذلك من الأخبار.

__________________

(١) ص ٢٤٥.

(٢) ص ٢٤٦.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٣ من أحكام شهر رمضان.


وربما يقال : انه إذا كان الأمر مبنيا في الرؤية على اليقين من رؤية الإنسان نفسه أو حصول الشياع المفيد للعلم فمن المعلوم ان هذا لا يحصل من شهادة العدلين سواء قلنا ان اعتبارها لإفادتها الظن أو لكونها سببا في الحكم.

لأنا نقول : يمكن أن يقال ان شهادة العدلين إنما يصار إليها مع تعذر الرؤية القطعية المشار إليها في تلك الأخبار ، فهي غير داخلة في ما دلت عليه تلك الاخبار

ويشير الى ذلك قوله عليه‌السلام في صحيحة الخزاز المتقدمة (١) : «وإذا كانت في السماء علة قبلت شهادة رجلين. الحديث».

ومثلها رواية حبيب الخزاعي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) وفيها «وانما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر وكان بالمصر علة فأخبرا أنهما رأياه».

ومطلق الأخبار في ذلك يحمل عليهما.

ويمكن أن يقال أيضا في المقام ـ وان كان خلاف ما هو المشهور في كلام علمائنا الاعلام إلا انه معتضد باخبار أهل الذكر (عليهم‌السلام) ـ ان شهادة العدلين تفيد العلم أيضا ، فإن العلم لا يتقيد بحد ولا ينحصر في مقدار معين بل هو من ما يقبل الشدة والضعف كما أوضحنا ذلك في محل أليق ، فقد يحصل العلم في بعض المقامات من اخبار الأطفال فضلا عن كمل الرجال.

وان أبيت ذلك لكونه غير مشهور ونفرت منه لكونه في كتب القوم غير مذكور فلنا أن نقول ان الشارع قد أجرى شهادة العدلين مجرى ما يفيد العلم والقطع بل اجرى خبر العدل الواحد مجرى ذلك كما يستفاد من جملة من الاخبار :

منها ـ صحيحة هشام بن الحكم الواردة في عدم انعزال الوكيل قبل العلم بالعزل (٣) قال عليه‌السلام : «والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه أو يشافه العزل».

فانظر الى جعله خبر الثقة قرينا للمشافهة وفي سياقها المؤذن بإفادته العلم كما

__________________

(١) ص ٢٤٦.

(٢) الوسائل الباب ١١ من أحكام شهر رمضان.

(٣) تقدمت ص ٩٦ والراوي هشام بن سالم.


ذكرنا أو تنزيله منزلته إن أبيت عن الأول ، على ان المفهوم من كلام الأصحاب ومن الاخبار انه لا ينعزل الوكيل إلا بالعلم بالعزل ، فلو لا ان خبر الثقة عندهم (عليهم‌السلام) مفيد للعلم لما حكم بالانعزال به.

ومنها ـ رواية سماعة (١) قال : «سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة فقال ان هذه امرأتي وليست لي بينة؟ فقال : ان كان ثقة فلا يقربها وان كان غير ثقة فلا يقبل منه».

ونحوها أيضا رواية إسحاق بن عمار الواردة في الدنانير (٢) وغيرها من ما قدمنا ذكره أيضا قريبا.

ورابعها ـ شهادة العدلين وقد اختلف في ذلك كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) فذهب جملة من الأصحاب : منهم ـ الشيخ المفيد والمرتضى و

المحقق والعلامة وابن إدريس وأكثر الأصحاب إلى انه يثبت بشهادة عدلين ذكرين مطلقا سواء كان صحوا أو غيما وسواء كان من داخل البلد أو خارجه ، وقيل بقبول شهادة الواحد في أوله وانه يجب الصوم بها وهو قول سلار.

وعن الشيخ في المبسوط انه ان كان في السماء علة وشهد عدلان من البلد أو خارجه برؤيته وجب الصوم وان لم يكن هنالك علة لم تقبل إلا شهادة القسامة خمسون رجلا من البلد أو خارجه.

وقال في النهاية : فإن كان في السماء علة ولم يره جميع أهل البلد ورآه خمسون نفسا وجب الصوم ، ولا يجب الصوم إذا رآه واحد واثنان بل يلزم فرضه لمن رآه حسب وليس على غيره شي‌ء ، ومتى كان في السماء علة ولم يروا في البلد الهلال ورآه خارج البلد شاهدان وجب أيضا الصوم ، وان لم يكن في السماء علة وطلب فلم ير لم يجب الصوم إلا أن يشهد خمسون نفسا من خارج البلد أنهم رأوه. ونقله في

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٣ من عقد النكاح.

(٢) تقدمت ص ٩٦.


المختلف أيضا عن ابن البراج.

وقال الصدوق في المقنع : واعلم انه لا يجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة ويجوز شهادة رجلين عدلين إذا كانا من خارج البلد أو كان بالمصر علة.

وقال أبو الصلاح : يقوم مقام الرؤية شهادة رجلين عدلين في الغيم وغيره من العوارض وفي الصحو وانتفائها أخبار خمسين رجلا.

أقول : ومنشأ اختلاف هذه الأقوال من اختلاف ظواهر الاخبار في هذه المسألة :

ومنها ـ صحيحة الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «ان عليا عليه‌السلام كان يقول : لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين».

وصحيحة منصور بن حازم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) انه قال : «صم لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته فإن شهد عندكم شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه».

وصحيحة زيد الشحام عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «انه سئل عن الأهلة فقال هي أهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر. فقلت أرأيت ان كان الشهر تسعة وعشرين يوما اقضى ذلك اليوم؟ فقال : لا إلا أن تشهد لك بينة عدول فان شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم».

وصحيحة عبيد الله بن على الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «قال على عليه‌السلام لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين».

وبمضمون هذه الرواية روايات عديدة متفقة الدلالة على انه لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال ولا يجوز إلا شهادة رجلين عدلين. وهذه الأخبار هي مستند

__________________

(١ و ٢ و ٤) الوسائل الباب ١١ من أحكام شهر رمضان.

(٣) الوسائل الباب ٥ من أحكام شهر رمضان وهي صحيحة المفضل والشحام المتقدمة ص ٢٤١.


أصحاب القول الأول.

ومنها ـ صحيحة إبراهيم بن عثمان الخزاز عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «قلت له : كم يجزئ في رؤية الهلال؟ فقال : ان شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوا بالتظني ، وليس رؤية الهلال أن يقوم عدة فيقول واحد رأيته ويقول الآخرون لم نره ، إذا رآه واحد رآه مائة وإذا رآه مائة رآه الف ، ولا يجوز في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقل من شهادة خمسين ، وإذا كانت في السماء علة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر».

ورواية حبيب الخزاعي (٢) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة وانما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر وكان بالمصر علة فأخبرا أنهما رأياه وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية».

وهاتان الروايتان هما حجتا الشيخ وابن بابويه وابى الصلاح ونحوهم ممن اعتبر هذا العدد في الصحو.

وأجاب عنهما المحقق في المعتبر بان اشتراط الخمسين لم يوجد في حكم سوى قسامة الدم ثم لا يفيد اليقين بل قوة الظن وهي تحصل بشهادة العدلين. ثم قال : وبالجملة فإنه مخالف لما عليه عمل المسلمين كافة فكان ساقطا. انتهى.

وأجاب عنهما في المنتهى بالمنع من صحة السند. وأجاب عنهما في المختلف بالحمل على عدم عدالة الشهود وحصول التهمة في أخبارهم.

قال في المدارك ـ وهو ممن اختار القول المشهور بعد نقل ذلك عنه ـ وهو غير بعيد.

أقول : لا يخفى ما في هذه الأجوبة من المجازفة الناشئة عن ضيق الخناق في المقام.

ثم أقول ـ وبالله التوفيق في الهداية إلى سواء الطريق ـ الذي يظهر لي في الجمع

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١١ من أحكام شهر رمضان.


بين هذه الاخبار هو ان ما استدل به على القول المشهور من الاكتفاء في ثبوت الهلال بالعدلين مطلقا غير خال من الإجمال وقبول الاحتمال وليس بنص بل ولا ظاهر في ما ذكروه ، فإن غاية ما تدل عليه هذه الأخبار ثبوت الهلال بالشاهدين في الجملة وهو من ما لا نزاع فيه.

وتفصيل هذه الجملة هو ان المستفاد من الأخبار الكثيرة التي قدمنا شطرا منها في المسألة السابقة هو انه متى كانت السماء صاحية خالية من العلة وتوجه الناس الى النظر الى الهلال وكان ثمة هلال فإنه لا يختص بنظره واحد من عشرة ولا عشرة من مائة بل إذا رآه واحد رآه ألف لأن المفروض سلامة الرائي من العلة والمرئي ، وهذا هو المراد من قولهم (عليهم‌السلام) في تلك الأخبار (١) «الصوم للرؤية والفطر للرؤية وليس الرؤية أن يراه واحد ولا عشرة ولا خمسون».

وظاهر هذه الأخبار انه لا بد أن تبلغ الرؤية إلى حد الشياع الموجب للعلم فلا يكتفى فيها بالظن المنهي عنه في تلك الأخبار المستفيضة التي قدمنا بعضها في المسألة السابقة ، وشهادة العدلين غاية ما تفيده عندهم هو الظن والظن هنا من ما قد منعت منه الأخبار للتمكن من العلم واليقين كما هو المفروض ، وحينئذ فلا بد هنا من ما يفيد العلم ، وقد دل ظاهر خبري الخزاز وحبيب المتقدمين (٢) على ان أقل ما يحصل به خمسون ، فذكر الخمسين هنا إنما خرج مخرج التمثيل والمبالغة في من يحصل بخبرهم العلم ، وسياق صحيحة الخزاز (٣) ظاهر في ما ذكرناه من هذا التوجيه حيث انه لما سأله السائل كم يجزئ في رؤية الهلال؟ أجابه بأن شهر رمضان فريضة واجبة يقينا فلا تؤدى إلا بالعلم واليقين لا بالظن ، وليس الرؤية الموجبة للعلم واليقين أن يقوم عدة فيقول واحد رأيته ويقول آخرون لم نره ـ لأن المفروض زوال العلة من الرائي والمرئي وهو المبنى عليه ذكر الرواية ـ بل إذا رآه واحد رآه الف ، وحينئذ فلا يجوز في الرؤية المترتب عليها العلم واليقين أقل من خمسين. هذا مضمون سياق

__________________

(١) ص ٢٤٥ و ٢٤٦.

(٢ و ٣) ص ٢٥٤.


الخبر المذكور وهو صحيح صريح عار عن النقص والقصور واما إذا كان في السماء علة مانعة من الرؤية فإنه يتعذر العلم واليقين في هذه الحال فيكتفى بالشاهدين.

بقي ان الخبرين المذكورين صرحا بكون الشاهدين من خارج البلد ، والظاهر ان ذلك خرج مخرج الغالب من حيث عدم إمكان الرؤية في البلد إذ لو رآه عدلان لرآه من يزيد على ذلك وأمكن حصول العلم ، واحتمال ان تحصل فرجة يراه فيها عدلان خاصة نادر ، فمن أجل ذلك اعتبر العدلان من خارج ، والاخبار السابقة التي استند إليها الأصحاب منها ما هو مطلق يمكن أن يقيد بهذين الخبرين مثل قوله عليه‌السلام (١) «لا أجيز في الهلال إلا شهادة رجلين عدلين». والحصر هنا إضافي بالنسبة الى عدم جواز شهادة النساء ويكون مخصوصا بالعلة المانعة من الرؤية الشائعة. واما اخبار القضاء فهي ظاهرة في كون الشاهدين من خارج البلد كما ذكرناه في المسألة السابقة.

وبالجملة فإن ظاهر كلام الأصحاب ان محل النزاع هو انه هل يكتفى بالعدلين في ثبوت الهلال أم لا؟ وليس الأمر كذلك إنما محل النزاع في انه متى كانت السماء خالية من العلة المانعة للرؤية وتوجه الناس الى رؤيته فهل يكفى العدلان خاصة كما يدعيه أصحاب القول المشهور أو لا بد من الرؤية اليقينية التي هي عبارة عن رؤية المكلف نفسه أو حصول الشياع الموجب للعلم؟ والروايات قد استفاضت بأنه لا بد من الرؤية اليقينية الموجبة للعلم لمن لم يره فإنه في صورة عدم العلة المانعة من الرؤية في جانب الرائي والمرئي لا يختص به واحد أو مائة من الف بل كل من نظر رأى.

وهذا هو الذي انصبت عليه الروايات ، ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا ، وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية ، والرؤية ليس أن يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد هو ذا وينظر تسعة فلا يرونه ، إذا رآه واحد رآه عشرة والف. وإذا كانت علة فأتم شعبان ثلاثين».

__________________

(١) وهو صحيح الحلبي المتقدم ص ٢٥٣.

(٢) الوسائل الباب ١١ من أحكام شهر رمضان.


وزاد حماد في روايته (١) «وليس أن يقول رجل هو ذا هو ، لا أعلم إلا قال ولا خمسون».

وفي رواية أبي العباس عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «الصوم للرؤية والفطر للرؤية ، وليس الرؤية أن يراه واحد ولا اثنان ولا خمسون». الى غير ذلك من ما هو بهذا المعنى.

وحينئذ فإذا كانت الاخبار قد فسرت الرؤية في هذه الصورة بهذا المعنى ومنعت من العمل على الظن وشهادة العدلين إنما تفيد عندهم الظن فكيف يكتفى بها هنا؟

واما ما ذهب اليه سلار من الاكتفاء بالواحد فاحتج له في المختلف بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن قيس عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين ، وان لم تروا الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصيام الى الليل ، وان غم عليكم فعدوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا».

وأجاب عنه العلامة في جملة من كتبه بان لفظ العدل يصح إطلاقه على الواحد فما زاد لانه مصدر يصدق على القليل والكثير ، تقول رجل عدل ورجلان عدل ورجال عدل.

أقول : لا يخفى ان الشيخ قد روى هذه الرواية تارة بما نقلناه (٤) ورواها بسند آخر وفيها مكان «أو شهد عليه عدل» «واشهدوا عليه عدولا» هكذا في التهذيب (٥) وفي الاستبصار (٦) هكذا «إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو يشهد عليه

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١١ من أحكام شهر رمضان.

(٣) الوسائل الباب ٨ من أحكام شهر رمضان.

(٤) التهذيب ج ٤ ص ١٥٨.

(٥) ج ٤ ص ١٧٧ وفي التعليقة ٢ في هذه الطبعة هكذا : «نسخة في المخطوطات : أو شهد عليه عدل».

(٦) ج ٢ ص ٦٤ وفيه «أو تشهد عليه بينة عدول من المسلمين» وفي ص ٧٣ «أو يشهد عليه عدل من المسلمين».


بينة عدل من المسلمين». وعلى هذا الاضطراب يسقط التعلق بالخبر المذكور سيما مع معارضته بالأخبار المستفيضة بالشاهدين عموما وخصوصا.

وينبغي التنبيه هنا على أمور :

الأول ـ قد صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة وغيره بأنه لا يعتبر في ثبوت الهلال بالشاهدين في الصوم والفطر حكم الحاكم بل لو رآه عدلان ولم يشهدا عند الحاكم وجب على من سمع شهادتهما وعرف عدالتهما الصوم أو الفطر.

وهو كذلك لقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة منصور بن حازم (١) «فان شهد عندكم شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه».

وفي صحيحة الحلبي (٢) وقد قال له : «أرأيت ان كان الشهر تسعة وعشرين يوما اقضى ذلك اليوم؟ قال : لا إلا ان يشهد لك بينة عدول فان شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم».

أقول : والظاهر ان هذا الحكم لا ريب فيه ولا اشكال ، وإنما الإشكال في انه هل يجب على المكلف العمل بحكم الحاكم الشرعي متى ثبت ذلك عنده وحكم به أم لا بد من سماعه بنفسه من الشاهدين؟

ظاهر الأصحاب الأول بل زاد بعضهم كما سيأتي في المقام ان شاء الله تعالى الاكتفاء برؤية الحاكم الشرعي.

ويظهر من بعض أفاضل متأخري المتأخرين العدم وانه لا بد من سماعه من الشاهدين ، قال انه لا يجب على المكلف العمل بما ثبت عند الحاكم الشرعي هنا بل ان حصل الثبوت عنده وجب عليه العمل بمقتضى ذلك وإلا فلا ، لأن الأدلة الدالة على الفطر أو الصيام من الاخبار إما رؤية المكلف نفسه أو ثبوتها بالشياع أو

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ و ١١ من أحكام شهر رمضان.

(٢) الوسائل الباب ٥ من أحكام شهر رمضان.


السماع من رجلين عدلين أو مضى ثلاثين يوما من شعبان أو شهر رمضان واما ثبوت دليل خامس وهو حكم الحاكم فلم نجد له ما يعتمد عليه ويركن اليه.

وظاهر كلامه اجراء البحث في غير مسألة الرؤية أيضا حيث قال بعد كلام في المقام : فلو ثبت عند الحاكم غصبية الماء فلا دليل على انه يجب على المكلف الاجتناب عنه وعدم التطهير به ، قال وكذا لو حكم بأنه دخل الوقت في زمان معين فلا حجة على انه يصح للمكلف إيقاع الصلاة فيه وان لم يلاحظه أو لاحظه واستقر ظنه بعدم الدخول ، ولهذا نظائر كثيرة لا تخفى على البصير المتتبع. انتهى.

والظاهر ان مستند من قال بوجوب العمل بحكم الحاكم في هذا المقام ونحوه هو الأخبار الدالة بعمومها أو إطلاقها على وجوب الرجوع الى ما يحكم به الفقيه النائب عنهم (عليهم‌السلام) :

مثل قول الصادق عليه‌السلام في مقبولة عمر بن حنظلة (١) «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا الراد على الله عزوجل».

وقول صاحب الزمان (عجل الله فرجه) في توقيع إسحاق بن يعقوب (٢) «واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وانا حجة الله». وأمثال ذلك من ما يدل على وجوب الرجوع الى نوابهم (عليهم‌السلام)

وخصوص صحيح محمد بن قيس عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «إذا شهد عند الامام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالإفطار. الحديث».

ويعضده أيضا الأخبار المطلقة بشهادة العدلين في الرؤية.

وأنت خبير بأن للمناقشة في ذلك مجالا : أما المقبولة المذكورة ونحوها فان المتبادر منها بقرينة السياق والمقام إنما هو الرجوع في ما يتعلق بالدعاوي والقضاء بين الخصوم أو الفتوى في الأحكام الشرعية ، وهو من ما لا نزاع فيه لاختصاص

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١١ من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به.

(٣) الوسائل الباب ٦ من أحكام شهر رمضان.


الحاكم به إجماعا نصا وفتوى.

واما صحيحة محمد بن قيس فالظاهر من لفظ الامام فيها إنما هو إمام الأصل أو ما هو الأعم منه ومن أئمة الجور وخلفاء العامة المتولين لأمور المسلمين ، فإن الإمام إنما يحتمل انصرافه الى من عدا من ذكرناه في مثل إمامة الجمعة والجماعة حيث اشترط بالإمام ، واما في مثل هذا المقام فلا مجال لاحتمال غير من ذكرناه بحيث يدخل فيه الفقيه. نعم للقائل أن يقول إذا ثبت ذلك لإمام الأصل ثبت لنائبه لحق النيابة. إلا انه لا يخلو ايضا من شوب الإشكال لعدم الوقوف على دليل لهذه الكلية وظهور أفراد كثيرة يختص بها الامام دون نائبه.

واما باقي الأخبار الواردة في المسألة فهي وان كانت مطلقة إلا انه يمكن حملها على ما ذكرناه من الاخبار المقيدة التي تقدم بعضها في صدر المسألة.

وبالجملة فالمسألة عندي موضع توقف واشكال لعدم الدليل الواضح في وجوب الأخذ بحكم الحاكم بحيث يشمل موضع النزاع.

ثم أنت خبير أيضا بان ما ذكروه من العموم انه لو ثبت عند الحاكم بالبينة نجاسة الماء وحرمة اللحم ولم يثبت عند المكلف لعدم سماعه من البينة مثلا فان تنجيس الأول وتحريم الثاني بالنسبة إليه بناء على وجوب الأخذ عليه بحكم الحاكم ينافي الأخبار الدالة على ان «كل شي‌ء طاهر حتى تعلم انه قذر» (١). و «كل شي‌ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعلم الحرام بعينه فتدعه» (٢). حيث انهم لم يجعلوا من طرق العلم في القاعدتين المذكورتين حكم الحاكم بذلك وإنما ذكروا اخبار المالك وشهادة الشاهدين وعلى ذلك تدل الاخبار أيضا (٣) وظاهر كلامهم هو شهادتهما

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٧ من النجاسات واللفظ «كل شي‌ء نظيف».

(٢) الوسائل الباب ٤ من ما يكتسب به والباب ٦٤ من الأطعمة المحرمة والباب ٦١ من الأطعمة المباحة باختلاف في اللفظ.

(٣) الوسائل الباب ٦ من ما يكتسب به والباب ٦١ من الأطعمة المباحة. وارجع الى ج ٥ ص ٢٥٢.


عند المكلف وسماعه منهما ، ولهذا ان بعضهم اكتفى هنا بقول العدل الواحد كما حققناه في صدر كتاب الدرر النجفية.

ومن ما يدل على ان المدار إنما هو على سماع المكلف من الشاهدين قول الصادق عليه‌السلام في بعض اخبار الجبن (١) «كل شي‌ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك ان فيه ميتة».

وبالجملة فإن غاية ما يستفاد من الاخبار بالنسبة إلى الحاكم الشرعي هو اختصاص الفتوى في الأحكام الشرعية والقضاء بين الخصوم به وكذا ما يتعلق بالحقوق الإلهية ، وجملة من الأخبار كما عرفت قد دلت على انه يكفى في ثبوت ما نحن فيه سماع المكلف من الشاهدين من غير توقف على حكم الحاكم ، وحينئذ فلا يكون ذلك من ما يختص بالحاكم مثل الأشياء المتقدمة ، فوجوب رجوع المكلف الى حكم الحاكم في ما نحن فيه يحتاج الى دليل ومجرد نيابته عنهم (عليهم‌السلام) قد عرفت ما فيه.

نعم ربما يشكل بما إذا كان المكلف جاهلا لا يعرف معنى العدالة ليحصل ثبوت الحكم عنده بشهادة العدلين كما يشير اليه كلام السيد السند في المدارك.

إلا ان فيه ان الظاهر ان هذا ليس بعذر شرعي يسوغ له وجوب الرجوع الى حكم الحاكم لاستناده الى تقصيره بالبقاء على جهله وعدم تحصيل العلم الذي استفاضت الأخبار بوجوبه عليه (٢) على ان هذا الإيراد لا يختص بهذا المقام بل يجري في الطلاق المشترط بالعدلين وصلاة الجماعة ونحو ذلك.

الثاني ـ هل يثبت الهلال بالشهادة على الشهادة؟ قيل لا وبه قطع العلامة في التذكرة على ما نقل عنه وأسنده إلى علمائنا ، واستدل عليه بأصالة البراءة واختصاص ورود القبول بالأموال وبحقوق الآدميين وقيل نعم وبه جزم شيخنا الشهيد الثاني

__________________

(١) الوسائل الباب ٦١ من الأطعمة المباحة.

(٢) الوسائل الباب ٤ من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به.


من غير نقل خلاف أخذا بالعموم وانتفاء ما يصلح للتخصيص ، والتفاتا الى ان الشهادة حق لازم الأداء فيجوز الشهادة عليه كسائر الحقوق. قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه ، ولا بأس به.

أقول : لا يخفى ان ما عدا الأخذ بالعموم من التعليل الأخير لا يخلو من نظر ، وما ذكره من العموم جيد. وما ذكره العلامة (رحمه‌الله) من اختصاص ورود القبول بالأموال وحقوق الآدميين ممنوع ، فإن الأخبار الواردة في الشهادة على الشهادة (١) مطلقة ليس في شي‌ء منها تقييد بما ادعاه ، نعم ذلك في كلام الأصحاب حيث انهم إنما أوردوا هذه الأخبار في المقامين المذكورين في كلامه.

واما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة ـ حيث اختار مذهب العلامة هنا فقال بعد نقل قول العلامة أولا ثم قول الشهيد الثاني : ولعل الترجيح للأول للأصل السالم عن المعارض فان المتبادر من النصوص شهادة الأصل. انتهى ـ

أقول : الظاهر ان مراد شيخنا المشار اليه بالعموم إنما هو عموم أخبار الشهادة على الشهادة وشمولها للشهادة على الهلال ونحوها لا عموم أخبار شهادة العدلين في رؤية الهلال (٢) كما يظهر من كلامه ، فان الظاهر ان شيخنا المذكور لا ينازع هنا في كون المراد بالعدلين هنا شاهدي الأصل ، كيف وشهود الفرع تزيد على هذا العدد فكيف يظن به ما توهمه؟ وإنما أراد الاخبار الدالة على قبول الشهادة على الشهادة كما ذكرناه ـ

ثم انه قد صرح جملة من الأصحاب بأنه لو استند الشاهدان الى الشياع المفيد للعلم وجب القبول.

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) انه قال في من صام تسعة وعشرين قال : «ان كانت له بينة عادلة على أهل

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من كتاب الشهادات.

(٢) الوسائل الباب ١١ من أحكام شهر رمضان.

(٣) الوسائل الباب ٥ من أحكام شهر رمضان.


مصر انهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما».

الثالث ـ هل يكفى قول الحاكم الشرعي في ثبوت الهلال؟ وجهان :

أحدهما ـ وهو خيرة الشهيد في الدروس ـ نعم ، حيث قال : وهل يكفى قول الحاكم وحده في ثبوت الهلال؟ الأقرب نعم.

وعلله السيد السند في المدارك بعموم ما دل على ان للحاكم أن يحكم بعلمه ولأنه لو قامت البينة عنده فحكم بذلك وجب الرجوع الى حكمه كغيره من الأحكام والعلم أقوى من البينة. ولان المرجع في الاكتفاء بشهادة العدلين وما تتحقق به العدالة إلى قوله فيكون مقبولا.

ويحتمل العدم لإطلاق قوله عليه‌السلام (١) : «لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين».

والفاضل الخراساني ـ حيث اختار في الذخيرة ما ذهب إليه في الدروس ـ جمد على التعليل الأول ولم يذكر ما يدل على احتمال العدم. وأنت خبير بما فيه بعد الإحاطة بما قدمنا تحقيقه.

وكلام السيد السند هنا ظاهر في ما أسلفنا نقله عنهم من حكمهم بوجوب الأخذ بما يحكم به الحاكم كائنا ما كان ، ولم يتوقف إلا في الاعتماد على قول الحاكم إذا كان هو الرائي فاحتمل عدم العمل بقوله نظرا إلى إطلاق الخبر الذي نقله ، وبمضمونه أيضا أخبار أخر (٢).

الرابع ـ قد صرح جملة من الأصحاب ـ بل الظاهر انه المشهور ـ بان حكم البلاد المتقاربة كبغداد والكوفة واحد فإذا رئي الهلال في أحدهما وجب الصوم على ساكنيهما ، اما لو كانت متباعدة كبغداد وخراسان والعراق والحجاز فان لكل بلد حكم نفسها. وهذا الفرق عندهم مبنى على كرؤية الأرض.

قال المحقق الشيخ فخر الدين في شرح القواعد : ومبنى هذه المسألة على ان

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١١ من أحكام شهر رمضان.


الأرض هل هي كرؤية أو مسطحة؟ والأقرب الأول لأن الكواكب تطلع في المساكن الشرقية قبل طلوعها في المساكن الغربية وكذا في الغروب ، وكل بلد غربي بعد عن الشرقي بألف ميل يتأخر غروبه عن غروب الشرقي ساعة واحدة ، وإنما عرفنا ذلك بإرصاد الكسوفات القمرية حيث ابتدأت في ساعات أقل من ساعات بلدنا في المساكن الغربية وأكثر من ساعات بلدنا في المساكن الشرقية ، فعرفنا ان غروب الشمس في المساكن الشرقية قبل غروبها في بلدنا وغروبها في المساكن الغربية بعد غروبها في بلدنا ، ولو كانت الأرض مسطحة لكان الطلوع والغروب في جميع المواضع في وقت واحد. ولأن السائر على خط من خطوط نصف النهار الى الجانب الشمالي يزداد عليه ارتفاع الشمالي وانخفاض الجنوبي وبالعكس. انتهى.

ونقل العلامة في التذكرة عن بعض علمائنا قولا بان حكم البلاد كلها واحد فمتى رئي الهلال في بلد وحكم بأنه أول الشهر كان ذلك الحكم ماضيا في جميع أقطار الأرض سواء تباعدت البلاد أو تقاربت اختلفت مطالعها أم لا.

ويظهر من العلامة في المنتهى الميل الى هذا القول حيث قال : إذا رأى الهلال أهل بلد وجب الصوم على جميع الناس سواء تباعدت البلاد أو تقاربت. وقال الشيخ (قدس‌سره) ان كانت البلاد متقاربة لا تختلف في المطالع كبغداد والبصرة كان حكمها واحدا وان تباعدت كبغداد ومصر كان لكل بلد حكم نفسه. ان كان بينهما هذه المسافة (١) لنا ـ انه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية وفي الباقي بالشهادة فيجب صومه لقوله تعالى «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» (٢). ولأن البينة العادلة شهدت بالهلال فيجب الصوم كما لو تقاربت البلاد. ولانه شهد برؤيته من يقبل قوله فيجب القضاء لو فات ، لما رواه الشيخ عن ابن مسكان والحلبي جميعا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال فيها : «إلا أن يشهد لك بينة عدول فان شهدوا

__________________

(١) ارجع الى الاستدراكات في آخر الكتاب.

(٢) سورة البقرة الآية ١٨٢.

(٣) الوسائل الباب ٥ من أحكام شهر رمضان.


أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم». وفي رواية منصور بن حازم عنه عليه‌السلام (١) «فان شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه». وفي الحسن عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) «انه سئل عن اليوم الذي يقضى من شهر رمضان فقال لا تقضه إلا أن يشهد شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر. وقال لا تصم ذلك اليوم الذي يقضى إلا أن يقضي أهل الأمصار فإن فعلوا فصمه». علق عليه‌السلام وجوب القضاء بشهادة العدلين من جميع المسلمين وهو نص في التعميم قربا وبعدا ، ثم عقبه بمساواته لغيره من أهل الأمصار ولم يعتبر عليه‌السلام القرب في ذلك ، وفي حديث عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «فان شهد أهل بلد آخر فاقضه». ولم يعتبر القرب أيضا ، وفي الصحيح عن هشام ابن الحكم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال في من صام تسعة وعشرين قال : «ان كانت له بينة عادلة على أهل مصر انهم صاموا ثلاثين على رؤية الهلال قضى يوما». علق عليه‌السلام قضاء اليوم على الشهادة على مصر وهو نكرة شائعة تتناول الجميع على البدل فلا تخصيص في الصلاحية لبعض الأمصار إلا بدليل. والأحاديث كثيرة بوجوب القضاء إذا شهدت البينة بالرؤية ولم يعتبروا قرب البلاد وبعدها. ثم نقل رواية عامية (٥) دليلا للقول الآخر الى ان قال : ولو قالوا ـ ان البلاد المتباعدة تختلف عروضها فجاز أن يرى الهلال في بعضها دون بعض لكروية الأرض ـ قلنا ان المعمورة منها قدر يسير وهو الربع ولا اعتداد به عند السماء. وبالجملة ان علم طلوعه

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ و ١١ من أحكام شهر رمضان.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٢ من أحكام شهر رمضان.

(٤) الوسائل الباب ٥ من أحكام شهر رمضان.

(٥) وهي رواية كريب المتضمنة لرؤية هلال شهر رمضان في الشام ليلة الجمعة وفي المدينة ليلة السبت ، وان ابن عباس لم يعتبر رؤيته في الشام استنادا إلى أمر رسول الله (ص) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٥١.


في بعض الأصقاع وعدم طلوعه في بعضها المتباعد عنه لكروية الأرض لم يتساو حكماهما اما بدون ذلك فالتساوي هو الحق. انتهى.

أقول : وما ذكره (قدس‌سره) هو الحق المعتضد بالأخبار الصريحة الصحيحة التي نقل بعضها.

واما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة من الأجوبة هنا عن كلامه فهو من جملة تشكيكاته الركيكة واحتمالاته الواهية.

واما قوله أخيرا ـ وبالجملة. الى آخره ـ فالظاهر انه اشارة إلى منع ما ادعوه من الطلوع في بعض وعدم الطلوع في بعض للتباعد وانه غير واقع ، لما ذكره أولا من ان المعمور من الأرض قدر يسير لا اعتداد به بالنسبة إلى سعة السماء ، وانه لو فرض حصول العلم بذلك فالحكم عدم التساوي ، فلا منافاة فيه لأول كلامه كما استدركوه عليه.

وملخصه انا نقول بوجوب الصوم أو القضاء مع الفوات متى ثبتت الرؤية في بلد آخر قريبا أو بعيدا ، وما ادعوه من الطلوع في بعض وعدم الطلوع في آخر بناء على ما ذكروه من الكروية ممنوع.

أقول : ومن ما يبطل القول بالكروية (١) انهم جعلوا من فروع ذلك أن يكون يوم واحد خميسا عند قوم وجمعة عند آخرين وسبتا عند قوم وهكذا وهذا من ما ترده الأخبار المستفيضة في جملة من المواضع ، فان المستفاد منها على وجه لا يزاحمه الريب والشك ان كل يوم من أيام الأسبوع وكل شهر من شهور السنة أزمنة معينة معلومة نفس أمرية ، كالأخبار الدالة على فضل يوم الجمعة وما يعمل فيه واحترامه وانه سيد الأيام وسيد الأعياد وان من مات فيه كان شهيدا ونحو ذلك (٢) وما ورد

__________________

(١) ارجع الى التعليقة ٤ ص ٢٦٧.

(٢) الوسائل الباب ٦ الى ١٢ من الأغسال المسنونة والباب ٣٠ الى ٥٧ من صلاة الجمعة وآدابها.


في أيام الأعياد من الأعمال والفضل ، وما ورد في يوم الغدير ونحوه من الأيام الشريفة (١) وما ورد في شهر رمضان من الفضل والأعمال والاحترام ونحو ذلك (٢) فان ذلك كله ظاهر في انها عبارة عن أزمان معينة نفس أمرية واللازم على ما ادعوه من الكروية انها اعتبارية باعتبار قوم دون آخرين ، ومثل الأخبار الواردة في زوال الشمس وما يعمل بالشمس في وصولها إلى دائرة نصف النهار وما ورد في ذلك من الأعمال (٣) فإنه بمقتضى الكروية يكون ذلك من طلوع الشمس الى غروبها لا اختصاص به بزمان معين لأن دائرة نصف النهار بالنسبة الى كل قوم غيرها بالنسبة إلى آخرين.

وبالجملة فبطلان هذا القول بالنظر الى الأدلة السمعية والاخبار النبوية أظهر من ان يخفى (٤) وما رتبوه عليه في هذه المسألة من هذا القبيل ، وعسى ان ساعد التوفيق ان أكتب رسالة شافية مشتملة على الأخبار الصحيحة الصريحة في دفع هذا القول ان شاء الله تعالى.

وبذلك يظهر ان ما فرعوه على اختلاف الحكم في هذه المسألة ليس في محله ،

__________________

(١) تجد ذلك كله في الوسائل في أبواب الأغسال المسنونة وأبواب صلاة العيد وأبواب بقية الصلوات المندوبة وأبواب الصوم المندوب وأبواب المزار من كتاب الحج.

(٢) الوسائل أبواب الأغسال المسنونة وأبواب نافلة شهر رمضان وأبواب أحكام شهر رمضان.

(٣) الوسائل الباب ١٢ من مواقيت الصلاة.

(٤) ان كرؤية الأرض أصبحت في عصرنا هذا من الأمور الواضحة البديهية التي ليس للنقاش فيها أى مجال ، والذي يوضح ذلك أولا ـ اختلاف البلدان الشرقية والغربية في الليل والنهار ففي الوقت الذي يكون النهار في الشرق يكون الليل في الغرب كما أصبح ذلك واضحا من طريق الآلات الحديثة. وثانيا ـ ان السائر من آية نقطة من نقاط الأرض بنحو الاستقامة إلى الشرق لا بد أن ينتهي إليها من طرف الغرب وبالعكس هذا وليس في الآيات والاخبار ما ينافي ذلك بل فيها ما يدل على ذلك ، راجع البيان لآية الله الخوئي ج ١ ص ٥٥.


حيث ان جمعا منهم قالوا انه يتفرع على اختلاف الحكم بالتباعد ان المكلف بالصوم لو رأى الهلال في بلد وسافر الى بلد آخر يخالفه في حكمه انتقل حكمه إليه ، فلو رأى الهلال في بلد ليلة الجمعة مثلا ثم سافر الى بلدة بعيدة شرقية قد رئي فيها ليلة السبت أو بالعكس صام في الأول أحدا وثلاثين ويفطر في الثاني على ثمانية وعشرين ولو أصبح معيدا ثم انتقل ليومه ووصل قبل الزوال أمسك بالبينة وأجزأه ، ولو وصل بعد الزوال أمسك مع القضاء ، ولو أصبح صائما للرؤية ثم انتقل احتمل جواز الإفطار لانتقال الحكم وعدمه لتحقق الرؤية وسبق التكليف بالصوم ، فانا نمنع وقوع هذه الفروض.

قال في الدروس بعد ذكر ذلك : ولو روعي الاحتياط في هذه الفروض كان أولى.

وقال في المسالك : والأولى مراعاة الاحتياط في هذه الفروض لعدم النص وإنما هي أمور اجتهادية قد فرعها العلماء على هذه المسألة مختلفين فيها. انتهى.

أقول : بل الأظهر بناء على ما ذكروه من إمكان وقوع ذلك هو وجوب الاحتياط لا استحبابه كما يظهر من كلامهم.

ثم ان ممن وافقنا على ما ذكرناه واختار في هذه المسألة ما اخترناه المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال بعد نقل جملة من الاخبار الدالة على القضاء بشهادة أهل بلد اخرى : إنما قال عليه‌السلام فان شهد أهل بلد آخر فاقضه لأنه إذا رآه واحد في البلد رآه الف كما مر. والظاهر انه لا فرق بين ان يكون ذلك البلد المشهود برؤيته فيه من البلاد القريبة من هذا البلد أو البعيدة منه ، لأن بناء التكليف على الرؤية لا على جواز الرؤية ، ولعدم انضباط القرب والبعد لجمهور الناس ، ولإطلاق اللفظ فما اشتهر بين متأخري أصحابنا ـ من الفرق ثم اختلافهم في تفسير القرب والبعد بالاجتهاد ـ لا وجه له. انتهى.

الخامس ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا اعتبار


بالجدول ولا بالعدد ولا بغيبوبة الهلال بعد الشفق ولا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال ولا بتطوقه ولا بعد خمسة أيام من أول الهلال من السنة الماضية.

والكلام في تفصيل هذه الجملة يقع في مواضع الأول ـ في الجدول وهو حساب مخصوص مأخوذ من سير القمر واجتماعه بالشمس ، ولا ريب في عدم اعتباره لاستفاضة الروايات بان الطريق الى ثبوت دخول الشهر اما الرؤية أو مضى ثلاثين يوما من الشهر المتقدم. وأيضا فإن أكثر أحكام التنجيم مبنية على قواعد كلية مستفادة من الحدس التي تخطئ أكثر من ما تصيب.

وحكى الشيخ في الخلاف عن شاذ منا العمل بالجدول ، ونقله في المنتهى عن بعض الجمهور (١) تمسكا بقوله تعالى (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (٢) وبان الكواكب والمنازل يرجع إليها في القبلة والأوقات وهي أمور شرعية فكذا هنا.

والجواب ان الاهتداء بالنجم يتحقق بمعرفة الطرق ومسالك البلدان وتعرف الأوقات ، والذي يرجع إليه في الوقت والقبلة مشاهدة النجم لا ظنون أهل التنجيم الكاذبة في كثير من الأوقات ، قال في التذكرة : وقد شدد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله النهى عن سماع كلام المنجم حتى قال صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) من صدق كاهنا أو منجما فهو كافر بما أنزل الله على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

أقول : ومن ما يستأنس به لذلك ما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عيسى (٤) قال : «كتب إليه أبو عمرو أخبرني يا مولاي انه ربما أشكل علينا هلال شهر رمضان فلا نراه ونرى السماء ليست فيها علة فيفطر الناس ونفطر معهم ، ويقول قوم من الحساب قبلنا انه يرى في تلك الليلة بعينها في بمصر وإفريقية والأندلس فهل يجوز يا مولاي ما قال الحساب في هذا الباب حتى

__________________

(١) المجموع ج ٦ ص ٢٧٩.

(٢) سورة النحل الآية ١٧.

(٣) الوسائل الباب ١٥ من أحكام شهر رمضان والباب ٢٤ من ما يكتسب به.

(٤) الوسائل الباب ١٥ من أحكام شهر رمضان.


يختلف الفرض على أهل الأمصار فيكون صومهم خلاف صومنا وفطرهم بخلاف فطرنا؟ فوقع عليه‌السلام لا تصومن الشك أفطر لرؤيته وصم لرؤيته».

قال في الوافي بعد ذكر هذا الخبر : بيان ـ يعنى لا تدخل في الشك بقول الحساب واعمل على يقينك المستفاد من الرؤية ، وهذا لا ينافي وجوب القضاء لو ثبتت الرؤية في بلد آخر بشهود عدول ، وانما لم يجبه عليه‌السلام عن سؤاله عن جواز اختلاف الفرض على أهل الأمصار صريحا لأنه قد فهم ذلك من ما أجابه ضمنا ، وذلك فإنه فهم من كلامه عليه‌السلام ان اختلاف الفرض ان كان لاختلاف الرؤية فجائز وان كان لجواز الرؤية بالحساب فغير جائز ، ولا فرق في ذلك بين البلاد المتقاربة والمتباعدة كما قلناه. انتهى. وأشار بقوله كما قلناه الى ما قدمنا نقله عنه.

الثاني ـ في العدد وهو عبارة عن عد شعبان ناقصا أبدا وشهر رمضان تاما أبدا ، وما ذكرناه من عدم الاعتبار به هو المشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) وذهب الصدوق في الفقيه الى العمل بذلك ، وربما نقل عن الشيخ المفيد في بعض كتبه.

قال في الفقيه ـ بعد أن نقل فيه روايتي حذيفة بن منصور الآتيتين الدالتين على ان شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص والله أبدا ـ ما صورته : قال مصنف هذا الكتاب من خالف هذه الأخبار وذهب الى الأخبار الموافقة للعامة في ضدها اتقى كما يتقي العامة ولا يكلم إلا بالتقية (١) كائنا من كان إلا أن يكون مسترشدا فيرشد ويبين له ، فإن البدعة إنما تماث وتبطل بترك ذكرها ولا قوة إلا بالله. انتهى.

وقال المحقق في المعتبر : ولا بالعدد فان قوما من الحشوية يزعمون ان شهور السنة قسمان ثلاثون يوما وتسعة وعشرون يوما فرمضان لا ينقص أبدا وشعبان لا يتم أبدا محتجين بأخبار منسوبة الى أهل البيت (عليهم‌السلام) يصادمها عمل

__________________

(١) لما سيأتي ص ٢٧٢ في بعض الروايات من رواية العامة ان رسول الله (ص) صام تسعة وعشرين أكثر من ما صام ثلاثين ، وتكذيب ذلك في تلك الروايات.


المسلمين في الأقطار بالرؤية وروايات صريحة لا يتطرق إليها الاحتمال فلا ضرورة إلى ذكرها. انتهى.

أقول : ولا بد في المقام من ذكر اخبار الطرفين وبيان ما هو الحق في البين :

فنقول من الأخبار الدالة على القول المشهور ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) «انه قال في شهر رمضان هو شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان».

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «إذا كانت علة فأتم شعبان ثلاثين».

وفي الصحيح عن عبد الله الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «انه سئل عن الأهلة فقال هي أهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر. قال قلت : أرأيت ان كان الشهر تسعة وعشرين يوما اقضى ذلك اليوم؟ فقال : لا إلا ان يشهد بذلك بينة عدول فان شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم». وبهذا المضمون أخبار عديدة.

وما رواه في التهذيب عن هارون بن حمزة الغنوي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «سمعته يقول إذا صمت لرؤية الهلال وأفطرت لرؤيته فقد أكملت صيام شهر رمضان». ورواه بهذا الاسناد في موضع آخر (٥) بدون لفظة «رمضان» وزاد «وان لم تصم إلا تسعة وعشرين يوما فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الشهر هكذا وهكذا وهكذا ، وأشار بيده الى عشرة وعشرة وتسعة».

وما رواه في التهذيب عن صبار مولى ابى عبد الله عليه‌السلام (٦) قال : «سألته عن الرجل يصوم تسعة وعشرين يوما ويفطر للرؤية ويصوم للرؤية أيقضى يوما؟

__________________

(١ و ٢ و ٦) الوسائل الباب ٥ من أحكام شهر رمضان.

(٣) الوسائل الباب ٣ و ٥ من أحكام شهر رمضان رقم ١٨ و ١٧.

(٤ و ٦) الوسائل الباب ٣ من أحكام شهر رمضان.


قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول لا إلا أن يجي‌ء شاهدان عدلان فيشهدا أنهما رأياه قبل ذلك بليلة فيقضي يوما».

وما رواه في الصحيح عن هشام بن الحكم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «انه قال في من صام تسعة وعشرين قال : ان كانت له بينة عادلة على أهل مصر انهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما».

وما رواه فيه عن أبى خالد الواسطي (٢) قال : «أتينا أبا جعفر عليه‌السلام في يوم يشك فيه من رمضان. ثم ساق الخبر الى أن قال : ثم قال حدثني ابى على بن الحسين عن على (عليهم‌السلام) ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما ثقل في مرضه قال أيها الناس ان السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم. قال : ثم قال بيده فذاك رجب مفرد وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ثلاثة متواليات ، ألا وهذا الشهر المفروض رمضان فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإذا خفي الشهر فأتموا العدة شعبان ثلاثين يوما وصوموا الواحد وثلاثين. وقال بيده الواحد واثنان وثلاثة واحد واثنان وثلاثة ويزوي إبهامه. ثم قال أيها الناس شهر كذا وشهر كذا. وقال على عليه‌السلام صمنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تسعة وعشرين ولم نقضه ورآه تاما. وقال على عليه‌السلام قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من الحق في رمضان يوما من غيره متعمدا فليس بمؤمن بالله ولا بي».

وما رواه في التهذيب عن جابر عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «سمعته يقول ما أدرى ما صمت ثلاثين أكثر أو ما صمت تسعة وعشرين يوما ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال شهر كذا وشهر كذا وشهر كذا يعقد بيده تسعة وعشرين يوما».

الى غير ذلك من الأخبار الدالة على هذا القول ، ويبلغ ما أعرضنا عن نقله

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٥ من أحكام شهر رمضان.

(٢) التهذيب ج ٤ ص ١٦١ وفي الوسائل الباب ١٦ و ٣ و ٥ من أحكام شهر رمضان رقم ١ و ١٧ و ١٦.


من الاخبار اختصارا برواية الشيخ في التهذيب ما يقرب من اثنى عشر خبرا.

وقال في الفقه الرضوي (١) : وشهر رمضان ثلاثون يوما وتسعة وعشرون يوما يصيبه ما يصيب الشهور من التمام والنقصان ، والفرض فيه تام أبدا لا ينقص كما روى ، ومعنى ذلك الفريضة فيه الواجبة قد تمت ، وهو شهر قد يكون ثلاثين يوما وتسعة وعشرين يوما.

واما ما يدل على القول الآخر فهو ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في الفقيه عن حذيفة بن منصور عن معاذ بن كثير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص والله أبدا».

وما رواه في التهذيب عن حذيفة بن منصور عن معاذ بن كثير (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان الناس يقولون ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صام تسعة وعشرين أكثر من ما صام ثلاثين؟ (٤) فقال : كذبوا ما صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منذ بعثه الله الى أن قبضه أقل من ثلاثين يوما ولا نقص شهر رمضان منذ خلق الله السماوات من ثلاثين يوما وليلة».

وما رواه في التهذيب عن حذيفة عن معاذ بن كثير (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان الناس يروون ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صام تسعة وعشرين يوما؟ (٦) قال فقال لي أبو عبد الله عليه‌السلام. لا والله ما نقص شهر رمضان منذ خلق الله السماوات والأرض من ثلاثين يوما وثلاثين ليلة».

وما رواه في التهذيب بهذا الاسناد (٧) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان الناس يروون عندنا ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صام هكذا وهكذا وهكذا ـ وحكى بيده يطبق احدى يديه على الأخرى عشرا وعشرا وتسعا ـ أكثر من ما صام هكذا وهكذا وهكذا يعنى عشرا وعشرا وعشرا؟ (٨) قال فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما صام

__________________

(١) ص ٢٤.

(٢ و ٣ و ٥ و ٧) الوسائل الباب ٥ من أحكام شهر رمضان.

(٤ و ٦ و ٨) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٥٠.


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقل من ثلاثين يوما وما نقص شهر رمضان من ثلاثين يوما منذ خلق الله السماوات والأرض».

وما رواه في التهذيب عن حذيفة بن منصور (١) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا والله لا والله ما نقص شهر رمضان ولا ينقص أبدا من ثلاثين يوما وثلاثين ليلة. فقلت لحذيفة لعله قال لك ثلاثين ليلة وثلاثين يوما كما يقول الناس الليل ليل النهار؟ فقال لي حذيفة : هكذا سمعت».

وما رواه في التهذيب عن محمد بن يعقوب بن شعيب عن أبيه (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان الناس يقولون ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صام تسعة وعشرين يوما أكثر من ما صام ثلاثين يوما؟ (٣) فقال : كذبوا ما صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا تاما وذلك قول الله تعالى (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) (٤) فشهر رمضان ثلاثون يوما وشوال تسعة وعشرون يوما وذو القعدة ثلاثون يوما لا ينقص أبدا ، لأن الله تعالى يقول : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) (٥) وذو الحجة تسعة وعشرون يوما ، ثم الشهور على مثل ذلك شهر تام وشهر ناقص ، وشعبان لا يتم أبدا».

وما رواه في التهذيب والفقيه عن محمد بن يعقوب بن شعيب عن أبيه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٦) قال : «قلت له ان الناس يروون ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما صام من شهر رمضان تسعة وعشرين يوما أكثر من ما صام ثلاثين؟ (٧) فقال : كذبوا ما صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا تاما ولا تكون الفرائض ناقصة ، ان الله تعالى خلق السنة ثلاثمائة وستين يوما وخلق السماوات والأرض في ستة أيام فحجزها من ثلاثمائة وستين يوما فالسنة ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما ، وشهر رمضان ثلاثون

__________________

(١ و ٢ و ٦) الوسائل الباب ٥ من أحكام شهر رمضان.

(٣ و ٧) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٥٠.

(٤) سورة البقرة الآية ١٨٢.

(٥) سورة الأعراف الآية ١٣٩.


يوما. وساق الحديث الى آخره».

وما رواه في الكافي عن العدة عن سهل عن محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «ان الله عزوجل خلق الدنيا في ستة أيام ثم اختزلها عن أيام السنة والسنة ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما ، شعبان لا يتم أبدا وشهر رمضان لا ينقص والله أبدا ولا تكون فريضة ناقصة ان الله تعالى يقول : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) (٢) وشوال تسعة وعشرون يوما وذو القعدة ثلاثون يوما ، يقول الله عزوجل (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (٣) وذو الحجة تسعة وعشرون يوما والمحرم ثلاثون يوما ثم الشهور بعد ذلك شهر تام وشهر ناقص».

وما رواه في التهذيب عن معاوية بن عمار عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٤) «في قوله تعالى : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ)؟ قال : صوم ثلاثين يوما».

وما رواه في الفقيه (٥) قال «سأل أبو بصير أبا عبد الله عن قول الله تعالى : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) (٦) قال : ثلاثون يوما».

وما رواه في الفقيه عن ياسر الخادم (٧) قال : «قلت للرضا عليه‌السلام هل يكون شهر رمضان تسعة وعشرين يوما؟ فقال : ان شهر رمضان لا ينقص من ثلاثين يوما أبدا».

أقول : قد ذكر أصحابنا (رضوان الله عليهم) في الجواب عن بعض هذه الأخبار ـ حيث لم يأتوا عليها كملا في مقام الاستدلال ـ أجوبة لا تشفي العليل ولا تبرد الغليل.

ولم أقف لأحد منهم على كلام شاف أحسن من ما ذكره المحدث الكاشاني

__________________

(١ و ٤ و ٥ و ٧) الوسائل الباب ٥ من أحكام شهر رمضان.

(٢ و ٦) سورة البقرة الآية ١٨٢.

(٣) سورة الأعراف الآية ١٣٩.


في الوافي ذيل هذه الأخبار وانا أنقله بالتمام وان طال به زمام الكلام لما فيه من مزيد الفائدة في المقام :

قال (قدس‌سره) بعد نقل كلام صاحب الفقيه الذي قدمنا نقله : قال في التهذيبين ما ملخصه : ان هذه الأخبار لا يجوز العمل بها من وجوه : منها ـ ان متنها لا يوجد في شي‌ء من الأصول المصنفة وانما هو موجود في الشواذ من الاخبار ومنها ـ ان كتاب حذيفة بن منصور عرى منها والكتاب معروف مشهور ولو كان الحديث صحيحا عنه لضمنه كتابه. ومنها ـ انها مختلفة الألفاظ مضطربة المعاني لروايتها تارة عن أبى عبد الله عليه‌السلام بلا واسطة واخرى بواسطة واخرى يفتي الراوي بها من قبل نفسه فلا يسندها الى أحد. ومنها ـ أنها لو سلمت من ذلك كله لكانت اخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا ، واخبار الآحاد لا يجوز الاعتراض بها على ظاهر القرآن والأخبار المتواترة. ومنها ـ تضمنها من التعليل ما يكشف عن انها لم تثبت عن إمام هدى ، وذلك كالتعليل بوعد موسى عليه‌السلام فان اتفاق تمام ذي القعدة في أيام موسى عليه‌السلام لا يوجب تمامه في مستقبل الأوقات ولا دلالة على انه لم يزل كذلك في ما مضى ، مع انه ورد في جواز نقصانه حديث ابن وهب (١) المتضمن انه أكثر نقصانا من سائر الشهور كما يأتي ، وكالتعليل باختزال الستة الأيام من السنة فإنه لا يمنع من اتفاق النقصان في شهرين وثلاثة على التوالي ، وكالتعليل بكون الفرائض لا تكون ناقصة فإن نقصان الشهر عن ثلاثين لا يوجب النقصان في فرض العمل فيه ، فان الله لم يتعبدنا بفعل الأيام وإنما تعبدنا بالفعل في الأيام ، وقد أجمع المسلمون على ان المطلقة في أول الشهر إذا اعتدت بثلاثة أشهر ناقص بعضها أنها مؤدية لفرض الله من العدة على الكمال دون النقصان ، وكذا الناذر لله صيام شهر يلي قدومه من سفره فاتفق أن يكون ذلك الشهر ناقصا ، وكذا التعليل بإكمال العدة فإن نقصان الشهر لا يوجب نقصان العدة في الفرض ، مع انه

__________________

(١) ص ٢٧٨.


إنما ورد في علة وجوب قضاء المريض والمسافر ما فاتهما في شهر رمضان حيث يقول الله سبحانه (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) (١) فأخبر سبحانه انه فرض عليهما القضاء لتكمل بذلك عدة شهر صيامهم كائنة ما كانت. ثم أول تلك الأخبار بتأويلات لا تخلو من بعد مع اختصاص بعضها ببعض الحديث كتأويله «ما صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقل من ثلاثين يوما» بأنه تكذيب للراوي من العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه صام تسعة وعشرين أكثر من ما صام ثلاثين (٢) واخبار عن ما اتفق له من التمام على الدوام ، فان هذا لا يجري في تتمة الكلام من قوله «ولا نقص شهر رمضان منذ خلق الله السماوات من ثلاثين يوما وليلة» وكتأويله «شهر رمضان لا ينقص أبدا» بأنه لا يكون أبدا ناقصا بل قد يكون حينا تاما وحينا ناقصا فإنه لا يجري في سائر ألفاظ هذا الخبر ، وكتأويل «لم يصم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقل من ثلاثين يوما» بأنه لم يصم أقل منه على أغلب أحواله كما ادعاه المخالفون ولا نقص شهر رمضان أى لم يكن نقصانه أكثر من تمامه كما زعموه ، فإنه أيضا مع بعده لا يجري في غير هذا اللفظ من ما تضمن هذا المعنى. وبالجملة فالمسألة من ما تعارض فيه الاخبار لامتناع الجمع بينها إلا بتعسف شديد ، فالصواب أن يقال فيها روايتان : إحداهما موافقة لقاعدة أهل الحساب وهي معتبرة إلا انها انما تعتبر إذا تغيمت السماء وتعذرت الرؤية ـ كما يأتي في باب العلامة عند تعذر الرؤية بيانه ـ لا مطلقا ومخالفة للعامة على ما قاله في الفقيه ، وذلك من ما يوجب رجحانها إلا انها غير مطابقة للظواهر والعمومات القرآنية ، ومع ذلك فهي متضمنة لتعليلات عليلة تنبو عنها العقول السليمة والطباع المستقيمة ويبعد صدورها عن أئمة الهدى (عليهم‌السلام) بل هي من ما يستشم منه رائحة الوضع ، والأخرى موافقة للعامة (٣) كما

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨٢.

(٢ و ٣) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٥٠.


قاله وذلك من ما يوجب ردها إلا انها مطابقة للظواهر والعمومات القرآنية ، ومع ذلك فهي أكثر رواة وأوثق رجالا وأسد مقالا وأشبه بكلام أئمة الهدى (عليهم‌السلام) وربما يشعر بعضها بذهاب بعض المخالفين الى ما يخالفها ، والخبر الآتي آنفا كالصريح في ذلك. وفائدة الاختلاف إنما تظهر في صيام يوم الشك وقضائه مع الفوات ، وقد مضى تحقيق ذلك في اخبار الباب الذي تقدم هذا الباب وفيه بلاغ وكفاية لرفع هذا الاختلاف والعلم عند الله. ثم روى عن التهذيب بسنده الى ابن وهب (١) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام ان الشهر الذي يقال انه لا ينقص ذو القعدة ليس في شهور السنة أكثر نقصانا منه». وهذا الخبر هو الذي أشار إليه بقوله : وربما يشعر بعضها. الى آخره. انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : والذي أقوله في هذا المقام ـ ويقرب عندي وان لم يتنبه له أحد من علمائنا الأعلام ـ هو انه لا ريب في اختلاف روايات الطرفين وتقابلها في البين ودلالة كل منها على ما استدل به من ذينك القولين ، وما ذكروه من تكلف جمعها على القول المشهور تكلف سحيق سخيف بعيد ظاهر القصور ، وان الأظهر من ذينك القولين هو القول المشهور لرجحان اخباره بما ذكره المحدث المشار اليه آنفا ، ويزيده اعتضادها بإجماع الفرقة الناجية سلفا وخلفا على القول بمضمونها وهو مؤذن بكون ذلك هو مذهب أهل البيت (عليهم‌السلام) وقول الصدوق نادر وان سجل عليه بما ذكره.

واما اخبار القول الآخر فأظهر الوجوه فيها هو الحمل على التقية لكن لا بالمعنى المشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) لصراحتها في الرد على المخالفين وان ما دلت عليه خلاف ما هم عليه وانما التقية المرادة هنا هي ما قدمنا ذكره في المقدمة الاولى من مقدمات الكتاب (٢) من إيقاعهم الاختلاف في الأحكام

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أحكام شهر رمضان.

(٢) ج ١ ص ٤ و ٥.


الشرعية تقية وان لم يكن ثمة قائل من العامة ، والأمر ههنا كذلك ، وحيث انه قد استفاض عنهم القول بكون شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور واشتهر ذلك عنهم (عليهم‌السلام) وان كان ذلك مذهب العامة أيضا شددوا بإنكاره في هذه الأخبار لأجل إيقاع الاختلاف بتكذيب العامة والحلف على انه ليس كذلك ، والاستدلال بتلك الأدلة الاقناعية ليتقوى عند الشيعة السامعين لذلك ضعف النقل الأول والقول المشتهر عنهم في تلك الأخبار ، فيحصل الاختلاف بين الشيعة ويتأكد ذلك ليترتب ما ذكروه في تلك الأخبار المتقدمة ثمة عليه من قولهم (عليهم‌السلام) (١) «لو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ولكان أقل لبقائنا وبقائكم». ونحو ذلك من ما تقدم تحقيقه مستوفى مبرهنا في المقدمة الأولى.

هذا. ومظهر الخلاف في هذه المسألة إنما هو في صورة تعذر الرؤية كما تقدم في كلام المحدث الكاشاني ، وذلك فان الصدوق مع تصلبه ومبالغته في العمل باخبار الحساب قد صرح بوجوب الصيام للرؤية وعقد لذلك بابا فقال (٢) باب «الصوم للرؤية والفطر للرؤية» وأورد فيه من الأخبار ما يدل بعضه على الرؤية المستندة إلى الشياع وبعضه على الرؤية المستندة إلى شهادة العدلين ، وحينئذ فلم يبق مظهر للخلاف إلا في الصورة المذكورة ، فعلى هذا لو غم الهلال في ليلة الثلاثين من شعبان فعلى تقدير العمل بقاعدة الحساب يجب أن يصام هذا اليوم بنية شهر رمضان لان شعبان عندهم بهذه القاعدة تسعة وعشرون يوما فيكون هذا اليوم أول شهر رمضان ، وعلى القول المشهور يجب أن يحكم به من شعبان ولا يجوز صيامه من شهر رمضان كما تقدمت الأخبار به الدالة على المنع من صيام يوم الشك بنية شهر رمضان فتكون هذه الاخبار عاضدة لاخبار القول المشهور في هذه المسألة ، وبه يظهر قوة القول المذكور وانه المؤيد المنصور وضعف ما عارضه وانه بمحل من القصور.

__________________

(١) في حديث زرارة في أصول الكافي ج ١ ص ٦٥ وقد تقدم ج ١ ص ٥.

(٢) ج ٢ ص ٧٦ الطبع الحديث.


إلا ان العجب هنا من الصدوق في الفقيه فإنه وافق الأصحاب في هذه المسألة أيضا فقال باستحباب صومه بنية انه من شعبان وانه يجزئ عن شهر رمضان لو ظهر انه منه وحرم صومه بنية كونه من شهر رمضان كما لا يخفى على من راجع كتابه ، وحينئذ فما أدرى ما مظهر الخلاف عنده في القول بهذه الأخبار التي ذهب الى العمل بها؟ فإنه مع الرؤية يوجب العمل بها ومع عدم الرؤية لحصول المانع يمنع من الصيام بنية شهر رمضان ، ففي أي موضع يتحقق الحكم عنده بكون شعبان لا يكون إلا ناقصا ورمضان لا يكون إلا تاما؟ اللهمّ إلا أن يدعى ان الرؤية لا تحصل على وجه يكون شعبان ثلاثين يوما وشهر رمضان تسعة وعشرين يوما ، وهو مع كونه خلاف ظاهر اخبار الرؤية مردود بالضرورة والعيان كما هو المشاهد في جملة الأزمان في جميع البلدان.

(لا يقال) : انه يمكن ذلك بالنسبة إلى آخر الشهر (لأنا نقول) : لا ريب ولا خلاف في انه متى علم أول الشهر بأحد العلامات المتقدمة فلا بد من إكمال الثلاثين إلا ان تحصل الرؤية قبل ذلك بأحد الطريقين المتقدمين من الشياع والشاهدين

نعم تبقى هنا صورة نادرة الوقوع لعلها هي المظهر لهذا الخلاف وهو أن تغم الأهلة الثلاثة من شعبان وشهر رمضان وشوال. والله العالم.

الثالث ـ في غيبوبة الهلال بعد الشفق ، والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا عبرة به.

وقال الصدوق في كتاب المقنع : واعلم ان الهلال إذا غاب قبل الشفق فهو لليلة وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين وان رئي فيه ظل الرأس فهو لثلاث ليال.

والظاهر ان مستنده في ذلك ما رواه في الفقيه (١) عن حماد بن عيسى عن إسماعيل بن الحر عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين». ورواه الكليني بسنده عن الصلت الخزاز عن

__________________

(١) ج ٢ ص ٧٨ وفي الوسائل الباب ٩ من أحكام شهر رمضان.


أبى عبد الله عليه‌السلام مثله (١).

ويحتمل ـ ولعله الأقرب ـ انه إنما أخذ ذلك من كتاب الفقه الرضوي حيث قال فيه (٢) : وقد ذكرنا صوم يوم الشك في أول الباب ونفسره ثانية لتزداد به بصيرة ويقينا : وإذا شككت في يوم لا تعلم انه من شهر رمضان أو من شعبان فصم من شعبان فان كان منه لم يضرك وان كان من شهر رمضان جاز لك في شهر رمضان ، وإلا فانظر أى يوم صمت عام الماضي وعد منه خمسة أيام وصم اليوم الخامس. وقد روى إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين وإذا رأيت ظل رأسك فيه فهو لثلاث ليال. انتهى.

وعن محمد بن مرازم عن أبيه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «إذا تطوق الهلال فهو لليلتين وإذا رأيت ظل رأسك فيه فهو لثلاث ليال».

وقد أجاب الشيخ عن هذه الأخبار بحملها على ما إذا كانت السماء متغيمة وتكون فيها علة مانعة من الرؤية ـ فيعتبر حينئذ في الليلة المستقبلة الغيبوبة والتطوق ورؤية الظل ونحوها ـ دون أن تكون مصحية ، كما ان الشاهدين من خارج البلد انما يعتبران مع العلة دون الصحو. انتهى ملخصا.

أقول : هذا الجواب على إطلاقه مشكل : أما أولا ـ فلما استفاض من الأخبار الدالة على تحريم صوم يوم الشك بنية انه من شهر رمضان (٤) وانه لا يقضى إلا مع قيام البينة بالرؤية فيه (٥) فلو فرض انه في تلك الليلة التي بعد ليلة الشك كان متطوقا أو لم يغب إلا بعد الشفق فالحكم بوجوب قضاء اليوم السابق بناء على هاتين الروايتين ينافي ما دل على المنع من القضاء إلا مع قيام البينة بالرؤية وهو روايات

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٩ من أحكام شهر رمضان.

(٢) ص ٢٥.

(٤) الوسائل الباب ٦ من وجوب الصوم ونيته والباب ١٦ من أحكام شهر رمضان.

(٥) الوسائل الباب ٣ و ٥ و ١١ من أحكام شهر رمضان.


عديدة مستفيضة فيها الصحيح وغيره وقد تقدم شطر وافر منها (١).

وثانيا ـ ما ورد من الاخبار الدالة على انه في الصورة المذكورة يعد شعبان ثلاثين يوما ويصوم الحادي والثلاثين كائنا ما كان :

مثل رواية أبي خالد الواسطي وقد تقدمت (٢) وفيها «فإذا خفي الشهر فأتموا العدة شعبان ثلاثين يوما وصوموا الواحد وثلاثين. الحديث».

وموثقة إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) انه قال «في كتاب على عليه‌السلام صم لرؤيته وأفطر لرؤيته وإياك والشك والظن ، فإن خفي عليكم فأتموا الشهر الأول ثلاثين».

وثالثا ـ انه ان كانت هذه الأشياء المذكورة موجبة لكون الهلال لليلة الثانية أو الثالثة فينبغي أن يكون مطلقا فلا معنى لتخصيصه ذلك بما إذا كانت السماء متغيمة وإلا فلا معنى لاعتبارها بالكلية.

ورابعا ـ خصوص ما رواه الشيخ بسند معتبر عن ابى علي بن راشد (٤) قال : «كتب الى أبو الحسن العسكري عليه‌السلام كتابا وأرخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان وذلك في سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وكان يوم الأربعاء يوم شك وصام أهل بغداد يوم الخميس وأخبروني أنهم رأوا الهلال ليلة الخميس ولم يغب إلا بعد الشفق بزمان طويل ، قال فاعتقدت ان الصوم يوم الخميس وان الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء ، قال فكتب الى : زادك الله توفيقا فقد صمت بصيامنا. قال ثم لقيته بعد ذلك فسألته عن ما كتبت به اليه فقال لي : أو لم أكتب إليك إنما صمت الخميس ولا تصمه إلا للرؤية».

ورواه في الوافي (٥) بلفظ «وان الشك كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء»

__________________

(١) راجع ص ٢٦٤ الى ٢٧٢.

(٢) ص ٢٤١ و ٢٧٢.

(٣) الوسائل الباب ٣ من أحكام شهر رمضان.

(٤) الوسائل الباب ٩ من أحكام شهر رمضان.

(٥) باب صيام يوم الشك.


عوض «وان الشهر» وهو الظاهر ، وكأن ذلك اجتهاد منه (قدس‌سره) فان الخبر في التهذيب (١) انما هو بلفظ الشهر والتحريف من الشيخ في أمثال ذلك غير بعيد ، فان المعنى إنما يستقيم على ما ذكره في الوافي دون نسخة الشهر كما لا يخفى.

والتقريب في هذا الخبر انه وان كان ما كتبه الى الامام عليه‌السلام غير مصرح به في الخبر إلا ان ظاهر السياق يدل على انه كتب اليه بما ذكره هنا من وقوع الشك في بغداد يوم الأربعاء. إلى آخر ما هو مذكور في الخبر من حكاية تلك الحال.

ثم انه مع قطع النظر عن معلومية ما كتب اليه وان المسؤول عنه ما هو فان أخباره في صدر الخبر بكونه عليه‌السلام كتب اليه كتابا أرخه بذلك التأريخ المشعر بكون يوم الأربعاء من شهر شعبان المؤذن بكون أول شهر رمضان هو يوم الخميس ـ وكذا جوابه عليه‌السلام «صمت بصيامنا» وكان صيامه عليه‌السلام إنما هو يوم الخميس كما يدل عليه قوله عليه‌السلام «أو لم أكتب إليك إنما صمت الخميس؟» مع اخبار أبى على بن راشد ان الهلال ليلة الخميس لم يغب إلا بعد الشفق بزمان طويل ـ ظاهر الدلالة في أن مغيب الهلال بعد الشفق لا يستلزم أن يكون لليلتين كما ادعوه بل يجوز أن يكون في أول ليلة أيضا كذلك.

وبذلك يظهر ما في كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة من قوله بعد نقل رواية أبى على بن راشد دليلا للقول المشهور : ولا دلالة في هذا الخبر يظهر ذلك بالتأمل التام. انتهى. فهو من جملة تشكيكاته الركيكة.

ويظهر منه الميل الى هذا القول حيث قال : وظاهر بعض المتأخرين العمل بمدلول الخبرين ولا بأس به.

وكأنه غفل عن معارضة هذين الخبرين بالأخبار المستفيضة التي أشرنا إليها آنفا إذ لا ريب في رجحانها على الخبرين المذكورين.

واما ما رواه الصدوق في الصحيح عن عيص بن القاسم (٢) ـ «انه سأل

__________________

(١) ج ٤ ص ١٦٧.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من أحكام شهر رمضان.


أبا عبد الله عليه‌السلام عن الهلال إذا رآه القوم جميعا فاتفقوا على انه لليلتين أيجوز ذلك؟ قال نعم».

فهو خبر شاذ لا يعارض ما قدمناه من الأخبار المستفيضة الدالة على ان الاعتبار بالرؤية أو الشاهدين وانه لا اعتبار بالظن وغاية ما يفيده اتفاق القوم هنا هو الظن بذلك. والله العالم.

الرابع ـ في رؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال ، والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا اعتبار بذلك.

ونقل عن المرتضى في بعض مسائله انه قال : إذا رئي قبل الزوال فهو لليلة الماضية. ونقله في المختلف عن السيد (رضي‌الله‌عنه) في المسائل الناصرية حيث قال الناصر : إذا رئي الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية. فقال السيد : هذا صحيح وهو مذهبنا. وربما أشعرت هذه العبارة بدعواه الإجماع عليه.

واليه مال المحدث الكاشاني في الوافي والمفاتيح والفاضل الخراساني في الذخيرة ، وقال العلامة في المختلف ان الأقرب اعتبار ذلك في الصوم دون الفطر. وتردد المحقق في النافع والمعتبر.

وظاهر المحقق الشيخ حسن في المنتقى الميل الى هذا القول أيضا حيث قال ـ بعد إيراد حسنة حماد بن عثمان الآتية بطريق الكافي (١) ـ ما صورته : وروى الشيخ هذا الخبر معلقا عن محمد بن يعقوب وأورد في معناه خبرا آخر من الموثق يرويه بإسناده عن سعد بن عبد الله. ثم ساق السند الى عبيد بن زرارة وعبد الله بن بكير وأورد متنه كما يأتي (٢) ثم قال : ولطريق هذا الخبر اعتبار ظاهر ومزية واضحة وموافقة الحديث الحسن له تزيده اعتبارا وقد حملهما الشيخ على معنى بعيد. انتهى.

وظاهر صاحب المدارك التردد في المسألة فإنه ـ بعد أن ذكر في صدر المسألة ان المعتمد هو القول المشهور ثم ساق الروايات الدالة على القول المشهور ثم أورد

__________________

(١ و ٢) ص ٢٨٥.


حسنة حماد وموثقة عبيد بن زرارة وابن بكير الآتيتين ـ قال : والمسألة قوية الإشكال فإن الروايتين المتضمنتين لاعتبار ذلك معتبرتا الإسناد. الى أن قال : ومن ثم تردد المصنف في النافع والمعتبر وهو في محله. انتهى.

ويظهر ذلك ايضا من المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد حيث قال بعد تطويل البحث والكلام بإبرام النقض ونقض الإبرام : فتأمل واحفظ فإن المسألة من المشكلات.

ويظهر من الصدوق ايضا القول به حيث قال في باب ما يجب على الناس إذا صح عندهم بالرؤية يوم الفطر بعد ما أصبحوا صائمين (١) ـ بعد نقل حديث مرسل (٢) يحتمل أن تكون هذه العبارة من جملته ويحتمل أن تكون من كلامه (قدس‌سره) ـ ما صورته : وإذا رئي هلال شوال بالنهار قبل الزوال فذلك اليوم من شوال وإذا رئي بعد الزوال فذلك من شهر رمضان.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الكليني في الحسن على المشهور الصحيح على المختار عن حماد بن عثمان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية وإذا رأوه بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن عبيد بن زرارة وابن بكير (٤) قالا : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا رئي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوال وإذا رئي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان». وبهذين الخبرين أخذ من قال بالقول الثاني.

ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب والصدوق في من لا يحضره الفقيه في

__________________

(١) ج ٢ ص ١٠٩.

(٢) الوسائل الباب ٦ من أحكام شهر رمضان رقم ٢.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٨ من أحكام شهر رمضان.


الصحيح عن محمد بن قيس عن أبى جعفر عليه‌السلام (١) قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين ، وان لم تروا الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصيام الى الليل ، وان غم عليكم فعدوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا».

وما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن هلال رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان؟ فقال لا تصمه إلا أن تراه فان شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه ، وإذا رأيته وسط النهار فأتم صومه الى الليل».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن جراح المدائني (٣) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام من رأى هلال شوال بنهار في شهر رمضان فليتم صيامه».

وما رواه العياشي في تفسيره عن القاسم بن سليمان عن جراح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «قال الله (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (٥) يعنى صوم رمضان ، فمن رأى الهلال بالنهار فليتم صيامه».

وما رواه الشيخ ايضا عن محمد بن عيسى (٦) قال : «كتبت اليه : جعلت فداك ربما غم علينا هلال شهر رمضان فنرى من الغد الهلال قبل الزوال وربما رأيناه بعد الزوال فترى ان نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ وكيف تأمرني في ذلك؟ فكتب عليه‌السلام تتم الى الليل فإنه ان كان تاما رئي قبل الزوال».

وروى هذا الخبر في الاستبصار (٧) «ربما غم علينا الهلال في شهر رمضان».

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من أحكام شهر رمضان. أرجع في لفظ الحديث الى ص ٢٥٧.

(٢) الوسائل الباب ٨ من أحكام شهر رمضان واللفظ «سألت أبا عبد الله ع».

(٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ٨ من أحكام شهر رمضان.

(٥) سورة البقرة الآية ١٨٤ ، واللفظ «ثم أتموا ...» فالتغيير اما ان يكون من النساخ أو للنقل بالمعنى.

(٧) ج ٢ ص ٧٣.


وهو أوضح ، والظاهر ان ما وقع في التهذيب سهو من قلم الشيخ كما سيأتي ان شاء الله تعالى تحقيقه.

وبهذه الأخبار أخذ من قال بالقول المشهور.

وأجاب العلامة في المنتهى عن الخبرين الأولين ـ بعد الطعن في سند الثاني بأن فيه ابن فضال وهو ضعيف ـ بأنهما لا يصلحان لمعارضة الأحاديث الكثيرة الدالة على انحصار الطريق في الرؤية ومضى ثلاثين لا غير (١).

أقول : ليس في شي‌ء من تلك الأخبار ما يدل على الانحصار كما ذكره (قدس‌سره) ليكون منافيا للخبرين المذكورين كما لا يخفى على من راجعها.

والحق ان الخبرين المذكورين صريحا الدلالة على القول المذكور وانما يبقى الكلام في ما عارضهما من الأخبار المذكورة بعدهما :

فاما صحيحة محمد بن قيس فموردها هلال شهر شوال كما هو ظاهر السياق حيث أمر عليه‌السلام بالإفطار برؤيته تلك الليلة أو شهادة عدول من المسلمين على الرؤية واما إذا رأوه من وسط النهار أو آخره فإنهم يتمون صيام ذلك اليوم يعنى من شهر رمضان والظاهر من لفظ «وسط النهار» هو الوسط المجازي لا الحقيقي الذي هو عبارة عن وقوع الشمس على دائرة نصف النهار ، والوسط بالمعنى المذكور شامل لما قبل الزوال بيسير وما بعده بيسير.

وكيف كان فالأمر بإتمام الصوم ظاهر في الدلالة على المعنى المشهور ويؤيده التسوية بين وسط النهار وآخره في الحكم المذكور مع قول الخصم بأنه بعد الزوال لليلة المستقبلة.

واما ما حمل عليه الخبر في الوافي ـ من ان المراد بوسط النهار ما بعد الزوال ـ فلا يخفى بعده. وأبعد منه ما تكلفه في الذخيرة من حمل الهلال على هلال شهر رمضان ، ثم ذكر معنى متعسفا متكلفا لا اعرف له وجه استقامة ، بل كلامه في

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ و ٥ من أحكام شهر رمضان.


هذا البحث كله غث لا يعجبني النظر اليه ولا العروج عليه.

ثم قال عليه‌السلام (١) «وان غم عليكم هلال شوال فعدوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا».

واما موثقة إسحاق بن عمار فهي صريحة في كون المسؤول عنه هلال شهر رمضان وانه لا يرى في تسع وعشرين من شعبان يعنى بعد تسع وعشرين منه وهي ليلة الثلاثين منه لغيم ونحوه فلا يرى الهلال ، وهذا هو يوم الشك الذي تقدم تحقيق القول فيه ، فأمره عليه‌السلام بان لا تصمه ـ يعنى بنية شهر رمضان ـ إلا مع رؤية الهلال ، فإذا افطرته فان شهد أهل بلد آخر فاقضه ، وإذا صمته ـ يعنى بنية شعبان ـ ورأيت الهلال وسط النهار فأتم صومه الى الليل.

والأمر بإتمام الصوم هنا محتمل لأمرين : اما أن يكون على جهة الاستحباب كما تأوله به الشيخ (قدس‌سره) ومرجعه الى ان الرؤية في النهار لا عبرة بها فأتم صومك وانما العبرة برؤيته أول الليل. ويحتمل ما ذكره المحدث الكاشاني بناء على ما اختاره من القول المتقدم ان المراد بوسط النهار يعنى به قبل الزوال ، قال : ومعنى إتمام صومه الى الليل انه ان كان لم يفطر بعد نوى الصوم من شهر رمضان واعتد به وان كان قد أفطر أمسك بقية اليوم ثم قضاه. انتهى. ومرجعه إلى انه يحكم بكونه من شهر رمضان لرؤية الهلال قبل الزوال لأن ذلك موجب لكونه لليلة الماضية كما دل عليه الخبران الأولان.

والاحتمالان متعارضان إلا انه يبقى على تقدير كلام المحدث المذكور سؤال الفرق بين وسط النهار في هذا الخبر وفي خبر محمد بن قيس حيث حمله ثمة على ما بعد الزوال وحمله هنا على ما قبل الزوال.

واما خبر جراح المدائني فهو ظاهر في القول المشهور لدلالته على ان الرؤية في النهار في أي جزء منه غير معتبرة ، فالواجب في ما إذا كان ذلك في اليوم الآخر

__________________

(١) في صحيحة محمد بن قيس المتقدمة ص ٢٨٦ ، وليس فيها لفظ «هلال شوال» إلا ان يكون مراده (قدس‌سره) النقل بالمعنى.


من شهر رمضان أن يتم صيامه من شهر رمضان.

واما ما تأوله به في الوافي ـ من حمل النهار على ما بعد الزوال حملا للمطلق على المقيد ـ فهو جيد لو انحصرت المخالفة فيه ، بل الظاهر ان مفاد هذا الخبر هو مفاد صحيحة محمد بن قيس الدالة على ان وسط النهار وآخره سواء بالنسبة إلى وجوب إتمام الصيام في اليوم الآخر من شهر رمضان وعدم الاعتداد بالرؤية النهارية.

واما خبر جراح المنقول عن العياشي فهو في الدلالة على المشهور أظهر من سابقه وعن قبول الاحتمال المذكور أبعد ، لأنه ورد في تفسير الآية الدالة بغير خلاف على وجوب الإتمام إلى الليل مطلقا فيجب ان يكون الإطلاق في الخبر ايضا كذلك.

واما رواية محمد بن عيسى فإنه على تقدير رواية التهذيب (١) فان معناها غير مستقيم كما لا يخفى على ذي الطبع القويم ، لأنه إذا كان السؤال عن هلال شهر رمضان وانه ربما خفي بغيم ونحوه فكيف يرتب عليه الإفطار من الغد بالرؤية قبل الزوال وعدم ذلك؟

بل الحق ان الخبر إنما يتمشى الكلام فيه على تقدير رواية الاستبصار (٢) وهو ظاهر في القول المشهور على تقدير هذه الرواية.

وبذلك اعترف المحدث الكاشاني في الوافي أيضا فقال ـ بعد نقل الخبر المذكور برواية التهذيب ـ ما صورته : بيان ـ هكذا وجدنا الحديث في نسخ التهذيب (٣) وفي الاستبصار «ربما غم علينا الهلال في شهر رمضان» وهو الصواب لأنه على نسخة التهذيب لا يستقيم المعنى إلا بتكلف ، إلا انه على نسخة الاستبصار (٤) ينافي سائر الأخبار التي وردت في هذا الباب ، لأنه على ذلك يكون المراد بالهلال هلال شوال ومعنى «يتم الى الليل» يتم الصيام الى الليل ، وقوله عليه‌السلام : «ان كان تاما رئي قبل الزوال» معناه ان كان الشهر الماضي ثلاثين يوما رئي هلال الشهر المستقبل قبل

__________________

(١ و ٣) ج ٤ ص ١٧٧.

(٢ و ٤) ج ٢ ص ٧٣.


الزوال في اليوم الثلاثين. انتهى.

وبالجملة فالمسألة لما ذكرناه محل تردد واشكال ، ولا يبعد عندي خروج أخبار أحد الطرفين مخرج التقية ، إلا ان العامة هنا على قولين أيضا والقول المشهور بينهم هو المشهور بين أصحابنا ، نقله في المنتهى عن الشافعي ومالك وابى حنيفة ، وعن أحمد فيه روايتان ، ونقل القول الآخر عن الثوري وابى يوسف (١).

الخامس ـ في التطوق والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا عبرة به ، ونقل عن ظاهر الصدوق اعتبار ذلك حيث أورد في كتابه رواية محمد ابن مرازم المتقدمة في الموضع الثالث (٢) الدالة على انه إذا تطوق الهلال فهو لليلتين ، بناء على قاعدته المذكورة في صدر كتابه.

وظاهر الفاضل الخراساني في الذخيرة الميل الى ذلك حيث قال بعد ان نقل عن الصدوق ما ذكرناه : ويدل على اعتبار ذلك الخبر المذكور وهو صحيح ، ونسبته الى ما يعارضه نسبة المقيد الى المطلق فمقتضى القواعد العمل بمقتضاه ، فاندفع ما قال المصنف في المنتهى بعد إيراد الخبر المذكور : وهذه الرواية لا تعارض ما تلوناه من الأحاديث. انتهى.

وفيه ان المعارض لا ينحصر في ما ذكره من الأخبار المطلقة الدالة على وجوب الصوم بالرؤية أو الشاهدين أو مضى ثلاثين يوما ، بل المعارض هنا إنما هي الأخبار الدالة على انه مع إفطاره اليوم المشكوك فيه لا يقضيه إلا مع قيام البينة بالرؤية (٣) وبمقتضى اعتبار التطوق انه متى أفطر يوم الشك ورئي في الليلة الثانية متطوقا فإنه يجب القضاء بمقتضى هذه الرواية ، مع ان الروايات الصحاح الصراح قد استفاضت بأنه لا يقضى إلا إذا قامت البينة بالرؤية وإلا فلا ، ولا ريب في

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ١٦٨.

(٢) ص ٢٨١.

(٣) الوسائل الباب ٣ و ٥ و ١١ من أحكام شهر رمضان.


ضعف هذه الرواية عن معارضة تلك الأخبار المشار إليها.

السادس ـ في عد خمسة أيام من أول الهلال من السنة الماضية فيجب صيام يوم الخامس منها ، والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا اعتبار بذلك بل الظاهر انه لا خلاف فيه حيث انه لم ينقل القائل بخلاف ما ذكرنا.

نعم ورد في الاخبار ما يدل على ذلك وهو ما رواه الكليني والشيخ (طيب الله مرقديهما) عن عمران الزعفراني (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة فأي يوم نصوم؟ قال. انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وصم يوم الخامس».

وعن عمران الزعفراني أيضا (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انا نمكث في الشتاء اليوم واليومين لا نرى شمسا ولا نجما فأي يوم نصوم؟ قال : انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وعد خمسة أيام وصم اليوم الخامس».

وحملهما الشيخ على ان السماء إذا كانت متغيمة فعلى الإنسان أن يصوم اليوم الخامس احتياطا فان اتفق انه يكون من شهر رمضان فقد أجزأ عنه وان كان من شعبان كتب له من النوافل ، قال : وليس في الخبر انه يصوم يوم الخامس على انه من شهر رمضان ، وإذا لم يكن هذا في ظاهره واحتمل ما قلناه سقطت المعارضة به ولم يناف ما ذكرناه من العمل على الأهلة. وقال ان راوي هاتين الروايتين عمران الزعفراني وهو مجهول وفي اسناد الحديثين قوم ضعفاء لا نعمل بما يختصون بروايته.

أقول : ومن ما وقفت عليه من الاخبار في هذه المسألة زيادة على الخبرين ما قدمنا نقله عن كتاب الفقه الرضوي في الموضع الثالث (٣).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من أحكام شهر رمضان ، والشيخ يرويه عن الكليني.

(٢) الفروع ج ١ ص ١٨٤ و ١٨٥ وفي الوسائل الباب ١٠ من أحكام شهر رمضان.

(٣) ص ٢٨١.


وما رواه في الكافي في الصحيح الى صفوان بن يحيى عن محمد بن عثمان الخدري عن بعض مشايخه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «صم في العام المستقبل اليوم الخامس من يوم صمت فيه عام أول».

وما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (٢) قال : «قال عليه‌السلام إذا صمت شهر رمضان في العام الماضي في يوم معلوم فعد في العام المستقبل من ذلك اليوم خمسة أيام وصم اليوم الخامس».

وما رواه ابن طاوس في كتاب الإقبال (٣) نقلا من كتاب الحلال والحرام لإسحاق بن إبراهيم بن محمد الثقفي عن احمد بن عمران بن ابى ليلى عن عاصم بن حميد عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) قال : «عدوا اليوم الذي تصومون فيه وثلاثة أيام بعده وصوموا يوم الخامس فإنكم لن تخطئوا».

وعن احمد عن غياث ـ أظنه ابن أعين ـ عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) مثله (٤).

وكيف كان فإعراض الأصحاب قديما وحديثا عن الفتوى بمضمون هذه الاخبار أظهر ظاهر في طرحها.

وأنت خبير بان أخبار هذه المواضع الستة التي ذكرناها لا تخلو من تعارض وتناقض بعضها مع بعض ، لان العمل على بعض منها ربما ينافيه العمل على البعض الآخر ، فالأظهر هو طرح الجميع كما حققناه والرجوع الى الأخبار المستفيضة بالرؤية أو شهادة العدلين أو عد ثلاثين يوما من شعبان (٥) كما عليه كافة العلماء الأعيان. والله العالم.

السابع ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان من لا يعلم الشهر كالأسير في يد المشركين والمحبوس يتوخى وينظر ما غلب على ظنه فيصومه ويجزئه

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٠ من أحكام شهر رمضان.

(٥) الوسائل الباب ٣ و ٥ و ١١ من أحكام شهر رمضان.


مع استمرار الاشتباه ، وان علم اتفاقه في شهر رمضان أو تأخر ما صامه عن شهر رمضان أجزأه أيضا وان ظهر تقدمه لم يجزئه. وهذه الأحكام كلها اجماعية على ما نقله العلامة في التذكرة والمنتهى.

والأصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ بسند فيه توقف والصدوق في الفقيه بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «قلت له رجل أسرته الروم ولم يصم شهر رمضان ولم يدر أى شهر هو؟ قال يصوم شهرا يتوخاه ويحسب فان كان الشهر الذي صامه قبل شهر رمضان لم يجزئه وان كان بعد شهر رمضان أجزأه».

وما رواه الشيخ المفيد في المقنعة عن الصادق عليه‌السلام مرسلا (٢) «انه سئل عن رجل أسرته الروم فحبس ولم ير أحدا يسأله فاشتبهت عليه أمور الشهور كيف يصنع في صوم شهر رمضان؟ فقال : يتحرى شهرا فيصومه يعنى يصوم ثلاثين يوما ثم يحفظ ذلك فمتى خرج أو تمكن من السؤال لأحد نظر ، فان كان الذي صامه كان قبل شهر رمضان لم يجزئ عنه ، وان كان هو هو فقد وفق له ، وان كان بعده أجزأه».

ثم ان باقي أحكام شهر رمضان تعلم من ما تقدم ومن ما يأتي ان شاء الله تعالى

الفصل الثاني

في صوم القضاء

وفيه مسائل الأولى ـ قد تقدم في المطلب الثالث من المقصد الأول (٣) سقوط التكليف عن الصغير والمجنون والكافر والحائض والنفساء والمريض المتضرر به والمغمى عليه والمسافر ، إلا ان من هؤلاء من يسقط عنه الأداء والقضاء معا ومنهم من يسقط عنه الأداء خاصة وهو الحائض والنفساء والمريض والمسافر.

فاما ما يدل على سقوط الأمرين عن الصغير والمجنون فحديث رفع القلم عن

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧ من أحكام شهر رمضان.

(٣) ص ١٦٥.


الصبي حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق (١). وهو اتفاقي نصا وفتوى.

واما ما يدل على سقوطهما عن الكافر فقد تقدم في المطلب المشار اليه نقل الأخبار الدالة عليه.

واما ما يدل على سقوط القضاء عن المخالف الذي هو عندنا من الكفار فيدل عليه الاخبار المستفيضة :

منها ـ صحيحة الفضلاء عنهما (عليهما‌السلام) (٢) «في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ثم يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال : ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة لا بد أن يؤديها لأنه وضع الزكاة في غير موضعها وانما موضعها أهل الولاية». وبمضمونه أخبار عديدة.

والمفهوم من الأخبار ان سقوط القضاء عنه بعد الإيمان والإقرار بالولاية ليس من حيث صحة إعماله كما يفهم من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) لتصريح الأخبار المستفيضة ببطلانها لاشتراط صحتها بالولاية وانما هو تفضل من الله عزوجل لدخوله في هذا الدين.

ومن ما يدل على ما قلناه بأوضح دلالة صحيحة محمد بن مسلم (٣) وهي طويلة حيث قال في آخرها : «وكذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا امام له من الله ظاهر عادل أصبح ضالا تائها وان مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق ، واعلم يا محمد ان أئمة الجور واتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا فأعمالهم التي يعملونها (كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمّا كَسَبُوا

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من مقدمة العبادات وسنن البيهقي ج ٨ ص ٢٦٤.

(٢) الوسائل الباب ٣ من المستحقين للزكاة.

(٣) أصول الكافي ج ١ ص ١٨٣ وفي الوسائل الباب ٢٩ من مقدمة العبادات.


عَلى شَيْ‌ءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ» (١).

وصحيحة أبي حمزة الثمالي (٢) قال : «قال لنا على بن الحسين (عليهما‌السلام): أى البقاع أفضل؟ فقلنا : الله ورسوله وابن رسوله أعلم. فقال لنا : أفضل البقاع ما بين الركن والمقام ولو ان رجلا عمر ما عمر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان ثم لقي الله بغير ولايتنا لم ينتفع بذلك شيئا».

وعن الصادق عليه‌السلام (٣) «سواء على الناصب صلى أم زنى».

وقد نظمه شيخنا الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني (قدس‌سره) فقال :

خلع النواصب ربقة الإيمان

فصلاتهم وزناؤهم سيان

قد جاء ذا في واضح الآثار عن

آل النبي الصفوة الأعيان

وظاهر الاخبار ان ثواب تلك الأعمال الباطلة من صلاة وصيام ونحوهما يكتب لهم بعد الايمان.

ومن الاخبار في ذلك صحيحة ابن أذينة (٤) قال : «كتب الى أبو عبد الله عليه‌السلام ان كل عمل عمله الناصب في حال ضلاله أو حال نصبه ثم من الله عليه وعرفه هذا الأمر فإنه يؤجر عليه ويكتب له إلا الزكاة. الحديث».

اما لو ترك تلك العبادة بالكلية أو أتى بها باطلة في مذهبه فالظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في وجوب القضاء هنا استنادا الى عموم ما دل على وجوب القضاء في تلك العبادة من صلاة أو صيام أو حج ، وهو كذلك فان التارك لها مع كونه مكلفا بها ومخاطبا باق تحت العهدة حتى يأتي بها ، وغاية ما يستفاد من تلك الأخبار الدالة على عدم وجوب القضاء هو عدم وجوب قضاء ما أتوا به صحيحا

__________________

(١) اقتباس من قوله تعالى في سورة إبراهيم الآية ٢٢.

(٢) الوسائل الباب ٢٩ من مقدمة العبادات.

(٣) روضة الكافي ص ١٦٠ واللفظ «لا يبالي الناصب صلى أم زنى».

(٤) الوسائل الباب ٣١ من مقدمة العبادات والباب ٣ من المستحقين للزكاة.


على مذهبهم من حيث بطلانه بترك الولاية لا ما لم يأتوا به بالكلية أو أتوا به باطلا الذي هو في حكمه ، وهؤلاء عندنا مكلفون بالأحكام وان كانت لا تقبل منهم إلا بالإيمان والولاية ، وحينئذ فمتى أتوا بها صحيحة على مذهبهم ولم يبق إلا شرط قبولها فبعد حصول الشرط يتفضل الله عزوجل عليهم بالقبول بخلاف ما لو لم يأتوا بها بالكلية وكذا ما في حكمه فإنهم باقون تحت عهدة الخطاب فيجب القضاء البتة واما ما يدل على وجوب القضاء على الحائض والنفساء زيادة على الاتفاق على ذلك فهو

ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (١) انه قال : «الحائض ليس عليها أن تقضى الصلاة وعليها ان تقضى صوم شهر رمضان».

وفي الحسن الى الحسن بن راشد (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الحائض تقضى الصلاة؟ قال لا. قلت تقضى الصوم؟ قال نعم. قلت من اين جاء هذا؟ قال : ان أول من قاس إبليس».

واما ما يدل على القضاء على المريض فالأخبار المستفيضة (٣) وستأتي ان شاء الله تعالى.

واما المغمى عليه فإنه لا ريب في سقوط الصوم عنه لخروجه بذلك عن أهلية التكليف وإنما الخلاف في صحة صومه مع سبق النية ، وقد تقدم الكلام فيه في المطلب الثالث من المقصد الأول (٤) وانما يبقى الكلام هنا في وجوب القضاء عليه بعد الإفاقة فالمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا قضاء عليه ، وقيل عليه القضاء ما لم ينو قبل الإغماء ، وهذا القول منقول عن الشيخين والمرتضى (رضوان الله عليهم).

والأظهر هو القول الأول للأخبار المستفيضة ومنها ـ صحيحة أيوب بن

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤١ من أبواب الحيض.

(٣) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام شهر رمضان.

(٤) ص ١٦٧.


نوح (١) قال : «كتبت الى ابى الحسن الثالث عليه‌السلام اسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضى ما فاته أم لا؟ فكتب : لا يقضى الصوم ولا يقضي الصلاة».

وصحيحة على بن مهزيار (٢) قال : «سألته عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضى ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب : لا يقضى الصوم ولا يقضي الصلاة». الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

ولم نقف للقول الآخر على دليل إلا ما ذكره في المختلف حيث احتج عليه بأنه مريض فيلزمه القضاء تمسكا بعموم الآية (٣) واخبار وردت بقضاء الصلاة (٤) وانه لا قائل بالفرق.

وأنت خبير بما فيه بعد ما عرفت : أما أولا ـ فبالمنع من تسميته مريضا ، سلمنا لكن لا نسلم وجوب القضاء على المريض مطلقا ، والسند ما تقدم من الأخبار.

واما الروايات المتضمنة لقضاء الصلاة فهي ـ مع كونها مختلفة تحتاج أولا إلى الجمع بينها ليتم الاستدلال بها ـ مختصة بالصلاة ، وإلحاق الصوم بها قياس ، وعدم القائل بالفرق لا يدل على عدم الفرق ، هذا مع ضعفها عن معارضة ما دل على العدم من الاخبار الصحيحة الصريحة الكثيرة.

واما المسافر فسيجي‌ء الكلام فيه في المقصد الثالث ان شاء الله تعالى.

المسألة الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان المرتد فطريا كان أو مليا يقضى زمان ردته استنادا الى عموم الأدلة الدالة على وجوب قضاء الفوائت من الصيام والصلاة الشاملة للمرتد وغيره. ولا ريب انه الأحوط لتطرق المناقشة الى ما ادعوه من العموم لما صرحوا به في غير موضع من ان الأحكام المودعة في الأخبار انما تحمل على الافراد الشائعة الكثيرة التي يتبادر إليها الإطلاق دون الفروض النادرة ولا إشكال في كون هذا المفروض من الافراد النادرة.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٤ ممن يصح منه الصوم.

(٣) وهو قوله تعالى في سورة البقرة الآية ١٨٢ (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ).

(٤) الوسائل الباب ٣ من قضاء الصلوات.


ثم انه ربما أشكل القول بذلك في المرتد عن فطرة بناء على عدم قبول توبته لوجوب قتله وقسمة أمواله وبينونة زوجته ، والحق هو التفصيل في ذلك والقول بوجوب قبولها باطنا وعدم قبولها ظاهرا ، وانه يجمع بين الأخبار الدالة على وجوب التكاليف الشرعية عليه من صلاة وصيام وحج ونحوها وبين ما دل على وجوب قتله وقسمة أمواله وبينونة زوجته (١).

نعم اختلف الأصحاب هنا في ما لو عقد الصوم مسلما ثم ارتد ثم عاد بقية يومه ، فذهب المحقق في المعتبر وقبله الشيخ وابن إدريس وجماعة إلى انه لا يفسد وقطع العلامة في جملة من كتبه والشهيد في الدروس بالفساد ، لأن الإسلام شرط وقد فات فيفوت مشروطه ، ويلزم من فساد الجزء فساد الكل لان الصوم عبادة واحدة فلا يقبل التجزؤ. وقال في المدارك انه لا يخلو من قوة. والمسألة عندي محل توقف لعدم الوقوف على نص فيها.

المسألة الثالثة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في من نسي غسل الجنابة في شهر رمضان حتى مر عليه الشهر كله أو أيام منه فهل يجب عليه قضاء صوم ما مضى من ذلك أم لا؟ مع اتفاقهم على وجوب قضاء الصلاة لمكان الحدث :

فالمشهور الوجوب لما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (٢) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان؟ قال عليه أن يقضى الصلاة والصيام».

وما رواه الصدوق في الصحيح إلى إبراهيم بن ميمون (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثم ينسى أن يغتسل حتى

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من حد المرتد.

(٢) الوسائل الباب ٣٩ من الجنابة والباب ٣٠ ممن يصح منه الصوم.

(٣) الوسائل الباب ١٧ من ما يمسك عنه الصائم و ٣٠ ممن يصح منه الصوم. واللفظ هكذا : «. أو يخرج شهر رمضان؟ قال عليه قضاء الصلاة والصوم».


يمضى لذلك جمعة أو يخرج الشهر ما عليه؟ قال يقضى الصلاة والصيام».

قال ابن بابويه (قدس‌سره) بعد نقل الخبر : وفي خبر آخر (١) ان من جامع في أول شهر رمضان ثم نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان ان عليه أن يغتسل ويقضى صلاته وصومه إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة فإنه يقضى صلاته وصيامه الى ذلك اليوم ولا يقضى ما بعد ذلك.

وقال ابن إدريس لا يجب قضاء الصوم ، لأن الأصل براءة الذمة ، ولان الصوم ليس من شرطه الطهارة في الرجال إلا إذا تركها الإنسان متعمدا من غير اضطرار وهذا لم يتعمد تركها. انتهى.

وهو جيد على أصوله الغير الاصيلة وقواعده الضعيفة العليلة. ووافقه المحقق في الشرائع والنافع ونازعه في المعتبر.

وربما ظهر من كلام الصدوق في الفقيه قول ثالث في المسألة ولا بأس به إلا أن فيه نوع اشكال من حيث عدم نية الغسل المنسي ، والقول بتداخل الأغسال كما هو الأظهر عندي إنما هو عبارة عن الاكتفاء بغسل واحد مع نية جملة من الأغسال لا مع عدم النية والقصد بالكلية ، وتحقيق الكلام في ذلك قد أودعناه في شرحنا على المدارك ، وقد تقدم في بحث نية الوضوء في كتاب الطهارة ما فيه مزيد تحقيق للمسألة أيضا.

وكيف كان فالعمل على القول المشهور. والله العالم.

المسألة الرابعة ـ من فاته شهر رمضان أو بعضه لمرض أو دم فان مات قبل البرء والطهر لم يقض عنه إجماعا نصا وفتوى.

ومن الاخبار الدالة على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «سألته عن رجل أدركه شهر رمضان وهو مريض

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ ممن يصح منه الصوم.

(٢) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.


فتوفي قبل أن يبرأ؟ قال : ليس عليه شي‌ء ولكن يقضى عن الذي يبرأ ثم يموت قبل أن يقضى».

وما رواه أيضا في التهذيب عن منصور بن حازم (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المريض في شهر رمضان فلا يصح حتى يموت؟ قال : لا يقضى عنه والحائض تموت في شهر رمضان؟ فقال : لا يقضى عنها».

وما رواه في الموثق عن سماعة بن مهران (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل دخل عليه شهر رمضان وهو مريض لا يقدر على الصيام فمات في شهر رمضان أو في شهر شوال؟ قال : لا صيام عليه ولا قضاء عنه. قلت : فامرأة نفساء دخل عليها شهر رمضان ولم تقدر على الصوم فماتت في شهر رمضان أو في شوال؟ فقال : لا يقضى عنها».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن ابى مريم الأنصاري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ثم لم يزل مريضا حتى مات فليس عليه شي‌ء ، وان صح ثم مرض ثم مات وكان له مال تصدق عنه مكان كل يوم بمد ، وان لم يكن له مال صام عنه وليه».

وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن أبي حمزة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان هل يقضى عنها؟ قال : اما الطمث والمرض فلا واما السفر فنعم». الى غير ذلك من الأخبار.

وقد ذكر جمع من الأصحاب انه يستحب القضاء عنه وأسنده في المنتهى الى الأصحاب مؤذنا بدعوى الاتفاق عليه.

واستدل عليه بأنه طاعة فعلت عن الميت فوصل اليه ثوابها.

وأورد عليه انه ليس الكلام في جواز التطوع بالصوم وإهداء ثوابه الى

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.


الميت بل في قضاء الفائت عنه ، والحكم بشرعيته يتوقف على الدليل لأن الوظائف الشرعية إنما تستفاد من النقل ولم يرد النقل بذلك ، بل مقتضى الأخبار المتقدمة عدم مشروعية القضاء.

ويدل على ذلك بأوضح دلالة ما رواه الكليني في الصحيح أو الموثق عن أبى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها؟ قال هل برئت من مرضها؟ قلت لا ماتت فيه. قال لا يقضى عنها فان الله لم يجعله عليها. قلت فإني اشتهى أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك؟ قال كيف تقضى عنها شيئا لم يجعله الله عليها؟ فان اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم».

هذا بالنسبة إلى الفوات بغير السفر واما ما يفوت بالسفر فالظاهر وجوب القضاء بمجرد الفوات وان لم يتمكن من القضاء ، وسيأتي تحقيق المسألة قريبا.

المسألة الخامسة ـ لو استمر مرضه من أول رمضان الى رمضان آخر فالمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) سقوط قضاء الأول وانه يكفر عن كل يوم منه بمد ، وحكى الفاضلان في المعتبر والمنتهى عن أبى جعفر بن بابويه إيجاب القضاء دون الصدقة ، وحكاه في المختلف ايضا عن ابن ابى عقيل وابى الصلاح وابن إدريس ، وقواه في المنتهى والتحرير ، وحكى عن ابن الجنيد انه احتاط بالجمع بين القضاء والصدقة وقال انه مروي ، حكاه عنه في الدروس.

والمعتمد هو القول الأول لما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) «في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان ويخرج عنه وهو مريض فلا يصح حتى يدركه شهر رمضان آخر؟ قال : يتصدق عن الأول ويصوم الثاني ، فإن كان صح في ما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام شهر رمضان.


وتصدق عن الأول». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن زرارة مثله (١).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثم أدرك رمضانا آخر وهو مريض فليتصدق بمد لكل يوم ، فأما أنا فإني صمت وتصدقت».

وما رواه الكليني في الحسن بإبراهيم على المشهور الذي هو عندي من الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر وأبى عبد الله عليهما‌السلام) (٣) قال : «سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه رمضان آخر؟ فقالا : ان كان برئ ثم توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه وتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين وعليه قضاؤه ، وان كان لم يزل مريضا حتى أدركه رمضان آخر صام الذي أدركه وتصدق عن الأول لكل يوم مدا على مسكين وليس عليه قضاؤه».

وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد بسنده عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن رجل تتابع عليه رمضانان لم يصح فيهما ثم صح بعد ذلك كيف يصنع؟ قال : يصوم الأخير ويتصدق عن الأول بصدقة لكل يوم مد من طعام لكل مسكين».

وما رواه عنه عن أخيه عليه‌السلام (٥) قال : «سألته عن رجل مرض في شهر رمضان فلم يزل مريضا حتى أدركه شهر رمضان آخر فبرئ فيه كيف يصنع؟ قال : يصوم الذي يبرأ فيه ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام».

وما رواه العياشي في تفسيره (٦) عن سماعة عن ابى بصير قال : «سألته عن رجل مرض من رمضان الى رمضان قابل ولم يصح بينهما ولم يطق الصوم؟ قال : يتصدق مكان كل يوم أفطر على مسكين بمد من طعام وان لم يكن حنطة فمد من تمر

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام شهر رمضان.

(٦) ج ١ ص ٧٩ وفي الوسائل الباب ٢٥ من أحكام شهر رمضان. ولم يذكر في السند إلا أبا بصير.


وهو قول الله تعالى (فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) (١) فان استطاع أن يصوم الرمضان الذي استقبل وإلا فليتربص الى رمضان قابل فيقضيه ، فان لم يصح حتى رمضان قابل فليتصدق كما تصدق مكان كل يوم أفطر مدا مدا ، فان صح في ما بين الرمضانين فتوانى أن يقضيه حتى جاء الرمضان الآخر فان عليه الصوم والصدقة جميعا يقضى الصوم ويتصدق من أجل انه ضيع ذلك الصيام».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٢) : «وإذا مرض الرجل وفاته صوم شهر رمضان كله ولم يصمه الى أن يدخل عليه شهر رمضان من قابل فعليه أن يصوم هذا الذي قد دخل عليه ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ، وليس عليه القضاء إلا أن يكون قد صح في ما بين الرمضانين فإذا كان كذلك ولم يصم فعليه أن يتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ويصوم الثاني فإذا صام الثاني قضى الأول بعده ، فان فاته شهر رمضان حتى دخل الشهر الثالث وهو مريض فعليه أن يصوم الذي دخله ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ويقضى الثاني».

ورواية أبي الصباح الآتية في ثاني هذه المسألة ورواية أبي بصير الآتية أيضا احتج العلامة في المنتهى على ما ذهب اليه من وجوب القضاء بعموم الآية الدالة على وجوب قضاء أيام المرض (٣) وان الأحاديث المستدل بها على سقوط القضاء المروية من طريق الآحاد لا تعارض الآية.

ورد بأنه مخالف لما قرره في الأصول من أن عموم الكتاب يخص بخبر الواحد.

أقول : وبذلك صرح في المختلف حيث انه اختار القول المشهور واحتج للقول المخالف بعموم قوله تعالى (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (٤)

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨١.

(٢) ص ٢٥.

(٣ و ٤) سورة البقرة الآية ١٨٢.


ثم قال : والجواب العموم قد يخص باخبار الآحاد خصوصا إذا استفاضت واشتهرت واعتضدت بعمل أكثر الأصحاب.

واحتجوا أيضا بأن العبادة لا تسقط بفوات وقتها كالقرض والدين.

وبما رواه سماعة (١) قال : «سألته عن رجل أدركه رمضان وعليه رمضان قبل ذلك ولم يصمه؟ فقال : يتصدق بدل كل يوم من الرمضان الذي كان عليه بمد من طعام وليصم هذا الذي أدرك فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه ، فانى كنت مريضا فمر على ثلاث رمضانات لم أصح فيهن ثم أدركت رمضانا فتصدقت بدل كل يوم من ما مضى بمدين من طعام ثم عافاني الله فصمتهن».

وأجيب عن الأول بأن وقت الأداء قد فات على ما بيناه والقضاء في العبادة انما يجب بأمر جديد على ما حقق في أصول الفقه بخلاف الدين فإنه لا وقت له.

وعن الرواية أولا ـ بأنه لم يذكر فيها استمرار المرض في ما بين الرمضانين. وثانيا ـ بالحمل على الاستحباب ويؤيده صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (٢).

أقول : ولعل هذه الرواية هي التي أشار إليها ابن الجنيد في ما تقدم من النقل عنه بان الجمع بين القضاء والكفارة مروي.

وكيف كان فالقول المعتمد هو الأول لما عرفت من الأخبار وما يأتي. أقول : ومن الأخبار الصريحة في الدلالة على القول المشهور ورد هذا القول ما رواه الصدوق (قدس‌سره) في كتاب العلل وعيون الأخبار بسنده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام (٣) قال : «إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم يفق من مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للأول وسقط القضاء ، وإذا أفاق بينهما أو أقام ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء ، لأن ذلك الصوم إنما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر ،

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام شهر رمضان.

(٢) ص ٣٠٢.


فاما الذي لم يفق فإنه لما مر عليه السنة كلها وقد غلب الله عليه ولم يجعل له السبيل إلى أدائها سقط عنه ، وكذلك كل ما غلب الله عليه مثل المغمى الذي يغمى عليه في يوم وليلة ، فلا يجب عليه قضاء الصلاة ، كما قال الصادق عليه‌السلام «كل ما غلب الله على العبد فهو أعذر له» لأنه دخل الشهر وهو مريض فلم يجب عليه الصوم في شهره ولا في سنته للمرض الذي كان فيه ، ووجب عليه الفداء لأنه بمنزلة من وجب عليه الصوم فلم يستطع أداءه فوجب عليه الفداء ، كما قال الله تعالى (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ). (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) (١) وكما قال (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (٢) فأقام الصدقة مقام الصيام إذا عسر عليه (فان قال) فان لم يستطع إذ ذاك فهو الآن يستطيع (قيل) لأنه لما دخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للماضي ، لأنه كان بمنزلة من وجب عليه صوم في كفارة فلم يستطعه فوجب عليه الفداء وإذا وجب عليه الفداء سقط الصوم والصوم ساقط والفداء لازم ، فإن أفاق في ما بينهما ولم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه الصوم لاستطاعته».

ويلحق بهذه المسألة فوائد الأولى ـ المستفاد من الأخبار الدالة على سقوط القضاء مع استمرار المرض الى رمضان آخر مع الاخبار الأخر ان وقت القضاء الموظف له شرعا هو ما بين الرمضانين ، فان صح في ما بينهما وامكنه القضاء وجب عليه في هذه المدة ، ولو أخل به والحال هذه لزمه مع القضاء الكفارة ، اما القضاء فبالدليل الدال على وجوب القضاء هنا ، واما الكفارة فعقوبة لإخلاله بالواجب الذي هو الإتيان به في تلك المدة. ولو لم يصح في ما بينهما فلا قضاء عليه بعد ذلك لان الوقت المعين للقضاء قد فات بالعذر الموجب لعدم توجه الخطاب الشرعي إليه فيه والقضاء بعده والحال هذه يحتاج الى دليل وليس فليس.

وبالجملة فالحكم في هذا القضاء كالحكم في أصل الأداء ، فإن أصل الأداء هنا وفي

__________________

(١) سورة المجادلة الآية ٦.

(٢) سورة البقرة الآية ١٩٣.


غيره لما كان فواته لا يستلزم القضاء إلا بدليل جديد كما هو أظهر القولين في المسألة فكذلك قضاؤه المعين في هذا الوقت ، فان مجرد فوات ذلك الوقت لا يستلزم القضاء مرة أخرى إلا بأمر جديد ، وقد قام الدليل في صورة الترك عمدا مع التمكن فوجب ووجبت الكفارة معه عقوبة ، واما في صورة استمرار العذر فلم يقم دليل على ذلك فوجب الحكم بعدمه.

وبما ذكرنا صرح جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) : منهم ـ العلامة في المختلف حيث قال في الاستدلال على ما اختاره من القول المشهور : لنا ـ ان العذر قد استوعب وقت الأداء والقضاء فوجب ان يسقط عنه القضاء ، اما استيعاب وقت الأداء فظاهر ، واما استيعاب وقت القضاء فلان وقته ما بين الرمضانين إذ لا يجوز التأخير عنه. الى آخر كلامه زيد في مقامه.

وقال الشهيد في الدروس : لا يجوز تأخير قضاء رمضان عن عام الفوات اختيارا وتجب المبادرة.

أقول : وعلى هذا فلو تمكن من القضاء وأخل به ثم عرض له سفر لا يتمكن معه من القضاء في ذلك الوقت المعين ، فان كان سفرا مباحا أو مستحبا فلا إشكال في وجوب تقديم قضاء الصيام عليه وعدم مشروعية السفر والحال هذه ، وان كان واجبا كالحج الواجب ونحوه فإشكال ينشأ من تعارض الواجبين ولا سيما حجة الإسلام ، وترجيح أحدهما على الآخر يحتاج الى دليل وان كان مقتضى قواعد الأصحاب تقديم ما سبق سبب وجوبه كما صرحوا به في جملة من المواضع.

الثانية ـ اعلم ان العلامة في التحرير قال بعد ان قوى ما ذهب اليه ابن بابويه من وجوب القضاء دون التكفير : ونقل عن الشيخين القول بوجوب التكفير دون القضاء ، وعلى قول الشيخين لو صام ولم يكفر فالوجه الاجزاء. وهو يؤذن بكون مذهب الشيخين هو التخيير بين القضاء والتكفير والأمر ليس كذلك لان


صريح كلامهما والأدلة التي تقدمت من ما استدلوا به إنما هو تعين التكفير دون القضاء.

الثالثة ـ الأشهر الأظهر أن الصدقة المذكورة عن كل يوم بمد ، لما تقدم في صحيحة عبد الله بن سنان وصحيحة محمد بن مسلم ونحوهما من الأخبار المتقدمة (١).

وقال الشيخ في النهاية : يتصدق عن كل يوم بمدين من طعام فان لم يمكنه فبمد ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة على ما نقله في المختلف.

ولم نقف له على مستند يعتمد عليه ، ويمكن أن يكون مستنده رواية سماعة (٢) وقوله عليه‌السلام : «فتصدقت بدل كل يوم من ما مضى بمدين من طعام. الحديث».

والظاهر ان تصدقه وقع على سبيل الأفضل كما ان قضاءه كذلك حيث انك قد عرفت من الأخبار المتقدمة انه لا قضاء مع استمرار المرض ، ويؤيده ان صدر الرواية إنما اشتمل على الأمر بالمد خاصة.

الرابعة ـ هل يتعدى هذا الحكم ـ اعنى سقوط القضاء ولزوم الكفارة على المشهور أو وجوب القضاء على القول الآخر ـ الى من فاته الصوم بغير المرض ثم حصل له المرض المستمر أم لا؟

قيل نعم وهو ظاهر اختيار الشيخ في الخلاف ، ويمكن أن يكون مستنده صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (٣) لقوله عليه‌السلام فيها : «من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثم أدركه رمضان آخر وهو مريض فليتصدق. الحديث». فان العذر يتناول المرض وغيره.

وقيل لا وبه قطع العلامة في المختلف تمسكا بعموم ما دل على وجوب القضاء السالم من معارضة النصوص المسقطة لاختصاصها بالمرض.

وأجاب عن صحيحة ابن سنان بأنها لا تنهض حجة في معارضة عموم الأدلة

__________________

(١) ص ٣٠٢.

(٢) ص ٣٠٤.

(٣) ص ٣٠٢ واللفظ «ثم أدرك رمضانا آخر».


على وجوب القضاء ، لان قوله عليه‌السلام : «من أفطر شيئا من رمضان في عذر» وان كان مطلقا إلا ان قوله عليه‌السلام : «ثم أدركه رمضان آخر (١) وهو مريض» يشعر بان هذا هو العذر.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وما ذكره (قدس‌سره) لا يخلو من وجه وان كان القول بالتسوية أوجه. انتهى.

أقول : لا يخفى ان رواية الفضل بن شاذان المنقولة من كتابي العلل وعيون الأخبار عن الرضا عليه‌السلام (٢) صريحة في السفر وان حكمه حكم المرض فلا مجال للتوقف في ذلك. وبه يظهر قوة ما ذهب اليه الشيخ في الخلاف.

الخامسة ـ قال في المدارك : لو كان الفوات بالمرض والمانع من القضاء غيره كالسفر الضروري فهل يتعدى اليه هذا الحكم أم لا؟ الأصح العدم لاختصاص النقل بما إذا كان المانع من القضاء استمرار المرض. وأولى بوجوب القضاء ما لو كان الفوات بغير المرض. انتهى.

أقول : قد عرفت ان رواية العلل والعيون ظاهرة بل صريحة في أن السفر كالمرض في وجوب الكفارة خاصة مع استمرار السفر ووجوب القضاء والكفارة مع الإقامة وترك القضاء. ولكن العذر له واضح حيث لم يقف على الرواية المذكورة.

السادسة ـ قد صرح في المنتهى بأنه يستحب لمن استمر به المرض القضاء عند من قال بسقوطه لأنه طاعة فات وقتها فندب إلى قضائها. ثم أورد صحيحة عبد الله ابن سنان المتقدمة (٣) ورواية سماعة المتقدمة أيضا (٤) وهو كذلك.

السابعة ـ قد صرح الشيخ وغيره بان حكم ما زاد على الرمضانين حكم الرمضانين في ما تقدم ، ونقل في الدروس عن ظاهر ابن بابويه ان الرمضان الثاني يقضى بعد الثالث وان استمر المرض.

__________________

(١) اللفظ كما تقدم «ثم أدرك رمضانا آخر».

(٢ و ٤) ص ٣٠٤.

(٣) ص ٣٠٢.


أقول : قال العلامة في المختلف بعد أن نقل عن الشيخ وابن الجنيد ان حكم ما زاد على رمضانين حكم الرمضانين : وقال ابن بابويه في رسالته إذا مرض الرجل وفاته صوم شهر رمضان كله ولم يصمه الى أن يدخل عليه شهر رمضان قابل فعليه أن يصوم هذا الذي قد دخل ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ، وليس عليه القضاء إلا أن يكون صح في ما بين الرمضانين ، فان كان كذلك ولم يصم فعليه ان يتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ويصوم الثاني فإذا صام الثاني قضى الأول بعده ، فان فاته شهرا رمضان حتى يدخل الثالث من مرضه فعليه أن يصوم الذي دخل ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ويقضى الثاني.

أقول : لا يخفى ان هذه العبارة عين عبارة كتاب الفقه الرضوي التي قدمناها ثم قال العلامة في المختلف : وهذا الكلام كما يحتمل استمرار المرض فيه من الرمضان الأول الى الثالث يحتمل برؤه في ما بين الثاني والثالث ، فحينئذ ان حمل على الثاني فلا مخالف فيه كما ذهب اليه شيخنا أبو جعفر وشيخنا أبو على بن الجنيد ، وان حمل على الأول صارت المسألة خلافية ، وابن إدريس حمله على الأول ثم جعله دليلا على ان الواجب القضاء دون التصدق ، وليس فيه دلالة على مطلوبه ولو كان لتوجه المنع الى هذا الكلام كما يتوجه الى كلامه. انتهى.

أقول : والصدوق في الفقيه بعد أن نقل صحيحة زرارة المتقدمة قال : ومن فاته شهر رمضان حتى يدخل الثالث من مرضه. الى آخر ما تقدم في عبارة أبيه المأخوذة من الكتاب المذكور.

ويدل على الأول الرواية التي قدمنا نقلها عن تفسير العياشي (١).

الثامنة ـ ذكر الشهيد في الدروس ومن تأخر عنه ان مستحق هذه الصدقة مستحق الزكاة لحاجته ، وأنت خبير بأن جملة من الروايات المتقدمة (٢) قد عينت اختصاصها بالمساكين ، وقد عرفت في كتاب الزكاة ان المسكين أسوأ حالا من

__________________

(١ و ٢) ص ٣٠٢.


الفقير كما دلت عليه الاخبار المذكورة ثمة (١) وحينئذ فمغايرته للفقير ظاهرة. والأصحاب قد نقلوا الإجماع على جواز إعطاء كل منهما حيثما يذكر أحدهما مع قولهم بالمغايرة بينهما ، والظاهر ان إجماعهم سلفا وخلفا على هذا الحكم يكون قرينة على التجوز في حمل أحدهما على الآخر حيثما يذكر.

المسألة السادسة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو برئ بين الرمضانين وترك القضاء الى الرمضان الثاني فإن كان تركه عن تهاون قضى الأول وكفر وان لم يكن عن تهاون قضى بغير كفارة.

وقد وقع الخلاف هنا في موضعين : أحدهما ـ ما نقل عن ابن إدريس من انه أوجب القضاء دون الكفارة مطلقا.

ويدل على المشهور ما تقدم في سابق هذه المسألة (٢) من صحيحة زرارة وصحيحة محمد بن مسلم ورواية أبي بصير المنقولة من تفسير العياشي ورواية الفضل ابن شاذان المنقولة عن كتابي العلل والعيون ورواية كتاب الفقه الرضوي.

ورواية أبي الصباح الكناني (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كان عليه من شهر رمضان طائفة ثم أدركه شهر رمضان قابل؟ فقال : ان كان صح في ما بين ذلك ثم لم يقضه حتى أدركه رمضان قابل فان عليه أن يصوم وان يطعم عن كل يوم مسكينا ، وان كان مريضا في ما بين ذلك حتى أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه إلا الصيام ان صح فان تتابع المرض عليه فلم يصح فعليه أن يطعم لكل يوم مدا» (٤). ورواية أبي بصير الآتية في المقام (٥).

احتج ابن إدريس بأصالة البراءة وبان أحدا من علمائنا لم يذكر هذه المسألة

__________________

(١) ج ١٢ ص ١٥٥.

(٢) ص ٣٠١ الى ٣٠٣.

(٣) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام شهر رمضان ، واللفظ موافق للتهذيب ج ٤ ص ٢٥١.

(٤) في التهذيب ج ٤ ص ٢٥١ «فان تتابع المرض عليه فعليه ان يطعم كل يوم مسكينا».

(٥) ص ٣١٤.


سوى الشيخين أو من قلد كتبهما أو تعلق باخبار الآحاد التي ليست بحجة عند أهل البيت (عليهم‌السلام).

وبما رواه سعد بن سعد عن رجل عن ابى الحسن عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن رجل يكون مريضا في شهر رمضان ثم يصح بعد ذلك فيؤخر القضاء سنة أو أقل من ذلك أو أكثر ما عليه في ذلك؟ قال : أحب له تعجيل الصيام فان كان أخره فليس عليه شي‌ء».

وأجاب عنه العلامة في المختلف بأن البراءة إنما يصار إليها مع عدم دليل الثبوت وشغل الذمة وقد بينا الأدلة ، وعدم ذكر أحد من أصحابنا غير الشيخين لهذه المسألة ليس حجة على العدم ، مع ان الشيخين هما القيمان بالمذهب فكيف يدعى ذلك؟ وابنا بابويه (قدس‌سرهما) قد سبقا الشيخين بذكر وجوب الصدقة مطلقا ولم يفصلا إلى التواني وغيره وكذا ابن ابى عقيل وهو أسبق من الشيخين ، وهؤلاء عمدة المذهب. وأجاب عن الحديث باستضعاف السند والحمل على التأخير مع العزم. انتهى. وهو جيد.

وبالغ المحقق أيضا في الرد عليه فقال : ولا عبرة بخلاف بعض المتأخرين في عدم إيجاب الكفارة هنا فإنه ارتكب ما لم يذهب إليه أحد من فقهاء الإمامية في ما علمت. ثم نقل رواية زرارة ورواية محمد بن مسلم ورواية أبي الصباح الكناني وقال : ان هؤلاء فضلاء السلف من الإمامية وليس لروايتهم معارض إلا ما يحتمل رده الى ما ذكرناه فالراد لذلك متكلف ما لا ضرورة إليه. انتهى.

وثانيهما ـ ما نقله في المختلف عن ابني بابويه من انهما لم يفصلا هذا التفصيل بل قالا متى صح في ما بينهما ولم يقض وجب القضاء والصدقة ، قال : وهو اختيار ابن ابى عقيل.

ونقله في المدارك عن المحقق في المعتبر والشهيدين ، قال (قدس‌سره) ـ بعد

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام شهر رمضان.


قول المصنف : وان برئ بينهما وأخره عازما على القضاء ولا كفارة عليه ، وان تركه تهاونا قضى وكفر عن كل يوم من السالف بمد من طعام ـ ما صورته : يلوح من هذه العبارة ان المراد بالمتهاون غير العازم على القضاء فيكون غير المتهاون العازم على القضاء وان أخره لغير عذر ، والعرف يأباه والأخبار لا تساعد عليه والأصح ما أطلقه الصدوقان واختاره المصنف في المعتبر والشهيدان من وجوب القضاء والفدية على من برئ من مرضه وأخر القضاء توانيا من غير عذر حتى دخل رمضان الثاني سواء عزم على القضاء أم لا ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة المتقدمة (١) «فإن كان صح في ما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا وتصدق عن الأول». وفي رواية أبي الصباح الكناني (٢) «ان كان صح في ما بين ذلك ثم لم يقضه حتى أدركه رمضان قابل فان عليه أن يصوم وان يطعم لكل يوم مسكينا». وفي حسنة محمد بن مسلم (٣) «ان كان برئ ثم توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه وتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين وعليه قضاؤه». وبهذه الرواية استدل العلامة في المختلف على القول بالفرق بين العازم على القضاء وغيره ، وهي لا تدل على ذلك بوجه بل مقتضى جعل دوام المرض فيها قسيما للتواني ان المراد بالمتواني التارك للقضاء مع القدرة عليه كما دل عليه إطلاق صحيحة زرارة المتقدمة (٤) وغيرها. انتهى.

وقال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد ذكر العبارة المتقدمة : هذا التفصيل هو المشهور خصوصا بين المتأخرين ، وفسروا التهاون بعدم العزم على القضاء سواء عزم على الترك أم لم يعزم على واحد من الأمرين ، وغير المتهاون هو الذي عزم على القضاء في حال السعة وأخر اعتمادا عليها فلما ضاق الوقت عرض له المانع كالحيض والمرض والسفر الضروري. وفي استفادة هذا التفصيل من

__________________

(١ و ٤) ص ٣٠١.

(٢) ص ٣١٠.

(٣) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام شهر رمضان.


النصوص نظر ، والذي ذهب اليه الصدوقان وقواه في الدروس ودلت عليه الاخبار الصحيحة كخبر زرارة ومحمد بن مسلم وغيرهما وجوب القضاء مع الفدية على من قدر على القضاء فلم يقض حتى دخل رمضان الثاني سواء عزم على القضاء أم لا ، وهذا هو الأقوى. انتهى.

أقول : وقد علم بذلك ان القائلين بعدم التفصيل وفاقا للصدوقين الشهيدان والسيد السند في المدارك ومثله الفاضل الخراساني في الذخيرة وهو ظاهر المعتبر.

ثم أقول : لا ريب ان ما نقلوه عن الصدوقين هو ظاهر العبارة التي قدمنا نقلها عنهما المأخوذة من كتاب الفقه.

واما ما ذكروه من ان ظاهر صحيحة زرارة المذكورة ذلك فهو من ما لا ريب فيه ايضا ، وكذلك غيرها من ما قدمنا ذكره في سابق هذه المسألة.

إلا انه لا يخفى انه قد روى الشيخ في التهذيب عن ابى الصباح الكناني (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كان عليه من شهر رمضان طائفة ثم أدركه شهر رمضان قابل؟ فقال : ان كان صح في ما بين ذلك ثم لم يقضه حتى أدركه رمضان قابل فان عليه أن يصوم وان يطعم عن كل يوم مسكينا ، وان كان مريضا في ما بين ذلك حتى أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه إلا الصيام ان صح ، فان تتابع المرض عليه فلم يصح فعليه ان يطعم لكل يوم مدا».

قال المحدث الكاشاني في الوافي : قوله «فان كان مريضا في ما بين ذلك» لعل المراد به حدوث مرضه بعد ما مضى ما يمكنه القضاء فيه من الوقت مع عزمه عليه أى كان مريضا في ما بين عزمه على القضاء وبين شهر رمضان فليس عليه إلا الصيام يعنى دون التصدق ، وذلك لاستقرار القضاء في ذمته وعدم تقصيره في فواته لسعة الوقت ، فقوله «ان صح» إشارة الى ما قلناه من تمكنه من القضاء في ما مضى.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام شهر رمضان. واللفظ موافق للتهذيب ج ١ ص ٢٥١ وفي آخره هكذا «فان تتابع المرض عليه فعليه ان يطعم كل يوم مسكينا».


وقوله «فان تتابع المرض عليه» في مقابلة ذلك يعنى وان لم يتمكن أولا من القضاء. والحاصل ان ههنا ثلاثة احتمالات ولكل حكم غير حكم الآخر : أحدها ـ عدم تمكنه من الصيام أصلا حتى أدركه الشهر من قابل ، وحكمه التصدق خاصة دون القضاء. والثاني ـ تمكنه منه وتهاونه به الى أن يفوت ، وحكمه القضاء والتصدق معا. والثالث ـ تمكنه منه وعزمه عليه مع سعة الوقت من غير تهاون حتى أدركه مرض آخر حال بينه وبين القضاء حتى أدركه الشهر من قابل ، وحكمه القضاء خاصة دون التصدق. وهذا الخبر مشتمل على الأحكام الثلاثة جميعا وكذا الذي يتلوه بخلاف سائر أخبار هذا الباب حيث اقتصر فيها على بعض دون بعض. انتهى.

وبذلك يظهر لك ما في استدلال صاحب المدارك بخبر ابى الصباح الكناني المذكور حيث أورد بعضه وسكت عن باقيه الذي هو موضع الاشكال منه.

وأشار في الوافي بالخبر الذي يتلوه الى ما رواه الشيخ عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «إذا مرض الرجل من رمضان الى رمضان ثم صح فإنما عليه لكل يوم أفطر فدية طعام وهو مد لكل مسكين. قال : وكذلك أيضا في كفارة اليمين وكفارة الظهار مدا مدا. وان صح في ما بين الرمضانين فإنما عليه أن يقضى الصيام ، فان تهاون به وقد صح فعليه الصدقة والصيام جميعا لكل يوم مد إذا فرغ من ذلك الرمضان».

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) في رواية أبي الصباح الكناني لا يخلو من قرب واما رواية أبي بصير التي أشار إليها فظني انها قاصرة عن ما ادعاه ، فان موضع الدلالة على ما ذكره منها قوله «وان صح في ما بين الرمضانين فإنما عليه أن يقضى الصيام» بحمل القضاء على كونه بعد الرمضان الثاني ، ومن المحتمل قريبا ـ بل الظاهر أنه الأقرب ـ ان المراد إنما هو قضاؤه في وقت الصحة بين الرمضانين ، وحاصل معنى الرواية حينئذ انه ان استمر به المرض الى الرمضان الآخر فإنما عليه الفدية عن

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام شهر رمضان.


الشهر الأول ، وان صح بينهما فإنما عليه القضاء خاصة في وقت الصحة من غير فدية لعدم تفريطه ، وان ترك القضاء في وقت صحته وتهاون به والحال انه قد صح فعليه القضاء والفدية.

وكيف كان فالخروج عن ظواهر تلك الأخبار التي قدمناها بل صريحها ـ من وجوب القضاء والفدية متى أمكن الصيام وأخل به حتى دخل الشهر الثاني سواء كان مع العزم عليه أولا بمثل هذه الرواية أعني رواية أبي الصباح بناء على ما ذكره المحدث المذكور ـ مشكل لأنها لا تبلغ في الصراحة بل الظهور الى حد يمكن به تقييد تلك الاخبار. وبه يظهر ان الأظهر هو ما ذكره الصدوقان واختاره الجماعة المتقدم ذكرهم ، ويؤيده أنه الأوفق بالاحتياط.

ثم اعلم ان ظاهر كلام الأصحاب القائلين بالتفصيل مختلف في معنى التهاون المقتضى لاجتماع الكفارة مع القضاء ، فظاهر كلام المحقق في الشرائع كما تقدم في عبارته ومثله العلامة في القواعد وهو مقتضى كلام المختلف انه عبارة عن عدم العزم على الصوم اما لو عزم عليه لم يكن متهاونا وان لم يحصل العذر المقتضي للتأخير ، والذي صرح به في الدروس ان المقتضى لوجوب الكفارة عدم العزم على الصوم أو العزم على العدم أو الإفطار عند تضيق وقت القضاء اما إذا عزم على الفعل في سعة الوقت مع القدرة ثم حصل العذر عند ضيقه لم تجب الكفارة بل الواجب القضاء حسب. وفي فهم ذلك بأي المعنيين كان من الاخبار تأمل وغاية ما دل عليه بعضها كحسنة محمد بن مسلم ومثلها رواية أبي بصير المتقدم نقلها عن تفسير العياشي التعبير عن ترك القضاء مع الصحة بين الرمضانين بالتواني ، والتواني وان كان لغة بمعنى ترك الشي‌ء لعدم الاهتمام به كما هو مدلول رواية أبي بصير المذكورة هنا إلا ان الظاهر كما تقدم في كلام السيد السند ان المراد به مطلق الترك ، ويعضده انه لو كان هذا المفهوم مرادا لذكر حكمه في شي‌ء من تلك الروايات ، وما تقدم في بعض الأخبار من تعليل وجوب الكفارة بالتضييع فإنه شامل لما نحن فيه حيث انه صح


ولم يصم فقد ثبت التضييع وان كان بانيا على سعة الوقت ثم تجدد المانع وقت الضيق. والله العالم.

وفي المقام فوائد الأولى ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) استحباب الموالاة في القضاء ، وقيل باستحباب التفريق حكاه ابن إدريس في سرائره عن بعض الأصحاب ، ويظهر من كلام الشيخ المفيد (قدس‌سره) الميل اليه حيث قال بعد أن حكم بالتخيير بين التتابع والتفريق : وقد روى عن الصادق عليه‌السلام (١) انه قال : «إذا كان عليه يومان فصل بينهما بيوم ، وكذلك إذا كان عليه خمسة أيام وما زاد ، فان كان عليه عشرة أيام أو أكثر من ذلك تابع بين الثمانية الأيام ان شاء ثم فرق الباقي». والوجه في ذلك كله انه ان تابع بين الصيام في القضاء لم يكن فرق بين الشهر في صومه وبين القضاء فأوجبت السنة الفصل بين الأيام بالإفطار ليقع الفرق بين الأمرين كما وصفناه. انتهى.

والذي يدل على الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «إذا كان على الرجل شي‌ء من صوم شهر رمضان فليقضه في أي الشهور شاء أياما متتابعة ، فان لم يستطع فليقضه كيف شاء وليحصل الأيام فإن فرق فحسن وان تابع فحسن قال قلت : أرأيت ان بقي عليه شي‌ء من صوم رمضان أيقضيه في ذي الحجة؟ قال : نعم».

وفي الصحيح عن ابن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر فان قضاه متتابعا فهو أفضل وان قضاه متفرقا فحسن».

وروى الصدوق في كتاب الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) في حديث شرائع الدين (٤) قال : «والفائت من شهر رمضان

__________________

(١) سيأتي استظهاراته موثق عمار الآتي ص ٣١٧.

(٢) التهذيب ج ٤ ص ٢٧٤ وفي الوسائل الباب ٢٦ و ٢٧ من أحكام شهر رمضان.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٦ من أحكام شهر رمضان.


ان قضاه متفرقا جاز وان قضاه متتابعا كان أفضل».

وهذه الاخبار كما ترى صريحة في المدعى.

والظاهر ان ما ذكره في المقنعة وأسنده إلى الصادق عليه‌السلام هو ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار بن موسى الساباطي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان كيف يقضيها؟ فقال : ان كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما وان كان عليه خمسة فليفطر بينها أياما ، وليس له أن يصوم أكثر من ستة أيام متوالية ، وان كان عليه ثمانية أيام أو عشرة أفطر بينها يوما». ورواه الشيخ أيضا بسند آخر مثله (٢) إلا انه قال : «فان كان عليه خمسة أيام فليفطر بينها يومين وان كان عليه شهر فليفطر بينها أياما ، وليس له أن يصوم أكثر من ثمانية أيام يعني متوالية ...» وذكر بقية الحديث.

والشيخ (قدس‌سره) حمل هذا الخبر على التخيير ونفى وجوب التتابع وان كان أفضل ، ولا يخفى ان قوله عليه‌السلام في الخبر «وليس له أن يصوم. الى آخره» من ما يدافع ذلك.

ومن ما يؤيد الأخبار المتقدمة في جواز التفريق مطلقا صحيحة سليمان بن جعفر الجعفري (٣) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان أيقضيها متفرقة؟ قال : لا بأس بتفرقة قضاء شهر رمضان إنما الصيام الذي لا يفرق كفارة الظهار وكفارة الدم وكفارة اليمين». ونحوها غيرها ايضا

وكيف كان فان هذا الخبر لا يعارض الأخبار المذكورة سيما مع غرابة ما اشتمل عليه كما هو في كثير من اخبار عمار ، واعتضاد تلك الأخبار بموافقة ظاهر الكتاب العزيز.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٦ من أحكام شهر رمضان عن التهذيب ج ٤ ص ٢٧٥.

(٢) الوسائل الباب ٢٦ من أحكام شهر رمضان عن التهذيب ج ٤ ص ٣٢٨ و ٣٢٩.

(٣) التهذيب ج ٤ ص ٢٧٤ وفي الوسائل الباب ٢٦ من أحكام شهر رمضان.


الثانية ـ المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو وجوب القضاء على التراخي لا على الفور ، ونقل عن ابى الصلاح انه قال يلزم من يتعين عليه فرض القضاء لشي‌ء من شهر رمضان ان يبادر به في أول أحوال الإمكان.

ويظهر من هذه العبارة القول بوجوب الفورية ، وهو مردود بالأخبار كصحيحتي الحلبي وابن سنان المتقدمتين (١).

وأظهر منهما ما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «كن نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان عليهن صيام أخرن ذلك الى شعبان كراهة ان يمنعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حاجته فإذا كان شعبان صمن وصام. الحديث».

الثالثة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم ـ العلامة في التذكرة وغيره بأنه لا يجب الترتيب في قضاء الصوم بأن ينوي الأول فالأول. نعم يستحب ذلك.

واستشكله الشهيد في الدروس فقال : وهل يستحب نية الأول فالأول؟ اشكال.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وربما كان منشأ الاشكال من تساوى الأيام في التعلق بالذمة مع انتفاء النص على تقديم بعضها على بعض ، ومن سبق الأول في الذمة فكان أولى بالمبادرة. ثم قال : ولا يخفى ضعف الوجه الثاني من وجهي الإشكال إلا أن الأمر في ذلك هين.

أقول : والأظهر أن يقال ان هذا من باب «اسكتوا عن ما سكت الله عنه» (٣).

وهل يعتبر الترتيب بين افراد الواجب كالقضاء والكفارة ونحوهما؟ ظاهر المشهور العدم ، ونقل عن ابن ابى عقيل انه قال : لا يجوز صوم عن نذر أو كفارة لمن

__________________

(١) ص ٣١٦.

(٢) الوسائل الباب ٢٧ من أحكام شهر رمضان والباب ٢٨ من الصوم المندوب.

(٣) الشهاب في الحكم والآداب حرف الالف ، وارجع الى الصفحة ٣٠.


عليه قضاء عن شهر رمضان حتى يقضيه. ولم نقف له على مستند.

الرابعة ـ قد تقدم في آخر المطلب الثالث من المقصد الأول (١) انه لا يجوز التطوع بالصيام لمن في ذمته قضاء شهر رمضان وانه لا خلاف فيه بين الأصحاب إلا ما تقدم نقله عن المرتضى (رضي‌الله‌عنه).

بقي الكلام هنا في انه هل يجوز لمن في ذمته واجب غير القضاء من نذر أو كفارة أو نحوهما أم لا؟ ظاهر الأكثر الثاني ونقل عن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) الجواز واليه مال السيد السند في المدارك محتجا بالتمسك بمقتضى الأصل ، وهو كذلك فانا لم نقف له على دليل يدل على المنع إلا في ما إذا كان ذلك الواجب قضاء شهر رمضان كما دلت عليه الاخبار التي قدمناها ثمة. وهو ظاهر الكليني والصدوق أيضا حيث ذكرا الحكم المذكور ولم يوردا إلا خبري الحلبي والكناني الواردين في قضاء شهر رمضان (٢).

قال في المدارك : والظاهر ان المنع من التطوع مع اشتغال الذمة بالصوم الواجب عند من قال به إنما يتحقق حيث يمكن فعله فلو كان بحيث لا يمكن كصوم شعبان ندبا لمن عليه كفارة كبيرة جاز صومه كما نبه عليه في الدروس. انتهى.

المسألة السابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو مات المريض وقد فاته الشهر أو بعضه بمرض فإن برئ بعد فواته وتمكن من القضاء ولم يقضه وجب على وليه القضاء عنه ان لم يوص به ، ذهب اليه الشيخان وابنا بابويه والسيد المرتضى وابن الجنيد وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس.

وقد وقع الخلاف هنا في مواضع الأول ـ ما نقل عن ابن ابى عقيل من أن الواجب هنا إنما هو الصدقة عنه عن كل يوم بمد من طعام.

قال (قدس‌سره) : وقد روى عنهم (عليهم‌السلام) في بعض الأحاديث ان من مات وعليه قضاء من شهر رمضان صام عنه أقرب الناس اليه من أوليائه

__________________

(١) ص ٢٠٨.

(٢) ص ٣١٦ و ٣١٣.


كما يقضى عنه ، وكذلك من مات وعليه صلاة قد فاتته وزكاة قد لزمته وحج قد وجب عليه قضاه عنه وليه ، بذلك كله جاء نص الاخبار بالتوقيف عن آل الرسول (عليهم‌السلام). الى أن قال : وقد روى ان من مات وعليه صوم من شهر رمضان تصدق عنه عن كل يوم بمد من طعام. وبهذا تواترت الاخبار عنهم (عليهم‌السلام) والقول الأول مطرح لأنه شاذ. انتهى.

أقول : ويدل على القول المشهور وهو المؤيد المنصور الأخبار الكثيرة :

ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل أدركه رمضان وهو مريض فتوفي قبل أن يبرأ؟ قال : ليس عليه شي‌ء ولكن يقضى عن الذي يبرأ ثم يموت قبل أن يقضى».

وموثقة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في الرجل يموت في شهر رمضان؟ قال : ليس على وليه أن يقضى عنه. الى أن قال : فان مرض فلم يصم شهر رمضان ثم صح بعد ذلك فلم يقضه ثم مرض فمات فعلى وليه أن يقضى عنه لانه قد صح فلم يقض ووجب عليه».

وموثقة أبي بصير (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سافر في رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه؟ قال : يقضيه أفضل أهل بيته».

وما رواه في الفقيه مرسلا (٤) قال : وقد روى عن الصادق عليه‌السلام انه قال : «إذا مات الرجل وعليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله».

وصحيحة حفص بن البختري وحسنة حماد ومكاتبة الصفار الآتيات في المقام الى غير ذلك من الاخبار.

احتج العلامة في المختلف لابن ابى عقيل بصحيحة أبي مريم الأنصاري عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ثم لم يزل مريضا حتى مات فليس عليه شي‌ء ، وان صح ثم مرض ثم مات وكان له مال تصدق

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.


عنه مكان كل يوم بمد. وان لم يكن له مال صام عنه وليه». كذا في روايتي الكليني والصدوق لهذا الخبر وفي رواية الشيخ له في التهذيب (١) «وان لم يكن له مال تصدق عنه وليه».

أقول : ومثل هذه الرواية أيضا ما رواه في الفقيه (٢) في الصحيح عن محمد ابن إسماعيل بن بزيع عن ابى جعفر الثاني عليه‌السلام قال : «قلت له رجل مات وعليه صوم يصام عنه أو يتصدق؟ قال : يتصدق عنه فإنه أفضل».

وأجاب في المختلف عن الرواية الأولى بالحمل على ما إذا لم يكن له ولى من الأولاد الذكور.

أقول : وهذا الحمل بعيد في الرواية المذكورة لأنه قد صرح فيها بأنه ان لم يكن له مال صام عنه وليه. وهو أيضا بعيد في الرواية الثانية التي ذكرناها.

والأظهر عندي هو حمل الروايتين على التقية حيث ان العلامة في المنتهى قد نسب هذا القول الى جمهور الجمهور ، قال بعد نقل القول بالقضاء عن الشافعي في القديم وأبى ثور : وقال الشافعي في الجديد ويطعم عنه عن كل يوم مدا وبه قال أبو حنيفة ومالك والثوري (٣). وبالجملة فالأظهر هو القول المشهور لما عرفت.

الثاني ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو وجوب القضاء على الولي مطلقا ، وعليه يدل إطلاق الاخبار المتقدمة والآتية في الموضع الثالث.

ونقل عن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) انه اعتبر في وجوب القضاء على الولي ان لا يخلف الميت ما يتصدق به عنه عن كل يوم بمد ، ويدل على ما ذهب إليه صحيحة أبي مريم المذكورة بناء على روايتي الكليني والصدوق.

__________________

(١) ج ٤ ص ٢٤٨ وفي الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

(٢) ج ٣ ص ٢٣٦ والوافي باب من مات وعليه صيام.

(٣) المغني ج ٣ ص ١٤٢ و ١٤٣ ، والمجموع ج ٦ ص ٣٦٧ ، وبدائع الصنائع ج ٢ ص ١٠٣.


قال في المدارك بعد نقل الرواية المذكورة بطريق الشيخين المذكورين ثم رواية الشيخ في التهذيب : وبمضمون هذه الرواية أفتى ابن ابى عقيل وادعى فيه تواتر الاخبار ، والمسألة قوية الإشكال لاختلاف متن الرواية وان كان الظاهر ترجيح ما في الكافي ومن لا يحضره الفقيه كما يعرفه من يقف على حقيقة هذه الكتب. انتهى.

وفيه إشارة إلى الطعن على الشيخ وما وقع له في التهذيب من ما أشرنا إليه آنفا في غير موضع.

ويظهر منه الميل الى هذه الرواية بناء على رواية الشيخين المتقدمين لصحة سندها. وفيه ما عرفت من ان الأمر بالصدقة إنما خرج مخرج التقية (١) وبذلك يظهر ان الأصح ما هو المشهور بين الأصحاب من وجوب القضاء مطلقا عملا بإطلاق الروايات المتقدمة.

الثالث ـ المشهور سيما في كلام المتأخرين ان الولي الذي يجب عليه القضاء هو الولد الأكبر ، قال في المختلف : ظاهر كلام الشيخ ان الولي هو أكبر أولاده الذكور خاصة فإن فقد فالصدقة. قال في المبسوط : والولي هو أكبر أولاده الذكور ، فان كانوا جماعة في سن واحد وجب القضاء بالحصص أو يقوم به بعض فيسقط عن الباقين ، وان كانوا اناثا لم يلزمهن القضاء وكان الواجب الفدية.

وقال الشيخ المفيد : فان لم يكن له ولد من الرجال قضى عنه أكبر أوليائه من أهله وأولاهم به وان لم يكن إلا من النساء.

وقال في الدروس بعد نقل ذلك عن الشيخ المفيد : وهو ظاهر القدماء والاخبار والمختار.

وقال في المختلف بعد نقل ذلك عن الشيخ المفيد : وفي هذا الكلام حكمان :

__________________

(١) ارجع الى الصفحة ٣٢١ والتعليقة ٣ فيها.


الأول ـ ان الولاية لا تختص بالأولاد. الثاني ـ ان مع فقد الرجال يكون الولي هو الأكبر من النساء.

وقال ابن الجنيد : واولى الناس بالقضاء عن الميت أكبر ولده الذكور وأقرب أوليائه اليه ان لم يكن له ولد.

وقال على بن بابويه : من مات وعليه صوم شهر رمضان فعلى وليه ان يقضى عنه ، فان كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال ، فان لم يكن له ولى من الرجال قضى عنه وليه من النساء. وكذا قال ابنه أبو جعفر في المقنع.

قال في المختلف بعد نقل ذلك : وهذه الأقوال مناسبة لقول المفيد.

وقال ابن البراج : على ولده الأكبر من الذكور أن يقضى عنه ما فاته من ذلك الصوم ومن الصلاة أيضا ، فان لم يكن له ذكر فالأولى به من النساء. وهو يوافق الحكم الثاني من حكمي المفيد.

واختار في المختلف مذهب الشيخ الذي هو المشهور كما أشرنا اليه ، وقال في الاحتجاج عليه : لنا ـ الأصل براءة الذمة ، خالفناه في الولد الأكبر للنقل والإجماع عليه ولاختصاصه بالحباء من التركة فيبقى الباقي على أصل الدليل. ثم نقل رواية حماد بن عثمان الآتية (١).

واحتج في المعتبر على ما ذهب اليه من مذهب الشيخ أيضا بأن الأصل براءة ذمة الوارث إلا ما حصل الاتفاق عليه.

أقول : لا يخفى ما في هذه الأدلة من النظر الظاهر لكل ناظر :

فاما ما ذكره في المختلف من النقل فهو غير مختص بالولد فضلا عن الذكور بل عن الأكبر منهم كما سيظهر لك في المقام ان شاء الله تعالى. والاختصاص بالحباء غير مقتض لما ذكره لجواز ان تكون العلة في إيجاب القضاء غير ذلك. ورواية حماد غير دالة على ما ادعاه كما ستعرف ان شاء الله تعالى. والإجماع المدعى ان ثبت فهو غير دال على التخصيص إلا أن يقولوا بإطراح الأخبار الآتية من البين وهم لا يقولونه.

__________________

(١) ص ٣٢٤.


والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن حفص بن البختري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام؟ قال : يقضى عنه أولى الناس بميراثه. قلت : ان كان أولى الناس به امرأة؟ فقال : لا إلا الرجال».

وما رواه أيضا في الحسن عن حماد بن عثمان عن من ذكره عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن الرجل يموت وعليه دين من شهر رمضان من يقضى عنه؟ قال : أولى الناس به. قلت : فان كان أولى الناس به امرأة؟ قال : لا إلا الرجال».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن الصفار (٣) قال : كتبت الى الأخير عليه‌السلام وفي الفقيه (٤) قال : كتب محمد بن الحسن الصفار الى ابى محمد الحسن بن على عليه‌السلام «في رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان هل يجوز لهما ان يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الآخر؟ فوقع عليه‌السلام : يقضى عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء ان شاء الله».

قال في الفقيه : وهذا التوقيع عندي مع توقيعاته الى الصفار بخطه عليه‌السلام.

وما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٥) «في الرجل يموت في شهر رمضان؟ قال : ليس على وليه أن يقضى عنه. الى أن قال : فان مرض ولم يصم شهر رمضان ثم صح بعد ذلك فلم يقضه ثم مرض فمات فعلى وليه أن يقضى عنه لانه قد صح فلم يقض ووجب عليه».

وما رواه ايضا بسنده الى محمد بن ابى عمير عن رجاله عن الصادق عليه‌السلام (٦) :

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

(٤) ج ٢ ص ٩٨ وفي الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

(٦) لم أقف على هذه الرواية في كتب الحديث عن الشيخ وانما نقلها الشهيد في الذكرى عن كتاب غياث سلطان الورى منسوبة إلى الشيخ في المبحث السادس من المطلب الثالث في توابع أحكام الميت ، وقد نقلها في الوسائل في الباب ١٢ من قضاء الصلوات عن غياث سلطان الورى عن الشيخ ، وتقدم نقلها كذلك ج ١١ ص ٣٣.


«الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام؟ قال : يقضيه أولى الناس به».

وقد تقدم في الموضع الأول (١) نقل رواية أبي بصير الدالة على انه يقضى عنه أفضل أهل بيته ، ومرسلة الفقيه الدالة على انه يقضى عنه من شاء من أهله.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٢) «وإذا مات الرجل وعليه من صوم شهر رمضان فعلى وليه أن يقضى عنه وكذلك إذا فاته في السفر ، إلا أن يكون مات في مرضه من قبل ان يصح فلا قضاء عليه. وإذا كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال أن يقضى عنه فان لم يكن له ولى من الرجال قضى عنه وليه من النساء».

وهذه عين عبارتي الصدوقين المتقدمتين لكنهما اختصراها وفي الفقيه ذكرها بطولها.

وهذه الأخبار ـ كما ترى ـ كلها إنما دلت على اناطة القضاء بالولي الذي هو عبارة عن أولى الناس بميراثه كما فسره به في صحيحة حفص بن البختري ، ولا اختصاص لذلك بالولد الأكبر بل ولا بالولد بقول مطلق بل إنما هو عبارة عن الأولى بالميراث كائنا من كان.

والعجب من صاحب الوسائل حيث تبع المشهور من تخصيص القضاء بأكبر الأولاد الذكور كما عنون به الباب (٣) ثم أورد مكاتبة الصفار وبدل «ولييه» به «ولديه» في قوله في التوقيع «يقضى عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء» فكتب «ولديه» ولا أدرى أهذا من غلط النسخة التي عندي أو ان هذا منشأ وهم المصنف فيكون الغلط منه ، ونسخ الحديث كلها متفقة على لفظ «ولييه» (٤).

وبذلك يظهر لك انه لا مستند لما اشتهر بينهم من التخصيص بالولد الأكبر

وبالجملة فإن الظاهر من الأخبار هو ان الولي هنا هو الولي في أحكام الميت وهو الأولى بالميراث ، وليس في الأقوال المتقدمة ما ينطبق على القول بهذه الروايات التي ذكرناها إلا قول الصدوقين ويقرب منه قول ابن الجنيد ، والى هذا القول مال

__________________

(١) ص ٣٢٠.

(٢) ص ٢٥.

(٣) ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

(٤) وفي نسخ الوسائل كذلك.


السيد السند في المدارك ، وهو الحق الحقيق بالاتباع وان كان قليل الاتباع.

فوائد

الأولى ـ قد دلت صحيحة حفص بن البختري وكذا مرسلة حماد المتقدمتان (١) على انه لو لم يكن ولي إلا من النساء فإنه لا قضاء ، وصرحت عبارة كتاب الفقه الرضوي (٢) بوجوب قضاء الولي من النساء ، وبمدلول الروايتين صرح الشيخ وغيره فاسقطوا القضاء عن الولي من النساء ، وبمدلول الرواية الأخرى صرح الصدوقان والشيخ المفيد وابن البراج ، والظاهر ان مستندهم إنما هو عبارة الكتاب أو فتوى الصدوقين بذلك المستند الى الكتاب المذكور. والجمع بين الأخبار هنا لا يخلو من اشكال.

الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في وجوب القضاء على الولي عند من عين القضاء دون الصدقة ، وعلى ذلك تدل الأخبار المتقدمة.

واما ما تقدم في رواية أبي بصير ـ من انه يقضى عنه أفضل أهل بيته ، ومرسلة الفقيه : يقضى عنه من شاء من أهله (٣). وفي رواية لعمار تقدمت في كتاب الصلاة (٤) انه يقضى الصلاة والصوم رجل عارف ـ فيجب ارتكاب التأويل فيها بالحمل على التبرع بذلك لعدم الولي أو صغره أو نحو ذلك.

الثالثة ـ هل يشترط في تعلق الوجوب بالولي بلوغه حين يموت مورثه أم يراعى الوجوب ببلوغه فيتعلق به حينئذ؟ قولان ولم نقف على نص في المقام.

الرابعة ـ قد صرح جملة من الأصحاب بأنه لو كان للميت وليان أو أولياء متساوون في السن تساووا في القضاء.

واستدل عليه بعموم الأمر بالقضاء وبقوله عليه‌السلام في صحيحة حفص (٥) «يقضى عنه أولى الناس بميراثه». ونحوها من ما تقدم ، فان ذلك شامل بإطلاقه

__________________

(١ و ٥) ص ٣٢٤.

(٢) ص ٣٢٥.

(٣) ص ٣٢٠.

(٤) ج ١١ ص ٣٣ وفي الوسائل الباب ١٢ من قضاء الصلوات.


المتحد والمتعدد ، وإذا وجب القضاء عليهم تساووا فيه لامتناع الترجيح بلا مرجح. وقال ابن البراج يقرع بينهم.

وقال ابن إدريس انه لا قضاء لأن التكليف بذلك يتعلق بالولد الأكبر وليس هنا ولد أكبر.

وضعفه ظاهر فإنه مع تسليم ما ذكره من اختصاص الوجوب بالولد الأكبر إنما هو لو كان ثمة ولد أكبر لا مطلقا.

ولم أقف على نص واضح في المقام إلا ان القول المشهور لا يخلو من قرب نظرا إلى إطلاق الاخبار المشار إليها. ولعل حجة من ذهب الى القرعة عموم ما دل على انها لكل أمر مشكل (١).

ثم ان جملة منهم قد صرحوا بوجوب القضاء على الجميع وان اتحد الزمان بمعنى انه لا يشترط الترتيب في قضاء الصوم وان صرحوا باشتراطه في قضاء الصلاة وقالوا بناء على ذلك ان يوم الكسر واجب على الكفاية وان تبرع به أحد سقط.

الخامسة ـ قد أطلق جملة من الأصحاب انه لو تبرع بعض بالقضاء سقط. وحمل على تبرع بعض الأولياء المتساوين في السن بقضاء الصيام عن البعض الآخر فإنه يسقط الفرض بفعل ذلك البعض المتبرع.

قال شيخنا الشهيد الثاني : ووجه السقوط حصول المقتضى وهو براءة ذمة الميت من الصوم.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : ويتوجه عليه ان الوجوب تعلق بالولي وسقوطه بفعل غيره يحتاج الى دليل ، ومن ثم ذهب ابن إدريس والعلامة في المنتهى الى عدم الاجتزاء بفعل المتبرع وان وقع باذن من تعلق به الوجوب لأصالة عدم سقوط الفرض عن المكلف بفعل غيره. وقوته ظاهرة. انتهى.

السادسة ـ قد تقدم في كلام الشيخ انه لو لم يكن إلا النساء لم يلزمهن القضاء

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من كيفية الحكم واللفظ «كل مجهول ففيه القرعة» ..


وكان الواجب الفدية ، وبذلك صرح من تبعه أيضا ، وهو مبنى على ما هو المشهور بينهم من عدم وجوب القضاء على الأنثى وان انحصرت الولاية فيها.

واما ما ذكره من التصدق فلم نقف له على مستند وانما استدل له برواية أبي مريم الأنصاري (١) وقد عرفت من ما قدمنا سابقا ان هذه الرواية إنما خرجت مخرج التقية (٢) ومع الإغماض عن ذلك فان مقتضى الرواية على ما في الكافي والفقيه هو وجوب الصوم على الولي إذا لم يخلف الميت ما يتصدق به عنه وعلى رواية التهذيب وجوب التصدق على الولي أيضا ، وشي‌ء منهما لا ينطبق على ما ذكره هنا لانه هنا إنما أوجب الفدية مع تعذر الولي والولي على كل من الوجهين الأولين موجود.

السابعة ـ حكى الشهيد في الذكرى عن المحقق (قدس‌سره) انه قال في مسائله البغدادية المنسوبة إلى سؤال جمال الدين بن حاتم المشغري : الذي ظهر لي ان الولد يلزم قضاء ما فات الميت من صيام وصلاة لعذر كالسفر والمرض والحيض لا ما تركه عمدا مع قدرته عليه. ثم قال الشهيد : وقد كان شيخنا عميد الدين ينصر هذا القول ، ولا بأس به فان الروايات تحمل على الغالب من الترك وهو انما يكون على هذا الوجه. انتهى.

واليه مال جملة من متأخري المتأخرين كالسيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة ، وهو جيد.

ويمكن تأييده أيضا بأن روايات وجوب القضاء منها ما صرح فيه بالسبب الموجب للترك من الأعذار التي هي الحيض أو المرض أو السفر ومنها ما هو مطلق ومقتضى القاعدة حمل مطلقها على مقيدها في ذلك.

الرابع ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب القضاء عن

__________________

(١) ص ٣٢٠.

(٢) ارجع الى الصفحة ٣٢١ والتعليقة ٣ فيها.


المرأة ، فعن الشيخ في النهاية قال : والمرأة حكمها ما ذكرناه في أن ما يفوتها من الصيام بمرض أو طمث لا يجب على أحد القضاء عنها إلا أن يكون قد تمكنت من الصيام فلم تقضه فإنه يجب القضاء عنها. ويجب ايضا القضاء عنها ما يفوتها بالسفر حسبما قدمناه في حكم الرجال. والى هذا القول مال جملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في المنتهى والمختلف ، وتردد المحقق في الشرائع.

وقال ابن إدريس : الصحيح من المذهب والأقوال ان إلحاق المرأة في هذا الحكم بالرجال يحتاج الى دليل وانما إجماعنا منعقد على ان الوالد يتحمل ولده الأكبر ما فرط فيه من الصيام ويصير ذلك تكليفا للولد ، وليس هذا مذهبا لأحد من أصحابنا وانما أورده الشيخ إيرادا لا اعتقادا.

قال في المختلف بعد نقل ذلك عن ابن إدريس والاستدلال على ما ذهب اليه الشيخ بموثقة محمد بن مسلم وموثقة أبي بصير في المرأة التي أوصته أن يصوم عنها (١) ما صورته : وقول ابن إدريس ـ «الإجماع على الوالد» ـ ليس حجة إذ دلالة دليل على حكم ليس دليلا على انتفاء ذلك الحكم في صورة أخرى. قوله «وليس هذا مذهبا لأحد من أصحابنا» جهل منه وأي أحد أعظم من الشيخ (قدس‌سره) خصوصا مع اعتضاد قوله بالروايات والأدلة العقلية. على ان جماعة قالوا بذلك كابن البراج. ونسبة قول الشيخ إلى أنه إيراد لا اعتقاد غلط منه وما يدريه بذلك ، مع انه لم يقتصر على قوله بذلك في النهاية بل وفي المبسوط ايضا. انتهى.

أقول : والأصح ما ذهب اليه الشيخ (رضوان الله عليه) ويدل عليه ما يأتي في المسألة الآتية من روايتي أبي حمزة ومحمد بن مسلم (٢).

الخامس ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان وجوب القضاء على الولي في غير ما فات بالسفر مشروط بتمكن المكلف من القضاء وتفريطه حتى استقر في ذمته.

وعلى ذلك يدل جملة من الأخبار المتقدمة ، ويعضدها أيضا ما رواه الشيخ

__________________

(١ و ٢) ص ٣٣٠.


في الموثق عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها؟ قال هل برئت من مرضها؟ قلت لا ماتت فيه. قال لا يقضى عنها فان الله لم يجعله عليها. قلت فإني أشتهى أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك؟ قال كيف تقضى عنها شيئا لم يجعله الله عليها؟

فان اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم». اما في السفر فظاهر الأكثر ايضا انه كذلك ، فلو لم يتمكن من القضاء لم يجب القضاء عنه ، ونقله في المهذب عن الشيخ في النهاية والمحقق والعلامة ، لدخوله تحت قسم المعذورين لعدم التمكن فيسقط عنه لاستحالة التكليف بما لا يطاق.

وبه صرح شيخنا الشهيد في اللمعة حيث قال : وفي القضاء عن المسافر خلاف أقربه مراعاة تمكنه من المقام والقضاء. وبه صرح شيخنا الشهيد الثاني في الشرح حيث قال بعد ذكر العبارة المذكورة : ولو بالإقامة في أثناء السفر كالمريض ، وقيل يقضى عنه مطلقا لإطلاق النص وتمكنه من الأداء بخلاف المريض. وهو ممنوع لجواز كونه ضروريا كالسفر الواجب فالتفصيل أجود. انتهى ونحوه كلامه في المسالك أيضا.

أقول : والظاهر عندي هو القول بالوجوب مطلقا وان لم يتمكن من الإقامة ولم يمض عليه زمان يمكن فيه القضاء للأخبار الظاهرة الدلالة في ذلك :

ومنها ـ ما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن أبي حمزة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان هل يقضى عنها؟ قال : اما الطمث والمرض فلا ، واما السفر فنعم».

وما رواه الشيخ في الموثق عن محمد بن مسلم عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) «في امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل أن يخرج رمضان هل يقضى عنها؟ قال : اما الطمث والمرض فلا ، واما السفر فنعم».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.


وما رواه في الموثق عن أبى بصير (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سافر في رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه؟ قال : يقضيه أفضل أهل بيته».

وعن منصور بن حازم عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في الرجل يسافر في شهر رمضان فيموت؟ قال : يقضى عنه. وان امرأة حاضت في رمضان فماتت لم يقض عنها. والمريض في رمضان ولم يصح حتى مات لا يقضى عنه».

وأنت خبير بما في هذه الأخبار من الصراحة في الدلالة ، والظاهر ان من ذهب من أصحابنا إلى المشهور لم يقف على هذه الاخبار كملا ، ولذلك ان شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد ان نقل عبارة المصنف ـ وهي قوله : ولا يقضي الولي إلا ما تمكن الميت من قضائه فأهمله إلا ما يفوت بالسفر فإنه يقضى ولو مات مسافرا على رواية ـ قال : هي رواية منصور بن حازم. ثم ساق الرواية ثم قال بعد ما اختار القول المشهور : والرواية مع عدم صحة سندها يمكن حملها على الاستحباب أو الوجوب لكون السفر معصية وان بعد ولا يخفى ما فيه بعد ما عرفت.

وبالجملة فإن ظواهر الأخبار المذكورة هو وجوب القضاء عن المسافر مطلقا وتقييدها بالتمكن من القضاء مع كونه لا دليل عليه ينافيه ظاهر روايتي أبي حمزة ومحمد بن مسلم المشتملتين على السفر والطمث والمرض وانه يقضى ما فات بالسفر خاصة دون ما فات بذينك الآخرين ، وليس ذلك إلا مع عدم التمكن من القضاء إذ لا خلاف في انه مع التمكن يجب القضاء في الطمث والمرض.

والظاهر ان بناء الحكم المذكور في الفرق بين الفائت بالسفر وغيره انما هو من حيث ان عذر المرض والطمث من جهة الله (عزوجل) وهو أعذر لعبده كما ورد في جملة من اخبار الإغماء (٣) وغيرها ، وعذر السفر من قبل المكلف ويمكنه تركه والإتيان بالأداء فوجب القضاء عنه لذلك.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

(٣) الوسائل الباب ٣ من قضاء الصلوات والباب ٢٤ ممن يصح منه الصوم.


وما استشكله شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) من انه ربما يكون السفر ضروريا أو واجبا فالظاهر انه لا وجه له ، فان بناء الأحكام على الافراد الغالبة المتكررة ، والعلل الشرعية لا يجب اطرادها بل يكفى وجودها في أكثر الأفراد كما لا يخفى.

السادس ـ قال الشيخ في النهاية : المريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين ثم مات تصدق عنه عن شهر وقضى عنه وليه شهرا آخر. وكذا قال ابن البراج على ما نقله في المختلف ، وبذلك قال أكثر المتأخرين.

ويدل على هذا القول ما رواه الشيخ عن الوشاء بطريق فيه سهل بن زياد عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام (١) قال : «سمعته يقول إذا مات رجل وعليه صيام شهرين متتابعين من علة فعليه أن يتصدق عن الشهر الأول ويقضى الثاني».

قال في المسالك : لا فرق في الشهرين اللذين على الميت بين كونهما واجبين عليه على التعيين كالمنذورين وكفارة الظهار مع قدرته على الصوم في حال الحياة وعجزه عن العتق أو على التخيير ككفارة رمضان على تقدير اختيار الولي الصوم ، فان التخيير ينتقل اليه كما كان للميت. وهذا الحكم تخفيف على الولي بالصدقة عن أحد الشهرين من مال الميت مع ان النصوص تقتضي وجوب قضاء الجميع عليه ، ومستند هذا الحكم المستثنى من صور القضاء رواية الوشاء. ثم ساق الخبر كما نقلناه.

واستشكل ذلك جملة من متأخري المتأخرين من حيث ضعف سند الرواية أولا ، ومن دلالة الأخبار المستفيضة على وجوب القضاء على الولي كما قدمنا نقل كثير منها (٢) ولأن صوم هذين الشهرين لا يخلو اما أن يكون متعينا على الميت أو مخيرا فيه ، فان كان الأول فمقتضى الاخبار المشار إليها هو وجوب الكل على الولي ، وان كان الثاني فالأمر فيه مشكل ، حيث ان ظاهر الخبر المذكور غير المخير فيه.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من أحكام شهر رمضان.

(٢) ص ٣٢٠ و ٣٢٤.


وقال الشيخ أيضا في المبسوط والجمل والاقتصاد على ما نقله في المختلف : كل صوم كان واجبا عليه بأحد الأسباب الموجبة له فمتى مات وكان متمكنا منه فلم يصمه فإنه يتصدق عنه أو يصوم عنه وليه. وهو يرجع الى ما ذكره في النهاية أيضا.

وفيه ما عرفت من دلالة الأخبار المستفيضة على وجوب القضاء خاصة مضافا الى ما ذكره.

ومن هنا ذهب ابن إدريس والعلامة في المختلف الى وجوب القضاء خاصة ، وهو أيضا ظاهر الشيخ المفيد حيث قال : يجب على وليه أن يقضى عنه كل صيام فرط فيه من نذر أو كفارة أو قضاء رمضان.

أقول : والمسألة غير خالية من شوب الإشكال ، فإن الخروج عن مقتضى تلك الأخبار المستفيضة بهذا الخبر مع احتماله للتقية ـ فإن القول بالتصدق مذهب أكثر العامة (١) وان لم ينقل في خصوص هذه الصورة ـ مشكل ، والأظهر الوقوف على ما دلت عليه تلك الاخبار المشار إليها وهو الأوفق بالاحتياط المطلوب في جميع المقامات.

فان قيل : ان جملة الأخبار المتقدمة إنما وردت في قضاء شهر رمضان فلا تتعدى الى غيره ، لأنه قياس مع الفارق فان شهر رمضان آكد من غيره وكذا قضاؤه.

لأنا نقول : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو المصرح به في الأصول والدائر في كلامهم في غير مقام ، إذ المفهوم من اجوبتهم (عليهم‌السلام) في تلك الاخبار إنما هو ترتب القضاء على استقرار الأداء في الذمة كائنا ما كان سيما صحيحة حفص بن البختري (٢) فإن السؤال فيها عن الصوم بقول مطلق ، ورواية أبي بصير المتقدمة (٣) في حكاية المرأة التي أوصته أن يصوم عنها وقوله عليه‌السلام

__________________

(١) ارجع الى الصفحة ٣٢١ والتعليقة ٣ فيها.

(٢) ص ٣٢٤.

(٣) ص ٣٣٠.


«لا يقضى عنها فان الله لم يجعله عليها». فإنه علل عدم القضاء بعدم وجوب الأداء عليها المؤذن بثبوته مع ثبوته ، وقوله عليه‌السلام في موثقة ابن بكير المتقدمة في الموضع الثالث (١) «لأنه قد صح فلم يقض ووجب عليه» وهو مشعر بوجوب القضاء من حيث ان الأداء كان واجبا عليه ، الى غير ذلك من الاخبار المتقدمة ، وما نحن فيه كذلك عملا بالعلة المذكورة. والله العالم.

الفصل الثالث

في صوم الكفارات

وتنحل إلى أقسام أربعة الأول ـ ما يجب فيه الصوم مع غيره ، وهي كفارة قتل المؤمن عمدا فإنه تجب فيها الخصال الثلاث للأخبار المستفيضة :

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان وابن بكير جميعا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمدا هل له توبة؟ فقال : ان كان قتله لإيمانه فلا توبة له وان كان قتله لغضب أو لسبب من أمر الدنيا فان توبته أن يقاد منه ، وان لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقر عندهم بقتل صاحبهم فان عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية وأعتق نسمة وصام شهرين متتابعين وأطعم ستين مسكينا ...».

ومثلها كفارة من أفطر شهر رمضان على محرم عند من قال بذلك كما تقدم تحقيقه وانه الأظهر لما قدمنا من الأدلة.

القسم الثاني ـ ما يجب فيه الصوم بعد العجز عن غيره وهي ستة :

أحدها ـ كفارة قتل الخطأ قال الله تعالى (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً). إلى

__________________

(١) ص ٣٢٤.

(٢) الوسائل الباب ٢٨ من الكفارات والباب ٩ من القصاص في النفس.


قوله (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) (١) وفي معناها أخبار كثيرة (٢).

وثانيها ـ الظهار قال الله تعالى (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ). إلى قوله. (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) (٣).

وثالثها ـ قضاء شهر رمضان بناء على المشهور من أنها إطعام عشرة مساكين فان لم يتمكن صام ثلاثة أيام ، وقيل انها كفارة شهر رمضان ، وقد تقدم الكلام في ذلك.

ورابعها ـ كفارة اليمين قال الله عزوجل (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) (٤).

وخامسها ـ كفارة الإفاضة من عرفات عامدا قبل الغروب فان عليه بدنة ومع العجز صيام ثمانية عشر يوما.

ويدل عليه ما رواه الشيخ عن يونس في الصحيح عن ابى جعفر عليه‌السلام (٥) قال : «سألته عن من أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس؟ قال : عليه بدنة ينحرها يوم النحر فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما».

وسادسها ـ كفارة الصيد الذي هو عبارة عن النعامة والبقرة الوحشية والظبي وما ألحق بها على تردد ، ويأتي تحقيق القول فيه ان شاء الله تعالى في كتاب الحج.

والحق بذلك كفارة شق الرجل ثوبه على زوجته أو ولده وكفارة خدش المرأة وجهها ونتفها شعر رأسها :

__________________

(١) سورة النساء الآية ٩٥.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من الكفارات والباب ١١ و ٣٨ من القصاص في النفس.

(٣) سورة المجادلة الآية ٦.

(٤) سورة المائدة الآية ٩٢.

(٥) الوسائل الباب ٢٣ من إحرام الحج. والراوي ضريس. والشيخ يرويه عن الكليني.


لرواية خالد بن سدير عن الصادق عليه‌السلام (١) قال : «وإذا شق زوج على امرأته أو والد على ولده فكفارته كفارة حنث يمين ، ولا صلاة لهما حتى يكفرا أو يتوبا من ذلك ، وإذا خدشت المرأة وجهها أو جزت شعرها أو نتفته ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا ، وفي خدش الوجه إذا أدمت وفي النتف كفارة حنث يمين».

قيل : ووجه الإلحاق ضعف الرواية المذكورة بالراوي المذكور فقد قال الصدوق ان كتابه موضوع. وقال ابن إدريس باستحبابها ، وسيأتي تحقيق الكلام ان شاء الله تعالى في ذلك في كتاب الكفارات.

القسم الثالث ـ ما يكون الصوم فيه مخيرا بينه وبين غيره وهو خمسة :

منها ـ كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان عامدا ، وقد تقدم الكلام فيها.

ومنها ـ كفارة النذر بناء على المشهور من انها كفارة كبرى مخيرة ، والأصح انها كفارة يمين ، وسيأتي تحقيق القول في ذلك في كتاب النذر ان شاء الله تعالى.

ومنها ـ كفارة العهد بناء على المشهور من انها كفارة كبرى مخيرة وهو الأصح وقيل انها كفارة يمين ، وسيأتي تحقيق البحث في ذلك في محله.

ومنها ـ كفارة الاعتكاف الواجب بناء على ما هو المشهور من انها كفارة كبرى مخيرة ، وقيل انها مرتبة ، وسيأتي بيان ذلك في كتاب الاعتكاف ان شاء الله تعالى.

ومنها ـ كفارة حلق الرأس في الإحرام وهي منصوصة في القرآن المجيد ، قال الله تعالى (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (٢) ولفظ «أو» صريح في التخيير ، وسيأتي تحقيق ذلك في كتاب الحج ان شاء الله تعالى.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من الكفارات.

(٢) سورة البقرة الآية ١٩٣.


والحق بذلك كفارة جز المرأة رأسها في المصاب لرواية خالد بن سدير المتقدمة

القسم الرابع ـ ما يجب مرتبا على غيره مخيرا بينه وبين غيره وهو كفارة الواطئ أمته المحرمة باذنه ، وسيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب الحج ان هذه الكفارة بدنة أو بقرة أو شاة فإن عجز عن الأولين فشاة أو صيام ثلاثة أيام ، فالصيام فيها مرتب على غيره وهو البدنة والبقرة مخير بينه وبين غيره وهو الشاة.

وإنما اجملنا الكلام في هذه المسائل ولم نتعرض لتحقيق البحث فيها بنقل الأدلة وتحقيق الكلام فيها لان الغرض هنا إنما هو استيفاء أقسام الصوم وسيجي‌ء تحقيق كل مسألة ان شاء الله تعالى في محلها اللائق بها.

بقي الكلام هنا في مقامات المقام الأول ـ قد صرح جملة من الأصحاب بل الظاهر انه المشهور ان كل الصوم يلزم فيه التتابع إلا أربعة : صوم النذر المجرد عن التتابع وما في معناه من يمين وعهد ، وصوم القضاء عن رمضان أو غيره ، وصوم جزاء الصيد ، والسبعة في بدل الهدى.

وقد نقل الخلاف في كل من هذه الأربعة ، اما الأول فحكى الشهيد في الدروس عن ظاهر الشاميين وجوب المتابعة في النذر المطلق ، والظاهر هو المشهور لحصول الوفاء بالنذر بدون التتابع وعدم الدليل على ما ذكروه.

واما الثاني فقد استقرب الشهيد في الدروس وجوب التتابع في قضاء النذر المشروط فيه التتابع. ورد بأنه لا دليل عليه. وهو كذلك. ووجوب التتابع في أصل النذر باعتبار الشرط لا يستلزم وجوبه في قضائه.

واما الثالث فنقل عن المفيد وسلار والمرتضى أنهم أوجبوا المتابعة في صيام الستين يوما بدل النعامة.

واما الرابع فنقل عن ابن ابى عقيل وابى الصلاح أنهما أوجبا المتابعة في صيام السبعة بدل الهدى.


قال في المدارك بعد ذكر ذلك : والأصح عدم وجوب المتابعة في جميع ذلك عملا بالإطلاق.

وفيه انه قد روى ثقة الإسلام في الكافي في الحسن الى الحسين بن زيد عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «السبعة الأيام والثلاثة الأيام في الحج لا تفرق انما هي بمنزلة الثلاثة الأيام في اليمين». وهو ظاهر في وجوب المتابعة في السبعة كما ذكره الفاضلان المذكوران.

ومثله ما رواه في التهذيب عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٢) قال «سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج والسبعة أيصومها متوالية أو يفرق بينها؟ قال يصوم الثلاثة لا يفرق بينها والسبعة لا يفرق بينها ولا يجمع السبعة والثلاثة جميعا».

نعم في بعض الاخبار ما يدل على التفريق.

وسيجي‌ء الكلام في جميع هذه المسائل في مواضعها منقحا ان شاء الله تعالى.

ويندرج في كلية ما يجب فيه التتابع صوم رمضان والاعتكاف وكفارة رمضان وكفارة قضائه وكفارة خلف النذر وما في معناه وكفارة الظهار والقتل وكفارة حلق الرأس في حال الإحرام وصوم الثلاثة الأيام في بدل الهدى وصوم الثمانية عشر بدل البدنة وبدل الشهرين عند العجز عنهما.

قال في المدارك : ويمكن المناقشة في وجوب المتابعة في صيام كفارة قضاء رمضان وحلق الرأس وصوم الثمانية عشر في الموضعين ، لإطلاق الأمر بالصوم في جميع هذه الموارد فيحصل الامتثال مع التتابع وبدونه. انتهى.

وهو جيد إلا بالنسبة إلى كفارة قضاء شهر رمضان ، لما تقدم في صدر المطلب الرابع من المقصد الأول (٣) من الأخبار الدالة على انها كفارة شهر رمضان ، وكفارة شهر رمضان من ما لا خلاف في وجوب التتابع في الشهرين فيها نعم يمكن ذلك بالنسبة إلى القول الآخر وهو صوم ثلاثة أيام حيث انه لم يصرح

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٠ من بقية الصوم الواجب.

(٣) ص ٢١٢.


فيها بالتتابع ، إلا ان الأصحاب ذكروا انها كفارة يمين وكفارة اليمين من ما يجب التتابع فيها ، فان تم ما ذكروه لزم الإشكال في ما ذكره هنا وإلا فلا. واما على القول الأول فالإشكال لازم البتة ، إلا ان الظاهر ان كلامه (قدس‌سره) مبنى على ما هو المشهور من أنها إطعام عشرة مساكين إن أمكن وإلا فصيام ثلاثة أيام وهذه الثلاثة لا دليل على وجوب التتابع فيها. واما القول بأنها كفارة شهر رمضان فهو وان قال به الصدوقان ودل عليه بعض الأخبار المتقدمة في المطلب المتقدم إلا انه مطرح بينهم وغير معمول عليه ولا على اخباره كما تقدم تحقيق ذلك في المطلب المذكور وأضعف منه غيره من القولين الآخرين في المسألة كما تقدم ثمة.

المقام الثاني ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان كل ما يشترط فيه التتابع من افراد الصوم إذا أفطر في أثنائه لعذر بنى بعد زواله. وإطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق في هذا الحكم بين صوم الشهرين وصوم الثمانية عشر في الموضعين المتقدمين وصوم الثلاثة.

وفيه انه قد جزم جماعة : منهم ـ المحقق والعلامة في القواعد والشهيدان في الدروس والمسالك بوجوب الاستئناف مع الإخلال بالمتابعة في كل ثلاثة لعذر كان أو لا لعذر إلا ثلاثة الهدي لمن صام يومين وكان الثالث العيد فإنه يبنى على اليومين الأولين بعد انقضاء أيام التشريق.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنهم : وهو جيد بل الأجود اختصاص البناء مع الإخلال بالتتابع للعذر بصيام الشهرين المتتابعين والاستئناف في غيره ، اما الاستئناف في ما عدا صيام الشهرين فلأن الإخلال بالمتابعة يقتضي عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه فيبقى المكلف تحت العهدة الى أن يتحقق الامتثال.

أقول : لا يخفى ان مقتضى كلامه هنا هو وجوب المتابعة في الثمانية عشر حيث انه قد صرح بها في صدر الكلام وانها داخلة تحت إطلاق كلامهم وانه لو حصل العذر الموجب لانقطاع المتابعة وجب عليه الإعادة من رأس ، مع انه قد صرح


سابقا في ما قدمنا نقله عنه في المقام الأول بأنه لا تجب المتابعة فيها عنده بل يحصل الامتثال مع التتابع وعدمه ، اللهم إلا ان يحمل كلامه هنا على طريق المماشاة مع الأصحاب وانه على تقدير ثبوت وجوب التتابع فيها في ما ذكروه فاللازم هو الوجوب وان حصل العذر المانع من ذلك فإنه يجب الإعادة من رأس بعد زواله.

ثم قال (قدس‌سره) : واما البناء في صيام الشهرين فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن رفاعة (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهرا ومرض؟ قال : يبنى عليه الله حبسه. قلت امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت وأفطرت أيام حيضها؟ قال : تقضيها. قلت فإنها قضتها ثم يئست من المحيض؟ قال لا تعيدها أجزأها ذلك». وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) نحو ذلك ، وعن سليمان بن خالد (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فصام خمسة وعشرين يوما ثم مرض فإذا برئ أيبنى على صومه أم يعيد صومه كله؟ قال : يبنى على ما كان صام. ثم قال : هذا من ما غلب الله عليه وليس على ما غلب الله عزوجل عليه شي‌ء». انتهى.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٤) : ومتى وجب على الإنسان صوم شهرين متتابعين فصام شهرا وصام من الشهر الثاني أياما ثم أفطر فعليه ان يبنى عليه فلا بأس ، وان صام شهرا أو أقل منه ولم يصم من الشهر الثاني شيئا فعليه ان يعيد صومه إلا ان يكون قد أفطر لمرض فله أن يبنى على ما صام لأن الله حبسه.

أقول : لا يخفى ان ظاهر التعليل في هذه الروايات يقتضي وجوب البناء في كل ما ثبت فيه وجوب التتابع إذا كان العذر من جهته (عزوجل) ، وخصوص السؤال في هذه الأخبار لا يوجب التخصيص إذ العبرة بعموم الجواب والعلة

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٣ من بقية الصوم الواجب.

(٤) ص ٢٦.


المذكورة ، فإن قوله عليه‌السلام : «هذا من ما غلب الله عليه وليس على ما غلب الله عليه شي‌ء». في قوة صغرى وكبرى من مقدمتي الشكل الأول ، فكأنه قيل : الإفطار في هذه الصورة من ما غلب الله عليه وكل ما غلب الله عليه فليس عليه شي‌ء ، ينتج ان الإفطار في هذه الصورة ليس عليه شي‌ء من الإعادة. وبه يظهر ان كل موضع ثبت فيه وجوب المتابعة فليس عليه الإعادة إذا كان العذر من جهة الله عزوجل.

وعلى هذا يجب تخصيص اخبار وجوب المتابعة في الثلاثة بهذه الأخبار فلا تجب الإعادة فيها بالعذر الحاصل من جهته عزوجل.

وحينئذ فما ذكره أولئك الفضلاء (رضوان الله عليهم) من وجوب الاستئناف في كل ثلاثة لعذر كان أو لغير عذر مشكل ، وقصر الحكم كما ذكره السيد السند على الشهرين أشكل.

والذي وقفت عليه من الأخبار زيادة على ما نقله (قدس‌سره) ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح الى على بن احمد بن أشيم (١) قال : «كتب الحسين الى الرضا عليه‌السلام جعلت فداك رجل نذر أن يصوم أياما معلومة فصام بعضها ثم اعتل فأفطر أيبتدئ في صومه أم يحتسب بما مضى؟ فكتب اليه يحتسب بما مضى». وهو كما ترى مؤيد لما ذكرناه من وجوب البناء في الصوم المتتابع وان كان غير الشهرين.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن امرأة تجعل لله عليها صوم شهرين متتابعين فتحيض؟ قال : تصوم ما حاضت فهو يجزئها».

وما رواه في الكافي في الحسن عن رفاعة بن موسى (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تنذر عليها صوم شهرين متتابعين؟ قال : تصوم وتستأنف أيامها التي قعدت حتى تتم الشهرين. قلت : أرأيت ان يئست من المحيض أتقضيه؟ قال : لا تقضى يجزئها الأول».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٣ من بقية الصوم الواجب.


ثم قال (قدس‌سره) : ويستفاد من التعليل المستفاد من قوله عليه‌السلام : «الله حبسه» وقوله : «وهذا من ما غلب الله عليه» عدم الفرق بين أن يكون العذر مرضا أو سفرا ضروريا أو حيضا أو إغماء أو غير ذلك.

أقول : جعل السفر الضروري من قبيل ما غلب الله عليه محل نظر ، فان الظاهر من هذا اللفظ ان المراد به ما كان من فعل الله تعالى به بحيث انه ليس للعبد في إيقاعه صنع ولا مدخل بالكلية وانه من ما فعله الله تعالى به من غير اختيار منه ، والسفر وان كان ضروريا ليس كذلك كما هو ظاهر.

ثم قال (قدس‌سره) لا يقال : قد روى الشيخ في الصحيح عن جميل ومحمد ابن حمران عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «في الرجل الحر يلزمه صوم شهرين متتابعين في ظهار فيصوم شهرا ثم يمرض؟ قال يستقبل فان زاد على الشهر الآخر يوما أو يومين بنى على ما بقي». وعن ابى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «ان كان على الرجل صيام شهرين متتابعين فأفطر أو مرض في الشهر الأول فإن عليه أن يعيد الصيام ، وان صام الشهر الأول وصام من الشهر الثاني شيئا فإنما عليه أن يقضى». لأنا نجيب عنهما بالحمل على الاستحباب جمعا بين الأدلة ، وتأولهما الشيخ في الاستبصار أيضا بالحمل على المرض الذي لا يكون مانعا من الصوم وهو بعيد. انتهى.

أقول : لا ريب في بعد حمل الشيخ كما ذكره ، وأبعد منه الحمل على الاستحباب كما هي القاعدة الجارية في كلامه وكلام غيره لما عرفت في غير موضع من ما سبق.

والأظهر عندي إنما هو الحمل على التقية التي هي السبب التام في اختلاف الأخبار وان لم يعلم القائل بذلك من العامة كما تقدم تحقيقه في المقدمة الأولى من مقدمات الكتاب. على ان العلامة في المنتهى بعد نقل إجماع علمائنا على الحكم المذكور نقل

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من بقية الصوم الواجب.

(٢) الوسائل الباب ٣ من بقية الصوم الواجب رقم (٦).


عن الشافعي في أحد قوليه الفرق بين الحيض والمرض فأوجب الإعادة بالمرض والبناء على ما مضى بالحيض (١) ومورد هذين الخبرين المرض.

وبالجملة فإن المفهوم من جملة من الأخبار ان منشأ الاختلاف في أخبارنا إنما هو التقية فالحمل عليها متعين في المقام ، لاتفاق علمائنا قديما وحديثا على القول بالأخبار المتقدمة وهو مؤذن بكونه مذهبهم (عليهم‌السلام) فتكون التقية في الاخبار الأخر ثم انه على تقدير البناء على العذر فهل تجب المبادرة الى ذلك بعد زوال العذر بلا فصل؟ قيل نعم لأنه بتعمد الإفطار بعد زوال العذر يصير مخلا بالتتابع اختيارا. وقطع الشهيد في الدروس بعدم الوجوب. والمسألة لا تخلو من تردد لعدم النص فيها وان كان القول الأول لا يخلو من قرب والاحتياط يقتضي العمل به ، ولو ثبت لأمكن حمل صحيحة جميل ومحمد بن حمران ورواية أبي بصير عليه بان يحمل اعادة الصيام فيهما على ما إذا أفطر بعد زوال العذر عامدا.

قال في المدارك : ولو نسي النية في بعض أيام الشهر حتى فات محلها فسد صوم ذلك اليوم ، وهل ينقطع التتابع بذلك؟ قيل نعم لأن فساد الصوم يقتضي عدم تحقق التتابع ، وقيل لا لحديث رفع القلم (٢) وظاهر التعليل المستفاد من قوله عليه‌السلام (٣) «الله حبسه». وقوله عليه‌السلام «ليس على ما غلب الله عليه شي‌ء». وبه قطع الشارح (قدس‌سره) ولا يخلو من قوة.

أقول : فيه ان ظاهر حديث رفع القلم انما هو بالنسبة الى عدم المؤاخذة وترتب العقاب على ذلك لا صحة العبادة ، وظاهر التعليل المذكور في الخبرين لا يشمل مثل هذا كما أشرنا إليه آنفا ، فان النسيان إنما هو من الشيطان كما يدل عليه قوله عزوجل «فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ» (٤) وقوله : «وَإِمّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا

__________________

(١) المهذب ج ٢ ص ١١٧.

(٢) في المدارك هكذا : لحديث «رفع». ورواه في الوسائل في الباب ٥٦ من جهاد النفس.

(٣) ص ٣٤٠.

(٤) سورة يوسف الآية ٤٣.


تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى. الآية» (١) وقوله «وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ» (٢) لا من الله عزوجل. ويؤيده ما هو المشهور من وجوب القضاء على ناسي النجاسة كما تكاثرت به الاخبار الصريحة. وبه يظهر ان ما اختاره لا يخلو من ضعف.

المقام الثالث ـ الظاهر انه لا خلاف في انه لو أفطر في ما يجب عليه التتابع فيه لا لعذر فإنه يجب عليه الإعادة من رأس.

واستثنى من ذلك مواضع ثلاثة الأول ـ من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فصام منهما شهرا ومن الثاني يوما فإنه يبنى على ما تقدم ، وقال العلامة في التذكرة وابنه في الشرح انه قول علمائنا.

ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ صحيحة جميل ومحمد بن حمران ورواية أبي بصير المتقدمتان (٣).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «صيام كفارة اليمين في الظهار شهران متتابعان ، والتتابع أن يصوم شهرا ويصوم من الآخر أياما أو شيئا منه فان عرض له شي‌ء يفطر منه أفطر ثم قضى ما بقي عليه ، وان صام شهرا ثم عرض له شي‌ء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئا فلم يتابع فليعد الصوم كله. وقال : صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين متتابعات ولا يفصل بينهن».

وفي الصحيح عن منصور بن حازم عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٥) انه قال : «في رجل صام في ظهار شعبان ثم أدركه شهر رمضان؟ قال : يصوم شهر رمضان ويستأنف الصوم ، فان صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته».

__________________

(١) سورة الانعام الآية ٦٨.

(٢) سورة الكهف الآية ٦٣.

(٣) ص ٣٤٢.

(٤) التهذيب ج ٤ ص ٢٨٣ وفي الوسائل الباب ٣ و ١٠ من بقية الصوم الواجب.

(٥) الوسائل الباب ٤ من بقية الصوم الواجب.


وموثقة سماعة بن مهران (١) قال : «سألته عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أيفرق بين الأيام؟ فقال : إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس ، وان كان أقل من شهر أو شهرا فعليه أن يعيد الصيام».

وما رواه الصدوق عن أبي أيوب في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في رجل كان عليه صوم شهرين متتابعين في ظهار فصام ذا القعدة ودخل عليه ذو الحجة؟ قال : يصوم ذا الحجة كله إلا أيام التشريق ثم يقضيها في أول يوم من المحرم حتى يتم له ثلاثة أيام فيكون قد صام شهرين متتابعين. قال : ولا ينبغي له أن يقرب أهله حتى يقضى ثلاثة أيام التشريق التي لم يصمها. ولا بأس ان صام شهرا ثم صام من الشهر الذي يليه أياما ثم عرضت له علة أن يقطعه ثم يقضى بعد تمام الشهرين».

نعم اختلف الأصحاب في أنه بعد البناء على ما تقدم في الصورة المذكورة لحصول التتابع بذلك هل يجوز له التفريق اختيارا وان كان قد حصل ما تحقق به التتابع؟ فالمشهور الجواز للأصل وظاهر قوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي «والتتابع ان يصوم شهرا ويصوم من الآخر أياما أو شيئا منه» وقوله في صحيحة منصور «وان صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته» وقوله في موثقة سماعة «إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس».

ونقل عن الشيخ المفيد (عطر الله مرقده) انه قال : لو تعمد الإفطار بعد ان صام من الشهر الثاني شيئا فقد أخطأ وان جاز له الإتمام. وبذلك صرح السيد المرتضى ، وصرح أبو الصلاح وابن إدريس بالإثم.

واحتج ابن إدريس بأن التتابع أن يصوم الشهرين كملا ولم يحصل فتحقق الإثم ، ولا استبعاد في الاجزاء مع الإثم.

وأجيب بالمنع من ان التتابع انما يحصل بإكمالهما. وهو كذلك لما صرحت به

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣ من بقية الصوم الواجب.


صحيحة الحلبي من أن التتابع الواجب إنما هو عبارة عن ان يصوم شهرا ومن الآخر شيئا ، وهو ظاهر الروايتين الأخيرتين. وبالجملة فالقول المشهور هو المعتمد.

الثاني ـ من وجب عليه صوم شهر متتابع بنذر ونحوه فصام خمسة عشر يوما ثم أفطر فإنه يصومه ويبنى على ما تقدم وان كان قبل ذلك استأنف.

والمستند في هذا التفصيل ما رواه الشيخ عن موسى بن بكر عن الفضيل بن يسار عن أبى جعفر عليه‌السلام (١) قال : «قال في رجل جعل على نفسه صوم شهر فصام خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر؟ فقال : جائز له ان يقضى ما بقي عليه ، وان كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجز له حتى يصوم شهرا تاما».

وما رواه في الكافي والفقيه عن موسى بن بكر عن الفضيل عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) : «في رجل جعل عليه صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر؟ فقال : ان كان صام خمسة عشر يوما فله ان يقضى ما بقي وان كان صام أقل من خمسة عشر يوما لم يجزئه حتى يصوم شهرا تاما».

ولا أعلم في ذلك خلافا بين الأصحاب إلا ما يظهر من السيد السند في المدارك قال فيه بعد نقل الخبرين المذكورين : وضعف الروايتين يمنع من العمل بهما. وعلى نحوه حذا الفاضل الخراساني في الذخيرة.

أقول : لا ريب ان الخبرين المذكورين وان كانا ضعيفين بهذا الاصطلاح المحدث إلا انهما مجبوران باتفاق الأصحاب على العمل بمضمونهما فإنه لا راد لهما ولا مخالف في هذا الحكم غيرهما ، مع انهما في غير موضع من كتابيهما قد وافقا الأصحاب في هذه القاعدة كما لا يخفى على من تتبع كتابيهما ، وقد نبهنا على مواضع من ذلك في شرحنا على المدارك ، ولكنهما ليس لهما قاعدة يقفان عليها كما أشبعنا الكلام عليه في غير موضع من شرحنا المشار اليه.

__________________

(١) التهذيب ج ٤ ص ٢٨٥ وفي الوسائل الباب ٥ من بقية الصوم الواجب.

(٢) الوسائل الباب ٥ من بقية الصوم الواجب.


وألحق الشيخ في المبسوط والجمل بشهر النذر في هذا الحكم من وجب عليه شهر في كفارة قتل الخطأ والظهار لكونه مملوكا ، واختاره في المختلف ومنعه ابن إدريس ، وأكثر الأصحاب لم يتعرضوا في هذه المسألة إلا لحكم النذر خاصة ، وتردد فيه المحقق للمشاركة في المعنى.

واحتج العلامة باندراجه تحت الجعل في قوله : «جعل عليه» قال : فان العبد إذا ظاهر فقد جعل عليه صوم شهر. وأجاب عن ما ذكره ابن إدريس ـ من ان حمله على النذر قياس باطل لا يجوز العمل به ـ بالمنع من كون ذلك قياسا ، قال بل هو من باب الأولى.

وأنت خبير بما في كلامه (قدس‌سره) من الضعف الذي لا يخفى على الناظر والأظهر الوقوف على مورد النص. وما أبعد ما بين من رد النصوص المذكورة وبين من قاس عليها مع انه هو المقرر لهذا الاصطلاح.

الثالث ـ من صام ثلاثة أيام بدل الهدى يوم التروية وعرفة ثم أفطر يوم النحر فإنه يجوز له أن يبنى بعد انقضاء أيام التشريق ، والروايات هنا مختلفة ، وسيجي‌ء تحقيق القول في ذلك في محله من كتاب الحج ان شاء الله تعالى.

وباقي أفراد الصوم الواجب من النذر ونحوه والاعتكاف تأتي في أبوابها ان شاء الله تعالى.

المطلب الثاني في الصوم المندوب

لا ريب ولا خلاف في استحباب الصوم في جميع أيام السنة إلا ما استثنى ، وقد تقدم في صدر الكتاب من الأخبار ما يدل عليه.

والكلام هنا إنما هو في ما يختص وقتا بعينه وذلك في مواضع : منها ـ وهو أوكدها ـ صوم ثلاثة أيام من كل شهر وهي أول خميس منه وآخر خميس وأول أربعاء من العشر الثانية.

فمن الأخبار الواردة بذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن حماد بن عثمان


عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى قيل ما يفطر ثم أفطر حتى قبل ما يصوم ، ثم صام صوم داود عليه‌السلام يوما ويوما لا ، ثم قبض صلى‌الله‌عليه‌وآله على صيام ثلاثة أيام في الشهر ، وقال يعدلن صوم الدهر ويذهبن بوحر الصدر ـ وقال حماد الوحر الوسوسة ـ قال حماد فقلت وأي الأيام هي؟ قال أول خميس في الشهر وأول أربعاء بعد العشر منه وآخر خميس فيه. فقلت وكيف صارت هذه الأيام التي تصام؟ فقال لأن من قبلنا من الأمم كانوا إذا نزل على أحدهم العذاب نزل في هذه الأيام فصام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الأيام لأنها الأيام المخوفة».

وما رواه الكليني عن محمد بن مسلم في الصحيح أو الحسن على المشهور عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أول ما بعث يصوم حتى يقال ما يفطر ويفطر حتى يقال ما يصوم ، ثم ترك ذلك وصام يوما وأفطر يوما وهو صوم داود عليه‌السلام ثم ترك ذلك وصام الثلاثة الأيام الغر ، ثم ترك ذلك وفرقها في كل عشرة يوما : خميسين بينهما أربعاء ، فقبض صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يعمل ذلك».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول كان في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام ان قال : يا على أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عنى. ثم قال اللهمّ أعنه. وذكر جملة من الخصال الى أن قال : والسادسة الأخذ بسنتي في صلاتي وصومي وصدقتي ، أما الصلاة فالخمسون ركعة واما الصيام فثلاثة أيام في الشهر : الخميس في أوله والأربعاء في وسطه والخميس في آخره ، واما الصدقة فجهدك حتى تقول قد أسرفت ولم تسرف».

وروى الصدوق عن الحسن بن محبوب في الصحيح عن جميل بن صالح عن محمد بن مروان (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصوم حتى يقال لا يفطر ويفطر حتى يقال لا يصوم ، ثم صام يوما وأفطر يوما ، ثم

__________________

(١ و ٢ و ٤) الوسائل الباب ٧ من الصوم المندوب.

(٣) الوسائل الباب ٤ من جهاد النفس.


صام الاثنين والخميس ، ثم آل من ذلك الى صيام ثلاثة أيام في الشهر : الخميس في أول الشهر وأربعاء في وسط الشهر وخميس في آخر الشهر. وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك صوم الدهر. وقد كان ابى عليه‌السلام يقول ما من أحد أبغض الى الله (عزوجل) من رجل يقال له كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يفعل كذا وكذا فيقول لا يعذبني الله على ان أجتهد في الصلاة والصوم ، كأنه يرى ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ترك شيئا من الفضل عجزا عنه».

وروى الصدوق عن زرارة في الموثق (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام بم جرت السنة من الصوم؟ فقال : ثلاثة أيام من كل شهر : الخميس في العشر الأول والأربعاء في العشر الأوسط والخميس في العشر الأخير. قال قلت هذا جميع ما جرت به السنة في الصوم؟ قال : نعم».

ورواه الكليني عن زرارة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أفضل ما جرت به السنة في التطوع من الصوم. الى آخره». وهو أوضح ، وعلى الأول فالمراد ما جرت به السنة المؤكدة».

وروى الشيخ بإسناده عن أبى بصير (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صوم السنة فقال صيام ثلاثة أيام من كل شهر : الخميس والأربعاء والخميس ، يذهب ببلابل القلب ووحر الصدر الخميس والأربعاء والخميس ، وان شاء الاثنين والأربعاء والخميس ، وان شاء صام في كل عشرة أيام يوما فان ذلك ثلاثون حسنة ، وان أحب أن يزيد على ذلك فليزد».

وروى في الكافي في الصحيح ـ ومثله في الفقيه ـ عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٤) «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن صوم خميسين بينهما أربعاء فقال : اما الخميس فيوم تعرض فيه الأعمال واما الأربعاء فيوم خلقت فيه النار ، واما الصوم فجنة».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٧ من الصوم المندوب.


وروى عبد الله بن جعفر في قرب الاسناد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم‌السلام) (١) «ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال دخلت الجنة فوجدت أكثر أهلها البله. يعني بالبله المتغافل عن الشر العاقل في الخير الذين يصومون ثلاثة أيام من كل شهر».

ورواه الصدوق في معاني الاخبار عن أبيه عن عبد الله بن جعفر الحميري مثله (٢) إلا انه قال : «قلت ما البله؟ قال : العاقل في الخير الغافل عن الشر الذي يصوم في كل شهر ثلاثة أيام».

وروى الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) انه قال : «عرضت على أعمال أمتي فوجدت في أكثرها خللا ونقصانا فجعلت مع كل فريضة مثليها نافلة ليكون من أتى بذلك قد حصلت له الفريضة ، لأن الله تعالى يستحي أن يعمل له العبد عملا فلا يقبل منه الثلث ، ففرض الله الصلاة في كل يوم وليلة سبع عشرة ركعة وسن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعا وثلاثين ركعة ، وفرض الله صيام شهر رمضان في كل سنة وسن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صيام ستين يوما في السنة ليكمل فرض الصوم ، فجعل في كل شهر ثلاثة أيام خميسا في العشر الأول منه وهو أول خميس في العشر وأربعاء في العشر الأوسط منه وهو أقرب الى النصف من الشهر وربما كان النصف بعينه وآخر خميس في الشهر». الى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نقلها المقام

تنبيهات

الأول ـ ما ذكرناه من صوم الثلاثة المذكورة هو المشهور فتوى ورواية ، ونقل عن الشيخ التخيير بين صوم أربعاء بين خميسين أو خميس بين أربعائين ، وعن ابن أبى عقيل تخصيص الأربعاء بالأخيرة من العشر الأوسط مع موافقته في الخميسين ، وعن ابن الجنيد انه يصوم شهرا أربعاء بين خميسين والآخر خميسا بين أربعائين.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٧ من الصوم المندوب.


ويدل على ما ذهب اليه ابن الجنيد رواية أبي بصير (١) قال : «سألته عن صوم ثلاثة أيام في الشهر؟ فقال : في كل عشرة أيام يوم خميس وأربعاء وخميس والشهر الذي يليه أربعاء وخميس وأربعاء».

وظاهر هذه الرواية دال على ما ذهب اليه ابن الجنيد والشيخ حملها على التخيير في كل شهر استنادا الى ما رواه عن إبراهيم بن إسماعيل بن داود (٢) قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن الصيام فقال ثلاثة أيام في الشهر : الأربعاء والخميس والجمعة. فقلت ان أصحابنا يصومون أربعاء بين خميسين؟ فقال لا بأس بذلك ، ولا بأس بخميس بين أربعائين». ومن أجل هذا نسب اليه القول المتقدم.

وكيف كان فالفضل المؤكد إنما هو في الصورة المشهورة التي استفاضت بها الأخبار وكان عليها عمل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته الى أن مات والأئمة (عليهم‌السلام) من بعده وان جاز العمل بما دل عليه الخبران المذكوران ، بل ظاهر رواية أبي بصير الأخرى المتقدمة انه يجزئ الإتيان في كل عشرة بيوم كائنا ما كان

الثاني ـ ان من أخرها استحب له قضاؤها كما صرح به بعض الأصحاب.

ويدل عليه ما رواه الكليني عن عبد الله بن سنان (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصوم صوما قد وقته على نفسه أو يصوم من أشهر الحرم فيمر به الشهر والشهران لا يقضيه؟ فقال : لا يصوم في السفر ولا يقضي شيئا من صوم التطوع إلا الثلاثة الأيام التي كان يصومها من كل شهر ، ولا يجعلها بمنزلة الواجب إلا انى أحب لك أن تدوم على العمل الصالح. قال : وصاحب الحرم الذي كان يصومها يجزئه أن يصوم مكان كل شهر من أشهر الحرم ثلاثة أيام».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن داود بن فرقد عن أبيه (٤) قال «كتب حفص

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٨ من الصوم المندوب.

(٣) الوسائل الباب ١٠ ممن يصح منه الصوم.

(٤) التهذيب ج ٤ ص ٢٣٩ وفي الوسائل الباب ٢١ ممن يصح منه الصوم والباب ١٠ من الصوم المندوب. واللفظ الذي أورده هو لفظ النوادر.


الأعور إلي سل أبا عبد الله عليه‌السلام عن ثلاث مسائل فقال أبو عبد الله عليه‌السلام ما هي؟ قال : من ترك صيام ثلاثة أيام في كل شهر؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام من مرض أو كبر أو عطش؟ قال ما سمى شيئا. فقال ان كان من مرض فإذا برئ فليقضه وان كان من كبر أو عطش فبدل كل يوم مد». وروى هذه الرواية أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن فضالة عن داود بن فرقد مثله (١).

وما رواه الكليني في الموثق عن عمار بن موسى عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن الرجل يكون عليه من الثلاثة أيام الشهر هل يصلح أن يؤخرها أو يصومها في آخر الشهر؟ قال : لا بأس. فقلت يصومها متوالية أو يفرق بينها؟ فقال : ما أحب ، ان شاء متوالية وان شاء فرق بينها». ونحوها روايات على بن جعفر الثلاث عن أخيه موسى عليه‌السلام (٣).

قال السيد السند في المدارك : ولو كان الفوات لمرض أو سفر لم يستحب قضاؤها لما رواه الكليني في الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن صوم ثلاثة أيام في الشهر هل فيه قضاء على المسافر؟ قال لا». وإذا سقط القضاء عن المسافر سقط عن المريض بطريق أولى لأنه أعذر.

أقول : لا يخفى ما في هذا التعليل العليل من الوهن وعدم الصلوح لبناء الأحكام الشرعية عليه لو لم يرد ما ينافيه ، كيف ورواية داود بن فرقد المتقدم نقلها عن الشيخ وعن كتاب النوادر صريحة في القضاء. نعم الرواية المذكورة ظاهرة في سقوط القضاء عن المسافر.

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من الصوم المندوب ، وفيه كما في الفقه الرضوي ص ٦٢ «عن داود بن فرقد عن أخيه».

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٩ من الصوم المندوب.

(٤) الوسائل الباب ٢١ ممن يصح منه الصوم.


ونحوها ما رواه الكليني عن المرزبان بن عمران (١) قال : «قلت للرضا عليه‌السلام أريد السفر فأصوم لشهري الذي أسافر فيه؟ قال : لا. قلت فإذا قدمت أقضيه؟ قال : لا ، كما لا تصوم كذلك لا تقضى». إلا انه ربما ظهر من رواية عبد الله ابن سنان المتقدمة القضاء.

وأظهر منها ما رواه الكليني عن عذافر (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أصوم هذه الثلاثة الأيام في الشهر فربما سافرت وربما أصابتني علة فيجب على قضاؤها؟ قال فقال لي : إنما يجب الفرض فاما غير الفرض فأنت فيه بالخيار. قلت بالخيار في السفر والمرض؟ قال فقال : المرض قد وضعه الله (عزوجل) عنك والسفر ان شئت فاقضه وان لم تقضه فلا جناح عليك».

وصاحب المدارك قد نقل هذه الرواية وطعن فيها بضعف السند.

والجمع بين الاخبار يقتضي القول بالقضاء وان لم يتأكد ذلك كغيره من الترك لا لعذر ، وربما لاح من هذه الرواية أيضا سقوط القضاء عن المريض وينبغي حملها على ما ذكر ايضا.

الثالث ـ قد ذكر جملة من الأصحاب انه يجوز تأخيرها اختيارا من الصيف الى الشتاء ويكون مؤديا للسنة متى أتى بها كذلك.

ويدل عليه ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن الحسن ابن أبي حمزة (٣) قال : «قلت لأبي جعفر أو لأبي عبد الله (عليهما‌السلام) انى قد اشتد على صيام ثلاثة أيام في كل شهر أؤخره في الصيف الى الشتاء فإني أجده أهون على؟ فقال : نعم فاحفظها».

وما رواه الكليني عن الحسين بن أبي حمزة في الصحيح (٤) قال : «قلت

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢١ ممن يصح منه الصوم.

(٣) الوسائل الباب ٩ من الصوم المندوب. ارجع الى الاستدراكات.

(٤) الوسائل الباب ٩ من الصوم المندوب. وفي كتب الحديث الحسين بن أبي حمزة عن أبي حمزة.


لأبي جعفر عليه‌السلام صوم ثلاثة أيام من كل شهر أؤخره إلى الشتاء ثم أصومها؟ قال : لا بأس بذلك».

الرابع ـ ان من عجز عن الإتيان بها استحب له أن يتصدق عن كل يوم بدرهم أو بمد.

ويدل عليه ما رواه الكليني في الصحيح عن عيص بن القاسم (١) قال «سألته عن من لم يصم الثلاثة الأيام من كل شهر وهو يشتد عليه الصيام هل فيه فداء؟ قال : مد من طعام في كل يوم».

وعن عقبة (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك انى قد كبرت وضعفت عن الصيام فكيف اصنع بهذه الثلاثة الأيام في كل شهر؟ فقال يا عقبة تصدق بدرهم عن كل يوم؟ قال قلت درهم واحد؟ قال لعلها كثرت عندك وأنت تستقل الدرهم. قال قلت ان نعم الله على لسابغة. فقال يا عقبة لإطعام مسلم خير من صيام شهر».

وروى الكليني عن عمر بن يزيد (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان الصوم يشتد على؟ فقال لي لدرهم تصدق به أفضل من صيام يوم. ثم قال : وما أحب أن تدعه».

وعن صفوان بن يحيى في الصحيح عن يزيد بن خليفة (٤) قال «شكوت الى ابى عبد الله عليه‌السلام فقلت إني أصدع إذا صمت هذه الثلاثة الأيام ويشق على؟ قال فاصنع كما أصنع فإني إذا سافرت تصدقت عن كل يوم بمد من قوت أهلي الذي أقوتهم به».

وروى في الخصال عن ابى عبد الله عليه‌السلام في حديث (٥) قال «فمن لم يقدر عليها لضعف فصدقة درهم أفضل له من صيام يوم».

وروى في المقنعة مرسلا (٦) قال «سئل عليه‌السلام عن رجل يشتد عليه ان يصوم في كل شهر ثلاثة أيام كيف يصنع حتى لا يفوته ثواب ذلك؟ فقال :

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١١ من الصوم المندوب.


يتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين».

وقد تقدم في حديث داود بن فرقد عن أبيه (١) ما يدل على انه إذا كان الترك لمرض قضاه بعد البرء وان كان لكبر أو عطش فبدل كل يوم مد.

ويستفاد من أكثر هذه الاخبار ان الفدية في ما إذا عجز عن الصوم أو شق عليه ، وليس فيها ما يخالف ذلك إلا قوله عليه‌السلام في حديث يزيد بن خليفة «فإني إذا سافرت تصدقت» ولعل الحكم في السفر التخيير بين القضاء كما تقدم والصدقة كما في هذا الخبر وفي غيره من افراد العجز والمشقة هو الصدقة.

الخامس ـ قال السيد السند في المدارك : قال على بن بابويه (قدس‌سره) في رسالته الى ولده : إذا أردت سفرا وأردت ان تقدم من صوم السنة شيئا فصم ثلاثة أيام للشهر الذي تريد الخروج فيه. ولم نقف له في ذلك على مستند بل قد روى الكليني ما ينافيه فإنه قد روى عن المرزبان بن عمران. ثم نقل الرواية وقد تقدمت في التنبيه الثاني (٢).

أقول : اما مستند الشيخ على بن بابويه في ما نقل عنه فليس إلا كتاب الفقه الرضوي كما هي عادته الجارية في ما عرفت في غير موضع من ما تقدم ويأتي ان شاء الله مثله من أخذه عبارات الكتاب المذكور والإفتاء بها ، والمتأخرون حيث لم يصل إليهم الكتاب ولم يصل لهم في الأخبار ما يدل على ما ذكره ربما طعنوا عليه بعدم المستند كما في هذا الموضع وغيره.

قال عليه‌السلام في الكتاب المذكور (٣) : فإن أردت سفرا وأردت أن تقدم من السنة شيئا فصم ثلاثة أيام للشهر الذي تريد الخروج فيه.

وهو عين العبارة المنقولة واما ما ذكره من منافاة الرواية لهذا الكلام فيمكن الجواب عنه بحمل النهي في الرواية المذكورة على النهى عن الصيام في السفر لا عن تقديمه ، وهذا الكلام صريح في الرخصة في التقديم فلا منافاة ، ولعله كما رخص في القضاء رخص في التقديم. والله العالم.

__________________

(١) ص ٣٥١ و ٣٥٢.

(٢) ص ٣٥٣.

(٣) ص ٢٥.


السادس ـ روى الصدوق في الفقيه مرسلا (١) قال : روى انه سئل العالم عليه‌السلام عن خميسين يتفقان في آخر الشهر؟ فقال : صم الأول فلعلك لا تلحق الثاني.

قال في الوافي : الآخر في نفسه أفضل والأول يصير بهذه النية أفضل فافضلية كل منهما من جهة غير جهة الآخر. انتهى.

أقول : ويمكن أن يكون الخبر محمولا على ما إذا كان الخميس الثاني يوم الثلاثين من الشهر فيجوز أن يكون ناقصا فيكون الخميس أول الشهر الذي بعد هذا الشهر فإنه لا يلحقه ، واليه يشير قوله : «فلعلك لا تلحق الثاني» واما حمل عدم لحوق الثاني على الموت قبله فالظاهر بعده.

وروى فيه أيضا عن الفضيل بن يسار في القوى عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «إذا صام أحدكم الثلاثة الأيام من الشهر فلا يجادلن أحدا ولا يجهل ولا يسرع الى الحلف والايمان بالله وان جهل عليه أحد فليحتمل».

ومنها ـ صوم أيام البيض كما ذكره جملة من أصحابنا بل ظاهر العلامة في المنتهى انه مذهب العلماء كافة.

قال السيد السند (قدس‌سره) في المدارك : ولم أقف فيه على رواية من طرق الأصحاب سوى ما رواه الصدوق في كتاب العلل (٣) بإسناده الى ابن مسعود قال : «سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ان آدم لما عصى ربه (عزوجل) ناداه مناد من لدن العرش يا آدم اخرج من جواري فإنه لا يجاورني أحد عصاني ، فبكى وبكت الملائكة فبعث الله (عزوجل) جبرئيل فأهبطه إلى الأرض مسودا ، فلما رأته الملائكة ضجت وبكت وانتحبت وقالت يا رب خلقا خلقته ونفخت فيه من روحك وأسجدت له ملائكتك بذنب واحد حولت بياضه سوادا ، فناداه مناد من السماء

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من الصوم المندوب.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من آداب الصائم.

(٣) ص ١٣٣ وفي الوسائل الباب ١٢ من الصوم المندوب.


صم لربك فصام فوافق يوم ثلاثة عشر من الشهر فذهب ثلث السواد ، ثم نودي يوم الرابع عشر ان صم لربك اليوم فصام فذهب ثلثا السواد ، ثم نودي يوم خمسة عشر بالصيام فصام فأصبح وقد ذهب السواد كله ، فسميت أيام البيض للذي رد الله (عزوجل) فيه على آدم بياضه. ثم نادى مناد من السماء يا آدم هذه الثلاثة الأيام جعلتها لك ولولدك فمن صامها في كل شهر فكأنما صام الدهر».

ثم قال الصدوق (قدس‌سره) بعد ان أورد هذا الخبر : قال مصنف هذا الكتاب هذا الخبر صحيح ولكن الله تبارك وتعالى فوض الى نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر دينه فقال عزوجل (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (١) فسن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكان أيام البيض خميسا في أول الشهر وأربعاء في وسط الشهر وخميسا في آخر الشهر وذلك صوم السنة من صامها كان كمن صام الدهر لقول الله عزوجل (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (٢) وإنما ذكرت الحديث لما فيه من ذكر العلة وليعلم السبب في ذلك لان الناس أكثرهم يقولون ان أيام البيض إنما سميت بيضا لأن لياليها مقمرة من أولها إلى آخرها (٣) انتهى كلامه زيد مقامه.

ومقتضاه ان صوم هذه الأيام كان أولا فنسخ بصوم الخميسين بينهما أربعاء ، وهو الظاهر من قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم أو حسنته المتقدمة (٤) بعد ان ذكر صومه صلى‌الله‌عليه‌وآله صوم داود عليه‌السلام «ثم ترك ذلك وصام الثلاثة الأيام الغر ثم ترك ذلك وفرقها في كل عشرة يوما. الحديث». فان المراد بالأيام الغر هي أيام هذه الليالي ، ووصفها بذلك باعتبار لياليها لأن اليوم يطلق على ما يشمل النهار والليل.

وأنت خبير بان ما ذكره شيخنا الصدوق من ان هذا الخبر صحيح مع كونه

__________________

(١) سورة الحشر الآية ٨.

(٢) سورة الأنعام الآية ١٦٢.

(٣) المغني ج ٣ ص ١٧٨.

(٤) ص ٣٤٨.


من طريق العامة (١) ورواته كلهم منهم لا اعرف له وجها ، وما تضمنه من العلة خلاف ما عليه أصحابنا قاطبة كما لا يخفى على من راجع كلامهم فإنهم إنما عللوا كونها بيضا بهذا الوجه الذي رده ، وهو ظاهر صحيحة محمد بن مسلم المذكورة كما ذكرنا فان وصفها بكونها غرا إنما يكون باعتبار لياليها لا باعتبار هذه العلة التي في هذا الخبر ، وهذه العلة التي تضمنها هذا الخبر مصرح بها في كلام العامة خاصة (٢) لكون خبرها من طرقهم. وبالجملة فإن إيراده (قدس‌سره) لهذا الخبر وحكمه بصحته لأجل هذه العلة لا يخلو من مجازفة.

هذا. وقد استدل جملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في المنتهى بحديث الزهري المتقدم في أول الكتاب (٣) وسيأتي ما في ذلك.

نعم روى الحميري في كتاب قرب الاسناد على ما نقله في الوسائل عن الحسن ابن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) «ان عليا عليه‌السلام كان ينعت صيام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الدهر كله ما شاء الله ثم ترك ذلك وصام صيام داود عليه‌السلام يوما لله ويوما له ما شاء الله ثم ترك ذلك فصام الاثنين والخميس ما شاء الله ثم ترك ذلك وصام البيض ثلاثة أيام من كل شهر فلم يزل ذلك صيامه حتى قبضه الله اليه».

ونقل في الوسائل عن على بن موسى بن طاوس في الدروع الواقية نقلا من

__________________

(١) لم أقف على الحديث بلفظة في كتبهم نعم في عمدة القارئ ج ٤ ص ٣٢٢ «روى عن ابن عباس قال انما سمى بأيام البيض لان آدم لما اهبط الى الأرض أحرقته الشمس فاسود فأوحى الله اليه ان صم أيام البيض فصام أول يوم فابيض ثلث جسده فلما صام اليوم الثاني أبيض ثلثا جسده فلما صام اليوم الثالث أبيض جسده كله ولم نجده في مسند ابن مسعود في مسند احمد ولا في سنن البيهقي ولا في كنز العمال.

(٢) في المغني ج ٣ ص ١٧٨ في وجه تسميتها بأيام البيض قال وقيل ان الله تاب على آدم فيها وبيض صحيفته. ذكره أبو الحسن التميمي.

(٣) ص ٣ الى ٧.

(٤) الوسائل الباب ١٢ من الصوم المندوب.


كتاب تحفة المؤمن تأليف عبد الرحمن بن محمد بن على الحلواني عن على بن ابى طالب عليه‌السلام (١) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتاني جبرئيل فقال قل لعلى صم من كل شهر ثلاثة أيام يكتب لك بأول يوم تصومه عشرة آلاف سنة وبالثاني ثلاثون ألف سنة وبالثالث مائة ألف سنة. قلت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى ذلك خاصة أم للناس عامة؟ فقال يعطيك الله ذلك ولمن عمل مثل ذلك. فقلت ما هي يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال. الأيام البيض من كل شهر وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر».

قال ابن طاوس (٢) ووجدت في تأريخ نيسابور في ترجمة الحسن بن محمد ابن جعفر بإسناده الى الحسن بن على بن أبى طالب عليه‌السلام قال «سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن صوم أيام البيض فقال : صيام مقبول غير مردود».

وظاهر المحدث المذكور في كتابه الحكم بالاستحباب في هذه الأيام تبعا للقول المشهور حيث قال ـ بعد نقل كلام الصدوق المتقدم ـ ما صورته : أقول لا منافاة بين استحباب هذه الثلاثة وتلك الثلاثة وكان مراده بيان تأكد الاستحباب. انتهى أقول : التحقيق عندي في هذا المقام هو حمل هذه الاخبار على التقية (٣) أما حديث قرب الاسناد فإن راويه عامي (٤) والخبر ظاهر في انه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان هذا صيامه حتى قبضه الله عليه بعد تلك الأفراد المتقدمة مع ان الروايات مستفيضة ـ ما ذكرنا منها وما لم نذكر ـ في أن صيامه الذي قبضه الله عليه إنما هو صيام خميسين بينهما أربعاء. وتأويل صاحب الوسائل بالحمل على جمعهما ضعيف ، لان ظاهر

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٢ من الصوم المندوب.

(٣) المغني ج ٣ ص ١٧٧.

(٤) راجع رجال النجاشي والخلاصة. وفي رجال الكشي ص ٢٤٧ انه من العامة الذين لهم ميل إلى الأئمة (ع) وفي ميزان الاعتدال للذهبى ج ١ ص ٢٥٤ عن جماعة انه ضعيف كذاب متروك الحديث.


هذا الخبر ان صيام السنة الذي استقر عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد تلك الصيامات إنما هو هذا خاصة أعنى صوم أيام البيض ، مع ان صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (١) دلت على انه بعد ان صامها مدة من الزمان ترك ذلك وفرقها في كل عشرة يوما. الى أن قال «فقبض صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يعمل ذلك» فكيف يتم ما ذكره؟ واما الرواية الثانية فإن صاحب هذا الكتاب غير معروف فلعله من العامة وهو الأقرب وهو مجهول وحديثه مثله. والحديث الثالث كذلك بل أظهر.

واما استناده في الوسائل أيضا الى حديث الزهري تبعا لما نقلناه عن العلامة في المنتهى ففيه ان صريح كلام الامام عليه‌السلام إنما هو عد الأفراد التي خير فيها بين الصوم وعدمه ، حيث قال عليه‌السلام (٢) بعد ان ذكر أولا ان أربعة عشر وجها صاحبها بالخيار ان شاء صام وان شاء أفطر : واما الصوم الذي صاحبه بالخيار فصوم يوم الجمعة والخميس والاثنين وصوم أيام البيض وصوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان. الحديث.

والوجه في ذلك هو ما قدمنا نقله عن المحدث الكاشاني من ان هذه الأيام لما كانت من ما يستحب فيها الصيام عند العامة وانه صيام الترغيب والسنة عندهم ذكره عليه‌السلام وعبر عنه بالتخيير بين صومه وعدمه ردا عليهم في ما زعموا من استحباب صومها ، ولم يذكر عليه‌السلام في هذا الخبر شيئا من صيام السنة والترغيب الذي نحن بصدد الكلام عليه (٣) لكونه من خصوصيات مذهبهم (عليهم‌السلام) الذي لا يفضونه إلا الى شيعتهم.

والعلامة في المنتهى إنما استدل بروايات العامة (٤) ثم قال : ومن طريق

__________________

(١) ص ٣٤٨.

(٢) الوسائل الباب ٥ من الصوم المندوب.

(٣) ارجع الى الاستدراكات في آخر الكتاب.

(٤) وهي حديث ابى ذر وحديث الأعرابي وحديث ملحان القيسي ، راجع سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٩٤ والمغني ج ٣ ص ١٧٧.


الأصحاب. ثم أشار الى رواية الزهري.

وبالجملة فإن هذا الفرد وان اتفقوا عليه إلا انه لا دليل عليه بل الأدلة ترده.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المشهور في كلام الأصحاب ان أيام البيض هي اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ، ونقل في المختلف عن ابن أبى عقيل أنه الأيام الثلاثة المتقدمة.

قال في المختلف : صيام أيام البيض مستحب إجماعا والمشهور في تفسيرها الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر ، سميت بيضا بأسماء لياليها من حيث ان القمر يطلع مع غروب الشمس ويغرب مع طلوعها ، قاله الشيخان والسيد المرتضى وأكثر علمائنا ، وقال ابن ابى عقيل : فأما السنة من الصيام فصوم شعبان وصيام البيض وهي ثلاثة أيام في كل شهر متفرقة أربعاء بين خميسين الخميس الأول من العشر الأول والأربعاء الأخير من العشر الأوسط وخميس من العشر الأخير. لنا ان العلة ما ذكرناها ولا تتم إلا في الأيام المذكورة. انتهى كلامه والله العالم.

ومنها ـ صوم الغدير والعيد الكبير وقد تكاثرت الاخبار بذلك :

ومنها ـ ما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه عن الحسن بن راشد عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «قلت له جعلت فداك هل للمسلمين عيد غير العيدين؟ قال نعم يا حسن أعظمهما وأشرفهما. قلت وأى يوم هو؟ قال هو يوم نصب أمير المؤمنين عليه‌السلام علما للناس. قلت جعلت فداك وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟ قال تصومه يا حسن وتكثر الصلاة على محمد وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتبرأ الى الله ممن ظلمهم حقهم ، فإن الأنبياء عليهم‌السلام كانت تأمر الأوصياء باليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يتخذ عيدا. قال قلت فما لمن صامه؟ قال صيام ستين شهرا. ولا تدع صيام يوم سبع وعشرين من رجب فإنه اليوم الذي نزلت فيه النبوة على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وثوابه مثل ستين شهرا لكم».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ و ١٥ من الصوم المندوب.


وروى في الكافي عن عبد الرحمن بن سالم عن أبيه (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال : نعم أعظمها حرمة. قلت وأى عيد هو جعلت فداك؟ قال اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال من كنت مولاه فعلى مولاه. قلت أى يوم هو؟ قال وما تصنع باليوم ان السنة تدور ولكنه يوم ثمانية عشر من ذي الحجة. فقلت وما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم؟ فقال تذكرون الله تعالى فيه بالصيام والعبادة والذكر لمحمد وآل محمد فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يتخذ ذلك اليوم عيدا وكذلك كانت الأنبياء تفعل كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتخذونه عيدا».

قوله عليه‌السلام ـ : «وما تصنع باليوم» في جواب سؤال الراوي عن أى يوم هو ـ يعطي انه عليه‌السلام فهم من سؤاله أن مراده السؤال عن كونه أى يوم من أيام الأسبوع فأجابه عليه‌السلام بما ذكره من أن أيام الأسبوع تدور ولا تبقى على زمان توافق ذلك الزمان بل المعتبر تعيينه بالأشهر.

وروى الشيخ في التهذيب عن على بن الحسين العبدي (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام يقول : صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا لو عاش انسان ثم صام ما عمرت الدنيا لكان له ثواب ذلك ، وصيامه يعدل عند الله (عزوجل) في كل عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات وهو عيد الله الأكبر. الحديث». الى غير ذلك من الأخبار المتواترة.

ومنها ـ صوم يوم المبعث وهو اليوم السابع والعشرون من رجب.

ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ رواية الحسن بن راشد المتقدمة.

وما رواه الصدوق عن الحسن بن بكار الصيقل عن أبى الحسن الرضا عليه‌السلام (٣) قال : «بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله لثلاث ليال مضين من رجب وصوم ذلك اليوم

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٤ من الصوم المندوب.

(٣) الوسائل الباب ١٥ من الصوم المندوب.


كصوم سبعين عاما». قال سعد (١) كان مشايخنا يقولون ان ذلك غلط من الكاتب وانه لثلاث بقين من رجب. الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

ومنها ـ صوم يوم النصف من رجب أيضا.

ويدل عليه ما رواه الشيخ في المصباح عن الريان بن الصلت (٢) قال : «صام أبو جعفر الثاني عليه‌السلام لما كان ببغداد صام يوم النصف من رجب ويوم السابع والعشرين منه وصام معه جميع حشمه. الحديث».

ومنها ـ صوم يوم دحو الأرض وهو اليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة

ويدل عليه ما رواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن راشد (٣) قال : «كنت مع أبى وأنا غلام فتعشينا عند الرضا عليه‌السلام ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة فقال له ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم عليه‌السلام وولد فيها عيسى بن مريم عليه‌السلام وفيها دحيت الأرض من تحت الكعبة فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستين شهرا». الى غير ذلك من الاخبار.

قال في المدارك : ومقتضى ذلك عد الشهور قبل الدحو واستشكله جدي (قدس‌سره) في فوائد القواعد بما علم من انه تعالى خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، وان المراد من اليوم دوران الشمس في فلكها دورة واحدة وهو يقتضي عدم خلق السماوات قبل ذلك (٤) فلا يتم عد الأشهر في تلك المدة. ثم قال : ويمكن دفعه بان الكتاب العزيز ناطق بتأخر الدحو عن خلق السماوات والأرض والليل والنهار ، حيث قال عزوجل (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (٥) وعلى هذا فيمكن تحقق الأهلة وعد الأيام قبل ذلك. انتهى.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٥ من الصوم المندوب.

(٣) الوسائل الباب ١٦ من الصوم المندوب ، والراوي الحسن بن على الوشاء.

(٤) ارجع الى الاستدراكات.

(٥) سورة النازعات الآية ٢٨ و ٢٩ و ٣٠ و ٣١.


ومنها ـ صوم أول يوم من ذي الحجة وصوم يوم التروية بل صيام التسعة :

فروى ثقة الإسلام في الكافي عن سهل بن زياد عن بعض أصحابنا عن أبى الحسن الأول عليه‌السلام في حديث (١) قال : «وفي أول يوم من ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن عليه‌السلام فمن صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهرا».

وروى الشيخ في كتاب المصباح مرسلا عن أبى الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام (٢) انه قال : «من صام أول يوم من العشر عشر ذي الحجة كتب الله له صوم ثمانين شهرا».

وروى الصدوق مثله (٣) وزاد «فان صام التسع كتب الله له صوم الدهر». ورواه في كتاب ثواب الأعمال مثله (٤).

قال (٥) : وقال الصادق عليه‌السلام «صوم يوم التروية كفارة سنة ويوم عرفة كفارة سنتين».

وقال في الكتاب المذكور (٦) وروى ان في أول يوم من ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن (على نبينا وآله وعليه‌السلام) فمن صام ذلك اليوم كان كفارة ستين سنة ، وفي تسع من ذي الحجة أنزلت توبة داود (على نبينا وآله وعليه‌السلام) فمن صام ذلك اليوم كان كفارة تسعين سنة :.

ومنها ـ صوم اليوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة بشرط تحقق الهلال وعدم الشك فيه لئلا يكون يوم العيد وان لا يضعفه عن الدعاء.

فروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٧) قال : «سألته عن صوم يوم عرفة فقال من قوى عليه فحسن ان لم يمنعك من الدعاء فإنه يوم دعاء ومسألة فصمه ، وان خشيت ان تضعف عن ذلك فلا تصمه».

وروى بسنده عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبى جعفر عليه‌السلام (٨) قال :

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٨ من الصوم المندوب.

(٧ و ٨) الوسائل الباب ٢٣ من الصوم المندوب.


«سألته عن صوم يوم عرفة فقلت جعلت فداك انهم يزعمون انه يعدل صوم سنة (١) فقال كان أبى لا يصومه. فقلت ولم ذاك؟ قال ان يوم عرفة يوم دعاء ومسألة وأتخوف أن يضعفني عن الدعاء واكره أن أصومه ، وأتخوف أن يكون يوم عرفة يوم أضحى وليس بيوم صوم».

وروى ثقة الإسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) «انه سئل عن صوم يوم عرفة فقال أنا أصومه اليوم وهو يوم دعاء ومسألة».

وروى في الموثق عن محمد بن مسلم (٣) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يصم يوم عرفة منذ نزل صيام شهر رمضان». ورواه الشيخ في الموثق عن محمد بن قيس عن ابى جعفر عليه‌السلام مثله (٤).

وروى الصدوق في الفقيه بإسناده عن يعقوب بن شعيب (٥) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صوم يوم عرفة فقال ان شئت صمت وان شئت لم تصم».

قال (٦) وذكر ان رجلا أتى الحسن والحسين (عليهما‌السلام) فوجد أحدهما صائما والآخر مفطرا فسألهما فقالا ان صمت فحسن وان لم تصم فجائز.

وروى الصدوق بإسناده عن عبد الله بن المغيرة عن سالم عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٧) قال : «اوصى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى على عليه‌السلام وحده واوصى على الى الحسن والحسين (عليهما‌السلام) جميعا وكان الحسن امامه ، فدخل رجل يوم عرفة على الحسن عليه‌السلام وهو يتغدى والحسين عليه‌السلام صائم ثم جاء بعد ما قبض الحسن عليه‌السلام فدخل على الحسين عليه‌السلام يوم عرفة وهو يتغدى وعلى بن الحسين عليه‌السلام صائم ، فقال له الرجل انى دخلت على الحسن عليه‌السلام وهو يتغدى وأنت صائم ثم دخلت عليك وأنت مفطر وعلى بن الحسين عليه‌السلام صائم؟ فقال ان الحسن عليه‌السلام كان إماما فأفطر لئلا يتخذ

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ١٧٤ و ١٧٥ انه كفارة سنتين.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٢٣ من الصوم المندوب.


صومه سنة وليتأسى به الناس فلما ان قبض كنت أنا الإمام فأردت أن لا يتخذ صومي سنة فيتأسى الناس بي».

وروى في الكافي عن زرارة عن أبى جعفر وأبى عبد الله (عليهما‌السلام) (١) قالا : «لا تصم في يوم عاشوراء ولا عرفة بمكة ولا في المدينة ولا في وطنك ولا في مصر من الأمصار».

والذي يقرب عندي من التأمل في هذه الاخبار بعين الفكر والاعتبار أنها إلى الدلالة على عدم الاستحباب كما في سائر الأيام المذكورة في المقام أقرب وان كان الصيام في حد ذاته مستحبا مطلقا.

ويدل على ذلك أولا ـ الخبران الدالان على ان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد نزول شهر رمضان لم يصمها مع ما علم من ملازمته صلى‌الله‌عليه‌وآله على صيام السنة.

وثانيا ـ قول الحسين عليه‌السلام في حديث سالم المذكور : ان الحسن عليه‌السلام في وقت إمامته وكذلك هو عليه‌السلام إنما لم يصوما لئلا يتخذ الناس صومه سنة وليتأسى الناس بهما في ترك صومه ، فإنه ظاهر كما ترى في عدم الاستحباب على الوجه المذكور.

واما ما ذكره في الوسائل ـ من أن المقصود دفع توهم الناس وجوب صوم يوم عرفة لا استحبابه ـ فبعيد عن ظاهر الخبر كما لا يخفى على المتأمل فيه.

وثالثا ـ ما صرح به عليه‌السلام في حديث يعقوب بن شعيب من التخيير بين الصوم وعدمه ، ومن الظاهر منافاته للترغيب المذكور في هذه الأيام المعدودة في المقام. والسؤال ليس عن وجوبه حتى يحمل الكلام على دفع الوجوب بل السؤال عن استحبابه على وجه الترغيب كغيره من الأيام المعدودة.

ورابعا ـ النهى المؤكد في رواية زرارة الأخيرة.

والأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث قالوا باستحبابه جمعوا بين روايات النهى وروايات الاستحباب بحمل أخبار النهى على ما إذا لزم منه الضعف عن الدعاء

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من الصوم المندوب.


أو خوف الوقوع في صيام العيد استنادا الى الخبرين الأولين ، وفي دلالتهما على ذلك تأمل سيما الخبر الثاني.

وبالجملة فإن عده في حديث الزهري المتقدم (١) في الأيام التي يتخير بين صومها وعدمه بالتقريب الذي قدمنا بيانه يدل على ان استحباب صومه على جهة الترغيب إنما هو عند العامة (٢) كما في تلك الأفراد المعدودة معه ، وما دل من الأخبار هنا صريحا على كون صيامه يعدل سنة أو نحو ذلك فيجوز خروجه مخرج التقية ، واليه يشير قول سدير لأبي جعفر عليه‌السلام : «انهم يزعمون انه يعدل صوم سنة» يعني العامة فأجاب (عليه‌السلام) بأن أبى كان لا يصومه. بمعنى انه لو كان كما يدعونه لكان أبى أولى بالمحافظة على صيامه لما علم من تهالكه (عليه‌السلام) على الوظائف المؤكدة. ثم ان الراوي لما سأله عن الوجه في عدم صيامه أجابه بهذا الوجه الإقناعي من انه يتخوف أن يضعفه عن الدعاء أو يتخوف انه ربما يكون يوم عيد. وهذا الجواب وقع عن عدم صومه مطلقا ، فهو من قبيل العلل الشرعية التي لا يشترط اطرادها ولا دوران المعلول مدارها بل يكفى وجودها في الجملة ولو في مادة لا بمعنى انه ان أضعفه عن الدعاء لم يصمه وان لم يضعفه استحب له ، وكذلك بالنسبة إلى الهلال. وبالجملة فالأقرب عندي هو ان صومه ليس إلا مثل غيره من الأيام لا مثل هذه الأيام المرغب فيها.

ومنها ـ صوم مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو اليوم السابع عشر من ربيع الأول على المشهور ، وقال الكليني انه اليوم الثاني عشر منه وهو مذهب الجمهور (٣) ونقل في

__________________

(١) ص ٦.

(٢) المغني ج ٣ ص ١٧٤ و ١٧٥ وقد استثنى ص ١٧٦ منه صومه لمن كان بعرفة ليتقوى على الدعاء.

(٣) في مرآة العقول ج ١ ص ٣٤٩ : اتفقت الإمامية إلا من شذ منهم ان ولادته (ص) في سابع عشر ربيع الأول. وذهب أكثر المخالفين إلى انها في الثاني عشر منه


المدارك عن جده في فوائد القواعد الميل اليه.

ثم قال في المدارك : وليس في الباب رواية تصلح لإثبات أحد القولين. ثم قال : ويدل على استحباب صوم السابع عشر من شهر ربيع الأول والسابع والعشرين من رجب

ما رواه الشيخ بسند مشتمل على عدة من الضعفاء والمجاهيل عن إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي عن ابى الحسن الثالث (عليه‌السلام) (١) «انه قال له يا أبا إسحاق جئت تسألني عن الأيام التي يصام فيهن وهي أربعة : أولهن يوم السابع والعشرين من رجب يوم بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى خلقه رحمة للعالمين ، ويوم مولده وهو السابع عشر من شهر ربيع الأول ، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة فيه دحيت الكعبة ، ويوم الغدير فيه أقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخاه عليا (عليه‌السلام) علما للناس واماما من بعده».

أقول : وهذا الحديث وان ضعف سنده بهذا الاصطلاح المحدث إلا انه صحيح بالاصطلاح القديم لإجماع الطائفة على العمل به قديما وحديثا وهو جابر لضعف الخبر بتصريح أرباب هذا الاصطلاح فإنه لا راد له بل الكل قائل به».

ورواه الراوندي سعيد بن هبة الله في كتاب الخرائج والجرائح عن إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي (٢) قال : ركب أبى وعمومتي الى أبى الحسن (عليه‌السلام) وقد اختلفوا في الأيام التي تصام في السنة وهو مقيم في قرية قبل سيره إلى سر من رأى فقال لهم جئتم تسألوني عن الأيام التي تصام في السنة فقالوا ما جئناك إلا لهذا فقال. ثم ساق الخبر على نحو ما تقدم.

__________________

واختاره المصنف اما اختيارا أو تقية والأخير أظهر. راجع الإمتاع للمقريزى ج ١ ص ٣ وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ١ ص ٢٦ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٦٧ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ١٢٥.

(١) التهذيب ج ٤ ص ٣٠٥ وفي الوسائل الباب ١٤ من الصوم المندوب.

(٢) الوسائل الباب ١٩ من الصوم المندوب.


ويؤيد هذا الخبر ما ذكره الشيخ في المصباح (١) قال : روى عنهم (عليهم‌السلام) انهم قالوا : من صام يوم سابع عشر من شهر ربيع الأول كتب الله له صيام سنة.

وقال شيخنا المفيد (قدس‌سره) في كتاب مسار الشيعة (٢) : في اليوم السابع عشر من ربيع الأول كان مولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يزل الصالحون من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله على قديم الأوقات يعظمونه ويعرفون حقه ويرعون حرمته ويتطوعون بصيامه. قال : وقد روى عن أئمة الهدى (عليهم‌السلام) انهم قالوا : من صام يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول ـ وهو مولد سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كتب الله له صيام سنة.

وقال في المقنعة (٣) قد ورد الخبر عن الصادقين (عليهم‌السلام) بفضل صيام أربعة أيام في السنة. الى ان قال : يوم السابع عشر من ربيع الأول. ثم ساق الكلام وذكر ثواب صوم كل يوم من تلك الأيام. وظاهر عبارته تكاثر الأخبار عنده بذلك.

وقال محمد بن على بن الفتال الفارسي في كتاب روضة الواعظين (٤) : روى ان يوم السابع عشر من ربيع الأول هو يوم مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فمن صامه كتب الله له صيام ستين سنة.

وبذلك يظهر ان ما ذكره من المناقشة في سند الخبر المتقدم من المناقشات الواهية.

واما ما يدل على ان مولده صلى‌الله‌عليه‌وآله الثاني عشر من الشهر المذكور فلم أقف عليه في أخبارنا ولعل ما ورد بذلك انما هو من طرق العامة حيث ان هذا هو المختار عندهم (٥)

ومنها ـ صوم يوم عاشوراء على وجه الحزن ، كذا قيده جملة من الأصحاب

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٩ من الصوم المندوب.

(٥) ارجع الى الصفحة ٣٦٧.


وكأنهم جعلوا ذلك وجه جمع بين الأخبار الواردة في صومه أمرا ونهيا (١).

وبهذا جمع الشيخ بين الاخبار في الاستبصار فقال : ان من صام يوم عاشوراء على طريق الحزن بمصاب آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله والجزع لما حل بعترته صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد أصاب ومن صامه على ما يعتقده مخالفونا من الفضل في صومه والتبرك به والاعتقاد ببركته وسعادته (٢) فقد أثم وأخطأ.

ونقل هذا الجمع عن شيخه المفيد (قدس‌سره) قال في المدارك بعد ذكر ذلك : وهو جيد. أقول : بل الظاهر بعده لما سيظهر لك ان شاء الله تعالى بعد نقل الأخبار الواردة في هذا المقام :

فاما ما يدل على استحباب صومه فمنها ـ ما رواه في التهذيب عن ابى همام عن أبى الحسن (عليه‌السلام) (٣) قال : «صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم عاشوراء».

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ و ٢١ من الصوم المندوب.

(٢) لم نقف في اخبار العامة على ما يرجح الصوم يوم عاشوراء للتبرك والسعادة إلا على حديث ابى موسى في صحيح مسلم باب (صوم يوم عاشوراء) وفيه ان أهل خيبر كانوا يصومون يوم عاشوراء ويتخذونه عيدا ويلبسون فيه نساءهم الحلي فقال رسول الله (ص) فصوموه أنتم. وللأحاديث الواردة في صومه المشتملة على الإباضية والمرجئة والضعفاء افتى فقهاء أهل السنة باستحباب صومه ، قال العيني في عمدة القارئ ج ٥ ص ٣٤٧ اتفق العلماء على ان صوم يوم عاشوراء سنة وليس بواجب. نعم اختلق أعداء أهل البيت (ع) أحاديث في استحباب التوسعة على العيال يوم عاشوراء والاغتسال والخضاب والاكتحال ، وفيها يقول ابن كثير الحنبلي كان النواصب من أهل الشام يعاكسون الشيعة فيتطيبون ويغتسلون ويطبخون الحبوب ويلبسون أفخر الثياب ويتخذون ذلك اليوم عيدا يظهرون فيه السرور عنادا للروافض وقد رد هذه الأحاديث السيوطي في اللئالي المصنوعة ج ٢ ص ١٠٨ الى ١١٣ والذهبي في الميزان ج ١ ص ١١٦ وابن حجر في مجمع الزوائد ج ٣ ص ١٨٩ وفي الصواعق المحرقة ص ١٠٩.

(٣) الوسائل الباب ٢٠ من الصوم المندوب.


وما رواه عن عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) قال : «صيام يوم عاشوراء كفارة سنة».

وما رواه الشيخ عن مسعدة بن صدقة عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) «ان عليا (صلوات الله وسلامه عليه وآله) قال : صوموا العاشوراء التاسع والعاشر فإنه يكفر ذنوب سنة».

وما رواه عن كثير النواء عن أبى جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «لزقت السفينة يوم عاشوراء على الجودي فأمر نوح (عليه‌السلام) من معه من الجن والإنس أن يصوموا ذلك اليوم. وقال أبو جعفر (عليه‌السلام) أتدرون ما هذا اليوم؟ هذا اليوم الذي تاب الله فيه على آدم وحواء (عليهما‌السلام) وهذا اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل فأغرق فرعون ومن معه ، وهذا اليوم الذي غلب فيه موسى عليه‌السلام فرعون ، وهذا اليوم الذي ولد فيه إبراهيم عليه‌السلام ، وهذا اليوم الذي تاب الله فيه على قوم يونس عليه‌السلام) وهذا اليوم الذي ولد فيه عيسى بن مريم (عليه‌السلام) وهذا اليوم الذي يقوم فيه القائم عليه‌السلام».

واما ما يدل على عدم جواز صومه ، فمنه ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم جميعا (٤) «أنهما سألا أبا جعفر الباقر عليه‌السلام عن صوم يوم عاشوراء فقال : كان صومه قبل شهر رمضان فلما نزل شهر رمضان ترك (٥)».

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن عبد الملك (٦) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرم فقال تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين (عليه‌السلام) وأصحابه (رضوان الله عليهم)

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٠ من الصوم المندوب.

(٤ و ٦) الوسائل الباب ٢١ من الصوم المندوب.

(٥) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٨٨.


بكربلاء واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها واستضعفوا فيه الحسين وأصحابه (كرم الله وجوههم) وأيقنوا أن لا يأتي الحسين (عليه‌السلام) ناصر ولا يمده أهل العراق ، بأبي المستضعف الغريب. ثم قال : واما يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين عليه‌السلام صريعا بين أصحابه وأصحابه صرعى حوله ، أفصوم يكون في ذلك اليوم؟ كلا ورب البيت الحرام ما هو يوم صوم وما هو إلا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام (غضب الله عليهم وعلى ذرياتهم) وذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام ، فمن صامه أو تبرك به حشره الله مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوطا عليه ، ومن ادخر فيه الى منزله ذخيرة أعقبه الله تعالى نفاقا في قلبه الى يوم يلقاه وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده وشاركه الشيطان في جميع ذلك».

وما رواه فيه عن محمد بن عيسى بن عبيد عن جعفر بن عيسى أخيه (١) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن صوم يوم عاشوراء وما يقول الناس فيه فقال عن صوم ابن مرجانة تسألني ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين (عليه‌السلام) وهو يوم يتشاءم به آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ويتشاءم به أهل الإسلام واليوم الذي يتشاءم به أهل الإسلام لا يصام ولا يتبرك به ، ويوم الاثنين يوم نحس قبض الله فيه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وما أصيب آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا في يوم الاثنين فتشاءمنا به وتبرك به عدونا ، ويوم عاشوراء قتل فيه الحسين (عليه‌السلام) وتبرك به ابن مرجانة وتشاءم به آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فمن صامهما أو تبرك بهما لقي الله تبارك وتعالى ممسوخ القلب وكان محشره مع الذين سنوا صومهما والتبرك بهما».

وما رواه فيه عن زيد النرسي (٢) قال : «سمعت عبيد بن زرارة يسأل

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢١ من الصوم المندوب.


أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن صوم يوم عاشوراء فقال : من صامه كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد. قال قلت : وما كان حظهم من ذلك اليوم؟ قال : النار ، أعاذنا الله من النار ومن عمل يقرب من النار».

وما رواه عن نجية بن الحارث العطار (١) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن صوم يوم عاشوراء فقال صوم متروك بنزول شهر رمضان (٢) والمتروك بدعة قال نجية فسألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) من بعد أبيه (عليه‌السلام) عن ذلك فأجابني بمثل جواب أبيه ، ثم قال اما انه صوم يوم ما نزل به كتاب ولا جرت به سنة إلا سنة آل زياد بقتل الحسين بن على عليهما‌السلام».

وما رواه عن زرارة عن أبى جعفر وأبى عبد الله (عليهما‌السلام) (٣) قالا : لا تصم في يوم عاشوراء ولا عرفة بمكة. الحديث وقد تقدم في صوم عرفة.

وما رواه الصدوق في كتاب المجالس عن الحسين بن أبى غندر عن أبيه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن صوم يوم عرفة فقال عيد من أعياد المسلمين ويوم دعاء ومسألة. قلت فصوم يوم عاشوراء؟ قال ذلك يوم قتل فيه الحسين (عليه‌السلام) فان كنت شامتا فصم. ثم قال ان آل أمية نذروا نذرا ان قتل الحسين عليه‌السلام أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا لهم يصومون فيه شكرا ويفرحون أولادهم فصارت في آل أبى سفيان سنة الى اليوم فلذلك يصومونه ويدخلون على عيالاتهم وأهاليهم الفرح ذلك اليوم. ثم قال : ان الصوم لا يكون للمصيبة ولا يكون إلا شكرا للسلامة وان الحسين (عليه‌السلام) أصيب يوم عاشوراء فان كنت في من أصيب به فلا تصم وان كنت شامتا ممن سره سلامة بنى أمية فصم شكرا لله تعالى».

وما رواه في كتاب المجالس أيضا بإسناده إلى جبلة المكية (٥) قال : «سمعت

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٢١ من الصوم المندوب.

(٢) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٨٨.

(٤) الوسائل الباب ٢١ من الصوم المندوب ، والرواية في مجالس الشيخ لا مجالس الصدوق.

(٥) الوافي باب صيام يوم عاشوراء والاثنين.


ميثم التمار يقول والله لتقتلن هذه الأمة ابن نبيها في المحرم لعشر مضين منه وليتخذن أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة ، وان ذلك لكائن قد سبق في علم الله (تعالى ذكره) اعلم ذلك بعهد عهده الي مولاي أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ولقد أخبرني أنه يبكي عليه كل شي‌ء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار والطير في جو السماء وتبكي عليه الشمس والقمر والنجوم والسماء والأرض ومؤمنو الإنس والجن وجميع ملائكة السماوات ورضوان ومالك وحملة العرش ، وتمطر السماء دما ورمادا. ثم قال وجبت لعنة الله على قتلة الحسين (عليه‌السلام) كما وجبت على المشركين الذين يجعلون مع الله إلها آخر وكما وجبت على اليهود والنصارى والمجوس. قالت جبلة فقلت له يا ميثم وكيف يتخذ الناس ذلك اليوم الذي يقتل فيه الحسين بن على (عليهما‌السلام) يوم بركة؟ فبكى ميثم (رحمه‌الله) ثم قال سيزعمون بحديث يضعونه انه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم (عليه‌السلام) وإنما تاب الله على آدم في ذي الحجة ، ويزعمون انه اليوم الذي قبل الله فيه توبة داود عليه‌السلام وإنما قبل الله توبته في ذي الحجة ، ويزعمون انه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس عليه‌السلام من بطن الحوت وإنما أخرجه الله من بطن الحوت في ذي القعدة ويزعمون انه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح عليه‌السلام على الجودي وإنما استوت على الجودي يوم الثامن عشر من ذي الحجة ، ويزعمون انه اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل وإنما كان ذلك في ربيع الأول. ثم قال ميثم يا جبلة اعلمي ان الحسين بن على (عليهما‌السلام) سيد الشهداء يوم القيامة ولأصحابه على سائر الشهداء درجة ، يا جبلة إذا نظرت الى الشمس حمراء كأنها دم عبيط فاعلمي ان سيدك الحسين عليه‌السلام قد قتل. قالت جبلة فخرجت ذات يوم فرأيت الشمس على الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة فصحت حينئذ وبكيت وقلت قد والله قتل الحسين عليه‌السلام».

أقول : وميثم التمار (رضي‌الله‌عنه) كان من حواري أمير المؤمنين عليه‌السلام وخواصه كما هو مصرح به في الاخبار وكلام علمائنا الأبرار فقوله (رضى الله عنه) مقتبس من قوله عليه‌السلام.


ثم أقول : لا يخفى عليك ما في دلالة هذه الاخبار من الظهور والصراحة في تحريم صوم هذا اليوم مطلقا وان صومه إنما كان في صدر الإسلام ثم نسخ بنزول صوم شهر رمضان (١) وعلى هذا يحمل خبر صوم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

واما خبر القداح وخبر مسعدة بن صدقة الدال كل منهما على ان صومه كفارة سنة والأمر بصومه كما في ثانيهما فسبيلهما الحمل على التقية (٣) لا على ما ذكروه من استحباب صومه على سبيل الحزن والجزع ، كيف وخبر الحسين بن ابى غندر عن أبيه (٤) ظاهر في أن الصوم لا يكون للمصيبة وانما يكون شكرا للسلامة ، مع دلالة الأخبار الباقية على النهى الصريح عن صومه مطلقا سيما خبر نجية وقولهما (عليهما‌السلام) فيه انه متروك بصيام شهر رمضان والمتروك بدعة. وبالجملة فتحريم صيامه مطلقا من هذه الاخبار أظهر ظاهر.

واما خبر كثير النواء ـ مع كون راويه المذكور بتريا عاميا (٥) قد وردت فيه الذموم الكثيرة مثل قول الصادق عليه‌السلام (٦) «اللهم إني إليك من كثير النوا برئ في الدنيا والآخرة». وقوله أيضا (٧) «ان الحكم بن عتيبة وسلمة وكثير النواء وأبا المقدام والتمار ـ يعنى سالما ـ أضلوا كثيرا ممن ضل من هؤلاء وانهم ممن قال الله تعالى : (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)» (٨). ـ معارض بخبر ميثم المذكور.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٨٨.

(٢) ص ٣٧٠.

(٣) المغني ج ٣ ص ١٧٤.

(٤) ص ٣٧٣.

(٥) فرق الشيعة للنوبختى ص ١٣ والتبصير للاسفراينى ص ٣٣ ورجال الشيخ الطوسي ورجال البرقي.

(٦) رجال الكشي ص ٢٠٨ الطبع الحديث في النجف الأشرف.

(٧) رجال الكشي ص ٢٠٨ الطبع الحديث في النجف الأشرف والرواية عن ابى جعفر (ع).

(٨) سورة البقرة الآية ٨.


وبالجملة فإن دلالة هذه الأخبار على التحريم مطلقا أظهر ظاهر ولكن العذر لأصحابنا في ما ذكروه من حيث عدم تتبع الأخبار كملا والتأمل فيها.

نعم قد روى الشيخ (رضي‌الله‌عنه) في كتاب مصباح المتهجد (١) عن عبد الله ابن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «دخلت عليه يوم عاشوراء فألفيته كاسف اللون ظاهر الحزن ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط ، فقلت يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مم بكاؤك لا ابكى الله عينيك؟ فقال لي أو في غفلة أنت أما علمت ان الحسين ابن على (عليهما‌السلام) أصيب في مثل هذا اليوم؟ فقلت يا سيدي فما قولك في صومه؟ فقال لي صمه من غير تبييت وأفطره من غير تشميت ولا تجعله يوم صوم كملا وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء فإنه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلت الهيجاء عن آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وانكشفت الملحمة عنهم. الحديث».

وهذه الرواية هي التي ينبغي العمل عليها وهي دالة على مجرد الإمساك إلى الوقت المذكور. والمفهوم من كلام شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في المسالك حمل كلام الأصحاب باستحباب صوم يوم عاشوراء على وجه الحزن هو صومه على هذا الوجه المذكور في هذه الرواية. وهو بعيد فان كلامهم صريح أو كالصريح في أن مرادهم صيام اليوم كملا كما في جملة أفراد الصيام. والله العالم.

ومنها ـ صوم أول يوم من المحرم بل الشهر كملا : روى الصدوق (عطر الله مرقده) مرسلا (٢) قال : «روى ان في أول يوم من المحرم دعا زكريا ربه (عزوجل) فمن صام ذلك اليوم استجاب الله له كما استجاب لزكريا عليه‌السلام».

وروى في كتاب المجالس وعيون الاخبار في الصحيح عن الريان بن شبيب (٣) قال «دخلت على الرضا عليه‌السلام في أول يوم من المحرم فقال لي يا ابن شبيب أصائم أنت؟

__________________

(١) ص ٥٤٧ وفي الوسائل الباب ٢٠ من الصوم المندوب.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٥ من الصوم المندوب.


فقلت لا فقال ان هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا ربه فقال (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) (١) فاستجاب الله له وأمر الملائكة فنادت زكريا (وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ : أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى) (٢) فمن صام هذا اليوم ثم دعا الله (عزوجل) استجاب الله له كما استجاب لزكريا عليه‌السلام».

وروى الشيخ المفيد (قدس‌سره) في المقنعة (٣) عن النعمان بن سعد عن على عليه‌السلام انه قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل ان كنت صائما بعد شهر رمضان فصم المحرم فإنه شهر تاب الله (عزوجل) فيه على قوم ويتوب الله فيه على آخرين».

وروى ابن طاوس (طاب ثراه) في كتاب الإقبال (٤) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال «من صام يوما من المحرم فله بكل يوم ثلاثون يوما».

قال (٥) وروى من طرقهم (عليهم‌السلام) «ان من صام يوما من المحرم محتسبا جعل الله تعالى بينه وبين جهنم جنة كما بين السماء والأرض».

وبإسناده عن الشيخ المفيد (قدس‌سره) في كتاب حدائق الرياض (٦) عن الصادق عليه‌السلام قال : «من أمكنه صوم المحرم فإنه يعصم صائمة من كل سيئة».

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٧) «ان أفضل الصلاة بعد الصلاة الفريضة الصلاة في جوف الليل ، وان أفضل الصوم من بعد شهر رمضان صوم شهر الله الذي يدعونه المحرم».

ومنها ـ صيام الخميس والجمعة والسبت ، روى الشيخ المفيد في المقنعة (٨) عن راشد بن محمد عن أنس قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من صام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة تسعمائة سنة».

وفي رواية أسامة بن زيد (٩) «ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصوم الاثنين والخميس فسئل عن ذلك فقال ان اعمال الناس تعرض يوم الاثنين والخميس».

__________________

(١) سورة آل عمران الآية ٣٤.

(٢) سورة آل عمران الآية ٣٥.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ٢٥ من الصوم المندوب.

(٩) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٩٣.


ورواية ابن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «رأيته صائما يوم الجمعة فقلت له جعلت فداك ان الناس يزعمون انه يوم عيد (٢)؟ فقال : كلا انه يوم خفض ودعة».

وروى الصدوق في الفقيه في الصحيح عن هشام بن الحكم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «في الرجل يريد أن يعمل شيئا من الخير مثل الصدقة والصوم ونحو هذا؟ قال : يستحب أن يكون ذلك يوم الجمعة فإن العمل يوم الجمعة يضاعف».

وروى في كتاب عيون الاخبار بسنده عن الرضا عليه‌السلام (٤) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من صام يوم الجمعة صبرا واحتسابا أعطى ثواب صيام عشرة أيام غر زهر لا تشأ كل أيام الدنيا». ورواه الطبرسي في صحيفة الرضا عليه‌السلام (٥).

وروى الصدوق عن دارم بن قبيصة عن الرضا عن آبائه (عليهم‌السلام) (٦) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تفردوا الجمعة بصوم».

وروى الشيخ بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٧) قال : «لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا قبله أو بعده».

قال الشيخ : هذا الخبر طريقه رجال العامة (٨) لا يعمل به. وقال ان المعمول عليه هو رواية ابن سنان. يعني الرواية المتقدمة (٩).

أقول : قال العلامة في المختلف قال ابن الجنيد لا يستحب افراد يوم الجمعة بصيام فان تلا به ما قبله أو استفتح به ما بعده جاز. والمشهور الاستحباب مطلقا لنا ـ ان الصوم عبادة في نفسه وقد روى زيادة ثواب الطاعة يوم الجمعة وان الحسنات تتضاعف فيه ، وما رواه ابن سنان في الصحيح. ثم نقلها كما قدمناه ثم قال احتج ابن

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٩) الوسائل الباب ٥ من الصوم المندوب.

(٢) عمدة القارئ ج ٥ ص ٣٣٣.

(٧) الوسائل الباب ٥ من الصوم المندوب رقم ٦.

(٨) المغني ج ٣ ص ١٦٥.


الجنيد بما رواه عبد الملك بن عمير (١) قال : «سمعت رجلا من بنى الحارث بن كعب قال : سمعت أبا هريرة يقول ليس أنا أنهى عن صوم يوم الجمعة ولكن سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال «لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا قبله أو بعده». والجواب ما ذكره الشيخ ان طريقه رجال العامة لا يعمل به بل الأول هو المعمول به. ثم قال (قدس‌سره) مسألة : قال ابن الجنيد وصوم الاثنين والخميس منسوخ وصوم يوم السبت منهي عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يثبت عندي شي‌ء من ذلك ولم يذكر المشهورون من علمائنا ذلك. نعم روى جعفر بن عيسى عن الرضا عليه‌السلام. ثم ساق الرواية كما قدمناها في صيام عاشوراء (٢) ثم قال : فان صح هذا السند كان صوم يوم الاثنين مكروها وإلا فلا.

أقول : والذي يقرب عندي أن صيام هذه الثلاثة الأيام أعنى الجمعة والخميس والاثنين وان جاز من حيث استحباب الصوم مطلقا إلا انه ليس من قبيل صيام الترغيب الذي نحن في صدد عد أفراده ، فإن رواية الزهري مع رواية كتاب الفقه الرضوي المتقدمتين في أول الكتاب (٣) قد عد فيهما هذه الأيام الثلاثة من قبيل ما يتخير بين صومه وتركه ، وهو مؤذن ـ كما قدمنا بيانه سابقا ـ بعدم الاستحباب فيها على الوجه المذكور في صيام الترغيب.

ويؤيده ما تقدم في رواية محمد بن مروان (٤) المنقولة في صيام ثلاثة أيام السنة انه كان صلى‌الله‌عليه‌وآله يصوم الاثنين والخميس أولا ثم تحول عنه الى صيام الثلاثة المذكورة. وهو مشعر بنسخها.

وما تقدم (٥) في رواية جعفر بن عيسى أخي محمد بن عيسى بن عبيد من الدلالة على كراهة صوم الاثنين.

__________________

(١) التهذيب ج ٤ ص ٣١٥ وفي الوسائل الباب ٥ من الصوم المندوب ، وهي نفس الرواية رقم ٧ ص ٣٧٨.

(٢ و ٥) ص ٣٧٢.

(٣) ص ٥.

(٤) ص ٣٤٨.


وما ورد في صحيحة على بن مهزيار (١) الواردة في من نذر أن يصوم يوما دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو يوم جمعة أو أيام التشريق أو سفر أو مرض؟ فكتب عليه‌السلام في جوابه «قد وضع الله الصيام في هذه الأيام كلها».

وما رواه في الخصال عن عقبة بن بشير الأزدي (٢) قال : «جئت الى أبى جعفر عليه‌السلام يوم الاثنين فقال كل. فقلت انى صائم. فقال وكيف صمت؟ قال قلت لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولد فيه. فقال : اما ما ولد فيه فلا يعلمون واما ما قبض فيه فنعم. ثم قال : فلا تصم ولا تسافر فيه».

ويمكن استثناء يوم الجمعة من هذه الثلاثة لصحة ما ورد في صيامه ورجحانه على ما عارضه. والله العالم.

ومنها ـ صوم يوم المباهلة وهو الرابع والعشرون من شهر ذي الحجة ، ولم أقف فيه على نص.

وعلله العلامة في المنتهى بأنه يوم شريف قد أظهر الله فيه نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله على خصمه وحصل فيه من التنبيه على قرب على عليه‌السلام من ربه واختصاصه به وعظم منزلته وثبوت ولايته واستجابة الدعاء به ما لم يحصل لغيره ، وذلك من أعظم الكرامات الموجبة لاخبار الله تعالى ان نفسه نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيستحب صومه شكرا لهذه النعم الجسيمة.

ومنها ـ صوم يوم النيروز لما رواه الشيخ في المصباح عن المعلى بن خنيس عن الصادق عليه‌السلام (٣) قال : «إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك وتطيب بأطيب طيبك وتكون ذلك اليوم صائما. الحديث».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من كتاب النذر والعهد وفيه «يوما من الجمعة دائما».

(٢) الوسائل الباب ٢٢ من الصوم المندوب.

(٣) الوسائل الباب ٢٤ من الصوم المندوب.


ومنها ـ صوم شهر رجب كلا أو بعضا ، روى الشيخ والصدوق (قدس‌سرهما) عن ابان بن عثمان قال : حدثنا كثير بياع النوى عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «ان نوحا ركب في السفينة أول يوم من رجب فأمر من معه أن يصوموا ذلك اليوم وقال من صام ذلك اليوم تباعدت عنه النار مسيرة سنة ، ومن صام سبعة أيام منه أغلقت عنه أبواب النيران السبعة ، ومن صام ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنان الثمانية ، ومن صام عشرة أيام منه أعطي مسألته ، ومن صام خمسة وعشرين يوما منه قيل له استأنف العمل فقد غفر لك ، ومن زاد زاده الله».

وقال الصدوق (٢) «قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام : رجب نهر في الجنة أشد بياضا من اللبن واحلى من العسل فمن صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر».

وروى الصدوق في كتاب المجالس (٣) عن سلام الخثعمي عن ابى جعفر محمد ابن على الباقر (عليه‌السلام) قال : «من صام من رجب يوما واحدا من أوله أو وسطه أو آخره أوجب الله له الجنة وجعله معنا في درجتنا يوم القيامة ، ومن صام يومين من رجب قيل له استأنف العمل فقد غفر لك ما مضى ، ومن صام ثلاثة أيام قيل له قد غفر لك ما مضى وما بقي فاشفع لمن شئت من مذنبي إخوانك وأهل معرفتك ، ومن صام سبعة أيام من رجب أغلقت عنه أبواب النيران السبعة ، ومن صام ثمانية أيام من رجب فتحت له أبواب الجنة الثمانية فيدخلها من أيها شاء».

وروى الشيخ المفيد في كتاب مسار الشيعة (٤) قال : «روى عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) انه كان يصوم رجبا كله ويقول رجب شهري وشعبان شهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وشهر رمضان شهر الله عزوجل». الى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نقلها المقام.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٦ من الصوم المندوب رقم ١ و ٢.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٦ من الصوم المندوب.


ومنها ـ صوم شعبان كلا أو بعضا ، روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) هل صام أحد من آبائك شعبان قط؟ قال : صامه خير آبائي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وروى فيه في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «كن نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان عليهن صيام أخرن ذلك الى شعبان كراهة ان يمنعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حاجته فإذا كان شعبان صمن وصام معهن ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول شعبان شهري».

وروى فيه ايضا عن عنبسة العابد (٣) قال : «قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على صوم شعبان ورمضان وثلاثة أيام في كل شهر. أول خميس وأوسط أربعاء وآخر خميس وكان أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهما‌السلام) يصومان ذلك».

وروى فيه أيضا في الصحيح عن الفضيل بن يسار (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول. وذكر حديثا الى أن قال : وفرض الله تعالى في السنة صوم شهر رمضان وسن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صوم شعبان وثلاثة أيام في كل شهر مثلي الفريضة فأجاز الله (عزوجل) له ذلك».

وروى ايضا بسنده عن أبي حمزة الثمالي عن ابى جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٥) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من صام شعبان كان له طهرا من كل زلة ووصمة وبادرة. قال أبو حمزة قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ما الوصمة؟ قال اليمين في المعصية والنذر في المعصية. قلت فما البادرة؟ قال اليمين عند الغضب والتوبة منها الندم عليها».

وروى في الفقيه عن عبد الله بن مرحوم الأزدي (٦) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول من صام أول يوم من شعبان وجبت له الجنة البتة ، ومن صام يومين نظر الله إليه في كل يوم وليلة في دار الدنيا ودام نظره إليه في الجنة ، ومن صام ثلاثة أيام زار الله في عرشه من جنته في كل يوم».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٢٨ من الصوم المندوب.


وروى الشيخ المفيد (عطر الله مرقده) في المقنعة (١) عن محمد بن سنان عن زيد الشحام قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام هل صام أحد من آبائك شعبان؟ فقال نعم كان آبائي يصومونه وأنا أصومه وآمر شيعتي بصومه ، فمن صام منكم شعبان حتى يصله بشهر رمضان كان حقا على الله ان يعطيه جنتين ويناديه ملك من بطنان العرش عند إفطاره كل ليلة يا فلان طبت وطابت لك الجنة وكفى بك انك سررت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد موته».

قال الكليني (٢) : وجاء في صوم شعبان انه سئل عليه‌السلام عنه فقال : ما صامه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أحد من آبائي. وحمله (قدس‌سره) على نفى الفرض والوجوب وانهم ما صاموا على ذلك الوجه بل على الاستحباب ، قال : وذلك ان قوما قالوا ان صومه فرض مثل صيام شهر رمضان وان من أفطر يوما من شعبان وجبت عليه الكفارة.

وقال الشيخ (قدس‌سره) (٣) بعد ان أورد جملة من الأخبار المتضمنة للترغيب في صوم شعبان ما صورته : فأما الأخبار التي وردت في النهي عن صوم شعبان وانه ما صامه أحد من الأئمة (عليهم‌السلام) فالمراد بها انه لم يصمه أحد من الأئمة (عليهم‌السلام) على ان صومه يجرى مجرى شهر رمضان في الفرض والوجوب لان قوما قالوا ان صومه فريضة وكان أبو الخطاب (لعنه الله) وأصحابه يذهبون اليه ويقولون ان من أفطر يوما منه لزمه من الكفارة ما يلزم من أفطر يوما من شهر رمضان فورد عنهم (عليهم‌السلام) الإنكار لذلك وانه لم يصمه أحد منهم على هذا الوجه. انتهى.

وروى في الكافي مسندا عن أبى الصباح الكناني ومن لا يحضره الفقيه مرسلا عن

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من الصوم المندوب.

(٢) الوسائل الباب ٢٨ من الصوم المندوب.

(٣) التهذيب ج ٤ ص ٣٠٩.


ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «صوم شعبان وشهر رمضان متتابعين توبة من الله والله».

قال في الوافي : التوبة من العبد ان يتوب الى الله تعالى والتوبة من الله أن يقيم من العبد عبادة مقام توبته فيطهره بها من ذنوبه.

وروى في من لا يحضره الفقيه عن المفضل بن عمر عن الصادق عليه‌السلام (٢) قال : «كان أبى يفصل ما بين شعبان وشهر رمضان بيوم وكان على بن الحسين عليه‌السلام يصل ما بينهما ويقول : صوم شهرين متتابعين توبة من الله».

قال (قدس‌سره) : وقد صامه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووصله بشهر رمضان وصامه وفصل بينهما ، ولم يصمه كله في جميع سنيه إلا ان أكثر صيامه كان فيه.

قال في الوافي بعد نقل ذلك : هذا من ما يدل على ان صيام شعبان ليس من صيام السنة وإنما هو من صيام الترغيب. انتهى.

أقول : الظاهر من أكثر الأخبار انه كان يحافظ على صيامه كملا وكذا الثلاثة المتقدمة ليكون ذلك مع صوم شهر رمضان صوم الدهر ، وكذا أصحابه مثل سلمان وابى ذر ونحوهما كما وردت به الأخبار التي وصلت إلينا ، وهو اعرف بما ذكره

وروى في الكافي والفقيه عن عمرو بن خالد عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصوم شعبان وشهر رمضان يصلهما وينهى الناس أن يصلوهما وكان يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله هما شهرا الله تعالى وهما كفارة لما قبلهما ولما بعدهما من الذنوب».

وروى في الفقيه مرسلا قال قال الصادق عليه‌السلام (٤) : «من صام ثلاثة أيام من آخر شعبان ووصلها بشهر رمضان كتب الله له صوم شهرين متتابعين».

وروى في الكافي عن محمد بن سليمان عن أبيه (٥) قال «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما تقول في الرجل يصوم شعبان وشهر رمضان؟ قال هما الشهران اللذان قال الله تعالى (شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ) (٦) قلت : فلا يفصل بينهما؟ قال إذا أفطر من

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٩ من الصوم المندوب.

(٦) سورة النساء الآية ٩٥.


الليل فهو فصل ، وانما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا وصال في صيام. يعنى لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار ، وقد يستحب للعبد ان لا يدع السحور».

أقول : ظاهر هذه الأخبار الاختلاف في أفضلية الفصل والوصل ولكن أكثرها ظاهر في استحباب الوصل ، وذكر الشيخ ان الأخبار التي تضمنت الفصل بين شهر شعبان وشهر رمضان فالمراد بها النهى عن الوصال الذي بينا في ما مضى انه محرم ، واستدل على هذا التأويل برواية محمد بن سليمان عن أبيه المذكورة. وفيه ان الرواية الدالة على الفصل وهي رواية المفضل بن عمر صريحة في كون الباقر عليه‌السلام كان يفصل بينهما بيوم يفطر فيه لا بمعنى ما ذكره من أن المراد الفصل الذي هو عدم الوصل المحرم ، ومثلها كلام الصدوق المأخوذ من النصوص البتة وقوله فيه «وصامه وفصل بينهما ولم يصمه كله في جميع سنيه» فإنه ظاهر في إفطار يوم أو أيام من آخره يتحقق بها الفصل.

واما رواية محمد بن سليمان المذكورة فالظاهر ان السائل فهم من التتابع الذي ذكره عليه‌السلام لزوم الوصل من غير إفطار وكان قد سمع النهى عن الوصال فأشكل الأمر عليه ، فاستفهم عن ذلك فأجابه بالفرق بين الأمرين وان التتابع في هذين الشهرين يحصل مع الفصل بينهما بالإفطار ليلا وليس هو من قبيل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «لا وصال في صيام» المنهي عنه الذي هو عبارة عن أن يصوم يومين من غير إفطار.

بقي الكلام في ما دلت عليه رواية عمرو بن خالد من انه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصل الشهرين وينهى الناس أن يصلوهما ، والصدوق بعد ذكر هذه الرواية حمل النهي في قوله : «وينهى الناس أن يصلوهما» على الإنكار والحكاية دون الاخبار ، يعنى من شاء وصل ومن شاء فصل ، واستدل عليه بخبر المفضل.

وقال المحدث الكاشاني في الوافي بعد نقل ذلك عنه ما لفظه : أقول بل الأولى أن يجعل الوصل هنا بمعنى ترك الإفطار إلى السحر حتى يصير صوم وصال


ليكون موافقا لما رواه في الفقيه (١) ايضا : انه نهى صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الوصال في الصيام وكان يواصل. الحديث. كما يأتي في الباب الآتي ولخبر سليمان الآتي في هذا الباب. وما ذكره بعيد عن سياق الكلام وما بعده جدا ، مع ان ذلك ليس من ما يتعجب منه ويستنكر إذا كان له صلى‌الله‌عليه‌وآله خصائص ليست لأمته كما يدل عليه الخبر الآتي وغيره من الأخبار. انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) وان كان محتملا إلا أن حمل الخبر عليه لا يخلو من بعد ، لأن أحاديث هذا الباب قد تضمن جملة منها الأمر بالوصل والندب اليه وليس هو إلا عبارة عن عدم الفصل بإفطار آخر الشهر فإخراج هذا الخبر من بينها بالحمل على ما ذكره من حيث تضمنه نهى الناس عن الوصل بعيد. والظاهر ان كلام الصدوق هنا في تأويل الخبر أقرب.

وقد عد الأصحاب جملة من الأيام التي يستحب صومها لما فيها من المزايا الشريفة ، وحيث لم نجد لها دليلا من الاخبار لم نتعرض لذكرها.

وذكر بعضهم ايضا استحباب صوم ستة أيام من شوال بعد يوم الفطر ولم أقف له على دليل ، وقد تقدم في روايتي الزهري والفقه الرضوي (٢) انه من الافراد المخير بين صومها وتركه وهو مؤذن بعدم الاستحباب كما بينا آنفا.

والعلامة في المنتهى استدل على ذلك بخبر من طريق الجمهور عن أبي أيوب (٣) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من صام شهر رمضان واتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر». ثم قال : ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في حديث الزهري عن على بن الحسين عليه‌السلام في وجوه الصيام (٤).

وأنت خبير بما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، مع انه قد روى الشيخ بسنده

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من الصوم المحرم والمكروه.

(٢) ص ٥.

(٣) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٩٢.

(٤) الوسائل الباب ٥ من الصوم المندوب.


عن زياد بن أبى الحلال (١) قال : «قال لنا أبو عبد الله عليه‌السلام لا صيام بعد الأضحى ثلاثة أيام ولا بعد الفطر ثلاثة أيام إنها أيام أكل وشرب».

ومثله روى في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن اليومين اللذين بعد الفطر أيصامان أم لا؟ فقال : اكره لك أن تصومهما».

وروى الشيخ في الموثق عن حريز عنهم (عليهم‌السلام) (٣) قال : «إذا أفطرت من رمضان فلا تصومن بعد الفطر تطوعا إلا بعد ثلاث يمضين».

وبذلك يظهر ان الحكم في هذه الأيام هو الكراهة ـ ان لم نقل بالتحريم ـ لا الاستحباب.

المطلب الثالث

في المنهي عنه تحريما أو كراهة

فالكلام في مقامين الأول ـ الصيام المحرم وهو افراد أحدها وثانيها ـ صوم العيدين وأيام التشريق ، قال في المعتبر والتذكرة : وعليه إجماع علماء الإسلام.

والروايات بذلك متظافرة منها ـ ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة (٤) قال : «سألته عن صيام يوم الفطر؟ فقال لا ينبغي صيامه ولا صيام أيام التشريق».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن قتيبة الأعشى (٥) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن صوم ستة أيام : العيدين وأيام التشريق واليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان».

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٣ من الصوم المحرم والمكروه.

(٢) الوسائل الباب ٣ من الصوم المحرم والمكروه. وفي الفروع ج ١ ص ٢٠٣ «سألت أبا الحسن ع».

(٤ و ٥) الوسائل الباب ١ من الصوم المحرم والمكروه.


وما رواه في الفقيه والتهذيب عن عبد الكريم بن عمرو (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انى جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم (عجل الله فرجه)؟ فقال : لا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيام التشريق ولا اليوم يشك فيه».

واستثنى الشيخ من تحريم صوم العيدين وأيام التشريق حكم القاتل في أشهر الحرم فإنه يجب عليه صوم شهرين من أشهر الحرم وان دخل فيها العيد وأيام التشريق :

لما رواه عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن رجل قتل رجلا خطأ في الشهر الحرام؟ قال : تغلظ عليه الدية وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم. قلت فإنه يدخل في هذا شي‌ء؟ فقال وما هو؟ قلت يوم العيد وأيام التشريق. قال يصوم فإنه حق لزمه».

والمشهور بين الأصحاب هو عموم التحريم ، قال الشيخ بعد إيراد هذا الخبر انه ليس بمناف لما تضمنه الخبر الأول من تحريم صوم العيدين لان التحريم إنما وقع على من يصومهما مختارا مبتدئا فاما إذا لزمه شهران متتابعان على حسب ما تضمنه الخبر فيلزمه صوم هذه الأيام لا دخالة نفسه في ذلك.

ورد العلامة في التذكرة هذا الخبر بان في طريقه سهل بن زياد ومع ذلك فهو مخالف للإجماع. وقال في المختلف انه قاصر عن افادة المطلوب إذ ليس فيه انه يصوم العيد وإنما أمره بصوم أشهر الحرم وليس في ذلك دلالة على صوم العيد وأيام التشريق يجوز صومها في غير منى.

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من وجوب الصوم ونيته. وقد تقدمت هذه الرواية ص ١٨٨ باللفظ الذي يرويها به في الفروع ج ١ ص ٢٠١ عن كرام ، وقد ذكرت في التعليقة ٧ هناك ان الراوي كرام ويروى عنه ابن ابى عمير حيث ان رواية عبد الكريم بن عمرو المروية في التهذيب ج ٤ ص ١٨٣ والفقيه ج ٢ ص ٧٩ انما هي باللفظ المذكور هنا.

(٢) الوسائل الباب ٨ من بقية الصوم الواجب ، والرواية للكليني في الفروع ج ١ ص ٢٠١ والشيخ يرويها عنه في التهذيب ج ٤ ص ٢٩٧. وفيه «تغلظ عليه العقوبة».


ولا يخفى ما فيه مع انه قد روى في الحسن بإبراهيم بن هاشم على المشهور الصحيح على المختار عن زرارة (١) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام رجل قتل رجلا في الحرم؟ قال عليه دية وثلث ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم ويعتق رقبة ويطعم ستين مسكينا. قال قلت يدخل في هذا شي‌ء؟ قال وما يدخل؟ قلت العيدان وأيام التشريق. قال يصوم فإنه حق لزمه».

قال المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى ـ ونعم ما قال ـ بعد أن نقل هذه الرواية وأشار الى الرواية السابقة ما لفظه : وأورده الشيخ في الكتابين مصرحا بالاعتماد عليه في إثبات هذا الحكم ، وأنكره جماعة من الأصحاب استضعافا لطريق الخبر عن النهوض لتخصيص عموم ما دل على المنع من صوم هذه الأيام. وللنظر في ذلك مجال فان دليل المنع هنا منحصر في الإجماع والاخبار ، وظاهر ان مصير الشيخ الى العمل بحديث التخصيص يبعد احتمال النظر في العموم إلى الإجماع ، واما الاخبار فما هي بمقام إباء لقوة دلالة أو طريق عن قبول هذا التخصيص ، على ان الشيخ روى صوم هذه الأيام في كتاب الديات من طريقين : أحدهما من واضح الصحيح والآخر مشهوري (٢) والصدوق أورد المشهوري في كتاب من لا يحضره الفقيه ايضا (٣) فالعجب من قصور تتبع الجماعة حتى حسبوا انحصار المأخذ في الخبر الضعيف. انتهى.

وبذلك يظهر لك ما في كلام السيد السند في المدارك حيث انه بعد أن أورد حسنة زرارة المذكورة قال : وهذه الرواية وان كانت معتبرة الإسناد إلا ان الخروج بها عن مقتضى الأخبار الصحيحة المتضمنة لتحريم صوم هذه الأيام مشكل ، وكيف كان فالمعتمد التحريم مطلقا. انتهى.

أقول : فيه ان الأخبار الواردة بتحريم صوم العيدين ليس فيها ما هو صحيح باصطلاحه كما لا يخفى على من راجعها ، ومع تسليم ذلك فالتخصيص باب معمول

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من بقية الصوم الواجب.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣ من ديات النفس.


عليه عندهم في غير موضع فأي مانع من تخصيص تلك الأخبار ـ وان كانت صحيحة ـ بهذه الاخبار. وبالجملة فالأصح هو العمل بما دل عليه الخبران المذكوران.

وينبغي أن يعلم ان تحريم صيام أيام التشريق إنما هو لمن كان بمنى كما يدل عليه ما رواه في الفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صيام أيام التشريق قال إنما نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن صيامها بمنى فاما بغيرها فلا بأس».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار ايضا (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صيام أيام التشريق فقال اما بالأمصار فلا بأس واما بمنى فلا».

والظاهر انه من ما لا خلاف فيه وان كان بعضهم أطلق فمراده التقييد كما صرح به العلامة في المختلف ، نعم في جملة من العبارات التقييد بمن كان ناسكا ، والاخبار خالية من هذا القيد ولعل من قيد بذلك بنى على ما هو الغالب وحمل الروايات على ذلك. وهو جيد.

وقال الشهيد في الدروس : روى إسحاق بن عمار ايضا عن الصادق عليه‌السلام صيام أيام التشريق بدلا عن الهدى (٣). ثم استقرب المنع. وسيأتي تحقيق المسألة في محلها ان شاء الله تعالى.

ومنها ـ صوم يوم الثلاثين من شعبان وهو يوم الشك بنية الفرض وقد تقدم تحقيق الكلام فيه ، وعلى ذلك تحمل الأخبار المتقدمة في تحريم صوم العيدين.

ومنها ـ صوم الصمت وهو أن ينوي الصوم ساكتا ، وقد أجمع الأصحاب على تحريمه لانه غير مشروع في الملة المحمدية فيكون بدعة.

ولما تقدم في أول الكتاب من حديث الزهري وكتاب الفقه الرضوي (٤) من قولهما : «وصوم الوصال حرام وصوم الصمت حرام».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢ من الصوم المحرم والمكروه.

(٣) الوسائل الباب ٥١ من أبواب الذبح.

(٤) ص ٥.


وما رواه في الفقيه (١) في الصحيح عن زرارة قال : «سأل زرارة أبا عبد الله عليه‌السلام عن صوم الدهر فقال لم يزل مكروها. وقال لا وصال في صيام ولا صمت يوما الى الليل».

وروى في الفقيه بسنده عن حماد بن عمرو وانس بن محمد عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم‌السلام) في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المذكورة في آخر الكتاب (٢) قال : «ولا صمت يوما الى الليل. الى أن قال : وصوم الصمت حرام».

والمفهوم من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان هذا الصوم يقع فاسدا لمكان النهى.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنهم : ويحتمل الصحة لصدق الامتثال بالإمساك عن المفطرات مع النية وتوجه النهي إلى الصمت المنوي ونيته وهو خارج عن حقيقة العبادة.

أقول : لا يخفى ان جملة من هذه الاخبار قد صرحت بان صوم الصمت حرام ، ومرجعه الى تحريم الإمساك على هذا الوجه ، فكيف يحتمل الصحة لصدق الامتثال كما ذكره؟ والنهى ليس متوجها الى الصمت المنوي كما ذكره بل متوجه الى الصوم المقترن بالصمت ، فان المراد بقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة «ولا صمت يوما الى الليل» ليس هو النهى عن الصمت مطلقا وانما المراد الصيام صامتا وإلا لم يكن لا يراد هذا الخبر في باب الصوم وجه. ومع الإغماض عن ذلك فانا نقول ان النهى وان كان متوجها الى أمر خارج عن الصيام لكن هذا الأمر مأخوذ في النية التي هي شرط في الصحة وليس الصوم مقصودا إلا بهذا القيد المحرم ، وحينئذ فلا يمكن قصد القربة به مع كونه منهيا عنه ومتى بطلت النية التي هي شرط أو شطر بطل المشروط والكل.

__________________

(١) ج ٢ ص ١١٢ وفي الوسائل الباب ٧ و ٤ و ٥ من الصوم المحرم والمكروه.

(٢) الوسائل الباب ٥ من الصوم المحرم والمكروه.


ومنها ـ صوم الوصال ، والظاهر انه لا خلاف بينهم في تحريمه.

وعليه يدل ما تقدم من خبري الزهري وكتاب الفقه وما تقدم من صحيحة زرارة.

وما رواه في الفقيه (١) بإسناده إلى منصور بن حازم عن ابى عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : «لا وصال في صيام ولا صمت يوما الى الليل».

وما رواه في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام (٢) المتقدمة قال : «لا وصال في صيام. الى أن قال : وصوم الوصال حرام».

قال الصدوق (رضي‌الله‌عنه) (٣) «ونهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الوصال في الصيام وكان يواصل فقيل له في ذلك؟ فقال انى لست كأحدكم إني أظل عند ربي فيطعمني ويسقيني».

قال : وقال الصادق عليه‌السلام (٤) «الوصال الذي نهى عنه ان يجعل الرجل عشاءه سحوره».

أقول : لا اشكال ولا خلاف في تحريم صوم الوصال وانما الخلاف والاشكال في معناه وانه عبارة عن ما ذا؟ وقد دل الخبر المنقول عن الصادق عليه‌السلام على انه عبارة عن ان يجعل الرجل عشاءه سحوره».

وعلى ذلك دل ما رواه الكليني في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «الوصال في الصيام أن يجعل عشاءه سحوره».

وفي الصحيح عن حفص بن البختري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٦) قال «المواصل في الصيام يصوم يوما وليلة ويفطر في السحر».

وبمضمون هذه الروايات افتى الشيخ في النهاية وأكثر الأصحاب.

وعن الشيخ في الاقتصاد وابن إدريس انه عبارة عن ان يصوم يومين بليلة

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٤ من الصوم المحرم والمكروه.


بينهما وعليه تدل رواية محمد بن سليمان عن أبيه المتقدمة في صوم شعبان (١) وجعل في المعتبر هذا هو الاولى.

قال في المدارك : وكأن وجهه الاقتصار في ما خالف الأصل على موضع الوفاق. ثم قال : لكن الرواية بذلك ضعيفة جدا فكان المصير إلى الأول متعينا لصحة مستنده.

أقول : ولعل الوجه الجمع بين الأخبار هنا بتفسير الوصال بكل من الأمرين وانه محرم بكل منهما. والظاهر انه انما يتحقق الوصال بكل من الأمرين المذكورين بنية الصوم كذلك لا بوقوعه كيف اتفق ، لان العبادات صحة وبطلانا وثوابا وعقابا وتحليلا وتحريما دائرة مدار النيات والقصود ، فلو أخر عشاءه الى وقت السحور لا بهذا القصد أو ترك الأكل يومين بليلة بينهما لا كذلك فالظاهر عدم دخوله في الوصال وان كان الأولى ترك ذلك لما يستفاد من ظاهر الأخبار بان الوصال عبارة عن مجرد التأخير.

قال في المدارك في هذه المسألة : والكلام في بطلان الصوم هنا كما سبق في صوم الصمت.

أقول : قد عرفت ان الأظهر ثمة هو البطلان كما عليه الأصحاب من غير خلاف يعرف إلا منه ومن تبعه فكذا هنا ايضا بالتقريب المتقدم.

ومنها ـ صوم نذر المعصية وهو أن ينذر الصوم ان تمكن من المعصية ويقصد بذلك الشكر على تيسرها لا الزجر عنها.

ولا ريب في عدم انعقاد هذا النذر وتحريم الصوم على هذا الوجه لأنه لا بد فيه من القربة ولا يصح إلا بها وهذا من ما لا يمكن التقرب به.

ولما تقدم (٢) في حديثي الزهري وكتاب الفقه الرضوي من قولهما (عليهما‌السلام): «وصوم نذر المعصية حرام».

__________________

(١) ص ٣٨٤.

(٢) ص ٥.


وما في حديث وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام المروي في آخر الفقيه (١) حيث قال : «وصوم نذر المعصية حرام».

وقد تقدم في حديث الثمالي في صوم شعبان (٢) «من صام شعبان كان له طهرا من كل زلة ووصمة. قلت وما الوصمة؟ قال اليمين في المعصية والنذر في المعصية».

ومنها ـ صوم الواجب في السفر إلا ما استثنى ، وقد تقدم تحقيق ذلك (٣).

ومنها ـ الصوم في المرض ان تضرر به ، وصوم المرأة بغير اذن زوجها ، وصوم العبد بغير اذن سيده ، وقد تقدم الكلام فيه (٤).

ومنها ـ صوم الدهر ، ويدل عليه ما تقدم في حديثي الزهري والفقه الرضوي (٥) حيث قالا : «وصوم الدهر حرام».

وما رواه الصدوق في الصحيح (٦) قال : «سأل زرارة أبا عبد الله عليه‌السلام عن صوم الدهر فقال : لم يزل مكروها».

وما رواه في الفقيه في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام (٧) قال : «وصوم الدهر حرام».

وما رواه في الكافي عن زرارة (٨) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صوم الدهر فقال : لم نزل نكرهه».

وما رواه في الموثق عن سماعة (٩) قال : «سألته عن صوم الدهر فكرهه وقال : لا بأس أن يصوم يوما ويفطر يوما».

وظاهر الأصحاب ان التحريم الوارد في هذه الأخبار إنما هو من حيث اشتمال السنة على صوم محرم وهو صوم يومي العيدين ، واما صومه بدون هذه الأيام

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من الصوم المحرم والمكروه.

(٢) ص ٣٨٢.

(٣) ص ١٨٥.

(٤) ص ١٦٩ و ٢٠٤ و ٢٠٥.

(٥ و ٦ و ٧ و ٨ و ٩) الوسائل الباب ٧ من الصوم المحرم والمكروه.


المحرمة فليس بمحرم بل مكروه.

أقول : لا يخفى ان ظاهر الأخبار المذكورة ان التحريم إنما نشأ من حيث كونه صوم الدهر كما يشير اليه قوله في موثقة سماعة بعد أن كرهه «لا بأس ان يصوم يوما ويفطر يوما» ولا ريب في أن الكراهة في هذه الأخبار إنما هي بمعنى التحريم فلو كان منشأ التحريم انما هو صوم يومي العيدين كما ذكروا لكان ينبغي أن يقول : «لا بأس ان أفطر العيدين» كما لا يخفى. إلا انى لم أقف على من قال بالتحريم مع إفطار يومي العيدين. وكيف كان فلا ريب ان الأحوط اجتنابه.

المقام الثاني ـ الصيام المكروه وهو أيضا افراد : منها ـ ما تقدم من صوم الضيف بدون اذن مضيفه والولد بغير اذن والده والمدعو الى طعام ، وقد تقدم (١) نقل الخلاف في ذلك وتحقيق القول في ذلك كما هو حقه.

ومنها ـ الصيام المستحب في السفر وقد تقدم (٢) بيان القول فيه.

قالوا : ومن ذلك صوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء لقوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم (٣) «وان خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه». أو مع الشك في الهلال كما يدل عليه قوله عليه‌السلام في رواية سدير (٤) «وأكره أن أصومه وأتخوف أن يكون يوم عرفة يوم اضحى وليس بيوم صوم». وقد تقدم (٥) تحقيق الكلام في المقام بما لا يحوم حوله النقض والإبرام.

ومن ذلك صوم ثلاثة أيام بعد يوم الفطر وان كان جملة من الأصحاب صرحوا باستحباب صوم ستة أيام بعد عيد الفطر ، إلا ان المفهوم من الأخبار الكراهة وقد تقدم (٦) نقل الدليل على ذلك.

__________________

(١) ص ٢٠١ الى ٢٠٧.

(٢) ص ١٩٧.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٣ من الصوم المندوب.

(٥) ص ٣٦٤.

(٦) ص ٣٨٦.


المقصد الثالث

في اللواحق

وفيه مسائل الأولى ـ لا خلاف نصا وفتوى في انه يشترط في صوم شهر رمضان الإقامة فلا يصح صومه في سفر يجب فيه التقصير.

ويدل عليه من الأخبار ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) «في الرجل يشيع أخاه مسيرة يوم أو يومين أو ثلاثة؟ قال ان كان في شهر رمضان فليفطر. قلت أيهما أفضل يصوم أو يشيعه؟ قال يشيعه ان الله (عزوجل) قد وضعه عنه».

وفي الصحيح عن عيص بن القاسم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «إذا خرج الرجل في شهر رمضان مسافرا أفطر. وقال ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج من المدينة إلى مكة في شهر رمضان ومعه الناس وفيهم المشاة فلما انتهى الى كراع الغميم دعا بقدح من ماء في ما بين الظهر والعصر فشربه وأفطر ثم أفطر الناس معه وتم ناس على صومهم فسماهم العصاة ، وانما يؤخذ بآخر أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وروى الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «سمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قوما صاموا حين أفطر وقصر عصاة وقال هم العصاة إلى يوم القيامة. وانا لنعرف أبناءهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا».

وعن عبيد بن زرارة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) «في قول الله عزوجل (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (٥) قال ما أبينها ، من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه».

وما رواه الكليني في الصحيح عن ابن ابى عمير عن بعض أصحابه عن أبى عبد الله

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ١٩٨ وفي الوسائل الباب ١٠ من صلاة المسافر.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١ ممن يصح منه الصوم.

(٥) سورة البقرة الآية ١٨٢.


عليه‌السلام (١) قال : «سمعته يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان الله (عزوجل) تصدق على مرضى أمتي ومسافريهم بالتقصير والإفطار ، أيسر أحدكم إذا تصدق بصدقة ان ترد عليه؟». الى غير ذلك من الاخبار.

وحينئذ فلو صام عالما بالحكم كان صيامه باطلا ولم يجزئه بل يجب عليه القضاء لعدم الامتثال ، وعليه تدل صحيحة الحلبي الآتية ، وهو ظاهر.

ولو كان جاهلا أجزأه اتفاقا ، ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن عيص بن القاسم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «من صام في السفر بجهالة لم يقضه».

وعن الحلبي ـ في الحسن على المشهور والصحيح على الأظهر ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «قلت له رجل صام في السفر؟ فقال ان كان بلغه ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن ذلك فعليه القضاء وان لم يكن بلغه فلا شي‌ء عليه».

ورواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عنه عليه‌السلام مثله (٤).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر فقال ان كان لم يبلغه ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن ذلك فليس عليه القضاء وقد أجزأ عنه الصوم».

وهل يلحق الناسي بالجاهل هنا؟ قولان : أحدهما ـ نعم لاشتراكهما في العذر وثانيهما ـ لا قصرا لما خالف الأصل على موضع النص. وهو الأصح.

ولو صام المريض الذي لا يشرع له الصيام جاهلا فقيل بوجوب الإعادة عليه لانه اتى بخلاف ما هو فرضه ، والحاقه بالمسافر قياس لا نقول به.

__________________

(١) الوسائل الباب ١ ممن يصح منه الصوم.

(٢ و ٥) الوسائل الباب ٢ ممن يصح منه الصوم.

(٣) الفروع ج ١ ص ١٩٨ وفي الوسائل الباب ٢ ممن يصح منه الصوم.

(٤) الفقيه ج ٢ ص ٩٣ وفي الوسائل الباب ٢ ممن يصح منه الصوم.


أقول : هذا القول انما يتجه على ما هو المشهور من عدم معذورية الجاهل إلا في الموضعين المشهورين واما من قال بالمعذورية من حيث الجهل كما هو مستفاد من الأخبار المتكاثرة فالأظهر صحة صومه ، وليس الاستناد هنا إلى الحاقه بالمسافر الجاهل في هذه المسألة بل الى تلك الأخبار المستفيضة كما بسطنا الكلام فيه في مقدمات الكتاب.

المسألة الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان من قدم بلده أو بلدا يعزم على الإقامة فيه قبل الزوال ولم يتناول شيئا فإنه يجب عليه الصوم ويجزئه ، وان تناول قبل ذلك أو قدم بعد الزوال وان لم يتناول استحب له الإمساك ووجب عليه القضاء.

اما الحكم الأول فيدل عليه جملة من الاخبار : منها ـ موثقة أبي بصير (١) قال : «سألته عن الرجل يقدم من سفره في شهر رمضان؟ فقال : ان قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم».

ورواية أحمد بن محمد (٢) قال «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل قدم من سفر في شهر رمضان ولم يطعم شيئا قبل الزوال؟ قال يصوم».

ورواية يونس (٣) قال وقال : «في المسافر يدخل أهله وهو جنب قبل الزوال ولم يكن أكل فعليه أن يتم صومه ولا قضاء عليه. يعني إذا كانت جنابته من احتلام».

والظاهر ان قوله «يعنى» من كلام يونس.

ورواه في الفقيه عن يونس بن عبد الرحمن عن موسى بن جعفر عليه‌السلام (٤) انه قال : في المسافر. الحديث مثله.

وموثقة سماعة (٥) قال : «سألته عن الرجل كيف يصنع إذا أراد السفر؟. الى

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ ممن يصح منه الصوم ، وآخره هكذا «فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به».

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٦ ممن يصح منه الصوم.


أن قال : ان قدم بعد زوال الشمس أفطر ولا يأكل ظاهرا وان قدم من سفره قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم ان شاء».

إلا انه قد روى الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يقدم من سفره في شهر رمضان فيدخل أهله حين يصبح أو ارتفاع النهار؟ قال : إذا طلع الفجر وهو خارج ولم يدخل أهله فهو بالخيار ان شاء صام وان شاء أفطر».

وعن رفاعة بن موسى في الحسن (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقدم في شهر رمضان من سفر فيرى انه سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار؟ فقال : إذا طلع الفجر وهو خارج ولم يدخل أهله فهو بالخيار ان شاء صام وان شاء أفطر».

وظاهر هذين الخبرين ان المدار في وجوب الصوم وعدمه في هذه الصورة على دخول البلد قبل الگفجر وعدمه فان دخل قبل الفجر وجب عليه الصوم وان دخل بعد الفجر كان بالخيار بين الصوم وعدمه.

وأصرح منهما في ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) في حديث قال : «فإذا دخل أرضا قبل طلوع الفجر وهو يريد الإقامة بها فعليه صوم ذلك اليوم وان دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه وان شاء صام».

ولم أقف على قائل بذلك بل ظاهر أصحابنا الاتفاق على ما قدمنا ذكره من الاعتبار في الوجوب وعدمه بالزوال لا بطلوع الفجر ، وظاهر ما نقله في المنتهى عن العامة أيضا ذلك (٤).

وجملة من أصحابنا قد نقلوا الخبرين الأولين وحملوهما على التخيير خارج البلد

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٦ ممن يصح منه الصوم.

(٤) نقل في المغني ج ٣ ص ١٠٠ عن احمد قولين في جواز الإفطار في اليوم الذي يسافر فيه من دون تفصيل بين الزوال وعدمه.


بمعنى ان من علم انه يصل البلد قبل الظهر فهو بالخيار ان شاء أفطر قبل الدخول وان شاء أمسك حتى يدخل فيجب عليه الصيام. وهو جيد. واحتمال التخيير الى بعد الدخول وان أمكن نظرا إلى الإطلاق إلا انه يجب العمل على ما ذكروه جمعا بين هذين الخبرين وبين ما تقدم من الاخبار. إلا ان اعتبار هذا المعنى بعيد في الرواية الثالثة فإنها كالصريحة في التخيير بعد الدخول ، ويمكن ارتكاب التأويل فيها ايضا وان بعد بحمل قوله «وان دخل بعد طلوع الفجر» على معنى «وان أراد الدخول» مثل قوله عزوجل (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) (١) أي إذا أردتم القيام ، وقوله سبحانه (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) (٢).

وكيف كان فلا يخفى ان الترجيح ثابت للأخبار الأولة من وجوه : أحدها ـ كونها نصا في المطلوب وما قابلها ممكن الحمل عليها بما ذكرناه وان تفاوت في بعضها قربا وبعدا. وثانيها ـ اعتضادها بعمل الطائفة بل عمل جميع العلماء من الطرفين كما أشرنا اليه. وثالثها ـ انه مع العمل بالأخبار الأولة يمكن حمل هذه الأخبار عليها ومع العمل بهذه الأخبار يلزم طرح الأخبار الأولة مع صراحتها ، والعمل بالدليلين مهما أمكن أولى من طرح أحدهما. ورابعها ـ انها أوفق بالاحتياط الذي هو أحد المرجحات الشرعية عند اختلاف الاخبار فيجب المصير الى العمل بها.

ثم انه ينبغي أن يعلم ان المراد بالقدوم المبنى عليه الحكم المذكور هو تجاوز محل الترخص داخلا على القول المشهور ودخول المنزل على القول الآخر وهو الأشهر من الروايات.

واما الحكم الثاني فيدل عليه جملة من الاخبار : منها ـ موثقة سماعة (٣) قال : «سألته عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس وقد أكل؟ قال : لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئا ولا يواقع في شهر رمضان ان كان له أهل».

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٩.

(٢) سورة النحل الآية ١٠١.

(٣) الوسائل الباب ٧ ممن يصح منه الصوم.


ورواية يونس (١) قال قال : «في المسافر الذي يدخل أهله في شهر رمضان وقد أكل قبل دخوله؟ قال : يكف عن الأكل بقية يومه وعليه القضاء. الحديث».

وما تقدم في حديثي الزهري والفقه الرضوي (٢) حيث قالا (عليهما‌السلام) «واما صوم التأديب. الى أن قالا. وكذلك المسافر إذا أكل أول النهار ثم قدم أهله أمر بالإمساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض».

وهذه الأخبار وان اختصت بمن أكل قبل دخوله ولم يذكر فيها حكم من دخل بعد الزوال ولم يتناول إلا انه مفهوم منها بطريق الأولوية ، لأنه قد علم بالأخبار المتقدمة ان من دخل بعد الزوال فهو مفطر يجب عليه القضاء فإذا استحب له الإمساك تشبها بالصائمين لمن أكل فمن لم يأكل أولى بذلك البتة ، وهذه الاخبار خرجت مخرج الغالب في أن المفطر لا يبقى بلا أكل الى ما بعد الزوال غالبا.

واما ما ورد في موثقة محمد بن مسلم (٣) ـ قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقدم من سفره بعد العصر في شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض أيواقعها؟ قال : لا بأس به». ـ فهو غير مناف لاستحباب الإمساك.

المسألة الثالثة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الوقت الموجب للقصر على المسافر ، فقال الشيخ المفيد : ان خرج من منزله قبل الزوال وجب عليه الإفطار والقصر في الصلاة وان خرج بعد الزوال وجب عليه الإتمام في الصيام والقصر في الصلاة. وهو اختيار ابن الجنيد واليه ذهب العلامة في المختلف وبه صرح أيضا في كتاب المنتهى.

وقال في المقنع : وإذا سافر قبل الزوال فليقصر وإذا خرج بعد الزوال فليصم ، وروى ان من خرج بعد الزوال فليقصر وليقض ذلك اليوم ، وهو

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٧ ممن يصح منه الصوم.

(٢) ص ٦ وفي الوسائل الباب ٧ ممن يصح منه الصوم.


راجع الى كلام الشيخ المفيد.

وقال الشيخ في النهاية : إذا خرج الى السفر بعد طلوع الفجر أى وقت كان من النهار وكان قد بيت نيته من الليل للسفر وجب عليه الإفطار ، وان لم يكن قد بيت نيته من الليل ثم خرج بعد طلوع الفجر كان عليه إتمام ذلك اليوم وليس عليه قضاؤه ، وان خرج قبل طلوع الفجر وجب عليه الإفطار على كل حال وكان عليه القضاء ، ومتى بيت نية السفر من الليل ولم يتفق له الخروج إلا بعد الزوال كان عليه أن يمسك بقية النهار وكان عليه القضاء. والى ذلك مال ابن البراج.

والمستفاد من كلام النهاية ان المعتبر في جواز الإفطار تبييت نية السفر والخروج قبل الزوال وانه مع تبييت النية والخروج بعد الزوال يجب عليه الإمساك والقضاء.

وذهب المرتضى وقبله على بن بابويه في رسالته وابن ابى عقيل وابن إدريس الى أن شرائط قصر الصلاة والصوم واحد فمن سافر في جزء من اجزاء النهار وان كان يسيرا لزمه الإفطار كما يلزمه تقصير الصلاة ، قال ابن بابويه في رسالته على ما نقله في المختلف : إذا خرجت في سفر وعليك بقية يوم فأفطر. وقال المرتضى : شروط السفر التي توجب الإفطار ولا يجوز معها صوم شهر رمضان في المسافة والصفة وغير ذلك هي الشروط التي ذكرناها في كتاب الصلاة الموجبة لقصرها. ونحوه عبارة ابن ابى عقيل وابن إدريس.

فتلخص ان في المسألة أقوالا ثلاثة : أحدها ـ الاعتبار بالزوال فان خرج قبله وجب الإفطار وان كان بعده وجب الصيام. وثانيها ـ الاعتبار بتبييت النية وعدمه. وثالثها ـ انه كالصلاة فيجب الإفطار في أي جزء خرج من النهار.

والسبب في اختلاف هذه الأقوال هو اختلاف الاخبار في المسألة وها أنا اذكر جميعها لتحصيل الإحاطة :


فمنها ـ صحيحة الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) «انه سئل عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر وهو صائم؟ فقال : ان خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم وان خرج بعد الزوال فليتم يومه».

وموثقة عبيد بن زرارة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «إذا خرج الرجل في شهر رمضان بعد الزوال أتم الصيام ، وإذا خرج قبل الزوال أفطر».

وحسنة عبيد بن زرارة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «في الرجل يسافر في شهر رمضان يصوم أو يفطر؟ قال : ان خرج قبل الزوال فليفطر وان خرج بعد الزوال فليصم. قال ويعرف ذلك بقول على عليه‌السلام : أصوم وأفطر حتى إذا زالت الشمس عزم علي. يعنى الصيام».

وصحيحة محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به من شهر رمضان».

وهذه الاخبار كما ترى صريحة في مذهب الشيخ المفيد ومن تبعه وان كانت الأخيرة إنما دلت بمنطوقها على بعض المدعى إلا انها تدل بالمفهوم على البعض الآخر.

ومنها ـ رواية عبد الأعلى مولى آل سام (٥) «في الرجل يريد السفر في شهر رمضان؟ قال يفطر وان خرج قبل ان تغيب الشمس بقليل».

وما رواه في المقنع مرسلا (٦) قال : «وروى ان من خرج بعد الزوال فليفطر وليقض ذلك اليوم».

وما في الفقه الرضوي (٧) حيث قال عليه‌السلام : فإذا قدمت من السفر وعليك بقية يوم فأمسك من الطعام والشراب الى الليل ، فان خرجت في سفر وعليك بقية يوم فأفطر ، وكل من وجب عليه التقصير في السفر فعليه الإفطار وكل من وجب عليه التمام في الصلاة فعليه الصيام ، متى ما أتم صام ومتى ما قصر أفطر. انتهى.

__________________

(و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٥ ممن يصح منه الصوم.

(٧) ص ٢٥.


وهذه الأخبار صريحة في مذهب الشيخ على بن بابويه ومن تبعه ولا سيما عبارة كتاب الفقه لتكرر هذا الحكم في كلامه ، ومنه أخذ الشيخ على بن بابويه عبارته في الرسالة على عادته المتكررة كما نبهت عليه في غير مقام.

ويؤيد هذه الاخبار ظاهر الآية وهي قوله عزوجل (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (١) لصدقه على من خرج ولو قبل المغرب بشي‌ء يسير.

ويؤيده أيضا قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن وهب (٢) «إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت».

وقوله عليه‌السلام في موثقة سماعة (٣) في حديث «وليس يفترق التقصير والإفطار فمن قصر فليفطر».

وما رواه الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان مرسلا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «من سافر قصر وأفطر إلا أن يكون رجلا سفره الى صيد أو في معصية الله». وروى هذه الرواية أيضا المشايخ الثلاثة كما هنا وزيادة (٥).

ومنها ـ رواية على بن يقطين عن ابى الحسن موسى عليه‌السلام (٦) «في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله؟ قال : إذا حدث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله وان لم يحدث نفسه من الليل ثم بدا له في السفر من يومه أتم صومه».

ورواية أبي بصير (٧) قال : «إذا خرجت بعد طلوع الفجر ولم تنو السفر من الليل فأتم الصوم واعتد به من شهر رمضان».

ورواية أبي بصير أيضا (٨) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إذا أردت السفر في شهر رمضان فنويت الخروج من الليل فان خرجت قبل الفجر أو

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨٢.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٤ ممن يصح منه الصوم.

(٥) الوسائل الباب ٨ من صلاة المسافر.

(٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ٥ ممن يصح منه الصوم.


بعده فأنت مفطر وعليك قضاء ذلك اليوم».

ورواية سليمان بن جعفر الجعفري (١) قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الرجل ينوي السفر في شهر رمضان فيخرج من أهله بعد ما يصبح؟ قال إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم إلا أن يدلج دلجة».

وصحيحة صفوان عن الرضا عليه‌السلام (٢) في حديث قال : «ولو انه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا وجائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا والإفطار ، فإن هو أصبح ولم ينو السفر فبدا له من بعد ان أصبح في السفر قصر ولم يفطر يومه ذلك».

وبهذه الأخبار أخذ الشيخ وأفتى في النهاية ومثله في التهذيب حيث قال : ومتى خرج الإنسان إلى السفر بعد ما أصبح فإن كان قد نوى السفر من الليل لزمه الإفطار وان لم يكن نواه من الليل وجب عليه صوم ذلك اليوم ، وان خرج قبل طلوع الفجر وجب عليه أيضا الإفطار وان لم يكن قد نوى السفر من الليل. ثم قال بعد نقل حسنة الحلبي وصحيحة محمد بن مسلم الدالتين على مذهب الشيخ المفيد : الوجه في هذين الخبرين وما يجرى مجراهما انه إذا خرج قبل الزوال وجب عليه الإفطار ان كان قد نوى من الليل السفر وإذا خرج بعد الزوال فإنه يستحب له أن يتم صومه ذلك فإن أفطر فليس عليه شي‌ء ، وان لم يكن قد نوى السفر من الليل فلا يجوز له الإفطار على وجه. وحاصل جوابه عن الروايات المذكورة تقييد وجوب الإفطار فيها بالخروج قبل الزوال بتبييت النية ليلا وحمل الوجوب بالخروج بعد الزوال على الاستحباب.

ومنها ـ موثقة رفاعة (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح؟ قال : يتم صومه ذلك».

وموثقة سماعة (٤) قال : «سألته عن الرجل كيف يصنع إذا أراد السفر؟ قال : إذا طلع الفجر ولم يشخص فعليه صيام ذلك اليوم ، وان خرج من أهله قبل طلوع

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٥ ممن يصح منه الصوم.


الفجر فليفطر ولا صيام عليه».

وروايته ايضا (١) قال «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من أراد السفر في رمضان فطلع الفجر وهو في أهله فعليه صيام ذلك اليوم وإذا سافر لا ينبغي أن يفطر ذلك اليوم وحده ، وليس يفترق التقصير والإفطار فمن قصر فليفطر».

وهذه الروايات الثلاث يمكن حملها على مذهب الشيخ لقوله بوجوب الصوم على من لم يبيت نية السفر بحمل إطلاقها على عدم تبييت نية السفر.

إلا انه ينافيها في ذلك صحيحة رفاعة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يريد السفر في رمضان؟ قال : إذا أصبح في بلده ثم خرج فان شاء صام وان شاء أفطر».

هذا ما وقفت عليه من روايات المسألة ولا يخفى ما هي عليه من التدافع والتنافي ، والسيد السند في المدارك اعتمد على مذهب الشيخ المفيد لصحة رواياته باصطلاحهم لانه (قدس‌سره) كما عرفت يدور مدار صحة الأسانيد. ثم انه لما كانت صحيحة رفاعة دالة على التخيير مطلقا قال : ولو قيل بالتخيير مطلقا كما هو ظاهر الرواية لم يكن بعيدا وبذلك يحصل الجمع بين الأخبار.

وبالجملة فإن من يقتصر في العمل على الأخبار الصحيحة فلا ريب في ترجيح مذهب الشيخ المفيد عنده واما من يحكم بصحة الأخبار كملا فالجمع بينها عنده لا يخلو من الإشكال.

إلا انه يمكن أن يقال بتوفيق الملك المتعال ان ما دل على مذهب الشيخ في النهاية من الاخبار التي أوردناها لا يبعد حملها على التقية التي هي في اختلاف الأحكام أصل كل بلية ، وذلك ان العلامة في المنتهى بعد أن نقل خلاف علمائنا (رضوان الله عليهم) في المسألة قال ما صورته : اما الجمهور فقد قال الشافعي إذا نوى المقيم الصوم قبل الفجر ثم خرج بعد الفجر مسافرا لم يفطر يومه ، وبه قال أبو حنيفة

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥ ممن يصح منه الصوم.


ومالك والأوزاعي وأبو ثور واختاره النخعي ومكحول والزهري (١) انتهى. وهذا الكلام ظاهر في اشتراط تبييت نية الصوم في وجوب الإفطار كما هو قول الشيخ وإيجاب الصوم على من لم يكن كذلك وانما كان في نيته صوم ذلك اليوم فإنه إذا أصبح بهذه النية وجب عليه الصوم وان سافر وهذا هو الذي صرح به الشيخ كما تقدم نقله عنه. ثم نقل في المختلف (٢) عن الشافعي انه احتج بان الصوم عبادة تختلف بالسفر والحضر فإذا اجتمع فيها السفر والحضر غلب حكم الحضر (٣) انتهى. وهو يشير إلى انه مع نية الصيام ليلا والإصباح على تلك النية غالب على حصول السفر بعد ذلك فيجب عليه الصيام وان سافر بخلاف ما إذا نوى السفر ليلا وأصبح بهذه النية فإنه في حكم المسافر.

وبالجملة فالحمل على التقية في هذه الأخبار ظاهر وان لم يتعرض إليه أحد في ما أعلم لاعراضهم (رضوان الله عليهم) عن الترجيح بين الاخبار بالقواعد المروية عن الأئمة الأطهار (عليهم‌السلام) كما عرفته في غير موضع من ما تقدم.

بقي الكلام في أدلة القولين الآخرين والظاهر هو ترجيح أدلة شيخنا المفيد لصحتها كما عرفت وصراحتها ، واما أدلة قول الشيخ على بن بابويه ومن تبعه فهو ما بين عام وخاص ، اما العام فيمكن تقييده وتخصيصه بهذه الأدلة ، واما الخاص فهو لا يبلغ قوة في معارضة تلك الأخبار لما عرفت من صحتها وصراحتها وكثرتها الموجب لترجيحها.

وكيف كان فالاحتياط من ما لا ينبغي تركه في أمثال هذه المقامات وهو هنا يحصل بتبييت النية ثم الخروج قبل الزوال فإنه يجب الإفطار على جميع الأقوال وعليه تجتمع الأخبار الواردة في هذا المجال. والله العالم.

المسألة الرابعة ـ قال ابن أبى عقيل على ما نقل عنه في المختلف : ان خرج متنزها أو متلذذا أو في شي‌ء من أبواب المعاصي يصوم وليس له أن يفطر وعليه القضاء

__________________

(١ و ٣) المغني ج ٣ ص ١٠٠.

(٢) الصحيح (المنتهى).


إذا رجع الى الحضر ، لان صومه في السفر ليس بصوم وإنما أمر بالإمساك عن الإفطار لئلا يكون مفطرا في شهر رمضان في غير الوجه الذي أباح الله (عزوجل) له الإفطار فيه كما ان المفطر في يوم من شهر رمضان عامدا قد أفسد صومه وعليه أن يتم صومه ذلك الى الليل لئلا يكون مفطرا في غير الوجه الذي أمر الله (عزوجل) فيه بالإفطار. ونحوه قال ابن الجنيد وهو غريب.

قال في المختلف : والمشهور انه يجب عليه الصوم إذا كان سفره معصية ولا يجب عليه القضاء. ثم استدل بالأمر بالصوم وقد امتثل فيخرج عن العهدة وان القضاء إنما يجب بأمر جديد. وهو جيد.

ثم انه نقل عن ابن الجنيد في مقام آخر انه قال : ولا استحب لمن دخل عليه شهر رمضان وهو مقيم أن يخرج الى سفر إلا أن يكون لفرض حج أو عمرة أو ما يتقرب به الى الله (عزوجل) أو منفعة نفسه وماله لا في تكاثر وتفاخر فان خرج في ذلك أو في معصية الله (عزوجل) لم يفطر في سفره وكان عليه مع صيامه فيه القضاء.

ثم قال في المختلف : وقد بينا ان المشهور وجوب الصيام في المعصية وعدم وجوب القضاء ، واما الخروج للتنزه والتلذذ فان كان مباحا وجب الإفطار والقضاء وإلا وجب الصوم دون القضاء ، لنا الأصل إباحة السفر في المباح فيجب القصر في الصوم. ثم نقل عنهما الاحتجاج برواية أبي بصير الدالة على المنع من السفر في شهر رمضان وستأتي في المسألة الآتية (١) وأجاب عنها بعد الطعن في السند بالحمل على الاستحباب.

المسألة الخامسة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز السفر في شهر رمضان وان كان على كراهة الى أن يمضى من الشهر ثلاثة وعشرون يوما ، ونقل عن ابى الصلاح انه قال إذا دخل الشهر على حاضر لم يحل له السفر مختارا.

__________________

(١) ص ٤١١.


والمعتمد القول المشهور للأخبار الكثيرة ، إلا ان ظاهرها الاختلاف في الأفضلية في بعض المواضع وان السفر في بعضها أفضل من الصيام فإطلاق القول بأفضلية الصيام وكراهة السفر من ما لا وجه له.

فمن الأخبار المشار إليها ما رواه الصدوق في الصحيح عن العلاء عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (١) «انه سئل عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان وهو مقيم وقد مضى منه أيام؟ فقال : لا بأس بأن يسافر ويفطر ولا يصوم».

قال ابن بابويه : وقد روى ذلك ابان بن عثمان عن الصادق عليه‌السلام (٢). وطريقه الى ابان في المشيخة صحيح فيكون الخبر صحيحا.

وما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) «في الرجل يشيع أخاه مسيرة يوم أو يومين أو ثلاثة؟ قال : ان كان في شهر رمضان فليفطر. قلت أيما أفضل يصوم أو يشيعه؟ قال : يشيعه ان الله (عزوجل) قد وضعه عنه». وروى الصدوق مرسلا نحوا منه (٤).

وما رواه الصدوق عن الوشاء عن حماد بن عثمان في الحسن (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل من أصحابي قد جاءني خبره من الأعوص وذلك في شهر رمضان أتلقاه وأفطر؟ قال نعم. قلت أتلقاه وأفطر أو أقيم وأصوم؟ قال تلقاه وأفطر».

وما رواه الكليني في الموثق عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٦) قال : «قلت الرجل يشيع أخاه في شهر رمضان اليوم واليومين؟ قال يفطر ويقضى. قيل له فذلك أفضل أو يقيم ولا يشيعه؟ قال يشيعه ويفطر فان ذلك حق عليه».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣ ممن يصح منه الصوم.

(٢) الوسائل الباب ٣ ممن يصح منه الصوم.

(٣) الفروع ج ١ ص ١٩٨ وفي الوسائل الباب ١٠ من صلاة المسافر.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٠ من صلاة المسافر.


وما رواه في المقنع مرسلا (١) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشيع أخاه مسيرة يومين أو ثلاثة؟ فقال ان كان في شهر رمضان فليفطر. قلت أيهما أفضل يصوم أو يشيعه؟ قال يشيعه ان الله قد وضع عنه الصوم إذا شيعه».

وقد ورد بإزاء هذه الأخبار ما يدل على أفضلية الإقامة : ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن الرجل يدخل شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحا ثم يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان ان يسافر؟ فسكت فسألته غير مرة فقال يقيم أفضل إلا أن تكون له حاجة لا بد له من الخروج فيها أو يتخوف على ماله».

وما رواه الشيخ عن أبى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «قلت له جعلت فداك يدخل على شهر رمضان فأصوم بعضه فتحضرني نية زيارة قبر أبى عبد الله عليه‌السلام فأزوره وأفطر ذاهبا وجائيا أو أقيم حتى أفطر وأزوره بعد ما أفطر بيوم أو يومين؟ فقال أقم حتى تفطر. قلت له جعلت فداك فهو أفضل؟ قال نعم اما تقرأ في كتاب الله عزوجل (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (٤)».

وما رواه أيضا في التهذيب عن محمد بن الفضل البغدادي (٥) قال : «كتبت الى أبى الحسن العسكري عليه‌السلام جعلت فداك يدخل شهر رمضان على الرجل فيقع بقلبه زيارة الحسين عليه‌السلام وزيارة أبيك ببغداد فيقيم في منزله حتى يخرج عنه شهر رمضان ثم يزورهم أو يخرج في شهر رمضان ويفطر؟ فكتب عليه‌السلام : لشهر رمضان من الفضل والأجر ما ليس لغيره من الشهور فإذا دخل فهو المأثور».

وروى ابن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب مسائل الرجل ومكاتباتهم

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من صلاة المسافر والباب ٣ ممن يصح منه الصوم.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣ ممن يصح منه الصوم.

(٤) سورة البقرة الآية ١٨٢.

(٥) الوسائل الباب ٩١ من أبواب المزار.


الى مولانا أبى الحسن على بن محمد (عليهما‌السلام) من مسائل داود الصرمي (١) قال : «سألته عن زيارة الحسين وزيارة آبائه (عليهم‌السلام) في شهر رمضان نزورهم؟ فقال : لرمضان من الفضل وعظيم الأجر ما ليس لغيره فإذا دخل فهو المأثور والصيام فيه أفضل من قضائه ، وإذا حضر فهو مأثور ينبغي أن يكون مأثورا».

وما رواه الشيخ عن الحسين بن المختار في القوى عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال «لا تخرج في رمضان إلا للحج أو العمرة أو مال تخاف عليه الفوت أو لزرع يحين حصاده».

وما رواه المشايخ الثلاثة عن ابى بصير (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخروج إذا دخل شهر رمضان فقال لا إلا في ما أخبرك به : خروج إلى مكة أو غزو في سبيل الله أو مال تخاف هلاكه أو أخ تريد وداعه ، وانه ليس أخا من الأب والام». وفي التهذيب والفقيه (٤) «أو أخ تخاف هلاكه».

ويمكن أن يكون هذا الخبر هو مستند ابى الصلاح في ما تقدم نقله عنه من القول بالتحريم إلا انه لم يستثن ما استثناه عليه‌السلام في الخبر المذكور.

وما رواه الشيخ عن على بن أسباط عن رجل عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «إذا دخل شهر رمضان فلله فيه شرط قال الله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (٦) فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان ان يخرج إلا في حج أو عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه ، وليس له أن يخرج في إتلاف مال أخيه ، فإذا مضت ليلة ثلاث وعشرين فليخرج حيث شاء».

وهذا الخبر هو المستند في ما تقدم من انتفاء الكراهة بعد ليلة ثلاث وعشرين كما ذكروه.

__________________

(١) الوسائل الباب ٩١ من أبواب المزار.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٣ ممن يصح منه الصوم.

(٦) سورة البقرة الآية ١٨٢.


والذي يتلخص من مجموع هذه الأخبار وضم بعضها الى بعض هو جواز السفر على كراهة إلا في المواضع المستثناة. إلا أن في عدم استثناء زيارة الحسين (عليه‌السلام) كما دل عليه خبر أبى بصير وخبر محمد بن الفضل وخبر السرائر إشكالا ، إذ لا تقصر عن بعض هذه المستثنيات ان لم تزد عليها. ولا يبعد حمل الأخبار المذكورة على التقية.

والعجب من جمود صاحب الوسائل على العمل بخبري محمد بن الفضل والسرائر حيث لم يذكر غيرهما مع معلومية رجحان زيارة الحسين (عليه‌السلام) على استحباب التشييع الذي تكاثرت به الاخبار المتقدمة من ما لا يخفى على العارف. والله العالم.

المسألة السادسة ـ قد تقدم في المسألة الثالثة من الاخبار ما يدل على التلازم بين قصر الصوم والصلاة مثل قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن وهب (١) «هما واحد إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت». ونحوها من الأخبار المتقدمة وبذلك صرح الأصحاب من غير خلاف يعرف إلا من الشيخ في النهاية والمبسوط حيث نقل عنه ان من سافر لصيد التجارة قصر صومه وأتم صلاته ، قال في المعتبر : ونحن نطالبه بدلالة الفرق ونقول ان كان مباحا قصر فيهما وإلا أتم فيهما.

أقول : ما ذكره الشيخ (قدس‌سره) من الحكم المذكور وان لم يصل إلينا دليله في الأخبار الواردة في الكتب المشهورة إلا انه مذكور في الفقه الرضوي في كتاب الصلاة حيث قال (عليه‌السلام) (٢) «وإذا كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة والقصر في الصوم». إلا انه (عليه‌السلام) في كتاب الصوم نسب ذلك الى الرواية حيث قال (٣) والذي يلزمه التمام للصلاة والصوم في السفر المكاري والبريد والراعي والملاح لانه عملهم ، وصاحب الصيد ان كان صيده بطرا فعليه التمام في

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ ممن يصح منه الصوم.

(٢) ص ١٦.

(٣) ص ٢٥.


الصلاة والصوم وان كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة والصوم ، وروى ان عليه الإفطار في الصوم ، وإذا كان صيده من ما يعود به على عياله فعليه التقصير في الصلاة والصوم لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله. انتهى.

وأنت خبير بأن أصحابنا (رضوان الله عليهم) قد أعادوا الكلام بالنسبة الى ما ذكروه في كتاب الصلاة من الأحكام الموجبة للتقصير على المسافر في الصلاة في كتاب الصوم مثل اشتراط المسافة وبيان مقدارها وبيان محل الترخص وأحكام كثير السفر ونحو ذلك ، ونحن لم نتعرض لذلك في الكتاب اعتمادا على ما تقدم في كتاب الصلاة.

المسألة السابعة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حكم الجماع لمن ساغ له الإفطار في نهار شهر رمضان فالمشهور بين الأصحاب هو الجواز على كراهة وذهب الشيخ (قدس‌سره) الى التحريم.

ويدل على الأول صحيحة عمر بن يزيد (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يسافر في شهر رمضان إله أن يصيب من النساء؟ قال : نعم».

ورواية عبد الملك بن عتبة الهاشمي (٢) قال : «سألت أبا الحسن ـ يعنى موسى (عليه‌السلام) ـ عن الرجل يجامع أهله في السفر وهو في شهر رمضان قال لا بأس به».

وصحيحة على بن الحكم (٣) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يجامع أهله في السفر في شهر رمضان؟ فقال : لا بأس به».

ورواية محمد بن سهل عن أبيه (٤) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل أتى أهله في شهر رمضان وهو مسافر؟ فقال : لا بأس».

ورواية محمد بن مسلم (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يقدم من سفر بعد العصر في شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت من

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٣ ممن يصح منه الصوم.


الحيض أيواقعها؟ قال : لا بأس به».

وموثقة داود بن الحصين (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يسافر في شهر رمضان ومعه جارية أيقع عليها؟ قال نعم».

ورواية أبي العباس عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في الرجل يسافر ومعه جارية في شهر رمضان هل يقع عليها؟ قال : نعم».

ويدل على ما ذهب اليه الشيخ صحيحة ابن سنان (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يسافر في شهر رمضان ومعه جارية له فله ان يصيب منها بالنهار؟ فقال سبحان الله اما يعرف حرمة شهر رمضان؟ ان له في الليل سبحا طويلا (٤) قلت أليس له أن يأكل ويشرب؟ فقال ان الله تعالى قد رخص للمسافر في الإفطار والتقصير رحمة وتخفيفا لموضع التعب والنصب ووعث السفر ولم يرخص له في مجامعة النساء في السفر بالنهار في شهر رمضان ، وأوجب عليه قضاء الصيام ولم يوجب عليه قضاء تمام الصلاة إذا آب من سفره. ثم قال : والسنة لا تقاس وانى إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل إلا القوت وما أشرب كل الري».

ورواية عبد الله بن سنان (٥) قال : «سألته عن الرجل يأتي جاريته في شهر رمضان بالنهار في السفر؟ فقال : اما عرف هذا حق شهر رمضان؟ ان له في الليل سبحا طويلا (٦)».

ورواية محمد بن مسلم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٧) قال : «إذا سافر الرجل في شهر رمضان فلا يقرب النساء بالنهار في شهر رمضان فان ذلك محرم عليه».

وجمع الشيخ بين الاخبار بحمل ما تضمن الاذن في الوطء على من غلبته الشهوة ولم يتمكن من الصبر عليها ويخاف على نفسه الدخول في محظور فاما من يقدر على الصبر فليس له ذلك. ثم قال : ان حديث عمر بن يزيد ونحوه ليس فيه تعرض

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥ و ٧) الوسائل الباب ١٣ ممن يصح منه الصوم.

(٤ و ٦) اقتباس من قوله تعالى في سورة المزمل الآية ٨ (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً).


لذكر النهار فيحمل على ارادة الليل. ورد المتأخرون كلامه بالبعد.

والأصحاب قد جمعوا بين الأخبار بحمل أدلة الشيخ على الكراهة المغلظة :

قال في الكافي : الفضل عندي أن يوقر الرجل شهر رمضان ويمسك عن النساء في السفر بالنهار إلا أن يكون يغلبه الشبق ويخاف على نفسه ، وقد رخص له أن يأتي الحلال كما رخص للمسافر الذي لا يجد الماء إذا غلبه الشبق أن يأتي الحلال ، قال : ويؤجر في ذلك كما انه إذا أتى الحرام اثم. وقال في الفقيه : النهى عن الجماع للمقصر في السفر انما هو نهى كراهة لا نهى تحريم. قال في الوافي : ويشبه أن يكون الحكم بالجواز ورد مورد التقية والاحتياط هنا من ما لا ينبغي تركه. انتهى.

أقول : قد عرفت بما قدمنا في غير موضع ما في الجمع بين الاخبار بالحمل على الكراهة والاستحباب وان اشتهر ذلك وصار قاعدة كلية بين الأصحاب ، ولا سيما صحيحة ابن سنان المذكورة ورواية محمد بن مسلم فإنهما صريحتان في التحريم خصوصا صحيحة ابن سنان من نسبته عليه‌السلام حمل الجماع على الأكل والشرب على القياس وقوله عليه‌السلام : «ان السنة لا تقاس» بمعنى ان تحليل الأكل والشرب لا يستلزم تحليل الجماع كما ان الشارع أوجب على المسافر قضاء الصوم ولم يوجب عليه قضاء تمام الصلاة مع اشتراكهما في الفوات بالسفر.

والأظهر عندي حمل هذه الأخبار التي استدل بها الشيخ على التقية ، والعامة وان كانوا هنا على قولين ايضا فمذهب الشافعي كما نقله في المنتهى موافق للقول المشهور ومذهب احمد موافق لمذهب الشيخ (١) إلا انه لما كان أصحابنا (رضوان الله عليهم) متقدموهم ومتأخروهم عدا الشيخ على القول بالجواز عملا بالأخبار المتقدمة فإن ذلك يوجب العلم أو الظن المتاخم له بان ذلك هو مذهب الأئمة (عليهم‌السلام) فان مذهبهم إنما يعلم بنقل شيعتهم واتباعهم كما ان مذهب كل امام من أئمة الضلال إنما يعلم بنقل اتباعه وتدينهم به. واما ما ذكره في الوافي من اختيار حمل أخبار الجواز

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ١٠١ و ١٠٢ و ١٣٤.


على التقية فالظاهر بعده لما عرفت. وكيف كان فالاحتياط من ما ينبغي المحافظة عليه.

وقد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) أيضا بأنه يكره التملي لمن ساغ له الإفطار في شهر رمضان واستدلوا عليه بان فيه تشبها بالصائمين وامتناعا من الملاذ طاعة لله تعالى. والاولى الاستدلال عليه بما تقدم في صحيحة ابن سنان من قوله عليه‌السلام : «انى إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل إلا القوت». وفي رواية الفقيه (١) «كل القوت وما أشرب كل الري». والله العالم

المسألة الثامنة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يستحب الإمساك تأديبا وان لم يكن ذلك صياما في مواطن : المسافر إذا قدم أهله أو بلدا يعزم الإقامة فيها بعد الزوال أو قبله وقد أفطر ، والمريض إذا برئ بعد الزوال ، والحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار ، وكذا الكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ والمجنون والمغمى عليه إذا أفاقا.

ويدل على بعض ذلك ما تقدم في حديثي الزهري وكتاب الفقه المذكور في صدر الكتاب (٢) حيث قالا (عليهما‌السلام): «واما صوم التأديب فإنه يؤمر الصبي إذا بلغ سبع سنين بالصوم تأديبا وليس بفرض ، وكذلك من أفطر لعلة أول النهار ثم قوى بقية يومه أمر بالإمساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض ، وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله بقية يومه أمر بالإمساك تأديبا وليس بفرض ، وكذلك الحائض إذا طهرت أمسكت بقية يومها».

وفي موثقة سماعة (٣) قال سألته عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس وقد أكل؟ قال : لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئا ولا يواقع في شهر رمضان ان كان له أهل».

وفي رواية محمد بن عيسى عن يونس (٤) قال قال «في المسافر الذي يدخل أهله في

__________________

(١) ج ٢ ص ٩٣.

(٢) ص ٦ وفي الوسائل الباب ٧ ممن يصح منه الصوم.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٧ ممن يصح منه الصوم.


شهر رمضان وقد أكل قبل دخوله؟ قال : يكف عن الأكل بقية يومه وعليه القضاء».

الى غير ذلك من الأخبار الواردة في المقام.

المسألة التاسعة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حكم الشيخ والشيخة إذا عجزا عن الصيام أو أطاقاه بمشقة شديدة ، فقيل بأنهما يفطران ويتصدقان عن كل يوم بمد من طعام ، ذهب اليه الشيخ وجماعة من الأصحاب وبه صرح العلامة في المنتهى والمحقق في المعتبر واختاره السيد السند في المدارك ، لكنه في النهاية أوجب مدين فان عجز فمد. وقيل بأنهما إذا عجزا عن الصوم فلا كفارة كما انه لا يجب عليهما الصيام فكذا لا تجب الكفارة وان أطاقاه بمشقة وجبت الكفارة وسقط الصيام ، ذهب اليه الشيخ المفيد والسيد المرتضى ونسبه في المنتهى الى أكثر علمائنا وهو مختار العلامة في المختلف والشهيد الثاني. ومرجع الخلاف الى وجوب الكفارة في صورة العجز وعدمه لاتفاق الجميع على الوجوب في صورة المشقة الشديدة.

واستدل على القول الأول بما رواه الكليني والصدوق في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمد من طعام ، ولا قضاء عليهما».

ورواية عبد الملك بن عتبة الهاشمي (٢) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان؟ قال : تصدق عن كل يوم بمد من حنطة».

وهذه الرواية وصفها في المدارك بالصحة تبعا للعلامة في المختلف وهو غفلة منهما فان عبد الملك المذكور مهمل في الرجال لم ينص أحد على توثيقه ولا مدحه وانما الثقة عبد الملك بن عتبة النخعي.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٥ ممن يصح منه الصوم.


وصحيحة الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان؟ فقال : يتصدق بما يجزئ عنه طعام مسكين لكل يوم».

قال في المدارك بعد نقل هذه الاخبار : ولم نقف للمفيد واتباعه على رواية تدل على ما ذكروه من التفصيل ، وقد اعترف بذلك الشيخ في التهذيب فقال بعد أن أورد عبارة المفيد : هذا الذي فصل به بين من يطيق الصيام بمشقة وبين من لا يطيقه أصلا لم أجد به حديثا مفصلا والأحاديث كلها على انه متى عجزا كفرا عنه. والذي حمله على هذا التفصيل هو انه ذهب الى ان الكفارة فرع على وجوب الصوم ، ومن ضعف عن الصيام ضعفا لا يقدر عليه جملة فإنه يسقط عنه وجوبه جملة لانه لا يحسن تكليفه بالصيام وحاله هذه وقد قال الله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها) (٢) قال : وهذا ليس بصحيح لان وجوب الكفارة ليس بمبنى على وجوب الصوم ، إذ لا يمتنع أن يقول الله عزوجل : متى لم تطيقوا الصوم صارت مصلحتكم في الكفارة وسقط وجوب الصوم عنكم. وليس لأحدهما تعلق بالآخر.

قال في المدارك : هذا كلامه (قدس‌سره) وهو جيد لكن ما وجه به كلام المفيد لا وجه له فان التكليف بالصيام كما يسقط مع العجز عنه لإناطة التكليف بالوسع كذا يسقط مع المشقة الشديدة لأن العسر غير مراد لله تعالى. وأيضا فإنه لا خلاف في جواز الإفطار مع المشقة الشديدة وإنما الكلام في وجوب التكفير معه كما هو واضح. انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) من الاستدلال على كلام الشيخ جيد لكن قوله أخيرا ـ إنما الكلام في وجوب التكفير مع جواز الإفطار في صورة المشقة الشديدة ـ ليس بجيد فإنه لا كلام هنا ولا خلاف في وجوب الكفارة في هذه

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ ممن يصح منه الصوم.

(٢) سورة البقرة الآية ٢٨٧.


الصورة إنما الكلام والخلاف في صورة العجز كما أشرنا إليه في صدر الكلام.

ثم نقل (قدس‌سره) عن العلامة في المختلف انه استدل على هذا التفصيل بقول الله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) (١) فإنه يدل بمفهومه على سقوط الفدية عن الذين لا يطيقونه. وبأصالة البراءة من وجوب التكفير مع العجز ومنع دلالة الروايات على الوجوب : اما رواية محمد بن مسلم فلاقتضائها نفى الحرج عنهما على الإفطار ونفى الحرج يفهم منه ثبوت التكليف وانما يتم مع القدرة ، واما روايتا الحلبي وعبد الملك الهاشمي فلأن موردهما من ضعف عن الصوم والضعف لا يستلزم العجز.

ثم قال (قدس‌سره) : ويتوجه عليه ان الآية الشريفة غير محمولة على ظاهرها بل اما منسوخة كما هو قول بعض المفسرين (٢) أو محمولة على ان المراد «وعلى الذين كان يطيقونه ثم عجزوا عنه» كما هو مروي في أخبارنا (٣) واما الروايات فهي بإطلاقها متناولة للحالين فان الضعف عن الصوم يتحقق بالعجز عنه وبالمشقة اللازمة منه وكذا نفى الحرج يتحقق مع الوصفين ، وبالجملة فالأحاديث مطلقة فيجب حملها على إطلاقها. انتهى.

أقول : تحقيق الكلام في المقام يرجع الى تحقيق معنى الآية أولا ثم بيان الكلام في الأخبار المذكورة :

اما الآية فما ذكره فيها من النسخ مبنى على ما قاله بعضهم من انه كان القادر على الصيام الذي لا عذر له في تركه مخيرا بين الصيام وبين الفدية لكل يوم نصف صاع وقيل مد ، وكان ذلك في صدر الإسلام حين فرض عليهم الصيام ولم يتعودا فرخص لهم في الإفطار والفدية ، ثم نسخ ذلك بقوله عزوجل : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨١.

(٢) ارجع الى البيان لآية الله الخوئي ج ١ ص ٢٠٧.

(٣) ص ٤٢٠ رقم ٣.


الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (١). وهذا مع عدم الدليل عليه في أخبارنا مردود بظواهر الأخبار الواردة في تفسير الآية المذكورة كما ستقف عليه في المقام ان شاء الله تعالى.

واما المعنى الآخر الذي ذكره فهو وان ورد في موثقة ابن بكير على رواية الفقيه وابن فضال عن بعض أصحابنا على رواية الكافي (٢) عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «في قول الله عزوجل (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ)؟ (٤) قال : الذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكل يوم مد».

إلا انه قد روى ثقة الإسلام والشيخ في كتابيهما في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٥) «في قول الله عزوجل (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) (٦)؟ قال : الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش. الحديث».

وروى العياشي في تفسيره (٧) عن سماعة عن ابى بصير قال : «سألته عن قول الله عزوجل (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) (٨)؟ قال : هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع والمريض».

وروى (٩) عن رفاعة عن ابى عبد الله عليه‌السلام «في قول الله عزوجل (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) (١٠)؟ قال : المرأة تخاف على ولدها والشيخ الكبير».

وهذه الاخبار ـ كما ترى ـ قد فسرت «الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ» في الآية بالشيخ الكبير والمريض والمرضع التي تخاف على ولدها فله اللبن من الصيام ، وهي أرجح سندا وعددا ودلالة من الرواية التي اعتمدها.

ويؤيد العمل بظاهر هذه الأخبار أيضا أولا ـ انه مع الحمل على المعنى الذي دلت عليه تلك الرواية يستلزم الحذف والتقدير في الآية كما دل عليه الخبر المذكور والأصل عدمه واما على ما نقلناه من الأخبار فلا.

وثانيا ـ انه يلزم فصل ما ظاهره الوصل في الآية وهو قوله عزوجل : (وَأَنْ

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨٢.

(٢) السند فيه : ابن فضال عن ابن بكير عن بعض أصحابنا.

(٣ و ٥ و ٧ و ٩) الوسائل الباب ١٥ ممن يصح منه الصوم.

(٤ و ٦ و ٨ و ١٠) سورة البقرة الآية ١٨١.


تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) (١) بان يكون كلاما مستأنفا ليس له ربط بما تقدمه أى ان صومكم خير عظيم لكم وظاهر الآية انه مرتبط بما تقدمه.

وتفصيل هذه الجملة هو انه لا يخفى ان المعلوم من الأدلة العقلية والنقلية أنه (عزوجل) لا يكلف نفسا إلا وسعها والوسع لغة دون الطاقة كما صرح به في مجمع البيان وغيره.

وفي التوحيد (٢) عن الصادق عليه‌السلام في حديث طويل قال : «ما أمر الناس إلا بدون سعتهم وكل شي‌ء أمر الناس بأخذه فهم متسعون له وما لا يتسعون له فهو موضوع عنهم ولكن الناس لا خير فيهم».

وفي كتاب الاعتقادات للصدوق (٣) مرسلا عن الصادق عليه‌السلام قال : «ما كلف الله العباد إلا دون ما يطيقون».

وحينئذ فلا تكلف نفس بما هو على قدر طاقتها أى ما يشق عليها تحمله عادة ويعسر عليها ، فالآية دلت على ان الذين يطيقون الصوم كالشيخ والشيخة وذي العطاش ـ يعنى من يكون الصوم على قدر طاقتهم ويكونون معه على مشقة وعسر ـ لم يكلفهم الله تعالى حتما بل خيرهم بينه وبين الفدية توسعة لهم ثم جعل الصوم خيرا لهم من الفدية في الأجر والثواب إذا اختاروه كما قال في مجمع البيان : قوله «وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ» يعنى من الإفطار والفدية.

وبما أوضحناه يظهر ان المراد من الآية هو ان من أمكنه الصوم بمشقة فإنه قد جوز له الإفطار والفدية ولا تعرض فيها للعاجز عنه بالكلية إلا ان كان كما ذكره في المختلف من الدلالة بالمفهوم.

واما الاخبار التي ادعى دلالتها على ذلك بإطلاقها فالظاهر ان المنساق منها

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨١.

(٢) باب الاستطاعة ص ٣٥٨ وفيه «ما أمر العباد».

(٣) باب الاعتقاد في التكليف.


الى الذهن إنما هو خلاف ما ادعاه إذ المنساق من قوله : «يضعف عن صوم شهر رمضان» في رواية عبد الملك وصحيحة الحلبي انما هو حصول المشقة بذلك مع إمكان تحمله لا العجز ، والحرج المنفي في صحيحة محمد بن مسلم هو إمكان الفعل مع المشقة كما في قوله تعالى (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (١) أى مشقة وعسر.

وقد وافقنا في المقام الفاضل الخراساني مع اقتفائه أثره غالبا فقال هنا مشيرا اليه : واستدل بعض الأصحاب على القول بوجوب الكفارة بصحيحة محمد بن مسلم والحلبي ورواية عبد الملك. وفيه نظر لان المتبادر من هذه الروايات غير العاجز بالكلية كما لا يخفى على المتأمل فيها ، على ان قوله : «فان لم يقدرا» في الخبر الأول يحتمل أن يكون المراد به إن لم يقدرا على الصوم أصلا ، وعلى هذا المعنى يوافق قول المفيد ومن تبعه. انتهى. ثم نقل كلام المختلف واعترضه بما قدمنا نقله عن صاحب المدارك واقتفى أثره فيه كما هي عادته وقد عرفت ما فيه. وبالجملة فإن كلام العلامة في المختلف كما قدمنا لا يخلو من قوة.

وقد ظهر من ما حققناه ان مورد الآية والاخبار إنما هو بالنسبة الى من يمكنه الصوم بمشقة فإنه يفطر ويفدى وهذا هو المتفق عليه ، ويبقى وجوب الفدية على العاجز بالكلية عاريا عن الدليل وبه يتأيد قول الشيخ المفيد.

ولم أر من تنبه لما قلناه في معنى الآية إلا المحدث الكاشاني في الصافي والمفاتيح ولا يخفى انه إذا لم يترجح هذا المعنى الذي ذكرناه فلا أقل أن يكون مساويا في الاحتمال لما ذكره وبه يسقط الاستدلال بالأخبار المذكورة. وبذلك صرح في المختلف فقال : ومع قبول الروايات للتأويل يسقط الاستدلال بها فان الدليل متى تطرق اليه الاحتمال سقطت دلالته. انتهى.

إلا انه قد روى الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن إبراهيم بن أبي

__________________

(١) سورة الحج الآية ٧٨.


زياد الكرخي (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل شيخ لا يستطيع القيام الى الخلاء لضعفه ولا يمكنه الركوع والسجود؟ فقال ليومئ برأسه إيماء. الى أن قال : قلت فالصيام؟ قال إذا كان في ذلك الحد فقد وضع الله عنه فان كانت له مقدرة فصدقة مد من طعام بدل كل يوم أحب الى وان لم يكن له يسار ذلك فلا شي‌ء عليه». وهو ظاهر الدلالة على القول المشهور إلا أن تحمل الصدقة في الخبر على الاستحباب بقرينة قوله عليه‌السلام «أحب الى» وفيه ما فيه.

وكيف كان فالاحتياط العمل على القول المشهور.

فوائد

الأولى ـ روى الثقة الجليل على بن إبراهيم القمي في تفسيره (٢) بسنده عن الصادق عليه‌السلام في تفسير الآية المتقدمة «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ» قال من مرض في شهر رمضان فأفطر ثم صح فلم يقض ما فاته حتى جاء شهر رمضان آخر فعليه ان يقضى ويتصدق لكل يوم بمد من طعام. وهذا تفسير ثالث للآية المذكورة. وقد تقدم تحقيق الكلام في ما دل عليه هذا الخبر.

الثانية ـ قد روى الشيخ صحيحة محمد بن مسلم الاولى بلفظ «مدين من طعام» وحمله في الاستبصار على الاستحباب ، وقال في التهذيب ان هذا الخبر ليس بمضاد للأحاديث التي تضمنت مدا من طعام أو إطعام مسكين لان هذا الحكم يختلف بحسب اختلاف أحوال المكلفين فمن أطاق إطعام مدين يلزمه ذلك ومن لم يطق إلا إطعام مد فعليه ذلك ومن لم يقدر على شي‌ء منه فليس عليه شي‌ء حسبما قدمناه. والأظهر وجوب المد مطلقا كما هو المشهور ومع عدم الإمكان فلا شي‌ء عليه.

الثالثة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب القضاء عند

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ ممن يصح منه الصوم.

(٢) سورة البقرة الآية ١٨١ ص ٥٦.


التمكن منه ، ونقل عن الشيخ على بن الحسين بن بابويه عدم الوجوب ، وسيأتي نقل عبارته قريبا.

ويدل على ما ذهب اليه ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم التي في صدر المسألة (١) برواية الشيخين المذكورين من قوله عليه‌السلام : «ولا قضاء عليهما».

وعلى ذلك ايضا يدل كلامه عليه‌السلام في الفقه الرضوي (٢) حيث قال عليه‌السلام : وإذا لم يتهيأ للشيخ أو الشاب المعلول أو المرأة الحامل أن يصوم من العطش أو الجوع أو تخاف المرأة أن يضر بولدها فعليهم جميعا الإفطار ، ويتصدق كل واحد عن كل يوم بمد من طعام وليس عليه القضاء. انتهى.

وهذه العبارة هي مستند الشيخ على بن بابويه إذ هي نفس عبارته الآتية وان كانت الرواية المتقدمة دالة ايضا على ذلك.

قال في المدارك : ومقتضى العبارة وجوب القضاء عليهما مع التمكن كما في ذي العطاش وهو مشكل لإطلاق الرواية المتضمنة للسقوط. انتهى.

أقول : العجب منه (قدس‌سره) انه قدم صحيحة محمد بن مسلم المشتملة على نفى القضاء عنهما وغفل عن الاستدلال بها وإنما استند إلى إطلاق الروايات بالسقوط والرواية صحيحة صريحة في ما يريده. وأعجب من ذلك انه في مسألة ذي العطاش استند إليها في سقوط القضاء ورد على الأصحاب في إيجاب القضاء عليه وهو بعد العبارة الأولى بأربعة أسطر.

الرابعة ـ روى الشيخ في التهذيب بسنده عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «قلت له الشيخ الكبير لا يقدر أن يصوم؟ فقال يصوم عنه بعض ولده. قلت فان لم يكن له ولد؟ قال فادنى قرابته. قلت فان لم يكن له قرابة؟ قال يتصدق بمد في كل يوم فان لم يكن عنده شي‌ء فليس عليه».

__________________

(١) ص ٤١٧.

(٢) ص ٢٥.

(٣) الوسائل الباب ١٥ ممن يصح منه الصوم.


وحمل في الاستبصار صوم الولد والقرابة على الاستحباب وبذلك صرح في المنتهى ، ولو لا إعراض الأصحاب عن العمل بالرواية واتفاقهم على العمل بتلك الأخبار لأمكن القول بتقييد الأخبار المتقدمة بها.

المسألة العاشرة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حكم ذي العطاش ـ وهو بالضم داء لا يروى صاحبه ـ فقيل بأنه يجب عليه الإفطار إذا شق عليه الصيام ويجب عليه التكفير والقضاء مع البرء ، واختاره المحقق في المعتبر والشرائع.

اما وجوب الإفطار فظاهر لان التكليف منوط بالوسع كما عرفت لقوله عزوجل (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها) (١).

واما وجوب الصدقة فلقوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في صدر المسألة السابقة (٢) «يتصدق كل واحد منهما ـ يعنى الشيخ الكبير والذي به العطاش ـ عن كل يوم بمد من طعام».

واما وجوب القضاء فاستدل عليه في المعتبر بأنه مرض وقد زال فيقضى كغيره من الأمراض. أقول : ويؤيده ظاهر الآية (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (٣) الا أن إطلاق صحيحة محمد بن مسلم المشار إليها ينافي ذلك لقوله عليه‌السلام : «ولا قضاء عليهما».

وقيل انه ان كان مرجو الزوال يجب على صاحبه القضاء بعد البرء ولا كفارة وان كان من ما لا يرجى زواله وجبت الكفارة خاصة دون القضاء. اختاره العلامة في جملة من كتبه.

قال في المختلف : ذو العطاش الذي يرجى برؤه ويتوقع زواله يفطر ويقضى مع البرء ، وهل تجب الكفارة؟ قال الشيخ : نعم ، وبه قال سلار وابن البراج وابن حمزة ، وقال المفيد والسيد المرتضى وابن إدريس لا تجب وهو الأقرب ، لنا ـ

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٨٧.

(٢) ص ٤١٧ واللفظ مطابق للفقيه ج ٢ ص ٨٤.

(٣) سورة البقرة الآية ١٨٢.


الأصل براءة الذمة ، ولانه مريض فلا تجب عليه كفارة مع القضاء كغيره. الى ان قال : ولو كان العطاش من ما لا يرجى برؤه قال الشيخ يفطر ولا قضاء عليه وتجب الكفارة ، وبه قال ابن بابويه والسيد المرتضى وابن الجنيد والمفيد وابن إدريس وابن البراج ، وقال سلار لا تجب الكفارة. انتهى.

ومنه يعلم ان ما قدمنا نقله عن العلامة في جملة من كتبه هو مذهب الشيخ المفيد والسيد المرتضى وابن إدريس وان ما نقل عن الشيخ في كلا الشقين هو مذهب المحقق الذي قدمنا نقله عنه ، ومحل الاختلاف بين القولين في وجوب الكفارة مع البرء فأثبتها الشيخ والمحقق ومن معهما ونفاها العلامة ومن تبعه.

وقيل انه متى كان غير مرجو الزوال فلا كفارة ولا قضاء ولو حصل البرء على خلاف الغالب ، اختاره المحقق الشيخ على ، وهو ظاهر المنقول عن سلار.

وإطلاق الخبر المتقدم مدافع لكل من القولين المذكورين فإنه دال على وجوب التكفير مطلقا أعم من أن يرجى برؤه أم لا ونفى القضاء مطلقا أعم من أن يرجى برؤه أم لا ، ولا ريب ان الوقوف على ظاهر الخبر هو الأظهر والاحتياط لا يخفى.

وهل يجب على ذي العطاش الاقتصار من الشرب على ما تندفع به الضرورة أم يجوز له التملي من الشرب وغيره؟

قيل بالأول لرواية عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «في الرجل يصيبه العطش حتى يخاف على نفسه؟ قال : يشرب بقدر ما يمسك رمقه ولا يشرب حتى يروى». وقيل بالثاني وهو خيرة الأكثر لإطلاق صحيحة محمد بن مسلم (٢) وقوله عليه‌السلام : «الشيخ الكبير والذي به العطاش يفطران».

ويمكن ترجيح الثاني بأن مورد الرواية الأولى غير مورد الرواية الثانية.

وكيف كان فالاحتياط في الوقوف على القول الأول.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ ممن يصح منه الصوم.

(٢) ص ٤١٧ وهو نقل بالمعنى.


واما ما رواه الشيخ عن المفضل بن عمر (١) ـ قال «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان لنا فتيانا وشبانا لا يقدرون على الصيام من شدة ما يصيبهم من العطش؟ قال : فليشربوا بقدر ما تروى به نفوسهم وما يحذرون» ، ـ فالظاهر حمله على الصغار الصائمين تمرينا فهو خارج عن محل البحث وان ذكره المحدثون في ضمن اخبار هذه المسألة. والله العالم.

المسألة الحادية عشرة ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو التفصيل بالنسبة إلى الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن بأنهما إن خافا على أنفسهما أفطرتا وعليهما القضاء ولا كفارة كالمريض وكل من خاف على نفسه ، وان خافا على الولد أفطرا وقضيا وكفرا.

قال العلامة في المنتهى : مسألة ـ الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وعليهما القضاء ، وهو قول فقهاء الإسلام ولا كفارة عليهما. الى أن قال : مسألة ـ ولو خافتا على الولد من الصوم فلهما الإفطار أيضا وهو قول علماء الإسلام. ويجب عليهما القضاء إجماعا إلا من سلار من علمائنا ، ويجب عليهما الصدقة عن كل يوم بمد من طعام ، ذهب إليه علماؤنا.

وقال شيخنا الشهيد في الدروس : وتجب الفدية على الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا خافتا على الولد مع القضاء. ثم قال في الفروع : الثاني ـ لو خافت المرأة على نفسها دون ولدها ففي وجوب الفدية وجهان والرواية مطلقة ولكن الأصحاب قيدوا بالولد.

وقال المحقق الشيخ على بن عبد العالي في حواشي الإرشاد عند قول المصنف : الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن وذو العطاش الذي يرجو زواله يفطرون ويقضون مع الصدقة. فكتب المحقق المذكور في الحاشية : أما الحامل المقرب وهي التي قرب زمان وضع حملها والمرضعة القليلة اللبن فإنهما يفطران ويقضيان مع الصدقة عن كل يوم بمد إذا خافتا على الولد فقط اما إذا خافتا على أنفسهما فإنهما يفطران

__________________

(١) التهذيب ج ٤ ص ٢٤٠ وفي الوسائل الباب ١٦ ممن يصح منه الصوم. وفي اللفظ تغيير لا يخل.


ويقضيان ولا كفارة كالمريض وكل من خاف على نفسه. انتهى.

وظاهر المحقق في الشرائع ـ وهو صريحة في المعتبر ـ انهما يفطران ويقضيان ويفديان مطلقا وهو ظاهر عبارة الإرشاد المتقدمة.

وبذلك يظهر لك ما في اعتراض صاحب المدارك هنا على جده (قدس‌سره) حيث قال ـ بعد قول المصنف : الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن يجوز لهما الإفطار في رمضان وتقضيان مع الصدقة عن كل يوم بمد من طعام ـ ما لفظه : إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين أن تخاف الحامل والمرضع على أنفسهما وعلى الولد ، وبهذا التعميم صرح المصنف في المعتبر واستدل عليه بما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان لأنهما لا تطيقان الصوم ، وعليهما أن تتصدق كل واحدة منهما في كل يوم تفطران فيه بمد من طعام ، وعليهما قضاء كل يوم أفطرتا فيه تقضيانه بعد». ثم نقل عن الشافعي قولا بأنهما إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضيتا ولا كفارة (٢) ثم قال : وما ذكره الشافعي لا وجه له مع وجود الأحاديث المطلقة وهو كذلك. ومن العجب ان الشارح (قدس‌سره) جعل هذا التفصيل هو المشهور مع انا لم نقف على مصرح به سوى فخر الدين وبعض من تأخر عنه. الى آخره :

فان فيه ما عرفت من أن ما ذكره جده صحيح لا تعجب منه كما سمعت من كلام من قدمنا ذكره منهم وهو ظاهر لمن تتبع كلامهم في المقام.

نعم عبائر المتقدمين كالشيخ المفيد في المقنعة والشيخ في المبسوط وابن إدريس في السرائر إنما صرحت بالخوف على الولد خاصة فأوجبوا الإفطار والقضاء والفدية في ذلك واما الخوف على أنفسهما فلم يذكروا حكمه ، وكأنهم حملوا الرواية المذكورة

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ ممن يصح منه الصوم.

(٢) المغني ج ٣ ص ١٣٩.


على ذلك وجعلوا حكم الخوف على أنفسهما من قبيل سائر الأمراض كما صرحت به عبائر جملة من المتأخرين وقد تقدم فاستندوا في حكمه الى عموم اخبار المرض مطلقا من وجوب الإفطار والقضاء خاصة.

ويدل على خصوص ذلك ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر (١) نقلا من كتاب مسائل الرجال رواية أحمد بن محمد الجوهري وعبد الله بن جعفر الحميري عن على بن مهزيار قال : «كتبت إليه ـ يعنى على بن محمد عليه‌السلام ـ اسأله عن امرأة ترضع ولدها وغير ولدها في شهر رمضان فيشتد عليها الصوم وهي ترضع حتى يغشى عليها ولا تقدر على الصيام أترضع وتفطر وتقضى صيامها إذا أمكنها أو تدع الرضاع وتصوم؟ فان كانت ممن لا يمكنها اتخاذ من يرضع ولدها فكيف تصنع؟ فكتب : ان كانت ممن يمكنها اتخاذ ظئر استرضعت لولدها وأتمت صيامها وان كان ذلك لا يمكنها أفطرت وأرضعت ولدها وقضت صيامها متى ما أمكنها».

وبالجملة فإن الصحيحة المتقدمة وان كانت مطلقة إلا انه يمكن تقييد إطلاقها بهذه الرواية لأنها ظاهرة في أن الخوف على نفس المرأة لا على الولد وهي إنما تضمنت القضاء خاصة فتخص تلك الصحيحة بالخوف على الولد. ولا ينافيه قوله عليه‌السلام فيها «لأنهما لا تطيقان الصوم» حيث انه ظاهر في ان الخوف على أنفسهما لإمكان الحمل على المجاز باعتبار تضرر الولد به.

بقى فى المقام فوائد

الأولى ـ قد نقل العلامة في المختلف عن الشيخ على بن الحسين بن بابويه انه قال في الرسالة : وإذا لم يتهيأ للشيخ أو الشاب أو المرأة الحامل ان تصوم من العطش أو الجوع أو تخاف المرأة ان يضر بولدها فعليهم جميعا الإفطار وتصدق عن كل يوم بمد من طعام وليس عليه القضاء.

ثم قال (قدس‌سره) بعد نقل ذلك : وهذا الكلام يشعر بسقوط القضاء

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ ممن يصح منه الصوم.


في حق الحامل والمرضع والمشهور بين علمائنا وجوب القضاء عليهما. ثم استدل ببعض الأدلة التخريجية ثم بصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (١).

ثم قال : احتج بأن الأصل براءة الذمة من القضاء ، ولان القضاء انما يجب بأمر جديد ، ولأنهما أفطرتا بالعذر فاشبهتا الشيخ الفاني. والجواب أصالة البراءة انما تعتبر مع عدم دليل يخالفها والقضاء يجب بالآية (٢) والحديث (٣) وعمل الأصحاب. والفرق بينهما وبين الشيخ ظاهر فان الشيخ عاجز عن الأداء والقضاء فلو أوجبنا عليه القضاء لوجب عليه الأداء. انتهى.

أقول : الظاهر ان هذا الاحتجاج الذي نقله إنما هو تكلف منه (قدس‌سره) حيث لم يجد دليلا من الأخبار الواصلة اليه ، والحجة الحقيقية للشيخ المشار اليه إنما هو كتاب الفقه الرضوي فإن هذه العبارة عين عبارة الفقه الرضوي التي قدمناها في الفائدة الثالثة من المسألة التاسعة (٤) وهذه عادته كما نبهنا عليه في غير موضع من ما تقدم من أنه يأخذ عبارة الكتاب ويفتي بها ، وربما كان الحكم فيها غريبا كما في هذا الموضع فيطعنون عليه بعدم الدليل أو يزيفون له دليلا كما هنا ، وكل ذلك ناشئ من عدم اطلاعهم على هذا الكتاب وانه معتمد الشيخ المذكور في جميع الأبواب.

الثانية ـ قال في الدروس : لو قام غير الام مقامها روعي صلاح الطفل فان تم بالأجنبية فالأقرب عدم جواز الإفطار ، هذا مع التبرع أو تساوى الأجرتين ولو طلبت الأجنبية زيادة لم يجب تسليمه إليها وجاز الإفطار.

أقول : اما ما اختاره من عدم جواز الإفطار في ما لو تم صلاح الطفل بالأجنبية فهو صريح صحيحة على بن مهزيار المتقدمة (٥) لقوله عليه‌السلام : «ان كانت ممن

__________________

(١) ص ٤٢٨.

(٢) وهو قوله تعالى في سورة البقرة الآية ١٨٢ (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ).

(٣) الوسائل الباب ١٧ ممن يصح منه الصوم.

(٤) ص ٤٢٤.

(٥) ص ٤٢٩.


يمكنها اتخاذ ظئر استرضعت لولدها وأتمت صيامها». واما تقييد ذلك بالتبرع أو تساوى الأجرتين ـ فلو طلبت الأجنبية زيادة لم يجب تسليمه إليها وجاز الإفطار ـ فهو خلاف ظاهر الخبر المذكور لانه عليه‌السلام ناط ذلك بالمكنة فمتى أمكنها اتخاذ الظئر ـ بأجرة أو بغير اجرة زادت الأجرة على اجرة المثل أم لا ـ وجب عليها اتخاذ الظئر ووجب عليها الصيام.

الثالثة ـ قال في الدروس : هذه الفدية من مالها وان كانت ذات بعل ، ومثله صرح في المدارك ، والوجه فيه ظاهر صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (١) وقوله عليه‌السلام فيها «وعليهما ان تتصدق كل واحدة منهما». ولان هذه الفدية ترتبت على إفطارهما فتكون لازمة لهما.

الرابعة ـ قال في المدارك : واعلم ان إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في المرضع بين الام وغيرها ولا بين المتبرعة والمستأجرة. وهو كذلك

خاتمة الكتاب

وهي تشتمل على نوادر ما تقدم فيه من الأبواب

روى في الكافي عن جابر عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أهل هلال شهر رمضان استقبل القبلة ورفع يديه فقال : اللهم أهله علينا بالأمن والايمان والسلامة والإسلام والعافية المجللة والرزق الواسع ودفع الأسقام اللهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه ، اللهم سلمه لنا وتسلمه منا وسلمنا فيه».

وفي خبر آخر (٣) «استقبل القبلة وكبر ثم قال : اللهم أهله علينا بيمن وايمان وسلامة وإسلام وهدى ومغفرة وعافية مجللة ورزق واسع انك على كل شي‌ء قدير».

__________________

(١) ص ٤٢٨.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٠ من أحكام شهر رمضان.


وعن الصادق عليه‌السلام (١) «إذا رأيت هلال شهر رمضان فلا تشر اليه واستقبل القبلة وارفع يديك الى الله تعالى وتخاطب الهلال وتقول : ربى وربك الله رب العالمين اللهم أهله علينا بالأمن والايمان والسلامة والإسلام والمسارعة الى ما تحب وترضى اللهم بارك لنا في شهرنا هذا وارزقنا خيره وعونه واصرف عنا ضره وشره وبلاءه وفتنته».

وعن ابن ابى عقيل انه أوجب قراءة هذا الدعاء وقت رؤية هلال شهر رمضان وهو هذا : الحمد لله الذي خلقني وخلقك وقدر منازلك وجعلك مواقيت للناس ، اللهم أهله علينا إهلالا مباركا ، اللهم ادخله علينا بالسلامة والإسلام واليقين والايمان والبر والتقوى والتوفيق لما تحب وترضى».

وروى ثقة الإسلام بسنده عن السكوني عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «من كتم صومه قال الله (عزوجل) لملائكته عبدي استجار من عذابي فأجيروه. ووكل الله (عزوجل) ملائكته بالدعاء للصائمين ولم يأمرهم بالدعاء لأحد إلا استجاب لهم فيه».

وروى عن عبيد بن زرارة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «الرجل يكون صائما فيقال له أصائم أنت؟ فقال : لا ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام هذا كذب».

أقول : يستفاد من هذين الخبرين استحباب كتمان الصيام إلا إذا سئل فلا يجوز له الكذب.

وروى عن الحسن بن صدقة (٤) قال : «قال أبو الحسن عليه‌السلام قيلوا فان الله يطعم الصائم ويسقيه في منامه».

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ١٣ من أحكام شهر رمضان والإقبال ص ٢٥١ عن الصدوق في الفقيه عن الصادق (ع) ولكن في الفقيه ج ٢ ص ٦٢ نسبه الى أبيه في رسالته ولم نجده فيه مرويا عن الصادق (ع).

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١ من آداب الصائم.

(٤) الوسائل الباب ٢ من آداب الصائم.


وروى في الكافي والتهذيب في الموثق عن سماعة (١) قال : «سألته عن السحور لمن أراد الصوم؟ فقال : اما في شهر رمضان فان الفضل في السحور ولو بشربة من ماء واما في التطوع فمن أحب ان يتسحر فليفعل ومن لم يفعل فلا بأس».

وروى في الكافي عن أبى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن السحور لمن أراد الصوم أواجب هو عليه؟ فقال : لا بأس بان لا يتسحر إن شاء واما في شهر رمضان فإنه أفضل أن يتسحر نحب أن لا يترك في شهر رمضان».

وروى في التهذيب عن عمرو بن جميع عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) عن أبيه عليه‌السلام قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تسحروا ولو بجرع الماء ألا صلوات الله على المتسحرين».

وروى في الفقيه مرسلا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ والتهذيب مسندا عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) ـ قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تعاونوا بأكل السحور على صيام النهار وبالنوم عند القيلولة على قيام الليل».

وروى في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) قال : «ان الله وملائكته يصلون على المستغفرين والمتسحرين بالأسحار فليتسحر أحدكم ولو بشربة من ماء».

وروى في التهذيب عن حفص بن البختري عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٦) «أفضل سحوركم السويق والتمر».

وروى ثقة الإسلام والصدوق في الصحيح والحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٧) قال : «سئل عن الإفطار قبل الصلاة أو بعدها؟ قال : ان كان معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم وان كان غير ذلك فليصل وليفطر».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٤ من آداب الصائم.

(٦) الوسائل الباب ٥ من آداب الصائم.

(٧) الوسائل الباب ٧ من آداب الصائم.


وروى في التهذيب في الموثق عن زرارة وفضيل عن أبى جعفر عليه‌السلام (١) «في رمضان تصلى ثم تفطر إلا أن تكون مع قوم ينتظرون الإفطار فإن كنت معهم فلا تخالف عليهم وأفطر ثم صل وإلا فابدأ بالصلاة. قلت ولم ذلك؟ قال لانه قد حضرك فرضان : الإفطار والصلاة فابدأ بأفضلهما وأفضلهما الصلاة. ثم قال تصلى الفرض وأنت صائم فتكتب صلاتك تلك فتختم بالصوم أحب الى».

أقول : لعل المعنى في قوله «فتكتب صلاتك. الى آخره» انه تكتب صلاتك مختومة بالصوم بمعنى أنه تكتب صلاة الصائمين.

وروى الشيخ المفيد في المقنعة (٢) عن الفضيل بن يسار وزرارة بن أعين جميعا عن أبى جعفر عليه‌السلام انه قال : «تقدم الصلاة على الإفطار إلا أن تكون مع قوم يبتدئون بالإفطار فلا تخالف عليهم وأفطر معهم وإلا فابدأ بالصلاة فإنها أفضل من الإفطار ، وتكتب صلاتك وأنت صائم أحب الى».

قال (٣) وروى أيضا في ذلك أنك إذا كنت تتمكن من الصلاة وتعقلها وتأتى بها على حدودها قبل أن تفطر فالأفضل أن تصلى قبل الإفطار ، وان كنت ممن تنازعك نفسك للإفطار وتشغلك شهوتك عن الصلاة فابدأ بالإفطار ليذهب عنك وسواس النفس اللوامة غير ان ذلك مشروط بان لا تشتغل بالإفطار قبل الصلاة الى أن يخرج وقت الصلاة.

أقول : يعنى وقت فضيلتها. والظاهر ان المراد بالصلاة المأمور بتقديمها في هذه الأخبار هي صلاة المغرب وحدها محافظة على وقت فضيلتها لضيقه فيكفي في تأدية السنة تقديمها خاصة.

وروى في الكافي عن السكوني عن جعفر عن آبائه (عليهم‌السلام) (٤) «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا أفطر قال : اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبله

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٧ من آداب الصائم.

(٤) الوسائل الباب ٦ من آداب الصائم.


منا ، ذهب الظماء وابتلت العروق وبقي الأجر».

وروى فيه عن أبى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «يقول في كل ليلة من شهر رمضان عند الإفطار الى آخره : الحمد لله الذي أعاننا فصمنا ورزقنا فأفطرنا اللهم تقبل منا وأعنا عليه وسلمنا فيه وتسلمه منا في يسر منك وعافية ، الحمد لله الذي قضى عنا يوما من شهر رمضان».

وروى في التهذيب عن عبد الله بن ميمون القداح عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) قال : «جاء قنبر مولى على عليه‌السلام بفطره اليه قال فجاء بجراب فيه سويق عليه خاتم ، قال فقال له رجل يا أمير المؤمنين ان هذا لهو البخل تختم على طعامك. قال فضحك على عليه‌السلام قال ثم قال أو غير ذلك؟ لا أحب أن يدخل بطني شي‌ء لا أعرف سبيله. قال ثم كسر الخاتم فاخرج سويقا فجعل منه في قدح فأعطاه إياه فأخذ القدح فلما أراد أن يشرب قال : بسم الله اللهمّ لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا انك أنت السميع العليم».

أقول : المراد بالفطر ما يفطر عليه. وقوله عليه‌السلام «أو غير ذلك» يعنى غير البخل ، وكأنه استفهام لذلك القائل بمعنى هل عندك غير ما قلت من الحمل على البخل؟ ثم بين له السبب في ما يفعله من ختم طعامه لئلا يضع عياله فيه شيئا لا يعلم به.

وروى ابن طاوس في كتاب الإقبال (٣) عن مولانا زين العابدين عليه‌السلام انه قال : «من قرأ إنا أنزلناه. عند فطوره وعند سحوره كان في ما بينهما كالمتشحط بدمه في سبيل الله».

وروى فيه (٤) عن محمد بن أبي قرة في كتاب عمل شهر رمضان عن موسى ابن جعفر عن آبائه (عليهم‌السلام) «ان لكل صائم عند فطره دعوة مستجابة فإذا كان أول لقمة فقل : بسم الله يا واسع المغفرة اغفر لي ـ. قال (٥) : وفي رواية

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٦ من آداب الصائم.

(٢) الوسائل الباب ٦ و ١٠ من آداب الصائم.


أخرى : بسم الله الرحمن الرحيم يا واسع المغفرة اغفر لي ـ فإنه من قالها عند إفطاره غفر له».

وروى في الكافي بسنده عن ابن القداح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أول ما يفطر عليه في زمن الرطب الرطب وفي زمن التمر التمر».

وروى فيه عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا صام فلم يجد الحلو أفطر على الماء».

وروى فيه عن ابن ابى عمير عن رجل عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «إذا أفطر الرجل على الماء الفاتر نقى كبده وغسل الذنوب من القلب وقوى البصر والحدق».

وينبغي حمل إطلاق هذا الخبر على سابقه في الإفطار على الماء مطلقا كما هو صريح الخبر الآتي.

وروى فيه عن عبد الله بن مسكان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أفطر بدأ بحلواء يفطر عليها فان لم يجد فسكرة أو تمرات فإذا أعوز ذلك كله فماء فاتر ، وكان يقول ينقى المعدة والكبد ويطيب النكهة والفم ويقوى الأضراس ويقوى الحدق ويجلو الناظر ويغسل الذنوب غسلا ويسكن العروق الهائجة والمرة الغالبة ويقطع البلغم ويطفئ الحرارة عن المعدة ويذهب بالصداع». ورواه في المقنعة مرسلا (٥) إلا انه لم يذكر السكر والتمرات.

وروى في الكافي أيضا بسنده عن سلمة السمان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٦) قال «إذا رأى الصائم قوما يأكلون أو رجلا يأكل سبحت كل شعرة منه».

وروى الصدوق مرسلا (٧) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما من صائم

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٠ من آداب الصائم.

(٦) الوسائل الباب ٩ من آداب الصائم.

(٧) الوسائل الباب ٩ من آداب الصائم.


يحضر قوما يطعمون إلا سبحت له أعضاؤه وكانت صلاة الملائكة عليه وكانت صلاتهم استغفارا».

وروى في كتاب ثواب الأعمال مسندا عن السكوني عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «دخل سدير على ابى في شهر رمضان فقال يا سدير هل تدري أي الليالي هذه؟ فقال نعم فداك أبى هذه ليالي شهر رمضان فما ذاك؟ فقال له أتقدر على ان تعتق كل ليلة من هذه الليالي عشر رقبات من ولد إسماعيل؟ فقال له سدير بأبي أنت وأمي لا يبلغ مالي ذلك. فما زال ينقص حتى بلغ رقبة واحدة في كل ذلك يقول لا أقدر عليه. فقال له أفما تقدر أن تفطر في كل ليلة رجلا مسلما؟ فقال له بلى وعشرة فقال له ابى فذاك الذي أردت يا سدير ان إفطارك أخاك المسلم يعدل عتق رقبة من ولد إسماعيل».

وروى الشيخ المفيد في المقنعة (٢) عن الصادق عليه‌السلام مرسلا قال : «فطرك لأخيك وإدخالك السرور عليه أعظم اجرا من صيامك».

قال (٣) وقال الباقر عليه‌السلام «أيما مؤمن فطر مؤمنا ليلة من شهر رمضان كتب الله له بذلك مثل أجر من أعتق نسمة».

قال (٤) «ومن فطره شهر رمضان كله كتب الله له بذلك أجر من أعتق ثلاثين نسمة مؤمنة وكان له بذلك عند الله دعوة مستجابة».

ورواه البرقي في المحاسن عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن ابى بصير عن ابى جعفر عليه‌السلام مثله (٥) وكذا الصدوق في ثواب الأعمال (٦).

وروى ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن ابى الورد عن ابى جعفر عليه‌السلام في حديث (٧) قال : «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ومن فطر فيه ـ يعني في شهر رمضان ـ مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لذنوبه في ما مضى. قيل يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس كلنا يقدر على ان يفطر صائما؟ فقال ان الله كريم يعطى هذا الثواب لمن

__________________

(١) ارجع الى الاستدراكات في آخر الكتاب.

(٢ و ٣ و ٤ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٣ من آداب الصائم.


لا يقدر إلا على مذقة من لبن يفطر بها صائما أو شربة من ماء عذب أو تمرات لا يقدر على أكثر من ذلك».

أقول : يستفاد من هذا الخبر ان المراد بالتفطير الذي ذكر في الاخبار المتقدمة ونحوها ما يترتب عليه من الثواب ليس هو مجرد إعطاء الصائم ما يفطر عليه كما هو مشهور الآن بين العامة وانما المراد به الأكل عنده كما هو الجاري في سنة الضيافة إلا ان يعجز عن ذلك ، وان كرم الله واسع يرتب له ذلك على ما تسع قدرته ولو شربة ماء.

ويؤيد ما ذكرناه ما رواه البرقي في المحاسن بسنده عن مالك بن أعين عن ابى جعفر عليه‌السلام (١) قال : «لأن أفطر رجلا مؤمنا في بيتي أحب الى من ان أعتق كذا وكذا نسمة من ولد إسماعيل».

وروى ثقة الإسلام والصدوق وغيرهما عن حمزة بن حمران عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «كان على بن الحسين عليه‌السلام إذا كان اليوم الذي يصوم فيه أمر بشاة فتذبح وتقطع أعضاؤه وتطبخ فإذا كان عند المساء أكب على القدور حتى يجد ريح المرق وهو صائم ثم يقول : هاتوا القصاع اغرفوا لآل فلان اغرفوا لآل فلان. ثم يؤتى بخبز وتمر فيكون ذلك عشاؤه».

وروى في الكافي وفي الفقيه بسنديهما عن حمران (٣) «انه سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله تعالى (إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) (٤)؟ قال هي ليلة القدر وهي في كل سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر ولم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر. قال الله تعالى (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (٥)؟ قال يقدر في ليلة القدر كل شي‌ء يكون في تلك

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣ من آداب الصائم.

(٣) الوسائل الباب ٣١ من أحكام شهر رمضان.

(٤) سورة الدخان الآية ٣.

(٥) سورة الدخان الآية ٤.


السنة إلى مثلها من قابل من خير أو شر أو طاعة أو معصية أو مولود أو أجل أو رزق ، فما قدر في تلك الليلة وقضى فهو المحتوم ولله تعالى فيه المشيئة. قال قلت (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (١) أي شي‌ء عنى بذلك؟ فقال : العمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ولو لا ما يضاعف الله تبارك وتعالى للمؤمنين ما بلغوا ولكن الله يضاعف لهم الحسنات».

وروى الشيخان المذكوران أيضا في كتابيهما (٢) مسندا في الكافي عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «أرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وفي الفقيه أرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في منامه بنى أمية يصعدون منبره من بعده يضلون الناس عن الصراط القهقرى فأصبح كئيبا حزينا قال فهبط عليه جبرئيل عليه‌السلام فقال يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما لي أراك كئيبا حزينا؟ فقال : يا جبرئيل إني رأيت بني أمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يضلون الناس عن الصراط القهقرى. فقال والذي بعثك بالحق نبيا ان هذا لشي‌ء ما اطلعت عليه. ثم عرج الى السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه بها قال : أفرأيت ان متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون (٣) وانزل عليه : انا أنزلناه في ليلة القدر وما أدريك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهر (٤) جعل الله تعالى ليلة القدر لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله خيرا من الف شهر ملك بنى أمية».

ورؤيا أيضا في كتابيهما عن يعقوب (٥) قال : «سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله

__________________

(١) سورة القدر الآية ٤.

(٢) الفروع ج ١ ص ٢٠٧ والفقيه ج ٢ ص ١٠١ وفي الوسائل الباب ٣١ من أحكام شهر رمضان.

(٣) سورة الشعراء الآية ٢٠٦ و ٢٠٧ و ٢٠٨.

(٤) سورة القدر الآية ٤.

(٥) الوسائل الباب ٣٢ من أحكام شهر رمضان.


عليه‌السلام عن ليلة القدر فقال أخبرني عن ليلة القدر كانت أو تكون في كل عام؟ فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن».

ورؤيا أيضا بسنديهما عن رفاعة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : ليلة القدر هي أول السنة وهي آخرها (٢) وذلك لأن بإقبال تلك الليلة يتحقق الأمران معا.

ورؤيا أيضا بسنديهما عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال : «سألته عن علامة ليلة القدر فقال : علامتها أن يطيب ريحها وان كانت في برد دفئت وان كانت في حر بردت وطابت. قال : وسئل عن ليلة القدر فقال تنزل فيها الملائكة والكتبة إلى السماء الدنيا فيكتبون ما يكون في أمر السنة وما يصيب العباد وأمر عنده موقوف له فيه المشيئة فيقدم منه ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ويمحو ويثبت وعنده أم الكتاب».

وروى في الكافي بسنده عن أبي حمزة الثمالي (٤) قال : «كنت عند ابى عبد الله عليه‌السلام) فقال له أبو بصير جعلت فداك الليلة التي يرجى فيها ما يرجى؟ فقال في احدى وعشرين أو ثلاث وعشرين. قال فان لم أقو على كلتيهما. فقال ما أيسر ليلتين في ما تطلب. قال قلت فربما رأينا الهلال عندنا وجاءنا من يخبرنا بخلاف ذلك من أرض أخرى؟ فقال ما أيسر أربع ليال تطلبها فيها. قلت جعلت فداك ان سليمان بن خالد روى ان في تسع عشرة يكتب وفد الحاج؟ فقال عليه‌السلام) يا أبا محمد وفد الحاج يكتب في ليلة القدر والمنايا والبلايا والأرزاق وما يكون الى مثلها في قابل فاطلبها في ليلة احدى وعشرين وثلاث وعشرين وصل في كل واحدة منهما مائة ركعة

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٣١ من أحكام شهر رمضان.

(٢) هذا آخر الحديث وما بعده جاء في النسخ متصلا به وقد أورده في الوافي بعنوان البيان فيجوز إيراده هنا كذلك وقد سقط من العبارة شي‌ء.

(٤) الفروع ج ١ ص ٢٠٦ وفي الوسائل الباب ٣٢ من أحكام شهر رمضان.


وأحيهما إن استطعت الى النور واغتسل فيهما. قال قلت فان لم اقدر على ذلك وانا قائم؟ قال فصل وأنت جالس. قلت فان لم أستطع؟ قال فعلى فراشك».

وزاد في الفقيه (١) قلت فان لم أستطع؟ فقال ـ ثم اشتركوا في الرواية ـ لا عليك أن تكتحل أول الليل بشي‌ء من النوم ، ان أبواب السماء تفتح في شهر رمضان وتصفد الشياطين وتقبل أعمال المؤمنين. نعم الشهر رمضان كان يسمى في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله) المرزوق.

وروى في الفقيه عن محمد بن حمران عن سفيان بن السمط (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الليالي التي يرجى فيها من شهر رمضان؟ فقال تسع عشرة واحدى وعشرين وثلاث وعشرين. قلت فإن أخذت إنسانا الفترة أو علة ما المعتمد عليه من ذلك؟ فقال ثلاث وعشرين».

وروى في الكافي بسنده عن الفضيل بن يسار (٣) قال : «كان أبو جعفر عليه‌السلام إذا كانت ليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين أخذ في الدعاء حتى يزول الليل فإذا زال الليل صلى».

وروى ثقة الإسلام في كتابه بسنده عن حسان بن مهران عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن ليلة القدر فقال : التمسها في ليلة احدى وعشرين أو ليلة ثلاث وعشرين». ورواه الصدوق في الخصال بسنده مثله (٥) ثم قال : اتفق مشايخنا على انها ليلة ثلاث وعشرين.

وروى في التهذيب في الموثق عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٦) قال : «سألته عن ليلة القدر فقال هي ليلة احدى وعشرين أو ثلاث وعشرين. قلت أليس إنما هي ليلة؟ فقال بلى. قلت فأخبرني بها قال وما عليك ان تفعل خيرا في ليلتين».

__________________

(١) ج ٢ ص ١٠٢ و ١٠٣.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٣٢ من أحكام شهر رمضان.


وروى بإسناده عن حماد بن عيسى عن محمد بن يوسف عن أبيه (١) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول ان الجهى أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان لي إبلا وغنما وغلمة فأحب أن تأمرني بليلة أدخل فيها فأشهد الصلاة وذلك في شهر رمضان فدعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فساره في اذنه فكان الجهني إذا كان ليلة ثلاث وعشرين دخل بإبله وغنمه واهله إلى المدينة».

وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب موسى بن بكر الواسطي عن حمران (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ليلة القدر فقال هي ليلة ثلاث أو أربع. قلت أفرد لي إحداهما فقال وما عليك أن تعمل في الليلتين وهي إحداهما».

وعن زرارة عن عبد الواحد الأنصاري (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ليلة القدر فقال إني أخبرك بها لا أعمى عليك هي ليلة أول السبع وقد كانت تلتبس عليه ليلة أربع وعشرين».

وروى في الكافي عن إسحاق بن عمار (٤) قال : «سمعته يقول وناس يسألونه يقولون الأرزاق تقسم ليلة النصف من شعبان؟ قال فقال لا والله ما ذلك إلا في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان واحدى وعشرين وثلاث وعشرين ، فان في تسع عشرة يلتقي الجمعان وفي ليلة احدى وعشرين يفرق كل أمر حكيم وفي ليلة ثلاث وعشرين يمضى ما أراد الله (عزوجل) من ذلك وهي ليلة القدر التي قال الله تعالى (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (٥) قال قلت ما معنى قوله يلتقي الجمعان؟ قال يجمع الله فيها ما أراد من تقديمه وتأخيره وإرادته وقضائه. قال قلت فما معنى يمضيه في ثلاث وعشرين؟ قال انه يفرقه في ليلة احدى وعشرين ويكون له فيه البداء ، فإذا كان ليلة ثلاث وعشرين قال انه يفرقه في ليلة احدى وعشرين ويكون له فيه البداء ، فإذا كان ليلة ثلاث وعشرين أمضاه فيكون من المحتوم الذي لا يبدو له فيه».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٢ من أحكام شهر رمضان.

(٥) سورة القدر الآية ٤.


وروى العياشي عن حماد بن عيسى عن حسان بن ابى على (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ليلة القدر فقال اطلبها في تسع عشرة واحدى وعشرين وثلاث وعشرين».

وروى الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) «ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن ليلة القدر فقام خطيبا فقال بعد الثناء على الله (عزوجل): اما بعد فإنكم سألتموني عن ليلة القدر ولم أطوها عنكم لأني لم أكن عالما بها ، اعلموا أيها الناس انه من ورد عليه شهر رمضان وهو صحيح سوى فصام نهاره وقام وردا من ليله وواظب على صلاته وهجر الى جمعته وغدا الى عيده فقد أدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب (عزوجل) وقال أبو عبد الله عليه‌السلام فازوا والله بجوائز ليست كجوائز العباد».

أقول : في هذه الاخبار المتعلقة بليلة القدر فوائد شريفة ينبغي التنبيه عليها :

الاولى ـ لا يخفى ان هذا الخبر الأخير قد اشتمل على إخفاء ليلة القدر بالكلية وعدم الاعلام بها مع السؤال عنها ، وجملة من الأخبار المتقدمة قد اشتملت على إخفائها في ليلتين أو ثلاث ، وجملة قد صرحت بها.

ولعل الوجه في ذلك ان السبب في إخفائها بالمرة ليستوعب الشهر كله بالأعمال الصالحة ، وهذا هو الأنسب بسائر الناس فإنهم متى علموها على الخصوص فلربما رغبوا عن العمل في غيرها إيثارا لها بذلك. واما من عرف حرمة الشهر ووفاة اعماله فهؤلاء الخواص وقد أخفيت لهم في ليلتين أو ثلاث ليوفوا هذه الليالي الشريفة أعمالها لان بعضها وان لم يكن ليلة القدر إلا انه من القريب من مرتبتها. واما من بينت له بالخصوص فهم خواص الخواص الذين يعلم منهم القيام باعمال تلك الليالي الشريفة وإن علموا انها ليست بليلة القدر ، واليه يشير مسارة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الجهني في اذنه. ولا ينافي ذلك حديث زرارة المتقدم وعدم اعلام الباقر

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٢ من أحكام شهر رمضان. ارجع الى الاستدراكات.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من أحكام شهر رمضان.


عليه‌السلام له بها وامره بالعمل في تلك الليلتين مع انه من خواص الخواص لانه يمكن حمله على ان ذلك وقع من حيث الحاضرين وقت السؤال.

الثانية ـ ما تضمنه الحديث الأول (١) ـ من ان العمل في ليلة القدر خير من الف شهر ليس فيها ليلة القدر ـ فالمراد بهذه الالف شهر هي ملك بنى أمية كما دل عليه الخبر الذي بعده ، وبذلك صرح الصادق عليه‌السلام في الحديث المروي عنه في صدر الصحيفة السجادية (٢) حيث قال فيه : «وانزل الله في ذلك (إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (٣) تملكها بنو أمية ليس فيها ليلة القدر».

بقي الكلام في معنى عدم ليلة القدر في هذه الالف شهر هل هو بمعنى رفعها منها بالكلية كما هو ظاهر الاخبار الدالة على تنزل الملائكة فيها على الامام عليه‌السلام من كل سنة بما يتجدد من الحوادث والقضايا (٤) واليه يشير خبر يعقوب المتقدم (٥) وقوله عليه‌السلام : «لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن»؟. اشكال من دلالة الاخبار على هذا المعنى الأخير ، ومن انه متى كان التفضيل على ما عدا ليلة القدر فإنه لا وجه لخصوصية هذه الالف شهر التي يملكها بنو أمية بذلك كما هو ظاهر إطلاق الخبر الأول متى قطع النظر عن تأيده بما قدمناه.

ومثله ما رواه في الكافي (٦) عن الحسن بن العباس بن الحريش عن ابى جعفر الثاني عليه‌السلام قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام كان على بن الحسين عليه‌السلام يقول «إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» (٧) صدق الله (عزوجل) أنزل الله القرآن في ليلة القدر «وَما أَدْراكَ

__________________

(١) ص ٤٣٨ و ٤٣٩.

(٢) ص ١٣ طبع النجف الأشرف.

(٣ و ٧) سورة القدر الآية ٢ و ٣ و ٤.

(٤) أصول الكافي ج ١ ص ٢٤٢ الى ٢٥٣.

(٥) ص ٤٣٩ و ٤٤٠.

(٦) الأصول ج ١ ص ٢٤٨ رقم ٤.


ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ» قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا أدرى. قال الله (عزوجل) «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» ليس فيها ليلة القدر.

ومثله ما رواه فيه عن المسمعي (١) ومن جملته «وفيه ليلة العمل فيها خير من العمل في ألف شهر». وبمضمونها أخبار أخر.

وعلى هذا المعنى اعتمد المفسرون كأمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان وغيره ، قال في مجمع البيان : ثم فسر سبحانه تعظيمه وحرمته فقال «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» ليس فيه ليلة القدر وصيامه. ثم نقل ذلك عن مقاتل وقتادة. ثم نقل عن عطاء عن ابن عباس معنى آخر يتضمن ان المفضل عليه الف شهر كان رجل من بنى إسرائيل يحمل السلاح فيها على عاتقه في سبيل الله فتمنى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك في أمته فأنزل الله تعالى «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» الذي حمل الاسرائيلى فيها السلاح في سبيل الله (٢).

ومن ما يؤيد التقييد الذي أشرنا إليه زيادة على أشرنا إليه من الروايات ما رواه في روضة الكافي (٣) في حديث عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «وانزل الله (جل ذكره) إنا أنزلناه في ليلة القدر وما ادراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهر للقوم. الحديث».

ومثله في الاحتجاج (٤) عن الحسن بن على (عليهما‌السلام) في حديث طويل مع معاوية ذكر فيه رؤيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وان الله تعالى أنزل عليه في كتابه «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» ثم قال عليه‌السلام : فاشهد لكم واشهد عليكم ما سلطانكم بعد على عليه‌السلام إلا الالف شهر التي أجلها الله (عزوجل) في كتابه.

واما كون مدة ملك بنى أمية ألف شهر فبيانه ان المستفاد من كتب السير

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من أحكام شهر رمضان.

(٢) سنن البيهقي ج ٤ ص ٣٠٦.

(٣) ص ٢٢٢ و ٢٢٣.

(٤) ص ١٥٤.


والاخبار ان أول انفراد بنى أمية بالأمر بعد ما صالح الحسن عليه‌السلام معاوية وهو سنة أربعين من الهجرة وكان انقضاء دولتهم على يد ابى مسلم الخراساني سنة اثنين وثلاثين ومائة من الهجرة فكانت مدة دولتهم اثنين وتسعين سنة ، رفع منها مدة خلافة عبد الله بن الزبير وهي ثمان سنين وثمانية أشهر بقي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر بلا زيادة ولا نقصان وهي ألف شهر (١).

الثالثة ـ اختلفت أقوال العامة في تعيين ليلة القدر بل في بقائها فذهب بعضهم إلى أنها رفعت بعد موت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو قول شذوذ منهم والمشهور بقاؤها ، إلا أن القائلين ببقائها اختلفوا في تعيينها ، فقال بعضهم انها مشتبهة في السنة كما ذهب إليه أبو حنيفة ، ومنهم من قال في شعبان والأكثر على انها في شهر رمضان ، وذهب بعضهم إلى أنها أول ليلة منه ، وقيل في ليلة سبع عشرة منه عن الحسن البصري ، والصحيح عندهم انها في العشر الأواخر وهو مذهب الشافعي ، وروى مرفوعا (٢) «التمسوها في العشر الأواخر». ثم اختلفوا في أنها آية ليلة من العشر فقيل انها ليلة احدى وعشرين وهو مذهب ابى سعيد الخدري واختاره الشافعي ، وقيل هي ليلة ثلاث وعشرين منه عن عبد الله بن عمر ، وقيل ليلة سبع وعشرين عن ابى بن كعب ، وقيل انها ليلة تسع وعشرين (٣) ولكل من هذه الأقوال رواية يعتمدها (٤).

__________________

(١) ذكر ذلك السيوطي في الخصائص الكبرى ج ٢ ص ١١٨ طبع حيدرآباد ، وابن دحلان في السيرة النبوية على هامش السيرة الحلبية ج ١ ص ٢٣١ والحلبي في السيرة الحلبية ج ١ ص ٤٢١ في فصل الإسراء.

(٢) سنن البيهقي ج ٤ ص ٣٠٧ و ٣٠٨.

(٣) ذكر في عمدة القارئ ج ٥ ص ٣٦٢ الأقوال كلها إلا انه نسب إلى الشيعة القول بأنها رفعت ، واخبارهم وكلماتهم تنادي بأنها لم ترفع ولا سيما خبر يعقوب المتقدم ص ٤٣٩.

(٤) سنن البيهقي ج ٤ ص ٣٠٧ الى ٣١٣.


قال بعض الأصحاب : ولا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في انحصارها في هذه الليالي الثلاث : ليلة تسع عشرة وليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين إلا من الشيخ في التبيان فإنه نقل الإجماع على انها في فرادى العشر الأواخر.

أقول : الظاهر من كلام العلامة في المنتهى كونها في العشر الأواخر من غير تعيين ، فإنه قال أولا ـ بعد نقل جملة من أقوال العامة ـ ما صورته : إذا ثبت هذا فإنه يستحب طلبها في جميع ليالي شهر رمضان وفي العشر الأواخر آكد وفي ليالي الوتر منه أوكد. ثم نقل جملة من كلامهم ونقل جملة من الاخبار التي قدمنا نقلها من ما دل على الانحصار في ثلاث أو اثنتين أو انها ليلة الجهني ، وقال بعد ذلك فرع ـ لو نذر ان يعتق عبده بعد مضى ليلة القدر فان كان قاله قبل العشر صح النذر ووجب عليه العتق بعد انسلاخ الشهر لانه يتفق حصولها إذا مضت الليلة الأخيرة ، وان كان قاله وقد مضى ليلة من العشر لم يتعلق النذر بتلك السنة لأنه لا يتحقق وجودها بعد النذر فيقع في السنة الثانية إذا مضى جميع العشر. انتهى. وهو مؤذن بتوقفه في التعيين وجزمه بأنها في العشر الأخيرة وقد عرفت من ما قدمنا نقله عن الصدوق ان المشهور هو كونها ليلة ثلاث وعشرين وهو الظاهر من الاخبار كما قدمنا ذكره.

قال أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (قدس‌سره) في كتاب مجمع البيان : والفائدة في إخفاء هذه الليلة أن يجتهد الناس في العبادة ويحيوا جميع ليالي شهر رمضان طمعا في إدراكها كما ان الله سبحانه أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس واسمه الأعظم في الأسماء وساعة الإجابة في ساعات الجمعة. انتهى.

الرابعة ـ اختلف العلماء في معنى هذه التسمية ، فقيل سميت ليلة القدر لأنها الليلة التي يحكم الله فيها ويقضى بما يكون في السنة بأجمعها من كل أمر وهي الليلة


المباركة في قوله تعالى «إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ» (١) لأن الله تعالى ينزل فيها الخير والبركة والمغفرة ، وفي الخبر عن ابن عباس (٢) انه قال : «تقضى القضايا في ليلة النصف من شعبان ثم يسلمها إلى أربابها في ليلة القدر». وقيل ليلة القدر أي ليلة الشرف والخطر وعظم الشأن من قولهم رجل له قدر عند الناس أي منزله وشرف ومنه «وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ» (٣) اى ما عظموه حق عظمته. وقيل سميت ليلة القدر لانه انزل فيها كتاب ذو قدر الى رسول ذي قدر لأجل أمة ذات قدر على يدي ملك ذي قدر. وقيل سميت بذلك لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة من قوله تعالى «وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ» (٤) وهو منقول عن الخليل بن أحمد.

أقول : والظاهر ان أظهر هذه الأقوال هو الأول وهو المناسب لتفضيلها على الف شهر.

الخامسة ـ اختلف العلماء في معنى «انزل القرآن في ليلة القدر» مع انه انما انزل على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله نجوما مدة حياته ، فقيل إنه أنزل الله تعالى القرآن جملة واحدة في اللوح المحفوظ الى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم كان ينزله جبرئيل عليه‌السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نجوما وكان من أوله الى آخره ثلاث وعشرون سنة. وقيل معناه انا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر. وقيل أنزله الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة وهم الكتبة من الملائكة في السماء الدنيا وكان ينزل ليلة القدر من الوحي على قدر ما ينزل به جبرئيل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في السنة كلها الى مثلها من القابل ، وقيل ان معناه انا أنزلنا القرآن في شأن ليلة القدر وهو قوله تعالى «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» (٥)

__________________

(١) سورة الدخان الآية ٣.

(٢) قال الالوسى في روح المعاني ج ٢٥ ص ١١٣ في قوله تعالى «فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» في سورة الدخان : روى عن ابن عباس : تقضى الأقضية كلها في ليلة النصف من شعبان وتسلم إلى أربابها ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان.

(٣) سورة الانعام والزمر الآية ٩٢ و ٦٨.

(٤) سورة الطلاق الآية ٨.

(٥) سورة القدر الآية ٤.


وذهب المحدث الكاشاني في أصول الوافي الى ان معنى إنزاله في ليلة القدر إنزال بيانه بتفصيل مجمله وتأويل متشابهه وتقييد مطلقه وتفريق محكمه من متشابهه ، قال : وبالجملة تتميم إنزاله بحيث يكون هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. انتهى أقول : والظاهر هو القول الأول ويدل عليه

ما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن حفص بن غياث عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن قول الله تعالى (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) (٢) وإنما أنزل القرآن في عشرين سنة بين أوله وآخره؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان الى البيت المعمور ثم أنزل في طول عشرين سنة. ثم قال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من شهر رمضان وانزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان وانزل الزبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان وأنزل القرآن في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان».

أقول : في هذا الخبر دلالة على ان ليلة القدر هي ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان لاخباره صلى‌الله‌عليه‌وآله بإنزال القرآن فيها.

بقي انه قد روى في التهذيب في باب فضل شهر رمضان من كتاب الصيام خبرا في أول الباب (٣) فيه «انه نزل القرآن في أول ليلة من شهر رمضان فاستقبل الشهر بالقرآن». ثم روى في آخر الباب حديثا عن أبى بصير (٤) يتضمن إنزال الكتب المذكورة في هذا الخبر وإنزال القرآن في ليلة القدر.

ولا يخفى مدافعة الخبر الأول من هذين الخبرين لما دل على النزول ليلة القدر

__________________

(١) الأصول ج ٢ ص ٦٢٨.

(٢) سورة البقرة الآية ١٨٢.

(٣) وهو حديث عمرو الشامي الذي أورده في الوسائل الباب ١٨ من أحكام شهر رمضان.

(٤) الوسائل الباب ١٨ من أحكام شهر رمضان رقم ١٦.


وبعضهم جمع بين الخبرين بحمل النزول في ليلة القدر يعني إلى الأرض والخبر الآخر على نزوله الى السماء. ويدفعه صدر الخبر المذكور من ان نزوله إلى الأرض كان نجوما في عشرين سنة. والأقرب في الجمع بينهما حمل النزول في أول ليلة من شهر رمضان على أول النزول وان كان الأكثر إنما نزل في ليلة القدر. واما ما نقلناه عن المحدث الكاشاني فاستند فيه الى حديث إلياس المذكور في كتاب الحجة (١) وفي الدلالة نظر.

السادسة ـ ما تضمنه الخبر الأول (٢) ـ من قوله عليه‌السلام : فهو المحتوم ولله فيه المشيئة ـ لا يخلو من اشكال ولعله سقط من البين شي‌ء ، لأن المحتوم لا تدخله المشيئة كما دلت عليه الأخبار ومنها قوله عليه‌السلام في خبر محمد بن مسلم المتقدم (٣) «وأمر عنده موقوف له فيه المشيئة» وأظهر منه ما تقدم (٤) في آخر رواية إسحاق بن عمار.

ويؤيده ما ورد في الاخبار (٥) من ان العلم المخزون عنده هو الذي يكون فيه البداء وله فيه المشيئة بالتقديم والتأخير والزيادة والنقصان ونحو ذلك وما اطلع عليه ملائكته ورسله فإنه محتوم لا يداخله البداء ، ولا ريب ان ما تكتبه الملائكة في هذه الليلة وتنزل به الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والامام القائم بعده من أحوال تلك السنة وما يتجدد فيها إنما هو من الثاني فكيف تكون فيه المشيئة كما دل عليه الخبر المذكور.

ومن الأخبار المشار إليها ما رواه في الكافي (٦) عن الفضيل بن يسار في الصحيح قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول العلم علمان : فعلم عند الله مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه وعلم علمه ملائكته ورسله ، فما علمه ملائكته ورسله فإنه سيكون لا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله ، وعلم عنده مخزون يقدم منه

__________________

(١) باب الاضطرار إلى الحجة ج ٢ ص ٨ وقد ذكر التوجيه ص ١١.

(٢) وهو حديث حمران المتقدم ص ٤٣٨.

(٣) ص ٤٤٠.

(٤) ص ٤٤٢.

(٥ و ٦) الأصول ج ١ كتاب التوحيد باب البداء.


ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ويثبت ما يشاء». ومثله غيره.

السابعة ـ ما تضمنه حديث إسحاق بن عمار المتقدم (١) من قوله : «قال في ليلة تسع عشرة يلتقي الجمعان. الى آخره». لعل المعنى فيه ـ والله تعالى وأولياؤه اعلم بباطنه وخافية ـ ان في ليلة تسع عشرة يجمع بين طرفي كل حكم بالإيقاع واللاايقاع وفي ليلة احدى وعشرين يفرق بينهما بالمشيئة لأحدهما دون الآخر لكن لا على جهة الحتم بل على وجه يدخله البداء وفي ليلة ثلاث وعشرين يمضى ذلك حتما على وجه لا يدخله البداء.

وفي معنى هذا الخبر وان كان بألفاظ أخر ما رواه في الكافي في الموثق عن زرارة (٢) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام التقدير في ليلة تسع عشرة والإبرام في ليلة احدى وعشرين والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرين».

وما رواه فيه عن ربيع المسلي وزياد بن ابى الحلال ذكراه عن رجل عن ابى عبد الله عليه‌السلام ـ ورواه في الفقيه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) ـ قال : «في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان التقدير وفي ليلة احدى وعشرين القضاء وفي ليلة ثلاث وعشرين إبرام ما يكون في السنة إلى مثلها ، ولله تبارك وتعالى أن يفعل ما يشاء في خلقه».

فالتقدير المذكور في هذين الخبرين عبارة عن استحضاره بكميته وكيفيته مع عدم الترجيح بين ما في الوجود والعدم وهي المرتبة الأولى المشار إليها في الخبر المتقدم بالتقاء الجمعين ، والمرتبة الثانية التي تقع في ليلة احدى وعشرين ترجيح أحد الطرفين وهي المعبر عنها في أول هذين الخبرين بالإبرام وفي ثانيهما بالقضاء ، وإطلاق الإبرام هنا وقع تجوزا باعتبار الترجيح ، والمرتبة الثالثة في ليلة ثلاث وعشرين وهي الإمضاء والإبرام الحقيقي الذي لا يدخله البداء.

__________________

(١) ص ٤٤٢.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٢ من أحكام شهر رمضان.


والمفهوم من الأخبار ان هذه المراتب في أفعاله (عزوجل) مطلقا وانه لا يكون فعل إلا بها وربما زيد عليها أيضا :

ففي الكافي (١) عن على بن إبراهيم الهاشمي قال : «سمعت أبا الحسن موسى ابن جعفر عليه‌السلام يقول : لا يكون شي‌ء إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى. قلت ما معنى شاء؟ قال ابتداء الفعل. قلت ما معنى أراد؟ قال الثبوت عليه. قلت ما معنى قدر؟ قال تقدير الشي‌ء من طوله وعرضه. قلت ما معنى قضى؟ قال إذا قضى أمضاه فذلك الذي لا مرد له».

ولتحقيق القول في ذلك محل آخر.

وروى الشيخ والصدوق عن الحسن بن على بن فضال (٢) قال : «كتبت الى أبى الحسن الرضا عليه‌السلام اسأله عن قوم عندنا يصلون ولا يصومون شهر رمضان وربما احتجت إليهم يحصدون لي فإذا دعوتهم الى الحصاد لم يجيبوني حتى أطعمهم وهم يجدون من يطعمهم فيذهبون اليه ويدعوني وأنا أضيق من إطعامهم في شهر رمضان؟ فكتب عليه‌السلام بخطه أعرفه : أطعمهم».

وروى في الكافي عن عمر بن يزيد (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان المغيرية يزعمون ان هذا اليوم لهذا الليلة المستقبلة؟ فقال كذبوا هذا اليوم لليلة الماضية ، ان أهل بطن نخلة حيث رأوا الهلال قالوا قد دخل الشهر الحرام».

أقول : بطن نخلة موضع بين مكة والطائف ، والمغيرية اتباع المغيرة بن سعيد العجلي وقد تكاثرت الاخبار بذمة وانه كان من الكاذبين على ابى جعفر عليه‌السلام (٤)

__________________

(١) الأصول ج ١ ص ١٥٠ باب المشيئة والإرادة ، وقوله : «قلت ما معنى أراد؟ قال الثبوت عليه» ليس فيه وانما هو في الوافي ج ١ ص ١١٤ باب أسباب الفعل من أبواب معرفة مخلوقاته وأفعاله من كتاب العقل والعلم والتوحيد.

(٢) الوسائل الباب ٣٦ من أحكام شهر رمضان.

(٣) الوسائل الباب ٨ من أحكام شهر رمضان.

(٤) ارجع الى الاستدراكات.


وروى انه كان يدعو الى محمد بن عبد الله بن الحسن ولقبه الأبتر وهو زيدي واليه تنسب البترية الذين هم أحد فرق الزيدية.

وروى ثقة الإسلام في الكافي مسندا عن ابى عبد الله عن أبيه عن جده (عليهم‌السلام) ان عليا عليه‌السلام ـ ورواه الصدوق في الفقيه مرسلا (١) «ان عليا عليه‌السلام ـ قال يستحب للرجل أن يأتي أهله أول ليلة من شهر رمضان لقول الله (عزوجل) (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ)» (٢) وزاد في الكافي (٣) : «والرفث الجماع».

قال في الوافي : إنما قال يستحب وليس في الآية أزيد من الحل لان الله سبحانه أحب ان يؤخذ برخصه.

وروى احمد بن محمد بن احمد بن عيسى في نوادره عن فضالة عن إسماعيل بن ابى زياد عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. ثم ساق الخبر الى أن قال : وسمى شعبان شهر الشفاعة لأن رسولكم يشفع لكل من يصلى عليه فيه ، وسمى شهر رجب الأصب لأن الرحمة تصب على أمتي فيه صبا. ويقال الأصم لأنه نهى فيه عن قتال المشركين وهو من الشهور الحرام».

وروى الطبرسي في كتاب الاحتجاج (٥) عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري في مكاتباته لصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه) «انه كتب اليه ان قبلنا مشايخ وعجائز يصومون رجبا منذ ثلاثين سنة وأكثر ويصلون شعبان بشهر رمضان

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ من أحكام شهر رمضان. وفي الفروع ج ١ ص ٢١٣ «حدثني ابى عن جدي عن آبائه».

(٢) سورة البقرة الآية ١٨٤.

(٣) الفروع ج ١ ص ٢١٣ وفيه هكذا «والرفث المجامعة».

(٤) الوسائل الباب ٣٠ من الصوم المندوب.

(٥) الوسائل الباب ٢٦ من الصوم المندوب.


وروى لهم بعض أصحابنا ان صومه معصية؟ فأجاب : قال الفقيه يصوم منه أياما إلى خمسة عشرة يوما ثم يفطر إلا ان يصومه عن الثلاثة الأيام الفائتة للحديث : ان نعم شهر للقضاء رجب».

أقول : يشم من هذا الخبر رائحة التقية ولعل في عدوله عليه‌السلام عن الجواب من نفسه الى النقل عن الفقيه إيماء الى ذلك ، والعلامة قد نقل القول بكراهة صوم شهر رجب كله عن احمد (١) ونقل عنه انه احتج بما رواه خرشة بن الحر قال : «رأيت عمر يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام ويقول كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية» وعن ابن عمر «انه كان إذا رأى الناس وما يعدون لرجب كرهه وقال صوموا منه وأفطروا» «ودخل أبو بكر على أهله وعندهم سلال جدد وكيزان فقال ما هذا؟ فقالوا رجب نصومه. قال أجعلتم رجبا رمضان فأكفأ السلال وكسر الكيزان» (٢).

قال العلامة في المنتهى بعد نقل ذلك عن احمد ونقل جملة من الاخبار الدالة على استحباب صيامه : ونقل احمد عن عمر انه إنما كان تعظمه الجاهلية يقتضي عدم العرفان بفضل هذا الشهر الشريف في الشريعة المحمدية ، وكذا أمر ابن عمر وابى بكر بترك صومه يدل على قلة معرفتهما بفضل هذا الشهر ، وبالجملة لا اعتداد بفعل هؤلاء مع ما نقلناه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته.

أقول : بل الظاهر ان الوجه في منع القوم إنما هو ما سمعوه من ان هذا الشهر شهر على عليه‌السلام كما ورد في بعض أخبارنا وانه مأمور بصومه لذلك (٣) كما ان شعبان شهر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وشهر رمضان شهر الله تعالى (٤). فيكون عليه‌السلام قرينا لهما في هذا

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ١٦٦.

(٢) المغني ج ٣ ص ١٦٧ والمروي عنه فيه «أبو بكرة» لا «أبو بكر» كما في المتن.

(٣) الوسائل الباب ٢٦ من الصوم المندوب رقم ١٦ والباب ٢٨ منه رقم ١٣.

(٤) الوسائل الباب ٢٦ من الصوم المندوب رقم ١٦ والباب ٢٨ منه رقم ١٠ و ١٢ و ١٨ و ٢٣ و ٢٤.


الموضع كما في غيره فحملتهم العداوة الجبلية على المنع من صومه حسدا وبغضا ، إذ يبعد كل البعد عدم سماعهم من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ما ورد في فضله مع صومه صلى‌الله‌عليه‌وآله كلا أو بعضا.

ثم أقول : لا يخفى انه متى كانت الاخبار قد وردت من هذين الخليفتين اللذين هما معتمدا أهل السنة في دينهما زيادة على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كما يعلم من تصلبهم على القيام ببدعهم في الدين فان هذا القول لا يختص بأحمد من بينهم إلا انه لم ينقل. والله العالم.

كتاب الاعتكاف

وهو لغة الاحتباس والإقامة على شي‌ء بالمكان ، قال الجوهري عكفه أى حبسه ووقفه يعكفه ويعكفه عكفا ، ومنه قوله تعالى «وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً» (١) ومنه الاعتكاف في المسجد وهو الاحتباس ، وعكف على الشي‌ء يعكف ويعكف عكوفا أي أقبل عليه مواظبا قال الله تعالى «يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ» (٢) وعكفوا حول الشي‌ء أي استداروا. ونحوه في القاموس. وفي النهاية الاعتكاف والعكوف هو الإقامة على الشي‌ء بالمكان. ونقل في الشرع الى معنى أخص من ذلك وهو ما يأتي الكلام فيه ان شاء الله تعالى. وعرفه الأصحاب بتعريفات لا يكاد يسلم أكثرها من الإيراد كما هو مذكور في كلامهم ولا ثمرة في التعرض لذلك.

ومشروعيته ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع ، اما الأول فقوله (عزوجل) (طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (٣) وقوله عز شأنه : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) (٤).

واما الثاني فالأخبار المستفيضة ومنها ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي

__________________

(١) سورة الفتح الآية ٢٦.

(٢) سورة الأعراف الآية ١٣٥.

(٣) سورة البقرة الآية ١٢٠ وارجع الى الاستدراكات.

(٤) سورة البقرة الآية ١٨٤.


عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) انه قال : «لا اعتكاف إلا بصوم في المسجد الجامع. قال وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد وضربت له قبة من شعر وشمر المئزر وطوى فراشه. فقال بعضهم : واعتزل النساء. فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : اما اعتزال النساء فلا».

قال الصدوق (رحمه‌الله) بعد إيراد هذا الخبر : المراد من نفيه عليه‌السلام لاعتزال النساء انه لم يمنعهن من خدمته والجلوس معه واما المجامعة فإنه امتنع منها ، قال ومعلوم من قوله : «طوى فراشه» ترك المجامعة.

وروى هذا الخبر الكليني في الصحيح أو الحسن على المشهور (٢) من قوله «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. الى آخره».

وروى في الكافي أيضا في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «كانت بدر في شهر رمضان فلم يعتكف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما ان كان من قابل اعتكف عشرين : عشرا لعامه وعشرا قضاء لما فاته».

وروى في الكافي أيضا عن ابى العباس عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «اعتكف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في شهر رمضان في العشر الاولى ثم اعتكف في الثانية في العشر الوسطى ثم اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر ثم لم يزل يعتكف في العشر الأواخر». الى غير ذلك من الأخبار.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام في هذا المقام يقع في فصلين :

الفصل الأول ـ في شرائط الاعتكاف وهي أمور :

الأول ـ الصوم فلا يصح إلا في زمان يصح فيه الصوم ممن يصح منه الصوم ،

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ١١٩ و ١٢٠ وفي الوسائل الباب ٣ و ١ و ٥ من الاعتكاف.

(٢) الوسائل الباب ٥ من الاعتكاف.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ١ من الاعتكاف.


فلا يصح الاعتكاف في العيدين ولا يصح من الحائض والنفساء. وهذا الشرط مجمع عليه نصا وفتوى.

ومن الاخبار الدالة على ذلك ما تقدم في صحيحة الحلبي برواية الصدوق من قوله (عليه‌السلام) «لا اعتكاف إلا بصوم في المسجد الجامع».

وما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا اعتكاف إلا بصوم».

وما رواه في الكافي أيضا عن ابى العباس عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا اعتكاف إلا بصوم».

وما رواه ايضا عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) في حديث (٣) قال : «ومن اعتكف صام».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) في حديث (٤) قال فيه «وتصوم ما دمت معتكفا».

وما رواه الشيخ في الموثق عن عبيد بن زرارة (٥) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا يكون الاعتكاف إلا بصوم». الى غير ذلك من الاخبار.

وإطلاق هذه الاخبار وغيرها يقتضي الاكتفاء بالصيام كيف اتفق بمعنى انه لا يشترط في الصيام ان يكون لأجل الاعتكاف ، وبذلك صرح المحقق في المعتبر ايضا وغيره في غيره فقالوا بأنه لا يعتبر إيقاع الصوم لأجل الاعتكاف بل يكفى وقوعه في أي صوم اتفق واجبا كان أو ندبا رمضان كان أو غيره ، قال في المعتبر : وعليه فتوى الأصحاب.

قال العلامة في التذكرة بعد ان ذكر نحو ذلك : فلو نذر اعتكاف ثلاثة أيام مثلا وجب الصوم بالنذر لان ما لا يتم الواجب إلا به يكون واجبا.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وهو مشكل على إطلاقه لأن المنذور المطلق

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٢ من الاعتكاف.

(٤) الوسائل الباب ٢ من الاعتكاف : ارجع الى الاستدراكات.


يصح إيقاعه في صوم شهر رمضان أو واجب غيره فلا يكون نذر الاعتكاف مقتضيا لوجوب الصوم ، كما ان من نذر الصلاة فاتفق كونه متطهرا في الوقت الذي تعلق به النذر لم يفتقر إلى طهارة مستأنفة ، نعم لو كان الوقت معينا ولم يكن صومه واجبا اتجه وجوب صومه لكن لا يتعين صومه للنذر ايضا فلو نذر المعتكف صياما وصام تلك الأيام عن النذر أجزأ. انتهى.

أقول : الظاهر ان مراد العلامة انه لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام مثلا وأراد الوفاء بنذره ولم يكن عليه صيام واجب فان الصيام يجب للاعتكاف بالنذر المذكور والعبارة خرجت مخرج التوسع بناء على ما هو الغالب.

ثم نقل عنه في المدارك ايضا انه قال في التذكرة أيضا : وكذا لو نذر اعتكافا وأطلق فاعتكف في أيام أراد صومها مستحبا جاز. ثم اعترض عليه بان هذا الكلام بظاهره مناف لما ذكره أولا من ان نذر الاعتكاف يقتضي وجوب الصوم. وهو كذلك.

ثم نقل عن جده (قدس‌سرهما) انه جزم بالمنع من جعل صوم الاعتكاف المنذور مندوبا للتنافي بين وجوب المضي على الاعتكاف الواجب وجواز قطع الصوم المندوب. ثم قال : وهو جيد ان ثبت وجوب المضي في الاعتكاف الواجب وان كان مطلقا لكنه غير واضح كما ستقف عليه ، اما بدون ذلك فيتجه جواز إيقاع المنذور المطلق في الصوم المستحب ، اما المعين فلا ريب في امتناع وقوعه كذلك لما ذكره الشارح من التنافي بين وجوب المضي فيه وجواز قطع الصوم. انتهى.

أقول : وسيأتي ما به يتضح تحقيق المسألة ان شاء الله تعالى.

الثاني ـ اللبث ثلاثة أيام فصاعدا لا أقل ، وهذا الشرط ايضا من ما لا خلاف فيه نصا وفتوى ، قال العلامة في التذكرة انه قول علمائنا أجمع. وقال المحقق في المعتبر : قد أجمع علماؤنا على انه لا يجوز أقل من ثلاثة أيام


بليلتين وأطبق الجمهور على خلاف ذلك (١).

ويدل على ذلك من الاخبار ما رواه في الكافي (٢) عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام. ومن اعتكف صام. وينبغي للمعتكف إذا اعتكف ان يشترط كما يشترط الذي يحرم».

وما رواه الشيخ في التهذيب (٣) عن عمر بن يزيد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) «إذا اعتكف العبد فليصم. وقال لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام. الحديث».

وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح في بعض والموثق في آخر عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا اعتكف يوما ولم يكن اشترط فله ان يخرج ويفسخ الاعتكاف وان أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يخرج ويفسخ اعتكافه حتى تمضى ثلاثة أيام».

وما رواه المشايخ الثلاثة أيضا في الصحيح والموثق عن ابى عبيدة الحذاء عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٥) قال : «ومن اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار ان شاء زاد ثلاثة أيام أخر وان شاء خرج من المسجد ، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر».

وما رواه الكليني عن داود بن سرحان (٦) قال «بدأني أبو عبد الله (عليه‌السلام) من غير ان أسأله فقال الاعتكاف ثلاثة أيام يعني السنة ان شاء الله تعالى».

بقي الكلام هنا في مواضع الأول ـ لا خلاف في دخول ليلتي اليوم الثاني والثالث في الاعتكاف في الثلاثة الأيام لا من حيث الدخول في لفظ الأيام بل بدليل من خارج.

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ١٨٦ و ١٨٩ و ٢١٣ و ٢١٤ و ٢١٦.

(٢) الفروع ج ١ ص ٢١٢ وفي الوسائل الباب ٤ و ٢ و ٩ من الاعتكاف.

(٣) ج ٤ ص ٢٨٩ وفي الوسائل الباب ٢ و ٤ من الاعتكاف.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٤ من الاعتكاف.


وانما الخلاف في دخول الليلة الأولى فقيل بعدم دخولها وبه صرح المحقق في المعتبر حيث قال في مقام الرد على ابى حنيفة (١) : ولا تدخل الليالي بل ليلتان من كل ثلاث لما قررناه من الأصل ، وحجته ضعيفة لأن دخول الأيام في الليالي وبالعكس لا يستفاد من مجرد اللفظ بل بالقرائن وإلا فاليوم حقيقة في ما بين الفجر الى غروب الشمس والليلة ما عدا ذلك ، واستعمال أحدهما في مسماه منضما لا يعلم بمجرد اللفظ. انتهى. وبه صرح الشهيد في الدروس.

وقيل بدخولها وهو منقول عن العلامة واليه جنح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك حيث قال : لا خلاف عندنا في ان أقل الاعتكاف ثلاثة أيام إنما الكلام في مسمى هذه الأيام هل هو النهار لانه المعروف منها عند الإطلاق لغة واستعمالا حتى في القرآن الكريم لقوله تعالى (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً) (٢) أم المركب منه ومن الليل لاستعماله شرعا فيهما أيضا في بعض الموارد ، ولدخوله في اليومين الأخيرين؟ فعلى الأول فمبدأ الثلاثة طلوع الفجر وعلى الثاني الغروب والنصوص مطلقة وكذا كثير من عبارات الأصحاب ، واختار المصنف في المعتبر والشهيد في الدروس الأول ورجح العلامة وجماعة الثاني وهو أولى ، وأكمل منه ان يجمع بين النية عند الغروب وقبل الفجر. انتهى.

والسيد السند في المدارك حيث اختار الأول قال بعد نقل كلام جده واستدلاله : وهو استدلال ضعيف فان الاستعمال أعم من الحقيقة ودخول الليل في اليومين الأخيرين انما استفيد من دليل من خارج ، وكيف كان فالترجيح للقول الأول لما عرفت.

ونقل في المدارك عن بعض الأصحاب انه احتمل دخول الليلة المستقبلة في مسمى اليوم ، قال : وعلى هذا فلا تنتهي الأيام الثلاثة إلا بانتهاء الليلة الرابعة. ثم قال : وهو بعيد جدا بل مقطوع بفساده.

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٢١٣.

(٢) سورة الحاقة الآية ٨.


أقول : ويرده صريحا ما تقدم قريبا في آخر نوادر كتاب الصيام (١) من حديث عمر بن يزيد المشتمل على نسبة هذا القول للمغيرية وتكذيب الصادق (عليه‌السلام) لهم في ذلك.

الثاني ـ انهم قد فرعوا على هذا الشرط انه لو نذر اعتكافا مطلقا انصرف الى ثلاثة أيام لأنها أقل ما يمكن جعله اعتكافا ، ومبدأها طلوع الفجر أو غروب الشمس بناء على القولين المتقدمين. ويعتبر كون الأيام تامة فلا يجزئ الملفق من الأول والرابع لان نصف اليومين لا يصدق عليهما انهما يوم.

ومن ما يتفرع على ذلك ايضا انه لو وجب عليه قضاء يوم من اعتكاف اعتكف ثلاثة ليصح. وكذا لو نذر اعتكاف أربعة أيام فاعتكف ثلاثة ثم قطع أو نذر اعتكاف يوم ولم يقيده بعدم الزائد. ويتخير في جميع هذه المواضع بين تقديم الزائد وتأخيره وتوسيطه.

إلا ان جملة من المتأخرين ذكروا ان الزائد على الواجب أصالة ان تأخر عن الواجب لم يقع إلا واجبا وان تقدم جاز ان ينوي به الوجوب من باب مقدمة الواجب والندب لعدم تعين الزمان له.

وربما أشكل ذلك بما إذا كان الواجب يوما واحدا فان اعتكاف اليومين بنية الندب يوجب الثالث فلا يكون مجزئا عن ما في ذمته.

وفيه انه لا منافاة بين كونه واجبا سابقا وعروض الوجوب له من جهة أخرى ، وهل هو إلا من قبيل نذر الواجب على القول به.

الثالث ـ لو ابتدأ بالاعتكاف في مدة لا تسلم فيها الثلاثة كأن يبتدئ قبل العيد بيوم أو بيومين لم يصح اعتكافه لأن أقله ثلاثة أيام وهو مشروط بالصوم والعيد لا يجوز صومه فيبطل اعتكافه البتة من غير اشكال ولا خلاف ، نعم يمكن ذلك بناء على جواز صوم العيد في كفارة القاتل في الأشهر الحرم بناء على القول بذلك كما تقدم ذكره في كتاب الصيام في المطلب الثالث من مطالب المقصد الثاني

__________________

(١) ص ٤٥٢.


من الكتاب المذكور (١).

الرابع ـ لو نذر الاعتكاف عشرين يوما أو عشرة أيام مثلا فان اشترط التتابع لفظا أو كان التتابع حاصلا معنى ـ والمراد بالتتابع لفظا أن يكون مدلولا عليه بلفظ التتابع أو ما أدى مؤداه ، والتتابع معنى ما كان مدلولا عليه بالالتزام كنذر اعتكاف شهر رجب الذي لا يتحقق الإتيان به إلا بالتتابع فان الشهر اسم مركب من الأيام المعدودة ـ فلا ريب في وجوب التتابع ، وان انتفى الأمران فالمشهور جواز التتابع والتفريق لتحقق الامتثال بكل منهما ، لكن ليس له ان ينقص عن ثلاثة أيام لأنها أقل مدة يسوغ الاعتكاف فيها. واستقرب العلامة في التذكرة والمنتهى عدم تعين ذلك وجوز له اعتكاف يوم عن النذر وضم يومين مندوبين اليه أو واجبين بغير النذر كما لو نذر ان يعتكف يوما وسكت عن الزائد ، وهو جيد.

الخامس ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام من دون لياليها لم يصح ، لأن الليالي إذا لم تدخل في الاعتكاف يحصل الخروج منه بدخول الليل فيجوز له فعل ما ينافيه فينقطع اعتكاف ذلك اليوم عن ما قبله ويصير منفردا ، ويلزم من ذلك صحة اعتكاف أقل من ثلاثة أيام ، وهو معلوم البطلان كما عرفت من الاخبار الدالة على ان أقله ثلاثة أيام.

وقال الشيخ في الحلاف : اذا قال لله علىّ أن اعتكاف ثلاثة أيام يلزم ذلك فان قال متتابعة لزم بينها ليلتان وأن لم يشترط المتابعة جاز ان يعتكف نهار ثلاثة أيام بلا لياليهن. مع انه قال في هذا الكتاب : لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام وليلتين. إلا أن يحمل على التقييد بالمتابعة.

وقال في المبسوط : ان نذر أياما بعينها لم يدخل فيها لياليها إلا أن يقول العشر الأواخر وما يجرى مجراه فيلزمه حينئذ الليالي لان الاسم يقع عليه. ثم قال في

__________________

(١) ص ٣٨٨.


موضع آخر منه : ولو نذر اعتكاف ثلاثة أيام وجب عليه ان يدخل فيه قبل طلوع الفجر من أول يومه الى بعد الغروب من ذلك اليوم وكذلك اليوم الثاني والثالث ، هذا ان أطلقه وان شرط التتابع لزمه الثلاثة الأيام بينها ليلتان.

قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : والمعتمد دخول الليالي ، لنا ان الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيام ومفهوم ذلك دخول الليالي. انتهى.

أقول : كأن الشيخ (رحمه‌الله) بنى على ان اليوم انما هو عبارة عن ما بعد طلوع الفجر الى غروب الشمس والثلاثة الأيام المذكورة في الاخبار عبارة عن ذلك فالليل مع عدم قيد التتابع غير داخل فيها. وفيه ان الحكم على الثلاثة بكونها أقل ما يقع فيه الاعتكاف ولا يصح في أقل منها ظاهر في إدخال الليلتين بالتقريب المتقدم ، ويعضده الأخبار الدالة على وجوب الكفارة على من جامع ليلا وهو معتكف (١) كما سيأتي ان شاء الله تعالى ، وتقييدها بالمتابعة لا دليل عليه ولا داعي إليه.

الثالث ـ المكان ولا بد أن يكون مسجدا اتفاقا وانما اختلفوا في تعيينه فقال الشيخ والمرتضى انه لا يصح الاعتكاف إلا في أربعة مساجد : المسجد الحرام ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومسجد الكوفة ومسجد البصرة ، وبه قال أبو جعفر بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه وسلار وأبو الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس.

وقال على بن بابويه : لا يجوز الاعتكاف إلا في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومسجد الكوفة ومسجد المدائن ، والعلة في ذلك انه لا يعتكف إلا في مسجد جمع فيه امام عدل وقد جمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة وجمع أمير المؤمنين عليه‌السلام في هذه المواضع ، وقد روى في مسجد البصرة رواية.

وقال ابن إدريس في السرائر : وقد ذهب بعض أصحابنا وهو ابن بابويه الى ان أحد الأربعة مسجد المدائن وجعل مسجد البصرة رواية ، ويحسن في هذا الموضع

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من الاعتكاف.


قول : «اقلب تصب» لان الأظهر بين الطائفة ما قلناه أولا فإن كانت قد رويت لمسجد المدائن رواية فهي من أخبار الآحاد.

قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه ـ ونعم ما قال ـ وهذا تهجم في القول على مثل هذا الشيخ وتهكم بكلامه ، ولا يليق بمن له أدنى فطانة مخاطبة مثل هذا الشيخ الأعظم السابق في الفضل الجامع بين العلم والعمل الذي راسله الامام ودعا له بما طلب منه (١) بمثل هذا الكلام.

ثم نقل عن ابنه ابى جعفر في المقنع انه قال : ولا يجوز الاعتكاف إلا في خمسة مساجد : في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومسجد الكوفة ومسجد المدائن ومسجد البصرة ، وعلل بان الاعتكاف إنما يكون في مسجد جمع فيه امام عدل والنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جمع بمكة والمدينة وجمع أمير المؤمنين عليه‌السلام في الثلاثة الباقية.

وقال المفيد : لا يكون الاعتكاف إلا في المسجد الأعظم ، وقد روى انه لا يكون إلا في مسجد جمع فيه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أو وصى نبي. ثم عد المسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد الكوفة ومسجد البصرة.

وقال ابن ابى عقيل (٢) الاعتكاف عند آل الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يكون إلا في المساجد وأفضل الاعتكاف في المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ومسجد الكوفة وسائر الأمصار مساجد الجماعات.

أقول : والظاهر ان مرجع القول الأول والثاني المنقول عن على بن بابويه إلى أمر واحد وهو أن يكون مسجدا قد جمع فيه نبي أو وصي نبي أعم من أن يكون جماعة أو جمعة وان كان قد صرح الشيخ في المبسوط والمرتضى في الانتصار بان

__________________

(١) رجال النجاشي في ترجمة الشيخ الصدوق وغيبة الشيخ الطوسي ص ٢٠١ طبع تبريز وإكمال الدين ص ٢٧٦.

(٢) الوسائل الباب ٣ من الاعتكاف.


المعتبر في ذلك صلاة الجمعة وانه لا يكفى مطلق الجماعة ، ونقله في المختلف عن الشيخ المفيد ايضا وابن حمزة وابن إدريس ، وظاهر ابني بابويه الاكتفاء بمطلق الجماعة.

وقال في المختلف : ولا أرى لهذا الخلاف فائدة إلا أن يثبت زيادة مسجد صلى فيه بعض الأئمة (عليهم‌السلام) جماعة لا جمعة. وقال ابنه في الشرح ان فائدة الخلاف تظهر في مسجد المدائن فإن المروي ان الحسن عليه‌السلام صلى فيه جماعة لا جمعة.

أقول : قد تقدم في عبارة الشيخ على بن بابويه ان مسجد المدائن قد جمع فيه أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو المذكور في الفقه الرضوي (١) والى هذا القول ذهب في المنتهى والمختلف ونسبه في المنتهى الى المشهور بين علمائنا.

واما ما ذهب اليه الشيخ المفيد (قدس‌سره) فالظاهر ان مراده بالمسجد الأعظم يعني جامع البلد ، واليه ذهب المحقق في كتبه وأكثر المتأخرين ، وظاهر جملة من الأصحاب حمل عبارة ابن أبى عقيل على ذلك وهو بعيد عن ظاهرها وان ظاهرها مطلق المسجد.

واما الاخبار الواردة في هذا الباب فمنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن عمر بن يزيد (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟ فقال : لا يعتكف إلا في مسجد جماعة قد صلى فيه امام عدل جماعة ولا بأس بأن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكة». ورواه الشيخان ثقة الإسلام وشيخ الطائفة بسند غير نقى (٣).

وقال في الفقيه (٤) : وقد روى في مسجد المدائن.

وما رواه المشايخ الثلاثة أيضا في الصحيح في بعضها عن داود بن سرحان عن

__________________

(١) ص ٢٦.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ١٢٠ وفي الوسائل الباب ٣ من الاعتكاف.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٣ من الاعتكاف.


ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال «ان عليا عليه‌السلام كان يقول : لا أرى الاعتكاف إلا في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أو مسجد جامع».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سئل عن الاعتكاف فقال : لا يصلح الاعتكاف إلا في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أو مسجد الكوفة أو مسجد جماعة. وتصوم ما دمت معتكفا».

وما رواه الشيخ في الموثق عن الكناني عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «سئل عن الاعتكاف في شهر رمضان قال ان عليا عليه‌السلام كان يقول لا أرى الاعتكاف إلا في المسجد الحرام أو في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أو في مسجد جامع».

وما رواه عن على بن عمران الرازي عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) قال : «المعتكف يعتكف في المسجد الجامع».

وما رواه أيضا عن يحيى بن العلاء الرازي عن ابى عبد الله (٥) قال : «لا يكون الاعتكاف إلا في مسجد جماعة».

وما تقدم في صدر الكتاب في صحيحة الحلبي برواية الصدوق (٦) من قوله عليه‌السلام : «لا اعتكاف إلا بصوم في المسجد الجامع».

وما رواه الشيخ في القوى عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام في حديث (٧) قال : «لا يصلح العكوف في غيرها ـ يعني مكة ـ إلا ان يكون في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو في مسجد من مساجد الجماعة».

وما رواه أيضا عن على بن غراب عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٨) قال : «المعتكف

__________________

(١ و ٢ و ٧) الوسائل الباب ٣ من الاعتكاف.

(٣) الوسائل الباب ٣ من الاعتكاف ، وفي التهذيب ج ٤ ص ٢٩١ هكذا «سئل عن الاعتكاف في رمضان في العشر ...».

(٤) التهذيب ج ٤ ص ٢٩٠ وفي الوسائل الباب ٣ من الاعتكاف.

(٥ و ٨) الوسائل الباب ٣ من الاعتكاف. ارجع فيهما الى الاستدراكات.

(٦) ص ٤٥٥ و ٤٥٦.


يعتكف في المسجد الجامع».

ونقل في المختلف عن ابن الجنيد (١) انه روى عن ابن سعيد عن ابى عبد الله عليه‌السلام جوازه في كل مسجد صلى فيه امام عدل صلاة جمعة وفي المسجد الذي يصلى فيه الجمعة بإمام وخطبة.

وفي هذا الحديث دلالة على ما ذكره الشيخ والمرتضى ونحوهما ممن قدمنا ذكره من ان الاعتبار بصلاة الجمعة وانه لا يكفى مطلق الجماعة.

وقال في الفقه الرضوي (٢) : وصوم الاعتكاف في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ومسجد الكوفة ومسجد المدائن ، ولا يجوز الاعتكاف في غير هؤلاء المساجد الأربعة ، والعلة في ذلك انه لا يعتكف إلا في مسجد جمع فيه امام عدل ، وجمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة والمدينة وأمير المؤمنين عليه‌السلام في هذه الثلاثة المساجد ، وقد روى في مسجد البصرة. انتهى.

ومن هذه العبارة أخذ الشيخ على بن بابويه عبارة الرسالة المتقدمة كما هي قاعدته التي أشرنا إليها في غير موضع من ما تقدم ، وإليها يرجع كلام ابنه في المقنع أيضا كما لا يخفى.

أقول : ليس في هذه الاخبار ما يمكن أن يستدل للقولين المتقدمين إلا عبارة كتاب الفقه الرضوي وصحيحة عمر بن يزيد التي هي أول الأخبار المنقولة هنا. وما تأولها به بعضهم من حمل الامام العدل على معنى العادل فيشمل إمام الجماعة لا يخفى بعده سيما مع قوله بعد هذا الكلام : «ولا بأس بأن يعتكف. الى آخره» فان الظاهر ان تخصيص هذه المساجد بالذكر قرينة على ارادة المعصوم حيث انها من ما صلى فيها المعصوم عليه‌السلام. ومن ذلك يظهر قوة القول الأخير وهو الاكتفاء بالمسجد الجامع. بقي الكلام في ما يحمل عليه الخبران المذكوران.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من الاعتكاف. واللفظ فيه هكذا : صلى فيه امام عدل صلاة جماعة.

(٢) ص ٢٦.


والعلامة في المختلف والمنتهى حيث اختار الأول استدل له بصحيحة عمر بن يزيد المذكورة.

وأجيب عن ذلك بحملها على عدم اختصاص الامام العدل بالمعصوم بل المراد ما هو أعم ، وانه مع تسليم الاختصاص محمول على ضرب من الكراهة جمعا. وفي الجوابين ما لا يخفى كما نبهت عليه.

واما عبارة كتاب الفقه الرضوي فلم يطلعوا عليها.

والعلامة في المنتهى قد أجاب عن الاخبار التي استدل بها على القول الثاني بضعف السند أولا وتقييد إطلاقها بالصحيحة المتقدمة ، قال بعد نقل جملة منها : هذه أحاديث مطلقة وما قلناه مقيد فيحمل عليه جمعا بين الأدلة. وفيه من البعد ما لا يخفى فان عد مسجد الجماعة مع جملة من هذه المساجد في جملة من الاخبار المتقدمة لا يلائم ذلك كما هو ظاهر.

والأظهر عندي ان روايات كل من الطرفين ظاهرة في كل من القولين وان اخبار أحد الطرفين إنما خرج مخرج التقية ، والظاهر انها في اخبار القول بالمسجد الجامع وذلك فان مذهب الشافعي انه يصح في كل مسجد كما هو ظاهر عبارة ابن ابى عقيل وبه قال مالك ايضا ، وقال احمد لا يجوز إلا في مسجد يجمع فيه وبه قال أبو حنيفة (١) وهو قول الشيخ المفيد ومن تبعه ، واما القول بالمساجد الأربعة المتقدمة فلم يسند الى أحد منهم (٢) وبذلك يظهر قوة القول الأول. والله العالم.

ولا فرق في اعتبار هذه الشرائط بين الرجل والمرأة اتفاقا.

ويدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي (٣) : «لا ينبغي للمعتكف أن يخرج

__________________

(١) عمدة القارئ ج ٥ ص ٣٧٣ والمجموع ج ٦ ص ٤٨٣ والمهذب ج ١ ص ١٩٠ وبدائع الصنائع ج ٢ ص ١١٣.

(٢) في المغني ج ٣ ص ١٨٨ و ١٨٩ حكى عن حذيفة أن الاعتكاف لا يصح إلا في أحد المساجد الثلاثة : المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد رسول الله (ص).

(٣) الوسائل الباب ٧ من الاعتكاف.


من المسجد. الى ان قال : واعتكاف المرأة مثل ذلك».

وقوله عليه‌السلام في صحيحة داود بن سرحان (١) : «ولا ينبغي للمعتكف ان يخرج من المسجد الجامع إلا لحاجة لا بد منها ثم لا يجلس حتى يرجع ، والمرأة مثل ذلك».

الرابع ـ اذن من له الولاية كالمولى لعبده والزوج لزوجته ، اما العبد فلان خدمته مستحقة للمولى ، واما الزوجة فلان الاستمتاع بها حق الزوج.

والظاهر انه لا خلاف فيه ولا اشكال وان لم يرد بخصوصه نص في هذا المجال ، إنما الكلام في اذن الوالد لولده والمضيف لضيفه والحق في ذلك كما ذكره في المسالك انه ان وقع الاعتكاف في صوم مندوب بنى على ما تقدم في كتاب الصوم من توقف صومهما على الاذن وعدمه وان وقع في غيره كصوم شهر رمضان مثلا فالأظهر عدم الاشتراط لعدم الدليل.

وأطلق الشهيد في الدروس اشتراط إذن الأب فقال في ضمن تعداد الشروط : ويشترط الإسلام. الى أن قال : واذن الزوج والمولى والوالد. الى أن قال : والأقرب ان الأجير والضيف يستأذنان في الاعتكاف. وهو على إطلاقه مشكل لما عرفت من عدم الدليل في المسألة وإنما صرنا إليه في الصوم المندوب من حيث الصوم بناء على اشتراط الاذن فيه لا من حيث خصوصية الاعتكاف. واما ما ذكره من الأجير فالحكم فيه كما تقدم في العبد حيث ان منافعه مستحقة للمستأجر.

وقد صرح جملة من الأصحاب تفريعا على هذه المسألة بأن المملوك إذا هاياه مولاه جاز له الاعتكاف في أيامه وان لم يأذن له مولاه ، وانه لو أعتق في أثناء الاعتكاف لم يلزمه المضي فيه إلا ان يكون شرع فيه باذن المولى فيلزمه المضي.

وأورد على الأول بأنه على إطلاقه ممنوع بل إنما يجوز له الاعتكاف في أيامه

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من الاعتكاف.


إذا كانت المهاياة تفي بأقل مدة الاعتكاف ولم يضعفه عن الخدمة في نوبة المولى ولم يكن الاعتكاف في صوم مندوب ان منعنا المبعض من الصوم بغير اذن المولى وإلا لم يجز إلا بالإذن كما هو واضح. وعلى الثاني انه انما يتم عند هذا القائل مع وجوب الاعتكاف بنذر أو شبهه أو بعد مضى يومين لا مطلقا.

الخامس ـ استدامة اللبث في المسجد فلو خرج بغير الأسباب المبيحة بطل اعتكافه ، وهو إجماع منهم كما صرح به غير واحد منهم.

ويدل عليه الأخبار : ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «ليس للمعتكف ان يخرج من المسجد إلا الى الجمعة أو جنازة أو غائط».

وما رواه ثقة الإسلام في الحسن على المشهور والصحيح على الأصح وابن بابويه في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «لا ينبغي للمعتكف ان يخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها ثم لا يجلس حتى يرجع ولا يخرج في شي‌ء إلا لجنازة أو يعود مريضا ولا يجلس حتى يرجع. قال واعتكاف المرأة مثل ذلك».

وما رواه في الكافي والفقيه عن داود بن سرحان في الصحيح بطريق الثاني (٣) قال : «كنت بالمدينة في شهر رمضان فقلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انى أريد ان اعتكف فما ذا أقول وما ذا أفرض على نفسي؟ فقال : لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها ولا تقعد تحت الظلال حتى تعود الى مجلسك».

وما تقدم من رواية داود بن سرحان الأخرى.

ويستفاد من هذه الأخبار أمور أحدها ـ ان الظاهر منها هو ان المراد بالخروج منها هو الخروج بجميع بدنه لا بعضو من أعضائه ، وبه قطع المحقق في المعتبر من غير نقل خلاف ، قال : لأن المنافي للاعتكاف خروجه لا خروج بعضه. وجزم في المسالك بتحقق الخروج من المسجد بخروج جزء من بدن المعتكف وهو بعيد جدا.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٧ من الاعتكاف.


وثانيها ـ ان المتبادر من الخروج المنهي عنه فيها هو الخروج من نفسه اختيارا فلو اخرج منها مكرها فالظاهر انه غير مبطل إلا ان يطول الزمان على وجه يخرج عن كونه معتكفا.

وبذلك فصل العلامة (قدس‌سره) في التذكرة فقال ان الاعتكاف إنما يبطل بمطلق الخروج المحرم إذا وقع اختيارا اما إذا خرج كرها فإنه لا يبطل إلا مع طول الزمان بحيث يخرج عن كونه معتكفا.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : ولا بأس به تمسكا بمقتضى الأصل وحديث رفع القلم (١) والتفاتا الى عدم توجه النهي الى هذا الفعل.

وجملة من الأصحاب قد صرحوا بان الخروج مبطل طوعا خرج أو كرها.

واستدل عليه في المعتبر بان الاعتكاف لبث في المسجد فيكون الخروج منافيا له.

وفيه ما عرفت من ان المنافي له إنما هو الخروج الاختياري كما هو ظاهر الأخبار المذكورة واما الإخراج منها كرها فلا دليل على إبطاله ، وليس كل مناف للبث موجبا للإبطال لعدم الدليل عليه بل قيام الدليل على خلافه في المواضع المشار إليها في الأخبار المتقدمة.

وثالثها ـ انه هل يتحقق الخروج بالصعود الى سطح المسجد من داخله؟ قيل نعم وبه قطع في الدروس لعدم دخوله في مسماه ، وقيل لا وبه قطع في المنتهى من غير نقل خلاف ، قال لانه من جملته. واستحسنه في المدارك. ونقله في المنتهى عن الفقهاء الأربعة وانه يجوز ان يبيت فيه (٢).

والمسألة لا تخلو من اشكال ينشأ من حيث انه مسجد ايضا فلهذا حرم على الجنب اللبث فيه ، ومن ان المتبادر هو ما جرت به العادة وعمل الناس من المكان الأسفل منه والأحكام الشرعية إنما تبنى على الافراد الغالبة.

__________________

(١) في المدارك : حديث «رفع» وقد أورده في الوسائل الباب ٥٦ من جهاد النفس.

(٢) المغني ج ٣ ص ١٩٧.


ورابعها ـ ان ظاهر النهي في الأخبار المتقدمة إنما يتوجه الى الخروج عمدا فلو خرج ساهيا لم يبطل اعتكافه ، وبذلك أطلق الأكثر ، واستدلوا عليه بالأصل وحديث رفع (١) وقيده بعضهم بما إذا لم يطل زمن الخروج بحيث يخرج عن كونه معتكفا وإلا لبطل وان انتفى الإثم. ويجب العود عند الذكر فلو أخر اختيارا بطل

وخامسها ـ انه بعد الخروج للحاجة لا يجوز له الجلوس تحت الظلال كما تضمنته صحيحة الحلبي المتقدمة وصحيحة داود بن سرحان (٢) والاولى وان كانت مطلقة إلا أن الثانية مقيدة فيحكم بها على الأولى ، وبذلك صرح الشيخ في المبسوط فخصص التحريم بالجلوس تحت الظلال ، وكذا المفيد وسلار والمحقق في المعتبر وعليه أكثر المتأخرين.

وجملة من الأصحاب كالشيخ في أكثر كتبه والمرتضى وابى الصلاح وابن إدريس والمحقق في الشرائع والعلامة في بعض كتبه زادوا المشي تحت الظلال ، ولم نقف على مستنده وبذلك اعترف جملة من أصحابنا المتأخرين.

وسادسها ـ انه قد اشتملت هذه الأخبار على انه لا يجوز الخروج إلا للأمور الضرورية.

وعد منها في الاخبار المذكورة قضاء الحاجة من بول أو غائط ، وعلى ذلك دلت صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (٣).

ولا اشكال ولا خلاف في ذلك إلا ان الأصحاب ذكروا انه يجب أن يتحرى أقرب الطرق الى موضع قضاء الحاجة.

وقال في المنتهى : لو كان الى جانب المسجد سقاية خرج إليها إلا ان يجد بها غضاضة بأن يكون من أهل الاحتشام فيجد المشقة بدخولها لأجل الناس فعندي ههنا يجوز أن يعدل عنها إلى منزله وان كان أبعد. ثم قال : ولو بذل له صديق منزله

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٦ من جهاد النفس.

(٢ و ٣) ص ٤٧٠.


وهو قريب من المسجد لقضاء حاجته لم يلزمه الإجابة لما فيه من المشقة بالاحتشام بل يمضي إلى منزله. وظاهر جماعة ممن نقل ذلك عنه تلقيه بالقبول.

وعندي فيه اشكال وانه تقييد لإطلاق النص بغير دليل. وما ذكروه من التعليل ليس من ما يصلح لتأسيس الأحكام الشرعية.

ومنها ـ شهادة الجنازة كما تضمنته صحيحة الحلبي وصحيحة عبد الله بن سنان (١) والمراد حضورها لتشييعها والصلاة عليها أعم من ان يكون ذلك متعينا عليه أم لا لإطلاق النص.

ومنها ـ عيادة المريض كما تضمنته صحيحة الحلبي (٢) أيضا.

ومنها ـ الجمعة لو كانت تقام في غير ذلك المسجد.

وقد ذكر الأصحاب أيضا جملة زائدة على ما ذكر بناء على ان ما ذكر انما خرج مخرج التمثيل :

منها ـ إقامة الشهادة وقيده بعض الأصحاب بما إذا تعينت عليه ولم يمكن أداؤها بدون الخروج.

وقال في المنتهى : يجوز الخروج لها تعين عليه التحمل والأداء أو لم يتعين عليه أحدهما إذا دعي إليها لأنها من ما لا بد منه فصار ضروريا كقضاء الحاجة ، وإذا دعي إليها مع عدم التعيين تجب الإجابة. انتهى. وفيه اشكال والأول أحوط.

ومنها ـ الغسل لو احتلم فلا يجوز الخروج للغسل المندوب. وفي معنى غسل الجنابة غسل المرأة للاستحاضة.

ولو أمكن الغسل في المسجد بحيث لا تتعدى النجاسة الى المسجد أو آلاته فقد أطلق جماعة المنع لمنافاته لاحترام المسجد. واحتمل في المدارك الجواز كما في الوضوء والغسل المندوب.

__________________

(١ و ٢) ص ٤٧٠.


ومنها ـ تحصيل المأكول والمشروب إذا لم يكن من يأتيه بهما ، ولا إشكال في الجواز لذلك.

وجوز العلامة في التذكرة والشهيد الثاني في المسالك الخروج للأكل أيضا إذا كان في فعله في المسجد غضاضة عليه بخلاف الشرب إذ لا غضاضة فيه ولا يعد تركه من المروة. قال في المدارك : وهو غير بعيد.

أقول : بل الظاهر انه بعيد كما أشرنا إليه آنفا فان جميع ما ذكروه من الغضاضة في هذه الأمور مبنى على منافاتها المروة التي اعتبروها في تعريف العدالة كما أشير إليه في هذا الكلام ، وقد ثبت في الاخبار عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جملة من الأشياء التي جعلوها موجبة للغضاضة ومنافية للمروة ، وقد روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) انه كان يركب الحمار العاري ويردف عليا عليه‌السلام خلفه وانه كان يحلب الشاة وانه كان يأكل ماشيا إلى الصلاة في المسجد ونحو ذلك.

ومنها ـ السعي في حاجة المؤمن ، ويدل عليه ما رواه ابن بابويه في الفقيه عن ميمون بن مهران (٢) قال : «كنت جالسا عند الحسن بن على عليه‌السلام فأتاه رجل فقال له يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان فلانا له على مال ويريد ان يحبسني فقال والله ما عندي مال فأقضي عنك. قال فكلمه قال فلبس عليه‌السلام نعله فقلت له يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنسيت اعتكافك؟ فقال له لم أنس ولكني سمعت ابى يحدث عن جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنما عبد الله (عزوجل) تسعة آلاف سنة صائما نهاره قائما ليله».

ومنها ـ تشييع المؤمن ، ذكره جملة من الأصحاب ولم أقف له على دليل والأحوط تركه.

ومنها ـ ما ذكره في المنتهى قال : ويجوز أن يخرج لزيارة الوالدين لأنه طاعة

__________________

(١) ارجع الى التعليقة ٢ ص ١٦ ج ١٠ من الحدائق. وارجع الى الاستدراكات.

(٢) الوسائل الباب ٧ من الاعتكاف.


فلا يكون الاعتكاف مانعا منها. انتهى. وفيه توقف. والله العالم.

فروع

الأول ـ لا يجوز الصلاة خارج المسجد لمن خرج لضرورة إلا بمكة إلا مع ضيق الوقت.

ويدل عليه ما رواه الكليني وابن بابويه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سمعته يقول المعتكف بمكة يصلى في أي بيوتها شاء سواء عليه صلى في المسجد أو في بيوتها. الى أن قال : ولا يصلى المعتكف في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه إلا بمكة فإنه يعتكف بمكة حيث شاء لأنها كلها حرم الله. الحديث».

قال الشيخ : «قوله عليه‌السلام يعتكف بمكة حيث شاء» انما يريد به يصلى صلاة الاعتكاف. واستشهد بسياق الكلام وبالأحاديث السابقة.

وما رواه الصدوق في الصحيح عن منصور بن حازم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «المعتكف بمكة يصلى في أي بيوتها شاء والمعتكف بغيرها لا يصلى إلا في المسجد الذي سماه».

وما رواه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال :

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من الاعتكاف رقم ٣ وهي رواية الشيخ في التهذيب ج ٤ ص ٢٩٣ واما رواية الكليني والصدوق فهي إلى قوله «أو في بيوتها» كما في الوسائل الباب ٨ من الاعتكاف رقم ١.

(٢) الوسائل الباب ٨ من الاعتكاف.

(٣) الوسائل الباب ٨ من الاعتكاف رقم ١ ، وهذه الرواية مكررة حسب عبارة المصنف (قدس‌سره) إلا ان يكون مقصوده من الرواية المتقدمة رواية الشيخ والنسبة إلى الكليني وابن بابويه من سبق القلم أو اشتباه النساخ كما يشهد به قوله «قال الشيخ ...» بعد تمام الرواية.


«المعتكف بمكة يصلى في أي بيوتها شاء سواء عليه صلى في المسجد أو في بيوتها».

واستثنى من المنع الخروج لصلاة الجمعة إذا أقيمت في غير مسجده الذي اعتكف فيه.

الثاني ـ نقل في المنتهى عن الشيخ (قدس‌سره) انه إذا طلقت المعتكفة أو مات زوجها فخرجت واعتدت في بيتها استقبلت الاعتكاف. ثم نقل عنه انه قال : وبالجملة فللمرأة الخروج إذا طلقت للعدة في بيتها ويجب عليها ذلك. ولم ينقل فيه خلافا إلا من العامة حيث ذهب جمع منهم الى وجوب المضي في الاعتكاف حتى تفرغ منه ثم ترجع الى بيت زوجها لتعتد فيه (١) ثم رده بظاهر الآية وهي قوله تعالى : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ) (٢). الى أن قال : واما استئناف الاعتكاف فإنه يصح له على تقدير أن يكون الاعتكاف واجبا ولم يشترط الرجوع.

وفصل في المسالك فقال ـ بعد نقل عبارة المصنف الدالة على وجوب الخروج الى منزلها لتعين الاعتداد عليها فيه ـ ما صورته : هذا يتم مع كون الاعتكاف مندوبا أو واجبا غير معين أو مع شرط الحل عند العارض ولو كان معينا من غير شرط فالأقوى اعتدادها في المسجد زمن الاعتكاف فان دين الله أحق ان يقضى (٣). قال في المدارك بعد نقل ذلك : وهو حسن.

أقول : للتوقف في ما ذكره (قدس‌سره) مجال لعدم الدليل على ذلك فإنه قد تعارض هنا واجبان : اللبث في المسجد من حيث التعيين وعدم الشرط ، والاعتداد

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٢٠٧.

(٢) سورة الطلاق الآية ٢.

(٣) في مسند احمد ج ١ ص ٢٢٧ عن ابن عباس ان امرأة قالت يا رسول الله (ص) انه كان على أمي صوم شهر فماتت أفأصومه عنها؟ قال : لو كان على أمك دين ا كنت قاضيته؟ قالت نعم. قال : فدين الله عزوجل أحق ان يقضى. ونحوه ص ٢٥٨ منه. ولا يخفى ان حديث الخثعمية المتقدم ج ١١ ص ٣٩ واستدركناه برقم ١ انما كان في الحج.


في البيت من حيث الأدلة الدالة على وجوب ذلك ، وترجيح أحد الطرفين على الآخر يحتاج الى دليل وليس فليس.

الثالث صرح في المنتهى بأنه لو أخرجه السلطان فان كان ظالما مثل ان يطالبه بما ليس عليه لم يبطل اعتكافه وإذا عاد بنى لحديث رفع القلم (١) وان أخرجه بحق مثل اقامة حد واستيفاء دين بطل اعتكافه واستأنف.

أقول : يجب تقييد الحكم الأول بما إذا لم يطل الزمان بحيث يخرج عن كونه معتكفا كما ذكره في غير هذه الصورة ، ويجب تقييد الحكم الثاني بما إذا كان واجبا كما استدركه على الشيخ في سابق هذه المسألة.

الرابع ـ إذا حاضت المرأة خرجت من المسجد الى بيتها وهكذا المريض. ثم ان كان الاعتكاف واجبا وجب الرجوع لقضائه وإعادته وإلا فلا ، وأطلق بعض الأصحاب العود في الاعتكاف والظاهر التفصيل.

ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه الصدوق في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة فإنه يأتي بيته ثم يعيد إذا برئ ويصوم». ورواه الكليني (٣) ثم قال : وفي رواية أخرى عنه عليه‌السلام ليس على المريض ذلك.

وبإسناده عن ابن محبوب عن أبي أيوب عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) «في المعتكفة إذا طمثت؟ قال : ترجع الى بيتها فإذا طهرت رجعت فقضت ما عليها».

وإطلاق هذين الخبرين محمول على ما قدمناه لما يأتي من الأدلة الدالة على

__________________

(١) عبارة المنتهى ج ٢ ص ٦٣٦ لم تنقل بلفظها تماما وقد أسقط بعضها والمراد بحديث رفع القلم هو حديث الرفع المعروف كما هو نص عبارة المنتهى وقد أورده في الوسائل الباب ٥٦ من جهاد النفس.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١١ من الاعتكاف.


عدم وجوب الاعتكاف بمجرد الشروع وانما يجب بالنذر أو مضى يومين فيجب الثالث (١).

وينبغي ان يعلم ان المقضي في هذه المسألة وفي سابقتها هو جميع زمان الاعتكاف متى كان واجبا ولم يمض منه ثلاثة أيام وإلا فالمتروك خاصة ، نعم لو كان المتروك ثالث المندوب وجب قضاؤه بإضافة يومين إليه لأن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة.

وتردد في المنتهى من حيث عموم الحديث الدال على الاستئناف ومن حيث حصول العارض المقتضي للضرورة فكان كالخروج للحاجة. ثم قال : والأقرب عدم الاستئناف.

الخامس ـ قد صرح الشيخ في المبسوط وجملة ممن تأخر عنه بأنه لو نذر اعتكاف أيام معينة كالعشر الأواخر من شهر رمضان مثلا أو نحوها من ما يكون متتابعا معنى أو قيده بالتتابع لفظا ثم خرج قبل إكمالها فإنه يبطل الجميع ويجب الاستئناف.

واستدل له في المختلف بفوات المتابعة المشروطة ثم قال : ولقائل أن يقول لا يجب الاستئناف وان وجب عليه الإتمام متتابعا وكفارة خلف النذر ، لأن الأيام التي اعتكفها متتابعة وقعت على الوجه المأمور به فيخرج بها عن العهدة ولا يجب عليه استينافها لأن غيرها لم يتناوله النذر ، بخلاف ما إذا أطلق النذر وشرط التتابع فإنه هنا يجب عليه الاستئناف لأنه أخل بصفة النذر فوجب عليه استئنافه من رأس بخلاف صورة النزاع ، والفرق بينهما تعين الزمان هناك وإطلاقه هنا فكل صوم متتابع في أي زمان كان مع الإطلاق يصح أن يجعله المنذور اما مع التعيين فلا يمكنه البدلية.

وقال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وهو جيد. ثم قال : لا يخفى ان عدم الاستئناف إنما يتجه إذا كان ما اتى به ثلاثة فصاعدا وهو واضح.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من الاعتكاف.


أقول : والظاهر انه الى ذلك يشير قول العلامة : «لأن الأيام التي اعتكفها متتابعة وقعت على الوجه المأمور به» يعنى وقع اعتكافا صحيحا وما دون الثلاثة ليس كذلك.

الفصل الثاني ـ في جملة من الأحكام وفي هذا الفصل مسائل :

المسألة الأولى ـ قد يجب الاعتكاف بالنذر وشبهه ويجب بالشروع فيه على المشهور بين الأصحاب بخلاف المندوب كما يأتي ذكر الخلاف فيه وان الأظهر وجوبه بعد اليومين المتقدمين.

وظاهر المدارك التفصيل بين ما كان معينا فيجب بالشروع فيه ومطلقا فلا يجب إلا بمضي يومين كما في المندوب ، قال : لكن الظاهر من قول المصنف ـ ان الأول وهو ما وجب بنذر وشبهه يجب بالشروع ـ انه يجب المضي فيه بمجرد الشروع. وهو جيد مع تعين الزمان اما مع إطلاقه فمشكل ، ولو قيل بمساواته للمندوب في عدم وجوب المضي فيه قبل مضى اليومين لم يكن بعيدا. انتهى.

والظاهر ان منشأ ذلك الإطلاق في النذر المقتضى للتوسعة فيكون كالمندوب لا يجب إلا بمضي اليومين.

المسألة الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب الاعتكاف المندوب بالدخول فيه وعدمه على أقوال :

أحدها ـ انه يجب بالدخول فيه كالحج وهو قول الشيخ في المبسوط وابى الصلاح الحلبي ، قال في المبسوط : ومتى شرط المعتكف على ربه انه متى عرض له عارض رجع فيه كان له الرجوع فيه اى وقت شاء ما لم يمض به يومان فان مضى به يومان وجب عليه إتمام الثالث ، وان لم يشترط وجب عليه بالدخول فيه تمام ثلاثة أيام ، لأن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيام.

وثانيها ـ انه لا يجب بل يجوز له الابطال والفسخ متى شاء ، نقله في التذكرة عن المرتضى وابن إدريس واختاره العلامة في المختلف والمنتهى ، وقال المحقق في


المعتبر انه الأشبه بالمذهب.

وثالثها ـ وجوب اليوم الثالث بعد مضى يومين ، نقله في التذكرة عن ابن الجنيد وابن البراج وظاهر الشيخ في النهاية واختاره المحقق في الشرائع وجمع من المتأخرين ومتأخريهم : منهم ـ السيد السند في المدارك.

ورابعها ـ موافقة مذهب السيد مع الشرط ومذهب الشيخ في النهاية مع عدمه نقله في المختلف عن ابن حمزة ، قال وقال ابن حمزة ان شرط وعرض له ذلك جاز له الخروج على كل حال وان لم يشترط وقد صام يوما فكذلك وان صام يومين لم يجز له الخروج حتى يتم.

أقول : اما القول الأول فلم نقف له على دليل وبذلك اعترف في المعتبر فقال : اما القائلون بوجوبه بالدخول فيه فلم نقف لهم على مستند. ثم قال : ويمكن ان يستدل الشيخ على وجوبه بالشروع بإطلاق وجوب الكفارة على المعتكف ، وقد روى ذلك من طرق (١) ثم قال : والجواب عنه ان هذه مطلقة فلا عموم لها وتصدق بالجزء والكل فيكفي في العمل بها تحققها في بعض الصور فلا تكون حجة في الوجوب. انتهى.

قال في المدارك بعد نقله : وهو جيد مع انا لو سلمنا عمومها لم يلزم من ذلك الوجوب لاختصاصها بجماع المعتكف كما ستقف عليه ، ولا امتناع في وجوب الكفارة بذلك في الاعتكاف المستحب. انتهى.

أقول : فيه ان الكفارة على ما عهد من الشرع إنما تجب في مقام الوجوب المستلزم مخالفته للعقوبة فتكون الكفارة لدفع تلك العقوبة ، وهذا لا يعقل في المستحب الذي لا يترتب على تركه عقوبة وانما غاية ذلك عدم الثواب عليه فكيف يمكن القول بوجوب الكفارة في الاعتكاف المستحب؟ وبالجملة فإن إطلاق الخبر بوجوب الكفارة لما كان مخالفا للأصول المقررة والضوابط المعتبرة فلا بد من

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من الاعتكاف.


تأويله بالحمل على الاعتكاف الواجب كما صرح به المحقق وغيره.

أقول : ويمكن ايضا ان يستند الشيخ في ذلك الى إطلاق روايتي عبد الرحمن ابن الحجاج وابى بصير المتقدمتين (١) من حيث دلالتهما على وجوب القضاء على الحائض بعد الطهر والمريض بعد البرء ، فان هذا الإطلاق إنما يتجه بناء على الوجوب بمجرد الشروع ، إلا ان قضية الجمع بينهما وبين صحيحتي محمد بن مسلم (٢) وأبى عبيدة (٣) الآتيتين تخصيص هذا الإطلاق بالصحيحتين المذكورتين.

واما القول الثاني فاستدل عليه في المختلف بأصالة عدم الوجوب وبراءة الذمة وبأنها عبادة مندوبة فلا تجب بالشروع فيها كغيرها من التطوعات. وفارقت الحج لورود الأمر فيه دون صورة النزاع ، ولان اليوم الأول والثاني متساويان فلو اقتضى الثاني وجوب الإتمام لاقتضاه الأول.

وفيه ان ما ذكره يتجه في الرد على القول الأول حيث لا دليل عليه دون القول الثالث لان الدليل عليه موجود ، وحينئذ فما ذكره من الاستدلال بالأصل مردود بأن الأصل يجب الخروج عنه بالدليل وسيأتي ان شاء الله تعالى. وباقي ما استدل به لا معنى له في مقابلة النص الصحيح الصريح في ذلك.

واما القول الثالث فيدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «إذا اعتكف يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ الاعتكاف ، وان أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضى ثلاثة أيام».

وما رواه في الصحيح عن ابى عبيدة عن ابى جعفر عليه‌السلام في حديث (٥) قال «من اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار ان شاء زاد ثلاثة أيام أخر وان شاء

__________________

(١) ص ٤٧٧.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٤ من الاعتكاف.


خرج من المسجد ، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر».

وأجاب العلامة عن هذين الخبرين بالطعن في السند بان فيه على بن الحسن بن فضال ثم حملهما على الاستحباب.

وفيه ان ما ذكره من الطعن مبنى على رواية الشيخ في التهذيب (١) واما على رواية الكافي (٢) فهما في أعلى مراتب الصحة. وبه يظهر ان هذا القول أقوى الأقوال المذكورة في المسألة.

واما القول الرابع فالظاهر رجوعه الى القول الثالث ولهذا لم يعده أصحابنا قولا في المسألة لما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى في مسألة الاشتراط.

واما ما ذكره في الذخيرة ـ حيث رجح القول الثاني فقال بعد نقل الصحيحتين المتقدمتين : ودلالتهما على الوجوب غير واضحة لجواز ان يكون المراد شدة تأكد الاستحباب. ثم قال بعد نقل حجة القول الثاني بأنه عبادة مندوبة فلا يجب بالشروع كالصلاة المندوبة : ولعل غرضه ان الأصل في العبادات المندوبة ان لا تجب إلا بدليل ولا دليل على الوجوب في ما نحن فيه فيكون مندوبا. وهذا القول لا يخلو من قوة ـ

فهو من جملة تشكيكاته الواهية وذلك فإنه ان أريد بوضوح الدلالة في الخبرين المذكورين عدم قبول الاحتمال بالكلية وان بعد فهو ممنوع إذ على تقدير هذا لا تقوم حجة على مطلب من المطالب ، لان مفاهيم الألفاظ لا تنبو عن قبول الاحتمالات والحمل على المجازات فلا لفظ إلا وهو قابل للاحتمال ، وحينئذ فلا حجة إلا وللمنازع فيها مجال وبذلك ينسد باب الاستدلال ، فكيف له بإثبات أدلة الإمامة على المخالفين وأدلة النبوة والتوحيد على الكفار والمشركين؟

__________________

(١) ج ٤ ص ٢٨٨ و ٢٨٩.

(٢) ج ١ ص ٢١٢.


بل التحقيق الذي عليه المحققون انه ينظر الى ما يتسارع الى الذهن من اللفظ وما يتبادر الى الفهم منه وما عضدته قرائن المقام فيؤخذ به وعليه يبنى الاستدلال ولا يلتفت الى ما يعارضه من الاحتمال.

وما اشتهر في كلامهم ودار على السنة أقلامهم ـ من قولهم : إذا قام الاحتمال بطل الاستدلال ـ فكلام شعري وتمويه جدلي لما عرفت.

نعم متى حصل المعارض الراجح يمكن الرجوع الى التأويل لضرورة الجمع بين الدليلين ، واى ظاهر في التحريم أظهر من قوله عليه‌السلام في الرواية الأولى (١) «فليس له ان يفسخ اعتكافه حتى تمضى ثلاثة أيام» وقوله في الثانية (٢) «فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر».

وليت شعري إذا كانت الأوامر الواردة في الاخبار لا تدل على الوجوب والنواهي لا تدل على التحريم كما تكرر منه في كتابه وأمثال هذه العبارات لا تدل على وجوب ولا تحريم فلأي شي‌ء أخرجت هذه الاخبار ، وهل هذا الكلام إلا موجب لرفع التكليف بالكلية وإبطال الشريعة ، إذ لا وجوب عنده ولا تحريم في حكم من الأحكام الشرعية لطعنه في الأخبار بعدم الدلالة على ذلك في جميع الموارد واللازم منه ما ذكرناه نعوذ بالله من زيغ الافهام وطغيان الأقلام.

المسألة الثالثة ـ قد اتفقت كلمة الأصحاب والأخبار على انه يستحب للمعتكف أن يشترط على ربه في الاعتكاف انه إذا عرض له عارض أن يخرج من الاعتكاف.

ومن الأخبار في ذلك ما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد في الموثق عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «إذا اعتكف العبد فليصم ،. وقال : لا يكون اعتكاف أقل من ثلاثة أيام ،. واشترط على ربك في اعتكافك كما تشترط في إحرامك أن يحلك من اعتكافك عند عارض ان عرض لك من علة تنزل بك من أمر الله».

__________________

(١ و ٢) ص ٤٨١ و ٤٨٢.

(٣) التهذيب ج ٤ ص ٢٨٩ وفي الوسائل الباب ٢ و ٤ و ٩ من الاعتكاف. ارجع الى الاستدراكات.


وما رواه الكليني والصدوق في القوى عن ابى بصير عن ابى عبد الله (١) قال : «لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام ، ومن اعتكف صام ، وينبغي للمعتكف إذا اعتكف ان يشترط كما يشترط الذي يحرم».

وما رواه الكليني والصدوق في الصحيح عن ابى ولاد (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة كان زوجها غائبا فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد الى بيتها فتهيأت لزوجها حتى واقعها؟ فقال : ان كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضى ثلاثة أيام ولم يكن اشترطت في اعتكافها فان عليها ما على المظاهر».

وما رواه الشيخان المذكوران في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «إذا اعتكف يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ الاعتكاف ، وان أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له ان يفسخ اعتكافه حتى تمضى ثلاثة أيام».

أقول : والكلام في هذه الأخبار يقع في مواضع :

الأول ـ ظاهر قوله عليه‌السلام في رواية عمر بن يزيد ـ «واشترط على ربك في اعتكافك» وقوله في رواية أبي بصير «وينبغي للمعتكف إذا اعتكف ان يشترط» وقوله في صحيحة أبي ولاد «ولم يكن اشترطت في اعتكافها» ـ ان محل هذا الاشتراط وقت الدخول في الاعتكاف ونيته أعم من أن يكون متبرعا به أو منذورا.

إلا ان المفهوم من كلام جملة من الأصحاب كالعلامة في المنتهى والمحقق في المعتبر والشهيد في الدروس ان محل هذا الشرط في الاعتكاف المنذور إنما هو النذر دون الاعتكاف.

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ٢١٢ والفقيه ج ٢ ص ١٢١ وفي الوسائل الباب ٤ و ٢ و ٩ من الاعتكاف.

(٢) الوسائل الباب ٦ من الاعتكاف.

(٣) الوسائل الباب ٤ من الاعتكاف.


قال في المنتهى : تفريع ـ الاشتراط إنما يصح في عقد النذر اما إذا أطلقه من الاشتراط على ربه فلا يصح له الاشتراط عند إيقاع الاعتكاف. وقال في المعتبر : اما إذا أطلقه من الاشتراط على ربه فلا يصح له الاشتراط عند إيقاع الاعتكاف وانما يصح في ما يبدأ به من الاعتكاف لا غير. ونحوه في الدروس وغيره.

وهو مشكل لان المستند في هذا الاشتراط إنما هو الاخبار المذكورة وهي كما عرفت انما دلت على ان محله الاعتكاف والاعتكاف على وجه النذر لم يرد به خبر بالكلية فضلا عن خبر يدل على إيقاع هذا الشرط فيه وانما أخذوا أحكامه من هذه الأخبار المطلقة في الاعتكاف.

ولم أر من تنبه لذلك إلا السيد في المدارك حيث قال بعد نقل ذلك عنهم : ولم أقف على رواية تدل على ما ذكروه من مشروعية اشتراط ذلك في عقد النذر وإنما يستفاد من النصوص ان محل ذلك نية الاعتكاف مطلقا ، ولو قيل بجواز اشتراطه في نية الاعتكاف المنذور إذا كان مطلقا لم يكن بعيدا خصوصا على ما أشرنا إليه سابقا من مساواته للمندوب في عدم وجوب المضي فيه إلا بمضي يومين. ولو قلنا ان اشتراط الخروج إنما يسوغ عند العارض وفسرناه بالأمر الضروري جاز اشتراطه في المنذور المعين ايضا. انتهى.

أقول : كأن مبنى ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه متى لم يذكر الشرط في النذر فإنه يجب الاعتكاف بالنذر البتة ، ولا أثر لهذا الشرط بعد وجوبه بل يجب الإتيان به كيف كان إلا ان يحصل العذر الضروري المانع من إتمامه وهو مجوز للخروج منه وان لم يشترط بلا خلاف ولا اشكال ، واما اشتراط الخروج اقتراحا كما هو أحد القولين فإنه لا يجرى هنا لوجوب الاعتكاف بالنذر فلا يجوز الخروج منه بلا عذر شرعي.

ثم انه على تقدير حصول الشرط في المندوب فمقتضى ما قدمناه من عبارة الشيخ في المبسوط في أول المسألة الثانية انه يرجع ما لم يمض يومان وهو مبنى على


وجوب الاعتكاف عنده بمجرد الشروع كما تقدم. واحتج على عدم الرجوع بعد مضى يومين بان الشرط إنما يؤثر في ما يوجبه الإنسان على نفسه والثالث واجب بأصل الشرع وسببه مضى اليومين. وعلى المشهور وهو قوله في النهاية انه يرجع ولو بعد مضى يومين عملا بمقتضى الشرط.

الثاني ـ المستفاد من رواية عمر بن يزيد (١) ـ وقوله عليه‌السلام : «واشترط على ربك في اعتكافك كما تشترط في إحرامك». ومثلها رواية أبي بصير ـ هو تقييد ذلك بالعارض كما في الحج فلا يجوز اشتراط ذلك اقتراحا بان يقول : ولي الرجوع إذا شئت.

والمفهوم من عبائر كثير من الأصحاب هو جواز اشتراط الخروج مطلقا ، قال المحقق في الشرائع : ولو شرط في حال فعله (٢) الرجوع إذا شاء كان له ذلك أى وقت شاء. وبه قطع في الدروس فقال ـ بعد أن ذكر انه يستحب أن يشترط في اعتكافه الرجوع مع العارض كالمحرم فيرجع عند العارض وان مضى يومان على الأقرب وفاقا للنهاية ـ ولو شرط الرجوع متى شاء اتبع ولم يتقيد بالعارض.

وظاهر جملة من الأصحاب عدم جواز ذلك وتخصيص الجواز باشتراط الرجوع مع العارض كما ذكرناه ، قال العلامة في التذكرة : إنما يصح اشتراط الرجوع مع العارض فلو شرط الجماع في اعتكافه أو الفرجة أو التنزه أو البيع أو الشراء للتجارة أو التكسب بالصناعة في المسجد لم يجز. وبذلك قطع في المسالك.

وهذا هو الظاهر من الأخبار كما عرفت. واما ما ذكروه من جواز اشتراط الرجوع مطلقا فلا أعرف له دليلا.

الثالث ـ ما تضمنته صحيحة أبي ولاد (٣) من قوله عليه‌السلام : «ان كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضى ثلاثة أيام. إلى آخر الخبر». يمكن أن يستدل به للشيخ في ما ذهب اليه من الوجوب بالشروع في المندوب ، فان ترتب الكفارة مع عدم

__________________

(١) ص ٤٨٣.

(٢) في الشرائع «ولو شرط في حال نذره».

(٣) ص ٤٨٤.


الاشتراط على الخروج قبل مضى الثلاثة ظاهر في ذلك لصدقه بمضي يوم أو في اليوم الثاني ، فلو لم يكن واجبا لما ظهر لترتب الكفارة وجه.

ويمكن ان يجاب بتخصيصه بما تقدم من الخبرين الدالين على جواز الخروج في اليومين فيحمل على الخروج في الثالث ، أو يقال ان معنى قوله : «قبل ان تمضى ثلاثة أيام» يعني قبل إتمام الثالث ، أو يحمل على ان اعتكافها كان واجبا مطلقا.

الرابع ـ ظاهر ما تقدم من الاخبار الدالة على انه يشترط في اعتكافه كما يشترط في إحرامه هو ان يقول : «ان تحلني حيث حبستني» ومقتضى ذلك ان هذا الشرط إنما هو بالنسبة إلى الأعذار المانعة من الإتمام من جهته (عزوجل) ويؤيد ذلك قوله عليه‌السلام في رواية عمر بن يزيد «عند عارض ان عرض لك من علة تنزل بك من أمر الله تعالى» وظاهر صحيحة أبي ولاد وكذا صحيحة محمد بن مسلم ما هو أعم من ذلك ، اما صحيحة أبي ولاد فإنها قد دلت على سقوط الكفارة عن المرأة في تلك الحال مع الاشتراط مع ان حضور الزوج ليس من الأعذار التي من جهته (عزوجل) حتى يسوغ الخروج بها من الاعتكاف ، واما صحيحة محمد بن مسلم فإنها تدل بمفهومها على ان للمعتكف ان يفسخ الاعتكاف بعد اليومين مع الاشتراط لا بدونه ، وظاهر ذلك انه يسوغ له الخروج بمجرد الشرط وان لم يكن بعذر ضروري ، والمنافاة بين هذين الخبرين والخبرين الأولين ظاهرة ولعل من جوز شرط الرجوع متى شاء انما استند الى ظاهر هذين الخبرين. والجمع بين الأخبار هنا لا يخلو من اشكال.

واما ما ذكره في المدارك ـ من أن المراد بالعارض هنا ما هو أعم من العارض المشترط في الحج باعتبار كون ذلك لا بد ان يكون من الأعذار المانعة من الإتمام وهنا يكفى مسمى العارض كحضور الزوج من السفر ـ ففيه أولا ـ

ما قدمناه من ان المستفاد من خبري عمر بن يزيد وابى بصير المشتملين على تشبيه هذا الشرط بشرط المحرم ـ وشرط المحرم هو ان يحله حيث


حبسه المؤيد بقوله في آخر رواية عمر بن يزيد «من علة تنزل بك من أمر الله» ـ انه لا يكفى مجرد العارض.

وثانيا ـ ان رواية محمد بن مسلم (١) قد دلت على جواز الخروج بمجرد الشرط وان لم يكن ثم عارض بل ليس إلا مجرد فسخ الاعتكاف والخروج منه. على ان مجرد حضور الزوج ليس بعارض يجوز أن يترتب عليه الخروج بل لو أرادت الخروج لأمر إرادته فإن ظاهر الخبر الجواز وحضور الزوج انما جرى مجرى التمثيل فلا خصوصية له ، وبالجملة فظاهر الخبر ترتب جواز الخروج على الشرط لأي غرض كان.

الخامس ـ لا يخفى ان فائدة هذا الشرط تدور مدار الشرط المذكور ، فان كان شرطا في جواز الرجوع عند العارض أو متى شاء كما هو أحد الأقوال المتقدمة فإنه يجوز له الرجوع وان مضى اليومان في المندوب أو كان واجبا بالنذر وشبهه ، وان خصصنا الشرط بالعذر الذي يكون من جهته (عزوجل) كالمرض والحيض والخوف ونحو ذلك فإنه يسوغ له الخروج ايضا.

لكن لا يخفى انه في هذه الصورة يسوغ له الخروج وان لم يشترط فلا يظهر لهذا الشرط ثمرة ولا يترتب عليه أثر ، إلا أن يقال بأن فائدة هذا الشرط مجرد التعبد وترتب الثواب عليه كما هو أحد الاحتمالات في شرطه في الإحرام.

وقد ذكر بعض الأصحاب ان فائدته على هذا القول سقوط القضاء لو رجع من الاعتكاف في الواجب المعين ، اما الواجب المطلق اعنى ما لم يعين في وقت ففي وجوب الإتيان به بعد ذلك قولان فعن المعتبر والدروس والمسالك وجوب الإتيان به.

قال الشيخ في النهاية : متى شرط جاز له الرجوع فيه أى وقت شاء فان لم يشترط لم يكن له الرجوع فيه إلا أن يكون أقل من يومين فان مضى عليه يومان وجب

__________________

(١) ص ٤٨١.


عليه إتمام ثلاثة أيام. وقد تقدم في صدر المسألة الثانية انه قال : إذا شرط المعتكف على ربه انه ان عرض له عارض رجع فيه فله الرجوع اى وقت شاء ما لم يمض له يومان فان مضى له يومان وجب عليه إتمام الثالث. الى آخره.

والقول الأول هو المطابق لصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (١).

وفصل شيخنا الشهيد الثاني في المسالك وقبله المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى في الاعتكاف المنذور تفصيلا ينتهي إلى ثمانية أقسام :

قال في المسالك : ثم الاعتكاف المنذور ينقسم باعتبار الشرط وعدمه إلى ثمانية أقسام ، لأنه اما ان يكون معينا بزمان أولا ، وعلى التقديرين اما ان يشترط فيه التتابع لفظا أو لا ، وعلى التقادير الأربعة اما ان يشترط على ربه الرجوع ان عرض له عارض أو لا ، فالأقسام ثمانية ، وقد عرفت حكم الأربعة التي لم يشترط فيها واما مع الشرط فله الرجوع مع العارض. ثم ان كان الزمان معينا لم يجب قضاء ما فات في زمن العارض سواء اشترط التتابع أم لا ، وان كان مطلقا ولم يشترط التتابع ففي وجوب قضاء ما فات أو الجميع ان نقص ما فعله من ثلاثة قولان أجودهما القضاء وفاقا للمصنف في المعتبر ، ولو شرط التتابع فالوجهان. انتهى.

أقول : ان أردت تفصيل الكلام في هذه الوجوه الثمانية على وجه أظهر فنقول : اما الأربع التي أشار إليها بأنه تقدم حكمها وهي الخالية عن ذكر الاشتراط على ربه فأحدها ـ ان يعين ويشترط التتابع ولا يشترط على ربه ، والحكم فيها ما تقدم في الفرع الخامس من فروع الشرط الخامس من الخلاف في إعادة الجميع أو البناء على ما فعل ان كان ثلاثة فصاعدا. الثانية ـ أن يعين ولا يشترط التتابع ولا يشترط على ربه ، والحكم فيها انه بعد عروض العارض يخرج ويبنى على ما فعل بعد زوال العارض ويأتي بالباقي ان كان ما فعله ثلاثة فصاعدا وإلا أعاد الجميع. الثالثة ـ ان يطلق ويشترط التتابع ولا يشترط على ربه ، والحكم فيها القضاء متتابعا

__________________

(١) ص ٤٥٩ و ٤٨١ و ٤٨٤.


بعد زوال العارض كما تقدم في الفرع المشار اليه آنفا عن العلامة في المختلف وبه صرح المحقق في المعتبر ايضا ، واستشكله العلامة في التذكرة على ما نقله في المهذب بأنه بالشروع فيه صار واجبا فيكون كالمعين فيبني على ما مضى منه كما تقدم في المعين. والظاهر ضعفه. الرابعة ـ أن يطلق ولا يشترط التتابع ولا يشترط على ربه ، والحكم فيها انه يخرج للعارض المذكور ويستأنف بعد زواله ان لم يكن حصل له ثلاثة أيام وإلا أتم ما بقي. الخامسة ـ ان يعين ويشترط التتابع ويشترط على ربه ، والحكم فيها انه يخرج ولا يجب عليه الإتمام للعارض المذكور ولا القضاء لعدم الدليل عليه. السادسة ـ أن يعين ولا يشترط التتابع ويشترط على ربه ، والحكم فيها كما في سابقتها. السابعة ـ ان يطلق ويشترط التتابع ويشترط على ربه ، والحكم فيها انه بعد زوال العارض يرجع ويستأنف إلا ان يكون قد أتى بثلاثة أيام فيأتي بما بقي. الثامنة ـ أن يطلق ولا يشترط التتابع ويشترط على ربه ، والحكم فيها كما في سابقتها. وقد تقدم في كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ما يؤذن بالخلاف في هذه الصورة وسابقتها واليه أشرنا قبل ذلك ، والمسألة محل تردد ينشأ من حيث ان مقتضى الشرط السقوط ومن حيث اتساع الوقت لكون النذر مطلقا وانه من حيث ذلك فكل زمان صالح لإيقاع النذر فيه.

وينبغي التنبيه هنا على أمور ثلاثة :

الأول ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان اشتراط التتابع انما هو في النذر ليكون لازما لا في الاعتكاف على قياس ما تقدم نقله عنهم من الشرط في الاعتكاف ان يحله حيث حبسه فإنهم أوجبوه في صيغة النذر.

الثاني ـ ما تقدم من البحث كله في ما لو خرج لعارض وهو المانع من إتمام الاعتكاف كالمرض ونحوه ولو كان لا لذلك وجبت الكفارة في جميع الصور المذكورة.


الثالث ـ وجوب التتابع بعد زوال العارض متى نذره متتابعا إنما يجب لو وقع في الوقت المنذور كأن ينذر شهرا متتابعا فيحصل العارض في أثنائه ثم يزول وقد بقي منه بقية ، اما لو كان بعد خروج الشهر فإنه لا يجب التتابع لأنه إنما وجب بالنذر في أصل الفعل وأدائه لا في قضائه.

المسألة الرابعة ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يحرم على المعتكف أمور :

منها ـ مباشرة النساء جماعا ولمسا وتقبيلا بشهوة في الأخيرين فلو لم يكونا عن شهوة لم يحرم ذلك.

واستندوا في ذلك الى عموم قوله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) (١) فإنه يتناول الجميع.

ويظهر من كلام الشيخ في التهذيب تخصيص التحريم بالجماع دون الفردين الأخيرين ، والظاهر انه لا خلاف في فساد الاعتكاف بالجماع ، وفي فساده بالأخيرين قولان نقل أولهما في المختلف عن ابن الجنيد والشيخ في المبسوط ، وزاد ابن الجنيد النظر الى محرم بشهوة ، واختار في المختلف عدم الإفساد. ونقل في المختلف عن الشيخ في المبسوط الاحتجاج على ذلك بالنهي في الآية عن المباشرة ، قال : وهو عام في كل مباشرة أنزل أولا والنهى يدل على فساد المنهي عنه (٢).

أقول : والمسألة عندي بالنسبة إلى إبطال الاعتكاف بالمباشرة والتقبيل بشهوة محل توقف اما التحريم فلا ريب فيه لظاهر الآية.

واما تحريم الجماع والإفساد به فيدل عليه ما رواه في الكافي في الموثق عن الحسن بن الجهم عن ابى الحسن عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن المعتكف يأتي أهله؟

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨٤.

(٢) لا يخفى ان القول المنقول في المختلف عن الشيخ والاحتجاج عليه انما نسبه فيه الى الخلاف ، راجع المختلف ج ٢ ص ٨٣ من كتاب الصوم.

(٣) الوسائل الباب ٥ من الاعتكاف.


فقال : لا يأتي امرأته ليلا ولا نهارا وهو معتكف».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة (١) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المعتكف يجامع؟ قال : إذا فعل ذلك فعليه ما على المظاهر». ورواه الكليني والشيخ مثله (٢).

وما رواه في الموثق عن سماعة (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن معتكف واقع أهله؟ قال : هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان».

قال الصدوق (٤) : وقد روى انه ان جامع بالليل فعليه كفارة واحدة وان جامع بالنهار فعليه كفارتان.

وبإسناده عن محمد بن سنان عن عبد الأعلى بن أعين (٥) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وطأ امرأته وهو معتكف ليلا في شهر رمضان؟ قال : عليه الكفارة. قال : قلت فإن وطأها نهارا؟ قال عليه كفارتان».

وما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة بن مهران عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٦) قال : «سألته عن معتكف واقع أهله؟ قال : عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا : عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا».

وقد تقدمت (٧) صحيحة أبي ولاد الواردة في خروج المرأة التي بلغها قدوم زوجها وتهيأت لزوجها حتى واقعها وان عليها من الكفارة ما على المظاهر ان خرجت قبل ان تنقضي أيامها ولم يكن قد اشترطت.

ومنها ـ شم الطيب على المشهور وخالف فيه الشيخ في المبسوط فحكم بعدم تحريمه

والأظهر القول المشهور لما رواه الكليني في الصحيح عن ابى عبيدة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٨) قال : «المعتكف لا يشم الطيب ولا يتلذذ بالريحان ولا يماري ولا يشترى ولا يبيع».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٦ من الاعتكاف.

(٧) ص ٤٨٤.

(٨) الوسائل الباب ١٠ من الاعتكاف.


ومنها ـ البيع والشراء ، ويدل عليه صحيحة ابى عبيدة المتقدمة.

والقول بالتحريم من ما لا خلاف فيه وإنما الخلاف في فساد الاعتكاف بذلك فقال الشيخ في المبسوط : لا يفسد الاعتكاف جدال ولا خصومة ولا سباب ولا بيع ولا شراء وان كان لا يجوز له فعل ذلك اجمع.

وقال ابن إدريس : الأولى عندي ان جميع ما يفعله المعتكف من القبائح ويتشاغل به من المعاصي والسيئات يفسد اعتكافه واما ما يضطر اليه من أمور الدنيا من الأفعال المباحات فلا يفسد به اعتكافه ، لأن حقيقة الاعتكاف في عرف الشرع هو اللبث للعبادة والمعتكف اللابث للعبادة إذا فعل قبائح ومباحات لا حاجة إليها فما لبث للعبادة. وظاهر هذا الكلام بطلان الاعتكاف بفعل جميع المباحات التي لا حاجة إليها.

واعترضه العلامة في المختلف فقال : ونحن نطالبه بوجه ما قاله ، واحتجاجه أضعف من ان يكون شبهة فضلا عن كونه حجة ، فان الاعتكاف لو شرط فيه دوام العبادة بطل حالة النوم والسكوت وإهمال العبادة وليس كذلك بالإجماع.

وقال في المنتهى : كل ما يقتضي الاشتغال بالأمور الدنيوية من أصناف المعايش ينبغي القول بالمنع منه عملا بمفهوم النهى عن البيع والشراء.

واعترضه في المدارك بأنه غير جيد لأن النهي عن البيع والشراء لا يقتضي النهي عن ما ذكره بمنطوق ولا بمفهوم ، نعم ربما دل عليه بالعلة المستنبطة وهي غير معتبرة عندنا.

ثم قال في المنتهى : الوجه تحريم الصنائع المشغلة عن العبادة كالخياطة وشبهها إلا ما لا بد منه.

وما أورده عليه في المدارك جار هنا أيضا إذ لا دليل على ما ذكره (قدس‌سره) في المقامين. وما أبعد ما بين كلامه هنا وكلامه في المختلف على ابن إدريس كما لا يخفى.


وكيف كان فالظاهر انه يجب ان يستثني من البيع والشراء ما تدعو الحاجة إليه كشراء ما يضطر اليه من المأكول والملبوس وبيع ما يكون وصلة الى شراء ذلك.

ومنها ـ المماراة وعليه تدل صحيحة ابى عبيدة المتقدمة (١).

قال شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في المسالك : المراء لغة الجدال والمماراة المجادلة ، والمراد به هنا المجادلة على أمر دنيوي أو ديني لمجرد إثبات الغلبة أو الفضيلة كما يتفق لكثير من المتسمين بالعلم ، وهذا النوع محرم في غير الاعتكاف وقد ورد التأكيد في تحريمه في النصوص (٢). وإدخاله في محرمات الاعتكاف اما بسبب عموم مفهومه أو لزيادة تحريمه في هذه العبادة كما ورد في تحريم الكذب على الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصيام ، وعلى القول بفساد الاعتكاف بكل ما حرم فيه تتضح فائدته. ولو كان الغرض من الجدال في المسألة العلمية مجرد إظهار الحق ورد الخصم عن الخطأ كان من أفضل الطاعات. والمائز بين ما يحرم منه وما يحب أو يستحب النية فليحترز المكلف من تحويل الشي‌ء من كونه واجبا الى جعله من كبائر القبائح. انتهى.

وهو حسن إلا ان في تنظيره بتحريم الكذب على الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصيام نظرا بناء على ان المستفاد من الاخبار وان اعرض عن القول به جمهور الأصحاب هو إبطال الصيام بذلك كما مر بيانه. نعم ما ذكره يتجه بناء على قولهم بمجرد التحريم دون الابطال.

هذا ما اطلعت عليه من المحرمات التي دلت عليها الاخبار.

وفي المقام فوائد

الأولى ـ نقل العلامة في المختلف عن الشيخ في الجمل وابن البراج وابن حمزة انه يجب على المعتكف تجنب ما يجب على المحرم تجنبه ، والمشهور العدم ، ونسبه

__________________

(١) ص ٤٩٢.

(٢) سفينة البحار ج ٢ ص ٥٣٢.


في المبسوط بعد ان أفتى بالقول المشهور إلى الرواية.

وقال في التذكرة ان الشيخ لا يريد بذلك العموم لانه لا يحرم على المعتكف لبس المخيط إجماعا ولا ازالة الشعر ولا أكل الصيد ولا عقد النكاح. انتهى. وهو جيد.

وكيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول لعدم الدليل عليه وما ادعاه من الرواية فلم تصل إلينا وهو أعلم.

الثانية ـ يجب ان يعلم انه لا فرق في تحريم هذه الأشياء بين الليل والنهار إذ منشأ التحريم هو الاعتكاف وهو ثابت ليلا ونهارا.

وهل تختص هذه المحرمات بالاعتكاف الواجب أو تتناول المندوب أيضا؟ إطلاق النصوص وكلام الأصحاب يقتضي الثاني. وقد تقدم نظيره في التكفير في صلاة النافلة والارتماس في الصوم المندوب.

الثالثة ـ قد صرح الأصحاب بأنه يجوز له النظر في معاشه والخوض في المباح ، وينبغي الاقتصار من ذلك على ما يضطر اليه والاشتغال بما هو وظيفة المعتكف من العبادات كالصلاة والذكر وقراءة القرآن.

قال في المنتهى : يستحب له دراسة العلم والمناظرة فيه وتعلمه وتعليمه في الاعتكاف بل هو أفضل من الصلاة المندوبة. انتهى.

الرابعة ـ لا ريب في أن كل ما أفسد الصوم فإنه يفسد به الاعتكاف لان الصوم شرط فيه فيبطل ببطلان شرطه.

واما وجوب الكفارة بفعل المفطر في الاعتكاف الواجب فهو مذهب جملة من أصحابنا : منهم ـ الشيخ المفيد والمرتضى (رحمهما‌الله تعالى).

قال في المعتبر : فان كانا أرادا الاعتكاف المنذور المختص بزمان معين كان حسنا وان أرادا الإطلاق فلا اعرف المستند. وهو كذلك.

والشيخ وأكثر المتأخرين على اختصاص الكفارة بالجماع دون ما عداه من


المفطرات فان فسد به الصوم (١) ووجب به القضاء خاصة متى كان واجبا. وقد تقدم ما يدل على وجوب الكفارة بالجماع في ما قدمناه من الأخبار واما غير الجماع فلم نقف له على دليل.

الخامسة ـ إطلاق الأخبار المتقدمة بوجوب الكفارة على المعتكف إذا جامع شامل للواجب والندب والمطلق من الواجب المنذور والمعين ، وبمضمونها افتى الشيخان (قدس‌سرهما).

قال في المعتبر : ولو خصا ذلك باليوم الثالث أو بالاعتكاف اللازم كان أليق بمذهبهما ، لأنا بينا ان الشيخ ذكر في النهاية والخلاف ان للمعتكف الرجوع في اليومين الأولين من اعتكافه وانه إذا اعتكفهما وجب الثالث ، وإذا كان له الرجوع لم يكن لإيجاب الكفارة مع جواز الرجوع وجه. لكن يصح هذا على كلام الشيخ في المبسوط فإنه يرى وجوب الاعتكاف بالدخول فيه.

قال في المدارك بعد نقله : وما ذكره (قدس‌سره) غير بعيد لان المطلق لا عموم له فيكفي في العمل به إجراؤه في الواجب. انتهى.

وهو جيد إلا انه مناف لما قدمنا نقله عنه في المسألة الثانية من قوله «ولا امتناع في وجوب الكفارة بذلك في الاعتكاف المستحب» فان هذا الكلام مؤذن بموافقة الشيخين في ما أطلقاه تبعا لإطلاق الأخبار والخروج عن ما ذكره المحقق (قدس‌سره) هنا كما لا يخفى.

وربما قيل باختصاص الكفارة بالواجب المعين.

وبالجملة ففي المسألة أقوال ثلاثة : العموم للواجب والمندوب والتخصيص بالواجب أو بالمعين منه خاصة.

السادسة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان كفارة الجماع في الاعتكاف مخيرة لموثقتي سماعة المتقدمتين (٢) وقيل بكونها مرتبة ككفارة الظهار ونقله

__________________

(١) هكذا ورد في النسخ والظاهر هكذا «فان فسد به الصوم وجب به القضاء خاصة».

(٢) ص ٤٩٢.


في المختلف عن ظاهر ابن بابويه ، واليه مال في المدارك لصحة مستنده وهو ما تقدم من صحيحة زرارة (١) وصحيحة أبي ولاد (٢).

وجمع بعض بين الاخبار بحمل الصحيحتين المذكورتين على الأفضلية والاستحباب كما هي قاعدتهم في جميع الأبواب.

وحمل العلامة في المنتهى الصحيحتين المذكورتين ـ حيث اختار القول المشهور ـ على ان المراد التشبيه في المقدار دون الكيفية. وبعده ظاهر.

السابعة ـ قال السيد المرتضى : إذا جامع المعتكف نهارا كان عليه كفارتان وإذا جامع ليلا كان عليه كفارة واحدة. وأطلق القول في ذلك ، والمشهور بين الأصحاب ان وجوب الكفارتين بالجماع نهارا مخصوص بشهر رمضان لا غير فتكون إحداهما للاعتكاف والأخرى للشهر المذكور ، وعلى ذلك دلت رواية عبد الأعلى بن أعين المتقدمة (٣) واما وجوبهما نهارا في غير شهر رمضان كما يفهم من إطلاق السيد (قدس‌سره) فلا وجه له.

واستقرب الشهيد (قدس‌سره) في الدروس هذا الإطلاق ، قال : لأن في النهار صوما واعتكافا. ورد بان مطلق الصوم لا يترتب على إفساده الكفارة كما هو واضح.

قال في التذكرة : والظاهر ان مراده ـ يعنى مراد السيد (رضي‌الله‌عنه) ـ رمضان.

وهو غير بعيد فإنهم كثيرا ما يتوسعون في التعبير بناء على ظهور الحكم ومعلوميته ، وهذه الدقة في العبارات والقيود للاحترازات انما وقعت في كلام المتأخرين وبالجملة فإن الجماع في غير شهر رمضان انما يوجب كفارة واحدة ليلا أو نهارا من حيث الاعتكاف.

وينبغي ان يعلم انه في معنى نهار شهر رمضان في وجوب الكفارتين نهار صوم قضائه وكذا نهار صوم النذر المعين فان كلا منهما موجب للكفارة في حد ذاته كما في شهر رمضان فتتعدد في الاعتكاف.

__________________

(١ و ٢) ص ٤٩٢.

(٣) ص ٤٩٢.


الثامنة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه على المطاوعة المعتكفة الكفارة مثل ما تقدم على الزوج للاشتراك بينهما في الأحكام.

اما لو أكرهها في شهر رمضان فقيل يلزمه أربع كفارات نهارا وكفارتان ليلا وهو قول الشيخ في المبسوط والمرتضى وابن الجنيد وابن إدريس وابن البراج وابن حمزة واختاره في المختلف ، وقيل تلزمه كفارتان وهو اختيار جماعة : منهم ـ المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى.

احتج العلامة في المختلف قال : لنا ـ انه فعل موجب الكفارة على اثنين فتتضاعف على المكره لصدور الفعل عنه أجمع في الحقيقة ، لأنه عبادة توجب الكفارة بفعل الوطء على الزوجين فتتضاعف على الزوج بالإكراه كرمضان.

ولا يخفى ما في هذا الاستدلال ولهذا قال في المعتبر بعد نقل القول الأول عن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) : وهذا ليس بصواب إذ لا مستند له. وجعله كالإكراه في صوم رمضان قياس. وتضعيف الكفارتين بالاعتكاف ضعيف أيضا ، لأن إيجاب الكفارتين على المكره امرأته في شهر رمضان وان لم يكن معتكفا ثبت على خلاف مقتضى الدليل لأن المكرهة لم تفطر فلا كفارة عليها ، كما لو ضرب انسان غيره حتى أفطر بأكل أو شرب لم يجب على المكره كفارة عن المكره وإذا كان ثبوت الكفارتين في رمضان ثبت على خلاف الأصل فلا يتعدى الحكم ، مع ان ثبوت ذلك الحكم في رمضان مستنده رواية المفضل بن عمر (١) وهو مطعون فيه ضعيف جدا ولم يرد من غير طريقه لكن رأينا جماعة من الأصحاب قائلين به فقويت الرواية بذلك ، فلا يتعدى الحكم عن موضع النص. انتهى. وهو جيد.

التاسعة ـ قال الشيخ في المبسوط : من مات قبل انقضاء مدة اعتكافه في أصحابنا من يقول يقضى عنه وليه أو يخرج من ماله الى من ينوب عنه قدر كفايته لعموم

__________________

(١) ارجع الى الصفحة ٢٣٤.


ما روى (١) ان من مات وعليه صوم واجب وجب على وليه أن يقضى عنه أو يتصدق عنه.

وقال المحقق في الشرائع : ومن مات قبل انقضاء اعتكافه الواجب قيل يجب على الولي القيام به وقيل يستأجر من يقوم به. والأول أشبه.

وظاهره اختيار القول بالوجوب على الولي مع انه اعترض على الشيخ في المعتبر فقال بعد نقل ذلك عنه : وما ذكره إنما يدل على وجوب قضاء الصوم اما الاعتكاف فلا. ويعضده ما سبق من ان الصوم لا يجب لأجل الاعتكاف لجواز إيقاعه في صوم واجب قبل ذلك كرمضان أو النذر ، وحينئذ فلا يكون وجوب الاعتكاف مقتضيا لوجوب الصوم ليجب على الولي القيام به.

وبذلك يظهر الجواب عن ما احتج به في المختلف للقول المذكور ـ حيث قال : حجة الآخرين انه قد ورد ورودا مشهورا وجوب القضاء عن الميت ولا يمكن الإتيان بمثل هذا الصوم إلا بمثل هيئته وهو هيئة الاعتكاف فكان الاعتكاف واجبا. انتهى ـ فإنه متى ثبت ان الصوم غير واجب للاعتكاف كما أشرنا إليه فلا وجه لهذا الكلام.

وبالجملة فالوجه ان يقال ان الحكم بوجوب شي‌ء موقوف على الدليل الواضح وأمثال هذه التعليلات لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية. والله العالم.

هذا آخر الكلام في الجزء الرابع (٢) من كتاب الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ، وفق الله تعالى لإتمامه والفوز بسعادة ختامه ، ويتلوه ان شاء الله تعالى كتاب الحج.

وقد وقع الفراغ (٣) من هذا الجزء بتاريخ اليوم التاسع عشر شهر جمادى

__________________

(١) ارجع الى الصفحة ٣٢٠ و ٣٢١ والصفحة ٣٣٢ و ٣٣٣.

(٢) هذا على تقسيمه (قدس‌سره) وعلى تقسيمنا فهو آخر الجزء الثالث عشر.

(٣) من هنا الى الآخر منقول من النسخة الخطية.


الثاني من السنة السابعة والسبعين بعد المائة والالف من الهجرة النبوية (على مهاجرها وآله أفضل الصلاة والسلام والتحية) في الأرض المقدسة كربلاء المعلى في جوار سيد الشهداء وخامس أهل العباء (عليه وعلى آبائه وأبنائه أفضل صلوات ذي العلى) واسأل الله تعالى ببركة جوارهم أن يكون عنده وعندهم بمحل من القبول في إنجاح السؤل وبلوغ المأمول.

وكتب مولفه تراب اقدام العلماء العاملين وخادم الفضلاء الصالحين الفقير الى الله الكريم يوسف بن احمد بن إبراهيم البحراني ، عاملهم الله تعالى بإحسانه وأفاض عليهم من رواشح جوده وامتنانه ، حامدا مصليا مسلما مستغفرا آمين آمين آمين بمحمد وآله أجمعين.


الاستدراكات

نستدرك هنا ما فاتنا التنبيه عليه في محله والترتيب بحسب أرقام الصفحات (١) وعدنا في الصفحة ٧ بالرجوع الى الاستدراكات فنقول : أورد في الوافي الصوم المندوب بعنوان صيام السنة وصيام الترغيب ، ولم يرد هذان العنوانان في الوسائل كما لم أجدهما في ما حضرني من كتب العامة. وما ذكره ـ من ان ما زعمه العامة من صيام الترغيب والسنة هو الذي سماه عليه‌السلام بالذي فيه الخيار ـ فهو متوجه في صوم يوم الجمعة والخميس والاثنين وصوم أيام البيض والستة الأيام من شوال وصوم يوم عاشوراء كما في سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٩٢ و ٢٩٤ و ٢٩٥ والمجموع ج ٦ ص ٣٨٢ و ٣٨٤ و ٣٨٥. إلا انهم يقيدون استحباب صوم يوم عرفة بان لا يكون في عرفة كما في المغني ج ٢ ص ١٧٦ ويحكمون بكراهة تخصيص يوم الجمعة بالصوم كما في سنن البيهقي ج ٤ ص ٣٠١ والمغني ج ٣ ص ١٦٥. وقد أورد في الوسائل جميع ما أورده في الوافي بعنوان صيام السنة والترغيب في ضمن الصوم المندوب ، فأورد صيام السنة في الباب ٧ و ٨ و ٩ منه وصيام الترغيب في الباب ١٤ و ١٥ و ١٦ و ١٧ و ١٨ و ٢٦ و ٢٨ و ٢٩ منه.

(٢) وعدنا في الصفحة ٩ بالرجوع في مصدر حديث «لا تدخل الحكمة جوفا ملي‌ء طعاما» الى الاستدراكات فنقول : لم نقف على الحديث بهذا اللفظ إلا في كتاب غوالي اللئالي في المسلك الثالث من مسالك الباب الأول منه في الأحاديث المتعلقة بأبواب الفقه في أحاديث رواها الشهيد ورواها صاحب الكتاب عنه. وقد وجدت النسخة الخطية من الكتاب في مكتبة مقبرة المرحوم آية الله الأصفهاني في الصحن الشريف في النجف الأشرف. وقد أورد المصنف (قدس‌سره) الحديث في ضمن البحث عن مفاد الحديث المذكور هنا في كشكوله ج ١ ص ٣٣٦ و ٣٣٧ من الطبع الحديث في النجف الأشرف.


(٣) جاء في الصفحة ١٩ ان حديث الأعرابي لم أقف عليه حتى في كتب الحديث للعامة ، وقد عثرت عليه بعد ذلك في المبسوط للسرخسى ج ٣ ص ٦٢ باللفظ المذكور عن عكرمة عن ابن عباس ، إلا انى لم أقف عليه في كتب أحاديثهم مرويا باللفظ المذكور عن عكرمة ولا عن غيره.

(٤) جاء في التعليقة ١ ص ٣١ «الشهاب الثاقب» والصحيح «الشهاب» مجردا

(٥) جاء حديث عبد الله بن ميمون في الصفحة ١٢٨ هكذا : «عن ابى عبد الله» كما في الوسائل في الباب المذكور في التعليقة ، إلا انه في التهذيب ج ٤ ص ٢٦٠ ـ والوافي باب الحجامة ودخول الحمام من نواقض الصيام وفي الباب ٢٥ و ٢٦ و ٢٩ من ما يمسك عنه الصائم من الوسائل ـ ورد هكذا : «عن أبيه عن ابى عبد الله عليه‌السلام» وفي الاستبصار ج ٢ ص ٩٠ انه ورد كذلك في بعض النسخ.

(٦) جاء ص ١٣٩ س ٢١ «أقول : يمكن» وفي المطبوعة القديمة «أقول : ويمكن» وقد أسقطنا الواو تبعا للخطية.

(٧) جاء ص ١٤٠ س ٢ «والأمر هنا كما هو هناك فإن النهي هنا عن الارتماس» وفي المطبوعة القديمة «كما هناك فإن النهي عن الارتماس» وقد أضفنا الكلمتين تبعا للخطية.

(٨) ورد ص ١٤٠ س ١٠ «من حيث النهى عن غمس الرأس» وفي المطبوعة القديمة «من حيث انه منهي عن غمس الرأس» وقد غيرنا العبارة تبعا للخطية. وكذا أبدلنا كلمة «الانتفاء» في المطبوعة القديمة بكلمة «الانتهاء» في السطر ١٢ تبعا للخطية.

(٩) ورد ص ١٤١ س ١١ «حيث صرح ثمة بخلاف ما ذكره هنا» وفي المطبوعة القديمة هكذا : «حيث صرح به ثمة» وقد أسقطنا كلمة «به» تبعا للخطية لزيادتها.

(١٠) ورد ص ١٥٧ في رواية الرازي رقم (٣) «فان قال قائل ...» جزء


من الرواية كما في النسخ والوسائل ، وفي الوافي (باب السواك وادماء الفم) لم ينقله. وظاهر التهذيب ج ٤ ص ٢٦٣ انه جزء من الرواية.

(١١) ورد ص ١٦١ في رواية عبد الله بن سنان «لا تلزق ثوبك الى جسدك وهو رطب» وفي نسخ الحدائق «لا تلبس ثوبك وهو رطب» وقد غيرنا العبارة الى ما ذكرنا تبعا للفروع ج ١ ص ١٩٢ والوافي (باب الارتماس وبل الثوب على الجسد) والوسائل.

(١٢) جاء ص ١٦١ حديث محمد بن مسلم عن الشيخ باللفظ المذكور هناك وهو اللفظ الوارد في رواية الكليني في الفروع ج ١ ص ١٩٢ ، واما اللفظ الوارد في التهذيب ج ٤ ص ٢٦٢ فهو هكذا : «يستاك الصائم أي النهار شاء ولا يستاك بعود رطب ويستنقع في الماء ...» وروايته عن ابى عبد الله عليه‌السلام واما رواية الكافي فهي عن ابى جعفر عليه‌السلام.

(١٣) جاء حديث حنان ص ١٦١ باللفظ المذكور هناك تبعا للتهذيب ج ٤ ص ٢٦٣ والوسائل ، ولذا غير عن ما جاء في نسخ الحدائق.

(١٤) وعدنا ص ١٦٤ بالرجوع في مصدر حديث خلف بن حماد الى الاستدراكات ، وقد وقفنا عليه في الوسائل في الباب ١٠٥ من أبواب المزار.

(١٥) ورد ص ١٦٩ حديث الحلبي مطابقا للتهذيب ج ٤ ص ٣١١ ، وكذا حديث الكناني طبقناه على الفقيه ج ٢ ص ٩٤.

(١٦) ورد ص ١٨٣ في رواية الثمالي «في ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة» وكذا ص ١٨٤ س ٢١ ، وفي الوسائل والتهذيب ج ٢ ص ٩٤ الطبع القديم العطف بالواو لا بنحو الترديد.

(١٧) ورد ص ١٨٤ س ٢١ «وقوة البدن» تبعا للخطية.

(١٨) ورد ص ١٨٨ «ورواية عبد الكريم بن عمرو» وجاء في التعليقة ٧ ان الراوي كرام ويروى عنه ابن ابى عمير. ونقول هنا ان الكليني في الفروع ج ١


ص ٢٠١ يرويها عن ابن ابى عمير عن كرام والشيخ في التهذيب ج ٤ ص ١٨٣ عن عبد الكريم بن عمرو ، وفي ص ٢٣٣ عن الكليني عن كرام ، والصدوق في الفقيه ج ٣ ص ٧٩ عن عبد الكريم بن عمرو. والفرق بين رواية الكليني وبين رواية الشيخ والصدوق ان في رواية الكليني كلمة «من شهر رمضان» في آخر الرواية دون رواية الشيخ والصدوق ، وقد نسبها ص ١٨٨ الى عبد الكريم بن عمرو وذكر الإضافة في آخرها. ونقلها عن الفقيه والتهذيب عن عبد الكريم بن عمرو من دون زيادة الكافي ص ٣٨٨.

(١٩) جاء ص ١٨٩ في رواية الصيقل : «كتبت اليه» كما في الوسائل والاستبصار ج ٢ ص ١٠١ ، وفي التهذيب ج ٤ ص ٢٣٤ والوافي باب نذر الصيام وباب كفارة النذر من أبواب النذور والايمان «كتب اليه». وقد سقط لفظ «اليوم» هنا في الطبع والصحيح «فوافق ذلك اليوم يوم ...».

(٢٠) جاء ص ١٩٣ في رواية على بن مهزيار «كتبت اليه» كما في الوسائل إلا ان في الفروع ج ٢ ص ٣٧٣ والتهذيب ج ٨ ص ٣٠٥ «وكتب اليه» وفي الوافي باب نذر الصيام وباب كفارة النذر من أبواب النذور والايمان «انه كتب اليه».

(٢١) جاء ص ١٩٦ حديث ابن جندب عن الكافي واللفظ فيه يوافق ما جاء في الوافي (باب نذر الصيام من أبواب النذور والايمان) وهو يختلف عن ما جاء في الفروع ج ٢ ص ٣٧٣ وما جاء في التهذيب ج ٨ ص ٣٠٦ وهو رواية الشيخ الحديث عن الكليني.

(٢٢) جاء ص ١٩٦ في حديث ابن جندب عن التهذيب «سأل أبا عبد الله عليه‌السلام ميمون» وهو يوافق ما جاء في الوافي (باب نذر الصيام من أبواب النذور والايمان) وفي التهذيب ج ٤ ص ٣٣٣ «سأله عباد بن ميمون» وفي الوسائل : «سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عباد بن ميمون» واللفظ في كل منها يختلف عنه في الآخرين

(٢٣) جاء ص ٢٢٤ في رواية إدريس بن هلال : «فبذلك» كما في الوسائل


وفي الفقيه ج ٢ ص ٧٢ «بذلك».

(٢٤) جاء ص ٢٢٤ حديث البصري مسندا الى ابى عبد الله عليه‌السلام كما في الوافي (باب من تعمد الإفطار في شهر رمضان من غير عذر) الا انه جاء في الفروع ج ١ ص ١٩١ والوسائل مضمرا.

(٢٥) جاء ص ٢٢٧ في رواية زرارة «قلت فان عجز عن ذلك» كما في نسخ الحدائق ، وفي الفروع ج ٢ ص ٣٧٢ والتهذيب ج ٨ ص ٢٩٨ والوافي (باب كفارة اليمين من أبواب النذور والايمان) والوسائل هكذا «قلت انه عجز عن ذلك».

(٢٦) جاء ص ٢٤٥ في رواية أبي الجارود «كان بعض أصحابنا» كما في نسخ الحدائق ، وفي التهذيب ج ٤ ص ٣١٧ والوسائل «وكان ...».

(٢٧) جاء ص ٢٤٥ في كلام الشيخ «في بلاد الإسلام» كما في النسخ ، وفي التهذيب ج ٤ ص ١٦٤ «في باب الإسلام».

(٢٨) جاء ص ٢٦٤ في كلام العلامة في المنتهى س ١٤ «أو تقاربت ...» وقد أسقط من عبارته هنا قوله «وبه قال احمد والليث بن سعد وبعض أصحاب الشافعي» وجاء س ١٦ «لكل بلد حكم نفسه ...» وقد أسقط هنا قوله «وهو القول الأخر للشافعي. واعترض بعض الشافعية في التباعد مسافة التقصير وهو ثمانية وأربعون ميلا فاعتبر لكل بلد حكم نفسه ان كان بينهما هذه المسافة» وبهذا ينسجم قوله «ان كان بينهما ...» مع ما قبله

(٢٩) جاء ص ٢٦٩ س ٤ «من سير القمر» وفي نسخ الحدائق «من تسيير القمر» وقد جعلناه كذلك للاستحسان والاعتبار.

(٣٠) أوردنا سند رواية الإقبال ص ٢٩٢ س ٨ كما في الإقبال ص ١٥ والوسائل ، الا ان الوارد فيهما هكذا : إسحاق بن إبراهيم الثقفي الثقة.

(٣١) جاء ص ٢٩٣ في رواية عبد الرحمن «ولم يصم» وهو موافق لما جاء في التهذيب ج ٤ ص ٣١٠ ، وفي الفقيه ج ٢ ص ٧٨ «ولم يصح له».


(٣٢) أوردنا صحيحة أبي حمزة ص ٢٩٥ على طبق لفظ الوسائل فجاء فيها بعض التغيير عن ما جاء في نسخ الحدائق.

(٣٣) جاء ص ٣٠٠ في صحيحة أبي مريم «فليس عليه شي‌ء» كما في النسخ والوافي باب من مات وفاته صيام عن الفقيه ، وفي الفقيه ج ٢ ص ٩٨ «فليس عليه قضاء» (٣٤) غيرنا بعض اللفظ عن النسخ في صحيحة محمد بن مسلم ص ٣٠٢ تبعا لكتب الحديث.

(٣٥) جاء ص ٣٠٣ س ٩ في عبارة الفقه الرضوي «إلا أن يكون قد صح في ما بين الرمضانين» وفي الفقه الرضوي هكذا : «في ما بين شهرين رمضانين» وكذا في المستدرك الباب ١٧ من أحكام شهر رمضان. وكذا س ١١ هكذا : «فان فاته شهر رمضان» وفيهما «فان فاته شهرين رمضانين».

(٣٦) جاء ص ٣٠٤ في رواية العلل والعيون «أو لم يفق من مرضه» كما في النسخ ، وفي الوسائل «أو لم يقو».

(٣٧) جاء ص ٣٥٣ في رواية الحسن بن أبي حمزة «قلت لأبي جعفر أو لأبي عبد الله (ع) انى قد اشتد على صيام ثلاثة أيام في كل شهر أؤخره ...» والوارد في الفقيه ج ٢ ص ٥١ والوسائل «قلت لأبي جعفر أو لأبي عبد الله (ع) صوم ثلاثة أيام في الشهر أؤخره ...» وقد ورد اللفظ المتقدم في رواية إبراهيم ابن المثنى الواردة في الفقيه ص ٥٠ وفي الوسائل الباب ١١ من الصوم المندوب رقم ٥ ولم يوردها المصنف (قدس‌سره).

(٣٨) وعدنا ص ٣٦٠ بالرجوع الى الاستدراكات في صيام السنة والترغيب وقد تقدم بيان ذلك في الاستدراكات (١).

(٣٩) جاء ص ٣٦٣ س ١٦ «يقتضي عدم خلق السماوات» وفي المدارك المطبوعة «يقتضي خلق السماوات» ويمكن سقوط كلمة «عدم» من الناسخ.

(٤٠) جاء ص ٤٠٤ س ٤ «ويؤيد هذه الاخبار ظاهر الآية» وحذفت


كلمة «ايضا» تبعا للنسخة الخطية.

(٤١) ورد ص ٤٢٣ ذكر صحيحة محمد بن مسلم التي يرويها الشيخ بلفظ «مدين من طعام» وغفلنا عن تخريجها وهي في الوسائل في الباب ١٥ ممن يصح منه الصوم رقم ٢.

(٤٢) وردت ص ٤٣٧ رواية السكوني عن ابى عبد الله عليه‌السلام عن ثواب الأعمال وهي مروية في الفروع ج ١ ص ١٨١ والفقيه ج ٢ ص ٨٥ والتهذيب ج ٤ ص ٢٠١ عن مسعدة عن ابى عبد الله عن أبيه (ع) ولم نقف على نقلها عن ثواب الأعمال عن السكوني. راجع الوسائل الباب ٣ من آداب الصائم رقم ٣.

(٤٣) ورد ص ٤٣٩ «ورؤيا أيضا في كتابيهما عن يعقوب» يريد الكليني والصدوق ، مع ان الصدوق رواها في الفقيه ج ٢ ص ١٠١ مرسلا.

(٤٤) جاء ص ٤٤٠ س ٢٣ في تخريج حديث أبي حمزة الباب ٣١ والصحيح ٣٢

(٤٥) جاء ص ٤٤٣ س ١ «حسان ابى على» والصحيح «حسان بن ابى على»

(٤٦) وعدنا في التعليقة (٤) ص ٤٥٢ بالرجوع الى الاستدراكات في حال المغيرة بن سعيد فنقول اما انه من الكاذبين على ابى جعفر عليه‌السلام فقد روى الكشي ذلك في كتابه ص ١٩٤ طبع النجف الأشرف واما انه كان يدعو الى محمد بن عبد الله ابن الحسن فذكره العلامة في الخلاصة طبع النجف الأشرف ص ٢٦١ وباقي ما ذكره (قدس‌سره) لم نقف على مصدره.

(٤٧) جاء ص ٤٥٥ س ١٨ «طهرا ...» وفي النسخ «وطهر» فغير الى ذلك تصحيحا.

(٤٨) جاء ص ٤٥٦ «وروى في الكافي أيضا في الصحيح أو الحسن عن أبى عبد الله عليه‌السلام» كما في النسخ ، وحيث ان عادته (قدس‌سره) ذكر الراوي فيجوز ان يكون عدم ذكر الراوي هنا وهو الحلبي لسقوطه من قلم النساخ.

(٤٩) ورد ص ٤٥٧ صحيح الحلبي برواية الصدوق كما في الوسائل الباب ٢


من الاعتكاف رقم ١ ولم نجده في الفقيه في مظانه نعم رواه الكليني في الفروع ج ١ ص ٢١٢.

(٥٠) جاء ص ٤٦٦ في الرواية (٥) «يحيى بن العلاء» وفي التهذيب ج ٤ ص ٢٩٠ والاستبصار ج ٢ ص ١٢٧ والوافي باب الاعتكاف والوسائل «يحيى بن ابى العلاء».

(٥١) وردت الرواية (٤) ص ٤٦٦ عن على بن عمران والرواية (٨) عن على بن غراب كما في النسخ والوسائل ، إلا ان الوارد في التهذيب ج ٤ ص ٢٩٠ هي الرواية عن على بن عمران فقط وفي الاستبصار ج ٢ ص ١٢٧ إبداله بعلي بن غراب

(٥٢) جاء ص ٤٧٤ س ١٠ «ويردف عليا عليه‌السلام خلفه» وقد علقنا بالرجوع إلى التعليقة ٢ ص ١٦ ج ١٠ والذي أورده (قدس‌سره) هناك «ويردف خلفه»

(٥٣) جاء ص ٤٧٦ س ٢١ «انه كان على أمي» وفي مسند احمد «انه كان على أمها».

(٥٤) جاء ص ٤٨٣ في رواية عمر بن يزيد «ان يحلك من اعتكافك» كما في النسخ والوسائل ، وفي التهذيب ج ٤ ص ٢٨٩ والوافي باب الاعتكاف «ان ذلك في اعتكافك».

(٥٥) جاء ص ٤٨٩ س ١ كلام الشيخ في المبسوط ولفظه يوافق ما نقله في المنتهى ، وقد نقله ايضا ص ٤٧٩ س ١٨ وهو يوافق ما في المبسوط.

توجيه

يرجى تصحيح ما جاء ج ١٠ ص ١٤٠ التعليقة ١ هكذا : راجع الوسائل الباب ٤٩ من الجماعة.


فهرس الجزء الثالث عشر

من الحدائق الناضرة

عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

تعريف الصوم

٢

منتهى وقت النية في الصوم المستحب

٢٤

اقسام الصوم

٢

هل يشترط في نية الصوم من الليل الاستمرار على حكمه؟

٢٦

فضل الصوم

٧

حكم الاخلال بالنية ليلا عمدا في الصوم الواجب المعين

٢٦

الاشكال في حديثى الكنانى والفقيه والجواب عنه

٩

هل الصوم المنوى في النهار يعتبر من ابتداء النهار؟

٢٦

علة فرض الصوم

١٠

هل تكفى نية واحدة لشهر رمضان؟

٢٧

آداب الصائم

١١

لو فاتت النية في أول شهر فهل تكفى بعد ذلك النية للباقى من الشهر؟

٢٨

معنى رمضان

١٣

تحقيق النية.

٢٨

اشتقاق رمضان

١٥

هل يقع في شهر رمضان صوم غيره؟

٣١

وجوب النية في الصوم

١٥

لو نوى في شهر رمضان غير صومه فهل يجزئ عن صومه؟

٣٢

هل يعتبر في صوم شهر رمضان نية كونه منه؟

١٦

صوم يوم الشك بنية كونه من شهر رمضان

٣٣

هل يشترط في نية صوم النذر المعين قصد التعيين؟

١٧

هل يعتبر في نية الصوم قصد الوجه؟

١٨

وقت النية في الصوم المعين

١٨

وقت النية في الصوم غير المعين

٢١

منتهى وقت النية في القضاء والنذر المطلق.

٢٣


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

صوم يوم الشك بنية الندب

٣٩

هل غير المعتاد من المأكول والمشروب يبطل الصوم كالمعتاد منهما؟

٥٧

المراد بيوم الشك

٤١

الأخبار الواردة في وجوب امساك الصائم عن المأكول والمشروب

٥٨

هل يلحق بشهر رمضان في الاكتفاء بنية الندب متى طهر كونه من شهر رمضان غيره من الصوم الواجب المعين؟

٤٤

حكم الصائم المتناول للمأكول أو المشروب جاهلا بحكمه

٦٠

الترديد في نية الصوم في يوم الشك

٤٤

حكم الصائم المتناول للمأكول أو المشروب ناسياً لصومه

٦٦

لو أصبح يوم الشك صائماً فظهر في اثناء النهار انه من شهر رمضان في اثناه النهار انه من شهر رمضان

٤٦

حكم الصائم المتناول للمأكول أو المشروب للاكراه عليه

٦٧

لو نوى الافطار في يوم من شهر رمضان ثم جدد نية الصوم قبل الزوال

٤٧

حكم الافطار للتقية

٦٨

لو نوى الافطار في اثناء النهار بعد ان عقد الصوم ثم جدد نية الصوم

٤٩

هل يكفى في الافطار للاكراه أو التقية خوف الضرر؟

٧٠

هل يجوز تقديم النية في شهر رمضان؟

٥٢

هل يجب في الافطار للاكراه أو التقية الاقتصار على ما تندفع به الحاجة؟

٧١

هل عبادة الصبى شرعية او تمرينية؟

٥٣

من اكل ناسياً فظن فساد صومه فافطر عامداً

٧١

يجب الامساك في الصوم عن كل مأكول ومشروب

٥٦

ايصال الغبار إلى الحلق

٧٢

مص الخاتم ومضغ الطعام وزق الطائر وذوق المرق

٧٥


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

لو مضغ الصائم شيئاً فسبق شئ منه إلى الحلق

٧٧

الكفارة إنما هو في الصوم الواجب المعين

٩٢

ابتلاع الصائم الريق المتغير بمضغ العلك.

٧٧

فعل المفطر قبل المراعاة الفجر تعمداً

٩٢

ابتلاع الصائم بقايا الغذاء المتخلفة بين الاسنان

٧٨

هل يتقيد وجوب القضاء في المقام بصورة القدرة على المراعاة؟

٩٣

ابتلاع الصائم الريق الذى في الفم

٧٩

تناول المفطر بعد المراعاة

٩٤

هل يحرم ابتلاع ريق الغير؟

٨٢

تناول المفطر بعد طلوع الفجر في غير شهر رمضان

٩٤

هل يبطل ابتلاع الصائم ريق غيره الصوم؟

٨٣

هل يلحق صوم غير شهر رمضان من الواجب المعين بصوم شهر رمضان في ما تقدم؟

٩٥

ابتلاع الصائم النخامة

٨٤

فعل المفطر بعد الصبح للاخبار بعدمه

٩٥

دخول الماء في حلق الصائم بالمضمضة

٨٧

الاخبار الدالة على حجية خبر الثقة

٩٦

هل يفرق في حكم دخول الماء في حلق الصائم بين المضمضة في الوضوء الواجب والمضمضة في الوضوء المستحب؟

٩٠

لو ظن كذب المخبر بطلوع الفجر فاكل ثم بان الصدق

٩٧

دخول الماء في حلق الصائم بالاستنشاق

٩٠

لو افطر للاخبار بدخول الليل ثم بان فساد الخبر

٩٨

هل يحرم على الصائم المضمضة لغير الوضوء؟

٩١

لو افطر بظن الغروب ثم بان فساد الظن

١٠٠

دخول الماء في حلق الصائم بالمضمضة للتداوى ونحوه

٩١

تعبير الفقهاء في هذه المسألة بقولهم : والافطار للظلمة الموهمة دخول الليل

١٠٥

وجوب القضاء وحده أو مع


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

نقل كلام لصاحب المدارك ونقده

١٠٥

من أجنب ليلا ونام نومة أو ثنتين أو ثلاثاً حتى أصبح

١٢٦

يجب في الصوم الامساك عن الجماع في القبل فان فعل رجب القضاء والكفارة

١٠٦

لا يبطل صوم شهر رمضان بالاحتلام نهاراً

١٢٧

ما يدل على وجوب القضاء والكفارة بالجماع في القبل في صوم شهر رمضان

١٠٧

الجماع في شهر رمضان قبيل طلوع الفجر

١٢٨

حكم الجماع في الدبر في حال الصوم

١٠٨

يبطل الصوم بانزال المنى بالاستمناء أو بالمس والقبلة ونحو هما

١٢٩

البقاء على الجنابة عمداً حتى يطلع الفجر في شهر رمضان

١١٢

استدلال صاحب المدارك في المقام ونقده

١٣٠

هل يبطل الصوم بالاصباح جنباً عمداً؟

١١٣

اذا نظر الصائم إلى امرأة فامنى

١٣١

ما هو الواجب على تقدير فساد الصوم بالاصباح جنباً عمداً؟

١٢٠

حكم ارتماس الصائم في الماء

١٣٣

هل تعم مفطرية تعمد البقاء على الجنابة صوم غير شهر رمضان؟

١٢١

ما يتحقق به الارتماس في المقام

١٣٧

هل يبطل الصوم باخلال الحائض بالغسل قبل الفجر؟

١٢٣

الغسل الارتماسى في الصوم المستحب

١٣٩

هل يجب التيمم للصوم عند تعذر الماء للجنب وذات الدم؟

١٢٤

فائدة تحريم الارتماس حال الصوم

١٣٩

توقف صوم المستحاضة على الاغسال

١٢٥

حكم غسل المرتمس ناسيا أو جاهلا في حال الصوم

١٤١

هل يبطل الصوم بالكذب على الله أو رسوله (ص) او الائمة (ع)؟

١٤١

حكم الحقنة في حال الصوم

١٤٣

صب الدواء في الاحليل في حال الصوم

١٤٦

تقطير الدواء في الاذن حال الصوم

١٤٦


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

الطعنة الواصلة إلى الجوف حال الصوم

١٤٧

لا يجب الصوم على الحائض والنفساء ولا يصح منهما

١٦٨

تعمد القئ حال الصوم

١٤٧

لا يصح الصوم من المريض مع تضرره به

١٦٩

ما يستحب الامساك عنه في الصوم

١٤٩

هل يباح الافطار للصحيح الذى يخشى المرض بالصيام؟

١٧١

مباشرة النساء في الصوم تقبيلا ولمساً وملاعبة

١٤٩

لو صح المريض في اثناء النهار

١٧٢

الاكتحال حال الصوم بما فيه مسك أو يصل إلى الجوف

١٥٢

يصح صوم النائم اذا سبقت منه النية

١٧٣

السعوط حال الصوم

١٥٤

يستحب تمرين الصبى على الصوم

١٧٦

السواك بالرطب حال الصوم

١٥٦

مبدأ تمرين الصبي على الصوم

١٧٦

الحجامة حال الصوم

١٥٨

هل يعم التمرين الصبية؟

١٧٩

شم الريحان حال الصوم

١٥٨

اذا نوى الصبى الصوم ثم بلغ في اثناء النهار

١٨٠

استحباب الطيب للصائم

١٦٠

تحديد البلوغ الذى يترتب عليه التكليف

١٨١

بل الثوب على الجسد حال الصوم

١٦١

روايات التحديد بالسن

١٨١

جلوس المرأة في الماء حال الصوم

١٦١

علاج الاختلاف بين روايات تحديد البلوغ بالسن

١٨٤

انشاد الشعر حال الصوم

١٦٢

المشهور عدم صحة صوم المسافر الذى يلزمه التقصير

١٨٥

جملة من المنهيات حال الصوم

١٦٤

ما يستثنى من المنع من الصوم في السفر

١٩٠

من يصح منه الصوم ومن لا يصح

١٦٥

لا يجب الصوم على الصبى ولا يصح منه وكذا المجنون

١٦٥

هل الاسلام شرط لوجوب الصوم أو لصحته؟

١٦٥

هل الاغماء مخل بصحة الصوم؟

١٦٧


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

لو صادف اليوم النذور صومه أحد العيدين أو ايام التشريق

١٩٣

ما هى كفارة قضاء شهر رمضان؟

٢١٥

صيام التطوع في السفر

١٩٧

هل يجوز الافطار قبل الزوال في قضاء شهر رمضان؟

٢١٦

الاشكال في حمل اخبار المنع من التطوع بالصوم في السفر على الكراهة

٢٠٠

ما هى كفارة صوم شهر رمضان؟

٢١٨

الصوم للحاجة في السفر بالمدينة

٢٠١

ما يعطى لكل فقير في كفارة صوم شهر رمضان

٢٢٣

صوم الضيف بغير اذن المضيف

٢٠١

المقدار الواجب في الاطعام في كفارة صوم شهر رمضان

٢٢٣

صوم الولد بغير اذن الوالدين

٢٠٣

من عجز عن الخصال الثلاث في كفارة صوم شهر رمضان

٢٢٥

صوم العبد بغير اذن سيده

٢٠٤

من عجز التكفير في صوم شهر رمضان

٢٢٦

صوم الزوجة بغير اذن الزوج

٢٠٥

من تمكن عن التكفير بعد الاستغفار في صوم شهر رمضان

٢٢٧

الصائم المدعو إلى طعام

٢٠٦

هل يعتبر الايمان في الرقبة في موارد التكفير؟

٢٢٧

التطوع بالصوم ممن عليه قضاء صوم شهر رمضان

٢٠٨

لاتجزئ القيمة في خصال الكفارة

٢٢٨

ما تجب في افساده الكفارة من الصوم

٢٠٩

التبرع بالكفارة عن الحى

٢٢٨

وجوب الكفارة بافساد صوم شهر رمضان

٢١٠

التبرع بالكفارة عن الميت

٢٢٩

وجوب الكفارة في صوم النذر

٢١٠

هل تتكرر الكفارة بتكرر الموجب في اليوم الواحد؟

٢٢٩

هل تجب الكفارة بافساد صوم الاعتكاف؟

٢١١

لو سقط فرض الصوم بعد فعل موجب الكفارة

٢٣١

هل تجب الكفارة بافساد قضاء شهر رمضان؟

٢١٢


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

من اكره زوجته على الجماع في نهار شهر رمضان

٢٣٤

مطلقاً أو في بعض الحالات؟

٢٥٢

لافرق في الزوجة المكرهة بين الدائمة والمستمتع بها

٢٣٧

لا يعتبر في ثبوت الهلال بشهادة العدلين حكم الحاكم

٢٥٨

هل تلحق النائمة بالمكرهة في الحكم؟

٢٣٧

هل يجب على المكلف العمل في الصوم والفطر بحكم الحاكم؟

٢٥٨

من اكره اجنبية على الجماع في نهار شهر رمضان

٢٣٧

هل يثبت الهلال بالشهادة على الشهادة؟

٢٦١

لو وطأ المجنون زوجته في نهار شهر رمضان

٢٣٨

لو استند الشاهدان إلى الشياع المفيد العلم

٢٦٢

عقوبة من افطر عامداً في شهر رمضان

٢٣٩

هل يكفى قول الحاكم في ثبوت الهلال؟

٢٦٣

اقسام الصوم

٢٤٠

هل يختلف حكم البلاد المتباعدة في الهلال؟

٢٦٣

وجوب صوم شهر رمضان

٢٤٠

لااعتبار بالجدول في ثبوت الهلال

٢٦٨

ثبوت شهر رمضان برؤية الهلال

٢٤٠

هل يثبت هلال شهر رمضان بالعدد؟

٢٧٠

ثبوت شهر رمضان بانقضاء ثلاثين يوماً من شعبان

٢٤١

الاخبار الناطقة بان شهر رمضان يصيبه النقص كسائر الشهور

٢٧١

ثبوت هلال شهر رمضان بالشياع

٢٤٣

الاخبار الناطقة بان شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين يوما

٢٧٣

الجواب عن ما ينافى ثبوت الهلال بشهادة العدلين

٢٤٧

كلام صاحب الوافى حول الأخبار المتقدمة

٢٧٦

الجواب عن ما دل على اعتبار شهادة الخمسين في الصحو

٢٤٩

الاشكال في كفاية الظن في الشياع

٢٤٩

هل يثبت الهلال بشهادة العدلين


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

ترجيح اخبار المشهور على الأخبار الآخر

٢٧٨

وجوب القضاء على المريض

٢٩٦

مظهر الخلاف في هذه المسألة

٢٧٩

هل يجب قضاء صوم شهر رمضان على المغمى عليه بعد الافاقة؟

٢٩٦

هل تعتبر غيبوبة الهلال بعد الشفق في ثبوته رؤية الهلال يوم الثلاثين قبل الزوال في ثبوته لليلة الماضية؟

٢٨٠

المرتد يقضى ما فاته من الصوم زمان ردته

٢٩٧

هل يعتبر التطوق في ثبوت الهلال لليلة السابقة؟

٢٩٠

الاشكال في المرتد الفطرى ودفعه

٢٩٨

هل تعتبر قاعدة عد الخمسة من رمضان السنة الماضية؟

٢٩١

لو عقد الصوم مسلماً ثم ارتد ثم عاد بقية يومه

٢٩٨

كيف يصنع من لا يعلم الشهر؟

٢٩٢

من نسى غسل الجنابة في شهر رمضان حتى مر عليه كله أو بعضه

٢٩٨

قضاء شهر رمضان

٢٩٣

من فاته صوم شهر رمضان أو بعضه لمرض أو دم ومات قبل البرء أو الطهر

٢٩٩

سقوط الاداء والقضاء عن الصغير والمجنون

٢٩٣

هل يستحب القضاء عن من فاته صوم شهر رمضان ومات قبل البرء؟

٣٠٠

سقوط الاداء والقضاء عن الكافر

٢٩٤

من استمر مرضه من أول شهر رمضان إلى رمضان آخر

٣٠١

سقوط القضاء عن المخالف اذا استبصر

٢٩٤

وقت القضاء في استمرار المرض إلى شهر رمضان آخر.

٣٠٥

سقوط القضاء عن المخالف المستبصر مشروط بمطابقة العمل لمذهبه

٢٩٥

مذهب الشيخين في استمرار المرض إلى شهر رمضان آخر

٣٠٦

وجوب القضاء على الحائض والنفساء

٢٩٦

مقدار الصدقة عن كل يوم في


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

استمرار المرض إلى شهر رمضان آخر

٣٠٧

هل يجوز التطوع بالصوم لمن في ذمته صوم واجب غير القضاء؟

٣١٩

هل يتعدى الحكم بالتكفير أو القضاء إلى من فانه الصوم بغير المرض ثم حصل له المرض المستمر؟

٣٠٧

من مات وقد فاته شهر رمضان أو بعضه بالمرض

٣١٩

لو كان الفوات بالمرض والمانع من القضاء غيره

٣٠٨

هل الواجب في من برى ولم يقض حتى مات هو القضاء أو الصدقة؟

٣١٩

استحباب القضاء لمن استمر به المرض على القول بسقوطه

٣٠٨

هل وجوب القضاء على الولى مطلق أو مقيد بعدم ما يتصدق به عنه؟

٣٢١

حكم ما زاد على رمضانين

٣٠٨

من هو الولى الذى يجب عليه القضاء؟

٣٢٢

مستحق الصدقة في استمرار المرض

٣٠٩

لو لم يكن ولى إلا من النساء فهل يسقط القضاء؟

٣٢٦

من يرئ بين رمضانين وترك القضاء إلى الثانى

٣١٠

تأويل ما يدل على وجوب القضاء على غير الولى

٣٢٦

التهاون المقتضى لاجتماع الكفارة مع القضاء

٣١٥

هل يعتبر في وجوب القضاء على الولى بلوغه حين موت مورثه؟

٣٢٦

هل يستحب الموالاة في قضاء صوم شهر رمضان أوالتفريق؟

٣١٦

لو كان للميت وليان أو أولياء متساوون في السن

٣٢٦

هل يجب الفور في قضاء شهر رمضان؟

٣١٨

لو تبرع بعض بالقضاء

٣٢٧

هل يجب الترتيب في قضاء الصوم؟

٣١٨

لو لم يكن إلا النساء فهل تجب

هل يجب الترتيب بين افراد الواجب كالقضاء والكفارة؟

٣١٨


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

الفدية عن الميت على القول بسقوط القضاء؟

٣٢٧

هل تجب المبادرة في البناء على العذر لو قيل به؟

٣٤٣

هل يختص وجوب القضاء على الولى بما فات الميت لعذر؟

٣٢٨

لو افطر في ما يجب فيه التتابع لا لعذر

٣٤٤

هل يجب القضاء عن المرأة؟

٣٢٨

الصوم المندوب

٣٤٧

وجوب القضاء على الولى مشروط باستقرار الصوم في ذمة الميت

٣٢٩

صوم اول خميس وآخر خميس من الشهر واربعاء في الوسط

٣٤٧

هل يعتبر في وجوب قضاء ما فات الميت في السفر تمكنه من القضاء؟

٣٣٠

الاقوال في تعيين الايام الثلاثة من الشهر

٣٥٠

المريض اذا كان وجب عليه صيام شهرين متتابعين ثم مات

٣٣٢

قضاء الايام الثلاثة من الشهر عند تأخيرها

٣٥١

صوم الكفارات

٣٣٤

تأخير صوم الايام الثلاثة من الشهر من الصيف إلى الشتاء

٣٥٣

ما يجب فيه الصوم بعد العجز عن غيره

٣٣٤

التصدق عن الايام الثلاثة من الشهر عند العجز عن صومها

٣٥٤

ما يجب فيه الصوم مخيراً بينه وبين غيره

٣٣٦

تقديم صوم الايام الثلاثة من الشهر عند ارادة السفر فيه

٣٥٥

ما يجب فيه الصوم مرتباً على غيره مخيراً بينه وبين غيره

٣٣٧

توجيه رواية الصدوق في خميسين يتفقان في آخر الشهر

٣٥٦

ما يجب فيه التتابع من الصوم وما لا يجب

٣٣٧

صوم ايام البيض

٣٥٦

لو افطر في ما يجب فيه التتابع لعذر فهل يبنى مطلقا؟

٣٣٩

ما هى ايام البيض؟

٣٦١

صوم عيد الغدير

٣٦١

صوم يوم المبعث

٣٦٢


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

صوم النصف من رجب

٣٦٣

صوم يوم الشك بنية الفرض

٣٩٠

صوم يوم دحو الارض

٣٦٣

صوم الصمت

٣٩٠

صوم تسعة ايام من أول ذى الحجة

٣٦٤

صوم الوصال

٣٩٢

صوم يوم عرفة

٣٦٤

معنى الوصال في الصوم

٣٩٢

صوم مولد النبى (ص)

٣٦٧

صوم نذر المعصية

٣٩٣

صوم يوم عاشوراء

٣٦٩

الصوم الواجب في السفر

٣٩٤

صوم اول يوم من المحرم والشهر كله

٣٧٦

الصوم في المرض

٣٩٤

صوم الخميس والجمعة والسبت

٣٧٧

صوم المرأة بغير اذن زوجها

٣٩٤

صوم يوم الاثنين

٣٧٩

صوم العبد بغير اذن سيده

٣٩٤

صوم يوم المباهلة

٣٨٠

صوم الدهر

٣٩٤

صوم يوم النيروز

٣٨٠

الصوم المكروه

٣٩٥

صوم رجب كلا أو بعضاً

٣٨١

صوم الضيف بدون اذن مضيفه

٣٩٥

صوم شعبان كلا أو بعضاً

٣٨٢

صوم الولد بغير اذن والده

٣٩٥

الفصل الوصل بين شعبان وشهر رمضان في الصوم

٣٨٥

صوم المدعو إلى طعام

٣٩٥

صوم ستة ايام من شوال بعد يوم الفطر

٣٨٦

الصوم المستحب في السفر

٣٩٥

الصوم المحرم

٣٨٧

صوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء

٣٩٥

صوم العيدين وايام التشريق

٣٨٧

صوم ثلاثة ايام بعد يوم الفطر

٣٩٥

حكم القاتل في الاشهر الحرم في صوم العيدين وايام التشريق

٣٨٨

يشترط في صوم شهر رمضان الاقامة

٣٩٦

تحريم صوم ايام التشريق انما هو لمن كان بمنى

٣٩٠

لو صام في السفر عالما بالحكم

٣٩٧

لو صام في السفر جاهلا بالحكم

٣٩٧

لو صام في السفر ناسياً للحكم

٣٩٧

لو صام المريض جاهلا بالحكم

٣٩٧


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

من قدم بلده أو بلدا يعزم على الاقامة فيه

٣٩٨

معنى انزال القرآن في ليلة القدر

٤٤٨

الوقت الموجب للقصر على المسافر

٤٠١

ما تضمنه حديث حمران من دخول المشيئة في المحتوم

٤٥٠

من كان عاصياً في سفره

٤٠٧

ما تضمنه حديث اسحاق من انه في ليلة تسع عشرة يلتقى الجمعان

٤٥١

السفر في شهر رمضان

٤٠٨

اطعام من لا يصوم

٤٥٢

هل يفترق قصر الصوم عن قصر الصلاة؟

٤١٢

اليوم لليلة الماضية

٤٥٢

مقاربة النساء في نهار شهر رمضان لمن ساغ له الافطار

٤١٣

الرفث ليلة الصيام

٤٥٣

مواضع استحباب الامساك تأدباً

٤١٦

صوم شهر رجب

٤٥٣

حكم الشيخ والشيخة في الصوم

٤١٧

مشروعية الاعتكاف ثابتة بالكتاب والسنة والاجماع

٤٥٥

فوائد في المقام

٤٢٣

من شرائط الاعتكاف الصوم

٤٥٦

حكم ذى العطاش في الصوم

٤٢٥

يكفى في الاعتكاف الصوم كيف اتفق

٤٥٧

حكم الحامل المقرب والمرضع القليلة في الصوم

٤٢٧

يعتبر في الاعتكاف اللبث ثلاثة أيام فصاعداً

٤٥٨

فوائد في المقام

٤٢٩

هل تدخل الليلة الاولى في ليلة الاعتكاف؟

٤٥٩

نوادر ما تقدم من ابواب الكتاب

٤٣١

لو نذر اعتكافا مطلقاً

٤٦١

الاخبار الواردة في شأن ليلة القدر

٤٣٨

لو ابتدأ بالاعتكاف في وقت لا تسلم فيه الثلاثة

٤٦١

السبب في اخفاء ليلة القدر

٤٤٣

لو نذر الاعتكاف عشرين يوماً مثلا

٤٦٢

معنى عدم ليلة القدر في الالف شهر الواردة في الآية

٤٤٤

اقوال العامة في تعيين ليلة القدر

٤٤٦

معنى ليلة القدر

٤٤٧


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام من دون لياليها

٤٦٢

الامور الضرورية التى يجوز الخروج لها في الاعتكاف

٤٧٢

لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام من دون لياليها

٤٦٣

لا يصلى المعتكف خارج المسجد الذى اعتكف فيه إلا بمكة

٤٧٥

هل يتعين بعض المساجد للاعتكاف

٤٦٣

اذا طلقت المعتكفة أو مات زوجها

٤٧٦

الاخبار الواردة في اعتبار ان يكون الاعتكاف في المسجد

٤٦٥

لو اخرج السلطان المعتكف من المسجد

٤٧٧

ما يستفاد من الاخبار المتقدمة

٤٦٧

اذا حاضت المعتكفة

٤٧٧

يعتبر في الاعتكاف اذن من له الولاية

٤٦٩

لو نذر اعتكاف ايام معينة متتابعة وخرج قبل اكمالها

٤٧٨

هل يعتبر في الاعتكاف اذن الوالد والمضيف؟

٤٦٩

هل يجب الاعتكاف المنذور بالشروع فيه؟

٤٧٩

يعتبر في الاعتكاف استدامة اللبث في المسجد

٤٧٠

هل يجب الاعتكاف المندوب بالشروع فيه؟

٤٧٩

هل يتحقق الخروج من المسجد بخروج جزء من البدن؟

٤٧٠

يستحب للمعتكف ان يشترط الخروج من الاعتكاف عند العارض

٤٨٣

حكم الخروج من المسجد مكرها

٤٧١

محل اشتراط الخروج من الاعتكاف

٤٨٤

هل يتحقق الخروج من المسجد بالصعود الى سطحه

٤٧١

هل يتقيد اشتراط الخروج من الاعتكاف بالعارض؟

٤٨٦

حكم الخروج من المسجد ساهياً

٤٧٢

الاستدلال لوجوب الاعتكاف المندوب بالشروع بصحيحة ابى ولاد

٤٨٦

لا يجوز للمعتكف الجلوس تحت الظلال بعد الخروج للحاجة

٤٧٢

هل يجوز للمعتكف بعد الخروج المشى تحت الظلال؟

٤٧٢


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

هل يتقيد اشتراط الخروج من الاعتكاف بالعذر من جهته تعالى؟

٤٨٧

هل يجب على المعتكف تجنب ما يجب على المحرم تجنبه؟

٤٩٤

فائدة اشتراط الخروج من الاعتكاف

٤٨٨

لا فرق في محرمات الاعتكاف بين الليل والنهار

٤٩٥

اقسام الاعتكاف المنذور باعتبار الشرط وعدمه

٤٨٩

هل تختص محرمات الاعتكاف بالواجب منه؟

٤٩٥

اشتراط التتابع انما هو في النذر لا في الاعتكاف

٤٩٠

ما يجوز للمعتكف وما ينبغى له

٤٩٥

لو كان الخروج من الاعتكاف المنذور لا لعارض وجبت الكفارة في جميع الصور

٤٩٠

هل تجب الكفارة بفعل المفطر في الاعتكاف الواجب؟

٤٩٥

وجوب التتابع بعد زوال العارض إنما هو لو وقع في الوقت المنذور

٤٩١

وجوب الكفارة على المعتكف المجامع هل يشمل جميع افراده؟

٤٩٦

هل تحرم مباشرة النساء مطلقاً في الاعتكاف؟

٤٩١

هل كفارة الجماع في الاعتكاف مخيرة أو مرتبة؟

٤٩٦

هل يفسد الاعتكاف بغير الجماع من افراد المباشرة؟

٤٩١

هل يفرق في كفارة الجماع في الاعتكاف بين الليل والنهار؟

٤٩٧

هل يحرم على المعتكف شم الطيب؟

٤٩٢

صوم قضاء شهر رمضان والنذر المعين كصوم شهر رمضان في الكفارتين بالجماع في نهار الاعتكاف

٤٩٧

يحرم البيع والشراء في الاعتكاف

٤٩٣

كفارة الاكراه على الجماع في الاعتكاف

٤٩٨

هل يفسد الاعتكاف بالبيع والشراء؟

٤٩٣

من مات في الاعتكاف

٤٩٨

تحرم المماراة في الاعتكاف

٤٩٤

ختام الكتاب

٤٩٩

الحدائق الناضرة - ١٣

المؤلف:
الصفحات: 522